الكتاب: شرح كلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
المؤلف: عبد الوهاب
الجزء:
الوفاة: ق ٦
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: تصحيح وتعليق : مير جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث
الطبعة:
سنة الطبع: ٢٢ محرم الحرام ١٣٩٠ - ١٣٤٩ ش
المطبعة:
الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة
ردمك:
ملاحظات:

كلام علي كلام علي * وما قاله المرتضى مرتضى
ما نمقه عبد الوهاب
في شرح كلمات
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام
عنى بطبعه ونشره وتصحيحه والتعليق عليه
مير جلال الدين الحسيني الأرموي
المحدث
22 من المحرم الحرام سنه 1390 = 10 فروردين 1349
1

بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك يا من بتوفيقه تصريف (1) القلوب الناظرة نحو جنابه (2) وبتيسيره (3) توجيه (4)
الوجوه الناضرة تلقاء بابه، واصلي على سيدنا محمد المضموم إلى حروف سيوفه (5) فتح
الارجاء والأطراف، المكسور بظهور دينه ظهور الكفرة من الاخلاف والاسلاف، وعلى
آله وأصحابه الذين هم قواعد لبناء الاسلام، وشواهد بالاعراب عن حجج الحق بين الأنام.
وبعد
فهذه وريقات نمقتها على الكلمات الشريفة والعبارات اللطيفة المنسوبة إلى الامام
الهمام جامع الكلمات العظام أمير المؤمنين وامام المتقين على الرضى المرتضى ابن عم
الرسول المصطفى كرم الله تعالى وجهه ورزقنا الله في غرف الجنان جواره، وأنا أسأل الله تعالى
الإعانة في كل حال والاستقامة في الأقوال والافعال، ما تداولت على الألسن الكلمات
الدوال، وتقابلت الا زمن، الحال والماضي والاستقبال، انه بالإجابة وهو على كل
شئ قدير.

(1) - في الحاشية: " مصدر صرف على بناء المجهول بمعنى صرف والتشديد للمبالغة،
والمعنى ان كون القلوب مصروفة ممنوعة عما لا يليق بشأن الله تعالى مجذوبة مردودة إلى
جهة عرفانه بما هو كمال له في ذاته وصفاته وأفعاله أمر لا يكاد يحصل الا بتوفيقه وحسن
اعانته: منه ".
(2) - قال في الهامش: " جناب الشئ قربه وفناءه وكذا الحضرة والمراد بالجناب ههنا نفس الذات ".
(3) - في الهامش: " مع كمال السعي والمبادرة ووفور الجد والمواظبة، منه ".
(4) - في الهامش: " بمعنى التوجه مصدر المجهول ".
(5) - في الحاشية " جمع السيوف اما للتعظيم أو لاعتبار جميع المسلمين بينهم لكون محاربتهم
لاظهار دينه، منه ".
2

1 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لو كشف الغطاء (1) عنى ما ازددت يقينا (2)
أقول: لو حرف شرط، والكشف الإبانة، وههنا بمعنى الإزالة، والغطاء ما يستر
به الشئ، ولازدياد افتعال من الزيادة، واليقين هو الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع.
المعنى لو أزيل الحجاب عما يجب الايمان به من المغيبات كأحوال الآخرة مثلا اما
بالموت أو بالمكاشفة لم يتطرق الزيادة في يقيني بل هو مستمر في جميع الأزمان، ومستقر
على ما كان، بلا زيادة ولا نقصان، ويتساوى معاينة المؤمن به ومغايبته.
فان قيل: " ان " لو " لانتفاء الثاني بسبب انتفاء الأول فيلزم وقوع الزيادة؟ قلنا:
لن " لو " تستعمل لمعان ثلاثة، أحدها - وهو الأصل ما ذكر، والثاني - الاستدلال بانتفاء
الثاني على انتفاء الأول، ومنه قوله تعالى: لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا، والثالث -
كون الجزاء لازم الوجود في جميع الأزمنة في قصد المتكلم وهو المراد ههنا وذلك إذا
علق الجزاء بنقيض ما يلائمه نحو قولك: لو أهنتني لأكرمتك، ومنه قوله عليه السلام:
نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه.

(1) - في الهامش: " وفى الكلام استعارة مكنية وتخييلية وتبعية حيث شبه الأمور
المغيبة في خزائن علمه تعالى مضمرا في نفسه بالأشياء القيمية المحفوظة في المنازل الحصينة
الرصينة في الرغبة والميلان مثل البيوت التي لها أبواب وستور يحفظ فيها الأموال النفسية
وأثبت لها الغطاء الذي هو من لوازم المشبه به واعتبر الاستعارة أولا بين الكشف والإزالة
أصالة وبين فعلها تبعا منه ".
(2) - في الحاشية: " وفى الرسالة القشيرية وقال الجنيد: اليقين هو استقرار العلم الذي
لا ينقلب ولا يحول ولا يتغير في القلب، وقيل: اليقين زوال المعارضات، وقال بعضهم: اليقين
هو المكاشفة وقال النووي: اليقين هو المشاهدة، منه ".
3

وههنا سؤال مشهور وهو ان إبراهيم عليه السلام أشار بقوله: ولكن ليطمئن
قلبي، إلى أن ايمانه يزداد ويتقوى بانضمام المعاينة، والمفهوم من هذا الكلام ان عليا
رضي الله عنه لا يتقوى ايمانه بانضمامها وهذا يؤدى إلى تفضيل الولي على النبي (1) عليه
الصلاة والسلام.
والجواب ان عليا رضي الله عنه قاله على وجه المبالغة لاعلى وجه التحقيق يعنى
انه بالغ في اتصافه بحقيقة الايمان وكمال الاتقان وجعل ما حصل له من التقوى بتقدير
المعاينة بمنزلة غير الحاصل. أو نقول: ان درجات السلوك متفاوتة (2) والمقامات غير متناهية
فلا يبعد أن يكون صدور هذا القول منه رضي الله عنه في زمان صارت الغيوب فيه كالشهود
وهو المسمى في لسان أهل التصوف بأنه بالمكاشفة، وبأنه بالمشاهدة وصدور ما قاله
عليه الصلاة والسلام ليس كذلك، ويمكن ان يقال: ان ما أثبت صلى الله عليه وسلم
هو الطمأنينة والتقوى وما نفاه علي رضي الله عنه هو الزيادة وهو أخص من التقوى (3)
لان ازدياد العلم إنما هو بازدياد المعلوم ولا كذلك تقويه فإنه قد يكون بقوة أسبابه
وكثرة مقتضياته، ونفى الأخص لا يوجب نفى الأعم فلا يلزم التفضيل.

(1) - هذا السؤال مبنى على أفضلية الأنبياء على الأوصياء على الاطلاق وليس هذا الاعتقاد
بمرضى عند الشيعة ولا سيما متأخريهم فإنهم قد أطبقوا على أفضلية الأئمة الاثني عشر على الأنبياء
مطلقا ولا سيما أفضلية أمير المؤمنين علي عليه السلام فإنه قد صار مسلما مفروغا عنه عندهم
فالسؤال غير وارد على مبناهم حتى يحتاج إلى الجواب
(2) - في الهامش: " كما يقال مشاهدة الأبرار بين التجلي والاستتار يعنى ان الخواص
لا يدوم لهم التجلي بل هم بين كشف وستر، منه ".
(3) - في الحاشية: " يعنى بحسب التحقيق والوجود لا بحسب الصدق والحمل فإنهما
متباينان بهذا الاعتبار لان الزيادة والنقصان من قبيل الكم والقوة والضعف من قبيل الكيف،
فتأمل، منه ".
4

2 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.
أقول: الظاهر أن اللام للاستغراق لان لكل أحد غفلة ما دام في الدنيا فلا يبعد
ان يعرض لأرباب المكاشفة في تلك الحالة غفلة مناسبة لحاله كما أشير إليه قوله عليه الصلاة
والسلام: انه ليغان على قلبي، الحديث، واصل الناس أناس لقولهم: إنس وإنسان
حذفت همزته للتخفيف وجعل لام التعريف عوضا عنها: ولذلك لا يكاد يجمع بينهما،
وقول الشاعر:
ان المنايا يطلعن على الأناس الآمنينا
محكوم عليه بأنه شاذ مأخوذ من أنس لأنهم يستأنسون بأمثالهم أو آنس بمعنى
أبصر لأنهم ظاهرون مبصرون. وقيل: انه مأخوذ من النسيان أومن ناس ينوس إذا
تحرك، فعلى هذا لا همزة فيه ولا حذف، وعلى القول بأنه من النسيان أصله، نسي، قلبت
الياء مكان السين فصار نيسا، ثم قلبت ألفا فصار ناسا، واختلف في أنه جمع أو اسم -
جمع، ذهب صاحب الكشاف وتبعه القاضي إلى أنه اسم جمع، إذ لم يثبت فعال في أبنية -
الجمع، والجوهري إلى أنه جمع، والنيام جمع نائم كالقيام جمع قائم، أصله نوام قلبت
واوه ياء لكسرة ما قبلها، واما قاعدة ان الجمع يرد الأشياء إلى أصولها، إنما تدل على وجوب
وجود الرد لا على بقاء الصيغة على أصل الحرف بعد الرد ألا ترى يقال في جمع دم دماء
بعد الرد إلى الواو ثم بقلبه إلى الهمزة، ويمكن ان يقال: ان الياء المقلوبة عن الواو واو
حكما كهمزة حمراء فإنها الف تأنيث حكما لكونها مقلوبة منها ولهذا لا يقال في نسبته
حمرائي لئلا يقع حرف التأنيث في الوسط بل حمراوي
فان قلت: الواو المقلوبة من الهمزة المقلوبة من الف التأنيث حرف تأنيث حكما
5

فكيف تقع في الوسط؟ - قلت: قد ضعف حكم التأنيث فيها لكونها بالواسطة فلا تأخذ
حكمها، وإذا للمستقبل (1) كما أن إذ للماضي، ولما كان الموت محقق الوقوع جئ بصيغة
الماضي، والموت ضد الحياة (2) أو عدمها على اختلاف بينهم، والانتباه التيقظ وزوال
الغفلة وفى ذكر النوم والموت والانتباه من صنعة مراعاة النظير والتضاد كما لا يخفى.
المعنى ان جميع الناس نائمون نوم الغفلة عن أمور الآخرة ما داموا في الحياة الفانية
والقوى المتناهية، فإذا ماتوا وصاروا أحياء بالحياة الباقية الدائمة تيقظوا وزالت غفلتهم ثم
وقعوا في الندم على ما كانوا عليه من الأعمال الردية والأخلاق الدنية مع علمهم بأنه لا ينفع،
فالأحرى والأجدر بكل (3) مؤمن ان يتنبه عن نومة الغفلة ويميت نفسه بقطع العوائق
الدنيوية وخلع العلائق النفسانية ليصل إلى مقام: موتوا قبل ان تموتوا، ويخلص عن الندم
بعد الموت ويحى حياة طيبة دائمة في جوار الرحمن، اللهم نبهنا من نومة الغافلين،
واجعلنا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (2).

(1) - في هامش الكتاب: " واصل إذا الجزم بوقوعه في اعتقاد المتكلم ولذلك عكس
لفظ الماضي مع إذا لان الماضي أقرب إلى القطع نظرا إلى وضعه، منه ".
(2) - قال في الهامش: " والموت ضد الحياة فحينئذ يكون عرضا موجودا مخلوقا
لقوله تعالى: خلق الموت والحياة، ورد بأن الخلق بمعنى التقدير والاعدام مقدرة ولو سلم
فالمعنى خلق مصحح الحياة ومصحح الموت ولو سلم فأعدام الملكات مخلوقة لما لها من
شائبة التحقيق، سعد الدين ".
6

3 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم.
أقول: الناس مبتدء وأشبه خبره مع إفراده لالتزامهم الافراد مع التذكير في
أفعل من، قوله: بزمانهم، متعلق بأشبه باعتبار الزيادة، وقوله: بآبائهم، متعلق به
باعتبار الأصل فلا يرد عليه كون الشئ الواحد مفضلا ومفضلا عليه من جهة واحدة
بل التفضيل راجع في الحقيقة إلى مأخذ أفعل الفضيل فكأنه قال: شبه الناس بزمانهم
أزيد وأكثر من شبههم بآبائهم.
المعنى ان جميع الناس يوافقون الزمان أكثر موافقة ويشابهونه أشد مشابهة: حتى إذا رأوا
أحد جعله الدهر ذا الجاه طيب الأحوال وكثير الأموال وصاحب الخدم والحشم مع كونه
أدنى نسبا وحسبا وأقل علما وأدبا يعظمونه أشد تعظيم ويكرمونه أعظم تكريم ويحبونه
أتم محبة ويودونه أكمل مودة، وإن كان بينه وبين آبائهم عداوة ظاهرة ومخالفة بينة،
وإذا رأوا أحدا على خلاف ذلك يحقرونه (1) كل الحقارة ويهينونه حق، الإهانة، وإن كان
بينه وبين آبائهم محبة قديمة ومودة مستديمة (2).

