الكتاب: مناقب آل أبي طالب
المؤلف: ابن شهر آشوب
الجزء: ٢
الوفاة: ٥٨٨
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: تصحيح وشرح ومقابلة : لجنة من أساتذة النجف الأشرف
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٧٦ - ١٩٥٦ م
المطبعة: الحيدرية - النجف الأشرف
الناشر: المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف
ردمك:
ملاحظات: قام بتصحيحه وشرحه ومقابلته على عدة نسخ مخطوطة لجنة من أساتذة النجف الأشرف

مناقب آل أبي طالب
تأليف
الامام الحافظ ابن شهرآشوب
رشيد الدين أبي عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب
ابن أبي نصر بن أبي حبيش السروي المازندراني
المتوفى سنة 588 ه‍
قام بتصحيحه وشرحه ومقابلته على عدة نسخ خطية
لجنة من أساتذة النجف الأشرف
الجزء الثاني
من ثلاثة أجزاء
قام بطبعه
محمد كاظم الكتبي
صاحب المكتبة والمطبعة الحيدرية
وله حقوق الطبع محفوظة
طبع في المطبعة الحيدرية في النجف
1

بسم الله الرحمن الرحيم
2

باب ما تفرد من مناقبه عليه السلام
فصل: في منزلته عند الميزان والكتاب والحساب ونحوها
ابن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم
القيامة) قال: الرسل والأئمة من أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله. وفي رواية إبراهيم في هذه
الآية قال: الأنبياء والأوصياء.
الامامان الجعفران عليهما السلام في قوله تعالى (فاما من ثقلت موازينه) فهو
أمير المؤمنين (فهو في عيشة راضية واما من خفت موازينه) وأنكر ولاية علي " ع "
(فأمه هاوية) فهي النار جعلها الله له اما ومأواه، قال الحميري:
وقوله الميزان بالقسط وما * غير علي في غد ميزانه
ويل لمن خف لديه وزنه * وفوز من أسعده رجحانه
أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى (وأما من أوتي كتابه بيمينه)
علي بن أبي طالب عليه السلام.
تاريخ بغداد، وفردوس الديلمي، وخصايص النطنزي، بالاسناد عن محمد بن
شهاب عن أنس قال: سمعت رسول الله يقول: عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن
أبي طالب، قال محمد بن السمرقندي:
آل النبي ذريعتي * وهم إليه وسيلتي
أرجو بأن أعطى غدا * بيد اليمين صحيفتي
الشيرازي في كتابه وأبو معاوية الضرير عن الأعمش عن مسلم النظير عن سعيد
ابن جبير عن ابن عباس قال: إذا كان يوم القيامة أمر الله مالكا أن يسعر النيران
السبع وأمر رضوان أن يزخرف الجنان الثمانية ويقول يا ميكائيل مد الصراط على متن
جهنم ويقول يا جبرئيل انصب الميزان تحت العرش وناد يا محمد قرب أمتك للحساب ويأمر
الله تعالى أن يعقد على الصراط سبع قناطر طول كل قنطرة سبعة عشر الف فرسخ
وعلى كل قنطرة سبعون ألف ملك قيام فيسألون هذه الأمة نساؤهم ورجالهم على القنطرة
الأولى عن ولاية علي بن أبي طالب وحب آل محمد عليهم السلام فمن أتى به جاز القنطرة
3

الأولى كالبرق الخاطف ومن لم يحب أهل بيت نبيه سقط على أم رأسه في قعر جهنم
ولو كان له من أعمال البر عمل سبعين صديقا، وعلى القنطرة الثانية يسألون عن الصلاة
وعلى الثالثة يسألون عن الزكاة، وعلى القنطرة الرابعة عن الصيام، وعلى الخامسة عن
الحج، وعلى السادسة عن العدل، فمن أتى بشئ من ذلك جاز كالبرق الخاطف ومن لم
يأت عذب وذلك قوله (وقفوهم أنهم مسؤولون) يعني معاشر الملائكة وقفوهم يعني العباد
على القنطرة الأولى عن ولاية علي وحب أهل البيت.
وسئل الباقر عن هذه الآية قال (يقفون فيسألون) ما لكم لا تناصرون في الآخرة
كما تعاونتم في الدنيا على علي عليه السلام قال يقول الله (بل هم اليوم مستسلمون، وأقبل
بعضهم على بعض يتلاومون) إلى قوله: مجرمين.
محمد بن إسحاق والشعبي والأعمش وسعيد بن جبير وابن عباس وأبو نعيم الأصفهاني
والحاكم الحسكاني والنطنزي وجماعة أهل البيت عليهم السلام (وقفوهم انهم مسؤولون)
عن ولاية علي بن أبي طالب وحب أهل البيت عليهم السلام.
الرضا عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله قرأ (ان السمع والبصر كل أولئك كان عنه مسؤولا)
فسئل عن ذلك فأشار إلى الثلاثة فقال: هم السمع والبصر والفؤاد وسيسألون عن وصيي
هذا وأشار إلى علي بن أبي طالب ثم قال: وعزة ربي ان جميع أمتي لموقوفون يوم
القيامة ومسؤولون عن ولايته وذلك قول الله تعالى (وقفوهم انهم مسؤولون).
تفسير وكيع بن سفيان عن السدي في قوله (فو ربك لنسألنهم أجمعين) عن ولاية
أمير المؤمنين ثم قال (عما كانوا يعملون) عن أعمالهم في الدنيا.
أبو جعفر عليه السلام في قوله (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) يعني الامن والصحة
وولاية علي بن أبي طالب.
التنوير في معاني التفسير، الباقر والصادق: النعيم ولاية أمير المؤمنين.
مواهب الله عندي جاوزت أملي * وليس يبلغها قولي ولا عملي
لكن أشرفها عندي وأفضلها * ولايتي لأمير المؤمنين علي
الثعلبي في تفسيره عن مجاهد عن ابن عباس، وأبو القاسم القشيري في تفسيره عن
الحاكم الحافظ عن أبي برزة، وابن بطة في ابانته باسناده عن أبي سعيد الخدري كلهم
عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى تسال عن أربعة عن عمره فيما
أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن حبنا أهل البيت.
4

أربعين المكي وولاية الطبري فقيل له: فما آية محبتكم من بعدكم؟ فوضع يده على
رأس علي وهو على جانبه فقال: ان حبي من بعدي حب هذا.
منقبة المطهرين عن أبي نعيم فقال عمرو: ما آية حبكم يا رسول الله؟ قال: حب
هذا، ووضع يده على كتف علي وقال: من أحبه فقد أحبنا ومن أبغضه فقد أبغضنا
ابن عباس قال النبي: والذي بعثني بالحق لا يقبل الله من عبده حسنة حتى يسأله
عن حب علي بن أبي طالب عليه السلام.
ولا ينجي من الرحمن شئ * ومن هول القيامة والحساب
ومن نار تلهب في جحيم * سوى حب الامام أبي تراب
شفيع الخلق في يوم التلاق * هو المنعوت في آي الكتاب
صحيفة أهل البيت عليهم السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام: في نزلت هذه الآية
(ان الينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم).
أبو عبد الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة وكلنا الله تعالى بحساب شيعتنا فما كان
لله سألنا الله أن يهبه لنا وما كان لنا نهبه لهم ثم قرأ هذه الآية. قال ابن حماد:
يا أية الله التي قدرها * ليس له في الخلق من قادر
ويا صراطا لم يجزه سوى * كل تقي مؤمن صابر
ويا حجابا ليس من غيره * إلى إله العرش من صائر
لا يغفر الله لمن لم تكن * له غداة البعث بالغافر
وأنشد أيضا:
خير زاد نختار فيه المزيد * حب آل النبي والتوحيد
فهم عدتي إذا شمل العالم * يوم الحساب أمر شديد
وأتت من ضريحها كل نفس * ولها سائق غدا وشهيد
سال محمد بن مسلم الباقر عليه السلام عن قوله تعالى (أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات)
فقال: يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يقام بموقف الحساب فيكون الله هو الذي
يتولى حسابه لا يطلع على حسابه أحد من الناس فيعرفه بذنوبه حتى إذا أقر بسيئاته قال
الله للكتبة بدلوها حسنات وأظهروا للناس فيقول الناس أما كان لهذا العبد سيئة واحدة
ثم يأمر الله به إلى الجنة فهذا تأويل الآية في المذنبين من شيعتنا.
إذا حشر الناس يوم المعاد * ولاقوا قبيح الذي قدموه
5

فحسبي الاله وحسبي النبي * وحسبي الوصي وحسبي بنوه
أبو هريرة: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وآله يقول (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه
وصاحبته وبنيه) إلا من ولاية علي بن أبي طالب فإنه لا يفر من والاه ولا يعادي
من أحبه ولا يحب من أبغضه الخبر، قال الحميري:
وانك آمن من كل خوف * إذا كان الخلائق خائفينا
وانك حزبك الأدنون حزبي * وحزبي حزب رب العالمينا
وحزب الله لا خوف عليهم * ولا نصب ولا هم يحزنونا
النبي صلى الله عليه وآله في خبر: وأنت أول من يدخل الجنة. وعنه في خبر: ومنزلك في
الجنة حذاء منزلي كمنزل الأخوين. وعنه: منزلك في الجنة تكسى إذا كسيت وتحيى
إذا حييت، وقال الحميري:
وانك في جنان الخلد جاري * منازلنا بها متوجهونا
وانك في جوار الله كأس * وجيران المهيمن آمنونا
أمير المؤمنين عليه السلام: ان للجنة احدى وسبعين بابا يدخل من سبعين منها شيعتي
وأهل بيتي ومن باب واحد سائر الناس.
النبي صلى الله عليه وآله في خبر قال للعباس: دخلت الجنة فرأيت حور علي أكثر من ورق
الشجر وقصور علي بعدد البشر.
فصل: في أنه جواز الصراط وقسيم الجنة والنار
محمد بن الصباح الزعفراني عن المزني عن الشافعي عن مالك عن حميد عن أنس قال
رسول الله في قوله تعالى (فلا اقتحم العقبة) ان فوق الصراط عقبة كؤودا طولها
ثلاثة آلاف عام الف عام هبوط والف عام شوك وحسك وعقارب وحيات والف عام
صعودا أنا أول من يقطع تلك العقبة وثاني من يقطع تلك العقبة علي بن أبي طالب،
وقال بعد كلام: لا يقطعها في غير مشقة إلا محمد وأهل بيته، الخبر.
عبد الله بن سالم عن أبيه في خبر عن الصادق: نحن والله العقبة من اقتحمها
فك رقبة من النار.
الباقر عليه السلام: نحن العقبة التي من اقتحمها نجا، ثم قال: فك رقبة الناس كلهم
عبيد النار ما خلا نحن وشيعتنا فك الله رقابهم من النار.
6

الصادق عليه السلام: فك رقبة يعني ولاية أمير المؤمنين فان ذلك فك رقبته.
تفسير مقاتل عن عطاء عن ابن عباس (يوم لا يخزي الله النبي لا يعذب الله محمدا
والذين آمنوا معه) لا يعذب علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وحمزة
وجعفر نورهم يسعى يضئ على الصراط لعلي وفاطمة مثل الدنيا سبعين مرة فيسعى
نورهم بين أيديهم ويسعى عن أيمانهم وهم يتبعونها فيمضي أهل بيت محمد وآله زمرة
على الصراط مثل البرق الخاطف ثم قوم مثل الريح ثم قوم مثل عدو الفرس ثم يمضي
قوم مثل المشي ثم قوم مثل الجثو ثم قوم مثل الزحف ويجعله الله على المؤمنين عريضا
وعلى المذنبين دقيقا، قال الله تعالى: يقولون ربنا أتمم لنا نورنا حتى نجتاز به على
الصراط، قال فيجوز أمير المؤمنين في هودج من الزمرد الأخضر ومعه فاطمة على
نجيب من الياقوت الأحمر حولها سبعون الف حور كالبرق اللامع.
ابن عباس وأنس عن النبي قال: إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنم
لم يجز عليه إلا من معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب وذلك قوله تعالى (وقفوهم
انهم مسؤولون)، وحدثني أبي شهرآشوب باسناد له إلى النبي لكل شئ جواز وجواز
الصراط حب علي بن أبي طالب.
تاريخ الخطيب، ليث عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس قلت للنبي صلى الله عليه وآله:
يا رسول الله للناس جواز؟ قال نعم، قلت وما هو؟ قال حب علي بن أبي طالب.
وفي حديث وكيع قال أبو سعيد: يا رسول الله ما معنى براءة علي؟ قال لا إله
إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله.
وسأل النبي جبرئيل: كيف تجوز أمتي الصراط فمضى ودعا وقال: ان الله تعالى
يقرؤك السلام ويقول: انك تجوز الصراط بنوري وعلي بن أبي طالب يجوز الصراط
بنورك وأمتك تجوز الصراط بنور علي فنور أمتك من نور علي ونور علي من نورك
ونورك من نور الله.
وفي الخبر وهو الصراط الذي يقف على يمينه رسول الله وعلى شماله أمير المؤمنين
ويأتيهما النداء من الله: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد.
الحسن البصري عن عبد الله عن النبي في خبر: وهو جالس على كرسي من نور
يعني عليا يجري بين يديه التسنيم لا يجوز أحد الصراط إلا ومعه براءة بولايته
وولاية أهل بيته يشرف على الجنة ويدخل محبيه الجنة ومبغضيه النار، قال الحميري:
7

ولدى الصراط ترى عليا واقفا * يدعو إليه وليه المنصورا
الله أعطى ذا عليا كله * وعطاء ربي لم يكن محظورا
وقال ابن حماد:
لا يجوز الصراط إلا من أعطاه * براءة وبالنجاة استخصا
وله أيضا:
وأناس يعلون في الدرجات * وأناس يهوون في الدركات
لا يجوز الصراط إلا امرئ * من عليه أبوكم ببراة
وله أيضا:
وهو الصراط عليه يجتاز الورى * طرا ومن ساع عليه وناكب
وقال الكاتب:
اني وجبريل وانك يا أخي * يوم الحساب وذو الجلال يراني
لعلى الصراط فلا مجاز لجايز * إلا لمن من ذي الجلال أتاني
ببراءة فيها ولايتك التي * ينحو بها من ناره الثقلان
الباقر عليه السلام سئل النبي صلى الله عليه وآله عن قوله تعالى (ألقيا في جهنم) الآية، فقال:
يا علي ان الله تعالى إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد كنت أنا وأنت على يمين
العرش ويقول الله: يا محمد ويا علي قوما وألقيا من أبغضكما وخالفكما وكذبكما في النار.
الرضا عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله: نزلت في وفي علي هذه الآية.
شريك القاضي و عبد الله بن حماد الأنصاري قال كل واحد منهما: حضرت
الأعمش في علته التي قبض فيها وعنده ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة فقال
أبو حنيفة: يا أبا محمد اتق الله وانظر لنفسك فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا وأول
يوم من أيام الآخرة وقد كنت تحدث في علي بأحاديث لو تبت عنها كان خيرا لك
قال الأعمش مثل ماذا؟ قال مثل حديث عباية الأسدي ان عليا قسيم النار قال أقعدوني
وسندوني وحدثني والذي إليه مصيري موسى بن طريف امام بني أسد عن عباية بن
ربعي أما الحي قال سمعت عليا يقول: أنا قسيم النار أقول هذا وليي دعيه وهذا
عدوني خذيه.
وحدثني أبو المتوكل الناجي في إمرة الحجاج عن أبي سعيد الخدري قال النبي
" المناقب ج 2، م 1 "
8

إذا كان يوم القيامة يأمر الله عز وجل فأقعد أنا وعلي على الصراط ويقال لنا ادخلا
الجنة من آمن بي وأحبكما وأدخلا النار من كفر بي وأبغضكما، وفي لفظ ألقيا في النار
من أبغضكما وأدخلا الجنة من أحبكما، وفي رواية غيرهما.
وحدثني أبو وايل قال حدثني ابن عباس قال: قال رسول الله: إذا كان يوم
القيامة يأمر الله عليا أن يقسم بين الجنة والنار فيقول للنار: خذي ذا عدوي وذري
ذا وليي، قال: فجعل أبو حنيفة أزاره على رأسه وقال: قوموا بنا لا يجئ أبو محمد
بأعظم من هذا، قال: فما أمسى الأعمش حتى توفي.
ابن شيرويه في الفردوس قال حذيفة: قال النبي صلى الله عليه وآله: علي قسيم النار.
الصفواني في الإحن والمحن في خبر طويل عن إسحاق بن موسى بن جعفر عن
أبيه عن جده عن آبائه عليهم السلام قال: قال النبي: وينزل الملكان يعني رضوان
ومالك فيقول مالك: ان الله أمرني بلطفه ومنه أن أسعر النيران فسعرتها وان
أغلق أبوابها فغلقتها وان آتيك بمفاتيحها فخذها يا محمد فأقول قد قبلت ذلك من ربي فله
الحمد على ما من به علي ثم ادفعها إلى علي ثم يقول رضوان ان الله أمرني بمنه ولطفه ان
أزخرف الجنان فزخرفتها وان أغلق أبوابها فغلقتها وان آتيك بمفاتيحها فخذها يا محمد
فأقول قد قبلت ذلك من ربي فله الحمد على ما من به على ثم ادفعها إلى علي فينزل علي
وفي يده مفاتيح الجنة ومقاليد النار فيقف علي بحجزتها ويأخذ بزمامها وقد تطاير
شررها وعلا زفيرها وتلاطمت أمواجها فتناديه النار جزني يا علي فقد أطفأ نورك
لهبي فيقول لها علي: اتركي هذا ولي وخذي هذا عدوي وان جهنم يومئذ لاطوع
لعلي من غلام أحدكم لصاحبه.
وقال الزمخشري في الفايق: معنى قول علي أنا قسيم النار أي مقاسمها ومساهمها يعني
ان القوم على شطرين مهتدون وضالون فكأنه قاسم النار إياهم فشطر لها وشطر معه في
الجنة، ولقد صنف محمد بن سعيد كتاب من روى في علي انه قسيم النار، قال السيد:
قسيم النار هذا لي فكفي عنه لا يضرر
وهذا لك يا نار فحوزي الفاجر الأكبر
وله أيضا:
ذاك قسيم النار من قيله * خذي عدوي وذري ناصري
ذاك علي بن أبي طالب * صهر النبي المصطفى الطاهر
9

وله أيضا:
علي قسيم النار من قيله خذي * ذري ذا وهذا فاشربي منه واطعمي
خذي بالشوى ممن يصيبك منهم * ولا تقربي من كان حزبي فتظلمي
وله أيضا:
قسيم النار ذلك ها وذا لي * ذريه انه لي ذو وداد
يقاسمها فينصفها فترضى * مقاسمة المعادل غير عاد
كما انتقد الدراهم صيرفي * ينقي الزايفات من الجياد
وقال العوني:
إمامي قسيم النار مختار أهلها * ولا بد للجنات والنار من أهل
وله أيضا:
يسوق الظالمين إلى جحيم * فويل للظلوم الناصبي
يقول لها خذي هذا فهذا * عدوي في البلاء على الشقي
وخل من يواليني فهذا * رفيقي في الجنان وذا وليي
وقال غيره:
واني لأرجو يا إلهي سلامة * بعفوك من نار تلظى همومها
أبا حسن لو كان حبك مدخلي * جهنم كان الفوز عندي جحيمها
وكيف يخاف النار من هو موقن * بأن أمير المؤمنين قسيمها
وقال البشنوي:
وكيف تحرقني نار الجحيم إذا * كان القسيم لها مولاي ذا الحسب
وقال دعبل:
قسيم الجحيم فهذا له * وهذا لها باعتدال القسم
يذود عن الحوض أعدائه * فكم من لعين طريد وكم
فمن ناكثين ومن قاسطين * ومن مارقين ومن مجترم
وقال الزاهي:
يا سيدي يا بن أبي طالب * يا عصمة المعتف والجار
لا تجعلن النار لي مسكنا * يا قاسم الجنة والنار
وقال غيره:
علي حبه جنة * قسيم النار والجنة
وصي المصطفى حقا * إما الانس والجنة
10

قال عمرو بن شمر اجتمع الكلبي والأعمش فقال الكلبي: اي شئ أشد ما سمعت
من مناقب علي عليه السلام فحدث بحديث عباية انه قسيم النار فقال الكلبي: وعندي أعظم
مما عندك أعطى رسول الله عليا كتابا فيه أسماء أهل الجنة وأسماء أهل النار.
عبد الصمد بن بشير عن الصادق عليه السلام في خبر طويل يذكر فيه حديث الاسرى
ثم قال: فأوحى إلى عبده ما أوحى قال دفع إليه كتابا يعني إلى النبي في أسماء
أصحاب اليمين وأصحاب الشمال فأخذ كتاب اليمين بيمينه ونظر إليه فإذا فيه أسماء أهل
الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم فقال الله تعالى: (آمن الرسول بما انزل إليه من ربه)
فقال النبي (والمؤمنون كل آمن بالله) الآية، ثم قال رسول الله: ربنا لا تؤاخذنا
ان نسينا أو أخطأنا، فقال تعالى: قد فعلت، فقال النبي: ولا تحملنا مالا طاقة لنا به
إلى آخر السورة كل ذلك يقول الله تعالى قد فعلت، ثم طوى الصحيفة فأمسكها
بيمينه وفتح صحيفة أصحاب الشمال فإذا فيها أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم،
ثم ساق جعفر الصادق عليه السلام الكلام إلى أن قال: ثم نزل ومعه الصحيفتان فدفعهما إلى
علي بن أبي طالب عليه السلام.
الصفواني باسناده إلى موسى بن جعفر عليهما السلام عن النبي في خبر طويل قال
فبينا انا كذلك إذ اقبل ملكان أحدهما رضوان والآخر مالك فيصعد الرضوان فيقول
السلام عليك يا نبي الله فأقول وعليك السلام أيها الملك الطيب الريح الحسن الوجه الكريم
علي من أنت فيقول انا رضوان خازن الجنان ان الله امرني بلطفه ان أزخرف الجنان
فزخرفتها وان أغلق أبوابها فغلقتها واتيتك بمفاتيحها فخذها يا احمد فأقول قد قبلت من
ربي فله الحمد على ما أنعم به علي ادفعه إلى أخي علي فيدفعه إلى علي الخبر.
وفي رواية محمد بن زكريا الغلابي والحديث مختصر ان رضوان ينادي ان الله
امرني ان ادفع مفاتيح الجنان إلى محمد وان محمدا امرني ان ادفعها إلى علي بن أبي طالب
هاك فاشهدوا لي عليه ثم يقوم خازن جهنم وينادي ألا ان الله عز وجل امرني ان ادفع
مفاتيح جهنم إلى محمد وان محمدا امرني ان ادفعها إلى علي هاك فاشهدوا لي عليه فتأخذ
مفاتيح الجنة والنار وتأخذ حجزتي وأهل بيتك يأخذون حجزتك وشيعتك يأخذون
حجزة أهل بيتك قال فصفقت بكلتا يدي وقلت إلى الجنة يا رسول الله فقال اي ورب
الكعبة. محمد الفتال في روضة الواعظين قال النبي: حلقة باب الجنة ذهب فإذا دقت
الحلقة على الصحيفة طنت وقالت يا علي.
11

خصائص النطنزي، قيس بن أبي حازم عن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
علي بن أبي طالب حلقة معلقة بباب الجنة من تعلق بها دخل الجنة.
فصل: في أنه الساقي والشفيع
ابن جبير وابن عباس سئل النبي عن الكوثر فقال: يا علي الكوثر نهر يجري تحت
عرش الله ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل وألين من الزبد حصباؤه الدر
والزبرجد والمرجان حشيشه الزعفران ترابه المسك الأذفر قواعده تحت عرش الله ثم
ضرب يده على جنب علي وقال: ان هذا النهر لي ولك ولمحبيك من بعدي.
الحافظ أبو نعيم باسناده إلى عطية عن أنس قال: دخلت على رسول الله فقال:
قد أعطيت الكوثر فقلت: يا رسول الله وما الكوثر؟ قال: نهر في الجنة عرضه وطوله
ما بين المشرق والمغرب لا يشرب أحد منه فيظمأ ولا يتوضأ أحد منه فيشعث لا يشربه
انسان أخفر ذمتي ولا قتل أهل بيتي.
النبي يذود علي عنه يوم القيامة من ليس من شيعته ومن شرب منه لم يظمأ ابدا
طارق، قال أمير المؤمنين عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لأقمعن بيدي
هاتين من الحوض أعدائنا إذا وردته أحباؤنا.
وروى احمد في الفضائل نحوا منه عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي. وفي
اخبار أبي رافع من خمسة طرق قال النبي: يا علي ترد على الحوض وشيعتك رواء
مرويين ويرد عليك عدوك ظمأ مقحمين. وجاء في تفسير قوله تعالى (وسقاهم ربهم)
يعني سيدهم علي بن أبي طالب، والدليل على أن الرب بمعنى السيد قوله تعالى (اذكرني
عند ربك).
الفايق، ان النبي قال لعلي: أنت الذايد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه
الرجال كما يذاد الأصيد البعير الصادي اي الذي به الصيد والصيد داء يلوي عنقه.
قال الحميري:
أؤمل في حبه شربة * من الحوض تجمع أمنا وريا
إذا ما وردنا غدا حوضه * فأدنى السعيد وذاد الشقيا
متى يدن مولاه منه يقل * رد الحوض واشرب هنيئا مريا
وان يدن منه عدو له * يذده علي مكانا قصيا
12

وله أيضا:
ألا أيها اللاحي عليا دع الحنا * فما أنت من تأنيبه بمصوب
اتلحي أمير الله بعد أمينه * وصاحب حوض شربه خير مشرب
وحافاته در ومسك ترابه * وقد حاز ماء من لجين ومذهب
متى ما يرد مولاه يشرب وان يرد * عدو له يرجع بخزي ويضرب
وله أيضا:
فإنك تلقاه لدى الحوض قائما * مع المصطفى بالجسر جسر جهنم
يجيران من والاهما في حياته * إلى الروح والظل الظليل المكرم
وله أيضا:
يذب عنه ابن أبي طالب * ذبك جربي إبل تشرع
إذا دنوا منه لكي يشربوا * قيل لهم تبا لكم فارجعوا
وراكم فالتمسوا منهلا * يرويكم أو مطعما يشبع
هذا لمن والى بني احمد * ولم يكن غيرهم يتبع
وله أيضا:
والحوض حوض محمد ووصيه * يسقي محبيه ويمنعه العدى
وله أيضا:
وصاحب الحوض يسقي من ألم به * من الخلايق لا احبي ولا رتقا
قسيم نار به ترضى يقول لها * ذا لي وذا لك قسم لم يكن علقا
وقال ابن حماد:
والحوض حوضك ليس ثم مدافع * في الحشر تسقى من تشاء وتمنع
عجبا لأعمى عن هداه ونوره * كالشمس واضحة تضئ وتلمع
وله أيضا:
وهم سقاة الحوض من والاهم * يسقى بكأس لذة للشارب
وله أيضا:
وان الحوض حوضك والبرايا * إليك لدى القيامة مهطعينا
وتحت لوائك المحمود تضحى * جميع الخلق دونك خاشعينا
13

وقال العوني:
تسقى الظماة على حوض النبي غدا * للمؤمنين بمملو من الحلب
وقال الزاهي:
بدر الدجى وزوجه شمس الضحى * في فضلها وابناه للعرش القرط
ومن له الكوثر حوض في غد * والنار ملك والفراديس خطط
وله أيضا:
يا ساقي الشيعة من كاسه * عند ورود الكوثر الجاري
في يوم تبلو النفس ما قدمت * لسيد في الحكم جبار
والنار في الموقف قد سعرت * لاخذ نصاب وفجار
وقال حسان بن ثابت:
له الحوض لا شك يحبى به * فمن شاء اسقى برغم العدى
ومن ناصب القوم لم يسقه * ويدعو إلى الورد للاوليا
علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة عن أبي الجوزاء عن ابن عباس في قوله تعالى:
(فما تنفعكم شفاعة الشافعين)، قال: يعني ما تنفع كفار مكة شفاعة الشافعين، ثم قال
أول من يشفع يوم القيامة في أمته رسول الله وأول من يشفع في أهل بيته وولده
أمير المؤمنين وأول من يشفع في الروم المسلمين صهيب وأول من يشفع في مؤمني
الحبشة بلال.
حمران بن أعين قال الصادق عليه السلام: والله لنشفعن لشيعتنا والله لنشفعن لشيعتنا
والله لنشفعن لشيعتنا حتى يقول الناس: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم.
فردوس الديلمي، أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وآله: الشفعاء خمسة: القرآن والرحم
والأمانة ونبيكم وأهل بيت نبيكم.
تفسير وكيع، قال ابن عباس في قوله: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) يعني
ولسوف يشفعك يا محمد يوم القيامة في جميع أهل بيتك فتدخلهم كلهم الجنة ترضى
بذلك عن ربك.
الباقر عليه السلام في قوله (وترى كل أمة جاثية الآية، قال: ذلك النبي وعلي يقوم
على كوم قد علا الخلايق فيشفع ثم يقول: يا علي اشفع، فيشفع الرجل في القبيلة
ويشفع الرجل لأهل البيت ويشفع الرجل للرجلين على قدر عمله فذلك المقام المحمود.
14

أبو عبد الله عليه السلام: (وبشر الذين آمنوا ان لهم قدم صدق) قال شفاعة النبي
والذي جاء بالصدق شفاعة علي أولئك هم الصديقون شفاعة الأئمة.
النبي صلى الله عليه وآله اني لأشفع يوم القيامة فأشفع ويشفع علي فيشفع ويشفع أهل بيتي
فيشفعون الخبر. نقش الصاحب على خاتمه:
شفيع إسماعيل في الآخرة * محمد والعترة الطاهرة
وفي نقش آخر:
شفيعي إلى الله قوم بهم * يميز الخبيب من الطيب
بحبهم صرت مستوجبا * لما ليس غيري بمستوجب
وقال الزاهي:
أبا حسن جعلتك لي ملاذا * ألوذ به ويشملني الذماما
فكن لي شافعا في يوم حشري * وتجعل دار قدسك لي مقاما
لأني لم أكن من نعثلي * ولا أهوى عتيق ولا دلاما
وقال أبو نواس:
يا رب ان عظمت ذنوبي كثرة * فلقد علمت بأن عفوك أعظم
أدعوك رب كما أمرت تضرعا * فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
إن كان لا يرجوك إلا محسن * فمن الذي يرجو ويدعو المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا * وجميل ظني ثم اني مسلم
مستمسكا بمحمد وبآله * ان الموفق من بهم يستعصم
ثم الشفاعة من نبيك أحمد * ثم الحماية من علي أعلم
ثم الحسين وبعده أولاده * ساداتنا حتى الامام المكتم
سادات حر ملجأ مستعصم * بهم ألوذ فذاك حصن محمكم
وأنشد:
من كان في الحشر له شافع * فليس لي في الحشر من شافع
سوى النبي المصطفى أحمد * ثم المزكي الخاشع الراكع
وقال غيره:
من كان في الحشر له شافع * فشافعي المظلوم من هاشم
أخو النبي العربي الذي * صدق في المسجد بالخاتم
15

وأنشد:
رضيت لي شافعا من العالم * من جاد عند الركوع بالخاتم
وأنشد:
ولما علمت بما قد جنيت * وأشفقت من سخط العالم
نقشت شفيعي على خاتمي * إماما تصدق بالخاتم
وأنشد:
يا ذا المعارج ان قصرت في عملي * وغرني في زماني كثرة الامل
فشافعي أحمد وأبناء ابنته * إليك ثم أمير المؤمنين علي
وأنشد:
برحمة الله أرجو الصفح عن زللي * بعفوه لا بما قدمت من عملي
ومن يكن لي شفيعا في المعاد سوى * محمد وأمير المؤمنين علي
وأنشد:
إلهي قد سترت علي ذنبي * فأكرمني بعفوك بعفوك في القيامة
فما لي شافع إلا نبيي * وديني واعتقادي بالإمامة
وأنشد:
إذا أنا لم أهوى النبي وآله * فمن غيرهم لي في القيامة يشفع
فلا دين إلا حب آل محمد * ولا شئ في القيامة أنفع
وأنشد:
إن كان قد عظمت ذنوبي كثرة * لا بأس لي أني مجد طامع
والله جل جلاله لي راحم * ورسوله صلى عليه شافع
وأنشد:
أهل الكتاب محبتي إياهم * والعدل والتوحيد دين جامع
وإذا تكاملت الديانة لامرئ * لا شك في جنات عدن رافع
وأنشد:
أنا بالنبي محمد وبآله * لتفضل الملك المهيمن راج
يوم القيامة والقلوب خوافق * والخلق قد وقفوا على منهاج
" المناقب ج 2، 2 م "
16

وله أيضا:
أعطاكم الله ما لم يعطه أحدا * حتى دعيتم لعظم الفضل أربابا
أشباحكم كن في بدو الظلال له * دون البرية خداما وحجابا
وأنتم الكلمات اللاي لقنها * جبريل آدم عند الذنب أذنابا
وأنتم قبلة الدين التي جعلت * للقاصدين إلى الرحمن محرابا
وله أيضا:
فجدكم أحمد المصطفى * ووالد حيدر الأنزع
ولاحت لآدم أسماؤكم * على العرش زاهرة تلمع
زرعت هواكم بأرض النجاة * لأحصد في البعث ما أزرع
وله أيضا:
ولاحت الأسما على العرش له * ثم بها لما عصى الله دعا
فتاب ذو العرش عليه بهم * من بعدما عيره بما عصى
وقال الناشي:
هم الكلمات والأسماء لاحت * لآدم حين عن له المتاب
وقال بعض شعراء الموصل:
وبهم آدم توسل لما * ضل عن رشده عن التضليل
إذا تلقى من ربه كلمات * آدم فاستخصه بالقبول
وأنارت بروج شيث ونوح * ثم أفضت إلى النبي الخليل
وجرت في محل كل زكي * ورضي من نسل إسماعيل
ثم صارت محمدا وعليا * وهما في الفخار أصل الأصول
ارسل الله أحمد من لدنه * رحمة بالكتاب والتنزيل
وعلي أخصه الله بالعلم * وفصل الخطاب والتأويل
فصل: في القرابة
محمد بن المفضل عن موسى بن جعفر عليهما السلام في قوله تعالى (الذين يصلون
ما أمر الله به أن يوصل) هي رحم آل محمد عليهم السلام.
المرزباني باسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى (واتقوا
الله الذي تساءلون به والأرحام) نزلت في رسوله وذلك أن كل سبب ونسب منقطع
17

يوم القيامة إلا ما كان من سببه ونسبه.
زيد بن علي عليه السلام في قوله (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) قال: ذلك علي
ابن أبي طالب كان مهاجرا ذا رحم.
تفسير جابر بن يزيد عن الإمام عليه السلام أثبت الله بهذه الآية ولاية علي بن أبي طالب
لان عليا كان أولى برسول الله من غيره لأنه كان أخوه في الدنيا والآخرة لأنه
حاز ميراثه وسلاحه ومتاعه وبغلته الشهباء وجميع ما ترك وورث كتابه من بعده قال
الله تعالى (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) وهو القرآن كله نزل على
رسول الله وكان يعلم الناس من بعد النبي ولم يعلمه أحد وكان يسئل ولا يسأل
أحدا عن شئ من دين الله وان الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا
من كنانة واصطفى هاشما من قريش ولم يكن للمشايخ في الذي هو صفوة الصفوة
نصيب، ثم إنه هاشمي من هاشميين ولم يكن في زمانه غيره وغير أخويه وغير ابنيه،
أبوه أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم: وفي حديث
انه اختلف أمه برسول الله إلى معد بن عدنان من ثلاث وعشرين قرابة تتصل برسول الله
من جهة الأمهات ولا أحد يشارك في ذلك، والنبي ابن عمه من وجهين من عبد الله
ومن أبي طالب ومن اتصال أمه برسول الله تلك الجهات في الأمهات، وصار علي
ابنه من وجهين، أولهما انه رباه حتى قالت فاطمة بنت أسد كنت مريضة فكان محمد
يمص عليا لسانه في فيه فيرضع بإذن الله، والثاني ان ختن الرجل ابنه ولهذا يهنئ
الرجل إذا ولدت له بنت فيقال هنا الختن
صهر النبي وصنوه وربيبه * وأخوه عند تعذر الاخوان
ثم ابناه ابنا رسول الله حكما وشرعا لقوله صلى الله عليه وآله: أنا أبوهما أعقل عنهما، ولهذا
كان علي يقول في محمد بن الحنفية ابني ويقول فيهما ابنا رسول الله، وفي خبر فقيل
له الحسن والحسين ابنا من؟ (كذا) رسول الله في هذه النسبة، وفي رواية ان
رسول الله ادعى فيكما، وإذا قال أبناء رسول الله وأنا لا أنازع في شئ ادعى النبي
استحي أن ادعي فيه خصه ربي فصيره لبني بنت النبي أبا فهو عليه الصلاة والسلام
سيد النبيين وصهره سيد الوصيين وزوجته سيدة نساء العالمين، وابناه سيدا شباب
أهل الجنة، وعمه حمزة سيد الشهداء، وأخوه جعفر انسي ملكي سيد الطيور في الجنة
يطير مع الملائكة، وأبوه سيد العرب حامي رسول الله، ورئيس مكة جده وجد
أبيه هاشم سيد العرب، وصهرته أم المؤمنين وأول من أسلمت وصلت وأنفقت ومنها
18

نسل النبي صلى الله عليه وآله، وأمه فاطمة بنت أسد أول هاشمية من هاشميين.
نهج البلاغة: وقال قائل انك يا ابن أبي طالب على هذا الامر لحريص فقلت بل
أنتم والله أحرص وابعد وانا أخص وأقرب وإنما طلبت حقا لي وأنتم تحولون بيني
وبينه وتضربون وجهي دونه فلما قرعته بالحجة في الملا الحاضرين بهت لا يدري ما يجيبني
العزة عن الجاحظ: أربعة رأوا رسول الله في نسق عبد المطلب وأبو طالب
وعلي والحسن.
وروى الثقاة عن النبي أنه قال: يا علي لك أشياء ليست لي منها ان لك زوجة مثل
فاطمة وليس لي مثلها ولك ولدين من صلبك وليس لي مثلهما من صلبي ولك مثل
خديجة أم أهلك وليس لي مثلها حماة ولك صهر مثلي وليس لي صهر مثلي ولك أخ في
النسب مثل جعفر وليس لي مثله في النسب ولك أم مثل فاطمة بنت أسد الهاشمية
المهاجرة وليس لي مثلها.
سلمان وأبو ذر والمقداد: ان رجلا فاخر علي بن أبي طالب فقال النبي: فاخر
العرب فأنت أكرمهم ابن عم وأكرمهم نفسا وأكرمهم زوجة وأكرمهم ولدا وأكرمهم
أخا وأكرمهم عما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما وأقدمهم سلما، وفي خبر وأشجعهم.
قلبا وأسخاهم كفا، وفي خبر آخر أنت أفضل أمتي فضلا.
أبو الحسن المدايني: انه كتب معاوية إليه يا أبا الحسن ان لي فضايل كثيرة كان
أبي سيدا في الجاهلية وصرت ملكا في الاسلام وانا صهر رسول الله وخال المؤمنين
وكاتب الوحي، فلما قرأ أمير المؤمنين الكتاب قال: أبا الفضايل يفخر علينا ابن آكلة
الأكباد يا غلام اكتب إليه وأملى عليه:
محمد النبي أخي وصهري * وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يضحي ويمسي * يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكني وعرسي * مشوب لحمها بدمي ولحمي
وسبطا احمد ولداي منها * فمن منكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الاسلام طرا * غلاما ما بلغت أوان حلمي
انا البطل الذي لن تنكروه * ليوم كريهة وليوم سلم
وأوجب لي ولايته عليكم * رسول الله يوم غدير خم
وأوصى بي لامته لحكمي * فهل فيكم له قدم كقدمي
فويل ثم ويل ثم ويل * لجاحد طاعتي من غير جرمي
19

فلما قرأ معاوية الكتاب قال: مزقه يا غلام لا يقرأه أهل الشام فيميلون معه نحو
ابن أبي طالب. وتذاكروا الفخر عند عمر فأنشأ عليه السلام:
الله أكرمنا بنصر نبيه * وبنا أقام دعائم الاسلام
وبنا أعز نبيه وكتابه * وأعزنا بالنصر والاقدام
وبكل معترك تطير سيوفنا * منه الجماجم عن فراخ الهام
ويزورنا جبريل في أبياتنا * بفرايض الاسلام والأحكام
فتكون أول مستحل حله * ومحرم لله كل حرام
نحن الخيار من البرية كلها * ونظامها وزمام كل زمام
وقال خطيب خوارزم:
هل فيهم من له زوج كفاطمة * قل لا وان مات غيظا كل ذي إحن
هل فيهم من له عم يؤازره * كمثل حمزة في أعمام ذي الزمن
هل فيهم من له صنو يكانفه * كجعفر ذي المعالي الباسق الفطن
وليس في العقل والشرع تبعيد القريب وتقريب البعيد إلا للكفر وللفسق.
وقال غيره:
أخذتم عن القربى خلافة احمد * وصيرتموها بعده في الأجانب
وأين على التحقيق تيم بن مرة * لو اخترتم الانصاف من آل طالب
وقال غيره:
وقد متم تيما برأيكم * ولها شم الابرام والنقض
اكأهله الأصحاب عندكم * فإذا النوافل مثلها الفرض
فصل: في آثار حمله وكيفية ولادته
خطب أبو طالب في نكاح فاطمة بنت أسد: الحمد لله رب العالمين رب العرش
العظيم والمقام الكريم والمشعر والحطيم الذي اصطفانا اعلاما وسدنة وعرفاء وخلصاء
وحجيته بهاليل أطهار من الخنا والريب والأذى والعيب وأقام لنا المشاعر وفضلنا
على العشاير نخب آل إبراهيم وصفوته وزرع إسماعيل، في كلام له ثم قال: وقد
تزوجت بنت أسد وسقت المهر ونفذت الامر فاسألوه واشهدوا، فقال أسد: زوجناك
ورضينا بك، ثم أطعم الناس فقال أمية بن الصلت:
اغمرنا عرس أبي طالب * وكان عرسا لبن الحالب
20

اقرأؤه البدو بأقطاره * من راجل خف ومن راكب
فنازلوه سبعة أحصيت * أيامها للرجل الحاسب
شيخ السنة القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد في خبر طويل ان فاطمة بنت أسد
رأت النبي صلى الله عليه وآله يأكل تمرا له رايحة تزداد على كل الأطايب من المسك والعنبر من نخلة
لا شماريخ لها فقالت: ناولني أنل منها، قال عليه السلام: لا تصلح إلا أن تشهدي معي ان
لا إله إلا الله واني محمد رسول الله فشهدت الشهادتين فناولها فأكلت فازدادت رغبتها
وطلبت أخرى لأبي طالب فعاهدها ان لا نعطيه إلا بعد الشهادتين فلما جن عليها الليل اشتم
أبو طالب نسما ما اشتم مثله قط فأظهرت ما معها فالتمسه منها فأبت عليه إلا أن يشهد الشهادتين
فلم يملك نفسه أن شهد الشهادتين غير أنه سألها ان تكتم عليه لئلا تعيره قريش فعاهدته على
ذلك فأعطته ما معها وآوى إلى زوجته فعلقت بعلي في تلك الليلة ولما حملت بعلي ازداد
حسنها فكان يتكلم في بطنها فكانت في الكعبة فتكلم علي مع جعفر فغشى عليه فألقيت
الأصنام خرت على وجوهها فمسحت على بطنها وقالت: يا قرة العين سجدتك الأصنام
داخلا فكيف شأنك خارجا، وذكرت لأبي طالب ذلك فقال: هو الذي قال لي أسد
في طريق الطايف. قال الشاعر:
وقد روي عن أمه فاطمة * ذات التقى والفضل من بين النسا
بأنها كانت ترى أصنامهم * نصبا على الكعبة أو بين الصفا
فربما رامت سجودا كالذي * كانت مرارا من قريش قد ترى
وهي به حاملة فيغتدي * منتصبا يمنعها مما تشا
عن بريد بن قعنب وجابر الأنصاري انه كان راهب يقال له المثرم بن دعيب قد
عبد الله مائة وتسعين سنة ولم يسأله حاجه فسأل ربه أنيريه وليا له فبعث الله بأبي
طالب إليه فسأله عن مكانه وقبيلته فلما اجابه وثب إليه وقبل رأسه وقال: الحمد لله
الذي لم يمتني حتى أراني وليه، ثم قال: ابشر يا هذا ان الله ألهمني ان ولدا يخرج من
صلبك هو ولي الله اسمه علي فان أدركته فاقرأه مني السلام، فقال ما برهانه؟ قال
ما تريد؟ قال طعام من الجنة في وقتي هذا، فدعا الراهب بذلك فما استتم كلامه حتى اتى
بطبق عليه من فاكهة الجنة رطب وعنب ورمان فتناول رمانة فتحولت ما في صلبه
فجامع فاطمة فحملت بعلي وارتجت الأرض وزلزلت بهم أياما وعلت قريش الأصنام
إلى ذروة أبي قبيس فجعل يرتج ارتجاجا حتى تدكدكت بهم الصخور وتناثرت وتساقطت
21

الآلهة على وجوهها فصعد أبو طالب الجبل وقال: أيها الناس ان الله قد احدث في
هذه الليلة حادثة وخلق فيها خلقا ان لم تطيعوه وتقروا بولايته وتشهدوا بإمامته لم
يسكن ما بكم، فأقروا به فرفع يده وقال: إلهي وسيدي أسألك بالمحمدية المحمودية
وبالعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة فكانت العرب
تدعو بها في شدايدها في الجاهلية وهي لا تعلمها، فلما قربت ولادته أتت فاطمة إلى
بيت الله وقالت. رب اني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب مصدقة
بكلام جدي إبراهيم فبحق الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت
علي ولادتي، فانفتح البيت ودخلت فيه فإذا هي بحوراء ومريم وآسية وأم موسى
وغيرهن فصنعن مثل ما صنعن برسول الله وقت ولادته. فلما ولد سجد على الأرض
يقول: اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله واشهد ان عليا وصي محمد
رسول الله بمحمد يختم الله النبوة وبي تتم الوصية وانا أمير المؤمنين فسلم على النساء
وسأل عن أحوالهن وأشرقت السماء بضيائه، فخرج أبو طالب يقول أبشروا فقد ظهر
ولي الله يختم به الوصيين وهو وصي نبي رب العالمين، ثم اخذ عليا فسلم علي عليه فسأله
عن النسوة فذكر له ثم قال: فالحق بالمثرم وخبره بما رأيت فإنه في كهف كذا من
جبل اكام فخرج حتى اتاه فوجده ميتا جسدا ملفوفا في مدرعة مسجى فإذا هناك
حيتان فلما بصرنا به عزبتا في الكهف ودخل أبو طالب فقال: السلام عليك يا ولي الله
ورحمة الله وبركاته، فأحيي الله المثرم فقام يمسح وجهه ويقول: اشهد ان لا إله
إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وان عليا ولي الله والامام بعد نبي الله، فقال
أبو طالب: ابشر فان عليا قد طلع إلى الأرض فسأل عن ولادته فقص عليه القصة
فبكى المثرم ثم سجد شكرا ثم تمطى فقال: غطني بمدرعتي فغطاه فإذا هو ميت كما كان
فأقام أبو طالب ثلاثا وخرجت الحيتان وقالتا: السلام عليك يا أبا طالب الحق بولي
الله فإنك أحق بصيانته وحفظه من غيرك، فقال من أنتما؟ قالتا: نحن عمله نذب عنه
الأذى إلى أن تقوم الساعة فحينئذ يكون أحدنا سابقه والآخر قائده إلى الجنة،
فانصرف أبو طالب.
وفي رواية شعبة عن قتادة عن انس عن العباس بن عبد المطلب، وفي رواية
الحسن بن محبوب عن الصادق عليه السلام والحديث مختصر انه انفتح البيت من ظهره ودخلت
فاطمة فيه ثم عادت الفتحة والتصقت وبقيت فيه ثلاثة أيام فأكلت من ثمار الجنة فلما
22

خرجت قال علي عليه السلام: السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته، ثم تنحنح وقال:
(بسم الله الرحمن الرحيم قد أفلح المؤمنون) الآيات، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد
أفلحوا بك أنت والله أميرهم تميرهم من علمك فيمتارون وأنت والله دليلهم وبك والله
يهتدون، ووضع رسول الله لسانه في فيه فانفجرت اثنتا عشر عينا، قال فسمي ذلك
اليوم يوم التروية، فلما كان من غده ونصر علي برسول الله سلم عليه وضحك في
وجهه وجعل يشير إليه فأخذه رسول الله صلى الله فقالت فاطمة: عرفه، فسمي ذلك اليوم
عرفة، فلما كان اليوم الثالث وكان يوم العاشر من ذي الحجة أذن أبو طالب في الناس
أذانا جامعا وقال هلموا إلى وليمة ابني علي ونحر ثلاثمائة من الإبل والف رأس من
البقر والغنم واتخذوا وليمة وقال هلموا وطوفوا بالبيت سبعا وادخلوا وسلموا على علي
ولدي، ففعل الناس من ذلك وجرت به السنة، ووضعته أمه بين يدي النبي ففتح فاه
بلسانه وحنكه واذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى فعرف الشهادتين وولد على
الفطرة، قال أبو الفضل الإسكافي:
نطقت دلايله بفضل صفاته * بين القبايل وهو طفل يرضع
أبو علي همام رفعه: انه لما ولد علي عليه السلام أخذ أبو طالب بيد فاطمة وعلي على
صدره وخرج إلى الأبطح ونادى:
يا رب ذا الغسق الدجى * والقمر المبتلج المضي
بين لنا من حكمك المقضى * ماذا ترى في اسم الصبي
قال لجأ شئ يدب على الأرض كالسحاب حتى حصل في صدر أبي طالب فضمه
مع علي إلى صدره فلما أصبح إذا هو بلوح أخضر فيه مكتوب:
خصصتما بالولد الزكي * والطاهر المنتجب الرضي
فاسمه من شامخ على * علي اشتق من العلي
قال: فعلقوا اللوح في الكعبة وما زال هناك حتى أخذه هشام بن عبد الملك
فاجتمع أهل البيت انه في الزاوية اليمنى من ناحية البيت، فالولد الطاهر من النسل
الطاهر ولد في الموضع الطاهر، فأين توجد هذه الكرامة لغيره؟ فأشرف البقاع الحرم
وأشرف الحرم المسجد وأشرف بقاع المسجد الكعبة ولم يولد فيه مولود سواه فالمولود
فيه يكون في غاية الشرف فليس المولود في سيد الأيام يوم الجمعة في الشهر الحرام في
البيت الحرام سوى أمير المؤمنين عليه السلام، قال الحميري:
23

ولدته في حرم الاله وأمنه * والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة * طابت وطاب وليدها والمولد
في ليلة غابت نحوس نجومها * وبدت مع القمر المنير الأسعد
ما لف في خرق القوابل مثله * إلا ابن آمنة النبي محمد
وقال محمد بن منصور السرخسي:
ولدته منجبة وكان ولادها * في جوف كعبة أفضل الأكنان
وسقاه ريقته النبي ويا لها * من شربة تغني عن الألبان
حتى ترعرع سيدا سندا رضى * أسدا شديد القلب غير جبان
عبد الاله مع النبي وانه * قد كان بعد يعد في الصبيان
فلذاك زوجه الرسول بتولة * وغدا وصي الانس ثم الجان
شهدت له آيات سورة هل أتى * بمناقب جلت عن التبيان
فصل: في الطهارة والرتبة
نزلت فيه بالاجماع (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا). الفردوس، قال علي عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وآله: انا أهل بيت قد اذهب الله
عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وقال النبي في قوله تعالى: " واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) فانتهت الدعوة إلي
والى علي، وفي خبر أنا دعوة إبراهيم وإنما عنى بذلك الطاهرين لقوله: نقلت من
أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات لم يمسسني سفاح الجاهلية وأهل الجاهلية كانوا
يسافحون وأنسابهم غير صحيحة وأمورهم مشهورة عند أهل المعرفة.
يزيد بن هارون عن جرير بن عثمان عن عوف بن مالك قال: جاء رجل إلى عمر
ابن الخطاب فقال له: ان علي نذرا أن أعتق نسمة من ولد إسماعيل، فقال: والله
ما أصبحت أثق إلا ما كان من حسن وحسين و عبد المطلب فإنهم من شجرة رسول الله
وسمعته يقول هم بني أبي، قال الحميري:
طيب كهلا وغلاما * ورضيعا وجنينا
ولدى الميثاق طينا * يوم كان الخلق طينا
المناقب ج 2، م 3 "
24

كنت مأمونا وجيها * عند ذي العرض مكينا
في حجاب النور حيا * طيبا للطاهرينا
وله أيضا:
وقد قال النبي لكم وأنتم * حضور للمقالة شاهدونا
عباد الله انا أهل بيت * برانا الله كلا طاهرينا
وله أيضا:
أشهد الله وآلائه * والمرء عما قال مسؤول
ان علي بن أبي طالب * على التقى والبر مجبول
وانه كان الامام الذي * له على الأمة تفضيل
يقول بالحق ويقضى به * وليس تلهيه الأباطيل
وقال بعض النصارى:
علي ولي المؤمنين بذمة * ومالي سواه في الأئمة مطمع
له الشرف الاعلى وأنسابه الذي * يقربها هذا الخلايق أجمع
بأن عليا أفضل الناس كلهم * وأورعهم بعد النبي وأشجع
فلو كنت أهوى ملة غير ملتي * لما كنت إلا مسلما أتشيع
واجتمع أهل البيت بأدلة قاطعة وبراهين ساطعة بأنه معصوم، واجتمع الناس
انه لم يشرك قط وانه بايع النبي في صغره وترك أبويه.
تاريخ الخطيب أنه قال جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاثة لم يكفروا بالوحي
طرفة عين مؤمن آل يس وعلي بن أبي طالب وآسية امرأة فرعون.
تفسير وكيع، حدثنا سفيان بن مرة الهمداني عن عبد خير قال: سألت علي بن
أبي طالب عن قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) قال: والله ما عمل
بهذا غير أهل بيت رسول الله نحن ذكرنا الله فلا ننساه ونحن شكرناه فلا نكفره
ونحن أطعناه فلا نعصيه، فلما أنزلت هذه الآية قالت الصحابة لا نطيق ذلك فأنزل
الله (فاتقوا الله ما استطعتم) قال وكيع يعني ما أطعتم، ثم قال (واسمعوا ما تؤمرون
وأطيعوا) يعني أطيعوا الله ورسوله وأهل بيته فيما يأمرونكم به، ووجدنا العامة إذا
ذكروا عليا في كتبهم أو أجروا ذكره على ألسنتهم قالوا: كرم الله وجهه، يعنون
بذلك عن عبادة الأصنام.
25

وروي انه اعترف عنده رجل محصن انه قد زنى مرة بعد مرة وهو يتجاهل
حتى اعترف الرابعة فأمر بحبسه ثم نادى في الناس ثم أخرجه بالغلس ثم حفر له حفيرة
ووضعه فيها ثم نادى: أيها الناس ان هذا حقوق الله لا يطلبها من كان عليه مثله،
فانصرفوا ما خلا علي بن أبي طالب وابنيه فرجمه ثم صلى عليه، وفي التهذيب ان محمد
ابن الحنفية كان ممن رجع، وعلي بن أبي طالب كان ممن وصفه الله تعالى في قوله:
(واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) ثم قال (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) فنظرنا في
أمر الظالم فإذا الأمة قد فسروه انه عابد الأصنام وان من عبدها فقد لزمه الذل وقد
نفى الله أن يكون الظالم خليفة بقوله (لا ينال عهدي الظالمين)، قال الصاحب بن عباد
وما عبد الأصنام والقوم سجد * لها وهو في اثر النبي محمد
وقال الحميري:
لم يتخذ وثنا ربا كما اتخذوا * ولا أجال لهم في مشهد زلما
صلى ووحد إذ كانت صلاتهم * للات تجعل والعزى وما احتلما
وقال ديك الجن:
شرفي محبة معشر * شرفوا بسورة هل أتى
وولاي من في فتكه * سماه ذو العرش الفتى
لم يعبد الأصنام قط * ولا ألام ولا عتا
ثبتت إذا قدم سواه * إلى المهاوي زلتا
ثقل الهدى وكتابه * بعد النبي تشتتا
وا حسرتا من ذلهم * وخضوعهم وا حسرتا
طالت حياة عدوهم * حتى متى والى متى؟
ثم إنه لم يشرب الخمر قط ولم يأكل ما ذبح على النصب وغير ذلك من الفسوق
وقريش ملوثون بها، وكذلك يقول القصاص أبو فلان وفلان والظاهر علي.
تفسير القطان عمرو بن حمران عن سعيد عن قتادة عن الحسن البصري قال
اجتمع عثمان بن مظعون وأبو طلحة وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء
وأبو دجانة في منزل سعد بن أبي وقاص فأكلوا شيئا ثم قدم إليهم شيئا من الفضيخ
فقام علي فخرج من بينهم فقال عثمان في ذلك فقال علي: لعن الله الخمر والله لا اشرب
شيئا يذهب عقلي ويضحك بي من رآني وازوج كريمتي من لا أريد وخرج من بينهم
فأتى المسجد وهبط جبرئيل بهذه الآية (يا أيها الذين آمنوا) يعني هؤلاء الذين اجتمعوا
26

في منزل سعد (إنما الخمر والميسر) الآية، فقال علي: تبا لها والله يا رسول الله لقد
كان بصري فيها نافذ منذ كنت صغيرا، قال الحسن: والله الذي لا إله إلا هو
ما شربها قبل تحريمها ولا ساعة قط، قال الشاعر:
علي على الاسلام والدين قد نشأ * وما عبد الأصنام قط ولا انتشا
وقد عبد الرحمن طفلا ويافعا * وذلك فضل الله يؤتيه من يشا
ثم إنه عليه السلام لم يأت بفاحشة قط ونزلت فيه: (قد أفلح المؤمنون) الآيات،
في التاريخ من ثلاثة طرق عن عمار بن ياسر وذكره جماعة بطرق كثيرة عن بريدة الأسلمي
في حديثه أنه قال النبي صلى الله عليه وآله قال لي جبريل: يا محمد ان حفظة علي بن أبي طالب تفتخر
على الملائكة انها لم تكتب على علي خطيئة منذ صحبته، قال العبدي:
وان جبريل الأمين قال لي * عن ملكيه الكاتبين مذدنا
انهما ما يكتبا قط على * الطهر علي زلة ولا خنا
وقال الحميري:
له شهد الكتاب فلا تخروا * على آياته صما عميا
بتطهير أميط الرجس عنه * وسمي مؤمنا فيه زكيا
ثم إنه كان أبو طالب وفاطمة بنت أسد ريا النبي وربى النبي وخديجة لعلي
صلوات الله عليهم، وسمعت مذاكرة انه لما ولد علي لم يفتح عينيه ثلاثة أيام فجاء النبي
ففتح عينيه ونظر إلى النبي فقال صلوات الله عليه خصني بالنظر وخصصته بالعلم.
تاريخ الطبري والبلاذري وتفسير الثعلبي والواحدي وشرف النبي وأربعين
الخوارزمي ودرجات محفوظ البستي ومغازي محمد بن إسحاق ومعرفة أبي يوسف النسوي
أنه قال مجاهد: كان من نعمة الله علي بن أبي طالب ان قريشا اصابتهم أزمة شديدة
وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة رسول الله لحمزة والعباس: ان أبا طالب كثير
العيال وقد أصاب الناس ما ترون من هذه الأزمة فانطلق بنا نخفف من عياله، فدخلوا
عليه وطلبوه بذلك فقال: إذا تركتم لي عقيلا فافعلوا ما شئتم فبقي عقيل عنده إلى أن
مات أبو طالب ثم بقي في وحدة إلى أن اخذ يوم بدر واخذ حمزة جعفرا فلم يزل معه
في الجاهلية والاسلام إلى أن قتل حمزة واخذ العباس طالبا وكان معه إلى يوم بدر ثم
فقد فلم يعرف له خبر واخذ رسول الله عليا وهو ابن ست سنين كسنه يوم اخذه
أبو طالب فربته خديجة والمصطفى إلى أن جاء الاسلام وتربيتهما أحسن من تربية
27

أبي طالب وفاطمة بنت أسد فكان مع النبي إلى أن مضى وبقى علي بعده، وفي رواية
ان النبي صلى الله عليه وآله قال: اخترت من اختار الله لي عليكم عليا.
وذكر أبو القاسم في أخبار أبي رافع من ثلاثة طرق ان النبي حين تزوج خديجة
قال لعمه أبي طالب اني أحب أن تدفع إلي بعض ولدك يعينني على أمري ويكفيني
وأشكر لك بلاك عندي فقال أبو طالب خذ أيهم شئت فأخذ عليا عليه السلام.
نهج البلاغة: وقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة
وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى صدره ويلقني في فراشه ويمسني جسده
ويشمني عرقه وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة
في فعل ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن كان فطيما أعظم ملكا من ملائكة يسلك به
طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره ولقد كنت أتبعه اتباع الفصل اثر
أمه يرفع لي في كل يوم علما من أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به.
ومن خطبته القاصعة ولم يجمع بيت في الاسلام غير رسول الله وخديجة وأنا
ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة وأشم روح النبوة ولقد سمعت رنة الشيطان حين
نزل الوحي عليه فمن استقى عروقه من منبع النبوة ورضعت شجرته ثدي الرسالة
وتهدلت أغصانه من نبعة الإمامة ونشأ في دار الوحي وربي في بيت التنزيل ولم يفارق
النبي في حال حياته إلى حال وفاته لا يقاس بسائر، وإذا كان عليه السلام في أكرم أرومة
وأطيب مغرس والعرق الصالح ينمى والشهاب الثاقب يسرى وتعليم الرسول ناجع
ولم يكن الرسول صلى الله عليه وآله ليتولى تأديبه ويتضمن حضانته وحسن تربيته إلا على ضربين
اما على التفرس فيه أو بالوحي من الله تعالى فإن كان بالتفرس فلا تخطي فراسته ولا
يخيب ظنه وإن كان بالوحي فلا منزلة أعلى ولا حال أدل على الفضيلة والإمامة منه.
قال الشاعر:
ومن كفل النبي به صبيا * صغير السن عام المستنينا
وغذاه بحكمته فأضحى * يفوق بها جميع الخاطبينا
28

فصل: في المصاهرة مع النبي
ابن عباس وابن مسعود وجابر والبراء وأنس وأم سلمة والسدي وابن سيرين
والباقر عليه السلام في قوله تعالى (وهو الذي خلق من الماء بشرا وجعله نسبا وصهرا)
قالوا هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسن عليهم السلام وكان ربك قديرا القائم في
آخر الزمان لأنه لم يجتمع نسب وسبب في الصحابة والقرابة إلا له فلأجل ذلك استحق
الميراث بالنسب والسبب، وفي رواية البشر الرسول والنسب فاطمة والصهر علي.
تفسير الثعلبي قال ابن سيرين: نزلت في النبي وعلي زوج ابنته فاطمة وهو ابن
عمه وزوج ابنته فكان نسبا وصهرا. قال ابن الحجاج:
بالمصطفى وبصهره ووصيه يوم الغدير
وقال كعب بن زهير: (صهر النبي وخير الناس كلهم).
الصادق عليه السلام: أوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وآله قل لفاطمة لا تعصي عليا فإنه
لو غضب غضبت لغضبه.
عوتب النبي في أمر فاطمة فقال: لو لم يخلق الله علي بن أبي طالب ما كان
لفاطمة كفو، وفي خبر لولاك لما كان لها كفو على وجه الأرض.
المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لولا أن الله تعالى خلق أمير المؤمنين لم يكن
لفاطمة كفو في وجه الأرض آدم فمن دونه، قال الصاحب:
كفو البتول ولا كفو سواه لها * والامر يكشفه أمر يوازيه
وله أيضا:
يا كفو بنت محمد لولاك ما * زفت إلى بشر مدى الأحقاب
يا أصل عدة أحمد لولاك لم * يك أحمد المبعوث ذا أعقاب
وله أيضا:
وفي أي يوم لم يكن شمس يومه * إذا قيل هذا يوم تقضى المآرب
أفي خطبة الزهراء لما استخصه * كفاء لها والكل من قبل طالب
وله أيضا:
هل مثل فاطمة الزهراء سيدة * زوجتها بأحمال الفاطميينا
هل مثل نجليك في مجد وفي كرم * إذ كونا من سلال المجد تكوينا
29

وقال غيره:
وزوجته الزهراء خير كريمة * لخير كريم فضلها ليس يجحد
وقال ابن حماد:
لو لم يكن خير الرجال لم تكن * زوجته فاطمة خير النسا
وقالوا تزوج النبي صلى الله عليه وآله من الشيخين وزوج من عثمان بنتين، قلنا التزويج
لا يدل على الفضل وإنما هو مبني على إظهار الشهادتين، ثم إنه تزوج في جماعة، واما
عثمان ففي زواجه خلاف كثير. وانه صلى الله عليه وآله كان زوجهما من كافرين قبله، ليست
حكم فاطمة مثل ذلك لأنها وليدة الاسلام ومن أهل العبا والمباهلة والمهاجرة في أصعب
وقت، وورد فيها آية التطهير وافتخر جبرئيل بكونه منهم وشهد الله لهم بالصدق
ولها أمومة الأئمة إلى يوم القيامة ومنها الحسن والحسين وعقب الرسول وسيدة النساء
وهي سيدة نساء العالمين وزوجها من أصلها وليس بأجنبي، وأما الشيخان فقد توسلا
إلى النبي بذلك، وأما علي فتوسل النبي إليه بعدما رد خطبتها والعاقد بينهما هو الله تعالى
والقابل جبرئيل والخاطب راحيل والشهود حملة العرش وصاحب الثنا رضوان
وطبق النثار شجرة طوبى والنثار الدر والياقوت والمرجان والرسول هو المشاطة وأسماء
صاحبة الحجلة ووليد هذا النكاح الأئمة عليهم السلام.
ابن نباتة: وكذا لا تزال أو يظهر القائم خير الورى لنسلك نسلا.
ابن شاهين المروزي في كتاب فضايل فاطمة عليها السلام باسناده عن الحسين بن
واقد عن أبي بريدة عن أبيه، وعن البلاذري في التاريخ باسناده ان أبا بكر خطب إلى
النبي فاطمة فقال: انتظر لها القضاء، ثم خطب إليه عمر فقال: انتظر لها القضاء الخبر
مسند أحمد وفضايله وسنن أبي داود وإبانة ابن بطة وتاريخ الخطيب وكتاب
ابن شاهين واللفظ له بالاسناد عن خالد الحذاء وأبي أيوب وعكرمة وأبي نجيح وعبيدة
ابن سليمان كلهم عن ابن عباس انه لما زوج النبي فاطمة عليا قال له النبي: فاعطها شيئا
قال: ما عندي شئ، قال: فأين درعك الحطمية، وفي رواية غيره أنه قال علي عندي
قال: فاعطها إياها، قال السوسي:
وزوج بالطهر البتولة فاطم * ورد سواه كاسف البال من حقر
وخاطبها جبريل لما اتى به) ومن شهد الاملاك يلقطن ما نثر
30

تناثر ياقوت ودر وجوهر * ومسك وكافور من الخلد قد نثر
وقولا له يا خاطبيها بحسرة * تزوجت الشمس المنيرة بالقمر
ويطلع من شمس الضحى قمر الدجى * كواكب قد لاحت لنا أحدا عشر
وقال ابن حماد:
وقصة القوم لما أقبلوا طمعا * لفاطم من رسول الله خطابا
قالوا نسوق إليك المال تكرمة * وارغبوا في عظيم المال ارغابا
فقال ما في يدي من أمرها سبب * والله أولى بها أمرا وأسبابا
وجاءه المرتضى من بعد يخطبها * فارتد مستحييا منه وقد هابا
وقام منصرفا قال النبي له * وقد كسا من حياه الطهر جلبابا
أجئتني تخطب الزهراء قال نعم * فقال حبا واكراما وإيجابا
هل في يديك لها مهر فقال له * ما كنت أذخر أموالا وانشابا
فقال هاتيك درعك ما فعلت بها * فقال ها هي ذي للخطب ان نابا
فقال نرضى بها مهرا فزوجه * وفاز من فاز لما خاب من خابا
وله أيضا:
من خص بالزهراء فاطمة التقى * فضلا من الله العلي الواجب
حبيت به وحبي بها ولقد زوى * عنها سواه بكل ظن خائب
أكرم بمن كان الاله وليها * وخطيبها أكرم بها من خاطب
وقال العوني:
زوجك الله يا إمامي * بفاطم البرة الزكية
ورد من رامها جميعا * بأوجه كزة خزيه
أليس قد نافقوا وإلا * ما رد للقوم جاهليه
وقال الحنيني:
أنا مولى من حباه ربه * بالرضا فاطمة زين العرب
لست مولى الخاطب الوغد الذي * رد بالخيبة لما ان خطب
وقال غيره:
وفاطمة الزهراء لم يك كفوها * سواه من الخطاب في كل عزة
31

فصل: في الاخوة
صارا أخوين من ثلاثة أوجه أولها لقوله عليه السلام لا زال ينقله من الآباء الأخاير
الخبر، والثاني ان فاطمة بنت أسد ربته حتى قال هذه أمي، وكان عند أبي طالب
من أعز أولاده رباء في صغره وحماه في كبره ونصره باللسان والمال والسيف والأولاد
والهجرة، والأب أبوان أب ولادة وأب إفادة، ثم إن العم والد قوله تعالى حكاية
عن يعقوب (ما تعبدون من بعدي) الآية، وإسماعيل كان عمه، وقوله تعالى حكاية
عن إبراهيم (وإذا قال إبراهيم لأبيه آزر) قال الزجاج: أجمع النسابة ان اسم أبي
إبراهيم تارخ، والثالث آخاه في عدة مواضع يوم بيعة العشيرة حين لم يبايعه أحد بايعه
علي على أن يكون له أخا في الدارين، وقال في مواضع كثيرة منها يوم خيبر أنت
أخي ووصيي، وفي يوم المواخاة ما ظهر عند الخاص والعام صحته، وقد رواه ابن
بطة من ستة طرق، وروي انه كان النبي بالنخيلة وحوله سبعمائة وأربعون رجلا
فنزل جبرئيل وقال: ان الله تعالى آخى بين الملائكة وبيني وبين ميكائيل وبين إسرافيل
وبين عزرائيل وبين درزائيل وبين راحيل فآخى النبي بين أصحابه.
وروى خطيب خوارزم في كتابه بالاسناد عن ابن مسعود قال النبي: أول من
اتخذ علي بن أبي طالب أخا إسرافيل ثم جبرائيل الخبر.
تاريخ البلاذري والسلامي وغيرهما عن ابن عباس وغيره لما نزل قوله تعالى (إنما
المؤمنون اخوة) آخى رسول الله بين الاشكال والأمثال فآخى بين أبي بكر وعمر
وبين عثمان و عبد الرحمن، وبين سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد، وبين طلحة
والزبير، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب الأنصاري
وبين أبي ذر وابن مسعود، وبين سلمان وحذيفة، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وبين
أبي الدرداء وبلال، وبين جعفر الطيار ومعاذ بن جبل، وبين المقداد وعمار، وبين
عايشة وحفصة، وبين زينب بنت جحش وميمونة، وبين أم سلمة وصفية، حتى
آخى بين أصحابه بأجمعهم على قدر منازلهم ثم قال: أنت أخي وانا أخوك يا علي.
محمد بن إسحاق قال: آخى النبي بين أصحابه من المهاجرين والأنصار أخوين
أخوين ثم اخذ بيد علي بن أبي طالب وقال وهذا أخي.
تاريخ البلاذري قال علي: يا رسول الله آخيت بين أصحابك وتركتني، فقال:
" المناقب ج 2، م 4 "
32

أنت أخي اما ترضى ان تدعى إذا دعيت وتكسى إذا كسيت وتدخل الجنة إذا دخلت
قال: بلى يا رسول الله.
الترمذي: والسمعاني والنطنزي أنه قال ابن عمر وزيد بن أبي أوفى: آخى
رسول الله بين أصحابه فجاء على تدمع عيناه فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك
ولم تواخ بيني وبين أحد، فقال النبي: أنت أخي في الدنيا والآخرة.
وفي فضايل احمد: إنما تركتك لنفسي أنت أخي وانا أخوك، وفيه برواية زيد
ابن أوفى. والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى
إلا أنه لا نبي بعدي.
الأربعين عن الخوارزمي قال أبو رافع: ان رسول الله التفت إلى علي فقال: أنت
أخي في الدنيا والآخرة ووزيري ووارثي.
اعتقاد أهل السنة، روى مخدوج بن زيد الذهلي ان النبي صلى الله عليه وآله لما آخى بين
المسلمين اخذ بيد علي فوضعها على صدره وقال: يا علي أنت مني وانا منك بمنزلة
هارون من موسى، الخبر.
شيخ السنة القاضي أبو عمرو باسناده عن شرحبيل في خبر ان عليا عليه السلام قال:
فأنا يا رسول الله من أخي؟ قال: والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي وأنت مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وأنت أخي في الدنيا والآخرة.
وفي فضايل العشرة عن ابن عباس قال النبي: إذا كان يوم القيامة نوديت من
بطنان العرش يا محمد نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب.
فضايل السمعاني، روى أبو الصلت الأهوازي باسناده عن طاووس عن جابر
ان النبي رأى عليا فقال: هذا أخي وصاحبي ومن باهى الله به ملائكته ومن يدخل
الجنة بسلام.
فردوس الديلمي عن حذيفة قال النبي: علي أخي وابن عمي. المناقب عن
أبي إسحاق العدل قال أبو يحيى! ما جلس علي على المنبر إلا قال: أنا عبد الله وأخو
رسول الله لا يقولها بعدي إلا كذاب.
الصادق عليه السلام: ولما آخى رسول الله بين الصحابة وترك عليا فقال له في ذلك
فقال له النبي: إنما اخترتك لنفسي أنت أخي وانا أخوك في الدنيا والآخرة، فبكى
علي عند ذلك وقال:
33

أفديك بنفسي أيها المصطفى الذي * هدانا به الرحمن من عمه الجهل
وأفديك حوبائي وما قدر مهجتي * لمن أنتمي منه إلى الفرع والأصل
ومن ضمني منذ كنت طفلا ويافعا * وأنعشني بالبر والعل والنهل
ومن جده جدي ومن عمه عمي * ومن أهله أمي ومن بنته أهلي
ومن حين آخى بين من كان حاضرا * دعاني وآخاني وبين من فضلي
لك الفضل ان ما حييت لشاكر * لاتمام ما أوليت يا خاتم الرسل
الفنجر كردي في سلوة الشيعة، جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت عليا
ينشد ورسول الله يسمع:
أنا أخو المصطفى لا شك في نسبي * معه ربيت وسبطاه هما ولدي
جدي وجد رسول الله منفرد * وفاطم زوجتي لا قول ذي فند
والحمد لله شكرا لا شريك له * البر بالعبد والباقي بلا أمد
قال: فتبسم رسول الله وقال صدقت. محمد بن إسحاق: فبقي الناس ما شاء الله
يتوارثون في المدينة بعقد الاخوة دون اولي الأرحام وانزل الله فيهم (ان الذين
آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا
أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ)
وبقى ميراث من لم يهاجر من المؤمنين بمكة على القرابة حتى أنزل الله (والذين آمنوا
من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض)
فصار الميراث لأولي الأرحام.
تفسير القطان وتفسير وكيع عن سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس
ان الناس كانوا يتوارثون بالاخوة فلما نزل قوله تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين)
وهم الذين آخى بينهم النبي، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: من مات منكم وعليه دين فالي قضاؤه
ومن مات وترك مالا فلورثته، فنسخ هذا الأول فصارت المواريث للقرابات الأدنى
فالأدنى، ثم قال: (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا الوصية من ثلث مال اليتيم)
فقال النبي عند نزولها: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى يا رسول الله،
قال: الا من كنت مولاه فهذا ولي الله علي بن أبي طالب مولاه اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه، الدعاء، ألا من ترك دينا أو ضيعة فالي ومن ترك مالا فلورثته.
34

تفسير جابر بن يزيد عن الإمام الصادق عليه السلام قال في هذه الآية: فكانت لعلي من
رسول الله الولاية في الدين والولاية في الرحم فهو وارثه كما قال أنت أخي في الدنيا
والآخرة وأنت وارثي.
السمعاني في الفضايل عن بريدة قال النبي: لكل نبي وصي ووارث وان عليا
وصيي ووارثي، وقالوا واما العباس فلم يرث لقوله تعالى (والذين آمنوا ولم يهاجروا
ما لكم من ولايتهم من شئ) وبالاتفاق انه لم يهاجر العباس.
ابن بطة في الإبانة انه قيل لقثم بن العباس: بأي شئ ورث علي بن أبي طالب
النبي دون العباس؟ قال: لأنه كان أشدنا به لصوقا وأسرعنا به لحقوا، قال ابن حماد:
ويوم المواخاة نادى به * أخوك أنا اليوم بي فاقنع
وله أيضا:
وخاك احمد إذ واخى صحابته * وكنت أنت له دون الأنام كفى
زوجت فاطمة الزهراء إذ خطبت * ورد خطابها بالرغم والأسف
وله أيضا:
وآخاه من دون الأنام فيالها * غنيمة فوز ما أجل اغتنامها
وقال العوني:
علي أخوه المصطفى قد رويتم * وشيخا كما قد قلتما أخوان
وقال السوسي:
هل من أخ لرسول الله نعرفه * سوى علي فهل بالامر منه خفاء
وقال أبو العلا:
من في الورى أحد اخوه محمد * أكرم بذاك من النبي إخاء
وقال الحميري:
فتى اخلوه المصطفى خير مرسل * وخير شهيد ذو الجناحين جعفر
وقال ابن طوطي:
أليس رسول الله آخى بنفسه * عليا صغير السن يومئذ طفلا
وقال أبو هاشم الجعفري:
فالا سواه كان آخى وفيهم * إذا ما عددت الشيخ والكهل والطفلا
فهل ذاك إلا أنه كان مثله * فالا جعلتم في اختياركم المثلا
35

أليس رسول الله أكد عقده * فكيف ملكتم بعده العقد والحلا
وقال محمد بن علي العلوي:
وهو اخوه يوم آخى صحبه * ونفسه في المحكم المنزل
فان أردت صدق ما أوضحته * وجدته في سورة المزمل
وقال الجماني:
وآخاهم مثلا لمثل فأصبحت * اخوته كالشمس ضمت إلى البدر
فآخى عليا دونكم وأصاره * لكم علما بين الهداية والكفر
لم يكونا أخوين من النسب تحقيقا وإنما قال ذلك فيه إبانة لمنزلته وفضله وإمامته
على سائر المسلمين لئلا يتقدم أحد منهم ولا يتأمر عليه بعد ما آخى بينهم أجمعين الاشكال
وجعله شكلا لنفسه والعرب تقول للشئ انه أخو الشئ إذا أشبهه أو قاربه أو وافق
معناه، ومنه قوله تعالى: (ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة) وكانا جبرئيل
وميكائيل، وقوله تعالى (يا أخت هارون)، فلما كان علي وصي رسول الله في أمته
كان أقرب الناس شبها في المنزلة به والاخوة لا توجب ذلك لأنه قد يكون المؤمن أخا
للكافر والمنافق فثبتت إمامته.
فصل: في الجوار
حديث سد الأبواب رواه نحو ثلاثين رجلا من الصحابة منهم زيد بن أرقم،
وسعد بن أبي وقاص وأبو سعيد الخدري وأم سلمة وأبو رافع وأبو الطفيل عن
حذيفة بن أسيد الغفاري وأبو حازم عن ابن عباس والعلاء عن ابن عمر وشعبة عن زيد
ابن علي عن أخيه الباقر عن جابر وعلي بن موسى الرضا عليهما السلام وقد تداخلت
الروايات بعضها في بعض انه لما قدم المهاجرون إلى المدينة بنوا حوالي مسجده بيوتا
فيها أبواب شارعة في المسجد ونام بعضهم في المسجد فأرسل النبي معاذ بن جبل فنادى
ان النبي يأمركم أن تسدوا أبوابكم إلا باب علي فأطاعوه إلا رجل، قال: فقام
رسول الله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما حدثني به أبو الحسن العاصمي الخوارزمي
عن أبي البيهقي عن أحمد بن جعفر عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن محمد بن
جعفر عن عون عن عبد الله بن ميمون عن زيد بن أرقم أنه قال النبي: أما بعد فاني
أمرت بسد هذه الأبواب غير باب على فقال فيه قائلكم فاني والله ما سددت شيئا ولا
36

فتحته ولكن أمرت بشئ فانبعته، ذكره أحمد في الفضائل.
مسند أبي يعلى عن سعد بن أبي وقاص: أنا ما فتحته ولكن الله فتحه.
خصائص العلوية عن بريدة الأسلمي: يا أيها الناس ما أنا سددتها وما أنا فتحتها
بل الله عز وجل سدها، ثم قرأ (والنجم إذا هوى) إلى قوله (ان هو إلا وحي يوحى)
مسند أبي يعلى وفضايل السمعاني وحلية الأولياء عن أبي نعيم بطريقين عن
أبي صالح عن عمرو بن ميمون قال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سدوا أبواب
المسجد كلها إلا باب علي، وفي رواية عن ابن عباس: سدوا هذه الأبواب إلا باب
علي قبل أن ينزل العذاب.
تاريخ بغداد فيما أسنده الخطيب إلى زيد بن علي عن أخيه محمد بن علي عليه السلام انه
سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: سدوا الأبواب كلها إلا
باب علي وأومى بيده إلى باب علي الفردوس عن الكياشيرويه: سدوا الأبواب
كلها إلا باب علي.
جامع الترمذي عن شعبة عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم عن عمرو بن ميمون عن
ابن عباس ان رسول الله أمر بسد الأبواب إلا باب علي.
مسند العشرة عن أحمد بن عبد الله بن الرقيم الكناني قال: خرجنا إلى المدينة زمن
الجمل فلقينا سعد بن مالك يقول: أمر رسول الله بسد الأبواب الشارعة في المسجد
وترك باب علي.
تاريخ البلاذري ومسند أحمد قال عمرو بن ميمون في خبر: خلا ابن عباس مع
جماعة ثم قام يقول: أف أف وقعوا في رجل قال له رسول الهل من كنت مولاه فعلي
مولاه وقال له من كنت وليه فعلي وليه وقال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى،
الخبر، وقال له: لأدفعن الراية إلى رجل، الخبر، وسد الأبواب إلا باب علي ونام
مكان رسول الله ليلة الغار وبعث براءة مع أبي بكر ثم ارسل عليا فأخذها.
الإبانة عن أبي عبد الله العكبري والمسند عن أبي يعلى وأحمد وفضايل أحمد
وشرف المصطفى عن أبي سعيد النيسابوري واللفظ له قال عبد الله بن عمر: ثلاثة أشياء
لو كان لي واحدة منهن لكان أحب إلي من حمر النعم، أحدها اعطاء الراية إياه يوم
خيبر، وتزويجه فاطمة إياه، وسد الأبواب إلا باب علي، قالوا: فخرج العباس يبكي
وقال يا رسول الله أخرجت عمك وأسكنت ابن عمك، فقال: ما أخرجتك ولا أسكنته
37

ولكن الله أسكنه. وروي ان العباس قال لفاطمة عليه السلام: انظروا إليها كأنها لبوة
بين يديها جرواها تظن ان رسول الله يخرج عمه ويدخل ابن عمه، وجاء حمزة يبكي
ويجر عباه الأحمر فقال له كما قال للعباس.
وقد ذكرنا جواب أحمد بن حنبل للمعتصم في ذلك. فقال عمر: دع لي خوخه
اطلع منها إلى المسجد، فقال: لا ولا بقدر اصبعة. فقال أبو بكر: دع لي كوة
أنظر إليها، فقال: لا ولا رأس إبرة، فسأل عثمان مثل ذلك فأبى.
الفايق عن الزمخشري قال سعد: لما نودي ليخرج من في المسجد إلا آل رسول الله
وآل علي خرجنا نجر قلاعنا - هو جمع قلع وهو الكنف.
فضايل السمعاني روى جابر عن ابن عمر في خبر انه سأل رجل فقال: ما قولك
في علي وعثمان؟ فقال: اما عثمان فكأن الله قد عفا عنه فكرهتم ان يعفو عنه واما علي
فابن عم رسول الله وختنه وهذا بيته وأشار بيده إلى بيته حيث ترون امر الله تعالى
نبيه ان يبني مسجده فبنى فيه عشرة ابيات تسعة لنبيه وأزواجه وعاشرها وهو
متوسطها لعلي وفاطمة وكان ذلك في أول سنة الهجرة، وقالوا كان في آخر عمر النبي
والأول أصح وأشهر وبقى على كونه فلم يزل علي وولده في بيته إلى أيام عبد الملك بن
مروان فعرف الخبر فحسد القوم على ذلك واغتاض وأمر بهدم الدار وتظاهر انه
يريد ان يزداد في المسجد وكان فيها الحسن بن الحسن فقال لا أخرج ولا أمكن من
هدمها، فضرب بالسياط وتصايح الناس وأخرج عند ذلك وهدمت الدار وزيد في
المسجد، وروى عيسى بن عبد الله ان دار فاطمة عليها السلام حول تربة النبي صلى الله عليه وآله
وبينهما حوض.
وفي منهاج الكراجكي انه ما بين البيت الذي فيه رسول الله وبين الباب المحاذي
لزقاق البقيع فتح له باب وسد على سائر الأصحاب، من قلع الباب كيف يسد عليه الباب
قلع باب الكفر من التخوم فتح له أبواب من العلوم، قال الحميري:
وخص رجال من قريش بأن بني * لهم حجرا فيه وكان مسددا
فقيل له أسدد كل باب فتحته * سوى باب ذي التقوى علي فسددا
وله أيضا:
جاروا على أحمد في جاره * والله قد أوصاه بالجار
هو جاره في مسجد طاهر * ولم يكن من عرصة الدار
38

اربى بما كان واربى بما * في كل اعلان واسرار
وأخرج الباقين منه معا * بالوحي من انزال جبار
وله أيضا:
من كان ذا جار له في مسجد * من نال منه قرابة وجوارا
والله أدخله وأخرج قومه * واختاره دون البرية جارا
وله أيضا:
وأسكنه في مسجد الطهر وحده * وزوجه والله من شاء يرفع
فجاوره فيه الوصي وغيره * وأبوابهم في مسجد الطهر شرع
فقال لهم سدوا عن الله صادقا * فضنوا بها عن سدها وتمنعوا
فقام رجال يذكرون قرابة * وما ثم فيما يبتغي القوم مطمع
فعاتبه في ذاك منهم معاتب * وكان له عما وللعم موضع
فقال له أخرجت عمك كارها * وأسكنت هذا ان عمك يجزع
فقال له يا عم ما أنا بالذي * فعلت بكم هذا بل الله فاقنعوا
وقال العبدي:
سدد أبوابهم سواه * فأكثرت منهم الشرور
وقال ما تبتغون فيه * وهو عليم بذي الصدور
يا قوم اني امتثلت أمرا * من ربنا العالم الغفور
وكان هذا له دليل * بأنه وحده ظهير
وله أيضا (وقيل للمفجع):
وله من أخيه نعت * حاز فخرا بفضله شرمحيا
جاز شبها له بسكناه في * المسجد حتما من امره مقضيا
بابه في شروع باب رسول الله إن كان مستخصا حظيا
حين سدت أبوابهم وهو يغشى * بابه شارعا منيفا بهيا
وقال الصاحب:
ولا سد عن خير المساجد بابه * وأبوابهم إذ ذاك عنه تسدد
وقال خطيب خوارزم:
فتح المبشر باب مسجده له * إذ سد عنه سائر الأبواب
39

وقال شاعر:
وقد سد أبوابهم تاركا * عليا لباب علي طريقا
وقال آخر:
محمد قد يرى للفضل بابا * له إذ سد أبواب الصحاب
وقال القمي:
علي له سد النبي كواهم * وباب علي وحده لم يردم
وفي رواية أبي رافع انه صلى الله عليه وآله صعد المنبر وقال: ان رجالا يجدون في أنفسهم
ان سكن علي في المسجد وخرجوا والله ما فعلت ذلك إلا عن امر ربي ان الله تعالى
أوحى إلى موسى ان يسكن مسجده فلا يدخل جنب غيره وغير أخيه هارون وذريته
واعلموا رحمكم الله ان عليا مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ولو كان عليا
جابر بن عبد الله: كنا ننام في المسجد ومعنا علي فدخل علينا رسول الله فقال
قوموا فلا تناموا في المسجد، فقمنا لنخرج فقال: أما أنت فنم يا علي فقد اذن لك.
أبو صالح المؤذن في الأربعين وأبو العلاء العطار الهمداني في كتابه بالاسناد
عن أم سلمة أنه قال بأعلى صوته: الا ان هذا المسجد لا يحل لجنب ولا حايض إلا للنبي
وأزواجه وفاطمة بنت محمد وعلي الا ينت لكم انتضلوا، مرتين.
جامع الترمذي ومسند أبي يعلى وأبو سعيد الخدري قال النبي: يا علي لا يحل
لاحد ان يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك، وفي رواية: يا علي لا يحل لاحد من
هذه الأمة غيري وغيرك، وفي رواية: ولا يحل ان يخد مسجدي جنب غيري
وغيره وغير ذريته فمن شاء فهنا وأشار بيده نحو الشام، فقال المنافقون: لقد
ضل وغوى في امر ختنه فنزل (ما ضل صاحبكم ما غوى)، قال الحميري:
فيا أول من صلى * ومن زكى ومن كبر
ويا جار رسول الله * في مسجده الأكبر
حلال فيه ان تجنب * لا تلحي ولا تؤزر
وله أيضا:
صهر النبي وجاره في مسجد * طهر يطيبه الرسول مطيب
سيان فيه عليه غير مذمم * ممشاه ان جنبا وان لم يجنب
وقال أبو الأسود:
هل ارض مسجده توطأ منهم * من بعد ذاك سواهما جنبان
" المناقب ج 2، م 5 "
40

إذ ذاك أذهب كل رجس عنهم * ربي وطهرهم من الارزان
أتراك في شك له من أنه * للفضل خص بفتحه بابان
خصوصيتهما بفتح بابيهما دليل على زيادة درجاتهما ورضي الله عنهما، وجواز
الاستطراق والمقام في المسجد جنبين دليل على طهارتهما وعصمتهما.
فصل: في الأولاد
المرء يشرف بأن يكون في عقبه أولاد كما شرف الله تعالى إبراهيم بأن جعل
النبوة والإمامة في عقبه إلى يوم القيامة ومثله لعلي عليه السلام قال الله تعالى: (وجعلها
كلمة باقية في عقبه).
وروي في الحلية عن انس وأبي برزة عن النبي صلى الله عليه وآله وهي الكلمة التي ألزمتها
المتقين من أحيه أحبني ومن أبغضه أبغضني يعني عليا، ولما توفي إبراهيم ابن النبي
هجاه عمرو بن العاص وسماه الأبتر فنزلت (إنا أعطيناك الكوثر) وهو مبالغة في الكثرة
يعني كثرة أولاده، وجعل إجماع ذريته حجة على الخلق، وأولاده هم الأئمة يصلحون
لها، وفي أولاده ان الصلاة واجبة عليهم في الصلوات، وقوله حجة في الدين وكذلك
قول صهره وصهرته وزوجه وابنيه لشمول العصمة لهم في الدين، وفي ولده نسل
المصطفى إلى يوم التناد، وفي أولاده لطيفة هما ابنا صلبه وسبطا رسول الله بالولادة
وابناه ببنى الشريعة وابنا بنته ولا يوجد في العالم جد هو أب في الحكم والشرع مع أنه
سبط وابن العم وابن البنت، ولولديه ان النبي أب لهما كأب الصلب كما قال عليه السلام كل
بني بنت فهو ابن أبيه الخبر.
وافتخر جبرئيل يوم المباهلة انه منهم، والناس يسمون أولاده بأهل البيت
وآل محمد وعترة النبي وأولاد الرسول وآل طه ويس، ويلقبونهم بالسيد وبالشريف
والناس يتمنون ان يكونوا منهم حتى وضع لذلك علم الأنساب وكتب الشجرة
ويجزون ذوايب المدعين احتراما لهم، ولا يحكم عليهم الا نقباؤهم مع فقرهم وعجزهم
والأعداء يتركون أكابرهم ويتبركون بأصاغرهم ويقتلون أحياهم ويعظمون زيارة
أمواتهم ويخربون دورهم ويزورون قبورهم كأنهم يعادونهم للدنيا ويعدونهم للآخرة
تبرك عمر بن الخطاب بهما في الاستسقاء وغمس أيديهما في الدعاء مع جهده في اطفاء
نور بني هاشم.
41

الأصمعي: لما كان عام رمادة قال عمر لأبي عبيدة: خذ هذا البعير بما عليه
فات أهل البيت فانحره بينهم ومرهم ان يقددوا اللحم وليحملوا الشحم وليلبسوا للغراير
وليعدوا ماء حارا فان احتاجوا إلى اللحم أمدوهم ثم خرج يستسقي فسقي.
وانهم اعرف الناس نسبا وأخصهم فضلا، الا ترى ان العربي من ولد يعرب بن
قحطان، والقرشي من ولد النضر بن كنانة، والهاشمي من ولد عبد المطلب، والطالبي
من ولد علي وعقيل وجعفر، والعلوي من الحسن والحسين ومحمد والعباس وعمر
أولاد أمير المؤمنين، والفاطمي أولاد الحسن والحسين عليهم السلام.
انشد محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد على قوم ذكروا الأنساب:
ان العباد تفرقوا من واحد * فلأحمد السبق الذي هو أفضل
هل كان يرتحل البراق أبوكم * أم كان جبريل عليه ينزل
وقد خص بالذرية التي أبى الله ان يخرجها إلا من خير أرومة خلقها، فان النبي
قد صاهره رجال من بني عبد مناف منهم أبو العاص بن الربيع وعتبة بن أبي لهب
وعثمان بن عفان فكان هو المصطفى بكرم النجار وطيب المغرس، ثم إن أولاده
يتزوجون في الناس ولا يزوجون فيهم إلا اضطرارا، اجتهد عمر بن الخطاب في خطبة
أم كلثوم اجتهادا وروي في ذلك اخبار، وتزوج الحجاج ابنة عبد الله بن جعفر
فاستأجل منه سنة حتى خلص نفسه من أذاه، وتزوج المأمون بفاطمة بنت محمد بن
علي النقي عليه السلام، والكبراء يزوجونهم رغبة فيهم، كما زوج المأمون ابنته من محمد بن
علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام، ورغب عبد الملك بن مروان في زين العابدين
فأبى، وزوج الصاحب من شريف معدم فقيل له في ذلك فقال:
الحمد لله حمدا دائما ابدا * إذ صار سبط رسول الله لي ولدا
وفي الحساب أعلى الأنساب نسب فاطمة لأنهما استويا في العدد وهما مائتان وسبعة
وأربعون، ولا يوجد في أولاد الصحابة من المهاجرين والأنصار مشهورا بالعلم
أو موسوما بالملل مثل ما يوجد في أولاده مثل الرضى والمرتضى، قال أبو الحسن بن
محفوظ: الرضى اشعر الناس لأنه مجيد مكثر وما اجتمع في قرشي ذلك، والمرتضى
قد ألجم علماء الأمة بالحجج والأدلة، فكيف بمثل محمد بن الحنفية أشجع أهل زمانه
وكان النبي ذكر اسمه وكنيته فبلغ من فضله حتى قالت الكيسانية انه المهدي وهو
الراوي عن أبيه علوما، ومنهم أئمة الزيدية الذين لا يرون كل خارج اماما مثل زيد
42

ويحيى والناصر والقاسم سبعة عشر، ومن يرى كل خارج إماما فثلاث وعشرون،
ومنهم خلفاء مصر نحو العاضد والفايز والظافر والحافظ والمستعلي والمستنصر والظاهر
والحاكم والعزيز والمعز والمنصور والقائم والمهدي، ومنهم الملوك ملوك مكة والمدينة
والجبل وبيهق، ومنهم الملوك الماضون نحو الداعي الكبير الحسن بن زيد واخوه
محمد، ومنهم الرؤساء والنقباء في كل مدينة فكيف بالأئمة المعصومين مثل الحسن
والحسين وزين العابدين والباقر والصادق والكاظم والرضا والتقي والنقي والزكي
والمهدي عليهم السلام الذين قد ظهرت العلوم في فرق العالمين منهم حتى أخذ من
زين العابدين مثل طاووس اليماني وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وابن شهاب
الزهري، وأخذ كل نوع من العلوم من محمد بن علي عليه السلام حتى سمي باقر علم النبيين،
وأخذ من مشهوري أهل العلم من جعفر بن محمد عليه السلام أربعة آلاف انسان فيهم أبو حنيفة
ومالك ومحمد، وقد روى عنه الشافعي وأحمد، وصنف من جواباته مائة كتاب وهي
معروفة بكتب الأصول، وكذلك حال موسى بن جعفر إلى أن حبس، وظهر عن
علي بن موسى عليهم السلام، وكذلك عن أبيه أبي جعفر ما لا يخفى على محصل، وإنما
قلت الرواية عن أبي الحسن وأبي محمد عليهما السلام لأنهما كانا محبوسين في عسكر
السلطان ممنوعين من الانبساط في الفتيا، قال المرزكي النحوي:
أيا لائمي في حب أولاد فاطم * أهل لرسول الله غيرهم عقب
هم أهل ميراث النبوة والهدى * وقاعدة الدين الحنيفي والقطب
أبوهم وصي المصطفى وابن عمه * ووارث علم الله والبطل الندب
وقال الصاحب:
وبالحسنين المجد مد رواقه * ولولاهما لم يبق للمجد مشهد
تفرعت الأنوار للأرض منهما * فلله أنوار بدت تتجدد
هم الحجج الغر التي قد توضحت * وهم سرج الله التي ليس تخمد
وقال ابن حماد:
ألا انني مولى لآل محمد * فلا تحسن الفحشاء مني ولا الهزل
أولئك قوم لا يحاط بفضلهم * وليس لهم في الخلق شبه ولا شكل
هم أمناء الله في الأرض والسما * وهم عينه والاذن والجنب والحبل
وهم أنجم الدين الذي ضاء ضوءها * على ظلم الاشراك فهي لها تجلو
43

وفي كتب الله القديمة نعتهم * وقد نطقت عن عظم فضلهم الرسل
فروع رسول الله أحمد أصلها * لقد طاب فرع والنبي له أصل
علي أمير المؤمنين أبوهم * فهل لعلي في فضائله مثل
وقال ابن الحجاج:
فأنتم أهل بيت كان فيه * بأمر الله يخدم جبرئيل
وليس على فخاركم مزيد * وليس إلى مرامكم سبيل
وله أيضا:
أبوك أبو أئمتنا على * وأمك أم سادتنا البتول
فمن يرجو مداك وكيف يلقى * أبو السبطين فيه والرسول
وقال ابن دريد الأزدي:
ان البرية خيرها نسبا * ان عد أكرمه وأمجده
نسب معظمة محمده * وكفاه تعظيما محمده
ليست إذا كبت الزناد فما * تكبو إذا ما نص أزنده
وأخو النبي محمد فريد محتده * لم يكبه في القدح مصلده
حل البلاء به على شرف * يتأد الراقين صعدده
فصل: في المشاهد
ما وجدنا لعظماء الخلف والسلف في الأرض أثرا مذكورا أو خبرا مشهورا
يتقرب الناس إليها كما لم نجد في الأمم الماضية نحو كسرى وأنوشروان وفرعون
وهامان وشداد ونمرود ووجدنا أهل البيت عليهم السلام امتلأت أقطار الأرض
بآثارهم وبنوا المشاهد والمساجد بأسمائهم، وانفق لسكان الأمصار من إجلال مشاهدهم
بعد خمول شاهدهم وغر معاندهم وقصدهم في الآفاق البعيدة تقربا إلى الله بجاه تربهم،
وكلما تطاولت الدهور زاد محلها سموا وذكرها نموا ويرى الناس فيها العجايب عيانا
ومناما، كما نجد في آثار الأنبياء والأوصياء عليهم السلام مثل الحطيم ومقام إبراهيم
وميزاب إسماعيل وربوة موسى وصخرة عيسى وباب حطة بني إسرائيل وعند موالدهم
ومحاضرهم ومجالسهم فظهر الحق وزهق الباطل، قال الزاهي:
هل لكم مشهد يزار كما * مشاهد التابعين متبعه
يسطع نور لها على بعد * يطرق من زارها إذا سطعه
44

وقال الحصفكي:
قوم أتى في هل أتى مدحتهم * ما شك في ذلك إلا ملحد
قوم لهم في كل ارض مشهد * لا بل لهم في كل قلب مشهد
وقال غيره:
عمروا بأطراف البلاد مقابرا * إذ خربوا من يثرب أوطانا
هذا أمير المؤمنين عليه السلام أكبر مشاهده اليوم مسجد ولد في الكعبة، وربى في
دار خديجة وهي اليوم مسجد ومصلاهم عند باب مولد النبي صلى الله عليه وآله في شعب بني هاشم،
والموضع الذي بايع رسول الله بيعة العشيرة، وداره التي نزل فيها آية التطهير،
وموضع بيعة الغدير، ومصلاه في الرقة، وموضع سكونه في صفين، ومسجد الاحرام
للميقات من بنائه، ومسجد براثا في بغداد من اظهاره، ومسجد الذئب عند الفرات
من آياته، ومشهد الشمس في الحلة من معجزاته، ومسجد الجمجمة في بابل من دلايله
ومشهد السمكة عند النيل من فضايله، ومشهد النار والفرج والمنطقة في المداين من
قدرته، ومسجد السوط في السوق العتيقة في بغداد من أخباره بالغيب، ومشهد
الكف بالكوفة وفي تكريت وفي الموصل وفي رقة من اعجازه، ومشهد الشعر في بلده
من عجايبه، ومسجد المجداف وعرقل والنور في رقة من براهينه، ومسجد في الموصل
من حججه، ومشهد العلث بين بغداد وسامراء من بركاته، ومشهد البوق عند رحبة
الشام من كراماته، ومشهد الصخرة في الشام من سلطانه، ومشهد كوثى عند بغداد
وقبلته جامع البصرة وقتل في جامع الكوفة الذي بناه نوح وصلى فيه الف نبي والف وصي
ودفن في الغري وهو اليوم مسجد، ومنازله كلها لما توجه إلى البصرة مساجد النخيلة
وزواطه والشرط ومذار ومطاراة وزكية وعند مشهد عزير وفوق البصرة على أربع فراسخ
وعند قلعة البصرة وايلة وبلجان والمحرزي وعبادان ودقلة وقرية عبد الله وكرخ زاد و.
ومن طريق العراق في المداين وبغداد والأنبار وتحت الحديثة وعند الجب
وصندوديا وعانة وبين الرحبة وعانة وفي الرحبة وزيلبيا ويلنج ورقة وصفين،
وكذلك مشاهد أولاده عليه السلام، ومشاهد أولاده الطاهرين في المدينة وكربلاء وبغداد
وسامراء وطوس، واما مشاهد العلويين في آفاق الأرض مثل كواكب السماء.
قال الناشي:
فزوروا بالغري وكربلاء * وبغداد وسامراء القبورا
ويثرب قد حوت منهم وطوس * قبور أئمة تحط الوزورا
45

وقال المرزكي:
حفروا بطيبة والغري وكربلا * وبطوس والزوراء وسامراء
ما جئتهم في كربة إلا انجلت * وتبدل الضراء بالسراء
قوم بهم غفرت خطيئة آدم * وجرت سفينة نوح فوق الماء
وقال غيره:
بطيبة نفسي والبقيع وكربلا * وطوس وسامرا وبغداد والنجف
قبور متى تلمم بها تستدم بها * سوالف معنى مصطفا لها ومؤتنف
وقال آخر:
بطيبة والغري وأرض طف * وبغداد وطوس وسر من را
قبور أئمتي وهم هداتي * عليهم رحمة الرحمن تترى
وقال عضد الدولة:
سقى الله قبرا بالغري وحوله * قبور بمثوى الطهر مشتملات
ورمسا بطوس لابنه وسميه * سقته السحاب الغر صفو فرات
وأم القرى فيها قبور منيرة * عليها من الرحمن خير صلات
وفي ارض بغداد قبور زكية * وفي سر من رأى معدن البركات
فصل: في ظلامة أهل البيت عليهم السلام
أبو جعفر عليه السلام في قوله تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا)
قال: هم الأوصياء من مخافة عدوهم.
خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ما لنا ولقريش وما تنكر منا قريش غير انا
أهل بيت شيد الله فوق بنيانهم بنيانا وأعلى الله فوق رؤوسهم رؤوسنا واختارنا الله عليهم
فنقموا عليه ان اختارنا عليهم وسخطوا ما رضى الله وأحبوا ما كره الله فلما اختارنا
عليهم شركناهم في حريمنا وعرفناهم الكتاب والسنة وعلمناهم الفرايض والسنن وحفظناهم
الصدق واللين وديناهم الدين والاسلام فوثبوا علينا وجحدوا فضلنا ومنعونا حقنا
والتوونا أسباب أعمالنا واعلامنا اللهم فاني أستعد يك على قريش فخذ لي بحقي منها ولا
تدع مظلمتي لها وطالبهم يا رب بحقي فإنك الحكم العدل فان قريشا صغرت قدري
واستحلت المحارم مني واستخفت بعرضي وعشيرتي وقهرتني على ميراثي من ابن عمي
46

وأغروا بي أعدائي ووتروا بيني وبين العرب والعجم وسلبوني ما مهدت لنفسي من
لدن صباي بجهدي وكدي ومنعوني ما خلفه أخي وحميمي وشقيقي وقالوا انك لحريص
متهم أليس بنا اهتدوا من متاه الكفر ومن عمي الضلالة وغي الظلماء أليس أنقذتهم
من الفتنة الظلماء والمحنة العمياء ويلهم ألم أخلصهم من نيران الطغاة وكره العتاة وسيوف
البغاة ووطأة الأسد ومقارعة الصماء ومجادلة القماقمة الذين كانوا عجم العرب وغنم
الحرب وقطب الاقدام وجبال القتال وسهام الخطوب وسل السيوف أليس بي تسنموا
الشرف ونالوا الحق والنصف ألست نبوة محمد ودليل رسالاته وعلامة رضاه وسخطه
الذي كان يقطع الدرع الدلاص ويصطلم الرجال الحراص وبي كان يبري جماجم إليهم
وهام الابطال إلى أن فزعت تيم إلى الفرار وعدي إلى الانتكاص أما واني لو أسلمت
قريشا للمنايا والحتوف وتركتها فحصدتها سيوف الغواة ووطأتها الأعاجم وكرات
الأعادي وحملات الأعالي وطحنتهم سنابك الصافنات وحوافر الصاهلات في مواقف
الا زال والزلزال في طلاب الأعنة وبريق الأسنة ما بقوا لهضمي ولا عاشوا لظلمي
ولما قالوا انك لحريص متهم، ثم قال بعد كلام: إنما أنطق لكم العجماء ذات البيان
وافصح الخرساء ذات البرهان لأني فتحت الاسلام ونصرت الدين وعززت الرسول
وبنيت أعلامه وأعليت مناره وأعلنت اسراره وأظهرت أثره وحاله وصفيت الدولة
ووطأت الماشي والراكب ثم قدتها صافية على أني بها مستأثر، ثم قال بعد كلام:
سبقني إليها التيمي والعدوي كسباق الفرس احتيالا واغتيالا وخدعة وغيلة، ثم قال
بعد كلام: يا معشر المهاجرين والأنصار أين كانت سبقة تيم وعدي إلى سقيفة بني ساعدة
خوف الفتنة ألا كانت يوم الأبواء إذ تكاتفت الصفوف وتكاثرت الحتوف وتقارعت
السيوف أم هلا خشيا فتنة الاسلام يوم ابن عبد ود وقد نفح بسيفه وشمخ بأنفه وطمح
بطرفه ولم لم يشفقا على الدين وأهله يوم بواط إذ اسود لون الأفق وأعوج عظم
العنق وانحل سيل الغرق ولم لم يشفقا يوم رضوي إذا السهام تطير والمنايا تسير والأسد
تزأر وهلا بادرا يوم العشيرة إذا الأسنان تصتك والآذان تستك والدروع تهتك وهلا
كانت مبادرتهما يوم بدر إذ الأرواح في الصعداء ترتقي والجياد بالصناديد ترتدي
والأرض من دماء الابطال ترتوي ولم لم يشفقا على الدين يوم بدر الثانية والدعاس
ترعب والأوداج تشخب والصدور تحضب وهلا بادرا يوم ذات الليوث وقد أبيح
التواب واصطلم الشوقب وأدلم الكوكب ولم لا كانت شفقتهما على الاسلام يوم
47

الأكدر والعيون تدمع والمنية تلمع والصفايح تنزع، ثم عدد وقايع النبي وقرعهما بأنهما
في هذه المواقف كلها كانا مع النظارة، ثم قال: ما هذه الدهماء والدهياء التي وردت
علينا من قريش أنا صاحب هذه المشاهد وأبو هذه المواقف وأين هذه الأفعال الحميدة
إلى آخر الخطبة، قال الناشي:
فلم لم يثوروا ببدر وقد * تبلت من القوم إذ بارزوكا
ولم عردوا إذا شجيت العدى * بمهراس أحد ولم نازلوكا
ولم اجمحوا يوم سلع وقد * ثبت لعمرو ولم أسلموكا
ولم يوم خيبر لم يثبتوا * صحابة أحمد واستركبوكا
فلاقيت مرحبا والعنكبوت * واسد يحامون إذا وجهوكا
فدكدكت حصنهم قاهرا * وطوحت بالباب إذ حاجزوكا
ولم يحضروا بحنين وقد * صككت بنفسك جيشا صكوكا
فأنت المقدم في كل ذاك * فلله درك لم أخروكا
ومن نهج البلاغة: اللهم إني استعديك على قريش فإنهم قد قطعوا رحمي وكفروا
آبائي وأجمعوا على منازعتي حقا وكنت أولى به من غيري وقالوا الا ان في الحق ان
يأخذه وفي الحق أن نمنعه فأصبر مغموما أو مت متأسفا فنظرت فإذا ليس رافد ولا
ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم على المنية فأغضيت على القذي وجرعت ربقي
على الشجى وصبرت على الأذى وطبت نفسي على كظم الغيظ وما هو أمر من العلقم
وألم من حر الشفار.
الشقشقية، المقمصة: أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وأنه ليعلم أن محلي
منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير فسدلت دونها ثوبا
وطويت عنها كشحا وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية
عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن
الصبر على هاتي أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا حتى
مضى الأول لسبيله فادلى بها إلى فلان بعده، ثم تمثل بقول الأعشى:
شتان ما يومى على كورها * ويوم حيان أخي جابر
فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما نشطر اضرعيها
48

فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسها ويكثر العثار فيها والاعتذار منها
فصاحبها كراكب الصعبة ان اشنق لها خرم وان أسلس لها تقحم فمني الناس لعمر الله
يخبط وشماس وتلون واعتراض فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى
لسبيله جعلها في جماعة زعم اني أحدهم فيالله وللشورى متى اعترض الريب في مع
الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظاير ولكنني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا
فصغى رجل لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجا
حضنيه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع
إلى أن انتكث عليه فتله وأجهز عليه عمله وانكب به بطنه فما راعني إلا والناس إلي
كعرف الضبع ينثالون علي من كل وجه حتى لقد وطي الحسنان وشق عطفاي مجتمعين
حولي كربيضة الغنم فلما نهضت بالامر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون
وكأنهم لم يسمعوا الله سبحانه وتعالى حيث يقول تلك الدار الآخرة نجعلها الآية بلى
والله لقد سمعوها ووعوها ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها والذي فلق
الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على
العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت
آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز، فنوول كتابا
فجعل يقرأ فلما فرغ من قراءته قال ابن عباس: يا أمير المؤمنين لو اطردت مقالتك من
حيث أفضيت فقال: هيهات يا بن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرت، ودخلت أم سلمة
على فاطمة عليها السلام فقالت لها: كيف أصبحت عن ليتك يا بنت رسول الله؟ قالت
أصبحت بين كمد وكرب فقد النبي صلى الله عليه وآله وظلم الوصي هتك والله حجبه أصبحت
إمامته مقتصة على غير ما شرع الله في التنزل وسنها النبي في التأويل ولكنها أحقاد
بدرية وترات أحدية كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة لامكان الوشاة فلما استهدف
الامر أرسلت علينا شآبيب الآثار من مخيلة الشقاق فيقطع وتر الايمان من قسي
صدورها وليس علي ما وعد الله من حفظ الرسالة وكفالة المؤمنين أحرزوا عايدتهم
غرور الدنيا بعد انتصار ممن فتك بآبائهم في مواطن الكروب ومنازل الشهادات،
وقالت عليها السلام لما تكلمت مع الأول: معاشر المسلمة المسرعة إلى قبل الباطل المغضية
على الفعل الخاسر أفلا تتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها كلا بل ران على قلوبكم
بتتابع سيئاتكم فاخذ بسمعكم وأبصاركم ولبئس ما تأولتم وساء ما به أشرتم وشر ما منه
49

