الكتاب: محاسبة النفس
المؤلف: الشيخ إبراهيم الكفعمي
الجزء:
الوفاة: ٩٠٥
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: الشيخ فارس الحسون
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣
المطبعة: نمونه - قم
الناشر: مؤسسة قائم آل محمد (عج) - قم
ردمك:
ملاحظات:

محاسبة النفس
تأليف
العلامة الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي الكفعمي
من أعلام القرن التاسع الهجري
تحقيق
الشيخ فارس الحسون
1

جميع الحقوق محفوظة
لمؤسسة قائم آل محمد (عج)
إيران - قم - ص. ب 556 / 37185
الكتاب: محاسبة النفس
المؤلف: الشيخ الكفعمي
تحقيق: الشيخ فارس الحسون
نشر: مؤسسة قائم آل محمد (عج) - قم
الفلم والألواح الحساسة (الزنك): ليتوكرافي تيزهوش - قم
الطبعة: الأولى - 1413 ه‍
المطبعة: نمونه - قم
الكمية: 1000 نسخة
السعر: 1500 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

الاهداء:
إلى أبواب الإمام المهدي المنتظر (عج):
عثمان بن سعيد
محمد بن عثمان
الحسين بن روح
أبي الحسن السمري
أهدي هذا الجهد المتواضع... راجيا منهم القبول والدعاء
العبد فارس
5

مقدمة المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف أنبياء الله محمد وعلى آله
الطاهرين المعصومين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.
الانسان ما دام يحمل معه صفة الانسانية ويجعلها كالقطب من الرحا في حياته،
فهو دائما يفكر في أنه فاقد لشئ عظيم لا بد وأن يصل إليه ليكمل ما فرضه على
نفسه من حمل الانسانية، ألا وهو الوصول إلى الكمال والجمال الروحي والعرفان
الحقيقي.
فعلى قدر ما يحمله الانسان من الانسانية يكون تفكيره للوصول إلى الكمال
والجمال، إذ نستطيع أن نقول وبكل صراحة: إن بين الانسانية وبين الكمال تساويا،
فلا يفرق لنا أن نقول: إنسانية، أو كمال.
لكن هنا سؤال يتبادر إلى ذهن كل طالب للحقيقة، وهو: كيف يمكن
الوصول إلى هذه المرتبة التي هي أمنية كل حر صاحب قلب طاهر نقي، وفي هذا
العالم ال‍.........
سؤال في محله... لكن تكل الألسن عن جوابه، تتحير الأقلام عن الكتابة
7

عنه وتكبو، بل تنكسر...
فكيف يمكن أن يصل الانسان إلى مرحلة العشق الحقيقي للحق؟ مع وجود
الموانع الكثيرة في زماننا هذا وعدم وجود المربي الروحي، ا إذ الأكثر - إن لم نقل الكل -
يريد أن يصل إلى مرحلة من العلم من دون أن يمزجه بالعمل والتقوى، فهل يا
ترى علمه هذا ينفعه، ومن النار يخلصه؟ من دون التقوى، من دون أن يسلك مسلك
عرفان أهل البيت عليهم السلام، من دون أن يجد حلاوة العشق ولذة المناجاة!
نعم، كيف يمكن أن يصل الانسان إلى مرحلة الانسانية وهو واقع في زمن لا
يوجد من يوصله إلى حكم الله الواقعي؟! مع وجود الشبهات الكثيرة التي هي أحد
الموانع الرئيسية المانعة من الوصول إلى الحقيقة والحق، إلى السعادة الأبدية، هذا
كله مع وجود إبليس الرجيم الذي ينتهز الفرص لكي ينشب مخالبه في كل شئ....
وهنا سؤال آخر يفرض وجوده على أذهان العشاق والمحبين الذين يسألون من
هذا وذاك كي يصلوا إلى الكمال والجمال.
وهو: إذن ماذا نعمل؟ وهل توجد طريقة نستطيع بواسطتها أن نصل إلى
الكمال أو نحوم حوله؟
نعم يبقى شيئان يستطيع الانسان بواسطتهما أن يبقى له رجاء للوصول إلى
مراده وهدفه العالي، وهما:
أولا: الالتجاء والتوسل بمن وجد الوجود لأجلهم، بمن قدمهم الأنبياء
والأولياء في دعواتهم وتوسلاتهم، ألا وهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا، هم الذين توسل بهم آدم فتاب الله عليه، هم سفينة نوح من ركبها
نجا ومن تخلف عنها هلك وغرق، هم باب حطة الذي من دخله كان من الآمنين، هم
آل يس، هم الذكر، هم الراسخون في العلم، هم آيات الله وبيناته وكتابه، هم أولوا
الأمر، هم أنوار الله، هم المؤمنون، هم الأبرار والمتقون والسابقون و المقربون، هم
السبيل والصراط، هم الصادقون والصديقون والشهداء والصالحون، هم نعمة الله
وفضله ورحمته، هم حبل الله المتين والعروة الوثقى، هم الصافون والمسبحون، هم
8

البحر واللؤلؤ والمرجان، هم السبع المثاني، هم العلماء، هم الشجرة الطيبة، هم الهداية
والهدى...
هم النور نور الله جل جلاله * هم التين والزيتون والشفع والوتر
مهابط وحي الله خزان علمه * ميامين في أبياتهم نزل الذكر
وأسماؤهم مكتوبة فوق عرشه * ومكنونة من قبل أن يخلق الذر
ولولا هم لم يخلق الله آدما * ولا كان زيد في الأنام ولا عمرو
ولا سطحت أرض ولا رفعت سما * ولا طلعت شمس ولا أشرق البدر
ونوح به في الفلك لما دعا نجا * وغيض به طوفانه وقضي الأمر
ولولا هم نار الخليل لما غدت * سلاما وبردا وانطفى ذلك الجمر
ولولا هم يعقوب ما زال حزنه * ولا كان عن أيوب ينكشف الضر
ولان لداود الحديد بسرهم * فقدر في سرد يحير به الفكر
ولما سليمان البساط به سرى * أسيلت له عين يفيض له القطر
وسخرت الريح الرخاء بأمره * فغدوتها شهر وروحتها شهر
وهم سر موسى والعصى عندما عصى * أوامره فرعون والتقف السحر
ولولا هم ما كان عيسى بن مريم * لعازر من طي اللحود له نشر
سرى سرهم في الكائنات وفضلهم * وكل نبي فيه من سرهم سر
فلا بد لكل من يريد الوصول إلى المراتب الراقية من أن يقدم هؤلاء الكرام
في دعواته إلى الله ويتوسل بهم، فإنه السبب الأساسي الذي يبقي للانسان الرجاء
للوصول إلى أمنيته السامية، وأحسن ما يذكرهم به هو زيارتهم بالزيارة الجامعة
الكبيرة، وزيارة عاشوراء مع اللعن والسلام الكامل مع صلاة النافلة كما أكد عليه
قائم آل محمد عليه وعليهم السلام في قصة السيد الرشتي المشهورة.
ثانيا: محاسبة النفس كل يوم وليلة، بل كل آن ولحظة، لأن النفس أمارة
بالسوء تتبع الهوى بل تتخذه إلها، فبالمحاسبة ينجو الغارق ويتدارك المفرط عثراته
9

ويتذكر فارط زلاته، وبالمحاسبة يستطيع الشخص الذي يريد أن يصل إلى أمنيته
الشاقة المصعد والمرتقى أن يبقى له رجاء للوصول إليها أو الحوم حولها.
فالمحاسبة لها دور فعال وأساسي في تربية الروح وتصفية القلب، وفضلها لا
يكاد ينكره ذو لب، وقد وردت عدة أحاديث عن النبي وآله عليهم السلام في فضلها
والتأكيد عليها.
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه بعث بسرية، فلما رجعوا قال:
مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر.
قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟
قال: جهاد النفس (1).
وعن علي عليه السلام في وصيته عند وفاته، وهي طويلة وفيها:
والله الله في الجهاد للأنفس فهي أعدى العدو، فإنه قال الله تبارك وتعالى:
(إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) (2)، وإن أول المعاصي تصديق النفس
والركون إلى الهوى (3).
وعن الباقر عليه السلام أنه قال في وصيته لجابر الجعفي - رضوان الله عليه -:
... إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها، فمرة يقيم أودها ويخالف
هواها في محبة الله، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها، فينعشه الله فينتعش ويقيل الله
عثرته فيتذكر، ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من
الخوف....، ولا فضلية كالجهاد ولا جهاد كمجاهدة الهوى... (4).

(1) الكافي 5: 12 حديث 3، معاني الأخبار: 160، وفيه: وقال عليه السلام:
أفضل الجهاد من جاهد نفسه.
(2) يوسف 12: 53.
(3) دعائم الاسلام 2: 352 حديث 1297.
(4) تحف العقول: 284.
10

وعن أبي حمزة الثمالي - رضوان الله عليه - أنه قال: كان علي بن الحسين زين
العابدين عليه السلام يقول:
ابن آدم، إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة
لها من همك، وما كان الخوف لك شعارا والحزن لك دثارا، إنك ميت ومبعوث وموقوف
بين يدي الله عز وجل، فأعد جوابا (1).
وعن علي عليه السلام أنه قال:
النفس مجبولة على سوء الأدب، والعبد مأمور بملازمة حسن الأدب، والنفس
تجري بطبعها في ميدان المخالفة، والعبد يجهد بردها عن سوء المطالبة، فمتى أطلق
عنانها فهو شريك في فسادها، ومن أعان نفسه في هوى نفسه فقد أشرك نفسه في
قتل نفسه (2).
وروي أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل اسمه مجاشع،
فقال: يا رسول كيف الطريق إلى معرفة الحق؟ فقال عليه السلام:
معرفة النفس.
فقال: يا رسول الله كيف الطريق إلى موافقة الحق؟ قال:
سخط النفس.
فقال: يا رسول الله فكيف الطريق إلى وصل الحق؟ قال:
هجر النفس.
فقال: يا رسول الله فكيف الطريق إلى طاعة الحق؟ قال:
عصيان النفس.
فقال: يا رسول الله فكيف الطريق إلى ذكر الحق؟ قال:
نسيان النفس.

(1) أمالي المفيد: 110.
(2) مشكاة الأنوار: 247.
11

فقال: يا رسول الله فكيف الطريق إلى قرب الحق؟ قال:
التباعد عن النفس.
فقال: يا رسول الله فكيف الطريق إلى أنس الحق؟ قال:
الوحشة من النفس.
فقال: يا رسول الله كيف الطريق إلى ذلك؟ فقال:
الاستعانة بالحق على النفس (1).
وعن الصادق عليه السلام أنه قال:
من ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا اشتهى وإذا غضب، حرم الله جسده
على النار (2).
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلا بالقتل والتجبر، ولا الغنى إلا
بالغصب والبخل، ولا المحبة إلا باستخراج الدين واتباع الهوى، فمن أدرك ذلك
الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة،
وصبر على الذل وهو يقدر على العز، آتاه الله ثواب خمسين صديقا ممن صدق بي (3).
وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال:
إن قدرتم أن لا تعرفوا فافعلوا، وما عليك إن لم يثن الناس عليك، وما عليك
أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله تبارك وتعالى! إن أمير المؤمنين
عليه السلام كان يقول: لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين: رجل يزداد فيها كل يوم
إحسانا، ورجل يتدارك منيته بالتوبة، وأني له بالتوبة؟ فوالله أن لو سجد حتى
ينقطع عنقه ما قبل الله عز وجل منه عملا إلا بولايتنا أهل البيت، ألا ومن عرف

(1) عوالي اللآلي 1: 246 حديث 1.
(2) ثواب الأعمال: 192.
(3) الكافي 2: 91 حديث 12.
12

حقنا أو رجا الثواب بنا ورضي بقوته نصف مد في كل يوم وما يستر عورته وما أكن
به رأسه، وهم مع ذلك والله خائفون وجلون، ودوا أنه حظهم من الدنيا، وكذلك
وصفهم الله عز وجل حيث يقول: (والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة) (1) ما الذي
أتوا؟ أتوا والله بالطاعة مع المحبة والولاية، وهم في ذلك خائفون أن لا يقبل منهم،
وليس والله خوفهم خوف شك فيما هم فيه من إصابة الدين، ولكنهم خافوا أن يكونوا
مقصرين في محبتنا وطاعتنا... (2).
فتبين لنا من هذه الأحاديث أهمية المحاسبة لمن يريد الوصول إلى كمال
الانسانية والعرفان الحقيقي والروح الصافية، وعدم إمكان الاستغناء عنها.
لكن يختلج في الذهن سؤال لطيف، وهو: كيف نحاسب أنفسنا؟
روي عن أبي عبد الله عليه السلام في وصيته لابن جندب - رضوان الله تعالى
عليه -:
... يا ابن جندب حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم
وليلة على نفسه، فيكون محاسب نفسه، فإن رأى حسنة استزاد منها، وإن رأى سيئة
استغفر منها، لئلا يخزى يوم القيامة (3).
وروي عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
أكيس الكيسين من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت.
فقال رجل: يا أمير المؤمنين كيف يحاسب نفسه؟ قال:
إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه وقال:
يا نفسي إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا، والله يسألك عنه: بما
أفنيته؟ فها الذي عملت فيه؟ أذكرت الله أم حمدته؟ أقضيت حوائج مؤمن فيه؟
أنفست عنه كربة؟ أحفظته بظهر الغيب في أهله وولده؟ أحفظته بعد الموت في

(1) المؤمنون 23: 60.
(2) الكافي 8: 128 حديث 98.
(3) تحف العقول: 301.
13

مخلفيه؟ أكففت عن غيبة أخ مؤمن؟ أ أعنت مسلما؟ ما الذي صنعت فيه؟
فيذكر ما كان منه، فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد الله وكبره على توفيقه،
وإن ذكر معصية أو تقصيرا استغفر الله وعزم على ترك معاودته (1).
فلا بد للعاقل أن يقسم وقته: فوقت يناجي فيه ربه، وآخر يتفكر فيه في صنع
الله، ووقت يخلو فيه بحظ نفسه من الحلال، وآخر يحاسب نفسه فيه.
فيعين وقتا خاصا يتكلم فيه مع نفسه ويخاطبها وينبهها ويحثها ويؤنبها و يوبخها
كما ورد في الحديث السابق.
وهذه الطريقة من أحسن طرق محاسبة النفس، ولها الأثر البالغ السريع.
وأول من اقتفى هذه الطريقة - حسب تفحصي - هو شيخنا الأمير الزاهد
ورام بن أبي فراس الأشتري، حيث ذكر في مجموعته:
فإذا أصبح العبد وفرغ من فريضة الصبح ينبغي أن يفرغ قلبه ساعة لمشارطة
النفس - كما أن التاجر عند تسليم البضاعة إلى شريك يفرغ المجلس لمشارطته -
فيقول للنفس:
ما لي بضاعة إلا العمر، ومهما فني رأس المال حصلت الخسارة، ووقع اليأس
من التجارة، وهذا اليوم الجديد قد أمهلني الله تعالى فيه، وأنسأني أجلي وأنعم علي به،
ولو توفاني لكنت أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا يوما واحدا، حتى أعمل فيه صالحا،
فاحسبي أنك توفيت، ثم رددت، فإياك ثم إياك أن تضيعي هذا اليوم، فإن كل نفس
من الأنفاس جوهرة لا قيمة لها... (2).
وقال شيخنا النوري الطبرسي في كتابه دار السلام بعد ذكر حديث
الصير في (3):

(1) وسائل الشيعة 11: 379 حديث 8 نقلا عن التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام.
(2) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 1: 233.
(3) روي عن سدير الصير في أنه قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا
أبي عبد الله الصادق عليه السلام، فرأيناه جالسا على التراب، وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الوالهة الثكلى ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه وشاع
التغيير في عارضيه وأبلى الدموع محجريه، وهو يقول:
سيدي، غيبتك نفت رقادي، وضيقت علي مهادي، وابتزت مني راحة فؤادي.
سيدي، غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد،
فما أحس بدمعة ترقى من عيني. وأنين يفتر من صدري، عن دوارج الرزايا، وسوالف البلايا، إلا ما
مثل بعيني من غوابر أعظمها وأفظعها، وبواقي أشدها وأنكرها، ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل
معجونة بسخطك.
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولها، وتصدعت قلوبنا جزعا، من ذلك الخطب الهائل، والحادث
الغائل، وظننا أنه سمت لمكروهة قازعة، أو حلت به من الدهر بائقة، فقلنا: لا أبكى الله يا ابن
الورى عينيك، من أية حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟
قال: فزفر الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه، واشتد عنها خوفه، وقال:
ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم.
وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة،
الذي خص الله به محمدا والأئمة من بعده عليهم السلام.
وتأملت فيه مولد قائمنا، وغيبته، وإبطاءه، وطول عمره، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولد
الشكوك في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم وخلعهم ربقة الاسلام عن أعناقهم التي
قال الله: (وكل انسان ألزمناه طائرة في عنقه) - يعني الولاية - فأخذتني الرقة، واستولت علي
الأحزان....
كمال الدين: 352 - 354.
14

فإذا كان هذا حال الإمام عليه السلام في حزنه على ما يرد على الشيعة في غيبته،
فبالحري للمؤمن المبتلى بتلك الهلكة أن يطول حزنه ولا ينام في ليلته، ويتأسف دائما
في غيبة إمامه، ويتحسر لفراقه في آناء ليله وأطراف أيامه، ويناجي ربه تارة
ويقول:....
ويخاطب نفسه مرة ويقول:
ويحك يا نفس، إن كنت قد حرمت عن النظرة إلى تلك الطلعة الرشيدة،
والغرة الحميدة، ومنعت عن الاقتباس من أنوار علومه الإلهية، وحكمته المحمدية،
بمرأى من الناس ومسمع منهم، ومحضر من الخلق ومشهد لهم، لمصالح وحكم تدور
15

عليها نظام العالم، لكن أبواب الوصول إليه مفتوحة، ومناهل الظماء لديه مترعة،
دخلها قوم لم يسلكوا غير طريقتهم، وشرب منها زمرة لم يشربوا من غير آنيتهم،
فارجعي البصر كرتين [ترينهم] بين الناس مختفين، وقد أشرنا إلى بعضهم في مطاوي
هذا الكتاب، ولعل الله يوفقنا لاستقصاء جماعة منهم في رسالة منفردة تحن إليها قلوب
أولي الألباب، فلو شابهتهم في الأعمال والأقوال، وصرت كأحدهم في الأفعال
والأحوال، كنت معهم عند تقسيم هذا النوال، لكنك تدثرت بجلباب أعدائه،
وأنخت راحلتك بغير فنائه، تصبحين وتمسين ولا يجري ذكره على قلبك ولسانك،
وتبتغين مرضاة رب العالمين وفضله ولا تقدميه في امامك، فاتخذته وراءك ظهريا، فكأنه
عليه السلام صار نسيا منسيا، فصرت محرومة من خصائص لطفه، ونفحات رحمته،
فابك طويلا، فقد عظم المصاب، وطال العذاب، وإلى الله المشتكى من اتصال الغفلة
وسوء المآب (1).
وشيخنا الكفعمي - مؤلف هذا الكتاب - أيضا أخذ هذه الطريقة وانتهجها،
لما فيها من الأثر الوضعي في القلب وتقوية الروح، فجعل كتابه مخاطبة للنفس
وتنبيها لها، فالكتاب حوار بين القوة العقلائية والقوة الشهوانية، بين القلب والهوى،
بين الروح الطاهرة والنفس الأمارة.
فعلى كل من يريد الوصول إلى الحق والحقيقة والجمال الروحي أن يحاسب
نفسه الأمارة ويخاطبها بهذه العبارات، حتى يصرعها ويجعلها خاضعة إلى القوة
العقلائية، ويجعلها مسيرة لا مسيرة، فحينئذ يشملها الخطاب الرباني:
(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي
وادخلي جنتي) (2).

