الكتاب: مثير الأحزان
المؤلف: ابن نما الحلي
الجزء:
الوفاة: ٦٤٥
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٦٩ - ١٩٥٠ م
المطبعة:
الناشر: المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف
ردمك:
ملاحظات:

مثير الأحزان
للشيخ الجليل ابن نما الحلي
تأليف
نجم الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما الحلي
المتوفى سنة 645 هج‍
ويليه
" قرة العين في أخذ ثار الحسين (ع) "
منشورات المطبعة الحيدرية في النجف
1369 ه‍ - 1950 م
تعريف الكتاب 1

بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الكتاب 2

ترجمة المؤلف
(ابن نما صاحب مثير الأحزان)
تمهيد
الحلة مدينة من مدن العراق الشهيرة، وحاضرة مهمة، وهي واقعة
على ضفتي نهر الفرات قرب آثار (بابل القديمة). وقد كانت هذه
المدينة على عهد (الدولة المزيدية) التي قامت بضواحيها 403 - 545 هج‍
من أجمل مدن العراق بهجة، وأطيبها تربة، وأنقاها هواء، وأحسنها
مناخا، وكان قد مصرها أحد أمراء (الدولة البويهية) الأمير العربي
صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي الملقب بسيف الدولة وذلك في شهر
محرم سنة 495 للهجرة (وهو غير سيف الدولة بن حمدان ممدوح المتنبئ
الذي كان في ذلك العهد أحد ملوك الشام) بعد أن ولي إمرة المزيدية
سنة 479 هج‍ بعد وفاة أبيه منصور بن دبيس الأسدي (كما حدث عنه
ابن الأثير في كامله) وقد وصفها (صفى الدين الحلي شاعر الجزيرة)
بقوله:
ترجمة المؤلف 3

ما حلة ابن دبيس * إلا كحصن حصين
للقلب فيها قرار * وقرة للعيون
إن أصبح الماء غورا * جاءت بماء معين
وحولها سور طين * كأنه طور سنين
وكانت أرضها قبل أن ينزل بها سيف الدولة مرتفعة، ذات أكمات
وفيها بعض الغارات، تأوى إليها الحيوانات المفترسة وغيرها من الوحوش
ولما نزل بها سيف الدولة (في التاريخ المذكور) هو وقومه، أحدث فيها
المباني الحجرية، وأنشأ فيها الدور الفاخرة، وعمر فيها القصور الفخمة،
وقد تأنق أصحابه بمثل ذلك، فقصدها التجار والزراع، وأمها العلماء
والفقهاء، وتوطن بها الشعراء والأدباء فأصبحت على عهد سيف الدولة
مهد النهضة الفكرية، وكعبة العلم والفلسفة، واللغة والشعر والأدب،
وموردا عذبا سائغا لانتهال العلوم الدينية، والفلسفية والعربية، وغيرها
من العلوم الاسلامية، والآداب العربية الراقية، وقد حدث عنها الدكتور
البصير في (نهضته) بقوله:
(وكانت الحلة مركز نهضة ثقافية عظيمة بزغت شمسها في أوائل القرن
السادس للهجرة، وما زالت مشرقة حتى أوائل القرن العاشر، حيث
انتقلت الثقافة الاسلامية إلى كربلاء، ثم ما لبثت أن انتقلت إلى النجف
الذي لم يزل مركزا عظيما من مراكز الثقافة العربية الاسلامية) اه‍
وقد نبغ في الحلة فريق عظيم، من العلماء والفقهاء والأطباء والفلاسفة
ترجمة المؤلف 4

والأدباء والشعراء ما لا يحصون عدا لكثرتهم، فطبقت شهرتهم الذائعة
الآفاق، وخدموا العلوم الاسلامية والفنون والآداب العربية، خدمات
جلى، تذكر فيشكرون عليها، وقد ذكر الخونساري في كتابه (الروضات)
نقلا عن بعض الرواة الثقاة منهم الشيخ مرزا عبد الله الأصبهاني الأفندي
في كتابه (رياض العلماء) ما مضمونه أنه عاش في الحلة خمسمائة مجتهد في
قرن واحد، فضلا عن سائر القرون، وهذا الاحصاء دليل من الأدلة
الواضحة الناصعة التي تثبت لنا رواج سوق العلم والأدب والثقافة
الاسلامية في هذه المدينة التاريخية في القرون المتقدمة، وممن نبغ فيها من
أساطين علماء الإمامية في القرن السابع الهجري (آل نما) وهي الأسرة
العلمية الدينية القديمة الكريمة التي ظهرت ولمعت في الحلة واشتهر من
أعلامها (1) هبة الله بن نما جد نجيب الدين (2) وجعفر بن نما والد المترجم
(3) وعلي بن نما عمه وغيرهم كثير، أما المقصود بهذه الترجمة من تلك
الأسرة الكريمة المعروفة الحلية المولد والمسكن والنشأة، والربعية الحسب
والنسب هو صاحب المقتل المعروف (بمثير الأحزان):

(1) نما مثلثة النون مخففة الميم أو بكسر الأول وتخفيف الثاني:
هو اسم رجل جد صاحب الترجمة.
ترجمة المؤلف 5

" محمد بن جعفر "
هو نجم الملة والدين الملقب (بنجيب الدين) والمكنى (بأبي إبراهيم)
محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون الحلي الربعي
(نسبة إلى قبيلة ربيعة العربية الشهيرة في التأريخ) ولد في الحلة سنة 567 ه‍
ونشأ نشأة علمية ودرس على أبيه وعلى غيره من الاعلام المعاصرين له
منهم فخر الدين محمد بن إدريس الحلي العجلي، والشيخ محمد بن المشهدي
وله الرواية عنهم، وأخذ عنه الشيخ سديد الدين والد العلامة، والسيد
أحمد بن طاووس الحسني ورضي الدين بن طاووس الحسني وغيرهم، وقال
المحقق الكركي عنه: (وأعلم العلماء بفقه أهل البيت الشيخ الفقيه السعيد
الأوحد محمد بن نما الحلي) وقال المحدث المجلسي في إجازات البحار عن
خط الشيخ الشهيد محمد بن مكي صاحب اللمعة الدمشقية قال كتب ابن
نما الحلي إلى بعض الحاسدين له:
أنا ابن نماء إن نطقت فمنطقي * فصيح إذا ما مصقع القوم أعجما
وإن قبضت كف امرئ عن فضيلة * بسطت لها كفا طويلا ومعصما
بنى والدي نهجا إلى ذلك العلا * بأفعاله كانت إلى المجد سلما
كبنيان جدي جعفر خير ماجد * فقد كان بالاحسان والفضل مغرما
ترجمة المؤلف 6

وجد أبي الحبر الفقيه أبي البقا * فما زال في نقل العلوم مقدما
يود أناس هدم ما شيد العلى * وهيهات للمعروف أن يتهدما
يروم حسدوي نيل شأوي سفاهة * وهل يقدر الانسان يرقى إلى السما؟
منالي بعيد ويح نفسك فابتدء * فمن للأجداد مثل التقي (نما)؟
فظهرت من هذه الأبيات المذكورة التي أرسلها إلى حساده ومناوئيه
عظمة نفسه، وروحيته القدسية، ومنزلته الروحانية وترفعه عن المساوي
والدنايا، توفي سنة 645 هج‍ النجف كما حدث عنه صاحب نخبة المقال في
تأريخه ودفن بها، وخلف له آثارا علمية مفيدة قيمة أشهرها كتاب
(مثير الأحزان) وهو الكتاب المعروف الذي مثل فيه مؤلفه واقعة
الطف العظيمة التي رن صداها في أجواء العالم الشرقي والغربي منذ القرن
الأول للهجرة حتى القرن الرابع عشر، ولا يزال يتجدد صداها، وتعاد
ذكرياتها المؤلمة، ومؤاساتها المحزنة على مر الأيام، وتوالي الزمن، وقد
وسعى بنشره وقام بطبعه الكامل المهذب محمد كاظم الكتبي في مطبعته
الحيدرية، كما سبق له أن طبع كتاب المنتخب لجدنا الطريحي، وكتاب
اللهوف لابن طاووس ومقتل الحسين للمقرم وغيرها من الكتب العلمية
والتأريخية النافعة التي ملئت القماطير وفقه الله لخدمة العلم والدين بالنبي
وآله الميامين..
عبد المولى الطريحي
ترجمة المؤلف 7

مثير الأحزان
للشيخ الجليل ابن نما الحلي
منشورات المطبعة الحيدرية في النجف
1369 هج‍ - 1950 م
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكاشف لعباده اسرار مراده، الواصف نفسه في
كتابه بانجاز ميعاده، الراقم على جباه البشر محتوم اشقائه واسعاده،
الذي أشرق قلوب أوليائه بنور هدايته، وفتق أذهانهم لاقتفاء معرفته،
فخفيت عن بصائرهم حقيقة ذاته، وظهرت لأبصارهم بدائع مصنوعاته،
وحارت في احكام قدره أفكار الألباء، وقصرت وصف مقدس
ذاته ألفاظ البلغاء، وباعد أولياءه دار الآثام، وقربهم إلى دار السلام
فتنافسوا في الوصول إلى الراد، وتناصلوا بالسبق إلى سلطان المعاد،
بما أريهم من آياته ومعجز رسله ورسالاته، فخرجوا من أصداء القلوب،
ووعثاء الذنوب، إلى مراد علام الغيوب، فكان كاشفا للاسرار،
رافعا للأستار، مزيلا للحجاب عن المورد المستعذب المستطاب، دالا على
الهداية الكبرى، ناشرا أعلام المسرة والبشرى، فدعاهم حينئذ إلى
طاعته، لجهاد من صرف عن سنن سنته، وتجلى لهم من مطالع بصائرهم، فغسلوا
2

بماء الصفا كدر ضمائرهم، فعزفت نفوسهم، عن الدخول في حزب أهل
الضلال، واشتاقوا إلى حرب جيش القتال، باقتحام الأهوال، فيالها
نعمه أهدت إلى أنصار الله جل جلاله مسرة، وألقت على أعينهم قرة،
فنهضوا إلى لقاء العدو بشفاه ظامية إلى ارتشاف مرن السعادة، وارواح
تايقة إلى الشهادة، فرحين بانعقاد بيعهم الرابح، يوم تريق الجوائز والمنائح،
وعلموا انهم لن يصلوا إلى خلعه السنية، إلا بخلع الحياة ولبس المنية فبذلوا
النفوس لقاء العدو ومجاهدته، والمبالغة في قتاله ومجالدته وفي هذه
الرتبة العالية، والبيعة الغالية، تنافس أهل الطفوف، في احتمال الحتوف،
والصبر على نقط الرماح وشكل السيوف، وكانوا كما قلت شعري هذا
وصفا لحالهم في نزالهم
لهم جسوم بحر الشمس ذائبة * وأنفس جاورت جنات باريها
كأن مفسدها بالقتل مصلحها * أو أن هادمها بالسيف بانيها
فيا ذوي البصائر والافهام، ويا أرباب العقول والأحلام أظهروا شعار
الأحزان، والبسوا الجزع على سادات الايمان، واقتدوا بالرسول،
في محبة بني الزهراء البتول، وتعظيم ذوي القربى فقد وعده، جل جلاله
لعظمهم بأحسن العقبى ولقد كشفت أمية سره، المضروب على سبطه
بهتك حرمته ورهبه، ونقضوا ما برمه، وحلوا من عقد الدين ما أحكمه،
وانا مورد من نظمي هذه الأبيات، في صفه هذه الحركات.
يا أمة نقضت عهود نبيها * وغدت مقهقرة على الأعقاب
3

كنتم صحابا للرسول وإنما * بفعالكم نبتم عن الأصحاب
ونبذتم حكم الكتاب على جهالة * ودخلتم في جمله الأحزاب
بؤتم بقتل السبط واستحللتم * دمه بكل منافق كذاب
فكما تدينوا قد تدانوا مثله * في يوم مجمع محشر وحساب
فكم يومئذ من كبد مقروحة، ودموع مسفوحة، ولاطمة خدها،
ومستندبة جدها، وناشرة شعرها، وهاتكة سترها، وقد ذل الايمان،
وقل الأعوان، وعطلت
المراتع بفراقهم، وهصرت الأغصان بانتشار
أوراقهم، واظلم الاسلام بعد اشراقه، وأمر الدين بعد حلو مذاقه،
فلو كان للنبي وابنته عين تنظر إلى الشهيد من عترته، والأطائب من
أسرته، وجثثهم عن الثياب عارية، وجوارح الطير إليها هاوية، وأفواه
الوحوش لوجوههم هاشمة، وثغور الأعداء لما حل بهم باسمة، والأجساد
الطاهرة مرملة بالتراب، مجردة عن الأسلاب، فلا قرح ذلك قلبه، وأذاب
بانهمال الدموع غرته، ونح أيها المحب لآل الرسول، نوح الفاقدة الثكول،
وابك بالدموع السجام، على أئمة الاسلام، لعلك تواسيهم بالمصاب، باظهار
الجزع والاكتئاب، والاعلان بالحنين والانتحاب، فوا خيبة من جهل
فضلهم، وقد ذكر جل جلاله في كتابه العزيز نبلهم، لأنهم الأدلة على
النجاة في المعاد، الهداة إلى طرق الرشاد، ولقد أحسن الشاعر بقوله
أضلوا في مفارز طمسوا الاعلام (منها) بفاحش التمويه
وأراقوا دم الأدلة فالقوم إلى الحشر في ضلال وتيه
4

وقد قلت في أبياتي هذه ما ينبه الغافل على شرفهم وفي الجنة على
علو غرفهم
ان كنت في آل الرسول مشككا * فاقرا هديت النص بالقرآن
فهو الدليل على علو محلهم * وعظيم علمهم وعظم الشأن
وهم الودائع للرسول محمد * بوصية نزلت من الرحمن
فأسعدوني بالنياحة والعويل، واندبوا لمن اهتز لفقده عرش الجليل،
واسكبوا العبرات على الغريب القتيل. فليتني أذود عنهم خطوب الحمام.
وادر مواقع تلك الآلام. وارفع بنفسي عن نفوسهم. وأكون فداء
شيخهم ورئيسهم. حتى اقضي حق جدهم المرسل. وأحول بينهم وبين
القدر المنزل. فقد رويت عن والدي رحمة الله عليه ان الصادق (ع)
قال من ذكرنا عنده في مجلس فقد غيبنا بشطر كلمة أو فاضت عيناه رحمة
لنا ورقة لمصابنا مثل جناح بعوضة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد
البحر وكان زين العابدين (ع) يقول أيما مؤمن ذرفت عيناه لقتل
الحسين (ع) حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها
أحقابا وأيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين (ع) وحزنا على ما مسنا من
الأذى من عدونا بوأه منزل صدق وأيما مؤمن مسه فينا اذى صرف
الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخط النار ورويت عن الأئمة
الصادقين (ع) قالوا من بكى أو ابكى غيره ولو واحدا ضمنا له على
الله الجنة ومن لم يتأت له البكاء فتباكى فله الجنة
5

وقال جعفر بن محمد بن نماء مصنف هذا الكتاب ان الذي بعثني
على عمل هذا المقتل انى رأيت المقاتل قد احتوى بعضها على الاكثار
والتطويل. وبعضها على الاختصار والتقليل. فهي بين طويل مسهب.
وقصير قاصر عن الفوايد غير معرب. والنكت فيها قليلة. ومرابعها من
الطرف والغرائب محيلة. فوضعت هذا المقتل متوسطا بين المقاتل. قريبا
من يد المتناول. لا يقصى لملالة وهذر. ولا يجفى لنزارة وقصر. ترتاح
القلوب إلى عذوبة ألفاظه. ويوقظ الراقد من نومة وإغماظه. وتسرح
النواظر في رياضه وينبه الغافل. عن هذا المصاب والذاهل عن الجزع
والاكتئاب وأودعته ما أهمله كثير من المصنفين. وأغفلته خواطر المؤلفين
وسميته " مثير الأحزان " أو " منير سبل الأشجان " ورتبته على ثلاث
مقاصد فإن كنتم أيها السامعون قد فاتكم شرف تلك النصرة. وحرمتم
مصادمة خيول تلك الكسرة. فلم تفتكم ارسال العبرة. على السادة من
العترة. ولبس شعار الأحزان على الأسرة. والرغبة إلى الله جل جلاله
في المكافاة يوم الحساب. وتوفير قسطنا من الثواب. انه الكريم الوهاب.
6

المقصد الأول
(على سبيل التفصيل للأحوال السابقة لقتال)
(آل الرسول عليهم السلام)
كان مولد الحسين عليه السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من
الهجرة وقيل الثالث منه وقيل أواخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث وقيل
لثلاثة أو لخمس خلون من جمادي الأولى سنة أربع من الهجرة وكانت
مدة حمله ستة أشهر ولم يولد لستة سواه وعيسى وقيل يحيى بن زكريا
عليهم السلام ولما ولد هبط جبرئيل عليه السلام ومعه ألف ملك يهنئونه
النبي صلى الله عليه وآله بولادته وجاءت به فاطمة عليها السلام إلى النبي
فسر وسماه حسينا وقد روي عن زوجة العباس بن عبد المطلب وهي أم
الفضل لبابة بنت الحارث قالت رأيت في النوم قبل مولده كان قطعة من
لحم رسول الله صلى الله عليه وآله قطعت ووضعت في حجري فقصصت
الرؤيا على رسول الله (ص) فقال إن صدقت رؤياك فإن فاطمة ستلد
غلاما وادفعه إليك لترضعيه فجرى الامر على ذلك فجئت به يوما فوضعته
في حجره فبال فقطرت منه قطرة على ثوبه صلى الله عليه وآله فقرصته
فبكى فقال كالمغضب مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل وقد أوجعت ابني
7

فتركته ومضيت لآتيه بماء فجئت فوجدته صلى الله عليه وآله يبكى فقلت
مم بكاؤك يا رسول الله فقال إن جبرئيل أتاني فأخبرني ان أمتي تقتل ولدى
هذا وحدث ابن أبي ليلى عن أخيه عن عيسى بن عبد الرحمن عن أبيه عن
جده قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء الحسين يحبو حتى
صعد على صدره فبال فابتدرنا لنأخذه فقال (ص) ابني ابني ثم دعا بماء فصبه
عليه قال أصحاب الحديث فلما أتت على الحسين سنة كاملة هبط على
النبي (ص) اثنا عشر ملكا على صور مختلفة أحدهم على صورة بني آدم
يعزونه ويقولون انه سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل من
قابيل وسيعطى مثل أجر هابيل ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ولم
يبق ملك إلا نزل إلى النبي (ص) يعزونه والنبي (ص) يقول اللهم اخذل
خاذليه واقتل قاتليه ولا تمتعه بما طلبه وعن أشعث بن عثمان عن أبيه عن
انس بن أبي سميم قال سمعت رسول (ص) يقول إن ابني هذا يقتل بأرض
العراق فمن أدركه منكم فلينصره فحضر انس مع الحسين كربلاء وقتل
معه ورويت عن عبد الصمد بن أحمد بن أبي الجيش عن شيخه أبي الفرج
عبد الرحمن بن الجوزي عن رجاله عن عائشة قالت دخل الحسين على
النبي (ص) وهو غلام يدرج فقال أي عائشة الا أعجبك لقد دخل علي
ألفا ملك ما دخل علي قط فقال أن ابنك هذا مقتول وان شئت أريتك من
تربته التي يقتل بها فتناول ترابا احمر فاخذته أم سلمة فخزنته في قارورة فأخرجته
يوم قتله وهو دم وروى مثل هذا عن زينب بنت جحش وعن عبد الله
8

ابن يحيى قال دخلنا مع علي (ع) إلى صفين فلما حاذى نينوا نادى صبرا
أبا عبد الله فقال دخلت على رسول الله (ص) وعيناه تفيضان فقلت بابى
أنت وأمي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان أغضبك أحد قال لا بل كان
عندي جبرئيل فأخبرني ان الحسين يقتل بشاطئ الفرات فقال هل لك ان
أشم من تربته قلت نعم فمد يده فاخذ قبضة من تراب وأعطانيها فلم أملك
عيني ان فاضت واسم الأرض كربلاء فلما أتت عليه سنتان خرج النبي
صلى الله عليه وآله مع سفر إلى سفر فوقف في بعض الطريق واسترجع
ودمعت عيناه فسئل عن ذلك فقال هذا جبرئيل يخبرني عن ارض بشط
الفرات يقال لها كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين فقيل ومن يقتله قال رجل
يقال له يزيد وكأني انظر إلى مصرعه ومدفنه فرجع عن سفره حزينا
وصعد وخطب ووعظ والحسن والحسين بين يديه فلما فرغ وضع يده
اليمنى على رأس الحسن واليسرى على رأس الحسين ورفع رأسه إلى
السماء وقال اللهم ان محمدا عبدك ورسولك ونبيك وهذان أطائب عترتي
وخيار ذريتي وأرومتي ومن أخلفهما في أمتي وقد اخبرني جبرئيل
ان ولدى هذا مقتول مخذول اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء
اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله فضج الناس بالبكاء في المسجد فقال النبي
صلى الله عليه وآله أتبكون ولا تنصرونه ثم رجع وهو متغير اللون محمر
الوجه فخطب خطبة ثانية موجزة وعيناه تهملان دموعا ثم قال أيها الناس
انى خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي لن يفترقا حتى يردا علي
9