(1) - كذا في الأصل بتشديد القاف على أنه من باب التفعيل وهو صحيح الا ان قرائته
بصيغة المجرد أيضا صحيح وعليه قول من قال:
" ان المعلم والطبيب كلاهما * لا ينصحان إذا هما لم يكرما "
" فاصبر لدائك ان جفوت طبيبه * وأقنع بجهلك ان حقرت معلما "
(2) - وفى الهامش: " ويحتمل أن يكون المعنى ان الناس تشبهوا بالزمان في الاتيان
بعكس المراد واظهار الفتنة والفساد وتركوا الاقتداء بآبائهم في المروة والاحسان كأنهم
لم يخلقوا من مائهم وخرجوا من صلب الزمان الذي يعرف بالدور على خلاف المراد منه ".
7

4 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
ما هلك امرؤ عرف قدره.
أقول: اي مقداره ومرتبته ومنزلته.
يعنى ان من عرف ما قدر له وحد شرعا وعمل بمقتضاه لم يجز حد الجواز ولم يقع
في حمى المحارم فلا جرم لا يجد الهلاك إليه سبيلا، وكذا من عرف مقداره ومرتبته عرفا
في كل أمر لم يجترئ على شئ ليس هو بأهل له ولا قادر عليه مثلا من عرف أنه لم يكن
أهل الشجاعة لم يلق نفسه إلى المهالك والمحارب، وكذا من عرف أنه ليس بأهل العلم
لم يسم بسيماء العلماء، وكذا سائر الفضائل والكمالات، ويدل على هذا الكلام بمفهومه ان من
ساق نفسه إلى أمر خارج عن مقداره متجاوز عن حده ومرتبته فقد عرض نفسه على
الهلاك حقيقة كالجبان الذي يتشجع ويدخل في الحرب أو معنى كالجاهل الذي يتشبه
بالعالم ويجلس في مجلس العلم والتدرس أو خوف الهلاك كالفاسق فإنه يخاف عليه من الهلاك
عاجلا أو آجلا.
5 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
قيمة كل امرئ ما يحسنه.
أقول: يحسن من أحسن الشئ إذا علمه حاذقا فيه.
يعنى عزة كل شخص واحترامه بين الناس بمقدار علمه، فإذا شئت زيادة قيمتك
فزد علمك فان زيادة القيمة ونقصانها باعتبار العلم، ألا ترى ان العبد يباع بثمن غال إذا
كان يعلم القرآن أو الكتابة أو الخياطة أو غيرها، ولقد أحسن من قال: الروث شئ
والجاهل ليسى بشئ، ويحتمل أن يكون من الاحسان بالمواهب فيكون المعنى ان من
8

كان كثيرا العطاء كان أكثر قيمة وأوفر عزة، ومن كان قليل العطاء يكون أدنى منه، ومن
ليس له عطاء أصلا فلا عزة له قطعا، والأول أنسب.
6 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
من عرف نفسه فقد عرف ربه.
أقول: نفس الشئ ذاته وهي التي يشير إليها كل أحد بقوله: أنا.
يعنى من عرف نفسه بالامكان والحدوث والعجز والاحتياج فقد عرف ربه
بالوجوب والقدم. القدرة الكاملة والاحتياج إليه فمعرفة النفس دليل كاف في معرفة
الله تعالى، فمن لم يعرف نفسه ولم يستدل بها على الصانع مع أنها أقوى الأدلة وأقربها
فيكف يعرف ربه بدليل آخر؟!
7 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
المرء مخبو تحت لسانه.
أقول: (مخبو) من الخبء وأصله مخبوء مثل مقرو أصله مقروء، قلبت الهمزة
واوا ثم أدغمت للتخفيف.
يعنى كمال المرء ونقصانه مخفى ومستور ما لم يحرك لسانه، فإذا حركه وتكلم يظهر
حاله، فإذا كان كلامه مما يستحسنه العقول ويتلقاه الفحول بالقبول يظهر فضله وكماله،
وإن كان مما يستنكر سماعه ويستقبح اصغاؤه بين من السفه والنقصان حاله، بيت بالفارسية:
تا مرد سخن نگفته باشد * عيب وهنرش نهفته باشد (1)

(1) - البيت لسعدى وبعده:
هر پيسه گمان مبر نهالى * باشد كه پلنگ خفته باشد
هذا بناء على ما في گلستان المصحح بتصحيح المرحوم الأستاذ عبد العظيم الگرگاني
القريب (انظر الباب الأول، ص 19) وصرح الأستاذ المذكور في ذيل الصفحة بان المصراع
الثاني من البيت الثاني في أغلب النسخ هكذا " هر بيشه گمان مبركه خاليست ". وذكر ان
" نهال " بالفارسية بمعنى الصيد ونص عبارته هكذا " نهال بكسر نون شكار يعنى هر سياه و
سفيدى را كه دركوه بيني گمان مبر شكاراست شايد پلنگ خوابيده باشد ".
أقول: لهذا البيت قراءة أخرى وهي ما في أغلب النسخ كما أشار إليه الأستاذ القريب
- رحمه الله - وهو المشهور وبهذا المنوال:
" هر بيشه گمان مبركه خاليست * شايد كه پلنگ خفته باشد "
وطالب البحث عنه يخوض بحر الأدب الفارسي إذ ليس البيت مما ذكر في المتن حتى
نضطر إلى البحث عنه وهذا المقدار من الإشارة يكفي في المقام.
9

8 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
بالبر يستعبد الحر.
أقول يعنى من أراد ان يستخدم الأحرار ويجعلهم كالعبيد له فليحسن لهم ببذل
الأموال والاطعام وبشاشة الوجه وإلانة الكلام فحينئذ يرغب كل أحد في خدمته
ولم ير الانفكاك عن حضرته بدلالة: الانسان عبيد الاحسان ومن لم يكن من البر في شئ
ولم يلاطف أحدا لا يراوده أحد ويتركه عبيده وحيدا فضلا عن غيرهم، بيت (1):

(1) - هذا البيت أيضا لسعدى ذكره في گلستان وقبله
هر كه فريادرس روز مصيبت خواهد * گو در أيام سلامت بجوانمردى كوش
(انظر الباب الأول، ص 26 من النسخة المطبوعة بتصحيح الأستاذ عبد العظيم القريب - رحمه الله -
بطهران سنه 1310 من التاريخ الهجري الشمسي).
10

بندهء حلقه بگوش ارننوازى برود * لطف كن لطف كه بيگانه شود حلقه بگوش
9 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
من عذب لسانه كثر إخوانه.
أقول: الاخوان بكسر الهمزة جمع الأخ والمراد ههنا الأعوان والأنصار.
يعنى عذوبة اللسان ولينته سبب لكثرة الأعوان والأنصار، ومرارة اللسان وصلابته.
بحيث يتضجر منه سبب لكثرة الأعداء في القرى والأمصار.
10 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
بشر مال البخيل بحادث أو وارث.
أقول: البشارة هو الخبر السار، والتبشير إلقاء ذلك الخبر لمن يتعقل السرور
وههنا مجاز عن الانذار على وجه التهكم والمراد من الحادث الآفة السماوية من حيث
لا يعلم ويظن مثل الغرق والحرق والمصادرة وغير ذلك، والبخل خلق يوجب امساك الرجل
ماله عن طريق الخير، وضده سرف وسفاهة.
يعنى ان من لم ينفق ماله في طريق الخير فرضا أو فضلا فلابد ان يهلك بآفة من
حيث لا يحتسب، وان يبقى بعده لورثته وعليه حسابه، وتعلق التبشير والانذار بالمال مجاز
عقلي لان التبشير والانذار حقيقة لا يتعلق لمن لا يتعقل السرور والحزن.
11

11 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال.
أقول: يعنى لا يمنع حال القائل من خسة النفس ودناءة النسب وترك لعمل وسوء
الأدب من قبول قوله وسماع كلامه واقتباس العلم والحكمة من فيه كما قيل (1) الحكمة
ضالة المؤمن، أينما وجدها أخذها.
12 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الجزع عند البلاء تمام المحنة.
أقول: الجزع ضد الصبر والبلاء والمحنة هي المصيبة سميت بهما لكونها سبب
الابتلاء والامتحان، وقد يطلق البلاء على النعمة لكونها ابتلاء واختبارا للمنعم عليه، هل
يشكر فيثاب، أم يكفر فيستحق العقاب.
يعنى ان من ترك الصبر عند المصيبة وأتى ما فعله الجهال من خدش الوجه ولطمه
وشق الجيب والبكاء مع الصوت تكمل مصيبه ويتم محنته حيث أوقع نفسه في نصب ومشقة
وحرم عن (2) ثواب مصيبته ومحنته بل استحق بارتكابه المنهى بعذاب ونقمة ولا مصيبة
أشد منها فالأولى للعاقل ان يصبر عند المصيبة حتى لا يحرم عن (3) الثواب وتخلص عن
استحقاق العقاب.

(1) - قائل هذا الكلمة الشريفة أيضا أمير المؤمنين عليه السلام وهي مروية في نهج البلاغة
بل صدرها معدود في عداد هذه الكلمات المائة المختارة للجاحظ من كلمات أمير المؤمنين (ع)
أيضا وتأتي مع شرحها (انظر عدد 67).
(2) - كذا والأولى عدم الحاجة إلى " عن " في الموضعين لان حرم يتعدى إلى مفعولين بنفسه.
(3) - كذا والأولى عدم الحاجة إلى " عن " في الموضعين لان حرم يتعدى إلى مفعولين بنفسه.
12

13 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا ظفر مع البغي.
أقول: الظفر هو الوصول إلى المقصود، والبغي الخروج عن طاعة الامام.
يعنى أن من أراد أن يكون إماما في الأرض ويجرى حكمه بين الأنام فجمع جنودا
محاربين للامام فالأغلب ان يقع الانهزام وعدم الوصول إلى المرام ولو غلب وكان مظفرا
فلا ينفعه ذلك الظفر إذ لا دوام له ولا بقاء بل هو في معرض الزوال لان أصله ظلم وضلال.
وقيل: الملك يقوم ويبقى مع الكفر ولا يقوم ولا يبقى مع الظلم، يشهد (بذلك) حال
نوشروان وكذلك كل أمير جائر، والله أعلم بالصواب.
14 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا ثناء مع الكبر. أقول: الثناء الذكر بالخير، والكبر الترفع على الغير.
يعنى من اعتاد التكبر لم يذكر عند أحد بالخير والصلاح بل بالشر والوقاحة (1)
فبالكبر يظهر المعايب والمثالب وتضمحل المفاخر والمناقب، فان الكبر والعظمة صفتان
مختصتان بالله تعالى لا يجوز لاحد ان يحوم حولهما، وفى الحديث القدسي: الكبرياء ردائي
والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما أدخلته النار، رواه أبو هريرة، والحديث في المصابيح (2)

(1) - في الأصل: " الوقاح " فالتصحيح قياسي.
(2) يريد به مصابيح السنة للبغوي الشافعي والحديث مذكور فيه (انظر ج 2، ص 121
من طبعة بولاق الا ان فيه بدل " أدخلته ": " قذفته ").
13

ويحتمل لمعنى آخر وهو انه: لا يثنى صاحب الكبر ولا يحمد خالقه لان كبره
يمنعه ان يعظم غيره ويمتثل أمره كما أن إبليس حمله الكبر على ترك الامر حتى لم يسجد
لآدم عليه الصلاة والسلام وكان من الكافرين، نعوذ بالله من ذلك.
15 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا بر مع الشح.
أقول: الشح البخل مع حرص.
يعنى ان من اعتاد الشح لا يحب ولا يريد ان يعين أحدا بالنفس والمال ولم يأتمر
بقوله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى (1) فان رجوت رضى الله تعالى وان تذكر بالذكر
الجميل فاقرب كل واحد بالبر والاحسان مريدا به رضى الرحمن فإنه هو المراد ممن
هو إنسان.
16 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا صحة مع النهم.
أقول: الصحة ضد المرض والنهم بفتح الهاء شدة الشهوة إلى الطعام وبكسرها
صاحبها.
يعنى شدة الاشتهاء إلى الطعام تفضى إلى كثرة الاكل، وهي تفضى إلى التخمة،
وهي تورث المرض، حتى قال بعض الحكماء: لو بعث الموتى بأجمعهم وسئل كل منهم
عن سبب موته لقالوا: هي التخمة، وقيل أدرج الله تعالى علم الطب في نصف آية
حيث قال تعالى: كلوا واشربوا ولا تسرفوا (3).

(1) - من آية 2 سورة المائدة.
(2) - من آية 31 سورة الأعراف.
14

17 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا شرف مع سوء الأدب.
أقول: الشرف الارتفاع واجتماع الخواص وظهورها، والأدب اجتماع خصال
الخير، والأديب من قام به ذلك وهو بهذا المعنى يطلق على المؤدب والمؤدب ويقال:
أستاذ أديب، وولد أديب، فعلى هذا التفسير يكون معنى قولهم: هذا من سوء الأدب،
وهذا من حسن الأدب، من سوء ترك الأدب الأسوء، وحسن الأدب الأحسن، على طريقة
كون الأسوء والأحسن صفه كاشفة للأدب وتركه لأنه حيثما وجد فهو أحسن وأينما
لم يوجد فهو أسوء.
المعنى لا يجد الشرف من ليس له أدب، وإن كان ذا حسب ونسب، إذ هو
من جملة الشرف ومعتبر في فكأنه جزء منه والكل لا يوجد بدون الجزء بيت:
أدب تاجيست از نور الهى * بنه برسر برو هرجاكه خواهى (1)
ولهذا يرجح الأستاذ المؤدب على الأب فإنه سبب لشرف الولد وكماله والأب
لوجوده وحصوله ولا عبرة للوجود بلا كمال، لقد أحسن من سمى الوالد أبا طينيا والمعلم
أبا دينيا (2).

(1) - يشبه أن يكون من اشعار عطار أو عبد الرحمن جامى.
(2) - يقرب منه ما نقل عن الإسكندر في بعض الكتب من أنه قيل له: " لم تحترم مؤدبك
ومعلمك أكثر من احترامك لأبيك ووالدك؟ - قال: لان والدي سبب حياتي الفانية
ومؤدبي سبب حياتي الباقية " وقريب منه ما قيل بالفارسية:
" اي بيخرد اگر پدرت نان وآب داد * أستاذ در نهاد تو علم وأدب نهاد "
" حقا كه آب ونان ندهد هيچ فايده * تاعلم دين وشرع نخوانى بر اوستاد "
وورد في الحديث: " إنما الاباء ثلاثة، أب ولدك، وأب علمك، وأب زوجك ".
15

18 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا اجتناب من محرم مع حرص.
أقول: الحرص شدة الطمع من الحرص بفتح الحاء بمعنى الشجاعة أو الشق
سميت به لأنها تلقى صاحبها إلى هلاك نفسه أو عرضه، أو تشق وتخدش وجه عزه وناموسه
وتحمله إلى السؤال الذي هو سبب ذلته وحقارته وهو حرام بدليل قوله صلى الله عليه
وسلم: لا يجوز للمؤمن يذل نفسه.
المعنى ان الحريص لا يجتنب عن الوقوع في الحرام فلا أقل من إذلال نفسه كما أن
آدم عليه الصلاة والسلام حمله الحرص على الاكل من الشجرة، بيت (1):
بئس المطاعم حين (2) الذل تكسبها * القدر منتصب والقدر مخفوض

(1) - البيت في الباب الثالث من گلستان سعدى، انظر ص 102 من النسخة المطبوعة
بتصحيح الأستاذ عبد العظيم القريب وقال الأستاذ القريب في ذيل الصفحة " در أكثر نسخ
بجاى " يكسبها ": " تكسبها " نوشته شده ".
وقال الشارح في حاشية الكتاب: " ولا يخفى ان المصراع الثاني في مقام التعليل للذم والمعنى بئس المطاعم تكسبها أنت حين الذل وبئس المطاعم حين كسب الذل إياه
اي حين بكسبها الرجل بذل السؤال وهو ان التوقع فإنه وان نال شيئا وتنصب به قدره وغلا
لكنه انخفض من قدره ما قد ارتفع وغلا، وقال علي رضي الله عنه:
لنقل الصخر من قنن الجبال * أحب إلى من منن الرجال، منه ".
وقال أيضا في ذيله: " اي تكسب أنت تلك المطاعم والخطاب لكل من يصلح
أن يكون مخاطبا ويروى الذل بالرفع على أنه مبتدأ ويكسبها بالياء التحتانية على
صيغة الغائب في محل الرفع على أنه خبره، والجملة الاسمية في محل الجر بإضافة الظرف
إليها فعلى هذا فاعل يكسب ضمير يعود إلى الذل مجازا ومحل الظرف نصب على أنه حال
من المطاعم، منه ".
(2) - في الحاشية: " نصب " حين " على أنه ظرف لتكسب مضاف إلى الذل، منه ".
16

فالأولى للعاقل ان يقنع بكنز القناعة ويحترز عن الذل والفضاحة فان المقسوم لا يمنع،
والحرص عليه لا ينفع، كما قيل: بيت:
دع الحرص على الدنيا * وفيها الرزق لا تطمع
فان الرزق مقسوم * وسوء الظن لا ينفع
فقير كل ذي حرص * غنى كل من يقنع
19 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا راحة مع الحسد.
أقول: الحسد هو ان تتمنى زوال نعمة المحسود وانتقالها إليك، وقيل: إرادة
زوال نعمة فيها صلاح صاحبها عنه حسد، وإرادة مثلها لنفسه غبطة (1)، وإرادة زوال نعمة
ليس فيها صلاح صاحبها غيرة، مثلا ان إرادة زوال العلم عمن يعمل به حسد، وعمن
لا يعمل به غيرة، وإرادة مثله غبطة، فالآخران جائزان دون الأول، فإنه المفسد
للطاعات والحامل على الخطيئات، كما قتل أحد ابني آدم الاخر حسدا، وقال بعضهم:
الحاسد جاحد لأنه لا يرضى بقضاء الواحد.
المعنى - لا يخلو العالم عن النعم، ومريد زوالها يدوم في الحزن والغم، والغم فلا يستريح
أصلا، كمن اكل السم، فاللازم لكل أحد ان يتقى من (2) الحسد فان اثره يتبين في
الحاسد قبل ان يتبين في المحسود، ونقل عن الأصمعي أنه قال: سألت أعرابيا اتى عليه
مائة وعشرون سنة، فقلت: ما أطول عمرك؟! فقال: تركت الحسد فبقيت.

