الكتاب: التحصين
المؤلف: ابن فهد الحلي
الجزء:
الوفاة: ٨٤١
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: مدرسة الإمام المهدي (ع)
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٦
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الإمام المهدي (ع) - قم المقدسة
ردمك:
ملاحظات: وقوبل الكتاب مع النسختين المطبوعتين والمخطوطة والبحار وهو من مصادر كتاب مستدرك وسائل الشيعة ومكارم الأخلاق

التحصين
في صفات العارفين من العزلة والخمول
بالأسانيد المتلقاة من آل الرسول
صلوات الله عليهم أجمعين
تأليف
الشيخ الفقيه جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد
الحلي " ره "
757 - 841
" تحقيق مدرسة الإمام المهدي (ع) "
إيران - قم المقدسة
1

الكتاب: التحصين في صفات العارفين من العزلة والخمول بالأسانيد المتلقاة
عن آل الرسول (له نسخة عند العلامة الأستاذ اللاجوردي القمي،
ونسخة في طهران، ونسخة عتيقة في استراباد) [في تعليقة رياض
العلماء ج 1، ص 64]
وقوبل الكتاب: مع النسختين المطبوعتين والمخطوطة والبحار
وهو من مصادر كتاب مستدرك وسائل الشيعة ومكارم الأخلاق
المؤلف: الشيخ الفقيه جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد الحلي الأسدي
له مؤلفات منها: المهذب البارع في شرح مختصر النافع، عدة الداعي
ونجاح الساعي، وفيه ترجمة المؤلف فراجع.
المدفون: بكربلاء المقدسة، جنب المخيم المكرم، قرب حرم سيد الشهداء
من الأولين والآخرين أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)
ومزاره: اليوم في مدرسة علمية باسم " ابن فهد الحلي "
تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام)
تاريخ الطبع: الطبعة الثانية 1406 ه‍ ق
العدد: 1000 مطبعة أمير - قم
حقوق الطبع: محفوظة لمدرسة الإمام المهدي (عليه السلام)
السيد محمد باقر الموحد الأبطحي
" الأصفهاني "
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تجلى لعباده فشغلهم الشهوات واظهر لهم فيض نوره
فهداهم به من الغفلات ولعقهم من شراب حبه فسكروا في غيه وتاهوا في
الفلوات ووثقوا به فأغناهم وتوكلوا عليه فكفاهم وصرف عنهم المحذورات
وغسل ظواهرهم من دناسات الدنيا وجلى بواطنهم باسرار المكاشفات
والصلاة على أشرف المخلوقات الجامع لأشتات الكمالات محمد وآله
الهداة وعترته السادات
وبعد فهذا مضمونه العزلة والخمول بالأسانيد المتلقاة عن آل الرسول
عليهم الصلاة والسلام وسميته:
" كتاب التحصين في صفات العارفين "
ومداره على ثلاثة أقطاب
3

* (القطب الأول في تصورها) *
فنقول العزلة الانقطاع إلى الله تعالى في كهف جبل أو ظل مسجد
أو زاوية بيت
وقد يقال العزلة هي الفرار من والوحشة عن الخلق والاستيناس بالحق
وهو أعم الأول ولا يتهيأ ذلك إلا لمن قويت نفسه على هجر فضول الدنيا
ومشتهياتها وكانت نفسه وهواه وراء عقله كما هو معلوم من أوصاف العارفين
قال بعضهم لبعض الأمجاد وقد قال له سلني حاجتك
فقال: أ و لي تقول هذا؟ ولي عبدان هما سيداك
قال: ومن هما؟ قال: الحرص والهوى فقد غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك
وقيل لذي النون المصري: متى يصح عزله الخلق؟
قال إذا قويت على عزله نفسك
قال فمتى يصح طلب الزهد؟
قال إذا كنت زاهدا في نفسك هاربا جميع ما يشغلك عن الله
أقول ولما كانت العزلة الفرار من الخلق والاقبال على الحق فما
لم يفرغ القلب شهوات الدنيا ويقطع علائق التعلقات بها لم يقبل الله
لشدة ما به من الكدورات والحجب عن الوصول بل سلب لذه المناجاة والعبادة
ولهذا ترى الصباغ يبالغ تنقيه الثوب من الوسخ وقلع الأثر الحاصل
عليه الدسم وغيره قبل صبغه ليصير قابلا لاشراق أنوار الصبغ عليه
فالتحلي بالفضائل مسبوق بالتخلي عن الرذائل
4

وكذا الطبيب يبدأ بالاسهال لاخراج العفونات وإزالة الاخلاط المضرة ثم
يبادر بعده بما يكون موجبا لصلاح البدن وقوه الأعضاء فما لم يخل البدن من
العفونات لا ينفعه اصلاح الغذاء وما لم ينق الثوب من الوسخ والدسم لا يشرق
عليه نور الصبغ
وكذلك القلب ما لم ينق من الحرص وسوره الغضب وتقاضي الشهوة
لم يكن محلا لاشراق الأنوار الإلهية بل لم يصلح لخدمه الربوبية
1 - فقد روي فيما أوحى الله تعالى إلى موسى (ع) اقبل صلاه من
تواضع لعظمتي ولم يتعظم على خلقي وقطع نهاره بذكرى والزم نفسه خوفي
وكف نفسه الشهوات من اجلى
بل لا يجد الانسان مع هذه الرذائل نفسه اقبالا على الحق فضلا عن اقبال
الحق عليه بل ينفر وظائف الخدمة ويستنكرها بل ربما يسمع قارئا أو داعيا
فاستوخمه وأحب سكوته كما يستوخم العين الرمدة ضوء الشمس والفم السقيم
طعم الماء العذب
2 - قال عيسى (ع) بحق أقول لكم كما نظر المريض إلى الطعام فلا يلتذ
به من شده الوجع كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع
ما يجد من حلاوة
بحق أقول لكم كما أن الدابة إذا لم تركب وتمتهن تصعبت وتغير
خلقها كذلك القلوب إذا لم ترقق بذكر الموت وبنصب العبادة تقسو وتغلظ
5