الحوض وانى انتظرهما ولا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربى ان أسئلكم
المودة في القربى فانظروا الا تلقوني غدا على الحوض وقد أبغضتم عترتي
وظلمتموهم والله سترد على يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة راية
سوداء مظلمة قد فزعت لها الملائكة فتقف علي فأقول من أنتم فينسون
ذكرى ويقولون نحن أهل التوحيد من العرب فأقول انا أحمد نبي العرب
والعجم فيقولون نحن من أمتك يا أحمد فأقول كيف خلفتموني من بعدي
في أهلي وعترتي وكتاب ربى فيقولون أما الكتاب فضيعناه وأما عترتك
فحرصنا ان نبيدهم عن جديد الأرض فأولى عنهم فيصدرون ظماء عطاشا
مسودة وجوههم ثم ترد علي راية أخرى أشد سوادا من الأولى فأقول لهم
كيف خلفتموني في الثقلين الأكبر والأصغر كتاب ربى وعترتي فيقولون
أما الأكبر فخالفنا وأما الأصغر فخذلنا ومزقناهم كل ممزق فأقول إليكم
عنى فيصدرون ظماء عطاشا مسودة وجوههم ثم ترد علي راية أخرى تلمع
نورا فأقول لهم من أنتم فيقولون نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى ونحن بقيه الحق حملنا كتاب الله فأحللنا حلاله وحرمنا حرامه واحببنا
ذرية محمد (ص) فنصرناهم من كل ما نصرنا منه أنفسنا وقاتلنا معهم من
ناواهم فأقول لهم أبشروا فانا نبيكم فلقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم
ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويين
وروى عن سفيان الثوري عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن
ابن عباس قال كنت عند النبي (ص) وعلى فخذه الأيمن الحسين وعلى
10

فخذه الأيسر ولده إبراهيم بن مارية بنت شمعون القبطية تارة يقبل هذا
وتارة يقبل هذا إذ هبط إليه جبرئيل بوحي من رب العالمين فلما سرى
عنه روعة الوحي قال أتاني جبرئيل (ع) من ربي فقال يا محمد ان الله
يقرء عليك السلام ويقول لست اجمعهما لك قال فأفدى أحدهما بصاحبه
فنظر النبي إلى إبراهيم فبكى ونظر إلى الحسين فبكى ثم قال إن إبراهيم
أمه أمة ومتى مات لم يحزن عليه غيري وأم الحسين فاطمة وأبوه علي ابن عمي ولحمي ودمي ومتى مات حزنت عليه ابنتي وحزن ابن عمى وحزنت
انا عليه وانا أؤثر حزني على حزنهما فقلت يا جبرئيل يقبض إبراهيم فقد
فديته للحسين به فقبض بعد ثلاث فكان صلى الله عليه وآله إذا
رأى الحسين مقبلا قبله وضمه إلى صدره ورشف ثناياه وقال فديت من
فديته بابني إبراهيم
ونقلت من اخبار تاريخ البلاذري حدث محمد بن يزيد المبرد
النحوي في اسناد ذكره قال انصرف النبي (ص) إلى منزل فاطمة فرآها
قائمة خلف بابها فقال ما بال حبيبتي هاهنا فقالت ابناك خرجا غدوة وقد
غبي علي خبرهما فمضى رسول الله (ص) يقفو آثارهما حتى صار إلى كهف
جبل فوجدهما نائمين وحية مطوقة رأسهما فاخذ حجرا واهوى إليها
فقالت السلام عليك يا رسول الله والله ما نمت عند رأسهما إلا حراسة لهما
فدعا لها بخير ثم حمل الحسن على كتفه اليمنى والحسين على كتفه اليسرى
فنزل جبرئيل فاخذ وحمله فكانا بعد ذلك يفتخران فيقول
11

الحسن حملني خير أهل الأرض ويقول الحسين حملني خير أهل السماء
وفي ذلك قال حسان بن ثابت: فجاء وقد ركبا عاتقيه * فنعم المطية والراكبان
وروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال لما اشتد برسول
الله صلى الله عليه وآله مرضه الذي مات فيه وقد ضم الحسين (ع) إلى
صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول مالي وليزيد لا بارك
الله فيه اللهم العن يزيد ثم غشى عليه طويلا وافاق وجعل يقبل الحسين
وعيناه تذرفان ويقول أما ان لي ولقاتلك مقاما بين يدي الله عز وجل
ورويت إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كنت عند رسول
الله صلى الله عليه وآله جالسا إذ اقبل الحسن فلما رآه بكى وقال إلى إلي
فأجلسه على فخذه اليمنى ثم اقبل الحسين فلما رآه بكى وقال مثل ذلك
فأجلسه على فخذه اليسرى ثم أقبلت فاطمة فرآها فبكى وقال مثل ذلك فأجلسها
بين يديه ثم اقبل علي فرآه فبكى وقال مثل ذلك واجلسه إلى جانبه الأيمن
فقال له أصحابه يا رسول الله ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت أو ما فيهم
من تسر برؤيته فقال والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية
ما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم وإنما بكيت لما يحل بهم من
بعدي وذكرت ما يصنع بهذا ولدى الحسين كأني به وقد استجار بحرمي
وقبري فلا يجار ويرتحل إلى ارض مقتله ومصرعه ارض كرب وبلاء
تنصره عصابة من المسلمين أولئك سادة شهداء أمتي يوم القيامة فكأني
انظر إليه وقد رمى بسهم فخر عن فرسه صريعا ثم يذبح كما يذبح الكبش
12

مظلوما ثم انتحب وبكى وأبكى من حوله وارتفعت أصواتهم بالضجيج
ثم قام وهو ويقول اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي
ورويت ان الحسين دخل (على) أخيه الحسن سلام الله عليهما فلما نظر إليه
بكى فقال ما يبكيك يا أبا عبد الله فقال أبكي لما يصنع بك فقال له الحسن
ان الذي يؤتي إلى سم فاقتل به ولكن لا يوم كيومك يزدلف إليك
ثلاثون الف رجل يدعون انهم من أمة جدنا فيجتمعون على قتلك وسفك
دمك وانتهاك حرمك وسبى ذراريك ونسائك وانتهاك ثقلك فعندها تحل
ببني أمية اللعنة وتمطر السماء دما ويبكي عليك كل شئ حتى الوحوش في الفلوات
والحيتان في البحار وكان الناس يتذاكرون مقتل الحسين (ع) ويستعظمونه
ويرتقبونه فلما مات معاوية بن أبي سفيان (لع) في النصف من رجب سنة
ستين من الهجرة واستخلف ولده يزيد (لع) فبايع الناس على بيعة عامله
بالمدينة وهو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان واتاه بموته مولى معاوية يقال له
ابن أبي زريق وكتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها وخاصة
على الحسين ويقول إن امتنع عليك فاضرب عنقه وابعث برأسه إلي
فأحضره لمروان بن الحكم واخذ رأيه فأشار باحضار الحسين وعبد الله
ابن الزبير وعبد الله بن مطيع وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر
واخذ بيعتهم فان أجابوا وإلا فاضرب أعناقهم فقال الوليد ليتني لم أك شيئا
مذكورا لقد امرتني بأمر عظيم وما كنت لافعل ثم بعث الوليد إليهم فلما
حضر رسوله قال الحسين للجماعة أظن أن طاغيتهم هلك رأيت البارحة
13

أن منبر معاوية منكوس وداره تشتعل بالنيران فدعاهم إلى الوليد فحضروا
فنعى إليهم معاوية وأمرهم بالبيعة فبدرهم بالكلام عبد الله بن الزبير فخافه
ان يجيبوا بما لا يريد فقال إنك وليتنا فوصلت أرحامنا وأحسنت السيرة فينا
وقد علمت أن معاوية أراد منا البيعة ليزيد فأبينا ولسنا (نأمن) أن يكون في قلبه
علينا ومتى بلغه انا لم نبايع إلا في ظلمة ليل وتغلق علينا بابا لم ينتفع هو
بذلك ولكن تصبح وتدعو الناس وتأمرهم ببيعة يزيد ونكون أول من
يبايع قال وانا انظر إلى مروان وقد أسر إلى الوليد ان اضرب رقابهم
ثم قال جهرا لا تقبل عذرهم واضرب رقابهم فغضب الحسين وقال ويلي
عليك يا بن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت ولؤمت نحن أهل بيت
النبوة ومعدن الرسالة ويزيد فاسق شارب الخمر وقاتل النفس ومثلي
لا يبايع لمثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة
والبيعة فقال الوليد انصرف يا أبا عبد الله مصاحبا على اسم الله وعونه حتى
تغدو علي فلما ولوا قال مروان بن الحكم والله لئن فارقك القوم
لا قدرت عليهم حتى تكثروا القتلى فخرجوا من عنده وركبوا ولحقوا
بمكة وتخلف الحسين فلما أصبح الوليد استدعى مروان وأخبره فقال
أمرتك فعصيتني وستري ما يصير أمرهم إليه فقال ويحك انك أشرت إلي
بذهاب ديني ودنياي والله ما أحب ان ملك الدنيا لي وانى قتلت حسينا والله
ما أظن أن أحدا يلقى الله بدمه إلا هو خفيف الميزان فلما أصبح الحسين
لقيه مروان فقال أطعني ترشد قال قل قال بايع أمير المؤمنين يزيد فهو
14

خير لك في الدارين فقال الحسين وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الأمة
براع مثل يزيد ولقد سمعت جدي يقول الخلافة محرمة على آل أبي سفيان
وكان توجه الحسين إلى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين من الهجرة
ورويت لما بلغ أهل الكوفة موت معاوية وان الحسين (ع)
بمكة اجتمعت الشيعة في دار سليمان بن صرد الخزاعي فقال لهم ان معاوية
هلك وان الحسين قد تعيص على القوم ببيعته وخرج إلى مكة هاربا من
من طواغيت آل أبي سفيان وأنتم شيعته وشيعة أبيه فإن كنتم تعلمون
انكم ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا إليه وان خفتم الوهن والفشل فلا
تغروا الرجل بنفسه قالوا بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه
ورويت إلى يونس بن أبي إسحاق قال خرج وفد إليه من الكوفة
وعليهم أبو عبد الله الجدلي ومعهم كتب شبث بن ربعي وسليمان بن صرد
والمسيب بن نجية ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وعبد الله وال وقيس
بن مسهر الأسدي أحد بني الصيداء وعمارة بن عتبة السلولي وهاني بن
هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي ووجوه الكوفة يدعونه إلى بيعته
وخلع يزيد وقالوا انا تركنا الناس قبلنا وأنفسهم منطلقة إليك وقد رجونا
ان يجمعنا الله بك على الهدى فأنتم أولى بالامر من يزيد الذي غصب
الأمة فيئها وقتل خيارها واتخذ مال الله دولا في شرارها وهذه كتب
أماثلهم واشرافهم والنعمان بن بشير في قصر الامارة ولسنا نجتمع معه في
جمعة ولا جماعة ولا عيد ولو بلغنا اقبالك أخرجناه حتى يلحق بالشام
15

وتواترت الكتب حتى تكملت عنده اثنى عشر الف كتاب وهو مع
كل ذلك لا يجيبهم ثم قدم بعد ذلك هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد
الله الحنفي بكتاب هو آخر الكتب بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن
أمير المؤمنين من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين أما بعد فإن الناس
ينتظرونك لا رأى لهم غيرك فالعجل العجل فقد اخضرت الجنات وأينعت
الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار فاقدم إذا شئت فإنما تقدم على
جند مجند لك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال لهما من اتفق على
هذا الكتاب فقالا أعيان أهل الكوفة منهم شبث بن ربعي ويزيد بن
الحرث وحجار بن ابحر وعروة بن قيس ويزيد بن رويم ومحمد بن عمير بن
عطارد وعمر بن الحجاج فقام (ع) وصلى ودعا مسلم بن عقيل وعرفه ما في
نفسه واطلعه على امره
ورويت إلى حصين بن عبد الرحمن ان أهل الكوفة كتبوا إليه
انا معك مائه الف
وعن داود بن أبي هند عن الشعبي قال بايع الحسين عليه السلام
أربعون ألفا من أهل الكوفة على أن يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم
فعند ذلك ورد جواب كتبهم يمنيهم بالقبول ويعدهم بسرعة الوصول وانه
قد جاء ابن عمي مسلم بن عقيل ليعرفني ما أنتم عليه من رأى جميل ولعمري
ما الامام إلا العامل بالكتاب القائم بالقسط الداين بدين الحق الحابس
نفسه في ذات الله وامر مسلم بالتوجه بالكتاب إلى الكوفة وكتب (ع)
16

كتابا إلى وجوه أهل البصرة منهم الأحنف بن قيس وقيس بن الهيثم
والمنذر بن الجارود ويزيد بن مسعود النهشلي وبعث الكتاب مع ذراع
السدوسي وقيل مع سليمان المكنى بابى رزين فيه اني أدعوكم إلى الله والى نبيه
فإن السنة قد أميتت فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد
فلما وصل الكتاب كتموا على الرسول إلا المنذر بن الجارود فإنه اتى
عبيد الله بالكتاب ورسول الحسين لأنه خاف أن يكون الكتاب قد دسه
عبيد الله إليهم ليختبر حالهم مع الحسين لان بحرية بنت المنذر زوجة
عبيد الله فلما قرء الكتاب ضرب عنق الرسول وأما الأحنف فإنه كتب
إلى الحسين عليه السلام أما بعد فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين
لا يوقنون وأما يزيد بن مسعود النهشلي فإنه أحضر بني تميم وبني حنظلة
وبني سعد وقال يا بني تميم كيف ترون موضعي منكم وحسبي فيكم فقالوا
أنت فقرة الظهر ورأس الفخر حللت في الشرف وسطا وتقدمت فرطا قال
قد جمعتكم لأمر أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه قالوا نمحضك النصيحة
ونجهد لك الرأي قال إن معاوية هلك فأهون به هالكا ومفقودا انكسرت
باب الجور وكان قد عقد لابنه بيعة ظن أنه أحكمها وقد قام يزيد شارب
الخمور ورأس الفجور وانا أقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من
جهاد المشركين وهذا الحسين بن علي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله
ذو الشرف الأصيل والعلم والسابقة والسن والقرابة يعطف على الصغير
ويحنو على الكبير فأكرم به راعي رعيته وامام قوم وجبت لله به المحجة وبلغت
17

به الموعظة فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا في وهد الباطل فقد كان صخر
ابن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها مع ابن رسول الله ونصرته ولا يقصر
أحد عنها إلا ورثه الله الذل في ولده والقلة في عشيرته وها أنا ذا قد لبست
للحرب لامتها وادرعت بدرعها من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت
فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب فتكلم بنو حنظلة فقالوا يا أبا خالد نحن نبل
كنانتك وفرسان عشيرتك ان رميت بنا أصبت وان غزوت بنا فتحت
لا تخوض والله غمرة إلا خضناها ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ننصرك
بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت فقم وتكلمت بنو سعد بن يزيد فقالوا يا
أبا خالد ان أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك وقد كان صخر
بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا رأيه وبقى عزنا فينا فأمهلنا نراجع الرأي
ونحسن المشورة ويأتيك خبرنا واجتماع رأينا وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا
أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى ان غضبت ولا نغضب ان رضيت
ولا نقطن ان ظعنت ولا نظعن ان قطنت والامر إليك والمعول عليك فادعنا
نجبك وأمرنا نطعك والامر لك إذا شئت فقال والله يا بني سعد لئن
فعلتموها لا رفع عنكم السيف ابدا ولا زال سيفكم فيكم ثم كتب إلى
الحسين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد وصل إلينا كتابك
وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من طاعتك وبنصيبي من نصرتك وان
الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير أو دليل سبيل نجاة وأنتم
حجة الله على خلقه ووديعته في ارضه تفرعتم من ديونية أحمدية هو أصلها
18

وأنتم فرعها فاقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك أعناق بني تميم
وتركتهم أشد تهافتا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خامسها
وقد ذللت لك بنو سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حتى
استهلت برقها فلمع فلما قرء الحسين (ع) الكتاب قال ما لك آمنك الله
يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر فلما تجهز المشار إليه للخروج
إلى الحسين صلوات الله وسلامه عليه بلغه قتله قبل ان يسير فجزع لذلك
جزعا عظيما لما فاته من نصرته واما المنذر بن الجارود فإنه لما جائه كتاب
الحسين (ع) حملها إلى عبيد الله بن زياد لأن المنذر خاف أن يكون
الكتاب دسيسا من عبيد الله بن زياد وكانت بحرية بنت المنذر بن الجارود
زوجه بعبيد الله بن زياد فاخذ عبيد الله بن زياد الرسول فصلبه ثم صعد
المنبر فخطب وتوعد الناس على الخلاف وإثارة (أهل البصرة) الأرجاف ثم
بات تلك الليلة فلما أصبح استناب عليهم عثمان بن زياد أخاه وأسرع
هو إلى قصد الكوفة فلما أشرف عليها نزل حتى امسى لئلا تظن أهلها انه
الحسين ودخلها مما يلي النجف فقالت امرأة لله أكبر ابن رسول الله
ورب الكعبة فتصايح الناس قالوا انا معك أكثر من أربعين ألفا
وازدحموا عليه حتى اخذوا بذنب دابته وظنهم انه الحسين فحسر اللثام
وقال انا عبيد الله فتساقط القوم ووطئ بعضهم بعضا ودخل دار الامارة
وعليه عمامة سوداء فلما أصبح قام خاطبا وعليهم عاتبا ولرؤسائهم مؤنبا
ولأهل الشقاق معاتبا ووعدهم بالاحسان على لزوم طاعته وبالإساءة على
19

معصيته والخروج عن حوزته ثم قال يا أهل الكوفة ان أمير المؤمنين يزيد
ولانى بلدكم واستعملني مصركم وأمرني بقسمة فيئكم بينكم وانصاف
مظلومكم من ظالمكم واخذ الحق لضعيفكم من قويكم والاحسان إلى السامع
المطيع والتشديد على المريب فأبلغوا هذا الرجل الهاشمي مقالتي ليتقى
غضبى ونزل يعنى بالهاشمي مسلم بن عقيل وافترق الناس ولما بلغ مسلم بن
عقيل قوله خرج من الموضع الذي كان فيه ونزل دار هاني بن عروة
واختلف إليه الشيعة والح عبيد الله في طلبه ولا يعلم أين هو وكان شريك
بن الأعور الهمداني قدم من البصرة مع عبيد الله بن زياد ونزل دار هاني بن
عروة وكان شريك من محبي أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته عظيم
المنزلة جليل القدر فمرض وسئل عبيد الله عنه فأخبر انه موعوك فأرسل
ابن زياد إليه انى رايح إليك في هذه الليلة لعيادتك فقال شريك لمسلم
ابن عقيل يا بن عم رسول الله ان ابن زياد يريد عيادتي فادخل بعض الخزائن
فإذا جلس فاخرج واضرب عنقه وانا أكفيك أمر من بالكوفة مع العافية
وكان مسلم رحمه الله شجاعا مقداما جسورا ففعل ما أشار به شريك فجاء
عبيد الله وسئل شريكا عن حاله وسبب مرضه وشريك عينه إلى الخزانة
وامقة وطال ذلك فجعل يقول (ما الانتظار بسلمى لا تحييها) يكرر ذلك
فأنكر عبيد الله القول والتفت إلى هاني بن عروة وقال ابن عمك يخلط
في علته وهاني قد ارتعد وتغير وجهه فقال هاني ان شريكا يهجر منذ
وقع في المرض ويتكلم بما لا يعلم فثار عبيد الله خارجا نحو قصر الامارة
20

مذعورا فخرج مسلم والسيف في كفه وقال شريك يا هذا ما منعك من
الامر قال مسلم لما هممت بالخروج تعلقت بي امرأة قالت ناشدتك الله
ان قتلت ابن زياد في دارنا وبكت في وجهي فرميت السيف وجلست
قال هاني يا ويلها قتلتني وقتلت نفسها والذي فرت منه وقعت فيه ثم إن
عبيد الله بن زياد حيث خفى عليه حديث مسلم دعا مولى يقال له معقل
فأعطاه أربعة آلاف درهم كما في كتاب إعلام الورى باعلام الهدى
وأمره بحسن التوصل إلى من يتولى البيعة وقال اعلمه انك من أهل حمص
جئت لهذا الامر فلم يزل يتلطف حتى وصل إلى مسلم بن عوسجة الأسدي
فادخله إلى مسلم فبايعه وكتب مسلم بن عقيل إلى الحسين عليه السلام
كتابا أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله وان جميع أهل الكوفة معك
وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفا فعجل الاقبال حين تقرا كتابي والسلام
عليك ورحمة الله وبركاته وحمله مع عابس بن أبي شبث الشاكري وقيس
بن مسهر الصيداوي وأما عبيد الله فإنه لما علم بأحوال مسلم دعا محمد بن
الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي وقال ما يمنع هاني
بن عروة من إتياننا فقالوا ما ندري وقيل إنه يشتكى فقال قد بلغني انه
برأ يجلس على باب داره ولو اعلم أنه شاك لعدته فالقوه ومروه الا يدع
ما يجب عليه من حقنا فلقوه وهو على باب داره فقالوا ما يمنعك من لقاء الأمير
فقد ذكرك وقال لو اعلم أنه شاك لعدته فقال الشكوى تمنعني قالوا
بلغه انك تجلس على باب دارك كل عشية وقد استبطأك ونحن نقسم عليك
21

