الكتاب: عدة الداعي
المؤلف: ابن فهد الحلي
الجزء:
الوفاة: ٨٤١
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: تصحيح : احمد الموحدي القمي
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مكتبة وجداني - قم
ردمك:
ملاحظات:

عدة الداعي
ونجاح الساعي
كتاب: علمي، ديني، أخلاقي، عبادي
لمؤلفه: أحمد بن فهد الحلي
المتوفى سنة 841 هجري
صححه وعلق عليه احمد الموحدي القمي
يطلب من مكتبة الوجداني بقم
حق الطبع بهذه الصورة الموشحة والفهارس وغيرها محفوظ للمصحح
1

بسمه تعالى شانه
لما كان كتاب (عدة الداعي) لمؤلفه العالم الكامل أحمد بن فهد الحلي (ره)
كتاب وحيدا في موضوعه وقد اعتمد عليه فحول الرجال وكان مستغنيا عن التوصيف
والتمجيد ولا يزال تحن إليه قلوب الطالبين، ولكن كان صعب التناول للمراجعين
لفقدانه علامة يهتدى بها إلى مطالبه والى اخباره المستشهدة بها لمسألة عمدنا إليه
على قدر وسعنا ففصلنا كل باب منه فصولا عديدة وجعلنا عنوان كل منها مرتسما فوق
الصحيفة، ثم ذيلناه بما يفسر بعض لغاته ومطالبه الغامضة.
مقتبسا من الكتب المتناسبة لذلك مع كلام حول المؤلف قدام الكتاب وفهرس
لمطالبه في آخره.
ولقد قابلناه بنسخ متعددة مصححة بعضها مخطوط وبعضها مطبوع بعون الله
الملك الوهاب.
(احمد الموحدي القمي)
3

بسمه تعالى
كلام حول المؤلف
ترجمة المؤلف:
هو أبو العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلى الأسدي (1) وهو غير أبى العباس
الحنفي المتوفى سنة: 672. (2)، وغير الشيخ العلامة النحرير شهاب الدين أحمد بن
فهد بن إدريس الأحسائي وان اتفق توافقهما في العصر والاسم، والنسبة إلى فهد الذي
هو جد في الأول (المترجم) وأب في الثاني ظاهرا (3)
ومن غريب الاتفاق ان لكل منهما شرح على (ارشاد) العلامة (4).
شخصيته العلمية والعملية:
له من الاشتهار بالفضل والاتقان والذوق والعرفان والزهد والأخلاق والخوف
والاشفاق، وغير أولئك من جميل السياق ما يكفينا مؤنة التعرف ويغنينا عن مرارة
التوصيف وقد جمع بين المعقول والمنقول والفروع والأصول والقشر واللب واللفظ
والمعنى والظاهر والباطن والعلم والعمل بأحسن ما كان يجمع ويكمل (5) حكى انه
رأى في الطيف أمير المؤمنين (ع) اخذا بيد السيد المرتضى (رضي الله عنه) يتما شيان

(1) (الكنى والألقاب للقمي) ج 1 ص 380 ط نجف.
(2) (مقتبس الأثر) ج 3 ص 209
(3) (روضات) ج 1 ص 71 ط طهران
(4) (الكنى والألقاب).
(5) (روضات).
5

في الروضة المطهرة الغروية وثيابهما من الحرير الأخضر، فتقدم الشيخ (أحمد بن فهد)
وسلم عليهما فأجاباه فقال لسيد له: اهلا بناصرنا أهل البيت، ثم سأله السيد عن تصانيفه
فلما ذكر هاله قال السيد: صنف كتابا مشتملا على تحرير المسائل وتسهيل الطرق والد لائل
واجعل مفتتح ذلك بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المقدس بكماله عن مشابهة
المخلوقات.
فلما انتبه الشيخ شرع في تصنيف كتاب (التحرير) وافتتحه بما ذكره السيد (1)
وقد كان أحد تلامذته وهو السيد محمد الموسوي الملقب بالمهدي (يأتي ذكره
بعيد هذا) مشتهرا بمعرفة العلوم الغريبة، وانه قد اخذ ذلك كله من أستاذه ابن فهد
الحلى المذكور. (2)
وان المترجم (ره) ناظر أهل السنة في زمان الميرزا اسبند التركان في الإمامة
- قد كان والى على عراق العرب - فتصدى لاثبات مذهبه، وابطال مذاهب أهل السنة
وغلب على جميع علماء أهل العراق، فغير الميرزا مذهبه وخطب باسم أمير المؤمنين
وأولاده الأئمة عليهم السلام. (3)
مشايخه في الرواية:
وله الرواية بالقراءة والإجازة عن جملة من تلامذة الشهيد الأول وفخر المحققين:
كالشيخ مقداد السيوري، وعلي بن خازن الحائري، وابن المتوج البحراني وعن السيد
الجليل النقيب بهاء الدين أبى القاسم علي بن عبد الحميد النيلي النسابة صاحب كتاب (الأنوار
الإلهية) وغيرهم. (4)
الرواة عنه:
ويروى عنه جماعة من العلماء الثقات الأجلة:

(1) (الكنى والألقاب)
(2) (روضات)
(3) (روضات).
(4) (روضات).
6

منهم الشيخ علي بن هلال الجزائري شيخ الشيخ علي بن عبد العالي الكركي
ومنهم: الشيخ الامام العالم الفقيه عز الدين حسن بن علي بن أحمد بن يوسف
الشهير بابن العشرة الكرواني العاملي
ومنهم: الشيخ عبد السميع بن فياض الأسدي الحلى صاحب كتاب (تحفة الطالبين
في أصول الدين) وكتاب (الفرائد الباهرة) وكان من أكابر تلامذة أحمد بن فهد الحلي.
ومنهم: السيد محمد بن فلاح بن محمد الموسوي (1)
آثاره:
مصنفاته في الفقه: كتاب (المهذب البارع إلى شرح النافع) (المقتصر) (شرح
الارشاد) (الموجز الحاوي) (المحرر) (فقه الصلاة) (مصباح المبتدى وهداية المهتدى)
(شرح الألفية) (اللمعة في النية) (كفاية المحتاج في مسائل الحاج) (منافيات نية الحج) (رسالة
في التعقيبات) (المسائل الشاميات) (المسائل البحريات) (الدر النضيد) في فقه الصلاة
أيضا (الهداية في فقه الصلاة)
وفى سائر المراتب: كتاب (عدة الداعي ونجاح الساعي) (2) (اسرار الصلاة)
(التحصين وصفات العارفين) (رسالة في العبادات الخمسة) (الفصول في الدعوات) (3)
مولده ووفاته.
ولد سنة: 757 وتوفى (ره) سنة: إحدى وأربعين وثمانمأة فيكون مبلغ عمره
أربعا وثمانين سنة.
وقبره معروف بكربلاء المشرفة وسط بستان (وصار البستان مدرسة علمية دينية
في العصر الحاضر) بجنب المخيم الطاهر وكان صاحب الرياض يتبرك بمزاره كثيرا،
ويكثر الورود عليه.
ومن جملة من رثاه في مصيبته هو الشيخ أبو القاسم علي بن جمال الدين محمد
بن طي العاملي صاحب كتاب المسائل الذي يدعى: (مسائل ابن طي) (4) ومن أراد الزيادة
فليراجع المطولات.

(1) (روضات).
(2) الذي بين يدي القاري.
(3) (روضات) ومنها كتاب (التحرير) الذي تقدم ذكرها في (شخصيته العلمية والعملية).
(4) (روضات).
7

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله سامع الدعاء ودافع البلاء ومفيض الضياء وكاشف الظلماء (1) وباسط
الرجاء وسابغ النعماء (2) ومجزل العطاء (3) ومردف الآلاء سامك السماء (4) و
ماسك (5) البطحاء (6)
والصلاة على خاتم الأنبياء وسيد الأصفياء محمد المخصوص بعموم الدعا وخصوص
الاصطفاء والحجة على من في الأرض والسماء وعلى آله الفائزين بخلوص الانتماء (7)
ووجوب الاقتداء ما أظلت الزرقاء (8) وأقلت الغبراء (9) صلاة باقية إلى يوم البعث والجزاء
وبعد فان الله تعالى من وفور كرمه علم الدعا وندب (10) إليه والهم السؤال وحث (11)
عليه ورغب في معاملته والاقدام عليه وجعل في مناجاته سبب النجاة وفى سؤاله
مقاليد (12) العطايا ومفاتيح الهبات وجعل لإجابة الدعا أسبابا من خصوصيات الدعوات
وأصناف الداعين والحالات والأمكنة والأوقات.
فوضعنا هذه الرسالة على ذلك وسميناه (عدة الداعي (13) ونجاح الساعي (14))
وفيها مقدمة وستة أبواب...

(1) الظلماء بفتح الظاء وسكون اللام: الظلمة
(2) سابغ النعم أي كاملها وتامها
(3) أجزلت لهم في العطاء: أكثرت.
(4) سمك الله السماء سمكا: رفعها.
(5) مسكه: قبضه.
(6) الأبطح: سبيل واسع فيه دقاق الحصى ومنه البطحاء ومنه أيضا بطحاء مكة
(7) وفى الحديث: من انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله أي من انتسب إلى غيرهم. (المجمع)
(8) الزرقاء: لقب السماء
(9) الغبراء: الأرض (أقرب)
(10) ندبته إلى الامر ندبا: دعوته.
(11) حثه على الامر حثا: حضه (أقرب)
(12) المقليد: المفتاح ج المقاليد والمقالد
(13) العدة كغرفة: ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح ج عدد كغرف
(14) النجاح بالفتح والنجح بالضم: الظفر بالحوائج (المجمع)
8

اما المقدمة ففي تعريف الدعا والترغيب فيه (1)
وهذا أو ان الشروع (2) فنقول: الدعا لغة (3): النداء والاستدعاء تقول: دعوت فلانا
إذا ناديته وصحت به واصطلاحا: طلب الأدنى للفعل من الأعلى على جهة الخضوع
والاستكانة.
ولما كان المقصود من وضع هذا الكتاب الترغيب في الدعا والحث عليه وحسن
الظن بالله وطلب ما لديه، فاعلم أنه قد ورد في الاخبار عن الأئمة الأطهار ما يؤكد ذ لك
ويدل عليه ويرغب فيه ويهدى إليه.
روى الصدوق عن محمد بن يعقوب بطرقه إلى الأئمة عليهم السلام: ان من
بلغه شئ من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وان لم يكن الامر كما نقل إليه.
وروى أيضا باسناده إلى صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام: ان من بلغه شئ من
الخير فعمل به كان له اجر ذلك وإن كان رسول الله لم يقله.
وروى محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام
بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من سمع شيئا من الثواب على شئ فصنعه كان له
اجره وان لم يكن على ما بلغه.
ومن طريق العامة ما رواه عبد الرحمن الحلوان مرفوعا إلى جابر بن عبد الله الأنصاري
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من بلغه عن الله فضيلة فاخذها وعمل بما فيها ايمانا
بالله ورجاء

(1) رغب في الشئ: إذا حرص عليه وطمع فيه.
(2) الاوان قيل: هو جمع الان اسم للوقت الذي أنت فيه وقيل: هو أصل لالان.
(3) ان الامر: عكس الدعا وهو طلب الاعلى للفعل من الأدنى، والالتماس طلب المساوى من المساوى مرة بعد أخرى.
(4) الخضوع: تواضع في البدن كما أن
الخشوع في القلب، وفى الحديث يا بن عمران هب لي من قلبك الخشوع ومن بدنك الخضوع.
9

ثوابه أعطاه الله تعالى ذلك وان لم يكن كذلك. فصار هذا المعنى مجمعا عليه عند
الفريقين. (1)

(1) فايدة جليلة: اعلم أن أصحابنا رضوان الله عليهم كثيرا ما يستدلون بالاخبار
الضعيفة
والمجهولة على السنن والآداب، ويحكمون بها بالكراهة والاستحباب، وأورد عليه: ا ن الاستحباب
أيضا حكم شرعي كالوجوب فلا وجه للفرق بينهما والاكتفاء فيه بالاخبار الضعاف والمجاهيل،
وكذا الكراهة والحرمة لافرق بينهما في ذلك، وأجيب عنه بان الحكم بالاستحباب فيما ضعف
مستنده ليس في الحقيقة بذلك الخبر الضعيف بل بالروايات الواردة في هذا الباب - كالروايات
التي نقلها المؤلف (ره) في المتن - وغيره انتهى موضع الحاجة (مرآة).
10

(الباب الأول)
في الحث على الدعا ويبعث عليه العقل والنقل
اما العقل فلان دفع الضرر عن النفس مع القدرة عليه والتمكن منه واجب
وحصول الضرر ضروري الوقوع لكل انسان في دار الدنيا (1) إذ كل انسان لا ينفك عما
يشوش (2) نفسه ويشغل عقله ويضر به اما من داخل كحصول عارض يغشى (3) مزاجه، أو من
خارج كأذية ظالم، أو مكروه يناله من خليط (4) أو جار ولو خلا من الكل بالفعل فالعقل
يجوز وقوعه فيها واعتلاقه بها.
كيف لا؟ وهو في دار الحوادث التي لا تستقر على حال ففجايعها لا ينفك عنها
آدمي اما بالفعل أو بالقوة فضررها اما حاصل واقع أو متوقع الحصول وكلاهما يجب
ازالته مع القدرة عليه والدعا محصل لذلك وهو مقدور فيجب المصير إليه

(1) رأيت نقل هذه الخطبة الشريفة مناسبا للمقام عن أمير المؤمنين (ع) في
توصيف
الدنيا: ما أصف من دار أولها عناء واخرها فناء في حلالها حساب وفى حرامها عقاب من استغنى
فيها فتن ومن افتقر فيها حزن ومن ساعاها فاتته ومن قعد عنها واتته ومن أبصر بها بصرته ومن
أبصر إليها أعمته؟!. (النهج) خطبة: 79. واتته: اطاعته (أقرب)
(2) شوش عليه الامر: اختلط.
(3) الغشاء: الغطاء.
(4) الخليط: الشريك الذي لا يتميز ملكه عن ملك شريكه.
11

وقد نبه أمير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات الله عليه وآله على هذا المعنى
حيث قال: ما من أحد ابتلى وان عظمت بلواه بأحق بالدعا من المعافى الذي لا يأمن من
البلاء (1)
فقد ظهر من هذا الحديث احتياج كل أحد إلى الدعا معافا ومبتلى، وفايدته رفع
البلاء الحاصل ودفع السوء النازل (2) أو جلب نفع مقصود أو تقرير خير موجود ودوامه
ومنعه من الزوال لأنهم عليهم السلام وصفوه بكونه سلاحا، والسلاح مما يستجلب
(يجلب) به النفع ويستدفع به الضرر وسموه أيضا ترسا (3) والترس: جنة يتوقى بها
من المكاره (4).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الا أدلكم على سلاح (5) ينجيكم من أعدائكم ويدر أرزاقكم؟ (6)
قالوا: بلى يا رسول الله قال: تدعون ربكم بالليل والنهار فان سلاح المؤمن الدعا.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الدعا ترس المؤمن ومتى تكثر قرع الباب يفتح لك.
وقال الصادق (ع): الدعا انفذ من السنان الحديد. (7)
وقال الكاظم (ع): ان الدعا يرد ما قدر وما لم يقدر قال: قلت: وما قد قدر فقد عرفته
فما لم يقدر؟ حتى لا يكون. (8)

(1) ما المبتلى الذي اشتد به البلاء بأحوج إلى الدعا من المعافى الذي لا يأمن
البلاء
(النهج) خطبة: 294
(2) رفع البلاء ازالته بعد حصوله ودفع السوء منعها من النزول وبهذا تبين الفرق بينهما.
(3) الترس بالضم وفى الحديث التقية ترس الله بين خلقه وتترس بالشئ: تستر به.
(4) الجنة بالضم: ما تسترت به من سلاح ونحوه وسمى بالفارسية (سپر) وفى الحديث الامام جنة أي
يتى به ويستدفع به الشر (المجمع).
(5) قوله: سلاح المؤمن أي حربته لدفع الأعادي الظاهرة ولباطنة.
(6) الادرار: الاكثار.
(7) السنان: الحاد النافذ (المجمع)
(8) قوله: ما قدر أي كتب في لوح المحو والاثبات أو في ليلة القدر أو تسببت
أسبابه القريبة. قوله: عرفته أي فايدة الدعا وتأثيره قوله فما لم يقدر؟ أي لم اعرف فايدة
الدعا فيه. قوله: حتى لا يكون الضمير راجع إلى التقدير أي لا يحصل التقدير.
قيل: ايجاده تعالى للشئ يتوقف على علمه بذلك الشئ ومشيته وارادته وتقديره
وقضائه وامضائه وفى مرتبة المشية إلى الامضاء تجرى البداء فيمكن الدفع بالدعا، وا لامضاء مقارن
للحصول فلا يمكن دفعه. انتهى موضع الحاجة ملخصا (مرآة)
12

وقال (ع): عليكم بالدعا فان الدعا والطلب إلى الله تعالى يرد البلاء وقد قدر وقضى
فلم يبق الا امضائه فإذا دعى الله وسئل صرفه صرفه.
وروى زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: الا أدلكم على شئ لم يستثن (1) فيه
رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قلت: بلى قال: الدعا يرد القضا وقد ابرم ابراما وضم أصابعه.
وعن سيد العابدين (ع) ان الدعا والبلاء ليتوافقان (2) إلى يوم القيمة ان الدعا ليرد
البلاء وقد ابرم ابراما.
وعنه (ع) الدعا يرد البلاء النازل وما لم ينزل (3)
فقد صح بهذه الأحاديث وما في معناها وهو كثير لم نورده حذر الإطالة ظن دفع
الضرر بل علمه للقطع بصحة خبر الصادق (الصادقين).
واما النقل فمن الكتاب والسنة اما الكتاب فآيات:
منها قوله تعالى: (قل ما يعبؤ بكم (4) ربى لولا دعائكم).

(1) قوله: لم يستثن أي لم يقل: انشاء الله لانحلال الوعد وعدم لزوم العمل به.
المراد
بالقضاء المبرم هو الحكم بالنيام اجزاء المقضى وانضمام بعضها ببعض كما يرشد إليه ضم الأصابع.
(2) قوله: ليترافقان كذا في أكثر النسخ بالراء: أي هما متلازمان قررهما الله تعالى
معا ليكون البلاء داعيا إلى الله والدعا صارفا للبلاء فكأنهما رفيقان (مرآة)
(3) عن النبي (ص) أنه قال: لا يرد القضا الا الدعا، والقضا: الامر المقدر، والمراد به
إماما يخافه العبد من نزول المكروه ويتوقاه فإذا وافق الدعا دفع الله عنه فيكون تسميته بالقضا
على المجاز، واماما يراد به الحقيقة فيكون معنى رد الدعا بالقضا تهوينه وتيسير ا لأمر فيه حتى
كأنه لم ينزل به ويؤيده الحديث:
ان الدعا ينفع مما نزل ومما لم ينزل. اما نفعه مما نزل فصبره عليه ورضاه به
واما نفعه مما لم ينزل فهو ان يصرفه عنه أو يمده قبل النزول بتأييد من عنده حتى يخف معه
أعباء ذلك إذا نزل به انتهى ملخصا (مرآة).
(4) قوله تعالى: ما يعبؤا قال في (المجمع): قيل: أي ما يبالي بكم ربى لولا دعائكم.
قال في (الميزان): قيل: دعائكم من إضافة المصدر إلى المفعول وفاعله ضمير راجع إلى ربى
انتهى أقول: فعلى هذا يصير المعنى: ما يصنع بكم ربى لولا دعائه إياكم للاسلام وبناء عليه
لا يستدل بها في باب الدعا ولكن سيأتي - في الأمر الرابع - استشهاد الإمام (ع) بذلك الآية
الشريفة على أفضلية الدعا من قراءة القرآن الفرقان: 77.
13

وقوله تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي
سيد خلون جهنم داخرين) (1) فجعل الدعا عبادة والمستكبر عنها بمنزلة الكافر.
وقوله تعالى: (وادعوه خوفا وطمعا)
وقوله تبارك وتعالى: (وإذا سئلك عبادي عنى فانى قريب أجيب دعوة الداع
إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)
واعلم أن هذه الآية قد دلت على أمور: (2)
الأول تعريضه (3) تعالى لعباده بسؤاله بقوله: (وإذا سئلك عبادي عنى فانى قريب)
الثاني غاية عنايته بمسارعة اجابته ولم يجعل الجواب موقوفا على تبليغ الرسول
بل قال: (فانى قريب) ولم يقل: قل لهم: انى قريب.
الثالث خروج هذا الجواب بالفاء المقتضى للتعقيب بلا فصل
الرابع تشريفه تعالى لهم برد الجواب بنفسه لينبه بذلك على كمال منزلة الدعا
وشرفه عنده تعالى ومكانه منه.
قال الباقر (ع): ولا تمل (4) من الدعا فإنه من الله بمكان (5)
وقال (ع) لبريد بن معاوية بن وهب وقد سئله كثرة القراءة أفضل أم كثرة الدعا؟
فقال (ع) كثرة الدعا أفضل ثم قرء (قل ما يعبؤ بكم ربى لولا دعائكم).

(1) قال في (المرآة) بعد تفسير الآية: فان قيل: فعلى هذا يلزم وجوب الدعا
وكونه
من الفرائض وكون تركه من الكبائر لو عبد النار عليه قلت: لا استبعاد في ذلك فان الدعا في
الجملة واجب وأقله في سورة الحمد، فترك الدعا رأسا من الكبائر على أن الوعيد مترتب
على الاستكبار وهو في درجة الكفر كما في الصحيفة الكاملة: فسميت دعائك عبادة وتركه
استكبارا وتوعدت على تركه دخول جهنم داخرين انتهى موضع الحاجة. المؤمن: 63. الا عراف:
55. البقرة. 173.
(2) وفى (ئل) ب 3 من أبواب الدعا روايات دالة على أفضلية الدعا.
(3) التعريض خلاف التصريح وهو الايماء والتلويح
(4) مللته ومللت منه: ضجرت (المجمع)
(5) قوله: بمكان أي قدر ومنزلة.
14

الخامس دلت هذه الآية على أنه تعالى لامكان له إذ لو كان له مكان لم يكن قريبا
من كل من يناجيه.
السادس امره تعالى لهم بالدعا في قوله: (فليستجيبوا لي) أي فليدعوني.
السابع قوله تعالى (وليؤمنوا بي) وقال الصادق (ع) أي وليتحققوا انى قادر على
اعطائهم ما سئلوه فأمرهم باعتقادهم قدرته على اجابتهم.
وفيه فايدتان: اعلامهم باثبات صفة القدرة له. وبسط رجائهم في وصولهم إلى
مقترحاتهم (1) وبلوغ مراداتهم ونيل سؤالاتهم فان الانسان إذا علم قدرة معامله ومعاوضه
على دفع عوضه كان ذلك داعيا له إلى معاملته ومرغبا له في معاوضته كما أن علمه بعجز ه
عنه على الضد من ذلك، ولهذا تريهم يجتنبون معاملة المفلس.
الثامن تبشيره تعالى لهم بالرشاد (2) الذي هو طريق الهداية المؤدى إلى المطلوب
فكأنه بشرهم بإجابة الدعا.
ومثله قول الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: من تمنى شيئا وهو لله رضا
لم يخرج من الدنيا حتى يعطاه. ويروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله
وقال (ع): إذا دعوت (3) فظن حاجتك بالباب.
فان قلت: نرى كثيرا من الناس يدعون الله فلا يجيبهم فما معنى قوله تعالى:
(أجيب دعوة الداع)؟ (4)
فالجواب: سبب منع الإجابة الاخلال بشرطها (بشروطها) من طرف السائل اما

(1) اقترحت عليه شيئا: سئلته إياه من غير روية.
(2) الرشد هو خلاف المعي والضلال (المجمع)
(3) قوله: فظن فعل من ظن يظن.
(4) ولقد أجاب في (المرآة) عن هذه الشبهة بوجوه عديدة ومن أراد يرجع بالدعا
شفاء كل داء منه البقرة: 182
15

بان يكون قد سئل الله عز وجل غير متقيد بآداب الدعا ولا جامع لشرايطه، وللدعا آداب
وشروط لابد منها تأتى أنشأ الله تعالى.
روى عثمان بن عيسى عمن حدثه، عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت: آيتين في كتاب
الله أطلبهما (1) ولا أجدهما قال (ع): ما (وما) هما؟ قلت: قول الله عز وجل: (ادعوني استجب
لكم) فندعوه فلا (ولا) نرى إجابة قال (ع): افترى الله اخلف وعده؟ قلت: لا قال: فلم
(فمم) ذلك؟ قلت: لا ادرى.
فقال (ع): ولكني (لكني) أخبرك من أطاع الله فيما امره ثم دعاه من جهة الدعا
اجابه قلت: وما جهة الدعا؟ قال (ع): تبدء فتحمد الله وتذكر نعمه عندك ثم تشكره،
ثم تصلى على النبي وآله (ص)، ثم تذكر ذنوبك فتقربها ثم تشتغفر الله (تستغفر) منها فهذه
(فهذا) جهة الدعا.
ثم قال (ع): وما الآية الأخرى؟ قلت: قول الله عز وجل: (وما أنفقتم من شئ فهو
يخلفه (2) وهو خير الرازقين) وانى لأنفق ولا ادرى خلفا قال: افترى الله اخلف وعده؟ قلت:
لا قال: فلم (فمم) ذلك؟ قلت: لا ادرى قال (ع): لوان أحدكم اكتسب المال من حله (3)
وانفقه في حقه (حله) لم ينفق رجل درهما الا اخلف عليه.
واما أن يكون قد سئل ما لاصلاح فيه ويكون مفسدة له أو لغيره إذ ليس أحد
يدعو الله سبحانه وتعالى على ما توجبه الحكمة فيما فيه صلاحه الا اجابه، وعلى الداعي
ان يشترط (4) ذلك بلسانه أو يكون منويا في قلبه فالله يجيبه البتة ان اقتضت ا لمصلحة
اجابتها، أو يؤخر له ان اقتضت المصلحة التأخير.
قال الله تعالى: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم اجلهم).
وفى دعائهم السلام يامن لا يغير حكمته الوسائل.

(1). قوله: اطلبهما أي اطلب مضمونهما
(2) يق: اخلف الله عليه وله إذا أبدله ما ذهب عنه
(3) الحل بالكسر: الحلال ضد الحرام (المجمع)
(4) قوله: ان يشرط ذلك أي يشترط ما فيه صلاحه. سبا: 38
16

ولما كان علم الغيب منطويا عن العبد، (1) وربما تعارض عقله قوى الشهوية وتخاطه
الخيالات النفسانية فيتوهم أمرا فيه فساده صلاحا فيطلبه من الله سبحانه ويلح في السؤال
عليه، ولو يعجل الله اجابته ويفعله به لهلك البتة (2).
وهذا أمر ظاهر العيان غنى عن البيان كثير الوقوع، فكم نطلب أمرا ثم نستعيذ
منه، وكم نستعيذ من أمر ثم نطلبه، وعلى هذا خرج (3) قول علي عليه السلام: رب أمر حرص
الانسان عليه فلما أدركه ود ان لم يكن أدركه.
وكفاك قوله تعالى: (وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا
وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) فان الله تعالى من وفور كرمه وجزيل نعمه
لا يجيبه إلى ذلك اما لسابق رحمته به فإنه هو الذي سبقت رحمته غضبه وإنما أنشأه (4)
رحمة به وتعريضا (تعرضا) لاثابته (5) وهو الغنى عن خلقه ومعاقبته
أو لعلمه سبحانه بان المقصود للعبد من دعائه هو اصلاح حاله، فكأن ما طلبه
ظاهرا غير مقصود له مطلقا بل بشرط نفعه له فالشرط المذكور حاصل في نيته وان لم
يذكره بلسانه بل وان لم يخطر بقلبه حالة الدعا هذا الشرط، فهو كالأعجمي الذي لقن
لفظا لا يعرف معناه أو سمع لفظا توهمه علما على شئ ثم طلبه من عارف يقصده فإنه
يعطيه ما علم قصده إليه لا ما دل ظاهر لفظة عليه، وهذا هو معنى الدعا الملحون الذي
لا يقبله الله على ما ورد في بعض الأخبار.

(1) طوى الحديث: كتمه (ق).
(2) الالحاح أن يلازم المسؤول حتى يعطيه. (المجمع)
(3) خرج المسألة بالتشديد: وجهها أي بين لها وجها (أقرب)
(4) قوله: أنشأه الضمير راجع إلى الدعا وكونه رحمة واضح لأنه عبادة جليلة يثاب عليه
وان لم يستجب.
(5) الثواب: جزاء الطاعة. البقرة. 216.
17

فان قلت: قد ورد عن أبي جعفر الجواد (ع) أنه قال: ما استوى رجلان في حسب (1)
ودين قط الا كان أفضلهما عند الله عز وجل أدبهما (2) قال: قلت: جعلت فداك قد علمت فضله
عند الناس في النادي (3) والمجالس فما فضله عند الله عز وجل؟ قال (ع): بقرائة القران
كما انزل ودعائه الله عز وجل من حيث لا يلحن (4) وذلك أن الدعاء الملحون لا يصعد ا لي الله
عز وجل (5).
ويقرب منه قول الصادق (ع) نحن قوم فصحاء إذا رويتم عنا فاعربوها (6).
فإن كان المراد من هذين الحديثين ما دل عليه ظاهرهما فكثيرا ما نرى من
إجابة الدعوات غير المعربات، وكثيرا ما نشاهد من أهل الصلاح والورع ومن يرجى إجابة
دعائهم لا يعرفون شيئا من النحو.
وأيضا إذا لم يكن دعائه مسموعا فلا فايدة فيه فلا يكون مأمورا به لانتفاء فائدته
ح، ولا يتوجه الامر بالدعا الا إلى حذاق (7) النحاة بل النحوي أيضا ربما يلحن في بعض
الأدعية لافتقارها إلى الاضمار والتقدير والحذف، واشتغاله حالة الدعا بالخشوع والتوجه
إلى الله تعالى عن استحضار أدلة النحو وقوانينه، وكل هذه الأمور باطلة خلاف المشاهد
من العالم (العلم) وضد المعلوم من اخبارهم عليهم السلام ووصاياهم فإنهم دلوا على
كل شئ يتعلق بمصالح العباد، وقد ذكروا في آداب الدعا وشروطه أمورا كثيرة ستقف
عليها في هذا الكتاب أنشأ الله تعالى (8) ولم يذكروا الاعراب ولا معرفة النحو فيها، وإذا لم يكن
المراد منهما ذلك فما معناهما؟

(1) الحسب بفتحتين: الشرف بالاباء وما يعد من مفاخرهم
(2) الأدب: حسن الأخلاق.
(3) النادي والندى: المجلس.
(4) اللحن: الميل عن جهة الاستقامة، ولحن في كلامه إذا مال عن صحيح النطق.
(5) إليه يصعد الكلم الطيب أي يقبله
(6) الاعراب بكسر الهمزة: الإبانة والايضاح
(7) حذق الرجل في صنعته: مهر فيها وعرف غوامضها (المجمع)
(8) قد يأتي آداب الدعا في باب الرابع بتفصيله.
18

فاعلم أيدك (1) الله انه لما كان الواقع خلاف ما دل عليه ظاهر الخبرين عدل الناس
إلى تأويلهما، فبعض قال: الدعاء الملحون دعاء الانسان على نفسه في حالة ضجرة بما
فيه ضررها واستشهد على ذلك بقوله تعالى: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم للخير
لقضى إليهم اجلهم) قال المفسرون: أي ولو يعجل الله للناس الشر أي إجابة دعائهم في
الشر إذا دعوا به على أنفسهم وأهليهم عند الغيظ (2) والضجر مثل قول الانسان: رفعني الله
من بينكم. استعجالهم بالخير أي كما يعجل لهم إجابة الدعوة بالخير إذا استعجلوه
بالخير لقضى إليهم اجلهم لفرغ من اهلاكهم، ولكن سبحانه تعالى لا يعجل لهم الهلاك
بل يمهلهم (3) حتى يتوبوا
وقال بعضهم: الدعاء الملحون دعاء الوالد على ولده في حال ضجره منه لان
النبي صلى الله عليه وآله سئل الله عز وجل: ان لا يستجيب دعاء محب على حبيبه.
وبعضهم قال: الذي لا يكون جامعا لشرايطه والكل بمعزل عن التحقيق لان
مقدمة الخبر لا تدل على ذلك لان الكلام قد ورد في معرض مدح النحو.
بل التحقيق ان نقول: اما الخبر الأول فالمراد من قوله عليه السلام: ان الدعاء الملحون
لا يصعد إلى الله عز وجل أي لا يسمعه ملحونا، ويجازى عليه جاريا على لحنه مقابلا له
بما دل ظاهر لفظة عليه بل يجازى على قصد الانسان من دعائه.
كما سمع من بعضهم يقول عند زيارته المعصوم عليهم السلام: واشهد انك قتلت
وظلمت وغصبت بفتح أول الكلمة، ومن المعلوم بالضرورة ان هذا الدعا لو سمع منه
جاريا على لحنه لحكمنا بارتداده ووجوب تعزيره ولم يقل: به أحد، فدل ذلك على ا ن
الدعا لا يجزى (يجرى) على ظاهر لفظة إذا كان المقصود منه غير ذلك.
ويدل عليه أيضا اجماع الفقهاء على الله تعالى درجاتهم على أن الانسان (انسانا) لو قذف (4)

(1) الأيد: الصلب والقوة يق أيدته: قويته (ق)
(2) الغيظ: الغضب. يونس: 11
(3) مهلته وأمهلته: أنظرته.
(4) قذف المحصنة: رماها بالفاحشة (المجمع)
19

اخرا بلفظ لا يفيد القذف في عرف القائل لم يكن قاذفا ولم يتوجه عليه عقوبة وإن كان
ذلك اللفظ مفيدا للقذف في عرف غيره، فعلم أن اعراب الألفاظ في الدعا ليس شرطا
في اجابته والإثابة عليه، بل هو شرط في تمامية فضيلته وكمال منزلته وعلو مرتبته.
وخرج (1) قول الجواد عليه السلام: ودعائه الله من حيث لا يلحن مخرج المدح، وذلك أن
الدعا إذا لم يكن ملحونا كان ظاهر الدلالة في معناه، والألفاظ الظاهر الدلالة في معانيها
أفضل من الألفاظ المتأولة ولهذا كانت الحقيقة أفضل (2) من المجاز والمبين أولى من
المجمل.
وأيضا فإنه أفصح والفصاحة مرادة في الدعا وخصوصا إذا كان مقولا عن الأئمة
عليهم السلام ليدل على فصاحة المنقول عنه وفيه اظهار لفضيلة المعصوم.
وأيضا فان اللفظ إذا كان معربا لم ينفر عنه طبع السامع إذا كان نحويا وإذا سمعه
ملحونا نفر طبعه عنه وربما تألم منه قيل: سمع الأعمش (3) رجلا يتكلم ويلحن في كلامه
فقال: من هذا الذي يتكلم وقلبي منه يتألم؟.
وروى أن رجلا قال لرجل: أتبيع هذا الثوب؟ فقال: لا عافاك الله فقال: لقد علمتم
لو تعلمون قل: لا وعافاك الله.
وروى أن رجلا قال لبعض الأكابر وقد سئله عن شئ فقال: لا وأطال الله بقاك فقال:
ما رأيت واوا أحسن موقعا من هذه.
وقوله عليه السلام: ان الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله: أي لا يصعد ملحونا إليه يشهد
عليه الحفظة بما يوجبه اللحن إذا كان مغيرا للمعنى، ويجازى عليه كذلك بل يجازيه
على قدر قصده ومراده من دعائه.
ويؤيد ذلك ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي

(1) خرج المسألة: وجهها أي بين لها وجها. (المجمع)
(2) كون استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي أفضل منه في المجاز عدم احتياجه إلى ا لقرينة.
(3) الأعمش نحوى هو إسماعيل بن مهران.
20

عن السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: ان الرجل الأعجمي (1) من أمتي
ليقرء القرآن بعجمية فترفعه الملائكة على عربيته.
مع انا نجد في أدعية أهل البيت عليهم السلام ألفاظ لا تعرف معانيها، وذلك كثير:
فمنه أسماء واقسامات (2)، ومنه اغراض وحاجات وفوائد وطلبات (3)، فنسئل عن الله
بالأسماء ونطلب منه تلك الأشياء ونحن غير عارفين بالجميع، ولم يقل أحد: ان مثل هذا
الدعا إذا لم يكن معربا يكون مرد ودامع ان فهم العامي لمعان الألفاظ الملحونة
أكثر من فهم النحوي لمعاني دعوات عربية لم يقف على تفسيرها ولغاتها بل عرف مجرد
اعرابها، بل الله يجازيه على قدر قصده ويثيبه على نيته.
لقوله صلى الله عليه وآله: الأعمال بالنيات.
وقوله (ص): نية المؤمن خير من عمله (4) وهذا نصفى هذا الباب لان الجزاء
وقع على النية فانتفع به الداعي، ولو وقع على العمل الظاهر لهلك.
ولقوله (ص): ان سين بلال عند الله شين.
وجاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين ان بلالا كان يناظر
اليوم فلانا فجعل يلحن في كلامه، وفلانا يعرب ويضحك من بلال فقال أمير المؤمنين: يا عبد الله
إنما يراد اعراب الكلام وتقويمه لتقويم الأعمال وتهذيبها، ما ينفع فلانا اعرابه وتقويمه
لكلامه إذا كانت أفعاله ملحونة أقبح لحن؟ وماذا يضر بلالا لحنه في كلامه إذا كانت أفعاله

(1) الأعجم: الذي في لسانه عجمة بضم العين وهي لكنة وعدم فصاحة (المجمع
(2) اقسامات هي جمع الأقسام وهو جمع القسم محركة أي اليمين (أقرب)
(3) الطلبة ككلمة: الحاجة ج طلبات المجمع)
(4) سئل عن الصادق (ع) عن معنى الحديث قال (ع): لان العمل ربما كان رياء للمخلوقين
والنية خالصة لرب العالمين فيعطى عز وجل على النية مالا يعطى على العمل (ئل) ج 1 أبواب مقدمة
العبادات ب 6.
21

مقومة أحسن تقويم ومهذبة (1) أحسن تهذيب.
فقد ثبت بهذا الحديث ان اللحن (2) قد يدخل في العمل كما يدخل في اللفظ،
وان الضرر فيه عائد إلى وقوعه في العمل دون اللفظ.
واما الخبر الثاني فالمراد به في الاحكام.
وهذا مثل قول النبي (ص): رحم الله (نضر الله) (3) من سمع مقالتي فوعاها وأداها
كما سمعها، فرب حامل علم ليس بفقيه.
وهو قول الصادق (ع): إذا رويتم عنا فاعربوها لان الاحكام تتغير بتغير الاعراب
في الكلام.
ألا ترى إلى قوله (ص) حين سئل انا نذبح الناقة والبقرة والشاة وفى بطنه
الجنين (4) أنلقيه أم نأكله؟ قال صلى الله عليه وآله: كلوه ان شئتم فان ذكاة أمه
فبعض الناس يروى ذكاة الثاني بالرفع فيكون معناه ان ذكاة أمه تبيحه وهي كافية عن
تذكيته (5) وبعض رواها بالنصب (6) فيكون معناه: ان ذكاة الجنين مثل ذكاة ا مه فلابد فيه
من تذكية له بانفراده ولا تبيحه ذكاة أمه فافهم ذلك فإنه من مغاص (7) الفهم ورقيق العلم.
فان قلت: قد ظهر ان الباري سبحانه لا يفعل خلاف مقتضى الحكمة، وانه
الذي لا تبدل حكمته الوسائل فما اشتمل على خلاف المصلحة لا يفعله مع الدعا، وما
اشتمل على المصلحة فإنه يفعله وان لم يسئل لأنه إنما أنشأ الانسان وخلقه رحمة به

(1) رجل مهذب: مطهر الأخلاق (ص)
(2) لحن فلان في كلامه: إذا مال عن صحيح النطق ويقال: عرب بالضم إذا لم يلحن (المجمع)
(3) نضر وجهه: حسن (المجمع)
(4) الجنين: الولد في البطن ج أجنة.
(5) التذكية: الذبح كالذكاء والذكاة
(6) قوله: بالنصب أي بناء على كونه منصوبا بنزع الخافض وكونه كلمة (مثل)، وأما إذا قدر
كلمة (في). يصير المعنى مثل صورة الرفع.
(7) الغوص: النزول تحت الماء والمغاص موضعه (ق).
22

واحسانا إليه فما معنى الدعا إذا انتفت فايدته؟
فالجواب من وجوه: الأول لا يمتنع أن يكون وقوع ما سئله إنما صار مصلحة
بعد الدعا ولا يكون مصلحة قبله.
وقد نبه على ذلك الصادق (ع) في قوله لميسر بن عبد العزيز: يا ميسر ادع الله
ولا تقل: ان الامر (1) قد فرغ منه ان عند الله منزلة لا تنال الا بمسألة ولو أن عبدا سد فاه
ولم يسئل لم يعط شيئا، فاسئل تعط يا ميسر انه ليس يقرع (2) باب الا يوشك ان يفتح
لصاحبه.
وروى عمرو بن جميع عنه (ع) من لم يسئل الله من فضله افتقر.
وعن علي عليه السلام ما كان الله ليفتح باب الدعا ويغلق عنه (عليه) باب الإجابة.
وقال عليه السلام: من اعطى الدعا لم يحرم الإجابة.
الثاني ان الدعا عبادة في نفسه تعبد الله عباده به لما فيه من اظهار الخشوع والافتقار
إليه وهو أمر مطلوب لله عز وجل من عبيده.
قال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون (3) والعبادة في اللغة
هي الذلة يقال: طريق معبد أي مذلل بكثرة الوطي عليه، وفى الاصطلاح العبادة أو في
ما يكون من التذلل والخشوع للمعبود.

(1) والنهى عن هذا القول يحتمل الوجهين: أحدهما بطلانه فإنه قول اليهود
وبعض الحكماء بل
لابد من الايمان بالبداء. الثاني أن يكون المراد بالفراغ من الامر تعلق علمه سبحانه بما هو كائن
وهذا الكلام صحيح لكن ذلك لا يمنع الامر بالدعا والاتيان به وترتب الثواب عليه فالمراد بالنهي عن
هذا القول جعل ذلك مانعا عن الدعا وسببا للاعتقاد بعدم فائدته (مرات).
(2) قرع الباب: طرق (المجمع)
(3) الذاريات: 56.
23

وعن النبي (ص) أنه قال: الدعا مخ العبادة (1).
وفيما وعظ الله تعالى به عيسى (ع) يا عيسى أذل لي قلبك وأكثر ذكرى في الخلوات،
واعلم أن سروري ان تبصبص إلى، وكن في ذلك حيا ولا تكن ميتا (2).
الثالث روى أن دعاء المؤمن يضاف إلى عمله ويثاب عليه في الآخرة كما يثاب
على عمله.
الرابع ان الإجابة ان كانت مصلحة والمصلحة في تعجيلها عجلت، وان اقتضت
المصلحة تأخيرها إلى وقت أجلت إلى ذلك الوقت، وكانت الفايدة من الدعا مع
حصول المقصود زيادة الاجر بالصبر في هذه المدة، وان لم يوصف بالمصلحة في وقت ما
وكان في الإجابة مفسدة استحق بالدعا الثواب، أو يدفع عنه من السوء مثلها ويدل على
هذه الجملة:
ما رواه أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص): ما من مؤمن دعا الله سبحانه
وتعالى دعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا اثم الا أعطاه الله بها إحدى (أحد) خصال ثلاث: اما
ان يعجل دعوته، واما أن يؤخر له، واما ان يدفع عنه من السوء مثلها قالوا: يا ر سول الله
اذن نكثر قال: الله (أكثروا) أكثر.
وفى رواية انس بن مالك أكثر وأطيب ثلاث مرات.
وعن أمير المؤمنين (ع) ربما أخرت عن العبد إجابة الدعا ليكون أعظم لاجر السائل

(1) وفى (المجمع) ومخ كل شئ خالصه، وفى الحديث الدعا مخ العبادة لأنه
أصلها وخالصها
لما فيه من امتثال أمر الله تعالى يقول: (ادعوني استجب لكم)، ولما فيه من قطع الامل عما سواء،
ولأنه إذا رأى نجاح الأمور من الله تعالى قطع نظره عمن سواه ودعاه لحاجته وهذا هو ا صل العبادة،
ولان الغرض من العبادة الثواب عليها وهو المطلوب بالدعا.
(2) قوله وكن في ذلك حيا اه أي كن حاضر القلب ولا تكن ساهيا غافلا فان القلب
الساهي الغافل عن ذكره تعالى وعن ادراك الحق ميت، والقلب العاقل الذاكر حي، وقوله
تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه) الانعام: 122 - (وانك لا تسمع الموتى) - النمل: 82. إشارة
إلى هذين القلبين (مرآة) التبصبص تحريك الكلب ذنبه خوفا أو طمعا (المجمع)
24

وأجزل لعطاء الامل.
الخامس بما أخرت الإجابة عن العبد لزيادة صلاحه وعظم منزلته عند الله عز وجل
ان الله إنما أخر اجابته لمحبته سماع صوته.
روى جابر بن عبد الله قال: قال النبي (ص): ان العبد ليدعو الله وهو يحبه فيقول
لجبرئيل: اقض لعبدي هذا حاجته واخرها فانى أحب ان لا أزال اسمع صوته، وان
العبد ليدعو الله عز وجل وهو يبغضه فيقول: يا جبرئيل اقض لعبدي هذا حاجته وعجلها
فانى أكره ان اسمع صوته.
تنبيه وأنت إذا دعوت فلا يخلوا ما ان ترى آثار الإجابة، أولا، فان رأيت آثار
الإجابة فمهلا لا تعجب (1) بنفسك وتظن أن دعوتك انا أجيبت لصلاحك وطهارة نفسك.
فلعلك ممن كره الله نفسه وابغض صوته، والإجابة حجة عليك يوم القيامة يقول لك: ألم تكن
دعوتني وأنت مستحق للاعراض عنك فأجبتك؟
بل ينبغي أن يكون همك بالشكر والزيادة في العمل والصلاح لما أولاك الله من
الطافه الباسطة لرجائك المرغبة لك في دعائك، وتسئل الله ان يجعل ما عجله لك بابا من
أبواب لطفه ونفحة من نفحات (2) رحمته، وان يلهمك زيادة الشكر على ما أولاك من
تعجيل إجابة لست لها باهل وهو أهل لذلك، وان لا يكون ذلك منه
استدراجا، (3) وعليك بالاكثار من الحمد والاستغفار، فالحمد مقابل النعمة والمنة
إن كان سبب الإجابة الرحمة، والاستغفار إن كان سببها الاستدراج والبغضة.

(1) أعجب بنفسه بالبناء المجهول: إذا تكبر وترفع فهو معجب والا سم العجب.
(2) نفحت الريح: هبت فشبه الرحمة بالرياح في كثرتها وهبوبها كل ساعة.
(3) استدراج الله للعبد انه كلما جدد خطيئته جدد له نعمة وانساء الاستغفار فيأخذه قليلا
ولا يباغته. (المجمع)
25

وان لم تر آثار الإجابة فلا تقنط (1) وابسط (2) رجائك في كرم مولاك
فإنه ربما أخرت اجابتك لان الله تعالى يحب ان يسمع دعائك وصوتك فعليك بالالحاح
اما أولا فلتحوز (3) نصيبا من دعائه (ع) حيث يقول: رحم الله عبدا طلب من الله
شيئا (حاجة) فالح عليه.
وأما ثانيا فلتصادف محبة الله تعالى لأنه إنما اخرك بحبه سماع صوتك فلا تقطع
ذلك.
وأما ثالثا فلتعجيل قضاء الحاجة بتكرار الدعا على ما ورد (4) واقبض نفسك الامارة
بالخوف من الله تعالى جل جلاله.
وقل: لعلى إنما لم يستجب لي جل جلاله لان دعائي محجوب وعملي لا ترفعه
الملائكة لكثرة ذنوبي، أو لكثرة المظالم والتبعات (5) قبلي أو لان قلبي قاس (6)
أولاه (7) أو ظني غير حسن بربي، وكل هذه الأمور حاجبة للدعا على ما سيجيئ (8)
أو لان هذا الكمال لست له اهلا فمنعته ولو كنت له اهلا لأفاضه الكريم الرحيم
عليك من غير سؤال فاذن يحصل لك الخوف تعرف انك في محل التقصير، وان مقامك
مقام العبد الحقير الذي أبعدته عيوبه وطردته ذنوبه وقعدت به أعماله وحبسته آماله
وحرمته شهواته وأثقلته تبعاته ومنعته من الجرى في ميدان السالكين وعاقته
عن الترقي إلى درجات الفائزين.

(1) القنوط: الياس.
(2) بسط الشئ: نشرة
(3) وكل من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه (المجمع).
(4) وفى الحديث ان المؤمن يسئل الله حاجة فيؤخر عنه اجابتها حبا لصوته واستماع نحيبه
الحديث (الأصول) ج 2 ص 488.
(5) التبعة والتباعة: المظلمة.
(6) قست قلوبهم: يبست وصلبت عن ذكر الله.
(7) لاهية قلوبهم: ساهية غافلة مشغولة بالباطل عن الحق.
(8) يأتي في ب 3 ذيل عنوان (أقوام لا يستجاب دعائهم) أمور الحاجبة عن الإجابة.
بتفصيله.
26

وتحقق انك مع هذا البعد والحقارة عن مولاك وقعودك بأثقالك متخلفا عن
السابقين ومنفردا عن المخذولين (1) ان تخاذلت ساكتا عن الاستغاثة بمولاك ومتقاعسا (2)
عن الاستقامة في طلب هداك يوشك ان ينهز (3) بك الشيطان فرصة الظفر، فتعلق بك
مخالبه (4) فتنشب (5) في حبائله فلا تقدر على الخلاص وتلحق بالأشقياء المعذبين.
بل عليك بكثرة الاستغاثة والصراخ (6) قبل ان تعلق بك الفخاخ (7) ولازم
قرغ الباب عسى ان يرفع بك الحجاب، وقل بلسان الخجل والانكسار في مناجاة ملك
الجبار: الهي وسيدي ومولاي إن كان ما طلبته من جودك وسئلته من كرمك غير صالح
لي في ديني ودنيا وان المصلحة لي في منع إجابتي فرضني مولاي بقضائك وبارك لي
في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت، واجعل نفسي راضية مطمئنة
بما يرد على منك، وخر لي واجعله أحب إلى من غيره وآثر (8) عندي مما سواه.
وإن كان منعك إجابتي واعراضك عن مسئلتي لكثرة ذنوبي وخطاياي فانى
أتوسل إليك بأنك ربى وبمحمد نبيي وباهل بيته الطيبين الطاهرين ساداتي، وبغناك
عنى وبفقري إليك وباني عبدك، وإنما يسئل العبد سيده والى من حينئذ منقلبنا عنك؟
والى أين مذهبنا عن بابك؟ وأنت الذي لا يزيده المنع ولا يكيده (9) الاعطاء وأنت
أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

(1) خذله خذلا إذا ترك عونه ونصرته (2) يتقاعس: يتأخر.
(3) النهزة: الفرصة.
(4) مخلب الطائر بكسر الميم وفتح اللام بمنزلة الظفر للانسان.
(5) نشب في الشئ: وقع فيما لا مخلص منه.
(6) الصراخ: الصياح بالاستغاثة.
(7) الفخ: آلة يصطاد بها، والمراد بالفخاخ الشيطان الصياد للانسان (المجمع)
(8) آثره ايثارا: اختاره وأكرمه (أقرب).
(9) لا يتكائدك عفو أي لا يصعب عليك. (المجمع).
27

ثم تذكر ما قاله علي بن الحسين زين العابدين (ع) في مناجاته، وتفكر فيما
تضمنته من بسط الرجا: (الهي وعزتك وجلالك لو قرنتني في الأصفاد (1) ومنعتني
سيبك (2) من بين الاشهاد ودللت على فضائحي عيون العباد وأمرت بي إلى النار وحلت
حلت
بيني وبين الأبرار ما قطعت رجائي منك ولا صرفت تأميلي للعفو عنك ولا خرج حبك عن
قلبي انا لا انسى أياديك عندي وسترك على في دار الدنيا وحسن صنيعك إلى).
وتبسط بهذا وأمثاله (3) رجاك لئلا يميل به جانب الخوف فيؤدى إلى القنوط،
(ولا يقنط من رحمة ربه الا الضالون)، ولا يميل به جانب الرجا فتبلغ الغرور والحمق.
قال رسول الله (ص): الكيس (4) دان (5) نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق
والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله المغفرة.
وعنهم عليهم السلام إنما المؤمن كالطائر وله جناحان الرجا والخوف.
وقال لقمان لابنه نامان (ما ثان): يا بنى لو شق جوف المؤمن لوجد على قلبه سطران
من نور لو وزنا لم يرجع أحدهما على الاخر مثقال حبة من خردل أحدهما الرجا
والاخر الخوف.
نعم في حالة المرض خصوصا مرض الموت ينبغي ان يزيد الرجا على الخوف
ورد بذلك الأثر عنهم عليهم السلام.
مناجاة لدفع الفقر والشدائد:
يامن يرى ما في الضمير ويسمع * أنت المعد لكل ما يتوقع

(1) الأصفاد: القيود والاغلال واحدها صفد بالتحريك (المجمع)
(2) السيب: العطاء (أقرب).
(3) مثل ما ناجى به زين العابدين (ع) في دعائه: (اللهم إني أجد سبل المطالب إليك
مشرعه ومناهل الرجال إليك مترعة والاستعانة بفضلك لمن أملك مباحة وأبواب الدعا إليك
للصارخين
مفتوحه اه.
(4) الكيس: العاقل.
(5) دانه: اذله واستبعده.
28

يامن يرجى للشدائد كلها * يامن إليه المشتكى والمفزع
يامن خزائن ملكه في قول كن * امنن فان الخير عندك أجمع
مالي سوى فقري إليك وسيلة * بالافتقار إليك فقري ادفع
مالي سوى قرعي لبابك حيلة * ولئن رددت فأي باب أقرع
ومن الذي ادعو واهتف (1) باسمه * إن كان فضلك عن فقير يمنع
حاشا لمجدك ان تقنط عاصيا * والفضل اجزل والمواهب (2) أوسع
مناجاة أخرى:
اجلك عن تعذيب مثلي على ذنبي * ولا ناصر لي غير نصرك يا رب
انا عبدك المحقور في عظم شأنكم * من الماء قد أنشأت اصلى وترب (3)
ونقلتني من ظهر آدم (4) نطفة * احذر (5) في قعر جريح من الصلب
وأخرجتني من ضيق قعر بمنكم * واحسانكم اهويمن الواسع الرحب (6)
فحاشاك في تعظيم شأنك والعلى * تعذب محقورا باحسانكم ربى
لأنا رأينا في الأنام معظما * يخلى عن المحقور في الحبس والضرب
وأرفده مالا ولو شاء قتله * لقطعه بالسيف إربا على إرب (7)
وأيضا إذا عذبت مثلي وطائعا * تنعمه فالعفو منك لمن تحبي (8)
فما هو الالى فمنذ رأيته * لكم شيمة (9) أعددته المحو للذنب

(1) الهتف: الصوت.
(2) لهبة: العطية والاسم الموهب والموهبة (نهاية)
(3) التربة أي التراب ج ترب كغرفة وغرف (المجمع)
(4) النطفة: ماء الرجل ج نطف (ص)
(5) احدر بالبناء على المفعول أي انزل.
(6) الرحب بالضم: السعة.
(7) الإرب بالكسر: العضو.
(8) حبى الماء في الحوض حبيا: جمعه (القاموس)
(9) الشيمة: الغريزة والطبيعة والجبلة التي خلق الانسان عليها.
29

وأطمعتني لما رأيتك غافرا * ووهاب قد سميت نفسك في الكتب
فإن كان شيطاني أعان جوارحي * عصتكم فمن توحيدكم ما خلا قلبي
فتوحيد كم فيه وآل محمد * سكنتم به في حبة القلب واللب
وجيرانكم هذا الجوارح كلها * وأنت فقد أوصيت بالجار ذي الجنب
وأيضا رأينا العرب تحمى نزيلها (1) * وجيرانها التابعين من الخطب (2)
فلم لا أرجى فيك يا غاية المنى * حما مانعا إذ صح هذا من العرب
نصيحة: وينبغي لك مع تأخر الإجابة الرضا بقضاء الله تعالى وان تحمل عدم
الإجابة على الخيرة وان الحاصل بك هو عين الصلاح لك فإنه غاية التفويض إلى الله
تعالى وحق له عليك
فإنه روى عن رسول الله (ص) أنه قال: لا تسخطوا نعم الله ولا تقترحوا (3) على ا لله
وإذ ابتلى أحدكم في رزقه ومعيشته فلا يحدثن شيئا يسئله لعل في ذلك حتفه (4)

(1) حميت حماية إذا دفعت عنه. (ص)
(2) الخطب بالمعجمة: الامر الجسيم.
وفى (المجمع) كان زين العابدي (ع) ليلة من الليالي متعلقا بأستار الكعبة وهو يتململ
ويقول:
يا ذا المعالي عليك معتمدي * طوبى لعبد تكون مولاه
طوبى لمن بات خائفا وجلا * يشكو إلى ذي الجلال بلواه
إذا خلا في الظلام مبتهلا * أكرمه ربه ولباه
نقل ان هاتفا اجابه يقول:
لبيك لبيك أنت في كنفي * وكلما قلت قد سمعناه
صوتك تشتاقه ملائكتي * وعذرك اليوم قد قبلناه
اسئل بلاد هشة ولا وجلا * فلا تخف انني الله
(3) اقترحت عليه شيئا: سئلته إياه من غير روية.
(4) الحنف: الموت.
30

كن ليقل: (اللهم بجاه محمد وآله الطيبين إن كان ما كرهته من امرى هذا
خير إلى وأفضل في ديني فصبرني عليه وقوني على احتماله ونشطني (1) بثقله، وإن كان
خلاف ذلك خيرا لي فجد على به ورضني بقضائك على كل حال فلك الحمد).
وفى هذا المعنى ما روى عن الصادق (ع) فيما أوحى الله إلى موسى بن عمران (ع):
يا موسى ما خلقت خلقا أحب إلى من عبدي المؤمن، وانى إنما ابتليته لما هو خير له
وأعافيه لما هو خير له، وانا اعلم بما يصلح عبدي عليه فليصبر على بلائي وليشكر على
نعمائي أثبته في الصديقين عندي إذا عمل برضائي وأطاع امرى.
وعن أمير المؤمنين (ع) قال: قال الله عز وجل من فوق عرشه: يا عبادي أطيعوني
فيما أمرتكم به، ولا تعلموني بما يصلحكم فانى اعلم به ولا ابخل عليكم بمصالحكم.
وعن النبي (ص): يا عباد الله أنتم كالمرضى ورب العالمين كالطبيب فصلاح المرضى
بما يعلمه الطبيب ويدبره لا فيما يشتهيه المريض ويقتره الا فسلموا الله امره تكونوا
من الفائزين.
وعن الصادق (ع) عجبت للمرء المسلم لا يقضى الله (له) بقضائه الا كان خيرا له
(و) ان قرض بالمقاريض (2) كان خيرا له، وان ملك مشارق الأرض ومغاربها كان
خيرا له.
وعنه (ع) يقول الله سبحانه: ليحذر عبدي الذي يستبطئ (3) رزقي ان أغضب
فافتح عليه بابا من الدنيا.
وفيما أوحى الله تعالى إلى داود (ع): من انقطع إلى كفيته ومن سئلني أعطيته
ومن دعاني أجبته، وإنما أؤخر دعوته وهي معلقة وقد استجبتها له حتى يتم قضائي فإذا

(1) نشط في عمله: خف وأسرع فهو نشيط (المجمع)
(2) المقراض: ما يقرض بها أي يقطع بها ج المقاريض (المجمع).
(3) استبطأ: وجده قد ابطا، أو قال له قد أبطأت (أقرب).
31

تم قضائي أنفذت (1) ما سئل قل للمظلوم: إنما أؤخر دعوتك وقد استجبتها لك على
من ظلمك حتى يتم قضائي لك على من ظلمك لضروب كثيرة غابت عنك وانا احكم
الحاكمين.
اما أن تكون قد ظلمت رجلا فدعا عليك فتكون هذه بهذه لا لك ولا عليك، واما
أن تكون لك درجة في الجنة لا تبلغها عندي الا بظلمه لك لأني اختبر عبادي في أموالهم
وأنفسهم، وربما أمرضت العبد فقلت صلاته وخدمته، ولصوته إذا دعاني في كربته (2)
أحب إلى من صلاة المصلين، ولربما صلى العبد فاضرب بها وجهه واحجب عنى صوته
أتدري من ذلك يا داود؟ ذلك الذي يكثر الالتفات إلى حرم (3) المؤمنين بعين الفسق،
وذلك الذي حدثته نفسه لو ولى أمرا لضرب فيه الأعناق ظلما.
يا داود نح على خطيئتك كالمرأة الثكلى على ولدها لو رأيت الذين يأكلون
الناس بألسنتهم وقد بسطتها بسط الأديم وضربت نواحي ألسنتهم بمقامع من نار (4)
ثم سلطت عليهم موبخا لهم (5) يقول: يا أهل النار هذا فلان السليط فاعرفوه، كم ركعة
طويلة فيها بكاء بخشية قد صليها صاحبها لا تساوي عندي فتيلا (6) حين (حيث) نظرت
في قلبه وجدته ان سلم من الصلاة وبرزت له امرأة وعرضت عليه نفسها أجابها، وان
عامله مؤمن خاتله (7) (خانه)

(1) امره نافذ أي مطاع. (المجمع)
(2) الكربة كغرفة: الغم الذي يأخذ بالنفس ج كرب كغرف.
(3) حرم بضم الأول وفتح الثاني جمع الحرمة بمعنى المرأة.
(4) المقامع ج المقمعة بالكسر وهي شئ من حديد يضرب به.
(5) وفى بعض النسخ (موبخا) بلا تشديد وبخه توبيخا إذا لامه وهدده على عدم الفعل.
(6) الفتيل: قشر يكون في بطن النواة وهو ونقير وقطمير أمثال
(7) ختله: خدعه (المجمع)
32

واما ما دل عليه من السنة فكثير يفضى استقصائه إلى السهاب (1) واضجار فلنقتصر
منه على اخبار:
الأول روى حنان بن سدير قال: قلت لأبي جعفر (ع): أي العبادة أفضل؟ فقال:
ما من شئ أحب (أفضل) إلى الله (عند الله) من أن يسئل ويطلب ما (مما) عنده، وما
أحدا بغض إلى الله ممن يستكبر عن عبادته ولا يسئل ما عنده.
الثاني روى زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: ان الله عز وجل يقول: (ان الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) (2) قال: هو الدعاء، وأفضل العبادة
الدعا قال: قلت: (ان إبراهيم لاواه حليم) قال: الأواه هو الدعاء.
الثالث روى ابن القداح عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): ا حب
الأعمال إلى الله في الأرض الدعا، وأفضل العبادة العفاف (3) قال: وكان أمير ا لمؤمنين (ع)
رجلا دعاء.
الرابع روى عبيد بن زرارة عن أبيه عن رجل عن أبي عبد الله (ع): الدعا هو
العبادة التي قال الله: (ان الذين يستكبرون عن عبادتي) الآية ادع الله (ادع) ولا تقل:
ان الامر قد فرغ (منه).
الخامس روى عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (ع) قال: الدعا كهف الإجابة

(1) أسهب الرجل إذا أكثر من الكلام (ص) (2) المؤمن 62.
(3) والمراد بالعفاف اما العفة عن السؤال عن المخلوقين، أو عفة البطن والفرج عن
الحرام، أو مطلق العفة عن الحرام، وربما يتوهم التنافي بينه وبين كون الدعا أحب الأعمال
والجواب من وجوه: الأول ان الدعا أفضل الأعمال الوجودية والعفا أفضل التروك. الثاني
أن تكون أفضلية كل منهما بالنسبة إلى غير الاخر. الثالث أن تكون أفضلية كل منهما من جهة خاصة
فان لكل منهما تأثيرا خاصا لا يقوم الاخر مقامه كما أن للماء تأثيرا في قوام البدن لا يقوم
غيره مقامه، وبمثل تلك الوجوه يمكن الجمع بين هذه الأخبار وبين ما ورد في أفضلية غيرهما
من الأعمال انتهى موضع الحاجة ملخصا (مرات).
33

كما أن السحاب كهف المطر. (1)
السادس روى هشام بن سالم قال: قال أبو عبد الله (ع): أتعرفون طول البلاء من
قصره؟ قلنا: لا قال: إذا ألهم أحدكم الدعا (عند البلاء) فاعلموا أن البلاء قصير. (2)
السابع ولاد قال: قال أبو الحسن (ع): ما من بلاء نزل على عبد مؤمن فيلهمه
الله الدعا الا كان كشف ذلك البلاء وشيكا (3) وما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيمسك
عن الدعا الا كان البلاء طويلا، فإذا نزل البلاء عليكم بالدعا والتضرع إلى الله عز وجل
الثامن عن النبي (ص): افزعوا إلى ا لله في حوائجكم والجئوا إليه في ملماتكم (4)
وتضرعوا إليه وادعوه فان الدعا مخ (5) العبادة، وما من مؤمن يدعو الله الا استجاب له فاما
ان يعجل له في الدنيا أو يؤجل له في الآخرة واما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا
ما لم يدع بمأثم (6)
التاسع عنه (ص): أعجز الناس من عجز عن الدعا وأبخل الناس من بخل
بالسلام (7).
العاشر وعنه (ص) الا أدلكم على أبخل الناس وأكسل الناس وأسرق الناس وأجفأ
الناس وأعجز الناس؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: أما أبخل الناس فرجل يمر بمسلم ولم
يسلم عليه، وأما أكسل الناس فعبد صحيح فارغ لا يذكر الله بشفة ولا بلسان، وأما أسرق
الناس فالذي يسرق من صلاته تلف كما تلف الثوب الخلق (8) فيضربها وجهه، وأما أجفأ

(1) أي الإجابة تأوى إليه فيكون مظنة لها كالمطر مع السحاب (المجمع)
(2) الهام الدعا: اخطاره بباله وتوفيقه لاتيانه بشرائطه (مرات)
(3) وشيك: سريع.
(4) الملمات بضم الميم الأولى وتشديد الثانية وكسر اللام بينهما: الشدائد.
(5) قوله: الدعا مخ العبادة قد تقدم معناه ذيل عنوان (في الاشكال بأنه تعالى فاعل اه).
(6) المأثم: الامر الذي يأثم به الانسان.
(7) البخيل، ضد الجواد. (المجمع).
(8) خلق الثوب بضم العين إذا بلى فهو خلق بفتحتين (المجمع).
34

الناس فرجل ذكرت بين يديه فلم يصل على، وأما أعجز الناس فمن يعجز (عجز) عن الدعا.
الحادي عشر عنه (ص): أفضل العبادات الدعاء، وإذا اذن الله للعبد (لعبد) في الدعا
فتح له باب الرحمة انه لن يهلك مع الدعا أحد.
الثاني عشر معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (ع): في الرجلين افتتحا الصلاة
في ساعة واحدة فتلا هذا القران فكانت تلاوته أكثر من دعائه، ودعا هذا (أكثر) فكان
دعائه أكثر (من تلاوته) ثم انصرفا في ساعة واحدة أيهما أفضل؟ قال: كل فيه فضل وكل
حسن قلت (فقلت): انى قد علمت أن كلا حسن وان كلا فيه فضل لكن أيهما أفضل؟ فقال
الدعا أفضل اما سمعت قول الله عز وجل؟: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) هي والله العبادة هي والله أفضل (هي
والله أفضل (أليست هي العبادة؟ هي والله العبادة) هي والله العبادة (أليست هي أشدهن؟
هي والله أشدهن والله أشدهن) هي والله أشدهن. (1)
الثالث عشر يعقوب بن شعيب قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ان الله أوحى
إلى آدم (ع) انى سأجمع لك الكلام (الخير كله) في أربع كلمات قال: يا رب (و) ما هن؟
قال: واحدة لي (و) واحدة لك (و) واحدة فيما بيني وبينك (و) واحدة بينك وبين
الناس فقال آدم (ع) بينهن لي يا رب (حتى أعلمهن) فقال الله تعالى: اما التي هي لي
فتعبدني ولا تشرك بي شيئا، واما التي لك فأجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه، وأما
التي بيني وبينك فعليك الدعا وعلى الإجابة، وأما التي بينك وبين الناس فترضى للناس
ما ترضى (ترضيه) لنفسك

(1) قال في (وافى): قيل: لعل المراد به الدعا بقلب حاضر وتوجه كامل وانقطاع
تام
إلى الحق جل ثنائه كما يرشد إليه قوله: هي والله أشدهن، والظاهر عود ضمير هي إلى الدعا
وتأنيثه باعتبار الخبر أو الدعوة، وضمير أشدهن للعبادات أو الأمور التي يتكلم بها في الصلاة والله أعلم
بمقاصد أوليائه. المؤمن: 62.
35

الرابع عشر من كتاب الدعا لمحمد بن حسن الصفار يرفعه إلى الحسين بن سيف
من أخيه على عن أبيه عن سليمان بن عثمان بن الأسود عمن رفعه قال: قال رسول -
الله (ص): يدخل الجنة رجلان كانا يعملان عملا واحدا فيرى أحدهما صاحبه فوقه
فيقول: يا رب بما أعطيته؟ وكان عملنا واحدا فيقول الله تبارك وتعالى: سئلني ولم تسئلني
ثم قال (ص): اسألوا الله واجزلوا (1) فإنه لا يتعاظمه شئ.
الخامس عشر بهذا الاسناد قال: حدثني عثمان عمن رفعه قال: قال النبي (ص):
ليسألن الله (لتسلن الله) أو ليقضين (ليغضبن) عليكم ان لله عبادا يعملون فيعطيهم،
واخرين يسئلونه صادقين فيعطيهم ثم يجمعهم في الجنة فيقول الذين عملوا: ربنا
عملنا فأعطيتنا فيما أعطيت هؤلاء؟ فيقول هؤلاء عبادي أعطيتكم أجوركم ولم
ألتكم (2) من أعمالكم شيئا، وسئلني هؤلاء فأعطيتهم (وأغنيتهم) وهو فضلى أوتيه
من أشاء.

(1) أجزلت لهم في العطاء: أكثرت:
(2) والألت: النقصان يق ألته يألته أي نقصه (المجمع).
36

(الباب الثاني في أسباب الإجابة)
وينقسم إلى سبعة أقسام: لأنها أما ان ترجع إلى نفس الدعا، أو إلى زمان الدعا،
أو إلى مكانه، أو الحالات وهي قسمان حالات الداعي، وحالات يقع فيها الدعا فهذه خمسة أقسام
، وما يتركب من المكان والدعا، وما يتركب من الزمان والدعا صارت سبعة أقسام:
القسم الأول ما يرجع إلى الوقت كليلة الجمعة ويومها
قال الصادق عليه السلام: ما طلعت الشمس بيوم أفضل من يوم الجمعة وان كلام الطير
فيه إذا لقى بعضها بعضا سلام سلام يوم صالح.
وروى أن رسول الله (ص) كان إذا خرج من البيت في دخول الصيف خرج يوم
الخميس، وإذا أراد ان يدخل عند دخول الشتاء دخل يوم الجمعة.
وعن ابن عباس قال: كان يخرج ليلة الجمعة ويدخل ليلة الجمعة
وعن الباقر (ع) إذا أردت ان تتصدق بشئ قبل الجمعة فاخره إلى يوم الجمعة.
وعن الباقر (ع) (أبى جعفر أنه قال) ان الله تعالى لينادي كل ليلة جمعة من فوق
عرشه من أول الليل إلى آخره: ألا عبد مؤمن يدعوني لدينه أو دنياه (لاخرته ودنياه)
قبل طوع الفجر فأجيبه؟ ألا عبد مؤمن يتوب إلى من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب
إليه؟ ألا عبد مؤمن قد قتر عليه رزقه فيسئلني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده
وأوسع عليه؟ ألا عبد مؤمن سقيم يسئلني ان أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه؟ ألا عبد مؤمن
محبوس مغموم يسئلني ان أطلقه من سجنه (حبسه قبل طلوع الفجر فأطلقه من حبسه) فأخلي
37

سربه (1)؟ ألا عبد مؤمن مظلوم يسئلني ان آخذ بظلامته قبل طلوع الفجر فانتصر له
وآخذ له بظلامته؟ (2) قال: فلا (فما) يزال ينادى بهذا حتى يطلع الفجر.
وعن أحدهما (ع) ان العبد المؤمن يسئل (ليسئل) الله الحاجة فيؤخر الله
عز وجل قضاء حاجته التي سئل إلى يوم الجمعة (ليخصه بفضل يوم الجمعة)
وعن النبي (ص) ان يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله تعالى (وهو) وأعظم
(عند الله) من يوم الفطر ويوم الأضحى وفيه خمس خصال: خلق الله فيه ادم، وأحبط
(الله) فيه ادم إلى الأرض، وفيه توفى الله ادم، وفيه ساعة لا يسئل الله تعالى فيها أحد
شيئا الا أعطاه ما لم يسئل حراما (محرما) وما من ملك مقرب ولا سماء ولا ارض ولا رياح
ولا جبال ولا شجر الا وهو يشفق (مشفق من) يوم الجمعة ان تقوم الساعة (القيامة) فيه.
وعن الصادق (ع) في قول يعقوب (ع) لبنيه: (سوف استغفر لكم ربى) قال (ع):
اخره (اخرهم) إلى السحر من ليلة الجمعة.
وفى نهار الجمعة ساعتان ما بين فراغ الخطيب من الخطبة إلى أن تستوى الصفوف
بالناس، وأخرى من اخر النهار، وروى إذا غاب نصف القرص
وقال الباقر (ع): أول وقت الجمعة ساعة تزول (زوال) الشمس إلى أن تمضى
ساعة يحافظ (فحافظ) عليها فان رسول الله (ص) قال: لا يسئل الله تعالى فيها عبد خيرا
الا أعطاه.
روى جابر بن عبد الله قال: دعا النبي (ص) على الأحزاب (3) يوم الاثنين
ويوم الثلاثاء واستجيب له يوم الأربعاء بين الظهر والعصر فعرف السرور في وجهه قال
جابر: فما نزل بي أمر غائظ (4) فتوجهت في تلك الساعة الا وجدت الإجابة.

(1) وفى الحديث من أصبح معافا في بدنه مخلا في سربه: أي في نفسه.
(2) الظلامة والظليمة والمظلمة بفتح اللام وكسرها: أشهر ما تطلبه عند الظالم (المجمع).
(3) الأحزاب: الطوايف التي تجمع على محاربة الأنبياء.
(4) الغائظ والغيظ: الغضب المحيط بالكبد (المجمع.
38

وعن النبي (ص): من كان له حاجة فليطلبها في العشاء الآخرة فإنها لم يعطها
أحد من الأمم قبلكم يعنى: العشاء الآخرة.
وفى رواية في السدس الأول من النصف الثاني من الليل
ويعضدها ما ورد من الترغيب والفضل لمن صلى الليل والناس نيام، وفى الذكر
في الغافلين (1).
ولا شك في استيلاء النوم على غالب الناس في ذلك الوقت بخلاف النصف الأول
فإنه ربما يستصحب الحال فيه النهار، واخر الليل ربما انتشروا فيه لمعايشهم (شهم)
وأسفارهم، وإنما مخ الليل هو وقت الغفلة وفراغ القلب للعبادة، ولاشتماله على مجاهدة
النفس ومهاجرة الرقاد ومباعدة وثير المهاد والخلوة بمالك العباد وسلطان الدنيا
والمعاد، وهو المقصود من جوف الليل.
وهي ما رواه عمر بن أذينة قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ان في الليل ساعة
(لساعة) ما يواقف فيها (لا يواقها) عبد مؤمن (مسلم) (ثم) يصلى ويدعو الله فيها الا
استجاب (استجيب) له (في كل ليلة) قلت: أصلحك الله وأي ساعة الليل هي؟ (فاية
ساعة هي من الليل) قال: إذا مضى نصف الليل وبقى (وهي) السدس الأول من أول النصف
(الثاني) (2).
واما الثلث الأخير فمتواتر (3)

(1) تأتى في ب 5 - ذيل عنوان (ان الذكر في الغافلين مستحب) ر وآياته.
(2) قال في (المرات) بعد نقل الحديث: وظاهره ان المراد سدس النصف لا سدس
الكل. عن عبيدة الشابوري قال: قلت لأبي عبد الله (ع): جعلت فداك ان الناس يروون عن
النبي (ص) ان في الليل إلى الثلث الباقي قلت: ليلة من الليالي؟ فقال: كل ليلة. قوله:
إلى الثلث الباقي أي إلى تمام الثلث الثاني وهو السدس الرابع (وافى) ج 2 أبو أب مواقيت
الصلاة ب 42. وفى (مرآة) أيضا ان هذا الحديث دال على أن المراد به سدس الكل.
(3) ويدل عليه الروايتان الآتي.
39

قال (ص): إذا كان اخر الليل يقول الله سبحانه وتعالى: هل من داع فأجيبه؟ هل
من سائل فاعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟
وروى إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت الرضا (ع): ما تقول في الحديث الذي
يرويه الناس عن رسول الله (ص)؟ أنه قال: أن الله تعالى ينزل في كل ليلة إلى
السماء الدنيا فقال (ع): لعن الله المحرفين (1) الكلم عن مواضعه والله ما قال رسول
الله: كذلك إنما قال (ص): ان تبارك وتعالى ينزل ملكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في
الثلث الأخير، وليلة الجمعة من (في) أول الليل فيأمره فينادى هل من سائل فاعطيه
سؤله؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ يا طالب الخير أقبل يا طالب
الشر أقصر فلا يزال ينادى أبى عن جدي عن ابائه عن رسول الله (ص)
نصيحة: ينبغي لذي الايمان الصريح والاعتقاد الصحيح في تصديق الرسول،
وأبناء الزهراء البتول (2) فيما يخبرون به من معالم التنزيل ويؤدونه عن الرب
الجليل أن يبعث في تلك الساعات مع ذلك المنادى حوائجه في جواب ندائه كما لو
وقف على بابه رسول ملك من ملوك الدنيا واستعرض حوائجه.
وقال: ان الملك قد اذن لي في اعلامك برفع حوائجك إليه ليقضيها لك فإنه
يغتنم ذلك الاستعراض ويذكر ما أهمه من الحوائج والاغراض، ولا يبقى له حاجة ولا
لأهل عناية الا ذكرها على التفصيل خصوصا إذا كان ذلك الملك موصوفا بالعطاء الجزيل
ومعروفا بالثناء (بالفعل) الجميل، ولا يعرض عن منادى الملك مع حاجته إلى مرسله

(1) قال في (الوافي): لعله (ع) أراد بالمحرفين الكلم عن مواضعه: الذين
يأولونها
على غير معناها المطلوب منها وان ضبطوا ألفاظها وعلى هذا يكون لفظ الحديث صحيحا ويكون
معناه غير الذي فهموه من التجسم.
(2) وفى المجمع وقد سئل (ص) انا سمعناك يا رسول الله تقول: ان مريم بتول وان فاطمة
بتول ما البتول؟ فقال: البتول التي لم تر حمرة قط.
40

وينفصل عنه بغير جواب ويضيع المقصود من هذا الخطاب أعراض المتهاونين، فيستحق
سخط الملك ويبوء بجواب (ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم
داخرين) أو اعراض الغافلين فيقع في عساكر المحرومين ويبوء بثقله وما وزر، وما ورد:
ومن ترك مسألة الله افتقر (1).
قال رضى الدين علي بن موسى بن الطاوس (قدس الله روحه الزكية): وأن
شئت فقل في ذلك الوقت (2): اللهم قد صدقت بربوبيتك وبمحمد خاتم رسالتك وبهذا
المنادى عن جودك وان لم تسمعه اذني فقد سمعه عقلي المصدق بالاخبار المتضمنة
لوعدك.
فانا أقول: أيها الملك الوارد علينا من مالك الحكيم الكريم الجواد المحسن
إلينا قد سمعنا بلسان حال عقولنا قولك عن معدن نجاح مسؤلنا: هل من سائل فاعطيه
سؤله؟ وانا سائل لكل ما احتاج إليه مما يقتضى به دوام اقباله على ودوام توفيقي
للاقبال له وتمام احسانه إلى وكمال أدبي بين يديه وان يحفظني ويحفظ على كلما أحسن
به إلى.
وسمعنا قولك عن سيدنا ومولانا الذي هو أهل لبلوغ مأمولنا: هل من تائب
فأتوب إليه؟ (3) وانا تائب اختيار أو اضطرار الآتي عاجز ضعيف عن غضبه وعقابه ومضطر

(1) عن أبي عبد الله (ع) قال: من لم يسئل الله عز وجل من فضله (فقد) افتقول
(الأصول) كتاب
الدعا.
(2) ولا بأس بقرائة هذه الأبيات في هذا الوقت للمناجاة
طرقت باب الرجا والناس قد رقدوا * وجئت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقلت يا املى في كل نائبه * ومن عليه بكشف الضر اعتمد
أشكو إليك أمورا أنت تعلمها * مالي على حملها صبر ولا جلد
وقد مددت يدي بالذل خاضعة * إليك يا خير من مدت إليه يد
يا من يغيث الورى من بعد ما قنطوا * ارحم عبيدا اتى بالذل قد بسطوا
(3) التوب والتوبة: الرجوع من الذنب (المجمع).
41

إلى مرضاه وثوابه.
فان صدقت نفسي في التوبة على التحقيق والا فلسان حال عقلي تائب إليه بكل
طريق من طرق التوفيق، وسمعنا قولك أيها الملك عن سيدنا وسلطاننا الذي هو أهل
لرحمتنا وقبولنا: هل من مستغفر فاغفر له؟ وانا مملوكه المستغفر من كل ما يكرهه
منى المستجير به في العفو عنى فان صدق قلبي ولساني في الاستغفار والا فلسان حال
عقلي وما انا عليه بالاضطرار والاعسار والانكسار يستغفر عنى بين يدي جلالته وعفوه
ورحمته وانا ذليل حقير بين عزته ورأفته.
وقد جعلت أيها الملك ما قد ذكرته من سؤالي وتوبتي واستغفاري وافتقاري
وذلي وانكساري أمانة مسلمة إليك تعرضها من باب الحلم والكرم والرحمة والجود
على من أنعم علينا وبعثك وأرسلك إلينا، وفتح بين يدينا أبواب التوصل إليه فيما
تعرضه إليه.
قال: وان لم تحفظ ما ذكرناه ولا تهيأ لك ان تتلوه من هذا فاكتبه في رقعة
وتكون معك أو تحت رأسك وتحفظها كما تحفظ عزيز قماشك، فإذا كان في
الثلث الأخير من كل ليلة تخرجها بين يديك، وتقول: أيها الملك المنادى عن ارحم
الراحمين وأكرم الأكرمين هذه قصتي قد سلمتها إليك مالي لسان ولا جنان يصلح
لكلام اعرضه عليك وهذا اخر كلامه ورحمة الله عليه.
وأنا أقول: ان تيسر لك ا تدعو في ذلك الوقت بما وظفه أهل البيت عليهم
السلام وعلموك من أدعيتهم فبخ بخ، وان لم يتفق لك ذلك فقل: اللهم إني آمنت بك
وصدقت رسولك وآل رسولك صلواتك عليه وعليهم فيما أخبروا به عن مكارم لطفك
وأوانس عفوك اللهم فصل على محمد وأهل بيته وأشركني في صالح (صلاح) ما دعيت
به في هذه الليلة من عاجل الدنيا وآجل الآخرة ثم افعل بي ما أنت أهله ولا تفعل
بي ما انا أهله يا أرحم الراحمين وصل على محمد وآله الطاهرين.
42

واعلم أنه قد روى عن الصادق (ع) أنه قال: لا تعطوا العين حظها (من النوم) فإنها
أقل شئ شكرا (1).
وعن النبي صلى الله عليه وآله: إذا قام العبد من لذيذ مضجعه (2) والنعاس (3) في عينيه
ليرضى ربه عز وجل لصلاة ليله باهى (4) الله به ملائكته فقال (فيقول): أما ترون عبدي هذا؟
قد قام من (لذيذ) مضجعه (وترك لذيذ منامه) إلى (ما لم أفرضه) صلاة لم أفرضها عليه
اشهدوا أنى قد غفرت له.
فايدة قد عرفت ان النهار اثنتا عشر ساعة: (5) يتوجه كل ساعة منها ويتوسل
إلى الله تعالى بامام من الأئمة الهدى عليهم السلام على ما رواه شيخنا في (المصباح) بالدعاء

(1) لا تعطوا اه: أي لا ندعوا العين ان تنام جميع الليل بل تنام بعضها وأحيى بعضها
لأنها خلقت لملاحظة آثار مصنوعاته وملاحظة كتابه وأمثال ذلك مما لا يحصل الا بالسهر (عن
بعضهم).
أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم * وكيف يلذ النوم حيران هائم
فلو كنت يقظان الغداة لحرقت * مدامع عينيك الدموع السواجم
نهارك يا مغرور لهو وغفلة * وليلك نوم والردى لك لازم
وسعيك مما سوف تكره عنده * وعيشك في ا لدنيا تعيش البهائم
تسر بما يفنى وتفرح بالمنى * كما سر باللذات في النوم حالم
فلا أنت في اليقظان يقظان ذاكر * ولا أنت في النوام ناج وسالم
(لله در قائلها).
(2) ضجع الرجل: وضع جنبه بالأرض.
(3) النعاس بالضم: الوسن وأول النوم وهي ريح لطيفة تأتى من قبل الدماغ تغطي
العين ولا تصل إلى الدماغ فإذا وصلت إليه كان نوما.
(4) وفى الحديث: ان الله ليباهي بالعبد الملائكة: أي يحله قربه وكرامته بين أولئك
الملاء محل الشئ المباهى به. وذلك لان الله تعالى غنى عن التعزز بما اخترعه ثم تعبده (المجمع)
(5) أريد بها تقسيم النهار باثنا عشرة جزء لا الساعة المتعارفة حتى يناقض عليه بأيام
الطوال بأنها أزيد من اثنتي عشر ساعة، وبالقصيرة بأنها أقل منها.
43

المأثور لذلك (1).
وذكر السيد رضى الدين (رحمه الله): ان كل يوم من الأسبوع يختص بضيافة
أحد من الأئمة عليهم السلام واجارته، ولكل يوم منه زيارة يختص ظهور الضيافة
والإجارة عنه:
فيوم السبت للنبي صلى الله عليه وآله، ويوم الأحد لمولينا علي عليه السلام، ويوم الاثنين للحسن
والحسين عليهما السلام، ويوم الثلاثاء لعلي بن الحسين، والباقر والصادق، ويوم
الأربعاء للكاظم والرضا والجواد والهادي عليهم السلام، ويوم الجمعة للمهدى عليه
السلام (2).
وليلة القدر وهي مجهولة في شهر رمضان وربما انحصرت في ليالي الافراد
الثلاث، وتأكدت في ليلة الجهني وهي ليلة ثلاث وعشرين منه (3)

(1) قد ذكر الشيخ (ره) في (المصباح) في (أدعية الساعات) لكل ساعة من
ساعات النهار دعاء
ناسبا كل ساعة منها إلى امام من الأئمة عليهم السلام.
(2) عن الصقر بن أبي دلف الكرخي قال: لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكر ى
(ع) جئت اسئل عن خبره - إلى أن قال -: فدخلت فإذا هو (ع) جالس على صدر حصير وبحذائه
بر محفور - إلى أن قال -: ثم قلت: يا سيدي حديث يروى عن النبي (ص) لا اعرف معناه قال:
وما هو؟ فقلت: قوله: (لا تعادوا الأيام فتعاديكم) ما معناه؟ فقال: نعم الأيام نحن ما قامت
السماوات
والأرض: فالسبت اسم رسول الله (ص)، والاحد كناية عن أمير المؤمنين (ع) - ا لي ان قال -
والجمعة
ابن النبي (ع) وساق الحديث إلى - فهذا معنى الأيام فلا تعادوها في الدنيا فيعادوكم في الآخرة
الحديث (سفينة) ص 741.
(3) قوله: وليلة القدر عطف على قوله: ليلة الجمعة ويومها، ولابد هيهنا من بيان أمور
ثلاثة: 1 - الوجه في تسميتها بالقدر. 2 - استمرارها. 3 - اية ليلة هي؟ قال في (المجمع) بعد
ما لخصناه: وقيل: سميت ليلة القدر لأنها الليلة التي يحكم الله فيها ويقضى بما يكون في السنة
بأجمعها من كل أمر، وهي الليلة المباركة في قوله تعالى: (انا أنزلناه في ليلة مباركة).
وقيل: لان للطاعات فيها قدرا عظيما وثوابا جزيلا، وقيل: سميت ليلة القدر لأنه انزل فيه كتاب عن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه قال: كان علي (ع) يقول: يعجبني ان
يفرغ الرجل نفسه في السنة أربع ليال: ليلة الفطر، وليلة الأضحى، وليلة النصف من شعبان
وأول ليلة من رجب (ئل) ج 5 كتاب لصلاة.
44

وليالي الاحياء: وهي أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلتا العيدين
فان أمير المؤمنين (ع) كان يعجبه أن يفرغ نفسه في هذه الليالي (1).
ويوم عرفة فإنه يوم دعاء ومسألة ولهذا كان الفطر فيه أفضل من الصوم لمن يضعفه

(1) ذو قدر إلى رسول ذي قدر.
وقال: ذهب قوم إلى أنها إنما كانت على عهد رسول الله (ص) ثم رفعت، وقال آخرون:
لم ترفع بل هي إلى يوم القيمة.
أقول: ويؤيد قول الثاني ما ورد عنهم عليهم السلام من تنزل الملائكة والروح فيها على
امام الزمان (ع) فيعرضون عليه ما قدر في تلك السنة فلا نطيل بايراده.
ثم قال فيه: وجمهور العلما على أنها في شهر رمضان في كل سنة يعلم ذلك من مذهب
أهل البيت (ع) بالضرورة وهي منحصرة في ليلة تسعة عشر، واحدى وعشرين، وثلاث وعشرين،
وقيل: انها في فرادى العشر الأواخر.
تنبيه قد استشكل في معرفة ليلة القدر، ونزول الملائكة فيها بسبب اختلافها بحسب
اختلاف الأهلة في أقطار الأرض، وأجاب عنه في (المجمع) بوجوه:
منها أن يكون المدار على بلد الامام في نزول الملائكة والروح، ويكون للآخرين ثواب
عبادة ليلة القدر إذا عبدوا الليلة الأخرى.
ومنها أن يكون الامام في كل ليلة في إقليم، وتنزل الملائكة في الليلتين معا.
الثالث أن يكون الامام في بلد لكن تنزل عليه الملائكة في كل ليلة بأحوال أصحاب
البلد التي تلك الليلة ليلة قدرهم.
والجهني بالضم ثم الفتح اسم عبد الله بن أنيس الأنصاري منسوب إلى الجهينة وهي قرية
بموصل (مقتبس بالأثر) قال في (المجمع) ومنه ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ليلة الجهني
وحديثه: أنه قال لرسول الله (ص) ان منزلي ناء من المدينة فمرني بليلة أدخل فيها فأمره
بليلة ثلاث وعشرين.
45

عن الدعا، مع ما ورد من الترغيب العظيم في صيامه. (1)
وعند هبوب الرياح (2)، وزوال الافياء (3) ونزول المطر، وأول قطرة من دم
الشهيد.
لرواية زيد الشحام عن الصادق (ع) قال: اطلبوا الدعا في أربع ساعات: عند
هبوب الرياح، وزوال الأفياء، ونزول المطر (القطر)، وأول قطرة من دم القتيل ا لمؤمن فان
أبواب السماء تفتح عند هذه الأشياء.
وعنه (ع): إذا زال الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان، وقضيت
الحوائج العظام فقلت: من أي وقت؟ فقال (ع): مقدار (بمقدار) ما يصلى الرجل أربع ركعات
مترسلا (4).
ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وقت إجابة، وروى: والفجر طالع.
وروى أبو الصباح الكناني عن أبي جعفر (ع) قال: ان الله عز وجل يجيب (يحب)
من عباده (المؤمنين) كل (عبد) دعاء، فعليكم بالدعا في السحر إلى طلوع الشمس
فإنه ساعة تفتح (5) فيها أبواب السماء، وتقسيم فيها الأرزاق، وتقضى فيها الحوائج العظام

(1) عن حنان بن سدير عن أبيه قال: سئلته عن صوم يوم عرفة فقلت: جعلت
فداك انهم
يزعمون أنه يعدل صوم سنة قال: كان أبى لا يصومه قلت: ولم جعلت فداك؟ قال: يوم عرفة يوم
دعا ومسألة فأتخوف ان يضعفني عن الدعا لحدث (بمج) ج 20 كتاب الصوم ب 61.
(2) عطف على قوله: ليلة الجمعة ويومها.
(3) الفئ: الرجوع، ومنه قيل للظل الذي بعد الزوال: فئ لرجوعه من المغرب
إلى المشرق ج أفياء وفيوء.
(4) يق: ترسل في قرائته إذا تمهل فيها ولم يعجل (المجمع)
(5) وفتح أبواب السماء اما حقيقة، أو كناية عن قرب الاستجابة وفتح أبواب الرحمة
(مرآة).
46

القسم الثاني ما يرجع إلى المكان (1)
كعرفه: وفى الخبر ان الله سبحانه وتعالى يقول للملائكة في ذلك اليوم: يا ملائكتي
ألا ترون إلى عبادي وإمائي؟ جاؤوا من أطراف البلاد شعثاء (2) غبراء (3) أتدرون
ما يسئلون؟ فيقولون: ربنا انهم يسئلونك المغفرة فيقول: اشهدوا أنى قد غفرت لهم.
وروى أن من الذنوب ما لا يعفو (يغفر) الا بعرفة (4)، والمشعر الحرام قال الله
تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام)، وليلة من ليا لي
الاحياء
والحرم والكعبة وروى عن الرضا (ع): ما وقف أحد بتلك الجبال الا استجيب
له، فاما المؤمنون فيستجاب لهم في آخرتهم (آخريهم)، واما الكفار فيستجاب لهم
في دنياهم.
والمسجد مطلقا فإنه بيت الله والقاصد إلى الله زائر له (5).

