الكتاب: الفضائل
المؤلف: شاذان بن جبرئيل القمي
الجزء:
الوفاة: ن ٦٦٠
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨١ - ١٩٦٢ م
المطبعة: الحيدرية - النجف الأشرف
الناشر: منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها - النجف الأشرف
ردمك:
ملاحظات:

الفضائل
لابن شاذان
لأبي الفضل سديد الدين شاذان بن جبرائيل بن إسماعيل
ابن أبي طالب القمي نزيل المدينة النبوية
وهو صاحب كتاب (إزاحة العلة) المذكور في (البحار)
وكان من مشايخ الإجازة، روى عنه فخار بن معد الموسوي
و روى هو عن أبيه وعن العماد الطبري صاحب كتاب
(بشارة المصطفى) " المطبوع في النجف " وقد عاصر
ابن إدريس، وتوفي في حدود سنة 660 ه‍
منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها في النجف الأشرف
1962 م - 1381 ه‍
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله
على أعدائهم أجمعين، من الآن إلى يوم الدين. حدثني الشيخ الفقيه (أبو الفضل
شاذان بن جبرئيل القمي) قال حدثني الشيح محمد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس
الدارمي، وقد رواه كثير من الأصحاب حتى انتهى إلى أبي جعفر ميثم التمار
قال بينما نحن بين يدي مولانا علي بن أبي طالب (ع) بالكوفة وجماعة من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله محدقون به كأنه البدر في تمامه بين الكواكب
في السماء الصاحية إذ دخل عليه من الباب رجل طويل علية قباء خز أدكن
متعمم بعمامة أتحمية صفراء وهو مقلد بسيفين فدخل من غير سلام ولم
ينطق بكلام فتطاول الناس بالأعناق ونظروا إليه بالآماق وشخصوا إليه
بالأحداق ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لا يرفع رأسه إليه
فلما هدأت من الناس الحواس فحينئذ أفصح عن لسانه كأنه حسام جذب
من غمده، ثم قال أيكم المجتبى في الشجاعة، والمعمم بالبراعة، والمدرع
بالقناعة، أيكم المولود في الحرم، والعالي في الشيم، والموصوف بالكرم؟
2

أيكم الأصلع الرأس، والثابت الأساس، والبطل الدعاس، والآخذ
بالقصاص، والمضيق للأنفاس؟ أيكم غصن أبي طالب الرطيب، وبطله
المهيب، والسهم المصيب والقسم والنجيب؟ أيكم خليفة محمد صلى الله عليه
وآله الذي نصر به في زمانه، وعز به سلطانه، وعظم به شأنه؟ أيكم
قاتل العمرين وآسر العمرين، فعند ذلك رفع أمير المؤمنين * ع * رأسه
إليه فقال له * ع * يا مالك يا أبا سعد بن الفضل بن الربيع بن مدركة
ابن نجيبة بن الصلت بن الحارث بن الأشعث بن السميمع الدوسي سل
عما بدا لك؟ فانا كنز الملهوف وأنا الموصوف بالمعروف أنا الذي أفرعتني
الصم الصلاب، وأنا المنعوت في كل كتاب، أنا الطود والأسباب انا ق
والقرآن المجيد، وأنا النبأ العظيم أنا الصراط المستقيم، أنا علي مواخي رسول
الله صلى الله عليه وآله وزوج ابنته ووارث علمه وعيبة حكمته والخليفة من بعده
فقال الاعرابي بلغنا عنك انك معجز النبي صلى الله عليه وآله والامام الولي ليس لك
مطاول فيطاولك، ولا ممانع فيصاولك، أهو كما بلغنا عنك يا فتى قومه؟ قال
علي (ع) قال ما بدا لك؟ فقال إني رسول إليك من ستين ألف رجل
يقال لهم (العقيمية) وقد حملوا معي رجلا ميتا قد مات منذ مدة وقد
اختلف في سبب موته وهو على باب المسجد فان أحييته علمنا إنك
وصي رسول الله صلى الله عليه وآله صادق نجيب الأصل وتحققنا إنك حجة الله
في أرضه، وخليفة في عباده وان لم تقدر على ذلك رددته على قومه
وعلمنا انك تدعي غير الصواب وتظهر من نفسك مالا تقدر عليه.
فقال أمير المؤمنين (ع) يا أبا جعفر (وهو ميثم التمار) اركب بعيرا
وطف في شوارع الكوفة ومحلاتها وناد من أراد ان ينظر إلى ما اعطى
الله عليا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله بعل فاطمة (ع) مما أوعه رسول الله
من العلم فيه فليخرج إلى النجف غدا فهرع الناس إلى النجف فلما رجع
3

ميثم من النداء قال له علي (ع) خذ الاعرابي إلى ضيافتك فغداة غد
سيأتيك الله بالفرج قال ميثم فأخذت الاعرابي ومعه محمل فيه ميت فأنزلته
منزلي وأخدمته أهلي فلما صلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
الفجر خرج وخرجت معه ولم يبق في الكوفة بر ولا فاجر إلا وخرج
إلى النجف فقال (ع) يا أبا جعفر علي بالاعرابي وصاحبه الميت فخرجت
من عنده وإذا أنا بالاعرابي وهو راجل تحت القبة التي فيها الميت فاتى بها إلى
النجف فعند ذلك قال (ع) يا أهل الكوفة قولوا فينا ما ترونه وارووا عنا
ما تسمعونه وأوردوا ما تشاهدونه منا ثم قال يا اعرابي ابرك جملك واخرج
صاحبك أنت وجماعة من المسلمين قال ميثم فاخرج تابوتا من الساج وفيه
من قصب وطاء ديباج فحله وإذا تحته بدرة من اللؤلؤ وفيها غلام قد تم
عذاره بذوائب كذوائب المرأة الحسناء فقال عليه السلام يا اعرابي كم
لميتك هذا فقال أحد وأربعون يوما فقال ما كان سبب موته فقال الاعرابي
يا فتى أهله يريدون أن تحييه ليخبرهم من قتله فيعلموه لأنه بات سالما وأصبح
مذبوحا من الاذن إلى الاذن فقال له (ع) من يطلب بدمه؟ قال خمسون
رجلا من قومه يعضد بعضهم بعضا في طلب دمه فاكشف الشك والريب
يا أخا رسول الله فقال * ع * هذا الميت قتله عمه لأنه تزوج ابنته فخلاها
وتزوج غيرها فقتله حنقا عليه فقال الاعرابي لسنا نرضى بقولك وإنما نريد
ان يشهد هذا الغلام بنفسه عند أهله من قتله حتى لا يقع بينهم السيف والفتنة
والقتال فعند ذلك قام علي * ع * فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى
الله عليه وآله فصلى عليه ثم قال يا أهل الكوفة ما بقرة بني إسرائيل بأجل
من علي أخي رسول الله * ص * وانها أحيت ميتا بعد سبعة أيام ثم دنا من
الميت فقال إن بقرة بني إسرائيل ضرب بعضها الميت فعاش وانا اضربه
ببعضي فان بعضي عند الله خير من البقرة كلها ثم هزه برجله اليمني وقال
قم بإذن الله تعالى يا مدرك بن حنضلة بن غسان بن يحيى بن سلامة ابن الطبيب
4

ابن الأشعث فها قد أحياك الله تعالى على يدي علي بن أبي طالب قال ميثم
التمار فنهض غلام أحسن من الشمس أوصافا ومن القمر اضعافا وقال لبيك
لبيك يا حجة الله تعالى على الأنام والمتفرد بالفضل والانعام فقال له علي (ع)
من قاتلك فقال قاتلي عمي الحاسد حبيب بن غسان فقال أمير المؤمنين (ع)
انطلق إلى أهلك يا غلام قال لا حاجة بي إلى أهلي فقال أمير المؤمنين (ع)
ولم قال أخاف ان اقتل ثانية ولا تكون أنت فمن يحييني فالتفت الإمام (ع)
إلى الاعرابي وقال امض أنت إلى أهلك وأخبرهم بما رأيت فقال الاعرابي
وانا أيضا قد اخترت المقام معك إلى أن يأتي الاجل فلعن الله تعالى من اتجه
له الحق ووضح وجعل بينه وبين الحق سترا فأقاما مع علي (ع) إلى أن قتلا
معه بصفين وسار أهل الكوفة إلى منازلهم واختلفوا في أقاويلهم فيه (ع)
(خبر آخر) عن ابن عباس (رض) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول أعطاني الله تعالى خمسا وأعطى عليا (ع) خمسا أعطاني جوامع
الكلم وأعطى عليا جوامع العلم وجعلني نبيا وجعله وصيا وأعطاني الكوثر
وأعطاه السلسبيل وأعطاني الوحي واعطاء الالهام وأسرى بي إليه وفتح
له أبواب السماوات والحجب حتى نظر إلي ونظرت إليه قال ثم بكى رسول
الله صلى الله عليه وآله فقلت له ما يبكيك يا رسول الله فداك أبي وأمي قال يا بن عباس
ان أول ما كلمني به ربى قال يا محمد انظر تحتك فنطرت إلى الحجب قد
انحرقت وإلى أبواب السماء قد انفتحت ونظرت إلى علي وهو رافع رأسه
إلي فكلمني وكلمته وكلمني ربي عز وجل قال فقلت يا رسول الله بما كلمك
ربك قال: قال لي يا محمد إني جعلت عليا وصيك ووزيرك وخليفتك من بعدك
فاعلمه فها هو يسمع كلامك فأعلمته وأنا بين يدي ربي عز وجل فقال لي
قد قبلت وأطعت فأمر الله تعالى الملائكة يتباشرون به وما مررت بملا من
ملائكة السماوات إلا هنأوني وقالوا يا محمد والذي بعثك بالحق نبيا لقد دخل
السرور على جميع الملائكة باستخلاف الله عز وجل ابن عمك ورأيت حملة
5

العرش قد نكسوا رؤسهم إلى الأرض فقلت يا جبرئيل لم نكس حملة العرش
رؤوسهم قال يا محمد ما من ملك من الملائكة إلا وقد نظر إلى وجه علي بن
أبي طالب عليه السلام استبشارا به ما خلا حملة العرش فإنهم استأذنوا الله
عز وجل في هذه الساعة فاذن لهم فنظروا إلى علي بن أبي طالب (ع) فلما
هبطت جعلت اخبره بذلك وهو يخبرني به فعلمت انى لم أطأ موطئا إلا
وقد كشف لعلى عنه حتى نظر إليه فقال ابن عباس (رض) فقلت يا رسول
الله أوصني فقال: عليك بمودة علي بن أبي طالب (ع) والذي بعثني بالحق
نبيا لا يقبل الله تعالى من عبد حسنة حتى يسأله عن حب علي بن أبي طالب
* ع * وهو بقول اعلم فمن مات على ولايته قبل عمله ما كان منه وان لم يأت
بولايته لا يقبل من عمله شئ ثم يؤمر به إلى النار يا بن عباس والذي بعثني
بالحق نبيا ان النار لأشد غضبا على مبغض على * ع * منها على من زعم أن لله
ولدا، يا بن عباس لو أن الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين اجتمعوا على
بغض علي بن أبي طالب مع ما يقع من عبادتهم في السماوات لعذبهم الله
تعالى في النار قلت يا رسول الله وهل يبغضه أحد؟ قال: يا بن عباس نعم
يبغضه قوم يذكر من أنهم من أمتي لم يجعل الله لهم في الاسلام نصيبا، يا ابن
عباس ان من علامة بغضهم له تفضيلهم لمن هو دونه عليه، والذي بعثني
بالحق نبيا ما بعث الله نبيا أكرم عليه منى ولا وصيا أكرم عليه من وصيي.
قال ابن عباس فلم أزل له كما امرني رسول الله * ص * وأوصاني بمودته
وانه لأكبر عملي عندي قال ابن عباس: ثم مضى من الزمان ما مضى
وحضرت رسول الله * ص * الوفاة فقلت فداك أبي وأمي يا رسول الله
صلى الله عليه وآله وقد دنا اجلك فما تأمرني؟ قال: يا ابن عباس خالف من
خالف عليا ولا تكونن لهم ظهيرا ولا وليا. قلت: يا رسول الله ولم لا تأمر
الناس بترك مخالفته؟ قال فبكى صلى الله عليه وآله ثم قال: يا ابن عباس سبق فيهم علم
ربي والذي بعثني بالحق نبيا لا يخرج أحد ممن خالفه من الدنيا وأنكر حقه
6

حتى يغير الله تعالى ما به من نعمة، يا ابن عباس إذا أردت ان تلقى الله تعالى
وهو عنك راض فاسلك طريقة علي بن أبي طالب عليه السلام ومل معه
حيث مال، ارض به إماما وعاد من عاداه ووال من والاه، يا بن عباس
حذر من أن يدخلك شك فيه فان الشك في علي كفر بالله تعالى
(خبر آخر) عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن الباقر (ع)
عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رض) قال قال رسول الله صلى الله عليه
وآله ان جبرئيل (ع) نزل علي وقال يا محمد ان الله تعالى يأمرك ان تقوم
بتفضيل علي بن أبي طالب (ع) خطيبا على المنبر ليبلغوا من بعدهم ذلك
عنك، ويأمر جميع الملائكة ان يسمعوا ما تذكره والله يوحي إليك يا محمد ان
من خالفك في امرك فله النار، ومن أطاعك فله الجنة. فأمر النبي صلى الله عليه وآله
مناديا نادى بالصلاة جامعة، فاجتمع الناس وخرج النبي صلى الله عليه وآله ورقى المنبر
وكان أول ما تكلم به أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
ثم قال صلى الله عليه وآله أيها الناس: انا البشير انا النذير انا النبي الأمي وانا مبلغكم
عن الله عز وجل في رجل لحمه لحمي ودمه دمي وهو عيبة علمي وهو الذي
انتخبه الله تعالى من هذه الأمة واصطفاه وهذبه وتولاه وخلقني وإياه من
نور واحد وفضلني بالرسالة وفضله بالإمامة والتبليغ عنى، وجعلني مدينة
العلم وجعله الباب خازن العلم والمفتش منه الاحكام، وخصه بالوصية وبا أن
أمره وخوف من عدوانه وازلف لمن والاه وغفر لشيعته وأمر الناس
جميعا بطاعته، وانه عز وجل ويقول من عاداه عاداني ومن والاه والاني
ومن آذاه آذاني ومن ناصبه ناصبني ومن خالفه خالفني ومن أبغضه أبغضني
ومن أحبه أحبني ومن اراده أرادني ومن كاده كادني ومن نصره نصرني،
أيها الناس اسمعوا لما آمركم به وأطيعوه فانا أخوفكم عقاب الله تعالى يوم
تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها
وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم الله نفسه، ثم اخذ بيد علي بن أبي طالب (ع)
7

وقال: معاشر الناس هذا مولى المؤمنين وحجة الله على الخلق أجمعين اللهم إني
قد بلغت وهم عبادك وأنت القادر على صلاحهم فأصلحهم برحمتك يا ارحم
الراحمين استغفر الله لي ولكم. ثم نزل عن المنبر فاتاه جبرئيل (ع) فقال
يا محمد ان الله تعالى يقرئك السلام ويقول لك جزاك الله تعالى عن تبليغك
خيرا فقد بلغت رسالات ربك ونصحت لامتك وأرضيت المؤمنين وأرغمت
الكافرين، يا محمد إن ابن عمك مبتلى ومبتلى به، يا محمد قل في كل أوقاتك الحمد
الله رب العالمين وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والحمد لله حق حمده.
(خبر آخر) عن جابر بن يزيد الجعفي قال خدمت سيدنا الإمام علي
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) وودعته وقلت أفدني فقال: يا جابر
بلغ شيعتي منى السلام وأعلمهم انه لا قرابة بيننا وبين الله عز وجل ولا
يقترب إليه إلا بالطاعة له، يا جابر من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا ومن
عصى الله لم ينفعه حبنا ومن أحبنا وأحب عدونا فهو في النار، يا جابر من
هذا الذي سأل الله تعالى فلم يعطه، وتوكل عليه فلم يكفه، ووثق به فلم
ينجه، يا جابر انزل الدنيا منك كمنزله نزلته فان الدنيا للتحويل عنها، وهل
الدنيا إلا دابة ركبتها في منامك فاستيقظت وأنت على فراشك، هي عند ذوي
الألباب كفئ الظلال، لا إله إلا الله اعذار لأهل دعوة الاسلام، والصلاة
تثبيت للاخلاص وتنزيه عن الكبر، والزكاة تزويد في الرزق، والصيام
والحج لتسكين القلوب، والقصاص والحدود لحقن الدماء، فان أهل البيت
نظام الدين جعلنا الله وإياكم من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من
الساعة مشفقون.
(ومما قاله النبي صلى الله عليه وآله في فضل علي وأهل بيته) عن ابن عباس
(رض) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم جالسا إذا اقبل الحسن (ع)
فلما رآه بكى ثم قال: إلي إلي يا بنى فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه
الأيمن، ثم اقبل الحسين (ع) فلما رآه بكي ثم قال إلي إلي يا بني فما زال
8

يدنيه حتى أجلسه على فخذه الأيسر، ثم أقبلت فاطمة (ع) فلما رآها بكى
ثم قال إلي إلي يا بنية فما زال يدنيها حتى أجلسها بين يديه، ثم اقبل أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فلما رآه بكى ثم قال إلي إلي يا أخي فما زال
يدنيه حتى أجلسه إلى جنبيه الأيمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله ما ترى
أحدا من هؤلاء إلا بكيت، أو ما فيهم من تسر برؤيته؟ فقال صلى الله عليه وآله:
والذي بعثني بالحق نبيا وبشيرا ونذيرا واصطفاني على جميع البرية اني وإياهم
لاكرم الخلق على الله عز وجل وما على وجه الأرض نسمة أحب إلى منهم،
اما علي بن أبي طالب (ع) فإنه أخي وشقيقي وصاحب الامر بعدي
وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة وصاحب حوضي وشفاعتي وهو مولى
كل مؤمن وقائد كل تقي وهو وصيي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد
مماتي محبه محبي ومبغضه مبغضي وبولايته صارت أمتي مرحومة وبعد وفاتي
صارت بالمخالفة له ملعونة فانى بكيت حين اقبل لأني ذكرت غدر الأمة به
بعدي حتى أنه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله بعدي له ثم لا يزال الامر به
حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور وهو شهر
رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان،
واما ابنتي فاطمة (ع) فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وهي
بضعة منى وهي نور عيني وثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبي وهي
الحوراء الانسية متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها
للملائكة في السماء كما يزهر الكواكب لأهل الأرض فيقول الله عز وجل
للملائكة يا ملائكتي انظروا أمتي فاطمة سيدة نساء خلقي قائمة بين يدي
ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم اني قد
آمنت شيعتها من النار، وانى لما رأيتها تذكرت ما يصنع بها بعدي وكأني
بها وقد دخل عليها الذل في بيتها وانتهكت حرمتها وغصبت حقها ومنعت
ارثها وكسر جنبها وسقط جنينها وهي تنادي وا محمداه فلا تجاب وتستغيث
9

فلا تغاث فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية فتذكر انقطاع الوحي عن
بيتها مرة وتذكر فراقي أخرى وتستوحش إذا جنها الليل لفقدي وفقد
صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن ثم ترى ذليلة بعد أن
كانت عزيزة فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بملائكة فتناديها بمناداة
مريم ابنة عمران يا فاطمة ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء
العالمين يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ثم يبتدئ بها
الوجع فتمرض ويبعث الله عز وجل إليها مريم ابنة عمران فتمرضها وتؤنسها
في علتها فتقول عند ذلك يا رب انى قد سأمت الحياة وتبرمت بأهل الدنيا
فألحقني بأبي فيلحقها الله عز وجل فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي
فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة معصوبة مقتولة فأقول عند ذلك اللهم
العن ظالمها وعاقب من غصبها حقها وأذل من أذلها وخلد في النار من ضربها
على جنبها حتى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك آمين (واما الحسن)
فإنه ابني وولدي ومني وقرة عيني وضياء قلبي وثمرة فؤادي وهو سيد
شباب أهل الجنة وحجة الله تعالى على الأئمة امره أمري وقوله قولي فمن
تبعه فإنه منى ومن عصاه فليس مني وإني نظرت إليه فذكرت ما يجرى عليه
من الذل بعدي فلا يزال الامر به حتى يقتل بالسم ظلما وعدوانا فعند ذلك
تبكي الملائكة والسبع الشداد بموته ويبكيه كل شئ حتى الطير في جو
السماء والحيتان في جوف الماء فمن بكاه لم تعم عيناه يوم تعمى الأعين ومن
حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ومن زاره في البقيع ثبتت قدماه
على الصراط يوم تزل فيه الاقدام (واما الحسين) فإنه منى وهو ابني
وولدي وخير الخلق بعد أخيه وهو امام المسلمين ومولى المؤمنين وخليفة
رب العالمين وكهف المتحيرين وحجة الله تعالى على الخلق أجمعين وهو سيد
شباب أهل الجنة وباب نجاة الأمة امره امرى وطاعته طاعتي ومن تبعه
فإنه منى ومن عصاه فليس منى وانى لما رأيته تذكرت ما يصنع به بعدي
10

وكأني به وقد استجار بحرمي فلا يجار فأضمه في منامي إلى صدري وآمره
بالرحلة من دار هجرتي فأبشره بالشهادة فيرتحل إلى ارض مقتله وموضع
مصرعه لأرض كرب وبلاء وقتل وفناء فتنصره عصابة من المسلمين أولئك
سادة شهداء أمتي يوم القيامة وكأني انظر إليه وقد رمي بسهم فخر من فرسه
صريعا ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وبكى
من حوله وارتفعت أصواتهم بالضجيج ثم قال صلى الله عليه وآله ويقول اللهم
إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي ثم قال صلى الله عليه وآله إذا كان يوم القيامة يزين
العرش بكل زينه ثم يوتى بمنبرين من نور طولهما مائة ميل فيوضع أحدهما
عن يمين العرش والآخر عن يسار العرش ثم يؤتى بالحسن والحسين عليهما
السلام فيقوم الحسن (ع) على أحدهما والحسين (ع) على الآخر يزين الرب
تبارك وتعالى بهما عرشه كما تزين المرأة قرطاها ثم قال صلى الله عليه وآله إذا كان
يوم القيامة تأتى ابنتي فاطمة (ع) على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين
خطامها من اللؤلؤ الرطب قوائمها من الزمرد الأخضر ذنبها من المسك
الأذفر عيناها من ياقوت احمر عليها قبة من نور يرى باطنها من ظاهرها
وظاهرها من باطنها وباطنها من عفو الله وظاهرها من رحمة الله على رأسها
تاج من نور وللتاج سبعون ركنا كل ركن مرصع بالدر والياقوت يضئ
لأهل الجنة كما يضئ الكوكب الدري في أفق السماء عن يمينها سبعون الف
ملك وجبرئيل آخذ بخطام الناقة وهو ينادى بأعلى صوته يا أهل الموقف
غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يبقى يومئذ
نبي ولا كريم ولا صديق ولا شهيد إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة
بنت محمد سيدة نساء العالمين فتجوز حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله فتنزل
بنفسها عن ناقتها فتقول إلهي وسيدي احكم بيني وبين من ظلمني واحكم بيني
وبين من قتل ولدى فإذا النداء من قبل الله تعالى يا حبيبتي وبنت حبيبي سلي
تعطي واشفعي تشفعي وعزتي وجلالي لأجاوزن ظلم ظالم فتقول يا إلهي
11

ذريتي وشيعة ذريتي ومحبي ذريتي فإذا النداء من قبل الله عز وجل أين ذرية
فاطمة وشيعتها وشيعة ذريتها ومحبوا ذريتها فيقبلون وقد أحاطوا بهم ملائكة
الرحمة فتقدمهم فاطمة حتى تدخلهم الجنة وصلى الله عليها وعلى أبيها.
(خبر آخر) قال سماعة بن مهران ان الصادق (ع) قال له يا سماعة
من شر الناس قال نحن يا بن رسول الله قال فغضب (ع) حتى احمرت وجنتاه
ثم استوى جالسا وكان متكئا وقال يا سماعة من شر الناس عند الناس فقلت
والله ما كذبتك يا ابن رسول الله نحن شر الناس لأنهم سمونا كفار أو رفضة
فنظر إلي ثم قال كيف بكم وبهم إذا سيق بكم إلى الجنة وسيق بهم إلى النار
فينظرون إليكم فيقولون مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار، يا ابن
مهران انه من أساء منكم إساءة مشينا إلى الله تعالى بأقدامنا يوم القيامة فنشفع
فيه، والله لا يدخل النار منكم عشرة رجال، ولا يدخل النار منكم ثلاثة
رجال، والله لا يدخل النار منكم رجل واحد، فتنافسوا في الدرجات
وأكدوا عدوكم المفزع.
(حديث مولد النبي محمد صلى الله عليه وآله قال الواقدي: أول ما افتتح به عقيل
ابن أبي وقاص حين خطب آمنة لعبد الله بن عبد المطلب ان قال
(بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعلنا من نسل إبراهيم ومن شجرة إسماعيل
من غصن نزال ومن ثمرة عبد مناف) ثم اثنى على الله تعالى ثناء بليغا وقال
فيه جميلا واثنى على اللات والعزة ومناة وذكرهم بالجميل وقال لا يستغني
عنكم مع هذا كله وعقد النكاح ونظر إلى وهب وقال يا أبا الوداح زوجت
كريمتك آمنة من ابن سيدنا عبد المطلب على صداق أربعة آلاف درهم بيض
هجرية جياد وخمسمائة مثقال ذهب احمر، قال نعم ثم قال يا عبد الله قبلت بهذا
الصداق يا أيها السيد الخاطب، قال نعم ثم دعا لهما بالخير والكرامة ثم أمر
وهب أن تقدم المائدة فقدمت مائدة خضرة فاتى من الطعام الحار والبارد
والحلو والحامض فأكلوا وشربوا قال ونثر عبد المطلب على ولده قيمة الف
12

درهم من النثار وكان متخذا من مسك بنادق ومن عنبر ومن سكر ومن
كافور ونثر ذهب بقيمة ألف درهم عنبر وفرح الخلق بذلك شديدا.
(قال الواقدي) فلما فرغوا من ذلك نظر عبد المطلب إلى وهب وقال
ورب السماء انى لا أفارق هذا السقف أو أؤلف بين ولدي عبد الله وحليلته
فقال وهب بهذه السرعة لا يكون فقال عبد المطلب لابد من ذلك فقام وهب
ودخل على امرأته برة وقال لها اعلمي ان عبد المطلب قد حلف برب السماء
انه لا يفارق هذا السقف أو يؤلف بين ولده عبد الله وبين زوجته آمنة
فقامت المرأة من وقتها ودعت بعشرة من المشاطات وأمرتهن ان يأخذ في
زينة آمنة فقعدن حول آمنة فواحدة منهن تنقش يديها وواحدة تخضب
رجليها وواحدة تسرح ذوائبها ووحدة تمسحها بالملاء فلما كان عند غروب
الشمس وفرغن من زينتها نصبوا سريرا من الخيزران وقد فرشوا عليه من
ألوان الديباج والوشي وأقعدت الجارية على السرير وعقدن على رأسها تاجا وعلى
جبينها إكليلا وعلى عنقها مخانق الدر والجواهر وتختمت بأنواع الخواتيم
وجاء وهب وقال لعبد المطلب يا سيدي قم إلى العروس فقام عبد المطلب إلى
العروس وهي كأنها فلقة قمر من حسنها وتقدم عبد المطلب إلى السرير وقبله
وقبل عين العروس فقام عبد المطلب لولده عبد الله اجلس يا ولدي معها على
السرير وافرح برؤيتها قال فرفع عبد الله قدمه وصعد إلى السرير وقعد إلى
جنب العروس وفرح عبد الله وكان من عبد الله إلى أهله ما يكون من الرجال
إلى النساء فواقعها فحملت بسيد المرسلين وخاتم النبيين وقام من عندها إلى
عند أبيه فنظر إليه أبوه وإذا النور قد فارق من بين عينيه وبقى عليه من
اثر النور كالدرهم الصحيح وذهب النور إلى ثدي آمنة فقام عبد المطلب إلى
عند آمنة ونظر إلى وجهها فلم يكن النور كما كان في عبد الله بل انور فذهب
عبد المطلب إلى عند حبيب الراهب فسأله عن ذلك فقال حبيب اعلم أن هذا
النور هو صاحب النور بعينه وصار في بطن أمه فقام عبد المطلب وخرج مع
13

الرجل وبقى عبد الله عند أهله إلى أن ذهبت الصفرة من يديه وذلك أن العرب
كانوا إذا دخلوا بأهلهم يخضبون أيديهم بالحناء ولا يخرجون من عندهم وعلى
أيديهم اثر من الحناء فبقي عبد الله أربعين يوما وخرج ونظر أهل مكة إلى
عبد الله والنور قد فارق موضعه فرجع عبد المطلب من عند حبيب وقد أتى
على رسول الله صلى الله عليه وآله شهر واحد في بطن أمه ونادت الجبال بعضها بعضا
والأشجار بعضها بعضا والسماوات بعضها يستبشرون ويقولون ألا ان
محمدا قد وقع في رحم أمه آمنة وقد أتى عليه شهر ففرحت بذلك الجبال
والبحار والسماوات والأرضون فرحا برسول الله صلى الله عليه وآله ثم إن الله تعالى
أراد قضاه على فاطمة بنت عبد المطلب فورد عليه كتاب من يثرب يموت
فاطمة وكان في الكتاب انها ورثت مالا كثيرا خطيرا فاخرج إلى عندهم
بأسرع ما تقدر عليه قال عبد المطلب لولده عبد الله يا ولدي لا بد لك ان تجي
معي إلى المدينة فسافر مع أبيه ودخلا مدينة يثرب وقبض عبد المطلب المال
ولما انتهيا من دخولهما المدينة بعشر أيام اعتل عبد الله علة شديدة وبقى خمسة
عشر يوما فلما كان يوم السادس عشر مات عبد الله فبكى عليه أبوه عبد المطلب
بكاء شديدا وشق سقف البيت لأجله في دار فاطمة بنت عبد المطلب وإذا
بهاتف يهتف ويقول قد مات من كان في صلبه خاتم النبيين وأي نفس
لا تموت فقام عبد المطلب فغسله وكفنه في سكة يقال لها (شين) وبنى على
قبره قبة عظيمة من جص وآجر واحكمه ورجع إلى مكة واستقبله رؤساء
قريش وبنو هاشم واتصل الخبر إلى آمنة بوفاة زوجها فبكت ونفشت
شعرها وخدشت وجهها ومزقت جيبها ودعت بالنايحات ينحن على عبد الله
فجاء بعد ذلك عبد المطلب إلى دار آمنة وطيب قلبها ووهب لها في ذلك الوقت
ألف درهم بيض وتاجين قد اتخذهما عبد مناف لبعض بناته وقال لها يا آمنة
لا تحزني فإنك عندي جليلة لأجل من في بطنك فلا يهمك امرك فسكتت
وطيب قلبها.
14

(قال) الواقدي فلما اتى على رسول الله صلى الله عليه وآله في بطن أمه شهران
أمر الله تعالى مناديا في سماواته وارضه ينادى في السماوات والأرض
والملائكة ان استغفروا لمحمد صلى الله عليه وآله وأمته كل هذا ببركة النبي صلى الله عليه وآله.
(قال الواقدي) فلما اتى على رسول الله صلى الله عليه وآله في بطن أمه ثلاثة
أشهر كان أبو قحافة راجعا من الشام فلما بلغ قريبا من مكة وضعت ناقته
جمجمتها على الأرض ساجدة وكان بيد أبي قحافة قضيب فضربها بأوجع
ضرب فلم ترفع رأسها فقال أبو قحافة فما أرى ناقة تركت صاحبها وإذا
بهاتف يهتف ويقول لا تضرب يا أبا قحافة من لا يطيعك الا ترى ان الجبال
والبحار والأشجار سوى الآدميين سجدوا لله فقال أبو قحافة يا هاتف
وما السبب في ذلك قال اعلم أن النبي الأمي قد اتى عليه في بطن أمه ثلاثة
أشهر قال أبو قحافة ومتى يكون خروجه قال سترى يا أبا قحافة إن شاء الله
تعالى فالويل كل الويل لعبدة الأصنام من سيفه وسيف أصحابه، قال أبو
قحافة فوقفت ساعة حتى رفعت الناقة رأسها فركبتها وجئت إلى عبد المطلب.
(قال الواقدي) فلما اتى على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة أشهر كان زاهد
على الطريق من الطائف وكان له صومعة بمكة على مرحلة قال فخرج الزاهد
وكان اسمه حبيبا فجاء إلى بعض أصدقائه بمكة فلما بلغ أرض الموقف وإذا
بصبي قد وضع جبينه على الأرض وقد سجد على جبهته قال حبيب فدنوت
منه فاخذته وإذا بهاتف يهتف ويقول خل عنه يا حبيب ألا ترى إلى الخلائق
من البر والبحر والسهل والجبل قد سجدوا لله شكرا لما اتى على النبي الزكي
الرضي المرضي في بطن أمه خمسة أشهر وهذا الصبي قد سجد لله شكرا قال
حبيب فتركت الصبي ودخلت مكة وبينت ذلك لعبد المطلب وعبد المطلب
يقول اكتم هذا الاسم فان لهذا الاسم أعداء قال وذهب حبيب إلى صومعته
فإذا الصومعة تهتز ولا تستقر وإذا على محرابه مكتوب وعلى محراب كل
راهب مكتوب يا أهل البيع و الصوامع آمنوا بالله وبرسوله محمد بن عبد فقد آن
15

خروجه فطوبى ثم طوبى لمن آمن به والويل كل الويل لمن كفر به ورد
عليه حرفا مما يأتي به من عند ربه قال حبيب فقلت السمع والطاعة انى
لمؤمن وطائع غير منكر.
(قال الواقدي) فلما اتى على رسول الله في بطن أمه ستة أشهر خرج
أهل المدينة واليمن إلى العيد وكان رسمهم انهم كانوا يجعلون في كل سنة
ستة أعياد وكانوا يذهبون عند شجرة عظيمة يقال لها ذات أنواط وهي
التي سماها الله في كتابه ومناة الثالثة الأخرى فذهبوا في ذلك العيد واكلوا
وشربوا وفرحوا وتقاربوا من الشجرة وإذا بصيحة عظيمة من وسط
الشجرة وهو هاتف يقول (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله)
الآية وقال يا أهل اليمن ويا أهل اليمامة ويا أهل البحرين ويا من عبد الأصنام
ويا من سجد للأوثان جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا يا قوم
قد جاءكم الهلاك قد جاءكم التلف قد جاءكم الويل والثبور قال ففزعوا من
ذلك وانهزموا راجعين إلى منازلهم متحيرين متعجبين من ذلك.
(قال الواقدي) فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله في بطن أمه سبعة
أشهر جاء سواد بن قارب إلى عبد المطلب فقال له اعلم يا أبا الحارث اني كنت
البارحة بين النوم واليقظة فرأيت أبواب السماء مفتحة ورأيت الملائكة
ينزلون إلى الأرض معهم ألوان الثياب يقولون زينوا الأرض فقد قرب
خروج من اسمه محمد وهو نافلة عبد المطلب رسول الله إلى الأرض وإلى
الأسود والأحمر والأصفر والى الصغير والكبير والذكر والأنثى صاحب
السيف القاطع والسهم النافذ فقلت لبعض الملائكة من هذا الذي تزعمون فقال
ويحك هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فهذا
ما رأيت فقال له عبد المطلب اكتم الرؤيا ولا تخبر بها أحدا لننظر ما يكون.
(قال الواقدي) فلما أتى على النبي صلى الله عليه وآله في بطن أمة ثمانية أشهر
كان في بحر الهوى حوت يقال له طينوسا وهي سيدة الحيتان فتحركت
16

الحيتان وتحركت الحوت واستوت على ذنبها وارتفعت وارتفع الموج
عنها فقالت الملائكة إلهنا وسيدنا ترى ما تفعل طينوسا ولا تطيعنا وليس
لنا بها قوة (قال) فصاح استحيائيل الملك صيحة عظيمة وقال لها قرى
يا طينوسا ألا تعرفين من تحتك فقالت طينوسا يا استحيائيل أمر ربي يوم
خلقني ان إذا ولد محمد بن عبد الله استغفري له ولامته والآن سمعت الملائكة
يبشر بعضهم بعضا فلذلك قمت وتحركت فناداها استحيائيل قرى واستغفري
فان محمدا قد ولد فلذلك انبطحت في البحر وأخذت في التسبيح والتهليل
والتكبير والثناء على رب العالمين.
(قال الواقدي) فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله في بطن أمه تسعة
أشهر أوحى الله إلى الملائكة في كل سماء ان اهبطوا إلى الأرض فهبط
عشرة آلاف ملك بيد كل ملك قنديل يشتعل بالنور بلا دهن مكتوب على
كل قنديل لا إله إلا الله محمد رسول الله يقرأه كل عربي كاتب ووقفوا
حول مكة في المفارز وإذا بهاتف يهتف ويقول نور محمد رسول الله صلى الله عليه وآله
قال فاورد الخبر إلى عبد المطلب فامر بكتمانه إلى أن يكون.
(قال) الواقدي فلما كملت تسعة أشهر لرسول الله صلى الله عليه وآله صار
لا يستقر كوكب في السماء إلا ينتقل من موضع إلى موضع يبشرون بعضهم
بعضا والناس ينظرون إلى الكواكب في السماء سائرات لا يستقرن فأقام
ذلك ثلاثين يوما.
(قال الواقدي) فلما تم لرسول الله صلى الله عليه وآله تسعة أشهر نظرت أم
رسول الله صلى الله عليه وآله آمنة إلى أمها برة وقالت يا أماه اني أحب ان ادخل البيت
فأبكى على زوجي ساعة وأقطر دمعي على شبابه وحسن وجهه فإذا دخلت
البيت وحدي فلا يدخل علي أحد فقالت لها برة ادخلي يا آمنة وابكي فحق
لك البكاء قال فدخلت آمنة البيت وحدها وقعت وبكت وبين يديها شمع
يشتعل وبيدها مغزل من آبنوس وعلى مغزلها فلقة من عقيق أحمر وآمنة
17

تبكي وتنوح إذ أوجعت من طلقها فوثبت إلى الباب لتفتحه فلم ينفتح فرجعت
إلى مكانها وقالت وا وحدتاه وأخذها الطلق والنفاس وما شعرت بشئ حتى
انشق السقف ونزلت من فوق أربع حوريات وأضاء البيت لنور وجوههن
وقلن لآمنة لا بأس عليك يا جارية انا جئناك لخدمتك فلا يهمك امرك
وقعدت الحوريات واحدة على يمينها وواحدة على شمالها وواحدة بين يديها
وواحدة من ورائها فهومت عين آمنة وغفت غفوة (قال) ابن عباس
ما كان من أمر أم النبي إلا انها كانت نائمة عند خروج ولدها من بطنها
فانتبهت أم النبي صلى الله عليه وآله فإذا النبي صلى الله عليه وآله تحت ذيلها قد وضع
جبينه على الأرض ساجدا لله ورفع سبابتيه مشيرا بهما لا إله إلا الله. (قال)
الواقدي ولد رسول الله صلى الله عليه وآله في ليلة الجمعة قبل طلوع الفجر في شهر
ربيع الأول ليلة سبعة عشر منه في سنة تسعة آلاف وتسعمائة وأربعة أشهر
وسبعة أيام من وفاة آدم (ع) (قال) الواقدي ونظرت أمه آمنة وجه
رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا هو مكحل العينين منقط الجبين والذقن واشرق في
وجنتي النبي صلى الله عليه وآله نور ساطع في ظلمة الليل ومر في سقف البيت وشق
السقف ورأت آمنة من نور وجهه صلى الله عليه وآله كل منظر حسن وقصر بالحرم
وسقط في تلك الليلة أربع وعشرون شرفة من إيوان كسرى وأخمدت في
تلك الليلة نيران فارس وأبرق في تلك الليلة برق ساطع في كل بيت وغرفة
في الدنيا مما قد علم الله تعالى وسبق في علمه انهم يؤمنون بالله ورسوله محمد
صلى الله عليه وآله ولم يطلع في بقاع الكفر بأمر الله تعالى وما بقي في مشارق الأرض
ومغاربها صنم ولا وثن إلا وخرت على وجوهها ساقطة على جباهها خاشعة
وذلك كله اجلالا للنبي صلى الله عليه وآله.
(قال الواقدي) فلما رأى إبليس لعنه الله تعالى وأخزاه ذلك وضع
التراب على رأسه وجمع أولاده وقال لهم يا أولادي اعلموا انني ما أصابني
منذ خلقت مثل هذه المصيبة قالوا وما هذه المصيبة قال اعلموا انه قد ولد
18

في هذه الليلة مولود اسمه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله يبطل عبادة الأوثان ويمنع
السجود للأصنام ويدعوا إلى عبادة الرحمن قال فنثروا التراب على رؤوسهم
ودخل إبليس لعنه الله تعالى في البحر الرابع وقعد فيه للمصيبة هو وأولاده
مكرهين أربعين يوما.
(قال الواقدي) فعند ذلك اخذت الحوريات محمدا صلى الله عليه وآله
ولففنه في منديل رومي ووضعنه بين يدي آمنة ورجعن إلى الجنة يبشرن
الملائكة في السماوات ولد النبي صلى الله عليه وآله ونزل جبرئيل وميكائيل عليهما
السلام ودخلا البيت على صورة آدميين وهما شابان ومع جبرئيل طشت من
ذهب ومع ميكائيل إبريق من عقيق احمر فاخذ جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وآله
وغسله وميكائيل يصب الماء عليه فغسلاه وآمنة في زاوية البيت قاعدة
فزعة مبهوتة فقال لها جبرئيل يا آمنة لا تغسليه من النجاسة فإنه لم يكن
نجسا ولكن غسلناه من ظلمات بطنك وفرغا من غسله وكحلا عينيه ونقطا
جبينه بزرقة كانت معهم ومسك عنبر وكافور مسحوق بعضه ببعض
فذرا فوق رأسه صلى الله عليه وآله قالت آمنة وسمعت جلبة وكلاما على الباب فذهب
جبرئيل إلى عند الباب فنظر ورجع إلى البيت وقال ملائكة سبع سماوات
على الباب يريدون السلام على النبي صلى الله عليه وآله فاتسع البيت مد النظر ودخلوا
عليه موكبا بعد موكب وسلموا عليه وقالوا السلام عليك يا محمد السلام
عليك يا محمود السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا حامد.
(قال الواقدي) فلما دخل من الليل ثلثه أمر الله تعالى جبرئيل (ع)
يحمل من الجنة أربعة اعلام فحمل جبرئيل الاعلام ونزل إلى الدنيا ونصب
علما اخضر على جبل قاف مكتوبا عليه بالبياض سطران لا إله إلا الله محمد
رسول الله صلى الله عليه وآله ونصب علما آخر على جبل أبى قبيس له ذؤابتان
مكتوب على واحد منهما شهادة ان لا إله إلا الله وفي الثانية لادين إلا دين
محمد بن عبد الله، ونصب علما آخر على سطح بيت الله الحرام له ذؤابتان
19

مكتوب على واحدة منهما طوبى لمن آمن بالله وبمحمد والويل لمن كفر به
ورد عليه حرفا مما يأتي به من عند ربه، ونصب علما آخر على ضريح
بيت الله المقدس وهو أبيض عليه خطان مكتوبان بالسواد لا غالب إلا الله
والثاني النصر لله ولمحمد صلى الله عليه وآله.
(قال الواقدي) وذهب استحيائيل ووقف على ركن جبل أبى قبيس
ونادى بأعلى صوته يا أهل مكة آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا وامر
الله تعالى غمامة ان ترفع فوق بيت الله الحرام وتنثر على البيت ريش الزعفران
والمسك والعنبر فارتفعت الغمامة وأمطرت على ذلك البيت، فلما أصبحوا رأوا
ريش الزعفران والمسك والعنبر يمطر على البيت وخرجت الأصنام من بيت
الله الحرام وجاؤا إلى عند الحجر وانكبوا على وجوههم وجاء جبرئيل
بقنديل احمر له سلسلة من جزع اصفر وهو يشتعل بلا دهن بقدرة الله تعالى.
(قال الواقدي) وأبرق من وجه النبي صلى الله عليه وآله برق وذهب في الهواء
حتى التزق بعنان السماء وما بقي بمكة دار ولا منظر إلا ودخله ذلك النور
ممن سبق في قدرة الله تعالى وعلمه انه يؤمن بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وآله
وما بقي في تلك الليلة كتاب من التوراة والإنجيل والزبور ومما كان فيه
اسم محمد صلى الله عليه وآله أو نعته إلا وقطر تحت اسمه قطرة دم قال لان الله تعالى
بعثه بالسيف وما بقي في تلك الليلة دير ولا صومعة إلا وكتب على محاريبها
اسم محمد صلى الله عليه وآله فبقيت الكتابة إلى الصباح حتى قرأها الرهبانية والديرانية
وعلموا ان النبي الأمي قد ولد.
(قال الواقدي) فعندها قامت آمنة وفتحت الباب وصاحت صيحة
وغشى عليها ثم دعت بأمها برة وأبيها وهب وقالت ويحكما أين أنتما أما رأيتما
ما جرى علي انى وضعت ولدي وكان كذا وكذا تصف لهما ما رأته قال
فقام وهب ودعا بغلام وقال اذهب إلى عبد المطلب وبشره وأهل مكة على
20

المنابر وقد صعدوا الصروح ينظرون إلى الذي رأوا من العجائب ولا يدرون
ما الخبر وكذلك عبد المطلب قد صعد مع أولاده فما شعروا بشئ حتى قرع
الغلام الباب ودخل على عبد المطلب وقال يا سيدنا ابشر فان آمنة وضعت
ذكرا فاستبشر بذلك وقال قد علمت أن هذه براهين ودلايل لمولودي فذهب
عبد المطلب إلى آمنة مع أولاده ونظروا إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله ووجهه
كالقمر ليلة البدر يسبح ويكبر في نفسه فتعجب منه عبد المطلب.
(قال الواقدي) فأصبح أهل مكة في يوم الثاني صبيحة يوم السبت
ونظروا إلى القنديل والسلسلة والى ريش الزعفران والعنبر ينزل من الغمامة
وينظرون إلى الأصنام وقد خرجت من مراكزها مكبات على وجوهها
وبقى الخلق على ذلك وجاء إبليس أخزاه الله على صورة شيخ زاهد وقال
يا أهل مكة لا يهمنكم أمر هذا فإنما اخرج الأصنام بهذا الميل العفاريت
والمردة وسجدوا لهن فلا يهمنكم وأمر إبليس لعنه الله تعالى ان ترد الأصنام
إلى جوف بيت الله الحرام ففعلوا ذلك وإذا بهاتف يهتف ويقول جاء الحق
وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا.
(قال الواقدي) فأرسل الله تعالى إلى البيت حللا من الديباج الأبيض
مكتوبا عليها بخط أسود: بسم الله الرحمن الرحيم: يا أيها النبي انا أرسلناك
شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا وقمرا منيرا (قال)
الواقدي فتعجب الناس من ذلك فبقيت الحلل على البيت أربعين يوما فذهب
رجل من آل إدريس كان بالثعلبان واتى وكانت يده دسمة فتمسح بتلك
الحلل والتحف بها فارتفعت الحلل من ليلتها ولو لم يلتحف بها لبقيت على بيت
الله الحرام هي والديباج إلى يوم القيامة (قال) الواقدي فاجتمع رؤساء
بني هاشم وذهبوا إلى حبيب الراهب وقالوا يا حبيب بين لنا خبر هذه الحلل
وخروج الأصنام من جوف بيت الله الحرام والكواكب السائرات والبرق
الذي أبرق في هذه الليلة والجلبات التي سمعنا فما هي فقال حبيب أنتم تعلمون
21

ان ديني ليس دينكم وأنا أقول الحق ان شئتم فاقبلوا وان شئتم لا تقبلوا ما هذه
العلامات إلا علامات نبي مرسل في زمانكم هذا ونحن وجدنا في التوراة ذكر
وصفه وفي الإنجيل نعته وفي الزبور اسمه واسمه في الصحف وهو الذي
يبطل عبادة الأوثان والأصنام ويدعوا إلى عبادة الرحمن ويكون على العالم
قاطع السيف طاعن الرمح نافذ السهم تخضع له ملوك الدنيا وجبابرتها فالويل
كل الويل لأهل الكفر والطغيان وعبدة الأوثان من سيفه ورمحه وسهمه
فمن آمن نجا ومن كفر هلك فقام الخلق من عنده مغمومين مكروبين ورجعوا إلى مكة محزونين.
(قال الواقدي) وأصبح عبد المطلب في يوم الثاني ودعا بآمنة وقال
هاتي ولدي وقرة عيني وثمرة فؤادي فجائت آمنة ومحمد صلى الله عليه وآله على ساعدها
فقال عبد المطلب اكتميه يا آمنة ولا تبديه لاحد فان قريشا وبني أمية
يرصدون في أمره قالت له آمنة السمع والطاعة فجاء عبد المطلب ومحمد
صلى الله عليه وآله على ساعده واتى به إلى بيت الحرام وأراد ان يمسح بدنه باللات
والعزى لتسكن دمدمة قريش وبني هاشم ودخل عبد المطلب بيت الله الحرام
فلما وضع رجله في البيت سمع النبي صلى الله عليه وآله وهو يقول بسم الله وبالله وإذا
البيت يقول السلام عليك يا محمد ورحمة الله وبركاته وإذا بهاتف يهتف ويقول
جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا فتعجب عبد المطلب من صغر
سنه وكلامه ومما قال له البيت فتقدم عبد المطلب لخزنة البيت وأمرهم أن
يكتموا ما سمعوا من البيت ومحمد صلى الله عليه وآله (قال) الواقدي فتقدم
عبد المطلب إلى اللات والعزى وأراد ان يمسح بدن النبي صلى الله عليه وآله باللات
والعزى فجذب من ورائه فالتفت إلى ورائه فلم ير أحدا فتقدم ثانيا فجذبه
من ورائه الجاذب فنظر إلى ورائه فلم ير أحدا ثم تقدم ثالثا فجذبه الجاذب
جذبة شديدة حتى اقعده على عجزه وقال مه يا أبا الحارث أتمسح بدنا طاهرا
22

ببدن نجس (قال) الواقدي فعند ذلك وقف عبد المطلب على باب بيت الله
الحرام والنبي صلى الله عليه وآله على ساعده وأنشأ يقول:
الحمد لله الذي أعطاني * هذا الغلام الطيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان * أعيذه بالبيت ذي الأركان
حتى أراه مبلغ الفتيان * أعيذه من كل ذي شنان
حتى يكون بلغة الغشيان * من حاسد ذي ناظر معيان
(قال) الواقدي وخرج عبد المطلب مفتكرا مما سمع ورد محمد صلى الله عليه وآله
إلى أمه وقد وقعت الدمدمة بين قريش وبني هاشم بسبب محمد صلى الله عليه وآله.
(قال الواقدي) فلما كان اليوم الثالث اشترى عبد المطلب مهدا من
خيزران أسود مشبكات من عاج مرصع بالذهب الأحمر وله بكرتان من
فضة بيضاء ولونه من جزع اصفر وغشاه بجلال ديباج أبيض مكوكب
بالذهب وبعث إليها من الدر واللؤلؤ الكبار الذي تلعب به الصبيان في المهد
وبعث بألوان الفرش وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا انتبه من نومه يسبح الله تعالى
بتلك الخرز.
(قال الواقدي) فلما كان اليوم الرابع جاء سواد بن قارب إلى
عبد المطلب وكان عبد المطلب قاعدا على باب بيت الله الحرام وقد حف به
قريش وبنو هاشم فدنا سواد بن قارب وقال يا أبا الحارث اعلم اني قد
سمعت انه ولد لعبد الله ذكر وانهم يقولون فيه عجائب فأريد ان انظر إلى
وجهه هنيئة وكان سواد بن قارب رجلا إذا تكلم سمع وكان رجلا
صدوقا فقام عبد المطلب وسواد بن قارب وجاء إلى دار آمنة (رض ودخلا
جميعا والنبي صلى الله عليه وآله كان نائما فلما دخلا القبة قال عبد المطلب اسكت يا سواد
حتى ينتبه من نومه فسكت فدخلا قليلا قليلا حتى دخلا القبة ونظرا إلى
وجه النبي صلى الله عليه وآله وهو في مهده نائم وعليه هيبة الأنبياء فلما كشف الغطاء
عنه برق وجهه برقا شق السقف بنوره والتزق في عنان السماء فالقى عبد المطلب
23