إلا ما ركبت معنا فدعا بثيابه فلبسها وببغلته فركبها فلما دنا من القصر
قال لحسان بن أسماء بن خارجه يا بن أخي اني والله لخائف من هذا
الرجل ولم يك حسان يعلم في أي شئ بعث إليه فقال ولم تجعل على نفسك
سبيلا فدخل هاني وهم معه على عبيد الله فلما رآه مقبلا قال اتتك بخائن
تسعى رجلاه ثم أنشد بيت عمرو بن معدى كرب الزبيدي
أريد حباءه ويريد قتلى * عذيرك من خليلك من مراد
فقال هاني وما ذاك أيها الأمير فقال ايه يا هاني ما هذه الأمور التي تربص
في دورك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين جئت بمسلم عقيل وأدخلته
دارك وجمعت له السلاح والرجال وظننت ان ذلك يخفى علي فقال ما فعلت
فقال علي بمعقل مولاي وكان عينا على الاخبار وقد أحاط بكثير من
الاسرار فلما حضر عرف هاني انه كان عينا قال أصلح الله الأمير اسمع
منى وصدق مقالتي والله ما دعوت لمسلم ولكن جاءني مستجيرا فاستحييت
من رده وضيفته والآن لما علمت خل سبيلي حتى آمره بالخروج من دارى
إلى حيث شاء لأخرج من ذمامه قال ابن زياد والله لا تفارقني حتى
تأتيني به فقال والله لو أنه تحت قدمي ما رفعتها عنه ولا أجيئك به فلما
طال بينهما الكلام وكثر الخصام قام مسلم بن عمرو الباهلي ناحية فقال
يا هاني انى أنشدك الله ان لا تقتل نفسك وتدخل البلاء على أهلك وعشيرتك وانى
لانفس بك من القتل فليس مجزاة ولا منقصة بدفعه إليهم فقال والله وان
علي في ذلك العار ان ادفع ضيفي ورسول ابن رسول الله وانا صحيح
22

الساعدين كثير الأعوان فاخذ يناشده وهو يقول لا ادفعه ابدا فقال ابن
زياد أدنوه منى فادنى فقال لتأتني به أو لأضربن عنقك فقال هاني اذن
تكثر البارقة حول دارك وهو يظن أن عشيرته سيمنعونه فاعترض وجهه
بالقضيب فكسر انفه وخده وجبينه واسال الدماء على لحيته وثيابه فضرب
هاني يده على قائم سيف شرطي فجاذبه الرجل فصاح فصرخ عبيد الله
خذوه فجروه حتى القوة في بيت من بيوت الدار وأغلقوا بابه عليه وجعلوا
الحرس عليه فقام أسماء بن خارجة قال ارسل غدر ساير القوم امرتنا ان
نجيئك به حتى إذا جاءك هشمت وجهه وسيلت الدماء على لحيته فغضب
ابن زياد وقال أنت ها هنا فامر به فضرب حتى ترك وقيد فقال انا لله
وانا إليه راجعون إلى نفسي أنعاك يا هاني وبلغ عمرو بن الحجاج حديث
هاني انه قتل لأن رويحة بنت عمرو زوجة هاني بن عروة اقبل ومعه جماعة
من مذحج فلما علم عبيد الله اخرج شريحا القاضي بعد أن شاهده لهاني
حيا فأخبرهم فرضوا وانصرفوا ولما بلغ مسلم بن عقيل خبره خرج بجماعة
ممن بايعه إلى حرب عبيد الله بعد أن رأى أكثر من بايعه من الاشراف
نقضوا البيعة وهم مع عبيد الله فتحصن بدار الامارة واقتتلوا قتالا شديدا
إلى أن جاء الليل فتفرقوا عنه وبقى معه أناس قليل فدخل المسجد يصلي
وطلع متوجها نحو باب كندة فإذا هو وحده لا يدري أين يذهب حتى
وصل إلى دور بني جبلة فتوقف على باب امرأة اسمها طوعة وهي تنتظر
ولدها واسمه بلال فاستسقاها فسقته واشعرها بأمره فأدخلته وكان بلال مولى
23

لأشعث بن قيس فلما حضر في الليل ارتاب إلى كثرة اختلافها إلى البيت
الذي فيه مسلم فأخبره مولاه ووصل الخبر إلى عبيد الله فأخبر محمد بن
الأشعث وقيل عبد الله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى
اتوا دار طوعة فسمع مسلم وقع حوافر الخيل علم أنه قد اتى فلبس لامته
وركب فرسه وضربهم بسيفه حتى أخرجهم الدار ثم عادوا فشدوا
عليه فقتل منهم جماعة ثم أشرفوا عليه فوق البيت ورموه بالحجارة فقال
له محمد بن الأشعث لك الأمان لا تقتل نفسك وهو يقاتلهم ويرتجز بأبيات
حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن
أقسمت لا اقتل إلا حرا * وان رأيت الموت شيئا نكرا
أكره ان اخدع أو أغرا * أو اخلط البارد سخنا مرا
رد شعاع الشمس فاستقرا * كل امرئ يوما يلاقى شرا
أضربكم ولا أخاف ضرا
فقال له محمد بن الأشعث انك لا تكذب ولا تغر وكان قد أثخن
بالجراح وكل عن القتال فأعاد محمد بن الأشعث القول فقال افا امن نعم
فانتزعوا سيفه فاتى ببغلة فركبها فكأنه عند ذلك يئس من نفسه فدمعت
عيناه فقال له عبيد الله بن العباس ان من يطلب مثل ما تطلب لا يجزع
فقال والله ما لنفسي اجزع وان كنت لا أحب لها ضرا طرفة عين ولكن
جزعي للحسين وأهل بيته المغترين بكتابي وقال هذا أوان الغدر فاقبلوا
به أسيرا حتى دخل على عبيد الله فلم يسلم عليه فقال له بعض الحرس سلم
24

على الأمير فقال إن كان يريد قتلى فما سلامي عليه وإن كان لا يريد قتلي
ليكثرن سلامي عليه وقيل إنه قال اسكت ويحك ما هو لي بأمير فقال
عبيد الله لا عليك سلمت أم لم تسلم فإنك مقتول قال إن تقتلني فلقد قتل
من هو شر منك من هو خير مني فإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة
لا أحد أولى بها منك فقال ابن زياد يا عاق يا شاق خرجت على امامك
وشققت عصا المسلمين وألقحت الفتنة فقال مسلم كذبت يا بن زياد إنما شق
عصا المسلمين أنت وأبوك زياد عبد بني علاج من ثقيف وانا أرجو ان
يرزقني الله الشهادة على أيدي شر البرية فقال ابن زياد منتك نفسك أمر
أحال الله دونه وجعله لأهله فقال مسلم ومن أهله يا بن مرجانة قال يزيد بن
معاوية فقال مسلم الحمد لله رضينا بالله حكما بيننا وبينكم فقال ابن زياد
أتظن ان لك شيئا من الامر قال والله ما هو الظن وإنما هو اليقين فقال
ابن زياد ما كان في قيان المدينة ما يشغلك عن السعي في فساد أمة
محمد أتيتهم وكلمتهم واحدة ففرقتهم فقال ما للفساد اتيت ولكن أهل المصر زعموا
ان أباك قتل خيارهم وان معاوية ظلمهم وحمل فيئهم إليه فجئت لأمر بالمعروف
وانهى عن المنكر وأقوم بالقسط وأدعو إلى حكم الكتاب وان كنت
لا بد قاتلي دعني أوصى فنظر إلى عمر بن سعد فقال لي إليك حاجة وبيني
وبينك رحم قال عبيد الله انظر إلى حاجة ابن عمك فتنحيا بحيث لا يراهما
أحد فقال إن علي دينا مذ دخلت الكوفة فاقضه عني واطلب جثتي من ابن
زياد ووارها وابعث إلى الحسين من يرده ويحذره من أهل الكوفة فانى
25

لا أراه إلا مقبلا فأخبر عمر بن سعد لعبيد الله بن زياد ما قال فقال ماله له
لا نمنعه ان يصنع به ما شاء وأما الحسين ان تركنا لم نرده وأما جثته فإذا
قتلناه لا نبالي ما صنع بها وامر بقتله فاغلظ له مسلم في الكلام والسب
فاصعد على القصر فضرب عنقه بكير بن حمران الأحمري القى جسده إلى
الناس وأمر بهاني بن عروة فسحب إلى الكناسة فقتل وصلب هناك وقيل
ضرب عنقه في السوق غلام لعبيد الله اسمه رشيد ورويت هذه الأبيات
عن عبد الله بن الزبير الأسدي
إذا كنت لا تدرين بالموت فانظري * إلى هاني بالسوق وابن عقيل
إلى بطل قد هشم السيف وجهه * وآخر يهوى من طمار قتيل
أصابهما أمر الأمير فأصبحا * أحاديث من يسعى بكل سبيل
أيركب أسماء الهماليج آمنا * وقد طلبته مذحج بذحول
ترى جسدا قد غير الموت لونه * ونضخ دم قد سال كل مسيل
تطيف حفافيه مراد وكلهم * على رقبة من سائل ومسول
فان أنتم لم تثاروا بأخيكم * فكونوا بغايا أرضيت بقتيل
وبعث عبيد الله بن زياد برأس مسلم وهاني إلى يزيد بن معاوية مع
الزبير بن الا روح التميمي أحد بني مالك بن سعد ومع هاني بن أبي حية
الوداعي وأخبره بأمرهما وكان خروج مسلم في الكوفة يوم الثلاثاء لثمان
مضين من ذي الحجة يوم التروية وهذا اليوم كان فيه خروج الحسين (ع)
من مكة إلى العراق بعد مقامه بها بقيه شعبان وشهر رمضان وشوالا
26

وذا القعدة ولما أراد الخروج من مكة طاف وسعى وأحل من احرامه
وجعل حجه عمرة لأنه لم يتمكن من اتمام الحج مخافة ان يقبض عليه
ورويت ان عبد الملك بن عمير قال لما خرج الحسين (ع) من المسجد
الحرام متوجها إلى العراق يقول إسماعيل بن مفزع الحميري
لا ذعرت السوام في فلق الصبح * مغيرا ولا دعوت يزيدا
حين اعطى مخافة الموت ضيما * والمنايا ترصدنني أن أحيدا
وروى هذا الشعر بن جرير الطبري عن عبد الملك بن نوفل بن
ماحق عن أبي سعيد المنقري وقيل العبري وتحدث الناس عند الباقر (ع)
تخلف محمد بن الحنفية عنه فقال يا أبا حمزه الثمالي ان الحسين (ع) لما توجه
إلى العراق دعا بقرطاس وكتب بسم الرحمن الرحيم من الحسين بن
علي إلى بني هاشم أما بعد فإنه من لحق بي استشهد ومن تخلف عنى لم يبلغ
الفتح والسلام وجاء إليه (ع) أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن
هشام فأشار إليه بترك ما عزم عليه وبالغ في نصحه وذكره بما فعل بأبيه
وأخيه فشكر له وقال قد اجتهدت رأيك ومهما يقض الله يكن فقال
انا عند الله نحتسبك ثم دخل أبو بكر على الحارث بن خالد بن العاص بن
هشام المخزومي وهو يقول
كم ترى ناصحا يقول فيعصى * وظنين المغيب يلفى نصيحا
قال فما ذاك فأخبره بما قال للحسين (ع) قال نصحت له ورب الكعبة
حدث عقبة بن سمعان قال خرج الحسين (ع) مكة فاعترضته رسل
27

عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد ليردوه فأبى عليهم وتدافع
الفريقان وتضاربوا بالسياط ثم امتنع عليهم الحسين وأصحابه امتناعا شديدا
ومضى الحسين على وجهه فبادروه وقالوا يا حسين الا تتقى الله تخرج من
الجماعة وتفرق بين هذه الأمة فقال لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون
مما اعمل وانا برئ مما تعملون ورويت ان الطرماح بن حكم قال لقيت
حسينا وقد امترت لأهلي ميرة فقلت أذكرك في نفسك لا يغرنك أهل
أهل الكوفة فوالله لئن دخلتها لتقتلن وانى لأخاف ان لا تصل إليها فإن
كنت مجمعا على الحرب فأنزل اجاء فإنه جميل منيع والله ما نالنا فيه ذل قط
وعشيرتي يرون جميعا نصرك فهم يمنعونك ما أقمت فيهم فقال إن بيني وبين
القوم موعدا أكره ان أخلفهم فإن يدفع الله عنا فقديما ما أنعم علينا وكفى
وان يكن ما لا بد منه ففوز وشهادة إن شاء الله ثم حملت الميرة إلى أهلي
وأوصيهم بأمورهم وخرجت أريد الحسين فلقيني سماعة بن زيد النبهاني
فأخبرني بقتله فرجعت وذكر الطبري وغيره ان عبيد الله بن سليم والمدرى
قالا اقبلنا حتى اتينا إلى الصفاح فلقينا الفرزدق الشاعر بن غالب وهو
حاج في سنة ستين قال بينما انا أسوق العير إذ دخلت الحرم لقيت الحسين
خارجا من الحرم ومعه أسيافه وتراسه فسلمت عليه وقلت أعطاك الله
سؤلك واملك فيما تحب يا بن رسول الله ما أعجلك عن الحج فقال لو لم يعجل
لاخذت ثم قال لي من أنت فقلت رجل من العرب فما فتشني أكثر من
ذلك ثم قال اخبرني عن الناس خلفك فقلت الخبير سالت قلوب الناس
28

معك وأسيافهم عليك ثم حرك راحلته ومضى وكتب يزيد بن معاوية إلى
عبيد الله بن زياد قد بلغني ان حسينا قد سار إلى الكوفة وقد ابتلى به
زمانك من بين الأزمان وبلدك من بين البلدان وابتليت به من بين العمال
وعندها تعتق أو تعود عبدا كما تعبد العبيد وعن الشعبي عن عبد الله
بن عمر انه كان بماء له فبلغه ان الحسين (ع) قد توجه إلى العراق
فجاء إليه وأشار عليه بالطاعة والانقياد وحذره من مشاققة أهل العناد فقال يا عبد
الله اما علمت أن من هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن زكريا (ع)
اهدى إلى بغى من بغايا بني إسرائيل اما تعلم أن بني إسرائيل كانوا
يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يبيعون ويشترون
كان لم يصنعوا شيئا فلم يعجل الله عليهم بل اخذهم بعد ذلك اخذ عزيز
مقتدر ذي انتقام ثم قال له اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي
ثم قام خطيبا فقال الحمد لله وما شاء الله ولا قوه إلا بالله خط الموت على
ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى اسلافي اشتياق يعقوب
إلى يوسف وخير لي مصرع انا لاقيه كأني وأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات
بين النواويس وكربلاء فيملأن منى أكراشا جوفا وأجربة سغبا لا محيص
عن يوم خط بالقلم رضى الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور
الصابرين لن تشذ على رسول الله لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس
تقر بهم عينه وينجز بهم وعده من كان باذلا فينا مهجته وموطنا على لقاء
الله نفسه فليرحل فانى راحل مصبحا إن شاء الله ثم اقبل الحسين حتى مر
29

بالتنعيم فلقى إبلا عليها هدية مع بحير بن ويسار الحميري إلى يزيد بن معاوية
وكان عامله على اليمن وعليها الورس والحلل فاخذها الحسين (ع) وقال
لأصحاب الإبل من أحب ان ينطلق منكم معنا إلى العراق وفيناه كراه
وأحسنا صحبته ومن أحب ان يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء
بقدر ما قطع من الطريق فمضى قوم وامتنع آخرون ثم سار (ع) حتى
بلغ إلى وادى العقيق ذات عرق فرأى رجلا من بني أسد اسمه بشر بن
غالب فسأله عن أهل الكوفة فقال القلوب معك والسيوف مع بني أمية
قال صدقت يا أخا بني أسد فلما بلغ عبيد الله اقبال الحسين (ع) من مكة
إلى الكوفة بعث الحصين بن تميم صاحب شرطته حتى نزل القادسية ونظم الخيل
بين القادسية إلى خفان وما بين القطقطانية إلى القلع ولما بلغ الحسين ع
الحاجز من بطن الرملة بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة وكتب
معه بسم الرحمن الرحيم من الحسين إلى إخوانه المؤمنين سلام عليكم
فانى أحمد إليكم الله الذي لا اله هو أما بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل
جاءني يخبرني بحسن رأيكم واجتماع ملاكم على نصرتنا والطلب بحقنا
فسالت الله ان يحسن لنا الصنيع وان يثيبكم ذلك أعظم الاجر وقد
شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية
فإذا قدم عليكم رسولي فالتمسوا امركم وجدوا فانى قادم عليكم في أيامي
هذه شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته فاقبل قيس بن مسهر
الصيداوي حتى انتهى إلى القادسية فاخذه الحصين بن تميم وبعث به إلى
30

عبيد الله بن زياد فاخرج الكتاب ومزقه فلما حضر بين يدي عبيد الله
قال من أنت قال رجل من شيعة أمير المؤمنين (ع) قال فلماذا مزقت
الكتاب قال لئلا تعلم ما فيه قال ممن الكتاب والى من قال من الحسين (ع)
إلى قوم من أهل الكوفة لا اعرف أسمائهم فغضب ابن زياد قال اصعد فسب
الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي بن أبي طالب فصعد قيس
القصر فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها ان هذا الحسين بن علي خير
خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وانا رسوله
وقد فارقته الحاجز فأجيبوه ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه واستغفر لعلي بن
أبي طالب فامر عبيد الله فالقي من فوق القصر فمات فبيت الحسين (ع)
في الطريق إذ طلع عليه ركب اقبلوا من الكوفة فإذا فيهم هلال بن نافع
الجملي وعمرو بن خالد فسألهم عن خبر الناس فقالوا أما والله الاشراف
فقد استمالهم ابن زياد بالأموال فهم عليك وأما سائر الناس فأفئدتهم لك
وسيوفهم مشهورة عليك قال فلكم علم برسولي قيس بن مسهر قالوا نعم
قتله ابن زياد فاسترجع واستعبر باكيا وقال جعل الله له الجنة ثوابا اللهم
اجعل لنا ولشيعتنا منزلا كريما انك على كل شئ قدير قال عتبه بن أبي
العبران ثم قام الحسين (ع) خطيبا بذى حسم اسم موضع وقال إنه قد
نزل بنا من الامر ما ترون وان الدنيا قد تحيزت وتنكرت وادبر معروفها
واستمرت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش
كالمرعى الوبيل الا ترون إلى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه
31

ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فانى لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع
الظالمين إلا برما ثم سار (ع) حتى وصل الثعلبية نصف النهار فرقد
واستيقظ فقال قد رأيت هاتفا يقول أنتم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى
الجنة فقال له ابنه علي يا أبه أفلسنا على الحق قال بلى يا بني والذي إليه
مرجع العباد فقال اذن لا نبالي بالموت ورويت ان عبد الملك بن عمير قال
كتب عمرو بن سعيد وهو والى المدينة بأمر الحسين (ع) إلى يزيد فلما قرا
الكتاب تمثل بهذا البيت
فإن لا تزر قبر العدو وتأته * يزرك عدو أو يلومنك كاشح
ولما ورد خبر مسلم وهاني ارتج الموضع بالنوح والعويل وسالت
العزوب بالدموع الهمول ونقلت من كتاب أحداق العيون في أعلاق الفنون
أنه قال هذه الأبيات وتروى لعلي (ع)
لئن كانت الدنيا تعد نفيسة * فإن ثواب الله أعلى وأنبل
وان كانت الأبدان للقتل أنشئت * فموت الفتى في الله أولى وأفضل
وان كانت الأرزاق قسما مقدرا * فقلة حرص المرء في الكسب أجمل
وان كانت الأموال للترك جمعها * فما بال متروك به المرء يبخل
ثم أراد عليه السلام الرجوع حزنا وجزعا لفقد أحبته والمضي إلى
بلدته ثم ثاب إليه رأيه الأول وقال على ما كنت عليه المعول وقال متمثلا
سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وواسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا وخالف مجرما
32