(1) - في الهامش: " وقيل الغبطة أمر حسن مرضى إذا كان المتمني مما يتقرب
به إلى الله تعالى كطلب العلم للعمل به وارشاد الخلق، وطلب المال للانفاق في الخير.
وقيل: لا باس به إذا كان في مباح لا يفضى إلى محظور، كذا في توضيح مقدمة، منه ".
(2) - كذا ولا حاجة إلى من لان " اتقى " يتعدى بنفسه وهو واضح.
17

20 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا محبة مع مراء.
أقول: المراء المجادلة والمخالفة، والمحبة الميل الدائم بالقلب الهائم وقال الجنيد
رحمه الله: المحبة افراط الميل بلا نيل، وقيل ايثار المحبوب على جميع المصحوب، وقيل:
موافقة الحبيب في المشهد والمغيب، واختلف في أصلها في اللغة، قال بعضهم: من الحب
بمعنى صفاء بياض الأسنان ونضارتها سمى بذلك لصفاء القلب بها، وقيل، من الحباب
وهو ما يعلوا الماء عند المطر الشديد، فعلى هذا: المحبة غليان القلب عند التعطش والاحتياج
إلى لقاء المحبوب، وقيل من حباب الماء بفتح الحاء بمعنى معظمة، سمى بذلك لان المحبة
معظم مهمات القلب، وقيل من اللزوم والثبات، يقال أحب البعير إذا برك فلا يقوم،
فكأن المحب لا يبرح بقلبه عن ذكر محبوبه، وقيل: من الحب وهي الخشبات الأربع التي
توضع عليها الجرة، فوجه التسمية به انه يتحمل عن محبوبه جميع ما أصاب من جهته
وجميع ذلك ينبئ عن الموافقة، والمراء مجادلة ومخالفة فلا يجتمعان، فمن ادعاها مع المراء
فهو كاذب.
21 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا سؤدد مع انتقام.
أقول: السودد مصدر يقال: ساد قومه يسوده سيادة وسودة وسؤددا (وسؤددا،
بالهمز وسيدوة) واحدى الدالين زائدة للالحاق ببناء فعلل مثل جندب وبرقع، والانتقام
المعاقبة.
يعنى من غضب لأجل نفسه أحدا من القوم لا يليق سيادة ذلك القوم ورياستهم
18

بل الغضب والشفقة والبغض والمحبة ينبغي أن يكون لله تعالى خصوصا ممن أراد السيادة،
وحكى عن بعض أهل الحكم انه قيل له: ان فلانا صدر عنه أمر يوجب التعزير فأرسل
إليه فلم يجب ثم قام ذلك الحاكم وذهب إليه ليعزره في مكانه فلما رأى الأمير شتمه
فرجع الحاكم ولم يعزره قيل له في ذلك؟ - قال: لأنه شتمني فان كنت عزرته قبل الشتم
فهو لرضاه تعالى واما الان فأخاف ان يقع لأجل نفسي فلهذا تركته (1).

(1) - أولى مثال لذلك ما عامله أمير المؤمنين علي (ع) في غزوة الأحزاب المعروف في بغزوة
الخندق مع عمرو بن عبد ود عند قتله (ع) إياه وهو معروف وذكره المولى الرومي في كتابه
صقيل الأرواح العروف بالمثنوى بوجه آخر فلا بأس بالإشارة إليه لأنه صرح ان الذي رمى بزاقه
على وجه أمير المؤمنين (ع) آمن وأسلم مع خمسين نفرا من أقربائه بعدان علم سر تأخيره
(ع) قتله وهو انه نقل في الدفتر الأول من المثنوي تحت عنوان " خدواند اختن خصم بر روى
أمير المؤمنين علي عليه السلام وانداختن آن حضرت شمشير را از دست " ما نصه (ص 97
من طبعة مكتبة الاسلامية):
" از على اموز اخلاص عمل * شير حق رادان منزه ازدغل "
" در غزاير پهلوانى دست يافت * زود شمشيرى بر آورد وشتافت "
" أو خدوا انداخت بر روى على * افتخار هر نبي وهر ولى "
" در زمان انداخت شمشيرآن على * كرد أو اندر غزايش كاهلي "
" گشت حيران آن مبارز زين عمل * ازنمودن عفو ورحم بي محل "
" گفت بر من تيغ تيز افراشتى * ازچه افكندي مرا بگذاشتى "
" فساق الكلام إلى أن قال:
" گفت أمير المؤمنين باآن جوان * كه بهنگام نبرد اي بهلوان "
" چون خدوا انداختى برروى من * نفس جنبيد وتبه شد خوى من "
" نيم بهر حق شد ونيمى هوا * شركت اندر كار حق نبود روا "
" گبر أين بشنيد ونوري شدپديد * در دل أو تا كه زنارى دريد "
" گفت من تخم جفا مى كاشتم * من ترا نوعي دگر پنداشتم "
" عرضه كن برمن شهادت را كه من * من تراديدم سر افراز زمن "
" قرب پنجه كس زقوم وخويش أو * عاشقانه سوى دين كردند رو "
" أو بتيغ حلم چندين خلق را * واخريد ازتيغ چندين حلق را "
فمن أراد تفصيل القصة فليراجع الكتاب المشار إليه (ص 97 - 104)
19

22 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا زيارة مع زعارة.
أقول: الزيارة مصدر من زار يزور من باب قال وكتب، قلبت واوه ياء لكسرة
ما قبلها، والزعارة بتشديد الراء شراسة الخلق ولا فعل له واما قولهم: زعر يزعر " من باب
طرب " فهو زاعر فلمعنى آخر وهو قلة الشعر، والزعرور بضم الزاء كالعصفور وزنا
سيئ الخلق والعامة تقول: رجل زعرور فيه زعارة كذا في مختار الصحاح.
المعنى - ان المقصود من الزيارة لاحد تفريح قلبه وإدخال السرور في صدره
وذلك لا يحصل الا ببشاشة وجه الزائر لا باظهار الحزن وإرادة كسر الخاطر، بيت (1):
زبخت روى ترش كرده پيش يار عزيز * مرو كه عيش برو نيز تلخ گردانى
بحاجتي كه روى تازه روى وخندان رو * فرو نبندد كار گشاده پيشانى
فلو جئت حبيبك وأنت عبوس الوجه ومحزون القلب انقلب زيارتك زعارة
واكرامك إياه إهانة فحقه ان يقول هو لك: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين
فبئس القرين (2).
23 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا صواب مع ترك المشورة.
أقول: الصواب ضد الخطأ وهو حكم يطابق الواقع والظاهر أنه في أصل اللغة

(1) - البيتان لسعدى (انظر گلستان، الباب الثالث ص 101 من طبعة الأستاذ عبد العظيم القريب).
(2) - ذيل آية 38 من سورة الزخرف وفى هامش الكتاب: " بعد المشرقين اي بعد المشرق
من المغرب فغلب المشرق وثنى وأضيف البعد إليهما، كذا في تفسير القاضي، منه ".
20

من: صاب السهم يصوب صيبوية إذ قصد ولم يجره (1) وفى العرف العام يستعمل اسما
لمصدر أصاب لا مصدر صاب، إذ لا يقال في معنى الصواب صائب بل يقال: مصيب
كذا يفهم من حاشية المطالع (2)، والمشورة استضمام الامر باستصواب الغير وهو أمر
مندوب إليه بدلالة قوله تعالى خطابا مع نبيه صلى الله عليه (وآله) وسلم: وشاورهم
في الامر (3).
المعنى - ان تارك المشورة عن ذي عقل وبصيرة غير مصيب في امره والظاهر أنه
على وجه المبالغة حثا على المشورة لاعلى وجه التحقيق والا لزم ان لا يصيب كل أحد
في امره الا بمشورة، وليس كذلك، وقيل: الانسان أقسام ثلاثة، رجل كامل، ونصف
رجل، ولا شئ، اما الرجل الكامل فمن له عقل تام، ومع هذا يشاور العقلاء، واما
النصف فهو الذي له عقل ورأي ولكن يستبد برأيه ولا يشاور أحدا، واما الذي هو
لا شئ فهو الذي ليس له عقل كاف ورأي واف، مع أنه يترك المشورة.
فان قيل: ما فائدة الامر بالمشورة للنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم مع أنه
موصوف بكمال العقل وتمام الرأي؟
قلنا: هو التودد لمن يشاوره من الأصحاب وان يقتدى به في المشورة مع ذوي الألباب
والتخلص عن استحقاق اللوم والعتاب ان لم يتيسر وجه الخير والصواب فان حصول

(1) - في الهامش: " بالراء المهملة من جار يجور إذا مال عن سمت الاستواء ".
(2) - في الهامش: " قد علم من هذا الفرق بين صاب وأصاب واما خطأ وأخطأ
فلا فرق بينهما بل هم لغتان بمعنى واحد، يشهد به ما وقع في المثل: مع الخواطئ سهم
صائب، يضرب للذي يكثر الخطأ ويأتي أحيانا بالصواب، وجه الاستشهاد به ان السهم
لا يوصف بالتعمد لما لا ينبغي مع أنه موصوف بالخاطئ إذ الخواطئ جمع الخاطئ لاجمع
المخطئ فتدبر، وفرق الأرموي بينهما وقال: المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره والخاطئ
من تعمد بما لا ينبغي كذا في حاشية شرح المطالع، منه ".
(3) - من آية 159 سورة آل عمران.
21

المرام إنما هو بعون الملك العلام لا بالمشورة كما يشير إليه سياق الآية: فإذا عزمت فتوكل
على الله (1) اي لا على المشورة ولا على أصحابك، كذا في تفسير الامام أبى الليث رحمه الله تعالى. 24 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا مروة لكذوب
أقول أصل المروة مروءة من المرء قلبت الهمزة واوا ثم أدغمت وفى المغرب:
المروءة كمال الرجولية، والكذوب مبالغة كاذب.
يعنى ان من اعتاد الكذب لا يجئ منه المروة والانسانية لان من جملتها صدق
القول والكذب ينافيه فلا يجتمع المروة مع الكذب.
25 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا وفاء لملول
أقول الوفاء: ضد الغدر، والملول فعول من الملال بمعنى السأمة يقال: مل الشئ
ومل من الشئ يمل بالفتح مللا وملة وملالة اي سئمه، واستمل بمعنى مل، ورجل
مل وملول وملولة وذو ملة وامرأة ملولة كذا في مختار الصحاح.
يعنى ان السأمة والحزن إذا استولى على أحد يسد طرق احساسه ويضعف آلات
ادراكه فلا يتيسر له الوفاء بما وعد، ويقع النقض على ما عهد، فالأحرى للعاقل (2) ان
لا يفعل شيئا معتمدا على عهده ووعده ومتوكلا على قوله وفعله فإنه مغلوب النهى ومسلوب

(1) - من آية 159 آل عمران.
(2) - كذا والأولى ان يستعمل بالباء لا باللام اي يقال: بالعاقل.
22

القوى. ويقال: الاعتماد على قول الامراء كالاستناد على الماء الجاري، لعل وجه التشبيه
هو انهم لا ينفكون عن الملالة والسأم في أغلب الليالي والأيام لكثرة اشتغالهم بأمور
الخلق ومصالح الأنام، وفى بعض النسخ: لملوك، والظاهر أنه سهو ومنشأه ما ذكر
آنفا ووجه كونه سهوا هو ان الملك والامارة من حيث هو ليس علة للغدر بل باعتبار
الملالة كما لا يخفى.
26 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا كرم أعز من التقوى.
أقول: الكرم عموم النفع بالموجود بلا ضنة ولا منة، وأعز أفعل من العز بمعنى
القوة، أو من العزة بمعنى الغلبة والقهر، والتقوى جماع الخيرات، وحقيقة الاتقاء التحرز
بطاعة الله تعالى عن عقوبته يقال: اتقى فلان بترسه، واصل التقوى اتقاء الشركة: ثم
بعده اتقاء المعاصي والسيئات، ثم بعده اتقاء الشبهات، وثم بعده يدع (1) الفضلات،
وقيل: التقوى على وجوه، للعامة تقوى الشرك، وللخواص تقوى المعاصي، وللأولياء
تقوى التوسل بالافعال، وللأنبياء تقواهم منه إليه، وقال الواسطي: التقوى ان يتقى تقواه
اي من رؤيته تقواه كذا في الرسالة القشيرية (2).
المعنى ان من اتصف بمراتب التقوى كان أفضل كرما وأعم نفعا، لان
التقوى مجمع الخيرات واصل الطاعات ومدار الكرامات، قال الله تعالى: ان أكرمكم
عند الله اتقاكم (3).