وبحق أقول لكم ان الزق إذا لم ينخرق يوشك يكون وعاء العسل
كذلك القلوب ما لم تخرقها الشهوات أو يدنسها الطمع أو يقسيها النعيم فسوف
تكون أوعية الحكمة
3 - وروى فيما أوحى الله تعالى إلى داود يا داود حذر وأنذر أصحابك
من كل الشهوات فإن القلوب المتعلقة بشهوات الدنيا عقولها محجوبة عنى
4 - وفي الحديث من اكل طعاما للشهوة حرم على قلبه الحكمة
ويحتاج صاحبها إلى ثلاثة أشياء
الأول قطع الطمع عن الخلق
الثاني ان ييأس من شئ ويأنس بالله سبحانه كما سيجئ في صفاتهم
حتى قال قائلهم
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى * وصوت انسان فكدت أطير
الثالث الهيبة بحيث لا يجرأ الراغب في الدنيا ان يذكر بين يديه شيئا منها
فربما ثارت نفسه وانبعثت ارادته وانتعشت شهواته فيحتاج قسرها وتأديبها
ومجاهدتها وفي ذلك شغل شاغل له.
5 - ولقد كان رسول الله (ص) حين يدخل إحدى زوجاته فيجد على بابها
الستر وفيه التصاوير فيقول غيبيه عنى فانى إذا نظرت إليه ذكرت وزخارفها
6

* (القطب الثاني في الاذن فيها) *
والاخبار في ذلك لا تحصى كثره فلنذكر ما يحضرنا
6 - الأول أبو عبد الله عن ابن أبي عمير عن بن عبد الحميد
عن الوليد بن صبيح قال سمعت عبد الله (ع) يقول لولا الموضع الذي وضعني
الله فيه لسرني ان أكون على رأس جبل لا اعرف الناس ولا يعرفوني حتى يأتيني الموت
7 - الثاني ابن بكير عن فضيل بن يسار عن عبد الواحد بن المختار
الأنصاري قال قال لي أبو جعفر (ع) يا الواحد ما يضرك أو ما يضر رجلا إذا
كان على الحق ما قال له الناس ولو قالوا مجنون وما يضره وكان على
رأس جبل يعبد الله حتى يجيئه الموت
8 - الثالث روى فضيل بن يسار عن أبي عبد (ع) قال ما يضر المؤمن
أن يكون متفردا عن ولو على قله جبل فأعادها ثلاث مرات
9 - الرابع عنه عن أبي جعفر (ع) ما يضر من عرفه الله الحق أن يكون
7

على قله جبل يأكل من نبات الأرض حتى يجيئه الموت
10 - الخامس روى ابن فضال عن رفاعة بن عن عبد الله بن أبي
يعفور قال سمعت أبا الله (ع) يقول ما يضر من كان على هذا الامر ان لا يكون له
ما يستظل به إلا الشجر ولا يأكل من ورقه
11 - السادس روى ابن عباس عن (ص) أنه قال ا لا أخبركم بخير
الناس منزله؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله حتى يموت يقتل
ألا أخبركم بالذي يليه؟ قالوا بلى يا الله قال رجل في جبل يقيم
الصلاة ويؤتى الزكاة ويعتزل شرار الناس
ألا أخبركم بشر الناس منزله الذي يسال بالله فلا يعطى به
12 - السابع بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي الله (ع)
قال طوبى لعبد نومه عرف الناس فصاحبهم ببدنه ولم يصاحبهم في أعمالهم
بقلبه فعرفوه في الظاهر وعرفهم في الباطن
8

13 - الثامن أبو عبد الله عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر
وإسحاق بن جرير عن عبد الحميد أبي الديلم قال قال لي أبو عبد الله
لا عليك ان لا يعرفك الناس ثلاثا
يا عبد الحميد ان لله رسلا مشتغلين ورسلا مستخفين فإذا سألته بحق
المشتغلين فاسأله بحق المستخفين
14 - التاسع أبو عبد عن بكر بن محمد الأزدي عن أبي عبد الله
قال قال الله تبارك وتعالى ان من أغبط أوليائي عبدا مؤمنا ذا حظ من صلاه
أحسن عباده ربه بالغيب والله في السريرة وكان غامضا في الناس ولم
يشر بالأصابع وكان رزقه كفافا فصبر عليه فعجلت به المنية فقل تراثه
وقلت بواكيه
9