فإن مت لم أندم وان عشت لم ألم * كفى بك موتا ان تذل وترغما
ولقيه أبو هرة الأسدي فسلم عليه ثم قال يا ابن رسول الله ما الذي
أخرجك عن حرم جدك محمد صلى الله عليه وآله فقال عليه السلام ويحك
يا أبا هرة ان بني أمية اخذوا مالي وشتموا عرضي فصبرت وطلبوا دمى
فهربت وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنهم الله ذلا شاملا وسيفا قاطعا
وليسلطن الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبا إذ ملكتهم
امرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم قال جماعة من فزارة وبجيلة كنا مع
زهير بن القين نساير الحسين عليه السلام ناحية فنزلنا منزلا لا نجد بدا
من أن ننازله فيه فبينما نحن نتغدى من طعام لنا إذ اقبل رسول الحسين (ع)
حتى سلم وقال يا زهير بن القين ان أبا عبد الله بعثني إليك لتأتيه فطرح
كل انسان ما في يده حتى كأنما على رؤوسنا الطير فقالت له زوجته ديلم بنت
عمرو سبحان الله يبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه فلو اتيته وسمعت من
كلامه فمضى إليه وما لبث ان جاء مستبشرا قد أشرق وجهه فامر
بفسطاطه فقوض وثقله ومتاعه فحول إلى الحسين (ع) وقال لامرأته
أنت طالق فانى لا أحب ان يصيبك بسببي الا خيرا وقد عزمت على
صحبة الحسين لأفديه بروحي واقيه بنفسي ثم أعطاها مالها وسلمها إلى من
يوصلها إلى أهلها فقامت إليه وبكت وودعته وقالت خارا الله لك
أسألك ان تذكرني في القيامة عند جد الحسين (ع) ثم قال لأصحابه من
أحب منكم ان يصحبني وإلا فهو آخر العهد به اني سأحدثكم حديثا
33

غزونا بالبحر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم فقال لنا سلمان رضي الله عنه
فرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم قلنا نعم قال إذا أدركتم
قتال شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم معهم مما أصبتم اليوم
من الغنائم وأما انا فانى استودعكم الله ثم مشى إلى الحسين (ع) فسار معه
وأما عبيد الله بن زياد فإنه ارسل الحر بن يزيد الرياحي ومعه الف
فارس فكان الحر يساير الحسين ولا تعرض له فنزل (ع) قصر أبي مقاتل
قال جابر بن عقبه بن سمعان ارتحلنا من قصر أبي مقاتل وقد اخذ
الحسين (ع) طريق عذيب الهجانات فخفق برأسه ثم انتبه يسترجع فسألته
فقال رأيت في المنام آنفا يعنى الان فارسا يسايرنا وهو يقول القوم يسيرون
والمنايا تسير معهم ثم إن الحر اخذ يسير يدي الحسين (ع) ويقول
يا ناقتي لا تذعري من زجري * وشمري قبل طلوع الفجر
بخير ركبان وخير سفر * حتى تجلى بكريم النجر
بماجد الجد رحيب الصدر * أثابه الله بخير أمر
وإذا بفسطاط مضروب فقال (ع) لمن هذا الفسطاط قيل لعبيد الله بن
الحر الجعفي حدث المجالد بن سعيد عن عامر الشعبي ان الحسين عليه السلام
قال ادعوه لي فاتاه الرسول فقال هذا الحسين يدعوك فقال عبيد انا لله
وانا إليه راجعون والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهية ان يدخلها الحسين
وانا والله أريد ان لا أراه ولا يراني فاتى الرسول فأخبره فقام الحسين ع
حتى دخل عليه ودعاه إلى الخروج معه فأعاد عليه ابن الحر مقالته قال فان
34

لا تنصرنا فاتق الله أن تكون ممن يقاتلنا فوالله لا سمع واعيتنا أحد ثم
لا ينصرنا إلا هلك فقال ابن الحر أما هذا فلا يكون ابدا قال جابر بن عبد الله بن
سمعان ومضينا حتى إذا قربنا من نينوى وإذا رجل من كندة اسمه مالك
ابن بشير معه كتاب من عبيد الله بن زياد إلى الحر ان جعجع بالحسين
ولا تنزله إلا بالعراء في غير خصب ولأنه عات ظلوم فقرء الكتاب واخذ حسينا
بالنزول فسأله عليه السلام عن الأرض قيل كربلاء فقال ارض كرب وبلاء
وكان اليوم الثاني من المحرم فقال أنزلوا ها هنا محط ركابنا وسفك دمائنا
فنزلوا وأقاموا بها وجلس الحسين (ع) يصلح سيفه
يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والأصيل
من طالب وصاحب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
وكل حي سالك سبيل * ما أقرب الوعد من الرحيل
وإنما الامر إلى الجليل
فلما سمعت زينب ايراده للابيات وان قولهم هذا يدل على رميهم بسهم
الشتات فلم تملك نفسها ان وثبت تجر ذيلها وانها لحاسرة حتى انتهت إليه
فقالت هذا كلام من أيقن بالقتل وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة
اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي واخى الحسن يا خليفة الماضين وثمال الباقين
فقال عليه السلام يا أختاه لا يذهبن حلمك الشيطان تعزي بعزاء الله فإن
أهل السماوات والأرض يموتون وكل شئ هالك إلا وجهه أبي خير مني
واخى خير مني ولكل مسلم برسول الله صلى الله عليه وآله أسوة ولطم
35

النساء الخدود وشققن الجيوب فترقرقت عيناه بالدموع وقال لو ترك القطا
لغفا ونام ليلا لنام
المقصد الثاني
في وصف موقف النزال وما يقرب من تلك الحال
ثم إن عمر بن سعد دعا قومه إلى القتال فأجابوه وندبهم إلى محاربة
الحسين عليه السلام وأهل بيته فلم يخالفوه
فقد رويت ان عبيد الله بن زياد قال لعمر بن سعد اكفني أمر
الحسين وقتاله وقد وليتك بلاد الري وروى أن عليا (ع) لقى عمر بن
سعد يوما فقال له كيف تكون يا عمر إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة
والنار فتختار النار ثم إن الحسين (ع) لما علم أنهم مقاتلوه وسئل عمر بن
سعد المهادنة وترك القتال بواحدة من ثلاث ان يرجع إلى موضعه الذي جاء
منه أو يمضى إلى بعض البلاد يكون كأحدهم أو يمضى إلى يزيد فيرى فيه
رأيه فقال عمر بن سعد أخاف ان تهدم داري فلما قامت الحرب على
ساقها ومدت على أصحاب الحسين (ع) صافي رواقها واظلمت الأيام
بعد اشراقها ومد عمر بن سعد بالعساكر حتى تكملت العدة لست خلون
36

من المحرم عشرين ألفا وضيق على الحسين وأصحابه قام (ع) فاتكا على سيفه
ثم حمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد أيها الناس انسبوني وانظروا من انا ثم
ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها هل يحل لكم سفك دمي وانتهاك حرمتي
الست ابن بنت نبيكم وابن ابن عمه وابن أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم
أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبى أولم يبلغكم قول رسول الله صلى الله عليه وآله
مستبشرا لي ولأخي انا سيد شباب الجنة اما في هذا حاجز
لكم عن سفك دمى وانتهاك حرمتي قالوا ما نعرف شيئا مما تقول فقال إن
فيكم من لو سألتموه لأخبركم انه سمع ذلك من رسول (ص) في وفي
أخي سلوا زيد بن أرقم والبراء بن عازب وأنس بن مالك وجابر بن
عبد الله الأنصاري وسهل بن سعد الساعدي يخبروكم عن هذا القول فان
كنتم تشكون أفتشكون انى ابن نبيكم والله ما تعمدت كذبا منذ عرفت
ان الله يمقت عليه أهله فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن نبي غيري هل
تطالبوني بقتيل قتلته أو بمال استهلكته أو بقصاص من جراحه فسكتوا
فقال شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف إن كان يعرف شيئا
مما يقول فقال حبيب بن مظاهر انى أراك تعبد الله على الف حرف وانى
اشهد انك لا تعرف شيئا مما يقول إن الله قد طبع على قلبك قالوا لا نخليك
حتى تضع يدك في يد عبيد الله بن زياد قال لا والله لا اعطى بيدي اعطاء
الذليل ولا أفر فرار العبيد انى عذت بربي وربكم ان ترجمون انى عذت
بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب فلما كان التاسع من
37

المحرم دعاهم عمر بن سعد إلى المحاربة فأرسل الحسين (ع) العباس يلتمس
منهم التأخير تلك الليلة فقال عمر لشمر ما تقول قال اما انا لو كنت الأمير
لم أنظره فقال عمرو بن الحجاج بن سلمة بن عبد يغوث الزبيدي سبحان
الله والله لو كان من الترك والديلم وسألوك عن هذا ما كان لك ان تمنعهم
حينئذ أمهلهم فكان لهم في تلك الليلة دوي كالنحل من الصلاة والتلاوة
فجاء إليهم جماعة من أصحاب عمر بن سعد وجمع الحسين (ع) أصحابه
وحمد الله وأثنى عليه ثم قال واما بعد فاني لا اعلم لي أصحابا أوفى ولا خيرا
من أصحابي ولا أهل بيت ابر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا
إلا وانى قد أذنت لكم فانطلقوا أنتم في حل ليس عليكم منى ذمام هذا
الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا فقال له اخوته وأبناؤه وأبناء عبد الله بن
جعفر ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك وبدأهم العباس اخوه ثم
تابعوه وقال لبنى مسلم بن عقيل حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم اذهبوا
فقد أذنت لكم فقالوا لا والله لا نفارقك ابدا حتى نقيك بأسيافنا ونقتل بين
يديك فأشرقت عليهم بأقوالهم هذا أنوار النبوة والهداية وبعثتهم النفوس
الابية على مصادمة خيول أهل الغواية وحركتهم حمية النسب وسنة
اشراف العرب على اقتناص روح المسلوب ورفض السلب فكانوا كما
وصفهم بعض أهل البصائر بأنهم امراء العساكر وخطباء المنابر نفوس أبت الا تراث أبيهم * فهم بين موتور لذاك وواتر
لقد ألفت أرواحهم حومة الوغى * كما أنست اقدامهم بالمنابر
38

ثم قال مسلم بن عوسجة نحن نخليك وقد أحاط بك العدو لا أرانا الله ذلك ابدا
حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ولو لم يكن لي
سلاح لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك وقام سعيد بن عبد الله الحنفي وزهير
بن القين فأجملا في الجواب وأحسنا في المآب وعبا عمر بن سعد أصحابه
فجعل على ربع أهل المدينة عبد الله بن زهير بن سليم بن مخنف العامري
وعلى كندة وربيعة قيس بن الأشعث وعلى مذحج واسد عبد الرحمن
بن أبي سبرة الجعفي وعلى تميم وهمدان رجلا من بني تميم وعلى ميمنته
عمرو بن الحجاج الزبيدي وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل
عروة بن قيس الأحمسي وعلى الرجالة شبث بن ربعي والراية مع دريد
مولى لعبيد الله بن زياد وفي ذلك الوقت وصل الخبر إلى محمد بن بشير
الحضرمي ان ابنه قد أسر بثغر الري فقال عند الله احتسبه ونفسي ما كنت
أؤثر ان يؤسر وأبقى بعده فسمع الحسين عليه السلام قوله فاذن له في المضي
فقال أكلتني السباع حيا ان فارقتك فأعطاه خمسة أثواب برودا قيمتها
ألف دينار وقال احملها مع ولدك هذا لفك أخيه فحملها معه ودخل (ع)
ليطلى ووقف على باب الفسطاط برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن
ابن عبد ربه الأنصاري فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال يا برير ما هذه
ساعة باطل فقال برير والله ما أحببت الباطل قط وإنما فعلت ذلك استبشارا بما
نصير إليه وعبا الحسين (ع) أصحابه للقتال وكانوا خمسة وأربعين فارسا
ومائة راجل وركب ناقته وأمرهم بالاستماع فانصتوا فقال تبا لكم أيها
39

الجماعة وترحا أحين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا
سيفا لنا في ايمانكم وحششتم علينا نارا أججناها على عدوكم فأصبحتم البا
لأوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم لغير عدل أفشوه فيكم ولا اهلا أصبح لكم
فيهم فهلا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجاش طامن والرأي
لما يستحصف ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا وتداعيتم إليها كتهافت
الفراش فبعدا وسحقا لطواغيت الأمة ونبذة الكتاب وشذاذ الأحزاب
الذين جعلوا القرآن عضين ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم في العذاب وهم
خالدون إلا وان الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين السلة والذلة وهيهات
منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت
ونفوس أبية وأنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام
إلا واني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وكثرة العدو وخذلة الناصر ثم
وصل هذا الكلام بشعر فروة بن مسيك المرادي
فإن نهزم فهزامون قدما * وان نغلب فغير مغلبينا
وما ان طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا
إذا ما الموت رفع عن أناس * كلا كله أناخ بآخرينا
فأفنى ذلكم سروات قوم * كما أفنى القرون الأولينا
فلو خلد الملوك إذا خلدنا * ولو بقي الكرام إذا بقينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا
ثم لا تلبثون إلا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى
40

وتقلقون قلق المحور عهد عهده إلي أبي عن جدي فاجمعوا امركم وشركائكم
ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا إلى ولا تنظرون انى توكلت على الله
ربى وربكم ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربى على صراط مستقيم
ثم نزل عن ناقته وأمر عطية بن سمعان فعقلها ثم تهيأ للقتال
فنادي الشمر يا بني أختي لا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين والزموا طاعة
أمير المؤمنين يزيد فقال له العباس بن علي تبت يداك يا عدو الله أتأمرنا ان
نترك سيدنا وأخانا وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء واقبلوا يزحفون إلى
الحسين (ع) ثم رمى عمر بن سعد إلى أصحاب الحسين عليه السلام
وقال اشهدوا لي عند الأمير اني أول من رمى فقال (ع) قوموا إلى الموت
الذي لا بد منه فنهضوا جميعا والتقى العسكران الرجالة من الفرسان واشتد
الصراع وخفى لإثارة العثير الشعاع والسمهرية ترعف نجيعا والمشرفية يسمع
لها في الهام رقيعا ولا يجد الحسين عليه السلام في مساقط الحرب لوعظه
سميعا وقد كفروا بالرسول ولا يميلون إلى الصوارم والنصول ولم يبقى بينهم
سوى اللهازم الرزق والصوارم الذلق والسهام تترى كالغيث الغدو
والشرار المحرق فقلت في وصف الحال أبياتا لما علمت أن القتال
يصيرهم رفاتا
ولما رأينا عثير النقع ثائرا * وقد مد فوق الأرض أردية حمرا
وسالت عن الخرصان أنفس فتية * عن العنصر الزاكي وأعلى الورى قدرا
وشدوا لقتل السبط عمدا واشرعوا * مع المرهفات البيض خطية شمرا
41

تيقن حزب الله ان ليس ناجيا * من النار الا من رأى الآية الكبرى
ومن رفض الدنيا وباع حياته * من الله نعم البيع والفوز والبشرى
وكان أول من قتل مولى لعبيد الله بن زياد اسمه سالم فصل من
الصف فخرج إليه عبد الله بن عمير الكلبي وكان طويلا بعيدا ما بين
المنكبين فنظر إليه الحسين (ع) وقال إني احسبه للاقران قتالا فقتله
سالم ثم رجع وعطف عليه مولى لابن زياد فصاح قد رهقك الرجل فانعطف
عليه وضربه فاتقى بيده فقطعها وجال عليه فقتله ورجع وهو يقول إن
تنكروني فإنا ابن كلب * حسبي ببيتي من عليم حسبي
انى امرؤ ذو مرة وعضب * ولست بالخوار عند النكب
انى زعيم لك أم وهب * بالطعن فيهم صادقا والضرب
وفي يده سيف تلوح المنية في شفرتيه فكأن ابن المعتز وسيفه يقوله
في بيته
ولي صارم فيه المنايا كوامن * فما ينتضى إلا لسفك دماء
ترى فوق متنيه الفرند كأنه * بقيه غيم رق دون سماء
حدث مهران مولى بني كاهل قال شهدت كربلا مع الحسين (ع)
فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا لا يحمل على قوم إلا كشفهم ثم يرجع إلى
الحسين (ع) ويرتجز ويقول
ابشر هديت الرشد تلقى أحمدا * في جنة الفردوس تعلو صعدا
فقلت من هذا فقالوا أبو عمر النهشلي وقيل الخثعمي فاعترضه عامر
42

ابن نهشل أحد بني تيم اللات من ثعلبة فقتله واحتز رأسه وكان أبو عمرو هذا
متهجدا كثير الصلاة فما أحق لهذا الشجاع الماهر بقول عرقلة بن حسان
الدمشقي الشاعر
ويرد صدر السمهري بصدره * ماذا يؤثر ذابل في يذبل
وكأنه والمشرفي بكفه * بحر يكر على الكماة بجدول
وتقدم عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان وأحدهما يقول
قد علمت حقا بنو غفار * وخندف بعد بني نزار
لنضربن معشر الفجار * بالمشرفي والقنا الخطار
فقاتلا حتى قتلا رحمة الله عليهما واقتتل العسكران إلى أن علا النهار
قال عدى بن حرملة لما زحف عمر بن سعد إلى الحسين (ع) ضرب يده
على لحيته وقال اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولدا وعلى النصارى
إذ جعلوه ثالث ثلاثة وعلى المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه واشتد
غضبه على قوم اتفقت على قتل ابن بنت نبيهم والله أجيبهم إلى شئ مما
يطلبون حتى القى الله تعالى وانا مخضب بدمي مغلوب على حقي فلما رأى
الحر بن يزيد اقبال عمر بن سعد على الحسين (ع) قال أصلحك الله أمقاتل
أنت هذا الرجل قال أي والله قتالا أيسره ان تسقط الرؤوس وتطيع
الأيدي فتنحى حتى وقف من الناس موقفا ومعه قرة بن قيس فقال له المهاجر بن أوس يا بن يزيد لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك وانى
لمرتاب بك فقال إني خيرت نفسي بين الجنة والنار وانى لا اختار على
43

الجنة شيئا قال الحر لقرة بن قيس التميمي يا قرة سقيت فرسك قال
لا قال فما تريد ان تسقيه قال فظننت انه يريد ان يتنحى ولا يشهد القتال
وكره ان أراه يضع ذلك فارفعه عليه وانا منطلق سأسقيه واعتزل الحر
المكان الذي فيه ولو اطلعني على سره لخرجت معه إلى الحسين (ع)
واخذ يدنو قليلا فقال له المهاجرين أو تريد ان تحمل فسكت فاخذته
الرعدة ثم لحق بالحسين (ع) وقال له جعلني الله فداك يا بن رسول الله
انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت
بك إلى هذا المكان وما ظننت ان القوم يبلغون منك هذه المنزلة فهل
لي توبة قال نعم يتوب الله عليك ثم قال يا أهل الكوفة لامكم الهبل دعوتموه
حتى إذا اتاكم خرجتم تقاتلونه وتمنعونه الماء الذي تشربه الكلاب والخنازير
لا سقاكم الله الماء فقال انا لك فارسا خير من أن أكون راجلا والى
النزال آخر أمري ثم حمل على القوم وهو يتمثل بقول عنترة
ما زلت أرميهم بغرة وجهه * ولبانه حتى تسربل بالدم
ورويت باسنادي أنه قال للحسين (ع)
وجهني عبيد الله إليك
خرجت من القصر فنوديت من خلفي ابشر يا حر بخير فالتفت فلم أر أحدا
فقلت والله ما هذه بشارة وانا أسير إلى الحسين عليه السلام وما أحدث
نفسي باتباعك فقال عليه السلام لقد أصبت اجرا وخيرا ثم خرج إلى
القتال فبرز إليه زيد بن سفيان فقتله الحر ثم بعث عمر بن سعد بعض الرماة
فعقر فرس الحر فكان يقاتل ويقول
44

ان تعقروني فانا ابن الحر * أشجع من ذي لبد هزبر
فلم يزل يقاتل إلى أن قتل رحمه الله فقال عبيد الله بن عمرو البذائي
من بني البذاء وهم من كندة
سعيد بن عبد الله لا تنسينه * ولا الحر إذ آسى زهيرا على قسر
وخرج نافع بن هلال المرادي فبرز إليه واجم بن حريث
الرشدى فتطاعنا فقتل نافع واجما فقال عمرو بن الحجاج يا حمقى أتدرون
من تقاتلون مبارزة فرسان الحر وقوما مستميتين فصاح عمر بن سعد
فرجعوا إلى مواقفهم وقاتل عمرو بن أبي قرظة الأنصاري دون
الحسين (ع)
وهو يقول
قد علمت كتيبة الأنصار * ان سوف أحمي حوزة الذمار
ضرب غلام ليس بالفرار * دون حسين مهجتي وداري
قوله وداري أشار إلى عمر بن سعد لما التمس الحسين (ع)
المهادنة قال تهدم دارى فقاتل قتال الباسل وصبر على الخطب
الهائل وكان يلتقى السهام بمهجته فلم يصل إلى الحسين (ع) سوء حتى
أثخن بالجراح فقال له (ع) أوفيت قال نعم أنت امامي في الجنة فاقرا
رسول الله صلى الله عليه وآله السلام واعلمه انى في الأثر فقتل وخرج
برير بن خضير وكان زاهدا يقال له سيد القراء فخرج إليه يزيد بن المغفل
فاتفقا على المباهلة إلى الله تعالى في أن يقتل المحق منهما المبطل فقتله برير فلم
يزل يقاتل حتى قتل وخرج يزيد بن المهاجر فقتل خمسة من أصحاب عمر
بالنشاب وصار مع الحسين وهو يقول
45