وسواد أكمامها على وجهيهما من شده الضوء فعندها انكب سواد على النبي
صلى الله عليه وآله وقال لعبد المطلب أشهد على نفسي انى آمنت بهذا الغلام بما يأتي
به من عند ربه ثم قبل وجنات النبي صلى الله عليه وآله وخرجا جميعا ورجع سواد إلى
موضعه وبقى عبد المطلب فرحا نشيطا.
(قال محمد بن عمر الواقدي) فلما اتى على النبي صلى الله عليه وآله شهر كان إذا
نظر إليه الناظر يتوهم انه من أبناء سنة لوقارة جسمه وتمام فهمه صلوات
الله عليه وآله وكانوا يسمعون من التسبيح والتمجيد والثناء على الله تعالى.
(قال الواقدي) فلما اتى على رسول الله صلى الله عليه وآله شهران مات وهب
جده أبو أمه آمنة وجاء عبد المطلب وجماعة من قريش وبنى هاشم وغسلوا
وهيا وحنطوه وكفنوه ودفنوه على ذيل الصفا.
(قال الواقدي) فلما اتى على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة أشهر ماتت أمه
آمنة (رض) فبقي النبي صلى الله عليه وآله بلا أم ولا أب وهو من أبناء أربعة أشهر
فبقي يتيما في حجر جده عبد المطلب أبى أبيه (رض) فاشتد على عبد المطلب
موت آمنة ليتم محمد صلى الله عليه وآله فلم يأكل ولم يشرب ثلاثة أيام فبعث عبد المطلب
إلى عند بناته عاتكة وصفية وقال لهما خذا محمدا صلى الله عليه وآله والنبي لا يزداد
إلا بكاء ولا يسكن وكانت عاتكة تلعق النبي صلى الله عليه وآله عسلا صافيا ولا
يزداد النبي صلى الله عليه وآله إلا تماديا في البكاء (قال) الواقدي فضجر عبد المطلب
فصار لا يتهنأ ان ينظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو في تلك الحالة فقال لابنته
عاتكة أحضري نساء قريش فلعله ان يقبل ثدي واحدة منهن ويرضعن ولدى
وقرة عيني محمدا فقالت ابنته عاتكة السمع والطاعة يا أبتي فبعثت عاتكة بالجواري
والعبيد نحو نساء بني هاشم وقريش ودعتهن إلى ارضاع النبي صلى الله عليه وآله فجئن
إلى عاتكة واجتمعن عندها في أربعمائة وستين جارية من بنات صناديد قريش
واصل بني هاشم فتقدمت كل واحدة ودفعن أراد انهن عن رسول الله صلى الله عليه وآله
ووضعن ثديهن في فم رسول الله صلى الله عليه وآله فما قبل واحدة وبقين متحيرات
24

وكان عبد المطلب جالسا فامر باخراجهن فخرجن والنبي صلى الله عليه وآله لا يزداد
إلا بكاءا وحزنا لغيبة اللبن عنه صلى الله عليه وآله فخرج عبد المطلب من الدار مهموما
مغموما إلى الكعبة وقعد عند استارها ورأسه بين ركبتيه كأنه امرأة ثكلى
وإذا بعقيل ابن أبي وقاص قد اقبل وهو شيخ من قريش وأسنهم فلما رأى
عبد المطلب مغموما قال له يا أبا الحارث مالي أراك مغموما فقال له عبد المطلب
يا سيد قريش اعلم أن نافلتي يبكي ولا يسكن شوقا إلى اللبن من حين ماتت
أمه وانا لا أتهنأ بطعام ولا بشراب محزون على ولدي محمد صلى الله عليه وآله وعرضت
عليه نساء قريش وبني هاشم فلم يقبل ثدي واحدة منهن وذلك أنه ما من
امرأة إلا وبها عيب وأن محمدا لا يقبل ثدي من بها عيب فلهذا امتنع
فتحيرت وانقطعت حيلتي فقال عقيل يا أبا الحارث انى لأعرف في أربعة
وأربعين صنديد من صناديد العرب امرأة عاقلة أفصح لسانا وأصبح وجها
وارفع حسبا ونسبا وهي حليمة بنت أبي ذويب ابن عبد الله بن الحارث بن
سخنة بن ناصر بن سعد بن بكير بن زهر بن منصور بن عكرمة بن قيس
ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أكرد بن سخيب بن يعرب بن
إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن (قال الواقدي) فقال عبد المطلب يا سيدي
وسيد قريش لقد نبهتني بأمر عظيم وفرجت عني ثم دعا عبد المطلب بغلام أسمه
شمردل وقال له قم يا غلام واركب ناقتك واخرج نحو حي بني سعد بن أبي
بكر وادع لي أبا ذويب بن عبد الله بن الحارث السعداوي فذهب الغلام
واستوى على ظهر ناقته وكان حي بني سعد من مكة على ثمانية عشر ميلا في
طريق جدة قال فذهب الغلام نحو حي بني سعد فلحق بهم وإذا خيمتهم من
مسح وخوص وكذلك خيم الاعراب في البوادي فدخل شمردل الحي وسأل
عن خيمة عبد الله بن الحارث فاعطوه الأثر فذهب شمردل إلى الخيمة فإذا
بخيمة عظيمة رضية زاجة في الهواء من خوص وإذا على باب الخيمة غلام
اسود فاستأذن شمردل في الدخول فدخل الغلام وقال أنعم صباحا يا أبا ذويب
25

قال فحياه عبد الله وقال له ما الخبر يا شمردل فقال اعلم يا سيدي ان مولاي
أبا الحارث عبد المطلب قد وجهني نحوك وهو يدعوك فان رأيت يا سيدي ان
تجيبه فافعل قال عبد الله السمع والطاعة وقام عبد الله من ساعته ودعا بمفتاح
الخزانة وعطى التاج ففتح باب الخزانة واخرج منها جوشنة فافرغه على
نفسه فاخرج بعد ذلك درعا فاصلا فافرغه على نفسه فوق جوشنة استخرج
بيضة عادية فقلبها على رأسه وتقلد بسيفين واعتل رمحا ودعا بنجيب فركبه
كالدكة وجاء نحو عبد المطلب فلما دخل تقدم شمردل وأخبر عبد المطلب
وكان جالسا مع رؤساء مكة مثل عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وعقبة بن
أبي معيط وجماعة من قريش فلما رأى عبد المطلب عبد الله قام على قدميه
واستقبله وعانقه وصافحه واقعده على جنبه والزق ركبتيه بركبتيه ولم يتكلم
حتى استراح ثم قال له عبد المطلب يا أبا ذويب أتدري بماذا دعوتك قال
يا سيدي وسيد قريش ورئيس بني هاشم حتى تقول فاسمع منك واعمل بأحسنه
قال اعلم يا با ذويب ان نافلتي محمد بن عبد الله مات أبوه ولم يبن عليه اثر ثم
ماتت أمه وهو ابن أربعة أشهر وهو لا يسكن من البكاء إلى اللبن وقد
عرضت عليه أربعة وستين جارية من أشرف وأجل بني هاشم فلم يقبل
لواحدة منهن لبنا والآن سمعنا ان لك بنتا ذات لبن فان رأيت أن تنفذها
لترضع ولدى محمدا صلى الله عليه وآله فان قبل لبنها فقد جاءتك بأسرها وعلى غناك
وغنى أهلك وعشيرتك وإن كان غير ذلك ترى مما رأيت من النساء غيرها
فافعل ففرح عبد الله فرحا شديدا ثم قال يا أبا الحارث ان لي بنتين فأيهما
تريد قال عبد المطلب أريد اكملها عقلا وأكثر لبنا وأصون عرضا فقال
عبد الله هاتيك حليمة لم تكن كأخواتها بل خلقها الله تعالى أكمل عقلا وأتم
فهما وافصح لسانا وأثج لبنا واصدق لهجة وارحم قلبا منهن جميعا.
(قال الواقدي) فقال عبد المطلب اني ورب السماء ما رأيت إلا تلك فقال
عبد الله السمع والطاعة فقام من ساعته واستوى على متن جواده واخذ نحو
26

بني سعد بعد أن اضافه فلما وصل إلى منزله دخل على ابنته حليمة وقال
لها أبشري فقد جاءتك الدنيا بأسرها فقالت حليمة ما الخبر قال عبد الله اعلمي
ان عبد المطلب رئيس قريش وسيد بني هاشم سألني انفاذك إليه لترضعي ولده
وتبشري بالعطاء الجزيل والسير الجميل قال ففرحت حليمة بذلك وقامت من
وقتها وساعتها واغتسلت وتطيبت وتبخرت وفرغت من زينتها فلما ذهب
من الليل نصفه قام عبد الله وزين ناقته وكانت مشرفه فركبت عليها
حليمة وركب عبد الله فرسه وكذلك زوجها بكر بن سعد السعدي
وخرجوا من دارهم في داج من الليل فلما أصبحوا كانوا على باب مكة
ودخلوها وذهبت حليمة إلى دار عاتكة وكانت تلاطف محمدا صلى الله عليه وآله وتلعقه
العسل والزبد الطري فلما دخلت الدار وسمع عبد المطلب بمجيئها جاء من
ساعته ودخل الدار ووقف بين يدي حليمة ففتحت حليمة جيبها وأخرجت
ثديها الأيسر واخذت رسول الله صلى الله عليه وآله فوضعته في حجرها ووضعت
ثديها في فمه والنبي صلى الله عليه وآله يترك ثديها الأيسر ويضطرب إلى ثديها الأيمن،
فأخذت حليمة ثديها الأيمن من النبي صلى الله عليه وآله ووضعت ثديها الأيسر في فمه،
وذلك أن ثديها الأيمن كان جها ما لم يكن فيه لبن، وخافت حليمة ان النبي
صلى الله عليه وآله إذا مص الثدي الأيمن ولم يجد فيه شيئا لا يأخذ بعده الأيسر،
فيأمر عبد المطلب باخراجها من الدار، فلما الحت على النبي ان يأخذ الأيسر
والنبي يميل إلى الأيمن صاحت عليه يا ولدي مص الأيمن حتى تعلم أنه سيكون
جهاما يابسا لا شئ فيه، قال فضبط النبي على ثديها واخرج خلف الأيمن
حتى امتلأت فانفتح باللبن حتى ملا شدقيه كفم رأس الزق بأمر الله تعالى
وببركته صلى الله عليه وآله فضجت حليمة وقالت واعجبا منك يا ولدى وحق رب
السماء ربيت بثدي الأيسر اثني عشر ولدا وما ذاقوا من ثدي الأيمن شيئا
والآن قد انفتح ببركتك، وأخبرت بذلك عبد الله فأمرها بكتمان ذلك فلما
شبع النبي صلى الله عليه وآله ترك الخلف من ساعته فقال عبد المطلب تكونين عندي
27

نأمر لك بافراغ دار بجنب دارى وأعطيك كل شهر ألف درهم بيض ودست
ثياب رومية وكل يوم عشرة امنان خبز حواري ولحما مشويا، فلما سمع
أبوها عبد الله ذلك أوحى لها ان لا تقيمي عنده قالت يا أبا الحارث
لو جعلت لي مال الدنيا ما أقمت عندك وتركت الزوج والأولاد قال
عبد المطلب فإن كان هكذا فادفع إليك محمدا على شرطين قالت وما الشرطان
قال عبد المطلب ان تحسني إليه وتنوميه إلى جنبك وتدثريه بيمينك وتوسديه
بيسارك ولا تنبذيه وراء ظهرك قالت حليمة وحق رب السماء اني منذ وقع
نظري عليه قد ثبت حبه في فؤادي فلك السمع والطاعة يا أبا الحارث ثم قال
واما الشرط الثاني ان تحميله إلي في كل جمعة حتى أتمتع برؤيته فاني لا أقدر
على مفارقته قالت افعل ذلك أن شاء الله تعالى فأمر عبد المطلب ان تغسل
رأس محمد صلى الله عليه وآله فغسلت رأسه وزرقت جبينه ولفته في خرق السندس ثم إن
عبد المطلب دفعه إليها واخذ أربعة آلاف درهم وقال لها تعالى يا حليمة
نمضي إلى بيت الله الحرام حتى أسلمه إليك فيه فحمله على ساعده ودخل وطاف
بالنبي صلى الله عليه وآله سبعا وهو على ساعده ملفوف بخرق السندس ثم إنه
دفعه إليها ومعه أربعة آلاف درهم بيض وأربعون ثوبا من خواص كسوته
ووهب لها أربع جوار رومية وحلل سندس ثم إن عبد الله بن الحارث أتى
بالناقة فركبتها حليمة واخذت حليمة رسول الله صلى الله عليه وآله في حجرها وشيعه
عبد المطلب إلى خارج مكة ثم اخذت حليمة رسول الله إلى جنبها من داخل
خمارها فلما بلغت حليمة إلى حي بنى سعد كشفت عن وجه رسول الله صلى
الله عليه وآله فأبرق من وجناته نور فارتفع في الهواء طولا وعرضا حتى
التزق إلى عنان السماء (قال الواقدي) فلما رأى الخلق ذلك لم يبق في حي
بنى سعد صغير ولا كبير ولا شيخ ولا شاب إلا استقبلوا حليمة وهنأوها
بما رزقها الله تعالى من الكرامة الكبرى، فذهبت حليمة إلى باب خيمتها
وبركت الناقة والنبي صلى الله عليه وآله في حجرها فما وضعته عند الصغير إلا وحمله
28

الكبير وما وضعته عند الكبير الا واخذه الصغير وذلك كله لمحبة النبي صلى الله عليه وآله.
(قال الواقدي) فبقي النبي صلى الله عليه وآله عند حليمة ترضعه وكانت تقول
يا ولدي ورب السماء انك عندي لا عز ولدى ضمرة، يا قرة عيني أترى
أعيش حتى أراك كبيرا كما رأيتك صغيرا، وكانت تؤثر محمدا على أولادها
جدا ولا تفارق محمدا عن عينيها.
(قال الواقدي) قالت حليمة والله ما غسلت لمحمد صلى الله عليه وآله ثوبا من
بول ولا غائط بل كان إذا جاء وقت حاجته ينقلب من جنب إلى جنب حتى
تعلم حليمة بذلك وتأخذه وتخدمه حتى يقضي حاجته ولا شممت ورب السماء
من محمد رائحة نتنة قط ولا شممت منه شيئا ابدا بل كان يفوح منه رائحة
المسك والكافور قالت حليمة فلما اتى على النبي صلى الله عليه وآله تسعة أشهر ما رأيت
ما يخرج منه البتة لان الأرض تبتلع ما يخرج منه فلهذا لم أر.
(قال الواقدي) وكان من حليمة ان تحمل محمدا صلى الله عليه وآله حين كملت
له عشرة أشهر فقامت حليمة يوم الخميس وقعدت على باب الخيمة منتظرة
لانتباه النبي صلى الله عليه وآله اتزينه وتحمله إلى جده عبد المطلب قال فلم ينتبه النبي
صلى الله عليه وآله وابطأ عن الخروج عن الخيمة إلى حليمة فلم يخرج إلا بعد أربع
ساعات فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله مغسول الرأس مسرح الذوائب وقد زرق
جبينه وذقنه وعليه ألوان الثياب من السندس والإستبرق فتعجبت حليمة من
زينة النبي صلى الله عليه وآله ومن لباسه مما رأت عليه فقالت يا ولدي من أين لك هذه
الثياب الفاخرة والزينة الكاملة فقال لها محمد صلى الله عليه وآله اما الثياب فمن الجنة واما
الزينة فمن أفعال الملائكة قال فتعجبت حليمة من ذلك عجبا شديدا ثم حملته
إلى عند جده في يوم الجمعة فلما نظر إليه عبد المطلب قام إليه واعتنقه واخذه
إلى حجره فقال يا ولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة والزينة الكاملة
فقال له النبي صلى الله عليه وآله يا جد فاستخبر ذلك من حليمة فكلمته حليمة وقالت
ليس ذلك من أفعالنا فامر عبد المطلب حليمة ان تكتم ذلك وأمر لها بألف
29

درهم بيض وعشرة دسوت ثياب وجارية رومية فخرجت حليمة من عنده
فرحة مسرورة إلى حبها.
(قال الواقدي) فلما اتى على النبي صلى الله عليه وآله خمسة عشر شهرا كان إذا
نظر إليه الناظر يتوهم انه من أبناء خمس سنين لتمام نمو جسمة وملاحة بدنه
(قال) الواقدي فلما حملت حليمة النبي إلى حيها حين اخذته من عند
عبد المطلب وكان لها اثنان وعشرون رأسا من المواشي فوضعت في تلك السنة
كل شاة توما ببركة النبي صلى الله عليه وآله وخرج من عندها ولها الف وثلاثون
رأسا من الثاغية والراغية (قال) الواقدي وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله اخوة
من الرضاعة يخرجون بالنهار إلى الرعاء ويعودون بالليل إلى منازلهم فرجعوا
ذات ليلة مغمومين فلما دخلوا الدار قالت لهم حليمة مالي أراكم مغمومين
قالوا يا أمنا ان في هذا اليوم جاء ذئب واخذ شاتين من شياتنا وذهب بها
فقالت حليمة الخلف والخير في الله تعالى فسمع النبي صلى الله عليه وآله قولهم فقال لهم
لا عليكم فاني استرجع الشاة من الذئب بمشيئة الله تعالى فقال ضمرة واعجبا
منك يا أخي قد أخذها بالأمس فكيف تسترجعها اليوم فقال النبي صلى الله عليه وآله
انه صغير في قدرة الله تعالى فلما أصبحوا قام ضمرة واخذ رسول الله على
كتفه فقال النبي صلى الله عليه وآله مر بي إلى الموضع الذي اخذ الذئب فيه الشاتين
قال فذهب برسول الله صلى الله عليه وآله إلى ذلك الموضع فعند ذلك نزل النبي صلى الله عليه وآله
عن كتف أخيه ضمرة وسجد سجدة لله تعالى وقال إلهي وسيدي ومولاي
تعلم حق حليمة علي وقد تعدى ذئب على مواشيها فأسلك ان تلزم الذئب برد
الموشي إلى عندي قال فما استنم دعاءه حتى أوحى الله تعالى إلى جبرائيل ان
قل للذئب ان يرد المواشي إلى صاحبها (قال الواقدي) ان الذئب لما ذهب
بالشاتين حين أخذها نادى مناد أيها الذئب احذر الله وبأسه وعقوبته
واحفظ الشاتين اللتين اخذتهما حتى أردها على خير الأنبياء والمرسلين محمد بن
عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وآله فلما سمع الذئب النداء تحير ودهش ووكل
30

بتلك المواشي راعيا يرعاها إلى الصباح فلما حضر النبي صلى الله عليه وآله ودعا بدعائه
قام الذئب ورد الشاتين وقد قدم النبي صلى الله عليه وآله وقال يا محمد اعذرني فاني
لم اعلم أنها لك فاخذ ضمرة الشاتين ولم ينقص منها شئ فقال ضمرة يا محمد
ما أعجب شأنك وانفذ أمرك فبلغ ذلك إلى عبد المطلب فأمرهم بكتمانه فكتموه
مخافة ان تأخذه قريش ويعملون في دمه.
(قال الواقدي) فبقي رسول الله صلى الله عليه وآله سنتين ونظر إلى حليمة وقال
لها مالي لا اري اخوتي بالنهار واراهم بالليل فقالت له يا سيدي سألتني عن
اخوتك هم يخرجون في النهار إلى الرعاء فقال لها النبي صلى الله عليه وآله يا أماه أحب
ان اخرج معهم إلى الرعاء وانظر إلى البر والسهل والجبل وانظر إلى الإبل
كيف قشرين اللبن من أمهاتها وانظر إلى القطايع وإلى عجائب الله تعالى في
أرضه واعتبر من ذلك واعرف المنفعة من المضرة فقالت له حليمة أفتحب
يا ولدي ذلك قال نعم فلما أصبحوا اليوم الثاني قامت حليمة فغسلت رأس
محمد صلى الله عليه وآله وسرحت شعره ودهنته ومشطته وألبسته ثيابا فاخرة وجعلت
في رجليه نعلين من حذاء مكة وعمدت إلى سلة واخذت منها أطعمة جيده
وبعثته مع أولادها وقالت لهم يا أولادي أوصيكم بسيدي محمد صلى الله عليه وآله ان
تحفظوه وإذا جاع فاطعموه وإذا عطش فاستقوه وإذا أعيى فاقعدوه حتى
يستريح فقبلوا وصيتها وقالوا لها يا امنا ان محمد صلى الله عليه وآله لا عزنا وهو أخونا
وأنفذت معهم عبد الله بن الحارث وزوجها بكر بن سعد فخرج النبي صلى الله عليه وآله
وعلى يمينه عبد الله بن الحارث وعلى يساره زوجها بكر بن سعد وضمرة وقرة
قدامه والنبي صلى الله عليه وآله بينهم كالبدر بين النجوم فما بقي حجر ولا مدر إلا وهم
ينادون السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا حامد السلام
عليك يا محمود السلام عليك يا صاحب القول العدل مخلصا بالرضا لا إله إلا
الله محمد رسول الله طوبي لمن آمن بك والويل لمن كفر بك ورد عليك حرفا
تأتي به من عند ربك، والنبي صلى الله عليه وآله يرد عليهم السلام وقد تحير الذين معهم
31

مما يرون من العجائب ثم إن النبي صلى الله عليه وآله اصابه حر الشمس فأوحى الله
تعالى إلى استحيائيل ان مد فوق رأس محمد صلى الله عليه وآله سحابة بيضاء فمدها
فأرسلت عزاليها كافواه القرب ورش القطر على السهل والجبل ولم يقطر على
رأس محمد قطرة وسألت من ذلك المطر الأودية وصار الوحل في الأرض
ما خلا طريق محمد صلى الله عليه وآله فإنه ينشر فيه من تلك السحابة ريش الزعفران
وسنابل المسك وكان في تلك البرية شجرة طويلة عادية قد يبست أغصانها
وتناثرت أوراقها منذ سنين فاستند النبي إليها فأورقت وأزهرت وأثمرت
وأرسلت ثمارها من ثلاثة أجناس اخضر واحمر واصفر وقعد النبي صلى الله عليه وآله
هنالك يكلم اخوته ورأي النبي صلى الله عليه وآله روضة خضراء فقال يا اخوتي أريد
ان أمر بهذه الروضة وكان وراء الروضة تل كؤد وعليه ألوان النبات
فقال يا اخوتي ما ذلك التل فقالوا يا محمد وراء ذلك البراري والمفاوز فقال
النبي صلى الله عليه وآله اني قد اشتهيت ان انظر إليه فقال القوم نحن نمضي معك إليه
فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله بل اشتغلوا أنتم بأعمالكم وانا امضي وحدي وارجع
إليكم سريعا إن شاء الله تعالى فقالوا جميعا مر يا محمد فان قلوبنا متفكرة
بسببك (قال) الواقدي ثم إن النبي صلى الله عليه وآله مر في تلك الروضة وحده
ونظر إلى تلك البراري وهو يعتبر ويتعجب من الروضة حتى بلغ التل فنظر
إلى جبل شاهق في الهواء كالحائط ولا يتهيأ له صعود لاعتداله وارتفاعه في
الهواء فقال النبي صلى الله عليه وآله في نفسه انى أريد ان اصعد هذا التل فانظر إلى
ما ورائه من العجائب، قال الواقدي فأراد النبي صلى الله عليه وآله أن يصعد الجبل
فلم يتهيأ له ذلك لاستوائه في الهواء فصاح استحيائيل في الجبل صيحة أرعشته
فاهتز اهتزازا وقال له أيها الجبل ويحك اطلع محمد * ص * خير المرسلين
فإنه يريد الصعود عليك ففرح الجبل وتراكم بعضه إلى بعض كما يتراكم
الجلد في النار فصعد النبي * ص * أعلاه وكان تحت ذلك الجبل حياة
كثيره من ألوان شتى وعقارب كالبغال فلما هم النبي * ص * بالنزول إلى
32

تحت الجبل صاح بها الملك استحيائيل صيحة عظيمة وقال أيتها الحيات
والعقارب غيبوا أنفسكم في جحوركم وتحت صخوركم لئلا يراكم سيد
المرسلين وسيد الأولين والآخرين فسارعت الحيات والعقارب إلى أمرهما
استحيائيل وغيبت أنفسها في كل جحر ونزل النبي صلى الله عليه وآله
من الجبل فرأى عين ماء بارد أحلى من العسل والين من الزبد فقعد النبي
صلى الله عليه وآله عند العين فنزل جبرئيل (ع) في ذلك الموضع وميكائيل وإسرافيل
ودردائيل فقال جبرئيل السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أحمد السلام
عليك يا حامد السلام عليك يا محمود السلام عليك يا طه السلام عليك يا أيها المدثر
السلام عليك يا أيها المليح السلام عليك يا طاب يا طاب السلام عليك يا سيد
يا سيد السلام عليك يا فار قليط السلام عليك يا طس السلام عليك يا طسم السلام
عليك يا شمس الدنيا السلام عليك يا قمر الآخرة السلام عليك يا نور الدنيا
والآخرة السلام عليك يا شمس القيامة السلام عليك يا خاتم النبيين السلام
عليك يا زهرة الملائكة السلام عليك يا شفيع المذنبين السلام عليك يا صاحب
التاج والهراوة السلام عليك يا صاحب القرآن والناقة السلام عليك يا صاحب
الحج والزيارة السلام عليك يا صاحب الركن والمقام السلام عليك يا صاحب
السيف القاطع السلام عليك يا صاحب الرمح الطاعن السلام عليك يا صاحب
السهم النافذ السلام عليك يا صاحب المساعي السلام عليك يا أبا القاسم السلام
عليك يا مفتاح الجنة السلام عليك يا مصباح الدين السلام عليك يا صاحب
الحوض المورود السلام عليك يا قائد المسلمين السلام عليك يا مبطل عبادة
الأوثان السلام عليك يا قائد المرسلين السلام عليك يا مظهر الاسلام السلام
عليك يا صاحب لا إله إلا الله محمد رسول الله قولا عدلا، طوبى لمن آمن
بك والويل لمن كفر بك ورد عليك حرفا مما تأتي به من عند ربك، والنبي
صلى الله عليه وآله يرد عليهم السلام فقال لهم من أنتم قالوا نحن عباد الله وقعدوا حوله
قال فنظر النبي صلى الله عليه وآله إلى جبرئيل صلوات الله عليه قال له ما اسمك قال عبد الله ونظر
33

إلى إسرافيل وقال له ما اسمك قال اسمي عبد الله ونظر إلى ميكائيل وقال له
ما اسمك قال عبد الجبار ونظر إلى دردائيل وقال له ما اسمك قال عبد الرحمن
فقال النبي صلى الله عليه وآله كلنا عباد الله تعالى وكان مع جبرئيل طشت من ياقوت
احمر ومع ميكائيل إبريق من ياقوت أخضر وفي الإبريق ماء من الجنة فتقدم
جبرئيل (ع) ووضع فمه على فم محمد إلى أن ذهبت ثلاث ساعات من النهار ثم
قال يا محمد اعلم وافهم ما بينته لك قال نعم إن شاء الله تعالى وقد ملا جوفه
علما وفهما وحكما وبرهانا وزاد الله تعالى في نور وجهه سبعة وسبعين ضعفا
فلم يتهيأ لاحد ان يملا بصره من الرسول الله صلى الله عليه وآله فقال له جبرئيل (ع)
لا تخف يا محمد فقال له النبي صلى الله عليه وآله ومثلي من يخاف وعزة ربى وجلاله
وجوده وكرمه وارتفاعه وعلو مكانه لو علمت شيئا دون جلال عظمته
لقلت لم اعرف ربي قط فقال ونظر جبرئيل إلى ميكائيل وقال حق لربنا ان
يتخذ مثل هذا حبيبا ويجعله سيد ولد آدم (ع) ثم إن جبرئيل القى رسول
الله صلى الله عليه وآله على قفاه ورفع أثوابه فقال له النبي صلى الله عليه وآله ما تريد تصنع يا أخي
جبرئيل فقال جبرئيل (ع) لا بأس عليك فاخرج جناحه اخضر وشق
بطن النبي صلى الله عليه وآله ببندقة وادخل جناحه في بطنه وخرق قلبه وشق المقلية
واظهر نكتة سواد فاخذها جبرئيل فغسلها وميكائيل يصب الماء عليه
فنادى مناد من السماء يقول يا جبرئيل لا تقشر قلب محمد صلى الله عليه وآله فتوجعه
ولكن اغسله بزغبك والزغب هو الريش الذي تحت الجناح فاخذ جبرئيل
زغبة وغسل بها قلب محمد صلى الله عليه وآله ثم رد المقلبة إلى القلب والقلب إلى الصدر
فقال عبد الله بن العباس ذات يوم والنبي صلى الله عليه وآله قد بلغ مبلغ الرجال سألت
النبي صلى الله عليه وآله باي شئ غسل قلبك يا رسول الله ومن أي شئ قال غسل من
الشك باليقين لامن الكفر فاني لم أكن كافرا قط لأني كنت مؤمنا بالله من
قبل ان أكون في صلب آدم (ع) فقال له عمر بن الخطاب متى نبئت يا رسول
الله قال يا أبا حفص نبئت وآدم (ع) بين الروح والجسد (قال) واما
34

ما كان من أمر النبي صلى الله عليه وآله فان جبرئيل (ع) قام وصب الماء على ارض
قزوين فحصل من ذلك الأرض قزوين أمر عظيم قال وعرج جبرئيل (ع)
وميكائيل إلى السماء فقال إسرافيل لمحمد صلى الله عليه وآله ما اسمك يا فتى
فقال النبي صلى الله عليه وآله انا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
ولي اسم غير هذا قال إسرافيل صدقت يا محمد ولكني أمرت بأمر فافعله قال
النبي صلى الله عليه وآله افعل ما أمرت به فقام إسرافيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وحل
ازرار قميصه وألقاه على قفاه واخرج خاتما كان معه وعليه سطران الأول
لا اله إلا الله والثاني محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك خاتم النبوة فوضع الخاتم
بين كتفي النبي صلى الله عليه وآله فصار الخاتم بين كتفيه كالهلال الطالع بجسمه
واستبان السطران بين كتفيه كالشامة يقرأها كل عربي كاتب وفرغ
إسرافيل من عمله وجاء بين يدي النبي صلى الله عليه وآله ثم دنا دردائيل قال يا محمد تنام
الساعة فقال له نعم فوضع النبي صلى الله عليه وآله رأسه في حجر دردائيل
وغفا غفوة فرأى في المنام كأن شجرة ثابة فوق رأسه وعلى الشجرة أغصان
غلاظ مستويات كلها وعلى كل غصن من أغصانها غصن وغصنان وثلاثة
وأربعة أغصان ورأي عند ساق الشجرة من الحشيش مالا يتهيأ وصفه
وكانت الشجرة عظيمة غليظة الساق زاجة في الهواء ثابتة الأصل باسقة
الفرع فنادى مناد يا محمد أتدري ما هذه الشجرة فقال النبي * ص * لا أخي
قال اعلم أن هذه الشجرة أنت والأغصان أهل بيتك والذي تحته محبوك
ومرالوك فأبشر يا محمد بالنبوة الأثير والرياسة الخطيرة ثم إن دردائيل اخرج
ميزانا عظيما كل كفة منه ما بين السماء والأرض فاخذ النبي صلى الله عليه وآله فوضعه
في كفة ووضع أصحابه في الكفة الثانية فرجح بهم النبي صلى الله عليه وآله ثم عمد
إلى الف رجل من خواص أمته فوضعهم في الكفة فرجح بهم النبي * ص *
ثم عمد إلى أربعة آلاف رجل من أمته فوضعهم في الكفة فرجح بهم الغبي
* ص * ثم عمد إلى نصف أمته فرجح بهم النبي صلى الله عليه وآله ثم عمد إلى أمته كلهم
35

ثم الأنبياء والمرسلين ثم الملائكة كلهم أجمعين ثم الجبال ثم البحار ثم الرمال
ثم الأشجار ثم الأمطار ثم جميع ما خلق الله تعالى فوزنهم النبي صلى الله عليه وآله فلم
يعدلوه ورجح النبي بهم فلهذا قيل خير الخلق محمد صلى الله عليه وآله لأنه رجح بالخلق
أجمعين وهذا كله يراه بين النوم واليقظة فقال له دردائيل يا محمد طوبى لك
ولأمتك وحسن مآب والويل كل الويل لمن كفر بك ورد عليك حرفا مما
ولا تأني به من عند ربك ثم عرجت الملائكة إلى السماء فاتت والله تلك الشجرة
التي رآها في المنام على وصفها ونشرت أغصانها وخرجت أوراقها وأرسلت
أثمارها بأمر الله تعالى وعليها كل ثمرة من لون واجتمع صفرة الشمس
واختلطت بحمرة الورق والألوان مختلطة بعضها ببعض.
(قال الواقدي) فلما طال مكث النبي صلى الله عليه وآله طلبه في تلك المفاوز اخوته
أولاد حليمة فلم يجدوه فرجعوا إلى حليمة وأعلموها بقصته فقامت ذاهلة
العقل تصيح في حي بنى سعد فرفعت الصيحة في حي بني سعد ان محمدا قد
فقد فقامت حليمة ومزقت أثوابها وخدشت خدها ونفشت شعرها وهي
تعدو في البراري والمفاور والقفار حافية القدم والشوك يدخل في رجلها
والدم يسيل منها وهي تنادي وا ولداه وا قرة عيناه وا ثمرة فؤاداي ومعها
نساء بني سعد يبكين معها مكشفات الشعور مخدوشات الوجوه وحليمة تسقط
مرة وتقوم أخرى وما بقي في الحي شيخ ولا شاب ولا حر ولا عبد إلا
يعدو في البرية في طلب محمد صلى الله عليه وآله وهم يبكون كلهم بقلب محترق وركب
عبد الله بن الحارث وركب معه آل بنى سعد وحلف إذا ما وجدت محمدا
صلى الله عليه وآله الساعة وضعت سيفي في آل بني سعد وغطفان واقتلهم من آخرهم
واطلب بدم محمد صلى الله عليه وآله وذهبت حليمة على حالتها مع نساء بنى سعد نحو
مكة ودخلتها وكان عبد المطلب قاعدا عند أستار الكعبة مع رؤساء قريش
وبنى هاشم فلما نظر إلى حليمة على تلك الحالة ارتعدت فرائصه وصاح ما الخبر
فقالت حليمة اعلم أن محمدا قد فقدناه منذ أمس وقد تفرق آل سعد في طلبه
36

قال فغشى عليه ساعة ثم افاق وقال كلمة لا يخذل قائلها لا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم يا غلام هات فرسي وسيفي وجوشني فقام عبد المطلب
وصعد إلى أعلى الكعبة ونادى يا آل غالب يا آل عدنان يا آل فهر يا آل نزار
يا آل كنانة يا آل مضر يا آل مالك فاجتمع عليه بطون العرب ورؤساء بني
هاشم وقالوا له ما الخبر يا سيدنا فقال لهم عبد المطلب ان محمدا لا يرى منذ
أمس فاركبوا وتسلحوا فركب في ذلك اليوم مع عبد المطلب عشرة آلاف
رجل فبكى الخلق كلهم رحمة لعبد المطلب وقامت الصيحة والبكاء في كل
جانب حتى المخدرات خرجن من الستور رقة لعبد المطلب مع القوم إلى حي
بنى سعد وسائر الأطراف وانجذب عبد المطلب نحو حي عبد الله بن الحارث
وأصحابه باكي العيون ممزقي الثياب وكلهم بتمام الأسلحة فلما نظر عبد الله
إلى عبد المطلب رفع صوته بالبكاء وقال يا أبا الحارث واللات والعزى واساف
ونائلة ان لم أجد محمدا وضعت سيفي في حي بني سعد وغطفان واقتلهم عن
آخرهم قال فرق قلب عبد المطلب على حي آل سعد ارجعوا أنتم إلى حيكم
واللات والعزى ان لم أجد محمدا الساعة رجعت إلى مكة ولم ادع فيها يهوديا
ولا يهودية ولا أحدا ممن اتهم بمحمد فأمدهم تحت سيفي مدا ولا جعلن مكة
طلبا لدم محمد صلى الله عليه وآله (قال) الواقدي واقبل من اليمن أبو مسعود الثقفي
وورقة بن نوفل وعقيل بن أبي وقاص وجازوا على الطريق الذي فيه محمد
صلى الله عليه وآله وإذا الشجرة ثابتة في الوادي فقال ورقة لأبي مسعود اني سلكت
هذا الطريق ثلاثين مرة فما رأيت قط هنا هذه الشجرة فقال عقيل صدقت
فمروا بنا حتى ننظر ما هي فال فذهبوا جميعا وتركوا الطريق الأول فلما
بلغوا قريبا من الشجرة رأوا تحت الشجرة غلاما أمرد ما رأى الرائون
مثله كأنه قمر فقال عقيل وورقة ما هو إلا جني فقال أبو مسعود ما هو
إلا من الملائكة وهم يقولون والنبي صلى الله عليه وآله يسمع كلامهم فاستوى قاعدا
فرأى القوم ورأوه فقال أبو مسعود من أنت يا غلام أجنى أم أنسى فقال
37

النبي صلى الله عليه وآله بل انا انسى فقال ما اسمك قال محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب
ابن هاشم بن عبد مناف فقال أبو مسعود أنت نافلة عبد المطلب قال نعم قال
كيف وقعت ها هنا فقص عليهم القصة من أولها إلى آخرها فنزل أبو مسعود
عن ظهر ناقته وقال أتريد ان أمر بك إلى جدك فقال النبي صلى الله عليه وآله نعم
فاخذه على قربوس سرجه ومروا جميعا حتى بلغوا قريبا من حي آل بني
سعد فنظر النبي صلى الله عليه وآله في البرية فرأى جده عبد المطلب وأصحابه لا يرونه
فقالوا يا محمد انا لا نرى وذلك أن نظرته نظرة الأنبياء فقال لهم مروا حتى
أريكم فمروا وإذا عبد المطلب مقبل هو وأصحابه فلما نظر عبد المطلب إلى
محمد صلى الله عليه وآله وثب عن فرسه واخذ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى سرجه وقال له
أين كنت يا ولدي وقد كنت عزمت ان اقتل أهل مكة جميعا فقص النبي
صلى الله عليه وآله على جده القصة من أولها إلى آخرها ففرح عبد المطلب فرحا شديدا
وخرج من خيله ورجله ودخل إلى مكة ودفع إلى أبي مسعود خمسين ناقة
وإلى ورقة بن نوفل وعقيل ستين ناقة قال وذهبت حليمة إلى عبد المطلب
وقالت له إدفع إلي محمدا صلى الله عليه وآله فقال عبد المطلب يا حليمة اني أحببت ان
تكوني معنا بمكة وإلا ما كنت بالذي أسلمه إليك مرة أخرى فوهب لعبد الله
ابن الحارث أبيها ألف مثقال ذهب احمر وعشرة آلاف درهم ابيض ووهب
لبكر بن سعد جملة بغير وزن ووهب لإخوان النبي صلى الله عليه وآله أولاد حليمة
وهما ضمرة وفرة اخواه من الرضاعة مأتي ناقة واذن لهم بالرجوع
إلى حيهم.
* قال * الواقدي وكان في زمان عبد المطلب رجل يقال له سيف بن
ذي يزن المازني وكان من ملوك اليمن وقد انفذ ابنه إلى مكة واليا من قبله
وتقدم إليه باستعمال العدل والانصاف ففعل ما امره به ثم إن عبد المطلب دعا
برؤوساء قريش مثل عتبة بن ربيعة ومثل الوليد ابن المغيرة وعتبة بن أبي
معبط وأمية بن خلف ورؤساء بني هاشم فاجتمعوا في دار الندوة وهي الدار
38

الموصلة في المسجد الحرام فلما قعدوا واخذوا مراتبهم ثم تكلم عبد المطلب وقال
اعلموا اني قد دبرت تدبيرا فقال المشايخ وما دبرت يا رئيس قريش وكبير
بني هاشم فقال يا قوم انكم تحتاجون ان تخرجوا معي نحو سيف بن ذي يزن
لتهنئته في ولايته وهلاك عدوه ليكون ارفق بنا وأميل إلينا فقالوا له بأجمعهم
نعم ما رأيت ونعم ما دبرت ثم أمر عبد المطلب ان يستحكموا آلات السفر
ففرغوا من ذلك قال فخرج عبد المطلب ومعه سبعة وعشرون رجلا على نوق
جياد نحو اليمن فلما وصلوا إلى سيف بن ذي يزن بعد أيام سألوا عن الوصول
إليه قالوا لهم ان الملك في قصر الوادي وكان من عاداته في أوان الورد أن
يدخل قصر غمدان ولا يخرج إلا بعد نيف وأربعين يوما ولا يصل إليه ذو
حاجة ولا زائر وأنتم قصدتم الملك في أيام الورد فذهب عبد المطلب إلى باب
بستانه وكان لقصر غمدان في وسط البستان أبواب وكان لهذا البستان باب
يفتح إلى البرية وقد وكل بذلك الباب بواب واحد فقال عبد المطلب لأصحابه
لعلنا يتهيأ لنا الدخول بحيلة ولا يتهيأ لنا إلا بها فقال القوم صدقت (قال)
الواقدي ثم إن عبد المطلب نزل واتجه نحو الباب فنظر إلى البواب وسلم
عليه وضحك في وجهه ولم يظهر للبواب شيئا ولم يعقد إلا إلى جانبه ثم قال
له يا بواب دعني أن ادخل البستان فقال له البواب واعجبا منك ما أقل فهمك
وأضعف رأيك أمصروع أنت فقال له عبد المطلب ما رأيت من جنوني فقال
له البواب اما علمت أن سيف بن ذي يزن في القصر مع جواريه وخدمه
قاعد فان أبصرك في بستانه أمر بقتلك وان سفك دمك عنده أهون من شربة
ماء فقال له عبد المطلب دعني ادخل ويكون من الملك إلى ما يكون فقال له
البواب يا مغلوب العقل ان الملك في القصر وعيناه للباب والبواب وانه قدر
ما يرفق ان يأمر بقتلك فقال عقيل ابن أبي وقاص يا أبا الحارث اما علمت أن
المسارج لا تضئ إلا بالدهن فقال عبد المطلب صدقت * قال * الواقدي ثم إن
عبد المطلب دعا بكيس من أديم فيه ألف دينار وقال بعد أن صب الكيس
39

بين يدي البواب يا هذا ان تركتني ادخل البستان جعلت هذا بري إليك فأقبل
صلتي وخل سبيلي فلما نظر البواب إلى الدراهم خر مبهوتا وقال له البواب
يا شيخ ان دخلت ونظر إليك الملك وسألك عن كيفية دخولك ما أنت قائل
له قال عبد المطلب أقول له كان البواب نائما وشرط عليه عبد المطلب ان
لا يكذبه ان دعاه الملك للمسائلة فيقول غفوت وليس لي بدخوله علم قال نعم
فقال عبد المطلب ان كذبتني في هذا أصدقت الملك عن الصلة التي وصلتك بها
فقال له البواب ادخل يا شيخ فدخل عبد المطلب البستان وكان قصر غمدان
في وسط الميدان والبستان كأنه جنة من الجنان قد حف بالورد والياسمين
وأنواع الرياحين والفواكه وفيه انهار جارية في وسطه وإذا سيف بن
ذي يزن قد اتكأ على عمود المنظرة من قصر وفي قصره يقول الشاعر:
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا * في رأس غمدان دارا منك محلالا -
اشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم * واسبل اليوم في برديك أسبالا
قال فلما نظر سيف بن ذي يزن عبد المطلب غضب وقال لغلمانه من ذا
الذي دخل على بغير اذني ليؤت به سريعا، فسعى إليه الغلمان والخدم
فاختطفوه من البستان فلما دخل عبد المطلب عليه رأى قصرا مبنيا على حجر
مطلي بطلاء الورد منقشا بنقش اللازورد ووردا على أمثال الورد ورأي عن
يمين الملك وعن شماله وبين يديه من الجواري مالا عدد لهن ورأي قريب
الملك عمودا من عقيق أحمر وله رأس من ياقوت أزرق مجوف محشي بالمسك
ورأي عن يساره ثورا من ذهب أحمر على فخذه سيف نقمته مكتوب عليه
بماء الذهب شعر يقول!
رب ليث مدجج كان يحمي * الف قرن مغمد الأغماد -
وخميس ملفف بخميس * بدد الدهر جمعهم في البلاد
(قال الواقدي) فوقف عبد المطلب بين يدي سيف ولم يتكلم الملك
ولا عبد المطلب حتى كرع الملك في النور الذي بين يديه فلما فرغ من
40

شربه نظر إليه وكان سيف قد شاهد عبد المطلب قبل هذا ولكنه أنكره حتى
استنطقه فقال له الملك من الرجل فقال انا عبد المطلب بن هاشم بن عبد
مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان حتى
بلغ آدم (ع) فقال له الملك أنت ابن أختي فقال نعم انا ابن أختك وذلك أن
سيف بن ذي يزن كان من آل قحطان وآل قحطان من الأخ وآل
إسماعيل من الأخت فعلم سيف بن ذي يزن ان عبد المطلب ابن أخته فقال
سيف بن ذي يزن اهلا وسهلا وناقة ورحلا ومد يده إلى عبد المطلب
وكذلك عبد المطلب نحو الملك فأمره الملك بالقعود وكناه بابي الحارث وقال
فأنتم معاشر أهل الشام رجال الليل والنهار وغيوث الجدب والغلاء وليوث
الحرب لضرب الطلى ثم قال يا أبا الحارث فيم جئت فقال له عبد المطلب أيها
الملك السعيد جده الرفيع مجده المطاع أمره المحذور آفته المدرك رأفته نحن
جيران بيت الله الحرام وسدنة البيت وقد جئت إليك وأصحابي بالباب لنهنئك
بولايتك وما فوضه الله تعالى من النصر بك وأجراه على يديك من هلاك
عدوك فالحمد لله الذي نصرك وأقر عينيك وافلج حجتك وأقر عيوننا
بخذلان عدوك فأطال الله تعالى في سوابغ نعمه مدتك وهنأك بما منحك
ووصلها بالكرامة الأبدية فلا خيب دعائي فيك أيها الملك ففرح سيف بدعائه
وازداد له محبة بما سمع من تهنئته ثم امره ان يصير هو ومن معه بالباب من
أصحابه إلى دار الضيافة إلى أن يؤمر باحضارهم بعد هذا اليوم إلى مجلسه
فمضى وحجابه وخدمه بين يديه إلى حيث أمرهم وخرج عبد المطلب واستوى
على جمله واتبعه أصحابه وبين يديه غلمان الملك حوله حتى أنزلوه وأصحابه
وبالغوا بالتوصية به وبأصحابه فامر الملك ان يجرى عليهم في كل يوم ألف درهم
بيض فبقي عبد المطلب في دار الضيافة شهرين حتى تصرمت أيام الورد
فلما كان في اليوم الذي أراد فيه مجلسه للتسليم عليه والنظر في امره ذكر
عبد المطلب في شطر من ليلته فامر باحضاره وحده فدخل عليه الرسول فأمره
41

واعلمه بمراد الملك منه فقام معه إليه فإذا الملك في مجلسه وحده فقال لخدمه
تباعدوا عنا فلم يبق في مجلس غير الملك وعبد المطلب وثالثهم رب العزة
تبارك وتعالى فقال له الملك يا أبا الحارث ان من آرائي ان أفوض إليك علما
كنت كتمته عن غيرك وأريد ان أضعه عندك فإنك موضع ذلك وأريد ان
تطويه وتكتمه إلى أن يظهره الله تعالى فقال عبد المطلب السمع والطاعة
للملك وكذا الظن يك فقال الملك أعلم يا أبا الحارث ان بأرضكم غلاما حسن
الوجه والبدن جميل القد والقامة بين كتفيه شامة المبعوث من تهامة انبت الله
تعالى على رأسه شجرة النبوة وظلته الغمامة صاحب الشفاعة يوم القيامة
مكتوب بخاتم النبوة على كتفيه سطران الأول لا إله إلا الله والثاني محمد
رسول الله صلى الله عليه وآله والله تعالى توفى أمه وأباه وتكون تربيته على يدي جده
وعمه وانا وجدت في كتب إسرائيل صفته أبين وأشرح من القمر بين
الكواكب وانى أراك جده فقال عبد المطلب أنا جده أيها الملك فقال الملك
مرحبا بك وسهلا يا أبا الحارث ثم قال له الملك اني أشهد على نفسي يا أبا
الحارث أني مؤمن به وبما يأتي به من عند ربه ثم تأوه سيف ثلاث مرات
بان يراه فكان ينصره وينظره فيتعجب منه الطير في الهواء ثم قال يا أبا
الحارث عليك بكتمان ما ألقيت عليك ولا تظهره إلى أن يظهره الله تعالى فقال
عبد المطلب السمع والطاعة للملك ونظر عبد المطلب في لحية سيف بن ذي يزن
سوادا وبياضا وخرج من عنده وقد وعده في الحناه في غد ليرحلوا إلى ارض
الحرم إن شاء الله تعالى فلما رجع إلى أصحابه رآهم وجلين خائفين وقد
أكثروا الفكر فيه حين دعاه الملك في مثل ساعته التي دعاه فيها فقالوا له
ما كان يريد الملك منك قال عبد المطلب يسألني عن رسوم مكة وآثارهم ولم
يخبر عبد المطلب أحدا بما كان بينه وبين الملك وغدا عليهم رسول الملك من
غد يحضرهم مجلسه فتطيبوا وتزينوا ودخلوا القصر وعبد المطلب يقدمهم
فدخلوا عليه فنظر عبد المطلب فإذا برأسه ولحيته سواد حالك فقال له عبد المطلب
42

انى تركتك ابيض اللحية فما هذا فقال له انى استعمل الخضاب فقال أصحاب
عبد المطلب إن رأى الملك ان يرانا اهلا لذلك الخضاب فليفعل قال فامر الملك
ان يؤخذ بهم إلى الحمام وكان القوم بيض الرؤوس واللحي فخضبوا هناك
فخرجوا ولشعورهم بريق كأسود ما يكون من الشعر ويقال ان سيفا أول
من خضب رأسه ولحيته (قال الواقدي) ثم إن الملك أمر لكل واحد
ببدرة دراهم بيض وحمل كل واحد منهم على دابة وبغل وامر لكل واحد
منهم بجارية وغلام وبتخت ثياب فاخرة ووهب لعبد المطلب ضعفي ما وهب
لهم ثم دعا الملك بفرسه العقاب وبغلته الشهباء وناقته والعضباء وقال يا أبا
الحارث ان الذي أسلمه إليك أمانة في عنقك تحفظها إلى أن تسلمها إلى محمد
صلى الله عليه وآله إذا بلغ مبلغ الرجال فقال له اعلم اني ما طلبت على هذه
الفرس شيئا إلا وجدته وما قصدني عدو وأنا راكب عليها إلا أنجاني الله
تعالى منه واما البغلة فاني كنت اقطع بها الدكادك والجبال لحسن سيرها
ولا انزل عنها ليلى ونهاري فأمره أن يتحفظ ويجعلها لي تذكرة وبلغه عنى
التحية الكثيرة فقال عبد المطلب السمع والطاعة لأمر الملك ثم ودعوه
وخرجوا نحو الحرم حتى دخلوا مكة فوقعت الصيحة في البلد بقدومهم
فخرج الناس يستقبلونهم وخرج أولاد عبد المطلب وقعد النبي صلى الله عليه وآله على
صخرة وقد القى كمه على وجهه لئلا تناله الشمس حتى قارب عبد المطلب فنظر
أولاده إليه وقالوا يا أبانا خرجت إلى اليمن شيخا ورجعت شابا قال نعم أيها
الفتيان سأخبركم بما ذكرتم فأخبرهم ثم قال لهم أين سيدي محمد صلى الله عليه وآله
فقالوا له انه في بعض الطريق ينتظركم ثم إن عبد المطلب سار نحوه حتى
وصل إليه مع أصحابه فنزل عن مركوبه وعانقه وقبله بين عينيه وقال له
ان هذا الفرس والبغلة والناقة أهداها إليك سيف بن يزن ويقرأ عليك
التحية الطيبة، ثم أمر ان يحمل رسول الله محمد صلى الله عليه وآله على الفرس فلما
استوى النبي صلى الله عليه وآله على ظهر الفرس نشط وصهل صهيلا شديدا فرحا
43