15 - العاشر أبو عبد الله عن النضر بن سويد عاصم بن حميد عن
محمد بن مسلم عن أبي (ع) قال قال رسول الله (ص) قال الله تبارك
ان أغبط أوليائي عندي رجل خفيف ذو حظ من صلاه أحسن عباده ربه الغيب
وكان غامضا في الناس جعل رزقه كفافا فصبر حتى مات فقل تراثه وقلت
بواكيه
16 - الحادي عشر عكرمة عن عبد الله بن عمرو قال بينا نحن
حول رسول الله (ص) إذ ذكر الفتنة أو ذكرت عنده الفتنة فقال إذا رأيت
الناس مرجت عهودهم وحقرت أمانتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه
قال فقمت إليه فقلت كيف افعل عند ذلك جعلني الله فداك؟
قال: الزم بيتك وامسك عليك لسانك وخذ ما تعرف وذر ما تنكر
وعليك بأمر خاصه نفسك وذر عنك العامة
17 - الثاني عشر عن النبي (ص) أحب إلى منزله رجل يؤمن بالله
ورسوله ويقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعمر ماله ويحفظ دينه ويعتزل
10

18 - الثالث عشر روى أبو يوسف يعقوب بن يزيد جعفر بن الزبير
عمن ذكره عن أبي عبد الله قال إن مما يحتج الله تبارك وتعالى به عبده
يوم القيامة ان يقول ا لم اخمل ذكرك
19 - الرابع عشر روى عن الصادق (ع) أنه قال لحفص بن غياث في
وصيه له مطوله يا حفص كن ذنبا ولا تكن رأسا
20 - الخامس عشر عنه (ع) للمعلى بن خنيس في كلام له من جملته
يا معلى ان الله يحب ان يعبد في السر كما يحب ان يعبد في العلانية
21 - السادس عشر عن أبي عبد الله (ع) قال له المعروف الكرخي
أوصني يا بن رسول قال (ع) أقلل معارفك
قال زدني قال أنكر من عرفت منهم
قال زدني قال حسبك
22 - السابع عشر عن (ص) كفى بالرجل ان يشار إليه بالأصابع في دين دنيا
11

* (القطب الثالث في فوائدها وهي أمور) *
الأول انها من حقائق الايمان
23 - روى عن النبي (ص) أنه قال لا يستكمل العبد حقيقة الايمان
يكون ان لا يعرف أحب إليه من أن يعرف و يكون قله الشئ أحب إليه
من كثرته
الثاني السلامة الرياء فقد قيل من استوحش من الوحدة واستأنس
بالناس لم يسلم من الرياء
24 - روى أبو عبد الله وفضال عن علي بن النعمان عن يزيد بن
خليفة قال أبو عبد الله (ع) ما يضر أحدكم ان على قله جبل حتى ينتهى
إليه اجله ا تريدون تراؤون الناس ان من يعمل للناس كان ثوابه على
ومن عمل لله كان ثوابه على الله ان كل رياء شرك
الثالث السلامة من الخلق وحفظ الدين بالهرب
12

25 - روى عن ابن مسعود قال قال رسول (ص) ليأتين على الناس
زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من يفر من شاهق إلى شاهق ومن حجر إلى حجر
كالثعلب باشباله قالوا ومتى ذلك الزمان
قال إذا لم ينل المعيشة بمعاصي الله فعند ذلك حلت العزوبة
قالوا يا الله امرتنا بالتزويج قال بلى ولكن إذا ذلك الزمان
فهلاك الرجل على يدي أبويه فإن يكن له أبوان فعلى يدي زوجته وولده فإن
لم يكن زوجه ولا ولد فعلى يدي قرابته وجيرانه
قالوا وكيف يا رسول الله قال يعيرونه لضيق المعيشة ويكلفونه
ما لا يطيق حتى يوردونه موارد الهلكة
الرابع انها توقر العرض وتستر الفاقة وترفع ثقل المكافاة
مر أويس القرني براهب فقال يا راهب لم تخليت الدنيا ولزمت
الوحدة؟ فقال يا فتى لو ذقت حلاوة الوحدة لأنست من نفسك
يا فتى الوحدة رأس العبادة ما أنستها الفكرة
فقال يا راهب ما أقل ما يجد العبد في الوحدة؟
قال الراحة من مداراة الناس والسلامة من شرهم
وقال بعضهم جربت الناس منذ خمسين سنه فما وجدت أخا ستر لي
عوره ولا غفر لي ذنبا فيما بيني وبينه ولا واصلني إذا قاطعته ولا أمنته إذا غضب
فاشتغال بهؤلاء حمق كثير
الخامس السلامة من آثام الخلق والوقوع فيهم والخلاص من تبعاتهم
ولهذا قيل إذا كانت الفضيلة الجماعة فإن السلامة في العزلة
قيل لراهب في صومعته لا تنزل فقال من مشى على وجه الأرض عثر
13

وقيل لراهب من رهبان الصين يا راهب قال لست براهب إنما الراهب
من رهب الله في سمائه وحمده نعمائه وصبر على بلائه ولا يزال فارا إلى
ربه مستغفرا لذنبه وإنما انا كلب عقور حبست نفسي في هذه الصومعة لئلا
أعقر الناس
السادس انها أقرب إلى السلامة ودليل قوه العقل
26 - قال الصادق (ع) عزت السلامة لقد خفى مطلبها
فإن تكن في شئ فيوشك أن تكون الخمول
فإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون الصمت
فإن طلبت في الصمت فلم توجد فيوشك أن تكون التخلي
فإن طلبت في التخلي ولم توجد فيوشك تكون في كلام السلف الصالح
والسعيد من وجد في نفسه خلوه يشتغل بها
وذكره في كشف الغمة عن سفيان الثوري
27 - وعنهم (ع) الصبر على الوحدة دليل قوه العقل
السابع انها ترفه العمر وتحرسه عن الضياع وتقصره مصالح
الآخرة ورضى الرب من النظر والفكر والاعتبار والذكر
قيل لراهب ما أصبرك على الوحدة؟
قال أنا جليس ربى إذا شئت ان يناجيني قرأت كتبه وإذا شئت أناجيه
صليت
وقال بعضهم اتيت منقطعا فكأني رايته ينقبض فقلت له كأنك تكره ان
14