انا يزيد وأبي المهاجر * كأنني ليث بغيل خادر
يا رب انى للحسين ناصر * ولابن سعد تارك وهاجر
وكان يكنى أبا الشعثاء من بني بهدلة من كندة وبرز حصين بن
تميم فخرج إليه حبيب بن مظاهر فضرب وجه فرسه بالسيف فوقع عليه
أصحابه فاستنقذوه ثم شدوا على حبيب فقتل رجلا منهم وهو يقول
انا حبيب وأبي مظاهر * فارس هيجاء وحرب تسعر
ونحن أوفى منكم واصبر * ونحن أعلى حجة واظهر * حقا واتقى منكم واعذر
وخرج وهب بن جناب الكلبي وأحسن في القتال وصبر على ألم
النصال ومعه امرأته ووالدته فرجع إليهما وقال أمه أرضيت أم لا قالت
ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين قالت امرأته بالله لا تفجعني بنفسك
وقد أجبتها انا بلسان حاله متمثلا لا بلسان مقاله
ذريني ادر وجها وقاحا إلى العدلي * فما لاخى الاحقار ان يتجملا
متى قر في غمد حسام وبان عن * حصان لجام والفتى غرض البلا
فقالت له أمه يا بني أعزب عن قولها وقاتل بين يديه لتنال شفاعة
جده يوم القيامة فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه فأخذت امرأته عمودا
وأقبلت نحوه وقالت فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله
فاقبل يردها فامتنعت فقال (ع) جزيتم من أهل البيت خيرا ارجعي
فرجعت ولم يزل يقاتل ثم قتل ثم خرج انس بن الحارث الكاهلي
46

وهو يقول قد علمت كاهلنا وذودان * والخندفيون وقيس غيلان
بان قومي آفة للاقران * يا قوم كونوا كاسود خفان
واستقبلوا القوم بضرب الان * آل على شيعة الرحمن
وآل حرب شيعة الشيطان
وخرج مسلم بن عوسجة فبالغ في الجهاد وصبر على الجلاد حتى سقط
وبه رمق فرق له الحسين وقال رحمك الله يا مسلم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من
ينتظر وما بدلوا تبديلا عز على مصرعك يا مسلم ابشر بالجنة فقال له قولا
ضعيفا بشرك الله بخير فقال حبيب لولا انى في الأثر لأحببت ان توصى
إلى بما يهمك فقال أوصيك بهذا يعنى الحسين (ع) ثم تقدم جون مولى
أبي ذر وكان عبدا اسودا فقال له (ع) أنت في اذن منى فإنما تبعتنا
للعافية فلا تبتل بطريقنا فقال يا بن رسول انا في الرخاء الحس قصاعكم
وفي الشدة أخذلكم والله ان ريحي لمنتن وحسبي للئيم ولوني لأسود
فتنفس علي بالجنة فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي لا والله
لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ثم قاتل حتى قتل وجاء
رجل فقال أين الحسين فقال ها انا ذا قال ابشر بالنار تردها الساعة قال
ابشر رب رحيم وشفيع مطاع من أنت قال انا محمد بن الأشعث قال
اللهم إن كان عبدك كاذبا فخذه إلى النار واجعله اليوم آية لأصحابه فما هو
إلا أن ثنى عنان فرسه فرمى به وثبتت رجله في الركاب فضربه حتى قطعه
47

ووقعت مذاكيره في الأرض فوالله لقد عجبنا من سرعة إجابة دعائه (ع)
ثم جاء آخر فقال أين الحسين فقال ها انا ذا قال ابشر بالنار قال ابشر
برب رحيم وشفيع مطاع من أنت قال انا شمر بن ذي الجوشن قال
الحسين (ع) الله أكبر قال رسول الله صلى الله عليه وآله رأيت كان
كلبا أبقع يلغ دماء أهل بيتي وقال الحسين (ع) رأيت كان كلابا
تنهشني وكان فيها كلبا أبقع كان أشدهم على وهو أنت وكان أبرص
ونقلت عن الترمذي قيل للصادق (ع) كم تتأخر الرؤيا فذكر منام
رسول الله صلى الله عليه وآله فكان التأويل بعد ستين سنة وبرز عمرو
ابن خالد الصيدائي فقاتل فقال له (ع) تقدم فانا لاحقون بك عن ساعة
فتقدم فقتل وجاء حنظلة بن أسعد الشامي فوقف يدي الحسين (ع)
يقيه الرماح والسهام والسيوف بوجهه ونحره ثم التفت إلى الحسين (ع) فقال
أفلا نروح إلى ربنا ونلحق فقال رح إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها
فقاتل قتال الشجعان وصبر على مضض الطعان حتى قتل والحقه الله بدار
الرضوان وتقدم زهير بن القين فقاتل بين يدي الحسين وهو ويقول
انا زهير وانا ابن القين * أذودهم بالسيف عن حسين
قال وحضرت صلاه الظهر فامر عليه السلام لزهير بن القين وسعيد
بن عبد الله الحنفي ان يتقدما امامه بنصف من تخلف معه وصلى بهم
صلاة الخوف بعد أن طلب منهم الفتور عن القتال لأداء الفرض قال ابن
حصين انها لا تقبل منك قال حبيب بن مظاهر لا يقبل من آل رسول الله
48

وأنصارهم وتقبل منك وأنت شارب الخمر وقيل صلى الحسين (ع)
وأصحابه فرادى بالايماء وقاتل زهير قتالا شديدا حتى قتل ولما وصل
القتال إليه (ع) تقدم امامه رجل من بني حنيفة يقيه بنفسه حتى سقط
بين يدي الحسين (ع) فقال الحنفي اللهم لا يعجزك شئ تريده فأبلغ محمدا
صلى الله عليه وآله نصرتي ودفعي عن الحسين وارزقني مرافقته في دار
الخلود ووجه عمر بن سعد في جماعة الرماة فرموا من تخلف من أصحاب
الحسين (ع) فعقروا خيولهم وبقى الحسين (ع) وليس معه فارس
ولسان حاله يقول
اتمسى المذاكي تحت غير لوائنا * ونحن على أربابها امراء
وأي عظيم رام أهل بلادنا * فانا على تغييره قدراء
وما سار في عرض السماوة بارق * وليس له من قومنا خفراء
وتقدم سيف بن أبي الحرث بن سريع ومالك بن عبد الله بن سريع
الجابريان بطن من همدان يقال لهم بنو جابر امام الحسين ثم التقيا فقالا
عليك السلام يا بن رسول الله فقال وعليكم السلام ثم قاتلا حتى قتلا وجاء
عابس بن أبي شبيب الشاكري مولى بني شاكر فقال له الحسين يا أبا
شوذب ما في نفسك قال أقاتل معك فدنا من الحسين وقال لو قدرت ان
ارفع عنك بشئ هو أعز من نفسي لفعلت ثم تقدم فلم يقدم عليه أحد فقال زياد
بن الربيع بن أبي تميم الحارثي هذا ابن شبيب الشاكري القوى
لا يخرجن إليه أحد ارموه بالحجارة فرموه حتى قتل وتقدم سويد بن أبي
49

المطاع فقاتل قتالا شديدا حتى سقط بين القتلى فسمع الناس يقولون قتل
الحسين فتحامل واخرج من خفه سكينا فقاتلهم حتى قتل رضوان الله
عليه وكان أصحاب الحسين (ع) يتسابقون إلى القتال بين يديه وكانوا
كما قلت شعري
هذا قوتهم على المصاع والذب عن السبط والدفاع:
إذا اعتلفوا سمر الرماح وتمموا * اسود الشرى فرت من الخوف والذعر
كماة رحى الحرب العوان وان سطوا * فأقرانهم يوم الكريهة في خسر
إذا أثبتوا في مازق الحرب أرجلا * فموعدهم منه إلى ملتقى الحشر
قلوبهم فوق الدروع وهمهم * ذهاب النفوس السائلات على البشر
ثم رمى عمر بن صبيح عبيد الله بن مسلم بن عقيل بسهم ثم طعنه أخرى
في قلبه فقتله وحمل عبد الله بن قطنة الطائي على عون بن عبد الله بن جعفر
بن أبي طالب فقتله وشد عثمان بن خالد الهمداني على عبد الرحمن بن
عقيل بن أبي طالب فقتله ورمى عبد الله بن عقبة أبا بكر بن الحسن بن علي
بن أبي طالب فقتله فلما رأى العباس بن علي (ع) كثرة القتلى في أهله
قال لاخوته من أمه وهم عبد الله وجعفر وعثمان بابى أنتم وأمي تقدموا
حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله فإنه لا ولد لكم فاقدموا على عسكر عمر
ابن سعد اقدام الشجعان واملأوا صدورهم ووجوههم بالضرب والرمي
والطعان فكانوا كما قال ابن نباتة السعدي
لقوا نبلنا مرد العوارض فانثنوا * لا وجههم منه لحى وشوارب
50

خلفنا بأطراف القنا في ظهورهم * عيونا لها وقع السيوف حواجب
واعجب من ذي اختلاس نفوسهم * وهن عليهم بالحنين نوادب
وجدوا في القتال حتى قتلوا فلما لم يبق معه الا الأقل من أهل بيته
خرج علي بن الحسين (ع) وكان من أحسن الناس وجها وله يومئذ
أكثر من عشر سنين فاستأذن أباه في القتال فاذن له ونظر إليه وأرخى
عبرته ثم قال اللهم اشهد أنه قد برز إليهم غلام يشبه رسول الله خلقا وخلقا
ومنطقا فقاتل وهو يقول
انا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله أولى بالنبي
والله لا يحكم فينا ابن الدعي
فقاتل قتالا شديدا وقتل جمعا كثيرا ثم رجع إلى الحسين (ع) وقال يا ابه
العطش قتلني وثقل الحديد قد أجهدني فبكى وقال وا غوثاه قاتل قليلا
فما أسرع الملتقى بجدك محمد صلى الله عليه وآله ويسقيك بكأسه الأوفى
فرجع إلى موقف نزالهم ومازق مجالهم فرماه منقذ بن مرة العبدي فصرعه
واحتواه القوم فقطعوه فوقف (ع) وقال قتل الله قوما قتلوك فما أجرأهم
على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول واستهلت عيناه بالدموع ثم قال على
الدنيا بعدك العفاء وخرجت زينب أخت الحسين تنادى يا حبيباه وجاءت
فأكبت عليه فاخذها الحسين فردها إلى الفسطاط وكانت عترة الحسين
في طعانهم ونجابتهم والاقدام على الكماة وشجاعتهم كما قال الشاعر
ابن حيوس
51

وخيطة يلقى الردى تبعا لها * إذا مرقت في الأسد منها الثعالب
أسافلها في ابحر من أكفهم * طمت وأعاليها نجوم ثواقب
تضئ مثار النقع وهي طوالع * وتبنى منار العز وهي غوارب
قال حميد بن مسلم وخرج غلام كان وجهه شقة قمر فقال لي عمرو
ابن سعيد بن نفيل الأزدي لاشدن عليه فقلت وماذا تريد منه فشد عليه
وضربه فوقع الغلام على وجهه ونادى يا عماه فجلى الحسين عليه كما يجلى
الصقر وضربه بالسيف فاتقاه بالساعد فأبانها من المرفق فصاح صيحة
سمعها أهل العسكر ثم تنحى عنا الحسين (ع) وحملت خيول أهل الكوفة
ليستنقذوه فوطأته بأرجلها حتى مات ورأيت الحسين (ع) قائما على
رأس الغلام وهو يفحص برجله وهو يقول بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم
يوم القيامة فيك جدك ثم قال عز والله على عمك ان تدعوه فلا يجيبك
أو يجيبك فلا ينفعك صوت والله كثر واتره وقل ناصره ثم حمله على
صدره وألقاه بين القتلى من أهله قال الراوي فسالت عنه فقيل القاسم
بن الحسن بن علي بن أبي طالب فلما رأى (ع) انه لم يبق من
عشيرته وأصحابه إلا القليل فقام ونادى هل من ذاب عن حرم رسول الله
هل من موحد هل من مغيث هل من معين فضج الناس بالبكاء ثم تقدم
إلى باب الفسطاط ودعا بابنه عبد الله فجئ به ليودعه فرماه رجل من بني
أسد سهم فوقع في نحره فذبحه فتلقى الحسين عليه السلام الدم بكفيه حتى
امتلأتا ورمى بالدم نحو السماء ثم قال رب ان كنت حبست عنا النصر من
52

السماء فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين قال الباقر (ع)
فلم تسقط من الدم قطرة إلى الأرض ثم حمله فوضعه مع قتلى أهل بيته ولما
اشتد بالحسين عليه السلام وأصحابه العطش وبلغ منه اللغوب فرويت
إلى القسم بن اصبغ بن نباتة قال حدثني من شاهد الحسين عليه السلام
وقد لزم المسناة يريد الفرات والعباس بين يديه فجاء كتاب عبيد الله بن
زياد إلى عمر بن سعد ان حل بين الحسين وأصحابه وبين الماء فلا يذوقوا
منه قطرة فبعثه لعمرو بن الحجاج بخمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة
ومنعوهم الماء فناداه عبد الله بن حصين الأزدي يا حسين الا تنظر إلى الماء
كأنه كبد السماء والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا أنت وأصحابك
فقال زرعة بن أبان بن دارم حولوا بينه وبين الماء ورماه بسهم فأثبته في
حنكه فقال (ع) اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له ابدا وكان قد اتى بشربة
فحال الدم بينه وبين الشرب فجعل يتلقى الدم ويقول هكذا إلى السماء
ورويت عن الشيخ عبد الصمد عن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن
ان الأباني كان بعد ذلك يصيح من الحر في بطنه والبرد في ظهره وبين
يديه المراوح والثلج وخلفه الكانون وهو يقول أسقوني أهلكني العطش
فيؤتى بالعس فيه الماء واللبن والسويق يكفي جماعة فيشربه ثم يقول
أسقوني فما زال كذلك حتى انقدت بطنه كانقداد البعير ثم اقتطعوا العباس
عنه وأحاطوا به من كل جانب وقتلوه فبكى الحسين (ع) لقتله بكاءا
شديدا وقد قلت هذه الأبيات حين فرق بينهما سهم الشتات
53

حقيقا بالبكاء عليه حزنا * أبو الفضل الذي واسى أخاه
وجاهد كل كفار ظلوم * وقابل من ضلالهم هداه
فداه بنفسه لله حتى * تفرق من شجاعته عداه
وجادله على ظمأ بماء * وكان رضى أخيه مبتغاه
ثم إنه (ع) دعا الناس إلى البراز فتهافتوا إليه وانثالوا عليه فلم يزل
يقتل كل من برز إليه حتى اثر في ذلك الجيش الجم وهو يقول
القتل أولى من ركوب العار * والعار أولى من دخول النار
قال عبد الله بن عمار بن عبد يغوث ما رأيت مكثورا قط قد قتل
ولده وأهل بيته اربط جاشا منه وان كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه
فتنكشف عنه انكشاف المعزى شد فيها السبع وكانوا ثلاثين ألفا فيحمل
عليهم فينهزمون كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع إلى مقامه فكان عليه السلام
كما قال الشاعر
إذا الخيل جالت في القنا وتكشفت * عوابس لا يسئلن غير طعان
وكرت جميعا ثم فرق بينهما * سعى رمحه فيها بأحمر قان
فتى لا يلاقى الرمح إلا بصدره * إذا أرعشت في الحرب كف جنان
ولم يزل يقاتل حتى جاء شمر بن ذي الجوشن فحال بينه وبين رحله
فقال (ع) رحلي لكم عن ساعة مباح
فامنعوه جهالكم وطغاتكم وكونوا
في الدنيا أحرارا ان لم يكن لكم دين ويعز على محبي العترة الطاهرة
كيف تصير أموالهم فيئا للأمة الفاجرة والى المعني أشرت بشعري
54

المقول في آل الرسول
ولما طعنتم نازحين وضمكم * مقام به الجلد العزيز ذليل
وصرتم طعاما للسيوف ولم يكن * لما رمتموه منهج ووصول
وأموالكم فئ لآل أمية * وبدركم قد حان منه أفول
تيقنت ان الدين قد هان خطبه * وان المراعى للنبي قليل
فقال له شمر ما تقول يا بن فاطمة قال أقول انى أقاتلكم وتقاتلوني
والنساء ليس عليهن جناح قال لك ذلك ثم قصدوه (ع) بالحرب وجعلوه
شلوا من كثرة الطعن والضرب وهو يستقى شربة من ماء فلا يجد وقد
اصابته اثنتان وسبعون جراحه فوقف وقد ضعف عن القتال اتاه حجر
على جبهته هشمها ثم اتاه سهم له ثلاث شعب مسموم فوقع على قلبه فقال
بسم الله وعلى ملة رسول الله ثم رفع رأسه إلى السماء وقال الهى تعلم أنهم
يقتلون ابن بنت نبيهم ثم ضعف من كثرة انبعاث الدم بعد اخراج السهم
من وراء ظهره وهو ملقى في الأرض فكلما جاءه رجل انصرف عنه
كراهية ان يلقى الله بدمه فجاء مالك بن النثر فسبه وضربه بالسيف على
رأسه فقطع القلنسوة ووصل إلى رأسه فامتلأت دما فقال (ع) لا اكلت
بيمينك وحشرك الله مع الظالمين واستدعى قلنسوة فلبسها فلبثوا قليلا ثم
كروا عليه فخرج إليه عبد الله بن الحسن وهو غلام لم يراهق من عند
النساء يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين (ع) فلحقته زينب بنت علي (ع)
لتحبسه فامتنع امتناعا شديدا وقال لا أفارق عمي فاهوى بحر بن كعب
55

وقيل حرملة بن كاهل إلى الحسين فقال له الغلام ويلك يا بن الخبيثة أتقتل
عمي فضربه بالسيف فاتقاها بيده فبقيت على الجلد معلقة فنادي يا عماه
فاخذه وضمه إليه وقال يا بن اخى اصبر ما نزل بك واحتسب في ذلك
الخير فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين فرماه حرملة فذبحه فقال الحسين (ع)
اللهم ان متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض عنهم
ابدا وحمل الرجالة يمينا وشمالا على من بقي معه فقتلوهم فلم يبق معه سوى
ثلاثة نفر فلما رأى ذلك دعا بسراويل يلمع فيه البصر ففزره لئلا يسلب
بعد قتله فلما قتل سلبها بحر بن كعب فكانت يداه تيبسان في الصيف
كأنهما عودا وتترطبان في الشتاء فتنضحان دما وقيحا إلى أن هلك وجدير
بهذه الأمة لأخذهم على هذه المصيبة الغراء وان يكثر لها البكاء وانا
مورد ما سمحت به قريحتي من الشعر لعلمي بالمكافأة يوم الحشر بغلو السعر
لقد فتكت فيهم سهام أمية * وأصرعهم منها سيوف سوافك
وضاقت بهم رحب الفضاء فأصبحوا * بدوية بهماء فيها مهالك
وأمسوا بأرض الطف قتلى جواثما * كأنهم صرعى قلاص بوارك
فان عيون الباكيات سواكب * وان ثغور الشامتات ضواحك
ولما أثخن بالجراح ولم يبق فيه حراك أمر شمر ان يرموه بالسهام
وناداهم عمر بن سعد ما تنتظرون بالرجل وأمر سنان بن انس ان يحتز
رأسه فنزل يمشى إليه وهو يقول أمشي إليك واعلم انك سيد القوم وانك خير
الناس أبا واما فاحتز رأسه ورفعه إلى عمر بن سعد فاخذه فعلقه في لبب
56

فرسه وفي ذلك قلت
لقد فجع الدين الحنيف بما جرى * على السبط والهادي النبي سفيره
وأي امرئ يلقاه في عظم رزئه * غداة غدت كفا سنان تبيره
وهذا سنان اخذه المختار فقطع يديه ورجليه وأغلى قدرا ملئت زيتا
وطرحه فيه وهو حي قال هلال بن نافع انى لواقف في عسكر عمر بن سعد
إذ صرخ صارخ ابشر أيها الأمير قد قتل الحسين فبرزت بين الصفين
وانه ليجود بنفسه فوالله ما رأيت أحسن منه ولقد شغلني نور وجهه وجمال
هيبته عن الفكرة في قتله وطلب منهم ماء فقال له رجل والله لا تذوقه حتى ترد
الحامية فتشرب من حميمها فقال بل أرد على جدي رسول الله واسكن معه في
مقعد صدق عند مليك مقتدر واشرب من ماء غير آسن وأشكو
إليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي فغضبوا بأجمعهم حتى كأن الرحمة سلبت من قلوبهم
ورويت ان غاضرة بن فرهد قال إن أبا بكر الهذلي لما قتل
الحسين (ع) بكى حتى اختلج منكباه وقال وا ذلاه لامة قتل ابن دعيها
ابن نبيها ولما قتل مال الناس إلى سلبه ينهبونه فاخذ قطيفته قيس بن الأشعث
فسمي قيس القطيفة واخذ عمامته جابر بن يزيد وقيل أخنس بن مريد
ابن علقمة الحضرمي فاعتم بها فصار معتوها واخذ برنسه مالك بن بشير
الكندي وكان من خز واتى امرأته فقالت له أسلب الحسين (ع) يدخل بيتي
واختصما قيل لم يزل فقيرا حتى هلك واخذ قميصه إسحاق بن
حوية فصار أبرص وروي انه وجد في القميص مائة وبضع عشر ما بين
57