(1) دار السلام 4: 92 - 94.
(2) الفجر 89: 27 - 30.
16

ترجمة المؤلف
المؤلف:
الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح بن إسماعيل،
الكفعمي مولدا، اللويزي محتدا، الجبعي أبا (1).
أحد أعيان القرن التاسع، الجامعين بين العلم والأدب، والكمال والعرفان،
والزهد والعبادة، ويحكى في كثرة عبادته: أنه كان يقوم بجميع العبادات المذكورة في
مصباحه، وتقوم زوجته بما لا يتسع له وقته منها.
مشايخ إجازته الذين يروي عنهم:
يروي الشيخ الكفعمي عن:
والده الشيخ زين الدين علي بن الحسن، وكان من أعاظم الفقهاء والورعين،
وقد ينقل عنه في كتابيه الكبيرين، معبرا عنه: بالفقيه الأعظم الأورع.
أخيه الشيخ شمس الدين محمد صاحب كتاب زبدة البيان في عمل شهر
رمضان.
السيد الشريف الفاضل حسين بن مساعد الحسيني الحائري صاحب كتاب

(1) الكفعمي: نسبة إلى كفر عيما، قرية من ناحية الشقيف في جبل عامل قرب جبشيت، واقعة في سفح
الجبل مشرفة على البحر.
واللويزي: نسبة إلى اللويزة، قرية في جبل عامل، ويقال: اللويزاوي أيضا من باب زيادات
النسب.
والجبعي نسبة إلى جبع، ويقال: جباع بالمد، وهي قرية على رأس جبل عامل، ويقال أيضا:
الجباعي من باب زيادات النسب.
17

تحفة الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار.
الشيخ زين الدين البياضي صاحب كتاب الصراط المستقيم.
السيد الحسيب علي بن عبد الحسين الموسوي الحسيني صاحب كتاب رفع
الملامة عن علي في ترك الإمامة، وكان بينهما مكاتبات ومراسلات بالنظم والنثر.
أقوال العلماء في حقه:
المحدث الحر العاملي: كان ثقة فاضلا شاعرا عابدا زاهدا ورعا.
أمل الآمل 1: 28.
العلامة المجلسي: من مشاهير الفضلاء والمحدثين والصلحاء المتورعين.
أعيان الشيعة 2: 185، نقلا عن تكملة الرجال لعبد النبي الكاظمي، حيث
ذكر أنه نقله عن خط الشيخ المجلسي.
العلامة المجلسي: وكتب الكفعمي أغنانا اشتهارها وفضل مؤلفها عن
التعرض لحالها وحاله.
البحار 1: 34.
المولى عبد الله الأفندي: العالم الفاضل الكامل الفقيه المعروف بالكفعمي،
من أجلة علماء الأصحاب... له يد طولى في أنواع العلوم سيما العربية والأدب، جامع
حافل كثير التتبع في الكتب.
رياض العلماء 1: 21.
العلامة الخوانساري: الشيخ العالم الباذل الورع الأمين والثقة النقة الأديب
الماهر المتقن المتين.
روضات الجنات 1: 20
المحدث القمي: كان ثقة فاضلا أديبا شاعرا عابدا زاهدا ورعا.
الكنى والألقاب 3: 95
العلامة المامقاني: من مشاهير الفضلاء والمحدثين والصلحاء والمتورعين، وكان
18

بين زماني الشهيدين رحمهما الله، ووصفه في فهرست الوسائل بالورع، وعدالته لا تكاد
تحتاج إلى بيان.
تنقيح المقال 1: 27.
السيد الأمين: وكان واسع الاطلاع طويل الباع في الأدب سريع البديهة في
الشعر والنثر كما يظهر من مصنفاته خصوما من شرح بديعيته، حسن الخط.
أعيان الشيعة 2: 185.
السيد الصدر: هو العالم الكامل المعروف بالكفعمي.
تكملة الأمل: 76.
العلامة الأميني: أحد أعيان القرن التاسع الجامعين بين العلم والأدب
الناشرين لألوية الحديث والمستخرجين كنوز الفوائد والنوادر، وقد استفاد الناس
بمؤلفاته الجمة وأحاديثه المخرجة وفضله الكثير، كل ذلك مشفوع منه بورع موصوف
وتقوى في ذات الله إلى ملكات فاضلة ونفسيات كريمة، حلى جيد زمنه بقلائدها
الذهبية، وزين معصمه بأسورتها، وجلل هيكله بأبرادها القشيبة، وقبل ذلك كله نسبه
الزاهي بأنوار الولاية المنتهي إلى التابعي العظيم الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني،
ذلك العلوي المذهب، العلي شأنه، الجلي برهانه، الذي هو من فقهاء الشيعة...
الغدير 11: 213.
المقري: وما رأيت مثله في سعة الحفظ.
أعيان الشيعة 2: 185، نقلا عن نفح الطيب 4: 397.
الزركلي: أديب من فضلاء الإمامية.... له نظم ونثر.
الأعلام 1: 53.
كحالة: مفسر محدث فقيه أديب وشاعر.
معجم المؤلفين 1: 65
*
19

مولده ووفاته:
لم يذكر أحد ممن ترجم الشيخ الكفعمي من الأوائل تاريخ ولادته ووفاته،
على عادة أصحابنا في التهاون بتاريخ المولد والوفاة ومعرفة الطبقات بل مطلق
التاريخ، مع محافظة غيرهم على ذلك، مع ما فيه من الفوائد.
وما حدده بعض العلماء من تاريخ ولادته ووفاته استنادا إلى بعض القرائن،
فهو إلى الحدس أقرب منه إلى الحس.
بل ما ذكره السيد الأمين في الأعيان 2: 184: من أنه ولد سنة 840 كما استفيد
من أرجوزة له في علم البديع ذكر فيها أنه نظمها في سن الثلاثين، وكان الفراغ من
الأرجوزة سنة 870.
فهو بعيد عن الصواب جدا، لأن السيد الأمين نفسه قال في الأعيان 2: 185:
وجد بخطه - أي: الكفعمي - كتاب دروس الشهيد قدس سره فرغ من كتابته سنة
850، وعليه قراءته وبعض الحواشي الدالة على فضله، وعد في صفحة 186: من
تآليفه كتاب حياة الأرواح، وقال: فرغ من تأليفه سنة 843.
قال السيد حسن الصدر في تكملة الأمل: 81: وفرغ من نسخ كتاب الدروس
للشهيد - وهو عندي بخطه وعليه قراءته وبعض حواشيه - 850، ولا أظنه ينقص
عن الثلاثين عند فراغه من الدروس، فيكون يوم فراغه من المصباح في حدود 75.
وقال المولى الأفندي في الرياض 1: 22: وله مجموعة كثيرة الفوائد مشتملة
على مؤلفات عديدة رأيتها بخطه في بلدة إيروان من بلاد آذربايجان، وكان تاريخ إتمام
كتابة بعضها سنة 848 لخمس بقين من شهر رمضان، وتاريخ بعضها سنة 849،
وتاريخ بعضها 852.
وعلى قول السيد الأمين يكون الشيخ الكفعمي عند فراغه من تأليف المصباح
ابن 55 سنة، مع أنا نراه في قصيدته الرائية في مدح أمير المؤمنين عليه السلام المذكورة
في المصباح: 710، يقول:
20

بحقك مولاي فاشفع لمن * أتاك بمدح شفاء الصدور
هو الجبعي المسئ الفقير * إلى رحمات الرحيم الغفور
من الحسنات خلا قدحه * فما من فتيل ولا من نقير
خطاياه تحكي رمال الفلاة * ووزن اللكام وأحد وثور
وشيخ كبير له لمة * كساها التعمر ثوب القتير
فمجموع ما ذكرناه يعطينا خبرا أن المترجم له كان في سنة 843 مؤلفا صاحب
رأي ونظر يثني على تآليفه الأساتذة الفطاحل، وأنه حينما ألف المصباح سنة 894 كان
شيخا هرما كبيرا.
وما استظهره العلامة الطهراني من القرائن في الذريعة 3: 73 و 143: من أنه
ولد سنة 828، فلا يخلو من بعد.
وذكر الحاج خليفة في كشف الظنون 2: 1982: أنه توفي سنة 905، وكذا ذكره
العلامة الطهراني في الذريعة 7: 115 و 3: 73 و 143، تبعا لصاحب كشف الظنون،
وفي الأعيان 2: 184: وفي الطليعة أنه توفي في سنة 900.
وعلى كل حال فالقدر المتيقن أنه ولد أوائل القرن التاسع في قرية كفر عيما.
وأقام الشيخ الكفعمي مدة في كربلاء المقدسة، وعمل لنفسه في كربلاء أزجا
لدفنه بأرض الحسين عليه السلام التي تسمى عقيرا، فأنشد - وهو وصية منه إلى أهله
وإخوانه - في ذلك:
سألتكم بالله أن تدفنوني * إذا مت في قبر بأرض عقير
فإني به جار الشهيد بكربلا * سليل رسول الله خير مجير
فإني به في حفرتي غير خائف * بلا مرية من منكر ونكير
أمنت به في موقفي وقيامتي * إذا الناس خافوا من لظى وسعير
فإني رأيت العرب تحمي نزيلها * وتمنعه من أن ينال بضير
فكيف بسبط المصطفى أن يذود من * بحائره ثاو بغير نصير
21

ثم عاد إلى جبل عامل وتوفي فيها، ووفاته إما في آخر القرن التاسع أو أوائل
القرن العاشر، والله أعلم.
ودفن في قرية جبشيت من قرى جبل عامل، ثم خربت القرية فنزح أهلها
منها وأصبحت محرثا، فلما خربت اختفى قبره بما تراكم عليه من التراب، ولم يزل
مستورا بالتراب إلى ما بعد المائة الحادية عشرة لا يعرفه أحد، فظهر عند حرث تلك
الأرض وعرف بما كتب عليه، وهو: " هذا قبر الشيخ إبراهيم بن علي الكفعمي
رحمه الله ".
قال المولي الأفندي في الرياض 1: 22: وحكى لي بعض أفاضل الثقات من
سادات جبل عامل - متعنا الله بدوام عمره وإفضاله - عن بعض ثقات أهل تلك
النواحي من عجيب ما اتفق فيهم قريبا من هذه الأعصار، أن حراثا منهم كان يكرب
الأرض بثوره، فأتفق أن اتصل رأس جارته حين الكراب بصخرة عظيمة اقتلعها من
الأرض، فإذا هو من تحتها بجثمان مكفون قد رفع رأسه من التراب كالمتحير الفرق
المستوحش، ينظر مرة عن يمينه وأخرى عن شماله ويسأل من كان عنده: هل قامت
القيامة؟ ثم سقط على وجهه في موضعه، فأغمي على الراعي من عظم الواقعة، فلما
أفاق من غشيته وجعل يبحث عن حقيقة الأمر رأى مكتوبا على وجه تلك الصخرة
صفة صاحب العنوان: هذا [قبر] إبراهيم بن علي الكفعمي رحمه الله.
وقال السيد حسن الصدر في تكملة الأمل: 76: وحدثني بعض الأجلة الثقات
أن قبره كان مخفيا وظفر به في المائة الحادية عشرة، وله حكاية غريبة مشهورة، وأيضا
قد روى هذه الحكاية سيدنا آية الله العلامة صدر الدين العاملي عن بعض الثقات
من أهل البلاد.
وقال السيد الأمين في الأعيان 2: 184: وبعض الناس يروي لظهوره حديثا
لا يصح، وهو: أن رجلا كان يحرث فعلقت جارته بصخرة فانقلعت فظهر من تحتها
الكفعمي بكفنه غضا طريا، فرفع رأسه من القبر كالمدهوش والتفت يمينا وشمالا،
وقال: هل قامت القيامة؟ ثم سقط، فأغمي على الحارث، فلما أفاق أخبر أهل القرية
22

فوجدوه قبر الكفعمي وعمروه، وقد سرى تصديق هذه القصة إلى بعض مشاهير
علماء العراق، والحقيقة ما ذكرناه، ويمكن أن يكون الحارث الذي عثر على القبر
زاد هذه الزيادة من نفسه فصدقوه عليها، انتهى.
وحكمه هذا - أي: عدم صحة الواقعة، وإمكان أن يكون الحارث زاد هذه
الزيادة من نفسه - في غير محله، إذ لا استبعاد من وقوع مثل هذه الواقعة، بالأخص
من الشيخ الكفعمي شيخ العارفين، فهل يستبعد العقل أن يجعل الله هذه الكرامة
للشيخ الكفعمي ليبين فضله للناس؟ وما حاجة الحارث إلى اختلاق هذه القصة؟!
آثاره:
قال المولى الأفندي في الرياض 1: 21: ثم له - عفا الله عنه - يد طولى في
أنواع العلوم سيما العربية والأدب، جامع حافل كثير التتبع في الكتب، وكان عنده
كتب كثيرة جدا، وأكثرها من الكتب الغريبة اللطيفة المعتبرة، وسماعي أنه قدس
سره ورد المشهد الغروي وأقام به وطالع في كتب خزانة الحضرة الغروية، ومن تلك
الكتب ألف كتبه الكثيرة في أنواع العلوم المشتملة على غرائب الأخبار، وبذلك
صرح في بعض مجاميعه التي رأيتها بخطه، انتهى.
فمن مؤلفاته:
(1) البلد الأمين والدرع الحصين، كتاب كبير أكبر من المصباح ألفه قبله،
ينقل منه العلامة المجلسي في البحار، وضمنه - مضافا إلى الأدعية والعوذ والأحراز
والزيارات والسنن والآداب وغيرها - أدعية الصحيفة السجادية، وألحق به عدة
رسائل منها: محاسبة النفس، والمقام الأسنى.
(2) تاريخ وفيات العلماء.
(3) تعليقات على كشف الغمة.
(4) التلخيص في مسائل العويص، ومسائل العويص للشيخ المفيد.
23

(5) جنة الأمان الواقية وجنة الإيمان الباقية، المعروف بمصباح الكفعمي
لسبقه بمصباح المتهجد للشيخ الطوسي، وعلى منواله نسج الكفعمي، وهو كبير كثير
الفوائد، وعليه حواش لطيفة للمصنف، وضمنه عدة رسائل منها المقام الأسنى،
فرغ منه سنة 895 هجرية.
(6) الجنة الواقية، وهو مختصر للمصباح لطيف، وتردد الشيخ المجلسي في
نسبة الكتاب للكفعمي، فقال في البحار 1: 17: وكتاب الجنة الواقية لبعض
المتأخرين، وربما ينسب إلى الكفعمي، وكذا تأمل المولى الأفندي في الرياض 5:
23 في نسبة الكتاب للكفعمي.
(7) حجلة العروس.
(8) حديقة أنوار الجنان الفاخرة وحدقة أنوار الجنان الناظرة.
(9) الحديقة الناضرة.
(10) حياة الأرواح ومشكاة المصباح، مجموع لطيف لا يمل أحد من دوام
مطالعته، فهو بالحقيقة حياة الأرواح، مشتمل على 78 بابا في اللطائف والأخبار
والآثار والآداب والمواعظ والأوامر والنواهي، فرغ من تأليفه سنة 843 وقيل: 854.
(11) الرسالة الواضحة في شرح سورة الفاتحة.
(12) زهر الربيع في شواهد البديع.
(13) صفوة - صفو - الصفات في شرح دعاء السمات، ذكر فيه سند هذا
الدعاء وروايته وفضله، ثم ذكر جملة من ألفاظ الدعاء ثم شرحها، فرغ منه سنة
875، وذكر السيد الأمين اسم الكتاب: سفط الصفات، واستظهر أن صفوة الصفات
تصحيف.
(14) العين المبصرة.
(15) فرج الكرب وفرح القلب، في علم الأدب بأقسامه يقرب من عشرين
ألف بيت - والبيت: السطر المحتوي خمسين حرفا - وذكر العلامة الطهراني في
الذريعة 14: 31: أن كتاب فرج الكرب هو شرح البديعية في مدح خير البرية لصفي
24

الدين الحلي، المتوفى سنة 750.
(16) الفوائد الطريفة - الشريفة - في شرح الصحيفة.
(17) قراضة النضير في التفسير، ملخص من مجمع البيان للطبرسي.
(18) الكوكب الدري، وقيل: الكواكب الدرية.
(19) اللفظ الوجيز في قراءة الكتاب العزيز.
(20) لمع البرق في معرفة الفرق، وهو نفس فروق اللغة، كتاب جليل في
موضوعه يدل على تبحر مصنفه في علم اللغة.
(21) مجموع الغرائب وموضوع الرغائب، على نمط الكشكول، قال في
آخره: جمعته من كتابنا الكبير الذي ليس له نظير، جمعته من ألف مصنف ومؤلف.
(22) محاسبة النفس اللوامة وتنبيه الروح النوامة، وهو هذا الكتاب الماثل
بين يديك.
(23) مشكاة الأنوار، وهو غير مشكاة الأنوار لسبط الشيخ الطبرسي.
(24) المقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى، ألحقه المصنف بالبلد الأمين
والمصباح.
(25) ملحقات الدروع الواقية.
(26) المنتقى في العوذ والرقى.
(27) النخبة
(28) نهاية رب - الأدب - في أمثال العرب، كبير في مجلدين لم ير مثله في
معناه.
(29) نور حدقة البديع ونور حديقة الربيع، في شرح بديعيته المشهورة.
قال المولى الأفندي في الرياض 1: 22: وله مجموعة كبيرة كثيرة الفوائد،
مشتملة على مؤلفات عديدة، رأيتها بخطه في بلدة إيروان من بلاد آذربايجان، وكان
تاريخ إتمام كتابة بعضها سنة 848 لخمس بقين من شهر رمضان، وتاريخ بعضها سنة
849، وتاريخ بعضها سنة 852، وكان فيها عدة كتب من مؤلفاته أيضا، منها:
25

كتاب اختصار الغريبين، للهروي.
وكتاب اختصار مغرب اللغة، للمطرزي.
واختصار كتاب غريب القرآن، لمحمد بن عزيز السجستاني.
وكتاب اختصار جوامع الجامع، للشيخ الطبرسي.
واختصار كتاب تفسير علي بن إبراهيم.
واختصار زبدة البيان مختصر مجمع البيان للطبرسي، للشيخ زين الدين
البياضي.
واختصار علل الشرائع، للصدوق.
واختصار القواعد الشهيدية.
واختصار كتاب المجازات النبوية، للسيد الرضي.
واختصار كتاب الحدود والحقائق في تفسير الألفاظ المتداولة في الشرع
وتعريفها...
ثم من مؤلفاته أيضا: كتاب مختصر نزهة الألباء في طبقات الأدباء تأليف كمال
الدين عبد الرحمن بن محمد بن سعيد الأنباري.
وله أيضا: اختصار كتاب لسان الحاضر والنديم، انتهى.
وله أيضا شعر كثير وقصائد طوال وأراجيز جيدة وخطب مسجعة.
فله القصيدة البديعية الميمية المشتملة على أنواع المحسنات الشعرية المذكورة
في علم البديع اللفظية منها والمعنوية، وقد شرحها شرحا يظهر منه كماله في الأدب،
وختمها بخطبة غراء في مدح سيد البرية.
وله قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام تبلغ 190 بيتا أنشدها عند قبره
الشريف لما زاره يذكر فيها يوم الغدير.
وله أرجوزة في 130 بيتا في الأيام المستحب صومها.
وله أرجوزة ألفية في مقتل الحسين عليه السلام وأصحابه بأسمائهم وأشعارهم،
قال في كتاب فرج الكرب وفرح القلب: لم يصنف مثلها في معناها، مأخوذة من كتب
26

متعددة ومظان متبددة.
*
27

حول الكتاب
اسم الكتاب: محاسبة النفس اللوامة وتنبيه الروح النوامة، ولم يذكر.
المصنف صريحا في مقدمة الكتاب، بل أشار إليه بقوله:.... فحق على كل ذي علم،
وحتم على كل ذي حزم محاسبة النفس اللوامة وتنبيه الروح النوامة.
وطريقة هذا الكتاب من أحسن طرق محاسبة النفس، أخذها المصنف من
الحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام كما ذكرناه سابقا.
والمصنف جمع في كتابه هذا آيات التحذير والترغيب وغيرها ونسجها نسجا
لطيفا يؤثر في قلب القارئ، واقتبس من بعض الآيات عبارات زادت الكتاب كمالا،
وأورد الأحاديث الواردة عن النبي وآله عليهم السلام من التحذير والترغيب
والمواعظ والأوامر والنواهي، وجعلها على نسق جميل من دون الإشارة إلى ذكر
الحديث إلا قليلا، وضمن كتابه الحكم والأمثال، واللطائف والآثار، و العبارات الأدبية
والأشعار اللطيفة التي تناسب المقام.
فخرج كتابه جامعا يستلذ من قراءته كل واحد، ولا يمل من دوام مطالعته،
كالعطر كلما كررته يتضوع.
ثم إن شيخنا الكفعمي رضوان الله عليه ألف هذا الكتاب مستقلا - وتاريخ
تأليفه للكتاب غير معلوم - وبعد ذلك اختصره وأدرجه في آخر كتابه البلد الأمين
والدرع الحصين الذي ألفه عام 868 ه‍، وطبع المختصر مع كشف الريبة للشهيد الثاني
ومحاسبة النفس لابن طاووس سنة 1390 ه‍.
قال العلامة الطهراني: محاسبة النفس اللوامة وتنبيه الروح النوامة للشيخ
تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح الكفعمي صاحب الجنة
29

الواقية المعروفة بمصباح الكفعمي التي فرغ منها 895، مشتملة على مواعظ حسنة
ومخاطبة النفس بعبارات مؤثرة أولها: الحمد لله السريع حسابه الأليم عقابه، وهو
مطبوع مع كشف الريبة في 1319..... وقد أدرجها المصنف نفسه في آخر كتابه البلد
الأمين والدرع الحصين الذي ألفه 868، الذريعة 20: 121.
عملنا في الكتاب:
اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على أربع نسخ للمكتبة الرضوية - على
صاحبها آلاف التحية والسلام - وهي:
(1) نسخة كاملة تاريخ كتابتها عام 989 جاء في آخرها: علي يد الفقير الحقير
حافظ محمد علي أصفهاني سنة 989، وهي نسخة كثيرة الأغلاط وقد أورد الكاتب
بعض تعاليق المصنف على الكتاب داخل المتن، فأدرجناها في الهامش، وجعلنا حرف
(أ) رمزا لها.
(2) نسخة كاملة أيضا إلا ورقتين سقطت من وسط الكتاب والمناجاة من آخره،
وهي بدون تاريخ، سيئة الخط، وجعلنا حرف (ب) رمزا لها.
(3) نسخة مختصرة ملحقة بالبلد الأمين، تاريخ كتابتها عام 1082، وهي
نسخة جيدة الخط قليلة الأخطاء، وجعلنا حرف (ج) رمزا لها.
(4) نسخة مختصرة أيضا ملحقة بالبلد الأمين، جيدة الخط أيضا قليلة
الأخطاء، وهي بدون تاريخ، وجعلنا حرف (د) رمزا لها.
فضبطت الكتاب على هذه النسخ الأربع مع الإشارة إلى الاختلافات التي لها
وجه في الهامش، وتخريج الآيات القرآنية، وشرح الكلمات التي يعسر على العرف
العام فهمها من كتب اللغة، وشكل بعض الكلمات التي تحتاج إلى إعراب، ولم أخرج
الأحاديث لما أشرت إليه قبل قليل من أن أكثر عبارات الكتاب هي نصوص
الأحاديث نسجها المصنف في كتابه من دون الإشارة إلى ذكر الحديث، وما أشار إليه
قليل جدا، علما بأن بعض الكلمات لم نستطع قراءتها فتركنا في محلها بياضا، وبعض
30