برسول الله صلى الله عليه وآله ونسب هذا الفرس انه عقاب بن تيزوب بن قابل بن
بطال بن زاد الراكب بن الكفاح بن الجنح بن موج بن ميمون بن ريح
أمره الله قال كن فكان بأمره (قال الواقدي) واخذ أبو طالب بلجام
فرسه وحف برسول الله صلى الله عليه وآله أعمامه فقال صلى الله عليه وآله خلوا عني فان ربى
يحفظني ويكلأني فرقي الفرس برسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن فمال النبي ليسقط
فمال الفرس معه لئلا يسقط فدخل النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة على حالته فشاع
خبره في قريش وبني هاشم فتعجب من امره الخلق وبقي النبي صلى الله عليه
وآله فرحا مسرورا عند عبد المطلب.
(قال الواقدي) ودب النبي صلى الله عليه وآله ودرج وأتى عليه ثمان سنين
وثمانية أشهر وثمانية أيام فعندها اعتل علة شديدة عبد المطلب فامر ان يحمل
سريره إلى عند بيت الله الحرام وينصب هناك عند أستار الكعبة وكان
لعبد المطلب سرير من خيزران اسود ورثه من جده عبد مناف وكان السرير
له شبكات من عاج وآبنوس وصندل وعمود أحسن ما يكون احكاما وهيئة
وامر عبد المطلب ان يزين السرير بألوان الفرش والديباج والرقاق وامران
ينصب فوق سريره فسطاط ديباج احمر ففعل ذلك وحمل عبد المطلب إلى
بيت الله الحرام ونام على ذلك السرير المزين وقعد حوله أولاده وكان له من
البنين عشرة أنفس فمات عبد الله وبقى بعده تسعة شجعان يعد كل واحد
منهم بألف وقعدوا حوله وحفوا بعبد المطلب يبكون ودموعهم تتقاطر على
خدودهم كالمطر وقعد النبي صلى الله عليه وآله واجتمعت عند عبد المطلب بطون
العرب وكبار قريش مصطفين ما منهم أحد الا وعيناه تهملان بالدموع فعند
ذلك ظهر أبو لهب لعنه الله تعالى وأخزاه واخذ برأس رسول الله صلى الله عليه وآله
ليحنيه وينحيه عن عبد المطلب فصاح عبد المطلب وانتهره وقال له مه يا عبد
العزى أنت من عداوتك لانفك من اظهارك لبغضك محمد صلى الله عليه وآله اقعد
مكانك واسكت عنه فقام أبو لهب وقعد عند رجلي عبد المطلب خجلا
44

مخذولا لان أبا لهب كان من الفراعنة المبغضين لرسول الله صلى الله عليه وآله ثم انقلب
عبد المطلب إلى جنبه واقبل بوجهه على أبى طالب القى إليه النبي لأنه لم
يكن في أولاد عبد المطلب أرفق برسول الله صلى الله عليه وآله وأميل منه ثم أنشأ
عبد المطلب يقول:
أوصيك يا عبد مناف بعدي * بواحد بعد أبيه فرد -
فارقه وهو ضجيع المهد * فكنت كالأم له في الوجد -
ألصقه بين الحشي والكبد * حتى إذا خفت فراق الوجد -
أوصيت أرجي أهلنا بالود * لابن الذي غيبته في اللحد -
بالكره منى ثم لا بالعمد * وخيرة الله يشأ في العبد
ثم قال عبد المطلب: يا أبا طالب انني القي إليك وصيتي، قال أبو طالب:
وما هي قال يا بني أوصيك بعدى بقرة عيني محمد صلى الله عليه وآله فأنت تعلم محله منى
ومقامه لدى فأكرمه بأجل الكرامة ويكون عندك ليلة ونهاره ما دمت في
الدنيا، الله ثم الله في حبيبه. ثم قال لأولاده أكرموا وجللوا محمدا صلى الله عليه وآله
وكونوا عند اعزازه واكرامه فسترون منه أمرا عظيما عليا وسترون آخر
امره ما انا أصفه عند بلوغه فقالوا بأجمعهم السمع والطاعة يا ابانا نفديه
بأنفسنا وأموالنا ونحن له فدية قال أبو طالب قد أوصيتنا بمن هو أفضل
منى ومن إخواني قال نعم ولم يكن في أعمام النبي صلى الله عليه وآله ارفق من أبي
طالب قديما وحديثا بأمر محمد صلى الله عليه وآله ثم قال إن نفسي ومالي دونه فداء
أنازع معاديه وانصر مواليه فلا يهمنك امره (قال الواقدي) ثم إن
عبد المطلب غمض عينيه وفتحهما ونظر قريشا وقال يا قوم أليس حقي عليكم
واجبا فقالوا بأجمعهم نعم حقك على الكبير والصغير واجب فنعم القائد ونعم
السائق فينا كنت فجزاك الله تعالى عنا خيرا وهون عليك سكرات الموت
وغفر لك ما سلف لك من ذنوبك فقال عبد المطلب أوصيكم بولدي محمد بن
عبد الله فأحلوه محل الكرامة فيكم وبروه ولا تجفوه ولا تستقبلوه بما يكره
45

فقالوا كلهم قد سمعنا منك وأطعناك فيه ثم قال لهم عبد المطلب ان الرئيس
عليكم من بعدي الوليد بن المغيرة فإنه أهل لان يجمعنكم على الخير ويلم شملكم
فضجت الخلق بأجمعهم وقالوا قبلنا امرك فنعم ما رأيته رئيسا ونعم ما خلقته
فينا بعدك وصارت قريش وبنو هاشم تحت ركاب الوليد بن المغيرة لعنه الله
تعالى فعند ذلك تغير وجه عبد المطلب واخضرت أظافر يديه ورجليه ووقع
على وجنتيه غبار الموت وأكثر التقلب من جانب إلى جانب ومرة يقيض
رجلاه ومرة يبسط أخرى والخلائق من قريش وبني هاشم حاضرون وقد
صارت مكة في ضجة واحدة وأراد النبي صلى الله عليه وآله ان يقوم من عنده ففتح
عبد المطلب عينيه وقال يا محمد تريد أن تقوم قال نعم فقال عبد المطلب يا ولدي
فاني وحق رب السماء لفي راحة ما دمت عندي قال فقعد النبي صلى الله عليه وآله فما
كان الا عن قليل حتى قضى نحبه (قال الواقدي) ثم قاموا في تغسليه
فغسلوه وحنطوه وكفنوه وجعلوه في أعواد المنايا وحملوه إلى ذيل الصفا
وما بقي في مكة شيخ وشاب ولا حر ولا عبد من الرجال والنساء إلا
وقد ذهبوا في جنازته وعظموها ودفنوه ورجع الخلق من جنازته باكين
عليه لفقده من مكة فقالت عاتكة بنت عبد المطلب ترثي أباها:
ألا يا عين ويحك أسعديني * بدمع واكف هطل غزير -
على رجل أجل الناس أصلا * وفرعا في المعالي والظهور -
طويل الباع أروع شيظمي * أغر كغرة القمر المنير -
وابكى هاشما وبني أبيه * فقد فارقت ذا كرم وخير -
وغيثا للقرى في كل ارض * إذا ضن الغنى على الفقير -
فقدنا من قريش في البرايا * سحاب الناس في السنة النرور
وقالت صفية ترثي أباها:
أعيني جودا بالدموع السواكب * على خير شخص من لوي بن غالب -
أعيني لا تستحسرا من بكاكما * على ماجد الاعراق عف المكاسب -
46

أعيني جودا عبرة بعد عبرة * على الأسد الضرغام محض الضرائب -
أبي الحارث الفياض ذي الحلم والبها * وذي الباع والماعون زين المناسب -
وذي المجد والعز الرفيع وذي الندا * وذي العون عند المعضلات التوائب -
فان تبكياه تبكيا ذا مهابة * كريم المساعي حلمه غير ذاهب
وقالت بره بنت عبد المطلب تبكي أباها وترثيه:
أعيني جودا بالدموع الهواطل * على النحر مني مثل فيض الجداول -
ولا تسئما ان تبكيا كل ليلة * ويوم على مولى كريم الشمائل -
أعيني لا يغني وجيع بكاكما * على خير حاف من معد وناعل -
على رجل لم يورث اللوم جده * أتم طويل الساعدين حلاحل -
أخي ثقة ماضي العزيمة ماجد * له بيت مجد ثابت غير فاصل -
بي الحارث الفياض ذي الباع والندا * رئيس قريش كلها في القبائل -
فسقى مليك الناس موضع قبره * بتو الثريا ديمة بعد وابل
وقالت أروى بنت عبد المطلب ترثي أباها:
ألا يا عين ويحك أسعديني * بوبل واكف من بعد وبل -
بدمع من دموعك ذي غروب * فقد فارقت ذا كرم ونبل -
طويل الباع أروع ذي المعالي * أبيك الخير وارث كل فضل
وقالت آمنة بنت عبد المطلب تبكي أباها وترثيه:
بكتب عيني وحق لها البكاء * على سمح سجيته الحياء -
على سمح الخليفة ابطحي * كريم الخيم ينميه العلاء -
على الفياض شبية ذي المعالي * أبيك الخير ليس له كفاء -
اقب الكشح أروع ذي أصول * له المجد المقدم والثناء -
وكان هو الفتى كرما وجودا * وبأسا حين تنسكب الدماء -
إذا هاب الكماة الموت حتى * كأن قلوب أكثرهم هواء -
مضى قدما بذي شطب خشيب * عليه حين تبصره بهاء -
47

(قال) الواقدي ثم إن الوليد بن المغيرة ترأس من بعد عبد المطلب
واستقام امره وكان لعنه الله لعنه معاندا لرسول الله صلى الله عليه وآله وكان أبو طالب
يحب رسول الله صلى الله عليه وآله محبة لم ير مثلها وكان ينومه وبجنبه ويوسده يمينه
ويدثره يساره وإذا قام بالليل قام معه وإذا أراد ان ينام ينزعه ثيابه وبعريه
ويأخذه في فراشه وكان يحب ان يلتزق جلده بجلده لمحبته له وليرضي الله
تعالى بذلك وكان إذا دخل جوف الفراش لا يصير بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله
حاجز حتى يختلط بدنه ببدنه، فعند ذلك رمدت عين النبي رمدا شديدا
واصابه منه وجع حتى أنه كان يأخذ خرقة سوداء ويضعها على عينيه ولا
يقدر ان يفتح بصره لما كان به من الأذى والألم فعالجوه فتمادت به العلة
وطالت به فدخل على أبي طالب من ذلك غم شديد واحضر الأطباء فما ازداد
إلا ألما فأشارت إليه قريش وبنو هاشم إلى أن يحمله إلى عند حبيب الراهب
ليدعوا له ربه بالعافية والرحمة وكان ذلك لهم بابا فقال أبو طالب نعم ما دبرتم
ثم جاء إلى منزله فأخبر النبي صلى الله عليه وآله بذلك فقال له الرأي رأيك (قال)
الواقدي فلما كان في اليوم الثاني غسل رأس النبي صلى الله عليه وآله وزين لباسه
وجمله بأحسن زينة وأركبه ناقة جليلة وكان حبيب على ثلاث مراحل من
مكة في صومعته على طريق الطائف فاخرج أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله
بالليل عن وهج الشمس فلما بلغ الصومعة نادى الغلام يا حبيب فاجابه فقال إن
أبا طالب بن عبد المطلب بالباب فأمر ان يدخلا فدخلا وقعد أبو طالب
إلى جنب حبيب ولم يتكلم حبيب حتى سكنا جميعا ثم قال أبو طالب يا سيدي
ان هذا ابن أخي النبي محمد صلى الله عليه وآله به رمد وقد داويناه بكل دواء فلم
ينتفع ولم يبرأ رمده وقد جئتك لتدعوا له رب السماء ان يعافيه مما به فقال له
حبيب تعال إلى عندي يا محمد فقال له محمد صلى الله عليه وآله تعال أنت إلى عندي فقال
أبو طالب واعجبا منك يا سيدي أنت الشاكي فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله
بل حبيب الشاكي فغضب حبيب وقال يا محمد فما أشكو قال النبي صلى الله عليه وآله
48

أنت تشكو البرص الذي على جسدك وقد دعوت رب السماء ثلاثين سنة ان
يعافيك فلم يجبك فقال حبيب وكيف علمت يا محمد وأنت صبي صغير فقال
رأيته في النوم فقال يا محمد تفضل علي ودع ني بالعافية فكشف عن وجهه
صلى الله عليه وآله فبرق من وجهه برق حتى أضاءت الصومعة من النور وشق سقف
الصومعة ومر كالعمود حتى النزق إلى عنان السماء وإذا بهاتف يهتف ويقول
يا أهل الديرانية ويا أهل الرهبانية ويا أصحاب الكتاب آمنوا بالله وبرسوله
محمد صلى الله عليه وآله قال فوثب حبيب من صومعته وتعلق بالنبي صلى الله عليه وآله وقال
أشهدك يا محمد على نفسي اني مؤمن بما تأتى به من عند ربك صغيرا وكبيرا
قديما وحديثا فاعتبر الخلق بذلك مما عاينوه وسمعوه ثم قال النبي صلى الله عليه وآله
يا حبيب ارفع ثيابك لتنظر الخلائق ما قلت ويكون صدقا لكلامي فنظر
الخلائق بعد ما رفع أذياله إلى ذلك البرص الأبيض كالدرهم وعليه نقطة
سوداء فدعا النبي صلى الله عليه وآله بدعوات مستجابات ومسح يده عليه فذهبت العلامة
بإذن الله تعالى وبدعاء النبي صلى الله عليه وآله ثم قال يا عم لو أحببت ان يعافيني الله
تعالى لدعوت الله سبحانه وتعالى ان يعافيني ولم أجئ إلى هاهنا ولكن قلت
يا عم حتى تدرى أني عند الله أجل من مثلك ومن مثل حبيب وغيره من أهل
الأرض جميعا ثم دعا النبي صلى الله عليه وآله لنفسه فبرأ من وقته من رمده فصارت
عيناه أحسن ما يكون بمشيئة الله تعالى فقال حبيب يا أبا طالب احتفظ
على هذا الغلام الذي وجدنا اسمه في التوراة لأشهر من القمر في كبد السماء
وكذلك اسمه في الإنجيل في سورة يقال لها المبرهنة لأنور وأبهى من
كوكب الصبح وان لهذا الغلام شأنا عظيما وستري امره عن قريب وتفرح
يه يا أبا طالب أشد ما يكون من الفرح واعلم أنه طوبى لم آمن به والويل
لمن كفر به ورد عليه حرفا مما يأتي به فان له من الأعداء عدد نجوم السماء
مع أن له حافظا يحفظه وناصرا ينصره فطب نفسا وقر عينا فإنك تفرح به
ثم قام أبو طالب من عند حبيب واستوي على الناقة فكتم أبو طالب ذلك ولم
49

يخبر به أحدا وقد رجعت عينا النبي صلى الله عليه وآله إلى حال العافية.
(قال عمر بن الخطاب) سألت أبي وقلت له يا أبتي وكيف صار مفتاح
بيت الله الحرام إلى بني شيبة قال اعلم أن إبراهيم الخليل لما فرع من بنائه
حفر وهدة صغيرة في جوف هذا البيت يعنى الكعبة عن يمين الباب وقال إني
حكمت على كل من يدخل جوف بيت الله الحرام ان يطرح في هذه الوهدة
شيئا من الدراهم والدنانير وغير ذلك من صنوف الأموال ليكون ذلك برا
لسدنة البيت ولخدمته من درهم إلى ما كان ولم يكن بهذا الرسم لاحد من
الملوك والفراعنة نصيب وكان مفتاح بيت الله الحرام بين يدي بني أمية
يرثون امساك المفتاح عقبا بعد عقب فلم يزالوا على عهده حتى وصل مفتاح
بيت الله الحرام إلى أبى العاص بن أمية بن عبد شمس وكان يفتح بيده وكان
لهم بذلك عز وشرف ونبل ثم إن أبا العاص بن أمية اتخذ دعوة جلية وضيافة
خطيرة واتخذ الدعوة في بيت الخمار وكثيرا مما كان بنو أمية ينفقون في
دار الخمار ويأكلون ويشربون فيها فلما اتخذ أبو العاص الضيافة وأكل الناس
الطعام وغسلوا أيديهم وشربوا حتى فنى شرابهم ولم تكن لهم حيلة في ابتياع
الشراب ولم يكن معهم شئ من الدراهم والدنانير ولا من الرهون فرهنوا
مفتاح بيت الله الحرام عند الخمار وأخذوا الخمر وشربوا وسكر القوم
وناموا فسمع بذلك عامر بن شيبة فحمل زقا من خمر وردها إلى الخمار
واسترجع المفتاح من الخمار وذهب به إلى بيته وغسله بماء الكافور وطلاه
بالغالية المتخذة من مسك أذفر فلفه في خرقة الديباج وكان المفتاح من ذهب
احمر وهكذا كان حقه لأنه مفتاح بيت الله الحرام (قال الواقدي) فأفاق
القوم من سكرهم فقام أبو العاص وذهب نحو الخمار ليسترجع المفتاح وقد
استرجعه عامر بن شيبة فغضب أبو العاص وذهب بجماعة من أهل بيته إلى
باب دار عامر فضربوه واعتدوا عليه واسترجعوا منه المفتاح على الكبره
فانصرف أبو العاص فرحا مسرورا فغضب عامر وذهب إلى مقام إبراهيم
50

الخليل (ع) ورفع رأسه إلى السماء وقال يا رب البيت العتيق والركن الوثيق
والحجر الغريق وزمزم الدقيق أنت تعلم أن أبا العاص رهن المفتاح في ثمن
الشراب واستخف ببيتك ولم يعرف حق بيتك وانا استرجعته وغسلته وفعلت
به ما فعلت اللهم إني أسألك ان تسلب هذا العز عن أبي العاص ومن أهل بيته
ثم رجع إلى منزله (قال الواقدي) فأصبح أهل مكة يوم الثاني وكان في الحرم
واجتمع الخلق بباب بيت الله الحرام يزورونه فما كان إلا هنيئة حتى جاء
أبو العاص ومعه المفتاح والناس يتأخرون عن طريقه تعظيما له إذ كان هو
صاحب مفتاح بيت الله الحرام فدنا أبو العاص إلى فتح الباب فادخل المفتاح
في مجرى القفل فلم يدخل فيه المفتاح فاحتال أبو العاص كل حيلة ان ينبعث
المفتاح في القفل فلم يدخل فيه بأمر الله وقدرته فانتفخت يد أبي العاص
من مداومة نفسه من الشدة فوقعت الصيحة في العرب ان باب بيت الله
الحرام قد انغلق حتى ما عاد ان ينفتح فتعجب الخلق من ذلك وبقى الباب
مغلوقا والناس في مصيبة عظيمة من امره فلما أتى على الناس شهر اجتمع
بمكة زهاء الف رجل على أن يزوروا بيت الله الحرام وقد نالهم الضجر
لتطاول الامر عليهم فلما أصبحوا يوم الاثنين هتف بهم هاتف يقول إن باب
بيت الله لا ينفتح على يد من يرهن المفتاح عند الخمار وليس لكم حيلة دون
ان تصدوا كلكم إلى عامر بن شيبة وتدفعوا إليه المفتاح فان الله قد سلب من
بنى أمية هذا العز فصار الناس كلهم إلى عامر بن شيبة وأخبروه بما كان من
قول الهاتف فسمع عامر منهم ذلك فسار إلى باب بيت الحرام ومعه المفتاح
فقال بسم الله رب السماء وادخل المفتاح في مجرى القفل فانفتح بأمر الله
تعالى فدخل الخلق إلى بيت الله الحرام وسلب الله تعالى من بني أمية عزهم
وجعله إلى عامر بن شيبة وجعله عقبا بعد عقب ثم إنه لا ينفتح إلى الساعة
إلا على يدي عامر وأولاده فبقي عنده المفتاح إلى يوم فتح مكة فلما فتح
رسول الله صلى الله عليه وآله مكة وكان في أيام الحج فجعل غزوه سببا لحجه فلما
51

دخلها ذهب إلى مكة بيت الله الحرام وإذا الباب مغلق وكان عامر قد توارى
مع المفتاح فبعث النبي صلى الله عليه وآله في طلبه فوقع به علي بن أبي طالب (ع)
وقال يا عامر أين المفتاح فقال هو ليس معي ففتشه فلم يكن معه فذهب إلى
امرأته وقال لها ويلك أين المفتاح فان رسول الله صلى الله عليه وآله واقف قالت يا ابن
أبي طالب مالي به علم فعلا بسيفه وأراد ضربها فرفعت الامرأة يدها لتتقي
السيف فسقط من تحت ذيلها المفتاح فوثب عامر بن شيبة واخذه وقال يا علي
انا أسير به معك فذهب عامر بالمفتاح إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال النبي صلى الله عليه وآله
اني قادر على فتحه دون المفتاح غير انى أحببت ان افتحه به فأخذ النبي صلى الله عليه وآله
المفتاح وفتحه وقد كان النبي صلى الله عليه وآله يريد الدخول وكان يريد ان ينزع
هذا الشرف من عامر فاغتم لذلك عامر فأنزل الله تعالى (إن الله يأمركم ان
تؤدوا الأمانات إلى أهلها) فرد النبي صلى الله عليه وآله المفتاح إلى عامر بن شيبة وبقي
ذلك في يده وبيد عقبه إلى الآن (قال الواقدي) ثم إن المفتاح بقي عند
عامر إلى أيام بني هاشم فلما كان في أيامهم زار الخلق بيت الله الحرام وطرحوا
في تلك الوهدة من العجائب من ذهب وفضة ودر ومرجان وزبرجد فلما
مر خزنة البيت هموا بغلقه فعمد رجل منهم إلى البيت فقبض على ما اجتمع في
الوهدة وسرق منه ولم يعلم به أحد وغلقوا الباب وفر السارق بالمال فاخفاه
من أصحابه قال فلما كان صبيحة اليوم الثاني اجتمعت خزنة البيت واعترفوا
على اخذ باقي المال ليتقاسموه بينهم ففتحوا الباب فإذا بحية قد جمعت نفسها في
الوهدة وهي حمراء كأنها قطعة دم ولها رأسان رأس عند ذنبها ورأس عند
عنقها وهي تنفخ وتصفر فنظر الخزنة فلم يجسر أحد ان يتقدم إلى الوهدة
لصولتها وهيبتها وكانت منطوية في الوهدة مدورة فبقي الخلق متعجبين منها
ومما عاينوا منها فقالوا يا قوم من كان منكم أذنب فليتب إلى ربه وليقر بذنبه
فما ظهرت هذه الحية في بيت الله الحرام إلا لاحد قد أحدث خطيئة (قال
الواقدي) فجاءهم الرجل السارق فأقر بما فعل فقالوا كلهم ويلك اما علمت أن
52

بيت الله الحرام لا يحتمل الغش والخيانة فأمروه برد ما سرق جميع ذلك
فأخذه القوم ثم قالت الحية أيها العرب وجيران بيت الله الحرام إياكم والغش
والخيانة فان الله تعالى لا يرضى بذلك وتأخرت الحية إلى عند الميزاب وغابت
في الأرض إلى الساعة وقال محمد بن إسحاق بل جاءت حمامة طائرة ودخلت
بيت الله الحرام وهي عظيمة الحلق واخذت الحية بمنقارها وخرجت نحو
سكة الحناطين فغابت وما ظهرت بعد ذلك إلى أيام النبي صلى الله عليه وآله وهو بعد
ثلاثين سنة وهذا ما وجدناه من الخبر بالتمام والكمال.
53

مولد الإمام علي (ع)
أخبرنا الشيخ الامام العالم الورع الناقل ضياء الدين شيخ الاسلام
أبو العلاء الحسن بن أحمد بن يحيى العطار الهمداني (ره) في همدان في
مسجده في الثاني والعشرين من شعبان سنة ثلاث ثلاثين وستمائة قال حدثنا
الامام ركن الدين أحمد بن محمد بن إسماعيل الفارسي قال حدثنا عمر بن روق
الخطابي قال حدثنا الحجاج بن منهال عن الحسن بن عمران عن شاذان بن
العلاء قال حدثنا عبد العزيز عن عبد الصمد عن سالم عن خالد بن السري عن
جابر بن عبد الله الأنصاري قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن ميلاد علي بن
أبي طالب (ع) فقال آه آه سألت عجبا يا جابر عن خير مولود ولد بعدي
على سنة المسيح ان الله تعالى خلقه نورا من نوري وخلقني نورا من نوره
وكلانا من نور واحد وخلقنا من قبل ان يخلق سماء مبنية والأرض مدحية
ولا كان طول ولا عرض ولا ظلمة ولا ضياء ولا بحر ولا هواء بخمسين
الف عام ثم إن الله عز وجل سبح نفسه فسبحناه وقدس ذاته فقدسناه ومجد
عظمته فمجدناه فشكر الله تعالى ذلك لنا فخلق من تسبيحي السماء فمسكها
والأرض فبطحها والبحار فعمقها وخلق من تسبيح علي الملائكة المقربين
فجميع ما سبحت الملائكة لعلي وشيعته، يا جابر ان الله تعالى عز وجل نسلنا
فقذف بنا في صلب آدم (ع) فأما انا فاستقررت في جانبه الأيمن واما علي
فاستقر في جانبه الأيسر ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم (ع) في
الأصلاب الطاهرة فما نقلني من صلب الا نقل عليا معي فلم نزل كذلك حتى
54

اطلعنا الله تعالى من ظهر طاهر وهو ظهر عبد المطلب ثم نقلني من ظهر طاهر
وهو ظهر عبد الله واستودعني خير رحم وهي آمنة فلما ظهرت ارتجت
الملائكة وضجت وقالت إلهنا وسيدنا ما بال وليك علي لا نراه مع النور
الأزهر يعنون بذلك محمدا فقال الله عز وجل اني اعلم بولي واشفق عليه منكم
فاطلع الله عز وجل عليا من ظهر طاهر من بني هاشم فمن قبل ان يصير في
الرحم كان رجل في ذلك الزمان وكان زاهدا عابدا يقال له المثرم بن زغيب
الشيقبان وكان من أحد العباد قد عبد الله تعالى مأتين وسبعين سنة لم يسأله
حاجة إلا اجابه ان الله عز وجل أسكن في قلبه الحكمة وألهمه بحسن طاعته
لربه فسأل الله تعالى ان يريه وليا له فبعث الله تعالى أبا طالب فلما بصر به
المثرم قام إليه وقبل رأسه واجلسه بين يديه ثم قال له من أنت يرحمك الله
تعالى فقام رجل من تهامة قال أي نهامة فقال من عبد مناف ثم قال من
هاشم فوثب العابد وقبل رأسه ثانية وقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني
وليه ثم قال ابشر يا هذا فان العلي الاعلى ألهمني الهاما فيه بشارتك فقال أبو
طالب وما هو؟ قال ولد يولد من ظهرك هو ولي الله عز وجل امام المتقين
ووصي رسول رب العالمين فان أنت أدركت ذلك الولد من ظهرك فاقرأه
منى السلام وقل له ان المثرم يقرأ عليك السلام ويقول اشهد ان لا إله
الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله به تتم النبوة وبعلي تتم الوصية
قال فبكى أبو طالب وقال ما اسم هذا المولود قال اسمه علي قال أبو طالب
اني لا اعلم حقيقة ما تقول الا ببرهان مبين ودلالة واضحة قال المثرم
ما تريد قال أريد أن أعلم ما تقوله حق من رب العالمين ألهمك ذلك قال
فما تريد ان اسأل لك الله تعالى ان يطعمك في مكانك هذا قال أبو طالب
أريد طعاما من الجنة في وقتي هذا قال فدعا الراهب ربه قال جابر قال رسول الله
صلى الله عليه وآله فما استتم المثرم الدعاء حتى أوتي بطبق عليه فاكهة من الجنة
وعذق رطب وعنب ورمان فجاء به المثرم إلى أبي طالب فتناول منه رمانة
55

ثم نهض من ساعته إلى فاطمة بنت أسد (رض) فلما استودعها النور
ارتجت الأرض وتزلزلت بهم سبعة أيام حتى أصاب قريشا من ذلك شدة
ففزعوا فقالوا مروا بآلهتكم إلى ذروة جبل أبي قبيس حتى نسألهم يسكنون
لنا ما نزل بنا وحل بساحتنا قال فلما اجتمعوا على جبل أبي قبيس وهو
يرتج ارتجاجا ويضطرب اظطرابا فتساقطت الآلهة على وجهها فلما نظروا
ذلك قالوا لا طاقة لنا ثم صعد أبو طالب الجبل وقال لهم أيها الناس اعلموا
ان الله تعالى عز وجل قد أحدث في هذه الليلة حادثا وخلق فيها خلقا فإن لم
تطيعوه وتقروا له بالطاعة وتشهدوا له بالإمامة المستحقة وإلا لم يسكن
ما بكم حتى لا يكون بتهامة سكن قالوا يا أبا طالب انا نقول بمقالتك فبكى
ورفع يديه وقال إلهي وسيدي أسألك بالمحمدية المحمودة والعلوية العالية
والفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة قال جابر قال رسول
الله صلى الله عليه وآله فوالله الذي خلق الحبة وبرأ النسمة قد كانت العرب تكتب
هذه الكلمات فيدعون بها عند شدائدهم في الجاهلية وهي لا تعلمها ولا تعرف
حقيقتها متى ولد علي بن أبي طالب (ع) فلما كان في الليلة التي ولد فيها
(ع) أشرقت الأرض وتضاعفت النجوم فأبصرت من ذلك عجبا فصاح
بعضهم في بعض وقالوا انه قد حدث في السماء حادث إلا ترون اشراق السماء
وضياءها وتضاعف النجوم بها قال فخرج أبو طالب وهو يتخلل سكك
مكة ومواقها وأسواقها وهو يقول لهم أيها الناس ولد الليلة في الكعبة حجة
الله تعالى وولي الله فبقي الناس يسألونه عن علة ما يرون من اشراق السماء
فقال لهم أبشروا فقد ولد في هذه الليلة ولي من أولياء الله عز وجل يختم به
جميع الشر ويتجنب الشرك والشبهات ولم يزل يذكر هذه الألفاظ حتى
أصبح فدخل الكعبة وهو يقول هذه الأبيات:
يا رب رب الغسق الدجى * والقمر المنبلج المضي -
بين لنا من حكمك المقضي * ماذا ترى لي في اسم ذا الصبي
56

فسمع هاتفا يقول:
خصصتما بالولد الزكي * والطاهر المطهر المرضى -
ان اسمه من شامخ علي * علي اشتق من العلى
فلما سمع هذا خرج من الكعبة وغاب عن قومه أربعين صباحا قال جابر
فقلت يا رسول الله عليك السلام أين غاب قال مضى إلى المثرم ليبشره وان بمولد
علي بن أبي طالب (ع) في جبل لكام فالله وجده حيا بشره وان وجده
ميتا انذره فقال جابر يا رسول الله فكيف يعرف قبره وكيف ينذره فقال
يا جابر اكتم ما تسمع فإنه من سرائر الله تعالى المكنونة وعلومه المخزونة ان
المثرم كان قد وصف لأبي طالب كهفا في جبل لكام وقال له انك تجدني
هناك حيا أو ميتا فلما ان مضى أبو طالب إلى ذلك الكهف ودخله فإذا هو
بالمثرم ميتا جسده ملفوف في مدرعتين مسجى بهما وإذا بحيتين إحداهما أشد
بياضا من القمر والأخرى أشد سوادا من الليل المظلم وهما يدفعان عنه الأذى
فلما أبصرتا أبا طالب غابتا في الكهف فدخل أبو طالب وقال السلام عليك
يا ولي الله ورحمة الله وبركاته فأحيى الله تعالى بقدرته المثرم فقام قائما وهو
يمسح وجهه وهو يشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وان
عليا ولي الله وهو الامام من بعده ثم قال له المثرم بشرني يا أبا طالب فقد كان
قلبي متعلقا حتى من الله تعالى علي بك وبقدومك فقال له أبو طالب أبشر
فان عليا طلع إلى الأرض قال فما كان علامة الليلة التي ولد فيها حدثني بأتم
ما رأيت في تلك الليلة قال أبو طالب نعم أخبرك بما شاهدته لما مر من الليل
الثلث اخذ فاطمة بنت أسد (ع) ما يأخذ النساء عند ولادتها فقرأت عليها
الأسماء التي فيها النجاة فسكن بإذن الله تعالى فقلت لها انا آتيك بنسوة من
أحبائك ليعينوك على امرك قالت الرأي لك فاجتمعن النسوة عندها فإذا
بهاتف يهتف من وراء البيت أمسك عنهن يا أبا طالب فان ولي الله لا تمسه
الا يد مطهرة فلم يتم الهاتف كلامه حتى اتى محمد بن عبد الله ابن أخي فطرد
57

تلك النسوة وأخرجهن من البيت وإذا انا بأربع نسوة قد دخلن عليها وعليهن
ثياب من حرير بيض وإذا روايحهن أطيب من المسك الأذفر فقلن السلام
عليك يا ولية الله فأجابتهن بذلك فجلسن بين يديها ومعهن جونة من فضة فما
كان إلا قليلا حتى ولد أمير المؤمنين (ع) فلما ان ولد بينهن فإذا به قد
طلع (ع) فسجد على الأرض وهو يقول اشهد ان لا إله إلا الله وحدة
لا شريك له واشهدا ان محمدا رسول الله تختم به النبوة وتختم بي الوصية
فاخذته إحداهن من الأرض ووضعته في حجرها فلما حملته نظر إلى وجهها
ونادى بلسان طلق يقول السلام عليك يا أماه فقالت وعليك السلام يا بني
فقال كيف والدي قالت في نعم الله عز وجل فلما ان سمعت ذلك لم أتمالك ان
قلت يا بني أو لست أنا أباك فقال بلى ولكن أنا وأنت من صلب آدم فهذه
أمي حواء فلما سمعت ذلك غضضت وجهي ورأسي وغطيته بردائي وألقيت
نفسي حياء منها عليها السلام ثم دنت أخرى ومعها جونة مملوءة من المسك
فأخذت عليا (ع) فلما نظر إلى وجهها قال السلام عليك يا أختي فقالت
وعليك السلام يا أخي فقال ما خبر عمي قالت بخير فهو يقرأ عليك السلام
فقلت يا بني من هذى ومن عمك فقال هذه مريم ابنة عمران (ع) وعمي
عيسى (ع) فضمخته بطيب كان معها من الجنة ثم اخذته أخرى فأدرجته
في ثوب كان معها فقال أبو طالب لو طهرناه كان أخف عليه وذلك أن
العرب تطهر مواليدها في يوم ولادتهم فقلن انه ولد طاهرا مطهرا لأنه
لا يذيقه الله حر الحديد إلا على يدي رجل يبغضه الله تعالى وملائكته
والسماوات والأرض والجبال وهو اشقى الأشقياء فقلت لهن من هو قلن
هو عبد الله بن ملجم لعنه الله تعالى وهو قاتله بالكوفة سنة ثلاثين
من وفاة محمد صلى الله عليه وآله قال أبو طالب فانا كنت استمع قولهن ثم
اخذه محمد بن عبد الله أخي من أيديهن ووضع يده في يده وتكلم معه
وسأله عن كل شئ فخاطب محمد صلى الله عليه وآله عليا وخاطب علي محمدا باسرار
58

كانت بينهما ثم غابت النسوة فلم ارهن فقلت في نفسي ليتني كنت اعرف
الامرأتين الآخرين وكان علي (ع) اعلم بذلك فسألته عنهن فقال
لي يا أبت اما الأولى فكانت أمي حواء واما الثانية التي ضمختني بالطيب
فكانت مريم ابنة عمران واما التي أدرجتني في الثوب فهي آسية
واما صاحبة الجونة فكانت أم موسى (ع) ثم قال علي (ع) الحق
بالمثرم يا أبا طالب وبشره وأخبره بما رأيت فإنك تجده في كهف كذا
في موضع كذا وكذا فلما فرغ من المناظرة مع محمد ابن أخي ومن
مناظرته عاد إلى طفوليته الأولى فأنبئتك وأخبرتك ثم شرحت لك القصة
بأسرها بما عاينت يا مثرم قال أبو طالب فلما سمع المثرم ذلك منى بكا بكاء
شديدا في ذلك وفكر ساعة ثم سكن وتمطى ثم غطي رأسه وقال بل
غطني بفضل مدرعتي فغطيته بفضل مدرعته فتمدد فإذا هو ميت كما
كان فأقمت عنده ثلاثة أيام اكمله فلم يجبني فاستوحشت لذلك فخرجت
الحيتان وقالتا الحق بولي الله فإنك أحق بصيانته وكفالته من غيرك
فقلت لهما من أنتما قالتا نحن عمله الصالح خلقنا الله عز وجل على الصورة
التي ترى لنذب عند الأذى ليلا ونهارا إلى يوم القيامة فإذا قامت الساعة
كانت إحدانا قائدته والأخرى سائقته ودليلته إلى الجنة. ثم انصرف
أبو طالب إلى مكة قال جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله شرحت
لك ما سألتني ووجب عليك له الحفظ فان لعلي عند الله من المنزلة الجليلة
والعطايا الجزيلة ما لم يعط أحد من الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين
وحبه واجب على كل مسلم فإنه قسيم الجنة والنار ولا يجوز أحد على الصراط
إلا ببراءة من أعداء علي (ع) تم الخير والحمد الله رب العالمين.
59

خبر عطرفة الجنى
من دلائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ما رواه زادان عن
سلمان قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يوما جالسا بالأبطح وعنده جماعة من
أصحابه وهو مقبل علينا بالحديث إذ نظر إلى زوبعة وقد ارتفعت فأنارت
الغبار فما زالت تدنو الغبار يعلو إلى أن وقفت بحذاء النبي صلى الله عليه وآله وفيها
شخص فقال يا رسول الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته اعلم اني وافد
قومي وقد استجرنا بك فأجرنا وابعث معي من قبلك من يشرف على قومنا
فان بعضهم قد بغى على بعض ليحكم بيننا وبينهم بحكم الله تعالى وكتابه
وخذ على العهود والمواثيق المؤكدة لأرده إليك سالما في غداة غد الا ان
يحدث على حادث من عند الله فقال النبي صلى الله عليه وآله من أنت وقومك قال انا
عطرفة بن شمراخ أحد بنى كأخ انا وجماعة من أهلي كنا نسترق السمع
فلما متعنا من ذلك آمنا ولما بعثك الله نبيا آمنا بك وصدقناك وقد خالفنا
بعض القوم وأقاموا على ما كانوا عليه فوقع بينا وبينهم الخلاف وهم أكثر
منا عددا وأشد قوة وقد غلبوا على الماء والمرعى وأضروا بنا وبدوا بنا
فابعث إليهم معي من يحكم بيننا بالحق فقال النبي صلى الله عليه وآله اكشف لنا عن
وجهك حتى نراك على هيئتك التي أنت عليها فكشف لنا عن صورته فنظرنا
إلى شيخ عليه شعر كثير ورأسه طويل وهو طويل العينين وعيناه في طول
رأسه مغير الحدقتين وله أسنان كأسنان السباع ثم إن النبي صلى الله عليه وآله اخذ عليه
العهود والميثاق على أن يرد عليه من يبعث في غداة غد فلما فرغ من كلامه
التفت النبي صلى الله عليه وآله إلى أبي بكر وقال من يمضي منكم مع أخينا عطرفة لينظر
60

ما هم عليه وليحكم بالحق بينهم قال وأين هم فقال هم تحت الأرض فقال كيف
نطبق النزول إلى الأرض وكيف نحكم بينهم ولا نحسن كلامهم فلم يرد
النبي صلى الله عليه وآله جوابا ثم التفت إلى عمر بن الخطاب فقال له مثل قوله لأبي
بكر فأجاب مثل جواب أبي بكر ثم اقبل على عثمان فقال له مثل قوله لهما
فاجابه كجوابهما ثم استدعى بعلي (ع) وقال له يا علي امض مع أخينا
عطرفة وأشرف من قومه وانظر ما هم عليه واحكم بينهم بالحق فقام أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وقال السمع والطاعة ثم تقلد سيفه قال
سلمان فتبعته إلى أن صار بالوادي فلما توسطه نظر أمير المؤمنين عليه السلام
وقال لي شكر الله سعيك يا أبا عبد الله فارجع فرجعت ووقفت انظر إليه مما
يقع منه فانشقت الأرض فدخل فيها وعادت إلى ما كانت فدخلني من الحسرة
ما الله اعلم به كل ذلك اشفاقا على أمير المؤمنين فأصبح النبي وصلى بالناس
صلاة الغداة ثم جلس على الصفا وحف به أصحابه فتأخر أمير المؤمنين (ع)
عن وقت ميعاده حتى ارتفع النهار وأكثر الناس الكلام فيه إلى زالت
الشمس وقالوا ان الجن واحتالوا على النبي صلى الله عليه وآله فقد أراحنا الله تعالى من
أبي تراب وذهب افتخاره بابن عمه عليا وظهرت شماتة المنافقين وأكثروا
الكلام إلى أن صلى النبي صلى الله عليه وآله صلاة الظهر والعصر وعاد إلى مكانه واظهر
الناس الكلام وأيسوا من أمير المؤمنين (ع) وكادت الشمس تغرب فأيقن
القوم انه ملك وظهر نفاقهم إذ قد انشق الصفا وطلع أمير المؤمنين عليه
السلام وسيفه يقطر دما ومعه عطرفة فقام النبي صلى الله عليه وآله وقبل بين عينيه
وجبينه وقال له ما الذي حبسك عني إلى هذا الوقت فقال علي بن عليه السلام
سرت إلى خلق كثير قد بغوا على عطرفة وعلى قومه فدعوتهم إلى ثلاث
خصال فأبوا علي ذلك انى دعوتهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله والاقرار
بك فأبوا ذلك منى دعوتهم إلى أداء الجزية فأبوا فسألتهم ان يصلحوا مع
عطرفة وقومه لتكون المراعى والمياه يوما لعطرفة ويوما لهم فأبوا ذلك
61

فوضعت سيفي فيهم فقلت منهم زهاء ثمانين الف فارس فلما نظروا إلى ماحل
بهم مني صاحوا الأمان الأمان فقلت لا أمان لكم إلا بالايمان فامنوا بالله وبك
ثم أصلحت بينهم وبين عطرفة وقومه فصار وإخوانا وزال من بينهم الخلاف
وما زلت معهم إلى هذه الساعة فقال عطرفة جزاك الله خيرا يا رسول الله عن
الاسلام وجزى ابن عمك عليا منا خيرا ثم انصرف عطرفة إلى حيث شاه.
(خبر آخر) روى عن الصادق (ع) ان أمير المؤمنين (ع) بلغه
عن عمر بن الخطاب شئ فأرسل إليه سلمان (رض) وقال قل له قد بلغني
عنك كيت وكيت وكرهت اعتب عليك في وجهك فينبغي ان لا تذكر
في إلا الحق فقد أغضيت على القذى حتى يبلغ الكتاب أجله فنهض سلمان
(رض) وبلغه ذلك وعاتبه وذكر مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وذكر
فضائله وبراهينه فقال عمر عندي الكثير من فضائل علي (ع) ولست
منكر فضله الا انه يتنفس الصعداء ويبغض البغضاء فقال سلمان (رض)
حدثني بشئ مما رأيته منه فقال عمر نعم يا أبا عبد الله خلوت به ذات يوم في
شئ من أمر الخمس فقطع حديثي وقام من عندي وقال مكانك حتى أعود
إليك فقد عرضت لي حاجة فما كان بأسرع من أن رجع علي ثانية وعلى ثيابه
وعمامته غبار كثير فقلت له ما شأنك فقال اقبل نفر من الملائكة وفيهم
رسول الله صلى الله عليه وآله يريدون مدينة بالمشرق يقال لها صيحون فخرجت لاسلم
عليه وهذه الغبرة ركبتني من سرعة المشي قال عمر فضحكت متعجبا حتى
استلقيت على قفاي وقلت له النبي صلى الله عليه وآله قد مات وبلى وتزعم انك لقيته
الساعة وسلمت عليه فهذا من العجائب مما لا يكون فغضب علي (ع) ونظر
إلي وقال أتكذبني يا ابن الخطاب فقلت لا تغضب وعد إلى ما كنا فيه فان
هذا مما لا يكون ابدا قال فان أنت رأيته حتى لا تنكر منه شيئا استغفرت
الله مما قلت وأضمرت وأحدثت توبة مما أنت عليه وتركت لي حقا فقلت
نعم فقال قم فقمت معه فخرجنا إلى طرف المدينة وقال غمض عينيك فغمضتها
62

فمسحها بيده ثلاث مرات ثم قال لي افتحهما ففتحتهما فنظرت فإذا انا برسول
الله صلى الله عليه وآله ومعه رجل من الملائكة لم أنكر منه شيئا فبقيت والله متحيرا
انظر إليه فلما اطلت النظر قال لي هل رأيته فقلت نعم قال اغمض عينيك
فغمضتها ثم قال افتحهما ففتحتهما فإذا لا عين ولا اثر فقلت له هل رأيت
من علي (ع) غير ذلك قال نعم لا أكتم عنك خصوصا انه استقبلني يوما
واخذ بيدي ومضى بي إلى الجبانة وكنا نتحدث في الطريق وكان بيده
قوس فلما صرنا في الجبانة رمى بقوسه من يده قصار ثعبان عظيما مثل ثعبان
موسى (ع) فتح فاه واقبل نحوي ليبتلعني فلما رأيت ذلك طار قلبي من
الخوف وتنحيت وضحكت في وجه علي عليه السلام وقلت له الأمان يا علي
ابن أبي طالب أذكر ما كان بيني وبينك من الجميل فلما سمع هذا القول استفرغ
ضاحكا وقال لطفت في الكلام فانا أهل بيت نشكر القليل فضرب بيده إلى
الثعبان واخذه بيده وإذا هو قوسه الذي كان بيده ثم قال عمر يا سلمان أبي
كتمت ذلك عن كل أحد وأخبرتك به يا أبا عبد الله فإنهم أهل بيت يتوارثون
هذه الأعجوبة كابرا عن كابر ولقد كان إبراهيم يأتي بمثل ذلك وكان
أبو طالب وعبد الله يأتيان بمثل ذلك في الجاهلية وانا لا أنكر فضل علي
(ع) وسابقه ونجدته وكثرة علمه فارجع إليه واعتذر عنى إليه واثن عني
عليه بالجميل.
(خبر آخر) روى أن امرأة تركت طفلا ابن ستة أشهر على سطح
فمشى الصبي يحبو حتى خرج من السطح وجلس على رأس الميزاب فجاءت
أمه على السطح فما قدرت عليه فجاؤوا بسلم ووضعوه على الجدار فما قدروا
على الطفل من اجل طول الميزاب وبعده عن السطح والام تصيح وأهل
الصبي كلهم يبكون وكان في أيام عمر بن الخطاب فجاؤوا إليه فحضر مع
القوم فتحيروا فيه وقالوا ما لهذا إلا علي بن أبي طالب فحضر علي عليه
السلام فصاحت أم الصبي في وجهه فنظر أمير المؤمنين إلى الصبي فتكلم الصبي
63

بكلام لا يعرفه أحد فقال عليه السلام احضروا هاهنا طفلا مثله فأحضروه
فنظر بعضهما إلى بعض وتكلم الطفلان بكلام الأطفال فخرج الطفل من
الميزاب إلى السطح فوقع فرح في المدينة لم ير مثله، ثم سألوا أمير المؤمنين
(ع) عن كلامهما فقال اما خطاب الطفل الأول فإنه سلم علي بأمرة المؤمنين
فرددت عليه واما لردت خطابه لأنه لم يبلغ حد الخطاب والتكليف فأمرت
يا حضار طفل مثله حتى يقول له بلسان الأطفال يا أخي ارجع إلى السطح
ولا تحرق قلت أمك وأبيك وعشيرتك بموتك فقال دعني يا أخي قبل ان
أبلغ فيستولي علي الشيطان فقال ارجع إلى السطح فعسى ان تبلغ ويجئ من
صلبك ولد يحب الله ورسوله ويوالي هذا الرجل فرجع إلى السطح بكرامة
الله تعالى على يد أمير المؤمنين عليه السلام.
(خبر آخر) روي أن امرأتين جاءتا إلى عمر بن الخطاب ومعهما صبي
صغير فادعت كل واحدة منهما ان الولد ولدها ولم يكن لواحدة منهما بينة
فتحير في ذلك عمر بن الخطاب وقال ما لهذا إلا علي بن أبي طالب (ع)
فأحضر (ع) فقصوا عليه القصة فأشار إلى قنبر فقال سل سيفك وأقسم
الصبي بنصفين متساويين واعط كل واحدة منهما نصفه فبكت الام وقالت
لا تقتله فاني رضيت بأن يكون لها جميعا وسكتت الأخرى فأمر صلوات الله
عليه برد الصبي إلى أمه.
(خبر آخر) روى عمار بن ياسر (رض) قال كنت بين يدي
مولاي أمير المؤمنين (ع) وإذا بصوت عظيم قد اخذ بمجامع الكوفة
فقال علي (ع) اخرج يا عمار وآتني بذي الفقار البتار للأعمار فجئت
به إليه فقال اخرج وامنع الرجل عن ظلامة المرأة فان انتهى وإلا منعته
بذي الفقار قال عمار فخرجت فإذا انا برجل وامرأة وقد تعلق الرجل بزمام
جملها والامرأة تقول ان الجمل جملي والرجل يقول الجمل جملي فقلت له ان
أمير المؤمنين ينهاك عن ظلم المرأة فقال يشتغل علي (بشغله) ويغسل
64

يده من دماء المسلمين الذين قتلهم بالبصرة يريد ان يأخذ جملي ويدفعه إلى هذه
المرأة الكاذبة فقال عمار (رض) فرجعت لاخبر مولاي وإذا به قد خرج
ولاح الغضب في وجهه فقال له يا ويلك خل جمل هذه المرأة فقال هو لي
فقال له أمير المؤمنين (ع) كذبت يا لعين قال فمن يشهد للامرأة يا علي فقال
الشاهد الذي لا يكذبه أحد من أهل الكوفة فقال الرجل إذا شهد شاهد
وكان صادقا سلمته المرأة فقال علي عليه السلام تكلم أيها الجمل لمن أنت
فقال الجمل بلسان فصيح يا أمير المؤمنين عليك السلام انا لهذه المرأة منذ
تسع عشرة سنة فقال (ع) خذي جملك وعارض الرجل بضربة قسمه
نصفين.
(خبر آخر) قال بعض الثقاة اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في
عام فتح مكة فقالوا يا رسول الله ان من شأن الأنبياء إذا استقام أمرهم ان
يدلوا على وصي من بعدهم فيقوم بأمرهم صلى الله عليه وآله ان الله تعالى قد وعدني
ان يبين لي هذه الليلة الوصي من بعدى والخلفة الذي يقوم بأمري بآية من
السماء فلما فرغ الناس من صلاة العشاء الآخرة من تلك الليلة ودخل الناس
البيوت وكانت ليلة ظلماء لا قمر فيها فإذا نجم قد نزل من السماء بدوي عظيم
وشعاع هائل حتى وقف على ذروة حجرة علي بن أبي طالب (ع) وصارت
الحجرة كالنهار أضاءت الدور بشعاعه ففزع الناس وجاؤوا يهرعون إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون ان الآية التي وعدتنا بها نزلت وهو نجم قد
نزل على ذروة دار علي بن أبي طالب عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وآله فهو
الخليفة من بعدى والقائم من بعدى والوصي من بعدى والولي بأمر الله تعالى
فأطيعوه ولا تخالفوه فخرجوا من عنده فقال الأول للثاني ما يقول في ابن
عمه الا بالهوى وقد ركبته الغواية فيه حتى لو أراد ان يجعله نبيا من بعده
لفعل فأنزل تعالى: (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما
65

ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحي علمه شديد القوى) السورة.
وقال في ذلك العيوني!
من صاحب الدار التي انقض بها * نجم من الأفق فلم أنكرتم
(خبر آخر) روى الإمام الصادق عليه السلام انه كان جالسا في
الحرم في مقام إبراهيم (ع) فجاءه رجل شيخ كبير قد فنى عمره في المعصية
فنظر إلى الصادق (ع) فقال نعم الشفيع إلى الله للمذنبين ثم اخذ بأستار
الكعبة وأنشأ يقول:
بحق جلاء وجهك يا ولي * بحق الهاشمي الأبطحي -
بحق الذكر إذ يوحي إليه * بحق وصيه البطل الكمي -
بحق أئمة سلفوا جميعا * على منهاج جدهم النبي -
بحق القائم المهدى إلا * غفرت خطيئة العبد المسي
قال فسمع هاتفا يقول يا شيخ كان ذنبك عظيما ولكن غفرنا لك
جميع ذنوبك لحرمة شفائك فلو سألتنا ذنوب أهل الأرض لغفرنا لهم غير
عاقر الناقة وقتلة الأنبياء والأئمة الطاهرين.
(خبر آخر) معجزة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) روى أن
جماعة من أصحاب رسول الله اتوه وقالوا يا رسول الله عليك السلام
ان الله اتخذ إبراهيم (ع) خليلا وكلم موسى تكليما وكان عيسى (ع)
يحيي الموتى فما صنع ربك بك فقال النبي (ع) ان الله سبحانه وتعالى إن كان
اتخذ إبراهيم خليلا فقد اتخذني حبيبا وإن كان كلم موسى من وراء
حجاب فقد رأيت جلال ربى وكلمني مشافهة أي بغير واسطة وإن كان
عيسى يحيي الموتى بإذن الله تعالى فان شئتم أحييت لكم موتاكم باذنه تعالى فقالوا
قد شئنا فأرسل معهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعد أن رداه بردائه
66

كان اسم الرداء المستجاب واخذ منطقته فشده بها وسطه ثم أمرهم ان
يسيروا مع علي (ع) إلى مقابر فلما اتوا المقابر سلم (ع) على أهل القبور
ودعا وتكلم بكلام لا يفقهوه فاضطربت الأرض وارتجت وقام الموتى وقالوا
بأجمعهم على رسول الله السلام ثم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
داخلهم رعب شديد فقالوا حسبك يا أبا الحسن أقلنا أقالك الله فامسك عن
استمرار كلام ودعاء فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا
يا رسول الله أقلنا أقالك الله فقال لهم إنما رددتم على الله لا أقالكم الله
يوم القيامة.
(خبر آخر) روى عن الإمام علي (ع) انه كان يطلب قوما من
الخوارج فلما بلغ الموضع المعروف اليوم بساباط وكان هو ومن تابعه من
الخوارج منهم عبد الله بن وهب بن عمرو بن جرموز فلما ان وصل إلى الموضع
المعروف بساباط ثوران أتاه رجل من شيعته وقال يا أمير المؤمنين انا لك شيعة
ومحب ولي أخ وكنت شفيقا عليه فبعثه عمر في جنود سعد بن أبي وقاص
إلى قتال أهل المدائن فقتل هناك وكان من وقت مقتله إلى اليوم عدة سنين
كثيرة فقال أمير المؤمنين (ع) فما الذي تريد منه قال أريد ان تحييه لي قال
علي (ع) لا فائدة لك في حياته قال لابد من ذلك يا أمير المؤمنين قال له إذا
أبيت إلا ذلك فارني قبره ومقتله فأراه إياه فمد الرمح وهو راكب بغلته الشهباء
فركز القبر بأسفل الرمح فخرج رجل أسمر طويل يتكلم بالعجمة فقال له
أمير المؤمنين (ع) لم تتكلم بالعجمة وأنت رجل من العرب فقال بلي ولكن
بغضك في قلبي ومحبة أعدائك في قلبي فانقلب لساني في النار فقال الرجل
يا أمير المؤمنين رده من حيث جاء فلا حاجة لنا فيه فقال له أمير المؤمنين (ع)
ارجع فرجع إلى القبر وأنطبق عليه أعاذنا الله من ذلك الحال والحمد الله على
ولاية علي عليه السلام.
67

(خبر الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام) وهو مشهور عند جميع
الرواة قالوا إنه لما رجع أمير المؤمنين (ع) من قتال أهل النهروان اخذ على
النهروانات واعمال العراق ولم يكن يومئذ بنى بيت ببغدان فلما وافى ناحية
براثا صلى بالناس الظهر فرحلوا ودخل ارض بابل وقد وجبت صلاة العصر
فصاح الناس يا أمير المؤمنين هذا وقت العصر فقال أمير المؤمنين (ع) هذه
ارض مخسوف بها وقد خسف بها ثلاث مرات ويخشى عليها تمام الرابعة
فلا يحل لنبي ولا لوصي ان يصلي بها فمن أراد منكم ان يصلي فليصل فقال
المنافقون منهم نعم هو لا يصلي ويقتل من يصلي يعنون بذلك أهل النهروان
قال جويرية بن مهران العبدي فتبعته في مائة فارس وقلت والله لا اصلى أو
يصلي هو وإلا قلدته صلاتي اليوم فقال أمير المؤمنين (ع) (اعملوا ما شئتم
انه بما تعملون بصير) فسارع إلى أن قطع ارض بابل وقد تدلت الشمس
للغروب ثم غابت واحمر الأفق قال فالتفت إلي وقال يا جويرية هات الماء قال
فقدمت إليه الاناء فتوضأ ثم قال اذن يا جويرية فقلت يا أمير المؤمنين (ع)
ما وجب وقت العشاء بعد قال (ع) قم واذن للعصر فقلت في نفسي كيف
يقول أذن للعصر وقد غربت الشمس ولكن علي الطاعة فاذنت فقال لي أقم
ففعلت فبينما أنافي الإقامة إذ تحركت شفتاه بكلام كأنه منطق خطاطيف
لا يفقه فرجعت الشمس بصرير عظيم حتى وقفت في مركزها من العصر
فقام (ع) وكبر وصلى وصلينا ووراءه فلما فرع من صلاته وقعت الشمس
كأنها سراجة في وسط ماء وغابت اشتبكت النجوم وأزهرت فالتفت إلي
وقال أذن الآن للعشاء يا ضعيف اليقين.
قال وردت له (ع) في حياة النبي صلى الله عليه وآله بمكة وقد كان النبي صلى الله عليه وآله
قد غشيه الوحي فوضع رأسه في حجر أمير المؤمنين (ع) وحضر وقت
العصر فلم يبرح من مكانه وموضعه حتى غربت الشمس فاستيقظ النبي صلى الله عليه وآله
وقال اللهم ان عليا (كان في طاعتك) فرد عليه الشمس ليصلى العصر
68

فردها الله عليه بيضاء نقية حتى صلى ثم غابت وقال السيد الحميري في ذلك
قصيدته المعروفة بالمذهبة، ومنها:
خير البرية بعد احمد من له * مني الهوي والى بنيه تطربي -
امسى وأصبح معصما مني له * يهوى وحبل ولائه لم يقضب -
ردت عليه الشمس لما فاته * وقت الصلاة وقد دنت للمغرب -
حتى تبلج نورها في وقتها * للعصر ثم هوت هوى الكواكب -
وعليه قد حبست ببابل مرة * أخرى وما حسبت لخلق معرب -
إلا ليوشع أوله ولحبسها * ولردها تأويل أمر معجب
(خبر كلام الشمس معه (ع)) أبي ذر الغفاري قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله لعلي (ع) إذا كان غد وقت طلوع الشمس سير إلى جبانة
البقيع وقف على نشز من الأرض فإذا بزغت الشمس سلم عليها فان الله تعالى
أمرها ان تجيبك بما فيك فلما كان من الغد خرج أمير المؤمنين (ع) ومعه
أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين والأنصار حتى اتى البقيع ووقف على
نشز من الأرض فلما طلعت الشمس قال عليه السلام، السلام عليك يا خلق
الله الجديد المطيع له فسمع دوى من السماء وجواب قائل يقول السلام عليك
يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكل شئ عليم فسمع الاثنان الأول
والثاني والمهاجرين والأنصار كلام الشمس فصعقوا ثم أفاقوا بعد ساعة
وقد انصرف أمير المؤمنين (ع) عن ذلك المكان فقاموا واتوا إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله مع الجماعة فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله انا نقول إن عليا بشر مثلنا
والشمس تخاطبه بما يخاطب به الباري نفسه فقال النبي صلى الله عليه وآله فما سمعتموه
قالوا سمعنا الشمس تقول السلام عليك يا أول قال قالت الصدق هو أول من
آمن بي فقالوا سمعناها تقول يا آخر فقال قالت صدق هو آخر الناس عهدا
بي يغسلني ويكفنني ويدخلني قبري فقالوا سمعناها تقول يا ظاهر فقال قالت
الصدق هو الذي أظهر علمي فقالوا سمعناها تقول يا باطن فقال قالت الصدق
69

هو الذي بطن سرى كله فقالوا سمعناها تقول يا من هو بكل شئ عليم فقال
قالت الصدق هو اعلم بالحلال والحرام والسنن والفرائض وما يشاكل على ذلك
فقاموا وقالوا أوقعنا محمد في طخياء وخرجوا من باب المسجد فقال في
ذلك أبو محمد العوني (رض):
أمامي كليم الشمس راجع نورها * فهل لكليم الشمس في القوم من مثل
(خبر الجام) روى أن جبرئيل (ع) نزل على النبي صلى الله عليه وآله بجام من
الجنة فيه فاكهة كثيرة فدفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله فسبح الجام وكبر وهلل في
يده ثم دفعه إلى أبي بكر فسكت الجام ثم دفعه إلى عمر فسكت الجام ثم دفعه
إلى أمير المؤمنين (ع) فسبح الجام وكبر وهلل في يده ثم قال الجام اني
أمرت ان لا أتكلم الا في يد نبي أو وصي ثم عرج إلى السماء وهو يقول
بلسان فصيح يسمعه كل أحد (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا).
(خبر كلام الثعبان) روي عن أمير المؤمنين (ع) انه كان يخطب
يوم الجمعة على منبر الكوفة إذ سمع وحاة عدو الرجال يتواقعون بعضهم على
بعض فقال لهم مالكم قالوا يا أمير المؤمنين ان ثعبانا عظيما قد دخل من باب
المسجد ونحن نفزع منه فنريد ان نقتله فقال * ع * لا يقربنه أحد منكم ابدا
وطرقوا له فإنه رسول قد جاء في حاجة فطرقوا له فما زال يتخلل الصفوف
صفا بعد صف حتى صعد المنبر فوقع فمه في اذن علي بن أبي طالب * ع *
فنق نقيقا وتطاول وأمير المؤمنين * ع * يحرك رأسه ثم نق أمير المؤمنين
* ع * مثل نقيقه ونزل عن المنبر فانساب بين الجماعة فالتفتوا فلم يروه فقالوا
يا أمير المؤمنين * ع * ما خبر هذا الثعبان فقال * ع * هذا درجان بن مالك
خليفتي على المسلمين من الجن وذلك انهم اختلفوا في أشياء فانفذوه إلي وسألني
عنها فأخبرته بجواب مسائله فرجع إلى قومه.
(خبر الجمجمة) عن أبي الأحوص عن أبيه عن عمار الساباطي قال
70

قدم أمير المؤمنين (ع) المدائن فنزل بإيوان كسرى وكان معه دلف بن مجير
فلما صلى قام وقال دلف قم معي وكان معهم جماعة من أهل ساباط فما زال
يطوف منازل كسرى ويقول لدلف كان لكسرى في هذا المكان كذا وكذا
ويقول دلف هو والله كذلك فما زال كذلك حتى طاف المواضع وأخبر عن
جميع ما كان فيها ودلف يقول يا سيدي ومولاي كأنك وضعت هذه الأشياء
في هذه الأمكنة ثم نظر (ع) إلى جمجمة نخرة فقال لبعض أصحابه خذ
هذه الجمجمة وكانت مطروحه ثم جاء (ع) إلى الإيوان جلس فيه ودعا
بطست فيه ماء فقال للرجال دع هذه الجمجمة في الطست ثم قال (ع) قسمت
عليك يا جمجمة لتخبريني من انا ومن أنت فقالت الجمجمة بلسان فصيح اما
أنت فأمير المؤمنين وسيد الوصيين وامام المتقين واما انا فعبدك وابن أمتك
كسرى أنو شيروان فقال له أمير المؤمنين (ع) كيف حالك فقال يا أمير
المؤمنين اني كنت ملكا عادلا شفيقا على الرعايا رحيما لا أرضي بظلم ولكن
كنت على دين المجوس وقد ولد محمد صلى الله عليه وآله في زمان ملكي فسقط من
شرفات قصري ثلاث وعشرون شرفة ليلة ولد فهممت ان أؤمن به من كثرة
ما سمعت من الزيادة من أنواع شرفه وفضله ومرتبته وعزه في السماوات
والأرض ومن شرف أهل بيته ولكني تغافلت عن ذلك وتشاغلت عنه في
الملك فيالها من نعمة ومنزلة ذهبت مني حيث لم أؤمن به فانا محروم من الجنة
لعدم ايماني به ولكني مع هذا الكفر خلصني الله تعالى من عذاب النار ببركة
عدلي وانصافي بين الرعية فأنا في النار والنار محرومة علي فواحسرتاه لو
آمنت به لكنت معك يا سيد أهل بيت محمد ويا أمير المؤمنين قال فبكى الناس
وانصرف القوم الذين كانوا معه من أهل ساباط إلى أهلهم وأخبروهم بما
كان وبما جرى من الجمجمة فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين (ع)
فقال المخلصون منهم ان أمير المؤمنين (ع) عبد الله ووليه ووصي رسول
الله صلى الله عليه وآله وقال بعضهم بل هو النبي صلى الله عليه وآله وقال بعضهم بل هو الرب
71

وهم مثل عبد الله بن سبا وأصحابه وقالوا لولا أنه الرب وإلا كيف يحيي الموتى
قال فسمع بذلك أمير المؤمنين (ع) فضاق صدره واحضرهم وقال يا قوم
غلب عليكم الشيطان إن انا الا عبد الله أنعم علي بإمامته وولايته ووصيته
رسوله صلى الله عليه وآله فأرجعوا عن الكفر فانا عبد الله وابن عبده ومحمد صلى الله عليه وآله
خير مني وهو أيضا عبد الله وان نحن إلا بشر مثلكم فخرج بعض من الكفرة
وبقى قوم على الكفر ما رجعوا فألح عليهم أمير المؤمنين (ع) بالرجوع فما
رجعوا فأحرقهم بالنار وتفرق منهم قوم في البلاد وقالوا لولا أن فيه من
الربوبية والا فما كان أحرقنا بالنار فنعوذ بالله من الخذلان.
(خبر جمجمة أخرى) روى أبو رواحة الأنصاري عن المغربي قال
كنت مع أمير المؤمنين (ع) وقد أراد حرب معاوية فنظر إلى جمجمة في
جانب الفرات وقد أتت عليها الأزمنة فمر عليها أمير المؤمنين فدعاها فأجابته
بالتلبية وتدحرجت بين يديه وتكلمت بكلام فصيح فأمرها بالرجوع فرجعت
إلى مكانها كما كانت، فلما فرغ من حرب النهروان أبصرنا جمجمة نخرة
بالية فقال هاتوها فحركها بسوطه وقال أخبريني من أنت فقيرة أم غنية شقية
أم سعيدة ملك أم رعية فقالت بلسان فصيح السلام عليك يا أمير المؤمنين انا
پرويز بن هرمز ملك الملوك وكنت ملكا ظالما فملكت مشارقها ومغاربها سهلها
وجبلها برها وبحرها انا الذي اخذت الف مدينة في الدنيا وقتلت الف ملك
من ملوكها يا أمير المؤمنين انا الذي بنيت خمسين مدينة وفضضت خمسمائة
جارية بكر واشتريت الف عبد تركي والف أرمني والف رومي والف زنجي
وتزوجت بسبعين ألفا من بنات الملوك وما ملك في الأرض إلا غلبته وظلمت
أهله فلما جاءني ملك الموت قال لي يا ظالم يا طاغي خالفت الحق فتزلزلت
أعضائي وارتعدت فرائصي وعرض علي أهل جنسي فإذا هم سبعون ألفا من
أولاد الملوك قد شقوا من جنسي فلما رفع ملك الموت روحي سكن أهل
الأرض من ظلمي فانا معذب في النار ابد الابدين وكل الله بي سبعين الف
72

الف من الزبانية في يد كل واحد منهم مرزبة من نار لو ضربت جبال الأرض
لاحترقت الجبال وتدكدكت وكلما ضربني الملك بواحدة من تلك المرازب
اشتعل في النار واحترق فيحييني الله تعالى ويعذبني بظلمي على عباده ابد
الآبدين وكذلك وكل الله تعالى بعدد كل شعرة في بدني حية تلسعني
وعقربا تلدغني وكل ذلك أحس به كالحي في دنياه فتقول لي الحيات
والعقارب هذا جزاء ظلمك على عباده ثم سكتت الجمجمة فبكى جميع عسكر
أمير المؤمنين وضربوا على رؤوسهم وقالوا يا أمير المؤمنين جهلنا حقك بعد
ما اعلمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما خسرنا حقنا ونصيبنا فيك وإلا فأنت
ما ينقص منك شئ فاجعلنا في حل مما فرطنا فيك ورضينا بغيرك على مقامك
فنحن نادمون فأمر (ع) بتغطية الجمجمة فعند ذلك وقف ماء النهر من
الجرى وصعد على وجه الماء كل حيوان وسمك كان في النهر فتكلم كل
واحد منها مع أمير المؤمنين (ع) ودعا وشهد له بإمامته وفي ذلك يقول
بعضهم:
سلامي على زمزم والصفا * سلامي على سدرة المنتهى -
لقد كلمتك لدى النهروان * نهارا جماجم أهل الثرى -
وقد بدرت لك حيتانها * تناديك مذعنة بالولا
(خبر آخر) قال عمار بن ياسر (رض) كنت مع مولاي أمير المؤمنين
عليه السلام وقد خرج من الكوفة إذ عبر بضيعة يقال لها النخلة على بعد
فرسخين من الكوفة فخرج منها خمسون رجلا من اليهود قالوا أنت الإمام علي
بن أبي طالب فقال (ع) انا هو فقالوا لنا صخرة مذكورة في كتبنا
عليها اسم ستة من الأنبياء ونحن نطلب الصخرة فلم نجدها فان كنت إماما
أوجد لنا الصخرة فقال (ع) اتبعوني فسارع القوم خلفه إلى أن توسط
بهم البر وإذا بحبل من الرمل عظيم فقال عليه السلام أيتها الريح انسفي الرمل
عن الصخرة بإذن الله تعالى فما كان إلا ساعة حتى نسفت الرمل عن الصخرة
73

وظهرت الصخرة فقال (ع) هذه الصخرة صخرتكم فقالوا ان عليها اسم
ستة من الأنبياء على ما سمعنا قرأنا في كتبنا ولسنا نرى عليها الأسماء فقال
(ع) اما الأسماء التي عليها فهي في وجهها الذي على الأرض فاقلبوها
فاعصوا صبوا عليها وهم جماعة زهاء الف رجل فما قدروا على قلبها فقال (ع) تنحوا عنها فمد يده إليها وهو راكب فقلبها فوجدوا فيها أسماء الأنبياء الستة
(ع) وهم أصحاب الشرايع وهم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى
ومحمد صلى الله عليه وآله فقال نفر اليهود نشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وانك أمير المؤمنين وسيد الوصيين والحجة على أهل الأرض أجمعين
من عرفك فقد نجا وسعد ومن أنكرك فقد ضل وغوى وإلى الجحيم هوى
جلت مناقبك عن التحديد وكثرت آثار نعمتك عن التعديد وحظك من الله
حظ سعيد وخيرك منه مزيد.
(خبر صفوان الأكحل (رض)) روي عن عمار بن ياسر (رض)
أنه قال كان أمير المؤمنين (ع) جالسا على دكة القضاء فنهض إليه رجل
يقال له صفوان بن الأكحل وقال له انا رجل من شيعتك وعلي ذنوب فأريد
ان تطهرني منها في الدينا لأصل إلى الآخرة وما علي ذنب فقال الامام قل
لي بأعظم ذنوبك ما هي فقال انا الوط بالصبيان فقال (ع) أيما أحب إليك
ضربة بذى الفقار أو اقلب عليك جدارا أو اضرم لك نارا فان ذلك جزاء
من ارتكب ما ارتكبته فقال يا مولاي أحرقني بالنار لأنجو من نار الآخرة
فقال علي (ع) يا عمار أجمع الف حزمة قصب لضرمه غداة غد بالنار ثم
قال للرجل انهض وأوص بمالك وبما عليك قال فنهض الرجل وأوصى
بماله وما عليه وقسم أمواله بين أولاده وأعطى كل ذي حق حقه ثم أتى
باب حجرة أمير المؤمنين (ع) في بيت نوح (ع) شرقي جامع الكوفة فلما
صلى أمير المؤمنين (ع) قال يا عمار ناد بالكوفة اخرجوا وانظروا حكم
أمير المؤمنين فقال جماعة منهم كيف يحرق رجلا من شيعته ومحبيه وهو
74

الساعة يريد حرقة بالنار فتبطل إمامته فسمع ذلك أمير المؤمنين (ع) قال
عمار (رض) فاخذ الإمام عليه السلام الرجل وبنى عليه الف حزمة من
القصب وأعطاه مقدحة وكبريتا وقال اقدح واحرق نفسك فان كنت من
شيعتي ومحبى وعارفي فإنك لا تحرق في النار وان كنت من المخالفين المكذبين
فالنار تأكل لحمك وتكسر عظمك قال فقدح الرجل على نفسه واحترق
القصب وكان على الرجل ثياب بيض فلم تعلق بها النار ولم يقربها الدخان
فاستفتح الإمام (ع) وقال (كذب العاذلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا)
ثم قال شيعتنا امناء وانا قسيم الجنة والنار وشهد لي رسول الله صلى الله عليه وآله في
مواطن كثيرة.
(خبر مالك بن نويرة) قال البراء بن عازب بينا رسول الله صلى الله عليه وآله
جالس في أصحابه إذا اتاه وفد من بنى تميم مالك بن نويرة فقال يا رسول
الله صلى الله عليه وآله علمني الايمان فقال رسول الله * ص * تشهد ان لا إله الا الله
وحده لا شريك له واني رسول الله وتصلي الخمس وتصوم رمضان وتؤدي
الزكاة وتحج البيت وتوالي وصي هذا من بعدي وأشار إلى علي (ع) بيده
ولا نسفك دما ولا نسرق ولا تخون ولا تأكل مال اليتيم ولا تشرب الخمر
وتوفى بشرائعي وتحلل حلالي وتحرم حرامي وتعطي الحق من نفسك
للضعيف والقوى والكبير والصغير حتى عد عليه شرائع الاسلام فقال
يا رسول الله صلى الله عليه وآله أعد علي فاني رجل نساء فأعاد عليه فعقدها بيده وقام
وهو يجر ازاره وهو يقول تعلمت الايمان ورب الكعبة فلما بعد من رسول
الله صلى الله عليه وآله قال من أحب ان ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا
الرجل فقال أبو بكر وعمر إلى من تشير يا رسول الله فاطرق إلى الأرض
فجدا في السير فلحقاه فقالا لك البشارة من الله ورسوله بالجنة فقال أحسن الله
تعالى بشارتكما ان كنتما ممن يشهد بما شهدت به فقد علمتما ما علمني النبي محمد
75

صلى الله عليه وآله وان لم تكونا كذلك فلا أحسن الله بشارتكما فقال أبو بكر لا تقل
فانا أبو عائشة زوجة النبي * ع * قال قلت ذلك فما حاجتكما قالا انك من
أصحاب الجنة فاستغفر لنا فقال لا غفر الله لكما تتركان رسول الله صاحب
الشفاعة وتسألاني استغفر لكما فرجعا والكآبة لائحة في وجهيهما فلما رآهما
رسول الله * ص * تبسم وقال أفي الحق مغضبة فلما توفى رسول الله ورجع
بنو تميم إلى المدينة ومعهم مالك بنو نويرة فخرج لينظر من قام مقام رسول
الله * ص * فدخل يوم الجمعة وأبو بكر على المنبر يخطب بالناس فنظر إليه
وقال أخو تيم قالوا نعم قال فما فعل وصي رسول الله * ص * الذي امرني
بموالاته قالوا يا اعرابي الامر يحدث بعده الامر قال بالله ما حدث شئ وانكم
قد خنتم الله ورسوله ثم تقدم إلى أبى بكر وقال من أرقاك هذ المنبر ووصي
رسول الله * ص * جالس فقال أبو بكر اخرجوا الاعرابي البوال على عقبيه
من مسجد رسول الله * ص * فقام إليه قنفذ بن عمير وخالد بن الوليد فلم
يزالا يلكزان عنقه حتى أخرجاه فركب راحلته وأنشأ يقول:
أطعنا رسول الله ما كان بيننا * فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر -
إذا مات بكر قام عمر ومقامه * فتلك وبيت الله قاصمة الظهر -
يدب ويغشاه العشار كأنما * يجاهد جما أو يقوم على قبر -
فلو قام فينا من قريش عصابة * أقمنا ولكن القيام على جمر
قال فلما استتم الامر لأبي بكر وجه خالد بن الوليد وقال له قد علمت
ما قاله مالك على رؤس الاشهاد ولست آمن ان يفتق علينا فتقا لا يلتئم
فاقتله. فحين أتاه خالد ركب جواده وكان فارسا يعد بألف فخاف خالد منه
فامنه وأعطاه المواثيق ثم غدر به بعد أن القى سلاحه فقتله وأعرس بامرأته
في ليلته وجعل رأسه في قدر فيها لحم جزور لوليمة عرسه وبات ينزو عليها
نزو الحمار والحديث طويل.
76

(خبر الشيخ معاذ بن جبل مع معاوية بن أبي سفيان) قال جابر ابن
عبد الله الأنصاري * رض * كنت انا ومعاوية بن أبي سفيان بالشام فبينما
نحن ذات يوم إذ نظرنا إلى شيخ وهو مقبل من صدر البرية من ناحية
العراق فقال معاوية عرجوا بنا إلى هذا الشيخ لنسأله من أين أقبل والى
أين يريد وكان عند معاوية أبو الأعور السلمي وولدا معاوية خالد ويزيد
وعمر بن العاص قال فعرجنا إليه فقال له معاوية من أين أقبلت يا شيخ
وأين تريد فلم يجبه الشيخ فقال عمرو بن العاص لم لا لا تجيب أمير المؤمنين
فقال الشيخ ان الله جعل التحية غير هذه فقال معاوية صدقت يا شيخ
وأخطأنا وأحسنت وأسأنا السلام عليك قال وعليك السلام فقال معاوية
ما اسمك يا شيخ فقال اسمي معاذ بن جبل وكان ذلك الشيخ طاعنا في السن
بيده شئ من الحديد ووسطه مشدود بشريط من ليف المقل وعليه كساء
قد سقطت لحمته وبقيت سداته وقد بانت شراسيف خديه وقد غطت حواجبه
عينيه فقال معاوية يا شيخ من أين أقبلت والى أين تريد قال الشيخ اتيت
من العراق أريد بيت المقدس قال معاوية كيف تركت العراق قال على الخير
والبركة والاتفاق لعلك اتيت من الكوفة من الغري قال الشيخ وما الغري
قال معاوية الذي فيه أبو تراب قال الشيخ من تعنى بذلك ومن هو أبو
تراب قال علي بن أبي طالب قال له الشيخ ارغم الله انفك ورض الله
فاك ولعن الله أمك واباك ولم لا تقول الإمام العادل والغيث الهاطل يعسوب
الدين وقاتل المشركين والناكثين والقاسطين والمارقين سيف الله المسلول
وابن عم الرسول وزوج البتول تاج الفقهاء وكنز الفقراء وخامس أهل
العباء والليث الغالب أبو الحسنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام
فعندها قال معاوية يا شيخ انى أرى لحمك ودمك قد خالط لحم علي بن أبي
طالب ودمه فلو مات على ما أنت فاعل قال لا اتهم في فقده ربى وأجلل في
77

بعده حزنى واعلم أن الله لا يميت سيدي وامامي حتى يجعل من ولده حجة
قائمة إلى يوم القيامة فقال يا شيخ هل تركت من بعدك امرءا تفتخر به قال
وكيف لا وقد تركت الفرس الأشقر والحجر المدور والمنهاج لمن أراد
المعراج قال عمرو بن العاص لعله لا يعرفك يا أمير المؤمنين فسأله معاوية
فقال له يا شيخ هل تعرفني قال من أنت فقال انا معاوية انا الشجرة الزكية
والفروع العلية انا سيد بني أمية فقال له الشيخ بل أنت اللعين ابن اللعين على
لسان نبيه في كتابه المبين ان الله قال في قوله تعالى والشجرة الملعونة في
القرآن والشجرة الخبيثة والعروق المخبثة الخسيسة الذي ظلم نفسه وربه وقال
فيه نبيه الخلافة محرمة على آل أبي سفيان الزنيم ابن آكلة الأكباد الفاشي
ظلمه في العباد فعندها اغتاظ معاوية وحنق عليه فرد يده إلى قائم سيفه وهم
بقتل الشيخ ثم قال لولا العفو أحسن لاخذت رأسك ثم قال له أرأيت لو
كنت فاعلا ذلك قال الشيخ إذا والله أفوز بالسعادة وتفوز أنت بالشقاوة
وقد قتل من هو شر منك من هو خير منى فقال معاوية ومن ذلك قال الشيخ
عثمان نفى أبا ذر وضربه حتى مات وهو خير مني وعثمان شر منك قال معاوية
يا شيخ هل كنت حاضرا يوم الدار قال وما يوم الدار قال معاوية يوم قتل
علي عثمان فقال الشيخ بالله ما قتله ولو فعل ذلك لاعتلاه بأسياف حداد وسواعد
شداد وكان يكون في ذلك مطيعا لله ولرسوله قال معاوية يا شيخ هل
حضرت يوم صفين قال وما غبت عنها قال كيف كنت فيها قال الشيخ
أيتمت منك أطفالا وأرملت منك نسوانا كنت كالليث اضرب بالسيف تارة
وبالرمح أخرى قال معاوية هل ضربتني شئ قط قال الشيخ ضربتك بثلاثة
وسبعين سهما فانا صاحب السهمين اللذين وقعا في بردتك وصاحب السهمين
اللذين وقعا في مسجدك وصاحب السهمين اللذين وقعا في عضديك ولو
78

كشفت الآن لأريك مكانهما فقال معاوية للشيخ هل حضرت يوم الجمل
قال وما يوم الجمل قال معاوية يوم قاتلت عائشة عليا قال وما غبت عنه قال
معاوية يا شيخ الحق مع علي أم مع عائشة قال الشيخ بل مع علي قال معاوية
يا شيخ ألم يقل الله وأزواجه أمهاتهم وقال النبي صلى الله عليه وآله هي أم المؤمنين قال
الشيخ ألم يقل الله تعالى يا نساء النبي إلى قوله وقرن في بيوتكن ولا تبرجن
تبرج الجاهلية الأولى وقال النبي صلى الله عليه وآله أنت يا علي خليفتي على نسائي
وأهلي وطلاقهن بيدك أفتراها خالفت الله تعالى في ذلك عاصية الله ورسوله
خارجة من بيتها وهي في ذلك سفكت دماء المسلمين وأذهبت أموالهم
فلعنة الله على القوم الظالمين وهي كامرأة في توح النار ولبئس مثوى
الكافرين قال معاوية يا شيخ ما جعلت لنا شيئا نحج به عليك فمتى ظلمت
الأمة وطفيت عنهم قناديل الرحمة قال لما صرت أميرها وعمرو بن العاص
وزيرها قال فاستلقى معاوية على قفاه من الضحك وهو على ظهر فرسه
فقال يا شيخ هل لك من شئ تقطع به لسانك قال ما عندك قال
عشرون ناقة حمراء حملة عسلا وبرا وسمنا وعشرة آلاف درهم تنفقها
على عيالك وتستعين بها على زمانك قال الشيخ لست أقبلها قال ولم ذلك
قال الشيخ لأني سمعت رسول الله يقول درهم حلال خير من ألف درهم
حرام قال معاوية لان أقمت معي في دمشق لأضربن عنقك قال ما انا بمقيم
معك فيها قال معاوية ولم ذلك قال الشيخ لان الله تعالى يقول ولا تركنوا
إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم
لا تنصرون وأنت أول ظالم وآخر ظالم ثم توجه الشيخ إلى بيت المقدس
وهذا آخر الحديث
79

(خبر مفاخرة علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء (ع)) روي أنه
جاء في الخبر ان الإمام علي بن أبي طالب (ع) كان ذات يوم هو وزوجته
فاطمة (ع) يأكلان تمرا في الصحراء إذا تداعبا بينهما بالكلام فقال علي
(ع) يا فاطمة إن النبي صلى الله عليه وآله يحبني أكثر منك فقالت واعجبا
منك يحبك أكثر مني وانا ثمرة فؤاده وعضو من أعضائه وغصن من أغصانه
وليس له ولد غيري فقال لها علي (ع) يا فاطمة إن لم تصدقيني فأمضي بنا
إلى أبيك محمد صلى الله عليه وآله قال فمضينا إلى حضرته صلى الله عليه وآله فتقدمت وقالت
يا رسول الله صلى الله عليه وآله أينا أحب إليك انا أم علي صلى الله عليه وآله قال النبي صلى الله عليه وآله
أنت أحب إلي وعلي أعز علي منك فعندها قال سيدنا ومولانا الامام على
ابن أبي طالب (ع) ألم أقل لك انا ولد فاطمة ذات التقى قالت فاطمة وأنا
ابنة خديجة الكبرى قال علي (ع) وأنا ابن الصفا قالت فاطمة أنا ابنة
سدرة المنتهي قال علي وأنا فخر الورى قالت فاطمة وأنا ابنة دنى فتدلى
وكان من ربه قاب قوسين أو أدنى قال علي وأنا ولد المحصنات قالت فاطمة
أنا بنت الصالحات والمؤمنات قال علي خادمي جبرائيل قالت فاطمة
وأنا خاطبني في السماء راحيل وخدمتني الملائكة جيلا بعد جيل قال علي وأنا
ولدت في المحل البعيد المرتقى قالت فاطمة وانا زوجت في الرفيع الاعلى وكان
ملاكي في السماء قال علي أنا حامل اللواء قالت فاطمة وأنا ابنة من عرج به
إلى السماء قال علي أنا ابن صالح المؤمنين قالت فاطمة وأنا ابنة خاتم النبيين
قال على وأنا الضارب على التنزيل قالت فاطمة وأنا صاحبة التأويل قال
علي وأنا شجرة تخرج من طور سينين قالت فاطمة وأنا الشجرة التي نخرج
اكلها أعني الحسن والحسين (ع) قال علي وأنا المثاني والقرآن الحكيم
قالت فاطمة وأنا ابنة النبي صلى الله عليه وآله الكريم قال علي وأنا النبأ العظيم
قالت فاطمة وأنا ابنة الصادق الأمين قال علي وأنا الحبل المتين قالت
فاطمة وأنا ابنة خير الخلق أجمعين قال علي أنا ليث الحروب قالت فاطمة
80

أنا من يغفر الله به الذنوب قال علي وأنا المتصدق بالخاتم قالت فاطمة وأنا
ابنة سيد العالم قال علي أنا سيد بني هاشم قالت أنه ابنة محمد المصطفى قال علي
أنا الامام المرتضى قالت فاطمة أنا ابنة سيد المرسلين قال علي أنا سيد الوصيين
قالت فاطمة أنا ابنة النبي العربي قال علي وأنا الشجاع الكمي قالت فاطمة وأنا
ابنة احمد النبي صلى الله عليه وآله قال على أنا المبطل الأروع قالت فاطمة أنا الشفيع
المشفع قال على أنا قسيم الجنة والنار قالت فاطمة أنا ابنة محمد المختار قال على
أنا قاتل الجان قالت فاطمة أنا ابنة رسول الملك الديان قال على أنا خيرة الرحمن
قالت فاطمة وأنا خيرة النسوان قال على وانا مكلم أصحاب الرقيم قالت
فاطمة وأنا ابنة من ارسل رحمة للمؤمنين وبهم رؤوف رحيم قال على وانا
الذي جعل الله نفسي نفس محمد صلى الله عليه وآله حيث يقول في كتابه العزيز وأنفسنا
وأنفسكم قالت فاطمة وانا الذي قال في ونساؤنا ونساؤكم وأبناؤنا وأبناؤكم
قال على انا علمت شيعتي القرآن قالت فاطمة وأنا يعتق الله من أحبني من
النيران قال انا شيعتي من علمي يسطرون قالت فاطمة وانا من بحر علمي
يغترفون قال على انا الذي اشتق الله تعالى اسمى من اسمه فهو العالي وانا على
قالت فاطمة وانا كذلك فهو الفاطر وانا فاطمة قال علي (ع) انا حياة
العارفين قالت فاطمة انا مسلك نجاة الراغبين قال على وانا الحواميم قالت
فاطمة وانا ابنة الطواسين قال على وانا كنز الغنى قالت فاطمة وانا الكلمة
الحسنى قال على انا أبي تاب الله على آدم في خطيئته قالت فاطمة وانا بي قبل
الله توبته قال على انا كسفينة نوح من ركبها نجا قالت فاطمة وانا أشاركك
في الدعوى قال على انا طوفانه قالت فاطمة وانا سورته قال على وانا
النسيم المرسل لحفظه قالت فاطمة وانا مني انهار الماء واللبن والخمر والعسل
في الجنان قال على وانا الطور قالت فاطمة وانا الكتاب المسطور قال على
81

وانا الرق المنشور قالت فاطمة وانا البيت المعمور قال على وانا السقف
المرفوع قالت فاطمة وانا البحر المسجور قال على انا علمي النبيين قالت
فاطمة وانا ابنة سيد المرسلين من الأولين والآخرين قال على انا البئر
والقصر المشيد قالت فاطمة انا منى شبر وشبير قال علي وانا بعد الرسول خير
البرية قالت انا البرة الزكية فعندها قال النبي صلى الله عليه وآله لا تكلمي عليا فإنه
ذو البرهان قالت فاطمة انا ابنة من انزل عليه القرآن قال علي انا البطين
الأصلع قالت فاطمة انا الكواكب الذي يلمع قال النبي صلى الله عليه وآله فهو الشفاعة
يوم القيامة قالت فاطمة وانا خاتون يوم القيامة فعند ذلك قالت فاطمة
لرسول الله صلى الله عليه وآله لا تحام لابن عمك ودعني وإياه قال يا علي - ص - يا فاطمة
انا من محمد عصبته ونخبته قالت فاطمة وانا لحمه ودمه قال علي انا الصحف
قالت فاطمة وانا الشرف قال على وانا ولي زلفي قالت فاطمة وانا الخمصاء
الحسناء قال علي وانا نور الورى قالت فاطمة وانا الزهراء فعندها
قال النبي - ص - لفاطمة يا فاطمة قومي وقبلي رأس ابن عمك فهذا جبرئيل
وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل مع أربعة آلاف من الملائكة يحامون
مع علي - ع - وهذا اخى راحيل ودردائيل مع أربعة آلاف من الملائكة
ينظرون بأعينهم قال فقامت فاطمة الزهراء فقبلت رأس الإمام علي بن أبي
طالب - ع - بين يدي النبي - ص - وقالت يا أبا الحسن بحق رسول الله
- ص - معذرة إلى الله عز وجل واليك والى ابن عمك قال فوهبها الامام
- ع - وقبلت يد أبيها عليه وعليهم السلام وهذا ما وجدناه في النسخة
من الحديث على التمام والكمال ونستغفر الله العظيم من الزيادة والنقصان ونعوذ
بالله من سخط الرحمن.
82

(حديث مفاخرة علي بن أبي طالب (ع) مع ولده الحسين (ع)
قال حدثنا سليمان بن مهران قال حدثنا جابر عن مجاهد قال حدثنا عبد الله بن
عباس قال حدثنا رسول الله قال لما عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة
مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله والحسن والحسين سبطا
رسول الله وفاطمة الزهراء صفوة الله وعلى ناكرهم وباغضهم لعنة الله تعالى
(قيل) إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالسا ذات يوم وعنده الإمام علي بن
أبي طالب (ع) إذ دخل الحسين بن علي فاخذه النبي (ع) واجلسه
في حجره وقبل بين عينيه وقبل شفتيه وكان للحسين (ع) ست سنين
فقال علي (ع) يا رسول الله أتحب ولدي الحسين قال النبي صلى الله عليه وآله وكيف
لا أحبه وهو عضو من أعضائي فقال علي (ع) يا رسول الله أيما أحب
إليك انا أم الحسين فقال الحسين يا أبتي من كان أعلى شرفا كان أحب إلى النبي
صلى الله عليه وآله وأقرب إليه منزلة قال علي (ع) لولده أتفاخرني يا حسين قال نعم
يا أبتاه ان شئت فقال له الإمام علي (ع) يا حسين انا أمير المؤمنين انا لسان
الصادقين انا وزير المصطفى انا خازن علم الله ومختاره من خلقه انا قائد السابقين
إلى الجنة انا قاضي الدين عن رسول الله صلى الله عليه وآله انا الذي عمه سيد في الجنة
انا الذي اخوه جعفر الطيار في الجنة عند الملائكة انا قاضي الرسول انا آخذ
له باليميين انا حامل سورة التنزيل إلى أهل مكة بأمر الله تعالى انا الذي اختارني
الله تعالى من خلقه انا حبل الله المتين الذي امر الله تعالى خلقه ان يعصموا
به في قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا انا نجم الله الزاهر انا الذي تزوره
ملائكة السماوات انا لسان الله الناطق انا حجة الله تعالى على خلقه انا يد الله
القوى انا وجه الله تعالى في السماوات انا جنب الله الظاهر انا الذي قال الله
سبحانه وتعالى في وفي حقي بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره
يعملون انا عروة الله الوثقى التي لا انفصام لها والله سميع عليم انا باب الله
83

الذي يؤتى منه انا علم الله على الصراط انا بيت الله من دخله كان آمنا
فمن تمسك بولايتي ومحبتي أمن من النار وانا قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين
انا قاتل الكافرين انا أبو اليتامى انا كهف الأرامل انا عم يتسائلون عن
ولايتي يوم القيامة قوله تعالى ثم لنسئلن يومئذ عن النعيم انا نعمة الله تعالى التي
أنعم الله بها على خلقه انا الذي قال الله تعالى في وفي حقي اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي لكم ورضيت لكم الاسلام دينا فمن أحبني كان مسلما
مؤمنا كامل الدين انا الذي بي اهتديتم انا الذي قال الله تبارك وتعالى في وفي
عدوى وقفوهم أنهم مسؤلون أي عن ولايتي يوم القيامة انا النبأ العظيم الذي
أكمل الله تعالى به الدين يوم غدير خم وخيبر انا الذي قال رسول الله صلى
الله عليه وآله في من كنت مولاه فعلى مولاه انا صلاة المومن انا حي على
الصلاة انا حي على الفلاح انا حي على العمل انا الذي نزل على أعدائي سأل
سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع بمعنى من أنكر ولايتي وهو النعمان
ابن الحارث اليهودي لعنه الله تعالى انا داعى الأنام إلى الحوض فهل داعى
المؤمنين غيري انا أبو الأئمة الطاهرين من ولدى انا ميزان القسط ليوم القيامة
انا يعسوب الدين انا قائد المؤمنين إلى الخيرات والغفران إلى ربي انا الذي
أصحاب يوم القيامة من أوليائي المبرأون من أعدائي وعند الموت لا يخافون
ولا يحزنون وفى قبورهم لا يعذبون وهم الشهداء و الصديقون وعند ربهم
يفرحون انا الذي شيعتي متوثقون ان لا يوادوا من حاد الله و رسوله ولو
كانوا آباءهم أو أبناءهم ان الذي شيعتي يدخلون الجنة بغير حساب انا الذي
عندي ديوان الشيعة بأسمائهم انا عون المؤمنين وشفيع لهم عند رب العالمين انا
الضارب بالسيفين انا الطاعن بالرمحين انا قاتل الكافرين يوم بدر وحنين انا
مردي الكماة يوم أحد انا ضارب ابن عبد ود لعنه الله تعالى يوم الأحزاب انا
قاتل عمرو ومرحب انا قاتل فرسان خيبر انا الذي قال في الأمين جبرئيل
84

عليه السلام لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا على انا صاحب فتح مكة
انا كاسر اللات والعزى انا الهادم هبل الاعلى ومنوة الثالثة الأخرى انا
علوت على كتف النبي صلى الله عليه وآله وكسرت الأصنام انا الذي كسرت يغوث
ويعوق ونسرا انا الذي قاتلت الكافرين في سبيل الله انا الذي تصدق الخاتم
انا الذي نمت على فراش النبي صلى الله عليه وآله ووقيته بنفسي من المشركين انا الذي
يخاف الجن من بأسي انا الذي به يعبد الله انا ترجمان الله انا علم الله انا
عيبة علم رسول الله صلى الله عليه وآله انا قاتل أهل الجمل وصفين بعد رسول الله انا
قسيم الجنة والنار فعندها سكت علي (ع) فقال النبي صلى الله عليه وآله للحسين (ع)
أسمعت يا أبا عبد الله ما قاله أبوك وهو عشر عشير معشار ما قاله من فضاله
ومن الف الف فضيلة وهو فوق ذلك أعلى فقال الحسين - ع - الحمد لله الذي
فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وعلى جميع المخلوقين وخص جدنا بالتنزيل
والتأويل والصدق ومناجاة الأمين جبرئيل - ع - وجعلنا خيار من اصطفاه
الجليل ورفعنا على الخلق أجمعين ثم قال الحسين عليه السلام اما ما ذكرت
يا أمير المؤمنين فأنت فيه صادق امين فقال النبي - ص - أذكر أنت يا ولدي
فضائلك فقال الحسين - ع - يا أبت انا الحسين بن علي بن أبي طالب - ع -
وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وجدى محمد المصطفى - ص - سيد
بني آدم أجمعين لا ريب فيه يا علي أمي أفضل من أمك عند الله وعند الناس
أجمعين وجدى خير من جدك وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين وانا في
المهد ناغاني جبرئيل وتلقاني إسرافيل يا علي أنت عند الله تعالى أفضل مني
وانا أفخر منك بالآباء والأمهات والأجداد قال ثم إن الحسين - ع - اعتنق
أباه وجعل يقبله واقبل علي (ع) يقبل ولده الحسين وهو يقول زادك الله
تعالى شرفا وفخرا وعلما وحلما ولعن الله تعالى ظالميك يا أبا عبد الله ثم رجع
الحسين (ع) إلى النبي صلى الله عليه وآله وهذا وجدناه مكتوبا على التمام والكمال
ونستغفر الله من الزيادة والنقصان ونعوذ بالله من سخط الرحمن.
85

(حكاية وفاة سلمان الفارسي رضي الله عنه) حدثنا الامام شيخ
الاسلام أبو الحسن بن علي بن محمد المهدى بالاسناد الصحيح عن الأصبغ بن
نباتة أنه قال كنت مع سلمان الفارسي رحمه الله وهو أمير المدائن في زمان
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك أنه قد ولاه المدائن عمر
ابن الخطاب فقام إلى أن ولي الأمر علي بن أبي طالب عليه السلام قال الأصبغ
فأتيته يوما زائرا وقد مرض مرضه الذي مات فيه قال فلم أزل أعوده في
مرضه حتى اشتد به وأيقن بالموت قال فالتفت إلي وقال يا اصبغ عهدي
برسول الله صلى الله عليه وآله وقد اردفني يوما وراءه فالتفت إلي وقال لي
يا سلمان سيكلمك ميت إذا دنت وفاتك وقد اشتهيت ان ادرى وفاتي دنت أم
لا فقال الأصبغ ماذا تأمرني به يا سلمان قال له يا أخي تخرج وتأتيني بسرير
وتفرش عليه ما يفرش للموتى ثم تحملني بين أربعة فتأتون بي إلى المقبرة
فقال الأصبغ حبا وكرامة قال فخرجت مسرعا وغبت ساعة وأتيته بسرير
وفرشت عليه ما يفرش للموتى ثم اتيته بقوم حملوه حتى اتوا به إلى المقبرة فلما
وضعوه فيها قال لهم يا قوم استقبلوا بوجهي القبلة فلما استقبل القبلة بوجهه
نادى بعلو صوته السلام عليكم يا أهل عرصة البلاد السلام عليكم يا محتجبين
من الدنيا قال فلم يجبه أحد فنادى ثانية السلام عليكم يا من جعلت المنايا لهم
غذاء السلام عليكم يا من جعلت الأرض عليهم غطاء السلام عليكم يا من لقوا
أعمالهم في دار الدنيا السلام عليكم يا منتظرين النفخة الأولى سألتكم بالله
العظيم والنبي الكريم إلا أجابني منكم مجيب فانا سلمان الفارسي مولى رسول
الله صلى الله عليه وآله وانه صلى الله عليه وآله قال لي يا سلمان إذا دنت وفاتك سيكلمك ميت
وقد اشتهيت ان أدري دنت وفاتي أم لا فلما سكت سلمان من كلامه فإذا
هو بميت قد نطق من قبره وهو يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا أهل البناء والفناء المشتغلون بعرصة الدنيا ها نحن لكلامك مستمعون
ولجوابك مسرعون فسل عما بدا لك يرحمك الله تعالى قال سلمان أيها الناطق
86

بعد الموت المتكلم بعد حسرة الفوت أمن أهل الجنة أنت بعفوه أم من أهل
النار بعدله فقال يا سلمان انا ممن أنعم الله تعالى عليه بعفوه وكرمه وادخله
جنته برحمته فقال له سلمان الآن يا عبد الله صف لي الموت كيف وجدته وماذا
لقيت منه وما رأيت وما عاينت قال مهلا يا سلمان فوالله ان قرضا بالمقاريض
ونشرا بالمناشير لاهون علي من غصص الموت ولسبعون ضربة بالسيف أهون
على من نزعة من نزعات الموت فقال سلمان ما كان حالك في دار الدنيا قال
اعلم اني كنت في دار الدنيا ممن ألهمني الله تعالى الخير وكنت اعمل به وأؤدي
فرائضه وأتلو كتابه واحرص في بر الوالدين واجتنب المحارم وانزع عن
المظالم واكد الليل والنهار في طلب الحلال خوفا من وقفة السؤال فبينا انا
في الذ العيش وغبطة وفرح وسرور إذ مرضت وبقيت في مرضي أياما حتى
انقضت من الدنيا مدتي وقرب موتي فأتاني عند ذلك شخص عظيم الخلقة
فظيع المنظر فوقف مقابل وجهي لا إلى السماء صاعدا ولا إلى الأرض نازلا
فأشار إلى بصرى فأعماه والى سمعي فأصمه وإلى لساني فأخرسه فصرت
لا أبصر ولا اسمع فعند ذلك بكى أهلي وأعواني وظهر خبري إلى إخواني
وجيراني فقلت له عند ذلك من أنت يا هذا الذي أشغلتني من مالي وأهلي
وولدي فقال انا ملك الموت اتيتك لأنقلك من الدنيا إلى الآخرة فقد انقطعت
مدتك وجاءت منيتك فبينا هو كذلك يخاطبني إذا اتاه شخصان وهما أحسن
خلق الله ما رأيت أحسن منهما فجلس أحدهما عن يميني والآخر عن شمالي
فقالا لي السلام عليك ورحمة الله وبركاته قد جئناك بكتابك فخذه الآن
وانظر ما فيه فقلت لهم أي كتاب لي أقرأه قالا نحن الملكان الذان كنا
معك في دار الدنيا نكتب مالك وما عليك وفهذا كتاب عملك فنظرت في
كتاب الحسنات وهو بيد الرقيب فسرني ما فيه وما رأيت من الخير فضحكت
عند ذلك وفرحت فرحا شديدا ونظرت إلى كتاب السيئات وهو بيد العتيد
فساءني بما رأيت وأبكاني فقالا لي ابشر فلك الخير ثم دنا مني الشخص الأول
87