(1) قال في (بمج) ج 19 ب الأوقات والحالات التي يرجى فيها الإجابة: إجابة
الدعا
للوقت والمكان (إلى أن قال): وأما المكان فخمسة عشر موضعا: منه بمكة عند الميزاب، وعند
المقام، وعند الحجر الأسود، وبين المقام والميزاب
وجوف الكعبة، وعند بئر زمزم، وعلى الصفا والمروة، وعند المشعر، وعند الجمرات الثلاث.
وعند رؤية الكعبة.
(2) شعث الشعر: تغير وتلبد لقلة تعهده بالدهن.
(3) الغبراء بالمد: الأرض سميت بذلك لأنها مغبرة والمغبر شئ فيه غبار (المجمع)
(4) محمد بن علي بن الحسين قال: سمع علي بن الحسين (ع) يوم عرفة سائلا يسئل
الناس فقال له: ويحك أغير الله تسئل هذا اليوم؟ انه ليرجى لما في بطون الحبالى (الجبال)
في هذا اليوم أن يكون سعيدا (ئل) ج 10 كتاب الحج باحرام الحج.
(5) ويأتي في ب 6 في (خواص متفرقة للقران) ما يؤيد ذلك من إجابة الدعا في
المسجد.
47

وفى الحديث القدسي: الا ان بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في
بيته ثم زارني في بيتي. وهو أكرم من أن يخيب (1) زائره وقاصده
وروى سعيد بن مسلم عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان (أبى)
إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلك قدم شيئا فتصدق به، وشم
شيئا من الطيب (2) (طيب) وراح إلى المسجد فدعا (ودعا) في حاجته بما شاء.
فقد دلت هذه الرواية على أمور رابعة:
الأول كون الزوال وقتا لطلب الحوائج. الثاني استحباب تقديم الصدقة. الثالث
شم الطيب. الرابع كون المسجد مكانا لطلب الحاجة.
ومن أماكن الدعا بل أشرفها عند قبر الحسين عليه السلام.
فقد روى أن الله سبحانه وتعالى عوض الحسين (ع) من قتله بأربع خصال:
جعل الشفاء في تربته، وإجابة الدعا تحت قبته، والأئمة من ذريته، وان لا يعد أيام زائريه من
أعمارهم.
وروى أن الصادق (ع): اصابه وجع فأمر من عنده ان يستأجروا له أجيرا يدعو له
عند قبر الحسين (ع)، فخرج رجل من مواليه فوجد آخرا على الباب فحكى له
ما أمر به، فقال الرجل: انا امضى لكن الحسين (ع) امام مفترض الطاعة، وهو أيضا امام
مفترض الطاعة كيف ذلك؟ فرجع إلى مولاه وعرفه قوله فقال: هو كما قال لكن

(1) الخيبة: الحرمان، الخسران (المجمع).
(2) والمراد من الشم هنا كناية عن استعمال قليل من الطيب والتطيب به لا الاكتفاء بمحض الشم
(مرآة)
48

ما عرف ان لله تعالى بقاعا يستجاب فيها الدعا، فتلك البقعة من تلك البقاع (1).
القسم الثالث ما يرجع إلى الدعا من أسباب الإجابة وهو ما كان متضمنا للاسم
الأعظم سواء علم بشخصه أم لم يعلم.
ولا يعلم بعينه الامن اطلعه الله تعالى عليه من أنبيائه وأوليائه عليهم السلام
وقد ورد تلويحات عليه وإشارات إليه، مثل ما روى: في اخر الحشر، وما روى: من أنه في
آية الكرسي، وأول آل عمران، فقيل: يكون في (الحي القيوم) لأنه الجامع بينهما
والموجود فيهما (2)
وعن النبي صلى الله عليه وآله: بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى الاسم الأعظم من سواد
العين إلى بياضها (3).
وقيل: هو في قولنا: (يا حي يا قيوم) وقيل: يا ذا الجلال والاكرام). وقيل: في

(1) أبو هاشم الجعفري قال: دخلت على أبى الحسن علي بن محمد عليهما السلام
وهو
محموم عليل فقال: يا أبا هاشم ابعث رجلا من موالينا إلى الحائر يدعو الله لي فخر جت من عنده
فاستقبلني علي بن بلال فأعلمته ما قال لي، وسئلته أن يكون الرجل الذي يخرج فقال: السمع
والطاعة، ولكنني أقول: انه أفضل من الحائر إذ كان بمنزلة من في الحائر، ودعائه لنفسه أفضل
من دعائي له بالحائر فأعلمته (ع) ما قال، فقال لي: قل له. كان رسول الله أفضل من البيت والحجر
وكان يطوف بالبيت ويستلم الحجر، وان لله تعالى بقاعا يحب ان يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه
والحائر منها (كامل الزيارة) ب 90 أقول: الراوي أبو هاشم، الجعفري وهو كما قال
في (جامع الرواة): قد شاهد الجواد والهادي، والعسكري. وما وجدنا ما نقله المتن عن
الصادق (ع).
(2) عن رسول الله (ص): اسم الله الأعظم في ست آيات من آخر الحشر (بمج) ج 19 ب
الاسم الأعظم. وأيضا فيه برواية أبى امامة قال رسول الله (ص): اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به
أجاب في سور ثلاث: في البقرة، وآل عمران، وطه قال أبو امامة: في البقرة آية الكرسي،
وفى آل عمران (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، وفى طه (وعنت الوجوه للحي القيوم).
(3) وفى (بمج) في الباب المتقدم ما يؤيد المتن.
49

قولنا: (يا هو يا من لا هو الا هو) (1).
وقيل هو الله (2)، وهو أشهر أسماء الرب، وأعلاها محلا في الذكر، والدعا،
وجعل امام سائر الأسماء، وخصت به كلمة الاخلاص، ووقعت به الشهادة.
واعلم أن هذا القول قريب جدا لان الوارد في هذا المعنى كثير.
ثم اعلم أن هذا الاسم المقدس قد امتاز عن ساير الأسماء بخواص:
الأولى انه علم على الذات المقدسة يختص بها فلا يطلق بها على غيره
تعالى: حقيقة ولا مجازا قال الله تعالى: (هل تعلم له سميا) أي هل تعلم أحدا يسمى
الله غيره (3)
الثانية انه دال على الذات، وباقي الأسماء لا يدل آحادها الاعلى آحاد المعاني.
كالقادر على القدرة، والعالم على العلم وغير ذلك.

(1) وفى (بمج) في الباب المتقدم ما يدل على أن يا حي يا قيوم ا سم الله الأكبر
وان يا هواه
اسم الأعظم من أراد يرجع.
(2) والله: اسم علم للذات المقدسة الجامعة لجميع الصفات العليا، والأسماء الحسنى،
وهو غير مشتق من شئ بل هو علم لزمته الألف واللام، وقيل: هو مشتق
واصله اله دخلت عليه الألف واللام فبقي الاله ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام
وسقطت فبقي اللاه، فأسكنت اللام الأولى وأدغمت - ويؤيد قول الثاني ما في الحديث التالي -
وفى الحديث: يا هشام الله مشتق من اله، والا له يقتضى مألوها كان الها إذ لا مألوه: أي لم تحصل
العبادة، وسئل عن معنى الله فقال (ع): استولى على ما دق وجل، وأيضا في الحديث: الله معنى
يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره. انتهى موضع الحاجة ملخصا (المجمع).
(3) قال في (الميزان) في كلام له: الثاني ان المراد بالسمي المشارك في الاسم، والمراد
بالاسم هو الرب لان مقتضى بيان الآية ثبوت الربوبية المطلقة له تعالى على كل شئ فهو
يقول: هل تعلم من اتصف بالربوبية فسمى لذلك ربا حتى تعدل عنه إليه فتعبده دونه، وبذلك
يظهر عدم استقامة عامة ما قيل في معنى السمي انتهى موضع الحاجة
مريم: 66.
50

الثالثة ان جميع الأسماء يتسمى بذلك الاسم المقدس، ولا يتسمى هو بها فيقال
الصبور اسم من أسماء الله، ولا يقال: الله اسم من أسماء الصبور أو الرحيم أو الشكور، وتقدم
ستة فصار امتيازه بتسعة أشياء.
روى أن سليمان عليه السلام لما علم بقدوم بلقيس وقد بقي بينها فرسخ قال: أيكم
يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين؟ قال عفريت من الجن أي مارد قوى داهية (1):
انا آتيك به قبل ان تقوم من مقامك أي من مجلسك الذي تقضى فيه، وكان يجلس
غدوة إلى نصف النهار، وانى على حمله لقوى وعلى ما فيه من الذهب امين فقال سليمان:
أريد أسرع من هذا
قال الذي عند علم من الكتاب وهو آصف بن برخيا، وكان وزير سليمان وابن
أخته، وكان صديقا يعرف الاسم الأعظم الذي إذا دعى به أجاب: انا آتيك به قبل ان
يرتد إليك طرفك قيل: معناه ان يصل إليك من كان منك على قدر مد البصر، وقيل:
ارتداد إدامة النظر حتى يرتد طرفه خائسا، (2) فعلى هذا يكون معناه: ان سليمان مد بصره
إلى أقصاه ويديم النظر، فقبل ان ينقلب إليه بصره حسيرا (3) يكون قد أتى بالعرش (4).
قال الكلبي (5): فخر آصف ساجدا ودعا باسم الله الأعظم فغار عرشها تحت الأرض
حتى نبع عند كرسي سليمان وقيل: انخرق مكانه حيث هو ونبع بين يدي سليمان عليه السلام
وقيل: ان الأرض طويت له، وهو مروى عن أبي عبد الله (ع) (6)، فقيل: ان ذلك الاسم

(1) وفى الخبر: كان رجلا دهيا أي فطنا جيد الرأي
(2) خاسئا أي مبعدا.
(3) الحسير: الذي حسره السفر أي ذهب بلحمه وقوته فلا انبعاث فيه (المجمع).
(4) قال في (الميزان): الطرف على ما قيل: اللحظ والنظر، وارتداد الطرف وصل المنظور
إليه إلى النفس وعلم الانسان به، فالمراد انا آتيك به في أقل من الفاصلة الزمانية بين النظر إلى
الشئ والعلم به انتهى موضع الحاجة.
(5) الكلبي هو أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكوفي (سفينة). ص 489.
(6) عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (ع) (إلى أن قال) فقال له حمران: كيف هذا
أصلحك الله فقال: ان أبى كان يقول: ان الأرض طويت له إذا أراد طواها (بمج) ج 5 ب قصة
سليمان.
51

هو الله، والذي يليه الرحمن. وقيل: هو يا حي يا قيوم بالعبرانية: آهيا شراهيا. وقيل: هو
يا ذا الجلال والاكرام. وقيل: يا الهنا واله كل شئ الها واحدا لا إله إلا أنت (1).
وقد ورد إجابة الدعا في خصوصيات ألفاظ ودعوات لخصوصيات حاجات: مثل
ما روى عن الصادق عليه السلام فيمن قال: يا الله يا الله عشر مرات قيل له: لبيك عبدي سل
حاجتك تعط. وكذا روى فيمن قال: يا رباه يا رباه عشرا. ومثله يا رب يا رب. ومثله
يا سيداه يا سيداه. وروى أن من قال في سجوده: يا الله يا رباه يا سيداه ثلاثا أجيب
له بمثل ذلك.
ومثل ما رواه سماعة قال: قال لي أبو الحسن (ع): إذا كانت لك يا سماعة حاجة فقل
(اللهم إني أسئلك بحق محمد وعلى فان لهما عندك شأنا من الشأن وقدرا من القدر
فبحق ذلك الشأن وبحق ذلك القدر ان تفعل بي كذا وكذا) فإنه إذا كان يوم القيمة
لم يبق ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان الا وهو محتاج إليهما
في ذلك اليوم.
ومثل ما رواه ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار قال من قال في دبر الفريضة:
(يا من يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء أحد غيره) ثلاثا، ثم يسئل الله اعطى ما سئل.

(1) عن أبي جعفر (ع) قال: ان اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا وإنما
كان
عند آصف حرف واحد فتكلم به فخسف الأرض ما بينه وبين سرير بلقيس ثم تناول السرير
بيده، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون
حرفا وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم (بصائر
الدرجات) ص 208 وقال في (الميزان): ولا ينبغي ان يرتاب في أن كونه مفرقا إلى
ثلاث وسبعين حرفا أو مؤلفا من حروف لا يستلزم كونه بحقيقته مؤلفا من حروف الهجاء.
فإنه يعد الاسم وهو واحد، ثم يفرق حروفه بين الأنبياء ويستثنى واحدا، ولو كان من قبيل
الأسماء اللفظية الدالة بمجموع حروفه على معنى واحد لم ينفع منهم عليهم السلام ما ا عطيه
شيئا انتهى موضع الحاجة.
52

ومثل ما روى لقضاء الدين: (اللهم أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك)
يوم الجمعة، ورووا مطلقا (1).
ولسعة الرزق في دبر الصبح (سبحان الله العظيم وبحمده استغفر الله (وأتوب إليه)
واسئله من فضله) عشرا (2).
ومثله بعد العشاء الآخرة (اللهم انه ليس لي علم بموضع رزقي وانا اطلبه
بخطرات تخطر على قلبي فأجول في طلبه البلدان وانا فيما اطلب كالحيران لا ادرى
أفي سهل هوام في جبل أم في ارض أم في سماء أم في برام في بحر وعلى يدي من ومن
قبل من وقد علمت أن علمه عندك وأسبابه بيدك وأنت الذي تقسمه بلطفك وتسببه
برحمتك اللهم صل على محمد وآل محمد واجعل لي يا رب رزقك واسعا ومطلبه
سهلا ومأخذه قريبا ولا تعييني بطلب ما لم تقدر لي فيه رزقا فإنك غنى عن عذابي وانا
فقير إلى رحمتك فصل على محمد وآل محمد وجد على عبدك انك ذو فضل عظيم).
ولدفع خوف الظالم، والدخول على السلطان ما قاله الصادق (ع) عند دخوله على

(1) عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ان على دينا كثيرا
ولى عيال ولا أقدر على الحج: فعلمني دعاء ادعو به فقال: قل: في دبر كل صلاة مكتوبة (اللهم
صل على محمد وآل محمد واقض عنى دين الدنيا ودين الآخرة) فقلت له: اما دين الد نيا فقد
عرفته، فما دين الآخرة؟ فقال: دين الآخرة الحج.
(2) عن معاوية بن عمار قال: سئلت أبا عبد الله (ع) ان يعلمني دعاء للرزق فعلم دعاء
ما رأيت أجلب منه للرزق قال: قل: (اللهم ارزقني من فضلك الواسع الحلال الطيب رزقا واسعا
حلالا طيبا بلاغا للدنيا والآخرة صبا صبا هنيئا مريئا من غير كد ولا من من أحد من خلقك
الا سعة من فضلك الواسع فإنك قلت واسئلوا الله من فضله فمن فضلك اسئل ومن عطيتك اسئل ومن
يدك الملاء اسئل) (الأصول) كتاب الدعا ب الدعا للرزق. أقول ولقد جربناه كثيرا ورأيناه
كما قاله العمار.
53

المنصور) يا عدتي (1) عند شدتي ويا غوثي عند كربتي (2) احرسني (3) بعينك التي لا تنام
واكنفني بركنك الذي لا يرام) (4).
ولقضاء الدين أيضا ما رواه معاذ بن جبل قال: احتبست (احبست) عن رسول الله
صلى الله عليه وآله يوما لم أصل معه الجمعة فقال صلى الله عليه وآله: يا معاذ ما منعك (يمنعك) عن
الصلاة
الجمعة؟ قلت: يا رسول الله ليوحنا اليهودي على أوقية من بر (التبر) (5) وكان على بابى
يرصدني، فأشفقت ان يحبسني دونك فقال (ص): أتحب يا معاذ ان يقضى الله دينك؟
قلت: نعم يا رسول الله قال: قل: (اللهم مالك الملك) (6) إلى قوله: (بغير حساب) (يا رحمن
الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطى منهما ما تشاء وتمنع منهما ما تشاء صل على محمد
وآل محمد اقض عنى ديني يا كريم) فلو كان عليك ملأ الأرض ذهبا لأداه الله عنك
والأوقية عندهم ثلاثة عشر رطلا عراقية (7).
وللحفظ ما روى عن قوله (ص): يا علي إذا أردت ان تحفظ كلما تسمع فقل في
دبر كل صلاة: (سبحان من لا يعتدى على أهل مملكته سبحان من لا (لم) يؤاخذ
(يأخذ) أهل الأرض بأنواع العذاب سبحان الرؤف الرحيم اللهم اجعل لي في قلبي نورا
وبصرا وفهما وعلما انك على كل شئ قدير.

(1) العدة: ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح.
(2) الغوث: تكرار في طلب الإغاثة أي الإعانة.
(3) حرسه حرسة: حفظه.
(4) رامه يريمه ريما: برحه (المجمع)
(5) التبر بكسر التاء فالسكون: هو ما كان من الذهب غير مضروب (المجمع).
(6) واليك بالبقية (تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء
وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار
في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب).
آل عمران: 25 - 26
(7) الرطل العراقي عبارة عن مأة وثلثين درهما هي إحدى وتسعون مثقالا (المجمع).
54

وشكى رجل إلى الحسن بن علي (ع) جارا يؤذيه فقال له الحسن (ع): إذا
صليت المغرب فصل ركعتين ثم قل (يا شديد المحال يا عزيزا ذللت بعزتك جميع
ما خلقت اكفني شر فلان بما شئت) ففعل الرجل ذلك، فلما كان في جوف الليل مع
الصراخ، وقيل: فلان مات الليلة. ومثل هذا القسم كثير لا نطول بذكره يستخرج من
كتب الأدعية لمن يقف عليها.
القسم الرابع ما يتركب من الدعا والزمان (1) كدعاء السمات لاخر ساعة
من نهار الجمعة، ويستحب ان يقول عقيبه: (اللهم إني أسئلك بحرمة هذا الدعا
وبما فات منه من السماء وبما يشتمل عليه من التفسير والتدبير الذي لا يحيط به الا أنت
ان تفعل بي كذا وكذا (2).
مثل ما روى عن أبي جعفر (ع) في الثلث الثاني من شهر رمضان تأخذ المصحف
وتنشره وتقول: (اللهم إني أسئلك بكتابك المنزل وما فيه وفيه اسمك الأعظم الأكبر
(اسمك الأكبر) وأسمائك الحسنى وما يخاف ويرجى ان تجعلني من عتقائك من النار)
وتدعو بما بدالك من حاجة (3)

(1) يريد به ان هذا القسم في بيان أدعية الزمانية فبعض الأزمنة له دخل واثر في
إجابة
الأدعية الواقعة فيها.
(2) يأتي في باب 5 (في الأدعية المختصة بالأوقات) ما يؤيد ذلك. وفى (المصباح)
باب عبادات أيام وليالي جمعات: روى عن النبي (ص) في الساعة التي يستجاب فيها الدعا
يوم الجمعة ان يقول (سبحانك يا لا اله أنت يا حنان يا منان يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال
والاكرام).
(3) وفى (المصباح) باب عبادات أيام وليالي جمعات: ويستحب ان يدعو ليلة ا لجمعة
ويوم الجمعة وليلة عرفة ويوم عرفة بهذا الدعا (اللهم من تهيأ وتعبأ واعد واستعد لوفادة إلى
مخلوق) الدعا بطوله.
55

ومثل ما ورد لمن قرء في الثلث الأخير من ليلة الجمعة سورة القدر خمس عشرة
مرة، ثم يدعو بما يريد (1).
القسم الخامس ما يتركب من الدعا والمكان (2) مثل ما روى عن الصادق (ع)
من كان له حاجة إلى الله عز وجل فليقف عند رأس الحسين عليه السلام وليقل: (يا أبا عبد الله
اشهد انك تشهد مقامي وتسمع كلامي وانك حي عند ربك ترزق فاسئل ربك وربى في قضاء
حوائجي) فإنها تقضى انشاء الله تعالى.
وروى أن رجلا كان له شئ موظف على الخليفة كل سنة فغضب عليه وقطعه عدة
سنوات، فدخل الرجل على مولا أبى الحسن علي بن محمد الهادي (ع) فحكى له
صدوده عنه، وطلب منه (ع) إذا اجتمع به ان يذكره عنده ويشفع له برد جائزته، ثم
خرج الرجل فلما كان الليل بعث إليه الخليفة ويستدعيه، فتأهب الرجل وخرج إلى
منزل الخليفة فلم يصل حتى وافاه عدة رسل كل يقول: أحب الخليفة، فلما وصل إلى
البواب قال له: جاء علي بن محمد هنا؟ قال له البواب: لا، فلما دخل على الخليفة
قربه وأدناه وامر له بكل ما انقطع له من جائزته، فلما خرج قال له البواب (3) - ويسمى
الفتح - (4): قل له (ع): يعلمني الدعا الذي دعا لك به
ثم فيما بعد دخل الرجل على أبى الحسن (ع) فلما بصر به قال (ع): هذا وجه

(1) وفى تفسير البرهان ج 4 سورة القدر: وقال الصادق (ع) من قرأها بعد عشاء
الآخرة
خمس عشرة مرة كان في أمان الله إلى تلك الليلة الأخرى الحديث.
(2) والمراد ان هذا القسم في بيان أدعية المكانية لان بعض الأمكنة لها آثار تؤثر بها في
إجابة الدعاء الواقع فيها وستقف على بعضها في المتن.
(3) البواب: اللازم للباب
(4) المراد بالفتح فتح بن خاقان.
56

الرضا (1) قال: نعم، ولكن قالوا: انك ما جئت إليه فقال أبو الحسن (ع): ان الله عودنا
ان لا نلجأ في المهمات الا إليه ولا نسئل سواه، فخفت ان أغير فيغير ما بي فقال: يا سيدي
الفتح يقول: يعلمني الدعاء الذي دعا لك به فقال (ع): ان الفتح يوالينا بظاهره دون
باطنه، الدعا لمن دعا به بشرط ان يوالينا أهل البيت، لكن هذا الدعا كثير اما ا دعو
به عند الحوائج فتقضى، وقد سئلت الله عز وجل ان لا يدعو به بعدى أحد عند قبري الا
استجيب له وهو: (يا عدتي عند العدد ويا رجائي والمتعمد ويا كهفي والسند ويا واحد
يا أحد ويا قل هو الله أحد أسئلك اللهم بحق من خلقته من خلقك ولم تجعل في خلقك
مثلهم أحدا ان تصلى عليهم وان تفعل بي كذا وكذا) ومثل هذا القسم كثير نقتصر منه
على هذه الإشارة.
واعلم أن قوله (ع): الدعا لمن يدعو به بشرط ولا يتنا أهل البيت إشارة إلى شرط
قبول الدعا، بل بشرط قبول العمل فرضه ونفله.
وفى هذا المعنى ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: يا أبا محمد إنما
مثلنا أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل فكان لا يجتهد أحد منهم أربعين
ليلة إلا دعا فأجيب، وان رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة ثم دعا فلم يستجب له، فاتى
عيسى (ع) يشكو إليه ما هو فيه ويسئله الدعا، فتطهر عيسى وصلى ثم دعا فأوحى الله إليه
يا عيسى ان عبدي اتاني من غير الباب الذي اوتى منه انه دعاني وفى قلبه شك منك،
فلو دعاني حتى ينقطع عنقه وينثر (ينتثر) (2) أنامله (3) ما استجبت له، فالتفت
عيسى (ع) فقال: تدعو ربك وفى قلبك شك من نبيه قال: يا روح الله وكلمته قد كان

(1) قوله هذا وجه الرضا يقال: عند بروز آثار السرور في الوجه (المجمع).
(2) نثرت الشئ نثرا: رميت به متفرقا
(3) الأنامل هي رؤس الأصابع (المجمع).
57

والله ما قلت، فاسئل الله ان يذهب به عنى فدعا له عيسى (ع) فتفضل الله عليه، وصار في
أهل بيته، وكك نحن أهل البيت لا يقبل الله عمل عبد وهو يشك فينا (1)
القسم السادس ما يرجع إلى الفعل (2) كأعقاب الصلاة.
قال أمير المؤمنين (ع): قال رسول الله (ص): من أدى لله مكتوبة فله في اثرها (3)
دعوة مستجابة. قال ابن الفحام: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في النوم فسئلته عن الخبر
فقال: صحيح إذا فرغت من المكتوبة فقل وأنت ساجد: (اللهم إني أسئلك بحق من
رواه وبحق من روى عنه صل على جماعتهم، وافعل بي كيت وكيت).
وعن الصادق (ع): ان الله فرض عليكم الصلاة في أحب الأوقات (أفضل
الساعات) إليه فاسئلوا الله حوائجكم عقيب فرائضكم (فعليكم بالدعا في ادبار
الصلاة).
وعن أمير المؤمنين (ع): لا ينفتل (4) العبد من صلاته حتى يسئل الله الجنة،
ويستجير به من النار، وان يزوجه حور العين (من الحور).
وعن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: إذا قام المؤمن في الصلاة بعث
الله حور العين حتى يحدقن به فإذا انصرف ولم يسئل الله منهن شيئا تفرقن متعجبات
(انصرفن متعجبات)
وروى فضل البقباق عن الصادق (ع) قال: يستجاب الدعا في أربعة مواطن.

(1) وفى (الأصول) ج 2 ص 400 باب الشك روايات بهذا المضمون، وقال في (
المرآة)
بعد نقل الحديث: ثم اعلم أن هذه الأخبار مما يدل على اعتبار العلم اليقيني في الا يمان، وان الشاك
في العقائد الايمانية كافر بل الظان أيضا انتهى موضع الحاجة.
(2) أي كون الدعا بعد بعض الأفعال له اثر خاص في اجابته.
(3) خرجت في اثره بفتحتين وبكسر الهمزة فالسكون أي تبعته عن قريب
(4) انفتل من الصلاة: انصرف عنها (المجمع).
58

في الوتر وبعد الفجر وبعد الظهر وبعد المغرب. وفى رواية انه يسجد بعد المغرب ويدعو
في سجوده
ومما يرجع إلى الفعل دعاء السائل ليعطيه عند العطاء (1) ولا يستجاب له في نفسه
لو دعا في تلك الحال.
وكان زين العابدين عليه السلام يقول للخادم: أمسك قليلا حتى يدعو.
وقال (ع): دعوة السائل الفقير لا ترد.
وكان (ع): يأمر الخادم إذا أعطيت السائل ان تأمره ان يدعو بالخير
وعن أحدهما عليهما السلام: إذا أعطيتموهم فلقنوهم الدعا (2)، فإنه
يستجاب لهم فيكم ولا يستجاب لهم في أنفسهم.
وكان زين العابدين (ع) يقبل يده عند الصدقة وسئل عن (في) ذلك
فقال (ع): انها تقع في يد الله قبل ان تقع في يد السائل.
وقال أمير المؤمنين (ع): إذا ناولتم (3) السائل فليرد الذي يناوله يده إلى
فيه فيقبلها فان الله عز وجل يأخذها قبل ان تقع في يد السائل، فإنه عز وجل يأخذ
الصدقات.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما تقع الصدقة (صدقة) المؤمن في يد السائل حتى تقع

(1) الظرف متعلق بقوله: دعاء السائل والجار متعلق بمقدر وتقدير الكلام: ومما
يرجع
إلى الفعل دعاء السائل عند العطاء كائنا هذا الدعا لاعطائه إياه، ويريد به ان لبعض الافعال اثرا
خاصا في إجابة الدعا بعدها ومنها الصدقة.
(2) وفى الحديث: لقنوا موتاكم أي ذكروا من حضره الموت (المجمع).
(3) نولته: أعطيته نوالا والنوال: العطاء (المجمع).
59

في يد الله تعالى ثم تلا هذه الآية (ألم تعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عبادة ويأخذ الصدقات
وان الله هو التواب الرحيم) (1)
وعن أبي عبد الله (ع) قال: ان الله تبارك وتعالى يقول: ما من شئ الا وقد وكلت
(به) من يقبضه غيري الا الصدقة فانى أتلقفها بيدي تلقفا حتى أن الرجل ليتصدق
أو المرأة لتصدق بالتمرة أو بشق تمرة فأربيها له كما يربى الرجل فلوه (2) وفصيله (3)
فيلقاني (فيأتي) يوم القيامة وهي (هو) مثل جبل أحد (وأعظم من أحد).
وقال الصادق (ع) استنزلوا الرزق بالصدقة.
وقال (ع) لابنه محمد: يا بنى كم فضل (معك) من تلك النفقة؟ فقال: أربعون
دينارا قال: اخرج فتصدق بها قال: انه لم يبق معي غيرها قال: تصدق (فتصدق) بها فان
الله تعالى يخلفها اما علمت أن لكل شئ مفتاحا؟ ومفتاح الرزق الصدقة فتصدق بها
ففعلت (ففعل) فما لبث أبو عبد الله (ع) الا عشرة أيام حتى جائه من موضع أربعة
آلاف دينار.
وقال (ع): الصدقة تقضى الدين وتخلف بالبركة.
وقال (ع): إذا أملقتم (4) فتاجروا الله بالصدقة.
وقال الباقر (ع): ان الصدقة لتدفع سبعين علة (بلية) من البلايا (بلايا) الدنيا
مع ميتة السوء ان صاحبها لا يموت ميتة السوء ابدا (5).

(1) عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: ويأخذ الصدقات قال: يقبلها من أهلها
ويثيب عليها
(الميزان) التوبة: 105.
(2) الفلو بتشديد الواو كغلو: المهر يفصل عن أمه، والمهر ولد الفرس (المجمع).
(3) الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عنه أمه (المجمع).
(4) أملق املاقا: إذا فتقر واحتاج (المجمع).
(5) الميتة بالكسر المحال والهيئة وميتة السوء بفتح السين هي الحالة التي يكون عليها الانسان
عند الموت كالفقر المدقع والوصب الموجع والألم المغلق والاعلال التي تفضى به إلى كفران
النعمة ونسيان الذكر، والأحوال التي تشغله عماله وعليه (المجمع).
60

وقيل: بينا عيسى (ع) مع أصحابه جالسا إذ مر به رجل فقال: هذا ميت أو يموت.
فلم يلبثوا ان رجع عليهم وهو يحمل حزمة حطب، فقالوا يا روح الله أخبرتنا انه ميت
وهو ذا نراه حيا فقال عيسى (ع): ضع حزمتك فوضعها ففتحها وإذا فيها اسود قد ألقم
حجرا، فقال له عيسى (ع): أي شئ صنعت اليوم؟ فقال: يا روح الله وكلمته كان معي
رغيفان فمر بي سائل فأعطيته واحدا (1).
وقال الصادق (ع): ما أحسن عبد الصدقة الا أحسن الله الخلافة (2) على ولده
من بعده
وقال (ع): القانع الذي يسئل، والمعتر صديقك (3).
وكان الصادق (ع) بمنى فجائه سائل، فامر له بعنقود (4)، فقال، لا حاجة لي

(1) عن سالم بن مكرم عن أبي عبد الله (ع) قال: مر يهودي بالنبي (ص) فقال: السلم عليك
فقال رسول الله (ص): عليك فقال أصحابه: إنما سلم عليك بالموت فقال: الموت عليك قال النبي (
ص):
وكذلك رددت، ثم قال النبي: ان هذا اليهودي يعضه اسود في قفائه فيقتله قال: فذهب اليهودي
فاحتطب حطبا كثيرا، واحتمله ثم لم يلبث ان انصرف، فقال رسول الله (ص): ضعه فوضع الحطب
فإذا اسود في جوف الحطب عاض على عود: فقال: يا يهودي أي شئ عملت اليوم؟ فقا ل:
ما عملت عملا الا حطبي هذا احتملته وجئت به، وكان معي كعكان فأكلت واحدة وتصدقت بواحدة
على مسكين، فقال رسول الله (ص): بها دفع الله عنه وقال: ان الصدقة تدفع ميتة السوء عن
الانسان (وافى) ج 6 باب فضل الصدقة. أقول: تأمل في هذه الرواية كيف دفعت الصدقة
ميتة السوء عن رجل يهودي مع أن البلاء المتوجهة إليه من قبل هتكه رسول الله (ص) فكيف
إذا تصدق رجل مسلم مع نية صافية.
(2) يق: خلف الله لك خلفا بخير واخلف عليك خيرا أي أبدلك بما ذهب منك وعوضك عنه
(المجمع).
(3) قوله تعالى: (فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) الحج: 37
القانع هو الفقير الذي يقنع بما اعطيه سواء سئل أم لا، والمعتر هو الذي اتاك وقصدك من الفقراء
(الميزان)
(4) العنقود بالضم واحد عناقيد: العنب (المجمع).
61

في هذا إن كان درهم فقال (ع): يسع الله لك، فذهب ولم يعطه شيئا، فجائه آخر فاخذ
أبو عبد الله ثلاثة حبات من عنب فناوله إياه فاخذها السائل، ثم قال: الحمد لله رب العالمين
الذي رزقني فقال (ع): مكانك، فحثى (1) له ملا كفيه فناوله إياه، فقال السائل:
الحمد لله رب العالمين فقال أبو عبد الله (ع): مكانك يا غلام أي شئ معك
من الدراهم؟ قال: فإذا معه نحو من عشرين درهما فيما حرزناه (2) أو نحوها فقال (ع):
ناولها إياه فاخذها، ثم قال: الحمد لله رب العالمين هذا منك وحدك لا شريك لك، فقال (ع):
مكانك فخلع قميصا كان عليه فقال: البس هذا فلبسه ثم قال: الحمد لله الذي كساني
وسرني يا عبد الله جزاك الله لم يدع له (ع) الا بذا، ثم انصرف فذهب، فظننا انه لو لم يدع
له (ع) لم يزل يعطيه لأنه كان كلما حمد الله تعالى أعطاه.
وقال الصادق (ع): من تصدق ثم ردت (عليه) فلا يبعها. ولا يأكلها لأنه لا شريك
له (لله) في شئ مما جعل له إنما هي (هو) بمنزلة العتاقة (3) لا يصلح له ردها بعد
ما يعتق
وعنه (ع) في الرجل يخرج بالصدقة (الصدقة) ليعطيها (يريدان يعطيها)
السائل فيجده قد ذهب (فلا يجده) قال (ع): فليعطها غيره ولا يردها في ماله.
تتمة الصدقة على خمسة أقسام: الأول صدقة المال وقد سلفت الثاني صدقة الجاه،
وهي الشفاعة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أفضل الصدقة صدقة اللسان قيل: يا رسول الله وما صدقة
اللسان؟
قال: الشفاعة تفك بها الأسير، وتحقن بها الدم، وتجر بها المعروف إلى أخيك، وتدفع بها

(1) حثا الرجل التراب يحثوه: إذا أهاله بيده (المجمع)
(2) الحرز بالكسر: الموضع الحصين المنجد)
(3) عتق العبد خرج من الرق العبودية (المنجد).
62

الكريهة. وقيل: المواساة في الجاه والمال عوذة (1) بقائها.
الثالث صدقة العلم والرأي (2): وهي المشورة.
وعن النبي (ص): تصدقوا على أخيكم بعلم يرشده ورأي يسدده.
الرابع صدقة اللسان وهي واسطة بين الناس، والسعي فيما يكون سببا لاطفاء
النائرة (3) واصلاح ذات البين قال الله تعالى: (لاخير في كثير من نجويهم الا من أمر
بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس).
الخامس صدقة العلم، وهي بذله لأهله ونشره على مستحقه.
وعن النبي (ص): من الصدقة ان يتعلم الرجل العلم ويعلمه الناس.
وقال (ص): زكاة العلم تعليمه من لا يعلمه.
وعن الصادق (ع) لكل شئ زكاة وزكاة العلم ان يعلمه أهله.
روى صاحب كتاب منتقى البواقبت (مناقب) فيه مرفوعا إلى محمد بن علي
بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: حدثني الرضا (ع)
عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر عن أبيه محمد عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه ا لحسين عن
أبيه أمير المؤمنين عليهم السلام قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: طلب العلم فريضة على كل
مسلم ومسلمة، فاطلبوا العلم من مظانه واقتبسوه من أهله فان تعليمه لله سبحانه حسنة، وطلبه
عبادة والمذاكرة به تسبيح، والعمل به جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله
قربة إلى الله تبارك وتعالى لأنه من معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل الجنة، والمؤنس
في الوحشة، والصاحب في الغربة والوحدة، والمحدث في الخلوة، والدليل على

(1) العوذ بفتح العين والواو: الملجأ (أقرب).
(2) الرأي: الإصابة في التدبر (المنجد).
(3) النائرة: العداوة يق: سعيت في اطفاء النائرة أي تسكين الفتنة من النار (أقرب).
63

السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين على (عند) الأخلاء، يرفع الله به أقواما
فيجعلهم في الخير قادة يقتبس آثارهم، ويهتدى بفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، وترغب
الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وفى صلاتهم تبارك عليهم، ويستغفر لهم كل
رطب ويابس حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، وان العلم حياة القلوب
من الجهل، وضياء الابصار من الظلمة، وقوة الأبدان من الضعف يبلغ بالعبد منازل
الأخيار، ومجالس الأبرار، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والفكر (ة) فيه
يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، وبه يطاع الرب عز وجل ويعبد، وبه توصل الأرحام،
ويعرف الحلال والحرام، والعلم امام العمل، والعمل تابعه، يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء
فطوبى لمن لا يحرمه الله منه حظه (1).
تنبيه انظر رحمك الله إلى قوله (ص): العمل تابعه كيف جعلهما قرينين مقترنين
وانه لانفع لأحدهما بدون صاحبه وانه لابد للعالم من العمل، وليس العلم وحده بمنج
لصاحبه.

(1) عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: كان أمير المؤمنين يقول: يا طالب
العلم ان العلم ذو فضائل كثيرة: فرأسه النواصع، وعينه البراءة من الحسد، واذنه الفهم،
ولسانه الصدقة وحفظه الفحص، وقلبه حسن النية، وعقله معرفة الأشياء والأمور، ويد ه الرحمة،
ورجله زيارة العلما، وهمته السلامة وحكمته الورع، ومستقره النجاة، وقايده العافية
ومركبه الوفا، وسلاحه لين الكلمة، وسيفه الرضا، وقوسه المداراة، وجيشه محاورة العلماء،
وماله الأدب، وذخيرته اجتناب الذنوب، وزاده المعروف، ومأواه الموادعة ودليله الهدى،
ورفيقه محبة الأخيار.
قال في (المرآة): أقول: لما أراد (ع) التنبيه على فضائل العلم شبهه بشخص كامل
روحاني له أعضاء وقوى وكلها روحانية بعضها ظاهرة وبعضها باطنه، فالظاهرة كالرأس والعين
والاذن واللسان واليد والرجل، والباطنة كالحفظ والعقل والقلب والهمة والحكمة، وله مستقر
روحاني ومركب وسلاح وسيف وقوس وجيش ومال وذخيرة وزاد ومأوى ودليل ورفيق كلها
معنوية روحانية. ثم شرع (ره) في بيان هذه التشبيهات اللطيفة ولكن تركناه لافضائه إلى
الاسهاب ومن أراد يرجع نوادر أبواب العلم منه ويطلب حديث المتن من مقدمة (مجمع البيان).
64

وصرح بذلك في قوله (ع): من ازداد علما ولم يزدد من الله
الا بعدا (1).
والعلم بغير علم لا ينتفع به لقوله (ص): والعامل على غير بصيرة كالسائر على غير
طريق لا يزيده سرعة السير من الطريق الا بعدا (2).
فكان العلم والعمل قرينين مقترنين لأقوام لأحدهما الا بالآخر وهذان الجوهران أعني
العلم والعمل لأجلهما كان كلما تراه من تصنيف المصنفين ووعظ الواعظين ونظر
الناظرين، بل لأجلهما أنزلت الكتب، وأرسلت الرسل، بل لأجلهما خلقت السماوات
والأرض وما بينهما من الخلق، وتأمل آيتين من كتاب الله تعالى تدلان (نك) على ذلك
إحديهما قوله عز وجل: (الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الامر
بينهن لتعلموا ان الله على كل شئ قدير وان الله قد أحاط بكل شئ علما) (3) وكفى
بهذه الآية دليلا على شرف العلم لا سيما على التوحيد.
والثانية قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون) (4) وكفى بهذه
الآية دليلا على شرف العبادة، فحق العبدان لا يشتغل الا بهما ولا يتعب الا لهما ولا ينظر
الا فيهما، وما سواهما باطل لا خير فيه ولغو لا حاصل له، وإذا علمت ذلك فاعلم أن العلم
أشرف الجوهرين وأفضلهما.
قال النبي (ص): فضل العلم أحب إلى الله من فضل العبادة.
وقال (ص): فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر.

(1) قال علي بن الحسين (ع) في حديث: مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم ما لا
تعلمون
ولما تعلموا بما علمتم، فان العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه الا كفرا ولم يزد د من الله الا بعدا
(الأصول) باب استعمال العلم.
(2) عن أبي عبد الله (ع): والعامل على غير بصيرة اه (الأصول) باب من عمل بغير علم.
(3) الطلاق: 12.
(4) الذاريات: 56.
65

وقال (ص): يا علي نوم العالم أفضل من عبادة العابد يا علي ركعتين يصليهما العالم أفضل
من سبعين ركعة يصليهما العابد.
وقال (ص): يا علي ساعة العالم يتكئ على فراشه ينظر في العلم (علم) خير
من عبادة سبعين سنة وجعل النظر إلى وجه العالم عبادة، بل والى باب العالم عبادة.
وعن علي (ع): جلوس ساعة عند العلماء أحب إلى الله من عبادة الف سنة والنظر
إلى العالم أحب إلى الله من اعتكاف سنة في بيت الحرام، وزيارة العلما أحب إلى الله تعالى من
سبعين طوافا حول البيت وأفضل من سبعين حجة وعمرة مبرورة مقبولة، ورفع الله
تعالى له سبعين درجة وانزل الله عليه الرحمة، وشهدت له الملائكة ان الجنة وجبت له.
لكن لابد للعالم من العبادة مع العلم والا كان هباء (1) منثورا (2) فان العلم بمنزلة
الشجرة والعبادة بمنزلة الثمرة، فالشرف للشجرة إذ هي الأصل لكن الانتفاع بثمرتها،
ولو لم يكن لها ثمرة لم يكن لها شرف، ولم يصلح الا للوقود (3)، فإذا لابد للعبد د منهما
جميعا لكن العلم أولى بالتقديم لشرفه ولكونه أصلا.
ولقوله (ع): والعلم امام العمل والعمل تابعه وإنما صار العلم أصلا متبوعا يلزمك تقديمه
لامرين: أحدهما ان تعرف معبودك ثم تعبده، وكيف تعبد من لا تعرفه؟ وهذا يستفاد
من الأدلة العقلية. الثاني ان تعرف ما يلزمك من العبادات الشرعية وكيفية ايقاعها
لئلا يقع شئ من هذه في غير محله، أو يخل بشرطه فلا تقبل، وهذا يستفاد من الأدلة
السمعية، وسئل بعض العلما أيما أفضل العلم أو العمل؟ فقال العلم لمن جهل والعمل
للعالم. وقد عرفت ان العلم لا ينتفع به صاحبه في الآخرة إذا لم يعمل به فيكون هباء
بل وبالا.

(1) الهباء: ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شبيه الغبار (المجمع).
(2) منثورا أي متفرقا (المجمع).
(3) الوقود: ما توقد به النار (المنجد).
66

الا تسمع إلى قول النبي (ص): ان أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه،
وان أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له وقبل منه فأطاع الله
فادخله الجنة، وادخل الداعي النار بتركه عمله واتباعه الهوى.
وروى هشام بن سعيد قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (فكبكبوا فيها هم والغاون) (1)
قال (ع) الغاوون هم الذين عرفوا الحق وعملوا بخلافه.
وقال (ع): أشد الناس عذابا عالم لا ينتفع من عمله (عمله) بشئ (2).
وقال (ع): تعلموا ما شئتم ان تعملوا فلن ينفعكم الله بالعلم حتى تعملوا به لان العلماء
همتهم الرعاية، والسفهاء همتهم الرواية.
واعلم أن العلم ممدوح فيما رأيت من الكتاب والسنة مثل قوله تعالى:
(شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة واو العلم) (3) وقوله تعالى (هل يستوى ا لذين يعلمون
والذين لا يعلمون) (4).
وقول الصادق (ع): إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد، ووضعت
الموازين، فيوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء
الشهداء. قال بعض العلماء: والسر فيه ان دم الشهيد لا ينتفع به بعد موته، ومدا د العالم
ينتفع به بعد موته.

(1) الشعراء: 94
(2) عن جميل بن دراج قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إذا بلغت النفس ها هنا - وأشار بيده
إلى حلقه - لم يكن للعالم توبة، ثم قرء (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة)
النساء 21 قال في (المرآة): أي العالم بأمور الآخرة فيكون المراد بعد ظهور أحوال الآخرة
لأنه ح عالم بعلم العيان لا ينفعه التوبة، ويحتمل أن يكون المراد قبل ظهور أحوال الآخرة،
وبالعالم العالم مطلقا ويكون المراد ان الجاهل تقبل توبته في هذه الساعة انتهى ملخصا.
(3) آل عمران: 18
(4) الزمر: 9:
67

ومثله قوله (ص): إذا مات المؤمن وترك ورقة واحدة عليها علم تكون تلك
الورقة سترا بينه وبين النار، وأعطاه الله بكل حرف عليها مدينة أوسع من الدنيا سبع
مرات ليس هو عبارة عن استحضار المسائل وتقرير البحوث والدلائل، بل هو ما زاد في
خوف العبد من الله تعالى، ونشطه في عمل الآخرة، وزهده في الدنيا.
وقال العالم (1): أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل الا به، وأوجب العلم عليك
ما أنت مسؤول عن العمل به، والزم العلم لك ما دلك على صلاح قبلك واظهر لك فساده،
واحمد العلم عاقبة ما زادك في عملك العاجل، فلا تشغلن بعلم ما لا يضرك جهله، ولا تغفلن
عن علم ما يزيد في جهلك تركه.
ثم انظر إلى الآيات الواردات بمدح العلم تجدها واصفات للعلماء بما ذكرناه
قال الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) (2) فوصفهم بالخشية وقال الله تعالى:
(امن هو قانت آناء لليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوى
الذين يعملون والذين لا يعلمون) (3) فوصفهم باحياء الليل بالقيام ومواصلة الركو ع
والسجود والخوف والرجا وقال الله تعالى: (ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم
لا يستكبرون) (4) والقسيس: العالم، فوصفهم بترك الاستكبار.
وقال الصادق (ع): الخشية ميراث العلم، والعلم شعاع المعرفة وقلب الايمان،
ومن حرم الخشية لا يكون عالما وان شق الشعر بمتشابهات العلم كما قال الله تعالى: (إنما
يخشى الله من عباده العلماء).

(1) المراد بالعالم كلما اطلق في كتب الامامية (رض): الامام ا بو الحسن الأول،
والإمام موسى
الكاظم عليهما السلام.
(2) فاطر: 28.
(3) الزمر: 9.
(4) المائد: 82
68

وقال النبي (ص): لا تجلسوا عند كل داع مدع (1) يدعوكم من اليقين إلى الشك،
ومن الاخلاص إلى الريا، ومن التواضع إلى التكبر، ومن النصيحة إلى العداوة،
ومن الزهد إلى الرغبة، وتقربوا من عالم يدعوكم من الكبر إلى التواضع، ومن
الريا إلى الاخلاص، ومن الشك إلى اليقين، ومن الرغبة إلى الزهد، ومن العداوة ا لي
النصيحة.
وقال عيسى (ع): اشقى الناس من هو معروف عند الناس بعلمه مجهول بعمله
وعنه (ع) قال رأيت حجرا مكتوبا عليه اقلبني فقلبته، فإذا عليه من باطنه من لا
يعمل بما يعلم مشوم عليه طلب ما لا يعلم، ومردود عليه ما علم.
وأوحى الله تعالى إلى داود (ع): ان أهون ما انا صانع بعبد غير عامل بعلمه من
سبعين عقوبة باطنية ان اخرج من قلبه حلاوة ذكرى.
وعن النبي (ص): العلم الذي لا يعمل به كالكنز الذي لا ينفق منه اتعب صاحبه
نفسه في جمعه، ولم يصل إلى نفعه.
وعن علي (ع): العلم مقرون إلى العمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم. والعلم
يهتف بالعمل فان اجابه والا ارتحل (2).

(1) الدع: الدفع بعنف والعنف: الشدة ضد الرفق (المجمع).
(2) قال في (مرات): قوله: مقرون إلى العمل أي قرن العلم مع العمل في كتاب الله كقوله
تعالى: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) وعلق المعرفة والنجاة عليهما. قوله: فمن علم عمل
ومن عمل علم مر في صورة الخبر أي يجب أن يكون العلم مع العمل بعده والعمل مع العلم
قوله: والعلم يهتف بالعمل أي يصيح ويدعو صاحبه بالعمل على طبقه، فان اجابه وعمل استقر
وتمكن والا ارتحل عنه بدخول الشك والشبهة عليه، أو بنسيانه ويحتمل أن يكون المراد بمقرونية
العلم من العمل عدم افتراق الكامل من العلم عن العمل بحسب مراتب كماله، وعدم ا فتراق
بقاء العلم واستكماله عن العمل على وفق العلم، فقوله: فمن علم أي علما كاملا باقيا عمل، ومن عمل
علم أي أبقى علمه واستكمله تفصيل لما أجمل قبله. قوله: والعلم يهتف أي مطلقا، فان
اجابه وعمل قوى واستقر وتمكن في قلبه والأضعف وزال عن قلبه. باب استعمال العلم منه.
69

وعن الصادق (ع) قول الله عز وجل: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) قال: يعنى
من يصدق قوله فعله، ومن لم يصدق قوله فعله فليس بعالم (1).
وعن النبي (ص) قال: أوحى الله إلى بعض أنبيائه قل للذين يتفقهون لغير
الدين ويتعلمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا لغير الآخرة، يلبسون للناس مسوك (2)
الكباش (3)، وقلوبهم كقلوب الذئاب، ألسنتهم أحلى من العسل، واعمالهم أمر من الصبر:
ايا يخادعون؟ ولأتيحن (4) لكم فتنة تذر الحكيم حيرانا (5).
وقال النبي (ص): مثل الذي يعلم ولا يعمل به مثل السراج يضيئ للناس

(1) قوله: من صدق قوله فعله المراد به من يكون ذا علم ومعرفة ثابته مستقره
استقرارا لا يغلبه معه هواه والمعرفة الثابتة المستقرة كما تدعوا لي القول والاقرار باللسان تدعو
إلى الفعل والعمل بالأركان، والعالم بهذا المنى له خشية من ربه تؤديه إلى الطاعة والانقياد
قولا وفعلا (مرآة). فاطر: 28.
(2) مسوك جمع المسك وهي الجلد (المجمع).
(3) الكبش: فحل الضأن ج كباش ككتاب (المجمع).
(4) تاح له الشئ: قدر له.
(5) علي بن إبراهيم رفعه إلى أبى عبد الله (ع) قال: طلبة العلم ثلاثة، فاعرفهم بأعيانهم
وصفاتهم: صنف يطلبه للجهل والمراء، وصنف يطلبه للاستطالة والختل، وصنف يطلبه للفقه
والعقل: فصاحب الجهل والمراء مؤذ ممار متعرض للمقال في أندية الرجال بتذاكر العلم
وصفة الحلم قد تسر بل بالخشوع، وتخلى من الورع، فدق الله من هذا خيشومه وقطع منه
حيزومه. وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق يستطيل على مثله من اشباهه، ويتواضع
للأغنياء من دونه فهو لحلوائهم هاضم، ولدينه حاطم، فأعمى الله على هذا خبره، وقطع من آثار
العلماء اثره. وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر قد تهنك في برنسه، وقام الليل
في حندسه، ويخشى وجلا داعيا مشفقا مقبلا على شأنه عارفا باهل زمانه مستوحشا من أوثق
إخوانه، فشد الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه. - الختل: الخداع الخب: الخدعة
الملق: المداهنة والملاينة والاعطا باللسان ما ليس في القلب. البرنس بضم الباء والنون: قلنسوة
طويلة يلبسها النساك. الحندس: الليل المظلم - (مرآة) نوادر أبواب العلم.
70

ويحترق نفسه.
فصل وإذا عرفت أدب العالم مع ربه وكيف يجب أن يكون بعد ما علم، فاعلم
أدبه حال تعلمه مع أستاذه، وكيف ينبغي أن يكون حال تعلمه وبعد ما علم.
روى عبد الله بن الحسن عن ا بيه عن جده عليهم السلام أنه قال: ان من حق
المعلم على المتعلم ان لا يكثر السؤال عليه، ولا يسبقه في الجواب، ولا يلح عليه ا ذا
اعرض عنه، ولا يأخذ ثوبه إذا كسل، ولا يشير إليه بيده، ولا يخزره (1) بعينه، ولا يشاور
في مجلسه، ولا يطلب عوراته (2) وان لا يقول: قال فلان: خلاف قولك، ولا يفشى له
سرا، ولا يغتاب عنده، وان يحفظه شاهدا وغائبا، ويعم القوم بالسلام ويخصه بالتحية،
ويجلس بين يديه. وإن كان له حاجة سبق القوم إلى خدمته، ولا يمل من طول صحبته،
فإنما هو مثل النخلة ينتظر متى تسقط عليك منها منفعة، والعالم بمنزلة الصائم القائم
المجاهد في سبيل الله، وإذا مات العالم انثلم في الاسلام ثلمة (3) لا تنسد إلى يوم
القيامة، وان طالب العلم ليشيعون سبعون ألفا من مقربي السماء.
وقال ابن عباس: ذللت طالبا فعززت مطلوبا.
وقال بعض الحكماء: من لم يتحمل ذل الطلب ساعة بقي في ذل الجهل ابدا.
وعن النبي (ص): ليس من أخلاق المؤمن الملق (4) إلا في طلب العلم.
فصل وقال الصادق (ع): وجدت علوم (علم) الناس كلها في أربع خصال: أولها

(1) الخزر محركة: ان يفتح عينه ويغمضها (ق)
(2) العور: العيب (ص)
(3) الثلمة: الخلل في الحائط وغيره (ص).
(4) الملق بالتحريك: الزيادة في التودد والدعا والتضرع فوق ما ينبغي (ص).
71

ان تعرف ربك. والثانية ان تعرف ما صنع بك. والثالثة ان تعرف ما أراد منك. والرابعة
ان تعرف ما يخرجك من دينك (1)
وعنه عليه السلام: ما بعث الله عز وجل نبيا قط حتى يأخذ عليه ثلاثا: الاقرار بالعبودية،
وخلع الأنداد (2) وان الله تبارك وتعالى يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء.
فصل وإذا عرفت نفاسة هذين الجوهرين فاعلم أن ما سواهما باطل لاخير فيه،
ولغو لا حاصل له لان ما سواهما اما ما لابد منه كالقوت (3) أو فضلا عن ذلك فهنا قسمان:
الأول القوت ولا حرج في طلبه، بل هو من العبادة.
قال رسول (ص): الكاد (4) على عياله كالمجاهد في سبيل الله.
وقال أمير المؤمنين (ع): اتجروا بارك الله لكم فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله: يقول:
ان الرزق عشرة اجزاء تسعة في التجارة وواحدة في غيرها.
وقال الصادق (ع): كفى بالمرء اثما ان يضيع من يعول (5).
وقال النبي (ص): ملعون ملعون من يضيع من يعول.

(1) قال في (المرآة) في شرح الحديث: أولها ان تعرف ربك بو جوده وصفاته
الكمالية
الذاتية والفعلية بحسب طاقتك. وثانيها معرفتك بما صنع بك من اعطاء العقل والحواس
والقدرة، واللطف بارسال الرسل وانزال الكتب، وساير نعمه العظام. وثالثها معر فتك بما أراد
منك وطلب فعله أو الكف عنه. وبما أراد من طريق معرفته. واخذه من مأخذه المعلومة بالعقل والنقل.
ورابعها ان تعرف ما يخرجك من من دينك كاتباع أئمة الضلال، والاخذ من غير المأخذ، وانكار
ضروري الدين، ويدخل في هذا القسم معرفة ساير أصول الدين سوى معرفة الله تعالى انتهى
موضع الحاجة.
(2) الندبا لكسر: المثل ج أنداد (ق).
(3) قات أهله يقوت والاسم القوت: هو ما يقوم به بدن الانسان من الطعام (ص).
(4) الكد: الشدة في العمل.
(5) عيال الرجل من يعوله ويثقل أمرهم عليه (ص).
72

وعليه ان يعتمد أمورا: الأول الطلب من الحلال، وترك الحرام بل وترك الشبهة
لان الاقدام عليها يوقع في الحرام.
قال رسول الله (ص): من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أين
ادخله النار.
الثاني ان يقنع بما يكفيه، فإذا كان صانعا يعمل جملة النهار بدينار
مثلا ويعلم ان كفايته ثلثه يقتصر على العمل ثلث النهار، ويصرف باقي النهار في ا لعبادة،
وان رجا ان يعمل جملة النهار بدينار ويصرف يومين تامين في العبادة لم يكن به بأس،
وكذا إذا كان تاجرا واستفضل منه ما يزيد به عن قوت يومه صرف فاضله في العبادة، ويجوز
ادخار مؤنة السنة، وما زاد عليه خطر.
وروى الصدوق باسناده إلى انى الدرداء قال رسول الله (ص) من أصبح معافا في
جسده امنا في سربه (1) وعنده قوت يومه وليلته فكأنما حيزت (2) له الدنيا يا بن
جعشم يكفيك منها ما سد جوعتك، ووارى عورتك، فان يكن بيت يكنك (3) فذاك،
وان تكن دابة تركبها فبخ بخ والا فالخبز وماء الحرة (4) وما بعد ذلك حساب عليك
أو عذاب.
الثالث ان يترك الحرص فان الحرص مذموم يجمع (5) بصاحبه إلى الشبهة
وربما أوقعه في الحرام، والرزق مقسوم لا يزيده قيام حريص، ولا ينقصه قعود مجمل.
فعنهم عليهم السلام: من لم يعط قاعدا لم يعط قائما.
وقال (ص) في حجة الوداع: أيها الناس ما اعلم عملا يقربكم إلى الجنة ويباعدكم

(1) في سربه أي في نفسه (المجمع).
(2) الحوز: الجمع، وكل من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه (المجمع).
(3) كنه: ستره
(4) الجرة بالفتح والتشديد: اناء معروف من خزف ج جرار مثل كلبة وكلاب (المجمع).
(5) يجمع: يسرع.
73

من النار لا وقد نبأتكم به وحثثتكم على العمل به، وما من عمل يقربكم من النار
ويباعدكم من الجنة الا وقد حذرتكموه ونهيتكم عنه الاوان روح الأمين نفث في
روعي (1) انه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم
استبطاء شئ من الرزق ان تطلبوه بمعصية الله ان الله قسم الأرزاق بين خلقه حلالا،
ولم يقسم حراما، فمن اتقى وصبر اتاه رزق الله، ومن هتك حجاب الستر وعجل فاخذه
من غير حله قوصص (2) به من رزقه الحلال وحوسب به يوم القيامة.
وقال (ص) لبعض أصحابه: كيف بك إذا بقيت في قوم يجمعون (يخبئون)
رزق سنتهم ويضعف اليقين؟ فإذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث
نفسك بالصباح فإنك لا تدري ما اسمك غدا.
ثم اعمل فيما يحصل لك من الكسب على قانون السنة والكتاب، وإياك والتبذير
فان الله تعالى يقول: (ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين). وقال رسول الله (ص): من بذر
أفقره الله (3).
وقال (ص): ما عال من اقتصد (4)! وتجب البدأة في الانفاق بالنفس وليجتنب
التملي (5) فإنه يروى عنه (ص) أنه قال: حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان
ولابد فليكن الثلث للطعام، والثلث للشراب، والثلث الاخر للنفس (6).
وقال (ع): أكثر الناس شبعا أطولهم جوعا يوم القيامة.

(1) النفث: نفخ بلا ريق والمعنى: ان جبرئيل القى في قلبي كذا (المجمع).
(2) بالبناء على المفعول من القصاص.
(3) التبذير: الانفاق فيما لا ينبغي (المجمع).
(4) الاقتصاد بين الاسراف والتقتير (المجمع).
(5) التملي مطاوع ملاء يق: تملاء من الطعام (أقرب).
(6) ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال: ما سمعت كلاما احكم من هذا، ولا شك في أن
اثر الحكمة في الحديث المذكور واضح.
74

وأيضا فان التملي يسم القلب بالقسوة، ويثقل الأعضاء عن العبادة، وحسب
الشبعان من الخساسة نومه عن التهجد، وقيام المخففين، ودورانه حول المزابل
والمخففون في المساجد، ثم ينفق على عياله مقتصدا من غير تقتير (1) ويستحب
التوسعة عليهم، وسرورهم بانجاز وعودهم.
وعن أبي الحسن موسى (ع): إذا وعدتم الصغار فأوفوا لهم فإنهم يرون انكم أنتم
الذين ترزقونهم، وان الله عز وجل ليس يغضب لشئ كغضبه للنساء والصبيان. وبادخال
الفاكهة عليهم خصوصا في الجمع.
قال أمير المؤمنين: أطرقوا (2) أهاليكم في كل ليلة جمعة بشئ من الفاكهة
كي يفرحوا بالجمعة.
ويستحب اكرام الوالدين (3) خصوصا ألام قال الصادق (ع): أفضل الأعمال
الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله.
وروى أن موسى لما ناجى ربه رأى رجلا تحت ساق العرش قائما يصلى فغبطه (4)

(1) قتر على عياله تقتيرا: ضيق عليهم.
(2) يقال لكل آت بالليل: طارق.
(3) عن أبي ولاد الحناط قال: سئلت أبا عبد الله (ع) عن قول الله تعالى: (وبالوالدين
احسانا) ما هذا الاحسان؟ فقال: الاحسان ان تحسن صحبتهما، وان لا تكلفهما ان يسئلا ك شيئا
مما يحتاجون إليه وان كانا مستغنين أليس يقول الله تعالى: (ان تنالوا البر حتى تنقوا مما تحبون)
ثم قال أبو عبد الله: (اما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما) ان
ضرباك قال: (وقل لهما قولا كريما) قال: ان ضرباك فقل لهما: غفر الله لكما فذلك منك
قول كريم قال: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) قال: لا تمل عينيك من النظر إليهما
الا برحمة ورقة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، ولا يدك فوق أيديهما، لا تقدم قدامهما. ومن
أراد شرح الحديث يرجع باب البر بالوالدين من (مرآة)
(4) الغبطة ا يتمنى مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه (ص).
75

بمكانه وقال: يا رب بما بلغت عبدك هذا ما أرى؟ قال: يا موسى انه كان بارا بوالديه ولم
يمش بالنميمة (1).
وجاء رجل إلى النبي (ص): وقال: يا رسول الله لم اترك شيئا من القبيح الا وقد
فعلته فهل لي من توبة؟ فقال له: هل بقي من والديك أحد؟ فقال: نعم أبى فقال (ع): اذهب
وابرره، فلما ولى قال النبي (ص): لو كانت أمه.
وقال (ع): من سره ان يمد له في عمره، ويبسط له في رزقه فليصل أبويه
فان صلتهما من طاعة الله.
وقال رجل لأبي عبد الله (ع): ان أبى قد كبر فنحن نحمله إذا أراد الحاجة فقال
عليه السلام: ان استطعت ان تلى ذلك منه فافعل فإنه جنح لك غدا!
وقال (ع): ما يمنع أحدكم ان يبر والديه حيين وميتين؟ يصلى عنهما ويصوم
عنهما، ويتصدق عنهما، فيكون الذي صنع لهما، وله مثل ذلك فيزيده الله ببره خير ا
كثيرا.
ومن حق الوالد على الولد ان لا يسميه باسمه، ولا يمشى بين يديه، ولا يجلس
قبله.
وقال رجل: يا رسول الله ما حق ابني هذا؟ قال: تحسن اسمه وأدبه، وتضعه موضعا
حسنا (2).
فصل قال رسول الله (ص): من سعادة الرجل الولد الصالح.
وقال (ص): الولد للوالد ريحانة من الله يشمها (قسمها) بين عباده، وان

(1) النميمة: نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الفساد والشر (نهاية).
(2) قوله: تضعه موضعا حسنا: يمكن ان يراد به ان ينكح له زوجة صالحة (عن بعضهم).
76

ريحانتي الحسن والحسين عليهما السلام سميتهما باسم سبطي (1) بني إسرائيل
شبرا وشبيرا (1).
وروى الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص): مر عيسى
بن مريم (ع) بقبر يعذب صاحبه، ثم مر به من قابل (3) فإذا هو لا يعذب يقال: يا رب
مررت بهذا القبر عام أول وكان يعذب، ومررت به العام فإذا هو ليس يعذب فأوحى الله
إليه: انه أدرك له ولد صالح فاصلح طريقا، وآوى يتيما فلهذا غفرت له بما عمل ا بنه،
ثم قال رسول الله (ص): ميراث الله عز وجل من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده ثم تلا
أبو عبد الله (ع): آية زكريا (ع) (رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب
واجعله رب رضيا) (4).
وعن النبي (ص): من ولد له أربعة أولاد ولم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني (5)
وعن سليمان الجعفري قال: سمعت أبا الحسن (ع) يقول: لا يدخل الفقر بيتا
فيه اسم محمد أو احمد أو على أو الحسن أو الحسين أو طالب أو عبد الله، أو فاطمة من
النساء.
وعن أبي جعفر (ع): ان الشيطان إذا سمع مناديا ينادى يا محمد يا علي ذاب كما
يذوب الرصاص.
وقال الرضا (ع): لا يولد لنا مولود الا سميناه محمدا فإذا مضى سبعة أيام فان

(1) الأسباط: أولاد الولد، وقيل أولاد البنات.
(2) الشبر: عبرانية بمعنى العطاء.
(3) يق: عام قابل أي مقبل.
(4) مريم: 6.
(5) في حديث النبي (ص) تسموا باسمي ولا تسموا بكنيتي يعنى أبا القاسم، وفى عدم الحل
مطلقا أو لعن اسمه محمد أو نسخ عدم الحل أقوال (المجمع).
77

شئنا غيرنا والا تركنا
وقال (ع): استحسنوا أسمائكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة قم يا فلان بن فلان
إلى نورك، قم يا فلان بن فلان لا نور لك.
روى محمد بن يعقوب (ره) يرفعه إلى الحسن بن أحمد المنقري عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله قال: إذا كان بامرئة أحدكم حمل (حبل) فاتى لها أربعة أشهر
فليستقبل بها القبلة وليضرب على جنبها وليقل: اللهم إني قد سميته محمدا فإنه يجعله
ذكرا، فان وفى بالاسم بارك الله فيه، وان رجع عن الاسم كان لله في الخيار ان شاء اخذه
وان شاء تركه.
وعن سهل بن زياد عن بعض أصحابه رفعه قال: قال رسول الله (ص): من كان له
حمل فنوى ان يسميه محمدا أو عليا ولد له غلام.
وكان زين العابدين (ع) إذا بشر بولا لا يسئل أذكر هوام أنثى؟ حتى يقول
اسوى (1)؟ فإذا كان سويا قال: الحمد لله الذي لم يخلق منى شيئا مشوها (2).
وكان الكاظم (ع) يقول: سعد امرء لم يمت حتى يرى خلفه (3) من نفسه
ولدا ثم قال: فقد أراني الله خلفي من نفسي - وأشار بيده إلى أبى الحسن (ع).
وقال الصادق (ع): ان الله ليرحم الوالد لشدة حبه لولده.
وقال رجل من الأنصار لأبي عبد الله (ع) من ابر؟ قال: والديك قال: قد مضيا قال:
بر ولدك.
وعن الصادق قال: قال رسول الله (ص): أحبوا الصبيان، وارحموهم،

(1) السوى: التمام الأعضاء (المجمع).
(2) قوله مشوها: غير مستوى الخلقة (المجمع).
(3) الخلف بالتحريك والسكون: من يجئ بعد من مضى (المجمع).
78

عدوتموهم شيئا فأوفوا لهم فإنهم لا يرون الا انكم ترزقونهم.
وقال (ع): من قبل (1) ولده كان له حسنة، ومن فرحه فرحه الله يوم القيامة ومن علمه
القران دعى الأبوان فكسيا حلتين يضئ من نورهما وجوه أهل الجنة.
وجاء رجل إلى النبي (ص) فقال: ما قبلت ولدا قط، فلما ولى قال النبي (ص) هذا
رجل عندنا من أهل النار.
ورأى (ص) رجلا من الأنصار ووله ولدان قبل أحدهما وترك الاخر فقال (ع):
هلا واسيت (2) بينهما؟!
وقال بعضهم: شكوت إلى أبى الحسن موسى ابنا لي فقال: لا تضربه، واهجره،
ولا تطل.
وكان النبي (ص) إذا أصبح مسح على رؤس ولده وولد ولده، وصلى بالناس
يوما فخفف في الركعتين الأخيرتين فلما انصرف قال له الناس: يا رسول الله رأينا ك
خففت هل حدث في الصلاة أمر؟ فقال: وما ذاك؟ قالوا: خففت في الركعتين الأخير تين
فقال (ص): أو ما سمعتم صراخ (3) الصبي؟ وفى حديث آخر خشيت ان يشتغل به
خاطر أبيه
وقال الصادق (ع): ان إبراهيم سئل ربه ان ترزقه بنتا تبكيه وتندبه بعد
الموت.

(1) عنه (ص):! أكثروا من قبلة أولادكم فان لكم بكل قبلة درجة في الجنة ما بين
كل
درجة خمسمأة عام (بمج) ج 13 ب فضل الأولاد - القبلة كغرفة: اسم من قبلت الولد وقبلت
الشئ تقبلا (المجمع)
(2) المواساة: المساواة: (المجمع)
(3) الصراخ: الصياح باستغاثة (المجمع).
79

وقال النبي صلى الله عليه وآله: نعم الولد البنات ملطفات (متلطفات) مجهزات مونسات
مباركات مفليات (1).
وقال أبو عبد الله عليه السلام: من تمنى موتهن حرم أجرهن، ولقى الله عاصيا.
وقال (ع): أيما رجل دعا على ولده أورثه الله الفقر.
وقال (ع): البنات حسنات، والبنون نعمة، وإنما يثاب على الحسنات، ويسئل
عن النعمة.
وقال النبي (ص): من عال ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة، قيل:
يا رسول الله واثنتين فقال واثنتين، فقيل: يا رسول الله وواحدة فقال: وواحدة.
وقال (ص): من عال ثلاث بنات، أو مثلهن من الأخوات، وصبر على ايوائهن (2)
حتى يبن (3) (يأتين) إلى أزواجهن، أو يمتن فيصرن إلى القبور كنت انا وهو في الجنة
كهاتين - وأشار بالسبابة والوسطى - فقلت (فقيل): يا رسول الله واثنتين قال (ص):
واثنتين قلت: وواحدة قال (ص): وواحدة.
وولد لرجل جارية فرآه أبو عبد الله مستخطا فقال له: أرأيت (4) لو أن الله تبا رك
وتعالى أوحى إليك انى اختار لك أو تختار لنفسك ما كنت تقول؟ قال: كنت أقول: يا رب
(ما) تختار لي قال (ع): فان الله قد اختار لك، ثم قال: ان الغلام الذي قتله العالم الذي
كان مع موسى في قوله عز وجل: (فأردنا ان يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما)
قال (ع): أبدلهما منه جارية ولدت سبعين نبيا.
وقال النبي (ص): أوصى الشاهد من أمتي والغائب منهم، ومن في أصلاب
الرجال، وارحام النساء إلى يوم القيامة ان يصل الرحم وإن كان منه على مسيرة سنة فان

(1) فليت رأسي: نقيته عن القمل (المجمع)
(2) آويته ايواء: إذا نزلته بك (المجمع)
(3) يبن بصيغة الجمع من ا لبين: الفراق، الوصول وهو من الأضداد (نهاية).
(4) أرأيت كلمة يقول العرب عند الاستخبار أي أخبر (نهاية).
80

ذلك من الدين (1)
وقال (ع): حافتا (2) الصراط يوم القيامة الأمانة، والرحم فإذا مر الوصول (3)
للحرم المؤدى للأمانة نفذ (4) إلى الجنة، وإذا مر الخائن للأمانة القطوع للرحم لم ينفعه
معهما عمل، ويكفأ (يلقى) به الصراط في النار.
وقال (ص): ما زال جبرئيل يوصى بالمرأة حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها
الامن فاحشة مبينة.
وقال (ع): اتقوا الله في الضعيفين النساء، واليتيم.
وقال (ع): حق المرأة على زوجها ان يسد جوعتها، وان يستر عورتها، ولا يقبح
لها وجها، فإذا فعل ذلك فقد أدى والله حقها
فصل وإذا قد عرفت ما يجب على المكتسب، وصاحب العيال من الاقتصار في
الاكتساب، والاخراج، وهذا هو القانون الكلى الذي أمر به الشرع على العموم.
روى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) قال: انى اركب (5) في الحاجة التي

(1) عن جميل بن دراج قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل: (واتقوا
الله
الذي تسائلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيبا) قال: فقال: هي أرحام الناس ان الله تعالى
أمر بصلتها، وأعظمها الا ترى انه جعلها منه. قال: في (المرآة): قوله (ع) هي أرحام
الناس أي ليس المراد هنا رحم آل محمد (ص) كما في أكثر الآيات أمر بصلتها فيها،
والامر باتقاء الأرحام أمر بصلتها وقوله (ع): الا ترى انه جعلها منه أي قرنها بنفسه انتهى
ملخصا.
(2) حافتا الوادي: جانباه ج حافات (أقرب).
(3) الوصول بفتح الواو: الكثير الوصل (أقرب).
(4) النفاذ: جواز الشئ عن الشئ والخلوص منه (ق).
(5) قوله: اركب: أي ارتكب. (ق).
81

كفاها الله ما اركب فيها الا التماس ان يراني الله أضحى (1) في طلب الحلال اما تسمع
قول الله عز وجل؟: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) (2)
أرأيت لو أن رجلا دخل بيتا وطين عليه بابه ثم قال: رزقي ينزل على (من السماء)
كان يكون هذا اما انه أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم دعوة قال: قلت: من هؤلاء؟
فقال (ع): رجل تكون عنده المرأة فيدعو عليها فلا يستجاب له لان عصمتها (3) في يده
لو شاء ان يخلى سبيلها، والرجل يكون له الحق على الرجل فلا يشهد عليه فيجحده
حقه، فيدعو عليه فلا يستجاب له لأنه ترك ما أمر به، والرجل يكون عند الشئ
فيجلس في البيت فلا ينتشر، ولا يطلب، ولا يلتمس حتى يأكله، ثم يدعو فلا يستجاب له (4).
فهذا التكليف العام للجمهور من الخلائق.
واما الخواص فمنهم من تعبد بالاكتساب، ومنهم المتوكل وهو درجة عظيمة،
وصفة من صفات الصديقين ومن وصل إليها بطل عنه قيد الاهتمام، وانحل عنه زمام
الطلب، واضمحل عنه داعية الاكتساب، وتقشعت عنه سحائب الغم وسجلت (سحت)
عليه مزن الامن، وجلس على موائد الرضا، وارتوى من حياض الطمأنينة.
قال الله تعالى عز ذكره: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) (5) وقال الله تعالى:

(1) وأضحى يفعل كذا: صار فاعله في النهار (ق)
(2) الجمعة: 10
(3) العصمة: الحفظ (ص).
(4) يأتي في باب 3 ذيل عنوان (أقوام لا يستجاب دعائهم) ما يؤيد هذه الرواية.
(5) عن علي بن سويد عن أبي الحسن الأول قال: سئلته عن قول الله عز وجل: (ومن
يتوكل على الله فهو حسبه) فقال: التوكل على الله درجات: منها ان تتوكل على الله في أمورك
كلها، فما فعل بك كنت عنه راضيا تعلم أنه لا يألوك خيرا وفضلا، وتعلم أن الحكم في ذلك له،
فتوكل على الله بتفويض ذلك إليه وثق به فيها وفى غيرها. قال في (المرات) قو له: منها
ان تتوكل الظاهر أن هذا آخر افراد التوكل، وساير درجات التوكل ان يتوكل على الله في
بعض أموره دون بعض، وتعددها بحسب كثرة الأمور المتوكل فيها وقلتها قوله: فما فعل بك
اه بيان للوازم التوكل وآثاره وأسبابه. والا لو: التقصير وإذ اعدى إلى مفعولين ضمن معنى المنع.
قوله
: فيها أي في أمورك كلها. وقوله: وفى غيرها أي في أمور غيرك من عشايرك واتباعك وغيرهم.
الطلاق: 3
82

(الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا قالوا حسبنا الله
ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء) (1).
وفى الوحي القديم: يا بن آدم خلقتك من تراب ثم من نطفة فلم أعي (2) بخلقك،
أو يعييني رغيف أسوقه إليك في حينه.
وفيما أوحى الله إلى عيسى (ع): أنزلني من نفسك كهمك، واجعل ذكرى لمعادك،
وتقرب إلي بالنوال، وتوكل علي أكفك، ولا تول غيري فاخذ لك يا عيسى اصبر على
البلاء وارض بالقضاء، وكن لمسرتي فيك فان مسرتي ان أطاع فلا أعصى يا عيسى أحي
ذكر بلسانك، وليكن في قلبك.
وقال الصادق عليه السلام: من اهتم لرزقه كتب عليه خطيئة.
وروى أن دانيال (ع): كان في زمان ملك جبار عات (3) فأخذه وطرحه في
حب (4) وطرح معه السباع فلم تدن منه ولم تجرحه، فأوحى الله تعالى إلى نبي من
أنبيائه ان آت دانيال بطعام فقال: يا رب وأين دانيال؟ قال: تخرج من القرية فتستقبلك
ضبع، فاتبعه فإنه يدلك عليه قال: فاتت به الضبع إلى ذلك الجب وإذا فيه دانيال
فادلى (5) إليه الطعام، فلما رأى دانيال الطعام بين يديه قال: الحمد لله الذي لا ينسى
من ذكره والحمد لله الذي لا يخيب من دعاه والحمد الله الذي من توكل عليه كفاه
والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره والحمد لله الذي يجزى بالاحسان احسانا
وبالسيئات غفرانا وبالصبر نجاة

(1) آل عمران: 173
(2) قوله: فلم أعي هو افعل من عيى من باب تعب: عجز عنه (المجمع).
(3) عتا عتيا وعتوا، استكبر وجاوز الحد (ق).
(4) الجب: البئر الكثيرة الماء البعيدة القمر.
(5) أدلى: ارسل.
83

ثم قال الصادق عليه السلام: ان الله أبى الا ان يجعل ارزاق المتقين من حيث لا يحتسبون (1)،
ولا يقبل لأوليائه شهادة في دولة الظالمين.
وفيما أوحى الله إلى داود (ع): من انقطع إلى كفيته.
وعن أبي عبد الله (ع) في حديث مرفوع إلى النبي (ص) قال: جاء جبرئيل
إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله ان الله أرسلني بهدية لم يعطها أحدا قبلك فقال
رسول الله (ص): فقلت وما هي؟ قال: الصبر وأحسن منه قلت: وما هو؟ قال: القناعة وأحسن
منها قلت: وما هو؟ قال: الرضا وأحسن منه قلت: وما هو؟ قال: الزهد وأحسن منه
قلت: وما هو؟ قال: الاخلاص وأحسن منه قلت: وما هو؟ قال: اليقين وأحسن منه قلت:
وما هو؟ قال: ان مدرجة ذلك كله التوكل على الله قلت: يا جبرئيل وما تفسير التوكل
على الله؟ قال: العلم بان المخلوق لا يضر ولا ينفع، ولا يعطى ولا يمنع، واستعمال الياس من
المخلوق فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لاحد سوى الله، ولم يزغ قلبه ولم يخف سوى
الله، ولم يطمع إلى أحد سوى الله فهذا هو التوكل.
قال: قلت: يا جبرئيل فما تفسير الصبر؟ قال: يصبر في الضراء (2) كما يصبر في
السراء، وفى الفاقة كما يصبر في الغنى، وفى الغنى كما يصبر في العافية ولا يشكو خالقه
عند المخلوق بما يصيبه من البلاء قلت: فما تفسير القناعة؟ قال: يقنع بما يصيب من

(1) عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله (ع) في حديث، فان الرز ق لا يسوقه
حرص
حريص ولا يرده كراهية كاره ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما
يدركه الموت الحديث قال في (المرآة): قوله: فان الرزق لا يسوقه حرص حريص ا ه أي
لا يحتاج في وصوله إلى حرص بل يأتيه بأدنى سعى أمر الله به ولا يرد هذا الرزق كراهة كاره لرزق
نفسه
لقلته أو للزهد، أو كاره لرزق غيره حسدا انتهى ملخصا. وفى شمول الرزق رزق الحلال والحرام
أو الحرام فقط اختلاف بين العلما ومن أراد تفصيله يرجع باب فضل اليقين منه.
(2) الضراء: النقص في الأموال والأنفس نقيض السراء (أقرب).
84

الدنيا يقنع بالقليل ويشكر باليسير قلت: فما تفسير الرضا؟ الراضي الذي لا يسخط
على سيده أصاب من الدنيا أم لم يصب، ولم يرض من نفسه باليسير (من العمل) قلت:
يا جبرئيل فما تفسير الزهد؟ قال: الزاهد يحب ما (من) يحب خالقه، ويبغض ما (من) يبغض
خالقه، ويتحرج (1) من حلال الدنيا، ولا يلتفت إلى حرامها فان حلالها حساب وحرا مها
عقاب، ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه، ويتحرج من (كثرة) الكلام فيما
لا يعنيه كما يتحرج من الحرام، ويتحرج من كثرة الاكل كما يتحرج من الميتة التي
قد اشتد نتنها (2)، ويتحرج من حطام الدنيا وزينتها كما يتجنب النار أن يغشاها، وان
يقصر آماله وكان بين عينيه اجله.
قلت: يا جبرئيل فما تفسير الاخلاص؟ قال: الخلص الذي لا يسئل الناس شيئا
حتى يجد وإذا وجد رضى، وإذا بقي عنده شئ أعطاه لله فإن لم يسئل المخلوق فقد أقر الله
بالعبودية وإذا وجد فرضى فهو عن الله راض والله تبارك وتعالى عنه راض، وإذا ا عطاه الله
فهو جدير به قلت فما تفسير اليقين؟ قال: الموقن (الذي) يعمل لله كأنه يراه وان لم يكن
يرى الله فان الله يراه، وان يعلم يقينا ان ما اصابه لم يكن ليخطئه وان ما أخطئه لم
يكن ليصيبه (3) وهذا كله اعضان التوكل ومدرجة الزهد (4)

(1) تحرج من الامر: تأثم حقيقته جانب الحرج أي الاثم (أقرب).
(2) نتن الشئ نتنا فهو نتن: ضد فاح أي خبثت رائحته (أقرب).
(3) عن زراره عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع) على المنبر: لا يجد طعم الايمان
حتى يعلم أن ما اصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. قال في (المرآة):
وحاصل المعنى ان ما اصابه في الدنيا كان يجب ان يصيبه ولم يكن بحيث يتجاوزه إذا لم
يبالغ السعي فيه، وما لم يصبه في الدنيا لم يكن يصبه إذا بالغ في السعي، أو المعنى ان
ما اصابه في التقدير الأزلي لا يتجاوزه وان قصر في السعي وكذا العكس، وهذا الخبر بظاهره
مما يوهم الجبر ولذا أول وخص بما لم يكلف العبد به فعلا وتركا أو بما يصل إليه بغير اختيار من
النعم والبلايا والصحة والمرض وأشبهها
(4) المدرج: الطريق (أقرب).
85

