الكتاب: الفصول العشرة
المؤلف: الشيخ المفيد
الجزء:
الوفاة: ٤١٣
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: الشيخ فارس الحسون
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٤ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: طبعت بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد

الفصول العشرة
في الغيبة
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله العكبري البغدادي
(336 - 413 ه‍)
تحقيق
الشيخ فارس الحسون
1

بسم الله الرحمن الرحيم
3

الاهداء:
إلى الإمام المهدي روحي له الفداء
نرجس
أهدي هذا الجهد
راجيا منها القبول والدعاء
فارس
5

المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أوجب على نفسه الرحمة، ومن رحمته إرساله الرسل
والأنبياء والأئمة عليهم السلام، ولم يترك الأمة بدون ولي له.
والصلاة والسلام على محمد عبده ورسوله، وعلى آله المعصومين.
إن فكرة ظهور منقذ للبشرية جمعاء في آخر الزمان أول من أشار إليها ونوه
بها هو الله سبحانه وتعالى، حيث بشر أنبياءه كافة - من أبينا آدم عليه السلام وإلى
نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم - بظهوره ودولته عجل الله فرجه.
فعند البحث والتنقيب في كتب الروايات والتاريخ نشاهد بوضوح أن جميع
الأنبياء والرسل من آدم عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم،
وجميع الأئمة من الإمام علي عليه السلام وإلى الإمام العسكري عليه السلام،
ذكروا المهدي وأشاروا إلى اسمه وبعض شمائله وظهوره.
ولا نبالغ إن قلنا: الروايات الواردة في المهدي عجل الله فرجه - من
الفريقين - أكثر من الروايات الواردة في الأئمة صلوات الله عليهم.
7

(1)
لماذا هذا الاهتمام بالمهدي عليه السلام
فلماذا كل هذا الاهتمام بالمهدي الموعود؟... ولماذا هذا التأكيد عليه؟
للجواب نضع عدة نقاط:
(أ) كل هذا الاهتمام، للتعريف بالإمام المهدي لجميع الخلق، وأنه
صاحب الحكم الإلهي ودولة الحق الذي وعد الله عباده بها، فيعتقد به من لم يدركه
بقلبه ويد عوله بالفرج، ويطيعه من يدركه.
(ب) كل هذا، لأجل الذين يدركون غيبته، لئلا يزيغوا ويضلوا، لئلا
يشكوا في إمامهم ووجوده وظهوره، لتتركز عقيدتهم بإمامهم أكثر، ليعدوا
أنفسهم لظهوره، ليرفعوا الموانع المانعة عن ظهوره.
(ج) كل هذا، لأجل معرفة الذين يدركون غيبته أهمية قيام دولته - عجل
الله فرجه - التي بشر بها الأنبياء والصديقون والأئمة عليهم السلام وتمنوا لو
أدركوها.
(د) كل هذا، ليطمئن المؤمن بوجود رجعة في الدنيا قبل الآخرة، يؤخذ
للمظلوم حقه من الظالم، يعذب المجرمون ويذوقوا عذاب الدنيا قبل الآخرة،
ينعم المحسنون والمتقون في الدنيا قبل الآخرة.
(ه‍) كل هذا، ليعرف الخلق أن أولياء الله الصالحين - الذين تجرعوا
غصص الظلم وأنواع العذاب - سيحكمون الأرض بالعدل، لأنهم الوارثون
... (إن الأرض يرثها عبادي الصالحون).
(و) كل هذا، ليعرف الناس عظم مسألة المهدي ودولته، وما يصيبه
وشيعته في غيبته، فيحزنوا عليهم ويدعوا لهم بالفرج، فيكونوا قد شاركوهم فيما
يجري عليهم من مصائب وآلام، ويشتركوا معهم بالأجر والثواب.
8

(ز) وأخيرا لا آخرا، كل هذا، ليعرف الخلق بأجمعه: أن للحق دولة،
ترفع فيها كلمة الله، وكلمة الله هي العليا.
(2)
من كتب عن المهدي إلى آخر القرن الرابع
كما ذكرنا سابقا: إن الله سبحانه ثم الأنبياء كافة هم الذين ذكروا المهدي
وفتحوا أبواب البحث عنه وعن ظهوره عجل الله فرجه الشريف.
وعند ظهور نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم برسالته كان الترويج لفكرة
المنقذ المنتظر أكثر، حيث أولى صلى الله عليه وآله وسلم اهتماما كبيرا بقضية
المهدي ورد الشبهات عنه، والأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وآله وسلم من
طريق الفريقين خير شاهد على هذا المطلب.
ومن بعده صلى الله عليه وآله وسلم كانت مهنة التبليغ لفكرة الإمام
المهدي على عهدة خلفائه أئمة أهل البيت عليهم السلام، فكانوا ينتهزون
الفرص لتثبيت المسلمين على الاعتقاد بالمهدي، والروايات الكثيرة الواردة عنهم
في هذا الشأن شاهد لهذا المطلب.
وكلما قرب وقت ولادة الإمام عجل الله فرجه كان الاهتمام بذكره والخبر
بأحواله وصفاته وغيبته أكثر، حتى أن الإمامين العسكريين سلام الله عليهما كان
عندهما نوع ما من الغيبة وعدم الاتصال مباشرة بأصحابهم وخروج التوقيعات من
قبلهم، كل هذا ليتعود الشيعة على ما سيحصل من غيبة الإمام القائم عجل الله
فرجه الشريف.
وعند ولادة الإمام المهدي بدأ نوع جديد من التحرك والتبليغ من قبل أبيه
الإمام العسكري، لأن هذه المرحلة تعدت من المرحلة النظرية إلى العملية، فبدأ
الإمام العسكري عليه السلام بخطوات كبيرة لتثبيت عقائد الشيعة بإمامة ولده
المهدي المنتظر ورد الشبهات عنه، حتى أن الإمام العسكري عليه السلام كان
9

يظهر والده المهدي إلى خواص شيعته بين حين وآخر، وكانوا يتحدثون معه
ويسألونه فيجيبهم.
وبعد شهادة الإمام العسكري عليه السلام، وتسلم الإمام المهدي منصب
الإمامة، كانت مهمة التبليغ على شخص الإمام بواسطة النواب الخاصين رضوان
الله عليهم، فكانت ترد عليه الأسئلة من شيعته بواسطة الأبواب وتخرج
التوقيعات من الناحية المقدسة فيها جوابات الأسئلة وحل مشاكل الشيعة ورد
الشبهات عنه عجل الله فرجه الشريف.
وآخر توقيع، خرج عنه في الغيبة الصغرى إلى علي بن محمد السمري آخر
أبوابه الخاصين نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم
يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما
بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك،
فقد وقعت الغيبة الثانية [التامة]، فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل، وذلك
بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا... (1)
وبعد وقوع الغيبة الكبرى صارت مهمة التبليغ الإسلامي بصورة عامة
وتثبيت عقائد الشيعة بإمامة المهدي المنتظر وغيبته بصورة خاصة على عهدة الفقهاء
والمحدثين.
ففي التوقيع الخارج على محمد بن عثمان العمري رضوان الله عليه:
... وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم
حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم (2).
ففي بداية الغيبة الكبرى كانت مهمة ترسيخ عقائد الشيعة بإمامهم كبيرة

(1) كمال الدين 2: 516 رقم 44.
(2) كمال الدين 2: 684 رقم 4.
10

وصعبة، لذا ترى علماءنا رضوان، الله عليهم بدأوا برد الشبهات عنه عجل الله
فرجه بمناظراتهم ودروسهم وخطبهم ومؤلفاتهم.
وهنا نذكر على طريق الاختصار بعض من ألف من العلماء من موضوع الإمام
المهدي عجل الله فرجه والدفاع عنه إلى آخر القرن الرابع الهجري.
فمنهم:
(1) أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الأحمري النهاوندي، سمع منه أبو
أحمد القاسم بن محمد الهمداني في تسع وستين ومائتين، له كتاب الغيبة (1).
(2) أبو إسحاق إبراهيم بن صالح الأنماطي الكوفي الأسدي، من
أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام ثقة، له كتاب الغيبة، يرويه عنه جعفر
بن قولويه بواسطة واحدة (2).
(3) أحمد بن الحسين بن عبد الله المهراني الآبي، له كتاب ترتيب الأدلة
فيما يلزم خصوم الإمامية دفعه عن الغيبة والغائب (3).
(4) أبو بكر خيثمة أحمد بن زهير النسائي، المتوفى سنة 279، له جمع
الأحاديث الواردة في المهدي (4).
(5) الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الإصبهاني، المتوفى سنة 430،
له كتاب الأربعين حديثا في ذكر المهدي، وذكر المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه
وثبوته، ومناقب المهدي (5).

(1) رجال النجاشي: 19 رقم 21، الفهرست للشيخ: 10 - 11 رقم 11، الذريعة 16: 74
رقم 371.
(2) النجاشي: 15 رقم 13، الفهرست: 14 رقم 19، معالم العلماء لابن شهرآشوب: 5 رقم 5،
الذريعة 16: 75 رقم 373.
(3) المعالم: 24 رقم 113.
(4) مجلة تراثنا، العدد الأول
(5) مجلة تراثنا، العدد الأول، صفحة 19، والعدد الرابع، صفحة 101، مقالة السيد عبد العزيز
الطباطبائي: أهل البيت في المكتبة العربية.
11

(6) أبو العباس [أبو علي] أحمد بن علي الرازي الخضيب [ابن الخضيب]،
الأيادي، له كتاب الشفاء والجلاء في الغيبة (1).
(7) أبو العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح السيرافي، نزيل البصرة،
كان ثقة في حديثه متقنا لما يرويه فقيها بصيرا بالحديث والرواية، وهو أستاذ
الشيخ النجاشي وشيخه ومن استفاد منه، توفي حدود النيف والعشرة بعد
الأربعمائة، له كتاب أخبار الوكلاء الأربعة (2).
(8) أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمران بن موسى المعروف بابن الجندي،
أستاذ الشيخ النجاشي، له كتاب الغيبة (3).
(9) أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش بن
إبراهيم بن أيوب الجوهري، له كتاب ما نزل من القرآن في صاحب الزمان عليه
السلام، وأخبار وكلاء الأئمة الأربعة (4).
(10) الحافظ النسابة الواعظ الشاعر الأشرف بن الأغر بن هاشم
المعروف بتاج الملك العلوي الحسيني، المولود بالرملة سنة 482 والمتوفى بحلب
سنة 610 عن 128 سنة، له كتاب الغيبة وما جاء فيها عن النبي والأئمة عليهم
السلام ووجوب الإيمان بها (5).
(11) الجلودي، المتوفى سنة 332، له كتب أخبار المهدي (6).
(12) أبو محمد الحسن بن حمزة بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسن
ابن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، المعروف

(1) النجاشي: 97 رقم 240، الفهرست: 33 رقم 66، المعالم: 8 رقم 82.
(2) النجاشي: 86 - 87 رقم 209، الذريعة 1: 353 رقم 1860.
(3) النجاشي: 85 رقم 206، الذريعة 16: 75 رقم 374.
(4) النجاشي: 85 - 86 رقم 207، المعالم: 20 رقم 90.
(5) الذريعة 16: 75 رقم 375.
(6) الذريعة 1: 352 رقم 1852.
12

بالطبري والمرعش، كان من أجلاء هذه الطائفة وفقهائها، توفي سنة 358، له
كتاب الغيبة (1).
(13) أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد الصفار البصري، شيخ من
أصحابنا ثقة، روى عنه الحسن بن سماعة، له كتاب دلائل خروج القائم عليه
السلام (2).
(14) أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله
ابن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، المعروف
بابن أخي طاهر، المتوفى في ربيع الأول سنة 358، له كتاب الغيبة وذكر القائم
عليه السلام (3).
(15) أبو الحسن حنظلة بن زكريا بن حنظلة بن خالد بن العيار التميمي
القزويني، له كتاب الغيبة (4).
(16) أبو الحسن سلامة بن محمد بن إسماعيل [أسماء]، بن عبد الله بن
موسى بن أبي الأكرم الأرذني [الأزوني]، المتوفى سنة 339، له كتاب الغيبة
وكشف الحيرة (5).
(17) أبو سعيد عباد بن يعقوب الرواجني الأسدي الكوفي، المتوفى سنة
250 أو 271، له كتاب أخبار المهدي ويسميه المسند (6).
(18) أبو الفضل عباس بن هشام الناشري الأسدي، من أصحاب

(1) النجاشي: 64 رقم 150، المعالم: 36 رقم 215، الذريعة 16: 76 رقم 380.
(2) النجاشي: 48 رقم 101.
(3) النجاشي: 64 رقم 149، الذريعة 16: 83 رقم 416.
(4) النجاشي: 147 رقم 380، الذريعة 16: 76 رقم 384.
(5) النجاشي: 192 رقم 514، الذريعة 16: 83 رقم 419.
(6) الفهرست: 176 رقم 374، المعالم: 88 رقم 612، الذريعة 1: 352 رقم 1852.
13

الرضا عليه السلام، متوفى سنة 220، له كتاب الغيبة (1).
(19) أبو العباس عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك الحميري القمي،
ثقة، شيخ القميين ووجههم، له كتاب الغيبة والحيرة، وقرب الإسناد إلى
صاحب الأمر عليه السلام، والتوقيعات (2).
(20) أبو محمد عبد الوهاب المادرائي [البادرائي] له كتاب الغيبة (3).
(21) أبو القاسم علي بن الحسن بن موسى بن بابويه القمي، المتوفى
سنة 329 س، له كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة (4).
(22) أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن
إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
عليهم السلام، المعروف بالشريف المرتضى علم الهدى، مولده في رجب سنة
355، قال النجاشي: مات لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة 436 وصلى
عليه ابنه وتوليت غسله ومعي الشريف أبو يعلى...، له كتاب الغيبة، المقنع
في الغيبة (5).
(23) أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان المعروف بعلان الرازي
الكليني، خال ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، وأحد العدة الذين يروي
عنهم عن سهل بن زياد في كتابه الكافي، له كتاب أخبار القائم عليه السلام (6).

(1) النجاشي: 380 رقم 741، الذريعة 16: 76 رقم 386.
(2) النجاشي: 219 رقم 573، الفهرست 189 رقم 407 الذريعة 16: 83 رقم 415.
(3) النجاشي: 247 رقم 652، الذريعة 16: 76 رقم 387.
(4) النجاشي: 261 رقم 684، الفهرست للطوسي: 119، مقدمة كتاب الإمامة والتبصرة المطبوع
في بيروت 1407.
(5) النجاشي: 270 - 271 رقم 708، الفهرست: 218 - 220 رقم 472 المعالم: 69 - 70
رقم 77،، الذريعة 16: 77 رقم 390.
(6) الذريعة 1: 345 رقم 1803.
14

(24) علي بن محمد بن علي بن سالم بن عمر بن رباح بن قيس السواق
القلا، له كتاب الغيبة (1).
(25) أبو الحسن علي بن مهزيار الدورقي الأهوازي، كان أبوه نصرانيا
وقيل: إن عليا أيضا أسلم وهو صغير ومن الله عليه بمعرفة هذا الأمر، وتفقه
وروى عن الرضا وأبي جعفر عليهما السلام، واختص بأبي جعفر الثاني، له كتاب
القائم (2).
(26) أبو موسى عيسى بن مهران المستعطف، له كتاب المهدي (3).
(27) أبو محمد الفضل بن شاذان بن جبرئيل [الخليل] الأزدي
النيسابوري، المتوفى سنة 260، لقي علي بن محمد التقي عليه السلام، له
كتاب إثبات الرجعة، والرجعة حديث، والقائم عليه السلام (4).
(28) أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني، المعروف بابن أبي
زينب الكاتب، تلميذ ثقة الإسلام الكليني، له كتاب الغيبة، ويعرف هذا
الكتاب بملاء العيبة في طول الغيبة (5).
(29) أبو علي محمد بن أحمد بن الجنيد، قال النجاشي: سمعت بعض
شيوخنا يذكر أنه كان عنده مال للصاحب عليه السلام وسيف أيضا وصى به إلى
جاريته، له كتاب إزالة الران عن قلوب الإخوان في الغيبة (6).

(1) النجاشي: 259 - 260 رقم 679، الذريعة 16: 78 رقم 393.
(2) النجاشي: 253 - 254 رقم 664.
(3) النجاشي: 297 رقم 807، الفهرست: 249 - 250 رقم 549، المعالم: 86 رقم 593.
(4) النجاشي: 306 - 307 رقم 840، الفهرست: 254 - 255 رقم 559، المعالم: 90 - 91
رقم 627، الذريعة 16 - 78 رقم 395.
(5) النجاشي: 383 رقم 1043، المعالم: 118 رقم 783، الذريعة 16: 79 رقم 398.
(6) كذا ورد اسم الكتاب في المعالم، وفي الفهرست؟ إزالة الألوان عن قلوب الإخوان في معنى كتاب
الغيبة، وفي النجاشي: كتاب إزالة الران عن قلوب الإخوان.
راجع: النجاشي: 385 رفم 1047، الفهرست: 267 - 269 رقم 592، المعالم: 97
98 رقم 665.
15

(30) أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن
مهران الجمال، المعروف بالصفواني، الشريك مع النعماني في القراءة على
ثقة الإسلام الكليني، له كتاب الغيبة وكشف الحيرة (1)
(31) أبو العنبس محمد بن إسحاق بن أبي العنبس العنيسي الصيمري،
له كتاب صاحب الزمان (2).
(32) أبو الحسين محمد بن بحر الرهني السجستاني [الشيباني] المتكلم،
له كتاب الحجة في إبطاء القائم عليه السلام (3).
(33) محمد بن الحسن بن جمهور العمي [القمي] البصري، روي عن
الرضا عليه السلام، له كتاب صاحب الزمان عليه السلام، وكتاب وقت خروج
القائم (4).
(34) أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، قرأ على الشيخ المفيد،
له كتاب الغيبة (5).
(35) محمد بن زيد بن علي الفارسي، له كتاب الغيبة (6).
(36) أبو جعفر محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، المتوفى سنة
323، كان متقدما في أصحابنا ومستقيم الطريقة، فحمله الحسد لأبي القاسم
الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية، فظهرت منه

(1) الذريعة 16: 37 رقم 157، و 16: 84 رقم 420.
(2) الفهرست لابن النديم: 216 - 217، وفي كون المراد من صاحب الزمان الإمام المهدي نظر.
(3) المعالم: 96 رقم 662.
(4) الفهرست: 284 رقم 617، المعالم: 103 - 104 رقم 689.
(5) الفهرست: 285 - 288 رقم 620، المعالم: 114 - 115 رقم 766، الذريعة 16: 79 رقم
399.
(6) الذريعة 16: 79 - 80 رقم 400.
16

مقالات منكرة، وخرج في لعنه التوقيع من الناحية، له كتاب الغيبة (1).
(37) أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي،
المتوفى سنة 381، له كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة، الفه بأمر الإمام المهدي
عجل الله فرجه، والرسالة الأولى في الغيبة، والرسالة الثانية في الغيبة، والرسالة
الثالثة في الغيبة (2).
(38) أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي، المتوفى سنة 449،
له كتاب البرهان على طول عمر صاحب الزمان، والاستطراف في ذكر ما ورد
في الغيبة في الإنصاف (3).
(39) أبو بكر محمد بن القاسم البغدادي، معاصر ابن همام الذي توفي
سنة 332 له كتاب الغيبة (4).
(40) أبو النضر محمد بن مسعود بن محمد بن عياض السلمي السمرقندي،
المعروف بالعياشي، كان في أول عمره عامي المذهب وسمع حديث العامة
فأكثر منه، ثم تبصر وعاد إلينا، له كتاب الغيبة (5).
(41) أبو الفرج المظفر بن علي بن الحسين الحمداني، من السفراء، قرأ
على المفيد وحضر مجلس درس المرتضى والشيخ ولم يقرأ عليهما، له كتاب
الغيبة (6).