تؤتى قال اجل قلت فما تستوحش قال وكيف استوحش ويقول انا
جليس من ذكرني
وقال بعضهم مررت بصديق وهو خلف ساريه وحده فجئت فسلمت
وجلست ما أجلسك إلى قلت رأيتك وحدك فاغتنمت وحدتك
فقال أما انك لو لم تجلس إلى لكان خيرا لي وخيرا لك فاختر أما
ان أقوم عنك فهو والله خير ولي وأما ان تقوم عنى فقلت بل أقوم عنك
فأوصني بوصيه ينفعني الله بها
فقال يا عبد الله أخف مكانك واحفظ لسانك واستغفر الله لذنبك وللمؤمنين
والمؤمنات كما امرك
وكتب حكيم إلى أخ له يا أخي إياك والاخوان الذين يكرمونك بالزيارة
ليغصبوك يومك فإذا ذهب يومك خسرت الدنيا والآخرة
وخرج قوم إلى السفر فجازوا الطريق فانتهوا إلى صومعة راهب فقالوا
يا راهب أين الطريق فأومى برأسه إلى السماء فعلم القوم ما أراد
فقالوا راهب انا سائلوك فهل أنت مجيبنا فقال اسالوا وتكثروا
فإن النهار لا يرجع والعمر لا يعود والطالب حثيث فقالوا على ما ذا
الخلق غدا عند مليكهم؟ فقال على نياتهم فعجب القوم كلامه
ثم قالوا أوصنا
فقال تزودوا على قدر سفركم فإن خير الزاد ما بلغ البغية ثم ارشدهم
الطريق وادخل رأسه في صومعته
وقيل لراهب رؤى عليه مدرعه شعر سوداء ما الذي حملك على لبس السواد
فقال هو لباس المحزونين وانا أكبرهم فقيل له ومن أي شئ أنت
15

محزون قال لأني أصبت في نفسي وذلك انى قتلتها معركه الذنوب فانا حزين
عليها ثم أسيل دمعه
فقيل ما الذي أبكاك الان قال ذكرت يوما مضى من اجلي يحسن
فيه عملي فبكائي لقلة الزاد وبعد المفازة وعقبه لا بد لي من صعودها ثم
لا ادرى أين مهبطها الجنة أم إلى النار ثم أنشد يقول
يا باكيا يطوى المسافة عمره * بالله هل تدرى مكان نزولكا
شمر وقم من قبل حطك في الثرى * في حفره تبلى لطول حلولكا
28 - وقال أمير المؤمنين (ع) في كلام طويل في ذم الدنيا إنما الدنيا
ثلاثة أيام مضى بما فيه فليس بعائد ويوم أنت فيه يحق اغتنامه ويوم
لا تدرى من أهله ولعلك راحل فيه
فاما أمس فحكيم مؤدب وأما اليوم فصديق مودع وغدا فإنما في يديك
منه الامل فإن يكن أمس سبقك بنفسه فقد أبقى في يديك حكمته وان يكن يومك
هذا آنسك بقدومه فقد كان طويل الغيبة عنك وهو سريع الرحلة عنك فتزود
منه وأحسن وداعه خذ بالثقة في العمل وإياك والاغترار بالأمل ولا تدخل عليك
اليوم هم غد يكفي اليوم همه وغدا إذا حل لتشغله انك ان حملت على اليوم
هم غد زدت في حزنك وتعبك وتكلفت ان تجمع يومك ما يكفيك أياما
فعظم الحزن وزاد الشغل واشتد التعب وضعف العمل للأمل ولو خليت
قلبك من الامل تجد ذلك العمل والأمل منك في اليوم قد ضرك وجهين سوفت
به في العمل وزدت به في الهم والحزن
أ و لا ترى ان الدنيا ساعة بين ساعتين ساعة مضت وساعة بقيت وساعة
أنت فيها فاما الماضية والباقية فلست تجد لرخائهما لذه ولا لشدتهما الما فأنزل
الساعة الماضية والساعة التي أنت فيها منزله الضيفين نزلا بك فظعن الراحل عنك
16

بذمه إياك وحل النازل بك بالتجربة لك فاحسانك الثاوي يمحو اساءتك إلى
الماضي فأدرك ما أضعت باغتنامك استقبلت واحذر ان تجمع عليك
شهادتهما فيوبقاك
ولو أن مقبورا من الأموات قيل له هذه الدنيا أولها آخرها تجعلها
لولدك الذين لم يكن لك هم غيرهم أو يوم نرده إليك فتعمل فيه لنفسك لاختار يوما
يستعتب فيه من سئ ما اسلف على جميع الدنيا يورثها لولده ومن خلفه فما يمنعك
أيها المفرط المسوف ان تعمل على مهل قبل حلول الأجل وما يجعل المقبور أشد
تعظيما لما في يديك منك ا لا تسعى في تحرير رقبتك وفكاك رقك ووقاء نفسك
الثامن انها عباده بانفرادها
29 - روى أبو بصير قال سمعت عبد الله (ع) يقول العزلة عباده ان
أقل العتب الرجل قعوده في منزله
30 - ومر عيسى (ع) رجل نائم فقال له قم فقال الرجل قد تركت
الدنيا لأهلها فقال له نم مكانك اذن
وقيل لحكيم الدنيا لمن؟ قال لمن تركها
فقيل له الآخرة لمن؟ قال لمن طلبها
وقال حكيم الدنيا دار خراب واخرب منها قلب يعمرها
وقيل لعابد خذ حظك من الدنيا فإنك عنها قال الان وجب ان
لا آخذ حظى منها
17