الكلمات لم نستطع الوصول إلى معناها من كتب اللغة فتركناها كما هي.
وفي الختام أتقدم بجزيل الشكر والثناء إلى كل من ساعدني في تحقيق هذا
الكتاب ونشره، وأخص بالذكر الأستاذ المحقق الشيخ أسد مولوي، لمراجعته
الكتاب من أوله إلى آخره، وإبداء ملاحظاته القيمة حوله.
سائلا المولى الجليل أن يوفق كل العاملين لخدمة مذهب أهل البيت عليهم
السلام.
مؤسسة قائم آل محمد (عج)
حرم أهل البيت - قم
15 شعبان المعظم - 1408 ه‍
ذكرى مولد قائم آل محمد المهدي
فارس تبريزيان
31

محاسبة النفس
33

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله السريع حسابه، الأليم عقابه.
وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة تؤمن صاحبها من عظائم الجرائم
وجرائم العظائم، ولا يخاف في الله لومة لائم (1).
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي جعله الله على كافة أمته شهيدا
(يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن
بينها وبينه أمدا بعيدا) (2).
وبعد: فإنه قد أجمعت (3) الأنبياء والمرسلون، والأئمة الراشدون، أنه
تعالى لجميع العباد بالمرصاد (4)، وأنهم سيناقشون يوم المعاد، وبطالبون بمثاقيل

(1) اقتباس من قوله تعالى (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) المائدة 5: 54.
(2) آل عمران 3: 30.
(3) في أ، ب: اجتمعت، وفي د: جمعت، وما أثبتناه من ج، وهو الأنسب.
(4) إشارة إلى قوله تعالى: (إن ربك لبالمرصاد) الفجر 89: 14.
35

الذر، من الخير والشر (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال
ذرة شرا يره) (1) ولا ينجي من هذه الأخطار الجليلة، إلا محاسبة (2) النفس
كل يوم وليلة.
فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة (3) حسابه، وحضر
عند السؤال جوابه، وعظم يوم القيامة ثوابه (4)، وحسن منقلبه وما به (5).
ومن لم يحاسب نفسه، وأضاع يومه وأمسه، وتلفع (6) بملاءة الهوى،
وتعرى من لباس التقوى، وجب أن يطول في عرصات القيامة مقامه، وتدوم
في مواقف يوم الطامة آلامه.
فحق على كل ذي علم، وحتم على كل ذي حزم:
محاسبة النفس اللوامة وتنبيه الروح النوامة
فإن النفس بالطبع متمردة عن الطاعات، مستعصية عن العبادات،
فكن لها من الواعظين (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) (7).
ففي الخبر: لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه، فيعلم
طعامه وشرابه ولبسه.
وعنه عليه السلام: قيدوا أنفسكم بمحاسبتها، واملكوها بمخالفتها،
تأمنوا من الله الرهب، وتدركوا عنده الرغب، فإن الحازم من قيد نفسه

(1) الزلزلة 99: 7 و 8.
(2) في ب: إلا بمحاسبة.
(3) في ب: يوم القيامة.
(4) جملة: وعظم يوم القيامة ثوابه، لم ترد في أ، ب.
(5) أي: مرجعه. اللسان 1: 218 أوب.
(6) أي: التحف، والالتفاع والتلفع: الالتحاف بالثوب، وهو أن يشتمل به حتى يجلل جسده. اللسان
8: 320 لفع.
(7) الذاريات 55: 51.
36

بالمحاسبة، وملكها بالمغالبة، وأسعد الناس من انتدب (1) لمحاسبة نفسه، وطالبها
بحقوقه (2) في يومه وأمسه.
وعنه عليه السلام: الكيس من دان نفسه، أي: حاسبها، وعمل لما
بعد الموت وطالبها.
فحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وطالبها قبل أن تطالب، وقل لها (3):
يا نفس:
احزمي (4) أمرك، فما لك بضاعة إلا عمرك، فلا تفنيه في مآربك (5)،
ولذاتك ومطالبك، لأنه إذا فني رأس المال حصلت الخسارة، ووقع اليأس عن
التجارة.
شعر:
إذ كنت أعلم علما يقينا * بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنينا (6) بها * واجعلها في صلاح وطاعة

(1) في أ: من انقاد.
(2) في ب: حقوقها.
(3) في ب: يا نفس: فحاسبي نفسك قبل أن تحاسبي، وطالبيها قبل أن تطالبي، وقولي لها:...
(4) من الحزم، وهو: ضبط الرجل أمره والحذر من فواته. مجمع البحرين 6: 39 حزم.
وفي أ: احرضي، وفي ج، د: اجزمي، وما أثبتناه من ب، وهو الأنسب.
(5) أي: حاجاتك. اللسان 1: 208 أرب.
(6) أي: شحيحا. مجمع البحرين 6: 275 ضنن.
37

يا نفس:
وهذا يوم جديد، وهو عليك شهيد، فاعملي فيه لله بطاعته، وإياك إياك
من إضاعته، فإن كل نفس من الأنفاس، وحاسة من الحواس، جوهرة عظيمة،
ليس لها من قيمة.
شعر:
أولى الذخائر في الحماية * والرعاية والحراسة
عمر الفتى فهو النهاية * في الجلالة والنفاسة
وحذار من تضييعه * إن كنت من أهل الكياسة
يا نفس:
إن اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة، فاشتغلي فيها بالطاعة، فقد ورد
في الخبر، عن سيد البشر:
أنه ينشر (1) للعبد كل يوم أربع وعشرون خزانة، بعضها فارغة
وبعضها ملآنة:
فإذا فتحت له خزانة الحسنات، والمراضي والمثوبات، ناله من الفرح
والسرور، والبهجة والحبور، بمشاهدة تلك الأنوار، التي هي وسيلة عند الملك
الجبار، ما لو وزع على أهل النار، لأدهشهم ذلك الفرح عن ألم السعار (2).

(1) في ب: ينثر.
(2) في أ: السعار بالضم: حر النار وشدة الجوع أيضا، وسعرناهم بالنبل: أحرقناهم، قاله الجوهري.
الصحاح 2: 684 سعر.
38

وإن فتحت له خزانة العصيان، والغيبة والبهتان، غشاه من نتنها وظلامها،
وأصابه من شرها وآلامها، ما لو قسم على أهل النعيم، لنغص (1) عليهم
التنعيم.
وإن فتحت الفارغة من الأعمال، الموصوفة بالتكاسل والاهمال، لحقه (2)
الحزن العظيم، على خلوها من الثواب الدائم المقيم.
يا نفس:
فاملئي تلك الساعات من الحسنات، واشحنيها بما شق من العبادات
والقربات، ولا تميلي إلى الكسل والاستراحة، فما ملأ الراحة من استوطأ
الراحة (3).
وهب كنت مسيئة قد عفي عن جريرتك، وستر (4) على سريرتك، أليس
قد فاتك ثواب المحسنين، ودرجات الأبرار في عليين؟!
يا نفس:
إن كنت في معصية الله ممن يعلم اطلاعه، فلقد اجترأت على أمر عظيم
الشناعة، لجعلك إياه أهون الناظرين، وأخف المطلعين، وإن كنت تظنين أنه

(1) في أ: لبغض، وفي ب: لنقص، والمثبت من ج، د، وهو الأنسب.
(2) في ج: لحفه.
(3) قيل: الراحة الأولى بمعنى الكف والجمع الراح، والثانية من الاستراحة.
وفي ب: ما ملأ الراحة من استواطأ الزاحة.
(4) في أ: وسر.
39

لا يراك، فلقد كفرت بمولاك.
يا نفس:
أترين لو أن أحدا من جلسائك، أو عبيدك وإمائك، واجهك بما تمقتينه،
أو عاملك بما تكرهينه، لقلمت منه الأظفار، وأحللت به دار البوار
فبأي جسارة تتعرضين لمقت الله وعذابه، وشدة نكاله وعقابه؟ وقربي
إصبعك من الحميم، إن ألفاك البطر عن النظر في عقابه الأليم.
يا نفس:
ويحك بل ويلك من العذاب، كأنك لا تؤمنين بيوم الحساب، أتظنين أنك
إذا مت انفلت، وإذا حشرت رددت؟! هيهات هيهات، كل ما توعدين لآت (1).
شعر:
ولو أنا إذا متنا تركنا * لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا * ونسأل بعده عن كل شئ
يا نفس:
إنك تقدمين على ما قدمت، وتجازين على ما أسلفت، فلا تخد عنك دنيا
دنية، عن مراتب جنات علية، فإن لكل حسنة ثوابا، ولكل سيئة عقابا، وإنه

(1) اقتباس من قوله تعالى: (إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين) الأنعام 6: 134.
40

لا بد لك في قبرك من قرين، فإن كان صالحا فبه تستأنسين، وإن كان طالحا
فمنه تستوحشين.
أترجى نجاة من حياة سقيمة * وسهم المنايا للخليقة راشق
فمن حسنت أفعاله فهو فائز * ومن قبحت أفعاله (1) فهو زاهق
لقد شقيت نفس تخالف ربها * وتعرض عن إرشادها وتشاقق
يا نفس:
ما هذه الحيرة والسبيل واضح، وما هذه الغفلة والمشير ناصح، إلى كم
تجمعين ولا تقنعين، ولوارثك تودعين؟!
وأنت كمن يبني (2) بناء وغيره * يعالجه في هدمه ويسابق
وينسج آمالا طوالا بعيدة * ويعلم أن الدهر للنسج خارق
يا نفس:
أتفرحين بنعيم زائل، وسرور راحل؟! غفلت وأغفلت، وعلمت فأهملت،
إلى كم مواظبتك على الذنوب، وأنت بعين علام الغيوب؟ فجمعك في هذه

(1) في ب: أعماله.
(2) في أ: أبنى.
41

الدنيا إلى تفريق، وسعتك (1) إلى ضيق، فما هذه الطمأنينة وأنت مزعجة، وما
هذا الولوج وأنت مخرجة؟!
شعر:
أترجى نجاة بعد سبعين حجة * ولا بد من يوم تعقك العوائق (2)
ومن طرقته الغاديات بويلها * فلا بد ما يأتيه فيها (3) الصواعق
وليس أبناء السبعين، بأحق بالحذر من أبناء العشرين، لأن طالبها وهو
الموت واحد، وليس عن (4) الطلب براقد، واعملي لما أمامك من الهول، ودعي
عنك زخرف القول.
يا نفس:
أما رأيك فعازب، وأما رشدك فغائب، داؤك لا يرجى له دواء، وأملك
ليس له انتهاء، قد فتنت بعملك، وخضت في بحار زللك، فقدمي التوبة، قبل
أن تبلغك النوبة، واعملي للخلاص، قبل الأخذ بالنواص.
شعر:
إذا نصب الميزان للفصل والقضا * وأبلس (5) محجاج وأخرس ناطق

(1) في ب: وسعيك.
(2) قال الجوهري في الصحاح 4: 1534 عوق: عاقه عن كذا عوقا واعتاقه أي: حبسه وصرفه عنه،
وعوائق الدهر: الشواغل من أحداثه.
(3) في ب: فلا بد ما بلته فيه.
(4) في ب: وليس عند.
(5) أبلس: سكت. اللسان 6: 29 بلس.
42

وأججت النيران واشتد غيظها * وقد فتحت (1) أبوابها والمغالق
وقطعت الأسباب من كل ظالم * وقامت به أسراره والعلائق
يا نفس:
لا جرم أنه تعالى (2) تكفل في الدنيا بإصلاح أحوالك، فعلام كذبتيه
بأفعالك؟ وأصبحت تتكالبين (3) على طلب (4) الدنيا تكالب المدهوش المستهتر،
وأعرضت عن الآخرة إعراض المغرور المستحقر (5)، ما هذا من علامات من
يتبع السنة، أو يبتغي الجنة.
شعر (6):
فحبك هذا من أدل دلالة * على أنك في غمرة الجهل تسبحي
تروحي وتغدي في غرور وغفلة * وأنت بغير الحق في الأرض تمرحي
فعاصي هواك واتق الله وحده * * عساكي في يوم القيامة تفلحي

(1) في ب: وفتحت.
(2) في ب: أن الله تعالى.
(3) قال الجوهري في الصحاح 1: 215 كلب: والمكالبة: المشارة وكذلك التكالب، تقول منه: هم
يتكالبون على كذا أي: يتواثبون عليه.
وفي ج، د: تكالبين.
(4) في ب: في طلب.
(5) في ب: المستهتر.
(6) في أ: الكفعمي شعر.
43

يا نفس:
أتحسبين أن تتركي سدى، ألم تكوني نطفة من مني يمنى، ثم كنت علقة
فخلق فسوى، أليس ذلك بقادر [على] أن يحيي الموتى (1)؟!.
فما لك لا تعرفين قدرك، ولا تأخذين حذرك؟ فإن كنت قد أمنت في
الحشر بسؤالك، وعرفت جميع ذلك هنالك، فما بالك تسوفين بالعمل (2)، وقد
دنى الأجل، ولعله يختطفك من غير مهل؟!
شعر:
وكانا الموت ركب مخبون (3) * سراع لمنهل مورود
يا نفس:
لو عزمت (4) على سفر، لقضاء الوطر، ترتجين فيه نيل الظفر، والأمن
من الضرر، فلقيت (5) في طريقك شخصا، أخبرك أنه رأى أمامك لصا، يأخذ
الأقفال، ويستبيح النفس والمال، لرجعت عن ذلك الطريق المخوف (6)، حذرا

(1) إشارة إلى قوله تعالى: (أيحسب الانسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من منى يمنى * ثم كان
علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيي
الموتى) القيامة 75: 36 - 40.
(2) في أ: العمل.
(3) في ب: مخنون، وفي ج، د: مجنون، وما أثبتناه من أ، هو الأنسب.
(4) في ب: لو عرضت.
(5) في أ: فلقيك.
(6) في أ: يقال طريق مخوف، لأنه لا يخيف بل يخيف فيه قاطع الطريق، قاله الجوهري.
الصحاح 4: 1359 خوف.
44

من اللص العسوف (1).
أفكان قول التوراة والإنجيل، والزبور والتنزيل، بإخبارهم بأخاويف
القيامة، وأهاويل يوم الطامة، أقل من مخبرك صدقا، وأنذر منه حقا؟! ولعل
المخبر غير صادق، بل أكذب من بارق!! (2).
يا نفس:
لو أن طبيبا يهوديا، أو حكيما نصرانيا، أخبرك في ألذ أطعمتك بدائه،
وعدم دوائه، ثم أمرك بالاحتماء، عن بعض الغذاء، لصبرت عنه وتركته،
وجاهدت نفسك فيه.
أفكان قول القرآن المبين، والأنبياء والمرسلين، أقل تأثيرا من قول
يهودي يخبر عن تخمين، أو نصراني ينبئ عن غير يقين؟!.
والعجب لمن (3) يحتمي عن الطعام لأذيته، كيف لا يحتمي عن الذنب
لأليم عقوبته؟!
شعر:
جسمك بالحمية وقيته * مخافة البارد والحار (4)

(1) العسوف: الظلوم. الصحاح 4: 1403 عسف.
(2) في أ: في أمثالهم: أكذب من بارق، وهو: السحاب الذي يكون فيه البرق ولا ماء فيه، قال: بلوته
أكذب من يلمع أو بارق يلمع في خلب، ويلمع يحتمل أن يراد به السراب لأن اسمه يلمع، ويحتمل أن
يراد به البرق الذي لا مطر معه لأن اسمه يلمع أيضا، وإنما قيل للسراب يلمع لأنه يسير إلى المطر
ولا مطر معه.
(3) في ب: يا نفس والعجب.
(4) في ب: مخافة الضار.
45

قد كان أولى بك أن تحتمي * عن المعاصي حذر النار
يا نفس:
ومن العجب أنه لو أخبرك طفل: بأن عقربا في جيبك لرميت بثوبك،
أو حية في إزارك لرميت بأطمارك (1).
أفكان قول الأنبياء والأبدال، أقل عندك من قول الأطفال؟! أم صار
حر نار جهنم وزقومها، أحقر عندك من العقرب وسمومها؟! ولا جرم فلو
انكشف للبهائم علانيتك وسريرتك، لضحكوا من غفلة سيرتك.
يا نفس:
من لا يطعم الدابة إلا في الحضيض (2) لا يقدر على قطع العقبة؟! ومن
لا يملك قيراطا من المال كيف يفك الرقبة؟! (3) وكيف بك إذا أمرت بالصعود،
على عقبة كؤود (4)، وطرسك (5) موفور من السيئات، وظهرك موقور (6) من
التبعات، وأنت مع ذلك عارية (7) عطشانة، حافية غرثانة؟! (8) فلا شك هنالك

(1) قال الجوهري في الصحاح 2: 726 طمر: والطمر: الثوب الخلق، والجمع الأطهار.
(2) الحضيض: القرار من الأرض عند منقطع الجبل. الصحاح 3: 1071 حضض.
(3) في ج: لا يفك الرقبة.
(4) عقبة كؤود: شاقة المصعد صعبة المرتقى. اللسان 3: 374 كأد.
(5) الطرس: الصحيفة. الصحاح 3: 943 طرس.
(6) أي: محمول. الصحاح 2: 848 وقر.
وفي أ: موفور.
(7) في أ: عادية.
(8) من الغرث وهو الجوع. الصحاح 1: 288 غرث.
46

أن المستريح، أحسن حالا من الطليح (1)، ولا جرم أن المبطئين، أقبح حالا من
المسرعين، فاستعدي للآخرة، على قدر هول أرض الساهرة، ولا تكوني ممن
يعجز عن شكر ما أوتي، ويبغي الزيادة فيما بقي، وينهى الناس ولا ينتهي.
يا نفس:
ما المانع لك من المبادرة إلى صالح الأعمال، وما الباعث لك على
التسويف والاهمال، وهل سببه إلا عجزك عن مخالفة شهوتك، وضعفك عن
مؤالفة أئمتك؟ وهب أن الجهد في آخر العمر نافع، وأنه مرق إلى أسعد المطالع،
فلعل اليوم آخر عمرك، ونهاية دهرك.
شعر:
ولا ترج فعل الصالحات إلى غد * لعل غدا يأتي وأنت فقيد
يا نفس:
غالبي الشهوة قبل قوة طراوتها (2)، فإنها إن قويت لم تقدري على
مقاومتها، ومثل ذلك: أن الشهوة كالشجرة النابتة، والصخرة الثابتة، التي
تعبد العبد بقلعها أو أمر (3) بنزعها، فمن ترك قلعها وعجز عن نزعها، كان كمن

(1) قال الجوهري في الصحاح 1: 388 طلح: وطلح البعير: أعيى، فهو طليح... وناقة طليح أسفار:
إذا جهدها السير وهزلها.
(2) قال الجوهري في الصحاح 6: 2412 طرا: شئ طري أي: غض بين الطراوة.
وفي أ: ضراوتها، وفي ب: ضر أوقاتها، وما أثبتناه من ج، د، وهو الأنسب.
(3) في أ: وأمر.
47

عجز عن قلع شجرة وهو شاب قوي الهمة، فأخرها بعد أمة (1) إلى الضعف
وابيضاض اللمة (2)، مع العلم بأن طول المدة تزيد الشجرة قوة وثباتا، وتولي
القالع ضعفا وشتاتا.
وبالجملة: ما لا يقدر عليه في الشباب لا يقدر عليه في المشيب، لكن
من التعذيب تهذيب الذيب.
شعر:
أتروض عرسك بعد ما هرمت * ومن العناء رياضة الهرم
يا نفس:
ما قولك في مريض غمره الأسقام، أشير عليه بترك الماء البارد ثلاثة
أيام، ليصح ويتهنأ بشربه مدى الشهور والأعوام، فما مقتضى العقل في افتعال
أمر الصبوة (3)، وقضاء حق الشهوة، أيصبر الثلاثة أيام (4) ليتنعم طول عمره؟
أم يقضي في الحال شهوة وطره؟! (5).
وليت شعري أألم الصبر عن الشهوات، وكظم الغيظ عن العقوبات،
أعظم شدة، وأطول مدة، أم ألم النار، وغضب الجبار؟!.

(1) الأمة: الحين. المحاح 5: 1864 أمم.
(2) اللمة بالكسر: الشعر يجاوز شحمة الأذن. الصحاح 5: 2032 لمم.
(3) الصبوة: جهلة الفتوة واللهو من الغزل. العين 7: 168 صبو.
(4) في ب: أيصبر في ثلاثة أيام.
(5) الوطر: كل حاجة كان لصاحبها فيها همة. اللسان 5: 285 وطر.
48

يا نفس:
من لا يطيق الصبر عن قضاء الوطر، كيف يصبر يوم العرض على حر
سقر؟! (1).
يا نفس (2):
ولرب شهوة ساعة قد أورثت حزنا طويلا، فكم من أمنية جلبت منية.
شعر (3):
من نال من دنياه أمنية * أسقطت الأيام منها الألف (4)
وإياك إياك أن ترضي غير الله وتعرضي عنه، فإنه مانعك من الغير ولا
يمنعك الغير منه، والعجب منك كيف تذنبين والشاهد عليك الملك الجبار؟!
وتضحكين ولعل أكفانك قد خرجت من عند القصار؟! (5).