فانظر رحمك الله إلى حسن هذا الحديث وما دل عليه من الفوائد وقد ذكر ان
الصبر والقناعة والرضا والزهد والاخلاص واليقين أمور متشعبة (منشعبة) عن التوكل
وكفى بهذا مدحا للتوكل، ثم ذكر في حد التوكل بان المخلوق لا يضر ولا ينفع ولا يعطى ولا
يمنع واستعمال اليأس من الناس فهذه خمس دعائم للتوكل أربعة علمية وواحدة عملية (1)
ولاقوام للأربعة بدون الخامس بل هو ملاكها، وعنده تظهر ثمرتها وتحمد جناها ومن
هذا يعلم أنه لأقوام للعلم بدون العمل، وانه لا يزكو ولا ينتفع به صاحبه ما لم يعمل به
وهذا ظاهر، فان من اشتكى وجع ضرسه وهو يعلم أن الحامض يضره ثم اكل حامضا فإنه
يوجعه ضرسه قطعا ولم يكن علمه بذلك نافعا له حيث ترك العمل به.
ثم انظر إلى النتيجة الحاصلة من الدعائم في قوله صلى الله عليه وآله: فإذا كان ا لعبد كذلك
لم يعمل لاحد سوى الله ولم يزغ قلبه الخ وهو ثلاثة أمور: الأول الاخلاص لأنه إذا
تحقق كون المخلوق لا يضر ولا ينفع لم يعمل له ولم يطلب المنزلة في قلبه، فانحسم (2)
عنه داعية الريا فلم يزغ قلبه وبقى مستقيما باخلاصه وايقاعه لعبادته على وجهها
اللايق بها. الثاني العزة بتمام الغنى عن الناس في قطع الطمع منهم لان من تحقق
ان لا معطى من الخلق لم يرجه واعتمد برجائه على ربه لأنه المعطى لاغيره. الثالث
نيل الامن وعدم الخوف من ساير المخلوقات، وعامة المؤذيات ولهذا كان المخلصون
والعباد والسياح يمرون على السباع غير مكترثين (3) بها فان من تيقن ان المخلوق
لا يضر لم يخف منه وكان اعتقاده في السبع كاعتقاده في البقيه.
وحدث أبو حازم عبد الغفار بن الحسن قال: قدم إبراهيم بن أدهم الكوفة وانا معه

(1) العلمية منها هو العلم بان المخلوق لا يضر، ولا ينفع، ولا يعطى، ولا يمنع،
والعملية عبارة
عن استعمال اليأس من الناس.
(2) حسمه حسما: قطعه (المجمع).
(3) لا يكترث لهذا الامر أي لا يعبأ به ولا يباليه (المجمع).
86

وذلك على عهد المنصور، وقدمها أبو عبد الله جعفر بن حمد بن علي العلوي فخرج
جعفر بن محمد الصادق (ع) يريد الرجوع إلى المدينة فشيعه العلماء وأهل الفضل
من الكوفة، وكان فيمن شيعه الثوري وإبراهيم بن ادم فتقدم المشيعون له (ع) فإذا
هم بأسد على الطريق فقال لهم إبراهيم بن أدهم: قفوا حتى يأتي جعفر (ع) فننظر
ما يصنع فجاء جعفر (ع) فذكروا له حال الأسد، فاقبل أبو عبد الله (ع) حتى دنا من الأسد
فاخذ باذنه حتى نحاه عن الطريق ثم اقبل عليهم فقال: اما ان الناس لو أطاعوا الله حق
طاعته لحملوا عليه أثقالهم.
وقال جويرية بن مسهر: خرجت مع أمير المؤمنين نحو بابل لا ثالث لنا فمضى
وانا سائر في السبخة (1) فإذا نحن بالأسد جاثما (2) (في) بالطريق، ولبوته (3) خلفه،
وشبال (4) اللبوة خلفها فكبحت (5) دابتي لان أتأخر فقال: أقدم يا جويرية فإنما
هو كلب الله، وما من دابة الا الله (هو) آخذ بنا صيتها لا يكفي شرها الاهو، فإذ ا انا بالأسد
قد اقبل نحوه يبصبص له بذنبه فدنا منه فجعل يمسح قدمه بوجه، ثم أنطقه الله عز وجل
فنطق بلسان طلق ذلق (6) فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ووصى خاتم النبيين
فقال (ع): وعليك السلام يا حيدرة ما تسبيحك قال أقول: سبحان ربى سبحان الهى
سبحان من أوقع المهابة والمخافة في قلوب عباده منى سبحانه سبحانه فمضى أمير المؤمنين
وانا معه، واستمرت بنا السبخة وضاقت وقت العصر ووافت صلاة العصر فاهوى فوتها ثم قلت في
نفسي مستخفيا: ويلك يا جويرية أأنت أظن أم احرص من أمير المؤمنين؟ وقد رأيت

(1) السبخة بالفتح: ارض مالحة (المجمع)
(2) جثم جثما فهو جاثم وجثوم: لزم مكانه ولم يبرح (المجمع).
(3) اللبوة بضم الباء، الأنثى من الأسد (المجمع).
(4) الشبل: ولد الأسد ج أشبال (ص).
(5) كبحت الدابة إذا جذبتها إليك باللجام (ص).
(6) طلق ذلق: فصيح بليغ (المجمع).
87

من أمر الأسد ما رأيت.
فمضى وانا معه حتى قطع السبخة فثنى رجليه (1) ونزل عن دابته وتوجه
فاذن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى، ثم همس (2) بشفتيه وأشار بيده فإذا الشمس قد طلعت
في موضعها في (من) وقت العصر وإذا لها صرير عند مسيرها في السماء فصلى بنا العصر فلما
انفتل رفعت رأسي فإذا الشمس بحالها، فما كان الا كلمح البصر فإذا النجوم قد طلعت
فاذن وأقام وصلى المغرب ثم ركب واقبل على فقال: يا جويرية أقلت: هذا ساحر مفتر؟
وقلت لما رأت طلوع الشمس وغروبها: أفسحر هذا أم زاغ بصرى؟ سأحرف (3) ما ألقى
الشيطان في نفسك ما رأيت من أمر الأسد؟ وما سمعت من منطقة؟ ألم تعلم أن الله
عز وجل يقول: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) يا جويرية ان رسول الله (ص) كان
يوحى إليه وكان رأسه في حجري، فغربت الشمس ولم أكن صليت العصر فقال (ص)
لي صليت العصر؟ فقلت: لا قال (ص): اللهم ان عليا كان في طاعتك وحاجة نبيك ودعا
بالاسم الأعظم فردت على الشمس فصليت مطمئنا ثم غربت بعد ما طلعت فعلمني - بابى
هو وأمي - ذلك الاسم الذي دعا به، فدعوت به الان يا جويرية ان الحق أوضح في قلوب
المؤمنين من قذف الشيطان فانى قد دعوت الله بنسخ ذلك من قلبك فماذا تجد؟ فقلت:
يا سيدي قد محى ذلك من قلبي (4).
فصل واعلم أن في قوله: فإذا لم يسئل المخلوقين فقد أقر بالعبودية لله دليل
على ضعف ايمان السائل، وقوة ايمان الراجي لأنه لما نفى أن يكون هناك معط غير

(1) يثنى رجليه: يعطفهما (المجمع)
(2) الهمس: الصوت الخفي (ص).
(3) تحريف الكلام: تغييره عن مواضعه (المجمع).
(4) وفى بصائر الدرجات للصفار ص 217 ب (ان الامام عنده اسم الله الأعظم) روايات
بهذا المضمون وتدل على رد الشمس له (ع) الا انها خالية عن ذكر الأسد.
88

الله اعرض بمسألته عن غير الحق فخلص توحيده وتمت عبوديته.
وفى هذا المعنى ما ورد عن أبي عبد الله (ع) في قول الله تعالى: (وما يؤمن أكثرهم
بالله الا وهم المشركون) (1) قال: هو قول الرجل: لولا فلان لهلكت، ولولا فلان لما
أصبت كذا وكذا، ولولا فلان لضاع عيالي الا ترى انه قد جعل لله شريكا في ملكه
يرزقه ويدفع عنه؟ قلت: فيقول: لولا أن الله من على بفلان لهلكت قال: نعم لا بأس
بهذا ونحوه.
قال (ع): شيعتنا من لا يسئل الناس شيئا ولو مات جوعا ولهذا السر ردت شهادته
قال النبي صلى الله عليه وآله: شهادة الذي يسئل في كفه ترد.
ونظر علي بن الحسين (ع) يوم عرفة إلى رجال يسئلون الناس فقال: هؤلاء
شرار من خلق الله الناس مقبلون على الله، وهم مقبلون على الناس.
وقال أبو عبد الله: لو يعلم السائل ما عليه من الوزر ما سئل أحد أحدا، ولو يعلم المسؤول
ما عليه إذا منع ما منع أحد أحدا.
فصل في كراهية السؤال ورد السؤال.
قال الصادق (ع): من يسئل من غير فقر فكأنما يأكل الجمر (2).
وقال الباقر (ع): أقسم بالله وهو حق ما فتح رجل على نفسه باب المسألة الا فتح
الله عليه باب فقر.
وقال سيد العابدين (ع): ضمنت على ربى انه لا يسئل أحد أحدا من غير حاجة
الا اضطرته حاجة المسألة يوما إلى أن يسئل من حاجة.
وقال النبي (ص) يوما لأصحابه. الا تبايعوني فقالوا: قد بايعناك يا رسول الله (ص)

(1) يوسف: 106
(2) الجمر: النار. وفى بعض الروايات (الخمر).
89

قال: تبايعوني على أن لا تسئلوا الناس شيئا، فكان بعد ذلك تقع المحضرة (1) من يد أحدهم
فينزل لها ولا تقول لاحد: ناولنيها.
وقال (ص: لو أن أحدكم يأخذ حبلا فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها
فيكف بها وجهه خير له من أن يسئل.
وقال الصادق (ع): اشتدت حال رجل من أصحاب رسول الله (ص) فقالت له
امرأته: لو اتيت النبي (ص) فسئلته فجاء إلى النبي (ص) فسمعه يقول: من سئلنا
أعطيناه ومن استغنى أغناه الله فقال الرجل: ما يعنى غيري، فرجع إلى امرأته فاعلمها
فقالت: ان رسول الله (ص) بشر، فاعلمه فاتاه فلما رآه قال (ص): من سئلنا أعطيناه ومن
استغنى أغناه الله حتى فعل ذلك ثلاث مرات، ثم ذهب الرجل فاستعار فأسا (2) ثم اتى
الجبل فصعده وقطع حطبا ثم جاء به فباعه بنصف مد من دقيق، ثم ذهب من الغد فجاء
بأكثر منه فباعه ولم يزل يعمل ويجمع حتى اشترى فأسا ثم جمع حتى اشترى بكرين (3)
وغلاما، ثم اثرى (4) وحسنت حاله فجاء إلى النبي (ص) فأخبره واعلمه كيف جاء
يسئله وكيف سمعه يقول: فقال (ص): قلت لك: من سئلنا أعطيناه ومن استغنى
أغناه الله.
وقال الباقر (ع): طلب الحوائج إلى الناس استسلاب للعزة (5) ومذهبة للحياء،
واليأس مما في أيدي الناس عز المؤمنين (وهو الغنى الحاضر) والطمع هو الفقر
الحاضر.
وعن النبي (ص): من استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن سئل أعطاه

(1) المحضرة: ما يتوكأ عليها كالعصاء ونحوه.
(2) الفأس: آلة ذات هراوة قصيرة يقطع بها الخشب وغيره (أقرب)
(3) البكر: الفتى من الإبل (المجمع).
(4) اثرى الرجل: كثرت أمواله (المجمع).
(5) الاستيلاب والاستسلاب: الاختلاس.
90

الله، ومن فتح على نفسه باب المسألة فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر لا يسد أدناه
شئ.
وسئله رجل فقال: أسئلك بوجه الله قال: فامر النبي (ص) بضرب خمسة أسواط
ثم قال: سل بوجهك اللئيم، ولا تسئل بوجه الله الكريم.
وقال (ع): لا تقطعوا على السائل مسئلته، فلو لا ان المساكين يكذبون ما أفلح
من ردهم.
وقال (ع): ردوا السائل ببذل يسيرا وبلين رحمة فإنه يأتيكم من ليس بأنس (1)
ولا جان لينظر كيف صنعكم فيما خولكم الله (2)
وقال بعضهم: كنا جلوسا على باب دار أبي عبد الله عليه السلام بكرة فدنى سائل إلى
باب الدار فسئل فردوه فلا مهم لائمة شديدة وقال: أول سائل قام على باب الدار فسئل
فردد تموه؟ اطعموا ثلاثة ثم أنتم بالخيار عليه ان شئتم ان تزدادوا فازدادوا، والا فقد
أديتم حق يومكم وقال: أعطوا الواحد والاثنين والثلاثة ثم أنتم بالخيار.
وعن النبي صلى الله عليه وآله: إذا طرقكم (3) سائل ذكر بليل فلا تردوه.
وقال (ع): انا لنعطي غير المستحق حذرا من رد المستحق.
وقال علي بن الحسين عليهما السلام: صدقة الليل تطفئ غضب الرب
وقال (ع): لأبي حمزة إذا (ان) أردت يطيب الله ميتتك ويغفر لك ذنبك يوم
تلقاه فعليك بالبر وصدقة السر، وصلة الرحم فإنهن يزددن في العمر، وينفين الفقر: ويدفعن
عن صاحبهن سبعين ميتة سوء (4)

(1) قوله ليس بأنس المراد منه الملائكة
(2) خوله نعمة: أعطاه (المجمع).
(3) يق لكل آت بالليل: الطارق (المجمع)
(4) قد مر معنى ميتة السوء في (فضيلة الصدقة) ذيلا.
91

وسئل النبي صلى الله عليه وآله أي الصدقة أفضل؟ فقال: على ذي الرحم الكاشح (1)
وسئل الصادق (ع) عن الصدقة على من يتصدق على الأبواب أو يمسك عنهم
ويعطيه ذو قرابته؟ فقال (ع): لا يبعث بها الا إلى من بينه وبينه قرابة فهو أعظم للاجر.
وقال (ع): من تصدق في رمضان صرف (الله) عنه سبعين نوعا من البلاء
وعن الباقر (ع): إذا أرادت ان تتصدق بشئ قبل الجمعة بيوم فاخره إلى يوم
الجمعة.
وقال (ع): من سقى ظمآنا ماء سقاه الله من الرحيق المختوم.
وقال الصادق (ع): أفضل الصدقة أبراد الكبد الحري (2)، ومن سقى كبد إحدى
من بهيمة أو غيرها اظله الله يوم لا ظل الا ظله.
القسم الثاني في الفاضل عن القوت هو وبال على صاحبه إذ في حرامه العقاب
وفى حلاله الحساب.
روى عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: تكون أمتي في الدنيا
ثلاثة اطباق:
اما الطبق الأولى فلا يحبون جمع المال وادخاره: ولا يسعون في اقتنائه واحتكاره
وإنما رضاهم من الدنيا سد جوعة، وستر عورة، وغناهم منها ما بلغ بهم الآخرة فأولئك هم
الآمنون الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون.
واما الطبق الثاني فإنهم يحبون جمع المال من أطيب وجوهه، وأحسن سبله
يصلون به أرحامهم ويبرون به إخوانهم، ويواسون به فقرائهم، ولبعض (3) أحدهم على

(1) الكاشح هو الذي يضمر لك العداوة (المجمع).
(2) الحران الشديد العطش وهي حرى بتشديد الراء (أقرب).
(3) عض عليه بالنواجذ: مثل في شدة الاستمساك به، والنواجذ: هي أواخر الأسنان
(المجمع).
92

الرصف (1) أيسر عليه من أن يكتسب درهما من غير حله أو يمنعه من حقه أو يكون
له خازنا إلى يوم موته فأولئك الذين ان نوقشوا عذبوا وان عفى عنهم سلموا.
واما الطبق الثالث فإنهم يحبون جمع المال مما حل وحرم، ومنعه مما افترض
ووجب ان انفقوا اسرافا وبدرا، وان أمسكوه بخلا واحتكارا أولئك الذين ملكت الدنيا
زمام قلوبهم حتى أوردتهم النار بذنوبهم (2).
وعنه (ص): لا يكتسب العبد مالا حراما فيتصدق منه فيوجر عليه ولا ينفق
منه فيبارك (الله) له فيه، ولا يتركه خلف ظهره الا كان راده (زاده) إلى النار.
وسئل أمير المؤمنين من أعظم (العظيم) الشقاء قال: رجل ترك الدنيا للدنيا
ففاتته الدنيا وخسر الآخرة، ورجل تعبد واجتهد وصام رياء الناس فذلك الذي حرم
(لذات) الدنيا من دنايا (دنياه) ولحقه التعب الذي لو كان به مخلصا لاستحق ثوابه
فورد الآخرة وهو يظن أنه قد عمل ما يثقل به ميزانه فيجده هباء منثورا قيل: فمن أعظم
الناس حسرة؟ قال: من رأى ماله في ميزان غيره فادخله الله به النار وادخل وارثه به
الجنة.
قيل: فكيف يكون هذا؟ قال كما حدثني بعض إخواننا عن رجل دخل إليه
وهو يسوق (3) فقال له: يا فلان ما تقول في مأة الف في هذا الصندوق؟ ما أديت منها
زكاة قط قال: قلت: فعلى م جمعتها؟ قال: لحقوق السلطان، ومكاثرة (4) العشيرة ولخوف

(1) الرصف محركة: الحجارة المرصوف بعضها إلى بعض في مسيل الماء (أقرب
).
(2) عن أبي جعفر (ع) قال: ما ذئبان ضاريان في غنم ليس لها راع هذا في أولها وهذا في آخرها
بأسرع فيها من حب المال (الدنيا) والشرف في دين المؤمن. قوله: بأسرع أي في القتل والافناء (
مرآة)
باب حب الدنيا والحرص عليها.
(3) يسوق: أي ينزع عند الموت (ص).
(4) كاثره: فاخره بكثرة المال والعدد (أقرب).
93

لفقر على العيال، ولروعة الزمان قال (ع): ثم لم يخرج من عنده حتى فاضت (1)
نفسه، ثم قال علي (ع): الحمد لله الذي أخرجه منها ملوما مليما بباطل جمعها ومن
حق منعها فأوكاها (2) فقطع المفاوز (3) والقفار ولجج البحار أيها الواقف لا تخدع كما
خدع صويحبك بالأمس ان من أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى ماله في ميزان
غيره ادخل الله هذا به الجنة وادخل (الله) هذا به النار.
وقال الصادق عليه السلام: وأعظم من هذا حسرة رجل جمع مالا عظيما بكد شديد
ومباشرة الأهوال وتعرض الاخطار، ثم أفنى ماله بصدقات وميراث وافنى شبابه وقوته
في عبادات وصلوات، وهو مع ذلك لا يرى لعلي بن أبي طالب (ع) حقه ولا يعرف له من
الاسلام محله ويرى ان من لا بعشره ولا بعشر عشر معشاره أفضل منه، يواقف على
الحجج فلا يتأملها ويحتج عليه بالآيات والاخبار فيأبى الا تماديا في غيه فذاك أعظم
من كل حسرة ويأتي يوم القيامة وصدقاته ممثلة له في مثال الأفاعي نهشه وصلواته وعباداته
ممثلة له في مثال الزبانية تدفعه حتى تدعه إلى جهنم دعا.
يقول يا ويلتا ألم أك من المصلين؟ ألم أك من المزكين؟ ألم أك عن أموال الناس
ونسائهم من المتغفين؟ فلماذا دهيت بما دهيت؟ فيقال له: يا شقى ما ينفعك ما عملت
وقد ضيعت أعظم الفروض بعد توحيد الله والايمان بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، وضيعت
ما الزمتك من معرفة حق على ولى الله (ع) والتزمت عليك من الايتمام بعد والله فلو
كان لك بدل أعمالك هذه عبادة الدهر من أوله إلى آخره وبدل صدقاتك الصدقة
بكل أموال الدنيا، بل بملأ الأرض ذهبا لما ازدادك ذلك من الله، الا بعدا ومن سخطه
الا قربا (4)

(1) فاضت نفسه: خرجت روحه.
(2) أوكوا السقاء: شدوا رأسه.
(3) المفازة: الفلاة لا ماء فيها ج مفازات ومفاوز (أقرب).
(4) قد مر في ب 2 في القسم الخامس ما يدل على أن ولاية أهل البيت عليهم السلام شرط
في قبول الأعمال فرضه ونفله وان الشاك فيهم لا يقبل الله عمله من أراد يرجع.
94

وعن النبي (ص): احذروا المال فإنه كان فيما مضى رجل قد جمع ما لا وولدا
واقبل على نفسه (وعياله) وجمع لهم فأوعى فاتاه ملك الموت فقرع بابه وهو في ذي
مسكين فخرج إليه الحجاب فقال لهم: ادعوا إلى سيدكم قالوا: أو يخرج سيدنا إلى
مثلك؟ ودفعوه حتى نحوه عن الباب، ثم عاد إليهم في مثل تلك الهيبة وقال: ادعوا
إلى سيدكم وأخبروه انى ملك الموت فلما سمع سيدهم هذا الكلام قعد (خائفا) فرقا
وقال لأصحابه: لينوا له في المقال وقولوا له: لعلك تطلب غير سيدنا بارك الله فيك
قال لهم: لا ودخل عليه وقال له: قم فأوص ما كنت موصيا فانى قابض روحك قبل ان
اخرج فصاح أهله وبكوا فقال: افتحوا الصناديق واكتبوا (اكبوا) ما فيه من الذهب
والفضة.
ثم اقبل على المال يسبه ويقول له: لعنك الله يا مال أنسيتني ذكر ربى وأغفلتني
عن أمر آخرتي حتى بغتني من أمر الله ما قد بغتني، فانطق الله تعالى المال فقال: لم
تسبني؟ وأنت ألام (1) منى ألم تكن في أعين الناس حقيرا؟ فرفعوك لما رأوا عليك من
اثرى ألم تحضر أبواب الملوك والسادة؟ ويحضرها الصالحون فتدخل قبلهم ويؤخرون
ألم تخطب بنات الملوك والسادات؟ ويخطبهن الصالحون فتنكح ويردون، فلو كنت
تنفقني في سبيل الخيرات لم امتنع عليك ولو كنت تنفقني في سبيل الله لم انقص
عليك، فلم تسبني؟ وأنت ألام منى، وإنما خلقت انا وأنت من تراب فانطلق (تر أبا بريئا)
ومنطلق أنت بإثمي هكذا يقول المال لصاحبه (2).
فصل واعلم أن جامع المال والساعي له مغبون الصفقة ومدخول العقل ولنبين

(1) الام افعل التفضيل من اللوم.
(2) أبى عبد الله (ع) قول: من كثر اشتباكه بالدنيا كان أشد لحسرته عند فراقها قال في
(المرآة) من كثر اشتباكه بالدنيا أي اشتغاله وتعلق قلبه بها والغرض الترغيب في رفض الدنيا
وترك محبتها لئلا يشتد الحزن والحسرة في مفارقتها. باب حب الدنيا
95

ذلك في وجوه:
الأول ظلمه لنفسه بحمله عليها هما قد كفيته فان محمل المال ثقيل والهم به
طويل، فصاحبه إن كان في الملاء شغله الفكر فيه وإن كان وحيدا ارتقه حراسته.
قال بعض العلماء: اختار الفقراء ثلاثة: اليقين وفراغ القلب وخفة الحساب، اختار
الأغنياء ثلاثة: تعب النفس وشغل القلب وشدة الحساب.
الثاني شغل باطنه ببسط آماله فيه وفيما يصنع به وكيف ينميه ويحفظه من
لص أو ظالم وكيف تنعم به إذ لو لم يكن له فيه امل لم يجمعه، ثم يخترمه اجله ويبطله
آماله ويورث أهواله.
قال عيسى (ع): ويل لصاحب الدنيا كيف يموت ويتركها ويأمنها وتغره وثيق
بها وتخذله.
الثالث ان جمع مال الدنيا يولد الامل، ويورث ظلمة القلب، ويخرج حلاوة
العبادة وهي من المهلكات.
قال عيسى (ع): بحق أقول لكم كما ينظر المريض إلى الطعام فلا يلتذ به من شدة
الوجع كك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة، ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حلاوة الدنيا،
وبحق أقول لكم: كما أن الدابة إذا لم تركب تمتهن (1) وتصعب وتغير خلقها
كك القلوب إذا لم ترقق بذكر الموت ونصب العبادة تقسو وتغلظ، وبحق أقول لكم:
ان الزق إذا لم ينخرق يوشك أن يكون ودعاء العسل كك القلوب إذا لم تخرقها الشهوات
أو يدنسها الطمع، أو يقسها النعم فسوف تكون أوعية الحكمة.
الرابع وقوعه في عكس مراده ومقصوده فإنما سعى وحصل المال ليستريح
به فزاده في همه وتعبه، وعاد (ما) يحاذر عليه من الأسود الضارية والكلاب العاوية.
وقال بعض العلماء: استراح الفقير من ثلاثة أشياء وبلى به الغنى قيل: وما هن؟

(1) امتهنه بتشديد النون: أضعفه (المجمع).
96

قال: جور السلطان وحسد الجيران وتملق الاخوان.
(قال أمير المؤمنين (ع): الفقر خير من حسد الجيران وجور السلطان وتملق
الاخوان).
شعر:
وطالب المال في الدنيا ليحرسه * ولم يخف عنه جمع المال عقباها
كدودة القز ظنت ان سترتها * تعينها والذي ظنته أرادها
الخامس انه اشتريها بعمره وهو أنفس منها عاجلا وآجلا فإنه لو قيل للعاقل:
تبيع عمرك بملك الدنيا وما فيها لأبي ولم يقبل ذلك بل عند معاينة ملك الموت وتجليه
لقبض روحه لو تقبل منه المفادات والمصالحة على يوم واحد يبقى فيه ويستدرك ما فاته
بجميع ماله لافتدى به.
ثم أنت تبيعه على التدريج بأشياء حقيرة يسيرة ليس لها وقع ولا قيمة أولا تنظر
وتتفكر في أن الانسان غاية ما يعيش في الأغلب مأة سنة؟ فلو خير وسوم على بيعها
بملاء الأرض ذهبا لأبي ولم يبعها فانظر كم يكون قيمة كل سنة، ثم انظر كم يكون قيمة
كل شهر، ثم انظر كم يكون قيمة كل يوم وقسطه تجده الوفا كثيرة لا تحصى ولا تعد ثم
تبيعه بدرهم ودينار وبنصف دينار فأي غبن أعظم من هذا؟.
فان قلت: الانسان يحتاج إلى الطعام ليقيم صلبه ولا يتم ذلك الا بالتكسب
وغاية ما يحصل من الحلال من (مع) التعفف في اليوم الدرهم والدينار فالغبن ضروري
الوقوع.
قلت: إذا كان مقصود العبد من التكسب قدر قوته الذي يستعين بقوته في بدنه على
العمل لاخرته لم يكن ذلك اليوم قد بيع بدرهم أو بدينار وكان يوم عبادة لان الطلب على
هذا الوجه عبادة والعبادة لا يقوم قليلها باضعاف الدنيا لان نعيم الآخرة دائم، والد نيا
97

ونعيمها منقطع وأي نسبة للدائم إلى المنقطع (1)؟.
الا ترى قول النبي (ص) من قال: سبحان الله غرس الله بها عشر شجرات في
الجنة فيها من أنواع الفواكه فهذه العشر شجرات لو خرجت إلى الدنيا على ما وصف
من طيب طعمها واختلاف اكلها، على ما روى أن الرطب يكون بين يدي آكله فإذا
قضى غرضه من الرطب تحول عنبا فإذا قضى غرضه منه تحول تينا أو رمانا، وهكذا يتحول
ألوانا بين يدي الانسان وانها تأتى إلى باغيها على منيته من غير تكلف اقتطاف (2)
وتعب تأتيه على ما يشتهى في نفسه ان أراد ان يحضر بين عنبا جائته عنبا وان أرادها
رمانا جائته رمانا.
فلو تخرج شجرة واحدة من هذه إلى الدنيا ويطلب بيعها ما ظنك بما كان يبذل الملوك
في ثمنها؟ وكيف إذا وصفت مع ذلك بأنها لا يحتاج إلى سقى ولا رفاق ولا تعب بل كيف
إذا وصفت بأنها تبقى عشرة آلاف سنة، وما نسبة عشرة آلاف سنة في أبد الآبدين ودهر
الداهرين؟!

(1) قال في (المرآة): اعلم أن معرفة ذم الدنيا لا يكفيك ما لم تعرف الدنيا
المذمومة ما
هي؟ فكل مالك فيه حظ وغرض ونصيب وشهوة ولذة في عاجل الحال قبل الوفاة فهي الد نيا
في حقك الا ان جميع مالك إليه ميل وفيه نصيب وحظ فليس بمذموم بل هي تنقسم إلى ثلاثة أقسام
: الأول ما يصحبك في الدنيا ويبقى معك ثمرته بعد الموت وهو العلم والعمل ولم نعد
هذا من الدنيا المذمومة أصلا. الثاني هو المقابل للقسم الأول وهو كل ما فه حظ عاجل ولا تمرة
له في الآخرة كالتلذذ بالمعاصي والتنعم بالمباحات الزايدة على قدر الضرورات والحاجات
كلها هي الدنيا المذمومة. الثالث وهو متوسط بين الطرفين كل حظ في العاجل معين على
اعمال الآخرة وهذا ليس من الدنيا، وإن كان باعثه الحظ العاجل دون الاستعانة على ا لتقوى
التحق بالقسم الثاني وصار من جملة الدنيا. انتهى ملخصا ومن أراد تفصيله يرجع باب حب
الدنيا والحرص عليها.
(2) اقتطف العقب: قطعه (أقرب).
98

قال رسول الله (ص): لو أن ثوبا من ثياب أهل الجنة القى إلى أهل الدنيا لم
تحتمله أبصارهم ولماتوا من شهوة النظر إليه، فإذا كان هذا حال الثواب فما ظنك
بلابسه؟.
ومن هذا قول أمير المؤمنين عليه السلام: لو رميت ببصر قلبك نحو ما يوصف لك من
نعيمها لزهقت نفسك ولتحملت من مجلسي هذا إلى مجاورة أهل القبور استعجالا لها
وشوقا إليها، وهذه المبالغة حاصلة من الوصف فكيف المشاهدة؟ (1).
وقد ورد عنهم عليهم السلام: كل شئ من الدنيا سماعه أعظم من عيانه وكل
شئ من الآخرة عيانه أعظم من سماعه.
وقال الله تعالى: (وإذا رأيت ثم أيت نعيما وملكا كبيرا) (2).
وفى الوحي القديم: أعددت لعبادي ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر بقلب
بشر (3).
يا هذا ان تاقت نفسك إلى النعيم فاترك الدنيا فان ترك الدنيا مهر الآخرة، وإنما

(1) في (لي) ج 4 ص 377: وعن رسول الله (ص) إذا دخل المؤمن منازله في
الجنة
وضع على رأسه تاج الملك والكرامة، والبس حلل الذهب والفضة والياقوت والدر المنظومات
في الا كليل تحت التاج، والبس سبعين حلة حريرا بألوان مختلفة منسوجة بالذهب وا لفضة
واللؤلؤ والياقوت الأحمر وذلك قوله تعالى: (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ ا ولباسهم
فيها حرير) الحج: 22).
(2) الانسان: 20
(3) وفى (لي) ج 4 ص 397: وقال (ص): ان الله كرامة في عباده المؤمنين في كل
جمعة فيقول: لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفا فيرجع المؤمن في كل جمعة سبعين ضعفا مثل
ما في يديه وهو قوله تعالى: (ولدينا مزيد ق 50) وفسر أيضا مما لا يخطر ببالهم مما لا عين رأت
ولا اذن
سمعت ولا خطر على قلب بشر.
99

مثل الدنيا والآخرة كالضرتين (1) بقدر ما ترضى إحديهما تسخط الأخرى، ومثل المشرق
والمغرب بقدر ما تقرب من أحدهما تبعد من الاخر (2).
ومن هذا قول الصادق (ع): انا لنحب الدنيا وان لا نؤتاها خير لنا من أن نؤتاها،
وما اوتى ابن آدم منها شيئا الأنقص حظه من الآخرة، ومعنى قوله (ع): انا لنحب
إشارة إلى نوع الانسان وهذا لسان حال المكلفين في الدنيا وليس ذلك إشارة إليه ولا إلى آبائه
وأبنائه صلوات الله عليم أجمعين لأنهم لا ينقص حظهم من الآخرة بما يأتونه من الدنيا،
وانى يكون ذلك؟.
وقد نزل جبرئيل إلى النبي (ص) ثلاث مرات بمفاتيح كنوز الدنيا وفى كلها يقول:
هذه مفاتيح كنوز الدنيا ولا ينقص من حظك عند ربك شئ فيأبى (ص)، ويحب تصغير
ما أحب الله تصغيره
وما أيام دنياك هذه التي تشترى بها هذا النعيم العظيم الا عبادة عن ساعة واحدة
لان الماضي لا تجد لنعيمه لذة، ولا لبؤسه (3) الما، والمستقبل قد لا تدركه، وإنما
الدنيا عبارة عن ساعة التي أنت فيها.
ومن هذا قول علي عليه السلام لسلمان الفارسي: وضع عنك همومها لما أيقنت من
فراقها. مع انا ما رأينا قط أحدا باع الدنيا بالآخرة الا ربحهما، ولا رأينا من باع
الآخرة بالدنيا الا خسر هما كيف لا؟ وهو تعالى يقول للدنيا: اخدمي من خدمني؟ وأتعبي
من خدمك.

(1) ضرة المرأة: امرأة زوجها وهما ضرتان (أقرب).
(2) عن أبي عبد الله (ع) قال: رأس كل خطيئة حب الدنيا. قال في (المرآة) لان خصال
الشر مطوية في حب الدنيا وكل ذمايم القوة الشهوية والغضبية مندرجة في الميل إليها، ولا يمكن
التخلص من حبها الا بالعلم بمقابحها ومنافع الآخرة وتصفية النفس وتعديل القوتين. باب حب
الدنيا والحرص عليها.
(3) اصابه بؤس: شدة
(4) يأتي في باب 5 ذيل عنوان (في الحث على الذكر بالدليل النقلي) قصة موسى
مع
الحداد.
100

وإذا كنت في شغل من تكسب فاستغنم ذكر الله، وارفع كتابك مملوءا من الحسنات
أو ما سمعت حكاية العابد الحداد؟ وما صار من جلالة قدره مع كونه مشغولا في السوق
بالحدادة، وستقف عليها في كتابنا هذا في باب الذكر أنشأ الله تعالى (4)
وكذا يرو عن سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام انه لما كان يفرغ من الجهاد يتفرغ
لتعليم الناس والقضاء بينهم فإذا يفرغ من ذلك اشتغل في حائط (1) له يعمل فيه بيده وهو
مع ذلك ذاكر لله جل جلاله.
روى الحكم بن مروان عن جبير بن حبيب قال: نزل بعمر بن خطاب نازلة قام
لها وقعد تربح لها (ترنح) وتقطر، ثم قال: معشر المهاجرين ما عندكم فيها؟ قالوا:
يا أمير المؤمنين أنت المفزع والمنزع (2) فغضب وقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا
الله وقولوا قولا سديدا) (3) اما والله انا وإياكم لنعرف ابن بجدتها، (4) والخبير بها
قالوا: كأنك أردت ابن أبي طالب (ع) قال: وانى يعدل بي عنه؟ وهل طفحت (5) جرة (6)
(نفحت حرة) بمثله؟ قالوا: فلو بعثت إليه قال: هيهات هناك شمخ (7) من هاشم،
ولحمة (8) من الرسول، وأثرة (9) من علم يؤتى لها ولا يأتي امضوا إليه، فاقصفوا

(1) الحائط: البستان.
(2) المنزعة بالفتح: ما يرجع إليه الرجل من امره (أقرب).
(3) الأحزاب: 70.
(4) يق للدليل الحاذق. هو ابن بجدتها أي عالم بالأرض (أقرب).
(5) طفح الاناء طفوحا: امتلأ حتى يفيض.
(6) الجرة بالفتح: اناء خزف له بطن كبير وهذا كناية عن كثرة علمه (ع)
(7) نسب شامخ: شريف.
(8) اللحمة بالضم: القرابة. (أقرب).
(9) الأثرة: البقية من العلم. (أقرب).
101

نحوه وأفضوا إليه وهو في حايط له عليه تبان (1) تيركل على مسحاته (2) وهو يقو ل:
(أيحسب الانسان ان يترك سدى ألم يك من نطفة من منى يمنى ثم كان علقة فخلق
فسوى) (3) ودموعه تهمى على خديه، فأجهش القوم لبكائه، ثم سكن وسكنوا،
وسئله عمر عن مسئلته فأصدر إليه جوابها، فلوى عمر يديه ثم قال: اما والله لقد أرادك
الحق ولكن أبى قومك فقال (ع) له: يا أبا خفض خفض (4) عليك من هنا ومن هنا (ان
يوم الفصل كان ميقاتا) (5) فانصرف وقد أظلم وجهه وكأنما ينظر إليه من ليل.
فصل ثم إن لم تبع ساعتك بنعيم الآخرة خ بعتها بثمن بخس (6) دراهم معدودة،
ثم تجمع جميع عمرك الذي لو أعطيت في ثمنه الدنيا بأجمعها لم تبعه تلقى نفسك
قد بعته بثمن زهيد لا يفي ببيت ذهب بل من فضة بل أقل من ذلك.
شعر:
الدهر ساومني (7) عمرى وقلت له * ما بعت عمرى بالدنيا وما فيها
ثم اشتريه بتديج بلا ثمن * تبت يدا صفقة قد خاب شاريها (8)

(1) تبان: سراويل صغير (ص).
(2) تركل الحافر بالمسحاة أو عليها: ضربها برجله لتغيب في الأرض. والمسحاة آلة
من السحو تقول: سحوت الطين عن وجه الأرض إذا خرقته بالمسحاة (أقرب).
(3) القيامة: 36 - 37 - 38.
(4) خفض الرجل صوته إذا لم يجهر به (المجمع).
(5) النبأ: 17.
(6) البخس مثلثة: النقصان (المجمع)
(7) ساوم السلعة: غالى بها أي عرضها بثمن ودفع له المشترى أقل منه (أقرب).
(8) شعر:
يا صاح انك راحل فتزود * فعساك في ذا اليوم ترحل أو غد
لا تغفلن فالموت ليس بغافل * هيهات بل هو للأنام بمرصد
فليأتين منه عليك بساعة * فتود أنك قبلها لم تولد
ولتخرجن * إلى القبور مجردا * مما شقيت بجمعه صفر اليد
ولله در قائلها * وعليك بالرواية
المتقدمة المذكورة في ب 2 في (أوصاف الخواص) وفيها يفسر الجبرئيل للنبي (ص)
معنى الزهد.
102

وفى الخبر النبوي (ص): انه يفتح للعبد يوم القيامة على كل يوم من أيام عمره
أربع وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار، فخزانة يجدها مملوءة نورا وسرورا
فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وزع على أهل النار لأدهشهم عن الاحساس
بالم النار وهي الساعة التي أطاع فيها ربه، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمة
منتنة مفزعه فيناله منها عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قسم على أهل الجنة
لنقص عليهم نعيمها وهي الساعة التي عصى فيها ربه، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها
خالية ليس فيها ما يسره ولا يسوئه وهي الساعة التي نام فيها، أو اشتغل فيها بشئ من
مباحات الدنيا فيناله من الغبن والأسف على فواتها حيث كان متمكنا من أن يملاها
حسنات ما لا يوصف، ومن هذا قوله تعالى: (ذلك يوم التغابن) (1)
فصل ولا تأخذ بقول من يقول انا أتنعم في الدنيا بما اباحه الله تعالى وأقوم
بالواجبات واخراج الحقوق و (من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من
الرزق) (2) فأتنعم بما اباحه الله من طيب المآكل اللذيذة، والملابس السنية والمراكب
الفاخرة والدور العامرة والقصور الباهرة، ولا يمنعني ذلك من الاستباق إلى الجنة مع
السابقين بل ينبغي ان تعلم أن هذا مقالة أهل حمق وغرور (3) وذلك من وجوه:
الأول ان المتوغل (4) في فضول الدنيا لا ينفك عن الحرص المهلك الموقع

(1) التغابن: 9.
(2) الأعراف: 30.
(3) عن أبي عبد الله (ع) قال: خرج النبي (ص) وهو محزون فاتاه ملك ومعه مفاتيح
خزائن الأرض فقال: يا محمد هذه مفاتيح خزائن الدنيا يقول لك ربك: افتح وخذ منها ما شئت
من غير أن تنقص شيئا عندي فقال رسول الله (ص): الدنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل
له. الحديث (مرآة) باب ذم الدنيا والزهد فيها
(4) توغل في الأرض: ذهب فابعد فيها (أقرب)
103

في الشبهات، ومن تورط (1) في الشبهات هلك لا محالة (2).
الثاني ان سلم من الحرص - وانى له بالسلامة عنه؟ - لم يسلم من الفظاظة
وقساوة القلب، والتكبر كيف لا؟ وهو تعالى يقول: (كلا ان الانسان ليطغى ان رآه
استغنى) (3).
وقال النبي (ص): إياكم وفضول المطعم فإنه يسم القلب بالقسوة.
وروى حسان بن يحيى عن أبي عبد الله (ع) قال: ان رجلا فقيرا اتى رسول الله
(ص) وعنده رجل غنى فكف ثيابه وتباعد عنه فقال له رسول الله (ص): ما حملك على
ما صنعت أخشيت ان يلصق فقره بك، أو يلصق غناك به؟ فقال يا رسول الله اما إذ ا قلت
هذا فله نصف مالي قال رسول الله (ص) للفقير: أتقبل منه؟ قال: لا قال (ص): ولم؟ قال:
أخاف ان يدخلني ما دخله.
وعنه عليه السلام قال في الإنجيل: ان عيسى (ع) قال: اللهم ارزقني غدوة رغيفا من
شعير وعشية رغيفا من شعير ولا ترزقني فوق ذلك فأطغى، وكما أن الخائض في الماء
يجد بللا لا محالة كك صاحب الدنيا يجد على قلبه رينا (4) وقسوة لا محالة:
الثالث ان يخرج من قلبه حلاوة العبادة والدعا وقد نبه عليه عيسى (ع) فيما عرفت.
الرابع شدة الحسرة عند مفارقة الدنيا والفقير على العكس من ذلك.

(1) تورطت الماشية تورطا: وقعت في موحل ومكان لا تتخلص منه (أقرب)
(2) عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أبو جعفر: مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القز
كلما ازدادت من القر على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غما قال في (المرآة):
هذا من أحسن التمثيلات للدنيا وقد أنشد بعضهم فيه.
ألم تران المرء طول حياته * حريص على ما لا يزال يناسجه
كدود كدود القز ينسج دائما * فيهلك غما وسط ما هو ناسجه
(3) العلق: 6 - 7.
(4) الرين: الحجاب الكثيف (المجمع)
104

وعن الصادق (ع): من كثر اشتباكه بالدنيا أشد حسرة عند فراقها. (1)
الخامس كون الفقراء هم السابقون إلى الجنة والأغنياء في عرصات القيامة
للحساب.
قال أمير المؤمنين (ع): تخففوا تلحقوا إنما ينتظر بأولكم آخركم.
وتحسر سلمان الفارسي رضوان الله عليه عند موته فقيل له: على ما تأسفك
يا أبا عبد الله؟ قال: ليس تأسفي على الدنيا ولكن رسول الله (ص) عهد إلينا وقال: لتكن
بلغة أحدكم كزاد الراكب، وأخاف ان نكون قد جاوزنا امره وحولي هذه الأساود
وأشار إلى ما في بيته وإذا هو دست (2) وسيف وجفنة (3)
وقال أبو ذر (رض): يا رسول الله صلى الله عليه وآله الخائفون الخاشعون المتواضعون الذاكرون
الله كثيرا يسبقون الناس إلى الجنة قال (ص): لا ولكن فقراء المؤمنين يأتون
فيتخطون رقاب الناس فيقول لهم خزنة الجنة: كما أنتم حتى تحاسبوا فيقولون: بم
نحاسب؟ فوالله ما ملكنا فنجور ونعدل ولا أفيض علينا فنقبض ونبسط ولكن عبدنا ر بنا
حتى اتانا اليقين.
روى محمد بن يعقوب عن أبي عبد الله (ع) قال: ان الفقراء المؤمنين ليتقلبون
في رياض الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا (4)، ثم قال: سأضرب لكم مثلا إنما
مثل ذلك مثل سفينتين مر بهما على باخس فنظر في إحديهما فلم يجد فيها شيئا فقال:
أسربوها (5)، ونظر في الأخرى فإذا هي موقرة (6) فقال: احبسوها

(1) أي اشتغاله وتعلق قلبه بها والغرض الترغيب في رفض الدنيا وترك محبتها
لئلا يشتد
الحزن والحسرة في مفارقتها (مرآة) باب حب الدنيا.
(2) الدست بفتح دال: الوسادة (أقرب):
(3) الجفنة بالفتح: القصعة (أقرب).
(4) وفى معنى الخريف اختلاف كثير في اللغة من أراد يرجع
(5) السرب بفتح السين وسكون الراء: الطريق وفى بعض الروايات (اسيروها).
(6) الوقر بالكسر: الحمل الثقيل (أقرب). وفى بعض الأخبار (موفورة).
105

روى داود بن النعمان عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا كان يوم
القيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب كلاهما من أهل الجنة فقير في الدنيا، وغنى
في الدنيا فيقول الفقير: يا رب على ما أوقف؟ فوعزتك انك لتعلم انك لم تولني ولاية
فاعدل فيها أو أجور ولم تملكني ما لا فأؤدي منه حقا أو منع، ولا كان رزقي يأتيني فيها
الا كفافا أعلى ما علمت وقدرت لي؟ فيقول الله تبارك وتعالى: صدق عبدي خلوا عنه حتى
يدخل الجنة ويبقى الاخر حتى يسيل منه العرق ما لو شر به أربعون بعيرا لأصدرها،
ثم يدخل الجنة فيقول له الفقير: ما حبسك؟ فيقول: طول الحساب ما زال يحبسني (يجيئني)
الشئ فيغفر الله بي، ثم اسئل عن شئ آخر حتى تغمدني الله منه برحمته والحقني بالتائبين،
فمن أنت؟ فيقول له: انا الفقير الذي كنت معك آنفا فيقول: لقد غيرك النعيم بعدى.
السادس مصادفة اكرام الله الفقير يوم القيامة وتعطفه عليه.
وقال الصادق (ع): ان الله عز وجل ليتعذر إلى عبده المؤمن المحوج كان في
الدنيا كما يعتذر الأخ إلى أخيه فيقول: فوعزتي وجلالي ما أفقرتك لهو إن كان بك على
فارفع هذا الغطاء فانظر إلى ما عوضتك من الدنيا فيكشف فينظر ما عوضه عز وجل من
الدنيا فيقول: ما ضرني يا رب ما زويت عنى مع ما عوضتني (1)
السابع ان الفقر حلية الأولياء وشعار الصالحين ففيما أوحى الله تعالى إلى
موسى: إذا رأيت الفقر مقبلا فقل: مرحبا بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل:
ذنب عجلت عقوبته.

(1) وقال أبو عبد الله (ع) والله ما اعتذر إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل الا إلى
فقراء شيعتنا
قبل: وكيف يعتذر إليهم؟ قال: نادى مناد أين فقراء المؤمنين؟ فيقوم عنق من الناس فتجلى لهم
الرب فيقول: وعزتي وجلالي وعلوي وآلائي وارتفاع مكاني ما حبست عنكم هوانا بكم على
ولكن ادخرته لكم لهذا اليوم الحديث (لي) ج 2 ص 14.
106

ثم انظر في قصص الأنبياء عليهم السلام: وخصاصتهم وما كانوا فيه من ضيق
العيش، فهذا موسى كليم الله (ع) الذي اصطفاه بوحيه وكلامه كان يرى خضرة البقل
من صفاق (1) بطنه من هزاله (2) وما طلب حين آوى إلى الظل بقوله: (رب انى
لما أنزلت إلى من خير فقير) الا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض ولقد كان يرى
شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه.
ويروى انه (ع) قال يوما: يا رب انى جائع فقال الله تعالى: انا اعلم بجوعك
قال: يا رب أطعمني قال: إلى أن أريد (3).
وفيما أوحى الله إليه (ع): يا موسى الفقير من ليس له مثلي كفيل، والمريض
من ليس له مثلي طبيب، والغريب من ليس له مثلي مؤنس، ويروى حبيب، يا موسى
ارض بكسيرة من شعير تسد بها جوعتك وبخرقة تواري بها عورتك واصبر على المصائب،
وإذا رأيت الدنيا مقبلة عليك فقل: انا لله وانا إليه راجعون عقوبة قد عجلت في الدنيا،
وإذا رأيت الدنيا مدبرة عنك فقل: مرحبا بشعار الصالحين يا موسى لا تعجبن بما اوتى
فرعون وما تمتع به فإنما هي زهرة الحياة الدنيا.
واما عيسى (ع) روح الله وكلمته فإنه كان يقول: خادمي يداى ودابتي رجلاي
وفراشي الأرض ووسادي الحجر، ودفئي في الشتاء مشارق الأرض، وسراجي بالليل

(1) الصفاق بالكسر: الجلد الأسفل الذي تحت الجلد الذي عليه الشعر وقيل: جلد
البطن
كله (أقرب).
(2) الهزال بالضم: قلة اللحم والشحم نقيض السمن (أقرب).
(3) وفى (لي) وفى حديث ولقد كان خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزال
وتشدب لحمه، وكان مع نبوته واليا وسلطانا على بني إسرائيل ستة وثلاثين سنة ولم يكن له
بيت ولا غذاء ومتى جنه الليل يأت فيه، ويتكفل بنو إسرائيل غذائه بالمناوية، فأبطأ يوما رجل
بغذائه فقال يا رب: لي مذلة أن يكون رزقي في يد غيري هكذا، فأوحى إليه لا تغتم انى جعلت رزق
أحبائي في يد البطالين من خلقي ليؤجروا به ويسعدوا.
107

القمر، وادامي الجوع، وشعار الخوف، ولباسي الصوف، وفاكهتي وريحاني ما أنبتت
الأرض للوحوش والانعام أبيت وليس لي شئ، وأصبح وليس لي شئ، وليس على وجه
الأرض أحد اغنى منى (1).
واما نوح (ع) مع كونه شيخ المرسلين وعمر في الدنيا مديدا ففي بعض الروايات
انه عاش الفي عام وخمس مأة عام، ومضى من الدنيا ولم يبن فيها بيتا وكان إذا أصبح
يقول: لا امسى، وإذا امسى يقول: لا أصبح (2) وكك نبينا محمد (ص) فإنه خرج من الدنيا
ولم يضع لبنة على لبنة.
ورأى (ص) رجلا من أصحابه يبنى بيتا بجص وآجر فقال (ص): الامر أعجل
من هذا.
واما إبراهيم أبو الأنبياء (ع) فقد كان لباسه الصوف واكله الشعير.
واما يحيى بن زكريا (ع) فكان لباسه الليف واكله ورق الشجر.
واما سليمان (ع) فقد كان مع ما هو فيه من الملك يلبس الشعر وإذا جنه الليل
شد يديه إلى عنقه فلا يزال قائما حتى يصبح باكيا، وكان قوته من سفايف الخوص (3)

(1) وفى (لي) وقال يوما لامه: يا أماه انى وجدت مما علمني الله ان هذه الدار دار فناء
وزوال، ودار الآخرة هي التي لا تخرب ابدا، أجيبيني يا أماه نأخذ من هذه الدنيا الفانية إلى
الآخرة الباقية؟ فانطلقا إلى جبل لبنان وكانا فيه يصومان النهار، ويقومان الليل يأكلان من ورق
الأشجار ويشربان من ماء الأمطار فمكثا في ذلك زمانا طويلا حتى ماتت أمه الحديث.
(2) قال في (لي): وفى خبر في الكافي عاش الفي سنة وثلاث مأة سنة ومضى من الدنيا
ولم يبن فيها بيتا وكان يستظل هو وعياله بالأشجار، وكان إذا أصبح يقول: لا امسى وإذا امسى
يقول: لا أصبح فلما كبر قال: يا رب ائذن لي ببناء بيت يقيني الحر والبرد فاذن الله له ان يصنع
بيتا من سعف النخل إذا نام فيه يكون نصفه في الظل ونصفه في الشمس، وروى أنه من قصب، فقيل
له: لو بنيت دارا فقال: هذا لمن يموت كثير.
(3) السفيفة من الخوص: النسيجة منه، والخوص بالضم ورق النخل (أقرب).
108

يعملها بيده.
واما سيد البشر محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد عرفت ما كان من لباسه
وطعامه (1).
وروى أنه (ص) اصابه يوما الجوع فوضع صخرة على بطنه ثم قال (ص): الا رب
مكرم لنفسه وهو لها مهين لنفسه وهو لها مكرم الا رب نفس جايعة عارية في الدنيا
طاعمة في الآخرة ناعمة يوم القيامة، الإرب نفس كاسية ناعمة في الدنيا جايعة عاوية
يوم القيامة الا رب متخوض متنعم فيما أفاء الله على رسوله ماله في الآخرة من خلاق الا ان
عمل أهل الجنة حزنة (2) بربوة (3) الا ان عمل أهل النار سهلة (4) بسهوة، الا رب
شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا يوم القيامة.
واما على سيد الوصيين وتاج العارفين ووصى رسول رب العالمين عليه السلام فحاله
في الزهد والتقشف أظهر من أن يحكى (5).
قال سويد بن غفلة: دخلت على أمير المؤمنين (ع) بعد ما بويع بالخلافة وهو
جالس على حصير صغير ليس في البيت غيره فقلت: يا أمير المؤمنين بيدك بيت المال
ولست أرى في بيتك شيئا مما يحتاج إليه البيت فقال (ع): يا بن غفلة ان البيت
(العاقل) لا يتأثث في دار النقلة، ولنا دارا من قد نقلنا إليها خير متاعنا، وانا عن قليل

(1) وفى (لي) وقال أمير المؤمنين (ع) لما قدم عدى بن حاتم إلى النبي (ص)
ادخله
النبي بيته ولم يكن في البيت غير خصفة ووسادة أديم فطرحها رسول الله (ص) لعد ى،
وخرج من الدنيا ولم يضع لبنة على لبنة، ولا حجرا على حجر، ولم يأكل خبز البر قط ولا شبع
من خبز شعير قط.
(2) الحزنة بالضم: الجبل الغليظ (أقرب).
(3) الربوة: الرابية وهي ما ارتفع من الأرض (أقرب).
(4) السهل من الأرض: ضد الحزن. (أقرب).
(5) وفى (لي) وقال علي بن الحسين (ع) سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: حدثني أمير المؤمنين (ع)
قال إني كنت بفدك في بعض حيطانها وقد صارت لفاطمة عليها السلام، فإذا انا بامرأة قد قحمت
علي وفى يدي مسحاة وانا اعمل بها فلما نظرت إليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها
فشبهتها بثبينة بنت عامر الجهمي، وكانت من أجمل نساء قريش فقالت: يا بن أبي طالب هل لك
ان تتزوجني فأغنيك عن هذه المسحاة؟ وأدلك على خزائن الأرض فيكون لك الملك ما بقيت
ولعقبك من بعدك فقال لها: من أنت؟ حتى أخطبك من أهلك قالت: انا الدنيا قال لها: فارجعي
واطلبي زوجا غيري، فأقبلت على مسحاتي وأنشأت أقول:
لقد خاب من غرته دنيا دنية * وما هي ان غرت قروبا بنائل
أتتنا على زي العزيز ثبينة * وزينتها في مثل تلك الشمائل
فقلت لها غرى سواي فإنني * عروف من الدنيا ولست بجاهل
وما انا والدنيا فان محمدا * أحل صريعا بين تلك الجنادل
وهيهات امني بالنكوز وودها * وأموال قارون وملك القبائل
أليس جميعا للفناء مصيرنا؟ * ويطلب من خزانها بالطوائل
فغري سواي أنني غير راغب * بما فيك من عز وملك ونائل
فقد قنعت نفسي بما قد رزقته * فشأنك يا دنيا وأهل الغوائل
فانى أخاف الله يوم لقائه * وأخشى عذابا دائما غير زائل
فخرج من الدنيا وليس في عنقه تبعة لاحد حتى لقى الله تعالى محمودا غير ملوم ولا مذموم.
109

إليها صائرون.
وكان (ع) إذا أراد ان يكتسى دخل السوق فيشترى الثوبين فيخير قنبرا أجورهما
ويلبس الاخر ثم يأتي النجار فيمد له إحدى كميه (1) ويقول له خذه (جزه) بقدومك (2)
ويقول هذه نخرج في مصلحة أخرى، ويبقى الكم الأخرى بحالها ويقول: هذه نأخذ
فيها من السوق للحسن والحسين عليهما السلام.

(1) الكم بالضم: مدخل اليد ومخرجها من الثوب (أقرب).
(2) القدوم بالفتح: آلة للنجر والنحت (أقرب)
110

فلينظر العاقل بعين صافية وفكرة سليمة ويتحقق انه لو يكون في الدنيا
والاكثار منها خير لم يفت هؤلاء الأكياس الذين هم خاصة (خلاصة) الخلق وحجج الله
على ساير الناس، بل تقربوا إلى الله بالبعد عنها حتى قال أمير المؤمنين (ع):
قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها.
وقال رسول الله (ص): ما يعبد الله بشئ مثل الزهد في الدنا
وقال عيسى (ع) للحواريين: ارضوا بدني الدنيا مع سلامة دينكم كما رضى أهل
الدنيا بدني الدين مع سلامة دنياهم وتحببوا إلى الله بالبعد منهم، وارضوا الله في
سخطهم فقالوا: فمن نجالس يا روح الله؟ فقال: من يذكر كم الله رؤيته ويزيد في علمكم
منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله.
فصل وكيف يرغب العاقل عن حب المسكنة والمساكين وهو يرى الأولياء
والأوصياء على هذه الأوصاف؟ بل وظيفة القيام بخدمة الصانع وامتثال أوامر الرسل
والشرايع واحياء دين الله واعزاز كلمته ونصرة الرسل وانتشار دعواهم من لدن آدم (ع)
إلى زمان نبينا محمد (ص) لم يقم الا بأولى الفقر والمسكنة، أو لا تسمع ما قص الله
سبحانه وتعالى عليك في كتابه العظيم على لسان نبيه الكريم؟ وابان لك ان المتصدي لانكار
الشرايع، والمقدم على جحود الصانع إنما هم الأغنياء المترفون، والاشراف المتكبرون
فقال مخبرا عن قوم نوح إذ عيروه وازدرؤا (1) العصابة الذين اتبعوه وهم فيما
قالوه متبجحون: (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) (2) (وما نريك أتعبك الا الذين هم
أراذلنا بادي الرأي) (3) وقالوا لشعيب: (انا لنريك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك
وما أنت علينا بعزيز) (4) وقال المستكبرون من قوم صالح للذين استضعفوا لمن آمن

(1) الازدراء: افتعال من زرى عليه إذا عاب عليه فعله (المجمع).
(2) الشعراء: 111.
(3) هود: 29.
(4) هود: 93.
111

منهم: (أتعلمون ان صالحا مرسل من ربه قالوا انا بما ارسل به مؤمنون قال الدين
استكبروا انا بالذي امنتم به كافرون) (1).
وقال بنو يعقوب: (وجئنا ببضاعة مزجاة فاوف لنا الكيل وتصدق علينا ان الله
يجزى المتصدقين) (2) وقال فرعون مزدريا لموسى ومفتخرا عليه: (فلو لا القى عليه
أسورة من ذهب) (3) وقالوا لمحمد (ص): (لولا القى عليه كنز أو جاء معه ملك أو تكون
له جنة يأكل منها أوله جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا) وقالوا لولا
نزل هذا القران على رجلين من القريتين عظيم) (4).
يعنون مكة والطائف، والرجلان أحدهما المغيرة من مكة، وقيل: الوليد ابنه،
وأبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي من الطائف وقيل: حبيب بن عمر والثقفي من
الطائف، وإنما قالوا ذلك لان الرجلين إنما كانا عظيمي قومهما وذوي الأموال
الجسيمة (الجمه) فيهما فكفى بهذا وأمثاله مدحا وفخرا للمسكنة والقلة، وذما للشرف
والكثرة (5).
كيف لا وهو تعالى يقول لعيسى: يا عيسى انى قد وهبت لك حب المساكين
ورحمتهم تحبهم ويحبونك يرضون بك إماما وقائدا وترضى بهم صحابة وتبعا، وهما خلقان
من لقيني بهما لقيني بأزكى الأعمال وأحبها إلى (1).

(1) الأعراف: 73.
(2) يوسف: 88.
(3) الزخرف: 53.
(4) الزخرف: 30.
(5) عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال: ان الله عز وجل يقول: (ويفرح عبدي ا لمؤمن
وان سعت عليه وذلك أبعد له منى. (مرآة) باب الكفاف.
وقال السجاد (ع) اللهم حبب إلى صحبة الفقراء واعنى على صحبتهم بحسن الصير.
(لي) ج 2 قال بعض المحققين: الفقر عبارة عن فقد ما يحتاج إليه مع عدم القدرة عليه.
112

وقال نبينا محمد صلى الله عليه وآله: الفقر فخري وبه افتخر (1)
وعن عيسى (ع) بحق أقول لكم ان اكناف السماء لخالية من الأغنياء، ولدخول
جمل في سم الخياط أيسر من دخول غنى في الجنة.
وعن النبي (ص) اطلعت في الجنة فوجدت أكثر أهلها الفقراء والمساكين،
وإذا ليس فيها أحد أقل من الأغنياء والنساء (2).
ولو لم يكن في الغنا الا الخطر من ترك مواساة الفقراء ومساعدة الضعفاء لكان كافيا،
وان هو قام بسد كل خلة يجدها وإماطة (3) كل ضرورة يشرف عليها ويعلم بها ذهب
بما معه وقعد ضعيفا محسورا، وصار في الناس فقيرا، ومن هذا قول أويس القرني (ره):
وان حقوق الله لم يبق لنا ذهبا ولا فضة.
وباع علي (ع) حديقته التي غرسها له النبي (ص) وسقاها هو بيده باثني
عشر ألف درهم وراح إلى عياله وقد تصدق بأجمعها، فقالت له فاطمة عليها السلام: تعلم أن
لنا أياما لم نذق فيها طعاما وقد بلغ بنا الجوع، ولا أظنك الا كأحدنا فهلا تركت لنا

(1) وقال رسول الله (ص): كلمني ربى فقال يا محمد: إذا أحببت عبدا اجعل معه
ثلاثة
أشياء: قلبه حزينا. وبدنه سقيما. ويده خالية من حطام الدنيا الحديث (لي) ج 2.
(2) قال في (مرآة) ولله در من نظم الحديثين فقال الشاعر:
أخص الناس بالايمان عبد * خفيف الحال مسكنه القفار
له في الليل حظ من صلاة * ومن صوم إذا طلع النهار
وقوت النفس يأتي من كفاف * وكان له على ذلك اصطبار
وفيه عفة وبه خمول * إليه بالأصابع لا يشار
وقل الباكيات عليه لما * قضى نحبا وليس له يسار
فذاك قد نجى من كل شر * ولم تمسسه يوم البعث نار.
باب الكفاف.
(3) أماط عنى الأذى: ابعده عنى ونحاه وازاله وأذهبه (المجمع).
113

من ذلك قوتا؟ فقال (ع): منعني عن ذلك وجوه أشفقت ان أرى عليها ذل السؤال.
وقيل: ان السبب الموجب لنزول معاوية بن يزيد بن معاوية عن الخلافة انه
سمع جاريتين له تتباحثان وكانت إحديهما بارعة الجمال، فقالت الأخرى لها قد
أكسبك جمالك كبر الملوك، فقالت الحسناء: وأي ملك يضاهى ملك الحسن؟ وهو
قاض على الملوك فهو الملك حقا، فقالت لها الأخرى: وأي خير في الملك؟ وصاحبه
اما قائم بحقوقه، وعامل بشكر فيه فذاك مسلوب اللذة والقرار منغص العيش، واما منقاد
لشهواته بحقوقه، وعامل بشكر فيه فذاك مسلوب اللذة والقرار منغص العيش، واما منقاد
لشهواته ومؤثر للذاته مضيع للحقوق، ومضرب عن الشكر فمصيره إلى النار، فوقعت
الكلمة في نفس معاوية موقعا مؤثرا، وحملته على الانخلاع من الامر فقال له أهله:
أعهد إلى أحد يقوم بها مكانك فقال: كيف أتجرع مرارة قدها؟ وأتقلد تبعة عهدها،
ولو كنت مؤثرا بها أحدا لآثرت بها نفسي، ثم انصرف وأغلق بابه ولم يأذن لاحد، فلبث
بعد ذلك خمس وعشرين ليلة ثم قبض، وروى أن أمه قالت له عندما سمعت منه ذلك:
ليتك كنت حيضة فقال: ليتني كنت كما تقولين، ولا اعلم أن للناس جنة ونار.
وإنما خرجنا في هذا الباب عن مناسبة الكتاب لوقوع ذلك باقتراح بعض الأصحاب
حيث رأى أول الكتاب فأحب الاستكثار فكر هنا خلافه.
فصل: ومن مواطن الدعا عقيب قراءة القران (1) وبين الأذان والإقامة (2)
وعند رقة القلب وجريان الدمعة.
روى أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) إذا رق (قلب) أحدكم فليدع فان القلب لا ير ق
حتى يخلص (3).

(1) يأتي في باب 6 عند (إجابة الدعا بالقران) ما يدل على ذلك.
(2) عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين: اغتنموا الدعا عند أربع: عند قراءة
القران، وعند الاذان الحديث (الأصول)
(3) قوله: لا يرق الخ ان الرقة علامة خلوص القلب من الحقد والحسد والأفكار البا طلة
والخيالات الشاغلة وتوجهه إلى الله، والخلوص علامة الإجابة وسببها (مرآة).
114

القسم السابع حال الداعي كالغازي، والحاج، والمعتمر، والمريض.
لرواية عيسى بن عبد الله القمي قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول ثلاثة دعوتهم
مستجابة: الحاج، والمعتمر، والغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونهم (1)، والمريض
فلا تقرضوه ولا تضجروه.
فصل ودعاء المريض لعايده مستجابة.
عن النبي (ص): للمريض أربع خصال: يرفع عنه القلم، ويأمر الله الملك فليكتب
(فيكتب) له أفضل ما كان يعمله في صحته، وينفى عن كل عضو من جسده ما عمله من
ذنب، فان مات مات مغفورا له، وان عاش عاش مغفورا له، وإذا مرض المسلم كتب الله
له كأحسن ما كان يعمله في صحته، وتساقطت ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر، ومن عاد
مريضا في الله لم يسئل المريض للعايد شيئا الا استجاب له، ويوحى الله تعالى إلى
ملك الشمال ان لا تكتب على عبدي شيئا ما دام في وثاقي، والى ملك اليمين ان اجعل
أنين عبدي حسنات، وان المرض ينقى الجسد من الذنوب كما يذهب الكير (2) خبث
الحديد، وإذا مرض الصبي كان مرضه كفارة لوالديه (3).

(1) تخلفون بضم اللام أي أحسنوا خلافتهم في أهلهم ومالهم ودارهم وعقارهم
ليدعوا لكم
فان دعائهم مستجاب. خلفت فلانا على أهله وماله: صرت خليفته. (مرآة).
(2) الكير كفلس: كير الحداد وهو زق أو جلد غليظ ذو حافات ينفخ فيه، واما المبنى من
الطين فكور لا كيرج كيرة كعنبة (المجمع).
(3) وقال النبي (ص): قال الله تعالى: ما من عبد أريد ادخله الجنة الا ابتليته في
جسده فإن كان ذلك كفارة لذنوبه والا شده عليه عند موته حتى يأتي ولا ذنب له ثم ادخله
الجنة (لي) ج 1.
115

وعن الصادق (ع) قال: قال رسول الله (ص): الحمى رائد الموت (1) وسجن الله
في ارضه، وحرها من جهنم. وهي حظ كل مؤمن من النار، ونعم الوجع الحمى تعطى
كل عضو حظه من البلاء، ولا خير فيمن لا يبتلى، وان المؤمن إذا حم حمى واحدة
تناثرت الذنوب عنه كورق الشجر فان أن على فراشه فأنينه تسبيح، وصياحه تهليل، وتقلبه
على فراشه كمن يضرب بسيفه في سبيل الله فان اقبل يعبد الله كان مغفورا له وطوبى له،
وحمى يوم كفارة سنة فان ألمها يبقى في الحسد سنة، وهي كفارة لما قبلها وما بعدها،
ومن اشتكى (2) ليلة فقبلها بقبولها وأدى إلى الله شكرها كانت له كفارة سنتين سنة
لقبولها وسنة للصبر عليها، والمرض للمؤمن تطهير ورحمة، وللكافر تعذيب ولعنة، ولا يزال
المرض بالمؤمن حتى لا يبقى عليه ذنبا، وصداع ليلة يحط كل خطيئة الا الكبائر (3).
وعن أبي جعفر (ع): لو يعلم المؤمن ماله في المصائب من الاجر لتمني انه (ان)
يقرض بالمقاريض.
وعن النبي (ص): إذا كان العبد على طريقة من الخير فمرض أو سافر أو عجز عن
العمل بكبر كتب الله له مثل ما كان يعمله ثم قرء (فلهم اجر غير ممنون).
وعن الصادق (ع): إذا مات المؤمن صعده ملكان فقالا يا ربنا أمت فلانا فيقول:
انزلا فصليا عليه عند قبره، وهللاني وكبراني واكتبا ما تعملان له. (4)

(1) واصل الرائد الذي يتقدم القوم ليبصر لهم الكلاء ومساقط الغيث يق: راد
يريد
ريدا ومنه الحمى رائد الموت لشدتها على التشبيه: أي رسوله الذي يتقدم (المجمع).
(2) اشتكى: تألم (أقرب)
(3) وفى (لي) ج 1: وروى أيضا الحمى قيح جهنم قال: وذلك لان نوعا من النار تحت الأرض
فإذا فارت خرجت حرارتها فأصابت المياه سيما رؤس الجبال ما فيها من المياه.
(4) وفى (لي) ج 1 وقال أمير المؤمنين: المؤمن على أي حال مات وفى أي ساعة
قبض هو شهيد ولقد سمعت رسول الله (ص) يقول: لوان المؤمن خرج من الدنيا وعليه مثل ذنوب
أهل الأرض لكان الموت كفارة لتلك الذنوب.
116

وعن جابر قال: اقبل رجل أصم وأخرس حتى وقف على رسول الله (ص) فأشار بيده
فقال رسول الله (ص): اكتبوا له كتابا تبشرونه بالجنة فإنه ليس من مسلم يفجع بكريمته (1)
أو بلسانه أو بسمعه أو برجله أو بيده يحمد الله على ما اصابه ويحتسب من عند الله ذلك
الا نجاه الله من النار وادخله الجنة، ثم قال رسول الله (ص): ان لأهل البلايا في الدنيا
درجات، وفى الآخرة ما لا تنال بالاعمال حتى أن الرجل ليتمنى ان جسده في الدنيا
كان يقرض بالمقاريض مما يرى من حسن ثواب الله لأهل البلاء من الموحدين فان الله
لا يقبل العمل في غير الاسلام.
ومن الحالات الصيام قال الصادق (ع): نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله
متقبل، ودعائه مستجاب.
وقال النبي (ص): لا ترد دعوة الصائم.
وقال الباقر (ع): الحاج والمعتمر والصائم وفد الله (2) ان سئلوه أعطاهم،
وان دعوه أجابهم، وان شفعوا شفعهم الله، وان سكتوا ابتدائهم، ويعوضون بالدرهم
الف ألف درهم.
ومن دعا لأربعين من إخوانه بأسمائهم وأسماء آبائهم (3) ومن كان في يده
خاتم فيروزج أو عقيق.
عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص): قال الله تعالى: انى لأستحيي من عبد

(1) فجعه فجعا: أو جعه ان يوجع الانسان بشئ يكرم عليه فيعدمه والكريمة:
العين (أقرب).
(2) الوفد بالفتح: قوم يفدون على الملك أي يأتون ج وفود (أقرب).
(3) يأتي في باب الرابع عند (في بيان التعميم في الدعا) ما يدل على هذا.
117

يرفع يده وفيها خاتم فيروزج فارها خائبة (1).
وقال الصادق (ع): ما رفعت كف إلى الله عز وجل أحب إليه من كف فيها خاتم عقيق.
وسيأتي كثير من هذا الباب متداخلا فيمن يستجاب دعائه في الآداب (2).
فصل وعن الرضا عليه السلام قال أبو عبد الله (ع): من اتخذ خاتما فصه عقيق
لم يفتقر، ولم يقض له الا بالتي هي أحسن. ومر به رجل من أهله مع غلمان الوالي
فقال (ع): اتبعوه بخاتم عقيق فاتبع فلم ير مكروها (3).
وقال (ع): العقيق حرز في السفر.
وعنه (ع): من أصبح وفى يده خاتم فصه عقيق متختما به في يده اليمنى، وأصبح
من قبل ان يراه أحد فقلب فصه إلى باطن كفه وقرأ إنا أنزلناه إلى آخرها ثم يقول:
امنت بالله وحده لا شريك له وكفرت بالجبت والطاغوت امنت بسر آل محمد (ص)
وعلانيتهم وولايتهم وفاه الله تعالى في ذلك اليوم (من) مر ما ينزل من السماء وما يعرج
فيها وما يلج في الأرض وما يخرج منها وكان في حرز الله وحرز رسوله حتى يمسى.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: تختموا بالعقيق يبارك الله عليكم وتكونوا في امن من البلاء.
وشكى رجل إلى النبي (ص) انه قطع عليه الطريق فقال له (ص): هلا تختمت

(1) قال عبد المؤمن الأنصاري: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ما افتقرت كف
تختمت بالفيروزج
(لي) ج 4 ص 162.
(2) يأتي في باب الرابع آداب كيفية الدعا بتفصيلها.
(3) قال الأعمش: كنت مع جعفر بن محمد (ع) على باب أبى جعفر المنصور فخرج من
عنده رجل مجلود بالسوط فقال لي: يا سليمان انظر ما فص خاتمه؟ فقلت يا بن رسول الله فصه غير
عقيق فقال: يا سليمان انه لو كان عقيقا لما جلد بالسوط قلت: يا بن رسول الله زدني قال: يا سليمان
هو أمان من قطع اليد قلت: يا بن رسول الله زدني قال: هو أمان من إراقة الدم قلت: زدني
قال: ان الله يحب ان ترفع إليه فيه الدعا يد فيها فص عقيق قلت: زدني قال: العجب كل العجب من
يدفيها
فص عقيق كيف تخلو من الدنانير والدراهم قلت: زدني قال: انه أمان من كل بلاء قلت: زدني قال:
انه أمان من الفقر الحديث (لي) ج 4 ص 159.
118

بالعقيق؟ فإنه يحرس من كل سوء، ومن تختم بالعقيق لم يزل ينظر في الحسنى ما دام
في يده ولم يزل عليه من الله واقية، ومن صاغ خاتما من عقيق ونقش فيه محمد
نبي الله وعلى ولى الله وقاه الله ميتة السوء (1) ولم يمت الاعلى الفطرة، وما رفعت كف
إلى الله أحب إليه من كف فيه عقيق، وهن ساهم بالعقيق كان حظه فيه الأوفر.
ولما ناجى الله موسى (ع) وكلمه على طور سينا ثم اطلع على الأرض اطلاعا فخلق العقيق
فقال سبحانه: آليت على نفسي ان لا أعذب كفا لبسته بالنار إذا يوالي عليا صلوات الله عليه.
وقال (ع): صلاة ركعتين بفص عقيق تعدل الف ركعة بغيره.
وقال (ع): التختم بالفيروزج ونقشه الله الملك النظر إليه حسنة وهو من الجنة
أهداه جبرئيل إلى النبي (ص) فوهبه لأمير المؤمنين واسمه بالعربية الظفر.
وقال أمير المؤمنين (ع): تختموا بالجزع اليماني فإنه يرد كيد مردة الشياطين (2).
وقال عليه السلام: التختم بالزمرد يسر لا عسر فيه، والتختم باليواقيت ينفى الفقر، وقال:
نعم الفص البلور (3).

(1) قد مر معنى ميتة السوء ذيلا عند عنوان (في فضيلة الصدقة).
(2) في حديث وقال (ص): يا علي تختم به - أي بالجزع اليماني - في يمينك وصل
فيه اما علمت أن الصلاة في الجزع سبعون صلاة وانه يسبح ويستغفر واجره لصاحبه (لي)
ج 4 ص 162.
(3) وفى رواية كان لعلى (ع) أربعة خواتيم يتختم بها: ياقوت لنيله. وفيروزج لنصره.
والحديد الصيني لقوته. وعقيق لحرزه. (لي) ج 4 ص 162.
119

((الباب الثالث في الداعي وهو قسمان))
القسم الأول من يستجاب دعائه: وهو الصائم، والحاج، والمعتمر (1) والغازي،
والمريض (2) والامام المقسط، والمظلوم والداعي لأخيه بظهر الغيب (3).
روى عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: خمس دعوات لا يحجبن
عن الرب تبارك وتعالى: دعوة الامام المقسط، ودعوة المظلوم يقول الله عز وجل: لانتقمن
لك ولو بعد حين (4) والولد الصالح لوالديه، والوالد الصالح لولده، ودعوة المؤمن
لأخيه بظهر الغيب فيقول: ولك مثله.
وروى أن الله سبحانه قال لموسى: ادعني على لسان لم تعصني به فقال: يا رب
انى لي بذلك؟ فقال: ادعني على لسان غيرك.
والمعمم بدعائه (5) - والمتقدم في الدعا قبل نزول البلاء

(1) وقد مر عند عنوان (في إجابة دعاء الصائم) ما يدل على إجابة دعاء الصائم والحاج
والمعتمر ولم ينقل ذيل عنوان المتن رواياته.
(2) وقد مضى ذيل عنوان (في إجابة دعاء المريض لعايده) ما يدل على إجابة دعائه ولكن
لم يذكره هيهنا مع ذكره عنوانه، وكذلك الغازي وقد مضى في باب الثاني في القسم السابع
ما يدل على إجابة دعائه.
(3) وتأتي أيضا عند عنوان (في الدعا للاخوان والتماسه منهم) روايات الباب بتفصيلها.
(4) قوله: لا يحجبن الحجب كناية عن عدم الاستجابة. قوله المقسط: العادل والمرا د
امام الصلاة ويحتمل امام الكل قوله بعد حين أي مدة طويلة (مرآة)
(5) تأتى في باب الرابع عند عنوانين: (في بيان التعميم في الدعا) - (في الدعا للاخوان
والتماسه منهم) روايات التعميم في الدعا ولم يذكر روايات العنوان هيهنا.
120

روى هارون بن خارجة عن أبي عبد الله (ع) قال: ان الدعا في الرخا ليستخرج
الحوائج في البلاء (1).
وروى محمد بن مسلم عنه (ع) قال: كان جدي يقول: تقدموا في الدعا فان العبد
العبد إذا دعا فنزل به البلاء فدعا قيل: صوت معروف فإذا لم يكن دعا فنزل به البلاء
قيل: أين كنت قبل اليوم؟
وعنه (ع) من تخوف من البلاء يصيبه فتقدم فيه بالدعا لم يره الله ذلك البلاء ابد ا.
وعن النبي (ص): يا أبا ذر الا أعلمك كلمات ينفعك الله بها؟ قلت: بلى يا رسول الله
قال: احفظ الله يحفظك الله احفظ الله تجده امامك تعرف إلى الله في الرخاء (2) يعرفك
في الشدة، وإذا سئلت فاسئل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله فقد جرى القلم بما هو
كائن (3) ولو أن الخلق كلهم جهد وان ينفعوك بشئ لم يكتبه الله لك ما قدروا عليه.
روى السكوني عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إياكم ودعوة
المظلوم
فإنها ترفع فوق السحاب (4) حتى ينظر الله إليها، فيقول: ارفعوها حتى استجيب له،
وإياكم ودعوة الوالد فإنها أحد من السيف.
وعن الصادق (ع): ثلاث دعوات لا يحجبن عن الله عز وجل: دعاء الوالد لولده
إذا بره، وعليه إذا عقه (5) ودعاء المظلوم على ظالمه، ودعائه لمن انتصر له منه،

(1) قوله ليستخرج يعنى من القوة إلى الفعل، (مرآة)
(2) الرخاء: سعة العيش.
(3) وجرى القلم بما فيه أي مضى على ما ثبت عليه حكمه في اللحوح المحفوظ (المجمع).
(4) وقوله: فإنها ترفع فوق السحاب: كان السحاب كناية عن موانع إجابة الدعاء أو الحجب
المعنوية الحائلة بينه وبين ربه، أو هي كناية عن الحجب فوق العرش، أو تحته على اختلاف
الاخبار، ويمكن حمله على السحاب المعروف على الاستعارة التمثيلية لبيان كمال الاستجابة،
والمراد بالنظر نظر الرحمة والعناية وإرادة القبول. (مرآة)
(5) في الحديث أدنى العقوق أف، يق: عق الولد أباه عقوقا إذا آذاه وعصاه وتر ك الاحسان
إليه واصله من العق وهو الشق والقطع (المجمع).
121

ورجل مؤمن دعا لأخيه المؤمن إذا واساه فينا، ودعائه عليه إذا لم يواسه مع القدرة
عليه واضطرار أخيه إليه.
وفى حديث آخر اتقوا دعوة الوالد فإنها ترفع فوق السحاب (1) واتقوا دعوة
الوالد فإنها أحد من السيف.
وروى أن الولد إذا مرض ترقى أمه (إلى) السطح، وتكشف عن قناعها حتى
يبرز شعرها نحو السماء فتقول: اللهم أنت أعطيتنيه وأنت وهبته لي اللهم فاجعل هبتك
اليوم لي جديدة انك قادر مقتدر، ثم تسجد فإنها لا ترفع رأسها الا قد برء ابنها.
فصل ومن المجابين من لا يعتمد في حوائجه على غير الله سبحانه، قال الله
تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شئ قدر ا) (2).
روى حفص بن غياث عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا أراد أحدكم ان لا يسئل ربه
شيئا الا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء الا من عند الله فإذا علم ا لله ذلك
من قلبه لم يسئله شيئا الا أعطاه.
وفيما وعظ الله تعالى به عيسى: يا عيسى ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث
يا عيسى سلني ولا تسئل غيري فيحسن منك الدعا ومنى الإجابة، ولا تدعني الا متضرعا
إلى وهمك هما واحدا فإنك متى تدعني كذلك أجبك.
تنبيه وينبغي ان يرجع في كل حوائجه إلى ربه وينزلها به سواء كانت جليله
أو حقيرة ولا يأنف من رفع المحقرات إليه فإنه غاية التوكل عليه.

(1) قد مر آنفا في الخبر السكوني معنى هذه الجملة ذيلا.
(2) الطلاق: 3. قوله تعالى ومن يتوكل الخ أي ومن يفوض أموره إلى الله ووثق
بحسن تدبيره وتقديره فهي كافية يكفيه أمر دنياه ويعطيه ثواب الجنة بحيث لا يحتاج إلى غيره.
انتهى موضع الحاجة (مرآة).
122

ففي الحديث القدسي: يا موسى سلني كلما تحتاج إليه حتى علف شاتك، وملح
عجينك
وعن الصادق عليه السلام عليكم بالدعا فإنكم لا تتقربون إلى الله بمثله، ولا تتركوا صغيره
لصغرها ان تدعو بها فان صاحب الصغار هو صاحب الكبار (1).
نصيحة وإذا قد عرفت ان الاعتماد على الله تعالى منوط بالنجاح، ومقود بازمة
الفلاح، فاعلم أن التعلق بغيره والاعراض عنه مقرون بالخزي والافتضاح
وموجب للخذلان ومعد للحرمان أو لا تنظر إلى حكاية محمد بن عجلان؟
حين فجعته صروف الزمان قال: أصابتني فاقة شديدة وإضافة، ولا صديق لمضيقي،
ولزمني دين ثقيل، وغريم يلح في المطالبة، فتوجهت نحو دار الحسن بن زيد وهو
يومئذ أمير المدينة لمعرفة كانت بيني وبينه، وشعر بذلك (من حالي) ابن خالي محمد
بن عبد الله بن علي بن الحسين عليه السلام وكانت بيني وبينه قديم معرفة فلقيني
في الطريق فاخذ بيدي وقال: قد بلغني ما أنت بسبيله فمن تأمل لكشف ما نزل بك؟
قلت: الحسن بن زيد فقال: إذا لا يقضى حاجتك ولا يسعف (2) مطلبك فعليك بمن يقدر
على ذلك وهو أجود الأجودين والتمس ما تأمله من قبله.
فانى سمعت ابن عمى جعفر بن محمد يحدث عن أبيه عن جده عن أبيه الحسين بن علي
عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام عن النبي (ص) قال: أوحى الله إلى بعض
أنبيائه في بعض وحيه: وعزتي وجلالي لاقطعن امل كل آمل امل غيري بالإياس،
ولأكسونه ثوب المذلة في الناس ولأبعدنه من فرجي وفضلي أعبدي يأمل في الشدائد
غيري؟ والشدائد بيدي ويرجو سواي؟ وانا الغنى الجواد بيدي مفاتيح الأبواب وهي

(1) قوله: تدعو بها بدل اشتمال لصغيرة، والصغيرة الحاجات الحقيرة السهلة
الحصول، والغرض رفع توهم ان الانسان مستقل في الحاجات الصغيرة ويمكنه تحصيلها
بدون تقديره وتيسيره تعالى، ويدل على أن الدعا أعظم وسايل القرب إليه تعالى (مرآة)
(2) الاسعاف: الإعانة وقضاء الحاجة (المجمع).
123

المغلقة، وبابي مفتوح لمن دعاني.
ألم تعلموا ان من دهته (1) نائبة لم يملك كشفها عنه غيري؟ فما لي أراه يأمله
معرضا عنى وقد أعطيته بجودي وكرمي ما لم يسئلني، فاعرض عنى ولم يسئلني وسئل
في نائبته غيري، وانا الله ابتدء بالعطية قبل المسألة أفأسئل فلا أجود؟ كلا أليس الجود
والكرم لي؟ أليس الدنيا والآخرة بيدي؟ فلو ان أهل سبع سماوات وارضين سألوني
جميعا وأعطيت كل واحد منهم مسئلته ما نقص ذلك من ملكي مثل جناح البعوضة،
وكيف ينقص ملك انا قيمه؟ فيا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني (2) فقلت له: يا ابن
رسول الله أعد على هذا الحديث فأعاده ثلاثا فقلت: لا والله ما سئلت أحدا بعدها حاجة فما
لبثت ان جائني الله برزق من عنده
وعن النبي (ص) قال: قال الله عز وجل: ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني
الا قطعت أسباب السماوات وأسباب الأرض من دونه، فان سئلني لم اعطه وان دعاني
لم أجبه، وما من مخلوق يعتصم به دون خلقي الا ضمنت السماوات والأرض رزقه فان
دعاني أجبته وان سئلني أعطيته وان استغفرني عفرت له
وعن أبي محمد العسكري (ع): ارفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك فان
لكل يوم رزقا جديدا (3) واعلم أن الالحاح في المطالب يسلب البهاء، ويورث التعب

(1) يق: دهاه الامر إذا نزل به (المجمع).
(2) قوله: ثوب المذلة الإضافة إضافة المشبه به إلى المشبه قوله: والشدائد بيد ى أي
تحت قدرتي قوله: وهي مغلقة أي أبواب الحاجات مغلقة ومفاتيحها بيده سبحانه وهو استعارة
على التمثيل للتنبيه على أن قضاء الحاجة المرفوعة إلى الخلق لا يتحقق الا باذنه قوله: والنائبة
أي المصيبة قوله: فيا بؤسا البؤس: الشدة والفقر والحزن والنداء مجاز لبيان ان القانط والعاصي
هو محل ذلك مستحقه قوله: ولم يراقبني أي لم يخف عذابي أو لم يحفظ حقوقي انتهى ملخصا
(مرآة).
(3) وقال عليها السلام: الرزق رزقان رزق تطلبه، ورزق يطلبك فإن لم تأته اتاك فلا تحمل
هم سنتك على يومك، وكفاك كل يوم ما هو فيك فان تكن السنة من عمرك فان الله
سيأتيك في
كل غد بجديد ما قسم لك، وان لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بهم وغم ما ليس لك، واعلم أنه
لا يسبقك إلى رزقك طالب ولن يغلبك عليه غالب، ولن يحتجب عنك ما قدر لك، وكم رأيت من
طالب
متعب نفسه مقتر عليه رزقه. (لي) ج 2 ص 56.
124

والعناء فاصبر حتى يفتح الله لك بابا يسهل الدخول فيه. فيما أقرب الصنع من الملهوف (1)
والامن من الهارب المخوف، فربما كانت الغير (2) نوعا من أدب الله، والحظوظ مراتب،
فلا تعجل على ثمرة لم تدرك فإنما تنالها في أوانها
واعلم أن المدبر لك اعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه، فثق بخيرته في جميع
أمورك يصلح حالك، ولا تعجل بحوائجك قبل وقتها فيضيق قلبك وصدرك ويغشيك
القنوط، واعلم أن للحياء مقتدرا فان زاد عليه فهو سرف، وان للحزم مقدارا (3) فان
زاد عليه فهو تهور (4) واحذر كل زكى ساكن الطرف، ولو عقل أهل الدنيا خربت. فانظر
إلى هذا الحديث وما اشتمل عليه من الآداب الغريزة واشتمل أيضا على التزهيد في الدنيا
بقوله: ولو عقل أهل الدنيا خربت، فدل على أن العقل السليم يقتضى تخريب الدنيا وعدم
الاعتناء بها، فمن عنى بها أو عمر هادل ذلك على أنه لا عقل له (5).