(1) كتابه الغيبة كتبه قبل ضلاله.
راجع النجاشي: 378 رقم 1029، الذريعة 16: 80 رقم 401.
(2) النجاشي: 389 - 392 رقم 1049، المعالم: 111 - 112، رقم 764، الفهرست: 304
- 305 رقم 661، الذريعة 16: 83 رقم 412 و 413 و 414، و 16: 80 رقم 402.
(3) الذريعة 3: 92 رقم 292، كشف الحجب: 43 رقم 194.
(4) الذريعة 16: 80 رقم 403.
(5) النجاشي: 350 - 353 رقم 944، الفهرست: 317 - 320 رقم 690، المعالم: 99 - 100
رقم 668.
(6) الذريعة 16: 82 رقم 406.
17

انتهى ما قصدنا إيراده من ذكر بعض الكتب المؤلفة مستقلا عن موضوع
الإمام المهدي عجل الله فرجه، ولم نذكر ما كتبه العلماء من الفريقين في مؤلفاتهم
بالضمن عن الإمام المهدي، ولم نذكر الكتب المؤلفة من الواقفية الذين وقفوا على
بعض، الأئمة أو أولادهم، وكذا لم نذكر الشعراء الذين نظموا عن الإمام المهدي
عليه السلام، مراعاة للاختصار -
(3)
اهتمام الشيخ المفيد بالبحث عن المهدي.
ازدهر العلم في زمن الشيخ المفيد وبلغ ذروته، وكانت الحضارة آنذاك في
تقدم سريع، وكان زمانه مملوءا بالعلماء من كل الفرق الإسلامية خصوصا في
بغداد.
كل هذا ونرى شيخنا المفيد قد نبغ من بين جميع هؤلاء، وطغى علمه
وشهرته على الكل.
وكانت الشبهات في زمانه ضد مذهب أهل البيت تستفحل يوما بعد آخر.
لذا عقد الشيخ المفيد مجلسا للمناظرة، ناظر فيه العلماء فأفحمهم،
واهتدى على يديه الجم الغفير.
فكان رضوان الله عليه قد أولى اهتماما كبيرا بعلم الكلام، سواء باللسان
أم بالقلم.
ومن المواضيع الكلامية التي أعطاها اهتماما كبيرا هو موضوع الإمام المهدي
وأحواله وظهوره وطول عمره و...
فكان يرد الشبهات ويثبت عقائد الشيعة بإمام زمانهم بمناظراته ودرسه
وكتاباته مستقلا وضمنا:
فمن الذي كتبه مستقلا:
(1) كتاب الغيبة.
18

ذكره النجاشي: 401، وذكر الطهراني في الذريعة 16: 80 كتاب الغيبة
الكبير للمفيد.
(2) المسائل العشرة في الغيبة.
ذكره النجاشي: 399، وهو هذا الكتاب الذي أقدمه بين يدي القارئ
العزيز، يأتي التفصيل عنه.
(3) مختصر في الغيبة.
ذكره النجاشي: 399.
(4) النقض على الطلحي في الغيبة.
ذكره النجاشي: 400.
(5) جوابات الفارقيين في الغيبة.
ذكره النجاشي: 400.
(6) الجوابات في خروج الإمام المهدي عليه السلام.
ذكره النجاشي: 401.
وذكر الطهراني في الذريعة 16: 80 أن للشيخ المفيد كتاب الجوابات في
خروج المهدي - وذكر أنه موجود - ثلاث مسائل.
والظاهر أن كليهما كتاب واحد.
وذكر أيضا أن الثلاث مسائل هي:
(أ) من مات ولا يعرف إمام زمانه.
(ب) لو اجتمع لإمام عدد أهل بدر.
واحتمل أن يكون هذا هو النقض على الطلحي، لأنه يعبر في أثنائه عن
السائل بالعمري.
(ج) السبب الموجب لاستتار الحجة.
والمطبوع من الجوابات - الذي طبع ضمن عدة رسائل للمفيد طبع مكتبة
المفيد - أربع رسائل، هي:
19

(أ) صفحة 383 - 388، شرح فيه حديث من مات وهو لا يعرف إمام
زمانه...
(ب) صفحة 389 - 394، أول الرسالة: حضرت مجلس رئيس من
الرؤساء فجرى كلام في الإمامة فانتهى في القول في الغيبة...
(ج) صفحة 394 - 398، أول الرسالة: سأل بعض المخالفين فقال:
ما السبب الموجب لاستتار إمام الزمان وغيبته التي طالت مدتها...؟
(د) صفحة 399 - 402، أول الرسالة: سأل سائل من الشيخ المفيد
فقال: ما الدليل على وجود الإمام صاحب الغيبة، فقد اختلف الناس في وجوده
اختلافا ظاهرا...؟
وللتفصيل راجع الذريعة 5: 195، 20: 388، 390 و 395، 16:
80 - 82.
ومن الذي كتبه ضمنا:
(1) الايضاح في الإمامة.
أحال في عدة مواضع عليه في هذا الكتاب: الفصول العشرة، وعبر عنه
بالإيضاح في الإمامة والغيبة.
(2) الارشاد في معرفة حجج الله على العباد.
ذكر فيه فصلا خاصا عن الإمام الحجة وغيبته.
(3) العيون والمحاسن.
له فيه كلام في الغيبة.
(4) الزاهر في المعجزات.
تطرق فيه إلى معجزات الأنبياء والأئمة ومنهم الإمام الحجة المنتظر.
وكذا بحث عن الإمام المهدي عليه السلام في بقية كتبه المؤلفة في الإمامة
والتاريخ والعقائد.
20

(4)
صلة الشيخ المفيد بالناحية المقدسة
عند وقوع الغيبة الكبرى انقطعت النيابة الخاصة وكذب من ادعى البابية،
وصارت النيابة عامة للفقهاء العدول.
وهذا لا يدل على عدم إمكان رؤية الإمام في الغيبة الكبرى والتشرف
بخدمته، حتى مع معرفة المشاهد له في حال الرؤية، لأن الذي نقطع بكذبه هو
ادعاء الباب والنيابة الخاصة.
قال الشيخ المفيد في هذا الكتاب الفصول العشرة: فأما بعد انقراض من
سميناه من أصحاب أبيه وأصحابه عليهم السلام، فقد كانت الأخبار عمن تقدم
من أئمة آل محمد عليهم السلام متناصرة: بأنه لا بد للقائم المنتظر من غيبتين،
إحداهما أطول من الأخرى، يعرف خبره الخاص في القصرى، ولا يعرف العام
له مستقرا في الطولى، إلا من تولى خدمته من ثقات أوليائه، ولم ينقطع عنه إلى
الاشتغال بغيره (1).
فما ذكره الشيخ المفيد من الحديث صريح بأن في الغيبة الكبرى المعبر عنها
بالطولي يمكن أن يعرف خبره من تولى خدمته من ثقات أوليائه ولم ينقطع عنه إلى
الاشتغال بغيره.
إذا عرفت هذا فقد روى الشيخ الطبرسي توقيعين وردا من الناحية المقدسة
إلا الشيخ المفيد، قال:
ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة حرسها الله ورعاها في أيام بقيت من
صفر سنة عشرة وأربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان

(1) الفصول العشرة: 82 من طبعتنا هذه.
21

قدس الله روحه ونور ضريحه، ذكر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز،
نسخته:
للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد...
وجاء في آخر التوقيع:
نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام:
هذا كتابنا إليك أيها الأخ الوفي والمخلص في ودنا الصفي، والناصر لنا
الوفي، حرسك الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به، ولا تظهر على خطنا الذي
سطرناه بماله ضمناه أحدا، واد ما فيه إلى من تسكن إليه، وأوص جماعتهم
بالعمل عليه إن شاء الله، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين (1).
وقال الطبرسي أيضا يروي التوقيع الثاني:
وورد عليه كتاب آخر من قبله صلوات الله عليه يوم الخميس الثالث
والعشرين من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، نسخته:
من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله...
وجاء في آخر التوقيع:
وكتب في غرة شوال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة نسخة التوقيع باليد العليا
صلوات الله على صاحبها:
هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلي، بإملائنا وخط ثقتنا، فاخفه
عن كل أحد، واطوه، واجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن إلى أمانته من
أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله، الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد النبي
وآله الطاهرين (2).

(1) الاحتجاج 2: 495 - 498.
(2) الاحتجاج 2: 498 - 499.
22

وروى هذين التوقيعين يحيى بن بطريق في رسالة نهج العلوم إلى نفي
المعدوم كما حكي عنه، وزاد عليهما توقيع آخر لم تصل إلينا صورته (1).
وعند التأمل في التوقيعين الواصلين إلينا نستطيع أن نجزم بأنهما لا يفيدان
النيابة الخاصة أو البابية، بل شأنهما شأن من يرى الإمام في غيبته الطولى ويعرفه،
ولا يفهم من الأحاديث المكذبة لرؤيته إلا النيابة الخاصة.
والذي يزيدنا اطمئنانا بهذين التوقيعين ما ذكره الطبرسي في مقدمة كتابه
الاحتجاج:
ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناد:
إما لوجود الاجماع عليه.
أو موافقته لما دلت العقول إليه.
أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف.
إلا ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، فإنه ليس في
الاشتهار على حد ما سواه، وإن كان مشتملا على مثل الذي قدمناه، فلأجل
ذلك ذكرت إسناده في أول جزء من ذلك دون غيره، لأن جميع ما رويت عنه
صلوات الله عليه إنما رويته بإسناد واحد من جملة الأخبار التي ذكرها عليه السلام
في تفسيره... (2)
فالتوقيعان اللذان رواهما بدون ذكر الإسناد لا يخلوان من ثلاثة وجوه:
وجود الاجماع عليهما، موافقتهما لما دلت العقول إليه، اشتهارهما في السير والكتب
بين المخالف والمؤالف.
وهذه الدقة الموجودة عند الطبرسي في روايته، ووثاقة الطبرسي عند الكافة
تعطينا اطمئنانا لقبول التوقيعين.

(1) معجم رجال الحديث 17: 208 - 209.
(2) الاحتجاج 1: 14.
23

والذي يزيدنا اطمئنانا أيضا بهذين التوقيعين، ما ذكره المحدث البحراني
في اللؤلؤة بعد ما نقل أبياتا في رثاء الشيخ المفيد منسوبة لصاحب الأمر وجدت
مكتوبة على قبر الشيخ المفيد:
وليس هذا ببعيد بعد خروج ما خرج عنه عليه السلام من التوقيعات للشيخ
المذكور المشتملة على مزيد التعظيم والاجلال...
ثم قال:
هذا وذكر الشيخ يحيى بن بطريق الحلي - وقد تقدم - في رسالة نهج العلوم
إلى نفي المعدوم [المعروفة بسؤال أهل حلب] طريقين في تزكية الشيخ المفيد:
أحدهما: صحة نقله عن الأئمة الطاهرين، بما هو مذكور في تصانيفه من
المقنعة وغيرها...
وأما الطريق الثاني في تزكيته: ما ترويه كافة الشيعة وتتلقاه بالقبول: من
أن صاحب الأمر - صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه - كتب إليه ثلاثة كتب،
في كل سنة كتابا، وكان نسخة عنوان الكتاب: للأخ السديد... وهذا أوفى
مدح وتزكية وأزكى ثناء وتطرية بقول إمام الأمة وخلف الأئمة، انتهى ما في
اللؤلؤة (1).
أقول: وكلامه صريح إن التوقيعين مجمع عليهما، ونستنتج من كلامه أيضا أن
ما ذكره الطبرسي في مقدمة الاحتجاج - من ذكر الأسباب التي دعته إلى عدم ذكر
السند للأحاديث التي يرويها - إن التوقيعين من قسم الأحاديث التي انعقد الاجماع
عليها، لهذا لم يذكر سندهما.
وإن كان بعض المتأخرين قد شكك في هذين التوقيعين، لكن الاطمئنان
الحاصل عند التأمل فيهما كاف في المقام، والله العالم.

(1) لؤلؤة البحرين: 363 - 367، وراجع حياة ابن بطريق في هذا الكتاب أيضا: 283، ووفاة
ابن بطريق سنة 600.
24

وقال ابن شهرآشوب في معالمه: ولقبه الشيخ المفيد صاحب الزمان صلوات
الله عليه، وقد ذكرت سبب ذلك في مناقب آل أبي طالب (1).
والظاهر أن المراد من عبارته " ولقبه الشيخ المفيد صاحب الزمان "، ما ورد في
التوقيع: للأخ السديد والوفي الرشيد الشيخ المفيد.
وأما ما أحال به على المناقب، فهو غير موجود في المناقب المطبوع وفي نسخه
المتوفرة لدينا والنسخ التي اعتمدها المحدث المجلسي والنوري، لأن كل هذه
النسخ ناقصة غير موجود فيها البحث عن صاحب الأمر عليه السلام.
وشكك السيد الخوئي في هذا، بناء على أن تسميته بالمفيد كانت من قبل
علي بن عيسى الرماني حيث قال له بعد مناظرة: أنت المفيد حقا، وكون التوقيع
صادرا في أواخر حياة الشيخ المفيد وإنما لقب الشيخ المفيد في عنفوان شبابه (2).
وبناء على صدور هذين التوقيعين من الناحية المقدسة، نستطيع أن نصل
إلى الصلة العميقة بين هذا الشيخ المفيد وبين إمام زمانه الحجة المنتظر، لما فيهما
من مدح وثناء عميقين من قبل الناحية المقدسة لهذا الشيخ الذي أوقف عمره
للذب عن هذه الطائفة المظلومة.
فورد في التوقيع الأول من الناحية للشيخ المفيد من المدح:
للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد... سلام عليك أيها الولي
المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين... ونعلمك أدام الله توفيقك
لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق... هذا كتابنا إليك أيها
الولي، والمخلص في ودنا الصفي، والناصر لنا الوفي، حرسك الله بعينه التي لا
تنام...

(1) معالم العلماء: 113 رقم 765.
(2) معجم رجال الحديث 17: 209 - 210.
(3) الاحتجاج 2: 497 - 498.
25

وفي الثاني:
سلام عليك أيها الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصدق،...
ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين، أيدك الله بنصره الذي
أيد به السلف من أوليائنا الصالحين... هنها كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق
العلي... (1)
وكفى بهذا عزا وفخرا للشيخ المفيد، وهو أهل لذلك.

(1) الاحتجاج 2: 498 - 499.
26

نحن والكتاب
(1)
نسبة الكتاب للشيخ المفيد
نستطيع أن نجزم بنسبة هذا الكتاب للشيخ المفيد، وذلك لعدة جهات:
(1) عند التأمل في بقية كتبه بالأخص الكلامية نشاهد أن طريقتها مع
هذا الكتاب متحدة، وبعبارة أخرى من طالع كتب الشيخ المفيد وطالع هذا
الكتاب من دون أن يعرف إنه للمفيد يجزم بنسبته للمفيد وذلك لاتحاد مشربه.
(2) اتفاق كل النسخ الخطية بنسبة هذا الكتاب للشيخ المفيد، ومن
النسخ كتبت في القرن الثامن الهجري.
(3) عدم ادعاء أي شخص بنسبة الكتاب لغير الشيخ المفيد.
(4) صرح بنسبة هذا الكتاب للشيخ المفيد كثير من الأعلام، منهم:
تلميذه الشيخ النجاشي في رجاله (1)، وابن شهرآشوب في معالمه (2)، والطهراني في
الذريعة (3)، والكنتوري في كشف الحجب (4).
(5) إحالته في هذا الكتاب على بقية كتبه المسلم بأنها له، كالإرشاد،
والايضاح، والباهر من المعجزات.

(1) رجال النجاشي: 399 رقم 1067.
(2) معالم العلماء: 114 رقم 765.
(3) الذريعة 5: 195 رقم 899 و 228 رقم 10، 16: 80 رقم 405 و 241 رقم 957، 20:
358.
(4) كشف الحجب: 509.
27

(2)
اسم الكتاب:
اختلفت المصادر في تحديد اسم الكتاب:
ففي رجال النجاشي (1): المسائل العشرة في الغيبة.
وفي معالم العلماء (2): الأجوبة عن المسائل العشر.
وفي النسخة المطبوعة (3): الفصول العشرة في الغيبة.
وفي كشف الحجب: المسائل العشرة في الغيبة (4).
وفي الذريعة: الجوابات في خروج المهدي (5)، جوابات المسائل العشر في
الغيبة (6)، الفصول العشرة في الغيبة (7)، المسائل العشرة في الغيبة (8).
وفي النسخ الأربع التي اعتمدنا عليها في تحقيقنا لهذا الكتاب ويأتي شرحها:
في نسخة (ع): شرح الأجوبة عن المسائل في العشرة الفصول عما يتعلق
بمهدي آل الرسول صلى الله عليه وآله.
وفي نسخة (س): كتاب الغيبة

(1) رجال النجاشي: 399 رقم 1067.
(2) معالم العلماء: 114 رقم 765
(3) المطبعة الحيدرية، النجف، 1370.
(4) كشف الحجب: 509.
(5) الذريعة 195: 5 رقم 899.
(6) الذريعة 5: 228 رقم 10.
(7) الذريعة 16: 241 رقم 957.
(8) الذريعة 20: 358.
28

وكل هذه الأسماء متقاربة، لأن الكتاب هو جواب لعشر مسائل، والظاهر
أن الشيخ المفيد لم يسمه باسم معين، ونحن اخترنا ما ذكره النجاشي ووضعناه
عنوانا للكتاب، لقرب النجاشي من الشيخ المفيد، فهو تلميذه والأعلم بكتب
أستاذه.
فاسم الكتاب: المسائل العشرة في الغيبة.
(3)
أهمية الكتاب:
الكتاب هو عبارة عن دفع أهم الشبهات التي كانت واردة آنذاك على
موضوع الإمام المنتظر عجل الله فرجه، وهذه الشبه ردها الشيخ المفيد بأحلى رد
وأوجزه، ففي هذه الرسالة الوجيزة حجمها ترى فيها من المعلومات ما لا تجدها
في غيره.
فالشيخ المفيد عالج هذه الشبه بعلاج جذري وناقشها من جميع الجهات،
بحيث لم يبق في قلب أحد شك ولا شبهة.
وعند النظر في هذا الكتاب وقياسه بذاك الزمان والمكان اللذين كان فيهما
الشيخ المفيد، تتضح أهمية الكتاب ومدى فائدته.
فالشيخ المفيد تعرض في فصله الأول لرد كون استتار ولادة المهدي خارجة
عن العرف، وفي الثاني لرد من تمسك بإنكار جعفر عم الإمام، وفي الثالث لرد
من تمسك بوصية الإمام العسكري لأنه دون ولده، وفي الرابع لرد من تمسك
بعدم الداعي لإخفاء الإمام العسكري ولده، وفي الخامس لرد من ادعى أنه
مستتر لم يره أحد منذ ولد، وفي السادس لرد من ادعى نقض العادة بطول عمره
عجل الله فرجه، وفي السابع لرد من تمسك بأنه إذا لم يظهر لا فائدة في وجوده
29

وفي الثامن لرد من تمسك بأنا في غيبة صاحبنا ساوينا السبائية والكيسانية و..،
وفي التاسع لرد من ادعى تناقض غيبة الإمام مع إيجاب الإمامة وأن فيها
مصلحة للأنام، وفي العاشر لرد من تمسك بأن الخلق كيف يعرفه إذا ظهر والمعجز
مخصوص بالأنبياء.
فتعرض الشيخ المفيد لرد كل هذه الشبهات، واعتمد في رده على: الآيات
القرآنية، والحكم والقصص الواردة عن الأنبياء والحكماء، والأمثلة التي يقبلها
كل ضمير حي، ودراسة تاريخية كاملة لذاك الزمان وملوكه، واعتمد على الأدلة
العقلية، شأنه شأن الكتب الكلامية العميقة.
فيعد كتابه هذا من الكتب الكلامية ذات البحث العميق والعبارة الدقيقة
الصعبة، فالقارئ يحتاج إلى الوقوف على عباراته واحدة بعد أخرى والتأمل فيها
ليصل إلى ما يقصده المؤلف.
(4)
تاريخ تأليف الكتاب
يوجد في هذا الكتاب نصان نستفيد منهما تاريخ تأليف الكتاب.
أحدهما: في مقدمة الكتاب وعند استعراضه للفصول نستفيد حين يصل
لفهرست الفصل السادس، يقول:... إلى وقتنا هذا وهو سنة عشرة
وأربعمائة.
والآخر: في الفصل السادس، يقول: وإلى يومنا هذا وهو سنة أحد عشر
وأربعمائة.
فمن هذين النصين نفهم أنه بدأ بالتأليف في أواخر سنة أربعمائة وعشر،
وأنهى الكتاب في سنة أحد عشر وأربعمائة، وذلك لصغر حجم الكتاب.
30

(5)
السائل:
لم يذكر الشيخ المفيد اسم السائل، بل اكتفى بقوله:... وتجدد بعد
الذي سطرته... رغبة ممن أوجب له حقا، وأعظم له محلا وقدرا، واعتقد في
قضاء حقه ووفاق مشربه لازما وفرضا، في إثبات نكت من فصول خطرت بباله في
مواضع ذكرها، يختص القول فيها على ترتيب عينه وميزه من جملة ما في بابه
وبينه...
ويفهم من هذا أن السائل من العلماء ومن الممدوحين، وهو غير معتقد
بهذه الشبهات، بل هي شبهات موجودة في زمانه رتبها وأرسلها للشيخ المفيد
بعنوان السؤال، والشيخ المفيد جرى في كتابه على ترتيب هذه الفصول التي رتبها
السائل، ويؤيد أن السائل غير معتقد بهذه الشبهات بل أوردها إيرادا ما ذكره
الشيخ المفيد في آخر الفصل الثاني في رد الفرق الضالة:... حسب ما أورده
السائل عنهم فيما سأل في الشبهات في ذلك.
وفي أول نسخة (ع) التي يأتي التفصيل عنها ورد اسم السائل، حيث قال
كاتب النسخة: شرح الأجوبة... وهو جواب الرئيس أبي العلاء ابن تاج الملك،
املاء الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رضي الله عنه
وأرضاه.
ولم اهتد إلى ترجمة للسائل بعد البحث الطويل في كتب التراجم، نسأل الله
أن نوفق في المستقبل على معرفته.
31

(6)
طبعات الكتاب
طبع الكتاب ولأول مرة في النجف الأشرف سنة 1370 ه‍ = 1951 م في
المطبعة الحيدرية، ويليه نوادر الراوندي ومواليد الأئمة عليهم السلام.
وطبعته مكتبة المفيد في قم بالتصوير على الطبعة الأولى ضمن كتاب باسم
(عدة رسائل للشيخ المفيد).
(7)
ترجمة الكتاب
ترجم هذا الكتاب الشيخ سعادت حسين افتخار العلماء اللكهنوي المتوفى
سنة 1409 ه‍ إلى اللغة الأردية، وطبعت هذه الترجمة بالهند باسم: غيبت.
وترجمه محمد باقر الخالصي إلى اللغة الفارسية، وطبع في طهران انتشارات
رآه إمام سنة 1361 ه‍ ش باسم انتقاد وباسخ.
(8)
عملنا في الكتاب
واجهنا في عملنا نوعا من الصعوبة، لأن الكتاب كما في مقدمة نسخة (ع)
هو من قسم مؤلفات الشيخ المفيد التي أملاها على تلامذته، وهذا النوع من
مؤلفات الشيخ المفيد تكون نسخه مضطربة جدا، فبذلنا جهدنا في تقويم نصه،
لأنه أصل التحقيق، ليخرج الكتاب بعونه تعالى خال من الأخطاء.
فكان عملنا في الكتاب على مراحل:
(1) البحث عن أهم النسخ الموجودة، فاعتمدنا في تحقيقنا لهذا الكتاب
32