اعتصمتم لتجدن والله محلها ثقيلا وغيها، ويلا إذا كشف لكم الغطاء وبان ما ورائه
الضراء وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون وخسر هنالك المبطلون، ثم قالت
للأنصار: معاشر النقباء وأعضاد البقية وأنصار الدين والملة وحضنة الاسلام ما هذه
الغميزة في حقي والاعراض عن ظلامتي أما كان رسول الله قال المرء يحفظ في ولده
لسرعان ما أحدثتم وعجلان ذا اهالة وبكم ما حاولت طاقة أتقولون مات محمد فخطب لعمري
جليل استوسع وهبه واستهتر فتقه واظلمت لديكم والله الأرض وتكدرت الصفوة
واحليت القرحة وتقرحت السلعة والثابت خيرة الله وخشعت الجبال وأكدت الآمال
وضيع الحريم واديلت المحرمة هي والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى لا مثلها نازلة
ولا بائقة عاجلة اعلن لنا كتاب الله في أفنيتكم ممساكم ومصبحكم هتافا وصراخا وتلاوة
والحابا ولقتله ما حل أنبياء الله ورسله حكم فصل وقضاء حتم (وما محمد إلا رسول)
إلى قوله (الشاكرين) أبني قيلة أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع تمسكم
الدعوة ويشملكم الخبر وفيكم العدة والعدد وبكم الدار والجنن تقرع صيحتي آذانكم
فلا تجيبون وتسمعون صرختي فلا تغيثون وأنتم نخبة الله التي انتخب وخيرته التي
انتحل لنا أهل البيت فنابذتم العرب وناجزتم البهم وكافحتم الأمم لا نبرح وتبرحون
نأمركم فتأتمرون حتى دارت لنا بكم رحى الاسلام ودر حلب البلاد وهدأت دعوة
الهرج وسكنت فورة الشر وطفئت جمرة الكفر وقر نقار الحق واستوسق نظام الدين
فان حرتم بعد القصد ونكصتم بعد الاقدام الا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم إلى قوله
مؤمنين الا والله لقد أخلدتم إلى الخفض وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض وخلوتم
بالدعة ونجوتم من الضيق بالسعة وكلفتم بالدعة فمحجتم بالذي وعيتم فان تكفروا أنتم
ومن في الأرض الآية، الا وقد قلت الذي قلت عن عرفة مني بالخذلة التي خامرتكم
ولكنها فيضة للنفس وهيضة للعظم وكظة الصدر ونفثة الغيظ وخور القبا ومعذرة
الحجة فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر نقبة الخف باقية العار موسومة الشنار
موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة والحاكم الواحد الأحد.
ومن كلام لها عليها السلام: تشربون حسوا في ارتغاء وتمشون لأهله وولده
في الخمر والضراء تصبر منكم على مثل حز المدى وحفر السنان في الحشا.
ولما انصرفت من عند أبي بكر أقبلت على أمير المؤمنين عليه السلام فقالت له: يا بن
أبي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين نقضت قادمة الأجدل فخانك
50

ريش الأعزل هذا ابن أبي قحافة قد ابتزني نحلة أبي وبلغة ابني والله لقد اجهد في
ظلامتي وألد في خصامي حتى منعتني القيلة نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة
دوني طرفها فلا مانع ولا دافع خرجت والله كاظمة وعدت راغمة ولا خيار لي ليتني
مت قبل ذلتي وتوفيت دون منيتي عذيري والله فيك حاميا ومنك داعيا وبلاى في كل
شارق مات العمد ووهن العضد شكواي إلى ربي وعدواي إلى أبي اللهم أنت أشد قوة
فأجابها أمير المؤمنين لا ويل لك بل الويل لشانئك نهنهي عن وجدك يا بنت الصفوة
وبقية النبوة فوالله ما ونيت في ديني ولا أخطأت مقدوري فان كنت تريدين البلغة
فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما أعد لك خير مما قطع عنك فاحتسبي، فقالت:
حسبي الله ونعم الوكيل، ولها عليها السلام ترثي أباها:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت حاضرها لم تكثر الخطب
انا فقدناك فقد الأرض وابلها * فاختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا
أبدت رجال لنا فحوى صدورهم * لما فقدت وكل الإرث قد غصبوا
وكل قوم لهم قربى ومنزلة * عند الاله وللأدنين مقترب
تجهمتنا رجال واستخف بنا * جهرا وقد أدركونا بالذي طلبوا
سيعلم المتولي ظلم خاصتنا * يوم القيامة عنا كيف ينقلب
فصل: في مصائب أهل البيت عليهم السلام
عثمان بن ابان قال: سألت الصادق عليه السلام عن قوله تعالى (إلا المستضعفين من
الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها)
الآية، قال: نحن ذلك.
عبدوس الهمداني وابن فورك الأصفهاني وابن شيرويه الديلمي عن أبي سعيد
الخدري قال: ذكر رسول الله لعلي ما يلقى بعده قال فبكى علي وقال: أسألك بحق قرابتي
وصحبتي إلا دعوت الله أن يقبضني إليه، قال: يا علي تسألني أن أدعو الله لأجل مؤجل
الخبر، وذهب كثير من أصحابنا إلى أن الأئمة خرجوا من الدنيا على الشهادة واستدلوا
بقول الصادق عليه السلام: والله ما منا إلا مقتول شهيد.
أمير المؤمنين عليه السلام قال: بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله صلى الله عليه وآله
إذ التفت إلي فبكى فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن
51

ولطم فاطمة خدها وطعن الحسن في فخذه والسم الذي يسقاه وقتل الحسن.
رأى أمير المؤمنين في المنام قائلا يقول:
إذا ذكر القلب رهط النبي * وسبي النساء وهتك الستر
وذبح الصبي وقتل الوصي * وقتل الشبير وسم الشبر
ترقرق في العين ماء الفؤاد * وتجري على الخد منه الدرر
فيا قلب صبرا على حزنهم * فعند البلايا تكون العبر
وكان عبيد الله بن عبد الله بن طاهر كثيرا ما يقول:
تعز فكم لك من أسوة * تسكن عنك غليل الحزن
بموت النبي وخذل الوصي * وذبح الحسين وسم الحسن
وجر الوصي وغصب التراث * وأخذ الحقوق وكشف الإحن
وهدم المنار وبيت الاله * وحرق الكتاب وترك السنن
وله أيضا:
إذا ما المرء لم يعط مناه * وأضناه التفكر والنحول
ففي آل الرسول له عزاء * وما لاقته فاطمة البتول
وأجمع الفقهاء ان النبي كان يقسم الخمس من الغنايم في بني هاشم.
وأورد الشافعي عن أبي حنيفة باسناده عن عبد الله بن أبي ليلى أن في عهد عمر
اتي بمال كثير من فارس وسوس والأهواز فقال: يا بني هاشم لو أقرضتموني حقكم من
هذه الغنايم لاعوض عليكم مرة أخرى، فقال علي: يجوز، فقال العباس: أخاف
فوت حقنا، فكان كما قال مات عمر وما رد عليهم وفات حقهم.
وسئل الباقر عليه السلام عن الخمس فقال: الخمس لنا فمنعنا فصبرنا.
وكان عمر بن عبد العزيز رده إلى محمد الباقر عليه السلام، ورده أيضا المأمون فمن
حرمت عليه الصدقة وفرضت له الكرامة والمحبة يتكففون صبرا ويهلكون فقرا يرهن
أحدهم سيفه ويبيع آخر ثوبه وينظر إلى فيئه بعين مريضة ويتشدد على دهره بنفس
ضعيفة ليس له ذنب إلا أن جده النبي وأباه الوصي، قال السيد الرضي:
رمونا كما ترمى الظماء عن الروى * يذودوننا عن إرث جد ووالد
بنى لهم الماضون آساس هذه * فعلوا على بنيان تلك القواعد
52

وقال دعبل:
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
وقال أبو فراس:
الحق مهتضم والدين مخترم * وفيئ آل رسول الله مقتسم
وقال الصاحب:
أيا أمة أعمى الضلال عيونا * وأخطأها نهج من الرشد لا حب
أأسلافكم أودوا بآل محمد * حروبا سيدري كيف منها العواقب
وأنتم على آثارهم واختيارهم * تميتونهم جوعا فهذي المصايب
دعوا حقهم ما يبتغون جداكم * وخلوا لهم من فيئهم لا يساغبوا
الا ساء ذا عارا على الدين ظاهرا * يسير إليه الأجنبي المحارب
إذا كانت الدنيا لآل محمد * وأولاده غرثى يليها المحارب
ومن كثرة الظلم دفن الامام فاطمة ليلا وأوصى بدفن نفسه سرا، ولقد هدم
سعيد بن العاص دار علي والحسن وعقيل عليهم السلام من قبل يزيد، وهدم عبد الملك
ابن مروان بيت علي الذي كان في مسجد المدينة.
وأمر المتوكل بتحوير قبر الحسين عليه السلام وأصحابه وكرب موضعها واجراء
الماء عليها وقتل زوارها وسلط قوما من اليهود حتى تولوا ذلك إلى أن قتل المتوكل
فأحسن المنتصر سيرته وأعاد التربة في أيامه.
والمعتز حرق المشهد بمقابر قريش على ساكنه السلام، وكان الصادق يتمثل:
لآل المصطفى في كل عام * تجدد بالأذى زفر جديد
وقال الحميري:
توفي النبي عليه السلام * فلما تغيب في الملحد
أزالوا الوصية عن أقربيه * إلى الابعد الابعد الابعد
وكادوا مواليه من بعده * فيا عين جودي ولا تجمدي
وأولاد بنت رسول الاله * يضامون فيها ولم تكمد
فهم بين قتلى ومستضعف * ومنعفر في الثرى مفصد
وقال الزاهي:
أين بنو المصطفى الذين على * الخلق جميعا هواهم فرضا
53

أين المصابيح للظلام ومن * علي في الذر حبهم عرضا
أين النجار التي محضت لها * وحق مثلي لودها محضا
أين بنو الصوم والصلاة ومن * ابرامهم في الاله ما انتقضا
أين الجبال التي يضيق بها * عند اتساع العلوم كل فضا
تشتتوا في الورى فأصبحت الا * جفان قرحى بدمعها فضضا
تشتتوا في الورى فأصبحت الا * جفان قرحى بدمعها فضضا
وذبحوا في الثرى على ظمأ * فانحط عز العزاء وانخفضا
وقال الرضي:
ضربوا بسيف محمد أولاده * ضرب الغرابب عدن بعد ديارها
وله أيضا:
طمعنا لهم سيفا فكنا لحده * ضرايب عن ايمانهم والسواعد
ألا ليس فعل الأولين وان علا * على قبح فعل الآخرين تزايد
وقال محمد بن شارستان:
بمحمد سلوا سيوف محمد * ضربوا بها هامات آل محمد
فكأن آل محمد أعداؤه * وكأنما الأعداء آل محمد
وقال الصوري:
يا بني الزهراء ماذا اكلت * فيكم الأيام من عيب وذم
وعجيبا ان حقا بكم * فأم في الناس وفيكم لم يقم
ثم صارت سنة جارية * كل من أمكنه الظلم ظلم
وقال دعبل:
وثب الزمان بكم فشتت منكم ما ألفا * ولو أن أيديكم تمد إلى الاناء لما انكفا
وله أيضا:
لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكت * وآل احمد مظلومون قد قهروا
مشردون نفوا عن عقر دارهم * كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر
وقال كثير عزه:
طبت بيتا وطاب أهلك اهلا * أهل بيت النبي والاسلام
يأمن الطير والوحوش ولا * يأمن آل النبي عند المقام
54

وقال العنبري:
وإذا رأى في العالمين مصيبة * ضربت بآل محمد أمثالها
وقال الحميري:
أليس عجيبا ان آل محمد * قتيل وباق هائم وأسير
تنام الحمام الورق عند هجوعها * ونومهم عند الرقاد زفير
وقال العلوي البصري:
أهل النبي الذي لولا هدايتهم * لم يهد خلق إلى فرض ولا سنن
مشتتين حيارى لا نصير لهم * مشردين عن الأهلين والوطن
في كل يوم أرى في وسط دارهم * بالسلة البيض والهندية اللدن
هذا بأن رسول الله جدهم * أوصى بحفظهم في السر والعلن
جاؤوا بقتل علي وسط قبلته * ظلما وثنوا بسم لابنه الحسن
واشهروا ويلهم رأس الحسين على * رمح يطاف به في سائر المدن
وقال الجوهري الجرجاني
آل الرسول عباد يد السيوف فمن * هاو على وجهه خوفا ومسجون
ونافر ببلاد الهند مطرح * ولائذ بيمان أو ببيغون
وقال محمد الموسوي:
ماذا تقولين في يوم الحساب غدا * لجده خير هاد حين يلقاك
بقتل أبنائه من بعده سفها * وسبي عترته الأبرار وصاك
ستعلمون غدا يا أمة تبعت * فعل المضلين جهلا سوء مثواك
وقال غيره
ومن قبل موت المصطفى كان صحبه * إذا قال قولا صدقوه وحققوا
فلما قضى خانوه في أهل بيته * وشمل بنيه بالأسنة فرقوا
وقال الزاهي:
يا آل احمد ماذا كان جرمكم * فكل أرواحكم بالسيف تنتزع
تلقى جموعكم شتى مفرقة * بين العباد وشمل الناس مجتمع
وتستباحون أقمارا منكسة * تهوى وارؤسها بالسمر تنتزع
ما للحوادث لا تجرى بظالمكم * ما للمصائب عنكم ليس ترتدع
55

منكم طريد ومقتول على ظمأ * ومنكم دنف بالسم منصرع
وهارب في أقاصي الغرب مغترب * ودارع بدم اللبات مندرع
ومقصد من جدار ظل منكدرا * وآخر تحت ردم فوقه بقع
ومن محرق جسم لا يزار له * قبر ولا مشهد يأتيه مرتدع
وله أيضا:
بنو المصطفى يفنون بالسيف عنوة * ويسلمني طيف الهجوع فأهجع
ظلمتم وذبحتم وقسم فيئكم * وجار عليكم من لكم كان يخضع
فما بقعة في الأرض شرقا ومغربا * وإلا لكم فيه قتيل ومصرع
وقال منصور الفقيه:
تذكر فديتك عند الخطوب * منال قريش إلى المصطفى
وما نال في مؤتة جعفرا * وفي أحد حمزة المرتضى
ونال البتول بموت الرسول * ونال عليا إمام الهدى
ونال حسينا ومن قبله * أخاه ومسلما المجتبى
وما نال موسى والباقرين * ونال علي بن موسى الرضا
ومن مات فيهم خفي المكان * بعيد المحل حذير العدى
ليسهل كل عسير عليك * ويحلو بقلبك مر القضا
لأنكم من بني آدم * وحال بني آدم ما ترى
وقال ابن الرومي:
بني احمد لا يبرح المرء منكم * يتل على حر الجبين فيبعج
كذاك بني العباس يصبر مثلكم * ويصبر للسيف الكمي المدجج
أكل أوان للنبي محمد * قتيل زكي بالدماء مضرج
وقال ابن حماد:
كفاك بخير الخلق آل محمد * أصابهم سهم أصاب فأوجعا
وقفت على أبياتهم فرأيتها * بياتا خرابا قفرة الجو بلقعا
وله أيضا:
بأي ارض شئت أو بلدة * لم تر فيها لهم مأتما
حين تولى منهم هارب * لم ير إلا طالبا هاضما
" المناقب ج 2، م 7 "
56

وله أيضا:
سنوا القتال عليهم والغصب * والتشريد والعدوانا
حتى استحل حريمهم ودماؤهم فكأنما كانت لهم قربانا
وتغلغلوا في قتلهم حتى بنوا * جهرا على احيائهم بنيانا
وله أيضا:
يا دهر ما أنصفت آل محمد * في سالف من أمرهم وقريب
في كل يوم لا تزال تخصهم * بمصائب ونوائب وخطوب
لم تخلهم من محنة وفجيعة * ما بين مهتضم وفقد حبيب
ما بين مقتول ومأسور جرى * عمدا إلى من سم في مشروب
ومجدل ظام ومنكوس على * أعواد جذع بالكناس صليب
ولقد وقفت بكربلاء فهيجت * تلك المواقف لوعتي وكروبي
وله أيضا:
على من أبكي من بنى بنت احمد * على من سقى كأس المنية في السم
أم المفرد العطشان في طف كربلا * تسقى المنايا بالمهندة الخذم
وأصحابه صرعى على الترب ما لهم * من الخلق زوار سوى الطلس والعصم
وله أيضا:
يا آل بيت محمد حزني لكم * قد قل عنه تصبري وتجلدي
ما للنوائب أنشبت أنيابها * فيكم فبين مهضم ومشرد
من كل ناحية عليكم نائح * ينعاكم في مأتم متجدد
من ذا أنوح له ومن أبكي ترى * تبعاتكم يا آل بيت محمد
أعلى قتيل الملجمي وقد ثوى * متخضبا بدمائه في المسجد
أم للذي في السم أسقي عامدا * أم للغريب النازح المتفرد
أم للعطاش مجدلين على الثرى * من بين كهل سيد ومسود
أم للرؤس السايرات على القنا * مثل البدور إذا سرت في الأسعد
أم للسبايا من بنات محمد * تسبى مهتكة كسبي الاعبد
ألذاك أبكي أم لمصلوب على * أعواده وسط الكناس مجرد
أبكي لمنبوش ومصلوب ومحروق * مذرى في الرياح مبدد
57

فصل: في الاختصاص بالنبي صلى الله عليه وآله
لقد عمى من قال إن قوله تعالى (وأنفسنا وأنفسكم) أراد به نفسه لان من
المحال ان يدعو الانسان نفسه، فالمراد به من يجري مجرى أنفسنا ولو لم يرد عليا وقد
حمله مع نفسه لكان للكفار ان يقولوا حملت من لم تشترط وخالفت شرطك وإنما
يكون للكلام معنى ان يريد به مجرى أنفسنا.
واما شبهة الواحدي في الوسيط ان أحمد بن حنبل قال: أراد بالأنفس ابن العم
والعرب تخبر من بني العم بأنه نفس ابن عمه وقال الله تعالى (ولا تلمزوا أنفسكم)
أراد اخوانكم من المؤمنين ضعيفة، لأنه لا يحمل على المجاز إلا لضرورة، وان سلمنا
ذلك فإنه كان للنبي بنو الأعمام فما اختار منهم إلا عليا لخصوصية فيه دون غيره وقد
كان أصحاب العباء نفس واحدة، وقد بين بكلمات اخر.
قال ابن سيرين قال النبي لعلي بن أبي طالب: أنت منى وانا منك.
فضايل السمعاني، وتاريخ الخطيب، وفردوس الديلمي، عن البراء وابن عباس
واللفظ لابن عباس: علي مني مثل رأسي من بدني، وقوله صلى الله عليه وآله: أنت منى كروحي
من جسدي، وقال صلى الله عليه وآله: أنت منى كالضوء من الضوء، قال ابن حماد:
من الذي قال النبي له * أنت منى مثل روحي في البدن
وقال ديك الجن:
عضو النبي المصطفى وروحه * وشمه وذوقه وريحه
وقوله صلى الله عليه وآله: أنت زري من قميصي. قال ابن حماد
وسماه رب العرش في الذكر نفسه * فحسبك هذا القول إن كنت ذا خبر
وقال لهم هذا وصيي ووارثي * ومن شد رب العالمين به أزري
علي كزري من قميصي إشارة * بأن ليس يستغني القميص عن الزر
وسئل النبي صلى الله عليه آله عن بعض أصحابه فذكر فيه فقال له قائل: فعلي؟ فقال:
إنما سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي وفيه حديث بريدة (وحديث براءة)
وحديث جبرئيل وأنا منكما، قال الحماني:
وأنزله منه النبي كنفسه * رواية أبرار تادت إلى بر
فمن نفسه فيكم كنفس محمد * ألا بأبي نفس المطهر والطهر
58

وقال العوني:
والحقه يوم البهال بنفسه * بأمر أتى من رافع السماوات
فمن نفسه منكم كنفس محمد * بني الإفك والبهتان والفجرات
وقال ابن حماد:
وقال ما قد رويتم ثم الحقه * بنفسه عند تأليف يؤلفه
ونفس سيدنا أولى النفوس بنا * حقا على باطل النصاب يقذفه
وله أيضا:
الله سماه نفس أحمد في * القرآن يوم البهال إذ ندبا
فكيف شبهه بطائفة * شببها ذو المعارج الخشبا
وقال السوسي:
من نفسه من نفسه وجنسه من جنسه * وعرسه من عرسه فهل له معادل
البخاري قال النبي لعلي: أنت مني وأنا منك. فردوس الديلمي عن عمران بن
الحصين قال النبي: علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي، وقد روى نحوه
عن ابن ميمون عن ابن عباس.
عبد الله بن شداد ان النبي قال لوفد: لتقيمن الصلاة وتؤتن الزكاة أو لأبعثن
عليكم رجل كنفسي أبان رسول الله ولايته وانه ولي الأمة من بعده.
كتاب الحدايق بالاسناد عن انس قال: كان النبي إذا أراد أن يشهر عليا في
موطن أو مشهد علا على راحلته وأمر الناس أن ينخفضوا دونه.
وفي شرف المصطفى انه كان للنبي عمامة يعتم بها يقال لها السحاب وكان يلبسها
فكساها بعد علي بن أبي طالب فكان ربما اطلع على فيها فيقول اتاكم علي في السحاب.
الباقر عليه السلام: خرج رسول الله ذات يوم وهو راكب وخرج علي وهو يمشي
فقال النبي: اما ان تركب واما تنصرف ثم ذكر مناقبه.
أبو رافع: ان رسول الله كان إذا جلس ثم أراد ان يقوم لا يأخذ بيده غير
علي وان أصحاب النبي كانوا يعرفون ذلك له فلا يأخذ بيد رسول الله غيره.
الجماني في حديثه: كان النبي إذا جلس اتكأ على علي. سر الأدب عن أبي منصور
الثعالبي انه عود عليا حين ركب وصفن ثيابه في سرجه، وروى أنه سافر صلى الله عليه وآله ومعه
علي عليه السلام وعايشة فكان النبي ينام بينهما في لحاف.
59

حلية الأولياء ومسند أبي يعلى و عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال: أتانا
رسول الله حتى وضع رجله بيني وبين فاطمة.
أنساب الأشراف، قال رجل لابن عمر: حدثني عن علي بن أبي طالب، قال:
تريد أن تعلم ما كانت منزلته من رسول الله فانظر إلى بيته من بيوت رسول الله.
البخاري وأبو بكر بن مردويه قال ابن عمر: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي.
خصايص النطنزي قال ابن عمر: سال رجل عمر بن الخطاب عن علي فقال: هذا
منزل رسول الله وهذا منزل علي بن أبي طالب وهذا المنزل فيه صاحبه.
وكان النبي إذا عطس قال علي: رفع الله ذكرك يا رسول الله، فقال النبي: أعلى
الله كعبك يا علي. وكان النبي إذا غضب لم يجز أحد ان يكلمه غير علي، واتاه يوما
فوجده نائما فما أيقظه، قال خطيب منبج:
وزار البرة الزهراء يوما * رسول الله خير الزائرينا
فجاءت توقظ الهادي عليا * وكان موسدا في النائمينا
فقال لها دعيه ولا تريدي * له الايقاظ فيمن توقظينا
لا شك ان النبي كان أكبر سنا وأكثر جاها من علي فلما كان يحترمه هذا الاحترام
اما انه كان من الله تعالى أو من قبل نفسه وعلى الحالين جميعا اظهر للناس درجته عند
الله تعالى ومنزلته عند رسول الله.
ومن تحننه ما جاء في أمالي الطوسي عن ابن مسعود قال: رأيت رسول الله وكفه
في كف علي وهو يقبلها فقلت: ما منزلة علي منك؟ قال: منزلتي من الله.
وحدثني أبو العلاء الهمداني باسناده إلى عايشة قالت رأيت رسول الله التزم
عليا وقبله ويقول: بأبي الوحيد الشهيد بأبي الوحيد الشهيد، وقد ذكره أبو يعلى
الموصلي في المسند عن ابن مينا عن أبيه عن عايشة.
أبو بصير في حديثه عن الصادق عليه السلام: انه اخذ يمسح العرق عن وجه علي
ويمسح به وجهه. أبو العلاء العطار باسناده إلى عبد خير عن علي عليه السلام قال: أهدي
إلى النبي فنموز فجعل يقشر الموزة ويجعلها في فمي فقال له قائل: انك تحب عليا! قال
أو ما علمت أن عليا مني وانا منه، قال الحميري:
أنت ابن عمي الذي قد كان بعد أبي * إذ غاب عني أبي لي حاضنا وأبا
ما ان عرفت سوى عمي أبيك أبا * ولا سواك أخا طفلا ولا شيبا
60

كم فرجت يدك اليمنى بذي شطب * في فارق خرج عن وجهي الكربا
وهؤلاء أهل شرك لا خلاق لهم * من مات كان لنار أوقدت حطبا
تاريخ الخطيب، فقد رسول الله بعد انصرافه من بدر فنادت الرفاق بعضهم
بعضا: أفيكم رسول الله؟ حتى جاء رسول الله ومعه علي فقالوا: يا رسول الله فقدناك
فقال: ان أبا الحسن وجد مغصا في بطنه فتخلفت معه عليه.
وروي انه جرح رأسه عمرو بن ود يوم الخندق فجاء إلى رسول الله فشده
ونفث فيه فبرأ وقال: أين أكون إذا خضب هذه من هذه. وكان علي ينام مع النبي
في سفره فاسهرته الحمى ليلة اخذته فسهر النبي لسهر علي فبات ليلته بينه وبين مصلاه
يصلي ثم يأتيه فيسأله وينظر إليه حتى أصبح بأصحابه الغداة فقال اللهم اشف عليا
وعافه فإنه اسهر في الليلة مما به، وفي رواية قم يا علي فقد برئت وقال: ما سالت ربي
شيئا إلا أعطانيه وما سالت شيئا إلا سألته لك، قال الحميري:
من ليلة بات موعوكا أبا حسن * فيها يكابد من حمى ومن ألم
إذ قال من بعدما صلى النبي له * ابشر فقد الت من وعك ومن سقم
وما سالت لنفسي قيد أنملة * من فضل علم ولا حلم ولا فهم
إلا سالت لكم مثل الذي ظفرت * كفي به ذا لذي الآلاء والكرم
أبو الزبير عن انس قال: كنت أمشي خلف حمار رسول الله وهو يكلم الحمار
والحمار يكلمه وهو يريد الغاية والغيظة فلما دنى منهما قال: اللهم أرني إياه اللهم أرني
إياه، وقال في الرابعة: اللهم أرني وجهه، فإذا علي قد خرج من بين النخل فانكب
على النبي وانكب رسول الله يقبله الخبر، وكان النبي إذا لم يلق عليا يقول أين حبيب
الله وحبيب رسوله، قال العوني:
إمامي حبيب المصطفى بعل فاطمة * فناهيك بعلا بالجليلة والبعل
وقال غيره:
حبيب رسول الله ثم ابن عمه * وزوجته الزهراء من أطهر الطهر
فضايل احمد، جابر الأنصاري: كنا مع النبي عند امرأة من الأنصار فصنعت
له طعاما فقال النبي صلى الله عليه وآله: يدخل عليكم رجل من أهل الجنة فرأيت النبي يدخل رأسه
تحت الوادي ويقول: اللهم ان شئت فحوله عليا. فدخل علي عليه السلام فهنئه.
جامع الترمذي وإبانة العكبري ومسند أحمد وفضايله وكتاب ابن مردويه عن
61

أم عطية وأبي هريرة و عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه ان النبي بعث عليا في سرية قال
فرأيته رافعا يديه يقول: اللهم لا تمتني حتى تريني عليا.
الأربعين عن الخطيب ان النبي قال يوم الخندق: اللهم انك اخذت مني عبيدة بن
الحارث يوم بدر وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد وهذا علي فلا تدعني فردا وأنت
خير الوارثين، قال خطيب منبج:
وكان إذا مضى يوما علي * لحرب عداته المتظافرينا
يقول لربه لا قول سخط * ولكن قولة المتضرعينا
اخذت عبيدة منى ببدر * فآلم اخذه قلب الحزينا
وفي أحد لحمزة قد أصابت * طوايلها اكف الطالبينا
وجعفر يوم مؤتة قد سقته * كؤوس الموت أيدي الكافرينا
وقد أبقيت لي منهم عليا * يكايد دوني الحرب الزبونا
إلهي لا تذرني منه فردا * وأنت اليوم خير الوارثينا
فلا تقدم علي الموت حتى * أراه قد اتى في القادمينا
وقال الحيص بيص:
قوم إذا اخذ المديح قصايدا * اخذوه عن طه وعن ياسين
وإذا انطوى ارق الأضالع وفروا * ميسور زادهم على المسكين
وإذا عصى امر الموالي خادم * نفذت أوامرهم على جبرين
وإذا تفاخرت الرجال بسيد * فخروا بأنزع في العلوم بطين
ملقي عمود الشرك بعد قيامه * ومبين دين الله بعد كمون
والمستغاث إذا تصافحت القنا * وغدت صفون الخيل غير صفون
ما أشكلت يوم الجدال قضية * إلا وبدل شكها بيقين
مستودع السر الخفي وموضع * الحق الجلي وفتنة المفتون
ومن انشائه الاسرار عليه ما روى ابن شيرويه في الفردوس قال ابن عباس قال
النبي صلى الله عليه وآله: صاحب سري علي بن أبي طالب.
الترمذي في الجامع، وأبو يعلى في المسند، وأبو بكر بن مهدويه في الأمالي،
والخطيب في الأربعين، والسمعاني في الفضايل، مسندا إلى جابر قال: ناجى النبي في
يوم الطايف عليا فأطال نجواه فقال أحد الرجلين للآخر: لقد أطال نجواه مع ابن
62

عمه، وفي رواية الترمذي فقال الناس: لقد أطال نجواه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله،
وفي رواية غيره ان رجلا قال: أتناجيه دوننا، فقال النبي: ما انتجيته ولكن الله
انتجاه، ثم قال الترمذي: اي امر ربي انتجي معه، قال العبدي:
وكان بالطايف انتجاه * فقال أصحابه الحضور
أطلت نجواك مع علي * فقال ما ليس فيه زور
ما انا ناجيته ولكن * ناجاه ذو العزة الخبير
وقال الحميري:
وفي يوم ناجاه النبي محمد * يسر إليه ما يريد ويطلع
فقالوا أطال اليوم نجوى ابن عمه * مناجاته بغي وللبغي مصرع
فقال لهم لست الغداة انتجيته * بل الله ناجاه فلم يتورعوا
وله أيضا:
ويوم الثنية يوم الوداع * وازمع نحو تبوك المضيا
ننجي يودعه خاليا * وقد أوقف المسلمون المطيا
فظن أولوا الشك أهل النفاق * ظنونا وقالوا مقالا فريا
وقالوا يناجيه دون الأنام * بل الله أدناه منه نجيا
على فم احمد يوحى إليه * كلاما بليغا ووحيا خفيا
فكان به دون أصحابه * بما حث فيه عليه حفيا
وله أيضا:
وكنت الخليفة دون الأنام * على أهله يوم يغزو تبوكا
غداة انتجاك وظل المطي * بأكوارهم إذ هم قد رأوكا
يراك نجيا له المسلمون * وكان الاله الذي ينتجيكا
على فم أحمد يوحى إليك * وأهل الضغاين مستشرفوكا
وقال غيره:
واذكر غداة خلابه في معرك * لما أراد إلى تبوك مضيا
يرضيه حين بدا له استخلافه * قولا يسر إلى أخيه خفيا
والمسلمون ومن تابش منهم * دون الثنية واقفون مطيا
من قبلهم لقد انتجاه لحادث * بل كان قربه الاله نجيا
63

الكليني عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله في خطبة الوداع: سموني
اذنا وزعموا أنه ملازمته إياي وإقبالي عليه وقبوله مني حتى أنزل الله تعالى (ومنهم
الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن).
ودخل أمير المؤمنين عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وجلس عند يمينه فتناجى عند
ذلك اثنان فقال النبي لا يتناجى اثنان دون الثالث فان ذلك يؤذي المؤمن فنزل (إذا
تناجيت فلا تتناجوا بالاثم والعدوان ومعصية الرسول) الآية، وقوله تعالى (إنما
النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا) الآية، وأمره صلى الله عليه وآله أن لا يفارقه عند
وفاته، ذكره الدارقطني في الصحيح والسمعاني في الفضايل ان النبي لم يزل يحتضنه
حتى قبض، يعني عليا.
الأعمش عن أبي سلمة الهمداني وسلمان قالا: قبض رسول الله في حجر علي.
أبو بكر بن عياش وابن الحجاف وعثمان بن سعيد كلهم عن جميع بن عمير عن عايشة
انها قالت: سالت نفس رسول الله في كف علي فردها إلى فيه، قال الحميري:
وسالت نفس احمد في يده * فالزمها المحيا والجبينا
وعن المغيرة عن أم موسى عن أم سلمة قالت: والذي أحلف به كان علي لأقرب
الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وآله، ثم ذكرت بعد كلام قالت: فانكب عليه
علي فجعل يساره ويناجيه، ومن ذلك أنه قسم له النبي حنوطه الذي نزل به جبرئيل
من السماء، قال الحميري:
ان جبريل أتى ليلا إلى * طاهر من بعد ما كان هجع
بحنوط طيب من جنة * في صرار حل منه فسطع
فدعا أحمد من كان به * واثقا عند معضات الجزع
أوثق الناس معا في نفسه * عند مكروه إذا لخطب وقع
قسم الصرة أثلاثا فلم * يال عن تسوية القسم الشرع
قال جزء لي وجزء لابنتي * ولك الثالث فاقبضها جمع
فإذا مت فحنطني بها * ثم حنطها بهذا لا تدع
انها أسرع أهلي ميتة * ولحاقا بي فلا تكثر جزع
وكان من الثقة به انه جعله لمصالح حرمه. روى التاريخي في تاريخه والأصفهاني
" المناقب ج 2، م 8 "
64

في حليته عن محمد بن الحنفية ان الذي قذفت به مارية وهو خصي اسمه ما بور وكان
المقوقس أهداه مع الجاريتين إلى النبي صلى الله عليه وآله فبعث النبي عليا عليه السلام وأمره بقتله فلما
رأى عليا وما يريد به تكشف حتى بين لعلي انه أجب لا شئ معه مما يكون مع
الرجال فكف عنه عليه السلام.
حلية الأولياء، محمد بن إسحاق باسناده في خبر انه كان ابن عم لها يزورها فأنفذ
عليا ليقتله قال: فقلت يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسبكة المحماة. وفي
رواية كالمسمار المحمى في الوبر ولا يثنيني شئ حتى امضي لما أرسلتني به أو الشاهد
يرى مالا يرى الغايب، فقال: بل الشاهد قد يرى ما لا يرى الغايب، فأقبلت متوشحا
السيف فوجدته عندها فاخترطت السيف فلما أقبلت نحوه عرف اني أريده فأتى نخلة
فرقى فيها ثم رمى بنفسه على قفاه وشغر برجليه فإذا هو أجب أمسح ماله مما للرجل
قليل ولا كثير فأغمدت سيفي ثم أتيت إلى النبي فأخبرته فقال: الحمد لله الذي يصرف
عنا أهل البيت الامتحان.
عن ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام في آخر احتجاجه على
أبي بكر بثلاث وعشرين خصلة: نشدتم بالله هل علمتم ان عايشة قالت لرسول الله
ان إبراهيم ليس منك وانه من فلان القبطي فقال يا علي فاذهب فاقتله فقلت يا رسول الله
إذا بعثتني أكون كالمسمار المحمى في الوبر لما أمرتني، المعنى سواء.
البخاري عن سهل بن سعد الساعدي: وكانت فاطمة تغسل الدم عن وجهه
وعلي يأتي بالماء يرشه فأخذه حصيرا فحرقه فحشا به يعني النبي يوم أحد.
تاريخ الطبري: لما كان من وقعة أحد ما قد كان بعث النبي علي بن أبي طالب
فقال: اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون، في كلام له، قال
علي عليه السلام: فخرجت في آثار القوم انظر ما يصنعون فلما اجنبوا الخيل وامتطوا الإبل
وتوجهوا إلى مكة أقبلت أصيخ يعني بانصرافهم.
المفسرون في قوله تعالى: (من شر النفاثات في العقد) انه لما سحر النبي لبيد بن
أعصم اليهودي في بئر دوران مرض النبي فجاء إليه ملكان فأخبراه بالرمز فأنفذ صلى الله عليه وآله
عليا والزبير وعمار فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الجبي ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا
الخف فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه وإذا وتر معقود فيه أحد عشر عقدة
65

مغروزة فحلها علي فبرأ النبي، ان صح هذا الخبر فلنتأول وإلا فليطرح. ومن ذلك
ما دعا له صلى الله عليه وآله في مواضع كثيرة منها يوم الغدير قوله: اللهم وال من والاه، الخبر.
ودعا له يوم خيبر: اللهم قه الحر والبرد، ودعا له يوم المباهلة: اللهم هؤلاء أهل بيتي
وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ودعا له لما مرض: اللهم عافه واشفه
وغير ذلك، ودعاؤه له بالنصر والولاية لا يجوز إلا لولي الأمر فبانت بذلك إمامته.
وكان عليه السلام يكتب الوحي والعهد وكاتب الملك أخص إليه لأنه قلبه ولسانه
ويده، فلذلك أمره النبي صلى الله عليه وآله بجمع القرآن بعده، وكبت له الاسرار، وكتب
يوم الحديبية بالاتفاق، وقال أبو رافع: ان عليا كان كاتب النبي إلى من عاهد ووادع
وان صحيفة أهل نجران كان من كاتبها، وعهود النبي لا توجد قط إلا بخط علي،
ومن ذلك ما رواه أبو رافع ان عليا كانت له من رسول الله ساعة من الليل بعد المتمة
لم تكن لاحد غيره.
تاريخ البلاذري: انه كانت لعلي دخلة لم تكن لاحد من الناس. مسند الموصلي
عبد الله بن يحيى عن علي عليه السلام: قال كانت لي من رسول الله ساعة من السحر آنيه فيها
فكنت إذا أتيت استأذنت فان وجدته يصلي سبح قلت ادخل.
مسند أحمد وسنن ابن ماجة وكتاب أبي بكر بن عياش بأسانيدهم عن عبد الله
ابن يحيى الحضرمي عن علي قال: كان لي من رسول الله مدخلان مدخل بالليل ومدخل
بالنهار وكنت إذا دخلت عليه وهو يصلي تنحنح لي.
وقال عبد المؤمن الأنصاري: سالت أنس بن مالك من كان آثر الناس عند
رسول الله؟ قال: ما رأيت أحدا بمنزلة علي بن أبي طالب إن كان يبعث إليه في جوف
الليل يستخلى به حتى يصبح هذا عنده إلى أن فارق الدنيا، قال الحميري:
وكان له من أحمد كل شارق * قيل طلوع الشمس أو حين تنجم
إذا ما بدت مثل الصلابة دخلة * يقوم فيأتي بابه فيسلم
يقول إذا جاء السلام عليكم * ورحمة ربي انه مترجم
فيبلغ بترحيب ويجلس ساعة * ويؤتي بفضل من طعام فيطعم
ويدعو بسبطيه حنانا ورقة * فيدنيهما منه قريبا ويكرم
يضمهما ضم الحبيب حبيبه * إلى صدره ضما وشما فيلثم
66

ومن ذلك أنه قال صلى الله عليه وآله: لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي أنا أبو القاسم الله يعطي
وأنا اقسم، وفي خبر سموا باسمي وكنوا بكنيتي ولا تجمعوا بينهما ثم إنه رخص في
ذلك لعلي عليه السلام ولابنه.
الثعلبي في تفسيره، والسمعاني في رسالته، وابن البيع في أصول الحديث،
وأبو السعادات في فضايل العشرة، والخطيب والبلاذري في تاريخهما، والنطنزي في
الخصايص بأسانيدهم عن علي قال: قال رسول الله: ان ولد لك غلام نحلته اسمي
وكنيتي، وفي رواية السمعاني وأحمد: فسمه باسمي وكنه بكنيتي وهو له رخصة
دون الناس، ولما ولد محمد بن الحنفية قال طلحة قد جمع علي لولده بين اسم رسول الله
وكنيته، فجاء علي بمن يشهد له ان رسول الله رخص لعلي وحده في ذلك وحرمهما
على أمته من بعده، وكذلك رخص في ذلك للمهدي عليه السلام لما اشتهر قوله صلى الله عليه وآله: لو لم
يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي اسمه
اسمي وكنيته كنيتي، قال الصاحب:
أما عرفتم سمو منزله * أما عرفتم علو مثواه
أما رأيتم محمدا حدبا * عليه قد حاطه ورباه
واختصه يافعا وآثره * واعتامه مخلصا وآخاه
زوجه بضعة النبوة إذ * رآه خير امرئ واتقاه
ثم إنه كان ذخيرة النبي للمهمات، قال أنس: بعث النبي عليا إلى قوم عصوه
فقتل القاتل وسبي الذرية وانصرف بها فبلغ النبي قدومه فتلقاه خارجا من المدينة فلما
لقيه اعتنقه وقبل بين عينيه وقال: بأبي وأمي من شد الله به عضدي كما شد عضد
موسى بهارون، وفي حديث جابر أنه قال لوفد هوازن: اما والذي نفسي بيده ليقيمن
الصلاة وليؤتن الزكاة أو لأبعثن إليهم رجلا وهو مني كنفسي فليضربن أعنقا مقاتليهم
وليسبين ذراريهم هو هذا، واخذ بيد علي فلما أقروا بما شرط عليهم قال: ما استعصى
علي أهل مملكة ولا أمة إلا رميتهم بسهم الله علي بن أبي طالب ما بعثته في سرية إلا
رأيت جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وملكا أمامه وسحابة تظله حتى يعطي
الله حبيبي النصر والظفر، وروى الخطيب في الأربعين نحوا من ذلك عن مصعب بن
عبد الرحمن أنه قال النبي صلى الله عليه وآله لوفد ثقيف الخبر، وفي رواية أنه قال مثل ذلك لبني
67

وليعة، ثم إنه عليه السلام كان عيبة سره، روى الموفق المكي في كتابه في خبر طويل عن
أم سلمة انه دخل رسول الله وهو مخلل أصابعه في أصابع علي فقال: يا أم سلمة أخرجي
من البيت واخليه فخرجت واقبلا يتناجيان بكلام لا أدري ما هو فأقبلت ثلاث مرات
فاستأذن ان الج والنبي يأبى وأذن في الرابعة وعلي واضع يديه على ركبتي رسول الله
قد أدنى فاه من اذن النبي وفم النبي على اذن علي يتساران وعلي يقول أفأمضي وأفعل
والنبي يقول نعم فقال النبي: يا أم سلمة لا تلوميني فان جبرئيل اتاني من الله يأمر أن
أوصى به عليا من بعدي وكنت بين جبرئيل وعلي وجبرئيل عن يميني فأمرني جبرئيل
ان آمر عليا بما هو كائن إلى يوم القيامة، الخبر، ومن ذلك ان النبي أعطاه درعه
وجميع سلاحه وبغلته وسيفه وقضيبه وبرده وغير ذلك.
68

باب ذكره عند الخالق وعند المخلوقين
فصل: في تحف الله عز وجل له
أحمد بن يحيى الأزدي عن إبراهيم النخعي أنه قال: لما اسرى برسول الله صلى الله عليه وآله
هتف به هاتف في السماوات: يا محمد ان الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك اقرأ
على علي بن أبي طالب مني السلام، قال ابن حماد:
واهبط بالسلام إليك لطفا * إله الخلق جبريلا أمينا
قنبر: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام على شاطئ الفرات فنزع قميصه ودخل الماء
فجاءت موجة فأخذت القميص فخرج أمير المؤمنين فلم يجد القميص فاغتم بذلك غما شديدا
وإذا بهاتف يهتف يا أبا الحسن انظر عن يمينك وخذ ما ترى فإذا ميزر عن يمينه وفيه
قميص مطوي فأخذه ولبسه فسقط عن جنبه رقعة فيها مكتوب هدية من الله العزيز
الحكيم إلى علي بن أبي طالب وهذا قميص هارون بن عمران وأورثناها قوما آخرين
وفي حديث الحسن بن زكردان الفارسي ان عليا مشى مع النبي وهو راكب حتى وصل
إلى غدير ماء فتوضيا وصليا قال علي فبينما انا ساجد وراكع إذ قال يا علي ارفع رأسك
انظر إلى هدية الله إليك فرفعت رأسي فإذا انا بنشز من الأرض وإذا عليها فرس
بسرجه ولجامه فقال هذا هدية الله إليك اركبه فركبته وسرت مع النبي.
امالي أبي عبد الله النيسابوري انه دخل الكاظم على الصادق على الباقر
والباقر على زين العابدين وزين العابدين على الشهيد وكلهم فرحون وقائلون انه ناول
النبي عليا تفاحة فسقط من يديه وصارت بنصفين فخرج في وسطه مكتوب فيه من
الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب.
كتاب الخطيب الخوارزمي عن ابن عباس انه هبط جبرئيل ومعه أترجة فقال:
ان الله تعالى يقرئك السلام ويقول لك هذه هدية علي بن أبي طالب فدعا النبي فدفعها
فلما صارت في كفه انفلقت الأترجة فإذا فيها حريرة خضراء نضرة مكتوب فيها
سطران هدية من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب، ويقال كان ذلك لما قتل عمروا
الأعمش عن أبي سفيان عن أبي أيوب الأنصاري قال: نزل النبي داري فنزل
69

عليه جبرئيل من السماء بجام من فضة فيه سلسلة من ذهب فيه ماء من الرحيق المختوم
فناول النبي فشرب ثم ناول عليا فشرب ثم ناول فاطمة فشربت ثم ناول الحسن فشرب
ثم ناول الحسين فشرب ثم ناول الأول فانضم الكاس فأنزل الله تعالى: (لا يمسه إلا
المطهرون وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).
ابن عباس قال: جاع النبي صلى الله عليه وآله جوعا شديدا فأخذ بأستارها وقال: يا رب محمد
لا تجع محمدا أكثر مما اجعته، فهبط جبرئيل ومعه لوزة فقال: ان الله جل ذكره يأمرك
ان نفك عنها، قال: فإذا في جوفها ورقة خضراء نضرة مكتوب عليها " محمد رسول الله
أيدته بعلي ارتضيت له عليا وارتضيته لعلي ما أنصف الله من نفسه من اتهمه في قضائه
واستبطاه في رزقه ".
ثابت عن أنس: لما خرج النبي إلى غزوة الطايف فبينما نحن بغمامة فادخل يده
تحتها فأخرج رمانا فجعل يأكل ويطعم عليا ثم قال لقوم رمقوه بابصارهم: هكذا
يفعل كل نبي بوصيه.
وفي رواية الباقر عليه السلام: ان النبي صلى الله عليه وآله مصها ثم دفعها إلى علي فمصها حتى لم يترك
منها شيئا فقال النبي: انه لا بذوقها إلا نبي أو وصي نبي.
محمد بن أبي عمير ومحمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر " عليها السلام قال: نزل جبرئيل
على محمد برمانتين من الجنة فأعطاهما إياه فأكل واحدة وكسر الأخرى وأعطى عليا
نصفها فأكله ثم قال: الرمانة التي اكلتها فهي النبوة ليس لك فيها شئ واما الأخرى
فهي العلم فأنت شريكي فيها.
عيسى بن الصلت عن الصادق عليه السلام في خبر فأتوا جبل ذباب فجلسوا عليه فرفع
رسول الله رأسه فإذا رمانة مدلاة فتناولها رسول الله ففلقها فأكل واطعم عليا منها
ثم قال: يا أبا بكر هذه رمانة من رمان الجنة لا يأكلها في الدنيا الا نبي أو وصي نبي.
أبان بن تغلب عن أبي الحمراء أنه قال صلى الله عليه وآله: يا فلان ما أنا منعتك من هذه الرمانة
ولكن الله أتحفني بها ووصيي وحرمها على غير نبي أو وصي في دار الدنيا فسلم لأمر
ربك تطعم في الآخرة ان قبلت وصدقت وان كذبت وجحدت فويل يومئذ للمكذبين
ان عليا وشيعته في ظلال وعيون إلى قوله ويل يومئذ للمكذبين بهذا، وقد روينا من
حديث الرمان عند الخروج إلى العقيق، فان نزول المنديل من السماء فيه رمان معجز،
ثم فقد الرمان من كمه عند مشاهدة الثاني معجز ثان ثم وجد أنه بعد ذلك معجز ثالث
70

قال ابن حماد:
من أكل الطير الذي لم يستطع * خلق له جحدا ولا كتمانا
من أكل الفطف الجني على حرى * واليه أهدى ربه رمانا
من ذا له يوم الغدير فضيلة * إذ لا نطيق لفضله جحدانا
أم فروة: كانت ليلتي من أمير المؤمنين عليه السلام فرأيته يلقط من الحجرة حب
طعام من طعام قد نثر ويقول: يا آل علي قد سبقتم.
أبو محمد الفحام بالاسناد عن محمد بن جرير باسناد له عن انس، وابن خثبيش
التميمي بالاسناد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس واللفظ له: ان رسول الله ركب
يوما إلى جبل كداء فقال: يا أنس خذ البغلة وانطلق إلى موضع كذا تجد عليا جالسا
يسبح بالحصى فاقرأه مني السلام واحمله على البغلة وائت به إلي، فقال: فلما ذهبت
وجدت عليا كذلك فقلت ان رسول الله يدعوك فلما أتى رسول الله قال له: اجلس
فان هذا موضع قد جلس فيه سبعون نبيا مرسلا ما جلس فيه من الأنبياء أحد إلا وأنا
خير منه وقد جلس مع كل نبي أخ له ما جلس من الاخوة أحد إلا وأنت خير منه
قال: فرأيت غمامة بيضاء وقد أظلتهما فجعلا يأكلان منه عنقود عنب وقال: كل يا أخي
فهذه هدية من الله إلي ثم إليك ثم شربا ثم ارتفعت الغمامة ثم قال: يا أنس والذي خلق
ما يشاء لقد أكل من الغمامة ثلاثمائة وثلاثة عشر نبيا وثلاثمائة وثلاثة عشر وصيا ما فيهم نبي
أكرم على الله مني ولا وصي أكرم على الله من علي، قال العبدي (وروي عن ابن حماد)
حدثنا الشيخ الثقة محمد عن صدقه رواية مستقه عن أنس عن النبي
رأيته على حرى مع النبي ذي النهى يقطف قطفا في الهوى شيئا كمثل العنب
فأكلا منه معا حتى إذا ما شبعا رأيته مرتفعا فطال منه عجبي
كان طعام الجنة أنزله ذو المنه هدية للصفوة من الهدايا النجب
وقال الناشي:
وأكله قطف العنب مع النبي المنتجب من السماء المقترب وهذه دلايل
الرضا عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وآله: أدخلت الجنة وناولني جبرئيل سفرجلة فانفلقت
فخرجت منها جارية فقلت: من أنت؟ فقال: أنا الراضية المرضية خلقني الله لأخيك
ولابن عمك علي بن أبي طالب، قال الوراق:
علي الذي أهدى السفرجل ربه * إليه فالفاه تحية منعم
71

علي لدى الأستار حياه ذو العلى * بكاغذة في لاذة لم توسم
وقد تقدم حديث اشتراء الحب من جبرئيل عليه السلام، قال الحميري:
ابتاع من جبريل حبا قد زكى * في جنة لم تحرم الأنهارا
جبريل بايعه واحمد ضيفه * خير الأنام مركبا ونجارا
وله أيضا:
فأبصر دينارا طريحا فلم يزل * مشيرا به كفا ينادى ويسمع
فمال به والليل يغشى سواده * وقد هم أهل السوق أن يتصدعوا
إلى بيع سمح اليدين مبارك * توسم فيه الخير والخير يتبع
فقال له بعني طعاما فباعه * فقال لك الدينار والحب أجمع
فلا ذلك الدينار احمي تبره * ولا الحب ما كان في الأرض يزرع
فبايعه جبريل والضيف احمد * فثم تناهى الخير والبر أجمع
وله أيضا:
وبايع جبريل ونعم البيع المشتر * بدينار من الحب فلم يندم ولم يخسر
وقال الناشي:
وبايع الحنطة جبريل الذي * من حنطة الفردوس بالحب هبط
لم تلمس الدينار كف طابع * ولا اجتنى الحنطة دفاع النبط
دينارك الله تولى نقشه * كذلك الحنطة من خير الحنط
وقال ابن حماد:
ولكم من تحفة أتحفه * ربه تعلو جميع التحف
كم له في الطور والنجم وهل * اتى من وصف له والزخرف
وقال السيد الحميري:
كانت ملائكة الرحمن دائبة * يهبطن نحوك بالألطاف والتحف
والقطف والحب والدينار أهبطه * لطف من الله ذي الاحسان واللطف
" المناقب ج 2، م 9 "
72

فصل: في محبة الملائكة إياه
حديث علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة في تفسير قوله تعالى (وترى الملائكة
حافين من حول العرش) الآية، قال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما كانت ليلة المعراج
نظرت تحت العرش أمامي فإذا أنا بعلي بن أبي طالب قائما أمامي تحت العرش يسبح
الله ويقدسه قلت يا جبرئيل سبقني علي بن أبي طالب؟ قال: لا لكني أخبرك اعلم يا محمد
ان الله عز وجل يكثر من الثناء والصلاة على علي بن أبي طالب فوق عرشه فاشتاق
العرش إلى علي بن أبي طالب فخلق الله تعالى هذا الملك على صورة علي بن أبي طالب
تحت عرشه لينظر إليه العرش فيسكن شوقه وجعل تسبيح هذا الملك وتقديسه
وتمجيده ثوابا لشيعة أهل بيتك يا محمد الخبر.
طاووس عن ابن عباس قال قال رسول الله: لما أسري بي إلى السماء وصرت أنا
وجبرئيل إلى السماء السابعة قال جبرئيل يا محمد هذا موضعي ثم زج بي في النور زجة فإذا
أنا بملك من ملائكة الله تعالى في صورة علي عليه السلام اسمه علي ساجد تحت العرش يقول
اللهم اغفر لعلي وذريته ومحبيه وأشياعه واتباعه والعن مبغضيه وأعاديه وحساده انك
على كل شئ قدير.
مجاهد عن ابن عباس والحديث مختصر لما عرج النبي إلى السماء رأى ملكا على
صورة علي حتى لا يفاوت منه شيئا فظنه عليا فقال: يا أبا الحسن سبقتني إلى هذا المكان؟
فقال جبرئيل: ليس هذا علي بن أبي طالب هذا ملك على صورته وان الملائكة
اشتاقوا إلى علي بن أبي طالب فسألوا ربهم أن يكون من علي صورته فيرونه. وفي
حديث حذيفة انه رآه في السماء الرابعة، قال الوراق القمي:
علي الذي لما تشوق في السما * إلى وجهه سكانها شوق محرم
على خلقه ذو العرش صور ملكا * وقال لهم زوروا الولي المطهم
وقال العبدي: يا من شكت شوقه الاملاك إذ شغفت * بحبه وهواه غاية الشغف
فصاغ شبهك رب العالمين فما * ينفك من زائر منها ومعتكف
وله أيضا:
لقد أعطيت ما لم يعط خلقا * هنيئا يا أمير المؤمنينا
73

إليك اشتاقت الاملاك حتى * تحنت من تشوقها حنينا
هناك برا لها الرحمن شخصا * كشبهك لا يغادره يقينا
وله أيضا:
صور الله لاملاك العلى * مثله أعظمه في الشرف
وهي ما بين مطيف زائر * ومقيم حوله معتكف
هكذا شاهده المبعوث في * ليلة المعراج فوق الرفرف
وقال العوني:
وفي خبر صحت روايته لهم * عن المصطفى لا شك فيه فيستبرا
بأن قال لما أن عرجت إلى السماء * رأيت بها الاملاك ناظره شزرا
إلى نحو شخص حين بيني وبينه * لعظم الذي عاينته منه لي خيرا
فقلت حبيبي جبرئيل من الذي * تلاحظه الاملاك قال لك البشرى
فقلت وما من ذاك قال علي الرضا * وما خصه الرحمن من نعم فخرا
تشوقت الاملاك إذ ذاك شخصه * فصوره الهادي على صور أخرى
فمال إلى نحو ابن عم ووارث * على جذل منه بتحقيقه خبرا
الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى (ولما ضرب ابن مريم مثلا
إذا قومك منه يصدون) قال: كان جبرئيل جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله عن يمينه إذ أقبل
أمير المؤمنين عليه السلام فضحك جبرئيل فقال: يا محمد هذا علي بن أبي طالب قد أقبل، قال
رسول الله: يا جبرئيل وأهل السماوات يعرفونه، قال: يا محمد والذي بعثك بالحق نبيا
ان أهل السماوات لأشد معرفة له من أهل الأرض ما كبر تكبيرة في غزوة إلا كبرنا
معه ولا حمل حملة إلا حملنا معه ولا ضرب بسيف إلا ضربنا معه يا محمد ان اشتقت إلى
وجه عيسى وعبادته وزهد يحيى وطاعته وميراث سليمان وسخاوته فانظر إلى وجه
علي بن أبي طالب وأنزل الله تعالى: (ولما ضرب بن مريم مثلا) يعني شبها لعلي بن
أبي طالب وعلي بن أبي طالب شبها لعيسى بن مريم) إذا قومك منه يصدون) يعني
يضحكون ويعجبون.
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالح
عن ابن عباس انه لما تمثل إبليس لكفار مكة يوم بدر على صورة سراقة بن مالك
وكان سائق عسكرهم إلى قتال النبي فأمر الله تعالى جبرئيل فهبط إلى رسول الله ومعه
74

الف من الملائكة فقام جبرئيل عن يمين أمير المؤمنين فكان إذا حمل علي حمل معه جبرئيل
فبصر به إبليس فولى هاربا وقال: أبي أرى ما لا ترون. قال ابن مسعود: والله ما هرب
إبليس إلا حين رأى أمير المؤمنين عليه السلام فخاف ان يأخذه ويستأسره ويعرفه الناس
فهرب فكان أول منهزم وقال (إني أرى ما لا ترون اني أخاف الله في قتاله والله شديد
العقاب) لمن حارب أمير المؤمنين.
السمعاني في فضايل الصحابة عن ابن المسيب عن أبي ذر ان النبي صلى الله عليه وآله قال: يا أبا ذر
علي أخي وصهري وعضدي ان الله لا يقبل فريضة إلا بحب علي بن أبي طالب يا أبا ذر
لما اسرى بي إلى السماء مررت بملك جالس على سرير من نور على رأسه تاج من نور
احدى رجليه في المشرق والأخرى في المغرب وبين يديه لوح ينظر إليه والدنيا كلها
بين عينيه والخلق بين ركبتيه ويده تبلغ المشق والمغرب فقلت: يا جبرئيل من هذا فما
رأيت من ملائكة ربي جل جلاله أعظم خلقا منه؟ قال: هذا عزرائيل ملك الموت ادن
فسلم عليه فدنوت منه فقلت: سلام عليك حبيبي ملك الموت، فقال: وعليك السلام
يا احمد ما فعل ابن عمك علي بن أبي طالب؟ فقلت: وهل تعرف ابن عمي؟ قال: وكيف
لا اعرفه وان الله جل جلاله وكلني بقبض أرواح الخلايق ما خلا روحك وروح علي
ابن أبي طالب فان الله يتوفاكما بمشيته.
كتابي الخطيب الخوارزمي وأبي عبد الله النطنزي قال أبو عبيد صاحب سليمان
ابن عبد الملك: بلغ عمر بن عبد العزيز ان قوما تنقصوا لعلي بن أبي طالب فصعد المنبر
وقال: حدثني غزال بن مالك الغفاري عن أم سلمة قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله عندي
إذ اتاه جبرئيل فناداه فتبسم رسول الله ضاحكا فلما سرى عنه قلت: ما أضحكك؟ قال:
اخبرني جبرئيل انه مر بعلي وهو يرعى ذودا له وهو نائم قد ابدى بعض جسده قال
فرددت عليه ثوبيه فوجدت برد ايمانه قد وصل إلى قلبي.
امالي أبي جعفر القمي في خبر طويل ان النبي قال يوما: معاشر الناس أيكم
ينهض إلى ثلاثة نفر قد آلوا باللات والعزى ليقتلوني وقد كذبوا ورب الكعبة،
فأحجم الناس فقال: ما أحسب علي بن أبي طالب فيكم، فأخبر أمير المؤمنين بذلك فجاء
فقال: أنا لهم سرية وحدي، فدرعه وعممه وقلده من نفسه فأركبه فرسه فخرج
أمير المؤمنين فمكث ثلاثة لا يصل خبر من السماء ولا من الأرض فأقعدت فاطمة الحسن
والحسين على وركيها وهي تقول: أوشك أن يؤتم هذين الغلامين، فأسبل النبي صلى الله عليه وآله
75

عينيه يبكى ثم قال: معاشر الناس من يأتيني بخبر علي فأبشره بالجنة، فتفرقت الناس في
طلبه واقبل عامر بن قتادة يبشر بعلي فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه أسيران ورأس
وثلاثة أبعرة وثلاثة أفراس وقال: لما سرت في الوادي رأيت هؤلاء ركبانا على الأباعر
فنادوني من أنت فقلت علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله فشد علي هذا المقتول
ودارت بيني وبينه ضربات وهبت ريح حمراء سمعت صوتك فيها يا رسول الله وأنت
تقول قطعت لك جيبا درعه فضربته فلم أجفه ثم هبت ريح صفراء فسمعت صوتك
فيها يا رسول الله قلبت لك الدرع عن فخذه فضربته ووكزته فقال الرجلان صاحبنا
هذا يعد بألف فارس فلا تعجل علينا وقد بلغنا ان محمدا رفيق شفيق رحيم فاحملنا إليه،
فقال النبي صلى الله عليه وآله: اما الصوت الأول فصوت جبرئيل والآخر فصوت ميكائيل،
فعرض النبي عليهما الاسلام فأبيا فأمر بقتلهما فهبط جبرئيل وقال: لا تقتله فإنه حسن
الخلق سخي في قومه، فقال النبي: يا علي امسك فان هذا رسول ربي يخبرني انه حسن
الخلق سخي في قومه، فقال الرجل: والله ما ملكت درهما مع أخ لي قط ولا قطبت
وجهي في الحرب وانا اشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله.
وفي رواية الأصبغ ان عليا مضى من المدينة وحده فأتى عليه سبعة أيام فرؤي
النبي صلى الله عليه وآله يبكي ويقول: اللهم رد إلي عليا قرة عيني وقوة ركني وابن عمي ومفرج
الكرب عن وجهي، ثم ضمن الجنة لمن اتى بخبر علي فركب الناس في كل طريق
فوجده الفضل بن عباس فبشر النبي بقدومه فاستقبله فما زال يفتش عن يمين علي وعن
يساره وعن بدنه وعن رأسه فقلت: تفتش عليا كأنه كان في الحرب؟ فأخبرني عن
جبرئيل ان أقواما من المشركين يقصدونك من الشام فأخرج إليهم عليا وحده فخرج
معه جبرئيل في الف ملك وميكائيل في الف ملك ورأيت ملك الموت يقاتل دون على.
أربعين الخطيب وشرح ابن الفياض واخبار أبي رافع في خبر طويل عن حذيفة
ابن اليمان انه دخل أمير المؤمنين عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مريض فإذا رأسه
في حجر رجل أحسن الخلق والنبي نائم فقال الرجل: ادن إلى ابن عمك فأنت أحق
به مني، فوضع رأسه في حجره فلما استيقظ النبي سأله عن الرجل قال علي كان كذا
وكذا فقال النبي: ذاك جبرئيل كان يحدثني حتى خف عني وجعي، وفي خبر ان النبي
كان يملي عليه جبرئيل فنام وامر بكتابة الوحي، قال الناشئ:
وحي من الله حبا الطهر به * أثبته حفظ على ما غلط
76

أناطه الطهر به مواخيا * في الفضل إذ قال له الله انط
وقال الحميري:
فبينا رسول الله يملي اصابه * نعاس فأغفى ساعة متجافيا
فأملى عليه جبريل مكانه * من الوحي آيات بها كان آتيا
فلما انجلى عنه النعاس كأنه * هلال سرت عنه الغيوم سواريا
تلا بعض ما خطت من الخبر كفه * وكان لما أوعى من العلم تاليا
فقال علي قال أنت محمد * بل الروح أملاه عليك مباديا
أتاني به جبريل يمليه معربا * عليك فلم يغفل ولم يك ناسيا
وقال ابن حماد:
ثم لما هب نادى وقد اسود السجل * انني قلت وجبريل الذي كان يمل
وله أيضا:
ناجاك لندب علي رب العلى شفاها * في الأرض من غير ترجمان
المحبرة:
أمن عليه الوحي املا واثقا * جبريل وهو إليه ذو اطمئنان
إذا قال أحمد يا علي اكتب ولا * تلمح وذاك به الأمين أتاني
من ذي الجلال فاني عنكما * متبرز في هذه الغطيان
وخلا خليل خليله بخليله * ويداه عنه الوحي تكتنفان
ووعت مسامعه حلاوة لفظه * ورآه رؤية غير ما رؤيان
التهذيب والكافي، قال أبو عبد الله عليه السلام لما هبط جبرئيل عليه السلام بالاذان على
رسول الله صلى الله عليه وآله كان رأسه في حجر علي عليه السلام فاذن جبرئيل وأقام فلما انتبه
رسول الله صلى الله قال: يا علي سمعت؟ قال نعم. قال حفظت؟ قال نعم، قال ادع بلالا فعلمه،
فدعى علي بلالا فعلمه.
محمد بن عمرو باسناده عن جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله: ما عصاني
قوم من المشركين إلا رميتهم بسهم الله. قيل: وما سهم الله يا رسول الله؟ قال: علي
ابن أبي طالب ما بعثته في سرية ولا أبرزته لمبارزة إلا رأيت جبرئيل عن يمينه وميكائيل
عن يساره وملك الموت أمامه وسحابة تظله حتى يعطيه الله خير النصر والظفر.
أبو هريرة: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله المغنم في غزاة تبوك خلف عليا على أهله
77

دفع إليه سهمين فتكلموا في ذلك فقال: معاشر الناس ناشدتكم بالله ورسوله ألم تروا
الفارس الذي حمل على المشركين من يمين العسكر فهزمهم ثم رجع إلي فقال لي يا محمد ان
لي معك سهما وقد جعلته لعلي هو جبرئيل معاشر الناس ناشدتكم بالله ورسوله هل
رأيتم الفارس الذي حمل على المشركين من يسار العسكر فهزمهم ثم رجع إلي فعلمني
وقال لي يا محمد ان لي معك سهما وقد جعلته لعلي وهو ميكائيل فوالله ما دفعت إلى علي
إلا سهم جبرئيل وميكائيل، فكبر وكبر الناس بأجمعهم قال الوراق القمي:
علي حوى سهمين من غير أن غزا * غزاة تبوك حبذا سهم مسهم
أركبه رسول الله صلى الله عليه وآله يوم خيبر وعممه بيده وألبسه ثيابه وأركبه بغلته ثم
قال: امض يا علي وجبرئيل عن يمينك وميكائيل عن يسارك وعزرائيل أمامك وإسرافيل
ورائك ونصر الله فوقك ودعائي خلفك.
وخبر النبي رميه باب خيبر أربعين ذراعا فقال صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده لقد
اعانه عليه أربعون ملكا. ويقول علي في كتابه: والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدية
ولا بحركة غدائية ولكني أيدت بقوة ملكوتية ونفس بنور ربها مضية، قال الحميري
ولله جل الله في فتح خيبر عليه أيادي نعمة بعد أنعم
مشى بين جبريل وميكال حوله * ملائكة مشي الهزبر المصمم
فصمم آذان الذين تهودوا * وأذعن ممن يعبد الله مرحم
وله أيضا:
من كان جبريل يقوم يمينه * فيها وميكال يقوم يسارا
من كان ينصره ملائكة السما * يأتونه مددا له أنصارا
وله أيضا:
يا راية جبريل سار أمامها * قدما واتبعها النبي دعاء
الله فضله بها ورسوله * والله ظاهر عنده الآلاء
ابن فياض في شرح الاخبار روى محمد بن الجنيد باسناده عن سعيد بن المسيب
قال: أصاب عليا يوم أحد ستة عشر ضربة وهو بين يدي رسول الله يذب عنه في كل
ضربة يسقط إلى الأرض فإذا سقط رفعه جبرئيل.
خصايص العلوية قيس بن سعد عن أبيه قال علي عليه السلام: أصابني يوم أحد ست
عشرة ضربة سقطت إلى الأرض في أربع منهن فأتاني رجل حسن الوجه حسن اللمة
78

طيب الريح فأخذ بضبعي فأقامني ثم قال: اقبل عليهم فإنك في طاعة الله وطاعة
رسول الله وهما عنك راضيان، قال علي عليه السلام: فأتيت النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته فقال:
يا علي أقر الله عينك ذاك جبرئيل.
العيون والمحاسن باسناده عن أبي عبد الله العنزي قال: إنا جلوس مع علي بن
أبي طالب يوم الجمل إذ جاءه الناس يهتفون به يا أمير المؤمنين لقد نالنا النبل والنشاب
فتنكر ثم جاء آخرون فذكروا مثل ذلك وقالوا قد جرحنا فقال عليه السلام: من يعذرني
من قوم يأمرون بالقتال ولم تنزل بعد الملائكة فقال: إنا لجلوس إذ هبت ريح طيبة
من خلفنا والله لوجدت بردها بين كتفي من تحت الدرع والثياب فضرب أمير المؤمنين
درعه ثم قام إلى القوم فما رأيت فتحا كان أسرع منه.
وروي عن عامر بن سعد انه لما جاء أبو اليسر الأنصاري بالعباس فقال: والله
ما أسرني إلا ابن أخي علي بن أبي طالب، فقال النبي: صدق عمي ذلك ملك كريم،
فقال: قد عرفته بحجلته وحسن وجهه، فقال النبي: ان الملائكة الذين أيدني الله بهم
على صورة علي بن أبي طالب ليكون ذلك أهيب في صدور الأعداء. وقال أبو اليسر
الأنصاري: رأيت العباس أنفا وعقيلا معهما رجل على فرس أبلق عليه ثياب بيض
يقود العباس وعقيلا فدفعهما إلى علي وقال يا علي هذان عمك وأخوك فدونكهما فأنت
أولى بهما فحكى ذلك لرسول الله فقال ذلك جبرئيل دفعهما إليك.
فضايل العشرة ان جنيا كان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل علي عليه السلام
فغاب الجني فلما خرج على عاد الجني إلى مكانه فقال له النبي: لم غبت عند حضور علي؟
فقال: ان الله خلق ملكا على صورة على يقاتل مع الأنبياء.
الفصول والعيون والمحاسن عن المفيد قال الصادق عليه السلام في حديث بدر: لقد
كان يسئل الجريح من المشركين فيقال: من جرحك؟ فيقول: علي بن أبي طالب فإذا
قالها مات، قال الحميري:
وقد رويتم له الاملاك ناصرة * تكر ان كر منها ما تخففه
وكان ذا في امارات الامام وما * يزال يجمعها فيه مشرفه
وقال العوني:
من كان جبريل في الهيجاء يسعده * وكان يعضده ميكال إذ حملوا
79

وقال غيره:
قاتل الروح مرارا تحت رايات علي
فضايل الصحابة عن أحمد، وخصايص العلوية عن النطنزي، قال الحارث: لما
كانت ليلة بدر قال النبي صلى الله عليه وآله من يستقي لنا من الماء؟ فأحجم الناس فقام علي
فاحتضن فرسه ثم اتى بئرا بعيدة القعر مظلمة فانحدر فيها فأوحى الله إلى جبرئيل
وميكائيل وإسرافيل، تأهبوا لنصرة محمد وحزبه، فهبطوا من السماء لهم لغط يذعر
من يسمعه فلما حاذوا البئر سلموا عليه من عند آخرهم اكراما وتبجيلا.
محمد بن ثابت باسناده عن ابن مسعود والفلكي المفسر باسناده عن محمد بن الحنفية
قال: بعث رسول الله عليا في غزوة بدر ان يأتيه بالماء حين سكت أصحابه عن ايراده
فلما اتى القليب وملا القربة الماء فأخرجها جاءت ريح فهرقته ثم عاد إلى القليب وملا
القربة فأخرجها فجاءت ريح فأهرقته وهكذا في الثالثة فلما كانت الرابعة ملاها فأتى
بها النبي فأخبر بخبره فقال رسول الله: اما الريح الأولى فجبرئيل في الف من الملائكة
سلموا عليك واما الثانية ميكائيل في الف من الملائكة سلموا عليك والريح الثالثة
إسرافيل في الف من الملائكة سلموا عليك، وفي رواية ما أتوك إلا ليحفظوك، وقد
رواه عبد الرحمن بن صالح باسناده عن الليث وكان يقول: كان لعلي في ليلة واحدة
ثلاثة آلاف منقبة وثلاث مناقب ثم يروي هذا الخبر، قال الحميري:
وسلم جبريل وميكال ليلة * عليه وإسرافيل حياه معربا
أحاطوا به في ردءة جاء يستقي * وكان على الف بها قد تحزبا
ثلاثة آلاف ملائك سلموا * عليه فأدناهم وحيا ورحبا
وله أيضا:
ذاك الذي سلم في ليلة * عليه ميكال وجبرئيل
ميكال في الف وجبريل في * الف ويعلوهم سرافيل
وقال العوني:
بأبى من خفق المسح به * طائرا في الجو في الليل الدجى
بأبى من هبط الجب ولم * يخش من أهواله مع من خشي
فأتى جبريل مع ميكال مع * عزرائيل مع ما قد روى
" المناقب ج 2، م 10 "
80

بين املاك صفوف هبطوا * كيف يقضون حقوق المستقي
وله أيضا:
وعليه سلم جبرئيل وجنده * واخوه ميكائيل والجندان
إذ أقبلت ريح فصدت وجهه * وهراق نطفه شنه ريحان
وقال الجماني:
ومن سلم جبريل * عليه ليلة الجد
جابر: كنت أماشي أمير المؤمنين عليه السلام على الفرات إذ خرجت موجة عظيمة
حتى انستر عني ثم انحسرت عنه ولا رطوبة عليه فوجمت لذلك وتعجبت وسألته عن
ذلك قال ورأيت ذلك؟ قلت نعم، قال إنما هو الموكل بالماء فخرج فسلم علي واعتنقني
قال الوراق:
علي الذي أهدى إلى الماء صحبه * بحيث يلوح الدين للمتبسم
عبد الله بن عباس وحميد الطويل عن انس قالا: صلى رسول الله فلما ركع
أبطأ في ركوعه حتى ظننا انه نزل عليه وحي فلما سلم واستند إلى المحراب نادى أين
علي بن أبي طالب وكان في آخر الصف يصلى فأتاه فقال: يا علي لحقت الجماعة، فقال
يا نبي الله عجل بلال الإقامة فناديت الحسن بوضوء فلم أر أحدا فإذا انا بهاتف يهتف
يا أبا الحسن اقبل عن يمينك فالتفت فإذا انا بقدس من ذهب مغطى بمنديل اخضر معلقا
فرأيت ماء أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل وألين من الزبد وأطيب ريحا من
المسك فتوضأت وشربت وقطرت على رأسي قطرة وجدت بردها على فؤادي ومسحت
وجهي بالمنديل بعدما كان الماء يصب على يدي وما أرى شخصا ثم جئت يا نبي الله
ولحقت الجماعة، فقال النبي صلى الله عليه وآله القدس من اقداس الجنة والماء من الكوثر والقطرة
من تحت العرش والمنديل من الوسيلة والذي جاء به جبرئيل والذي ناولك المنديل
ميكائيل وما زال جبرئيل واضعا يده على ركبتي يقول: يا محمد قف قليلا حتى يجئ
علي فيدرك معك الجماعة، قال خطيب منبج:
ومن وافاه جبريل بماء * من الفردوس فعل المكرمينا
وصب عليه إسرافيل منه * وكان به من المتطهرينا
وقال الناشي:
والسطل والمنديل حين اتى به * جبريل حسبك خدمة الاملاك
81

وقال القمي:
علي شكا فوت الصلاة فجاءه * وضوء بمنديل كما قيل معلم
وقال ابن حماد:
أيها الناصب جهلا * أنت عن رشدك غفل
من إليه جاء جبر * يل بمنديل وسطل
عميت عيناك قل لي * أعلى قلبك قفل
وله أيضا:
أعطيت في الفضل ما لم يعطه أحد * كذا روى خلف منا عن السلف
كالجام والسطل والمنديل يحمله * جبريل ما أحد فيه بمختلف
وقال غيره:
إمامي الذي حمال ماء طهوره * هو الروح جبريل الأمين إلى الرسل
هو الآية الكبرى هو الحجة التي * بها احتج با ريها على الخلق بالظل
وقال آخر:
فكم له من آية معجزة * لا يستطيع مبطل ابطالها
من قدس يهبط أو نجم هوى * أو دعوة قاربها أو نالها
كالطاير المحنوذا ومن قدرة * قد قيض الله له اشكالها
كالمسخ والثعبان أو كالنار في * الأحزاب يوما صالها وجالها
وروى مشاهدته لجبرئيل على صورة دحية الكلبي حين سماه بتك الأسامي وحين
وضع رأس رسول الله صلى الله عليه وآله في حجره وقال أنت أحق به مني وحين كان يملى
الوحي ونعس النبي وحين اشترى الناقة من الاعرابي بمائة درهم وباعها من آخر بمائة
وستين وحين غسل النبي صلى الله عليه وآله وغير ذلك، وروى نحوا منه احمد في
الفضايل، قال الحميري:
ويسمع حس جبريل إذا ما * اتى بالوحي خير الواطنينا
وقد خدمه جبريل في عدة مواضع، روى علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة عن
ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى (تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل
امر سلام) قال: لقد صام رسول الله سبع رمضانات وصام علي بن أبي طالب معه
فكان كل ليلة القدر ينزل فيها جبريل على علي عليه السلام فيسلم عليه من ربه.
82

وروي عن الباقر عليه السلام في خبر يذكر فيه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انه اتاهم آت لا يرونه
ويسمعون كلامه فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في الله عزاء من كل مصيبة
ونجاة من كل هلكة، ودرك لما فات (كل نفس ذائقة الموت) الآية، ان الله عز وجل
اصطفاكم وفضلكم وطهركم وجعلكم أهل بيت نبيه، وأودعكم حكمه، وأورثكم
كتابه، وجعلكم تابوت علمه، وعصا عزه، وضرب لكم مثلا من دونه، وعصمكم
من الذنوب، وآمنكم من الفتنة، فتعزوا بعزاء الله فان الله عز وجل لا ينزع عنكم
نعمته، ولا يزيل عنكم بركته في كلام طويل فقيل للباقر: ممن كانت التعزية؟
فقال: من الله تعالى على لسان جبرئيل. وقد روى نحوا من ذلك سفيان بن عيينة
عن الصادق عليه السلام.
وقد احتج أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى فقال: هل فيكم من غسل رسول الله
غيري وجبرئيل يناجي واجد حسن يده معي.
حدث أبو عوانة عن الحسن بن علي بن عفان عن محمد بن الصلت عن مندل بن علي
عن إسماعيل بن زياد عن إبراهيم بن شمر عن أبي الضحاك الأنصاري قال: كان على
مقدمة النبي صلى الله عليه وآله يوم حنين علي عليه السلام فقال النبي: وددت ان عليا قال: من دخل
الرجل فهو آمن، قال فقال علي عليه السلام: من دخل الرجل فهو آمن، قال: فضحك
جبرئيل فقال النبي قال أبو عوانة وذكر حديثا لم احفظه ثم قال قال علي: وقد بلغ من
أمري ما يجيبني جبرئيل، فقال رسول الله: نعم وهو جبرئيل يجتبيك الله تبارك الله وتعالى
خلقة الملائكة على صورته، ومجيئهم إلى زيارته، ونصرته، واذنهم في مكالمته،
وكونهم في خدمته يدل على أنه أكرم خليقته بعد النبي الملائكة جنوده والحاديان
عبيده كفو الملك وكافى الخلق انسي ملك.
فصل: في مقاماته مع الأنبياء والأوصياء
عباية بن ربعي الأسدي قال: دخلت على أمير المؤمنين وعنده رجل رث الهيئة
وأمير المؤمنين يكلمه فلما قام الرجل قلت: يا أمير المؤمنين من هذا الذي شغلك عنا؟
قال: هذا وصي موسى عليه السلام.
عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن الصادق عليه السلام في خبر ان أمير المؤمنين عليه السلام
توضأ وأذن في صفين فانفلق الجبل عن هامة بيضاء بلحية بيضاء ووجه ابيض فقال:
83

السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته مرحبا بوصي خاتم النبيين وقائد الغر
المحجلين والأعز المأثور والفاضل الفايز بثواب الصديقين سيد الوصيين، فقال له:
وعليك السلام يا أخي شمعون بن جمون وصي عيسى بن مريم روح القدس كيف حالك؟
قال: بخير يرحمك الله انا منتظر روح الله ينزل ولا اعلم أحدا أعظم في الله بلاء ولا
أحسن غدا ثوابا ولا ارفع مكانا منك اصبر يا أخي يا علي ما أنت فيه حتى تلقى الحبيب
غدا فقد رأيت أصحابك يعني الأوصياء بالأمس لقوا ما لقوا من بني إسرائيل
نشروهم بالمناشير وحملوهم على الخشب، إلى آخر كلامه.
الأصبغ بن نباتة قال: كان أمير المؤمنين يصلي إذ أقبل رجل عليه بردان
أخضران وله عقيصتان سوداوان ابيض اللحية فلما سلم أمير المؤمنين من صلاته أكب
على رأسه فقبله ثم اخذ بيده فذهبا قال فخرجنا نحوهما مسرعين فسألنا عنه فقال: هذا
أخي الخضر أكب علي وقال لي انك في مدرة يعني الكوفة لا يريدها جبار بسوء
إلا قصمه الله واحذر الناس فخرجت معه لأشيعه لأنه أراد الظهر.
وروى خرور وسعد بن طريف عن الأصبغ انه جاء ثانية فإذا ميثم يصلي إلى
تلك الأسطوانة فقال: يا صاحب السارية اقرأ صاحب الدار السلام يعني عليا
واعلمه اني بدأت به فوجدته نائما.
جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: لما قبض
رسول الله صلى الله عليه وآله جاء آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال السلام عليكم أهل البيت
ورحمة الله وبركاته في الله عزاء من كل مصيبة وخلف من كل هالك ودرك من
كل ما فات فبالله فثقوا وإياه فارجوا فان المحروم من حرم الثواب والسلام، فقال علي
تدرون من هذا؟ هذا الخضر.
وروى محمد بن يحيى قال: بينا علي يطوف بالكعبة إذا رجل متعلق بالأستار وهو
يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع يا من لا يغلطه السائلون يا من لا يتبرم بالحاح الملحين
أذقني برد عفوك وحلاوة مغفرتك، فقال علي " ع ": يا عبد الله دعاؤك هذا؟ قال:
وقد سمعته؟ قال: نعم، قال: فادع به في دبر كل صلاة فوالذي نفس الخضر بيده لو كان
عليك من الذنوب عدد نجوم السماء وقطرها وحصباء الأرض وترابها لغفر لك أسرع
من طرفة عين.
عبد الله بن الحسن بن الحسن عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه السلام كان في
84

مسجد الكوفة يوما فلما جنه الليل اقبل رجل من باب الفيل عليه ثياب بيض فجاء
الحرس وشرطة الخميس فقال لهم أمير المؤمنين: ما تريدون؟ فقالوا: رأينا هذا الرجل
اقبل الينا فخشينا ان يغتالك، فقال: كلا انصرفوا رحمكم الله أتحفظوني من أهل الأرض
فمن يحفظني من أهل السماء! ومكث الرجل عنده مليا يسأله فقال: يا أمير المؤمنين لقد
ألبست الخلافة بهاء وزينة وكمالا ولم تلبسك ولقد افتقرت إليك أمة محمد وما افتقرت
إليها ولقد تقدمك قوم وجلسوا مجلسك فعذابهم على الله وانك لزاهد في الدنيا وعظيم
في السماوات والأرض وان لك في الآخرة لمواقف كثيرة نقر بها عيون شيعتك وانك
لسيد الأوصياء وأخوك سيد الأنبياء، ثم ذكر الأئمة الاثني عشر فانصرف واقبل
أمير المؤمنين على الحسن والحسين عليهم السلام فقال: تعرفانه؟ قالا: ومن هو
يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا أخي الخضر، وفي الخبر ان خضرا وعليا عليهما السلام قد
اجتمعا فقال له علي: قل كلمة حكمة، فقال: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء قربة
إلى الله، فقال أمير المؤمنين: وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله، فقال
الخضر: ليكتب هذا بالذهب.
أمالي المفيد النيسابوري وتاريخ بغداد قال الفتح بن شجزف رأى أمير المؤمنين
الخضر في المنام فسأله نصيحة قال: فأراني كفه فإذا فيها مكتوب بالخضرة:
قد كنت ميتا فصرت حيا * وعن قليل تعود ميتا
فابن لدار البقاء بيتا * ودع لدار الفناء بيتا
عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله قال: لما اخرج علي عليه السلام ملببا وقف عند قبر
النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا بن العم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، قال: فخرجت
يد من قبر رسول الله يعرفون انها يده وصوت يعرفون انه صوته نحو الأول يقول
يا هذا أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم سواك رجلا.
عبد الله بن سليمان وزياد بن المنذر والعباس بن الحريش الراوي كلهم عن أبي
جعفر عليه السلام، وابان بن تغلب ومعاوية بن عمار وأبو سعيد المكاري كلهم عن أبي
عبد الله عليه السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام لقى الأول فاحتج عليه ثم قال: أترضى برسول الله
بيني وبينك، فقال: وكيف لي بذلك؟ فأخذ بيده فأتى به مسجد قبا فإذا رسول الله
فيه فقضى له على الأول القصة. زيارة الأنبياء والأوصياء بعد غيبتهم أو وفاتهم تدل
على جلالة قدر المزور وانه لا نظير له في زمانه.
85

فصل: في أحواله مع إبليس وجنوده
علل الشرايع عن ابن بابويه، سلمان في خبر انه مر إبليس بنفر يسبون عليا عليه السلام
فقال: تبا لكم عبدت الله في الجان اثنى عشر الف سنة فلما أهلك الجان شكوت إلى الله
الوحدة فعرج بي إلى السماء الدنيا فعبدت الله فيها اثنى عشر الف سنة أخرى في جملة
الملائكة فبينا نحن كذلك إذ مر بنا نور شعشعاني فخروا سجدا فإذا بالنداء من قبل
الله تعالى ما هذا نور ملك مقرب ولا نبي مرسل هذا نور طينة علي بن أبي طالب.
جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي ائت الوادي، فدخل
الوادي ودار فيه فلم ير أحدا حتى إذا صار على بابه لقيه شيخ فقال: ما تصنع هنا؟
قال: أرسلني رسول الله، قال تعرفني؟ قال: ينبغي أن يكون أنت الملعون، فقال
ما ترى أصارعك، فصارعه فصرعه علي عليه السلام فقال: قم علي حتى أبشرك، فقام عنه
فقال: بم تبشرني يا ملعون؟ قال. إذا كان يوم القيامة صار الحسن عن يمين العرش
والحسين عن يسار العرش يعطون شيعتهم الجواز من النار فقام إليه فقال: أصارعك
مرة أخرى، قال نعم، فصرعه مرة أخرى أمير المؤمنين فقال: قم عني حتى أبشرك،
فقام عنه قال لما خلق الله تعالى آدم اخرج ذريته من ظهره مثل الذر فأخذ ميثاقهم
(الست بربكم قالوا بلى فأشهدهم على أنفسهم) فأخذ ميثاق محمد وميثاقك فعرف وجهك
الوجوه وروحك الأرواح فلا يقول لك أحد أحبك إلا عرفته ولا يقول لك أبغضك
إلا عرفته، قال: قم صارعني ثالثة، قال نعم، فصارعه فاعتنقه ثم صارعه فصرعه
أمير المؤمنين قال: يا علي لا تنقضني قم عني حتى أبشرك، قال: بلى وأبرأ منك والعنك
قال: والله يا بن أبي طالب ما أحد يبغضك إلا شركت أباه في رحم أمه وولده وماله
أما قرأت كتاب الله (وشاركهم في الأموال والأولاد) الآية.
تاريخ الخطيب وكتاب النطنزي باسنادهما عن ابن جريح عن مجاهد عن ابن
عباس وباسناد الخطيب عن الأعمش عن أبي وايل عن أبي أبي عبد الله عن علي بن أبي طالب
وفي إبانة الخركوشي باسناده عن الضحاك عن ابن عباس، وقد رواه القاضي أبو الحسن
الأشناني عن إسحاق الأحمر، وروى من أصحابنا جماعة منهم أبو جعفر بن بابويه في
الامتحان، ولفظ الحديث للخركوشي قال ابن عباس: كنت انا ورسول الله وعلي
ابن أبي طالب بفناء الكعبة إذ أقبل شخص عظيم مما يلي الركن اليماني كفيل فتفل
86

رسول الله وقال لعنت، فقال علي: ما هذا يا رسول الله؟ قال: أو ما تعرفه؟ ذاك
إبليس اللعين، فوثب على واخذ بناصيته وخرطومه وجذبه فأزاله عن موضعه وقال
لأقتلنه يا رسول الله، فقال رسول الله: أما علمت يا علي انه قد اجل له إلى يوم الوقت
المعلوم، فتركه فوقف إبليس وقال: يا علي دعني أبشرك فما لي عليك ولا على شيعتك
سلطان والله ما يبغضك أحد إلا شاركت أباه فيه كما هو في القرآن (وشاركهم في
الأموال والأولاد)، فقال النبي دعه يا علي فتركه، قال الوراق القمي:
علي أخو الكرات صارع فاعتلى * أبا مرة الغاوي بكف مصدم
كتاب إبراهيم روى أبو سارة الشامي باسناده وكتاب ابن فياض روى إسماعيل
ابن ابان باسناده كلاهما عن أم سلمة في حديث انه خرج علي ومعه بلال يقفوان اثر
رسول الله صلى الله عليه وآله حتى انتهيا إلى الجبل فانقطع الأثر عنهما فبيناهما كذلك إذ وقع لهما
رجل متكئ على عصا له كسا على عاتقه كأنه راع من هذه الرعاة فقال علي عليه السلام:
يا بلال اجلس حتى آتيك بالخبر وتوجه قبل الرجل حتى إذا كان قريبا منه قال يا عبد الله
رأيت رسول الله؟ فقال الرجل: وهل لله من رسول! فغضب علي وتناول حجرا
ورماه فأصاب بين عينيه فصاح صيحة فإذا الأرض كلها سواد بين خيل ورجل حتى
أطافوا به ثم اقبل علي عليه السلام فبينما هو كذلك إذ اقبل طايران من قبل الجبل فأخذ
أحدهما يمنة والآخر " يسرة فما زالا يضربانهم بأجنحتهما حتى ذهب ذلك السواد ورجع
الطايران حتى اخذا في الجبل فقال لبلال: انطلق حتى نتبع هذين الطايرين، فصعد
علي الجبل وبلال فإذا هما برسول الله صلى الله عليه وآله وقد اقبل من خلف الجبل فتبسم في وجه
علي فقال: يا علي مالي أراك مذعورا! فقص عليه الخبر فقال: أو تدري ما الطايران؟
قال لا، قال: ذاك جبرئيل وميكائيل عليهما السلام كانا عندي يحدثاني فلما سمعا الصوت
عرفا انه إبليس فأتياك يا علي ليعيناك قال الباخرزي:
وكيف يرى إبليس معشار ما أرى * وقد فتحت عينان لي وهو أعور
وفي حديث أبي بكر هبة الله العلافي باسناده إلى ابن عباس في خبر طويل: انه
اجتمع النبي وعلي وجعفر عند فاطمة عليهم السلام وهي في صلاتها فلما سلمت أبصرت
عن يمينها رطب على طبق وعلى يسارها سبعة أرغفة وسبعة طيور مشويات وجام من
لبن وطاس من عسل وكأس من شراب الجنة وكوز من ماء معين فسجدت وحمدت
وصلت على أبيها وقدمت الرطب فلما فرغوا عن اكله قدمت المائدة فإذا بسائل من
87

وراء الباب أهل بيت الكرم هل لكم في اطعام المسكين فمدت فاطمة يدها إلى رغيف
ووضعت عليه طيرا وحملت بالجام وأرادت ان تدفع إلى السائل فتبسم نبي الله في وجهها
وقال: انها محرمة على هذا السائل ثم نبأها بأنه إبليس وانه لو واسيناه لصار من أهل
الجنة فلما فرغوا من الطعام خرج علي من الدار وواجه إبليس وبكته ووبخه وقال
له الحكم بيني وبينك السيف الا تعلم بفناء من نزلت يا لعين شوشت ضيافة نور الله في
ارضه في كلام له، فقال النبي صلى الله عليه وآله: كل امره إلى ديان يوم الدين، فقال إبليس:
يا رسول الله اشتقت إلى رؤية علي فجئت آخذ منه الحظ الأوفر وأيم الله اني من أودائه
واني لأواليه.
أبو صالح المؤذن في الأربعين باسناده عن زينب بنت جحش في حديث دخول
النبي على فاطمة وقوله لها: هاتي ذاك الطيران وكان من موائد الجنة فإذا بسائل قال
السلام عليكم أهل البيت أطعمونا مما رزقكم الله فرد النبي: يطعمك الله يا عبد الله، فجاء
مرة أخرى فرده، إلى آخر الخبر.
كتاب أبي إسحاق العدل الطبري عن عمر بن علي عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام
قال: دعانا رسول الله صلى الله عليه وآله انا وفاطمة والحسن والحسين ثم نادى بالصحفة فيها طعام
كهيئة السكنجبين وكهيئة الزبيب الطائفي الكبار فأكلنا منه فوقف سائل على الباب
فقال له رسول الله: أخسأ، ثم قال: ارفع ما فضل، فرفعه فقالت فاطمة يا رسول الله
لقد رأيتك اليوم صنعت ما كنت تفعله سأل سائل فقلت اخسأ ورفعت فضل الطعام
ولم أرك رفعت طعاما قط، فقال صلى الله عليه وآله: ان الطعام كان من طعام الجنة وان السائل
كان شيطانا.
تهذيب الأحكام، انه لما هم علي بغسل النبي سمعنا صوتا في البيت: ان نبيكم
طاهر مطهر فادفنوه ولا تغسلوه، فقال علي: اخسأ عدو الله فإنه امرني بغسله وكفنه
ودفنه وذلك سنة، ثم قال: نادى مناد آخر غير تلك النغمة: يا علي بن أبي طالب استر
عورة نبيك ولا تنزع القميص.
كافي الكليني، جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر
إذ اقبل ثعبان من ناحية باب من أبواب المسجد فهم الناس ان يقتلوه فأرسل أمير المؤمنين
أن كفوا فكفوا واقبل الثعبان ينساب حتى انتهى إلى المنبر فتطاول فسلم على أمير المؤمنين
" المناقب ج 2، م 11 "
88

فأشار أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته ثم اقبل عليه فقال له: من أنت؟ فقال: انا عمير
ابن عثمان ابن خليفتك على الجن وان أبي مات وأوصاني ان آتيك واستطلع رأيك فقد
اتيتك فما تأمرني به وما ترى، فقال له أمير المؤمنين: أوصيك بتقوى الله وأن
تنصرف فتقوم مقام أبيك فأنت خليفتي عليهم.
وفي حديث طويل عن علي بن محمد الصوفي انه لقى إبليس فسأله فقال له من أنت؟
فقال: انا من ولد آدم، فقال. لا إله إلا الله أنت من قوم يزعمون أنهم يحبون الله
ويعصونه ويبغضون إبليس ويطيعونه فقال: من أنت؟ فقال: انا صاحب الميسم
والاسم الكبير والطبل العظيم وانا قاتل هابيل وانا الراكب مع نوح في الفلك انا عاقر
ناقة صالح انا صاحب نار إبراهيم انا مدبر قتل يحيى انا ممكن قوم فرعون من النيل
انا مخيل السحر وقايده إلى موسى انا صانع العجل لبني إسرائيل انا صاحب منشار
زكريا انا الساير مع أبرهة إلى الكعبة بالفيل انا المجمع لقتال محمد يوم أحد وحنين انا
ملقي الحسد يوم السقيفة في قلوب المنافقين انا صاحب الهودج يوم البصرة والبعير انا
صاحب المواقف في عسكر صفين انا الشامت يوم كربلا بالمؤمنين انا إمام المنافقين
انا مهلك الأولين انا مضل الآخرين انا شيخ الناكثين انا ركن القاسطين انا ظل
المارقين انا أبو مرة مخلوق من نار لا من طين انا الذي غضب عليه رب العالمين،
فقال الصوفي: بحق الله عليك إلا دللتني على عمل أتقرب به إلى الله وأستعين به على
نوائب دهري، فقال اقنع من دنياك بالعفاف والكفاف واستعن على الآخرة بحب
علي بن أبي طالب وبغض أعدائه فاني عبدت الله في سبع سماواته وعصيته في سبع
أرضيه فلا وجدت ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا إلا وهو يتقرب بحبه، قال: ثم غاب
عن بصري فأتيت أبا جعفر عليه السلام فأخبرته بخبره فقال: آمن الملعون بلسانه وكفر بقلبه
مناقب أبي إسحاق الطبري وإبانة الفلكي قال أبو حمزة الثمالي: كان رجل من
بني تميم يقال له خيثمة فلما حكموا الحكمين خرج هاربا نحو الجزيرة فمر بواد مخيف
يقال له ميافارقين فهتف به من الوادي:
يا أيها الساري باميافارق * مخالفا للحق دين الصادق
تابعت دينا ليس دين الخالق * بل كل دين أحمق منافق
فقال خيثمة:
لما رأيت القوم في الخصوم * فارقت دين أحمق لئيم
89

حتى يعود الدين في الصميم
فقال:
اسمع لقولي ثم دعه ترشد * ان عليا كالحسام الأصيد
منهاجه دين النبي المهتدى * فارجع إلى دين وصي أحمد
فخالف المراق فيه واشهد
فرجع إلى علي عليه السلام ولم يزل معه حتى قتل.
وفي بعض كتب الاخبار عن بعض صالحات الجن ممن كانت تدخل على أهل البيت
عليهم السلام انها قالت: رأيت إبليس على صخرة جزيرة ماثلا وهو يقول:
شفيعي إلى الله أهل العباء * وان لم يكونوا شفيعي فمن
شفيعي النبي شفيعي الوصي * شفيعي الحسين شفيعي الحسن
شفيعي التي أحصنت فرجها * فصلى عليهم إله المنن
وهذه من عجايبه عليه السلام لان الخلايق يخافون من إبليس وجنوده ويتعوذون منه
وهم يخافون من علي بن أبي طالب ويحبونه ويتوسلون به لعلو شأنه وسمو مكانه.
فصل: في أحواله مع إبليس وجنوده
أبو القاسم الكوفي في الرد على أهل التبديل ان حساد علي عليه السلام شكوا في مقال
النبي صلى الله عليه وآله في فضايل علي فنزل (فان كنت في شك مما أنزلنا إليك) يعني في علي
(فاسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك) يعني أهل الكتاب عما في كتبهم من ذكر
وصي محمد فإنكم تجدون ذلك في كتبهم مذكورا، ثم قال (لقد جائك الحق من ربك فلا
تكونن من الممترين ولا تكون من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين)
يعني بالآيات ههنا الأوصياء المتقدمين والمتأخرين.
الكافي محمد بن الفضل عن أبي الحسن عليه السلام قال: ولاية علي عليه السلام مكتوبة في
صحف جميع الأنبياء ولن يبعث الله رسولا إلا بنبوة محمد ووصيه على.
صاحب شرح الاخبار قال أبو جعفر عليه السلام في قوله تعالى (ووصى بها إبراهيم
بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) بولاية علي
وفي بعض الأصول قال سلمان: والذي نفسي بيده لو أخبرتكم بفضل علي في
90

التوراة لقالت طائفة منكم انه لمجنون ولقالت طائفة أخرى اللهم اغفر لقاتل سلمان.
روضة الواعظين عن النيسابوري ان فاطمة بنت أسد حضرت ولادة رسول الله
فلما كانت وقت الصبح قالت لأبي طالب رأيت الليلة عجبا يعني حضور الملائكة
وغيرها فقال انتظري سبتا تأتين بمثله فولدت أمير المؤمنين بعد ثلاثين سنة.
كتاب مولد أمير المؤمنين عليه السلام عن ابن بابويه انه رقد أبو طالب في الحجر
فرأى في منامه كأن بابا انفتح عليه من السماء فنزل منه نور فشمله فانتبه لذلك فأتى
راهب الجحفة فقص عليه فأنشأ الراهب يقول:
ابشر أبا طالب عن قليل * بالولد الحلاحل النبيل
يال قريش فاسمعوا تأويلي * هذان نوران على سبيل
كمثل موسى وأخيه السؤل
فرجع أبو طالب إلى الكعبة وطاف حولها وأنشد:
أطوف للآل حول البيت * أدعوك بالرغبة محيي الميت
بأن تريني السبط قبل الموت * أغر نورا يا عظيم الصوت
منصلتا بقتل أهل الجبت * وكل من دان بيوم السبت
ثم عاد إلى الحجر فرقد فيه فرأى في منامه كأنه البس إكليلا من ياقوت وسربالا
من عبقر وكأن قائلا يقول: يا أبا طالب قرت عيناك وظفرت يداك وحسنت رؤياك
فأتى لك بالولد ومالك البلد وعظيم التلد على رغم الحسد، فانتبه فرحا فطاف حول
الكعبة قائلا:
أدعوك رب البيت والطواف * والولد المحبو بالعفاف
تعينني بالمنن اللطاف * دعاء عبد بالذنوب واف
وسيد السادات والاشراف
ثم عاد إلى الحجر فرقد فرأى في منامه عبد مناف يقول: ما يثنيك عن ابنة أسد،
في كلام له فلما انتبه تزوج بها وطاف بالكعبة قائلا:
قد صدقت رؤياك بالتعبير * ولست بالمرتاب في الأمور
أدعوك رب البيت والنذور * دعاء عبد مخلص فقير
فأعطني يا خالقي سروري * بالولد الحلاحل المذكور
يكون للمبعوث كالوزير * يا لهما يا لهما من نور
91

قد طلعا من هاشم البدور * في فلك عال على البحور
فيطحن الأرض على الكرور * طحن الرحى للحب بالتدوير
ان قريشا بات بالتكبير * منهوكة بالغي والثبور
وما لها من موئل مجير * من سيفه المنتقم المبير
وصفوة الناموس في السفير * حسامه الخاطف للكفور
إبراهيم النخعي عن علقمة ابن عباس في خبر انه أتى براهب قرقيسا إلى
أمير المؤمنين عليه السلام فلما رآه قال: مرحبا بحيراء الأصغر أين كتاب شمعون الصفا؟
قال: وما يدرك يا أمير المؤمنين! قال: ان عندنا علم جميع الأشياء وعلم جميع تفسير
المعاني، فأخرج الكتاب وأمير المؤمنين واقف فقال عليه السلام: امسك الكتاب معك، ثم
قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم قضى فيما قضى وسطر فيما كتب انه باعث في الأميين
رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويدلهم على سبيل الله لا فظ ولا غليظ، وذكر
من صفاته واختلاف أمته بعده إلى أن قال: ثم يظهر رجل من أمته بشاطئ الفرات
يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحق، وذكر من سيرته ثم قال: ومن
أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فان نصرته عبادة والقتل معه شهادة، فقال أمير المؤمنين
الحمد لله الذي لم يجعلني عنده منسيا الحمد لله الذي ذكر عبده في كتب الأبرار فقتل
الرجل في صفين.
امالي أبي الفضل الشيباني واعلام النبوة عن الماوردي والفتوح عن الأعثم في خبر
طويل ان أمير المؤمنين عليه السلام لما نزل ببلخ من جانب الفرات نزل إليه شمعون بن يوحنا
وقرأ عليه كتابا من املاء المسيح عليه السلام وذكر بعثة النبي صلى الله عليه وآله وصفته ثم قال: فإذا
توفاه الله اختلفت أمته ثم اجتمعت لذلك ما شاء الله ثم اختلف على عهد ثالثهم فقتل قتلا
ثم يصير أمرهم إلى وصي نبيهم فيبغوا عليه وتسل السيوف من أغمادها وذكر من
سيرته وزهده، ثم قال: فان طاعته لله طاعة، ثم قال: ولقد عرفتك ونزلت إليك،
فسجد أمير المؤمنين وسمع منه يقول: شكرا للمنعم شكرا عشرا، ثم قال: الحمد
لله الذي لم يخملني ذكرى ولم يجعلني عنده منسيا، فأصيب الراهب ليلة الهرير.
الكليني في الكافي عن الصادق عليه السلام في خبر طويل يذكر فيه انه اتى إليه بجماعة
افطروا في يوم من شهر رمضان فقال لهم عليه السلام: أيهود أنتم؟ قالوا لا. قال أفنصارى.
قالوا: لا بل مسلمون، قال: فيكم علة؟ قالوا لا، قال: تشهدون ان لا إله إلا الله وان
92

محمدا رسول الله؟ قالوا نشهد ان لا إله إلا الله ولا نعرف محمدا، قال: ان أقررتم
وإلا قتلتكم بالدخان، فلما أبوا قتلهم بالدخان، فحاجه في ذلك جماعة من اليهود وقالوا
ما هذه البدعة التي أحدثت في دين محمد، قال عليه السلام: أنشدتك الله بالتسع آيات التي أنزلت
على موسى بطور سيناء وبحق الكنايس الخمس والقدس وبحق (المشهت) الديان هل تعلم أن
يوشع بن نون اتى بقوم بعد وفاة موسى شهدوا ان لا إله إلا الله ولم يقروا بأن
موسى رسول الله فقتلهم بمثل هذه القتلة، قال اليهودي: نعم اشهد انك ناموس موسى
ثم اخرج من قبائه كتابا فدفعه إلى أمير المؤمنين ففضه ونظر فيه وبكى فقال اليهودي
ما يبكيك يا بن أبي طالب؟ فقال عليه السلام: هذا اسمي مثبت، فقال له اليهودي: أرني
اسمك في هذا الكتاب، قال: فأراه اسمه في الصحيفة وقال اسمي إليا، فأسلم اليهودي
في قومه قال أمير المؤمنين: الحمد لله الذي أثبتني عنده في صحيفة الأبرار.
والمبشرون به باب يطول في ذكره نحو سلمى، وقيس بن ساعدة، وتبع الملك
و عبد المطلب، وأبو طالب، وأبو الحارث بن أسعد الحميري، وهو القائل قبل البعثة
بسبعمائة سنة:
شهدت على احمد انه * رسول من الله باري النسم
فلو مد عمري إلى عمره * لكنت وزيرا له وابن عم
وكنت عذابا على المشركين * أسقيهم كأس حتف وغم
وله، وقيل لغيره:
حاله حالة هارون * لموسى فافهماها
ذكره في كتب الله * دراها من دراها
أمتا موسى وعيسى * قد تلتها وأسلاها
وقال العبدي:
أسماؤه في المثاني * كثيرة للذكور
في صحف موسى وعيسى * مكنونة في الزبور
ما زال في اللوح سطر * يلوح بين السطور
تزور أملاك ربي * منه بخير مزور
هذا علي حبيبي * أخو البشير النذير
93

ذكر الخبر في الكتب السالفة لا يكون إلا للأولياء الأصفياء ولا يعني به
الأمور الدنياوية، فإذا قد صح لعلي الأمور الدينية كلها وذلك لا تصح إلا لنبي
أو إمام وإذا لم يكن نبيا لا بد أن يكون إماما.
فصل: في مقاماته مع الأنبياء والأوصياء
زاذان عن سلمان الفارسي في خبر طويل ان جائليقا جاء في نفر من النصارى إلى
أبي بكر وسأله مسائل عجز عنها أبو بكر فقال عمر: كف أيها النصراني عن هذا العنت
وإلا أبحنا دمك، قال الجاثليق: أهذا عدل على من جاء مسترشدا طالبا دلوني علي من
أسأله عما احتاج إليه فجاء علي واستسأله فقال النصراني أسألك عما سألت عنه هذا
الشيخ خبرني أمؤمن أنت عند الله أم عند نفسك، فقال عليه السلام: انا مؤمن عند الله كما
انا مؤمن في عقيدتي، قال: خبرني عن منزلتك في الجنة ما هي؟ قال منزلتي مع النبي
الأمي في الفردوس الاعلى لا ارتاب بذلك ولا أشك في الوعد به من ربي. قال: فبماذا
عرفت الوعد لك بالمنزلة التي ذكرتها؟ قال: بالكتاب المنزل وصدق النبي المرسل، قال
فبما عرفت صدق نبيك؟ قال: بالآيات الباهرات والمعجزات البينات، قال: فخبرني عن
الله تعالى أين هو؟ قال: ان الله تعالى يجل عن الأين ويتعالى عن المكان كان فيما لم يزل
ولا مكان وهو اليوم كذلك ولم يتغير من حال إلى حال، قال: فخبرني عنه تعالى أمدرك
بالحواس فيسلك المسترشد في طلبه الحواس أم كيف طريق المعرفة به ان لم يكن
الامر كذلك؟ قال: تعالى الملك الجبار ان يوصف بمقدار أو تدركه أو يقاس بالناس
والطريق إلى معرفته صنايعه الباهرة للمعقول الدالة لذوي الاعتبار بما هو منها مشهود
ومعقول، قال: فخبرني عما قال نبيكم في المسيح وانه مخلوق؟ فقال: أثبت له الخلق
بالتدبير الذي لزمه والتصوير والتغيير من حال إلى حال والزيادة التي لا ينفك منها والنقصان
ولم أنف عنه النبوة ولا أخرجته من العصمة والكمال والتأييد، قال: فبما بنت أيها العالم
عن الرعية الناقصة عنك؟ قال: بما أخبرتك به عن علمي بما كان وما يكون، قال: فهلم
شيئا من ذلك أتحقق به دعواك؟ قال: خرجت أيها النصراني من مستقرك مستنكرا
لمن قصدت بسؤالك له مضمرا خلاف ما أظهرت من الطلب والاسترشاد فأريت في
منامك مقامي وحدثت فيه بكلامي وحذرت فيه من خلافي وأمرت فيه باتباعي، قال
صدقت والله وانا اشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وانك وصي رسول الله
94

وأحق الناس بمقامه، واسلم الذين كانوا معه فقال عمر: الحمد لله الذي هداك أيها الرجل
غير أنه يجب ان تعلم أن علم النبوة في أهل بيت صاحبها والامر من بعده لمن خاطبته
أولا يرضي الأمة، قال: قد عرفت ما قلت وانا على يقين من أمري.
وفي حديث ثابت بن الأفلح قال: ضلت لي فرس نصف الليل فأتيت باب
أمير المؤمنين فلما وصلت الباب خرج إلي قنبر فقال لي: يا بن الأفلح الحق فرسك فخذه
من عوف بن طلحة السعدي.
إبراهيم بن عمر رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لو وجدت رجلا ثقة لبعثت
معه هذا المال إلى المداين إلى شيعته، فقال رجل في نفسه: انا اخذه، واخذ طريق
الكرخة فجاء إليه فقال: يا أمير المؤمنين انا اذهب بهذا المال إلى المداين، قال: فرفع
رأسه فقال: إياك عني تأخذ طريق الكرخة.
غريب الحديث والفايق ان عليا قال: أكثروا الطواف بهذا البيت فكأني برجل
من الحبشة أصلع اصمع جالس عليه وهو يهدم.
صاحب الحلية عن الحارث بن سويد قال: سمعت عليا يقول: حجوا قبل ان
لا تحجوا فكأني انظر إلى حبشي اصمع أقرع بيده معول يهدمها حجرا حجرا.
عبد الرزاق عن أبيه عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف قال سمع علي ضوضاء
في عسكره فقال: ما هذا؟ فقيل: قتل معاوية. فقال: كلا ورب الكعبة لا يقتل حتى
تجتمع عليه الأمة، قالوا له: يا أمير المؤمنين فلم نقاتله؟ قال: التمس العذر بيني وبين الله
النضر بن شميل عن عوف عن مروان الأصفر قال: قدم راكب من الشام وعلي
بالكوفة فنعى معاوية فأدخل على علي فقال له علي: أنت شهدت موته؟ قال نعم
وحثوته عليه، قال: انه كاذب، قيل: وما يدريك يا أمير المؤمنين انه كاذب؟ قال إنه
لا يموت حتى يعمل كذا وكذا اعمالا عملها في سلطانه فقيل له: فلم تقاتله وأنت
تعلم هذا؟ قال للحجة.
المحاضرات عن الراغب أنه قال عليه السلام: لا يموت ابن هند حتى يعلق الصليب
في عنقه، وقد رواه الأحنف بن قيس وابن شهاب الزهري والأعثم الكوفي وأبو حيان
التوحيدي وأبو الثلاج في جماعة فكان كما قال.
عمار بن عباس انه لما صعد علي عليه السلام المنبر قال لنا: قوموا فتخللوا الصفوف
ونادوا هل من كاره، فتصارخ الناس من كل جانب اللهم قد رضينا وأسلمنا وأطعنا
95