(1) الملهوف ذهب له مال أو فجع بحميم والحميم: القريب الذي يهتم بأمره (
أقرب).
(2) الغير: تغير الحال وانتقالها عن السلاح: لي الفساد ج أغيار (أقرب).
(3) تحزم في امرك أي اقبله بالحزم والوثاقة (أقرب).
(4) تهور لرجل: وقع في الامر بقلة مبالاة (أقرب).
(5) قال في (مرآة) في كلام طويل له: وإنما الناجي منها فرقة واحدة وهي السالكة
ما كان عليها رسول الله (ص) وأصحابه وهو ان لا يترك الدنيا بالكلية، ولا يقمع الشهوات
بالكلية اما الدنيا يأخذ منها قدر الزاد، واما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع
والعقل، فلا يتبع كل شهوة، ولا يترك كل شهوة بل يتبع العدل، ولا يترك كل شئ من الدنيا
ولا يطلب كل شئ من الدنيا بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدنيا ويحفظ ه على حد
مقصوده،
فيأخذ من القوت ما يقول به البدن على العبادة، ومن المسكن ما يحفظ به من اللصوص والحر
والبرد والكسوة كذلك ولا يعلم تفصيل ذلك الا بالاقتداء بالفرقة الناجية الذين صحت عقايدهم
واتبعوا الرسول والأئمة الهدى عليهم السلام ومن أراد تفصيل الكلام يرجع باب حب الد نيا
والحرص عليها.
125

القسم الثاني من لا يستجاب دعائه.
روى جعفر بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) قال: أربعة لا يستجاب له دعوة:
رجل جالس في بيته يقول: اللهم ارزقني فيقال له: ألم آمرك في الطلب؟ ورجل كانت
له امرأة فاجرة فدعا عليها فيقال له: ألم اجعل أمرها إليك؟ ورجل كان له مال فافسده
فيقول: اللهم ارزقني فيقال له: ألم آمرك بالاصلاح (بالاقتصاد) ثم قال: (والذين إذا
انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) (1) ورجل كان له مال فأدانه رجلا ولم
يشهد عليه فجحده فيقال له ألم آمرك بالاشهاد؟ (2)
وفى رواية الوليد بن صبيح: ورجل يدعو على جاره وقد جعل الله له السبيل إلى أن
يتحول عن جواره ببيع داره.
وروى يونس بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ان العبد ليبسط يديه
ويدعو الله ويسئله من فضله ما لا فيرزقه قال: فينفقه فيما لا خير فيه، ثم يعود ويدعو الله
فيقول: ألم أعطك؟ ألم افعل بك كذا وكذا؟
ومن دعا بقلب قاس أولاه روى سليمان بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (ع)
يقول: ان الله لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه فإذا دعوت فاقبل بقلبك ثم استيقن بالإجابة.
وعن سيف بن عميرة عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) قال: ان الله عز وجل لا يستجيب

(1) الفرقان: 67 الاسراف: صرف المال زايدا على القدر الجايز شرعا وعقلا،
والقتر
والقتور، التضييق، والاقتصاد: التوسط بين الاسراف والتقتير (مرآة).
(2) أي الاشهاد على الدين كما في آية المداينة وغيرها (مرآة).
126

دعاء بظهر قلب قاس (1) ومن لم يتقدم في الدعا لم يسمع منه إذا نزل به البلاء.
روى هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: من تقدم في ا لدعا استجيب له
إذا انزل به البلاء، وقيل: صوت معروف ولم يحجب عن السماء (2) ومن لم يتقدم في الدعا
لم يستجب له إذا نزل به البلاء وقالت الملائكة: ان ذا (3) الصوت لا نعرفه
ومن دعا وهو مصر على المعاصي (4) لا يستجاب دعائه قال رسول الله (ص): مثل
الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمى بغير وتر.
وعن الصادق (ع) كان رجل من بني إسرائيل يدعوا الله تعالى ان يرزقه غلاما
ثلاث سنين فلما رأى أن الله لا يجيبه قال: يا رب أبعيد انا منك فلا تسمعني أم قريب
فلا تجيبني؟ فاتاه آت في منامه قال: انك تدعوا الله منذ ثلاث سنين بلسان بذى وقلبي
عات غير نقى، ونية غير صافيه (صادقة) فاقلع عن بذائك وليتق الله قلبك ولتحسن نيتك
ففعل الرجل ذلك عاما فولد له غلام.
فقد اشتمل هذا الحديث على أربعة شروط: الأول الا قلاع عن البذاء، الثاني
عدم قساوة القلب. الثالث حسن النية، وهي هنا عبارة عن حسن الظن. الرابع التوبة عن
المعصية بقوله: فاقلع عن بذائك وليتق الله قلبك.

(1) قوله تعالى: ثم قست قلوبهم: أي يبست وصلبت عن قبول ذكر الله والخوف
والرجاء
وغيرها من الخصال الحميدة (المجمع).
(2) الحجب بفتح الحاء وهو كناية عن عدم الاستجابة (مرآة)
(3) كلمة ذا بمعنى صاحب وهو في حالة النصب.
(4) أصر على الشئ لزمه وداومه وأكثر ما يستعمل في الشر والذنوب، ومنه: ما أصر من
استغفر أي من اتبع ذنبه بالاستغفار فليس بمصر وان تكرر منه، ومنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة
مع الاصرار، قيل: المراد بالاصرار، على الصغيرة العزم على فعلها بعد الفراغ منها سواء
كان المعزوم من جنس المفعول أم لا هذا هو الاصرار الحكمي، واما المداومة على واحد ة من الصغاير
بلا توبة والاكثار منها فيعرف بالاصرار الفعلي (المجمع).
127

والدعا مع اكل الحرام لا يستجاب وفى الحديث القدسي فمنك الدعا وعلى
الإجابة فلا تحتجب (1) عنى دعوة الا دعوة آكل الحرام.
وعن النبي (ص): من أحب ان يستجاب دعائه فليطيب مطعمه (2) وكسبه.
وقال (ع) لمن قال له: أحب ان يستجاب دعائي قال له: طهر مأكلك، ولا تدخل بط نك
الحرام (3).
وروى علي بن أسباط عن أبي عبد الله (ع): من سره ان يستجاب دعائه فليطيب
مكسبه.
وقال (ع): ترك لقمة الحرام أحب إلى الله من صلاة الفي ركعة تطوعا

(1) الحجب بالفتح وهو كناية عن عدم الاستجابة.
(2) قال من (مرآة): اعلم أن المشهور بين الفقهاء ان الحلال والطيب مترادفان،
أو الحلال ما أحله الشارع ولم يرد فيه نهى، والطيب ما تستطيبه النفس وتستلذه، وقيل: الطيب
يقال لمعان: الأول المستلذ الثاني ما حلله الشارع الثالث ما كان طاهرا الرابع ما خلا عن الأذى
في النفس والبدن، والخبيث يقابل الطيب بمعانيه.
(3) وهيهنا كلام في الحلال والحرام والشبهة قال في (مرآة) ثم اعلم أنه اختلف
الأصحاب في أنه هل بين الحلال والحرام منزلة أم لا فذهب جماعة إلى أنه لا منزلة
بينهما فكلما دل الدليل على حرمته فهو حرام. ليسا الا بظاهر الشريعة كالطهارة والنجاسة
فإنهما تابعتان لظاهر الشرع فما لم يعلم نجاسته فهو طاهر وإن كان نجسا عند من علم نجاسته
ولا معنى للنجاسة الواقعية ولذا كان النبي (ص) والأئمة (ع) يعاشرون من المنافقين ولا يعملون
بما علموا بغير ظاهر الشريعة منهم. وذهب جماعة إلى أن بينهما منزلة وهي الشبهات كما ورد في
الاخبار حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن
اخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم. ومن أراد تفصيل الكلام يرجع باب
الدعا للرزق.
128

وعنه (ع): رد دانق (1) حرام يعدل عند الله سبعين حجة مبرورة.
والمتحمل لمظالم العباد وتبعات المخلوقين مردود الدعا.
فعنهم عليهم السلام فيما وعظ الله به عيسى (ع) يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل:
غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم أبى تغترون أم على تجترئون؟ تتطيبون بالطيب
لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة كأنكم أقوام ميتون يا عيسى قل
لهم: قلموا أظفاركم من كسب الحرام، وأصموا اسماعكم عن ذكر الخنا (2) (الفحشاء)
واقبلوا على بقلوبكم فانى لست أريد صوركم يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل: لا تدعوني
والسحت (3) تحت اقدامكم والأصنام في بيوتكم فانى آليت (4) ان أجيب من دعاني،
وان إجابتي إياهم لعنا لهم حتى يتفرقوا (5)
وعن النبي (ص) قال: أوحى الله إلى أن يا أخا المرسلين ويا أخا المنذرين انذر
قومك لا يدخلوا بيتا من بيوتي ولاحد من عبادي عند أحد منهم مظلمة فانى العنه
ما دام قائما يصلى بين يدي حتى يرد تلك المظلمة فأكون سمعه الذي يسمع به، وأكون بصره
الذي يبصر به ويكون من أوليائي ويكون جارى مع النبيين والصديقين والشهداء

(1) الدانق بالفتح: سدس الدرهم (أقرب).
(2) الخناء مقصورا: الفحش من القول (المجمع).
(3) السحت بضمتين واسكان الثاني تخفيفا: كل ما لا يحل كسبه (المجمع).
(4) آلى ايلاء: حلف (أقرب).
(5) وقال (ص): ان أحدكم ليرفع يديه إلى السماء فيقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام
وملبسه حرام فأي دعاء يستجاب لهذا، وأي عمل يقبل منه وهو ينفق من غير حل ان حج حج
حراما، وان تصدق تصدق بحرام، وان تزوج تزوج بحرام، وان صام أفطر على حرام فيا
ويحه اما علم أن الله طيب لا يقبل الا الطيب وقد قال في كتابه: (إنما يتقبل الله من المتقين) المائدة:
30 (لي) ج 5 ص 88.
129

(والصالحين) في الجنة.
وعن أمير المؤمنين (ع): أوحى الله إلى عيسى قل لبنى إسرائيل: لا يدخلوا بيتا من
بيوتي الا بأبصار خاشعة، وقلوب طاهرة، وأيد تقية، وأخبرهم انى لا استجيب لاحد منهم
دعوة ولاحد من خلقي لديه مظلمة (1).

(1) وقال (ع): من اكل لقمة حرام لم يقبل له صلاة أربعين ليلة، ولم يستجب له
دعوة
أربعين صباحا وكل لحم ينبته الحرام فالنار أولى وان اللقمة الواحدة تنبت اللحم. (لي)
ج 5 ص 88. المظلمة بكسر اللام: ما تطلبه عند الظالم، واسم ما اخذ منك ظلما.
130

الباب الرابع في كيفية الدعا وله آداب ينقسم إلى ثلاثة أقسام
فمنها ما يكون قبل الدعا كالطهارة، وشم الطيب، واستقبال القبلة، والصدقة (1).
قال الله تعالى: (فقدموا بين يدي نجويكم صدقة) (2) ولقوله تعالى: (فليؤمنوا بي)
(3) أي وليتحققوا انى قادر على اعطائهم ما سئلوا
وعن رسول الله (ص) يقول الله عز وجل: من سئلني وهو يعلم انى أضر وانفع
استجيب له.
فصل ومن الآداب حسن الظن بمالك العباد في اجابته (4).

(1) ومن الآداب أيضا اعتقاد الداعي قدرته سبحانه على فعل مطلوبه، ولم يذكر
هذا
العنوان مع ذكره روايته وقد مضى في الباب الثاني عند (بيان فضيلة المسجد) ما يدل على استحباب
تقديم الطهارة، والطيب، والصدقة عند الدعا ولم يذكرها في المقام مع تعرضه لعناوينها واما
لاستحباب
استقبال القبلة عند الدعا فما وجدنا في الكتاب اثرا.
(2) المجادلة: 13
(3) البقرة: 182.
(4) قال في (مرآة) في بيان حسن الظن به تعالى: قيل: معناه حسن ظنه بالغفران
إذا ظنه حين يستغفر، وبالقبول إذا ظنه حين يتوب، وبالإجابة إذا ظنه حين يدعو، وبالكفاية
إذا ظنه حين يستكفي لأن هذه صفات لا تظهر الا إذا حسن ظنه بالله تعالى، وكذلك تحسين
الظن بقبول العمل عند فعله إياه، فينبغي للمستغفر والتائب والداعي والعامل ان يأتوا بذلك
موقنين بالإجابة بوعد الله الصادق فان الله تعالى وعد بقبول التوبة الصادقة والأعمال الصالحة
واما لو فعل هذه الأشياء وهو يظن أن لا يقبل ولا ينفعه فذلك قنوط من رحمة الله تعالى والقنوط
كبيرة مهلكة.
131

قال الله تعالى: (وادعوه خوفا وطمعا) ففي الحديث القدسي انا عند ظن عبدي بي
فلا يظن عبدي (1) بي الا خيرا.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ادعوا ا لله وأنتم موقنون بالإجابة
وفيما أوحى الله إلى موسى (ع) يا موسى ما دعوتني ورجوتني فانى سأغفر لك.
وروى سليمان بن الفراء عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا دعوت فظن
حاجتك بالباب (2) وفى رواية أخرى فاقبل بقلبك وظن حاجتك بالباب.
فصل (3) وكيف لا يحسن الظن به وهو أكرم الأكرمين وارحم الراحمين وهو الذي
سبقت رحمته غضبه.
وروى أن الله سبحانه لما نفخ في آدم من روحه وصار بشرا فعند ما استوى جالسا عطس
فالهم ان قال: الحمد لله رب العالمين فقال الله تعالى: يرحمك الله يا آدم فكا ن أول خطاب
توجه إليه منه بالرحمة.
وروى أن الله سبحانه قال لموسى حين أرسله إلى فرعون يتوعده وأخبره انى إلى
العفو والمغفرة أسرع منى إلى الغضب والعقوبة.
وروى أنه استغاث بموسى عليه السلام حين أدركه الغرق ولم يستغث بالله فأوحى
إليه يا موسى لم تغث فرعون لأنك لم تخلقه، ولو استغاث بي لأغثته.
وروى محمد بن خالد في كتابه عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لما صار يونس (ع) إلى

(1) قال في (مرآة): معناه انا عند ظن عبدي في حسن عمله وسوء عمله لان
من حسن عمله
حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه.
(2) قال في (مرآة): حمل الكليني الظن على اليقين. ويمكن حمله على معناه الظاهر
فان اليقين بالإجابة مشكل الا ان يقال: المراد اليقين بما وعد الله من إجابة الدعا إذا كان مع شرايطه
واعم من أن يعطيه أو عوضه في الآخرة.
(3) ليس هذا الفصل في محله لما ترى من الكلام قبله وكذلك بعده في مساق واحد وهو
حول حسن الظن بالله تعالى.
132

أسمعه؟ البحر الذي فيه قارون قال القارون للملك الموكل به: ما هذا الدوي والهول الذي
أسمعه؟ قال له الملك هذا يونس الذي حبسه الله في بطن الحوت فجالت به البحار السبعة حتى
صارت إلى هذا البحر فهذا الدوي والهول لمكانه فقال: أتأذن لي في مكالمته؟ فقال
قد أذنت لك فقال له قارون: ان توبتي جعلت إلى موسى وقد تبت إلى موسى فلم يقبل
منى، وأنت لو تبت إلى الله لوجدته عند أول قدم ترجع بها إليه، أو لا تنظر إلى حسن
صنايعه بعباده؟ وكيف تعلقت عنايته بالاحسان إليهم والرحمة لهم:
فمن ذلك ما ندب إليه ورغب فيه من دعاء بعضهم لبعض حيث قال: ادعني على
لسان لم تعصني به وهو لسان غيرك، وأجاب الداعي لأخيه ولك اضعافه (1) وسيأتي
مفصلا في موضعه (2)
ومن ذلك ما رغب فيه من اهداء ثواب الطاعات للأموات وما جعل عليه من
تضاعف الحسنات.
حتى روى عن النبي صلى الله عليه وآله: من دخل المقابر فقرء سورة يس خفف الله عنهم يومئذ

(1) عن أبي خالد القماط قال: قال أبو جعفر (ع): أسرع الدعا نجحا للإجابة دعاء
الأخ لأخيه بظهر الغيب يبدأ بالدعا لأخيه فيقول له ملك موكل به آمين ولك مثلاه. قال في
(مرآة) ولا ينافي ذلك ما سيأتي انه نودي من العرش ولك مأة الف ضعف لان الضعف بمقتضى
دعائه والزايد تفضل منه تعالى لمن يشاء كما قيل، أو لان الضعف أقل المراتب ومأة
الف ضعف أكثرها وبينهما مراتب متفاوتة بحسب تفاوت مراتب الداعي والمدعو له، وقيل: ويحتمل
أن تكون علة الضعف ان الدعا للغير يتضمن عملين صالحين أحدهما الدعا والثاني دعائه لأخيه
ومحبته له وطلب الخير له ولذلك كان هذا الدعا مستجابا يوجر عليه مرتين انتهى موضع
الحاجة باب الدعا للاخوان بظهر الغيب.
(2) تأتى في باب الرابع عند (في الدعاء للاخوان والتماسه منهم) روايات الباب
بتفصيلها.
133

وكان له بعدد من فيها حسنات (1).
وقال الصادق (ع): تدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة
والدعا والبر ويكتب اجره للذي يفعله وللميت (2).
وقال (ع): من عمل من المسلمين عن ميت عمل (عملا) خيرا ضعف الله له اجره
ونفع الله به الميت.
ومن ذلك ما أمر به نبيه (ص) في قوله: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك
وللمؤمنين والمؤمنات) (3) فانظر كيف قرن الامر بالاستغفار مع شهادة التوحيد التي
هي أس الاسلام وعليها مدار الاحكام وهل هذا الا غاية العناية وأتم الرحمة وأكمل الفضل؟
ثم اكد البيان بالمقال في هذا المثال مع ما أظهر من شواهد الحال: انا عند ظن عبد ى بي.
وتوعد من أساء ظنه به وغضب عليه (4)
ومن أوضح الأدلة على وفور كرمه ومحبته لحسن الظن به، وانه يحقق ظن عبده
به إذا كان حسنا لا يخلفه لا محالة ما أمر به سبحانه من التوكل عليه فقال عزمن قائل
(وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين) (5) وكفاك بهذه الآية حثا على التوكل وتر غيبا
فيه حيث جعله شرط الايمان، ثم اكد سبحانه ذلك بتبشيره لهم بالمجازات والكفاية
والافضال والرعاية لما ثابوا (6) إلى هذا النداء الجليل (وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل

(1) وقال الرضا (ع): ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عنده انا أنزلناه في ليلة القدر
سبع
مرات الا غفر الله له ولصاحب القبر (لي) ج 4 ص 272.
(2) وقال (ع): إذا قرء المؤمن آية الكرسي وجعل ثوابها لأهل القبور جعل الله من
كل حرف ملكا يسبح الله له إلى يوم القيامة ويعطيه اجر ستين نبيا. (لي) ج 4 ص 273.
(3) محمد: 21.
(4) قد مر في أول الفصل ذيلا معنى ظن العبد به تعالى راجع.
(5) المائدة: 26.
(6) ثاب الرجل يثوب: إذا رجع بعد ذهابه (المجمع).
134

فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء وتبعوا رضوان الله) (1) ثم زاد في سرورهم
بالبشارة لهم بمصادفة قبوله ومحبته فقال: (ان الله يحب المتوكلين) (2).
وسئل الصادق (ع) عن حد التوكل فقال الا يخاف مع الله شيئا فكان عقد التوكل
ومداره على حسن الظن بالله لان الذي لا يخاف شيئا مع الله شيئا فكان عقد التوكل
ومداره على حسن الظن بالله لان الذي لا يخاف شيئا مع الله لابد وأن يكون حسن الظن
به، ثم انظر إلى ما ورد عن سادات الأنام في هذا المعنى من الكلام.
روى عن العالم (ع) أنه قال: والله ما اعطى مؤمن قط خير الدنيا والآخرة الا بحسن
ظنه بالله عز وجل ورجائه له، وحسن خلقه، والكف عن اغتياب المؤمنين، والله تعالى
لا يعذب عبدا بعد التوبة والاستغفار الا بسوء ظنه وتقصيره في رجائه الله عز وجل، وسوء
خلقه، واغتيابه المؤمنين، وليس يحسن ظن عبد مؤمن بالله عز وجل، الا كان الله عند
ظنه لان الله كريم يستحيى ان يخلف ظن عبده ورجائه فأحسنوا الظن بالله وارغبوا إليه
فان الله تعالى يقول: (الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم) (3).
وروى أن الله تعالى إذا حاسب الخلق يبقى رجل قد فضلت سيئاته على حسناته
فتأخذه الملائكة إلى النار وهو يلتفت فيأمر اله تعالى برده فيقول له، لم تلتفت؟ - وهوا
اعلم به - فيقول: يا رب ما كان هذا حسن ظني بك فيقول له، لم تلتفت؟ - وهوا
اعلم به - فيقول: يا رب ما كان هذا حسن ظني بك فيقول الله تعالى:

(1) آل عمران: 167 - 168.
(2) آل عمران: 153. وقد مر تفسير التوكل في باب الثاني عند (أوصاف الخواص
ووظائفهم).
(3) الفتح: 6. عن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: حسن الظن بالله
ان لا ترجوا الا الله ولا تخاف الا ذنبك قال في (مرآة) وفيه إشارة إلى أن حسن الظن بالله
ليس معناه ومقتضاه ترك العمل والاجتراء على المعاصي اتكالا على رحمة الله بل معنا ه انه مع
العمل لا يتكل على عمله، وإنما يرجو قبوله من فضله وكرمه، ويكون خوفه من ذنبه وقصور
عمله لامن ربه، فحسن الظن لا ينافي الخوف بل لابد من الخوف وضمه مع الرجا وحسن الظن.
باب حسن الظن.
135

ملائكتي وعزتي وجلالي ما أحسن ظنه بي يوما، ولكن انطلقوا به إلى الجنة لادعائه
حسن الظن بي.
روى عطاء بن يسار قال: قال أمير المؤمنين (ع) يوقف العبد يوم القيامة بين يدي
الله سبحانه وتعالى فيقول قيسوا بين نعمتي عليه وبين عمله فيستغرق النعم العمل
فيقول الله: قد وهبت له نعمتي عليه، فقيسوا بين الخير والشرفان استوى العملان ا ذهب
الله تعالى الشر بالخير وادخله الجنة وإن كان له فضل أعطاه الله بفضله وإن كان عليه
فضل وهو من أهل التقوى لم يشرك بالله تعالى واتقى الشرك فهو من أهل المغفر يغفر له
ربه برحمته ويدخله الجنة ان شاء بعفوه.
وروى أن الله سبحانه وتعالى يجمع الخلق يوم القيامة ولبعضهم على بعض حقوق
وله تعالى قلبه تبعات فيقول: عبادي ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم، فهبوا بعضكم تبعات
بعض وادخلوا الجنة جميعا برحمتي (1).
وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ينادى مناد يوم القيامة تحت العرش يا أمة محمد صلى الله عليه وآله
ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم وقد بقيت التبعات بينكم فتواهبوا وادخلوا الجنة برحمتي.
روى محمد بن خالد البرقي عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام قال: كان في
بني إسرائيل عابد فأوحى الله تعالى إلى داود (ع) انه مرائي قال: ثم إنه مات فلم يشهد
جنازته داود (ع) قال: فقام أربعون من بني إسرائيل فقالوا: اللهم انا لا نعلم منه الا خيرا
وأنت اعلم به منا. فاغفر له قال: فلما غسل اتى أربعون غير الأربعين الأول وقالوا: اللهم
انا لا نعلم منه الا خيرا وأنت اعلم به منا فاغفر له فلما وضع في قبره قام أربعون غيرهم
فقالوا: اللهم انا لا نعلم منه الا خيرا وأنت اعلم به منا فاغفر له قال: فأوحى ا لله تعالى
إلى داود (ع) ما منعك ان تصلى عليه؟ فقال: داود بالذي أخبرتني من أنه مرائي

(1) وقال (ع): ان الله خلق المحبة على مأة جزء قسم واحدا منها بين الخلائق به
يحب الرجل ولده والام طفلها، وأبقى تسعة وتسعين جزء يرحم بها الخلائق يوم القيامة.
(لي) ج 4 ص 313.
136

قال: فأوحى الله إليه انه شهد له قوم فأجزت (1) لهم شهادتهم وغفرت له ما علمت
مما لا يعلمون.
نصيحة وينبغي أن يكون الرجا مشوبا بالخوف (2) قال أمير المؤمنين ان
استطعتم ان يحسن ظنكم بالله ويشتد خوفكم منه فاجمعوا بينهما فإنما يكون حسن
ظن العبد بربه على قدر خوفه منه، وان أحسن الناس بالله ظنا لأشدهم خوفا منه (3).
روى الحسن بن أبي سارة قال: سمعت عليه السلام يقول: لا يكون العبد
مؤمنا حتى يكون راجيا خائفا، ولا يكون راجيا خائفا حتى يكون عاملا لما يخاف
ويرجو (4).

(1) أجاز امره يجيزه: إذا أمضاه وأنفذه (المجمع)
(2) قال في (مرآة) في كلام طويل: إن كان خطر ببالك وجود شئ الاستقبال وغلب
ذلك على قلبك سمى انتظارا وتوقعا، فإن كان المنتظر مكروها حصل منه ألم في القلب سمى
خوفا واشفاقا، وإن كان محبوبا حصل من انتظاره وتعلق القلب به واخطار وجوده بالبال لذة
في القلب وارتياح يسمى ذلك الارتياح رجاء ولكن لابد وأن يكون له سبب فإن كان انتظاره
لأجل حصول أكثر أسبابه قاسم الرجا عليه صادق، وإن كان ذلك انتظارا مع عدم تهيئ أسبابه
واضطرابها قاسم الغرور والحمق عليه أصدق انتهى موضع الحاجة ملخصا.
(3) ينبغي أن يكون الخوف والرجا كاملين في النفس ولا تنافي بينهما، فان ملاحظة
سعة رحمة الله وغنائه وجوده ولطفه على عباده سبب للرجا والنظر إلى شدة بأس الله وبطشه وما
أوعد العاصين من عباده موجب للخوف مع أن أسباب الخوف ترجع إلى نقص العبد وتقصيره
وسوء أعماله وقصوره عن الوصول إلى مراتب القرب والوصال وانهماكه فيما يوجب الخسران
والوبال، وأسباب الرجا تؤل إلى لطف الله ورحمته وعفوه وغفرانه ووفورا حسانه وكل منهما
في اعلا مدارج الكمال انتهى موضع الحاجة (مرآة).
(4) يدل هذا الحديث على أن كمال الايمان منوط بالخوف والرجا، والخوف والرجا
لا يصدقان الا بالعمل (مرآة).
137

وروى علي بن محمد رفعه قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ان قوما من
مواليكم يلمون بالمعاصي ويقولون: نرجو فقال (ع): كذبوا أولئك ليسوا لنا بموالي
أولئك قوم رجحت بهم الأماني، ومن رجا شيئا عمل له، ومن خاف شيئا هرب منه (1).
وقد روى أن إبراهيم (ع) كان يسمع تأوهه (2) على حد ميل (3) حتى مدحه
الله تعالى بقوله (ان إبراهيم لحليم أواه منيب) وكان في صلاته يسمع له أزيز كأزيز
المرجل (4) وكذا يسمع من صدر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله مثل ذلك (5).
وكان أمير المؤمنين عليه السلام إذا اخذا الوضوء يتغير وجهه من خيفة الله

(1) قوله: يلمون ألم: باشر اللمم وبه نزل واللمم صغار الذنوب قوله: ليسوا لنا
بموال لان
الموالاة ليست مجرد القول بل هي اعتقاد ومحبة في الباطن، ومتابعة وموافقة في الظاهر لا ينفك
أحدهما
عن الاخر - ثم قال - والحاصل ان الأحاديث الواردة في سعة عفو الله سبحانه وجزيل رحمته ووفور
مغفرته كثيرة جدا ولكن لابد لمن يرجوها ويتوقعها من العمل الخالص المعد لحصولها، وترك
الانهماك في المعاصي المفوت لهذا الاستعداد، فاحذر أن يغرك الشيطان ويثبطك عن ا لعمل
ويقنعك بمحض الرجاء والأمل، وانظر إلى حال الأنبياء والأولياء اجتهادهم في الطاعات وصرفهم
العمر
في العبادات ليلا ونهارا اما كانوا يرجون عفو الله ورحمته بلى والله انهم كانوا اعلم بسعة رحمته
وأرجا بها منك ومن كل أحد ولكن علموا ان رجاء الرحمة من دون العمل غرور محض وسفه بحت
فصرفوا في العبادات أعمارهم وقصروا على الطاعات ليلهم ونهارهم انتهى كلامه رفع مقامه.
(2) كل كلام يدل على حزن يق له: التأوه (المجمع).
(3) الميل، مسافة مقدرة بمد البصر أو بأربعة آلاف ذراع بناء على أن الفرسخ اثنا عشر
الف ذراع (المجمع).
(4) الأزيز: صوت الرعد وصوت غليان القدر أيضا (المجمع) وقال في (لي) ج 4 وكان
إبراهيم الخليل (ع) عند ذكر الله يسمع أزيز صدره من رأس ميل وكان صدره يغلى كغليان
القدر الحديث.
(5) قد روى أن النبي (ص) كان يصلى وقلبه كالمرجل يغلى من خشية الله. (لي) ج 4
المرجل: قدر من نحاس (المجمع).
138

تعالى (1) وكانت فاطمة عليها السلام تنهج في الصلاة من خيفة الله تعالى، وكان الحسن
عليه السلام إذا فرغ من وضوئه تغير لونه، فقيل له في ذلك فقال: حق على ذي العرش
ان يتغير لونه، وروى مثل هذا عن زين العابدين عليه السلام (2).
وروى المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام قال: حدثني أبي عن أبيه عليه
السلام ان الحسن بن علي عليهما السلام كان اعبد الناس في زمانه وازهدهم وأفضلهم.
وكان إذا حج حج ماشيا، ربما مشى حافيا، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر البعث
والنشور بكى، وإذا ذكر المرور (الممر) على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على ا لله
شهق شهقة يغشى عليه منها وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل
وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطرب السليم، وسئل الله الجنة وتعوذ بالله
من النار.
وقالت عايشة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت
الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه، وإذا كان هذا حال المقربين والأنبياء والمرسلين
وشهداء الله على الخلق أجمعين فما ظنك باهل العيوب ومقترف الذنوب؟
فصل ومن الشروط ان لا يسئل محرما، ولا قطيعة رحم (3) ولا يتضمن قلة الحياء
وإسائة الأدب.

(1) وفى الغوالي ان عليا (ع) إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلون فيقال
له مالك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: جاء الصلاة وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض
والجبال
فأبين ان يحملنها وأشفقن منها. (لي) ج 4.
(2) وكان السجاد (ع) إذا حضر للوضوء اصفر لونه فيقل له: ما هذا الذي يعتادك عند
الوضوء؟ قال: ما تدرون بين يدي من أقوم (لي) ج 4.
(3) لم ينقل لهذا العنوان رواية الا ان يقال: انه داخل تحت عنوان سؤال المحرم
وذكره له من باب ذكر الخاص بعد العام فح تشمله رواية الآتية.
139

قال المفسرون في قوله تعالى (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) (1) أي تخشعا
وتذللا سرا (انه لا يجب المعتدين) أي لا يتجاوز الحد في دعائه كأن يطلب في دعائه
منازل الأنبياء.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا صاحب الدعا لا تسئل ما لا يكون، ولا يحل.
وقال عليه السلام: من سئل فوق قدره استحق الحرمان.
ومن الآداب تنظيف البطن بالصوم، والجوع، وتجديد التوبة (2).
فعن النبي صلى الله عليه وآله: من اكل الحلال أربعين يوما نور الله
قلبه (3).
وقال صلى الله عليه وآله: ان لله ملكا ينادى على بيت المقدس كل ليلة من اكل حر اما
لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، والصرف: النافلة والعدل: الفريضة.
وقال عليه السلام: لو صليتم حتى تكونوا كأوتاد (ر)، وصمتم حتى تكونوا كالحنايا
لم يقبل الله منكم الا بورع حاجز (4).

(1) الأعراف: 53.
(2) وقد اكتفى (ره) في الاستدلال على تنظيف البطن بالصوم والجوع وتجديد التوبة
بما نقله من الروايات الناهية عن اكل الحرام والرواية المحضضة على اكل الحلال ولم ينقل
لكل من هذه العناوين رواية على حدة كما هو دأبه في كل فصل.
(3) عن أبي بصير قال: قال رجل لأبي جعفر: انى ضعيف العمل قليل الصيام ولكني
أرجو ان لا آكل الا حلالا قال: فقال له: أي الاجتهاد أفضل من عفة بطن وفرج. الاجتهاد:
بذل الوسع في طلب الامر والمراد هنا المبالغة في الطاعة (مرآة) باب العفة.
(4) عن عمرو بن الثقفي عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: انى لا ألقاك الا في السنين
فأخبرني بشئ آخذ به فقال: أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع
فيه. المراد بالتقوى ترك المحرمات وبالورع الشبهات وبالاجتهاد بذل الجهد في فعل الطاعات
(مرآة) باب الورع.
140

وعنه عليه السلام العبادة مع اكل الحرام كالبناء على الرمل، وقيل: على الماء.
وقال عليه السلام: يكفي من الدعا مع البرما يكفي الطعام من الملح.
واعلم أن بعض هذه الشروط كما يجب تقدمه كذا يجب استمراره واستدامته
بعد الدعاء (1).
القسم الثاني فيما يقارن حال الدعا من الآداب وهي أمور:
الأول التلبث بالدعا وترك الاستعجال فيه. لما ورد في الوحي القديم ولا تمل
من الدعا فانى لا امل من الإجابة (2).
وروى عبد العزيز الطويل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان العبد إذا دعا لم يزل الله تعالى
في حاجته ما لم يستعجل (3).
وعنه عليه السلام قال: ان العبد إذا عجل فقام لحاجته يقول الله تبارك وتعالى: أ ما يعلم
عبدي أنى انا الله الذي اقضي الحوائج؟ (4) وفى رواية إذا استعجل العبد في صلاته

(1) تأتى في باب الرابع في القسم الثالث منه آداب المتأخرة عن الدعا بتفصيلها.
(2) وفى الخبر ان الله لا يعمل حتى تملوا أي حتى تسأموا وتضجروا (المجمع)
(3) قوله: في حاجته أي في تقديره وتيسيره وتسبيب أسبابه ما لم يستعجل أي ما لم
يطلب العجله فيه فييئس إذا ابطات حاجته فيعرض عن الله تعالى زاعما انه لا يستجيب لابطائه
في حقه، والحاصل انه لابد للداعي من أن يبالغ في الدعا ويحسن الظن برب الأرض والسماء
ولا ييأس، من رحمة الله بتأخر الإجابة فإنه يمكن أن يكون لحب صوته، أو لعدم مصلحته في
وصول الحاجة إليه عاجلا ولا يستعجل في ذلك فان العجلة من الشيطان وقد ذمها الله تعالى في
مواضع من القران انتهى موضع الحاجة (مرآة).
(4) قوله: إذا عجل أي في تعقيب الصلاة فتركه أو اكتفى فيه بقليل للتوجه إلى حوائجه
فقام إليها، أو اقتصر بقليل من الدعا ثم توجه إلى الحاجة التي يدعو لها، أو المر اد به ما ذكرناه
في الخبر السابق أي يئس للابطاء في الإجابة وترك الدعا وتوجه إلى الحاجة ليحصلها بسعيه
والأول أظهر وترتب الجزاء على جميع المحتملات ظاهر (مرآة).
141

يقول الله سبحانه: استعجل عبدي أيراه يظن أن حوائجه بيد غيري؟
وعن الباقر عليه السلام: يا باغي العلم صل قبل ان لا تقدر على ليل ولا نهار تصلى فيه
إنما مثل الصلاة لصاحبها كمثل رجل دخل على ذي سلطان فانصت له حتى فرغ من
حاجته، فكذلك المرء المسلم بإذن الله عز وجل ما دام في الصلاة لم يزل الله عز وجل ينظر
إليه حتى يفرغ من صلاته (1).
وقال الصادق عليه السلام: إذا صليت فريضة فصلها لوقتها مودع يخاف ان لا يعود إليها
ابدا، ثم اصرف بصرك إلى موضع سجودك، فلو تعلم من عن يمينك وشمالك لأحسنت صلاتك،
واعلم انك بين يدي من يراك ولا تراه.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الملك ومن يكثر قرع
باب الملك يفتح له يا أبا ذر ما من مؤمن يقوم إلى الصلاة الا تناثر عليه البر ما بينه
وبين العرش، ووكل الله به ملكا ينادى يا بن آدم لو تعلم مالك في صلاتك ولمن تناجى
لما سأمت، ولا التفت إلى شئ.
وفيما أوحى الله تعالى إلى ابن عمران يا موسى عجل التوبة واخر الذنب، وتأن
في المكث بين يدي في الصلاة، ولا ترج غيري، واتخذني جنة للشدائد، وحصنا لملمات
الأمور (2).

(1) قال أبو عبد الله (ع): أحب الأعمال إلى الله الصلاة وهي آ خر وصايا الأنبياء
. وقال
معاوية: سئلت أبا عبد الله (ع) عن أفضل ما يتقرب العباد إلى ربهم، وأحب ذ لك إلى الله تعالى
ما هو؟ فقال (ع): ما اعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة الا ترى إلى العبد الصالح
عيسى بن مريم؟ قال (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) وقال (ص): أول ما يحاسب به
العبد الصلاة فان قبلت قبل ساير عمله، وإذا ردت رد ساير عمله. وكفى في فضل الصلاة وعظم
قدرها انها ذكرت في القرآن المجيد في اثنين ومأة موضع (لي) ج 4.
(2) الملمة: النازلة الشديدة من نوازل الدنيا (أقرب).
142

الثاني الالحاح في الدعاء: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان الله يحب السائل اللحوح (1).
وروى الوليد بن عقبة الهجري قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: والله لا يلح عبد
مؤمن على الله في حاجته إلا قضاها الله له (2).
وروى أبو الصباح عن أبي عبد الله عليه السلام: ان الله كره الحاح الناس بعضهم على بعض
في المسألة، وأحب ذلك لنفسه ان الله يحب ان يسئل ويطلب ما عنده (3).
الثالث تسمية الحاجة: روى ابن عبد الله الفراء عن الصادق عليه السلام قال: ان ا لله
تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعا، ولكنه يحب ان يبث إليه الحوائج (4).
وعن كعب الاخبار مكتوب في التورية: يا موسى من أحبني لم ينسني، ومن رجا
معروفي ألح في مسئلتي يا موسى انى لست بغافل عن خلقي ولكن أحب ان تسمع
ملائكتي ضجيج الدعا من عبادي وترى حفظتي تقرب بني آدم إلى بما انا مقويهم عليه
ومسببه لهم.
الرابع الاسرار بالدعا: لبعده عن الريا ولقوله تعالى (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) (5).
ولرواية إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: دعوة العبد سرا
دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية، وفى رواية أخرى دعوة تخفيها أفضل من سبعين
دعوة تظهرها (6).

(1) ألح في السؤال: الحف، والسحاب دام مطره (ق).
(2) قوله: الا قضاها الله له محمول على الغالب، أو على ما إذا تحققت الشرايط (مرآة)
(3) قوله: ما عنده أي ما هو تحت قدرته ويحصل بقضائه وقدره لكن بشرط أن يكون
مشروعا (مرآة).
(4) قوله: ان يبث إليه الحوائج أي تذكر وتظهر فإنها إذا ذكرت انتشرت لأنه يسمعها
الملائكة وغيرهم والتعدية بالى لتضمين معنى التوجه أو التضرع (مرآة).
(5) الأعراف: 53.
(6) يدل على أن الاخفاء في الدعا أفضل من الاعلان، والحكم بالمساواة في الخبر
الأول والأفضلية في الثاني - أي النسبة بينهما في الرواية الأولى نسبة الواحد إلى
السبعين
وفى الثانية نسبته إلى الازيد من السبعين - اما باختلاف مراتب الاخفاء والاعلان، أو المراد
بالأول الاخفاء عند الدعا وبالثاني الاخفاء بعده، فيدل على أن الثاني أهم وأفضل، واما الجمع بينهما
وبين ما ورد من فضل الاجتماع في الدعا فسيأتي الكلام فيه - في الأمر السادس -: الاجتماع في
الدعا -
ثم الظاهر أن هذه النسبة إنما هي إذا لم يكن الاعلان مشوبا بالرياء والسمعة والا فلا نسبة بينهما (
مرآة).
143

وعن النبي صلى الله عليه وآله: ان ربك يباهى الملائكة بثلاثة نفر: رجل يصبح في ا رض
قفر فيأذن ويقيم ثم يصلى، فيقول ربك للملائكة انظروا إلى عبدي يصلى ولا يراه أحد
غيري فينزل سبعون الف ملك يصلون ورائه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم،
ورجل قام من الليل يصلى وحده فسجد ونام وهو ساجد فيقول: انظروا إلى عبدي
روحه عندي وجسده ساجد لي، ورجل في زحف (1) فيفر أصحابه ويثبت وهو يقاتل
حتى قتل.
الخامس التعميم في الدعا روى ابن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال ر سول الله
صلى الله عليه وآله: إذا دعا أحدكم فليعمم فإنه أوجب للدعا (2).
السادس الاجتماع في الدعا. قال الله تبارك وتعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون
ربهم) (3) وامر الله تعالى بالاجتماع للمباهلة.
وروى أبو خالد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ما من رهط أربعين رجلا اجتمعوا
فدعوا الله في أمر الا استجاب الله لهم فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون الله عشر

(1) الزحف: الجيش يزحف إلى العدو (أقرب).
(2) قوله فليعمم أي يدخل المؤمنين في دعائه وظاهره الدخول في اللفظ، ففيه رخصة
لتغيير الدعوات المنقولة من لفظ المتكلم مع الغير، ويمكن الاكتفاء بالقصد، أو يدعو بعد تلاوة الدعاء
المنقول تشريكهم في دعائه قوله: فإنه أوجب للدعا اللام للتعدية وهو من الوجوب لا من الجوب
والإجابة أي الزم للدعا ولزوم الدعا استحقاقه للإجابة انتهى موضع الحاجة (مرآة).
(3) الكهف: 37.
144

مرات الا استجاب الله عز وجل لهم، فإن لم يكونوا أربعة فواحدة يدعوا الله أربعين مرة
يستجيب الله العزيز الجبار له (1).
وروى عبد الاعلى عنه عليه السلام: ما اجتمع أربعة قط على أمر فدعوا الله تعالى الا تفرقوا
عن إجابة (2).
تذنيب والمؤمن شريك في الدعا. قال الله سبحانه (قد أجيبت دعوتكما)
وكان الداعي موسى، وهارون يؤمن على دعائه فنسب الدعا إليهما وقال (قد أجيبت

(1) الرهط ما دون العشرة من الرجال لست فيهم امرأة وهو جمع لا واحد له من
لفظة،
وأربعين بدل من الرهط قوله: فأربعة مجرور بدلا من الرهط المحذوف بتقدير فما من رهط أربعة
أو مرفوع بالابتداء ويدعون خبره والمستثنى منه في قوله: الا استجاب محذوف أي ماد عوا
الا استجاب قوله: فواحدة مرفوع بالابتداء ولا ينافي تنكيره مثل قولهم: كوكب انقض
الساعة ويدعو خبره. وربما يتوهم التنافي بين هذا وبين ما مر - في الأمر الرابع ذيلا - من كون دعاء
السر أكثر ثوابا ويمكن ان يجاب بوجهين: الأول ان كون الاجتماع ادعى للإجابة لا ينافي كونه
أقل ثوابا والثاني أن يكون هذا لمن امن الرياء وما مضى لمن لم يأمن والظاهر أنه لا بد من
دعاء كل واحد سواء كان الدعا واحدا أو متعددا فإذا اجتمعوا في طلب الرزق مثلا ودعا كل
منهم دعاء مأثورا غير مادعا الآخرون يتحقق الاجتماع، وكذلك إذا دعا واحد وأمن الباقون
كما يدل عليه خبر آخر - ويأتي في الأمر السادس - ثم الظاهر أيضا انه يعتبر في دعاء الأربعة
عشر مرات ودعاء الواحد أربعين مرة أن يكون ذلك في مجلس واحد لان ذلك قائم مقام اجتماع
الأربعين انتهى بعد ما لخصناه (مرآة)
(2) وفى بعض الروايات (أربعة رهط) قال في (مرآة): ولا ينافي ذلك كون مظنة
الإجابة في الأربعين أكثر، أو يحمل على ماذا دعا كل منهم عشر مرات، وقد يحمل الرهط على
العشرة فيصير المجموع أربعين.
145

دعوتكما) (1).
وروى علي بن عقبة عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أبى إذا حزنه أمر جمع النساء
والصبيان، ثم دعا وأمنوا (2).
وروى؟ السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الداعي والمؤمن شريكان (3).
السابع اظهار الخشوع. قال الله تعالى (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) (4).
وفى دعائهم عليهم السلام: ولا ينجى منك الا التضرع إليك.
وفيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام يا موسى كن إذا دعوني خائفا مشفقا وجلا
وعفر وجهك في التراب، واسجد لي بمكارم بدنك، واقنت بين يدي في القيام، وناجني
حيث تناجيني بخشية من قلب وجل.
والى عسى عليه السلام يا عيسى ادعني دعاء الغريق الحزين الذي ليس له مغيث يا عيسى
أذل لي قلبك وأكثر ذكرى في الخلوات، واعلم أن سروري ان تبصبص إلى وكن في
ذلك حيا ولا تكن ميتا (5) واسمعني منك صوتا حزينا.

(1) عن السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص): دعا موسى
وأمن هارون
وأمنت الملائكة فقال تعالى: (قد أجيبت دعوتكما) - يونس: 89 - الحديث (الأصول) باب
من يستجاب دعائه.
(2) آمين وأمين بالمد والقصر والمد أكثر وهو اسم مبنى على الفتح ومعناه اللهم استجب
لي وقال بعضهم: التشديد لغة وهو وهم قديم (مرآة).
(3) وفى بعض النسخ (في الاجر) شريكان.
(4) الأعراف: 53.
(5) بصبص الكلب بذنبه إذا حركه وإنما يفعل ذلك من خوف أو طمع قوله: وكن في
ذلك حيا أي كن حاضر القلب ولا تكن ساهيا غافلا فان القلب الساهي الغافل عن ذكره تعالى
وعن ادراك الحق ميت، والقلب العاقل الذاكر حي وقوله تعالى (أومن كان ميتا فأحييناه)
(وانك لا تسمع الموتى) إشارة إلى هذين القلبين (مرآة) باب ذكر ا لله في السر.
146

وروى أنه لما بعث الله موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون قال لهما: لا يروعكما (1).
لباسه فان ناصيته بيدي ولا يعجبكما ما متع به من زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين،
فلو شئت زينتكما بزينة يعرف فرعون حين يراها ان مقدرته يعجز عنها، ولكني ارغب بكما
عن ذلك فأزوى (2) الدنيا عنكما وكك افعل بأوليائي انى لأزودهم عن نعيمها كما
يزود الراعي غنمه عن مراتع الهلكة، وانى لأجنبهم سلوكها كما يجنب الراعي الشفيق
إبله عن موارد العثرة، وما ذاك لهوانهم على ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي
سالما موفرا، إنما يتزين لي أوليائي بالذل والخشوع والخوف الذي يثبت في قلوبهم
فيظهر من قلوبهم على أجسادهم فهو شعارهم ودثارهم الذي به يستشعرون، ونجاتهم الذي بها
يفوزون درجاتهم التي لها يأملون ومجدهم الذي به يفتخرون، وسيماهم التي بها يعرفون،
فإذا لقيتهم يا موسى فاخفض لهم جناحك والن لهم جانبك وذلل لهم قلبك ولسانك،
واعلم أنه من أخاف لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ثم انا الثائر (3) لهم يوم القيامة.
الثامن تقديم المدحة لله والثناء عليه قبل المسألة، روى الإرث به مغيرة
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إياكم إذا أراد ان يسئل أحدكم ربه شيئا من حوائج
الدنيا حتى يبدء بالثناء على الله عز وجل والمدحة له، والصلاة على النبي (وآله) ثم
يسئل الله حوائجه (4).

(1) راعني الشئ: أعجبني (المجمع).
(2) زوى الشئ: نحاه وصرفه ومنعه (المجمع).
(3) الثائر فاعل يقال: ثار ثائره وفار فائره أي غضب (المنجد).
(4) كلمة إياكم للتحذير ومفعول أراد محذوف يدل عليه شيئا من حوائج الدنيا وان
يسئل منصوب وهو المحذر منه، ويحتمل أن يكون ان يسئل مفعول أراد ويكون المحذر منه محذوفا
مثله بقرينة والأول أظهر وكلمة حتى للاستثناء وقوله: ثم يسئل منصوب معطوف على يبدء، وكان
الثناء بتعداد النعم، والمدح بذكر الصفات الذاتية (مرآة).
147

وقال عليه السلام: ان رجلا دخل المسجد وصلى ركعتين ثم سئل الله عز وجل فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: أعجل العبد ربه، وجاء آخر فصلى ركعتين ثم اثنى على الله عز وجل
وصلى
على النبي صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: سل تعطه (1)
وروى محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ان في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام ان
المسألة بعد المدحة، فإذا دعوت فمجده قال: قلت: كيف نمجده؟ قال: تقول (يا من هو
أقرب إلى من حبل الوريد يا من يحول بين المرء وقلبه يا من هو بالمنظر الاعلى يا من
ليس كمثله شئ) (2).
وروى معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال: إنما هي المدحة ثم الثناء ثم الاقرار

(1) وفى بعضها (عجل) العبد سئله قبل ان يمجده ويثنى عليه وتعديته إلى
المفعول
به لتضمين معنى السؤال، وفيه دلالة على أن الحمد والثناء والصلاة على النبي (ص) في الصلاة غير
كافية
للسؤال عقيبها قوله: سل تعطه كان الهاء للسكت - ويمكن أن يكون مفعولا ثانيا لتعط - وفى بعض
النسخ بدونها (مرآة).
(2) مدحته مدحا: أثنيت عليه بما فيه من الصفات الجميلة خلقية كانت أو اختيارية،
ولهذا كان المدح أعم من الحمد قوله: يا من هو أقرب مأخوذ من قوله تعالى (ونحن أقرب
إليه من حبل الوريد) أي نحن أملك له من حبل وريده مع استيلائه عليه وقربه منه قو له: يا من
يحول إشارة إلى قوله (واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه) وهو تمثيل
لغاية قربه تعالى من العبد، فان الحائل بين الشئ وغيره أقرب إلى ذلك
الشئ من ذلك الغير قوله: يا من هو بالمنظر الاعلى لعله (ع) شبه المكانة والدرجة الرفيعة
المعنوية بالأمكنة المرتفعة الصورية فهو اما كناية عن اطلاعه على جميع المخلوقات، أو عن
عدم وصول العقل والافهام إلى ساحة عرفانه قوله: يا من ليس كمثله شئ المراد من مثله ذاته
كقولهم: مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة في نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده
كان نفيه عنه أولى (مرآة) وله (ره) هيهنا معاني دقيقة لطيفة وإنما تركناه لافضائه إلى
التطويل ومن أراد يرجع باب البدئة بالثناء.
148

بالذنب ثم المسألة انه والله ما خرج عبد من الذنب الا بالاقرار (1).
روى عيص بن أبي القاسم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا طلب أحدكم الحاجة
فليثن على ربه وليمدحه فان الرجل منكم إذا طلب الحاجة من سلطان هيأ له من
الكلام أحسن ما يقدر عليه، فإذا طلبتم الحاجة فمجدوا الله العزيز الجبار وامدحوه
واثنوا عليه تقول (يا أجود من اعطى ويا خير من سئل ويا ارحم من استرحم يا واحد
يا أحد (يا فرد) يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد يا من لم يتخذ صاحبة
ولا ولدا يا من يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ويقضى ما أحب (2) يا من يحول بين المرء
وقلبه يا من هو بالمنظر الاعلى يا من ليس كمثله شئ (3) يا سميع يا بصير) وأكثر من
أسماء الله عز وجل فان أسماء الله تعالى كثيرة، وصل على محمد وآل محمد وقل (اللهم
أوسع على من رزقك الحلال ما اكف به وجهي وأؤدي به أمانتي واصل به رحمي ويكون
لي عونا على الحج والعمرة).
التاسع تقديم الصلاة على النبي وآله عليهم السلام: روى أبو بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من ذكرت عنده فنسى ان يصلى على
حظي الله
به طريق الجنة (4).
وروى ابن القداح عنه عليه السلام قال: سمع أبى رجلا متعلقا بالبيت يقول: اللهم

(1) ولعل المراد بالمدحة ما يدل على عظمة ذاته وصفاته بلا ملاحظة نعمه،
وبالثناء:
الاعتراف بنعمائه وآلائه والشكر عليها، وضمير هي راجع إلى آداب الدعا بقرينة المقام قوله:
انه والله الخ هذا مبنى على أن الخروج من الذنوب من شرايط إجابة الدعا، ويؤيده قوله
تعالى (إنما يتقبل الله من المتقين) - المائدة: 27. - (مرآة).
(2) يأتي في خاتمة الكتاب تفسير هذه الأسماء الحسنى بتفصيلها
(3) قد مر آنفا معنى هذه الجملات الثلاث عند رواية محمد بن مسلم ذيلا.
(4) أي جعله الله مخطئا طريق الجنة غير مصيب إياه، ثم النسيان إن كان كناية عن الترك
فالامر ظاهر، وان حمل على معناه الحقيقي فلعل ذلك لعدم الاهتمام به (مرآة).
149

صل على محمد فقال: لا تبترها ولا تظلمنا (تصلمنا) حقنا قل (اللهم صل على محمد
وأهل بيته) (1).
وروى عبد الله بن نعيم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: انى دخلت البيت ولم يحضرني
شئ من الدعا الا الصلاة على محمد وآله فقال عليه السلام: اما انه لم يخرج أحد بأفضل
مما خرجت به (2).
روى جابر عن أبي جعفر عليه السلام: ان عبدا مكث في النار يناشد الله (3) سبعين
خريفا وأهل بيته لما رحمتني قال عليه السلام: فأوحى الله إلى جبرئيل عليه السلام ا ن اهبط إلى
عبدي فأخرجه إلى قال: يا رب كيف لي بالهبوط في (إلى) النار؟ قال: انى قد ا مر مها أن تكون
عليك بردا وسلاما قال: يا رب فما علمي بموضعه؟ قال: انه في جب من سجين قال: فهبط
إليه وهو معقول على وجهه بقدومه قال: قلت: كم لبثت في النار؟ قال: ما احصى كم تركت فيها
خلفا قال: فأخرجه إليه قال: فقال له: يا عبدي كم كنت تناشدني في النار؟ قال: ما احصى يا رب
قال: اما وعزتي وجلالي لولا ما سئلتني به لأطلت هو انك في النار لكنه حتم حتمته على نفسي

(1) البتر: القطع أو مستأصلا. والظلم: وضع الشئ في غير موضعه، والمراد
بالبتر هنا
اما الاستيصال - أي القطع من أصله - للاشعار بان الصلاة على النبي بدون آله باطل فكأنه لم
يصل أصلا، أو النقص وعدم الاتمام، ويدل الخبر على حرمة الصلاة على النبي (ص) بدون الصلاة
على الال لأنه عده ظلما عليهم والظلم عليهم حرام باجماع المسلمين وقد اختلف في أنه هل تنفعهم
عليهم
السلام الصلاة شيئا أم ليست الصلاة عليهم الا لانتفاعنا ولقد أطال الكلام فيه (مرآة) وانا تركناه
لافضائه إلى الاسهاب ومن أراد يرجع باب الصلاة على محمد وآله.
(2) والمراد بالبيت الكعبة قوله: لم يخرج أحد أي لم يخرج من البيت مع ثواب ا فضل
مما خرجت معه أو لم يخرج أحد من البيت فضلا وغنيمة أفضل بما أخرجته منه أي الامن كان
دعائه متضمنا للصلاة على النبي وآله، والحاصل انه أفضل الدعوات (مرآة).
(3) يق نشدتك الله وبالله وناشدتك أي سئلتك وأقسمت عليك (المجمع).
150

لا يسئلني عبد بحق محمد وأهل بيته الا غفرت له ما كان بيني وبينه، فقد غفرت لك اليوم.
وعن سلمان الفارسي (رض) قال: سمعت محمدا صلى الله عليه وآله يقول: ان الله عز وجل
يقول: يا عبادي أوليس من له إليكم حوائج كبار لا تجودون (1) بها الا ان يتحمل عليكم
بأحب الخلق إليكم تقضونها كرامة لشفيعهم؟ ألا فاعلموا أن أكرم الخلق على وأفضلهم
لدى محمد واخوه على ومن بعده الأئمة الذين هم الوسائل إلى ألا فليدعني من همته
حاجة يريد نفعها، أو دهته داهية يريد كشف ضررها بمحمد وآله الطيبين الطاهرين
اقضها له أحسن ما يقضيها من يستشفعون بأعز الخلق عليه، فقال له قوم من المشركين
والمنافقين وهم المستهزئون به: يا أبا عبد الله فمالك لا تقترح على الله بهم ان يجعلك
اغنى أهل المدينة؟ فقال سلمان (رض) دعوت الله وسئلته ما هو أجل وأنفع وأفضل
من ملك الدنيا بأسرها سئلته بهم عليهم السلام أن يهب لي لسانا ذاكرا لتحميده وثنائه
وقلبا شاكرا لآلائه وبدنا على الدواهي الداهية صابرا، وهو عز وجل قد أجابني إلى
ملتمسي من ذلك وهو أفضل من ملك الدنيا بحذافيرها (2) وما أشتمل عليه من خيراتها
مأة ألف ألف مرة (3).

(1) جاد بماله بذله (المجمع)
(2) أخذه بحذافيره أي بأسره (أقرب)
(3) عن العسكري (ع) عن آبائه عليهم السلام عن النبي (ص) أنه قال: ان الله سبحانه
يقول: عبادي من كانت له إليكم حاجة فسئلكم بمن تحبون أجبتم دعائه الا فاعلموا أن أحب
عبادي إلى وأكرمهم لدى محمد وعلى حبيبي ووليي، فمن كانت له إلى حاجة فليتوسل إلى
بهما فانى لا أرد سؤال سائل يسئلني بهما وبالطيبين من عترتهما، فمن سئلني بهم فانى لا أرد دعائه.
وكيف أرد دعاء من سئلني بهما وبالطيبين من عترتهما؟ فمن سئلني بهم فانى لا أرد دعائه وكيف
أرد دعاء من سئلني بحبيبي وصفوتي ووليي وحجتي وروحي ونوري وآيتي وبابي ورحمتي ووجهي
ونعمتي، الا وانى خلقتهم من نور عظمتي، وجعلتهم أهل كرامتي وولايتي، فمن سئلني بهم عارفا
بحقه ومقامهم أوجبت لهم نمى الإجابة وكان ذلك حقا. (لي) ج 4 ص 110.
151

وروى محمد بن علي بن بابويه مرفوعا إلى الصادق عليه السلام قال: استأذنت زليخا
على يوسف فقيل لها: يا زليخا انا نكره ان نقدم بك عليه لما كان منك إليه قالت: انى
لا أخاف ممن يخاف الله فلما دخلت قال لها: يا زليخا مالي أراك قد تغير لونك؟ قالت:
الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيدا وجعل العبيد بطاعتهم ملوكا قال لها:
يا زليخا ما دعاك إلى ما كان منك؟ قالت: حسن وجهك يا يوسف قال: فكيف لو رأيت نبيا
يقال له: محمد صلى الله عليه وآله يكون في آخر الزمان؟ أحسن منى وجها وأحسن منى خلقا
وأسمح (1) منى كفا قالت: صدقت قال: وكيف علمت أنى صدقت؟ قالت: لأنك حين ذكرته
وقع حبه في قلبي، فأوحى الله عز وجل إلى يوسف انها قد صدقت، وانى أحببتها لحبها
محمدا وآله، فأمره الله تعالى أن يتزوجها.
وروى جابر عن أبي عبد الله عليه السلام: ان ملكا من الملائكة سئل الله أن يعطيه
سمع العباد فأعطاه الله، فذلك الملك قائم حتى تقوم الساعة ليس أحد من المؤمنين يقول:
صل على محمد وأهل بيته الا وقال الملك: وعليك السلام، ثم يقول الملك: يا رسول الله
ان فلانا يقرئك السلام فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله: وعليه السلام.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: اعطى السمع أربعة: النبي صلى الله عليه وآله، والجنة، والنار
والحور العين، فإذا فرغ العبد من صلاته فليصل على النبي صلى الله عليه وآله، وليسئل الله الجنة
وليستجر بالله من النار، وليسئله أن يزوجه من الحور العين، فإنه من صلى على النبي صلى الله
عليه وآله
رفعت دعوته، ومن سئل الله الجنة قالت الجنة يا رب أعط عبدك ما سئلك، ومن استجار
بالله من النار قالت النار: يا رب أجر عبدك مما استجار منه، ومن سئل الحور العين قلن:
يا رب أعط عبدك ما سئل.
وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: ما في الميزان شئ أثقل من الصلاة
على محمد وآل محمد ان الرجل ليوضع عمله في الميزان فيميل به فيخرج النبي صلى الله عليه وآله

(1) السماح بالفتح: الجود (المجمع).
152

الصلاة عليه وآله يضعها في ميزانه فيرجح به (1).
وروى هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يزال الدعا محجوبا حتى يصلى
على محمد وآل محمد (2).

(1) فيميل به الباء للمصاحبة وفى بعض النسخ بالتاء فإذا كان بالتاء فضمير الفاعل
يعود
إلى الأعمال والمجرور إلى الميزان أي فتميل الأعمال الحسنة مع الميزان - أي الكفة التي
فيها الحسنات - إلى الفوت، وعلى نسخة الياء أيضا يحتمل ذلك بتأويل العمل، ويحتمل
أن يكون المرفوع عائد إلى الميزان فالمجرور راجع إلى الرجل بالاسناد المجازى، أو بتقدير العمل
وقيل: المجرور راجع إلى مصدر ليوضع، وكذا في يرجح به، والمراد بالاعمال هي بدون الصلاة
والباء تحتمل السببية في الموضعين، وثقل الميزان كناية عن كثرة الحسنات ورجحانها على
السيئات، واختلف في وزن الأعمال من أنه هل هو كناية عن العدل والانصاف والتسوية أو الوزن
الحقيقي من أراد الاطلاع يرجع باب الصلاة على محمد وأهل بيته من (مرآة).
(2) والسر في حجب الدعا بدون الصلاة أمور: الأول ان العبد إذا ضم الصلاة مع دعائه
وعرض بالمجموع على الله سبحانه والصلاة غير محجوبة فالدعا أيضا غير محجوب. الثاني
ان من كانت له حاجة إلى سلطان فمن آدابه المقررة في العقول والعادات ان يهدى تحفا إلى
المقربين لديه لكي يشفعوا له عنده وعلم السلطان ذلك يقضى حاجته. الثالث ان الصلاة عليه
وآله يصير سببا لتكفير السيئات المانعة عن قبول الدعوات. الرابع ان حبهم وولائهم والاقرار
بفضلهم من أعظم أركان الايمان، فبالصلاة عليهم و التوسل بهم يكمل الايمان، ولا ريب ان
كمال الايمان يوجب مزيد القرب من الرحمن. الخامس ان المقصود من ايجاد الثقلين هو
رسول الله وأهل بيته عليهم السلام، وبواسطتهم تفيض الرحمات وهم القابلون لجميع الفيوض
القدسية، فإذا أفيض عليهم فبتطفلهم يفيض على ساير الموجودات، فإذا أراد الداعي استجلاب
رحمة من الله يصلى عليهم، ولا يرد هذا الدعا لان المبدأ فياض والمحل قابل وببركتهم يفيض
على الداعي بل على جميع الخلق. السادس انهم عليهم السلام وسائط بيننا وبين ربنا في ايصال
الاحكام لعدم ارتباطنا بساحة جبروته، فلابد أن يكون بيننا وبينه سفراء وحجب ذو وا جهات
153

وعنه عليه السلام: من دعا ولم يذكر النبي صلى الله عليه وآله رفرف الدعا على رأسه فإذا ذكر النبي
صلى الله عليه وآله
رفع الدعا (1).
وعنه عليه السلام: من كانت له إلى الله حاجة فليبدء بالصلاة على محمد وآله صلى ا لله عليه واله ثم
يسئل
حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد وآله فان الله عز وجل أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع
السوط إذ كانت الصلاة على محمد وآل محمد لا تحجب عنه (2).
العاشر البكاء حالة الدعا وهو سيد الآداب وذروة سنامها أما أولا فلدلالته
على رقة القلب الذي هو دليل الاخلاص الذي عنده تحصل الإجابة.
قال الصادق عليه السلام: إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك ووجل قلبك فدونك دونك فقد قصد
قصدك (3). ولان جمود العين من قساوة القلب على ما ورد به الخبر وهو يؤذن بالبعد من

(1) قوله: ولم يذكر النبي (ص) أي قولا وشموله للذكر القلبي بعيد قوله: رفرف
الدعا
رفرف الطائر إذا حرك جناحيه حول الشئ يريدان يقع عليه واستعير هنا لانفصال الدعا عن
الداعي وعدم وصوله إلى محل الإجابة (مرآة).
(2) قوله: لا تحجب عنه أي هي مرفوعة إلى الله مقبولة ابدا لا يحجبها ويمنعها عن
القبول الشئ، ويدل على استحباب افتتاح الدعا واختتامه بالصلوات على محمد وآله (مرآة).
(3) الظاهر أن قصد على بناء المفعول وقصدك مفعول مطلق نائب مناب الفاعل والإضافة
إلى المفعول أي إذا ظهر تلك العلامات فعليك بطلب الحاجات والاهتمام في الدعا للمهمات
فقد اقبل الله عليك بالرحمة، وتوجه نجوك للإجابة، أو أقبلت الملائكة إليك للشفاعة أو لقضاء
الحاجة بأمره سبحانه (مرآة).
154

الله سبحانه وتعالى.
وفيما أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام يا موسى لا تطول في الدنيا أملك فيقسو
قلبك (وقاسى القلب منى بعيد) وقاسى القلب مردود الدعا لقوله عليه السلام: لا يقبل الله
دعاء بظهر قلب قاس (1).
وأما ثانيا فلما فيه من الانقطاع إلى الله تعالى وزيادة الخشوع.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا أحب الله عبدا نصب في قلبه نائحة من الحزن فان الله
يحب كل قلب حزين، وانه لا يدخل النار من بكا من خشية الله تعالى حتى يعود اللبن إلى
الضرع، وانه لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري (2) المؤمن ابدا.
وإذا أبغض الله عبدا جعل في قلبه مزمارا (3) من الضحك وان الضحك يميت القلب
والله لا يحب الفرحين.
وأما ثالثا فلموافقته أمر الحق سبحانه وتعالى في وصاياه لأنبيائه حيث يقول
لعيسى: يا عيسى هب لي من عينيك الدموع ومن قلبك الخشية وقم على قبور الأموات فنادهم
بالصوت الرفيع فلعلك تأخذ موعظتك منهم وقل: انى لاحق في اللاحقين صب لي من
عينيك الدموع واخشع لي بقلبك يا عيسى استغث بي في حالات الشدة فانى أغيث المكروبين
وأجيب المضطرين وانا أرحم الراحمين.
وفيما أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: يا موسى كن إذا دعوتني خائفا مشفقا
ووجلا وعفر وجهك في التراب، واسجد لي بمكارم بذلك: واقنت بين يدي في القيام،
وناجني حيث ناجيتني بخشية من قلب وجل وأحي بتوراتي أيام الحياة، وعلم
الجهال محامدي، وذكرهم آلائي ونعمى، وقل لهم: لا يتمادون في غس ما هم فيه فان
أخذي اليم شديد، يا موسى لا تطول في الدنيا أملك فيقسو قلبك وقاسى القلب منى

(1) وقد مر في باب الثالث ص 126 ما يؤيد المتن.
(2) المنخر بتثليث الميم والخاء والمنخور: الانف وقيل ثقبه (أقرب)
(3) زمر زمرا غنى بالفتح في القصب ونحوه والمزمر: الآلة التي يزمر فيها (المنجد).
155

بعيد، وأمت قلبك بالخشية، وكن خلق (1) الثياب جديد القلب تخفى على أهل الأرض
الصابرين، وصح إلى من كثرة الذنوب صياح الهارب من عدوه، واستعن بي على ذلك فانى
نعم العون ونعم المستعان
ومنه يا موسى اجعلني حرزك، وضع عندي كنزك من الباقيات الصالحات.
واما رابعا فلما فيه من الخصوصيات والفضائل (2) التي لا توجد في غيره من
أصناف الطاعات.
وقد روى أن بين الجنة والنار عقبة لا يجوزها الا البكائون من خشية الله تعالى.
وروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ان ربى تبارك وتعالى أخبرني فقال: وعزتي
وجلالي ما أدرك العابدون مما أدرك البكائون (درك البكاء) عندي شيئا، وانى لابني لهم في
الرفيع الاعلى قصرا لا يشاركهم فيه غيرهم.
وفيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام: وابك على نفسك ما دمت في الدنيا، وتخوف العطب (3)
والمهالك ولا تغرنك زينة الحياة الدنيا وزهرتها.
والى عيسى عليه السلام: يا عيسى ابن البكر البتول ابك على نفسك بكاء من قد ودع الأهل
وقلى (4) الدنيا وتركها لأهلها وصارت رغبته فيما عند الهه (5)

(1) خلق الثوب بالضم: إذا بلى فهو خلق بفتحتين (أقرب)
(2) وهي عبارة من إجابة الدعا به، وقرب صاحبه من الله تعالى، ومحبة الله له،
وعدم دخوله النار، وإغاثة الله إياه، وعدم بكائه يوم القيامة، وأمثالها مما صر حت به
روايات الباب
(3) العطب بفتحتين: موضع العطب والمعاطب: المهالك (المجمع).
(4) قلى الدنيا أي تركها (المجمع).
(5) يا عيسى ابك على نفسك في الخلوات وانقل قدميك إلى مواقيت الصلاة يا عيسى
اكحل عينك بميل الحزن إذا ضحك البطالون (روضة) ص 132.
156

وعن أمير المؤمنين لما كلم الله موسى عليهما السلام قال: الهى ما جزاء من دمعت عيناه
من خشيتك؟ قال: يا موسى أقي وجهه من حر النار، وآمنه يوم الفزع الأكبر.
وقال الصادق عليه السلام: كل عين باكية يوم القيامة الا ثلاث عيون عين غضت عن
محارم الله، وعين سهرت في طاعة الله وعين بكت في جوف الليل من خشية الله (1).
وعنه عليه السلام: ما من شئ الا وله كيل أو وزن الا الدموع فان القطرة يطفى بحارا
من النار فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة فإذا فاضت حرمه الله
على النار ولو أن باكيا بكا في أمة لرحموا (2)
وعنه عليه السلام ما من عين الا وهي باكية يوم القيامة الأعين بكت من خوف الله، وما
أغر ورقت عين، بمائها من خشية الله الا حرم الله سائر جسده ب (على) النار، ولا فاضت

(1) قوله: غضت على بناء المجهول غض طرفه: خفضه، والمحارم جمع المحرم
على
بناء المفعول من التحريم أي ما حرم الله النظر إليه، وعين سهرت أي تركت النوم قدرا معتدا
به زيادة عن العادة في طاعة الله كالصلاة والتلاوة والدعا ومطالعة العلوم الدينية، وفى
طريق الجهاد والزيارات وكل طاعة لله، وجوف الليل: وسطه الذي يعتاد أكثر الناس النوم
فيه (مرآة).
(2) قوله: الا وله كيل أو وزن لعل المراد ان ثواب العبادات وإن كان كلها يجرى على
جهة التفضل وزايدا على ما يظن أنه يستحقه لكن يناسبه في ميزان العقل والقياس بحسب كثرة العمل
وقلته
وسهولته وصعوبته وغير ذلك بخلاف البكاء، فان القليل منه يترتب عليه آثار عظيمة ومثوبات
جسيمة لا يحظى به ميزان العقل ومكيال القياس، قوله: اغرورقت أي دمعت كأنها غرقت في
دمعها والمراد هنا امتلاء العين قبل ان يجرى على الوجه قوله: رهقه أي غشيه والقتر جمع
القترة وهي الغبار قوله: فاض، فاض الماء: كثر حتى سال وضمير فاضت اما راجع إلى الدموع
أو العين بالاسناد المجازى وضمير حرمه اما راجع إلى الباكي أو الوجه قوله: في أمة أي يكون
فيهم أو في حقهم فالرحمة تشمل الدارين ان كانوا مؤمنين أو في الدنيا ان لم يكونوا مؤمنين انتهى
ملخصا (مرآة).
157

على خده فرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة، وما من شئ الا وله كيل أو وزن الا الدمعة فان الله
يطفئ باليسير منها البحار من النار، ولو أن عبدا بكى في أمة لرحم الله تلك الأمة ببكاء
ذلك العبد (1).
وعن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان في وصية رسول الله
صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام أنه قال: يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها، ثم قال:
اللهم
أعنه، وعد خصالا، والرابعة كثرة البكاء من خشية الله عز وجل يبنى لك بكل دمعة الف
بيت في الجنة (2).
وروى أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام: ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دموع
في سواد الليل مخافة من الله لا يراد بها غيره (3)
وقال كعب الأحبار: والذي نفسي بيده لئن أبكى من خشية الله وتسيل دموعي
على وجنتي أحب إلى من أن أتصدق بجبل من ذهب.
وروى ابن أبي عمير عن رجل من أصحابه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام أوحى الله عز وجل
إلى موسى عليه السلام ان عبادي لم يتقربوا إلى بشئ أحب إلى من ثلاث خصال قال موسى:
يا رب وما هن؟ قال: يا موسى الزهد في الدنيا، والورع عن معاصي، والبكاء من خشيتي
قال موسى: يا رب فما لمن صنع ذا؟ فأوحى الله إليه يا موسى اما الزاهدون في الد نيا ففي
الجنة، واما البكائون من خشيتي ففي الرفيع الاعلى لا يشاركهم فيه أحد (غيرهم)

(1) ومضمون هذا لحديث قريب من الخبر السابق، والتفاوت بينهما في شيئين:
أحدهما
التقييد بالخشية من الله في هذا الخبر دون السابق وثانيهما ترتب عدم الرهق على الأغر يراق
والتحريم على الفيضان فيدل على أن التحريم أعلى وأكثر نفعا من عدم الرهق وهنا بالعكس (مرآة)
وتقدم أيضا في الخبر السابق ذيلا معنى الكيل والوزن في الأعمال.
(2) يا موسى الق كفيك ذلا بين يدي كما يفعل العبد المستصرخ المتضرع إلى سيده فإذ ا
فعلت ذلك رحمت وانا أكرم القادرين (جواهر السنية) ص 36.
(3) قوله: لا يراد بها غيره أي غير الله، أو غير الاحتراز من عذابه (مرآة).
158

واما الورعون عن معاصي فانى أفتش الناس ولا أفتشهم (1).
وفى خطبة الوداع لرسول الله صلى الله عليه وآله: ومن ذرفت عيناه من خشية الله كان له
بكل قطرة من دموعه مثل جبل أجد تكون في ميزانه من الاجر، وكان له بكل قطرة
عين من الجنة على حافتيها من المدائن والقصور ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر
ب (على) قلب بشر.

(1) والزهد في الدنيا عدم الرغبة في أموال الدنيا واعتباراتها، وما يشغل عن
الله فيها
ولنذكر هنا معنى الدنيا وما هو مذموم منها فان ذلك قد اشتبه على أكثر الخلائق، فكثير منهم
يسمون أمرا حقا بالدنيا ويذمونه ويختارون شيئا هو عين الدنيا المذمومة ويسمونه زهدا.
ويشبهون ذلك على الجاهلين اعلم أن الدنيا تطلق على معان: الأول حياة الدنيا، وهي ليست
بمذمومة على الاطلاق، وليست مما يحب بغضه وتركه بل المذموم منها ان يحب البقاء في
الدنيا للمعاصي، والأمور الباطلة، أو يطول الامل فيها، ويعتمد عليها فبذلك يسوف التوبة
والطاعات، وينسى الموت، ويبادر بالمعاصي والملاهي اعتمادا على أنه يتوب في آخر
عمره عند مشيبه، ولذلك يجمع الأموال الكثيرة ويبنى الأبنية الرفيعة ويكره الموت لتعلقه
بالأموال وحبه للأزواج والأولاد ويكره الجهاد والقتل في سبيل الله لحبه للبقاء أو يترك الصوم
وقيام الليل وأمثال ذلك لئلا يصير سببا لنقص عمره والحاصل ان من يحب العرش والبقاء والعمر.
للأغراض الباطلة فهو مذموم ومن يحبه للطاعات وكسب الكمالات وتحصيل السعادات فهو
ممدوح وهو عين الآخرة فلذا طلب الأنبياء والأوصياء عليهم السلام طول العمر والبقاء في الدنيا. الثاني
الدينار والدرهم وأموال الدنيا وأمتعتها، وهذه أيضا ليست مذمومة بأسرها بل المذموم منها ما كان
من حرام أو شبهة، أو وسيلة إليها وما يلهى عن ذكر الله ويمنع عبادة الله أو يحبها حبا لا يبذلها
في الحقوق الواجبة والمستحبة، وفى سبيل طاعة الله كما مدح الله تعالى جماعة حيث قال
(رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وأقام الصلاة وايتاء الزكاة) النور: 4 2 الثالث التمتع
بملاذ
الدنيا من المأكولات والمشروبات والمنكوحات والملبوسات والمركوبات والمساكن الواسعة
وأشباه ذلك، وقد وردت أخبار كثيرة في استحباب التلذذ بكثير من ذلك ما لم يكن
مشتملا على
حرام أو شبهة أو اسراف وتبذير وفى ذم تركها والرهبانية فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يظهر
من مجموع الآيات ولاخبار على ما نفهمه ان الدنيا المذمومة مركبة من مجموع أمور يمنع
الانسان من طاعة الله وحبه وتحصيل الآخرة فالدنيا والآخرة ضرتان متقابلتان فكلما يوجب
رضى الله سبحانه وقربه فهو من الآخرة وإن كان بحسب الظاهر من اعمال الدنيا، والرياضيات
المبتدعة والأعمال الريائية وإن كان مع الترهب وأنواع المشقة فإنها من الدنيا انتهى موضع
الحاجة بعد التلخيص (مرآة)..
159

وعن أبي جعفر عليه السلام ان إبراهيم النبي عليه السلام قال: الهى ما لعبد بل وجهه بالدموع
من مخافتك؟ قال الله تعالى: جزائه مغفرتي ورضواني يوم القيامة (1).
روى إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ادعو واشتهى البكاء فلا يجيئ
وربما ذكرت من مات من بعض أهلي فأرق وأبكى فهل يجوز ذلك؟ فقال: نعم تذكرهم
فإذا رققت فابك لربك تبارك وتعالى (2).
تقريب وتخفيف وان لم يكن بك بكاء فلتتباك لقول الصادق عليه السلام: وان لم
يكن بك بكاء فلتتباك (فتباك) (3).
وعن سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أتباكى في الدعا وليس لي بكاء؟

(1) ان إبراهيم (ع) سئل ربه فقال: يا رب ما جراء من يبل الدمع وجهه من
خشيتك؟
قال: صلواتي ورضواني (جواهر السنية) ص 26.
(2) يدل على استحباب حمل النفس على البكاء ولو بذكر من مات أولاده وأقاربه
وأحبائه بل ما فات عنه من أمواله ونزل به من البلايا وباطلاقه يشمل حال الصلاة ويمكن
حملها على غيرها (مرآة) وله (ره) في التعميم والتخصيص بحال الصلاة كلام طويل من أراد
الاطلاع يرجع باب البكاء منه.
(3) التباكي حمل النفس على البكاء والسعي في تحصيله وقيل: المراد به اظهار البكاء
والتشبه بالباكين في الهيئة وهو أيضا حسن فان من تشبه يقوم فهو منهم والأول أظهر (مرآة).
160

قال: نعم ولو مثل رأس الذباب (1).
وعن أبي حمزه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لأبي بصير: ان خفت أمرا يكون
أو حاجة تريدها فابدأ بالله فمجده، واثن عليه كما هو أهله، وصل على النبي وآله عليهم
السلام وتباك ولو مثل رأس الذباب ان أبى كان يقول: (ان) أقرب ما يكون العبد من
الرب وهو ساجد يبكى (2).
وعنه عليه السلام ان لم يجبك البكاء فتباك فان خرج منك مثل رأس الذباب
فبخ بخ (3).
نصيحة وإذا وفقت للدعا وساعدتك العينان على البكاء وجادت لك بارسال

(1) قوله: أتباكى الاستفهام مقدر وقد لا يقدر فيقرء نعم بكسر النون وسكون
العين وفتح
الميم فعل مدح وهذا مما يشعر بالمعنى الأول (مرآة) ويحتمل أن يكون نعم كلمة جوا ب فعلى
هذا يقدر الاستفهام.
(2) قوله: ان خفت أمرا أي خفت وقوع أمر مكروه يحدث بعد ذلك قوله: أو حاجة
منصوب وهو من قيل ما اضمر عامله على شريطة التفسير والتقدير تريد حاجة والفاء في قوله فمجده
للبيان، والتمجيد ذكر مجده سبحانه ووصفه بالصفات الحسنة قوله: كما هو أهله متعلق بالتمجيد
والأثناء معا والمراد بحسب الطاقة والقدرة لا بحسب الواقع فإنه خارج عن طاقة البشر قوله:
ولو مثل منصور على المفعولية أي ولو أن تبكى مثل، وأقرب اسم ان وما مصدرية،
وإضافة أقرب إلى الكون مع أنه وصف الكائن على المجاز من متعلق بالقرب وليست تفضيلية
والوا وفى قوله: وهو ساجد حالية والجملة الحالية قائمة مقام خبران المحذوف بتقدير في
زمان السجود والبكاء (مرآة).
(3) قوله: بخ هي كلمة يقال عند المدح والرضا بالشئ وتكرره للمبالغة وهي مبنية
على السكون فان وصلت جررت ونونت وبخبخت الرجل إذا قلت له ذلك (مرآة).
161

الدموع السجام (1) عند تذكارك الذنوب العظام والفضائح في يوم القيامة واشفاق
الخلائق من الملك العلام وتمثل ما يحل بالخلائق وقد خرست الألسن وخمدت الشقاشق (2)
وكانت الجوارح هي الشاهد والناطق وعظم هنالك الرخام فألجمهم العرق وبلغ
شحوم الاذان يوم تبلى السرائر وتظهر فيه الضماير وتنكشف فيه العورات ويؤمن فيه
النظر والالتفات وكيف وانى لهم بالنظر؟ ومنهم المسحوب على وجهه (3) والماشي
على بطنه ومنهم من يوطئ بالاقدام مثل الذر ومنهم المصلوب على شفير النار حتى
يفرغ الناس من الحساب ومنهم والمطوق بشجاع في رقبته تنهشه حتى يفرغ الناس
من الحساب، ومنهم من تسلط عليهم الماشية ذوات الأخفاف فتطأه بأخفافها، وذوات
الأظلاف فتنطحه بقرونها وتطأه بأظلافها.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة عزلى (4) قد ألجمهم
العرق وبلغ شحوم الاذان قالت سودة زوجة النبي صلى الله عليه وآله: وا سوأتاه ينظر بعضنا إلى
بعض فقال صلى الله عليه وآله: شغل الناس عن ذلك (لكل امرء منهم يومئذ شأن يغنيه) (5) وكيف
وانى لهم بالنظر؟ ومنهم المسحوب على وجهه، والماشي على بطنه ومنهم من يوطئ
بالاقدام مثل الذر (الدق) ومنهم المصلوب على شفير النار حتى يفرغ الناس من الحساب
ومنهم المطوق بشجاع في رقبته تنهشه حتى يفرغ الناس من الحساب ومنهم من
تسلط عليه الماشية ذوات الأخفاف فتطأه بأخفافها وذوات الأظلاف (6) فتنطحه بقرونها

(1) سجم الدمع سجوما وسجاما: سال (المجمع)
(2) الشقشقة جمع شقاشق: شئ كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج، شقشق الطير صوت
(المنجد).
(3) سحبه سحبا: جره على وجه الأرض (أقرب).
(4) الأعزل الذي لا سلاح معه والعز لي مؤنثه (أقرب).
(5) عبس: 37.
(6) الظلف بالكسر ثم السكون: ظفر كل ما اجترج ظلوف وأظلاف (أقرب).
162

وتطأه بأظلافها (1).
وامعن النظر والفكر في أحوال الناس في ذلك اليوم وما قبله وما بعده من
شقاوة أو سعادة فإنه يحصل لك باعث الخوف لا محالة وداعية البكاء والرقة واخلاص
القلب فانتهز فرصة الدعا (ح) واعلم أنه من أنفس ساعات العمر وعليك بالاشتغال في
تلك الحال بصاحب الجلال عن طلب الآمال والتعرض للسؤال وإذا سئلت فليكن مسئلتك
وطلبتك دوام اقباله عليك (واقبالك عليه) وحسن تأدبك بين يديه واسئل ما يبقى لك
جماله وينفى عنك وباله والمال لا يبقى لك ولا تبقى له (2).
تنبيه واعلم أن البكاء والعجيج إلى الله سبحانه فرقا من الذنوب، وصف محبوب
لكنه غير مجد مع عدم الاقلاع عنها والتوبة منها.
قال سيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام: وليس الخوف من بكى وجرت دموعه

(1) عن أبي عبد الله (ع) قال: مثل الناس يوم القيامة إذا قاموا لرب العالمين مثل
السهم في القرب ليس له من الأرض الا موضع قدمه كالسهم في الكنانة لا يقدر ان يزول هيهنا
ولا هيهنا: الكنانة: جعبة من جلد لا خشب فيها أو بالعكس (ق) وقال أبو عبد الله (ع) في حديث:
فحاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا عليها فان للقيامة خمسين موقفا كل موقف مقدار الف سنة
ثم تلا (في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون) التنزيل: 7. (روضة) ص 143.
(2) عن أبي عبد الله (ع) قال: ان الشيطان يدبر ابن آدم في كل شئ فإذا أعياه جثم
له عند المال فاخذ برقبته. أي ان الشيطان يدبرا بن آدم في كل شئ أي يبعثه على أر تكاب
كل ضلالة ومعصية أو يكون معه ويلازمه عند عروض كل شبهة أو شهوة لعله يضله أو يزله، فإذا
أعياه الضمير المستر راجع إلى ابن آدم والبارز إلى الشيطان أي لم يقبل منه حتى أعياه ترصد
له واختفى عند المال فإذا أتى المال أخذ برقبته فيه بالحرام أو الشبهة والحاصل ان المال
أعظم مصايد الشيطان إذ قل من لم يفتتن به عند تيسره له وكأنه محمول على الغالب ا ذ قد
يكون لا يفتتن بالمال ويفتتن بحب الجاه وبعض الشهوات الغالبة (مرآة) باب حب الدنيا
والحرص عليها.
163

ما لم يكن له ورع يحجزه عن معاصي الله وإنما ذلك خوف كاذب (1)
وعن النبي صلى الله عليه وآله مر موسى برجل من أصحابه وهو ساجد وانصرف من حاجته
وهو ساجد فقال عليه السلام لو كانت حاجتك بيدي لقضيتها لك، فأوحى الله عز وجل إليه
يا موسى لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبلته أو يتحول عما أكره إلى ما أحب. ومن طريق
آخر ان موسى مر برجل وهو يبكى ثم رجع وهو يبكى فقال: الهى عبدك يبكى
من مخافتك قال الله تعالى: يا موسى لو بكى حتى نزل دماغه (2) مع دموع عينيه لم
أغفر له وهو يحب الدنيا (3).
وفيما أوحى الله إليه: يا موسى ادعني بالقلب التقى النقي واللسان الصادق.
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الدعا مفاتيح النجاح ومقاليد الفلا ح،
وخير الدعا ما صدر عن صدر نقى وقلب تقى.
وفى المناجاة: وبالاخلاص يكون الخلاص فإذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع.