(1) سقر: اسم علم لجهنم، قال تعالى: (سأصليه سقر * وما أدرك ما سقر * لا تبقي ولا تذر *
لواحة للبشر * عليها تسعة عشر) المدثر 74: 26 - 30، المفردات: 235 سقر.
(2) في ب: شعر.
(3) في ب: يا نفس.
(4) فتصير الأمنية منية.
(5) القصار والمقصر: المحور للثياب، لأنه يدقها بالقصرة التي هي القطعة من الخشب. اللسان 5: 104
قصر.
49

يا نفس:
ومما أعظك به من كلام أمير المؤمنين، وسيد الوصيين: أن الفكر يهدي،
والهوى يردي، والشهوات آفات، واللذات مفسدات، والرزق مقسوم،
والحريص محروم، والدنيا تضر، والأمل يغر (1)، والأمن اغترار، واليقظة
استبصار، والغفلة ضلالة، والغرة (2) جهالة.
يا نفس:
مكاسب الدنيا بالإنفاق، والآخرة بالاستحقاق، والهوى عدو العقل،
واللهو من ثمار الجهل، والأعمال من ثمار النيات، والصدقة أفضل الحسنات،
والطمع فقر ظاهر، واليأس غنى حاضر.
يا نفس:
السلامة في التفرد، والراحة في التزهد، والساعات تكمن الآفات،
والعمر تفنيه (3) اللحظات، والدنيا سوق الخسران، والجنة دار الأمان، والحساب
قبل العقاب، والثواب بعد الحساب، والدنيا دار الأشقياء، والجنة دار الأتقياء.

(1) في ب: والأمل يغر والدنيا تضر.
(2) في أ: والعزة.
(3) في أ: بقية.
50

يا نفس:
الدنيا محل الآفات، والمال مادة الشهوات، والدنيا مطلقة الأكياس،
ومنية الأرجاس، والتقوى خير زاد، والطاعة أحرز عتاد، والزهد متجر راجح،
والورع عمل راجح، والحريص عبد (1) المطامع، والمستريح من الناس القانع.
يا نفس:
المواصل للدنيا مقطوع، والمغتر بالآمال مخدوع، والتقوى رأس
الحسنات، والورع جنة من السيئات، والتوبة تستنزل الرحمة، والاصرار يجلب
النقمة، والطاعة تستدر المثوبة، والمعصية تجلب العقوبة.
يا نفس:
الدنيا دار المحنة، والهوى مطية الفتنة، والتعزز بالتكبر ذل، والتكثر
بالدنيا قل، واليقين رأس الدين، والانفراد راحة المتعبدين، والزهد سجية
المخلصين، والخوف جلباب (2) العارفين، والبكاء شعار المشفقين، والفكر نزهة
المتقين، والسهر روضة المشتاقين، والاخلاص عبادة المقربين (3)، والذكر لذة
المحيين.

(1) في أ: عند.
(2) الجلباب: الملحفة. الصحاح 1: 101 جلب.
(3) في ب: المتقربين.
51

يا نفس:
الدنيا مصرع العقول، والشهوات تسترق الجهول، والفكر مرآة صافية،
والموعظة نصيحة شافية، والنية أساس العمل، والأجل حصاد الأمل،
والمقادير لا تدفع بالقوة والمغالبة، والأرزاق لا تنال بالحرص والمطالبة.
يا نفس:
الدنيا كيوم مضى، وشهر انقضى، فالرغبة فيها توجب المقت،
والاشتغال بالفائت (1) يضيع الوقت، والمال يفسد المآل (2)، ويوسع الآمال، وهو
داعية التعب، ومطية النصب (3)، والغني من استغنى بالقناعة، والعزيز من اعتز
بالطاعة.
يا نفس:
أسباب الدنيا منقطعة، وعواريها مرتجعة، والمصيبة بالدين أعظم المصاب،
والغضب يفسد الألباب، ويبعد من الصواب، وهو عدو فلا تملكيه نفسك، ولا
تجعليه لبسك، والندم على الخطيئة استغفار، والمعاودة للذنب إصرار.

(1) في أ: بالغائب.
(2) قال ابن منظور في اللسان 11: 22 أول: الأول: الرجوع، آل الشئ يؤول أولا ومآلا: رجع.
(3) في أ: المنصب.
52

يا نفس:
الوله (1) بالدنيا أعظم فتنة، واطراح الكلف أشرف قنية، فمن أخلص
فيها توبته، أسقط حوبته، والعمل فيها بطاعة الله أربح، والرجاء لرحمته أنجح،
والاشتغال بتهذيب النفس أصلح، والاتكال على القضاء أروح.
شعر:
عجبت لشئ لا يساوي جميعه * جناح بعوض عند من أنت عبده
شغلت بجزء منه عنه فما الذي * يكون إذا حاسبك عذرك (2) عنده
يا نفس:
الحازم من ترك الدنيا للآخرة، والرابح من باع العاجلة بالآجلة يوم
الساهرة، والزاهد أن لا يطلب المفقود، حتى يعدم الموجود، واجتناب السيئات،
أولى من اكتساب الحسنات، واشتغالك بمعايبك (3) يكفيك العار، واشتغالك
بإصلاح معادك ينجيك من عذاب النار، والطاعة لله أقوى سبب، والمودة في
الله أقرب نسب.

(1) قال الطريحي في المجمع 6: 367 وله: والوله بالتحريك: ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد.
(2) في ب: عدوك.
(3) في أ: بمعانيك.
53

يا نفس:
الدنيا لا تصفو لشارب، ولا تفي لصاحب، فهي ملية بالمصائب، طارقة
بالفجائع والنوائب، والعاقل من هجر شهوته، وأسخط دنياه وأرضى آخرته،
والعارف من عرف نفسه فأعتقها (1)، ونزهها عن كل ما يبعدها ويوبقها.
يا نفس:
الدنيا إذا تحلت (2)، أنحلت، وإذا حلت أو حلت، فالحازم من جاد بما في
يده، ولم يؤخر عمل يومه إلى غده، والكيس (3) من كان يومه خيرا من أمسه،
وعقل الذم عن نفسه، والشقي من اغتر بحاله، وانخدع لغرور آماله، والجاهل
لا يرتدع، وبالموعظة لا ينتفع.
يا نفس:
الدنيا شرك النفوس، وقرارة كل ضر (4) وبؤس، وهي عرض حاضر،
يأكل منه البر والفاجر، فأخوك في الله من هداك إلى رشاد، ونهاك عن فساد،
وأعانك على إصلاح المعاد، والحازم من لم يشغله غرور دنياه، عن العمل لأخراه،

(1) في ب: وأعتقها.
(2) في أ: أحلت.
(3) في أ: أي العاقل.
(4) في أ: خبر.
54

والمغبون من اشتغل بالدنيا جهده، وفاته من الآخرة جده.
يا نفس:
أوقات الدنيا وإن طالت قصيرة، والمتعة بها وإن كثرت يسيرة، والخوف
من الله في الدنيا، يؤمن الخوف منه في العقبى، والمتقي من اتقى من الذنوب،
والمتنزه من تنزه عن العيوب، وانتباه العيون لا ينفع مع غفلة القلوب، والعاقل
من زهد في الدنيا الدنية، ورغب في جنة سنية.
يا نفس:
اعزفي (1) عن دنياك تصلحي مثواك، واركني إلا الحق وإن خالف هواك،
واجعلي جهدك وهمك لآخرتك، واحفظي بطنك وفرجك فهما (2) فتنتك،
واعفي عن خادمك إذا عصاك، واضربيه إذا (3) عصى مولاك.
يا نفس:
انظري إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق، ولا تنظري إليها نظر العاشق

(1) في أ: عزف عن الشئ: زهد فيه وانصرف عنه، قاله الجوهري. الصحاح 4: 1403 عزف،
باختلاف.
وفي ب: اغرفي.
(2) في أ: ففيهما.
(3) في أ: أنا.
55

الموامق (1)، وامسكي من المال بقدر ضرورتك، وقدمي الفضل ليوم فاقتك،
واذكري مع كل لذة زوالها، ومع كل نعمة انتقالها، واجعلي همتك وسعيك
للخلاص من الشقاء والعقاب، والنجاة من مقام البلاء والعذاب.
يا نفس:
اذكري عند المعاصي ذهاب اللذات وبقاء التبعات، واهجري الشهوات
فإنها تقود إلى ركوب السيئات، واعملي والعمل ينفع، والدعاء يسمع، والتوبة
ترفع، والمحتكر البخيل جامع لمن لا يشكره، وقادم على من لا يعذره.
يا نفس:
اتقي غرور الدنيا فإنها تسترجع (2) أبدا ما خدعت به من المحاسن،
وتزعج المطمئن (3) إليها القاطن، فكم من جامع مال يبخل على نفسه بأقله،
ويسمح لوارثه بكله، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه، أصابه حراما،
واحتمل به آثاما، ورب مستقبل يوم ليس بمستدبره، ومغبوط في أول ليل
قامت بواكيه في آخره.

(1) في أ: الوامق.
وقال الجوهري في الصحاح 4: 1568 ومق: المقة المحبة... وقد ومقه يمقه بالكسر فيهما أي:
أحبه، فهو وامق.
(2) في أ: لتسترجع.
(3) في ب: المطمئنين.
56

شعر:
هو الموت لا أعوانه تقبل الرشا * ولا تشترى ساعاته بالدراهم
يا نفس:
استعدي ليوم تشخص فيه الأبصار، وتفدم (1) فيه الأبصار (2)، واذكري
هادم اللذات، ومنغص الشهوات، وداعي الشتات، ومفرق الجماعات، ومبعد (3)
الأمنيات، ومدني المنيات، والمؤذن بالبين والشتات، واحذري الأمر (4) المغلوب،
والفاني المجبوب، والنعيم المسلوب.
شعر:
أما والله لو علم الأنام * لما خلقوا لما هجعوا وناموا
لقد خلقوا لما لو أبصرته * عيون قلوبهم تاهوا وهاموا
حياة ثم موت ثم بعث * وتوبيخ وأهوال عظام
يا نفس:
احذري أن يخدعك الغرور بالحائل اليسير، أو يستزلك السرور بالزائل
الحقير، وإياك وفعل القبيح فإنه يقبح ذكرك ويكبر (5) وزرك، ويحبط أجرك،

(1) الفدم من الناس: العيي عن الحجة والكلام. اللسان 12: 450 فدم.
(2) الأبصار الأولى بمعنى: حاسة البصر، والثانية بمعنى: البينة.
(3) في أ: ومباعد.
(4) في ب: الأمل.
(5) في ب: ويكثر.
57

وإياك أن تكوني على الناس طاعنة، ولنفسك مداهنة (1)، فتعظم عليك الحوبة،
وتحرمي المثوبة.
يا نفس:
إياك وطول الأمل، فكم من مغرور افتتنه أمله، فأفسد عمله وقطع أجله،
فلا أمله أدرك، ولا ما فاته استدرك، وإياك والوقوع في الشبهات، والولوع (2)
بالشهوات، فإنهما يقتادانك إلى الوقوع في الحرام، وركوب كثير من الآثام.
يا نفس:
أين اللذين كانت لهم الأمم، وبلغوا من الدنيا أقاصي الهمم؟! أين
اللذين حازوا (3) من الدنيا أقاصيها، واستذلوا الأعداء وملكوا نواصيها؟! أين
من سعى واجتهد، وأعد (4) واحتشد، وبنى وشيد، وزخرف ونجد (5)، وفرش
ومهد، وجمع وعدد؟! أين كسرى وقيصر، وتبع وحمير؟! وأعظم العظات،
الاعتبار بمصارع الأموات.

(1) المداهنة: المساهلة. مجمع البحرين 6: 250 دهن.
(2) الولوع: العلاقة، وأولع به ولوعا وإيلاعا: إذا لج. اللسان 8: 410 ولع.
(3) في أ: أحازوا.
(4) في ب: وعد.
(5) قال الجوهري في الصحاح 2: 542 نجد: والنجد: ما ينجد به البيت من المتاع، أي يزين.
58

يا نفس:
أسعد الناس من ترك لذة فانية، للذة باقية، وأشقاهم من باع جنة
المأوى، بمعصية من معاصي الدنيا، وأفضل الناس من عصى ورفض دنياه،
وقطع منها أمله ومناه، وكان همه لأخراه، وأبعد الناس من النجاح المشتهر
باللهو والمزاح، وأبعدهم (1) من الصلاح الكذوب ذو الوجه الوقاح.
يا نفس:
إياك والهوى فإن أوله فتنة، وآخره محنة، وإياك وحب الدنيا فإنها أصل
كل خطيئة، ومعدن كل بلية، فالحازم من لا يغتر بالخدع، والعاقل من لا يغتر
بالطمع، ومن باع نفسه بغير الجنة، فقد عظمت عليه المحنة.
يا نفس:
إن مالك لحامدك في حياتك، ولذامك بعد وفاتك، والتقوى عصمة لك
في حياتك، وزلفى لك بعد مماتك، والمرء على ما قدم قادم، وعلى ما خلف نادم،
وإن النفس التي تطلب الرغائب الفانية لتهلك في طلبها، وتشقى في منقلبها،
والتي تجهد في اقتناء الرغائب الباقية لتدرك طلبها، وتسعد في منقلبها.

(1) في ب: وأبعد..
59

يا نفس:
إن الدنيا لمفسدة الدين، ومسلبة اليقين (1) وإنها رأس (2) الفتن، وأصل
المحن، وإن خير المال ما اكتسب ثناء وشكرا، وأوجب ثوابا وأجرا، وإن أخيب
الناس سعيا رجل أخلق (3) بدنه في طلب أمانيه (4)، ولم تسعده المقادير على ما
أراده واجتهد فيه، فخرج من الدنيا بحسراته، وقدم على الآخرة بتبعاته،
والكيس من كان لشهوته مانعا، ولنزوته (5) عند الحفيظة قامعا.
يا نفس:
إن تقوى الله عمارة الدين، وعماد اليقين، وإنها لمفتاح الفلاح (6)،
ومصباح النجاح، وهي في اليوم الحرز والجنة، وفي غد الطريق إلى الجنة،
مسلكها واضح، وسالكها رابح، وإن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا والآخرة،
شاركوا أهل الدنيا في الدنيا ولم يشاركهم (7) أهل الدنيا في الآخرة (8)، بالتقوى

(1) في أ: إن الدنيا المفسدة الدين مسلبة اليقين.
(2) في أ: لرأس.
(3) أي: أبلى. اللسان 10: 89 خلق.
(4) في أ: الفانية.
(5) النزو: الوثبان. اللسان 15: 319 نزا.
(6) في أ: الصلاح.
(7) في أ: ولم يشاركونهم.
(8) في أ: بالآخرة.
60

ينجو الهارب، وتنجح المطالب، وتنال (1) الرغائب.
يا نفس:
إن من هوان الدنيا على الله: أن لا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما عنده
إلا بترك ما لديها، فعيشها عناء، وبقاؤها فناء، لذاتها تنقيص، ومواهبها
تغصيص، سريعة الزوال، وشيكة الانتقال، تقبل إقبال الطالب، وتدبر إدبار
الهارب، وتصل مواصلة الملول، وتفارق مفارقة العجول، تصل العطية بالرزية،
والأمنية بالمنية، خيرها زهيد (2)، وشرها عتيد (3)، وملكها يسلب، وعامرها (4)
يخرب.
يا نفس:
إن الدنيا لهي الكنود (5) العنود (6)، والصدود (7)، الجحود (8)، والحيود الميود (9)،
عزها ذل، وجدها هزل، وكثرها قل، وعلوها سفل، غرور حائل، وظل زائل،

(1) في ب: وتباذل.
(2) الزهيد: القليل. الصحاح 2: 481 زهد.
(3) العتيد: الحاضر المهيأ. مجمع البحرين 3: 98 عتد.
(4) في ب: وعاملها.
(5) في أ: الكند: النعمة كفرها، وأرض كنود: لا تنبت.
(6) العنود بالضم: الجور والميل، والعنيد والعنود والمعاند واحد وهو: المعارض لك بالخلاف عليك. مجمع
البحرين 3: 109 عند.
(7) الصد: الإعراض. اللسان 3: 245 صدد.
(8) الجحد والجحود: نقيض الإقرار كالاقرار والمعرفة. اللسان 3: 106 جحد.
(9) ماد الشئ يميد ميدا: تحرك ومال. اللسان 3: 411.
61

وسناء مائل، عيشها قصير، وخيرها يسير، وإقبالها خديعة، وإدبارها فجيعة،
ولذاتها فانية، وتبعاتها باقية، في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، من
استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن.
يا نفس:
إن الدنيا دار شخوص، ومحلة تنغيص، ساكنها ظاعن (1)، وقاطنها (2)
بائن (3)، وبرقها خالب (4)، ونطقها كاذب، وأموالها مخروبة (5)، وأعلاقها (6)
مسلوبة، ولذاتها (7) قليلة، وحسرتها طويلة، غرارة غرور ما فيها، فانية فإن
من عليها، تشوب نعيمها ببؤس، وتقرن سعودها بنحوس، وتصل نفعها بضر،
وتمزج حلوها بمر.
يا نفس:
إن الدنيا دار محن، ومحل فتن، غرارة خدوع، معطية منوع، ملبسة
نزوع، تدني الآجال، وتباعد الآمال، وتبيد الرجال، وتغير الأحوال، لا يدوم

(1) أي: مرتحل. مجمع البحرين 6: 278 ظعن.
(2) القطون: الإقامة. اللسان 13: 342 قطن.
(3) أي: منفصل: اللسان 13: 64 بين.
(4) أي خديعة. مجمع البحرين 2: 52 خلب.
(5) في أ: قوله: مخروبة أي: مأخوذة، وخرب الرجل فهو خريب ومخروب: إذا أخذ ماله كله، وقولهم
يصبر الرجل على الثكل ولا يصبر على الخرب، أي: يصبر على موت ولله ولا يصبر على أخذ ماله.
(6) في أ: وأعلاقها أي: نفائسها، والعلق بالكسر: الشئ النفيس.
(7) في أ: ولذتها.
62

رخاؤها، ولا ينقضي عناؤها، ولا يركد بلاؤها، قد أمر منها ما كان حلوا، وكدر
منها ما كان صفوا، من صارعها صرعته، ومن غالبها غلبته، ومن أبصر إليها
أعمته، ومن أبصر بها بصرته، ومن عاصاها أطاعته، ومن ساعاها فاتته، ومن
تركها نالته (1).
يا نفس:
إن الدنيا دار بالبلاء معروفة، وبالغدر موصوفة، لا تدوم أحوالها، ولا
يسلم نزالها، العيش فيها مذموم، والأمان فيها معدوم، ألا وهي المتصدية للعيون،
والجامعة للحزون، والمائنة (2) الخؤون، تعطي وترتجع، وتنقاد وتمتنع، وتوحش
وتؤنس، وتطمع وتؤيس، يعرض عنها السعداء، ويرغب فيها الأشقياء.
يا نفس:
إن الدنيا ظل الغمام، وحلم المنام، والفرح الموصول بالغم، والعسل
المشوب بالسم، سلابة النعم، أكالة الأمم، جلابة النقم، نعيمها ينتقل،
وأحوالها تبتدل، لا تفي لصاحب، ولا تصفو لشارب، ولا تبقى على حالة، ولا
تخلو من استحالة، تصلح جانبا بفساد جانب، وتسر صاحبا بمساءة صاحب.

(1) في أ: أتته.
(2) أي: الكاذبة. اللسان 13: 426 مين.
63

يا نفس:
إن الدنيا يونق (1) منظرها، ويوبق (2) مخبرها، ولا تدوم حبرتها (3)، ولا
تؤمن فجعتها، حائلة زائلة، نافذة بائدة، أكالة غوالة، غرارة ضرارة، فالكون
فيها خطر، والثقة بها غرر (4)، والاخلاد إليها محال، والاعتماد عليها ظلال، لم
يصفها الله لأوليائه، ولم يضن (5) بها على أعدائه، وهي والآخرة عدوان متفاوتان،
وسبيلان مختلفان، فمن أحب الدنيا وتوالاها، أبغض الآخرة وعاداها.
يا نفس:
إن جزعت على ما تفلت من يديك، فاجزعي على ما لم يصل إليك، وإن
كنت في البقاء راغبة فازهدي في عالم الفناء، وإن كنت للنعيم طالبة فاعتقي
نفسك من دار الشقاء، وأراك إن دعيت إلى حرث الآخرة كسلت، وإن دعيت
إلى حرث الدنيا عملت، وإن سقمت ندمت، وإن عوفيت نسيت، تواقعين
الحوبة (6)، وتتكلين على التوبة، فأحسني الاستعداد والاكثار من الزاد ليوم
تقدمين على ما قدمت، وتندمين على ما خلفت، وتجازين على ما أسلفت.