رسولك وابن عمه، فقال: يا عمار قم إلى بيت المال فاعط الناس ثلاثة دنانير لكل انسان
وارفع لي ثلاثة دنانير فمضى عمار وأبو الهيثم مع جماعة من المسلمين إلى بيت المال
ومضى أمير المؤمنين إلى المسجد قبا يصلي فيه فوجدوا فيه ثلاثمائة ألف دينار ووجدوا
الناس مائة الف فقال عمار: جاء والله الحق من ربكم والله ما علم بالمال ولا بالناس
وان هذه لآية وجبت عليكم بها طاعة هذا الرجل، فأبى طلحة والزبير وعقيل ان
يقبلوها القصة.
ونقلت المرجئة والناصبة عن أبي الجهم العدوي وكان معاديا لعلي عليه السلام: قال
خرجت بكتاب عثمان والمصريون قد نزلوا بذي خشر إلى معاوية وقد طويته طيا
لطيفا وجعلته في قراب سيفي وقد تنكبت عن الطريق وتوخيت سواد الليل حتى
كنت بجانب الجرف إذا رجل على حمار مستقبلي ومعه رجلان يمشيان امامه فإذا هو
علي بن أبي طالب قد اتى من ناحية البدو فأثبتني ولم أثبته حتى سمعت كلامه فقال:
أين تريد يا صخر؟ قلت: البدو فادع الصحابة، قال: فما هذا الذي في قراب سيفك
قلت: لا تدع مزاحك ابدا، ثم جزته.
الأصبغ بن نباتة قال: اتى رجل إلى أمير المؤمنين وقال: اني أحبك في السر كما
أحبك في العلانية، قال فنكت أمير المؤمنين بعود كان في يده في الأرض ساعة ثم
رفع رأسه فقال: كذبت والله، ثم اتاه رجل آخر فقال: اني أحبك، فنكت بعود
في الأرض طويلا ثم رفع رأسه فقال: صدقت ان طينتنا طينة مرحومة اخذ الله
ميثاقها يوم اخذ الميثاق فلا يشذ منها شاذ ولا يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة.
وقال أبو جعفر عليه السلام: انا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان وحقيقة
النفاق. علي بن النعمان ومحمد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام في خبر طويل انه أنفذت
عايشة رجلا شديد العداوة لعلي بكتاب إليه فقال أبو عبد الله فمضى فاستقبله راكبا
قال: فناوله الكتاب ففض خاتمه ثم قرأه قال تبلغ إلى منزلنا فتصيب من طعامنا
وشرابنا ونكتب جواب كتابك قال هذا والله لا يكون فثنى رجله فنزل وأحدق به
أصحابه ثم قال له أسألك قال نعم قال وتجيبني قال نعم قال ناشدتك الله أقالت التمسوا
لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل فاتيت بك فقالت لك ما بلغت من عداوتك لهذا
الرجل فقلت كثيرا ما أتمنى على ربي انه وأصحابه في وسطي واني ضربته ضربة
" المناقب ج 2، م 12 "
96

بالسيف يشق السيف الدم فقال: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله أقالت فاذهب بكتابي
هذا فادفعه إليه ظاعنا كان أو مقيما اما انك ان رأيته ظاعنا رأيته راكبا بغلة رسول الله
منتكبا قوسا معلقا كنانته بقربوس سرجه أصحابه خلفه كأنهم طير صواف، قال:
اللهم نعم، قال: فأنشدك الله هل قالت لك ان عرض عليك طعامه وشرابه فلا تنالن
منه شيئا فان فيه السحر، قال اللهم نعم، قال: فبلغ عنى، قال: اللهم نعم فاني قد
اتيتك وما في الأرض خلق أبغض إلي منك وانا الساعة ما في الأرض خلق أحب إلي
منك فمرني بما شئت، فقال: ادفع كتابي هذا وقل لها ما أطعت الله ورسوله حيث
امرك الله بلزوم بيتك الخبر، قال: فبلغ الرجل رسالته ثم رجع إلى أمير المؤمنين.
الأصبغ قال: صلينا مع أمير المؤمنين عليه السلام الغداة فإذا رجل عليه ثياب السفر قد
اقبل فقال: من أين؟ قال: من الشام، قال: ما أقدمك؟ قال: لي حاجة، قال: اخبرني
وإلا أخبرتك بقضيتك، قال: اخبرني بها يا أمير المؤمنين، قال: نادى معاوية يوم
كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا من يقتل عليا فله عشرة آلاف
دينار فوثب فلان وقال انا قال أنت فلما انصرف إلى منزله ندم وقال أسير إلى ابن عم
رسول الله وأبى ولديه فأقتله ثم نادى مناديه يوم الثاني من يقتل عليا فله عشرون ألف دينار
فوثب آخر فقال انا فقال أنت ثم إنه ندم واستقال معاوية ما قاله ثم نادى
مناديه اليوم الثالث من يقتل عليا فله ثلاثون ألف دينار فوثبت أنت وأنت رجل من
حمير، قال صدقت، قال: فما رأيك تمضي إلى ما أمرت به أو ماذا، قال: لا ولكن
انصرف، قال: يا قنبر أصلح له راحلته وهيئ له زاده واعطه نفقته.
إسحاق بن حسان باسناده عن الأصبغ قال: أمرنا أمير المؤمنين بالمسير من
الكوفة إلى المداين فسرنا يوم الأحد وتخلف عنا عمرو بن حريث والأشعث بن قيس
وجرير بن عبد الله البجلي مع خمسة نفر فخرجوا إلى مكان بالحيرة يقال له الخورنق
والسدير وقالوا إذا كان يوم الجمعة لحقنا عليا قبل ان يجمع الناس فصلينا معه فبينا هم
جلوس وهم يتغدون إذ خرج عليهم ضب فاصطادوه فأخذه عمرو بن حريث فبسط
كفه فقال بايعوا هذا أمير المؤمنين فبايعه الثمانية ثم أفلتوه وارتحلوا وقالوا ان علي بن
أبي طالب يزعم أنه يعلم الغيب فقد خلعناه وبايعنا مكانه ضبا، فقدموا المداين يوم
الجمعة فدخلوا المسجد وأمير المؤمنين يخطب على المنبر فقال عليه السلام: ان رسول الله أسر
إلي حديثا كثيرا في كل حديث باب يفتح كل باب الف باب ان الله تعالى يقول في
97

كتابه العزيز (يوم ندعو كل أناس بامامهم) وانا اقسم بالله ليبعثن يوم القيامة ثمانية
نفر من هذه الأمة امامهم ضب ولو شئت ان أسميهم لفعلت، فتغيرت ألوانهم وارتعدت
فرائصهم وكان عمرو بن حريث ينتفض كما تنتفض السعفة جبنا وفرقا.
عبد الله بن أبي رافع قال: حضرت أمير المؤمنين عليه السلام وقد وجه أبا موسى
الأشعري وقال له: احكم بكتاب الله ولا تجاوزه فلما ادبر قال: كأني به وقد خدع
قلت: يا أمير المؤمنين فلم توجهه وأنت تعلم أنه مخدوع! فقال: يا بني لو عمل الله في
خلقه بعلمه ما احتج عليهم بالرسل.
مسند العشرة عن أحمد بن حنبل أنه قال أبو الوصي غياثا كنا عامدين إلى
الكوفة مع علي بن أبي طالب فلما بلغنا مسيرة ليلتين أو ثلاث من حروراء شذ منا
أناس كثير فذكرنا ذلك لأمير المؤمنين فقال: لا يهولنكم أمرهم فإنهم سيرجعون،
فكان كما قال.
قال عليه السلام لطلحة والزبير وقد استأذناه في الخروج إلى العمرة والله ما تريدان
العمرة وإنما تريدان البصرة. وفي رواية. إنما تريدان الفتنة.
وقال عليه السلام: لقد دخلا بوجه فاجر وخرجا بوجه غادر ولا ألقاهما إلا في كتيبة
واخلق بهما ان يقتلا. وفي رواية أبي الهيثم بن التيهان و عبد الله بن رافع: ولقد
أنبئت بأمركما وأريت مصارعكما، فانطلقا وهو يقول وهما يسمعان، فمن نكث فإنما
ينكث على نفسه.
وقالت صفية بنت الحرث الثقفية زوجة عبد الله بن خلف الخزاعي لعلي يوم
الجمل بعد الوقعة: يا قاتل الأحبة يا مفرق الجماعة، فقال عليه السلام: اني لا ألومك ان
تبغضيني يا صفية وقد قتلت جدك يوم بدر وعمك يوم أحد وزوجك الآن ولو كنت
قاتل الأحبة لقتلت من في هذه البيوت، ففتش فكان فيها مروان و عبد الله بن الزبير.
الأعمش بروايته عن رجل من همدان قال: كنا مع علي بصفين فهزم أهل الشام
ميمنة العراق فهتف بهم الأشتر ليتراجعوا فجعل أمير المؤمنين يقول لأهل الشام: يا أبا
مسلم خذهم، ثلاث مرات فقال الأشتر: أوليس أبو مسلم معهم! قال: لست أريد
الخولاني وإنما أريد رجلا يخرج في آخر الزمان من المشرق يهلك الله به أهل الشام
ويسلب عن بني أمية ملكهم، قال الحميري:
نادى علي فوافا فوق منبره * فأسمع الناس اني سيد الشببي
98

وان في وخير القول أصدقه * لسنة من نبي الله أيوب
والله لي جامع شملي كما جمعت * كفاه بعد شتات شمل يعقوب
والله لي واهب من فضل رحمته * ما ليس إلا لذي وحي بموهوب
والله منبعث من عترتي رجلا * يفنى أمية وعدا غير مكذوب
هذا حديث عجيب عن أبي حسن * يروى وقد كان يأتي بالأعاجيب
وروي عن الحسن بن علي عليه السلام في خبر ان الأشعث بن قيس الكندي بنى في
داره مئذنة فكان يرقى إليها إذا سمع الاذان في أوقات الصلوات في مسجد جامع الكوفة
فيصيح من على مئذنته: يا رجل انك لكاذب ساحر، وكان أبي يسميه عنق النار.
وفي رواية عرف النار فيسأل عن ذلك فقال: ان الأشعث إذا حضرته الوفاة دخل
عليه عنق من النار ممدودة من السماء فتحرقه فلا يدفن إلا وهو فحمة سوداء فلما توفي
نظر ساير من حضر إلى النار وقد دخلت عليه كالعنق الممدود حتى أحرقته وهو
يصيح ويدعو بالويل والثبور.
ابن بطة في الإبانة وأبو داود في السنن عن أبي مجالد في خبر أنه قال عليه السلام في
الخوارج مخاطبا لأصحابه والله لا يقتل منكم عشرة. وفي رواية ولا ينفلت منهم
عشرة ولا يهلك منا عشرة فقتل من أصحابه تسعة وانفلت منهم تسعة اثنان إلى
سجستان واثنان إلى عمان واثنان إلى بلاد الجزيرة واثنان إلى اليمن وواحد إلى موزن
والخوارج من هذه المواضع منهم. وقال الأعثم: المقتولون من أصحاب أمير المؤمنين
رويبة بن وبر العجلي، وسعد بن خالد السبيعي، و عبد الله بن حماد الأرحبي،
والفياض بن خليل الأزدي، وكيسوم بن سلمة الجهني، وعبيد بن عبيد الخولاني،
وجميع بن جشم الكندي، وضب بن عاصم الأسدي.
قال أبو الجوايز الكاتب: حدثنا علي بن عثمان قال: حدثنا المظفر بن الحسن
الواسطي السلال قال: حدثنا الحسن بن ذكر دان وكان ابن ثلاثمائة وخمس وعشرين
سنة قال: رأيت عليا في النوم وانا في بلدي فخرجت إليه إلى المدينة فأسلمت على يده
وسماني الحسن وسمعت منه أحاديث كثيرة وشهدت معه مشاهده كلها فقلت له يوما
من الأيام: يا أمير المؤمنين ادع الله لي، فقال: يا فارسي انك ستعمر وتحمل إلى مدينة
يبنيها رجل من بني عمي العباس تسمى في ذلك الزمان بغداد ولا تصل إليها تموت
بموضع يقال له المداين. فكان كما قال عليه السلام ليلة دخل المداين مات.
99

مسعدة بن اليسع عن الصادق عليه السلام في خبر ان أمير المؤمنين عليه السلام مر بأرض
بغداد فقال: ما تدعى هذه الأرض؟ قالوا بغداد، قال: نعم يبني ههنا مدينة وذكر
وصفها. ويقال: انه وقع من يده سوط فسأل عن أرضها فقالوا بغداد فأخبر انه
يبنى مسجد ثم يقال له مسجد السوط.
وفي تاريخ بغداد أنه قال المفيد أبو بكر الجرجاني أنه قال: ولد أبو الدنيا في أيام أبي بكر
وانه قال: اني خرجت مع أبي للقاء أمير المؤمنين فلما صرنا قريبا من الكوفة عطشنا
عطشا شديدا فقلت لوالدي: اجلس حتى أدور لك الصحراء فلعلي أقدر على ماء،
فقصدت إليه فإذا انا ببئر شبه الركية أو الوادي فاغتسلت منه وشربت منه حتى رويت
ثم جئت إلى أبي فقلت: قم فقد فرج الله عنا وهذه عين ماء قريب منا، ومضينا فلم
نر شيئا فلم يزل يضطرب حتى مات ودفنته وجئت إلى أمير المؤمنين وهو خارج إلى
صفين وقد اخرج له البغلة فجئت ومسكت له بالركاب والتفت إلي فانكببت اقبل
الركاب فشجت في وجهي شجة قال أبو بكر المفيد: ورأيت الشجة في وجهه
واضحة ثم سألني عن خبري فأخبرته بقضيتي فقال: عين لم يشرب منها أحد إلا
وعمر عمرا طويلا فأبشر فإنك ستعمر، وسماني بالمعمر، وهو الذي يدعى بالأشج.
وذكر الخطيب انه قدم بغداد في سنة ثلاثمائة وكان معها شيوخ من بلده فسألوا
عنه فقالوا: هو مشهور عندنا بطول العمر وقد بلغني انه مات في سنة سبع وعشرين
وثلاثمائة، ونحو ذلك ذكر شيخنا في الأمالي وفاته.
الحارث الأعور وعمرو بن الحريث وأبو أيوب عن أمير المؤمنين انه لما رجع
من وقعة الخوارج نزل يمني السواد فقال له راهب لا ينزل ههنا إلا وصي نبي يقاتل
في سبيل الله، فقال علي عليه السلام: فأنا سيد الأوصياء وصي سيد الأنبياء، قال: فإذا
أنت أصلع قريش وصي محمد خذ علي الاسلام فاني وجدت في الإنجيل نعتك وأنت
تنزل مسجد براثا بيت مريم وارض عيسى، قال أمير المؤمنين: فاجلس يا حباب،
قال: وهذه دلالة أخرى، ثم قال: فأنزل يا حباب من هذه الصومعة وابن هذا الدير
مسجدا، فبنى حباب الدير مسجدا ولحق أمير المؤمنين إلى الكوفة فلم يزل بها مقيما
حتى قتل أمير المؤمنين فعاد حباب إلى مسجده ببراثا. وفي رواية ان الراهب قال:
قرأت انه يصلي في هذا الموضع إيليا وصي البار قليطا محمد نبي الأميين الخاتم لمن سبقه
من أنبياء الله ورسله في كلام كثير فمن ادركه فليتبع النور الذي جاء به ألا وانه
100

تغرس في آخر الأيام بهذه البقعة شجرة لا يفسد ثمرها. وفي رواية زاذان قال
أمير المؤمنين: ومن أين شربك؟ قال: من دجلة، قال: ولم لم تحفر عينا تشرب منها؟
قال: قد حفرتها وخرجت مالحة، قال: فاحتفر الآن بئرا أخرى، فاحتفر فخرج
ماؤها عذبا فقال: يا حباب ليكن شريك من ههنا ولا يزال هذا المسجد معمورا فإذا
خربوه وقطعوا نخله حلت بهم أو قال بالناس داهية.
وفي رواية محمد بن القيس: فأتى أمير المؤمنين موضعا من تلك الملبة فركلها برجله
فانبجست عين خرارة فقال: هذه عين مريم، ثم قال: فاحتفروا ههنا سبعة عشر
ذراعا، فحتفروا فإذا صخرة بيضاء فقال: ههنا وضعت مريم عيسى من عانقها وصلت
ههنا، فنصب أمير المؤمنين عليه السلام الصخرة وصلى إليها وأقام هناك أربعة أيام. وفي
رواية الباقر عليه السلام قال هذه عين مريم التي انبعث لها واكشفوا ههنا سبعة ذراعا
فكشف فإذا صخرة بيضاء الخبر. وفي رواية هذا الموضع المقدس صلى فيه الأنبياء
وقال أبو جعفر ولقد وجدنا انه صلى فيه قبل عيسى. ورواية أخرى صلى فيه
الخليل. وروي ان أمير المؤمنين صاح فقال: يا بئر بالعبراني أقرب إلي، فلما
عبر إلى المسجد وكان فيه عوسج وشوك عظيم فانتضى سيفه وكسح ذلك كله وقال:
ان ههنا قبر نبي من أنبياء الله وامر الشمس ان ارجعي فرجعت وكان معه ثلاثة عشر
رجلا من أصحابه فأقام القبلة بخط الاستواء وصلى إليها، وقال العوني:
وقلت براثا كان بيتا لمريم * وذاك ضعيف في الأسانيد أعوج
ولكنه بيت لعيسى بن مريم * وللأنبياء الزهر مثوى ومدرج
وللأوصياء الطاهرين مقامهم * على غابر الأيام والحق أبلج
بسبعين موصى بعد سبعين مرسل * جباههم فيها سجودا تشجج
وآخرهم فيها صلاة إمامنا * على بذا جاء الحديث المنهج
وفي رواية ان أمير المؤمنين قال: يلوشا ادن مني قال فدنوت منه فقال: امض
إلى محلتكم ستجد على باب المسجد رجلا وامرأة يتنازعان فإنني بهما، قال: فمضيت
فوجدتهما يختصمان فقلت: ان أمير المؤمنين يدعوكما، فسرنا حتى دخلنا عليه فقال:
يا فتى ما شأنك وهذه الامرأة؟ قال يا أمير المؤمنين اني تزوجتها وأمهرت وأملكت
وزففت فلما قربت منها رأت الدم وقد حرت في أمري: فقال عليه السلام: هي عليك حرام
ولست لها بأهل، فماج الناس في ذلك فقال لها: هل تعرفيني؟ فقالت: سماع اسمع
101

بذكرك ولم أرك، فقال: ما أنت فلانة بنت فلان من آل فلان؟ فقالت: بلى والله،
فقال: ألم تتزوجين بفلان بن فلان متعة سرا من أهلك ألم تحملي منه حملا ثم وضعتيه
غلاما ذكرا سويا ثم خشيت قومك وأهلك فأخذتيه وخرجت ليلا حتى إذا صرت في
موضع خال وضعتيه على الأرض ثم وقفت مقابلته فحننت عليه فعدت اخذتيه ثم عدت
طرحتيه حتى بكى خشيت الفضيحة فجاءت الكلاب فأنبحت عليك فخفت فهرولت فانفرد
من الكلاب كلب فجاء إلى ولدك فشمه ثم نهشه لأجل رايحة الزهوكة فرميت الكلب
اشفاقا فشججتيه فصاح فخشيت ان يدركك الصباح فيشعر بك فوليت منصرفة وفي
قلبك من البلابل فرفعت يديك نحو السماء وقلت اللهم احفظه يا حافظ الودايع؟ قالت:
بلى والله كان هذا جميعه وقد تحيرت في مقالتك، فقال: هائم الرجل، فجاء فقال:
اكشف عن جبينك، فكشف فقال للمرأة هاء الشجة في قرن ولدك وهذا الولد ولدك
والله تعالى منعه من وطيك بما أراه منك من الآية التي صدته والله قد حفظ عليك كما
سألتيه فاشكري لله على ما أولاك وحباك.
الحارث الأعور وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن يزيد ومحمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام وعيسى بن سليمان عن أبي عبد الله عليه السلام ودخل بعض الخبر في بعض الخبر في بعض ان
عليا كان يدور في أسواق الكوفة فلعنته امرأة ثلاث مرات فقال يا سلقلقية كم قتلت
من أهلك؟ قالت: سبعة عشر أو ثمانية عشر، فلما انصرفت قالت لامها ذلك فقالت:
السلقلقية من ولدت بعد حيض ولا يكون لها نسل، فقالت: يا أماه أنت هكذا؟
قالت: بلى الخبر.
وفي رواية عن الباقر عليه السلام انها قالت وقد حكم عليها: ما قضيت بالسوية ولا
تعدل في الرعية ولأقضينك عند الله بالمرضية، فنظر إليها ثم قال: يا خزية يا بذية
يا سلفع أو يا سلسع، فولت تولول وهي تقول: وا ويلي لقد هتكت يا بن أبي طالب
سترا كان مستورا.
وفي خصايص النطنزي قال علي عليه السلام: الله أكبر قال رسول الله لا يبغضك من
قريش إلا سفحي ولا من الأنصار إلا يهودي ولا من العرب إلا دعي ولا من ساير
الناس إلا شقي ولا من النساء إلا سلقلقية، فقالت المرأة: وما السلقلقية؟ قال: التي
تحيض من دبرها فقالت المرأة: صدق الله ورسوله أخبرتني بشئ هو في يا علي
لا أعود إلى بغضك ابدا، فقال: اللهم ان كانت صادقة فحول طمثها حيث النساء طمثت،
102

فحول الله طمثها.
وقال الحارث الأعور: فتبعها عمرو بن حريث وسألها عن مقاله فيها فصدقته
فقال عمرو: أتراه ساحرا أو كاهنا أو مجذوما؟ قالت: بئس ما قلت يا عبد الله لكنه
من أهل بيت النبوة، فأقبل ابن حريث إلى أمير المؤمنين فأخبره بمقالها فقال عليه السلام:
لقد كانت المرأة أحسن قولا منك، قال ابن حماد:
ولقد قضى فيما رووه قضية * فيها عجايب مثلها لا يسمع
جاءته امرأة تخاصم بعلها * فقضى عليها بالذي هو أورع
قالت قضيت بغير حق قال لا * يا سلقع يا مهيع يا قردع
فهناك ولت لا تلبث فانثنى * في اثرها رجس لئيم يتبع
قال انظري أترين سحرا عنده * قالت له مهلا فخدك أضرع
بل ذاك علم رسالة ونبوة * ومضت وعاد وقلبه متلذع
قال الامام له أسأت وأحسنت * فينا وكل حاصد ما يزرع
وقال له عليه السلام حذيفة بن اليمان في زمن عثمان: اني والله ما فهمت قولك ولا
عرفت تأويله حتى بلغت ليلتي أتذكر ما قلت لي بالحرة واني مقيل كيف أنت يا حذيفة
إذا ظلمت العيون العين والنبي صلى الله عليه وآله بين أظهرنا ولم اعرف تأويل كلامك إلا البارحة
رأيت عتيقا ثم عمر تقدما عليك وأول اسمهما عين، فقال: يا حذيفة نسيت عبد الرحمن
حيث مال بها إلى عثمان. وفي رواية وسيضم إليهم عمرو بن العاص مع معاوية بن
آكلة الأكباد فهؤلاء العيون المجتمعة على ظلمي.
وروى زيد وصعصعة ابنا صوحان والبراء بن سبرة والأصبغ بن نباتة وجابر
ابن شرحبيل ومحمود بن الكواء انه ذكر بدير الديلم من ارض فارس لاسقف وقد
أتت عليه عشرون ومائة سنة ان رجلا قد فسر الناقوس يعنون عليا فقال: سيروا بي
إليه فاني أجده انزع بطينا، فلما وافى أمير المؤمنين قال: قد عرفت صفته في الإنجيل
وانا اشهد أنه وصي ابن عمه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: جئت لتؤمن أزيدك رغبة
في ايمانك؟ قال: نعم، قال: انزع مدرعتك فأر أصحابك الشامة التي بين كتفيك
فقال: اشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله، وشهق شهقة فمات، فقال
أمير المؤمنين: عاش في الاسلام قليلا ونعم في جوار الله كثيرا.
103

ابن عباس أنه قال عليه السلام يوم الجمل: لنظهرن على هذه الفرقة ولنقتلن هذين
الرجلين. وفي رواية: لنفتحن البصرة وليأتينكم اليوم من الكوفة ثمانية آلاف
رجل وبضع وثلاثون رجلا، فكان كما قال. وفي رواية ستة آلاف وخمسة وستون
ومن حديث ابن عباس في سبب مجئ أويس القرني في صفين.
أصحاب التفسير عن جندب بن عبد الله الأزدي: لما نزل أمير المؤمنين عليه السلام
النهروان فانتهينا إلى عسكر القوم فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن
وفيهم أصحاب البرانس فلما ان رأيتهم دخلني من ذلك من ذلك فتنحيت وقمت أصلي وأنا أقول
: اللهم إن كان قتال هؤلاء القوم لك طاعة فأذن فيه وإن كان ذلك معصية
فأرني ذلك فانا في ذلك إذ أقبل علي فلما حاذاني قال: نعوذ بالله يا جندب من الشك،
ثم نزل يصلي إذ جاءه فارس فقال: يا أمير المؤمنين قد عبر القوم وقطعوا النهر،
فقال عليه السلام: كلا ما عبروا، فجاء آخر فقال: قد عبر القوم، فقال: كلا ما فعلوا،
قال: والله ما جئت حتى رأيت الرايات في ذلك الجانب والأثقال، فقال عليه السلام: والله
ما فعلوا وانه لمصرعهم ومهراق دمائهم.
وفي رواية لا يبلغون إلى قصر بوري بنت كسرى، فدفعنا إلى صفوف فوجدنا
الرايات والأثقال كما هي قال: فأخذ بقفاي ودفعني ثم قال: يا أخا الأزد ما تبين لك
الامر؟ فقلت: اجل يا أمير المؤمنين:
سفيان بن عيينة عن طاووس اليماني أنه قال عليه السلام لحجر البدري: يا حجر
كيف بك إذا أوقفت على منبر صنعاء وأمرت بسبي والبراءة مني؟ قال فقلت: أعوذ
بالله من ذلك. قال: والله انه كائن فإذا كان ذلك فسبني ولا تتبرأ مني فإنه من تبرأ
مني في الدنيا برأت منه في الآخرة، قال طاووس: فأخذه الحجاج على أن يسب
عليا فصعد المنبر وقال أيها الناس ان أميركم هذا امرني ان ألعن عليا الا فالعنوه لعنه الله
أمثال أبي عبد الله عليه السلام انه اثنى عليه رجل متهم فقال: انا دون ما تقول وفوق
ما نظن في نفسك، قال الناشي:
له في كل وجه سمة * تنبئ عن العقد
فتسقى الرجس بالغي * وتحظى البر بالرشد
" المناقب ج 2، م 13 "
104

فصل: في أخباره بالمنايا والبلايا والأعمار
الأصبغ بن نباتة قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا وقف الرجل بين يديه قال:
يا فلان استعد واعد لنفسك ما تريد فإنك تمرض في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا
في ساعة كذا وكذا فيكون كما قال. وكان عليه السلام قد علم رشيد الهجري من ذلك
فكانوا يلقبونه رشيد البلايا، وأخبر عن عن قتل الحسين عليه السلام.
فضل بن الزبير عن أبي الحكم عن مشيخته ان أمير المؤمنين قال: سلوني قبل ان
تفقدوني، قال رجل: اخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟ قال عليه السلام: ان على
كل طاقة في رأسك ملك يلعنك وعلى كل طاقة من لحيتك شيطان يستفزك وان في
بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله وآية ذلك مصداق ما أخبرتك به ولولا أن الذي
سألت يعسر برهانه لأخ برتك به، وكان ابنه عمر يومئذ صبيا حابيا وكان قتل الحسين
عليه السلام على يده.
ومستفيض في أهل العلم عن الأعمش وابن محبوب عن الثمالي والسبيعي كلهم
عن سويد بن غفلة، وقد ذكره أبو الفرج الأصفهاني في اخبار الحسن انه قيل
لأمير المؤمنين عن خالد بن عرفطة قد مات فقال عليه السلام: انه لم يمت ولا يموت حتى يقود
جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن جماز، فقام رجل من تحت المنبر فقال يا أمير المؤمنين
والله اني لك شيعة واني لك لمحب وانا حبيب بن جماز، قال: إياك ان تحملها ولتحملنها
فتدخل بها من هذا الباب وأومى بيده إلى باب الفيل، فلما كان من امر الحسين ما كان
وتوجه عمر بن سعد بن أبي وقاص إلى قتاله كان خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب
ابن جماز صاحب رايته فسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل.
أبو حفص عمر بن محمد الزيات في خبر ان أمير المؤمنين قال للمسيب بن نجية:
يأتيكم راكب الدغيلة يشد حقوها بوضينها لم يقض تفثا من حج ولا عمرة فيقتلوه،
يريد الحسين عليه السلام.
وقال عليه السلام يخاطب أهل الكوفة: كيف أنتم إذا نزل بكم ذرية رسولكم فعمدتم
إليه فقتلتموه، قالوا: معاذ الله لئن اتانا الله في ذلك لنبلون عذرا، فقال:
هم أوردوه في الغرور وغرورا * أرادوا نجاة لا نجاة ولا عذر
إسماعيل بن صبيح عن يحيى بن مساور العابد عن إسماعيل بن زياد قال: ان عليا
105

قال للبراء بن عازب يا براء يقتل ابني الحسين وأنت حي لا تنصره، فلما قتل الحسين
كان البراء يقول: صدق والله أمير المؤمنين، وجعل يتلهف.
مسند الموصلي روى عبد الله بن يحيى عن أبيه ان أمير المؤمنين لما حاذى نينوى
وهو منطلق إلى صفين نادى اصبر أبا عبد الله بشط الفرات، فقلت: وماذا؟ فذكر
مصرع الحسين بالطف.
جويرية بن مسهر العبدي: لما رحل علي إلى صفين وقف بطفوف كربلاء
ونظر يمينا وشمالا واستعبر ثم قال: والله ينزلون ههنا، فلم يعرفوا تأويله إلا وقت
قتل الحسين عليه السلام.
الشافي في الأنساب قال بعض أصحابه: فطلبت ما اعلم به الموضع فما وجدت غير
عظم جمل قال: فرميته في الموضع فلما قتل الحسين عليه السلام وجدت العظم في مصارع
أصحابه. وأخبر عليه السلام بقتل نفسه، روى الشاذكوني عن حماد عن يحيى عن ابن
عتيق عن ابن سيرين قال: إن كان أحد يعرف اجله فعلي بن أبي طالب.
الصادق عليه السلام ان عليا عليه السلام امر ان يكتب له من يدخل الكوفة فكتب له أناس
ورفعت أسماؤهم في صحيفة فقرأها فلما مر على اسم ابن ملجم وضع إصبعه على اسمه ثم
قال: قاتلك الله قاتلك الله، ولما قيل له: إذا علمت أنه يقتلك فلم لا تقتله؟ فيقول: ان
الله تعالى لا يعذب العبد حتى تقع منه المعصية، وتارة يقول: فمن يقتلني؟
الأصبغ بن نباتة: انه خطب عليه السلام في الشهر الذي قتل فيه فقال: اتاكم شهر
رمضان وهو سيد الشهور وأول السنة وفيه تدور رحى الشيطان الا وانكم حاجوا
العام صفا واحدا وآية ذلك ان لست فيكم.
الصفواني في الإحن والمحن قال الأصبغ: سمعت عليا قبل ان يقتل بجمعة يقول
الا من كان ههنا من بني عبد المطلب فليدن مني لا تقتلوا غير قاتلي الا لا ألفينكم غدا
تحيطون الناس بأسيافكم تقولون قتل أمير المؤمنين.
عثمان بن المغيرة: انه لما دخل شهر رمضان كان عليه السلام يتعشى ليلة عند الحسن
وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن عباس والا صح عند عبد الله بن جعفر وكان
لا يزيد على ثلاث لقم، فقيل له في ذلك فقال: يأتيني امر ربي وانا خميص إنما هي ليلة
أو ليلتان، فأصيب في تلك الليلة.
وكذلك اخبر عليه السلام بقتل جماعة منهم: حجر بن عدي، ورشيد الهجري،
106

وكميل بن زياد، وميثم التمار، ومحمد بن أكثم، وخالد بن مسعود، وحبيب بن المظاهر
وجويرية، وعمرو بن الحمق، وقنبر، ومذرع، وغيرهم ووصف قاتليهم وكيفية
قتلهم على ما يجئ بيانه انشاء الله.
عبد العزيز وصهيب عن أبي العالية قال: حدثني مذرع بن عبد الله قال: سمعت
أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أما والله ليقبلن جيش حتى إذا كان بالبيداء خسف بهم
فقلت: هذا غيب، قال: والله ليكونن ما خبرني به أمير المؤمنين وليؤخذن رجل
فليقتلن وليصلبن بين شرفتين من شرف هذا المسجد، فقلت: هذا ثان، قال: حدثني
الثقة المأمون علي بن أبي طالب قال أبو العالية: فما أتت علينا جمعة حتى اخذ مذرع
وصلت بين الشرفتين.
المعرفة والتاريخ عن النسوي قال رزين الغافقي: سمعت علي بن أبي طالب يقول:
يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الأخدود، فقتل
حجر وأصحابه.
وذكر عليه السلام من بعده الفتن. خطب بالكوفة لما رأى عجزهم قال: مع اي إمام
بعدي تقاتلون وأي دار بعد داركم تمنعون؟ اما انكم ستلقون بعدي ذلا شاملا وسيفا
قاطعا واثرة قبيحة يتخذها الظالمون عليكم سنة.
وقال عليه السلام لأهل الكوفة: أما انه سيظهر عليكم رجل رحيب البلعوم مندحق
البطن يأكل ما يجد ويطلب مالا يجد فاقتلوه ولن تقتلوه الا وانه سيأمركم بسبي والبراءة
مني فأما السب فسبوني واما البراءة عني فلا تتبرؤا مني فاني ولدت على الفطرة وسبقت
إلى الاسلام والهجرة، يعني معاوية.
وقال لأهل البصرة: ان كنت قد أديت لكم الأمانة ونصحت لكم بالغيب
وأهنتموني فكذبتموني فسلط الله عليكم فتى ثقيف قال: رجل لا يدع لله حرمة
إلا انتهكها، يعني الحجاج.
وأخبر عليه السلام بخروج الترك والزنج، رواه الرضي في نهج البلاغة فقال عليه السلام في الترك
كأني أراهم قوما كأن وجوههم المجان المطرقة يلبسون الإستبرق والديباج ويعتقبون
الخيل العتاق ويكون هناك استجرار قتل حتى يمشي المجروح على المقتول ويكون
المفلت أقل من المأسور. ثم قال في الزنج: يا أحنف كأني به وقد سار بالجيش الذي
لا يكون له غبار ولا لجب ولا قعقعة لجم ولا حمحمة خيل يثيرون الأرض
107

بأقدامهم كأنها اقدام النعام.
وذكر محمود في الفايق قوله عليه السلام: ان من ورائكم أمورا متماحلة ردحا وبلاء
مبلحا وذكر في خطبة اللؤلؤية: ألا واني ظاعن عن قريب ومنطلق للمغيب
فارهبوا الفتن الأموية والمملكة الكسروية، ومنها: فكم من ملاحم وبلاء متراكم تفتل
مملكة بني العباس بالروع والياس وتبنى لهم مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل،
ثم وصفها ثم قال: فتوالت فيها ملوك شيصان أربعة وعشرون ملكا على عدد سني الكديد
فأولهم السفاح، والمقلاص، والجموح، والمجروح وفي رواية المجذوع والمظفر
والمؤنث، والنظار، والكبش، والمطهور، والمستظلم، والمستصعب وفي رواية
المستضعف والعلام، والمختطف، والغلام، والمترف، والكديد، والأكدر وفي
رواية والأكتب والأكلب، والمشرف، والوشم، والصلم، والعنون، والركاز،
والعينوق. ثم الفتنة الحمراء والعلادة الغبراء في عقبها قائم الحق.
وقوله عليه السلام في الخطبة الغراء: ويل لأهل الأرض إذا دعي على منابرهم باسم
الملتجي والمستكفي، ولم يعرف الملتجي في ألقابهم، ولكن لما بينا صفتهم وجدناه
الملقب بالمتقي الذي التجأ إلى بني حمدان، ثم يذكر الرجل من ربيعة الذي قال في أول
اسمه سين وميم ويعقب برجل في اسمه دال وقاف ثم يذكر صفته وصفة ملكه.
وقوله: وان منهم الغلام الأصفر الساقين اسمه احمد، وقوله: وينادي منادي
الجرحى على القتلى ودفن الرجال، وغلبة الهند على السند، وغلبة القفص على السعير،
وغلبة القبط على أطراف مصر، وغلبة اندلس على أطراف إفريقية، وغلبة الحبشة
على اليمن وغلبة الترك على خراسان، وغلبة الروم على الشام، وغلبة أهل أرمينية،
وصرخ الصارخ بالعراق: هتك الحجاب وافتضت العذراء وظهر علم اللعين الدجال،
ثم ذكر خروج القائم.
وذكر في خطبة الأقاليم فوصف ما يجرى في كل إقليم ثم وصف ما يجري بعد
كل عشر سنين من موت النبي صلى الله عليه وآله إلى تمام ثلاثمائة وعشر سنين من فتح قسطنطنية
والصقالبة والأندلس والحبشة والنوبة والترك والكرك ومل وحيسل وتأويل
وتاريس والصين وأقاصي مدن الدنيا.
وقوله عليه السلام في خطبة القصية من قوله: العجب كل العجب بين جمادى ورجب
وقوله: وأي عجب أعجب من أموات يضربون هامات الاحياء.
108

وقوله عليه السلام في خطبة الملاحم المعروفة بالزهراء: وان من السنين سنون جواذع
تجذع فيها انف غطارفة وهراقلة يقتل فيها رجال وتسبى فيها نساء ويسلب فيها قوم
أموالهم وأديانهم وتخرب وتحرق دورهم وقصورهم وتملك عليهم عبيدهم وأراذلهم
وأبناء إمائهم يذهب فيها ملك ملوك الظلمة والقضاة الخونة، ثم قال بعد كلام: تلك
سنون عشر كوامل، ثم قوله عليه السلام: ان ملك ولد بني العباس من خراسان يقبل ومن
خراسان يذهب.
وقوله في المعتصم: يدعى له في المنابر بالميم والعين والصاد فذلك رجل صاحب
فتوح ونصر وظفر وهو الذي تخفق راياته بأرض الروم وسيفتح الحصينة من مدنها
ويعلو العقاب الخشن من عقابها بعقب هارون وجعفر ويتخذ المؤتفكة بيتا ودارا
يبطل العرب ويتخذ العجم عجم الترك أولياء وزراء، وقوله عليه السلام: ويبطل حدود
ما انزل الله في كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وآله ويقال رأى فلان وزعم فلان يعني أبا حنيفة
والشافعي وغيرهما ويتخذ الآراء والقياس وينبذ الآثار والقرآن وراء الظهور فعند
ذلك تشرب الخمور وتسمى بغير اسمها ويضرب عليها بالعرطبة والكوبة والقينات
والمعازف وأخذ آنية الذهب والفضة، وقوله: يشيدون القصور والدور ويلبس
الديباج والحرير ويشفر الغلمان فيشنفونهم ويقرطقونهم ويمنطقونهم، وقوله عليه السلام:
فيأخذ الروم ما اخذ منها وتزداد يعني الساحل ونحوها وتأخذ الترك ما اخذ منها
يعني كاشغر وما وراء النهر ويأخذ القفص ما اخذ منها يعني تفليس ونحوها
ويأخذ القلقل ما اخذ منها، ثم يورد فيها من العجايب ويسمى مدينة ويلغز ببعض
ويصرح ببعض حتى يقول: الويل لأهل البصرة إذا كان كذا وكذا الويل لأهل
الجبال إذا كان كذا وكذا والويل لأهل الدينور والويل لأهل أصفهان من جالوت
عبد الله الحجام والويل لأهل العراق والويل لأهل الشام والويل لأهل مصر الويل
لأهل فلانة، ثم يقول من فراغته الجبال فلان فإذا الغز قال في اسمه حرف كذا حتى
ذكر العساكر التي تقتل بين حلوان والدينور والعساكر التي تقتل بين ابهر وزنجان
ويذكر الثاير من الديلم وطبرستان.
وروى ابن الأحنف عن ملوك بني أمية فسماهم خمسة عشر.
ومن خطبة له: ويل هذه الأمة من رجالهم الشجرة الملعونة التي ذكرها ربكم
تعالى أولهم خضراء وآخرهم هزماء ثم يلي بعدهم امر أمة محمد رجال أولهم أرأفهم
109

وثانيهم أفتكهم وخامسهم كبشهم وسابعم اعلمهم وعاشرهم أكفرهم يقتله أخصهم به
وخامس عشرهم كثير العناء قليل الغناء سادس عشرهم أقضاهم للذمم وأوصلهم للرحم
كأني أرى ثامن عشرهم تفحص رجلاه في دمه بعد ان يأخذ جنده بكظمه من ولده
ثلاث رجال سيرتهم سيرة الضلال والثاني والعشرين منهم الشيخ الهرم تطول أعوامه
وتوافق الرعية أيامه والسادس والعشرون منهم يشرد الملك منه شرود المنفتق ويعضده
الهزرة المتفيهق لكأني أراه على جسر الزوراء قتيلا ذلك بما قدمت يداك وان الله ليس
بظلام للعبيد.
ومنها: سيخرب العراق بين رجلين يكثر بينهما الجريح والقتيل يعني طرليك
والديلم لكأني أشاهد به دماء ذوات الفروج بدماء أصحاب السروج ويل لأهل
الزوراء من بني قنطورة. ومنها: لكأني أرى منية الشيخ على ظاهر أهل الحصة قد
وقعت به وقعتان يخسر فيها الفريقان يعنى وقعة الموصل حتى سمى باب الاذان
وويل للطين من ملابسة الاشراك وويل للعرب من مخالطة الأتراك ويل لامة محمد إذا
لم تحمل أهلها البلدان وعبر بنو قنطورة نهر جيحان وشربوا ماء دجلة وهموا بقصد
البصرة والابلة وأيم الله لتعرفن بلدتكم حتى كأني انظر إلى جامعها كجؤجؤ سفينة
أو نعامة جاثمة.
وأخبر عليه السلام عن خراب البلدان، روى قتادة عن سعيد بن المسيب انه سئل
أمير المؤمنين عن قوله تعالى: (وان من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو
معذبوها) فقال في خبر طويل انتخبنا منه: تخرب سمرقند وجاح وخوارزم وأصفهان
والكوفة من الترك وهمدان والري من الديلم والطبرية والمدينة وفارس بالقحط
والجوع ومكة من الحبشة والبصرة وبلخ من الغرق والسند من الهند والهند من تبت
وتبت من الصين وبذشجان وصاغان وكرمان وبعض الشام بسنابك الخيل والقتل
واليمن من الجراد والسلطان وسجستان وبعض الشام بالزنج وشامان بالطاعون
ومرو بالرمل وهراة بالحيات ونيسابور من قبل انقطاع النيل وأذربيجان بسنابك
الخيل والصواعق وبخارا بالغرق والجوع والخلم وبغداد يصير عاليها سافلها.
قال الناشي:
إمام يفضل العالم * بالعلم وبالزهد
هو البحر الذي تياره * أحلى من الشهد
110

وفيه المسك والعنبر والكافور والند
الا يا آل يس * وأهل الكهف والرعد
أعرفتم بما يحدث * في الزنج وفي الهند
وعلم الأبحر السبعة * ذات الجزر والمد
وجابر قا وجابر صا * وكم في الصين من يد
وما يحدث بالأقطار * من فتح ومن سد
ومن فتح ومن زحف * ومن رجف ومن هد
ومن فتق ومن رتق * ومن دهش ومن بلد
وما يفسد من دين * وما يسلم من عقد
وقيل للباقر عليه السلام: قد رضى أبوك إمامتهما لما استحل من سبيهما، فأشار عليه السلام
إلى جابر الأنصاري فقال جابر: رأيت الحنفية عدلت إلى تربة رسول الله فرنت وزفرت
فنادت: السلام عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك من بعدك هذه أمتك سبتنا سبي
الكفار وما كان لنا ذنب إلا الميل إلى أهل بيتك، ثم قالت: أيها الناس لم سبيتمونا وقد
أقررنا الشهادتين؟ فقال الزبير: لحق الله في أيديكم منعتموناه، قالت: هب الرجال
منعوكم فما بال النسوان! فطرح طلحة عليها ثوبا وخالد ثوبا فقالت: يا أيها الناس لست
بعريانة فتكسوني ولا سائلة فتتصدقون علي، فقال الزبير: انهما يريد انك، فقالت:
لا يكونان لي ببعل إلا من خبرني بالكلام الذي قلته ساعة خرجت من بطن أمي، فجاء
أمير المؤمنين وناداها: يا خولة اسمعي الكلام وعي الخطاب لما كانت أمك حاملة بك
وضربها الطلق واشتد بها الامر نادت اللهم سلمني من هذا المولود سالما فسبقت الدعوة
لك بالنجاة فلما وضعتك ناديت من تحتها لا إله إلا الله محمد رسول الله يا أماه لم تدعين
علي وعما قليل سيملكني سيد يكون لي منه ولد فكتبت ذلك الكلام في لوح نحاس
فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه فلما كانت في الليلة التي تغيبت أمك فيها أوصت
إليك بذلك فلما كان وقت سبيك لم تكن لك همة إلا اخذ ذلك اللوح فأخذتيه وشددتيه
على عضدك هاتي اللوح فأنا صاحب اللوح وانا أمير المؤمنين وانا أبو ذلك الغلام
الميمون واسمه محمد، فدفعت اللوح إلى أمير المؤمنين فقرأه عثمان لأبي بكر فوالله ما زاد
على ما في اللوح حرفا واحدا ولا نقص فقالوا بأجمعهم: صدق الله ورسوله إذ قال
انا مدينة العلم وعلي بابها، فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن بارك الله لك فيها،
111

فأنفدها علي عليه السلام إلى أسماء بنت عميس فقال: خذي هذه المرأة فأكرمي مثواها
واحفظيها، فلم تزل عندها إلى أن قدم أخوها فتزوجها منه وأمهرها أمير المؤمنين
وتزوجها نكاحا.
وهذه كلها اخبار بالغيب أفضى إليه النبي صلى الله عليه وآله بالسر مما اطلعه الله عز وعلا
عليه كما قال الله تعالى (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول
فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم ان قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما
لديهم وأحصى كل شئ عددا) ولم يشح النبي على وصيه بذلك كما قال تعالى (وما هو
على الغيب بضنين) ولا ضن علي على الأئمة من ولده عليهم السلام. وأيضا لا يجوز
ان يخبر بمثل هذا إلا من أقامه رسول الله مقامه من بعده.
فصل: في إجابة دعواته
عبد الله بن مسعود قال: لا تتعرضوا لدعوة علي فإنها لا ترد.
الأعثم في الفتوح ان عليا عليه السلام رفع يده إلى السماء وهو يقول: اللهم ان طلحة
ابن عبد الله أعطاني صفقة يمينه طائعا ثم نكث بيعتي اللهم فعاجله ولا تمهله اللهم وان
الزبير بن العوام قطع قرابتي ونكث عهدي وظاهر عدوي وهو يعلم أنه ظالم لي فاكفنيه
كيف شئت وأنى شئت.
تاريخ الطبري قال أمير المؤمنين: ومن العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما
علي والله انهما يعلمان اني لست بدون رجل ممن قد مضى اللهم فاحلل ما عقدا ولا تبرم
ما احكما في أنفسهما وارهما المساءة فيما قد عملا.
فضايل العشرة وأربعين الخطيب روي زاذان انه كذبه رجل في حديثه فقال
عليه السلام ادعو عليك ان كنت كذبتني ان يعمى الله بصرك؟ قال نعم، فدعا عليه
فلم ينصرف حتى ذهب بصره.
جميع بن عمير قال اتهم علي رجلا يقال له العيزار برفع اخباره إلى معاوية فأنكر
ذلك وجحد فقال عليه السلام: أتحلف بالله يا هذا انك ما فعلت، قال نعم وبدر فحلف
فقال له أمير المؤمنين: ان كنت كاذبا فأعمى الله بصرك، فما دارت الجمعة حتى اخرج
أعمى يقاد.
" المناقب ج 2، م 14
112

تاريخ البلاذري وحلية الأولياء وكتب أصحابنا عن جابر الأنصاري انه استشهد
أمير المؤمنين عليه السلام انس بن مالك والبراء بن عازب والأشعث وخالد بن يزيد قول النبي
من كنت مولاه فعلي مولاه فكتموا فقال لانس: لا أماتك الله حتى يبتليك ببرص
لا تغطيه العمامة، وقال للأشعث لا أمانك الله حتى يذهب بكريمتيك، وقال لخالد:
لا أماتك الله إلا ميتة جاهلية وقال للبراء: لا أماتك الله إلا حيث هاجرت. قال
جابر: والله لقد رأيت أنسا وقد ابتلى ببرص يغطيه بالعمامة فما تستره، ورأيت
الأشعث وقد ذهبت كريمتاه وهو يقول: الحمد لله الذي جعل دعاء أمير المؤمنين عليه
السلام علي بالعماء في الدنيا ولم يدع علي في الآخرة فاعذب، واما خالد فإنه لما مات
دفنوه في منزله فسمعت بذلك كندة فجاءت بالخيل والإبل فعقرتها على باب منزله فمات
ميتة جاهلية، واما البراء فإنه ولي من جهة معاوية باليمن فمات بها. ومنها كان
هاجر، وهي السراة.
الوليد بن الحارث وغيره أنه قال: ان عليا لما بلغه قتل بشر بن أرطأة من شيعته
باليمن حين ولي عليهم من جهة معاوية قال: اللهم ان بشرا باع دينه بالدنيا فاسلبه عقله
فاختلط بشر فكان يدعو بالسيف فاتخذ له سيفا من خشب فكان يضرب به حتى يغشى
عليه فإذا افاق يقول السيف فلم يزل ذلك دأبه حتى مات.
ودعا عليه السلام على رجل في غزاة بني زبيد وكان في وجهه خال فتفشى في وجهه
حتى اسود بها وجهه كله.
وقوله لرجل: ان كنت كاذبا فسلط الله عليك غلام ثقيف، قالوا: وما غلام
ثقيف؟ قال: غلام لا يدع لله حرمة إلا انتهكها وأدرك الرجل الحجاج فقتله.
وحكم عليه السلام بحكم فقال المحكوم عليه: ظلمت والله يا علي، فقال: ان كنت كذابا
فغير الله صورتك، فصار رأسه رأس خنزير.
وذكر الصاحب في رسالته الغراء عن أبي العيناء انه لقى جد أبي العيناء الأكبر
أمير المؤمنين فأساء مخاطبته فدعا عليه وعلى أولاده بالعمى فكل من عمى من أولاده
فهو صحيح النسب، ويقال انه دعا على وابصة بن معبد الجهيني وكان من أهل الصفة
بالرقة لما قال له: فتنت أهل العراق وجئت تفتن أهل الشام بالعما والخرس والصمم
وداء السوء، فأصابه في الحال والناس إلى اليوم يرجمون المنارة التي كان يؤذن عليها.
أبو هاشم عبد الله بن محمد الحنفية: ان عليا عليه السلام دعا على ولد العباس بالشتات
113

فلم يروا بني أم أبعد قبورا منهم فعبد الله بالمشرق ومعبد بالمغرب وقثم بمنفعة الرواح
وثمامة بالأرجوان ومتمم بالخارز، وفي ذلك يقول كثير:
دعا دعوة ربه مخلصا * فيا لك من قسم ما ابرا
دعا بالنوى فساءت بهم * معارفة الدار برا وبحرا
فمن مشرق ظل ثاويه * ومن مغرب منهم ما أضرا
فضايل العشرة وخصايص العلوية قال ابن مسكين: مررت انا وخالي أبو أمية
على دار في دور حي من مراد فقال: أترى هذه الدار؟ قلت نعم، قال: فان عليا
مر بها وهم يبنونها فسقطت عليه قطعة فشجته فدعا ان لا يتم بناؤها فما وضعت عليها
لبنة، قال فكنت تمر عليها لا تشبه الدور.
وفي حديث الطرماح بن عدي وصعصعة بن صوحان ان أمير المؤمنين اختصم
إليه خصمان فحكم لأحدهما على الآخر فقال المحكوم عليه: ما حكمت بالسوية ولا عدلت
في الرعية ولا قضيتك عند الله بالمرضية، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اخسء يا كلب،
وكان في الحال يعوي، وقال ابن حماد:
وصاح في المرتاب في حكمه * إذ قال ذا حكم امرء جاير
اخسا فألقاه على أربع * كلبا فيا للهالك الدامر
ولما قال: ألا واني أخو رسول الله وابن عمه ووارث علمه ومعدن سره وعيبة
ذخره ما يفوتني ما عمله رسول الله صلى الله عليه وآله ولا ما طلب ولا يغرب على ما دب ودرج وما
هبط وما عرج وما غسق وانفرج كل ذلك مشروح لمن سال مكشوف لمن وعى،
قال هلال بن نوفل الكندي في ذلك وتعمق إلى أن قال: فكن يا بن أبي طالب بحيث
الحقايق واحذر حلول البوايق، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هب إلى سفر، فوالله ما تم
كلامه حتى صار في صورة الغراب الا بقع يعني الأبرص.
وأصاب دعاه جماعة منهم زيد بن أرقم فإنه قد عمى، وبلعاء بن قيس فإنه برص
عبد الله بن أبي رافع سمعته يقول: اللهم أرحني منهم، فرق الله بيني وبينكم،
أبدلني الله بهم خيرا منهم وأبدلهم شرا مني. فما كان إلا يومه حتى قتل، وفي رواية
اللهم إني قد كرهتهم وكرهوني ومللتهم وملوني فأرحني وأرحهم، فمات تلك الليلة.
وروى حديث الطير جماعة منهم الترمذي في جامعه وأبو نعيم في حلية الأولياء
والبلاذري في تاريخه والخركوشي في شرف المصطفى والسمعاني في فضايل الصحابة
114

والطبري في الولاية وابن البيع في الصحيح وأبو يعلى في المسند واحمد في الفضايل
والنطنزي في الاختصاص، وقد رواه محمد بن إسحاق ومحمد بن يحيى الأزدي وسعيد
والمازني وابن شاهين والسدي وأبو بكر البيهقي ومالك وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة
وعبد الملك بن عمير ومسعر بن كدام وداود بن علي بن عبد الله بن عباس وأبو حاتم
الرازي بأسانيدهم عن انس وابن عباس وأم أيمن ورواه ابن بطة في الإبانة من
طريقين والخطيب أبو بكر في تاريخ بغداد من سبعة طرق، وقد صنف أحمد بن محمد
ابن سعيد كتاب الطير، وقال القاضي احمد: قد صح عندي حديث الطير وما لي
لفظه: وقال أبو عبد الله البصري ان طريقة أبي عبد الله الجبائي في تصحيح الاخبار
يقتضي القول بصحة هذا الخبر لا يراده عليه السلام يوم الشورى فلم ينكر.
قال الشيخ: قد استدل به أمير المؤمنين على فضله في قصة الشورى بمحضر من
أهلها فما كان فيهم إلا من عرفه وأقر به والعلم بذلك كالعلم بالشورى نفسها فصار
متواترا وليس في الأمة على اختلافها من دفع هذا الخبر.
وحدثني أبو العزيز كادش العكبري عن أبي طالب الحربي العشاري عن ابن
شاهين الواعظ في كتابه ما قرب سنده قال: حدثنا نضر بن أبي القاسم الفرايضي قال:
قال محمد بن عيسى الجوهري قال: قال نعيم بن سالم بن قنبر قال: قال انس بن مالك
الخبر، وقد أخرجه علي بن إبراهيم في كتاب قرب الإسناد، وقد رواه خمسة وثلاثون
رجلا من الصحابة عن انس وعشرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد صح ان الله تعالى
والنبي يحبانه وما صح ذلك لغيره فيجب الاقتداء به، ومن عزا خبر الطاير إليه قصر
الإمامة عليه.
ومجمع الحديث ان أنسا تعصب بعصابة فسئل عنها فقال: هذه دعوة علي،
قيل: وكيف ذلك؟ قال: أهدي إلى رسول الله طاير مشوي فقال: اللهم ائتني بأحب
خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء علي فقلت له: رسول الله عنك مشغول،
وأحببت أن يكون رجلا من قومي فدعا رسول الله ثانيا فجاء علي فقلت: رسول الله
عنك مشغول، فدعا رسول الله ثالثا فجاء علي فقلت: رسول الله عنك مشغول، فرفع
علي صوته وقال: وما يشغل عني رسول الله، وسمعه رسول الله فقال: يا انس من
هذا؟ قلت: علي بن أبي طالب، قال: ائذن له، فلما دخل له قال له: يا علي اني قد
دعوت الله ثلاث مرات ان يأتيني بأحب خلقه إليه وإلي ان يأكل معي هذا الطير
115

ولو لم تجئني في الثالثة لدعوت الله باسمك ان يأتيني بك، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله
اني قد جئت ثلاث مرات كل ذلك يردني أنس ويقول: رسول الله عنك مشغول،
فقال لي رسول الله: ما حملك على هذا! قلت: أحببت أن يكون رجلا من قومي، فرفع
علي يده إلى السماء فقال: اللهم ارم أنسا بوضح لا يستره من الناس، وفي رواية:
لا تواريه العمامة، ثم كشف العمامة عن رأسه فقال: هذه دعوة علي، قال الحميري:
اما اتى في خبر الأنبل * في طاير أهدي إلى المرسل
سفينة مكن في رشده * وأنس خان ولم يحصل
في رده سيد كل الورى * مولاهم في المحكم المنزل
فصده ذو العرش عن رشده * ثم غري بالبرص الانكل
وله أيضا:
نبئت ان أبانا كان عن انس * يروي حديثا عجيبا معجبا عجبا
في طائر جاء مشويا به بشر * يوما وكان رسول الله محتجبا
أدناه منه فلما ان رآه دعا * ربا قريبا لأهل الخير منتجبا
ادخل إلي أحب الخلق كلهم * طرا إليك فأعطاه الذي طلبا
فاغتر بالباب مغترا فقال لهم * من ذا وكان وراء الباب مرتقبا
من ذا فقال علي قال إن له * شأنا له اهتم منه اليوم فاحتجبا
فقال لا تحجبن مني أبا حسن * يوما وابصر في اسراره الغضبا
من رده المرة الأولى وقال له * لج واحمد الله واقبل كل ما وهبا
اهلا وسهلا بخلصائي وذي ثقتي * ومن له الحب من رب السما وجبا
وقال ثم رسول الله يا أنس * ماذا أصار بك التخليط مكتسبا
ماذا دعاك إلى أن صار خالصتي * وخبر قومي لديك اليوم محتجبا
فقال يا خير خلق الله كلهم * أردت حين دعوت الله مطلبا
بأن يكون من الأنصار ذاك لكي * يكون ذاك لنا في قومنا حسبا
فقد دعا ربه المحجوب في أنس * بأن يحل به سقم حوى كربا
فناله السوء حتى كان يرفعه * في وجهه الدهر حتى مات منتقبا
وله أيضا:
وفي طائر جاءت به أم أيمن * بيانا لمن بالحق يرضى ويقنع
116

فقال إلهي آت عبدك بالذي * تحب وحب الله أعلى وارفع
ليأكل من هذا معي ويناله * فجاء على من يصد ويمنع
فقال له ان النبي ورده * على حاجة فارجع وكل ليرجع
فعاد ثلاثا كل ذلك يرده * فأهوى بتأييد إلى الباب يقرع
فاسمعه القرع الوصي لبابه * فقال له ادخل بعد ما كاد يرجع
وقال له يشكو لقد جئت مرة * وأخرى وأخرى كل ذلك ادفع
فسر رسول الله أكله وصيه * وأنف الذي لا يشتهي ذاك يجدع
وقال له ما ان يحبك صادق * من الناس إلا مؤمن متورع
ويقلاك إلا كافر ومنافق * يفارق في الحق الأنام ويخلع
وله أيضا:
في قصة الطائر المشوي حين دعا * محمد ربه دعوات مبتهل
ادخل إلي أحب الخلق كلهم * طرا إليك فمنه واجعلنه ولي
فجاء من بعده خير الورى رجل * عليه يقرع باب البيت في مهل
فقال مختبرا من ذا له أنس * فقال جاء علي جد بفتحك لي
فقال ترجع ولا تصغر أبا حسن * فان عنك رسول الله في شغل
فانحاز غير بعيد ثم أعطفه * دعا النبي فدق الباب في رسل
فقال أحمد من هذا تحاوره * بالباب ادخله لا بوركت من رجل
فقال مبتدرا للباب يفتحه * وحيدر قائم بالباب لم يزل
حتى إذا ما رأته عين أحمده * حيى وقربه تقريب محتفل
فقال ما بك قل لي يا أبا حسن * اجلس فداك أبي يا مؤنسي فكل
وله أيضا:
ادخل إلي أحب الخلق كلهم * حبا إليك وكان ذاك عليا
لما بدت لأخيه سحنة وجهه * ودنا فسلم راضيا مرضيا
حيى ورحب مرحبا بأحبهم * حبا إلى ملك العلى واليا
وقال الصاحب:
علي له في الطير ما طار ذكره * وقامت به أعداؤه وهي تشهد
117

وقال الأصفهاني:
أمن له في الطير قال نبيه * قولا ينير بشرحه الافقان
يا رب جئ بأحب خلقك كلهم * شخصا إليك وخير من يغشاني
كيما يواكلني ويونس وحشتي * والشاهدان بقوله عدلان
فبدا علي كالهزير ووجهه * كالبدر يلمع أيما لمعان
فتواكلا واستأنسا وتحدثا * بأبي وأمي ذلك الحدثان
وقال ابن حماد:
وفي قصة الطير لما دعا * النبي الاله وأبدى الضرع
أيا رب ابعث إلي أحب * خلقك يا من إليه الفزع
فلم يستتم النبي الدعاء * إذا بامام الهدى قد رجع
ثلاث مرار فلما انتهى * إلى الباب دافعه واقترع
فقال النبي له ادخل فقد * أطلت احتباسك يا ذا الصلع
فخبره انه جاءه * ثلاثا ودافعه من دفع
فقطب في وجه من رده * وانكر ما بأخيه صنع
فأورثه برصا فاحشا * فظل وفي الوجه منه بقع وقال المفجع:
كان النبي لما تمنى * حين أتوه طايرا مشويا
إذ دعا الله ان يسوق أحب * الخلق طرا إليه سوقا وحيا
وقال الصوري:
وأيكم صار في فرشه * إذ القوم مهجته طالبونا
ومن شارك الطهر في طاير * وأنتم بذاك له شاهدونا
وقال الجبري:
والطاير المشوي نص ظاهر * فتيقظي يا ويك عن عمياك
وقال ابن زريك:
وفي الطاير المشوي أو في دلالة * لو استيقظوا من غفلة وسبات
وقال ابن العطار الواسطي الهاشمي:
ولقد أرانا الله أفضل خلقه * في الطاير المشوي لما ان دعا
118

وممن دعا له عليه السلام أم عبد الله بن جعفر قالت: مررت بعلي وانا حبلى فدعاني
فمسح على بطني وقال: اللهم اجعله ذكرا ميمونا مباركا، فولدت غلاما.
انتباه الخركوشي ان أمير المؤمنين عليه السلام سمع في ليلة الاحرام مناديا باكيا فأمر
الحسين عليه السلام يطلبه فلما اتاه وجد شابا يبس نصف بدنه فأحضره فسأله علي عن حاله
فقال: كنت رجلا ذا بطر وكان أبي ينصحني فكان يوما في نصحه إذ ضربته فدعا
علي بهذا الموضع وأنشأ شعرا فلما ثم كلامه يبس نصفي فندمت وتبت وطيبت قلبه
فركب على بعير ليأتي بي إلى ههنا ويدعو لي فلما انتصف البادية نفر البعير من طيران
طاير ومات والدي، فصلى علي عليه السلام أربعا ثم قال: قم سليما، فقام صحيحا فقال:
صدقت لو لم يرض عنك لما سمعت.
وسمع ضرير دعاء أمير المؤمنين عليه السلام: اللهم إني أسألك يا رب الأرواح الفانية
ورب الأجساد البالية أسألك بطاعة الأرواح الراجعة إلى أجسادها وبطاعة الأجساد
الملتئمة إلى أعضائها وبانشقاق القبور عن أهلها وبدعوتك الصادقة فيهم واخذك بالحق
بينهم إذا برز الخلايق ينتظرون قضائك ويرون سلطانك ويخافون بطشك ويرجون
رحمتك يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون إلا من رحم الله انه هو البر
الرحيم أسألك يا رحمن ان تجعل النور في بصري واليقين في قلبي وذكرك بالليل والنهار على
لساني ابدا ما أبقيتني انك على كل شئ قدير، قال: فسمعها الأعمى وحفظها ورجع
إلى بيته الذي يأويه فتطهر للصلاة وصلى ثم دعا بها فلما بلغ إلى قوله: ان تجعل النور
في بصري، ارتد الأعمى بصيرا بإذن الله.
عقد المغربي، ان عمر أراد قتل الهرمزان فاستسقى فأتى بقدح فجعل ترعد يده
فقال له في ذلك فقال: اني خائف ان تقتلني قبل ان اشربه، فقال: اشرب ولا بأس
عليك، فرمى القدح من يده فكسره فقال: ما كنت لأشربه ابدا وقد آمنتني، فقال
قاتلك الله لقد أخذت أمانا ولم اشعر به.
وفي رواياتنا انه شكا ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فدعا الله تعالى فصار القدح
صحيحا مملوءا من الماء فلما رأى الهرمزان المعجز أسلم.
واستجابة الدعوات المتواترات من الآيات الباهرات في خلق الله المستمر
العادات التي لا يغيرها الا لخطب عظيم وإقامة حق يقين وذلك خصوصية للأنبياء
والأئمة عليهم السلام.
119

فصل: في نواقضي العادات منه
واما نقض العادة فعلى سبعة أنواع، منها ما كان من قوته وشوكته. شعبة
عن قتادة عن أنس عن العباس بن عبد المطلب والحسن بن محبوب عن عبد الله بن
غالب عن الصادق عليه السلام في خبر قالت فاطمة بنت أسد: فشددته وقمطته بقماط فنتر
القماط ثم جعلته قماطين فترهما ثم جعلته ثلاثة وأربعة وخمسة وستة منها أديم وحرير
فجعل ينترها ثم قال: يا أماه لا تشدي يدي فاني احتاج ان ابصبص لربي بإصبعي.
أنس عن عمر بن الخطاب ان عليا رأى حية تقصده وهو في المهد وشدت يداه في
حال صغره فحول نفسه فأخرج يده وأخذ بيمينه عنقها وغمزها غمزة حتى ادخل
أصابعه فيها وامسكها حتى ماتت فلما رأت ذلك أمه نادت واستغاثت فاجتمع الحشم
ثم قالت كأنك حيدرة. (حيدرة): اللبوة إذا غضبت من قبل اذى أولادها.
قال الحميري:
ويا من اسمه في الكتب * معروف به حيدر
وسمته به أم * له صادقة المخبر
وقال دعبل:
أبو تراب حيدرة * ذاك الامام القسورة
مبيد كل الكفرة * ليس له مناضل
مبارز ما يهب * وضيغم ما يغلب
وصادق لا يكذب * وفارس محاول
سيف النبي الصادق * مبيد كل فاسق
بمرهف ذي بارق * أخلصه الصياقل
جابر الجعفي قال: كان ظئرة علي عليه السلام التي أرضعته امرأة من بني هلال خلفته
في خبائها مع أخ له من الرضاعة وكان أكبر منه سنا بسنة وكان عند الخباء قليب
فمر الصبي نحو القليب ونكس رأسه فيه فمعلق بفرد قدميه وفرد يديه اما اليد ففي فمه
واما الرجل ففي يديه فجاءت أمه فأدركته فنادت في الحي: يا للحي من غلام ميمون
امسك علي ولدي فمسكوا الطفل من رأس القليب وهم يعجبون من قوته وفطنته
فسمته أمه مباركا.
" المناقب ج 2، م 15 "
120

وكان الغلام في بني هلال يعرف بمعلق الميمون وولده إلى اليوم، قال العوني:
واسم أخيه في بني هلال * فاسال به إن كنت ذا سؤال
معلق الميمون ذا المعالي * بذكره القوم على الليالي
موهبة خص بها صبيا
وكان أبو طالب يجمع ولده وولد اخوته ثم يأمرهم بالصراع وذلك خلق في
العرب فكان عليه السلام يحسر عن ذراعيه وهو طفل ويصارع كبار اخوته وصغارهم وكبار
بني عمه وصغارهم فيصرعهم فيقول أبوه: ظهر علي، فسماه ظهيرا، قال العوني:
هذا وقد لقبه ظهيرا * أبوه إذ عاينه صغيرا
يصرع من اخوته الكبير ا * مشمرا عن ساعد تشميرا
تراه عبلا فتلا قويا
فلما ترعرع عليه السلام كان يصارع الرجل الشديد فيصرعه ويعلق بالجبار بيده
ويجذبه فيقتله، وربما قبض على مراق بطنه ورفعه إلى الهواء، وربما يلحق للحصان
الجاري فيصدمه فيرده على عقبيه. وكان عليه السلام يأخذ من رأس الجبل حجرا ويحمله
بفرد يديه ثم يضعه بين يدي الناس فلا يقدر الرجل والرجلان والثلاثة على تحريكه
حتى قال أبو جهل فيه:
يا أهل مكة ان الذبح عندكم * هذا علي الذي قد جل في النظر
ما ان له مشبه في الناس قاطبة * كأنه النار ترمي الخلق بالشرر
كونوا على حذر منه فان له * يوما سيظهره في البدو والحضر
وانه عليه السلام لم يمسك بذراع رجل قط إلا مسك بنفسه فلم يستطع يتنفس، ومنه
ما ظهر بعد النبي صلى الله عليه وآله قطع الأميال وحملها إلى الطريق سبعة عشر ميلا تحتاج إلى
أقوياء حتى تحرك ميلا منها قطعها وحده ونقلها ونصبها وكتب عليها هذا ميل علي،
ويقال انه كان يتأبط باثنين ويدير واحدا برجله، وكان منه في ضرب يده في
الأسطوانة حتى دخل ابهامه في الحجر وهو باق في الكوفة، وكذلك مشهد الكف
في تكريت والموصل وقطيعة الدقيق وغير ذلك، ومنه اثر سيفه في صخرة جبل ثور
عند غار النبي، وأثر رمحه في جبل من جبال البادية، وفي صخرة عند قلعة خيبر،
ومنه ختم الحصا، قال ابن عباس: صاحب الحصاة ثلاثة أم سليم وارثة الكتب طبع
في حصاتها النبي والوصي عليهما السلام ثم أم الندى حبابة بنت جعفر الوالبية الأسدية
121

ثم أم غانم الاعرابية اليمانية وختم في حصاتها أمير المؤمنين، وذلك مثل ما رويتم ان
سليمان كان يختم على النحاس للشياطين وعلى الحديد للجن فكان كل من رأى برقه اطاعه.
أبو سعيد الخدري وجابر الأنصاري و عبد الله بن عباس في خبر طويل أنه قال
خالد بن الوليد: اتى الأصلع يعني عليا عند منصرفي من قتال أهل الردة في
عسكري وهو في أرض له وقد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد وقعقعة الرعد فقال
لي: ويلك أكنت فاعلا؟ فقلت أجل، فاحمرت عيناه وقال: يا بن اللخناء أمثلك يقدم
على مثلي أو يجسر ان يدير اسمي في لهواته، في كلام له ثم قال: فنكسني والله عن
فرسي ولا يمكنني الامتناع منه فجعل يسوقني إلى رحى للحارث بن كلدة ثم عمد إلى
قطب الرحى الحديد الغليظ الذي عليه مدار الرحى فمده بكلتا يديه ولواه في عنقي كما
يتفتل الأديم وأصحابي كأنهم نظروا إلى ملك الموت فأقسمت عليه بحق الله ورسوله
فاستحيى وخلى سبيلي، قالوا: فدعا أبو بكر جماعة من الحدادين فقالوا: ان فتح
هذا القطب لا يمكننا إلا أن نحميه بالنار، فبقي في ذلك أياما والناس يضحكون منه
فقيل: ان عليا جاء من سفره، فأتى به أبو بكر إلى علي يشفع إليه في فكه فقال علي:
انه لما رأى تكاثف جنوده وكثرة جموعه أراد ان يضع مني في موضعي فوضعت منه
عندما خطر بباله وهمت به نفسه، ثم قال: واما الحديد الذي في عنقه فلعله لا يمكنني
في هذا الوقت فكه، فنهضوا بأجمعهم فأقسموا عليه فقبض على رأس الحديد من
القطب فجعل يفتل منه يمينه شبرا شبرا فيرمي به، وهذا كقوله تعالى (وألنا له الحديد
ان اعمل سابغات وقدر في السرد).
ابن عباس وسفيان بن عيينة والحسن بن صالح ووكيع بن الجراح وعبيدة بن
يعقوب الأسدي، وفي حديث غيرهم: لا يفعل خالد ما امرته، وفي حديث أبي ذر: ان
أمير المؤمنين اخذ بإصبعه السبابة والوسطى فعصره عصرة فصاح خالد صيحة منكرة
واحدث في ثيابه وجعل يضرب وجعل يضرب برجليه.
وفي رواية عمار: فجعل يقمص قماص البكر فإذا له رغاء وساغ ببوله في المسجد
وروي في كتاب البلاذري ان أمير المؤمنين اخذه بإصبعيه السبابة والوسطى
في حلقه وشاله بهما بهما وهو كالبعير عظما وضرب به الأرض فدق عصعصه واحدث مكانه
أهل السير عن حبيب بن الجهم وأبي سعيد التميمي والنطنزي في الخصايص
والأعثم في الفتوح والطبري في كتاب الولاية باسناد له عن محمد بن القاسم الهمداني
122

وأبو عبد الله البرقي عن شيوخه عن جماعة من أصحاب علي انه نزل أمير المؤمنين عليه السلام
بالعسكر عند وقعة صفين عند قرية صندودياء فقال مالك الأشتر: ينزل الناس على غير
ماء؟ فقال يا مالك ان الله سيسقينا في هذا المكان احتفر أنت وأصحابك فاحتفروا
فإذا هم بصخرة سوداء عظيمة فيها حلقة لجين فعجزوا عن قلعها وهم مائة رجل فرفع
أمير المؤمنين يده إلى السماء وهو يقول: طاب طاب يا عالم يا طيبوثا بوثة شميا كرباجا
نوثا توديثا برجوثا آمين آمين يا رب العالمين يا رب موسى وهارون ثم اجتذبها فرماها
عن العين أربعين ذراعا فظهر ماء أعذب من الشهد وأبرد من الثلج وأصفى من الياقوت
فشربنا وسقينا ثم رد الصخرة وأمرنا ان نحثو عليها التراب فلما سرنا غير بعيد قال:
من منكم يعرف موضع العين؟ قلنا: كلنا، فرجعنا فخفي مكانها علينا فإذا راهب
مستقبل من صومعة فلما بصر به أمير المؤمنين قال: شمعون؟ قال: نعم هذا اسمي سمتني
به أمي ما اطلع عليه إلا الله ثم أنت، قال: وما تشاء يا شمعون؟ قال: هذا العين واسمه
قال: هذا عين زاحوما وفي نسخة راجوه وهو من الجنة شرب منها ثلاثمائة نبيا
وثلاثة عشر وصيا وانا آخر الوصيين شربت منه، قال: هكذا وجدت في جميع
كتب الإنجيل وهذا الدير بني على قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها ولم يدركه
عالم قبلي غيري وقد رزقنيه الله، وأسلم.
وفي رواية انه جب شعيب ثم رحل أمير المؤمنين والراهب يقدمه حتى نزل
صفين فلما التقى الصفان كان أول من اصابته الشهادة فنزل أمير المؤمنين وعيناه
تهملان وهو يقول المرء مع من أحب الراهب معنا يوم القيامة.
وفي رواية عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبو محمد الشيباني حدثنا أبو عوانة
عن الأعمش عن أبي سعيد التميمي قال: فسرنا فعطشنا فقال بعض القوم لو رجعنا
فشربنا قال فرجع أناس وكنت فيمن رجع قال فالتمسنا فلم نقدر على شئ فأتينا الراهب
قال فقلنا: أين العين التي ههنا؟ قال: أية عين! قلنا: التي شربنا منها واستقينا وسقينا
فالتمسناها فلم نجدها، قال الراهب: لا يستخرجها إلا نبي أو وصي، قال الحميري:
ولقد سرى فيما يسير بليلة * بعد العشاء بكربلا في موكب
حتى اتى متبتلا في قائم * القى قواعده بقاع مجدب
يأتوه ليس بحيث يلقى عامرا * إلا الوحوش وغير أصلع أشيب
فدنا فصاح به فأشرف ماثلا * كالنسر فوق شظية من مرتب
123

هل قرب قائمك الذي يؤته * ماء يصاب فقال ما من مشرب
إلا بغاية فرسخين ومن لنا * بالماء بين تفاوت في سبسب
فثنى الأعنة نحو وعث فاجتلى * ملساء تبرق كالجين المذهب
قال اقلبوها انكم ان تقلبوا * ترووا ولا تروون ان لم تقلب
فاعصوصبوا في قلعها فتمنعت * منهم تمنع صعبة لم تركب
حتى إذا أعيتهم أهوى لها * كفا متى ترم المغالب تغلب
فكأنها كرة بكف حزور * عبل الذراع دحابها في ملعب
قال اشربوا من تحتها متسلسلا * عذبا يزيد على الألذ الأعذب
حتى إذا شربوا جميعا ردها * ومضى فخلت مكانها لم يقرب
أعني ابن فاطمة الوصي ومن يقل * من فضله وفعاله لم يكذب
وله أيضا:
من قال للماء افجري فتفجرت * ما كلفت كفا له محفارا
حتى تروى جنده من مائها * لما جرى فوق الحضيض وفارا
وبكربلا آثار أخرى قبلها * أحيى بها الأنعام والأشجارا
واتاه راهبها فأسلم طائعا * معه واثنى الفارس المغورا
وقال ابن حماد:
من صاحب الجب إذا وفى بعسكره * فلم يزل قاصدا للجب مجتتابا
حتى إذا ما اروه رج صخرته * فخاله القوم بالمدحاة لعابا
وقال السروجي:
وصخرة الراهب عن قليبه * اقلبها كمثل شئ يحتقر
حتى إذا ما شربوا أوردها * إلى المكان عاجلا بلا ضجر
فأبصر الراهب امرا قد علا * عن بشر يفعل افعال القدر
آمن بالله تعالى وأتى * إلى الامام تارك الدين ستر
تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام ان أبي بن أبي سلول وجد بن قيس اتخذا
له دعوة عند حائط بستان ثلاثون ذراعا طوله في خمسة وعشرين ذراعا سمكه في ذراعين
غلظه وفتشا عن أصلها وأوقفا رجالا خلف الحايط فتلقاه عليه السلام بيسراه حتى أكل وأكلوا
وقالوا في تعبه فقال عليه السلام: لست أجد له من التعب بيساري إلا أقل ما أجده من ثقل
124

هذه اللقمة بيميني.
ومنه قلع باب خيبر، روى أحمد بن حنبل عن مشيخته عن جابر الأنصاري ان
النبي صلى الله عليه وآله دفع الراية إلى علي عليه السلام في يوم خيبر بعد ان دعا له فجعل يسرع السير
وأصحابه يقولون له ارفق حتى انتهى إلى الحصن فاجتذ بابه فألقاه على الأرض ثم
اجتمع منا سبعون رجلا وكان جهدهم ان أعادوا الباب.
أبو عبد الله الحافظ باسناده إلى أبي رافع: لما دنا علي من القموص اقبلوا يرمونه
بالنبل والحجارة فحمل حتى دنا من الباب فاقتلعه ثم رمى به خلف ظهره أربعين ذراعا
ولقد تكلف حمله أربعون رجلا فما أطاقوه، قال الحميري:
والقى باب حصنهم بعيدا * ولم يك يستقل بأربعينا
أبو القاسم محفوظ البستي في كتاب الدرجات انه حمل بعد قتل مرحب عليهم
فانهزموا إلى الحصن فتقدم إلى باب الحصن وضبط حلقته وكان وزنها أربعين منا وهز
الباب فارتعد الحصن بأجمعه حتى ظنوا زلزلة ثم هزه أخرى فقلعه ودحا به في الهواء
أربعين ذراعا.
أبو سعيد الخدري: وهز حصن خيبر حتى قالت صفية: قد كنت جلست على
طاق كما تجلس العروس فوقعت على وجهي فظننت الزلزلة فقيل هذا علي هز الحصن
يريد ان يقلع الباب. وفي حديث ابان عن زرارة عن الباقر عليه السلام: فاجتذبه
اجتذابا وتترس به ثم حمله على ظهره واقتحم الحصن اقتحاما واقتحم المسلمون
والباب على ظهره.
وفي الارشاد قال جابر ان عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه
ففتحوها وانهم جربوه بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا، رواه أبو الحسن الوراق
المعروف بغلام المصري عن ابن جرير الطبري التاريخي، وفي رواية جماعة خمسون
رجلا، وفي رواية احمد سبعون رجلا.
ابن جرير الطبري صاحب المسترشد: انه حمله بشماله وهو أربعة اذرع في خمسة
أشبار في أربع أصابع عمقا حجرا اصلد دون يمينه فاثرت فيه أصابعه وحمله بغير
مقبض ثم تترس فضارب الاقران حتى هجم عليهم ثم رجه من ورائه أربعين ذراعا.
قال ديك الجن:
سطا يوم بدر بأبطاله * وفي أحد لم يزل يحمل
125

وعن باسه فتحت خيبر * ولم ينجها بابها المقفل
دحا أربعين ذراعا به * هزبر به دانت الاشبل
وفي رامش اقراني كان طول الباب ثمانية عشر ذراعا وعرض الخندق عشرون
فوضع جانبا على طرف الخندق وضبط جانبا بيده حتى عبر عليه العسكر وكانوا
ثمانية آلاف وسبعمائة رجل وفيهم من كان يتردد ويخف عليه.
وقد رج باب الحصن عنه بكفه * وظل لأجساد اليهود ويهبر
وعبر جيش العزمن فوق زنده * وما مسه منه هناك تضجر
أبو عبد الله الجذلي قال له عمر: لقد حملت منه ثقلا، فقال: ما كان إلا مثل
جنتي التي في يدي. وفي رواية ابان: فوالله ما لقى علي من الباس تحت الباب أشد
ما لقى من قلع الباب.
الارشاد لما انصرفوا من الحصون اخذه علي يمناه فدحا به أذرعا من الأرض
وكان الباب يغلقه عشرون رجلا منهم.
علي بن الجعد عن شعبة قتادة عن الحسن عن ابن عباس في خبر طويل وكان
لا يقدر على فتحه إلا أربعون رجلا.
تاريخ الطبري قال أبو رافع: سقط من شماله ترسه فقلع بعض أبوابه وتترس بها
فلما فرغ عجز خلق كثير عن تحريكها.
روض الجنان قال بعض الصحابة: ما عجبنا يا رسول الله من قوته في حمله ورميه
واتراسه وإنما عجبنا من اجساره واحدى طرفيه على يده فقال النبي صلى الله عليه وآله كلاما معناه
يا هذا نظرت إلى يده فانظر إلى رجليه، قال: فنظرت إلى رجليه فوجدتهما مملقتين
فقلت هذا أعجب رجلاه على الهواء، فقال صلى الله عليه وآله: ليستا على الهواء وانهما على جناحي
جبرئيل، فأنشأ بعض الأنصار يقول:
ان امرءا حمل الرتاج بخيبر * يوم اليهود بقدرة لمؤيد
حمل الرتاج رتاج باب قموصها * والمسلمون وأهل خيبر شهد
فرمى به ولقد تكلف رده * سبعون كلهم له متسدد
ردوه بعد تكلف ومشقة * ومقال بعضهم لبعض ازرد
وقال الناشي:
والباب حين دحا به عن حصنهم * عشرين باعا في الفضا دكداك
126

وقال الوراق:
علي رمى باب المدينة خيبر * ثمانين شبرا وافيا لم يثلم
وقال ابن حماد:
أم من دحا باب القموص ومن علا * في الحرب مرحب بالحسام القاضب
وقال ابن مكي:
فهزها فاهتز من حولهم * حصنا بنوه حجرا جلمدا
ثم دحا الباب على نبذة * تمسح خمسين ذراعا عددا
وعبر الجيش على راحته * حيدرة الطاهر لما وردا
وقال العوني:
ودنا إلى الباب المشيد وهزه * هزا رأيت الأرض منه ترجف
ورواية أخرى بان دحى به * سبعين باعا والقتام مسجف
وقال الحميري:
واذكر تحمله الديار ولا تكن * ليهود خيبر لا تكون نسيا
حمل الرتاج رتاج باب قموصها * فحسبته يمشي بها بختيا
ما رده سبعون حتى الهثوا * سبعون موتنف الشباب قويا
وقال ابن علوية:
أمن أقل لخيبر الباب الذي * أعيى به نفرا من الأعوان
هل مد حلقته فصير متنه * ترسا يقل به شبا القضبان
ترسا يصك به الوجوه بملتقى * حرب بها حمى الوطيس عوان
وقال ابن زريك:
والباب لما دحاه وهو في سغب * من الصيام وما يخفى تعبده
وقلقل الحصن فارتاع اليهود له * وكان أكثرهم عمدا يفنده
نادى بأعلى العلى جبريل ممتدحا * هذا الوصي وهذا الطهر احمده
وقال الزاهي:
واقتلع الباب اقتلاعا معجزا * يسمع في دويه ارتجاسه
كأنه شرارة لموقد * أخرجها من ناره مقياسه
127

وقال تاج الدولة:
واقتلع الباب غداة خيبر * فكبر الناس به وقد دحا
وقالت الاملاك لا سيف سوى * سيف علي وسواه لا فتى
وعبر الجيش على راحته * والباب جسرا فوق يمناه بدا
وقال شاعر آخر:
ودحا الباب بكف صافحت * كف جبرائيل من غير اختلال
فتباهت به املاك العلى * وهي في أفلاكها عن ذي الجلال
وهذا كله خرق العادة ولا يتيسر إلا لنبي أو وصي نبي، وإذا لم يجز أن يكون
نبيا لا بد أن يكون وصيا.
فصل: في معجزاته في نفسه
ومن عجايبه طول ما لقى من الحروب، لم ينهزم قط، ولم ينله فيها شين ولا
جراح سوء، ولم يبارز أحدا إلا ظفر به، ولا نجا من ضربته أحد فصلح منها، ولم
يفلت منه قرن، ولم يخرج في حروبه إلا وهو ماش يهرول طوال الدهر بغير جند
إلى العدو، وما قدمت راية قوتل تحتها علي إلا انقلبوا صاغرين، قال الحميري:
ما أم يوم الوغى زحفا برايته * إلا تضعضع ثم انصاع منهزما
أو بل مفرق من لم ينجه هرب * بأبيض منه من دم الفلاة دما
أو نال مهجته طعنا بنافذة * نجلا نفرغ من تحت الحجاب فما
ويروى وثبته أربعون ذراعا إلى عمرو ورجوعه إلى خلف عشرون ذراعا وذلك
خارج عن العادة.
وروي ضربته على رجليه وقطعهما بضربة واحدة مع ما كان عليه من الثياب
والسلاح. وروي انه ضرب مرحب الكافر يوم خيبر على رأسه فقطع العمامة والخوذة
والرأس والحلق وما عليه من الجوشن من قدام وخلف إلى أن قده بنصفين ثم حمل
على سبعين الف فارس فبددهم وتحير الفريقان من فعله فانهزموا إلى الحصن، واصل
مشهد البوق عند رحبة الشام انه عليه السلام اخبر ان الساعة خرج معاوية في خيله من
" المناقب ج 2، م 16 "
128

دمشق وضرب البوق وسمع ذلك من مسيرة ثمانية عشر يوما وهو خرق العادة.
قال أبو العباس:
وحيال رحبة مالك اصغي إلى * نعرات بوق في دمشق يقعقع
فاهتز من طرب وقال لصحبه * هذا ابن هند للرحيل لمزمع
ومنه الدكة المشهورة في الكوفة التي يقال إنه رأى منها مكة وسلم عليها وذلك
مثل قولكم يا سايرة الخيل، ومسجد المجذاف في الرقة وهو انه لما طلب الزواريق لحمل
الشهداء قالوا الزواريق ترعى فقال عليه السلام: كلامكم غث وقمصانكم رث لا شد الله بكم
صنعا ولا أشبعكم إلا على قتب، وعمل جايزة عظيمة بمنزلة المجذاف وحمل الشهداء عليها
فخربت الرقة وعمرت الرافقة ولا يزالون في ضنك العيش.
وروت الغلاة انه عليه السلام صعد إلى السماء على فرس وينظر إليه أصحابه وقال: لو
أردت لحملت إليكم ابن أبي سفيان، وذلك نحو قوله تعالى (ورفعناه مكانا عليا).
وخرج عن أبي زهرة وقطع مسيرة ثلاثة أيام بليلة واحدة وأصبح عند الكفار
وفتح عليه فنزل (والعاديات ضبحا).
وروي انه رمي إلى حصن ذات السلاسل في المنجنيق ونزل على حايط الحصن وكان
الحصن قد شد على حيطانه سلاسل فيها غراير من تبن أو قطن حتى لا يعمل فيها المنجنيق إذا
رمى الحجر، فقالت الغلاة: فمر في الهواء والترس تحت قدميه ونزل على الحايط
وضرب السلاسل ضربة واحدة فقطعها وسقطت الغراير وفتح الحصن، وروت الغلاة
انه نزلت فيه وظنوا انهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا
وذلك أن صح مثل صعود الملائكة ونزولهم واسراء النبي صلى الله عليه وآله قال العوني
من الذي إلى الذين حسبوا * حصونهم مانعة من الردى
من حيث لم يحتسبوا فأيقنوا * لما أتى ان الحمام قد أتى
وقال السروجي:
وسار عنها بعد ذا مرتحلا * في يومه عن المسير ما فتر
حتى أتى الحصن على شاهقه * يظنه الناظر نجما قد زهر
وما له باب سوى سلسلة * ترخى مع الصبح وفي الليل نحر
فلم يجد منه النبي حيلة * وضلت الأفكار فيه قد تحر
رمى إلى ذاك عليا في الهوى * بالمنجنيق في أمان المقتدر
129

وكانت الرمية غير واصل * فمر يمشي في الهوا حتى انحدر
فجدل الابطال فيه بعدما * صار إلى الدين الحنيفي نفر
هذا وفي حصن الغراب قد جرى * معركة مرامها صعب الخطر
فحاز أموالا وخيلا وإما * غير أسير في الجبال قد قطر
ويوم تكريت إلى قلعتها * من جانب الماء لنقب قد حفر
ومر في الجرف إليها طالعا * وكان عند القوم من ذاك خبر
فبادروه عاجلا بصخرة * لها دوي الصوت عند المنحدر
فردها بكفه ثم ارتقى * في مطلع ما بين ضيق ووعر
فاستسلموا لما رأوا فعاله * تجل قدرا عن أفاعيل البشر
تفسير أبي محمد الحسن العسكري انه رأى عليا عليه السلام ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري
في بئر عادية ورجال يرمونه بالأحجار فوقع فيها فقالوا أردنا واحدا فصار اثنين
فأرسلوا صخرة مقدار مائتي من فاحتضنه علي وجعل رأس ثابت إلى صدره وانحنى
عليه فوقعت الصخرة على مؤخر رأس علي فما كانت إلا كترويحة بمروحة ثم أرسلوا
ثانية وثالثة ثم قالوا لو كان لهما مائة الف روح ما بخت واحدة منها فأذن الله لشفير
البئر فانحط ولقرار البئر فارتفع فخرجا سالمين، قال خطيب منبج:
ومن كانت له بالشعب مما * أتاه الجن فيه راجمينا
فظلله المطرق جبرئيل * وميكائيل خير مظللينا
وفيه انه أرادت الفجرة ليلة العقبة قتل النبي صلى الله عليه وآله ومن بقي في المدينة قتل علي
فلما تبعه وقص عليه بغضاءهم فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى
الخبر، فخفروا له حفيرة طويلة وغطوها فلما انصرف وبلغها أنطق الله فرسه فقال:
سر بإذن الله، فطفرت ثم أمر بكشفه فرأى عجبا.
مسند أحمد وفضايله، وسنن ابن ماجة قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: كان
أمير المؤمنين يلبس في البرد الشديد الثوب الرقيق وفي الحر الشديد القبا والثوب الثقيل وكان
لا يجد الحر والبرد فكان صلى الله عليه وآله دعا له يوم خيبر فقال: كفاك الله الحر
والبرد، وفي رواية: اللهم قه الحر والبرد، وفي رواية: اللهم اكفه الحر والبرد،
قال الأصفهاني:
أمن له في الحر والبرد استوت * منه بنعمة ربه الألحان
130

فتراه يلبس في الشتاء غلالة * وتراه طول الصيف في خفتان
هل كان ذاك لامة من قبله * أو بعده فأبانه العصران
وقال الصاحب:
وكم دعوة للمصطفى فيه حققت * وآمال من عادى الوصي خوائب
فمن رمد آذاه جلاه داعيا * لساعته والريح في الحرب عاصب
ومن سطوة للحر والبرد دوفعت * بدعوته عنه وفيها عجايب
وقال له عليه السلام يوناني أعالج صفارك ولا علاج في دقة ساقيك فسأله عليه السلام عما يزيد
في الصفار. فقال: شعرتان من هذا وقدر حبة منه تقتل، قال: كم هذا؟ قال: قدر
مثقالين، فتناوله وقمحه فعرق وجعل الرجل يرتعد فتبسم عليه السلام وقال: يا عبد الله
أصح ما كنت بدنا الآن لم يضرني ما زعمت أنه سم فغمض عينيك، فغمض ثم قال:
افتح عينيك، ففتح ونظر إلى وجه علي فإذا هو ابيض احمر فقال: زال الصفار
بسمك، ثم ضرب بيده على أسطوانة عظيمة على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه
وفوقه حجرتان فاحتملها مع الحيطان فغشى على اليوناني فلما أفاق قال عليه السلام: هذه
قوة الساقين الدقيقين.
وروى حبيب بن حسن العتكي عن جابر الأنصاري قال: صلى بنا أمير المؤمنين
صلاة الصبح ثم اقبل علينا فقال: معاشر الناس أعظم الله أجركم في أخيكم سلمان
فقالوا في ذلك فلبس عمامة رسول الله ودراعته واخذ قضيبه وسيفه وركب على العضباء
وقال لقنبر: عد عشرا، قال ففعلت فإذا نحن على باب سلمان.
قال زاذان: فلما أدرك سلمان الوفاة فقلت له: من المغسل لك؟ قال: من غسل
رسول الله، فقلت: انك في المداين وهو بالمدينة، فقال: يا زاذان إذا شددت لحيتي
تسمع الوجبة، فلما شددت لحيته سمعت الوجبة وأدركت الباب فإذا أنا بأمير المؤمنين
فقال: يا زاذان قضى أبو عبد الله سلمان؟ قلت: نعم يا سيدي، فدخل وكشف الرداء
عن وجهه فتبسم سلمان إلى أمير المؤمنين فقال له: مرحبا يا أبا عبد الله إذا لقيت
رسول الله فقل له ما مر على أخيك من قومك، ثم اخذ في تجهيزه فلما صلى عليه كنا
نسمع من أمير المؤمنين تكبيرا شديدا وكنت رأيت معه رجلين فقال: أحدهما جعفر
أخي والآخر الخضر عليهما السلام ومع كل واحد منهما سبعون صفا من الملائكة في
كل صف الف الف ملك، قال أبو الفضل التميمي:
131

سمعت مني يسيرا من عجايبه * وكل امر علي لم يزل عجبا
أدريت في ليلة سار الوصي إلى * أرض المداين لما ان لها طلبا
فألحد الطهر سلمانا وعاد إلى * عراص يثرب والاصباح ما قربا
كآسف قبل رد الطرف من سبأ * بعرش بلقيس وافى تخرق الحجبا
في آصف لم تقل أأنت بلى * انا بحيدر غال أورد الكذبا
إن كان احمد خير المرسلين فذا * خير الوصيين أوكل الحديث هبا
وقلت ما قلت من قول الغلاة فما * ذنب الغلاة إذا قالوا الذي وجبا
وقد ذكرنا مصارعته مع إبليس واخذه عند الحرم، ومحاربته الجن عند وادي
بني المصطلق، وفي بئر ذات العلم، وغير ذلك، وقال الأديب العادي:
من كان صنو النبي غير علي * من غسل الطهر ثم واراها
من كان جبريل معه بل يقدمه * وكان ميكال وسط بيداها
من قاتل الجن في القليب ترى * من قلع الباب ثم أرادها
من شيل في المنجنيق ثم دحا * غير علي وقد تولاها
وقد خطا في السماء مبتسما * ثم ملا حصنهم بقتلاها
حتى أدانوا واثبتوا جزعا * ان إله السماء مولاها
وقال ابن حماد:
حدث بلا حرج عن الليث الذي * تفنى لهيبته الليوث وتخشع
حدث ولا حرج عن البحر الذي * فيه عجايب كلها مستبدع
كم كربة قد فرجتها كفه * عن وجه احمد والقوارع تقرع
وبذكره عرج الأمين مناديا * في الأفق يجهر بالنداء ويصدع
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا على المستعد الأصلع
لو رام يذبل كاد يذبل رهبة * أو رام رضوي لاثنى يتضعضع
ما قام قائم سيفه في كفه * إلا رأيت له الفوارس تركع
سيف مضاربه الغوارب ماله * إلا يد العالي علي مطلع
أسد فرايسه الفوارس في الوغى * وكذا حماه هو الحمى المتشرع
ومن كثرة فضله وفرط معجزاته ما غلوا فيه ولولا مباينته لجميع الأمة بالبينونة
التي لا نلحق والفضيلة التي لا تدرك والأعجوبة التي لا تنال ما كان مخصوصا من الغلو
132

والافراط في القول، قال شاعر:
يا ويل نصابة الأنام لقد * تتابعوا في الضلال بل تاهوا
قاسوا عتيقا بحيدر سخنت * عيونهم بالذي به فاهوا
كم بين من شك في هدايته * وبين من قيل إنه الله
فصل: في انقياد الحيوانات له
ابن وهبان والفتاك: مضينا بغابة فإذا بأسد بارك في الطريق واشباله خلفه
فلويت بدابتي لارجع فقال عليه السلام: إلى أين؟ أقدم يا جويرية بن مسهر إنما هو كلب الله
ثم قال: (وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها) الآية، فإذا بالأسد قد اقبل نحوه
فتبصص بذنبه وهو يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته يا ابن عم
رسول الله، فقال: وعليك السلام يا أبا الحارث ما تسبيحك؟ فقال: أقول سبحان من
ألبسني المهابة وقذف في قلوب عباده مني المخافة.
الباقر عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام لجويرية بن مسهر وقد عزم على الخروج أما
انه سيعرض لك في طريقك الأسد، قال: فما الحيلة؟ فقال: تقرأه السلام وتخبره
اني أعطيتك منه الأمان، فبينما هو يسير إذ أقبل نحوه أسد فقال، يا أبا الحارث ان
أمير المؤمنين عليه السلام يقرأك السلام وانه قد آمنني منك قال: فولى وهمهم خمسا فلما
رجع حكى ذلك لأمير المؤمنين فقال عليه السلام: فإنه قال لك فاقرأ وصي محمد مني السلام،
وعقد بيده خمسا، وذكر ذلك المفضل.
الشيباني نحو ذلك عن جويرية: ورأي أسدا اقبل نحوه يهمهم ويمسح برأسه
الأرض فتكلم معه بشئ فسئل عنه عليه السلام فقال: انه يشكو الحبل ودعا لي وقال:
لا سلط الله أحدا منا على أوليائك. قال ابن عضد الدولة:
من كلم الثعبان إذ كلمه * والليث قد كلمه ليث الشرى
وقال آخر:
وجاءه الجان على منبر * الكوفة يسعى سعي مستأثر
وقال ابن علوية:
أو يعلمون وما البصير كذى العمى * تأويل آية قصة الثعبان
إذ جاء وهو على مراتب منبر * يعطي العباد مبارك العيدان
133

فأسر نجواه إليه ولم يروا * من قبل ذاك مناجيا للجان
سال الحكومة بين حزبي قومه * عنه ودان لحكمه الحزبان
عمرو بن حمزة العلوي في فضايل الكوفة انه كان أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم
في محراب جامع الكوفة إذ قام بين يديه رجل للوضوء فمضى نحو رحبة الكوفة يتوضأ
فإذا بأفعى قد لقيه في طريقه ليلتقمه فهرب من بين يديه إلى أمير المؤمنين فحدثه بما
لحقه في طريقه فنهض أمير المؤمنين حتى وقف على باب الثقب الذي فيه الأفعى فأخذ
سيفه وتركه في باب الثقب وقال: ان كنت معجزة مثل عصى موسى فأخرج الأفعى،
فما كان إلا ساعة حتى خرج يساره ثم رفع رأسه إلى الاعرابي وقال إنك ظننت اني
رابع أربعة لما قمت بين يدي، فقال: هو صحيح، ثم لطم على رأسه واسلم.
قال الوراق:
علي مناجي الأفعوان وجيشه * حواليه من جاث إليه وجثم
في الامتحان عمار بن ياسر وجابر الأنصاري: كنت مع أمير المؤمنين في البرية
فرأيته قد عدل عن الطريق فتبعته فرأيته ينظر إلى السماء ثم يتبسم ضاحكا فقال:
أحسنت أيها الطير إذ صفرت بفضله. فقلت له مولاي ابن الطير؟ فقال: في الهواء
تحب ان تراه وتسمع كلامه؟ فقلت: نعم يا مولاي، فنظر إلى السماء ودعا بدعاء خفي
فإذا الطير يهوي إلى الأرض فسقط على يد أمير المؤمنين فمسح يده على ظهره فقال:
انطق بإذن الله وانا علي بن أبي طالب، فأنطق الله الطير بلسان عربي مبين فقال:
السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فرد عليه وقال له: من أين مطعمك
ومشربك في هذه الفلاة القفراء التي لا نبات فيها ولا ماء، فقال: يا مولاي إذا جعت
ذكرت ولايتكم أهل البيت فاشبع وإذا عطشت فأتبرا من أعدائكم فأروى، فقال:
بورك فيك بورك فيك وطار، مثل قوله تعالى: (يا أيها الناس علمنا منطق الطير)،
قال الصاحب:
أفي الطير لما قد دعا فأجابه * وقد رده عني غبي موارب
أفي يوم خم إذ أشار بذكره * وقد سمع الايصاء جاء وذاهب
محمد بن وهبان الأزدي الديبلي في معجزات النبوة عن البراء بن عازب في خبر عن
أمير المؤمنين انه عبر في السماء خبط من الإوز طايرا على رأس أمير المؤمنين فصرصرن
وصرخن فقال أمير المؤمنين قد سلمن على وعليكم فتغامز أهل النفاق بينهم فقال
134

أمير المؤمنين يا قنبر ناد بأعلى صوتك: أيها الإوز أجيبوا أمير المؤمنين وأخا رسول
رب العالمين، فنادى قنبر بذلك فإذا الطير ترفرف على رأس أمير المؤمنين فقال: قل لها
أنزلن فلما قال لها رأيت الإوز وقد ضربت بصدورها إلى الأرض حتى صارت في
صحن المسجد على ارض واحدة فجعل أمير المؤمنين يخطبها بلغة لا نعرفها وهن يلززن
بأعناقهن إليه ويصرصرن ثم قال لهن: انطقن بإذن الله العزيز الجبار، قال: فإذا هن
ينطقن بلسان عربي مبين: السلام عليك يا أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين. الخبر.
وهذا كقوله تعالى (يا جبال اوبي معه والطير).
علل الشرايع عن علي بن حاتم القزويني باسناده عن الأعمش عن إبراهيم بن علي
ابن أبي طالب ان أمير المؤمنين عليه السلام خرج ذات يوم فوقف على الفرات وقال:
يا هناش، فاطلع الجري رأسه فقال له علي عليه السلام: من أنت؟ قال: انا من أمة بني
إسرائيل عرضت علي ولايتكم فلم اقبلها فمسخت جريا.
المعجزات والروضة ودلايل ابن عقدة، أبو إسحاق السبيعي والحارث الأعور
رأينا شيخا باكيا وهو يقول: أشرفت على المائة وما رأيت العدل إلا ساعة، فسئل
عن ذلك فقال: انا حجر الحميري وكنت يهوديا ابتاع قدمت يوما نحو الكوفة
فلما سرت بالقبة بالمسجد فقدت حمري فدخلت الكوفة إلى الأشتر فوجهني إلى أمير المؤمنين
فلما رآني قال: يا أخا اليهود ان عندنا علم البلايا والمنايا ما كان وما يكون أخبرك أم
تخبرني بماذا جئت؟ فقلت: بل تخبرني، فقال: اختلست الجن مالك في القبة فما تشاء؟
قلت: ان تفضلت علي أمنت بك فانطلق معي حتى إذا أتى القبة وصلى ركعتين
ودعا بدعاء وقرأ (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) الآية، ثم قال
يا عبد الله ما هذا العبث والله ما على هذا بايعتموني وعاهدتموني يا معشر الجن، فرأيت مالي
يخرج من القبة فقلت: اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله واشهد ان
عليا ولي الله ثم اني لما قدمت الآن وجدته مقتولا، قال ابن عقدة: ان اليهودي من
سورات المدينة، قال الوراق القمي:
علي دعا جنا بكوفان ليلة * وقد سرقوا مال اليهودي عهرم
على نقض عهد أو برد متاعه * فردوا عليه ماله لم يقسم
وحكى محمد بن الحنفية انقضاض غراب على خفه وقد نزعه ليتوضأ وضوء الصلاة
فانساب فيه اسود فحمله الغراب حتى صار به في الجو ثم ألقاه فوقع منه الأسود ووقاء
135

الله من ذلك، وفي الأغاني أنه قال المدايني: ان السيد الحميري وقف بالكناس وقال:
من جاء بفضيلة لعلي بن أبي طالب لم أقل فيها شعرا فله فرسي هذا وما علي، فجعلوا
يحدثونه وينشدهم فيه حتى روى رجل عن أبي الرعل المرادي انه قدم أمير المؤمنين
فتطهر للصلاة فنزع خفه فانسابت فيه أفعى فلما دعا ليلبسه انقضى غراب فحلق به ثم
ألقاه فخرجت الأفعى منه، قال: فأعطاه السيد ما وعده وأنشأ يقول:
الا يا قوم للعجب العجاب * لخف أبي الحسين وللحباب
عدو من عداة الجن عبد * بعيد في المرارة من صواب
كريه اللون اسود ذو بصيص * حديد الناب ازرق ذو لعاب
اتى خفا له فانساب فيه * لينهش رجله منها بناب
فقض من السماء له عقاب * من العقبان أو شبه العقاب
فطار به فحلق ثم أهوى * به للأرض من دون السحاب
فصك بخفه فانساب منه * وولى هاربا حذر الحصاب
فدوفع عن أبي حسن علي * نقيع سمامه بعد انسياب
وله أيضا:
كمن في خف الوصي حية * سبسبها الراقي فيه بالحيل
فأرسل الله إليه ملكا * في صورة الطير الغداف المنحجل
فحلق الخف واحداق الورى * تراه في حجر الغداف معتقل
حتى هوى من جوفه نضاضة * تنضح سما باللعاب المنسدل
وقال الرضي:
أما في باب خيبر معجزات * تصدق أو مناجاة الحباب
أرادت كيده والله يأبى * فجاء النصر من قبل الغراب
فطار به فحلق ثم أهوى * يصك الأرض من دون السحاب
وقال الناشي:
ومن في خفه طرح الأعادي * حبابا كي تلسعه الحباب
فحين أراد لبس الخف وافى * تمانعه من الخف الغراب
" المناقب ج 2، م 17 "
136

وطار به واقلبه وفيه * حباب في الصعيد له انسياب
وقال ابن علوية:
كقصة الأفعى التي في خفه * كمنت ومنها تصرف النابان
رقشاء تنفث بالسموم ضئيلة * صماء عادية لها قرنان
يدعى الحباب ولو تفهم امره * من عابني تهوى الوصي شقاني
ماذا دعاه إلى الولوج لخيبة * وضلالة في ذلك الشيخان
لما تيمم لبسه ألوى به * في الجو منقض من الغربان
حتى إذا ارتفعا به وتقلبا * أهواه مثل مكابد حردان
فهوى هوي الريح بين فروجه * متقطعا قلقا على الصوان
كتاب هواتف الجن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن الحارث عن أبيه
قال: حدثني سلمان الفارسي في خبر: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم مطير ونحن
ملتفتون نحوه فهتف هاتف: السلام عليك يا رسول الله، فرد عليه السلام وقال: من
أنت؟ قال: عرفطة بن شمر أخ أحد بني نجاح، قال: اظهر لنا رحمك الله في صورتك
قال سلمان: فظهر لنا شيخ أزب أشعر قد لبس وجهه شعر غليظ متكاثف قد واراه
وعيناه مشقوقتان طولا وفمه في صدره فيه أنياب بادية طوال وأظفاره كمخالب
السباع فقال الشيخ: يا نبي الله ابعث معي من يدعو قومي إلى الاسلام وانا أرده إليك
سالما، فقال النبي: أيكم يقوم معه فيبلغ الجن عني وله الجنة؟ فلم يقم أحد فقال ثانية
وثالثة فقال علي عليه السلام: أنا يا رسول الله، فالتفت النبي صلى الله عليه وآله إلى الشيخ فقال: وافني
إلى الحرة في هذه الليلة أبعث معك رجلا يفصل حكمي وينطق بلساني ويبلغ الجن
عني، قال: فغاب الشيخ ثم أتى في الليل وهو على بعير كالشاة ومعه بعير آخر كارتفاع
الفرس فحمل النبي عليا عليه وحملني خلفه وعصب عيني وقال: لا تفتح عينيك حتى
تسمع عليا يؤذن ولا يروعك ما ترى فإنك آمن، فسار البعير فدفع سايرا يدف كدفيف
النعام وعلي يتلو القرآن فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر اذن علي وأناخ البعير وقال:
انزل يا سلمان، فحللت عيني ونزلت فإذا أرض قوراء فأقام الصلاة وصلى بنا ولم أزل
اسمع الحس حتى إذا سلم علي التفت فإذا خلق عظيم وأقام علي يسبح ربه حتى طلعت
الشمس ثم قام خطيبا فخطبهم فاعترضته مردة منهم فاقبل علي عليه السلام فقال: أبا لحق
تكذبون وعن القرآن تصدفون وبآيات الله تجحدون، ثم رفع طرفه إلى السماء فقال:
137

اللهم بالكلمة العظمى والأسماء الحسنى والعزائم الكبرى والحي القيوم ومحيي الموتى
ومميت الاحياء ورب الأرض والسماء يا حرسة الجن ورصدة الشياطين وخدام الله
الشرهاليين وذوي الأرحام الطاهرة اهبطوا بالجمرة التي لا تطفأ والشهاب الثاقب
والشواظ المحرق والنحاس القاتل بكهيعص والطواسين والحواميم ويس ونون والقلم
وما يسطرون والذاريات والنجم إذا هوى والطور وكتاب مسطور في رق منشور
والبيت المعمور والاقسام العظام ومواقع النجوم لما أسرعتم الانحدار إلى المردة المتولعين
المتكبرين الجاحدين آثار رب العالمين. قال سلمان: فأحسست بالأرض من تحتي ترتعد
وسمعت في الهواء دوبا شديدا ثم نزلت نار من السماء صعق كل من رآها من الجن
وخرت على وجوهها مغشيا عليها وسقطت أنا على وجهي فلما أفقت إذا دخان يفور
من الأرض فصاح بهم علي: ارفعوا رؤسكم فقد أهلك الله الظالمين، ثم عاد إلى خطبته
فقال: يا معشر الجن والشياطين والعيلان وبني شمراخ وآل نجاح وسكان الآجام
والرمال والقفار وجميع شياطين البلدان اعلموا ان الأرض قد ملئت عدلا كما كانت
مملوة جورا هذا هو الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون، فقالوا: آمنا بالله
ورسوله وبرسول رسوله، فلما دخلنا المدينة قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: ماذا صنعت؟
قال: أجابوا وأذعنوا، وقص عليه خبرهم فقال: لا يزالون كذلك هائبين إلى يوم
القيامة، قال ابن حماد:
وليلة الجن مضى * وبينهم امضى القضا
حتى إذا الفجر أضا * اقبل محمود السرى
وقال الزاهي:
من هبط الجب ولم يخش الردى * والماء منحل السقاء فجاسه
من أحرق الجن برجم شهبه * اشوظه يقدمها نحاسه
حتى انثنت لامره مذعنة * ومنهم بالعوذا احتراسه
وقال الوراق القمي:
علي دعى الجن في أرض يثرب * على دين ذي الآلاء حي هلمم
علي فرى يوم القليب بسيفه * جماجم كفار لهاميم ظلم
وحدثني أبو منصور باسناده والأصفهاني باسناده إلى رجل قال: كنت انا وعلي
ابن أبي طالب بصفين فرأيت بعيرا من إبل الشام جاء وعليه راكبه وثقله فألقى ما عليه
138