رمية وطعنة وضربة قال الصادق (ع) وجد به ثلاث وثلاثون طعنة
وأربع وثلاثون ضربة واخذ درعه البتراء عمر بن سعد واخذ خاتمه بجدل
بن سليم الكلبي وقطع إصبعه واخذ سيفه الفلافس النهشلي وقيل جميع
بن الحلق الأودي ثم اشتغلوا بنهب عيال الحسين ونسائه حتى تسلب
المراة مقنعتها من رأسها أو خاتمها من إصبعها أو قرطها من اذنها وحجلها من
رجلها وجاء من سنبس إلى ابنة الحسين (ع) وانتزع ملحفتها من
رأسها وبقين عرايا تراوجهن رياح النوائب وتعبث بهن اكف المصائب
قد غشيهن القدر النازل وساورهن الخطب الهائل ولما بلين بكل كفور
سفاك وظلوم فتاك وغشوم أفاك حسن الاستشهاد بشعر الحسن بن الضحاك
ومما شجا قلبي وكفكف عبرتي * محارم من آل النبي استحلت
ومهتوكة بالطف عنها سجونها * كعاب كقرن الشمس لما تبدت
إذا حفزتها وزعة من منازع * لها المرط غارت بالخضوع ورنت
وسرب ظباء من ذوابة هاشم * هتفن بدعوى خير حي وميت
أرد يدا منى إذا ما ذكرته * على كبد حرى وقلب مفتت
فلا بات ليلا شامتين بغبطة * ولا بلغت آمالها ما تمنت
ولما رأت امرأة من بني بكر بن وايل وقد توزعوا سلب النساء
قالت يا آل بكر أتسلب بنات رسول الله لا حكم الا لله يا لثارات
المصطفى فردها زوجها وخرج بنات سيد الأنبياء وقرة عين الزهراء حاسرات
مبديات للنياحة والعويل يندبن على الشباب والكهول وأضرمت النار
58

في الفسطاط فخرجن هاربات وهن كما قال الشاعر
فترى اليتامى صارخين بعولة * تحثو التراب لفقد خير إمام
وتقمن رباب الخدور حواسرا * يمسحن عرض ذوائب الأيتام
وترى النساء أراملا وثواكلا * تبكين كل مهذب وهمام
ومررن على جسد الحسين (ع) وهو معفر بدمائه مفقود من أحبائه فندبت
عليه زينب بصوت مشج وقلب مقروح يا محمداه صلى عليك مليك السماء
هذا حسين مرمل بالدماء مقطع الأعضاء وبناتك سبايا إلى الله المشتكى
والى علي المرتضى والى فاطمة الزهراء والى حمزة سيد الشهداء هذا حسين
بالعراء تسفي عليه الصبا قتيل أولاد الأدعياء وا حزناه وا كرباه اليوم مات
جدي رسول الله يا أصحاب محمداه هذا ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا
فأذابت القلوب القاسية والجبال الراسية قال الهروي الكاتب سمعت
منصور بن مسلمة الهروي ينشد ببغداد في شهر رمضان سنة إحدى عشر
وثلاثمائة شعرا من جملته
تصان بنت الدعي في كلل الملك * وبنت الرسول تبتذل
يرجى رضى المصطفى فواعجباه * تقتل أولاده ويحتمل
ثم نادى عمر بن سعد من ينتدب الحسين فيوطئ الخيل ظهره
فانتدب منهم عشرة وهم أسيد بن مالك وهاني بن ثبت الحضرمي وواخط
ابن ناعم وصالح بن وهب الجعفي وسالم بن خثيمة الجعفي ورجاء بن منقذ
العبدي وعمر بن صبيح الصيداوي وحكيم بن الطفيل السنبسي وأخنس
59

ابن مرثد وإسحاق بن حوية فوطأته خيولهم حتى رضوه وقال
بعض الشعراء
لسنا نبالي إذا أرواحنا نعمت * ماذا فعلتم بأجساد وأوصال
فلما دخلوا على عبيد الله قال أحد العشرة
نحن رضضنا الصدر بعد الظهر * بكل يعبوب شديد الأسر
قال من أنتم قالوا نحن وطأنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا حناجر
صدره فأمرهم بشئ يسير ويحق لي ان أترنم بأبياتي هذه ترنم الفاقدة
الثكول على بني الزهراء البتول
بنو أمية مات الدين عندهم * وأصبح الحق قد وارته أكفان
أضحت منازل آل السبط مقوية * من الأنيس فما فيهن سكان
بلؤا بمقتله ظلما فقد هدمت * لفقده من ذرى الاسلام أركان
رزية عمت الدنيا وساكنها * فالدمع من أعين الباكين هتان
لم يبق من مرسل يوما ولا ملك * إلا عرته صبابات وأحزان
وأسخطوا المصطفى الهادي بمقتله * فقلبه من رسيس الوجد ملان
قال أبو عمرو الزاهد سبرنا أحوال هؤلاء العشرة وجدناهم أولاد
الزنا والعشرة اخذهم المختار بن أبي عبيدة الثقفي فعذبهم حتى هلكوا
وذكر البلاذري ان رأس الحسين أول رأس حمل على خشبة عن ميمون
بن شيبان بن محرم وكان عثمانيا قال انا لنسير مع علي (ع) إذ اتى كربلاء
فقعد على تل فقال يقتل في هذا الموضع شهداء الاشهداء قال وثم حمار
60

ميت فقلت لغلامي خذ رجل الحمار أوتده في موضع مقعده الذي عينه
ومضينا وضرب الدهر ضربه فلما قتل الحسين (ع) انطلقنا انا وصاحبي
فإذا جثة الحسين على رجل الحمار وأصحابه مربضة حوله حدث أبو العباس
الحميري قال رجل من عبد القيس قتل اخوه مع الحسين (ع) فقال
يا فرو قومي فاندبي خير البرية في القبور
وابكى الشهيد بعبرة من فيض دمع ذي درور
ذاك الحسين مع التفجع والتأوه والزفير
قتلوا الحرام من الأئمة في الحرام من الشهور
وروي ابن رياح قال لقيت رجلا أعمى قد حضر قتل الحسين (ع)
فسئل عن ذهاب بصره قال كنت عاشر عشرة غير انى لم اضرب ولم
ارم فلما رجعت إلى منزلي وصليت فأتاني آت في منامي فقال أجب
رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت ما لي وله فاخذني يقودني إليه فإذا
هو جالس في صحراء حاسر عن ذراعيه آخذ بحربة وملك قائم بين يديه
وفي يده سيف من نار فقتل أصحابي فكلما ضرب ضربة التهبت أنفسهم
نارا فدنوت وجثوت بين يديه وقلت السلام عليك يا رسول الله فلم يرد
علي ومكث طويلا ثم رفع رأسه وقال يا عبد الله انتهكت حرمتي وقتلت
عترتي ولم ترع حقي فقلت يا رسول الله والله ما ضربت بسيف ولا طعنت
برمح ولا رميت بسهم قال صدقت ولكنك كثرت السواد ادن مني
فدنوت فإذا طشت مملوء دما فقال هذا دم ولدي الحسين فكحلني منه
61

فانتبهت لا أرى شيئا وذكر الخطيب في تاريخه والبلاذري في تاريخه ان
ابن عباس قال رأيت النبي فيما يرى النائم في نصف النهار وأشعث اغبر
وبيده قارورة فيها دم فقلت بابي أنت وأمي يا رسول الله ما هذه القارورة
قال دم الحسين لم أزل التقطه منذ اليوم فحفظ اليوم فإذا هو يوم قتله وفي
التاريخين المذكورين ان هذه الحمرة التي هي الشفق فلم تكن قبل
قتل الحسين (ع) وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إذا كان يوم
القيامة نصب لفاطمة قبة من نور ويقبل الحسين (ع) ورأسه في يده فإذا
رأته شهقت شهقة فلا يبقى في الموقف ملك ونبى إلا بكى لبكائها فيمثله
الله عز وجل في أحسن الصورة فيخاصم قتلته بلا رأس فيجمع الله لي
قتلته والمجهزين عليه ومن شرك في دمه فاقتلهم حتى آتي على آخرهم ثم
ينشرون فيقتلهم أمير المؤمنين (ع) وكذلك يفعل الحسن والأئمة (ع)
عن آخرهم ثم يكشف الله الغيظ وينسى الحزن وقال الصادق (ع) رحم الله شيعتنا شيعتنا والله المؤمنين فقد شركونا في المصيبة بطول الحزن
والحسرة وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إذا كان يوم القيامة جاءت
فاطمة في لمة أي جماعة من نسائها فيقال لها ادخلي الجنة فتقول لا ادخل
حتى اعلم ما صنع بولدي من بعدي فيقال لها انظري فتنظر إلى الحسين (ع)
قائما ليس عليه رأس فتصرخ وأصرخ لصراخها وتصرخ الملائكة
لصراخنا فتنادي يا ولداه قال فيغضب الله عز وجل لنا عند ذلك فيأمر نارا
اسمها هبهب قد أوقد عليها الف عام حتى اسودت لا يدخلها روح ولا يخرج
62

منها غم ابدا فيقال لها التقطي قتلة الحسين فتلتقطهم فإذا صاروا في حوصلتها
صهلت وصهلوا بها وشهقت وشهقوا بها وزفرت وزفروا بها فينطقون بالسن
ذلقة يا ربنا بما أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان فيأتيهم الجواب ان من
علم ليس كمن لم يعلم ورويت ان رأس الجالوت بن يهوذا قال ما مررت
مع يهوذا بكربلاء إلا وهو يركض دابته حتى يجاوزه فلما قتل الحسين جعل
يمر بها فقلت له فقال يا بني كنا نحدث انه سيقتل بكربلاء رجل من ولد نبي
فكنت أخاف أكون انا فلما قتل الحسين (ع) علمت أنه هو وروى
هذا الحديث محمد بن جرير الطبري في تاريخه عن العلاء بن أبي عائشة
عن رأس الجالوت عن يهوذا عن أبيه قال البلاذري في مختاره مطرت السماء
دما يوم قتله وما قلع حجر بالشام إلا وتحته دم عبيط قال عبد الملك بن
مروان للزهري أي رجل أنت ان أخبرتني أي علامة كانت يوم قتل
الحسين بن علي (ع) قال لا يرفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم
عبيط فقال عبد الملك انى وإياك في هذا الحديث غريبان ونحرت الإبل
التي كانت مع الحسين فلم يؤكل لحمها لأنه كان من الصبر وعن عبد الكريم
ابن يعفور الجعفي انه لما جعل اللحم في القدر صار نارا وكان مع
الحسين (ع) ورس وطيب فاقتسموه فلما صاروا إلى بيوتهم صار رمادا
وعن مشايخ طي قالوا وجد شمر بن ذي الجوشن في رحل الحسين (ع)
ذهبا فدفع بعضه إلى ابنته فدفعه إلى صائغ يصوغ منه حليا فلما ادخله
النار صار نحاسا وقيل نارا وما تطيب امرأة من ذلك الطيب إلا برصت
63

المقصد الثالث
في الأمور اللاحقة لقتله وشرح سبى ذريته وأهله
ثم إن عمر بن سعد أقام بقية يوم عاشوراء والثاني إلى الزوال ثم أمر
حميد بن بكير الأحمري فنادى في الناس بالرحيل إلى الكوفة وحمل معه
بنات الحسين وأخواته ومن معه من الصبيان وعلي بن الحسين عليهم السلام
مريض بالدرب قال قرة بن قيس التميمي نظرت إلى النسوة لما مررن
بالحسين (ع) صحن ولطمن خدودهن فاعترضتهن على فرس فما رأيت
منظرا من نسوة قط أحسن منهن ويحسن ايراد شعر السيد الحميري في
سبط النبي
امرر على جدث الحسين * وقل لأعظمه الزكية
يا أعظما لا زلت من * وطفاء ساكبة روية
وإذا مررت بقبره * فاطل به وقف الطية
وابك المطهر للمطهر * والمطهرة المتقية
كبكاء معولة أتت * يوما لواحدها المنية
ولقد أحسن عقبة بن عمر السهمي بقوله
إذا العين قرت في الحياة وأنتم
تخافون في الدنيا فأظلم نورها
64

مررت على قبر الحسين بكربلاء * ففاض عليه من دموعي غزيرها
فما زلت أرثيه وابكي لشجوه * ويسعد عيني دمعها وزفيرها
وبكيت من بعد الحسين عصائبا * أطافت به من جانبيها قبورها
سلام بآصال العشى وبالضحى * تؤديه نكباء الرياح ومورها
ولا برح الوفاد زوار قبره * يفوح عليهم مسكها وعبيرها
قال قرة بن قيس فلم انس قول زينب ابنة علي (ع) حين مرت
بأخيها صريعا وهي تقول يا محمداه صلى عليك مليك السماء هذا حسين بالعراء
مرمل بالدماء مقطع الأعضاء يا محمداه وبناتك سبايا وذريتك قتلى تسفى
عليهم الصبا فأبكت كل صديق وعدو ويحق لي ان أورد بيتين نظمتهما
ولهذا المعنى عملتها
يصلى الاله على المرسل * ويذكر في المحكم المنزل
ويغزى الحسين وأبنائه * وهذا من المعجب المعضل
ثم سرح رأس الحسين مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم
الأزدي إلى عبيد الله بن زياد وأمر برؤوس الباقين من أصحابه فنظفت
وكانت اثنين وسبعين رأسا وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن وقيس
بن الأشعث وعمرو بن الحجاج ولما انفصل الناس من كربلاء خرج قوم
من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية فصلوا على الجثث النبوية ودفنوها في
تلك التربة الزكية فلما قاربوا الكوفة كان عبيد الله بن زياد بالنخيلة وهي
العباسية ودخل ليلا ورويت ان النوار ابنة مالك زوجة خولي بن يزيد
65

الأصبحي قالت اقبل خولي برأس (ع) فدخل البيت فوضعه
تحت إجانة وآوى إلى فراشه فقلت ما الخبر قال جئتك بغناء الدهر برأس
الحسين قلت ويحك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس الحسين بن
رسول الله والله لا جمع راسي ورأسك ابدا ووثبت من فراشي
وقعدت عند الإجانة فوالله ما زلت انظر إلى نور مثل العمود يسطع من
السماء إلى الإجانة ورأيت طيورا بيضاء ترفرف حولها فلما أصبح غدا
بالراس إلى ابن زياد واجتمع الناس للنظر إلى سبى آل الرسول وقرة عين
البتول فأشرفت امرأة من الكوفة وقالت من أي الأسارى أنتن فقلن
نحن أسارى محمد صلى الله عليه وآله فنزلت وجمعت ملاءا وازارا ومقانع
وأعطتهن فتغطين وعلي بن الحسين عليهما السلام معهن والحسن بن الحسن
المثنى وكان قد نقل من المعركة وبه رمق ومعهم زيد وعمر ولدا الحسن (ع)
فجعل أهل الكوفة يبكون وروي إسحاق السبيعي عن خديم الأسدي
قال رأيت زين العابدين (ع) وهم يبكون فقال تبكون علينا ومن قتلنا
غيركم ورأيت زينب بنت علي (ع) فلم أر خفرة أنطق منها كأنما تفرغ
عن لسان أبيها فأومأت إلى الناس ان اسكتوا فسكنت الأنفاس وهدات
الأجراس فقالت الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم المرسلين
أما بعد يا أهل الختل والخذل أتبكون فلا راقت العبرة ولا هدأت الرنة
إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون ايمانكم
دخلا بينكم وان فيكم إلا الصلف النطف وذل العبد الشنف وملق الإماء
66

وغمز الأعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة الا ساء ما تزرون أي
والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا فلقد ذهبتم بعارها وبؤتم بشنارها
فلن ترحضوها بغل وانى ترحضون قتل من كان سليل خاتم النبوة ومعدن
الرسالة ومدرة حجتكم ومنار محجتكم وسيد شباب أهل الجنة يا أهل
الكوفة الا ساء ما قدمت لكم أنفسكم ان سخط الله عليكم وفي العذاب
أنتم خالدون أتدرون اي كبد لرسول الله فريتم وأي دم سفكتم وأي
كريمة أبرزتم لقد جئتم بها شوهاء خرقاء فلا يستخفنكم المهل فإنه لا تخفره
البدرة ولا يخاف فوت الثار وفي رواية فوت النار كلا انه لبالمرصاد
فضج الناس بالبكاء والنحيب قال الراوي ورأيت شيخا واقفا يبكى
ويقول بابى أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونساؤكم
خير النساء ونسلكم خير النسل لا يخزى ولا يبزى
وخطبت فاطمة الصغرى فقالت الحمد لله عدد الرمل والحصى وزنة
العرش إلى الثرى أحمده وأؤمن به وأتوكل عليه واشهد لا اله إلا الله
وأن محمدا عبده ورسوله وان ذبحوا بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات
اللهم إني أعوذ بك ان افترى عليك الكذب أو ان أقول خلاف
ما أنزلت عليه من اخذ العهود لوصيه علي بن طالب المقتول كما قتل ولده
بالأمس في بيت من بيوت الله فيه معشر مسلمة بألسنتهم تعسا لرؤوسهم
ما رفعت عنه ضيما في حياته وبعد وفاته حتى قبضته إليك محمود النقية طيب
العريكة معروف المناقب مشهور المذاهب لم تأخذه فيك لومة لائم زاهدا
67

في الدنيا مجاهدا في سبيلك فهديته إلى صراطك المستقيم أما بعد يا أهل الكوفة
يا أهل المكر والغدر والخيلاء فانا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم
بنا فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا فنحن عيبة علمه
أكرمنا بكرامته وفضلنا بمحمد نبيه صلى الله عليه على كثير ممن خلق
تفضيلا فكذبتمونا ورأيتم قتالنا حلالا وأموالنا نهبا كانا أولاد ترك
أو كابل فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت
أيديكم من أموالنا فكان العذاب قد حل بكم واتت نقمات إلا لعنة الله
على الظالمين تبا لكم يا أهل الكوفة أي ترات لرسول الله صلى الله عليه قبلكم
وذحول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب وافتخر مفتخر فقال
نحن قتلنا عليا وبني علي * بسيوف هندية ورماح
وسبينا نساءه سبى ترك * ونطحناهم فأي نطاح
بفيك الكثكث والأثلب افتخرت بقتل قوم زكاهم الله في كتابه
وطهرهم واذهب عنهم الرجس فاقع كما اقعى أبوك وإنما لكل امرئ
ما اكتسب أحسدتمونا على ما فضل الله به
فما ذنبنا ان جاش دهرا بحورنا * وبحرك ساج ما يواري الدعامصا
ذلك فضل الله يؤتيه يشاء ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور
فضج الموضع بالبكاء والحنين وقال حسبك يا ابنة الطيبين أحرقت
قلوبنا وأضرمت أجوافنا فسكتت
قال وخطبت أم كلثوم بنت علي عليه السلام من وراء كلة وقد غلب
68

عليها البكاء فقالت يا أهل الكوفة سوءة ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وسبيتم
نساءه ونكبتموه ويلكم أتدرون أي دواه دهتكم وأي وزر على ظهوركم
حملتم وأي كريمة أصبتموها وأي أموال انتهبتموها قتلتم خير رجالات
بعد النبي صلى الله عليه وآله الا ان حزب الله هم الفائزون وحزب
الشيطان هم الخاسرون ثم قالت
قتلتم أخي صبرا فويل لامكم * ستجزون نارا حرها يتوقد
سفكتم دماءا حرم الله سفكها * وحرمها القرآن ثم محمد
الا فأبشروا بالنار انكم غدا * لفى سقر حقا يقينا تخلدوا
وانى لأبكي في حياتي على اخى * على خير من بعد النبي سيولد
بدمع غزير مستهل مكفكف * على الخد منى ذايبا ليس يحمد
فضج الناس بالبكاء والنوح
ثم إن زين العابدين عليه السلام أومى إلى الناس ان اسكتوا وقام
قائما فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني
فانا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب انا ابن المذبوح بشط الفرات بغير ذحل
ولا ترات انا ابن من افتهك جريمة نعيمه وانتهب ماله وسبى عياله وقتل
صبرا وكفى بذلك فخرا فأنشدتكم الله هل تعلمون انكم كتبتم إلى أبي
وأعطيتموه العهد والميثاق فخذلتموه فتبا لما قدمتم وسوأة لرأيكم باية عين
تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إذ يقول قتلتم عترتي وانتهكتم
حرمتي فلستم من أمتي فارتفعت أصوات الناس من كل ناحية وقال
69