(1) - في الرسالة القشيرية: " تدع " (بتاء الخطاب).
(2) - انظر باب التقوى من تلك الرسالة (ص 52 - 53 من النسخة المطبوعة بمصر سنة 1367).
(3) - من آية 13 سورة الحجرات.
23

27 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا شرف أعز من (1) الاسلام.
أقول: وهو أفعال من السلم بمعنى السلامة والسلام وبمعنى الصلح والمسالمة
قال في العقائد في الاعتقاد وعليه العمدة والاعتماد: الايمان والاسلام واحد، والظاهر أن
المراد بوحدتهما اتحادهما بحسب الذات والمعروض لا بحسب المعنى والمفهوم، إذ لكل
معنى مغاير للاخر فان معنى الاسلام هو الانقياد والخضوع لأوامره ونواهيه، ومعنى
الايمان هو التصديق بما أخبر به الله تعالى على لسان رسوله فهما متغايران الا ان الانقياد
الباطني يلزمه الصديق القلبي لزوما كليا بحيث لا يوجد أحدهما بدون الاخر فيكون
ذاتهما ومعروضهما واحدا لا ينفك أحدهما من الاخر مثل النطق والضحك فلا يجوز شرعا
ان يقال لشخص: هذا مسلم ليس بمؤمن، وبالعكس، بل الحق ان يقال: كل مؤمن
مسلم وبالعكس كما يقال: كل ناطق ضاحك بالقوة وبالعكس. وأنكر أهل الظواهر
تساويهما وزعموا أن الاسلام أعم من الايمان مستدلين بقوله تعالى: قالت الاعراب
آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم (2) حيث أثبت الاسلام
ونفى الايمان، والجواب ان المراد من الاسلام ههنا معناه اللغوي وهو الاستسلام ومجرد
الانقياد لا الشرعي وهو الانقياد المرتب على التصديق القلبي والا يلزم أن يكون المنافق
مسلما شرعا وهو باطل.
وحاصل المعنى ان شرف الاسلام يعلو كل شرف ونباهة من شرف النسب
والمال وسائر الفضائل فإنه لا معتبر به بدون الاسلام.

(1) - يجوز في قوله " أعز " الفتح والرفع والنصب كما قال ابن مالك:
" ومفردا نعتا لمبنى يلي * فافتح أو ارفع أو انصبن تعدل "
فمن أراد التفصيل فليراجع موارده.
(2) - صدر آية 14 سورة الحجرات.
24

28 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا معقل أحصن من الورع.
أقول: المعقل الملجأ، والورع بفتحتين مصدر من ورع يرع رعة بكسر الراء
في الثلاثة وهو التحرز والامتناع عم لا ينبغي، والورع بكسر الراء صفة بمعنى التقى
كذا في مختار الصحاح. قال يحيى بن معاذ: الورع الوقوف على حد العلم من غير تأويل،
وقال يونس بن عبيد الله: الورع الخروج عن كل سيئة ومحاسبة النفس مع كل طرفة،
قيل: جاءت أخت بشر بن الحارث الحافي إلى أحمد بن حنبل وقالت: انا نغزل على سطوحنا
فتمر بنا المشاعل الظاهرية ويقع الشعاع علينا أفيجوز لنا الغزل في شعاعها؟ - فقال احمد:
من أنت عافاك الله؟ - قالت: أخت بشر الحافي، فبكى أحمد وقال: من بيتكم يخرج الورع
الصادق، لا تغزلي في شعاعها. وقال على العطار: مررت بالبصرة في بعض الشوارع فإذا
مشايخ قعود وصبيان يلعبون، فقلت لهم: ما تستحيون (1) من هؤلاء المشايخ؟ - فقال صبي
منهم: هؤلاء المشايخ قل ورعهم، فقلت هيبتهم، كذا في الرسالة القشيرية (2).
المعنى - إذ أردت ان تخلص نفسك من الآفات والعاهات وتفحصت
ملجأ تستعيذ به فصاحب الورع والتقى فإنه ليس في الدنيا حصن أشد منه ملجأ
وأقوى ملاذا.

(1) - في الرسالة القشيرية: " تستحون " وهما لغتان صحيحتان من استحى (بحذف الياء
الأولى) واستحيا (بيائين) صرح يجوازهما واستعمالهما علماء اللغة.
(2) - انظر باب الورع من الكتاب (ص 53 - 55 من النسخة المطبوعة بمصر سنه 1367).
25

29 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا شفيع أنجح من التوبة.
أقول: الشفيع صاحب الشفاعة أو الشفعة، وأنجح أفعل من النجح والنجاح
على وزن الصلح والصلاح بمعنى الظفر بالحوائج (1)، أو من الانجاح (2) بمعنى قضاء الحاجة،
والتخليص على خلاف القياس، والتوبة في اللغة الرجوع من تاب يتوب من باب قال
يقول، والتوبة أيضا في الشرع الرجوع عما كان مذموما في الشرع إلى ما هو محمود
فيه، قالوا: شرط التوبة ثلاثة أشياء، الندم على ما قدم من المخلفات، وترك اللذة في
الحال، والعزم على أن لا يعود إلى مثل ما عمل من المعاصي، وما قاله صلى الله عليه (وآله)
وسلم: الندم توبة فإنما هو نص على معظم شرطه كما قال عليه الصلاة والسلام: الحج
عرفة اي معظم أركانه الوقوف بها؟ لا الحصر.
المعنى - أيها المكتسبون للخطيئات والمجترحون للسيئات عليكم ان تستشفعوا
التوبة (3) والإنابة وتستعينوا بالاستغفار والايابة (4) فان شفاعته أقرب إلى القبول بل هو

(1) - اي اجعلوا التوبة شفيعة لكم.
(2) - في الهامش: " يعنى ان أنجح إذا كان من الانجاح يكون من الزوائد ولا يجيئ
أفعل التفضيل منها الا على خلاف القياس نحو قولهم: أعطاهم وأولاهم بمعنى أكثرهم
اعطاء وأشدهم ايلاء بمعنى الاعطاء، منه ".
(3) - في الهامش: " يعنى ان التوبة من بين الشفعاء أكثر ظفرا بحاجتها وأشد وصولا
إلى ما ردها وتخليص من شفعت وكذلك سائر الشفعاء فإنه قد يحصل ما أرادوه من التخليص
وقد لا يحصل، منه ".
(4) - كذا في الأصل.
26

عين القبول قال عليه الصلاة والسلام: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وهو أحب إلى
الله تعالى ورسوله، قال الله تعالى: ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (1) الا ترى ان شفاعة
التوبة تنفع الكافر (2) وشفاعة سائر الشفعاء ليست كذلك، قيل لأبي حفص: لم يبغض
التائب الدنيا؟ - قال: لأنها دار باشر فيها الذنوب، فقيل له: فهي دار كرمه الله تعالى
فيها بالتوبة فقال: انه من الذنوب على يقين ومن قبول توبته على خطر، كأنه يشير إلى أن
من شرط التوبة أن يكون التائب مستحقا لمحبة الله تعالى إياه والعاصي بينه وبين
محل يجد في أوصافه امارة محبة الله تعالى إياه فيه مسافة بعيده فالواجب إذا على العبد
العاصي بعد اظهار التوبة دوام الانكسار وملازمة التضرع والاستغفار كما قالوا: استشعار
الوجل إلى الاجل (3).
30 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا لباس أجمل من السلامة.
أقول: اللباس بالكسر واللبوس بالفتح ما يلبس، وكذا الملبس بوزن المذهب،
واللبس أيضا كالدبس الكعبة والهودج ما عليها من لباس من الثوب يلبسه بالفتح
لبسا بالضم والمراد ههنا الصفة مجازا، والجمال الحسن وقد جمل الرجل بالضم جمالا
فهو جميل وامرأة جميلة وجمله تجميلا زينه، والسلامة من قولهم: سلم فلان من الآفات
كذا في مختار الصحاح.

(1) - ذيل آية 222 سورة البقرة.
(2) - في الهامش: " أي في الدنيا.
(3) - مهمات شرح هذه الكلمة مأخوذة من الرسالة القشيرية (انظر باب التوبة (ص
45 - 48 من النسخة المطبوعة بمصر سنه 1367).
27

والمعنى - ان من اتصف بصحة البدن وسلامة الايمان فقد اجتمع فيه أحسن
نعم الدنيا والآخرة، إذا لا نعمة أحسن وأفضل منها كما يقال: أفضل رأس المال الصحة،
ويجوز أن يكون المراد من السلامة سلامة الغير من أذية الرجل.
يعنى - ان أفضل أحوال الرجل ان يسلم غيره من اذيته وجوره كما يقال: المسلم
من سلم المسلمون من يده ولسانه، والله أعلم.
31 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لأداء أعيا من الجهل.
أقول: الداء المرض تقول منه داء يداء من خاف يخاف داء بالمد والجمع أدواء،
وأعيا اسم تفضيل من الاعياء على خلاف القياس يقال: داء أعيا اي صعب لا دواء له
كأنه أعيا الأطباء وأعجزهم، والظاهر أن المراد من الجهل هو الجهل الكامل المطبوع عليه
المسمى بالجهل المركب إذ غيره يسهل زواله.
المعنى - ان الجهل المطبوع عليه مرض شديد ليس له دواء يورث لصاحبه
الشقاوة والقساوة ويمنعه عن قبول الحق والهداية فلا ينفعه دواء الآيات الواضحة وعلاج
المعجزات الساطعة بل تزيده نفورا واستكبارا كما قال تعالى حكاية عن نوح النبي
عليه الصلاة والسلام فلم يزدهم دعائي الافرارا (1)، أعاذنا الله تعالى بلطفه عن ظلمة
الجهل والفساد، وهدانا بفضله إلى طريق الحق والرشاد، انه رؤوف بالعباد (2) -.

(1) - آية 6 سورة نوح.
(2) - اقتباس من قوله تعالى: " والله رؤوف بالعباد " (وهو ذيل آية 207 سورة البقرة
وكذا ذيل آية 30 سورة آل عمران).
28

قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا مرض أضنى من قلة العقل.
أقول: يقال: أضناه المرض أثقله وجعله ضعيفا، والضنى بالقصر المرض
وبابه صدى فهو رجل ضني على وزن فعيل وضن على وزن فعل بحذف الاخر يقال:
تركته ضنيا وضنيا بالتخفيف والتشديد.
المعنى - من كان من العقل قليل البضاعة ومن الفهم قصير الباعة كمثل المريض
الذي ضعف جسمه من شدته ونحف بدنه من قوته بل هو أضعف حالا منه لعجزه عن
درك العواقب وخلوه عن الرأي الصائب.
33 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لسانك يقتضيك ما عودته.
أقول: اللسان العضو المخصوص وقد يراد به الكلمة فعلى الأول يقال: ثلاثة
ألسنة بالتذكير، وعلى الثاني يقال: ثلاث ألسن بالتأنيث، والاقتضاء والتقاضي طلب
أداء الدين، وقد يستعمل بمعنى الايجاب، والتعويد تصيير الشئ عادة.
المعنى - لا تجعل ما قبح من الكلام وفحش منه مثل الشتم والنميمة عادة للسانك
فإنه يطلب منك ما يعتاده ويوجب عليك أداءه فمهما أطلقته يصدر منه من الكلام ما
لا ينبغي فاطلاقه يوجب تقييدك بقيد المضرة، ووقوعك في موقع الهلكة والمعرة كما قيل:
لسانك أسدك ان أطلقته يأكلك، وقال الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه * وليس يموت المرء من عثرة الرجل
وعثرته بالفم ترمى برأسه * وعثرته بالرجل تبرى على مهل
29

وقيل: جعل اللسان في الانسان واحدا وكل من السمع والبصر اثنين ليكون
كلامه أقل مما يسمع ويبصر.
34 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
المرء عدو لما جهله.
أقول: عدو الرجل من يفرح بحزنه ويحزن بفرحه.
يعنى - ان من لم يعلم شيئا لا يحبه ولا يميل إليه قلبه، بل يريد عدمه رأسا الا ترى
ان الكفار يعادون الأنبياء والجهال العلماء؟! لجهلهم ما هم عليه من الشمائل وعدم رؤيتهم
ما فيهم من العلوم والفضائل.
35 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: رحم الله امرء عرف قدره ولم يتعد طوره..
أقول: الرحمة رقة القلب وانعطافه فإذا أسند إلى الله تعالى يحمل على الغاية
والأثر وهو الإثابة والاحسان يقال: عدا طوره أمي جاوز حده ويجئ الطور بمعنى التارة
ومنه قوله تعالى: وقد خلقكم أطوارا (1) قال الأخفش: طورا علقة وطورا مضغة، وقد
يجئ بمعنى الحال ومنه قولهم: الناس أطوار اي أصناف على حالات شتى، كأن
أمير المؤمنين رضي الله عنه دعا لمن يعرف مقداره ولم يتجاوز منه حثا للناس عليه
وإشارة إلى أنه حسن في نفسه.

(1) - آية 14 سورة نوح.
30

36 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
إعادة الاعتذار تذكير للذنب.
أقول: يقال: اعتذر من الذنب بمعنى أعذر اي صار ذا عذر.
يعنى - أن من أساء أحدا فلا بأس بالاعتذار مرة فان اعاده كان مذكرا لإساءته،
فيكون كأنه سيئة ثانيا، فيصر الإعادة إساءة فيمر بما يفر فيحتاج إلى اعتذار آخر
ثم وثم.
37 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
النصح بين الملاء تقريع.
أقول: النصح والنصيحة إرادة الخير للغير.
والملاء بالقصر الجماعة، والتقريع بمعنى الدق من باب قطع يستعمل بمعنى
اللوم والتوبيخ.
يعنى - ان من أراد النصيحة لاحد ينبغي أن يكون نصحه في الخلاء فإنه أقرب
إلى القبول لا في الملاء فإنه ليس بنصح محض بل هو توبيخ بحت (1) ولهذا قال: لا ينجع
فيه (2) بل يزيده نفورا وعنادا.

(1) - في الهامش: " بفتح الباء وسكون الهاء المهملة يقال: خير بحت أي ليس
معه غيره منه ".
(2) - في الهامش: " نجع فيه الخطاب والوعظ والدواء أي دخل فيه واثر، مختصر الصحاح ".
31

قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
إذا تم العقل نقص الكلام.
أقول: العقل الحجى ويقال له: النهية بالضم واحدة النهى، سمى بها لأنها تنهى
عن القبيح ونقص الشئ من باب نصر ونقصانا أيضا ونقصه غيره يتعدى ويلزم. قلت:
النقص مقدر المتعدى والنقصان مصدر اللازم كذا في مختار الصحاح. والكلام اسم
جنس يقع على القليل والكثير، وفى الاصطلاح هو اللفظ المفيد فائدة يصح السكوت عليها.
المعنى - من كان كامل العقل والحجى يكون كلامه مختصرا مقبولا عند أولى
النهى ومن ثم قيل: خير الكلام ما قل ودل، فالاكثار اثر السفاهة واثره الملامة والسأمة.
39 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الشفيع جناح الطالب.
أقول: شبه الشفيع بالجناح والطلب بالطائر، لان الطالب يصل إلى مطلوبه
بسبب شفاعة الشفيع كما أن الطائر ينال مراده بسبب الجناح فالتشبيه الأول من قبيل
التشبيه البليغ والثاني استعارة بالكناية، واثبات الجناح للطالب تخييل.
المعنى - ان من تمسك بحبل الشفاعة فيما يحتاج إليه عند أحد من جلب نفع
أو دفع ضر فالأغلب ان ينال مراده ويحصل ما أراده لما يفهم من ظاهر ما قيل: من كان
في عون أخيه المسلم كان الله تعالى معينه (1). من أن الشفيع هو ممن أعانه الله تعالى سواء
كان في نفس الشفاعة أو في سائر أحواله وافعاله.