على خمس نسخ:
(أ) نسخة (ع)، وهي النسخة المحفوظة في المكتبة العامة لآية الله
المرعشي في قم، ضمن مجموعة رقم 243، الرسالة التاسعة، من ورقة 105 إلى
ورقة 212، جاء في أول الرسالة: شرح الأجوبة عن المسائل في العشرة الفصول
عما يتعلق بمهدي آل الرسول صلى الله عليه وآله، وهو جواب الرئيس أبي العلاء
ابن تاج الملك، املاء الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي
رضي الله عنه وأرضاه.
والنسخة ناقصة الآخر، من أواخر الفصل التاسع والفصل العاشر
بأكمله.
وتاريخ كتابة النسخة غير معلوم، لكن عند ملاحظة التملك الموجود عليها
نجزم بأنها كتبت إما آخر القرن السادس أو أول القرن السابع.
راجع فهرست المكتبة المرعشية 1: 268.
(ب) نسخة (ر)، وهي النسخة المحفوظة في المكتبة العامة لآية الله
المرعشي في قم، ضمن مجموعة رقم 78، الرسالة التاسعة، من ورقة 104 وإلى
ورقة 123، جاء في أول الرسالة إن هذا الكتاب جواب أسئلة أبي العلاء تاج
الملك.
وتاريخ كتابة النسخة غير معلوم والظاهر أنها كتبت في القرن 13، يحتمل
أن تكون هذه النسخة استنسخت من نسخة (ع) التي مرت.
راجع فهرست المكتبة المرعشية 1: 92.
(ج) نسخة (ل)، وهي النسخة المحفوظة في مكتبة المجلس في طهران
ضمن مجموعة رقم 8 من صفحة 213 إلى صفحة 242، الرسالة
الثامنة عشر.
33

راجع فهرست مكتبة المجلس: 1: 272
(د) نسخة (س)، وهي النسخة المستنسخة والمصححة المحفوظة في
دفتر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم، وهي (100)
صفحة
(ه‍) نسخة (ط)، وهي النسخة المطبوعة في النجف 1370 ه‍، المطبعة
الحيدرية، جاء في أولها: الفصول العشرة في الغيبة تأليف الإمام الفقيه المحقق
محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد المتوفى سنة
413 ه‍، وجاء في آخرها: يقول الفقير إلى الله الغني شير محمد بن صفر علي
الهمداني الجورقاني: قد نسخت هذه النسخة إلى أوائل الفصل السادس من
نسخة العالم الجليل الميرزا محمد الطهراني المقيم بسامراء، وباقيها من نسخة العابر
النبيل السيد محمد صادق آل بحر العلوم، واتفق لي الفراغ بعون الله تعالى يوم
الرابع عشر من شهر محرم الحرام من سنة 1363 ثلاث وستين بعد الثلاثمائة
والألف من الهجرة المقدسة بمشهد سيدي ومولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه أفضل الصلاة والسلام.
وعدد صفحاتها (38) صفحة بالحجم الرقعي، وطبع في آخرها: نوادر
الراوندي، ومواليد الأئمة.
(2) مقابلة هذه النسخ وذكر الاختلافات.
(3) تقويم النص وترجيح الصحيح أو الأصح فيما بين النسخ ووضعه في
المتن، وأشرنا إلى أكثر الاختلافات في الهامش، لأجل أهمية الكتاب وقدمه،
وقدم النسخ المعتمدة، كما هو مسلكنا في التحقيق وتمسكنا بعبارة: رب حامل
فقه إلى من هو أفقه منه.
34

وفي بعض الأحيان أضفنا بعض الكلمات ووضعناها بين معقوفتين، لعدم
استقامة العبارة بدونها.
(4) تخريج الآيات القرآنية والروايات والأقوال حسب ما أمكن.
(5) وضع ترجمة مبسطة لكل الأعلام الواردة أسماؤهم في المتن والتأكد
من صحتها غير الأنبياء والأئمة عليهم السلام.
(6) التعريف بالكتب الواردة في المتن.
(7) التعريف بالفرق الواردة في المتن.
(8) التعريف بالبلدان الواردة في المتن.
(9) شرح بعض الكلمات اللغوية الصعبة من مصادر اللغة، وبعض
العبارات الصعبة التي تحتاج إلى توضيح.
(10) وضع فهارس متعددة في آخر الكتاب، تسهيلا للمراجع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
18 / ذي الحجة / 1412 ه‍
ذكرى عيد الغدير الأغر
فارس الحسون تبريزيان
35

الفصول العشرة
في الغيبة
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله، العكبري، البغدادي
(336 - 413 ه‍)
39

بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله الذي ضمن النصر لمن نصره، وأيد بسلطان الحق من عرف
سبيله فأبصره، وسلب التوفيق عمن (2) ألحد فيه وأنكره.
وإليه الرغبة في إدامة النعمة، وبه نعوذ من العذاب والنقمة.
وصلواته في سيدنا محمد وآله الأئمة المهدية، وسلم كثيرا.
وبعد، فإني قد خلدت (3) من الكلام في وجوب الإمامة، واختصاص
مستحقيها (4) عليهم السلام بالعصمة، وتمييزهم من رعاياهم بالكمال والفضل
بمحاسن (5) الأفعال والأعلام الدالة على الصدق منهم في الدعوى إلا ما دعوا إليه
من الاعتقادات والأعمال، والنصوص الثابتة عليهم من الله تعالى، بجلي المقال.

(1) ر. ع. س: رب يسر.
(2) ع. ل: من.
(3) ر. ع: جلدت، ل: حللت.
(4) ر. ع: مستحقها.
(5) ر. ع. س: محاسن.
41

وأوضحت عن فساد مذاهب المخالفين في ذلك والذاهبين بالجهل والضلال،
بما قد ظهر في الخاص من الناس والعام، واشتهرت بين الجمهور من الأنام.
وبينت عن أسباب ظهور دعوة الناطقين منهم إلى الدين، وصمت المتقين
عن ذلك، لضرورتهم إليه بظلم الجبارين، والاشفاق على مهجتهم (1) [من]
المبيحين لدمائهم، المعتدين بخلاف قتلة (2) النبيين والمرسلين فيما استحلوه من
ذلك. بما ضمه الفرقان والقرآن (3) المبين، فيما ثبت في غيبة خاتم الأئمة المهديين
عليهم أفضل السلام والتسليم، واستتاره من دولة الظالمين، ما دل على إيجابه
إلى ذاك وضرورته إليه. مثمر العلم به واليقين.
وتجدد بعد الذي سطرته في هذه الأبواب، وشرحت معانيه على وجه
السؤال فيه والجواب (4)، وشواهد الحق فيه بحجة العقل والسنة والكتاب، رغبة
ممن أوجب له حقا، وأعظم له محلا وقدرا، وأعتقد في قضاء حقه (5) ووفاق
مشربه (6) لازما وفرضا، في إثبات نكت من فصول خطرت بباله في مواضع ذكرها،
يختص القول فيها بإمامة صاحب الزمان عليه وعلى آبائه أفضل السلام، آثر
أن يكون القول فيها على ترتيب عينه وميزه من جملة ما في بابه وبينه.
فاستخرت الله تعالى في رسم ما ذكره من الفصول، والقول فيها بما تعم
معرفته ذوي العقول، ولا يحتاج معه إلى فكر (7) يمتد زمانه ويطول، ويستغني به

(1) ر. ع. ل. ط: إلى منهجهم.
(2) ع. س: لخلاف قتله، ل. ط: لخلاف قتلهم، ر: بخلاف قتلهم.
(3) ع. ل. ط: الفرقان القرآن.
(4) ر. ع: وجه السؤال فيه والسؤال والجواب.
(5) ر. ل. س. ط: فصاحته.
(6) ر. ع. س: مسرته.
(7) ل: ذكر.
42

عن الرجوع إلى العمد (1) التي أودعتها كتبي السالفة في ذلك ومهذبه (2) فيها من
الأصول، وبالله استعين.

(1) راجع ما كتبنا. في المقدمة من مؤلفات المفيد مستقلا وضمنا عن الإمام الحجة عليه السلام.
(2) س. ط: ومهدته.
43

ذكر الفصول على ترتيبها ونظامها وشرحها ومواضع الشبهات فيها:
الفصل الأول: القول فيما يدعيه الإمامية
من وجود خلف لأبي محمد الحسن بن علي بن
محمد بن علي الرضا ولد في حياته، مع خفاء
ذلك على أهله، واستتاره عن بني عمه وأوليائهم
وأعدائهم في وقته إلى هذه الغاية، لم يشرك
الإمامية في دعوى ذلك غيرهم من الناس.
الفصل الثاني: إنكار جعفر بن
محمد بن علي (1) - أخي الحسن بن علي - دعوى
الإمامية ولدا له، وحوزه ميراثه، والتظاهر
بتكذيب من ادعى لأخيه ولدا في حياته وبعد
وفاته، ورفع خبر المدعين ذلك إلى السلطان،
حتى بعثه (2) على حبس جواريه (3) واستبراء
حالهم (4) في الحمل، فلم يظهر لواحدة منهن

(1) خرج التوقيع على عثمان العمري من الناحية المقدسة جواب أسئلة سألها إسحاق بن يعقوب:...
وأما سبيل عمي جعفر وولده سبيل أخوة يوسف عليه السلام.
كمال الدين: 483 - 484.
وراجع البحار 50: 227 - 232 باب 6 أحوال جعفر، و 37: 8.
(2) ر. ع: يعنه.
(3) ر. ع: جواره.
(4) ط: حالهن.
45

حملا، وصار ذلك شبهة في إبطال دعوى ولد
الحسن عليه السلام.
الفصل الثالث: وصية الحسن المشهورة
إلى والدته - المسماة بحديث (1) المكناة بأم الحسن
- في وقوفه وصدقاته، وإمضائها (2) على شروطها،
ولم يذكر فيها ولدا له موجودا ولا منتظرا.
الفصل الرابع: ما الداعي إلى ستر ولادته،
والسبب إلى خفاء أمره وغيبته؟ مع ظهور
نسب آبائه وولادتهم ونشئهم (4) واشتهار وجودهم،
وقد كانوا في أزمان التقية فيها أشد من زمن
الحسن بن علي بن محمد، وخوفهم فيها من ملوك
بني أمية ومن بعدهم أعظم، ولم يغب أحد منهم،
ولا خفيت ولادته ووجوده عن الناس.
الفصل الخامس: خروج دعوى الإمامية
في غيبة الإمام عن حكم العادة في استتاره عن

(1) هي أم الحسن حديث أو حديثة، وقيل: سوسن، وقيل سليل، وكانت من الصالحات المتقيات
العارفات بهذا الأمر.
الأعيان 1: 40.
(2) ع: وأمضى بها.
(3) ل. ط: ولدا موجودا.
(4) ل: وموتهم.
46

فصول الكتاب.
الخلق (1) طول المدة التي يدعونها لصاحبهم،
وانسداد الطرق إلى الوصول إليه (2)، وعدم
معرفة (3) مكان له على حال.
الفصل السادس انتقاض العادة في
دعوى طول عمره وبقائه منذ ولد على قول
الإمامية قبل وفاة أبيه بسنين، وكانت وفاته في
سنة ستين ومائتين إلى وقتنا هذا وهو سنة عشرة
وأربعمائة.
الفصل السابع: إن غيبته متى صحت
على الوجه الذي تدعيه الإمامية بطلت الحاجة
إليه، إذ كان وجود منعها كعدمه (4) من العالم،
ولا تظهر له دعوة، ولا تقوم له حجة، ولا يقيم
حدا، ولا ينفذ حكما، ولا يرشد مسترشدا، ولا
يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، ولا يهدي
ضالا، ولا يجاهد في الإسلام.
الفصل الثامن: بطلان دعوى الإمامية

(1) ع. ل: في استتار الخلق، ر. س: في استتار الحق، والمثبت من ط ونسخة بدل في س.
(2) أي: إلى صاحبهم.
(3) ل. ع. ط: وعدم خبر صرفة.
(4) س. ط: إذا كان وجوده معها كعدمه.
47

في الغيبة بما به اعتصموا في إنكار قول الممطورة (1):
إن موسى بن جعفر عليهما السلام حي موجود
غائب منتظر، وبما به شنعوا (2) على الكيسانية (3)

(1) هم: الواقفة الذين وقفوا على موسى بن جعفر عليه السلام، وهم فرق كثيرة:
فمنهم من قال: بأنه حي لم يمت ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها، ويملأها كلها
عدلا كما ملئت جورا، وأنه القائم.
ومنهم من قال: إنه القائم وقد مات، ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع، وزعموا أنه قد
رجع بعد موته إلا أنه مختف في موضع من المواضع.
ومنهم من قال: إنه القائم وقد مات ويرجع وقت قيامه.
وأنكر بعضهم قتله وقال: مات ورفعه الله إليه وأنه يرده عند قيامه.
وإنما لقبوا بالممطورة، لأن علي بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظرا بعض الواقفية
فقال علي بن إسماعيل - وقد اشتد الكلام بينهم -: ما أنتم إلا كلاب ممطورة، أراد: أنتن من
الجيف، لأن الكلب إذا أصابه المطر فهو أنتن من الجيف.
فرق الشيعة: 90 - 92.
(2) ل. س. ط: شكوا.
(3) هم الذين يعتقدون بإمامة محمد بن الحنفية، وهم فرق متعددة:
فمنهم من قال بإمامة محمد بن الحنفية بعد أمير المؤمنين عليه السلام.
ومنهم من قال بإمامته بعد الحسن والحسين عليهما السلام.
ومنهم من قال بأنه هو الإمام المهدي، سماه به أبوه عليه السلام لم يمت ولا يموت، وليس
لأحد أن يخالفه، وإنما خرج الحسن والحسين بإذنه.
وإنما سموا بالكيسانية، لأن محمد بن الحنفية استعمل المختار على العراقين، وأمره بالطلب
بدم الحسين وثأره وقتل قاتليه، وسماه كيسان لكيسه.
فرق الشيعة: 41 - 45.
أقول: عند التأمل في كتب التاريخ والتراجم نجزم بأن محمد بن الحنفية لم يؤسس هذه الفرقة، ولا
له بهم صلة، وإنما هم نسبوا أنفسهم إليه، وأنه كان يعلم بإمامة ابن أخيه السجاد، ولم يدع
الإمامة لنفسه قط.
48

والناووسية (1) والإسماعيلية (2) في دعواهم حياة
أئمتهم محمد بن الحنفية (3) وجعفر بن محمد

(1) هم فرقة قالوا: إن جعفر بن محمد حي لم يمت ولا يموت، حتى يظهر ويلي أمر الناس لأنه هو
المهدي، وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال: إن رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدقوا،
فإني أنا صاحبكم.
وإنما سميت بالناووسية، لأن رئيسا لهم من أهل البصرة كان يقال له فلان بن فلان الناووس
وقيل: اسمه عجلان بن ناووس، وقيل: اسمه ناوس، وقيل نسبوا إلى قرية نوسا.
فرق الشيعة: 78.
(2) فرقة قالوا: إن الإمام بعد جعفر بن محمد ابنه إسماعيل بن جعفر، وأنكرت موت إسماعيل في
حياة أبيه، وقالوا كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس، لأنه خاف عليه فغيبه عنهم
وزعموا أن إسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض يقوم بأمر الناس، وأنه هو القائم، وهذه
الفرقة هي الإسماعيلية الخالصة.
فرق الشيعة: 80.
أقول: منشأ اشتباه. هذه الفرقة هو أن إسماعيل كان أكبر ولد أبيه الصادق، وكان رجلا صالحا،
وكان أبوه شديد المحبة له والبر به، وكان يظن قوم من الشيعة في حياة أبيه إنه القائم بعده.
ولما مات إسماعيل في حياة أبيه بالعريض وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة، أمر الإمام بوضع
السرير على الأرض قبل دفنه مرارا، وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه، يريد بذلك تحيق أمر
وفاته عن الظانين خلافته له من بعده. وإزالة الشبهة عنه.
ومع كل هذه. الإجرائات منه، نرى تمسك فرقة بإمامة إسماعيل بعد أبيه.
(3) هو: أبو القاسم محمد الأكبر بن علي بن أبي طالب، والحنفية لقب أمه خولة بنت جعفر، كان
كثير العلم والورع شديد القوة، وحديث منازعته في الإمامة مع علي بن الحسين عليه السلام
وإذعانه بإمامته بعد شهادة الحجر له مشهور، بل في بعضها: وقوعه على قدمي السجاد بعد شهادة
الحجر، ولم ينازعه بعد ذلك بوجه، توفي سنة 80 ه‍ وقيل: 81 ه‍.
الطبقات الكبرى 5: 91، وفيات الأعيان 4: 169، وتنقيح المقال 3: 115.
49

وإسماعيل بن جعفر (1)، وتناقض (2) مقالهم في
ذلك.
الفصل التاسع: اعتراف الإمامية بأن الله
تعالى أباح للإمام (3) الاستتار عن الخلق،
وسوغ له الغيبة عنهم بحيث لا يلقاه أحد منهم
فيعرفه بالمشاهدة لطفا له في ذلك ولهم،
وإقرارهم بأن الله سبحانه لا يبيح إلا ما هو
صلاح ولا يسوغ إلا ما هو في التدبير صواب ولا
يفعل بعباده. إلا ما بهم حاجة إليه ما دامت
المحنة (4) والتكليف باقيا، وهذا ينقض قولهم في
مشاهدته وأخذ معالم الدين فيه (5) مصلحة تامة
وأن بظهوره تمام المصالح والنظام والتدبير (6).
الفصل العاشر: اضطرار الإمامية عند

(1) إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، رجل
صالح، مات في حياة أبيه بالعريض، وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة حتى دفن بالبقيع،
وحزن عليه الصادق حزنا عظيما، وتقدم سريره بغير حذاء ولا رداء.
تنقيح المقال 1: 131 - 132، وفيه بحث كامل حول ما تصوره البعض من ورود الذم
لإسماعيل.
(2) ع: ويناقض.
(3) ع. ل: الإمام.
(4) ر: المحبة.
(5) ط: عنه.
(6) ع. ل. ر: والنظام التدبير.
50

قولهم بالغيبة في إثبات الأعلام بالمعجزات
لإمامهم عند ظهوره، إذ كان لا يعرفه متى ظهر
أحد بشخصه، وإنما يصل إلى معرفته بمعجزه
الدال على صدقه بصحة (1) نسبه وثبوت إمامته
ووجوب طاعته، وهذا إخراج الآيات (2) عن
دلائلها، وإيجاب لظهورها على غير من اختصت
به (3) من الأنبياء والرسل عليهم السلام، وفي
ذلك إفساد أدلة النبوة وأعلام الرسالة، وذلك
باطل باتفاق أهل الملل كلها.

(1) ر: لصحة.
(2) ع: للآيات.
(3) ط: والحاد لظهورها على غير من اختصت به.
51

الكلام في الفصل الأول
وأقول: إن استتار ولادة المهدي بن الحسن بن علي عليهم السلام
عن جمهور أهله وغيرهم، وخفاء ذلك عليهم، واستمرار استتاره عنهم ليس
بخارج عن العرف، ولا مخالفا لحكم العادات، بل العلم محيط بتمام مثله
في أولاد الملوك والسوقه (1)، لأسباب تقتضيه لا شبهة فيها على العقلاء.
فمنها: أن يكون للإنسان (2) ولد من جارية قد أستر (3) تملكها من
زوجته وأهله، فتحمل منه فيخفي ذلك عن كل من يشفق (4) منه أن يذكره
ويستره عمن لا يأمن إذاعة الخبر به، لئلا يفسد الأمر عليه مع زوجته
بأهلها وأنصارها، ويتم الفساد به ضرر (5) عليه يضف عن دفاعه عنه،
وينشئ الولد وليس أحد من أهل الرجل وبني عمه وإخوانه وأصدقائه يعرفه،
ويمر (6) على ذلك إلى أن يزول خوفه من الإخبار عنه، فيعرف به إذ ذاك.

