الكتاب: مسألتان في النص على علي (ع)
المؤلف: الشيخ المفيد
الجزء: ١
الوفاة: ٤١٣
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: الشيخ مهدي نجف
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٤ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: طبعت بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد

مسألة في
النص على علي عليه السلام
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله، العكبري، البغدادي
(336 - 413 ه‍)
تحقيق
الشيخ مهدي نجف
1

بسم الله الرحمن الرحيم
احتلت البحوث المرتبطة بالإمامة والخلافة مجالا واسعا من تراث الشيخ
المفيد باعتبارها الفارق المهم بين أكبر طائفتين من طوائف الاسلام منذ صدر
التاريخ الاسلامي.
وباعتبار أن من الواجب على علماء الأمة السعي في إزاحة الفوارق
بتحديد الملتزمات الحقة والبت فيما يجب على الأمة اعتقاده توصلا إلى ما
يجب متابعته ونصره في سبيل توحيد صفوف الأمة ورصها وبناء البنيان
المرصوص عليها.
ومن المسائل المثارة في هذا المجال - بعد إثبات إمامة الإمام علي
أمير المؤمنين عليه السلام - هو: لماذا قعد الإمام عن مطالبة حقه في الإمامة و
الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟!
ولماذا سكت عن من تقدم عليا من الخلفاء؟!
ولماذا لم يظهر معارضته لهم، بل خالطهم مخالطة سلمية، مما يوحي، أو
استوحى منه كثير من الناس، أنه موافق لهم؟!
3

كأخذه العطاء منهم، والاشتراك في صلواتهم جماعة، والحضور في
مجالسهم، وغير ذلك مما يدل على عدم المقاطعة وعلى الرضا عنهم وعن
تصرفاتهم أو حتى نكاح سبي حروبهم!
وقد تصدى الشيخ المفيد في هذه الرسالة لهذه الأسئلة والشبه، بأسلوبه
الرصين الهادئ، والواضح، عارضا لما تقوله الشيعة بهذا الصدد من الأجوبة عن
كل واحد من تلك الأسئلة المثارة والظريف أنه أجاب عن مسألة نكاح الإمام
عليه السلام سبي الخلفاء، من طريقين:
1 - طريق الممانعة:
أي يدفع دعوى السائل أن الإمام عليه السلام نكح السبي على أساس ملك
اليمين، بل يمكن دعوى أنه عليه السلام نكح السبي على أساس عقد الزواج.
فلا طريق للسائل إلى إثبات دعواه تلك!
2 - طريق المتابعة:
أي مع الموافقة على فرض السائل أنه عليه السلام نكح السبي على أساس
ملك اليمين، والإجابة عن ذلك.
وهذا يعطي أن الشيخ المفيد كان يتوخى منتهى النصفة مع الخصوم ولا
يكتفي برد الدعاوي وإنكارها، بل يتنزل معهم ويحاول أن يجيبهم على
مبانيهم وملتزماتهم أيضا.
والظاهر أن مثل هذه الأسئلة كانت مثارة في زمن الشيخ المفيد وعصره،
فقد أثار أبو هاشم - من المعتزلة - سؤالا بعنوان:
كيف رضي أمير المؤمنين عليه السلام أن يكون في الشورى العمرية مع ما
تردد فيه من القول حالا بعد حال؟
4