(1) قال الخليل في العين 5: 221 أنق: الأنق: الاعجاب بالشئ....
(2) أي: يهلك. اللسان 10: 370 وبق.
(3) أي: جمالها وحسنها. مجمع البحرين 3: 256 حبر.
(4) في أ: فالكون فيها خطير والثقة فيها غرور.
(5) أي: ولم يبخل. المفردات 299 ضنن.
(6) أي: الإثم. مجمع البحرين 2: 47 حوب.
64

يا نفس:
إنك إن سالمت الله سلمت وفزت، وإن حاربت الله خربت وهلكت،
وإن أقبلت على الدنيا أدبرت، وإن أدبرت أقبلت، وإنك إن أطعت الله نجاك
وأصلح مثواك، وإن أطعت هواك أصمك وأعماك وأفسد منقلبك وأرداك، وإن
ملكت هواك قيادك أفسد معادك وأرداك (1)، بلاء لا ينتهي، وشقاء لا ينقضي.
يا نفس:
إنك إن اغتنمت صالح الأعمال نلت من الآخرة نهاية الآمال، وإنك إلى
مكارم الأخلاق والأفعال أحوج منك إلى جمع الأموال، وإنك إلى إعراب
الأعمال أحوج منك إلى إعراب الأقوال، وإنك إلى اكتساب الأدب، أحوج
منك إلى اكتساب الفضة والذهب، وإنك إن رغبت في الدنيا أفنيت عمرك،
وأبقيت وزرك، وإن زهدت خلصت من الشقاء، وفزت بدار البقا، فاصبري على
البلا، واشكري في الرخاء، وأرضي بالقضا، يكون لك من الله الرضى.
يا نفس:
من كلام سيد الوصيين أمير المؤمنين صلوات الله عليه لرجل سأله
الموعظة، ومن رقدة الغفلة أن يوقظه: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل،

(1) في أ: أفسدت معادك وأوردك.
65

ويرجو التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل
الراغبين، إذا أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن شكر ما
أوتي، ويبتغي منها الزيادة فيما بقي، ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، إن
أصابه بلاء دعا مضطرا، وإن ناله رخاء أعرض مغترا، يقصر إذا عمل، ويبالغ
إذا سئل، يصف العبرة ولا يعتبر، ويبالغ في الموعظة ولا يزدجر، فهو بالقول
مدل، ومن العمل مقل، يناقش فيما يفنى، ويسامح فيما يبقى، يرى المغنم مغرما،
والمغرم مغنما، يخشى الموت، ولا يبادر الفوت، يستعظم عن معصية غيره ما
يستقله من معاصي هواه، ويستكثر من طاعته ما يستحقره من طاعة سواه،
فهو على الناس طاعن، ولنفسه مداهن، يهوى دارا أولها عناء، وآخرها فناء،
في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، من استغنى فيها افتتن، ومن افتقر
فيها حزن، من سعى إليها فاتته، ومن قعد عنها أتته، من أبصر بها بصرته،
ومن أبصر إليها أعمته.
فقال عليه السلام: دنياك مثل الشمس تدني إليك الضوء لكن وعرة
المسلك، إذا أبصرت إلى نورها تعش وإن تبصر به تدرك.
يا نفس:
إنما الكرم التنزه عن المساوي، والورع التطهر عن المعاصي.
واعلمي: أن آفة العقل الهوى، وآفة النفس الوله بالدنيا، وآفة الطاعة
العصيان، وآفة النعم الكفران، وآفة الأعمال عجز العمال، وآفة الآمال حضور
الآجال، والبصير من سمع ففكر، ونظر وأبصر، وانتفع بالعبر، والسعيد من
خاف العقاب فآمن، ورجا الثواب فأحسن.
66

يا نفس:
إذا كان البقاء لا يوجد فالنعيم زائل، وإذا كان القدر لا يرد فالاحتراس
باطل.
واعلمي: أنه بالعفاف تزكو (1) الأعمال، وبالصدقة تفسخ الآجال،
وبالطاعة يكون الإقبال، وأن الله إذا أحب عبدا بغض (2) إليه المال، وقصر
منه الآمال، وإذا أراد بعبد شرا حبب إليه المآل، وبسط منه الآمال.
يا نفس:
إنك ستؤاخذين بقولك فلا تقولي إلا خيرا، وتجازين بفعلك فلا تفعلي
إلا برا، وأنه بقدر اللذة يكون التغصيص، وبقدر السرور يكون التنغيص،
وبالطاعة تحصل المثوبة لا بالكسل، وبالعمل تحصل الجنة لا بالأمل، وبالأعمال
الصالحات ترفع الدرجات، وبالتوبة تمحص السيئات، وبادري العمل عمرا
ناكسا، ومرضا حابسا وموتا خالسا.

(1) في أ: تركن.
(2) في ب: أبغض.
67

يا نفس:
حب الرئاسة رأس المحن، وحب المال سبب الفتن، وحب الدنيا يوهن
الدين، ويفسد اليقين، وحق يضر خير من باطل يسر، وخير الأعمال ما قضى
اللوازم واكتسب شكرا وخير الأموال ما أعان على المكاره واسترق حرا (1)، وخير
الناس من إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا ظلم غفر، وإذا أحسن
استبشر، وإذا أساء استغفر.
يا نفس:
حاصل المعاصي التلف، وحاصل الأماني الأسف، وحاصل التواضع
الشرف، ودرك الخيرات، ونيل السعادات، بلزوم الطاعات، والأعمال الزاكيات.
واعلمي: أن دوام الفكر والحذر يؤمن من الزلل والعثر، وأن دوام الاعتبار
يؤدي إلى الاستبصار، ويثمر الازدجار، وأن ذهاب البصر خير من عمى
البصيرة، وذهاب النظر خير من النظر إلى ما يوجب الجريرة.
يا نفس:
رحم الله امرءا قصر الأمل، وبادر الأجل، واغتنم المهل، وأحسن العمل.
ورحم الله امرءا ألجم نفسه عن معاصي الله بلجامها، وقادها إلى طاعة

(1) في أ: جدا.
68

الله بزمامها.
فردي من طول أملك في قصر أجلك، ولا تغرنك صحة نفسك، وسلامة
أمسك، وأن مدة العمر قليلة، وسلامة الجسم مستحيلة.
شعر:
كل حياة إلى ممات * وكل ذي جدة تحول
كيف بقاء الفروع يوما * وقد ذوت دونها الأصول
يا نفس:
زهدك في الدنيا ينجيك، ورغبتك فيها ترديك، وسبب الشقاء حب الدنيا،
وسبب فساد العقل الهوى، وسبب صلاح النفس الورع، وسبب فسادها الطمع.
واعلمي: أن شر الناس: الطويل الأمل، السيئ العمل، الذي ينصر
الظلوم، ويعين على المظلوم، وشر الناس من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره.
يا نفس:
شتان بين عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وبين عمل تذهب مؤنته وتبقى
مثوبته.
واعلمي: أن شيمة العقلاء قلة الشهوة والغفلة (1)، وسجية الأتقياء اغتنام
المهلة والتزود للرحلة، فشقي أمواج الفتن بسفن النجاة، وشوقي نفسك إلى
نعيم الجنات، تحبين الموت وتمقتين الحياة.

(1) أي: وقلة الغفلة، وفي ب: والعفة.
69

يا نفس:
طوبى لمن راقب ربه، وخاف ذنبه، وشغل بالفكر قلبه، وطوبى لمن
أطاعت نفسه ناصحا يهديه، وتجنبت غاويا يرديه (1)، قصر همته على ما يعنيه،
وجعل كل جده لما ينجيه، وطوبى لمن بادر أجله، وأخلص عمله، وقصر أمله،
واغتنم مهله، وطوبى لمن كذب مناه وأخرب دنياه لعمارة أخراه، وملك هواه
ولم يملكه، وعصى أمر نفسه فلم تهلكه، وطوبى لمن تحلى بالعفاف، ورضي
بالكفاف، وتجنب الإسراف، وندم على زلته، واستدرك فارط عثرته، وطوبى
لمن بادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه، والعمل الصالح قبل أن تنقطع أسبابه.
يا نفس:
طلب الجمع بين الدنيا والآخرة من خداع النفس، وطالب الخير بعمل
الشر فاسد العقل والحس، وطالب الدنيا بالدين معاقب مذموم وضلالة (2)،
وطالب المراتب والدرجات بغير عمل جهالة، وطلب الجنة بلا عمل حمق،
وطلب الثناء بغير استحقاق خرق (3) وطالب الآخرة يدرك منها أمله، ويأتيه من
الدنيا ما قدر له، وطالب الدنيا تفوته الآخرة، ولا يدرك من الدنيا إلا الصفقة
الخاسرة.

(1) في أ: وطوبى لمن أطاع ناصحا يهديه وتجنب غاويا يرديه.
(2) في أ: ذو ضلالة.
(3) في أ: الخرق بالضم: خلاف الرفق، ورجل خرق أي أحمق، قاله المطرزي.
70

يا نفس:
طاعة دواعي الشرور، تفسد عواقب الأمور، ولقد ظفر بجنة المأوى،
من غلب الهوى وأعرض عن شهوات الدنيا.
وعليه: بلزوم اليقين، وتجنب الشك في الدين، فليس للمرء شئ أهلك
لدينه، من غلبة الشك على يقينه.
وعليك: بالوفاء فإنه أوقى جنة (1)، وبالعمل الصالح فإنه الزاد إلى الجنة.
وعليك: بالصبر والورع فإنهما عون الدين، والحصن الحصين، وشيمة
المخلصين، وعادة الموقنين.
يا نفس:
عليك: بلزوم العفة والأمانة، وترك فساد النية والجناية (2)، فإن ذلك
أشرف ما أسررت، وأحسن ما أعلنت، وأفضل ما ادخرت.
وعليك: بصنائع الإحسان، وحسن البر بذوي الرحم والجيران، فإنهما
يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار.
وعليك: بلزوم الصبر، ودوام الشكر، فإنهما يزيدان في النعمة، ويزيلان
النقمة.

(1) بالضم والتشديد: السترة. مجمع البحرين 6: 229 جنن.
(2) في ب: والخيانة.
71

يا نفس:
على قدر العقل تكون الطاعة، وعلى قدر العفة تكون القناعة، وعند
اشتداد القرح، تبدو مطالع الفرح (1)، وعند الامتحان، يكرم الرجل أو يهان،
وعلى قدر البلاء، يكون الجزاء، وعند كثرة العثار والزلل تكثر الملامة، وعند
معاينة أهوال القيامة تكثر من المفرطين الندامة.
يا نفس:
عجبا لمن خاف البيات (2) فلم يكف، ولمن عرف سوء عواقب اللذات
فلم يعف (3)، وعجبا لمن يقنط ومعه نجاة الاستغفار، ولمن علم شدة انتقام الله
سبحانه وهو مقيم على الإصرار، وعجبا لمن عرف أنه منتقل (4) عن دنياه، كيف
لا يحسن التزود لأخراه، وعجبا للشقي البخيل يتعجل الفقر الذي منه هرب،

(1) في أ، ب جملة: وعند اشتداد القرح تبدو مطالع الفرح، غير واضحة القراءة، فأثبتنا ما استظهرنا.
موافقا للسجع والمعنى، والله العالم.
(2) في أ: أن يأتيه أمر يهلكه في الليل وهو غافل عنه، وبيتوا العدو: أتوهم ليلا، وقوله (فجاءها بأسنا
بياتا) 7: 4، أي ليلا، ويبيت فلان على رأيه: إذا فكر فيه ليلا، ومنه قوله: (إذ يبيتون ما لا
يرضى من القول) 4: 108، والاسم: البيات، وقوله: (والله يكتب ما يبيتون) 4: 81،
أي: ما يدرون ويقدرون من السوء، وقوله: (لنبيتنه) 27: 49، أي: لنوقعن به بياتا. أي:
ليلا.
(3) من العفة، وهي: الكف عما لا يحل ويجمل من المحارم والأطماع الدنية. اللسان 9: 253 عفف.
(4) في أ: منقل.
72

ويفوته الغنى الذي إياه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في
الآخرة حساب الأغنياء، وعجبا لمن يتكلم بما لا ينفعه في دنياه، ولا يكتب له
أجره في أخراه.
يا نفس:
عودك إلى الحق خير من تماديك في الباطل، وعداوة العاقل خير من
صداقة الجاهل، وعبد الشهوة أذل من عبد الرق، ولا يجد أبدا حلاوة العتق (1)،
وعبد الحرص مخلد الشقاء، وعبد الدنيا مؤبد البلاء، وقلب متعلق بالشهوات،
غير منتفع بالعظات.
يا نفس:
عيشك من الباطل أرضاك، وبالملاهي والهزال أغراك.
واعلمي: أن في ذكر الله حياة القلوب، وفي رضاه غاية المطلوب، وفي
الطاعة كنوز الأرباح، وفي مجاهدة النفس كمال الصلاح، وفي العزوب عن
الدنيا نيل النجاح، وفي العمل لدار البقاء إدراك الفلاح، ألا وفي كل لحظة
أجل، وفي كل وقت عمل، وفي كل نفس موت، وفي كل وقت فوت، وفي كل
حسنة مثوبة، وفي كل سيئة عقوبة.

(1) في أ: الرق.
73

يا نفس:
اتق الله تقية من سمع فخشع، واقترف فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر
فبادر، فتدارك فارط الزلل، واستكثر من صالح العمل، فيفوز من أصلح عمل
يومه، واستدرك فوارط أمسه، ويا ظفر من غلب هواه، وملك دواعي نفسه،
واستصبح بنور الهدى، وخالف دواعي الهوي، وجعل الإيمان عدة معاده،
والتقوى خير ذخره وأفضل زاده.
يا نفس:
قليل تحمد مغبته (1)، خير من كثير تضر عاقبته، وقرين الشهوات،
أسير التبعات، ورهين السيئات، وما فات اليوم من الرزق ترجى غدا زيادته،
وما فات أمس من العمر لم يرج العمر رجعته، فتفكري واعتبري تهتدي،
وتزودي للآخرة تسعدي.
يا نفس:
كل طامع أسير، وكل حريص فقير، وكل متوقع آت، وكل جمع إلى
شتات، وكل مقتصر عليه كاف، وكل ما زاد على الاقتصاد إسراف، وكل يوم
يفيدك عبرة، وإن أصحبته فكرة، وكل قرب (2) دان، وكل أرباح الدنيا خسران،

(1) أي عاقبته. مجمع البحرين 2: 130 غبب.
(2) في أ: قريب.
74

وكل مدة من الدنيا إلى انتهاء، وكل حي فيها إلى فناء.
يا نفس:
كم من أكلة منعت أكلات، وكم من لذة دنية منعت سني (1) درجات، وكم
من مؤمل ما لا يدركه، وجامع ما سوف يتركه، وكم من مغرور بالستر عليه،
وكم من مستدرج (2) بالاحسان إليه، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا
الظماء، وقائم ليس له من قيامه إلا العناء، وكم من حزين وفد به حزنه على
سرور الأبد، وفرح أفضى به فرحه إلى حزن مخلد.
يا نفس:
كيف يملك الورع، من يملكه الطمع؟! وكيف يهتدي الضليل، مع غفلة
الدليل؟! وكيف يستطيع الهدى، من يغلبه الهوى؟! وكيف يستأنس بالله من لا
يستوحش من الخلق؟! وكيف يجد حلاوة الإيمان من يسخطه الحق؟! وكيف
يفرح بعمر تنقصه (3) الساعات، ويغتر بسلامة جسم معرض للآفات؟!
يا نفس:
كفى بالغفلة ضلالا، وكفى بجهنم نكالا، وكفى بالقناعة ملكا، وكفى

(1) أي: علو. اللسان 14: 403 سنا.
(2) في أ: مسترج.
(3) في ب: منقصة.
75

بالشرة هلكا، وكفى بالقرآن داعيا، وبالشيب ناعيا، وكفى بالتواضع شرفا،
وبالتكبر تلفا، وكفى بالرجل سعادة أن يعزف عما يفنى، ويتوله بما يبقى، وكفى
بالظلم سالبا للنعمة، وجالبا للنقمة.
يا نفس:
كيف [تبقين] على حالتك، والدهر في إحالتك، فكوني لهواك غالبة،
ولنجاتك طالبة، وبمالك متبرعة، وعن مال غيرك متورعة، جميلة العغو إذا
قدرت، عاملة بالعدل إذا ملكت، لعقلك مسعفة (1)، ولهواك مسوقة، وكوني في
الفتنة كابن اللبون لا ضرع فيحلب، ولا ظهر فيركب.
يا نفس:
كذب من ادعى اليقين بالباني (2)، وهو موصل للفاني، كلا لن يفوز بالجنة
إلا الساعي لها، ولن ينجو من النار إلا التارك عملها، ولن يلقى جزاء الشر
إلا عامله، ولن يجزى جزاء الخير إلا فاعله، ولن يجوز الصراط إلا من جاهد
نفسه، ولن يحرز العلم إلا من يطيل درسه.
يا نفس:
ليس بخير من الخير إلا ثوابه، وليس بشر من الشر إلا عقابه، وليس

(1) أي: معينة. مجمع البحرين 5: 70 سعف.
(2) في أ: بالباقي.
76

مع الصبر مصيبة، ولا مع الجزع مثوبة، وليس لمتكبر صديق، وليس لشحيح
رفيق، وليس لك بأخ من احتجت إلى مداراته، أو أحوجك إلى مماراته، ليس
شئ أعز (1) من الكبريت الأحمر إلا ما بقي من عمر المؤمن، ولا ثواب عند الله
أعظم من ثواب السلطان العادل والرجل المحسن.
يا نفس:
لم يوفق من بخل على نفسه بخيره، وخلف ماله لغيره، ومن أصلح نفسه
ملكها، ومن أهملها أهلكها، ومن أكرمها أهانته، ومن وثق بها خانته، ومن ملكه
هواه ضل، ومن استعبده الطمع ذل، ومن أطاع نفسه قتلها، ومن عصاها وصلها،
ومن ملكها علا أمره، ومن ملكته ذل قدره.
يا نفس:
من أخذ بالحزم استظهر، ومن أضاعه تهور، ومن أسرع المسير أدرك
المقيل، ومن أيقن بالنقلة تأهب للرحيل، ومن بخل بماله ذل، ومن بخل بذنبه
جل، ومن أعجب برأيه ضل، ومن ركب هواه زل، ومن زرع العدوان، حصد (2)
الخسران، ومن عمل للمعاد، ظفر بالسداد، ومن فعل ما شاء، لقي ما شاء.

(1) في ب: أحب.
(2) في ب: حصل.
77

يا نفس:
من منع برا، منع شكرا، ومن أحقر رمة (1)، اكتسب مذمة، ومن لزم
الاستقامة، لم يعدم السلامة، ومن أعطى التوبة لم يحرم القبول، ومن أخلص
العمل لم يعدم المأمول، ومن فعل الخير فبنفسه بدأ، ومن فعل الشر فعلى نفسه
اعتدى.
واعلمي: أنه لم يضع امرؤ ماله في غير محله، أو معروفه في غير أهله، إلا
حرمه الله حمدهم، وكان لغيره ودهم.
يا نفس:
من استقل من الدنيا استكثر مما يؤمنه، ومن استكثر منها استكثر مما
يوبقه، ومن حسنت مساعيه، طابت مراعيه، ومن أصلح جوانيه (2)، أصلح الله
برانيه (3)، ومن كثر تعديه، كثرت أعاديه، ومن طالت غفلته، تعجلت هلكته،
ومن أحسن العمل حسنت له المكافاة، ومن نصح فيه نصحته المجازاة، ومن أطاع
هواه، باع آخرته بدنياه.

(1) بكسر الراء: العظام البالية. مجمع البحرين 6: 75 رمم.
(2) أي: باطنه وسره. اللسان 14: 157 جوا.
(3) أي: ظاهره وعلانيته. اللسان 4: 157 جوا.
78

يا نفس:
من ترقب الخير تسارع إلى الخيرات، ومن اشتاق إلى الجنة سلا عن
الشهوات، ومن أشفق من النار اجتنب المحرمات، ومن أحب الدار الباقية
لهى (1) عن اللذات، ومن عرف قدر نفسه لم يهنها بالفانيات، ومن خاف العقاب
انصرف عن السيئات، ومن لم يقدم إخلاص النية في الطاعة لم يظفر بالمثوبات،
ومن أسس أساس الشر أسسه على نفسه، ومن سل سيف البغي عمد في رأسه.
يا نفس:
من شاور ذوي النهى والألباب، فاز بالنجح والصواب، ومن كتم
مكنون (2) رأيه، عجز طبيبه عن شفائه، ومن أصر على ذنبه، اجترأ على سخط
ربه، ومن أكثر من ذكر الآخرة قلت معصيته، ومن كرمت عليه نفسه هانت
عليه شهوته، ومن اعتمد على الدنيا فهو محروم، ومن جمع الحرص والبخل فقد
استمسك بعمودي اللؤم.
يا نفس:
من لم يجهل (3) قليلا لم يسمع جميلا، ومن لم يداو شهوته بالترك لها لم يزل

(1) في ب: نهى.
(2) أي: مستور ومخفي. مجمع البحرين 6: 302 كنن.
(3) أي: يتغافل.
79

عليلا، ومن لم يدار من دونه لم ينل حاجته، ومن لم يدار من فوقه لم يدرك بغيته (1)،
ومن مدحها، فقد ذبحها (2)، ومن أوسع الله عليه نعمة وجب عليه أن يوسع
الناس إنعاما، ومن زاده الله كرامة فحقيق به أن يزيد الناس إكراما.
يا نفس:
من لم يصحبك معينا على نفسك فصحبته وبال عليك إن علمت، ومن
مدحك بما ليس فيك فهو ذم لك إن عقلت، ومن أطلق طرفه جلب حتفه، ومن
كثر قنوعه قل خضوعه، ومن بخل بماله على نفسه، جاد به على بعل عرسه،
ومن عكف عليه الليل والنهار أدباه وأنبياه، وإلى المنايا أدياه.
يا نفس:
من العقوق، إضاعة الحقوق، ومن الفساد، إفساد المعاد، ومن كمال
الحماقة، الاحتيال في الفاقة، ومن كمال النعم، وفور النعم، ومن أشد المصائب
غلبة الجهل، ومن أفضل المعروف، إغاثة الملهوف، ومن أفضل الإحسان
الإحسان إلى الأبرار، ومن أفضل الأعمال ما أوجب الجنة وأنجى من النار.