(1) عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل (ولمن خاف مقام ر به جنتان)
قال: من
علم أن الله يراه ويسمع ما يقول، ويعلم ما يعمله أو يفعله من خير أو شر فيحجزه ذ لك عن
القبيح من الأعمال فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى (الأصول) باب
الخوف والرجا.
(2) الدماغ: مخ الرأس وأم الرأس (أقرب).
(3) عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: من تعلق قلبه بالدنيا تعلق قلبه
بثلاث خصال: هم لا يفنى، وأمل لا يدرك، ورجاء لا ينال. قوله: هم لا يفنى لأنه لا يحصل له ما هو
مقتضى حرصه وأمله في الدنيا ولا يمكنه الاحتراز عن آفاتها ومصايبها فهو في الدنيا دائما
في الغم لما فات، والهم لما لم يحصل والفرق بين الامل والرجا ان متعلق الامل العمر والبقاء
في الدنيا، ومتعلق الرجا ما سواه. أو متعلق الامل بعيد الحصول، ومتعلق الرجا قريب الوصول
انتهى بعد التلخيص (مرآة).
164

الحادي عشر الاعتراف بالذنب قبل السؤال لما فيه من الانقطاع إلى الله سبحانه
ووضع النفس، ومن تواضع رفعه الله (1) وهو عند المنكسرة قلوبهم
روى: ان عابدا عبد الله سبعين عاما صائما نهاره قائما ليله، فطلب إلى الله حاجة
فلم تقض فأقبل على نفسه وقال: من قبلك اتيت لو كان عندك خير قضيت حاجتك
فأنزل الله إليه ملكا فقال (له): يا ابن آدم ان ساعتك التي أزريت فيها على نفسك خير
من عبادتك التي مضت (2).
وعن الباقر عليه السلام قال: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أتدر لم اصطفيتك
بكلامي (من) دون خلقي؟ قال: لا يا رب قال: يا موسى انى قلبت عبادي ظهرا لبطن فلم
أراذل نفسا منك انك إذا صليت وضعت خديك على التراب. وفى رواية أخرى
انى قلبت عبادي ظهرا لبطن فلم أر أذل لي نفسا منك فأحببت ان أرفعك من
بين خلقي (3).

(1) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: ان في السماء
ملكين
موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه ومن تكبر وضعاه. قال في (مرآة): رفعاه ا ى بالثناء عليه أو
بإعانته
في حصول المطالب وتيسير أسباب العزة والرفعة في الدارين وفى التكبر بالعكس فيهما.
(2) عن الحسن بن الجهم قال: سمعت أبا الحسن (ع) يقول: ان رجلا في بني إسرائيل
عبد الله أربعين سنة ثم قرب قربانا فلم يقبل منه، فقال لنفسه: ما اتيت الا منك وما الذنب الا لك قال:
فأوحى الله إليه ذمك لنفسك أفضل من عبادة أربعين سنة. القربان: ما يتقرب به إلى الله من
هدى أو غيره وكانت علامة القبول في بني إسرائيل ان تجيئ نار فتحرقه قوله اتيت أي دخل
عليك (مرآة).
(3) قوله، بكلامي أي بان أكلمك بلا توسط ملك قوله: انى قلبت عبادي أي اختبرتهم
بملاحظة ظواهرهم وبواطنهم كناية عن إحاطة علمه سبحانه بهم وبجميع صفاتهم وأحوالهم
قلبت الشئ للابتياع: تصفحته فرأيت داخله وباطنه قوله: ظهرا بدل من عبادي واللام في لبطن
للغاية فهي بمعنى الواو مع مبالغة ويدل على استحباب وضع الخد على التراب أو الأرض بعد
الصلاة (مرآة).
165

روى أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى موسى عليه السلام ان اصعد الجبل لمناجاتي،
وكان هناك جبال فتطاولت الجبال وطمع كل أن يكون هو المصعود عليه عدا جبلا
صغيرا احتقر نفسه وقال: انا أقل ان يصعدني نبي الله لمناجاة رب العالمين، فأو حي
الله إليه أن اصعد ذلك الجبل، فإنه لا يرى لنفسه مكانا (1).
وعن النبي صلى الله عليه وآله: ثلاثة لا يزيد الله بهن الا خيرا: التواضع لا يزيد الله به الا ارتفاعا،
وذل: النفس لا يزيد الله به الا عزا، والتعفف لا يزيد الله به الا غنا. وأيضا ففي وضع النفس
وكسرها واسخاطها رضى الله سبحانه.
ففيما أوحى الله تعالى إلى داود: يا داود انى وضعت خمسة في خمسة والناس
يطلبونها في خمسة غيرها فلا يجدونها: وضعت العلم في الجوع والجهد وهم يطلبونها
في الشبع والراحة فلا يجدونه، ووضعت الغر في طاعتي وهم يطلبونها في خدمة السلطان
فلا يجدونه، ووضعت الغنى في القناعة وهم يطلبونه في كثرة المال فلا يجدونه،
ووضعت رضائي في سخط النفس وهم يطلبونه في رضى النفس فلا يجدونه، ووضعت
الراحة في الجنة وهم يطلبونها في الدنيا فلا يجدونها. ولما في ذكر الذنوب من الخوف
والرقة.
قال الصادق عليه السلام: إذا رق أحدكم فليدع فان القلب لا يرق حتى يخلص (2).
وربما كان سببا للبكاء وارسال الدموع وهو من الآداب، وتأهبك بأدب يكون

(1) عن أبي بصير في حديث قال: دخلت على أبى الحسن موسى (ع) فقال: ان
نوحا
كان في السفينة وكان فيها ما شاء الله وكانت السفينة مأمورة فطافت بالبيت وهو طواف النساء
وخلى سبيلها نوح فأوحى الله إلى الجبال: انى واضع سفينة نوح عبدي على جبل منكن فتطاولت
وشمخت وتواضع الجودي وهو جبل عندكم فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل. الحديث. تطاول:
امتد وارتفع وتفضل. شمخ الجبل: علا وطال. الجؤجؤ كهدهد: الصدر (مرآة) باب التواضع.
(2) قد مضى هذا الحديث مع شرحه ذيلا في ص 114.
166

سببا لآداب آخر.
ولقول الصادق عليه السلام: إنما هي المدحة ثم الثناء ثم الاقرار بالذنب ثم المسألة انه والله
ما خرج عبد من الذنب الا بالاقرار (1).
فكان في الاقرار بالذنب خمس فوائد: الأول الانقطاع إلى الله تعالى. الثاني
انكسار القلب وقد عرفت ما فيه من الفضيلة. الثالث ربما يحصل عنده الرقة وهي
دليل الاخلاص وعنده تكون الإجابة. الرابع ربما كان سبب البكاء وهو سيد الآداب (2).
الخامس موافقة أمر الصادق عليه السلام.
الثاني عشر الاقبال بالقلب لان من لا يقبل عليك لا يستحق اقبالك عليه كما لو حادثك
من تعلم غفلته عن محادثتك واعراضه عن محاورتك فإنه يستحق اعراضك عن خطابه
واشتغالك عن جوابه (واستثقالك لجوابه)
وقال الصادق عليه السلام: من أراد ان ينظر منزلته عند الله فلينظر منزلة الله عند ه فان الله
ينزل العبد مثل ما ينزل العبد الله من نفسه.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يقبل الله دعاء قلب لاه (3).

(1) قد تقدمت الرواية وشرحها ذيلا عند عنوان (تقديم المدحة لله والثناء عليه)
وعن
معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: انه والله ما خرج عبد من ذنب باصرار: وما خرج
عبد من ذنب الا بالاقرار: قوله: من ذنب أي من اثره واستحقاق العقوبة بسببه والاصرار اما
فعلى وهو المواظبة على نوع ذلك الذنب أو مطلقا أو حكمي وهو العزم على فعله ثانيا وان لم يفعل
والحديث محمول على الخروج على سبيل القطع والاستحقاق (مرآة).
(2) قد ذكر في الأمر العاشر من القسم الثاني من هذا الباب فضيلة البكا عند الدعا بتفصيلها.
(3) قد ذكر (ره) في ص 126 عنوان (من دعا بقلب لاه) ولم ينقل له رواية هناك ولكن
تعرض لنقله هنا وفى (مرآة) عن الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): ادعوا الله
وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا ان الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاء. قال في قوله: وأنتم موقنون بالإجابة وجهان: أحدهما ان يقال: كونوا وان الدعا على حالة تستحقون
منها الإجابة
وذلك باتيان المعروف واجتناب المنكر وغير ذلك من مراعاة أركان الدعا وآدابه حتى تكون
الإجابة على قلبه أغلب من الرد. وثانيهما ان يقال، ادعوه معتقدين لوقوع الإجابة. قوله
قلب لاه أي غافل أو مشتغل باللهو وقوله تعالى (لاهية قلوبهم) أي ساهية مشتغلة بما لا يعنيها انتهى
بعد التلخيص.
167

وروى سيف بن عميرة عن الصادق عليه السلام: إذا دعوت الله فاقبل بقلبك.
وفيما أوحى الله إلى عيسى عليه السلام لا تدعني الا متضرعا إلى وهمك هما واحدا،
فإنك متى تدعني كك أجبك.
وعنهم عليهم السلام: صلاة ركعتين بتدبر خير من قيام ليلة والقلب ساه (1).
وعنهم عليهم السلام: ليس لك من صلاتك الا ما أحضرت فيه قلبك (2).
ومن سنن إدريس عليه السلام: إذا دخلتم في الصلاة فاصرفوا إليها خواطركم.
وأفكاركم، وادعوا الله دعاء ظاهرا متفرجا، واسئلوه مصالحكم ومنافعكم بخضوع وخشوع
وطاعة واستكانة.
ومنها إذا دخلتم في الصيام فطهروا أنفسكم من كل دنس ونجس، وصوموا لله بقلوب
خالصة صافية منزهة (متنزهة) عن الأفكار السيئة، والهواجس المنكرة (3) فان الله يستنجس
القلوب اللطخة (4) والنيات المدخولة (5).

(1) قوله: ساه أي غافل عن المقصود وعما يتكلم به غير مهتم به، أو غافل عن
عظمة الله وجلاله
ورحمته غير متوجه إليه بشراشره وعزمه وهمته (مرآة).
(2) قد سلفت اخبار دالة على استعظام الصلاة والمواظبة عليها في ص 142 من أراد يرجع
(3) الهاجس: ما وقع في الخلد، والخلد محركة: البال والقلب ج هو احبس (أقرب).
(4) لطخه: لوثه (أقرب).
(5) النية هي القصد إلى الفعل وهي واسطة بين العلم والعمل إذ ما لم يعلم الشئ لم يمكن
قصده، وما لم يقصده لم يصدر عنه ثم لما كان غرض العامل إلى مقصد كامل على
الاطلاق وهو
الله تعالى لابد من اشتماله على قصد التقرب إلى الله تعالى والدار الآخرة أعني يقصد به وجه الله
سبحانه، أو التوصل إلى ثوابه، أو الخلاص من عقابه وبالجملة امتثال أمر الله تعالى فيما ندب
عباده إليه ووعدهم الاجر عليه، وإنما يأجرهم على حسب أقدارهم ومنازلهم ونياتهم فمن عرف الله
بجماله وجلاله فاحبه وأخلص عبادته له لكونه اهلا للعبادة أحبه الله وأدناه قربا معنويا. ومن
لم يعرف من الله سوى كونه الها صانعا قادرا، وان له جنة ينعم بها المطيعين ونار ا يعذب بها
العاصين فعبده ليفوز بجنته، أو يكون له النجاة من ناره ادخله الله بعبادته الجنة وأنجاه من
النار فلا تضع إلى قول من ذهب إلى بطلان العبادة إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب أو الخلاص
من العقاب فان هذا قول من لا معرفة له بحقائق التكليف ومراتب الناس. فان أكثر الناس
يتعذر منهم العبادة ابتغاء وجه الله انتهى موضع الحاجة بعد ما لخصناه (مرآة) باب النية.
168

الثالث عشر التقديم في الدعا قبل الحاجة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي ذر (ره):
يا أبا ذر الا أعلمك كلمات ينفعك الله عز وجل بهن قال: بلى يا رسول الله قال: احفظ الله
يحفظك احفظ الله تجده امامك تعرف إلى الله في الرخا يعرفك في الشدة، وإذا سئلت
فاسئل الله وإذا استعنت فاستعن بالله فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ولو أن
الخلق كلهم جهدوا على أن ينفعوك بما لم يكتبه الله لك ما قدروا عليه (1).
وروى هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان الدعا في الرخاء ليستخرج
الحوائج في البلاء.
وعنه عليه السلام: من تخوف بلاء يصيبه فتقدم فيه بالدعا لم يره الله عز وجل ذلك
البلاء ابدا.
وقال سيد العابدين عليه السلام: الدعا بعد ما ينزل البلاء لا ينتفع به (2).

(1) قد تقدم هذا الحديث وتالييه في ص 121 وراجع لمعنى بعض جملاتها.
(2) محمول على ما إذا لم يتعود بالدعا قبله، وكان المعنى عدم الانتفاع التام (مرآة).
169

الرابع عشر الدعا للاخوان والتماسه منهم: روى ابن أبي عمير عن هشام بن
سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من قدم أربعين من المؤمنين ثم دعا استجيب له (1).
ويتأكد بعد الفراغ من صلاة الليل ويقول وهو ساجد: اللهم رب الفجر والليالي العشر
والشفع والوتر والليل إذا يسر ورب كل شئ واله كل شئ ومليك كل شئ صل على
محمد وآله وافعل بي وبفلان وفلان ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله يا أهل التقوى
وأهل المغفرة.
وروى أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى موسى يا موسى ادعني على لسان لم تعصني به
فقال عليه السلام: انى لي بذلك فقال: ادعني على لسان غيرك (2).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس شئ أسرع إجابة من دعوة (دعاء) غائب لغائب.
وروى الفضل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام: أوشك دعوة وأسرع إجابة دعوة المومن
لأخيه بظهر الغيب (3).
وعنه عليه السلام: أسرع الدعا نجاحا للإجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب وإذا بدء
(يبدء) بالدعا لأخيه فيقول له ملك موكل به آمين ولك مثلاه (4).
وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دعاء الرجل لأخيه بظهر الغيب
يدر (5) الرزق ويدفع المكروه.

(1) تقدم في ص 144 ما يؤيد الحديث مع بيان له ذيلا
(2) قد مضت الرواية في ص 120
(3) وأوشك مبتدأ وأسرع معطوف عليه والمضاف محذوف أي وأسرعها إجابة قوله
بظهر الغيب المراد نفس الغيب لكنه أضيف للايضاح والبيان، وإنما كان أسرع إجابة لأنه
أقرب إلى الاخلاص ويعينه الله في دعائه لا الله تعالى في عون العبد ما دام في عون أخيه هذا ما
لخصناه
مما في (مرآة).
(4) قد تقدم في القسم الثاني من الباب ذيل عنوان (والمؤمن في الدعا) ما يؤيد
الرواية، ومعنى التأمين والضعف في الاجر ذيلا.
(5) أردت الريح السحاب: حلبته (ق).
170

وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من مؤمن (أحد) دعا للمؤمنين
الا رد الله عليه مثل الذي دعا لهم به من كل مؤمن ومؤمنة مضى من أول الدهر إلى
ما هو آت إلى يوم القيامة، وان العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة فيسحب، فيقول
المؤمنون والمؤمنات: يا رب هذا الذي كان يدعو لنا فيشفعوا فيه فيشفعهم الله فيه
فينجو (1).
وروى علي بن إبراهيم عن أبيه قال: رأيت عبد الله بن جندب بالموقف فلم
أر موقفا أحسن من موقفه، فما زال مادا يديه إلى السماء ودموعه يسيل على خديه
حتى تبلغ الأرض فلما صدر الناس قلت: يا أبا محمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك
فقال: والله ما دعوت الا لإخواني، وذلك أن أبا الحسن عليه السلام اخبرني ان من دعا لأخيه
بظهر الغيب تودي من العرش ولك مأة الف ضعف فكرهت ان ادع مأة الف مضمونة
لو أحد لا ادرى يستجاب أم لا (2).
روى ابن أبي عمير عن زيد النرسي قال: كنت مع معاوية بن وهب في الموقف
وهو يدعو فتفقدت دعائه فما رأيته يدعو لنفسه بحرف، ورأيته يدعو لرجل رجل من
الآفاق ويسميهم ويسمى آبائهم حتى أفاض الناس قلت له: يا عم لقد رأيت منك عجبا قال:
وما الذي أعجبك مما رأيت؟ قلت: ايثارك إخوانك على نفسك في مثل هذا الموضع
وتفقدك رجلا رجلا، فقال لي: لا تعجب (لا يكون تعجبك) من هذا يا ابن أخي، فانى
سمعت مولاي ومولاك ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وكان والله سيد من مضى وسيد من

(1) قوله الا رد الله أي يتضاعف ما سئل لهم بعدد جميع المؤمنين ا لذين كانوا في
الدنيا
ويكونون بعد ذلك فيعطى جميع ذلك. سحبه: جره على وجه الأرض (مرآة).
(2) والموقف في الأول اسم مكان والمراد به عرفات، وفى البقية مصدر ميمي، وعبد الله
بن جندب - بضم الجيم وسكون النون وضم الدال وفتحها - من ثقات أصحاب الصادق والكاظم
والرضا عليهم السلام ولجلالته وعلو شأنه قال (ع) مناسبا لحاله ان دعائه يضاعف ماء ة الف
ضعف (مرآة).
171

بقي بعد آبائه عليهم الصلاة والسلام، والا صمتا اذنا معاوية وعميتا عيناه ولا نالته شفاعة
محمد صلى الله عليه وآله ان لم يكن سمعته منه وهو يقول: من دعا لأخيه في ظهر الغيب ناداه
ملك من السماء الدنيا يا عبد الله ولك مأة الف ضعف مما دعوت، وناداه ملك من السماء
الثانية يا عبد الله ولك مأتا الف ضعف مما دعوت (1).
وناده ملك من السماء الثالثة يا عبد الله ولك ثلاثمأة ضعف مما دعوت، وناداه
ملك من السماء الرابعة يا عبد الله ولك أربعمائة الف ضعف مما دعوت، وناده ملك من
السماء الخامسة يا عبد الله ولك خمس مأة الف ضعف مما دعوت وناداه ملك من السماء السادسة
يا عبد الله ولك ستمأة الف ضعف مما دعوت، وناداه ملك من السماء السابعة يا عبد الله ولك سبعمأة
الف ضعف مما سئلت، ثم يناديه الله تبارك وتعالى انا الغنى الذي لا افتقر يا عبد الله لك الف
الف ضعف مما دعوت. فأي الخطرين أكبر يا ابن أخي ما اخترته انا لنفسي أو ما تأمرني به؟
تنبيه وينبغي أن تكون مع دعائك لأخيك محبا له بباطنك ومخلصا له في
دعائك متمنيا ان يرزقه الله ما دعوت له بقلبك فإنك إذا كنت كذلك كنت جديرا
ان يستجاب لك فيه ويعوضك اضعافه لان حب المؤمن حسنة على انفراده، وإرادة
الخير له حسنة أخرى، فيكون دعائك مشتملا على ثلاث حسنات: المحبة، وإرادة
الخير، والدعا وأيضا إذا طلبت له شيئا تحبه له بقلبك وتشفعت له فيه بدعائك ا لي
أكرم الأكرمين وأجود الأجودين وهو أكرم واقدر وأولى بنفع عبده منك أجابك
بكرمه لا محالة.
وفيما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى (ويستحب الذين آمنوا وعملوا
الصالحات ويزيدهم من فضله) الشورى: 62. قال: هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب فيقول
له الملك ولك مثل ما سئلت وقد أعطيت لحبك إياه. ايماء لما ذكرناه (2).

(1) معاوية بن وهب البحلى كوفي روى عن أبي عبد الله وأبى الحسن عليهما
السلام
(جامع الرواة).
(2) قوله: ولك مثل ما سئلت أي لأخيك فيكون امتنانا عليه باستجابة دعائه في حق
أخيه، أو المعنى أعطيناك ما سئلت لأخيك مضاعفا لحبك إياه، وقيل: الأخ شامل للواحد والجماعة
من المؤمنين احياء كانوا أم أمواتا، والظاهر من الملك هو الموكل به لكتب أعماله وحفظة
عن الشياطين - كما دل عليه الخبر المذكور في باب الدعا للاخوان من (الأصول) بقوله (ع):
فيقول له ملك موكل به: آمين - (مرات).
172

وحكى ان بعض الصالحين كان في المسجد يدعو لاخوانه بعد ما فرغ من صلاته
فلما خرج من المسجد وافى أباه قد مات، فلما فرغ من جهازه اخذ يقسم تركته على
إخوانه المؤمنين الذين كان يدعو لهم، فقيل له في ذلك فقال: كنت في المسجد ادعو لهم
بالجنة (ا) وابخل عليهم بالفاني؟.
وتفكر في قول الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام إذا تصافح المؤمنان قسم بينهما
مأة رحمة تسع وتسعون منها لأشدهما حبا لصاحبه (1) فانظر عناية الله سبحانه وتعالى
للمؤمن ومحبته لمحبته، ولا يكون دعائك لأخيك قصدا للمتاجرة أي ليحصل لك من
الثواب ما أعد لداعى المؤمن من غير رحمة له وقطعا للنظر عن محبة الاستجابة لهم
فيما دعوت، فأخشى عليك ان كنت كذلك ان يفوتك ما أعد الله من الاجر (لك) لذلك
أو لا تنظر إلى رواية جابر؟ حيث يقول الملك: لحبك إياه.
فصل وكيف لا تحبه؟ وهو عونك على عدوك، وعاضدك على دينك، وموافقك على
موالاة أوليائك ومعاداة أعدائك.
وعنهم عليهم السلام لا يكمل عبد حقيقة الايمان حتى يحب أخاه (2).

(1) يأتي عن قريب بعض روايات المصافحة في هذا الفصل.
(2) عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله (ع) قال: من أحب لله وابغض لله وأعطى لله
فهو مؤمن كمل ايمانه. قوله: من أحب لله أي أحب من أحب لان الله يحبه من الأنبياء والأوصياء
(ع) والصلحاء من المؤمنين لا للأغراض الدنيوية والأطماع الدنية قوله: كمل ايمانه لأن ولاية
أولياء الله ومعادات أعدائه واخلاص العمل له عمدة الايمان وأعظم أركانه (مرآة).
173

وعنه عليه السلام شيعتنا المتحابون المتباذلون فينا.
وقال عبد المؤمن الأنصاري: دخلت على أبى الحسن موسى بن جعفر عليه السلام وعنده
محمد بن عبد الله الجعفري فتبسمت إليه، فقال عليه السلام: أتحبه؟ فقلت: نعم وما أحببته الا لكم
فقال عليه السلام هو أخوك والمؤمن أخ المؤمن لأبيه وأمه، ملعون ملعون من اتهم أخاه، ملعون
ملعون من غش أخاه، ملعون ملعون من لم ينصح أخا، ملعون ملعون من استأثر على أخيه،
ملعون ملعون من احتجب عن أخيه، ملعون ملعون من اغتاب أخيه (1)
وعنه عليه السلام: أوثق عرى الايمان الحب في الله، والبغض في الله (2).
وقال الصادق عليه السلام: لكل شئ شئ يستريح إليه، وان المؤمن يستريح إلى
أخيه المؤمن كما يسترح الطير إلى شكله أو ما رأيت ذلك؟
وقال عليه السلام: المؤمن أخ المؤمن وهو عينه، ومرآته، ودليله لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه
ولا يكذبه ولا يغتابه (3).

(1) عن حفص البختري قال: كنت عند أبي عبد الله (ع) ودخل عليه رجل فقال
لي:
تحبه؟ فقلت: نعم فقال لي. ولم لا تحبه؟ وهو أخوك وشريكك في دينك وعونك على عدوك ورزقه
على غيرك. (الأصول) باب اخوة المؤمنين قال في (مرآة): المراد بالأب روح الله الذي
نفخ منه في طينة المؤمن وبالأم الماء العذب والتربة الطيبة انتهى وهذا بعض أقواله في
الرواية.
(2) عن أبي عبد الله (ع) قال رسول الله (ص): أي عرى الايمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله
اعلم، وقال بعضهم، الصلاة، وقال بعضهم: الزكاة، وقال بعضهم: الصيام وقال بعضهم: الحج
والعمرة فقال
رسول الله (ص): لكل ما قلتم فضل وليس به ولكن أوثق عرى الايمان الحب في الله والبغض في
الله
الحديث (الأصول) باب الحب في الله. العرى جمع العروة كمدية ومدى وهي العقد الوثيق (المجمع).
(3) قوله: عينه أي جاسوسه يدله على المعايب قوله: ومرآته أي يبين محاسنه ليركبها
ومساوية ليجتنبها كما هو شأن المرآة أو ينظر إلى ما فيه من المعايب فيتركها فان الانسان في غفلة
عن عيوب نفسه قوله: ودليله أي إلى الخيرات الدنيوية والأخروية لا يخونه في مال ولا سر ولا عرض
ولا يظلمه في نفسه وماله وأهله وساير حقوقه (مرآة).
174

وقال الصادق عليه السلام: أيما مؤمنين أو ثلاثة اجتمعوا عند أخ لهم يأمنون بوائقة.
ولا يخافون غوائله، ويرجون ما عنده ان دعوا الله أجابهم، وان سئلوه أعطاهم، وان
استزادوا (ا) زادهم، وان سكتوا ابتدئهم.
وقال الصادق عليه السلام: من زار أخاه لله لا لشئ غيره بل لالتماس ما وعد الله وتنجز
ما عنده وكل الله به سبعين الف ملك ينادونه ألا طبت وطابت لك الجنة (1).
وعنه عليه السلام يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله: من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم
يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم كانت ممن حرمت غيبته، وكملت مروته، وظهرت عدالته،
ووجبت اخوته.
وعن أبي جعفر عليه السلام: ان لله جنة لا يدخلها الا ثلاثة: رجل حكم على نفسه بالحق،
ورجل زار أخاه المؤمن في الله، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله (2)
وعنه عليه السلام ان المؤمنين إذا التقيا وتصافحا ادخل الله يده بين أيديهما فيصافح
أشدهما حبا لصاحبه (3).

(1) قوله: لا لشئ غيره كحسن صورة أو صوت أو مال أو رياء أو جاه وغير ذلك
من
الأغراض الدنيوية وأما إذا كان بجهة دينية كحق تعليم أو هداية أو علم أو صلاح أو ز هد أو عبادة
فلا ينافي ذلك، والغاية قسمان: قسم هو علة ومقدم في الخارج نحو قعدت عن الحرب جبنا
وقسم آخر هو متأخر في الخارج ومترتب على الفعل نحو ضربته تأديبا فقوله (ع): لله من قبيل
الأول أي لاطاعة أمر الله وقوله: لالتماس ما وعد الله من قبيل الثاني فلا تنافي بينهما ويدل على أن
طلب الثواب الأخروي لا ينافي الاخلاص - وتقدم كلام في القربة والاخلاص في الأمر الثاني
عشر ذيل قوله: والنيات المدخولة - قوله: طبت وطابت لك الجنة أي طهرت من الذنوب والأدناس
الروحانية وحللت لك الجنة ونعيمها أو دعاء له بالطهارة من الذنوب تيسر الجنة له انتهى بعد
التلخيص (مرآة):
(2) قوله: حكم على نفسه أي إذا علم أن الحق مع خصمه قوله: آثر أخاه أي اختاره
على نفسه فيما احتاج إليه (مرآة).
(3) المراد باليد هنا الرحمة كما هو الشايع أو استعارة تمثيلية (مرآة).
175

وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم، والتصافح،
وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار (1).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: عن النبي صلى ا لله عليه واله قال: لقى ملك رجلا على باب دار كا
ربها غائبا فقال له الملك: ما جاء بك إلى باب هذه الدار؟ فقال: لي أخ أردت زيارته
قال: لرحم ماسة بينك وبينه أم نزعتك (ترغبك) إليه حاجة؟ قال: ما بيننا رحم ماسة.
أقرب من رحم الاسلام، وما نزعتني (ترغبني) إليه حاجة ولكن زرته في الله رب العالمين قال:
فأبشر فانى رسول الله إليك وهو يقرئك السلام، ويقول لك: إياي قصدت، وما عند ى أردت
بصنيعك فانى أوجبت لك الجنة، وعافيتك من غضبى، واجرتك من النار حيث اتيته (2).
وعنه عليه السلام: النظر إلى العالم عبادة، والنظر إلى الامام المقسط عبادة والنظر إلى
الوالدين برأفة ورحمة عبادة، والنظر إلى الأخ بوده (يوده) في الله عبادة.
وعنه عليه السلام: ما أحدث الله إخاء (3) بين مؤمنين الا أحدث لكل منهما درجة.
وعنه عليه السلام: من استفاد في الله أخا استفاد بيتا في الجنة.
وعنه عليه السلام: من أكرم أخاه فإنما يكرم الله فما ظنكم بمن يكرم الله ان
يفعل الله به؟.
روى عمرو (عمر) بن حريث (شمر) عن جابر عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال:
ان المؤمنين المتواخين في الله ليكون أحدهما في الجنة فوق الاخر بدرجة فيقول:

(1) المراد بالاستغفار هوان يقول: غفر الله لك (مرآة).
(2) ويدل الحديث على جواز رؤية الملك لغير الأنبياء والأوصياء عليهم السلام وربما ينافي ظاهرا
بعض الأخبار في الفرق بين النبي والمحدث - من أن المحدث لا يشاهده - والجواب أنه يحتمل
أن يكون الزائد نبيا، أو محدثا وغاب عنه عند ا لفاء الكلام ولما كانت زيارته خالصا لوجه الله
نسب الله سبحانه زيارته إلى ذاته المقدسة (مرآة).
(3) آخى بين الرجلين: جعل بينهما اخوة (المجمع).
176

يا رب انه اخى وصاحبي قد كان يأمرني بطاعتك، ويثبطني عن معصيتك (1) ويرغبني
فيما عندك - يعنى الاعلى منهما يقول ذلك - فاجمع بيني وبينه في هذه الدرجة
فيجمع الله بينهما وان المنافقين ليكون أحدهما أسفل من صاحبه بدرك من (في)
النار فيقول: يا رب ان فلانا كان يأمرني بمعصيتك ويثبطني عن طاعتك ويزهدني
فيما عندك ولا يحذرني لقائك فاجمع بيني وبينه في هذا الدرك فيجمع الله بينهما وتلا هذه
الآية (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين) (2).
روى أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام: أيما مؤمن سئل أخاه المؤمن حاجة
وهو يقدر على قضائها فرده عنها سلط الله عليه شجاعا في قبره ينهش من أصابعه (3).
وعن إسماعيل بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المؤمن رحمة قال: نعم
وأيما مؤمن اتاه اخوه في حاجة فإنما ذلك رحمة ساقها الله إليه وسببها له (4) فان قضاها
كان قد قبل الرحمة بقبولها، وان رده وهو يقدر على قضائها فإنما رد على نفسه الرحمة
التي ساقها الله إليه وسببها له، وادخرت الرحمة للمردود عن حاجته، ومن مشى في
حاجة أخيه ولم يناصحه بكل جهده (5) فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، وأيما رجل

(1) ثبطه عن الأمور إذا حبسه وشغله عنها ومنه الدعا: ان هممت بصالح ثبطني (
المجمع).
(2) الزخرف: 43.
(3) الشجاع كغراب وكتاب: الحية ج شجعان بالكسر والضم نهشه: نهسه ولسعه وعضه أو اخذه.
بأضراسه. وصيرورة الأصابع ترابا لا يأبى عن قبول النهش لان تراب الأصابع كالأصابع في
قبوله العذاب ولعل الله تعالى يخلق فيه ما يجدبه الألم، ويحتمل أن يكون النهش في الأجساد
المثالية، أو يكون النهش أولا وبقاء الا لم للروح إلى يوم القيامة (مرآة). ملخصا.
(4) قوله: سببها له أي جعلها سببا لغفران ذنوبه ورفع درجاته، أو أوجد أسبابه له
(مرآة).
(5) النصح لله في خلقه: الخلوص في طاعة الله فيما أمر به في خلقه من اعانتهم، وهدايتهم
وكف الأذى عنهم، وترك الغش معهم (مرآة).
177

من شيعتنا اتاه رجل من اخوته واستعان به في حاجته فلم يعنه وهو يقدر ابتلاه الله
تعالى بقضاء حوائج أعدائنا ليعذبه بها، ومن حقر مؤمنا فقيرا أو استخف به واحتقر ه
لقلة ذات يده وفقره شهره الله (1) يوم القيامة على رؤس الخلائق وحقره ولا يزال
ماقتا له، ومن اغتيب عنده اخوه المؤمن فنصره اعانه نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن لم ينصره
ولم يدفع عنه وهو يقدر خذله الله وحقره في الدنيا والآخرة.
وحدث الحسين بن أبي العلاء قال: خرجنا إلى مكة نيفا وعشرين رجلا فكنت
اذبح لهم في كل منزل شاة فلما أردت ان أدخل على أبى عبد الله عليه السلام قال: واها
يا حسين! (و) أتذل المؤمنين قلت: أعوذ بالله من ذلك فقال عليه السلام: بلغني انك كنت تذبح لهم
في
كل منزل شاة قلت: يا مولاي والله ما أردت بذلك الا وجه الله تعالى فقال عليه السلام: اما كنت ترى
ان
فيهم من يحب ان يفعل مثل فعالك؟ فلا يبلغ مقدرته ذلك فيتقاصر إليه نفسه (2) قلت:
يا بن رسول الله وعليك استغر الله ولا أعود، وقال عليه السلام: لا تزال أمتي بخير ما تحابوا،
وأدوا الأمانة، وآتوا الزكاة، وإذا لم يفعلوا ابتلوا بالقحط والسنين، وسيأتي على أمتي
زمان تخبث فيه سرائرهم. وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا يكون عملهم رياء
لا يخالطهم خوف، ان يعمهم الله ببلاء فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم.
وعن إبراهيم التيمي قال: كنت بالبيت الحرام فاعتمد على أبو عبد الله عليه السلا م: فقال الا
أخبرك يا إبراهيم مالك في طوافك هذا؟ قال: قلت: بلى جعلت فداك قال عليه السلام: من جاء
إلى هذا البيت عارفا بحقه فطاف به أسبوعا (3) وصلى ركعتين في مقام إبراهيم كتب الله
له عشرة آلاف حسنة، ورفع له عشرة آلاف درجة (4) ثم قال: الا أخبرك بخير من

(1) الشهرة ظهور الشئ في شنعة حتى يشهره الناس، ومنه الحديث من لبس
ثوبا يشهره
ألبسه الله ثوب مذلة أي يصغره في العيون ويحقره في القلوب (المجمع).
(2) تقاصر نفسه: تضائلت، تضائل: صغر وضعف (أقرب).
(3) الأسبوع من الطواف سبع طوافات والجمع أسبوعات (المجمع).
(4) الدرجات اما درجات ا لقرب المعنوية، أو درجات الجنة لان في الجنة درجات بعضها
فوق بعض كما قال الله تعالى (لهم غرف من فوقها اغرف مبنية) الزمر. 20 (مرآة).
178

ذلك؟ قال: قلت: بلى جعلت فداك فقال عليه السلام: من قضى أخاه المؤمن حاجة كان كمن
طاف طوافا وطوافا حتى عد عشرا، وقال: أيما مؤمن سئل اخوه المؤمن حاجة وهو يقدر على
قضائها ولم يقضها له سلط الله عليه في قبره شجاعا ينهش أصابعه (1).
وعن ابن عباس قال: كنت مع الحسن بن علي عليه السلام في المسجد الحرام وهو
معتكف وهو يطوف حول الكعبة، فعرض له رجل من شيعته فقال: يا ابن رسول الله ان
على دينا لفلان فان رأيت أن تقضيه عنى فقال عليه السلام: ورب هذا البيت ما أصبح وعندي
شئ، فقال: ان رأيت أن تستمهله عنى فقد تهددني بالحبس فقال ابن عباس: فقطع
الامام الطواف وسعى معه فقلت: يا ابن رسول الله ألست (أنسيت) انك معتكف؟ فقال:
بلى (2) (لا) ولكن سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من قضى أخاه
المؤمن حاجة كان كمن عبد الله تسعة آلاف سنة صائما نهاره وقائما ليله.
فصل وإذا عرفت عناية الله بإرادة محبة الاخوان بعضهم لبعض وانه يجب تباذلهم
فيه، فاعلم أن من أفضل الأعمال عند الله ادخال السرور عليهم.
حدث الحسين بن يقطين عن أبيه عن جد، قال: ولى علينا بالأهواز رجل من كتاب
يحيى بن خالد، وكان على بقايا خراج كان فيها زوال نعمتي وخروجي عن ملكي
فقيل لي: انه ينتحل هذا الامر (3) فخشيت ان ألقاه مخافة ان لا يكون ما بلغني
حقا، فيكون فيه خروجي عن ملكي وزوال نعتي فهربت منه إلى الله تعالى وأتيت

(1) قد تقدم في ص 177 معنى النهش والشجاع ذيلا.
(2) اعلم أن قضاء الحاجة من المواضع التي جوز الفقهاء خروج المعتكف فيها عن محل
اعتكافه الا انه لا يجلس بعد الخروج، ولا يمشى تحت الظل اختيارا على المشهور، ولا يجلس تحته
على قول (مرآة).
(3) يق ينتحل مذهب كذا وقبيلة كذا إذا انتسب إليها (المجمع) ومراده بهذا الا مر ولاية
أهل البيت عليهم السلام.
179

الصادق عليه السلام مستجيرا، فكتب إليه رقعة صغيرة فيها بسم الله الرحمن الرحيم ان لله
في ظل عرشه ظلا لا يسكنه الامن نفس عن أخيه كربته أو أعانه بنفسه أو صنع إليه
معروفا ولو بشق تمرة، وهذا أخوك والسلام، ثم ختمها ودفعها إلى وأمرني ان أوصلها
إليه، فلما رجعت إليه، فلما رجعت إلى بلدي صرت ليلا إلى منزله فاستأذنت عليه،
وقلت: رسول الصادق عليه السلام بالباب فإذا أنا به قد خرج إلى حافيا، ومنذ نظرني سلم
على وقبل ما بين عيني، ثم قال: يا سيدي، أنت رسول مولاي؟ فقلت: نعم فقال:
قد أعتقتني من النار ان كنت صادقا، فأخذ بيدي وأدخلني منزله وأجلسني في مجلسه
وقعد بين يدي.
ثم قال: يا سيدي كيف خلفت مولاي؟ فقلت بخير فقال: الله فقلت: الله حتى
أعادها ثلاثا، ثم ناولت الرقعة فقرئها وقبلها ووضعها على عينيه، ثم قال: يا اخى مر
بأمرك قلت: في جريدتك على كذا وكذا الف ألف درهم وفيه عطبي وهلاكي فدعا
بالجريدة فمحى عنى كلما كان فيها وأعطاني براءة منها، ثم دعا بصناديق ماله فناصفني
عليها، ثم دعا بدوا به فجعل يأخذ دابة ويعطيني دابة، ثم دعا بغلمانه فجعل يعطيني
غلاما ويأخذ غلاما، ثم دعا بكسوته فجعل يأخذ ثوبا ويعطيني ثوبا حتى شاطرني (1) في
جميع ملكه ويقول: هل سررتك؟ فأقول: أي والله وزدت على السرور، فلما كان في
الموسم قلت: والله ما كان هذا الفرح يقابل بشئ أحب إلى الله ورسوله من الخروج
إلى الحج والدعا له والمصير إلى مولاي وسيدي الصادق عليه السلام وشكره عنده وأسئله
الدعا له، فخرجت إلى مكة وجعلت طريقي إلى مولاي فلما دخلت عليه رأيت السرور
في وجهه، فقال عليه السلام: ما كان خبرك مع الرجل فجعلت أورد عليه خبري وجعل يتهلل

(1) قد يجئ الشطر بمعنى النصف والجزء ومنه الحديث السواك شطر الوضوء (
المجمع).
180

وجهه ويسر السرور فقلت: يا سيدي هل سررت بما كان منه إلى؟ سره الله في جميع ا موره
فقال عليه السلام: أي والله لقد سرني ولقد سر آبائي، والله لقد سر أمير المؤمنين عليه السلام، والله
لقد
سر رسول الله صلى الله عليه وآله والله لقد سر الله في عرشه (1).
فانظر رحمك الله إلى هذا المؤمن كيف تلقى رسول امامه، وكيف مبالغته في
اكرامه عند مواجهته وسلامه، ثم انظر كيف لم يرض له من الاكرام بدون مشاطرته
في كل ما يملك، وحمله على هذا قوله عليه السلام وهذا أخوك، وحكم الأخوين التسوية في
كل الملك، وقد دل هذا الحديث على أمور: منها ان سرور المؤمن سرور الله تعالى
ورسوله وأئمته، ومنها ان المؤمن إذا احتاج إليه اخوه يساعده بما يقدر عليه حتى
بجاهه ودعائه كما فعل الصادق عليه السلام وقال: أو اعانه بنفسه، ومنها ان الانسان ينبغي له
ان يفرغ في مهماته إلى الله تعالى والى الأبواب إليه وهم آل محمد عليهم
السلام لقول الراوي: فهربت إلى الله والى الصادق عليه السلام ومنها ان ذلك موجب للنجاح
كما رأيت ما حصل له.
وأوحى الله إلى داود عليه السلام: ان العبد من عبادي يأتيني بالحسنة فأبيحه جنتي
فقال داود: يا رب وما تلك الحسنة؟ قال: يدخل على عبدي المؤمن سرورا ولو بتمر ة فقال
داود عليه السلام: حقا على من عرفك ان لا يقطع رجائه منك (2).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيما مؤمن عاد مريضا خاض في الرحمة فإذا قعد عنده
استنقع فيها (3) فإذا عاده غدوة صلى عليه سبعون الف ملك حتى يمسى وإذا عاده عيشة

(1) عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر يقول: قال رسول ا لله (ص): من
سر
مؤمنا فقد سرني ومن سرني فقد سر الله تعالى (الأصول) باب ادخال السرور على المؤمن.
(2) قوله: يدخل يحتمل أن يكون هذا على المثال ويكون المراد كل حسنة مقبولة
كما ورد ان من قبل الله منه عملا واحدا لم يعذبه (مرآة).
(3) استنقع: ثبت وطال مكثه (المجمع).
181

صلى عليه سبعون الف ملك حتى يصبح (1).
وعن أبي عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله تبارك وتعالى: ليأذن بحرب
منى (2) من اذى عبدي المؤمن، وليأمن من غضبى من أكرم عبدي المؤمن، ولو لم يكن في
خلقي من الأرض بين المشرق والمغرب الا مؤمن واحد مع امام عادل لاستغنيت بعبادتهما عن
جميع ما خلقت في ارضى، ولقامت سبع أرضين وسبع سماوات بهما، ولجعلت لهما من
ايمانهما انسا لا يحتاجان إلى انس سواهما.
الخامس عشر رفع اليدين بالدعا كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرفع يديه إذا ابتهل ودعا
كما يستطعم المسكين.
وفيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام: ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل العبد المستصرخ

(1) عن علي بن عقبة عن أبي عبد الله (ع) قال: للمسلم على أخيه المسلم من
الحق: ان يسلم
عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض الحديث (الأصول) باب حق المؤمن على أخيه.
(2) قوله: ليأذن بحرب منى وهذا كما قال الله تعالى (فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب
من الله ورسوله) البقرة: 279 أي فأيقنوا واعلموا بقتال من الله ورسوله، ومعنى الحرب
عداوة الله ورسوله وهذا اخبار بعظم المعصية ويحتمل الخبر أن يكون كناية عن شدة الغضب بقرينة
المقابلة، أو المعنى انه يحاربه أي ينتقم منه في الدنيا والآخرة، أو من فعل ذلك فليعلم أنه
محارب لله، وقيل: الامر بالعلم ليس على الحقيقة بل هو خبر عن وقوع المخبر به على التأكيد:
وبالأمن
من الاخبار عن عدم وقوع ما يحذر منه على التأكيد، والمراد بالمؤمن مطلق الشيعة أو الكامل
منهم كما يومى إليه عبدي، والمراد بالايذاء الذي لم يأمر به الشارع كالأمر بالمعروف والنهى
عن المنكر، والمراد بالاكرام الرعاية والتعظيم خلقا وقولا وفعلا، والمراد بالاستغناء بعبادة
مؤمن واحد مع أنه سبحانه غنى مطلق لا حاجة له إلى عبادة أحد قبول عبادتهما والاكتفاء بهما لقيام
نظام العالم انتهى ملخصا (مرآة) باب من اذى المؤمنين.
182

إلى سيده فإذا فعلت ذلك رحمت وانا أكرم الأكرمين وأقدر القادرين يا موسى سلني
من فضلى رحمتي فإنهما بيدي لا يملكها غيري، وانظر حين تسئلني كيف رغبتك فيما
عندي لكل عامل جزاء وقد يجزى الكفور بما سعى.
وسئل أبو بصير الصادق عليه السلام عن الدعا ورفع اليدين؟ فقال: (على خمسة أوجه):
اما التعوذ فتستقبل القبلة بباطن كفيك، واما الدعا في الرزق فتبسط كفيك وتفضي
بباطنهما إلى السماء، واما التبتل فايمائك بإصبعك السبابة، واما الابتهال فترفع يديك
مجاوزا (تجاوز) بهما رأسك، واما التضرع ان تحرك إصبعك السبابة مما يلي وجهك
وهو الدعا الخيفة (الخفية) (1).
وعن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: مربى رجل وانا
أدعو في صلاتي بيساري فقال: يا (أبا) عبد الله بيمينك فقلت: يا عبد الله ان لله تبارك وتعالى
حقا على هذه كحقه على هذه (2).

(1) الظاهر المراد بالتعوذ التحرز من شر الأعادي، ويمكن تعميمه بحيث يشمل
شر
الأعادي الباطنة أيضا من النفس والشيطان بل من العقوبات الأخروية وهي حالة غاية ا لاضطرار
فان من رأى حجرا أو سيفا أو سنانا يتترس بيديه هكذا عن كرايم بدنه. ويحتمل ان ذ كر
الرزق في الثاني على المثال والتخصيص لكون غالب رغبات عامة الخلق له، وتفضي بباطنهما
إلى السماء أي تجعل باطنهما نحوها، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: مما يلي وجهك ان يستر
وجهه بهما وهو يناسب الخيفة (مرآة).
(2) قوله (ع): بيساري أي برفع يسارى، وكان السائل الجاهل نظر إلى أن اليمين
أشرف وغفل ان لجميع البدن قسطا من العذاب والاستعاذة منه، ولكلها حاجة إلى الرب في
الوجود والبقاء والتربية بل الشمال انسب في هذا المقام إذا كاتب السيئات في جهة الشمال،
والمعاصي كلها تأتى من جهة شمال النفس وهي جهة الميل إلى الشهوات واللذات والأعمال
الدنية الخسيسة ترتكب بها وجوابه (ع) كان بعد الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: في
صلاتي في تعقيب صلاتي (مرآة).
183

وقال (ع): الرغبة تبسط يديك وتظهر باطنهما، والرهبة تبسط يديك وتظهر
ظاهرهما، والتضرع تحرك السبابة اليمنى يمينا وشمالا، والتبتل تحرك السبابة اليسرى
ترفعها إلى السماء رسلا وتضعها رسلا (1) والابتهال تبسط يديك وذراعيك إلى السماء،
والابتهال حين ترى أسباب البكاء.
وعن سعيد بن يسار قال الصادق عليه السلام: هكذا الرغبة وأبرز باطن راحتيه إلى السماء،
وهكذا الرهبة وجعل ظهر كفيه إلى السماء، وهكذا التضرع وحرك أصابعه يمينا وشمالا،
وهكذا التبتل يرفع أصابعه مرة ويضعها أخرى، وهكذا الابتهال ومد يده تلقاء وجهه، وقال:
لا تبتهل حتى ترى (تجرى) الدمعة، وفى حديث آخر الاستكانة في الدعا ان يضع يديه
على منكبيه (2).
تنبيه هذه الهيئات المذكورة: اما لعلة لا نعلمها، أو لعل المراد ببسط كفيه
في الرغبة كونه أقرب إلى حال الراغب في بسط آماله وحسن ظنه بافضاله
ورجائه لنواله، فالراغب يسئل بالآمال فيبسط كفيه لما يقع فيهما من الاحسان -
والمراد في الرهبة بجعل ظهر الكفين إلى السماء كون العبد يقول بلسان الذلة
والاحتقار لعالم الخفيات والاسرار: انا ما أقدم على بسط كفى إليك وقد جعلت وجههما
إلى الأرض ذلا وخجلا بين يديك. والمراد في التضرع فإنها تقلب يديها وتنوح بهما ا قبالا
وادبارا ويمينا وشمالا.
والمراد في التبتل برفع الأصابع مرة ووضعها أخرى بان معنى التبتل الانقطاع
فكأنه يقول بلسان حاله لمحقق رجائه وآماله: انقطعت إليك وحدك لما أنت أهله
من الا لاهية فيشير بإصبعه وحدها من دون الأصابع على سبيل الوحدانية. والمراد
في الابتهال بمد يديه تلقاء وجهه إلى القبلة أو مد يده وذراعيه إلى السماء أو رفع يد يه

(1) الرسل بالكسر: الرفق وبالفتح: السهل من السير (ق).
(2) المنكب بكسر الكاف: مجتمع رأس الكنف والعضد (أقرب).
184

وتجاوز هما رأسه بحسب الروايات انه نوع من أنواع العبودية والاحتقار والذلة والصغار، أو
كالغريق الرافع يديه الحاسر عن ذراعيه المتشبث بأذيال رحمته، والمتعلق بذوائب رأفته التي
أنجت الهالكين أغاثت المكروبين ووسعت العالمين، وهذا مقام جليل فلا يدعيه
العبد الا عند العبرة وتزاحم الأنين والزفرة ووقوفه موقف العبد الذليل واشتغاله بخالقه
الجليل عن طلب الآمال والتعرض للسؤال. والمراد في الاستكانة برفع يديه على
منكبيه انه كالعبد الجاني إذا حمل على مولاه وقد أوثقه قيد هواه وقد تصفد بالاثقال
وناجى بلسان الحال هذه يد أي قد غللتهما بين يديك بظلمي وجرأتي عليك (1).
واعلم أن بعض أهل العلم يقول: ينبغي للداعي إذا مجد الله سبحانه وأثنى عليه
ان يذكر من أسمائه الحسنى ما يناسب مطلوبه، مثلا إذا كان مطلوبه الرزق يذكر من
أسمائه تعالى مثل الرزاق والوهاب والجواد والغنى والمنعم والمفضل والمعطى والكريم

(1) قال في (مرآة) في معنى هذه الألفاظ والهيئات المذكورة: ا لرغبة ونظائره
يحتمل وجهين: الأول أن يكون المعنى انه إذا كان الغالب عليه في حال الدعا الرغبة والرجا
ينبغي ان يفعل هكذا - أي كما ذكر في الرواية - فإنه يظن أن يد الرحمة انبسطت فيبسط
يده ليأخذه، وإذا كان الغالب عليه الخوف وعدم استيهاله للإجابة يجعل ظهر كفيه ا لي السماء
إشارة إلى أنه لكثرة خطاياه مستحق للحرمان.
الثاني أن يكون المعنى انه إذا كان مطلوبه طلب منفعة ينبغي ان يبسط بطن كفيه إلى
السماء وإن كان مطلوبه دفع ضرر وبلاء يخاف نزوله من السماء يجعل ظهرها إليها كأنه يدفعها
بيديه ولا يخفى ان فيما عدا الأولين - أي التضرع والتبتل والابتهال والاستعاذة والمسألة والمراد
بالأولين الرغبة والرهبة - الأول انسب ويمكن المجمع بين المعنيين بحمل الأولين على الثاني
والبقية على الأول ويحتمل حمل الأولين على المطالب الدنيوية وما بعدهما على المناجاة
والمطالب الأخروية. والحمل - وهو قوله: الرغبة تبسط يديك وكذلك نظائره - اما
بتقدير مضاف أي أدب الرغبة مثلا أو هذه الأسماء صوت في عرف الشرع أسماء لتلك ا لافعال
أو اطلق عليها مجازا.
185

والواسع ومسبب الأسباب والمنان ورازق من يشاء بغير حساب وإن كان مطلوبه المغفرة
والتوبة يذكر مثل التواب والرحمن والرحيم والرؤوف والعطوف والصبور والشكور
والعفو والغفور والستار والغفار والفتاح والمرتاح وذي المجد والسماح والمحسن والمجمل
والمنعم والمفضل.
وإن كان مطلوبه الانتقام من العدو يذكر مثل العزيز والجبار والقهار والمنتقم
والبطاش وذي البطش الشديد والفعال لما يريد ومدوح الجبابرة وقاصم المردة
والطالب الغالب المهلك المدرك الذي لا يعجزه شئ والذي لا يطاق انتقامه وعلى
هذا القياس. ولو كان مطلبه العلم يذكر مثل العالم والفتاح والهادي والمرشد والمعز
والرافع وما أشبه ذلك (1).
القسم الثالث في الآداب المتأخرة عن الدعا وهي أمور:
الأول معاودة الدعا وملازمته مع الإجابة وعدمها اما مع الإجابة فلان ترك
الدعا مع الإجابة من الجفاء بل ينبغي المقابلة بتكرار المدحة والثناء لا الله سبحانه
عنف (2) من فعل ذلك في مواضع من القرآن كقوله تعالى (وإذا مس الانسان
ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل) (3) وقال
الله تعالى (وإذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن
لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون) (4).
وعن الباقر عليه السلام: ينبغي للمؤمن أن يكون دعائه في الرخاء نحوا من دعائه في

(1) تأتى معاني أسماء الحسنى في خاتمة الكتاب بتفصيلها
(2) عنفه تعنيفا: لامه وعتب عليه (المجمع).
(3) الزمر: 11.
(4) يونس: 12.
186

الشدة ليس إذا اعطى فتر ولا يمل من الدعا فإنه من الله بمكان (1).
واما مع عدم الإجابة فلانه ربما كان التأخير لان الله سبحانه يحب صوته والاكثار
من دعائه فينبغي له ان لا يترك ما يحبه الله.
أولا تنظر إلى رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: قلت لأبي الحسن: جعلت
فداك انى قد سئلت الله حاجة منذ كذا وكذا سنة، وقد دخل في قلبي من ابطائها شئ فقال
عليه السلام: يا احمد إياك والشيطان أن يكون له عليك سبيل حتى يقنطك ان أبا جعفر عليه السلام
كان يقول: ان المؤمن ليسئل الله حاجة فيؤخر عنه تعجيل اجابته حبا لصوته واستماع
نحيبه، ثم قال: والله ما اخر الله عن المؤمنين ما يطلبون في هذه الدنيا خير لهم مما عجل
لهم فيها وأي شئ الدنيا؟ (2).
وعن الصادق عليه السلام: ان العبد الولي لله يدعو الله في أمر ينويه (به) فقال للملك
الموكل به: اقض لعبدي حاجته ولا تعجلها فانى اشتهى ان أسمع ندائه وصوته، وان
العبد العدو لله ليدعوا الله في أمر ينويه (به) فقال للملك الموكل به: اقض لعبدي
حاجته وعجلها فانى أكره ان اسمع دعائه وصوته قال: فيقول الناس: ما اعطى هذا الا لكرامته
وما منع هذا الا لهوانه (3).

(1) قوله: فإنه من الله بمكان أي بمنزلة عظيمة رفيعة يجب اشتغال عبده المومن
به
في جميع الأحوال (مرآة).
(2) أبو الحسن هو الرضا: وأبو جعفر هو الباقر عليهما السلام قوله: من ابطائها شئ
أي شهبة في وعده تعالى مع عدم الإجابة. أو خفت ان لا أكون مستحقا للإجابة لشقاوتي أو حصول
اليأس من روح الله قوله: أن يكون بدل اشتمال للشيطان قوله (ع): فيأخر عنه على بناء
المعلوم ونسبة التأخير إلى التعجيل مع أن الظاهر نسبته إلى الإجابة اما باعتبار ان المراد
بتعجيل الإجابة اعطاء اثر القبول في الدنيا. أو باعتبار ان المراد بالتأخير المنع، أو
باعتبارهما معا (مرآة).
(3) نابه أمر: اصابه والنائبة: المصيبة قوله: وعجلها أي قد يكون التعجيل لذلك فلا
يعجب المرء بتعجيل ظهور اثر دعائه، ولا يقنط من تأخيره والا فكثيرا ما يظهر اثر
دعاء الأنبياء
والأوصياء والأولياء من غير تأخير لظهور كرامتهم ولكونه معجزا لهم (مرآة).
187

وعنه عليه السلام لا يزال المؤمن بخير ورجاء ورحمة من الله ما لم يستعجل فيقنط
فيترك الدعا فقلت له: كيف يستعجل؟ قال: يقول: قد دعوت الله منذ كذا وكذا ولا أرى
حاجة (1).
وعنه عليه السلام: ان المؤمن ليدعو الله عز وجل في حاجته فيقول عز وجل: أخروا
اجابته شوقا إلى صوته ودعائه، فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى: عبدي دعوتني وأخرت
اجابتك وثوابك كذا وكذا، ودعوتني في كذا وكذا فاخرت اجابتك وثوابك كذا
وكذا قال عليه السلام: فيتمنى المؤمن انه لم يستجب له دعوة في الدنيا مما يرى من حسن
الثواب (2).
وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رحم الله عبدا طلب إلى الله حاجة فالح
في الدعا استجيب له أو لم يستجب له وتلا هذه الآية (وادعو ربى عسى ان لا أكون بدعاء
ربى شقيا) (3).

(1) ينبغي ان لا يفتر الداعي عن الدعا لبطؤ الإجابة فإنه اما أن يكون التأخير
لعدم
المصلحة في هذا الوقت فسيعطى ذلك في وقت متأخر في الدنيا أو سوف يعطى عوضه في الآخرة،
وعلى التقديرين فهو في خير لأنه مشغول بالدعاء الذي هو أعظم العبادات ويترتب عليه اجزل
المثوبات
ورجاء رحمة في الدنيا والآخرة (مرآة).
(2) قوله: شوقا مفعول له لقوله: فيقول وقيل: الشوق إنما يتعلق بشئ أدرك من
وجه ولم يدرك من وجه آخر فان غير المدرك أصلا والمدرك من جميع الوجوه لا يتصور ا لشوق
إليه. فالشوق نقص ممتنع عليه سبحانه وأجيب بان الشوق يستلزم المحبة وإذا نسب إليه سبحانه
يراد به ذلك اللازم - ثم قال: - المحبة أيضا فيه عز وجل مجاز وحاصل الجواب انه سبحانه
يعلم صلاح العبد في تأخير الإجابة وكثرة الدعا فيؤخرها ليكثر دعائه ويثيبه على ذلك انتهى موضع
الحاجة بعد التلخيص (مرآة).
(3) مريم: 40 وقد تقدم في ص 143 روايات الالحاح في الدعا راجع.
188

وعنه عليه السلام: ان الله يحب السائل اللحوح.
وقال كعب الأحبار: في التورية يا موسى من أحبني لم ينسني، ومن رجا معروفي
ألح في مسئلتي يا موسى انى لست بغافل عن خلقي ولكن أحب ان تسمع ملائكتي
ضجيج الدعاء من عبادي وترى حفظتي تقرب بني آدم إلى بما انا مقويهم عليه ومسببه
لهم يا موسى قل لبنى إسرائيل: لا تبطرنكم (1) النعمة فيعاجلكم السلب، ولا تغفلوا
عن الشكر فيقارعكم (2) الذل، والحوا في الدعاء تشملكم الرحمة بالإجابة
وتهنيكم العافية.
وعن الباقر عليه السلام: لا يلح عبد مؤمن على الله في حاجته الا قضاها له (3).
وعن منصور الصيقل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ربما دعا الرجل فاستجيب له ثم
اخر ذلك إلى حين؟ قال: فقال: نعم قلت: ولم ذلك ليزداد من الدعا قال نعم (4).
وعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيستجاب للرجل الدعا ثم
يأخر؟ قال: نعم عشرون سنة (5).
وعن هشام بن سالم عنه عليه السلام: قال كان بين قول الله عز وجل (قد أجيبت دعوتكما) (6).
وبين اخذ فرعون أربعون عاما.

(1) البطر هو كما قيل سوء احتمال الغنى والطغيان عند النعمة (المجمع).
(2) القارعة: البلية التي تقرع القلب بشدة المخافة (المجمع).
(3) قد تقدمت الرواية وشرحها ذيلا في ص 143.
(4) قوله: ربما دعا الرجل فيه تقدير استفهام وثم للتعجب، وكان المراد بالاستجابة
هنا تقديرها وذلك إشارة إلى حصولها وظهور آثارها، وهو والإجابة بمعنى قوله: ليزداد
بتقدير الاستفهام والازدياد لازم قوله: من الدعا من في مقام التميز كقولهم عزمن قائل، وقيل
للسببية أي ليزيد قدرهم ومنزلتهم بسبب الدعا (مرآة).
(5) عدم الذكر الزائد عن العشرين لندرته (مرآة).
(6) يونس: 89.
189

وعن أبي بصير عنه عليه السلام: ان المؤمن ليدعو فيؤخر بإجابته إلى يوم الجمعة (1).
نصيحة: ينبغي للعاقل أن يكون دعاء ولا يقطع الدعا أصلا لوجوه:
الأول لما عرفت من فضيلة الدعا، وانه عبادة، بل هو مخ العبادة (2).
الثاني ان تفوز بمزية تقديم الدعا على البلاء فجاز أن يكون هناك بلاء مقدر
لاتعلمه فيرده الدعاء عنك (3).
الثالث انك إذا أكثرت في الدعا صار صوتك معروفا في السماء فلا يحجب
عند احتياجك إليه (4).
الرابع ان تنال نصيبا من دعائه صلى الله عليه وآله: رحم الله عبدا طلب من الله الخبر (5).
الخامس ان صوتك إن كان محبوبا لله فقد وافقت ارادته سبحانه وفعلت ما يحبه،
وان لم يكن محبوبا (6) أولم تكن للإجابة اهلا فهو كريم رحيم فلعله يرحمك بتكرارك
لدعائه ولا يخيب رجائك لنعمائه وينعش (7) استغاثتك ويجيب دعوتك كيف لا؟
ومناديه في كل ليلة ينادى: هل من داع فأجيبه؟ يا طالب الخير أقبل (8) أو ما ترى إلى
قوله عليه السلام: ومتى تكثر قرع الباب يفتح لك (9).

(1) قوله: إلى يوم الجمعة ليخصه بفضل الدعا يوم الجمعة ويضاعف له فيه (
مرآة)
(2) قد مضت روايته مع شرحها ذيلا في ص 24.
(3) قد تقدم ما يدل على تقديم الدعا من الاخبار في ص 121.
(4) قد ذكر في ص 121 ما يؤيد المتن من الرواية.
(5) قد تقدم في ص 188 هذا الخبر.
(6) قد ذكر في ص 188 رواية دالة على هذه الجملة
(7) وفى الدعا أسئلك نعمة تنعشني بها وعيالي أي ترفعني بها عن مواطن الذل (المجمع)
(8) ان مأتين الجملتين بعض من خبر المتقدم في ص 40.
(9) هذا جزء من الرواية المذكورة في ص 12.
190

وعن النبي صلى الله عليه وآله: ان العبد ليقول: الهم اغفر لي وهو معرض عنه؟ ثم يقول: اللهم
اغفر لي وهو معرض عنه، ثم يقول: اللهم اغفر لي، فيقول (الله) سبحانه للملائكة:
ألا ترون إلى عبدي سئلني المغفرة وانا معرض عنه؟ ثم سئلني المغفرة وانا معرض
عنه، ثم سئلني المغفرة علم عبدي انه لا يغفر الذنوب الا أنا أشهدكم انى قد غفرت له.
السادس ان صوتك على تقدير كونه محبوبا يحبس عنك الإجابة لتداوم فإذا
كنت مداوما لم تبق لحبس الإجابة عنك فائدة لعلمهم باستمرار دعائك، والتأخير إنما
كان لأجل الاستمرار، اللهم الا أن يكون لادخار ما أعده لك من الثواب في يوم الجزاء
والحساب فح يكون فرحك وسرورك أعظم لان ما كان من عطاء الآخرة فهو
دائم وما كان من خير الدنيا فهو منقطع وما أعظم تفاوت ما بين الدائم والمنقطع ان
كنت تعقل!؟.
السابع ان تفوز بمحبة الله تعالى لقوله عليه السلام: ان الله يحب من عباده كل دعاء.
الثامن التأسي بإمامك لقول الصادق عليه السلام: وكان أمير المؤمنين رجلا دعاء.
فان قلت يمنعني عن الدعا ما ذكرت من اشتراط الاقبال بالقلب (1) والانتصاب إلى
مناجاة الرب، وما ذكرت من قوله عليه السلام: لا يقبل الله دعاء قلب لاه (2) وقوله عليه السلام:
لا يقبل الله دعاء قلب قاس (3) وأراني لا يتيسر لي الاقبال في غالب الأحوال، والقساوة
مستولية على قلبي وهي موجبة للبعد عن ربى.
فاعلم انك مع اتصافك بما ذكرت من الأوصاف متى تركت ذلك كان أعون
لعدوك عليك وأحرى (اجرى) لظفره بك وتعينه عليك نفسك الامارة المستوخمة (4).
للدعا المستثقلة للبكاء الميالة إلى الشهوات، وإنما مثلك ومثله كقرينين (قرنين).

(1) إشارة إلى ما تقدم ص 167 في الامر ا لثاني عشر من اقبال القلب عند الدعا.
(2) قد مرت هذه الرواية في ص 167 مع شرحها ذيلا.
(3) قد ذكر هذا الخبر في ص 126 مع معنى القساوة ذيلا.
(4) في الحديث: من أضله الله واعمى قلبه استوخم الحق أي استثقله فلم يستعذبه وصار الشيطان
وليه (المجمع).
191

تصاولا (1) فإذا عرفت من نفسك الكسل والجبن عن محاربته فإياك إياك ان تلقاه مع
ذلك بغير سلاح فإنه ينتهز فرصة الظفر بك ويصرعك لا محالة بل تسلح وتجلد وأظهر
له انك قادر على قتاله غير مول عنه فلعله يجبن فيولى عنك فيسلم، أو لعلك إذا تجلدت
قوى قلبك ونشطت نفسك وذهب عنك ما كنت تجده من التكاثل والتخاذل، أو لعلك
إذا فعلت ذلك رحمك الله فأيدك بنصره.
ولهذا السر سماه النبي صلى الله عليه وآله بالسلاح حيث يقول: الا أدلكم على سلاح ينجيكم
من أعدائكم ويدر أرزاقكم قالوا، بلى يا رسول الله قال: تدعون ربكم بالليل والنهار
فان سلاح المؤمن الدعا (2).
واعلم أن أعدائك أربعة: الهوى، والدنيا، والشيطان، ونفسك الامارة، وهذه
الأربعة مجموعة في دعائهم عليهم السلام (فيا غوثاه ثم وا غوثاه بك يا الله من هوى قد
غلبني، ومن عدو استكلب على، ومن دنيا قد تزينت لي، ومن نفس امارة بالسوء الا ما
رحم ربى) فانظر إلى هذا الدعا كيف خرج عند ذكر هؤلاء مخرج الاستغاثة، ولا تكون
الاستغاثة ابدا الا ممن يخاف على نفسه من أشد الأعداء القهر والابتلاء، ومن استسلم
في قبض عدوه هلك لا محالة، فعليك بالدعا والتضرع وان لم يكن لك اقبال،
ولا تنتظر خلو البال فان ذلك قليل الوجود عزيز المثال، فادع كيفما أمكنك وعلى
كل حال فان مجرد الدعا وذكر الله سبحانه مطردة للشيطان عنك.
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله: على كل قلب جاثم من الشيطان فإذا ذكر اسم الله
خنس الشيطان وذاب، وإذا ترك الذكر التقمه الشيطان فجذبه وأغواه واستزله وأطغاه (3).

(1) تصاولا: تواثبا (أقرب).
(2) قد تقدم ذكر هذا الخبر مع مع معنى بعض جملاته ذيلا في ص 12.
(3) وستطلع على فضيلة الذكر ورواياته بتفضيلها في باب الخامس، جثم: لزم مكانه
فلم يبرح فهو جاثم. قوله: الوسواس الخناس يعنى الشيطان لأنه يخنس إذا ذكر الله أي يذهب
ويستر (المجمع).
192

وكم نشرع في الدعاء بالتكلف من غير اقبال ويكون آخره البكاء والابتهال
والالحاح في السؤال، بل ترك الدعا والسؤال مقس للقلب ومظلم له حتى لا يكاد على
طول تركه تميل النفس إليه أصلا، وإذا اعتيد ألفته وعشقته وعاد هواها ومشتهاها.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: الخير عادة.
وكثيرا ما نرى من تتوق (1) نفسه في أوقات إلى البكاء والدعا كما تتوق نفس
المريض إلى العافية والشفاء، والعطشان إلى لذيذ الشراب والماء، وإذا جلس متخليا
بربه يلقى ذلك راحة لنفسه، وفراغا لسره وراحة لعقله، وطمأنينة لقلبه، ونورا مشرقا
قد جلله، وتاج تكلله، وصار جليسا لربه، ومحادثا لخالقه ومقترحا على رازقه.
ومناديا لمالك دار الفناء ودار البقاء ومشرفا بحضرة سلطان السماء.
سئل الصادق عليه السلام: ما بال المجتهدين (المجتهدين) انهم من أحسن الناس وجها؟
قال: لأنهم خلوا بالله سبحانه فكساهم من نوره.
عن الصادق عن أبيه الباقر عليهما السلام قال: كان فيما أوحى الله إلى موسى بن عمر ان
عليه السلام: كذب من زعم أنه يحبني فإذا جنه الليل نام، يا بن عمران لو رأيت الذين يصلون
لي في الدجى وقد مثلت نفسي بين أعينهم يخاطبوني وقد جليت عن المشاهدة، وتكلموني
وقد عززت عن الحضور، يا بن عمران هب لي من عينيك الدموع من قلبك الخشوع
ومن بدنك الخضوع، ثم ادعني في ظلم الليالي تجدني قريبا مجيبا.
وعن علي بن محمد النوفلي قال: سمعته عليه السلام: يقول: ان العبد ليقوم في الليل
فيميل به النعاس يمينا وشمالا وقد وقع ذقنه على صدره فيأمر الله أبواب السماء فتفتح،
ثم يقول للملائكة انظروا إلى عبدي ما يصيبه من (في) التقرب إلى بما لم افترضه
عليه راجيا منى ثلاث خصال: ذنب اغفر له، أو توبة أجددها له، أو رزقا أزيده فيه اشهدوا

(1) تاق يتوق إليه: اشتاق إليه (أقرب).
193

يا ملائكتي انى قد جمعتهن له (1).
وقال الصادق عليه السلام يوما للمفضل بن صالح: يا مفضل ان لله عبادا عاملوه بخالص
من سره فعاملهم بخالص من بره فهم الذين تمر صحفهم يوم القيامة فرغا، وإذا وقفوا
بين يديه تعالى ملأها من سر ما أسروا إليه فقلت: يا مولاي ولم ذلك؟ فقال: اجلهم ان
تطلع الحفظة على ما بينه وبينهم.
يا هذا لا تغفل عن هذه المقامات الشريفة التي هي أنفس من الجنة كيف لا؟ وهي
السبب في الوصول إليها، والى ما هو أكبر منها انها سبب لرضوان الله (رضي الله عنهم
ورضوا عنه) (2) (ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم) (3).
وفى حديث القدسي عبادي الصديقين تنعموا بعبادتي في الدنيا فإنكم بها
تتنعمون في الجنة.
وقال سيد الأوصياء عليه السلام: الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنة فان الجلسة
فيها رضى نفسي والجامع فيها رضى ربى.
وقيل لراهب: ما أصبرك على الوحدة؟ قال: انا جليس ربى إذا شئت ان يناجيني
قرئت كتابه، وإذا شئت ان أناجيه صليت.
وعن العسكري عليه السلام: من انس بالله استوحش من الناس، وعلامة الانس بالله
الوحشة من الناس (4).
أولا تنظر إلى ما وصفه ضرار بن ضمرة الليثي؟ من مقامات سيد الأوصياء عليه السلام حين
دخل على معاوية (لعنة الله) فقال: صف لي عليا فقال: أو تعفيني من ذلك؟ فقا ل: لا أعفيك

(1) قد تقدم في ص 43 ما بمضمونه يؤيد هذه الرواية وعنده يذكر ذيلا معنى
مباهات الله
تعالى الملائكة.
(2) المائدة: 120.
(3) التوبة: 73.
(4) وفى الحديث: ان أوحشتهم الغربة انسهم ذكرك أي سرهم ذكرك (المجمع).
194

فقال: كان والله بعيد المدى (1) شديد القوى يقول: فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم
من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس
بالليل ووحشته، وكان والله غزير العبرة (2) طويل الفكرة يقلب كفيه ويخاطب نفسه
ويناجي ربه، يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جش (3) كان والله فينا كأحدنا
يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه، وكنا مع دنوه منا وقربنا منه لا نكلمه لهيبته ولا نرفع
أعيننا إليه لعظمته، فان تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين ويحب المساكين
لا يطمع القوى في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله.
وأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله (4) وغارت نجومه
وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم (5) ويبكى بكاء الحزين،
فكأني الآن أسمعه وهو يقول: يا دنيا يا دنيا أبى تعرضت أم إلى تشوقت؟ هيهات هيهات
(لا حان حينك) غرى غيري لا حاجة لي فيك قد طلقتك ثلاثا لا رجعة (لي فيك) فيها،
فعمرك قصير وخطرك يسير وأملك حقير آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق
وعظيم المورد فوكفت دموع معاوية (لعنة الله) على لحيته فنشفها بكمه واختنق
القوم بالبكاء، ثم قال: كان والله أبو الحسن كك، فكيف كان حبك إياه؟ قال: كحب أم موسى

(1) المدى بفتحتين: الغاية والنهاية، ومنه الحديث من أوصى بثلث ماله فقد بلغ
المدى (المجمع).
(2) العبرة بالفتح فالسكون: تحلب الدمع، أو تردد البكاء في الصدر ج عبرات (المجمع).
(3) في الحديث كان رسول الله (ص) يأكل الجشب - هو بفتح الجيم وسكون الشين -
الغليظ الخشن (المجمع).
(4) أرخيت الستر: أرسلته. السدول جمع سدل - بفتحتين - هو ما أسبل على الهودج
(پرده) (المجمع).
(5) يتململ على فراشه إذا لم يستقر من الوجع (ص) السليم: اللديغ أو الجريح الذي
أشرف على الهلاك (المجمع).
195

لموسى وأعتذر إلى الله من التقصير قال: فكيف صبرك عنه يا ضرار؟ قال: صبر من ذبح
ولدها على صدرها فهي لا ترقئ (1) عبرتها ولا تكن حرارتها (2) ثم قام وخرج وهو باك
فقال: معاوية: أما انكم لو فقدتموني لما كان فيكم من يثنى على من هذا الثناء فقال له بعض
من كان حاضرا: الصاحب على قدر صاحبه.
الثاني من الآداب المتأخرة عن الدعا: ان يمسح الداعي بيديه وجهه.
روى ابن القداح عن الصادق عليه السلام قال: ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار
الا استحيى الله عز وجل ان يردها صفرا، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح على
وجهه ورأسه (3).
وعن الباقر عليه السلام: ما بسط عبد يده إلى الله عز وجل الا استحيى الله ان يردها صفرا حتى
يجعل فيها من فضله ورحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح بها على ر أسه
ووجهه (4) وفى خبر آخر على وجهه وصدره.
وفى دعائهم عليهم السلام: ولم ترجع بد طالبة صفرا من عطائك ولا خائبة من نحل هباتك.
الثالث: ان يختم دعائه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله (وآله).

(1) رقأ الدمع رقاء: جف وسكن (ق).
(2) كن العلم كنا: اسره (أقرب).
(3) قوله: استحيى الحياء انقباض النفس عن القبيح خوفا من الذم وإذا نسب إليه تعالى
يراد به الترك اللازم للانقباض. قوله: صفرا لشئ بالكسر: خلا والمصدر صفر بالتحريك
ويستوى فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع، وفيه اشعار بأنه تعالى اما يستجيب هذه الحاجة
ان علم صلاحه فيه أو يجعل في يده ما هو خير له من تلك الحاجة ويدل الحديث على
استحباب مسح الرأس والوجه باليدين بعد رفعهما بالدعاء، وقد ورد النهى عنه في صلاة الفريضة
فهو محمول على غيره (مرآة).
(4) هذا الحديث كسابقه مضمونا وتقدم معناه ذيلا.
196

لقول الصادق عليه السلام: من كان له إلى الله حاجة فليبدء بالصلاة على محمد وآله صلى الله عليه وآله،
ثم يسئل حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد وآله، فان الله عز وجل أكرم من أن يقبل
الطرفين ويدع الوسط إذ كانت الصلاة على محمد وآله لا تحجب عنه (1).
الرابع: ان يعقب دعائه بما روى. عن الصادق عليه السلام إذا دعا الرجل فقال بعدما
يدعو (ما شاء الله لا قوة الا بالله العلي العظيم) قال الله: استبتل عبدي واستسلم لأمري
اقضوا حاجته.
وفى خبر آخر عن علي أمير المؤمنين عليه السلام: من أحب ان يجاب دعائه فليقل
بعد ما يفرغ (ما شاء الله استكانة لله ما شاء الله تضرعا إلى الله ما شاء الله توجها إلى الله ما شاء
الله لاحول
ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
الخامس: أن يكون بعد الدعا خيرا منه قلبه فان الذنوب الواقعة بعد الدعا ربما
منعت من تنفيذه أولا تسمع ما في دعائهم؟ (وأعوذ بك من الذنوب التي ترد الدعاء وأعوذ بك
من الذنوب التي تحبس القسم).
روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: اتقوا الذنوب فإنها ممحقة للخيرات
ان العبد ليذنب الذنب فينسى به العلم الذي كان قد علمه، وان العبد ليذنب الذنب
فيمتنع به من قيام الليل، وان العبد ليذنب الذنب فيحرم به الرزق (2) وقد كان
هينا له، ثم تلا هذه (انا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة) إلى آخر الآيات (3).

(1) قوله لا تحجب عنه أي هي مرفوعة إلى الله مقبولة ابدا لا يحجبها ويمنعها عن
القبول
شئ، ويدل الحديث على استحباب افتتاح الدعا واختتامه بالصلوات على محمد وآله (مرآة).
وقد مرت روايات الصلوات في ص 149 بتفصيلها وذكرنا في ص 153 سبب حجب الدعاء بدون
الصلاة عليهم ذيلا راجع.
(2) قد يكون تقتير الرزق بسبب الذنب أو لتكفير ذنبه، وليس هذا كليا بل هو بالنسبة
إلى غير المستدرجين فان كثيرا من أصحاب الكباير يوسع عليهم الرزق (مرآة) وستطلع على
اقسام الذنوب وعقوباتها وآثارها عن قريب.
(3) القلم: 17.
197

وروى في زبور داود عليه السلام يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم تسئلني وأمنعك
لعلمي بما ينفعك، ثم تلح على بالمسألة فأعطيك ما سئلت فتستعين به على معصيتي
فأهم بهتك سترك فتدعوني فأستر عليك، فكم من جميل أصنع معك وكم من قبيح تصنع
معي! يوشك ان أغضب عليك غضبة لا أرضى بعدها ابدا (1).
وفيما أوحى إلى عيسى عليه السلام: ولا يغرنك المتمرد على بالعصيان يأكل رزقي
ويعبد غيري ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه، ثم يرجع إلى ما كان عليه فعلى يتمرد
أم لسخطي يتعرض؟ فبي حلفت لآخذنه أخذة ليس منها منجا، ولا دوني ملجأ أين يهرب؟
من سمائي وارضى.
عن أبي جعفر عليه السلام: ان العبد ليسئل الله تعالى حاجة من حوائج الدنيا فيكون
من شأن الله تعالى قضائها إلى أجل قريب، أو بطئ فيذنب العبد عند ذلك الوقت
ذنبا فيقول للملك الموكل بحاجته: لا ينجزها فإنه قد تعرض لسخطي وقد استوجب الحرمان
منى (2).

(1) عن ابن بكير عن عبد الله (ع) قال: من هم بسيئة فلا يعملها فإنه ربما عمل العبد
السيئة فيراه الرب فيقول: وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعد ذلك ابدا. قوله: السيئة أي نوعا
من السيئة تكون مع تحقيرها والاستهانة بها أو غير ذلك. قوله: لا اغفر لك أي يستحق لمنع اللطف
وعدم التوفيق للتوبة ولا يستحق المغفرة وفيه تحذير عن جميع السيئات فان كل سيئة يمكن أن تكون
هذه السيئة (مرآة) باب الذنوب.
(2) قال في (مرآة): لا يقال: هذا ينافي ما في بعض الروايات من أن العاصي إذا دعاء
اجابه بسرعة كراهة صوته وهي تناسب سرعة الإجابة، فربما ينظر إلى الأول - أي التعر ض
لسخطه - فلا يجيبه، وربما ينظر إلى الثاني - أي الكراهية لاستماع صوته - فيجيبه وليس في
الاخبار ما يدل على أن العاصي يجاب دائما، ولو سلم لا مكن حمل هذا الخبر على أن ا لمؤمن
الصالح إذا أذنب وتعرض لسخط ربه استوجب الحرمان ولا يقضى الله حاجته تأديبا له لينزجر
عما يفعله.
198

فصل واعلم أنه قد ورد في أدعيتهم عليهم السلام الاستعاذة من أنواع الذنوب
وقد ورد تفسيرها عن مولانا زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام فقال: ان الذ نوب
التي تغير النعم: البغى على الناس (1) والزوال عن العادة في الخير، واصطناع المعروف (2)
وكفران النعم، وترك الشكر قال الله تعالى (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (3).
والذنوب التي تورث الندم: قتل النفس التي حرم الله قال الله تعالى في قصة قابيل حين قتل أخاه
فعجز عن دفنه (فأصبح من النادمين) (4) وترك صلة الرحم حين يقدر، وترك الصلاة
حتى يخرج وقتها، وترك الوصية ورد المظالم، ومنع الزكاة حتى يحضر الموت وينغلق
اللسان. والذنوب التي تزيل النعم: عصيان المعارف، والتطاول على الناس، والاستهزاء
بهم، والسخرية منهم والذنوب التي تدفع القسم: اظهار الافتقار، والنوم عن صلاة
العتمة (5) وعن صلاة الغداة، واستحقار النعم. والشكوى (على) المعبود عز وجل
والذنوب التي تهتك العصم: شرب الخمر، ولعب القمار، وتعاطى ما يضحك الناس،
واللغو، والمزاح، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب. والذنوب التي تنزل
البلاء: ترك إغاثة الملهوف، وترك إعانة (معاونة) المظلوم، وتضييع الامر بالمعروف
والنهى عن المنكر
والذنوب التي تديل الأعداء، المجاهرة بالظلم، واعلان الفجور، وإباحة المحظور،
وعصيان الأخيار، والانقياد إلى الأشرار. والذنوب التي تعجل الفناء: قطيعة الرحم،

(1) حمل البغى على الذنوب باعتبار كثرة افراد وكذلك نظائره، والبغي في اللغة
تجاوز الحد ويطلق غالبا على التكبر والتطاول وعلى الظلم قال تعالى (يبغون في الأرض بغير
الحق) الشورى: 42 وعنه (ع) ولو بغى جبل على جبل لهد الله الباغي (مرآة).
(2) الاصطناع افتعال من الصنعة وهي: العطية والكرامة والاحسان (المجمع).
(3) الرعد 12.
(4) المائدة 34.
(5) العتمة هي بفتحتين: وقت صلاة العشاء (المجمع).
199

واليمين الفاجرة والأقاويل الكاذبة، والزنا، وسد طرق المسلمين، وادعاء الإمامة بغير
حق. والذنوب التي تقطع الرجا: اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، وا لثقة
بغير الله تعالى، والتكذيب بوعد الله. والذنوب التي تظلم الهواء: السحر، وا لكهانة،
والايمان بالنجوم، والتكذيب ب (وعد الله) القدر وعقوق الوالدين. والذنوب التي تكشف
الغطاء: الاستدانة بغير نية الأداء، والاسراف في النفقة، والبخل على الأهل والأولاد
وذوي الأرحام، وسوء الخلق، وقلة الصبر، واستعمال الضجر والكسل، والاستهانة (الا هانة)
ب (ل) أهل الدين. والذنوب التي ترد الدعا: سوء النية، وخبث السريرة، والنفاق
مع الاخوان، وترك التصديق بالإجابة، وتأخير الصلوات المفروضة حتى تذهب أوقاتها.
(والذنوب التي تحبس غيث السماء: جور الحكام في القضاء، وشهادة الزور، وكتمان
الشهادة، ومنع الزكاة والقرض والماعون (1) وقساوة القلب على أهل الفقر
والحاجة، وظلم اليتيم والأرملة (2) وانتهار السائل ورده بالليل) نعوذ بالله من ذلك كله
بلطفه وكرمه.
فصل في المباهلة (3): اما وقتها فيتوخى المروى ان أمكن.
وهو ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: الساعة التي تباهل فيها
ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
واما كيفيتها فما رواه محمد بن أبي عمير عن محمد بن حكيم عن أبي مسروق
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت انا نكلم الناس فنحتج عليهم بقول الله تعالى (أطيعوا

(1) الماعون اسم جامع لمنافع البيت كالقدر والدلو والملح والسراج والخمرة
ونحو
ذلك مما جرت العادة بعاريته واصل الماعون معونة والألف عوض الهاء المحذوفة (ا لمجمع).
(2) الأرامل: المساكين من رجال ونساء والواحد أرمل وأرمله (المجمع).
(3) المباهلة: الملاعنة وهوان يجتمع القوم إذا اختلفوا في شئ فيقولون: لعنة الله على
الظالم منا (مرآة).
200

الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم) فيقولون: نزلت في امراء السرايا (1) فنحتج
عليهم بقول الله (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة) (2).
الخ فيقولون: نزل في المؤمنين، فنحتج عليهم بقول الله تعالى (قل لا أسئلكم عليه اجرا
الا المودة في القربى) (3) فيقولون: نزلت في القربى المسلمين قال: فلم ادع شيئا مما
حضرني ذكره الا ذكرته له فقال عليه السلام: لي إذا كان لكم ذلك فادعهم إلى المباهلة قلت:
وكيف أصنع؟ فقال: أصلح نفسك ثلاثا، وأظنه قال: صم واغتسل، وابرز أنت وهو إلى
الجبان فشبك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه، وابدء بنفسك فقل: (اللهم رب
السماوات والأرض ورب الأرضين السبع عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم إن كان
مسروق جحد حقا وادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما) ثم رد
الدعوة فقل: (وإن كان فلان جحد حقا وادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء
أو عذابا أليما) ثم قال لي: فإنك لا تلبث ان ترى ذلك فيه فوالله ما وجدت خلقا
يجيبني إليه.