وجعل يتخلل الصفوف حتى انتهى إلى علي عليه السلام فوضع مشفره ما بين رأس علي
ومنكبه وجعل يحركها بجرانه فقال علي: والله انها لعلامة بيني وبين رسول الله،
قال: فجد الناس في ذلك اليوم واشتد قتالهم.
وحدثني أبو العزيز كادش العكبري باسناد أورده: ان رجلا من ناحية اذربيجان
كان له إبلا قد استصعبت عليه فجاء إلى أمير المؤمنين فأخبره بذلك وشكا إليه فقال عليه السلام
إذا انصرفت فصر إلى الموضع الذي هي فيه وقل اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة
وأهل بيته الذين اخترتهم على علم على العالمين اللهم فذلل لي صعوبتها وحرانها واكفني
شرها فإنك الكافي المعافى والغالب القاهر، فانصرف الرجل فلما كان من قابل عاد
ومعه جملة من أثمانها قد حمله إلى أمير المؤمنين فقال عليه السلام له: انها لما صرت إليها جاءتك
لائذة خاضعة ذليلة فأخذت بنواصيها واحدا فواحدا قال: صدقت يا أمير المؤمنين
كأنك كنت حاضرا معي فتفضل علي بقبول ما جئتك به، فقال: امض راشدا بارك
الله لك فيه فبورك للرجل في ماله حتى ضاق عليه رحاب بلده.
وفي حديث عمار لما ارسل النبي عليا إلى مدينة عمان في قتال الجلندي بن كركرة
وجرى بينهما حربا عظيما وضربا وجيعا دعا الجلندي بغلام يقال له الكندي وقال له:
ان أنت خرجت إلى صاحب العمامة السوداء والبغلة الشهباء فتأخذه أسيرا أو تطرحه
مجدلا عفيرا أزوجك ابنتي التي لم أنعم لأولاد الملوك بزواجها، فركب الكندي الفيل
الأبيض وكان مع الجلندي ثلاثون فيلا وحمل بالافيلة والعسكر على أمير المؤمنين فلما
نظر الإمام عليه السلام إليه نزل عن بغلته ثم كشف عن رأسه فأشرقت الفلاة طولا وعرضا
ثم ركب ودنا من الافيلة وجعل يكلمها بكلام لا يفهمه الآدميون وإذا بتسعة وعشرين
فيلا قد دارت رؤسها وحملت على عسكر المشركين وجعلت تضرب فيهم يمينا وشمالا
حتى أوصلتهم إلى باب عمان ثم رجعت وهي تتكلم بكلام يسمعه الناس يا علي كلنا نعرف
محمدا ونؤمن برب محمد إلا هذا الفيل الأبيض فإنه لا يعرف محمدا ولا آل محمد، فزعق
الامام زعقته المعروفة عند الغضب المشهورة فارتعد الفيل ووقف فضربه الامام
بذي الفقار ضربة رمى رأسه عن بدنه فوقع الفيل إلى الأرض كالجبل العظيم واخذ
الكندي من ظهره فأخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله فارتقى على السور فنادى أبا الحسن هبه لي
فهو أسيرك فأطلق علي سبيل الكندي فقال: يا أبا الحسن ما حملك على اطلاقي؟ قال:
ويلك مد نظرك، فمد عينيه فكشف الله عن بصره فنظر النبي على سور المدينة وصحابته
139

فقال: من هذا يا أبا الحسن؟ فقال: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: كم بيننا وبينه؟
قال: مسيرة أربعين يوما، فقال: يا أبا الحسن ان ربكم رب عظيم ونبيكم نبي كريم
مد يدك فأنا اشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وقتل علي الجلندي وغرق في
البحر منهم خلقا كثيرا وقتل منهم كذلك وأسلم الباقون وسلم الحصن إلى الكندي
وزوجه بابنة الجلندي واقعد عندهم قوما من المسلمين يعلموهم الفرايض.
وفي حديث صالح بن سماعة الطائي أنه قال: اعرابي اتاه من تيم مع القارصي بعدما
سأله مسائل اني قدمت بابن لي ألتمس له جملا من العلم فلقنه خبرا، قال عليه السلام: ادن
يا غلام قال الغلام فأمد يده على ذؤابتيه فلا أنسى برد جهضتها على أم دماغيه قال لي أتعلم؟
قلت: بأبي وما أعلم؟ قال: من ربك؟ قلت: الله ربي، قال: من نبيك؟ قلت: محمد
قال: فأين قبلتك؟ قلت: ها هي ذه تجاهيه وأومأت إلى الكعبة، قال لي: أجب
الصلاة إذا غربت في اليوباء واذكر ربك ناشيا وان ركبت الجلعباء، ثم تركني فنهضت
مع أبيه حتى قدمنا الحي وما شئ أحب إلي من الصلاة ثم سالت عن القارصي قال:
ذاك علي بن أبي طالب.
وأخذ عليه السلام البيعة على الجن بوادي العقيق بأن لا يظهروا في رحالتنا وجواد
المسلمين، وقضى منه ومن رسول الله وضلت مائة ناقة حمراء تنظر في سواد وترعى
في سواد فشكت الجن مأكلهم فقال: أوليس قد أبحت لكم الثيل والعظام، قالوا:
يا أمير المؤمنين على أن لا يستجمر بها، فقال: لكم ذلك، فقالوا: يا أمير المؤمنين فان
الشمس تضر بأطفالنا، فأمر أمير المؤمنين الشمس ان ترجع فرجعت واخذ عليها
العهد ان لا نضر بأولاد المؤمنين من الجن والإنس. ومنه الحديث الملك الذي تضمن
كلمة ابن حماد وهي:
ولقد غدا يوما إلى الهادي إذا * بالباب معترضا شجاع أقرع
فسعى إلى مولاي يلحس ثوبه * كالمستجير به يلوذ ويضرع
حتى إذا بصر النبي بكمه * ويذوده بالرفق عنه ويدفع
ناداه رفقا يا علي فان ذا * ملك له من ذي المعارج موضع
أخطأ فاهبط من علو مكانه * فأتى بجاهك شافعا يستشفع
فادع الاله له ليغفر ذنبه * واشفع فإنك شافع ومشفع
فدعا علي والنبي وأخلصا * فعلا الشجاع يصيح وهو مجعجع
140

لله من عبدين ليس لربنا * عبدان أوجه منهما أو أطوع
وله أيضا:
ومن ناجاه ثعبان عظيم * بباب الطهر ألقته السحاب
رآه الناس فانجفلوا برعب * وأغلقت المسالك والرحاب
فلما ان دنا منه علي * تدانى الناس وانحشد الحباب
فكلمه علي مستطيلا * فأقبل لا يخاف ولا يهاب
ورنا رنة وأنساب فيه * يقول وقد نستره الثياب
انا ملك مسخت وأنت مولى * دعاؤك ان مننت به عجاب
اتيتك تائبا فاشفع إلى من * إليه من جنابتي المتاب
فأقبل داعيا وأتى اخوه * يؤمن في الدعاء له انسكاب
فلما ان أجيب أظل يعلو * كما يعلو لدى الجو العقاب
نبته بريش طاووس عليه * جواهر زانها التبر المذاب
يقول لقد نجوت بأهل بيت * بهم يصلى لظى وبهم يثاب
وقال الصنوبري:
وشافع الملك الراجي شفاعته * إذ جاءه ملك في خلق ثعبان
وقال ابن مكي:
ألم تبصروا الثعبان مستشفعا به * إلى الله والمعصوم يلحسه لحسا
فعاد كطاووس يطير كأنه * تعشرم في الاملاك فاستوجب الحبسا
تفسير أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام لما ناظرت اليهود عليا عليه السلام في النبوة
نادى جمال اليهود أيتها الجمال اشهدي لمحمد ووصيه فنطقت جمالهم وثيابهم كلها
صدقت يا علي ان محمدا رسول الله وانك يا علي حقا وصيه، فآمن بعضهم وخزي
آخرون فنزل (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) الكتاب أمير المؤمنين
والمتقين شيعته.
أبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في شأن علي عليه السلام بالاسناد عن مقاتل عن
محمد بن الحنفية عن أمير المؤمنين قوله تعالى (انا عرضنا الأمانة) عرض الله أمانتي على
السماوات السبع بالثواب والعقاب فقلن ربنا لا تحملنا بالثواب والعقاب لكنها نحملها
بلا ثواب ولا عقاب، وان الله عرض أمانتي وولايتي على الطيور فأول من آمن بها
141

البزاة البيض والقنابر وأول من جحدها اليوم والعنقا فلعنهما الله تعالى من بين الطيور
فاما البوم فلا تقدر ان تظهر بالنهار لبعض الطير لها واما العنقا فغابت في البحار لا ترى
وان الله عرض أمانتي على الأرضين فكل بقعة آمنت بولايتي جعلها طيبة زكية وجعل
نباتها وثمرها حلوا عذبا وجعل ماؤها زلالا وكل بقعة جحدت إمامتي وأنكرت
ولايتي جعلها سبخا وجعل نباتها مرا علقما وجعل ثمرها العوسج والحنظل وجعل
ماءها ملحا أجاجا، ثم قال: (وحملها الانسان) يعني أمتك يا محمد ولاية أمير المؤمنين
وإمامته بما فيها من الثواب والعقاب انه كان ظلوما لنفسه جهولا لأمر ربه من لم
يؤدها بحقها فهو ظلوم غشوم.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ولد حرام
والطيور المختارة عندنا خمس: الزاغبي والورشان والقنبرة والهدهد والبوم،
والسبب في سكونها الخراب انه لما قتل الحسين عليه السلام درأت عليه وقالت: لا سكنت
بين قوم يقتلون ابن رسول الله، ودخلت الخراب، قيل:
يا بومة القبة الخضراء قد انست * روحي بقربك إذ يستبشع اليوم
ويا مثيرة اشجاني بنغمتها * حاشاك ما فيك تشويه ولا شوم
زهدت في زخرف الدنيا فأسكنك * الزهد الخراب فمن بذممك مذموم
ففي جبينك في وقت الظلام وقد * نام الأنام دليل الشوق مرسوم
تاريخ البلاذري قال أبو سحيلة: مررت انا وسلمان بالربذة على أبي ذر فقال:
انه سيكون فتنة فان أدركتموها فعليكم بكتاب الله وعلي بن أبي طالب فاني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: علي أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهو
يعسوب المؤمنين، وقال النبي: يا علي أنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين.
أبو الفرج في حديث ان المعلى بن طريف قال: ما عندكم في قوله تعالى (وأوحى
ربك إلى النحل) فقال بشار: النحل المعهود؟ قال: هيهات يا أبا معاذ النحل بنو هاشم
(يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) يعني العلم.
الرضا عليه السلام في هذه الآية قال: النبي علي أميرها فسمي أمير النحل، ويقال:
ان النبي صلى الله عليه وآله وجه عسكرا إلى قلعة بني ثعل فحاربهم أهل القلعة حتى نفذت أسلحتهم
فأرسلوا إليهم كواز النحل فعجز عسكر النبي عنها فجاء علي فذلت النحل له فلذلك سمي
أمير النحل، وروي انه وجد في غار نحل فلم يطيقوا به فقصده على وشال منه عسلا
142

كثيرا فسماه رسول الله أمير النحل واليعسوب، ويقال هو يعسوب الآخرة وهذا
في الشرف في أقصى ذروته، واليعسوب ذكر النحل وسيدها ويتبعه ساير النحل،
قال أبو حنيفة الدينوري: متى عجز اليعسوب عن الطيران حملته النحل حملا وبقية
النحل لا تعسل بعده وجعل يطير في وجه الأرض، قال السروجي:
والنحل أضحى لعلي طايعا * ممتثلا لامره لما انزجر
والصحيح انه انزل الله تعالى الملائكة النحليين فكان أميرهم، قال العوني:
علي أمير النحل والنحل جنده * فهل لك علم بالأمير وبالنحل
وقال الوراق:
علي وبيت الله آية أحمد * ويعسوب دين المؤمن المتحرم
وقال الصاحب:
أيعسوب دين الله صنو نبيه * ومن حبه فرض من الله واجب
مكانك من فوق الفراقد لايح * ومجدك من أعلى السماك مراقب
وسيفك في جيد الأعالي قلايدا * قلايد يعكف عليهن ثاقب
فصل: في طاعة الجمادات له
روى أبو بكر بن مردويه في المناقب، وأبو إسحاق الثعلبي في تفسيره: وأبو
عبد الله النطنزي في الخصايص، والخطيب في الأربعين، وأبو احمد الجرجاني في
تاريخ جرجان رد الشمس لعلي عليه السلام، ولأبي بكر الوراق كتاب طرق من روى رد
الشمس، ولأبي عبد الله الجعل مصنف في جواز رد الشمس، ولأبي القاسم الحسكاني
مسالة في تصحيح رد الشمس وترغيم النواصب الشمس، ولأبي الحسن الشاذان
كتاب بيان رد الشمس على أمير المؤمنين.
وذكر أبو بكر الشيرازي في كتابه بالاسناد عن شعبة عن قتادة عن الحسن
البصري عن أم هاني هذا الحديث مستوفى ثم قال: قال الحسن عقيب هذا الخبر وانزل
الله عز وجل آيتين في ذلك قوله تعالى (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد
ان يذكر أو أراد شكورا) يعني هذا يخلف هذا لمن أراد ان يذكر فرضا أو نام عليه
أو أراد شكورا. وانزل أيضا: (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل)
وذكر ان الشمس ردت عليه مرارا، الذي رواه سلمان، ويوم البساط، ويوم
143

الخندق، ويوم حنين، ويوم خيبر، ويوم قرقيساء، ويوم براثا، ويوم الغاضرية،
ويوم النهروان، ويوم بيعة الرضوان، ويوم صفين، وفي النجف، وفي بني مازر،
وبوادي العقيق، وبعد أحد وروى الكليني في الكافي انها رجعت بمسجد الفضيخ
من المدينة، واما المعروف مرتان في حياة النبي صلى الله عليه وآله بكراع الغميم وبعد وفاته ببابل
فأما في حال حياته عليه السلام ما روت أم سلمة وأسماء بنت عميس وجابر الأنصاري وأبو ذر
وابن عباس والخدري وأبو هريرة والصادق عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله صلى بكراع
الغميم فلما سلم نزل عليه الوحي وجاء علي عليه السلام وهو على ذلك الحال فأسنده إلى ظهره
فلم يزل على تلك الحال حتى غابت الشمس والقرآن ينزل على النبي فلما تم الوحي قال
يا علي صليت؟ قال: لا، وقص عليه فقال: ادع ليرد الله عليك الشمس فسال الله
فردت عليه بيضاء نقية، وفي رواية أبي جعفر الطحاوي ان النبي قال: اللهم ان عليا
كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس، فردت فقام علي وصلى فلما
فرغ من صلاته وقعت الشمس وبدر الكواكب، وفي رواية أبي بكر مهرويه
قالت أسماء: أما والله لقد سمعنا لها عند غروبها صريرا كصرير المنشار في الخشب
قال: وذلك بالصهباء في غزاة خيبر، وروي انه صلى ايماء فلما ردت الشمس أعاد
الصلاة بأمر رسول الله، وسئل الصاحب ان ينشد في ذلك فأنشأ:
لا تقبل التوبة من تائب * إلا بحب ابن أبي طالب
أخي رسول الله بل صهره * والصهر لا يعدل بالصاحب
يا قوم من مثل علي وقد * ردت عليه الشمس من عايب
وقال المفجع البصري:
وعلي إذ نال رأس رسول * الله من حجره وسادا وطيا
إذ يخال النبي لما أتاه * الوحي مغمى عليه أو مغشيا
فتراخت عنه الصلاة ولم يوقظه * إلى أن كان شخصه منحيا
فدعا ربه فأنجزه الميعاد * من كان وعده مأتيا
قال هذا أخي بحاجة ربي * لم يزل شطر يومه مغشيا
فاردد الشمس كي يصلي في الوقت * فعاد العشي بعد مضيا
وقال الحميري:
ردت عليه الشمس لما فاته * وقت الصلاة وقد دنت للمغرب
" المناقب ج 2، م 18 "
144

حتى تبلج نورها في أفقها * للعصر ثم هوت هوي الكوكب
وعليه قد ردت ببابل مرة * أخرى وما ردت لخلق معرب
إلا ليوشع أو له من بعده * ولردها تأويل أمر معجب
وله أيضا:
فلما قضى وحي النبي دعا له * ولم يك صلى العصر والشمس تنزع
فردت عليه الشمس بعد غروبها * فصار لها في أول الليل مطلع
وله أيضا:
علي عليه ردت الشمس مرة * بطيبة يوم الوحي بعد مغيب
وردت له أخرى ببابل بعد * ما افت وتدلت عينها لغروب
وقال ابن حماد:
قرن الاله ولائه بولائه * لما تزكى وهو حان يركع
سماه رب العرش نفس محمد * يوم البهال وذاك مالا يدفع
فالشمس قد ردت عليه بخيبر * وقد ابتدت زهر الكواكب تطلع
وببابل ردت عليه ولم يكن * والله خير من علي يوشع
وقال علي بن أحمد:
وغدير خم ليس ينكر فضله * إلا زنيم فاجر كفار
من ذا عليه الشمس بعد مغيبها * ردت ببابل نبئن يا حار
وعليه قد ردت ليوم المصطفى * يوما وفي هذا جرت اخبار
حاز الفضايل والمناقب كلها * أنى يحيط بمدحه الاشعار
واما بعد وفاته عليه السلام ما روى جويرية بن مسهر وأبو رافع والحسين بن علي عليه السلام
ان أمير المؤمنين لما عبر الفرات ببابل صلى بنفسه في طائفة معه العصر ثم لم يفرغ الناس
من عبورهم حتى غربت الشمس وفات صلاة العصر من الجمهور فتكلموا في ذلك فسأل
الله تعالى رد الشمس عليه فردها عليه فكانت في الأفق فلما سلم القوم غابت فسمع لها
وجيب شديد هال الناس ذلك وأكثروا التهليل والتسبيح والتكبير ومسجد الشمس
بالصاعدية من ارض بابل شايع ذابع، وعن ابن عباس بطرق كثيرة انه لم ترد الشمس
إلا لسليمان وصي داود وليوشع وصي موسى ولعلي بن أبي طالب وصي محمد صلوات
الله عليهم أجمعين.
145

قال قدامة السعدي:
رد الوصي لنا الشمس التي غربت * حتى قضينا صلاة العصر في مهل
لا انسه حين يدعوها فتتبعه * طوعا بتلبية هاها على عجل
فتلك آيته فينا وحجته * فهل له في جميع الناس من مثل
أقسمت لا ابتغي يوما به بدلا * وهل يكون لنور الله من بدل
حسبي أبو حسن مولى أدين به * ومن به دان رسل الله في الأول
وقال العوني:
ولا تنس يوم الشمس إذ رجعت له * بمنتشر وادى من النور ممتع
فذلك بالضهيا وقد رجعت له * ببابل أيضا رجعة المتطوع
وقال ابن حماد:
وردت لك الشمس في بابل * فساميت يوشع لما سمى
ويعقوب ما كان أسباطه * كنجليك سبطي نبي الهدى
وقال السروجي:
والشمس لم تعدل بيوم بابل * ولا تعدت امره حين امر
جاءت صلاة العصر والحرب على * ساق فأومى نحوها رد النظر
فلم تزل واقفة حتى قضى * صلاته ثم هوت نحو المقر
وقال غيره:
من لم ترد الشمس بعد نبيه * إلا له بعد الحجاب المسدل
وببابل والقوم فرض دونه * يتقارعون على ورود المنهل
لله معجزة أنت لوليه * بين الملا بعد النبي المرسل
فاما طعن الملاحدة ان ذلك يبطل الحساب والحركات فيجاب بأن الله تعالى ردها
ورد معها الفلك فلا يختلف الحساب والحركات أو يقول بردها ثم يحدث فيها من
السير ما يظهر وتلحق بموضعها ولا يظهر على الفلك وذلك يبني على حدوث العالم واثبات
المحدث، واما اعتراض ابن فورك في كتاب الفصول من تعليق الأصول انه لو كان
ذلك صحيحا لرآه جميع الناس في جميع الأقطار، فالانفصال منه بما أجيب عنه من
اعترض على انشقاق القمر للنبي صلى الله عليه وآله. قال السيد الرضي:
ردت عليه الشمس يحدث ضوئها * صبحا على بعد من الاصباح
146

من قاس ذا شرف به فكأنما * وزن الجبال القود بالأشياح
وقال ابن الحجاج:
سيدي الذي رجعت له * شمس النهار كما أمر
ودعا فطار به البساط * كما روينا في الخبر
وقال ابن حماد:
يا إماما ماله إلا * رسول الله شكل
لم يزل شأنك * عند الله يعلو ويجل
وعليك الشمس ردت * ودجى الليل مطل
وله أيضا:
ردت له الشمس وهو شان * لو علم الناس اي شان
وقال كشاجم:
ومن رد خالقنا شمسه * عليه وقد جنحت للطفل
ولو لم تعد كان في رأيه * وفي وجهه من سناها بدل
وقال الحماني:
أين الذي ردت عليه * الشمس في يوم الحجاب
وأين القسيم النار في * يوم المواقف والحساب
مولاهم يوم الغدير * برغم مرتاب وآب
وقال الصنوبري:
ردت له الشمس في أفلاكها فقضى * صلاته غير ما ساه ولا وان
وقال العوني:
ذاك الذي رجعت شمس النهار له * بعد الأفول كأن الشمس لم تغب
وله أيضا:
إمامي كليم الشمس بعد غروبها * فردت له من بعدما غربت عصرا
وله أيضا:
إني انا عبد لمن ردت له * شمس الضحى عند الغروب فانحرف
ردت له حتى أقام فريضة * للظهر صلى والضيا لم ينكشف
147

وقال الصاحب:
كان النبي مدينة العلم التي * حوت الكمال وكنت أفضل باب
ردت عليك الشمس وهي فضيلة * ظهرت فلم تستر بكف نقاب
وله أيضا:
أول الناس صلاة * جعل التقوى جلاها
ردت الشمس عليه * بعد ما غاب سناها
وقال الأصفهاني:
أمن عليه الشمس ردت بعدما * كسى الظلام معاطف الجدران
حتى قضى ما فات من صلواته * في دبر يوم مشرق ضحيان
والناس من عجب رأوه وعاينوا * يترجحون ترجح السكران
ثم انثنت لمغيبها منحطة * كالسهم طار بريشة الظهران
وقال الحميري:
أم من عليه الشمس كرت بعدما * غربت والبسها الظلام شعارا
حتى تلافى العصر في أوقاتها * والله آثره بها ايثارا
تمت توارت بالحجاب حثيثة * جعل الاله لسيها مقدارا
وقال أبو الفضل الإسكافي:
من ذا له شمس النهار تراجعت * بعد الأفول وقد تقضى المطلع
حتى إذا صلى الصلاة لوقتها * أفلت ونجم عشا الأخيرة تطلع
في دون ذلك للأنام كفاية * من فضله ولدى البصيرة مقنع
وقال ابن رزيك:
من ردت الشمس من بعد المغيب له * فأدرك الفضل والاملاك تشهده
وقال ابن الرومي:
وله عجايب يوم سار بجيشه * يبغي لقصد النهروان المخرجا
ردت عليه الشمس بعد غروبها * بيضاء تلمع وقدة وتأججا
وقال غيره:
من له آخى النبي المصطفى * يوم خم بالوفا دون الاهال
وله معجزة مشهورة * حين رد الشمس من بعد الزوال
148

وقال آخر:
لا ومن أمري ونهي * وحيائي في يديه
لا تواليت سوى من * ردت الشمس عليه
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام عن جابر قال: كلمت الشمس علي بن أبي طالب
سبع مرات: فأول مرة قالت له: يا إمام المسلمين اشفع لي إلى ربي أن لا يعذبني،
والثانية قالت له مرني احرق مبغضيك فاني أعرفهم بسيماهم، والثالثة ببابل وقد فانته
العصر فكلمها وقال لها ارجعي إلى موضعك فأجابته بالتلبية، والرابعة قال: يا أيتها الشمس
هل تعرفين لي خطيئة؟ قالت: وعزة ربي لو خلق الله الخلق مثلك لم يخلق النار،
والخامسة فإنهم اختلفوا في الصلاة في خلافة أبي بكر فخالفوا عليا فتكلمت الشمس
ظاهرة فقالت: الحق له وبيده ومعه، سمعته قريش ومن حضره، والسادسة حين
دعاها فأتته بسطل من ماء الحياة فتوضأ للصلاة فقال لها: من أنت؟ فقالت: أنا
الشمس المضيئة، والسابعة عند وفاته حين جاءت وسلمت عليه وعهد إليها وعهدت إليه
وحدثني ابن شيرويه الديلمي وعبدوس الهمداني والخطيب الخوارزمي من
كتبهم، وأجازني جدي الكيا شهرآشوب ومحمد الفتال من كتب أصحابنا نحو ابن
قولويه والكشي والعبد كي عن سلمان وأبي ذر وابن عباس وعلي بن أبي طالب انه لما
فتح مكة وانتهيا إلى هوازن قال النبي صلى الله عليه وآله: قم يا علي وانظر كرامتك على الله كلم
الشمس إذا طلعت فقام علي فقال: السلام عليك أيتها العبد الدائب في طاعة الله ربه
فأجابته الشمس وهي تقول: وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه وحجة الله على
خلقه فانكب علي ساجدا شكرا لله تعالى فأخذ رسول الله يقيمه ويمسح وجهه وقال
قم يا حبيبي فقد أبكيت أهل السماء من بكائك وباهى الله بك حملة عرشه ثم قال: الحمد
لله الذي فضلني على سائر الأنبياء وأيدني بوصية سيد الأوصياء ثم قرأ (وله أسلم من
في السماوات والأرض طوعا وكرها) الآية، قال الناشي:
مكلم الشمس بما * قال لها رب السما
تسمع منه الكلما * وهي له تقاول
وقال العوني:
إمامي كليم الشمس راجع نورها * فهل لكليم الشمس في القوم من مثل
149

وقال ابن حماد:
فرد حين اظلمت * شمس الضحى وسلمت
عليه إذ تكلمت * بكل ما يجلو الغشا
وله أيضا:
ورجعت الشمس حين تكلمت * وأبدت من أسماء الامام حامها
وله أيضا:
من كلمته الشمس لما سلمت * جهرا عليه وكل شئ يسمع
يا أولا يا آخرا يا ظاهرا * يا باطنا في الحجب سرا مودع
وقال ابن هاني المغربي:
والشمس حاسرة القناع وودها * لو تستطيع الأرض التقبيلا
وعلي أمير المؤمنين غمامة * نشأت تظلل تاجه تظليلا
ومديرها من حيث شاء وطالما * زاحت تحت ظلاله جبريلا
ومنه ما تضمن كلمة ابن حماد:
روى عن ميثم التمار * في مسنده الأكبر
بأن الشمس لم تطلع * لنا عشرا ولم تظهر
فجئنا نسأل المرسل * ما للشمس لم تظهر
فقال المصطفى * أخبركم يا أيها المعشر
علي كان بالعتب * على فاطم مستشعر
فغابت عنكم الشمس * رضاء للفتى حيدر
فلما أن رضى عادت * ولو لم يرض لم تظهر
وأصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر ففزع إلى علي عليه السلام أصحابه فقعد علي
على تلعة وقال: كأنكم قدها لكم، وحرك شفتيه وضرب الأرض بيده ثم قال: مالك
اسكني، فسكنت ثم قال: أنا الرجل الذي قال الله تعالى (إذا زلزلت الأرض) الآيات
فأنا الانسان الذي أقول لها (مالك يومئذ تحدث اخبارها) إياي تحدث. وفي خبر
آخر أنه قال: لو كانت الزلزلة التي ذكرها الله في كتابه لأجابتني ولكنها ليست
بتلك. وفي رواية سعيد بن المسيب وعباية بن ربعي ان عليا عليه السلام ضرب الأرض
برجله فتحركت فقال: اسكني فلم يأن لك، ثم قرأ (يومئذ تحدث اخبارها).
150

شكا أبو هريرة إلى أمير المؤمنين شوق أولاده فأمره عليه السلام بغض الطرف فلما
فتحها كان في المدينة في داره فجلس فيها هنيئة فنظر إلى علي في سطحه وهو يقول:
هلم ننصرف، وغض طرفه فوجد نفسه في الكوفة فاستعجب أبو هريرة فقال
أمير المؤمنين: ان آصف أورد تختا من مسافة شهرين بمقدار طرفة عين إلى سليمان
وأنا وصي رسول الله صلى الله عليه وآله.
وروي عن الصادق عن أبيه عليه السلام قال: عرض لعلي بن أبي طالب خصومة
فجلس في أصل جدار فقال رجل: يا أمير المؤمنين الجدار يقع، فقال له علي: امض
كفى الله حارسا، فقضى بين الرجلين وقام وسقط الجدار.
ووجد عليه السلام مؤمنا لازمه منافق بالدين فقال: اللهم بحق محمد وآله الطاهرين لما
قضيت عن عبدك هذا الدين، ثم أمره بتناول حجر ومدر فانقلبت له ذهبا أحمر فقضى
دينه وكان الذي بقي أكثر من مائة ألف درهم. وروى جماعة عن خالد بن الوليد أنه قال
: رأيت عليا يسرد حلقات درعه بيده ويصلحها فقلت هذا كان لداود عليه السلام فقال
يا خالد بنا لان الحديد لداود فكيف لنا.
صالح بن كيسان وابن رومان رفعاه إلى جابر الأنصاري قال: جاء العباس إلى
علي عليه السلام يطالبه بميراث النبي صلى الله عليه وآله فقال له: ما كان لرسول الله شئ يورث إلا بغلته
دلدل وسيفه ذو الفقار ودرعه وعمامته السحاب وأنا أربى بك أن تطالب بما ليس لك
فقال: لا بد من ذلك وأنا أحق عمه ووارثه دون الناس كلهم، فنهض أمير المؤمنين
ومعه الناس حتى دخل المسجد ثم أمر باحضار الدرع والعمامة والسيف والبغلة فأحضر
فقال للعباس: يا عم ان أطقت النهوض بشئ منها فجميعه لك فان ميراث الأنبياء
لأوصيائهم دون العالم ولأولادهم فإن لم تطق النهوض فلا حق لك فيه، قال: نعم:
فالبسه أمير المؤمنين الدرع بيده والقى عليه العمامة والسيف ثم قال: انهض بالسيف
والعمامة يا عم، فلم يطق النهوض فأخذ منه وقال له: انهض بالعمامة فإنها آية من نبينا.
فأراد النهوض فلم يقدر على ذلك وبقى متحيرا ثم قال له: يا عم وهذه البغلة بالباب لي
خاصة ولولدي فان أطقت النهوض ركوبها فاركبها، فخرج ومعه عدوي فقال له:
يا عم رسول الله خدعك علي فيما كنت فيه فلا تخدع نفسك في البغلة إذا وضعت رجلك
في الركاب فاذكر الله وسم واقرأ (ان الله يمسك السماوات والأرض ان تزولا) قال
فلما نظرت البغلة إليه مقبلا مع العباس نفرت وصاحت صياحا ما سمعناه منها قط فوقع
151

العباس مغشيا عليه واجتمع الناس وأمر بامساكها فلم يقدر عليها ثم إن عليا دعا البغلة
باسم ما سمعناه فجاءت خاضعة ذليلة فوضع رجله في الركاب ووثب عليها فاستوى عليها
راكبا فاستدعى ان يركبا الحسن والحسين فأمرهما بذلك ثم لبس علي الدرع والعمامة
والسيف وركبها وسار عليها إلى منزله وهو يقول: هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر
أنا وهما أم تكفر أنت يا فلان، قال الحميري:
رجل حوى إرث النبي محمد * قسما له من منزل الاقسام
بوصية قضيت بها مخصوصة * دون الأقارب من ذوي الأرحام
ولقد دعا العباس عند وفاته * بقبولها فأصبح بالاعدام
فحبا الوصي بها فقام بحقها * لما حباه بها على الأعمام
وله أيضا:
وقد ورث النبي رداه يوما * وبردته ولايكة اللجام
وله أيضا:
وارث السيف والعمامة والراية * مطوية وذات القيود
منه والبغلة التي كان عليها * والحرب يلقاه يوم الوقود
أبو جعفر الطوسي في الأمالي عن أبي محمد الفحام بالاسناد عن أبي مريم عن
سلمان قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وآله إذ أقبل علي بن أبي طالب فناوله النبي حصاة
فلما استقرت الحصاة في كفه نطقت بلا إله إلا الله محمد رسول الله رضيت بالله ربا
وبمحمد نبيا وبعلي وليا، فقال النبي: من أصبح منكم راضيا بولاية علي فقد آمن
خوف الله وعقابه، قال العوني:
من صاحب المنديل والسطل ومن * في كفه سبح لله الحصا
وقال ابن حماد:
من سبحت في كفه بيض الحصا * ليكون ذاك لفضله تبيانا
من فيه انزل هل أتى رب العلى * وجزاه حور العين والولدانا
وقال ديك الجن:
أشنا عليا وتفنيد الغلاة له * وفي غد يعرف الأفاك والأشر
من ذا الذي كلمته البيد والشجر * وسلم الترب إذ ناداه والحجر
" المناقب ج 2، م 19 "
152

حتى إذا أبصر الاحياء من يمن * بربها آمنوا من بعدما كفروا
الحق أبلج والاعلام واضحة * لو آمنت أنفس الشانين أو نظروا
جابر بن عبد الله وحذيفة بن اليمان و عبد الله بن العباس وأبو هارون العبدي
عن عبد الله بن عثمان، وحمدان بن المعافا عن الرضا عليه السلام، ومحمد بن صدقة عن موسى
ابن جعفر عليه السلام، ولقد أنبأني أيضا ابن شيرويه والديلمي باسناده إلى موسى بن جعفر
عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قالوا: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله في طرقات المدينة إذ جعل
خمسة في خمس أمير المؤمنين فوالله ما رأينا خمسين أحسن منهما إذ مررنا على نخل المدينة
فصاحت نخلة أختها هذا محمد المصطفى وهذا علي المرتضى فاجتزناهما فصاحت ثانية بثالثة
هذا نوح النبي وهذا إبراهيم الخليل فاجتزناهما فصاحت ثالثة برابعة هذا موسى واخوه
هارون فاجتزناهما فصاحت رابعة بخامسة هذا محمد سيد النبيين وهذا علي سيد الوصيين
فتبسم النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: يا علي سم نخل المدينة صيحانيا فقد صاحت
بفضلي وفضلك. وروي انه كان البستان لعامر بن سعد بعقيق السفلي، قال ابن حماد
فتكلم النخل الذي في وسطه * بفصاحة تتعجب الثقلان
من نخلة قالت هناك لأختها * هذان أكرم من مشي هذان
هذا ابن عبد الله هذا صنوه * هذا علي العالم الرباني
قد صاح هذا النخل بنشر فضلهم * فلأجل ذلك سمي الصيحاني
الحارث الأعور قال: خرجنا مع أمير المؤمنين عليه السلام حتى انتهينا إلى العاقول
فإذا هو بأصل شجرة وقد وقع عنها لحاها وبقى عودها ثم ضربها بيده ثم قال ارجعي
لي بإذن الله خضراء نضرة مثمرة فإذا هي تهتز بأغصانها حملها الكمثرى فقطعنا منه
وأكلنا وحملنا معنا فلما كان من الغد غدونا إليها فإذا نحن بها خضراء وإذا فيها الكمثرى
ووجه رسول الله صلى الله عليه وآله عليا إلى اليمن للمصالحة فلما أشرف على اليمن فإذا هم بأسرهم
مقبلون مشرعون رماحهم مسنون أسنتهم منتكبون قسيهم شاهرون سلاحهم فنادى
بأعلى صوته: يا شجر يا مدر يا ثرى محمد رسول الله يقرئك السلام، فلم تبق شجرة ولا
مدرة ولا ثرى إلا ارتج بصوت واحد: وعلى محمد رسول الله وعليك السلام،
فاضطربت قوايم القوم وارتعدت ركبهم ووقع السلاح من أيديهم وأقبلوا إليه مسرعين
فاصلح بينهم، قال الزاهي:
مكلم الشمس ومن ردت له * ببابل والغرب منها قد قبط
153

وراكض الأرض ومن أنبع للعسكر ماء العين في الوادي القحط
بحر لديه كل بحر جدول * يغرف من تياره إذا اغتمط
وليث غاب كل ليث عنده * ينظره العقل صغيرا إذ فلط
باسط علم الله في الأرض ومن * بحبه الرحمن للرزق بسط
سيف لو أن الطفل يلقى سيفه * بكفه في يوم حرب لشمط
يخطو إلى الحرب به مدرعا * فكم به قد قد من رجس وقط
ورأي عليه السلام أنصاريا يأكل قشور الفاكهة وقد أخذها من المزبلة فأعرض عنه
لئلا يخجل منه فأتى منزله وأتى إليه بقرصي شعير من فطوره وقال: أصب من هذا
كلما جعت فان الله يجعل فيه البركة فامتحن ذلك فوجد فيه لحما وشحما وحلوا ورطبا
وبطيخا وفواكه الشتاء وفواكه الصيف فارتعدت فرايص الرجل وسقط لوجهه فاقامه
علي عليه السلام وقال: ما شأنك؟ قال: كنت منافقا شاكا فيما يقوله محمد وفيما تقوله أنت
فكشف الله لي عن السماوات والأرض والحجب فأبصرت كلما تعدان به وتواعدان به
فزال عني الشك. وأخذ العدوي من بيت المال ألف دينار فجاء سلمان على لسان
أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: رد المال إلى بيت المال فقد قال الله تعالى (ومن يغلل
يأت بما غل يوم القيامة) فقال العدوي: وما أكثر سحر أولاد عبد المطلب ما عرف
هذا قط أحد واعجب من هذا اني رأيته يوما وفي يده قوس محمد فسحرت منه فرماها
من يده وقال: خذ عدو الله، فإذا هي ثعبان مبين يقصد إلي فحلفته حتى اخذها
وصارت قوسا، قال مهيار:
ولم أدر ان الله أخر آية * له بك في إظهار معجزها سر
فكنت عصى موسى هوت فتلقفت * بآيتها البيضاء ما افك السحر
وقعد علي عليه السلام للحاجة فرأته المنافقون فقال: يا قنبر اذهب إلى تلك الشجرة والتي
تقابلها، وكان بينهما أكثر من فرسخ فناداهما: ان وصي محمد يأمركما ان تتلاصقا،
فانضما بأمره فدارت المنافقون خلفه فأمرهما بالعود فانطلقتا وعادت كل واحدة تفارق
الأخرى بالهزيمة ثم قعد فلما رفع ثوبه أعمى الله أبصارهم.
وأنفذ أمير المؤمنين ميثم التمار في أمر فوقف على باب دكانه فأتى رجل يشتري
التمر فأمره بوضع الدرهم ورفع التمر فلما انصرف ميثم وجد الدرهم بهرجا فقال في ذلك
فقال عليه السلام: فإذا يكون التمر مرا، فإذا هو بالمشتري رجع وقال هذا التمر مر.
154

تفسير الامام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام كتب رجل من الشام إلى أمير المؤمنين
أنا بعيالي مثقل وعليهم انخرجت خائف وبأموالي التي أخلفها ضنين وأحب اللحاق
بك فجد لي يا أمير المؤمنين، فبعث إليه: اجمع أهلك وعيالك وحصل عندهم مالك وصل
على ذلك كله على محمد وآله الطيبين ثم قل: اللهم ان هذا كلها ودايعي عندك بأمر
عبدك ووليك علي بن أبي طالب ثم قم وانهض إلي، ففعل الرجل ذلك وأخبر معاوية
بهزيمته وأمر أن تسبى عياله وينهب ماله فذهبوا فألقى الله عليهم شبه عيال معاوية
وأخص حاشيته ليزيد يقولون نحن أخذنا هذا المال وهو لنا واما عياله فقد استرقيناهم
وبعثناهم إلى السوق، ومسخ الله المال عقارب وحيات فكلما قصد لصوص ليأخذوا
منه لدغوا فمات منهم قوم ومضى آخرون فقال علي عليه السلام يوما للرجل: أتحب أن
يأتيك مالك وعيالك؟ فقال بلى، فقال: اللهم ائت بهم، فإذا هم بحضرة الرجل فأخبروه
بالقصة فقال عليه السلام: ان الله تعالى ربما اظهر آية لبعض المؤمنين ليزيد في بصيرته
ولبعض الكافرين ليبالغ في الاغدار إليه.
واستفاض بين الخاص والعام ان أهل الكوفة فزعوا إلى أمير المؤمنين من الغرق
لما زاد الفرات فاسبغ الوضوء وصلى منفردا ثم دعا الله ثم تقدم إلى الفرات متوكئا
على قضيب بيده حتى ضرب به صفحة الماء وقال: انقص بإذن الله ومشيئته. فغاض الماء حتى
بدت الحيتان فنطق كثير منها بالسلام عليه بإمرة المؤمنين ولم ينطق منها أصناف من
السمك وهي الجري والمارماهي والزمار فتعجب الناس لذلك وسألوه عن علة ما نطق
وصموت ما صمت! فقال: أنطق الله ما طهر من السموك واصمت عني ما حرمه
ونجسه وأبعده. وفي رواية أبي محمد قيس بن أحمد البغدادي وأحمد بن الحسن القطيفي
عن الحسن بن ذكروان الفارسي الكندي انه ضرب بالقضيب فقال: أسكن يا أبا خالد،
فنقص ذراعا فقال: أحسبكم؟ قالوا: زدنا، فبسط وطأه وصلى ركعتين وضرب الماء
ضربة ثانية فنقص الماء ذراعا فقالوا حسبنا يا أمير المؤمنين فقال: والله لو شئت فأظهرت
لكم الحصا، وذلك كحنين الجذع وكلام الذئب للنبي صلى الله عليه وآله، قال العوني:
علي علا فوق الفرات قضيبه * وجنباه بالتيار يلتطمان
ففي الضربة الأولى تقوض شطره * وفي أختها ما فوض الثلثان
وله أيضا:
من خاطب الحيتان لما برزت * مذعنة يوم العراق بالولا
155

من زجر الماء فغاض طايعا * لامره من بعدما كان طغا
وله أيضا:
إمامي فلاق الفرات بعوده * وقالع باب الحصن بالساعد العبل
إمامي ضراب الجماجم في الوغى * مدير رحى الهيجاء بالأسر والقتل
وقال السروجي:
واذكر له يوم الفرات انها * أعجوبة معجزة ذات خطر
لما علاه بقضيب ثم قال * أسكن بمن سبع سماوات فطر
فالتطمت أمواجه في قعره * وغاض ثلثاه وقد كان زخر
ولو ذكرت بالفرات ما جرى * ووقعة البصرة أظهرت العبر
والنهروان ما نزلت ماشيا * ويوم صفين عن القلب خطر
وقال أبو الفتح:
فلما طغى الماء ماء الفرات * زجرت به زجر مستعلم
فعاد إلى الغرب خوف العقاب * ورحت إلى كرم مفعم
وقال الجبري:
والماء حين طغى الفرات فأقبلوا * ما بين باكية إليه وباك
قالوا أغثنا يا وصي المصطفى * فالماء يؤذينا بوشك هلاك
فأتى الفرات وقال يا ارض ابلعي * طوعا بإذن الله طاغي ماك
فأغاضه حتى بدت حصباؤه * من تحت راسخة من الأسماك
وقال ابن رزيك:
وفي الفرات حديث إذ طغى فأتى * كل إليه لخوف الهلك يقصده
فقال للماء غض طوعا فبان لهم * حصباؤه حين وافاه يهدده
وقال خطيب منبج:
وحين طغى الفرات وجاش ملا * وبات له الورى متخوفينا
أتاه فرده وعدا يسيرا * وظل الناس منه آمنينا
وقال غيره:
وأتى الفرات وقد طمت أمواجه * فعلاه ضربا بالعصا غضبانا
فهناك غار لوقته متذللا * وأساخ من أمواجه وألانا
156

واليه اقبل كل ذاك مكلما * حيتانه فاستنطق الحيتانا
وزعم أهل العراق في حديث النجف انه كانت بحيرة تسمى إن جف من
كثرة خريرها فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أن جف، فسمي النجف.
سهل بن حنيف في حديثه انه لما اخذ معاوية مورد الفرات أمر أمير المؤمنين
لمالك الأشتر ان يقول لمن على جانب الفرات: يقول لكم علي اعدلوا عن الماء، فلما قال
ذلك عدلوا عنه فورد قوم أمير المؤمنين الماء واخذوا منه فبلغ ذلك معاوية فأحضرهم
وقال لهم في ذلك فقالوا: ان عمرو بن العاص جاء وقال إن معاوية يأمركم أن تفرجوا
عن الماء فقال معاوية لعمرو: انك لتأني أمرا ثم تقول ما فعلته، فلما كان من غد وكل
معاوية حجل بن عتاب النخعي في خمسة آلاف فانفذ أمير المؤمنين عليه السلام مالكا فنادى
مثل الأول فمال حجل عن الشريعة فأورد أصحاب علي واخذوا منه فبلغ ذلك معاوية
فأحضر حجلا وقال له في ذلك فقال له: ان ابنك يزيد اتاني فقال إنك أمرت بالتنحي
عنه، فقال ليزيد في ذلك فأنكر فقال معاوية: فإذا كان غدا فلا تقبل من أحد ولو
اتيتك حتى تأخذ خاتمي، فلما كان يوم الثالث امر أمير المؤمنين لمالك مثل ذلك فرأى
حجل معاوية واخذ منه خاتمه وانصرف عن الماء وبلغ معاوية فدعاه وقال له في ذلك
فأراه خاتمه فضرب معاوية يده على يده فقال نعم وان هذا من دواهي علي.
وحدثني محمد الشوهاني باسناده انه قدم أبو الصمصام العبسي إلى النبي صلى الله عليه وآله قال
متى يجئ المطر وأي شئ في بطن ناقتي هذه وأي شئ يكون غدا ومتى أموت
فنزل (ان الله عنده علم الساعة) الآيات، فأسلم الرجل ووعد النبي ان يأتي بأهله فقال
اكتب يا أبا الحسن بسم الله الرحمن الرحيم أقر محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم
ابن عبد مناف وأشهد على نفسه في صحة عقله وبدنه وجواز امره ان لأبي ضمضام
العبسي عيه وعنده وفي ذمته ثمانين ناقة حمر الظهور بيض العيون سود الحدق عليها
من طرايف اليمن ونقط الحجاز وخرج أبو الضمضام ثم جاء في قومه بني عبس كلهم
مسلمين وسأل عن النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: قبض، قال: فمن الخليفة من بعده؟ فقالوا:
أبو بكر، فدخل أبو الضمضام المسجد وقال: يا خليفة رسول الله ان لي على رسول الله
ثمانين ناقة حمر الظهور بيض العيون سود الحدق عليها من طرايف اليمن ونقط الحجاز
فقال: يا أخا العرب سالت ما فوق العقل والله ما خلف رسول الله إلا بغلته الدلدل
وحماره اليعفور وسيفه ذا الفقار ودرعه الفاضل اخذها كلها علي بن أبي طالب وخلف
157

فينا فدك فأخذناها بحق ونبينا لا يورث، فصاح سلمان (كردي ونكردي وحق از
أمير المؤمنين ببردي) ردوا العمل إلى أهله، ثم ضرب بيده إلى أبي الضمضام فأقامه
إلى منزل علي بن أبي طالب عليه السلام فقرع الباب فنادى علي: ادخل يا سلمان ادخل أنت
وأبو الضمضام، فقال أبو الضمضام: هذه أعجوبة من هذا الذي سماني باسمي ولم
يعرفني! فعد سلمان فضايل علي فلما دخل وسلم عليه قال: يا أبا الحسن ان لي على
رسول الله ثمانين ناقة، ووصفها فقال علي: أمعك حجة؟ فدفع إليه الوثيقة فقال علي
يا سلمان ناد في الناس ألا من أراد أن ينظر إلى دين رسول الله فليخرج غدا إلى خارج
المدينة، فلما كان الغد خرج الناس وخرج علي عليه السلام وأسر إلى ابنه الحسن عليه السلام سرا
وقال: امض يا أبا الضمضام مع ابني الحسن إلى الكثيب من الرمل، فمضى عليه السلام ومعه
أبو الضمضام فصلى الحسن ركعتين عند الكثيب وكلم الأرض بكلمات لا ندري ما هي
وضرب الكثيب بقضيب رسول الله صلى الله عليه وآله فانفجر الكثيب عن صخرة ململة مكتوب
عليها سطران من نور، السطر الأول: بسم الله الرحمن الرحيم، والثاني: لا إله إلا
الله محمد رسول الله، فضرب الحسن الصخرة بالقضيب فانفجرت عن خطام ناقة فقال
الحسن: اقتد يا أبا الضمضام، فاقتاد أبو الضمضام ثمانين ناقة حمر الظهور بيض العيون
سود الحدق عليها من طرايف اليمن ونقط الحجاز ورجع إلى علي بن أبي طالب فقال
استوفيت يا أبا الضمضام؟ قال نعم، قال: فسلم الوثيقة، فسلمها إلى علي بن أبي طالب
فاخذها وخرقها فقال: هكذا اخبرني أخي وابن عمي رسول الله ان الله عز وجل
خلق هذه النوق في هذه الصخرة قبل ان يخلق ناقة صالح بألفي عام فقال المنافقون:
هذا من سحر علي قليل، قال السيد الحميري:
نفسي فدا لمن قضى لا غيره * دين النبي وانجز الموعودا
فقضى المتاع على الجمال بفضله * من صخرة فاذكر له التمجيدا
من ذا يقاس بفضله وبقدره * أيقس بعبد من يكن معبودا
وقال العبدي:
حملت عمن بغى قدما عليك إلى * أن ظن انك منه غير منتصف
لو شئت تمسخهم في دارهم مسخوا * أو شئت قلت بهم يا ارض فانخسف
لكن لهم مدة ما زلت تعلمها * تقضى إلى اجل إذ ذاك لم تدف
وأين منك مقر الهاربين إذا * قادتهم نحوك الاملاك بالعنف
158

فصل: في أموره مع المرضى والموتى
الباقر عليه السلام: مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرضة فدخل علي عليه السلام المسجد فإذا
جماعة من الأنصار فقال لهم: أيسركم أن تدخلوا على رسول الله؟ قالوا نعم، فاستأذن
لهم فدخلوا فجاء علي وجلس عند رأس رسول الله فأخرج يده من اللحاف وبين صدر
رسول الله فإذا الحمى تنفضه نفضا شديدا فقال: أم ملدم أخرجي عن رسول الله
وانتهزها، فجلس رسول الله وليس به بأس فقال: يا بن أبي طالب لقد أعطيت من
خصال الخير حتى أن الحمى لتفزع منك، وفي مقصورة العبدي:
ويوم عاد المرتضى الهادي وقد * كان رسول الله حم واشتكى
فمس صدر المصطفى بكفه * فكاد أن يحرقها فرط الحمى
فقال يا أخي كذا فعلك بالطهر * فزالت خيفة من الندا
قال النبي الحمد لله لقد * أعطاك ربي يا أخي اهنا العطا
أكل شئ خائف بأسك حتى * هذه الحمى وعوفي وبرا
وله أيضا:
من زالت الحمى عن الطهر به * من ردت الشمس له بعد العشا
من عبر الجيش على الماء ولم * يخش عليه بلل ولا ندا
عبد الواحد بن زيد: كنت في الطواف إذ رأيت جارية تقول لأختها لا وحق
المنتجب بالوصية الحاكم بالسوية العادل في القضية العالي البنية زوج فاطمة المرضية
ما كان كذا، فقلت: أتعرفين عليا؟ قالت: وكيف لا اعرف من قتل أبي بين يديه
في يوم صفين وانه دخل على أمي ذات يوم فقال لها: كيف أنت يا أم الأيتام؟ فقالت
بخير ثم أخرجتني أنا وأختي هذه إليه وكان قد ركبني من الجدري ما ذهب له بصري
فلما رآني تأوه ثم قال:
ما ان تأوهت من شئ رزيت به * كما تأوهت للأطفال في الصغر
قد مات والدهم من كان يكفلهم * في النايبات وفي الاسفار والحضر
ثم أمر يده على وجهي فانفتحت عيني لوقتي واني لأنظر إلى الجمل الشارد في الليلة
الظلماء الخبر، قال ابن مكي:
أما رد كف العبد بعد انقطاعها * أما رد عينا بعدما طمست طمسا
159

تفسير الامام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام في قوله تعالى: (قل يا أيها الذين
هادوا) الآية، ان اليهود قالوا: يا محمد إن كان دعاؤكم مستجابا فادعوا لابن رئيسنا
هذا ليعافيه الله من البرص، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا أبا الحسن ادع الله له بالعافية، فدعا
فعوفي فصار أجمل الناس فشهد الشهادتين فقال أبوه: كان هذا وفاق صحته فادع علي
فقال: اللهم إبله ببلاء ابنه، فصار في الحال أبرص أجذم أربعين سنة آية للعالمين.
الحاتمي باسناده عن ابن عباس انه دخل اسود إلى أمير المؤمنين عليه السلام وأقر انه
سرق فسأله ثلاث مرات قال: يا أمير المؤمنين طهرني فانى سرقت. فأمر عليه السلام بقطع
يده فاستقبله ابن الكواء فقال: من قطع يدك؟ فقال: ليث الحجاز وكبش العراق
ومصادم الابطال المنتقم من الجهال كريم الأصل شريف الفصل محل الحرمين وارث
المشعرين أبو السبطين أول السابقين وآخر الوصيين من آل يس المؤيد بجبرائيل
المنصور بميكائيل الحبل المتين المحفوظ بجند السماء أجمعين ذاك والله أمير المؤمنين
على رغم الراغمين في كلام له، قال ابن الكواء: قطع يدك وتثني عليه! قال:
لو قطعني إربا إربا ما ازددت له إلا حبا، فدخل على أمير المؤمنين واخبره بقصة الأسود
فقال: يا بن الكواء ان محبينا لو قطعناهم إربا إربا ما ازدادوا لنا إلا حبا وان في أعدائنا
من لو العقناهم السمن والعسل ما ازدادوا لنا إلا بغضا، وقال للحسن عليه السلام: عليك
بعمك الأسود، فأحضر الحسن الأسود إلى أمير المؤمنين واخذ يده ونصبها في موضعها
وتغطى بردائه وتكلم بكلمات يخفيها فاستوت يده وصار يقاتل بين يدي أمير المؤمنين
إلى أن استشهد بالنهروان، ويقال كان اسم هذا الأسود أفلح. وقال المشتاق:
فقال له اني جنيت فحدني * ومن بعد حد الله مولاي فاقتلني
فجز يمين العبد من حد قطعها * ومر بها راض على المرتضى يثني
فقال له تمدح لمن لك قاطع * وذا عجب يسري به الناس في المدن
فقال لهم ما كان مولاي جايرا * أقام حدود الله بالعدل وأنصفني
فمروا بنحو المرتضى يخبرونه * فقال نعم استبشروا شيعتي منى
ولو انني قطعتهم في محبتي * لما زال منهم بالولاء أحد عني
فالزق كف العبد مع عظم زنده * وعاد كأيام الرفاهة يستثني
ومر ينادي انني عبد حيدر * على ذاك يحييني الاله ويقبرني
" المناقب ج 2، م 20 "
160

وأبين احدى يدي هشام بن عدي الهمداني في حرب صفين فأخذ علي عليه السلام
يده وقرأ شيئا والصقها فقال يا أمير المؤمنين ما قرأت؟ قال: فاتحة الكتاب، كأنه
استقلها فانفصلت يده بنصفين فتركه علي ومضى، قال ابن مكي:
رددت الكف جهرا بعد قطع * كرد العين من بعد الذهاب
وجمجمة الجلندي وهو عظم * رميم جاربتك عن الخطاب
وروى ابن بابويه في كتابه معرفة الفضايل وكتاب علل الشرايع أيضا عن حيان
ابن سدير عن الصادق عليه السلام وقد سئل لم أخر أمير المؤمنين العصر في بابل؟ قال: انه
لما صلى الظهر التفت إلى جمجمة ملقاة فكلمها أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا أيتها الجمجمة
من أين أنت؟ فقالت: أنا فلان بن فلان ملك بلدال فلان، قال لها أمير المؤمنين،
فقصي على الخبر وما كنت وما كان في عصرك، فأقبلت الجمجمة تقص خبرها وما
كان في عصرها من خير ومن شر فاشتغل بها حتى غابت الشمس فكلمها بثلاثة أحرف
من الإنجيل لئلا يفقه العرب كلامه القصة. وقالت العلاة نادى علي الجمجمة ثم قال:
يا جلندي ابن كراكر أين الشريعة؟ فقال ههنا. فبنى هناك مسجدا وسمي مسجد
الجمجمة وجلندي هذا ملك الحبشة صاحب الفيل الهادم للبيت أبرهة وقال شاعرهم:
من كلم الأموات في يوم الفرات من القبور
إذ قال هل في مائكم عبر لملتمس العبور
قالوا له أنت العليم بكنه تصرف الأمور
فعلام تسال أعظما * رمما على مر الدهور
أنت الذي أنوار قدسك * قد تمكن في الصدور
أنت الذي نصب النبي * لقومه يوم الغدير
أنت الصراط المستقيم * وأنت نور فوق نور
وقالت أيضا: انه نادى لسمكة: يا ميمونة أين الشريعة؟ فأطلعت رأسها من
الفرات وقالت: من عرف اسمي في الماء لا تخفى عليه الشريعة.
أمالي الشيباني قال رشيد الهجري: كنت في بعض الطريق مع علي بن أبي طالب
إذ التفت إلي فقال: يا رشيد أترى ما أرى؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين وانه ليكشف لك
الغطاء مالا يكشف لغيرك، قال: اني أرى رجلا في ثبج من النار يقول: يا علي
استغفر لي، لا غفر الله له.
161

كتاب ابن بابويه وأبي القاسم البستي والقاضي أبو عمرو بن أحمد عن جابر وأنس
ان جماعة تنقصوا عليا عند عمر فقال سلمان: أو ما تذكر يا عمر اليوم الذي كنت فيه
وأبو بكر وانا وأبو ذر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وبسط لنا شملة وأجلس كل واحد
منا على طرف واخذ بيد علي وأجلسه في وسطها ثم قال: قم يا أبا بكر وسلم على علي
بالإمامة وخلافة المسلمين وهكذا كل واحد منا، ثم قال: يا علي سلم على هذا النور
يعني الشمس فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أيتها الآية المشرقة السلام عليك، فأجابت
القرصة وارتعدت وقالت: وعليك السلام، فقال رسول الله اللهم انك أعطيت
لأخي سليمان صفيك ملكا وريحا غدوها شهر ورواحها شهر اللهم ارسل تلك لتحملهم
إلى أصحاب الكهف، فقال علي: يا ريح احملينا، إذا نحن في الهواء فسرنا ما شاء الله
ثم قال: يا ريح ضعينا، فوضعتنا عند الكهف فقام كل واحد منا وسلم فلم يردوا الجواب
فقام علي فقال: السلام عليكم أهل الكهف، فسمعنا: وعليك السلام يا وصي محمد انا
قوم محبوسون ههنا من زمن دقيانوس، فقال لهم: لم لا تردوا سلام القوم؟ فقالوا:
نحن فتية لا نرد إلا على نبي أو وصي نبي وأنت وصي خاتم النبيين وخليفة رسول رب
العالمين، ثم قال: خذوا مجالسكم، فاخذنا مجالسنا ثم قال: يا ريح احملينا، فإذا نحن في
الهواء فسرنا ما شاء الله ثم قال: يا ريح ضعينا، فوضعتنا ثم ركض برجله الأرض فنبعت
عين ماء فتوضأ وتوضأنا ثم قال: ستدركون الصلاة مع النبي أو بعضها، ثم قال:
يا ريح احملينا، ثم قال: ضعينا، فوضعتنا فإذا نحن في مسجد رسول الله وقد صلى من
الغداة ركعة. فقال أنس: فاستشهدني علي وهو على منبر الكوفة فداهنت فقال:
ان كنت كتمتها مداهنة بعد وصية رسول الله إياك فرماك الله ببياض في جسمك
ولظى في جوفك وعمى في عينيك فما برحت حتى برصت وعميت، فكان أنس لا يطيق
الصيام في شهر رمضان ولا غيره.
والبساط أهدوه أهل هربوق، والكهف في بلاد الروم في موضع يقال له
اركدى وكان في ملك باهتدت وهو اليوم اسم الضيعة. وفي خبر ان الكساء أتى
به خطي بن الأشرف أخو كعب فلما رأى معجزات علي عليه السلام أسلم وسماء النبي صلى الله عليه وآله
محمدا، قال خطيب منبج:
ومن حملته ريح الله حتى * أتى أهل الرقيم الراقدينا
ومن نادى بأهل الكهف حتى * أقروا بالولاية مفرحينا
162

وقال العوني:
علي كليم القوم في الكهف فاعلما * وقد صم من شيخا كما الصديان
وله أيضا:
علي طارق الكهف * باعلان واجهار
وله أيضا:
ومن حملته الريح فوق بساطه * فاسمع أهل الكهف حين تكلما
وقال الحميري:
له البساط إذ سرى * وفتية الكهف دعا
فما أجابوا في النداء * سوى الوصي المرتضى
وله أيضا:
سل فتية الكهف الذين اتاهم * فأيقظ في رد السلام منامها
وقال البرقي:
حتى إذا يئسوا جواب سلامهم * قام الوصي إليهم ابداء
قال السلام عليكم من فتية * عبدوا الاله وتابعوا السناء
قالوا عليك من الاله تحية * تهدى إليك ورحمة وضياء
إنا منعنا أن نكلم هاتفا * إلا نبيا كان أو موصاء
وقال الجبري:
والريح إذ مرت فقيل لها احملي * طوعا وصي الله فوق قراك
فجرت رخاء بالبساط مطيعة * أمر الاله حشيشة الايشاك
حتى إذا بلغ الرقيم بصحبة * ليزيل عنهم مرية الشكاك
قال السلام عليكم فتبادروا * بالرد بعد الصمت والامساك
عن غيره فبدت ضغاين صدري * حنق لستر نفاقه هتاك
وقال ابن الاطيس:
وطارق الباب على كهفهم * في الخبر المشهور عن جابر
وقال ابن العضد:
من كلم الفتية في الكهف ولم * يكلموا حقا سواه إذ دعا
163

وقال أبو الفتح:
وفي الكهف منقبة حسنها * على الرغم من معطس الأدلم
غداة يسلم في صحبهم * سلام الصحاة على النوم
فنادوه أجمع عليك السلام * فذاك عظيم لمستعظم
كتاب العلوي البصري ان جماعة من اليمن أتوا النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: نحن من بقايا
الملل المتقدمة من آل نوح وكان لنبينا وصي اسمه سام وخبر في كتابه ان لكل نبي
معجزا وله وصي يقوم مقامه فمن وصيك؟ فأشار بيده نحو علي فقالوا: يا محمد ان
سألناه أن يرينا سام بن نوح فيفعل؟ فقال صلى الله عليه وآله: نعم بإذن الله وقال يا علي قم معهم
إلى داخل المسجد واضرب برجلك الأرض عند المحراب فذهب علي وبأيديهم صحف
إلى أن دخل محراب رسول الله داخل المسجد فصلى ركعتين ثم قام وضرب برجله
الأرض فانشقت الأرض وظهر لحد وتابوت فقام من التابوت شيخ يتلألأ وجهه
مثل القمر ليلة البدر وينفض التراب من رأسه وله لحية إلى سرته وصلى على علي عليه السلام
وقال: اشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله سيد المرسلين وانك علي وصي محمد
سيد الوصيين وانا سام بن نوح، فنشروا أولئك صحفهم فوجدوه كما وصفوه في
الصحف ثم قالوا: نريد ان يقرأ من صحفه سورة، فأخذ في قراءته حتى تمم السورة
ثم سلم على علي ونام كما كان فانضمت الأرض وقالوا بأسرهم: ان الدين عند الله
الاسلام، وآمنوا وأنزل الله (أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي
الموتى) إلى قوله (ينيب).
سلمان (شلقان) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام كانت
له خؤولة في بني مخزوم وان شابا منهم اتاه فقال: يا خال ان أخي وتربي مات وقد حزنت
عليه حزنا شديدا، فقال له: أتشتهي أن تراه؟ قال نعم، قال: فأرني قبره، فخرج
وتقنع برداء رسول الله المستجاب فلما انتهى إلى القبر تكلم بشفتاه ثم ركضه برجله
فخرج من قبره وهو يقول وميكا بلسان الفرس فقال له علي: ألم تمت وأنت رجل
من العرب! فقال: نعم ولكنا متنا على سنة فلان وفلان فانقلبت ألسنتنا. وروي
رواية أخرى تضمنت ابيات الجبري:
واليت حين دعا به في صرصر * فأجابه وأبيت حين دعاكا
164

وقال العوني:
إمامي الذي أحيى بصرصر ميتا * وقالع باب الحصن في وقته قهرا
وله أيضا:
من ذا الذي أحيى له رب العلى * بصرصر ميتا دفينا في الثرى
وله أيضا:
ولاحيائه بصرصر الميت * غلا فيه كالمسيح فريق
وقال المرزكي:
ردت له شمس الضحى بعدما * هوت هوي الكوكب الغابر
وقال آخر:
ثمة أحيى ميتا باليا * فقام منشورا من الحافر
وقال الحميري:
فقال له فرمان عيسى بن مريم * بزعمك يحيي كل ميت ومقبر
فماذا الذي أعطيت قال محمد * لمثل الذي أعطيه ان شئت فانظر
إلى مثل ما أعطي فقالوا لكفرهم * الا أرنا ما قلت غير معذر
فقال رسول الله قم لوصيه * فقام وقدما كان غير مقصر
ورداه بالمنجاب والله خصه * وقال اتبعوه بالدعاء المبرر
فلما اتى ظهر البقيع دعا به * فرجت قبور بالورى لم تغير
فقالوا له يا وارث العلم اعفنا * ومن علينا بالرضى منك واغفر
برئ المرضى واحيي الموتى على أيدي الأنبياء والأوصياء عليهم السلام من فعل
الله تعالى. قال عيسى (وأبرأ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله) وقوله تعالى
(وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني وإذ تخرج الموتى باذني). وقال إبراهيم:
(رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ
أربعة من الطير) الآيات، وقال في عزيرا وارميا (أو كالذي مر على قرية) إلى قوله
(قدير)، وكذلك في قصة بني إسرائيل وهم ألوف حذر الموت فأحياهم.
165

فصل: فيمن غير الله حالهم وهلكهم ببغضه أو شبه
الأعمش عن رواته عن حكيم بن جبير وعن عقبة الهجري عن عمته وعن أبي
يحيى قال: شهدت عليا على منبر الكوفة يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله ورثت نبي
الرحمة ونكحت سيدة نساء أهل الجنة وانا سيد الوصيين وآخر أوصياء النبيين لا يدعي
ذلك غيري إلا اصابه الله بسوء، فقال رجل من عبس لا يحسن ان يقول انا عبد الله
وأخو رسوله. فلم يبرح مكانه حتى تخبطه الشيطان فجر برجله إلى باب المسجد.
العياشي باسناده إلى الصادق عليه السلام في خبر قال النبي صلى الله عليه ونله: يا علي اني سألت الله
ان يوالي بيني وبينك ففعل وسألته ان يواخي بيني وبينك ففعل وسألته ان يجعلك
وصيي ففعل فقال رجل لصاع من تمر في شن بال خير مما سال محمد ربه هلا سأل ملكا
يعضده على عدوه أو كنزا يستغنى به على فاقته فأنزل الله تعالى (فلعلك باخع نفسك)
الآية، وفي رواية أصاب لقائله علة.
أبو بصير عن الصادق عليه السلام لما قال النبي صلى الله عليه وآله يا علي لولا انني أخاف ان يقولوا
فيك ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالة لا تمر يملا من المسلمين إلا
اخذوا التراب من تحت قدمك.
قال الحارث بن عمر الفهري لقوم من أصحابه: ما وجد محمد لابن عمه مثلا إلا
عيسى بن مريم يوشك ان يجعله نبيا من بعده والله ان آلهتنا التي كنا نعبد خيرا منه،
فأنزل الله تعالى (ولما ضرب بن مريم مثلا) إلى قوله (وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها
واتبعوني هذا صراط مستقيم). وفي رواية انه نزل أيضا (ان هو إلا عبد أنعمنا
عليه) الآية. فقال النبي صلى الله عليه وآله: اتق الله وارجع عما قلت من العداوة لعلي بن أبي طالب
فقال: إذا كنت رسول الله وعلي وصيك من بعدك وفاطمة بنتك سيدة نساء العالمين
والحسن والحسين ابناك سيدا شباب أهل الجنة وحمزة عمك سيد الشهداء وجعفر الطيار
ابن عمك يطير مع الملائكة في الجنة والسقاية للعباس عمك فما تركت لساير قريش وهم
ولد أبيك؟! فقال رسول الله ويلك يا حارث ما فعلت ذلك ببني عبد المطلب لكن الله
فعله بهم، فقال: إن كان هذا هو الحق من عندك (فأمطر علينا حجارة من السماء)
الآية، فأنزل الله تعالى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) ودعا رسول الله الحارث
فقال: اما ان تتوب أو ترحل عنا، قال: فان قلبي لا يطاوعني إلى التوبة ولكني
166

ارحل عنك، فركب راحلته فلما أصحر أنزل الله عليه طيرا من السماء في منقاره حصاة
مثل العدسة فأنزلها على هامته وخرجت من دبره إلى الأرض ففحص برجله وانزل الله
تعالى على رسوله (سال سائل بعذاب واقع) للكافرين بولاية علي بن أبي طالب،
قال هذا هذا نزل به جبرئيل عليه السلام، قال العبدي:
شبهه عيسى فصد قومه * كفرا وقالوا ضل فيه واعتدى
فجاءه الوحي بتكذيبهم * وقال ما كان حديثا يفترى
علمه الله الذي كان وما * يكون في العالم جهر وخفى
وقال الحميري:
هو مولاك فاستطار ونادى * ربه باستكانة وانتصاب
رب إن كان ذا هو الحق من * عندك تجزي به عظيم الثواب
رب أمطر من السماء بأحجار * علينا أو آتنا بعذاب
ثم ولى وقال دونكموه * ان ربي مصيبه بشهاب
فاطلبوه إذا تغيب عنكم * فسعوا يطلبونه في الثياب
فإذا شلوه طريح عليه * لعنة الله بين تلك الروابي
زياد بن؟؟؟؟ كنت جالسا في نفر فمر بنا محمد بن صفوان مع عبيد الله بن زياد
فدخلا المسجد ثم رجعا الينا وقد ذهبت عينا محمد بن صفوان فقلنا ما شأنه؟ فقال: انه
قام في المحراب وقال إنه من لم يسب عليا بنية فإنه يسبه بنيته فطمس الله بصره.
وقد رواه عمر بن ثابت عن أبي معشر البلاذري والسمعاني والمطيري والنطنزي
والفلكي انه مر بسعد بن مالك رجل يشتم عليا فقال: ويحك ما تقول! قال: أقول
ما تسمع، فقال: اللهم إن كان كاذبا فأهلكه، فخبطه جمل بختي فقتله.
ابن المسيب: صعد مروان المنبر وذكر عليا عليه السلام فشتمه قال سعيد فهومت عيناي
فرأيت كفا في منامي خرجت من قبر رسول الله صلى الله عليه وآله عاقدة على ثلاث وستين وسمعت
قائلا يقول: يا أموي يا شقي أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم نطفة ثم سواك رجلا،
قال: فما مر بمروان إلا ثلاث حتى مات.
مناقب إسحاق العدل: انه كان في خلافة هشام خطيب يلعن أمير المؤمنين عليه السلام
على المنبر فخرجت كف من قبر رسول الله صلى الله عليه وآله يرى الكف ولا يرى الذراع عاقدة على
ثلاث وستين وإذا كلام من قبر النبي: ويلك من أموي أكفرت بالذي خلقك من
167

تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا، وألقت ما فيها وإذا دخان أزرق قال: فما نزل عن
منبره إلا وهو أعمى يقاد. قال: وما مضت له إلا ثلاثة أيام حتى مات.
وروى علماء واسط انه لما رفعوا اللعاين جعل خطيب واسط يلعن فإذا هو
بثور عبر الشط وشق السور ودخل المدينة وأتى الجامع وصعد المنبر ونطح الخطيب
فقتله بها وغاب عن أعين الناس فشدوا الباب الذي دخل منه واثره ظاهر وسموه باب
الثور. وقال هاشمي: رأيت رجلا بالشام قد اسود نصف وجهه وهو يغيظه فسألته
عن سبب ذلك فقال: نعم قد جعلت علي ان لا يسألني أحد عن ذلك إلا أخبرته كنت
شديد الوقيعة في علي بن أبي طالب كثير الذكر له بالمكروه فبينا انا ذات ليلة نائم
إذا اتاني آت في منامي فقال: أنت صاحب الوقيعة في علي، فضرب شق وجهي
فأصبحت وشق وجهي اسود كما ترى.
شمر بن عطية قال: كان أبي ينال من علي فأني في المنام فقيل له: أنت الساب
عليا؟ فحنق حتى احدث في فراشه ثلاث ليال.
وكان بالمدينة رجل ناصبي ثم تشيع بعد ذلك فسئل عن السبب في ذلك فقال:
رأيت في منامي عليا يقول لي: لو حضرت صفين مع من كنت تقاتل؟ فأطرقت أفكر
فقال عليه السلام: يا خسيس هذه مسألة تحتاج إلى هذا الفكر العظيم اصفعوا قفاه، فصفعت
حتى انتبهت وقد ورم قفاي فرجعت عما كنت عليه.
أبو جعفر المنصور: كان قاص إذا فرغ من قصصه ذكر عليا فشتمه فبينما هو
كذلك إذ ترك ذلك فسئل عن سببه فقال: والله لا اذكر له شتيمة ابدا بينا انا نائم
والناس قد جمعوا فيأتون النبي صلى الله عليه وآله فيقول لرجل: أسقهم، حتى وردت على النبي
فقال له اسقه فطردني فشكوت ذلك إلى رسول الله فقال اسقه فسقاني قطرانا وأصبحت
وانا أتجشأه وأبوله.
الأعمش: انه حدثه المنصور وقع عمامة رجل فإذا رأسه رأس خنزير فسأله عن
قصته فقال: كنت مؤذنا ثلاثين سنة وكنت ألعن عليا بين الأذان والإقامة مائة مرة
كل يوم خمسمائة مرة ولعنته ليلة الجمعة الف لعنة فبينما انا نائم وقد لحقني العطش فإذا
انا برسول الله وعلي والحسن والحسين فقلت للحسنين اسقياني فلم يكلماني فدنوت من
علي فقلت يا أبا الحسن اسقني فلم يسقني ولم يكلمني فدنوت من النبي فقلت اسقني فرفع
" المناقب ج 2، م 21 "
168

رأسه فبصر بي وقال: أنت اللاعن عليا في كل يوم خمسمائة مرة وقد لعنته البارحة الف
مرة؟ فلم أحر إليه جوابا فتفل في وجهي وقال: اخسء يا خنزير فوالله ما أصبحت إلا
وجهي ورأسي كخنزير.
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: كان إبراهيم بن هاشم المخزومي واليا
على المدينة وكان يجمعنا كل يوم جمعة قريبا من المنبر ويشتم عليا عليه السلام فلصقت بالمنبر
فأغفيت ورأيت القبر قد انفرج وخرج منه رجل عليه ثياب بيض فقال لي: يا أبا
عبد الله ألا يحزنك ما يقول هذا؟ قلت: بلى والله، قال: افتح عينيك انظر ما يصنع
الله به، وإذا هو قد ذكر عليا فرمى به من فوق المنبر فمات.
عثمان بن عفان السجستاني: ان محمد بن عباد قال: كان في جواري صالح فرأى
النبي صلى الله عليه وآله في منامه على شفير الحوض والحسن والحسين يسقيان الأمة فاستسقيت أنا
فأبيا علي فأتيت النبي أسأله فقال: لا تسقوه فان في جوارك رجلا يلعن عليا فلم تمنعه
فدفع إلي سكينا وقال: اذهب فاذبحه قال فخرجت وذبحته ودفعت السكين إليه فقال
يا حسين اسقه، فسقاني واخذت الكأس بيدي ولا أدري أشربت أم لا فانتبهت وإذا
بولولة ويقولون فلان ذبح على فراشه واخذ الشرط الجيران فقمت إلى الأمير فقلت:
أصلحك الله هذا أنا فعلته والقوم براء وقصصت عليه الرؤيا فقال اذهب جزاك الله خيرا
عبد الله بن السايب وكثير بن الصلت قالا: جمع زياد بن أبيه اشراف الكوفة في
مسجد الرحبة ليحملهم على سب أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة منه فأغفيت فإذا أنا بشخص
طويل العنق أهدل أهدب قد سد ما بين السماء والأرض فقلت له: من أنت؟ قال: انا
النقاد ذو الرقبة طاعون بعثت إلى زياد، فانتبهت فزعا فسمعنا الواعية عليه وأنشأت:
قد جشم الناس أمرا ضاق ذرعهم * بحملهم حين اداهم إلى الرحبة
يدعوا على ناصر الاسلام داءا * له على المشركين الطول والغلبة
ما كان منتهيا عما أراد به * حتى تناوله النقاد ذو الرقبة
فأسقط الشق منه ضربة عجبا * كما تناول ظلما صاحب الرحبة
وكان مجنون يتشيع والصبيان يرمونه بالحجارة فصعد يوم جمعة المنبر فقال:
نواصب قد لاموا علي سفاهة * بحب علي أم من لام زانية
فان تركوا لومي تركت هجاهم * وان شتموا عرضي شتمت معاوية
169

فصل: فيما ظهر بعد وفاته
أحاديث علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة، ومجاهد عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: ان السماء والأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا وانها
لتبكي على العالم إذا مات أربعين شهرا وان السماء والأرض ليبكيان عليك يا علي إذا
قتلت أربعين سنة، قال ابن عباس: لقد قتل أمير المؤمنين على الأرض بالكوفة فأمطرت
السماء ثلاثة أيام دما.
أبو حمزة عن الصادق عليه السم وقد روي أيضا عن سعيد بن المسيب انه لما قبض
أمير المؤمنين لم يرفع من وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط.
أربعين الخطيب وتاريخ النسوي انه سئل عبد الملك بن مروان الزهري: ما كانت
علامة يوم قتل علي؟ قال: ما رفع حصاة من بيت المقدس إلا كان تحتها دم عبيط،
ولما ضرب عليه السلام في المسجد سمع صوت: لله الحكم لا لك يا علي ولا لأصحابك، فلما
توفي سمع في داره: (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة) الآية، ثم
هتف هاتف آخر: مات رسول الله ومات أبوكم.
الصفواني في الإحن والمحن والكليني في الكافي: انه لما توفي أمير المؤمنين عليه السلام
جاء شيخ يبكي وهو يقول: اليوم انقطعت علاقة النبوة، حتى وقف بباب البيت الذي
فيه أمير المؤمنين فأخذ بعضادتي الباب فقال: رحمك الله فلقد كنت أول الناس اسلاما
وأخلصهم ايمانا وأشدهم يقينا وأخوفهم من الله وأطوعهم لنبي الله وآمنهم على أصحابه
وأفضلهم مناقب وأكثرهم سوابق وأشبههم به خلقا وخلقا وسيماء وفضلا وكنت
أخفضهم صوتا وأعلاهم طودا وأقلهم كلاما وأصوبهم منطقا وأشجعهم قلبا وأحسنهم
عملا وأقواهم يقينا حفظت ما ضيعوا ورعيت ما أهملوا وشمرت إذ اجتمعوا وعلوت
إذ هلعوا ووقفت إذ شرعوا وأدركت أو تارما ظلموا كنت على الكافرين عذابا واصبا
وللمؤمنين كهفا وحصنا كنت كالجبل الراسخ لا تحركك العواصف كنت للطفل كالأب
الشفيق وللأرامل كالبعل العطوف قسمت بالسوية وعدلت في الرعية وأطفأت النيران
وكسرت الأصنام وأذللت الأوثان وعبدت الرحمن، في كلام له كثير، فالتفتوا فلم
يروا أحدا فسئل الحسن عليه السلام من كان الرجل؟ قال الخضر.
وفي اخبار الطالبيين ان الروم أسروا قوما من المسلمين فأتى بهم إلى الملك فعرض عليهم الكفر
170

فأبوا فأمر بالقائهم في الزيت المغلي وأطلق منهم رجلا يخبر بحالهم فبينما هو يسير إذ سمع وقع
حوافر الخيل فوقف فنظر إلى أصحابه الذين ألقوا في الزيت فقال لهم في ذلك فقالوا
قد كان ذلك فنادى مناد من السماء في شهداء البر والبحر ان علي بن أبي طالب قد
استشهد في هذه الليلة فصلوا عليه فصلينا عليه ونحن راجعون إلى مصارعنا.
أبو ذرعة الرازي باسناده عن منصور بن عمار انه سئل عن أعجب ما رآه قال:
ترى هذه الصخرة في وسط البحر يخرج من هذا البحر كل يوم طاير مثل النعامة فيقع
عليها فإذا استوى واقفا تقيأ رأسا ثم تقيأ يدا وكذا عضوا عضوا ثم تلتئم الأعضاء
بعضها إلى بعض حتى يستوي انسانا قاعدا ثم يهم للقيام فإذا هم للقيام نقره نقرة فأخذ
رأسه ثم اخذه عضوا عضوا كما قائه، قال: فلما طال على ذلك ناديته يوما ويك من
أنت؟ ثم التفت إلي وقال هاتف: هو عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب وكل
الله به هذا الطير فهو يعذبه إلى يوم القيامة. وزعم أنهم يسمعون العواء من قبره.
واخذ المسترشد من مال الحاير وكربلا والنجف وقال: ان القبر لا يحتاج إلى الخزانة
وأنفق على العسكر فلما خرج قتل هو وابنه الراشد.
وسأل أبو مسكان الصادق عليه السلام عن القائم المايل في طريق الغري؟ فقال: نعم
انهم لما جاؤوا بسرير أمير المؤمنين عليه السلام انحنى أسفا وحزنا على أمير المؤمنين:
وفي المنارة إذ حنت عليك فمالت * آية حار منها كل معجب
قال الغزالي: ذهب الناس إلى أن عليا دفن على النجف وانهم حملوه على الناقة
فسارت حتى انتهت إلى موضع قبره فبركت فجهدوا أن تنهض فلم تنهض فدفنوه فيه.
أبو بكر الشيرازي في كتابه عن الحسن البصري قال: أوصى علي عليه السلام عند
موته للحسن والحسين وقال لهما: إن أنا مت فإنكما ستجدان عند رأسي حنوطا من
الجنة وثلاثة أكفان من إستبرق الجنة فغسلوني وحنطوني بالحنوط وكفنوني، قال
الحسن عليه السلام: فوجدنا عند رأسه طبقا من الذهب عليه خمس شمامات من كافور الجنة
وسدرا من سدر الجنة، فلما فرغوا من غسله وتكفينه أتى البعير فحملوه على البعير
بوصية منه، وكان قال: فسيأتي البعير إلى قبري فيقف عنده فأتى البعير حتى وقف
على شفير القبر فوالله ما علم أحد من حفره فالحد فيه بعد ما صلى عليه وأظلت الناس غمامة
بيضاء وطيور بيض فلما دفن ذهبت الغمامة والطيور.
ومن طريقة أهل البيت عليهم السلام ما جاء في تهذيب الأحكام عن سعد الإسكاف
171

قال: حدثني أبو عبد الله عليه السلام قال: لما أصيب أمير المؤمنين قال للحسن والحسين عليه السلام
غسلاني وكفناني وحنطاني واحملاني على سريري واحملا مؤخره تكفيان مقدمه فإنكما
تنتهيان إلى قبر محفور ولحد ملحود ولبن موضوع فالحداني واشرجا اللبن علي وارفعا
لبنة مما يلي رأسي فانظروا ما تسمعان. وعن منصور بن محمد بن عيسى عن أبيه عن جده
زيد بن علي عن أبيه عن جده الحسين بن علي في خبر طويل يذكر فيه: أوصيكما وصية فلا
تظهرا على أمري أحدا فأمرهما ان يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحا وأن يكفناه فيما يجدان
فإذا غسلاه وضعاه على ذلك اللوح وإذا وجدا السرير يشال مقدمه يشيلان مؤخره
وأن يصلي الحسن مرة والحسين مرة صلاة إمام ففعلا كما رسم فوجدا اللوح وعليه
مكتوب (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما ذخره نوح النبي صلى الله عليه لعلي بن أبي
طالب) وأصابا الكفن في دهليز الدار موضوعا فيه حنوط قد أضاء نوره على نور
النهار. وروي أنه قال الحسين وقت الغسل: أما ترى إلى خفة أمير المؤمنين! فقال
الحسن: يا أبا عبد الله ان معنا قوما يعينوننا، فلما قضيا صلاة العشاء الآخرة إذا قد
شيل مقدم السرير ولم نزل نتبعه إلى أن وردنا إلى الغري فأتينا إلى قبر على ما وصف
أمير المؤمنين ونحن نسمع خفق أجنحة كثيرة وضجة وجلبة فوضعنا السرير وصلينا
على أمير المؤمنين كما وصف لنا ونزلنا قبره فاضجعناه في لحده ونضدنا عليه اللبن.
وفي الخبر عن الصادق عليه السلام فأخذ اللبنة من عند الرأس بعدما أشرجا عليه اللبن فإذا
ليس في القبر شئ وإذا هاتف يهتف: أمير المؤمنين كان عبدا صالحا فالحقه الله بنبيه
وكذلك يفعل الأوصياء بعد الأنبياء حتى لو أن نبيا مات بالمشرق ومات وصيه بالمغرب
لألحق الوصي بالنبي.
وفي خبر عن أم كلثوم بنت علي عليه السلام: فانشق القبر عن ضريح فإذا هو بساجة
مكتوب عليها بالسريانية (بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر حفره نوح لعلي بن أبي طالب
وصي محمد قبل الطوفان بسبعمائة سنة) فانشق القبر فلا ندري.
سلام على قبر تضمن حيدرا * ونوحا وعنهم آدم غير غائب
وعنها رضي الله عنها انه لما دفن عليه السلام سمع ناطق يقول: أحسن الله لكم العزاء
في سيدكم وحجة الله على خلقه.
التهذيب في خبر انه نفذ إسماعيل بن عيسى غلاما له اسود شديد البأس يعرف
بالجمل في ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وماءة في جماعة وقال: امضوا إلى هذا القبر
172

الذي قد افتتن به الناس ويقولون انه قبر علي حتى تنبشون إلى قعره، فخفروا حتى
نزلوا خمسة اذرع فبلغوا إلى موضع صلب عجزوا عنه فنزل الحبشي فضرب ضربة سمع
طنينها في البر ثم ضرب ثانية وثالثة ثم صاح صيحة وجعل يستغيث فأخرجوه بالحبل
فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى ترقوته دم فحملوه على البغل ولم يزل ينتشر من
عضده وساير شقه الأيمن فرجعوا إلى العباسي فلما رآه التفت إلى القبلة وتاب من فعله
وتبرأ ومات الغلام من وقته وركب في الليل إلى علي بن مصعب بن جابر فسأله أن
يعمل على القبر صندوقا.
قال أبو جعفر الطوسي حدثني أبو الحسن محمد بن تمام الكوفي قال حدثني أبو الحسن بن
الحجاج قال: رأينا هذا الصندوق وذلك قبل ان يبنى عليه الحايط الذي بناه الحسن بن زيد.
وفي الأمالي انه خرج بعض الخلفاء يتصيد في ناحية الغربين والتوبة وارسل
الكلاب فلجأت الظباة إلى اكمة ورجعت الكلاب ثم إن الطباء هبطت منها وضعت الكلاب
مثل الأول فسأل شيخا من بني أسد فقال: ان فيها قبر علي بن أبي طالب جعله الله
حرما لا يأوي إليه شئ إلا أمن.
ومن ذلك تسخير الجماعة اضطرارا لنقل فضايله مع ما فيها من الحجة عليهم حتى أن
أنكره واحد رد عليه صاحبه وقال: هذا في التواريخ والصحاح والسنن والجوامع
والسير والتفاسير مما اجمعوا على صحته فإن لم يكن في واحد يكن في آخر. ومن جملة
ذلك ما اجمعوا عليه أو روى مناقبه خلق كثير منهم حتى صار علما ضروريا، كما صنف
ابن جرير الطبري كتاب الغدير، وابن شاهين كتاب المناقب وكتاب فضايل فاطمة
عليها السلام، ويعقوب بن شيبة تفضيل الحسن والحسين عليهما السلام ومسند أمير
المؤمنين واخباره وفضايله، والجاحظ كتاب العلوي وكتاب فضل بني هاشم على بني
أمية، وأبو نعيم الأصفهاني منقبة المطهرين في فضايل أمير المؤمنين وما نزل في القرآن
في أمير المؤمنين عليه السلام، وأبو المحاسن الرؤياني الجعفريات، والموفق المكي كتاب قضايا
أمير المؤمنين وكتاب رد الشمس لأمير المؤمنين، وأبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي
كتاب نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين، وأبو صالح عبد الملك المؤذن كتاب
الأربعين في فضايل الزهراء عليها السلام، وأحمد بن حنبل مسند أهل البيت وفضايل
الصحابة، وأبو عبد الله محمد بن أحمد النطنزي الخصايص العلوية على ساير البرية، وابن
المغازلي كتاب المناقب، وأبو القاسم البستي كتاب المراتب، وأبو عبد الله البصري
173

كتاب الدرجات، والخطيب أبو تراب كتاب الحدايق مع الكتمان والميل. وذلك
خرق العادة شهد بفضائله معادوه وأقر بمناقبه جاحدوه، قال الشاعر:
شهد الأنام بفضله حتى العدا * والفضل ما شهدت به الأعداء
وقال آخر:
يروي مناقبهم لنا أعداؤهم * لا فضل إلا ما رواه حسود
ومن جملة ذلك كثرة مناقبه مع ما كانوا يدفنونها ويتوعدون على روايتها روى
مسلم والبخاري وابن بطة والنطنزي عن عايشة في حديثها بمرض النبي صلى الله عليه وآله فقالت
في جملة ذلك فخرج النبي بين رجلين من أهل بيته أحدهما الفضل ورجل آخر يخط
قدماه عاصبا رأسه تعني عليا عليه السلام.
وقال معاوية لابن عباس: انا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي
فكف لسانك، قال: أفتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال لا، قال: أفتنهانا عن تأويله؟
قال نعم، قال: أفنقرأه ولا نسأل! قال: سل عن غير أهل بيتك، قال: انه منزل
علينا أفنسأل غيرها أتنهانا أن نعبد الله فإذا تهلك الأمة، قال: اقرؤا ولا ترووا
ما انزل الله فيكم، (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم) ثم نادى معاوية: ان برئت
الذمة ممن روى حديثا من مناقب علي. حتى قال عبد الله بن شداد الليثي: وددت اني
اترك ان احدث بفضايل علي بن أبي طالب يوما إلى الليل وان عنقي ضربت. فكان
المحدث يحدث بحديث في الفقه أو يأتي بحديث المبارزة فيقول: قال رجل من قريش،
وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: حدثني رجل من أصحاب رسول الله، وكان
الحسن البصري يقول: قال أبو زينب، وسئل ابن جبير عن حامل اللواء فقال كأنك
رخي البال، وقال الشعبي: لقد كنت اسمع خطباء بني أمية يسبون عليا على منابرهم فكأنما
يشال بضبعة إلى السماء وكنت أسمعهم يمدحون اسلافهم يكشفون عن جيفة، ورأي
اعرابية في مسجد الكوفة تقول: يا مشهورا في السماوات ويا مشهورا في الأرضين
ويا مشهورا في الآخرة جهدت الجبابرة والملوك على اطفاء نورك واحماد ذكرك فأبى الله
لذكرك إلا علوا ولنورك إلا ضياء ونماء ولو كره المشركون. قيل: لمن تصفين؟
قالت: ذاك أمير المؤمنين، فالتفت فلم ير أحدا. ابن نباتة:
نشرت حيلة قريش فزادته * إلى صيحة القيامة فتلا
ومن ذلك ما طبقت الأرض بالمشاهد لأولاده وفشت المنامات من مناقبه فيبرئ
الزمني ويفرج المبتلى وما سمع هذا لغيره عليه السلام.
174

باب قضايا
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
اعلم أن أحكامه على خمسة أوجه: في زمن النبي صلى الله عليه وآله، وزمن أبي بكر،
وزمن عمر، وزمن عثمان، وفي زمانه عليه السلام
فصل: في قضاياه حال حياة النبي
تفسير يوسف القطان عن وكيع الثوري عن السدي قال: كنت عند عمر بن
الخطاب إذ اقبل كعب بن الأشرف ومالك بن الصيفي وحي بن اخطب فقالوا: ان
في كتابكم: (وجنة عرضها السماوات والأرض) إذا كان سعة جنة واحدة كسبع
سماوات وسبع أرضين فالجنان كلها يوم القيامة أين تكون؟ فقال عمر: لا اعلم،
فبينما هم في في ذلك إذ دخل علي عليه السلام فقال: في اي شئ أنتم؟ فالتفت اليهودي
وذكر المسألة فقال عليه السلام لهم: خبروني ان النهار إذا اقبل الليل أين يكون والليل إذا
اقبل النهار أين يكون؟ فقال له: في علم الله يكون، قال علي: كذلك الجنان تكون
في علم الله، فجاء علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله واخبره بذلك فنزل: (فاسألوا أهل الذكر
ان كنتم لا تعلمون).
الواقدي وإسحاق الطبري: ان عمير بن وابل الثقفي أمره حنظلة بن أبي سفيان
أن يدعي على علي عليه السلام ثمانين مثقال من الذهب وديعة عند محمد صلى الله عليه وآله وانه هرب
من مكة وأنت وكيله فان طلب بينة الشهود فنحن معشر قريش نشهد عليه وأعطوه
على ذلك مائة مثقال من الذهب منها قلادة عشر مثاقيل لهند فجاء وادعى على علي عليه السلام
فاعتبر الودايع كلها ورأي عليها أسامي أصحابها ولم يكن لما ذكره عمير خبرا فنصح له
نصحا كثيرا فقال: ان لي من يشهد بذلك وهو أبو جهل وعكرمة وعقبة بن أبي
معيط وأبو سفيان وحنظلة. فقال عليه السلام. مكيدة تعود إلى من دبرها، ثم أمر الشهود
ان يقعدوا في الكعبة ثم قال لعمير: يا أخا ثقيف اخبرني الآن حين دفعت وديعتك
هذه إلى رسول الله أي الأوقات كان؟ قال: ضحوة نهار فأخذها بيده ودفعها إلى
175

عبده. ثم استدعى بأبي جهل وسأله عن ذلك قال: ما يلزمني ذلك. ثم استدعى بأبي
سفيان وسأله فقال: دفعها عند غروب الشمس واخذها من يده وتركها في كمه. ثم
استدعى حنظلة وسأله عن ذلك فقال: كان عند وقت وقوف الشمس في كبد السماء
وتركها بين يديه إلى وقت انصرافه. ثم استدعى بعقبة وسأله عن ذلك فقال: تسلمها
بيده وانفذها في الحال إلى داره وكان وقت العصر. ثم استدعى بعكرمة وسأله عن
ذلك فقال: كان بزوغ الشمس اخذها فأنفذها من ساعته إلى بيت فاطمة. ثم أقبل
على عمير وقال له: أراك قد اصفر لونك وتغيرت أحوالك، قال: أقول الحق ولا يفلح
غادر وبيت الله ما كان لي عند محمد وديعة وانهما حملاني على ذلك وهذه دنانيرهم وعقد
هند عليها اسمها مكتوب، ثم قال علي: ايتوني بالسيف الذي في زاوية الدار فأخذه
وقال: أتعرفون هذا السيف؟ فقالوا: هذا لحنظلة، فقال أبو سفيان: هذا مسروق
فقال عليه السلام: ان كنت صادقا في قولك فما فعل عبدك مهلع الأسود؟ قال: مضى إلى
الطائف في حاجة لنا: فقال: هيهات ان يعود تراه ابعث إليه احضره ان كنت صادقا
فسكت أبو سفيان ثم قام عليه السلام في عشرة عبيد لسادات قريش فنبشوا بقعة عرفها فإذا
فيها العبد مهلع قتيل فأمرهم باخراجه فأخرجوه وحملوه إلى الكعبة فسأله الناس عن
سبب قتله فقال: ان أبا سفيان وولده ضمنوا له رشوة عتقه وحثاه على قتلى فكمن لي
في الطريق ووثب علي ليقتلني فضربت رأسه واخذت سيفه فلما بطلت حيلتهم أرادوا
الحيلة الثانية بعمير، فقال عمير: اشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله.
أبو داود وابن ماجة في سننهما، وابن بطة في الإبانة، واحمد في فضايل الصحابة
وأبو بكر مردويه في كتابه بطرق كثيرة عن زيد بن أرقم انه قيل للنبي صلى الله عليه وآله: اتى
إلى علي باليمن ثلاثة نفر يختصمون في ولدهم كلهم يزعم أنه وقع على أمه في طهر
واحد وذلك في الجاهلية فقال علي عليه السلام: انهم شركاء متشاكسون، فقرع على الغلام
باسمهم فخرجت لأحدهم فألحق الغلام به وألزمه ثلثي الدية لصاحبيه وزجرهما عن مثل
ذلك فقال النبي: الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سنن داود.
أحمد بن حنبل في المسند، وأحمد بن منيع في أماليه باسنادهما إلى حماد بن سلمة عن
سماك عن حبيش بن المعتمر، وقد رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام واللفظ له
انه قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة نفر اطلعوا على زية الأسد فخر أحدهم فاستمسك
" المناقب ج 2، م 22 "
176

الثاني بالثالث واستمسك الثالث بالرابع فقضى عليه السلام بالأول فريسة الأسد وغرم أهله
ثلث الدية لأهل الثاني وغرم أهل الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية وغرم أهل الثالث لأهل
الرابع الدية كاملة وانتهى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وآله بذلك فقال صلى الله عليه وآله: لقد قضى أبو الحسن
فيهم بقضاء الله فوق عرشه.
أبو عبيد في غريب الحديث، وابن مهدي في نزهة الابصار عن الأصبغ بن
نباتة انه قضى عليه السلام في القارصة والقامصة والواقصة وهن ثلاث جوار كن يلعبن
فركبت إحداهن صاحبتها فقرصتها الثالثة فقمصت المركوبة فوقعت الراكبة فوقصت
عنقها فقضى بالدية أثلاثا وأسقط حصة الراكبة لما أعانت على نفسها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله
فاستصوبه. وقضى عليه السلام في قوم وقع عليهم حايط فقتلهم وكان في جماعتهم امرأة
مملوكة وأخرى حرة وكان للحرة ولد طفل من حر وللجارية المملوكة طفل من مملوك
فلم يعرف الحر من الطفلين من المملوك فقرع بينهما وحكم بالحرية لمن خرج سهم الحرية
عليه وحكم في ميراثهما بالحكم في الحر ومولاه فأمضى النبي صلى الله عليه وآله ذلك.
مصعب بن سلام عن الصادق عليه السلام ان رجلين اختصما إلى النبي في بقرة قتلت
حمارا فقال صلى الله عليه وآله: اذهبا إلى أبي بكر واسألاه عن ذلك فلما سألاه قال: بهيمة قتلت
بهيمة لا شئ على ربها، فأخبر رسول الله فأشار بهما إلى عمر فقال كما قال أبو بكر
فأخبر رسول الله بذلك فقال صلى الله عليه وآله اذهبا إلى علي فكان قوله عليه السلام: ان كانت البقرة
دخلت على الحمار في مأمنه فعلى ربها قيمة الحمار لصاحبه وإن كان الحمار دخل على البقرة
في مأمنها فقتلته فلا غرم على صاحبها، فقال رسول الله: لقد قضى بينكما بقضاء الله.
في أحاديث البصريين عن أحمد عن جابر قال معاوية بن قرة عن رجل من الأنصار
ان رجلا أوطأ بعيره ادحي نعام فكسر بيضها فانطلق إلى علي فسأله عن ذلك فقال
له علي عليه السلام: عليك بكل بيضة جنين ناقة أو ضراب ناقة فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فذكر ذلك له فقال رسول الله: قد قال علي بما سمعت ولكن هلم إلى الرخصة عليك
بكل بيضة صوم يوم أو طعام مسكين.
جابر وابن عباس: ان أبي بن كعب قرأ النبي: (وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة
وباطنة) فقال النبي لقوم عنده وفيهم أبو بكر وعبيدة وعمر وعثمان و عبد الرحمن:
قولوا الآن ما أول نعمة غرسكم الله بها وبلاكم بها فخاضوا من المعاش والرياش والذرية
والأزواج، فلما أمسكوا قال: يا أبا الحسن قل، فقال عليه السلام: ان الله خلقني ولم أك
177

شيئا مذكورا وان أحسن بي فجعلني حيا لا مواتا وان أنشأني فله الحمد في أحسن
صورة وأعدل تركيب وان جعلني متفكرا واعيالا إبله ساهيا وان جعل لي شواعرا
أدرك بها ما ابتغيت وجعل في سراجا منيرا وان هداني لدينه ولن يضلني عن سبيله وان
جعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها وان جعلني ملكا مالكا لا مملوكا وان سخر لي
سمائه وارضه وما فيهما وما بينهما من خلقه وان جعلنا ذكرانا قواما على حلائلنا لا إناثا.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في كل كلمة صدقت، ثم قال: فما بعد هذا؟ فقال علي
وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها، فتبسم رسول الله وقال: ليهنئك الحكمة ليهنئك العلم
يا أبا الحسن أنت وارث علمي والمبين لامتي ما اختلفت فيه من بعدي، الخبر.
الحلية أبو صالح الحنفي عن علي قال: قلت يا رسول الله أوصني، قال: قل ربي
الله ثم استقم، قال: قلت ربي الله وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب، فقال
لهنئك العلم يا أبا الحسن لقد شربت العلم شربا ونهلته نهلا.
فضايل احمد إسماعيل بن عياش باسناده عن علي عليه السلام قضى في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
فأعجب رسول الله فقال: الحمد لله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت:
ولنا العلم قالوا لعلي ولا * ملك له واستكبروا تيها
ما سلموا لله في نصبه * قل لمن الأرض ومن فيها
وقال الحميري:
وان عليا قال في الصيد قبل أن * ينزل في التنزيل ما كان أوجبا
قضى فيه قبل الوحي خير قضية * فأنزلها الرحمن حقا مرتبا
علي قاتل الصيد الحرام كمثله * من النعم المفروض كان معقبا
إلى البيت بيت الله معتمدا * إذا تعمده كيلا يعود فيعطبا
فصل: في قضاياه في عهد أبي بكر
الخاصة والعامة: ان أبا بكر أراد أن يقيم الحد على رجل شرب الخمر فقال
الرجل: اني شربتها ولا علم لي بتحريمها، فارتج عليه فأرسل إلي علي عليه السلام يسأله عن
ذلك فقال: مر نقيبين من رجال المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار
وينشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله
فان شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه وان لم يشهد أحد بذلك فاستتبه وخل سبيله
178

وكان الرجل صادقا في مقاله فخلى سبيله.
وسأله آخر عن رجل تزوج بامرأة بكر فولدت عشية فحاز ميراثه الابن والام
فلم يعرف فقال علي: هذا رجل له جارية حبلى منه فلما تمخضت مات الرجل.
وجاء آخر برجل فقال: ان هذا ذكر انه احتلم بأمي فدهش فقال عليه السلام: اذهب
به فأقمه في الشمس وحد ظله فان الحلم مثل الظل ولكنا سنضربه حتى لا يعود يؤذي
المسلمين. أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أراد قوم على عهد أبي بكر أن
يبنوا مسجدا بساحل عدن فكان كلما فرغوا من بنائه سقط فعادوا إليه فسألوه فخطب
وسأل الناس وناشدهم إن كان عند أحد منكم علم هذا فليقل، فقال أمير المؤمنين عليه السلام
احتفروا في ميمنته وميسرته في القبلة فإنه يظهر لكم قبر ان مكتوب عليهما: أنا رضوي
واختي حباء متنا لا نشرك بالله العزيز الجبار، وهما مجردنا فاغسلوهما وكفنوهما وصلوا
عليهما وادفنوهما ثم ابنوا مسجدكم فإنه يقوم بناؤه، ففعلوا ذلك فكان كما قال عليه السلام.
قال ابن حماد:
وقال للقوم امضوا الآن فاحتفروا * أساس قبلتكم تفضوا إلى حزن
عليه لوح من العقيان محتفر * فيه بخط من الياقوت مندفن
نحن ابنتا تبع ذي الملك من يمن * حبا ورضوى بغير الحق لم ندن
متنا على ملة التوحيد لم نك من * صلى إلى صنم كلا ولا وثن
وسأله نصرانيان: ما الفرق بين الحب والبغض ومعدنهما واحد وما الفرق بين
الرؤيا الصادقة والرؤيا الكاذبة ومعدنهما واحد؟ فأشار إلى عمر فلما سألاه أشار إلى
علي فلما سألاه عن الحب والبغض قال: ان الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد
بألفي عام فأسكنها الهواء فمهما تعارف هناك اعترف ههنا ومهما تناكر هناك اختلف ههنا.
ثم سألاه عن الحفظ والنسيان فقال: ان الله تعالى خلق ابن آدم وجعل لقلبه غاشية
فمهما مر بالقلب والغاشية منفتحة حفظ وحصا ومهما مر بالقلب والغاشية منطبقة لم يحفظ
ولم يحص. ثم سألاه عن الرؤيا الصادقة والرؤيا الكاذبة، فقال عليه السلام: ان الله تعالى
خلق الروح وجعل لها سلطانا فسلطانها النفس فإذا نام العبد خرج الروح وبقى
سلطانه فيمر به جيل من الملائكة وجيل من الجن فمهما كان من الرؤيا الصادقة فمن
الملائكة ومهما كان من الرؤيا الكاذبة فمن الجن فأسلما على يده وقتلا معه يوم صفين.
ابن جريح عن الضحاك عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وآله اشترى من أعرابي ناقة
179

بأربعمائة درهم فلما قبض الاعرابي المال صاح: الدراهم والناقة لي: فأقبل على أبو بكر
فقال اقض فيما بيني وبين الاعرابي، فقال: القضية واضحة تطلب البينة، فأقبل عمر
فقال كالأول فأقبل علي فقال: أتقبل الشاب المقبل؟ قال نعم، فقال الاعرابي: الناقة
ناقتي والدراهم دراهمي فإن كان بمحمد شيئا فليقم البينة على ذلك، فقال عليه السلام: خل
عن الناقة وعن رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث مرات فاندفع فضربه ضربة فاجتمع
أهل الحجاز انه رمى برأسه وقال بعض أهل العراق بل قطع منه عضوا، فقال:
يا رسول الله نصدقك على الوحي ولا نصدقك على أربعمائة درهم! وفي خبر عن غيره
فالتفت النبي إليهما فقال: هذا حكم الله لا ما حكمتما به. ذكره ابن بابويه في الأمالي
ومن لا يحضره الفقيه. ورواية أخرى في حكومة اعرابي آخر تسعين درهما عن
الصادق عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي أقتلت الاعرابي؟ قال: لأنه كذبك
يا رسول الله ومن كذبك فقد حل دمه.
فتيا الجاحظ وتفسير الثعلبي انه سئل أبو بكر عن قوله تعالى: (وفاكهة وأبا)
فقال: أي سماء تظلني أو اية أرض تقلني أم أين اذهب أم كيف اصنع إذا قلت في
كتاب الله بما لم أعلم اما الفاكهة فأعرفها وأما الأب فالله اعلم. وفي روايات أهل البيت
عليهم السلام انه بلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ان الأب هو الكلأ والمرعى
وان قوله (وفاكهة وأبا) اعتداد من الله على خلقه فيما غذاهم به وخلقه لهم ولانعامهم
مما يحيى به أنفسهم.
وسأل رسول ملك الروم أبا بكر عن رجل لا يرجو الجنة ولا يخاف النار ولا
يخاف الله ولا يركع ولا يسجد ويأكل الميتة والدم ويشهد بما لا يرى ويحب الفتنة
ويبغض الحق. فلم يجبه، فقال عمر: ازددت كفرا إلى كفرك، فأخبر بذلك علي
عليه السلام فقال: هذا رجل من أولياء الله لا يرجو الجنة ولا يخاف النار ولكن
يخاف الله ولا يخاف الله من ظلمه وإنما يخاف من عدله ولا يركع ولا يسجد في صلاة
الجنازة ويأكل الجراد والسمك ويأكل الكبد ويحب المال والولد (إنما أموالكم
وأولادكم) ويشهد بالجنة والنار وهو لم يرها ويكره الموت وهو حق. وفي مقال
لي ما ليس لله فلي صاحبة وولد ومعي ما ليس مع الله معي ظلم وجور ومعي ما لم يخلق
الله فأنا حامل القرآن وهو غير مفتري وأعلم ما لم يعلم الله وهو قول النصارى ان عيسى
ابن الله وصدق النصارى واليهود في قولهم (وقالت اليهود ليست النصارى على شئ الآية
180

وكذب الأنبياء والمرسلين كذب اخوة يوسف حيث قالوا أكله الذئب وهم أنبياء الله
ومرسلون إلى الصحراء وانا احمد النبي احمده وانا علي علي في قومي وانا ربكم أرفع
واضع رب كمي ارفعه واضعه.
وسأله عليه السلام رأس الجالوت بعدما سال أبا بكر فلم يعرف: ما أصل الأشياء؟
فقال عليه السلام: هو الماء لقوله تعالى (وجعلنا من الماء كل شئ حي)، وما جمادان
تكلما؟ فقال: هما السماء والأرض، وما شيئان يزيدان وينقصان ولا يرى الخلق ذلك؟
فقال: هما الليل والنهار، وما الماء الذي ليس من ارض ولاسماء؟ فقال: الماء الذي
بعث سليمان إلى بلقيس وهو عرق الخيل إذا هي أجريت في الميدان، وما الذي يتنفس
بلا روح؟ فقال: والصبح إذا تنفس، وما القبر الذي سار بصاحبه؟ فقال: ذاك
يونس لما سار به الحوت في البحر. قال ابن حماد:
علم الذي قد كان أو هو كائن * والعلم فيه مقسم ومجمع
كم مشكل أعيى على حساده * حتى إذا بلغوا به وتسكعوا
لجأوا إليه أذلة فأناره * حتى غدت ظلماؤه تتقشع
وهو الغني بعلمه عن غيره * والخلق مفتقر إليه أجمع
وقال غيره:
وكيف يعدله قوم وان علموا * علما وما بلغوا معشار ما علما
أو كيف يعدله في الحرب معتدل * قوم إذا نكلوا عنها مضى قدما
فصل: في الذكر قضاياه في عهد عمر
إثبات النص: ان غلاما طلب مال أبيه من عمر واذكر ان والده توفي بالكوفة
والولد طفل بالمدينة فصاح عليه عمر وطرده فخرج يتظلم منه فلقيه علي عليه السلام وقال:
ائتوني به إلى الجامع حتى اكشف امره، فجئ به فسأله عن حاله فأخبره بخبره فقال
علي: لأحكمن فيكم بحكومة حكم الله بها من فوق سبع سماء وانه لا يحكم بها إلا من
ارتضاه لعلمه، ثم استدعى بعض أصحابه وقال هات محفرة ثم قال: سيروا بنا إلى
قبر والد الصبي، فساروا فقال: احفروا هذا القبر وانبشوه واستخرجوا لي ضلعا
من أضلاعه، فدفعه إلى الغلام فقال له: شمه. فلما شمه انبعث الدم من منخريه فقال
عليه السلام: انه ولده، فقال عمر: بانبعاث الدم تسلم إليه المال! فقال: انه أحق
181