(1) أي: حاجته وطلبته. اللسان 14: 76 بغا.
(2) في ب: ومن مرحها، فقد ربحها.
80

يا نفس:
ما ندم من استخار، وما ضل (1) من استشار، وما افتقر (2) من ملك فهما،
ولا مات من أحيى علما، وما أحسن العفو مع الاقتدار، وما أقبح العقوبة مع
الاعتذار، وما أقبح بالإنسان (3) ظاهرا موافقا، وباطنا منافقا، وما من شئ
يحصل به الأمان، أبلغ من إيمان وإحسان.
يا نفس:
ما الدنيا غرتك ولكن بها اغتررت، وما العاجلة خدعتك ولكن بها
انخدعت.
واعلمي: أن مذيع الفاحشة كقابلها، وسامع الغيبة كفاعلها، وأن مداومة
المعاصي تقطع الرزق، ومقارنة السفهاء تفسد الخلق، ومواصلة الأفاضل توجب
السمو، ومباينة الدنيا تكبت (4) العدو.
يا نفس:
مصاحب الأشرار، كراكب البحار، إن سلم من الغرق، لا يسلم من

(1) في أ: ولا ضل.
(2) في أ: ولا افتقر.
(3) في ب: ما للانسان.
(4) أي: تهلك وتهين وتذل. مجمع البحرين 2: 216 كبت.
81

الفرق (1)، ومجالسة أبناء الدنيا منساة للإيمان، قائدة إلى طاعة الشيطان (2)،
وموافقة الأصحاب، تديم الاصطحاب، ونيل المآثر ببذل المكارم، ونيل الجنة
بالتنزه عن المآثم.
واعلمي: أن مصيبة يرجى أجرها، خير من نعمة لا يؤدى شكرها.
يا نفس:
ويح النائم ما أخسره، وثوابه ما أنزره، قصر عمره، وقل أجره، وويح
ابن آدم ما أغفله، وعن رشده ما أذهله، وعن حظه ما أعدله، وفيما أوصى الله
إلى موسى عليه السلام: كذب من زعم أنه يحبني فإذا جنه الليل نام، وإياك أن
تخيبي المضطر وإن أسرف، أو تحرمي المحتاج وإن ألحف، أوتصحبي أبناء الدنيا
فإنك إن أقللت استقلوك (3)، وإن أكثرت حسدوك، ولا تعملي شيئا من الخير
رياء، ولا تتركيه حياء.
يا نفس:
لا كرم كالتقوى، ولا عدو كالهوى، ولا عز كالطاعة، ولا كنز كالقناعة،
ولا هداية كالذكر، ولا رشد كالفكر، ولا زينة كالآداب، ولا ربح كالثواب،
ولا غناء مع إسراف، ولا فاقة مع عفاف، ولا ثواب لمن لا عمل له، ولا عمل
لمن لا نية له، ولا نية لمن لا علم له، ولا علم لمن لا بصيرة له، ولا بصيرة لمن

(1) وهو: الخوف. العين 5: 148 فرق.
(2) في ب: قائدة للشيطان.
(3) في ب: استعلوك.
82

لا فكرة له، ولا فكرة لمن لا اعتبار له، ولا اعتبار لمن لا ازدجار له، ولا ازدجار
لمن لا إقلاع له.
يا نفس:
ما لي أراك إذا قرب إليك الطعام في الليل الداج (1)، تكلفت إنارة
السراج، لتبصرين ما يدخل بطنك من المأكول والمشروب، ولا تهتمين بإنارة
لبك (2) بالعلم والتقوى [لتسلمين] من لواحق الجهالة والذنوب، فنزهي
نفسك عن المآثم والعيوب، واعلمي: أن أعظم الخطايا عند الله تعالى اللسان
الكذوب.
وعليك بالتقوى وصحة النية في العلوم (3) والأعمال، فإن دخلها الرياء
ضاع الربح ورأس المال، فبالإخلاص يعرف الصواب من الزلل، والاستقامة
من الخطل، وكلما امتدت المعارف، اشتدت المخاوف (4).
وإياك واتباع إبليس الذي رضي بهلاك نفسه، واختار من كل شئ أقبح
جنسه، [أترين] من غر أباك ينصحك، ومن أفسد شأن نفسه يصلحك،
فما يغتر بالدنيا غير غر (5)، لا يعرف هرا من بر (6).

(1) أي: المظلم. مجمع البحرين 2: 297 دجج.
(2) أي: عقلك. مجمع البحرين 2: 164 لبب.
(3) في أ: في المعلوم.
(4) في أ: المجارف.
وهي من الجرف الذي هو: الأخذ الكثير. اللسان 9: 25 جرف.
(5) الغر: هو المخذوع والغافل. مجمع البحرين 3: 422 غرر.
(6) في أ: قلت في قولهم: فلان لا يعرف هرا من بر ثلاثة أقوال:
الأول: أنه لا يعرف من يكرهه ممن يبره، قال الشيخ عبد الرحمن العتايقي في كتابه الملقب بالغرر
والدرر: وهذا القول أجود الأقوال.
الثاني: لا يعرف شيئا من شئ.
الثالث: لا يعرف السنور من الفأرة.
83

يا نفس:
ينبغي لمن عرف سرعة رحلته، أن يحسن التأهب لنقلته، وأن يقدم العمل
الصالح لآخرته، ويعمر دار إقامته، وأن لا يخلو في كل حال من مجاهدة نفسه،
قبل حلول رمسه، فإذا كنت في النهار تشترين وتبيعين، وفي الليل على الفرش
تتقلبين وتنامين، وفيما بين ذلك عن الآخرة تلهين وتغفلين، فمتى تتفكرين
بالارشاد، وتهتمين بأمر المعاد.
يا نفس:
الحرص أحد الشقاءين، والبخل أحد الفقرين، والحسد ألام الرذيلتين،
والطمع أحد الذلين، والجور أحد المرديين، والشهوة أحد المغويين، والخلق
السيئ أحد العذابين، والهوى أحد العدوين، والغدر أقبح الجنايتين، والنساء
أعظم الفتنتين.
يا نفس:
حسن البشر أحد العطاءين، والكف عما في أيدي الناس أحد السخاءين،
84

والذكر الجميل أحد الحباءين، والفكر إحدى الهدايتين، والذكر أفضل
الغنيمتين، والأدب أحد الحسبين، والدين أشرف النسبين، والنية الصالحة
إحدى العملين، والمودة إحدى القرابتين، والعفو أعظم الفضلين، والتبصر (1)
أحد الظفرين، والتوفيق أشرف الحظين، والتواضع أفضل الشرفين، والسخاء
إحدى السعادتين، والوعد إحدى الرقين، وإنجازه أحد العتقين.
يا نفس:
الحلم إحدى المنقبتين، والعلم أفضل الجمالين، والزهد أفضل الراحتين،
والعمل الصالح أفضل الزادين، والخلق السجيح (2) إحدى النعمتين، والعدل
أفضل السياستين، والشجاعة أحد العزين، والفرار أحد الذلين، والمودة في الله
آكد السبيلين، والإيمان أفضل الأمانتين، والقرآن أفضل الهدايتين.
يا نفس:
الصدق (3) أفضل الذخرين، والصدقة أعظم الربحين، والمعرفة بالنفس
أنفع المعرفتين، والأخذ على العدو بالفضل أحد الظفرين، والقناعة أفضل
الغنائين، والشكر أحد الجزائين، والمعروف أفضل الكنزين، والندامة إحدى
التوبتين، والصلاة أفضل القربتين، والصيام إحدى الصحتين، وحسن الرد
إحدى الصدقتين، ولطف المنع أحد البذلين، والقرض إحدى الهبتين، وحسن

(1) في أ: والصبر.
(2) أي: اللين السهل. اللسان 2: 475 سجح.
(3) في أ: الصديق.
85

التدبير إحدى الترويتين (1).
يا نفس:
سامع الغيبة أحد المغتابين، وراوي الكذب أحد الكذابين، ومنشد الهجا
أحد الهاجين، ومبلغ الشتمة أحد الشاتمين، والقلم أحد اللسانين، والكتاب أحد
المحدثين، وحسن الرد أحد البذلين، والعدة أحد العطاءين، والدعاء أحد
الصدقين.
القرض أحد الهبتين (2)، النظافة أحد الحليتين، الدهر أنصح المؤدبين،
المشيب أحد القطيعتين، المصيبة بالصبر إحدى المصيبتين، والمصيبة واحدة فإن
جزعت فهي اثنتين.
يا نفس:
العمر وإن طال فما تحته حائل (3)، وكل نعيم لا محالة زائل، فترصدي
للموت فلكل طالع أفول (4)، وتزودي لدار الإقامة فلكل غائب قفول (5)،
واتخذي الدنيا سوقا مسلوكا، لا بيتا مملوكا، فهي حانوت لا يطرق إلا للتجارة،
ومبيت لا يسكن إلا بالإجارة، وما هذه الحياة الفانية إلا أنفاس تتردد وستنقطع،

(1) في ب: الرويين.
(2) في ب: المحبتين.
(3) في ب: طائل.
(4) أي: غيبوبة. المفردات: 20 أفل.
(5) أي: رجوع. المفردات: 409 قفل.
86

وقامات تتمدد وستنقلع.
يا نفس:
علام تركنين إلى الدنيا وعن قليل تقلعك، وترفلين (1) على وجه الأرض
وعن قريب (2) تبلعك، ولعمري من عاين تلون الليل والنهار لا يغتر بدهره،
ومن علم أن بطن الثرى مضجعه لا يمرح على ظهره، ومن عرف الدهر حق
العرفان يزهد فيه، ومن شغله هم الموت لا يضحك ملء فيه، فاغتنمي الخمس
قبل الخمس (3)، وادركي عصرك قبل غروب الشمس.
يا نفس:
البخيل يقاسي ثلاثة: البرد والحر، ويركب مطية البحر والبر، ويجمع
الدر إلى الدر، فيركمه (4) جميعا، ويتركه سريعا، يبذل نفسه، ويحزن قلبه.
والشحيح من يشفق على الدرهم الصحيح فلا يكسره مصارفة، ثم يقسم
بعده مجازفة.
والسعيد، من يتجهز للسفر البعيد، إن رزق مالا، يفرقه يمينا وشمالا،

(1) قال الخليل في العين 8: 263 رفل: الرفل: جر الذيل وركضه بالرجل، وقال الطريحي في مجمع
البحرين 5: 384 رفل: رفل في ثيابه: إذا أطالها وحركها متجبرا.
(2) في أ: وعن قليل.
(3) في أ: إشارة إلى قوله عليه العلام: اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك...
(4) من الركم الذي هو: جمع الشئ فوق الشئ حتى يجعل ركاما مركوما كركام الرمل والسحاب
اللسان 12: 251 ركم.
87

يغني به جيرانه، ويطفي به نيرانه، لا يمسكه في يده، ولا يتركه لغده، ولا يدخره
لولده، إنما هو الزاد يقدمه لمسراه، ويتصدقه بيمناه ويسراه، فتعسا للبخلاء بما
تحوي جيوبهم (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى به جباههم
وجنوبهم) (1) إلا أخبرك عنهم، ألا أقول لك من هم؟ هم: الجماعون
الطماعون (الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون) (2).
يا نفس:
ليس الشريف من تطاول وكاثر، إنما الشريف من تطول وآثر، وليس
البر إبانة الحروف بالإمالة والإشباع، لكن البر إعانة الملهوف بالإنالة
والإشباع، وليس الصوم صوم جماعة الطغام (3) عن الجماع والطعام، إنما الصوم
صوم الجوارح عن الآثام وكف الكف عن أخذ الحطام، فوا لك لمن [تدخرين]
أموالك؟ فأنفقي الفك قبل أن يقسم خلفك، وكفي يدك السفلى، واجعلي على
باب اليمنى قفلا، فإنك لن تبيتي حتى تملأي زقك (4)، ولن تموتي حتى تستكملي
رزقك، وعلام تطلبين الرزق وهو طالبك، وتستبطئين نزوله وهو مصاحبك،
وتستقبلين قادمه وهو في بلدك، وتنشدين ضالته وهو في يدك؟ وعلام تهتمين
لرزقك، وقد هيئ لك قبل خلقك، وتطلبين رزقا يعدو في قفاك، ولو قعدت لأتاك
ما كفاك؟ إن ساعد القضاء فالسيارة كالقاطن، والسائمة كالداجن، وإن لم

(1) التوبة 9: 35.
(2) الماعون 107: 6 و 7.
(3) هم: ضعاف الأحلام ومن لا معرفة لهم، أو: أرذال الناس وأوغادهم. اللسان 12: 368 طغم.
(4) وهو: كل وعاء اتخذ لشراب ونحوه. اللسان 10: 143 زقق.
88

يساعد فالسعي جهل والتعب فضل إنما الرازق (1) ضامن والمقدور كائن،
والقناعة سيادة، والمشقة زيادة، فانفقي ولا تخشي الفاقة، وارفقي ولا تتعبي
الناقة.
شعر:
ما لك من مالك إلا الذي * قدمت فابذل طائعا مالكا
تقول أعمالي ولو فتشوا * رأيت أعمالك أعمى لكا
يا نفس:
الصراط طريقان، والناس فريقان: سعيد وما أراك، وشقي وعصاك،
هبلت (2) أللنوم جبلت؟! وقتلت أللهو عدلت؟! تستطيبين ركوب الأخطار،
وورود التيار (3)، ولحوق العار والشنار - لأجل الدنيا - وتستلذين سف الرماد،
ونقل السماد، ووطي البلاد للأولاد، وتصبرين على نقل الجبال، وسف السبال،
لشهوة المال، وربما تبدلين الإيمان بالكفر، وتحفرين الجبال بالظفر، للدنانير (4)
الصفر، لا تكرهين صداعا، إذا نلت كراعا (5).

(1) في أ: الرزاق.
(2) من الهبل الذي هو: الثكل. مجمع البحرين 5: 497 هبل.
(3) هو: موج البحر. مجمع البحرين 3: 234 تير.
(4) في ب: للدينار.
(5) قال ابن منظور في اللسان 8: 307 كرع: والكراع من البقر والغنم: بمنزلة الوظيف من الخيل
والإبل والحمر، وهو: مستدق الساق والعاري من اللحم.
89

يا نفس:
لا تصحبي الدنيا صحبة بحال، ولا تنظري إلى أبنائها إلا من عال (1)،
ولا تخفضي جناحك لبنيها، ولا تضعضعي ركنك لبانيها، ولا تمدي عينيك (2) إلى
زخارفها (3)، ولا تبسطي يدك إلى مخارفها (4).
ميزت بين جمالها وفعالها * فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي
حلفت لنا أن لا تخون عهودنا * فكأنما حلفت لنا أن لا تفي
فالسعيد من تركها لطلابها، ويطرح الجيفة لكلابها، يدع الطعام
طاويا (5)، ويذر الشراب صاديا (6)، والحازم من قدم الزاد لعقبة العقبى، وآتى
المال على حبه ذوي القربى.
يا نفس:
خالفي هواك فإفها زبانية (7)، وطلقي دنياك فإفها زانية، والمال رزق أتيح،

(1) في أ: غال.
(2) في أ: عينك.
(3) في ب: مخازفها.
(4) في ب: مخارقها.
(5) أي: في حال كونه طاويا، أي: جائعا. مجمع البحرين 1: 279 طوا.
(6) أي: في حال كونه صاديا، أي عطشانا. مجمع البحرين 1: 262 صدا.
(7) قال ابن منظور في اللسان 13: 194 زبن: الزبن: الدفع، وزبنت الناقة: إذا ضربت بثفنات رجليها
عند الحلب.
90

ونزل أبيح، فمن به شح وضن، فقد اتهم الرازق وأساء الظن، ومن حل عقد
فلسه فقد حاز ملكا مقيما، ومن توق شح نفسه فقد فاز فوزا عظيما، فطوبى
لكل غني نفاع للغير، وتبا لكل دني مناع للخير.
يا نفس:
أدركي عمرك قبل الفوت، وهيئ أمرك قبل الموت، واغتنمي بياض
النهار قبل العشية، فالليل حبلى وجنينه في مشيمة المشية، ولا تغتري بذكر
أسنانك فلعل هذا السمن ورم، ولا تنظري بنظرة شبابك فبعده شيب وهرم.
يا نفس:
إن الله تعالى أمهلك، حتى كأنه أهملك، فالحذر الحذر، فوالله لقد ستر،
حتى كأنه غفر، أتغترين عن واضحه (1)، وقد عملت الذنوب الفاضحة،
فوا عجباه لعين تلتذ بالرقاد، وملك الموت معها على الوساد، والصراط ميدان
يكثر فيه عثار السالك، فالسالم ناج والعاثر هالك.
واعلمي: أن الدنيا سجين، وحطامها سرجين (2)، فلا يغرنك من الدنيا
طرفها ومطارفها، ولا يعجبنك تليدها وطارفها (3)، إنما هي ضوء الحباحب (4)،

(1) في ب: الأسنان التي تبدو عند الضحك.
(2) أي: زبل. مجمع البحرين 6: 264 سرجن.
(3) في أ: أي التلاد، والتالد والتاليد: المال القديم، والطارف ضد القديم وهو: المال المكتسب.
(4) في ب: الحباحب اسم رجل بخيل لا يوقد إلا نارا ضعيفة مخافة الضيفان، فضربوا بها المثل حتى قالوا
نار الحباحب لما تقدحه الخيل بحوافرها.
ومثله في (أ).
91

وطيف الجنائب.
يا نفس:
كوني من المصلين ولا تكوني من المضلين، وكوني من المناجين تكوني في
الناجين، والزمي اليقين تكوني من المتقين، واتركي دنياك فإنها أنتن من جيفة
المزابل، واخرجي منها فإنها أضيق من كفة الحابل، فألقيها فإنها حليلة آبائك،
وضايقيها فإنها ضجيعة أبنائك، واغتنمي فودك (1) الفاحم قبل أن يبيض، فإنما
الدنيا جدار يريد أن ينقض، وإياك ومضاجعة هذه العجوز الشوهاء (2)، وحذار
من هذه الحية الفوهاء (3)، ولا يغرنك قطفها النضيج، ونورها البهيج، فهو غيث
أعجب الكفار نباته ثم يهيج.
يا نفس:
لا تفخري على أهل الحسب، لشرف النسب، فالشرف البالغ نباهة
النبيه، والمجبوب (4) من يفتخر بذكر أبيه، فما يخفض المرء جمول الأسلاف، إنما
الحصرم جد السلاف، والأنجاد قد تلد الأوغاد، والنار تعقب الرماد، والأرض
كما تنبت الحبات، تولد الحيات، والمرء بفضيلته لا بفصيلته، والانسان بسيرته

(1) فود الرأس: جانباه. مجمع البحرين 3: 122 فود.
(2) أي قبيحة المنظر. مجمع البحرين 6: 351 شوه.
(3) أي: الواسعة الفم. العين 4: 95 فوه.
(4) أي المقطوع. مجمع البحرين 2: 21 جبب.
92

لا بعشيرته، وذو الهمة العالية، لا يغتر بالرمة البالية، وأكرم الناس حملا وفصالا
أشرفهم خصالا، وأطيبهم طينا، وأخلصهم دينا، وهل يضر النضار كونه من
صلب الصخور؟ وهل يصلح التمساح نشؤه في حجور البحور؟ وأبو البغلة
الهملاج (1) حمار بليد، وأصل السلسل الرجراج صخرة جليد، ولو نجى بعلو
النسب ذو روح، لعصم ابن نوح بنوح.
يا نفس:
كم لله من عبد لا يعرف ربا سواه، ولا يتخذ إلهه هواه، وجهه وضي،
وفعله رضي (2)، وقلبه سماوي، وجسمه أرضي، في الوجد سكران ملطخ، وفي
الخوف عصفور نصب له فخ (3)، لا يذوق في العشق نومة نائم، ولا يخاف لومة
لائم (4)، لا يسترزق لئام الناس، ويقنع بالخبز اليباس، إذا أثرى جعل موجوده
معدوما، وإن أقوى حسب قفاره (5) مأدوما، ثوب بال، وجوف خال، ومجد
عال، يرى ربوة الحق فيرتقيها، ويرمق هوة الباطل فيتقيها، لا يدعوه القوم (6)
إلى أكل الجيف، ولا يبلغه النهم (7) إلى حد السرف، يأكل ليقوى على الاجتهاد
وينام ليصبر على السهاد (8)، ينظر إلى طعامه من أين حصل، وكيف وصل،

(1) بالكسر وسكون الميم: ما يمشي الهملجة، وهو في شبيه الهرولة. مجمع البحرين 2: 337 هملج.
(2) في أ: مرضي.
(3) الفخ: المصيدة التي يصاد بها. اللسان 3: 41 فخخ.
(4) في أ: يخاف في الصدق لومة لائم.
(5) القفار بالفتح: الخبز بلا أدم، يقال: أكل خبزه قفارا. مجمع البحرين 3: 463 قفر.
(6) القرم بالتحريك: شدة شهوة اللحم حتى لا يصبر عنه. مجمع البحرين 6: 137 قرم.
(7) النهامة: إفراط الشهوة في الطعام وأن لا تمتلئ عين الآكل ولا تشبع. اللسان 12: 593 نهم.
(8) أي الأرق. اللسان 3: 224 سهد.
93

ومن حصده وزرعه، ومن داسه ورفعه، ومن الكيال والطحان، ومن الخباز
والعجان؟ فلا يزال يفحص حتى يخلص إبريزه (1) على نار السبك (2)، ويكمل
عياره على المحك، ويشذب (3) تخيله عن شوك الشك، فهكذا خشية الأتقياء
يجفلون (4) كما النعام، ولا يأكلون كما تأكل الأنعام.
يا نفس:
أراك على شرف الحمام، وأجدك على طرف الثمام (5)، قد انحنت قامتك،
ودنت قيامتك، ولم يبق من عمرك إلا ساعة زمنية، وما بعد المشيب إلا بلية أو
منية، فتأهبي للعرض يوم القيامة، وتوضأي للفرض قبل الإقامة، وأكثري حزنا
على نفس ضيعته، وشيطان أطعته، وهوى تبعته، ودين بعته، وما أخالك (6) إلا
كزنجي زنى وسرق، وعصى وأبق، فيرد إلى سيده مكتوفا، ومثل بين يديه
موقوفا، يهوى الخلاص وأنى له الخلاص، ويرجو النجاة (ولات حين
مناص) (7)، فهو كمريض لا يرجى برؤه، أو محيض لا يرقى (8) قرؤه، أو
غريق نبذه الملاح، فأخذه التمساح، أو هائم خلفه الخريت (9)، واستهوته

(1) الابريز: الذهب الخالص من الكدورات. مجمع البحرين 4: 8 برز.
(2) قال الطريحي في المجمع 5: 269 سبك: وسبكت الفضة وغيرها أسبكها سبكا، من باب قتل: أذبتها.
(3) أي: يقطع. اللسان 1: 486 شذب.
(4) أي يجهدون أنفسهم ويتعبونها. مجمع البحرين 5: 339 جفل.
(5) قال ابن منظور في اللسان 12: 80 ثمم: والعرب تقول للشئ الذي لا يعسر تناوله: هو على طرف
الثمم.
(6) أي: وما أظنك. مجمع البحرين 5: 368 خيل.
(7) سورة ص 38: 3. والمناص: الملجأ. المفردات: 509 نوص.
81) أي: لا ينقطع. مجمع البحرين 1: 194 رقا.
(9) في ب: الدليل الحاذق.
94

العفاريت.
يا نفس:
كم من غافل يبيت على فراش الأمن وسنان (1)، والموت يحرق عليه
الأسنان، يا ويله يركض بالنهار خيله، ويطوي على الغفلة ليله، وهو
كالقطرب (2) في المطاف والمطار، جيفة بالليل بطال بالنهار، يعيش ساخطا (3)،
ويموت قانطا، ذلك دأبه وديدنه، حتى يفترق روحه وبدنه، وسيفجأه من ألد (4)
ما لا يود، يوم تبيض وجوه وتسود.