(1) - في الحاشية: " لعله مأخوذ من قوله: من كان في حاجة أخيه كان الله في
حاجته، والحديث في المشارق وإنما لم يقل من قضى حاجة أخيه اشعارا بأن قضاء الحاجة
إنما هو خالصا لله تعالى وليس من قبل العبد الا المباشرة به والكون فيه ثم الغرض ههنا
بيان كون الأول سببا للثاني فان تكرر السبب تكرر المسبب والا فلا، فلا يرد عليه ان
لفظ كان لا يصلح ههنا للاستمرار ولا للانقطاع ولا للزيادة ولا يحتاج في دفعه إلى أن
يقال من أن كان الأول بمعنى سعى والثانية بمعنى قضى على معنى من سعى في حاجة أخيه
قضى الله حاجته، مع أنه لا يخلو عن تعسف لأنه تخصيص للعام الذي هو الكون في قضاء
الحاجة بأي وجه كان بالسعي الذي هو عمل بحسب الجوارح والنفع العام على عمومه،
كذا في شرح المشارق، منه ".
32

40 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
نفاق المرء ذلة.
أقول: يعنى - مخالفة الباطن للظاهر باخفاء المكر والعداوة واظهار الحب والصداقة
سبب للمذلة والحقارة في الدينا والآخرة، فان صاحب هذا الفعل الشنيع لا يخلو من أن
يغتاب عمن ينافقه حال غيبته والطعن عليه هو اللعن له وعد مثالبه ومعايبه، ومرتكب
هذه القبائح لا يخفى ذله وهو انه عند كل أحد.
41 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
نعمة الجاهل كروضة في مزبلة.
أقول: النعمة بكسر النون هي الحالة التي يستلذ بها الانسان، أطلقت على ما يستلذ
به من المنعم به، والنعماء بالفتح والمد والنعمى بالضم والقصر ما أنعم الله به عليك، و
الروضة من البقل والعشب وجمعها روض ورياض، والمزبلة بفتح الباء وضمها موضع
الزبل وهو السرجين معرب سرگين وهو قذر الدواب.
33

يعنى - إذا رأيت جاهلا كثيرا النعم والأموال فلا تعجب، فان الرياض تكثر في
المزابل، ولا تأس على الفقير ان كنت عاقلا فنعمة العقل أم جميع الفضائل، ولا تطمع بشئ
مما في يده، فان الطبع السليم يتنفر عما على المزابل، بيت:
دست سلطان دگركجا يابد * چون بسرگين در اوفتاد ترنج
(1) تشنه دا دل نخواهد آب زلال كوزه بگذشته بر دهان سلنج (2)

(1) - في الهامش: " لفظ (ترنج) " مما تنازع فيه الفعلان أحدهما (يابد) بمعنى يجد وهو
يقتضى المفعول والثاني (اوفتاد) بمعنى وقع وهو يقتضى الفاعل، منه ".
(2) - في الهامش: " بالشين المعجمة على وزن ترنج بالتركي يلمه كذا سمع، وقال بعض
الكملين معناه: دهان گنديده، وقيل: أصل العبارة سكنج بكسر السين المهملة وفتح الكاف
العربي وهو اسم للحية الرقشاء وهي الحية المعروفة بشدة تأثير سمها، منه "
. أقول: اما البيتان فهما لسعدى ذكرهما في أواخر الباب الأول من كتاب گلستان الا
انهما ليسا في بعض النسخ ومن ذلك البعض نسخة الأستاذ عبد العظيم القريب وحيث إن
اللغويين وشراح كتاب گلستان صرحوا بكون البيتين لسعدى وهما موجودان في غالب
النسخ فلا يعبأ بقليل من النسخ التي ليس فيه البيتان، قال صاحب فرهنگ آنندراج
ما نصه: سكنج بضمتين (فارسي) بمعنى گنده دهن وبوى دهان، شيخ سعدى گفته:
" دست سلطان دگر كجا بيند * چون بسرگين دراوفتاد ترنج "
" تشنه رادل نخواهد آب زلال * كوزه بگذشته بر دهان سكنج "
(انتهى ما أردنا نقله من آنندراج)
وصرح دهخدا في كتاب أمثال وحكم أنهما لسعدى (انظر ص 809 من الكتاب).
وقال الشيخ ولى محمد الأكبر ابادى في " شرح گلستان فارسي " (ص 129 من
النسخة المطبوعة بلكهنو): " قوله: كوزه بگذشته بردهان اشكنج درنسخهء سقيمه شكنج
بي همزه مرقوم است ومير نور الله نظر باين نسخه ازفرهنگ جهانكيرى نوشته كه شكنج با
أول وثاني مضموم گنده دهن باشد دهن انتهى پس بر تقدير همزه دهان اشكنج لفظ مركب باشد
بتجريد بعض معنى چه اشكنج راكه بعمنى گنده دهن است ازدهن مجرد كرده بادهان تركيب
دادند ".
إلى غير ذلك ممن صرح بأنهما لسعدى وبقى هنا شئ وهو ان آخر كلمة من البيت
الثاني في بعض النسخ: " سلنج " (باللام) فقال ابن خلف التبريزي في برهان قاطع " ما نصه:
" سلنج بكسر أول وضم ثاني وسكون نون وجيم مخفف سه لنج است يعنى سه لب چه لنج
بمعنى لبه هم آمده است وكسى را نيز گويند كه لب بالائين يالب زيرين اوچاك باشد "
فعلم أن ما ذكره الشارح في هامش الكتاب في معنى الكلمة بمعزل عن الصواب.
34

42 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: الجزع عند المصيبة أتعب من الصبر.
أقول: الجزع ضد الصبر، والمصيبة واحد المصائب بالهمزة واصله الواو وقد
يجمع على مصاوب بالواو، والصبر بالسكون حبس النفس عن الجزع كأنه مأخوذ
من الصبر، بكسر الباء وهو الدواء المر.
المعنى - من أصابته مصيبة فليصبر ولا يجزع، فان الجزع أشد تعبا وأكثر نصبا
من الصبر، مع أنه لا ينفعه، وعن ثواب المصيبة يمنعه، فيكون مصيبة على مصيبة.
43 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
المسؤول حر حتى يعد.
أقول: المسؤول من السؤال بمعنى التكدي لا بمعنى الاستكشاف، والفرق انه
إذا كان بكنى التكدي يتعدى إلى مفعوليه بلا واسطة نحو سألت زيدا درهما، وإذا كان
بمعنى الاستكشاف يتعدى إلى الثاني بعن نحو سألت زيدا عن حال عمرو، وقد يستعمل
35

الباء موضع عن كقوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع (1) وقال الأخفش: يقال خرجنا
نسأل عن فلان وبفلان، والحر ضد العبد وههنا مجاز عن المتخلص من ربقة رق المطالبة،
والوعد والعدة يستعمل في الخير والشر قال الفراء: يقال: وعدته خيرا ووعدته شرا،
فان أسقطوا الخير والشر قالوا: في الخير الوعد والعدة، وفى الشر الايعاد والوعيد، فان
أدخلوا الباء في الشر جاؤوا بالألف فقالوا: أوعده بالسجن.
المعنى - الذي طولب منه شئ فهو حر متخلص عن رق مطالبة الطالب إياه
ثانيا ما لم يعد بأداء ولم يلتزم بايفائه، فإذا وعده والتزم ايفاءه فقد أوقع نفسه في مظنة
الرق والعبودية، ثم إذا وفا ما وعده خرج عن تلك المظنة وعاد حريته والا بقي فيها
فالأحرى بشأن من يدعى الحرية ان يقضى حاجة الطالب ان قدر، وان لم يقدر لم يعد
بالقضاء بل يرده بقول جميل، قال الله تعالى: قول معروف ومغفرة خير من صدقه
يتبعها أذى (2).
44 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
أكبر الأعداء أخفاهم مكيدة.
أقول: الأكبر أفعل التفضيل من الكبر بكسر الكاف والمفضل عليه حقيقة محذوف
ههنا تقديره: أكبر كبار الأعداء، للزوم كون المفضل والمفضل عليه مشتركا في أصل المعنى
كما قيل في قوله عليه السلام: ان شر الناس عند الله منزلة من أكرمه الناس اتقاء فحشه،
تقديره (3): ان شر شرار الناس، والمكيدة مصدر من كاد يكيد كيدا ومكيدة بمعنى المكر.

(1) - آية 1 سورة المعارج.
(2) - صدر آية 263 سورة البقرة.
(3) - في الهامش: " إذ لو لم يقدر به يفهم اشتراك جميع الناس في الشر ولا شك ان
الناس كلهم ليس بشر كما يقال: فلان أكرم الناس اي أكرم كرماء الناس، كذا في شرح -
المشارق، منه ".
36

المعنى - ان من صحبك (1) باظهار المحبة والصداقة وكلمك بالملائمة والبشاشة
مع أنه مجتهد في السر بالذعارة والعداوة فاعلم أن عداوته أثبت وأتم واحكم فاحذر
عنه كل الحذر فان قوله مكر وتلبيس، وفعله كيد وتدليس، وغرضه عيب وتدنيس،
واللص الداخلي داء عضال، قال الشاعر:
نفسي إلى ما ضرني داعى * تكثر أسقامي وأوجاعي
كيف احتيالي من عدوى إذا * كان عدوى بين أضلاعي
45 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
من طلب مالا يعنيه فاته ما يعنيه.
أقول: (يعنيه) من عنى يعنى عناية بمعنى القصد يعنى من طلب ما ليس بمقصود
ومهم له ضل عنه وضاع ما هو مقصود له ومهم عنده ما دام في ذلك الطلب، ويحتمل
أن يكون بالغين المعجمة من الغناء بالفتح والمد بمعنى النفع والكفاية على معنى أنه من طلب
أمرا لا ينفعه ولا يكفيه في العاجل أو في الاجل فات عنه ما ينفعه فيهما، الأول أشهر
والثاني أظهر.
46 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
السامع للغيبة أحد المغتابين.
أقول: الغيبة بالكسر ان يتكلم خلف انسان مستورا بما يغمه لو سمعه (2) فإن كان

(1) - في الهامش: " ويقال: صديقك من صدقك بالتخفيف لامن صدقك بالتشديد، منه ".
(2) - في الهامش: " كذا فسره رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم حيث قال: إن كان
فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم يكن فيه ما تقول فقد بهته بفتح الهاء المخففة: اي قلت فيه
البهتان فعلى هذا كان الفرق بينهما واضحا فلا يلتفت إلى ما قيل: ان الغيبة ذكر الانسان في
غيبته بما يكره، والبهتان ان يقال فيه الباطل في وجهه، فإنه مخالف للحديث حيث لم يقيد في
البهتان أن يكون في وجهه، كذا في توضيح المقدمة، منه ".
37

صدقا سمى غيبة، وإن كان كذبا يسمى بهتانا (1).
يعنى - من جلس في مجلس يغتاب فيه أحد اثم باثم الغيبة وان لم يتكلم، فان
الرضا بالاثم إثم، والجلوس في موضع الفسق معصية. قيل: دعى إبراهيم بن أدهم إلى
دعوة فحضر فذكروا رجلا لم يأتهم وقالوا: انه ثقيل فقال إبراهيم: إنما فعل بي هذا
نفسي، حيث حضرت موضعا يغتاب فيه الناس، فخرج ولم يأكل ثلاثة أيام.
47 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الذل مع الطمع، والعز مع القنع، خذ القنع
ودع الطمع.
أقول: القنع من القناعة وهي مصدر قنع يقنع من باب سلم يسلم، وقنع يقنع قنوعا
من باب خضع يخضع خضوعا بمعنى السؤال والتذلل، وقيل:

(1) - في الهامش: " اعلم أن كلا منهما حرام الا ان الغيبة تستباح في مواضع:
الأول مقام التظلم فإنه يجوز للمظلوم ان يقول لمن له ولاية وقدرة على انتصافه ممن ظلمه:
ان فلانا ظلمني وفعل كذا وكذا والثاني الاستعانة في تغيير المنكر فإنه يجوز له ان يقول
لمن يرجو اقتداره على تغييره: ان فلانا يفعل كذا وكذا فازجره عن تلك. والثالث الاستفتاء
فإنه يجوز للمستفتي ان يقول للمفتي: ان فلانا فعل كذا وكذا فهل يجوز لي ان انتقم منه؟
قيل: الأولى في ذلك أن لا يعين ".
38

العبد حر ان قنع (1) * والحر عبد ان قنع (2)
اقنع ولا تقنع فما * شئ يشين سوى الطمع
ودع أمر من ودع يدع وقد أميت ماضيه وفاعله ومفعوله ولا يكاد يستعمل الا
(فيما) أنكرته كقوله عليه الصلاة والسلام: دع الحبشة ما ودعوكم، واترك الترك ما تركوكم.
المعنى - من تمسك بحبل الحرص والطمع يقع في بر الذل والهوان، ومن سكن
في بيت القناعة يكون مع العز والأمان، قال النبي عليه والصلاة والسلام: ما تضعضع امرؤ
لاخر يريد عرض الدنيا لا ذهب ثلثا دينه. قال بشر الحافي رحمه الله تعالى: القناعة ملك
لا يسكن الا في قلب مؤمن ويقال: الطمع مرض والسؤال نزع، والحرمان موت.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: سل عمن شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن
نظيره، واعط لمن شئت تكن أميره.
48 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الراحة مع اليأس.
أقول: الراحة الاستراحة وكذا الروح بالفتح، والياس القنوط وترك الطمع.
يعنى - من أراد الاستراحة فلييأس عما في أيدي الناس وليتوكل على الله
فهو حسبه.