(1) النساء: 58. السرية: طايفة من الجيش يبلغ أقصاها أربع ماء ة تبعث إلى
العدو وجمعها
السرايا سموا بذلك لأنهم يكون خلاصة العسكر وخيارهم، من الشئ السرى النفيس. قوله:
أصلح نفسك ثلاثا أي ثلاث ليال بأيامهن، والاصلاح بالتوبة والاستغفار والدعاء والاشتغال بالأعمال الصالحة
ولخصوص الثلاثة مدخلا عظيما في ذلك كما اعتبرت في أقل الاعتكاف، والكفارات
وصوم الحاجة، والاستسقاء وغيرها قوله: وأظنه قال: صم واغتسل أي صم في الأيام الثلاثة
واغتسل على المقبرة. قوله: يجيبني إليه أي يرضى بان يباهلني لخوفهم على أنفسهم وعلمهم أو
ظنهم باني
على الحق كما امتنع نصارى نجران عن المباهلة لذلك (مرآة) بعد التلخيص.
(2) المائدة 60.
(3) الشورى: 22.
201

وعن ابن عباس فشبك أصابعك في أصابعه وحل، ثم تقول (اللهم إن كان فلان
جحد حقا أو أقر بباطل فأصبه بحسبان من السماء أو بعذاب اليم من عندك وتلا عنه
سبعين مرة.
خاتمة وإذا قد عرفت الشرايط المتقدمة والمقارنة والمتأخرة، ومن جملتها
اخفاء الدعاء والاسرار به (1) وهو سلطان الآداب وحافظها لان به يتحفظ من عدو
الأعمال وما حقها، وجاعلها هباء بل جاعلها وبالا وهو الرياء، فليته إذا فاته الثواب
سلم من العقاب، ويضاهيه في الآفة العجب فإنه يحبط العمل ويوجب المقت فهنا قسمان:
الأولى الرياء (2) وحقيقته التقرب إلى المخلوقين باظهار الطاعة وطلب المنزلة

(1) قد مضى في ص 143 الاسرار بالدعاء ورواياته.
(2) اعلم أن الرياء من الرؤية واصله طلب المنزلة في قلوب الناس بارائتهم خصال
الخير، والمرائي به كثيرة يجمعها خمسة أقسام: وهي ما يتزين العبد به للناس، وهو البدن،
والزي، والقول، والعمل، والاتباع والأشياء الخارجة.
والرياء في الدين من جهة البدن، وذلك باظهار النحول والصغار ليوهم بذلك شدة
الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة خوف الآخرة - ونحوها - واما أهل الدنيا فيرائون
باظهار السمن وصفاء اللون واعتدل القامة.
والرياء بالزي والهيئة - لأهل الدين - بتشعث شعر الرأس وحلق الشارب واطراق
الرأس في المشي وابقاء اثر السجود على الوجه - ونحوها - واما أهل الدنيا فريائهم بالثياب
النفيسة وأنواع التوسع.
والرياء بالقول لأهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة وحفظ الاخبار والآثار
لأجل الاستعمال في المحاورة - وأمثالها - واما أهل الدنيا فمراياتهم بالقول بحفظ الا شعار
والأمثال والتفاصح في العبارات - ونظائرها -
والرياء بالعمل لأهل الدين كرياء المصلى بطول القيام واطراق الرأس وتسوية
القدمين والوقار في الكلام - ونحوها - واما أهل الدنيا فريائهم بالتبختر
والاختيال وتحريك
اليدين - وأمثالها -.
والمراياة بالاتباع والأصحاب لأهل الدين كالذي يتكلف ان يزور عالما ليقال:
ان فلانا زار فلانا أو عابدا من العباد لذلك - وغير ذلك - وأهل الدنيا من يقصد التوصل
بذلك إلى جمع حطام الدنيا وكسب مال ولو من الأوقاف وأموال اليتامى هذا ملخص الكلام
ومن أراد تفصيله ومزيد الاطلاع يرجع باب الرياء من (مرآة).
202

في قلوبهم، والميل إلى (اعطائهم) اعظامهم له وتوقيرهم إياه، واستجلاب تسخيرهم
لقضاء حوائجه، والقيام بمهماته، وهو الشرك الخفي.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى صلاة يرائي بها فقد أشرك (1) ثم قرء هذه الآية (قل
إنما انا بشر مثلكم يوحى إلى إنما إلهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل
عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) (2).
وعنه عليه السلام قال: يقول الله سبحانه: انا خير شريك، ومن أشرك معي شريكا في
عمله فهو لشريكي دوني لأني لا أقبل الا ما خلص لي (3) وفى حديث آخر انى أغنى
الشركاء فمن عمل عملا، ثم أشرك فيه غيري فأنا منه برئ، وهو للذي أشرك به دوني.
وقال صلى الله عليه وآله: ان لكل حق حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحب
أن يحمد على شئ من عمل الله
فاعلم أن الاسرار كما ندب إليه في الابتداء كك ندب إليه فيما بعد الدعاء فعليك
ببقائه على اخفائه، ولا تمحقه باعلانه، وتوخ الخلوة (4) عن الناس فإنها عون عظيم

(1) هذا هو الشرك الخفي فإنه لما أشرك في قصد العبادة غيره تعالى فهو بمنزلة
من
أثبت معبودا غيره سبحانه كالصنم (مرآة).
(2) مريم: 110.
(3) قوله: أنا خير شريك لأنه سبحانه غنى لا يحتاج إلى الشركة فلا يقبل العمل المخلوط
لرفعته وغناه والاستثناء في قوله الا ما خلص منقطع (مرآة).
(4) الوخى: القصد.
203

على ذلك وان كنت مع الناس ترى نفسك أيضا مخلصا لا يشوبك شائبة قط فذلك أعلى
درجات المخلصين ان يستوى غيبة الخلق وحضورهم عنده، وإنما يتم ذلك بحقيقة
المعرفة بالله وبالخلق، وشرف النفس وعلو الهمة، فاستوى عنده وجودهم وعدمهم.
ولعل إلى هذا أشار صلى الله عليه وآله بقوله: يا أبا ذر لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس أمثال
الأباعر فلا يحفل بوجودهم (1) ولا يغيره ذلك كما لا يغيره وجود بعير عنده هكذا قيل، وتمام
الخبر يدل على معنى آخر، وهو ان المراد بذلك وضع النفس لان تمام الخبر: ثم يرجع
إلى نفسه فيكون أعظم حاقر لها.
ومثل هذا ما حدثني به بعض أصحابنا ان الله سبحانه أوحى إلى موسى عليه السلام:
إذا جئت للمناجاة فاصحب معك من تكون خيرا منه، فجعل موسى لا يعترض (يعرض)
أحدا الا وهو لا يجسر (يجترئ) ان يقول: انى خير منه، فنزل عن الناس وشرع في أصناف
الحيوانات حتى مر بكلب أجرب (2) فقال: أصحب هذا فجعل في عنقه حبلا ثم مر
(جر) به فلما كان في بعض الطريق شمر الكلب من الحبل وأرسله، فلما جاء إلى مناجاة
الرب سبحانه قال: يا موسى أين ما أمرتك به؟ قال: يا رب لم أجده فقال الله تعالى: وعزتي
وجلالي لو أتيتني بأحد لمحوتك من ديوان النبوة (3).
توضيح وتقسيم: خطرات الرياء ثلاثة:
الأول ما يدخل قبل العمل فيبعث على الابتداء لرؤية المخلوقين، وليس له
باعث الدين فهذا يجب أن يترك لأنه معصية لاطاعة فيها أصلا، وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه وآله

(1) الأباعر جمع البعير. يقال: ما احفل بفلان أي ما أبالي به (أقرب).
(2) الجرب بالتحريك داء معروف فهو اجرب (المجمع).
(3) يأتي عن قريب ما يؤيد بمضمونه ما يستفاد من هذا الحديث من الروايات المذكورة
في فصل العجب.
204

الرياء شرك (1) (خفى) فان قدر الانسان على أن يدفع عن نفسه باعث الرياء
ويستنخر (2) النفس بالعمل لله تعالى عقوبة للنفس على خاطر الرياء وكفارة عليه فليشغل
بالعمل، والا فالترك أسلم.
الثاني أن ينبعث العزم على العمل لله تعالى لكن يعترض مع عقد العبادة في
أولها فلا ينبغي أن يترك العمل لأنه وجد باعثا دينيا فليشرع في العمل وليجاهد نفسه
في دفع الرياء وتحصيل الاخلاص بالمعالجة التي نذكرها فيما يأتي، ولان في ترك
العمل موافقة للشيطان وسرورا له وهذا كان مقصوده باعتراضه لك فيكون قد حصلت له
مقصوده، وأظفرته بمقترحه ومراده.
الثالث ان يعقد على الاخلاص قلبه ثم يطرء الرياء ودواعيه، فينبغي أن يجاهد
في الدفع ولا يترك العمل لكن يرجع إلى عقد الاخلاص ويرد نفسه إليه برادع العقل
والدين حتى يتم العمل لان الشيطان يدعو أولا إلى ترك العمل فإذا لم تجب ودفعته
واشتغلت به فيدعوك إلى الرياء، وإذا لم تجب ودفعته يقول لك: هذا العمل ليس بخالص
وأنت مرائي، وتعبك ضايع فأي فايدة لك في عمل لا اخلاص فيه؟ وان كل عمل ليس
بخالص وبال على صاحبه وتركه أنفع ويزين لك تركه مثل هذه الأقوال، ويدخل عليك
بهذا المثال (المقال) حتى يحملك بذلك على ترك العمل فإذا تركته فقد حصلت غرضه.
ومثال من يترك العمل خوفا من الرياء كمن سلم إليه مولاه حنطة فيها قليل من المباين
اما شعير أو مدر وقال: خلصها من التراب مثلا ونقها منه تنقية جيدة بالغة فيترك أصل العمل
ويقول: أخاف ان اشتغلت به ألا يخلص خلاصا صافيا فيترك العمل من أصله، ومن هذا القبيل من
يترك العمل خوفا من الناس ان يقولوا: انه مرائي وهذا رياء خفى لأنه يدفع عن نفسه بترك العمل

(1) ولعل هذا إشارة إلى ما يستفاد من الرواية المتقدمة في الفصل ا لسابق وهو
قوله
(ص) من صلى صلاة يرائي بها الحديث. وعن أبي عبد الله (ع) في حديث كل رياء شرك
(الأصول) باب الرياء.
(2) نخر الحالب الناقة: ادخل يده في منخرها ودلكه لتدر أي لتحلب (أقرب).
205

مذمة الناس له، فهو كمن ينبعث على العمل لئلا يقولوا: انه بطال، وما عليه من قولهم؟
بل هذا أبلغ في ثوابه فيكون كاخفائه واحتجابه (1) بل إذا وصل إلى كونهم رموه بذ لك
ولم يثبتوا له عملا بل ازرئو (2) عليه في ذلك العمل كان مجهولا عندهم ومعروفا في
السماء فينال نصيبا من وصفه عليه السلام: أحب العباد إلى الله الأتقياء الأخفياء الذين إذا
ذكروا لم يعرفوا، ويكون كمن عمل في السر ولم يطلعوا عليه، وإنما هذا الخيال
من مكائد الشيطان وله فيه مصايد (3).
الأول انه أساء الظن بالمسلمين وما كان من حقه أن يظن بهم ذلك (4)
الثاني انه يوقعه في الرياء الذي فر منه إن كان الامر كما ظن، والا فلا يضره قولهم
وتركه العبادة وحرمانه ثوابها خوفا من قولهم: انه مراء وهو بعينه الرياء، فلو لا حبه
لمدحهم، وخوفه في ذمهم والا فما له ولقولهم؟ قالوا: انه مراء أو مخلص، وأي فرق

(1) ويؤيده ما ذكر في ص 143 من فضيلة اسرار الدعاء واخفائها من الروايات.
(2) الازراء: التهاون بالشئ (ص).
(3) المصيدة بكسر الميم وسكون الصاد والمصيد بحذف الهاء أيضا: آلة الصيد ج: مصايد
(المجمع).
(4) عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين في كلام له: ضع أمر أخيك على أحسنه
حتى يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملا
قال في (مرآة): قوله ضع أمر أخيك أي احمل ما صدر عن أخيك من قول أو فعل على أحسن
محتملاته وإن كان مرجوعا من غير جسس حتى يأتيك منه أمر لا يمكنك تأويله فان الظن
قد يخطى، والتجسس منهى عنه كمال قال تعالى (ان بعض الظن اثم) وقال (لا تجسسوا)،
الحجرات:
12 - ثم قال - اعلم أنه كما يحرم على الانسان سوء القول في المؤمن كذلك يحرم عليه سوء
الظن وان يحدث نفسه بذلك والمراد من سوء الظن المحرم عقد القلب وحكمه عليه بالسوء
من غير يقين، واما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه كما أن الشك أيضا كك انتهى موضع
الحاجة ملخصا (مرآة).
206

بين أن يترك العمل خوفا من أن يقولوا: انه مراء، وبين أن يحسن العمل خوفا من
أن يقولوا: انه غافل مقصر؟.
الثالث طاعة الشيطان فيما دعا إليه وحصول سرور له لان همه أن يطاع.
واعلم أن للنفس هنا مكيدة خبيثة من مكائد الشيطان الخبيث فتحفظ منها
وتفطن لها وهو ان يقول لك: اترك العمل اشفاقا على المؤمنين من وقوعهم في الاثم
بظن السوء، وإذا كان ترك العمل على جهة الاشفاق عليهم ونظرا لهم من الوقوع في
الاثم كنت مثابا، وقام ذلك مقام العمل لان نظر المصلحة للمسلمين حسنة فيعادل الثواب
الحاصل من الدعاء بل هذا نفع متعد إلى الغير فكان أفضل.
والجواب ان هذا الخيال من غوايل (1) النفس الامارة المايلة! إلى الكسل والبطالة
ومكيدة عظيمة من الشيطان الخبيث لما لم بجد إليك مسلكا قصدك من هذا الطريق وزين
لك هذا التنميق (2) ووجه فساده يظهر من وجوه:
الأول انه عجل لك الوقوع في الاثم المتيقن فإنك ظننت ان يظنوا بك أنك
مراء وهذا ظن سوء، وعلى تقدير وقوعه منهم يلحقهم به اثم، وظنك هذا بهم أيضا ظن
سوء يلحقك به الاثم إذا لم يكن مطابقا لما ظننت بهم (3) وتركت العمل من أجله
فعدلت من ظن موهوم إلى اثم معلوم، وحذرا من لزوم اثم لغيرك أوقعت فيه نفسك.
الثاني انك إذا وافقت إرادة الشيطان بترك العمل الذي هو مراده، وترك العمل
والبطالة موجب لاجتراء الشيطان عليك وتمكنه منك لان ذكره تعالى والتولي
(المثول) (4) في خدمته يقربك منه، وبقدر ما تقرب منه تبعد من الشيطان، وا ن
فيه موافقه للنفس الامارة بميلها إلى الكسل والبطالة وهما ينبوع آفات كثيرة تعرفها
إن كان لك بصيرة.

(1) الغوائل جمع غايلة وهي الحقد (المجمع).
(2) نمق الكتاب تنميقا: زينه بالكتابة (المجمع).
(3) قد مر آنفا في ص 206 معنى ظن السوء وحرمته ذيلا.
(4) مثل بين يديه مثولا: انتصب قائما (ص).
207

الثالث مما يدلك ان هذا من غوائل النفس وميلها إلى البطالة انك لما نظرت
إلى فوات الثواب الحاصل لك من البطالة والى فوات وقوعهم في الاثم آثرتهم (1)
على نفسك بتخفيف ما يلزمهم من الاثم بسوء الظن. وحرمت نفسك الثواب، وتفكر
في نفسك وتمثل في قلبك بعين الانصاف ولو حصل بينك وبينهم في شئ من حظوظ
العاجلة منازعة اما في دار أو مال، أو ظهر لك نوع معيشة تظن فيها فايدة وحصول مال
كنت تؤثرهم على نفسك وتتركه لهم؟ كلا والله بل كنت تناقشهم مناقشة المشاقق وتستأثر
عليهم (2) فيما يظهر لك من أنواع المعيشة ان أمكنك فرصة الاستيثار وتقلى (3) الحبيب
وتقصى القريب، وكم رأينا من هاجر قرينه وجفاه، وابعد ابنه وخلاه وكم من صديقين
تطاولت لهما الصداقة وتمادت بهم الملاطفة والاخوة برهة مديدة من الزمان حتى دخلت
الدنيا بينهما بمعاملة أو مشاركة فرقت بينهما.
وسبب ذلك محبة الاستيثار، فدل ذلك على أن تركك العمل ليس شفقة عليهم ورحمة
لهم، وإنما هو نزعة من نزعات الشيطان، وميل النفس إلى الدعة والراحة، وإذا لم ترض
بترك حطام الدنيا لهم كيف تترك عمل الآخرة؟! وهو أنفس وأنت إليه أحوج في فاقة القيامة
وهو أبقى لك من حظوظ الدنيا فهل هذا الا استثقالا منك للعمل؟ وميلا إلى الدعة، وتتعلل بما
زين لك الشيطان من مخائله الباطلة ونعاته المعطلة، وإذا اشتغلت بالعمل نفعت نفسك
وعصيت عدوك ونفعت عباد الله، فإنهم ربما وافقوك عليها فيحصل لك مثل ثوابهم إذا كنت
السبب فيها، ومن سن سنة حسنة كان له أجر من يعمل بها، وما يدريك؟ لعل فيهم من يريد
العمل فقد ظن مثل ما ظننت فبادر إلى سد باب الشيطان ونشر عبادة الرحمن، وقد ورد
عنهم عليهم السلام في معنى هذا الكلام: العاقل لا يفعل شيئا من الخير رياء
ولا يتركه حياء.

(1) آثره: اختاره (أقرب).
(2) استأثر بالشئ على غيره: خص به نفسه (أقرب)
(3) قلا الإبل: طردها (أقرب).
208

وهنا مكيدة أخرى للشيطان أضيق من الأولى فاجهد في سدها ولا تسلطه على
فتح بابها فيفتحها فإذا فتحها قوى على غيرها، وهو ان يقول لك الشيطان: اترك ا لعمل
لئلا يظن الناس بك خيرا وتشتهر به وأحب العباد إلى الله الأتقياء الأخفياء (1) وإذا
عرفت بين الناس بالعبادة لم يكن لك حظ في هذا الوصف.
فاعلم أن الواجب عليك مراعاة قلبك ولا عليك إذا رأوك أو شهرت وقلبك واحد
من علمهم بك وعدمه، وكيف لا تشتهر وهو تعالى يقول: عليك ستره وعلى اظهاره بل
عليك التحفظ من قلبك ان لا يكون فيه ميل لمحبة ذلك بالتفكر في قلة الجدوى
بمدحهم وذمهم والزهد فيهم، والنظر إلى احتياجك في عرصة القيامة إلى عملك،
والفكر في نعيم الآخرة فلا تترك العمل فان الآفة كل الآفة في ترك العمل فان العمل
مطردة للشيطان، وسبب الخشوع وتنشط النفس، وتشوقها إلى عمل الآخرة، وترك
العمل على الضد من ذلك.
فان قلت: يمنعني عن الدعاء وعن كثير من الافعال البر تعذر الاتيان بها على حقيقة
الاخلاص على ما عرفت الاخلاص بقوله: ما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحب ان
يحمد على شئ من عمل الله (2) وان الانسان يعمل لله مخلصا لكن إذا عرفه الناس
ربما اثنى عليه بذلك فيسره ولا يكاد ينفك عن هذا الا فيما يقل، وكذا الانسان يكون
في الصلاة والدعاء مخلصا الله سبحانه فربما يطلع عليه مطلع فيسره ذلك، وقد ذكرت ان
الرياء مع ما فيه من فوات الثواب يؤدى إلى اليم العذاب.
فاعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن ذلك فيما رواه المفسرون عن سعيد بن جبير
قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: انى أتصدق وأصل الرحم، ولا أ صنع ذلك الا لله
،.
فيذكر منى واحمد عليه فيسرني ذلك واعجب به (3) فكست رسول صلى الله عليه وآله ولم يقل:

(1) إشارة إلى الرواية المتقدمة في ص 206.
(2) وذكر الحديث بتمامه في أول فصل الرياء ص 203
(3) أعجب بنفسه بالبناء للمجهول: إذا تكبر وترفع فهو معجب (المجمع).
209

شيئا فنزل قوله تعالى (قل إنما انا بشر مثلكم يوحى إلى إنما إلهكم اله واحد فمن كان
يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) (1) والتحقيق ان السرور
باطلاع الناس إلى قسمين محمود ومذموم والمحمود ثلاثة:
الأول أن يكون من قصده اخفاء الطاعة والاخلاص لله سبحانه، ولكن لما اطلع
عليه الخلق علم أن الله تعالى اطلعهم عليه واظهر لهم الجميل من عمله تكرما منه وتفضلا
وهو من صفاته تعالى الا تراه يدعى؟ (يا من أظهر الجميل وستر القبيح) وفى بعض وحيه
جل جلاله عملك الصالح عليك ستره وعلى اظهاره، فيستدل بذلك على حسن صنع الله
به ونظره له ولطفه به، فان العبد يستر الطاعة والمعصية، والله بكرمه ستر المعصية
وأظهر الطاعة، ولا لطف أعظم من ستر القبيح واظهار الحسن فيكون فرحه
بجميل صنع الله لا بحمد الناس وحصول المنزلة في قلوبهم (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك
فليفرحوا) (2).
الثاني ان يستدل باظهار الجميل وستر القبيح في الدنيا انه تعالى كذلك يفعل
به في الآخرة إذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما ستر الله على عبد في الدنيا الا ستر عليه في
الآخرة
الثالث ان يحمده المطلعون عليه فستره طاعتهم لله في ذلك ومحبته لمحبتهم
طاعة الله، ومن اطاعه وميل قلوبهم إلى الطاعة، فان من الناس من يرى أهل الطاعة
فيمقتهم ويحسدهم ويهز لهم وينسبهم إلى التصنع فهذا النوع من الفرح حسن ليس
بمذموم، وعلامة الاخلاص في هذا النوع بان لا يزيده اطلاعهم هزة في العمل بل
يستوى حالتاه في اطلاعهم وعدمه، وان وجده من (في) النفس هزة وزيادة في النشاط
فليعلم انه مراء فليجتهد في ازالته برادع العقل والدين، والا فهو من الهالكين (3).

(1) مريم: 110.
(2) يونس: 58.
(3) عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: سئلته عن الرجل يعمل الشئ من الخير فيراه
انسان فيسره ذلك قال: لا بأس ما من أحد الا وهو يحب ان يظهر له في الناس الخير ا ذا لم يكن
يصنع ذلك لذلك. قال في (مرآة) قوله: ما من أحد أي الانسان مجبول على ذلك
لا يمكنه رفع
ذلك عن نفسه فلو كلف به لكان تكليفا بما لا يطاق قوله: إذا لم يكن الخ أي لم يكن باعثه
على أصل الفعل أو على ايقاعه على الوجه الخاص ظهوره في الناس وقيل: هذا ينافي ما روى:
ما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحب ان يحمد على شئ من عمل الله - ثم قال في المجمع
بينهما -: وقد جمع بينهما صاحب العدة - وهو الوجوه الثلاثة المذكورة في المتن ثم قال:
وأقول: يمكن أن يكون ذلك باعتبار اختلاف درجات الناس ومراتبهم فان تكليف مثل ذلك بالنظر
إلى أكثر الخلق تكليف بما لا يطاق، ولا ريب في اختلاف التكاليف بالنسبة لي أصناف الخلق بحسب
اختلاف استعداداتهم وقابليتهم.
210

واما المذموم فهو أن يكون فرحه لقيام منزلته عندهم ليمدحوه ويعظموه
ويقوموا بقضاء حاجاته، ويقابلوه بالاكرام والتوقير فهذا رياء حقيقي، وانه محبط للعمل
وناقله من كفة الحسنات إلى كفة السيئات، ومن ميزان الرجحان إلى ميزان الخسران،
ومن درجات الجنان إلى دركات النيران.
واعلم أن أصل الرياء حب الدنيا ونسيان الآخرة، وقلة التفكر فيما عند الله، وقلة
التأمل في آفات الدنيا وعظيم نعم الآخرة واصل ذلك كله حب الدنيا وحب الشهوات،
وهو رأس كل خطيئة، ومنبع كل ذنب لان العبادة إذا كانت لله تعالى كانت خالية من كل
مشوب (شوب) لا يريد بها الا وجه الله تعالى والدار الآخرة، وميل الانسان إلى حب ا لجاه،
والمنزلة في قلوب الناس، والرغبة في نعيم الدنيا، هو الذي يعطب القلب، ويحول بينه
وبين التفكر في العاقبة والاستضاءة بنور العلوم الربانية.
فان قلت: فمن صادف في نفسه كراهة الرياء وحملته الكراهة على الاباء والبغض
له فإنه لا يريد بعمله الا الله فقط، ولا يزيده اطلاع الناس عليه هزة ونشاطا في عمله (1).

(1) قال أمير المؤمنين (ع): ثلاث علامات للمرائي: ينشط إذا ر أي الناس،
ويكسل إذا
كان وحده ويحب ان يحمد في جميع أموره. قوله: ينشط أي طابت نفسه للعمل وغيره والنشاط
يكون قبل العمل وباعثا للشروع فيه ويكون بعده وسببا لتطويله وتجويده قوله: في جميع
أعوره أي في جميع طاعاته وتركه للنهيات أو الأعم منهما ومن أمور الدنيا (مرآة).
211

بل وجود الناس وعدمهم واحد عنده بالنسبة إلى مقدار العمل وكيفيته، وانه يكره
بعقله اطلاعهم عليه، لكنه مع ذلك غير خال عن ميل الطبع إليه، وحبه له وسروره
به الا انه كاره لحبه وميله، ومبغض له بعقله وزار في ذلك على نفسه، فهل يكون بذ لك
في زمرة المرائين؟
فالجواب ان الله سبحانه لم يكلف العبد الا ما يطيق، وليس في طاقة العبد منع
الشيطان عن نزعاته، ولا قمع الطبع عن مقتضياته حتى لا يميل إلى الشهوات أصلا،
ولا ينازع إليها البتة فان ذلك غير مقدور للانسان، ولهذا بشر النبي صلى الله عليه وآله بالعفو عنها
حذرا من القنوط، ودفعا للحرج وتقريبا إلى الله تعالى وطمعا في رحمته الواسعة حيث
يقول صلى الله عليه وآله: عفى الله لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تنطق به أو تعمل به (1) لان
حركة
اللسان والجوارح مقدوران بخلاف خطرات الأوهام ووساوس القلب، وهذا أمر بين
يجده كل عاقل، نعم يجب مقابلة هذه الخطرات بأضدادها ومقابلة شهواتها بكراهتها،
وينشأ ذلك من معرفة العواقب وعلم الدين ورادع العقل، فإذا فعل ذلك فهو الغاية
في أداء ما كلف به لان الخواطر المهيجة للرياء من الشيطان، والميل بعد ذلك من خواطر
النفس الامارة، والكراهة من الايمان ورادع القلب.

(1) قال بعض المحققين في بيان ما يؤاخذ العبد به من الوساوس وما يعفى عنه:
اعلم أن هذا
أمر غامض وقد وردت فيه آيات واخبار متعارضة يلتبس طريق الجمع بينهما فالحق في هذه
المسألة عندنا انه لا يتوقف عليه ما لم يقع الإحاطة بتفصيل اعمال القلوب من مبدء ظهورها إلى أن
يظهر العمل على الجوارح فنقول: أول ما يرد على القلب الخاطر كما لو خطر له مثلا صورة
امرأة. الثاني هيجان الرغبة وهو حركة الشهوة التي في الطبع وهذا يتولد في الخاطر الأول
ونسميه ميل الطبع، والأول يسمى حديث النفس، والثالث حكم القلب بان هذا ينبغي ان يفعل
فان الطبع إذا مال لم تنبعث المهمة والنية ما لم تندفع الصوارف ويسمى هذا اعتقادا وهو يتبع
الخاطر والميل. الرابع تصميم العزم على الالتفات وجزم النية فيه وهذا نسميه هما بالفعل ونية
وقصدا، وهيهنا أحوال للقلب قبل العمل بالجارحة: الخاطر وهو حديث النفس، ثم الميل، ثم الاعتقاد
ثم الهم فيقول اما الخاطر فلا نؤاخذ به لأنه لا يدخل تحت الاختيار وكذلك الميل والهيجان
لأنهما أيضا لا يدخلان تحت الاختيار وهما المراد ان بقوله (ص): عفى عن أمتي ما حدثت به
نفوسها، واما الثالث وهو الاعتقاد وحكم القلب فهذا مرددين أن يكون اضطرارا أو اختيارا
والأحوال تختلف فيه. فالاختياري منه يؤاخذ به، والاضطراري لا يؤاخذ به والرابع
وهو الهم بالفعل الا انه ان لم يفعل نظر فان تركه خوفا من الله تعالى كتبت له حسنة لان
همه سيئة وامتناعه ومجاهدته نفسه حسنة، وان تعوق الفعل لعائق أو تركه لعذر لا خوفا من الله
تعالى لكتبت عليه سيئة لان همه فعل اختياري للقلب، هذا ما لخصناه من الكلام ومن أراد مزيد
الاطلاع
يرجع باب الوسوة من (مرآة).
212

علاج الرياء اعلم أن أصل الاخلاص استواء السريرة العلانية (1) كما قيل
لبعضهم، عليك بعمل العلانية قال: وما عمل العلانية؟ قال: ما إذا اطلع (الله) الناس

(1) قال في (مرآة) في كلام له في كيفية خلوص النية ان النية ليست مجرد قولك
عند الصلاة أو الصوم أو التدريس اصلى أو أصوم أو أدرس قربة إلى الله تعالى ملاحظا معاني هذه
الألفاظ بخاطرك ومتصورا لها بقلبك هيهات إنما هذا تحريك لسان وحديث نفس، وا نما النية
المعتبرة انبعاث النفس وميلها وتوجهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها اما عاجلا واما آجلا وهذا
الانبعاث والميل إذا لم يكن حاصلا لها لا يمكنها اختراعه واكتسابه بمجرد النطق بتلك الألفاظ
وتصور تلك المعاني وما ذلك الا كقول الشبعان: أشتهي الطعام وأميل إليه قاصدا حصول الميل
والاشتهاء، بل لا طريق إلى اكتساب صرف القلب إلى الشئ وميله إليه واقباله عليه الا بتحصيل
الأسباب الموجبة لذلك الميل، واجتناب الأمور المنافية لذلك المضادة له، فإذا غلب على قلب
المدرس
مثلا حب الشهرة فلا يتمكن من التدريس بنية لتقرب إلى الله تعالى بنشر العلم بل لا يكون تدريسه
الا لتحصيل تلك المقاصد الواهية وان قال بلسانه: أدرس قربة إلى الله والحاصل انه لا يحصل لك
النية الكاملة الا إذا صرفت قلبك عن الأمور الدنيوية وطهرت نفسك عن الصفات الذميمة الدنية
وقطعت
نظرك عن حظوظك العاجلة بالكلية (مرآة) بعد التلخيص.
213

عليك لم تستحي منه، وهذا مأخوذ من كلام سيد الأوصياء ومكمل الأولياء ومرشد
العلماء وامام الأتقياء ووالد الأئمة الامناء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله
عليه وآله الطيبين حيث يقول: إياك وما تعتذر منه فإنه لا يعتذر من خير، وإياك
وكل عمل في السر تستحي منه في العلانية، وإياك وكل عمل (في السر) إذا ذكر
لصاحبه أنكره.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان أعلى منازل الايمان درجة واحدة من بلغ إليها فقد
فاز وظفر، وهو ان ينتهى بسريرته في الصلاح إلى أن لا يبالي بها إذا ظهرت، ولا يخاف
عقباها إذا استترت.
وقال صلى الله على واله وقد سئل فيما النجاة؟ قال: ان لا يعمل العبد بطاعة الله يريد بها الناس.
وعنه عليه السلام: ان الله لا يقبل عملا فيه مثقال ذرة من رياء.
وعنه صلى الله عليه وآله في حديث الثلاثة: المقتول في سبيل الله، والمتصدق بماله في
سبيل الله، والقاري لكتاب الله، وان الله عز وجل يقول لكل واحد منهم: كذبت بل أردت
ان يقال: فلان جواد، كذبت بل أردت ان يقال: فلان شجاع، كذبت بل أردت ان يقال: فلان
قارى، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله انهم لم يثابوا على ذلك.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا: وما الشرك
الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم:
اذهبوا إلى الذين كنتم ترائون في الدنيا هل تجدون عندهم ثواب أعمالكم؟.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا: وما الشرك
الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم:
اذهبوا إلى الذين كنتم ترائون في الدنيا هل تجدون عندهم ثواب أعمالكم؟.
وفى الحديث انه يؤمر برجال إلى النار فيوحى الله سبحانه إلى مالك خازن
النار: يا مالك قل للنار: لا تحرق لهم أقداما فقد كانوا يمشون بها إلى المساجد، وقل
للنار: لا تحرق لهم وجوها فقد كانوا يسبغون الوضوء، وقل للنار: لا تحرق لهم أيديا
فقد كانوا يرفعونها إلى بالدعاء وقل للنار: لا تحرق لهم ألسنة فقد كانوا يكثرون تلاوة
القران، فيقول لهم مالك: يا أشقياء ما كانت أعمالكم في الدنيا؟ فيقولون: كنا نعمل لغير
214

الله فيقول لهم: خذوا (لتأخذوا) ثوابكم ممن عملتم له.
والرياء موجب للمقت من الله ومعرض للخزي في الدنيا والآخرة حيث ينادى
عليهم يوم القيامة على رؤوس الاشهاد: يا فاجر يا غادر يا مرائي اما استحييت إذا اشتريت
بطاعة الله عرض الحياة الدنيا راقبت قلوب العباد، واستخففت بنظر سلطان
المعاد، وتحببت إلى المخلوقين بالتبغض إلى رب العالمين، وتزينت لهم بعمل الله
وتقربت إليهم بالبعد من الله، وطلبت رضاهم، وتعرضت لسخطه اما كان أهون عليك
من الله؟
فمهما تفكر العبد في هذا الخزي، وقابل ما يحصل له من العباد، والتزين لهم
في الدنيا بما يهدم عليه من ثواب أعماله التي كانت ترجح ميزانه لو خلصت لله وقد فسدت
بالرياء، وقد حولت إلى كفة السيئات، فلو لم يكن في الرياء الا تحويل العمل من الثواب
إلى العقاب لكان كافيا في معرفة ضرره ورادعا عن الالمام به وقد كان ينال
بهذه الحسنات (الحسنة) رتبة الصديقين وقد حط إلى درك السافلين، فيالها حسرة
لا تزال، وعثرة لا تستقال مع ما يناله من الخزي والتوبيخ في المعاد على رؤوس الاشهاد
مضافا إلى ما يعرض له في الدنيا من تشنب (تسبب) الهم بسبب ملاحظة قلوب الحلق،
فان رضا الناس غاية لا تدرك كلما رضى به فريق يسخط به فريق، ورضا بعضهم في سخط بعض،
ومن طلب رضاهم في سخط الله سخط الله عليه وأسخطهم أيضا عليه
ثم أي غرض له في مدحهم وايثار ذم الله تعالى لأجل حمدهم؟ ولا يزيده حمدهم
حمدهم رزقا ولا أجلا، ولا ينفعه يوم فقره وفاقته في شدة القيامة، واما
الطمع بما في أيديهم فالله هو الرزاق وعطائه خير العطاء، ومن طمع في الخلق لم يخل
من الذل والخيبة وان وصل إلى المراد لم يخل من المنة والمهانة، وكيف يترك العاقل
ما عند الله برجاء كاذب ووهم فاسد؟ وقد يصيب وقد يخطى، وان أصاب فلا تقي لذته بألم
منته ومذلته وهو من قسم الله له ومحسوب عليه من رزقه، فينبغي ان يقرر العاقل في
215

نفسه هذه الأسباب وضررها وما يصير إليه مآلها فيقل رغبته عنها، ويقبل إلى الله بقلبه
فان العاقل لا يرغب فيما يكثر عليه ضرره، ويكفيه ان الناس لو علموا ما في باطنه من
قصد الرياء واظهاره الاخلاص لمقتوه، وسيكشف الله تعالى عن سره حتى يبغضه إليهم
ويعرفهم انه مراء ممقوت عند الله، ولو أخلص لله لكشف الله لهم اخلاصه وحببه إليهم
وسخرهم له وأطلق ألسنتهم بحمده.
روى أن رجلا من بني إسرائيل قال: لأعبدن الله عبادة أذكر بها فمكث مدة مبالغا
في الطاعات، وجعل لا يمر بملاء من الناس الا قالوا: متصنع مراء، فأقبل على نفسه وقال:
قد أتعبت نفسك وضيعت عمرك في لا شئ، فينبغي ان تعمل لله سبحانه، فغير نيته وأخلص
عمله لله تعالى (1) فجعل لا يمر بملاء من الناس الا قالوا: ورع تقى. ومثل هذا ا لحديث ما سبق
من قوله عليه السلام: عليك ستره وعلى اظهاره.
وقولهم عليهم السلام ان الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق (2). مع أن مدح الناس
لا ينفعه وهو مذموم عند الله ومن أهل النار، وذمهم لا يضره وهو محمود عند الله في زمرة
المقربين وكيف يضره ذمهم أو كيدهم والنبي صلى الله عليه وآله يقول: من آثر محامد الله على
محامد
الناس كفاة الله مؤنة الناس.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: من أصلح أمر آخرته أصلح الله أمر دنياه، ومن أصلح ما بينه
وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس.
وينبغي ان يذكر شدة حاجته وقوة فاقته يوم القيامة إلى ثواب أعماله فإنه
(يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون الامن اتى بقلب سليم) (3) (ولا يجزى والد عن

(1) قد مر آنفا في ص 213 معنى النية وكيفية خلوصها لله ذيلا راجع إليه.
(2) هذا جزء من الحديث الآتي في ص 220.
(3) فسر ذلك اليوم بان قال (يوم لا ينفع مال ولا بنون الشعراء) 88. إذ لا يتهيأ لذي
مال مال ان يفتدى من شدائد ذلك اليوم به، ولا يتحمل من صاحب البنين بنوه شيئا من معاصيه
قوله: الا من اتى الله بقلب سليم أي من الشرك والشك وقيل: سليم من الفساد والمعاصي، وإنما
خص القلب بالسلامة لأنه إذا سلم القلب سلم ساير الجوارح من الفساد من حيث إن
الفساد بالجارحة
لا يكون إلا عن قصد بالقلب الفاسد.
216

ولده) (1) ويشتغل فيه الصديقون بأنفسهم ويقول كل واحد نفسي نفسي فضلا من غيرهم،
فلا ينبغي ان يصحب معه غير الخالص من العمل، فكما ان المسافر إلى البلد البعيد
المشفق لا يصحب معه الا خالص الذهب طلبا للخفة وكثرة الانتفاع به عند الحاجة إليه،
ولا حاجة أعظم من فاقة القيامة، ولا عمل أنفع من الخالص لله، فهو أنفس الذخائر
وأحفظها حملا بل هو يحمل صاحبه على ما ورد في تفسير قوله تعالى (وينجي الله الذين
اتقوا بمفازتهم) (2) ان العمل الصالح يقول لصاحبه عند أهوال القيامة: اركبني ولطال
ما ركبتك في الدنيا فيركبه ويتخطى (3) به شدايدها.
وروى داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان العمل الصالح ليمهد لصاحبه
في الجنة كما يرسل الرجل غلامه بفراشه فيفرش له، ثم قرء (ومن عمل صالحا فلا نفسهم
يمهدون) (4) فمن أحضر في قلبه الآخرة وأهوالها ومنازلها الرفيعة عند الله استحقر
ما يتعلق بالخلق أيام الحياة مع ما فيه من الكدورات والمنغصات جمع همه، وصرف
إلى الله قلبه وتخلص من مذلة الرياء ومقاسات قلوب الخلق، وانعطف من اخلاصه أنوار
على قلبه ينشرح بها صدره وينطق بها لسانه، وينفتح له من الطاف الله ما يزيده الله
انسا ومن الناس وحشة، واحتقارا للدنيا واعظاما للآخرة، وسقط محل الخلق عن قلبه،
وانحل عنه داعية الرياء، وآثر الوحدة وأحب الخلوة، وهطلت (5) عليه سحائب ا لرحمة،
ونطق لسانه بطرائف الحكمة.

(1) لقمان: 32.
(2) الزمر: 62.
(3) تخطيب الشئ: تجاوزته (المجمع).
(4) الروم: 43.
(5) الهطل: تتابع المطر (المجمع).
217

وفى الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله: من أخلص لله أربعين يوما فجر الله ينابيع الحكمة
من قلبه على لسانه (1).
وروى عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام: مامن مؤمن الا وقد جعل الله له من أيمانه انسا
يسكن عليه حتى لو كان على قلة جبل لم يستوحش.
روى الحلبي عز أبى عبد الله عليه السلام قال: خالط الناس تخبرهم ومتى تخبرهم
تقلهم (2)
وعن أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام: الوحشة من الناس على قدر الفطنة بهم (3)
وروى كعب الأحبار قال: أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: ان أردت لقائي
غدا في حظيرة القدس فكن في ا لدنيا غريبا فريدا وحيدا محزونا مستوحشا
كالطير الوحداني الذي يطير في الأرض المقفرة، ويأكل من رؤوس الأشجار المثمرة
فإذا كان الليل اوى إلى وكره، ولم يكن مع الطير الا استيناسا بي واستيحاشا من الناس.
وروى عن البضعة الزهراء سيدة النساء حبيبة المختار ووالدة الأئمة الأطهار
صلوات عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها: من أصعد إلى الله خالص عبادته أهبط الله
عز وجل إليه أفضل مصلحته.

(1) عن أبي جعفر قال: ما أخلص عبد الايمان بالله أربعين يوما أو قال: ما أجمل
عبد
ذكر الله أربعين يوما الا زهده الله في الدنيا وبصره دائها ودوائها وأثبت الحكمة في قلبه وأنطق
بها لسانه الحديث قال في (مرآة): ولعل خصوص الأربعين لان الله تعالى جعل انتقال الانسان
في أصل الخلقة من حال إلى حال في أربعين يوما كالانتقال من النطفة إلى العلقة ومن العلقة
إلى المضغة ومن المضغة إلى العظام ومنها إلى اكتساء اللحم، ولذا يوقف قبول توبة شارب
الخمر إلى أربعين يوما.
(2) في الحديث: أخبر تقله. من القلى بالكسر والقصر أو القلاء بالمد والفتح: البغض أي
لا تغتر بظاهر من تراه فإنك إذا اختبرته بغضته (المجمع).
(3) فطن به: حذق به وفهم وأدرك (أقرب).
218

وعن الباقر عليه السلام: لا يكون العبد عابدا لله ق عبادته حتى ينقطع عن الخلق
كلهم إليه فح يقول: هذا خالص لي فيقبله بكرمه.
وعن الصادق عليه السلام: ما أنعم الله عز وجل على عبد اجل من أن لا يكون في قلبه
مع الله عز وجل غيره (1)
وقال عليه السلام لهشام بن الحكم: يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة
العقل، فمن عقل عن الله اعتزل عن (من) أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب
فيما عند الله وكان الله أنيسه في الوحشة وصاحبه في الوحدة، وغناه في القلة
(العلية) ومعزه في غير عشيرة، يا هشام قليل العمل مع العلم مقبول مضاعف، و
كثير العمل مع الجهل مردود (2).
وعن أبي جعفر الجواد عليه السلام أفضل العبادة الاخلاص (3)
وعن أبي الحسن الهادي عليه السلام: لو سلك الناس واديا وسيعا لسلكت وادى رجل
عبد الله وحده مخلصا (خالصا)
وعن العسكري عليه السلام لو جعلت الدنيا كلها لقمة واحدة لقمتها من يعبد الله
مخلصا (خالصا) لرأيت انى مقصر في حقه، ولو منعت الكافر منها حتى يموت جوعا
وعطشا ثم أذقته شربة من الماء لرأيت انى قد أسرفت. فهذه جملة الأدوية العلمية
القالعة مغارس الرياء السادة مسام الهوى

(1) أي اخرج عن قلبه حب ما سوى الله والاشتغال بغيره سبحانه، أو لم يختر في
قلبه
على رضا الله رضاء غيره، أو كانت أعماله ونياته كلها خالصة لله لم يشرك فيها غيره (مرآة).
(2) قوله: عقل عن الله أي حصل له معرفة ذاته وصفاته واحكامه وشرايعه، أو اعطا ه
الله العقل، أو علم الأمور بعلم ينتهى إلى الله بأن أخذه عن أنبيائه وحججه، أو بلغ عقله إلى درجة
يفيض الله علومه عليه بغير تعليم بشر قوله: وغناه أي مغنيه أو كما أن أهل الدنيا غناهم بالمال
هو غناه بالله وقربه ومناجاته، والعيلة: الفقر، والعشيرة: القبيلة (مرآة).
(3) قد مر في ص 213 معنى النية وكيفية الاخلاص ذيلا.
219

واما الدواء العملي فإنه يعود نفسه اخفاء العبادات ويغلق دونها الأبواب
كما يفعل بالفواحش ويقنع باطلاع الله وعلمه، ولا ينازع نفسه إلى طلب علم غير الله
فلا دواء انجح من ذلك.
وكان عيسى عليه السلام يقول للحواريين: إذا صام صوما أحدكم فليدهن رأسه ولحيته
ويمسح شفتيه بالزيت لئلا يرى الناس انه صائم، وإذا أعطى بيمينه فليخف عن شماله،
وإذا صلى فليرخ ستر بابه، فان الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان في ظل العرش (1) ثلاثة يظلهم الله بظله يوم لاظل الا
ظله:
رجلان تحابا في الله وافترقا عليه، ورجل تصدق بيمينه صدقة فأخفاها عن شماله،
ورجل دعته امرأة ذات جمال فقال: انى أخاف الله رب العالمين.
وروى حفص بن البختري قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول. حدثني أبي
عن آبائه عليهم السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام قال لكميل بن زياد النخعي: تبذل
ولا تشهر (تشتهر)، ووار شخصك ولا تذكر، وتعلم واعمل، واسكت تسلم، تسر الأبرار
وتغيظ الفجار، ولا عليك إذا عرفك الله دينه ان لا تعرف الناس ولا يعرفونك.
تذنيب وإذا أسررت العمل وأخفيته، وعرفت خلوصه لله سبحانه فلا تفشه
فيما بعد وتقول: انه لم يقع الا مخلصا، وقد كتب في ديوان الحسنات وجعل في
الكفات الراجحات، فتعلنه بعد ذلك ويقل همك ومجاهدتك على كتمانه، بل تحقق
ان اذاعتك له فيما بعد كاذاعتك له في ابتداء عملك، فإياك إياك ان تضيع ما تعبت
فيه وكدحت له، وتنقله من ديوان السر إلى ديوان الجهر فان كنت باقيا على اخلاصك
فيه فقد نقصت منه تسعة وتسعين ضعفا على ما روى عنهم عليهم السلام ان فضل عمل السر
على عمل الجهر سبعون ضعفا.

(1) قد اختلفت الأقوال في معنى الظل هيهنا ولم نورده حذرا من الإطالة ومن
أراد
يرجع باب الحب في الله من (مرآة) وقد مرت روايات الحب في الله في ص 173 بالتفصيل
مع بعض الكلام فيها ذيلا.
220

وعن الصادق عليه السلام: من عمل حسنة سرا كتبت له سرا فإذا أقربها محيت و
كتبت جهرا فإذا أقربها ثانيا محيت وكتبت رياء. فيالها من كلمة ما أشأمها ورزية
ما أعظمها؟ ليت الخرس في ذلك الوقت دهاك والسكوت حماك. (1) القسم الثاني العجب وهو من
المهلكات
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاث مهلكات: شح (2) مطاع، وهوى متبع، واعجاب المرء
بنفسه. وهو محبط للعمل وهو داعية المقت من الله سبحانه.
وقال عليه السلام: لولا أن الذنب للمؤمن خير من العجب ما خلى الله عز وجل بين عبده

(1) قال في (مرآة) في كلام له: ان رعاية العمل وحفظه عند الشر وع وبعده إلى
الفراغ وبعد الفراغ إلى الخروج من الدنيا حتى يخلص عن الشوائب الموجبة لنقصه أو فساده.
أشد من العمل نفسه كما عن أبي جعفر (ع) أنه قال: الابقاء على العمل أشد من العمل
قال: وما الابقاء على العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له
فيكتب له سرا، ثم يذكرها فتمحى وتكتب له علانية ثم يذكرها فتمحى وتكتب له رياء ومن
عرف معنى النية وخلوصها علم أن اخلاص النية أشد من جميع الأعمال انتهى موضع الحاجة
منه وقد مضى نبذ من الكلام في الاخلاص ذيلا في ص 213.
(2) الشح: البخل مع حرص فهو أشد من البخل لان البخل في المال وهو في مال ومعروف.
وفى الحديث البخيل يبخل بما في يده والشحيح يشح بما في أيدي الناس وعلى ما في يده حتى
لا يرى في أيدي الناس شيئا الا تمنى أن يكون له بالحل أو الحرام ولا يقنع بما رزقه الله تعالى.
ان الشح حالة غريزية جبل عليها الانسان فهو كالوصف اللازم له ومركزها النفس فإذا انتهى
سلطانه إلى القلب واستولى عليه عرى القلب عن الايمان لأنه يشح بالطاعة فلا يسمح بها ولا يبذل
الانقياد لأمر الله (المجمع).
221

المؤمنين وبين ذنب ابدا (1).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: سيئة تسوئك خير من حسنة تعجبك. أي تورثك عجبا.
وقال عليه السلام: لا حسب أعظم من التواضع، ولا وحدة أوحش من العجب
وعن الصادق عليه السلام: عن النبي صلى الله عليه وآله أوحى الله تعالى إلى داود: يا داود بشر المذنبين
وأنذر الصديقين قال: كيف ابشر المذنبين وأنذر الصديقين؟ قال: يا داود بشر المذنبين
بأنى أقبل التوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصديقين ان لا يعجبوا بأعمالهم، فإنه ليس
عبد يتعجب بالحسنات الا هلك. وفى رواية أخرى فإنه ليس عبد ناقشته (نافسته)
الحسنات الا هلك.
وعن أبي جعفر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال الله تعالى: انا أعلم بما يصلح به
أمر عبادي، وان من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادته فيقوم من رقاده. ولذيذ

(1) لا ريب ان من عمل أعمالا صالحة من صيام الأيام وقيام الليالي وا مثال ذلك
يحصل
لنفسه ابتهاج فإن كان من حيث كونها عطية من الله له ونعمة منه تعالى عليه، وكان مع لك
خائفا من نفسها مشفقا من زوالها طالبا من الله الازدياد منها لم يكن ذلك الابتهاج، عجبا
وإن كان من حيث كونها صفة قائمة به ومضافة إليه فاستعظمها وركن إليها ورأي نفسها خارجا
عن حد التقصير وصار كأنه يمن على الله سبحانه بسببها فذلك هو العجب
ويدل الخبر على أن العجب أشد من الذنب الجوارح فان العجب ذنب القلب، وذلك لان الذنب
يزول بالتوبة ويكفر بالطاعات، والعجب صفة نفسانية يشكل ازالتها ويفسد الطاعات ويهبطها
عن درجة القبول. ويدعوا لي الكبر، ويدعو أيضا إلى نسيان الذنوب فبعض ذنوبه لا يذكرها،
وما يتذكرها فيستصغرها فلا يجتهد في تداركها، واما الأعمال والعبادات فإنه يستعظمها ويتبجح
بها ويمن على الله بفعلها وينسى نعمة الله عليه بالتوفيق منها، ثم إذا عجب بها عمى عن آفاتها،
ومن لم يتفقد آفات الأعمال كان أكثر سعيه ضايعا، والمعجب يغتر بنفسه وبربه ويأمن مكر الله
ثم إن اعجابه بنفسه ورأيه وعلمه وعقله يمنعه من الاستفادة والاستشارة والسؤال فيستنكف
من سؤال من هو اعلم منه وربما يعجب بالرأي الخطاء فيصر عليه وآفات العجب أكثر من أن
تحصى (مرآة).
222

وساده فيجتهد ويتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين نظرا منى له
وابقائا عليه فينام حتى يصبح فيقوم ماقتا لنفسه وزاريا عليها، ولو اخلى بينه وبين
ما يريد من عبادتي لدخله من ذلك العجب بأعماله فيأتيه ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله
ورضاه عن نفسه حتى يظن أن قد فاق العابدين، وجاز في عبادته حد التقصير، فيتباعد
منى عند ذلك، وهو يظن أنه قد تقرب إلى.
ومن طريق آخر رواه صاحب الجواهر بزيادة على هذا الكلام تتمة له: فلا
يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها، فإنهم لو اجتهدوا وأتبعوا أنفسهم وأعمارهم
في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين ما يطلبون من كرامتي، والتنعم في جناتي ورفيع
درجاتي في جواري، ولكن رحمتي فليبتغوا (فليبغوا) والفضل منى
فليرجوا، والى حسن الظن بي فليطمئنوا، فان رحمتي عند ذلك تداركهم وهي تبلغهم
رضواني ومغفرتي، وألبسهم عفوي، فانى انا الله الرحمن الرحيم بذلك تسميت (1).
وعن الباقر عليه السلام قال: قال الله سبحانه: ان من عبادي المؤمنين لمن يسئلني الشئ
من طاعتي فأصرفه عنه مخافة الاعجاب.
وقال المسيح: عليه السلام يا معشر الحواريين كم من سراج أطفأته الريح، وكم من عابد
أفسدته العجب.
واعلم أن حقيقة العجب استعظام العمل الصالح واستكثاره والابتهاج به.
فان قلت فمن صادف في نفسه السرور بالطاعة والابتهاج بها لكنه لا يستعظمها
بل يفرح بفعلها، ويحب الزيادة منها، وهذا الامر لا يكاد الانسان ينفك عنه، فان ا لانسان
إذا قام ليلة أو صام يوما، لو حصل له مقام شريف ودعاء وعبادة فإنه يسره ذلك لا محالة.
فهل يكون ذلك اعجابا محبطا للعمل وداخلا به في زمرة المعجبين؟.
فالجواب ان العجب إنما هو الابتهاج بالعمل الصالح والادلال له واستعظامه،

(1) من أراد الاطلاع على شرح الرواية ومعنى بعض لغاته يرجع إلى باب الرضا
بالقضاء من (مرآة).
223

وان يرى نفسه به خارجا من حد التقصير وهذا مهلك لا محالة ناقل للعمل من كفة
الحسنات إلى كفة السيئات، ومن رفيع الدرجات إلى أسفل الدركات (1).
روى سعد بن أبي خلف عن الصادق عليه السلام قال: عليك بالجد، ولا تخرجن نفسك
من حد التقصير في عبادة الله وطاعته فان الله تعالى لا يعبد حق عبادته.
واما السرور مع التواضع لله جل جلاله والشكر له على التوفيق لذلك وطلب
الاستزادة منه فحسن محمود.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: من سرته حسنته، وسائته سيئته فهو مؤمن (2).
وقال عليه السلام: ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم، فان عمل خيرا حمد الله واستزاده
وان عمل سوء استغفر الله
وقال عليه السلام: واعملوا عباد الله ان المؤمن لا يصبح ولا يمسى الا ونفسه ظنون عند ه (3).
فلا يزال زاريا عليها، ومستزيدا لها، فكونوا كالسابقين قبلكم والماضين أمامكم قوضوا (4)
من الدنيا تقويض الراحل: واطووها (على) طي المنازل.
علاج العجب ان يتفكر فيما يؤدى إليه العجب: وهو يؤدى إلى المقت، واحباط
العمل، ويتفكر في الآت التي اكتسب بها الطاعة واقتدر بها عليها، فهل هي الا ملكه؟ ثم ينظر
فيما تناوله من القوت الذي أقام به صلبه فهل هو الا رزقه؟ ثم ينظر في العافية التي

(1) إذا أردت مزيد الاطلاع فارجع إلى ص 222 ذيلا
(2) السرور بالحسنة لا يستلزم العجب فإنه يمكن أن يكون عند نفسه مقصرا في الطاعة
لكن يسر بأن لم يتركها رأسا وكان هذا أولى مراتب الايمان مع أن السرور الواقعي بالحسنة
يستلزم السعي في الاتيان بكل حسنة، والمسائة الواقعية بالسيئة يستلزم التنفر عن كل سيئة
والاهتمام
بتركها وهذان من كمال الايمان (مرآة).
(3) قوله: ظون عنده أي متهمة لديه بالخيانة والتقصير في طاعة الله (المجمع).
(4) التقويض (خيمه بر كندن) (تاج).
224

هي له شاملة وبها يفرغ لما اراده هل هي الامن نعمه؟ ولرب مريض لو خير بين العافية
وان يقوم بإزائها أياما وليالي لاختار العافية، وبذل في ثمنها الليالي الكثيرة وا لعبادة
الغزيرة هذا وأنت تعجب بقيام بعض ليلة، وكم متعت بالعافية من يوم وليلة بل من
شهور وسنة فبما ذا تعجب بقيام بعض ليلة، وكم متعت بالعافية من يوم وليلة بل من
شهور وسنة فبما ذا تعجب؟ وأنت تقوم بتوفيقه، وتتمكن بعافيته، وتتقوى برزقه،
وتعمل بجوارحه وآلاته، ويقع ذلك في ليله ونهاره، فقس قدر عملك إلى ما عليك من
نعمه فهل تجده وافيا بذلك؟ أو بعشر العشير، وهل توفيقك للقيام الا نعمة عليك؟ يلزمك
شكرها، وتخشى ان قصرت فيه أن تكون مؤاخذا.
أوحى الله إلى داود يا داود: اشكرني قال: وكيف أشكرك يا رب؟ والشكر من
نعمك تستحق عليه شكرا قال: يا داود رضيت بهذا الاعتراف منك شكرا. (1) بل

(1) واعلم أن الشكر مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية، وله أر كان ثلاثة: الأول
معرفة المنعم و
معرفة النعمة من أنها نعمة ولا تتم تلك المعرفة الا بان يعرف ان النعم كلها من الله وان الأوساط
كلها مسخرون لامره. الثاني الحال التي هي ثمرة تلك المعرفة وهي الخضوع والتواضع
والسرور بالنعم من حيث إنها هدية دالة على عناية المنعم بك.
الثالث العمل الذي هو ثمرة تلك الحال فان تلك الحال إذا حصلت في القلب
حصلت فيه نشاط للعمل الموجب للقرب منه، وهذا العمل يتعلق بالقلب واللسان والجوارح:
واما القلب فالقصد إلى تعظيمه وتحميده وتمجيده والتفكر في صنايعه وافعاله، والعزم على
ايصال الخير إلى خلقه. واما عمل اللسان فاظهار ذلك المقصود بالتحميد والتمجيد
والتسبيح والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وغيرها. واما عمل الجوارح فاستعمال نعمة
الظاهرة والباطنة في طاعته وعبادته والتوقي من الاستعانة بها في معصيته كاستعمال نعمة
مطالعة مصنوعاته وهكذا، ولما كان الشكر بالجوارح التي هي من نعمه تعالى ولا يتأتى
الا بتوفيقه سبحانه فالشكر أيضا نعمة من نعمه ويوجب شكرا آخر فينتهى إلى الاعتراف بالعجز
عن الشكر فآخر مراتب الشكر الاعتراف بالعجز عنه كما أن آخر مراتب المعرفة والثناء الاعتراف
بالعجز عنهما وكذا العبادة. انتهى موضع الحاجة بعدما لخصناه (مرآة).
225

قس عملك جملته إلى آحاد ما تتصرف فيه من نعمه من مأكل ومشرب لا تجده ناهضا
باليسير من ذلك.
روى أن بعض الوعاظ دخل يوما على هارون الرشيد فقال له: عظني
فقال: يا أمير المؤمنين أتراك لو منعت شربة من ماء عند عطشك بم كنت
تشتريها؟ قال بنصف ملكي فقال يا أمير المؤمنين أتراها لو حبست عنك عند خروجها
بم كنت تشتريها؟ قال: بنصف الباقي، قال: فلا يغرنك ملك قيمته شربة ماء. فيا هذا كم
تتناول في يومك وليلتك؟ وأنت ترى الأجير يعمل طول النهار بدرهمين، والحارس
يسهر جملة الليل بدانقين، وكذلك أصحاب الصناعات والحرف كالطباخ والخباز تراهم
يعملون جملة النهار وطرفي الليل وقيمة ذلك دراهم معدودة، وإذا صرفت الفعل إلى الله
تعالى فصمت يوما واحدا قال: الصوم لي وانا اجزى به
قال تبارك وتعالى: أعددت لعبادي ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر
بقلب بشر (1).
هذا يومك الذي قيمته درهمان مع احتمال التعب العظيم صار له هذه القيمة
بنسبته إلى الله. ولو قمت ليلة لله تعالى قال (فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قر ة أعين
جزاء بما كانوا يعملون) (2) فهذا الذي قيمته دانقان، ولو سجدت لله سجدة حتى غشيك
فيه النعاس باهى الله بك الملائكة، وكم قيمة زمان السجدة؟ مع ما حصل فيها من
النوم والغفلة، لكن لما نسبت إلى الحق جل جلاله بلغت قيمته من الجلالة والنفاسة
هذا المقدار
بل لو جعلت لله ساعة تصلى فيها ركعتين خفيفتين، بل نفسا تقول فيه، لا إله إلا الله
قال الله تعالى (ومن يعمل من الصالحات من ذكرا وأنثى فأولئك يدخلون الجنة يرزقون
فيها بغير حساب) (3).

(1) قد تقدمت الرواية ونظائرها في ص 99 عند توصيف الجنة ونعيمها.
(2) السجدة: 17.
(3) المؤمن: 43.
226

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قال: سبحان الله غرس الله له شجرة في الجنة (1) فهذه
ساعة
من نفاسك، وكم تضيع مثلها في لا شئ، وكم يمر عليك بلا فايدة، فحق عليك
ان ترى حقارة عملك وقلة مقداره من حيث هو، وان لا ترى الامنة الله عليك فيما شر ف
من قدر (ك) وأعظم من جزائك، وان تحاذر عليه من أن يقع على وجه لا يصلح لله ولا يقع
منه موقع الرضا، فتذهب عنه القيمة التي حصلت له ويعود إلى ما كان عليه في الأصل
من الثمن الحقير من درهمين أو دانقين أو أحقر، لابل لم تسلم من المقت والعقوبة،
فألزم نفسك المراقبة لله والمنة له والازدراء بنفسك لعلك تفوز برحمة الله فإنه روى
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من مقت نفسه دون مقت الناس آمنه الله تعالى من فزع
يوم القيامة.
وروى أن عابدا عبد الله سبعين عاما صائما نهاره قائما ليله فطلب إلى الله تعالى
حاجته فلم تقض فأقبل على نفسه وقال: من قبلك اتيت لو كان عندك خير قضيت حاجتك،
فأنزل الله إليه ملكا فقال: يا بن آدم ساعتك التي أزريت فيها على نفسك خير من
عبادتك التي مضت.
وقد روى أنه يبيت أحدكم نادما على ذنبه زاريا على نفسه خير له من أن يصبح
مبتهجا بعمله.
فعليك أيها العاقل بتحصين عملك من العجب والرياء والغيبة والكبر فإنهما
يشاركان الرياء والعجب في الاضرار بالاعمال (2).
أو لا تنظر إلى خبر معاذ؟: روى الشيخ أبو جعفر محمد بن أحمد بن علي القمي

(1) قد ذكر هد الحديث في ص 98 ويأتي أيضا نظائره في باب الذكر.
(2) وعليك بالرواية الآتية وفيها يكشف القناع عن كل ما يضر بالاعمال ويمنعها عن
القبول من المعاصي.
227

نزيل الري في كتابه المنبئ عن زهد النبي صلى الله عليه وآله عن عبد الواحد عمن حدثه عن
معاذ بن جبل قال: قلت: حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظته من دقة
ما حدثك به قال: نعم وبكى معاذ ثم قال: بابى وأمي حدثني وانا رديفه فقال بينا نسير
إذ رفع بصره إلى السماء فقال: الحمد لله الذي يقضى في خلقه ما أحب، ثم قال: يا معاذ
قلت: لبيك يا رسول الله وسيد المؤمنين قال: يا معاذ قلت: لبيك يا رسول الله امام الخير ونبى
الرحمة فقال: أحدثك شيئا ما حدث به نبي أمته ان حفظته نفعك عيشك، وان سمعته ولم تحفظه
انقطعت حجتك عند الله، ثم قال: ان الله خلق سبعة املاك قبل ان يخلق السماوات
فجعل في كل سماء ملكا قد جللها بعظمته، وجعل على كل باب من أبواب السماوات
فجعل في كل سماء ملكا قد جللها بعظمته، وجعل على كل باب من أبواب السماوات
ملكا بوابا، فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسى، ثم ترتفع
الحفظة بعمله وله نور كنور الشمس حتى إذا بلغ سماء الدنيا فتزكيه وتكثره فيقول
الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، انا ملك الغيبة فمن اغتاب لا أدع عمله
يجاوزني إلى غيري أمرني بذلك ربى
قال صلى الله عليه وآله: ثم تجئ الحفظة من الغد ومعهم عمل صالح فتمر به فتزكيه وتكثره
حتى تبلغ السماء الثانية فيقول الملك الذي في السماء الثانية: قفوا واضربوا بهذا
العمل وجه صاحبه إنما أراد بهذا عرض الدنيا انا صاحب الدنيا لا أدع عمله يتجاوزني
إلى غيري قال: ثم تصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا بصدقة وصلاة فتعجب به الحفظة
وتجاوز به إلى السماء الثالثة، فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه
وظهره انا ملك صاحب الكبر فيقول: انه عمل وتكبر على الناس في مجالسهم امرني
ربى ان لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كالكوكب
الدري في السماء له دوى بالتسبيح والصوم والحج، فتمر به إلى السماء الرابعة فيقول
له الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وبطنه انا ملك العجب انه كان يعجب
بنفسه انه عمل وأدخل نفسه العجب امرني ربى ان لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري
قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة إلى أهلها، فتمر به إلى ملك ا لسماء
الخامسة بالجهاد والصلاة (والصدقة) ما بين الصلاتين، ولذلك العمل رنين كرنين الإبل عليه
228

ضوء كضوء الشمس، فيقول الملك: قفوا انا ملك الحسد، واضربوا بهذا العمل وجه
صاحبه، واحملوه على عاتقه انه كان يحسد من يتعلم أو يعمل لله بطاعته، وإذا رأى لاحد
فضلا في العمل والعبادة حسده ووقع فيه، فيحمله على عاتقه ويلعنه عمله
قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وحج وعمرة فيتجاوزون به
إلى السماء السادسة، فيقول الملك: قفوا انا صاحب الرحمة واضربوا بهذا العمل وجه
صاحبه، واطمسوا عينيه لان صاحبه لم يرحم شيئا إذا أصاب عبدا من عباد الله ذنب
للآخرة أو ضر في الدنيا شمت به امرني به ربى ان لا أدع عمله يجاوزني قال: وتصعد
الحفظة بعمل العبد بفقه واجتهاد وورع وله صوت كالرعد، وضوء كضوء البرق، ومعه
ثلاثة آلاف ملك، فتمر به إلى ملك السماء السابعة، فيقول الملك: قفوا واضربوا
بهذا العمل وجه صاحبه انا ملك الحجاب أحجب كل عمل ليس لله انه أراد رفعة عند
القواد وذكرا في المجالس وصيتا في المدائن امرني ربى ان لا أدع عمله يتجاوزني إلى
غيري ما لم يكن لله خالصا
قال وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من صلاة وزكاة وصيام وحج وعمرة
وحسن الخلق وصمت وذكر كثير تشيعه ملائكة السماوات والملائكة السبعة بجماعتهم،
فيطؤن الحجب كلها حتى يقوموا بين يديه سبحانه فتشهدوا له بعمل ودعاء فيقول:
أنتم حفظة عمل عبدي، وانا رقيب على ما في نفسه انه لم يردني بهذا العمل عليه لعنتي،
فيقول الملائكة: عليه لعنتك ولعنتنا قال: ثم بكى معاذ قال: قلت: يا رسول الله ما أعمل
وأخلص فيه؟ قال: اقتد بنبيك يا معاذ في اليقين قال: قلت: أنت رسول الله وانا معاذ
قال: وإن كان في عملك تقصير يا معاذ فاقطع لسانك عن إخوانك، وعن حملة القرآن،
ولتكن ذنوبك عليك لا تحملها على إخوانك، ولا تزك نفسك بتذميم إخوانك، ولا ترفع
نفسك بوضع إخوانك، ولا تراء بعملك، ولا تدخل من الدنيا في الآخرة، ولا تفحش
في مجلسك لكي يحذروك لسوء خلقك، ولا تناج مع رجل وأنت مع آخر، ولا تعظم
على الناس فتنقطع عنك خيرات الدنيا، ولا تمزق الناس فتمزقك كلاب أهل النار قال
229

الله تعالى (والناشطات نشطا) (1) أفتدري ما الناشطات؟ انه كلاب أهل النار تنشط
اللحم والعظم قلت: ومن يطيق هذه الخصال؟ قال: يا معاذ انه يسير على من يسره الله
تعالى عليه قال: وما رأيت معاذا يكثر تلاوة القرآن كما يكثر تلاوة هذا الحديث (2).

(1) النازعات: 2.
(2) عن سليمان خالد قال: سئلت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل (وقدمنا إلى
ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) الفرقان: 23. قال: اما والله وان كانت أعمالهم أشد
بياضا من القباطي ولكن كانوا إذا عرض لهم حرام لم يدعوه قال في (مرآة): وفيه دلالة
على حبط الطاعات بالفسوق، والاحباط عبارة عن ابطال الحسنة بعدم ترتب ما يتوقع منها عليها
ويقابله التكفير وهو اسقاط السيئة بعدم جريان مقتضاها عليها - واختلف العلماء فيهما شدة
الاختلاف وبين آرائهم ثم قال: - ان أصل الاحباط والتكفير مما لا يمكن انكاره لاحد من
المسلمين ولا خلاف بين من يعتد به من أهل الاسلام في أن كل مؤمن صالح يدخل الجنة خالد ا
فيها حقيقة، وكل كافر يدخل النار خالدا فيها كذلك، واما المؤمن الذي خلط عملا صالحا بغير عمل
صالح فاختلفوا فيه - وساق الكلام إلى أن قال - لا يقول: باذهاب كل معصية كل طاعة
وبالعكس كما ذهب إليه المعتزلة بل نتبع في ذلك النصوص الواردة في ذلك
فكل معصية وردت في الكتاب أو في الآثار الصحيحة انها ذاهبة أو منقصة لثواب جميع الحسنات
أو بعضها نقول به وبالعكس تابعين للنص في جميع ذلك انتهى بعض كلامه في المقام بعد التلخيص
باب اجتناب الحارم. ولقد استوفى البحث في الحبط، واحكام الأعمال كمال الاستيفاء في (الميزان)
ج 2 ص 157 - 180. ولم يكن هذا المختصر موضع إطالة الكلام.
230

الباب الخامس فيما الحق بالدعاء وهو الذكر
ولما كان المقصود من هذا الكتاب التنبيه على فضل الدعاء والإشارة إلى ما
يستظهر به الداعي، واشتمل من ذلك على نبذة مقنعة وجملة كافية أجبنا ان نردف
ذلك بما يساوى الدعاء في الفضل والتحثيث عليه، وقيامه مقامه في تحصيل المراد
ودفع الأهوال الشداد، وهو الذكر وقد ظهر مما ذكرناه من فوائد الدعاء انه يبعث عليه
العقل والنقل من الكتاب والسنة، وانه يرفع البلاء الحاصل، ويدفع السوء النازل، ويحصل
به المراد من جلب النفع وتقرير الحاصل منه ودوامه، فاشتمل الذكر على كل هذه
الأمور وستري ذلك فيما نبينه فنقول: الذكر محثوث عليه ومرغوب فيه، ويدل عليه
العقل والنقل:
اما الأول فبما دل عليه من وجوب شكر المنعم، والشكر قسم من أقسام الذكر
ولأنه دافع للضر المظنون، وكل ضرر ظن حصوله وجب دفعه مع القدرة عليه.
اما الأولى فلما رواه الحسين بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله ما من قوم اجتمعوا في مجلس فلم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيهم الا كان ذلك
المجلس حسرة ووبالا عليهم يوم القيامة (1).

(1) قوله: الا كان ذلك المجلس حسرة لا يدل على الوجوب لان ترك كل ما يوجب
الاجر
في الآخرة سبب للحسرة والندامة في القيامة، والمراد بالذكر كل ما يصير سببا لخطور الله
سبحان بالبال وإطاعة أوامر الله وترك نواهيه، وذكر أوامر الله ونواهيه، والتفكر في كل ما يجوز
التفكر فيه من صفات الله سبحانه ومحامده، وتذكر جميع ذلك بالقلب واللسان، وذكر أصفياء
الله من أنبيائه وحججه وذكر مناقبهم وفضائلهم ودلائل إمامتهم فقد ورد في
الاخبار إذا ذكرنا ذكر الله
وإذا ذكر أعدائنا ذكر الشيطان، وذكر المعاد والحشر والحساب والصراط والميزان وا لجنة
والنار، وذكر احكام الله تعالى، وما يدل عليها من الكتاب والسنة، وحفظ آثار ا لرسول والأئمة
عليهم السلام ونشر اخبارهم وجميع الطاعات والعبادات كل ذلك من ذكر الله إذا كان موافقا
لما أمر الله به مع تصحيح النية، واما العبادات المبتدعة والأذكار المخترعة وما لم يكن خالصا
لله فليس من ذكر الله في شئ بل هي أسباب للبعد من الله واستحقاق اللعنة (مرآة).
231

وعن الصادق عليه السلام: ما اجتمعه قوم في مجلس لم يذكروا الله، ولم يذكرونا الا كان
ذلك المجلس حسرة عليهم يو القيامة.
وقال عليه السلام: يموت المؤمن بكل ميتة الا الصاعقة لا تأخذه وهو يذكر الله (1)
واما الثانية فضرورية.
واما النقل: فمن الكتاب والسنة، اما الكتاب فآيات: منها قوله تعالى لنبيه
(قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) (2) وقوله تعالى (واذكر ربك في نفسك تضرعا
وخفية) (3) وقوله تعالى (فاذكروني أذكركم) (4) وقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا
اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا) (5)
واما السنة فكثيرة يفضى استقصائه إلى تطويلات فلنقتصر منه على روايات:
الأول روى محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

(1) قوله: الميتة: الحال والهيئة، والصاعقة: النازلة من الرعد ويدل الحديث
على أن
الصاعقة في حال الذكر لا يصيب المؤمن (مرآة).
(2) الانعام: 91.
(3) الأعراف: 204.
(4) البقرة: 152.
(5) الأحزاب: 41.
232

ان الله تعالى يقول: من شغل بذكرى عن مسئلتي أعطيته أفضل ما اعطى من سئلني (1)
واعلم أن هذا الخبر وحده كاف فيما نحن بصدده لأنه قد سد مسد الدعاء وفضل عليه،
فكلما قاد إليه الدعاء من الفوائد فالذكر قائد إليه.
الثاني روى هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام: ان العبد ليكون له الحاجة
إلى الله عز وجل فيبدء بالثناء والصلاة على محمد وآل محمد حتى ينسى حاجته
فيقضيها الله من غير أن يسئله.
الثالث روى عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه قال: من شغلته عبادة الله عن مسئلته أعطاه الله
أفضل ما يعطى السائلين.
الرابع عن الصادق عليه السلام قال: قال الله تعالى. من ذكرني في ملاء الناس ذكرته
في ملاء من الملائكة.
الخامس روى ابن القداح عنه عليه السلام: ما من شئ الا وله حد ينتهى إليه الا الذكر
فليس له حد ينتهى إليه، فرض الله الفرائض فمن أداهن فهو حدهن، وشهر رمضان فمن
صامه فهو حده، والحج فمن حج فهو حده الا الذكر فان الله لم يرض فيه بالقليل، ولم
يجعل له حدا ينتهى إليه ثم تلا (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه
بكرة وأصيلا) فلم يجعل الله له حدا ينتهى إليه قال: وكان أبى كثير الذكر لقد كنت
أمشى معه، وانه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وانه ليذكر الله، ولو كان يحدث ا لقوم
ما يشغله ذلك عن ذكر الله، وكنت أرى لسانه لاصقا بحنكه يقول: لا إله إلا الله، وكان
يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس، وكان يأمر بالقراءة من كان يقرء منا، ومن
كان لا يقرء منا امره بالذكر، والبيت الذي يقرء فيه القرآن ويذكر الله فيه تكثر
بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويضئ لأهل السماء كما يضئ الكواكب
للسؤال عن
حاجته وقضائها قضى الله حاجته، ويمكن التعميم بحيث يشمل أيضا من أراد السؤال ونسيه ويمكن
حمله على أنه بعد النسيان صارت نية خالصة (مرآة). (*)
233

لأهل الأرض، والبيت الذي لا يقرء فيه القرآن ولا يذكر الله فيه تقل بركته وتهجره الملائكة.
وتحضره الشياطين (1).
وقال عليه السلام: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: من خير أهل المسجد؟ فقال:
أكثرهم ذكرا.
السادس روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: شيعتنا الذين إذا خلو اذكروا
الله كثيرا (2).
السابع عنه عليه السلام قال: قال الله تعالى لموسى عليه السلام: أكثر ذكرى بالليل والنهار،
وكن عند ذكرى خاشعا.
الثامن عنه عليه السلام قال: قال الله تعالى: يا ابن آدم اذكرني في ملاء أذكرك في ملاء
خير من ملائك (3).
التاسع عن النبي صلى الله عليه وآله أربع لا يصيبهن الا مؤمن: الصمت وهو أول العبادة،

(1) قوله ما من شئ أي مما كلف الانسان به قوله: الا الذكر في الأول استثناء
متصل
من ضمير له، وفى الثاني استثناء منقطع من قوله: الفرائض وشهر رمضان والحج،
والمراد بالفرايض الصلوات الخمس قوله: فهو حدهن الضمير راجع إلى مصدر أداهن وهو مبتداء
وقائم مقام عايد الموصول بتقدير فتأديته إياهن قوله: فهو حده الضمير فيه راجع إلى مصدر
صامه بتقدير فصومه إياه، وكذا في الثالث بتقدير فحجه، والحد خبر في الجميع - ثم اختلف
في معنى الذكر الكثير فقيل: - ان لا ينساه ابدا وقيل: ان يذكره سبحانه بصفاته العلى وأسمائه
الحسنى وينزهه عمالا يليق به - وقيل: أقوال أخر يطول بذكرها ومن أراد التفصيل يرجع باب
الذكر من (مرآة).
(2) قد تقدم آنفا معنى الذكر الكثير ذيلا راجع.
(3) المراد بالملأ الأول: الجماعة من الناس، وبالملأ الثاني الملائكة، ولعل
المراد بذكر الله في الملاء الثناء عليه بحيث يسمعهم لا الذكر فيما بينهم لتصح المطابقة بين
القرينتين (مرآة).
234

والتواضع لله سبحانه وتعالى، وذكر الله على كل حال، وقلة الشئ. يعنى قلة المال.
العاشر عن الصادق عليه السلام: يموت المؤمن بكل ميتة: يموت غرقا، ويموت بالهدم
ويبتلي بالسبع، ويموت بالصاعقة، ولا يصيب ذاكر الله. وفى رواية أخرى ولا يصيبه
وهو يذكر الله (1).
الحادي عشر في بعض الأحاديث القدسية أيما عبد اطلعت على قلبه فرأيت الغالب
عليه التمسك بذكرى توليت سياسته، وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه.
الثاني عشر عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال الله سبحانه: إذا علمت أن الغالب على عبدي
الاشتغال نقلت شهوته في مسئلتي ومناجاتي، فإذا كان عبدي كك فأراد ان يسهو حلت
بينه وبين ان يسهو أولئك أوليائي حقا أولئك الابطال حقا: أولئك الذين إذا أردت ان
أهلك الأرض عقوبة زويتها عنهم من اجل أولئك الابطال.
الثالث عشر عنه عليه السلام قال: مكتوب في التورية التي لم تغير أن موسى سئل ربه
فقال: يا رب أقريب أنت منى فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ فأوحى إليه يا موسى انا جليس
من ذكرني فقال موسى: فمن في سترك يوم لاستر الا سترك؟ فقال: الذين يذكروني
فأذكرهم، ويتحابون في فاحبهم، فأولئك الذين إذا أردت ان أصيب أهل الأرض بسوء
ذكرتهم فدفعت عنهم بهم (2).
الرابع عشر روى شعيب الأنصاري وهارون بن خارجة قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام:

(1) قد مضى نظير الحديث في ص 232 مع معناه ذيلا
(2) قوله: في التورية التي لم تغير يدل على أن التورية التي في أيدي أهل الكتاب مغيرة محرفة
وان كتب الله كما أنزلت عندهم عليهم السلام كالقرآن المجيد. أقريب أنت كان الغرض السؤال
عن آداب الدعا مع عمله بأنه أقرب إلينا من حبل الوريد بالعلم والقدرة والعلية أي أتحب ان أناجيك
كما يناجى القريب أو أناديك كما ينادى البعيد وبعبارة أخرى إذا نظرت إليك فأنت أقرب، من
كل قريب وإذا نظرت إلى نفسي أجدني في غاية البعد فلا أدرى في دعائي لك أنظر إلى حالي أو إلى
حالك
ويحتمل أن يكون السؤال للغير، أو من قبلهم كسؤال الرؤية (مرآة).
235

ان موسى انطلق ينظر في اعمال العباد فأتى رجلا من أعبد الناس، فلما امسى الرجل
حرك شجرة إلى جنبه فإذا فيها رمانتين قال: فقال: يا عبد الله من أنت؟ انك عبد صالح
انا هيهنا منذ ما شاء الله ما أجد في هذه الشجرة الا رمانة واحدة، ولولا انك عبد صالح
ما وجدت رمانتين قال: انا رجل أسكن ارض موسى بن عمران قال: فلما أصبح قال: تعلم
أحدا أعبد منك؟ قال: نعم فلان الفلاني قال: فانطلق إليه فإذا هو أعبد منه كثيرا، فلما
أمسى اوتى برغيفين وماء فقال: يا عبد الله من أنت؟ انك عبد صالح انا هيهنا منذ ما شاء الله
وما اوتى الا برغيف واحد، ولولا انك عبد صالح ما اتيت برغيفين فمن أنت؟ قال: انا رجل
أسكن ارض موسى بن عمران، ثم قال موسى: هل تعلم أحدا أعبد منك؟ قال: نعم فلان
الحداد في مدينة كذا وكذا قال: فأتاه فنظر إلى رجل ليس بصاحب العبادة بل إنما هو
ذاكر لله تعالى، وإذا دخل وقت الصلاة قام فصلى، فلما أمسى نظر إلى غلته فوجدها قد أضعفت.
فقال: يا عبد الله من أنت؟ انك عبد صالح انا هيهنا منذ ما شاء الله غلتي قريب بعضها من بعض
والليلة قد أضعفت فمن أنت؟
قال: انا رجل أسكن ارض موسى بن عمران قال: فأخذ ثلث غلته فتصدق بها
وثلثا أعطى مولى له وثلثا أشترى به طعاما فأكل هو وموسى قال: فتبسم موسى، فقال
من أي شئ تبسمت؟ قال دلني نبي بني إسرائيل على فلان فوجدته من أعبد الخلق،
فدلني على فلان فوجدته أعبد منه، فدلني فلان عليك وزعم انك أعبد منه ولست أراك
شبه القوم قال: انا رجل مملوك أليس تراني ذاكر الله؟ أوليس تراني اصلى الصلاة لوقتها، وان
أقبلت على الصلاة أضررت بغلة مولاي وأضررت بعمل الناس أتريدان تأتى بلادك؟ قال: نعم قال:
فمرت به سحابة فقال الحداد: يا سحابة تعالى فجائت قال: أين تريدين؟ قالت: أريد ارض
كذا وكذا قال: انصرفي، ثم مرت به أخرى فقال: يا سحابة تعالى فجائت: فقال: ا ين
تريدين؟ فقالت: أريد ارض كذا وكذا قال: انصرفي، ثم مرت به أخرى فقال: يا سحابة
تعالى فجائته فقال: أين تريدين؟ قالت: أريد ارض موسى بن عمران قال: فقال: احملي هذا
236

حمل رقيق وضعية في ارض موسى بن عمران وضعا رقيقا قال: فلما بلغ موسى بلاده
قال: يا رب بما بلغت هذا ما أرى؟ قال تعالى: ان عبدي هذا يصبر (1) على بلائي ويرضى (2)
بقضائي ويشكر على نعمائي (3)
الخامس عشر روى الحسن بن أبي الحسن الديلمي في كتابه عن وهب بن منية
(منبه) قال: أوحى الله تعالى إلى داود يا داود من أحب حبيبا صدق قوله، ومن رضى بحبيب
رضى بفعله، ومن وثق بحبيب اعتمد عليه، ومن اشتاق إلى حبيب جد في السير إليه، يا داود
ذكرى للذاكرين، وجنتي للمطيعين، وحبى، للمشتاقين، وانا خاصة للمحبين.

(1) عن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال: الصبر رأس الايمان. قال: في (
مرآة):
الصبر حبس النفس عن الجزع عند المكروه، وهو يمنع الباطن عن الاضطراب واللسان عن
الشكاية والأعضاء عن الحركات الغير المعتادة، وان الصبر يكون على البلاء وعلى فعل الطاعة،
وعلى ترك المعصية وعلى سوء أخلاق الخلق قوله: رأس الايمان هو من قبيل تشبيه المعقول
بالمحسوس، ووجه الشبه: ان الانسان ما دام في تلك النشأة هو مورد للمصائب ومحل للحوادث
ومبتلى بتحمل الأذى من بنى نوعه في المعاملات ومكلف بفعل الطاعات وترك المنهيات
والمشتهيات وكل ذلك ثقيل على النفس لا تشتهيها بطبعها فلابد أن يكون فيه قوة ثابتة وملكة
راسخة بها يقتدر على حبس النفس على هذه الأمور الشاقة وهي المسماة بالصبر، ومن البين ان
الايمان الكامل بل نفس التصديق أيضا يبقى ببقائه ويفنى بفنائه فلذلك هو من الايمان بمنزلة
الرأس من الجسد (مرآة). بعد التلخيص.
(2) عن أبي عبد الله (ع) قال: ان أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله تعالى قال في
(مرآة) في معنى الحديث: يدل على أن الرضا بالقضاء تابع للعلم والمعرفة، وانه قابل للشدة
والضعف مثلهما، وذلك لان الرضا مبنى على العلم بأنه سبحانه قادر قاهر عدل حكيم لطيف
بعباده لا يفعل بهم الا الأصلح وانه المدبر للعالم وبيده نظامه فكلما كان العلم بتلك الأمور أتم كان
الرضا بقضائه أكمل وأعظم، وأيضا الرضا من ثمرات المحبة والمحبة تابعة للمعرفة فإذا كملت المحبة
كلما أتاه من محبوبه التذ به هذه أعلى مدارج الكمال (مرآة).
(3) قد ذكرنا معنى الشكر في ص 225 عند ذكر علاج العجب ذيلا بالتفصيل.
237

وقال سبحانه: أهل طاعتي في ضيافتي، وأهل شكري في زيادتي، وأهل ذكرى
في نعمتي، وأهل معصيتي لا أئيسهم من رحمتي ان تابوا فأنا حبيبهم، وان دعوا
فأنا مجيبهم، وان مرضوا فأنا طبيبهم أداويهم بالمحن والمصائب، ولا طهرهم من
الذنوب والمعايب.
السادس عشر عن النبي صلى الله عليه وآله ما جلس قوم يذكرون الله الا ناداهم مناد من السماء
قوموا فقد بدلت سيئاتكم حسنات (1) وغفرت لكم جميعا، وما قعد عدة من أهل الأرض
يذكرون الله الا قعد معهم عدة من الملائكة.
السابع عشر روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج على أصحابه فقال: ارتعوا في رياض
الجنة
قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: مجالس الذكر اغدوا وروحوا (2) واذكروا،
ومن كان يحب ان يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده فان الله تعالى ينزل
العبد حيث أنزل العبد الله من نفسه، واعلموا أن خير أعمالكم وأزكاها
وارفعها في درجاتكم وخير ما طلعت عليه الشمس ذكر الله سبحانه فإنه أخبر عن نفسه
فقال: انا جليس من ذكرني، وقال سبحانه (فاذكروني أذكركم) (3) بنعمتي، واذكروني
بالطاعة والعبادة أذكركم بالنعم والاحسان والرحمة والرضوان.

(1) قال في (الميزان): والذي يفيده ظاهر قوله تعالى (فأولئك يبدل الله سيئاتهم
حسنات) الفرقان: 70 وقد ذيله بقوله (وكان الله غفورا رحيما) ان كل سيئة منهم نفسها تتبدل
حسنة، وليست السيئة، هي متن الفعل الصادر من فاعله وهو حركات خاصة مشتركة
بين السيئة والحسنة كعمل المواقعة مثلا المشترك بين الزناء النكاح، بل صفة الفعل من حيث
موافقته لأمر الله ومخالفته له مثلا من حيث إنه يتأثر به الانسان ويحفظ عليه، دون الفعل الذي
هو مجموع حركات متصرمة مقتضية فانية وكذا عنوانه القائم به الفاني بفنائه وهذه ا لاثار
السيئة التي يتبعها العقاب أعني السيئات لازمة للانسان حتى يؤخذ بها يوم تبلى السرائر ولولا
شوب من الشقوة والمسائة في الذات لم يصدر عنها عمل سئ وإذا تطهرت بالتوبة والعمل
الصالح فتبدلت ذاتا سعيدة تتبدل آثارها اللازمة التي كانت سيئات انتهى موضع الحاجة
منه ملخصا (2) قوله: اغدوا وروحوا: أريد بهما الدوام أي أصبحوا وأمسوا ذاكرين (المجمع).
(3) البقرة: 152.
238

الثامن عشر عنهم عليهم السلام ان في الجنة قيعانا (1) فإذا أخذ الذاكر في الذكر
أخذت الملائكة في غرس الأشجار، فربما وقف بعض الملائكة فيقال له: لم وقفت؟
فيقول: ان صاحبي قد فتر يعنى عن الذكر.
فصل ويستحب الذكر في كل وقت ولا يكره في حال من الأحوال:
روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بذكر الله وأنت تبول فان ذكر الله حسن
على كل حال ولا تسأم من ذكر الله (2).
وعنه عليه السلام فيما أوحى الله تعالى إلى موسى يا موسى لا تفرح بكثرة المال
ولا تدع بذكرى على حال فان كثرة المال (تنشأ) تنسى الذنوب، وان ترك ذكرى
يقسى القلب (3)
وعن أبي حمزة عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال مكتوب في التورية التي
لم تغير ان موسى سئل ربه فقال: الهى يأتي على مجالس أعزك واجلك ان أذكرك فيها
فقال: يا موسى ان ذكرى حسن على كل حال.
واعلم أن الله سبحانه ربما ابتلى العبد ليذكره ويدعوه إذا كان يحب ذكره كما تقدم
في الدعاء (4).