(1) أي: نائما نومة خفيفة. اللسان 13: 449 وسن.
(2) في أ: القطرب: دويبة لا تستريح نهارها سعيا.
وفي الحديث: لا يلفين أحدكم قطرب نهار جيفة ليل، يعني: لا ينام أحدكم الليل كله ثم يكون
بالنهار كأنه قطرب، لكثرة طوفانه وجولانه في أمر دنياه، فإذا أمسى يكون كالا تعبا فينام ليله كله
حتى يصبح كالجيفة لا يتحرك.
وقيل: القطرب صغار الكلاب.
وقيل: ذكر الفيلان.
وقيل: حيوان بأرض الصعيد يظهر للمنفرد من الناس، فربما صده عن نفسه إذا كان شجاعا،
وإلا لم ينته عنه حتى ينكحه، فإذا رأوه الناس قالوا: إما منكوح وإما مروع، فإن كان منكوحا يئسوا
منه وإن كان مروعا عالجوه.
وقيل: القطرب صغار الجن.
وقيل: الذيب.
وقيل: الفار الأنقط.
هذا ذكر في كتاب نهاية الأرب.
(3) في أ: شاخصا.
(4) أي: أشد. مجمع البحرين 3: 141 لدد.
95

يا نفس:
مرض القلوب من أشد الأمراض، وعلاجه من أصح الأغراض، فيا من
مرض فؤاده، ومل عواده، وتراجع الطبيب في الحمى، وأين الطبيب من الأجل
المسمى، وأي حكيم لم تصرعه المنون، ثم لم ينفعه القانون؟ وأي طبيب لم تفده
الغب (1)، ثم لم ينفعه الطب؟ فعلام ترفعي إلى الحكيم شأنك، وتدلعي لسانك،
فتنهي سرك إلى الطبيب، وتشتكي إلى العدو من الحبيب؟ والله لا ينعشك إلا
من صرعك، كما لا يحصدك إلا من زرعك، إن كنت وصفت له علة لم يشفها،
وإن عرضت عليه كربة لم يقدر على كشفها.
يا نفس:
إياك أن تكوني ممن إذا ذكر بالآخرة قبع قبوع (2) الوسنان في جيب
الكسل، وإن ظفر بالحلوة الخضرة وقع وقوع الذباب على ظرف العسل، وهذه
علامات المنافقين لهم في المعاصي وثبات، وفي الطاعات سكون وثبات، وفي
الطمع حركات قمرية، وفي الورع سكنات زحلية، إذا قلت: حي على
الشهوات طاروا إليها خفافا وثقالا، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى.

(1) قال الخليل في العين 4: 35 غب: ويقال: ما يغبهم لطفي ولهذا العطر مغبة طيبة أي: عافية.
(2) في ب: قبع قبوعا: إذا أدخل رأسه في قميصه.
96

يا نفس:
اعمري (1) دنياك بقدر محياك، ودبري أمر عقباك التي هي مأواك بقدر
مثواك، فما الدنيا إلا دار غرور، وجسر مرور، فما أسخر من خيم على الجسر
فلا يجوز، وما درى أن القعود على طرقات المارة لا يجوز، المخدوع من وضع
لبنة على لبنة، والمخذول من ادخر تبنة على تبنة، وبال المرء مال أعد، أو درهم
عدد، وشقاء الغافل بيت يبنيه، ويعمره لبنيه، فاحملي من الدنيا زاد الضرورة،
واحرمي إلى الآخرة إحرام الصرورة.
واعلمي: أن الدنيا بئر هاروت، أو نهر طالوت، وأن الله مبتلي الخلق به
فمن تبرض (2) ولم يصب ريا، شرب مريا، ومن ارتوى، أشرف على التوى (3)،
إلا من نضح نفاضة على كبده، أو اغترف غرفة بيده.
يا نفس: (4)
القطيعة شيمة الشرس (5)، والغمر الذي لم يجرب الأمور (6)، وصلة

(1) في أ: عمري.
(2) في أ: التبرض: التبلغ بالقليل من العيش، والبرض والبراض بالضم القليل. قاله الجوهري.
الصحاح 3: 1066 برض.
(3) أي الهلاك. مجمع البحرين 1: 71 توا.
(4) من هنا إلى قوله: يا نفس ما أراك تتوانين عن النظر لنفسك...، لم يرد في ب، فالاعتماد يكون على
نسخة أ.
(5) في أ: الرجل السئ الخلق، وهو أيضا: العسر الشديد الخلاف. وشارس القوم: تعادوا.
(6) في أ ورد بمد لفظ الأمور: العمر، ولم نثبته لعدم اقتضاء السياق له.
97

الرحم تزيد في العمر، وأصدق الصداقة طلاقة البشر الراشح، وأفضل الصدقة
على ذي الرحم الكاشح (1)، وخدش القطيعة فوق الأرش، والرحم معلقة
بالعرش، من طلب الخلد وشهبه (2)، وخاف السعير وحميمه، فليواصل حميمه،
إن نسيب المرء قفار ظهره، وفقرة نهره، وبؤام جوزاته، وجزء من أجزائه، وخوط
من دوحته (3)، وبخور من فوحته، وضلع من أضالعه، وإصبع من أصابعه،
وجانحة من جوانحه (4)، وجارحة من جوارحه، وزند من ذراعه فليراعه، وبضعة
من لحمه فليحمه، ومن بؤم الطبيعة اجتباب القطيعة، وأعظم الجريرة سوء
العشيرة، وإحراز الفضيلة في إعزاز الفصيلة، والانسان كثير بعشائره، والحرم
شريف بمشاعره، ظهره ببطنه يقوى، وفخذه.... (5) يبقى، وذكره بحبه يحيى.
يا نفس:
ابيض فودك وفؤادك فاحم، وبأخت (6) نارك وحرصك جاحم (7)، كيف

(1) في أ: في الحديث: أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح، وهو: العدو الذي يضمر عداوته في كشحه،
والكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف.
(2) كذا في (أ).
(3) أي: غصن من شجرته. اللسان 7: 297 خوط، و 2: 426 دوح.
(4) في أ: الجوانح الأضلاع تحت الترائب مما يلي الصدور، وفصيلة الرجل: رهطه الأدنون، قاله الجوهري،
وقال العزيزي: الشعوب أعظم من القبائل، ثم العمائر، ثم البطون واحدها بطن، ثم الأفخاذ
واحدها فخذ، ثم الفصائل، ثم العشائر وليس تعد العشائر حي بوصف.
(5) وردت كلمة غير مقروءة في أ.
(6) أي سكنت وفترت. اللسان 3: 9 بوخ.
(7) في أ: الجاحم المكان الشديد الحر.
98

النجا وقد نشبت (1) نشب الغزال في الحبالة وتنكست (2) أحوالك؟ (3) أما
علمت أنك للموت تنكست، وللنزع تقوست؟ وقد هاج بقلك، وماج (4) عقلك،
ونعر فيك ألف التأليف، ولم يرفع عنك قلم التكليف، ونهزت حد الثمانين، وما
بلغت محور المجانين، أما يرعك موت الشبان لم، قبل الإبان (5)، ودفن الأحداث،
تحت الأجداث، أما يرعك تقديم أعمامك أمامك، وجعل أسباطك أفراطك،
فكم لك في الرمس متزعزع يافع (6)، وكم لك بالأمس من فرط شافع، وأنت لا
تزدادين بذلك إلا ضلالة وقسوة، وجهالة وصبوة.
يا نفس:
ما أراك تتوانين عن النظر لنفسك، والتمهيد لرمسك (7) إلا لكفر خفي
أو لحمق جلي، فأما الكفر الخفي فهو ضعف إيمانك بيوم الحساب، وقلة
معرفتك بعظيم قدر الثواب والعقاب، وأما الحمق الجلي فاعتمادك على عفوه
تعالى وستره، من غير التفات إلى معاجلته ومكره، فلا تضيعي أوقاتك، ولا

(1) في أ: أي وقع، والنشوب: العلوق في الشئ.
(2) في أ: أي: تبدلت.
(3) في أ: وقوله (ومن نعمره ننكسه) 36: 68، من أطلنا عمره نكسنا خلقه.
وفيها أيضا: فصار بدل القوة الضعف وبدل الشباب الهرم، وإلى البقاء وقد شبت، ولم نثبته في
المتن لانتفاء. السجع بين الكلمات، ولاحتمال أن يكون شرحا.
(4) أي: اضطرب وتحير. اللسان 2: 370 موج.
(5) أي: قبل الحين والوقت. مجمع البحرين 6: 197 ابن.
(6) في أ: تزعزع الصبي: إذا نشأ وطال، واليافع: الذي قد قارب الاحتلام، والفرط: المتقدم، وفرطتهم
أي: سبقتهم.
(7) أي: لقبرك. مجمع البحرين 4: 76 رمس.
99

تأسي عن ما فاتك.
شعر:
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه * فما فاته منها فليس بضائر (1)
فأنفاسك معدودة، وأوقاتك محدودة، فإذا مضى منك نفس فقد ذهب
بعضك، ومارت (2) سماؤك ورخت (3) أرضك.
شعر:
ويح ابن آدم كيف يذهب عقله * أو يستلذ بليله ونهاره
يمسي وقد أمن الحوادث بغتة * ولربما طرقته في أسحاره
يضحي وكف الموت في أطرافه * كالكبش يلعب في يدي جزاره
من ليس يدري كيف تصبح داره * من بعده فلينظرن في جاره
يا نفس:
اقلعي عن فعلك، وانزعي عن جهلك، واغتنمي صحتك قبل سقمك،
وشبابك قبل هرمك.

(1) في ب: بضار.
(2) المور: الجريان السريع. المفردات: 478 مور.
(3) في ج: ورجت.
100

شعر:
آلة المرء وشباب * فإذا وليا عن المرء ولى
وانظري إلى الذين مضوا كيف بنوا وعلوا، ثم ذهبوا وخلوا، وانظري
إلى حمقهم كيف يجمعون ما لا يأكلون، ويبنون ما لا يسكنون، ويأملون (1) ما
لا يدركون؟! فهل في الدنيا أحمق ممن يعمر دنياه وهو مرتحل عنها يقينا، ويخرب
آخرته وهو صائر إليها قطعا رهينا؟!
يا نفس:
إذا كان طلبك للدنيا غايتك، وما بلغت منها إرادتك، فما ظنك بدار لم
تطلبيها، وكيف يكون حالك فيها؟
شعر:
إذا كان أدنى العيش ليس بحاصل * لذي اللب في الدنيا بغير المتاعب
فكيف بأسنى العيش في عالم البقا * لذي الجهل في تفريطه (2) في المطالب
أف للدنيا الدنية، خبثت فعلا ونية، ولعيش حشوه هم وعقابه منية.
واعلمي: أن الدنيا ليست تعطيك لتسرك، إنما تعطيك لتضرك (3).

(1) في ب: ويؤملون.
(2) في ب: مع تفريطه.
(3) في ب: لتغرك.
101

شعر:
فذي الدار أخون من مومس (1) * وأخدع من كفة الحابل
تفانى الرجال على حبها * ولا يحصلون على طائل
يا نفس:
إن الدنيا أقل عند الله من جناح بعوضة وأحقر، فمن عظم هذا الجناح
كان منه أصغر، فكم تشعبيها وتنصدع، وترقعي خرقها فيتسع، وتجمعي منها ما
لا يجتمع.
شعر:
تأمل بعينيك كيف الذهاب * فإن لكل حياة مماتا
فمن عاش شب ومن شب شاب * ومن شاب شاخ ومن شاخ ماتا
يا نفس:
ما عسى أن ينال طالب (2) الدنيا من لذتها، ويتمتع به من بهجتها، مع
ما يرى من فنون مصائبها، وأصناف عجائبها، وكثرة تعبه في طلابها، وتكادحه
في اكتسابها، وما يكابده (3) من أسقامها وأوصابها.

(1) أي: فاجرة. اللسان 6: 224 ميس.
(2) في أ: صاحب.
(3) في ب: وما يكايده.
102

شعر:
تعاوره آفاتها وهمومها * وكم ما عسى يبقى لها للتعاور
فلا هو مغبوط بدنياه آمن * ولا هو عن طلابها لم لنفس قاصر
يا نفس:
هب أنك لست بخبيرة، ولا ذات بصيرة، وإنما تميلين بطبع الصباء، إلى
التشبيه في الاقتداء، فقيسي (1) عقل الأنبياء والأبدال، بعقل هؤلاء الأغمار
الجهال، وأيضا إذا كنت لا تتركين الدنيا لعمى بصيرتك، وخبث سريرتك، فما
لك لا تتركيها ترفعا عن خسة شركائها، وتنزها عن كثرة عنائها، وتوقيا من
سرعة فنائها، وتفصيا من لأوائها وضرائها، مع أن بلادك لا تخلو من جماعة من
اليهود والمجوس، يزيدون عليك في نعيم المأكول والملبوس، فأف لدنيا يسبقك
بها هؤلاء الأنذال، الأخساء الجهال، وعلام لا تستحين من مساعدتهم على
حماقتهم، ومراودتهم على جهالتهم؟
يا نفس:
إذا رغبت عن أن تكوني في جملة (2) المقربين، من الأولياء والمؤمنين،
والأنبياء والمرسلين، في جوار رب العالمين، لتكوني من جملة الهالكين، والسفهاء
الجاهلين، أياما معدودات على اليقين، لقد خسرت الدنيا والدين، فإذا ما أخس

(1) في ب: تقيسي.
(2) في ج، د: ني زمرة.
103

همتك، وأحقر قيمتك، وأسخف عقلك، وأعظم جهلك، وأقل حياءك (1)، وأنزر
وفاءك (2)، لقد أرادك الطغيان، واستحوذ عليك الشيطان.
يا نفس:
ما أشبهك في قصر العمر وطول الأمل، بالجمل، له عنق طويل وذنب
قصير، وجسد كبير وأذن صغير، فصورتك صورة انسان وقلبك قلب حيوان،
فأنت كالنقد (3) بل أذل، وكالأنعام بل أضل، لا تقتفين (4) أثر نبي، ولا تقتدين
بعمل وصي، فيا ويلك ثم يا ويلك، إن أقمت على ضلالتك، وثبت (5) على
جهالتك، ودمت على إصرارك، وتماديت في اغترارك.
يا نفس:
كم من جرم اجترمت، وإثم اقترفت، تنقلبين في أودية الغفلات، تقلب
الريشة في الفلوات (6)، لا والله ما لهذا فطرت، ولا بهذا أمرت، إنه لم يخلقك
لعبا، ولم يعدك كذبا، عدلك وسواك فلا تخرفي، ونورك وصفاك فلا تنكسفي (7)،

(1) في ج، د: حياك.
(2) في ج، د: وفاك.
(3) في أ: النقد بالتحريك: جنس من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه. قاله الجوهري.
(4) في أ، ج، د: لا تقتصين.
(5) في ب: وتثبت.
(6) جمع فلاة، وهي: الأرض التي لا ماء فيها. مجمع البحرين 1: 332 فلا.
(7) أي: فلا تتغيري. مجمع البحرين 5: 112 كسف.
104

وطبعك ذهبا طريا فلا تعودي زيفا (1)، وخلقك بشرا سويا فلا تصيري طيفا،
وجعلت واضحة الغرة (2) فلا يسودنك هواك، وولدت على الفطرة فلا يهودنك
أبواك، ويلك جبلت (3) حنيفة فتمجست، وقدمت قدسية فتنحست، وأنزلت
طهورا فتلوثت، وخرجت سياحة فتلبثت، ونسجت ديباجا فصرت مسحا (4)،
وهبطت عذبا فعدت ملحا.
يا نفس:
ما أكثر انهماكك في غوايتك، وتهورك في عمايتك (5)، وتمسكك بشقاوتك،
وتشبثك بغباوتك، وعمهك (6) في سكرتك، وترددك في غمرتك، وخبطك في
عشوائك، واستمرارك على التوائك، وما أعظم عنودك وشقاقك، وكنودك
ونفاقك، وطغواك وعداوتك، وفسقك وعصيانك، إن قلت كذبت، أو عوتبت
غضبت، أو سئلت بخلت، أو وعدت مطلت.
يا نفس:
أنت التي حسدت، أنت التي كندت، أنت التي حقدت، أنت التي

(1) قال الطريحي في المجمع 5: 68 زيف: جاء في الحديث درهم زيف أي: ردئ.
(2) غرة كل شئ: أولة، والغرة بالضم بياض في الجبهة. اللسان 5: 14 - 15 غرر.
(3) في أ: جعلت.
(4) قال الطريحي في مجمع البحرين 2: 414 مسح: والمسح بالكسر فالسكون واحدا المسوح ويعبر عنه
بالبلاس وهو كساء معروف.
(5) في ج، د: في غايتك.
(6) في ج، د: وغمرك.
105

جحدت أنت التي أفسدت، أنت التي عاندت، أنت التي وشيت، أنت التي
التويت، أنت التي طغيت، أنت التي بغيت، أنت التي عصيت، أنت التي هويت،
أنت التي غويت، أنت التي راءيت (1)، أنت التي ماريت، أنت التي جنيت،
أنت التي عتبت، أنت التي اعتديت، أنت التي جشعت، أنت التي جمعت، أنت
التي منعت، أنت التي قطعت، أنت التي طحت، أنت التي ضيعت (2)، أنت
التي ضجعت، أنت التي خدعت، أنت التي زللت، أنت التي غفلت (3)، أنت
التي عللت (4)، أنت التي ضللت (5)، أنت التي احتلت (6)، أنت التي أغفلت (7)،
أنت التي جهلت، أنت التي أثمت، أنت التي اجترمت (8)، أنت التي ظلمت،
أنت التي نممت، أنت التي غممت (9)، أنت التي أسأت، أنت التي أخطأت،
أنت التي اجترأت، أنت التي هزأت، أنت التي ترأت، أنت التي همزت (10)، أنت
التي لمزت، أنت التي هتكت، أنت التي أهلكت، أنت التي شككت، أنت التي
فتكت، أنت التي اقترفت، أنت التي خلفت (11)، أنت التي خالفت، أنت التي
سلفت (12) أنت التي سوفت (13)، أنت التي أسرفت، أنت التي فتنت، أنت التي

(1) في ب: راهيت.
(2) في ج: ضايعت.
(3) في أ: مهلت.
(4) في ج، د: غللت.
(5) في أ: أضللت.
(6) في أ: اختلت.
(7) في أ: اغتلت.
(8) في أ: أجرمت.
(9) في أ: غمرت.
(10) في أ: هزمت.
(11) في أ، ج، د: أخلفت.
(12) في أ: صلفت.
(13) في ب: سرفت.
106

ظننت، أنت التي خنت، أنت التي منت (1)، أنت التي فسقت، أنت التي أبقت
أنت التي جمعت، أنت التي عققت، أنت التي شاققت، أنت التي نافقت،
أنت التي حنثت، أنت التي نكثت، أنت التي عتبت، أنت التي ارتبت، أنت
التي سببت، أنت التي كذبت، أنت التي صبوت، أنت التي قسوت، أنت التي
سهوت، أنت التي جفوت، أنت التي هفوت، أنت التي ضررت، أنت التي
غررت، أنت التي ضاررت، أنت التي شازرت، أنت التي أضررت (2)، أنت
التي أخفرت (3)، أنت التي فخرت، أنت التي غدرت، أنت التي خترت (4)،
أنت التي حيرت، أنت التي قصرت، أنت التي قنطت، أنت التي شططت،
أنت التي أسقطت، أنت التي سفهت، أنت التي عمهت.
يا نفس:
وبالجملة فخيرك يسير، وشرك كثير، بل خيرك ظفر، وشرك شبر،
لا تزيدك الموعظة إلا خسارا، ولا تفيدك الوصية إلا إصرارا، قد ضج منك
الضياء والظلام، والليالي والأيام، والملائكة الكرام، ولا جرم أنه من كانت هذه
المعائب صفته، واعتماده وسيرته، أن يستوجب سخط الخالق، ومقت الخلائق،
فعلام بعت الدين بالدون، ودنست ثوب عرضك المصون؟ فإنا لله وإنا إليه