(1) - بكسر النون.
(2) - بفتح النون.
(3) - كلام مأثور عن أمير المؤمنين عليه السلام وشهرته تغنى عن الايماء إلى محل ذكر له.
39

49 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الحرمان مع الحرص.
أقول: الحرمان مصدر حرمه الشئ يحرمه حرمة بكسر الراء فيهما مثل سرقه
يسرقه سرقة وحرمة وحريمة وحرمانا وأحرمه أيضا إذا منعه إياه، والحرص شدة الميل.
يعنى من كان حريصا على حصول مراده فلاكثر أن يكون محروما كما يقال: تأبى
الدنيا عن طالبها وتتبع لتاركها.
50 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
من كثر مزاحه لم يخل من حقد عليه أو استخفاف به.
أقول: المزاح والمزاحة بضم الميم فيهما اسم المزح وهو مصدر مزح يمزح من
باب قطع: واما المزاح بكسر الميم فهو مصدر مازحه ممازحة مزاحا، والحقد الضغن.
المعنى - من كان عادته المزاح لم يبال من ايذاء من يمزحه وكسر خاطره ومن
كون كلامه صدقا أو كذبا فلا يخلو من الحقد عليه حتى إذا وجد فرصة ينتقم منه وأن يكون
هو مستخفا بين الناس وان يتخذه كل أحد سخريا ومستهزءا، قيد بالكثرة
لان من فعله قليلا يكون مزاحه حقا غالبا فيخلوا عن ذلك بل هو مباح كما نقل عن
النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أنه قال لعجوز: ان الجنة لا يدخلها العجوز يعنى من
حيث إنها عجوز بل تصير شابة فتدخلها.
40

51 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
عبد الشهوة أذل من عبد الرق.
أقول: الشهوة حالة نتساق بها النفس إلى هواها، والرق عجز حكمي يثبت في
الانسان جزاء للكفر ابتداء، والإضافة في الموضعين لأدنى ملابسة إذ كل من الشهوة
والرق سبب لكون صاحبهما عبدا أو خادما لاخر.
المعنى - من كان أسير لنفسه واتبع هواها كان أذل من الرقيق الذي يخدم
مولاه، لان من اتبع الهوى واقتعد غارب الجهل والغوى لا يخلو عن الوقوع في المعصية وأي
ذل وهو ان أعظم من هذا، قال الشاعر (1):
نون الهوان من الهوى مسورقة * وأسير كل هوى أسير هوان

(1) - شعر معروف جدا ومذكور في كثير من كتب الصوفية ومنها الرسالة القشيرية فإنه
مذكور فيها في باب مخالفة النفس وذكر عيوبها (ص 72 من طبعة مطبعة صبيح وأولاده
سنه 1367 وقال الشارح في الهامش: " يعنى ان الهوى أصله الهوان فغير لفظه بحذف النون
وبقى معناه مغيرا في الهوى، ولبعضهم:
ان الهوى لهوان النفس معبرة * فلا تطعه وكن منه على حذر
قيل لبعضهم: انى أريد ان أحج على التجريد فقال: جرد أولا قلبك عن السهو ونفسك
عن اللهو ولسانك عن اللغو ثم اسلك حيث شئت. ورؤى رجل جالسا في الهواء فقيل له:
بم نلت هذا؟ - فقال: تركت الهوى فسخر لي الهواء. وقيل: لا تضع زمامك في يدي
الهوى فإنه يقودك إلى ظلمة كذا في الرسالة القشيرية ". أقول: ما نقله هنا فهو موجود
بعينه في الرسالة القشيرية (انظر باب مخالفة النفس وذكر عيوبها، ص 72 من طبعة مطبعة
صبيح وأولاده سنه 1367).
41

52 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الحاسد مغتاظ على من لاذنب له.
أقول: الغيظ غضب كامن للعاجز تقول: غاظه من باب باعه فهو مغيظ، واغتاظ
وتغيظ بمعنى، ولا يقال: أغاظه وغايظه كذا في مختار الصحاح.
المعنى - ان الحسود يغضب ويغيظ دائما على من لا يؤذيه بل ينفعه أحيانا لأنه
عدو لنعم الله تعالى فإذا رأى أحدا أنعم الله تعالى عليه يكاد يهلك حزنا وغما فأهل العالم
لا يخلوا عن النعم وهو عن الوقوع في الهم والغم، بيت (1):
توانم آنكه نيازارم اندرون كسى * حسود راچه كنم كوزخود برنج دراست
بميرتا برهى اي حسود كاين رنجيست * كه از مشقت آن جز بمرگ نتوان رست
......... شور بختان بآرزو خواهند * مقبلان را زوال نعمت وجاه (2)
گر نبيند بروز شب پره چشم * چشمهء آفتاب را چه گناه
53 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
كفى بالظفر شفيعا للمذنب.
أقول: الباء زائدة في الفاعل، وشفيعا نصب على التميز وللمذنب متعلق بالشفيع

(1) - البيتان لسعدى ذكرهما في الباب الأول من گلستان (انظر ص 25 من النسخة المطبوعة
بتصحيح الأستاذ عبد العظيم القريب).
(2) - البيتان لسعدى ذكرهما في الباب الأول من گلستان وبعدهما هذا البيت:
" راست خواهى هزار چشم چنان * كور بهتر كه آفتاب سياه "
(انظر ص 25 من النسخة المطبوعة بتصحيح الأستاذ عبد العظيم القريب).
42

والظفر على سبيل التنازع.
يعنى - إذا ظفرت على من ظلمك وقدرت على أن تنتقم منه مع أنه لا أحد يشفعه
فاعف عنه فان الظفر عليه كاف في شفاعته.
54 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
رب ساع يسعى فيما يضره.
أقول: الأصل في رب تقليل ما دخلت هي عليه لكن كثر استعمالها للتكثير
والمشهور انه حرف وقيل: هو اسم ككم الخبرية واستدل عليه بصحة نحو قولك:
رب رجل كريم أكرمته، وذلك لان الفعل لا يتعدى إلى مفعول بحرف الجر والى
ضميره معا فلا يقال: لزيد ضربته، وبنحو قولك: رب رجل كريم جاء، في جواب من
قال: ما جاءك رجل، ويتعلق مجرور رب على (ما) بعده على وجه القيام لا الوقوع في نحو
قولك رب رجل كريم حصل، هذا، ووصف مدخوله واجب على الأصح لان التقليل
يناسبه التخصيص: ويحذف فعله غالبا لأنه كثيرا ما يقع في جواب السؤال فيستغنى عن
ذكر الفعل بقرينة السؤال. وقوله: فيما يضره مع متعلقه المقدر صفة ساع على المذهب
الأصح وفعلها محذوف والتقدير: رب ساع يسعى ويجتهد فيما يضره لقيته أو صادفته أو سمعته.
المعنى - كم من رجل يسعى فيما يضره لقلة عقله وعدم تدبيره وعجزه عن دركه عاقبة
أمره وظهور حسنه في عينه وكمون سوءه وقبحه في نظره حتى يراه حسنا ويظنه نفعا
ويسعى له سعيا قال الله تعالى: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا (1) وقال تعالى: وعسى ان
تحبوا شيئا وهو شر لكم (2) الآية فالأجدر بالعاقل (3) ان يحتاط في جميع أحواله وأفعاله

(1) - صدر آية 8 سورة الفاطر (= الملائكة).
(2) - من آية 216 سورة البقرة.
(3) - في الأصل: " للعاقل ".
43

ويسعى فيما يساعده العقل والشرع ويجتنب عن أمر غير ظاهر الخير والنفع فإنه من لم يحترز
عن الشبهة يوشك ان يقع في الحرام المحض.
55 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
اليأس حر والرجاء عبد.
أقول: اي صاحبهما اما بطريق ذكر المصدر وإرادة الصفة أو بتقدير المضاف.
المعنى - إذا طمعت بما في أيدي الناس جعلت نفسك عبدا لهم كما قيل: الانسان
عبيد الاحسان، وإذا رضيت بما قسم لك واستغنيت عن كل أحد بما قدر لك كنت
من جملة الأحرار والأخيار (1) وتخلصت بالكلية عن ربقة رق الأغيار.
56 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
ظن العاقل كهانة.
أقول: الكهانة بكسر الكاف وفتحها مصدر من باب كتب وظرف وهو إخبار
عما يكون في المستقبل.
يعنى - إذا أشكل عليك وجه الامر سله عن رجل عاقل ذي رأى كامل فإذا

(1) - في الهامش: " ومن أحسن ما قيل في هذا الباب قول من قال:
" قدر لرجلك قبل الخطو موضعها * فمن علا زلقا عن غرة زلجا "
ويقرب منه ما قيل: قدم الخروج قبل الولوج، القدم بفتحتين بمعنى الرجل وهو الرواية
في المثل، وقد يقال: قدم بفتح القاف وكسر الدال المشددة على أنه أمر من قدم يقدم تقديما،
والأنسب على هذا ذكر على موضع قبل كما لا يخفى، منه ".
44

أرشدك إلى طريق بمقتضى ظنه وصائب رأيه فاعمل به فان ظن العاقل لا يخطأ غالبا
كأخبار الكهنة الذين يخبرون عن الكوائن بالامارات الدالة على الوقوع مثل هالة القمر
الدالة على المطر، والظاهر أن المراد من الكهانة ههنا ما هو مقرون بالامارة باعتبار
العادة فلا يرد انه يتوهم من ظاهره جواز تصديق الكاهن وهو كفر.
57 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
من نظر اعتبر
أقول: النظر الفكر، والاعتبار هو العبور من حال شئ إلى حال آخر وهو أعم
من النظر (1).
يعنى - من تفكر في عجائب صنع الله تعالى ومكوناته وتأمل في غرائب ملكه
وملكوته فلا جرم اعتبر به (2) حق الاعتبار وعلم يقينا ان الله تعالى واحد في ذاته وكامل
في صفاته لا يماثله أحد من خلقه في شئ وان ما سواه مستمد منه ويحتاج إليه وكذا في كل
أمر من أمور الدنيا والآخرة فإنه إذا تأمل في أمر حصل له العبرة وأدرك ما يؤول إليه فيفعله
إذا علم فيه نفعا والا يتركه.
58 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
العداوة شغل شاغل.
أقول: يعنى - من حمل نفسه عداوة أحد فقد أوقعها في مشقة وتعب، وألقاها

(1) - علله في الهامش بقوله: " لان النظر يعتبر فيه الترتيب، والاعتبار ليس كذلك
بل هو يوجد معه وبدونه، والاعتبار أخص من وجه آخر فإنه يكون في حالة الشيئين المتغايرين
دائما كالعالم مع الصانع والنظر أعم منه ".
(2) - في الأصل: " منه ".
45

إلى مهلكة ونصب، بلا نفع ولا فائدة، فان العداوة تحرق صاحبها كما تحرق النار الحطب.
وقوله: شاغل تأكيد شغل مثل قولهم: ظل ظليل، وليل لائل اي كامل في ظليته وكامل
في ظلمته، وفى بعض النسخ " بلا نفع " وهو ظاهر.
59 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
القلب إذا أكره عمى.
أقول: القلب هو العضو الصنوبري المستكن في الجانب الأيسر من الصدر سمي به
لأنه خالص البدن من قلب النخلة اي لبها، وقيل: سمى به لكثرة تقلبه قال الشاعر:
القلب منقلب مثل اسمه أبدا * طوبى لقلب سليم غير منقلب
والعمى ذهاب البصر من باب صدى، ورجل عمى القلب اي جاهل.
يعنى - إذا أردت ان تعلم أحدا شيئا من العلوم والصناعات فلا تكرهه عليه فان
الاكراه على العلم يوجب الجهل، والجبر عليه يقتضى انكسارا لا يقبل الجبر.
60 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الأدب صورة العقل.
أقول: الصورة ههنا بمعنى الصفة كما في قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم:
خلق الله آدم على صورته.
يعنى - ان الأدب علامة العقل وأثره كأنه صفة له قائم به، ولهذا استدل بالأدب
على العقل كما يستدل بالأثر على وجود المؤثر.
46

61 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا تتكل على المنى فإنها بضائع النوكى
أقول: الاتكال لاعتماد من باب الافتعال وقعت الواو قبل تائه فأدغمت بعد القلب،
المنى بالقصر ما يخطر على البال من هوى النفس، والبضائع جمع البضاعة، والنوكي
بالفتح جمع أنوك من النوك وهو الحمق.
يعنى - لا تعتمد على أمنيتك من الهوى، فإنه ليس كل ما يهواه الانسان يملكه،
ولا كل ما يتمناه يدركه، وان الاعتماد على الهوى والاتكال على المنى من شيم الحمقى
وخصال النوكى، قال الشاعر:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه * تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن (1)
62 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لاحياء لحريص.
أقول: الحياء انقباض النفس عن القبيح مخافة الذم واشتقاقه من الحياة فإنه
انكسار يعترى القوة الحيوانية فيردها عن أفعالها فقيل: حيى الرجل كما قيل: نسي وحشى
إذا اعتلت نساه وحشاه.
يعنى من استولى على الحرص ذهب عن عينيه الشبع والامتلاء وانصب عن
وجهه ماء الحياء.

(1) - الشعر من المتنبي ويجرى مجرى الأمثال.
47

قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
من لانت أسافله صلبت أعاليه.
المراد من الأسافل من يتابع الرجل من المماليك وسائر الخدم، ومن الأعالي
من به القوة والعلو ولين الأسافل كناية عن ضعفها، وصلابة الأعالي كناية عن قوتها.
يعنى - ان من لم يراع أتباعه حق الرعاية ولم يحسن إليهم بلين الكلام ولم يلطف
بهم بحسن الانعام. فلاشك في تفرق أنصاره وأعوانه وتركهم إياه وحيدا بين أعدائه،
فيكون مقهورا ومغلوبا أسيرا في أيديهم قال (1):
إذا شبع الكمي يصول بطشا * وخاوي البطن يبطش بالفرار
فاللازم له ان يذكر الاتباع في الوسع والرفاه بحسن الجود والسخاء حتى يذكروه في
المضائق والبلاء بصدق العهد والوفاء.
64 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
من اوتى في عجانه قل حياءه وبذأ لسانه.
أقول: العجان بالكسر الأحمق وما بين الفرج والدبر وهو المراد ههنا ورجل بذى
اللسان والمرأة بذية من البذاء بالمد وهو الفحش، والاتيان في العجانة كناية عن فعل
يستهجن ذكره.
يعنى - من فعل به ما فعل قوم لوط يكون قليل الحياء بل عديمه ولا يبالي من أن

(1) - الشعر مذكور في الباب الأول من گلستان سعدى الا انى لا أدري هل هوله ومن
انشائه أم لغيره وهو أنشده. (انظر ص 33 من النسخة المطبوعة بتصحيح الأستاذ عبد العظيم
القريب).
48

يتكلم بكلام فاحش وهو لكونه عديم الحياء وبذي اللسان برى من الغيرة والايمان،
ولكمال شناعة هذا الفعل وقباحته قيل: كل ما تشتهيه النفس توجد في الجنة الا اللواطة.
65 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
السعيد من وعظ بغيره.
أقول: يعنى السعادة في الدنيا والآخرة لمن يتعظ ويقبل النصيحة ممن هو ينصح
لاخر ويزجره عن فعل شنيع وأمر قبيح، وإذا رأى منكرا صادرا عن الغير استكرهه
ولا يقاربه (1) أصلا كما قيل للقمان الحكيم: ممن تعلمت الأدب؟ - فقال: ممن ليس له أدب
لأني كلما رأيت ما يصدر منه تركته.
66 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الشر جامع لمساوئ العيوب.
أقول: الشر ضد الخير يقال: شررت يا رجل بفتح الراء وكسرها شرا وشرارا
وشرارة بفتح الشين في الكل، وفلان شر الناس، ولا يقال: أشر الناس لا في لغة ردية،
وقال يونس: واحد الأشرار شر كزند وأزناد وقال الأخفش: واحدها شرير كيتيم
وأيتام، والشرير بوزن السكيت كثير الشر، والشرة بالكسر مصدر كذا في مختار الصحاح.
والمساوئ جمع المسوء من السوء واضافته إلى العيوب للبيان.
يعنى - من كان قريبا من الشر والضر بعيدا من النفع والخير يجتمع فيه أنواع

(1) - في الأصل: " لا يقادر به " اي لا يقرب منه ودليل التصحيح قوله في شرح هذه
الكلمة " أوحش الوحشة العجب " بهذه العبارة: " لا أحد يقاربه ولا جليس يصاحبه ".
49

العيوب وتظهر عيوبه في جميع العيون وتذكر معايبه ومثالبه وتنسى فضائله ومناقبه، فاللازم
لمن أراد المكرمة والسعادة ان يتجنب عن المكر والشرارة كما قيل:
سم سمة تحسن آثارها * واشكر لمن أعطى ولو سمسمة
والمكر مهما اسطعت لا تأته * لتقتنى السؤدد والمكرمة
67 -
قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الحكمة ضالة المؤمن.
أقول: الحكمة إحكام الرأي والتدبير، وتطلق على كل كلام محكم لا مدخل
فيه للفساد بوجه، وعلى كل دليل محكم موضح للحق مزيل للشبهة، وعلى كل فعل
محكم مشتمل وعلى مصلحة (1) عار عن مفسدة، وعلى كل علم يعرف فيه (2) استكمال
النفس الانسانية في جانبي العلم والعمل بالأحكام ومنه اطلاق الحكمة على علم الشرائع
والاحكام كذا في شرح البردة، والظاهر أن المراد من الحكمة ههنا جميع معانيها الأربعة على
مذهب من جوز عموم المشترك، أو على طريق عموم المجاز بأن يراد منها معنى مجازى شامل
لافراد المعاني المذكورة.
يعنى - ان الامر النافع المفيد الجامع للمصلحة العاري عن المفسدة مقصود مهم
للمؤمن، عليه ان يعرفه ويطلبه وان يأخذه أينما وجده.