نقله القاضي عبد الجبار في المغني (ج 20 ق 1 ص 122)
وقد أجاب السيد المرتضى عن ذلك في الشافي بقوله: ذكر أصحابنا فيه
وجوها:
أحدها: أنه عليه السلام إنما دخلها ليتمكن من إيراد النصوص عليه و
الاحتجاج بفضائله وسوابقه وما يدل على أنه أحق بالأمر وأولى. ومنها: أنه
عليه السلام جوز أن يسلم القوم الأمر له، ويذعنوا لما يورده من الحجج عليهم
بحقه، فجعل الدخول في الشورى توصلا إلى حقه، وسببا إلى التمكن من
الأمر والقيام فيه بحدود الله، وللانسان أن يتوصل إلى حقه ويتسبب إليه
بكل أمر لا يكون قبيحا.
ومنها: أن السبب في دخوله عليه السلام كان التقية والاستصلاح،...،
فحمله على الدخول ما حمله في الابتداء على إظهار الرضا والتسليم.
لاحظ الشافي في الإمامة (2 / 155) وتلخيص الشافي (2 / 150 - 154)
وقد اختار الشيخ الطوسي الوجه الثاني من الوجوه التي ذكرها المرتضى فذكره
بشئ من التفصيل - في جواب الاعتراض على قبول الإمام على الرضا عليه
السلام لولاية العهد من قبل المأمون العباسي - فقال ما نصه:
كل ما مضى من الكلام في أسباب دخول أمير المؤمنين عليه السلام في
الشورى، فهو بعينه سبب في هذا الموضوع، وجملته: أن صاحب الحق له أن
يتوصل إليه من كل جهة وسبب لا سيما إذا كان يتعلق بذلك الحق تكليف
عليه، فإنه يصير واجبا عليه التوصل والتصرف في الإمامة.
لاحظ تلخيص الشافي (4 / 206).
ورسالة الشيخ المفيد هذه على صغر حجمها جامعة للأجوبة على كل
5

تلك الأسئلة المثارة، بأوضح وجه.
على أن الظاهر من نسختها المتوفرة: أن كاتبها لم ينقل جميع ما أملاه
الشيخ رحمه الله، بل اختصرها.
والحمد لله على توفيقه.
وكتب
السيد محمد رضا الحسيني
الجلالي
6

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ولي كل نعمة.
سأل سائل فقال: إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله عندكم قد
نص على أمير المؤمنين سلام الله عليه، واستخلفه على أمته، فلم قعد (1)
عن حق له، وقد عول النبي صلى الله عليه وآله عليه فيه؟.
فإن قلتم: فعل ذلك باختياره. نسبتموه إلى التضييع لأمر الله وأمر
رسوله.
وإن قلتم: فعل ذلك مضطرا. نسبتموه إلى الجبن والضعف، وقد
علم الناس منه خلاف ذلك، لأنه صاحب المواقف المشهورة، والفروسية
المذكورة.
وبعد ذلك، فلم أخذ عطاياهم (2)، ونكح سبيهم، وصلى

(1) في ب " بعد ".
(2) في ب " عطائهم ".
13

خلفهم، وحكم في مجالسهم؟! وكل ذلك يدل على فساد ما ذهبتم إليه في
النص.
الجواب: قيل له: أما أخذه العطايا، إنما أخذ بعض حقه.
وأما الصلاة خلفهم، فهو الإمام، من تقدم بين يديه فصلاته
فاسدة، على أن كلا مؤد فريضة.
وأما نكاحه من سبيهم، ففيه جوابان:
أحدهما: على طريق الممانعة.
والآخر: على طرية المتابعة.
فأما الذي على طريق الممانعة، فإن الشيعة تروي أن الحنفية (1)
تزوجها من خالها القاسم بن مسلم الحنفي، واستدلوا على ذلك، بأن عمر
ابن الخطاب لما رد من كان أبو بكر سباه، لم يرد الحنفية، ولو كانت من
السبي لردها.
وأما الذي على طريق المتابعة: فهو إنا إذا سلمنا لكم أنه نكح من
سبيهم، لم يكن لكم فيه ما أردتم، لأن الذين سباهم أبو بكر كانوا قادحين
في نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن قدح في نبوته كفر، ونكاحهم
حلال لكل أحد، ولو سباهم يزيد. وإنما كان يسوغ لكم ما ذكرتموه لو
كان الذي سباهم قادحين في إمامته، فنكح أمير المؤمنين سلام الله عليه
من سبيهم، لكن الأمر خلاف ذلك.
وأما حكمه (2) في مجالسهم، فإنه لو قدر ألا يدعهم يحكمون حكما

(1) هي خوا بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن
حنفية بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. أم محمد المعروف ب‍ " محمد بن
الحنفية ".
(2) في ب " حكمهم ".
14

واحدا لفعل، إذ الحكم له وإليه دونهم. وبالله التوفيق.
قال من كتب بخطه هذه المسألة: اختصرها كاتبها، وليست
مستوفاة حسب ما أملاها رضي الله عنه، وصلى الله على سيدنا محمد
النبي وآله أجمعين الطيبين الطاهرين.
15