(1) هم بمنزلة الرعية التي تسوسها الملوك، سموا بذلك لأن الملوك يسوقونهم فينساقون لهم.
لسان العرب 10: 170 سوق.
(2) ر. ل: الإنسان.
(3) ر. س. ط: استتر.
(4) ل: شنق.
(5) ط: ويتم الفساد به ويترتب ضرر.
(6) ل. ط: يمر، بدون واو.
53

وربما تم ذلك إلى أن تحضره وفاته، فيعرف به عند حضورها، تحرجا من
تضييع (1) نسبه، وإيثارا لوصوله إلى مستحقه من ميراثه.
وقد يولد للملك ولد لا يؤذن به حتى ينشؤ ويترعرع، فإن رآه على
الصورة التي تعجبه... (2)
وقد ذكر الناس ذلك عن جماعة من ملوك الفرس والروم (3) والهند (4) في
الدولتين معا (5)، فسطروا (6) أخبارهم في ذلك، وأثبتوا قصة كيخسرو بن
سياوخش بن كيقاوس ملك الفرس (7)، الذي جمع ملك بابل (8) والمشرق،

(1) س. ط: تضيع.
(2) كذا في جميع النسخ، ويصلح أن يكون مكانه عبارة: فيؤذن به ويعلن عنه، وإلا فلا.
(3) جيل معروف في بلاد واسعة، واختلف في أصل نسبهم، فقيل: إنهم من ولد روم بن
سماحيق... بن إبراهيم عليه السلام، وحدود الروم: من الشمال والشرق: الترك والخزر
ورس وهم الروس، ومن الجنوب: الشام والإسكندرية، ومن المغرب: البحر والأندلس
وكانت الرقة والشامات كلها تعد في حدود الروم أيام الأكاسرة.
معجم البلدان 3: 97 - 98.
(4) دولة في جنوب آسيا، يحدها من الغرب باكستان الغربية، ومن الشمال الصين ونيبال،
ومن الشرق بورما وباكستان الغربية، عاصمتها نيودلهي.
المنجد: 731.
(5) كذا في النسخ.
(6) ر. س: فينظروا.
(7) هذه الأسماء وردت مضطربة في النسخ، وما أثبتناه. من س والصدر.
ففي ع: كيسخرو بن سواخس وكنفار بن ملك الفرس.
وفي ل. ر: كسيخرو بن سواخس وكنفان بن ملك الفرس.
وفي ط: كيخسرو أو ابن سياوخش وكيقاوس ملك الفرس.
وفي المصادر الفارسية: كيخسرو بن سياوش بن كيكاوس.
(8) ناحية من الكوفة والحلة، وكان ينزلها الكلدانيون، ويقال: أول من سكنها نوح عليه
السلام بعد الطوفان.
معجم البلدان 1: 309.
54

وما كان من ستر أمه حملها وإخفاء ولادتها لكيخسرو (1)، وأمه (2) هذه المسماة
بوسفا فريد (3) بنت فراسياب (4) ملك الترك، فخفي أمره مع الجد (5) كان
من كيقاوس - جده الملك الأعظم (6) - في البحث عن أمره والطلب له، فلم
يظفر بذلك حينا طويلا.
والخبر بأمره مشهور، وسبب ستره وإخفاء شخصه معروف، قد ذكره
علماء الفرس (7)، وأثبته محمد بن جرير الطبري (8) في كتابه التاريخ (9)

(1) س. ط: للكيخسرو.
(2) في النسخ: أو أمه، والظاهر ما أثبتناه، لتعارف كثير من المستنسخين على أن يضعوا
ألفا بعد الواو دائما.
(3) ر. ع. ل: يوسفارند، ص: يوسفافريد، والمثبت من ط والمصدر.
وفي المصادر الفارسية: فرنكسيس أو فرنكيز.
(4) س. ط: افراسياب.
وكذا في المصادر الفارسية.
(5) أي: الاجتهاد، يحتمل أن تكون العبارة هكذا: مع الجد وما كان من...
(6) ع: له أعظم.
(7) ذكر الخبر ومصادره علي أكبر دهخدا في كتابه " لغتنامه " 29 / 744 حرف السين، و
38 / 457 حرف الكاف، و 35 / 200 حرف الفاء، و 22 / 535 حرف الخاء.
(8) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، المؤرخ، عامي، ولد بآمل طبرستان سنة 224 وتوفي
سنة 310 ببغداد، له مؤلفات كثيرة منها التفسير الكبير وكتاب طرق حديث الغدير الذي
قال الذهبي: إني وقفت عليه فاندهشت لكثرة طرقه.
وأما كتابه التاريخ (تاريخ الأمم والملوك) فهو من أحسن كتب التاريخ، جمع فيه
أنواع الأخبار وروى فنون الآثار واشتمل على صنوف العلم.
النجاشي: 322 رقم 879، الكنى والألقاب 1: 236 - 237.
(9) تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري) 1 / 504 - 509.
وملخص القصة: أنه ولد لكيقاوس ابن، لم ير مثله في عصره في جماله وكماله وتمام
خلقه، فسماه أبوه سياوخش... ورباه أحسن تربية إلى أن كبر، وكان كيقاوص تزوج
ابنة فراسيا في ملك الترك، وكانت ساحرة، فهويت ابن زوجها سياوخش ودعته إلى
نفسها، وأنه امتنع عليها، فلما رأت امتناعه عليها حاولت إفساده على أبيه، فتغير
كيقاوس على ابنه، وتوجه سياوخش لحرب فراسياب - لسبب منع فراسياب بعض ما
كان ضمن لكيقاوص عند انكاحه ابنته إياه - مريدا بذلك البعد عن والده. والتنحي عما
تكيده. به زوجة والده، فلما صار سياوخش إلى فراسياب جرى بينهما صلح، وكتب بذلك
سياوخش إلى أبيه يعلمه ما جرى بينه وبين فراسياب من الصلح، فكتب إليه والده
بمناهضة فراسياب ومناجزته الحرب، فرأى سياوخش أن في فعله ما كتب به إليه أبوه
عارا عليه، فامتنع من انفاذ أمر أبيه وأرسل فراسياب في أخذ الأمان لنفسه منه، فأجابه
فراسياب، فلما صار سياوخش إلى فراسياب بوأه وأكرمه وزوجه ابنة له يقال لها وسفا فريد
ثم لم يزل له مكرما حتى ظهر له أدب سياوخش وعقله وكماله ما أشفق على ملكه منه
وسعى على سياوخش إلى فراسياب ابنين لفراسياب وأخ، حتى قتل فراسياب
سياوخش ومثل به، وامرأته - ابنة فراسياب - حامل منه، فطلبوا الحيلة لإسقاطها ما في
بطنها فلم يسقط، فوضعوها تحت رقابة فيران إلى أن تضع ليقتل الطفل، فلما وضعت
فراسياب حملها: كيخسرو، رق فيران لها وللمولود، فترك قتله وستر أمره حتى بلغ المولود
فوجه كيقاوس إلى بلاد الترك بي ليبحث عن المولود ليأتي به إليه مع أمه، وإن بي لم يزل
يفحص عن أمر ذلك المولود متنكرا حينا من الزمان فلا يعرف له خبرا ولا يدله عليه أحد
ثم وقف بعد ذلك على خبره، فاحتال فيه وفي أمه حتى أخرجهما من أرض الترك إلى
كيقاوس....
إلى آخر القصة، وهي طويلة جدا اقتصرنا على محل الشاهد منها، من أرادها
فليراجعها.
وللتفصيل راجع مروج الذهب 1: 250.
55

وهو نظير لما أنكره الخصوم في خفاء أمر ولد الحسن بن علي عليهما
السلام، واستتار (9) شخصه، ووجوده وولادته، بل ذلك أعجب.
ومن الناس كل من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم (2) في حقه
وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد، فلا يزال مستورا حتى يتمكن من

(1) ر: واستتاره.
(2) ع. ر: سعيهم.
56

إظهاره على أمان منه عليه ممن سميناه.
ومنهم من يستر ذلك ليرغب في العقد له من لا يؤثر مناكحة صاحب
الولد من الناس، فيتم له (1) في ستر ولده وإخفاء شخصه وأمره، والتظاهر
بأنه لم يتعرض بنكاح من قبل ولا له ولد من حرة ولا أمة، وقد شاهدنا من
فعل ذلك، والخبر عن النساء به (2) أظهر منه عن الرجال (3).
واشتهر من الملوك من ستر ولد لإخفاء شخصه (4) من رعيته لضرب
من التدبير، في إقامة خليفة له، وامتحان جنده بذلك في طاعته، إذ كانوا
يرون أنه لا يجوز في التدبير استخلاف من ليس له بنسيب (5) مع وجود ولده
ثم يظهر بعد ذلك أمر الولد عند التمكن من إظهاره برضى القوم،
وصرف الأمر عن الولد إلى غيره، أو لعزل مستخلف عن المقام، على وجه
ينتظم للملك أمور لم يكن يتمكن من التدبير الذي كان منه على ما شرحناه.
وغير ذلك مما يكثر تعداده من أسباب ستر الأولاد وإظهار موتهم،
واستتار الملوك أنفسهم، والإرجاف بوفاتهم، وامتحان رعاياهم بذلك،
وأغراض لهم معروفة قد جرت من المسلمين بالعمل عليها العادات.
وكم وجدنا من نسيب (6) ثبت بعد موت أبيه بدهر طويل، ولم يكن
أحد من الخلق يعرفه بذلك حتى شهد له بذلك رجلان مسلمان، وذلك
لداع دعا الأب إلى ستر ولادته عن كل أحد من قريب وبعيد، إلا من شهد

(1) أي: العقد.
(2) لفظ: به، لم يرد في ل.
(3) ل. س. ط: أظهر من الرجال.
(4) س. ط: من ستر ولده وأخفى شخصه.
(5) ل. س. ط: بنسب.
(6) س. ط: نسب.
57

به من بعد عليه بإقراره به على الستر (1) لذلك والوصية بكتمانه، أو بالفراش
الموجب لحكم الشريعة إلحاق الولد بوالده.
فصل:
وقد أجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة أبي (2) إبراهيم
الخليل عليه السلام وأمه لذلك، وتدبيرهم في إخفاء أمره عن (3) ملك زمانه
لخوفهم عليه منه (4).
وبستر (5) ولادة موسى بن عمران عليه السلام، وبمجئ القرآن
بشرح (6) ذلك على البيان، والخبر بأن أمه ألقته في اليم على ثقة منها بسلامته
وعوده إليها، وكان ذلك منها بالوحي إليها به بتدبير الله جل وعلا (7) لمصالح
العباد (8).
فما الذي ينكر خصوم الإمامية من قولهم في ستر الحسن عليه السلام
ولادة ابنه المهدي عن أهله وبني عمه وغيرهم من الناس، وأسباب ذلك
أظهر من أسباب ستر من عددناه وسميناه، وسنذكرها عند الحاجة إلى ذكرها
من بعد إن شاء الله.

(1) ع: السر.
(2) لفظ: أبي، لم يرد في ل.
(3) س. ط: من.
(4) تاريخ الطبري 1: 234، كمال الدين 1: 138 رقم 1، قصص الأنبياء: 103.
(5) س. ط: وستر.
(6) ل: ومجئ القرآن بشرح.
(7) ل. ط: عز وجل.
(8) راجع سورة القصص 28: 7 - 13، وسورة طه 20: 38 - 40.
وللتفصيل راجع: كمال الدين 1: 147 رقم 13، قصص الأنبياء: 148 - 150.
58

والخبر بصحة ولد الحسن عليه السلام قد ثبت بأوكد ما تثبت (1) به
أنساب الجمهور من الناس، إذ كان النسب يثبت: بقول القابلة، ومثلها
من النساء اللاتي جرت عادتهن بحضور ولادة النساء وتولي معونتهم (2) عليه،
وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه، وبشهادة رجلين
من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه.
وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد
والعبادة والفقه عن الحسن بن علي (3) عليهما السلام: أنه اعترف بولده
المهدي عليه السلام، وآذنهم بوجوده، ونص لهم على إمامته من بعده،
وبمشاهدة بعضهم له طفلا، وبعضهم له يافعا وشابا كاملا، وإخراجهم
إلى شيعته بعد أبيه الأوامر والنواهي والأجوبة عن المسائل، وتسليمهم له
حقوق الأئمة من أصحابه.
وقد ذكرت أسماء جماعة ممن وصفت حالهم من ثقات الحسن بن علي
عليهما السلام وخاصته المعروفين بخدمته والتحقيق به، وأثبت ما رووه عنه
في وجود ولده ومشاهدتهم من بعده وسماعهم (4) النص بالإمامة عليه.
وذلك موجود في مواضع من كتبي، وخاصة في كتابي المعروف أحدهما:

(1) ع: ما ثبت.
(2) س. ط: معونتهن.
(3) ر. س. ع: عن الحسن بن محمد بن علي. وهو سهو.
(4) ل. ع. ر: ومشاهدتهم من بعد لمن سماتهم، والظاهر أن لفظة لمروياتهم هي المقصودة
من لمن سماتهم، والمثبت من س. ط.
59

ب‍ الارشاد في معرفة حجج (1) الله على العباد (2)، والثاني: ب‍ الايضاح (3)
في الإمامة والغيبة (4).
ووجود ذلك فيما ذكرت يغني عن تكلف (5) إثباته في هذا الكتاب.

(1) لفظ: حجج، أثبتناه من س، ولم يرد في بقية النسخ.
(2) الارشاد: 350، باب ذكر من رأى الإمام الثاني عشر.
وكتاب الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، فيه تواريخ الأئمة الطاهرين الاثني
عشر عليهم السلام، والنصوص عليهم، ومعجزاتهم، وطرف من أخبارهم من ولادتهم
ووفياتهم ومدة أعمارهم وعدة من خواص أصحابهم وغير ذلك.
طبع في إيران مكررا، وطبعت ترجمته الفارسية الموسومة بتحفه سليمانية.
نسخة منه في المكتبة العامة لآية المرعشي رقم 1144 كتبت سنة 565، وأخرى في
المجلس النيابي كتبت سنة 575 رقم 14302، وأخرى في مكتبة آية الله الكلبايكاني من
القرن السابع والثامن.
النجاشي: 399، الذريعة 1: 509 - 510 رقم 2506، ومعلومات أخرى
متفرقة.
(3) ع. ل. ط: الايضاح.
(4) بدأ فيه برد شبهات العامة وأدلتهم على إثبات الخلافة، ثم ذكر أدلة إمامة المعصومين
عليهم السلام، له نسخة في مكتبة السيد راجه محمد مهدي في ضلع فيض آباد الهند.
وما ربما يتوهم من كونه متحدا مع الافصاح فهو بعيد جدا، لأن ما أحال عليه في هذا
الكتاب في عدة موارد غير موجود في الافصاح، وصرح النجاشي بتعددها.
راجع: النجاشي: 399، الذريعة 2: 490 رقم 1925.
(5) س. ط: تكليف.
60

الكلام في الفصل الثاني
وأما المتعلق بإنكار جعفر بن علي شهادة الإمامية (1) بولد لأخيه الحسن
ابن علي عليهما السلام ولد في حياته بعده، والحوز لتركته بدعوى استحقاقها
بميراثه مثلا دون ولد له، وما كان منه من حمل أمير الوقت على حبس جواري
الحسن عليه السلام واستبذالهن بالاستبراء لهن من الحمل ليتأكد (3) بقية (4)
لولد أخيه، لإباحته دماء شيعة الحسن بدعواهم خلفا من بعده كان أحق
بمقامه من بعده من غيره وأولى بميراثه ممن حواه.
فليس بشبهة (5) يعتمدها عاقل في ذلك، فضلا عن حجة، لاتفاق
الأمة على أن جعفرا لم تكن له عصمة الأنبياء فيمتنع عليه لذلك إنكار حق
ودعوى باطل، بل كان من جملة الرعية التي يجوز عليها الزلل، ويعتريها
السهو، ويقع منها الغلط، ولا يؤمن منها تعمد الباطل، ويتوقع منها

(1) ل. ر. ع: الإمامة. وهو خطأ.
(2) الإستبذال: ترك الاحتشام والتصرف.
وفي ر. ل. ع: واستبدالهن.
(3) ر: لتأكد.
(4) ل. س. ط: نفيه.
(5) س. ط: لشبهة.
61

الضلال
وقد نطق القرآن بما كان من أسباط يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم
خليل الرحمن - عليه وعلى ولده الأنبياء وآبائه المنتجبين الأصفياء وكافة
المرسلين الصلاة الدائمة والتحية والسلام - في ظلم أخيهم يوسف عليه
السلام وإلقائهم له في غيابة الجب، وتغريرهم بدمه بذلك، وبيعهم
إياه بالثمن البخس، ونقضهم (2) عهده في حراسته، وتعمدهم معصيته في
ذلك وعقوقه (3)، وإدخال الهم عليه بما صنعوه بأحب ولده إليه وأوصلوه إلى
قلبه من الغم بذلك، وتمويههم على دعواهم على الذئب أنه أكله بما جاءوا
به على قميصه من الدم ويمينهم بالله العظيم على برأتهم مما اقترفوه في
ظلمه من الإثم، وهم لما أنكروه متحققون، وببطلان ما ادعوه في أمر
يوسف عليه السلام عارفون (4).
هذا وهم أسباط النبيين، وأقرب الخلق نسبا بنبي الله وخليله
إبراهيم.
فما الذي ينكر (5) ممن هو دونهم في الدنيا والدين: أن اعتمد باطلا
يعلم خطؤه فيه على اليقين، ويدفع حقا قد قامت عليه الحجج الواضحة
والبراهين.

(1) ط: وتقريرهم.
(2) ع. ل: وبغضهم. ر: وبعضهم.
والضمير في عهده يعود على والدهم، وكذا الضمائر الآتية، نعود على يعقوب والدهم.
(3) س. ط: وحقوقه.
(4) انظر: سورة يوسف 14: 8 - 20.
(5) ل: نكر. ط: أنكر.
62

فصل:
وما أرى المتعلق (1) في إنكار (2) وجود ولد الحسن بن علي بن محمد
عليهم السلام وقد قامت بينة العقل والسمع به، ودل الاعتبار الصحيح على صواب
معتقده، بدفع عمه (3) لذلك مع دواعيه الظاهرة كانت إليه، بحوز (4) تركة
أخيه دونه، مع جلالتها وكثرتها وعظم خطرها، لتعجل المنافع بها،
والنهضة بمأربه عند تملكها، وبلوغ شهواته من الدنيا بحوزها، ودعوى
مقامه الذي جل قدره عند الكافة، باستحقاقه له دون من عداه من الناس،
وبخعت (5) الشيعة كلها بالطاعة له بما انطوت عليه (6) من اعتقادها لوجوبه
له دون من سواه، وطمعه بذلك في مثل ما كان يصل إليه من خمس الغنائم
التي كانت تحملها شيعته إلى وكلائه في حياته، واستمرارها (7) على ذلك بعد
وفاته، وزكوات الأموال، لتصل إلا مستحقها من فقراء أصحابه.
إلا كتعلق أهل الغفلة من الكفار في إبطال عمه (8) أبي لهب (9) صدق

(1) ط: التعتق.
(2) ل. ط: إنكاره.
(3) س. ط: همه.
(4) س: يجوز.
(5) أي: أقرت به وأذعنت. ولعل الصحيح: وبخوع الشيعة.
(6) لم يرد: ر. ل. ط.
(7) س. ط: واستمراره.
(8) أي: النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(9) عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم، من قريش، عم النبي، وأحد الشجعان في
الجاهلية، ومن أشد الناس عداوة للمسلمين في الإسلام، كان غنيا عتيا، كبر عليه أن
يتبع دينا جاء به ابن أخيه، فآذاه وآذى أنصاره وحرض عليهم وقاتلهم، وفيه الآية:
(تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب) مات بعد وقعة بدر بأيام.
راجع: الأعلام 4: 12، وراجع المصادر التي ذكرها.
63

دعوته، وجحد الحق في نبوته، والكفر بما جاء به، ودفع رسالته، ومشاركة
أكثر ذوي نسبه من بني هاشم وبني أمية لعمه في ذلك، واجتماعهم على
عداوته (1)، وتجريدهم السيف في حربه، واجتهادهم في استئصاله ومتبعيه
على ملته.
هذا مع ظهور حجته، ووضوح برهانه في نبوته، وضيق الطريق في
معرفة ولادة الحجة بن الحسن على جعفر وأمثاله من البعداء عن علم
حقيقته.
ومن صار في إنكار شئ أو إثباته أو صحته وفساده (2) إلى مثل التعلق
بجعفر بن علي في جحد وجود خلف لأخيه، وما كان (3) من أبي جهل (4)
وشركائه من أقارب النبي صلى الله عليه وآله وجيرانه وأهل بلده والناشئين معه
في زمانه والعارفين بأكثر سر أمره (5) وجهره وأحواله في دفع نبوته وإنكار صدقه
في دعوته.
سقط كلامه عند العلماء ولم يعد في جملة الفقهاء، وكان في أعداد ذوي

(1) ر. ع: عدوانه.
(2) ط: أو فساده.
(3) ع. ل. ر: ما كان، والمثبت من س. ط.
(4) ل. ع. ر. س: وما كان ابن أبي جهل، والمثبت من ط.
وأبو جهل هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي، كان من أشد الناس عداوة للنبي،
قتل يوم بدر كافرا، وأخباره مع النبي وكثرة أذاه إياه مشهورة.
الكنى والألقاب 1: 38، الأعلام 5: 87 وراجع المصادر التي ذكرها.
(5) ط: سراره.
64

الجهل والسفهاء.
فصل:
وبعد، فإن الشيعة وغيرهم ممن عني (1) بأخبار الناس والجواد من الآراء
وأسبابها، والأغراض كانت له فيها، قد ذكروا أخبارا عن أحوال جعفر بن
علي في حياة أخيه أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام، وأسباب إنكاره
خلفا له من بعده، وجحد ولد كان له في حياته، وحمل السلطان على ما سار
به في (1) مخلفيه وشيعته (2)، لو أوردتها على وجهها لتصور (3) الأمر في ذلك
على حقيقته، ولم يخف على متأمل بحاله، وعرفه على خطيئته.
لكنه يمنعني عن ذلك (4) موانع ظاهرة:
أحدها: كثرة من يعترف (5) بالحق من ولد جعفر بن علي في وقتنا هذا،
ويظهر التدين بوجود ولد الحسن بن علي في حياته، ومقامه بعد وفاته في
الأمر مقامه، ويكره (6) إضافة خلافه لمعتقده فيه إلى جده (7)، بل لا أعلم
أحدا من ولد جعفر بن علي في وقتنا هذا يظهر خلاف الإمامية في وجود ابن
الحسن عليهما السلام والتدين بحياته والانتظار لقيامه.