فجذب الروح فليس من جذبة يجذبها إلا وهي تقوم مقام كل شدة من السماء
إلى الأرض فلم يزل كذلك حتى صارت الروح في صدري ثم أشار إلي بجذبة
لو أنها وضعت على الجبال لذابت فقبض روحي من عرنين أنفي فعلا من
أهلي عند ذلك الصراخ وليس من شئ يقال ويفعل إلا وانا به عالم فعلا
اشتد صراخ القوم و بكاؤهم جزعا علي التفت إليهم ملك الموت بغيظ وقنوط
وقال معاشر القوم مم بكاؤكم فوالله ما ظلمناه فتشكوا ولا اعتدينا عليه
فتضجوا وتبكوا ولكن نحن وأنتم عبيد رب واحد ولو أمرتم فينا كما أمرنا
فيكم لامتثلتم فينا كما امتثلنا فيكم والله ما اخذناه حتى فنى رزقه وانقطعت
مدته وصار إلى رب كريم يحكم فيه كما يشاء وهو على كل شئ قدير فان
صبرتم اجرتم وإن جزعتم أثمتم كم لي من رجعة إليكم اخذ البنين والبنات
والاباء والأمهات ثم انصرف عند ذلك عنى والروح معه فعند ذلك أتا ملك
آخر فاخذها منه وتركها في ثوب اخضر من حرير وصعد بها ووضعها بين
يدي الله في أقل من طبقة جفن على جفن فلما حصلت الروح بين يدي ربى
سبحانه وتعالى سألها عن الصغيرة والكبيرة وعن الصلاة والصيام في شهر
رمضان وحج بيت الله الحرام وقراءة القرآن والزكاة والصدقات وسائر
الأوقات والأيام وطاعة الوالدين وعن قتل النفس بغير الحق واكل مال اليتيم
وعن مظالم العباد وعن التهجد بالليل والناس نيام وما يشاكل ذلك ثم من بعد
ذلك ردت الروح إلى الأرض بإذن الله تعالى فعند ذلك أتاني غاسل فجردني
من أثوابي واخذ في تغسيلي فنادته الروح يا عبد الله رفقا بالبدن الضعيف
فوالله ما خرجت من عرق إلا انقطع ولا عضو إلا انصدع فوالله لو سمع
الغاسل ذلك القول لما غسل ميتا ابدا ثم إنه اجرى على الماء وغسلني ثلاثة
أغسال وكفنني في ثلاث أثواب وحنطني في حنوط وهو الزاد الذي خرجت
به إلى دار الآخرة ثم جذب الخاتم من يدي اليمن بعد فراغه من الغسل
ودفعه إلى الأكبر من ولدى وقال آجرك الله تعالى في أبيك وأحسن لك
88

الاجر والعزاء ثم أدرجني في الكفن ولفنى ونادى أهلي وجيراني وقال هلموا
إليه بالوداع فأقبلوا عند ذلك لوداعي فلما فرغوا من وداعي حملت على سرير
من خشب والروح عند ذلك بين وجهي وكفني حتى وضعت الصلاة فصلوا
علي فلما فرغوا من الصلاة حملت إلى قبري ودلت فيه فعاينت هولا عظيما
يا سلمان يا عبد الله اعلم اني لما وقعت من سريري إلى لحدي تخيل لي اني قد
سقطت من السماء إلى الأرض في لحدي وشرج علي اللبن وحثى التراب علي
وواروني فعند ذلك سلبت الروح من اللسان وانقلب السمع والبصر فلما
نادى المنادي بالانصراف اخذت في الندم وبكيت من القبر وضيقه وضغطه
وقلت يا ليتني كنت من الراجعين لعملت عملا صالحا فجاوبني مجيب من جانب
القبر (كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) فقلت
له من أنت يا هذا الذي يكلمني وتحدثني فقال انا منبه فقلت له من أنت يا منبه
قال انا ملك وكلني الله عز وجل بجميع خلقه لا نبههم بعد مماتهم ليكتبوا
أعمالهم على أنفسهم بين يدي الله عز وجل ثم جذبني وأجلسني وقال لي اكتب
عملك فقلت انى لا أحصيه فقال لي اما سمعت قول ربكم (أحصاه الله
ونسوه) ثم قال لي اكتب وانا املي عليك فقلت أين البياض فجذب جانبا
من كفني فإذا هو رق فقال هذه صحيفتك فقلت من أين القلم قال سبابتك
فقلت من أين المداد قال ريقك ثم املى علي ما فعلته في دار الدنيا فلم يبق
من أعمالي صغيرة ولا كبيرة ثم تلا علي (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا
أحصاها ووجدوا ما علموا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) ثم إنه اخذ الكتاب
وختمه بخاتم وطوقه في عنقي فخيل لي ان جبال الدنيا جميعا قد طوقوها في
عنقي فقلت له يا منبه ولم تفعل بي هكذا قال ألم تسمع قول ربك (وكل
انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا)
(اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) فهذا تخاطب به يوم القيامة
ويؤتى بك وبكتابك بين عينيك منشورا تشهد فيه على نفسك ثم انصرف
89

عنى فأتاني منكر بأعظم منظر وأوحش شخص وبيده عمود من الحديد لو
اجتمعت عليه أهل الثقلين ما حركوه من ثقله فروعني وأزعجني وهددني ثم إنه
قبض بلحيتي وأجلسني ثم إنه صاح بي صيحة لو سمعها أهل الأرض لماتوا
جميعا ثم قال لي يا عبد الله اخبرني من ربك وما دينك ومن نبيك وما أنت عليه
وما قولك في دار الدنيا فاعتقل لساني من فزعه وتحيرت في أمري وما أدري
ما أقول وليس في جسمي عضو إلا فارقني من الفزع وانقطعت أعضائي
وأوصالي من الخوف فاتتني رحمة من ربي فامسك بها قلبي وأطلق بها لساني
فقلت له يا عبد الله لم تفزعني وانا مؤمن اعلم اني اشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله صلى الله عليه وآله وان الله ربي ومحمد نبي والاسلام ديني والقرآن
كتابي والكعبة قبلتي وعليا امامي والمؤمنين إخواني وان الموت حق والسؤال
حق والصراط حق والجنة حق والنار حق وان الساعة لا ريب فيها وان الله
يبعث من في القبور فهذا قولي واعتقادي وعليه القى ربي في معادى فعند ذلك
قالي الآن إبشر يا عبد الله بالسلامة فقد نجوت ومضى عني واتاني نكير
وصاح بي صيحة هائلة أعظم من الأولى فاشتبكت أعضائي بعضها في بعض
كاشتباك الأصابع ثم قال هات الآن عملك يا عبد الله فبقيت حائرا متفكرا
في رد الجواب فعند ذلك صرف الله عني شدة الروع والفزع وألهمني حجتي
وحسن اليقين والتوفيق فقلت عند ذلك يا عبد الله رفقا بي ولا تزعجني فانى قد
خرجت من الدنيا وانا اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده رسوله وان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة الطاهرين
من ذريته أئمتي وان الموت حق والصراط حق والميزان حق والحساب حق
ومسألة منكر ونكير حق والبعث حق وان الجنة وما وعد الله من النعيم
حق وان النار وما وعد الله فيها من العذاب حق وان الساعة آتية لا ريب
فيها وان الله يبعث من في القبور فقال يا عبد الله ابشر بالنعيم الدائم والخير
المقيم ثم إنه أضجعني وقال نم نومة العروس ثم إنه فتح لي بابا من عند رأسي
90

إلى الجنة وبابا من عند رجلي إلى النار ثم قال يا عبد الله انظر إلى ما صرت إليه
من الجنة والنعيم وإلى ما نجوت منه من نار الجحيم ثم سد الباب الذي من عند
رجلي وأبقى الباب الذي من عند رأسي مفتوحا إلى الجنة فجعل يدخل على
من روح الجنة ونعيمها وأوسع لحدي مد البصر واسرج لي سراجا أضوأ من
الشمس والقمر ومضى عنى فهذه صفتي وحديثي وما لقيته من شدة الأهوال
وانا اشهد ان مرارة الموت في حلقي إلى يوم القيامة فراقب الله أيها السائل
خوفا من وقفة المسائل وخف من هول المطلع وما قد ذكرته لك هذا الذي
لقيته وانا من الصالحين قال ثم انقطع عند ذلك كلامه. فقال سلمان
صلى الله عليه وآله للأصبغ ومن كان معه هلموا إلي واحملوني فلما وصل إلى المنزل
قال حطوني رحمكم الله فأنزلناه إلى الأرض فقال أسندوني فأسندناه ثم رمق
بطرفه إلى السماء وقال يا من بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون وهو
يجير ولا يجار عليه بك آمنت ولنبيك اتبعت وبكتابك صدقت وقد أتاني
ما وعدتني يا من لا يخلف الميعاد اقبضني إلى رحمتك وأنزلني كرامتك فاني
أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك
وان عليا أمير المؤمنين وامام المتقين والأئمة من ذريته أئمتي وسادتي فلما كمل
شهادته قضى نحبه ولقي ربه صلى الله عليه وآله قال فبينا نحن كذلك إذ اتى رجل على
بغلة شهباء ملتئما فسلم علينا فرددنا السلام عليه فقال يا صبغ جدوا في أمر
سلمان فأخذنا في امره فأخذ معه حنوطا وكفنا فقال هلموا فان عندي
ما ينوب عنه فاتيناه بماء ومغسل فلم يزل يغسله بيده حتى فرغ وكفنه
وصلينا عليه ودفناه ولحده بيده فلما فرغ من دفنه وهم بالانصراف تعلقنا به
وقلنا له من أنت فكشف لنا عن وجهه (ع) فسطع النور من ثناياه كالبرق
الخاطف فإذا هو أمير المؤمنين فقلت له يا أمير المؤمنين كيف كان مجيئك ومن
أعلمك بموت سلمان قال فالتفت إلي (ع) وقال آخذ عليك يا اصبغ عهدا
لله وميثاقه انك لا تحدث بها أحدا ما دمت في دار الدنيا فقلت يا أمير المؤمنين
91

أموت قبلك فقال لا يا اصبغ بل يطول عمرك قلت له يا أمير المؤمنين خذ
علي عهدا وميثاقا انى لك سامع مطيع انى لا أحدث به أحدا حتى يقضي
إلى من امرك ما يقضي وهو على كل شئ قدير فقال يا اصبغ بذا عهد إلي
رسول الله صلى الله عليه وآله انى قد صليت هذه الساعة بالكوفة وقد خرجت أريد
منزلي فلما وصلت إلى منزلي اضطجعت فأتاني آت في منامي وقال يا علي ان
سلمانا قد قضى فركبت بغلتي واخذت معي ما يصلح للموتى فجعلت أسير
فقرب الله لي البعيد فجئت كما تراني وبهذا اخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله ثم إنه
دفنه وواراه فلم أدر أصعد إلى السماء أم في الأرض نزل. قبل ان يأتي
الكوفة والمنادى ينادى لصلاة المغرب فحضر عندهم علي (ع) وهذا ما كان
من حديث وفاة سلمان الفارسي (رض) على التمام والكمال والحمد لله
حق حمده.
(خبر آخر) قال جامع هذا الكتاب -: حضرت الجامع بواسطة يوم
الجمعة سابع عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وستمائة وتاج الدين نقيب
الهاشميين يخطب بالناس على أعواده فقال بعد حمدالله تعالى والشكر عليه
وذكر الخلفاء بعد الرسول وقال في حق علي (ع) ان جبرئيل (ع)
نزل على النبي صلى الله عليه وآله وبيده أترجة فقال له يا رسول الله الحق يقرئك
السلام ويقول لك قد أتحفت ابن عمك علي بن أبي طالب (ع) بهذه
التحفة فسلمها إليه فسلمها إلى علي (ع) فاخذها بيده وشقها نصفين فظهر
في نصف منها حريرة من سندس الجنة عليها مكتوب تحفة من الطالب الغالب
إلى علي بن أبي طالب وهو خبر مليح.
(وعن القاروني) حكاية عنه انه قام يوما على منبره ومجلسه يومئذ
مملوء بالناس في جمادي الآخرة من سنة اثنين وخمسين وستمائة بواسطة فذكر
ما رواه لي ابن عباس (رض) أنه قال كان رسول الله في مسجده وعنده
جماعة من المهاجرين والأنصار إذ نزل عليه جبرئيل وقال يا محمد الحق
92

يقرئك السلام ويقول لك أحضر عليا (ع) واجعل وجهك مقابل وجهه
ثم عرج إلى السماء فدعا رسول الله بعلي (ع) فأحضره وجعله مقابل وجهه
فنزل جبرئيل ثانية ومعه طبق فيه رطب فوضعه بينهما ثم قال! كلا فأكلا
ثم أحضر طستا وإبريقا وقال يا رسول الله قد امرك الله أن تصب الماء على
يد علي بن أبي طالب فقال النبي السمع والطاعة لما امرني به ربي ثم اخذ
الإبريق وقام يصب الماء على يد علي بن أبي طالب (ع) فقال له علي (ع)
يا رسول الله انا أولى بأن أصب الماء على يدك فقال له يا علي الله سبحانه
امرني بذلك وكان كلما صب على يد علي الماء لا يقع منه قطرة في الطست
فقال يا رسول الله ما أرى قطرة تقع من الماء في الطست فقال صلى الله عليه وآله
يا علي إن الملائكة يتسابقون على اخذ الماء الذي يقع من يدك فيغسلون به
وجوههم ويتباركون به (وعنه (صلى الله عليه وآله) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله -:
من قال لا إله إلا الله فتحت له أبواب السماء ومن تلاها بمحمد رسول الله
صلى الله عليه وآله تهلل وجه الحق سبحانه وتعالى فاستبشر بذلك ومن تلاها بعلى
ولي الله غفر الله له ذنوبه ولو كانت بعدد المطر، (عنه (رض))
قال قال رسول الله - ص -: على خير من اترك فمن أطاعه أطاعني ومن
عصاه عصاني.
(خبر عن ابن مسعود) قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة
وقد الجن فتنفس الصعداء فقلت خيرا يا رسول الله قال نعيت إلى نفسي
فقلت ألا توصي يا رسول الله فقال إلى من يا ابن مسعود فقلت أبي بكر
فأطرق هنيئة ثم رفع رأسه فتنفس الصعداء فقلت يا خيرا يا رسول الله فقال
نعيت إلى نفسي فقلت ألا توصي فقال إلى من يا ابن مسعود فقلت إلى عمر
فأطرق رأسه هنيئة ثم رفع رأسه فتنفس الصعداء فقلت خيرا يا رسول الله
فقال نعيت إلى نفسي فقلت ألا توصي يا رسول الله فقال إلى من يا بن
مسعود فقلت إلى عثمان فأطرق رأسه هنيئة ثم رفع رأسه وتنفس الصعداء
93

فقلت يا رسول الله فداك أبي وأمي مم تتنفس قال يا ابن مسعود نعيت إلى
نفسي فقلت ألا توصي يا رسول الله فقال إلى من يا بن مسعود فقلت إلى علي
ابن أبي طالب (ع) قال والذي نفسي بيده لو اتبعوا آثار قدميه لدخلوا
الجنة أجمعين.
(خبر آخر) قيل لما آخى الله سبحانه وتعالى بين الملائكة آخى بين
جبرئيل وميكائيل فقال سبحانه وتعالى انى آخيت بينكما وجعلت عمر أحد
كما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر أخاه بالحياة دون نفسه فاختار كل منهما
الحياة فقال عز وجل أفلا تكونان مثل علي بن أبي طالب حيث آخيت بينه
وبين حبيبي محمد وقد آثرته بالحياة على نفسه في هذه الليلة وقد بات على فراشه
يفديه بنفسه اهبطا فاحفظاه من عدوه فهبطا إلى الأرض فجلس جبرئيل
(ع) عند رأسه وميكائيل (ع) عند رجليه وهما يقولان بخ بخ لك يا ابن
أبي طالب من مثلك وقد باهى الله تعالى بك ملائكة السماوات وفاخر بك.
(خبر آخر) عن عمار بن ياسر (رض) قال كنت عند أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب (ع) في بعض غزواته فمررنا بواد مملوء نملا فقلت يا أمير
المؤمنين ترى يكون أحد من خلق الله تعالى يعلم كم عدد هذا قال نعم يا عمار
انا اعرف رجلا يعلم عدده وكم فيه ذكر وكم فيه أنثى فقلت من ذلك الرجل
يا مولاي فقال يا عمار أما قرءت في سورة يس (وكل شئ أحصيناه في
امام مبين) فقلت بلي يا مولاي فقال انا ذلك الامام المبين.
(خبر آخر) قيل جاءت فاطمة إلى أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وهي باكية
فقال يا يبكيك يا قرة عيني لا أبكى لك الله عينا قالت يا أبتي ان نساء قريش
يعرنني ويقلن ان أباك زوجك بفقير لامال له فقال صلى الله عليه وآله يا فاطمة اعلمي
ان الله اطلع على الأرض اطلاعة فاختار منها أباك ثم اطلع اطلاعة ثانيه
فاختار منها بعلك ابن عمك ثم امرني ان أزوجك به أفلا ترضين ان تكوني
94

زوجة من اختاره الله وجعله لك بعلا فقالت (ع) رضيت وفوق الرضا
يا رسول الله صلى الله عليك.
(خبر آخر) وعن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى (إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) قال نزلت في محمد وأهل بيته
حين جمع عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ثم أدار عليهم
الكساء وقال اللهم ان هؤلاء أهل بيتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم وكانت
أم سلمة قائمة في الباب فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وانا منهم فقال لها يا أم
سلمة أنت على خير أنت على خير.
(وعن إبراهيم بن مهران) أنه قال كان الكوفة رجل تاجر يكني
بابي جعفر وكان حسن المعاملة مع الله تعالى ومن أتاه من العلويين يطلب منه
شيئا أعطاه ويقول لغلامه اكتب هذا ما اخذ علي بن أبي طالب (ع)
وبقى على ذلك زمانا ثم قعد به الوقت وافتقر فنظر يوما في حسابه فجعل
كل ما هو عليه اسم حي من غرمانه بعث إليه يطالبه ومن مات ضرب على
اسمه فبينا هو جالس على باب داره إذ مر به رجل فقال ما فعل بمالك علي بن
أبي طالب (ع) فاغتم لذلك غما شديدا ودخل منزله فلما جنة الليل رأى
النبي صلى الله عليه وآله وكان الحسن والحسين عليهما السلام يمشيان امامه فقال لهما النبي
صلى الله عليه وآله ما فعل أبوكما فاجابه علي (ع) من ورائهما ها انا يا رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال له لم لا تدفع إلى هذا الرجل حقه فقال علي صلى الله عليه وآله يا رسول الله هذا
حقه قد جئت به فقال له النبي صلى الله عليه وآله ادفعه إليه فأعطاه كيسا من صوف
ابيض فقال إن هذا حقك فخذه فلا تمنع من جاء إليك ومن ولدي يطلب شيئا
فإنه لا فقر عليك بعد هذا قال الرجل فانتبهت والكيس في يدي فناديت
زوجتي وقلت لها هاك فناولتها الكيس وإذا فيه ألف دينار فقالت لي يا ذا
الرجل اتق الله تعالى ولا يحملك الفقر على اخذ مالا تستحقه وان كنت
خدعت بعض التجار على ما به فاردده إليه فحدثتها بالحديث فقالت إن كنت
95

صادقا فارني حساب علي بن أبي طالب (ع) فاحضر الدستور وفتحه فلم
يجد فيه شيئا من الكتابة بقدرة الله تعالى.
(خبر آخر) عن عبد الله بن عباس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
حب علي (ع) حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة
(وعنه صلى الله عليه وآله) قال خلقت أنا وعلي من نور واحد فمحبي محب علي
ومبغضي مبغض علي.
(وعن ابن عباس (رض)) برواية عكرمة مولاه قال مررنا بجماعة
وقد اخذوا في سب علي (ع) فقال لي مولاي عبد الله بن عباس أدنني من
القوم فأدنيته منهم فقال (رض) يا قوم من الساب لله تعالى فقالوا معاذ الله
يا ابن عم رسول الله فقال من الساب لرسول الله صلى الله فقالوا ما كان ذلك
قال فمن الساب لعلي بن أبي طالب (ع) قالوا كان ذلك فقال والله لقد سمعت
رسول الله بأذني هاتين وإلا صمتا أنه قال من سب عليا فقد سبني ومن سبني
فقد سب الله تعالى ومن سب الله تعالى ألقاه على منخريه في النار (وقال
النبي صلى الله عليه وآله) انا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب (قيل)
دخل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في
منزل أم سلمة ورأسه في حجر جبرئيل وهو في صورة دحية الكلبي فسلم
وجلس فقال له جبرئيل وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين
خذ رأس ابن عمك وضعه في حجرك فأنت أولى به منى فأخذ رأس رسول
الله صلى الله عليه وآله ووضعه في حجره فاستيقظ رسول الله فرأى رأسه في حجر
ابن عمه علي (ع) فقال له يا علي وأين الرجل الذي كان رأسي في حجره
فقال له يا رسول الله ما رأيت إلا دحية الكلبي قال له ما قال لك عند دخولك
فقال لما دخلت سلمت عليه فقال وعليك السلام يا أمير المؤمنين قال: هنيئا
لك يا علي فإنه الروح الأمين أخي جبرئيل وهو أول من سلم عليك
بإمرة المؤمنين.
96

(وعنه (ع) قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله ذات ليلة من الليالي وهي
ليلة مدلهمة سوداء فقال لي خذ سيفك ومر في جبل أبي قبيس فكل من
رأيته فاضربه على رأسه بهذا السيف فقصدت الجبل فلما علوته وجدت عليه
رجلا أسود هائل المنظر كأن عينيه جمرتان فهالني منظرة فقال إلي يا علي
إلي يا علي فدنوت إليه وضربته بالسيف فقطعته نصفين فسمعت الضجيج
من بيوت مكة بأجمعها ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو بمنزل خديجة
فأخبرته بالخبر فقال أتدري من قتلت يا علي؟ قلت الله ورسوله اعلم، قال
قتلت اللات والعزى والله لا عادت تعبد بعدها.
(وعنه (ع) قال دعاني رسول الله وهو بمنزل خديجة (رض)
ذات ليلة فلما صرت إليه قال اتبعني يا علي فما زال يمشي وانا خلفه ونحن
نخرق دروب مكة حتى أتينا الكعبة وقد أنام الله تعالى كل عين فقال لي
رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي قلت لبيك يا رسول الله قال اصعد على كتفي ثم انحنى
النبي فصعدت على كتفه فقلبت الأصنام على رؤسها ونزلت وخرجنا من
الكعبة حتى أتينا منزل خديجة (رض) فقال لي أول من كسر الأصنام
جدك إبراهيم (ع) ثم أنت يا علي آخر من كسر الأصنام فلما أصبح أهل مكة
وجدوا الأصنام منكوسة مكبوتة على رؤسها فقالوا ما فعل هذا
بآلهتنا إلا محمدا وابن عمه ثم لم يقم في الكعبة صنم (وقيل) دخل ضرار
صاحب أمير المؤمنين علي (ع) على معاوية ابن أبي سفيان بعد وفاته (ع)
فقال معاوية لضرار صف لي عليا واخلاقه الرضية، فقال والله كان شديد
القوى بعيد المدى يتفجر الايمان من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحي
لسانه فيقول فصلا ويحكم عدلا، فاقسم بالله فقد شاهدته في محرابه وقد
أرخى الليل سدوله وهو قائم قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويأن أنين
الحزين ويقول يا دنيا إلي تعرضت أم إلي تشوقت فغري غيري لا حان حينك
أجلك قصير وعيشك حقير في قليلك حساب وفي كثيرك عقاب قد طلقتك
97

ثلاثا لا رجعة لي فيك آه من بعد الطريق وقلة الزاد فقال: معاوية كان
علي والله لكذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار قال حزن المرأة إذا ذبح
ولدها في حجرها قال فلما سمع معاوية بكى وبكى الحاضرون.
(وقيل) ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) صعد المنبر يوما في
البصرة بعد الظفر بأهلها وقال: أقول قولا لا يقوله أحد غيري إلا كان
كافرا أنا أخو بنى الرحمة وابن عمه وزوج ابنته وأبو سبطيه فقام إليه رجل
من أهل البصرة وقال انا أقول مثل قولك هذا انا أخو الرسول وابن عمه
ثم لم يتم كلامه حتى اخذته الرجفة فما زال يرجف حتى سقط ميتا لعنه الله.
(وعنه (ع) انه كان ذات يوم على منبر البصرة إذ قال أيها الناس
سلوني قبل ان تفقدوني سلوني عن طرق السماوات فاني اعرف بها من طرق
الأرض فقام إليه رجل من وسط القوم وقال: أين جبرئيل في هذه الساعة
فرمق بطرفه إلى السماء ثم رمق بطرفه إلى المشرق ثم رمق بطرفه إلى المغرب
فلم يجد موطنا فالتفت إليه وقال يا ذا الشيخ أنت جبرئيل قال فصفق طائرا
من بين الناس فضج عند ذلك الحاضرون وقالوا نشهد انك خليفة رسول
الله حقا.
(وعن مقاتل بن سليمان) قال قال جعفر بن محمد الصادق (ع)
كان وصي آدم (ع) شبت بن آدم هبة الله وكان وصي نوح سام وكان
وصي إبراهيم إسماعيل وكان وصى موسى يوشع بن نون وكان وصي داود
سليمان وكان وصي عيسى شمعون وكان وصي محمد صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب
(ع) وهو خير الأوصياء.
* حدثنا * محمد بن عبد الجبار العطار مرفوعا عن زيد بن الحارث عن
سليمان الأعمش عن إبراهيم التميمي عن أبيه عن أبي ذر الغفاري قال بينما انا
بين يدي رسول الله إذ قام ثم ركع وسجد شكرا لله تعالى ثم قال يا جندب
من أراد ان ينظر إلى آدم في علمه والى نوح في فهمه وإبراهيم في خلته وموسى
98

في مناجاته وعيسى في سياحته وأيوب في صبره ببلائه فلينظر إلى هذا الرجل
المقبل الذي هو الشمس والقمر الساري والكوكب الدري أشجع الناس
قلبا وأسخاهم كفا فعلى مبغضه لعنة الله تعالى قال فالتفت الناس لينظروا
من هو المقبل وإذا بعلي بن أبي طالب (ع).
(قال) حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد المدايني قال حدثني عبد الله
ابن هاشم عن الكلبي قال اخبرني ميمون بن صعب المكي بمكة قال كنا
عند أبي العباس بن سابور المكي فأجرينا حديث أهل الردة بذكرنا خولة
الحنفية ونكاح أمير المؤمنين (ع) لها فقال اخبرني أبو الحسن عبد الله بن أبي
الخير الحسيني قال بلغني ان الباقر محمد بن علي كان جالسا ذات يوم إذ جاءه
رجلان فقالا يا أبا جعفر ألست القائل ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لم
يرض بامامة من تقدم قال بلي فقالا له هذه خولة الحنفية نكحها من سبيهم
وقبل هديتهم ولم يخالفهم عن أمرهم مدة حياتهم فقال الباقر: من فيكم يأتيني
بجابر بن عبد الله بن حزام (وكان محجوبا قد كف بصره) فخضر فسلم على
الباقر وأجلسه إلى جانبه وقان يا جابر عندي رجلان ذكرا ان أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب رضى بامامة من تقدم عليه فسألهما الحجة في ذلك فذكروا له
خولة فبكى جابر حتى اخضلت لحيته بالدموع ثم قال: والله يا مولاي لقد
خشيت اخرج من الدنيا ولا اسئل عن هذه المسألة واني والله كنت جالسا
إلى جانب أبي بكر وقد سبوا بنى حنيفة بعد قتل مالك بن نويرة من قبل
خالد بن الوليد وبينهم جارية مراهقة فلما دخلت المسجد قالت أيها الناس ما فعل
محمد صلى الله عليه وآله قالوا قبض فقالت هل له بنية تقصد فقالوا نعم هذه تربته صلى الله عليه وآله
فنادت السلام عليك يا رسول الله اشهد ان لا إله إلا الله واشهد انك عبده
ورسوله وانك تسمع كلامي وتقدر على رد جوابي واننا سبينا من بعدك
ونحن نشهد ان لا إله إلا الله وانك رسول الله ثم جلست فوثب رجلان من
المهاجرين والأنصار أحدهما طلحة والآخر الزبير فطرحا ثوبيهما عليها فقالت
99

ما بالكم يا معاشر العرب تصونون حلائلكم وتهتكون حلائل غيركم فقالا لها
لمخالفتكم الله ورسوله حتى قلتم اننا نزكي ولا نصلي أو نصلي فلا نزكي
فقالت لهما والله ما قالها أحد من بني حنيفة وانا نضرب صبياننا على الصلاة من
التسع وعلى الصيام من السبع وانا لنخرج الزكاة من حيث يبقى في جمادى
الآخرة عشرة أيام ويوصي مريضنا بها لوصية والله يا قوم ما نكثنا ولا غيرنا
ولا بدلنا حتى تقتلوا رجالنا وتسبوا حريمنا فان كنت يا أبا بكر بحق فما بال
علي لم يكن سبقك علينا وإن كان راضيا بولايتك فلم لا ترسله إلينا يقبض
الزكاة منا ويسلمها إليك والله ما رضي ولا يرضى قتلت الرجال ونهبت
الأموال وقطعت الأرحام فلا نجتمع معك في الدنيا ولا في الآخرة افعل
ما أنت فاعله، فضج الناس وقال الرجلان اللذان طرحا ثوبيهما انا لمغالون في
ثمنك فقالت أقسمت بالله وبمحمد رسول الله انه لا يملكني ويأخذني إلا
من يخبرني بما رأت أمي وهي حامل بي وأي شئ قالت لي عند ولادتي وما
العلامة التي بيني وبينها والا فان ملكني أحد ولم يخبرني بذلك بقرت بطني
بيدي فيذهب ثمني ويكون مطالبا بدمي فقالوا لها ابدى رؤياك التي رأت
أمك وهي حامل بك حتى نبدي لك العبارة بالرؤيا فقالت الذي يملكني هو اعلم
بالرؤيا مني وبالعبارة من الرؤيا فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وجلسا فدخل
أمير المؤمنين وقال ما هذا الرجف في مسجد رسول الله قالوا يا علي امرأة من
بني حنيفة حرمت نفسها على المؤمنين، وقالت من اخبرني بالرؤيا التي رأت أمي
وهي حامل بي وعدها لي فهو يملكني فقال أمير المؤمنين ما ادعت باطلا
أخبروها تملكوها فقالوا يا أبا الحسن ما فينا من يعلم الغيب اما علمت أن ابن
عمك رسول الله قبض وان اخبار السماء انقطعت من بعده فقال أمير المؤمنين
(ع) ما ادعت باطلا اخبرها املكها بغير اعتراض قالوا نعم فقال (ع)
يا حنيفة أخبرك أملكك فقالت من أنت أيها المجتري دون أصحابه فقال انا
علي بن أبي طالب فقالت لعلك الرجل الذي نصبه لنا رسول الله صلى الله عليه وآله
100

صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علما للناس فقال انا ذلك الرجل قالت من اجلك
أصبنا ومن نحوك أو تينا لان رجالنا قالوا لا نسلم صدقات أموالنا ولا طاعة
نفوسنا إلا إلى من نصبه محمد صلى الله عليه وآله فينا وفيكم علما فقال أمير المؤمنين ان
اجركم غير ضائع وان الله تعالى يؤتي كل نفس ما أتت من خير ثم قال
يا حنفية ألم تحمل بك أمك في زمان قحط منعت السماء قطرها والأرض نباتها
وغارت العيون حتى أن البهائم كانت تريد المرعى فلا تجد وكانت أمك تقول
انك حمل ميشوم في زمان غير مبارك فلما كان بعد تسعة أشهر رأت في
منامها كأن وضعتك وانها تقول انك حمل ميشوم وفي زمان غير مبارك
وكأنك تقولين يا أمي لا تطيرين بي فأنا حمل مبارك نشوت نشوا صالحا
ويملكني سيد وارزق منه ولدا يكون لبني حنيفة عزا فقالت صدقت يا أمير
المؤمنين فإنه كذلك فقال وبه اخبرني ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت
ما العلامة بيني وبين أمي فقال إنها لما وضعتك كتبت كلامك والرؤيا في
لوح من نحاس وأودعته عتبة الباب فلما كان بعد حولين عرضته عليك
فأقررت به فلما كانت ثمان سنين عرضت عليك فأقررت به ثم جمعت بينك
وبين اللوح فقالت لك يا بنية إذا نزل بساحتكم سافك لدمائكم ناهب لأموالكم
ساب لذراريكم وسبيت فيمن سبى فخذي اللوح معك واجتهدي أن لا يملكك
من الجماعة إلا من يخبرك بالرؤيا بما في هذا اللوح قالت صدقت يا أمير المؤمنين
فأين اللوح قال في عقيصتك فعند ذلك دفعت اللوح إلى أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب (ع) ثم قالت يا معاشر الناس اشهدوا اني قد جعلت نفسي له
عبدة فقال (ع) بل قولي زوجة فقالت اشهدوا ان قد زوجت نفسي كما
امرني بعلي (ع) فقال (ع) قد قبلتك زوجة فماج الناس فقال جابر والله
يا أبا جعفر ملكها بما ظهر من حجة و تبين من بينته فلعن الله تعالى من
اتضح له الحق وجعل بينه وبين الحق سترا.
101

(وعن عبد الله بن عباس (رض)) قال قال أمير المؤمنين (ع) علمني
رسول الله صلى الله عليه وآله الف باب من العلم ففتح لي من كل باب الف باب قال فبينما انا
معه (ع) بذى قار وقد ارسل ولده الحسن (ع) إلى الكوفة ليستنفر أهلها
فيستعين بهم على حرب الناكثين من أهل البصرة إذ قال لي يا بن عباس قلت
لبيك يا أمير المؤمنين قال فسوف يأتي ولدي الحسن من هذه الكور ومعه
عشرة آلاف فارس وراجل لا يزيد فارس ولا ينقص فارس قال ابن عباس
(رض) فلما طالعنا الحسن بالجند لم يكن لي هم إلا مسائلة الكاتب عن كمية
الجند فقال لي: عشرة آلاف فأرسل وراجل قال فعلمت ان ذلك من تلك
الأبواب التي علمه بها رسول الله صلى الله عليه وآله.
(وقيل) لما ماتت فاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين (ع) أقبل
علي (ع) وهو باك فقال له النبي ما يبكيك لا أبكى الله لك عينا؟ قال
توفيت أمي يا رسول الله فقال له النبي صلى الله عليه وآله بل وأمي يا علي فلقد كانت
تجوع أولادها وتشبعني وتشعث أولادها وتدهنني، والله لقد كانت في
دار أبى طالب نخلة وكنا نتسابق إليها من الغداة لنلتقط ما يقع منها في الليل
وكانت (رض) تأمر جاريتها وتلتقط ما تحتها من الغلس ثم تجنيه فيخرج
بنو عمي فتناولني ذلك ثم نهض صلى الله عليه وآله واخذ في جهازها وكفنها بقميصه
صلى الله عليه وآله وكان في حال تشييع جنازتها يرفع قدما ويتأنى بين الآخر وهو
حافي القدم فلما صلى عليها كبر سبعين تكبيرة ثم وسدها في اللحد بيده الكريمة
بعد أن نام في قبرها ولقنها الشهادتين فلما أهيل عليها التراب وأراد الناس
الانصراف جعل يقول (ع) ابنك ابنك لا جعفر ولا عقيل علي بن أبي طالب
(ع) فقالوا له يا رسول الله فعلت فعلا ما رأينا قط مثله مشيت
متأنيا حافي القدم وكبرت سبعين تكبيرة ونمت في لحدها وجعلت قميصك
عليها وقلت لها ابنك ابنك لا جعفر ولا عقيل فقال صلى الله عليه وآله اما التأني في وضع
أقدامي في حال تشييع الجنازة فلكثرة ازدحام الملائكة واما نومي في لحدها
102

فانى ذكرت لها في حال حياتها ضغطة القبر فقالت وا ضعفاه فنمت في لحدها
لأجل ذلك حتى كفيتها ذلك، واما تكفينها بقميصي فانى ذكرت لها القيامة
وحشر الناس عراة فقالت وا فضيحتاه فكفنتها به لتقوم يوم القيامة واما
قولي لها ابنك فإنه نزل الملكان وسألاها عن ربها فقالت الله ربى وقالا
لها من نبيك فقالت محمد وقالا لها من وليك وامامك فاستحيت ان تقول
ولدي فقلت لها قولي ولدك علي بن أبي طالب ابنك ابنك فأقر الله تعالى
يذلك عينها.
(وقيل) كان مولانا أمير المؤمنين (ع) يخرج من الجامع بالكوفة
فيجلس معه ميثم التمار (رض) يحادثه فقال له ذات يوم ألا أبشرك يا ميثم
ان أريك الموضع الذي تصلب فيه والنخلة التي تعلق على جذعها فقال نعم
يا أمير المؤمنين فجاء به إلى رحبة الصيارفة وقال له ههنا ثم أراه نخلة وقال له
يا ميثم على جذع هذه فما زال ميثم (رض) يتعاهد النخلة حتى قطعت وشقت
نصفين فسقف بنصف منها وبقى النصف الآخر فما زال يتعاهد النصف في
الموضع ويقول لبعض جوار الموضع يا فلان اني مجاورك عن قريب فأحسن
جواري فيقول ذلك في نفسه يريد ان يشترى دارا في جواري ولا يعلم
ما يريد بقوله حتى قبض أمير المؤمنين (ع) وظفر معاوية بأصحابه فأخذ
ميثم التمار فيمن اخذ فأمر معاوية بصلبه فصلب على تلك الخشبة في ذلك
المكان فلما رأى ذلك الرجل ان ميثم قد صلب في جواره قال انا الله وانا إليه
راجعون، ثم أخبر الناس بقصة ميثم وبما قال له في حال حياته وما زال ذلك
الرجل يكنس تحت تلك الخشبة ويبخرها ويصلي عندها ويكرر
الرحمة عليه.
(ومما رواه ابن عباس) أنه قال كنت في مسجد رسول الله وقد
قرأ القارئ (في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر اسمه يسبح له فيها بالغدو
103

والآصال) فقلت يا رسول الله ما البيوت فقال صلى الله عليه وآله بيوت الأنبياء عليهم
السلام وأومأ بيده إلى بيت فاطمة الزهراء عليها السلام.
(وعنه (رض)) قال اقبل علي بن أبي طالب (ع) إلى النبي صلى الله عليه وآله
فقالوا له يا رسول الله جاء أمير المؤمنين فقال صلى الله عليه وآله إن عليا سمي بإمرة المؤمنين
قبلي فقيل قبلك يا رسول الله فقال وقبل موسى وعيسى قالوا وقبل موسى
وعيسى يا رسول الله قال وقبل سليمان بن داود ولم يزل يعد الأنبياء كلهم
إلى آدم ثم قال (ع) انه لما خلق الله آدم طينا خلق بين عينيه ذرة تسبح
الله وتقدسه. فقال عز وجل لأسكننك رجلا اجعله أمير الخلق أجمعين فلما
خلق الله تعالى علي بن أبي طالب (ع) أسكن الذرة فيه فسمى أمير
المؤمنين قبل خلق آدم.
(وقال أمير المؤمنين) لما بايعه الملعون عبد الرحمن بن ملجم قال له انك
غيور في بيعتي ولتخضبن هذه من هذا وأشار إلى كريمته ورأسه فلما أهل
شهر رمضان جعل يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين فقال في بعض
الليالي كم مضى من الشهر فقالا له كذا وكذا يوما فقال لهما في العشرة
الآخرة تفقدان أباكما فكان كما قال (ع).
(ومن فضائله عليه السلام) انه لما سار إلى صفين أعوز أصحابه الماء
فشكوا إليه الماء فقال سيروا في هذه البرية واطلبوا الماء فساروا يمينا وشمالا
وطولا وعرضا فلم يجدوا ماءا فوجدوا صومعة وبها راهب فنادوه وسألوه
عن الماء فذكر انه يجلب إليه في كل أسبوع مرة واحدة فرجعوا إلى أمير
المؤمنين فاخبروه بما قال الراهب فقال (ع) الحقوا بي ثم سار غير بعيد
فقال احفروا هاهنا فخروا فوجدوا صخرة عظيمة فقال اقلبوها تجدوا
تحتها الماء فتقدم إليها أربعون رجلا فلم يحركوا فقال (ع) إليكم عنها فتقدم
وحرك شفتيه بكلام لم يعلم ما هو ثم دحاها بالهواء ككرة في الميدان فقال
الراهب وهو ينظر إليه (وقد أشرف عليه) من أين أنت يا فتى فنحن
104

انزل في كتابنا ان هذا الدير بنى على البئر والعين وانها لا يظهر إلا نبي أو
وصي نبي فأيهما أنت، فقال انا وصي خير الأنبياء أنا وصي سيد الأنبياء
انا وصي خاتم الأنبياء ابن عم قائد الغر المحجلين انا علي بن أبي طالب أمير
المؤمنين. قال فلما سمع الراهب نزل من الصومعة وخرج ومشى وهو يقول
مد يدك فانا اشهد ان لا إله الله وأن محمدا رسول الله وان علي بن أبي
طالب وصيه وخليفته من بعده قال ثم شرب المسلمون من العين وماؤها
ابيض من الثلج وأحلا من العسل فرووا منه وسقوا خيولهم وملؤا رواياهم
ثم أعاد صلوات الله عليه وآله الصخرة إلى موضعها ثم ارتحل من نحوها
إلى ديارهم.
(قال) أخبرنا الواقدي عن جابر عن سلمان الفارسي (رض) قيل
جاء إلى عمر بن الخطاب غلام يا فع فقال له ان أمي جحدت حقي من ميراث أبي
وأنكرتني وقالت لست بولدي فأحضرها وقال لها لم جحدت ولدك هذا
وأنكرتني وقالت إنه كاذب في زعمه ولي شهود بأني بكر عاتق ما عرفت بعلا
وكانت قد رشت سبعة نفر كل واحد بعشرة دنانير وقالت لهم اشهدوا
بأني بكر لم أتزوج ولا اعرف بعلا فقال لها عمر بن الخطاب أين شهودك
فأحضرتهم بين يديه فقال بم تشهدون فقالوا له: نشهد انها بكر لم يمسها
ذكر ولا بعل فقال الغلام بيني وبينها علامة اذكرها لها عسى تعرف ذلك
فقال قل ما بدالك فقال الغلام فإنه كان والدي في سعد بن مالك فقال له
الحارث المزني واني رزقت في عام شديد المحل وبقيت عامين كاملين ارضع
شاة ثم انني كبرت وسافر ووالدي مع جماعة في تجارة فعادوا ولم يعد والدي
معهم فسألتهم عنه فقالوا انه درج فلما عرفت والدتي الخبر أنكرتني وقد
أخرتني الحاجة فقال عمر هذا مشكل لا يحله إلا نبي أو وصي نبي فقوموا
بنا إلى أبي الحسن علي عليه السلام فمضى الغلام وهو يقول أين منزل كاشف
الكروب أين خليفة هذه الأمة فجاؤوا به إلى منزل علي بن أبي طالب كاشف
105

الكروب ومحل المشكلات فوقف هناك يقول يا كاشف الكروب عن هذه
الأمة فقال له الامام ومالك يا غلام فقال يا مولاي أمي جحدتني حقي
وأنكرتني وزعمت انى لم أكن ولدها فقال الإمام (ع) أين قنبر فأجابه
لبيك يا مولاي فقال له امض واحضر الامرأة إلى مسجد رسول الله صلى
الله عليه وآله فمضى قنبر واحضرها بين يدي الامام فقال لها ويلك لم جحدت
ولدك فقالت يا أمير المؤمنين انا بكر ليس لي ولد ولم يمسني بشر فقال لها
لا تعدلي الكلام بابن عم بدر التمام ومصباح الظلام قالت يا مولاي أحضر
قابلة تنظرني انا بكر عاتق أم عاتق أم لا فأحضرت فلما خلت بها أعطتها سوارا
كان في عضدها وقالت لها اشهدي بأني بكر فلما خرجت من عندها قالت
له يا مولاي انها بكر فقال (ع) كذبت العجوز يا قنبر عر العجوز وخذ
منها السوار قال قنبر فأخرجته من كتفها فعند ذلك ضج الخلايق فقال
الإمام (ع) اسكتوا فأنا عيبة علم النبوة ثم أحضر الجارية وقال لها يا جارية
انا زين الدين انا قاضي الدين انا أبو الحسن والحسين (ع) انى أريد ان
أزوجك من هذا الغلام المدعى عليك أفتقبلينه مني زوجا فقالت لا يا مولاي
أتبطل شرع محمد صلى الله عليه وآله فقال لها بماذا فقالت تزوجني بولدي كيف يكون
ذلك فقال الامام جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا لم لا يكون
هذا منك قبل هذه الفضيحة فقالت يا مولاي خشيت على الميراث فقال لها
(ع) استغفري الله تعالى وتوبى إليه ثم إنه (ع) أصلح بينهما والحق الولد
بوالدته وبإرث أبيه وصلى الله على محمد وآله.
(ومما روى عنه (ع)) انه كان جالسا في جامع الكوفة إذ أتاه
جماعة من أهل الكوفة فشكوا إليه زيادة الفرات وطغيان الماء فنهض) ع)
وقصد الفرات حتى وقف بموضع يقال باب المروحة واخذ القضيب بيده
اليمنى وحرك شفتيه بكلام لا يفهمه أحد وضرب بالقضيب الماء ضربه فهبط
نصف ذراع فقال لهم يكفي هذا فقالوا الا يا أمير المؤمنين ثم ضرب ثانية
106

فهبط نصف ذراع آخر فقال لهم يكفي هذا فقالوا لا يا أمير المؤمنين فقال
بكلام لا نعرفه وضربه ثالثة فنقص ذراعا آخر فقال يكفي هذا فقالوا نعم
يا أمير المؤمنين فقال والذي فلق الحبة وبرئ النسمة لو شئت لأبنت لكم
الحيتان في قراره وهذه فضيلة لا يقدر عليها أحد ونقل مثلها عن
غيره (ع).
(ومما روى) ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول تفوح روائح الجنة
من قبل قرن الشمس وا شوقاه إليك يا أويس القرني ألا من لقيه فليقرأه
عني السلام فقيل يا رسول الله ومن أويس القرني فقال صلى الله عليه وآله ان غاب لم
يتفقدوه وان ظهر لم يكترثوا له يدخل في شفاعته إلى الجنة مثل ربيعة ومضر
آمن بي وما رآني ويقتل بين يدي خليفتي أمير المؤمنين في صفين.
(قال ابن شاذان) تأمل أيها الطاعن بقلبك وانظر بعينك هذه الآيات
التي خصه الله بها والمعجزات التي شرف الله بها هذا الامام وجعلها دالة عليه
وهدايته إليه (ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حيى عن بينة).
(ومما روى من فضائله (ع): من حديث المقدسي ما يغني سامعه
عما سواه وهو ما حكي لنا انه كان رجل من أهل بيت المقدس ورد إلى
مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وهو حسن الثياب مليح الصورة فزار حجرة
النبي صلى الله عليه وآله وقصد المسجد ولم يزل ملازما له مشتغلا بالعبادة صائم النهار
قائم الليل وذلك في زمان عمر بن الخطاب حتى رؤى أعبد الخلق والخلق
يتمنون ان يكونوا مثله وكان يأتي إليه ويسأله حاجة فيقول المقدسي
الحاجة إلى الله تعالى ولم يزل على ذلك حتى عزم الناس على الحج فجاء المقدسي
إلى عمر وقال له يا أبا حفص قد عزمت على الحج ومعي وديعة أحب ان
تستودعها مني إلى حين عودي من الحج فقال له عمر هات الوديعة فأحضر
حقة من عاج عليها قفل من حديد مختوم بخاتم الشاب فتسلمه عمر وخرج
الشاب مع الوفد وخرج عمر معه إلى الوفد وقال للمتقدم على الوفد أوصيك
107

بهذا الشاب وعليك به خيرا فرجع عمر وكان في الوفد امرأة من الأنصار
ما زالت تلاحظ المقدسي وتنزل بقربه حيث نزل فلما كان في بعض الأيام
دنت منه وقالت يا شاب اني ارق لهذا الجسم الناعم المترف كيف بلبس الصوف
فقال لها هذا جسم يأكله الدود ومصيره التراب هذا له كثير فقالت انى أغار
على هذا الوجه المضئ كيف تشعثه الشمس فقال لها يا هذه اتقى الله وكفى
فقد أشغلني كلامك عن عبادة ربى فقالت له لي إليك حاجة فان قضيتها فلا
كلام وان لم تقضها لي فما انا بتاركتك حتى تقضيها لي فقال لها ما حاجتك
قالت حاجتي ان تواقعني فزجرها وخوفها من الله تعالى فلم يردها ذلك وقالت
والله لئن لم تفعل ما أمرتك به لأرمينك بداهية من دواهي النساء ومكرهن
لا ننجو منها فلم يلتفت ولم يعبأ بكلامهما فلما كان في بعض الليالي وقد سهر
أكثر ليلته من عبادة ربه ثم رقد في آخر الليل وغلب عليه النوم فاتته وتحت
رأسه مزادة فيها زاده فأنزعتها من تحت رأسه وطرحت فيها كيسا فيه
خمسمائة دينار ثم عادت بها إلى تحت رأسه فلما ثور الوفد قامت الملعونة وقالت
يا لله ويا للوافد ويا وفد الله امرأة مسكينة وقد سرقت نفقتها ومالي إلا الله
وأنتم فحبس المتقدم الوفد وامر رجالا من الأنصار والمهاجرين ان يفتشوا
رجال الأنصار والمهاجرين ففتشوا الفريقين فلم يجدوا شيئا ولم يبق من الوفد
أحد إلا وفتش رحله ولم يبق إلا المقدسي فأخبروا متقدم الوفد بذلك فقال
يا مقدم ما ضركم لو فتشتموه فله أسوة بالمهاجرين والأنصار وما يدريكم أن يكون
ظاهره مليحا وباطنة قبيحا ولم تزل الامرأة حتى حملتهم على تفتيش
رحله فقصده جماعة من الوفد وهو قائم يصلي فلما رآهم اقبل عليهم وقال لهم
ما بالكم وما خبركم قالوا هذه الامرأة الأنصارية ذكرت انها قد سرق لها
نفقة كانت معها وقد فتشنا رجال الوفد بأسرها ونحن لا نتقدم إلى رحلك
إلا اذنك لما سبق من وصية عمر بن الخطاب فيما يعود إليك فقال يا قوم
ما يضرني ذاك فتشوا ما أحببتم وهو واثق من نفسه فأول ما نفضوا المزادة
108

التي فيها زاده وقع منها الهميان فصاحت الملعونة الله أكبر هذا والله كيسي
ومائي وهو كذا دينار وفيه عقد لؤلؤ ووزنه كذا وكذا مثقالا فاختبروه
فوجدوه كما قالت الملعونة فمالوا عليه بالضرب الموجع والسب والشتم وهو
لا يجيب جوابا فسلسوه وقادوه راجلا إلى مكة فقال لهم يا وفد الله بحق
هذا البيت إلا ما تصدقتم علي وتركتموني اقضي الحج واشهد الله تعالى
ورسوله بأني إذا قضيت الحج عدت إليكم وتركت يدي في أيديكم فأوقع الله
الرحمة في قلوبهم فأطلقوه فلما قضى مناسك الحج وما وجب عليه من
الفرائض عاد إلى القوم وقال لهم ها انا عدت إليكم فافعلوا بي ما تريدون
فقال بعضهم لبعض لو أراد المفارقة لما عاد إليكم اتركوه فتركوه فرجع الوفد
طالبا مدينة الرسول صلى الله عليه وآله فأعوز تلك الملعونة زادها في بعض الطريق
فوجدت في بعض الطريق راعيا فسألته الزاد فقال لها عندي ما ترين غير
اني لا أبيعه فان آثرت ان تملكيني من نفسك ففعلت واخذت منه زادا فلما
انحرفت عنه عرض لها إبليس فقال لها فلانة أنت حامل قالت ممن فقال لها
من الراعي فقالت وا فضيحتاه فقال لها لا تخافي مع رجوعك إلى الوفد قولي
لهم اني سمعت قراءة المقدسي فقربت منه فلما غلبني النوم دنا مني وواقعني ولم
أتمكن من الدفع عن نفسي بعد الفوات وقد حملت منه وانا امرأة من الأنصار
وما معي جماعة من أهلي ففعلت الملعونة ما أشار عليها اللعين إبليس فلم يشكوا
في قولها لما عاينوه أولا من وجود المال في رحله فعكفوا على الشاب وقالوا
له: يا هذا ما كفاك السرقة حتى فسقت فأوجعوه ضربا وأوسعوه شتما وسبا
وأعادوه إلى السلسلة وهو لا يرد جوابا فلما قربوا من المدينة على ساكنها
السلام خرج عمر ومعه جماعة من المسلمين للقاء الوفد فلما قربوا منه لم يكن
لهم إلا السؤال من الوفد وعن المقدسي فقالوا له يا أبا حفص ما اغفلك عنه
وقد سرق وفسق وقصوا عليه القصة فامر باحضاره بين يديه وهو مسلسل
فقال ويلك يا مقدسي اتظهر خلاف ما يظن فيك حتى فضحك الله تعالى والله
109