بالمال منك ومن ساير الخلق أجمعين، ثم أمر الحاضرين بشم الضلع فشموه فلم ينبعث
الدم من واحد منهم فأمر ان أعيد إليه ثانية وقال شمه فلما شمه انبعث الدم انبعاثا
كثيرا فقال عليه السلام: انه أبوه، فسلم إليه المال ثم قال: والله ما كذبت ولا كذبت.
واتي إليه برجل وامرأة فقال الرجل لها يا زانية فقال أنت ازنى مني فامر بأن
يجلدا فقال علي عليه السلام: لا تعجلوا على المرأة حدان وليس على الرجل شئ منها حد
لفريتها وحد لاقرارها على نفسها لأنها قذفته إلا انها تضرب ولا تضرب بها الغاية.
عمرو بن داود عن الصادق عليه السلام ان عقبة بن أبي عقبة مات فحضر جنازته علي
وجماعة من أصحابه وفيهم عمر فقال علي لرجل كان حاضرا ان عقبة لما توفى حرمت
امرأتك فاحذر ان تقربها، فقال عمر: كل قضاياك يا أبا الحسن عجيب وهذه من
أعجبها يموت الانسان فتحرم على آخر امرأته! فقال نعم ان هذا عبد كان لعقبة تزوج
امرأة حرة وهي اليوم ترث بعض ميراث عقبة فقد صار بعض زوجها رقا لها وبضع
المرأة حرام على عبدها حتى تعتقه ويتزوجها، فقال عمر: لمثل هذا نسألك عما اختلفنا فيه
روض الجنان عن أبي الفتوح الرازي انه حضر عنده أربعون نسوة وسألنه
عن شهوة الآدمي فقال: للرجل واحد وللمرأة تسعة، فقلن: ما بال الرجال لهم دوام
ومتعة وسراري بجزء من تسعة ولا يجوز لهن إلا زوج واحد مع تسعة اجزاء؟
فافحم فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأمر ان تأتي كل واحدة منهن بقارورة من
ماء وأمرهن بصبها في إجانة ثم امر كل واحدة منهن تغرف ماءها فقلن لا يتميز ماؤنا
فأشار عليه السلام ان لا يفرقن بين الأولاد وإلا لبطل النسب والميراث. وفي رواية
يحيى بن عقيل ان عمر قال: لا أبقاني الله بعدك يا علي.
وجاءت امرأة إليه فقالت:
ما ترى أصلحك الله * واثري لك اهلا
في فتاة ذات بعل * أصبحت تطلب بعلا
بعد إذن من أبيها * أترى ذلك حلا؟
فأنكر ذلك السامعون فقال أمير المؤمنين عليه السلام: احضر بني بعلك، فأمره بطلاقها
ففعل ولم يحتج لنفسه بشئ فقال عليه السلام: انه عنين، فأقر الرجل بذلك فأنكحها
رجلا من غير أن تقضي عدة.
أبو بكر الخوارزمي: إذا عجز الرجال عن الامتاع فتطليق الرجال إلى النساء.
182

الرضا عليه السلام: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة محصنة فجر بها غلام صغير فامر
عمر ان ترجم فقال عليه السلام: لا يجب الرجم إنما يجب الحد لان الذي فجر بها ليس
بمدرك. وامر عمر برجل بمني محصن فجر بالمدينة ان يرجم فقال أمير المؤمنين لا يجب
عليه الرجم لأنه غائب عن أهله وأهله في بلد آخر إنما يجب عليه الحد، فقال عمر:
لا أبقاني الله لمعضلة لم يكن لها أبو الحسن.
عمرو بن شعيب والأعمش وأبو الضحى والقاضي وأبو يوسف عن مسروق:
اتي عمر بامرأة أنكحت في عدتها ففرق بينهما وجعل صداقها في بيت المال وقال:
لا أجيز مهرا رد نكاحه وقال لا تجتمعان ابدا، فبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال: وان
كانوا جهلوا السنة لها المهر بما استحل من فرجها ويفرق بينهما فإذا انقضت عدتها فهو
خاطب من الخطاب، فخطب عمر الناس فقال: ردوا الجهالات إلى السنة، ورجع عمر
إلى قول علي.
ومن ذلك ذكر الجاحظ عن النظام في كتاب الفتيا ما ذكر عمرو بن داود عن
الصادق عليه السلام قال: كان لفاطمة عليها السلام جارية يقال لها فضة فصارت من بعدها
لعلي عليه السلام فزوجها من أبي ثعلبة الحبشي فأولدها ابنا ثم مات عنها أبو ثعلبة
وتزوجها من بعده أبو مليك الغطفاني ثم توفي ابنها من أبي ثعلبة فامتنعت من أبي مليك
ان يقربها فاشتكاها إلى عمر وذلك في أيامه فقال لها عمر: ما يشتكي منك أبو مليك
يا فضة؟ فقالت: أنت تحكم في ذلك وما يخفى عليك، قال عمر: ما أجد لك رخصة،
قالت يا أبا حفص ذهب بك المذاهب ان ابني من غيره مات فأردت ان استبرئ نفسي
بحيضة فإذا انا حضت علمت أن ابني مات ولا أخ له وان كنت حاملا كان الولد في
بطني اخوه، فقال عمر: شعرة من آل أبي طالب أفقه من عدي.
الأصبغ بن نباتة: ان عمر حكم على خمسة نفر في زنا بالرجم فخطاه أمير المؤمنين
في ذلك وقدم واحدا فضرب عنقه وقدم الثاني فرجمه وقدم الثالث فضربه الحد وقدم
الرابع فضربه نصف الحد خمسين جلدة وقدم الخامس فعزره فقال عمر: كيف ذلك!
فقال عليه السلام: اما الأول فكان ذميا زنى بمسلمة فخرج عن ذمته واما الثاني فرجل محصن
زنى فرجمناه واما الثالث فغير محصن فضربناه الحد واما الرابع فعبد زنى فضربناه
نصف الحد واما الخامس فمغلوب على عقله مجنون فعزرناه، فقال عمر: لا عشت في أمة
لست فيها يا أبا الحسن.
183

حدايق أبي تراب الخطيب وكافي الكليني وتهذيب أبي جعفر عن عاصم بن ضمرة
ان غلاما وامرأة أتيا عمر فقال الغلام: هذه والله أمي حملتني في بطنها تسعا وأرضعتني
حولين كاملين فانتفت مني وطردتني وزعمت أنها لا تعرفني، فأتوا بها مع أربعة اخوة
لها وأربعين قسامة يشهدون لها ان هذا الغلام مدع ظلوم يريد ان يفضحها في عشيرتها
وانها بخاتم ربها لم يتزوج بها أحد فأمر عمر بإقامة الحد عليه فرأى عليا عليه السلام فقال:
يا أمير المؤمنين احكم بيني وبين أمي، فجلس عليه السلام موضع النبي صلى الله عليه وآله فقال: لك ولي؟
قالت: نعم هؤلاء أربعة اخوتي، فقال: حكمي عليكم جايز وعلى أختكم؟ قالوا نعم،
قال: اشهد الله واشهد من حضر اني زوجت هذه الامرأة من هذا الغلام بأربعمائة
درهم والنقد من مالي يا قنبر علي بالدراهم، فأتاه بها فقال: خذها فصبها في حجر امرأتك
وخذ بيدها إلى المنزل، فصاحت المرأة الأمان يا بن عم رسول الله هذا والله ولدي
زوجني اخوتي هجينا فولدت منه هذا فلما بلغ وترعرع انفوا وأمروني ان انتفي منه
وخفت منهم، فأخذت بيد الغلام فانطلقت به فنادى عمر: لولا علي لهلك عمر.
قال ابن حماد:
قال الامام فوليني ولاك لكي * اقرر الحكم قالت أنت تملكني
فقال قومي لقد زوجته بك قم * فادخل بزوجك يا هذا ولا تشن
فحين شد عليها كفه هتفت * أتستحل ترى بابنى تزوجني
اني من أشرف قومي نسبة وأبو * هذا الغلام مهين في العشير دني
فكنت زوجته سرا فأولدني * هذا ومات وامري فيه لم يبن
فظلت اكتمه أهلي ولو علموا * لكان كل امرئ منهم يعيرني
ورووا انه اتي بحامل قد زنت فامر برجمها فقال له أمير المؤمنين: هب لك سبيل
عليها فهل لك سبيل على ما في بطنها والله تعالى يقول (ولا تزر وازرة وزر أخرى)
قال: فماذا اصنع بها؟ قال: احتط عليها حتى تلد فإذا ولدت ووجدت لولدها من
يكفله فأقم الحد عليها، فلما ولدت ماتت فقال عمر: لولا علي لهلك عمر.
قال الأصفهاني:
وبرجم أخرى مثقل في بطنها * طفل سوي الخلق أو طفلان
نودوا الا انتظروا فان كانت زنت * فجنينها في البطن ليس بزاني
" المناقب ج 2، م 23 "
184

المنهال عن عبد الرحمن بن عايد الأزدي قال: اتي عمر بن الخطاب بسارق فقطعه
ثم اتي به الثانية فقطعه ثم اتي به الثالثة فأراد قطعه فقال علي: لا تفعل قد قطعت يده
ورجله ولكن احبسه.
احياء علوم الدين عن الغزالي ان عمر قبل الحجر ثم قال: اني لاعلم انك حجر
لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك لما قبلتك، فقال علي عليه السلام: بل
هو يضر وينفع، فقال: وكيف؟ قال: ان الله تعالى لما اخذ الميثاق على الذرية كتب
الله عليهم كتابا ثم القمه هذا الحجر فهو يشهد للمؤمن بالوفاء ويشهد على الكافر بالجحود
قيل فذلك قول الناس عند الاستلام: اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك،
هذا ما رواه أبو سعيد الخدري، وفي رواية شعبة عن قتادة عن أنس فقال له علي:
لا نقل ذلك فان رسول الله صلى الله عليه وآله ما فعل فعلا ولا سن سنة إلا عن أمر الله نزل على
حكمه، وذكر باقي الحديث.
فضايل العشرة انه اتي عمر بابن اسود انتفى منه أبوه فأراد عمر أن يعزره فقال
علي عليه السلام للرجل: هل جامعت أمه في حيضها؟ قال نعم، قال: فلذلك سوده الله،
فقال عمر: لولا علي لهلك عمر. وفي رواية الكلبي: قال أمير المؤمنين: فانطلقا
فإنه ابنكما وإنما غلب الدم النطفة، الخبر.
القاضي النعمان في شرح الاخبار عن عمر بن حماد القتاد باسناده عن أنس قال:
كنت مع عمر بمنى إذ اقبل اعرابي ومعه ظهر فقال لي عمر: سله هل يبيع الظهر؟
فقمت إليه فسألته قال نعم، فقام إليه فاشترى منه أربعة عشر بعيرا ثم قال: يا انس الحق
هذا الظهر، فقال الاعرابي: جردها من أحلاسها وأقتابها، فقال عمر: إنما اشتريتها
بأحلاسها وأقتابها، فاستحكما عليا فقال عليه السلام: كنت اشترطت عليه أقتابها وأحلاسها؟
فقال عمر لا، قال: فجردها له فإنما لك الإبل، فقال عمر: يا انس جردها وادفع
أقتابها وأحلاسها إلى الاعرابي وألحقها بالظهر، ففعلت.
وفيه عن يزيد بن أبي خالد باسناده إلى طلحة بن عبد الله قال: اتي عمر بمال
فقسمه بين المسلمين ففضلت منه فضلة فاستشار فيها من حضره من الصحابة فقالوا:
خذها لنفسك فإنك ان قسمتها لم يصب كل رجل منها إلا ما يلتفت إليه، فقال علي:
اقسمها أصابهم من ذلك ما أصابهم فالقليل في ذلك والكثير سواء، ثم التفت إلى علي
فقال: ويدلك مع أياد لم أجزك بها.
185

وفيه وقال أبو عثمان النهدي: جاء رجل إلى عمر فقال: اني طلقت امرأتي في
الشرك تطليقة وفي الاسلام تطليقتين فما ترى؟ فسكت عمر فقال له الرجل: ما تقول؟
قال: كما أنت حتى يجئ علي بن أبي طالب، فجاء علي فقال: قص عليك قصتك،
فقص عليه القصة فقال علي عليه السلام: هدم الاسلام ما كان قبله هي عندك على واحدة.
أبو القاسم الكوفي والقاضي النعمان في كتابيهما قالا: رفع إلى عمر ان عبدا قتل
مولاه فأمر بقتله فدعاه علي فقال له: أقتلت مولاك؟ قال نعم، قال: فلم قتلته؟ قال:
غلبني على نفسي واتاني في ذاتي، فقال لأولياء المقتول: أدفنتم وليكم؟ قالوا: نعم،
قال: ومتى دفنتموه؟ قالوا الساعة، قال لعمر: احبس هذا الغلام فلا تحدث فيه
حدثا حتى تمر ثلاثة أيام، ثم قال لأولياء المقتول: إذا مضت ثلاثة أيام فاحضرونا،
فلما مضت ثلاثة أيام حضروا فأخذ علي عليه السلام بيد عمر وخرجوا ثم وقف على قبر
الرجل المقتول فقال علي لأوليائه: هذا قبر صاحبكم؟ قالوا نعم، قال احفروا،
فحفروا حتى انتهوا إلى اللحد فقال: أخرجوا ميتكم، فنظروا إلى أكفانه في اللحد
ولم يجدوه فأخبروه بذلك فقال علي: الله أكبر الله أكبر والله ما كذبت ولا كذبت
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من يعمل من أمتي عمل قوم لوط
ثم يموت على ذلك فهو مؤجل إلى أن يوضع في لحده فإذا وضع فيه لم يمكث أكثر
من ثلاث حتى تقذفه الأرض إلى جملة قوم لوط المهلكين فيحشر معهم.
وذكر فيهما عمر بن حماد باسناده عن عبادة بن الصامت قال: قدم قوم من الشام
حجاجا فأصابوا ادحى نعامة فيه خمس بيضات وهم محرمون فشووهن واكلوهن ثم
قالوا: ما أرانا إلا وقد أخطأنا وأصبنا الصيد ونحن محرمون فاتوا المدينة وقصوا على
عمر القصة فقال: انظروا إلى قوم من أصحاب رسول الله فاسألوهم عن ذلك ليحكموا
فيه فسألوا جماعة من الصحابة فاختلفوا في الحكم في ذلك فقال عمر: إذا اختلفتم
فهاهنا رجل كنا أمرنا إذا اختلفنا في شئ فيحكم فيه فأرسل إلى امرأة يقال لها عطية
فاستعار منها اتانا فركبها وانطلق بالقوم معه حتى أتى عليا وهو بينبع فخرج إليه علي
فتلقاه ثم قال له: هلا أرسلت الينا فنأتيك، فقال عمر: الحكم يؤتى في بيته، فقص
عليه القوم فقال علي لعمر: مرهم فليعمدوا إلى خمس قلايص من الإبل فليطرقوها
للفحل فإذا نتجت اهدوا ما نتج منها جزاء عما أصابوا، فقال عمر: يا أبا الحسن ان
الناقة قد تجهض، فقال علي: وكذلك البيضة قد تمرق، فقال عمر: فلهذا أمرنا ان
186

نسألك، وروي من اختلافهم في امرأة المفقود فذكروا ان عليا حكم بأنها لا تتزوج
حتى يجئ نعي موته وقال: هي امرأة ابتليت فلتصبر، وقال عمر: تتربص أربع سنين
ثم يطلقها ولي زوجها ثم تتربص أربعة اشهر وعشرا ثم رجع إلى قول علي عليه السلام.
وكان الهيثم في جيش فلما جاء جاءت امرأته بعد قدومه بستة اشهر بولد فأنكر
ذلك منها وجاء به عمر وقص عليه فأمر برجمها فأدركها علي من قبل ان ترجم ثم قال
لعمر: على نفسك انها صدقت ان الله تعالى يقول (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)
وقال (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) فالحمل والرضاع ثلاثون شهرا
فقال عمر: لولا علي لهلك عمر، وخلي سبيلها وألحق الولد بالرجل.
" شرح ذلك " أقل الحمل أربعون يوما وهو زمن انعقاد النطفة وأقله لخروج
الولد حيا ستة اشهر وذلك أن النطفة تبقى في الرحم أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين
يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما ثم تتصور في أربعين يوما وتلجها الروح في عشرين
يوما فذلك ستة اشهر فيكون الفصال في أربعة وعشرين شهرا فيكون الحمل في ستة اشهر
وروى شريك وغيره ان عمر أراد بيع أهل السواد فقال له علي عليه السلام: ان هذا
مال أصبتم ولن تصيبوا مثله وان بعتهم فبقي من يدخل في الاسلام لا شئ له، قال:
فما اصنع؟ قال: دعهم شوكة للمسلمين فتركهم على أنهم عبيد، ثم قال علي عليه السلام: فمن
أسلم منهم فنصيبي منه حر.
أحمد بن عامر بن سليمان الطائي عن الرضا عليه السلام في خبر انه أقر رجل بقتل رجل ابن
رجل من الأنصار فدفعه عمر إليه ليقتله به فضربه ضربتان بالسيف حتى ظن أنه هلك
فحمل إلى منزله وبه رمق فبرئ الجرح بعد ستة اشهر فلقيه الأب وجره إلى عمر فدفعه
إليه عمر فاستغاث الرجل إلى أمير المؤمنين فقال لعمر: ما هذا الذي حكمت به على هذا
الرجل؟ فقال: النفس بالنفس، قال: ألم يقتله مرة؟ قال: قد قتلته ثم عاش، قال:
فيقتل مرتين! فبهت ثم قال: فاقض ما أنت قاض، فخرج عليه السلام: فقال للأب ألم تقتله
مرة؟ قال: بلى فيبطل دم ابني، قال: لا ولكن الحكم ان تدفع إليه فيقتص منك مثل
ما صنعت به ثم تقتله بدم ابنك، قال: هو والله الموت ولا بد منه، قال: لا بد ان يأخذ
بحقه، قال: فاني قد صفحت عن دم ابني ويصفح لي عن القصاص، فكتب بينهما كتابا
بالبراءة فرفع عمر يده إلى السماء وقال: الحمد لله أنتم أهل بيت الرحمة يا أبا الحسن، ثم
قال: لولا علي لهلك عمر.
187

العامة والخاصة: ان قدامة بن مظعون شرب خمرا فأراد عمر ان يحده فقال:
انه لا يجب علي الحد لقوله تعالى (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما
طعموا) الآية، فدرأ عنه الحد فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ليس قدامة من
أهل هذه الآية ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله (ان الذين آمنوا وعملوا
الصالحات لا يستحلون حراما) فاردد قدامة واستتبه مما قال فان تاب فأقم الحد عليه
وان لم يتب فاقتله فقد خرج من الملة، فاستيقظ عمر لذلك فعرف قدامة الخبر فأظهر
التوبة فحده عمر ثمانين.
الحسن وعطا وقتادة وشعبة واحمد ان مجنونة فجر بها رجل وقامت البينة عليها
بذلك فأمر عمر بجلدها فعلم بذلك أمير المؤمنين فقال: ردوها وقولوا له أما علمت أن
هذه مجنونة آل فلان وان النبي صلى الله عليه وآله قال رفع القلم عن المجنون حتى يفيق انها مغلوبة
على عقلها ونفسها، فقال عمر: فرج الله عنك لقد كدت أهلك في جلدها. وأشار
البخاري إلى ذلك في صحيحه.
وروى جماعة منهم إسماعيل بن صالح عن الحسن انه استدعى امرأة كان يتحدث
عندها الرجال فلما جاءها رسله ارتاعت وخرجت معهم فأملصت فوقع إلى الأرض ولدها
يستهل ثم مات فبلغ عمر ذلك فسأل الصحابة عن ذلك فقالوا بأجمعهم: نراك مؤديا ولم ترد إلا
خيرا ولا شئ عليك في ذلك، فقال: أقسمت عليك يا أبا الحسن لتقولن ما عندك،
فقال عليه السلام: إن كان القوم قاربوك فقد غشوك وان كانوا ارتأوا فقد قصروا الدية
على عاقلتك لان القتل الخطأ للصبي يتعلق بك، فقال: أنت والله نصحتني والله لا تبرح
حتى تجري الدية على بني عدي، ففعل ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، وقد أشار الغزالي إلى
ذلك في الاحياء عند قوله ووجوب الغرم على الامام إذا كما نقل من اجهاض المرأة
جنينها خوفا من عمر.
ورووا ان امرأتين تنازعتا على عهده في طفل ادعته كل واحدة منهما ولدا لها
بغير بينة فغم عليه وفزع فيه إلى أمير المؤمنين فاستدعى المرأتين ووعظهما وخوفهما
فأقامتا على التنازع فقال عليه السلام: ائتوني بمنشار، فقالتا: ما تصنع به؟ قال: اقده
بنصفين لكل واحدة منكما نصفه، فسكتت إحداهما وقالت الأخرى الله الله يا أبا الحسن
إن كان لا بد من ذلك فقد سمحت له بها، فقال: الله أكبر هذا ابنك دونها ولو كان
ابنها لرقت عليه وأشفقت فاعترفت الأخرى بأن الولد لها دونها. وهذا حكم سليمان
188

في صغره. قيس بن الربيع عن جابر الجعفي عن تميم بن حزام الأسدي انه دفع إلى
عمر منازعة جاريتين تنازعتا في ابن وبنت فقال: أين أبو الحسن مفرج الكرب؟
فدعي له به فقص عليه القصة فدعا بقارورتين فوزنهما ثم أمر كل واحدة فحلبت في
قارورة ووزن القارورتين فرجحت إحداهما على الأخرى فقال: الابن للتي لبنها أرجح
والبنت للتي لبنها أخف، فقال عمر: من أين قلت ذلك يا أبا الحسن؟ فقال: لان الله
جعل للذكر مثل حظ الأنثيين وقد جعلت الأطباء ذلك أساسا في الاستدلال على
الذكر والأنثى.
وصبت امرأة بياض البيض على فراش ضرتها وقالت: قد بات عندها رجل،
وفتش ثيابها فأصاب ذلك البياض وقص على عمر فهم ان يعاقبها فقال أمير المؤمنين:
ائتوني بماء حار قد اغلي غليانا شديدا، فلما اتي به أمرهم فصبوا على الموضع فانشوى
ذلك البياض فرمى به إليها وقال: انه من كيدكن ان كيدكن عظيم امسك عليك
زوجك فإنها حيلة تلك التي قذفتها فضربها الحد.
تهذيب الأحكام زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: جمع عمر بن الخطاب أصحاب
النبي صلى الله عليه وآله فقال: ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها فلا ينزل؟ فقالت الأنصار
الماء من الماء وقال المهاجرون إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل، فقال عمر:
ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال عليه السلام: أتوجبون عليه الرجم والحد ولا توجبون عليه
صاعا من ماء إذا التقى الختانان وجب عليه الغسل.
أبو المحاسن الروياني في الاحكام انه ولد في زمانه مولدان ملتصقان أحدهما
حي والآخر ميت فقال عمر: يفصل بينهما بحديد، فأمر أمير المؤمنين ان يدفن الميت
ويرضع الحي، ففعل ذلك فتميز الحي من الميت بعد أيام.
وهم عمر أن يأخذ حلي الكعبة فقال علي عليه السلام: ان القرآن انزل على النبي صلى الله عليه وآله
والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسموها بين الورثة في الفرايض، والفيئ فقسمه
على مستحقه، والخمس فوضعه الله حيث وضعه، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها،
وكان حلي الكعبة يومئذ فتركه على حاله ولم يتركه نسيانا ولم يخف عليه مكانه فأقره
حيث أقره الله ورسوله فقال عمر: لولاك لافتضحنا، وترك الحلي بمكانه.
الواحدي في البسيط وابن مهدي في نزهة الابصار بالاسناد عن ابن جبير قال:
لما انهزم اسفيذ هميار قال عمر: ما هم بيهود ولا نصارى ولا لهم كتاب وكانوا مجوسا
189

فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: بلى كان لهم كتاب ولكنه رفع وذلك أن ملكا لهم
سكر فوقع على ابنته أو قال على أخته فلما أفاق قال: كيف الخروج منها؟ قيل:
تجمع أهل مملكتك فتخبرهم انك ترى ذلك حلالا وتأمرهم ان يحلوه، فجمعهم وأخبرهم
ان يتابعوه فأبوا ان يتابعوه فخد لهم خدودا في الأرض وأوقد فيها النار وعرضهم
عليها فمن أبى قبول ذلك قذفه في النار ومن أجاب خلى سبيله.
وروى جابر بن يزيد وعمر بن أوس وابن مسعود واللفظ له: ان عمر قال:
لا أدري ما اصنع بالمجوس أين عبد الله بن عباس؟ قالوا: ها هو ذا، فجاء فقال: ما سمعت
عليا يقول في المجوس فان كنت لم تسمعه فاسأله عن ذلك، فمضى ابن عباس إلى علي
فسأله عن ذلك فقال " أفمن يهدى إلى الحق أحق ان يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى
فما لكم كيف تحكمون) ثم أفتاه.
واتي إليه بامرأة تزوج بها شيخ فلما ان واقعها مات على بطنها فجاءت بولد
فأذاعوا بنوه انها فجرت فأمر برجمها فرآها أمير المؤمنين عليه السلام فقال: هل تعلمون
أي يوم تزوجها وفي أي يوم واقعها وكيف كان جماعه لها؟ قالوا: لا، قال: ردوا
المرأة، فلما إن كان من الغد بعث إليها فجاءت ومعها ولدها ثم دعا أمير المؤمنين بصبيان
أتراب فقال لهم: العبوا، حيت إذا ألهاهم اللعب صاح بهم أمير المؤمنين فقام الصبيان
وقام الغلام فاتكا على راحتيه فدعا به أمير المؤمنين وورثه من أبيه وجلد اخوته المفترين
حدا حدا وقال: عرفت ضعف الشيخ باتكاء الغلام على راحتيه حين أراد القيام.
أربعين الخطيب: ان امرأة شهد عليها الشهود انهم وجدوها في بعض مياه
العرب مع رجل يطأها ليس ببعل لها، فأمر عمر برجمها فقالت: اللهم أنت تعلم اني
برية، فغضب عمر وقال: وتجرحي الشهود أيضا! فأمر أمير المؤمنين عليه السلام ان
يسألوها فقالت: كان لأهلي إبل فخرجت في إبل أهلي وحملت معي ماء ولم يكن في
إبلي لبن وخرج معي خليط وكان في إبله لبن فنفذ مائي فاستسقيته فأبى ان يسقيني
حتى أمكنه من نفسي فأبيت فلما كادت نفسي تخرج أمكنته من نفسي، فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: الله أكبر فمن اضطر في مخمصة غير متجانف فلا إثم عليه.
قال ابن الأصفهاني في كلمته:
لا يهتدون لما اهتدى الهادي له * مما به الحكمان يشتبهان
في رجم جارية زنت مضطرة * خوف الممات بعلة العطشان
190

إذا قال ردوها فردت بعدما * كادت تحل عساكر الموتان
وبرجم أخرى والدا عن ستة * فأتى بقصتها من القرآن
إذ أقبلت تجري إليها أختها * حذرا على حد الفؤاد حصان
الخطيب في الأربعين قال ابن عباس: كنا في جنازة فقال علي عليه السلام لزوم أم
الغلام امسك عن امرأتك، فقال له عمر: ولم يمسك عن امرأته اخرج مما حبت به؟
قال: نعم تريد ان تستبرئ رحمها فلا يلقى فيها شئ فيستوجب به الميراث من أخيه
ولا ميراث له، فقال عمر: أعوذ بالله من معضلة لا علي لها.
وفي تهذيب الأحكام انه استودع رجلان امرأة وديعة وقالا لها: لا تدفعيها
إلى واحد منا حتى نجتمع عندك، ثم انطلقا فغابا فجاء أحدهما إليها فقال: أعطيني وديعتي
فان صاحبي قد مات، فأبت حتى كثر اختلافه فأعطته ثم جاء صاحبه فقال: هاتي
وديعتي، فقالت المرأة: اخذها صاحبك وذكر انك قد مت، فارتفعا إلى عمر فقال
لها عمر: ما أراك إلا قد ضمنت، فقالت المرأة: اجعل عليا بيني وبينه، فقال علي:
هذه الوديعة عندي وقد أمرتماها ان لا تدفعها إلى واحد منكما حتى تجتمعان عندها
فائتني بصاحبك، فلم يضمنها وقال: إنما أرادا ان يذهبا بمال المرأة.
وفي أربعين الخطيب قال ابن سيرين: ان عمر سال الناس وقال: كم يتزوج
المملوك؟ وقال لعلي: إياك أعني يا صاحب المعافري - رداء كان عليه - قال عليه الاسلام ثنتين
وفي غريب الحديث عن أبي عبيد أيضا قال أبو صبرة: جاء رجلان إلى عمر
فقالا له: ما ترى في طلاق الأمة؟ فقام إلى حلقة فيها رجل أصلع فسأله فقال اثنتان فالتفت
إليهما فقال اثنتان، فقال له أحدهما: جئناك وأنت أمير المؤمنين فسألناك عن طلاق
الأمة فجئت إلى رجل فسألته فوالله ما كلمك، فقال له عمر: ويلك أتدري من هذا
هذا علي بن أبي طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لو أن السماوات
والأرض وضعت في كفة ووضع ايمان علي في كفة لرجح ايمان علي. ورواه
مصقلة بن عبد الله. قال العبدي:
انا روينا في الحديث خبرا * يعرفه سائر من كان روى أن
ابن خطاب أتاه رجل * فقال كم عدة تطليق الاما
فقال يا حيدر كم تطليقة * للأمة اذكره فأومى المرتضى
بإصبعيه فثنى الوجه إلى * سائله قال اثنتان وانثنى
191

قال له تعرف هذا قال لا * قال له هذا علي ذو العلى
فصل: في ذكر قضاياه في عهد عثمان
العامة والخاصة: ان امرأة نكحها شيخ كبير فحملت فزعم الشيخ انه لم يصل
إليها وأنكر حملها فسأل عثمان المرأة: هل افتضك الشيخ؟ وكانت بكرا فقالت لا،
فأمر بالحد فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ان للمرأة سمين سم الحيض وسم البول فلعل
الشيخ كان ينال منها فسال ماؤه في سم المحيض فحملت منه، فقال الرجل: قد كنت
انزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالافتضاض، فقال أمير المؤمنين: الحمل له
والولد له وأرى عقوبته على الانكار له.
كشاف الثعلبي وأربعين الخطيب وموطأ مالك بأسانيدهم عن بعجة بن بدر الجهني
انه اتي بامرأة قد ولدت لستة اشهر فهم برجمها فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ان خاصمتك
بكتاب الله خصمتك ان الله تعالى يقول (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ثم قال:
(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد ان يتم الرضاعة فحولين مدة
الرضاع وستة اشهر مدة الحمل، فقال عثمان: ردوها، ثم قال: ما عند عثمان بعد
أن بعث إليها ترد.
الخاصة والعامة: ان رجلا كان لديه سرية فأولدها ثم اعتزلها وأنكحها عبدا له
ثم توفي فعتقت بملك ابنها لها فورث زوجها ولدها ثم توفي الابن فورثت من ولدها
زوجها فارتفعا إليه يختصمان تقول هذا عبدي ويقول هو هي امرأتي ولست مفرجا عنها
فقال: هذه مشكلة، وأمير المؤمنين عليه السلام حاضر فقال عليه السلام: سلوها هل جامعها بعد
ميراثها له؟ فقالت لا، فقال: لو علم أنه فعل ذلك لعذبته اذهبي فإنه عبدك ليس له
عليك سبيل ان شئت تعتقيه أو تسترقيه أو تبيعيه فذلك لك.
ورووا ان مكاتبة زنت على عهده وقد عتق منها ثلاثة أرباع فسأل عثمان
أمير المؤمنين فقال: تجلد بحساب الحرية وتجلد منها بحساب الرق، فقال زيد بن ثابت
تجلد بحساب الرق، قال أمير المؤمنين: كيف تجلد بحساب الرق وقد عتق ثلاثة أرباعها
وهلا جلدتها الحرية فيها أكثر، فقال: كان ذلك كذلك لوجب توريثها بحساب
الحرية، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أجل ذلك واجب، فافحم زيد.
" المناقب ج 2، م 24 "
192

سفيان بن عيينة باسناده عن محمد بن يحيى قال: كان لرجل امرأتان امرأة من
الأنصار وامرأة من بني هاشم فطلق الأنصارية ثم مات بعد مدة فذكرت الأنصارية
التي طلقها انها في عدتها وقامت عند عثمان البينة بميراثها منه فلم يدر ما يحكم به وردهما
إلى علي عليه السلام فقال: تحلف انها لم تحض بعد ان طلقها ثلاث حيض وترثه، فقال عثمان
للهاشمية: هذا قضاء ابن عمك، قالت: قد رضيته فلتحلف وترث، فتحرجت الأنصارية
من اليمين وتركت الميراث.
وكانت يتيمة عند رجل فتخوفت المرأة ان يتزوجها فدعت بنسوة حتى أمسكنها
وأخذت عذرتها بإصبعها فلما قدم زوجها رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة وأقامت البينة
من جاراتها فرفع ذلك إلى عثمان أو إلى عمر فجاء بهم إلى علي عليه السلام فسألها البينة فقالت:
جيراني هؤلاء، فأخرج أمير المؤمنين السيف من غمده فطرحه بين يديه ثم دعا امرأة
الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها فردها ودعا بإحدى الشهود وجثا؟
على ركبتيه ثم قال: تعرفيني أنا علي بن أبي طالب وهذا سيفي وقد قالت امرأة الرجل
ما قالت وأعطيتها الأمان وان لم تصدقيني لأمكنن السيف منك، فقالت: الأمان على
الصدق. قال فاصدقي. فقالت: لا والله انها رأت جمالا وهيئة فخافت فساد زوجها
فسقتها المسكر ودعتنا فأمسكناها فافتضتها بإصبعها، فقال عليه السلام: الله أكبر انا أول
من فرق الشهود بعد دانيال النبي، فالزمها حد القاذف وألزمهن جميعا العقر وجعل
عقرها أربعمائة درهم وأمر المرأة ان تنتفي من الرجل ويطلقها زوجها وزوجه الجارية
وساق عنه عليه السلام، فقال عمر: يا أبا الحسن فحدثنا بحديث دانيال، فحكى عليه السلام
ان ملكا من ملوك بني إسرائيل كان له قاضيان وكان لهما صديق وكان رجلا صالحا
وكان له امرأة جميلة فوجه الملك الرجل إلى موضع فقال الرجل للقاضيين: أوصيكما
بامرأتي خيرا، فقالا نعم، فخرج الرجل وكان القاضيان يأتيان باب الصديق فعشقا
امرأته فراوداها عن نفسها فأبت فقالا: لنشهدن عليك عند الملك بالزنا ثم لنرجمنك،
فقالت: افعلا ما أحببتما، فأتيا الملك فشهدا عنده بأنها بغت فدخل على الملك من ذلك
امر عظيم وقال للوزير: مالك في هذا من حيلة؟ فقال: ما عندي في هذا شئ، ثم خرج
فإذا هو بغلمان يلعبون وفيهم دانيال فقال دانيال: يا معشر الصبيان تعالوا حتى أكون انا
الملك وتكون أنت يا فلان العابدة ويكون فلان وفلان القاضيين الشاهدين عليها، ثم
جمع ترابا وجعل سيفا من قصب ثم قال للصبيان: خذوا هذا فنحوه إلى مكان
193

كذا وكذا وخذوا بيد هذا إلى موضع كذا ثم دعا بأحدهما فقال له: قل حقا فإن لم
تقل حقا قتلتك بما تشهد، قال: اشهد انها بغت، قال: متى؟ قال: يوم كذا وكذا
قال: مع من؟ قال: مع فلان بن فلان، قال: وأين؟ قال: موضع كذا وكذا، قال
ردوه إلى مكانه وهاتوا الآخر، فلما جاء قال له: بما تشهد؟ فقال: أشهد انها بغت
قال: متى؟ قال: يوم كذا وكذا، قال: مع من؟ قال: مع فلان بن فلان، قال:
فأين؟ قال: في موضع كذا وكذا، فخالف صاحبه فقال دانيال: الله أكبر شهدا
بزور يا فلان ناد في الناس إنما شهدا على فلانة بالزور فاحضروا قتلهما، فذهب الوزير
إلى الملك مبادرا فأخبره الخبر فحكم الملك في القاضيين فاختلفا فقتلهما.
مسند أحمد وأبي يعلى روى عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي انه اصطاد
أهل الماء حجلا فطبخوه وقدموا إلى عثمان وأصحابه فأمسكوا فقال عثمان: صيد لم
نصده ولم نأمر بصيده اصطادوه قوم حل فاطعموناه فما به بأس، فقال رجل: ان
عليا يكره هذا، فبعث إلى علي عليه السلام فجاء وهو غضبان ملطخ بدنه بالخبط فقال له:
انك لكثير الخلاف علينا. فقال عليه السلام: اذكروا الله من شهد النبي صلى الله عليه وآله أتى بعجز
حمار وحشي وهو محرم فقال: انا محرمون فأطعموه أهل الحل؟ فشهد اثنا عشر
رجلا من الصحابة ثم قال: اذكروا الله رجلا شهد النبي أتى بخمس بيضات من بيض
النعام فقال انا محرمون فأطعموه أهل الحل؟ فشهد اثنا عشر رجلا من الصحابة فقام
عثمان ودخل فسطاطه وترك الطعام على أهل الماء. قال أبو الحسن المرادي:
يا سائلي عن علي والالى عملوا * به من السوء ما قالوا وما فعلوا
لم يعرفوه فعادوه لجهلهم * والناس كلهم أعداء ما جهلوا
فصل: في قضاياه فيما بعد بيعة العامة
من لا يحضره الفقيه انه عبر أمير المؤمنين عليه السلام بعد قتال البصرة على امرأة
وجنينها مطروحين على الطريق فسال ذلك فقالوا: كانت حاملا ففزعت حين رأت
القتال والهزيمة، قال: فسألهم أيهما مات قبل صاحبه؟ قالوا: ابنها، فدعا بزوجها
أبي الغلام الميت فورثه من ابنه ثلثي الدية وورث أمه ثلث الدية ثم ورث الزوج من
من امرأته الميتة نصف ثلث الدية التي ورثته من ابنها الميت وورث قرابة الميت الباقي
قال: ثم ورث الزوج أيضا من دية المرأة الميتة نصف الدية وهو الفان وخمسمائة درهم
194

وذلك انها لم يكن لها ولد غير الذي رمت به حين فزعت، قال: وأدى ذلك من بيت
مال البصرة.
الأحكام الشرعية عن الخزاز القمي قال سلمة بن كهيل قال: أتي أمير المؤمنين
برجل قد قتل رجلا خطأ، فقال له عليه السلام: من عشيرتك وقرابتك؟ قال: قرابتي
بالموصل، قال: فسأل عن أمير المؤمنين فلم يجد له قرابة فكتب إلى عامله بالموصل:
اما بعد فان فلان بن فلان وحليته كذا وكذا قتل رجلا من المسلمين خطأ فذكر انه
من أهل الموصل وان له بها قرابة وأهل بيت وقد بعثت به إليك مع رسولي فلان بن
فلان وحليته كذا وكذا فإذا ورد عليك انشاء الله وقرأت كتابي فافحص عن امره
وسل عن قرابته من المسلمين فإن كان من أهل الموصل ممن ولد بها وأصبت له بها
وأصبت له بها قرابة من المسلمين فاجمعهم ثم انظر إن كان منهم رجل يرثه له سهم في
الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته وكانوا قرابته سواء في النسب وكان له
قرابة من قبل أبيه وعلى قرابته من قبل أمه من الرجال المذكورين من المسلمين ثم
اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية وعلى قرابته من قبل أمه ثلث الدية وان لم
يكن له قرابة من قبل أبيه نفض الدية على قرابته من قبل أمه من الرجال المذكورين
المسلمين ثم خذهم بها واستأدهم الدية في ثلاث سنين فإن لم يكن له قرابة من قبل أمه
ولا قرابة من قبل أبيه ففض الدية على أهل الموصل ممن ولد بها ونشأ فلا تدخل فيهم
غيرهم من أهل البلد ثم استأد ذلك منهم في ثلاث سنين في كل سنة نجم حتى تستوفيه
انشاء الله وان لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل ولا يكون من أهلها
فرده إلي مع رسولي فلان بن فلان انشاء الله وانا وليه والمؤدي عنه وإلا أبطل دم
امرئ مسلم. وقضى عليه السلام في عين فرس فقئت بربع ثمنها يوم فقئت عينها.
عدي بن حاتم عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: يوم التقى هو ومعاوية بصفين فرفع
بها صوته يسمع أصحابه: والله لأقتلن معاوية وأصحابه، ثم يقول في آخر قوله:
انشاء الله، يخفض بها صوته وكنت قريبا منه فقلت: يا أمير المؤمنين انك حلفت على
ما فعلت ثم استثنيت فما أردت بذلك! فقال: ان الحرب خدعة وانا عند المؤمن غير
كذوب فأردت ان أحرض أصحابي عليهم لكي لا يفشلوا ولكي يطمعوا فيهم فأفقههم
ينتفعوا بها بعد اليوم انشاء الله.
الصادق عن أمير المؤمنين عليهما السلام في رجل أمر عبده ان يقتل رجلا فقال
195

وهل العبد عند الرجل إلا كسوطه أو كسيفه يقتل السيد ويودع العبد السجن.
قال: ولي ثلاثة قتلا فدعوا إلى علي عليه السلام اما واحد منهم امسك رجلا وأقبل
الآخر فقتله والثالث وقف في الرؤية يراهم فقضى في الذي كان في الرؤية ان تسمل
عيناه وفي الذي أمسك ان يسجن حتى يموت كما امسك وفي الذي قتله ان يقتل.
نقلة الاخبار وذكر صاحب فضايل العشرة انه ولد على عهد أمير المؤمنين عليه السلام
مولود له رأسان وصدران على حقو واحد فسئل عليه السلام: كيف يورث؟ قال:
يترك حتى ينام ثم يصاح به فان انتبها جميعا كان له ميراث واحد وان انتبه أحدهما
وبقى الآخر كان له ميراث اثنين.
وفيما أخبرنا به أبو علي الحداد باسناده إلى سلمة بن عبد الرحمن في خبر قال:
اتي عمر بن الخطاب برجل له رأسان وفمان وأنفان وقبلان ودبران وأربعة أعين في
بدن واحد ومعه أخت فجمع عمر الصحابة وسألهم عن ذلك فعجزوا فأتوا عليا وهو
في حايط له فقال: قضيته ان ينوم فان غمض الأعين أو غط من الفمين جميعا فبدن
واحد وان فتح بعض الأعين أو غط أحد الفمين فبدنان هذه قضيته. واما القضية
الأخرى فيطعم ويسقى حتى يمتلي فان بال من المبالين جميعا وتغوط من الغايطين جميعا
فبدن واحد وان بال أو تغوط من أحدهما فبدنان، وقد ذكره الطبري في كتابه.
عمار الذهبي عن أبي الصهباء قال: قام ابن الكواء إلى علي وهو على المنبر وقال إني
وطأت دجاجة ميتة فخرجت منها بيضة فآكلها؟ قال لا، قال: فان استحضنتها
فخرج منها فرخ آكله؟ قال: نعم، قال: فكيف؟ قال: لأنه حي خرج من ميت
وتلك ميتة خرجت ميتة.
الحسن بن علي العبدي عن سعد بن طريف عن شريح: ان امرأة أتت إليه فقالت إن
لي ما للرجال وما للنساء، فقال: ان أمير المؤمنين يقضي على المبال، قالت: فاني
أبول بهما وينقطعان معا، فاستعجب شريح قالت: واعجب من هذا جامعني زوجي
فولدت منه وجامعت جاريتي فولدت مني، فضرب شريح احدى يديه على الأخرى
متعجبا ثم جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: هو كما ذكر، فقال لها: فمن زوجك؟
قالت: فلان بن فلان، فبعث إليه فدعاه وسأله عما قالت؟ قال: هو كذلك. فقال له
عليه السلام. لانت اجرى من صايد الأسد حين تقدم عليها بهذه الحال ثم قال:
يا قنبر ادخل مع أربع نسوة فعد أضلاعها، فقال زوجها لا آمن عليها رجل ولا
196

ائتمن عليها امرأة فأمر دينار الخصي ان يشد عليه ثياب أو اخلاه في بيت ثم ولجه
وأمره بعد أضلاعه فكانت من الجانب الأيمن ثمانية ومن الجانب الأيسر سبعة فلبسها
ثياب الرجال والحقها بهم فقال الزوج: يا أمير المؤمنين ابنة عمي قد ولدت مني تلقحها
بالرجال! فقال: اني حكمت فيها بحكم الله ان الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر
الأقصى فأضلاع الرجال تنقص وأضلاع النساء تمام.
وروى بعض أهل النقل ان أمير المؤمنين أمر عدلين ان يحضرا بيتا خاليا
وأحضر الشخص معهما وأمر بنصب مرآتين أحدهما مقابلة لفرج الشخص والأخرى
مقابلة للمرأة الأخرى وأمر الشخص ان يكشف عن عورته في مقابلة المرأة حيث لا يراه
العدلان وأمر العدلين بالنظر في المرآة المقابلة لها فلما تحقق العدلان صحة ما ادعاه
الشخص من الفرجين اعتبر حاله بعد أضلاعه.
إسماعيل بن موسى باسناده ان رجلا خطب إلى رجل ابنة له عربية فأنكحها إياه
ثم بعث إليه بابنة له أمها أعجمية فعلم بذلك بعد أن دخل بها فأتى معاوية وقص عليه
القصة فقال: معضلة لها أبو الحسن، فاستأذنه وأتى الكوفة وقص على أمير المؤمنين
فقال: على أبي الجارية ان يجهز الابنة التي أنكحها إياه بمثل صداق التي ساق إليه فيها
ويكون صداق التي ساق منها لأختها بما أصاب من فرجها وأمره ان لا يمس التي
تزف إليه حتى تقضي عدتها ويجلد أبوها نكالا لما فعل.
التهذيب في خبر عن أمير المؤمنين عليه السلام انه لما نهى عن أكل الطحال قال قصاب:
يا أمير المؤمنين ما الكبد والطحال إلا سواء، فقال له: كذبت يا لكع ائتني بتور من
ماء أنبئك بخلاف ما بينهما، فأتى بكبد وطحال وتور من ماء فقال: شق الكبد من
وسطه والطحال من وسطه، ثم رماهما في الماء جميعا فابيضت الكبد ولم ينقص منه
شئ ولم يبيض الطحال وخرج ما فيه كله وصار دما كله وبقى جلدا وعروقا، فقال
له: هذا خلاف ما بينهما هذا لحم وهذا دم.
ابن بطة وشريك باسنادهما عن ابن أبجر العجلي قال: كنت عند معاوية فاختصم
إليه رجلان في ثوب فقال أحدهما ثوبي وأقام البينة وقال الآخر ثوبي اشتريته من
السوق من رجل لا اعرفه، فقال معاوية: لو كان لها علي بن أبي طالب، فقال ابن أبجر
فقلت له: قد شهدت عليا قضى في مثل هذا وذلك أنه قضى بالثوب للذي أقام البينة
وقال للآخر اطلب البايع، فقضى معاوية بذلك بين الرجلين.
197

وبهذا الاسناد ان عليا عليه السلام دفع إليه مملوك قتل حرا قال: يدع إلى أولياء
المقتول، فدع إليهم فعفوا عنه فقال له الناس: قتلت رجلا وصرت حرا، فقال عليه السلام
لا هو رد على مواليه.
جابر بن عبد الله بن يحيى قال: جاء رجل إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين اني كنت
أعزل عن امرأتي وانها جاءت بولد، فقال عليه السلام: وأناشدك الله هل وطأتها ثم عاودتها
قبل ان تبول؟ قال نعم، قال: فالولد لك.
وسئل أمير المؤمنين عن علة ما يصلى فيه من الثياب؟ فقال عليه السلام: ان الانسان
إذا كان في الصلاة فان جسده وثيابه وكل شئ حوله يسبح.
وقال عليه السلام: فرض الله تعالى الايمان تطهيرا من الشرك، والصلاة تنزيها عن
الكبير، والزكاة تسبيبا للرزق، والصيام ابتلاء لاخلاص الحق، والحج تقوية للدين
والجهاد عن الاسلام والامر بالمعروف مصلحة للعوام، والنهي عن المنكر ردعا للسفهاء
وصلة الأرحام منماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء، وإقامة الحدود إعظاما للمحارم
وترك شرب الخمر تحصينا للعقل، ومجانبة السرقة ايجابا للعفة، وترك الزنا تحقيقا للنسب
وترك اللواط تكثيرا للنسل، والشهادات استظهارا عن المجاحدات، وترك الكذب
تشريفا للصدق، والسلام أمانا من المخاوف، والأمانة نظاما للأمة، والطاعة
تعظيما للسلطان.
وسئل عليه السلام عن الوقوف بالحل لم لا يكون بالحرم؟ فقال: لان الكعبة بيته
والحرم داره فلما قصدوا وافدين أوقفهم بالباب يتضرعون إليه. قيل له: فالمشعر
الحرام لم صار في الحرم؟ قال: لأنه لما اذن لهم بالدخول أوقفهم بالحجاب الثاني فلما
طال تضرعهم أذن لهم بتقريب قربانهم فلما قضوا تفثهم وتطهروا بها من الذنوب التي
كانت حجابا بينهم وبينه اذن لهم بالزيارة له على الطهارة. قيل له: فلم حرم الصيام أيام
التشريق؟ قال: لان القوم زوار الله في ضيافته ولا يجمل لمضيف ان يصوم أضيافه.
فقيل له: والتعلق بأستار الكعبة لأي معنى هو؟ قال: مثله مثل رجل له عند آخر
جناية وذنب فهو يتعلق به يتضرع إليه ويخضع له رجاء ان يتجافى له عن ذنبه.
محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة نفر
اطلعوا في زية الأسد فخر أحدهم فاستمسك بالثاني فاستمسك بالثالث فاستمسك بالرابع
فقضى في الأول فريسة الأسد وغرم أهله ثلث الدية للثاني وغرم الثاني لأهل الثالث
198

ثلثي الدية وغرم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة.
ابن مهدي في نزهة الابصار والزمخشري في المستقصي عن ابن سيرين وشريح
القاضي ان أمير المؤمنين رأى شابا يبكي فسأل عليه السلام عنه فقال: ان أبي سافر مع هؤلاء
فلم يرجع حين رجعوا وكان ذا مال عظيم فرفعتهم إلى شريح فحكم علي، فقال عليه السلام
متمثلا:
أوردها سعد وسعد مشتمل * يا سعد ما تروى على هذا الإبل
ثم قال: ان أهون السقي التشريع أي كان ينبغي لشريح ان يستقصي في
الاستكشاف عن خبر الرجل ولا يقتصر على طلب البينة.
وروى أبو جعفر فيمن لا يحضره الفقيه والكليني في الكافي والطوسي في التهذيب
وابن فياض في شرح الاخبار أنه قال: اني أحكم بحكم داود عليه السلام، ونظر في
وجوههم ثم قال: ما تظنون؟ تظنون اني لا اعلم بما صنعتم بأبي هذا الفتى اني إذا لقليل
العلم، ثم فرق بينهم ودعا واحدا واحدا يقول اخبرني ولا ترفع صوتك، وسأله عن
ذهابهم ونزولهم وعامهم وشهرهم ويومهم ومرض الرجل وموته وغسله وتكفينه
والصلاة عليه ودفنه وموضع قبره وأمر عبد الله بن أبي رافع بكتابة قوله فلما كتب
كبر وكبر الناس معه فظن الآخر انه اخبرهم بذلك ثم أمر برد الرجل إلى مكانه ودعا
بآخر عما سال الأول فخالفه في الكلام كله فكبر أيضا ثم دعا بثالث ثم برابع فكان
يتلجلج فوعظه وخوفه فاعترف انهم قتلوا الرجل واخذوا ماله وانهم دفنوه في موضع
كذا بالقرب من الكوفة فكان يستدعي بعد ذلك واحدا واحدا ويقول اصدقني
عن حالك وإلا نكلت بك فقد وضح لي الحق في قضيتكم فيعترف الرجل مثل صاحبه
فأمر برد المال وأنهاك العقوبة وعفا الشاب عن دمائهم. فسألوه عن حكم داود فقال إن
داود عليه السلام مر بغلمان يلعبون وينادون واحدا منهم اي مات الدين، فقال
داود: ومن سماك بهذا الاسم؟ قال أمي، قال: انطلق بنا إلى أمك، فقال: يا أمة الله
ما اسم ابنك هذا وما كان سبب ذلك؟ قالت: ان أباه خرج في سفر له ومعه قوم وأنا
حامل بهذا الغلام فانصرف قومي ولم ينصرف زوجي فسألتهم عنه فقالوا مات وسألتهم
عن ماله فقالوا ما ترك مالا فقلت لهم وصاكم بوصية قالوا نعم زعم انك حبلى وإن
ولدت جارية أو غلاما فسميه مات الدين فسميته كما وصى، فقال لها: فهل تعرفين
القوم؟ قالت نعم، قال: انطلقي معي إلى هؤلاء، فاستخرجهم من منازلهم فلما حضروا
199

حكم فيهم بهذه الحكومة فثبت عليهم الدم واستخرج منهم المال ثم قال: يا أمة الله سمي
ابنك هذا بعاش الدين.
ابن المسيب: انه كتب معاوية إلى أبي موسى الأشعري يسأله أن يسأل عليا
عن رجل يجد مع امرأته رجلا يفجر بها فقتله ما الذي يجب عليه؟ قال: إن كان
الزاني محصنا فلا شئ على قاتله لأنه قتل من يجب عليه القتل.
وفي رواية صاحب الموطأ فقال عليه السلام: انا أبو الحسن فإن لم يقم أربعة شهداء
فليعط برمته.
السكوني: ان ستة نفر لعبوا في الفرات فغرق واحد منهم فشهد اثنان منهم
على ثلاثة منهم انهم غرقوه وشهد الثلاثة على الاثنين انهما غرقاه فألزم الاثنين ثلاثة
أخماس الدية وألزم الثلاثة خمسي الدية بحساب الشهادة.
محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة نفر شربوا
فسكروا فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا فقتل اثنان وجرح اثنان فأمر
بالمجروحين فضرب كل واحد منهما ثمانين جلدة وقضى دية المقتولين على المجروحين
وأمر ان يقاس جراح المجروحين فترفع من الدية وان مات من المجروحين أحد فليس
على أولياء المقتول شئ. وفي رواية أنه قال: دية المقتولين على قبايل الأربعة بعد
مقاصة الحيين منهما بدية جراحهما لأنه لعل كل واحد منهما قتل صاحبه.
ونفذ رجل غلاما مع ابنه إلى الكوفة فتخاصما فضربه الابن فنكل عنه الغلام
وسبه حتى ادعى انه مملوكه فتحاكما إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال لقنبر: أثقب في
الحايط ثقبين، ثم قال لأحدهما: ادخل رأسك في هذا الثقب، ثم قال: يا قنبر علي
بالسيف سيف رسول الله صلى الله عليه وآله عجل اضرب رقبة العبد منهما قال فأخرج
الغلام رأسه مبادرا ومكث الآخر في الثقب فأدب الغلام على ما صنع ثم رده إلى مولاه
وقال: لئن عدت لأقطعن يدك.
الصادق عليه السلام: تزوج رجل من الأنصار امرأة على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فلما
كان ليلة البناء بها عمدت المرأة إلى رجل صديق لها فأدخلته الحجلة فلما دخل الزوج
بباضع أهله ثار الصديق واقتتلا في البيت فقتل الزوج الصديق وقامت المرأة فضربت
الزوج ضربة فقتلته بالصديق فقال عليه السلام: تضمن المرأة دية الصديق وتقتل بالزوج.
" المناقب ج 2، م 25 "
200

الأصبغ: وصى رجل ودفع إلى الوصي عشرة آلاف درهم وقال: إذا أدرك
ابني فاعطه ما أحببت منها، فلما أدرك استعدى عليه أمير المؤمنين قال له: كم تحب ان
تعطيه؟ قال: ألف درهم، قال: اعطه تسعة آلاف درهم فهي التي أحببت وخذ الألف.
وقضى عليه السلام في ثلاثة نفر اشتركوا في بعير فأخذه أحد الثلاثة فعقله وشد يديه
جميعا ومضى في حاجة فجاء الرجلان فخليا يدا واحدة وتركا واحدة وتشاغلا عنه
فقام البعير ويمشي على ثلاثة قوائم فتردى في بئر فانكسر البعير فادركوا زكاته فنحروه
ثم باعوا لحمه فأتاهم الرجل فقال: لم حللتموه حتى أجئ وأحفظه أو يحفظه أحدكما
فقضى على شريكيه الثلث من أجل انه كان قد أوثق حقه وعقل البعير فخلياه فنظروا
في ثمن لحم البعير فإذا هو ثلث الثمن بقدر ما كان للرجل الثلث فأخذه كله بحقه وخرج
الرجلان صفرا فذهب حظه بحظهما.
وروي ان امرأة تشبهت لرجل بجاريته واضطجعت على فراشه ليلا فوطأها
فأمر أمير المؤمنين بإقامة الحد على الرجل سرا وعلى المرأة جهرا.
أبو عبيد في غريب الحديث ان امرأة جاءته فذكرت ان زوجها يأتي جاريتها
فقال عليه السلام: ان كنت صادقة رجمناه وان كنت كاذبة جلدناك، فقالت: ردوني إلى
أهلي غيري نغرة معناه ان جوفها يغلي من الغيظ والغيرة.
وروي ان ابن مسعود قال فيمن غشى جارية امرأته لا حد عليه، فقال عليه السلام:
أبا عبد الرحمن إنما كان هذا قبل ان تنزل الحدود.
شهد اثنان على رجل بالسرقة انه سرق درعا فجعل الرجل يناشده لما نظر في البينة
وجعل يقول: لو كان رسول الله ما قطع يدي ابدا، قال: ولم؟ قال: يخبره ربه اني
برئ، فدعا عليه السلام للشاهدين وقال لهما: اتقيا الله ولا تقطعا يد الرجل ظلما وناشدهما
ثم قال: ليقطع أحدهما يده ويمسك أحدهما يده، فلما تقدما إلى المسطبة ليقطعوه
اضطربوا الناس حتى اختلطوا فلما اختلطوا أرسلا الرجل في غمار الناس وفرا حين
اختلط الناس فأخبروا أمير المؤمنين فقال: من يدلني على الشاهدين انكلهما.
وحكم عليه السلام في وصية بجزء من مال انه السبع من قوله تعالى: (لكل باب منهم
جزء مقسوم).
وفي وصية بسهم انه الثمن من قوله: (إنما الصدقات). وفي قول واحد:
أعتق عني كل عبد قديم في ملكي، ان يعتق ما في ملكه ستة اشهر من قوله تعالى:
201

(والقمر قدرناه منازل). وفي نذر حين ان يصوم ستة اشهر من قوله: (تؤتى
اكلها كل حين).
وفي نهج البلاغة: ان أمير المؤمنين عليه السلام رفع إليه رجلان سرقا في مال الله تعالى
أحدهما من مال الله والآخر من عرض الناس فقال عليه السلام: اما هذا فهو من مال الله
ولا حد عليه مال الله اكل بعضه بعضا واما الآخر فعليه الحد الشديد فقطع يده.
يحيى بن سعد عن عمر بن سعد الرقي قال: قال الصادق عليه السلام: مات عقبة بن عامر
الجهني وترك خيرا كثيرا من أموال ومواشي وعبيد وكان له عبدان يقال لأحدهما
سالم والآخر ميمون فورثه ابن عم له وأعتقوا العبدين وجاءت امرأة إلى علي عليه السلام
فذكرت انها امرأة عقبة وأنكرها بنو العم فشهد لها سالم وميمون وعدلا وذكرت
المرأة انها حامل فقال عليه السلام بوقف نصيب المرأة فان جاءت بولد فلا شئ لها ولا لولدها
من الميراث لأنه إنما شهد لهما على قولهما عبدان لهما وان لم تأت بولد فلها الربع لأنه قد
شهد لها بالزوجية حران قد اعتقهما من يستحق الميراث.
وقضى في رجل ضرب على صدره فادعى انه نقص نفسه فقال عليه السلام: ان النفس
يكون في المنخر الأيمن وفي الأيسر ساعة فإذا طلع الفجر يكون في المنخر الأيمن إلى أن
تطلع الشمس وهو ساعة فاقعد المدعي من حين يطلع الفجر إلى طلوع الشمس وعد
أنفاسه وأقعد رجلا في سنه يوم الثاني من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وعد
أنفاسه ثم أعطى المصاب بقدر ما نقص من نفسه عن نفس الصحيح.
وحكم عليه السلام فيمن ادعى انه ذهب بصره ان يربط عينه الصحيحة ببيضة ويدنو
منه رجل فيبصره بعينه المصابة ثم يتنحى عنه إلى الموضع الذي ينتهي بصره إليه.
وكتب إليه ملك الروم إلى معاوية يسأله عن خصال فكان فيما سأله: اخبرني
عن لا شئ، فتحير فقال عمرو بن العاص: وجه فرسا فارها إلى معسكر علي ليباع
فإذا قيل للذي هو معه بكم؟ يقول: بلا شئ، فعسى ان تخرج المسألة. فجاء الرجل
إلى عسكر علي إذ مر به علي ومعه قنبر فقال: يا قنبر ساومه، فقال: بكم الفرس؟ قال
بلا شئ، قال: يا قنبر خذ منه، قال: اعطني لا شئ، فأخرجه إلى الصحراء وأراه
السراب فقال: ذلك لا شئ، قال: اذهب فخبره، قال: وكيف قلت؟ قال: أما
سمعت بقول الله تعالى (يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا).
الأصبغ: كتب ملك الروم إلى معاوية: إن أجبتني عن هذه المسائل حملت
202

إليك الخراج وإلا حملت أنت، فلم يدر معاوية فأرسلها إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأجاب
عنها فقال: أول ما اهتز على وجه الأرض النخلة، وأول شئ صح عليها واد باليمن
وهو أول واد فار فيه الماء، والقوس أمان لأهل الأرض كلها عند الغرق ما دام يرى
هي السماء، والمجرة أبواب فتحها الله على قوم ثم اغلقها فلم يفتحها. قال: فكتب بها
معاوية إلى ملك الروم فقال: والله ما خرج هذا إلا من كنز نبوة محمد فحمل إليه الخراج
الرضا عن آبائه عليهم السلام سئل أمير المؤمنين عن المد والجزر ماهما؟ فقال عليه السلام
ملك موكل بالبحار يقال له رومان فإذا وضع قدمه في البحر فاض وإذا أخرجها غاض
وسأله عليه السلام ابن الكواء: كم بين السماء والأرض؟ فقال: دعوة مستجابة
قال: وما طعم الماء؟ قال: طعم الحياة، وكم بين المشرق والمغرب؟ فقال عليه السلام:
مسيرة يوم للشمس، وما اخوان ولدا في يوم وماتا في يوم وعمر أحدهما خمسون
ومائة سنة وعمر الآخر خمسون سنة؟ فقال عليه السلام: ولد عزير وعزرة اخوه لان
عزيرا أماته الله مائة عام ثم بعثه، وعن بقعة ما طلعت عليها الشمس إلا لحظة واحدة؟
فقال: ذلك البحر الذي فلقه الله لبني إسرائيل، وعن انسان يأكل ويشرب ولا
يتغوط؟ قال عليه السلام: ذلك الجنين، وعن شئ شرب وهو حي وأكل وهو ميت.
فقال: ذلك عصا موسى شربت وهو في شجرتها غضة وأكلت لما التقفت حبال السحرة
وعصيهم، وعن بقعة علت على الماء في أيام طوفان؟ فقال عليه السلام: ذاك موضع الكعبة
لأنها كانت ربوة، وعن مكذوب عليه ليس من الجن ولا من الانس؟ فقال: ذلك
الذئب إذا كذب عليه اخوة يوسف، وعن من أوحى إليه ليس من الجن ولا من
الانس؟ فقال: وأوحى ربك إلى النحل، وعن أطهر بقعة على وجه الأرض لا تجوز
الصلاة عليها؟ فقال: ذلك ظهر الكعبة، وعن رسول ليس من الجن والإنس والملائكة
والشياطين؟ فقال: الهدهد اذهب بكتابي هذا، وعن مبعوث ليس من الجن والإنس
والملائكة والشياطين؟ فقال: ذلك الغراب فبعث الله غرابا، وعن نفس في نفس
ليس بينهما قرابة ولا رحم؟ فقال عليه السلام: ذلك يونس النبي في بطن الحوت، ومتى
القيامة؟ قال: عند حضور المنية وبلوغ الأجل، وما عصا موسى؟ فقال: كان يقال
لها الاربية وكان من عوسج طولها سبعة اذرع بذراع موسى وكانت من الجنة أنزلها
جبرئيل على شعيب.
ابن عباس: ان أخوين يهوديين سألا أمير المؤمنين عليه السلام عن واحد لا ثاني له
203

وعن ثان لا ثالث له إلى مائة متصلة نجدها في التوراة والإنجيل وهي في القران يتلونه
فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام وقال: اما الواحد فالله ربنا الواحد القهار لا شريك له، واما
الاثنان فآدم وحوا لأنهما أول اثنين، واما الثلاثة فجبرائيل وميكائيل وإسرافيل
لأنهم رأس الملائكة على الوحي، واما الأربعة فالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان،
واما الخمسة فالصلاة أنزلها الله على نبينا وعلى أمته ولم ينزلها على نبي كان قبله ولا على
أمة كانت قبلنا وأنتم تجدونه في التوراة، واما الستة فخلق الله السماوات والأرض في
ستة أيام، واما السبعة فسبع سماوات طباقا، واما الثمانية ويحمل عرش ربك فوقهم
يومئذ ثمانية، واما التسعة فآيات موسى التسع، واما العشرة فتلك عشرة كاملة،
واما الأحد عشر فقول يوسف لأبيه (اني رأيت أحد عشر كوكبا)، واما الاثنا
عشر فالسنة اثنا عشر شهرا، واما الثلاثة عشر قول يوسف لأبيه (والشمس والقمر
رأيتهم لي ساجدين فالأحد عشر اخوته والشمس أبوه والقمر أمه، واما الأربعة عشر
فأربعة عشر قنديلا من النور معلقة بين السماء السابعة والحجب تسرج بنور الله إلى
يوم القيامة، واما الخمسة عشر فأنزلت الكتب جملة منسوجة من اللوح المحفوظ إلى
سماء الدنيا لخمسة عشر ليلة مضت من شهر رمضان، واما الستة عشر فستة عشر صفا
من الملائكة حافين من حول العرش، واما السبعة عشر فسبعة عشر اسما من أسماء الله
مكتوبة بين الجنة والنار لولا ذلك لذفرت ذفرة أحرقت من في السماوات والأرض،
واما الثمانية عشر فثمانية عشر حجابا من نور معلقة بين العرش والكرسي لولا ذلك لذابت
الصم الشوامخ واحترقت السماوات والأرض وما بينهما من نور العرش، واما التسعة
عشر فتسعة عشر ملكا خزنة جهنم، واما العشرون فالآن الله لداود فيها الحديد، واما
في اثنين وعشرين فاستوت سفينة نوح، واما الثلاثة وعشرون ففيه ميلاد عيسى
ونزول المائدة على بني إسرائيل، واما في أربعة وعشرين فرد الله على يعقوب بصره
واما خمسة وعشرون فكلم الله موسى تكليما بواد المقدس كلمه خمسة وعشرين يوما،
واما ستة وعشرين فقيام إبراهيم في النار أقام فيها حيث صارت بردا وسلاما، واما
سبعة وعشرون فرفع الله إدريس مكانا عليا وهو ابن سبع وعشرين سنة، واما ثمان
وعشرون فمكث يونس في بطن الحوت، واما الثلاثون (فواعدنا موسى ثلاثين ليلة)
واما الأربعون تمام ميعاده (وأتممناها بعشر)، واما الخمسون خمسون الف سنة،
واما الستون كفارة الافطار (فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا)، واما السبعون
204

(سبعون رجلا لميقاتنا)، واما الثمانون (فاجلدوهم ثمانين جلدة)، واما التسعون
(فتسع وتسعون نعجة)، واما المائة (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة). فلما
سمعا ذلك أسلما فقتل أحدهما في الجمل والآخر في صفين.
وقال عليه السلام في جواب سائل: اما الزوجان الذي لا بد لأحدهما من صاحبه ولا
حياة لهما فالشمس والقمر، واما النور الذي ليس من الشمس ولا من القمر ولا
النجوم ولا المصابيح فهو عمود أرسله الله تعالى لموسى في التيه، واما الساعة التي ليس
من الليل ولا من النهار فهي الساعة التي قبل طلوع الشمس، واما الابن الذي ع أكبر من
أبيه وله ابن أكبر منه فهو عزير بعثه الله وله أربعون سنة ولابنه مائة وعشر سنين،
وما لا قبلة له فالكعبة، وما لا أب له فالمسيح، وما لا عشيرة له فآدم.
وسئل عليه السلام: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت وانا الصديق الأول والفاروق
الأعظم، وانا وصي خير البشر، وانا الأول وانا الآخر وانا الباطن وانا الظاهر
وانا بكل شئ عليم، وأنا عين الله، وانا جنب الله، وانا امين الله على المرسلين، بنا عبد الله
ونحن خزان الله في ارضه وسمائه، وانا أحيي وأميت، وانا حي لا أموت. فتعجب
الاعرابي من قوله فقال عليه السلام: انا الأول أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله
وانا الآخر آخر من نظر فيه لما كان في لحده، وانا الظاهر فظاهر الاسلام، وانا
الباطن بطين من العلم، وانا بكل شئ عليم فاني عليم بكل شئ اخبره الله به نبيه
فأخبرني به، فأما عين الله فأنا عينه على المؤمنين والكفرة، واما جنب الله فأن تقول
نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ومن فرط في فقد فرط في الله ولم يخبر لنبي
نبوة حتى يأخذه ختاما من محمد فلذلك سمي خاتم النبيين محمد سيد النبيين فأنا سيد الوصيين،
واما خزان الله في ارضه فقد علمنا ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله بقول صادق، وانا أحيي
أحيي سنة رسول الله، وانا أميت أميت البدعة، وانا حي لا أموت لقوله تعالى (ولا
تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون).
كتاب أبي بكر الشيرازي: ان أمير المؤمنين خطب في جامع البصرة فقال فيها:
معاشر المؤمنين المسلمين ان الله عز وجل أثنى على نفسه فقال: هو الأول والآخر
يعني قبل كل شئ والآخر يعني بعد كل شئ والظاهر على كل شئ والباطن لكل
شئ سواء علمه عليه سلوني قبل ان تفقدوني فانا الأول وانا الآخر إلى آخر كلامه
فبكى أهل البصرة كلهم وصلوا عليه. قال العبدي:
205

لك قال النبي هذا علي * أول آخر سميع عليم
ظاهر باطن كما قالت الشمس * جهارا وقولها مكتوم
وقال محمد بن أبي نعمان:
جسد طهره رب البرايا * واجتباه واصطفاه من علي
وارتضاه وحباه لمعان * لطفت عن كل معنى معنوي
وصفي ووصي وإمام * عادل بعد النبي
وهو في الباطن من * مكنون سر أوحدي
أول في الكون من قبل البرايا * آخر في الآخري
فهو في الظاهر شخص بشري * ناطق من جسم رب آدمي
وهو في الباطن جسم ملكي * أبطحي قرشي هاشمي وولي
وقال الزاهي:
وهو لكل الأوصياء آخر * يضبطه التوحيد في الخلق انضبط
باطن علم الغيب والظاهر في * كشف الإشارات وقطب المغتبط
محيي بحدي سيفه الدين كما * أمات ما أبدع أرباب اللغط
وقال عليه السلام: انا دحوت أرضها وأنشأت جبالها وفجرت عيونها وشققت أنهارها
وغرست أشجارها وأطعمت ثمارها وأنشأت سحابها وأسمعت رعدها ونورت برقها
وأضحيت شمسها وأطلعت قمرها وأنزلت قطرها ونصبت نجومها، وأنا البحر القمقام
الزاخر وسكنت أطوادها وأنشأت جواري الفلك فيها وأشرقت شمسها، وأنا جنب
الله وكلمته وقلب الله وبابه الذي يؤتى منه ادخلوا الباب سجدا اغفر لكم خطاياكم
وأزيد المحسنين وبي وعلى يدي تقوم الساعة وفي يرتاب المبطلون، وأنا الأول والاخر
والظاهر والباطن، وأنا بكل شئ عليم. شرح ذلك عن الباقر عليه السلام: أنا دحوت
أرضها يقول أنا وذريتي الأرض التي يسكن إليها، وأنا أرسيت جبالها يعني الأئمة
ذريتي هم الجبال الرواكد التي لا تقوم إلا بهم، وفجرت عيونها يعني العلم الذي ثبت
في قلبه جرى على لسانه، وشققت أنهارها يعني منه انشعب الذي من تمسك بها
نجا، وانا غرست أشجارها يعني الذرية الطيبة، وأطعمت أثمارها يعني اعمالهم
الزكية، وانا أنشأت سحابها يعني ظل من استظل ببنائها، وانا أنزلت قطرها
يعني حياة ورحمة، وانا أسمعت رعدها يعني لما يسمع من الحكمة، ونورت برقها
206

يعني بنا استنارت البلاد، وأضحيت شمسها يعنى القائم منا نور على نور ساطع، واطلعت
قمرها يعنى المهدي من ذريتي وأنا نصبت نجومها يهتدى بنا ويستضاء بنورنا، وأنا البحر
القمقام الزاخر يعني أنا إمام الأمة وعالم العلماء وحكم الحكماء وقايد القايدة يفيض
علمي ثم يعود إلي كما أن البحر يفيض ماءه على ظهر الأرض ثم يعود إليه بإذن الله،
وأنا أنشأت جواري الفلك فيها يقول اعلام الخير وأئمة الهدى مني، وسكنت أطوادها
يقول فقأت عين الفتنة واقتل أصول الضلالة، وأنا جنب الله وكلمته، وأنا قلب الله
يعني أنا سراج علم الله، وأنا باب الله من توجه بي إلى الله غفر له، وقوله: بي وعلى
يدي تقوم الساعة يعني الرجعة قبل القيامة ينصر الله في ذريتي المؤمنين والى المقام
المشهود. قال أبو العلى:
وهل تناكرت الأحلام وانقلبت * فيهم فأصبح نور الله منكشفا
الا أضاء لهم عنها أبو حسن * بعلمه وكفاهم حرها وشفى
وهل نظير له في الزهد بينهم * ولو اضاح لدينا أو بها كلفا
وهل أطاع النبي المصطفى بشر * من قبله وحذا آثاره وقفا
207

باب النصوص على إمامته عليه السلام
فصل: في قوله تعالى:
(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون)
اجتمعت الأمة ان هذه الآية نزلت في علي عليه السلام لما تصدق بخاتمه وهو راكع
لا خلاف بين المفسرين في ذلك، ذكره الثعلبي والماوردي والقشيري والقزويني والرازي
والنيسابوري والفلكي والطوسي والطبري في تفاسيرهم عن السدي ومجاهد والحسن
والأعمش وعتبة بن أبي حكيم وغالب بن عبد الله وقيس بن الربيع وعباية الربعي
و عبد الله بن عباس وأبي ذر الغفاري، وذكره ابن البيع في معرفة أصول الحديث عن
عبد الله عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب، والواحدي في أسباب نزول القرآن
عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، والسمعاني في فضايل الصحابة عن حميد
الطويل عن أنس، وسلمان بن أحمد في معجمه الأوسط عن عمار، وأبو بكر البيهقي
في المصنف ومحمد الفتال في التنوير وفي الروضة عن عبد الله بن سلام وأبي صالح
والشعبي ومجاهد، وزرارة بن أعين عن محمد بن علي، والنطنزي في الخصايص عن ابن
عباس، والإبانة عن الفلكي عن جابر الأنصاري وناصح التميمي وابن عباس، والكلبي
في روايات مختلفة الألفاظ متفقة المعاني، وفي أسباب النزول عن الواحدي ان عبد الله
ابن سلام اقبل ومعه نفر من قومه وشكوا بعد المنزل عن المسجد وقالوا: ان قومنا
لما رأونا أسلمنا رفضونا ولا يكلمونا ولا يجالسونا ولا يناكحونا فنزلت هذه الآية
فخرج النبي صلى الله عليه وآله إلى المسجد فرأى سائلا فقال: هل أعطاك أحد شيئا؟ قال نعم خاتم
فضة وفي رواية خاتم ذهب، قال: من أعطاكه؟ قال: أعطانيه هذا الراكع.
تفسير الثعلبي في رواية أبي ذر ان السائل قال: اللهم اشهد اني سألت في مسجد
" المناقب ج 2، م 26 "
208

رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يعطني أحد شيئا وكان علي عليه السلام راكعا فأومى بخنصره اليمنى
فأقبل السائل حتى أخذه من خنصره وذلك بعين رسول الله، فلما فرغ رسول الله
من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم ان أخي موسى سألك فقال: رب اشرح
لي صدري إلى قوله أمري فأنزلت عليه قرآنا سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما
سلطانا فلا يصلون اليكما اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم اشرح لي صدري ويسر لي
أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به ظهري، قال أبو ذر: فوالله ما استتم
رسول الله صلى الله عليه وآله الكلمة حتى نزل جبريل من عند الله فقال: يا محمد اقرأ، قال: وما
اقرأ؟ قال اقرأ: (إنما وليكم الله ورسوله) الآية.
أبو جعفر عليه السلام: ان رهطا من اليهود أسلموا منهم عبد الله بن سلام وأسيد
وثعلبة وبنيامين وسلام وابن صوريا فقالوا: يا رسول الله ان موسى أوصى إلى يوشع
ابن نون فمن وصيك يا رسول الله ومن وليت بعدك؟ فنزلت هذه الآية، ثم قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: قوموا، فقاموا فأتوا المسجد فإذا السائل خارج فقال: يا سائل
ما أعطاك أحد شيئا؟ قال: نعم هذا الخاتم، قال: من أعطاكه؟ قال: أعطانيه ذلك
الرجل الذي يصلي، قال: على اي حال أعطاك؟ قال: راكعا، فكبر النبي وكبر أهل
المسجد فقال صلى الله عليه وآله: علي بن أبي طالب وليكم بعدي، فقالوا: رضينا بالله ربا وبالاسلام
دينا وبمحمد نبيا وبعلي وليا، فأنزل الله تعالى (ومن يتول الله ورسوله) الآية.
كتاب أبي بكر الشيرازي انه لما سال السائل وضعها على ظهره إشارة إليه أن
ينزعها فمد السائل يده ونزع الخاتم من يده ودعا له فباهى الله تعالى ملائكته بأمير المؤمنين
وقال: ملائكتي أما ترون عبدي جسده في عبادتي وقلبه معلق عندي وهو يتصدق
بماله طلبا لرضاي أشهدكم اني رضيت عنه وعن خلفه يعنى ذريته، ونزل جبرئيل
بالآية. وفي المصباح: تصدق به يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة، وفي رواته
أبي ذر: كان عليه السلام في صلاة الظهر، وروي انه كان في نافلة الظهر.
أمالي ابن بابويه قال عمر بن الخطاب: لقد تصدقت بأربعين خاتما وأنا راكع
لينزل في ما نزل في علي بن أبي طالب فما نزل.
الباقر عليه السلام في قوله تعالى (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا) الآية
أسباب النزول عن الواحدي: (ومن يتول) يعني يحب الله ورسوله (والذين
آمنوا) يعنى عليا (فان حزب الله) يعني شيعة الله ورسوله ووليه (هم الغالبون) يعني هم
209

الغالبون على جميع العباد، فبدأ في هذه الآية بنفسه ثم بنبيه ثم بوليه وكذلك في الآية الثانية
وفي الحساب (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون)، ووزنه محمد المصطفى رسول الله وبعده المرتضى علي
ابن أبي طالب وعترته، وعدد حساب كل واحد منهما ثلاثة آلاف وخمسمائة وثمانون
الكافي جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: لما نزلت (إنما وليكم
الله ورسوله) اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد المدينة وقال بعضهم
لبعض: ما تقولون في هذه الآية؟ قال بعضهم: ان كفرنا بهذه الآية كفرنا
بسايرها وإن آمنا فان هذا ذل حين يسلط علينا علي بن أبي طالب، فقالوا: قد علمنا أن
محمدا صادق فيما يقول ولكن نتوالاه ولا نطيع عليا فيما أمرنا فنزل (يعرفون
نعمة الله ثم ينكرونها) يعني ولاية محمد (وأكثرهم الكافرون) بولاية علي.
علي بن جعفر عن أبي الحسن عليه السلام في قوله تعالى (وإذا قلنا للملائكة اسجدوا
لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى) أوحى الله إليه يا محمد اني أمرت فلم أطع فلا تجزع
أنت إذا أمرت فلم تطع في وصيك. فقوله تعالى (والذين آمنوا يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) أثبت الولاية لمن جعله وليا لنا على وجه
بالتخصيص ونفى معناها عن غيره، ويعني بوليكم القائم بأموركم ومن يلزمكم طاعته
وإذ ثبت ذلك ثبتت إمامته لان لا أحد يجب له التصرف في الأمة وفرض الطاعة له
بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا من كان إماما لهم وثبتت أيضا عصمته لأنه سبحانه إذا أوجب له
فرض الطاعة مثل ما أوجبه لنفسه ولنبيه صلى الله عليه وآله اقتضى ذلك طاعته في
كل شئ وهذا برهان عصمته لأنه لو لم يكن كذلك لجاز منه الامر بالقبيح فيقبح طاعته
وإذا قبحت كان تعالى قد أوجب فعل القبيح وفي علمنا أن ذلك لا يجوز عليه سبحانه
ودليل على وجوب العصمة.
(والدليل) على أن لفظة ولي في الآية تفيد الأولى ما ذكره المبرد في كتاب
العبارة عن صفات الله ان الولي هو الأولى، وقال النبي صلى الله عليه وآله: أيما امرأة نكحت بغير
إذن وليها ومنه أولياء الدم وفلان ولي امر الرعية:
ونعم ولي الأمر بعد وليه * ومنتجع التقوى ونعم المؤدب
وما يعترض به السائل فلا يلتفت إليه، واختصاص الآية ببعض المؤمنين حيث
وصفهم بايتاء الزكاة يوجب خروج من لم يؤتها، ومن حيث خص ايتائهم بحال
210

الركوع ولم يحصل ذلك لجميع المؤمنين ومن حيث نفي الولاية عن غير المذكورين في
الآية بادخال لفظة إنما وايتاء الزكاة في حال الركوع لم يدع لاحد غيره والرواية
متواترة من طريق الشيعة وظاهرة من طرق المخالفين وتجري الاخبار بلفظ الجمع
وهو وادح مجرى الاخبار بذلك عن الواحد قوله تعالى (الذين قال لهم الناس ان الناس
قد جمعوا لكم فاخشوهم) الآية، وقوله: (ان الذين ينادونك من وراء الحجرات)
وقوله: (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة) ثم إن قوله: (والذين آمنوا ليس على العموم بل
بعضهم لأنه وصف بإقامة الصلاة وايتاء الزكاة في حال الركوع، قال خزيمة بن ثابت:
فديت عليا امام الورى * سراج البرية مأوى التقى
وصي الرسول وزوج البتول * إمام البرية شمس الضحى
ففضله الله رب العباد * وأنزل في شأنه هل أتى
تصدق خاتمه راكعا * فأحسن بفعل إمام الورى
وله أيضا:
أبا حسن تفديك نفسي وأسرتي * وكل بطئ في الهدى ومسارع
أيذهب مدح من محبك ضايعا * وما المدح في جنب الاله بضايع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا * على فدتك النفس يا خير راكع
فأنزل فيك الله خير ولاية * وبينها في محكمات الشرايع
وأنشأ حسان بن ثابت وهو في ديوان الحميري:
علي أمير المؤمنين أخو الهدى * وأفضل ذي نعل ومن كان حافيا
وأول من أدى الزكاة بكفه * وأول من صلى ومن صام طاويا
فلما أتاه سائل مد كفه * إليه ولم يبخل ولم يك جافيا
فدس إليه خاتما وهو راكع * وما زال أواها إلى الخير داعيا
فبشر جبريل النبي محمدا * بذاك وجاء الوحي في ذاك ضاحيا
وقال الحميري:
من كان أول من تصدق راكعا * يوما بخاتمه وكان مشيرا
من ذاك قول الله ان وليكم * بعد الرسول ليعلم الجمهورا
وله أيضا:
وأول مؤمن صلى وزكى * بخاتمه على رغم الكفور
وقد وجب الولاء له علينا * بذلك في الجهاد وفي الضمير
211

وله أيضا:
نفسي الفداء لراكع متصدق * يوما بخاتمه فآب سعيدا
أعني الموحد قبل كل موحد * لا عابدا صنما ولا جلمودا
أعني الذي نصر النبي محمدا * ووقاه كيد معاشر ومكيدا
سبق الأنام إلى الفضايل كلها * سبق الجواد لذي الرهان بليدا
وله أيضا:
وأنزل فيه رب الناس آيا * أقرت من مواليه العيونا
بأني والنبي لكم ولي * ومؤتون الزكاة وراكعونا
ومن يتول رب الناس يوما * فإنهم لعمري فائزونا
وله أيضا:
ومن أنزل الرحمن فيهم هل أتى * لما تحدوا للنذور وفاء
من خمسة جبريل سادسهم وقد * مد النبي على الجميع عباء
من ذا بخاتمه تصدق راكعا * فأثابه ذو العرش منه ولاء
وقال الرضي:
ومن سمحت بخاتمه يمين * تضن بكل عالية الكعاب
أهذا البدر يكسف بالدياجي * وهذى الشمس تطمس بالضباب
وقال دعبل:
نطق القرآن بفضل آل محمد * وولاية لعليه لم تجحد
بولاية المختار من خير الذي * بعد النبي الصادق المتودد
إذ جاءه المسكين حال صلاته * فامتد طوعا بالذراع وباليد
فتناول المسكين منه خاتما * هبط الكريم الأجودي الأجود
فاختصه الرحمن في تنزيله * من حاز مثل فخاره فليعدد
ان الاله وليكم ورسوله * والمؤمنين فمن يشأ فليجحد
يكن الاله خصيمه فيها غدا * والله ليس بمخلف في الموعد
وقال العوني:
ومن بخاتمه منهم تصدق في * وقت الصلاة فقد سئلوا وما بذلوا
من أنزل الله فيه هل أتى وله * فضل كفضل رسول الله متصل
212

وله أيضا:
أبن لي من في القوم جاد بخاتم * على السائل المعنى إذا جاء قانعا
وجاد به سرا فأفشاه ربه * وبين من كان المصدق راكعا
وقال العبدي:
ذا المصدق في الصلاة بخاتم * وبقوته للمستكين السارب
وله أيضا:
تصدق بالخاتم لله راكعا * فأثنى عليه الله في محكم الذكر
وقال ابن حماد:
وأنزل فيه الله وحيا مفصلا * لدى هل أتى إذ قال يوفون بالنذر
وله أيضا:
من كان بالنذر وفى * أو لليتيم اسعفا
فانظر بماذا اتحفا * إذا قرأت هل أتى
من كان زكى راكعا * بخاتم تواضعا
لذي الجلال خاشعا * فأنزلت آي الولا
وقال الصاحب: ألم تعلموا ان الوصي هو الذي * آتى الزكاة وكان في المحراب
ألم تعلموا ان الوصي هو الذي * حكم الغدير له على الأصحاب
وله أيضا:
هل مثل برك في حال الركوع وما * بر كبرك برا للمزكينا
هل مثل ذلك للعاني الأسير * وللطفل الصغير وقد أعطيت مسكينا
وقال الوراق:
علي أبو السبطين صدق راكعا * بخاتمه سرا ولم يتجهم
فلما أتاه سائل مد كفه * فلم يستو حتى حباه بخاتم
وقال الصفي البصري:
يا من بخاتمه تصدق راكعا * اني ادخرتك للقيامة شافعا
الله عرفني وبصرني به * فمضيت في ديني بصيرا سامعا
213

وقال نصر بن المنتصر:
ومن أقام خاشعا صلاته * يؤتي الزكاة راكعا لمن أتى
ومن له ملك كبير ناعم * في الخلد لا تنكره في هل أتى
وقال الأصفهاني:
أفمن بخاتمه تصدق راكعا * يرجو بذاك رضى القريب الداني
حتى تقرب منه بعد نبيه * بولاية بشواهد ومعان
بولائه في آية لولاتها * نزلت حصاهم أول واثنان
فالأول الصمد المقدس ذكره * ونبيه ووصيه التبعان
هل في تلاوتها بآي ذوي هدى * من قبل ثالث أهلها يليان
هذي الولاية ان تعود عليهما * من بعده من عقدها قسمان
وقال أبو الحسين:
من جاد للمسكين بالقوت ولم * يمنعه حر الصيام والطوى
من من بالخاتم منه راكعا * للطالب الرفد عطاء وحبا
وقال شاعر آخر:
أو في الصلاة مع الزكاة أقامها * والله يرحم عبده الصبارا
من ذا بخاتمه تصدق راكعا * وأسره في نفسه اسرارا
وقال بعض الأدباء:
ليس كالمصطفى ولا كعلي * سيد الأوصياء من يدعيه
من يوالي غير الإمام علي * رغبة منه فالتراب بفيه
هذه إنما وليكم الله * أتت بالولاء من الله فيه
فإذا ما اقتضى به اللفظ معنى * الجمع كانت من بعده لبنيه
فصل: في قوله تعالى: (والنجم إذا هوى)
أبو جعفر بن بابويه في الأمالي بطرق كثيرة عن جويبر عن الضحاك عن أبي
هارون العبدي عن ربيعة السعدي وعن أبي إسحاق الفزاري عن جعفر بن محمد عن آبائه
عليهم السلام كلهم عن ابن عباس، وروى عن منصور بن الأسود عن الصادق عن
آبائه عليهم السلام واللفظ له قال: لما مرض النبي صلى الله عليه وآله مرضه الذي توفي فيه اجتمع
214

إليه أهل بيته وأصحابه فقالوا: يا رسول الله ان حدث بك حدث فمن لنا بعدك ومن
القائم فينا بأمرك؟ فلم يجبهم جوابا وسكت منهم، فلما كان اليوم الثاني أعادوا عليه
القول فلم يجبهم عن شئ مما سألوه فلما كان اليوم الثالث قالوا: يا رسول الله ان حدث
بك حادث فمن لنا بعدك ومن القائم لنا بأمرك؟ فقال لهم: إذا كان غدا هبط نجم من
السماء في دار رجل من أصحابي فانظروا من هو فهو خليفتي فيكم من بعدي والقائم
بأمري، ولم يكن فيهم أحد إلا وهو يطمع أن يقول له أنت القائم من بعدي، فلما
كان اليوم الرابع جلس كل واحد منهم في حجرته ينتظر هبوط النجم إذا نقض نجم
من السماء قد علا ضوئه على ضوء الدنيا حتى وقع في حجرة علي فماج القوم وقالوا لقد
ضل هذا الرجل وغوى وما ينطق في ابن عمه إلا بالهوى فأنزل الله في ذلك (والنجم
إذا هوى) الآيات، ويقال ونزل: (قد جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم) وفي
رواية نوف البكالي انه سقط في منزل علي نجم أضاءت له المدينة وما حولها، والنجم
كانت الزهرة وقيل بل الثريا، قال ابن حماد:
قال الامام هو الذي في داره * ينقض نجم الليل ساعة يطلع
فانقض في دار الوصي فغاضهم * وغدت له ألوانهم تتمقع
قالوا أمال به الهوى في صنوه * وتوازروا البا عليه وشنعوا
وله أيضا:
نص عليه أحمد * في خبر لا يجحد
والقوم كل يشهد * قال لهم وما افترى
من ذا هو نجم الأفق * في داره عند الغسق
فهو الامام المستحق * لا تقعدوا عنه بطا
قالوا بدا في حكمه * هوى لابن عمه
يجعلها بزعمه * فقال والنجم إذا
في تلكم الدار هوى * ما ضل ذا ولا غوى
صاحبكم كما ادعى * بل هو حق قد أتى
وله أيضا:
وقول محمد في النجم لما * هوى في داره حيدرة الأمير
215

وقال خطيب منبج:
ويوم النجم حين هوى فقاموا * على أقدامهم متألمينا
فقالوا ضل هذا في علي * وصار له من المتعصبينا
وأنزل ذو العلى في ذاك وحيا * تعالى الله خير المنزلينا
بأن محمدا ما ضل فيه * ولكن أظهر الحق المبينا
وقال العوني:
ومن هوى النجم إلى حجرته * فأنزل الله إذا النجم هوى
وقال ابن علوية:
هل تعلمون حديث النجم إذا هوى * في داره من دون كل مكان
قالوا أشر نحو النبي بنعمة * نسمع له ونطعه بالاذعان
قال النبي ستكفرون إن أنتم * ملتم عليه بخاطر العصيان
وستعلمون من المزن بفضله * ومن المشار إليه بالازنان
قالوا ابنه فلم نخالف أمره * فيما يجئ به من البرهان
فإليه أوم فقال إن علامة * فيها الدليل على مراد العاني
فابغوا الثريا في السطوح فإنها * من سطح صاحبكم كلمع يمان
سكنت رواعده وقل وميضه * فتبينته حساير العوران
فضلا عن العين البصير بقلبه * والمبصر الأشياء بالأعيان
حتى إذا صدعت حقايق أمره * نفروا نفور طرايد البهران
زعموا بأن نبينا اتبع الهوى * وأتاهم بالإفك والعدوان
كذبوا ورب محمد وتبدلوا * وجروا إلى عمه وضد بيان
وقال مهيار:
أنا الذي لو سجد النجم لكم * ما كنت مرتابا ولا مستكبرا
تاريخ الخطيب، والبلاذري، وحلية أبي نعيم، وإبانة العكبري: سفيان الثوري
عن الأعمش عن الثوري عن علقمة عن ابن مسعود قال: أصاب فاطمة صبيحة يوم
العرس رعدة فقال لها النبي صلى الله عليه وآله: يا فاطمة زوجتك سيدا في الدنيا وانه في الآخرة
لمن الصالحين يا فاطمة لما أراد الله تعالى ان يملكك بعلي أمر الله تعالى جبرئيل فقام
" المناقب م 27، ج 2 "
216

في السماء الرابعة فصف الملائكة صفوفا ثم خطب عليهم فزوجك من علي ثم امر الله
سبحانه شجر الجنان فحملت الحلي والحلل ثم أمرها فنثرته على الملائكة فمن اخذ منهم
يومئذ شيئا أكثر مما أخذه غيره افتخر به إلى يوم القيامة. قالت أم سلمة: لقد كانت
فاطمة عليه السلام تفتخر على النساء لأنها من خطب عليه جبرئيل عليه السلام.
تاريخ بغداد: وشرف المصطفى، وشرح الالكاني عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله انه نظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: أنت
سيد في الدنيا وسيد في الآخرة من أحبك فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن
أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله.
حلية الأولياء، وفضايل السمعاني وكتاب الطبراني والنطنزي بالاسناد عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى عن الحسن بن علي عليهما السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله ادعوا لي سيد
العرب يعني عليا فقالت عايشة: الست سيد العرب قال: انا سيد ولد آدم وعلي سيد
العرب فلما جاء ارسل إلى الأنصار فأتوه فقال: معاشر الأنصار علي ما ان تمسكتم به
لن تضلوا بعده قالوا: بلى يا رسول الله قال: هذا علي فأحبوه لحبي وأكرموه لكرامتي
فأن جبرئيل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل، ورواه أبو بشير عن سعيد
بن عايشة في كتاب السودد، وفي رواية فقالت عايشة: وما السيد؟ قال: من
افترضت طاعته كما افترضت طاعتي.
أبو حنيفة باسناد له إلى فاختة أم هاني قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: أنت سيد الناس في
الدنيا وسيد الناس في الآخرة.
الحلية قال الشعبي: قال علي عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وآله مرحبا بسيد المسلمين،
واما المتقين الخبر، وفي الخبر المسند انا سيد النبيين وعلي سيد الوصيين. وفي الخبر
للحسين عليه السلام أنت السيد وابن السيد وأخو السيد، وفي الحساب سيد النجباء جمال
الأئمة اتفقا في مائة واحدى وستين، وهكذا قولهم جمال النجباء سيد الأئمة استويا في
العدد وإذا قلت سيد النجباء جمال الأئمة يكون وزنه السيد علي بن أبي طالب
وكذلك إذا قلت جمال النجباء سيد الأئمة قال الصاحب:
سيد الناس حيدره هذه حين تذكره
لعن الله كل من * رد هذا وانكره
هو غيض لناصبيه * وهو حتف لمخبره
217

وله أيضا:
أيا ابن عم رسول الله أفضل من * ساد الأنام وساس الهاشمينا
أنت الامام ومنظور الأنام فمن * يرد ما قلته يقمع براهينا
قوله: حب علي علو همة * لأنه سيد الأئمة
فصل الأمة على قولين
(في معنى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
أحدها: انها في أئمتنا عليهم السلام، والثاني انها في امراء السرايا وإذا بطل
أحد الامرين ثبت الآخر وإلا خرج الحق عن الأمة، والذي يدل على أنها في أئمتنا
عليهم السلام ان ظاهرها يقتضي عموم طاعة أولي الامر من حيث عطفه تعالى الامر
بطاعتهم على الامر بطاعته وطاعة رسوله ومن حيث أطلق الامر بطاعتهم ولم يخص
شيئا من شئ لأنه سبحانه لو أراد خاصا لبينه وفي فقد البيان منه تعالى دليل على إرادة
الكل، وإذا ثبت ذلك ثبتت امامتهم لأنه لا أحد تجب طاعته على ذلك الوجه بعد النبي
إلا الامام وإذا قضت وجوب طاعة أولي الامر على العموم لم يكن بد من عصمتهم
وإلا أدى إلى أن يكون تعالى قد أمر بالقبيح لان من ليس بمعصوم لا يؤمن منه
وقوع القبيح فإذا وقع كان الافتداء به قبيحا وإذا ثبت دلالة الآية على العصمة
وعموم الطاعة بطل توجهها إلى امراء السير أية لارتفاع عصمتهم واختصاص طاعتهم
وقال بعضهم هم علماء أمة العامة وهم مختلفون في طاعة بعضهم عصيان بعض وإذا
أطاع المؤمن بعضهم عصى الآخر والله تعالى لا يأمر بذلك ثم إن الله تعالى وصف
أولي الامر بصفة تدل على العلم والامرة جميعا قوله تعالى: وإذا جاءهم أمر من الامن
أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الامر منهم لعلمه الذين
يستنبطونه منهم فرد الامر إلى الخوف للأمراء والاستنباط للعلماء ولا يجتمعان إلا
لأمير عالم.
الشعبي قال: ابن عباس هم امراء السرايا وعلي أولهم، وسال الحسن بن صالح
ابن حي جعفر الصادق عليه السلام عن ذلك فقال: الأئمة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.
218

تفسير مجاهد إنما نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام حين خلفه رسول الله صلى الله عليه وآله
بالمدينة فقال: يا رسول الله أتخلفني بين النساء والصبيان فقال: يا علي اما ترضى أن تكون
مني بمنزلة هارون من موسى حين قال له اخلفني في قومي وأصلح فقال بلى والله
رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة فامر الله العباد بطاعته وترك خلافه، وفي إبانة الفلكي انها
نزلت لما شكى أبو بردة من علي عليه السلام الخبر، قال الحميري:
أوليس قد فرضت علينا طاعة * لأولي الأمور فهل لها تأويل
ما كان خبرنا بذاك محمد * خبرا له في المسندات أصول
ان الخليفة بعده هذا الذي * فيها عليه من الخطاب يحيل
وله أيضا:
وقال الله في القرآن قولا * يرد عليكم ما تدعونا
أطيعوا الله رب الناس ربا * واحمد والأولى المتأمرينا
فذلكم أبو حسن علي * وسبطاه الولاة الفاضلونا
وتنحل ابن الجهم هذا المعنى للمتوكل فقال:
كفاكم بأن الله فوض امره * إليكم وأوحى ان أطيعوا أولي الامر
ولم يسال الناس النبي محمد * سوى ود ذي القربى القريبة من اجر
ولا يقبل الايمان إلا بحبكم * وهل يقبل الله الصلاة بلا طهر
واما الخبر أنت مني بمنزلة هارون من موسى: الا انه لا نبي بعدي فقد أخرجه
الشيخان في صحيحهما والنطنزي في الخصايص انه سئل رجل شافعي عن علي بن
أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله أنت مني بمنزلة هارون من موسى
إلا النبوة.
وصنف أحمد بن محمد بن سعد كتابا في طرقه قد تلقته الأمة بالقبول إجماعا وقد
قال صلى الله عليه وآله ذلك مرارا منها لما خلفه في غزاة تبوك على المدينة والحرم فريدا لان تبوك
بعيدة منها فلم يأمن ان يصيروا إليها وانه قد علم أنه لا يكون هناك قتال وخرج في
جيش أربعين الف رجل وخلف جيشا وهو علي وحده وقد قال الله تعالى في غيره:
رضوا بأني كونوا مع الخوالف الآية فما ظنك بالمدينة ليس فيها إلا منافق أو امرأة
قال أبو سعيد الخدري: فلما وصل النبي صلى الله عليه وآله إلى الجرف اتاه علي عليه السلام فقال: يا نبي
219

الله زعم المنافقون انك إنما خلفتني استثقلتني وتحففت مني فقال صلى الله عليه وآله كذبوا إنما
خلفتك لما ورأي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة
هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي فرجع علي عليه السلام وفي روايات كثيرة إلا أنه
لا نبي بعدي ولو كان لكنه، رواه الخطيب في التاريخ و عبد الملك العكبري في الفضايل
وأبو بكر بن مالك، وابن الثلاج، وعلي بن الجعد في أحاديثهم، وابن فياض في
شرح الاخبار عن عماد بن مالك عن سعيد عن أبيه ووجه الدليل من هذا الخبر ان
هارون لما كان تاليا لموسى في رتبة الفضل فكذلك أمير المؤمنين عليه السلام يجب ان يتلو
النبي صلى الله عليه وآله في الفضل إلا ما استثناه من رتبة النبوة فيجب القطع على أنه أفضل الصحابة
ثم إنه صلى الله عليه وآله أوجب لأمير المؤمنين جميع منازل هارون من موسى إلا النبوة وما علم
انتفاؤه من الاخوة ولا شبهة ان من جملة منازله منه انه كان خليفة له علي قومه
ومفترض الطاعة عليهم ومستحقا لمقامه من بعده فيهم، وفي هذا ثبوت إمامة أمير
المؤمنين عليه السلام، وثبوت عصمته لان ايجاب طاعته على الاطلاق يقتضي انه لا يقع منه
القبيح ودخول الاستثناء في الخبر يبطل حمل المخالف له على منزلة واحدة وهو استخلافه
له على المدينة لان من حقه ان يخرج من الكلام ما لولاه لدخل تحته فيجب تناوله لجملة
يصح ان يخرج الاستثناء بعضها ولان الحال التي فيها ينفي المستثنى فيها يجب ان يثبت
المستثنى منه لوجوب المطابقة بينهما، وإذا نفى صلى الله عليه وآله بالاستثناء النبوة بعد وفاته وجب
أن يكون ما عداها ثابتا في تلك الحال، وعلى هذا كأنه قال: أنت مني بعد وفاتي
بمنزلة هارون من موسى في حياته، وإذا ثبت ذلك لم يجز حمل الخبر على ما ادعوه ان
ذلك يختص بحال الحياة ثم إنه يوجب الاستثناء انه لو كان بعدي نبي لكان علي وإذا
كان لم يجز بعده نبي يكون اخوه ووزيره وخليفته لقوله تعالى واجعل لي وزيرا
من أهلي هارون أخي ولقوله اخلفني في قومي ومن خصه محمد بمنزلة هارون تنزه ان
يختلج في تقديمه الظنون، وفي كاملة ديك الجن.
ان النبي لم يزل يقول * والخير ما فاه به الرسول
انك مني يا علي ويا أخي * بحيث من موسى وهارون النبي
لكنه ليس نبي بعدي * فأنت خير العالمين عندي
وقال شاعر آخر:
وكان لأحمد الهادي وزيرا * كما هارون كان وزير موسى
220

وكان له أخا وامين غيب * على الوحي المنزل حين يوحى
وصي محمد وأبو بنيه * وأول ساجد لله صلى
وقال ابن علوية:
رحل النبي إلى تبوك وانه * لمخلف عنه بأمر ألماني
حذرا على أموالها وضعافها * وكرايم النسوان والصبيان
من ماكرين منافقين تخلفوا * فتنوا إلى أهليه صرف عنان
ولكاشحيه عداوة في تركه * خوض بلا مرض ولا نسيان
فاتى النبي مبادرا وفؤاده * متخلع من لا عج الرجفان
لم يا امين الله أنت مخلفي * عنها ولست عن الجهاد بوان
أو لم تجدني ذا بلاء في الوغى * حسن بحيث تناطح الكبشان
قال النبي له فداك احبتي * لم تؤت من سأم ولا استرزان
بابي أبا حسن اما ترضى بأن * بوئت أكرم منزل ومكان
أصبحت مني يا علي كمثل ما * هارون أصبح من فتى عمران
الا النبوة انها محظورة * من أن تصير أخي في انسان
وقال ابن مكي:
ألم تعلموا ان النبي محمد * بحيدره أوصى ولم يسكن الرمسا
وقال لهم والقوم في خم حصرا * ويتلو الذي فيه وقد همسوا همسا
علي كزري من قميصي وانه * نصيري ومني مثل هارون من موسى
وقال الزاهي:
غداة دعاه المصطفى وهو مزمع * لقصد تبوك وهو للسير مضمر
فقال أقم دوني بطيبة واعلمن * بأنك للفجار بالحق مبهر
فلما مضى الطهر النبي تظاهرت * عليه رجال بالمقال واجهروا
فقالوا علي قد قلاه محمد * وذاك من الارجاء إفك ومنكر
فألفيته دون المعرس فانثنى * وقالوا علي قد اتاك يكفر
فعلاك خير الخلق من فوق شاهق * وذاك من الله العلي مقدر
فقال رسول الله هذا امامكم * له الله ناجى أيها المتحير
221

وقال الناشي:
فلا سيما حين واخيته * وقد سار بالجيش يبغي تبوكا
فقال أناس قلاه النبي * فصرت إلى الطهر إذ أخفضوكا
فقال النبي جوابا لما * تؤدي إلى سمعه لفظ فيكا
ألم ترض انا على رغمهم * كموسى وهارون إذا واقفوكا
ولو كان بعدي نبيا كما * جعلت الوزير جعلت الشريكا
ولكنني خاتم المرسلين * وأنت الخليفة ان طاوعوكا
وقال ابن حماد:
نص النبي على الهادي أبي الحسن * نصا على صدقه أجمعت أنت معي
في قوله لك مني اليوم منزلة * كانت لهارون من موسى فلا ترع
وإنما قال هذا حين خلفه * على المدينة ان أنصفت فاقتنع
وقال العوني:
هذا أخي مولاكم وامامكم * وهو الخليفة ان لقيت حماما
منى كما هارون من موسى فلا * تالوا لحق امامكم اعظاما
إن كان هارون النبي لقومه * ما غاب موسى سيدا واماما
فهو الخليفة والامام وخير من * امضى القضاء وجفف الاقلاما
وله أيضا:
اما رويت يا بعيد الذهن * ما قاله احمد كالمهني
أنت كهارون لموسى مني * إذ قال موسى لأخيه اخلفني
فاسئلهم لم خالفوا الوصيا
وقال محمد بن نصر بن هشام:
ان عليا لم يزل محنة * لرابح الدين ومغبون
أنزله في نفسه المصطفى * منزلة لم تك بالدون
صيره هارون في قومه * لعاجل الدين وللدين
فارجع إلى العراف حتى ترى * ما صنع القوم بهارون
وقال الرئيس أبو يحيى ابن الوزير أبو القاسم المغربي:
هل في رسول الله من أسوة * لم يقتد القوم بما سن فيه
222

أخوك هل خولفت فيه كما * خالف موسى قومه في أخيه
وقال الحماني:
وأنزله منه على رغمة العدى * كهارون من موسى على قدم الدهر
فمن كان في أصحاب موسى وقومه * كهارون لا زلتم على زلل الكفر
وقال ابن الاطيس:
من قال فيه المصطفى معلنا * أنت له الحوض لدى الحشر
أنت أخي أنت وصيي كما * هارون من موسى في الامر
وقال منصور النمري:
رضيت حكمك لا أبغي به بدلا * لان حكمك بالتوفيق مقرون
آل الرسول خيار الناس كلهم * وخير آل رسول الله هارون
وقال ابان اللاحقي:
اشهد ان لا إله إلا * الخالق الرازق الكبير
محمد عبده رسول * جاء بحق عليه نور
وان هارون مرتضانا * في العلم ما ان له نظير
وقال الصاحب:
وصيره هارون بين قومه * كهارون موسى فابحثوا وتبدلوا
وله أيضا:
حاله حالة هارون * لموسى فافهماها
وقال زيد بن علي عليه السلام:
ومن شرف الأقوام يوما ترابه * فان عليا شرفته المناقب
وقول رسول الله والحق قوله * وان رغمت منه أنوف كواذب
بأنك مني يا علي معالنا * كهارون من موسى أخ لي وصاحب
وقال الصنوبري:
أليس من حل منه في اخوته * محل هارون من موسى بن عمران
223

فصل: في قصة يوم الغرير
الحمد لله الذي أمال عنا عنان البلاء فأحسن امالته الرحمن الذي أزال عنا الأذى
فأتم ازالته الرحيم الذي أقال لنا الذنب فأحسن اقالته رجى العبيد وخوفهم فاظهر
جماله وجلالته وارسل النبي فأوضح لنا دلالته امره بالدعوة وتكفل له بالعصمة
فأحسن كفالته وقال: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وان لم تفعل فما
بلغت رسالته).
الواحدي في أسباب نزول القرآن باسناده عن الأعمش وأبي الحجاف عن عطية
عن أبي سعيد الخدري، وأبو بكر الشيرازي فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام
بالاسناد عن ابن عباس، والمرزباني في كتابه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية
يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.
تفسير ابن جريح، وعطاء، والثوري، والثعلبي انها نزلت في فضل علي بن أبي
طالب عليه السلام إبراهيم الثقفي باسناده عن الخدري وبريدة الأسلمي ومحمد بن علي انها
نزلت يوم الغدير في علي عليه السلام تفسير الثعالبي قال جعفر بن محمد: معناه بلغ ما أنزل
إليك من ربك، في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام فلما نزلت هذه الآية اخذ النبي صلى الله عليه وآله
بيده علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. وعنه باسناده عن الكلبي نزلت ان
يبلغ فيه فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال
من والاه وعاد من عاداه فقوله يا أيها الرسول فيه خمسة أشياء كرامة، وامر وحكاية
وعزل، وعصمة. امر الله نبيه ان ينصب عليا اماما فتوقف فيه لكراهته تكذيب
القوم فنزلت فلعلك باخع نفسك. الآية فامرهم رسول الله ان يسلموا على علي بالإمرة
ثم نزل بعد أيام (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك). وجاء في تفسير قوله
تعالى: فأوحى إلى عبده ما أوحى ليلة المعراج في علي فلما دخل وقته قال: بلغ
ما انزل إليك من ربك وما أوحى، أي بلغ ما أنزل إليك في علي عليه السلام ليلة المعراج:
قال المرتضى:
لله در اليوم ما أشرفا * ودر ما كان به أعرفا
ساق الينا فيه رب العلى * ما أمرض الأعداء أو اتلفا
وخص بالامر عليا وان * بدل من بدل أو حرفا
" المناقب ج 2، م 28 "
224

إن كان قولا كافيا فالذي * قال بخم وحده قد كفى
قيل له بلغ فإن لم يكن * مبلغا عن ربه ما وفى
وقال الزاهي:
من قال احمد في يوم الغدير له * بالنفل في خبر بالصدق مأثور
قم يا علي فكن بعدي لهم علما * وأسعد بمنقلب في البعث محبور
مولاهم أنت والموفي بأمرهم * نص بوحي على الافهام مسطور
وذاك ان له العرش قال له * بلغ وكن عند أمري خير مأمور
فان عصيت ولم تفعل فإنك ما * بلغت أمري ولم تصدع بتذكيري
وقال المحبرة:
قام النبي له بشرح ولاية * نزل الكتاب بها من الديان
إذ قال بلغ ما أمرت به وثق * منهم بعصمة كالئ حنان
فدعا الصلاة جماعة واقامه * علما بفضل مقالة وبيان
نادى ألست وليكم قالوا بلى * حقا فقال فذا الولي الثاني
فدعا له ولمن أجاب بنصره * ودعا الاله على ذوي الخذلان
وقال ابن حماد:
وقيل له بلغ من الله عزمة * فقام عشاء والضحى قد تصعدا
بكف علي رافعا آخذا بها * يدل لهم أكرم بها من يد يدا
فنادى بما نادى به من ولائه * علي كل من صلى وصام ووحدا
وله أيضا:
وقال لأحمد بلغ قريشا * أكن لك عاصما ان تستكينا
فأن لم تبلغ الأنباء عني * فما أنت المبلغ والأمينا
فأبرز كفه للناس حتى * تبينها جميع الحاضرينا
فأكرم بالذي رفعت يداه * واكر بالذي رفع اليمينا
فقال لهم وكل القوم مصغ * لمنطقه وكل يسمعونا
الا هذا أخي ووصيي حقا * وموفي العهد والقاضي الديونا
الا من كنت مولاه فهذا * له مولى فكونوا قابلينا
تولى الله من والى عليا * وعادى مبغضيه الشانئينا
225