(1) ل: شاركه في، س. ط: وشى به في.
(2) راجع: كمال الدين 2: 383 - 484، البحار 50: 227 - 232 باب 6 أحوال جعفر
و 37: 8.
(3) س: لنصور.
(4) س. ط: من ذلك.
(5) ل. ر: يعرف.
(6) ر. س: ونكره، ل: وذكره.
(7) أي ويكره إضافة خلاف الحق الذي يعتقد به إلى جده، وذلك لما ورد في بعض الأخبار
من توبة جعفر.
65

والعشرة الجميلة لهؤلاء السادة أيدهم الله بترك إثبات ما سبق به من
سميت في الأخبار التي خلدوها (1) فيما وصفت أولى.
مع غناي عن ذلك بما أثبت من موجز (2) القول في بطلان الشبهة،
لتعلق ضعفاء المعتزلة (3) والحشوية (4) والزيدية (5) والخوارج (6) والمرجئة (7) في

(1) ر. ل: جلدوها.
(2) ل: مؤخر القول.
(3) أول من سمي بهذا اللقب: جماعة بايعوا عليا عليه السلام بعد قتل عثمان واعتزلوا عنه
وامتنعوا عن محاربته والمحاربة معه، منهم سعد بن مالك و عبد الله بن عمر.
فرق الشيعة: 4 - 5.
(4) جماعة قالوا: إن عليا وطلحة والزبير لم يكونوا مصيبين في حربهم، وأن المصيب هو الذي
قعد عنهم، وهم يتولونهم جميعا ويتبرؤون من حربهم ويردون أمرهم إلى الله عز وجل.
فرق الشيعة: 15.
(5) فرقة تدعي أن من دعا إلى الله عز وجل من آل محمد فهو مفترض الطاعة، وكان علي بن
أبي طالب إماما في وقت ما دعا الناس وأظهر أمره ثم كان بعده الحسين إماما عند خروجه،
ثم زيد بن علي بن الحسين المقتول بالكوفة، ثم يحيى بن زيد بن علي المقتول بخراسان.
فرق الشيعة: 58.
(6) جماعة قالوا: الحكمان كافران، وكفروا عليا حين حكمهما.
ومسألة التحكيم كانت مفروضة على أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك عندما أبى
أصحابه إلا التحكيم وامتنعوا من القتال، رضي التحكيم بشرط الحكم بكتاب الله،
فخالف الحكمان، فالحكمان هما اللذان ارتكبا الخطأ وهو الذي أصاب.
فرق الشيعة: 16.
(7) لما قتل علي عليه السلام اتفق الناكثون والقاسطون وتبعه الدنيا على معاوية، وسموا
بالمرجئة، وزعموا أن أهل القبلة كلهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان، ورجوا لهم جميعا
المغفرة، وافترقت المرجئة على أقسام:...
فرق الشيعة: 6.
66

إنكار جعفر بن علي لوجود (1) ابن الحسن بن علي، حسب ما أورد السائل
عنهم فيما سأل في الشبهات في ذلك، والله الموفق للصواب.

(1) ل: بوجود.
67

الكلام في الفصل الثالث
وأما تعلقهم بوصية أبي محمد الحسن بن علي بن محمد عليهم السلام
في مرضه الذي توفي فيه إلى والدته المسماة بحديث المكناة بأم الحسن رضي
الله عنها، بوقوفه وصدقاته، وإسناد النظر في ذلك إليها دون غيرها (1)
فليس بشئ يعتمد في إنكار ولد له قائم من بعده مقامه، من قبل أنه
أمر بذلك تمام ما كان من غرضه في إخفاء ولادته وستر حاله عن متملك الأمر
في زمانه ومن يسلك سبيله في إباحة دم داع إلى الله تعالى منتظر لدولة الحق.
ولو ذكر في وصيته ولدا له وأسندها إليه، لناقض ذلك الغرض منه فيما
ذكرناه، ونافى مقصده في تدبير أمره له على ما وصفناه، وعدل عن النظر
بولده وأهله ونسبه (2)، لا سيما مع اضطراره كان إلى شهادة خواص الدولة
العباسية عليه في الوصية وثبوت خطوطهم فيها - كالمعروف بتدبر مولى
الواثق (3) وعسكر الخادم مولى محمد بن المأمون والفتح بن عبد ربه وغيرهم

(1) البحار 50: 329، وفي س: المسماة حديث.
(2) ع. ل: وتسفيه، ر: وتسقيه.
(3) هو: هارون بن محمد بن هارون الواثق بالله، ويكنى بأبي جعفر، بويع في سنة سبع
وعشرين ومائتين وهو ابن إحدى وثلاثين سنة، وتوفي بسامراء وهو ابن سبع وثلاثين سنة،
وكانت خلافته خمس سنين، وقيل: توفي سنة اثنين وثلاثين ومائتين وهو ابن أربع
وثلاثين سنة.
مروج الذهب 3: 477.
69

من شهود قضاة سلطان الوقت وحكامه - لما قصد بذلك من حراسة (1) قومه،
وحفظ صدقاته، وثبوت وصيته عند قاضي الزمان، وإرادته مع ذلك الستر
على ولده، وإهمال ذكره، والحراسة لمهجته بترك التنبيه (2) على وجوده،
والكف لأعدائه بذلك عن الجد والاجتهاد في طلبه، والتبريد (3) عن شيعته
لما يشنع به عليهم من اعتقاد وجوده وإمامته.
ومن اشتبه (4) عليه الأمر فيما ذكرناه، حتى ظن أنه دليل على بطلان
مقال الإمامية في وجود ولد للحسن عليه السلام مستور عن جمهور الأنام،
كان بعيدا من الفهم والفطنة، بائنا (5) عن الذكاء والمعرفة، عاجزا بالجهل
عن التصور أحوال العقلاء وتدبيرهم (6) في المصالح وما يعتمدونه (7) في ذلك
من صواب الرأي وبشاهد الحال، ودليله من العرف والعادات.
فصل:
وقد تظاهر الخبر فيما كان عن تدبير أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه
السلام، وحراسته (8) ابنه موسى بن جعفر عليه السلام بعد وفاته من ضرر

(1) س. ط: حراسته.
(2) ع. ل: البينة.
(3) كذا في النسخ، ويحتمل أن يكون: والتنزيه.
(4) ر. ع. ل: وفراسته، س. ط: وحراسته، وما أثبتناه من حاشية نسخة ل.
(5) ل: ثابتا، س. ط: نائيا.
(6) ل. ر. ع. س: وقد يتوهم، وما أثبتناه من ط. وحاشية ل.
(7) ل. س. ط: وما يعتمدوه.
(8) ل. س. ط: وحراسة.
70

يلحقه:
بوصيته (1) إليه، وأشاع (2) الخبر عن الشيعة إذ ذاك باعتقاد إمامته من
بعده، والاعتماد في حجتهم لذلك عان إفراده بوصيته مع نصه (3) عليه بنقل
خواصه.
فعدل عن إقراره (4) بالوصية عند وفاته، وجعلها إلى خمسة نفر: أولهم
المنصور (5) - وقدمه على جماعتهم إذ هو سلطان الوقت ومدبر أهله - ثم صاحبه
الربيع من بعده، ثم قاضي وقته، ثم جاريته وأم ولده حميدة البربرية (6)،
وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر عليه السلام (7)، يستر أمره ويحرس
بذلك نفسه.

(1) ر. ع: بوصية.
(2) ل: واشباع.
(3) ر. ل: نصبه.
(4) س. ط: إفراده.
(5) هو: أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، بويع سنة
ست وثلاثين ومائة وهو ابن إحدى وأربعين سنة، ومولده سنة خمس وتسعين، ووفاته سنة
ثمان وخمسين ومائة، فكانت ولايته اثنتين وعشرين سنة.
مروج الذهب 3: 281.
(6) هي أم الإمام الكاظم، والبربرية نسبة إلى بربر، وهم قبائل كثيرة في جبال المغرب،
وتلقب حميدة بالمصفاة أيضا ولؤلوة، ويقال: هي أندلسية، وكانت من التقيات الثقات،
وكان الصادق يرسلها مع أم فروة تقضيان حقوق أهل المدينة، ولها كرامات.
تنقيح المقال 3: 76 - 77.
(7) ذكر هذا الخبر الكليني في الكافي 1: 310، وابن شهرآشوب في المناقب 3: 310،
والمجلسي في البحار 47: 3.
وفي هذه المصادر أنه أوصى إلى خمسة: أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان، وعبد
الله بن جعفر، وموسى بن جعفر، وحميدة.
71

ولم يذكر مع ولده موسى أحدا من أولاده، لعلمه بأن منهم من يدعي
مقامه من بعده، ويتعلق بإدخاله في وصيته.
ولو لم يكن موسى (1) عليه السلام ظاهرا مشهورا في أولاده معروف
المكان منه وصحة نسبه واشتهار فضله وعلمه وحكمته وأمثاله وكماله، بل
كان مثل ستر الحسن عليه السلام ولده، لما ذكره في وصيته، ولأقتصر على
ذكر غيره ممن سميناه (2)، لكنه ختمهم في الذكر به كما بيناه.
وهذا شاهد لما وصفناه من غرض أبي محمد عليه السلام في وصيته إلى
والدته دون غيرها، وإهمال ذكر ولد له، ونظر له في معناه على ما بيناه.

(1) ع. ر: ولم موسى.
(2) ل: ولأقبض على ذكر غيره ممن سمينا.
72

الكلام في الفصل الرابع
فأما الكلام في الفصل الرابع، وهو: الاستبعاد الداع (كذا) للحسن عليه
السلام إلى ستر ولده، وتدبر الأمر في إخفاء شخصه، والنهي لشيعته عن
البينونة بتسميته وذكره، مع كثرة الشيعة في زمانه وانتشارهم في البلاد
وثروتهم (1) بالأموال وحسن الأحوال (2)، وصعوبة الزمان فيما سلف على آبائه
عليهم السلام واعتقاد ملوكه فيهم، وشدة غلظهم على الدائنين بإمامتهم،
واستحلالهم الدماء والأموال، ولم يدعهم ذلك إلى ستر ولدهم ولا مؤهل
الأمر من بعدهم (3). وقول الخصوم: إن هذا متنافر في أحوال العقلاء.
فليس الأمر كما ظنوه، ولا كان على ما استبعدوه.
والذي دعا الحسن إلى ستر ولده، وكتمان ولادته، وإخفاء شخصه،
والاجتهاد في إهمال ذكره بما خرج إلى شيعته من النهي عن الإشارة إليه،
وحظر تسميته، ونشر (4) الخبر بالنص عليه.

(1) ل. ر. ع: وثروهم، ط: ووثبهم.
(2) ل: الأفعال.
(3) ع: ولا مؤهل الأمن من بعدهم، ل: ولا مؤهل إلا من بعدهم، ط: ولا موهوا الأمر
من بعدهم.
(4) يحتمل في بعض النسخ: وتسر.
73

شئ ظاهر، لم يكن في أوقات آبائه عليهم السلام، فيدعونه (1) من
ستر أولادهم إلى ما دعاه إليه، وهو:
أن ملوك الزمان إذ ذاك كانوا يعرفون من رأي الأئمة عليهم السلام
التقية، وتحريم الخروج بالسيف على الولاة، وعيب من فعل ذلك من بني
عمهم ولومهم عليه، وأنه لا يجوز عندهم تجريد السيف حتى: تركد
الشمس عند زوال، ويسمع نداء من السماء باسم رجل بعينه، ويخسف
بالبيداء، ويقوم آخر أئمة الحق بالسيف ليزيل (2) دولة الباطل.
وكانوا (3) لا يكبرون بوجود من يوجد منهم، ولا بظهور شخصه، ولا
بدعوة (4) من يدعو إلى إمام، لأمانهم مع ذلك من فتق (5) يكون عليهم به،
ولاعتقادهم (6) قلة عدد من يصغي إليهم في دعوى الإمامة لهم، أو يصدقهم
فيما يخبرون به من منتظر يكون لهم.
فلما جاز وقت وجود المترقب لذلك، المخوف منه القيام بالسيف،
ووجدنا الشيعة الإمامية مطبقة على تحقيق أمره وتعيينه (7) والإشارة إليه دون
غيره، بعثهم ذلك على طلبه وسفك دمه، ولتزول (8) الشبهة في التعلق به،
ويحصل الأمان في الفتنة بالإشارة إليه والدعوة إلى نصرته.

(1) ط: فيدعوهم.
(2) ل: فيزيل خ ل.
(3) ر: فكانوا.
(4) ل. ر. ع. س: ولا يدعوهم، والمثبت من ط.
(5) قال الجوهري: والفتق: شق عصا الجماعة ووقوع الحرب بينهم. الصحاح، 4 / 1539
، فتق.
(6) ل. ر. ع: والاعتقاد هم.
(7) ل: وتعينه.
(8) ط: لتزول.
74

ولو لم يكن ما ذكرناه شيئا ظاهرا وعلة (1) صحيحة وجهة ثابتة، لكان
غير منكر أن يكون في معلوم الله جل اسمه أن من سلف من آبائه عليهم
السلام يأمن مع ظهوره، وأنه هو لو ظهر لم يأمن على دمه، وأنه متى قتل
أحد من آبائه عليهم السلام عند ظهوره لم تمنع الحكمة من إقامة خليفة يقوم
مقامه.
وأن ابن الحسن عليهما السلام لو يظهر (2) لسفك القوم دمه، ولم
تقتض الحكمة التخلية بينهم وبينه، ولو كان في المعلوم للحق صلاح بإقامة
إمام من بعده لكفى في الحجة وأقنع في إيضاح المحجة (3)، فكيف وقد بينا عن
سبب ذلك بما لا يحيل (4) على ناظر، والمنة لله.

(1) س: أو علة.
(2) ر. ع. ل: ويظهر، والمثبت من حاشية ل، وفي س. ط: لو ظهر.
(3) ع. ل. ر. س: الحجة، والمثبت من ط.
(4) كذا في الفسخ، ولعل الصحيح: لا يخيل أي لا يشكل، راجع لسان العرب.
75

الفصل الخامس
وأما الكلام في الفصل الخامس، وهو قول الخصوم: إن دعوى
الإمامية لصاحبهم أنه منذ ولد إلى وقتنا هذا مع طول المدة وتجاوزها الحد
مستتر لا يعرف أحد مكانه ولا يعلم مستقره، ولا يدعي عدد من الناس
لقاءه ولا يأتي بخبر عنه ولا يعرف له أثرا (1).
خارجة عن العرف، إذ لم تجر العادة لأحد من الناس بذلك، إذ كان
كل من اتفق له الاستتار عن ظالم لخوف منه على نفسه ولغير ذلك من
الأغراض، تكون مدة استتاره مرتبة، ولا تبلغ عشرين سنة فضلا عما زاد
عليها، ولا يخفى أيضا على الكل في مدة استتاره مكانه (2)، بل لا بد من أن
يعرف ذلك بعض أهله وأوليائه بلقائه، وبخبر منه يأتي إليهم (3) عنه.
وإذا خرج قول الإمامية في استتار صاحبهم وغيبته عن حكم العادات
بطل ولم يرج قيام حجة.

(1) س. ط: ولا يعرف له أثر.
(2) ل. ع: ومكانه.
(3) س. ط: لهم.
77

فصل:
وليس الأمر كما توهمه الخصوم في هذا الباب، والإمامية بأجمعها
تدفعهم عن دعواهم وتقول:
إن جماعة من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي بن محمد عليهم
السلام قد شاهدوا خلفة في حياته، وكانوا أصحابه وخاصته بعد وفاته،
والوسائط بينه ولين شيعته دهرا طويلا. في استتاره: ينقلون (1) إليهم عن (2)
معالم الدين، ويخرجون إليهم أجوبة عن مسائلهم فيه، ويقبضون منهم
حقوقه لديهم (3).
وهم جماعة كان الحسن بن علي عليه السلام عدلهم في حياته،
واختصهم أمناء له (4) في وقته، وجعل إليهم النظر في أملاكه (5) والقيام بمأربه
معروفون (6) بأسمائهم وأنسابهم وأمثالهم.
كأبي عمر وعثمان (7) بن سعيد السمان (8)، وابنه أبي جعفر محمد بن

(1) ل. ر. ع: ينفكون.
(2) س. ط: من.
(3) لديهم، لم يرد في ل.
(4) ل. ر: واختصهم أمثاله.
(5) ع. ل. ر: ملاكه.
(6) ع. ل. ر. س: معروفين، والمثبت من ط.
(7) ع. ل. ر. س: كأبي عثمان، والمثبت من ط.
(8) أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري السمان ويقال له الزيات الأسدي، جليل القدر،
النائب الأول لصاحب الزمان، خدم الإمام الهادي وله أحد عشر سنة وله إليه عهد
معروف، وهو وكيل الإمام العسكري أيضا.
رجال الشيخ: 420 رقم 36، 434 رقم 22، الخلاصة: 126 رقم 2، رجال
ابن داود: 133 رقم 991.
78

عثمان (1)، وبني الرحبا من نصيبين (2)، وبني سعيد، وبني مهزيار
بالأهواز (3)، وبني الركولي (4) بالكوفة (5)، وبني نوبخت ببغداد (6)

(1) أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري، الوكيل الثاني لصاحب الزمان عليه السلام،
له منزلة جليلة، وكان محمد قد حفر لنفسه قبرا وسواه. بالساج، فسئل عن ذلك فقال:
للناس أسباب، ثم سئل بعد ذلك فقال: قد أمرت أن أجمع أمري، فمات بعد
شهرين من ذلك في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة وقيل: أربع، وقال عند موته:
أمرت أن أوصي إلى الحسين بن روح.
رجال الشيخ: 509 رقم 101، الخلاصة: 149 رقم 57، رجال ابن داود:
178 رقم 1449.
(2) مدينة فيما بين النهرين - تركيا حاليا - كانت منذ القرن الثالث الميلادي مهد الآداب
السريانية حتى سقوطها في أيدي الساسانيين.
المنجد: 710.
(3) منطقة في غرب إيران على الخليج، غنية بالنفط.
المنجد: 85.
(4) ع. ر: الركورلي، ل: الركوزفي.
(5) مدينة في العراق على ساعد الفرات، اتخذها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مقرا له وفيها
استشهد، جعلها العباسيون عاصمة في سنة 749 م، بالقرب منها النجف ومشهد علي
أنجبت علماء ومحدثين ونحويين، كانت مع البصرة مركزا للثقافة العربية.
المنجد: 598.
(6) عاصمة العراق حاليا، شيدها المنصور العباسي سنة 762 م، ازدهرت بغداد ازدهارا
منقطع النظير بين 754 - 833 م، أخذت بالانحطاط بعد نقل المعتصم العاصمة إلى
سامراء، ودمرها هولاكو وبعده تيمورلنك.
المنجد: 126 - 127.
79

وجماعة من أهل قزوين (1) وقم (2) وغيرها من الجبال (3)، مشهورون بذلك
عند الإمامية والزيدية، معروفون (4) بالإشارة إليه به عند كثير من العامة (5).