لأنكلن بك أشد نكال وهو لا يرد جوابا فاجتمع الخلق عليه وازدحم الناس
إليه لينظروا ما يفعل به وإذا بنور قد سطح فتأمله الحاضرون وإذا به عيبة
علم النبوة علي بن أبي طالب فقال ما هذا الرهج في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله
فقالوا له: يا علي الشاب المقدسي قد سرق وفسق فقال (ع) والله ما سرق
ولا فسق ولا حج أحد غيره قال فلما أخبروا عمر قام قائما فأجلسه مكانه
فنظر إلى الشاب المقدسي مسلسلا مطرقا إلى الأرض والامرأة قائمة فقال لها
أمير المؤمنين (ع) انا محل المشكلات وكاشف الكربات ويلك قصي علي
قصتك فأنا باب مدينة علم الرسول صلى الله عليه وآله فقالت يا علي ان هذا
الشاب سرق مالي وقد شاهده الوفد في مزادته وما كفاه ذلك حتى كنت ليلة
من الليالي قربت منه فاسترقني بقراءته واستنامني ووثب إلي فواقعني
وما تمكنت من المدافعة عن نفسي خوفا من الفضيحة وقد حملت منه فقال لها
أمير المؤمنين (ع) كذبت يا ملعونة فيما ادعيت عليه. يا أبا حفص اعلم أن
هذا الشاب مجبوب ليس له إحليل وإحليله في حقة من عاج ثم قال يا مقدسي
أين الحقة فعند ذلك رفع طرفه إلى السماء وقال يا مولاي من أعلمك عن الحقة
فالتفت (ع) إلى عمر وقال يا أبا حفص قم هات وديعة هذا الرجل فأرسل
عمرو احضروا الحقة ففتحوها فإذا فيها خرقة من حرير وبها إحليله فعند ذلك
قال الامام قم يا مقدسي فقام فقال جردوه من ثيابه لينظر ويتحقق حاله ممن
اتهمه بالفسق فجردوه من ثيابه وإذا هو مجبوب فضج العالم فقال لهم:
اسكتوا واسمعوا منى حكومة اخبرني ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال
يا ملعونة لقد تجريت على الله ويلك ألم تأتي إليه وقلت له كيت وكيت فلم يجبك
إلى ذلك فقلت له والله لأرمينك بحيلة من حبل النساء لا تنجو منها فقالت بلي
يا علي كان ذلك فقال (ع) ثم انك استنومتيه فجأت بالكيس فتركتيه في
مزاده أقرى! فقالت: نعم يا علي، فقال (ع) اشهدوا عليها ثم قال لها
وهذا حملك من الراعي الذي طلبت منه الزاد قال لك انى لا أبيعك الزاد
110

ولكن مكنيني من نفسك وخذي حاجتك ففعلت ذلك واخذت الزاد وهو
كذا وكذا قالت صدقت يا علي وضج العالم لها فلما خرجت من الراعي
عرض لك شيخ صفته كذا وكذا فناداك وقال لك يا فلانة لا بأس عليك
أنت حامل من الراعي فصرخت وقلت واسوأتا فقال لا تخافي وقولي للوفد
استنامني وواقعني المقدسي وقد حلمت منه فيصدقوك لما ظهر لهم من سرقته
ففعلت ذلك كما قال لك الشيخ فقالت كان ذلك يا علي فقال هو إبليس اللعين
فعجب الناس من ذلك، فقال عمر يا أبا الحسن ما تريد ان تصنع بها فقال
يحفر لها في مقابر اليهود إلى نصفها وترجم بالحجارة ففعل بها ذلك كما أمر
مولانا أمير المؤمنين (ع) واما المقدسي فلم يزل ملازم مسجد رسول الله
صلى الله عليه وآله إلى أن قبض (رض) فعند ذلك قام عمر وهو يقول: لولا على
لهلك عمر ولم يصدق إلا في ذلك ثم انصرف الناس وقد عجبوا من حكومة
علي بن أبي طالب (ع)
(ومن فضائله (ع)) قيل إنه كان في بعض غزواته وقد دنت
الفريضة ولم يجد ماء يسبغ به الوضوء فرمق بطرفه إلى السماء والناس قيام
ينظرون فنزل جبرئيل وميكائيل (ع) ومع جبرئيل سطل فيه ماء ومع
ميكائيل منديل ووضعا السطل والمنديل بين يدي أمير المؤمنين فاسبغ الوضوء
من ذلك الماء ومسح وجهه الكريم بالمنديل فعند ذلك عرجا إلى السماء والخلق
ينظر إليهما.
(ومن فضائله (ع)) ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال أعطيت
ثلاثا وعلي مشاركي فيها وأعطى علي ثلاثة ولم أشاركه فيها فقيل يا رسول
الله وما الثلاث التي شاكك فيها علي (ع) فقال لواء الحمد لي وعلي حامله
والكوثر لي وعلي ساقيه والجنة لي وعلي قاسمها واما الثلاث التي أعطيت عليا
ولم أشاركه فيها فإنه اعطى رسول الله صهرا ولم اعط مثله وأعطى زوجته
111

فاطمة الزهراء ولم اعط مثلها وأعطى ولديه الحسن والحسين (ع) ولم
اعط مثلهما.
(ومن فضائله * ع *) انه كان هو وفاطمة * ع * فدخل عليهما
رسول الله * ص * وهما يطحنان الجاورس فقال النبي * ص * أيكما أعيي
فقال على * ع * فاطمة يا رسول الله فقال قومي يا بنية فجلس النبي * ص *
في موضعها مع علي * ع * فرساه في الطحن للحب.
(ومما ورد في كتاب الفردوس للجمهور) ما يرفع إلى رسول الله
محذوف الأسانيد أنه قال لو اجتمعت الخلائق على حب علي بن أبي طالب
ما خلق الله تعالى النار.
(ومن فضائله (ع) التي خصه الله تعالى بها دون غيره ما رواه من
أثق إليه عن عمار بن ياسر (رض) أنه قال أتيت علي بن أبي طالب فقلت
له يا أمير المؤمنين لي ثلاثة أيام كاملة أصوم وأطوي وما اقتات وهذا اليوم
وهو اليوم الرابع فقال لي (ع) اتبعني يا عمار فطلع مولاي إلى الصحراء
لو اخذت من تلك ما تستغنى به وتتصدق منه لما كان في ذلك بأس فقال
(ع) يا عمار هذا يقدر كفايتنا هذا اليوم ثم غطاه وردمه وانصرف عنه
ثم انفصل عنه عمار وغاب مليا ثم عاد إلى أمير المؤمنين (ع) فقال يا عمار
كأني بك وقد مضيت إلى الكنز تطلبه فقال يا أمير المؤمنين والله اني قصدت
الموضع لاخذ من الكنز شيئا فما وجدت له اثرا فقال (ع) يا عمار لما علم الله
تعالى ان لا رغبة لنا في الدنيا أظهرها لنا ولما علم الله عز وجل ان لكم إليها رغبة
ابعدها عنكم (وعنه صلى الله عليه وآله) أنه قال اخبرني جبرئيل (ع) أنه قال لي
مثل حب علي بن أبي طالب (ع) في الناس مثل سورة (قل هو الله أحد)
في القرآن فمن قرأها مرة واحدة كان له ثوب ثلث القرآن ومن قرأها
مرتين كان له ثواب ثلثي القرآن ومن قرأها ثلاثا كان له ثواب من قرأ
القرآن كله وكذا حب علي بن أبي طالب (ع) فمن أحبه بلسانه
112

كان له ثواب ثلث أمتك ومن أحبه بلسانه وقلبه كان له ثواب ثلثي أمتك
ومن أحبه وقلبه وعمله كان ثواب أمتك بأسرها.
(وفي ذكر اللوح المحفوظ الذي نزل به جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله ما ينفع
للمستبصرين) وهو محذوف الأسانيد يرفع إلى أبي بصير (رض) روى
أبو بصير عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق * ع * عن محمد الباقر * ع * أنه قال لجابر ان لي إليك حاجة متى يخف عليك ان أخلو بك فأسئلك عنها فقال
له جابر أي الأزمنة أحببته يا مولاي فخلا به أبو جعفر * ع * فقال له يا جابر
اخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة * ع * وما أخبرتك به أمي
أنه كان في اللوح مكتوبا قال جابر أشهد بالله اني دخلت على أمك فاطمة في
حال حياة رسول الله * ص * أهنيها بولادة الحسين * ع * فرأيت في يدها
لوحا أخضر فظننت انه زمرد ورأيته مكتوبا بالنور الأبيض فقلت بأبي أنت
وأمي يا بنت رسول الله ما هذا اللوح قالت أهداه الله تعالى إلى رسوله * ص *
فيه اسم أبي واسم بعلي وأسماء ولدى وذكر الأوصياء من ولدى فأعطانيه
أبي ليبشرني بذلك قال فقلت لها أرينيه يا ابنة رسول الله فأعطته إياي ونسخته
فقال أبو جعفر * ع * يا جابر هل لك ان تعرضه على قال نعم يا ابن رسول الله
فأنت أحق به منى قال أبو جعفر فمشينا إلى منزل جابر * ره * قال أبو جعفر
فاخرج لي صحيفة من رق فيها ما هذه صورته (بسم الله الرحمن الرحيم) هذا
كتا ب من الله العزيز الرحيم إلى محمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله
نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي
ولا تجحد آلائي انا الله لا إله إلا انا فمن رجال فضل غيري وخاف غير عذابي
أعذبه عذابا لا أعرف به أحدا من خلقي إياي فاعبده وعلي فتوكل اني لم ابعث
نبيا وكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصيا واني فضلتك على الأنبياء
وفضلت وصيك على الأوصياء وأكرمته بشبليك وسبطيك الحسن والحسين
خازني وحيي وأكرمت حسينا بالشهادة وختمت له بالسعادة فهو أفضل من
113

استشهد في وأرفع الشهداء عندي درجة وجعلت الكلمة التامة معه والحجة
البالغة عنده وبعترته أثيب وأعاقب أولهم علي بن الحسين زين العابدين وزين
أوليائي الماضين عليهم صلواتي أجمعين فهم حبلي الممدود الذي يخفهم رسولي
لوجود الكتاب معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه حتى يردوا على رسولي في
اليوم المعهود وذلك يوم مشهود).
(وروى انس بن مالك قال سمعت أذناي ان رسول الله * ص * يقول في
علي بن أبي طالب * ع * عنوان صحيفة المؤمن يوم القيامة حب على (وعن
ابن عباس * رض * انه كان رسول الله * ص * في بيته فغدا علي بن
أبي طالب * ع * وكان يحب ان لا يسبقه أحد إلى رسول الله * ص * فدخل
وإذا النبي في صحن داره وإذا رأسه الكريم في حجر دحية بن خليفة
الكلبي فقال له علي * ع * كيف أصبح رسول الله فقال بخير يا أخا رسول الله
فقال (ع) جزاك الله تعالى عنا خيرا أهل البيت فقال له دحية الكلبي اني
أحبك ولك عندي فرحة أزفها إليك أنت أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين
أنت سيد ولد بني آدم ما خلا النبيين والمرسلين لواء الحمد بيدك يوم القيامة
أنت وشيعتك مع محمد وحزبه تزفون زفا زفا وقد أفلح من والاك وخسر
من تخلى عنك فمحب محمد محبك ومبغضك لن تناله الشفاعة من محمد ادن مني
يا صفوة الله فأنت أحق بأخيك مني قال فأخذ رأس رسول الله صلى الله عليه وآله في
حجرة فاستيقظ النبي صلى الله عليه وآله وقال ما هذه الهمهمة فأخبره بالحديث فقال صلى الله عليه وآله
يا علي لم يكن دحية الكلبي بل هو جبرئيل سماك بما سماك به الله عز وجل
وقد أمر أن تكون محبتك في قلوب المؤمنين وبغضك في قلوب الكافرين.
(وعن عبادة الأسدي) قال بينا عبد الله بن عباس يحدث الناس على
زمزم إذ جاءه رجل فقال يا ابن عباس ما تقول فيمن قا لا إله إلا الله ثم
يكفر ولا أتى بصوم ولا صلاة ولا حج ولا قبلة ولا جهاد فقال له ابن
عباس ويحك سل عما يعنيك ودع عنك مالا يعنيك فقال له الرجل ما جئت
114

إلا لهذا الامر فقال ممن الرجل قال من الشام اخبرني بما سألتك عنه ويحك
اسمع منى ان مثل علي بن أبي طالب كمثل موسى بن عمران إذ آتاه الله التوراة
فظن أنه استوعب العلم كله حتى صحب الخضر * ع * فأمر له وعلمه ولم
يحسده وانكم حسدتم علي بن أبي طالب فأما الغلام الذي قتله الخضر (ع)
كان قتله الله تعالى رضى ولموسى سخطا وان عليا قتل الخوارج وكان قتلهم
لله رضى ولأهل الضلالة سخطا اسمع مني ان رسول الله تزوج بزينب بنت
جحش فأولم وليمة وكان يدخل عليه عشرة عشرة فلبث عندها أياما وليالي
وتحول إلى بيت أم سلمة (رض) فجاء علي (ع) وقام بالباب فقال صلى الله عليه وآله
إن بالباب رجلا ليس ينزق ولا يخرق يحب الله تعالى ورسوله قومي يا أم سلمة
وافتحي له الباب فقامت وفتحت له الباب فأخذ بعضدي الباب حتى لم يحسا
وعلم أنها وصلت لمخدرها فدخل الإمام عليه السلام عند ذلك وقال السلام
عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال صلى الله عليه وآله وعليك السلام ورحمة
الله وبركاته يا قرة عيني ثم قال صلى الله عليه وآله لها يا أم سلمة اما تعرفيه فقالت بلي
يا رسول الله علي بن أبي طالب (ع) فقال يا أم سلمة اشهدي له انه وصيي
وولديه قرة عيني وريحانتاي في الدنيا والآخرة واشهدي يا أم سلمة انه
خليفتي في أهلي واشهدي ان لحمه ودمه من دمى واشهدي يا أم سلمة انه أول
من يرد على حوضي وانه امام المتقين وانه ولي في الدنيا والآخرة
واشهدي يا أم سلمة انه قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدى.
(وروى) عبد الله بن محمد بن أبي ذر، قال حدثني عيسى بن عبد الله
مولى تميم عن شيخ من قريش قال رأيت رجلا بالشام قد اسود وجهه وهو
يغطيه فسألته عن سبب ذلك فقال نعم قد جعلت لله على أن لا يسألني أحد
عن ذلك إلا أجبته وأخبرته قال كنت شديد الوقيعة في علي بن أبي طالب
(ع) كثير الذكر له فبينا انا ذات ليلة نائم إذا أتاني آت في منامي فقال
115

أنت صاحب الوقيعة في علي فقلت بلي فضرب وجهي وقد اسود فبقي كما
ترى.
(وبهذا الاسناد) يرفعه إلى بشر بن جنادة، قال كنت عند أبي بكر
و هو في الخلافة فجاء رجل فقال له أنت خليفة رسول الله قال نعم، قال
اعطني عدتي قال وما عدتك فقال ثلاث حثوات يحثو لي رسول الله فحثا له
ثلاث حثوات من التمر الصيحاني، وكانت رسما على رسول الله صلى الله عليه وآله
قال فاخذها وعدها فلم يجدها مثل ما يعهد من خذها فما أنت خليفته، فلما
سمع ذلك قال شدوه إلى أبي الحسن فلما دخلوا به على علي بن أبي طالب
(ع) ابتدأ الامام بما يريده منه وقال له: تريد حثوات من رسول الله قال
نعم يا فتى فحثا له (ع) ثلاث حثوات في كل حثوة ستون تمرة واحدة على
الأخرى فعند ذلك قال له الرجل: اشهد انك خليفة الله وخليفة رسوله
حقا وانهم ليسوا بأهل لما جلسوا فيه. فلما سمع أبو بكر قال! صدق
الله وصدق رسوله حيث قال في ليلة الهجرة (ونحن خارجون من مكة إلى
المدينة) كفى وكيف علي في العدد سواء. فعند ذلك كثر القيل والقال
فخرج عمر فسكتهم.
(وبالاسناد يرفعه إلى انس بن مالك) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أن
لله تعالى خلقا لأهم من الجن ولامن الانس يلعنون مبغضي علي بن أبي طالب
(قيل) يا رسول الله من هم قال القنابر ينادون في الشجر على رؤس
الاشهاد ألا لعنة الله أعداء علي بن أبي طالب (ع).
(وعن أبي طالب أحمد بن الفرج بن الأزهر) رفعه عن رجاله إلى
سلمان بن سالم قال اخبرني سليمان الأعمش قال وجه إلى المنصور في جوف
الليل ان أجب الخليفة قلت ما بعث إلى إلا ليسألني عن بعض فضائل علي بن أبي طالب
(ع) ولعلي إن أخبرته قتلني فتطهرت وتكفنت وتحنطت تم
كتبت وصيتي وصرت إليه فوجدت عنده عمر بن عبيدة فحمدت الله على ذلك
116

فقلت في نفسي وجدت عنده عونا صديقا من أهل البصرة فسلمت عليه فقال
إدن منى يا سليمان فدنوت منه وأقبلت على عمرو بن عبيد أسأله مثل ما يعهد
من رسول الله صلى الله عليه وآله ففاح منى رائحة الحنوط فقال المنصور يا سليمان ما
هذه الرائحة والله إن لم تصدقني وإلا قتلتك فقلت يا أمير المؤمنين أتاني
رسولك في جوف الليل فقلت في نفسي ما بعث إلى في هذه الساعة إلا
ليسألني عن فضائل علي بن أبي طالب فان أخبرته قتلني فكتبت وصيتي
ولبست كفني وتحنطت قال وكان فكبا فاستوى جالسا وهو يقول لا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال أتكفرني يا سليمان ما اسمي قلت
أمير المؤمنين قال دعنا في هذه الساعة من هذا ما اسمي قلت عبد الله بن علي
ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب قال صدقت فأخبرني بالله وبقرابتي من
رسول الله كم رويت من حديث في علي بن أبي طالب (ع) وكم فضيلة
سمعت من جميع الفقهاء قال شيئا يسيرا يا أمير المؤمنين مقدار عشرة آلاف
حديث فما زاد قال يا سليمان ألا أحدثك بحديث في فضائل علي (ع) يأكل
كل حديث رويته عن جميع الفقهاء فان حلفت لي أن لا نرويها لاحد من
الشيعة حدثتك به قلت لا احلف ولا أحدث به قال اسمع كنت هاربا من
بنى مروان وكنت ادور في البلدان فأتقرب إلى الناس بحب علي بن أبي
طالب (ع) وفضائله وكانوا يشرفوني ويكرموني ويعطوني حتى
وردت بلاد الشام وهل الشام كلما أصبحوا لعنوا عليا بمساجدهم لأنهم
كلهم خوارج وأصحاب معاوية فدخلت مسجدا وفي نفسي منهم ما فيها
فأقيمت الصلاة فصيلت الظهر وعلى كساء خلق فلما سلم الامام اتكأ على
الحائط وأهل المسجد حضور وجلست ولم أر أحدا يتكلم توقيرا منهم
لإمامهم فإذا بصبيين قد دخلا المسجد فلما نظر الامام إليهما قام ثم قال
ادخلا فمرحبا بكما ومرحبا بمن سميتما باسمهما والله ما سميتكما باسمهما إلا لأجل
حبى لمحمد وآل محمد فإذا اسم أحدهما الحسن والآخر الحسين فقلت في نفسي
117

قد أصبت حاجتي ولا قوة إلا بالله وكان: في جانبي فسألت منه من هذا
الشيخ ومن هذان الغلامان فقال الشيخ جدهما وليس في هذه المدينة أحد
يحب عليا سواه فلذلك سماهما الحسن والحسين ففرحت فرحا شديدا وكنت
لا أخاف الرجال فدنوت من الشيخ وقلت هل لك في حديث أقر به عينك
قال ما أحوجني إلى ذلك وان أقررت عيني أقررت عينك فعند ذلك قلت
حدثني أبي عن أبيه عن جده قال لي من والدك ومن جدك فعلمت انه يريد
نسبي فقلت انا عبد الله ابن محمد بن عبد الله بن عباس أنه قال كنا مع
رسول الله وإذا بفاطمة (ع) قد أقبلت تبكي فقال لها النبي صلى الله عليه وآله ما
يبكيك لا ابكى الله لك عينا فقال يا أبت أن الحسن والحسين قد ذهبا منذ
اليوم ولم اعلم أين ذهبا وان عليا مشى على الدالية منذ خمسة أيام يسقي البستان
واني قد استوحشت لهما قال صلى الله عليه وآله يا أبا بكر اذهب فاطلبهما وأنت يا فلان
فوجه سلمان قال ولم يزل يوجه حتى مضى سبعون رجلا في طلبهما ورجعوا
ولم يصيبوهما فاغتم النبي صلى الله عليه وآله ثم قام فوقف على باب المسجد وقال إلهي
بحق إبراهيم خليلك وبحق آدم صفوتك أن كانا قرتا عيني في برأ وبحر
أو سهل أو جبل فاحفظهما وسلمهما على فاطمة سيدة نساء العالمين قال وإذا
باب من السماء قد فتح وإذا بجبرئيل قد نزل من عند رب العالمين وقال
السلام عليك يا رسول الله الحق يقرئك السلام ويقول لك لا تحزن ولا
تغتم الغلامان هما الفاضلان في الدنيا والآخرة وهما سيدا شباب أهل الجنة
وانهما في حظيرة (أو حديقة) بنى النجار وقد وكلت بهما ملكا يحفظهما
ان قاما أو قعدا أو ناما أو استقيظا قال فعند ذلك فرح النبي فرحا شديدا
فقام ومضى جبرئيل (ع) عن يمينه والمسلمون حوله حتى دخل حظيرة
بني النجار فسلم عليه ذلك الملك الموكل بها فرد عليه السلام والحسن والحسين
نائمان وهما متعانقان وذلك الملك قد جعل جناحه فوقهما وكل واحد منهما
عليه ذراعة من شعر (أو صوف) والمداد على شفتيهما فجثا النبي صلى الله عليه وآله على
118

ركبتيه وانكب عليهما يقبلهما ويقول لهما حبيبي وحبيبي حتى استيقظا فرأيا
جدهما فحمل النبي صلى الله عليه وآله الحسن وحمل جبرائيل الحسين فخرج النبي صلى الله عليه وآله
من الحظيرة قال فحدث من كان حاضرا عن ابن عباس قال كان يقول:
كلما قبلهما وهما على كتفيه وكتف جبرئيل (ع) من أحبكما فقد أحبني
ومن أبغضكما فقد أبغضني فقال أبو بكر اعطني احمل أحدهما يا رسول الله
قال نعم المحمول ونعم المطية ونعم الراكبان هما وأبوهما وأمهما منهما ونعم
من أحبهما فلما خرجا ومضيا وتلقاهما عمر فقال من أحبهما قال ولم يزل النبي
صلى الله عليه وآله سائرا حتى دخلت المسجد وقال: والله لأشرفن اليوم ولدى كما
شرفهما الله تعالى ثم قال يا بلال ناد في الناس فقال النبي * ص * معاشر
المسلمين بلغوا عن نبيكم ما تسمعون منه أيها ألا أدلكم اليوم على خير الناس
جدا وجدة قالوا بلي يا رسول الله قال الحسن والحسين جدهما محمد رسول الله
* ص * وجدتهما خديجة بنت خويلد سيدة نساء أهل الجنة. أيها الناس ألا
أدلكم على خير الناس أبا واما قالوا بلي يا رسول الله قال الحسن والحسين
أبوهما علي بن أبي طالب وأمهما فاطمة بنت رسول الله وان أباهما خير منهما
يحب الله ويحب رسوله ويحبة الله ورسوله سيد العابدين وسيد الأوصياء
أيها الناس ألا أدلكم على خير الناس عما وعمة قالوا بلى يا رسول الله قال
الحسن والحسين عمهما جعفر الطيار يطير مع الملائكة بجناحين مكللين بالدر
والياقوت وعمتهما أم هاني بنت أبي طالب معاشر الناس هل أدلكم على خير
الناس خالا وخالة قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن والحسين خالهما القاسم
ابن رسول الله * ص * وخالتهما زينب ثم قال اللهم انك تعلم أن الحسن
والحسين في الجنة وان جدهما وجدتهما في الجنة وان أباهما وأمها في الجنة
وان من كرامتهما على الله ان سماهما في التوراة شبرا وشبيرا فهما سبطاي
وريحانتاي في الدنيا والآخرة قال فلما سمع الشيخ ذلك منى كساني خلعته
فبعتها بمائة دينار وقال هل أدلك على أخوين في هذه المدينة أحدهما كان
119

مؤذيا وكان يلعن عليا * ع * كل يوم الف مرة وكان يسبه يوم الجمعة أربعة
آلاف مرة فغير الله ما به من نعمة وصار آية للسائلين فهو هذا اليوم يحبه
واخ لي يحب عليا منذ خرج من بطن أمه فقم إليه ولا تحتبس عنده والله
يا سليمان لقد ركبت البغلة واني يومئذ لجائع فقام معي الشيخ وأهل المسجد
حتى صرنا إلى الدار قال الشيخ انظر لا تحتبس عنده فدفعت الباب وقد
كان معي فإذا بشاب قد خرج إلي فلما رآني والبغلة تحتي قال والله ما
كساك أبو فلان خلعته ولا أركبك بغلته الا وأنت رجل تحب الله ورسوله
ولان أقررت عيني لا قرن عينيك والله يا سليمان انى لا انس بهذا الحديث
الذي سمعته وتسمعه ثم قال فقلت اخبرني أبى عن جدي عن أبيه قال كنا
مع رسول الله * ص * جلوسا يباب داره وإذا بفاطمة * ع * قد أقبلت وهي
حاملة الحسن وهي تبكي بكاءا شديدا فاستقبلها صلى الله عليه وآله وقال وما يبكيك لا
ابكى الله لك عينا ثم تناول الحسن من يدها فقالت يا أبة ان نساء قريش
يعيرنني ويقلن قد زوجتك أبوك بفقير لامال له فقال له النبي صلى الله عليه وآله يا فاطمة
ما زوجتك انا ولكن الله تعالى زوجك في السماء وشهد لك جبرئيل
وميكائيل وإسرافيل اعلمي يا فاطمة ان الله تعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة
فاختار منها أباك فبعثه نبيا ثم اطلع اطلاعة ثانية فاختار بعلك فجعله وصيا
ثم زوجك به من فوق سبع سماواته وأمرني ان أزوجك به واتخذه وصيا
ووزيرا فعلي أشجعهم قلبا واعلم الناس علما واحلم الناس حلما واحكم
الناس حكما وأقدم بالناس ايمانا وأسمحهم كفا وأحسن الناس خلقا يا فاطمة
اني آخذ لواء الحمد ومفاتيح الجنة بيدي وادفعها إلى علي بن أبي طالب
(ع) فيكون آدم ومن دونه تحت لوائه يا فاطمة اني مقيم غدا عليا على حوضي
يسقي من يرد عليه من أمتي يا فاطمة ابناك الحسن والحسين سيدا شباب أهل
الجنة وكان قد سبق اسمهما في التوراة مع موسى بن عمران (ع) لكرامتها
عند الله يا فاطمة يكسي أبوك حلة من حلل الجنة ولواء الحمد بين يدي وأمتي
120

تحت لوائي فانا وله عليا لكرامة على الله قال وينادي منادى يا محمد نعم الجد
جدك ونعم الأخ أخوك فالجد إبراهيم والأخ علي بن أبي طالب (ع) وإذا
دعاني رب العالمين دعا عليا معي وإذا أحياني أحيى عليا معي وإذا شفعني ربي
شفع عليا وانه في المقام عوني على مفاتيح الجنة فقومي يا فاطمة ان عليا
وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.
(وبالاسناد أنه قال) بينا فاطمة جالسة إذ أقبل أبوها صلى الله عليه وآله حتى جلس
إليها فقال لها مالي أراك حزينة قالت بأبي أنت وأمي يا رسول الله وكيف لا
أبكي ولا أحزن وتريد ان تفارقني فقال لها يا فاطمة لا تبكي ولا تحزني فلا
بد من فراقك فاشتد بكاؤها وقالت يا أبتي أين ألقاك قال تلقني على تل الحمد
اشفع لامتي قالت يا أبت وان لم القك قال تلقني عند الصراط، جبرئيل عن
يميني وميكائيل عن شمالي وإسرافيل آخذ بحجزتي والملائكة من خلفي وانا
أنادى أمتي فيهون عليهم الحساب ثم انظر يمينا وشمالا إلى أمتي وكل نبي
يوم القيامة مشتغل بنفسه يقول يا رب نفسي نفسي وأنا أقول يا رب أمتي أمتي
فأول من يلحق بي أنت وعلي والحسن والحسين فيقول الرب عز وجل
يا محمد ان أمتك لو اتوني بذنوب كأمثال الجبال لغفرت لهم ما لم يشركوا بي
شيئا ولم يوالوا عدوا قال، فلما سمع الشاب هذا منى أمر لي بعشرة آلاف درهم
وكساني ثلاثين ثوبا ثم قال لي: من أين أنت قلت من أهل الكوفة قال
أعربي أم مولى قلت بل عربي قال فكما أقررت عيني أقررت عينك ثم قال
ائتيني غدا في المسجد فلما رآني استقبلني وقال ما أعطاك أبو فلان قلت كذا
وكذا قال جزاه الله خيرا وجمع بيننا وبينه في الجنة فلما أصبحت يا سليمان
ركبت البغلة واخذت في الطريق الذي وصفه لي فما لبثت إلا قليلا حتى
رأيت بستانه على الطريق وسمعت إقامة من المسجد فقلت والله لأصلين مع
هؤلاء القوم فنزلت عن البغلة ودخلت المسجد فوجدت رجلا قامته مثل قامة
صاحبي فصرت عن يمينه فلما صرنا في الركوع والسجود وإذا عمامته قد
121

رمى بها من رأسه فنظرت في وجهه وإذا وجهه وجه خنزير ورأسه رأس
خنزير فلم اعلم ما صليت ولا ما قلت في صلاتي متفكرا في امره فسلم
الامام فتنفس الرجل في وجهي وقال أنت الذي اتيت أخي بالأمس فأمر لك
بكذا وكذا فقلت نعم فاخذ بيدي وأقامني فلما رآنا أهل المسجد تبعونا فقال
لغلامه أغلق عليهم الباب ولا تدع أحدا يدخل علينا ثم ضرب بيده إلى
قميصه فنزعه وإذا جسده خنزير فقلت يا أخي ما هذا الذي أرى بك
قال كنت مؤذن القوم وكنت في كل يوم إذا أصبحت العن عليا (ع) الف
مرة بين الأذان والإقامة قال فخرجت من المسجد ودخلت دارى هذه وكان
يوم الجمعة فلعنته أربعة آلاف مرة ولعنت أولاده زمرة فاتكأت على هذه
الدكة فذهب بي النوم فرأيت في منامي كان الجنة قد أقبلت وإذا بعلي (ع)
فيها متكئا والحسن والحسين معه متكآن بعضهم لبعض مسرورين تحتهم
مصليات من نور وإذا انا برسول الله صلى الله عليه وآله جالسا والحسن والحسين قدامه
وبيد الحسين كأس فقال صلى الله عليه وآله اسقني فشرب وقال للحسين اسق أباك
عليا (ع) فشرب وقال اسق أخاك الحسن فسقاه ثم قال اسق الجماعة فشربوا
ثم قال اسقى المتكئ على الدكان فولى الحسن بوجهه عني وقال يا جداه كيف
اسقيه وهو يلعن أبي في كل يوم الف مرة فقال النبي صلى الله عليه وآله لي لعنك الله أتلعن
عليا وتشتم أخي مالك لعنك الله تشتم ولدى الحسن والحسين ثم بصق النبي
علي فملا وجهي وجسدي فلما انتبهت من منامي رأيت موضع بصاق النبي صلى الله عليه وآله
قد مسح كما ترى وصرت آية للسائلين ثم قال لي يا سليمان هل سمعت من فضائل
علي (ع) أعجب من هذا الحديث يا سليمان حب علي (ع) ايمان وبغضه نفاق
فلا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر فقلت يا أمير المؤمنين الأمان قال
لك الأمان فقلت يا أمير المؤمنين فما حال من قتل هؤلاء؟ قال النار ولا أشك
فقلت ومن قتل أولادهم وأولاد أولادهم قال فنكس رأسه.
(قال سليمان) ان الملك عقيم ولكن حدثني عن فضائل علي بن أبي
طالب بما شئت قال قلت من قتل ولده في النار. فقال عمرو بن عبيدة صدقت
122

يا سليمان الويل ثم الويل لمن قتل ولده فقال المنصور يا عمرو اشهد عليه فإنه
في النار، فقال قد اخبرني الشيخ الصدوق (يعني الحسن بن انس) ان من
قتل أولاد علي لا يشم رائحة الجنة قال فوجدت المنصور قد غمض وجهه
فخرجنا فقال أبو جعفر لولا مكان عمرو ما خرج سليمان إلا مقتولا.
(وعن الامام فخر الدين الطبري) يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاري
قال بينا نحن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده بالمدينة فذكر بعض
الصحابة الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ان لله لواء من نور وعموده من
زبرجد خلقه الله تعالى قبل ان يخلق السماء بألفي عام مكتوب عليه لا إله إلا
الله محمد رسول الله وآل محمد خير البرية وأنت يا علي أكرم القوم فعند ذلك
قال علي الحمد لله الذي هدانا لهذا وأكرمنا بك وشرفنا بك فقال صلى الله عليه وآله يا علي
أما علمت أن من أحبنا واتخذ محبتنا اسكنه الله معنا وتلا هذه الآية: في
مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وبالاسناد عن ابن عباس (رض) عن رسول الله في قوله عز وجل:
(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) المنذر انا والهادي علي (ع).
(وعن القاضي الكبير) أبي عبد الله محمد بن علي بن المغازلي يرفعه إلى
حارثة بن زيد قال شهدت مع ابن الخطاب حجته في خلافته فسمعته يقول
اللهم قد عرفت محبتي لنبيك وكنت مطلعا على سرى قال فلما رآني أمسك
وحفظت الكلام فلما انقضى الحج وانصرفت إلى المدينة تعمدت الخلوة به
فرأيته يوما على راحلته وحده فقلت له يا أمير المؤمنين بالذي هو أقرب إليك
من حبل الوريد الا أخبرتني عما أريد ان أسألك عنه قال سل عما شئت
قلت له سمعتك يوم كذا تقول كذا وكذا قال فكأني ألقمته حجرا فقلت
لا تغضب فوالذي أنقذني من الجاهلية وأدخلني في الاسلام ما أردت بسؤالي
لك إلا وجه الله عز وجل قال فعند ذلك ضحك وقال يا حارثة دخلت على
رسول الله صلى الله عليه وآله وقد اشتد وجعه فأحببت الخلوة به وكان عنده علي
123

ابن أبي طالب (ع) والفضل بن العباس فجلست حتى نهض ابن عباس
فبقيت انا وعلي (ع) فتبين لرسول الله صلى الله عليه وآله ما أردت فالتفت إلي وقال يا عمر
جئت تسألني إلى من يصير هذا الامر فقلت صدقت يا رسول الله فقال يا عمر
هذا وصيي وخليفتي من بعدى وخازن سرى فمن إطاعة فقد أطاعني ومن
عصاه فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله ومن تقدم عليه فقد كذب
بنبوتي ثم دنا وقبل ما بين عينيه واخذه وضمه إلى صدره ثم قال الله وليك
الله ناصرك وإلى الله من والاك وعادى الله من عاداك أنت وصيي وخليفتي
من بعدى في أمتي ثم علا بكاؤه وانهملت بالدموع حتى سالت على خديه
وعلى خد علي (ع) فوالذي من على بالاسلام لقد تمنيت في تلك الساعة ان
أكون مكانه على الأرض ثم التفت إلي وقال يا عمر إذا نكث الناكثون وقسط
القاسطون ومرق المارقون قام هذا مقامي حتى يفتح الله تعالى عليه وهو
خير الفاتحين قال فغاظني ذلك فقلت يا عمر فكيف تقدمتموه وقد سمعت
ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا حارثة بأمر كان فقلت من الله أم من
رسوله أم من علي. فقال لابل الملك عقيم والحق لابن أبي طالب من دوننا.
(وبالاسناد) يرفعه إلى ابن عباس أنه قال اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله
بيد علي بن أبي طالب فصليا أربع ركعات فلما سلم رفع يده إلى السماء وقال:
اللهم سألك موسى بن عمران ان تشرح له صدره وتيسر له امره وتحل عقدة
من لسانه يفقهوا قوله وتجعل له وزيرا من أهله تشد به إزره وانا محمد أسألك
ان تشرح لي صدري وتيسر لي أمري وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي
وتجعل لي وزيرا من أهلي أخي اشدد به ازرى وأشركه في امرى. قال ابن
عباس فسمعت مناديا ينادى يا محمد أوتيت سؤلك فقال النبي صلى الله عليه وآله ادع
يا أبا الحسن وارفع يدك إلى السماء وقل اللهم اجعل لي عندك عهدا معهودا
واجعل لي عندك ودا قال فلما دعا نزل الأمين جبرئيل من عند رب العالمين
وقال اقرأ يا محمد (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن
124

ودا) فتلاها النبي صلى الله عليه وآله فتعجب الصحابة والناس من
سرعة استجابة دعائهما فقال (ع) أتعجبون اعلموا ان القرآن أربعة أرباع
ربع فينا أهل البيت وربع قصص وأمثال وربع فرائض وانذار وربع
احكام والله انزل في علي كرائم القرآن.
(وقال الصادق (ع)) ولايتي لعلي بن أبي طالب أحب إلي من ولادتي
منه لان ولايتي له فرض وولادتي منه فضل.
(وبالاسناد يرفعه إلى زين العابدين (ع)) قال كان رسول الله جالسا
ومعه أصحابه في المسجد فقال أيها الناس يطلع عليكم من هذا الباب رجل
من أهل الجنة يسأل عما يعنيه قال فنظر الناس إلى الباب فطلع رجل طوال
يشبه دجال مصر فتقدم وسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وجلس ثم قال يا رسول
الله سمعت ان الله عز وجل يقول (واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا)
فما الحبل الذي أمر الله تعالى الاعتصام به فأطرق رسول الله صلى الله عليه وآله مليا ثم
رفع رأسه وأشار بيده إلى علي أمير المؤمنين * ع * وقال هذا الحبل الذي
تمسك واعتصم به نجا بعصمته في دنياه ولم يضل في آخرته فوثب الرجل
إلى أمير المؤمنين واحتضنه من ورائه وهو يقول اعتصمت بحبل الله وبحبل
رسوله وهذا أمير المؤمنين ثم قام وخرج فقام رجل من الناس وقال يا رسول
الله الحقه واسأله ان يستغفر لي فقال إذا تجده موفقا قال فلحقت الرجل
فسألته ان يستغفر لي فقال أفهمت ما قاله لي رسول الله * ص * وما قلت له
قال نعم قال له الرجل ان كنت تتمسك بذلك الحبل يغفر الله تعالى لك وإلا
فلا غفر الله لك قال فرجعت وسألته عن ذلك الرجل فقال هو أبو العباس
الخضر * ع *.
(وبالاسناد) يرفعه إلى علي بن أبي طالب - ع - قال: قال رسول الله
يا علي ألا ترضى إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد حفاة عراة مشاة
قد قطع أعناقهم العطش فيكون أول من يدعى إبراهيم - ع - فيكسى ثوبين
125

أبيضين ثم يقوم عن يمين العرش ثم يفتح لي شعب إلى الجنة ما بين صنعاء إلى
البصرة وفيه عدد نجوم السماء اقداح من فضة فاشرب وتوضأ ثم أكسى
ثوبين أبيضين ثم أقوم عن يمين العرش ثم تدعى فتشرب وتتوضأ ثم تكسى
ثوبين أبيضين وما ادعى لخير الا دعيت وتشفع إذا شفعت.
* ومن فضائله - ع - * ما رواه سلمان والمقداد بن الأسود الكندي
وعمار بن ياسر العنسي وأبو ذر الغفار وحذيفة بن اليمان وأبو الهيثم بن
التيهان وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو الطفيل عامر بن واثلة رضي الله
عنهم انهم دخلوا على النبي صلى الله عليه وآله فجلسوا بين يديه والحزن ظاهر في وجوههم
فقالوا نفديك يا رسول الله بأموالنا وأولادنا وأنفسنا وبالآباء والأمهات انا
نسمع في أخيك علي بن أبي طالب (ع) ما يحزننا أتأذن لنا بالرد عليه
فقال صلى الله عليه وآله وما عساهم ان يقولوا في أخي فقال يا رسول الله يقولون أي
فضل لعلي بن أبي طالب في سبقه الاسلام وإنما أدركه طفلا ونحو ذلك
فهذا يحزننا فقال النبي صلى الله عليه وآله هذا يحزنكم قالوا نعم يا رسول الله فقال بالله عليكم
هل علمتم من الكتب المتقدمة ان إبراهيم الخليل (ع) ذنب أبوه وهو حمل
في بطن أمه فخافت عليه من النمرود بن كنعان لعنه الله لأنه كان يقتل
الأولاد ويبقر بطون الحوامل فجاءت به فوضعته بين اثلاث بشاطئ نهر
يتدفق يقال له خرزان بين غروب الشمس إلى الليل فلما وضعته واستقر على
وجه الأرض قام تحتها يمسح وجهه ورأسه ويكثر من الشهادة بالوحدانية
ثم اخذ ثوبا فاتشح به وأمه ترى ما يصنع وقد ذعرت منه ذعرا شديدا
فهرول من يدها مادا عينيه إلى السماء وكان منه انه عندما نظر الكواكب
سبح الله وقدسه وقال سبحان الملك القدوس فقال الله فيه (وكذلك نرى
إبراهيم ملكوت السماوات والأرض). الآية وعلمتم ان موسى بن عمران
كان قريبا من فرعون وكان فرعون في طلبه وكان يبقر بطون الحوامل
من أجله ولدته أمه فزعت عليه فأخذته من تحتها وطرحته في التابوت
126

وقال لها يا أمي القيني في اليم فقالت له وهي مذعورة من كلامه اني أخاف
عليك الغرق قال لها لا تخافي ولا تحزني ان الله تعالى رادي عليك ثم ألقته
في اليم كما ذكر لها ثم بقي في اليم لا يطعم طعاما ولا يشرب شرابا معصوما
مدة إلى أن رد على أمه وقيل بقي سبعين يوما فأخبر الله تعالى عنه (إذ تمشى
أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله) الآية وعيسى بن مريم (ع) إذا
تكلم مع أمه عند ولادته وقصته مشهورة فناداها من تحتها (ان لا تحزني
قد جعل ربك تحتك سريا الآية والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم
ابعث حيا وقد علمتم جميعا انى أفضل الأنبياء قد خلقت انا وعلي من نور
واحد وان نورنا كان يسمع تسبيحه من أصلاب آبائنا وبطون أمهاتنا في
كل عصر وزمن إلى عبد المطلب فكان نورنا يظهر في آبائنا فلما وصل إلى
عبد المطلب انقسم النور نصفين نصفا إلى عبد الله ونصفا إلى أبي طالب عمي
وانهما كانا جلسا في ملا من الناس يتلألأ نورنا في وجهيهما من دونهم
حتى أن السباع والهوام كانت تسلم عليهما لأجل نورنا حتى خرجنا إلى دار
الدنيا وقد نزل علي جبرئيل عند ولادة ابن عمي وقال يا محمد ربك
يقرئك السلام ويقول لك الآن ظهرت نبوتك واعلان وحيك وكشف
رسالتك إذا يدك الله تعالى بأخيك وخليفتك ووزيرك من بعدك والذي شد
به ارزك وأعلن به ذكرك على أخيك وابن عمك فقم إليه واستقبله بيدك
اليميني فإنه من أصحاب اليمين وشيعته الغر المحجلون قال فقمت فوجدت
أمي بعد أمي بين النساء والقوابل من حولها وإذا بحجاب قد ضربه جبرئيل
بيني وبين النساء فإذا هي قد وضعته فاستقبلته قال ففعلت ما امرني به جبرئيل
ومددت يدي اليمنى نحو أمه فإذا بعلي قد اقبل على يدي واضعا يده اليمنى في
اذنه يؤذن ويقيم بالحنفية ويشهد بالوحدانية لله وبرسالتي ثم انثنى إلى وقال
السلام عليك يا رسول الله فقلت له اقرأ يا أخي فوالذي نفسي بيده قد ابتدأ
بالصحف التي أنزلها الله تعالى على آدم وأقام بها فتلاها من أولها إلى آخرها
127

حتى لو حضر آدم لأقر له انه الفظ لها منه ثم تلا صحف نوح ثم صحف
إبراهيم ثم تلا التوراة حتى لو حضر موسى لشهد له انه احفظ لها ثم قرأ
الإنجيل حتى لو حضر عيسى لأقر له انه احفظ لها منه ثم قرأ القرآن الذي
انزل الله علي من أوله إلى آخره ثم خاطبني وخاطبني وخاطبته بما يخاطب به الأنبياء
ثم عاد إلى طفوليته وهكذا أحد عشر إماما من نسله يفعل في ولادته مثل
ما فعل الأنبياء (ع) فما يحزنكم وما عليكم من قول أهل الشرك بالله تعالى
هل تعلمون اني أفضل الأنبياء وان وصي أفضل الأوصياء وان أبي آدم
لما رأى اسمى واسم أخي وأسماء فاطمة والحسن والحسين مكتوبات على ساق
العرش بالنور فقال إلهي هل خلقت خلقا قبلي هو أكرم عليك منى فقال
فقال الله تعالى يا آدم لولا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية
ولا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولولاهم لما خلقتك فقال إلهي وسيدي فبحقهم
عليك الا غفرت لي خطيئتي ونحن كالكلمات التي تلقاها آدم من ربه فقال ابشر
يا آدم فان هذه الأسماء من ولدك وذريتك فعند ذلك حمد الله تعالى آدم (ع)
وافتخر على الملائكة انه لم يعطي نبيا شيئا من الفضل الا أعطاه لنا فقام
سلمان وأبو ذر ومن معهما وهم يقولون نحن الفائزون فقال (ع) أنتم
الفائزون ولكم خلقت الجنة ولعدوكم خلقت النار.
ومما رواه ابن مسعود (رض) قال دخلت يوما على رسول الله
صلى الله عليه وآله فقلت يا رسول الله أرني الحق لا تصل به فقال يا عبد الله لج المخدع
قال فولجت المخدع وعلي بن أبي طالب يصلي وهو يقول في ركوعه
وسجوده اللهم بحق محمد عبدك ورسولك اغفر للخاطئين من شيعتي فخرجت
حتى أخبرت به رسول الله صلى الله عليه وآله فرأيته وهو يصلي ويقول اللهم بحق علي
ابن أبي طالب (ع) عبدك اغفر للخاطئين من أمتي قال فاخذني هلع حتى
غشى علي فرفع النبي صلى الله عليه وآله رأسه وقال يا ابن مسعود أكفرا بعد ايمانا
فقلت حاشا وكلا يا رسول الله صلى الله عليه وآله ولكني رأيت عليا يسأل الله تعالى
128

بك ورأيتك تسأل الله به فلم اعلم أيكم أفضل عند الله اجلس فقال ابن
مسعود فجلست بين يديه فقال لي اعلم أن الله تعالى خلقني وخلق عليا من
نور عظمته قبل ان يخلق الخلق بألفي عام إذ لا تقديس ولا تسبيح ففتق
نوري فخلق منه السماوات والأرض وانا والله أجل من السماوات والأرض
وفتق نور علي بن أبي طالب (ع) فخلق منه العرش والكرسي وعلي بن
أبي طالب أفضل من العرش والكرسي وفتق نور الحسن فخلق منه اللوح
والقلم والحسن أفضل من اللوح والقلم وفتق نور الحسين فخلق منه الجنان
والحور العين والحسين والله أجل من الجنان والحور العين ثم اظلمت المشارق
والمغارب فشكت الملائكة إلى الله تعالى ان يكشف عنهم تلك الظلمة فتكلم
الله جل جلاله بكلمة فخلق منها روحا ثم تكلم بكلمة فخلق من تلك الروح
نورا فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها امام العرش فزهرت المشارق
والمغارب فهي فاطمة الزهراء ولذلك سميت الزهراء لان نورها زهرت به
السماوات يا ابن مسعود إذا كان يوم القيامة يقول الله جل جلاله لعلي بن
أبي طالب ولي ادخلا الجنة من شئتما وادخلا النار من شئتما وذلك قوله تعالى
(القيا في جهنم كل كفار عنيد) فالكافر من جحد نبوتي والعنيد من
جحد ولاية علي بن أبي طالب فالنار أمده والجنة لشيعته ومحبيه.
(قال أبو هاشم بن أبي على) ان الروايات صحت انه لما بلغ أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ان الناس تحدثوا فيه وقالوا ما باله لم
ينازع أبا بكر وعمر وعثمان كما نازع طلحة والزبير وعايشة واجتمع الناس
قال فخرج (ع) مرتديا برداء فرقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي
صلى الله عليه وآله وصلى عليه يا معاشر المسلمين قد بلغني ان قوما قالوا ما باله لم
ينازع أبا بكر وعمر وعثمان كما نازع طلحة و الزبير وعايشة فما كنت بعاجز
ولكن لي في سبعة من الأنبياء أسوة أولهم نوح (ع) حيث قال تعالى في
مخبرا عنه (اني مغلوب فانتصر) فان قلتم انه ما كان مغلوبا فقد كفرتم
129

بتكذيب القرآن وان قلتم انه كان مغلوبا فعلى اعذر الثاني إبراهيم (ع)
حيث أخبر الله تعالى عنه في قوله لقومه (واعتزلكم وما تدعون من دون
الله) فان قلتم انه اعتزله من غير مكروه فقد كذبتم القرآن وان قلتم رأى
المكروه فاعتزلهم فعلى اعذر والثالث لوط حيث اخبره الله تعالى عنه في قوله
لقومه (لو أن لي بكم قوة آوى إلى ركن شديد) فان قلتم كال له قوة فقد
كذبتم القرآن وان قلتم انه لم يكن بهم قوة فعلى اعذر والرابع يوسف
(ع) حيث قال (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) فان قلتم انه ما
دعى لمكروه يسخط الله فقد كفرتم وان قلتم انه دعى إلى ما يسخط الله
تعالى اعذر والخامس موسى بن عمران (ع) حيث أخبر الله تعالى عنه
(ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين) فان
قلتم انه فر منهم من غير خوف فقد كذبتم القرآن وان قلتم انه فر خوفا
على نفسه فعلى اعذر والسادس اخوه هارون حيث اخبره الله تعالى عنه (يا
ابن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء) فان
قلتم ما كادوا يقتلونه فقد كذبتم القرآن وان قلتم كادوا يقتلونه فعلى
اعذر السابع ابن عمي محمد صلى الله عليه وآله حيث هرب من الكفار إلى الغار فان
قلتم انه ما هرب من خوف على نفسه فقد كذبتم وان قلتم هرب من خوف
على نفسه فالوصي اعذر الناس ما زلت مظلوما مذ ولدتني أمي حتى أن أخي
عقيلا كان إذا رمدت عينه يقول لا تذروا عيني حتى تذروا عين على
فيذروني ما بي من رمد.
(وروى بالأسانيد) عن علي بن أبي طالب (ع) أنه قال قدم على
رسول الله صلى الله عليه وآله حبر من أحبار اليهود فقال يا رسول الله قد أرسلني إليك
قومي وقالوا انه عهد إلينا نبينا موسى بن عمران وقال إذا بعث بعدى نبي
اسمه محمد وهو عربي فامضوا إليه واسألوه ان يخرج لكم من جبل هناك
سبع نوق حمر الوبر سود الحدق فان أخرجها لكم فسلموا عليه وآمنوا به
130