(1) - في الهامش: " وقد تستعمل الحكمة بمعنى المصلحة والفائدة كما يقال:
لهذا الفعل حكمة اي مصلحة وفائدة وليس بلغو ولا عيب، منه ".
(2) - كذا في الأصل والأولى: " به ".
50

68 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
كثرة الوفاق نفاق، وكثرة الخلاف شقاق
يعنى ان من كثرت موافقته لاحد في فعله وقوله بالتحسين والتصديق يتهم بمنافقته
له، لأنه ربما يريد ذلك الاحد أمرا يضره وهو يحسنه في عينه مريدا لهلاكه، وما هو الا
آية النفاق والعداوة كما قيل: صديقك من صدقك لا من صدقك، وإذ كثر خلافه له
يكون سببا لشقائه وفراقه منه، فالأولى ان يتمسك بحبل التوسط فان الأطراف رذائل
والأوساط فضائل.
69 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
رب أمل خائب.
أقول: الامل الرجاء يقال: امل خيره يأمل بالضم أملا بفتحتين، والخائب
اسم من خاب يخيب خيبة إذا لم ينل ما طلب، وفى المثل الهيبة الخيبة، ومدخول رب
يحتمل الاسم والمصدر، فإذا كان اسما فالتوصيف بالخيبة ظاهر، وإذا كان مصدرا فهو
من قبيل توصيف الشئ بوصف صاحبه مجازا نحو قوله: الكلام المصنف، والكتاب
الحكيم.
يعنى - لا تعتمد على ما تأمله ولا تربط (1) قلبك على ما ترجوه فإنك كثيرا ما لا تناله
ولا تكاد تصل إليه لكونه غير مقسوم لك في العلم الإلهي والتقدير الأزلي.

(1) - في الأصل: " لا ترتبط ".
51

70 و 71 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
رب رجاء يؤدى إلى الحرمان، ورب ربح (1) يؤدى إلى الخسران.
أي ليس كل شئ يحصل بالرجاء والأمل كثيرا ما مؤداه يأس، ومحنة، وعاقبته
آفة وحرمان، كذلك كل ربح ليس يحصل لك باليسر (2) والأمان بل آخره ومآله
هلاك وخسران، بيت: (3)
بدريا در (4) منافع بيشمارست * اگر خواهى سلامت در كنارست

(1) - في الأصل: " أرباح ".
(2) - كذا ولم أتمكن من قراءة الكلمة.
(3) - البيت لسعدى (انظر گلستان، باب 3 ص 36 من النسخة المطبوعة بصحيح الأستاذ
عبد العظيم القريب).
(4) - في الهامش: " الباء زائده لتحسين اللفظ قال الأستاذ سلمه الله: ان مثل (اندر)
و (در) ذا اقترن بالباء الكائنة للصلة في لغة العجم يجب ان يؤخر عنه كما في قوله (بدين
بنده در است) وكذا قوله (حسود را چه كنم كوز خود برنج در است) وكذا قوله (بدر يا
در) والمعنى (دردريا) و (دارين بنده است) و (زخوددر رنج است) كذا في شرح گلستان
سعدى رحمة الله عليه، منه:.
أقول: قال الأستاذ عبد العظيم القريب - رحمه الله تعالى في كتاب " دستور
زبان فارسي " بعد ذكر معاني الباء (انظر ص 160 من الطبعة الثامنة عشر بطهران سنه 1316):
" در جائيكه حرف (ب) بمعنى بر، در، أين، باشد جايز است انى ألفاظ را برأي تفسير
بعد ازمتمم باء درآورند مثالها بقرار ذيل است:
(1) - " چوالب ارسلان جان بجانبخش داد * پسر تاج شاهر بسر برنهاد "
(2) - " خوش نبود ديده بخوناب در * زنده ومرد بيكى خواهب در "
(3) - شنيدم درايام حاتم كه بود * بخيل اندرش بادپائى چو دود
گاهى بجاى (اندر) (اندرون) در آيد چنانكه:
" بدو گفت خسرو كه بدرود باش * بداد اندرون تاروهم پود باش "
أيضا
" بگنج اندرون ساخته خواسته * بجنگ اندرون لشكر آراسته "
(انتهى ما أردنا نقله من كتاب دستور الأستاذ القريب).
52

72 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
رب طمع كاذب أقول: يعنى لا تتبع أثر طمعك فإنه في أغلب الأزمان وأكثر الآونة غير واقع،
وضرر الطمع بين الأنام شائع ذائع.
73 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
البغى سائق إلى الحين.
أقول: البغى التعدي وبابه رمى وكل مجاوزة وافراط عن (1) المقدار الذي هو حد
الشئ فهو بغى، والحين بالفتح الهلاك وقد حان الرجل اي هلك وبابه باع وأحانه الله،
كذا في مختار الصحاح.
يعنى - اتق نفسك عن مجاوزة المقدار الذي حد لك فإنه يسوق إلى الوقوع في
الزين، والشين يؤدى إلى الهلاك والحين.

(1) - في الأصل: " على ".
53

قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
في كل جرعة شرقة، ومع كل اكلة غصة.
أقول: الجرعة من الماء بالضم حسوة منه، والشرقة من الشرق بفتحتين وهو
الشجا والغصة، والاكلة بالضم اللقمة الواحدة، والغصة من الغصص بفتحتين وهو
مصدر غصصت بالطعام بالكسر من باب علم.
يعنى - ليس في العالم راحة بلا ألم ونعمة (1) بلا نقم، بل كل من الحسن والقبيح
والكثير والقليل والصلاح والفساد مشتبك ومختلط بالآخر، فان بعض الدرهم هم وآخر
الدينار نار، فالدنيا إذا محل اعتبار فاعتبروا يا أولى الابصار.
75 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
من كثر فكره في العواقب لم يشجع.
أقول: من رام حصول أمر مهم له وأكثر فكره في عاقبة ذلك الامر هل يتيسر
بالخير واليسر ولا يعرض له الشر والعسر، يقع الخوف والهيبة في قلبه ولم يجترئ للدخول
في بابه، فلا جرم يكون محروما عن مرامه، فاللائق ان يجتهد في مطلوبه متوكلا على
تقدير الله سبحانه فان كل ما قدره واقع والحذر (2) والامتناع عنه غير نافع، بيت:
فقلت: خلوا سبيلي لا أبا لكم * فكل ما قدر الرحمن مفعول
كل ابن أنثى وان طالت سلامته * يوما على آلة حدباء محمول

(1) - في الأصل: " نعم ".
(2) - بالأصل: " الخور ".
54

76 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
إذ حل القدر بطل الحذر.
77 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
إذا حلت التقادير ضلت التدابير (1).
يعنى - إذا دبرت في أمر ولم يتيسر لك فلا تحزن عليه فإنه إذا نزل قضاء الحق
وتقديره بطل سعى العبد وتدبيره: وكذا إذا أوقعه قضاء الحق في محل الهلاك لا ينفعه
الحذر والاتقاء فاللازم ان يصبر عليه ويأخذ طريق التسليم والرضا.
78 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الاحسان يقطع اللسان.
أقول: يعنى إذا أردت ان تدفع جفاء الانسان خصوصا ان تتخلص عن أذى
اللسان فكن على الدوام مع البر والاحسان فإنه أمر عظيم الشأن، ولا شئ أقطع منه
لأذى اللسان. ولا يبعد ان يقال: ان عليا رضي الله عنه تكلم به حين أراد عمر رضي الله عنه
ان يقطع لسان السائل، أمره رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فلما تبين
المراد عنده قال: لولا على لهلك عمر.

(1) - في الهامش: " جمع التقادير والتدابير مع كونهما مصدرين على تقدير قصد
الأنواع باعتبار المتعلق فافهم، منه ".
55

قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الشرف بالفضل والأدب لا بالأصل والنسب.
أقول: يعنى - ان شرف الانسان وارتفاع القدر والشان إنما هو باقتناء الآداب
والفضائل واكتساب العلوم والشمائل لا بعزة الأصول والقبائل فإنه يقال لك يوم
القيامة: ماذا اكتسبت؟ ولا يقال لمن انتسبت.
چو كنعان را طبيعت بي هنر بود * پيمبر زادگى قدرش نيفزود (1).
80 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
أفقر الفقر الحمق (2).
أقول: يعنى إذا كنت فقيرا محتاجا ليس لك درهم ولا دينار وأنت عاقل برئ
من الحمق فلا بأس به ولا تأس عليه فان حقيقة الفقر فقر العقل لا فقر المال، فان من كان
عاريا عن العقل فهو أفقر الناس وان اجتمعت الدنيا عنده بحذافيرها، إذ لا يقنع بما عنده،
ومن له عقل كامل فهو أغنى الناس وإن كان محتاجا إلى قوت يومه لكونه بسبب العقل

(1) - البيت لسعدى وذكره في الباب الثامن من گلستان وبعده:
" هنر بنماى اگر داري نه گوهر * گل از خار است وإبراهيم از آزر "
(2) - في الهامش: " ظاهر هذا التركيب مشكل لعدم صحة حمل " الحمق " على " الأفقر "
ولعدم صحة إضافة " الأفقر " إلى " الفقر " وهو ظاهر، اللهم الا ان يقال: ان الأفقر بمعنى الأشد
مجردا عن معنى الفقر بقرينة الإضافة إلى الفقر فحينئذ يرتفع الاشكال بوجهيه ويكون تقديره:
أشد الفقر هو الحمق، منه ".
56

قانعا بما قسم له وقدر.
81 و 82 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
أكرم الأدب حسن الخلق، وأكرم النسب حسن الأدب.
أقول: يعنى - من أراد ان يجتمع فيه أحسن الآداب والشمائل ويحتاز به أفضل الخصال
والفضائل فليجاهد في تحسين أخلاقه وتصفية أحواله، فان حسن الخلق أصل جامع لجميع
الكمالات الانسانية وسبب كامل لفيضان الكرامات الإلهية (1)، ألا ترى ان الله تعالى
خص نبيه صلى الله عليه (وآله) وسلم بما خصه وأثنى عليه بثناء لم يثن بمثله على سائر
خلقه، فقال تعالى: انك لعلى خلق عظيم (2). وعن أنس رضي الله عنه قال: قيل يا
رسول الله أي المؤمن أفضل ايمانا؟ - فقال عليه الصلاة والسلام: أحسنهم خلقا. وقال
الحسن البصري في تفسير قوله تعالى: وثيابك فطهر (3) اي وخلقك فحسن، كذا في
الرسالة القشيرية.
فإذا كنت موصوفا بحسن الخلق وشرف الأدب فلا تأس على أن ليس فيك
عز الأصل وفضل النسب، فإنه لا عبرة بالنسب بلا حسن الأدب كما ترى.

(1) - في الهامش: " الخلق الحسن أفضل مناقب العبودية يظهر جواهر الرجال، و
الانسان مستور بخلقه (بفتح الخاء) مشهور بخلقه (بضم الخاء) وقال رسول الله صلى الله
عليه (وآله) وسلم: انكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق. وقال
شاه الكرماني: علامة حسن الخلق كف الأذى واحتمال المؤن. وقيل: الخلق استصغار ما
منك إليه، واستعظام ما منه إليك، منه ".
أقول: ما ذكره جميعه في الرسالة القشيرية في باب حسن الخلق (انظر ص 110 من
النسخة المطبوعة في مطبعة صبيح وأولاده من مطابع مصر سنه 1367).
(2) - آية 4 سورة القلم.
(3) - آية 4 سورة المدثر.
57

83 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
أوحش الوحشة العجب.
أقول: الوحشة الخلوة والهم، واعجب بنفسه وبرأيه على ما لم يسم فاعله فهو
معجب بفتح الجيم، والاسم العجب كذا في مختار الصحاح.
يعنى - أن من كان فيه الاعجاب بالنفس والاستبداد بالرأي بقي في الوحشة والهم
لا أحد يقاربه ولا جليس يصاحبه بل يرغب كل أحد عن صحبته، ويبقى هو محزونا في خلوته.
84 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
أغنى الغنى العقل
أقول: يعنى - من كان ذا عقل سليم وطبع مستقيم فهو أغنى الناس وان لم يكن
له ماله لان احتياج صاحب الأموال إلى صاحب العقل أشد وأتم.
واعلم أن منطوق هذا الكلام ومفهوم قوله سابقا " أفقر الفقر الحمق " واحد،
وكذا مفهوم هذا ومنطوق ذلك فيكون كل منهما مقررا لاخر وتصريحا بما علم التزاما.
85 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
الطامع في وثاق الذل.
أقول: يعنى لا تحم حول الطمع مهما استطعت، فان من تمسك بحبله تقيد بقيد
الذل والهوان.
58

86 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
احذروا نفار (1) النعم فما كل شارد بمردود.
أقول: النفار من نفرت الدابة تنفر بالكسر نفارا وتنفر بالضم نفورا وشرد البعير
نفر وبابه دخل وشرادا أيضا بالكسر فهو شارد وشرود.
يعنى - إذا توجه إليك وفور النعم ووقع في يدك صيود الأيادي اجتهد في تقييدها
بقيد الشكر والتعظيم ودوام الخدمة والتكريم، فان شكر المنعم على المنعم عليه واجب عقلا
ونقلا، واحذر عن النفار والشراد بترك أداء حقها فإنه ليس كل شارد بعائد.
87 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
أكثر مصارع العقول تحت بروق الأطماع.
أقول: المصارع جمع المصرع بوزن المجمع من الصرع وهو علة وآفة معروفة، والبروق
جمع ومصدر والمراد ههنا الجمع.
يعنى - ان آفة كل عقل وهلاكه كثيرا ما تحت معاني الطمع وظلمته (2) ليس
كبرق السحاب فإنه دائر بين النفع والضر بل نفعه أقرب من ضره وبرق الطمع ضر
محض وهلاك بحت.