التاسع انها عافيه
31 - علي بن أسباط عن بعض رجاله رفعه قال أمير قوله المؤمنين (ع)
يأتي على الناس زمان يكون العافية فيه عشره اجزاء تسعه منها في اعتزال
وواحده في الصمت
وقيل لبعض العلماء لو تحركت فتذكر ذكر غيرك قال لما رأيت
معالي الأمور مشفوعة بالتالف اقتصرت على الخمول ظنا منى بالعافية
العاشر المتصف بها أحسن الناس حالا
32 - روى محمد على عمن ذكره عن أبي حمزه عن أبي جعفر
عليه السلام قال كان أمير قوله المؤمنين (ع) يقول يأتي الناس زمان يكون فيه أحسنهم
حالا من كان جالسا بيته
الحادي عشر ان المتصف بها سالم
33 - قال أمير قوله المؤمنين (ع) وذلك زمان لا يسلم إلا كل مؤمن نومه
ان شهد لم يعرف وان غاب لم يفتقد أولئك مصابيح الهدى واعلام السرى
يفتح الله باب الرحمة ويرفع عنهم ضر النقمة ليسوا بالمساييح
وبالمذاييع البذر
18

الثاني عشر ان المتصف بها من الأتقياء المحبوبين الله تعالى
34 - قال النبي (ص) ان أحب العباد الله الأتقياء الأخفياء الذين إذا
حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا وإذا خطبوا لم يزوجوا
الثالث عشر المتصف بها من أهل الجنة
35 - قال النبي ا لا أخبركم باهل الجنة قالوا بلى يا الله
قال كل أشعث اغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو أقسم على الله لأبر قسمه
الرابع عشر انها آية الرضوان والمن من الله عز وجل
36 - محمد بن علي عن موسى بن سعدان عن معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله (ع) قال لا يزال المؤمن راغبا الدنيا ونعيم أهلها حتى يمن الله عليه
فإذا من عليه كانت الدنيا وأهلها حقيره عنده كالجيفة يعافها يراها
37 - وروى بعض أصحابنا عن سعدان بن مسلم قال لا يزال العبد يرزقه
الله الدنيا وبهجتها حتى يرتفع عنه الشك فيما عند ربه فإذا ارتفع الشك كانت
الدنيا عنده كالطوف في الجوف يشتهى اخراجه
الخامس عشر ان المتصف بها يرفع الله قدره ويعلى ذكره
38 - حفص بن غياث قال قال أبو الله (ع) من أحب ان يذكر خمل
ومن أحب يخمل ذكر
19

السادس عشر انها تقطع طريق الحق وتوصل إليه
39 - روى الشيخ أبو محمد جعفر بن أحمد بن القمي نزيل الري في كتابه
المنبئ عن زهد (ص) قال حدثنا أحمد بن علي بن بلال قال
عبد الرحمن بن حمدان قال حدثنا الحسن بن قال حدثنا أبو الحسن
بشر بن أبي بشر البصري قال اخبرني الوليد بن عبد الواحد قال حدثنا حنان
البصري عن إسحاق بن نوح عن محمد بن علي عن سعيد زيد بن عمرو
ابن نفيل قال سمعت النبي (ص) واقبل على أسامة بن زيد
فقال يا أسامة بطريق الحق وإياك ان تختلج دونه بزهرة رغبات
الدنيا وغضارة نعيمها وبائد سرورها وزائل عيشها
فقال أسامة يا رسول الله ما أيسر ما يقطع به ذلك الطريق؟
قال السهر الدائم والظما في الهواجر وكف النفس الشهوات وترك
اتباع الهوى واجتناب أبناء
يا أسامة عليك بالصوم فإنه قربه إلى الله وشئ أطيب عند الله من
ريح فم صائم ترك الطعام و الشراب لله رب العالمين وآثر الله على ما سواه
وابتاع آخرته بدنياه فإن استطعت ان يأتيك الموت وجائع وكبدك ظمآن
فافعل فإنك تنال بذلك أشرف المنازل وتحل مع الأبرار والشهداء والصالحين
يا أسامة عليك بالسجود فإنه أقرب ما يكون العبد من ربه كان ساجدا
وما من عبد سجد لله سجده إلا كتب له بها حسنه ومحا عنه سيئه ورفع له بها
درجه واقبل الله عليه بوجهه وباهى به ملائكته
يا أسامة عليك بالصلاة فإنها أفضل اعمال العباد لان الصلاة رأس الدين
20