فأن لم تحفظوا الميثاق بعدي * وتدعوه رجعتم كافرينا
الباقر والصادق عليهما السلام في قوله تعالى: ألم نشرح لك صدرك ألم نعلمك
من وصيك فجعلناه ناصرك ومذل عدوك الذي انقض ظهرك، وأخرج منه سلالة
الأنبياء الذين يهتدون. ورفعنا لك ذكرك، فلا اذكر الا ذكرت معي، فإذا فرغت
من دنياك فانصب عليا للولاية، تهتدي به الفرقة.
عبد السلام بن صالح عن الرضا عليه السلام: ألم نشرح لك صدرك يا محمد، ألم نجعل
عليا وصيك؟ ووضعنا عنك وزرك بقتل مقاتلة الكفار وأهل التأويل بعلي؟ ورفعنا
لك بذلك ذكرك اي رفعنا مع ذكرك يا محمد له. زينة أبي حاتم الرازي ان جعفر بن محمد
قرأ (فإذا فرغت فانصب) قال: فإذا فرغت من اكمال الشريعة فانصب لهم عليا اماما.
الحمد لله الذي كون الأشياء فخص من بينها تكوينكم الرحمن الذي انزل عليه السكينة
فضمن فيها تسكينكم، لين قلوبكم بقبول معرفته فألطف تليينكم، ولقنكم كلمة توحيده
فأحسن تلقينكم، وعلم اذان الشهادة فأذن بلطفه تأذينكم، وملككم في دار الدين على
سر الاسلام فأتم دينكم.
أبو سعيد الخدري وجابر الأنصاري قالا: لما نزلت اليوم أكملت لكم دينكم قال
النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على اكمال الدين واتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وولاية علي
بن أبي طالب عليه السلام بعدي رواه النطنزي في الخصايص.
العياشي عن الصادق عليه السلام: اليوم أكملت دينكم بإقامة حافظه وأتممت عليكم نعمتي
بولايتنا ورضيت لكم الاسلام دينا اي تسليم النفس لامرنا.
الباقر والصادق عليهما السلام: نزلت هذه الآية يوم الغدير. وقال يهودي لعمر
لو كان هذا اليوم فينا لاتخذناه عيدا فقال ابن عباس: وأي يوم أكمل من هذا
العيد. ابن عباس: ان النبي صلى الله عليه وسلم توفى بعد هذه الآية بإحدى وثمانين يوما. السدي:
لم ينزل الله بعد هذه الآية حلالا ولا حراما وحج رسول الله صلى الله عليه وآله في ذي الحجة
ومحرم وقبض، وروى أنه لما نزل إنما وليكم الله ورسوله أمره الله تعالى ان ينادي
بولاية علي فضاق النبي بذلك ذرعا لمعرفته بفساد قلوبهم، فأنزل يا أيها الرسول بلغ ما
أنزل إليك، ثم نزل اذكروا نعمة الله عليكم. ثم نزل اليوم أكملت لكم دينكم. وفي
هذه الآية خمس بشارات: اكمال الدين، واتمام النعمة، ورضى الرحمان، وإهانة
الشيطان، وبأس الجاحدين قوله تعالى: اليوم يئس الذين كفروا من دينكم وعيد
226

المؤمنين في الخبر الغدير عيد الله الأكبر. ابن عباس اجتمعت في ذلك اليوم خمسة أعياد
الجمعة، والغدير، وعيد اليهود والنصارى والمجوس. ولم يجتمع هذا فيما سمع قبله وفي
رواية الخدري انه كان يوم الخميس.
وقال العودي:
أما قال إن اليوم أكملت دينكم * وأتممت بالنعماء مني عليكم
وقال أيضا:
أطيعوا الله ثم رسوله * تفوزوا ولا تعصوا أولي الامر منكم
وقال الطاهر:
عيد في يوم الغدير المسلم * وانكر العيد عليه المجرم
يا جاحدي الموضع واليوم وما * فاه به المختار تبا لكم
فأنزل الله تعالى جده * اليوم أكملت لكم دينكم
واليوم أتممت عليكم نعمتي * وان من نصب الأنام المنعم
وقال الحميري:
ومن أكملتم الايمان فارضوا * عباد الله في الاسلام دينا
وقال ولا ربك لا يفيئوا * إليك ولا يكونوا مؤمنينا
وله أيضا:
بعد ما قام خطيبا معلنا * يوم خم باجتماع المحفل
قال إن الله قد اخبرني * في معاريض الكتاب المنزل
انه أكمل دينا قيما * بعلي بعد ان لم يكمل
وهو مولاكم فويل للذي * يتولى غير مولاه الولي
وهو سيفي ولساني ويدي * ونصيري ابدا لم يزل
ووصيي وصفي والذي * حبه في الحشر خير العمل
نوره نوري ونوري نوره * وهو بي متصل لم يفصل
وهو فيكم من مقامي بدل * ويل لمن بدل عهد البدل
وقال آخر:
اي عذر لأناس سمعوا * من رسول الله ما قال بخم
قال قال الله في تنزيله * ان دين الله في ذي اليوم تم
227

العلماء مطبقون على قول هذا الخبر وإنما وقع الخلاف في تأويله، ذكره: محمد
بن إسحاق، واحمد البلاذري، ومسلم بن الحجاج، وأبو نعيم الأصفهاني، وأبو الحسن
الدارقطني، وأبو بكر بن مردويه، وابن شاهين، وأبو بكر الباقلاني، وأبو المعالي
الجويني، وأبو اسحق الثعلبي، وأبو سعيد الخركوشي، وأبو المظفر السمعاني، وأبو
بكر بن شيبة، وعلي بن الجعد، وشعبة، والأعمش، وابن عباس، وابن الثلاج،
والشعبي، والزهري، والاقليشي، وابن البيع، وابن ماجة، وابن عبد ربه،
والألكاني، وأبو يعلى الموصلي من عدة طرق، وأحمد بن حنبل من أربعين طريقا،
وابن بطة من ثلاث وعشرين طريقا، وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقا،
في كتاب الولاية، وأبو العباس بن عقدة من مائة وخمس طرق، وأبو بكر الجعابي
من مائة وخمس وعشرين طريقا. وقد صنف علي بن هلال المهلبي كتاب الغدير وأحمد بن
محمد بن سعد كتاب من روى غدير خم، ومسعود الشجري كتابا فيه رواة هذا
الخبر وطرقها، واستخرج منصور اللاتي الرازي في كتابه أسماء رواتها على حروف
المعجم وذكر عن الصاحب الكافي أنه قال: روى لنا قصة غدير خم القاضي أبو بكر
الجعابي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير والحسن والحسين و عبد الله
بن جعفر وعباس بن عبد المطلب و عبد الله بن عباس وأبو ذر وسلمان و عبد الله بن
عباس و عبد الرحمن وأبو قتادة وزيد بن أرقم وجرير بن حميد وعدي بن حاتم وعبد
الله بن أنيس والبراء بن عازب وأبو أيوب وأبو برزة الأسلمي وسهل بن حنيف وسمرة
بن جندب وأبو الهيثم و عبد الله بن ثابت الأنصاري وسلمة بن الأكوع والخدري
وعقبة بن عامر وأبو رافع وكعب بن عجرة وحذيفة بن اليمان وأبو مسعود البدري
وحذيفة بن أسيد وزيد بن ثابت وسعد بن عبادة وخزيمة بن ثابت وحباب بن عتبة
وجندب بن سفيان وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد وعبادة بن الصامت وأبو زينب
وأبو ليلى و عبد الله بن ربيعة وأسامة بن زيد وسعد بن جنادة وخباب بن سمرة ويعلي
بن مرة وابن قدامة الأنصاري وناجية بن عميرة وأبو كاهل وخالد بن الوليد وحسان
بن ثابت والنعمان بن عجلان وأبو رفاعة وعمرو بن الحمق و عبد الله بن يعمر ومالك بن
الحويرث وأبو الحمراء وضمرة بن الحبيب ووحشي بن حرب وعروة بن أبي الجعد
وعامر بن النميري وبشير بن عبد المنذر ورفاعة بن عبد المنذر وثابت بن وديعة وعمرو
بن حريث وقيس بن عاصم و عبد الاعلى بن عدي وعثمان بن حنيف وأبي بن كعب
228

ومن النساء فاطمة الزهراء عليه السلام، وعايشة، وأم سلمة وأم هاني، وفاطمة بن حمزة
وقال صاحب الجمهرة في الخاء والميم: خم موضع نص النبي صلى الله عليه وسلم فيه على علي عليه السلام
وذكره عمرو بن أبي ربيعة في مفاخرته، وذكره حسان في شعره وفي رواية عن
الباقر عليه السلام قال: لما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم بين ألف وثلاثمائة رجل من كنت
مولاه فعلي مولاه الخبر. الصادق نعطي حقوق الناس بشهادة شاهدين وما أعطى أمير
المؤمنين حقه بشهادة عشرة آلاف نفس يعني الغدير. والغدير في وادي الأراك على
عشرة فراسخ من المدينة وعلى أربعة أميال من الجحفة عند شجرات خمس دوحات عظام.
انشد الكميت عند الباقر عليه السلام:
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا
ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها خطرا منيعا
ولم أر مثل هذا اليوم يوما * ولم أر مثله حقا اضيعا
فلم اقصد بهم لعنا ولكن * أساء بذاك أولهم صنيعا
فصار لذاك أقربهم لعدل * إلى جور وأقربهم مضيعا
أضاعوا امر قائدهم فضلوا * وأقربهم لدى الحدثان ريعا
تناسوا حقه فبغوا عليه * بلا ترة وكان لهم قريعا
وقال مهيار:
واسألهم يوم خم بعد ما عقدوا * له الولاية لم خانوا ولم خلعوا
قول صحيح ونيات بها دغل * لا ينفع السيف صقل تحته طبع
انكارهم بأمير المؤمنين لها * بعد اعترافهم عار به ادرعوا
ونكثهم بك ميلا عن وصيته * شرع لعمرك ثان بعده شرعوا
والمجمع عليه ان الثامن عشر من ذي الحجة كان يوم غدير خم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم
مناديا فنادى الصلاة جامعة وقال: من أولى بكم من أنفسكم قالوا: الله ورسوله فقال:
اللهم اشهد ثم اخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ويؤكد ذلك أنه استشهد
به أمير المؤمنين عليه السلام يوم الدار حيث عدد فضائله فقال: أفيكم من قال له رسول الله
من كنت مولاه فعلي مولاه فقالوا لا فاعترفوا بذلك وهم جمهور الصحابة ومن
خطبة للصاحب:
229

الجليل الذي كفله صغيرا ورباه، وبالعلم وبالحكمة غداه، وعلى كتفه رقاه،
وساهمه في المسجد وساواه، وقام الغدير وناداه، ورفع ضبعه وأعلاه، وقال من
كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.
وقال حسان بن ثابت:
يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم واسمع بالنبي مناديا
يقول فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا وأنت ولينا * ولا نجدن منا لك اليوم عاصيا
فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي اماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا
وقال قيس بن سعد:
قلت لما بغى العدو علينا * حسبنا ربنا ونعم الوكيل
حسبنا ربنا الذي فتق البصرة * بالأمس والحديث طويل
وعلي امامنا وامام * لسوانا أتى به التنزيل
يوم قال النبي من كنت مولاه * فهذا مولاه خطب جليل
إنما قاله النبي على الأمة * حتما ما فيه قال وقيل
وقال الصاحب:
وقالوا علي علا قلت لا * فأن العلى بعلي علا
ولكن أقول كقول النبي * وقد جمع الخلق كل الملا
الا ان من كنت مولى له * يوالي عليا وإلا فلا
وقال أبو الفرج:
تجلى الهدى يوم الغدير على الشبه * وبرز ابريز البيان عن الشبه
وأكمل رب العرش للناس دينهم * كما نزل القرآن فيه فاعربه
وقام رسول الله في الجمع جاذبا * بضبع على ذي التعالى من الشبه
وقال إلا من كنت مولى لنفسه * فهذا له مولى فيالك منقبه
وقال ابن الرومي:
يا هند لم أعشق ومثلي لا يرى * عشق النساء ديانة وتحرجا
230

لكن حبي للوصي مخيم * في الصدر يسرح في الفؤاد تولجا
فهو السراج المستنير ومن به * سبب النجاة من العذاب لمن نجا
وإذا تركت له المحبة لم أجد * يوم القيامة من ذنوبي مخرجا
قل لي أأترك مستقيم طريقه * جهلا واتبع الطريق الأعوجا
واراه كالتبر المصفى جوهرا * وارى سواه لنا قديه مبهرجا
ومحله من كل فضل بين * عال محل الشمس أو بدر الدجى
قال النبي له مقالا لم يكن * يوم الغدير لسامعيه تمججا
من كنت مولاه فذا مولى له * مثلي وأصبح بالفخار متوجا
وكذاك إذ منع البتول جماعة * خطبوا وأكرمه بها إذا زوجا
وقال ابن حماد:
يوم الغدير لأشرف الأيام * واجلها قدرا على الاسلام
يوم أقام الله فيه إمامنا * أعني الوصي إمام كل إمام
قال النبي بدوح خم رافعا * كف الوصي يقول للأقوام
من كنت مولاه فذا مولى له * بالوحي من ذي العزة العلام
هذا وزيري في الحياة عليكم * فإذا قضيت فذا يقوم مقامي
يا رب والي من أقر له الولا * وانزل بمن عاداه سوء حمام
وقال أبو العلا:
علي إمامي بعد الرسول * سيشفع في عرصة الحق لي
ولا ادعي لعلي سوى * فضائل في العقل لم يشكل
ولا ادعي انه مرسل * ولكن إمام بنص جلي
وقول الرسول له إذ أتى * له سيما الفاضل المفضل
الا ان من كنت مولى له * فمولاه من غير شك علي
وقال القاضي التنوخي:
وزير النبي المصطفى ووصيه * ومشبهه في شيمة وضرائب
ومن قال في يوم الغدير محمد * وقد خاف من غدر العداة النواصب
اما انني أولى بكم من نفوسكم * فقالوا بلى ريب المريب الموارب
فقال لهم من كنت مولاه منكم * فهذا أخي مولاه بعدي وصاحبي
231

أطيعوه طرا فهو مني بمنزل * كهارون من موسى الكليم المخاطب
وقال الأمير أبو فراس:
تبا لقوم بايعوا أهوائهم * فيما يسؤهم في غد عقباه
أتراهم لم يسمعوا ما خصه * منه النبي من المقال اتاه
إذ قال في يوم الغدير معالنا * من كنت مولاه فذا مولاه
وقال دعبل:
فقال الا من كنت مولاه منكم * فهذا له مولى ببعد وفاتي
أخي ووصيي وابن عمي ووارثي * وقاضي ديوني من جميع عداتي
وقال الملك الصالح:
ويوم خم وقد قال النبي له * بين الحضور وشالت عشده يده
من كنت مولى له هذا يكون له * مولى اتاني به امر يؤكده
من كان يخذله فالله يخذله * أو كان يعضده فالله يعضده
وقال بقراط النصراني:
أليس بخم قد أقام محمد * عليا باحضار الملا والمواسم
فقال لهم من كنت مولاه منكم * فمولاكم بعدي علي بن فاطم
فقال إلهي كن ولي وليه * وعاد أعاديه على رغم راغم
وقال الجوهري:
اما اخذت عليكم إذ نزلت بكم * غدير خم عقودا بعد ايمان
وقد جذبت بضبعي خير من وطئ * البطحا من مضر العليا وعدنان
وقلت والله يأبى أن اقصر أو * اعف الرسالة عن شرح وتبيان
هذا علي لمولى من بعثت له * مولى وطابق سري فيه اعلاني
هذا ابن عمي ووالي منبري وأخي * ووارثي دون أصحابي واخواني
هذا يحل إذا قايست من بدني * محل هارون من موسى بن عمران
وقال العوني:
امامي له يوم الغدير اقامه * نبي الهدى ما بين من انكر الامرا
" المناقب ج 2، م 29 "
232

وقام خطيبا فيهم إذ أقامه * ومن بعد حمد الله قال لهم جهرا
الا ان هذا المرتضى بعل فاطم * علي الرضى صهري فأكرم به صهرا
ووارث علمي والخليفة فيكم * إلى الله من أعدائه كلهم ابرا
سمعتم أطعتم هل وعيتم مقالتي * فقالوا جميعا ليس نعدوا له امرا
سمعنا أطعنا أيها المرتضى فكن * على ثقة منا وقد حاولوا عذرا
وله أيضا:
من قال أحمد في يوم الغدير له * من كنت مولاه من عجم ومن عرب
فان هذا له مولى ومنذرها * يا حبذا هو من مولى ويا يأبى
ومن قصايد الحميري:
وقال هذا فيكم خليفتي * ومن عليه في الأمور المتكل
نحن كهاتين وأومى بإصبع * من كفه عن كفه لم تنفصل
لا تبتغوا بالطهر بعدي بدلا * فليس فيكم لعلي من بدل
يا رب والي من يوالي حيدرا * وعاد من عاداه واخذل من خذل
يا خالقي بلغت ما نزله * إلي جبريل وعنه لم أحل
وله أيضا:
ألم يسمعوا يوم الغدير مقاله * تأمر خير الناس عودا ومعتصر
يقول الا هذا ابن عمي ووارثي * وأول من صلى وأول من نصر
وليكم بعدي فوالوا وليه * وكونوا لمن عادى عدوا لمن كفر
وله أيضا:
جحدوا ما قاله في صنوه * يوم خم بين دوح منتظم
أيها الناس فمن كنت له * واليا يوجب حقي في القدم
فعلي هو مولاه لمن * كنت مولاه قضاء قد حتم
وله أيضا:
أحمد الخير بأعلى صوته * قال قولا فيه لم يفتعل
إنما مولاكم بعدي إذا * حان موتي ودنا مرتحلي
ابن عمي ووزيري فسقوا * ماء صبر بنقيع الحنظل
قطبوا في وجهه وائتمروا * بينهم فيه بأمر معضل
233

وله أيضا:
منحت الهوى المحض مني الوصيا * ولا أمنح الود إلا عليا
دعاني النبي عليه السلام * إلى حبه فأحببت النبيا
فعاديت فيه وواليته * وكنت لمولاه فيه وليا
أقام بخم بحيث الغدير * فقال فاسمع صوتا نديا
الا ذا إذا مت مولاكم * فافهمه العرب والأعجميا
وله أيضا:
يوم قام النبي في ظل دوح * والوري في وديقة صيخود
رافعا كفه بيمني يديه * بائحا باسمه بصوت بديد
أيها المسلمون هذا خليلي * ووزيري ووارثي وعضيدي
وابن عمي الا فمن كنت مولاه * فهذا مولاه فارعوا عهودي
وعلي مني بمنزلة هارون * بن عمران من أخيه الودود
وله أيضا:
يا بايع الدين بدنياه * ليس بهذا أمر الله
فارجع إلى الله وألق الهوى * ان الهوى في النار مأويه
من أين أبغضت علي الرضى * وأحمد قد كان يرضاه
جهدك ان تسليه اليوم ما * كان رسول الله أعطاه
من ذا الذي احمد من بينهم * يوم غدير الخم ناداه
أقامه من بين أصحابه * وهم حواليه فسماه
هذا علي بن أبي طالب * مولى لمن قد كنت مولاه
فوال من والاه يا ذا العلى * وعاد من قد كان عاداه
وله أيضا:
فقام مأمورا وفي كفه * كف علي لهم تلمع
رافعها للناس أكرم بها * كفا وبالكف التي ترفع
من كنت مولاه فهذا له * مولى فلم يرضوا ولم يقنعوا
وله أيضا:
به وصى النبي غداة خم * جمع الناس لو حفظوا النبيا
234

وناداهم ألست لكم بمولى * عباد الله فاستمعوا اليا
فمن ذا كنت مولاه فاني * جعلت له أبا حسن وليا
فعادى الله من عداه منكم * وكان بمن تولاه حفيا
وله أيضا:
يوم الغدير وكل القوم قد حضروا * من كنت مولاه في سر واجهار
هذا أخي ووصيي في الأمور ومن * يقوم فيكم مقامي عند تذكار
يا رب عاد الذي عاداه من بشر * واركسه في درك للخزي والعار
وله أيضا:
إذ قال للناس من مولاكم قبلا * يوم الغدير فقالوا أنت مولانا
أنت الرسول ونحن الشاهدون على * ان قد نصحت وقد نبنت تبيانا
هذا وليكم بعدي أمرت به * حتما فكونوا له حزبا وأعوانا
هذا ابركم برا وأكثركم * علما وأولكم بالله ايمانا
هذا له قربة مني ومنزلة * كانت لهارون من موسى بن عمرانا
وله أيضا:
وقام محمد بغدير خم * فنادى معلنا صوتا نديا
لمن وافاه من عرب وعجم * وحفوا حول دوحته حنيا
الا من كنت مولاه فهذا * له مولى وكان به حفيا
إلهي عاد من عادى عليا * وكن لوليه ربي وليا
وله أيضا:
وبخم إذ قال الاله بعزمه * قم يا محمد لا تقصروا خطب
وانصب أبا حسن لقومك إنه * هاد وما بلغت ان لم تنصب
فدعاه ثم دفاهم فاقامه * لهم فبين مصدق ومكذب
جعل الولاية بعده لمهذب * ما كان يجعلها لغير مهذب
وله أيضا:
لقد سمعوا مقالته بخم * غداة يضمهم وهو الغدير
فمن أولى بكم منكم فقالوا * مقالة واحد وهم الكثير
جميعا أنت مولانا وأولى * بنا منا وأنت لنا نذير
235

فقال لهم علانية جهارا * مقالة ناصح وهم حضور
فأن وليكم بعدي علي * ومولاكم هو الهادي الوزير
وزيري في الحياة وعند موتي * ومن بعدي الخليفة والأمير
فوالى الله من والاه منكم * وقابله لدى الموت السرور
وعادى الله من عاداه منكم * وحل به لدى الموت النشور
وقال البشنوي:
وقد شهدوا عيد الغدير واسمعوا * مقال رسول الله من غير كتمان
الست بكم أولى من الناس كلهم * فقالوا بلى يا أفضل الإنس والجان
فقام خطيبا بين أعواد منبر * ونادى بأعلى الصوت جهرا باعلان
بحيدرة والقوم خرس أذلة * قلوبهم ما بين خلف وعينان
فلبى مجيبا ثم أسرع مقبلا * بوجه كمثل البدر في غصن البان
فلاقاه بالترحيب ثم ارتقى به * إليه وصار الطهر للمصطفى ثان
وشال بعضديه وقال وقد صغى * إلى القوم أقصى القوم تالله والداني
علي أخي لا فرق بيني وبينه * كهارون من موسى الكليم بن عمران
ووارث علمي والخليفة في غد * على أمتي بعدي إذا زرت جثماني
فيا رب من والى عليا فواله * ودان مدانية ولا تنصر الشاني
وله أيضا:
أأترك مشهور لحديث وصدقه * غداة بخم قام احمد خاطبا
ألست لكم مولى ومثلي وليكم * علي فوالوه وقد قلت واجبا
وقال شاعرة:
وفي خم إذ شال النبي بضبعه * بحضرة أصحاب له ذات كثرة
فمن كنت مولاه فهذا وليه * فهل بعد هذا من بيان وشهرة
فضايل أحمد وأحاديث أبي بكر بن مالك وإبانة ابن بطة وكشف الثعلبي عن
البراء قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع كنا بغدير خم فنادى ان الصلاة
جامعة وكسح النبي صلى الله عليه وآله تحت شجرتين فاخذ بيد علي فقال: الست أولى بالمؤمنين
من أنفسهم قالوا: بلى يا رسول الله فقال: أو لست أولى من كل مؤمن بنفسه قالوا بلى
قال: هذا مولى من أنا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقال: فلقيه عمر
236

بن الخطاب فقال: هنيئا لك بابن أبي طالب أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة. أبو
سعيد الخدري في خبر ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: يا قوم هنئوني هنئوني ان الله خصني بالنبوة
وخص أهل بيتي بالإمامة، فلقي عمر بن الخطاب أمير المؤمنين عليه السلام فقال: طوبى لك
يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. الخركوشي في شرف
المصطفى عن البراء بن عازب في خبر، قال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم وال من والاه وعاد من
عاداه، فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى
كل مؤمن ومؤمنة ذكر أبو بكر الباقلاني في التمهيد متأولا له. السمعاني في فضايل
الصحابة باسناده عن سالم ابن أبي الجعد قال: قيل لعمر بن الخطاب انك تصنع بعلي
شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله قال: انه مولاي وقال الحميري.
وقال محمد بغدير خم * عن الرحمن ينطق باعتزام
يصيح وقد أشار إليه فيكم * إشارة غير مصنع للكلام
ألا من كنت مولاه فهذا * أخي مولاه فاستمعوا كلامي
فقام الشيخ يقدمهم إليه * وقد حصدت يداه من الرخام
ينادي أنت مولاي ومولى * الأنام فلم عصى مولى الأنام
وله أيضا:
فقلت أخذت عهدكم على ذا * فكونوا للوصي مساعدينا
لقد أصبحت مولانا جميعا * ولست عن ولائك راغبينا
وله أيضا:
قام النبي يوم خم خاطبا * بجانب الدوحات أوحيا لها
فقال من كنت له مولى فذا * مولاه رب اشهد مرارا قالها
ان رجالا بايعته إنما * بايعت الله فلم بدالها
قالوا سمعنا وأطعنا أجمعا * وأسرعوا بالألسن اشتقالها
وجائهم مشيخة يقدمهم * شيخ يهنى حبذا منالها
قال له بخ بخ من مثلك * أصبحت مولى المؤمنين يا لها
وقال العوني:
حتى لقد قال ابن خطاب له * لما تقوض من هناك وقاما
أصبحت مولاي ومولى كل من * صلى لرب العالمين وصاما
237

وقال أيضا:
نادى ولم يك كاذبا بخ بخ أبا * حسن تريع الشيب والشبان
أصبحت مولى المؤمنين جماعة * مولى أناثهم مع الذكران
وقال خطيب منبج:
وقال لهم رضيتم بي وليا * فقالوا يا محمد قد رضينا
فقال وليكم بعدي علي * ومولاكم فكونوا عارفيا
فقام لقوله عمر سريعا * وقال له مقال الواصفينا
هنيئا يا علي أنت مولى * علينا ما بقيت وما بقينا
معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام في خبر لما قال النبي صلى الله عليه وآله من كنت مولاه
فعلي مولاه قال العدوي: ولا والله ما أمره بهذا وما هو إلا شئ يتقوله، فأنزل الله
تعالى ولو تقول علينا بعض الأقاويل، إلى قوله: على الكافرين يعني محمدا وانه لحق
اليقين يعني به عليا. حسان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام في خبر فلما رأوه رافعا يده
يعني رسول الله صلى الله عليه وآله قال بعضهم: انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما عينا مجنون
فنزل جبرئيل بهذه الآية: وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك بابصارهم إلى آخر السورة
قال الحميري:
فقال ألا من كنت مولاه منكم * فمولاه من بعدي علي فاذعنوا
فقال شقى منهم لقرينه * وكم من شقي يستزل ويفتن
يمد بضبعيه عليا وانه * لما بالذي لم يؤته لمزين
كأن لم يكن في قلبه ثقة به * فيا عجبا انى ومن أن يوقن
عمر بن يزيد سال أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: قل إنما أعظكم بواحدة
قال: بالولاية، قال: قلت وكيف ذلك، قال: انه لما نصبه للناس قال: من كنت
مولاه فعلي مولاه، ارتاب الناس فقالوا: ان محمدا ليدعونا في كل وقت إلى امر جديد
وقد بدأ باهل بيته يملكهم رقابنا، ثم قرأ قل إنما أعظكم بواحدة فقد أديت لكم ما
افترض عليكم ربكم انتقموا لله مثنى وفرادى اما مثنى فيعني طاعة الامام من ذريتهما
من بعده ولا والله يا ثاني ما عنى غيرك.
المرتضى قال في التنزيه ان النبي صلى الله عليه وآله لما نص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة في
ابتداء الامر جاءه قوم من قريش قالوا له: يا رسول الله ان الناس قريبوا عهد
238

بالاسلام ولا يرضوا أن تكون النبوة فيك والإمامة في ابن عمك فلو عدلت بها إلى حين
لكان أولى فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله ما فعلت ذلك برأيي فاتخير فيه ولكن الله أمرني به
وفرضه علي فقالوا له فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك، فاشرك معه في الخلافة
رجلا من قريش يسكن إليه الناس ليتم لك الامر ولا تخالف الناس عليك، فنزل لئن
أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين.
عبد العظيم الحسني عن الصادق عليه السلام في خبر: قال رجل من بني عدى اجتمعت
إلي قريش فاتينا النبي فقالوا: يا رسول الله انا تركنا عبادة الأوثان واتبعناك فأشركنا
في ولاية علي فنكون شركاء، فهبط جبرئيل على النبي فقال يا محمد لئن أشركت ليحبطن
عملك، الآية قال الرجل فضاق صدري هاربا لما أصابني من الجهد فإذا انا بفارس قد
تلقاني على فرس أشقر عليه عمامة صفراء يفوح منه رايحة المسك فقال يا رجل لقد
عقد محمد عقدة لا يحلها إلا كافرا أو منافق قال فأتيت النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته فقال هل
عرفت الفارس؟ ذاك جبرئيل عرض عليكم عقد ولاية ان حللتم العقد أو شككتم
كنت خصمكم يوم القيامة.
قال الحميري:
وقام محمد بغدير خم * فنادى معلنا صوتا بديا
الا من كنت مولاه فهذا * له مولى وكان به حفيا
إلهي عاد من عادى عليا * وكن لوليه مولى وليا
فقال مخالف منهم عتل * لا ولا هم به قولا خفيا
لعمر أبيك لو يسطيع هذا * لصير بعده هذا نبيا
فنحن بسوء رأيهما نعادي * بني تيم ولا نهوي عديا
الباقر عليه السلام قال: قام ابن هند وتمطى وخرج مغضبا واضعا يمينه على عبد الله
بن قيس الأشعري ويساره على المغيرة بن شعبة وهو يقول: والله لا نصدق محمدا
على مقالته، ولا نقر عليا ولايته، فنزل: فلا صدق ولا صلى الآيات فهم به رسول
الله صلى الله عليه وآله ان يرده فيقتله، فقال له جبرئيل: لا تحرك به لسانك لتعجل به فسكت
عنه رسول الله وقال في قوله تعالى: وقال الذين لا يرجون لقائنا ائت بقرآن غير
هذا أو بدله ذلك قول أعداء الله لرسوله من خلفه وهم يرون انه لا يسمع قولهم لو أنه
جعلنا أئمة دون علي أو بدلنا آية مكان آية قال الله عز وجل ردا عليهم قل ما
239

يكون لي ان أبدله الآية وقال أبو الحسن الماضي ان رسول الله دعا الناس إلى ولاية
علي عليه السلام ليس إلا فاتهموه وخرجوا من عنده فأنزل الله: قل اني لا أملك لكم ضرا
ولا نفعا، قل اني لن يجيرني من الله إن عصيته أحد ولن أجد من دونه ملتحدا،
إلا بلاغا من الله ورسالاته في علي، ومن يعص الله ورسوله في ولاية علي فأن له نار
جهنم خالدين فيها ابدا. وعنه صلى الله عليه وآله في قوله تعالى: واصبر على ما يقولون فيك
واهجرهم هجرا جميلا وذرني والمكذبين بوصيك أولى النعمة ومهلهم قليلا. وعن
بعضهم عليهم السلام في قوله تعالى: ويل للمكذبين يا محمد بما أوحى إليك من ولاية
علي ألم نهلك الأولين الذين كذبوا الرسل في طاعة الأوصياء كذلك نفعل بالمجرمين
من اجرم إلى آل محمد وركب من وصيه ما ركب أبو عبد الله عليه السلام ويستنبئونك أحق
هو ما تقول في علي قل اي وربي انه لحق وما أنتم بمعجزين.
وقال العوني:
أليس قام رسول الله يخطبهم * يوم الغدير وجمع الناس محتفل
وقال من كنت مولاه فذاك له * من بعد مولى فواخاه وما فعلوا
لو سلموها إلى الهادي أبى حسن * كفى البرية لن تستوحش السبل
هذا يطالبه بالضعف محتفيا * وتلك يجدونها في محفل جمل
وقال الحميري:
من كنت مولاه فهذا له * مولى فلا تابوا بتكفار
وقال ابن حماد:
الا ان هذا ولي لكم * أطيعوا فويل لمن لم يطع
أبو عبيد والثعلبي، والنقاش، وسفيان بن عينيه، والرازي، والقزويني
والنيسابوري، الطبرسي، الطوسي في تفاسيرهم انه لما بلغ رسول صلى الله عليه وآله بغدير خم
ما بلغ وشاع ذلك في البلاد اتى الحارث بن النعمان الفهري، وفي رواية أبي عبيد جابر
بن النضر بن الحارث بن كلدة العيدري فقال: يا محمد امرتنا عن الله بشهادة ان لا إله
الا الله وان محمدا رسول الله، وبالصلاة والصوم والحج والزكاة فقبلنا منك ثم لم
ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت من كنت مولاه فعلي مولاه
فهذا شئ منك أم من الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي لا إله إلا هو ان هذا من
" المناقب ج 2، م 30 "
240

الله، فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر
علينا حجارة من السماء أو أتنا بعذاب اليم فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط
على هامته وخرج من دبره وقتله وانزل الله تعالى: سال سائل بعذاب واقع الآية.
وفي شرح الاخبار انه نزل: أفبعذابنا يستعجلون، ورواه أبو نعيم الفضل بن دكين:
قال العوني:
يقول رسول الله هذا لامتي * هو اليوم مولى رب ما قلت فاسمع
فقام جحود ذو شقاق منافق * ينادي رسول الله من قلب موجع
اعن ربنا هذا أم أنت اخترعته * فقال معاذ الله لست بمبدع
فقال عدو الله لأهم ان يكن * كما قال حقا بي عذابا فأوقع
فعوجل من أفق السماء بكفره * بجندلة فانكب ثاو بمصرع
وفي الخبر ان النبي صلى الله عليه وآله كان يخبر عن وفاته بمدة ويقول قد حان مني خفوق من
بين أظهركم، وكان المنافقون يقولون لئن مات محمد ليخرب دينه فلما كان موقف
الغدير قالوا: بطل كيدنا فنزلت اليوم يئس الذين كفروا الآية.
قال السيد المرتضى:
أما الرسول فقد ابان ولاءه * لو كان ينفع حايرا ان ينذرا
أمضى مقالا لم يقله مؤمنا * أو شاد ذكرا لم يشده معذرا
وثنى إليه رقابهم واقامه * علما على باب النجاة مشهرا
ولقد شفى يوم الغدير معاشر * ثلجت نفوسهم وأودى معشرا
فلقت به أحقادهم فموجع * نفسا ومانع انه ان يجهرا
وقال الحميري:
قد قام يوم الدوح خير الورى * بوجهه للناس مستقبل
لكن تواصوا بعلي الهدى * ان لا يوالوه وأن يخذلوا
وقال أبو تمام الطائي:
ويوم الغدير استوضح الحق أهله * بفيها وما فيها حجاب ولا ستر
أقام رسول الله يدعوهم بها * ليقربهم عرفا وينهاهم نكر
يمد بضبعيه ويعلم انه * ولى ومولاكم فهل لكم خبر
يروح ويغدو بالبيان لمعشر * يروح بهم بكر ويغدو بهم عمرو
241

أحجة رب العالمين ووارث * النبي ألا عهد وفي ولا أصر
فكان له جهرا باثبات حقه * وكان لهم في بره حقه ستر
وقالى البشنوي:
فقال كبيرهم ما الرأي فيما * ترون يردد الأمر الجلي
سمعتم قوله قولا بليغا * وأوصى بالخلافة في علي
فقالوا حيلة نصبت علينا * ورأي ليس بالعقد الوفي
ندبر غير هذا في أمور * ننال بها من العيش السني
سنجعلها إذا ما مات شورى * لتيمى هنالك أو عدى
وروي: ان النبي صلى الله عليه وآله لما فرغ من غدير خم وتفرق الناس اجتمع نفر من
قريش يتأسفون على ما جرى فمر بهم ضب فقال بعضهم ليت محمدا أمر علينا هذا الضب
دون علي فسمع ذلك أبو ذر فحكى ذلك لرسول الله فبعث إليهم واحضرهم وعرض
عليهم مقالهم فأنكروا وحلفوا فأنزل الله تعالى: يحلفون بالله ما قالوا الآية، فقال
النبي: ما أظلت الخضر الخبراء وفي رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام في خبر ان
النبي صلى الله عليه وآله قال: أما جبرئيل نزل علي واخبرني انه يؤتى يوم القيمة بقوم امامهم ضب
فانظروا ان لا تكونوا أولئك فأن الله تعالى قول يوم ندعوا كل أناس بامامهم.
وقال ابن طوطي:
ويوم غدير قد أقروا بفضله * وفي كل وقت منهم الغدر اضمروا
أرى دوح خم والنبي محمد * ينادي بأعلى الصوت منهم ويجهر
الست اذن أولى بكم من نفوسكم * فقالوا بلى والقوم في الجمع حضر
فقال لهم من كنت مولاه منكم * فمولاه بعدي حيدر المتخير
فوال مواليه وعاد عدوه * ايا رب وانصره لمن ظل ينصر
فلما مضى الهادي لحال سبيله * أبانوا له العذر القبيح وأظهروا
وله أيضا:
من نص عليه يوم الغدير * كان الامام بلا تخيير
قوله من كنت مولاه: لفظة مولى تفيد الأولى بالتدبير والتصرف وفرض
الطاعة لأنه صلى الله عليه وآله عقب قوله: الست أولى بكم من أنفسكم، ولو كان غير ذلك لكان
معميا في كلامه، وإذا ثبت ذلك فلا يكون إلا الامام، ثم إن ظاهره يقتضي ايجاب
242

موالاته ونصرته وتحريم خذلانه وعداوته باطلاق من حيث جعل موالاة الله
ونصرته لناصره عليه السلام ومواليه وخذلانه وعداوته لخاذله ومعاديه، وذلك دليل
عصمته لان جوار القبيح عليه صحة وقوعه فإذا وقع أوجب خلاف ما حكم به النبي
وأوجبه وهذا لا يجوز عليه.
امالي أبي عبد الله النيسابوري، وأمالي أبي جعفر الطوسي، في خبر عن أحمد بن
محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام أنه قال: حدثني أبي عن أبيه ان يوم الغدير في السماء
أشهر منه في الأرض ان الله تعالى في الفردوس قصرا لبنة من فضة، ولبنة من ذهب
فيه مائة الف قبة حمراء ومائه الف خيمة من ياقوتة خضراء ترابه المسك والعنبر فيه
أربعة انهار: نهر من خمر ونهر من ماء ونهر من لبن ونهر من عسل، حواليه أشجار
جميع الفواكه عليه الطيور وأبدانها من لؤلؤ وأجنحتها من ياقوت، تصوت بألوان
الأصوات إذا كان يوم الغدير وردوا إلى ذلك القصر أهل السماوات يسبحون الله
ويقدسونه ويهللونه فتطاير تلك الطيور فتقع في ذلك الماء وتتمرغ على ذلك المسك
والعنبر فإذا اجتمع الملائكة طارت فينفض ذلك عليهم وانهم في ذلك اليوم ليتهادون
نثار فاطمة عليه السلام فإذا كان آخر اليوم نودوا انصرفوا إلى مراتبكم فقد امنتم من الخطر
والزلل إلى قابل في هذا اليوم تكرمة لمحمد وعلي الخبر.
مصباح المتهجد في خطبة الغدير: ان أمير المؤمنين عليه السلام قال إن هذا يوم عظيم
الشأن فيه وقع الفرج ورفع الدرج وصحت الحجج وهو يوم الايضاح والافصاح
عن المقام الصراح ويوم كمال الدين ويوم العهد المعهود ويوم الشاهد والمشهود ويوم
تبيان العقود عن النفاق والجحود ويوم البيان عن حقايق الايمان ويوم دحر الشيطان
ويوم البرهان هذا يوم الفصل الذي كنتم توعدون هذا يوم الملا الاعلى الذي أنتم
عنه معرضون هذا يوم الارشاد ويوم المحنة للعباد ويوم الدليل عن الذواد هذا يوم
ابداء اخفاء الصدور ومضمرات الأمور هذا يوم النصوص على أهل الخصوص هذا
يوم شيث هذا يوم إدريس هذا يوم يوشع هذا يوم شمعون.
قال البشنوي:
يوم الغدير لدى الولاية عيد * ولدى النواصب فضله مجحود
يوم يوسم في السماء بأنه * العهد وفيه ذلك المعهود
والأرض بالميراث أضحت وسمة * لو طاع موطود وكف حسود
243

وقال الشاعر:
يوم الغدير سوى العيدين لي عيد * يوم يسر به السادات والصيد
نال الإمامة فيه المرتضى وله * فيه من الله تشريف وتمجيد
قال الفنجكردي:
لا تنكرن غدير خم انه * كالشمس في اشراقها بل اظهر
فيه امامة حيدر وكماله * وجلاله حتى القيامة تذكر
قال شاعر:
وناصبي شديد النصب قابلني * يوم الغدير بوجه غير ذي جذل
فقال قل لي ماذا اليوم قلت له * اليوم عيد أمير المؤمنين علي
فصل: في خاصف النعل
صحيح الترمذي ان النبي صلى الله عليه وآله قال يوم الحديبية لسهيل بن عمرو وقد سأله رد
جماعة فروى أن النبي قال: يا معشر قريش لتنتهوا أو ليبعثن الله عليكم من يضرب
رقابكم على الدين امتحن الله قلبه بالايمان قالوا من هو يا رسول الله قال: هو خاصف
النعل وكان أعطى عليا عليه السلام نعله يخصفها.
الخطيب في التاريخ، والسمعاني في الفضايل ان النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تنتهوا يا
معشر قريش حتى يبعث الله رجلا امتحن قلبه بالايمان الحديث سواء. وروى ابن بطة
في الإبانة حديث خاصف النعل بسبعة طرق: منها ما رواه أبو سعيد الخدري قال
رسول الله: ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فقال أبو بكر
انا هو يا رسول الله قال لا، قال عمر انا هو يا رسول الله قال لا، ولكنه خاصف النعل
فابتدرنا ننظر فإذا هو علي يخصف نعل رسول الله.
وكاتبني الخطيب في الأربعين باسناده عن الخدري ما روينا بأسانيد عن جابر بن
زيد عن الباقر عليه السلام: ان النبي انقطع شسع نعله فرفعها إلى علي ليصلحها فقال صلى الله عليه وآله
ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، قال أبو سعيد: فخرجت
فبشرته بما قال رسول الله فلم يكترث به فرحا كأنه قد سمعه ذكره.
244

أحمد في الفضايل والبخاري، ومسلم ولفظه لمسلم عن الخدري قال رسول الله:
فرقتان فيخرج من بينهما فرقة ثالثة يلي قتلهم أولادهم بالحق فانظر إلى تسمية علي بأنه
أولى بالحق.
قال ابن علوية:
وله إذا ذكر الفخار فضيلة * بلغت مدى الغايات باستيقان
إذ قال أحمد ان خاصف نعله * لمقاتل بتأول القرآن
قوما كما قاتلت عن تنزيله * فإذا الوصي بكفه نعلان
هل بعد ذاك على الرشاد دلالة * من قائم بخلافة ومعان
وقال العوني:
وقال إني على التنزيل قلت لكم * محاربا ذاك قولا لا أحرفه
وذاك بعدي على التأويل حربكم * من في يديه قبال النعل يخصفه
فمن له علم تأويل الكتاب بها * أولى مكلفه رعيا مكلفه
وله أيضا:
علي خاصف النعل * يقول غير مهذار
وقال الحميري:
وفي خاصف النعل البيان وعبرة * لمعتبر إذ قال والنعل يرقع
لأصحابه في مجمع ان منكم * وأنفسكم شوقا إليه تطلع
اماما على تأويله غير جابر * يقاتل بعدي لا يضل ويهلع
فقال أبو بكر انا هو قال لا * فقال أبو حفص انا هو فاسفع
فقال لهم لا لا ولكنه أخي * وخاصف نعلي فاعرفوه المرقع
وله أيضا:
ومن خاصف نعل النبي محمد * ارضى الاله بفعله الغفارا
وله أيضا:
هل مثل فعلك عند النعل تخصفها * لو لم يكن جاحدوا التفضيل لاهينا
وقال الصاحب بن عبا:
وفي خصفه للنعل لما أحله * بحيث تراءته النجوم الثواقب
245

وقال أبو هاشم:
ألم تسمعوا قول النبي محمد * غداة علي قاعد يخصف النعلا
فقال عليه بالإمامة سلموا * فقد أمر الرحمن ان تفعلوا كلا
فيا أيها الحبل المتين الذي به * تمسكت لا ابغى سوى حبله حبلا
وقال العبدي:
لما اتاه القوم في حجراته * والطهر يخصف نعله ويرقع
قالوا له إن كان امرا من لنا * خلف إليه في الحوادث نرجع
قال النبي خليفتي هو خاصف * النعل الزكي العالم المتورع
وقال الوراق القمي:
علي الذي قد كان النعل خاصفا * وفي الحرب مقداما إلى كل معلم
وقال البشنوي:
خير البرية خاصف النعل الذي * شهد النبي بحقه في المشهد
وبعلمه وقضائه وبسيفه * شهد الرسول مع الملائك فاشهد
وقال ابن الحجاج:
انا مولاي علي ذو العلاء * ليس مولاي عتيقا ودلاما
أتوالى خاصف النعل الذي * لم يكن يأكل أموال اليتاما
فصل: في أنه عليه السلام الوصي والولي
لا يجوز ان يمضي رسول الله صلى الله عليه وآله بلا وصي، لقوله تعالى كتب عليكم إذا حضر
أحدكم الموت ان ترك خير الآيات ولقوله عليه السلام من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية
وقال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون الآية ولان الأنبياء كلهم
مضوا بالوصية وقال الله تعالى فبهديهم اقتده.
الطبري باسناده عن أبي الطفيل أنه قال لأصحاب الشورى أناشدكم الله هل
تعلمون ان لرسول الله وصيا غيري قالوا اللهم لا.
سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن سلمان الفارسي قال سمعت رسول الله
يقول: ان وصيي وخليفتي وخير من اترك بعدي ينجز موعدي ويقضى ديني علي بن
246

أبي طالب عليه السلام.
الطبري باسناد له عن سلمان قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله يا رسول الله انه لم يكن
نبي الا وله وصي فمن وصيك قال: وصيي وخليفتي في أهلي وخير من اترك بعدي
مؤدي ديني ومنجز عداتي علي بن أبي طالب عليه السلام.
مطير بن خالد عن انس وقيس بن ماتاه، وعبادة بن عبد الله عن سلمان كليهما عن
النبي يا سلمان سألتني من وصيي من أمتي فهل تدري لمن كان أوصى إليه موسى قلت
الله ورسوله اعلم قال أوصى إلى يوشع لأنه كان اعلم أمته ووصيي واعلم أمتي بعدي
علي بن أبي طالب. وروى قريبا منه أحمد في فضايل الصحابة.
أبو رافع قال: لما كان اليوم الذي توفى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله غشى عليه
فأخذت بقدميه اقبلهما وأبكى فأفاق وأنا أقول: من لي ولولدي بعدك يا رسول الله
فرفع إلي رأسه وقال: الله بعدي ووصيي صالح المؤمنين. زيد بن علي عن أبيه:
ان أبا ذر لقيه علي عليه السلام فقال أبو ذر: اشهد لك بالولاء والرخاء والوصية. وروى
أبو بكر بن مردويه مثل ذلك عن سلمان والمقداد وعمار. عكرمة عن ابن عباس!
ان جبرئيل نظر إلى علي عليه السلام فقال هذا وصيك.
الأعمش عن عبابة عن ابن عباس ان رسول الله اتاه جبرئيل وعنده علي فقال
هذا علي خير الوصيين.
النبي صلى الله عليه وآله: خلق الله تعالى مائة الف نبي، وأربعة وعشرين الف نبي وانا
أكرمهم على الله ولا فخر، وخلق الله عز وجل مائة الف وصي، وأربعة وعشرين الف
وصي فعلي أكرمهم على الله.
المسعودي عن عمر بن زياد الباهلي عن شريك بن الفضيل بن سلمة عن أم هاني
بنت أبي طالب قال: قلت يا رسول الله ان ابن أمي يؤذيني تعني عليا فقال النبي ان
عليا لا يؤذي مؤمنا ان الله طبعه على خلقي يا أم هاني انه أمير في الأرض وأمير في
السماء ان الله جعل لكل نبي وصيا فشيث وصي آدم، ويوشع وصي موسى، وآصف
وصي سليمان، وشمعون وصي عيسى، وعلي وصيي وهو خير الأوصياء في الدنيا
والآخرة وانا صاحب الشفاعة يوم القيامة، وانا الداعي وهو المؤدي.
حلية أبي نعيم وولاية الطبري قال النبي يا أنس يدخل عليك من هذا الباب أمير
المؤمنين وسيد المرسلين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين، قال انس: قلت اللهم
247

اجعله رجلا من الأنصار وكتمته إذ جاء علي فقال: من هذا يا انس قلت علي فقام
مستبشرا واعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه فقال علي يا رسول الله لقد رأيتك
صنعت بي شيئا ما صنعته بي قبل، قال: وما يمنعني وأنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي
وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي وهذا من قول الله عز وجل وما أنزلنا عليك الكتاب
الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه فأقام على بيان ذلك. وقد تقدم حديث الوصية في
بيعته العشيرة بالاتفاق. واستدل بالحساب على أنه وصى فقالوا علي بن أبي طالب
ميزانه في الحساب. أعز الأوصياء لاتفاقهما في مائتين وسبعة عشر ومن كلام الصاحب
صنوه الذي وأخاه واجابه حين دعاه وصدقه قبل الناس ولباه وساعده وواساه وشيد
الدين وبناه وهزم الشرك وأخزاه وبنفسه على الفراش فداه ومانع عنه وحماه وأرغم
ما عانده وقلاه وغسله وواراه وادى دينه وقضاه وقام بجميع ما أوصاه ذلك أمير
المؤمنين لا سواه.
وقال ابن حماد:
أوصى النبي وفيها مقنع لهم * لو لم يكونوا له بالبهت غصابا
وقال أنت كهارون الخليفة من * موسى على قومه بالحق إذ غابا
وقال أنت أخي إذ كان بينهم * أخي وقارب اشباها واضرابا
وقال في يوم نجران أباهلهم * بأكرم الخلق أخوالا وأحسابا
انا مدينة علم الله وهو لها * باب فمن رامها فليقصد البابا
وقال إني سأعطيها غدا رجلا * ما كان في الحرب فرارا وهيابا
والاجماع في حديث ابن عباس في وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله قال النبي: يا عباس
يا عم رسول الله تقبل وصيتي وتنجز عدتي وتقضي ديني فقال العباس: يا رسول الله
عمك شيخ كبير ذو عيال كثير وأنت تباري الريح سخاء وكرما وعليك وعد لا ينهض
به عمك فاقبل على علي فقال: تقبل وصيتي وتنجز عدتي وتقضي ديني فقال نعم يا
رسول الله، فقال ادن مني فدنا منه وضمه إليه ونزع خاتمه من يده وقال له خذ هذا
فضعه في يدك، ودعا بسيفه ودرعه، ويروى: ان جبرئيل نزل بها من السماء فجئ
بها إليه فدفعها إلى علي عليه السلام فقال: اقبض هذا في حياتي ودفع إليه بغلته وسرجها
" المناقب ج 2، م 31 "
248

وقال: امض على اسم الله إلى منزلك، ثم أغمي عليه القصة.
ابن عبد ربه في العقد، بل روته الأمة بأجمعها عن أبي رافع وغيره: ان عليا
نازع العباس إلى أبي بكر في برد النبي صلى الله عليه وآله وسيفه وفرسه فقال أبو بكر: أين
كنت يا عباس حين جمع رسول الله بني عبد المطلب وأنت أحدهم فقال: أيكم يؤازرني
فيكون وصيي وخليفتي في أهلي وينجز موعدي ويقضي ديني فقال له العباس فما أقعدك
مجلسك هذا تقدمته وتأمرت عليه فقال أبو بكر: اغدرا يا بني عبد المطلب وقال
متكلم لهارون الرشيد: أريد ان أقرر هشام بن الحكم بأن عليا كان ظالما فقال له ان
فعلت فلك كذا وكذا، وأمر به فلما حضر المتكلم فقال المتكلم يا أبا محمد: روت الأمة
بأجمعها ان عليا نازع العباس إلى أبي بكر في برد النبي وسيفه وفرسه قال: نعم قال
فأيهما الظالم لصاحبه فخاف من الرشيد فقال: لم يكن فيهما ظالم، قل: فيختصم اثنان
في أمر وهما جميعا محقان قال: نعم اختصم الملكان إلى داود وليس فيهما ظالم وإنما
أراد ان ينبهاه على الحكم كذلك، هذان تحاكما إلى أبي بكر ليعرفاه ظلمه.
قال ابن علوية:
ختن النبي وعمه أكرم به * ختنا وصنو أبيه في الصنوان
خصمان مؤتلفان ما لم يحضرا * باسا وعند الناس يختلفان
جهر الباطن بغيه ولباطن * منها إلى الصديق يختصمان
لم يجهلا حكم القضية في الذي * جاءا إلى الفاروق يصطحبان
لكن للازم حجة كانا بها * ذهبا على الأقوام يتخذان
قولا به مكرا كما دخلا على * داود قالا لا تخف خصمان
وقال عقبه بن أبي لهب يخاطب بها عايشة:
أعايش خلي عن علي وعتبه * بما ليس فيه إنما أنت والده
وصي رسول الله من دون أهله * فأنت على ما كانمن ذاك شاهده
الأشعث بن قيس كتب في جواب أمير المؤمنين عليه السلام:
أتانا الرسول رسول الوصي * علي المهذب من هاشم
وصي النبي وذو صهره * وخير البرية في العالم
وقال كثير عزة:
وصي النبي المصطفى وابن عمه * وفكاك أغلال وقاضي مغارم
249

وقال الحميري:
وصي النبي المصطفى وابن عمه * وأول من صلى لذي العزة العالي
وناصره في كل يوم كريهة * إذا كان يوم ذو هرير وزلزال
وله أيضا:
أنت الوصي وصي المصطفى نزلت * من ذي العلى فيك من فرقان آيونا
وأنت من احمد الهادي بمنزلة * قد كان أثبتها موسى لهارونا
اتاك من عنده علما حباك به * فكنت فيه أمينا فيه مأمونا
وله أيضا:
هذا الامام الذي إليه * أسند خير الورى الوصية
حكمت حكم النبي عدلا * ولم تجر قط في قضية
أنت شبيه النبي حقا * في الحكم والخلق والسجية
وله أيضا:
هذا وصيي فيكم وخليفتي * لا تجهلوه فترجعوا كفارا
وله أيضا:
محمد خير بني غالب * وبعده ابن أبي طالب
هذا نبي ووصي له * وتعزل العالم في جانب
وقال الحسين بن النضر الفهري:
ان النبي محمدا وصيه * في كل سابقة هما اخوان
قمران نسلهما النجوم فثاقب * منها وخاف خامدا للمعان
وقال جرير بن عبد الله البجلي:
علي وصي له بعده * خليفتنا القائم المنتقم
له الفضل والسبق والمكرمات * وبيت النبوة والمدعم
وأنشد:
علي وصي المصطفى ووزيره * وأول من صلى لذي العرش واتقى
وقال غيره:
الله أيدني بحب نبيه * واعزني بولايتي لوصيه
قال الله تعالى: هنالك الولاية لله الحق فلاحظ فيها لاحد الا من ولاء سبحانه
250

كما قال تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الآية. وقال فأن الله هو
مولاه الآية. وقال: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وقال النبي لعلي: من كنت
مولاه فعلي مولاه، والمولى بمعنى الأولى بدليل قوله تعالى: مأواكم النار هي مولاكم.
قال لبيد:
فقدت كلا الفرجين تحسب انه * مولى المخافة خلفها وامامها
أبو سعيد الخدري و عبد الله بن عباس وبريدة الأسلمي، وزيد بن أرقم قال
النبي صلى الله عليه وآله: من كنت وليه فعلي وليه. ذكره احمد في الفضايل، والالكاني في
الشرح. محمد بن إسحاق، والأجلح بن عبد الله، و عبد الله بن بريدة، والباقر عليه السلام
قال النبي عليه السلام: علي وليكم بعدي.
عمران بن الحصين، وبريدة وابن عباس، وجابر الأنصاري، وعمر بن علي قال
النبي صلى الله عليه وآله: علي مني وانا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي.
الثعلبي باسناده عن عطاء، عن ابن عباس قال رسول الله: الله ربي ولا امارة
لي معه، وعلي ولي من كنت وليه ولا امارة لي معه قالوا من سماه الله وليا كان بالنص
حريا فهذا يقتضي ان عليا ولي الله.
وقال الصاحب بن عباد:
ان المحبة للوصي فريضة * أعني أمير المؤمنين عليا
قد كلف الله البرية لها * واختاره للمؤمنين وليا
وله أيضا:
علي ولي المؤمنين لديكم * ومولاكم من بين كهل ومعظم
علي من الغصن الذي منه احمد * ومن ساير الأشجار أولاد آدم
وقال الفضل بن عباس:
وكان ولي الأمر بعد محمد * علي وفي كل المواطن صاحبه
وصي رسول الله حقا وصهره * وأول من صلى وما ذم جانبه
وقال الكميت:
ونعم ولي الأمر بعد نبيه * ومنتجع التقوى ونعم المؤدب
وقال أبو عمر البعلبكي:
على مولى لجميع الورى * لا شك في هذا ولا مرية
251

بذاك جاء النص عن أحمد * متصلا كالماء في الجرية
فمن رأيتم انفه راغما * فصيروا في انفه خزية
فصل: في أنه أمير المؤمنين والوزير والأمين
روى جماعة من الثقات عن الأعمش عن عباية الأسدي عن علي عليه السلام، والليث
عن مجاهد، والسدي عن أبي مالك، وابن أبي ليلى، عن داود بن علي، عن أبيه وابن
جريح عن عطاء، وعكرمة وسعيد بن جبير، كلهم عن ابن عباس. وروى العوام بن
حوشب عن مجاهد، وروى الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة كلهم عن النبي
أنه قال: ما انزل الله تعالى آية في القرآن فيها يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي أميرها
وشريفها. وفي رواية حذيفة الا كان لعلي بن أبي طالب لبها ولبابها. وفي روايات
إلا على رأسها وأميرها. وفي رواية يوسف بن موسى القطان، ووكيع بن الجراح
أميرها وشريفها لأنه أول المؤمنين ايمانا، وفي رواية إبراهيم الثقفي، وأحمد بن حنبل
وابن بطة العكبري، عن عكرمة، عن ابن عباس الا علي رأسها وشريفها وأميرها.
وفي صحيفة الرضا عليه السلام ليس في القرآن يا أيها الذين آمنوا الا في حقنا ولا
في التوراة يا أيها الناس الا فينا، وفي تفسير مجاهد قال: ما كان في القرآن يا أيها
الذين آمنوا فان لعلي سابقه ذلك الآية لأنه سبقهم إلى الاسلام فسماه الله في تسع
وثمانين موضعا أمير المؤمنين وسيد المخاطبين إلى يوم الدين.
الصادق عليه السلام وأوفوا بعده الله إلى أربع آيات نزلت في ولاية علي وما كان
من قوله صلى الله عليه وآله سلموا على علي بإمرة المؤمنين.
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: ولو ألقى معاذيره قال نزلت في
رجل امره رسول الله ان يسلم على علي بإمرة المؤمنين فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله
ترك ما امره به وما وفى.
ورى علماؤهم كالمنقري باسناده إلى عمران بن بريدة الأسلمي. وروى يوسف
بن كليب المسعودي باسناده عن داود عن بريدة وروى عباد بن يعقوب الأسدي
باسناده عن داود السبيحي، عن أبي بريدة انه دخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وآله
252

فقال اذهب وسلم على أمير المؤمنين فقال يا رسول الله: وأنت حي قال وانا حي،
ثم جاء عمر فقال له مثل ذلك. وفي رواية السبيعي أنه قال عمر ومن أمير المؤمنين قال
علي بن أبي طالب قال عن امر الله وامر رسوله قال نعم.
إبراهيم الثقفي عن عبد الله بن جبلة الكناني عن ذريح المحاربي، عن الثمالي عن
الصادق عليه السلام: ان بريدة كان غايبا بالشام فقدم وقد بايع الناس أبا بكر فاتاه في
مجلسه فقال: يا أبا بكر هل نسيت تسليمنا على علي بإمرة المؤمنين واجبة من الله
ورسوله قال: يا بريدة انك غبت وشهدنا وان الله يحدث الامر بعد الامر ولم يكن
الله تعالى يجمع لأهل هذا البيت النبوة والملك.
الثقفي والسري بن عبد الله باسنادهما: ان عمران بن الحصين، وأبا بريدة قالا:
لأبي بكر قد كنت أنت يومئذ فيمن سلم على علي بإمرة المؤمنين فهل تذكر ذلك اليوم
أم نستيه قال: بل اذكره فقال بريدة فهل ينبغي لاحد من المسلمين ان يتأمر على
أمير المؤمنين فقال عمران: النبوة والإمامة لا تجتمع في بيت واحد فقال له بريدة:
أم يحسدون الناس على ما أتاهم من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم
ملكا عظيما، فقد جمع الله لهم النبوة والملك، قال فغضب عمر وما زلنا نعرف في وجهه
الغضب حتى مات وأنشد بريدة الأسلمي:
امر النبي معاشرا هم أسوة * ولازم ان يدخلوا فيسلموا
تسليم من هو عالم مستيقن * ان الوصي هو الإمام القائم
الأعمش، عن عباية الأسدي، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال لام سلمة:
اسمعي واشهدي هذا علي أمير المؤمنين وسيد المسلمين.
بشير الغفاري، والقاسم بن جندب، وأبو الطفيل عن انس بن مالك في خبر
أتيت النبي بوضوء فقال: يا انس يدخل عليك من هذا الباب الساعة أمير المؤمنين
وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين قال انس فدخل علي عليه السلام.
ابن عباس قال علي عليه السلام عليك يا رسول الله فقال وعليك السلام يا أمير
المؤمنين ورحمة الله وبركاته، قال يا رسول الله أنت حي وتسميني أمير المؤمنين قال
نعم إنما سماك جبرئيل من عند الله وانا حي يا علي مررت بنا أمس وانا وجبرئيل في
حديث فلم تسلم علينا فقال: ما بال أمير المؤمنين لم يسلم علينا اما والله لو سلم لسررنا
ولرددنا عليه.
253

وروى الخلق منهم ابن مخلد عن علي عليه السلام قال: دخلت على رسول الله فوجدته
نائما ورأسه في حجر دحية الكلبي فسلمت عليه فقال دحية وعليكم السلام يا أمير
المؤمنين ويا فارس المسلمين، ويا قائد الغر المحجلين، وقاتل الناكثين، والقاسطين،
والمارقين، وقال امام المتقين، ثم قال لي تعالى: خذ رأس نبيك في حجرك فأنت أحق
بذلك فلما دنوت من رسول الله ووضعت رأسه في حجري لم أر دحية ففتح رسول
الله عينيه وقال يا علي من كنت تكلم قلت دحية وقصصت عليه القصة فقال لي لم
يكن دحية وإنما كان جبرئيل اتاك ليعرفك ان الله تعالى سماك بهذه الأسماء.
الحارث بن الخزرج صاحب راية الأنصار قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: لا يتقدمك
إلا كافر وان أهل السماوات يسمونك أمير المؤمنين.
وقال خطيب منبج:
ومن بالإمرة اجتمعت عليه * ملائكة السماء مسلمينا
وسلم فيه جبرئيل عليه * علانية برغم الساخطينا
ولم يجوز أصحابنا ان يطلق هذا اللفظ لغيره من الأئمة عليهم السلام وقال رجل
للصادق عليه السلام يا أمير المؤمنين فقال مه فإنه لا يرضى بهذه التسمية أحد إلا ابتلى ببلاء
أبى جهل.
أبان بن الصلت عن الصادق سمى أمير المؤمنين إنما هو من ميرة العلم وذلك أن
العلماء من علمه امتاروا ومن ميرته استعملوا. سلمان سئل النبي فقال: انه يميرهم العلم
يمتار منه ولا يمتار من أحد وقد ذكرنا هذا المعنى في باب مولده.
وقال ابن عباس إنما سمي أمير المؤمنين لأنه أول الناس ايمانا.
امالي بن سهل احمد القطان، وكافي الكليني باسنادهما إلى جابر الجعفي قال قال
لي أبو جعفر عليه السلام لو علم الناس متى سمي أمير المؤمنين ما أنكروا ولايته قلت رحمك
الله ومتى سمي قال إن ربك عز وجل حين اخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم
واشهدهم على أنفسهم قال: ألست بربكم وان محمدا رسولي وان عليا أمير المؤمنين.
وقال الحميري:
بأبي أنت وأمي * يا أمير المؤمنينا
بأبي أنت وأمي * وبرهطي أجمعينا
وباهلي وبمالي * وبناتي والبنينا
254

وفدتك النفس مني * يا امام المتقينا
وامين الله والوارث * علم الأولينا
ووصي المصطفى * احمد خير المرسلينا
وولي الحوض والذايد عنه المحدثينا
ولغيره:
فرض الاله على الأنام ولاءه * وعليه في القرآن حث وحرضا
والله علمه العلوم بأسرها * مما ابان لخلقه أو اغمضا
سمي أمير المؤمنين كرامة * من ربنا لامامنا العدل الرضا
وقال شاعر:
هذا الامام لمن ظللت نبيه * فارضوا أميركم بلا رزيان
هذا أمير المؤمنين فسلموا * طرا عليه بامرة السلطان
ذكر الخطيب في ثلاثة مواضع من تاريخ بغداد: ان النبي صلى الله عليه وآله قال يوم الحديبية
وهو اخذ بيد علي عليه السلام: هذا أمير البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره ومخذول
من خذله يمد بها صوته.
احمد في مسند الأنصار، وأبو يوسف النسوي في المعرفة والتاريخ، والألكاني
وأبو القسم الألكاني في الشرح عن بريدة، والبراء قالا: بعث رسول الله بعثين إلى
اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد وقال صلى الله عليه وآله إذ
التقيتم فعلي على الناس وإذا افترقتما فكل واحد على جنده فكان صلى الله عليه وآله يؤمره على
الناس لا يؤمره عليه أحد.
وقال الحميري:
علي امام رضي النبي * بمحضرهم قد دعاه أميرا
وكان الخصيص به في الحياة * فصاهره واجتباه عشيرا
أبو بكر الشيرازي فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام، عن مقاتل، عن
عطاء في قوله تعالى: ولو آتينا موسى الكتاب كان في التوراة: يا موسى اني اخترتك
ووزيرا هو أخوك يعني هارون، لأبيك وأمك كما اخترت لمحمد اليا هو اخوه ووزيره
ووصيه والخليفة من بعده طوبى لكما من أخوين وطوبى لهما من أخوين اليا أبو السبطين
الحسن والحسين ومحسن الثالث من ولده كما جعلت لأخيك هارون شبرا وشبيرا ومشيرا.
255

وقال العوني:
سمي إليا ابن ملكان الذي * يعرف في توراة موسى بالكبر
وفي منقبة المطهرين، وفيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين تصنيفي أبي نعيم
الأصفهاني، وخصائص العلوية عن النطنزي ما روى شعبة بن الحكم عن ابن عباس قال:
اخذ النبي صلى الله عليه وآله ونحن بمكة بيدي وبيد علي عليه السلام فصعد بنا إلى شبر ثم صلى بنا
أربع ركعات ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم ان موسى بن عمران سألك وانا محمد
نبيك أسألك ان تشرح لي صدري وتيسر لي أمري وتحلل عقدة من لساني ليفقه
قولي واجعل لي وزيرا من أهلي علي بن أبي طالب أخي أشدد به ازري وأشركه في
أمري، قال ابن عباس: فسمعت مناديا ينادي يا احمد قد أوتيت ما سالت، وفي رواية
واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي أشدد به ازري الآيات.
تفسير القطان ووكيع بن الجراح، وعطاء الخراساني، وأحمد في الفضايل أنه قال
ابن عباس: سمعت أسماء بنت عميس تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول اللهم إني
أقول كما قال موسى بن عمران: اللهم اجعل لي وزيرا من أهلي يكون لي
صهرا وختنا.
السمعاني في فضايل الصحابة بالاسناد عن مطر عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وآله
ان خليلي ووزيري وخليفتي في أهلي وخير من اترك بعدي من ينجز موعدي
ويقضي ديني علي بن أبي طالب.
وفي امالي أبي الصلت الأهوازي بالاسناد عن أنس قال النبي ان أخي ووزيري
ووصيي وخليفتي في أهلي علي بن أبي طالب، وفي خبر أنت الإمام بعدي والأمير
وأنت الصاحب بعدي والوزير ومالك في أمتي من نظير، والوزير من الوزر وهو
الملجأ وبه سمي الجبل العظيم ومن الأوزار وهي الأمتعة والأسلحة لأنه مقلد خزاين
الملك، ومن الوزر الذي هو الذنب لأنه يتحمل أثقال الملك، ومن الازر وهو الظهر
معناه أشدد به ظهري.
قال ابن الحجاج:
انا مولى محمد وعلي * والإمامين شبر وشبير
انا مولى وزير احمد يا من * قد حباه ملكه بخير وزير
" المناقب ج 2، م 32 "
256

وقال الحميري:
وكان له أخا وأمين غيب * على الوحي المنزل حين يوحى
وكان لأحمد الهادي وزيرا * كما هارون كان وزير موسى
وقال الأستاذ أبو العباس الضبي:
لعلي المطهر الشهير * مجد اناف على بثير
صنو النبي محمد * ووصيه يوم الغدير
وقال شاعر آخر:
من كان صاهره وكان وزيره * وأبا بنيه محمدا مختار
وقال آخر:
وزير النبي وذو صهره * وسيف المنية في الظالمينا
الباقر عليه السلام في قوله تعالى أولئك لهم الامن وهم مهتدون نزلت في علي عليه السلام.
قال الحميري:
وصي محمد وأمين غيب * ونعم أخو الإمامة والوصية
وله أيضا:
اشهد بالله وآلائه * والمرء مأجور على صدقه
ان علي بن أبي طالب * كان أمين الله في خلقه
وقال دعبل:
صيره هارونه في قومه أمينه * فقد قضى ديونه ولم يكن بماطل
وقال محمد بن علي العلوي:
ذاك امين الله والباب الذي * يهلك يوم البعث من لم يدخل
منه إلى مدينة العلم التي * قال الرسول بابها الهادي علي
وقال جرير بن عبد الله البجلي:
أمين الاله وبرهانه * ونور البرية والمعتصم
وقال شاعر آخر:
من لم يكن بأمين الله معتصما * فليس بالصلوات الخمس ينتفع
وقال آخر:
والله صيرهم أمان عباده * فيها وليس سواهم بأمان
257

باب تعريف باطنه عليه السلام
فصل: في أنه أحب الخلق إلى الله تعالى والى رسوله
منها اللهم ائتني بأحب الخلق إليك والي يأكل معي من هذا الطاير، ومنها لأعطين
الراية رجلا غدا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ومنها ادعوا إلي خليلي فدعوا
فلان ابن فلان فاعرض، فإذا ثبت ان عليا كان أحب الخلق إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله
فلا يجوز لغيره ان يتقدم عليه، وقد قال الله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم الله.
إبانة بن بطة، وفضايل احمد في خبر عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ولقد
عاتب الله أصحاب محمد في غير آي من القرآن وما ذكر عليا إلا بخير وذلك نحو قوله
ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة وقوله تعالى: ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم الآية
وقوله تعالى في آية المناجاة: فإذ لم تفعلوا فتاب الله عليكم.
البخاري: توفي النبي صلى الله عليه وآله وهو عنه راض يعني عن علي عليه السلام وقد ذكرنا انه
أولى الناس بقوله تعالى: لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة لأنه
قد صح انه لم يفر قط من زحف وما ثبت ذلك لغيره.
قال الكميت:
إذ الرحمن يصدع بالمثاني * وكان له أبو حسن مطيعا
حظوظا في مسرته ومولى * إلى مرضاة خالقه سريعا
قوله تعالى: ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا. قال
النبي صلى الله عليه وآله: علي بن أبي طالب على دين إبراهيم ومنهاجه وشيعته أولى الناس به.
عبد الله بن البجير عنه عليه السلام قال: علي أولى بالمؤمنين بعدي. المسعودي باسناده
عن أبي سعيد الخدري قال النبي أفضل أمتي علي، وفي رواية علي بن أبي طالب عليه السلام
أفضل أمتي.
258

عبد الرزاق عن معمر قال: سألت سفيان عن أفضل الصحابة قال علي.
قال الناشي:
وأفضل خلق الله بعد محمد * ووارثه علم الغيوب وغاسله
وعيبة علم الله والصادق الذي * يقول بمر القول إن قال قائله
عليم بما لا يعلم القول مظهر * من العلم من كل البرية جاهله
يجيب بحكم الله في كل شبهة * فيبهر طب الغي منه دلايله
إذا قال قولا صدق الوحي قوله * وكذب دعوى كل رجس يناضله
وقال ابن الحجاج:
قاتل الله من يفضل خلقا على * علي وتبدي بمن علمت بديا (1)
فصل: في أنه مع الحق والحق معه
عن الباقرين عليهما السلام في قوله والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما انزل إليك
وهو الحق علي بن أبي طالب، وفي قراءة ابن مسعود: والذي انزل عليك الكتاب
هو الحق ومن يؤمن به يعني علي بن أبي طالب يؤمن به، ومن الأحزاب من ينكر
بعضه أنكروا من تأويله ما انزل في علي وآل محمد وآمنوا ببعضه، واما المشركون
فأنكروا كله.
محمد بن مروان عن السدي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله
تعالى: أفمن يعلم إنما انزل إليك من ربك الحق، قال علي كمن هو أعمى، قال الأول أبو
الورد عن أبي جعفر عليه السلام أفمن يعلم إنما انزل إليك من ربك الحق، قال علي بن أبي
طالب عليه السلام.
جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم
فامنوا خيرا لكم، يعني بولاية علي وان تكفروا بولايته فان لله ما في السماوات
والأرض. الباقر عليه السلام وقل جاء الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن يعني بولاية علي بن
أبي طالب، ومن شاء فليكفر. وعنه عليه السلام في قوله ويستنبئونك أحق هو يسألونك

(1) كذا في الأصل.
259

يا محمد: علي وصيك قل اي وربي انه لوصيي. وعنه عليه السلام في قوله تعالى: يا أهل
الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل من عادى أمير المؤمنين وتكتمون الحق الذي أمرهم
به رسول الله صلى الله عليه وآله في علي. زيد بن علي في قوله تعالى أفمن يهدي إلى الحق أحق
ان يتبع، كان علي عليه السلام يسأل ولا يسأل. وقوله تعالى: ولئن اتبع الحق يعني عليا
ان لم يكن معصوما:
الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: والعصر ان الانسان لفي خسر: يعني
أبا جهل إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ذكر علي وسلمان ويروى انه: قرأ رسول
الله صلى الله عليه وآله في علي: والعصر إلى آخرها.
أبي بن كعب نزلت والعصر في أمير المؤمنين وأعدائه بيانه إلا الذين آمنوا
لقوله إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الآية. وقوله وعملوا الصالحات لقوله
تعالى: ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وقوله: وتواصوا بالحق لقوله: الحق
مع علي وعلي مع الحق، وتواصوا بالصبر، لقوله: والصابرين في البأساء والضراء
وحين الباس. وأخبرنا الحداد عن أبي نعيم باسناده قال ابن عباس وتواصوا بالصبر
علي بن أبي طالب.
تفسير الثمالي في قوله تعالى طسم تلك آيات الكتاب ان من الآيات مناديا ينادى
من السماء في آخر الزمان ألا ان الحق مع علي وشيعته.
مسند أبي يعلى عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: مر علي بن أبي
طالب فقال النبي الحق مع ذا الحق مع ذا. وسئل أبو ذر عن اختلاف الناس عنه فقال
عليك بكتاب الله والشيخ علي بن أبي طالب فانى سمعت رسول الله يقول علي مع
الحق والحق معه وعلي لسانه والحق يدور حيث ما دار علي.
وسلم محمد بن أبي بكر يوم الجمل على عايشة فلم تكلمه فقال أسألك بالله الذي لا إله
إلا هو سمعتك تقولين الزم علي بن أبي طالب عليه السلام فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول الحق مع علي وعلي مع الحق لا يفترقان حتى يردا علي الحوض، قالت بلى قد
سمعت ذلك منه. واتى عبد الله ومحمد ابنا بديل إلى عايشة وناشداها بذلك فاعترفت.
وقد ذكر السمعاني في فضايل الصحابة إلا أنه قال: علي مع الحق والحق مع علي الخبر.
اعتقاد أهل السنة، روى سعد بن أبي وقاص عن النبي: علي مع الحق
والحق مع علي والحق يدور حيث ما دار على.
260

وروى عبيد الله بن عبد الله حليف بني أمية، ان معاوية قال لسعد أنت الذي
لا تعرف حقنا من باطل غيرنا فتكون معنا أو علينا فجرى بينهما كلام فروى سعد هذا
الخبر فقال معاوية لتجيئني بمن سمعه معك أو لأفعلن قال: أم سلمة فدخلوا عليها قالت
صدق في بيتي قاله. وروى مالك بن جعونة العرني نحو هذا.
الخطيب في تاريخه عن ثابت مولى أبي ذر قال دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي
وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى
يردا علي الحوض يوم القيامة.
الأصبغ سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: ويل لمن جهل معرفتي ولم يعرف حقي
الا ان حقي هو حق الله الا ان حق الله هو حقي.
عبد الله بن رزين الغافقي: انه جاء علي ورجلان يختصمان إلى عمر فقال: يا أبا الحسن
الحق لمن فقال عليه السلام خذ حقك.
وقال الشاعر:
علي بلا شك مع الحق لم يزل * به الحق مقرونا كسنين في فم
وأنشد آخر.
ليس من الغرب إلى الشرق * مثل علي سيد الخلق
لو رجع الحق إلى أهله * فكان أولى الناس بالحق
واستدلت المعتزلة بهذا الخبر في تفضيل علي عليه السلام وقالت الامامية ظاهر الخبر
يقتضي عصمته ووجوب الاقتداء به لأنه صلى الله عليه وآله لا يجوز ان يخبر على الاطلاق بأن
الحق معه والقبيح جايز وقوعه منه لأنه إذا وقع كان الخبر كذبا وذلك لا يجوز عليه.
فصل: في أنه الخليفة والامام والوارث
تفسيري أبو عبيدة وعلي بن حرب الطائي قال عبد الله بن مسعود: الخلفاء
أربعة. آدم اني جاعل في الأرض خليفة، وداود يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض
يعني بيت المقدس. وهارون قال موسى: اخلفني في قومي، وعلي وعد الله الذين
آمنوا منكم وعملوا الصالحات يعني عليا ليستخلفهم في الأرض كما استخلفت الذين من
قبلهم آدم وداود وهارون وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم يعني الاسلام وليبدلنهم
261

من بعد خوفهم أمنا يعني أهل مكة يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر بعد
ذلك بولاية علي بن أبي طالب فأولئك هم الفاسقون يعني العاصين لله ولرسوله.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام من لم يقل اني رابع الخلفاء فعليه لعنة الله ثم ذكر نحو
هذا المعنى أبو عبد الله إذا كان يوم القيامة نودي أين خليفة الله في ارضه فيقوم داود
فيقال لسنا أردناك وان كنت خليفة الله في ارضه فيقوم أمير المؤمنين فيأتي النداء يا
معشر الخلايق هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في ارضه وحجته على عباده فمن تعلق
بحبله في دار الدنيا فليتعلق بحبله في هذا اليوم ليستضئ بنوره ويشيعه إلى الجنة.
كتابي أبي بكر بن مردويه ومحمد السمعاني باسنادهما عن عبد الرزاق عن أبيه
عن مينا عن ابن مسعود قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وقد تنفس الصعداء فقلت مالك
يا رسول الله قال نعيت إلى نفسي يا بن مسعود قلت استخلف قال من قلت أبا بكر
فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس فقلت ما شأنك يا رسول الله قال: نعيت إلى نفسي
فقلت استخلف، قال: من، قلت عمر، فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس فقلت ما
شأنك يا رسول الله قال: نعيت إلى نفسي، قلت فاستخلف، قال: من، قلت علي بن
أبي طالب، فسكت ثم قال: والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة
أجمعين أكتعين.
ونهى هارون الرشيد ان يقال لعلي عليه السلام خليفة قال أبو معاوية الضرير:
يا أمير المؤمنين قالت تيم منا خليفة رسول الله وقالت بنو أمية منا خليفة الخلفاء فأين
حظكم يا بني هاشم من الخلافة والله ما حظكم منها إلا علي بن أبي طالب عليه السلام فرجع
الرشيد عما كان يقول.
وقال الحميري:
اشهد بالله وآلائه * والمرء عما قاله يسأل
ان علي بن أبي طالب * خليفة الله الذي يعدل
وانه قد كان من احمد * كمثل هارون ولا مرسل
لكن وصيا خازنا عنده * علم من الله به يعمل
وقال الصاحب بن عباد:
علي أمير المؤمنين خليفة * شهدت له بالجنة المتعالية
وانى لا أرجو من مليكي كرامة * بحب على يوم أعطى كتابيه
262

وفي الألفية:
لمن الخلافة والوزارة هل هما * إلا له وعليه يتفقان
أو ما هما فيما تلاه إلهكم * في محكم الآيات مكتوبان
أدلوا بحجتكم وقولوا قولكم * ودعوا حديث فلأنكم وفلان
هيهات ظل ضلالكم تهتدوا * وتفهموا لمقطع السلطان
وقال ابن طوطي:
خليفة رب العرش بعد محمد * رضيت له والله أعلى وأكبر
وما أليق به قول يزيد بن مزيد في ممدوحه:
خلافة الله في هارون ثابتة * وفي بنيه إلى أن ينفخ الصور
ارث النبي لكم من دون غيركم * حق من الله في القرآن مسطور
امالي ابن بابويه قال الباقر عليه السلام لما نزل قوله تعالى وكل شئ أحصيناه في امام
مبين. قام رجلان من مجلسيهما فقالا: يا رسول الله هو التوراة قال: لا، قالا: هو
الإنجيل، قال: لا، قالا: فهو القرآن، قال لا، فاقبل علي عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وآله
هذا هو الامام الذي أحصى الله تعالى فيه كل شئ ويعني بقوله تعالى: واجعلنا للمتقين
اماما، كأنه امام المتقين لا غير، والجنة أعدت للمتقين.
معجم الطبراني عن عليم الجهني، وفي اخبار أهل البيت عليهم السلام عن أسعد
بن زرارة، عن النبي صلى الله عليه وآله قال ليلة اسرى بي ربي فأوحى إلي في علي بثلاث انه امام
المتقين وسيد المرسلين وقائد الغر المحجلين. وفي رواية أبى الصلت الأهوازي يا علي انك
سيد المرسلين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين ويعسوب المؤمنين. يوسف القطان
في تفسيره عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى:
يوم ندعو كل أناس بامامهم قال إذا كان يوم القيامة دعا الله عز وجل أئمة الهدى
ومصابيح الدجى واعلام التقى أمير المؤمنين والحسن والحسين، ثم يقال لهم جوزوا
الصراط أنتم وشيعتكم وادخلوا الجنة بغير حساب، ثم يدعوا أئمة الفسق وان والله
يزيد منهم فيقال له خذ بيد شيعتك إلى النار بغير حساب الخاص والعام عن الرضا،
عن آبائه عليهم السلام، عن النبي قال: يدعى كل أناس بامام زمانهم وكتاب ربهم
وسنة نبيهم.
263

الصادق عليه السلام الا تحمدون الله إذا كان يوم القيامة يدعى كل قوم إلى من
يتولونه وفزعنا إلى رسول الله وفزعتم أنتم الينا فإلى أين ترون ان نذهب بكم إلى
الجنة ورب الكعبة قالها ثلاثا.
قال الشاعر:
امامان اما واحد فعلى الهدى * وآخر يدعو للضلالة كاذب
وقال العوني:
هو الحق الامام بغير شك * فهل تدرون ما معنى الامام
هو المولى الولي وقد اتاكم * به الفرقان من غير احتشام
أم اتخذوا هنالك أولياء * بل الله الولي بلا اكتهام
وقال قيس بن سعد:
هذا علي وابن عم المصطفى * أول من اجابه ممن دعا
هذا الامام لا نبالي من غوى
وقال شاعر آخر:
حب الامام على الأنام فريضة * أعنى أمير المؤمنين عليا
فرض الاله على البرية حبه * واختاره للمؤمنين وليا
وأنشد:
اشهد بالله وآلائه * شهادة يعلمها ربي
ان عليا بعد خير الورى * امام أهل الشرق والغرب
من لم يقل مثل الذي قلته * جاءت به الرعناء في الدرب
قوله تعالى ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. أنبأني الحافظ أبو العلي باسناده عن
شريك بن عبد الله عن أبي ربيعة عن أبي بريدة عن أبيه قال النبي لكل نبي وصي
ووارث وان عليا وصي ووارثي. فضائل الصحابة عن أحمد عن زيد بن أوفى
قال صلى الله عليه وآله في خبر وأنت بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وأنت أخي
ووارثي قال وما ارث منك يا رسول الله قال ما ورث الأنبياء قبلي قال وما ورث
الأنبياء قبلك قال: كتاب الله وسنة نبيه. زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: ورث
علي علم رسول الله وورثت فاطمة تركته والخبر المشهر أنت وارث علم الأولين والآخرين.
" المناقب ج 2، م 33 "
264

قال ابن حماد:
ذاك علي المرتضى العالي الذي * بفخره قد فخرت عدنانه
صنو النبي هديه كهديه * إذ كل شئ شكله عنوانه
وصيه حقا وقاضي دينه * إذ اقتضت ديونه ديانه
ناصحه الناصر حقا إذ غدا * سواه ضد سره اعلانه
ووارث علم الهدى أمينه * في أهله وزيره خلصانه
وقال آخر:
آل النبي المصطفى أئمتي * ومعدن الميراث والنبوة
فصل: في أنه خير الخلق بعد النبي
ابن مجاهد في التاريخ، والطبري في الولاية، والديلمي في الفردوس، واحمد في
الفضايل، والأعمش عن أبي وائل، وعن عطية عن عايشة، وقيس عن أبي حازم عن
جرير بن عبد الله قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله علي خير البشر فمن أبى فقد كفر ومن
رضى فقد شكر.
أبو الزبير وعطية العوفي وجواب قال: كل واحد منهم رأيت جابرا يتوكأ
على عصاه وهو يدور في سكك المدينة ومجالسهم وهو يروي هذا الخبر ثم يقول:
معاشر الأنصار أدبوا أولادكم على حب علي فمن أبى فلينظر في شأن أمه.
الداري باسناده عن الأصبغ بن نباته، عن جبيع التيمي كليهما عن عايشة انها لما
روت هذا الخبر قيل لها فلم حاربتيه، قالت ما حاربته من ذات نفسي إلا حملني طلحة
والزبير. وفي رواية امر قدر وقضاء غلب.
أبو وائل، ووكيع، وأبو معاوية، والأعمش، وشريك، ويوسف
القطان بأسانيدهم: انه سئل جابر وحذيفة عن علي عليه السلام فقالا علي خير البشر لا يشك
فيه إلا كافر. وروى عطاء عن عايشة مثله ورواه سالم بن أبي الجعد عن جابر
بأحد عشر طريقا.
الطبري في تاريخه: ان المأمون اظهر القول بخلق القرآن وتفضيل علي بن أبي
265

طالب وقال: هو أفضل الناس بعد رسول الله في شهر ربيع الأول سنة اثنى عشر
ومائتين. وقالت البغداديون وأكثر البصريين من المعتزلة أفضل الخلق بعد رسول الله
علي بن أبي طالب عليه السلام وهو اختيار أبي عبد الله البصري.
قال أبو الطفيل الكناني:
اشهد بالله وآلائه * وآل يس وآل الزمر
ان علي بن أبي طالب * بعد رسول الله خير البشر
لو يسمعوا قول نبي الهدى * من حاد عن حب علي كفر
وقال الحسن بن حمزة العلوي:
جاء الينا في الخبر * بأنه خير البشر
فمن أبى فقد كفر * بفضل من يفاضل
وقال خطيب خوارزم:
ان عليا سيد الأوصياء * مولى أبي بكر ومولى عمر
اقصر عن اسيافه قيصر * وان كسرى عن قناه انكسر
انحجرت آساد يوم الوغى * لما اكتسى للحرب جلد النمر
لم يتقلد سيفه في الوغى * إلا ونادى الدين جاء الظفر
وهل اتى مدح فتى هل اتى * لغيره في هل اتى إذ نذر
فيا لها من سير في العلي * تتلى على الناس كمثل السور
أبو بكر الهذلي عن الشعبي: ان رجلا اتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول
الله علمني شيئا ينفعني الله به قال: عليك بالمعروف فإنه ينفعك في عاجل دنياك وآخرتك
إذ اقبل علي فقال: يا رسول الله فاطمة تدعوك قال نعم فقال الرجل: من هذا يا
رسول الله قال: هذا من الذين قال الله فيهم: ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات
أولئك هم خير البرية.
ابن عباس وأبو برزة وابن شرحبيل والباقر عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي مبتدأ
ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، أنت وشيعتك وميعادي
وميعادكم الحوض إذا حشر الناس جئت أنت وشيعتك غرا محجلين.
أبو نعيم الأصفهاني فيما نزل من القرآن في علي عليه السلام بالاسناد عن شريك بن عبد
الله، عن أبي إسحاق عن الحرث قال علي عليه السلام: نحن أهل بيت لا نقاس بالناس فقام
266

رجل فاتى ابن عباس فأخبره بذلك فقال صدق علي أوليس النبي لا يقاس بالناس وقد
نزل في علي ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية.
أبو بكر الشيرازي في كتاب نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين عليه السلام انه حدث
مالك ابن أنس عن حميد، عن أنس بن مالك قال: ان الذين آمنوا نزلت في علي صدق
أول الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وعملوا الصالحات تمسكوا بأداء الفرائض أولئك هم
خير البرية يعني عليا أفضل الخليقة بعد النبي إلى آخر السورة.
الأعمش عن عطية، عن الخدري، وروى الخطيب عن جابر: انه لما نزلت هذه
الآية قال النبي: علي خير البرية. وفي رواية جابر كان أصحاب رسول الله (ص)
إذا اقبل علي قالوا: جاء خير البرية.
قال البياري:
الا اقرأ لم يكن وتأملنها * تجد فيها خسار الناصبية
أمير المؤمنين لنا امام * له العلياء والرتب السنية
فلم أنكرتم لو قلت يوما * بأن المرتضى خير البرية
ستذكر بغضه وقلاه يوما * اتاك ردى وحم لك المنية
وقال أبو الحسين فاذشاه:
من قال ليس المرتضى خير الورى * بعد النبي فهو في قعر لظى
وقال القاسم بن يوسف:
حلفت برب الورى المعتلى * على خلقه الطالب الغالب
لأحمد خير بني غالب * ومن بعده ابن أبي طالب
فهذا النبي وهذا الوصي * ويعتزل الناس في جانب
وقال الحميري: اشهد بالله وآلائه * والله عما قلته سائل
ان علي بن أبي طالب * لخير ما حاف وما ناعل
وقال الخطيب خوارزم:
ان علي بن أبي طالب * خير الورى والطالب الغالب
خير الورى والطالب الغالب * بعد النبي ابن أبي طالب
يا طالبا مثل علي وهل * في الخلق مثل الفتى الطالب
267

البلاذري في التاريخ قال عطية: قلنا لجابر بن عبد الله أخبرنا عن علي (ع) قال:
كان خير الناس بعد رسول الله. ابن عبدوس الهمداني، والخطيب الخوارزمي في
كتابيهما بالاسناد عن سلمان الفارسي قال (ع): ان أخي ووزيري وخير من اخلفه
بعدي علي بن أبي طالب.
تاريخ الخطيب روى الأعمش عن عدي، عن زر، عن عبيد الله، عن علي (ع)
قال رسول الله: من لم يقل علي خير البشر فقد كفر، وعنه في التاريخ بالاسناد عن
علقمة، عن عبد الله قال رسول الله: خير رجالكم علي بن أبي طالب وخير شبابكم
الحسن والحسين وخير نسائكم فاطمة بنت محمد (ص)
وقال الحميري:
ألم يك خيرهم اهلا وولدا * وأفضلهم معالا ينكرونا
ألم يك أهله خير الأنام * وسبطاه رئيس الفائزينا
الطبريان في الولاية والمناقب باسنادهما إلى مسروق عن عايشة: سمعت رسول الله
يقول هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم إلى الله وسيلة أي
المخدع وأصحابه. ودخل سعد بن أبي وقاص على معاوية بعد مصالحة الحسن (ع)
فقال معاوية مرحبا بمن لا يعرف حقا فيتبعه ولا باطلا فيجتنبه فقال أردت ان
أعينك على علي بعد ما سمعت النبي يقول لابنته فاطمة أنت خير الناس أبا وبعلا.
قال الفضل بن عتبة:
الا ان خير الناس بعد محمد * مهيمنه التاليه في العرف والنكر.
وقال ابن أبي لهب:
وأول من صلى وصنو نبيه * وأول من اردى الغواة لدى بدر
وقال أحمد بن يوسف:
خير من صلى وصام ومن * مسح الأركان والحجبا
ووصي المصطفى وأخ * دون ذي القربى وان قربا
وأمير المؤمنين به * تؤثر الاخبار والكتبا
وروى عن سلمان أنه قال: قال رسول الله (ص) خير هذه الأمة علي بن
أبي طالب عليه السلام.
268

الطالقاني عن الوليد بن المسلم عن حنظل بن أبي سفيان، عن شهر بن حوشب قال:
لما دون عمر بن الخطاب الدواوين بدأ بالحسن وبالحسين عليهما السلام فملا حجرهما من
المال فقال ابن عمر تقدمهما علي ولي صحبة وهجرة دونهما فقال عمر: اسكت لا أم لك
أبوهما خير من أبيك وأمهما خير من أمك.
وقال عمر النوقاني:
اشهد بالله وآلائه * شهادة بالحق لا بالمرا
ان علي بن أبي طالب * خير الورى من بعد خير الورى
وقال المفجع الكاتب:
أيها اللائمي بحبي عليا * قم ذميما إلى الجحيم خزيا
الخير الأنام قصرت لا زلت * مذودا عن الهدى مزويا
وقال ابن الحجاج:
أبعد سبعين ما شوقتني املي * إلا غرورا بتعليل المنى املا
هيهات قد أبصرت عيني بحجبتها * في قصد اخراي فيما لي علي ولي
فمذهبي ان خير الناس كلهم * بعد النبي أمير المؤمنين علي
وقال الناشي: ان الإمام علي عند خالقه * غداة فينا اخوه فاعرف الذنبا
هذا نبي وهذا خير أمته * دينا وأعلى البرايا كلهم نسبا
وقال ديك الجن:
ان عليا خير أهل الأرض * بعد النبي فاربعي أو امضي
وقال غيره: ان عليا خير من عليها * * بعد النبي المصطفى إليها
فصل: في أنه السبيل والصراط المستقيم والوسيلة
الباقر (ع) في قوله تعالى فضلوا فلا يستطيعون إلى ولاية علي سبيلا وهو
على السبيل
جعفر وأبو جعفر (ع) في قوله: ان الذين كفروا يعني بني أمية وصدوا عن
سبيل الله عن ولاية علي بن أبي طالب.
269

أبو حمزة وزرارة بن أعين ان أبا جعفر (ع) قال: هذه سبيلي ادعو إلى الله على
بصيرة انا ومن اتبعني علي بن أبي طالب. وفي رواية وآل محمد. الباقر (ع) قال هذه
سبيلي يعني نفسه رسول الله وعلي من شيعة آل محمد. وفي رواية يعني بالسبيل عليا
ولا ينال ما عند الله إلا بولايته.
هارون بن الجهم وجابر عن أبي جعفر (ع) في قوله: فاغفر للذين تابوا من
ولاية جماعة وبني أمية واتبعوا سبيلك آمنوا بولاية علي وعلي هو السبيل.
إبراهيم الثقفي باسناده إلى أبي بزرة الأسلمي قال: قال رسول الله (ص) ان
هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله سألت الله ان
يجعلها لعلي ففعل.
أبو الحسن الماضي (ع) قال إذا جائك المنافقون بولاية وصيك قالوا نشهد انك
لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون اتخذوا ايمانهم
جنة فصدوا عن سبيل الله والسبيل هو الوصي انهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بأنهم
آمنوا برسالتك وكفروا بولاية وصيك فطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون وإذا قيل
لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله ارجعوا إلى ولاية علي يستغفر لكم النبي من ذنوبكم
لووا رؤسهم ورأيتهم يصدون عن ولاية علي وهم مستكبرون عليه.
أبو ذر عن النبي في خبر في قوله: واتبعوا سبيلك يعني عليا. ابن عباس في قوله:
فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا الآيات ان سبيل الله في هذا الموضع علي بن أبي
طالب. قوله: وانها لبسبيل مقيم، في الخبر هو الوصي بعد النبي، وفي الخبر المشهور
عن النبي: ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة إحداهما ناجية وسايرها هالكة.
زاذان عن أمير المؤمنين (ع): والذي نفسي بيده لتفترقن هذه الأمة على ثلاث
وسبعين فرقة اثنتان وسبعين في النار وواحدة في الجنة وهم الذين قال الله: وممن
خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون، وهم انا وشيعتي. وروى عن الباقرين عليهما
السلام انهما قالا: نحن هم.
وقال شرف الدولة:
إذ افترقت في الدين سبعون فرقة * ونيف على ما جاء في سالف النقل
أفي الفرقة الهلاك آل محمد * أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي
270

إذا كان مولى القوم منهم فإنني * رضيت بهم لا زال في ظلهم ظلي
فخل عليا لي اماما وآله * وأنتم من الباقين في أوسع الحل
ومن تفسير وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري، عن السدي، عن أسباط
ومجاهد، عن عبد الله بن عباس في قوله: اهدنا الصراط المستقيم قال: قولوا معاشر
العباد ارشدنا إلى حب النبي وأهل بيته.
تفسير الثعلبي وكتاب ابن شاهين عن رجاله، عن مسلم بن حيان، عن بريدة في
قول الله اهدنا الصراط المستقيم قال: صراط محمد وآله.
الباقران عليهما السلام: اهدنا الصراط المستقيم قالا: دين الله الذي نزل به
جبرئيل على محمد صراط الذين أنعمت عليهم فهديتهم بالاسلام وبولاية علي بن أبي
طالب (ع) ولم تغضب عليهم ولم يضلوا المغضوب عليهم اليهود والنصارى والشكاك
الذين لا يعرفون امامة أمير المؤمنين والضالين عن امامة علي بن أبي طالب. وقال أبو
جعفر الهاروني في قوله: وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم، وأم الكتاب الفاتحة
يعني ان فيها ذكره قوله: اهدنا الصراط المستقيم السورة.
الأعمش عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله: فستعلمون من أصحاب الصراط
السوي هو والله محمد وأهل بيته ومن اهتدى فهم أصحاب محمد
الخصايص بالاسناد عن الأصبغ، عن علي (ع)، وفي كتبنا عن جابر، عن
أبي جعفر في قوله: وان الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون قال:
عن ولايتنا.
أبو عبد الله (ع) في قوله: أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أي أعداؤهم أم
من يمشي سويا على صراط مستقيم، قال سلمان والمقداد وعمار وأصحابه. وفي التفسير
وان هذا صراطي مستقيما يعني القرآن وآل محمد.
علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه وزيد بن علي بن الحسين عليهم السلام: والله
يدعوا إلى دار السلام يعني به الجنة، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم يعني به ولاية
علي بن أبي طالب (ع). جابر بن عبد الله: ان النبي هيأ أصحابه عنده إذ قال وأشار
بيده إلى علي هذا صراط مستقيم فاتبعوه الآية فقال النبي كفاك يا عدوي
ابن عباس: كان رسول الله يحكم وعلي بين يديه مقابلته ورجل عن يمينه ورجل
عن شماله فقال: اليمين والشمال مضلة والطريق المستوي الجادة، ثم أشار بيده وان
271

هذا صراط مستقيم فاتبعوه.
الحسن قال خرج ابن مسعود فوعظ الناس فقال: يا أبا عبد الرحمن أين الصراط
المستقيم فقال: الصراط المستقيم طرفه في الجنة وناحيته عند محمد وعلي وحافتاه دعاة
فمن استقامت له الجادة اتى محمدا ومن زاغ عن الجادة تبع الدعاة
الثمالي عن أبي جعفر (ع) فاستمسك بالذي أوحى إليك انك على صراط مستقيم
قال إنك على ولاية علي (ع) وهو الصراط المستقيم، ومعنى ذلك ان علي بن أبي
طالب (ع) الصراط إلى الله كما يقال فلان باب السلطان إذا كان يوصل به إلى
السلطان ثم إن الصراط هو الذي عليه علي يدلك وضوحا على ذلك قوله: صراط الذين
أنعمت عليهم يعني نعمة الاسلام لقوله: واسبغ عليكم نعمه والعلم وعلمك ما لم تكن
تعلم، والذرية الطيبة لقوله: ان الله اصطفى آدم الآية. واصلاح الزوجات لقوله:
فاستجبنا له ووهبنا له يحيى واصلحنا له زوجه فكان علي (ع) في هذه النعم في
أعلى ذراها.
وقال الحميري: سماه جبار السما * صراط حق فسما
فقال في الذكر وما * كان حديثا يفترى
هذا صراطي فاتبعوا * وعنهم لا تخدعوا
فخالفوا ما سمعوا * والخلف ممن شرعوا
واجتمعوا واتفقوا * وعاهدوا ثم التقوا
ان مات عنهم وبقوا * ان يهدموا ما قد بنى
وله أيضا: وأنت صراطه الهادي إليه * وغيرك ما ينجي الماسكينا
وله أيضا:
علي ذا صراط هدى * فطوبى لمن إليه هدى
وقال الحميري: وله صراط الله دون عباده * من يهده يرزق تقى ووقارا
في الكتب مسطور مجلى باسمه * وبنعته فاسأل به الاحبارا
272

وقال العوني: امامي صراط الله منهاج قصده * إذا ضل من أخطأ الصواب عن السبل
وقال أمير المؤمنين فابتغوا إليه الوسيلة انا وسيلته وانا وولدي ذريته
وقال الصاحب بن عباد: العدل والتوحيد والإمامة * والمصطفى المبعوث من تهامة
وسيلتي في عرصة القيامة
وقال ابن الخشاب الكاتب:
حب علي بن أبي طالب * وسيلتي تسعف بالمغفرة
فصل: في أنه حبل الله والعروة الوثقى
وصالح المؤمنين والاذن الواعية والنبأ العظيم
الباقر (ع) في قوله تعالى: ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله
وحبل من الناس علي بن أبي طالب.
أبو جعفر الصايغ: سمعت الصادق يقول في قوله تعالى: واعتصموا بحبل الله
جميعا قال: نحن الحبل.
محمد بن علي العنبري باسناده عن النبي: انه سئل اعرابي عن هذه الآية فاخذ
رسول الله يده فوضعها على كتف علي فقال يا اعرابي هذا حبل الله فاعتصم به فدار
الاعرابي من خلف علي والتزمه ثم قال اللهم إني أشهدك اني اعتصمت بحبلك فقال
رسول الله من سره ان ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، وروى نحوا
من ذلك الباقر والصادق عليهما السلام. وقال الحميري: إنا وجدنا له فيما نخبره * بعروة العرش موصولا بها سببا
حبلا متينا بكفيه له طرف * سد العراج إليه العقد والكربا
من يعتصم بالقوي من حبله فله * ان لا يكون غدا في حال من عطبا
وقال العوني: امامي حبل الله عروة حقه * فطوبى وطوبى من تمسك بالحبل
273

سفيان بن عيينة عن الزهري، عن انس بن مالك في قوله تعالى: ومن يسلم
وجهه إلى الله قال نزل في علي كان أول من أخلص وجهه لله وهو محسن أي مؤمن
مطيع فقد استمسك بالعروة الوثقى قول لا إله إلا الله والى الله عاقبة الأمور والله ما
قتل علي بن أبي طالب إلا عليها وروى: فقد استمسك بالعروة الوثقى يعني ولاية علي
الرضا: قال النبي (ص) من أحب ان يتمسك بالعروة الوثقى فليتمسك بحب
علي بن أبي طالب.
وقال ابن حماد:
هو العروة الوثقى هو الجنب إنما * يفرط فيه الخاسر العمة الغفل
وله أيضا: علي علي القدر عند مليكه * وان أكثرت فيه الغواة ملالها
وعروته الوثقى التي من تمسكت * يداه بها لم يخش قط انفصامها
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان النسوي، والكلبي، ومجاهد، وأبي صالح،
والمغربي، عن ابن عباس: انه رأت حفصة النبي في حجرة عايشة مع مارية القبطية
قال أتكتميني على حديثي، قالت: نعم قال فإنها علي حرام ليطيب قلبها فأخبرت
عايشة وبشرتها من تحريم مارية فكلمت عايشة النبي في ذلك فنزل وإذ أسر النبي إلى
بعض أزواجه حديثا إلى قوله: هو مولاي وجبريل وصالح المؤمنين، قال صالح
المؤمنين: والله علي يقول الله والله حسبه والملائكة بعد ذلك ظهير
البخاري وأبو يعلى الموصلي قال ابن عباس: سألت عمر بن الخطاب عن
المتظاهرتين قال حفصة وعايشة. السري عن أبي مالك، عن ابن عباس وأبو بكر
الحضرمي، عن أبي جعفر (ع) والثعلبي بالاسناد عن موسى بن جعفر (ع)، وعن
أسماء بنت عميس، عن النبي قال: وصالح المؤمنين علي بن أبي طالب، رواه أبو نعيم
الأصفهاني بالاسناد عن أسماء بنت عميس، ابن عباس عن النبي ان عليا باب الهدى بعدي
والداعي إلى ربي وهو صالح المؤمنين ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا
الآية، وقال أمير المؤمنين على المنبر انا أخو المصطفى خير البشر من هاشم سنامه الأكبر
ونبأ عظيم جرى به القدر وصالح المؤمنين مضت به الآيات والسور وإذا ثبت انه
صالح المؤمنين فينبغي كونه أصلح من جميعهم بدلالة العرف والاستعمال كقولهم
فلان عالم قومه وشجاع قبيلته.
274

قال الناشي: إذ أسر النبي فيه حديثا * عند بعض الأزواج ممن يليه
نبأ تهابه واظهره الله * عليه وجاء من قبل فيه
يسأل المصطفى فيعرف بعضا * بعد ابطان بعضه يستحيه
وغدا يعتب اللتين بقصد * أبديا سره إلى حاسديه
فأبى الله ان يتوبا إلى الله * فقد صاغ قلب من يتقيه
أو تحيا تظاهرا فهو مولاه * وجبريل ناصر في ذويه
ثم خير الورى اخوه علي * ناصر المؤمنين من ناصريه
وقال الوراق القمي:
علي دعاه الله في الذكر صالحا * كما قاله الرحمن في المتحرم
أبو نعيم في حلية الأولياء روى عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه والواحدي
في أسباب نزول القرآن عن بريدة وأبو القاسم بن حبيب في تفسيره عن زر بن حبيش
عن علي بن أبي طالب واللفظ له قال علي بن أبي طالب ضمني رسول الله وقال امرني
ربي ان أدنيك ولا أقصيك وان تسمع وتعي.
تفسير الثعلبي في رواية بريدة وان أعلمك وتعي وحق على الله ان تسمع وتعي
فنزلت وتعيها اذن واعية ذكره النطنزي (النظزي) في الخصائص.
اخبار أبي رافع قال (ع): ان الله تعالى امرني ان أدنيك ولا أقصيك وان أعلمك
ولا أجفوك وحق علي ان أطيع ربي فيك، وحق عليك ان تعي
محاضرات أبو القاسم الراغب قال الضحاك وابن عباس، وفي أمالي الطوسي قال
الصادق (ع) وفي بعض كتب الشيعة عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر (ع)
قالوا وتعيها اذن واعية: اذن علي
الباقر (ع) قال النبي: لما نزلت هذه الآية والله اذنك يا علي. كتاب
الياقوت عن أبي عمر، وغلام تغلب، والكشف والبيان عن الثعلبي قال عبد الله بن
الحسن في كتاب الكليني واللفظ له عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس عن النبي
لما نزلت وتعيها اذن واعية قلت اللهم اجعلها اذن علي فما سمع شيئا بعده إلا حفظه.
سعيد بن جبير عن ابن عباس: وتعيها اذن واعية علي بن أبي طالب، ثم قال
قال النبي: ما زلت أسأل الله تعالى منذ أنزلت أن تكون اذنيك يا علي.
275

تفسير القشيري وغريب العزيزي: لما نزلت هذه الآية قال النبي لعلي بن أبي
طالب اني دعوت الله أيجعل هذه اذنك.
جابر الجعفي و عبد الله بن الحسين ومكحول قال رسول الله: اني سألت ربي
ان يجعلها اذنك يا علي اللهم اجعل اذنا واعية اذن علي ففعل فما نسيت شيئا سمعته بعد.
قال الوراق القمي: علي وعت أذناه ما قال احمد * لدعوته فيه ولم يتصمم
وقال الحميري: وصي محمد وأمين غيب * ونعم أخو الإمامة والوزير
إذا ما آية نزلت عليه * يضيق بها من القوم الصدور
دعاها صدره وحنت عليها * اضالعه واحكمها الضمير
وفي المحبره:
وبه تنزل ان أدنى وحيه * للعلم واعية فمن ساواني
تفسير القطان عن وكيع، عن سفيان، عن السدي، عن عبد خير، عن علي بن
أبي طالب قال: أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله (ص) فقال يا محمد
هذا الامر بعدك لنا أم لمن قال يا صخر الامر بعدي لمن هو بمنزلة هارون من موسى
قال: فأنزل الله تعالى عم يتسائلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون منهم المصدق
بولايته وخلافته، ومنهم المكذب بهما، ثم قال: كلا ورد هو عليهم سيعلمون
خلافته بعدك انها حق ثم كلا سيعلمون، ويقول: يعرفون ولايته وخلافته
إذ يسألون عنها في قبورهم فلا يبقى ميت في شرق ولا غرب ولا في بر ولا في بحر
إلا ومنكر ونكير يسألانه عن الولاية لأمير المؤمنين بعد الموت يقولان للميت من
ربك وما دينك ومن نبيك ومن امامك.
وروى علقمة انه خرج يوم صفين رجل من عسكر الشام وعليه سلاح ومصحف
فوقه وهو يقول: عم يتسائلون فأردت البراز فقال (ع): مكانك وخرج بنفسه
وقال أتعرف النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون؟ قال: لا، قال: والله اني انا النبأ
العظيم الذي في اختلفتم وعلى ولايتي تنازعتم وعن ولايتي رجعتم بعد ما قبلتم وببغيكم
هلكتم بعد ما بسيفي نجوتم ويوم غدير قد علمتم ويوم القيامة تعلمون ما علمتم ثم علاه
بسيفه فرمى رأسه ويده ثم قال:
276

أبى الله إلا أن صفين دارنا * وداركم مالاح في الأفق كوكب
وحتى تموتوا أو نموت وما لنا * ومالكم عن حومة الحرب مهرب
وفي رواية الأصبغ: والله اني انا النبأ العظيم الذي هم مختلفون كلا سيعلمون
حين أقف بين الجنة والنار فأقول: هذا لي وهذا لك.
الخبر أبو المضا صبيح عن الرضا (ع) قال علي: مالله نبأ أعظم مني، وروى أنه
لما هربت الجماعة يوم أحد كان علي يضرب قدامه وجبريل على يمين النبي وميكائيل
عن يساره فنزل قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون
قال العوني:
يا أيها النبأ العظيم كفاك ان * سماك ربك في القرآن عظيما
اني لا علم أن من والاكم * والى إله الواحد القيوما
وله أيضا:
هو النبأ العالي العظيم الذي دعا * تطيل البرايا في نباه اختصامها
فهل يطفئ الكفار أنوار فضله * ورب العلى قد مدها وادامها
وقائل: يا من هو النبأ الاعلى العلي ومن * لم يخف عن علمه غيب ولم يغب
وقال السوسي: إذا نادت صوارمه سيوفا * فليس لها سوى نعم جواب
طعام سيوفه مهج الأعادي * وفيض دم الرقاب لها شراب
وبين سنانه والدرع صلح * وبين البيض والبيض اصطحاب
هو النبأ العظيم وفلك نوح * وباب الله وانقطع الخطاب.
فصل: في أنه النور والهدى والهادي
الواحدي في الوسيط وفي أسباب النزول قال عطاء في قوله تعالى: أفمن شرح
الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه، نزلت في علي وحمزة، فويل للقاسية قلوبهم
في أبي جهل وولده، أبو جعفر عليهما السلام في قوله: ليخرجكم من الظلمات
277