(1) القاع والقيعة بمعنى وهو المستوى من الأرض وجمع القاع اقوع واقواع
وقيعان
بقلب الواو ياء (المجمع).
(2) يدل الحديث على استحباب الذكر في حال الجنابة والخلاء وساير الأحوال الخسيسة
وربما يستدل به على جواز قراءة القران للجنب والحائض (مرآة).
(3) قوله: فان كثرة المال تنسى الذنوب لان الانسان يطغى إذا استغنى، وكثرة المال
موجبة لحسبة والغفلة عن ذنوبه بل يسول له الشيطان ان وفور المال لقربه من ربه فلا يبالي
بكثرة ذنوبه: وترك الذكر على أي ال كان موجب لقساوة القلب وغلطته والقلب القاسي بعيد
عن ربه (مرآة).
(4) وتقدمت في ص 25 رواية مصرحة بذلك.
239

روى أبو الصباح قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما أصاب المؤمن من بلاء أفبذنب؟
قال: لا ولكن يسمع الله أنينه وشكواه ودعائه ليكتب له الحسنات ويحط عنه السيئات،
وان الله ليعتذر إلى عبده المؤمن كما يعتذر الأخ إلى أخيه فيقول: لا وعزتي ما أفقرتك
لهوانك على، فارفع هذا الغطاء فيكشف فينظر ما في عوضه فيقول: ما ضرني يا رب
ما زويت عنى، وما أحب الله قوما الا ابتلاهم. وان عظيم الاجر لمع عظيم البلاء، وا ن الله
يقول: ان من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح لهم أمر دينهم الا بالغنى والصحة في البدن
فأبلوهم به، وان من العباد لمن لا يصلح لهم أمر دينهم الا بالفاقة والمسكنة والسقم
في أبدانهم فأبلوهم فيه فيصلح لهم أمر دينهم، وان الله أخذ ميثاق المؤمن على أن
يصدق في مقالته ولا ينتصر من عدوه، وان الله إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا فإذا دعا قال له
لبيك عبدي انى على ما سئلت لقادر وان ما ادخرت لك فهو خير لك (1).
وان حواريين عيسى شكوا إليه ما يلقون من الناس فقال: ان المؤمنين لا يزالون
في الدنيا منغصين.
وعن النبي صلى الله عليه وآله ان في الجنة منازل لا ينالها العباد بأعمالهم ليس لها علاقة
من فوقها ولا عماد من تحتها قيل: يا رسول الله من أهلها؟ فقال صلى الله عليه وآله: هم أهل البلاء
والهموم (2).

(1) قوله: ان عظيم الاجر لمع عظيم البلاء يدل على أن عظيم البلاء سبب لعظيم
الاجر
وعلامة لمحبة الرب الرحيم إذا كان في المؤمن الكريم قوله: غته بالبلاء غنا أي يغمسه فيه
غمسا متتابعا والبلاء اسم مثل سلام من بلاه يبلوه أي امتحنه (مرآة)
(2) يدل على أن بعض درجات الجنة يمكن البلوغ إليها بالعمل والسعي، وبعضها
لا يمكن الوصول إليها الا بالابتلاء فيمن الله تعالى على من أحب من عباده بالابتلاء ليصلوا
إليها (مرآة).
240

فصل ولا ينبغي ان يخلو للانسان مجلس عن ذكر الله ويقوم منه بغير ذكر.
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا الله لم يذكرونا
الا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: ان ذكرنا من ذكر الله
وذكر عدونا من ذكر الشيطان (1).
وعنه عليه السلام من أراد ان يكتال بالمكيال الا وفى فليقل إذا أراد القيام من مجلسه
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) (2).
وروى الحسن بن أبي الحسن الديلمي عن النبي صلى الله عليه وآله ان الملائكة يمرون
على حلق الذكر، فيقومون على رؤوسهم ويبكون لبكائهم ويأمنون لدعائهم، فإذا صعدوا
السماء يقول الله تعالى: يا ملائكتي أين كنتم؟ وهو أعلم فيقولون: يا ربنا انا حضرنا مجلسا
من مجالس الذكر فرأينا أقواما يسبحونك ويمجدونك ويقدسونك ويخافون نارك
فيقول الله سبحانه: يا ملائكتي ازووها عنهم وأشهدكم انى قد غفرت لهم وآمنتهم مما
يخافون، فيقولون ربنا: ان فيهم فلانا وانه لم يذكرك فيقول: قد غفرت له بمجالسته
لهم فان الذاكرين من لا يشقى بهم جليسهم.
فصل ويتأكد استحباب الذكر إذا كان في الغافلين تحصينا من قارعة ينزل بهم
فينجوا بذكره ولعلهم ينجون به.

(1) قال في (مرآة): وقيل: الواو في قوله: ولم يذكرونا حالية إشارة إلى أن ذكر الله
لا يتصور بدون ذكرنا قوله: ثم قال كلام أبو بصير والحاصل ان من لم يعرفهم لم يعرف الله تعالى.
(2) قوله: ان يكتال على بناء المعلوم والمكيال ما يكال به والمعنى من أراد ان
يأخذ الثواب من الله على الوجه الأكمل من غير نقص فليقرء هذه الآية فهو كناية عن كثرة
الثواب وعظمته وكأنه - أي الكيل - على التمثيل واحتمل الحقيقة كما يوزن بالميزان في القيامة
(مرآة) الصافات: 180.
241

ولقول الصادق عليه السلام الذاكر لله في الغافلين كالمقاتل عن (في) الهاربين
(في المحاربين) (1).
وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله: ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل في الفارين، والمقاتل
في الفارين له الجنة.
وعن النبي صلى الله عليه وآله من ذكر الله في السوق مخلصا عند غفلة الناس وشغلهم بما (هم)
فيه كتب الله له الف حسنة ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر.
فصل وأفضل أوقاته عند الاصباح والامساء وبعد الصبح والعصر.
قال رسول الله: صلى الله عليه وآله: قال الله تعالى: يا ابن آدم اذكرني بعد الصبح ساعة وبعد العصر
ساعة أكفك ما أهمك.
وقال الباقر عليه السلام: ان إبليس عليه لعاين الله يبث جنود الليل من حين تغيب
الشمس وحين تطلع فأكثر واذكر الله حين هاتين الساعتين، وتعوذوا بالله من شر إبليس
وجنوده. وعوذوا صغاركم في تلك الساعتين فإنهما ساعتا غفلة (2)

(1) قوله: في المحاربين أي الهاربين أو الحاضرين في الحرب الذين لم يحاربوا
:
وقيل: كلمة في الأول ظرفية وفى الثاني للسببية أي كما أن حرب غير الفارين يدفع ضرر
العدو عن الفارين لئلا يعاقبوهم، كذلك ذكر الذاكرين يدفع ضرر الشيطان عن الغافلين وأقول:
كان الغرض التشبيه في كثرة الثواب، أو رفع نزول العذاب عن الغافلين وأقول:
كان الغرض التشبيه في كثرة الثواب، أو رفع نزول العذاب عن الغافلين وهو من قبيل تشبيه
الهيئة بالهيئة أو المفرد بالمفرد (مرآة).
(2) قوله: يبث جنود الليل كان فيه حذفا أي وجنود النهار بقرينة السياق: فإنهما ساعتا
غفلة أي يغفل الناس فيهما عن ذكر الله فائدة اعلم أن الآيات المتكاثرة والأخبار المتواترة
تدل على فضيلة الدعاء والذكر في هذين الوقتين وفيه علل كثيرة: الأولى شكر النعم التي
مضت على الانسان في اليوم الماضي أو الليلة الماضية. الثانية انه يستقبل يوما أو ليلة يمكن
نزول البلاء فيه أو يحصل له فيه صنوف الخيرات فلا بدله من تمهيد ما يستجلب له
الخيرات ويدفع
عنه الآفات. الثالثة ان في هذين الوقتين الفراغ للعبادة والذكر أكثر من ساير الا وقات.
الرابعة ان فيهما تظهر قدرة الله الجليلة من اذهاب الليل والاتيان بالنهار وبالعكس فيستحق
بذلك ثناء طريفا. الخامسة انه يظهر في الوقتين ظهورا بينا ان جميع الممكنات في معرض
التغير والتبدل وهو سبحانه باق على حال لا يعتر به الزوال فيتنبه العارف انه سبحانه المستحق
للتسبيح. السادسة انه ينبغي للانسان ان يحاسب نفسه كل ساعة سيما في هذين الوقتين اللذين
هما وقتا صعود ملائكة الليل والنهار. هذا ملخص الكلام مما في (مرآة) ومن أراد تفصيله
يرجع باب الذكر منه.
242

وقال الصادق عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى (وظلالهم بالغدو والآصال) قال: هو الدعاء
قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهي ساعة إجابة (1).
فصل ويستحب الاسرار بالذكر لأنه أقرب إلى الاخلاص وأبعد من الرياء
قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي ذر: يا أبا ذر أذكر الله ذكرا خاملا قلت: ما الخامل؟
قال: الخفي.
وقال أمير المؤمنين من ذكر الله في السر فقد ذكر الله كثيرا ان المنافقين
كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر فقال الله (يراؤون الناس ولا يذكرون الله

(1) والآية هكذا (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم
بالغدو
والآصال) الرعد: 16 وأطال الكلام عند نقل الأقوال في معناها في (مرآة) ونقلنا واحدا
منها فقط حذرا من الإطالة قال: وقال الراغب: السجود أصله التطامن والتذلل وذلك ضربان
سجود باختيار وليس ذلك الا للانسان وبه يستحق الثواب، وسجود بتسخير وهو للانسان والحيوان
والنبات وعلى ذلك الآية الشريفة، وقوله تعالى: يتفيؤا ظلاله الآية وهو الدلالة الصامتة الناطقة
المنبهة على كونها مخلوقة لفاعل حكيم انتهى ملخصا.
243

الا قليلا) (1).
وقال الصادق عليه السلام: قال الله تعالى: من ذكرني سرا ذكرته علانية (2).
وروى زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: لا يكتب الملك الا ما سمع وقال الله (وا ذكر
ربك في نفسك تضرعا وخيفة) فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير الله
لعظمته (3)
روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في غزاة فاشرفوا على واد فجعل الناس يهللون ويكبرون
ويرفعون أصواتهم فقال صلى الله عليه وآله يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم (4) اما انكم لا تدعون
أصما ولا غائبا وإنما تدعون سميعا قريبا معكم.
فصل وينقسم الذكر اقساما:
فمنه التحميد: روى سعيد القماط عن الفضل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

(1) قوله: الا قليلا أي ذكرا قليلا ومعناه لا يذكرون الله عن نية خالصة ولو ذكروه
مخلصين
لكان كثيرا وإنما وصف بالقلة لأنه لغير الله وقيل: إنما وصف الذكر بالقلة لأنه سبحانه لم يقبله
وكلما يرد الله فهو قليل - وقيل: أقوال أخر تركناها لئلا طول - (مرآة) الرعد: 16.
(2) قوله: من ذكرني سرا أي في قلبه أو في الخلوة أو بالاخفات الذي يقابل الجهر:
ذكرته علانية أي في القيامة باظهار شرفه وفضله، أو وفير ثوابه، أو في الملاء الاعلى،
أو ذكره بالجميل في الدنيا على السن العباد (مرآة) وقد مر تفصيل الكلام في الذكر في
ص 231 ذيلا.
(3) قوله: لا يكتب الملك الا ما سمع أي من الأذكار فان الملك يكتب غير المسموعات
من أفعال الجوارح أيضا، والغرض بيان عظمة ذكر القلب لبعده عن الرياء فإنه لا يطلع عليه
الملك ولا ينافي ذلك ما روى: الملك يعرف قصد الحسنة والسيئة بريح نفس الانسان لأنه يمكن
أن يكون ذلك لتعلقه بالافعال الظاهرة الصادرة من الجوارح (مرآة) الأنفال: 204.
(4) يقال: أربع عليك أو على نفسك: أي توقف (أقرب).
244

جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي: احمد الله فإنه لا يبقى أحد يصلى الا دعا لك يقول:
سمع الله لمن حمده (1).
وروى عن النبي صلى الله عليه وآله: كل كلام لا يبدء فيه بالحمد فهو اقطع (2).
وروى أبو مسعود عن أبي عبد الله قال: من قال أربع مرات إذا أصبح (الحمد لله
رب العالمين) فقد أدى شكر يومه، ومن قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليلته.
وعن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من قال (الحمد لله كما هو أهله)
فقد شغل كتاب السماوات فيقولون: اللهم لا نعلم الغيب فيقول الله: اكتبوها كما قالها عبدي
وعلى ثوابها.
صورة التمجيد: روى علي بن حسان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام
كل دعاء لا يكون قبله تمجيد فهو أبتر إنما التمجيد ثم الثناء قلت: وما أدنى ما يجز ى
من التمجيد؟ قال: تقول (اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ وأنت الآخر فليس بعد ك
شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ وأنت العزيز الحكيم) (3).

(1) عدى سمع باللام مع أنه متعد بنفسه لأنه ضمن معنى استجاب تعدى بما تعدى
به
وفى هذه الرواية تصريح بكونها دعاء يقال: أسمع دعائي أي أجب لان غرض السائل الإجابة والقبول
،
والحمد هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها (مرآة).
(2) والمراد بالقطع النقص أو القطع النقص أو القطع من أصله أو القطع من القبو ل، أو الصعود (
مرآة).
(3) قوله: أنت الأول أي السابق على الأشياء كلها فإنه موجدها ومبدعها: والآخر
الباقي وحده بعدان يفنى الخلق كلها وقيل: الآخر الذي هو منتهى السلوك فإنه منه بدأ واليه
يعود وقيل: الآخر بحسب الغايات فدل على أنه منتهى كل غاية ومرجع كل حاجة: وأنت الظاهر
أي الغالب القادر على جميع الأشياء فلما حصره فيه قال فلا شئ فوقك يغلبك ويقدر عليك وقيل:
أي الظاهر بالدلائل والآثار: وأنت الباطن أي المحتجب عن ابصار الخلائق وأوهامهم وقيل:
هو العالم بما بطن، أو ان المعنى ليس أقرب منك شئ من الأشياء هذا ما لخصناه ويطلب التفصيل
من باب الذكر في (مرآة).
245

وبهذا الاسناد قال: سئلت أبا عبد الله عليه السلام ما أدنى ما يجزى من التحميد (التمجيد)
قال: تقول (الحمد لله الذي علا فقهر والحمد لله الذي بطن فخبر والحمد لله الذي يحيى
الموتى ويميت الاحياء وهو على كل شئ قدير).
ومنه التهليل والتكبير: روى ربعي عن فضيل عن أحدهما عليهما السلام: أكثر وامن
التهليل والتكبير فإنه ليس شئ أحب إلى الله من التكبير والتهليل (1) -
وعن النبي صلى الله عليه وآله: خير العبادة قول (لا إله إلا الله).
ومنه التسبيح: روى يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من قال
(سبحان الله) مأة مرة كان ممن ذكر الله كثيرا؟ قال: نعم.
روى أن سليمان بن داود عليه السلام كان معسكره مأة فرسخ في مأة فرسخ: خمس
وعشرون للجن، وخمس وعشرون للانس، وخمس وعشرون للطير، وخمس وعشرون
للوحش، وكان له الف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمأة منكوحة، وسبع مأة
سرية، وقد نسجت الجن له بساطا من ذهب وإبريسم فرسخان في فرسخ وكان يوضع منبره في وسطه
وهو من ذهب، فيقعد عليه وحوله ستمأة الف كرسي من ذهب وفضة،
فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة، وحوله الناس، وحول
الناس الجن والشياطين، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس، وترفع ريح
الصبا البساط فتسير به مسيرة شهر في يوم.
وروى أنه كان يأمر الريح العاصف يسيره والرخاء يحمله، فأوحى الله إليه وهو
يسير بين السماء والأرض انى قد زدت في ملكك ان لا يتكلم أحد بشئ الا ألقته الريح
في سمعك، فيحكى انه مر بحراث فقال: لقد اوتى ابن داود ملكا عظيما فألقاه الريح
في اذنه، فنزل ومشى إلى الحراث وقال: إنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه،

(1) قال في (مرآة): وأفضلية التهليل لدلالتها على التوحيد الكامل: والتكبير
لدلالتها على الاتصاف بجميع الصفات الكمالية والتنزه عن جميع صفات النقص على وجه
لا يصل إليه العقول والافهام فهما متضمنان لمعرفة الله على وجه الكمال والتمام.
246

ثم قال: لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما اوتى آل داود. وفى حديث آخر لان
ثواب التسبيحة يبق وملك سليمان يفنى.
ومنه التسبيح والتحميد: عن الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلا م:
التسبيح نصف الميزان والتحميد يملأ الميزان، و (لا إله إلا الله والله أكبر) (والله أكبر)
يملأ ما بين السماوات والأرض (1).
ومنه (اشهد ان لا ال الا الله وحده لا شريك له الها واحدا أحدا فردا صمدا لم يتخذ
صاحبة ولا ولدا) قال عليه السلام: من قالها خمسا وأربعين مرة كتب الله له خمسا وأربعين
الف الف حسنة، ومحى عنه خمسا وأربعين الف الف سيئة، ورفع له خمسا وأربعين
الف الف درجة، وكان كمن قرء القرآن في يومه اثنى عشر الف مرة، وبنى الله له بيتا
في الجنة (2).
ومنه الكلمات الخمس قال النبي صلى الله عليه وآله: ألا أعلمكم خمس كلمات؟ خفيفات
على اللسان ثقيلات في الميزان يرضين الرحمن ويطردن الشيطان وهن من كنوز
الجنة ومن تحت العرش وهن الباقيات الصالحات قالوا: بلى يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله:
قولوا (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم)
وقال عليه السلام: خمس بخ بخ لهن ما أثقلهن في الميزان!.

(1) قال في (مرآة): قيل: لعل السر في ذلك أن لله سبحانه صفات ثبوتية
جمالية
وصفات سلبية جلالية وإنما يملأ ميزان العبد بالاتيان بهما جميعا، والتسبيح اتيان بالثانية
فهو نصف الميزان، والتحميد اتيان بهما جميعا لوروده على كل ما كان كما لا فهو يملأ الميزان
وهما لا يتجاوزان ميزان العبد لأنهما إنما يكونان بقدر فهمه وعلمه ومعرفته، واما التكبير
فلما كان تفضيلا مجملا يكفي فيه العلم الاجمالي بالمفضل عليه فهو يملأ ما بين السماء والأرض
انتهى موضع الحاجة منه.
(2) يمكن أن تكون نسبة الكتابة إلى الله على المجاز لأنه الآمر بذلك والكاتب هو
الملك (مرآة).
247

ومنه التسبيحات الأربع عن أبي جعفر عليه السلام قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله برجل
يغرس غرسا في حائط له فوقف عليه وقال: ألا أدلك على غرس أثبت أصلا وأسرع
ايناعا وأطيب ثمرا وأبقى؟ قال: فدلني يا رسول الله فقال: إذا أصبحت وأمسيت فقل
(سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فان لك بذلك ان قلته بكل تسبيحة
عشر شجرات في الجنة من أنواع الفاكهة وهن من الباقيات الصالحات قال: فقال الرجل
فانى أشهدك يا رسول الله ان حايطي هذا صدقة مقبوضة على فقراء المسلمين أهل
الصدقة فأنزل الله تبارك وتعالى آيات من القرآن (فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى
فسنيسره لليسرى) (1)
روى محمد بن خالد البرقي عن الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: من قال: (سبحان الله) غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال
(الحمد لله) غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال (لا إله إلا الله) غرس الله له بها شجرة
في الجنة، ومن قال (الله أكبر) غرس الله له بها شجرة في الجنة فقال له رجل من قريش
إذا شجرنا في الجنة لكثير قال صلى الله عليه وآله: نعم ولكن إياكم ان ترسلوا عليها نيرانا
فتحرقوها، وذلك قول الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا
أعمالكم) (2).
وعنه عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله قال لأصحابه ذات يوم: أرأيتم لو جمعتهم ما عندكم
من الثياب والانية والأمتعة ثم وضعتم بعضه على بعض أكنتم ترون انه يبلغ
السماء؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: أفلا أدلكم على شئ أصله في الأرض وفرعه في
السماء؟ قالوا: بلى قال يقول أحدكم إذا فرغ من الفريضة (سبحان الله والحمد لله

(1) الحائط: البستان. ينعت الثمار: أدركت، والاسم النع بالضم فهي يانعة.
ونسبة الايناع
هنا إلى الشجرة مجاز، أو استعير لوصول الشجرة حد الأثمار. وأبقى: أي أبقى ثمرا أو أصل
الشجرة. على فقراء المسلمين اما متعلق بالصدقة أو بالمقبوضة. أهل الصدقة: بدل من الفقراء
أو صفة لها أي ممن يستحق أحد الزكاة انتهى موضع الحاجة (مرآة) الليل: 7.
(2) محمد: 33. وعن بعضهم ان الرجل القرشي هو عمر بن الخطاب.
248

ولا إله إلا الله والله أكبر) ثلاثين مرة فان أصلهن في الأرض وفرعهن في السماء وهن
يدفعن (الهم) والهدم والحرق والغرق والتردي في البئر واكل السبع وميته
السوء والبلية التي تنزل من السماء في ذلك اليوم على العبد، وهن (من) الباقيات
الصالحات (1).
وروى حماد بن عثمان عن جعفر بن حمد عن آبائه عن علي عليهم السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما اسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فر أيت فيها قيعانا
بقعا (يققا) (2) من مسك، ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة ذهب ولبنة فضة وربما
أمسكوا، فقلت لهم: مالكم ربما بنيتم وربما أمسكتم؟ فقالوا أمسكنا حتى تجيئنا
النفقة قلت: وما نفقتكم؟ قالوا: قول المؤمن (سبحان الله والحمد لله ولا اله ا لا الله والله أكبر)
وإذا قالهن بنينا، وإذا سكت وأمسك أمسكنا.
ومنه الاستغفار: روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
خير الدعاء الاستغفار (3).
وقال عليه السلام: ان للقلوب صداء كصداء النحاس فأجلوها بالاستغفار (4).
وقال عليه السلام: من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا،
ورزقه من حيث لا يحتسب.

(1) وتقدم معنى ميتة السوء في ص 60 ذيلا.
(2) القاع: المستوى من الأرض ج قيعان واقواع بقع جمع البقعة: وهي القطعة من ا لأرض
اليقق: المتناهى في البياض (المجمع).
(3) قوله: خير الدعاء الاستغفار: لان الغفران أهم المطالب، أو لأنه يصير سببا لرفع
السيئات التي هي أعظم حجب إجابة الدعوات (مرآة).
(4) صداء الحديد: وسخه، وفى الحديث ان هذا القلب يصدء كما يصدء الحديد أي
يركبه الرين بمباشرة المعاصي (المجمع).
249

وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا أكثر العبد من الاستغفار رفعت صحيفته
وهي تتلألأ.
وعن الرضا عليه السلام مثل الاستغفار مثل ورقة على شجرة تحرك فتناثر، والمستغفر من
ذنب وهو يفعله كالمستهزء بربه.
وقال عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقوم من مجلس وان خف حتى يستغفر الله
خمسا وعشرين مرة (1).
وعنه عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يستغفر الله غداة كل يوم سبعين مرة،
ويتوب
إلى الله سبعين مرة قلت: وكيف كان يقول (استغفر الله وأتوب إليه)؟ فقال عليه السلام: كان
يقول (استغفر الله) سبعين مرة ويقول (أتوب إلى الله) سبعين مرة.
وعنه عليه السلام: الاستغفار وقول (لا إله إلا الله) خير العبادة قال الله العزيز الجبار (فاعلم أنه
لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) (2).
فصل وأفضل أوقاته الأسحار وبعد الصبح والعصر.
روى عن الصادقين عليهما السلام املئوا أول صحايفكم خيرا واخرها خيرا يغفر لكم
ما بينهما.

(1) وفى معنى استغفارهم عليهم السلام مع عصمتهم كلمات شتى للعلماء نقلها في
(مرآة).
ثم قال: ان أحسن الوجوه في ذلك وجهان خطرا ببالي الأول انهم عليهم السلام لما كانوا ابدا مترقين
في مراتب القرب ولعله يحصل لهم ذلك في كل يوم سبعين مرة أو أكثر، فلما صعدوا د رجة
استغفر ومن الدرجة السابقة. والثاني انه كان لممكن واعماله وأحواله كلها في درجة
النقص، وكل كمال حصل فيهم فهو من مفيض الخيرات، فإذا نظروا إلى عظمته سبحانه على
ما تجلت لهم في مراتب عرفانهم، والى عجزهم عن الاتيان بما يليق بذاته الاقدس عد وا أنفسهم
مقصرين في المعرفة والعبادة فاستغفروا لجميع ذلك انتهى ما لخصناه من كلامه
(2) محمد: 19 قيل: انه (ص) ضيق الصدر من أذى قومه فقيل له: فاعلم أنه لا كاشف
لذلك الا الله: واستغفر لذنبك، الخطاب له والمراد به الأمة وإنما خوطب بذلك لتستن أمته بسنته.
(مرآة) وقد مر آنفا ذيل الرواية السادسة من الاستغفار معنى استغفاره (ص).
250

روى هارون بن موسى التلعكبري بأسناده إلى الصادق عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: من قال بعد العصر في كل يوم مرة واحدة (استغفر ا لله الذي لا إله إلا هو
الحي القيوم ذو الجلال والاكرام وأسئلة ان يتوب على توبة عبد ذليل خاضع فقير
بائس (1) مستجير (مسكين) مستكين لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا موتا
ولا نشورا) أمر الله الملكين بتحريق صحيفته كائنا ما كانت
وعنهم عليهم السلام: ألا صلوات الله على المتسحرين والمستغفرين بالأسحار (2)
وروى أن أبا القمقام أتى أبا الحسن وكان رجلا محارفا (3) فشكى إليه حرفته،
وانه لا يتوجه في حاجة فتقضى له، فقال له، أبو الحسن: قل في دبر الفجر (سبحان الله
العظيم وبحمده أستغفر الله وأسئله من فضله) عشر مرات قال: أبو القمقام: فلزمت ذلك
فوالله ما لبثت الا قليلا حتى ورد على قوم من البادية فأخبروني ان رجلا من قومي ما ت ولم
يعرف له وارث غيري، فانطلقت وقبضت ميراثه، ولم أزل مستغنيا.
فصل في ذكر دعوات مختصة بالأوقات:
الأول كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إذا أصبح (سبحان الملك القدوس)
ثلاثا (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحويل عافيتك ومن فجأة نقمتك ومن درك

(1) الفقير: المحتاج الذي لا يطوف بالأبواب. المسكين: الذي يطوف ويسئل. البائس:
هو الذي لا يخرج لزمانته والزمانة عرض يدوم زمانا (المجمع).
(2) الاستغفار بالاسحار يستلزم قيام آخر الليل والاستغفار فيه، والسنة تفسره بصلاة الليل
والاستغفار في قنوت الوتر، وقد ذكر الله انه سبيل، الانسان إلى ربه كما في سورتي المزمل والدهر
من قوله تعالى بعد ذكر قيام الليل والتهجد به: (ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ر به سبيلا)
المزمل - 19، الدهر - 29 (الميزان).
(3) المحارف بفتح الراء: المحروم الذي إذا طلب لا يرزق: أو يكون لا يسعى في الكسب
وفى الحديث لا تشتر من محارف فان صفقته لا بركة فيها (المجمع).
251

الشقاء من سوء القضاء ومن شر ما سبق في الكتاب اللهم إني أسئلك بعزة ملكك وشدة
قوتك وبعظيم سلطانك وبقدرتك على خلقك) ثم سل حاجتك (1).
الثاني وكان عليه السلام يقول: إذا أصبح (مرحبا بكما من ملكين حفيظين كريمين
أملى عليكما ما تختاران انشاء الله) فلا يزال في التسبيح والتهليل حتى تطلع الشمس
وكك بعد العصر.
الثالث عن الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من سره ا ن يلقى الله يوم
القيامة وفى صحيفته شهادة (ان لا إله إلا الله (وحده لا شريك له) وأن محمدا رسول الله
ويفتح له ثمانية أبواب الجنة فيقال له: يا ولي الله ادخل الجنة من أيها شئت فليقل
إذا أصبح وإذا أمسى (اكتبا بسم الله الرحمن الرحيم أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا
شريك له (واشهد) ان محمدا عبده ورسوله واشهد ان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله
يبعث من في القبور على ذلك أحيى وعلى ذلك أموت وعلى ذلك ابعث (حيا)
انشاء الله اقرأ محمدا منى السلام صلى الله عليه وآله الحمد لله الذي اذهب الليل (مظلما) بقدرته
وجاء بالنهار (مبصرا) برحمته خلقا جديدا مرحبا بالحافظين) ويلفت عن يمينه (وحيا
كما الله من كاتبين) ويلتفت عن شماله.
الرابع روى حماد بن عثمان عن الصادق عليه السلام: من قال في دبر كل صلاة الفجر
قبل كلامه (رب صل على محمد و (على) أهل بيته) وقى الله وجهه من نفحات النار.
الخامس عن الرضا عليه السلام من قال في دبر صلاة الغداة لم يلتمس حاجة الا تيسرت
له وكفاه الله ما أهمه (بسم الله وصلى الله على محمد وآله وأفوض امرى إلى الله ان الله
بصير بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين

(1) وليس في هذا الدعاء على ما نقله الكافي هذه الجملة (ومن سوء القضاء)
وأيضا فيه
هكذا) ومن شرما سبق في الليل). الفجأة بالضم والمد: وقوع الشئ بغتة من غير تقدم
سبب. النقمة مثل الكلمة والرحمة والنعمة: العقوبة. من شرما سبق في الكتاب أي قدر في
اللوح (مرآة).
252

فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا
بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ما شاء الله لاحول ولا قوة الا بالله ما شاء الله لا ما شاء
الناس ما شاء الله وان كره الناس حسبي الرب من المربوبين حسبي الخالق من المخلوقين
حسبي الرازق من المرزوقين حسبي الله رب العالمين حسبي من هو حسبي حسبي من
لم يزل حسبي حسبي من كان منذ (قط) كنت لم يزل حسبي حسبي الله لا إله إلا هو عليه
توكلت وهو رب العرش العظيم) (1).
السادس أفضل ما دعى به عند الزوال (اللهم انك لست باله استحد ثناك) (2)
وأفضل ما دعى به آخر ساعة من نهار الجمعة دعاء السمات، ويدعو بعده بما تقدم (3).
السابع عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا احمرت الشمس على
رأس قلة الجبل هملت عيناه دموعا ثم قال (أمسى ظلمي مستجيرا بعفوك وأمست
ذنوبي مستجيرة بمغفرتك وأمسى خوفي مستجيرا بأمانك وأمسى ذلي مستجيرا بعزك
وأمسى فقرى مستجيرا بغناك وأمسى وجهي البالي الفاني مستجيرا بوجهك الدايم
الباقي اللهم البسنى عافيتك وغشني رحمتك وجللني كرامتك وقني شر خلقك من الجن

(1) قوله: أفوض قيل: التفويض نوع لطيف من التوكل وهو ان يفعل العبد ما امره
الله
به، ويكل أموره الدنيوية والأخروية ولا يبالي بما وقع عليه من البلايا. لا إله إلا أنت سبحانك
انى كنت من الظالمين. فيه اقرار بتوحيده المطلق واعتراف بالظلم لنفسه المشعر بأن ما لحقه
من البلية والغم من اجل عمله وكسبه وهذا الاقرار مقتض لإزالة البلية والغم كما قال: فاستجبنا
الخ. ما شاء الله: أي كان قطعا لما فيه من المصلحة لا جميع ما شاء الناس إذ قد لا تكون فيه مصلحة.
ما شاء الله وان كره الناس: كالأمراض والبلايا والمصائب والفقر وغيرها، وفيه ا شارة إلى الرضا
بالقضاء، ودلالة على أن استجابة الدعوات تابعة للمصالح. من المربوبين أي عوضهم. منذ قط:
كان فيه تقدير أي منذ كنت أو خلقت، وقط تأكيد انتهى موضع الحاجة ملخصا (مرآة).
(2) يطلب هذا الدعاء من مصباح المتهجدين.
(3) قد تقدم في ص 55 الدعاء الذي يدعى به بعد دعاء السمات.
253

والانس يا الله يا رحمن يا رحيم).
الثامن عن سليمان الجعفري قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: إذا أمسيت
فنظرت إلى الشمس في غروب وادبار فقل (بسم الله وبالله والحمد لله الذي لم يتخذ
صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا
والحمد لله الذي يصف ولا يوصف (والحمد لله الذي) يعلم ولا يعلم يعلم خائنة الأعين وما تخفى
الصدور وأعوذ بوجه الله الكريم وبسم الله العظيم من شر ما ذرء وبرء ومن شر ما تحت
الثرى ومن شر ما ظهر وما بطن ومن شر ما وصفت وما لم أصف والحمد لله رب العالمين)
ذكر أنها أمن من كل سبع ومن الشيطان الرجيم ومن ذريته، وكل ما عض ولسع،
ولا يخاف صاحبها إذا تكلم بها (به) لصا ولا غولا قال قلت: انى صاحب صيد سبع وانى
أبيت بالليل في الخرابات وأتوحش فقال عليه السلام: قل إذا دخلت (بسم الله وبالله) وادخل رجلك
اليمنى، وإذا خرجت فأخرج رجلك اليسرى وسم الله فإنك لا ترى مكروها (1).
التاسع روى الصدوق باسناده إلى عبده الأنصاري عن الخليل البكري قال:
سمعت بعض أصحابنا يقول إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول في كل يوم من أيام
عشر ذي الحجة: هذه الكلمات الفاضلات أو لهن (لا إله إلا الله عدد الليالي والدهور
لا إله إلا الله عد أمواج البحور لا إله إلا الله ورحمته خير مما يجمعون لا إله إلا الله عدد

(1) قوله: يصف ولا يوصف أي يصف الأشياء بصفاتها وحقايقها ولا يوصف كنه ذاته وصفاته،
أولا يتصف بصفات المخلوقات، أو بصفات زايدة على الذات، ويعلم الأشياء، ولا يعلم على بناء
المجهول بالتخفيف أي لا يقدر أحد ان يعلم كنه ذاته ولا حقيقة صفاته، أو بالتشديد أي لا يحتاج
في العلم إلى تعليم. الخائنة بمعنى الخيانة وهي من المصادر التي جاءت على لفظ ا لفاعل كالعافية
وأعوذ بوجه الله أي بذاته، أو بحججه، ويحتمل أن يكون المراد بما تحت الثرى الحشرات
التي في الأرض أو الجن، أو خلق آخر يكونون تحت الثرى، الغول: واحد الغيلان وهو جنس
من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أن الغول يقر آي في الفلاة فيتلون في صور شتى يغولهم
أي يضلهم عن الطريق (مرآة).
254

الشوك والشجر لا إله إلا الله عدد الشعر والوبر لا إله إلا الله عدد القطر والمطر لا إله إلا الله عدد
الحجر والمدر لا إله إلا الله عدد لمح العيون (والبصر) لا إله إلا الله في الليل إذ ا عسعس
و (في) الصبح إذا تنفس لا إله إلا الله عدد الرياح في البراري والصخور لا إله إلا الله من
اليوم إلى يوم ينفخ في الصور).
ثم قال: من قال: ذلك في كل يوم من أيام العشرة عشر مرات أعطاه الله بكل
تهليلة درجة في الجنة من الدر والياقوت ما بين كل درجتين مسيرة مأة عام للراكب
المسرع في كل درجة مدينة فيها قصر من جوهر واحد لا فصل فيها
فيكل مدينة من تلك المدائن من الدور والحصون والغرف والبيوت والفرش
وأزواج والسرر والحور العين، ومن النمارق والزرابي والموائد والخدم والأنهار
والأشجار والحلى والحلل ما لا يصف خلق من الواصفين، فإذا خرج من قبره أضائت
كل شعرة منه نورا وابتدره سبعون الف ملك تمشون امامه وعن يمينه وشماله حتى
ينتهى إلى باب الجنة، فإذا دخلها قاموا خلفه وهو أمامهم حتى ينتهى إلى مدينة ظاهرها
ياقوت حمراء وباطنها زبرجد خضراء فيها من جميع أصناف ما خلق الله عز وجل في
الجنة، وإذا انتهوا إليها قالوا: يا ولى الله هل تدرى ما هذه المدينة بما فيها؟ قال:
لا قال: فمن أنتم؟ قالوا: نحن الملائكة الذين شهدناك في الدنيا يوم هللت الله عز وجل
بالتهليل هذه المدينة بما فيها ثوابا لك، وأبشر بأفضل من هذا ثواب الله عز وجل حين
ترى ما أعد الله لك في داره دار السلام في جواره عطاء لا ينقطع الله ابدا. قال الخليل:
فقولوا أكثر ما تقدرون عليه ليزداد لكم.
العاشر روى عن ابن الدرداء انه قيل له ذات يوم: احترقت دارك فقال: لم
تحرق فجائه مخبر آخر فقال: احترقت دارك فقال: لم تحرق، فجائه ثالث
فجابه بذلك، ثم انكشف الامر عن احتراق جميع ما حولها سواها فقيل له: بما علمت
255

بذلك؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: من قال: هذه الكلمات صبيحة يومه لم يصبه
سوء فيه ومن قالها في مساء ليلته لم يصبه سوء فيها وقد قلتها وهي هذه (اللهم أنت
ربى لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ولا حول ولا قوة الا بالله
العلي العظيم ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن أعلم أن الله على كل شئ قدير
وان الله قد أحاط بكل شئ علما اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي (ومن شر قضاء السوء
ومن شر كل ذي شر ومن شر الجن والإنس) ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها (1) ان
ربى على صراط مستقيم).
فصل في الاستشفاء بالدعاء والاسترقاء وهو أقسام: الأول لدفع العلل وهي أدعية:
الأول روى أبو نجران، وابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
كان يقول عند العلة (اللهم انك قد عيرت أقواما فقلت (قل ادعوا الذين زعمتم من
دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) (2) فيا من لا يملك كشف ضري ولا تحويله
عنى أحد غيرك صل على محمد وآل (ه) محمد واكشف ضري وحوله إلى من يدعو
معك الها آخر لا اله غيرك)
الثاني روى يونس بن عبد الرحمن عن داود بن زيد قال: مرضت بالمدينة
مرضا شديدا فبلغ ذلك أبا عبد الله عليه السلام فكتب إلى قد بلغني علتك، فاشتر صاعا من بر ثم
استلق على قفاك وانثره على صدرك كيف ما انتثر وقل (اللهم إني أسئلك باسمك ا لذي إذا أسئلك
به المضطر كشفت ما به من ضر ومكنت له في الأرض وجعلته خليفتك على خلقك ان تصلى

(1) وفى الدعا: والنواصي كلها بيك هو من باب التمثيل أي كل شئ في قبضتك
وملكك
وتحت قدرتك وسلطاتك، الناصية: قصاص الشعر فوق الجبهة ج نواصي (المجمع)
(2) الاسراء: 56. أي ادعوا الذين زعمتم من دونه انها آلهة عند ضرر نزل بكم ليكشفوا
ذلك عنكم ويحولوا تلك الحالة إلى حالة أخرى (مجمع البيان)
256

على محمد و (على) أهل بيته وان تعافيني من علتي) ثم استو جالسا واجمع البر من
حولك وقل: مثل ذلك، واقسمه مدا مدا لكل مسكين وقل: مثل ذلك قال داود: ففعلت
ذلك فكأنما نشطت من عقال، وقد فعله غير واحد فانتفع به (1).
الثالث (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حسبنا الله ونعم الوكيل
تبارك الله أحسن الخالقين لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم) يدعى بهذا أربعين مرة
عقيب صلاة الصبح ويمسح به على العلة كائنا ما كانت خصوصا الفطر برء بإذن الله تعالى
وقد صنع بذلك فانتفع به.
الرابع يونس بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك هذا الذي
ظهر بوجهي يزعم الناس ان الله لم يبتل به عبدا له فيه حاجة فقال لي: قد كان مؤمن
آل فرعون مكنع الأصابع، وكان يقول: هكذا ويمد يده ويقول (يا قوم اتبعوا المرسلين) (2).
قال: ثم قال عليه السلام لي: إذا كان الثلث الأخير من الليل في أوله فتوضأ وقم إلى صلاتك
التي تصليها فإذا كنت في السجدة الأخيرة من الركعتين الأوليين فقل وأنت ساجد
(يا علي يا عظيم يا رحمن يا رحيم يا سامع الدعوات يا معطى الخيرات صل على محمد
وآل محمد وأعطني ومن خير الدنيا والآخرة ما أنت أهله واصرف عنى من شر الدنيا
والآخرة ما أنت أهله وأذهب عنى هذا الوجع فإنه قد أغاظني وأحزنني) والح في الدعاء
قال: فما وصلت إلى الكوفة حتى أذهب الله به عنى كله.

(1) قوله المضطر إلى قوله: خليفتك قال في (مرآة): والأظهر انه إشارة إلى
قوله
تعالى (أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) النمل: 62.
والمراد بالخلافة في الآية الخلافة العامة فان المولى خليفة الله على العبد وكذا الو لد
على الولد (مرآة).
(2) قال في مرآة: الأظهر مؤمن آل يس كما ورد في غيره من الاخبار فان قوله (يا قوم
اتبعوا المرسلين) يس: 20 إنما وقع في قصته ولعله من الرواة. الا كنع: من رجعت أصابعه إلى
كفه وظهر واجبه) والرواجب مفاصل أصول الأصابع أو بواطن مفاصلها.
257

الخامس روى داود بن زربى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تضع يدك على الموضع الذي
فيه الوجع وتقول ثلث مرات (الله الله الله ربى حقا لا أشرك به شيئا اللهم أنت لها ولكل
عظيمة ففرقها عنى).
السادس روى المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام (قل) للأوجاع (بسم الله وبالله
كم من نعمة لله في عرق ساكن وغير ساكن على عبد شاكر وغير شاكر) وتأخذ بلحيتك
بيدك اليمنى بعد صلاة المفروضة وتقول (اللهم فرج عنى كربتي وعجل عافيتي واكشف
ضري) ثلاث مرات واحرص أن يكون ذلك مع بكاء ودموع.
السابع أبو حمزة قال: عرض لي وجع في ركبتي، فشكوت ذلك إلى أبى جعفر عليه السلام
فقال: إذا أنت صليت فقل (يا أجود من أعطى ويا خير من سئل ويا ارحم (راحم) من استرحم
ارحم ضعفي وقلة حيلتي واعفني من وجعى قال: فقلته فعوفيت.
الثامن أبو جعفر عليه السلام قال: مرض علي عليه السلام فاتاه رسول ا لله صلى الله عليه وآله فقال
له: قل
(اللهم إني أسئلك تعجيل عافيتك أو صبرا على بليتك أو خروجا إلى رحمتك.
التاسع إبراهيم بن عبد الحميد عن رجل قال: دخلت على أبى عبد الله عليه السلام
فشكوت إليه جعا بي وفقال عليه السلام: قل (بسم الله) ثم امسح يدك عليه ثم قل (أعوذ بعزة
الله وأعوذ بقدرة الله وأعوذ برحمة الله وأعوذ بجلال الله وأعوذ بعظمة الله وأعوذ بجمع الله
وأعوذ برسول الله وأعوذ بأسماء الله من شر ما أحذر ومن شر ما أخاف على نفسي) تقو لها
سبع مرات قال: ففعلت فأذهب (الله) الوجع عنى.
العاشر إبراهيم بن إسرائيل عن الرضا عليه السلام قال: خرج بجارية لنا خنازير (1)
في عنقها فأتاني آت فقال لي: يا علي قل لها: فلتقل (يا رؤوف يا رحيم يا رب يا سيدي) قال:
فقالته فأذهب الله عنها قال: وقال هذا الدعاء الذي دعا به جعفر بن سليمان.

(1) الخنازير: غدد صلبة تكون غالبا في العنق ويظهر على سطحها دون شبيه
بالعقد (المنجد).
258

القسم الثاني ما يستدفع به المكاره وهو أدعية:
الأول روى ابن مسكان عن أبي حمزة قال: قال محمد بن علي عليه السلام: يا أبا حمزة
مالك إذا أنابك أمر تخافه الا تتوجه إلى بعض زوايا بيتك يعنى القبلة؟. فتصلى
ركعتين ثم تقول (يا أبصر النارين ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم
الراحمين) سبعين مرة كلما دعوت الله مرة بهذه الكلمات سل حاجتك (1).
الثاني عن الباقر عليه السلام قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله يقال له: شيبة الهذلي
فقال: يا رسول الله انى شيخ قد كبرت سنى وضعفت قوتي عن عمل كنت عودته نفسي
من صلاة وصيام وحج وجهاد، فعلمني يا رسول الله كلاما ينفعني الله به، وخفف على
يا رسول الله فقال: أعدها فأعادها ثلاث مرات فقال رسول الله: ما حولك من شجرة ولا مدرة
الا وقد بكت رحمة لك، فإذا صليت الصبح فقل (سبحان الله العظيم وبحمده ولا حول
ولا قوة الا بالله العلي العظيم) فان الله عز وجل يعافيك بذلك من العمى والجنون والجذام
والفقر (والهدم والهرم) فقال: يا رسول الله هذا للدنيا فما للآخرة؟ قال: تقول: في دبر كل
صلاة (اللهم اهدني من عندك وافض على من فضلك وانشر على من رحمتك وانزل على
من بركاتك) قال:، فقبض عليهن بيده فقال رجل لابن عباس: ما أشد ما قبض عليها خالك؟
فقال النبي صلى الله عليه وآله: أما انه ان وافى بها يوم القيامة لم يدعها متعمد ا فتحت له ثمانية
أبواب الجنة يدخلها من أيها شاء.
الثالث محمد بن يعقوب رفعه إلى أبى عبد الله عليه السلام قال: كان من دعاء أبى
عبد الله عليه السلام في أمر يحدث (اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لي وارحمني
وزك عملي ويسر منقلبي واهد قلبي وآمن خوفي وعافني في عمرى كله وثبت حجتي
واغسل خطاياي وبيض وجهي واعصمني في ديني وسهل مطلبي ولا تفجعني بنفسي
ولا تفجع بي حميمي وهب لي يا الهى لحظة من لحظاتك تكشف بها ما به ابتليتني وتردني بها

(1) (الأصول) باب الدعاء للكرب والهم والخوف، وفيه بدل انا بك: اتى بك.
259

إلى (على) أحسن عباداتك (عاداتك) عندي فقد ضعفت قوتي وقلت حيلتي وانقطع
من خلقك رجائي ولم يبق لي الا رجائك وتوكلي عليك وقدرتك يا رب على أن ترحمني
وتعافيني كقدرتك على أن تعذبني وتبتليني الهى ذكر عوائدك يؤنسني والرجا لانعامك
يقويني ولم أخل من نعمتك مند خلقتني فأنت ربى وسيدي ومفزعي وملجأي والحافظ
لي والذاب عنى والرحيم بي والمتكفل برزقي وعن قضائك وقدرك (قدرتك) كلما
(انا فيه) قدرت لي فليكن سيدي ومولاي فيما قضيت وقدرت وحتمت تعجيل خلاصي
مما انا فيه جميعه والعافية فانى لا أجد لدفع ذلك أحدا غيرك ولا اعتمد فيه الا عليك
فكن يا ذا الجلال والاكرام عند حسن ظني بك ورجائي لك وارحم ترعى واستكانتي
وضعف ركني وامنن بذلك على وعلى كل داع دعاك يا ارحم الراحمين وصلى الله (صل)
على محمد وآله (الجمعين) (1)
الرابع روى عاصم بن حميد عن أسماء قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من اصابه
هم أو غم أو كرب أو بلاء أو لاواء فليقل (الله ربى لا أشرك به شيئا توكلت على الحي الذي
لا يموت) (2).
الخامس روى هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا نزلت برجل نازلة
أو شديدة أو كربة أمر فليكشف عن ركبتيه وذراعيه، وليلصقهما بالأرض، وليلصق جؤجؤئه
بالأرض ثم ليدع بحاجته وهو ساجد (3).
السادس لطلب الرزق عن الصادق عليه السلام (يا الله يا الله يا الله أسئلك بحق من حقه
عليك عظيم ان تصلى على محمد (وآله) وآل محمد وان ترزقني العمل بما علمتني

(1) (الأصول) باب الدعاء للكرب قوله: زك عملي اما من الزكاة بمعنى الطهارة أي
طهرهمن مفسدات العمل، أو بمعنى النمو أي ضاعفه، أو ذاكره بالطهارة كناية عن القبول: ولا
تفجعني
الفجيعة، الرزية وقد فجعته المصيبة أي أوجعته (مرآة).
(2) (الأصول) باب الدعاء للكرب اللا واء من لأي: الشدة والمحنة (المنجد).
(3) (الأصول) باب الدعاء للكرب. الجؤجؤ كهدهد: الصدر.
260

من معرفة حقك وان تبسط على ما حظرت من رزقك (1).
السابع سعيد بن زيد قال: قال أبو الحسن عليه السلام: إذا صليت المغرب فلا تبسط
رجلك، ولا تكلم أحدا حتى تقول مأة مرة (بسم الله الرحمن الرحيم (و) لاحول ولا قوة
الا بالله العلي العظيم) مأة مرة في المغرب، ومأة مرة في الغداة، فمن قالها دفع عنه
مأة نوع من أنواع البلاء أدنى نوع منها البرص والجذام والشيطان والسلطان (2)
الثامن لدفع عاقبة الرؤيا المكروهة ان تسجد عقيب ما تستيقظ منها بلا فصل
وتثنى على الله بما تيسر لك من الثناء، ثم تصلى على محمد وآله، وتتضرع إلى الله وتسئله
كفايتها وسلامة عاقبتها فإنك لا ترى لها أثرا بفضل الله ورحمته.
التاسع روى أبو قتادة الحرث بن ربعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث بها الامن يحب، وإذا
رأى رؤيا مكروهة فليتفل (3) عن يساره وليتعوذه من شر الشيطان وشرها، ولا يحدث
بها أحدا فإنها لن تضره.

(1) قيل: كرر الجلالة لان من شأن المستصرخين تكرير اسم الصريخ للاشعار
بشدة
النازلة. بحق من حقه عليك عظيم أي النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم، ويدل على أن لهم عليهم
السلام حقوقا عظيمة على الله ببذل أبدانهم ونفوسهم واعراضهم في طاعة الله ونصرة دينه،
ولا ريب ان حقهم على الله وعلى الخلق أعظم الحقوق وإن كان بسبب جعله تعالى على نفسه.
ومن في قوله: من معرفة حقك للبيان أو للتبعيض، وحقه وجوب طاعته فيما أمر به ونهى عنه. والحظر:
المنع والحبس (مرآة).
(2) (الأصول) باب القول عند الاصباح والامساء، وفى الباب المذكور أيضا روايات
أخرى أمثاله غير أنها تختلف مع هذه الرواية في تعداد القراءة وهكذا في الآثار قال في
(مرآة) قوله: فلا تبسط رجلك كناية عن القيام أو مدها أو تغييرها عن هيئة التشهد، والفاء في
فمن للبيان.
(3) التفل: نفح معه أدنى بزاق (المجمع).
261

وعنه عليه السلام الرؤيا (الصالحة) من الله، والحلم من الشيطان (1).
وعنه عليه السلام: الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزء
من النبوة.
العاشر عن أهل البيت عليهم السلام: إذا رأى (أحد) الرؤيا المكروهة
فليتحول عن شقه الذي كان عليه، وليقل: (إنما النجوى من (عمل) الشيطان ليحزن
الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا الا بإذن الله وأعوذ بالله بما عاذت به الملائكة المقربون
وأنبيائه المرسلون والأئمة الراشدون المهديون وعباده الصالحون من شرما رأيت ومن
شر رؤياي ان تضرني في ديني أو دنياي ومن الشيطان الرجيم).
الحادي عشر علي بن مهزيار قال: كتب محمد بن حمزة العلوي إلى يسئلني
ان أكتب إلى أبى جعفر عليه السلام في دعاء يعلمه يرجو به الفرج، فكتب إلى أما ما سئلك
محمد بن حمزة العلوي من تعليم دعاء يرجو به الفرج، فقل له: يلزم (يا من يكفي
من كل شئ ولا يكفي منه شئ اكفني ما أهمنى) فانى أرجو ان يكفي ما هو فيه من
الغم انشاء الله تعالى (2).
الثاني عشر الصدوق قال: حدثني أبي عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
رأيت الخضر في المنام قبل البدر بليلة فقلت له: علمني شيئا أنر به على الأعداء فقال:

(1) الحلم بالضم: واحد الأحلام في النوم، وحقيقته على ما قيل: ا ن الله تعالى
يخلق
بأسباب مختلفة في الأذهان عند النوم صورا علمية منها مطابق لما مضى ولما يستقبل، ومنها غير
مطابق، ومنها ما يكون من الشيطان (المجمع) وفى (مرآة) الرؤيا والحلم عبارة عما يراه
النائم في نومه من الأشياء لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشئ الحسن وغلب الحلم
على ما يراه من الشر والقبيح ومنه قوله تعالى (أضغاث أحلام) يوسف: 43 ومن أراد الاطلاع
على حقيقة الرؤيا والتميز بين المنامات الحقة وبين غيرها وعلى كيفية تأويلها فلير جع إلى
(الميزان) ج 11 ص 295.
(2) (الأصول) باب الدعاء للكرب وفيه زيادة وهو هكذا: ما أهمني مما انا فيه).
262

قل (يا هو يا من لا هو) فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا علي
علمت
الاسم الأعظم فكان على لساني في يوم بدر، وان أمير المؤمنين عليه السلام قرء (قل هو الله
أحد) فلما فرغ قال: (يا هو يا من لا هو الا هو اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين)
وكان عليه السلام يقول ذلك في يوم صفين ويطارد (1)
القسم الثالث العوذ وهي أدعية:
الأول روى عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا لقيت السبع
فاقرء في وجهه آية الكرسي وقل: عزمت عليك بعزيمة الله وعزيمة محمد صلى الله عليه وآله
وعزيمة سليمان بن داود وعزيمة أمير المؤمنين والأئمة من بعده) فإنه ينصرف
عنك انشاء الله قال: فخرجت فإذا السبع قد اعترضني، فغرمت عليه الا نتحيت عن
طريقنا ولم تؤذنا قال: فنظرت إليه قد طأطأ، وأدخل رأسه تحت رجليه، وتنكب
الطريق راجعا (2).
وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
إذا لقيت السبع فقل: (أعوذ برب دانيال والجب من شر كل أسد متأسد (مستأسد) (3).

(1) قال في (بمج) ج 19 باب الاسم الأعظم بعد نقله هذا الحديث، ونظيره وهو
الحديث
الذي يدل على تعليم رسول الله (ص) علي بن الحسين (ع) في المنام دعاء فيه الاسم الأعظم
ما هذا لفظه أقول انا: ان الذي رويناه وعرفناه ان علي بن الحسين كان عالما بالاسم الأعظم
هو وجده رسول الله والأئمة من العترة الطاهرين ولكنا ذكرنا ما وجدنا انتهى أقول: إذا أردت
كمال الاطلاع والمعرفة بمقامهم عليهم السلام فارجع إلى روايات مذكورة في ص 208 من
بصائر الدرجات حتى يظهر لك انهم عليهم السلام اعلم من الأنبياء المرسلين عليهم السلام
باسم الله الأعظم وان حظهم منه أو فر مما أعطوا بدرجات. ومضى في ص 50 ان اسم الله الأعظم
في (يا هو الخ)
(2) (الأصول) باب الحرز والعوذة لعل المراد بالعزيمة ما يقسم به أي أقسمت عليك بالله
أو بأسمائه أو بعهود الله أو حقوقه اللازمة عليك (مرآة).
(3) كان دانيال محبوسا في الجب في زمن بخت نصر وطرحت معه السباع فلم تكون
منه يقال، أسد واستأسد إذا اجترأ (مرآة) باب الحرز.
263

الثاني قال الصادق عليه السلام: ألا أعلمك كلمات؟ إذا وقعت في ورطة فقل: بسم الله
الرحمن الرحيم لاحول ولا قوة الا بالله (العلي العظيم) فان الله يصرف بها عنك ما يشاء
من أنواع البلاء (1).
الثالث محمد بن يعقوب رفعه قال: كتب محمد بن هارون إلى أبى جعفر عليه السلام
يسئله عوذة للرياح التي تعرض للصبيان، فكتب إليه بخطه (الله أكبر أشهد ان محمدا
رسول الله الله أكبر لا إله إلا الله ولا رب لي الا الله له الملك وله الحمد لا شريك له سبحان
الله ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن اللهم يا ذا الجلال والاكرام رب موسى وعيسى وإبراهيم
الذي وفى اله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط (ان) لا إله إلا أنت سبحا نك مع
ما عددت من آياتك (آلاتك) وبعظمتك وبما سئلك به النبيون وبأنك رب الناس كنت
قبل كل شئ وأنت بعد كل شئ أسئلك بكلماتك التي تمسك السماء ان تقع على الأرض
الا باذنك وبكلماتك التي تحيى الموتى ان تجير عبدك فلانا من شر ما ينزل من السماء
وما يعرج فيها وما يخرج من الأرض وما يلج فيها والسلام على المرسلين والحمد لله
رب العالمين (2).
الرابع محمد بن يعقوب رفعه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض مغاز يه
إذ شكوا إليه البراغيث انها تؤذيهم فقال: إذا أخذ أحدكم مضجعه فليقل: (أيها الأسود
الوثاب الذي لا يبالي غلقا ولا بابا عزمت عليكم بأم الكتاب ألا تؤذوني وأصحابي
إلى أن يذهب الليل ويجئ الصبح بما جاء والذي نعرفه: إلى أن يؤب الصبح
بما آب) (5).

(1) (الأصول) باب الحرز الورطة: الهلكة، وكل أمر تعسر منه النجاة (ق).
(2) (الأصول) باب الحرز بزيادة وهو هكذا: (الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا ا له الا الله الخ
وهذا الريح هوام الصبيان وفى الفارسية (باد - جن).
(3) قوله: والذي نعرفه هذا كلام الراوي أي علي بن الحكم يقول: المشهور بيننا هذه
العبارة مكان إلى أن يذهب الليل الخ (مرآة) باب الحرز.
264

الخامس عنه عليه السلام أيضا بخطه (بسم الله وبالله والى الله وكما شاء الله وبعزة
الله وجبروت الله وقدرة الله وملكوت الله هذا الكتاب اجعله يا الله شفاء لفلان بن
فلان عبدك وابن أمتك عبد الله صلى الله على رسول الله (1).
السادس قال أمير المؤمنين عليه السلام: رقى النبي صلى الله عليه وآله حسنا وحسينا فقال:
(أعيذكما بكلمات الله التامة وأسمائه الحسنى عامة من شر السامة والهامة ومن شر عين
لامة ومن شر حاسد إذا حسد) ثم التفت إلينا فقال: هكذا كان يعوذ إبراهيم إسحاق
وإسماعيل (2).
السابع عن أبي جعفر عليه السلام من قال: (لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم)
دفع الله بها عنه سبعين نوعا من أنواع البلاء أيسرها الجنون، ومن خرج من بيته
فقال: (بسم الله (الرحمن الرحيم) قال له الملكان: هديت، وإذا قال (لا حول ولا قوة
الا بالله (العلي العظيم)) قالا له: وقيت، وإذا قال: (توكلت على الله) قا لا له: كفيت فيقول
الشيطان: كيف أصنع بمن هدى ووقى وكفى؟ (3)
الثامن أبو حمزة قال: استأذنت على ابن جعفر عليه السلام فخرج إلى وشفتاه تتحركان
فقلت له: ما الذي تكلمت به؟ أفطنت يا ثمالي؟ قلت: نعم جعلت فداك قال: انى

(1) (الأصول) باب الحرز وفيه هكذا (أعيذه بعزة الله. وأيضا عبدك ابن عبدك
وابن
أمتك عبد الله صلى الله على محمد وآله.
(2) (الأصول) باب الحرز قد وردت الكلمات في الأدعية والآيات بمعنى تقديرات الله،
ومواعيده، وصفاته وفي اخبارنا المراد بها في الآيات الأئمة (مرآة).
(3) عن أبي حمزة الثمالي في حديث قال: قال علي بن الحسين: يا أبا حمزة ان العبد
إذا خرج من منزله عرض له الشيطان فإذا قال: (بسم الله) قال الملكان: كفيت فإذا قال: (آمنت
بالله) قالا له: هديت فإذا قال: (توكلت على الله) قالا: وقيت فيتنحى الشيطان فيقول بعضهم
لبعض: كيف لنا بمن هدى وكفى ووقى الحديث (الأصول) باب الدعاء إذا خرج الانسان
من منزله.
265

والله تكلمت بكلام ما تكلم به أحد الا كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته قال: قلت له:
أخبرني به قال: نعم ثم قال: من قال حين يخرج من منزله: (بسم الله حسبي الله توكلت
على الله اللهم إني أسئلك خير أموري كلها وأعوذ بك من خزى الدنيا وعذاب الآخرة) كفاه
الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته (1).
التاسع قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا أراد أحدكم النوم فلا يضعن جنبه حتى
يقول: (أعيد نفسي وديني وأهلي وولدي وخواتيم عملي وما رزقني ربى وما خولني بعزة
الله وجبروت الله وسلطان الله ورحمة الله ورأفة الله وغفران الله وقوة الله وقدر ة الله وجلال
الله وبصنع الله وأركان الله وبجمع الله وبرسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم) وقدرة الله على ما
يشاء
من شر السامة والهامة ومن شر الجن والإنس وشر كل ما دب على الأرض وما يخرج
منها ومن شر ما نزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر كل دابة ربى آخذ بناصيتها
ان ربى على صراط مستقيم وهو على كل شئ قدير ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم)
فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعوذ الحسن والحسين بذلك وبذلك أمر رسول الله.
العاشر عن أمير المؤمنين عليه السلام: إذا أراد أحدكم النوم فليضع يده اليمنى
تحت خده الأيمن وليقل: (بسم الله وضعت جنبي لله على ملة إبراهيم ودين محمد
وولاية من افترض الله طاعته ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) فمن قال: ذلك عند
منامه حفظ من اللص المغير والهدم وتستغفر له الملائكة.
الحادي عشر أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: من قال حين يخرج من باب
داره: (أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ومن شر هذا اليوم الجديد الذي إذا غابت شمسه
لم يعدو من شر نفسي ومن شر غيري ومن شر الشيطان ومن شر من نصب لأولياء الله ومن شر
الجن والإنس ومن شر السباع والهوام ومن شر ركوب المحارم كلها أجبر نفسي بالله ومن كل

(1) (الأصول) باب الدعاء إذا خرج من منزله قوله: أفطنت كان الاستفهام ليس
على
الحقيقة بل الغرض اظهار فطانة المخاطب.
266

سوء) غفر الله له وتاب عليه وكفاه المهم وحجزه عن السوء وعصمه من الشر (1).
الباب السادس في تلاوة القرآن (2)
وهو قسم من أقسام الذكر وقائم مقام الذكر والدعاء في كل ما اشتملا عليه من
الحث والترغيب واستجلاب المنافع، ودفع المضار، وستري ذلك فيما يأتي، وزاد
عليهما شرفا بأمور:
الأول كونه كلام الله الثاني ان فيه الاسم الأعظم. الثالث انه ينبوع العلم.
روى حفص بن غياث عن الزهري قال: سمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول:
آيات القرآن خزائن العلم، فكلما فتحت خزانة فينبغي لك ان تنظر ما فيها.
الرابع ان تلاوته والاكثار منها نشر لمعجزة الرسول صلى الله عليه وآله، وابقاء لها على التواتر.
الخامس حصول الثواب على كل حرف منه على ما يأتي، ولم يرد مثل ذلك
في غيره ولنورد من ذلك جملة يسيرة في اخبار:

(1) قوله: بما عاذت به ملائكة الله أي بأسمائه الحسنى، أو بالنبي وأوصيائه
صلوات الله
عليهم كما يومى إليه بعض الأخبار (مرآة)
(2) القرآن مصدر من قرء كغفران وهو اسم لكتاب الله خاصة لا يسمى به غيره،
وإنما سمى قرآنا لأنه جمع لقصص والامر والنهى والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى
بعض (المجمع)
267

الأول روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: قال الله تبارك وتعالى: من شغله قراءة
القرآن عن دعائي ومسئلتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين.
الثاني محمد بن يعقوب رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله قال: من أعطاه الله القرآن فرأى
ان أحدا اعطى أفضل مما اعطى فقد صغر عظيما وعظم صغيرا.
الثالث عنه صلى الله عليه وآله: إذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم
بالقرآن فإنه شافع مشفع، وشاهد مصدق، من جعله امامه قاده إلى الجنة، ومن جعله
خلفه ساقه إلى النار وهو أوضح دليل إلى خير سبيل، من قال به صدق ووفق، ومن
حكم به عدل، ومن أخذ به اجر (أوجر) (1):
الرابع ليث بن سليم رفعه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن،
ولا تتخذوها قبورا كما فعلت اليهود والنصارى صلوا في البيع والكنايس وعطلوا بيوتهم،
فان البيت إذا أكثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره، وأمتع أهله، وأضاء لأهل السماء كما تضيئ

(1) الشفاعة: هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرايم، والشفع بكسر ألفا
المشددة
الذي يقبل الشفاعة، وبالفتح الذي يقبل شفاعته قوله: شافع يعنى من اتبعه وعمل بما فيه فإنه
شافع له مقبول الشفاعة ومصدوق عليه فيما يرفع من مساويه إذا ترك العمل بما فيه (مرآة)
عن أبي جعفر (ع) في حديث طويل أنه قال: تعلموا القرآن فان القرآن يأتي يوم القيامة
في أحسن صورة نظر إليها الخلق والناس صفوف - وساق الحديث إلى أن قال -: ثم يجاوز
حتى ينتهى إلى رب العزة تعالى فيخر تحت العرش فيناديه تعالى يا حجتي في الأرض، وكلامي
الصادق والناطق ارفع رأسك وسل تعط، واشفع تشفع فيرفع رأسه فيقول الله تعالى كيف رأيت
عبادي؟ فيقول: يا رب منهم من صائني وحافظ على ولم يضيع شيئا، ومنهم من ضميمني واستخف
واسخف بحقي وكذب بي وانا حجتك على جميع خلقك، فيقول الله تعالى: وعزتي وجلالي
وارتفاع مكاني لأثيبن عليك اليوم أحسن الثواب ولأعاقبن عليك اليوم اليم العقاب الحديث
(الأصول) كتاب فضل القران.
268

نجوم السماء لأهل الدنيا (1).
الخامس عن الصادق عليه السلام: ان البيت إذا كان فيه المسلم يتلوا القرآن يترائاه أهل
السماء كما يترائا أهل الدينا الكواكب الدري في السماء (الدنيا).
السادس عن الرضا عليه السلام رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله: اجعلوا لبيوتكم نصيبا من
القرآن، فان البيت إذا قرء فيه تيسر (يسر) على أهله وكثر خيره، وكان سكانه
في زيادة، وإذا لم يقرء فيه القرآن ضيق على أهله، وقل خيره، وكان سكانه
في نقصان.
السابع قال الصادق عليه السلام: ينبغي للمؤمن ان لا يموت حتى يتعلم القرآن،
أو يكون في تعلمه.
الثامن روى الحسن بن أبي الحسين الديلمي في كتابه قال: قال عليه السلام: قراءة
القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الصدقة، والصدقة أفضل من الصيام، والصيام
جنة من النار.
وقال عليه السلام: لقارئ القرآن بكل حرف يقرء في الصلاة قائما مأة حسنة،
وقاعدا خمسون حسنة ومتطهرا في غير الصلاة خمس وعشرون حسنة، وغير متطهر
عشر حسنات، أما انى لا أقول: المر حرف بل له بالألف عشر وباللام عشر وبالميم عشر
وبالراء عشر.
التاسع روى بشر بن غالب الأسدي عن الحسين بن علي عليه السلام قال: من قرء
آية من كلام الله تعالى عز وجل في صلاته قائما يكتب الله له بكل حرف مأة حسنة،

(1) قال في (مرآة). ومنه: ولا تجعلوا بيوتكم قبورا أي لا تجعلوها كالقبور فلا
تصلوا
فيها كالميت لا يصلى في قبره لقوله: واجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها قبورا قوله:
ولا تتخذوها قبورا معناه لا تجعلوا البيوت خالية عن الصلاة شبه المكان الخالي عن ا لعبادة
بالقبر، والغافل عنها بالميت، ثم اطلق القبر على مقره.
269

فان قرئها في غير الصلاة كتب الله له بكل حرف عشرا، فان استمع القرآن كان له
بكل حرف حسنة، وان ختم القرآن ليلا صلت عليه الملائكة حتى يصبح، وان ختمه
نهارا صلت عليه الحفظة حتى يمسى، وكانت له دعوة مجابة، وكان خيرا له مما بين
السماء إلى الأرض قلت: هذا لمن قرء القرآن فمن لم يقرئه؟ قال: يا أخا بنى أسد ان الله
جواد ما جد كريم إذا قرء ما سمعه (معه) أعطاه الله ذلك.
العاشر عبد الله بن سليمان عن أبي جعفر عليه السلام: من قرء القرآن قائما في صلاته
كتب الله له بكل حرف مأة حسنة، ومن قرئه في صلاته جالسا كتب الله له بكل حرف
خمسين حسنة، ومن قرئه في غير الصلاة كتب الله له بكل حرف عشر حسنات.
الحادي عشر عن الصادق عليه السلام: من قرء حرفا وهو جالس في صلاته كتب الله
له به خمسين حسنة، ومحى عنه خمسين سيئة، ورفع له خمسين درجة، ومن قرء حرفا وهو
قائم في صلاته كتب الله له مأة حسنة ومحى عنه مأة سيئة ورفع له مأة درجة ومن ختمه كانت له
دعوة
مستجابة مؤخرة أو معجلة قال: قلت: جعلني الله فداك ختمه كله: قال: ختمه كله.
وعن منصور عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: سمعت أبي قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وآله ختم
(القرآن) إلى حيث علم.
الثاني عشر: عن أبي عبد الله عليه السلام من استمع حرفا من كتاب الله من غير قراءة كتب الله
له حسنة، ومحى عنه سيئة، ورفع له درجة.
الثالث عشر خالد بن مارد القلانسي عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
من ختم القرآن بمكة من جمعة إلى جمعة، أو أقل من ذلك، أو أكثر وختمه في يوم
الجمعة كتب الله له من الاجر والحسنات من أول جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة تكون
فيها، وان ختمه في ساير الأيام فكك (1).

(1) ولعل التعبير بهذا النحو للاشعار باختلاف مراتب الفضل وان اشترك الكل في
ذلك
الثواب مثلا الختم من الجمعة إلى الجمعة أفضل مما كان الختم فقط في الجمعة، وهو أفضل
مما إذا كان الابتداء والختم في ساير الأيام (مرآة).
270

الرابع عشر سعيد (سعد) بن طريف (ظريف) عن أبي جعفر قال: قال
رسول الله صلى اله عليه واله: من قرء عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرء خمسين
آية كتب من الذاكرين، ومن قرء مأة آية كتب من القانتين، ومن قرء مأتي آية
كتب من الخاشعين، ومن قرء ثلاث مأة آية كتب من الفائزين، ومن قرء خمس
مأة آية كتب من المجتهدين، ومن قرء الف آية كتب له (الف) قنطار من بر والقنطار
خمس عشرة ألف مثقال من الذهب والمثقال أربعة وعشرون قيراطا أصغرها مثل جبل
أحد، وأكبرها ما بين السماء و (إلى) الأرض (1).
فصل وينبغي للانسان ان لا ينام حتى يقرء شيئا من القرآن.
روى الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما يمنع التاجر منكم المشغول
في سوقه إذا رجع إلى منزلة أن لا ينام حتى يقرء سورة من القرآن؟ فيكتب له مكان كل
آية يقرئها عشر حسنات ويمحى عنه عشر سيئات.
فصل ويستحب اتخاذ المصحف في البيت لقول الصادق عليه السلام: انه ليعجبني
أن يكون في البيت مصحف يطرد الله عز وجل به الشيطان، وينبغي ان يقرء فيه وإن كان
يحسن القراءة (القرآن) عن ظهر القلب ولا يهجر (2).

(1) قوله: من القانتين يرد القنوت في الحديث لمعان متعددة: كالطاعة،
والخشوع،
والصلاة، والدعاء والعبادة والقيام، وطول القيام، والسكوت قوله: قنطار من بر أي ثواب من
أنفق قنطارا، أو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس والقنطار هو الف ومأتا أوقية - وقيل فيه
أقوال آخر - قوله: أصغرها لعل الصغير والكبير باعتبار اختلاف الرجال والأحوال (مرآة).
(2) ظهر القلب أي نفس القلب قال في (المجمع) وهذا من إضافة الشئ إلى نفسه لتأكيد
هجر هجرا: إذا هذى وخلط في كلامه (المجمع).
271

ولقول الصادق عليه السلام: ثلاثة تشكو إلى الله العزيز الجليل: مسجد خراب لا تصلى فيه
أهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرء فيه
وعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك انى احفظ
القرآن عن ظهر قلب فأقرئه عن ظهر قلبي أفضل أو أنظر في المصحف قال: فقال لي:
لابل اقرئه وانظر في المصحف فهو أفضل اما علمت أن النظر في المصحف عبادة؟
وعنه عليه السلام: من قرء في المصحف متع ببصره، وخفف عن والديه ولو كانا
كافرين.
وعنه عليه السلام يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله ليس شئ أشد على الشيطان من القراءة في
المصحف نظرا والمصحف في البيت يطرد الشيطان.
فصل وينبغي لمن حفظ القرآن ان يدوام تلاوته حتى لا ينساه كيلا يلحقه بذلك
تأسف وتحسر يوم القيامة.
روى عبد الله بن مسكان عن يعقوب الأحمر قال: قلت لأبي عبد الله: جعلت فداك
انه قد أصابني هموم وأشياء لم يبق شئ من الخير الا وقد تفلت (1) (تلفت) منى طائفة
منه حتى القرآن لقد تفلت (تلفت) منى طائفة منه قال: ففزع عند ذلك حين ذكرت
القرآن، ثم قال: ان الرجل لينسى السورة من القرآن فتأتيه يوم القيامة حتى تشرف
عليه من درجة من بعض الدرجات، فنقول: السلام عليك فيقول: وعليك السلام من
أنت؟ فتقول: انا سورة كذا وكذا ضيعتني وتركتني اما لو تمسكت بي بلغت بك هذه
الدرجة، ثم أشار بإصبعه. ثم قال: عليكم بالقرآن فتعلموه. فان من الناس من يتعلم
ليقال: فلان قارى، ومنهم من يتعلمه ويطلب به الصوت ليقال: فلان حسن الصوت
وليس في ذلك خير، ومنهم من يتعلمه فيقوم به في ليله ونهاره، ولا يبالي من علم ذ لك
ومن لم يعلمه.

(1) قوله: تفلت بتشديد اللام من فل يقال: تعلل القوم: انكسروا، وانهزموا (
المنجد)
272

وعنه عليه السلام: من نسي سورة من القرآن مثلث له في سورة حسنة، ودرجة رفيعة
في الجنة فإذا رآها قال: من أنت؟ ما أحسنك! ليتك لي فتقول: اما تعرفني؟ انا سورة
كذا وكذا لو لم تنسني لرفعتك إلى هذا.
وعن الصادق عليه السلام: القرآن عهد الله إلى خلقه فينبغي للمسلم ان ينظر في عهده
وان يقرء في كل يوم خمسين آية.
روى الهيثم بن عبيد قال: سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قرء القرآن ثم نسيه
ثم يتذكر فرددت عليه ثلاثا أعليه فيه حرج؟ قال: لا (1).
فصل واعلم أن في القرآن الترياق الأكبر، والكبريت الأحمر، والخواص
الغريبة، والمعجزات العجيبة ولا يمثل بالطود الأشم بل هو أفخم، ولا بالبحر الخضم بل هو
أعظم، فهو ان نظرت إلى المواعظ والزواجر فمنه يأخذ الخطيب المصقع والواعظ
المبلغ، وان نظرت إلى الاحكام ومعالم الحلال والحرام فمن بحره يغترف الفقيه
الحاذق والمفتى الصادق، وان نظرت إلى البلاغة والفصاحة فمنه يأخذ البلغاء، وبتوجيه
معانيه ومعرفة أساليبه ومبانيه يفتخر الأديب الكاسر والكيس الماهر، وما عسى ان
يقول فيه المادحون ويثنى عليه المثنون بعد قوله تعالى (فبأي حديث بعده يؤمنون)
وقوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وان نظرت إلى الاستشفاء والاسترقاء
وفيه الشفاء والدواء، وهو سبيل إلى الكفاية والغناء، ووسيلة إلى الإجابة والدعاء وسنبين
ذلك وينقسم إلى ثلاثة أقسام: (2).

(1) قال في (مرآة) وحمل هذا الخبر على الجواز - أي جواز النسيان -
والاخبار
الآخر على الكراهة - وهي الأخبار المذكورة قبل هذا الخبر - أو تلك على ما إذا كان على وجه
الاستخفاف وعدم الاعتناء وهذا على الضرورة، أو تلك على النسيان مع ترك العمل أو ترك العمل
فقط، وهذا على النسيان والله يعلم (مرآة)
(2) الطود: الجبل العظيم. الشميم: المرتفع. المصقع بكسر الميم القاف: البليغ
ج مصاقع. الكاسر: عقاب يكسر ما يصيده كسرا (المنجد) الأعراف: 184.
الانعام 38.
273

القسم الأول الاستشفاء من العلل، ولنورد منه شيئا يسيرا لأجل الاستشهاد
على ما ادعيناه إذ كثيره كثير يعجز عنه غير النبي صلى الله عليه وآله وأوصيائه عليهم السلام الذين هم
تراجمة وحى الله تعالى.
الأول قال الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله
انه شكى إليه وجعا في صدره فقال عليه السلام: استشف بالقرآن فان الله عز وجل يقول:
(وشفاء لما في الصدور) (1).
الثاني الصدوق رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله قال: شفاء أمتي في ثلاث: آية من كتاب
الله العزيز، أو لعقة من عسل (2) أو شرطة حجام.
الثالث عن الباقر عليه السلام: من لم يبرئه الحمد لم يبرئه شئ
الرابع عن أبي الحسن عليه السلام: من قرء آية الكرسي عند منامه لم يخف الفالج
ومن قرئها في دبر كل صلاة لم يضره ذو حمة (3).
الخامس حدث الأصبغ بن نباته في حديث طويل فقام إليه رجل يعنى
أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ان في بطني ماء اصفر فهل من شفاء؟ قال: نعم بلا درهم ولا دينار
ولكن
تكتب على بطنك آية الكرسي وتكتبها وتشربها، وتجعلها ذخيرة في بطنك فتبرء
بإذن الله تعالى، ففعل الرجل فبرء بإذن الله تعالى.

(1) يونس: 58. يدل على أن ما في الصدور أعم من الأمراض الظاهر ة والباطنة
والجسمانية
والروحانية (مرآة)
(2) اللعقة بالفتح: المرة من لعقت الشئ أي لحسته، ولس القصعة: اخذ ما علق بجوانبها
بالإصبع أو باللسان (أقرب)
(3) الحمة بالتشديد والتخفيف: السم، ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة واصلها حمو
أو حمى بوزن صرد والهاء عوض عن اللام.
274

القسم الثاني في الاستكفاء وهو كثير فلنقتصر منه على يسير:
الأول روى الحسين بن أحمد المنقري قال: سمعت أبا إبراهيم عليه السلام يقول:
من استكفى بآية من القرآن من المشرق إلى المغرب كفى إذا كان له يقين.
الثاني المفضل بن عمر عنه عليه السلام قال: يا مفضل احتجب من الناس كلهم ب -
(بسم الله الرحمن الرحيم)، و (قل هو الله أحد) اقرئها عن يمينك وشمالك ومن بين
يديك ومن خلقك ومن تحتك ومن فوقك، وإذا دخلت على سلطان جاير حين تنظر
إليه فاقرئها ثلاث مرات، واعقد بيدك اليسرى ثم لا تفارقها حتى تخرج من عنده (1)
الثالث للحفظ من السراق يقرء حين يأوى إلى فراشه (قل ادعوا الله أو ادعوا
الرحمن) (2) إلى آخر السورة وردت به الرواية عن علي عليه السلام: وعنهم عليهم السلام:
من قرء هاتين الآيتين حين يأخذ مضجعه لم يزل في حفظ الله تعالى من كل شيطان مريد
وجبار عنيد إلى أن يصبح.
الرابع قراءة (انا أنزلناه في ليلة القدر) على ما يدخر ويخبى حرز له وردت
بذلك الرواية عنهم عليهم السلام.
الخامس للحفظ من الشيطان إذا اخذ مضجعه يقرء آية السخرة (ان ربكم الله
الذي خلق السماوات والأرض) إلى قوله: رب العالمين).
روى أن رجلا تعلم ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام ثم مضى فإذا هو بقرية خراب
فبات فيها ولم يقرء هذه الأشياء فتغشاه الشياطين فإذا هو أخذ بلحيته (بخطمه) فقال
له صاحبه أنظره فاستيقظ الرجل، فقرء هذه الآية فقال الشيطان لصاحبه ارغم الله
انفك احرسه الان حتى يصبح، فلما رجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأخبره وقال له عليه السلام
رأيت في كلامك الشفاء والصدق، ومضى بعد طلوع الشمس فإذا هو بأثر شعر الشيطان

(1) قوله: من فوقك أي يرفع رأسه إلى السماء ويقرء. قوله: لا تفارقها أي عقد
اليسرى.
أو قراءة السورة (مرآة).
(2) الكهف: 110.
275

منجزا (مجتمعا) في الأرض (1).
السادس عن النبي صلى الله عليه وآله: من قرء أربع آيات من أول البقرة، وآية الكرسي
وآيتين بعدها، وثلاث آيات من آخرها لم ير في نفسه وماله شيئا يكرهه ولا يقربه
شيطان، ولا ينسى القرآن.
السابع عن الصادق من دخل على سلطان يخافه فقرء عندما يقابله (كهيعص)
ويضم يده اليمنى كلما قرء حرفا ضم إصبعا، ثم يقرء (حمعسق) ويضم أصابع يده
اليسرى كك، ثم يقرء (وعنت الوجوه للحى القيوم وقد خاب من حمل ظلما) ويفتحهما
في وجهه كفى شره (2).
الثامن عن أبي الحسن عليه السلام: إذا خفت أمرا فاقرء مأة آية من القرآن من
حيث شئت، ثم قل (اللهم ادفع عنى البلاء) ثلاث مرات.
التاسع حدث أبو عمران موسى بن عمران الكسروي قال: حدثنا عبد الله بن
كلب قال: حدثني منصور بن العباس عن سعد بن جناح عن سليمان بن جعفر الجعفري
عن الرضا عليه السلام عن أبيه قال: دخل أبو المنذر هشام السائب الكلبي على أبى عبد الله عليه
السلام
فقال: أنت الذي تفسر القرآن؟ قال: قلت: نعم قال: اخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه
صلى الله عليه وآله (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا)
ما ذلك القرآن الذي كان إذا قرئه رسول الله صلى الله عليه وآله حجب عنهم؟ قلت: لا ادرى قال:
فكيف؟ قلت: انك تفسير القرآن؟ قلت: يا بن رسول الله ان رأيت أن تنعم على وتعلمنيهن
قال عليه السلام: آية في الكهف، وآية في النحل، وآية في الجاثية وهي (أفرأيت من اتخذ
الهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن
يهديه من بعد الله أفلا تذكرون) وفى النحل (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم

(1) الأعراف: 53. الخطم من كل طاير منقاره، ومن كل دابة مقدم أنفعه وفمه (ق
).
(2) مريم: 1. الشورى: 1. طه: 110.
276

وابصارهم وأولئك هم الغافلون) وفى الكهف (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض
عنها ونسي ما قدمت يداه انا جعلنا على قلوبهم أكنة ان يفقهوه وفى آذانهم وقرا وا ن تدعهم
إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا).
قال الكسروي: فعلمتها رجلا من أهل همدان كانت الديلم أسرته، فمكث فيهم
عشرين سنة، ثم ذكر الثلاث الآيات قال: فجعلت أمر على محالهم وعلى مراصدهم فلا
يروني ولا يقولون: شيئا حتى خرجت إلى ارض الاسلام قال أبو المنذر: وعلمتها قوما خرجوا
في سفينة من الكوفة إلى بغداد، وخرج معهم سبع سفن، فقطع على ستة وسلمت سفينة
التي قرء فيها هذه الآيات وروى أيضا: ان الرجل المسؤول عن هذه الآيات ما هي
من القرآن؟ هو الخضر عليه السلام (1).
العاشر لحل المربوط يكتب في رقعة، ويعلق عليه (بسم الله الرحمن الرحيم
انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك
ويهديك صراطا مستقيما) ثم يكتب سورة النصر، ثم يكتب (ومن آياته ان خلق لكم
من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات
لقوم يتفكرون) (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون) (ففتحنا أبواب السماء
بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر) (قال رب اشرح لي
صدري ويسر لي امرى واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) (وتركنا بعضهم يومئذ
يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا) كذلك حللت فلان بن فلانة عن
فلانة بنت فلانة (لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم
بالمؤمنين رؤوف رحيم) (فان تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب

(1) قوله: قطع على ستة أي سلبها قاطع الطريق. الاسراء، 47. الجاثية: 23.
النحل:
108. الكهف: 57.
277

القسم الثالث فيما يتعلق بإجابة الدعاء وكل القرآن صالح لإجابة الدعاء بعده
وقد تقدم ذكر ذلك في آداب الدعاء (2) ويتأكد منه مواضع فلنذكر بعضها:
الأول روى جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله
قال: لما أراد الله عز وجل ان ينزل فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، و (شهد الله)، (قل
اللهم مالك الملك) إلى قوله (بغير حساب) تعلقن بالعرش، وليس بينهن وبين الله
حجاب فقلن: يا رب تهبطنا إلى دار الذنوب، والى من يعصيك ونحن بالطهور والقد س
متعلقات فقال سبحانه: وعزتي وجلالي ما من عبد قرئكن في دبر كل صلاة الا أسكنته
حظيرة القدس على ما كان فيه، والا نظرت إليه، والا نظرت إليه بعيني المكنونة في
كل يوم سبعين نظرة، والا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة، والا
أعذته من كل عدو ونصرته عليه، ولا يمنعه دخول الجنة الا الموت (3).
الثاني رأيت في بعض الروايات: ان الدعاء بعد قراءة الجحد عشر مرات عند
طلوع الشمس من يوم الجمعة مستجاب.