(1) بالفتح ثم السكون وكسر الواو، مدينة مشهورة بينها وبين الري سبعة وعشرون فرسخا،
وإلى أبهر اثنا عشر فرسخا، أول من استحدثها سابور ذو الأكتاف.
معجم البلدان 4: 342 - 344، المنجد: 550.
(2) مدينة في غرب إيران تذكر مع قاشان، وهي مدينة مستحدثة إسلامية، وهي خصبة
ماؤها من الآبار ملحة في الأصل، وهي محجة للعلويين وفيها قبور أوليائهم.
معجم البلدان 4: 397 - 398، المنجد: 557.
(3) بلاد العراق العجمي شرقي آذربايجان، تقع فيها قلعة الأموات.
المنجد: 207.
(4) ع. ر. س: معروفين.
(5) روى الشيخ الصدوق عن محمد بن محمد الخزاعي، قال: حدثنا أبو علي الأسدي
عن أبيه، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي إنه ذكر عدد من انتهى إليه ممن وقف على
معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من الوكلاء:
ببغداد: العمري، وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطار.
ومن الكوفة: العاصم.
ومن أهل الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار.
ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق.
ومن أهل همدان: محمد بن صالح.
ومن أهل الري: البسامي، والأسدي، يعني: نفسه.
ومن أهل آذربايجان: القاسم بن العلاء.
ومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان.
ومن غير الوكلاء:
من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبد الله الكندي، وأبو عبد الله
الجنيدي، وهارون القزاز، والنيلي، وأبو القاسم بن دبيس، وأبو عبد الله بن فروخ،
ومسرور الطباخ مولى أبو الحسن عليه السلام، وأحمد ومحمد ابنا الحسن، وإسحاق
الكاتب من بني نيبخت، وصاحب النواء، وصاحب الصرة المختومة.
ومن همدان: محمد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمد بن هارون بن عمران.
ومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد بن أخية، وأبو الحسن.
ومن أصفهان: ابن باذشالة.
ومن الصيمرة: زيدان.
ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمد بن محمد، وعلي بن محمد بن إسحاق، وأبوه،
والحسن بن يعقوب.
ومن أهل الري: القاسم بن موسى، وابنه، وأبو محمد بن هارون، وصاحب الحصاة،
وعلي بن محمد، ومحمد بن محمد الكليني، وأبو جعفر الرفاء.
ومن قزوين: مرداس، وعلي بن أحمد..
ومن فاقتر: رجلان.
ومن شهرزور: ابن الخال.
ومن فارس: المحروج.
ومن مرو: صاحب الألف دينار، وصاحب المال والرقعة البيضاء، وأبو ثابت.
ومن نيسابور: محمد بن شعيب بن صالح.
ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن ابنه، والجعفري، وابن الأعجمي،
والشمشاطي.
ومن مصر: صاحب المولودين، وصاحب المال بمكة، وأبو رجاء.
ومن نصيبين: أبو محمد بن الوجناء..
ومن الأهواز: الحصيني.
راجع: كمال الدين 2: 442 - 443 رقم 16، وراجع أيضا 2: 476 - 479 رقم
26 وفيه قصة الوفد الذي جاء من قم والجبال، وللتوسعة راجع: نفس المصدر 2: 434 -
482، باب 43 ذكر من شاهد القائم عليه السلام ورآه وكلمه، الغيبة للطوسي: 253
- 280، كتاب تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي، كتاب جنة المأوى في ذكر من فاز
بلقاء الحجة أو معجزته في الغيبة الكبرى للمحدث النوري طبع آخر المجلد 53 من البحار
البحار 52: 77 باب 18 ذكر من رآه، الكنى والألقاب 1: 91 - 93.
80

وكانوا أهل عقل وأمانة وثقة ودراية وفهم وتحصيل ونباهة، وكان
السلطان يعظم أقدارهم بجلالة محلهم في الدنيا، ويكرمهم لظاهر أمانتهم
81

واشتهار عدالتهم، حتى أنه كان يدفع عنهم ما يضيفه إليهم خصومهم من
أمرهم، ضنا (1) بهم واعتقادا لبطلان قذفهم (2) به، وذلك لما كان من شدة
تحرزهم، وستر حالهم، واعتقادهم، وجودة آرائهم، وصواب تدبيرهم.
وهذا يسقط دعوى الخصوم وفاق الإمامية لهم: أن صاحبهم لم ير منذ
ادعوا ولادته، ولا عرف له مكان، ولا خبر أحد بلقائه.
فأما بعد انقراض من سميناه من أصحاب أبيه وأصحابه عليهما
السلام، فقد كانت الأخبار عمن تقدم من أئمة آل محمد (3) عليهم السلام
متناصرة: بأنه لا بد للقائم المنتظر من غيبتين، إحداهما (4) أطول من
الأخرى، يعرف خبره الخاص في القصرى ولا يعرف العام له مستقرا في
الطول، إلا من تولى خدمته من ثقات (5) أوليائه، ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال
بغيره.
والأخبار (6) بذلك موجودة في مصنفات الشيعة الإمامية قبل مولد. أبي
محمد وأبيه وجده عليهم السلام (7)، وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء
الذين سميناهم رحمهم الله، وبان صدق رواتها بالغيبة الطولى، فكان (8)
ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية ودانت به في

(1) الضن: البخل، والمراد هنا: اعتزازا بهم وبخلا بهم على غيرهم.
اللسان 13: 261 ضمن.
(2) ل. ر. س: فرقهم.
(3) من قوله: عليهم السلام، إلى هنا لم يرد في ل.
(4) ع. ل. ر. س: أحدهما.
(5) ل. س: تقاة.
(6) ر. ع: فالأخبار.
(7) راجع مقدمة هذا الكتاب، رقم 2، من كتب عن المهدي.
(8) ل. س. ط: وكان.
82

معناه.
وليس يمكن أن يخرج عن عادة أزماننا هذه غيبة بشر لله تعالى، في
استتاره تدبير لمصالح خلقه لا يعلمها إلا هو، وامتحان لهم بذلك في عبادته،
مع أنا لم نحط علما بأن كل غائب عن (1) الخلق مستترا (2) بأمر دينه لأمر
يؤمه (3) عنهم - كما ادعاه الخصوم - يعرف جماعة من الناس مكانه ويخبرون
عن مستقره.
وكم ولي لله (4) تعالى، يقطع الأرض بعبادة ربه تعالى والتفرد من
الظالمين بعمله، ونأى بذلك عن دار المجرمين وتبعد بدينه عن محل الفاسقين،
لا يعرف أحد من الخلق له مكانا ولا يدعي إنسان له لقاء ولا معه اجتماعا.
وهو الخضر عليه السلام، موجود قبل زمان موسى عليه السلام إلى
وقتنا هذا، بإجماع أهل النقل واتفاق أصحاب السير والأخبار، سائحا في
الأرض، لا يعرف له أحد مستقرا ولا يدعي له اصطحابا، إلا ما جاء في
القرآن به من قصته مع موسى عليه السلام (5)، وما يذكره بعض الناس من
أنه يظهر أحيانا ولا يعرف، ويظن بعض من رآه (6) أنه بعض الزهاد فإذا
فارق مكانه توهمه المسمى بالخضر، وإن لم يكن يعرف بعينه في الحال ولا

(1) ع. ل. ر: من.
(2) ط: مستتر.
(3) ع. ر. ل. س: يامه.
ومعنى يؤمه: يقصده.
اللسان 12: 122 مم.
(4) ط: وثم ولي الله.
(5) الكهف 18: 65 - 82.
وراجع: كمال الدين 2: 385 - 393.
(6) ل: وبظن بعض رآه، ط: ويظن بعض الناس رآه.
83

ظنه، بل اعتقد أنه بعض أهل الزمان.
وقد كان من غيبة موسى بن عمران عليه السلام عن وطنه وفراره (1)
من فرعون ورهطه ما نطق به الكتاب (2)، ولم يظهر عليه أحد مدة غيبته عنهم
فيعرف له مكانا، حتى ناجاه الله عز وجل وبعثه نبيا، فدعا إليه وعرفه الولي
والعدو إذ ذاك.
وكان من قصة يوسف بن يعقوب عليهما السلام ما جاءت به سورة
كاملة بمعناه (3)، وتضمنت ذكر استتار خبره عن أبيه، وهو نبي الله تعالى
يأتيه الوحي منه سبحانه صباحا ومساء، وأمره مطوي عنه وعن إخوته، وهم
يعاملونه ويبايعونه ويبتاعون منه ويلقونه (4) ويشاهدونه فيعرفهم ولا يعرفونه،
حتى مضت على ذلك السنون وانقضت (5) فيه الأزمان، وبلغ من حزن أبيه
عليه السلام عليه - (6) لفقده، ويأسه من لقائه، وظنه خروجه من الدنيا
بوفاته - ما انحنى له ظهره، وأنهك (7) به جسمه، وذهب لبكائه عليه بصره.
وليس في زماننا (8) الآن مثل (9) ذلك، ولا سمعنا بنظير له في سواه.

(1) ع. ل. ر: وفراله، والمثبت من س. ط.
(2) القصص 28: 21 - 32.
وراجع: كمال الدين 2: 145 - 153، قصص الأنبياء: 148 - 176.
(3) سورة يوسف، رقم 12.
وراجع للتفصيل: كمال الدين 1: 141 - 145، قصص الأنبياء: 126 - 138.
(4) س. ط: وهم يعاملونه ويبتاعون منه ويأتونه.
(5) ع. ر: ونقصت.
(6) لفظ: عليه، لم يرد في ل. س. ط.
(7) ع. ر: وانهتك، ل: وانحل.
(8) ع. ل. ر: دعائنا، والمثبت من س. ط.
(9) ر: قبل.
84

وكان من أمر يونس نبي الله عليه السلام مع قومه وفراره عنهم عند
تطاول المدة في خلافهم عليه واستخفافهم بحقوقه، وغيبته عنهم لذلك عن
كل أحد من الناس حتى لم يعلم بشر من الخلق مستقره ومكانه إلا الله تعالى
إذ كان المتولي لحبسه في جوف حوت في قرار بحر، وقد أمسك عليه رمقه
حتى بقي حيا، ثم أخرجه من ذلك إلى تحت شجرة من يقطين، بحيث لم
يكن له معرفة بذلك المكان من الأرض ولم يخطر له ببال سكناه.
وهذا أيضا خارج عن عادتنا (1) وبعيد من تعارفنا، وقد نطق به
القرآن (2) وأجمع عليه أهل الإسلام وغيرهم من أهل الملل والأديان.
وأمر أصحاب الكهف نظير لما ذكرناه، وقد نزل القرآن بخبرهم وشرح
أمرهم (3): في فرارهم بدينهم من قومهم وحصولهم في كهف ناء عن بلدهم،
فأماتهم الله فيه وبقي كلبهم باسطا ذراعيه بالوصيد، ودبر أمرهم في بقاء
أجسامهم على حال أجساد الحيوان لا يلحقها بالموت تغير (4)، فكان (5)
يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال كالحي الذي يتقلب (6) في منامه بالطبع
والاختيار، ويقيهم حر الشمس التي تغير الألوان، والرياح التي تمزق الأجساد
فبقوا على ذلك ثلاث مائة سنة وتسع سنين على ما جاء به الذكر الحكيم.

(1) ع. ل. ر: عبادتنا.
(2) الصافات 37: 139 - 146.
وراجع: قصص الأنبياء: 251 - 253.
(3) الكهف 18: 9 - 22.
وراجع: قصص الأنبياء: 253 - 261.
(4) ط: تغير بالموت
(5) ل. س. ط: وكان.
(6) ر. س. ط: ينقلب.
85

ثم أحياهم فعادوا (1) إلى معاملة قومهم ومبايعتهم، وأنفذوا إليهم بورقهم
ليبتاعوا منهم أحل الطعام وأطيبه وأزكاه بحسب ما تضمن القرآن من شرح
قصتهم (2)، مع استتار أمرهم عن قومهم وطول غيبتهم عنهم وخفاء أمرهم
عليهم.
وليس في عادتنا (3) مثل ذلك ولا عرفناه، ولولا أن القرآن جاء بذكر
هؤلاء القوم وخبرهم وما ذكرناه من حالهم لتسرعت الناصبة إلا إنكار ذلك
كما يتسرع إلى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريون ويحيلون صحة الخبر به
وقد تقول: لن يكون (4) في المقدور.
وقد كان من أمر صاحب الحمار الذي نزل بذكر قصته القرآن (5)،
وأهل الكتاب يزعمون أنه نبي الله تعالى، وقد كان مر على قرية وهي
خاوية على عروشها فاستبعد عمارتها (6) وعودتها إلى ما كانت عليه ورجوع
الموتى منها بعد هلاكهم بالوفاة، ف‍ (قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها
فأماته الله مائة عام ثم بعثه) وبقي طعامه وشرابه بحاله (7) لم يغيره تغيير
طبائع (8) الزمان كل طعام وشراب عن حاله، فجرت بذلك العادة في طعام
صاحب الحمار وشرابه، وبقي حماره قائما في مكانه لم ينفق (9) ولم يتغير عن

(1) ع. ر. س: لعادوا.
(2) ع. ل. ر: نصيبهم.
(3) ع. ل. ر: عبادتنا.
(4) في النسخ: أن يكون، والظاهر ما أثبتنا..
(5) البقرة 2: 259.
(6) ر. س. ط: عمارتهم.
(7) لفظ: بحاله، لم يرد في ل. ط.
(8) ل. س. ط: طباع.
(9) أي: لم يمت.
الصحاح 4: 560 أنفق.
86

حاله في (1) يأكل ويشرب، لم يضره طول عمره ولا أضعف ولا غير له صفة
من صفاته.
فلما أحياه (2) الله تعالى - المذكور بالعجب من حياة الأموات وقد أماته
مائة عام - قال له: (انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه)، يريد به: لم
يتغير بطول مدة بقائه، (وانظر إلى العظام كيف ننشزها)، يعني: عظام
الأموات من الناس كيف نخرجها من تحت التراب (ثم نكسوها لحما)
فتعود حيوانا كما كانت بعد تفرق أجزائها واندراسها بالموت (فلما تبين له)
ذلك وشاهد الأعجوبة فيه (قال اعلم أن الله على كل شئ قدير) (3).
وهذا منصوص في القرآن مشروح في الذكر والبيان (5) لا يختلف فيه
المسلمون وأهل الكتاب، وهو خارج عن عادتنا (6) وبعيد من تعارفنا، منكر
عند الملحدين ومستحيل على مذهب الدهرين والمنجمين وأصحاب الطبائع
من اليونانيين وغيرهم من المدعين الفلسفة والمتطببين.
على [أن] (6) ما يذهب إليه الإمامية في تمام استتار صاحبها وغيبته
ومقامه على ذلك طول مدته أقرب في العقول والعادات [مما]، أوردناه (7) من
أخبار المذكورين في (8) القرآن.

(1) ل. س. ط: حتى.
(2) ط: أحيى.
(3) البقرة 2: 259.
(4) ع. ل. ر: والهان.
(5) ع. ل. ر. ط: عادتها.
(6) زيادة أوردناها لاقتضاء السياق لها.
(7) ل. ط: أو زيادة.
(8) ع. ل. س: من.
87

فأي طريق للمقر بالإسلام إلى إنكار مذهبنا في ذلك، لولا أنهم
بعداء من التوفيق مستمالون (1) بالخذلان.
وأمثال ما ذكرناه - لأن لم يكن قد جاء به القرآن - كثير، قد رواه
أصحاب الأخبار وسطره في الصحف أصحاب السير والآثار:
من غيبات ملوك الفرس عن رعاياهم دهرا طويلا لضروب من
التدبيرات، لم يعرف أحد لهم فيها مستقرا ولا عثر (2) لهم على موضع ولا
مكان، ثم ظهروا بعد ذلك وعادوا إلى ملكهم بأحسن حال، وكذلك جماعة
من حكماء الروم والهند وملوكهم.
فكم (3) كانت لهم غيبات وأخبار بأحوال تخرج عن العادات.
لم نتعرض لذكر شئ من ذلك، لعلمنا بتسرع الخصوم إلى إنكاره،
لجهلهم ودفعهم صحة الإخبار به وتعويلهم في إبطاله (4) على بعده من
عاداتهم وعرفهم (5).
فاعتمدنا القرآن فيما يحتاج إليه منه، وإجماع أهل الإسلام، لإقرار (6)
الخصم بصحة ذلك وأنه من عند الله تعالى، واعترافهم بحجة الاجماع.
لأن كنا نعرف من كثير منهم نفاقهم بذلك، ونتحقق استبطانهم (7)
بخلافه، لعلمنا بإلحادهم في الدين واستهزائهم به، وأنهم كانوا ينحلون

(1) ر. س: مستمولون.
(2) ع. ل. ر. س: ولا غير.
(3) ع. ل. ط: وكم.
(4) ل: على إبطاله.
(5) ل: من عرفهم وعاداتهم.
(6) ل. ط: وإقرار.
(7) س. ط: استنباطهم.
88

بظاهره خوفا من السيف وتصنعا أيضا، لاكتساب الحطام به من الدنيا،
ولولا ذلك لصرحوا (1) بما ينتمون وظاهروا (2) بمذاهب (3) الزنادقة التي بها
يدينون ولها يعتقدون.
ونعوذ بالله من سيئ الاتفاق (4)، ونسأله العصمة من الضلال.

(1) ر: يصرحوا.
(2) ع. ل: فظاهروا، س. ط: فتظاهروا.
(3) ع. ل: لمذاهب، ر: المذاهب.
(4) س. ط: سنن النفاق، ع. ر. ل: سئ للاتفاق، ويحتمل: سني للانفاق، وما
أثبتنا. هو المناسب للعبارة.
89

الكلام في الفصل السادس
تعلق الخصوم بانتقاض العادة في دعوى طول عمره، وبقائه على
تكامل أدواته (1) منذ (2) ولد على قول الإمامية (3) في سني عشر الستين
والمائتين وإلى (4) يومنا هذا وهو سنة أحد عشر وأربعمائة، وفي حملهم (5) في
بقائه وحاله وصفته التي يدعونها (6) له بخلاف حكم العادات، وأنه يدل
على فساد معتقدهم فيه.
فصل:
والذي تخيله (7) الخصوم هو: فساد قول الإمامية (8) بدعواهم

(1) أي: تكامل قواه وآلاته.
لسان العرب 14: 25 أدا.
(2) س. ط: وأنه منذ.
(3) ع. ر: قول للإمامية.
(4) س. ط: إلى.
(5) ط: حكمهم.
(6) ر. س: يدعو بها.
(7) ل: يختار.
(8) ع. ر: قول للإمامية.
91

لصاحبهم طول العمر، وتكامل أدواته فيه، وبقائه إلى يومنا هذا وإلى وقت
ظهوره بالأمة (1)، على حال الشبيبة (2)، ووفارة (3) العقل والقوة والمعارف
بأحوال الدين والدنيا.
وإن خرج عما نعهده نحن (4) الآن من أحوال البشر، فليس بخارج
عن عادات سلفت لشركائه في البشرية وأمثالهم في الإنسانية.
وما جرت به عادة في بعض الأزمان لم يمتنع وجوده في غيرها، وكان
حكم مستقبلها كحكم ماضيها على البيان.
ولو لم تجر عادة بذلك جملة (5) لكانت الأمة على أن الله تعالى قادر على
فعل ذلك تبطل (6) توهم المخالفين للحق فساد القول به وتكذبهم (7) في
دعواهم.
وقد أطبق العلماء من أهل الملل وغيرهم أن آدم أبا البشر عليه السلام
عمر نحو الألف (8)، لم يتغير له خلق، ولا انتقل من طفولية إلا شبيبة،
ولا عنها إلى هرم، ولا عن قوة إلى عجز، ولا عن علم إلى جهل، وأنه لم
يزل على صورة واحدة إلى أن قبضه الله عز وجل إليه (9).

(1) ط: بالإمامة.
(2) س. ط: التشبيب.
(3) س: ووقارة.
(4) لفظ: نحن، لم يرد في س. ط.
(5) ط: ولو لم تجر بذلك عادة جلة.
(6) أي: الأدلة.
(7) س. ط. ل: وتكذيبهم.
(8) س. ط: نحو ألف.
(9) راجع كمال الدين 2: 523 رقم 3، قصص الأنبياء: 54 و 55 و 65.
92

هذا مع الأعجوبة في حدوثه من غير نكاح، واختراعه من التراب من
غير بدو (1) وانتقاله من طين لازب إلى طبيعة الإنسانية، ولا واسطة في
صنعته على اتفاق من ذكرناه من أهل الكتب حسب ما بيناه.
والقرآن مع ذلك ناطق (2) ببقاء نوح نبي الله عليه السلام في قومه
تسعمائة سنة وخمسين سنة للإنذار لهم خاصة، وقبل ذلك ما كان له من
العمر الطويل إلى أن بعث نبيا من غير ضعف كان به ولا هرم ولا عجز ولا
جهل، مع امتداد بقائه وتطاول عمره في الدنيا وسلامة حواسه.
وأن الشيب أيضا لم يحدث في البشر قبل حدوثه في إبراهيم الخليل عليه
السلام (3) بإجماع من سميناه من أهل العلم من المسلمين خاصة كما ذكرناه.
وهذا ما لا يدفعه إلا الملحدة من المنجمين وشركاؤهم في الزندقة من
الدهريين، فأما أهل الملل كلها فعلى اتفاق منهم (4) على ما وصفناه.
والأخبار متناصرة بامتداد أيام المعمرين من العرب والعجم والهند،
وأصناف البشر وأحوالهم التي كانوا عليها مع ذلك، والمحفوظ من حكمهم
مع تطاول أعمارهم، والمأثور من تفصيل قضاتهم (5) من أهل أعصارهم
وخطبهم وأشعارهم، لا يختلف أهل النقل في صحة الأخبار عنهم بما ذكرناه

(1) لفظ: من غير بدو، لم يرد في ط، وفي ع. ل. ر. س: من غير يد وصح، والظاهر
ما أثبتناه، إذ لفظ: صح ورد لأجل سقط كان في نسخة، فتوهم المستنسخ إنها من
المتن.
(2) العنكبوت 29: 14.
وللتفصيل راجع: كمال الدين 2: 523 رقم 1 و 2 و 3، وقصص الأنبياء: 84
و 85.
(3) راجع: قصص الأنبياء: 109.
(4) ع. ل. ر: منه.
(5) ع. ل: تعطل قصاتهم، ر. س: تعطل قضاتهم.
93

وصدق الروايات في أعمارهم وأحوالهم كما وصفناه.
وقد أثبت أسماء جماعة منهم في كتابي المعروف ب‍ الإيضاح في الإمامة،
وأخبار كافتهم مجموعة مؤلفة حاصلة في خزائن الملوك وكثير من الرؤساء
وكثير من أهل العلم وحوانيت الوراقين (1)، فمن أحب الوقوف على ذلك
فليلتمسه من الجهات المذكورة، يجدها على ما يثلج صدره ويقطع بتأمل
أسانيدها في الصحة له عذره، إن شاء الله تعالى.
وأنا أثبت من ذكر بعضهم ها هنا جملة تقنع، وإن كان الوقوف على
إخبار كافتهم (2) أنجع فيما نؤمه (3) بذكر البعض إن شاء الله.
فمنهم: لقمان بن عاد الكبير (4).
وكان أطول الناس عمرا بعد الخضر عليه السلام، وذلك أنه عاش
على رواية العلماء بالأخبار ثلاثة آلاف (5) سنة وخمسمائة سنة، وقيل: إنه

(1) راجع: كتاب المعمرون: 1 - 114، كمال الدين 2: 523 باب 46 ما جاء في التعمير،
مطالب السئول في مناقب آل الرسول الجزء الثاني الباب الثاني عشر، تذكرة الخواص:
364، الغيبة للطوسي: 113 - 323، البحار 51: 225 - 393 باب 14 ذكر أخبار
المعمرين، تقريب المعارف: 207 - 214، كنز الفوائد 2: 114 - 134.
(2) ع. ل. ر: كافهم.
(3) أي: نقصدهم.
اللسان 12: 22 أمم.
(4) وفي بعض المصادر: لقمان بن عاديا، وفي بعضها: لقمان العادي.
وهو غير لقمان الذي عاصر النبي داود عليه السلام، وكان من بقية عاد الأولى، وكان
وفد عاد الذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم، وأعطي من السمع والبصر على قدر
ذلك، وله أحاديث كثيرة.
المعمرون: 4 - 5، كمال الدين 2: 559، حياة الحيوان 2: 351.
(5) ع. ر: ألف.
94

عاش عمر سبعة أنسر (1)، وكان يأخذ فرخ النسر فيجعله في الجبل فيعيش
النسر منها ما عاش، فإذا مات أخذ آخر فرباه، حتى كان آخرها لبد، وكان
أطولها عمرا، فقيل: طال الأمد على لبد.
وفيه يقول الأعشى (2):
لنفسك إذ تختار سبعة أنسر * إذا ما مضى نسر خلدت (3) إلى نسر
فعمر حتى خال أن نسورة * خلود وهل تبقى النفوس على الدهر
وقال لأدناهن إذ حل (4) ريشه * هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري (5)
ومنهم: ربيع بن ضبيع (6) بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن
عدي (7) بن فزارة (8).