(1) - في الأصل في كلا الموردين: " أنفار ".
(2) - يشبه أن يكون " ظله ".
59

88 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
من أبدى صفحته للحق ملك، ومن أعرض عن الحق هلك.
أقول: الابداء أفعال من بدا الامر اي ظهر من باب سما، يقال بدا القوم اي
خرجوا إلى باديتهم، وبابه عدا، وصفحة الشئ جانبه.
يعنى - من أظهر جانبه للحق مقبلا عليه قابلا له صار من جملة المالكين الحافظين
للنفس والعرض والدين، ومن أعرض عن الحق صفحا ونأى بجانبه عاد من عداد الهلاكين
الهادمين للدين والعرض، النادمين يوم الدين والعرض.
89 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة.
أقول: الاملاق أفعال بمعنى الافتقار ولا يبعد أن يكون من الملق وهو الود واللطف (1)
ويكون همزته للكثرة لان الفقراء يكثرون المودة والمحبة ويظهرون التلطف والملائمة
للأغنياء، ويجوز أن يكون من الملقة (2) وهي الصفاة الملساء فان بواطنهم مصفاة من غم
الدنيا وعلائقها وظواهرهم طاهرة لمساء عن تلوث خبثها وعوائقها، فحينئذ تكون همزته
للصيرورة.

(1) - في الهامش: " الظاهر أن استعمال الاملاق بمعنى الافتقار على كل من التقديرين
بطريق الكناية وهو ذكر اللازم وإرادة الملزوم لان التلطف والملائمة وصفاء القلب
والملامسة لازم للفقر كما ترى: منه ".
(2) - الملقة واحدة الملق وهي الصفوح اللينة الملتزقة من الجبل.
60

يعنى - إذا خشيتم خشية املاق فعاملوا الله تعالى بالتصدق للفقراء فان من كان
معاملته مع الله تعالى يغنيه الله سبحانه بفضله وكرمه باعطاء الخلف في الدنيا والثواب في
الآخرة قال الله تعالى: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة (1) و
لما كان يستعيض العبد من الله تعالى في هذه التجارة بل يأخذه منه تعالى بدليل قوله
صلى الله عليه (وآله) وسلم: الصدقة تقع في كف الرحمن قبل ان تقع في كف الفقير، ولهذا
لا رجوع فيها، شبه بالمعامل ونزل منزلته حثا للناس على الصدقات والخيرات وتعظيما
لشأن المواساة والمبرات.
90 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
من لان عوده كثرت أغصانه
أقول: يعنى - من كان لين الطبع ضعيف الفؤاد بحيث لم يعاقب أحدا ولم يؤد به
على الذنب تكثر أعوانه وأتباعه ويغلبون عليه من غير خوف ولا خشية ويفعلون ما
يفعلون من الفساد والأذية (2) فلا جرم يخرجونه عن حد الاستقامة ويعيره الخلائق بالتوبيخ
والملامة كما أن شجرة إذا كانت لينة الجذعة وضعيفة الأصل تكثر أغصانها بحيث تغلب
عليها وتجعلها معوجة غير مستقيمة.
91 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
قلب الأحمق في فمه.
يعنى - يعنى لا تصاحب الأحمق واتق عن أن تظهر سرك له، فإنه لا يقدر على

(1) - صدر آية 245 سورة البقرة ونص عبارة الكتاب: " ومن يقرض الله قرضا يضاعفه له ".
(2) - هذا المعنى غير مستقيم والمراد الحلم الممدوح وحسن المعاشرة.
61

حفظ الاسرار لان قلبه في طرف لسانه، فمهما تحرك اللسان يظهر ما فيه، وحفظ الاسرار
إنما هو شأن الأحرار الأخيار، كما قيل: صدور الأحرار قبور الاسرار. 92 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لسان العاقل في قلبه.
أقول: يعنى إذا أردت الراحة والسلامة فاصحب العاقل فان لسانه في
قلبه، لا يظهر سرك ولا يهتك سترك، ولهذا يقال: العدو العاقل خير من الصديق
الغير العاقل.
93 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
من جرى في عنان أمله عثر بأجله.
أقول: العنان بالكسر ما هو للفرس، وبالفتح للسحاب والعثور إذا استعمل بالباء
يكون بمعنى السقوط، وإذا استعمل بعلى يكون بمعنى الاطلاع.
يعنى - من تمسك بعنان أمله وجرى على ما يقتضيه تعلق بشبكة الاجل وسقط
ولا يتيسر له الوصول إلى ما يأمله.
94 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر.
أقول: يعنى إذا وقع في يدك طرف من النعمة فاجتهد في تحصيل الطرف الآخر
62

بكثرة الشكر فان الشكر يبقى السابق ويجلب اللاحق، بدليل قوله تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم (1)
فان قيل: ان هذه الآية تدل على أن الشكر سبب لزيادة اللاحق ولا تدل على كونه
سببا لبقاء السابق؟ قلنا: هذا ممنوع فان زيادة اللاحق تستلزم بقاء السابق، فالدلالة
على الزيادة تستلزم الدلالة على البقاء، فافهم.
95 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
إذ قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكر القدرة عليه.
أقول: يعنى ان القدرة على قهر العدو نعمة، والشكر على النعمة واجب، والعفو
لكونه مما أمر به الشارع من جملة الشكر فإذا أردت الشكر على هذه النعمة فالأولى ان
تشكر بالعفو عنه، فإنه أمر مرغوب في نفسه، سبب لارتفاع شأن صاحبه كما حكى
أن داود النبي - عليه الصلاة والسلام - سأل كلاما من أبنائه في آخر حياته وهو: إذا
أذنب أحد كيف تعاقبه؟ - فأجاب كل واحد منهم وقال: أعاقبه على قدر ذنبه، ثم سأل
سليمان النبي عليه الصلاة والسلام عنه فأجاب هو وقال: عفوته، ثم سأل فقال: فان عاد
فكيف تفعل؟ - فقال: عفوته، ثم قال: فان عاد فكيف تفعل؟ - فقال: عفوته، ثم بعد
مرات كثيرة من السؤال والجواب قال سليمان: عفوت حتى يستحى ان يعود إلى ذلك
الذنب، فدعا له داود عليه السلام وقال: أنت أحق بالحكومة والسلطنة وأليق بالجلوس
في سرير الخلافة، والله أعلم بالصواب.
96 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
ما أضمر أحد شيئا الأظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه.
أقول: يعنى لا تظن انك تضمر معنى في قلبك ولم يطلع علية أحد فإنه أمر

(1) - من آية 7 سورة إبراهيم وتمام الآية كذا " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم
ولئن كفرتم ان عذابي لشديد ".
63

لا يقدر عليه أحد لأنه قد يظهر في بشر وجهه وصفحاته، ويعلم في أثناء ألفاظه وكلماته، بالانفلات عن طرف (1) لسانه في عباراته.
97 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
البخيل مستعجل الفقر يعيش في الدنيا عيش الفقراء،
ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء.
أقول: يعنى إياك من البخل فان البخيل يخاف من الفقر دائما ويدوم حزنه، يعيش
في الدنيا بالذلة والقلة وهو جائع غير شبعان وعطشان غير ريان، ينهمك في جمع الدنيا إلى أن
يموت بالتعب والمشقة ثم هو يموت ويترك ماله للورثة ويحاسب يوم القيامة حساب من
هو صاحب الأموال الكثيرة، واما السخى فإنه يعيش في الدنيا بالوسع والرخاء ويذكر
بين الخلائق بحسن الذكر والثناء، ولو حوسب في الأخرى يحاسب حسابا يسيرا إن شاء الله
تعالى، أعاذنا الله تعالى بلطفه عن عذاب البخل في الدنيا وعذاب النار في الآخرة انه
ملجأ العالمين.
98 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لسان العاقل وراء قلبه.
أقول: وراء بمعنى خلف وقد يكون بمعنى قدام (2) وهي من الأضداد، وإذا لم تضفه

(1) - في المتن: " حرف " (الحرف الأول اما حاء أو صاد).
(2) - في الهامش: " ومنه قوله تعالى: وكان وراءهم ملك (اي امامهم) في سورة
الكهف وقصة موسى عليه السلام مع الخضر، منه ".
64

قلت: لقيته من وراء، فترفعه على الغاية كقولك: من قبل، كذا في مختار الصحاح.
يعنى - ان العاقل لا يتكلم بكلام الا بعد أن يتفكره فان لسانه خلف قلبه
فيتفكر أولا ثم يتكلم، ولا كذلك لسان الأحمق فإنه أمام قلبه ولهذا يتكلم قبل التفكر
ويحصل له الندم والتحير.
99 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
قلب الأحمق وراء لسانه أقول: يعنى أن الأحمق لا يتكلم بالفكر والتأمل بل يتكلم كلما سمعه خيرا كان
أو شرا، نفعا كان أو ضرا، لان قلبه الذي هو موضع التأمل والفكر خلف لسانه الذي
هو محل التكلم والتلفظ، فيكون مغمورا به مستورا تحته، فلا يقدر على الفكر بل وظيفته
هو التكلم فقط فالأولى بشأنه ان لا يتكلم أصلا إلا عند الضرورة.
100 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
اللهم اغفر رمزات اللحاظ، وسقطات الألفاظ،
وشهوات الجنان وهفوات اللسان
أقول: اللهم أصله يا الله عند البصريين والميم عوض عن حرف النداء، ولذلك
لا يجتمعان وهو خصائص هذا الاسم كدخول يا عليه مع لام التعريف وقطع همزته وتاء
القسم فلا يقال مثلا: زيدم ورحمانم كما لا يقال: يا الرحمن وتا الرحمن، وعند الكوفيين
أصله: يا الله امنا بخير اي اقصد لنا بخير فحذف النداء ونزعت الهمزة من أم
ووصلت الميم بالهاء فحذف ما يتعلق بأم من بأم من المفعولين أحدهما الضمير والاخر بخير طلبا
65

للتخفيف لكثرة الاستعمال، والغفر التغطية والستر وبابه ضرب، والرمزات جمع رمزة
وهي الإشارة بالشفتين والحاجبين والمراد ههنا مطلق الإشارة بقرينة الإضافة، واللحاظ
بفتح اللام مؤخر العين، والسقطات جمع السقطة بالفتح وهو العثرة والزلة، والألفاظ جمع
اللفظ وهو اسم لا مصدر، والشهوات جمع الشهوة وهي معروفة، والجنان بالفتح القلب،
والهفوات جمع الهفوة وهي الزلة.
يعنى - يا الله استر بفضلك العميم ولطفك العظيم عيب ما صدر من العين واللسان
ونقص ما ورد مما لا ينبغي على الجنان انك أنت الرؤوف الرحمن المحسن المنان، وهذا
الدعاء يحتمل الخصوص له - رضي الله عنه - والعموم له ولجميع المسلمين، والعموم أنسب
لظاهر كلامه وأوفق بعلو شأنه وأهم مرامه، فإنه موصوف بايصال الخير الغير ومعروف
بإرادة النفع لجميع المسلمين، ولعل وجه تخصيص هذ الأعضاء بالذكر هو ان هذه
الأعضاء كالأصل والمدار لسائرها وذلك أن القلب مدار لصلاح البدن وفساده بدلالة
قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم ان في البدن مضغة إذا صلحت صلح البدن وإذا فسدت
فسد البدن، والا وهي القلب، وان اللسان مع كونه أصغر جرما أكبر، جرما لظهور الكبائر
منه نصا ومن غيره دلالة، وان العين كالعين (1) لسائر الأعضاء تتجسس وتتفحص لها
وتفعل هي ما تفعل بسببه (2)، والله أعلم.
وعلى الخير والصلاح نقطع الكلام راجين من الله تعالى الفلاح والفوز بالنجاح انه
هو الوهاب الفتاح، وشاكرين حامدين على التمام انه هو المشكور على إضافة نعمه، والمسؤول

(1) - في الهامش: " قال صاحب الكشاف حين فسر قوله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا
من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، الآية في بيان تقديم الغض على حفظ الفرج: لان النظر رائد
الفجور والبلوى فيه أشد وأكثر، إلى هنا عبارته. ولا شك ان كون النظر رائد الفجور اي
رسوله معنى مناسب لكون العين التي هي محل النظر جاسوسا إلى جانب الفجور من جانب
الأعضاء، منه ".
(2) - في الهامش: " الضمير للمتجسس المذكور في تجسس من قبيل قوله تعالى:
اعدلوا هو أقرب للتقوى، منه ".
66

خاتمة السعادة بفضله وكرمه، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان سيدنا محمد وآله
وأصحابه أجمعين.
مؤلفه ومحرره عبد الوهاب رحمه الله ولد خوجه أمير ادنه وهو إبراهيم بن پير پاشا،
تمت،
تم تصحيحه في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك (وهي ليلة الجهني)
من سنه تسع وثمانين وثلاثمائة بعد الألف من هجرة نبينا صلى الله على وآله وسلم.
مير جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث
نجز طبع الكتاب بحمد الله الملك الوهاب
لخمس ليال مضين من جمادى الأولى من سنة 1390 من الهجرة النبوية
موافقا لتأريخ
18 / 4 / 1349 ه‍. ش.
67

وليعلم أنى وجدت نسخة هذا الشرح ضمن مجموعة كانت في مكتبتي
فطبعتها كما وجدتها من دون تصرف فيها، وحيث انى لم أعرف
الشارح وكانت الصفحة الأخيرة من النسخة مشتملة على اسم
الشارح وضعنا راموز تلك الصفحة في آخر الكتاب لعل الناظر
فيها يطلع على أكثر مما استفدناه منها، والسلام على من اتبع الهدى.
68

راموز الصفحة الأخيرة من نسخة شرح الكلمات التي أسس عليها أساس طبع الكتاب
69

كلمة الختام
ويلزم علينا ههنا ان نشكر الذين سعوا في إخراج هذا الكتاب وطبعه -
جعل الله سعيهم مشكورا وعملهم مبرورا وجزاهم عن الاسلام وأهله
خير الجزاء -، ونكل إليه تعالى أمر الذين تقاعدوا عن تسهيل أمر الطبع
بعد أن تهيأت أسبابه بل قصروا فيه وفرطوا، اللهم اقض بيننا
وبينهم بالحق وأنت أحكم الحاكمين.
70