واتبعوا النور الذي انزل معه فهو سيد الأنبياء ووصيه سيد الأوصياء
وهو منه كمثل اخى هارون منى فعند ذلك قال الله أكبر قم بنا يا أخا اليهود
قال فخرج النبي صلى الله عليه وآله والمسلمون حوله إلى ظاهر المدينة وجاء إلى جبل
فبسط البردة وصلى ركعتين وتكلم بكلام خفى وإذا الجبل يصر صريرا
عظيما فانشق وسمع الناس حنين النوق فقال اليهود مد يدك فانا نشهد ان لا إله
الا الله وانك محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وان جميع ما جئت به صدق وعدل
يا رسول الله فأمهلني حتى امضي إلى قومي وأخبرهم ليقبضوا عدتهم منك
ويؤمنوا بك قال فمضى الحبر إلى قومه بذلك ففروا بأجمعهم وتجهزوا للمسير
وساروا يطلبون المدينة ليقضوا عدتهم فلما دخلوا المدينة وجدوها مظلمة
مسودة بفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد انقطع الوحي من السماء وقد قبض
صلى الله عليه وآله وجلس مكانه أبو بكر فدخلوا عليه وقالوا أنت خليفة رسول الله
صلى الله عليه وآله قال نعم قالوا اعطنا عدتنا من رسول الله * ص * قال وما عدتكم
قالوا أنت اعلم منا بعدتنا ان كنت خليفته حقا وان لم تكن خليفته فكيف
جلست مجلس نبيك بغير حق لك ولست له اهلا فقام وقعد وتحير في
امره ولم يعلم ماذا يصنع وإذا برجل من المسلمين قد قام وقال اتبعوني حتى
أدلكم على خليفة رسول الله - ص - قال فخرج اليهود من بين يدي أبى بكر
وتبعوا الرجل حتى اتوا إلى منزل فاطمة الزهراء - ع - فطرقوا الباب وإذا
الباب قد فتح وخرج إليهم على وهو شديد الحزن على رسول الله - ص -
فلما رآهم قال أيها اليهود تريدون عدتكم من رسول الله - ص - قالوا نعم
فخرج معهم إلى ظاهر المدينة إلى الجبل الذي صلى عنده رسول الله - ص -
فلما رأى مكانه تنفس الصعداء وقال بأبي وأمي من كان بهذا الموضع منذ
هنيئة ثم صلى ركعتين وإذا بالجبل قد انشق وخرجت النوق وهي سبع نوق
فلما رأوا ذلك قالوا بلسان واحد نشهد ان لا إله الا الله وأن محمدا رسول
الله صلى الله عليه وآله وان ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله من عند ربنا هو الحق وانك خليفته
131

حقا ووصيه ووارث علمه فجزاه الله وجزاك عن الاسلام خيرا ورجعوا
إلى بلادهم مسلمين موحدين.
(وبالاسناد) يرفعه إلى أنس بن مالك قال دخل يهودي في زمن
خلافة أبي بكر فقال أريد خليفة رسول الله قال فجاؤوا به إلى أبي بكر فقال
له اليهودي أنت خليفة رسول الله قال له أبو بكر نعم اما تنظرني أنا في مقامه
ومحرابه فقال له ان كنت كما تقول يا أبا بكر أسألك عن أشياء فان كنت
تجيب صدقتك قال سل عما بدا لك وعما تريد فقال اليهودي اخبرني عما ليس
لله وعما ليس عند الله وعما لا يعمله الله قال فعند ذلك قال أبو بكر هذه
مسائل الزنادقة يا يهودي قال فعندها هم المسلمون بقتل اليهودي فكان ممن
حضر ذلك ابن عباس فزعق بالناس وقال يا أبا بكر ما أنصفتم الرجل فقال
اما سمعت ما تكلم به فقال ابن عباس (رض) فإن كان عندكم جوابه والا
أخرجوه حيث شاء قال فأخرجوه وهو يقول لعن الله قوما جلسوا في
غير مراتبهم يريدون قتل النفس التي حرم الله تعالى بغير علم فخرج وهو
يقول أيها الناس ذهب الاسلام حتى لا تجيبوا عن مسألة وأين رسول الله صلى الله عليه وآله
وأين خليفته قال فتبعه ابن عباس وقال له ويلك اذهب إلى عيبة علم
رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزل علي بن أبي طالب (ع) فعند ذلك اقبل وقد
خرج أبو بكر والمسلمون في طلبه والمسلمون في طلبه فلحقوه في بعض
الطريق فأخذوه وجاؤا به إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فاستأذنوا
للدخول ثم دخلوا عليه وقد ازدحم الناس يبكون وقوم يضحكون فقال
له أبو بكر يا أبا الحسن ان هذا اليهودي سألني عن مسائل الزنادقة فقال علي
ما تقول يا يهودي قال أسألك ويفعلون بي ما يريدون هؤلاء القوم قال وأي
شئ أرادوا ان يفعلوا بك قال أرادوا ان يذهبوا بدمي لأنهم ما أجابوني
عن مسائلي قال له الإمام (ع) دع هذا وسل عما بدا لك يا يهودي وما
شئت قال يا علي سؤالي لا يعلمه الا نبي أو وصي قال سل عما تريد فعند
132

ذلك قال اليهودي اخبرني عما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله فقال له علي (ع)
شرط يا أخا اليهود قال: وما الشرط قال تقول معي قولا عدلا مخلصا بالرضا
لا إله إلا الله محمد رسول الله قال نعم يا علي كيف ما أقول فقال - ع -
يا أخا اليهود سألت عما ليس عند الله فليس عند الله ظلم فقال صدقت يا أبا الحسن
واما قولك عما ليس لله فليس لله ولد ولا صاحبة ولا شريك قال صدقت،
واما قولك عما ليس يعلمه الله ما يعلم أن لله صاحبة ووزيرا ولا مشيرا
وهو قادر على ما يريد فعند ذلك قال مد يدك فأنا اشهد أن لا إله إلا الله
وأن محمدا رسول الله وانك خليفته حقا ووصيه ووارث علمه فجزاك الله
عن الاسلام خيرا فضحك الناس عند ذلك فقال أبو بكر أنت يا علي كاشف
الكربات أنت يا علي فارج الهم والغم فعند ذلك خرج أبو بكر فرقي المنبر
وقال أقيلوني ثلاثا فلست بخيركم وعلي فيكم قال فخرج عليه عمر وقال
كيف يا أبا بكر وقد رضيناك لأنفسنا فنزل عن المنبر وأخبروه بذلك
أمير المؤمنين.
(وبالاسناد) يرفعه إلى أبي ذر (رض) قال أمرنا رسول الله ان نسلم
على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وقال سلموا على أخي ووارثي
وخليفتي في قومي وولي كل مؤمن ومؤمنة من بعدى سلموا عليه بإمرة المؤمنين
فإنه ولي كل من يسكن الأرض إلى يوم القيامة ولو قدمتموه
لأخرجت الأرض بركاتها فإنه أكرم من عليها من أهلها قال أبو ذر
فرأيت عمر قد تغير لونه وقال أحق من الله يا رسول الله قال نعم يا عمر حق
من الله تعالى امرني به وبذلك أمرتكم قال فقام وسلم عليه بأمرة المؤمنين
وكذلك أبو بكر تم أقبلا على أصحابهما وقالا ما قالاه.
(وبالاسناد) يرفعه إلى أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله ان الله
خلقني وعليا من شجرة واحدة فأنا أصلها وعلى فرعها والحسن والحسين
ثمرتها وشيعتنا أوراقها فمن تمسك بها ومن تخلف عنها هوى.
133

(وعن سليم بن قيس) يرفعه إلى أبي ذر والمقداد وسلمان (رض)
قالوا قال لنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) انى مررت بالصهاكي
يوما فقال لي ما مثل محمد في أهل بيته الا كمثل نخلة نبتت في كناسة قال:
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فذكرت ذلك له فغضب غضبا شديدا فقام فخرج
مغضبا وصعد المنبر ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح لما رأوا من غضبه ثم
قال ما بال أقوام يعيرون أهل بيتي وقد سمعوني أقول في فضلهم ما أقول
وخصصتهم بما خصهم الله تعالى به وفضل عليا (ع) عليهم لا كرامة وسبقه
إلى الاسلام وبلائه وانه منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي
ثم إنهم يزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة الا ان الله
سبحانه وتعالى خلق خلقه وفرقهم فرقتين وجعلني في خيرها شعبا وخيرها
قبيلة ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرها بيتا حتى حصلت في أهل بيتي وعشيرتي
وبنى أبي انا وأخي علي بن طالب ثم إن الله اطلع إلى الأرض اطلاعة
فاختارني منهم ثم اطلع عليهم ثانية فاختار أخي وابن عمي ووزير ووارثي
ووصى وخليفتي في أمتي ومولى كل مؤمن ومؤمنة من بعدي فمن والاه
فقد والاني ومن عاداه فقد عاداني ومن عاداني فقد عادى الله ومن أحبه فقد
أحب الله تعالى ومن أبغضه فقد أبغض الله تعالى فلا يحبه الا مؤمن ولا
ولا يبغضه الا كافر فهو زين الأرض بعدى وزين من أسكنتها وهو كلمة الله
التقوى وعروته الوثقى ثم قال (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى
الله الا ان يتم نوره) أيها الناس ليبلغ مقالتي الشاهد منكم الغائب اللهم اشهد
عليهم ان الله عز وجل نظر ان أهل الأرض نظرة ثالثة فاختار منها أحد
عشر إماما وهم من أهل بيتي خيار أمتي بعد اخى على كلما هلك منهم أحد
قام آخر كمثل نجوم السماء كلما غاب نجم طلع آخر وهم أئمة هادون
مهديون لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم لعن الله من كادهم
ومن خذلهم هم حجج الله تعالى في ارضه وشهدائه على خلقه من أطاعهم فقد
134

أطاع الله تعالى ومن عصاهم فقد عصى الله تعالى ثم هم مع القرآن والقرآن
معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه حتى يردوا على الحوض أولهم ابن عمى علي بن
أبي طالب (ع) وهو خيرهم وأفضلهم ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين وأمهم
فاطمة ابنتي ثم تسعه من ولد الحسين ثم بعدهم جعفر بن أبي طالب ثم عمى
حمزة بن عبد المطلب انا أخير النبيين والمرسلين وعلى خير الوصيين وأهل
بيتي خير بيوت أهل النبيين وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة أجمعين أيها
الناس أترجون شفاعتي لكم وأعجز عن أهل بيتي أيها الناس ما من أحد غدا
يلقى الله تعالى مؤمنا لا يشرك به شيئا إلا أجره الجنة ولو أن ذنوبه كتراب
الأرض أيها الناس لو اخذت بحقه باب الجنة ثم تجلى لي؟ الله عز وجل
فسجدت بين يديه ثم اذن لي في الشفاعة لم أوثر على أهل بيتي أحدا أيها الناس
عظموا أهل بيتي في حياتي وبعد مماتي واكرموهم وفضلوهم لا يحل لاحد
ان يقوم لاحد غير أهل بيتي فانسبوني من انا قال فقام الأنصار وقد
أخذوا بأيدهم السلاح وقالوا نعوذ الله من غضب الله وغضب رسوله أخبرنا
يا رسول الله من آذاك يا رسول الله من آذاك في أهل بيتك حتى نضرب عنقه
قال انا محمد بن الله عبد المطلب ثم انتهى بالنسب إلى نزار ثم مضى إلا
إسماعيل بن إبراهيم خليل الله ثم مضى منه إلى نوح (ع) ثم قال أنا وأهل
بيتي كطينة آدم (ع) نكاح غير سفاح سلوني والله لا يسألني رجل الا
أخبرته عن نسبه وعن أبيه فقام إليه رجل فقال من انا يا رسول الله فقال أبوك
فلان الذي تدعى إليه قال فارتد الرجل عن الاسلام ثم قال (ع) والغضب
ظاهر في وجهه ما يمنع هذا الرجل الذي يعيب على أهل بيتي وأهلي واخى
ووزيري وخليفتي من بعدى وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدى ان يقوم
ويسألني عن أبيه أين هو في جنة أم في نار قال فعند ذلك خشي الثاني على
نفسه ان يذكر رسول الله ويفضحه بين الناس فقام وقال نعوذ بالله من سخط
الله وسخط رسوله ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله اعف عنا عفى
135

الله عنك أقلنا أقالك الله استرنا سترك الله اصفح عنا جعلنا الله فداك فاستحى
النبي وسكت فإنه كان من أهل الحلم وأهل الكرم وأهل العفو ثم نزل صلى الله عليه وآله
(ومما رواه) الحكم بن مروان ان عمر بن الخطاب نزلت قضية في
زمان خلافته فقام لها وقعد وارتج ونظر من حوله فقال معاشر الناس
والمهاجرين والأنصار ماذا تقولون في هذا الامر فقالوا أنت أمير المؤمنين
وخليفة رسول الله تعالى والامر بيدك فغضب من ذلك وقال يا أيها الذين
آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ثم قال والله لتعلمن من صاحبها ومن
هو اعلم بها فقالوا يا أمير المؤمنين كأنك أردت علي بن أبي طالب قال انا
نعدل عنه وهل لقحت حرة بمثله قالوا أنأتيك به يا أمير المؤمنين قال هيهات
هناك شمخ من هاشم ونسب من رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يأتي فقوموا بنا إليه
قال فقام عمر ومن معه وهو يقول: (أيحب الانسان ان يترك سدى ألم
يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فسوى) ودموعه تهمل على خديه قال
فأجهش القوم لبكائه ثم سكت فسكتوا وسأله عمر عن مسئلته فأصدر جوابها
فقال اما والله يا أبا الحسن لقد أرادك الله للحق ولكن أبى قومك فقال له
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يا أبا حفص عليك من هنا ومن هنا: (ان
يوم الفصل كان ميقاتا) قال فضرب عمر بأحدى يديه على الأخرى وخرج
مسود اللون كأنما ينظر في سواد وهذا الحديث من كتاب اعلام البنوة في
القائمة الأولى وفي وقف الاخلاطية.
(ومما روي عن جماعة ثقات) انه لما وردت حرة بنت حليمة السعدية
(رض) على الحجاج بن يوسف الثقفي فمثلت بين يديه فقال لها الله جاء بك
فقد قيل عنك انك تفضلين عليا على أبى بكر وعمر وعثمان فقالت لقد
كذب الذي قال إني أفضله على هؤلاء خاصة قال وعلى من غير هؤلاء قالت
أفضله على آدم ونوح ولوط وإبراهيم وعلى موسى وداود وسليمان وعيسى
ابن مريم (ع) فقال لها ويلك أقول لك انك تفضلين على الصحابة وتزيدين
136

عليهم سبعة من الأنبياء من أولى العزم من الرسل أن لم تأتي ببيان ما قلت
وإلا ضربت عنقك فقالت ما انا مفضلته على هؤلاء الأنبياء ولكن الله عز
وجل فضله عليهم في القرآن بقوله عز وجل في آدم: (فعصى آدم ربه
فغوى) وقال في حق على: (وكان سعيه مشكورا) فقال أحسنت يا
حرة فيم تفضلينه على نوح ولوط فقال الله عز وجل فضله عليهما بقوله:
(ضرب الله الذين كفروا امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين
فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيلا ادخلا النار مع الداخلين) وعلي
ابن أبي طالب (ع) كان مع الملائكة الله الأكبر تحت سدرة المنتهى زوجته بنت
محمد فاطمة الزهراء التي يرضى الله تعالى لرضاها ويسخط لسخطها فقال
الحجاج أحسنت يا حرة فيم تفضلينه على أبي الأنبياء إبراهيم خليل الله فقال
الله عز وجل فضله بقوله: (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى
قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) ومولاي أمير المؤمنين قال قولا
لا يختلف فيه أحد من المسلمين لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا وهذه كلمة
ما قالها قبله ولا بعده أحد قال أحسنت يا حرة فيم تفضلينه على موسى كليم الله
قالت بقوله عز وجل (فخرج منها خائفا يترقب) وعلي بن أبي طالب بات على
فراش رسول الله صلى الله عليه وآله لم يخف حتى انزل الله تعالى من حقه (ومن
الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله) قال الحجاج أحسنت يا حرة ففيم
تفضلينه على داود وسليمان قالت الله تعالى فضله عليهما بقوله عز وجل (يا داود
انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالعدل ولا تتبع الهوى
فيضلك عن سبيل الله) قال لها في أي شئ كانت حكومته قالت في
رجلين رجل كان له كرم والآخر له غنم فوقعت الغنم بالكرم فرعته فاحتكما
إلى داود (ع) فقال تباع الغنم وينفق ثمنها على الكرم حتى يعود إلى ما كان
عليه فقال له ولده يا أبت بل يؤخذ من لبنها وصوفها قال تعالى (ففهمناها
سليمان) وان مولانا أمير المؤمنين (ع) قال سلوني عما فوق العرش سلوني
137

عما فوق العرش سلوني عما تحت العرش سلوني قبل ان تفقدوني وانه (ع)
دخل على رسول الله يوم فتح خيبر فقال النبي صلى الله عليه وآله للحاضرين أفضلكم وأعلمكم
وأقضاكم على فقال لها أحسنت. فيم تفضلينه على سليمان فقالت الله تعالى
فضله عليه بقوله (رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي) ومولانا
علي قال طلقتك يا دنيا ثلاثا لا حاجة لي فيك فعند ذلك انزل الله تعالى فيه:
(تلك الدار الآخرة نجعلها لمن لا يريدون في الأرض علوا ولا فساد) فقال
أحسنت يا حرة ففيم تفضلينه على عيسى بن مريم (ع) قالت الله عز وجل فضله
بقوله تعالى (إذ قال يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين
من دون الله قال سبحانك ما يكون لي ان أقول ما ليس لي بحق ان كنت
قلته فقد علمته تعلم ما نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك أنت علام الغيوب
ما قلت لهم إلا ما امرتني به) الآية فأخر الحكومة إلى يوم القيامة وعلي
ابن أبي طالب (ع) لما ادعى الحرورية فيه ما ادعوه وهم أهل النهروان
قاتلهم ولم يؤخر حكومتهم فهذه كانت فضائله لم تعد بفضائل غيره أحسنت
يا حرة خرجت من جوابك لولا ذلك لكان ذلك ثم أجازها وسرحها سراحا
حسنا رحمة الله عليها.
(وبالاسناد) يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاري في قوله عز وجل
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) قال: الصادقون هم
محمد وأهل بيته.
(وبالاسناد) يرفعه إلى جابر (رض) في قوله (أفمن كان على بينة
من ربه ويتلوه شاهد منه) قال البينة رسول الله والشاهد علي بن أبي طالب
عليه السلام قوله تعالى (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) الآية (فأذن
مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين) فيه حديث طويل وقد ذكر ان عليا
عليه السلام هو المنادي وهو المؤذن وكذلك في قوله تعالى (واستمع يوم
ينادى المنادي من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج)
138

وفي قوله تعالى * وكفى الله المؤمنين القتال * بعلي عليه السلام ذكروا فيه
روايات كثيرة فيها الأعاجيب وسئل الصادق عليه السلام عن قوله تعالى:
ان علينا للهدى وان لنا الآخرة والأولى فذكر قرائه نقله أقوالا نقلت
عنه أقر بها الجاحدون وعن أبي عبد الله * ع * في قوله تعالى * يوم ترجف
الراجفة تتبعها الرادفة * الراجفة للحسين ومأتمة والرادفة لعلي ابنه (ع)
وهو أول من ينفض رأسه من التراب مع الحسين في خمسة وسبعين الف وهو
قوله عز وجل (انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدينا ويوم يقوم
الاشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذر تهم ولهم سوء الدار، عن علي بن الحسين
زين العابدين (ع) أنه قال لجدي علي بن أبي طالب * ع * في كتاب الله
تعالى أسماء كثيرة ولكن لا تعرفونها فقلت وما هي قال ألم تسمع قول الله
عز وجل واذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر وقال أبو
عبد الله ان الرجل إذ صارت نفسه عند صدره وقت موته يرى رسول الله
صلى الله عليه وآله وهو يقول له أنا البشير النذير ثم يرى علي بن أبي طالب فيقول
أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحبني انا أنفعك قال فقلت يا مولاي من
هذا رجع إلى الدنيا قال إذا رأى هذا مات قال وذلك في القرآن (ان الذين
آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل
لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) قال يبشره لمحبته إياه بالجنة في الدنيا
والآخرة وهي بشارة إذا رآه أمن من الخوف قال أبو يمامة كنت عند
أبي عبد الله في ليلة جمعة فقال لي اقرأ فقرأت حتى بلغت إلى (يوم لا يغني
مولى عن مولى شيئا ولا ينصرون إلا من رحم الله فقال (ع) نحن الذين
يرحم تعالى عباده بنا نحن الذين استثنى الله تعالى.
(وبالاسناد) يرفعه عن المغيرة عن علي بن أبي طالب (ع) قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله من مات وهو يحبك بعد موتك يختم الله تعالى له بالايمان
ومن مات وهو بغضك مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمله.
139

* وبالاسناد * يرفعه عن عمار بن ياسر (رض) أنه قال لما سار أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب (ع) إلى صفين وقف بالفرات وقال لأصحابه أين المخاض
قالوا يا مولانا ما نعلم أين المخاض فسار حتى وصل إلى التل ونادى يا جلندي
أين المخاض قال فأجابه من تحت الأرض خلق كثير فبهت ولم يعلم ما يصنع
فأتى إلى الإمام (ع) وقال يا مولاي جاوبني خلق كثير فقال (ع) يا قنبر امض
وقل يا جلندي بن كركر أين المخاض قال فمضى قنبر وقال يا جلندي بن كركر
أين المخاض فكلمه واحد وقال ويلكم من قد عرف اسمي واسم أبى وانا
في هذا المكان قد صرت ترابا وقد بقي قحف رأسي عظما نخرة رميما ولي ثلاثة
آلاف سنة ما يعلم أين المخاض فهو والله أعلم بالمخاض منى ويلكم ما أعمى
قلوبكم وأضعف يقينكم ويلكم امضوا إليه واتبعوه فأين خاض خوضوا
معه فإنه أشرف الخلق على الله بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فاعتبر أيها المعتبر وانظر
بعين اليقين إلى هذه المعجزات والفضائل التي ما جمعت في بشر سواه.
(وبالاسناد) يرفعه إلى سليم بن قيس قال دخلت على علي بن أبي طالب
عليه السلام وهو في مسجد الكوفة والناس حوله إذ دخل عليه رأس اليهود
ورأس النصارى فسلما عليه وجلسا فقال الجماعة بالله عليك يا مولانا أسألهم
حتى ننظر ما يعلمون فقال لرأس اليهود قال يا أخا اليهود قال لبيك يا علي (ع)
كم اقتسمت أمة نبيكم قال هو عندي في كتاب مكتوب فقال (ع) قاتل
الله قوما أنت زعيمهم يسأل عن أمر دينه فيقول هو عندي في كتاب ثم
التفت إلى رأس النصارى وقال له كم اقتسمت أمة نبيكم قال على كذا
وكذا فقال (ع) لو قلت ما قلت مثل ما قال صاحبك لكان خيرا لك
من أن تقول وتخطئ ولا تعلم ثم اقبل على الناس وقال أيها الناس انا اعلم
بأهل التوراة من توراتهم وبأهل الإنجيل من إنجيلهم واعلم بأهل القرآن
من قرآنهم فأنا أخبركم على كم اقتسمت الأمم اخبرني به حبيبي وقرة عيني
رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ففي
140

النار سبعون منها وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت وصيه وتفرقت النصارى
على اثنتين وسبعين فرقة إحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي التي
اتبعت وصي عيسى (ع) وافترقت أمتي ثلاثة وسبعين فرقة اثنتان وسبعون
فرقة في النار وواحدة في الجنة فهي التي اتبعت وصيي وضرب بيده على
منكبي، ثم قال اثنتان وسبعون فرقة حلت عقد الله فيك وواحدة في الجنة
وهي التي اتخذت محبتك وهم شيعتك.
(وبالاسناد) يرفعه إلى سليم بن قيس أنه قال لما قتل الحسين بن
علي (ع) بكى ابن عباس بكاءا شديدا ثم قال ما لقيت هذه الأمة بعد نبيها
اللهم إني أشهدك اني لعلي بن أبي طالب (ع) ولولده ولي ومن عدوه
وعدو ولده برئ فاني مسلم لأمرهم ولقد دخلت على علي بن أبي طالب (ع)
ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله بذى قار فاخرج لي صحيفة وقال يا بن عباس
هذه الصحيفة املاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخطي بيدي قال فقلت يا أمير المؤمنين
اقرأها علي فقرأها وإذا فيها كل شئ منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله إلى يوم
قتل الحسين (ع) وكيف يقتل ومن يقتله ومن ينصره ومن يستشهد معه
فيها ثم بكى بكاءا شديدا وأبكاني وكان فيما قرأه كيف يصنع به وكيف
تستشهد فاطمة وكيف يستشهد الحسين (ع) وكيف تغدر به الأمة فلما
قرأ مقتل الحسين ومن يقتله أكثر من البكاء ثم ادرج الصحيفة وقد بقي
ما يكون إلى يوم القيامة وكان فيها لما قرأها أمر أبي بكر وعمر وعثمان
وكم يملك كل انسان منهم وكيف بويع علي بن أبي طالب ووقعة الجمل
ومسير عائشة وطلحة الزبير ووقعة صفين ومن يقتل فيها ووقعة النهروان
وامر الحكمين وملك معاوية ومن يقتل من الشيعة وما يصنع الناس بالحسن
وامر يزيد بن معاوية حتى انتهى إلى قتل الحسين (ع) فسمعت ذلك ثم
كان كلما قرأ لم يزيد ولم ينقض ورأيت خطه اعرفه في الصحيفة لم يتغير
ولم يظفر فلما أدرج الصحيفة قلت يا أمير المؤمنين لو كنت قرأت على بقية
141

الصحيفة قال لا يمنعني فيها ما القى من أهل بيتك وولدك أمرا فظيعا من
قتلهم لنا وعداوتهم لنا وسوء ملكهم ويوم قدرتهم فأكره ان تسمعه فنغتم
ويحزنك ولكني أحدثك بان رسول الله صلى الله عليه وآله اخذ عند موته بيدي ففتح
لي الف باب من العلم تنفتح من كل باب الف باب وأبو بكر وعمر ينظرون
إلي وهو يشير لي بذلك فلما خرجت قالا ما قال لك قال فحدثتهم بما قال فحركا
أيديهما ثم حكيا قولي ثم وليا يرددان قولي ويخطران بأيديهما ثم قال يا بن
عباس أن ملك بني أمية إذا زال فأول ما يملك من بني هاشم ولدك فيفعلون
الأفاعيل فقال ابن عباس لان يكون نسختي ذلك الكتاب أحب إلي مما
طلعت عليه الشمس.
(وعن سليم بن قيس) أنه قال اقبلنا من صفين مع علي بن أبي طالب
(ع) فنزل العسكر قريبا من دير نصراني قال فخرج إلينا من الدير شيخ
جميل الوجه حسن الهيئة والسمت ومعه كتاب في يديه قال فجعل يتصفح
الناس حتى اتى عليا (ع) فسلم عليه بالخلافة ثم قال إني رجل من نسل رجل
من حواري عيسى بن مريم (ع) وكان من أفضل حواريه الاثني عشر
وأحبهم إليه وأبرهم عنده واليه أوصى عيسى بن مريم وأعطاه كتبه وعلمه
وحكمته فلم يزل أهل بيته على دينه متمسكين بحبله فلم يكفروا ولو لم يرتدوا
ولم يغيروا تلك الكتب فملته لم تبدل ولم ترد ولم تنقض وتلك الكتب عندي
واملاء عيسى وخط نبينا بيده فيه كل شئ يفعل الناس كم ملك وكم يملك
منهم وكم يكون في كل زمان كل ملك منهم ثم أن الله تعالى يبعث رجلا من
العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن من ارض تهامة من قرية
يقال لها مكة يقال له احمد وله اثنا عشر اسما فذكر مبعثه ومولده وهجرته
ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه وكم يعيش وما تلقي أمته من الفرقة
والاختلاف وفيه تسمية كل امام هدى وتسمية كل امام ضلال إلى أن ينزل
المسيح (ع) من السماء في ذلك الكتاب ثلاثة عشر رجلا من ولد إسماعيل
142

ابن إبراهيم خليل الرحمن خيرة الله خلقه إلى الله والله ولي من والاهم
وعدو من عاداهم فمن أطاعهم أطاع الله ومن أطاع الله فقد اهتدى ومن عصاهم ضل
طاعتهم لله رضى ومعصيتهم لله معصية مكتوبين بأسمائهم ونسبهم ونعوتهم وكم
يعيش كل واحد منهم بعد واحد وكم رجل منهم يستر دينه ويكتمه من
قومه وما يظهر منهم ومن يملك وتنقاد له الناس حتى ينزل عيسى (ع) على
آخرهم فيصلي عيسى خلفه وتقول انكم الأئمة لا ينبغي لاحد أن يتقدمكم
فيتقدم ويصلي بالناس وعيسى خلفه الأول أفضلهم وله مثل أجورهم وأجور
من أطاعهم واهتدى بهديهم احمد رسول الله صلى الله عليه وآله واسمه محمد بن عبد الله
ويسن وطه والفاتح والخاتم والحاشر والعاقب والماحي والقائد في الساجدين
(يعني في أصلاب النبيين) وهو نبي الله وخليل الله وحبيب الله وخيرته.
يراه بقلبه ويكلمهم بلسانه وانه يذكر فهو أكرم خلق الله على الله وأحبهم
إلى الله فلم يخلق الله تعالى نبيا مرسلا ولا ملكا مقربا من عصر آدم إلى من
سواه خيرا عند الله ولا أحب إلى الله فيقعده الله تعالى يوم القيامة بين
يدي عرشه ويشفعه في كل من شفع له وباسمه جرى القلم في اللوح المحفوظ
وفي أم الكتاب يذكر محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصاحبه حامل اللواء يوم
القيامة بين يدي عرشه يوم الحشر الأكبر واخوه وزيره وخليفته ووصيه
في أمته وأحب خلق الله إليه بعده علي بن أبي طالب (ع) ابن عمه لأبيه
وأمه وولي كل مؤمن ومؤمنة بعده ثم أحد عشر رجلا من بعده من ولد
محمد صلى الله عليه وآله من ابنته فاطمة الزهراء (ع) سميا ابني هارون شبر وشبير
وتسعة من ولده أصغرهما وهو الحسين واحد بعد واحد فاخرهم الذي يؤم
لعيسى بن مريم وفيه تسمية كل من يملك منهم ومن يستتر منهم حديثه
وأول من يظهر منهم يملا جميع بلاد الله قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا
يملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره الله على أهل الأرض كلها فلما بعث
143

هذا النبي وأبي حتى آمن به وصدقه وكان شيخا كبيرا فمات وقال لي أن
خليفة محمد الذي هو في هذا الكتاب اسمه ونعته سيمر بك إذا مضى ثلاث
أئمة من أئمة الضلالة والدعاة إلى النار وهم عندي مسمون بأسمائهم وقبائلهم
وهم فلان وفلان وفلان وكم بملك كل واحد منهم فإذا جاء بعدهم الذي كان
له الحق فاخرج إليه وبايعه وقاتل معه فان الجهاد معه مثل الجهاد مع رسول
الله صلى الله عليه وآله والموالي له كالموالي لله ولمحمد والمعادي له كالمعادي لله ولمحمد يا
أمير المؤمنين مد يدك حتى أبايعك فانى اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأن محمدا عبده ورسوله وانك خليفته على أمته وشاهده على خلقه وحجته
على عباده وان الاسلام دين الله وانا أبرأ إلى الله من كل دين خالف الاسلام
وانه دين الله تعالى الذي اصطفاه ورضيه لأوليائه وانه دين عيسى بن
مريم (ع) ومن قبله كان من الأنبياء والمرسلين الذين دان لهم من مضى
من آبائي واني أتولى وليك وابرأ من عدوك وأتولى الأئمة الأحد عشر من
ولدك وأتبرأ من عدوهم وممن خالفهم وابرأ منهما وممن ظلمهم وجحد حقهم
من الأولين والآخرين فعند ذلك ناوله يده المباركة وبايعه فقال له أرني
كتابك فناوله إياه فقال لرجل من أصحابه قم مع هذا الرجل فانظر ترجمانا
يفهم كلامه فينسخه لك بالعربية مفسرا فأتي به مكتوبا بالعربية فلما أن
اتوه قال لولده الحسين (ع) آتني بذلك الكتاب الذي بعثه إليك فأتى به
فقال أقرأه وانظر أنت يا فلان الذي نسخته في هذا فإنه خطى بيدي املا
رسول الله صلى الله عليه وآله فقرأه فما خالفه حرفا واحدا ما فيه
تقديم ولا تأخير كأنه املاء رجل واحد على رجلين فعند ذلك حمد الله
الإمام (ع) وأثنى عليه فقال الحمد الله الذي لو شاء لم تختلف الأمة ولم تفترق
والحمد الله الذي لم ينسني ولم يضيع اجرى ولم يحمل ذكرى عنده وعند
أوليائه ورسله إذ طفي وحمل عند أولياء الشياطين وحزبهم قال ففرح
144

بذلك من حضر من شيعته من المؤمنين وساء ذلك كثيرا ممن كان حوله من
المعاندين حتى عرفنا ذلك في وجوههم وألوانهم.
(وبالاسناد) يرفعه عن سلمان والمقداد وأبي ذر قالوا إن رجلا فاخر
علي بن أبي طالب (ع) فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي فاخر أهل الشرق
والغرب والعجم والعرب فأنت أكرمهم وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله
وأكرمهم زواجا وعما وأعظمهم حزما وحلما وأقدمهم سلما وأكثرهم علما
بسنتي وأشجعهم قلبا في لقاء الحرب وأجودهم كفا وازهدهم في الدنيا
وأشدهم جهادا وأحسنهم خلقا وأصدقهم لسانا وأحبهم إلى الله والي وستبقى
وأشدهم جهادا وأحسنهم خلقا وأصدقهم لسانا وأحبهم إلى الله والي وستبقى
بعدى ثلاثين سنة تعبد الله تعالى وتصبر على ظلم قريش لك ثم تجاهد في
سبيل الله إذا وجدت أعوانا فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ثم
تقتل شهيدا فتخضب لحيتك من دم رأسك قاتلك يعدل ناقة صالح في
البغضاء لله والعبد من الله يا علي انك من بعدى في كل أمر غالب مغلوب
مغصوب تصبر على الأذى في الله وفى رسوله محتسبا اجرك غير ضايع عند
الله فجزاك الله بعدى عن الاسلام خيرا.
(وبالاسناد) يرفعه عن سلمان وأبي ذر والمقداد انه أتاهم رجل
مسترشد في زمن خلافة عمر بن الخطاب وهو رجل من أهل الكوفة فجلس
إليهم يسألهم فقالوا له عليك بكتاب الله فالزمه وبعلي بن أبي طالب (ع) فإنه
مع الكتاب لا يفارقه فانا نشهد انا سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله انه يقول إن
عليا مع الحق والحق معه يدور معه كيفما دار وانه أول من آمن بي
وأول من يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر والفاروق بين الحق
والباطل وهو وصيي ووزيري وخليفتي في أمتي من بعدي فيقاتل على سنتي
فقال لهم الرجل فما بال الناس يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق فقالوا
له جهل الناس حق علي كما جهلوا خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وجهلوا حق
145

أمير المؤمنين (ع) ومالك لهما باسم لأنه اسم غيرهما والله ان عليا هو الصديق
الأكبر والفاروق الأزهر والله ان عليا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وانه أمير
المؤمنين أمرنا وأمرهم به رسول الله فسلمنا جميعا عليه بأمرة المؤمنين يوم
بايعناه في غدير خم.
(وبالاسناد) يرفعه عن جابر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
قال خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله إلى صحراء المدينة فلما صرنا في
الحدائق بين النخل صاحت نخلة بنخلة هذا النبي المصطفى وإذا علي المرتضى ثم
صاحت ثالثة برابعة هذا موسى وذا هارون ثم صاحت خامسة بسادسة هذا
خاتم النبيين وذا خاتم الوصيين فعند ذلك نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وآله مبتسما
وقال لي يا أبا الحسن ما سمعت قلت بلى يا رسول الله قال ما تسمي هذه النخيل
قلت الله ورسوله اعلم قال تسميها الصيحاني لأنها صاحت بفضلي وفضلك
يا علي.
(وبالاسناد) يرفعه إلى جعفر بن محمد الصادق (ع) عن أبيه عن جده
الحسين (ع) عن علي (ع) انه حدثني عمر بن الخطاب قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول فضل علي (ع) على هذه الأمة كفضل شهر رمضان على
ساير الشهور ثم فضل علي (ع) على هذه الأمة كفضل يوم الجمعة على ساير
الأيام فطوبى لمن آمن به وصدق بولايته والويل كل الويل لمن جحده
وجحد حقه ان حقا على الله ان لا ينيله شيئا من روحه يوم القيامة ولا تناله
شفاعة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله
(وبالاسناد) عن الإمام جعفر عليه السلام عن أبيه عن جده الحسين
عليه السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة
قلبي وابناها ثمرة فؤادي وبعلها نور بصرى والأئمة من ولدها أمنائي
وحبلها الممدود فمن اعتصم بهم نجا ومن تخلف عنهم هوى.
(وبالاسناد) يرفعه إلى ابن عباس (رض) قال رفع القطر عن بنى
146

إسرائيل بسوء آرائهم في أنبيائهم وان الله تعالى يرفع القطر عن هذه الأمة
ببغضهم علي بن أبي طالب عليه السلام.
(وبالاسناد) يرفعه إلى سلمان الفارسي (رض) أنه قال كنا عند
رسول الله صلى الله عليه وآله إذ دخل أعرابي فوقف وسلم علينا فرددنا عليه السلام
فقال أيكم بدر التمام ومصباح الظلام محمد رسول الله الملك العلام أهذا هو
الصبيح الوجه فقلنا نعم يا أخا العرب أجلس فجلس فقال له يا محمد آمنت بك
ولم ارك وصدقتك قبل ان ألقاك غير أنه بلغني عنك أمر فقال وأي شئ
هو الذي بلغك عنى فقال دعوتنا إلى شهادة ان لا إله إلا الله وانك محمد
رسول الله صلى الله عليه وآله فأجبناك ثم دعوتنا إلى الصلاة والزكاة والصيام والحج
والجهاد فأجبناك ثم لم ترض عنا حتى دعوتنا إلى موالاة ابن عمك علي بن
أبي طالب (ع) ومحبته أنت فرضته في الأرض أم الله تعالى فرضه في
السماء فقال النبي صلى الله عليه وآله بل فرضه الله تعالى من السماوات على أهل السماوات
والأرض فلما سمع الاعرابي كلامه قال سمعنا لما امرتنا به يا نبي الله فإنه الحق
من عند ربنا قال النبي صلى الله عليه وآله يا أخا العرب اعطى الله عليه خمس خصال
فواحدة منهن خير من الدنيا وما فيها الا أنبئك بها يا أخا العرب قال بلى
يا رسول الله قال أخا العرب كنت جالسا يوم بدر فقد انقضت عنا الغزاة هبط
جبرئيل (ع) وقال لي ان الله يقرئك السلام ويقول لك يا محمد آليت على
نفسي بنفسي وأقسمت علي بي اني لا الهم حب علي إلا من أحببته انا فمن
أحببته ألهمته حب علي (ع) ثم قال عليه السلام الا أنبئك بالثانية قلت بلى
يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله كنت جالسا بعد ما فرغت من جهاز عمى حمزة إذ
هبط جبرئيل فقال يا محمد أن الله تعالى يقرئك السلام ويقول لك قد فرضت
الصلاة ووضعتها عن المعتل وفرضت الصوم ووضعته عن المسافر وفرضت
الحج ووضعته عن المعتل وفرضت الزكاة ووضعتها عن المعدم وفرضت حب
علي بن أبي طالب (ع) على أهل السماوات والأرض فلم اعط فيه رخصة
147

ثم قال عليه السلام الا أنبئك بالثالثة قلت بلى يا رسول الله قال ما خلق الله خلقا
إلا وجعل لهم سيدا فالنسر سيد الطيور والثور سيد البهائم والأسد سيد
البهائم والأسد سيد السباع والجمعة سيد الأيام ورمضان سيد الشهور وإسرافيل
سيد الملائكة وآدم سيد البشر وانا سيد الأنبياء وعلي سيد الأوصياء ثم قال
عليه السلام ألا أنبئك يا أخا العرب بالرابعة قلت بلى يا رسول الله قال حب
علي بن أبي طالب شجرة أصلها في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن تعلق بها في
الدنيا ادخله الجنة وبغضه شجرة أصلها في النار وأغصانها في الدنيا فمن تعلق
بها في الدنيا أداه إلى النار ثم قال صلى الله عليه وآله يا اعرابي الا أنبئك بالخامسة قلت
بلى يا رسول الله قال إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر على يمين العرش ثم
نصب لإبراهيم (ع) منبر يحاذي منبرى عن يمين العرش ثم يؤتى بكرسي
عال مشرق زاهر يعرف بكرسي الكرامة فينصب بينها فانا على منبرى
وإبراهيم على منبره وابن عمي علي بن أبي طالب * ع * فما رأت عيناي
بأحسن من حبيب بين خليلين ثم قال * ص * يا اعرابي حب على حق فان
الله تعالى يحب محبيه وعلى * ع * معي في قصر واحد فعند ذلك قال الاعرابي
سمعا وطاعة لله ولرسوله ولابن عمه علي بن أبي طالب * ع *.
* وبالاسناد * يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاري * رض * قال كنا
جلوسا عند رسول الله * ص * إذ ورد علينا اعرابي أشعث الحال عليه ثياب
رثة الفقر ظاهر بين عينيه ومعه عياله فلما دخل المسجد سلم على النبي صلى
الله عليه وآله وانشد يقول:
اتيتك والعذاري تبكي برنة * وقد ذهلت أم الصبي عن الطفل -
وأخت وبنتان وأم كبيرة * وقد كدت من فقرى أخالط في عقلي -
وقد مسني ضر وعري وفاقة * وليس لنا مال يمر ولا يحلي -
ولسنا نرى الا إليك فرارنا * وأين مفر الناس إلا إلى الرسل
قال لما سمع النبي * ص * كلامه بكى بكاءا شديدا ثم قال لأصحابه
148

معاشر الناس ان الله ساق إليكم ثوابا وقاد إليكم اجرا والجزاء من الله
غرف في الجنة تضاهي غرف إبراهيم الخليل * ع * من منكم يواسي هذا
الفقير قال لم يجبه أحد وكان في ناحية المسجد علي بن أبي طالب * ع * يصلى
ركعات تطوعا وكان قائما فأومأ بيده إلى الاعرابي فدنا منه فدفع الخاتم
من يده إليه وهو في صلاته فأخذه الاعرابي وانصرف وقد أحسن من قال:
لي خمسة ترتجى بحبهم الدنيا ويرجى من قبلهم الدين -
يأمن بين الأنام تابعهم * لأنهم في الورى ميامين
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله غشيه الوحي إذ هبط عليه جبرئيل (ع) ونادى السلام
عليك يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول لك اقرأ * إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن
يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون * فعند ذلك قام
النبي قائما وقال معاشر المسلمين أيكم اليوم عمل خيرا حتى جعله الله ولي كل
مؤمن ومؤمنة قالوا يا رسول الله ما فينا من عمل اليوم خيرا سوي ابن عمك
علي بن أبي طالب (ع) فإنه تصدق على الاعرابي بخاتمه وهو في صلاته
فقال النبي صلى الله عليه وآله وجبت الولاية لابن عمي علي بن أبي طالب (ع) ثم
قرأ عليهم الآية قال فتصدق الناس على الاعرابي ذلك اليوم بخمسمائة خاتم
فاخذها الاعرابي وولى ولقد أحسن من يقول:
انا مولى الخمسة * نزلت فيهم السور -
أهل طه وهل أتى * فاقرأوا واعرفوا الخير -
والطواسين بعدها * والحواميم والزمر -
انا مولى لهؤلاء * وعدو لمن كفر
(وبالاسناد) يرفعه إلى انس ابن مالك أنه قال وفد الأسقف
البحراني على عمر بن الخطاب لأجل أدائه الجزية فدعاه عمر إلى الاسلام
فقال له الأسقف أنتم تقولون ان الله جنة عرضها السماوات والأرض فأين
149

تكون النار قال فسكت عمر ولم يرد جوابا فقال له الجماعة الحاضرين أجبه
يا أمير المؤمنين حتى لا يطعن في الاسلام قال فاطرق خجلا من الجماعة
الحاضرين ساعة لا ير جوابا فإذا بباب المسجد رجل قد سده بمنكبيه
فتأملوه وإذا به عيبة علم النبوة علي بن أبي طالب (ع) قد دخل قال
فضج الناس عند رؤيته فقام عمر بن الخطاب والجماعة على اقدامهم وقال
يا مولاي أين كنت عن هذا الأسقف الذي قد علانا منه الكلام اخبره يا
مولانا قبل أن يرتد الاسلام فأنت بدر التمام ومصباح الظلام وابن عم
رسول الأنام فقال الإمام علي (ع) ما تقول يا أسقف قال يا فتى أنتم تقولون
أن الجنة عرضها كعرض السماوات والأرض فأين تكون النار قال له الامام
إذا جاء الليل أين يكون النهار فقال له الأسقف من أنت يا فتى دعني حتى
أسأل هذا الفظ الغليظ أنبئني يا عمر عن أرض طلعت عليها الشمس ساعة ولم
تطلع مرة أخرى قال عمر اعفني عن هذا واسئل علي بن أبي طالب (ع)
ثم قال اخبره يا أبا الحسن فقال علي (ع) هي ارض البحر التي فلقها الله
لموسى حتى عبر هو وجنوده فوقعت الشمس عليها تلك الساعة ولم تطلع
قبل ولا بعد وأنطبق البحر على فرعون وجنوده فقال الأسقف صدقت يا فتى
قومه وسيد عشيرته اخبرني عن شئ هو في أهل الدنيا تأخذ الناس منه
مهما اخذوا فلا ينقص بل يزداد قال علي (ع) هو القرآن والعلوم فقال
صدقت اخبرني عن أول رسول أرسله الله لامن الجن ولا من الانس فقال
عليه السلام ذلك الغراب الذي بعثه الله لما تعالى قتل قابيل هابيل أخاه فبقي
متحيرا لا يعلم ما يصنع به فعند ذلك بعث غرابا يبحث في الأرض ليريه
كيف يوارى سوأة أخيه قال صدقت يا فتى فقد بقي لي مسألة واحدة أريد
أن يخبرني عنها هذا وأومأ بيده إلى عمر فقال يا عمر أخبرني أين هو الله قال
فغضب عند ذلك وامسك ولم يرد جوابا قال فالتفت الإمام (ع) وقال لا
يغضب يا أبا حفص حتى لا يقول انك قد عجزت فقال فأخبره أنت يا أبا
150

الحسن فعبد ذلك قال الامام كنت عند رسول الله إذ قبل إليه ملك فسلم فرد
عليه السلام فقال أين كنت قال عند ربى فوق سبع سماوات قال ثم اقبل
ملك آخر فقال أين كنت قال كنت عند ربى في تخوم الأرض السابعة
السفلى ثم اقبل ملك ثالث فقال أين كنت قال كنت عند ربي في مطلع
الشمس ثم جاء ملك آخر فقال أين كنت قال كنت عند ربى في مغرب
الشمس فان الله لا يخلو منه مكان ولا هو شئ ولا على شئ ولا من شئ
وسع كرسيه السماوات والأرض ليس كمثله شئ وهو السميع البصير لا
يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا
أكبر يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو
رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم
أينما كانوا، قال فلما سمع الأسقف قوله قال له مد يدك فانى اشهد أن الا إله إلا
الله وأن محمدا رسول الله وانك خليفة الله في ارضه ووصي رسوله وان
هذا الجالس الغليظ الكفل الحبنطي ليس لهذا المكان بأهل وإنما أنت أهله
فتبسم الإمام (ع).
(وبالاسناد يرفعه إلى المقداد بن الأسود الكندي صلى الله عليه وآله قال كنا
مع سيدنا رسول الله وهو متعلق باسناد الكعبة وهو يقول اللهم اعضدني
واشدد أزري وأشرح صدري وارفع ذكري فنزل عليه جبرئيل عليه
السلام وقال اقرأ يا محمد قال وما قرأ قال اقرأ (ألم نشرح لك صدرك
ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك) مع علي بن
أبي طالب صهرك فقرأها النبي صلى الله عليه وآله وأثبتها عبد الله بن مسعود في مصحفه
فأسقطها عثمان بن عفان حين وحد المصاحف.
(وبالاسناد) يرفعه إلى ابن عباس (رض) أنه قال رسول الله يدخل
الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب ثم التفت إلى علي (ع) وقال هم شيعتك وأنت امامهم.
151

(وبالاسناد) يرفعه إلى عمر بن الخطاب أنه قال اعطى لعلي بن أبي
طالب (ع) خمس خصال فلو كان لي واحدة منها لكان أحب لي من الدنيا
والآخرة قالوا وما هي يا عمر قال تزوجه بفاطمة عليها السلام وفتح بابه إلى
المسجد حين سدت أبوابنا وانقضاض الكواكب في حجرته وقول رسول
الله صلى الله عليه وآله له يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه
الله ورسوله كرارا غير فرار يفتح الله تعالى على يديه بالنصر وقوله صلى الله عليه وآله
له أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبى بعدى كنت أرجو أن تكون
في من ذلك واحدة.
* وبالاسناد * يرفعه إلى ابن مسعود أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
لما خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال الحمد الله فأوحى الله
تعالى إليه حمدتني عبدي وعزتي وجلالي لولا عباد أريد ان اختلقهم من ظهرك
لما خلقتك فأرفع رأسك يا آدم انظر فرفع رأسه فرأى في العرش مكتوبا
لا إله إلا الله محمد رسول الله نبي الرحمة وعلي أمير المؤمنين مقيم الحجة فمن
عرف حقه زكا وطاب ومن أنكر حقه كفر وخاب أقسمت على نفسي
وبعزتي وجلالي انى ادخل الجنة من اطاعه وان عصاني وآليت على نفسي ان
ادخل النار من عصاه وان أطاعني.
* وبالاسناد * يرفعه إلى ابن مسعود أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما
اسرى بي إلى السماء قال لي جبرئيل (ع) قد أمرت بعرض الجنة والنار
عليك قال فرأيت الجنة وما فيها من النعيم ورأيت النار وما فيها من عذاب اليم
والجنة لها ثمانية أبواب على كل باب منها أربع كلمات كل كلمة منها خير من
الدنيا وفيها لمن يعرفها ويعمل بها قال قال لي جبرئيل (ع) اقرأ يا محمد
ما على الأبواب قال قلت له قرأت ذلك اما أبواب الجنة فعلى الباب الأول
مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله لكل شئ حيلة وحيلة
العيش أربع خصال القناعة ونبذ الحقد وترك الحسد ومجالسة أهل الخير
152

(وعلى الباب الثاني) مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله على ولي الله لكل شئ حيلة وحيلة السرور في الآخرة أربع مسح رؤس اليتامى
والتعطف على الأرامل والسعي في حوائج المسلمين وتفقد الفقراء والمساكين
(وعلى الباب الثالث) مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي
الله كل شئ هالك الا وجهه لكل شئ حيلة وحيلة الصحة في الدنيا أربع
خصال قلة الكلام وقلة المنام وقلة المشي وقلة الطعام.
(وعلى الباب الرابع) مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي
الله فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم والديه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو يسكت.
(الباب الخامس) مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله
فمن أراد ان لا يشتم ومن أراد ان لا يذل ومن أراد ان لا يظلم ولا يظلم ومن أراد ان يستمسك بالعروة الوثقى في الدنيا والآخرة فليقل لا إله إلا
الله محمد رسول الله علي ولي الله.
(وعلى الباب السادس) مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي
الله فمن أحب أن يكون قبره واسعا فسيحا فليبن المساجد ومن أحب ان لا
تأكله الديوان تحت الأرض فليكنس المساجد وليكنس المساكين ومن أحب
ان تبقى طريا نضرا لا يبكي فليكسوا المساجد بالبسط ومن أراد ان يرى
موضعه في الجنة فليسكن في المساجد.
(وعلى الباب السابع) مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي
الله بياض القلوب في أربع خصال عيادة المرضى واتباع الجنائز وشراء
أكفان الموتى ورد القرض.
* وعلى الباب الثامن * مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي
153