(1) طائر معروف، جمعه في القلة أنسر وفي الكثرة نسور، وسمي نسرا لأنه ينسر الشئ
ويبتلعه، وهو أطول الطير عمرا، وأنه يعمر ألف سنة، وهو أشد الطير طيرانا، ويقال
في المثل: أعمر من نسر.
حياة الحيوان الكبرى 2: 348 - 253.
(2) أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل من بن قيس بن ثعلبة الوائلي يعرف بأعشى قيس،
ويقال له: أعشى بكر بن وائل، أحد المعروفين من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية
وفحولهم، وكانت العرب تعني بشعر الأعشى، سكن الحيرة وكان كثير الوفود على الملوك
من العرب والفرس، غزير الشعر.
الكنى والألقاب 2: 38، الأعلام 7: 341.
(3) في كتاب المعمرون: خلوت.
(4) ع. ل. ر: إذ خل.
(5) للتفصيل راجع: المعمرون: 4 - 5، كمال الدين 2: 559.
(6) س. ط: ضبع، وكذا في كتاب كمال الدين.
(7) ع. ل. ر: عيسى.
(8) في بعض المصادر: أنه عاش مائتين وأربعين سنة. وقصته مع عبد الملك ودخوله عليه
معروفة.
المعمرون: 8 - 10، كمال الدين 2: 549 - 550 و 561.
95

عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة، وأدرك النبي صلى الله عليه وآله ولم
يسلم.
وهو الذي يقول وقد طعن في ثلاثمائة سنة:
أصبح مني الشباب قد حسرا (1) إن ينأ (2) عني فقد ثرى عصرا
والأبيات معروفة.
وهو الذي يقول أيضا منه:
إذا كان الشتاء فأدفئوني * فإن الشيخ يهدمه الشتاء
وأما حين يذهب كل قر * فسربال خفيف أو رداء
إذا عاش الفتى مأتين عاما * فقد أودى المسرة والفتاء (3)
ومنهم: المستوغر بن ربيعة بن كعب (4)

(1) ل: خسرا.
(2) ع. ر: يراى.
(3) ط: مسرته الفناء، وفي النسخ الأخرى المسرة والفناء، والمثبت من كتاب المعمرون
وكتاب كمال الدين، ويروى عجز البيت الأخير أيضا: فقد ذهب التخيل والفتاء.
والفتاء: الشباب.
لسان العرب 15: 145 فتا.
وللتفصيل راجع: المعمرون: 8 - 10، كمال الدين 2: 549 - 550، 2:
(4) هو: المستوغر بن ربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم، عاش زمنا طويلا، أدرك
الإسلام ولم يسلم، وكان من فرسان العرب في الجاهلية.
المعمرون: 12 - 14، كمال الدين 2: 561.
96

عاش ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين سنة.
وهو الذي يقول:
ولقد سئمت من الحياة وطولها وعمرت من عدد السنين مئينا (1)
مائة حدتها بعدها مائتان لي وعمرت من عدد (2) الشهور سنينا (3)
ومنهم: أكثم بن صيفي الأسدي (4).
عاض ثلاثمائة سنة وثمانين سنة، وكان ممن أدرك النبي صلى الله عليه
وآله وآمن به ومات قبل أن يلقاه، وله أحاديث كثيرة وحكم وبلاغات
وأمثال.
وهو القائل:
وإن امرأ قد عاش تسعين حجة إلى مأة لم يسأم العيش جاهل
خلت مائتان بعد عشر وفائها (5) وذلك من عدى ليال (6) قلائل (7)

(1) ع. ر: من بعد السنين سنينا، ل. س: من بعد الستين مأتينا، ط: من عدد
السنين مأتينا، والمثبت من كتاب المعمرون.
(2) ع. ر. س: بعد.
(3) للتفصيل راجع: المعمرون: 12 - 14، كمال الدين 2: 561.
(4) أكثم بن صيفي أحد بني أسد بن عمرو بن تميم، أدرك الإسلام واختلف في إسلامه،
إلا أن الأكثر لا يشك في أنه لم يسلم، ولم تكن العرب تقدم عليه أحدا في الحكمة.
المعمرون: 14 - 25، كمال الدين 2: 570.
(5) كذا في النسخ، وفي ر: وقادها، وفي كمال الدين: وفي ست وأربع.
(6) في كمال الدين: وذلك من عد الليالي.
(7) للتفصيل راجع كمال الدين 2: 570، المعمرون: 14 - 25.
97

وكان والده صيفي بن رياح بن أكثم (1) أيضا من المعمرين.
عاش مائتين وستة وسبعين سنة، ولا ينكر من عقله شئ (2)، وهو
المعروف بذي الحلم الذي قال فيه المتلمس اليشكري (3):
لذي الحلم قبل (4) اليوم ما تقرع العصا وما علم الإنسان إلا ليعلما (5)
ومنهم: ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو (6).
عاش مائتي سنة وعشرين سنة، فلم (7) يشب قط، وأدرك الإسلام
ولم يسلم.

(1) ع. ل: أكثر، ر: أكبر.
وهو: صيفي بن رباح بن أكثم أحد بني أسد بن عمر بن تميم أبو أكثم، ومن وصاياه
:... ومن سوء الأدب كثرة العتاب، وأقرع الأرض بالعصا، فذهب مثلا، والقرع
الضرب، والمراد: أن ينبه الإنسان صاحبه عند خطئه.
واصل المثل: أن عامر بن الظرب لما طعن في السن وأنكر قومه من عقله شيئا أمر
أولاده أن يقرعوا إلى المجن بالعصا إذا خرج من كلامه وأخذ من غيره.
الوصايا: 146، كمال الدين 2: 570.
(2) ع. ل. ر: شيئا.
(3) في النسخ اضطراب في ضبط الاسم، وما أثبتناه هو الصحيح.
وهو: جرير بن عبد المسيح أو عبد العزى من ضبيعة من ربيعة، شاعر جاهلي،
وأخواله بنو يشكر.
راجع: الأغاني 24: 260، الأعلام 2: 119، المعمرون: 58.
(4) ع. ل. ر: فيه، بدلا من: قبل.
(5) للتفصيل راجع: كمال الدين 2: 570، الوصايا: 146.
(6) هو: ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص القرشي، عاش مائتين
وعشرين سنة وقل: مائة وثمانين، وأدرك الإسلام فهلك فجأة.
المعمرون: 25، كمال الدين 2: 565.
(7) ع. ر: ولم.
98

وروى أبو حاتم (1) [و] الرياشي، (2)، عن العتبي (3)، عن أبيه أنه
قال: مات ضبيرة السهمي وله مائتا سنة وعشرون سنة، وكان أسود الشعر
صحيح الأسنان.
ورثاه ابن عمه قيس بن عدي فقال:
من يأمن الحدثان بعد * ضبيرة السهمي ماتا
سبقت منيته المشيب * وكان ميتته افتلاتا
فتزودوا لا تهلكوا (4) * من دون أهلكهم خفاتا (5)

(1) أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد الجشيمي السجستاني البصري الكوفي توفي
سنة 248 و 250 و 254، قرأ على الأخفش.
راجع تفصيل حياته في مقدمة كتاب المعمرون للسجستاني، بقلم عبد المنعم عامر.
(2) ع. ر. ل: الرياشي، والصحيح: أبو حاتم والرياشي كما هو في الغيبة للطوسي:
116 وبقية المصادر.
والرياشي هو: أبو الفضل العباس بن الفرج النحوي اللغوي، قتل في المسجد
الجامع بالبصرة في أيام العلوي صاحب الزنج في سنة 257.
الأنساب 6: 200 - 201.
(3) أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان
صخر بن حرب، الشاعر البصري.، وكان راوية للأخبار وأيام العرب، روى عن أبيه
وسفيان بن عيينة ولوط بن مخنف، روى عنه أبو حاتم السجستاني وأبو الفضل الرياشي،
توفي سنة 228.
العبر 9: 403 - 404، وفيات الأعيان 4: 398 - 400.
(4) ع. ر. س. ط: ولا تهلكوا.
(5) ل. ر: حفاتا.
وللتفصيل راجع: كمال الدين 2: 565، المعمرون: 25.
99

ومنهم: دريد بن الصمة الجشمي (1).
عاش مائتي سنة، وأدرك الإسلام فلم يسلم، وكان أحد قواد
المشركين يوم حنين ومقدمهم (2)، حضر حرب النبي صلى الله عليه وآله
فقتل يومئذ (3).
ومنهم: محصن بن عتبان (4) بن ظالم الزبيدي (5).
عاش مائتي سنة وخمسة وخمسين سنة (6).
ومنهم: عمرو بن حممة الدوسي (7)
عاش أربعمائة سنة.
وهو الذي يقول:
كبرت وطال العمر حتى كأنني * سليم أفاع ليله غير مودع
فما الموت أفناني ولكن تتابعت * علي سنون من مصيف ومربع.
ثلاث مئات قد مررن كواملا * وها أنا هذا أرتجي نيل (8) أربع (9)

(1) دريد بن الصمة الجشمي من جشم بن سعد بن بكر، عاش نحوا من مائتي سنة حتى
سقط حاجباه من عينيه، قتل يوم حنين، وإنما خرجت به هوازن تتيمن به.
المعمرون: 27 - 28.
(2) ع. ل. ر: ومقدمتهم.
(3) للتفصيل راجع: المعمرون: 27 - 28.
(4) ع. ر: محصن غسان، ل. س: محصن عتبان، وما أثبتناه هو الصحيح.
(5) محصن بن عتبان بن ظالم بن عمرو بن قطعية بن الحارث بن سلمة بن مازن الزبيدي.
المعمرون: 26 - 27، كمال الدين 2: 567.
(6) للتفصيل راجع: كمال الدين 2: 567، المعمرون: 26 - 27.
(7) ع. ل. ر: عمر بن حممة الدوسي. قال في المعمرون: عمرو بن حممة الدوسي،
قضى على العرب ثلاثمائة سنة. المعمرون: 58.
(8) ص: مثل، ط: مر.
(9) للتفصيل راجع: المعمرون 58.
100

ومنهم: الحرث (1) بن مضاض الجرهمي (2).
عاش أربعمائة سنة.
وهو القائل:
كأن لم تكن بين الحجون (3) إلى الصفا * أنيس، يسمر (4) بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا (5) * صروف الليالي والجدود (6) العواثر (7)
وفي غير من ذكرت يطول بإثباته جزء الكتاب.
والفرس تزعم أن قدماء ملوكها جماعات طالت أعمارهم وامتدت
وزادت في الطول على أعمار من أثبتنا اسمه من العرب، ويذكرون أن من
جملتهم الملك الذي استحدث المهرجان، عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة (8).

(1) س: الحارث، وكذا في كتاب المعمرون.
(2) في المعمرون: الحارث بن مضاض الجرهمي.
راجع: المعمرون: 8، تذكرة الخواص: 365.
(3) الحجون: موضع بمكة ناحية من البيت، وقيل الجبل المشرف مما يلي شعب الجزارين
بمكة.
لسان العرب 13: 109 حجن.
(ها) ع. ل. ر: يسمو.
(5) في المعمرون: فأزالنا.
(6) الجدود جمع جد، وهو: البخت والحظ.
لسان العرب 3: 107 جدد.
(7) ع. ل. ر: والحدود الغوابر.
وللتفصيل راجع: تذكرة الخواص: 365، المعمرون: 8.
(8) قال الشيخ الطوسي في الغيبة 123: وأما الفرس فإنها تزعم فيما تقدم من ملوكها جماعة
طالت أعمارهم، فيردون أن الضحاك صاحب الحيتين عاش ألف سنة ومائتي سنة،
وافريدون العادل عاش فوق ألف سنة، ويقولون إن الملك الذي أحدث المهرجان عاش
ألفي سنة وخمسمائة سنة استتر منها عن قومه ستمائة سنة.
وراجع: تاريخ الطبري 1: 194 - و 215، تاريخ اليعقوبي 1: 158، البحار
101

لم نتعرض لشرح أخبارهم، لظهور ما قصصته من أمر العرب من
أعمارهم على ما تدعيه الفرس، ولقرب عهدها منا وبعد عهد أولئك، وثبوت
أخبار معمري العرب في صحف أهل الإسلام وعند علمائهم.
وقد أسلفت القول بأن المنكر لتطاول الأعمار إنما هم طائفة (1) من
المنجمين وجماعة من الملحدين، فأما أهل الكتب والملل فلا يختلفون في
صحة ذلك وثبوته.
فلو لم يكن من جملة المعمرين إلا من التنازع في طول عمره مرتفع،
وهو سلمان الفارسي (2) رحمة الله عليه، وأكثر أهل العلم يقولون: بأنه رأى
المسيح، وأدرك النبي صلوات الله عليه وآله، وعاش بعده، وكانت وفاته
في وسط أيام عمر بن الخطاب (3)، وهو يومئذ القاضي بين المسلمين في

(1) ع. ر: بأن المنكر لتطاول للأعمار إنما طائفة.
(2) هو أبو عبد الله سلمان الفارسي، وهذا اسمه بعد الإسلام، أما قبله، فقيل: ما به بن
بوذخان بن مورسلان، وقيل: اسمه بهبود، ويلقب: سلمان الخير وسلمان المحمدي
وسلمان ابن الإسلام، شهد الخندق - وهو الذي أشار بحفره - ولم يفته بعد الخندق
مشهدا، توفي بالمدائن سنة 35 أو 37، أو 33، وقبره ظاهر معروف بقرب إيوان
كسرى، وكان سلمان وصي وصي عيسى، وقرأ الكتابين، وما سجد قط لمطلع الشمس،
وكان عطاؤه خمسة آلاف وكان إذا خرج تصدق به ويأكل من عمل يده.
وأما عمره فمئتان وخمسون سنة فمما لا شك فيه، ولكن الاختلاف في الأكثر، فقيل
ثلاثمائة، وقيل: ثلاثمائة وخمسون.
تهذيب التهذيب 4: 137 رقم 233، أعيان الشيعة 7: 279 - 287، كمال
الدين 1: 161، الكنى والألقاب 3: 150، تذكرة الخواص: 365.
(3) أبو حفص عمر بن الخطاب، روى عن النبي وأبي بكر وأبي، روى عنه أولاده وغيرهم
قتل سنة 23.
طبقات الفقهاء: 19، تهذيب التهذيب 7: 438.
102

المدائن (1)، ويقال: إنه كان عاملها وجابي خراجها، وهذا أصح (2)
وفيما أسلفناه في هذا الباب كفاية فيما قصدناه، والحمد لله.

(1) عبارة عن مدن سبع، من بناء أكاسرة العجم، على طرف دجلة ببغداد، كان يسكنها
ملوك بني ساسان إلى زمن عمر، وفي الجانب الشرقي مشهد سلمان.
الكنى والألقاب 3: 146 - 148.
(2) نص أكثر المؤرخين أن سلمان كان أميرا على المدائن، واختلف في سنة وفاته، فقيل:
في زمن عثمان، وقيل: في زمن أمير المؤمنين، والشيخ المفيد هنا ذهب إلا أنها وسط أيام
عمر بن الخطاب.
للتفصيل راجع: الطبقات الكبرى 4: 75 - 93، تهذيب التهذيب 4: 137،
تهذيب ابن عساكر 6: 188، حلية الأولياء 1: 185، صفة الصفوة 1: 210،
تذكرة الخواص: 365، أعيان الشيعة 3: 150، الكنى والألقاب 3: 150.
103

الكلام في الفصل السابع
فأما قول الخصوم: إنه إذا استمرت غيبة الإمام على الوجه الذي
تعتقده الإمامية - فلم يظهر له شخص، ولا تولى (1) إقامة حد، ولا إنفاذ
حكم، ولا دعوة إلى حق، ولا جهاد العدو - بطلت الحاجة إليه في
حفظ (2) الشرع والملة، وكان وجوده في العالم (3) كعدمه.
فصل:
فإنا نقول فيه: إن الأمر بخلاف ما ظنوه، وذلك أن غيبته لا تخل (4)
بما صدقت الحاجة إليه من حفظ الشرع والملة، واستيداعها له، وتكليفها
التعرف في كل وقت لأحوال الأمة، وتمسكها بالديانة أو فراقها لذلك إن
فارقته، وهو الشئ الذي ينفرد به دون غيره من كافة رعيته.

(1) ع. ل. ر: ولا يؤتي.
(2) ع. ل. ر: ونطلب الحاجة إليه في حقه، وبطلت الحاجة إليه في حقه.
(3) ر: المعالم.
(4) ع. ل: لا تحل.
105

ألا ترى أن الدعوة إليه إنما يتولاها شيعته وتقوم الحجة بهم (1) في ذلك،
ولا يحتاج هو إلى تولي (2) ذلك بنفسه، كما كانت دعوة الأنبياء عليهم
السلام تظهر نايبا عنهم (3) والمقرين بحقهم، وينقطع العذر بها فيما يتأتى (4) عن
علتهم (كذا) ومستقرهم، ولا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بأنفسهم،
وقد قامت أيضا نايبا عنهم (4) بعد وفاتهم، وتثبت الحجة لهم في ثبوتهم (5)
بامتحانهم في حياتهم وبعد موتهم، وكذلك (6) إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام،
وقد يتولاها أمراء الأئمة وعمالهم (7) دونهم، كما كان يتولى ذلك أمراء
الأنبياء عليهم السلام وولاتهم (8) ولا يخرجونهم (9، إلى تولي (10) ذلك
بأنفسهم، وكذلك (11) القول في الجهاد، ألا ترى أنه يقوم به الولاة من قبل
الأنبياء والأئمة دونهم، ويستغنون بذلك عن توليه بأنفسهم.
فعلم بما ذكرناه أن الذي أحوج إلى وجود الإمام ومنع من عدمه (12)

(1) ل. س. ط: لهم.
(2) ل: توالي.
(3) س. ط: باتباعهم.
(4) يناى.
(4) س. ط: باتباعهم.
(5) ط: نبوتهم.
(6) ع. ل. ر. س: ولذلك.
(7) ر: وقد يتولى أمراء الأئمة لهم.
(8) ع. ر. ل. س: وولايتهم.
(9) س. ط: ولا يحوجونهم.
(10) ل: المولى، وفي حاشية ل: المتولي.
(11) ع. ر: ولذلك.
(12) ع. ل. س: عدة.
106

ما (1) اختص به من حفظ الشرع، الذي لا يجوز ائتمان (2) غيره عليه (3) ومراعاة
الخلق في أداء ما كلفوه من أدائه (آدابه).
فمن وجد منهم قائما بذلك فهو في سعة من الاستتار والصموت،
ومتى وجدهم قد أطبقوا على تركه وضلوا عن طريق الحق فيما كلفوه من نقله
ظهر لتولي ذلك بنفسه ولم يسعه إهمال القيام به، فلذلك ما وجب في حجة
العقل وجوده وفسد منها عدمه المباين لوجوده (4) أو موته المانع له من مراعاة
الدين وحفظه.
وهذا بين لمن تدبره.
وشئ آخر، وهو: أنه إذا غاب الإمام للخوف على نفسه من القوم
الظالمين، فضاعت (5) لذلك الحدود وانهملت به الأحكام ووقع به في الأرض
الفساد، فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله عز اسمه، وكانوا
المأخوذين بذلك المطالبين به دونه.
فلو أماته الله تعالى وأعدم (6) ذاته، فوقع لذلك الفساد وارتفع بذلك
الصلاح، كان سببه فعل الله دون العباد، ولن يجوز من الله تعالى سبب
الفساد ولا رفع (7) ما يرفع الصلاح.
فوضح بذلك الفرق بين [موت] الإمام وغيبته واستتاره وثبوته،
وسقط ما اعترض المستضعفون فيه من الشبهات، والمنة لله.