(1) الفتح: 1 - 2. الروم: 21، المائدة، 23. القمر: 12. طه 27 الكهف 99
التوبة
128. التوبة 129.
(2) لم نجد عند ذكر آداب الدعاء السالفة في باب الرابع بالتفصيل أثرا من هذا،
بل تقدم في باب الثاني ص 114 الإشارة إليه من غير نقل للدليل ولكنا ذيلناه برواية دالة
على ذلك.
(3) قوله: تعلقن بالعرش هذا اما كناية عن تقدسهن وبعدهن عن دنس الخطايا، أو المراد
تعلق الملائكة الموكلين بهن، وارواح الحروف كما أثبتها جماعة، والحق ان تلك الا مور
من اسرار علومهم وغوامض حكمهم ونحن مكلفون بالتصديق بها اجمالا، وعدم التفتيش عن
تفصيلها والله يعلم. قوله: بعيني المكنونة أي الألطاف الخاصة (مرآة).
278

الثالث عن أمير المؤمنين: من قرء مأة آية من أي آي القرآن شاء، ثم قال:
(يا الله) سبع مرة فلو دعا على صخرة لفلقها الله تعالى.
فصل في خواص متفرقة:
الأول درست عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قرء (
ألهاكم
التكاثر) عند النوم وفى فتنة القبر.
الثاني عن الصادق عليه السلام وقع مصحف في البحر فوجدوه وقد ذهب ما فيه الا هذه
الآية (الا إلى الله تصير الأمور).
الثالث سئل عن الصادق عليه السلام عن القرآن والفرقان أهما شيئان أم شئ واحد؟ فقال:
القرآن جملة الكتاب، والفرقان المحكم الواجب العمل به.
الرابع أول ما نزل (بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ باسم ربك) وآخره (إذا
جاء نصر الله والفتح) (1).
الخامس قال أمير المؤمنين: عليه السلام من قرء (قل هو الله أحد) حين يأخذ
مضجعه (ثلاث مرات) وكل الله به خمسين الف ملك يحرسونه (طول) ليلته. وروى
الصدوق في كتاب التوحيد انها كفارة خمسين سنة.
السادس أبو بكر الخضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فلا يدع ان يقرء في دبر الفريضة ب (قل هو الله أحد) فإنه من قرئها جمع الله له
خير الدنيا وخير الآخرة، وغفر له ولوالديه وما توالدا (ولدا).
السابع حماد بن عيسى رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
:
الا أعلمك دعاء لا تنسى القرآن؟ قل (اللهم ارحمني بترك معاصيك ابدا ما أبقيتني،

(1) قال في (مرآة): قوله: وآخره إذا جاء نصر الله لعل المرا د انه لم ينزل بعد ها
سورة
كاملة فلا ينافي نزول بعض الآيات بعدها كما هو المشهور
279

وارحمني من تكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك (عنى)، والزم قلبي
حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني ان أتلوه على النحو الذي يرضيك عنى اللهم نور
بكتابك بصرى، واشرح به صدري، وأطلق به لساني، واستعمل به بدني، وقوني به على
ذلك، وأعنى عليه انه لا يعين عليه الا أنت لا إله إلا أنت) قال: ورواه بعض أصحابنا عن
الوليد بن صبيح عن حفص الأعور عن أبي عبد الله عليه السلام.
الثامن عن الصادق عليه السلام من مضى عليه يوم واحد، ولم يصل فيه (قل هو الله أحد)
قيل له يوم القيامة يا عبد الله لست من المصلين.
التاسع عنه عليه السلام: من مرت له جمعة لم يقرء فيها ب (قل هو الله أحد) ثم مات
مات على دين أبى لهب.
العاشر عنه عليه السلام من اصابه مرض أو شدة ولم يقرء في مرضه أو شدته (قل هو الله
أحد) ثم مات في مرضه أو شدته فهو من أهل النار.
الحادي عشر روى أبو القاسم بن سليمان عن أبي عبد الله قال: قال أبى عليهما السلام ما ضرب
رجل القرآن بعضه ببعض الا كفر. (1)
الثاني عشر عامر بن عبد الله بن خزاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من عبد يقرء
آخر الكهف الا يتيقظ (2) في الساعة التي يريد.

(1) قال في (الميزان) في كلام له: قال الصدوق: سئلت ابن الوليد عن معنى هذا
الحديث
فقال: هو ان تجيب الرجل في تفسير آية بتفسير آية أخرى. أقول: ما اجابه لا يخلو عن ابهام فان أراد
به الخلط المذكور - أي اختلاف الآيات بعضها ببعض ببطلان ترتيبها ودفع مقاصد بعضها ببعض
ويبطل ذلك المراد ان جميعا - وما هو المعمول عند الباحثين في مناظراتهم من معارضة
الآية بالآية، وتأويل البعض بالتمسك بالبعض فحق، وان أراد به تفسير الآية بالآية والاستشهاد
بالبعض للبعض فخطاء انتهى موضع الحاجة منه.
(2) والآية هذه (قل إنما انا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم اله واحد فمن كان يرجو
لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)
280

الثالث عشر عن الزهري قال: قلت لعلي بن الحسين عليه السلام: أي الأعمال أفضل؟
قال: الحال المرتحل قلت: وما الحال المرتحل؟ قال: فتح القرآن وختمه كلما حل بأوله
ارتحل في آخره (1).
الرابع عشر عن أبي جعفر عليه السلام: من قرء بني إسرائيل في كل ليلة جمعة لم يمت
حتى يدرك القائم عليه السلام ويكون معه ومن قرء سورة الكهف كل ليلة جمعة لم يمت الا شهيدا
وبعثه الله مع الشهداء
الخامس عشر عنه عليه السلام: من أوتر بالمعوذتين و (قل هو الله أحد) قيل له: يا عبد الله
ابشر فقد قبل وترك (2).
السادس عشر: عمر بن يزيد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من قرء (قل هو ا لله
أحد) حين يخرج من منزله عشر مرات لم يزل من الله في حفظ (ه) وكلائه حتى يرجع
إلى منزله
السابع عشر رقية الدود الذي يأكل المباطخ والزرع يكتب على أربع قصبات
أو أربع رقاع، ويجعل على أربع قصبات في أربع جوانب المبطحة أو الزرع - أيها الدود
أيها الدواب والهوام والحيوانات اخرجوا من هذه الأرض والزرع إلى الخراب
كما خرج ابن متى من بطن الحوت فإن لم تخرجوا أرسلت عليكم - (شواظ من نار
ونحاس فلا تنتصران) (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقا ل
لهم الله موتوا) فماتوا (اخرج منها فإنك رجيم) (فخرج منها خائفا يترقب) (سبحان
الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) (كأنهم يوم يرونها

(1) قال في (مرآة) قوله الحال المرتحل أي عمله، وفى النهاية قيل: وما ذلك؟
قال: الخاتم المفتتح وهو الذي يختم القرآن بتلاوته ثم يفتتح التلاوة من أوله، شبهه بالمسافر
يبلغ المنزل فيحل فيه، ثم يفتتح السير أي يبتدئه.
(2) الوتر بالكسر وقد يفتح: الفرد أو ما لم يتشفع من العدد (أقرب) قوله: وترك هو من
الوتر ونائب مناب فاعل قبل.
281

لم يلبثوا الا عشية أو ضحاها) (فأخرجناهم من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة
كانوا فيها فاكهين) (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) (اخرج
منها فما يكون لك ان تتكبر فيها فاخرج انك من الصاغرين) (اخرج منها مذموما
مدحورا) (فلنأتينهم بجنود لاقبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون) (1)
الثامن عشر عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من توضأ ثم خرج
إلى المسجد فقال حين يخرج من بيته (بسم الله الذي خلقني فهو يهدين) هداه الله
إلى الصواب من الايمان، وإذا قال (والذي هو يطعمني ويسقين) أطعمه الله عز وجل
من طعام الجنة وسقاه من شراب الجنة، وإذا قال (وإذا مرضت فهو يشفين) جعله الله
عز وجل كفارة لذنوبه، وإذا قال: (والذي يميتني ثم يحيين) اماته الله عز وجل ميتة
الشهداء وأحياه حياة السعداء وإذا قال (والذي اطمع ان يغفر لي خطيئتي يوم الدين غفر الله
عز وجل خطاياه كلها وإن كان أكثر من زبد البحر (رب هب لي حكما والحقني بالصالحين)
وهب الله تعالى له حكما والحقه بصالح من مضى وصالح من بقي، وإذا قال (واجعل لي
لسان صدق في الآخرين) كتب الله عز وجل له ورقة بيضاء ان فلان بن فلان من الصادقين
وإذا قال (واجعلني من ورثة جنة النعيم) أعطاه الله عز وجل منازل في الجنة وإذا قال (واغفر
لأبي انه كان من الضالين) غفر الله عز وجل لأبويه (2).
التاسع عشر روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من قرء هذه الآية عند منامه (قل
إنما انا بشر مثلكم) إلى آخر السورة سطع له نور إلى المسجد الحرام حشو ذلك النور
ملائكة تستغفرون له حتى يصبح.

(1) المبطخة: موضع نبت اليقطين ج المباطخ، ولعل المراد من قصبات الأولى أربع
عظام ومن الثانية القطعات من المكان وترتيب الآيات من قوله: شواظ هكذا: الرحمن:
35. البقرة 243. الحجر: 34. القصص: 21. الاسرى: 1. النازعات: 46، الشعراء:
57. الدخان: 29. الأعراف: 13. الأعراف: 18. النمل: 37.
(2) والآيات المذكورة في الحديث هي الآيات التسعة من سورة الشعراء من الرقم
78. إلى 86.
282

ختم وارشاد وإذا قد عرفت فضل الدعاء والذكر، وعرفت ان الأفضل من كل
منهما ما كان سرا وانه يعدل سبعين ضعفا من الجهر، فاعلم أن قول أحدهما
فيما رواه زرارة: فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير الله لعظمته (1)
ايماء إلى قسم ثالث من اقسام الذكر أعلى من الأولين أعني الجهر والسر، وهو الذي يكون
في نفس الرجل لا يعلمه غير الله.
ثم اعلم أن وراء هذه الأقسام الثلاثة قسم رابع من اقسام الذكر وهو أفضل
منها بأجمعها وهو ذكر الله سبحانه عند أوامره ونواهيه فيفعل الأوامر ويترك النواهي
خوفا منه ومراقبة له.
روى أبو عبيدة الخزاعي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: ألا أخبرك بأشد
ما فرض الله على خلقه؟ قال: بلى ثم قال: من أشد ما فرض الله انصافك الناس من نفسك.
ومواساتك أخاك المسلم في مالك وذكر الله كثيرا أما انى لا أعني (سبحان الله وا لحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر) وإن كان منه، ولكن ذكر الله تعالى عندما أحل وحرم ا ن كان طاعة
عمل بها وإن كان معصية تركها.
ومثل هذا قول جده سيد المرسلين: من أطاع الله فقد ذكر الله كثيرا وان قلت
صلاته وصيامه وتلاوته القرآن. فقد جعل طاعة الله هي الذكر الكثير مع قلة الصلاة
والصيام والتلاوة (2).
ومثل قوله صلى الله عليه وآله: ان الله جل ثنائه يقول: لست كل كلام الحكيم أتقبل ولكن
هواه وهمه، وإن كان هواه فيما أحب وارضى جعلت صمته حمدا لي ووقارا وان لم
يتكلم. فانظر كيف جعل مدار القبول، والثواب ما في النفس من ذكر الله والطمأنينة
إليه والمراقبة له، وانه لا يقبل كل الكلام، بل إنما يقبل منه ما كان مطابقا لما في القلب

(1) وتقدمت رواية زرارة في ص 244 مع معناه ذيلا
(2) وقد مضى معنى الذكر الكثير في ص 234 ذيلا من أراد يرجع.
283

من الميل إلى الله سبحانه بالقيام بأوامره، واجتناب مساخطه فإنه إذا كان موصوفا بهذه
جعل صمته حمدا، وهذا مثل قوله عليه السلام: وان قلت صلاته.
ويقرب من هذا قوله عليه السلام: يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح
فقد اكتفى باليسير من الدعاء مع أفعال الخير، وأخبر ان الكثير من الدعاء والذكر مع
عدم اجتناب النواهي غير مجد كما في قوله عليه السلام مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي
يرمى بغير وتر. وفى قوله عليه السلام الدعاء مع اكل الحرام كالبناء على الماء.
وفى الوحي القديم: والعمل مع اكل الحرام كنا قل الماء في المتخل (1).
وقال عليه السلام: واعلم انكم لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم حتى تكونوا
كالأوتار ما نفعكم ذلك الا بورع حاجز (2).
وقال عليه السلام: أصل الدين الورع كن ورعا تكن أعبد الناس كن بالعمل بالتقوى
أشد اهتماما منك بالعمل بغيره فإنه لا يقل عمل بالتقوى وكيف يقل عمل يتقبل؟
لقول الله عز وجل (إنما يتقبل الله من المتقين) فكان التقوى مدار قبول العمل (3).
واعلم أن الصادق عليه السلام سئل عن تفسير التقوى فقال عليه السلام: ان لا يفقدك الله حيث

(1) المنخل: ما ينخل به الدقق يقال: نخلت الدقيق: غربلته (ا لمجمع).
(2) الحنايا: هي جمع حنيئة يقال: حتى يده حناية، لواها أي أعوجها (أقرب) الوتر
بالتحريك واحد أوتار القوس (المجمع)
(3) المائدة: 30. قال في (مرآة): قيل للورع أربع درجات: الأولى ورع التائبين
وهو ما يخرج به الانسان من الفسق وهو المصحح لقبول الشهادة. الثانية ورع الصالحين وهو
الاجتناب عن الشبهات خوفا منها ومن الوقوع في المحرمات. الثالثة ورع المتقين وهو ترك
الحلال خوفا من أن ينجر إلى الحرام مثل ترك التحدث بأحوال الناس مخافة ان ينجر إلى
الغيبة. الرابعة ورع السالكين وهو الاعراض عما سواه تعالى خوفا من صرف ساعة من العمر فيها
لا يفيد زيادة القرب منه تعالى وان علم أنه لا ينجر إلى الحرام.
284

امرك ولا يراك حيث نهاك. وهذا هو بعينه قوله عليه السلام في أول الباب: ولكن ذكر الله
عندما أحل وحرم، فإن كان طاعة عمل بها، وإن كان معصية تركها. وهذا هو حد التقوى
وهي العدة الكافية في قطع الطريق إلى الجنة، بل هي الجنة الواقية من متالف الدنيا
والآخرة، وهي الممدوحة بكل لسان. والمشرفة لكل انسان، ولقد شحن بمدحها
القرآن، وكفاها شرفا قوله تعالى (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وأيا كم
ان اتقوا الله) ولو كان في العالم خصلة أصلح للعبد واجمع للخير وأعظم في القدر، وأولى
بالايجال، وانجح للآمال من هذه الخصلة التي هي التقوى لكان الله سبحانه أوحى بها.
عباده لمكان حكمته ورحمته، فلما أوصى بهذه الخصلة الواحدة جمع الأولين وآخرين
واقتصر عليها علم أنها الغاية التي لا يتجاوز عنها ولا مقتصر دونها (1).
والقرآن مشحون بمدحها وعد في مدحها خصالا:
الأول المدحة والثناء (وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الأمور)
الثاني الحفظ والتحصين من الأعداء (وا تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا).
الثالث التأييد والنصر (ان الله مع المتقين).
الرابع اصلاح العمل (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم
أعمالكم).
الخامس غفران الذنوب (ويغفر لكم ذنوبكم)
السادس محبة الله (ان الله يحب المتقين)
السابع القبول (إنما يتقبل الله من المتقين)
الثامن الاكرام (ان أكرمكم عند الله اتقيكم)
التاسع البشارة عند الموت (الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في
الحياة الدنيا وفى الآخرة).
العاشر النجاة من النار (ثم ننجي الذين اتقوا).

(1) المتالف: المفازة هي المهلكة يقال: وقعوا في متلفة ومتالف (أقرب) النساء: 131.
285

الحادي عشر الخلود في الجنة (أعدت للمتقين).
الثاني عشر تيسير الحساب (وما على الذين يتقون من حابهم من شئ).
الثالث عشر النجاة من الشدائد والرزق الحلال (ومن يتق الله يجعل له مخرجا
ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره قد جعل ا لله
لكل شئ قدرا) (1).
فانظر ما جمعت هذه الخصلة الشريفة من السعادات فلا تنس نصيبك منها، ثم
انظر إلى الآية الأخيرة، وما اشتملت عليه وقد دلت على أمور:
الأول ان التقوى حصنا منيعا وكهفا حريزا (2) لقوله تعالى (يجعل له مخرجا)
ومثله قوله عليه السلام: لو أن السماوات والأرض كانتا رتقا على عبده المؤمن ثم اتقى الله
لجعل الله له منهما فرجا ومخرجا
الثاني كونها كنزا كافيا لقوله تعالى (ويرزقه من حيث لا يحتسب)
الثالث دلت أيضا على فضيلة التوكل وان الله تعالى يضمن للمتوكل بكفايته
بقوله (فهو حسبه) (ومن أصدق من الله قيلا) ومن هذا قال النبي صلى الله عليه وا له: لو أن الناس
اخذوا بهذه الآية لكفتهم.
الرابع تعريفه تعالى لعبيده انه قادر على ما يريد لا يعجزه شئ ولا يمتنع من
ارادته مطلوب بقوله (ان الله بالغ امره) ليثقوا وعدهم على تقواه من الاستكفاء
والاعطاء، وعلى توكله بالكلائة والارعاء (3).

(1) آل عمران: 183 - 116 - البقرة: 194. الأحزاب: 70. الأنفال: 29. التوبة
: 4.
المائدة: 30. الحجرات: 13. يونس: 63. مريم 72. آل عمران 133. الانعام: 69.
الطلاق: 3 - 4.
(2) الكهف: الملجأ: ومنه في وصف علي (ع) كنت للمؤمنين كهفا. الحرز: الموضع
الحصين فهو حريز (المجمع).
(3) كلئه كلائا: حفظة (المجمع) ارعى فلان على فلان: أبقى عليه وترحم (أقرب)
النساء: 122.
286

وسئل الصادق عليه السلام عن حد التوكل فقال: ان لا يخاف مع الله شيئا. وان في هذه
الآية لبلغة للعباد وكفاية لمطالب الاسترشاد (1).
روى أحمد بن الحسين الميثمي عن رجل من أصحابه قال: قرأت جوابا من
أبى عبد الله عليه السلام إلى رجل من أصحابه: اما بعد فانى أوصيك بتقوى الله عزو جل فان الله
قد ضمن لمن اتقاء ان يحوله عما يكره إلى ما يحب ويرزقه من حيث لا يحتسب ان الله
عز وجل لا يخدع عن جنبه، ولا ينال ما عنده الا بطاعته (2).
وعن الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يقول الله عز وجل: وعزتي
وجلالي
وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواه على هواي الا شتت عليه امره
ولبست عليه دنياه، واشتغلت قلبه بها، ولم ارزقه منها الا ما قدرت له، وعزتي وجلالي
وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه الا استحفظته
ملائكتي، وكفلت السماوات والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر، وأتته
الدنيا وهي راغبة (راغمة) (3).

(1) وقد ذكر معنى التوكل في ص 82 متنا وذيلا بالتفصيل
(2) في (المجمع) وفى الحديث عن أبي عبد الله (ع) عن آبائه عليهم السلام ان رسول
الله (ص) سئل فيما النجاة غدا؟ قال: النجاة ان لا تخادعوا الله فيخدعكم فإنه من يخادع الله
يخدعه فقيل له: كيف يخادع الله؟ قال: يعمل ما أمر الله ثم بريد به غيره الحديث.
(3) قال في (مرآة) أقول: ينبغي ان يعلم أن ما تهواه النفس ليس كله مذموما، وما
لا تهواه النفس ليس كله ممدوحا بل المعيار هو ان كل يرتكبه الانسان لمحض الشهوة النفسانية
ولم يكن الله مقصودا له في ذلك فهو من الهوى المذموم وإن كان مشتملا على زجر النفس
عن بعض المشتهيات أيضا كمن يترك لذيذ المأكل والمطعم مثلا للاشتهار بالعبادة وجلب قلوب
الجهال، وما يرتكبه الانسان لاطاعة امره سبحانه وإن كان مما تشتهيه نفسه فليس هو من الهوى
المذموم كمن يأكل ويشرب لامره تعالى أو لتحصيل القوة على العبادة فهؤلاء وان حصل لهم
الالتذاذ بهذه الأمور لكن ليس مقصودهم محض اللذة بل لهم في ذلك اغراض صحيحة هذا ملخص
كلامه رفع مقامه باب اتباع الهوى.
287

وروى أبو سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول عند منصرفه من
أحد، والناس محدقون به، وقد أسند ظهره إلى طلحة هناك: أيها الناس أقبلوا على
ما كلفتموه من اصلاح آخرتكم واعرضوا عما ضمن لكم من دنياكم ولا تستعملوا جوارحا
غذيت بنعمته في التعرض لسخطه بمعصيته، واجعلوا شغلكم في التماس مغفرته، وأصرفوا
همتكم (هممكم) بالتقرب إلى طاعته من بدء بنصيبه من الدنيا فإنه نصيبه من
الآخرة ولم يدرك منها ما يريد، ومن بدء بنصيبه من الآخرة وصل إليه نصيبه من الدنيا،
وأدرك من الآخرة ما يريد (1).
وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أيما مؤمن أقبل قبل ما يحب
الله أقبل الله عليه قبل كل ما يحب، ومن اعتصم بالله بتقواه عصمه الله، ومن اقبل الله
قبله وعصمه لم يبال لو سقطت السماء والأرض، وان نزلت نازلة على أهل الأرض فشملتهم
بلية كان في حرز الله بالتقوى من كل بلية أليس الله تعالى يقول (ان المتقين في
مقام امين)؟ (2).
فصل محمد بن يعقوب (ره) يرفعه إلى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: كان ملك في بني إسرائيل وكان له قاض، وللقاضي أخ، وكان رجل صدق، وكانت
له امرأة قد ولدتها الأنبياء فأراد الملك ان يبعث رجلا في حاجته فقال للقاضي: ابعثني
رجلا ثقة فقال: ما أعلم أحدا أوثق من اخى فدعاه ليبعثه فكره ذلك الرجل وقال لأخيه:
انى أكره ان أضيع امرئتي فعزم عليه فلم يجد بدا من الخروج فقال لأخيه: يا اخى
انى لست اخلف شيئا أهم إلى من امرئتي فاخلفني فيها وتول قضاء حاجتها قال: نعم،
فخرج الرجل وقد كانت امرأته كارهة لخروجه، وكان القاضي يأتيها ويسألها عن حوائجها

(1) الطلح: شجر عظام من شجر العضاه يرعاها الإبل الواحدة طلحة (أقرب).
(2) قبل بالكسر ثم الفتح يقال: اتاني من قبله رسالة: أي من عنده وجهته (أقرب)
الدخان: 51.
288

ويقوم بها فأعجبته فدعاها إلى نفسه فأبت عليه، فحلف عليها لان لم تفعلي
لأخبرن الملك انك فجرت، فقالت اصنع ما بدء لك لست أجيبك إلى شئ مما
طلبت، فأتى الملك فقال: ان امرأة اخى قد فجرت وقد حق ذلك عندي
فقال له الملك: طهرها فجاء إليها فقال لها: ان الملك فقد امرني برجمك فما تقولين؟
تجيبني والا رجمتك، فقالت: لست أجيبك فاصنع ما بدء لك، فأخرجها فحفر لها فرجمها
ومعه الناس، فلما ظن أنها قد ماتت تركها وانصرف، وجنها الليل وكان بها رمق فتحركت
وخرجت من الحفرة ثم مشت على وجهها حتى خرجت من المدينة فانتهت إلى دير
فيه ديراني فباتت على باب الدير، فلما أصبح الديراني فتح الباب فرآها فسئلها عن قصتها
فخبرته فرحمها وأدخلها الدير، وكان له ابن صغير لم يكن له غيره وكان حسن الحال
فداواها حتى برئت من علتها واندملت، ثم دفع إليها ابنه فكانت تربيه، وكان للديراني
قهرمان يقوم بأوامره فأعجبته فدعيها إلى نفسه فأبت فجهد بها فأبت فقال: لان لم
تفعلي لأجهدن في قتلك فقالت: اصنع ما بدء لك فعمد إلى الصبي فدق عنقه فأتى
الديراني فقال له: عمدت إلى فاجرة قد فجرت فدفعت إليها ابنك فقتلته، فجاء
الديراني فلما رأى ابنه قتيلا قال لها: ما هذا؟ فقد تعلمين صنيعي بك فأخبرته بالقصة،
فقال لها ليس تطيب نفسي أن تكون عندي فاخرجي، فأخرجها ليلا ودفع إليها
عشرين درهما، وقال لها: تزودي هذه الله حسبك
فخرجت ليلا فأصبحت في قرية فإذا فيها مصلوب على خشبة وهو حي فسئلت
عن قصته فقالوا: عليه دين عشرون درهما، ومن كان عليه دين عندنا لصاحبه صلبه حتى
يؤدى إلى صاحبه فأخرجت العشرين درهما ودفعتها إلى غريمه وقالت: لا تقتلوه
فأنزلوه عن الخشبة فقال لها: ما أحد أعظم على منة منك نجيتني من الصلب ومن
الموت فأنا معك حيثما ذهبت، فمضى معها ومضت حتى انتهيا إلى ساحل البحر،
289

فرأى جماعة وسفنا فقال لها: اجلسي حتى أذهب وأنا أعمل لهم واستطعم وآتيك به
فأتاهم وقال لهم: ما في سفينتكم هذه؟ قالوا: في هذه تجارات وجواهر وعنبر وأشياء من
التجارة، واما هذه فنحن فيها قال: وكم يبلغ ما في سفينتكم هذه؟ قالوا: كثيرا لا نحصيه
قال: فان معي شيئا خطيرا هو خير مما في سفينتكم قالوا: وما معك قال: جارية لم
ترو مثلها قط قالوا: فبعناها قال: نعم على شرط ان يذهب بعضكم فينظر إليها ثم يجيئني
فيشتريها ولا يعلمها ويدفع إلى الثمن، ولا يعلمها حتى أمضى أنا فقالوا لك ذلك، فبعثوا
من نظر إليها فقال: ما رأيت مثلها قط فاشتروها منه بعشرة آلاف درهم، ودفعوا إليه
الدراهم فمضى (بها) فلما امضى اتوها فقالوا لها: قومي وادخلي السفينة قالت: لم؟
قالوا: قد اشتريناك من مولاك قالت: ما هو بمولاي قالوا تقومين؟ والا لنحملنك فقامت
ومضت معهم فلما انتهوا إلى الساحل لم يأمن بعضهم بعضا عليها، فجعلوها في السفينة
التي فيها الجواهر والتجارة وركبوا في السفينة الأخرى فدفعوها، فبعث الله عز وجل
عليهم رياحا فغرقهم ونجت السفينة التي كانت فيها حتى انتهت إلى جزيرة من جزائر
البحر، وربطت السفينة ثم دارت في الجزيرة فإذا فيها ماء وشجر فيه ثمر فقالت: هذا ماء
أشرب منه وثمرا آكل منه واعبد الله في هذا الموضع
فأوحى الله عز وجل إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام ان يأتي ذلك
الملك فيقول له: ان في جزيرة من جزائر البحر خلقا من خلقي فاخرج أنت ومن
في مملكتك حتى تأتوا خلقي هذا وتقروا له بذنوبكم، ثم تسئلوا ذلك الخلق ان يغفر
لكم فان غفر لكم غفرت لكم فخرج الملك بأهل مملكته إلى تلك الجزيرة فرأوا
امرئه فتقدم إليه الملك فقال لها: ان قاضى هذا أتاني فخبرني ان امرأة أخيه قد فجرت
فأمرته برجمها ولم يقم عندي البينة فأخاف ان أكون قد تقدمت على ما لا يحل لي
فأحب ان تستغفر لي فقالت غفر الله لك اجلس ثم أتى زوجها ولا يعرفها فقال: انه كان
لي امرأة وكان من فضلها وصلاحها وانى خرجت عنها وهي كارهة لذلك فأخبرني
290

أخي انها فجرت فرجمها وانا أخاف ان أكون قد ضيعتها فاستغفري لي غفر الله لك
فقالت: غفر الله لك اجلس، فأجلسته إلى جنب الملك، ثم اتى القاضي فقال لها:
انه كان لاخى امرأة وانها أعجبتني فدعوتها إلى الفجور فأبت فأعلمت الملك انها قد
فجرت وأمرني برجمها فرجمتها وانا كاذب عليها فاستغفري لي فقالت غفر الله لك
ثم أقبلت على زوجها فقالت: اسمع، ثم تقدم الديراني فقص قصته وقال: أخرجتها
بالليل وانا أخاف أن يكون قد لقيها سبع فقتلها فاستغفري لي فقالت غفر الله لك
اجلس، ثم تقدم القهرمان وقص قصته وقالت للديراني: اسمع غفر الله لك، ثم تقدم
المصلوب فقص قصته فقالت: لا غفر الله لك، ثم أقبلت على زوجها فقالت: انا امرئتك
وكلما سمعت فأنما هو قصتي وليست لي حاجة في الرجال فأنا أحب أن تأخذ هذه
السفينة وما فيها وتخلى سبيلي فأعبد الله عز وجل في هذه الجزيرة فقد ترى ما قد
لقيت من الرجال ففعل واخذ السفينة وما فيها، وانصرف الملك وأهل مملكته.
فانظر رحمك الله إلى تقوى هذه المرأة كيف عصمها الله من ثلاثة أهوال شداد:
خلصها الله من الرجم، وتهمة القهرمان، ومن رق التجار، ثم انظر ما بلغ من كرامتها
على الله تعالى بأن جعل رضاه مقرونا برضائها، ومغفرته مقرونة بمغفرتها، وكيف جعل
من نصب لها مكرا وهيأ لها مكروها خاضعا لها وطالبا منها المغفرة والرضا، وكيف
رفع من قدرها ونوه بذكرها حيث أمر نبيها بأن يحشر إليها الملوك والقضاة والعباد ويجعلونها
بابا إلى الله تعالى، وذريعة إلى رضوانه (1).
وفى هذا المعنى ما ورد في الحديث القدسي: يا ابن آدم أنا فقير لا أفتقر أطعني
فيما أمرتك أجعلك غنيا لا تفتقر يا ابن آدم انا حي لا أموت أطعني فيما أمرتك
أجعلك حيا لا تموت يا ابن آدم أنا أقول للشئ: كن فيكون أطعني فيما أمرتك أجعلك
تقول للشئ: كن فيكون.

(1) القهرمان: الوكيل أو امين الدخل والخرج (أقرب) يق: نوهت باسمه
بالتشديد:
إذا رفعت ذكره (المجمع).
291

وعن أبي حمزة قال: أوحى الله تعالى إلى داود: يا داود انه ليس عبد من عبادي
يطيعني فيما آمره الا أعطيته قبل أن يسئلني، وأستجيب له قبل ان يدعوني.
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: ان الله تعالى أوحى إلى داود ان بلغ قومك انه ليس
عبد منهم آمره بطاعتي فيطيعني الا كان حقا على أن أطيعه وأعينه على طاعتي
وان سئلني أعطيته، وان دعاني أجبته، وان اعتصم بي عصمته، وان استكفاني
كفيته، وان توكل على حفظته من وراء عوراته، وان كاده جميع خلقي كنت دونه
وعن ذرعة بن محمد قال: كان رجل بالمدينة وكانت له جارية نفيسة فوقعت
في قلب رجل واعجب بها، فشكى ذلك إلى أبى عبد الله عليه السلام فقال: تعرض لرؤيتها،
فكلما رايتها فقل (اسئل الله من فضله) ففعل فما لبث الا يسيرا حتى عرض لوليها
سفر فجاء إلى الرجل فقال: يا فلان أنت جارى وأوثق الناس عندي، وقد عرض لي
سفر، وانا أحب ان أودعك جاريتي تكون عندك فقال الرجل: ليس لي امرأة، ولا معي
في منزلي امرأة، وكيف تكون جاريتك عندي؟ فقال: أقومها عليك بالثمن، وتضمنه
لي وتكون عندك فإذا أنا قدمت فبعنيها أشتريها، وان نلت منها نلت ما يحل لك، ففعل وغلظ
عليه بالثمن، وخرج الرجل فمكثت عنده، ومعه ما شاء الله حتى قضى وطره منها،
ثم قدم رسول لبعض خلفاء بنى أمية يشترى له جواري، وكانت هي فيمن سمى ان تشترى
فبعث الوالي إليه فقال له: بع جارية فلان قال: فلان غائب فقهره إلى بيعها وأعطا ه
الثمن ما كان فيه ربح، فلما أخذت الجارية واخرج بها من المدينة قدم مولاها، فأول
شئ سئله عن الجارية كيف هي؟ فأخبره بخبرها وأخرج إليه المال كله الذي قومه
عليه، والذي ربح فقال: هذا ثمنها فخذه فأبى الرجل وقال: لا آخذ الا ما قومته عليك وما
كان من فضل فخذه لك هنيئا فصنع الله له بحسن نيته (1)

(1) قوله: وطره الوطر: الحاجة أو حاجة لك فيها هم وعناية ج أو طار (أقرب)
292

واعلم أن التقوى شطران شطر الاكتساب، وشطر الاجتناب، والاكتساب فعل
الطاعات، والاجتناب ترك المنهيات، وشطر الاجتناب أسلم وأصلح للعبد وأهم عليه
من شطر الاكتساب لان الاجتناب يفيد مع حصوله، ويزكو معه ما يحصل من شطر
الاكتساب وان قل، وقد عرفت ذلك فيما تلوناه عليك من قوله عليه السلام: يكفي من الدعاء
مع البر ما يكفي الطعام من الملح. ونظائره فلا نطول بتكريره، وشطر الاكتساب
لا ينفع مع تضييع شطر الاجتناب وقد عرفت ذلك من كتابنا هذا، وفيما رأيت من
خبر معاذ كفاية، وفى قول القرشي ان شجر نافى الجنة لكثيرة قال، نعم ولكن إياكم ان
ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها (1).

(1) قال في (الميزان): يحصل التقوى الديني بأحد أمور ثلاثة: الخوف والرجاء
والحب قال تعالى (وفى الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا الا
متاع الغرور) الحديد: 20 فعلى المؤمن ان يتنبه لحقيقة الدنيا وهي انها متاع الغرور
وعليه ان لا يجعلها غاية لاعماله، وان يعلم أن له ورائها دارا فيها ينال غاية أعماله.
وهي عذاب شديد للسيئات يجب ان يخافه، ومغفرة من الله يحب ان يرجوها، وطباع الناس
مختلفة فبعضهم وهو الغالب يغلب على نفسه الخوف، ويساق بذلك إلى عبادته تعالى خوفا من
عذابه، وبعضهم يغلب على نفسه الرجاء وكلما فكر فيما وعده الله من النعمة والكرامة زاد
رجاء وبالغ في التقوى والتزام الأعمال الصالحة. وطائفة ثالثة وهم العلماء بالله لا يعبدون
خوفا من عقابه ولا طمعا في ثوابه وإنما يعبدونه لأنه أهل للعبادة وذلك لأنهم عرفوه بما يليق
به من الأسماء الحسنى والصفات العليا فهم يعبدون الله ولا يريدون الا وجهه ولا يلتفتون فيها
إلى عقاب يخوفهم ولا إلى ثواب يرجيهم انتهى موضع الحاجة بعد التلخيص ج 11
ص 173.
قوله: فيما تلوناه عليك يريد به ما تقدم ذكره في أول الخاتمة من الروايات. وقد مضى
خبر معاذ في ص 227 قوله: قول القرشي الخ هذا جزء من الرواية المذكورة في ص 248.
293

وعنه عليه السلام: الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب (1)
وعنهم عليهم السلام: جدوا واجتهدوا، وان لم تعملوا فلا تعصوا، فان من يبنى
ولا يهدم يرتفع بنائه وان كا يسيرا، وان من يبنى ويهدم يوشك ان لا يرتفع له بناء.
فعليك بالاجتهاد في تحصيل الطرفين لتستكمل حقيقتها وتكون قد سلمت،
وغنمت، وان لم تبلغ الا إلى أحدهما فليكن ذلك شطر الاجتناب فتسلم ان لم تغنم،
والا خسرت الشطرين جميعا، فلا ينفعك قيام الليل وتعبه مع تضمضك بأعراض
الناس (2).
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله إياكم وفضول الطعام فإنه يسم القلب بالقسوة ويبطئ
بالجوارح عن الطاعة، ويصم الهمم عن سماع الموعظة، وإياكم وفضول
النظر فإنه يبذر الهوى ويولد الغفلة، وإياكم واستشعار الطمع فإنه يشوب القلب
بشدة الحرص، ويختم القلب بطابع حب الدنيا، وهو مفتاح كل معصية، ورأس كل
خطيئة وسبب احباط كل حسنة. وهذا مثل قوله عليه السلام: فيما تقدم: إياكم ان تر سلوا
عليها نيرانا فتحرقوها.
وروى محمد بن يعقوب يرفعه إلى أبى حمزة قال: كنت عند علي بن الحسين عليهما السلام
فجائه رجل فقال له: يا أبا محمد انى مبتلى بالنساء فأزني يوما وأصوم يوما فيكون ذا كفارة
لذا، فقال علي بن الحسين عليه السلام انه ليس شئ أحب إلى الله عز وجل من أن يطاع فلا

(1) واعلم أنه لا حسد الاعلى نعمة فإذا أنعم الله على أخيك نعمة فلك فيها حالتان:
أحدهما
ان تكره تلك النعمة وتحب زوالها سواء أردت وصولها إليك أم لا فهذه الحالة تسمى حسدا.
والثانية ان لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ورواجها ولكنك تشتهى لنفسك مثلها، وهذه
تسمى غبطة وقد يخص باسم المنافسة، فاما الأول فهو حرام مطلقا كما هو المشهور، أو اظهارها
كما يظهر من بعض الأخبار واما المنافسة فليست حرام وفى (مرآة) تفصيل الكلام باب الحسد.
(2) الاعراض: جمع العرض بالكسر هو موضع المدح والذم من الانسان في نفسه
أو من يلزمه امره، وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامى عنه ان ينتقص ويعاب
(المجمع).
294

يعصى، فلا تزني ولا تصوم، فاجتذبه أبو جعفر عليه السلام بيده إليه فقال له: تعمل عمل أهل
النار وترجو ان تدخل الجنة.
وعن النبي صلى الله عليه وآله ليجيئن أقوام يوم القيامة لهم من الحسنات كجبال تهامة
فيأمر بهم إلى النار فقيل: يا نبي الله أمصلون؟ قال: كانوا يصلون ويصومون ويأخذ ون
وهنا من الليل لكنهم كانوا إذا لاح لهم شئ من الدنيا وثبوا عليه (1)
واعلم انك لن تبلغ ذلك الا بالمجاهدة لنفسك الامارة فإنها أضر الأعداء كثيرة
البلاء مرمية في المهالك كثيرة الشهوات قال الله تعالى (فأما من طغى وآثر الحياة
الدنيا فان الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة
هي المأوى) (2).
وقال صلى الله عليه وآله: أعدا عدوك نفسك التي بين جنبيك. فلا تغفل عنها وأوثقها بقيد التقوى.
وأكثرها بثلاثة أشياء: الأول منع الشهوات فان دابة الحرون تلين إذا نقص من علفها.
الثاني تحمل أثقال العبادات فان الدابة إذا ثقل حملها وقلل علفها ذلت وانقادت
الثالث الاستعانة بالله والتضرع إليه بأن يعينك عليها أولا ترى إلى قول الصديق
(ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربى)؟ فإذا وطنت (وظبت) على هذه الأمور
الثلاثة انقادت لك بإذن الله تعالى فح تبادر إلى أن تملكها، وتلجمها وتأمن من شرها،
وكيف تأمن أو تسلم مع اهمالها؟ مع ما تشاهد من سوء اختيارها وردائة أحوالها
ألست تراها وهي في حالة الشهوة بهيمة؟ وفى حال الغضب سبع، وفى حال المصيبة
طفل، وفى حال النعمة فرعون، وفى حال الشبع تراها مختالة، وفى حال الجوع تراها
مجنونا ان أشبعتها بطرت، وان جوعتها صاحت وجزعت، فهي كالحمار السوء ان اقضمته
رمح وان جاع نهق (3).

(1) الوهن: نحو نصف الليل قال الأصمعي: هو حين يدبر الليل. لاح الشئ: بدا.
(2) النازعات: 38 -: 42.
(3) الفرس الحرون: الذي لا ينقاد وإذا اشتد به الحري وقف. البطر. هو كما قيل:
سوء احتمال الغنى والطغيان عند النعمة. (المجمع) اقضم الدابة: علفها القضيم
وهو شعير الدابة
(أقرب) يوسف: 53.
295

قال بعض العلماء: ومن ردائة هذه النفس جهلها انها إذا همت بمعصية، أو انبعث
لها شهوة لو تشفعت إليها بالله تعال ثم برسوله وبجميع أنبيائه، وكتبه وبجميع الملائكة
المقربين، وتعرض عليها الموت والقبر والقيامة والجنة والنار لا تعطى القياد ولا تسكن،
ولا تترك الشهوة، ثم استقبلها بمنع رغيف أو اعطاء رغيف تسكن وتترك شهوتها لتعلم
خستها وجهلها. وإياك ان تغفل عنها طرفة عين فإنها كما قال خالقها (ان النفس لا مارة
بالسوء الا ما رحم ربى) وكفى بهذا تنبيها لمن عقل، فألجمها بالتقوى، وقدها بزمام
الرجا، وسقها بسوط الخوف واما التقوى فلتتقيد بها عن الجموع والنفار، واما الخوف
فإنما يجب التزامه لامرين: الأول لتزجر به عن المعاصي فإنها أمارة بالسوء ميالة
إلى الشر، ولا تنتهي عن ذلك الا بتخويف عظيم وتهديد. الثاني لئلا تعجب بالطاعة
والعجب من المهلكات بل تقمعها بالذم والعيب والنقص وما اكتسب به من الأوزار
والخطايا التي توجب الخزي والنار.
واما الرجاء فإنما يلزم لامرين: الأول ليبعث على الطاعات لان الخير ثقيل
والشيطان عنه زاجر، والنفس ميالة إلى الكسل والبطالة، الثاني ليهون عليك احتمال
المشقات والشدائد لان من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل ألا ترى مشتار العسل؟
لا يتفكر بلسع النحل لما يتذكر من حلاوة العسل، والفاعل يعمل طول نهاره بالجهد
الشديد ويجد لذلك لذة من اجل أخذ الأجرة، والفلاح لا يتفكر بمقاساة الحر والبرد
ومباشرة الشقاء والكد طول السنة لما يتذكر من البذر (البيدر) فاجهد أيها الواعي
على الغاية القصوى، واصبر على الألم والبلوى. (1)

(1) القياد: حبل يقاد به الدابة. المجموع من الرجال: الذي ير كب هواه فلا يمكن
رده. شرت العسل: استخرجته من موضعه (المجمع) البيدر: الموضع الذي يداس فيه
الطعام (أقرب).
296

شعر
ماضر من كانت الفردوس مسكنه * ماذا تحمل من بؤس واقتار
تراه يمشى كئيبا خائفا وجلا * إلى المساجد يمشى بين أطمار.
ثم إذا كان أثر العبودية وهو القيام بالطاعة والانتهاء من المعصية وذلك لا يتم مع
هذه النفس الامارة بالسوء الا بترغيب وترهيب وتخويف وترحيب، فان الدابة الحرون
تحتاج إلى قايد يقودها، والى سايق يسوقها، وإذا وقعت في مهواة، فربما تضرب
بالسوط من جانب، ويلوح لها بالشعير من جانب آخر حتى تنهض و تتخلص مما
وقعت فيه، فان الصبي الغر لا يمر إلى المكتب الا بترحيبه من الأبوين وتخويفه من
المعلم، وكك هذه النفس دابة حرون وقعت في مهمات الدنيا، فالخوف سوطها وسايقها،
والرجاء شعيرها وقايدها، وإنما يغدو الصبي الغر إلى المكتب رغبة في الرجاء ورهبة
في الخوف، فذكر الجنة وثوابها ترحيب النفس وترغيبها، والنار وعقباها تخويف
النفس وترهيبها.
297

خاتمة الكتاب في أسماء الله الحسنى
فصل وقد أحببت ان أختم هذه الرسالة بذكر أسمائه الحسنى بوجهين: أما
أولا فلان المقصود من وضع هذا الكتاب التنبيه على ما يكون سببا لإجابة الدعاء
وقال الله تبارك وتعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) (1).
وقد روى الصدوق باسناده مرفوعا إلى عبد السلام بن صالح الهروي عن علي بن
موسى الرضا عليه السلام عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ان لله
عز وجل تسعة وتسعون اسما من دعا الله بها استجاب له، ومن أحصاها دخل الجنة.
وأما ثانيا فلنشرف هذه الرسالة وليكون ختامها مسك، ثم أردفها بشرحها على
وجه وجيز لا باختصار مخل ولا باطناب ممل ليكون ذلك كالعقيدة لسامعها وقاريها
وحافظها وواعيها وكاتبها فيبلغ بذلك حقيقة التوحيد، ولعل إلى هذا أشار الصدوق
(ره) بقوله: معنى أحصاها: هو الإحاطة لها والوقوف على معانيها وليس معنى الاحصاء عدها (2).

(1) الأعراف: 179. قال في (المجمع): الأسماء الحسنى هي أحسن الأسماء
لأنها
تتضمن معاني حسنة بعضها يرجع إلى صفات ذاته: كالعالم والقادر والحى والا له، وبعضها
يرجع إلى صفات فعله: كالخالق والرزاق والبارى والمصور، وبعضها يفيد التمجيد وا لتقديس
كالقدوس والغنى والواحد.
(2) قال في (الميزان): والمراد بقوله: من أحصاها دخل الجنة: الايمان باتصافه تعالى
بجميع ما تدل عليه تلك الأسماء بحيث لا يشذ عنها شاذ.
298

وروى الصدوق أيضا باسناده إلى سليمان بن مهران عن الصادق جعفر بن محمد
عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن
أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما
مأة الا واحدا من أحصاها دخل الجنة (صدق رسول الله صلى الله عليه وآله) وهي: الله، الواحد،
الاحد، الصمد، الأول، الآخر، السميع، البصير، القدير، القاهر، العلى، الاعلى، الباقي،
البديع، الباري، الأكرم، الظاهر، الباطن، ألحى، الحكيم، العليم، الحليم، الحفيظ،
ألحق، الحسيب، الحميد، الحفى، الرب، الرحمن، الرحيم، الذاري، الرازق، الرقيب
الرؤف، الرائي، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، السيد السبوح
الشهيد، الصادق، الصانع، الطاهر، العدل، العفو، الغفور، الغنى، الغياث، الفاطر، الفرد
الفتاح، الفالق، القديم، الملك، القدوس، القوى، القريب، القيوم، القابض،
الباسط، قاضى الحاجات، المجيد، الولي، المنان، المحيط، المبين، المقيت، المصور
الكريم، الكبير، الكافي، كاشف الضر، الوتر، النور، الودود، الوهاب، الناصر، الواسع
الهادي، الوفي، الوكيل، الوارث، البر، الباعث، التواب، الجليل، الجواد، الخبير،
الخالق، خير الناصرين، الديان، الشكور، العظيم، اللطيف، الشافي. (1).

(1) في توقيفية أسمائه تعالى في (المجمع) الأسماء بالنسبة إلى ذاته المقدسة
على
أقسام ثلاثة: الأول ما يمنع اطلاقه عليه تعالى وهو كل ما يدل على معنى يحيل العقل نسبته
إلى ذاته الشريفة كالأسماء الدالة على الأمور الجسمانية أو ما اشتمل على النقص والحاجة
الثاني ما يجوز عقلا اطلاقه عليه وورد تسميته به فذلك لاحرج في تسميته به ويجب امتثال الامر
الشرعي في كيفية اطلاقه بحسب الأحوال والأوقات والتعبدات اما وجوبا أو ندبا الثالث ما
يجوز اطلاقه عليه ولكن لم يرد ذلك في الكتاب والسنة كالجوهر فان أحد معانيه كون الشئ
قائما بذاته غير مفتقر إلى غيره. وهذا المعنى ثابت له تعالى لكنه ليس من الأدب لأنه
وإن كان جايزا عقلا لكنه جازان لا يناسبه من جهة أخرى لا نعلمها إذا العقل لم يطلع
على كافة ما يمكن أن يكون معلوما، وهذا معنى قول العلماء ان أسمائه تعالى توقيفية يعنى
موقوفة على النص انتهى ملخصا.
299

1 - فالله: أشهر أسماء الله تعالى وأعلاها محلا في الذكر والدعاء وتسمت به سائر
الأسماء
3 - 2 - الواحد - الاحد: هما اسمان يشملهما نفى الابعاض عنهما، والاجزاء
والفرق بينهما من وجوه: الأول ان الواحد هو المنفرد بالذات، والاحد هو المنفرد بالمعنى
الثاني ان الواحد أعم موردا لكونه يطلق على من يعقل وغيره، ولا يطلق الاحد الاعلى من يعقل.
الثالث ان الواحد يدخل في الضرب والعدد، ويمتنع دخول الاحد في ذلك.
4 - الصمد: هو السيد الذي يصمد إليه في الأمور، ويقصد في الحوائج والنوازل.
واصل الصمد القصد تقول: صمدت صمد هذا الامر أي قصدت قصده، وقيل: الصمد الذي
ليس بجسم ولا جوف.
5 - الأول: هو السابق للأشياء الكائن الذي لم يزل قبل وجود الخلق لا شئ قبله
6 - الآخر: هو الباقي بعد فناء الخلق، وليس معنى الآخر ماله الانتهاء كما ليس
معنى الأول ماله الابتداء فهو الأول والاخر.
7 - السميع: بمعنى السامع يسمع السرو النجوى سواء عنده الجهر والخفوت.
والنطق والسكوت، وقد يكون السماع بمعنى القبول والإجابة (وهو الذي يقبل التوبة
عن عباده) ويسمع الدعاء وقيل: السميع العالم بالمسموعات وهي الأصوات والحروف
وثبوت ذلك له ظاهر لأنه لا يغيب عنه شئ من أصوات خلقه، أو لأنه عالم بكل شئ معلوم
فيدخل في ذلك البصير.
8 - البصير: وهو المبصر أي عالم بالخفيات، وقيل: البصير العالم بالمبصرات.
9 - القدير: بمعنى القادر وهو من القدرة على الشئ والتمكن منه فلا يطيق
الامتناع عن مراده ولا يستطيع الخروج عن اصداره وايراده.
10 - القاهر: هو الذي قهر الجبابرة، وقهر عباده بالموت، ولا يطيق الأشياء الامتناع
منه مما يريد الانفاذ فيها.
300

11 - العلى: المتنزه عن صفات المخلوقين تعالى ان يوصف بها، وقد يكون
بمعنى العالي فوق خلقه بالقدرة عليهم، أو الترفع بالتعالي عن الأشباه والأنداد وعما
خاضت يه وساوس الجهال، وترامت إليه فكر الضلال فهو متعال عما يقول الظالمون
علوا كبيرا.
12 - الاعلى: بمعنى الغالب كقوله تعالى (لا تخف انك أنت الاعلى) وقد يكون
بمعنى المتنزه عن الأمثال والأضداد والأشباه والأنداد.
13 - الباقي: هو الذي لا تعرض عليه عوارض الزوال، وبقائه غير متناه ولا محدود
وليست صفة بقائه ودوامه كبقاء الجنة والنار ودوامهما لان بقائه أزلي أبدى وبقائهما ابدى غير
أزلي، ومعنى الأزل ما لم يزل ومعنى الأبد ما لا يزال والجنة والنار مخلوقتان بعد أن لم تكونا
فهذا فرق ما بين الامرين.
14 - البديع: هو الذي فطر الخلق مبتدعا لها لاعلى مثال سابق، وهو فعيل
على مفعل كاليم بمعنى مؤلم، والبدع هو الذي يكون أولا في كل شئ كقوله تعالى (قل
ما كنت بدعا من الرسل) أي لست بأول مرسل.
15 - الباري: الخالق، ويقال: برء الله الخلق أي خلقهم كما يقال بارئ النسم،
وهو الذي فلق الحبة وبرء النسمة، وبارء البرايا أي خالق الخلايق، والبرية الخليقة.
16 - الأكرم: معناه الكريم، وقد يجئ أفعل في معنى فعيل كقوله
تعالى (وهو أهون عليه) ان هين عليه (ولا يصلاها الا الأشقى) (وسيجنبها الأتقى)
يعنى الشقي والتقى، وانشد في هذا المعنى شعر: ان الذي سمك السماء بنالنا - بيتا
قوائمه أعزو أطول.
17 - الظاهر: بحججه الباهرة وبراهينه النيرة، وشواهد أعلامه الدالة على
ثبوت ربوبيته وصحة وحدانيته فلا موجود الا وهو يشهد بوجوده، ولا مخترع الا وهو
يعرب عن توحيده شعر: وفى كل شئ له آية - تدل على أنه واحد. وقد يكون بمعنى
301

الغالب القادر كقوله تعالى (فأصبحوا ظاهرين) (1)
18 - الباطن: المحتجب عن ادراك الابصار وتلوث الخواطر والأفكار، فهو
الظاهر الخفي الظاهر بالدلايل والاعلام والخفي بالكنه عن الأوهام احتجب بالذات
وظهر بالآيات، فهو الباطن بلا حجاب والظاهر بلا اقتراب، وقد يكون بمعنى البطون
وهو الخبر، وبطانة الرجل وليجته الذين يداخلهم ويداخلونه في امره والمعنى انه
عالم بسرائرهم فهو عالم بسراير القلوب والمطلع على ما بطن من الغيوب
19 - ألحى: هو الفعال المدرك وهو حي بنفسه لا يجوز عليه الموت والفناء وليس
بمحتاج الحياة بها يحيى.
20 - الحكيم: هو المحكم لخلق الأشياء ومعنى الاحكام لخلق الأشياء اتقان
التدبير وحسن التصوير والتقدير، وقيل: الحكيم العالم والحكم في اللغة العلم لقوله
تعالى (يعطى الحكمة من يشاء) والحكيم أيضا الذي لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب
والحكيم هو الذي يضع الأشياء في مواضعها فلا يعترض عليه في تقديره ولا يتسخط
عليه في تدبيره.
21 - العليم: هو العالم بالسراير والخفيات التي لا يدركها عالم الخلق لقوله
تعالى (وهو عليم بذات الصدور) (ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض)
عالم بتفاصيل المعلومات قبل حدوثها وبعد وجودها.
22 - الحليم: ذو الصفح والأناة الذي لا يغيره جهل جاهل ولا غضب غاصب ولا
عصيان عاص.
23 - الحفيظ: هو الحافظ يحفظ السماوات والأرض وما بينهما ويحفظ عبده من
المهالك والمعاطب ويقيه مصارع السوء.
24 - ألحق: هو المتحقق كونه ووجوده، وكل شئ يصح وجوده وكونه فهو حق

(1) الآية المذكورة في الرقم 7 الشورى: 25. و 12 طه: 71 و 14 والأحقاف: 8
. و 16
الروم: 26. الليل 15: 17. و 17 الصف: 15
302

كما يقال الجنة حق كائنة والنار حق كائنة.
25 - الحسيب: هو الكافي تقول: حسبك درهم أي كفاك كقوله تعالى (حسبك الله
ومن اتبعك من المؤمنين) أي هو كافيك، والحسيب أيضا بمعنى المحاسب كقوله تعالى
(كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) أي محاسبا والحسيب أيضا المحصى والعالم.
26 - الحميد: هو المحمود الذي استحق الحمد بفعاله أي يستحق الحمد في السراء
والضراء وفى الشدة والرخاء.
27 - الحفي: معناه العالم قال الله تعالى (يسئلونك عن الساعة كأنك حفى عنها)
أي عالم بوقت مجيئها. وقد يكون الحفى بمعنى اللطيف ومعناه المحتفي بك يبرك ويلطفك
28 - الرب: المالك وكل من ملك شيئا فهو ربه ومنه قوله (ارجع إلى ربك)
أي سيدك ومليكك، وقال قائل يوم حنين، لان يربني رجل من قريش أحب إلى من أن
يربني رجل من هوازن يريد يملكني ويصير لي ربا ومالكا، ولا يدخل الألف
واللام على غير المعبود سبحانه تعالى لأنهما للعموم وهو المالك لكل شئ، وإنما
يطلق على غيره بالنسبة إلى ما يملكه ويضاف إليه، والربانيون نسبوا إلى التأله و
العبادة للرب لانقطاعهم إليه والمامهم بحضرت خدمته، والربانيون الصابرون مع الأنبياء
الملازمون لهم.
29 - الرحمن: بجميع خلقه إذ هو ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم
وأسباب معاشهم، وعمت المؤمن والكافر والصالح والطالح.
30 - الرحيم: بالمؤمنين يخصهم برحمته قال الله تعالى (وكان بالمؤمنين رحيما)
والرحمن والرحيم اسمان موضوعان للمبالغة ومشتقان من الرحمة وهي النعمة قال الله
تعالى (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) أي نعمة عليهم وقد يتسمى بالرحيم غيره تعالى
ولا يتسمى بالرحمن سواه لان الرحمن هو الذي يقدر على كشف البلوى، والرحيم
من خلقه قد لا يقدر على كشفها، ويقال للقرآن: رحمة والغيث رحمة ويقال لرقيق
القلب من الخلق: رحيم لكثرة وجود الرحمة منه بسبب رقة القلب وأقلها الدعاء
303

للمرحوم والتوجع له، وليست في حقه تعالى بمعنى الرقة بل معناها ايجاد النعمة
للمرحوم وكشف البلوى عنه فالحد الشامل ان تقول هي التخلص من أقسام الآفات وايصال
الخيرات إلى أرباب الحاجات (1).
31 - الذاري: الخالق والله ذرء الخلق وبرئهم أي خلقهم، وأكثرهم على ترك الهمزة
32 - الرازق: المتكفل بالرزق والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها وسع
الخلق كلهم رزقه ولم يخص بذلك مؤمنا دون كافر ولا برا دون فاجر.
33 - الرقيب: الحافظ الذي لا يغيب عنه شئ ومنه قوله تعالى (ما يلفظ من قول
الا لديه رقيب عتيد).
34 - الرؤف: هو العاطف برأفته على عباده، وقيل: الرأفة أبلغ من الرحمة،
ويقال: الرأفة أخص من الرحمة والرحمة أعم.
35 - الرائي: معناه العالم والرؤية العلم ومنه قوله تعالى (ألم تر كيف فعل
ربك بعاد) أراد ألم تعلم، وقد يكون الرائي بمعنى المبصر والرؤية الابصار.
36 - السلام: معناه ذو السلام والسلام في صفته تعالى هو الذي سلم من كل عيب وبرء
من كل آفة ونقص وقيل: معناه المسلم لان السلامة تنال من قبله والسلام والسلامة مثل الرضاع
والرضاعة وقوله تعالى (لهم دار السلام) يجوز أن يكون مضافة إليه ويجوز أن يكون قد سمى
الجنة سلاما لان الساير إليها تسلم فيها من كل آفات الدنيا فهي دار السلام.
37 - المؤمن: أصل الايمان في اللغة التصديق فالمؤمن المصدق أي يصدق
وعده ويصدق ظنون عباده المؤمنين عليه السلام: سمى الباري عز وجل مؤمنا لأنه يؤمن عذ ابه
من أطاعه، وسمى العبد مؤمنا لأنه يؤمن على الله عز وجل فيجير الله أمانه.
38 - المهيمن: هو الشهيد ومنه قوله تعالى (مصدقا لما بين يديه من الكتاب

(1) وترتيب هكذا: في الرقم 20 البقرة: 269 21 الحديد: 6 - سباء: 3 25
الأنفال: 64 - الاسراء: 14 27 الأعراف: 187 28 يوسف: 50 30 الأحزاب: 43 -
الأنبياء: 107.
304

مهيمنا عليه) فالله المهيمن أي الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول وفعل،
وإذ لا يغيب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وقيل: المهيمن الأمين، وقيل:
الرقيب على الشئ الحافظ له، وقيل: انه اسم من أسماء الله عز وجل في الكتب.
39 - العزيز: هو المنيع الذي لا يغلب، وهو أيضا الذي لا يعادله شئ، وانه
لأمثال له ولا نظير له، ويقال: من عزيز أي من غلب سلب وقوله تعالى حكاية عن الخصم
(وعزني في الخطاب) أي غلبني في مجاوبة الكلام، وقد يقال: للملك كما قال اخوة يوسف
(يا أيها العزيز) أي يا أيها الملك (1).
40 - الجبار: هو الذي جبر مفاقر الخلق وكسرهم وكفاهم أسباب المعاش والرزق وقيل
الجبار العالي فوق خلقه، والقامع لكل جبار وقيل القاهر الذي لا ينال يقال للنخلة
التي لا تنال: جبارة، والجبر أن تجبر انسانا على ما تلزمه قهرا على أمر من الأمور، وقال الصادق
عليه السلام لاجبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين، عنى بذلك ان الله لم يجبر عباده على المعاصي
ولم
يفوض إليهم أمر الدين حتى يقولوا فيه بآرائهم ومقائيسهم فالله عز وجل قد حدو وصف
وشرع وفرض وسن وأكمل لهم الدين فلا تفويض مع التحديد والتوصيف.
41 - المتكبر: هو المتعالى عن صفات الخلق ويقال المتكبر على عتات خلقه
إذ نازعوه العظمة وهو مأخوذ من الكبرياء وهي اسم للتكبر والتعظم.
42 - السيد: معناه الملك ويقال لملك القوم وعظيمهم: سيد وقد سادهم، وقيل
لقيس بن عاصم: بم سدت قومك قال: ببذل الندى وكف الأذى ونصر المولى، وقال
النبي صلى الله عليه وآله: على سيد العرب فقالت عايشة: يا رسول الله ألست سيد العرب؟ فقال:
أنا سيد ولد آدم وعلي عليه السلام سيد العرب فقالت: يا رسول الله: وما السيد؟ فقال: هو من
افترضت طاعته كما افترضت طاعتي، فعلى هذا الحديث السيد هو الملك الواجب الطاعة،
43 - السبوح: هو المنزه عن كل ما لا ينبغي ان يوصف به، وهو حرف مبنى
على فعول وليس في كلام العرب فعول بضم الفاء الاسبوح وقدوس معناهما واحد.

(1) الآيات بترتيب أرقام المتن: 33 ق: 17 35 الفجر: 6 36 الا نعام: 127
38 ص: 22 39 يوسف: 29 - 78.
305

44 - الشهيد: هو الذي لا يغيب عنه شئ يقال: شاهد وشهيد وعالم وعليم أي
كأنه الحاضر الشاهد الذي لا يعزب عنه شئ، ويكون الشهيد بمعنى العليم لقوله تعالى
(شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة) (1) قيل: معناه أي علم.
45 - الصادق: معناه الذي يصدق في وعده ولا يبخس ثواب من يفي بعهده
46 - الصانع: الصانع المطلق هو الصانع لكل مصنوع أي خالق لكل مخلوق
ومبدع جميع البدايع، وفى هذا دلالة على أنه لا يشبهه شئ لأنا لم نجد فيما شاهدنا
فعلا يشبه فاعلا البتة، وكل موجود سواه فهو فعله وصنعته، وجميع ذلك دليل على
وحدانيته شاهد على انفراده، وعلى انه بخلاف خلقه، وانه لا شريك له، وقال بعض
الحكماء في هذا المعنى يصف النرجس.
شعر
عيون في جفون في فنون * بدت وأجاد صنعتها المليك
بأبصار التغنج طامحات * كان حداقها ذهب سبيك
على قصب الزمرد مخبرات * بان الله ليس له شريك
47 - الطاهر: معناه المتنزه عن الأشباه والأنداد والأمثال والأضداد والصاحبة
والأولاد والحدوث والزوال والسكون والانتقال والطول والعرض والدقة والغلظة
والحرارة والبرودة، وبالجملة هو طاهر عن معاني المخلوقات متعال عن صفات
الممكنات مقدس عن نعوت المحدثات، فتعالى وتكرم وتقدس وتعظم ان يحيط به علم
أو يتخيله وهم.
48 - العدل: هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم، والعدل من الناس
المرضى قوله وفعله وحكمه.
49 - العفو: هو المحاء للذنوب الموبقات ومبدلها بأضعافها من الحسنات والعفو
فعول من العفو وهو الصفح عن الذنب وترك مجازاة المسيئ، وقيل: هو مأخوذ من عفت
الرح الأثر إذا درسته ومحته.

(1) آل عمران: 18.
306

50 - الغفور: هو الذي يكثر المغفرة ويكون معناه منصرفا إلى مغفرة الذنوب
في الآخرة والتجاوز عن العقوبة، واشتقاقه من الغفر وهو الستر والتغطية، ومنه سمى
المغفر لستره الرأس، والمبالغة في العفو أعظم من المبالغة في الغفور لان ستر الشئ
قد يحصل مع بقاء أصله بخلاف المحو فإنه إزالة له رأسا وقلع لاثره جملة.
51 - الغنى: هو المستغنى عن الخلق بذاته فلا تعرض له الحاجات وبكماله وقدرته عن
الآلات والأدوات وكل ما سواه محتاج ولو في وجوده فهو الغنى المطلق.
52 - الغياث: معناه المغيث سمى بالمصدر توسعا لكثرة إغاثته الملهوفين
واجابته دعاء المضطرين.
53 - الفاطر: الذي فطر الخلق أي خلقهم وابتدء صنعة الأشياء وابتدعها فهو
فاطرها أي خالقها ومبدعها.
54 - الفرد: معناه المتفرد بربوبيته وبالأمر دون خلقه، وأيضا فإنه موجود
وحده ولا شريك موجود معه.
55 - الفتاح: الحاكم بين عباده يقال: فتح الحاكم بين الخصمين إذا قضا بينهما
ومنه قوله تعالى (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) أي احكم
بيننا، ومعنى الفتاح أيضا الذي يفتح الرزق والرحمة لعباده.
56 - الفالق: الذي فلق الأرحام فانشقت عن الحيوان، وفلق الحب والنوى
فانفلقت عن النبات، وفلق الأرض فانفلقت عن كل ما يحرج منها وهو كقوله تعالى
(والأرض ذات الصدع) وفلق الظلام عن الصباح والسماء عن القطر، وفلق البحر لموسى
(فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم).
57 - القديم: هو المتقدم للأشياء بكل تقدم وليس لوجوده أول ولا يسبقه عدم
58 - الملك: التام الملك الجامع لأصناف المملوكات، والملكوت ملك الله
عز وجل زيدت فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت يقول العرب: ورهبوت خير
من رحموت أي لان ترهب خير من أن ترحم.
59 - القدوس: فعول من القدس وهو الطهارة، والقدوس الطاهر من العيوب
المنزه عن الأنداد والأولاد، والتقديس التطهير والتنزيه، وقوله تعالى حكاية عن الملائكة
307

(ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) أي ننسبك إلى الطهارة، ونسبحك ونسبح لك بمعنى
واحد، وحظيرة القدس موضع الطهارة من الأدناس التي تكون في الدنيا والأوصاب
والأوجاع، وقد قيل: ان القدوس اسم من أسماء الله عز وجل في الكتب (1).
60 - القوى: قد يكون بمعنى القادر ومن قوى على الشئ فقد قدر عليه.
ويكون معناه التام للقوى الذي لا يستولى عليه العجز وهو القوى بلا معاياة ولا استعانة.
61 - القريب: المجيب كقوله تعالى (أجيب دعوة الداع) وقد يكون بمعنى العالم
بوساوس القلوب لا حجاب بينه وبينها ولا مسافة كقوله تعالى (ونحن أقرب إليه من
حبل الوريد) فهو قريب بغير مماسة بائن من خلقه بغير طريق ولا مسافة بل هو على
المفارقة في المخالطة، والمخالفة لهم في المشابهة، وكك التقرب إليه ليس من جهة
الطريق والمسائف بل إنما هو من جهة الطاعة وحسن الاعتقاد، فالله تبارك وتعالى قريب
ان دنوه من غير تنقل لأنه ليس باقتطاع المسائف يدنو ولا باجتياز الهواء يعلو كيف؟
وقد كان قبل السفل والعلو وقبل ان يوصف بالعلو والدنو.
62 - القيوم: هو القائم الدائم بلا زوال ويقال: هو القيم على كل شئ بالرعاية
ومثله القيام وهما من فعول وفيعال من قمت بالشئ إذا توليته بنفسك وتوليت حفظة
واصلاحه وتدبيره، وقالوا: ما فيها من ديور ولا ديار.
63 - القابض: معناه الذي يقبض الأرزاق عن الفقراء بحكمته ولطفه ابتلاهم
بالصبر وذخر النفيس الاجر، وقيل: القابض الذي يقبض الأرواح بالموت، وقيل: اشتقاقه من
القبض وهو الملك كما يقال: فلان في قبض فلان أي في ملكه وهذا الشئ في قبضي ومنه
قوله تعالى (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة) وهذا كقوله تعالى (وله الملك يو م ينفخ
في الصور) (والامر يومئذ لله).

(1) ترتيب آيات المندرجة هكذا: 55 الأعراف: 87. 56 الطارق: 13 - الشعراء
:
63. 59 البقرة: 28.
308

64 - الباسط: هو الذي يبسط الأرزاق حتى لا يبقى فاقة برحمته وجوده
وكرمه وفضله
65 - القاضي: هو الحاكم على عباده بالانقياد في أوامره ونواهيه وزواجره
ومراضيه، واشتقاقه من القضاء وهو من الله على ثلاثة أوجه: الأول الحكم والالزام
كقوله تعالى (وقضى ربك ان لا تعبد والا إياه) ويقال: قضى القاضي عليه بكذا أي حكم
عليه بكذا والزمه إياه. الثاني الخبر والاعلام كقوله عز وجل (وقضينا على
بني إسرائيل في الكتاب) أي أخبرناهم بذلك على لسان نبيهم. الثالث الاتمام كقوله
تعالى (فقضيهن سبع سماوات في يومين) ويقال قضى فلان حاجته يريد أتم حاجته
على ما سئله.
66 - المجيد: هو الواسع الكريم يقال: رجل ماجد إذا كان سخيا واسع العطاء
وقيل: معناه الكريم العزيز ومنه قوله تعالى (قرآن مجيد) أي كريم عزيز والمجد في
اللغة نيل الشرف، وقد يكون بمعنى ممجد أي مجده خلقه وعظموه.
67 - الولي: معناه الناصر للمؤمنين ثوابهم واكرامهم قال الله (الله ولى الذين
آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) وقد يكون بمعنى الأولى ومنه قوله عليه السلام
ألست أولى منكم بأنفسكم قالوا: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلى مولاه
أي من كنت أولى منه بنفسه فعلي عليه السلام أولى منه بنفسه، وقد يكون بمعنى الولي وهو
المتولي للامر والقائم به، وولى الطفل الذي يتولى اصلاح شأنه ويقوم بأمره والله
والى المؤمنين لأنه المتولي لاصلاح شؤونهم باليقين والقائم بمهماتهم في أمور الدنيا والدين.
68 - المنان: معناه هو المعطى المنعم ومنه قوله تعالى (فامنن أو أمسك
بغير حساب)
69 - المحيط: هو المستولي المتمكن من الأشياء الواسع لها علما وقدرة
فهو محيط أي مستولى على جميع الأشياء علما (فلا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات
ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر الا في كتاب مبين) (قل لو كان البحر مداد ا
لكلمات ربى لنفد البحر قبل ان تنفذ كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا) (ولو أن ما
في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) وقدرة
309

فلا يخرج عن قدرته مقدور وان جل فاستوى عنده النملة والنحلة والطفل الفطيم
والعرش العظيم واللطيف والجسيم والجليل والحقير (وهو على كل شئ قدير) (ما خلقكم
ولا بعثكم الا كنفس واحدة) (إنما امره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون) (1).
70 - المبين: الظاهر البين بآثار قدرته وآياته المظهر حكمته بما أبان من تدبيره
وأوضح من بيانه.
71 - المقيت: هو المقتدر، وانشد للزبير بن عبد المطلب.
شعر
وذي ضغن كففت النفس عنه * وكنت على مسائته مقيتا
فهذه لغة قريش، وقيل الحفيظ الذي يعطى الشئ على قدر الحاجة من الحفظ وقيل
المقيت الذي يعطى القوت، وقيل معناه الحافظ الرقيب.
72 - المصور: هو الذي انشاء خلقه على صور مختلفة ليتعارفوا بها قال سبحانه
(وصوركم فأحسن صوركم)
73 - الكريم: الجواد المفضل يق: رجل كريم أي جواد وقيل: العزيز كما يق:
فلان أكرم على من فلان أي أعز منه ومنه قوله تعالى (انه لقرآن كريم) أي عزيز.
74 - الكبير: السيد يقال لكبير القوم: سيدهم، والكبر اسم للتكبر والتعظم
75 - الكافي: لمن توكل عليه فيكفيه ما يحتاج إليه ولا يلجئه إلى غيره قال الله
تبارك وتعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) أي كافيه.
76 - كاشف الضر: معناه المفرج (يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).
77 - الوتر: الفرد، وكل شئ كان فردا قيل له: وتر.
78 - النور: هو الذي بنوره يبصر ذو العماية، وبهدايته يرشد ذو الغوية، والنور
الضياء سمى بالمصدر ومعناه المنير توسعا، أو لان به اهتدى أهل السماوات والأرضين

(1) الآيات التي في أرقام المتن هكذا: 61 البقرة: 182 - ق: 5 1 63 الزمر:
67 - الانعام: 73 - الانفطار 20 65 الاسراء: 24 - بني إسرائيل: 4 - فصلت: 11 66
البروج: 21 67 البقرة: 285 68 ص: 38 69 سباء: 3 - الكهف: 109 - لقمان: 26 -
310

إلى مصالحهم ومراشدهم كما يهتدى بالنور، أو لأنه منور النور، وخالقه فأطلق
عليه اسمه.
79 - الوهاب: الكثير الهبة والمفضال في العطية.
80 - الناصر والنصير: بمعنى واحد، والنصرة: المعونة.
81 - الواسع: هو الذي وسع غناه مفاقر عباده، ووسع رزقه جميع خلقه، وقيل:
الواسع الغنى، والسعة: الغناء وفلان يعطى من سعته أي من غنائه، والوسع: جد الرجل
ومقتدرته يقول: أنفق على قدر وسعك.
82 - الودود: مأخوذ من الود أي يود عباده الصالحين أي يرضى عنهم ويقبل
أعمالهم، وقد يكون بمعنى ان يوددهم إلى خلقه كقوله تعالى (سيجعل لهم الرحمن
ودا) فقد يكون فعول هنا بمعنى مفعول كما يقال: مهيب بمعنى مهيوب يريد انه مود ود
أي محبوب.
83 - الهادي: معناه الذي من بهدايته على جميع خلقه وأكرمهم بنور توحيده
إذ فطرهم عليه ودلهم على قصد مراده، وأقدرهم عليه بالعقول والالهام والدلايل
والاعلام، والرسل المؤيدة بالحجج المؤكدة (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من
حي عن بينة) واما بيان هدايته لساير العباد فما حكاه سبحانه (فهديناهم فاستحبوا
العمى على الهدى) واما اكرامه لهم بنور توحيده فطرهم عليه أولا (فطرة الله التي فطر
الناس عليها) وقال صلى الله عليه وآله: كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه
ويمجسانه، وانفاذ الرسل وإقامة النار الدين والهدى ثانيا، والحث والترغيب والترهب
ثالثا، والامداد والالطاف والاسعاد والاسعاف بالتوفيق رابعا، وهو الذي هدى ساير
الحيوانات إلى مصالحها وألهمها كيف تطلب الرزق وتجتلب المسار وكيف يحترز
عن الآفات والمضار.
84 - الوفي: معناه انه يفي بعهده ويوفى بوعده.
85 - الوكيل: المتولي لنا أي القائم بحفظنا وهذا معنى الوكيل على المال.
وقد يكون بمعنى المعتمد والملجأ والتوكل والاعتماد والالتجاء وقيل: المتكفل
311

بأرزاق العباد والقائم عليهم بمصالحهم ويقول (حسبنا الله ونعم الوكيل) أي نعم الكفيل
بأمورنا القائم بها (1)
86 - الوارث: هو الذي ترجع إليه الاملاك بعد فناء الملاك، والله الباقي بعد فناء
الخلق، والمسترد أملاكهم ومواريثهم بعد موتهم.
87 - البر: هو العطوف على عباده المحسن عليهم عم ببره جميع خلقه وقد يكون
بمعنى الصادق كما يقال: برت يمين فلان إذا صدقت، وصدقت فلان وبر
88 - الباعث: هو الذي يبعث الخلق بعد الممات ويعيدهم بعد الوفاة ويحييهم
للجزاء والبقاء.
89 - التواب: الذي يقبل التوبة ويعفو عن الحوبة إذا تاب العبد منها وكلما تكرر ت
التوبة تكرر منه القبول.
90 - الجواد: هو المنعم المحسن الكثير الانعام والاحسان، والفرق بينه وبين
الكريم ان الكريم الذي يعطى مع السؤال والجود الذي يعطى من غير السؤال:
وقيل: بالعكس الجود: السخاء ورجل جواد أي سخى ولا يقال: الله تعالى السخى لان
أصل السخاوة راجع إلى اللين يقال: ارض سخاوية وقرطاس سخاوي إذا كان لينا وسمى
السخى سخيا للينه عند الحوائج.
92 - الخبير: العالم بدقايق الأشياء وغوامضها يق: فلان عالم خبير أي عالم بكنه
الشئ ومطلع على حقيقته والخبر: العلم تقول: لي به خبر أي علم.
93 - الخالق: المبدء للخلق والمخترع لهم على غير مثال سبق قال الله سبحانه
(هل من خالق غير الله) وقد يراد بالخلق التقدير كقوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام
(انى اخلق لكم من الطين كهيئة الطير) أراد أقدر لكم والله خالقه في الحقيقة ومكونه.

(1) إليك بآيات المندرجة بترتيبها: 72 المؤمن: 66 73 الواقعة: 76 75 الطلاق:
3 76 النمل: 63 82 مريم: 96 83 الأنفال: 44 - فصلت: 16 - الروم: 29 85.
آل عمران: 167.
312

94 - خير الناصرين: معناه كثرة تكرار النصر منه كما قيل: خير الراحمين
لكثرة رحمته.
95 - الديان: هو الذي يدين العباد ويجزيهم بأعمالهم، والدين: الجزاء يقال:
كما تدين تدان أي كما تجزى تجزى.
شعر
كما يدين الفتى يوما يدان به * من يزرع الثوم لا يقلعه ريحانا
96 - الشكور: هو الذي يشكر اليسير من الطاعة فيثيب عليه الكثير من الثواب
ويعطى الجليل الجزيل من النعمة ويرضى باليسير من الشكر قال الله تعالى (ان ربنا
لغفور شكور) ولما كان الشكر في اللغة هو الاعتراف بالاحسان والله سبحانه هو المحسن
إلى عباده والمنعم عليهم لكنه سبحانه لما كان مجازيا للمطيع على طاعته بجزيل ثوابه
جعل مجازاته شكرا لهم على سبيل المجاز كما سميت المكافات شكرا
97 - العظيم: ذو العظمة والجلال، وهو منصرف إلى عظيم الشأن وجلالة القدر
98 - اللطيف: هو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون أي يرفق بهم
واللطف: البر والتكرمة وفلان لطيف بالناس بار بهم يبرهم ويلطفهم، وقد يكون بمعنى
اللطف في التدبير والفعل يقال: فلان صانع لطيف الكف إذا كان حاذقا، وفى الخبر
معنى اللطيف هو انه خالق للخلق اللطيف كما أنه سمى العظيم لأنه خالق للخلق
العظيم، ويقال: اللطيف فاعل اللطف وهو ما يقرب معه العبد من فعل الطاعة، ويبعد
عن فعل المعصية.
99 - الشافي - هو رازق العافية والشفاء من غير توسط الدواء، ورافع البلاء
باليسير من الدعاء، وواهب عظيم الجزاء على صغير الابتلاء قال تعالى حكاية عن ابرا هيم
عليه السلام (وإذا مرضت فهو يشفين) فهذه جملة الأسماء الحسنى (1).

(1) اعلم أن أسمائه تعالى اما ان تدل على الذات فقط من غير اعتبار أمر أو مع
اعتباره.
وذلك الامر اما إضافية ذهنية فقط أو سلب فقط، أو إضافة وسلب فالأقسام أربعة: ا لأول ما يدل
على الذات فقط وهو لفظ الله فإنه اسم للذات الموصوفة بجميع الكمالات الربانية. الثاني ما يدل
313

واعلم أن تخصيص هذه الأسماء المكرمة بالذكر لا يدل على نفى ما عداها لان
في أدعيتهم أسماء كثيرة لم تذكر في هذه الأسماء المعدودة ولعل تخصيص هذا بالذكر
لاختصاصها بمزية الشرف على باقي الأسماء.
ثم اعلم أن هذه الأسماء المتعددة الدالة على المعاني المتكثرة ان التكثر والتعدد
إنما هو في الإضافات لافى الذات المقدسة بل هي واحدة من جميع الجهات والاعتبارات
والتحقيق ان صفاته تعالى قسمان، حقيقية، وإضافية، فالحقيقية هي التي تلحقه بالنظر
إلى ذاته مثل كونه حيا موجودا قديما أزليا باقيا أبديا سرمديا فهذه الصفات تلحقه
بالنظر إلى ذاته تعالى، والصفات الإضافية هي التي تلحقه بالنظر إلى الغبر مثل كونه
قادرا خالقا رحيما فإنها بالنظر إلى الخلوق والمقدور والمرحوم، والتعدد الحاصل

(1) على الذات مع إضافة كالقادر فإنه بالإضافة إلى مقدور تعلقت به القدرة
بالتأثير - وهكذا ما
يشبهه - الثالث ما يدل على الذات باعتبار سلب الغير عنه كالواحد باعتبار سلب النظير والشريك -
وهكذا أمثاله - الرابع باعتبار الإضافة والسلب معا كالحي فإنه المدرك الفعال الذ ى لا تلحقه
الآفات وكك نظيره انتهى ملخصا (المجمع) هذا رقم الآيات المذكورة: في 93 فاطر: 3 - آل عمران
43 96 فاطر: 31 99 الشعراء: 80.
واعلم أن هيهنا نكتة مهمة لا بأس بالإشارة إليه قال في (الميزان) ج 8 في كلام طويل
له: والأسماء الإلهية، واسمه الأعظم خاصة وان كانت مؤثرة في الكون، ووسائط وأسبابا لنزول
الفيض من الذات المتعالية في هذا العالم المشهود لكنها إنما تؤثر بحقائقها لا بالألفاظ الدالة
في لغة كذا عليها ولا بمعانيها المفهومة من ألفاظها المتصورة في الأذهان، ومعنى ذلك أن الله
سبحانه
هو الفاعل الموجد لكل شئ بماله من الصفة الكريمة المناسبة له التي يحويها الاسم المناسب
لا تأثير اللفظ أو صورة مفهومة في الذهن أو حقيقة أخرى غير الذات المتعالية الا انا الله سبحانه
وعد إجابة دعوة من دعاه كما في قوله أجيب دعوة الداع إذا دعان) البقرة: 186 وهذا
يتوقف على دعاء وطلب حقيقي وأن يكون الدعاء والطلب منه تعالى لامن غيره فمن انقطع
من كل سبب واتصل بربه لحاجة من حوائجه فقد اتصل بحقيقة الاسم المناسب لحاجته فيؤثر
الاسم بحقيقته ويستجاب له وذلك حقيقة الدعاء بالاسم فعلى حسب حال الاسم الذي انقطع إليه
الداعي يكون حال التأثير خصوصا وعموما ولو كان هذا الاسم هو الاسم الأعظم انقاد لحقيقته كل
شئ واستجيب للداعي به دعائه على الاطلاق وعلى هذا يجب ان يحمل ما ورد من الروايات
والأدعية في هذا الباب دون الاسم اللفظي أو مفهومه ومعنى تعليمه تعالى نبيا من أنبيائه أو عبدا
من عباده اسما من أسمائه أو شيئا من الاسم الأعظم هو ان يفتح له طريق الانقطاع إليه تعالى باسمه
ذلك
في دعائه ومسئلته فإن كان هناك اسم لفظي وله معنى مفهوم فإنما ذلك لأجل ان الألفاظ
أو معانيها وسائل وأسباب تحفظ بها الحقائق نوعا من الحفظ فافهم ذلك انتهى موضع الحاجة منه.
314

عند الإضافة إنما كان عند اعتبار أمور خارجة عن ذاته ولا يوجب له تعددا وتكثيرا في
ذاته تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
فصل عن علي بن رئاب عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من عبد الله بالوهم
فقد كفر ومن عبد الاسم ولم يعبد المعنى فقد كفر، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك،
ومن عبد المعنى بايقاع الأسماء عليه بصفات التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه
ونطق به لسانه في سرايره وعلانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وفى حديث
آخر فأولئك المؤمنون حقا (1).
وقال لهشام بن الحكم في حديث: لله عز وجل تسعة وتسعون اسما فلو كان الاسم
هو المعنى لكان كل اسم هو اله، ولكن الله معنى واحد يدل عليه بهذه الأسماء.
فصل عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله: ان جبرئيل نزل
عليه بهذا الدعاء من السماء ونزل عليه ضاحكا مستبشرا فقال: السلام عليك: يا محمد صلى الله عليه وآله
قال: وعليك السلام يا جبرئيل فقال: ان الله عز وجل بعث إليك بهدية فقال. وما تلك
الهدية يا جبرئيل؟ قال: كلمات مع كنوز العرش أكرمك الله بها قال، وما هن يا جبرئيل؟
قال: قل (يا من أظهر الجميل وستر القبيح يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر
يا عظيم العفو يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة يا صاحب كل
نجوى ويا منتهى كل شكوى يا كريم الصفح يا عظيما لمن يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها
يا سيدنا يا ربنا يا مولانا يا غاية رغبتنا أسئلك يا الله ان لا تشوه خلقي بالنار) فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله لجبرئيل: ما ثواب هذه الكلمات؟ قال: هيهات هيهات انقطع العمل
لو اجتمع ملائكة سبع سماوات وسبع أرضين على أن يصفوا ثواب ذلك إلى يوم
القيامة ما وصفوا من كل جزء جزئا واحدا فإذا قال العبد (يا من أظهر الجميل وستر

(1) يرجع للاطلاع على شرح الحديث ونظائره إلى باب المعبود وباب معاني
الأسماء
من (مرآة).
315

القبيح) ستره الله ورحمه في الدنيا وجمله في الآخرة وستر الله عليه ألف ستر في
الدنيا والآخرة،
وإذا قال (يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر) لم يحاسبه الله يوم القيامة
ولم يهتك ستره يوم تهتك الستور، وإذا قال (يا عظيم العفو) غفر الله له ذنوبه ولو كانت خطيئته
مثل زبد البحر، وإذا قال (يا حسن التجاوز) تجاوز الله عنه حتى السرقة وشرب الخمر
وأهاويل الدنيا وغير ذلك من الكبائر وإذا قال (يا واسع المغفرة) فتح الله عز وجل له
سبعين بابا من الرحمة فهو يخوض في رحمة الله عز وجل حتى يخرج من الدنيا، وإذا
قال (يا باسط اليدين بالرحمة) بسط الله يده عليه بالرحمة، وإذا قال (يا صاحب كل نجوى
ويا منتهى كل شكوى) أعطاه الله من الاجر ثواب كل مصاب وكل سالم وكل مريض وكل
ضرير وكل مسكين وكل فقير وكل صاحب مصيبة إلى يوم القيامة، وإذا قال (يا عظيم
المن) أعطاه يوم القيامة نيته ومنية الخلائق (1).
وإذا قال (يا كريم الصفح) أكرمه الله تعالى كرامة الأنبياء، وإذا قال (يا مبتدئا
بالنعم قبل استحقاقها) اعطا الله من الاجر بعدد من شكر نعماه وإذا قال (يا ربنا ويا سيدنا)
قال الله تبارك وتعالى: اشهدوا ملائكتي انى قد غفرت له وأعطيته من الاجر بعدد من
خلقته في الجنة والنار والسماوات السبع والأرضين السبع والشمس والقمر والنجوم
وقطر الأمطار وأنواع الخلق والجبال والحصى والثرى وغير ذلك والعرش والكرسي،
وإذا قال (يا مولانا) ملاء الله قلبه من الايمان، وإذا قال (يا غاية رغبتاه) أعطاه الله
يوم القيامة رغبته ومثل رغبة الخلايق، وإذا قال (أسئلك يا الله ان لا تشوه خلقي بالنار)
قال الجبار جل جلاله: استعتقني عبدي من النار اشهدوا ملائكتي انى قد أعتقته من
النار وأعتقت أبويه وأخواته وأهله وولده وجيرانه، وشفعته في ألف رجل ممن وجبت
لهم النار وأجرته من النار، فعلمهن يا محمد المتقين، ولا تعلمهن المنافقين فإنها دعوة
مستجابة لقائلهن انشاء الله تعالى. وهو دعاء أهل البيت المعمور حوله إذا كانوا يطوفون به

(1) عن علي بن زياد قال: كتب علي بن نصير (بصير) يسئله ان يكتب له في أسفل
كتابه دعاءا يعلمه إياه يدعو به فيعصم به من الذنوب جامعا للدنيا والآخرة فكتب (ع) بخطه
بسم الله الرحمن الرحيم يا من أظهر الجميل الخ (الأصول) باب دعوات الموجزات
316

وليكن هذا آخر ما نمليه في هذه الرسالة ونسئل الله سبحانه ان يجعلنا من أول
المنتفعين بها، والمتأدبين بما اشتملت عليه من آدابها ومن أحرص خطابها وموصوفين
بما اشتملت عليه فصولها وأبوابها، وان يشترك معنا في ذلك كل من وقف عليها من
إخواننا المسترشدين والسالكين طريق السالمين، والمستكثرين من زاد الغانمين،
وان يجعلها لنا ولهم سلاحا، وعدة ونجاحا لكل مطلب، ونجاة من كل شدة انه ولى
الخيرات بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على محمد أشرف النفوس الطاهرات، وعترته
البررة السادات ما اختلف الصباح والمساء وأعتقت الظلام والضياء والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين. فرغ من تسويدها الفقير إلى الله تعالى
أحمد بن فهد ليلة الاثنين المسفر صباحها عن سادس عشر من جمادى الأولى من سنة
إحدى وثمانمأة والحمد لله وحده وصلاته على محمد وآله وسلامه.
317