الله فمن أراد الدخول في هذه الأبواب الثمانية فليمسك بأربع خصال وهي
الصدقة والسخاء وحسن الخلق وكف الأذى عن عباد الله.
* ثم رأيت أبواب جهنم * فإذا على الباب الأول منها مكتوب ثلاث
كلمات وهي من رجا الله تعالى سعد ومن خاف الله تعالى أمن والهالك المغرور
من رجا غير الله وخاف سواه
* وعلى الباب الثاني * مكتوب ثلاث كلمات من أراد ان لا يكون
عريانا يوم القيامة فليكس الجلود العارية في الدنيا ومن أراد ان لا يكون
عطشانا يوم العطش فليسق العطشان في الدنيا ومن أراد ان لا يكون جائعا
في القيامة فليطعم البطون الجائعة في الدنيا.
* وعلى الباب الثالث * مكتوب ثلاث كلمات لعن الله الكاذبين لعن
الله الباخلين لعن الله الظالمين.
* وعلى الباب الرابع * مكتوب ثلاث كلمات أذل الله من أهان الاسلام
أذل الله من أهان أهل بيت النبي لعن الله من أعان الظالمين على ظلم المخلوقين.
* وعلى الباب الخامس * مكتوب ثلاث كلمات لا تتبع الهوى فان
الهوى مجانب الايمان ولا تكثر منطقك فيما لا يعنيك فتقنط من رحمة الله
ولا تكن عونا للظالمين.
* الباب السادس * مكتوب انا حرام على المتهجدين انا حرام على
الصائمين.
* وعلى الباب السابع * مكتوب ثلاث كلمات حاسبوا أنفسكم قبل ان
تحاسبوا ووبخوا أنفسكم قبل ان توبخوا ادعوا الله عز وجل قبل ان تردوا
عليه ولا تقدرون على ذلك.
* وبالاسناد يرفعه إلى محمد الباقر بن جعفر الصادق * عليهم السلام
يرويه عن النسب الطاهر إلى جده رسول الله * ص * أنه قال إن الله تعالى
جعل ذرية كل نبي من صلبه وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالب (ع)
154

وان الله اصطفاهم كما اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على
العالمين فاتبعوهم يهدوكم إلى صراط مستقيم فقدموهم ولا تتقدموا عليهم
فإنهم أحلمكم صغارا وأعلمكم كبارا فاتبعوهم لا يدخلونكم في ضلال ولا
يخرجونكم من هدى.
* وبالاسناد * يرفعه إلى انس بن مالك والزبير بن العوام انهما قالا قال
رسول الله أنا ميزان العلم وعلي كفتاه والحسن والحسين خيوطه وفاطمة
عليها السلام علاقته والأئمة من ولدهم عموده فينصب يوم القيامة فيوزن فيها
أعمال المحبين لنا والمبغضين لنا.
* وبالاسناد * يرفعه إلى سعد بن أبي وقاص انه بينا نحن بفناء الكعبة
ورسول الله معنا إذا اقبل علينا من الركن اليماني شئ على هيئة الفيل أعظم
ما يكون من الفيلة فتفل رسول الله صلى الله عليه وآله وقال لعنت وخزيت يا ملعون
فشك سعد فعند ذلك قام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وقال ما هذا
يا رسول الله قال أو ما تعرفه يا علي فقال الله ورسوله أعلم فقال النبي صلى الله عليه وآله
هذا إبليس فوثب أمير المؤمنين (ع) من مكانه كأنه أسد وأخذ بناصيته
وجذبه من مكانه ثم قال اقتله يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله أو ما علمت أنه من
المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم فجذبه وتنحى به خطوات فقال له إبليس
مالي ومالك يا بن أبي طالب دعني من يدك فوعزة ربي ما يغضبك أحد الا من
شاركت إياه في أمه فخلاه من يده فأنزل في ذلك (وشاركهم في الأموال
والأولاد يوعدهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا ان عبادي ليس لك عليهم
سلطان) يعنى بذلك شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام.
(وبالاسناد يرفعه إلى عمار بن ياسر وزيد بن أرقم) انهما قالا كنا بين
يدي أمير المؤمنين (ع) وكان يوم الاثنين لسبعة عشر ليلة خلت من صفر
وإذا بزعقة عظيمة قد ملأت المسامع وكان علي (ع) بدكة القضاء فقال
يا عمار ائتني بذى الفقار وكان وزنه سبعة أمنان وثلث من بالمكي فجئت به
155

ثم انتضاه من غمده وتركه على فخذه وقال يا عمار هذا اليوم اكشف لأهل
الكوفة فيه الغمة ليزداد المؤمن وفاقا والمخالف نفاقا يا عمار رأيت من في الباب
قال عمار فخرجت وإذا على الباب امرأة في قبة على جمل وهي تبكى وتصيح
يا غياث المستغيثين يا بغية الطالبين ويا كنز الراغبين ويا ذا القوة المتين ويا مطعم
اليتيم ويا رازق العديم ويا محيي كل عظم رميم ويا قديما سبق قدمه كل قديم
ويا عون من ليس له عون ولا معين ويا طود من لا طود له ويا كنز من لا
كنز له إليك توجهت وبوليك توسلت ولخليفة رسولك قصدت فبيض وجهي
وفرج عنى كربي (قال عمار) وحولها الف فارس بسيوف مسلولة فقوم لها
وقوم عليها فقلت أجيبوا أمير المؤمنين (ع) أجيبوا عيبة علم النبوة قال فنزلت
من القبة ونزل القوم معها ودخلوا المسجد فوقفت الامرأة بين يدي أمير
المؤمنين (ع) وقالت يا مولاي يا مولاي يا أم المتقين إليك اتيت وإياك قصدت
فاكشف ما بي من غمة فإنك قادر عليه وعالم بما كان وما يكون إلى يوم
الوقت المعلوم فعند ذلك قال (ع) يا عمار ناد في الكوفة ألا من أراد ان
ينظر إلى ما أعطى الله عليا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله فليأت المسجد قال فاجتمع
الناس حتى امتلأ المسجد بالناس وصار القدم على القدم فعند ذلك قال مولاي
عليه السلام سلوا ما بدا لكم يا أهل الشام فنهض من بينهم شيخ كبير قد لبس
عليه بردة يمانية وحلة عريشية وعمامة خراسانية فقال السلام عليك يا أمير
المؤمنين ويا كنز الطالبين ويا مولاي هذه الجارية ابنتي قد خطبها ملوك العرب
مني وقد نكست رأسي بين عشيرتي وانا موصوف بين العرب وقد فضحتني
في أهلي ورجالي لأنها عاتق حامل فأنا تلبس بن عفريس لاتخذ لي نار ولا
يصام لي جار وقد بقيت حائرا في امرى فاكشف عنى هذه الغمة فأن الامام
ترتجيه الأمة وهذه الغمة عظيمة لم أر مثلها ولا أعظم منها فقال أمير المؤمنين
ما تقولين يا جارية فيما قال أبوك فقالت يا مولاي أما قوله اني عاتق فقد صدق
واما قوله انى حامل فوحقك يا مولاي ما علمت من نفسي خيانة قط واني
156

اعلم انك اعلم بي مني واني ما كذبت ففرج عني يا مولاي قال عمار فعند ذلك
أخذ ذا الفقار وصعد المنبر وقال الله أكبر جاء الحق وزهق الباطل ان
الباطل كان زهوقا ثم قال علي بقابلة الكوفة فجاءت امرأة يقال لها لبنة
وهي قابلة نساء أهل الكوفة فقال لها اضربي بينك وبين الناس حجابا وانظري
هذه الجارية أعاتق أم حامل ففعلت ما أمرها به (ع) ثم خرجت وقالت
نعم يا مولاي هي عاتق حامل وحقك يا مولاي فعند ذلك التفت الامام إلى أبي
الجارية وقال يا أبا الغضب الست من قرية كذا وكذا من أعمال دمشق
قال وما هي القرية قال قرية يقال لها اسعار فقال بلي يا مولاي فقال من
منكم بقدر هذه الساعة على قطعة من الثلج في بلادنا كثير ولكن ما نقدر
عليه ههنا فقال (ع) بيننا وبين بلدكم مائتان وخمسون فرسخا قال أيها
الناس انظروا إلى ما اعطى الله عليا من العلم النبوي الذي أودعه الله رسوله
من العلم الرباني قال عمار بن ياسر فمد يده (ع) من على منبر الكوفة وردها
وفيها قطعة من الثلج يقطر منها فعند ذلك ضج الناس وماج الجامع بأهله
فقال (ع) اسكتوا ولو شئت اتيت بجباله ثم يا قابلة خذي هذا الثلج
اخرجوا بالجارية واتركي تحتها طشتا وضعي هذه الطعة مما يلي الفرج
فسترين علقة وزنها سبعة وخمسون درهما ودانقان قال فقال له جمعنا الله
ولك يا مولاي تم اخذتها وخرجت بها من الجامع وجاءت بطشت ووضعت
الثلجة على الموضع كما أمرها (ع) فرمت علقة كبيرة فوزنتها القابلة
فوجدتها كما قال (ع) وأقبلت القابلة والجارية فوضعت العلقة بين يديه
ثم قال (ع) قم يا أبا الغضب خذ ابنتك فوالله ما زنت وإنما دخلت الموضع
الذي فيه الماء وهذه العلقة في جوفها وهي بنت عشر سنين وكبرت إلى الآن
في بطنها فنهض أبوها وهو يقول اشهد انك تعلم ما في الأرحام وما في الضمائر
وانك باب الدين وعموده فضج قال الناس عند ذلك وقالوا يا أمير المؤمنين
لنا اليوم خمس سنين لم تمطر السماء علينا غيثا وقد أمسك المطر عن الكوفة
157

هذه المدة وقد مسنا وأهلنا الضر فاستسق لنا يا وارث علم محمد فعند ذلك قام
في الحال وأشار بيده إلى السماء زمزم فإذا الغيث قد انسجم وهمل مزنا
وسال الغيث حتى صارت الكوفة غدرانا فقال أمير المؤمنين كفينا من الماء
وروينا فتكلم بكلام فمضى الغيث وانقطع المطر وطلعت الشمس فلعن الله
الشاك في فضل علي بن أبي طالب (ع).
(وبالاسناد يرفعه إلى عبد الله بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وآله) أنه قال
لما خلق الله إبراهيم الخليل كشف له عن بصره فنظر في جانب العرش
نورا فقال الهى وسيدي ما هذا النور قال يا إبراهيم هذا محمد صفي فقال
إلهي وسيدي أني أرى بجانبه نورا آخر قال يا إبراهيم هذا على ناصر ديني
قال إلهي وسيدي اني أرى بجانبهما نورا آخر ثالثا يلي النورين قال يا إبراهيم
هذه فاطمة تلى أباها وبعلها فطمت محبيها من النار قال الهي وسيدي اني
أرى نور من يليان الأنوار الثلاثة قال يا إبراهيم هذان الحسن والحسين يليان
أباهما أمهما وجدهما قال إلهي وسيدي اني أرى تسعة أنوار قد احدقوا بالخمسة
الأنوار قال يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولدهم قال الهي وسيدي وبمن
يعرفون قال يا إبراهيم أولهم علي بن الحسين ومحمد ولد علي وجعفر ولد محمد
وموسى ولد جعفر وعلي ولد موسى ومحمد ولد على وعلي ولد محمد والحسن
ولد علي ومحمد ولد الحسن القائم المهدى قال الهي وسيدي وارى عدة أنوار
حولهم لا يحصى عدتهم الا أنت قال يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم ومحبوهم قال
الهى وسيدي بم يعرف شيعتهم ومحبوهم قال يا إبراهيم بصلاة الاحدى
والخمسين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والقنوت قبل الركوع وسجدتي
الشكر والنحيم باليمين قال إبراهيم اجعلني الهى من شيعتهم ومحبيهم قال قد
جعلتك منهم فأنزل تعالى فيه (وان من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب
سليم) صدق الله تعالى ورسوله (قال المفضل ابن عمر) ان إبراهيم (ع)
لما أحس بالممات روى هذا الخبر وسجد فقبض في سجدته.
158

(وبالاسناد يرفعه إلى عبد الله بن عباس) قال لما رجعنا من حج بيت
الله مع رسول الله صلى الله عليه وآله فجلسنا حوله وهو في مسجده إذ ظهر الوحي
عليه فتبسم صلى الله عليه وآله تبسما شديدا حتى بانت ثناياه فقلنا يا رسول الله مم تبسمت
قال من إبليس اجتاز ينفر وهم يتلون علينا فوقف امامهم فقالوا من ذا الذي
امامنا فقال انا أبو مرة فقالوا تسمع كلامنا فقال نعم سوأة لوجوهكم ويلكم
أتسبون مولاكم علي بن أبي طالب (ع) فقالوا له أبا مرة من أين
علمت أنه مولانا فقال ويلكم أنسيتم قول نبيكم بالأمس من كنت مولاه
فعلي مولاه فقالوا يا أبا مرة أنت من شيعته ومواليه فقال ما انا من شيعته
ومواليه ولكني أحبه لأنه من أبغضه أحد منكم إلا شاركته في ولده وماله
وذلك قول الله تعالى (وشاركهم في الأموال والأولاد) فقالوا يا أبا مرة
أتقول في علي شيئا قال وما تريدون ان أقول فيه اسمعوا ويلكم منى اعلموا
اني عبدت الله تعالى في الجان اثني عشر الف سنة فلما أهلك الله الجان شكوت
إلى الله تعالى عز وجل الوحدة فأوتي بي إلى السماء الدنيا فعبدت الله تعالى
فيها أثني عشر الف سنة أخرى مع الملائكة فبينا نحن كذلك نسبح الله تعالى
ونقدسه إذ مر علينا نور شعشعاني فخرت الملائكة عند ذلك سجدا فقلنا نور
نبي مرسل أو نور ملك مقرب فإذا النداء من قبل عز وجل لانبى مرسل
ولا ملك مقرب هذا نور علي بن أبي طالب (ع) اخى محمد.
(وبالاسناد يرفعه إلى ابن عباس) أنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله
صلاة الغداة واستند إلى محرابه والناس حوله منهم المقداد وحذيفة وأبو ذر
وسلمان الفارسي وإذا أصوات عالية قد ملأت المسامع فعند ذلك قال صلى الله عليه وآله
يا حذيفة يا سلمان انظروا ما لخبر قال فخرجنا فإذا هما ينفر وهم على رواحلهم
وهم أربعون رجلا بأيديهم الرماح الخطية وعلى رؤس الرماح أسنة من
العقيق الأحمر وعلى كل واحد منهم بدنة من اللؤلؤ على رؤسهم قلانس
مرصعة بالدر والجوؤ يقدمهم غلام لا نبات بعارضيه كأنه فلقة قمر وهم
159

ينادون الحذار الحذار البدار يا آل محمد المختار المنعوت في الأقطار (قال
حذيفة) فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله بذلك فقال يا حذيفة انطلق إلى حجرة كاشف
الكروب وعبد علام الغيوب الليث الهئمور واللسان الشكور والهزبر
الغيور والبطل الجسور العالم الصبور الذي جرى اسمه في التوراة والإنجيل
والفرقان والزبور انطلق إلى حجرة ابنتي فاطمة رأتني ببعلها علي بن أبي
طالب عليه السلام قالت فمضيت وإذا به قد تلقاني وقال يا حذيفة قد جئت
تخبرني عن قوم انا عالم بهم منذ خلقوا ومنذ ولدوا وفي أي شئ جاؤوا فقال
حذيفة زادك الله تعالى يا مولاي علما وفهما ثم أقبل (ع) إلى المسجد والقوم
محدقون برسول الله صلى الله عليه وآله فلما رأوا الإمام (ع) نهضوا قياما على اقدامهم
فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله كونوا على مجالسكم فقعدوا فلما استقر بهم المجلس قام
الغلام الأمرد قائما دون أصحابه وقال أيها الناس أيكم الراهب إذ أسدل
الظلام أيكم المنزه من عبادة الأوثان والأصنام أيكم الساتر عورات النسوان
أيكم الشاكر لما أولاه الرحمان أيكم الصابر يوم الضرب والطعان أيكم منكس
الاقران والفرسان أيكم أخو محمد صلى الله عليه وآله معدن الايمان أيكم وصيه الذي
نصر به دينه على ساير الأديان أيكم علي بن أبي طالب (ع) فعند ذلك قال
النبي صلى الله عليه وآله يا علي أجب الغلام الذي هو في وصفك علام وقم بحاجته فقال
علي (ع) ادن منى يا غلام اني أعطيك سؤالك والمرام وأشفيك من الأسقام
والآلام بعون الله العلام فأنطق بحاجتك فأنى أبلغك أمنيتك ليعلم المسلمون
انى سفينة النجاة وعصا موسى والكلمة الكبرى والنبأ العظيم والصراط
المستقيم فقال الغلام ان معي أخا لي وكان مولعا بالصيد فخرج في بعض أيامه
متصيدا معارضته بقرات وحش عشر فرمى إحداهن فقتلها فانفلج من نصه
في الوقت والحال وقل كلامه حتى لا يكلمنا إلا بالايمان قد بلغنا ان
صاحبكم يدفع عنه ما يجدو ما قد نزل به فان شفى صاحبكم علته آمنا به
ففينا النجدة واليأس والقوة والشدة والمراس ولنا الخيول والإبل والفضة
160

والذهب والمضارب العالية ونحن سبعون الف فارس بخيول جياد وسواعد
شداد ونحن بقايا قوم عاد فعند ذلك قال أمير المؤمنين (ع) أين أخوك يا
عجاج بن الجلال ابن أبي الغضب بن سعد بن المقنع بن عملاق بن ذهل بن
صعب العادي قال فلما الغلام نسبه قال ها هو في هودج سيأتي مع جماعة
منا يا مولاي ان شفيت علته رجعنا عن عبادة الأوثان واتبعنا ابن عمك
صاحب البردة والقضيب والحسام قال فبينا هم في الكلام وإذا قد أقبلت
امرأة عجوز بجنب محمل على جمل فأبركته بباب المسجد فقال الغلام جاء اخى
يا فتى فنهض أمير المؤمنين (ع) ودنا من المحمل فإذا فيه غلام له وجه
صبيح ففتح عينه ونظر إلى وجه على المرتضى فبكى وقال بلسان ضعيف
وقلب حزين إليكم المشتكى والملتجأ يا أهل العبا فقال علي (ع) لا بأس
عليك بعد اليوم ثم نادى أيها الناس اخرجوا الليلة إلى البقيع فسترون من
علي عجبا قال حذيفة بن اليمان فأجتمع الناس في البقيع من العصر إلى أن هدأ
الليل فخرج إليهم أمير المؤمنين (ع) ومعه ذو الفقار وقال اتبعوني حتى
أريكم عجبا فتبعوه فإذا هو بنارين متفرقتين نار قليلة ونار كثيرة فدخل
عليه السلام في النار القليلة وقلبها على النار الكثيرة (قال حذيفة) فسمعت
زمجرة كزمجرة الرعد فقلب النار بعضها على بعض ثم دخل فيها ونحن
بالبعد عنه وقد تداخلنا الرعب من كثرة زمجرة النار ونحن ننظر ما يصنع
بالنار ولم يزل كذلك إلى أن أسفر الصبح ثم خمدت النار ثم طلع منها وقد
كنا قد أيسنا منه فوصل إلينا وبيده رأس ذروته إحدى عشر إصبعا له عين
واحدة في جبهته وهو ماسك بشعره وله شعر مثل شعر الدب فقلنا له عين
الله تعالى عليك ثم اتى به إلى المحمل الذي فيه الغلام وقال قلما يأذن الله
تعالى يا غلام فما بقي عليك باس فنهض الغلام ويداه صحيحتان ورجلان
سليمتان فانكب على رجل الإمام (ع) يقبلها وهو يقول مد يدك فأنا
اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وانك ولي الله وناصر
161

دينه ثم أسلم القوم الذين كانوا معه قال فبقي الناس متحيرين لا يتكلمون
وقد بهتوا لما رأوا الرأس وخلقته فالتفت (ع) وقال يا أيها الناس هذا
رأس عمرو بن الأخبل بن الأقيس بن إبليس اللعين وكان في أثني عشر
الف فبلق من الجن وهو الذي فعل بالغلام ما شاهدتموه فضربتهم بسيفي هذا
وقاتلتهم بقلبي هذا فماتوا كلهم بأسم الله الذي كان في عصا موسى بن
عمران الذي ضرب البحر فانفلق أثنى عشر فريقا فاعتصموا بطاعة الله
وطاعة رسوله ترشدوا.
(وبالاسناد) يرفعه إلى محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه قال سئل
جابر بن عبد الله الأنصاري عن علي بن أبي طالب (ع) قال ذلك والله
أمير المؤمنين ومخزي المنافقين وبوار الكافرين وسبب الله على القاسطين
والناكثين والمارقين ولقد سمعت بأذني رسول الله صلى الله عليه وآله يقول على بعدى
خير البشر فمن شك فيه فقد كفر.
(وبالاسناد) يرفعه الحسين العسكر عن النسب الطاهر إلى الحسين أنه قال
كنت مع أبي علي بن أبي طالب (ع) يوما على الصفا وإذا هو بدراج
على وجه الأرض في الصفا فوقف مولاي بإزائه فقال السلام عليك أيها
الدراج فأجابه يقول وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين فقال
له أمير المؤمنين أيها الدراج ما تصنع في هذا المكان فقال يا أمير المؤمنين انا في
هذا المكان منذ أربعمائة عام أسبح الله تعالى وأقدسه واحمده وأهل له
واكبره واعبده حق عبادته فقال عليه السلام ان هذا الصفا لا مطعم فيه
ولا مشرب فمن أين مطعمك ومشربك فقال له يا مولاي وحق من بعث ابن
عمك بالحق نبيا وجلك وصيا اني كلما جعت دعوت الله لشيعتك ومحبيك
فاشبع وإذا عطشت دعوت الله على مبغضيك وظالميك فأروي:
أيها السائل عما * دونه النجم العلى -
خير خلق الله من * بعد النبيين علي -
162

هكذا أخبرنا عن * ربه الهادي النبي -
ان ما استخيرت عنه * واضح الامر جلي -
وبه فاز الموالي * وبه ضل الغوي -
لم يمل عنه وعن * أبنائه الا الشقي
(وبالاسناد) عن أنس بن مالك أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وآله اتبعوا الشمس حتى تغرب فإذا غربت فاتبعوا الزهرة حتى تغرب فإذا
غربت فاتبعوا الفرقدين قيل يا رسول الله وما الشمس والزهرة وما الفرقدان
قال صلى الله عليه وآله الشمس انا والقمر على والزهرة ابنتي والفرقدان الحسن والحسين
(وبالاسناد) يرفعه إلى سلمان الفارسي (رض) أنه قال صلى بنا
رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة الصبح فلما سلم قام وقال أين ابن عمى على والذي
يقضي ديني وينجز عدتي فأجابه لبيك لبيك يا رسول الله ها انا بين يديك قال
يا علي أتريد أن أعرفك بفضلك من الله عز وجل فقال نعم يا حبيبي فقال يا علي
اخرج إلى صحن المسجد فإذا طلعت الشمس فكلمها حتى تكلمك قال
سلمان فخرج علي (ع) إلى صحن المسجد فلما طلعت الشمس قال لها السلام
عليك أيتها الشمس قالت وعليك السلام يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو
بكل شئ عليم قال فضجت الصحابة فأجمعهم وقالوا يا رسول الله بالأمس تقول
لنا الأول والاخر صفات الله تعالى قال نعم تلك صفات الله وهو الله وحده
لا شريك له يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ
قدير قالوا فما لنا سمعنا الشمس تقول لعلي هذا الكلام أصار علي ربا يعهد
فقال استغفر الله لا حول ولا قوة الا بالله لكل مقام مقالا فاستغفروا
الله وتوبوا إليه اما قولها يا أول فهو أول من آمن بي وصدقني واما قولها
يا آخر فهو والله آخر من يواريني ويلحدني واما قولها يا ظاهر فهو والله
أظهر دين الله بالسيف واما قولها يا باطن فهو والله باطن لعلمي واما قولها
يا من هو بكل شئ عليم فوعزة ربي ما علمني ربى شيئا الا علمته عليا وانه
163

بطرق السماء اعرف منه بطرق الأرض ثم قال يا علي ادخل وافتخر فدخل
وهو ينشد ويقول:
انا للحرب إليها وبنفسي اصطليها * نعمة من خالق العرش بها قد خصنيها -
وانا مخمد نار الحرب في يوم أجبها * ولي السبقة في الاسلام طفلا ووجيها -
لي الفضل على الناس بزوجي وبنيها * ثم فخري برسول الله إذ زوجنيها -
فإذا انزل ربي آية علمنيها * ولقد أورثني العلم وقد صرت فقيها
(وبالاسناد) يرفعه إلى أبي سعيد الخدري أنه قال قال رسول الله بني
الاسلام على شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقام الصلاة وايتاء
الزكاة وصوم شهر رمضان والحج إلى بيت الله الحرام والجهاد وولاية على
ابن أبي طالب قال الراوي قلت لأبي سعيد ما أظن القوم الا هلكوا إذ
تركوا الولاية قال فما يصنع أبو سعيد إذا هلكوا.
(وبالاسناد) يرفعه إلى سالم بن أبي جعدة أنه قال حضرت مجلس انس
ابن مالك بالبصرة وهو يحدث فقام إليه رجل من القوم فقال يا صاحب
رسول الله ما هذه النمشة التي أراها بك فأني حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وآله
أنه قال البرص والجذام لا يبلو الله تعالى به مؤمنا قال فعند ذلك أطرق
انس بن مالك إلى الأرض وعيناه تذر فان بالدمع ثم قال دعوة العبد الصالح
علي بن أبي طالب عليه السلام نفذت في فعند ذلك قام الناس من حوله
وقصدوه وقالوا يا انس حدثنا ما كان السبب فقال لهم الهوا من هذا فقالوا
لا بد أن تخبرنا بذلك فقال اجلسوا مواضعكم واسمعوا مني حديثا كان هو
السبب لدعوة علي (ع) اعلموا ان النبي صلى الله عليه وآله كان قد اهدى إليه بساط شعر
من قرية كذا وكذا من قرى المشرق يقال لها هندف فأرسلني رسول الله
إلى أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن
عوف الزهري فأتيته بهم وعنده اخوه وابن عمه علي بن أبي طالب (ع)
ابسط بساط واجلس حتى تخبرني بما يكون ثم قال يا علي قل يا ريح احملينا
164

قال فقال الإمام علي (ع) يا ريح احملينا فإذا نحن في الهواء فقال سيروا على
بركة الله قال فسرنا ما شاء الله تعالى ثم قال يا ريح ضعينا فوضعتنا فقال
أتدرون أين أنتم فقلنا الله ورسوله ووليه اعلم فقال هؤلاء أصحاب الكهف
والرقيم الذين كانوا من آيات الله عجبا قوموا بنا يا أصحاب رسول الله حتى
نسلم عليهم فعند ذلك قام أبو بكر وعمر وقالا السلام عليكم يا أهل الكهف
والرقيم فلم يجبهما أحد قال فقام طلحة والزبير فقالا السلام عليكم يا أصحاب
الكهف والرقيم قال فلم يجبهما أحد قال انس فقمت انا وعبد الرحمن بن عوف
وقلت انا انس خادم رسول الله (ع) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا أصحاب الكهف والرقيم فلم يجيبنا أحد قال فعند ذلك قام الإمام عليه السلام
وقال السلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم الذين كانوا من آيات الله عجبا
فقالوا وعليك السلام يا وصي رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال يا أصحاب
الكهف لم لا رددتم على أصحاب رسول الله فقالوا بأجمعهم يا خليفة رسول الله
اثنا فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى وليس معنا اذن ان نرد السلام الا إلى
نبي أو وصي نبي فأنت خاتم النبيين وأنت سيد الوصيين ثم قال أسمعتم
يا أصحاب رسول الله قالوا نعم يا أمير المؤمنين (ع) قال فخذوا مواضعكم
واقعدوا في مجالسكم قال فقعدنا في مجالسنا ثم قال يا ريح احملينا فحملتنا
فسرنا ما شاء الله إلى أن غربت الشمس ثم قال يا ريح ضعينا فإذا نحن في روضة
كالزعفران ليس بها حسيس ولا أنيس نباتها القيصوم والشيح وليس فيها
ماء فقلنا يا أمير المؤمنين دنت الصلاة وليس عندنا ماء نتوضأ به فقام وجاء
إلى موضع من تلك الأرض فرفس برجله فنبعت عين ماء عذب فقال دونكم
وما طلبتم ولولا طلبتكم لجاء جبرئيل (ع) بماء من الجنة قال فتوضأنا به
وصلينا ووقف يصلي (ع) إلى أن انتصف الليل ثم قال خذوا مواضعكم
ستدركون الصلاة مع رسول الله أو بعضها ثم قال يا ريح احملينا فإذا نحن
في الهواء ثم سرنا ما شاء الله فإذا نحن بمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد صلى
165

صلاة الغداة ركعة واحدة فقضينا ما كان قد سبقنا بها رسول الله ثم التفت
إلينا وقال لي يا انس تحدثني أم انا أحدثك بما وقع من المشاهدة التي شاهدتها
أنت قلت بل من فيك أحلى يا رسول الله قال فابتدأنا الحديث من أوله إلى آخره
كأنه كان معنا قال يا انس تشهد لابن عمي بها إذا استشهدك بها قلت نعم
يا رسول الله قال فلما ولى أبو بكر الخلافة... أتى علي (ع)
إلى وكنت حاضرا عند أبي بكر والناس حوله فقال يا انس الست تشهد لي
بفضيلة البساط ويوم الجب فقلت له يا علي قد نسبت لكبري فعندها قال لي
يا انس ان كنت كتمته مداهنة بعد وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لك فرماك
ببياض في وجهك ولظى في جوفك وعمي في عينيك فما قمت من مقامي حتى
برصت وعميت وانا الآن لا أقدر على الصيام في شهر رمضان ولا غيره لان
الزاد لا يبقى في جوفي ولم يزل على ذلك حتى مات بالبصرة.
(وبالاسناد) يرفعه إلى علي بن موسى الرضا يرفعه إلى النسب الطاهر
الزكي إلى سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) قال قال لي أبي قال أخي
رسول الله صلى الله عليه وآله من سره أن يلقي الله تعالى مقبلا عليه غير معرض عنه
فليوال عليا ومن سره أن يلقي الله تعالى وهو عنه راض فليوال ابنه
الحسن (ع) ومن أحب أن يلقي الله تعالى وهو لا خوف عليه فليوال ابنه
الحسين (ع) ومن أحب أن يلقي الله وهو يمحص عنه ذنوبه فليوال على
ابن الحسين (ع) السجاد ومن أحب ان يلقي الله وهو قرير عين فليوال
محمد الباقر عليه السلام ومن أحب ان يلقي الله وهو خفيف الظهر فليوال
جعفر الصادق عليه السلام ومن أحب أن يلقى الله وهو طاهر مطهر فليوال
موسى الكاظم عليه السلام ومن أحب أن يلقى الله وهو ضاحك مستبشر
فليوال علي بن موسى الرضا عليه السلام ومن أحب أن يلقي الله وقد رفعت
درجاته وبدلت سيئاته حسنات فليوال محمد الجواد (ع) ومن أحب أن
يحاسبه الله حسابا يسيرا فليوال على الهادي ومن أحب ان يلقى الله وهو
166

من الفائزين فليوال الحسن العسكري ومن أحب ان يلقي الله وقد كمل
ايمانه وحسن اسلامه فليوال الحجة صاحب الزمان القائم المنتظر المهدى
م ح م د بن الحسن فهؤلاء مصابيح الدجى وأئمة الهدى واعلام التقى فمن
أحبهم وتولاهم كنت ضامنا له على الله الجنة.
(وبالاسناد) يرفعه عنهم (ع) قال أن ثورا قتل حمارا على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وكان في جماعة من
أصحابه منهم أبو بكر وعمر والزبير وسلمان وحذيفة فالتفت النبي صلى الله عليه وآله
إلى أبي بكر وقال يا أبا بكر اقض بينهم قال بأي شئ تحكم بين الدواب ثم
قال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله بهيمة قتلت بهيمة فما عليها شئ قال فالتفت
إلى عمر فقال يا عمر احكم بينهم قال بأي شئ احكم بين الدواب فالتفت إلى
علي (ع) وقال يا أبا الحسن احكم بينهم فقال اجل يا رسول الله إن كان الثور
دخل على الحمار في مستراحه فلا ضمان على صاحب الثور وإن كان الحمار دخل
على الثور في مستراحه فلا ضمان على صاحب الثور فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله يده
إلى السماء وقال الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى رأيتك تقضى بقضاء النبيين.
(وبالاسناد) يرفعه صعصة بن صوحان أنه قال أمطرت المدينة مطرا
شديدا ثم صحت فخرج النبي صلى الله عليه وآله إلى صحرائها ومعه أبو بكر فلما خرجا
وإذا بعلي مقبل فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله قال مرحبا بالحبيب القريب ثم تلا
هذه الآية (وهدوا إلى صراط العزيز الحميد) أنت يا علي منهم ثم رفع رأسه
إلى السماء وأومى بيده إلى الهواء وإذا برمانة تهوى إليه من السماء أشد
بياضا من الثلج واحلى من العسل وأطيب رائحة من المسك فأخذها رسول
الله صلى الله عليه وآله ومصها حتى روى ثم ناولها لعلي عليه السلام ومصها حتى روى
ثم التفت إلى أبي بكر وقال يا أبا بكر لولا أن طعام أهل الجنة لا يأكله الا
نبي أو وصي نبي لأطعمناك فان طعام الجنة لا يأكله أهل النار.
(وبالاسناد) يرفعه إلى أبي الحمراء أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما
167

أسر بي إلى السماء رأيت مكتوبا على قائمة العرش انا الله لا إله أنا فأعبده
وحدي خلقت جنة عدن بيدي محمد صفوتي من خلقي أيدته بعلى ونصرته به.
(وبالاسناد) يرفعه إلى عبد الله بن مسعود وابن عباس انهما قالا سمعنا
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول أعطاني الله عز وجل خمسا وأعطى عليا مثلها
أعطاني جوامع الكلم وأعطاني العلم وجعلني نبيا وجعله وصيا وأعطاني
الكوثر وأعطاه السلسبيل وأعطاني الوحي وأعطاه الالهام وأسري بي إليه
وفتح لعلى (ع) أبواب السماء حتى نظرت إليه قال ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقلنا له فداك أبي وأمي يا رسول الله ما يبكيك قال يا بن عباس أول ما كلمني
به ربي عز وجل قال يا محمد انظر إلى ما تحتك فنظرت وإذا بالحجب قد
اخترقت وأبواب السماء قد فتحت حتى نظرت إلى علي وهو رافع رأسه إلى
السماء فكلمني وكلمته فقال يا رسول الله اخبرني بما قال إني جعلت عليا
وصيك وخليفتك من بعدك فاعلمه بذلك فعند ذلك أمر الله الملائكة فحططت
رأسي إلى علي (ع) وأعلمته بما قال لي ربي فسجد لله عز وجل وقال (ع)
قد قبلت ذلك فعند ذلك أمر الله الملائكة ان تسلم على على ففعلت فرد عليهم
السلام وجعلت الملائكة يتباشرون ثم ما مررت بصف من الملائكة الا وهم
يهنوني ويقولون يا محمد والذي بعثك بالحق نبيا لقد دخل السرور علينا بابن
عمك ورأيت حملة العرش قد نكسوا رؤوسهم فقلت يا جبرئيل مالي أرى
حملة العرش قد نكسوا رؤسهم قال يا محمد لم يبق في السماوات ملك إلا وسلم
على علي (ع) الا حملة العرش فاستأذنت الله عز وجل في المنظر الاعلى
(ع) فأذن لهم لينظروا إلى علي (ع) قال فلما هبطت إلى الأرض
جعلت اعلمه بذلك وهو يخبرني به فعلمت انى ما وطئت موطئا الا قد
كشف له حتى نظر إليه فعند ذلك قال ابن عباس يا رسول الله أحب ان
توصيني بشئ قال يا ابن عباس اعلم أن الله عز وجل لا يتقبل من أحد حسنة
حتى يسأله عن حب علي بن أبي طالب (ع) وهو اعلم بذلك فإن كان من
168

أهل ولايته قبل عمله على ما كان فيه وان لم يكن من أهل ولايته فمن يسأل
عن شئ حتى يؤمر به إلى النار لأشد غضبا على مبغضي على ممن زعم أن لله
ولدا يا بن عباس لو أن الملائكة والأنبياء والمرسلين اجتمعوا على بغضه
لعذبهم الله تعالى في جهنم وما كانوا ليفعلوا قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله
فكيف يبغضونه قال يا بن عباس يأتون قوم يذكرون انهم من أمتي لم
يجعل الله تعالى لهم في الاسلام نصيبا يفضلون غيره عليه فوالذي بعثني بالحق
نبيا ما خلق الله نبيا أكرم على الله منى ولا وصيا على الله من علي (ع)
(قال ابن عباس) فلم أزل له محبا كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله.
(وبالاسناد) يرفعه إلى ابن عباس أنه قال لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله
الوفاة أتيت إليه وسلمت عليه وقلت له ما تأمرني به يا رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال يا ابن عباس خالف من خالف عليا ولا تكن لهم وليا قلت يا رسول
الله لم لا تأمر الناس يترك مخالفته قال فبكى حتى أغمي عليه ثم أفاق وقال
يا بن عباس سبق فيهم علم ربي فوالله لا يخرج أحد من الدنيا وقد خالفه
وأنكر حقة حتى يغير الله خلقه يا بن عباس إذا أردت ان تلقي الله تعالى
وهو عنك راض فاسلك طريقة علي ومل معه حيث مال وارض به إماما
وعاد من عاداه ووال من والاه ولا يداخلك فيه شك فان اليسير من الشك فيه كفر.
(و بالاسناد) يرفعه إلى عائشة انها قالت كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله
فذكر عليا فقال يا عائشة لم يكن قط في الدنيا أحد أحب إلى الله منه
وأحب إلى منه ومن زوجته فاطمة ابنتي ومن ولديه الحسن والحسين
عليهما السلام يا عائشة تعلمين أي شئ رأيت لابنتي فاطمة ولبعلها قالت لا
فأخبرني يا رسول الله قال يا عائشة ان ابنتي سيدة نساء العالمين وان بعلها لا
يقاس بأحد من الناس وان ولديه الحسن والحسين هما ريحانتاي في الدنيا
والآخرة يا عائشة انا وفاطمة والحسن والحسين وابن
عمي علي في غرقة
169

من درة بيضاء أساسها من رحمة الله تعالى وأطرافها من عفو الله تعالى
ورضوانه وهي تحت عرش الله تعالى وبين علي وبين نور الله باب ينظر إلى
الله وينظر الله الية وعلى رأسه تاج قد أضاء نوره ما بين المشرق والمغرب
وهو يرفل في حلتين حمراوين يا عائشة خلقت ذرية محبينا من طينة تحت
العرش وخلقت ذرية مبغضينا من طينة الخبال وهي في جهنم.
(وبالاسناد) يرفعه إلى منقذ بن الأبقع وكان رجلا من خواص
مولانا أمير المؤمنين (ع) قال كنت مع مولانا علي (ع) في النصف من
شعبان وهو يريد ان يمضي إلى موضع له كان يأوى إليه بالليل فمضى وانا
معه حتى أتى الموضع ونزل عن بغلته ومضى لشأنه قال فحمحمت البغلة
ورفعت اذنيها قال فحس مولاي فقال لي ما وراك يا أخا بنى أسد ما دهاها
قال فنظر أمير المؤمنين (ع) إلى البر فقال هو سبع ورب الكعبة فقام من
محرابه متقلدا ذا الفقار وجعل يخطو نحو السبع ثم صاح به فحف ووقف
يضرب بذنبه خواصره قال فعند ذلك استقرت البغلة فقال له يا ليث وأبو
الأشبال وانى قسور وحيدر فما جاء بك أيها الليث ثم قال اللهم أنطق لسانه
فعند ذلك قال السبع يا أمير المؤمنين ويا خير الوصيين ويا وارث علم النبيين
ان لي سبعة أيام ما افترست شيئا وقد أضر بي الجوع وقد رأيتكم من مسافة
فرسخين فدنوت منكم فقلت اذهب وانظر ما هؤلاء القوم ومن هم فإن كان
لي بهم مقدرة أخذت منهم نصيبي فقال عليه السلام مجيبا له يا ليث اني أبو
الأشبال الأحد عشر ثم مد الإمام (ع) إليه يده فقبض بيده صوف قفاه
وجذبه إليه فامتد السبع بين يديه فجعل (ع) يمسح عليه من هامته إلى
كتفيه ويقول يا ليث أنت كلب الله في ارضه فقال له السبع الجوع
يا مولاي فقال الامام اللهم ائتيه برزقه بحق محمد وأهل بيته قال فالتفت وإذا
بالأسد يأكل شيئا على هيئة الحمل حتى اتى على آخره فلما فرغ من أكله
قام بين يديه وقال يا أمير المؤمنين نحن معاشر الوحوش لا نأكل لحم
170

محبيك ومحبى عترتك فنحن أهل بيت نتخذ محبة الهاشميين وعترتهم فقال له
أيها السبع أين تأوى وأين تكون قال يا مولاي اني مسلط على أعدائك
كلاب أهل الشام انا وأهل بيتي وهم فريستنا ونحن نأوي النبل قال فما جاء
بك إلى الكوفة قال يا أمير المؤمنين اتيت الكوفة لأجلك فلم أصادفك فيها
وقطعت الفيافي القفار حتى وفقت بك ولك شوقي وانا منصرف ليلتي هذه
إلى القادسية إلى رجل يقال له سنان بن مالك بن وايل وهو ممن انفلت من
حرب صفين وهو من أهل الشام ثم همهم وولي قال منقذ بن الأبقع الأسدي
فعجبت من ذلك فقال لي علي (ع) أتعجب من هذا فالشمس أعجب من رجوعها
أم العين في نبعها أم الكواكب في انقضاضها أم الجمجمة أم سائر ذلك
فوالذي فلق الحب وبرئ النمسة لو أحببت ان أرى الناس ما علمني رسول الله
صلى الله عليه وآله من الآيات العجائب والمعجزات لكانوا يرجعوا كفارا ثم رجع
إلى مصلاه ووجه بي من ساعتي إلى القادسية فوصلت قبل ان يتم مؤذن
الصلاة فسمعت الناس يقولون افترس سنان السبع فاتيت إليه مع من ينظر
إليه فرأيت لم يترك السبع منه سوى أطراف أصابعه وانبوبي الساق ورأسه
فحملوا عظامه ورأسه إلى أمير المؤمنين (ع) فبقي متعجبا فحدثت بحديث
السبع وما كان منه مع أمير المؤمنين (ع) فجعل الناس يرمون التراب تحت
قدميه فيأخذونه ويتشرفون به قال فلما رأى ذلك قام خطيبا فحمد الله
تعالى وأثنى عليه ثم قال معاشر الناس ما أحبنا رجل ودخل النار وأبغضنا
رجل ودخل الجنة وأنا قسيم الجنة والنار هذا إلى الجنة يمينا وهم من يحبني
وهذا إلى النار شمالا وهم من يبغضني ثم إن يوم القيامة أقول لجهم هذا لي
وهذا لك حتى تجوز شيعتي على الصراط كالبرق الخاطف والرعد العاصف
والطير المسرع والجواد السابق قال فعند ذلك قام الناس بأجمعهم وقالوا الحمد
لله الذي فضلك على كثير من خلقه ثم تلا هذه الآية (الذين قال لهم الناس
ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم
171

الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله
والله ذو فضل عظيم).
(وبالاسناد) يرفعه عن الأصبغ بن نباتة قال كنت جالسا عند أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو يقضي بين الناس إذ أقبل جماعة ومعهم
أسود مشدود الأكتاف فقالوا هذا سارق يا أمير المؤمنين فقال (ع) يا أسود
سرقت قال نعم يا مولاي قال ويلك انظر ماذا تقول أسرقت قال نعم فقال
له ثكلتك أمك ان قلتها ثانية قطعت يدك سرقت قال نعم فعند ذلك قال (ع)
اقطعوا يده فقد وجب عليه القطع قال فقطع يمينه فأخذها بشماله وهي تقطر
فاستقبله رجل يقال له ابن الكواء فقال له يا اسود من قطع يمينك قال له قطع
يميني سيد المؤمنين وقائد الغر المحجلين وأولى الناس باليقين سيد الوصيين
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) امام الهدى وزوج فاطمة الزهراء ابنة
محمد المصطفى أبو الحسن المجتبى وأبو الحسين المرتضى السابق إلى جنات النعيم
مصادم الابطال المنتقم من الجهال زكي الزكاة منيع الصيانة من هاشم القمقام
ابن عم رسول الأنام الهادي إلى الرشاد الناطق بالسداد شجاع كمي جحجاح
وفي فهو أنور بطين انزع امين من حم ويس وطه والميامين محل الحرمين
ومصلى القبلتين خاتم الأوصياء لصفوة الأنبياء القسورة الهمام والبطل
الضرغام المؤيد بجبرائيل والمنصور بميكائيل المبين فرض رب العالمين المطفي
نيران الموقدين وخير من مشى من قريش أجمعين المحفوف بجند من السماء
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على رغم انف الراغمين ومولى الخلق
أجمعين. قال فعند ذلك قال له ابن الكواء ويلك يا أسود قطع يمينك وأنت
تثنى عليه هذا الثناء كله قال وما لي لا اثنى عليه وقد خالط حبه لحمي ودمى
والله ما قطع يميني الا بحق أوجبه الله تعالى على قال ابن الكواء فدخلت
إلى أمير المؤمنين (ع) وقلت له يا سيدي رأيت عجبا فقال وما رأيت قلت
صادفت الأسود وقد قطعت يمينه وقد أخذها بشماله وهي تقطر دما فقلت
172

يا اسود من قطع يمينك فقال سيدي أمير المؤمنين (ع) فأعدت عليه
القول وقلت له ويحك قطع يمينك وأنت تثني عليه هذا الثناء كله فقال مالي
لا اثنى عليه وقد خالط حبه لحمي ودمي والله ما قطعها إلا بحق أوجبه الله
تعالى فالتفت أمير المؤمنين (ع) إلى ولده الحسن وقال له قم وهات عمك
الأسود قال فخرج الحسن (ع) في طلبه فوجده في موضع يقال له
كندة فأتى به إلى أمير المؤمنين فقال يا أسود قطعت يمينك وأن تثني علي
فقال يا مولاي يا أمير المؤمنين ومالي أثني عليك وقد خالط حبك لحمي ودمي
فوالله ما قطعتها إلا بحق كان علي مما ينجي من عذاب الآخرة فقال (ع)
هات يدك فناوله إياها فأخذها ووضعها في الموضع الذي قطعت منه ثم غطاها
بردائه وقام فصلى (ع) ودعا بدعوات لم تردد وسمعناه يقول في آخر دعائه
آمين ثم شال الرداء وقال اتصلي أيتها العروق كما كنت قال فقام الأسود
وهو يقول آمنت بالله وبمحمد رسوله وبعلي الذي رد اليد بعد القطع وتخليتها
من الزند ثم انكب على قدميه وقال بأبي أنت وأمي يا وارث علم النبوة.
(وبالاسناد) يرفعه عن جعفر بن محمد الصادق (ع) قال مر بامرأة
بمنى تبكى وحولها صبيان يبكون فقال لها يا أمة الله ما يبكيك قالت يا عبد الله
ان لي صبية أيتام وكانت لي بقرة ماتت وقد كانت لنا كالأم الشفيقة نعمل
عليها ونأكل منها وقد بقيت بعدها مقطوعا بي وبأولادي لا حيلة لنا عليها
فقال يا أمة الله أتحبين ان أحييها فألهمها الله تعالى قالت نعم يا عبد الله قال
فتنحى عنها وصلى ركعتين ثم رفع يده هنيئة وحرك شفتيه ثم قام فمر بالبقرة
فنخسها نخسة برجله وقال لها قومي بإذن الله تعالى فاستوت قائمة بإذن الله
تعالى على الأرض فلما نظرت الامرأة إلى البقرة قامت وصاحت وا عجباه من
تكون يا عبد الله قال فجاء الناس فاختلط بينهم ومضى (ع).
(وبالاسناد) يرفعه إلى أبى وايل قال مشيت خلف عمر بن الخطاب
فبينا ان أمشي إذ أسرع في مشيه فقلت له على مشيتك يا أبا حفص فالتفت
173

إلى مغضبا وقال أو ما ترى الرجل خلفي ثكلتك أمك اما ترى علي بن أبي طالب
، فقال يا أبا حفص هذا أخو الرسول وأول من آمن وصدق
به وشقيقه قال لا تقل هذا يا أبا وايل لا أم لك فوالله لا يخرج رعبه من
قلبي ابدا قلت ولم ذلك يا أبا حفص قال والله لقد رأيته يوم أحد يدخل
بنفسه في جمع المشركين كما يدخل الأسد بنفسه في زرية الغنم فيقتل منها
ويخلى ما يشاء فما زال ذلك دأبه حتى افضى إلينا ونحن منهزمون عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وهو ثابت فلما وصل إلينا قال لنا ويلكم أترغبون بأنفسكم عن
رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن بايعتموه فقلت له من بين القوم يا أبا الحسن أن
الشجاع قد ينهزم وان الكرة تمحو الفرة فما زلت أخدعه حتى انصرف
بوجهه عني يا أبا وابل والله لا يخرج رعبه من ابدا.
(وبالاسناد) يرفعه إلى الثقاة الذين كتبوا الاخبار انهم وضح لهم
فيما وجدوا وبان لهم من أسماء أمير المؤمنين (ع) ثلاثمائة اسم في القرآن منها
ما رواه بالاسناد الصحيح عن ابن مسعود قوله تعالى وانه في أم الكتاب
لدينا لعلي حكيم وقوله تعالى وجعلنا لهم لسان صدق عليا وقوله تعالى
واجعل لي لسان صدق في الآخرين وقوله تعالى ان علينا جمعه وقرآنه فإذا
قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه وقوله تعالى إنما أنت منذ ولكم قوم
هاد فالمنذر رسول الله صلى الله عليه وآله والهادي علي بن أبي طالب (ع) وقوله
تعالى (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد فالبينة محمد والشاهد علي
(ع) وقوله تعالى أن علينا للهدى وان علينا للآخرة والأولى) وقوله
تعالى (أن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه
وسلموا تسليما) وقوله تعالى ان تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب
الله وان كنت لمن الساخرين جنب الله علي بن أبي طالب (ع) وقوله
تعالى وكل شئ أحصيناه في امام مبين معناه علي (ع) وقوله تعالى انك
لمن المرسلين على صراط مستقيم وقوله تعالى ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم معناه
174

عن حب علي بن أبي طالب وقد ذكروا أسماء كثيرة لا نطيل بذكرها هنا
وهي أشهر من أن تخفى وأكثر من ثلاثمائة اسم وما بينها ههنا ولكن نذكر
ألقابه وكناه، كنيته: أبو الحسن وأبو الحسين وأبو شبر وأبو تراب وأبو
النورين وألقابه أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين وقامع
المارقين وصالح المؤمنين والصديق الأعظم والفاروق الأكبر وقسيم الجنة
والنار والوصي وأولى الخليقة وقاضي الدين ومنجز الوعد والمنحة الكبرى
وحيدرة الورى وصاحب اللواء والذائد عن الحوض وأمير الإنس والجان
والذاب عن النسوان الأنزع البطين والأشرف المكين وكاشف الكرب
ويعسوب الدين وباب حطة وباب التقادم وحجة الخصام ودابة الأرض
وصاحب العصا وفاضل القضا وفاضل الفضلا وسفينة النجاة، المنهج الواضح
والمحجة البيضاء وقصد السبيل.
وقد روى عن النبي أنه قال لعلي سبعة عشر اسما فقال ابن عباس أخبرنا
ما هي يا رسول الله؟ فقال: اسمه عند العرب علي، وعند أمه حيدرة، وفي
التوراة إليا، وفي الإنجيل بريا، وفي الزبور قريا، وعند الروم بظرسيا
وعند الفرس نيروز، وعند العجم شميا، وعند الديلم فريقيا، وعند الكرور
شيعيا، وعند الزبح حيم، وعند الحبشة تبير، وعند الترك حميرا، وعند
الأرمن كركر، وعند المؤمنين السحاب، وعند الكافرين الموت الأحمر،
وعند المسلمين وعد، وعند المنافقين وعيد، وعندي طاهر مطهر، وهو
جنب الله ونفس الله ويمين الله عز وجل قوله ويحذركم الله نفسه، وقوله
بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء.
الكتاب الفضائل التأريخ بهمن 1363
المؤلف شاذان بن جبريل الطبعة الثانية
الناشر منشورات الرضى المطبعة مطبعة أمير - قم
القطع وزيري عدد المطبوع 2000
175