إلى النور يقول: من الكفر إلى الايمان يعني إلى الولاية لعلي
الباقر (ع) في قوله: والذين كفروا بولاية علي بن أبي طالب أولياؤهم
الطاغوت نزلت في أعدائه ومن تبعهم أخرجوا الناس من النور والنور ولاية علي (ع)
فصاروا إلى الظلمة ولاية أعدائه وقد نزل فيهم: والذين آمنوا به وعزروه ونصروه
واتبعوا النور الذي انزل معه. وقوله تعالى يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى
الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون وقال أبو الحسن الماضي يريدون ان يطفئوا
ولاية أمير المؤمنين بأفواههم والله متم نوره والله متم الإمامة.
مالك بن انس عن ابن شهاب، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله: وما
يستوي الأعمى: أبو جهل، والبصير: أمير المؤمنين، ولا الظلمات: وبو جهل، ولا
النور: أمير المؤمنين ولا الظل يعني ظل أمير المؤمنين (ع) في الجنة، ولا الحرور:
يعني جهنم، ثم جمعهم جميعا فقال: وما يستوي الاحياء: علي وحمزة، وجعفر
والحسن، والحسين، وفاطمة، وخديجة، ولا الأموات كفار مكة.
أبو خالد الكابلي عن الباقر (ع) في قوله: آمنوا بالله ورسوله والنور الذي
أنزلنا يا أبا خالد، النور: والله الأئمة من آل محمد قوله: أتمم لنا نورنا الحق بنا شيعتنا
الصادق (ع) في قوله انظرونا نقتبس من نوركم، قال: ان الله تعالى يقسم
النور يوم القيامة على قدر اعمالهم، ويقسم للمنافق فيكون في ابهام رجله اليسرى
فيطفئوا نوره، الخبر ثم قرأ الصادق (ع): فينادون من وراء السور: ألم نكن معكم قالوا: بلى
وقلت انا:
قلبي المخمور من صهبائكم * فافشؤا ذا الخمر عن مخموركم
طور سيناء أنتم يا سادتي * يا متى ميعادنا في طوركم
يا أمير المؤمنين المرتضى * انظرونا نقتبس من نوركم
قد طلبنا فضلكم قبل النوى * انظروا طولا إلى مأموركم
قال الوامق: إذا ظلت طرق الرشاد عن الهدى * قال رسول الله كانت مصابحا
سليل علي المرتضى وابن فاطم * معاشر كانوا للغواية رامحا
وليس يوالي أهل بيت محمد * سوى عاقل في دينه ظل راجحا
278

وحدثني شيرويه الديلمي وأبو الفضل الحسيني السروي بالاسناد عن حماد بن
ثابت، عن عنيد بن عمير الليثي، عن عثمان بن عفان قال عمر بن الخطاب: ان الله تعالى
خلق ملائكة من نور وجه علي بن أبي طالب (ع).
قال ابن رزيك:
هو النور نور الله والنور مشرق * علينا ونور الله ليس يزول
سما بين أملاك السماوات ذكره * نبيه فما ان يعتريه خمول
وقال ابن علوية:
نور يضئ به البلاد وجنة * للخائفين وعصمة اللهفان
بحر تلاطم حافتاه بنايل * فيه القريب ومن نأى سيان
وقال الوراق:
علي هو النور الذي كان أولا * مع المصطفى قبل المصور آدم
وقال ابن حماد:
لله في ارضه نور به ثبتت * على بريته الاحكام والحجج
أبو بكر الشيرازي في كتابه، وأبو صالح في تفسيره عن مقاتل، عن الضحاك
عن ابن عباس في قوله تعالى: ذلك الكتاب: يعني القرآن وهو الذي وعد الله موسى
وعيسى انه ينزله على محمد في آخر الزمان هو هذا لا ريب فيه: أي لا شك فيه انه من
عند الله نزل هدى: يعني تبيانا ونذيرا للمتقين علي بن أبي طالب الذي لم يشرك بالله
طرفة عين وأخلص لله العبادة يبعث إلى الجنة بغير حساب هو وشيعته
الباقر (ع) في سورة البقرة: آلم اسم من أسماء الله ثم أربع آيات في نعت
المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاثة عشرة آية في نعت المنافقين.
أبو الحسن الماضي (ع) هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق، قال هو
الذي أرسل رسوله بالولاية لوصيه والولاية. هي دين الحق، قلت ليظهره على الأديان
عند قيام القائم، يقول الله والله متم نوره ولاية القائم ولو كره الكافرون لولاية علي
وعنه في قوله تعالى: لما سمعنا الهدى آمنا به وقال الهدى: الولاية آمنا بمولانا فمن
آمن بولاية مولاه فلا يخاف بخسا ولا رهقا
أبو الورد عن أبي جعفر (ع): وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى قال
في أمر علي بن أبي طالب
279

الزمخشري في الكشاف، والألكاني في شرح حجج أهل السنة يحكى عن الحجاج
أنه قال للحسن ما رأيك في أبي تراب قال إن الله جعله من المهتدين قال هات لما
تقوله برهانا قال إن الله تعالى يقول في كتابه وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلى
قوله إلا على الذين هدى الله فكان علي هو أول من هدى الله مع النبي، وروى أنه
نزل فيه وقالوا ان تتبع الهدى معك، وقوله ويريد الله الذين اهتدوا هدى.
وقال كشاجم: فكم شبهة بهداه حلل * وكم بحجة بحجاه فصل
ومن اطفأ الله نار الضلال * وهي ترمي الهدى بالشعل.
قال الوراق: على هدى فاختاره الله ربه * لصفوفه ردا على كل مسلم.
صنف أحمد بن محمد بن سعيد كتابا في قوله إنما أنت منذر ولكل قوم هاد نزلت
في أمير المؤمنين (ع).
ابن العباس والضحاك، والزجاج إنما أنت منذر رسول الله ولكل قوم هاد
علي أمير المؤمنين.
الحسكاني في شواهد التنزيل، والمرزباني فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين
قال أبو برزة دعا لنا رسول الله (ص) بالطهور وعنده علي بن أبي طالب فاخذ بيد
علي بعدما تطهر فالصقها بصدره ثم قال إنما انا منذر ثم ردها إلى صدر علي ثم قال
ولكل قوم هاد، ثم قال: أنت منار الأنام وراية الهدى وأمين القرآن واشهد
على ذلك انك كذلك.
الحافظ أبو نعيم بثلاثة طرق عن حذيفة بن اليمان قال النبي (ص) ان تستخلفوا
عليا وما أراكم فاعلين أتجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة البيضاء، وعنه فيما نزل في
أمير المؤمنين بالاسناد عن عطاء بن السايب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس وعن
شيرويه، في الفردوس عن ابن عباس واللفظ لأبي نعيم قال رسول الله انا منذر
والهادي علي يا علي بك يهتدي المهتدون ورواه الفلكي المفسر.
الثعلبي في الكشف عن عطاء بن السايب عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال لما
نزلت هذه الآية وضع رسول الله يده على صدره وقال انا المنذر وأومى بيده إلى
280

بيده إلى منكب علي بن أبي طالب (ع) فقال أنت الهادي يا علي بك يهتدي
المهتدون بعدي.
عبد الله بن عطاء عن أبي جعفر (ع) قال النبي (ص): انا المنذر وعلي الهادي،
أبو هريرة عن النبي قال: انا منذر وأنت الهادي لكل قوم.
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال سألت رسول الله عن هذه الآية فقال لي
هادي هذه الأمة علي بن أبي طالب.
الثعلبي عن السدي عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب قال: المنذر النبي (ص)
والهادي رجل من بني هاشم يعني نفسه.
الحافظ أبو نعيم بالاسناد عن عبد خير عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال
رسول الله انا المنذر والهادي رجل من بني هاشم. وفي الحساب إنما أنت منذر وزنه
خاتم الأنبياء الحجج محمد المصطفى عدد حروف كل واحد منهما الف وخمسمائة وثلاثة
وثلاثون وباقي الآية ولكل قوم هاد وزنه علي وولده بعده وعدد كل واحد
منهما مائتان واثنان وأربعون.
أبو معاوية الضرير عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: وممن
خلقنا أمة يعني من أمة محمد يعني علي بن أبي طالب يهدون بالحق يعني يدعو بعدك يا محمد
إلى الحق وبه يعدلون في الخلافة بعدك ومعنى الأمة العلم في الخير لقوله: ان إبراهيم
كان أمة يعني علما في الخير وهذا اسم من أسماء الله تعالى اجرى عليه وهو كذلك
فانا علمنا بعصمته ان ظاهره كباطنه وانه يلزمنا موالاته ظاهرا وباطنا كما يلزم في
النبي السلم وانه لا يضل أحدا ولا يضل عن الحق ابدا فهو هاد ومهدي
ثابت البناني في قوله: واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى قال:
إلى ولاية علي وأهل البيت. وفي الحساب إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى
وزنه إلى ولاية المرتضى علي والأئمة بعده وعدد حروف كل واحد منهما الف
وثمانمائة واثنان وخمسون.
قال الحميري: هما اخوان ذا هاد إلى ذا * وذا فينا لامته نذير
فاحمد منذر واخوه هاد * دليل لا يضل ولا يحير
كسابق حلبة وله مظل * امام الخيل حيث يرى البصير.
281

وله أيضا: علي هادينا الذي نحن من * بعد عمانا فيه نستبصر
لما دجى الدين ورق الهدى * وجار أهل الأرض واستكبروا
وله أيضا: من كان في الدين نور يستضاء به * وكان من جهلها بالعلم شافيها
كان النبي بوحي الله منذرها * وكان ذا بعده لا شك هاديها
فصل: في أنه الشاهد والشهيد
والشهداء وذو القرنين والبئر المعطلة والقصر المشيد
الطبري باسناده عن جابر بن عبد الله، عن علي (ع) وروى الأصبغ، وزين
العابدين، والباقر، والصادق، والرضا عليهم السلام،: أنه قال أمير المؤمنين صلوات
الله عليه أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد انا
الحافظ أبو نعيم بثلاثة طرق عن عباد بن عبد الله الأسدي في خبر قال: سمعت
عليا يقول: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه رسول الله (ص) على بينة
من ربه وانا الشاهد، ذكره النطنزي في الخصايص.
حماد بن سلمة عن ثابت، عن انس: أفمن كان على بينة من ربه قال: هو رسول
الله ويتلوه شاهد منه قال علي بن أبي طالب، كان والله لسان رسول الله.
كتاب فصيح الخطيب انه سأله ابن الكواء فقال: وما انزل فيك قال قوله أفمن
كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه، وقد روى زاذان نحوا من ذلك.
الثعلبي عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس أفمن كان على بينة من ربه
ويتلوه شاهد منه الشاهد على وقد رواه القاضي أبو عمر وعثمان بن أحمد، وأبو نصر
القشيري في كتابيهما والفلكي المفسر رواه عن مجاهد، وعن عبد الله بن شداد:
الثعلبي في تفسيره عن حبيب بن يسار، عن زاذان، وعن جابر بن عبد الله
كليهما عن علي (ع) قال أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه فرسول الله على
بينة من ربه ويتلوه وانا شاهد منه، وفي الحساب أفمن كان على بينة من ربه وزنه رسول
الله سيد الأنبياء احمد جملة حروف كل واحد منهما سبعمائة وستة عشر وتمام
282

الآية ويتلوه شاهد منه وزنه علي بن أبي طالب شاهد بر زكي وفي، وعدد حروف
كل واحد منهما ثمانمائة واثنان وستون
قال ابن حماد: ذا على التبيان يتلوه منه * شاهد ناب عنه كل مناب
ذا نذير وذاك هاد فهل * * يجحد ذا غير جاهل مرتاب
وقرأ ابن مسعود أفمن أوتي علم من ربه ويتلوه شاهد منه علي كان شاهد النبي
على أمته بعده فشاهد النبي يكون أعدل الخلائق فكيف يتقدم عليه دونه
وقال الحميري:
من عنده علم الكتاب وحكمه * من شاهد يتلوه منه نذارا
علم البلايا والمنايا عنده فصل الخطاب نمى إليه وصارا
وقال البشنوي:
التالي التنزيل غضا هكذا * قال النبي الطهر ذوا الارسال
قوله تعالى: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا
فالأنبياء شهداء على أممهم ونبينا شهيد على الأنبياء، وعلي شهيد للنبي (ص) ثم صار في
نفسه شهيدا، قوله تعالى: قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم الآية وقد بيناه صحته
فيما تقدم.
سليم بن قيس الهلالي عن علي (ع) ان الله تعالى إيانا عنى بقوله: شهيدا على الناس
فرسول الله شاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في ارضه ونحن الذين قال
الله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول
عليكم شهيدا، ويقال انه المعنى بقوله: وجئ بالنبيين والشهداء
مالك بن انس عن سمي بن أبي صالح في قوله: ومن يطع الله ورسوله فأولئك
مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، قال: الشهداء يعني عليا
وجعفرا، وحمزة، والحسن، والحسين هؤلاء سادات الشهداء والصالحين يعني سلمان
وأبا ذر، والمقداد، وعمار، وبلالا، وخبابا وأحسن أولئك رفيقا يعني: في الجنة
ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما، ان منزل علي، وفاطمة، والحسن والحسين
ومنزل رسول الله (ص) واحد.
أبو عبيد في غريب الحديث ان النبي قال لأمير المؤمنين: ان لك بيتا في الجنة
283

وانك لذو قرنيها سويد بن غفلة، وأبو الطفيل قال أمير المؤمنين ان ذا القرنين كان
ملكا عادلا فاحبه الله وناصح الله فنصحه الله امر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه
بالسيف فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع إليهم فدعاهم إلى الله فضربوه على قرنه الآخر
بالسيف فذلك قرناه وفيكم مثله يعني نفسه لأنه ضرب على رأسه ضربتين أحدهما يوم
الخندق والثاني ضربة ابن ملجم.
الرضا في مجازات الآثار النبوية عنى رأس الأمة ان ذا القرنين إنما يكونان
فيه، وهذا يدل على أنه كان رأس أمته ورئيس أسرته، ويقال اني كذي القرنين
أي الإسكندر الرومي، ويدل أيضا على سيادته لأنه كان اخذ بازمة الملوك، وان
أراد اسم نبي من الأنبياء فهو أفضل أهل زمانه كما كان ذو القرنين في زمانه، وقال
ثعلب كان وصفه ببلوغ غايات المثابين في الجنة كأنه اخذ طرفي الجنة، وقال ثعلب
أيضا أي ذو جبليها يعني الحسن والحسين، وقال: أي طرفي الأمة أي أنت امام في
الابتداء والمهدي ولدك امام في الانتهاء ويجوز من قولهم عصرت الفرس قرنا أو
قرنين أي استخرجت عرقه بالجري مرة أو مرتين وكأنه (ع) ذو اقتباس العلم
الظاهر واستخراج العلم الباطن.
قال الحميري:
وهو فينا كذي القرنين فيهم * برجعته له لون نظيره
ونادى اعرابي النبي (ص) فخرج إليه في رداء ممشق فقال الاعرابي فخرجت
إلي فكأنك فتى قال: نعم يا اعرابي انا الفتى وابن الفتى وأخو الفتى فقال: أنت الفتى
وكيف غير ذلك فقال (ص) أما سمعت الله يقول قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم
فانا ابن إبراهيم، واما أخو الفتى فان مناديا، ينادي من السماء يوم أحد: لا سيف إلا
ذو الفقار، ولا فتى إلا علي، فعلي أخي وانا اخوه.
قال الباخرزي: لا فتى في الأنام إلا علي * فارو هذا الحديث ان شئت عنا
وقال غيره: انا مولى الفتى انزل فيه هل أتى * إلى متى اكتمه اكتمه إلى متى
قال الخطيب خوارزم:
فتوى رسول الله ان لا فتى * إلا علي بن أبي طالب
284

وذو الفقار العضب لم يحكه * سيف وان السيف بالضارب
قد اصطفى الغالب زوج البتول * بعد أبيها من بني غالب
أحمد بن حميد الهاشمي قال: وجد في كتاب الجامع جعفر الصادق (ع) في قوله
تعالى: وبئر معطلة وقصر مشيد أنه قال رسول الله (ص) القصر المشيد والبئر
المعطلة علي.
علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: البئر المعطلة الامام
الصامت والقصر المشيد الامام الناطق، وقالوا إنما مثل به عليا لأنه مرتفع مثل القصر
المشيد والبئر المعطلة التي لا يستقي منها الماء.
قال السوسي: هو البئر والقصر المشيد وحطة * فمن نالها يسعد ومن لم ينل خسر
وقال العوني:
هو القصر والبئر المعطلة التي * متى فتحت تروي الأنام من الشرب
فمن دخل القصر المشيد بناؤه * فلا ظمأ يلقى هناك ولا تعب
قال الناشي:
هو البئر والقصر المشيد بناؤه * وعين إله الخلق والجنب والاذن
إذا ما اشترى المرء الجنان بحبه * غدا رابحا في البعث ما قارن الغبن
وقال ابن حماد:
صاحب البئر التي قد عطلت * وهو ذو القصر المشيد المشرف
ليس من جوهره جوهرة * مثل من جوهره من خزف
قال الشاعر: بئر معطلة وقصر مشيد * مثل لآل محمد مستطرف
فالقصر فضلهم الذي لا يرتقى * والبئر علمهم الذي لا ينزف
فصل: في أنه الصديق والفاروق والصدق والصادق
والمعنى بقوله: سيجعل لهم الرحمن ودا. علي بن الجعد عن شعبة، عن قتادة
عن الحسن، عن ابن عباس في قوله تعالى: والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم
285

الصديقون، قال صديق هذه الأمة علي بن أبي طالب هو الصديق الأكبر والفاروق
الأعظم ثم قال والشهداء عند ربهم قال ابن عباس وهم علي، وحمزة، وجعفر فهم
صديقون وهم شهداء الرسل على أممهم قد بلغوا الرسالة ثم قال: لهم أجرهم عند ربهم
على التصديق بالنبوة ونورهم على الصراط.
مالك بن أنس عن سمي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله: ومن يطع
الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين يعني محمدا، والصديقين يعني
عليا وكان أول من صدقه والشهداء يعني عليا، وجعفرا وحمزة، والحسن والحسين
عليهم السلام النبيون كلهم صديقون وليس كل صديق نبي والصديقون كلهم
صالحون وليس كل صالح صديقا ولا كل صديق شهيد، وقد كان أمير المؤمنين
صديقا شهيدا صالحا فاستحق ما في الآيتين من وصف سوى النبوة. وكان أبو ذر
يحدث شيئا فكذبوه فقال النبي (ص): ما أظلت الخضراء الخبر فدخل وقتئذ علي (ع)
فقال (ص) الا ان هذا الرجل المقبل فإنه الصديق الأكبر والفاروق الأعظم
ابن بطة في الإبانة، وأحمد في الفضائل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه،
وشيرويه في الفردوس عن داود بن بلال قال النبي: الصديقون ثلاثة علي بن أبي
طالب، وحبيب النجار، ومؤمن آل فرعون يعني: حزقيل، وفي رواية وعلي
ابن أبي طالب وهو أفضلهم، وذكر أمير المؤمنين مرارا انا الصديق الأكبر
والفاروق الأعظم.
ابن عباس عن النبي: ان عليا صديق هذه الأمة وفاروقها ومحدثها وانه هارونها
ويوشعها، وآصفها، وشمعونها انه باب حطتها وسفينة نجاتها انه طالوتها وذو قرنيها
كعب الأحبار انه سئل عبد الله بن سلام قبل ان يسلم: يا محمد ما اسم علي فيكم
قال: عندنا الصديق الأكبر فقال عبد الله اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول
الله انا لنجد في التوراة محمد نبي الرحمة وعلي مقيم الحجة.
قال السيد الحميري:
شهيدي الله يا صديق * هذي الأمة الامر
يأتي لك صافي الود * في فضلك لا استر
وله أيضا:
صديقنا الأكبر فاروقنا * فاروق بين الحق والباطل
286

وله أيضا: ففاروق بين الهدى والضلال * وصديق أمتنا الأكبر
وقال القمي:
علي هو الصديق علامة الورى * وفاروقها بين الحطيم وزمزم
وقال غيره: إذا كذبت أسماء قوم عليهم * فاسمك صديق له شاهد عدل
أنشد بعضهم: أول من صدق به * وهو مجلي كربه
أبو سخيلة سألت أبا ذر فقلت: اني قد رأيت اختلاطا فماذا تأمرني قال: عليك
بهذه الخصلتين: كتاب الله والشيخ علي بن أبي طالب (ع) فاني سمعت رسول
الله يقول: هذا أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر
وهو الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل.
الحسن عن أبي ليلى الغفاري قال رسول الله ستكون من بعدي فتنة فإذا كان
كذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه الفاروق بين الحق والباطل، استخرجه شيرويه
في الفردوس وسمي فاروقا لأنه يفرق بين الجنة والنار، وقيل لان ذكره يعرف
بين محبه ومبغضه.
قال ابن حماد: وهو المفرق بين أهل الكفر * والايمان فادع الصادق الفاروقا
قال الحميري: ويا فاروق بين الحق * والباطل في المصدر
وقال شاعر: فقال من الفاروق ان كنت عالما * فقلت الذي قد كان للدين مظهر
علي أبو السبطين علامة الورى * وما زال للأحكام يبدي وينشر
وأنشد بعضهم: اجل عباد الله بعد ابن عمه * وأفضل انسان علا فوق منبر
وأنشد أيضا: حب علي بن أبي طالب * للناس مقياس ومعيار
287

يخرج ما في القلب غشا كما * يخرج غش الذهب النار
وأنشد غيره: إذا ما التبر حك على محك * تبين غشه من غير شك
وفينا الغش والذهب المصفى * * علي بيننا شبه المحك
علماء أهل البيت عن الباقر (ع)، والصادق، والكاظم، والرضا، وزيد بن علي
عليهم السلام في قوله تعالى: والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون قالوا:
هو علي (ع) وروت العامة عن إبراهيم الحكم، عن أبيه، عن السدي، عن ابن عباس
وروى عبيدة بن حميد عن منصور، عن مجاهد، وروى النطنزي في الخصايص عن
ليث، عن مجاهد، وروى الضحاك أنه قال ابن عباس فرسول الله جاء بالصدق وعلي
صدق به أمير المؤمنين فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق، إذ جائه قال الصدق
ولاية أهل البيت. الرضا (ع) قال النبي وكذب بالصدق، الصدق علي بن أبي طالب
الصادق والرضا عليهما السلام قالا إنه محمد وعلي
الكلبي وأبو صالح عن ابن عباس: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين أي كونوا مع علي بن أبي طالب، ذكره الثعلبي في تفسيره عن جابر، عن
أبي جعفر (ع) وعن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس وذكره إبراهيم الثقفي
عن ابن عباس، والسدي، وجعفر بن محمد، عن أبيه (ع).
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان حدثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن
عمر قال يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله امر الله الصحابة ان يخافوا الله ثم قال وكونوا
مع الصادقين يعني مع محمد وأهل بيته.
شرف النبي عن الخركوشي، والكشف عن الثعلبي قالا روى الأصمعي عن أبي
عمرو بن العلاء عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام في هذه
الآية قال: محمد وعلي:
وقال أمير المؤمنين (ع) فنحن الصادقون عترته وانا أخوه في الدنيا والآخرة
وفي التفسير المراد بالصادقين هم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: رجال صدقوا
ما عاهدوا الله عليه.
عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن علي (ع) قال فينا نزلت رجال صدقوا ما
" المناقب ج 2، م 36 "
288

عاهدوا الله عليه، فانا والله المنتظر وما بدلت تبديلا
أبو الورد عن أبي جعفر (ع) من المؤمنين رجال صدقوا، قال: علي، وحمزة
وجعفر فمنهم من قضى نحبه، قال عهده وهو: حمزة وجعفر ومنهم من ينتظر قال
علي بن أبي طالب. وقال المتكلمون ومن الدلالة على امامة علي (ع) قوله: يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين فوجدنا عليا بهذه الصفة لقوله والصابرين
في البأساء والضراء وحين البأس يعني: الحرب أولئك الذين صدقوا وأولئك هم
المتقون، فوقع الاجماع بأن عليا أولى بالإمامة من غيره لأنه لم يفر من زحف قط
كما فر غيره في غير مواضع.
أبو روق عن الضحاك وشعبة عن الحكم، عن عكرمة، والأعمش عن سعيد بن
جبير، والعزيزي السجستاني في غريب القرآن، عن أبي عمر وكلهم عن ابن عباس
انه سئل عن قوله: سيجعل لهم الرحمن ودا فقال نزل في علي لأنه ما من مسلم إلا
ولعلي في قلبه محبة.
أبو نعيم الأصفهاني، وأبو الفضل الشيباني، وابن بطة العكبري، وبالاسناد عن
محمد بن الحنفية، وعن الباقر (ع) في خبر قالا لا يلقى مؤمن إلا وفي قلبه ود لعلي بن
أبي طالب ولأهل بيته عليهم السلام.
زيد بن علي: ان عليا أخبر رسول الله (ص) أنه قال رجل اني أحبك في الله
تعالى فقال لعلك يا علي اصطنعت إليه معروفا قال لا والله ما اصطنعت له معروفا فقال
الحمد لله الذي جعل قلوب المؤمنين تتوق إليك بالمودة، فنزل هذه الآيات.
وروى الثعلبي وزيد بن علي، والأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين وحمزة الثمالي
عن الباقر (ع) و عبد الكريم الخراز، وحمزة الزيات، عن البراء بن عازب كلهم عن
النبي أنه قال لعلي: قل اللهم اجعل لي عندك عهدا واجعل لي في قلوب المؤمنين ودا
فقالهما علي وآمن رسول الله فنزلت هذه الآية. رواه الثعلبي في تفسيره عن البراء بن
عازب، ورواه النطنزي في الخصايص عن البراء، وابن عباس، ومحمد بن علي (ع)
وفي رواية قال (ع): ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا
فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين، قال: هو علي وتنذر به قوما لدا قال: بنوا
أمية قوم ظلمة.
289

فصل: في أنه الايمان والاسلام والدين والسنة والسلام والقول
أبو حمزة عن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا
آبائكم واخوانكم أولياء ان استحبوا الكفر على الايمان قال فان الايمان ولاية علي بن
أبي طالب. أبو عبد الله حبب إليكم الايمان علي بن أبي طالب وكره إليكم الكفر
والفسوق والعصيان: الأول، والثاني، والثالث. الباقر (ع) وزيد بن علي ومن
يكفر بالايمان قال: بولاية علي. الباقر والصادق عليهما السلام في قوله تعالى ان الذين
كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الايمان فتكفرون
الثعلبي في تفسيره وقد روى أبو صالح عن ابن عباس: ان عبد الله بن أبي
وأصحابه تملقوا مع علي في الكلام فقال علي: يا عبد الله اتق الله ولا تنافق فان المنافق
شر خلق الله فقال: مهلا يا أبا الحسن والله ان ايماننا كأيمانكم، ثم تفرقوا فقال عبد
الله كيف رأيتم ما فعلت فأثنوا عليه فنزل، وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا الآية
تفسير الهذيل ومقاتل عن محمد بن الحنفية في خبر طويل، والحديث مختصر إنما
نحن مستهزؤن بعلي بن أبي طالب وأصحابه، فقال الله تعالى: الله يستهزئ بهم يعني
يجازيهم في الآخرة جزاء استهزائهم بأمير المؤمنين قال ابن عباس وذلك أنه إذا كان
يوم القيامة أمر الله الخلق بالجواز على الصراط فيجوز المؤمنون إلى الجنة ويسقط
المنافقون في جهنم فيقول الله يا مالك استهزئ بالمنافقين في جهنم فيفتح مالك بابا في
جهنم إلى الجنة ويناديهم معشر المنافقين ها هنا فاصعدوا من جهنم إلى الجنة فيسبح
المنافقون في نار جهنم سبعين خريفا حتى إذا بلغوا إلى ذلك الباب وهموا بالخروج
اغلقه دونهم وفتح بابا إلى الجنة في موضع آخر فيناديهم من هذا الباب فأخرجوا
إلى الجنة فيسبحون مثل الأول فإذا وصلوا إليه أغلق دونهم ويفتح في موضع آخر
وهكذا أبد الآبدين. الباقر (ع) في قوله: ان الدين عند الله الاسلام قال التسليم
لعلي بن أبي طالب.
قال ابن طوطي:
ومظهر دين الله بالسيف عنوة * وما كان دين الله لولاه يظهر
ولولاه ما صلى لذي العرش مسلم * ولكن سبيل الحق يعفو ويدثر.
290

وقال ابن حماد: يا سيدي يا امامي يا أبا حسن * والله ما عبد الرحمن لولاكما
وقال الأديب: والله لولا الامام حيدرة * ما تليت سورة ولا طاها
ولم يصوموا ولم يصلوا ولا * يحج بيت اطابه اللاها
وقال السروجي:
كلا وحق أمير النحل حيدرة * * صنو النبي أمير المؤمنين علي
خير البرية آباء أشرفها * قدرا واسمحها كفا لمبتذل
لولاه ما قام للاسلام قائمة * ولا استقام طريق غير مشتكل
الباقر والصادق عليهما السلام في قوله تعالى: إنما توعدون لصادق وان الدين
لواقع قالا: الدين علي بن أبي طالب.
الباقر (ع) ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون علي بن أبي
طالب قلت فما يكذبك بعد بالدين قال الدين أمير المؤمنين. وعنه (ع) في قوله إن
الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون لولاية علي. روى أنه نزل فيه
ذلك الدين القيم، وقوله وذلك الدين القيم.
وقال العوني: دليل محمد حقا علي * وقتال الجبابرة القروم
وخازن علمه وأبو بنيه * ووارثه على رغم المليم
وكان له أخا صدق رضيا * به احفى من الام الرؤوم
قوله تعالى سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا، ومن
سنتهم إقامة الوصي.
وقال الصاحب بن عباد: حب علي بن أبي طالب * هو الذي يهدي إلى الجنة
إن كان تفضيلي له بدعة * فلعنة الله على السنة.
الألفية:
أحيى له سنن النبي وعدله * فأقام دار شرايع الايمان
وسقى موات الدين من صوب الهدى * بعد الجذب وفقرن في العمران
291

وتفرجت كرب النفوس بذكره * لما استفاض وأشرق الحرمان
صلى الاله على ابن عم محمد * منه صلاة تغمد بجنان
زين العابدين وجعفر الصادق عليهما السلام قالا: ادخلوا في الاسلام كافة في
ولاية علي ولا تتبعوا خطوات الشيطان قالا: لا تتبعوا غيره، وقال شريك وأبو
حفص وجابر: ادخلوا في السلم كافة في ولاية علي. أبو جعفر (ع) ادخلوا في السلم
كافة في ولاية علي (ع).
محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي (ع) انه لقول رسول كريم قال: يعني
جبرئيل عن الله في ولاية علي قلت وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون قال: قالوا إن
محمدا كذاب على ربه وما امره الله بهذا في علي فأنزل الله بذلك قرآنا فقال إن ولاية
علي تنزيل من رب العالمين، ولو تقول علينا محمد بعض الأقاويل الآيات
أبو حمزة عن أبي جعفر (ع) في قوله: انكم لفي قول مختلف في أمر الولاية
يؤفك عنه من افك عن الولاية افك عن الجنة.
عبد الله بن جندب سألت أبا الحسن (ع) عن قوله: ولقد وصلنا لهم القول
قال: امام إلى امام.
أبو عبد الله (ع) في قوله: وهدوا إلى الطيب من القول قال ذلك حمزة وجعفر
وعبيدة، وسلمان وأبو ذر، والمقداد، وعمار وهدوا إلى أمير المؤمنين.
فصل: في أنه حجة الله وذكره وآيته وفضله ورحمته ونعتمه
تاريخ الخطيب والإحن والمحن روى انس انه نظر النبي (ص) إلى علي فقال:
انا وهذا حجة الله على خلقه. الفردوس عن الديلمي قال (ص): انا وعلي حجة الله
على عباده، وفي الحساب كمال حججي بعلي اتفقا في مائة واثنى عشر، ومن الحجة
على خلقه ووصي المصطفى على أهله. وزنه المرتضى علي بن أبي طالب عدد كل واحد
منهما الف وستمأة وثمانية وتسعون. قال ابن حماد:،
يا حجة الله والدليل على * الحق إليك السبيل قد وضحا
وحجته التي ثبتت وقامت * علينا يا أبا حسن وفينا
292

وله أيضا: هو الحجة العظمى الذي بولايته * تبين أولاد الحلال من العصر
أبو صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة
ضنكا أي من ترك ولاية علي أعماه الله وأصمه عن الهدى
أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) يعني ولاية أمير المؤمنين قلت ونحشره يوم
القيامة أعمى قال: يعني أعمى البصيرة في الآخرة أعمى القلب في الدنيا عن ولاية
أمير المؤمنين قال وهو متحير في الآخرة يقول لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا
قال كذلك أتتك آياتنا قال الآيات الأئمة فنسيتها وكذلك اليوم تنسى يعني تركتها
وكذلك اليوم تترك في النار كما تركت الأئمة فلم تطع أمرهم ولم تسمع قولهم قال:
وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى كذلك
نجزي من أشرك بولاية أمير المؤمنين.
الحبر كتاب ابن رميح قال أبو جعفر (ع) قل ما أسئلكم عليه من أجر وما انا
من المتكلفين ان هو إلا ذكر للعالمين، قال أمير المؤمنين، وقال ابن عباس في قوله:
ذكرا رسولا النبي ذكر من الله، وعلي ذكر من محمد كما قال: وانه لذكر لك ولقومك
تفسير الثعلبي قال علي في قوله فاسئلوا أهل الذكر نحن أهل الذكر
إبانة أبي العباس الفلكي قال علي: الا ان الذكر رسول الله ونحن أهله ونحن
الراسخون في العلم ونحن منار الهدى واعلام التقى ولنا ضربت الأمثال.
الباقر (ع) ان النبي أوتي علم النبيين وعلم الوصيين وعلم من هو كائن إلى أن
تقوم الساعة ثم تلا هذا ذكر من معي وذكر من قبلي يعني النبي
قال ابن مكي:
ذكره في القرآن غمر السفور * والتوراة ثم الإنجيل ثم الزبور
خصه الله بالعلوم فاضحي * وهو ينبئ بسر كل ضمير
حافظ العلم عن أخيه عن الله * خبيرا عن اللطيف الخبير
وقال غيره:
امامي هو المذكور في الذكر والذي * أشار إليه بالولاء خاتم الرسل
الباقر (ع) في قوله تعالى لو أن الله هداني لكنت من المتقين قال لولاية علي فرد
الله عليهم بلى قد جائتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين وكان
293

أمير المؤمنين يقول: ما لله آية أكبر مني. قال الحميري:
وانك آية للناس بعدي * تخبر انهم لا يوقنون
وقال شاعر:
تولى الشباب وجاء المشيب * فأيقظني فعرفت الطريقا
فتممته قاصدا للذي * له اخذ الله اخذا وثيقا
واكده المصطفى موجبا * له كل وقت عليه حقوقا.
وواخاه من دون أصحابه * وكان بذلك منه حقيقا
وزوجه المصطفى فاطما * وكان عليه عطوفا شفيقا
أبو الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله: ويؤت كل ذي فضل فضله علي بن
أبي طالب، وكذا كان يقرأ ابن مسعود فان تولوا أعداءه واتباعهم فاني أخاف عليهم
عذاب يوم عظيم.
أبو معاوية الضرير عن الأعمش، عن أبي صالح في قوله: ولقد فضلنا بعض
النبيين على بعض قال فضل الله محمدا بالعلم والعقل
الباقر والصادق عليهما السلام في قوله تعالى: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
من عباده، وفي قوله ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض انهما نزلا فيهم
قال أبو الحسين فاذشاه:
قد ارتضاه للوصاة واصطفى * لأنه الأفضل بعد المصطفى
من لم يفضله على البرية * فهو لغير رشده سوية.
في تاريخ بغداد انه روى السدي، والكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس قال:
بفضل الله يعني النبي ورحمته علي: الباقر (ع) فضل الله الاقرار برسول الله ورحمته
الاقرار بولاية علي. ابن عباس في قوله: ولولا فضل الله عليكم ورحمته.: فضل الله
محمد ورحمته علي. وقال فضل الله علي ورحمته فاطمة. الباقر (ع): يدخل من يشاء في رحمته، الرحمة: علي بن أبي طالب.
وقال ابن علوية:
هذا الذي دون الجبلة نصره * بالنفس منه ما حواه وقاني
فضل الاله انا ورحمة ربكم * هذا وآفة طاعة الشيطان
294

الباقر (ع) في قوله تعالى: يعرفون نعمة الله قال: عرفهم ولاية علي وأمرهم
بولايته ثم أنكروا بعد وفاته.
مجاهد في قوله ألم تروا إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا كفرت بنو أمية
بمحمد وأهل بيته
الباقر (ع) في خبر ان بعضهم قال: لقد افتتن على رسول الله حتى لا يواريه
شئ فنزل: ن والقلم وما يسطرون إلى قوله المفتون
تفسير وكيع قال ابن عباس في قوله: ألم يجدك يتيما عند أبي طالب فآوى إلى أبي
طالب يحفظك ويربيك ووجدك في قوم ضلال فهداهم بك إلى التوحيد ووجدك عائلا
فأغنى بمال خديجة فاما اليتيم فلا تقهر واما السائل فلا تنهر واما بنعمة ربك فحدث
اظهر القرآن وحدثهم بما أنعم الله به عليك، قال الحسن، واما بنعمة ربك فحدث
يا محمد حدث العباد بمنن أبي طالب عليك وحدثهم بفضائل علي في كتاب الله لكي
يعتقدوا ولايته واشتهر انه نزل في يوم الغدير وأتممت عليكم نعمتي
قال الحميري:
ونعمتي الكبرى على الخلق من غدا * لها شاكرا دامت وأعطى تمامها
وقال الناشي: يا نعمة الله التي بشكرها * يبسط من رزق الأنام ما بسط
جبريل أضحى بكم مفتخرا * بذكركم بين البرايا مغتبط
فصل: في أنه الرضوان والاحسان
والجنة والفطرة ودابة الأرض والقبلة والبقية والساعة واليسر والمقدم
الباقر (ع) في قوله تعالى: ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه
فأحبط اعمالهم قال كرهوا عليا وكان امر الله بولايته يوم بدر وحنين ويوم بطن
نخلة، ويوم التروية، ويوم عرفة نزلت فيه خمس عشرة آية في الحجة التي صد فيها
رسول الله (ص) عن المسجد الحرام بالجحفة وخم وعنى بقوله تعالى: واتبعوهم
باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه عليا (ع) وقد تقدم في كتابنا هذا ان المعنى
295

بقوله تعالى: ان الله يأمر بالعدل والاحسان علي وولده. قال الناشي:
حميد رفيع القدر عند مليكه * رفيع وجيه لا ترد وسائله
وخلصان رب العرش نفس محمد * وقد كان من خير الورى من يباهله
ابن زاذان وأبو داود السبيعي عن أبي عبد الله الجدلي قال أمير المؤمنين (ع)
في قوله: من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها يا أبا عبد الله
الحسنة حبنا والسيئة بغضنا.
تفسير الثعلبي الا أنبئك بالحسنة التي من جاء بها دخل الجنة والسيئة التي من جاء
بها أكبه الله في النار ولم يقبل معها عملا قلت بلى قال الحسنة حبنا والسيئة بغضنا
الباقر (ع): الحسنة ولاية علي وحبه والسيئة عداوته وبغضه ولا يرفع معها عمل.
وقال (ع): ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا، قال: المودة لعلي بن أبي طالب
وقد رواه الثعلبي عن ابن عباس. قال ابن حجاج:
فأنت امامنا المهدي فينا * وليس لمن يخالفنا امام
وأنت العروة الوثقى أمرت * فليس لها من الله انفصام
الرضا عن أبيه، عن جده عليهم السلام في قوله تعالى: فطرة الله التي فطر الناس
عليها قال هو التوحيد ومحمد رسول الله وعلي أمير المؤمنين إلى هاهنا التوحيد.
أبو جعفر (ع) انه جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله من قال
لا إله إلا الله مؤمن قال إن أعدائنا تلحق باليهود والنصارى انكم لا تدخلون الجنة
حتى تحبوني وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا يعني عليا.
أمالي الطوسي، والقمي، ومسند أبي الفتح الحفار وابن شبل الوكيل روى علي
بن بلال عن الرضا (ع) عن آبائه عليهم السلام، عن النبي، عن جبرئيل، عن ميكائيل
عن إسرافيل عليهم السلام، عن اللوح، عن القلم قال يقول الله تعالى ولاية علي بن
أبي طالب حصني فمن دخل حصني امن من عذابي قال الرضا بشروطها وانا من شروطها
قال دعبل: أعد لله يوم يلقاه * دعبل ان لا إله إلا هو
يقولها صادقا عساه بها * يرحمه في القيامة الله
الله مولاه والنبي ومن * بعدهما فالوصي مولاه
" المناقب ج 2، م 37 "
296

وقال البشنوي: ولست أبالي بأي البلاد * قضى الله نحبي إذا ما قضاه
ولا أين حطت إذا مضجعي * ولا من جفاه ولا من قلاه
إذا كنت اشهد ان لا إله * إلا هو الحق فيما قضاه
وان محمدا المصطفى * نبي وان عليا أخاه
وفاطمة الطهر بنت الرسول * رسولا هدانا إلى ما هداه
وابناهما فهما سادتي * فطوبى لعبد هما سيداه
قال الرضا (ع) في قوله تعالى: تتبعها الرادفة قال زلزلة الأرض فاتبعتها خروج
الدابة، وقال (ع) أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم قال: علي
أبو عبد الله الجدلي قال أمير المؤمنين: انا دابة الأرض.
حلية الأولياء روى انس، وأبو برزة عن النبي (ص) قال: ان رب العالمين
عهد لي عهدا في علي بن أبي طالب، فقال إنه راية الهدى ومنار الايمان وامام أوليائي
ونور جميع من أطاعني
قال العوني: ودابة الله التي * توسم كل الأمة بميسم في الجبهة * فيعرف الأفاضل
وقال الحميري: وهو الذي يسم الوجوه بميسم حتى يلاقى عدوه موسوما
وله أيضا:
إذا خرجت دابة الأرض لم تدع * عدوا له الا حطيما بميسم
متى يراها من ليس من أهل وده * من الإنس والجن العفاريت يحطم
أبو عبد الله (ع) في خبر ونحن كعبة الله، ونحن قبلة الله
قال أبو الفضل: هو قبلة الله التي أظهرها لنا * وشهاب نور للهداية تلمع
لولاه لم يك للنبي دلالة * ولملة الاسلام باب يشرع
وقال العوني: امامي محراب الهدى معشر التقى * سماه المعالي منبر العلم والفضل.
297

هو القبلة الوسطى ترى الوفد حولها * وهم حرم الله المهمين والحل
وآيته الكبرى وحجته التي * أقيمت على من كان منا له عقل
قوله تعالى بقية الله خير لكم نزلت فيه وفي أولاده عليهم السلام
قال العوني:
وآية بقية لربنا مرضية * وحجة سنية يصبوا إليها العاقل
علي بن حاتم في كتاب الاخبار لأبي الفرج بن شاذان انه نزل قوله تعالى: بل
كذبوا بالساعة يعني كذبوا بولاية علي (ع) وهو المروي عن الرضا (ع). الباقر
في قوله تعالى: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، قال اليسر أمير المؤمنين
والعسر فلان وفلان. هو المقدم في الحسب، والنسب، والعلم، والأدب، والايمان
والحرب، والام، والأب.
قال العوني: ومن كشف الهيجاء عن وجه احمد * وما زال قدما في الحروب مقدما
وقال ابن طوطي: أقام على عهد النبي محمد * ولم يتغير بعده إذ تغيروا
فصل: في أنه المعنى بالانسان والرجل والرجال والعبد والعباد والوالد
جاء في تفسير أهل البيت عليهم السلام: ان قوله هل اتى على الانسان حين من
الدهر، يعني به عليا، وتقدير الكلام ما اتى على الانسان زمان من الدهر إلا وكان
فيه شيئا مذكورا وكيف لم يكن مذكورا وان اسمه مكتوب على ساق العرش وعلى
باب الجنة، والدليل على هذا القول قوله: انا خلقنا الانسان من نطفة، ومعلوم ان
آدم لم يخلق من النطفة
أبو عبد الله (ع) في قوله: كلا انها تذكرة إلى قوله سفرة قال الأئمة كرام
بررة قتل الانسان ما أكفره قال:، الانسان أمير المؤمنين يقول: ما أكفره عندهم حتى
قتلوه، وقيل ما الذي فعل حتى قتلوه.
أبو الحسن الماضي: ان ولاية علي لتذكرة للمتقين للعالمين وانا لنعلم ان منكم
298

مكذبين وان عليا لحسرة على الكافرين وان ولايته لحق اليقين. المحبرة:
امن على المسكين جاد بقوته * ومع اليتيم مع الأسير العاني
حتى تلا التالون فيهم سورة * عنوانها هل اتى على الانسان
الحاكم الحسكاني بالاسناد عن أبي الطفيل عن أمير المؤمنين ورجلا سلما لرجل قال
انا ذلك الرجل السلم على رسول الله (ص)
العياشي بالاسناد عن أبي خالد عن الباقر قال الرجل السالم: حقا علي وشيعته
الحسن بن زيد عن آبائه ورجلا سالما لرجل هذا مثلنا أهل البيت
وقال السدي: كل موضع روى عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: حدثني رجل
من أصحاب رسول الله أو قال رجل من البدريين إنما عني علي بن أبي طالب وكان
أصحابه يعرفون ذلك ولا يسألونه عن اسمه وقد ثبت ان قوله: رجال صدقوا ما عاهدوا
الله عليه، وقوله تعالى: وعلى الأعراف رجال نزلتا فيه.
قال الكميت:، نفسي فدا من رسول الله قال له * مني ومن بعده أدنى لتقليل
الحازم الامر والميمون طائره * والمستضاء به والصادق القيل.
أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن عشمة العدل باسناده عن ابن عباس قال رسول
الله: أنت أخي وصاحبي، قوله تعالى: ان هو إلا عبدا أنعمنا عليه الآية نزلت فيه
أمير المؤمنين (ع) في خطبة البصرة: انا عبد الله وأخو رسول الله وانا الصديق
الأكبر والفاروق الأعظم لا يقوله غيري إلا كذب فهو عبد الله على معنى الافتخار
كما قال كفي لي فخرا ان أكون لك عبدا.
قال أبو فراس:
اقرأ وعن القرآن ما في فضله * وتأملوه واعرفوا فحواه
لو لم ينزل فيه إلا هل أتى * من دون كل منزل لكفاه
من كان أول من حوى القران من * نطق النبي ولفظه وحكاه
من بات فوق فراشه متنكرا * لما أظل فراشه أعداه
من ذا أراد إلهنا بمقالة * الصادقون القانتون سواه
من خصه جبريل من رب العلى * بتحية من جنة وحباه
أنسيتم يو م الكساء وانه * ممن حواه مع النبي كساه
299

إذ قال جبريل بهم متشرفا * انا منكم قال النبي كذاه
أبان بن تغلب عن الصادق (ع): وبالوالدين احسانا: قال: الوالدان رسول
الله (ص) وعلي (ع).
سالم الجعفي عن أبي جعفر (ع) وابان بن تغلب عن أبي عبد الله نزلت في رسول
الله وفي علي، وروى مثل ذلك في حديث ابن جبلة، وروى أبو المصابيح عن الرضا
قال النبي: انا وعلي الوالدان، وروى عن بعض الأئمة عليهم السلام في قوله: ان
اشكر لي ولوالديك انه نزل فيهما
النبي: انا وعلي أبوا هذه الأمة، انا وعلي موليا هذه الأمة، وعن بعض
الأئمة (ص) لا اقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد، قال أمير
المؤمنين وما ولد من الأئمة.
الثعلبي في ربيع المذكرين، والخركوشي في شرف النبي، عن عمار وجابر، وأبي
أيوب، وفي الفردوس عن الديلمي، وفي أمالي الطوسي عن أبي الصلت باسناده عن
انس كلهم عن النبي قال: حق علي على الأمة كحق الوالد على الولد. وفي كتاب
الخصايص عن انس: حق علي بن أبي طالب على المسلمين كحق الوالد على الولد.
مفردات أبي القاسم الراغب قال النبي: يا علي انا وأنت أبوا هذه الأمة ولحقنا
عليهم أعظم من حق أبوي ولادتهم فانا ننقذهم ان أطاعونا من النار إلى دار القرار
ونلحقهم من العبودية بخيار الأحرار.
قال القاضي أبو بكر أحمد بن كامل يعني: ان حق علي على كل مسلم ان لا
يعصيه ابدا ولنا كذاك. قال رفع الله قدره: انا وأنت أبوا ذي الأمة.
قال أبو الطفيل الكناني:
وقلنا علي لنا والد * ونحن له في ولاة الولد
وقال حارثة بن قدامة السعدي: من حقه عندي كحق الوالد * ذاك علي كاشف الأوابد
خير امام راكع وساجد
قال السوسي: أنت الأب البر صلى الله خالقنا * عليك من مشفق بربنا حدب
نحن التراب بنا كناك احمد يا * أبا تراب لمعنى ذاك لا لقب
300

فصل: في تسمية بعلي والمرتضى وحيدرة وأبي تراب وغير ذلك
رأيت في مصحف ابن مسعود ثمانية مواضع اسم علي (ع) ورأيت في كتاب
الكافي عشرة مواضع فيها اسمه تفصيلها
أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) قوله تعالى: ومن يطع الله ورسوله في ولاية
علي والأئمة من بعده فقد فاز فوزا عظيما، هكذا أنزلت
أبو بصير عنه (ع) فستعلمون من هو في ضلال مبين، يا معشر المكذبين
حيث اتاكم رسالة ربي في علي والأئمة من بعده، هكذا أنزلت
أبو بصير عنه (ع) في قوله: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي
ليس له دافع ثم قال: هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد
عمار بن مروان عن منحل عنه (ع) قال نزل جبرئيل بهذه الآية، هكذا
يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا على عبدنا في علي نورا مبينا
جابر عنه (ع) نزل جبرئيل بهذه الآية على محمد: هكذا ان كنتم في ريب مما
نزلنا على عبدنا في علي بن أبي طالب فاتوا بسورة من مثله.
أبو حمزة عن أبي جعفر (ع) نزل جبرئيل بهذه الآية، هكذا فأبى أكثر
الناس بولاية علي إلا كفورا
جابر عنه (ع) قال: هكذا نزلت هذه الآية ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به في
علي لكان خيرا لهم. وعنه ونزل جبرئيل بهذه الآية هكذا وقل جاء الحق من
ربكم في ولاية علي فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر انا اعتدنا للظالمين لآل محمد نارا
وعنه (ع) قال: نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا ان الذين ظلموا آل محمد حقهم لم
يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا الا جهنم خالدين فيها ابدا وكان ذلك على الله
يسيرا، ثم قال: يا أيها الناس قد جائكم الرسول بالحق من ربكم في ولاية علي فآمنوا
خير لكم وان تكفروا بولاية علي فان لله ما في السماوات والأرض
محمد بن سنان عن الرضا في قوله: كبر على المشركين بولاية علي ما تدعوهم
إليه يا محمد من ولاية علي هكذا في الكتاب.
301

مخطوطة أبو الحسن الماضي في قوله: انا نحن نزلنا عليك القرآن بولاية علي تنزيلا
ووجدت في كتاب المنزل عن الباقر (ع): بئس ما اشتروا به أنفسهم ان يكفروا
بما انزل الله في علي، وعنه (ع) في قوله وإذا قيل لهم ماذا انزل ربكم في علي قالوا
أساطير الأولين، وعنه والذين كفروا بولاية علي بن أبي طالب أولياؤهم الطاغوت
قال: نزل جبرئيل بهذه الآية كذا، وعنه في قوله: ان الذين يكتمون ما أنزلنا
من البينات في علي بن أبي طالب، قال نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا.
عيسى بن عبد الله عن أبيه، عن جده في قوله: يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك
في علي وان لم تفعل عذبتك عذابا أليما فطرح عدوي اسم علي.
التهذيب والمصباح في دعاء الغدير: واشهد ان الإمام الهادي الرشيد أمير المؤمنين
الذي ذكرته في كتابك فقلت: وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم
وروى الصادق عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: قال يوما الثاني لرسول
الله انك لا تزال تقول لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى فقد ذكر الله هارون في
أم القرى ولم يذكر عليا فقال (ص): يا غليظ يا جاهل أما سمعت الله يقول هذا
صراط علي مستقيم، وقرئ مثله في رواية جابر
أبو بكر الشيرازي في كتابه بالاسناد عن شعبة، عن قتادة قال: سمعت البصري
يقرء هذا الحرف هذا صراط علي مستقيم قلت ما معناه قال: هذا طريق علي بن أبي
طالب ودينه طريق دين مستقيم فاتبعوه وتمسكوا به فإنه واضح لاعوج فيه.
الباقر في قوله: ان الينا ايابهم ان الينا اياب هذا الخلق وعلينا حسابهم
أبو بصير عن الصادق في خبر ان إبراهيم كان قد دعا الله ان يجعل له لسان
صدق في الآخرين، فقال الله تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا
ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا يعني علي بن أبي طالب
وفي مصحف ابن مسعود حقيق على علي ان لا يقول على الله إلا الحق.
قال العوني: هذا وتسمية جاءت مصرحة * لصاحب الامر للالباب تكشفه
إنا جعلنا لهم من فوز رحمتنا * لسان صدق عليا ثم يردفه
بقوله هو في أم الكتاب لدى * الباري علي حكيم لا يعنفه
الا ضعيف أساس العقل باطله * عن احتمال صريح الحق مضعفه
302

وله أيضا:
الله قال فاستمع ما قالا * إذ شرف الآباء والانسالا
وآل إبراهيم فازوا آلا * انا وهبنا لهم افضالا
لسان صدق منهم عليا
وقيل لم يسم أحد من ولد آدم بهذا الاسم الا ان الرجل من العرب كان يقول إن
ابني هذا علي يريد به العلو لا انه اسمه. قال ابن حماد: الله سماه عليا عنده * فما على علائه خلق علا
وقال العوني: هو المثل الاعلى كفاك باسمه * علي علا في الاسم والباس والحسب
وقال ابن حماد: سلام على أحمد المرسل * سلام على الفاضل المفضل
سلام على من علا في العلى * فسماه رب علي علي
وقيل لأنه أعلى من ساجله في الحرب من قوله وأنتم الأعلون، والعلي الفرس
الشديد الجري والشديد من كل شئ.
يا علي لقد علوت على الخلق * وسماك ذو الجلال عليا
وقيل لان داره في الجنان تعلو * حتى تحاذي منازل الأنبياء
وليس نبي يعلو منزله على منزل علي، ومنه الدرجات العلى
قال ابن حماد: يا خير ناء وخير دان * يا صاحب الذكر والمثاني
يا حجة الله في البرايا * نورك باق على الزمان
يا صاحب الحوض والمسمى * * بقاسم النار والجنان
يا عروة فاز ماسكوها * في عرصة الحشر بالأمان
سماك رب العلى عليا * إذ لم تزل عالي المكان
يا سيدا ما له نظير * ولا شبيه ولا مدان
وقيل لأنه زوج في أعلى السماوات ولم يزوج أحد من خلق الله في ذلك الموضع غيره.
قال العوني:
علي على عند ذي العرش عاليا * علي تعالى عن شبيه وعن ند
303

سمام العدى بحر الندى علم الهدى * بعيد المدى من خص بالعلم والرشد
له زوج المختار للطهر فاطما * ورد سواه مرغما أقبح الرد
وقيل لأنه علا على منكب رسول الله (ص) بقدميه طاعة لله عند حط الأصنام
من سطح مكة ولم يعل أحد على ظهر نبي غيره.
انا مولى لعلي وعلي لي ولي * بابي اسم علي بابي ذكر علي
وقيل لأنه مشتق من اسم الله، قوله تعالى: وهو العلي العظيم. قال ابن حماد:
الله سماه عليا باسمه * فسما علوا في العلى وسموقا
واختاره دون الورى واقامه * علما إلى سبل الهدى وطريقا
اخذ الاله على البرية كلها * عهدا له يوم الغدير وثيقا
وغداة واخى المصطفى أصحابه * جعل الوصي له أخا وشفيقا
وقيل لان له علوا في كل شئ على النسب على الاسلام على العلم على الزهد على
السخاء على الجهاد على الأهل على الولد على الصهر.
على علي في المواقف كلها * ولكنهم قد خانهم فيه مولد
وهذه الجملة إنما تكون من أسماء الافعال، وقد جمع العوني هذه الروايات.
ان عليا عند أهل العلم * أول من سمي بهذا الاسم
سبقا كذا في الفضل عد مليا * وقال قوقد علا بزازا
أقرانه يبتزها ابتزازا * فهو علي إذ علا العديا
وفرقة قالت علي الدار * في جنة الخلد مع الأبرار
إذ نال منه المنزل العلويا * وقال قوم بل علا مكانا
ظهر النبي إذ حطم الأوثانا * فنال منه المرتقى العليا
وفرقة قالت علي إنما * معناه إذ أملك في أعلى السما
خص بها لولاه آدميا * وفرقة قالت علاهم علما
وكان أعلاهم أبا واما * فوال كهف الكرم الفتيا
وفي خبر ان النبي (ص) سماه المرتضى لان جبرئيل هبط إليه وقال يا محمد ان
الله تعالى قد ارتضى عليا لفاطمة وارتضى فاطمة لعلي، وقال ابن عباس كان علي
304

يتبع في جميع امره مرضاة الله تعالى ورسوله فلذلك سمي المرتضى، وقال جابر الجعفي
الحيدر هو الحازم النظار في دقايق الأشياء، وقيل هو الأسد، وقال (ع) (انا الذي
سمتني أمي حيدره)
ابن عباس قال: لما نكل المسلمون عن مقارعة طلحة العبدري تقدم إليه أمير المؤمنين
فقال طلحة: من أنت فحسر عن لثامه فقال انا القضم انا علي بن أبي طالب
يدعو انا القضم القضاضة والذي * يعمى العدو إذا دنا الزحفان
ورأيت في كتاب الرد على أهل التبديل ان في مصحف أمير المؤمنين يا ليتني
كنت ترابا يعني من أصحاب علي، وفي كتاب ما نزل في أعداء آل محمد في قوله ويوم
يعض الظالم على يديه رجل من بني عدي ويعذبه علي فيعض على يديه ويقول: العاض
وهو رجل من بني تيم يا ليتني كنت ترابا أي شيعيا
ابن بابويه في علل الشرايع عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله (ص) يقول
إذا كان يوم القيامة ورأي الكافر ما أعد الله تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب
والزلفى والكرامة قال: يا ليتني كنت ترابا أي يا ليتني كنت من شيعة علي
البخاري، ومسلم، والطبري، وابن البيع، وأبو نعيم، وابن مردويه أنه قال:
بعض الامراء لسهل بن سعد: سب عليا فأبى، فقال اما إذا أبيت فقل لعن الله أبا تراب
فقال والله انه إنما سماه رسول الله بذلك وهو أحب الأسماء إليه.
البخاري، والطبري، وابن مردويه، وابن شاهين، وابن البيع في حديث ان
عليا غضب على فاطمة (ع) وخرج فوجده رسول الله فقال قم يا أبا تراب قم يا أبا تراب
الطبري وابن إسحاق، وابن مردويه، أنه قال عمار خرجنا مع النبي في غزوة
العشيرة فلما نزلنا منزلا نمنا فما نبهنا إلا كلام رسول الله لعلي: يا أبا تراب لما رآه
ساجدا معفرا وجهه في التراب أتعلم من أشقى الناس؟ أشقى الناس اثنان احيمر ثمود
الذي عقر الناقة وأشقاها، الذي يخضب هذه ووضع يده على لحيته.
علل الشرايع عن القمي في حديث ابن عمر انه نظر النبي إلى علي وهو يعمل في
الأرض وقد اغبر فقال ما ألوم الناس في أن يكنوك أبا تراب فتمعر وجه علي فاخذ
بيده وقال أنت أخي ووزيري وخليفتي في أهلي الخبر، وقال الحسن بن علي عليهما
السلام وسئل عن ذلك فقال إن الله يباهي بمن يصنع كصنيعك الملائكة والبقاع تشهد
له قال فكان (ع) يعفر خديه ويطلب الغريب من البقاع لتشهد له يوم القيامة فكان
305

إذا رآه والتراب في وجهه يقول: يا أبا تراب افعل كذا ويخاطبه بما يريد. وحدثني
أبو العلاء الهمداني بالاسناد عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس في حديث ان عليا
خرج مغضبا فتوسد ذراعه فطلبه النبي حتى وجده فوكزه برجله فقال قم فما صلحت
أن تكون إلا أبا تراب أغضبت علي حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أو أخ
بينك وبين أحد منهم اما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الخبر، وجاء
في رواية انه كنى (ع) بابي تراب لان النبي قال: يا علي أول من ينفض التراب عن
رأسه أنت، وروى عن النبي انه كان يقول: انا كنا نمدح عليا إذا قلنا له أبا تراب.
قال السوسي: انا وجميع من فوق التراب * فدا لتراب نعل أبي تراب
امام مدحه ذكري ودأبي * وقلبي نحوه ما عشت صاب
وله أيضا: خدي فداء لنعل كان يلبسها * أبو تراب ومن خدي على الترب
لو كنت أحسن ان أجدي بمحجنة * لخاصف النعل لم أعدل ولم أغب
وسموه أصلع قريش من كثرة لبس الخوذ على الرأس، قال ابن عباس كان عليا
انزع من الشرك بطين من العلم وذلك مدح له.
علل الشرايع عن القمي قال أمير المؤمنين (ع) إذا أراد الله بعبد خيرا رماه
بالصلع فتحات الشعر من رأسه وها انا ذا.
قال البختري: ذكرتهم سيماه سيما علي * إذ غدا أصلعا عليهم بطينا
قال أبو نواس:
ومدامة من خمر حانة قرقف * صفراء ذات تلهب وتشعشع
رقت كدين الناصبي وقد صفت * كصفا الولي الخاشع المتشيع
باكرتها وجعلت انشق ريحها * وامص درتها كدرة مرضع
في فتية رفضوا العتيق ونعثلا * وعنوا بأروع في العلوم مشفع
وتيقنوا ان ليس ينفع في غد * غير البطين الهاشمي الأنزع
وقال أمير المؤمنين انا سيف الله على أعدائه ورحمته على أوليائه.
ابن البيع في أصول الحديث والخركوشي في شرف النبي، وشيرويه في الفردوس
واللفظ له بأسانيدهم انه كان الحسن والحسين في حياة رسول الله (ص) يدعوانه
306

يا أبة ويقول الحسن لأبيه يا أبا الحسين والحسين يقول يا أبا الحسن، فلما توفي
رسول الله (ص) دعواه يا أبانا، وفي رواية عن أمير المؤمنين ما سماني الحسن
والحسين يا أبه حتى توفي رسول الله (ص) وقيل أبو الحسن مشتق من اسم الحسن
النطنزي في الخصائص قال داود بن سليمان: رأيت شيخا على بغلة قد احتوشته
الناس فقلت من هذا؟ قالوا هذا شاهانشاه العرب هذا علي بن أبي طالب.
باب مختصر من مغازيه صلوات الله عليه
جهاده نوعان في حال حياة النبي وبعد وفاته. ففي حال حياته ما كانت حرب
إلا وكان له اثر فيها. قال أبو تمام الطائي.
أخوه إذا عد الفخار وصهره * فلا مثله أخ ولا مثله صهر
وشد به أزر النبي محمد * كما شد من موسى بهارونه الازر
وما زال لباسا دياجير غمرة * يمزقها عن وجهه الفتح والنصر
هو السيف سيف الله في كل موطن * وسيف الرسول لاد كان ولا دثر
فأي يد للظلم لم يبر زندها * ووجه ضلال ليس فيه له أثر
ثوى ولأهل الدين أمن بجده * وللواصمين الدين في جده أثر
يسد به الثغر المخوف من الردى * ويعتاض من أرض العدو به الثغر
بأحد وبدر حين هاج برجله * ففرسانه أحد وهاج بهم بدر
ويوم حنين والنضير وخيبر * وبالخندق الثاوي بعقوته عمرو
سما للمنايا الحمر حتى تكشفت * وأسيافه حمر وأرماحه حمر
مشاهد كان الله شاهد كربها * وفارجة والامر ملتبس امر
قال العلوي:
سائلا عنا قريشا وليالينا الأول * نحن أصحاب حنين والمنايا تنتصل
وببدر حين ولو قللا بعد قلل * ولنا يوم بصفين ويوم بجمل
وقال السوسي: ذاك الامام ما شابه بخل * ولا ثنى قلبه عن قرنه فشل
307

من وجهه قمر في لحظة قدر * في سخطه أجل من عفوه أمل
إذا مشى الخيزلي والسيف في يده * حسبت بدر الدجى في كفه رجل
ما زال في الأرض أبطال فمذ نشأ * الوصي يبطلهم يوم الوغى بطلوا
بني ببدر فقال المبصرون له * جلالة ملك ذا الشخص أو رجل
سل شلة البيض من سل النفوس لها * ومن تخطت به الخطية الأسل
تراه يقطع آجال الكماة إذا * ما واصل السيف ضرب منه متصل
حسامه يتثنى عند هزته * لأنه من طلا أعدائه ثمل
للسيف في يده ضحك وليس فم * وللرؤس بكا منه ولا مقل
والموت لو مات لم ينسب إليه ولم * يجد له غير سيف المرتضى بدل
سايل به في الوغى والموت يقذفه * والرعب مقتبل والضرب مختبل
والبيض إن واصلت بيض الرؤس غدت * لها الرؤس عن الأجساد تنتقل
والمشرفية عند الضرب مشرفة * والسمهرية عند الطعن تشتعل
والخيل راكعة في النقع ساجدة * لها من الدم ثوب مسبل خضل
والنقع ليل وهاتيك الأسنة قد * يلمعن فيه نجوم ثم أو شعل
هناك تلقى به سيفا بمضربه * جهل على معشر للحق قد جهلوا
والليث يختل إذ لاقى فريسته * وذا يبارز جرزا ليس يختبل
والليث يفرس وحش البيد من قوم * ومن فريسة هذا الفارس البطل
فان أشار بيسراه إلى جبل * صلدا تدكدك منه ذلك الجبل
وقال الناشي: وقد أطلق بعد الأسر * عمرو الليث من معدي
وقد جدل في خيبر آلافا بلا عد * ولا ولى كمن ولى ولا مال عن القصد
وقال العوني:
إمامي الذي أردى الفوارس منهم * وقالع أسد من سروجهم قهرا
وشيبة أرداه ومرحب بعده * وأردى بحد المشرفي الفتى عمروا
وقال ابن حماد: وشد أزر النبي الطهر قبل به * وحبذا بأبي السبطين من وزر
فاسأل به يوم بدر والقليب وما * سواه كان إلى الهيجا بمبتدر
308

واسأل بخيبر إذ ولى برايته * أفنى اليهود بضرب السلة البتر
وقيل رايات قوم وحده وهم * من خيفة القتل قد ولوا على الدبر
ويوم سلع فسل عمرا غداة ثوى * منه بخد على الرمضاء منعفر
واقاد عمرو بن معدي في عمامته * مطوقا منه طوق الذل والصغر
ويوم بدر سلوا الرايات خافقة * ماذا لقوا من هربت الشدق ذي مرر
ويوم صفين إذ ملت صفوفهم * واجعل القوم خوف الموت كالحمر
والنهروان فسل عنه الشراة لقد * أضحوا ضحاياه فوق الترب كالجزر
وقال العوني:
وسل ببدر واحد والنضير فان * أنصفت فرقة بين الليث والضبع
ويوم خيبر قد أخبرت إذ نكست * بالذل رايته والجبن والضرع
وله أيضا:
من ببدر سواه بادر لا يسأم * قط الطلى وقطف الرؤس
من جنى في الحنين أصلاب من لا * قاه كالليث ممعنا في الفريس
من بسلع سمى لعمرو وعمر * يتحامى حماة أسد الخليس
فعلاه بضربة قد منها * قده مسرعا مع القربوس
ومن قصايد الصاحب:
هو البدر في الهيجاء بدر وغيره * * فرائصه من ذكره السيف ترعد
وكم خبر في خيبر قد رويتم * ولكنكم مثل النعام تشردوا
وفي أحد قد ولى الرجال وسيفه * يسود وجه الكفر وهو مسود
ويوم حنين حن للغل بعضكم * وصارمه عضب الغرار مهند
ومن أخرى:
من كمولانا علي * والوغى يحمى لظاها
اذكروا أفعال بدر * لست أعني ما سواها
اذكروا ظلمة أحد * انه شمس ضحاها
ومن أخرى: وفي يوم بدر غنية وكفاية * وقد ذللت من مضربيك المصاعب
وفي أحد لم أتيت وبعضهم * وإن سئلوا صرحت أسوان هارب
309

وفي يوم عمرو اي لعمري مناقب * مبنية ما مثلهن مناقب
وفي مرحب لو يعلمون قناعة * وفي كل يوم للوصي مراحب
وفي خيبر اخباره الغر بينت * حقيقتها والليث بالسيف لاعب
وقال الشاعر:
إذا الحرب قامت على ساقها * وشبت وخلى الصديق الصديقا
وضاع الزمام وطاب الحمام * ولم يبلع الليث في الحلق ريقا
رأيت عليا امام الهدى * يميت فريقا ويحيي فريقا
وتلك له عادة لم تزل * به منذ كان وليدا حليقا
فأول حرب جرت للرسول * فأضرم في جانبيها حريقا
يقهقه في كفه ذو الفقار * وتسمع للهام منه شهيقا
تضعضع أركانه ضربة * كأن براحته منجنيقا
وكم من قتيل وكم من أسير * فدوه فأطلق يدعى الطليقا
وأنشد آخر:
قد عمرا ومرحبا وسبيعا * ذو الخمار الغضنفر البهلولا
وأتى بالهمام عمرو بن معدي * في يديه من بعد عز ذليلا
وأنشد:
ليث الحروب إذا الكروب تحللت * يسقي بكأس الموت من لاقاه
كم من عزيز قد أذل بسيفه * وأزال عنه عزه وعلاه
سل عنه يوم بني النضير وخيبر * وبأحد كم من فارس أرداه
وبسلع عمرو العامري أباده * لما أتى جهلا يروم لقاه
وأتى بعمرو في العمامة خاضعا * كالعبد يخشع في يدي مولاه
وأباد شيبة والوليد وعتبة * ولذي الخمار بذي الفقار علاه
فصل: فيما نقل عنه في يوم بدر
في الصحيحين: انه نزل قوله تعالى: " هذان خصمان " اختصموا في ستة نفر
من المؤمنين والكفار تبارزوا يوم بدر وهم حمزة وعبيدة وعلي والوليد وعتبة وشيبة.
وقال البخاري وكان أبو ذر يقسم بالله انها نزلت فيهم. وبه قال عطاء وابن خيثم
310

وقيس بن عبادة وسفيان الثوري والأعمش وسعيد بن جبير وابن عباس، ثم قال
ابن عباس: والذين كفروا يعني عتبة وشيبة والوليد قطعت لهم ثياب من نار الآيات
وانزل في أمير المؤمنين عليه السلام وحمزة وعبيدة: " إن الله يدخل الذين آمنوا
وعملوا الصالحات جنات - إلى قوله - صراط الحميد ".
أسباب النزول: روى قيس بن سعد بن عبادة عن علي بن أبي طالب عليه السلام
قال: فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزينا يوم بدر إلى قوله عذاب الحريق. وروى
جماعة عن ابن عباس نزل قوله: " أم حسب الذين اجترحوا السيئات " يوم بدر في
هؤلاء الستة: شعبة وقتادة وابن عباس في قوله تعالى " وانه هو أضحك وأبكى "
أضحك أمير المؤمنين وحمزة وعبيدة يوم بدر المسلمين، وأبكى كفار مكة حتى قتلوا
ودخلوا النار. الباقر عليه السلام في قوله تعالى: " وبشر الذين آمنوا وعملوا
الصالحات " نزلت في حمزة وعلي وعبيدة
تفسير أبي يوسف النسوي وقبيصة بن عقبة عن الثوري عن منصور عن مجاهد
عن ابن عباس في قوله تعالى: " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات - الآية - "
نزلت في علي وحمزة وعبيدة " كالمفسدين في الأرض " عتبة وشيبة والوليد.
الكلبي: نزلت في بدر " يا أيها النبي حسبك الله ومن تبعك من المؤمنين " أورده
النطنزي في الخصائص عن الحداد عن أبي نعيم والصادق والباقر عليهما السلام نزلت
في علي " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة " المؤرخ وصاحب الأغاني ومحمد بن
إسحاق، كان صاحب راية رسول الله (ص) يوم بدر علي بن أبي طالب (ع).
لما التقى الجمعان تقدم عتبة وشيبة والوليد قالوا يا محمد اخرج الينا اكفاءنا من قريش،
فتطاولت الأنصار لمبارزتهم فدفعهم النبي وأمر عليا وحمزة وعبيدة بالمبارزة فحمل
عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته وضرب عتبة عبيدة على ساقه فأطنها
فسقطا جميعا وحمل شيبة على حمزة فتضاربا بالسيف حتى انثلما وحمل علي على الوليد
فضربه على حبل عاتقه وخرج السيف من إبطه. وفي إبانة الفلكي. أن الوليد كان
إذا رفع ذراعه ستر وجهه من عظمها وغلظها. ثم اعتنق حمزة وشيبة فقال المسلمون
يا علي أما ترى هذا الكلب يهر عمك فحمل علي عليه ثم قال يا عم طأطئ رأسك وكان
حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزة رأسه في صدره فضربه علي فطرح نصفه ثم جاء
إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه. وكان حسان يقول في قتل عمرو بن عبد ود:
311

ولقد رأيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب المحصر
أصحبت لا تدري ليوم كريهة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر
فأجابه بعض بني عامر:
كذبتم وبيت الله لا تقتلوننا * ولكن بسيف الهاشمين فافخروا
بسيف ابن عبد الله أحمد في الوغى * بكف علي نلتم ذاك فاقصروا
ولم تقتلوا عمرو بن ود ولا ابنه * ولكنه كفو الهزبر الغضنفر
علي الذي في الفخر طال ثناؤه * فلا تكثروا الدعوى عليه فتفجروا
ببدر خرجتم للبراز فردكم * شيوخ قريش حسرة وتأخروا
فلما اتاهم حمزة وعبيدة * وجاء علي بالمهند يخطر
فقالوا نعم اكفاء صدق فأقبلوا * إليهم سراعا إذ بغوا وتجبروا
فجال علي جولة هاشمية * فدمرهم لما عتوا وتكبروا
وفي مجمع البيان أنه قتل سبعة وعشرين مبارزا. وفي الارشاد قتل خمسة وثلاثين
وقال زيد بن وهب: قال أمير المؤمنين عليه السلام (وذكر حديث بدر) وقتلنا من
المشركين سبعين وأسرنا سبعين. محمد بن إسحاق أكثر قتلى المشركين يوم بدر كان
لعلي عليه السلام. الزمخشري في الفائق قال سعد بن أبي وقاص: رأيت عليا يحمحم
فرسه وهو يقول:
بازل عامين حديث سني * منحنح الليل كأني جني
لمثل هذا ولدتني أمي.
المرزباني في كتاب أشعار الملوك والخلفاء: إن عليا أشجع العرب حمل يوم بدر
وزعزع الكتيبة وهو يقول:
لن يأكلوا التمر بظهر مكة * من بعدها حتى تكون الركة
وقال عبد الله بن رواحة:
ليهن علي يوم بدر حضوره * ومشهده بالخير ضربا مرعبلا
كأين له من مشهد غير حامل * يظل له رأس الكمي مجدلا
وغادر كبش القوم في القاع ثاويا * تخال عليه الزعقران المعللا
صريعا يبوء القشعمان برأسه * وتدنوا إليه الضبع طولا لتأكلا
(المناقب ج 3، م 29)
312

وقالت هند في عتبة وشيبة:
أيا عين جودي بدمع سرب * على خير خندف لم ينقلب
تداعى له رهطه غدوة * بنو هاشم وبنو المطلب
يذيقونه حد أسيافهم * يعزونه بعد ما قد شجب
ووجدت في كتاب المقنع قول هند:
أبي وعمي وشقيق بكري * أخي الذي كان كضوء البدر
بهم كسرت يا علي ظهري
وكان أسيد بن أياس يحرض المشركين مشركي قريش على علي ويقول:
في كل مجمع غاية أجزاكم * جزع أبر على المذاكي القرح
لله دركم الما تنكروا * قد ينكر الحر الكريم ويستحي
هذا ابن فاطمة الذي أفناكم * ذبحا وقتلة قصعة لم تذبح
اعطوه خرجا واتقوا بضريبة * فعل الذليل وبيعة لم تربح
أين الكهول وأين كل دعامة * في المعضلات وأين زين الأبطح
أفناهم قصعا وضربا يفتري * بالسيف يعمل حده لم يصفح
قال الحميري: من كان أول من اباد بسيفه * كفار بدر واستباح دماء
من ذاك نوه جبرئيل باسمه * في يوم بدر يسمعون نداء
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا علي رفعة وعلاء
وأنشد بعضهم:
وفي يوم بدر حين بارز شيبة * بعضب حسام والأسنة تلمع
فبادره بالسيف حتى اذاقه * حمام المنايا والمنيات تركع
وصيره نهبا لذيب وقشعم * عليه من الغربان سود وأبقع
وأنشد أيضا:
وله ببدر وقعة مشهورة * كانت على أهل الشقاء دمارا
فأذاق شيبة والوليد منية * إذ صبحاه جحفلا جرارا
وأذاق عتبة مثلها أهوى لها * عضبا صقيلا مرهفا بتارا
313

وقال الصاحب:
عجبت ملائكة السماء لحربه * في يوم بدر والجهاد جهاد
فحكاه عنه جبرئيل لأحمد * اسناد مجد ليس فيه سياد
صرع الوليد لموقف شاب الوليد * لهوله وتهارب الأعضاد
وأذاق عتبة بالحسام عقوبة * حسمت بها الأدواء وهي تلاد
احلاف حرب ارضعوا خلافها * فكأنهم لحروبهم أولاد
ما كان في قتلاه إلا باسل * فكأنما صمصامه نقاد
المحبرة:
وله ببدر إن ذكرت بلاءه * يوما يشيب ذوايب الولدان
كم من كمي حل عقدة بأسه * فيه وكان ممنع الأركان
فرأى به هصرا يهاب خبابه * كالضيغم المتبسل الغضبان
يسقى مماصعه بكأس منية * شيبت بطعم الصاب والخطبان
إذ من ذوي الرايات جدل عصبة * كانوا كاسد الغاب من خفان
فصل: فيما ظهر منه عليه السلام في يوم أحد
ابن عباس في قوله تعالى: " ثم انزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة
منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " نزلت في علي عليه السلام غشيه النعاس يوم أحد
والخوف مسهر والامن منيم
كتاب الشيرازي روى سفيان الثوري عن واصل عن الحسن عن ابن عباس في
قوله تعالى: " واستفزز من استطعت منهم بصوتك " قال صاح إبليس يوم أحد في
عسكر رسول الله (ص) إن محمدا قد قتل واجلب عليهم بخيلك ورجلك قال والله
لقد أجلب إبليس على أمير المؤمنين كل خيل كانت في غير طاعة الله. والله ان كل
راجل قاتل أمير المؤمنين كان من رجالة إبليس
تأريخ الطبري وأغاني الأصفهاني انه: كان صاحب لواء قريش كبش الكتيبة
طلحة بن أبي طلحة العبدري نادى: معاشر أصحاب محمد انكم تزعمون أن الله يعجلنا
بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة فهل منكم من أحد يبارزني؟ قال قتادة:
314

فخرج إليه علي وهو يقول:
أنا ابن ذي الحوضين عبد المطلب * وهاشم المطعم في العام السغب
أفي بميعادي وأحمي عن حسب
قال: فضربه علي فقطع رجله فبدت سوأته وهو قول ابن عباس والكلبي.
وفي روايات كثيرة انه ضربه في مقدم رأسه فبدت عيناه قال أنشدك الله والرحم
يا ابن عم فانصرف عنه ومات في الحال، ثم بارزهم حتى قتل منهم ثمانية ثم اخذ باللواء
صواب عبد حبشي لهم فضرب على يده فأخذه باليسرى فضرب عليها فأخذ اللواء وجمع
المقطوعتين على صدره فضرب على أم رأسه فسقط اللواء. قال حسان بن ثابت:
فخرتم باللواء وشر فخر * لواء حين رد إلى صواب
فسقط اللواء فأخذته عمرة بنت الحارث بن علقمة بن عبد الدار فصرعت وانهزموا
وقال حسان بن ثابت: ولولا لواء الحارثية أصبحوا * يباعون في الأسواق بالثمن الوكس
فانكب المسلمون على الغنائم ورجع المشركون فهزموهم.
زيد بن وهب: قلت لابن مسعود انهزم الناس إلا علي وأبو دجانة وسهل بن
حنيف. قال: انهزموا إلا علي وحده وثاب إليهم أربعة عشر عاصم بن ثابت
وأبو دجانة ومصعب بن عمير و عبد الله بن جحش وشماس بن عثمان بن شريد والمقداد
وطلحة وسعد والباقون من الأنصار وأنشد:
وقد تركوا المختار في الحرب مفردا * وفر جميع الصحب عنه وأجمعوا
وكان علي غايصا في جموعهم * لهاماتهم بالسيف يفرى ويقطع
عكرمة قال: لحقني من الجزع ما لم أملك نفسي وكنت امامه اضرب بسيفي فرجعت
اطلبه فلم أره (يعني عليا) فقلت ما كان رسول الله ليفر وما رأيته في القتلى وأظنه
رفع من بيننا فكسرت جفن سيفي وقلت في نفسي لأقاتلن به حتى اقتل وحملت على
القوم فأفرجوا فإذا انا برسول الله (ص) قد وقع على الأرض مغشيا عليه فوقفت على
رأسه فنظر إلي وقال ما صنع الناس يا علي؟ قلت كفروا يا رسول الله وولوا الدبر
من العدو واسلموك.
تأريخ الطبري وأغاني الأصفهاني ومغازي ابن إسحاق واخبار أبي رافع انه:
أبصر رسول الله إلى كتيبة فقال احمل عليهم فحمل عليهم وفرق جمعهم وقتل عمرو بن
315

عبد الله الجمحي ثم أبصر كتيبة أخرى فقال رد عني فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل
شيبة بن مالك العامري. وفي رواية أبي رافع ثم رأى كتيبة أخرى فقال احمل عليهم
فحمل عليهم فهزمهم وقتل هاشم بن أمية المخزومي فقال جبرئيل يا رسول الله ان هذه
لهي المواساة، فقال رسول الله (ص) انه مني وانا منه. فقال جبرئيل وانا منكما
فسمعوا صوتا (لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي) وزاد ان إسحاق في روايته
فإذا ندبتم هالكا فابكوا الوفاء وأخي الوفاء. وكان المسلمون لما أصابهم من
البلاء أثلاثا ثلث جريح وثلث قتيل وثلث منهزم
تفسير القشيري وتأريخ الطبري انه، انتهى انس بن النضر إلى عمر وطلحة في
رجال وقال ما يجلسكم؟ قالوا قتل محمد رسول الله، قال فما تصنعون بالحياة بعده؟
قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله (ص) ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل.
وروي ان أبا سفين رأى النبي مطروحا على الأرض فتفأل بذلك ظفرا وحث الناس
على النبي فاستقبلهم علي وهزمهم ثم حمل النبي إلى أحد ونادى. معاشر المسلمين ارجعوا
ارجعوا إلى رسول الله فكانوا يثوبون ويثنون على علي ويدعون له وكان قد انكسر
سيف علي (ع) فقال النبي (ص) خذ هذا السيف فأخذ ذا الفقار وهزم القوم
وروي عن أبي رافع بطرق كثيرة انه: لما انصرف المشركون يوم أحد بلغوا
الروحاء قالوا: لا للكواعب أردفتم ولا محمدا قتلتم ارجعوا. فبلغ ذلك رسول الله فبعث
في آثارهم عليا في نفر من الخزرج فجعل لا يرتحل المشركون من منزل إلا نزله علي فأنزل
الله تعالى: " الذين استجابوا الله والرسول من بعد ما أصابهم القرح " وفي خبر
أبي رافع: ان النبي تفل على جراحه ودعا له وبعثه خلف المشركين فنزلت فيه الآية.
الحجاج بن غلاظ السهمي:
لله أي مذنب عن حربه * أعني ابن فاطمة المعم المخولا
جادت يداك له بعاجل طعنة * تركت طليحة للجبين مجندلا
وشددت شدة باسل فكشفتهم * بالسيف إذ يهوون أحول احولا
وعللت سيفك بالدماء ولم يكن * لترده حران حتى ينهلا
قال أبو العلاء السروي:
وهل عرفنا وهل قالوا سواه فتى * بذي الفقار إلى أقرانه زلفا
يدعوا النزال وعجل القوم محتبس * والسامري بكف الرعب قد ترقا؟
316

مفرج عن رسول الله كربته * يوم الطعان إذا قلب الجبان هفا
وقال العلوي الجماني:
وواقع يوم أحد بهم جلاد * يزايل بين أعضاد الشؤون
فلم يترك لعبد الدار قدما * يقيم لواء طاغية اللعين
فأفضوا باللواء إلى صواب * فعانقه معانقة الوضين
فخذمه أبو حسن فأهوى * صريعا لليدين وللجبين
ونودوا لا فتى إلا علي * وليس لذي الفقار حثا جفون
وقال السوسي:
وفي أحد سل عنه تخبر إذ أتى * إليه أبو سفيان في الشوك والشجر
فوافاه جبريل عن الله قائلا * أبا قاسم الق الحديد على الحجر
فنادى الهزبر الليث حيدر في الوغى * وقال لهذا اليوم مثلك انتظر
وشبهته إذ ذو الفقار بكفه * كبدر الدجى في كفه كوكب السحر وقال ابن العلوية:
وله بأحد بعد ما في وجهه * شبح النبي وكلم الشفتان
وانقض منه المسلمون وأظهروا * متطايرين تطاير الخيفان
ونداؤهم قتل النبي وربنا * قتل النبي فكان غير معان
ويقول قائلهم ألا يا ليتنا * نلنا أمانا من أبي سفيان
وأبو دجانة والوصي وصيه * بالروح احمد منهما يقيان
فروا ومافرا هناك وادبروا * وهما بحبل الله معتصمان
حتى إذا ولى سماك مثخنا * فغشى عليه أيما غشيان
وأخو النبي مطاعن ومضارب * عنه ومنه وقد وهي العضدان
يدعو أنا القضم القضاضة الذي * يقمي العدو إذا دنا الرحوان
وقال الحميري:
وله بلاء يوم أحد صالح * والمشرقية تأخذ الأدبارا
إذ جاء جبريل فنادى معلنا * في المسلمين واسمع الأبرارا
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا علي إن عددت فخارا
317

نصر ابن المنتصر الأنصاري:
ومن ينادي جبرئيل معلنا * والحرب قد قامت على ساق الورى
لا سيف إلا ذو الفقار فاعلموا * ولا فتى إلا علي في الوغى
ولغيره:
وسل بأحد يوم اردى طلحة * بصارم مثل الشهاب المشتعل
وخلف العبد صوابا جاثما * يبكيه ذو الود بدمع مقتبل
فصل: في مقامه عليه السلام في غزوة خيبر
أبو كريب ومحمد بن يحيى الأزدي في أماليهما ومحمد بن إسحاق والعمادي في مغازيهما
والنطنزي والبلاذري في تأريخيهما والثعلبي والواحدي في تفسيريهما وأحمد بن حنبل
وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما واحمد والسمعاني وأبو السعادات في فضائلهم وأبو نعيم
في حليته والأشنهي في اعتقاده وأبو بكر البيهقي في دلايل النبوة والترمذي في جامعه
وابن ماجة في سننه وابن بطة في ابانته من سبع عشرة طريقا عن عبد الله بن عباس
و عبد الله بن عمر وسهل بن سعد وسلمة بن الأكوع وبريدة الأسلمي وعمران بن الحصين و عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه وأبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله
الأنصاري وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة انه: لما خرج مرحب برجله بعث النبي
أبا بكر برايته مع المهاجرين في راية بيضاء فعاد يؤنب قومه ويؤنبونه ثم بعث عمر
من بعده فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه حتى ساء النبي (ص) ذلك فقال: لأعطين
الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار يأخذها عنوة:
وفي رواية يأخذها بحقها وفي رواية لا يرجع حتى يفتح الله على يديه:
فمن أحق بهذا الامر من رجل * يحبه الله بل من ثم يشرفه
أحب ذا الخلق عند الله أكرمه * وأكرم الخلق أتقاه وأرأفه
البخاري ومسلم أنه قال: لما قال النبي (ص) حديث الراية بات الناس يذكرون
ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الصبح غدوا على رسول الله كلهم يرجو أن يعطاها
فقال أين علي بن أبي طالب (ع) فقال هو يشتكي عينيه فقال فأرسلوا إليه فاتي به فتفل
النبي في عينيه ودعا له فبرأ فأعطاه الراية وفي رواية ابن جرير ومحمد بن إسحاق:
318

فغدت قريش يقول بعضهم لبعض اما علي فقد كفيتموه فإنه أرمد لا يبصر موضع
قدمه فلما أصبح قال ادعوا لي عليا فقالوا به رمد فقال أرسلوا إليه وادعوه، فجاء على
بغلته وعينه معصوبة بخرقة برد قطري فأخذ سلمة بن الأكوع بيده واتي به إلى النبي
القصة. وفي رواية الخدري. انه بعث إليه سلمان وأبا ذر فجاءا به يقاد فوضع النبي
رأسه على فخذه وتفل في عينيه فقام وكأنهما جزعان، فقال له خذ الراية وامض بها
فجبرئيل معك والنصر امامك والرعب مثبوت في صدور القوم واعلم يا علي انهم يجدون
في كتابهم ان الذي يدمر عليهم اسمه اليا، فإذا لقيتهم فقل انا علي فإنهم يخذلون
إن شاء الله تعالى. فضايل السمعاني أنه قال سلمة: فخرج أمير المؤمنين بها يهرول
هرولة حتى ركز رايته في رضخ من حجارة تحت الحصن فاطلع إليه يهودي فقال من
أنت؟ فقال انا علي بن أبي طالب فقال اليهودي غلبتم وما انزل على موسى. كتاب
ابن بطة عن سعد وجابر وسلمة: فخرج يهرول هرولة وسعد يقول يا أبا الحسن أربع
يلحق بك الناس فخرج إليه مرحب في عامة اليهود وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل
البيضة على أم رأسه وهو يرتجز ويقول: قد علمت خيبر اني مرحب * شاك سلاحي بطل مجرب
أطعن أحيانا وحينا اضرب * إذا الليوث أقبلت تلتهب
فقال علي عليه السلام:
انا الذي سمتني أمي حيدرة * ضرغام آجام وليث قسورة
على الأعادي مثل ريح صرصرة * أكيلكم بالسيف كيل السندرة
اضرب بالسيف رقاب الكفرة
قال مكحول فأحجم عنه مرحب لقول ظئر له: غالب كل غالب الحيدر بن
أبي طالب. فأتاه إبليس في صورة شيخ فحلف انه ليس بذلك الحيدر والحيدر في
العالم كثير فرجع. وقال الطبري وابن بطة: روى بريدة انه ضربه على مقدمه فقد
الحجر والمغفر ونزل في رأسه حتى وقع في الأضراس واخذ المدينة.
والطبري في التأريخ والمناقب واحمد في الفضايل ومسند الأنصار: انه سمع أهل
العسكر صوت ضربته. وفي مسلم لما فلق علي رأس مرحب كان الفتح. ابن ماجة
في السنن ان عليا عليه السلام لما قتل مرحب اتى برأسه إلى رسول الله (ص)
السمعاني في حديث ابن عمر:، ان رجلا جاء إلى النبي (ص) فقال يا رسول الله
319

اليهود قتلوا أخي فقال لأعطين الراية الخبر. قال ابن عمر فما تتام آخرنا حتى فتح
لأولنا فأخذ علي قاتل الأنصاري فدفعه إلى أخيه فقتله. الواقدي: فوالله ما بلغ
عسكر النبي اخيراه حتى دخل علي حصون اليهود كلها وهي: قموص وناعم وسلالم
ووطيخ وحصن المصعب بن معاد وغنم وكانت الغنيمة نصفها لعلي ونصفها لسائر
الصحابة. شعبة وقتادة والحسن وابن عباس: انه نزل جبرئيل على النبي فقال له
ان الله تبارك وتعالى يأمرك يا محمد ويقول لك اني بعثت جبرئيل إلى علي لينصره وعزتي
وجلالي ما رمى علي حجر إلى أهل خيبر إلا رمى جبرئيل حجرا فادفع يا محمد إلى علي
سهمين من غنائم خيبر سهما ل وسهم جبرئيل معه. فأنشأ خزيمة بن ثابت هذه الأبيات:
وكان علي أرمد العين يبتغي * دواء فلما لم يحس مداويا
شفاه رسول الله منه بتفلة * فبورك مرقيا وبورك راقيا
وقال سأعطي الراية اليوم صارما * كميا محبا للرسول مواليا
يحب الإله والإله يحبه * به يفتح الله الحصون الأوابيا
فأصفى بها دون البرية كلها * عليا وسماه الوزير المواخيا
قال المرتضى:
لله در فوارس في خيبر * حملوا على الاسلام يوما منكرا
عصفوا بسلطان اليهود وأولجوا * تلك الجوانح لوعة وتحسرا
واستلحموا ابطالهم واستخرجوا * الأزلام من أيديهم والميسرا
وبمرحب ألوى فتى ذو حمرة * لا تصطلي وبسالة لا تعترى
إن خر خر مطبقا أو قال قال * مصدقا أو رام رام مظفرا
فثناه مصفرا لبنان كأنما * لطخ الحمام عليه صعفا مصفرا
تهفوا العقاب بشلوه ولقد هفت * زمنا به شم الذوائب والذرى
وقال الأسود: أم من يقول له سأعطي رايتي * من لم يفر ولم يكن بجبان
رجلا يحب الله وهو يحبه * فيما ينال السبق يوم رهان
وعلى يديه يفتح الله بعدنا * وافى النبي بردها الرجلان
فدعا عليا وهو أرمد لا يرى * أن تستمر بمشيه الرجلان
320

فهوى إلى عينيه يتفل فيهما * وعليهما قد أطبق الجفنان
فمضى بها مستبشرا وكأنما * من ريقه عيناه مرآتان
فأتاه بالفتح النجيح ولم يكن * يأتي بمثل فتوحه العمران
وقال ابن حماد:
ويوم خيبر إذ عادوا برايته * كما علمت لخوف الموت هرابا
فقال إني سأعطيها غدا رجلا * ما كان في الحرب فرارا وهيابا
يحبه الله فانظر هل دعا أحدا * غير الوصي فقل إن كنت مرتابا
وله أيضا:
ويوم خيبر قد أخبرت من نكست * بالذل رايته والجبن والضرع
هناك قال رسول الله سوف غدا * يمضي بها رجل لم يؤت من جزع
فحين أوردها مولاي أصدرها * بالعز والنصر والاجلال والمنع
من بعد ما قلعت كفاه بابهم * ولم يكن قط لولاه بمقتلع
وخلف العنكبوت الفحل مطرحا * قرا ومرحب للعقبان والخمع
ومنها:
سيف علي بن أبي طالب * دانت وما دانت له عنوة
ذاك الذي دانت له خيبر * حتى قد هدى عرسها الأكبر
وله أيضا:
وصاحب يوم الفتح والراية التي * برجعتها أخزى الإله دلامها
وقال سأعطيها غدا رجلا بها * ملبا يوفي حقها وزمامها
وقال له خذ رايتي وامض راشدا * فما كنت أخشى من لديك انهزامها
فمر أمير المؤمنين مشمرا * برايته والنصر يسري امامها
فزج بباب الحصن عن أهل خيبر * وسقى الأعادي حتفها وحمامها
وجدل فيها مرحبا وهو كبشها * وأوسع آناف اليهود ارتغامها
ومنها:
وفي خيبر في يوم لاقاه مرحب * وقد فر منه معشر فتصدعوا
فقال رسول الله أحبو برايتي * فتى غير فرار ولا يتزعزع
تقيا يحب الله والله ربه * أشد له حبا وبالشكر يوزع
321

وكان علي أرمدا فدعا له * فأذهب عنه الحر والبرد اجمع
فناداه بالسيف الحسام ولم يزل * يقاتل أهل الشرك قدما ويقلع
وآب بنصر الله والفتح غانما * وقد حاز ما قد كان في الحصن يجمع
ومنها:
من ذا الذي قال الرسول بخيبر * والحرب مضرمة تريد صلاءا
أين الذي أحببته ويحبه * الرحمن امتحن الغداة لواءا
حتى يكون ولم يفر ولم يزل * يفري الرقاب بسيفه افراءا
وتحصنوا منه بباب حديدهم * فدحا به قلعا فكان هباءا
واجتث دابرهم وفل جموعهم * وسبى من النسوان والابناءا
ومنها:
ويوم الحصن إذ فجأت رجال * فوارس خيبر مستسلمينا
فولى المسلمون وتبعتهم * خيول المشركين وقد ضرينا
فقال لهم رسول الله اني * سأحبو باللواء فتى أمينا
يحب الله وهو له محب * وليس يدين دين الهاربينا
يكر فلا يهلل حين يلقى * إذا رعبت قلوب الخائفينا
فناولها أبا حسن عليا * يفل بها جموع الخيبرينا
وأيده الإله بجند صدق * من الملا الكرام الكاتبينا
فغادر مرحبا وبني بنيه * عراة بالدماء مرملينا
ومنها:
محمد النبي وقال إني * سأدفعها إلى يقظان سهم
سأعطيها غدا رجلا أمينا * برئ الصدر من كذب واثم
يحب الله ليس بذي ارتياب * جميع القلب يأخذها ويرمي
بها جيش الكتيبة لا يولى * ولا يلقى بهم من غير قدم
فلما كان من غده دعاني * وفي العينين من رمد وغم
فداوى أحمد بالتفل عني * وأكرمني برايته ابن عمي
وشيعني وأوصاني بتقوى * إلهي في الذي أيدي واكمي
فلم ازجر بحمد الله حتى * صممت يهود خيبر أي صم
322

دخلت قموصها وقتلت ممن * بها من ساكنيها كل قرم
ومنها:
من ذا الذي فجع اليهود بمرحب * إذ هابه عمر وفر فرارا
واتى يجبن صحبه وجميعهم * قد صادفوه هوايلا غوارا
قال النبي لاحبون برايتي * من عاش لا نكسا ولا خوارا
رجل أحب إلهه وأحبه * لا ينثني حتى يبيح ديارا
فدعا أبا حسن فجاء وعينه * رمداء اشهره به اشهارا
فشفاه مما قد دهاه بتفلة * وأجاره منها فعاش مجارا
فسما بخيبر واستباح حريمهم * واجتثهم من أصلهم وابارا
ومنها:
سأعطي امرءا إن شاء ذو العرش رايتي * قويا أمينا مستقلا بها غدا
يحب إلهي والإله يحبه * لدى الحرب ميمون النقيبة اصيدا
ففاز بها منه علي ولم يزل * علي معانا في الأمور مؤيدا
على عادة منه جرت في عدوه * وكل امرئ جار على ما تعودا
وقال شاعر آخر:
وأعطاه دون الناس راية خيبر * ولم ينصرف إلا بفتح ونصرة
وقال آخر:
خذ الراية الصفراء أنت أميرها * وأنت لكشف الكرب في الحرب تدخر
وأنت غدا في الحشر لا شك حامل * لوائي وكل الخلق نحوك تنظر
فصادفه شر البرية مرحب * على فرس عال من الخيل أشقر
فجدله في ضربة مع جواده * وأهوى ذبال السيف في الأرض يحفر
ومر أمين الله في الجو قائلا * وقد أظهر التسبيح وهو مكبر
ولا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * لمعركة إلا علي الغضنفر
وقال آخر *
فسل عنه في خيبر مرحبا * غداة الصهاكي منه ذعر
فمر أبو حسن حيدر * كليث العرين إذا ما انحدر
فرج ببابهم عنوة * فكم قد أباد وكم قد أسر
323

فصل: في قتاله عليه السلام في يوم الأحزاب
ابن مسعود والصادق عليه السلام في قوله تعالى: " وكفى الله المؤمنين القتال "
بعلي بن أبي طالب وقتله عمرو بن عبد ود. وقد رواه أبو نعيم الأصفهاني فيما نزل
من القرآن في أمير المؤمنين بالاسناد عن سفيان الثوري عن رجل عن مرة عن عبد الله
وقال جماعة من المفسرين في قوله تعالى: " اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود "
انها نزلت في علي يوم الأحزاب. ولما عرف النبي اجتماعهم حفر الخندق بمشورة
سلمان وامر بنزول الذراري والنساء في الآكام. وكانت الأحزاب على الخمر والغناء
والمسلمون كأن على رؤسهم الطير لمكان عمرو بن عبد ود العامري الملقب بعماد العرب
وكان في مائة ناصية من الملوك والف (فرعة) مقرعة من الصعاليك وهو يعد بألف
فارس. فقيل في ذلك عمرو بن ود كان أول فارس جزع من المداد وكان فارس
يليل. سمي فارس يليل لأنه اقبل في ركب من قريش حتى إذا كان بيليل وهو واد
عرضت لهم بنو بكر فقال لأصحابه امضوا فمضوا وقام في وجوه بني بكر حتى منعهم
من أن يصلوا إليه. وكان الخندق المداد وقال ولما انتدب عمرو للبراز جعل يقول:
هل من مبارز؟ والمسلمون يتجاوزون عنه فركز رمحه على خيمة النبي (ص) وقال
ابرز يا محمد فقال صلى الله عليه وآله من يقوم إلى مبارزته فله الإمامة بعدي؟ فنكل
الناس عنه. قال حذيفة: قال النبي ادن مني يا علي فنزع عمامته السحاب من رأسه
وعممه بها تسعة أكوار وأعطاه سيفه وقال امض لشأنك ثم قال: اللهم أعنه
وروي انه لما قتل عمرو انشد:
ضربته بالسيف فوق الهامة * بضربة صارمة هدامة
أنا علي صاحب الصمصامة * وصاحب الحوض لدى القيامة
أخو رسول الله ذي العلامة * قد قال إذ عممني عمامة
أنت الذي بعدي له الإمامة
محمد بن إسحاق: انه لما ركز عمرو رمحه على خيمة النبي (ص) قال يا محمد ابرز
ثم أنشأ يقول:
ولقد بححت من النداء * بجمعكم هل من مبارز
324

ووقفت إذ جبن الشجاع * بموقف البطل المناجز
اني كذلك لم أزل * متسرعا نحو الهزاهز
إن الشجاعة والسماحة * في الفتى خير الغرائز
في كل ذلك يقوم علي ليبارزه فيأمره النبي (ص) بالجلوس لمكان بكاء فاطمة (ع)
عليه من جراحاته في يوم أحد وقولها ما أسرع أن يأتم الحسن والحسين باقتحامه
الهلكات. فنزل جبرئيل عن الله تعالى أن يأمر عليا بمبارزته فقال النبي (ص) يا علي
ادن مني وعممه بعمامته وأعطاه سيفه وقال امض لشأنك ثم قال: اللهم أعنه. فلما
توجه إليه قال النبي: خرج الايمان سائره إلى الكفر سائره. قال السروجي:
ويوم عمرو العامري إذ أتى * في عسكر ملا الفضاء قد انتشر
فكان من خوف اللعين قبل ذاك * محمد لخندق قد احتفر
نادى بصوت قد علا من جهله * يدعو عليا للبراز فابتدر
إليه شخص في الوغى عاداته * سفك دم الاقران بالعضب الذكر
فعندها قال النبي معلنا * والدمع في خد كأمثال الدرر
هذا هو الاسلام كل بارز * إلى جميع الشرك يا من قد حضر
قال محمد بن إسحاق فلما لاقاه علي أنشأ يقول:
لا تعجلن فقد أتاك * مجيب صوتك غير عاجز
ذو نية وبصيرة * والصبر منجي كل فابز
اني لأرجو أن أقيم * عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى * ذكرها عند الهزاهز
ويروى له عليه السلام في امالي النيسابوري:
يا عمرو قد لاقيت فارس بهمة * عند اللقاء معا ود الاقدام
يدعو إلى دين الإله ونصره * والى الهدى وشرايع الاسلام
إلى قوله عليه السلام:
شهدت قريش والبراجم كلها * أن ليس فيها من يقوم مقامي
وروى أن عمروا قال ما أكرمك قرنا!. الطبري والثعلبي قال علي. يا عمرو انك
كنت في الجاهلية تقول لا يدعوني أحد إلى ثلاثة إلا قبلتها أو واحدة منها. قال
أجل قال فاني أدعوك إلى شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وان تسلم لرب
325

العالمين. قال اخر عني هذه. قال: اما انها خير لك لو اخذتها ثم قال ترجع من حيث
جئت قال لا تحدث نساء قريش بهذا ابدا قال: تنزل تقاتلني. فضحك عمرو
وقال ما كنت أظن أحدا من العرب يرومني عليها واني لأكره ان اقتل الرجل الكريم
مثلك وكان أبوك لي نديما. قال: لكني أحب ان أقتلك. قال: فتناوشا فضربه
عمرو في الدرقة فقدها وأثبت فيه السيف وأصاب رأسه فشجه وضربه على عاتقه
فسقط. وفي رواية حذيفة ضربه على رجليه بالسيف من أسفل فوقع على قفاه. قال
جابر فثار بينهما قترة فما رأيتهما وسمعت التكبير تحتها وانكشف أصحابه حتى طفرت
خيولهم الخندق وتبادر المسلمون يكبرون فوجدوه على فرسه برجل واحدة يحارب عليا
عليه السلام ورمى رجله نحو علي فخاف من هيبتها رجلان ووقعا في الخندق
وقال الطبري: ووجدوا نوفلا في الخندق فجعلوا يرمونه بالحجارة فقال لهم قتلة أجمل
من هذه ينزل بعضكم لقتالي فنزل إليه علي فطعنه في ترقوته بالسيف حتى أخرجه من
مراقه. ثم جرح منية بن عثمان العبدري فانصرف ومات في مكة. وروي ولحق
هبيرة فأعجزه فضرب على قربوس سرجه وسقط درعه، وفر عكرمة وضرار.
فأنشأ أمير المؤمنين يقول:
وكانوا على الاسلام إلبا ثلاثة * وقد فر من تحت الثلاثة واحد
وفر أبو عمرو هبيرة لم يعد * الينا وذو الحرب المجرب عابد
نهمتم سيوف الهند ان يقفوا لنا * غداة التقينا والرماح القواصد
قال جابر: شبهت قصته بقصة داود عليه السلام قوله تعالى " فهزموهم بإذن الله "
الآية. قالوا فلما جز رأسه من قفاه بسؤال منه. قال علي عليه السلام:
أعلي تقتحم الفوارس هكذا * عني وعنهم خبروا أصحابي
عبد الحجارة من سفاهة رأيه * وعبدت رب محمد بصوابي
اليوم تمنعني الفرار حفيظتي * ومصمم في الهام ليس بناب
أرديت عمرا إذ طغى بمهند * صافي الحديد مجرب قصاب
لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الأحزاب
عمرو بن عبيد: لما قدم علي برأس عمرو استقبله الصحابة فقبل أبو بكر رأسه.
وقال المهاجرون والأنصار: رهين شكرك ما بقوا. الواقدي والخطيب الخوارزمي
عن عبد الرحمن السعدي باسناده عن بهرم بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي (ص)
326

قال: لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة
أبو بكر بن عياش: لقد ضرب علي ضربة ما كان في الاسلام أعز منها وضرب ضربة
ما كان فيه أشأم منها. ويقال ان ضربة ابن ملجم وقعت على ضربة عمرو. ومن
كلمات السيد:
وفي يوم جاء المشركون بجمعهم * وعمرو بن عبد في الحديد مقنع
فجدله شلوا صريعا لوجهه * رهينا بقاع حوله الضبع يجمع
وأهلكهم ربي وردوا بغيضهم * كما أهلكت عاد الطغاة وتبع
ومنها:
وعمرو قد سقى كأسا بسلع * أقب كأنه أسد مغير
فنادى هل يرى حسب براز * وهل عند امرئ حر نكير
ومنها:
ويوم سلع إذ أتى عاديا * عمرو بن عبد مصلتا يخطر
يخطر بالسيف مدلا كما * يخطر فحل الصرمة الدوسر
إذ جلل السيف على رأسه * ابيض عضبا حده مبتر
فخر كالجذع وأوداجه * يثغب منها حلب احمر
ينفث من فيه دما معجلا * كأنما ناظره العصفر
ومنها:
وعمرو بن عبد قدمته شئانه * بأبيض مصقول الغرارين فصال
كأن على أثوابه من نجيعه * عصير البرايا أو نضيحة جريال
غداة مشى الأكفاء من آل هشام * إلى عبد شمس في سرابيل أهوال
كأنهم والسابغات عليهم * مصاعب اجمال مشت تحت احمال
وقال ابن حماد:
من دعاه المصطفى عند انقطاع الحيل * يوم سلع والوغى يرمي بمثل الشعل
حين كان القوم من عمرو الكمي البطل * أين صنوي أين صهري أين من هو يد لي
أين من يكشف عني كل خطب جلل * عندها أيقن عمرو باقتراب الأجل
بحسام من كمي فالق للقلل * ثم ألقاه الجسم تريب الحلل
وانثنى نحو أخيه غير ما محتفل * وغدا في الجو جبريل مليا يسأل
327

رافع الصوت ينادي * لا فتى إلا علي
وله أيضا:
وسل عنه في سلع وعن عظم فعله * بعمرو ونار الحرب تذكى اضطرامها
وأفئدة الابطال ترجف خيفة * وقد أحقب الرعب الشديد كلامها
فقام إليه من أقام بسيفه * حلايله ثكلى تطيل التزامها
وقال ابن حجاج:
فديت فتى دعاه جبرئيل * وهم بين الخنادق في انحصار
وعمروا قد سقاه الموت صرفا * ذباب السيف مشحوذ الغرار
دعا أن لا فتى إلا علي * وأن لا سيف إلا ذو الفقار
وقال المرزكي:
وفي الأحزاب جاءتهم جيوش * تكاد الشامخات لها تميد
فنادى المصطفى فيه عليا * وقد كادوا بيثرب أن يكيدوا
فأنت لهذه ولكل يوم * تذل لك الجبابرة الأسود
فسقى العامري كؤوس حتف * فهزمت الجحافل والجنود
وقال غيره:
ووقعة الأحزاب إذ طاولها * من خيفة الابطال عقل البطل
والناس مما نالهم في حيرة * حول رسول الله عند الدلدل
وقد بدا عمرو وعمرو بطل * تخافه نفس الكمي البطل
فذاق من سيف علي ضربة * انسئه طعم الرحيق السلسل
فصل: فيما ظهر منه عليه السلام في غزاة السلاسل
السلاسل اسم ماء. أبو القاسم بن شبل الوكيل وأبو الفتح الحفار باسنادهما عن
الصادق عليه السلام ومقاتل والزجاج ووكيع والثوري والسدي وأبو صالح
وابن عباس: انه انفذ النبي (ص) أبا بكر في سبعمائة رجل فلما صار إلى الوادي وأراد
الانحدار فخرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا، فلما قدموا على النبي
بعث عمر فرجع منهزما، فقال عمرو بن العاص ابعثني يا رسول الله فان الحرب خدعة
328

ولعلي أخدعهم فبعثه فرجع منهزما. وفي رواية انه انفذ خالدا فعاد كذلك، فساء
النبي ذلك فدعا عليا وقال: أرسلته كرارا غير فرار. فشيعه إلى مسجد الأحزاب
فسار بالقوم متنكبا عن الطريق يسير بالليل ويكمن بالنهار. ثم اخذ علي محجة غامضة
فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه ثم أمرهم أن يعكموا الخيل وأوقفهم في مكان
وقال لا تبرحوا، وانتبذ امامهم وأقام ناحية منهم، فقال خالد، وفي رواية قال
عمر: أنزلنا هذا الغلام في واد كثير الحياة والهوام والسباع اما سبع يأكلنا أو يأكل
دوابنا، واما حياة تعقرنا وتعقر دوابنا. واما يعلم بنا عدونا فيأتينا ويقتلنا
فكلموه نعلو الوادي فكلمه أبو بكر فلم يجبه، فكلمه عمر فلم يجبه،، فقال عمرو بن
العاص انه لا ينبغي ان نضيع أنفسنا انطلقوا بنا نعلو الوادي فأبى ذلك المسلمون
ومن روايات أهل البيت عليهم السلام: انه أبت الأرض ان تحملهم. قالوا فلما أحس عليه السلام الفجر قال اركبوا بارك الله فيكم وطلع الجبل حتى إذا انحدر على القوم وأشرف عليهم قال لهم اتركوا عكمة دوابكم. قال: فشمت الخيل ريح الإناث فصهلت
فسمع القوم صهيل خيلهم فولوا هاربين. وفي رواية مقاتل والزجاج: انه كبس القوم
وهم غادون فقال يا هؤلاء انا رسول رسول الله إليكم أن تقولوا لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله وإلا ضربتكم بالسيف. فقالوا: انصرف عنا كما انصرف ثلاثة فإنك
لا تقاومنا. فقال عليه السلام: انني لا انصرف انا علي بن أبي طالب فاضطربوا
وخرج إليه الأشداء السبعة وناصحوه وطلبوا الصلح، فقال عليه السلام: إما
الاسلام وإما المقاومة. فبرز إليه واحد بعد واحد وكان أشدهم آخرهم وهو سعد
ابن مالك العجلي وهو صاحب الحصن فقتلهم فانهزموا ودخل بعضهم في الحصن
وبعضهم استأمنوا وبعضهم أسلموا واتوه بمفاتيح الخزائن. قالت أم سلمة. انتبه
النبي من القيلولة فقلت الله جارك ما لك؟ فقال: اخبرني جبرئيل بالفتح. ونزلت
" والعاديات ضبحا " أبو منصور الكاتب.
اقسم بالعاديات ضبحا * حقا وبالموريات قدحا
وقال المدني:
وقوله والعاديات ضبحا * يعني عليا ذا أغار صبحا
على سليم فشناها كفحا * فأكثر القتل بها والجرحا
وأنتم في الفرش نايمونا
329