وعموده وذروه سنامه
واحذر يا أسامة دعاء عباد الله أنهكوا الأبدان وصاحبوا الأحزان
وأزالوا اللحوم وأذابوا الشحوم وأظمأوا الكبود وأحرقوا الجلود بالأرياح
والسمائم حتى غشيت منهم الابصار شوقا الواحد القهار فإن الله إذا نظر
إليهم باهى بهم الملائكة وغشاهم بالرحمة بهم يدفع الله الزلازل والفتن
ثم بكى رسول الله (ص) حتى علا بكاؤه واشتد نحيبه وزفيره وشهيقه
وهاب القوم ان يكلموه فظنوا لأمر قد حدث من السماء
ثم إنه رفع رأسه فتنفس الصعداء ثم قال
اوه اوه بؤسا لهذه الامه ما ذا يلقى من أطاع الله كيف يطردون
ويضربون ويكذبون اجل انهم أطاعوا الله فأذلوهم بطاعة الله
إلا ولا تقوم الساعة حتى يبغض الناس من أطاع الله ويحبون من عصى
فقال عمر يا رسول الله والناس يومئذ الاسلام
قال وأين الاسلام يومئذ يا عمر ان المسلم يومئذ كالغريب الشريد ذلك
زمان يذهب فيه الاسلام ولا يبقى إلا اسمه ويندرس فيه القرآن فلا يبقى إلا رسمه
قال عمر يا رسول الله وفيما يكذبون من أطاع ويطردونهم ويعذبونهم؟
فقال يا عمر ترك القوم الطريق وركنوا إلى الدنيا ورفضوا الآخرة واكلوا
الطيبات ولبسوا الثياب المزينات وخدمتهم أبناء فارس والروم فهم يغتذون
في طيب الطعام ولذيذ الشراب وزكى الريح ومشيد البنيان ومزخرف البيوت
ومجد المجالس يتبرج الرجل منهم كما تتبرج الزوجة لزوجها وتتبرج
21

النساء بالحلي والحلل المزينة رايتهم يومئذ بزي الملوك الجبابرة يتباهون
بالجاه وأولياء الله عليهم العناء مشحبة ألوانهم السهر ومنحنية أصلابهم من
القيام قد لصقت بطونهم بظهورهم طول الصيام قد أذهلوا أنفسهم وذبحوها
بالعطش طلبا لرضى الله وشوقا إلى جزيل ثوابه وخوفا اليم عقابه
فإذا تكلم منهم متكلم بحق أو تفوه بصدق قيل له اسكت فأنت قرين
الشيطان ورأس الضلالة يتأولون الله على غير تأويله ويقولون من
حرم زينه التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق
واعلم أسامة ان أكثر الناس عند الله منزله يوم القيامة وأجزلهم ثوابا
وأكرمهم مآبا من طال في حزنه وكثر فيها همه ودام فيها غمه وكثر
جوعه وعطشه أولئك الأبرار الأتقياء الأخيار ان شهدوا يعرفوا وان غابوا
لم يفتقدوا
يا أسامة أولئك تعرفهم بقاع وتبكى إذا فقدتهم محاريبها فاتخذهم
لنفسك كنزا وذخرا لعلك تنجو بهم من زلازل الدنيا وأهوال القيامة وإياك
ان تدع ما هم فيه وعليه فتزل قدمك وتهوى في النار فتكون من الخاسرين
واحذر يا أسامة أن تكون من الذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون
وللحاجة إلى بعض هذه الوصية ولحسنها كرهت أحذف منها شيئا
22

" ولرسول الله (ص) كلام في مثل هذا في صفه أولياء سبحانه
أحببت ايراده هنا "
40 - من الكتاب المذكور مرفوعا إلى النبي (ص) أنه قال
أ تدرون غمي؟ وفي أي شئ تفكري؟ والى أي شئ اشتاق؟
قال أصحابه يا رسول الله ما علمنا بهذه من شئ أخبرنا بغمك وتفكرك
وتشوقك؟
قال النبي (ص) أخبركم شاء الله ثم تنفس وقال هاه شوقا إلى
إخواني من بعدي فقال أبو ذر يا رسول الله ا لسنا إخوانك؟
قال لا أنتم أصحابي وإخواني يجيئون من بعدي شانهم شان الأنبياء
قوم يفرون من الاباء والأمهات ومن الاخوة والأخوات ومن القرابات كلهم
ابتغاء مرضات الله يتركون المال ويذلون أنفسهم بالتواضع لله لا يرغبون في
الشهوات وفضول الدنيا مجتمعون في بيت من بيوت الله كأنهم غرباء محزونين
لخوف النار وحب الجنة فمن يعلم قدرهم الله ليس بينهم قرابه ولا مال
يعطون بها بعضهم لبعض أشفق الابن على الوالد ومن الوالد على الولد ومن
الأخ على الأخ
هاه شوقا إليهم يفرغون أنفسهم من كد الدنيا و نعيمها بنجاة أنفسهم من
عذاب الأبد ودخول الجنة لمرضاة الله
واعلم يا أبا ذر ان للواحد منهم اجر سبعين بدريا
يا أبا ذر واحد منهم أكرم على الله من كل خلق الله على وجه الأرض
يا أبا ذر قلوبهم الله وعملهم لله لو مرض أحدهم له فضل عباده الف
سنه صيام نهارها وقيام ليلها
وان شئت حتى أزيدك أبا ذر قال نعم يا رسول الله زدني
23