(1) ع. ل. ر: مما.
(2) ع. ل. ر: ايمان.
(3) لفظ: عليه، لم يرد في ل. ط.
(4) ل: بوجوده.
(5) ل: وضاعت.
(6) ط: أو أعدم.
(7) كذا.
107

الكلام (1) في الفصل الثامن
فأما قول المخالفين: إنا قد ساوينا بمذهبنا في غيبة صاحبنا عليه
السلام السبائية (2) في قولها: إن أمير المؤمنين عليه السلام لم يقتل وأنه حي
موجود، وقول الكيسانية: في محمد بن الحنفية، ومذهب الناووسية: في
أن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام لم يمت، وقول الممطورة: في موسى
ابن جعفر عليه السلام أنه لم يمت (3) وأنه حي إلى أن يخرج بالسيف، وقول
أوائل الإسماعيلية وأسلافها: أن إسماعيل بن جعفر هو المنتظر وأنه حي لم

(1) ع. ل. س: القول.
(2) ل: الكيانية.
والسبائية: فرقة قالت: إن عليا لم يقتل ولم يمت، ولا يقتل ولا يموت، حتى
يسوق العرب بعصاه. ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا، وهي أول فرقة
قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي من هذه الأمة، وأول من قال منها بالغلو، وإنما سموا
بالسبائية نسبة لعبد الله بن سبأ.
فرق الشيعة: 22.
(3) من قوله: وقول الممطورة إلى هنا لم يرد في ر. ل. ط.
109

يمت، وقول بعضهم (1): مثل ذلك في محمد بن إسماعيل (2)، وقول الزيدية:
مثل ذلك (3) فيمن قتل من أئمتها حتى قالوه في يحيى بن عمر (4) المقتول
بشاهي (5).
وإذا كانت (6) هذه الأقاويل باطلة عند الإمامية، وقولها في غيبة

(1) فرقة زعمت أن الإمام بعد الصادق عليه السلام محمد بن إسماعيل بن جعفر، وقالوا:
إن الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه، فلما توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الأمر
لمحمد بن إسماعيل، وأصحاب هذا القول يسمون المباركية لرئيس لهم يسمى المبارك مولى
إسماعيل بن جعفر.
فرق الشيعة: 80.
(2) محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد، وهو الذي سعى بعمه موسى الكاظم إلى هارون
الرشيد، وقال له: يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يجئ له
الخراج وأنت بالعراق يجئ إليك الخراج، فقال: والله؟ قال: والله، وكان الإمام
الكاظم يصل محمد بن جعفر كثيرا، حتى أن محمدا لما فارق الإمام من المدينة قال:
يا عم أوصني، فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي.
تنقيح المقال 2: 82.
(3) ر: في مثل ذلك.
(4) يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين السبط، ثائر، خرج في
أيام المتوكل العباسي سنة 235 واتجه ناحية خراسان بجماعة فرده عبد الله بن طاهر إلى
بغداد فضرب وحبس ثم أطلق، فأقام مدة في بغداد وتوجه إلى الكوفة في أيام المستعين
بالله، وقاربها وأخذ ما في بيت المال وفتح السجون وعسكر بالفلوجة، وقصده جيش فظفر
عليه يحيى، وأقبل عليه جيش آخر جهزه محمد بن عبد الله بن طاهر، فاقتتلا بشاهي قرب
الكوفة، فتفرق عسكر الطالبي وبقي في عدد قليل، وتقنطر به فرسه فقتل، وحمل رأسه
إلى المستعين.
راجع: الأعلام 8: 160، وما ذكره من مصادر الترجمة.
(5) قال الحموي: موضع قرب القادسية فيما أحسب.
معجم البلدان 3: 316.
(6) ع. ل. ر: كان.
110

صاحبها نظيرها فقد بطلت أيضا ووضح فسادها.
فصل:
فإنا نقول: إن هذا توهم من الخصوم لو تيقظوا (1) لفساد ما اعتمدوه
في حجاج أهل الحق وظنوه نظيرا لمقالهم: وذلك أن قتل من سموه قد كان
محسوسا مدركا بالعيان، وشهد (2) به أئمة قاموا (3) بعدهم ثبتت إمامتهم
بالشئ الذي به ثبتت (4) إمامة من تقدمهم، والانكار للمحسوسات باطل
عند كافة العقلاء، وشهادة الأئمة المعصومين بصحة موت الماضين منهم
مزيلة لكل ريبة، فبطلت الشبهة فيه على ما بيناه.
وليس كذلك قول الإمامية في دعوى وجود صاحبهم عليه السلام،
لأن دعوى وجود صاحبهم عليه السلام لا تتضمن دفع المشاهد، ولا له
إنكار المحسوس (5)، ولا قام بعد الثاني عشر من أئمة الهدى عليهم السلام
إمام عدل معصوم يشهد بفساد دعوى الإمامية أو وجود إمامها وغيبته.
فأي نسبة بين الأمرين، لولا التحريف في الكلام، والعمل على
أول خاطر يخطر للإنسان من غير فكر (6) فيه ولا إثبات.

(1) س. ل: تفطنوا.
(2) ع. ل. س: وشهدوا.
(3) ل: فأتموا.
(4) ل. ر: تثبت.
(5) س: إنكارا بمحسوس.
(6) ع. ل. ر. س: من فكر، والمثبت من ط، وهو الأنسب.
111

فصل:.
ونحن فلم (1) ننكر غيبة من سماه الخصوم لتطاول زمانها، فيكون
ذلك حجة علينا في تطاول مدة غيبة صاحبنا، وإنما أنكرناها بما ذكرناه من
المعرفة واليقين بقتل من قتل منهم وموت من مات من جملتهم، وحصول
العلم بذلك من جهة الادراك بالحواس.
ولأن في جملة من ذكروه من لم يثبت. له إمامة من الجهات التي تثبت
لمستحقها على حال، فلا يضر لذلك دعوى من ادعى له الغيبة والاستتار.
ومن تأمل ما ذكرناه عرف الحق منه، ووضح له الفرق بيننا وبين
الضالة من المنتسبين إلى الإمامية والزيدية ولم (2) يخف الفصل بين مذهبنا في
صاحبنا عليه السلام ومذاهبهم الفاسدة بما قدمناه، والمنة لله.

(1) س. ط: لم.
(2) ع. ل. ر: لم، بدون واو.
112

وأما الكلام في الفصل التاسع (1)
وهو قول الخصوم: إن (2) الإمامية تناقض مذهبها في إيجابهم
الإمامة (3)، وقولهم بشمول (4) المصلحة للأنام بوجود الإمام وظهوره وأمره ونهيه
وتدبيره، واستشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر
السلطان العادل وتمكنه من (5) البلاد والعباد.
وقولهم مع ذلك: إن الله تعالى قد أباح للإمام (6) الغيبة عن الخلق
وسوغ له (7) الاستتار عنهم، وأن ذلك هو المصلحة وصواب التدبير
للعباد.
وهذه مناقضة لا تخفى على العقلاء.

(1) ع. ل: فصل: وأما الكلام في الفصل التاسع.
(2) ع. ل. ر: وإن.
(3) ع. س: للإمامة.
(4) ع. ر. س. ط: لشمول.
(5) في س. ط: وتمكنه في البلاد والعباد.
(6) ع. ل: الإمام.
(7) ع. ل. س: وسوغه.
(8) ع. س: للاستتار.
113

فصل:
وأقول: إن هذه الشبهة الداخلة على المخالف إنما استولت عليه لبعده
عن سبيل الاعتبار ووجوه (1) الصلاح وأسباب الفساد، وذلك أن المصالح
تختلف باختلاف الأحوال، ولا تتفق مع تضادها، بل يتغير تدبير الحكماء
في حسن النظر والاستصلاح بتغير (2) آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم
في الأعمال.
ألا ترى أن الحكيم من البشر يدبر ولده وأحبته (3) وأهله وعبيده
وحشمه بما (4) يكسبهم (5) المعرفة والآداب، ويبعثهم في الأعمال الحسنات،
ليستثمروا (6) بذلك المدح وحسن الثناء والاعظام من كل أحد والاكرام،
ويمتهنوهم من المتاجر والمكاسب للأموال (7)، لتتصل مسارهم بذلك،
وينالوا بما يحصل لهم من الأرباح الملذات (8)، وذلك هو الأصلح لهم، مع
توقرهم (9) على ما دبرهم به من أسباب ما ذكرناه.
فمتى أقبلوا على العمل بذلك والجد فيه، أداموا لهم ما يتمكنون به

(1) ل. ط: ووجود.
(2) س. ط: بتغيير.
(3) ل: وأخيه.
(4) ع. س. ط: ما.
(5) ل. ط: ينبؤهم، ويحتمل في ع. ر: يكسهم.
(6) ل. ط: ليستمروا.
(7) ل: الأموال، ط: في الأعمال.
(8) ع. ل. ر: اللذات.
(9) ع. ط: توفرهم.
114

منه، وسهلوا عليهم سبيله، وكان ذلك (1) هو الصلاح العام، وما أخذوا
بتدبيرهم إليه وأحبوه منهم وأبروه لهم.
وإن عدلوا عن ذلك إلى السفه والظلم، وسوء الأدب والبطالة،
واللهو واللعب، ووضع المعونة على الخيرات في الفساد، كانت المصلحة لهم
قطع مواد السعة (2) عنهم في الأموال، والاستخفاف بهم، والإهانة
والعقاب.
وليس في ذلك تناقض بين أغراض العاقل، ولا تضاد في صواب
التدبير والاستصلاح.
وعلى الوجه الذي بيناه كان تدبير الله تعالى لخلقه، وإرادته عمومهم
بالصلاح.
ألا ترى أنه خلقهم فأكمل عقولهم وكلفهم الأعمال الصالحات،
ليكسبهم (3) بذلك حالا (4) في العاجلة، ومدحا وثناء حسنا وإكراما
وإعظاما وثوابا في الأجل، ويدوم نعيمهم في دار المقام.
فإن تمسكوا بأوامر الله ونواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به
منه، وسهل عليهم سبيله، ويسره لهم.
وإن خالفوا. ذلك وعصوه تعالى وارتكبوا نواهيه، تغيرت (5) الحال فيما
يكون فيه استصلاحهم، وصواب التدبير لهم، يوجب (6) قطع مواد (7)

(1) لفظ: ذلك، لم يرد في ل. ط.
(2) ع. ل. ر. س: الشيعة، يحتمل: الشنعة.
(3) ل: ليكسهم.
(4) س. ط: جمالا.
(5) ل: لغيرت.
(6) ل: لوجب.
(7) ع. ل. ر: موات.
115

التوفيق عنهم، - وحسن منه ذمهم وحربهم، ووجب عليهم (1) به العقاب،
وكان ذلك هو الأصلح لهم (2) والأصوب (3) في تدبيرهم مما كان يجب في
الحكمة لو أحسنوا ولزموا السداد.
فليس ذلك بمتناقض في العقل ولا متضاد في قول أهل العدل، بل
هو ملتئم على المناسب والاتفاق.
فصل:
ألا ترى أن الله تعالى دعا الخلق إلى الاقرار به وإظهار التوحيد والإيمان
برسله عليهم السلام لمصلحتهم، وأنه لا شئ أصوب في تدبيرهم من ذلك،
فمتى اضطروا إلى إظهار كلمة الكفر للخوف على دمائهم كان الأصلح
لهم والأصوب في تدبيرهم ترك الاقرار بالله والعدول عن إظهار التوحيد
والمظاهرة بالكفر بالرسل، وإنما تغيرت المصلحة بتغير الأحوال، وكان في
تغيير التدبير الذي دبرهم الله به فيما خلقهم له مصلحة للمتقين، لأن كان
ما اقتضاه من فعل الظالمين قبيحا منهم ومفسدة يستحقون به العقاب الأليم.
وقد فرض الله تعالى الحج والجهاد وجعلهما صلاحا للعباد، فإذا تمكنوا
منه عمت به المصلحة، وإذا منعوا منه بإفساد المجرمين كانت المصلحة لهم
تركه والكف عنه، وكانوا في ذلك معذورين وكان المجرمون به ملومين (4).
فهذا نظير لمصلحة الخلق بظهور الأئمة عليهم السلام وتدبيرهم إياهم

(1) ل. ط: وحسن منه ذمهم وحر عليهم، وفي س. ع: جربهم، بدلا من: حربهم.
(2) إلى هنا انتهت نسخة ع، فالاعتماد في ضبط النص يكون على نسخة: ل. ر. س.
ط.
(3) ر. س: والأحق.
(4) ل. ر: ملومون.
116

متى أطاعوهم وأنطووا على النصرة لهم والمعونة، وإن عصوهم وسعوا في
سفك دمائهم تغيرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم، وصارت المصلحة
له ولهم غيبته وتغييبه (1) واستتاره، ولم يكن عليه في ذلك لوم، وكان الملوم (2)
هو المسبب له بإفساده وسوء اعتقاده.
ولم يمنع كون الصلاح باستتاره (3) وجوب وجوده وظهوره، مع العلم
ببقائه وسلامته وكون (4) ذلك هو الأصلح والأولى في التدبير، وأنه الأصل (5)
الذي أجرى (6) بخلق العباد إليه وكلفوا من أجله حسبما ذكرناه.
فصل:
فإن الشبهة الداخلة على خصومنا في هذا الباب، واعتقادها أن
مذهب الإمامية في غيبة إمامها مع عقدها في وجوب الإمامة متناقض،
حسبما ظنوه في ذلك وتخيلوه، لا يدخل إلا على عمى منهم مضعوف بعيد
عن معرفة مذهب سلفه وخلفه في الإمامة، لا يشعر بما يرجع إليه في مقالهم
وذلك أنهم بين رجلين:
أحدهما: يوجب الإمامة عقلا وسمعا، وهم البغداديون من

(1) ل: وتغيبته.
(2) ل. ر: المليم.
(3) ل. ر: باستتار.
(4) ل. ر. س: كون، بدون واو.
(5) ر. س: للأصل.
(6) س. ط: أحرى.
والمعنى: أن الصلاح الإلهي الذي اقتضى غيبة الإمام هو الأصل الذي كان خلق
العباد للتوصل إليه ومن أجله.
117

المعتزلة (1) وكثير من المرجئة (2).
والآخر: يعتقد وجوبها (3) سمعا وينكر أن تكون العقول توجبها،
وهم البصريون من المعتزلة (4) وجماعة المجبرة (5) وجمهور الزيدية.
وكلهم وإن خالف الإمامية في وجوب النص على الأئمة بأعيانهم،
وقال بالاختيار أو الخروج بالسيف والدعوة إلى الجهاد، فإنهم يقولون: إن
وجوب اختيار الأئمة إنما هو لمصالح الخلق، والبغداديون من المعتزلة خاصة
يزعمون أنه الأصلح في الدين والدنيا معا، ويعترفون بأن وقوع الاختيار
وثبوت الإمامة هو المصلحة العامة، لكنه متى تعذر ذلك بمنع الظالمين منه
كان الذين إليهم العقد والنهوض (1) بالدعوة في سعة من ترك ذلك وفي غير حرج
من الكف عنه، وأن تركهم له حينئذ يكون هو الأصلح، وإباحة الله تعالى
لهم التقية في العدول عنه هو الأولى في الحكمة وصواب التدبير في الدنيا
والدين.

(1) وهم أصحاب أبي الحسين بن أبي عمرو الخياط مع تلميذه أبي القاسم بن محمد الكعبي
ويعبر عن مذهبهما بالخياطية والكعبية.
الملل والنحل 1: 73.
(2) ل: وهم البغداديون من المعتزلة وكثير من المعتزلة وكثير من المرجئة.
(3) ر. ل. س: أن وجوبها.
(4) وهم أصحاب أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي وابنه أبي هاشم عبد السلام، ويعبر
عن مذهبهما بالجبائية والبهشمية.
الملل والنحل 1: 73.
(5) الجبرية أصناف، فالجبرية الخالصة: هي التي لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة على الفعل
أصلا، وأما من أثبت للقدرة الحادثة أثرا ما في الفعل وسمي ذلك كسبا فليس بجبري.
الملل والنحل 1: 79.
(6) ع. ط: النهوض، بدون واو.
118

وهذا هو القول الذي أنكره المستضعفون منهم على الإمامية: في
ظهور الإمام وغيبته، والقيام بالسيف وكفه عنه وتقيته، وإباحة شيعته عند ذلك
الخوف على أنفسهم ترك الدعوة إليه على الاعلان، والإعراض عن ذلك
للضرورة إليه، والامساك عن الذكر له باللسان.
فكيف خفي الأمر فيه على الجهال من خصومنا، حتى ظنوا بنا
المناقضة وبمذهبنا في معناه التضاد، وهو قولهم بعينه على السواء، لولا عدم
التوفيق لهم وعموم الضلالة لقلوبهم بالخذلان، والله المستعان.
الكلام في الفصل العاشر
119

فأما قول الخصوم: إنه إذا كان الإمام غائبا منذ ولد وإلى أن يظهر
داعيا إلى الله تعالى، ولم يكن رآه على قول، أصحابه أحد إلا من مات (1) قبل
ظهوره، فليس للخلق طريق إلى معرفته بمشاهدة شخصه ولا التفرقة بينه
وبين غيره بدعوته. وإذا لم يكن الله تعالى يظهر الأعلام والمعجزات على يده
ليدل بها على أنه الإمام المنتظر، دون من ادعى مقامه في ذلك (2) النبوة
له، إذ كانت المعجزات دلائل النبوة والوحي والرسالة، وهذا نقض مذهبهم
وخروج عن قول الأمة كلها: أنه لا نبي بعد نبينا عليه وآله السلام.
فصل:
فإنا نقول: إن الأخبار قد جاءت عن أئمة الهدى من آباء الإمام
المنتظر عليه السلام بعلامات تدل عليه قبل ظهوره وتؤذن بقيامه بالسيف قبل
سنته:

(1) ر. ل. س: قد مات.
(2) كذا. ولعل الصحيح: وإذا أظهر ثبتت...
121

منها: خروج السفياني (1)، وظهور (2) الدجال (3)، وقتل رجل من ولد
الحسن بن علي عليه (4) السلام يخرج بالمدينة داعيا إلى إمام الزمان (5)،
وخسف بالبيداء (6).
وقد شاركت العامة الخاصة في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله
بأكثر هذه العلامات (7)، وأنها كائنة لا محالة على القطع بذلك والثبات،
وهذا بعينه معجز يظهر على يده، يبرهن به عن صحة نسبه ودعواه.

(1) كمال الدين 2: 649 باب 57 ما روي في علامات خروج القائم عليه السلام، الغيبة
للنعماني: 252 حديث 9، الغيبة للطوسي: 433 ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل
خروجه.
(2) ل: وخروج خ ل.
(3) كمال الدين 2: 525 باب 47 حديث الدجال وما يتصل به من أمر القائم عليه السلام
و 2: 649 باب 57 ما روي في علامات خروج القائم عليه السلام، الغيبة للطوسي:
433 ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه.
(4) ل: عليهما.
(5) كمال الدين 2: 649 باب 57 ما روي في علامات خروج القائم عليه السلام، الغيبة
للنعماني: 252 حديث 9، الغيبة للطوسي: 433 ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل
خروجه.
(6) كمال الدين 2: 649 باب 57 ما روي في علامات خروج القائم عليه السلام، الغيبة
للنعماني: 252 حديث 9، الغيبة للطوسي: 433 ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل
خروجه.
(7) راجع علائم الظهور عند أهل السنة في المصنف الجزء 11 باب المهدي، سنن ابن ماجة
2: 23 حديث 4084، سنن أبي داوود 4: 107 حديث 4286 و 158 حديث 4289
البدء والتاريخ 1: 17 و 976 و 186، وللتفصيل أكثر راجع: الإمام المهدي عند
أهل السنة بجزأيه.
122

فصل:
مع أن ظهور الآيات على الأئمة عليهم السلام لا توجب لهم الحكم
بالنبوة، لأنها ليست بأدلة تختص بدعوة الأنبياء من حيث دعوا إلى نبوتهم،
لكنها أدلة على صدق الداعي إلى ما دعا إلى تصديقه فيه على الجملة دون
التفصيل.
فإن دعا إلى اعتقاد نبوتهم (1) كانت دليلا على صدقه في دعوته، وإن
دعا الإمام إلى اعتقاد إمامته كانت برهانا له في صدقه في ذلك، وإن دعا
المؤمن الصالح إلى تصديق دعوته إلى نبوة نبي أو إمامة إمام أو حكم سمعه
من نبي أو إمام كان المعجز على صحة دعواه.
وليس يختص ذلك بدعوة النبوة دون ما ذكرناه، لأن كان مختصا
بذوي العصمة من الضلال وارتكاب كبائر الآثام، وذلك مما يصح اشتراك
أصحابه مع الأنبياء عليهم السلام في صحيح (2) النظر والاعتبار.
وقد أجرى الله تعالى آية إلى مريم ابنة عمران، الآية الباهرة برزقها
من السماء، وهو خرق للعادة (3) وعلم باهر من أعلام النبوة.
فقال جل من قال: كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها
رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء
بغير حساب هنالك دعا زكريا ربة قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك
سميع الدعاء (4).

(1) س. ط: نبوته.
(2) ر: تصحيح، ل: التصحيح.
(3) ل: خرق العادة.
(4) آل عمران 3: 37 - 38.
123

ولم يكن لمريم عليها السلام نبوة ولا رسالة، لكنها كانت من عباد الله
الصالحين المعصومين من الزلات.
وأخبر سبحانه أنه أوحي إلى أم موسى: أن أرضعيه فإذا خفت
عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من
المرسلين (1).
والوحي مع جزء من جملة معجزات الأنبياء عليهم السلام، ولم تكن أم
موسى عليها السلام نبية ولا رسولة، بل كانت من عباد الله البررة الأتقياء.
فما الذي ينكر من إظهار علم يدل على عين الإمام ليتميز به عمن
سواه، لولا أن مخالفينا يعتمدون في حجاجهم لخصومهم (2) الشبهات
المضمحلات.
فصل:
وقد أثبت في كتابي المعروف ب‍ الباهر من المعجزات (3) ما يقنع من
أحب معرفة دلالتها والعلم بموضوعها والغرض في إظهارها على أيدي
أصحابها، ورسمت منه جملة مقنعة في آخر كتابي المعروف ب‍ الإيضاح.
فمن أحب الوقوف على ذلك فليلتمسه في هذين الكتابين، يجده على
ما يزيل شبهات الخصوم في معناه إن شاء الله تعالى.

(1) القصص 28: 7.
(2) ر: لخصومتهم.
(3) وسماه النجاشي في رجاله: 401 بالزاهر من المعجزات.
وهو يبحث عن معجزات الأنبياء والأئمة، وأثبت فيه أن المعجز غير مختص بالأنبياء،
وهذا الكتاب لا أثر له الآن.
124

فهذه جملة الفصول التي ضمنت إثبات
معانيها (9)، ليتضح (2) بذلك الحق فيها، ليعتبر به
ذوي (3) الألباب، وقد وفيت (7) بضماني في ذلك،
والله الموفق للصواب.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله، وسلم
كثيرا، ولا حول (5) ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وحده وحده (6).

(1) ر. ل: في معانيها.
(2) ل: ليصح.
(3) ل: من ذوي.
(4) ل: وافيت.
(5) لفظ: ولا حول، لم يرد في ر.
(6) ر: ولا قوة إلا بالله وحده وحده، ولفظ: وحده وحده، لم يرد في ل. س.
125