فبشر النبي أصحابه بذلك وأمرهم باستقباله والنبي تقدمهم. فلما رأى علي النبي
ترجل عن فرسه فقال النبي اركب فان الله ورسوله عنك راضيان فبكى علي فرحا،
فقال النبي: يا علي لولا أني أشفق ان تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في
المسيح، الخبر. وقال العوني:
من ذا سواه إذا تشاجرت القنا * وأبى الكماة الكر والاقداما
وتصلصلت حلق الحديد وأظهرت * فرسانها التصحاج والاحجاما
ورأيت من تحت العجاج لنقعها * فوق المغافر والوجوه قتاما
كشف الإله بسيفه وبرأيه * يظمى الجواد ويروى الصمصاما
ووزيره جبريل يقحمه الوغى * طوعا وميكال الوغى اقحاما
وقال الحميري:
وفي ذات السلاسل من سليم * غداة أتاهم الموت المبين
وقد هزموا أبا حفص وعمرا * وصاحبه مرارا فاستطيروا
وقد قتلوا من الأنصار رهطا * فحل النذر أو وجبت نذور
أذاد الموت مشيحة ضخاما * جحاجحة يسد بها الثغور
فصل: فيما ظهر منه عليه السلام في غزوة حنين
قوله تعالى: " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم
الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين "
يعني عليا وثمانية من بني هاشم.
ابن قتيبة في المعارف والثعلبي في الكشف: الذين ثبتوا مع النبي يوم حنين بعد
هزيمة الناس علي والعباس والفضل ابنه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ونوفل
وربيعة أخواه و عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب وأيمن
مولى النبي (ص) وكان العباس عن يمينه والفضل عن يساره وأبو سفيان ممسك بسرجه
عند نفر بغلته وسايرهم حوله وعلي يضرب بالسيف بين يديه وفيه يقول العباس:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر عنه فاقشعوا
330

وقال مالك بن عباد الغافقي:
لم يواس النبي غير بني هاشم * عند السيوف يوم حنين
هرب الناس غير تسعة رهط * فهم يهتفون للناس أين
ثم قاموا مع النبي على الموت * فآبوا زينا لنا غير شين
وقال خطيب منبج: وقد ضاقت فجاج الأرض جمعا * عليهم ثم ولوا مدبرينا
وليس دون النبي سوى علي، * يقارع دونه المتحاربينا
وعباس يصيح بهم أثيبوا * ليثبتهم وهم لا يثبتونا
فأومى جبرئيل إلى علي * وقد صار الثرى بالنقع طينا
فقال هو الوفي فهل رأيتم * وفيا مثله في العالمينا
وقال المرزكي:
ويوم حنين إذ ولوا هزيما * وقد نشرت من الشرك البنود
فغادرهم لدى الفلوات صرعى * ولم تغن المغافر والحديد
فكم من غادر ألقاه شلوا * عفير الترب يلثمه العبيد
هم بخلوا بأنفسهم وولوا * وحيدرة بمهجته يجود
فكانت الأنصار خاصة تنصرف إذ كمن أبو جرول على المسلمين وكان على جمل أحمر
بيده راية سوداء في رأس رمح طويل امام هوازن إذا أدرك أحدا طعنه برمحه وإذا
فاته الناس دفع لمن وراه وجعل يقتلهم وهو يرتجز:
أنا أبو جرول لا براح * حتى يبيح القوم أو يباح
فنهد له أمير المؤمنين عليه السلام فضرب عجز بعيره فصرعه ثم ضربه فقطره ثم قال:
قد علم القوم لدى الصباح * اني لدى الهيجاء ذو نطاح
فانهزموا وعد قتلى علي فكانوا أربعين * وقال عليه السلام:
ألم تر أن الله أبلى رسوله * بلاء عزيزا ذ اقتدار وذا فضل
بما انزل الكفار دار مذلة * فذاقوا هوانا من اسار ومن قتل
فأمسى رسول الله قد عز نصره،، وكان رسول الله ارسل بالعدل
فجاء بفرقان من الله منزل، مبينة آياته لذوي العقل
فأنكر أقوام فزاغت قلوبهم * فزادهم الرحمن خبلا إلى خبل
331

وقال سلامة:
أين كانوا في حنين ويلهم * وضرام الحرب تخبو وتهب
ضاقت الأرض على القوم بما * رحبت فاستحسن القوم الهرب
في غزوات شتى
وفي غزاة الطائف كان النبي حاصرهم أياما وأنفذ عليا في خيل وأمره ان يطأ ما
وجد ويكسر كل صنم وجده فلقيته خيل خثعم وقت الصبوح في جموع فبرز فارسهم
وقال هل من مبارز؟ فقال النبي من له؟ فلم يقم أحد فقام إليه علي وهو يقول:
إن على كل رئيس حقا * ان يروى الصعدة أو يدقا
ثم ضربه فقتله ومضى حتى كسر الأصنام، فلما رآه النبي (ص) كبر للفتح واخذ
بيده وناجاه طويلا. ثم خرج من الحصن نافع بن غيلان بن مغيث فلقيه علي ببطن
و ج فقتله وانهزموا.
وفي يوم الفتح برز أسد بن غويلم قاتل العرب فقال النبي (ص): من خرج
إلى هذا المشرك فقتله فله على الله الجنة وله الإمامة بعدي. فاخر بخصر الناس فبرز
علي عليه السلام فقال:
ضربته بالسيف وسط الهامة، بضربة صارمة هدامه
فبتكت من جسمه عظامه * وبينت من رأسه عظامه
وقتل عليه السلام من بني النظير خلقا منهم غرور الرامي إلى خيمة النبي (ص)
فقال حسان:
لله أي كريهة ابليتها * ببني قريظة والنفوس تطلع
أردى رئيسهم وآب بتسعة * طورا يشلهم وطورا يدفع
وقال السوسي:
فلما اتاهم حيدر قال ذا لذا * اتاكم مليك الامر فالحذر الحذر
اتاكم فتى ما فر قط خلاف من * كمن زاركم يوما برايته وفر
فلاقاهم مولاي بالسيف ضاربا * كجمر الغضا لم يبق منه ولم يذر
وأنفذ النبي عليا إلى بني قريظة وقال: سر على بركة الله. فلما أشرفوا ورأوا عليا
332

قالوا أقبل إليكم قاتل عمرو. وقال آخر:
قتل علي عمرو صاد علي صقرا * قصم علي ظهرا * هتك علي سترا
فقال علي عليه السلام: الحمد لله الذي أظهر الاسلام وقمع الشرك. فحاصرهم حتى
نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فقتل علي منهم عشرة وقتل عليه السلام في بني المصطلق
مالكا وابنه. قال شاعر: إمامي الذي حسر الكرب * عن وجه أحمد حتى انحسر
ومن في حنين حنا سيفه * ظهورا من الشرك لما ظهر
ومن جزع الموت عمرو بن ود * كذلك عمرو بن معدي أسر
ويوم قريظة أخت النظير * لتقريظه فيه يوما أمر
تأريخ الطبري محمد بن إسحاق: لما انهزمت هوازن كانت رايتهم مع ذي الخمار
فلما قتله علي اخذها عثمان بن عبد الله بن ربيعة فقاتل بها حتى قتل. قال المرزكي:
هذا الذي أردى الوليد وعتبة * والعامري وذا الخمار ومرحبا
ومن حديث عمرو بن معدي كرب: انه رأى أباه منهزما من خثعم على فرس
له قال انزل عنه فاليوم ظلم فقال له إليك يا مائق فقالوا اعطه فركب ثم رمى خثعم
بنفسه حتى خرج من بين أظهرهم ثم كر عليهم وفعل ذلك مرارا فحمل عليهم بنو زبيد
فانهزمت خثعم فقيل له فارس اليمن ومائق بني زبيد. وقال الشاعر:
إذا أنت ضاقت عليك الأمور * فناد بعمرو بن معدي كرب
الزمخشري في ربيع الأبرار: وكان إذا رأى عمر بن الخطاب عمرو بن معدي كرب
قال: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمروا. وكان كثيرا ما يسئل عن غاراته فيقول قد
محا سيف علي الصنائع. وقال العباس بن مرداس:
إذا مات عمرو قيل للخيل اوطئي * زبيدا فقد اودى بنجدتها عمرو
وقال العوني:
ومن منهم قد ابن ود بسيفه * وقاد ابن معدي بالعمامة خاضعا
وكان ابن معدي حين يلقاه واحد * يعد بألف منهم أن يدافعا
وكان أبو حفص يلذ حديثه * بما كان من غاراته قبل شائعا
فنباه عنه إذ أتى بحديثه * علي فأضحى ساكنا متراجعا
فان قيل حدث قال قد جاء من محت * صنائعه بالسيف تلك الصنائعا
333

ومع مبارزته جذبه أمير المؤمنين عليه السلام والمنديل في عنقه حتى أسلم وكان أكثر
فتوح العجم على يديه. قال ابن حماد:
وفي يوم سلع سقى العامري * عمرو بن ود كؤس السلع
وجاء بعمرو بن معدي كرب * وهو للعتاة قديما قمع
وله أيضا:
والعنكبوت غداة جاء بجحفل * لجب الجوائب بالفوارس مزيد
فسقاه كأسا ظل بعد وروده * شرب المنية وهو عطشان صد
فصل: فيما ظهر منه عليه السلام في حرب الجمل
السدي: نزل قوله تعالى " واتقوا فتنة " في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم
الجمل فاقتتلوا. الصادق عليه السلام في قوله تعالى: " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في
الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا أنهم هم المفسدون " قال ما قوتل أهل هذه (يعني
البصرة) وقرأ أمير المؤمنين (ع) يوم البصرة: " وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم
وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون " ثم قال لقد
عهد إلي رسول الله (ص) وقال: يا علي لتقاتلن الفئة الناكثة والفئة الباغية والفرقة
المارقة انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون
الأعمش عن شقيق وزر بن حبيش عن حذيفة وذكر السمعاني في الفضايل
والديلمي في الفردوس عن جابر الأنصاري وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما
السلام واللفظ لهما في قوله تعالى فاما نذهبن بك يا محمد من مكة إلى المدينة فانا رادوك
منها ومتقمون منهم. تفسير الكلبي يعني حرب الجمل
عمار وحذيفة وابن عباس والباقر والصادق عليهما السلام: انه نزلت في علي
" يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه - الآية " وروي عن علي (ع) يوم
البصرة: والله ما قوتل على هذه الآية حتى اليوم وتلا هذه الآية.
ابن عباس: لما علم الله انه ستجري حرب الجمل قال لأزواج النبي " وقرن
في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " وقال تعالى " يا نساء النبي من يأت
منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين " في حربها مع علي عليه السلام.
334

شعبة والشعبي والأعثم وابن مردويه وخطيب خوارزم في كتبهم بالأسانيد عن
ابن عباس ومسعود وحذيفة وقتادة وقيس بن أبي حازم وأم سلمة وميمونة وسالم بن
أبي الجعد واللفظ له: انه ذكر النبي خروج بعض نسائه فضحكت عائشة فقال:
انظري يا حميراء لا تكونين هي. ثم التفت إلى علي فقال: يا أبا الحسن ان وليت من
أمرها شيئا فارفق بها. فقال الزاهي:
كم نهيت عن تبرج فعصت * وأصبحت للخلاف متبعة
قال لها في البيوت قري * فخالفته العفيفة الورعة
وقال السوسي: وما للنساء وحرب الرجال * فهل غلبت قط أنثى ذكر
ولو أنها لزمت بيتها * ومغزلها لم ينلها ضرر
وقال الحميري:
جاءت مع الاشقين في هودج * تزجى إلى البصرة أجنادها
كأنها في فعلها هرة * تريد أن تأكل أولادها
وقال الأحنف بن قيس:
حجابك أخفى للذي تسترينه * وصدرك أوعى للذي لا أقولها
فلا تسلكن الوعر صعبا محاله * فتغبر من سحب الملاء ذيولها
بلغ عائشة قتل عثمان وبيعة علي بسرف فانصرفت إلى مكة تنتظر الامر، فتوجه
طلحة والزبير و عبد الله بن عامر بن كريز فعزموا على قتال علي عليه السلام واختاروا
عبد الله بن عمر للإمامة فقال أتلقوني بين مخالب علي وأنيابه؟ ثم أدركهم يعلى بن
منبه من اليمن وأقرضهم ستين ألف دينار. والتمست عائشة من أم سلمة الخروج
فأبت وسألت حفصة فأجابت ثم خرجت عائشة في أول نفر. فكتب الوليد بن عتبة:
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم * ولا تهبوه لا تحل مواهبه
وأنشأ لما ظفر أمير المؤمنين عليه السلام:
ألا يا أيها الناس عندي الخبر * بأن الزبير أخاكم غدر
وطلحة أيضا حذا فعله * ويعلى بن منبه فيمن نفر
فأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام أبياتا منها:
فتن تحل بهم وهن شوارع * يسقى أواخرها بكأس الأول
335

فتن إذا نزلت بساحة أمة * أذنت بعدل بينهم متنفل
فتقدمت عائشة إلى الحوأب وهو ماء نسب إلى الحوأب بنت كليب بن وبرة فصاحت
كلابها فقالت إنا لله وإنا إليه راجعون ردوني.
ذكر الأعثم في الفتوح والماوردي في اعلام النبوة وشيرويه في الفردوس
وأبو يعلى في المسند وابن مردويه في فضايل أمير المؤمنين والموفق في الأربعين وشعبة
والشعبي وسالم بن أبي الجعد في أحاديثهم والبلاذري والطبري في تأريخهما: ان عائشة
لما سمعت نباح الكلاب قالت أي ماء هذا؟ فقالوا الحوأب. قالت إنا لله وإنا إليه
راجعون اني لهيته قد سمعت رسول الله وعنده نساؤه يقول: ليت شعري أيتكن
تنبحها كلاب الحوأب؟ وفي رواية الماوردي: أيتكن صاحبة الجمل الأريب تخرج
فتنبحها كلاب الحوأب يقتل من يمينها ويسارها قتلى كثير وتنجو بعد ما كاد تقتل؟
قال الحميري:
تهوى من البلد الحرام فنبهت * بعد الهد وكلاب أهل الحوأب
يحدو الزبير بها وطلحة عسكر * يا للرجال لرأي أم مشجب
ذئبان قادهما الشقاء وقادها * للخير فاقتحما بها في منشب
يا للرجال لرأى أم قادها * ذئبان يكتنفانها في أذؤب
أم تدب إلى ابنها ووليها * بالمؤذيات له دبيب العقرب
وله أيضا:
أعائش ما دعاك إلى قتال * الوصي وما عليه تنقمينا
أ لم يعهد إليك الله إلا * تري أبدا من المتبرجينا
وأن ترخي الحجاب وأن تقري * ولا تتبرجي للناظرينا
وقال لك النبي أيا حميرا * سيبدي منك فعل الحاسدينا
وقال ستنبحين كلاب قوم * من الاعراب والمتعربينا
وقال ستركبين على خدب * يسمى عسكرا فتقالينا
فخنت محمدا في أقربيه * ولم ترع له القول الوضينا
وقال غيره:
وأقبلت في بقايا السيف يقدمها * إلى الخريبة شيخاها المضلان
336

يقودها عسكر حتى إذا قربت * وحللت رحلها في قيس غيلان
ونبحت أكلبا بالحوأب ادكرت * فنادت الويل لي والعول رداني
يا طلح ان رسول الله خبرني * بأن سيري هذا سير عدواني
وإنني لعلي فيه ظالمة * ويا زبير أقيلاني أقيلاني
فأقسما قسما بالله أنهما * قد خلف الماء خلف المنزل الثاني
وطأطأت رأسها عمدا وقد علمت * بأن أحمد لم يخبر ببهتان
فلما نزلت الخريبة قصدهم عثمان بن حنيف وحاربهم فتداعوا إلى الصلح، فكتبوا بينهم
كتابا أن لعثمان دار الامارة وبيت المال والمسجد إلى أن يصل إليهم علي. فقال طلحة
لأصحابه في السر والله لئن قدم علي البصرة لنؤخذن بأعناقنا فأتوا على عثمان بياتا في
ليلة ظلماء. وهو يصلي بالناس العشاء الآخرة وقتلوا منهم خمسين رجلا واستأسروه
ونتفوا شعره وحلقوا رأسه وحبسوه فبلغه ذلك سهل بن حنيف فكتب إليهما: أعطي
الله عهدا لئن لم تخلوا سبيله لأبلغن من أقرب الناس اليكما. فأطلقوه ثم بعثا عبد الله
ابن الزبير في جماعة إلى بيت المال فقتل أبا سلمة الزطي في خمسين رجلا. وبعث عائشة
إلى الأحنف تدعوه فأبى واعتزل بالجلحاء من البصرة في فرسخين وهو في ستة آلاف
فأمر علي عليه السلام سهل بن حنيف على المدينة وقثم بن العباس على مكة وخرج في
ستة آلاف إلى الربذة ومنها إلى ذي قار وأرسل الحسن وعمار إلى الكوفة وكتب:
من عبد الله ووليه علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار وسنام العرب ثم
ذكر فيه قتل عثمان وفعل طلحة والزبير وعائشة ثم قال: ان دار الهجرة قد قلعت
باهلها وقلعوا بها وجاشت جيش المرجل وقامت الفتنة على القطب فاسرعوا إلى أميركم
وبادروا عدوكم. فلما بلغا الكوفة قال أبو موسى الأشعري: يا أهل الكوفة اتقوا
الله ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما ومن يقتل مؤمنا متعمدا - الآية -
فسكته عمار، فقال أبو موسى: هذا كتاب عائشة تأمرني ان تكف أهل الكوفة
فلا تكونن لنا ولا علينا ليصل إليهم صلاحهم.
فقال عمار: إن الله تعالى أمرها
بالجلوس فقامت وأمرنا بالقيام لندفع الفتنة فنجلس؟ فقام زيد بن صوحان ومالك
الأشتر في أصحابهما وتهددوه. فلما أصبحوا قام زيد بن صوحان وقرأ: ألم
أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون - الآية - " ثم قال أيها
الناس سيروا إلى أمير المؤمنين وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق راشدين ثم قال عمار
337

هذا ابن عم رسول الله يستنفركم فأطيعوه. في كلام له وقال الحسن بن علي (ع)
أجيبوا دعوتنا وأعيوننا على ما بلينا به. في كلام له فخرج قعقاع بن عمر وهند بن عمر
وهيثم بن شهاب وزيد بن صوحان والمسيب بن نجيبة ويزيد بن قيس وحجر بن
عدي وابن مخدوج والأشتر يوم الثالث في تسعة آلاف فاستقبلهم علي على فرسخ وقال
مرحبا بكم أهل الكوفة وفئة الاسلام ومركز الدين. في كلام له وخرج إلى علي
عليه السلام من شيعته من أهل البصرة من ربيعة ثلاثة آلاف رجل. وبعث الأحنف
إليه إن شئت اتيتك في مائتي فارس فكنت معك وإن شئت اعتزلت ببني سعد فكففت
عنك ستة آلاف سيف فاختار علي اعتزاله
الأعثم في الفتوح انه كتب أمير المؤمنين عليه السلام إليهما أما بعد: فاني لم أرد
الناس حتى أرادوني ولم أبايعهم حتى أكرهوني وأنتما ممن أراد بيعتي ثم قال عليه السلام
بعد كلام: ورفعكما هذا الامر قبل ان تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه
بعد اقراركما.
البلاذري: لما بلغ عليا قولهما (ما بايعناه إلا مكرهين تحت السيف) قال أبعدهما
الله أقصى دارا وأحر نارا.
الأعثم: وكتب عليه السلام إلى عائشة أما بعد: فإنك خرجت من بيتك عاصية
لله تعالى ولرسوله محمد صلى الله عليه وآله تطلبين امرا كان عنك موضوعا ثم تزعمين
انك تريدين الاصلاح بين المسلمين فخبريني ما للنساء وقود العساكر والاصلاح بين
الناس وطلبت كما زعمت بدم عثمان وعثمان رجل من بني أمية وأنت امرأة من بني تيم
ابن مرة ولعمري ان الذي عرضك للبلاء وحملك على العصبية لأعظم إليك ذنبا من قتلة
عثمان وما غضبت حتى أغضبت ولا هجت حتى هيجت فاتقي الله يا عائشة وارجعي إلى
منزلك واسبلي عليك سترك احكم كما تريد فلن يدخل في طاعتك. وقالت عائشة: قد
جل الامر عن الخطاب. فأنشأ حبيب بن يساف الأنصاري:
أبا حسن أيقظت من كان نائما * وما كان من يدعى إلى الحق يتبع
وإن رجالا بايعوك وخالفوا * هواك وأجروا في الضلال وضيعوا
وطلحة فيها والزبير قرينه * وليس لما لا يدفع الله مدفع
وذكرهم قتل ابن عفان خدعة * هم قتلوه والمخادع يخدع
وسأل ابن الكواء وقيس بن عباد أمير المؤمنين عليه السلام عن قتال طلحة والزبير
338

فقال: انهما بايعاني بالحجاز وخلعاني بالعراق فاستحللت قتالهما لنكثهما بيعتي.
تأريخ الطبري: والبلاذري: انه ذكر مجئ طلحة والزبير إلى البصرة قبل الحسن
فقال يا سبحان الله ما كان للقوم عقول أن يقولوا والله ما قتله غيركم.
تأريخ الطبري: قال يونس النحوي فكرت في أمر علي وطلحة والزبير ان
كانا صادقين ان عليا قتل عثمان فعثمان هالك وان كذبا عليه فهما هالكان
تأريخ الطبري: قال رجل من بني سعد:
صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * هذا لعمرك قلة الانصاف
أمرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تشق البيد بالايجاف
عرضا يقاتل دونها أبناؤها * بالنبل والخطي والاسياف
وقال الحميري،:
وبيعة ظاهر بايعتموها * على الاسلام ثم نقضتموها
وقد قال الإله لهن قرنا * فما قرت ولا أقررتموها
يسوق لها البعير أبو حبيب * لحين أبيه إذ سيرتموها
وقال الناشي:
ألا يا خليفة خير الورى * لقد كفر القوم إذ خالفوكا
أدل الدليل على أنهم * أتوك وقد سمعوا النص فيكا
خلافهم بعد دعواهم * ونكثهم بعد ما بايعوكا
طغوا بالخريبة واستنجدوا * بصفين والنهر إذ صالتوكا
أناس هم حاصروا نعثلا * ونالوه بالقتل ما استأذنوكا
فيا عجبا منهم إذ جنوا * دما وبثاراته طالبوكا
وقال ابن حماد:
يبغون ثارا ما استحلوا قتله * ورووا عليه الفسق والكفرانا
وأنفذ أمير المؤمنين (ع) زيد بن صوحان و عبد الله بن عباس فوعظاها وخوفاها
وفي رامش افزاي: انها قالت لا طاقة لي بحجج علي. فقال ابن عباس: لا طاقة
لك بحجج المخلوق فكيف طاقتك بحجج الخالق؟
جمل أنساب الأشراف: انه زحف علي بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون
من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين، وعلى ميمنته الأشتر وسعيد بن قيس، وعلى
339

ميسرته عمار وشريح بن هاني، وعلى القلب محمد بن أبي بكر وعدي بن حاتم، وعلى
الجناح زياد بن كعب وحجر بن عدي، وعلى الكمين عمرو بن الحمق وجندب بن
زهير، وعلى الرجالة أبو قتادة الأنصاري، وأعطى رايته محمد بن الحنفية ثم أوقفهم
من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر يدعوهم ويناشدهم ويقول لعائشة ان الله امرك ان
تقري في بيتك فاتقي الله وارجعي، ويقول لطلحة والزبير خبأتما نساءكما وأبرزتما
زوجة رسول الله واستنفرتماها. فيقولان إنما جئنا للطلب بدم عثمان وان يرد الامر
شورى. وألبست عائشة درعا وضربت على هودجها صفايح الحديد والبس الهودج
درعا، وكان الهودج لواء أهل البصرة وهو على جمل يدعى عسكرا
ابن مردويه في كتاب الفضايل من ثمانية طرق: ان أمير المؤمنين عليه السلام
قال للزبير اما تذكر يوما كنت مقبلا بالمدينة تحدثني إذ خرج رسول الله فرآك معي
وأنت تبسم إلي فقال لك: يا زبير أتحب عليا؟ فقلت وكيف لا أحبه وبيني وبينه من
النسب والمودة في الله ما ليس لغيره؟ فقال إنك ستقاتله وأنت ظالم عليه. فقلت
أعوذ بالله من ذلك.
وقد تظاهرت الروايات أنه قال عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله قال لك
يا زبير تقاتله ظلما وضرب كتفك. قال اللهم نعم. قال أفجئت تقاتلني؟ فقال أعوذ
بالله من ذلك. قال الصاحب:
أفي القول نصا للزبير محذرا * تحاربه بالظلم حين تحارب
ثم قال أمير المؤمنين (ع) دع هذا، بايعتني طايعا ثم جئت محاربا فما عدا مما بدا؟
فقال لا جرم والله لا قاتلتك.
حلية الأولياء: قال عبد الرحمن بن أبي ليلى فلقيه عبد الله ابنه فقال جبنا جبنا
فقال يا بني قد علم الناس اني لست بجبان ولكني ذكرني علي شيئا سمعته من رسول الله
فحلفت ان لا أقاتله فقال دونك غلامك فلان أعتقه كفارة ليمينك.
نزهة الابصار عن ابن مهدي أنه قال همام الثقفي:
أيعتق مكحولا ويعصي نبيه * لقد تاه عن قصد الهدى ثمة عوق
لشتان ما بين الضلالة والهدى * وشتان من يعصي آله ويعتق
وفي رواية قالت عائشة: لا والله بل خفت سيوف ابن أبي طالب اما انها طوال حداد
تحملها سواعد أنجاد ولئن خفتها فلقد خافها الرجال من قبلك. فرجع إلى القتال
340

فقيل لأمير المؤمنين (ع) انه قد رجع فقال دعوه فان الشيخ محمول عليه ثم قال: أيها
الناس غضوا أبصاركم وعضوا نواجذكم وأكثروا من ذكر ربكم وإياكم وكثرة
الكلام فإنه فشل. ونظرت عائشة إليه وهو يجول بين الصفين فقالت: انظروا إليه
كأن فعله فعل رسول الله يوم بدر! اما والله ما ينتظر بك إلا زوال الشمس. فقال
علي عليه السلام: يا عائشة عما قليل لتصبحن نادمين. فجد الناس في القتال فنهاهم
أمير المؤمنين (ع) وقال: اللهم إني أعذرت وأنذرت فكن لي عليهم من الشاهدين.
ثم أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا
بينهما - الآية - " فقال مسلم المجاشعي ها أنا ذا "، فخوفه بقطع يمينه وشماله وقتله،
فقال لا عليك يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله، فأخذه ودعاهم إلى الله فقطعت
يده اليمنى فأخذه بيده اليسرى فقطعت فأخذه بأسنانه فقتل. فقالت أمه:
يا رب ان مسلما اتاهم * بمحكم التنزيل إذ دعاهم
يتلو كتاب الله لا يخشاهم * فزملوه زملت لحاهم
فقال عليه السلام: الآن طاب الضراب. وقال لمحمد بن الحنفية والراية في يده:
يا بني تزول الجبال ولا تزل عض ناجذك أعر الله جمجمتك تدقي الأرض قدميك ارم
ببصرك أقصى القوم وغض بصرك واعلم أن النصر من الله. ثم صبر سويعة فصاح
الناس من كل جانب من وقع النبال فقال عليه السلام تقدم يا بني فتقدم وطعن طعنا
منكرا. وقال عليه السلام:
إطعن بها طعن أبيك تحمد، * لا خير في حرب إذا لم توقد
بالمشرفي والقنا المسدد * والضرب بالخطي والمهند
فأمر الأشتر أن يحمل فحمل وقتل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل وكان زيد
يرتجز ويقول: ديني ديني * وبيعي بيعي
وجعل مخنف بن مسلم يقول:
قد عشت يا نفس وقد غنيت * دهرا وقبل اليوم ما عييت
وبعد ذا لا شك قد فنيت * اما مللت طول ما حييت
فخرج عبد الله بن اليثربي قائلا:
يا رب اني طالب أبا الحسن * ذاك الذي يعرف حقا بالفتن
فبرز إليه علي عليه السلام قائلا:
341

إن كنت تبغي أن ترى أبا الحسن * فاليوم تلقاه ملبا فاعلمن
وضربه ضربة مجرفة فخرج بنو ضبة وجعل يقول بعضهم:
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل * والموت أحلى عندنا من العسل
ردوا علينا شيخنا بمرتحل * إن عليا بعد من شر النذل
وقال آخر:
نحن بنو ضبة أعداء علي * ذاك الذي يعرف فيهم بالوصي
وكان عمرو بن اليثربي يقول:
إن تنكروني فأنا ابن اليثربي * قاتل عليا يوم هند الجمل
تم ابن صوحان على دين علي
فبرز إليه عمار قائلا:
لا تبرح العرصة يا ابن اليثربي * أثبت أقاتلك على دين علي
وأرداه عن فرسه وجر برجله إلى علي (ع) فقتله بيده، فخرج اخوه قائلا:
أضربكم ولو أرى عليا * عممته ابيض مشرفيا
واسمر عنطنطا خطيا * أبكي عليه الولد والوليا
فخرج علي متنكرا وهو يقول:
يا طالبا في حربه عليا * يمنحه ابيض مشرفيا
أثبت ستلقاه بها مليا * مهذبا سميدعا كميا
فضربه فرمى نصف رأسه. فناداه عبد الله بن خلف الخزاعي صاحب منزل عائشة
بالبصرة أتبارزني؟ فقال عليه السلام ما أكره ذلك ولكن ويحك يا ابن خلف ما راحتك
في القتل وقد علمت من انا؟ فقال ذرني من بذخك يا ابن أبي طالب ثم قال:
إن تدن مني يا علي فترا * فإنني دان إليك شبرا
بصارم يسقيك كأسا مرا * ها ان في صدري عليك وترا
فبرز إليه علي عليه السلام قائلا:
يا ذا الذي يطلب مني الوترا * إن كنت تبغي ان تزور القبرا
حقا وتصلى بعد ذاك جمرا * فادن تجدني أسدا هزبرا
أصعطك اليوم ذعافا صبرا
فضربه فطير جمجمته. فخرج مازن الضبي قائلا:
342

لا تطمعوا في جمعنا المكلل * الموت دون الجمل المجلل
فبرز إليه عبد الله بن نهشل قائلا:
إن تنكروني فأنا ابن نهشل * فارس هيجاء وخطب فيصل
فقتله. وكان طلحة يحث الناس ويقول: عباد الله الصبر الصبر
في كلام له البلاذري: إن مروان بن الحكم قال والله ما اطلب ثاري بعثمان بعد
اليوم ابدا. فرمى طلحة بسهم فأصاب ركبته والتفت إلى أبان بن عثمان وقال لقد
كفيتك أحد قتلة أبيك. معارف القتيبي: إن مروان قتل طلحة يوم الجمل بسهم
فأصاب ساقه. قال الحميري:
واختل من طلحة المزهو حبته * سهم بكف قديم الكفر غدار
في كف مروان مروان اللعين أرى *، رهط الملوك ملوكا غير أخيار
وله أيضا:
واغتر طلحة عند مختلف القنا * عبل الذراع شديد أصل المنكب
فاختل حبة قلبه بمدلق * ريان من دم جوفه المتصبب
في مارقين من الجماعة فارقوا * باب الهدى وجبا الربيع المخضب
وحمل أمير المؤمنين عليه السلام في بني ضبة فما رأيتهم إلا كرماد اشتدت به الريح
في يوم عاصف. فانصرف الزبير فتبعه عمرو بن جرموز وحز رأسه واتى به إلى
أمير المؤمنين (ع) - القصة - قال الحميري:،
اما الزبير فحاص حين بدت له * جاؤوا ببرق في الحديد الأشهب
حتى إذا أمن الحتوف وتحته * عاري النواهق ذو نجاء صهلب
أثوى ابن جرموز عمير شلوه * بالقاع منعفرا كشلو التولب
وقال غيره:
طار الزبير على احصار ذي خضل * عبل الشوى لاحق المتنين محصار
حتى اتى واديا لاقى الحمام به * من كف محتبس كالصيد مغوار
فقالوا يا عائشة قتل طلحة والزبير وجرح عبد الله بن عامر من يدي علي فصالحي عليا
فقالت: كبر عمرو عن الطوق وجل امر عن العتاب. ثم تقدمت فحزن علي (ع)
وقال إنا لله وإنا إليه راجعون فجعل يخرج واحد بعد واحد ويأخذ الزمام حتى قطع
ثمان وتسعين رجلا ثم تقدمهم كعب بن سون الأزدي وهو يقول:
343

يا معشر الناس عليكم أمكم * فإنها صلاتكم وصومكم
والحرمة العظمى التي تعمكم * لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم
فقتله الأشتر فخرج ابن جفير الأزدي يقول:
قد وقع الامر بما لم يحذر * والنبل يأخذن وراء العسكر
وامنا في خدرها المشهر
فبرز إليه الأشتر قائلا:
اسمع ولا تعجل جواب الأشتر * وأقرب تلاقي كأس موت أحمر
ينسيك ذكر الجمل المشهر
فقتله، ثم قتل عمير الغنوي و عبد الله بن عتاب بن أسيد، ثم جال في الميدان جولا
وهو يقول:
نحن بنو الموت به غذينا
فخرج إليه عبد الله بن الزبير فطعنه الأشتر وأرداه وجلس على صدره ليقتله فصاح
عبد الله (اقتلوني ومالكا واقتلوا مالكا معي) فقصد إليه من كل جانب فخلاه وركب
فرسه، فلما رأوه راكبا تفرقوا عنه. وشد رجل من الأزد على محمد بن الحنفية
وهو يقول:
يا معشر الأزد كروا
فضربه ابن الحنفية فقطع يده وقال: يا معشر الأزد فروا
فخرج الأسود بن البختري السلمي قائلا:
ارحم إلهي الكل من سليم * وانظر إليه نطرة الرحيم
فقتله عمرو بن الحمق فخرج جابر الأزدي قائلا:
يا ليت أهلي من عمار حاضري * من سادة الأزد وكانوا ناصري
فقتله محمد بن أبي بكر. وخرج عوف القيني قائلا:
يا أم يا أم خلا مني الوطن * لا ابتغي القبر ولا أبغي الكفن
فقتله محمد بن الحنفية. فخرج بشر الضبي قائلا:
ضبة ابدى للعراق عمعمة * واضرمي الحرب العوان المضرمة
344

فقتله عمار. وكانت عائشة تنادي بأرفع صوت. أيها الناس عليكم بالصبر فإنما يصبر
الأحرار فأجابها كوفي:
يا أم يا أم عققت فاعلموا * والام تغذو ولدها وترحم
أما تراكم من شجاع يكلم * وتجتلي هامته والمعصم
وقال آخر: قلت لها وهي على مهوات * إن لنا سواك أمهات
في مسجد الرسول ثاويات
فقال الحجاج بن عمر الأنصاري،:
يا معشر الأنصار قد جاء الأجل * اني أرى الموت عيانا قد نزل
فبادروه نحو أصحاب الجمل * ما كان في الأنصار جبن وفشل
فكل شئ ما خلا الله جلل
وقال خزيمة بن ثابت:
لم يغضبوا لله إلا للجمل * والموت خير من مقام في جمل
والموت أحرى من فرار وفشل
وقال شريح بن هاني:
لا عيش إلا ضرب أصحاب الجمل * والقول لا ينفع إلا بالعمل
ما إن لنا بعد علي من بدل
وقال هاني بن عروة المذحجي:
يا لك حرب حثها جمالها * قائدة ينقصها ضلالها
هذا علي حوله اقيالها
وقال سعد بن قيس الهمداني:
قل للوصي اجتمعت قحطانها * إن يك حرب أضرمت نيرانها
وقال عمار: إني لعمار وشيخي ياسر * صاح كلانا مؤمن مهاجر
طلحة فيها والزبير غادر * والحق في كف علي ظاهر
وقال الأشتر:
هذا علي في الدجى مصباح * نحن بذا في فضله فصاح
345

وقال عدي بن حاتم:
أنا عدي ونماني حاتم * هذا علي بالكتاب عالم
لم يعصه في الناس إلا ظالم
وقال عمرو بن الحمق:
هذا علي قائد نرضى به * أخو رسول الله في أصحابه
من عوده النامي ومن نصابه
وقال رفاعة بن شداد البجلي:
إن الذين قطعوا الوسيلة * ونازعوا على علي الفضيلة
في حربه كالنعجة الأكيلة
وشكت السهام الهودج حتى كأنه جناح نسر أو شوك قنفذ. فقال أمير المؤمنين (ع)
ما أراه يقاتلكم غير هذا الهودج اعقروا الجمل. وفي رواية: عرقبوه فإنه شيطان
وقال لمحمد بن أبي بكر: انظر إذا عرقب الجمل فأدرك أختك فوارها. فعرقب رجل
منه فدخل تحته رجل ضبي ثم عرقب أخرى عبد الرحمن فوقع على جنبه فقطع عمار
نسعه فأتاه علي (ع) ودق رمحه على الهودج وقال يا عائشة أهكذا أمرك رسول الله
أن تفعلي؟ فقالت: يا أبا الحسن ظفرت فأحسن وملكت فاسجح. فقال لمحمد بن
أبي بكر: شأنك وأختك فلا يدن منها أحد سواك. فقال فقلت لها: ما فعلت
بنفسك؟ عصيت ربك وهتكت سترك ثم أبحت حرمتك وتعرضت للقتل. فذهب بها
إلى دار عبد الله بن خلف الخزاعي فقالت: أقسمت عليك ان تطلب عبد الله بن الزبير
جريحا كان أو قتيلا. فقال: انه كان هدفا للأشتر فانصرف محمد إلى العسكر فوجده
فقال اجلس يا مشئوم أهل بيته فأتاها به، فصاحت وبكت ثم قالت يا أخي استأمن له
من علي فاتى أمير المؤمنين (ع) فاستأمن له منه. فقال عليه السلام: أمنته وأمنت جميع
الناس. وكانت وقعة الجمل بالخريبة ووقع القتال بعد الظهر وانقضى عند المساء.
فكان مع أمير المؤمنين (ع) عشرون الف رجل. منهم البدريون ثمانون رجلا، وممن
بايع تحت الشجرة مائتان وخمسون، ومن الصحابة الف وخمسمائة رجل. وكانت
عائشة في ثلاثين ألفا أو يزيدون منها المكيون ستمائة رجل. قال قتادة: قتل يوم الجمل
عشرون ألفا. وقال الكلبي: قتل من أصحاب علي الف راجل وسبعون فارسا، منهم
زيد بن صوحان وهند الحملي وأبو عبد الله العبدي وعبد الله بن رقبة (رقية).
346

وقال أبو مخنف والكلبي: قتل من أصحاب الجمل من الأزد خاصة أربعة آلاف
رجل، ومن بني عدي، ومواليهم تسعون رجلا، ومن بني بكر بن وائل ثمانمائة
رجل، ومن بني حنظلة تسعمائة رجل، ومن بني ناجية أربعمائة رجل والباقي من
أخلاط الناس إلى تمام تسعة آلاف إلا تسعين رجلا. والقرشيون منهم: طلحة والزبير
وعبد الله بن عتاب بن أسيد وعبد الله بن حكيم بن حزام وعبد الله بن شافع بن طلحة
ومحمد بن طلحة وعبد الله بن أبي خلف الجمحي وعبد الرحمن بن معد وعبد الله بن معد.
وعرقب الجمل أولا أمير المؤمنين عليه السلام ويقال مسلم بن عدنان ويقال رجل
من الأنصار ويقال رجل ذهلي. وقيل لعبد الرحمن بن صرد التنوخي لم عرقبت
الجمل؟ فقال:
عقرت ولم اعقر بها لهوانها * علي ولكني رأيت المهالكا
وما زالت الحرب العوان تحثها * بنوهاتها حتى هوى القود باركا
فأضجعته بعد البروك لجنبه * فخر صريعا كالثنية مالكا
فكانت شرارا إذ اطيقت بوقعه * فيا ليتني عرقبته قبل ذالكا
وقال عثمان بن حنيف:
شهدت الحروب فشيبنني * فلم أر يوما كيوم الجمل
أشد على مؤمن فتنة * واقتل منهم لحرق بطل
فليت الظعينة في بيتها * ويا ليت عسكر لم يرتحل
وقال ابن حماد:
كليم شمس رجعت * طوعا له في جحفل
مدحي باب خيبر * قتال أهل الجمل
أنت مردي كل طاغ * في القرون الأول
سل به يوم صفين ويوم الجمل
وقال مهيار: احتج قوم بعد ذاك بهم * بفاضحات ربها يوم الجمل
فقيل فيهم من لوى ندامة * عنانه من المضاع فاعتزل
فأسرع العامل في قناته * فرد بالكرة كر وحمل
ومنهم من تاب بعد موته * وليس بعد الموت للمرء عمل
347

فصل: في حرب صفين
تفسير الحسن والسدي ووكيع والثعلبي ومسند أحمد أنه قال الزبير في قوله
تعالى: " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " لقد لبثنا ازمانا ولا نرى
من أهلها فإذا نحن المعنيون بها.
قال السدي في قوله تعالى: " فلا عدوان إلا على الظالمين " نزلت في حربين يوم
صفين ويوم الجمل، فسمى الله أصحاب الجمل وصفين ظالمين ثم قال: واعلموا ان الله
مع المتقين بالنصر والحق مع أمير المؤمنين وأصحابه
قال بعض المفسرين في قوله تعالى: " قل للمخلفين من الاعراب ستدعون فيما
بعد إلى قوم اولي بأس شديد " انهم أهل صفين، وذلك أن النبي (ص) قال
للأعراب الذين تخلفوا عنه بالحديبية وعزموا على خيبر " قل لن تتبعونا كذلكم قال
الله من قبل ".
أبو سعيد الخدري و عبد الله بن عمر قالا في قوله تعالى: " ثم انكم يوم القيامة
عند ربكم تختصمون " كنا نقول ربنا ونبينا واحد وديننا واحد فما هذه الخصومة؟
فلما كان حرب صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا.
قال الباقر عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقاتل معاوية " قاتلوا
أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون - الآية - " هم هؤلاء ورب الكعبة
قال ابن مسعود: قال النبي (ص) أئمة الكفر معاوية وعمرو بن العاص
قال محمد بن منصور:
أكرم بقوم فيهم عمارهم * وتصول منه على العدى كفان
وأويس القرني يقدم جمعهم * حسبي بهذا حجة وكفاني
ولما فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من الجمل نزل في الرحبة السادس من رجب
وخطب فقال: الحمد لله الذي نصر وليه وخذل عدوه وأعز الصادق المحق وأذل
الناكث المبطل. ثم إنه عليه السلام دعا الأشعث بن قيس من ثغر اذربيجان والأحنف
ابن قيس من البصرة وجرير بن عبد الله البجلي من همدان فأتوه إلى الكوفة، فوجه
جرير إلى معاوية يدعوه إلى طاعته، فلما بلغها توقف معاوية في ذلك حتى قدم
348

شرحبيل الكندي ثم خطب فقال: أيها الناس قد علمتم اني خليفة عمر وخليفة عثمان
وقد قتل عثمان مظلوما وأنا وليه وابن عمه وأولى الناس بطلب دمه، فماذا رأيكم؟
فقالوا: نحن طالبون بدمه. فدعا عمرو بن العاص على أن يطعمه مصر، فكان عمرو
يأمر بالحمل والحط مرارا. فقال له غلامه وردان تفكر ان الآخرة مع علي والدنيا
مع معاوية فقال عمرو:
يا قاتل الله وردانا وفطنته * ابدا لعمري ما في الصدر وردان
فلما ارتحل قال ابن عمرو له:
ألا يا عمرو ما أحرزت نصرا * ولا أنت الغداة إلى رشاد
أبعت الدين بالدنيا خسارا * وأنت بذاك من شر العباد
فانصرف جرير. فكتب معاوية إلى أهل المدينة،: ان عثمان قتل مظلوما، وعلي آوى قتلته فان دفعهم الينا كففنا عنه وجعلنا هذا الامر شورى بين المسلمين كما جعله عمر
عند وفاته فانهضوا رحمكم الله معنا إلى حربه. فأجابوه بكتاب فيه:
معاوي أن الحق أبلج واضح * وليس كما ربصت أنت ولا عمرو
نصبت لنا اليوم ابن عفان خدعة * كما نصب الشيخان إذ زخرف الامر
رميتم عليا بالذي لم يضره * وليس له في ذاك نهي ولا أمر
وما ذنبه إن نال عثمان معشر * أتوه من الاحياء تجمعهم مصر
وكان علي لازما قعر بيته * وهمته التسبيح والحمد والذكر
فما أنتما لا در در أبيكما * وذكركم الشورى وقد وضح الامر
فما أنتما والنصر منا وأنتما * طليق أسارى ما تبوح بها الخمر
وجاء أبو مسلم الخولاني بكتاب من عنده إلى أمير المؤمنين عليه السلام يذكر فيه:
وكان أنصحهم لله خليفته ثم خليفة خليفته ثم الخليفة الثالث المقتول ظلما فكلهم
حسدت وعلى كلهم بغيت عرفنا ذلك ثم نظرك الشزر وقولك الهجر وتنفسك الصعداء
وابطاؤك عن الخلفاء وفي كل ذلك تقاد كما يقاد الجمل المغشوش ولم نكن لاحد منهم
أشد حسدا منك لابن عمك وكان أحقهم ان لا تفعل ذلك لقرابته وفضله فقطعت رحمه
وقبحت حسنه فأظهرت له العداوة وبطنت له بالغش وألبت الناس عليه فقتل معك في
المحلة وأنت تسمع الهايعة ولا تدرأ عنه بقول ولا فعل. فلما وصل الخولاني وقرأ
الكتاب على الناس قالوا كلنا قاتلون ولأفعاله منكرون. فكان جواب أمير المؤمنين
349

وبعد فاني رأيت قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون من بيعتي ثم
حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وأما تلك
التي تريدها فإنها خدعة الصبي عن اللبن ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لعلمت
أني من أبرأ الناس من دم عثمان وقد علمت أنك من أبناء الطلقاء الذين لا تحل لهم
الخلافة. واجمع عليه السلام على المسير وحض الناس على ذلك.
قال ابن مردويه قال ابن أبي حازم التميمي وأبو وايل قال أمير المؤمنين (ع)
انفروا إلى بقية الأحزاب أولياء الشيطان انفروا إلى من يقول كذب الله ورسوله.
وجاء رجل من عبس إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسئل ما الخبر؟ فقال إن في الشام
يلعنون قاتلي عثمان ويبكون على قميصه. فقال أمير المؤمنين. ما قميص عثمان بقميص
يوسف ولا بكاؤهم عليه إلا كبكاء أولاد يعقوب. فلما فتح الكتاب وجده بياضا
فحولق. فقال قيس بن سعد:
ولست بناج من علي وصحبه * وإن تك في جابلق لم تك ناجيا
وكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام: ليت القيامة قد قامت فترى المحق من المبطل
فقال أمير المؤمنين " يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها - الآية)
الشاذكوني: رفع رجل إلى أمير المؤمنين كتابا في آخره:
فازجر حمارك لا يرتع بروضتنا * إذا ترد وقيذ العين مكروبا
فقال لعبد الله بن أبي رافع اكتب: ان بيعتي شملت الخاص والعام وإنما الشورى
للمؤمنين من المهاجرين الأولين والسابقين بالاحسان من البدريين وإنما أنت طليق
ابن طليق لعين ابن لعين وثني ابن وثني ليست لك هجرة ولا سابقة ولا منقبة ولا فضيلة
وكان أبوك من الأحزاب الذين حاربوا الله ورسوله فنصر الله عبده وصدق وعده
وهزم الأحزاب. ثم وقع في آخر الكلام:
ألم تر قومي إذ دعاهم أخوهم * أجابوا وإن يغضب على القوم يغضب
وكتب معاوية: اتق الله يا علي وذر الحسد فلطالما لم ينتفع به أهله ولا تفسدن
سابقة قدمك بشر من حديثك فان الاعمال بخواتيمها ولا تعمدن بباطل في حق من
لا حق له فإنك إن تفعل ذلك فلا تضر إلا نفسك ولن تمحق إلا عملك. فأجابه عليه
السلام: بعد كلام عظتي لا تنفع من حقت عليه كلمة العذاب ولم يخف العقاب ولا يرجو
لله وقارا ولم يخف حذارا فشأنك وما أنت عليه من الضلالة والحيرة والجهالة تجد الله
350

عز وجل في ذلك بالمرصاد، ثم قال في آخره، فأنا أبو الحسن قاتل جدك عتبة
وعمك شيبة وأخيك حنظلة الذين سفك الله دماءهم على يدي في يوم بدر، وذلك السيف
معي وبذلك القلب القى عدوي، ومن كلامه: متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء
ناكلين وبالسيوف مخوفين (فالبث قليلا يلحق الهيجا جمل) فسيطلبك من تطلب وتقرب
منك من تستبعد وأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين
باحسان شديد زحامهم ساطع قتامهم متسربلين سرابيل الموت أحب اللقاء إليهم لقاء
ربهم قد صحبتهم ذرية بدرية وسيوف هاشمية قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك
وجدك وما هي من الظالمين ببعيد. فنهاه عمرو عن مكاتبته ولم يكتب إلا بيتا: ليس بيني وبين قيس عتاب * غير طعن الكلى وضرب الرقاب
قال أمير المؤمنين عليه السلام قاتلت الناكثين وهؤلاء القاسطين وسأقاتل المارقين، ثم
ركب فرس النبي (ص) وقصده في تسعين ألفا. قال سعيد بن جبير: منها تسعمائة
رجل من الأنصار وثمانمائة من المهاجرين. وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى سبعون
رجلا من أهل بدر ويقال مائة وثلاثون رجلا.
وخرج معاوية في مائة وعشرين ألفا يتقدمهم مروان وقد تقلد بسيف عثمان
فنزل صفين في المحرم على شريعة الفرات وقال:
اتاكم الكاشر عن أنيابه * ليث العرين جاء في أصحابه
ومنعوا عليا وأصحابه الماء فأنفذ علي شبث بن ربعي الرياحي وصعصعة بن صوحان
فقالا في ذلك لطفا وعنفا فقالوا أنتم قتلتم عثمان عطشا. فقال عليه السلام: ارووا
السيوف من الدماء ترووا من الماء والموت في حياتكم مقهورين خير من الحياة في
موتكم قاهرين فقال الشاعر:
أتحمون الفرات على رجال * وفي أيديهم الأسل الظباء
وفي الأعناق أسياف حداد * كأن القوم عندهم النساء
وقال الأشتر: ميعادنا الآن بياض الصبح * لا يصلح الزاد بغير ملح
وقال الأشعث:
لأوردن خيلي الفراتا * شعث النواصي أو يقال فاتا
وحملا في سبعة عشر الف رجل حملة رجل واحد ففرق بعضهم وانهزم الباقون، فأمر
351

علي (ع) أن لا يمنعوهم الماء. وكان نزوله عليه السلام بصفين لليالي بقين من
ذي الحجة سنة ست وثلاثين. فأمر معاوية للنقابين أن ينقبوا تحت معسكر علي
متفرقين ونودوا أنه يجري عليكم الماء فقال هذه خدعة فصاحوا ثم انقلبوا، فلما
أصبحوا رأوا معاوية في معسكرهم فقال علي عليه السلام:
فلو أني أطعت عصيت قومي * إلى ركن اليمامة أو شئام
ولكني إذا أبرمت أمرا * يخالفني أقاويل الطغام
فتقدم الأشتر وقتل صالح بن فيروز العتلي ومالك بن الأدهم وزياد بن عبيد الكناني
وزامل بن عبيد الخزاعي ومالك بن روضة الجمحي مبارزة. وطعن الأشعث
لشرحبيل بن السمط ولأبي الأعور السلمي، فخرج حوشب ذو الظليم وذو الكلاع
في نفر فقالوا امهلونا هذه الليلة، فقالوا لا نبيت إلا في معسكرنا، فانكشفوا ثم إن
عليا انفذ سعيد بن قيس الهمداني وبشر بن عمرو الأنصاري ليدعواه إلى الحق،
فانصرفا بعدما احتجا عليه ثم انفد شبث بن ربعي الرياحي وعدي بن حاتم الطائي
وبريدة بن قيس الارجي وزياد بن حفص بمثل ذلك، فكان معاوية يقول: سلموا
قتلة عثمان لأقتلهم به ثم نعتزل الامر حتى يكون شورى، فتقاتلوا في ذي الحجة
وأمسكوا في المحرم، فلما استهل صفر سنة سبع وثلاثين أمر علي فنودي بالشام
والاعذار والانذار، ثم عبئ عسكره فجعل على ميمنته الحسن والحسين و عبد الله بن
جعفر ومسلم بن عقيل، وعلى ميسرته محمد بن الحنفية ومحمد ابن أبي بكر وهاشم بن
عتبة المرقال، وعلى القلب عبد الله بن العباس والعباس بن ربيعة بن الحارث والأشتر
والأشعث، وعلى الجناح سعد بن قيس الهمداني و عبد الله بن بديل بن ورقاء
الخزاعي ورفاعة بن شداد البجلي وعدي بن حاتم، وعلى الكمين عمار بن ياسر وعمرو
ابن الحمق وعامر بن واثلة الكناني وقبيصة بن جابر الأسدي.
وجعل معاوية على ميمنته ذا الكلاع الحميري وحوشب ذا الظليم، وعلى الميسرة
عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة، وعلى القلب الضحاك بن قيس الفهري
و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعلى الساقة بسر بن أرطأة الفهري، وعلى الجناح
عبد الله بن مسعدة الفزاري، وهمام بن قبيصة النمري، وعلى الكمين أبا الأعور السلمي،
وحابس بن سعد الطائي.
352

فبعث علي عليه السلام إلى معاوية أن اخرج إلي أبارزك فلم يفعل. وقد جرى
بين العسكرين أربعون وقعة يغلبها أهل العراق أولها: يوم الأربعاء بين الأشتر
وحبيب بن مسلمة. والثاني: بين المرقال وأبي الأعور السلمي. والثالث بين عمار
وعمرو بن العاص والرابع بين ابن الحنفية وعبيد الله بن عمر والخامس بين
عبد الله بن العباس والوليد بن عقبة. والسادس: بين سعد بن قيس وذي الكلاع
إلى تمام الأربعين وقعة آخرها ليلة الهرير خرج عون بن عوف الحارثي قائلا:
اني انا عون أخو الحروب * صاحبها ولست بالهروب
فبارزه علقمة قائلا:
يا عون لو كنت امرءا حازما * لم تبرز الدهر إلى علقمة
لقيت ليثا أسدا باسلا * يأخذ بالأنفاس والغلصمة
وخرج أحمر مولى عثمان قائلا:
ان الكتيبة عند كل تصادم * تبكي فوارسها على عثمان
فأجابه كيسان مولى علي عليه السلام:
عثمان ويحك قد مضى لسبيله * فاثبت لحد مهند وسنان
فقتله الأحمر. فقال علي عليه السلام: قتلني الله ان لم أقتلك، اخذ بجريان درعه ورفعه
وضربه على الأرض وجعل يجول في الميدان ويقول:
لهف نفسي وقليل ما أسر * ما أصاب الناس من خير وشر
لم أرد في الدهر يوما حربهم * وهم الساعون في الشر الشمر
فحث معاوية غلامه حريثا أن يغتال عليا في قتله فطير أمير المؤمنين عليه السلام قحفه
في الهواء وجعل يجول ويقول:
ألا احذروا في حربكم أبا الحسن * فلا تروموه فمذا من الغبن
فإنه يدقكم دق الطحن * ولا يخاف في الهياج من ومن
وخرج عمرو بن العاص مرتجزا يقول:
لا عيش إن لم الق يوما هاشما * ذاك الذي جشمني المجاشما
ذاك الذي يشتم عرضي ظالما * ذاك الذي لم ينج منى سالما
فبرز هاشم مرتجزا:
ذاك الذي نذرت فيه النذرا * ذاك الذي أعذرت فيه العذرا
353

ذاك الذي ما زال ينوي الغدرا * أو يحدث الله لأمر أمرا
فضربه هاشم وخرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد يقول:
قل لعلي هكذا الوعيد * انا ابن سيف الله لا مزيد
وخالد ابن نبته الوليد * قد فمر الحرب فزيد وازيدوا
فبرز الأشتر مرتجزا يقول:
بالضرب أوفي ميتة مؤخرة * يا رب جنبني سبيل الفجرة
ولا تخيبني ثواب البررة * واجعل وفاتي بأكف الكفرة
فضربه الأشتر فانصرف قائلا: أفنانا دم عثمان. فقال معاوية: هذه فاشرة الصباة في
اللعب فاصبر فان الله مع الصابرين. وخرج معاوية يشير إلى همدان وهو يقول:
لا عيش إلا فلق قحف الهام * من أرحب ويشكر شبام
قوم هم أعداء أهل الشام * كم من كريم بطل همام
وكم قتيل وجريح ذام * كذاك حرب السادة الكرام
فبرز سعيد بن قيس يرتجز ويقول:
لا هم رب الحل والحرام * لا تجعل الملك لأهل الشام
فحمل وهو مشرع رمحه فولى معاوية هاربا ودخل في غمار القوم وجعل قيس يقول:
يا لهف نفسي فاتني معاوية * على طم كالعقاب هاوية
والراقصات لا يعود ثانية * إلا هوى معفرا في الهاوية
وبرز أبو الطفيل الكناني قائلا:
تحامت كنانة في حربها * وحامت تميم وحامد أسد
وهامت هوازن من بعدها * فما حام منها ومنهم أحد
طحنا الفوارس يوم العجاج * وسقنا الأراذل سوق النكد
وجال علي عليه السلام في الميدان قائلا:
أنا علي فسألوني تخبروا * ثم ابرزوا لي في الوغى وابدروا
سيفي حسام وسناني يزهر * منا النبي الطاهر المطهر
وحمزة الخير ومنا جعفر * وفاطم عرسي وفيها مفخر
هذا لهذا وابن هند محجر * مذبذب مطرد مؤخر
فاستخلفه عمرو بن الحصين السكوني على أن يطعنه فرآه سعيد بن قيس فطعنه وأنشد:
354

أقول له وفى رمحي حشاه * وقد قرت بمصرعه العيون
ألا يا عمرو عمرو بني حصين * وكل فتى ستدركه المنون
أتدرك أن تنال أبا حسين * بمعضلة وذا ما لا يكون
وأنفذ معاوية ذا الكلاع إلى بني همدان فاشتبكت الحرب بينهم إلى الليل ثم انهزم
أهل الشام ثم أنشأ أمير المؤمنين عليه السلام أبياتا منها:
فوارس من همدان ليسوا بعزل * غداة الوغى من شاكر وشبام
يقودهم حامي الحقيقة ماجد * سعيد بن قيس والكريم محام
جزى الله همدان الجنان فإنهم * سهام العدى في كل يوم جمام
وبرز أبو أيوب الأنصاري فنكلوا عنه فحاذى معاوية حتى دخل فسطاطه فترفع
ابن منصور فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
وعلمنا الحرب آباؤنا * وسوف نعلم أيضا بنينا
وخرج رجل في براز رجل كوفي فصرعه الكوفي فإذا هو اخوه فقالوا خله فأبى أن
يطلقه إلا بأمر علي فأذن له بذلك. وبرز عبد الله بن خليقة الطائي في جماعة
من طي وارتجز:
يا طي طي السهل والأجبال * ألا أثبتوا بالبيض والعوالي
فقاتلوا أئمة الضلال
وخرج من العسكر زهاء الف رجل فاقتتلوا حتى لم يبق منهم أحد، وفيهم يقول
شبث بن ربعي:
وقاتلت الابطال منا ومنهم * وقام نساء حولنا ونحيب
وخرج بسر بن أرطأة مرتجزا:
أكرم بجند طيب الاردان * جاؤوا يكونوا أوليا الرحمن
إني أتاني خبر شجاني * أن عليا نال من عثمان
فبرز إليه سعيد بن قيس قائلا:
بؤسا لجند ضايع الايمان * أسلمهم بسر إلى الهوان
إلى سيوف لبني همدان
فانصرف بسر من طعنته مجروحا وخرج بن لام القضاعي مرتجزا:
أثبت لوقع الصارم الصقيل * فأنت لا شك أخو قتيل
355

فقال حجر بن عدي فخرج الحكم بن الأزهر قائلا،:
يا حجر حجر بني عدي الكندي * أثبت فاني ليس مثلي بعدي
فقتله حجر فخرج إليه مالك بن مسهر القضاعي يقول:
اني انا ابن مالك بن مسهر * انا ابن عم الحكم بن الأزهر
فأجابه حجر
اني حجر وانا ابن مسعر * أقدم إذا شئت ولا تؤخر
وبرز علقمة فأصيب في رجله وقتل من أهل العراق عمير بن عبيد المحاربي وبكر
ابن هوذة النخعي وابنه حيان وسعيد بن نعيم وابان بن قيس فحمل علي عليه السلام
فهزمهم. فقال معاوية كنت أرجو اليوم ظفرا. وبرز الأشتر وجعل يقتل واحدا
بعد واحد، فقال معاوية في ذلك فبرز عمرو بن العاص في أربعمائة فارس إليه وتبع
الأشتر مائتا رجل من نخع ومذحج وحمل الأشتر عليه فوقعت الطعنة في القربوس
فانكسر وخر عمرو صريعا وسقطت ثناياه فاستأمنه. وبرز الأصبغ بن نباتة قائلا:،
حتى متى ترجو البقا يا اصبغ * ان الرجاء للقنوط يدمغ
وقائل حتى حرك معاوية من مقامه. وخرج عوف المرادي قائلا:
انا المرادي واسمي عوف * هل من عراقي عصاه سيف
فبرز إليه كعبر الأسدي قائلا:
الشام فيها لقوي مغور * انا العراقي واسمي كعبر
فقتله ورأي معاوية على تل فقصد نحوه فلما قرب منه حمل عليه مرتجزا:
ويلي عليك يا بني هند * انا الغلام الأسدي حمد
فأخذه أهل الشام بالطعان والضراب فانسل من بينهم قائلا:
فلو نلته نلت الذي ليس بعدها * من الامر شئ غير مين مقالي
ولو مت من يتلى له الف ميتة * لقلت لما قد نلت لست أبالي
وخرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فبرز إليه حارثة بن قدامة السعدي فقتله. وخرج
أبو الأعور السلمي فانصرف من طعنة زياد بن كعب الهمداني مجروحا وقتل
بنو همدان خلقا كثيرا من أهل الشام، فقال معاوية،:، بنو همدان أعداء عثمان
وبرز عمير بن عطارد التميمي في قومه قائلا:
قد صابرت في حربها تميم * لها حديث ولها قديم
دين قديم وهدى قديم
356

فقاتلوا إلى الليل وبرز قيس بن سعد وقال:
أنا ابن سعد وأبي عبادة * والخزرجيون رجال سادة
حتى متى انثنى إلى الوسادة * يا ذا الجلال لقني الشهادة
فخرج بسر بن أرطأة الفهري وارتجز:
أنا ابن أرطأة الجليل القدر * في أسرة من غالب وفهر
ان ارجع اليوم بغير وتر * فقد قضيت في ابن سعد نذري
فانصرف مجروحا من ضربة قيس. وخرج المخارق بن عبد الرحمن وقتل المرادي ومسلم
الأزدي ورجلين آخرين، فبرز إليه علي عليه السلام متنكرا فقتله وقتل سبعة بعده
وخرج كريب بن الصباح فقتل المبرقع الخولاني وشرحبيل البكري والحارث
الحكيمي و عبد الرحمن الهمداني فقتله أمير المؤمنين ثم قتل الحرث بن وداع والمطاع
ابن المطلب وعروة بن داود وخرج مولى لمعاوية مرتجزا:
أنا الحارث ما بي من حذر * مولى ابن صخر وبه انتصر
فقتله قنبر. وخرج بريد الكلبي قائلا:
لقد ضلت معاشر من نزار * إذا انقادوا لمثل أبي تراب
فقتله الأشتر. وخرج مشجع الجذامي فطعنه عدي بن حاتم.
ونادى خالد السدوسي: من يبايعني على الموت؟ فأجابه تسعة آلاف فقاتلوا
حتى بلغوا فسطاط معاوية. فهرب معاوية فنهبوا فسطاطه، وأنفذ معاوية إليه فقال
يا خالد لك عندي امرة خراسان متى ظفرت فاقصر ويحك عن فعالك هذا. فنكل عنها
فتفل أصحابه في وجهه وحاربوا إلى الليل وفيه يقول النجاشي:
وفر ابن حرب غير الله وجهه * وذاك قليل من عقوبة قادر
وخرج حمزة بن مالك الهمداني قائلا لهاشم المرقال:
يا أعور العين وما فينا عور * نبغي ابن عفان ونلحي من غدر
فقتله المرقال، فهجموا على المرقال فقتلوه، فأخذ سفيان بن ثور رايته فقاتل حتى
قتل ثم اخذها عتبة بن المرقال فقاتل حتى قتل، فأخذها أبو الطفيل الكناني مرتجزا:
يا هاشم الخير دخلت الجنة * قتلت في الله عدو السنة،
فقاتل حتى جرح فرجع القهقرى واخذها عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي مرتجزا:
357

أضربكم ولا أرى معاوية * الابرج العين العظيم الهاوية
هوت به في النار أم هاوية * جاوره فيها كلاب عاوية
فهجموا عليه فقتلوه، فأخذها عمرو بن الحمق قائلا:
جزى الله فينا عصبة أي عصبة * حسان وجوه صرعوا حول هاشم
وقاتل أشد قتال فخرج ذو الظليم قائلا:
أهل العراق ناسبوا وانتسبوا * أنا اليماني واسمي حوشب
من ذي الظليم أين أين المهرب
فبرز إليه سلمان بن صرد الخزاعي قائلا:
يا أيها الحي الذي تذبذبا * لسنا نخاف ذا الظليم حوشبا
فحملت الأنصار حملة رجل واحد وقتلوا ذا الكلاع وذا الظليم وساروا إليهم وكاد
يؤخذ معاوية، فقال الأنصار:
معاوي ما أفلت إلا بجرعة * من الموت حتى تحسب الشمس كوكبا
فان تفرحوا بابن البديل وهاشم * فانا قتلنا ذا الكلاع وحوشبا
وخرج عبيد الله بن عمر ودعا محمد بن الحنفية فنهض محمد فنهاه أبوه وكان يقول:
أنا عبيد الله ينميني عمر * خير قريش من مضى ومن غبر
فقتله عبد الله بن سوار، ويقال حريث بن خالد، ويقال هاني بن عمرو الينبوعي
ويقال محمد بن الصبيح. فأمر معاوية بتقديم سبعين راية، وبرز عمار في رايات
فقتل من أصحاب معاوية سبعمائة رجل ومن أصحاب علي مائتا رجل. وخرج علي
عليه السلام في مقاتلة همدان وقال بعضهم:
(برك الجمل برك الجمل)
فبركوا وبركت أيضا همدان، فقال أمير المؤمنين عليه السلام
قد حمل القوم فبركا فبركا * لا يدخل القوم على ما شكا
وخرج عمرو بن العاص يقول:
اني إذا الحرب تفرت عن كثير * أحمل ما احملت من خير وشر
فقصده الأشتر مرتجزا:
اني أنا الأشتر معروف السير * اني أنا الأفعى العراقي الذكر
فهزمهم وجرح عمرو، فقال النجاشي:
358

عدو النبي خلال العجاج * وافلت في حيرة خيلة الأبتر
فرد اللواء على عقبه * وفاز بخطوتها الأشتر
وخرج العراد بن الأدهم ودعا العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فقتله العباس
فنهاه علي عليه السلام عن المبارزة ولعبد الله بن العباس. فقال معاوية، من قتل
العباس، فله عندي ما يشاء؟ فخرج رجلان لخميان فدعاه أحدهما، فقال إن أذن لي سيدي
أبارزك، واتى عليا عليه السلام فبرز علي في صلاح العباس وفرسه متنكرا فقال
الرجل: أذنك سيدك؟ فقال عليه السلام: " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " فقتله
وتقدم الآخر فقتله. وخرج قبيصة النميري وكان يشتم عليا ويرتجز:
أقدم اقدام الهزبر العالي * في نصر عثمان ولا أبالي
فبرز عدي بن حاتم قائلا:
يا صاحب الصوت الرفيع العالي * يفدي عليا ولدي ومالي
وخرج حجل بن أثال العبسي فطلب البراز إليه ابنه أثال فلما رآه قال انصرف إلى
الشام فان فيها أموالا جمة، فقال ابنه يا ابه انصرف الينا وجنة الخلد مع علي
وعبئ معاوية أربعة صفوف فتقدم أبو الأعور السلمي يحرضهم ويقول: يا أهل الشام
إياكم والفرار فإنها سبة وعار فدقوا على أهل العراق فإنهم أهل فتنة ونفاق.
فبرز سعيد بن قيس وعدي بن حاتم والأشتر والأشعث فقتلوا منهم ثلاثة آلاف ونيفا
وانهزم الباقون. وخرج كعب بن جعيل شاعر معاوية قائلا:
ابرز إلي الآن يا نجاشي * وانني ليث لدى الهراش
فأجابه النجاشي شاعر علي عليه السلام وبرز إليه:
أربع قليلا فأنا النجاشي * لست أبيع الدين بالمعاشي
انصر خير راكب وماش * ذاك علي بين الرياش
وبرز عبد الله بن جعفر في الف رجل فقتل خلقا حتى استغاث عمرو بن العاص
واتى أويس القرني متقلدا بسيفين ويقال كان معه مرماة ومخلاة من الحصى فسلم على
أمير المؤمنين وودعه مع رجاله ربيعة فقتل من يومه فصلى عليه أمير المؤمنين
ودفنه. ثم إن عمار جعل يقاتل ويقول: نحن ضربناكم على تنزيله * ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله * أو يرجع الحق إلى سبيله
359

فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله. وبرز أمير المؤمنين عليه السلام ودعا معاوية وقال
أسألك أن تحقن الدماء وتبرز إلي وأبرز إليك فيكون الامر لمن غلب فبهت معاوية
ولم ينطق بحرف، فحمل أمير المؤمنين عليه السلام على الميمنة فأزالها ثم حمل على الميسرة
فطحنها ثم حمل على القلب وقتل منهم جماعة وأنشد:
فهل لك في أبي الحسن علي * لعل الله يمكن من قفاكا
دعاك إلى البراز فكعت عنه * ولو بارزته تربت يداكا
فانصرف أمير المؤمنين عليه السلام ثم برز متنكرا، فخرج عمرو بن العاص مرتجزا:
يا قادة الكوفة من أهل الفتن * يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن
كفى بهذا حزنا مع الحزن * أضربكم ولا أرى أبا الحسن
فتناكل عنه علي عليه السلام حتى تبعه عمرو ثم ارتجز:
أنا الغلام القرشي المؤتمن * الماجد الأبيض ليث كالشطن
يرضى به السادة من أهل اليمن * من ساكني نجد ومن أهل عدن
أبو الحسين فاعلمن أبو الحسن
فولى عمرو هاربا فطعنه أمير المؤمنين فوقعت في ذيل درعه فاستلقى على قفاه وابدى
عورته، فصفح عنه استحياء وتكرما. فقال معاوية:
الحمد لله الذي عافاك * واحمد استك الذي وقاك
وقال أبو نواس،:
فلا خير في دفع الردى بمذلة * كما ردها يوما بسوءته عمرو
وقال حيص بيص:
قبح مخازيك هازم شرفي * سوءة عمرو ثنت سنان علي
وبرز علي عليه السلام ودعا معاوية فنكل عنه. فخرج بسر بن أرطأة يطمع في علي
فضربه أمير المؤمنين (ع) فاستلقى على قفاه وكشف عن عورته فانصرف عنه علي،
فقال: ويلكم يا أهل الشام أما تستحون من معاملة المخانيث لقد علمكم رأس المخانيث
عمرو. لقد روي هذه السيرة عن أبيه عن جده في كشف استاه وسط عرصة
الحروب. فخرج غلامه لاحق ثم قال:
أرديت بسرا والغلام ثايره * وكل أب من عليه قادرة
360

فطعنه الأشتر قائلا:
في كل يوم رجل شيخ بادرة * وعورة وسط العجاج ظاهرة
أبرزها طعنة كف فاترة * عمرو وبسر رهبا بالقاهرة
فلما رأى معاوية كثرة براز أمير المؤمنين اخذ في الخديعة فأنفذ عمرو إلى ربيعة رجالاته
فوقعوا فيه فقال اكتب إلى ابن عباس وغره فكان فيما كتب شعرا:
طال البلاء فما ندري له أس * بعد الإله سوى رفق ابن عباس
فكان جواب ابن عباس:
يا عمرو حسبك من خدع ووسواس * فاذهب فما لك في ترك الهدى أس
إلا بوادر طعن في نحوركم * تشجي النفوس له في نقع افلاس
إن عادت الحرب عدنا والتمس هربا * في الأرض أو سلما في الأفق يا قاسي
ثم كتب معاوية إليه يذكر فيه:
إنما بقي من قريش ستة أنا وعمرو بالشام ناصبان
، وسعد وابن عمر بالحجاز، وعلي وأنت بالعراق على خطب عظيم ولو بويع لك بعد
عثمان لاسرعنا فيه. فأجابه ابن عباس بمسكة فيها:
دعوت ابن عباس إلى السلم خدعة * ولست له حتى تموت بخادع
وكتب إلى علي عليه السلام: أما بعد فانا لو علمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت
لم يحنها بعضنا إلى بعض وإن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا ما نرم به ما مضى
ونصلح به ما بقي وقد كنت سألتك الشام على أن لا يلزمني لك طاعة ولا بيعة فأبيت
علي وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو
ولا تخاف من الفناء إلا أخاف وقد والله رقت الأجساد وذهبت الرجال ونحن
بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض يستذل به عزيز ويسترق به حر.
فأجابه عليه السلام: أما قولك إن الحرب قد اكلت العرب إلا حشاشات أنفس
بقيت ألا ومن اكله الحق فإلى النار واما طلبتك إلي الشام فاني لم أكن لأعطيك اليوم
ما منعتك أمس وأما استواؤنا في الخوف والرضا فلست امضى على الشك مني على اليقين
وليس أهل الشام على الدنيا بأحرص من أهل العراق على الآخرة وأما قولك إنا
بنو عبد مناف فكذلك نحن وليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان
كأبي طالب ولا الطليق كالمهاجر ولا الصريح كاللصيق ولا المحق كالمبطل ولا المؤمن
كالمدغل وفي أيدينا فضل النبوة الذي ذللنا بها العزيز ونعثنا بها الذليل وبعنا به الحر
361

وأمر معاوية لابن الخديج الكندي ان يكاتب الأشعث، والنعمان بن بشير
ان يكاتب قيس بن سعد في الصلح ثم انفذ عمروا وعتبة وحبيب بن مسلمة والضحاك
ابن قيس إلى أمير المؤمنين عليه السلام فلما كلموه قال: أدعوكم إلى كتاب الله وسنة
نبيه فان تجيبوا إلى ذلك فللرشد أصبتم وللخير وفقتم وان تابوا لم تزدادوا من الله إلا
بعدا. فقالوا: قد رأينا أن تنصرف عنا فنخلي بينكم وبين عراقكم وتخلون بيننا وبين
شامنا فنحن نحقن دماء المسلمين. فقال عليه السلام: لم أجد إلا القتال أو الكفر
بما انزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وآله.
ثم برز الأشتر وقال: سووا صفوفكم. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: أيها
الناس من يبع يربح في هذا اليوم
في كلام له عليه السلام. ألا أن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء
والصبر خير في عواقب الأمور ألا أنها إحن بدرية وضغاين أحدية وأحقاد جاهلية
وقرأ: " فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون " فتقدم وهو يرتجز:
دبوا دبيب النمل لا تفوتوا * وأصبحوا في حربكم وبيتوا
كيما تنالوا الدين أو تموتوا * أو لا فاني طال ما عصيت
قد قلتم لو جئتنا فجئت * ليس لكم ما شئتم وشئت
بل ما يريد المحي المميت
فحمل في سبعة عشر الف رجل فكسروا الصفوف، فقال معاوية لعمرو: اليوم صبر
وغدا فخر. فقال عمرو: صدقت يا معاوية ولكن الموت حق والحياة باطل ولو حمل
علي في أصحابه حملة أخرى فهو البوار. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فما انتظاركم
إن كنتم تريدون الجنة؟ فبرز أبو الهيثم بن التيهان قائلا:
أحمد ربي فهو الحميد * ذاك الذي يفعل ما يريد
دين قويم وهو الرشيد
فقاتل حتى قتل وبرز خزيمة بن ثابت قائلا:
كم ذا يرجى أن يعيش الماكث * والناس موروث وفيهم وارث
هذا علي من عصاه ناكث
فقاتل حتى قتل. وبرز عدي بن حاتم قائلا:
362

أبعد عمار وبعد هاشم * وابن بديل صاحب الملاحم
ترجو البقاء من بعد يا بن حاتم
فما زال يقاتل حتى فقيئت عينه. وبرز الأشتر مرتجزا:
سيروا إلى الله ولا تعوجوا * دين قويم وسبيل منهج
وقتل جندب بن زهير فلم يزالوا يقاتلون حتى دخل وقعة الخميس وهي ليلة الهرير وكان
أصحاب علي عليه السلام يضربون الطبول من أربع جوانب عسكر معاوية ويقولون
علي المنصور وهو يرفع رأسه إلى السماء ساعة بعد ساعة ويقول: اللهم إليك نقلت
الاقدام واليك أفضت القلوب ورفعت الأيدي ومدت الأعناق وطلبت الحوائج
وشخصت الابصار اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين وينشد:
الليل داج والكباش تنتطح * نطاح أسد ما أراها تصطلح
أسد عرين في اللقاء قد مرح * منها قيام وفريق منبطح
فمن نجا برأسه فقد ربح
وكان يحمل عليهم مرة بعد مرة ويدخل في غمارهم ويقول الله الله في الحرم والذرية
فكانوا يقاتلون أصحابهم بالجهل فلما أصبح كان قتلى عسكره أربعة آلاف رجل،
وقتلى عسكر معاوية اثنين وثلاثين الف رجل، فصاحوا يا معاوية هلكت العرب
فاستغاث هو بعمرو فأمره برفع المصاحف
قال قتادة: قتلى يوم صفين ستون ألفا وقال ابن سيرين: سبعون ألفا. وهو
المذكور في أنساب الأشراف وصنعوا على كل قتيل قصبة ثم عدوا القصب
فصل: في الحكمين والخوارج
روي في معنى قوله تعالى: " ومن الناس من يعبد الله على حرف " انه كان
أبو موسى وعمرو
وروى ابن مردويه بأسانيده عن سويد بن غفلة أنه قال: كنت مع أبي موسى
على شاطئ الفرات فقال سمعت رسول الله (ص) يقول إن بني إسرائيل اختلفوا فلم
يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضل من اتبعهما، ولا تنفك أموركم
تختلف حتى تبعثوا حكمين يضلان ويضل من تبعهما، فقلت أعيذك بالله أن تكون
363

أحدهما قال: فخلع قميصه فقال برأني الله من ذلك كما برأني من قميصي، ولما جرى
ليلة الهرير صاحوا يا معاوية هلكت العرب، فقال معاوية: يا عمرو نفر أو نستأمن؟
قال: نرفع المصاحف على الرماح ونقرأ " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب
يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم " فان قبلوا حكم القرآن رفعنا الحرب ورافعنا بهم
إلى اجل، وإن أبى بعضهم إلا القتال فللنا شوكتهم وتقع بينهم الفرقة وآمر
بالنداء فلسنا ولستم من المشركين، ولا المجمعين على الردة، فان تقبلوها ففيها البقاء،
للفرقتين وللبلدة، وإن تدفعوها ففيها الفناء، وكل بلاء إلى مدة،
فقال عوف بن عبد الله:
رميناهم حتى أزلنا صفوفهم * فلم ير إلا بوجة وكابيا
وحتى استغاثوا بالمصاحف والقنا * بها وقفات يختطفن المحاميا
وقال الجماني العلوي:
هبلت أم قريش حين تدعون الهبل * حين ناطوا بكتاب الله أطراف الأسل
فقال مسعر بن فدكي وزيد بن حصين الطائي والأشعث بن قيس الكندي أجب القوم
إلى كتاب الله، فقال أمير المؤمنين (ع): ويحكم والله انهم ما رفعوا المصاحف إلا
خديعة ومكيدة حين علوتموهم.
وقال خالد بن معمر السدوسي: يا أمير المؤمنين أحب الأمور الينا ما كفينا
مؤنته. وأنشد رفاعة بن شداد البجلي:
وإن حكموا بالعدل كانت سلامة * وإلا أثرناها بيوم قماطر
فقصد إليه عشرون الف رجل يقولون: يا علي أجب إلى كتاب الله إذا دعيت وإلا
دفعناك برمتك إلى القوم أو نفعل بك ما فعلنا بعثمان فقال: فاحفظوا عني مقالتي
فاني آمركم بالقتال فان تعصوني فافعلوا ما بدا لكم قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتينك
فبعث يزيد بن هاني السبيعي يدعوه. فقال الأشتر: إني قد رجوت أن يفتح الله
لا تعجلني وشدد في القتال. فقالوا: حرضته في الحرب فابعث إليه بعزيمتك ليأتيك
وإلا والله اعتزلناك قال: يا يزيد عد إليه وقل له اقبل الينا فان الفتنة قد وقعت
فأقبل الأشتر يقول لأهل العراق: يا أهل الذل والوهن أحين علوتم القوم وعلموا
انكم لهم قاهرون رفعوا لكم المصاحف خديعة ومكرا؟ فقالوا: قاتلناهم في الله
فقال: امهلوني ساعة وأحسست بالفتح وأيقنت بالظفر قالوا: لا. قال: امهلوني
364

عدوة فرسي قالوا: إنا لسنا نطيعك ولا لصاحبك ونحن نرى المصاحف على رؤس
الرماح ندعى إليها. فقال: خدعتم والله فانخدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم.
فقام جماعة من بكر بن وائل فقالوا: يا أمير المؤمنين إن أجبت القوم أجبنا وإن
أبيت أبينا. فقال عليه السلام: نحن أحق من أجاب إلى كتاب الله وإن معاوية
وعمروا وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحاك بن قيس ليسوا
بأصحاب دين وقرآن انا اعرف بهم منكم قد صحبتهم أطفالا ورجالا (في كلام له)
فقال أهل الشام: فانا قد اخترنا عمروا فقال الأشعث وابن الكواء ومسعر بن فدكي
وزيد الطائي نحن اخترنا أبا موسى فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فإنكم قد عصيتموني
في أول الأمر فلا تعصوني الآن. فقالوا:، انه قد كان يحذرنا مما قد وقعنا فيه.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: انه ليس بثقة قد فارقني وقد خذل الناس ثم هرب
مني حتى امنته بعد شهر ولكن هذا ابن عباس اوليه ذلك. قالوا: والله ما نبالي
أنت كنت أم ابن عباس قال: فالأشتر قال الأشعث: وهل سعر الحرب غير
الأشتر؟ وهل نحن إلا في حكم الأشتر؟
قال الأعمش: حدثني من رأى عليا (ع) يوم صفين يصفق بيديه ويقول:
يا عجبا أعصى ويطاع معاوية؟ وقال: قد أبيتم إلا أبا موسى؟ قالوا: نعم قال:
فاصنعوا ما بدا لكم اللهم إني أبرأ إليك من صنيعهم. وقال الأحنف: إذا اخترتم
أبا موسى فارقبوا ظهره. فقال خزيم بن فاتك الأسدي:
لو كان للقوم رأيا يرشدون به * أهل العراق رموكم بابن عباس
لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن * لم يدر ما ضرب أسداس وأخماس
فلما اجتمعوا كان كاتب علي عليه السلام عبيد الله بن أبي رافع وكاتب معاوية عمير
ابن عباد الكلبي. فكتب عبيد الله: هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
ومعاوية بن أبي سفيان. فقال عمرو: اكتبوا اسمه واسم أبيه هو أميركم فاما أميرنا
فلا. فقال الأحنف لا تمح اسم امارة المؤمنين امح ترحه من الله فقال علي عليه السلام
الله أكبر سنة بسنة ومثل بمثل واني لكاتب يوم الحديبية.
روى أحمد في المسند: أن النبي (ص) أمر أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم
فقال سهيل بن عمرو: وهذا كتاب بيننا وبينك فافتحه بما نعرفه، واكتب باسمك اللهم
فامر بمحو ذلك وكتب: باسمك اللهم هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله وسهيل بن
365

عمرو وأهل مكة فقال سهيل: لو أجبتك إلى هذا لأقررت لك بالنبوة فقال امحها
يا علي فجعل يتلكأ ويأبى فمحاها النبي (ص) وكتب: هذا ما اصطلح به محمد بن
عبد الله بن عبد المطلب وأهل مكة. يقول الله في كتابه: " لقد كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة "
روى محمد بن إسحاق عن بريدة بن سفيان عن محمد بن كعب: أن النبي (ص) قال
لعلي فان لك مثلها تعطاها وأنت مضطهد الماوردي في اعلام النبوة أنه قال: ستسام
مثلها يوم الحكمين وفي رواية: ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض. وفي
رواية: أن لك يوما يا علي بمثل هذا انا اكتبها للآباء وأنت تكتبها للأبناء:
سيدعى إلى مثلها صنوه * له قال والامر مستجمع
وبين الرضا وبين ابن هند * كيوم الحديبية المسرع
سهيل محا ثم اسم الرسول * كاسم الأمير محا المبدع
ففي دومة الجندل الاقتداء * بيوم السقيفة إذ شنعوا
فقال عمرو: يا سبحان الله تشبه بالكفار ونحن مؤمنون! فقال علي: يا ابن النابغة
أو لم تكن للمشركين وليا وللمؤمنين عدوا؟ أو لم تكن في الضلالة رأسا وفي
الاسلام ذنبا؟ (في كلام له) فكتبوا أن يحكموا بما في كتاب الله وينصرفوا
والمدة سنة واحدة كاملة ويكون مجتمع الحكمين بدومة الجندل
وقال الصاحب:
ودعا إلى التحكيم لما عضه حد الرماح
فمضى أبو موسى وعمرو جالب الشر البراح
بابان قد فتحا إلى شر يدوم على انفتاح
فلما اجتمعا قال عمرو يا أبا موسى أنت أولى ان تسمي رجلا يلي أمر هذه الأمة فسم
لي فاني أقدر ان أبايعك منك على أن تبايعني. قال أبو موسى: اسمي لك عبد الله بن عمر
فيمن اعتزله فقال عمرو: فاني اسمي لك معاوية بن أبي سفيان وفي رواية قال
عمرو: انهما ظالمان وان عليا آوى قتلة عثمان وان معاوية خاذله فنخلعهما ونبايع
عبد الله بن عمر لزهادته واعتزاله عن الحرب. فقال أبو موسى نعم ما رأيت قال:
فاني قد خلعت معاوية فاخلع عليا إن شئت وإن شئت فاخلعه غدا فإنه يوم الاثنين
قال: فلما أصبحا خرجا إلى الناس فقالا: قد اتفقنا فقال: أبو موسى لعمرو:
366

تقدم واخلع صاحبك بحضرة الناس. فقال عمرو: سبحان الله أتقدم عليك وأنت
في موضعك وسنك وفضلك مقدم في الاسلام والهجرة ووفد رسول الله (ص) إلى
اليمن وصاحب مقاسم أبي بكر وعامل عمر وحاكم أهل العراق فتقدم أنت فقدمه
فقال أبو موسى: إنا والله أيها الناس قد اجتهدنا رأينا لم نر أصلح للأمة من خلع
هذين الرجلين وقد خلعت عليا ومعاوية كخلع خاتمي هذا:
فقال عمرو: ولكني خلعت صاحبه عليا كما خلع وأثبت معاوية كخاتمي هذا
وجعله في شماله فقال كوفي
لعمرك ما القى يد الدهر خالعا * عليك بقول الأشعري ولا عمرو
فكتب عمرو إلى معاوية:
اتتك الخلافة من خدرها * هنيئا مريئا تقر العيونا
وقال العوني:
فأعلموا الحيلة في التحكيم * بمكر شيطانهم الرجيم
ففي الرعاة حكموا الرعيا
فأصبح القوم على تخالف * إذ شكت الا رماح في المصاحف
واخذ الانحدار والرقيا فجاء أهل الشام بابن العاص * فاحتال فيها حيلة القناص
غر أبا موسى الاشعريا
قام أبو موسى فويق المنبر * فقال إني خالع لحيدر
كما اختلعت خاتمي من خنصري * يا عمرو قم أنت اخلع الشاميا
فقال عمرو أيها الناس اشهدوا * جمعا فاني لابن هند اعقد
فاستشهدوه مذهبا عمريا
ولما عزل معاوية عمروا من مصر كتب إليه:
معاوية الخير لا تنسني * وعن مذهب الحق لا تعدل
أتنسى محاورة الأشعري * ونحن على دومة الجندل
الين فيطمع في غرتي * وقد غاب فصلى في المقتل
العقة عسلا باردا * وامرجه بجني الحنظل
ورقيتك المنبر المشمخر * بلا حد سيف ولا منصل
ونزعتهما منهم بالخداع * كخلع النعال من الأرجل
367

وثبتها فيك لما يئست * كمثل الخواتيم في الانمل
فاما ملكت ومات الهمام * وألقت عصاها يد الأفضل
منحت سواي بمثل الجبال * ونولتني حبة الخردل
فان تك فيها بلغت المنى * ففي عنقي يعلق الجلجل
وما دم عثمان منج لنا * من الله والحسب الأطول
وإن عليا غدا خصمنا * ويعتز بالله والمرسل
يسايلنا عن أمور جرت * ونحن عن الحق في معزل
تفسير القشيري وإبانة العكبري عن سفيان عن الأعمش عن سلمة عن كهيل عن
أبي الطفيل انه: سأل ابن الكواء أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى " قل هل
أنبئكم بالأخسرين أعمالا - الآية - " فقال عليه السلام انهم أهل حرورا ثم قال:
" الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " في قتال علي
ابن أبي طالب " أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا يقيم لهم
يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا " بولاية علي واتخذوا آيات القرآن
ورسلي يعني محمدا هزؤا، واستهزأوا بقوله: (ألا من كنت مولاه فعلي مولاه)
وانزل في أصحابه " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات - الآية - " فقال ابن عباس
نزلت في أصحاب الجمل.
تفسير الفلكي أبو امامة قال النبي (ص) في قوله تعالى: يوم تبيض وجوه
وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم - الآية - " هم الخوارج
البخاري ومسلم والطبري والثعلبي في كتبهم: إن ذا الخويصرة التميمي قال للنبي
اعدل بالسوية. فقال: ويحك إن انا لم اعدل قد خبت وخسرت فمن يعدل؟ فقال
عمر: ائذن لي أضرب عنقه. فقال: دعه فان له أصحابا وذكر وصفه فنزل " ومنهم
من يلمزك في الصدقات ".
مسند أبي يعلى الموصلي وإبانة ابن بطة العكبري وعقد ابن عبد ربه الأندلسي
وحلية ابن أبي نعيم الأصفهاني وزينة أبي حاتم الرازي وكتاب أبي بكر الشيرازي انه
ذكر بين يدي النبي بكثرة العبادة فقال النبي لا اعرفه فإذا هو قد طلع فقالوا هو
هذا فقال النبي (ص) أما أني أرى بين عينيه سفعة من الشيطان فلما رآه قال له
368

هل حدثتك نفسك إذ طلعت علينا انه ليس في القوم أحد مثلك؟ قال: نعم ثم دخل
المسجد فوقف يصلي، فقال النبي (ص) ألا رجل يقتله؟ فحسر أبو بكر عن ذراعيه
وصمد نحوه فرآه راكعا، فقال أقتل رجلا يركع ويقول لا إله إلا الله؟ فقال
صلى الله عليه وآله: اجلس فلست بصاحبه قم يا علي فإنك أنت قاتله، فمضى وانصرف
وقال ما رأيته، فقال النبي (ص) لو قتل لكان أول فتنة وآخرها. وفي رواية:
هذا أول قرن يطلع في أمتي لو قتلتموه ما اختلف بعدي اثنان. وقال مالك بن انس
فأنزل الله تعالى: " ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي (القتل) ونذيقه
يوم القيامة عذاب الحريق " بقتال علي بن أبي طالب.
ولما دخل أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة جاء إليه زرعة بن البزرج الطائي
وحرقوص بن زهير التميمي ذو الثدية فقالا: لاحكم إلا لله. فقال عليه السلام: كلمة
حق يراد بها باطل. قال حرقوص: فتب من خطيئتك وارجع عن قصتك وأخرج بنا
إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا. فقال علي عليه السلام: قد أردتكم على ذلك
فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتابا وشروطا وأعطينا عليها عهودا ومواثيق
وقد قال الله تعالى: " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم - الآية - " فقال حرقوص:
ذلك ذنب ينبغي ان تتوب عنه. فقال علي: ما هو ذنب ولكنه عجز من الرأي
وضعف في العقل وقد تقدمت فنهيتكم عنه. فقال ابن الكواء: الآن صح عندنا انك
لست بامام ولو كنت اماما لما رجعت. فقال علي: ويلكم قد رجع رسول الله (ص)
عام الحديبية عن قتال أهل مكة. ففارقوا أمير المؤمنين (ع) وقالوا: لا حكم إلا لله
ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وكانوا اثني عشر ألفا من أهل الكوفة والبصرة
وغيرهما. ونادى مناديهم ان أمير المؤمنين شبث بن ربعي وأمير الصلاة عبد الله بن
الكواء والامر شورى بعد الفتح والبيعة لله على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
واستعرضوا الناس. وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت، وكان عامله عليه السلام
على النهروان
فقال أمير المؤمنين (ع): يا ابن عباس امض إلى هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه
ولماذا اجتمعوا؟ فلما وصل إليهم قالوا: ويلك يا ابن عباس أكفرت بربك كما كفر
صاحبك علي بن أبي طالب؟
وخرج خطيبهم عتاب بن الأعور الثعلبي، فقال ابن عباس من بنى الاسلام؟
369

فقال الله ورسوله. فقال: النبي احكم أموره ودخل بين حدوده أم لا؟ قال: بلى
قال: فالنبي بقي في دار الاسلام أم ارتحل؟ قال: بل ارتحل. قال: فأمور الشرع
ارتحلت معه أم بقيت بعده؟ قال بل بقيت. قال: وهل قام أحد بعده بعمارة ما بناه؟
قال: نعم الذرية والصحابة قال: أفعمروها أو خربوها؟ قال: بل عمروها
قال: فالآن هي معمورة أم خراب؟ قال بل خراب. قال: خربها ذريته أم أمته؟
قال: بل أمته. قال: وأنت من الذرية أو من الأمة؟ قال: من الأمة. قال:
أنت من الأمة وخربت دار الاسلام فكيف ترجو الجنة؟ وجرى بينهم كلام كثير
فحضر أمير المؤمنين عليه السلام في مائة رجل، فلما قابلهم خرج ابن الكواء في مائة
رجل. فقال عليه السلام: أنشدكم الله هل تعلمون حيث رفعوا المصاحف؟ فقلتم
نجيبهم إلى كتاب الله، فقلت لكم اني اعلم بالقوم منكم (وذكر مقاله) إلى أن قال:
فلما أبيتم إلا الكتاب أشرطت على الحكمين ان يحييا ما أحيى القرآن وان يميتا ما أمات
القرآن فان حكما بحكم القرآن فليس لنا ان نخالف حكمه وإن أبيا فنحن منه برآء.
فقالوا له: أخبرنا أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء؟ فقال: إنا لسنا الرجال
حكمنا وإنما حكمنا القرآن والقرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق إنما يتكلم
به الرجال، قالوا: فأخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك وبينهم؟ قال ليعلم الجاهل
ويثبت العالم ولعل الله يصلح في هذه المدة لهذه الأمة. وجرت بينهم مخاطبات فجعل
بعضهم يرجع فأعطى أمير المؤمنين عليه السلام راية الأمان مع أبي أيوب الأنصاري،
فناداهم أبو أيوب: من جاء إلى هذه الراية أو خرج من بين الجماعة فهو آمن. فرجع
منهم ثمانية آلاف رجل، فأمرهم أمير المؤمنين عليه السلام ان يتميزوا منهم، وأقام
الباقون على الخلاف وقصدوا إلى النهروان فخطب أمير المؤمنين (ع) واستنفرهم
فلم يجيبوه فتمثل.
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى * فلم تستبينوا النصح إلا ضحي الغد
ثم استنفرهم فنفر ألفا رجل يقدمهم عدي بن حاتم وهو يقول:
إلى شر خلق من شراة تحزبوا * وعادوا إله الناس رب المشارق
فوجه أمير المؤمنين عليه السلام نحوهم وكتب إليهم على يدي عبد الله بن أبي عقب
وفيها: والسعيد من سعدت به رعيته والشقي من شقيت به رعيته وخير الناس خيرهم
لنفسه وشر الناس شرهم لنفسه وليس بين الله وبين أحد قرابة " وكل نفس بما كسبت
370

رهينة " فلما اتاهم أمير المؤمنين عليه السلام فاستعطفهم فأبوا إلا قتاله. وتنادوا أن
دعوا مخاطبة علي وأصحابه وبادروا الجنة وصاحوا الرواح الرواح إلى الجنة،
وأمير المؤمنين يعبئ أصحابه ونهاهم أن يتقدم إليهم أحد، فكان أول من خرج
اخنس بن العيزار الطائي وجعل يقول:
ثمانون من حيى جديلة قتلوا * على النهر كانوا يخضبون العواليا
ينادون لا حكم إلا لربنا * حنانيك فاغفر حوبنا والمساويا
هم فارقوا من جار في الله حكمه * فكل على الرحمن أصبح ثاويا
فقتله أمير المؤمنين عليه السلام. وخرج عبد الله بن وهب الراسبي يقول:
انا ابن وهب الراسبي الشاري * اضرب في القوم لاخذ الثار
حتى تزول دولة الأشرار * ويرجع الحق إلى الأخيار
وخرج مالك بن الوضاح وقال:
اني لبايع ما يفنى بباقية * ولا يريد لدى الهيجاء تربيضا
وخرج إلى أمير المؤمنين عليه السلام الوضاح بن الوضاح من جانب وابن عمه حرقوص
من جانب فقتل الوضاح وضرب ضربة على رأس الحرقوص فقطعه ووقع رأس سيفه
على الفرس فشرد وأرجله في الركاب حتى أوقعه في دولاب خراب فصارت الحرورية
كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
فكان المقتولون من أصحاب علي عليه السلام: رؤبة بن وبر البجلي ورفاعة بن
وايل الأرحبي والعياض بن خليل الأزدي وكيسوم بن سلمة الجهني وحبيب بن عاصم
الأزدي إلى تمام تسعة، وانفلت من الخوارج تسعة كما تقدم ذكره، وكان ذلك لتسع
خلون من صفر سنة ثمان وثلاثين وقال العوني:
ولم ينصرم عن ذلك الجيش ساعة * إلى أن غدا فلا دم القوم ضايعا
وسد بقتلى كفه دون غيره * من البصرة الغراء دون الشوارعا
فأودع في أبياتهم ودؤرهم * رماحا وأسيافا وبئست ودايعا
وقال الحميري:
خوارج فارقوه بنهروان * على تحكيمه الحسن الجميل
على تحكيمه فعموا وصموا * كتاب الله في فم جبرئيل
فمالوا جانبا وبغوا عليه * فما مالوا هناك إلى مميل
371

فتاه القوم في ظلم حيارى * عماة يعمهون بلا دليل
فضلوا كالسوايم يوم عيد * تنحر بالغداة وبالأصيل
كأن الطير حولهم نصارى * عكوفا حول صلبان الأيل
أبو نعيم الأصفهاني عن الثوري: أن أمير المؤمنين عليه السلام أمر أن يفتش
عن المخدج بين القتلى فلم يجدوه، فقال رجل والله ما هو فيهم، فقال عليه السلام:
والله ما كذبت ولا كذبت يا عجلان آتني ببغلة رسول الله (ص) فأتاه بالبغلة فركبها
وجال في القتلى ثم قال اطلبوه هاهنا قال: فاستخرجوه من تحت القتلى في نهر
وطين. وفي رواية أبي نعيم عن سفيان: فقيل قد أصبناه، فسجد لله تعالى عليه
السلام فنصبها وقال الوراق القمي:
علي له في ذي الثدية آية * رواه رواة القوم من خير مقسم
تأريخ القمي: انه رجل اسود عليه شعرات عليه قريطق مخدج اليد احدى ثدييه
كثدي المرأة عليه شعيرات مثل ما يكون على ذنب اليربوع
وفي مسند الموصلي: حبشي مثل البعير في منكبه مثل ثدي المرأة فقال صدق
الله ورسوله.
وفي رواية أبي داود وابن بطة انه: قال علي عليه السلام من يعرف هذا؟ فلم
يعرفه أحد، فقال رجل انا رأيت هذا بالحيرة فقلت إلى أين تريد؟ فقال إلى هذه
وأشار إلى الكوفة ومالي بها معرفة، فقال علي عليه السلام صدق هو من الجان
وفي رواية هو من الجن
وفي رواية احمد: قال أبو الوضي: لا يأتينكم أحد يخبركم من أبوه؟ قال:
فجعل الناس يقول هذا ملك هذا ملك هذا مالك ويقول علي (ع) ابن من؟
وفي مسند الموصلي في حديث: من قال من الناس انه رآه قبل مصرعه
فإنه كاذب.
وفي مسند أحمد باسناده عن أبي الوضي انه،: قال علي عليه السلام أما أن خليلي
أخبرني بثلاثة اخوة من الجن هذا أكبرهم والثاني له جمع كثير والثالث فيه ضعف.
إبانة ابن بطة انه،: ذكر المقتول بالنهروان فقال سعد بن أبي وقاص هو شيطان
الردهة. وزاد أبو يعلى في المسند: شيطان الردهة رجل من بجيلة يقال له الأشهب
أو ابن الأشهب علامة في قوم ظلمة.
372

وقال الحميري:،
إني أدين بما دان الوصي به * يوم الخريبة من قتل المخلينا
وما به دان يوم النهر دنت به * وبايعت كفه كفي بصفينا
في سفك ما سفكت فيها إذا حضروا * وأبرز الله للقسط الموازينا
تلك الدماء معا يا رب في عنقي * ثم اسقني مثلها آمين آمينا
وله أيضا:
ومارقة في دينهم فارقوا الهدى * ولم يأتلوا بغيا عليه وحكموا
سطوا بابن خباب والقى بنفسه * وقتل ابن خباب عليهم محرم
فلما أبوا في الغي إلا تماديا * سما لهم عبل الذراعين ضيغم
فأضحوا كعاد أو ثمود كأنما * تساقوا عقارا أسكرتهم فنوموا
محمد بن عبد الله الرعيني باسناده عن علي عليه السلام أنه قال: لما انصرف الناس من
صفين خاض الناس في امر الحكمين، فقال بعض الناس ما يمنع أمير المؤمنين (ع)
من أن يأمر بعض أهل بيته فيتكلم؟ فقال للحسن قم يا حسن فقل في هذين الرجلين
عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص، فقام الحسن عليه السلام فقال:
أيها الناس انكم قد أكثرتم في امر عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص فإنما بعثا
ليحكما بكتاب الله فحكما بالهوى على الكتاب ومن كان هكذا لم يسم حكما ولكنه
محكوم عليه وقد أخطأ عبد الله بن قيس في أن أوصى إلى عبد الله بن عمر فأخطأ في
ذلك في ثلاث خصال: في أن أباه لم يرضه لها وفي أنه لم يستأمره وفي انه لم يجتمع
عليه المهاجرون والأنصار الذين نفذوها لمن بعده وإنما الحكومة فرض من الله وقد
حكم رسول الله صلى الله عليه وآله سعدا في بني قريظة فحكم فيهم بحكم الله لا شك فيه
فنفذ رسول الله حكمه ولو خالف ذلك لم يجزه ثم جلس ثم قال علي عليه السلام
لعبد الله بن العباس قم فتكلم فقام وقال:
أيها الناس إن للحق اهلا أصابوه بالتوفيق والناس بين راض وراغب عنه
وإنما بعث عبد الله بن قيس لهدى إلى ضلالة وبعث عمرو بن العاص لضلالة إلى الهدى
فلما التقيا رجع عبد الله عن هداه وثبت عمرو على ضلالته والله لئن حكما بالكتاب
لقد حكما عليه وإن كانا حكما بما اجتمعا عليه معا ما اجتمعا على شئ وإن كانا حكما بما سارا
إليه، لقد سار عبد الله وامامه علي، وسار عمرو وامامه معاوية، فما بعد هذا
373

من عيب ينتظر، ولكنهم سئموا الحرب وأحبوا البقاء ودفعوا البلاء ورجا كل قوم
صاحبهم، ثم جلس ثم قال عليه السلام لعبد الله بن جعفر قم فتكلم فقام عبد الله وقال:
أيها الناس ان هذا الامر كان النظر فيه إلى علي والرضى فيه لغيره فجئتم بعبد الله
ابن قيس فقلتم لا نرضى إلا بهذا فارض به فإنه رضانا، وأيم الله ما استفدناه علما
ولا انتظرنا منه غائبا ولا أملنا ضعفه ولا رجونا به صاحبه ولا افسدا بما عملا
للعراق ولا أصلحا الشام ولا أمانا حق علي ولا أحبيا باطل معاوية ولا يذهب
الحق رقية راق ولا نفخة شيطان، وأنا اليوم لعلي ما كنا عليه بالأمس وجلس.
وقال الحميري:
وأهوج لاحى في علي وعابه * بسفك دماء من رجال تهودوا
وتلك دماء المارقين وسفكها * من الله ميثاق عليه مؤكد
هم نكثوا ايمانهم بنفاقهم * كما أبرقوا من قبل ذاك وأرعدوا
أنلحى امرءا ما زال مذ هو يافع * يصلي ويرضي ربه ويوحد
وقد كانت الأوثان قبل صلاته * يطاف بها في كل يوم وتعبد
وقال ابن الحجاج:
مروا إلى النهروان يعدون * مثل حمار بلا مكاري
كانوا شراة فصبحتهم * كف علي بذي الفقار
نوف البكالي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه نادى بعد الخطبة بأعلى صوته:
الجهاد الجهاد عباد الله ألا واني معسكر في يومي هذا فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج
قال نوف: وعقد للحسين (ع) في عشرة آلاف، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف
ولأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف ولغيرهم على اعداد اخر، وهو يريد الرجعة
إلى صفين، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم فتراجعت العساكر
ذكر ما ورد في بيعته عليه السلام أبو بصير عن أبي جعفر قال: جاء المهاجرون
والأنصار وغيرهم بعد النبي (ص) إلى علي (ع) فقالوا: أنت والله أمير المؤمنين
وأنت والله أحق الناس وأولاهم بعد النبي صلى الله عليه وآله هلم يدك نبايعك فوالله
لنموتن قدامك. فقال علي عليه السلام: إن كنتم صادقين فاغدوا علي محلقين، فحلق
علي وحلق سلمان وحلق المقداد وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم، ثم انصرفوا فجاؤوا
مرة أخرى، بعد ذلك فقالوا له مثل قولهم الأول وأجابهم مثله، وما حلق إلا هؤلاء
374

الثلاثة وكذلك ذكر أبو جعفر الطوسي في كتاب (اختيار الرجال) انه: قال
أبو جعفر (ع) كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة: سلمان وأبو ذر والمقداد
وفي معرفة الرجال من الكشي في حديث عن الصادق عليه السلام: ثم حلق أبو سنان
وعمار وشتير وأبو عمرو فصاروا سبعة. قال الحميري:
علي وأبو ذر * ومقداد وسلمان
وعمار و عبد الله والعبسي اخوان
دعوا فاستودعوا علما فأدوه وما خانوا
فصلى رب جبريل عليهم معشرا بانوا
أدين الله بالدين الذي كانوا به دانوا
وقال ابن حماد:
فكف مولاي الامام كفة * إذ قل في حقوقه أعوانه
يتبعه مقداده وعبده * عماره وسلمه سلمانه
والصادق اللهجة أعني جندبا * فلم يزل لطوعه إتيانه
وفي جمل أنساب الأشراف انه: قال الشعبي في خبر، لما قتل عثمان أقبل الناس
إلى علي ليبايعوه ومالوا إليه فمدوا يده فكفها وبسطوها فقبضها حتى بايعوه
وفي سائر التواريخ: ان أول من بايعه طلحة بن عبيد الله وكانت إصبعه أصيبت
يوم أحد فشلت فبصر بها اعرابي حين بايع فقال (ابتداء هذا الامر يد شلاء لا يتم)
ثم بايعه الناس في المسجد. ويروى ان الرجل كان عبيد بن ذويب فقال: (يد شلاء
وبيعة لا تتم): وهذا عني البرقي في بيته:
ولقد تيقن من تيقن غدرهم * إذ مد أولهم يدا شلاءا
جبلة بن سحيم عن أبيه أنه قال: لما بويع علي عليه السلام جاء إليه المغيرة بن
شعبة فقال إن معاوية من قد علمت وقد ولاه الشام من كان قبلك فوله أنت كيما تتسق
عرى الاسلام ثم اعزله إن بدا لك. فقال أمير المؤمنين عليه السلام أتضمن لي عمري
يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه؟ قال: لا قال عليه السلام: لا يسألني الله عن توليته
على رجلين من المسلمين ليلة سوداء ابدا " وما كنت متخذ المضلين عضدا " - الخبر
ولما بويع علي عليه السلام أنشأ خزيمة بن ثابت
:
إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا * أبو حسن مما نخاف من الفتن
375

وجدناه أولى الناس بالناس انه * أطب قريش بالكتاب وبالسنن
وإن قريشا لا تشق غباره * إذا ما جرى يوما على ضمر البدن
ففيه الذي فيهم من الخير كله * وما فيهم مثل الذي فيه من حسن
وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه قد كان في سالف الزمن
وأول من صلى من الناس كلهم * سوى خيرة النسوان والله ذو المنن
وصاحب كبش القوم في كل وقعة * يكون لها نفس الشجاع لذي الذقن
فذاك الذي تثنى الخناصر باسمه * امامهم حتى أغيب في الكفن
وقال أبو العباس أحمد بن عطية،:
رأيت عليا خير من وطأ الحصى * وأكرم خلق الله من بعد أحمد
وصي رسول المرتضى وابن عمه * وفارسه المشهور في كل مشهد
تخيره الرحمن من خير أسرة * لأطهر مولود وأطيب مولد
إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا * ببيعته بعد النبي محمد
في نتف من مزاحه عليه السلام
قصد عليه السلام دار أم هاني متقنعا بالحديد يوم الفتح، وقد بلغه أنها آوت
الحارث بن هشام وقيس بن السايب وناسا من بني مخزوم، فنادى أخرجوا من
آويتم فجعلوا يذرقون كما تذرق الحبارى خوفا منه. وخرجت إليه أم هاني وهي
لا تعرفه فقالت: يا عبد الله انا أم هاني بنت عم رسول الله وأخت أمير المؤمنين
انصرف عن داري،: فقال عليه السلام: أخرجوهم. فقالت: والله لأشكونك إلى
رسول الله (ص) فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتد حتى ألزمته فقالت فديتك
حلفت لأشكونك إلى رسول الله (ص) فقال لها: اذهبي فبري قسمك فإنه بأعلى الوادي
فأتت رسول الله (ص) فقال لها: إنما جئت يا أم هاني تشكين عليا فإنه أخاف
أعداء الله وأعداء رسوله شكر الله لعلي سعيه، وأجرت من أجارت أم هاني لمكانها
من علي بن أبي طالب.
وسئل عليه السلام عن رجل؟ فقال توفي البارحة فلما رأى جزع السائل قرأ:
376

(الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) وقال عليه السلام: حين
استقبله رجل مع تيس وقلده عمامته ان أحد الثلاثة لأحمق فقال: اما انا وتيسي فلا.
وقال لجاريته وقد وضأته فلما نهض اعتمد عليها فقال انظري لا تضرطي.
وقال له رجل انه احتلم على أمي فقال: أقيموه في الشمس واضربوا ظله الحد.
وفي (نزهة الابصار) أنه قال (ع): أفلح من كان له - مزخة - يزخها
في كل يوم مرة. وروى حتى تنام الفخة، وقال (ع): أفلح من كان له قوصرة
يأكل منها كل يوم مرة وقال (ع): حين علا المنبر، والناس ضجوا بالدعاء له حبقة
حبقة تموت عني بقة - يعني - بكيرا.
وقال (ع): لرجل من بكر بن وائل، وقد قال له ما قسمت بالسوية ولا
عدلت في الرعية قسمت ما في العسكر وتركت الأموال والنساء والذرية
وقال (ع) أيها الناس: من كانت به جرحة فليداوها بالسمن.
(تم الجزء الثاني ويتلوه الجزء الثالث انشاء الله)
377