قال لو أن أحدا منهم مات فكأنما مات من في السماء من فضله على الله
وان شئت أزيدك قال نعم رسول الله زدني
قال يا أبا ذر لو أن أحدهم تؤذيه قمله ثيابه فله عند الله اجر أربعين
حجه وأربعين عمره وأربعين غزوه وعتق أربعين نسمه من ولد إسماعيل
ويدخل واحد منهم اثنى عشر ألفا في شفاعته
قال: فقلت سبحان الله وقالوا مثل قولي سبحان الله ارحمه بخلقه
وألطفه وأكرمه على خلقه
فقال (ص) أ تعجبون من قولي؟ وان شئتم حتى أزيدكم
قال أبو ذر نعم يا رسول الله زدنا
فقال النبي (ص) يا أبا ذر لو أن أحدا منهم اشتهى شهوة من شهوات
فيصبر ولا يطلبها كان له من الاجر بذكر أهله يغتم ويتنفس كتب الله له
بكل نفس الفي الف حسنه ومحا عنه الفي الف سيئه ورفع له الفي الف درجه
وان شئت حتى أزيدك يا أبا ذر قال حبيبي الله زدني؟
قال لو أن أحدا منهم يصبر مع أصحابه يقطعهم ويصبر في مثل جوعهم
ومثل غمهم كان من الاجر كاجر سبعين ممن غزا معي غزوه تبوك
وإن شئت حتى أزيدك؟ قال نعم يا رسول الله زدنا
قال لو أن أحدا منهم وضع جبينه على الأرض ثم آه فتبكي
ملائكة السماوات السبع لرحمتهم عليه
قال الله تعالى يا ملائكتي ما لكم تبكون فيقولون الهنا وسيدنا وكيف
لا نبكي ووليك على يقول في وجعه آه فيقول الله يا ملائكتي
24

اشهدوا أنتم انى راض عن عبدي بالذي يصبر في الشدة ولا يطلب الراحة فتقول
الملائكة يا الهنا وسيدنا تضر الشدة بعبدك ووليك بعد أن تقول هذا القول
فيقول الله يا ملائكتي ان وليي عندي كمثل نبي أنبيائي ولو دعاني وليي
وشفع في خلقي شفعته أكثر من سبعين ألفا ولعبدي ووليي في جنتي ما يتمنى
يا ملائكتي وعزتي وجلالي لأنا ارحم بوليي وانا خير من المال للتاجر
والكسب للكاسب وفي الآخرة يعذب وليي ولا خوف عليه
ثم قال رسول الله طوبى يا أبا ذر لو أن أحدا منهم يصلى ركعتين في
أصحابه أفضل عند الله من رجل يعبد الله في جبل لبنان عمر نوح
وان شئت حتى أزيدك يا أبا ذر؟ قال نعم يا رسول الله قال
لو أن أحدا منهم يسبح تسبيحه خير له من أن يصير له جبال الدنيا ذهبا
ونظره واحد منهم أحب إلى من نظره إلى بيت الله الحرام
ولو أن أحدا منهم يموت في شده بين أصحابه اجر مقتول بين الركن
والمقام وله اجر من يموت حرم الله ومن مات في حرم الله آمنه الله من الفزع
الأكبر وادخله الجنة
وان شئت حتى أزيدك يا أبا ذر قال نعم يا رسول الله
قال يجلس إليهم قوم مقصرون مثقلون من الذنوب فلا يقومون من عندهم
حتى ينظر إليهم فيرحمهم ويغفر لهم ذنوبهم لكرامتهم على الله
ثم قال النبي (ص) المقصر منهم أفضل عند الله من الف مجتهد من غيرهم
25

يا أبا ذر ضحكهم عباده وفرحهم تسبيح ونومهم صدقه و أنفاسهم جهاد
وينظر الله إليهم في كل يوم ثلاث مرات
يا أبا ذر انى إليهم لمشتاق
ثم غمض عينيه وبكى شوقا
ثم قال اللهم احفظهم وانصرهم على من خالف ولا تخذلهم وأقر
عيني بهم يوم القيامة إلا أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
وقال رسول الله (ص) من عرف الله منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام
وعنى نفسه بالصيام والقيام
قالوا بابائنا وأمهاتنا يا رسول الله هؤلاء أولياء الله؟
قال إن أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكرا ونظروا فكان نظرهم عبره
ونطقوا فكان نطقهم حكمه ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركه لولا الآجال التي
كتبت لم تقر أرواحهم في أجسادهم خوفا من العذاب وشوقا الثواب
وقال أحب عباد الله إلى الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا
وإذا شهدوا لم يعرفوا أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم
وقال إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من هواء نفسه وشهوته فالصلاة
كهفه والصيام جنته والصدقة فكاكه
41 - وسئل (ص) من أولياء الله قال الذين إذا رأوا ذكروا الله
42 - وعنه (ص) قال قال الله تبارك وإذا علمت أن الغالب على عبدي
الاشتغال بي نقلت شهوته مسألتي ومناجاتي فإذا كان عبدي كذلك فأراد ان يسهو
حلت بينه وبين ان يسهو أولئك أوليائي حقا أولئك الابطال حقا أولئك الذين
إذا أردت ان أهلك أهل الأرض عقوبة زويتها عنهم من اجل أولئك الابطال
26