بعضهم لبعض هلكتم وما تعلمون فقال عليه السلام رحم الله امرأ قبل
نصيحتي ووصيتي في الله وفي رسوله وأهل بيته فإن لنا في رسول الله أسوة
حسنة فقالوا جميعا نحن سامعون مطيعون حافظون لذمامك زاهدين
فيك ولا راغبين عنك فمرنا بأمرك يرحمك الله فانا حرب لحربك وسلم
لسلمك لنأخذن يزيد ونبرا ممن ظلمك وظلمنا فقال عليه السلام هيهات
هيهات أيها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم أتريدون ان
تأتون إلي كما اتيتم إلى أبي من قبل كلا ورب الراقصات فإن الجرح
لما يندمل قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه ولم ينسني ثكل رسول الله
صلى الله عليه وآله وثكل أبي وبني أبي ووجده بين لهاتي ومرارته بين
حناجري وغصصه في فراش صدري ومسئلتي ان لا تكونوا لنا
ولا علينا ثم قال
غر وان قتل الحسين فشيخه * قد كان خيرا من حسين وأكرما
فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي * أصيب حسين كان ذلك أعظما
قتيل بنهر الشط روحي فداؤه * جزاء الذي أرداه نار جهنما
ثم قال (ع) رضينا منكم رأسا برأس فلا يوم لنا ولا علينا قال حميد
بن مسلم لما ادخل رهط الحسين (ع) على عبيد الله بن زياد لعنهما الله
اذن للناس اذنا عاما وجئ بالرأس فوضع بين يديه وكانت زينب بنت
علي عليه السلام قد لبست أردأ ثيابها وهي متنكرة فسأل عبيد الله عنها
ثلاث مرات وهي لا تتكلم قيل له انها زينب بنت علي بن أبي طالب فاقبل
70

عليها وقال الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم واكذب أحدوثتكم فقالت
الحمد الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وآله وطهرنا تطهيرا إنما يفتضح
الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا فقال كيف رأيت صنع الله باهل بيتك
قالت ما رأيت إلا جميلا هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا إلى
مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج
هبلتك أمك يا ابن مرجانة فغضب ابن زياد وقال له عمرو بن حريث انها امرأة
ولا تؤاخذ بشئ من منطقها فقال ابن زياد لقد شفاني الله من طغاتك
والعصاة المردة من أهل بيتك فبكت ثم قالت لقد قتلت كهلي وقطعت
فرعى واجتثثت أصلي فإن تشفيت بهذا فقد اشتفيت فقال عبيد الله هذه
سجاعة ولعمري كان أبوك شاعر سجاعا قالت إن لي عن السجاعة لشغلا
واني لاعجب ممن يشتفى بقتل أئمته ويعلم انهم منتقمون منه في آخرته وقد
سمحت قريحتي بهذا
يا أيها المتشفي في قتل أئمته * قلبي من الوجد على مثل الجمر
لا بلغتك الليالي ما تؤمله * منها وبل سداك المالح المقر
قوم هم الدين والدنيا فمن * قلاهم فمأويهم اذن سقر
لهم نبي الهدى جد وجدهم * يوم المعاد بنصر الله تنتصر
ثم قال لعلي بن الحسين عليه السلام من أنت قال علي بن الحسين
قال أليس قتل الله علي بن الحسين قال كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس
قال ابن زياد بل الله قتله فقال علي بن الحسين الله يتوفى الأنفس حين
71

موتها فغضب ابن زياد وقال وبك حراك لجوابي اذهبوا به فاضربوا عنقه
فتعلقت به زينب عمته وقالت حسبك من دمائنا فاعتنقته وقالت إن قتلته
فاقتلني معه فنظر إليها ابن زياد وقال عجبا للرحم لأظنها ودت ان نقتلها
معه دعوه ورويت ان انس بن مالك قال شهدت عبيد الله بن زياد وهو
ينكت بقضيب على لسان الحسين ويقول إنه كان حسن الثغر فقلت أم
والله لأسؤنك لقد رأيت رسول الله (ص) يقبل موضع قضيبك من فيه
وعن سعيد بن معاذ وعمر بن سهل انهما حضرا عبيد الله يضرب بقضيبه
انف الحسين وعينيه ويطعن في فمه فقال له زيد بن أرقم ارفع قضيبك انى
رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله واضعا شفتيه على موضع قضيبك ثم
انتحب باكيا فقال له ابكى الله عينيك يا عدو الله لولا انك شيخ قد
خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك فقال زيد لأحدثنك حديثا هو
أغلظ عليك من هذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله اقعد حسنا على فخذه
اليمنى وحسينا على فخذه اليسرى فوضع يده على يافوخ كل واحد منهما
وقال إني استودعكما وصالح المؤمنين فكيف كانت وديعتك لرسول
الله صلى الله عليه وآله ثم قام عبيد الله خطيبا وقال الحمد لله الذي أظهر
الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وحزبه وقتل الكذاب بن الكذاب
وشيعته فقام عبد الله بن عفيف الأزدي وكانت إحدى عينيه ذهبت
يوم الجمل والأخرى يوم صفين مع علي (ع) وقال يا بن مرجانة ان الكذاب
أنت وأبوك والذي ولاك أتقتلون أولاد النبيين وتتكلمون بكلام
72

الصديقين فامر به ابن زياد فمنعه الأزد وانتزعوه من أيدي الجلاوزة فاتى
منزله فقال ابن زياد اذهبوا إلى أعمى الأزد أعمى الله قلبه فاتوني به فلما
بلغ الأزد اجتمعوا وقبائل اليمن معهم فبلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل
مضر وضمهم إلى ابن الأشعث وأمره بالقتال فاقتتلوا وقتل بينهم جماعة
ووصل أصحاب عبيد الله إلى دار عبد الله بن عفيف فكسروا الباب
واقتحموا عليه فصاحت ابنته اتاك القوم من حيث تحذر فقال لا عليك
ناوليني سيفي فناولته فجعل يذب نفسه ويقول
انا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر * عفيف شيخي وابن أم عامر
كم دارع من جمعكم وحاسر
فقالت ابنته ليتني كنت رجلا أخاصم بين يديك هؤلاء الفجرة
قاتلي العترة البررة والقوم محدقون كلما جاؤه من جهة أشعرته وهو يذب
عن نفسه ويقول
أقسم لو فرج لي عن بصرى * ضاق عليكم موردي ومصدري
فتكاثروا عليه فأخذوه فقالت ابنته وا ذلاه يحاط بابى وليس له ناصر
وادخلوه على عبيد الله فقال الحمد لله الذي أخزاك فقال يا عدو الله
فماذا أخزاني
والله لو فرج لي عن بصري * ضاق عليكم موردي ومصدري
قال يا عدو الله ما تقول في عثمان فقال يا عبد بني علاج يا ابن مرجانة
ما أنت وعثمان أساء أم أحسن فقد لقى ربه وهو ولي خلقه يقضى بينهم
73

بالعدل ولكن سلني عن أبيك وعن يزيد وأبيه فقال له والله لا سألتك
عن شئ حتى تذوق الموت عطشا فقال الحمد لله رب العالمين أما انى كنت
اسال الله ربى ان يرزقني الشهادة قبل ان تدرك لتك وسيلته ان يجعلها على
يدي ألعن خلقه وابغضهم إليه فلما كف بصرى يئست من الشهادة والآن
فالحمد لله الذي رزقنيها بعد الياس فأمر ابن زياد فضرب عنقه وصلب
في السبخة ثم دعا بجندب بن عبد الله الأزدي وكان شيخا فقال يا عدو الله
الست صاحب أبي تراب قال بلى لا اعتذر منه قال ما أراني الا متقربا
إلى الله بدمك قال اذن لا يقربك الله منه بل يباعدك قال شيخ قد ذهب
عقله وخلي سبيله وبعث عبيد الله بن زياد إلى المدينة عبيد الله بن الحرث
السلمي وكان واليها إذ ذاك عمرو بن سعيد بن العاص وقال له لا يسبقنك
الخبر إليه قال فلقيني رجل قال ما الخبر قلت الخبر عند الأمير تسمعه فقال
انا لله قتل الحسين فدخلت على عمرو وقال ما وراءك فأخبرته فاستبشر
وأمر ان ينادي بقتله ثم تمثل ببيت عمرو بن معدي كرب الزبيدي
عجت نساء بني زياد عجة * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب
ويحسن ان أورد شعري هذا في معناه مسفها له في بشراه
يستبشرون بقتله وبسبه * وهم على دين النبي محمد
والله ما هم مسلمون وإنما * قالوا بأقوال الكفور الملحد
قد أسلموا خوف الردى وقلوبهم * طويت على غل وحقد مكمد
وروى أن يزيد بن معاوية بعث بمقتل الحسين إلى المدينة محرز بن
74

حريث بن مسعود الكلبي من بني عدى بن حباب ورجلا من بهراء
وكانا من أفاضل أهل الشام فلما قدما خرجت امرأة من بنات عبد المطلب
قيل هي زينب بنت عقيل ناشرة شعرها واضعة كمها على رأسها تتلقاهم
وهي تبكى وتقول
ماذا تقولون إذ قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وباهلي بعد مفتقدي * منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم * ان تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
قال شهر بن حوشب بينما انا عند أم سلمة إذ دخلت صارخة تصرخ
وقالت قتل الحسين قالت أم سلمة فعلوها ملا الله قبورهم نارا ووقعت مغشيا
عليها ونقلت عن تاريخ البلاذري انه لما وافى رأس الحسين عليه السلام
المدينة سمعت الواعية من كل جانب قال مروان بن الحكم
ضربت دوسر فيهم ضربة * أثبتت أوتاد حكم فاستقر
ثم اخذ ينكت وجهه بقضيب ويقول
يا حبذا بردك في اليدين * ولونك الأحمر في الخدين
كأنه بات بمجسدين * شفيت منك النفس يا حسين
ومما انفرد به النطنزي في كتاب الخصائص عن أبي ربيعة عن أبي
قبيل قيل سمع في الهواء بالمدينة قائل يقول
يا من يقول بفضل آل محمد * بلغ رسالتنا بغير توانى
قتلت شرار بني أمية سيدا * خير البرية ماجدا ذا شان
75

ابن المفضل في السماء وارضها * سبط النبي وهادم الأوثان
بكت المشارق والمغارب بعد ما * بكت الأنام له بكل لسان
ثم إن عبيد الله ابن زياد أمر بنساء الحسين (ع) وصبيانه فجهزوا
وأمر بعلي بن الحسين (ع) فغل إلى عنقه وسرح بهم مع مخفر بن ثعلبة
ابن مرة العايذي من عايذة قريش ومع شمر بن ذي الجوشن وأصحابهما
فروى النطنزي عن جماعة عن سليمان بن مهران الأعمش قال بينما انا في
الطواف أيام الموسم إذا رجل يقول اللهم اغفر لي وانا اعلم انك لا تغفر
فسألته عن السبب فقال كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين
إلى يزيد على طريق الشام فنزلنا أول مرحلة رحلنا من كربلاء على دير
للنصارى والرأس مركوز على رمح فوضعنا الطعام ونحن نأكل إذا بكف
على حائط الدير يكتب عليه بقلم حديد سطرا بدم
أترجو أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب
فجزعنا جزعا شديدا واهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغاب فعاد
أصحابي وعن مشايخ من بني سليم انهم غزوا الروم فدخلوا بعض كنايسهم
فإذا مكتوب هذا البيت فقالوا لهم منذ متى مكتوب قالوا قبل ان يبعث
نبيكم بثلاث مائة عام وحدث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه أنه قال غزونا
بلاد الروم فاتينا كنيسة من كنايسهم قريبة من قسطنطينية وعليها شئ
مكتوب فسألنا أناسا من أهل الشام يقرأون بالرومية فإذا هو مكتوب
هذا البيت وذكر أبو عمرو الزاهد في كتاب الياقوت قال قال عبد الله
76

ابن الصفار صاحب أبي حمزة الصوفي غزونا غزاة وسبينا سبيا وكان فيهم
شيخ من عقلاء النصارى فأكرمناه وأحسنا إليه فقال لنا اخبرني أبي عن
آبائه انهم حفروا في بلاد الروم حفرا قبل ان يبعث النبي العربي بثلاثمائة
سنة فأصابوا حجرا عليه مكتوب بالمسند هذا البيت من الشعر
أترجو عصبة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب
والمسند كلام أولاد شيث فانطلقوا جميعا فلما قربوا من دمشق دنت
أم كلثوم من شمر وقالت لي إليك حاجة قال ما هي قالت إذا دخلت
البلد فاحملنا في درب قليل النظارة وتقدم ان يخرجوا هذه الرؤوس من بين
المحامل وينحونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في
هذه الحال فامر بضد ما سألته بغيا منه وعتوا وسلك بهم على تلك الصفة
حتى وصلوا باب دمشق حيث يكون السبي ولقد اقرح فعله هذا حناجر
الصدور وأسخن عين المقرور حتى قلت شعري هذا من القلب الموتور
فوا أسفا يغزى الحسين ورهطه * ويسبي بتطواف البلاد حريمه
ألم يعلموا ان النبي لفقده * له عزب جفن ما يخف سجومه
وفي قلبه نار يشب ضرامها * وآثار وجد ليس ترسى كلومه
ولم يكن زين العابدين عليه السلام يكلم أحدا في الطريق حتى
بلغوا باب يزيد فروي عن روح بن زنباع الجذامي عن أبيه عن العذري
ابن ربيعة بن عمرو الجرشى قال انا عند يزيد بن معاوية إذ اقبل زحر بن
قيس المذحجي على يزيد فقال ويلك ما وراءك قال ابشر فتح الله ونصره
77

ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين رجلا من
شيعته فسرنا إليهم وسألناهم ان يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيد
الله أو القتال فاختاروا القتال على الاستسلام فعدونا عليهم من شروق
الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذ اخذت السيوف مأخذها
جعلوا يلجأون إلى غير وزر ويلوذون بالاكمام والحفر لوذا كما لاذ الحمام
من الصقر فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جزر جزور أو نومة قائل حتى
اتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة ووجوههم معفرة وثيابهم بالدماء
مرملة تصهرهم الشمس وتسفى عليهم الريح زوارهم العقبان والرخم بقاع
قرقر سبسب لا مكفنين ولا موسدين فقال كنت ارضى من طاعتكم بدون
قتله ونقلت من تاريخ دمشق عن ربيعة بن عمرو الجرشى قال انا عند
يزيد إذ سمعت صوت محفر يقول هذا محفرة بن ثعلبة اتى أمير المؤمنين باللئام
الفجرة فاجابه يزيد ما ولدت أم محفز شر والأم قال علي بن الحسين
عليهما السلام أدخلنا على يزيد ونحن اثنا عشر رجلا مغللون فلما وقفنا
بين يديه قلت أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله لو رآنا على هذه الحال
قال يا أهل الشام ما ترون في هؤلاء قال رجل لا تتخذن من كلب سوء
جروا فقال له النعمان بن بشير اصنع ما كان رسول الله يصنع بهم لو رآهم
بهذه الخيبة فقالت فاطمة بنت الحسين يا يزيد بنات رسول الله سبايا فبكى
الناس وبكى أهل داره حتى علت الأصوات فقال علي بن الحسين (ع)
وانا مغلول فقلت أتأذن لي في الكلام فقال قل ولا تقل هجرا قلت
78

لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلى ان يقول الهجر ما ظنك برسول الله لو رآني
في غل فقال لمن حوله حلوه ثم وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه
والنساء من خلفه لئلا ينظرن إليه فرآه علي (ع) فلم يأكل بعد ذلك الرأس
حدث عبد الملك بن مروان لما اتى يزيد برأس الحسين (ع) قال لو كان
بينك وبين ابن مرجانة قرابة لأعطاك ما سالت ثم أنشد يزيد
نفلق هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما
قال علي بن الحسين عليهما السلام ما أصاب من مصيبة في الأرض
ولا في أنفسهم إلا في كتاب من قبل ان نبراها ان ذلك على الله يسير
واما زينب فإنها لما رأت رأس الحسين (ع) أهوت إلى جيبها فشقته ثم
نادت بصوت حزين يقرح الكبد ويوهي الجلد يا حسيناه يا حبيب جده
الرسول ويا ثمرة فؤاد الزهراء البتول يا ابن بنت المصطفى يا ابن مكة ومنى
يا ابن علي المرتضى فضج المجلس بالبكاء ويزيد ساكت وهو بذاك شامت
ثم دعا بقضيب فجعل ينكت ثنايا الحسين فاقبل عليه أبو برزة الأسلمي
وقال ويحك أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة اشهد لقد رأيت النبي
صلى الله عليه وآله يرشف ثناياه وثنايا أخيه ويقول أنتما سيدا شباب أهل
الجنة فقتل الله قاتلكما ولعنه واعد له جهنم وساءت مصيرا فغضب يزيد
وأمر باخراجه سحبا وروي ان الحسن بن الحسن لما رآه يضرب بالقضيب
موضع فم رسول الله قال وا ذلاه
سمية امسى نسلها عدد الحصى * وبنت رسول الله ليس لها نسل
79

وكان قد دخل أهل الشام يهنونه بالفتح فقام منهم احمر
أزرق فنظر إلى فاطمة بنت الحسين وكانت وضيئة فقال يا أمير المؤمنين
هب لي هذه الجارية فقالت فاطمة لعمتها يا عمتاه أوتمت وأستخدم فقالت
زينب لا والله ولا كرامة لك ولا له إلا أن يخرج من ديننا فأعاد الأزرق
الكلام فقال له يزيد وهب الله لك حتفا قاطعا ثم تمثل بابيات ابن الزبعرى
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
فأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القوم من ساداتهم * وعدلناه ببدر فاعتدل
فقامت زينب بنت علي عليه السلام وقالت الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على رسوله وآله أجمعين صدق الله كذلك يقول (ثم كان عاقبة
الذين أساؤا السوأى ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن) أظننت
يا يزيد حيث اخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما
تساق الاسراء ان بنا على الله هوانا وبك على الله كرامة فشمخت بانفك
ونظرت إلى عطفك حين رأيت الدنيا ستوثقا حين صفا لك ملكنا
وسلطاننا فمهلا مهلا نسيت قوله تعالى (ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم
خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين) ثم تقول غير متأثم:
فأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل
متنحيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك
وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشافة بإراقتك دماء
80

الذرية الطاهرة وتهتف بأشياخك لتردن موردهم اللهم خذ بحقنا وانتقم لنا
من ظالمنا فما فريت الا جلدك ولا حززت إلا لحمك بئس للظالمين بدلا
وما ربك بظلام للعبيد فإلى الله المشتكى وعليه المتكل فوالله لا تمحو ذكرنا
ولا تميت وحينا والحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة ولآخرنا بالشهادة
ويحسن علينا الخلافة انه رحيم ودود فقال يزيد
يا صيحة تحمد من صوائح * ما أهون الموت على النوائح
ودعا يزيد الخاطب وأمره ان يصعد المنبر ويذم الحسين وأباه فصعد
وبالغ في ذم أمير المؤمنين والحسين سلام الله عليهما والمدح لمعاوية ويزيد
فصاح به علي بن الحسين (ع) ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة
المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار ولقد أجاد ابن سنان
الخفاجي بقوله
يا أمة كفرت وفي أفواهها * القرآن فيه ضلالها ورشادها
أعلى المنابر تعلنون بسبه
وبسيفه نصبت لكم أعوادها
تلك الخلائق بينكم بدرية * قتل الحسين وما خبت أحقادها
وكانت النساء مدة مقامهم بدمشق ينحن عليه بشجو وأنة ويندبن
بعويل ورنة ومصاب الاسرى عظم خطبه والاسى لكم الثكلى عال
طبه أو سكن في مساكن لا يقيهن من حر ولا برد حتى تقشرت الجلود
وسال الصديد بعد كن الخدور وظل الستور والصبر ظاعن والجزع مقيم
والحزن لهن نديم ووعد يزيد لزين العابدين عليه السلام بقضاء ثلاث
81

حاجات وعن أبي عبد الرحمن بن عبد الله بن عقبة بن لهيعة الحضرمي عن
أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال لقيني رأس الجالوت بن يهوذا فقال
والله ان بيني وبين داود سبعين أبا واليهود تلقاني فتعظمني وأنتم ليس
بين ابن النبي وبينه إلا أب واحد قتلتم ولده وكان يزيد يتخذ مجالس
الشراب واللهو والقيان والطرب ويحضر رأس الحسين بين يديه فحضر
مجلسه رسول ملك الروم وكان من اشرافهم فقال يا ملك العرب هذا رأس
من قال مالك ولهذا الرأس قال إني إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن
كل شئ شاهدته فأحببت ان اخبره بقضية هذا الرأس وصاحبه ليشاركك
في الفرح والسرور قال هذا رأس الحسين بن علي قال ومن أمه قال فاطمة
بنت رسول الله فقال النصراني أف لك ولدينك لي دين أحسن من
دينكم ان أبي من حفدة داود عليه السلام وبيني وبينه آباء كثيرة
والنصارى يعظمون قدري ويأخذون من تراب قدمي تبركا باني من
الحوافد وقد قتلتم ابن بنت نبيكم وليس بينه وبينه إلا أم واحدة فقبح
الله دينكم ثم قال ليزيد ما اتصل إليك حديث كنيسة الحافر قال قل قال
بين عمان والصين بحر مسيرة سنة فيه جزيرة ليس بها عمران إلا بلدة
واحدة في الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين ما على وجه الأرض مدينة
مثلها منها يحمل الكافور والعنبر والياقوت أشجارها العود وهي في اكف
النصارى فيها كنايس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقة ذهب
معلقة فيها حافر حمار ويقولون كان يركبه عيسى (ع) وحول الحقة مزين
82

بأنواع الجواهر والديباج يقصدها في كل عام عالم من النصارى وأنتم
تقتلون ابن بنت نبيكم لا بارك الله فيكم ولا في دينكم فقال يزيد اقتلوه لئلا
يفضحني في بلاده فلما أحس بالقتل قال تريد ان تقتلني قال نعم قال اعلم
انى رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول يا نصراني أنت من أهل الجنة
فتعجبت من كلامه وانا اشهد ان لا اله إلا الله وأن محمدا رسوله ثم نهض
إلى الرأس فضمه إلى صدره وقبله وبكى ورأت سكينة في منامها
وهي بدمشق كان خمسة نجب من نور قد أقبلت وعلى كل نجيب شيخ
والملائكة محدقة بهم ومعهم وصيف يمشى فمضى النجب واقبل الوصيف
إلي وقرب مني وقال يا سكينة ان جدك يسلم عليك فقلت وعلى رسول الله
السلام يا رسول رسول الله من أنت قال وصيف من وصايف الجنة فقلت
من هؤلاء المشيخة الذين جاؤوا على النجب قال الأول آدم صفوة الله
والثاني إبراهيم خليل الله والثالث موسى كليم الله والرابع عيسى روح
الله فقلت من هذا القابض على لحيته يسقط مرة ويقوم أخرى فقال جدك
رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت وأين هم قاصدون قال إلى أبيك
الحسين فأقبلت أسعى في طلبه لأعرفه ما صنع بنا الظالمون بعده فبينما انا
كذلك إذ أقبلت خمسة هوادج من نور في كل هودج امرأة فقلت من
هذه النسوة المقبلات قال الأولى حواء أم البشر والثانية آسية بنت مزاحم
والثالثة مريم بنت عمران والرابعة خديجة بنت خويلد والخامسة الواضعة
يدها على رأسها تسقط مرة وتقوم أخرى فقلت من فقال جدتك فاطمة
83

بنت محمد أم أبيك فقلت والله لأخبرنها ما صنع بنا فلحقتها ووقفت بين
يديها أبكي وأقول يا أمتاه جحدوا والله حقنا يا أمتاه بددوا والله شملنا
يا أمتاه استباحوا والله حريمنا يا أمتاه قتلوا والله الحسين ابانا فقالت كفى
صوتك يا سكينة فقد أقرحت كبدي وقطعت نياط قلبي هذا قميص أبيك
الحسين معي لا يفارقني حتى القى الله به ثم انتبهت واردت كتمان ذلك
المنام وحدثت به أهلي فشاع بين الناس ودعا يزيد يوما بعلي بن الحسين
وعمر بن الحسن وكان عمر صغيرا فقال له أتصارع ابني خالد فقال لا
ولكن اعطني سكينا واعطه سكينا ثم أقاتله فقال يزيد ما تتركون عداوتنا
صغارا وكبارا ثم قال
شنشنة أعرفها من أحزم * هل تلد الحية إلا حية
وخرج يوما زين العابدين عليه السلام يمشى في أسواق دمشق فلقيه
المنهال بن عمرو فقال كيف أمسيت يا ابن رسول الله قال أمسينا كمثل بني إسرائيل
في آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نسائهم يا منهال أمست
العرب تفتخر على العجم بان محمدا وأمست قريش تفتخر على سائر
العرب بان محمدا منها وأمسينا معشر أهل بيته ونحن مقتولون مشردون
فانا لله وانا إليه راجعون مما أمسينا فيه يا منهال ولله در مهيار بقوله في العترة
الطاهرة
يعظمون له أعواد منبره * وتحت أرجلهم أولاده وضعوا
باي حكم بنوه يتبعونكم * وفخركم انكم صحب له تبع
84

ثم قال يزيد لعلي بن الحسين وعدتك بقضاء ثلاث حاجات اذكرها
فقال الأولى تريني وجه سيدي الحسين عليه السلام لا تزود والثانية
ترد علينا ما اخذ منا لأن فيه مغزل فاطمة وقميصها وقلادتها والثالثة ان
كنت عزمت على قتلي فوجه مع النسوة من يوصلهن إلى حرم جدهن قال
أما وجه أبيك فلن تراه ابدا وأما قتلك فقد عفوت عنك فما يوصلهم إلى
المدينة غيرك وأمر برد المأخوذ وزاد عليه مائتي دينار ففرقها زين
العابدين عليه السلام على الفقراء والمساكين ثم أمر يزيد بمضي الأسارى
إلى أوطانهم مع نعمان بن بشير وجماعة معه إلى المدينة وأما الرأس الشريف اختلف الناس فيه قال قوم ان عمرو بن سعيد دفنه بالمدينة وعن منصور
ابن جمهور انه دخل خزانة يزيد بن معاوية لما فتحت وجد به جونة حمراء
فقال لغلامه سليم احتفظ بهذه الجونة فإنها كنز من كنوز بني أمية فلما
فتحها إذا فيها رأس الحسين عليه السلام وهو مخضوب بالسواد فقال لغلامه
آتني بثوب فاتاه فلفه ثم دفنه بدمشق عند باب الفراديس عند البرج
الثالث مما يلي المشرق وحدثني جماعة من أهل مصر ان مشهد الرأس
عندهم يسمونه مشهد الكريم عليه من الذهب شئ كثير يقصدونه في المواسم
ويزورونه ويزعمون انه مدفون هناك والذي عليه المعول من الأقوال انه
أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه ولقد أحسن نايح
هذه المرثية في فادح هذه الرزية
رأس بن بنت محمد ووصيه * للناظرين على قناه يرفع
85

والمسلمون بمنظر وبمسمع * لا منكر فيهم ولا متفجع
كحلت بمنظرك العيون عماية * واصم رزأك كل اذن تسمع
أيقضت أجفانا وكنت لها كرى * وأنمت عينا لم تكن بك تهجع
ما روضة الا تمنت انها * لك حفرة ولخط قبرك مضجع
ولما مر عيال الحسين (ع) بكربلاء وجدوا جابر بن عبد الله
الأنصاري رحمة الله عليه وجماعة من بني هاشم قدموا لزيارته في وقت
واحد فتلاقوا بالحزن والاكتياب والنوح على هذا المصاب المقرح لأكباد
الأحباب وناحت عليه الجن وكان نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه
وآله منهم المسور بن مخرمة ورجال يستمعون النوح ويبكون وذكر
صاحب الذخيرة عن المحشر عن عكرمة انه سمع ليلة قتله بالمدينة مناد
يسمعونه ولا يرون شخصه
أيها القاتلون جهلا حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء تبكى عليكم * من نبي وملائك وقبيل
قد لعنتم على لسان ابن داو * د وموسى وصاحب الإنجيل
وروى أن هاتفا سمع بالبصرة ينشد ليلا
ان الرماح الواردات صدورها * نحو الحسين تقاتل التنزيلا
ويهللون بان قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا
فكأنما قتلوا أباك محمدا * صلى عليه الله أو جبريلا
وعن أم سلمة قالت ما سمعت نوح الجن على أحد منذ قبض رسول
86

الله صلى الله عليه وآله حتى قتل الحسين (ع) فسمعت قائلة تنوح
إلا يا عين فاحتملي بجهدي * ومن يبكى على الشهداء بعدى
على رهط تقودهم المنايا * إلى متجبر في الملك عبد
وعن أبي حباب لما قتل الحسين عليه السلام ناحت عليه الجن
فكان الجصاصون يخرجون بالليل إلى الجبانة فيسمعون الجن يقولون
مسح النبي جبينه * فله بريق بالخدود
وأبوه من أعلى قريش * وجده خير الجدود
وناحت عليهن الجن فقالت
لمن الأبيات بالطف على كره بنينا * تلك أبيات الحسين يتجاوبن رنينا
وذكر ابن الجوزي في كتاب النور في فضائل الأيام والشهور نوح
الجن عليه فقالت
لقد جئن نساء الجن يبكين شجيات
ويلطمن خدودا كالدنانير نقيات
ويلبسن ثياب السود بعد القصبيات
وعن أبي السدى عن أبيه قال كنا غلمة نبيع البر في رستاق كربلا
بعد مقتل الحسين (ع) فنزلنا برجل طئ فتذاكرنا قتلة الحسين ونحن
على الطعام وانه ما بقي من قتله الا من اماته الله ميتة سوء وقتله قتلة سوء
والشيخ قائم على رؤوسنا فقال هذا كذبكم يا أهل العراق والله انني لمن
87

شهد قتل الحسين وما بها أكثر مالا منى ولا اثرى فرفعنا أيدينا من الطعام
والسراج تتقد بالنفط فذهبت الفتيلة تنطفئ فجاء يحركها بإصبعه فأخذت
إصبعه فاهوى بها إلى فيه فأخذت النار لحيته فبادر إلى الماء ليلقى نفسه
فيه فلقد رايته يلتهب حتى صار حممة ولما اجتمع عبيد الله بن زياد وعمر
ابن سعد بعد قتل الحسين (ع) قال عبيد الله لعمر اتنى بالكتاب الذي
كتبته إليك في معنى قتل الحسين ومناجزته فقال ضاع قال لتجيئني به
أتراك معتذرا في عجائز قريش قال عمر والله لقد نصحتك في الحسين
نصيحة لو استشارني بها أبي سعد كنت قد أديت حقه فقال عثمان بن زياد
أخو عبيد الله بن زياد صدق والله لوددت انه ليس من بني زياد رجل
إلا وفي انفه خزامة إلى يوم القيامة وان حسينا لم يقتل قال عمر بن سعد
والله ما رجع أحد بشر مما رجعت أطعت عبيد الله وعصيت الله وقطعت
الرحم ورويت إلى ابن عائشة قال مر سليمان بن قتيبة العدوي ومولى بني
تميم بكربلاء بعد قتل الحسين عليه السلام بثلاث فنظر إلى مصارعهم
فاتكا على فرس له عربية وانشا
مررت على أبيات آل محمد * فلم أرها أمثالها يوم حلت
ألم تر ان الشمس أضحت مريضة * لفقد حسين والبلاد اقشعرت
وكانوا أرجاءا ثم اضحوا رزية * لقد عظمت تلك الرزايا وجلت
وتسألنا قيس فنعطي فقيرها * وتقتلنا قيس إذا النعل زلت
وعند غني قطرة من دمائنا * سنطلبهم يوم بها حيث حلت
88

فلا يبعد الله الديار وأهلها * وان أصبحت منهم برغم تخلت
فإن قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقاب المسلمين فذلت
وقد اعولت تبكى النساء لفقده * وأنجمنا ناحت عليه وصلت
وقيل الأبيات لأبي الرمح الخزاعي حدث المرزباني قال دخل أبو الرمح
إلى فاطمة بنت الحسين بن علي عليهم السلام فأنشدها مرثية في الحسين (ع) وقال
أجالت على عيني سحائب عبرة * فلم تصح الدمع حتى ارمعلت
تبكى على آل النبي محمد * وما أكثرت في الدمع لا بل أقلت
أولئك قوم لم يشيموا سيوفهم * وقد نكأت أعداؤهم حين سلت
وان قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقابا من قريش فذلت
فقالت فاطمة يا أبا رمح أهكذا تقول قال فكيف أقول جعلني فداك
قالت قل (أذل رقاب المسلمين فذلت)
فقال لا انشدها بعد اليوم إلا هكذا قالت الرواة كنا إذ اذكرنا
عند محمد بن علي الباقر عليهما السلام قتل الحسين (ع) قالوا قتلوا سبعة
عشر انسانا كلهم ارتكض من بطن فاطمة بنت أسد أم علي عليه السلام
والى هذا أشار شاعرهم يقول
واندبى تسعة لصلب علي * قد أصيبوا وستة لعقيل
وابن عم النبي عونا أخاهم * ليس فيما ينوبهم بخذول
وسمى النبي غودر فيهم * قد علوه بصارم مسلول
ولما رجع صحب آل الرسول من السفر بعد طول الغيبة وعدم
89

الظفر لفقد حملة الكتاب وحماة الأصحاب وقد خلفوا للسبط مفترشا
للتراب بعيدا من الأحباب بقفرة بهماء وتنوفة شوهاء لا سمير لمناجيها
ولا سفير لمفاجيها وأعينهم باكية ليتم البقية الزاكية فأسفت إلا أكون
رائد اقدامهم ورافد خدى لموطئ اقدامهم وقلت هذه الأبيات بلسان
حالي ولسان حالهم
ولما وردنا ماء يثرب بعدما * اسلنا على السبط الشهيد المدامعا
ومدت لما نلقاه من ألم الجوى * رقاب المطايا واستكانت خواضعا
وجرع كأس الموت بالطف أنفسا * كراما وكانت للرسول ودايعا
وبدل سعد الشم من آل هاشم * بنحس فكانوا كالبدور طوالعا
وقفنا على الاطلال نندب أهلها * أسى وتبكى الخاليات البلاقعا
فلما وصل زين العابدين (ع) إلى المدينة نزل وضرب فسطاطه
وانزل نساءه وأرسل بشير بن حذلم لاشعار أهل المدينة بإيابه مع أهله
وأصحابه فدخل وقال
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها * قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلاء مضرج * والرأس منه على القناة تدار
ثم قال هذا علي بن الحسين عليهما السلام قد نزل بساحتكم وحل
بعقوتكم وانا رسوله أعرفكم مكانه فلم يبق في المدينة مخدرة ولا محجبة
إلا برزت وهن بين باكية ونائحة ولاطمة فلم ير يوم أمر على أهل المدينة
منه وخرج الناس إلى لقائه واخذوا المواضع والطرق قال بشير فعدت
90

إلى باب الفسطاط وإذا هو قد خرج وبيده خرقة يمسح بها دموعه وخادم
معه كرسي فوضعه وجلس وهو مغلوب على لوعته فعزاه الناس فأومى إليهم
ان اسكتوا فسكنت فورتهم
فقال الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين بارئ الخلائق أجمعين
الذي بعد فارتفع في السماوات العلى وقرب فشهد النجوى نحمده على عظائم
الأمور وفجائع الدهور وجليل الرزء وعظيم المصائب أيها القوم ان
الله وله الحمد ابتلانا بمصيبة جليلة وثلمة في الاسلام عظيمة قتل أبو عبد الله
وعترته وسبى نسائه وصبيته وداروا برأسه في البلدان من فوق عالي السنان
أيها فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله أم أي عين تحبس دمعها
وتصن عن انهمالها فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار والسماوات
والأرض والأشجار والحيتان والملائكة المقربون وأهل السماوات أجمعون
أيها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله أم أي فؤاد لا يحن إليه أم أي سمع
يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام أيها الناس أصبحنا مطرودين
مشردين مذودين شاسعين كأنا أولاد ترك أو كابل من غير جرم اجترمناه
ولا مكروه ارتكبناه ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ان هذا إلا اختلاق
والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاة بنا لما زادوا
على ما فعلوه فانا لله وانا إليه راجعون فقام إليه صوخان بن صعصعة بن
صوحان وكان زمينا فاعتذر إليه فقبل عذره وشكر له وترحم على أبيه
ثم دخل زين العابدين (ع) وجماعته دار الرسول فرآها مقفرة الطلول خالية
91

من سكانها خالية بأحزانها قد غشيها القدر النازل وساورها الخطب
الهايل وأطلت عليها عذبات المنايا وظلتها جحافل الرزايا وهي موحشة
العرصات لفقد السادات للهام في معاهدها صياح وللرياح في محو آثارها
الحاح ولسان حالها يندب ندب الفاقدة وتذرى دمعا من عين ساهدة، وقد
جالت عواصف النعامى والدبور، في تلك المعالم والقصور، وقالت
يا قوم أسعدوني بإسالة الغروب، على المقتول المسلوب، وعلى الأزكياء
من عترته، والأطائب من امرته، فقد كنت آنس بهم في الخلوات،
واسمع تهجدهم في الصلوات، فذوي غصني المثمر، واظلم ليلى المقمر،
فما يحف جفني من التهيام، ولا يقل قلقي لذلك الغرام، وليتني حيث فاتتني
المواساة عند النزال، وحرمت معالجة تلك الأهوال، كنت
لأجسادهم الشريفة مواريا، وللجثث الطواهر من ثقل الجنادل واقيا،
لقد درست باندراسهم سنن الاسلام، وجفت لفقدهم مناهل الانعام،
وانمحت آثار التلاوة والدروس، وعطلت مشكلات الطروس، فوا أسفا
على خيبة بعد انهدام أركانه، وواعجبا من ارتداد الدهر بعد ايمانه،
وكيف لا اندب الطلال الدوارس، وأوقظ الأعين النواعس، وقد كان
سكانها سماري، في ليلى ونهاري، وشموسي وأقماري، أبية على الأيام
بجوارهم، واتمتع بوطئ اقدامهم وآثارهم، وأشرف على البشر يسيرهم
وانشق ريا العبير من نشرهم، فكيف يقل حزنى وجزعي، ومخمد حرقي
وهلعي،
92

قال جعفر بن محمد بن نما مصنف هذا الكتاب وقد رثيتها بأبياتي هذه
للدار وجعلتها خاتمة ما قلته من الاشعار
وقفت على دار النبي محمد * فألفيتها قد اقفرت عرصاتها
وأمست خلاءا من تلاوة قارئ * وعطل منها صومها وصلاتها
وكانت ملاذا للعلوم وجنة * من الخطب يغشى المعتقين صلاتها
فأقوت من السادات من آل هاشم * ولم يجتمع بعد الحسين شتاتها
فيعني لقتل السبط عبرى ولوعتي * على فقده ما تنقضي زفراتها
فيا كبدي كم تصبرين على الأذى * اما آن ان يغنى اذن حسراتها
فلذ أيها المفتون بهذا المصاب ملاذ الحماة من سفرة الكتاب بلزوم
الأحزان على أئمة الايمان فقد رويت عن والدي رحمة الله عليه ان زين
العابدين عليه السلام كان مع حلمه الذي لا توصف به الرواسي وصبره
الذي لا يبلغه الخل المواسى شديد الجزع والشكوى لهذه المصيبة والبلوى
بكى أربعين سنة بدم مسفوح وقلب مقروح يقطع نهاره بصيامه وليله
بقيامه فإذا أحضر الطعام لافطاره ذكر قتلاه وقال وا كرباه ويكرر ذلك
ويقول قتل ابن رسول الله جائعا قتل ابن الله عطشانا حتى يبل
ثيابه قال أبو حمزة الثمالي سئل عليه السلام عن كثرة بكائه فقال إن
يعقوب فقد سبطا من أولاده فبكى عليه حتى ابيضت عيناه وابنه حي في
الدنيا ولم يعلم أنه مات وقد نظرت إلى أبي وسبعة عشر من أهل بيتي
قتلوا في ساعة واحدة فترون حزنهم يذهب من قلبي
93

(وقد ختمت كتابي هذا بابيات ابن زيدون المغربي فهي)
(تنفذ في كبد المحزون نفوذ السمهري)
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا * شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
تكاد حين تناجيكم ضمائرنا * يقضى الأسى لولا تأسينا
حالت لبعدكم أيامنا فغدت * سودا وكانت بكم بيضا ليالينا
ليسق عهدكم عهد السرور فما * كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم * ثوبا من الحزن لا يبلى ويبلينا
ان الزمان الذي قد كان يضحكنا * انسا بقربكم قد عاد يبكينا
غيظ العدى من تساقين الهوى فدعوا
بان نغص فقال الدهر آمينا
فانحل ما كان معقودا بأنفسنا * وانبت ما كان موصولا بأيدينا
ولا نكون ولا يخشى تفرقنا * واليوم نحن ولا يرجى تلاقينا
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا * أن طال ما غير النأي المحبينا
وما طلبت أهواؤنا بدلا منكم * ولا انصرفت عنكم أمانينا
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم * رأيا ولم نتقلد غيره دينا
يا روضة طال ما أجنت لواحظنا * وردا جلاه الصبي غضا ونسرينا
ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا * من لو على البعد حيا كان يحيينا
لسنا نسميك اجلالا وتكرمة * وقدرك المعتلى في ذاك يكفينا
إذا انفردت وما شوركت في صفة * فحسبنا الوصف ايضاحا وتبيينا
94

لم نجف أفق كمال أنت كوكبه * سالين عنه ولم نهجره قالينا
عليك منا سلام الله ما بقيت * صبابة بك نخفيها فتخفينا
والى ها هنا انتهت مقاصدنا وعلى الله جل جلاله في المكافاة معتمدنا
وإليه ملاذنا ومردنا ونسأله أن لا يخلى قاريه ومستمعيه من لطفه ويقرينا
وإياهم من عفوه وعطفه ويجعل حزننا عليهم وجزعنا لهم دائما لا يتغير
وعرفا لا يتنكر حتى نلقى محمدا صلى الله عليه وآله وقد واسيناه في أهل
بيته بالمصاب والبعد عن ظالميهم والاغتراب وإن كان فينا من استهوته
الغفلة واستغوته الإساءة عن لبس شعار الأحزان وإسالة الدمع الهتان حتى
فارق هذا المقام ويداه صفر من عطائك خالية من رجائك فاسهم اللهم له
من ثواب الباكين ما يوصله إلى درجة الخاشعين واحشرنا مع النبيين
والمرسلين والصديقين وفي زمرة الشهداء والصالحين وآخر دعوانا ان الحمد
لله رب العالمين.
95