ولنختم كتابنا هذا بذكر شئ من ذم الدنيا
43 - قال رسول الله (ص) حب الدنيا رأس كل خطيئه
44 - وقال (ص) ما تعبد الله بشئ مثل الزهد في الدنيا
45 - وأوحى الله إلى موسى (ع) ان يا موسى لا تركنن إلى حب الدنيا
فلن تأتين بكبيرة أشد منها
46 - ومر موسى (ع) برجل وهو يبكى ثم رجع وهو يبكى فقال موسى
(ع) يا رب عبدك يبكى من مخافتك
فقال يا بن عمران لو نزل دماغه مع دموع عينيه ورفع يديه حتى تسقطا
لم اغفر له وهو يحب الدنيا
47 - وقال ابن عباس يؤتى يوم القيامة بالدنيا صوره عجوز زرقاء
شمطاء باديه أنيابها مشوهة خلقتها وتشرف على الخلائق فيقول تعرفون
هذه؟ فيقولون نعوذ بالله من معرفه هذه
فيقول هذه الدنيا التي تفاخرتم عليها وبها تقاطعتم الأرحام وبها
27

تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم ثم تقذف في جهنم فتقول يا رب اتباعى وأشياعي
فيقول الله عز والحقوا بها اتباعها وأشياعها
قال بعضهم بلغني رجلا عرج بروحه فإذا امراه على قارعه الطريق
عليها كل زينه الحلى والثياب وإذا لا يمر بها أحد جرحته فإذا هي أدبرت
كانت أحسن شئ رآها وإذا هي أقبلت كانت أقبح شئ رآها الناس عجوز
شمطاء زرقاء عمشاء
قال قلت أعوذ بالله منك
قالت والله لا يعيذك الله منى حتى تبغض الدرهم
قلت من أنت قالت انا الدنيا
48 - وروى عيسى (ع) كشف له الدنيا فرآها في صوره عجوزه شمطاء
عليها من كل زينه فقال لها كم تزوجت قالت لا أحصيهم
قال فكلهم مات عنك أو طلقوك قالت بل كلهم قتلت
قال عيسى (ع) بؤسا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك
الماضين كيف أهلكتهم واحدا واحدا ولا يكونون منك على حذر
يا طالب الدنيا يغرك وجهها * ولتندمن إذا رأيت قفاها
49 - وروى أن عيسى (ع) اشتد به المطر والرعد والبرق يوما فجعل يطلب
شيئا يلجا إليه فرفعت خيمه من بعيد فأتاها فإذا فيها امراه فحاد عنها
28

فإذا هو بكهف في جبل فاتاه فإذا فيه أسد فوضع يده فقال
الهى جعلت لكل شئ مأوى ولم تجعل لي مأوى؟
فأوحى الله إليه مأواك في مستقر رحمتي وعزتي لأزوجنك
القيامة بمائة حوراء خلقتها بيدي ولأطعمن في عرسك أربعة آلاف عام كل يوم
منها كعمر الدنيا ولأمرن مناديا ينادى أين الزهاد الدنيا هلموا إلى عرس
الزاهد عيسى (ع)
ويل لصاحب كيف يموت ويتركها ويأمنها وتغره ويثق وتخذله؟
ويل للمغترين كيف اتتهم ما يكرهون وفارقتهم يحبون وجاء بهم
ما يوعدون ويل لمن كانت همه والخطايا عمله كيف يفتضح غدا عند الله
50 - قيل أوحى الله إلى موسى (ع) يا موسى ما لك ولدار الظالمين انها
ليست لك بدار فاخرج منها همك وفارقها بعقلك فليست الدار هي إلا للعامل
فيها فنعمت الدار هي يا موسى انى مرصد للظالم آخذ للمظلوم منه
51 - وعن النبي (ص) موقوفه بين السماء والأرض منذ خلق الله
لا ينظر إليها وتقول يوم القيامة يا رب اجعلني لأدنى أوليائك نصيبا اليوم فيقول
اسكتي يا لا شئ انى لم ارضك في الدنيا كيف أرضاك لهم اليوم
52 - وقال (ص) ليجيئن أقوام يوم القيامة واعمالهم كجبال تهامه فيؤمر بهم
إلى النار قالوا يا رسول الله مصلين نعم كانوا يصلون ويصومون
29

ويأخذون وهنا من الليل فإذا عرض لهم من شئ وثبوا عليه
53 - وتوفى رسول الله وما وضع لبنه على لبنه ولا قصبه على قصبه
ورأى بعض أصحابه يبنى بيتا جص فقال ما أرى الامر إلا أعجل من
هذا وأنكر ذلك والى هذا أشار عيسى (ع) حيث قال
54 - الدنيا قنطره فاعبروها ولا تعمروها وهو مثال واضح فإن الحياة
الدنيا معبر الآخرة فالمهد هو المثل الأول على القنطرة واللحد هو المثل الثاني
وبينهما مسافه محدوده
فمن الناس من قطع نصف القنطرة ومنهم من قطع ثلثها ومنهم لم يبق له إلا
خطوه واحده وهو غافل عنها وكيف فلا بد من العبور
وليكن هذا آخر تعلقه في هذه الأوراق
ونسال الله تعالى ان ينفعنا بما أمليناه ويجعلنا من أهل الوصف بما ذكرناه
انه أحق مدعو وأمل مرجو وهو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم
من الظلمات إلى النور وان الله بكم لرؤوف رحيم سوره الحديد آية
وصلى الله على أكرم المرسلين وأشرف الأولين والآخرين محمد وآله
الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا كثيرا
الحمد لله قد تم كتاب " التحصين " في العزلة لامام المحققين
الشيخ جمال الدين " أحمد بن فهد " الحلي طاب مرقده.
30