(1) في ج، د: مننت.
(2) في أ، ج، د: أصررت.
(13 في أ: أخفرت أي: نقضت العهد، وأخفرت الرجل: إذا نقضت عهدك. وفي الحديث: من صلى
الصبح فهو خفرت الله، أي: في ذمته وجواره.
وفي ب: خفرت.
(4) في أ: الختر: أقبح العذر، والشطط: تجاوز القدر في كل شئ، وأسقطت أي: عثرت وزللت،
والسقاط: العثرة والزلل، وسفهت أي جهلت. وعمهت أي: تحيرت وترددت.
107

راجعون.
يا نفس:
عجبا لك وقد قادتك أزمة الحين، واستغلق على قلبك أقفال الرين، وقد
أشرفت على الهلاك، وحل بك الإرتباك، وآن فوتك، واقترب موتك، كيف تعمين
عن هذه الأمور، ولا تحسبين عواقب يوم النشور؟! وقد قيل: من تدبر (1)
العواقب، أمن من المعاطب.
شعر:
فإن الجرح ينفر بعد حين * إذا كان البناء على فساد (2)
وكيف تبيعين (3) ما يبقى أبد الآبدين، بما لا يبقى إلا عدد سنين؟! فأنت
كمنخل يمسك النخالة ويرسل الطحين.
يا نفس:
أنت تستعدين للشتاء بجمع عدته، بقدر طول مدته، فتجمعين له من
الكسوة والأحطاب، وجميع (4) الأسباب، ولا تتكلين في ذلك على فضل الله وكرمه،

(1) في ب، ج، د: من بدر.
(2) في ب: الفساد.
(3) في ج، د: تتبعين.
(4) في ج: وجمع.
108

وجوده ونعمه، حتى يدفع عنك البرد وشدته، والقر (1) ورعدته، من غير جبة
أو لباد، أو حطب أو زناد، أو تظنين (2) أن زمهرير جهنم وشدة عقوبته، أخف
من زمهرير الشتاء ومدة صعوبته، هيهات هيهات، كما لا يندفع برد الشتاء إلا
بالجبة والنار وسائر الآلات، فكذا لا يندفع حر النار وبردها إلا بحصن التوحيد
وخندق الطاعات، وكيف تستعدين للشتاء قبل حلوله، والصيف قبل دخوله،
وتنسي زاد القبر قبل نزوله؟!
يا نفس:
أما تعلمين أن الموت ميعادك (3)، والتراب في القبر وسادك، والدود يأكل
لحم خديك، وإنسان عينك، والفزع الأكبر بين يديك، أما تعلمين أن الأموات
يتمنون الرجعة إلى هذه الدار، ليشتغلوا بتدارك تكفير الأوزار، ولو قدروا على
يوم من عمرك، أو ساعة من دهرك، لاشتروا ذلك بأعلى (4) الأثمان،
والياقوت (5) البهرمان (6)، وأنت الآن في أمنيتهم لا في منيتهم، وفي مقامتهم لا
في قيامتهم.

(1) قال ابن منظور في اللسان 5: 82 قرر: القر: البرد عامة، بالضم، وقال بعضهم: القر في الشتاء،
والبرد في الشتاء والصيف.
(2) في ب: أتظنين.
31) في ب: معادك.
(4) في أ: بأغلى.
(5) في أ: والماقور.
(6) في ج. د: ومعادن العقيان.
109

يا نفس:
أما تستحين تزينين ظاهرك للعوام، وتبارزين الله في السر في الجرائم (1)،
وكيف تأمرين بالخير الداني والقاصي (2) وأنت ملطخة بالمعاصي؟! تدعين إلى
اللين وأنت قاسية، وتذكرين بالله وأنت له ناسية.
إذا أنت عبت الأمر ثم أتيته * فأنت ومن تزري (3) عليه سواء
فليكن قلبك محزونا، وشرك مأمونا، ونفسك عفيفة، وحوائجك خفيفة،
واصبري أياما قليلة، لراحة طويله، وانظري وجهك في المرآة في كل آن، وفي
كل وقت وزمان، فإن كان وجهك مليحا، فاستقبحي أن تضيفي إليه فعلا قبيحا،
وإن كان وجهك ليس بالزين، فلا تجمعي بين القبيحين (4)، وانظري إلى قول
الشاعر:
شعر:
يا حسن الوجه فكن محسنا * لا تبدلن الزين بالشين
ويا قبيح الوجه لا تجمعن * بالله ما بين قبيحين

(1) في أ: بالجرائم، وفي ج، د: بالعظائم.
(2) أي: القريب والبعيد. مجمع البحرين 1: 148 دنا و 341 قصا.
(3) في أ: تبني، وفي ب: شئ، وما أثبتناه من ج، د، وهو الأنسب.
(4) في أ: بين قبيحين.
110

يا نفس:
إياك واستعمال الرياء، فإنه موجب للمقت والشقاء، حيث ينادى عليه
يوم تبلى السرائر: يا مرائي يا فاجر يا غادر، ثم يقال له في التوبيخ على رؤوس
الأشهاد: أما استحييت إذ استخففت نظر سلطان المعاد، وراقبت قلوب العباد
وتقربت إلى المخلوقين بالبعد عن المهيمن الجواد.
يا نفس:
لو لم يكن في الرياء إلا تحويل العمل من جزيل الثواب، إلى وبيل
العقاب، لكان إلى معرفة ضرره كافيا، ولترك قوله والعمل به واعيا (1)، مع أنه
من طلب رضى المخلوق (2) منعه الله في الدارين ثواب ما لديه، وسخط عليه
وأسخطهم عليه، وأيضا فإن رضاهم لا يزيده رزقا ولا أجلا، ولا يرى نافعا يوم
فاقته قولا وعملا (3).
يا نفس:
وكيف يترك العاقل ما عند الله تعالى برجاء كاذب، ووهم خائب؟! مع
أن مدح الناس لا ينفعه وهو مذموم عند الله ومن أهل النار، وذمهم لا يضره

(1) في أ: داعيا.
(2) في أ: المخلوقين.
(3) في أ: ولا عملا.
111

وهو محمود عند الله وفي زمرة الأبرار، وفي الحديث: من آثر محامد الله كفاه الله
مؤنة الناس، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس.
يا نفس:
فكوني على وجل، ولا تصحبي غير الخالص من العمل، كما أن المسافر
إلى بعيد القفار (1)، لا يصحب معه إلا خالص النضار، طلبا للخفة وكثرة
الانتفاع، والابتياع به عند الحاجة لما يباع، ولا حاجة أعظم من فاقة القيامة،
ولا عمل أنفع من الخالص لله يوم الطامة، فهو أحس الذخائر، وأخفها حملا
عند أولي البصائر
شعر:
ما بال دينك ترضى أن تدنسه * وثوب جسمك مغسول من الدنس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها * إن السفينة لا تجري على اليبس
يا نفس:
في الخبر: أن العمل الصالح يمهد في الجنة لصاحبه، كما يرسل الرجل
غلامه بفراشه ومآربه، بل هو يحمل صاحبه على ما ورد عن العلماء في رواياتهم،
في تفسير قوله تعالى: (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم) (2)، إذ العمل

(1) قال الطريحي في المجمع 3: 463 قفر: القفر من الأرض: المفازة التي لا ماء فيها ولا نبات والجمع
قفار.
(2) الزمر 39: 61.
112

الصالح يقول لصاحبه: أركبني عند أهوال يوم القيامة فلطالما ركبتك في الدنيا
في الصلاة والصيام، فيركبه فيتخطى به مواقف الهوان، حتى يحل به غرفات
الجنان، فارتئي لنفسك قبل نزولك، ومهدي المنزل قبل حلولك، ومن عمل
صالحا فلا نفسهم يمهدون، وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون.
يا نفس:
إياك والحرص فالحرص مذموم، والحريص محروم، والرزق مقسوم،
لا يزيده قيام حريص طامع، ولا ينقصه قعود مجمل قانع.
شعر:
إياك أن تحرص في مكتسب * يحظى به الغير وتشقى به
كالكلب يستبدل مجهوده * في طلب الصيد لأصحابه
فخفضي في الطلب، وأجملي في المكتسب، ففي الحديث: لا تموت نفس
من الخلق، حتى تستكمل ما قسم لها من الرزق، إن الله قسم الرزق بين خلقه
حلالا ولم يقسمه حراما، فمن اتقى وصبر أعطاه الله رزقه تماما، ومن هتك
حجاب الستر فأخذه من غير حله، قوقص (1) به من رزقه الحلال كله.
شعر:
يفني الحريص بجمع المال مدته * وللحوادث ما يبقى وما يدع
كدورة القز ما تبنيه يهلكها * وغيرها بالذي تبنيه ينتفع

(1) أي: قطع. مجمع البحرين 4: 180 قصص.
113

يا نفس:
إن أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة، ومشقة شديدة، وإنه لا غنى لك عن
حسن الارتياد، وقدر بلاغك من الزاد، فلا تحملي على ظهرك ما يعجزك حمله،
فيكون وبالا عليك نقله (9)، وإن وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك،
فيوافيك به غدا يوم معادك، فأكثري من تزويده وحمليه، فلعلك تطلبيه فلا
تجديه.
يا نفس:
الخير باق، والاحسان واق، والمرء لما قدم لاق، ومن الفساد إضاعة (2)
الزاد، ومفسدة المعاد، وإنما لك من دنياك، ما أصلحت به مثواك، وإذا جزعت
على ما تفلت من يديك، فاجزعي على كل ما لم يصل إليك، ولا تكوني كدودة
القز تهلك في حبسها، لبنائها من جهلها على نفسها.
شعر:
ألم تر أن المرء طول حياته * معنى بأمر لا يزال (3) يعالجه
كدود القز ينسج دائما * ويهلك غما وسط ما هو ناسجه

(1) في ب: ثقله.
(2) في ب: إضافة.
(3) في أ: لم يزل.
114

يا نفس:
كما ينظر المريض إلى لذيذ الطعام، فلا يلتذ من شدة الأسقام، كذلك
صاحب الدنيا لا يجد لذة العبادة وحلاوتها، مع ما يجد من محبة الدنيا وغضارتها (1).
واعلمي: أن الدابة إذا لم تركب وتمتهن (2)، نفرت واستصعبت، كذلك
القلوب إذا لم ترتق بذكر الموت قست واستغلظت، وأن الزق (3) إذا لم ينخرق
شك أن يكون وعاء للعسل، كذلك القلوب إذا لم تخرقها الشهوات يوشك أن
تكون أوعية للحكمة وصالح العمل.
يا نفس:
في الحديث: من قال: سبحان الله غرس الله له بها في الجنة عشر
شجرات، فيها ما شاء من أنواع الفواكه والطيبات، وهي ذوات أفنان (4)، تحمل
من سائر الألوان، فيرى ثمرها إن أراد رطبا، وإذا قضى منه أربا (5) تحول عنبا
فإذا قضى منه أملا، انقلب عسلا وتيجانا وحللا، وكذلك تتقلب لوزا،

(1) أي: طيب عيشها. مجمع البحرين 3: 424 غضر.
(2) أي: إذا لم تركب وتستخدم. مجمع البحرين 6: 321 مهن.
(3) وهو: كل وعاء اتخذ لشراب ونحوه. اللسان 10: 143 زقق.
(4) أي: ذوات غصون، أو ذوات ألوان مختلفة. المفردات: 386 فنن.
(5) أي: حاجة. مجمع البحرين 2: 6 أرب.
وفي ب: أملا.
115

وبطيخا (1) وموزا، ورمانا وجوزا، وزيتونا وتينا، أو لحما (2) سمينا، وحورا عينا،
وإنها تأتي إلى باغيها (3)، وتذلل قطوفها (4) لجانيها، من غير تكلف
الاختراف، (5)، أو تجشم الاقتطاف (6)، فلو تخرج شجرة من تلك إلى الدنيا
للابتياع، فما ظنك بما كان تبذل الملوك في قيمتها لجلالة الانتفاع، خصوصا إذا
وصفت مع ذلك بأنها لا تحتاج إلى سقي وصرام (7)، ولا في ثمرها جرام، ولا
لعمرها انصرام، أو أنها تبقى عشرة آلاف عام.
يا نفس:
قد ورد في الوحي القديم، عن الرب العظيم: أعددت لعبادي ما لا عين
رأت، ولا أذن سمعت، هذا مع أن عيان الآخرة أعظم من سماعها، بخلاف
الدنيا لخساسة متاعها، وما أيام دنياك التي تشتري بها هذا النعيم المقيم والفضل
العظيم إلا ساعة، فاجعليها طاعة، والماضي من دنياك لا تجدين للذته تنعيما،
ولا لبؤسه تأليما، والمستقبل قد لا تدركيه، وإنما أنت بالوقت الذي أنت فيه،
ثم إن لم تبيعي هذا الوقت القصير بنعيم الآخرة، بعتها بثمن بخس وصفقة
خاسرة.

(1) في ب: لو أراد بطيخا.
(2) في أ: ولحما.
(3) أي: طالبها. مجمع البحرين 1: 53 بغا.
(4) جمع قطف بالكسر وهو: العنقود. اللسان 9: 285 قطف.
(5) أي الالتقاط. اللسا ن 9: 64 خرف.
(6) أي: تكلف القطع. اللسان 12: 100 جشم.
(7) الصرام: جذاذ النخل. مجمع البحرين 6: 101 صرم.
116

شعر:
الدهر ساومني عمري فقلت له * ما بعت عمري بالدنيا وما فيها
ثم اشتراها بتدريج بلا ثمن * تبت يدا صفقة قد خاب شاريها
يا نفس:
لا تقولي أنا أتنعم في الدنيا بما أباحه الله من المستلذات، و (من حرم
زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات) (1)، فإن هذا القول تمويه وزور،
وحمق وغرور، لأن المتوغل في فضول الدنيا لا ينفك عن تورط الشبهات،
والحرص الموقع في مهاوي الآفات، وإن سلم من الحرص - وأنى له - لم يسلم
من القساوة والملالة، فخائض الماء يجد البلل لا محالة.
يا نفس:
في الحديث: إن المؤمن إذا كان فقيرا عفيفا في رياض الجنة قبل الغني
بأربعين، وفي الحديث: إن أهل النار يدعون مالكا أربعين خريفا أي: أربعين
سنة (2)، ومثل ذلك كسفينتين مرتا على عشار (3)، إحداهما خالية والأخرى ذات

(1) الأعراف 7: 32.
(2) كذا في ب، وفي أ: في الحديث: إن المؤمن إذا كان فقيرا عفيفا ليتقلب في رياض الجنة قبل الغني
بأربعين خريفا، أي: أربعين سنة، وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: من صام يوما في
سبيل الله باعده الله من النار أربعين خريفا، وفي رواية أخرى: سبعين خريفا، قاله الهروي
والمطرزي.
(3) بالعين المهملة المفتوحة والشين المشددة مأخوذ من التعشير، وهو أخذ العشر من أموال الناس بأمر
117

أوقار (1)، فيقول للخالية: سيروها، وللموقرة: احسبوها لتعشروها.
يا نفس:
وكيف يرغب العاقل عن حب المسكنة والمساكين، وهو يرى الأولياء
والنبيين، على بغض الدنيا قد انعكفوا، وبوظيفة القيام بخدمة الله تكلفوا، فلو
كان في الدنيا خير لم تفت هؤلاء الأكياس، الذين هم حجج الله على الناس،
وأي خير في الملك والمال وصاحبهما إما قائم بحقوقهما فذاك مسلوب اللذة والقرار،
وإما مضيع لما وجب عليه فيهما فمصيره إلى النار.
يا نفس:
الاعتماد على الله منوط بالنجاح، ومقود بأزمة الفلاح، والتعلق بغيره
مقرون بالخذلان، وموجب للحرمان، وإن الله أقسم بعزته وجلاله، وعظمته
وكماله، أن يقطع أمل كل آمل أمل سواه بالأياس، وأن يكسوه ثوب المذلة في
الناس، ويأمر السماوات والأرضين أن تقفل دونه أبوابها، وأن تقطع عنه أسبابها،
ومن توكل على الله ذلت له الصعاب، وتسهلت عليه الأسباب، فثقي بالله ربك،
وتوكلي على الله فهو حسبك، واطلبي رفده (2) (أليس الله بكاف عبده) (3).
واعلمي: أن الذي للتوكل تارك، مكذب بهذه الآية وهو هالك.

الظالم. مجمع البحرين 3: 404 عشر.
(1) أي: ذات حمل. مجمع البحرين 3: 513 وقر.
(2) أي: عطاء وعونه. مجمع البحرين 3: 53 رفد.
(3) الزمر 39: 36.
118

يا نفس:
في الحديث: أن جمود العين من قساوة القلب، وهو يؤذن بالبعد عن الرب،
وأنه ما من شئ إلا وله وزن أو كيل، إلا الدموع من خشية الله في جوف
الليل، فإن القطرة القليلة المقدار، تطفئ بحارا من النار، وإن القطرة كمثل
رأس الذباب، كجبل أحد يوم الحساب من الأجر والثواب، والبكاء من خشية
الله ينير القلب، ويعصم عن معاودة الذنب.
يا نفس:
فعليك بإرسال الدموع السجام (1)، عند تذكارك الذنوب العظام،
والفضائح في يوم القيام، وإشفاق الخلائق من الملك العلام، وقد خرست الألسن
والشقاشق (2)، وكانت الجوارح هي (3) الشاهد والناطق، يوم تكشف فيه
العورات، ويؤمن فيه النظر والالتفات، وكيف للمرء بالنظر إلى من يليه، و
(لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) (4).

(1) أي: في حال كونها سجام الذي هو: قطرات الدمع وسيلانه. اللسان 12: 280 سجم.
(2) قال ابن منظور في اللسان 10: 185 شقق: والشقشقة: لهاة البعير ولا تكون إلا للعربي من الإبل
وقيل: هو شئ كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج، والجمع الشقاشق، ومنه سمي الخطباء شقاشق
شبهوا المكثار بالبعير الكثير الهدر.
(3) في ب: بين.
(4) عبس 80: 37.
119

يا نفس:
فمنهم المسحوب على وجهه، والمقرون مع شكله وشبهه، ومنهم الجاثي
على ركبتيه، والمعلق بشفتيه، ومنهم كالذر فيوطأ بالأقدام، ومنهم من يصلب على
شفير جهنم عشرة آلاف عام، أو صلبا ليس لمدته انصرام (1)، ومنهم من يطوق
بشجاع (2) في جيده (3)، ينهشه في وجهه ووريده، ومنهم من تطؤه ذوات الأخفاف
بأخفافها، وذوات الأظلاف بأظلافها، ومنهم المقرون مع الشياطين، والمسجون
في سجين، ومنهم من القردة والخنازير في صورتهم، ومنهم كالجيف (4) فيتقذرهم
أهل الموقف لشدة نتنهم، ومنهم من يسيل من أفواههم وفروجهم القيح
والصديد، ومنهم من له ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما
في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد، فأحق الناس بالتغبيط (5) الطائع
الرشيد، وأحق الناس بالعذاب البسيط العاصي العتيد (6)، وقلت شعرا.
شعر:
أحق الناس أن يصلى بنار * فتى ذو مال أذهبه الغناء

(1) أي: انقطاع. مجمع البحرين 6: 101 صرم.
(2) وهي: الحية الذكر، وقيل: الحية مطلقا. لسان العرب 8: 174 شجع.
(3) أي: في عنقه. مجمع البحرين 3: 33 جيد.
(4) في أ: كالجيفة.
(5) من الغبطة التي هي: أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها ولا أن تتحول عنه. اللسان
7: 359 غبط.
(6) في أ: العنيد.
120

تجمع من نهاوش (1) ثم يلقى * نهابر (2) إن ذاك هو الشقاء
فويل ثم ويل ثم ويل * له في الحشر إذ عظم البلاء
يا نفس:
احذري: (يوما عبوسا قمطريرا) (3)، (يوم تمور السماء مورا
وتسير الجبال سيرا) (4) (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا
انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا) (5)،
(يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا
محجورا) (6).
يا نفس:
احذري: (يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده
مفعولا) (7)، (يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا) (8)،
(يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون
كتابهم ولا يظلمون فتيلا) (9)، (يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة

(1) وهو: أن يكتسبه من غير حله. كأنه أخذه من أفواه الحيات. اللسان 6: 361 نهش.
(2) أي: مهالك وأمورا شدادا صعبة. اللسان 5: 239 نهبر.
(3) الانسان 76: 10.
(4) الطور 52: 9 - 10.
(5) الحديد 57: 13.
(6) الفرقان 25: 22.
(7) المزمل 73: 17 - 18.
(8) المزمل 73: 14.
(9) الإسراء 17: 71.
121

تنزيلا) (1)، (يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول
سبيلا) (2)، (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا
الرسولا) (3).
يا نفس:
احذري: (يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها
شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) (4)، (يوم الفصل) (5)، (وما أدراك ما
يوم الفصل) (6)، (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن
آمنت من قبل) (7)، (يوم نسير الجبال) (8)، (يوم لا بيع فيه
ولا خلال) (9)، (يوم الآزفة) (10)، (يوم ترجف الراجفة تتبعها
الرادفة قلوب يومئذ واجفة) (11).

(1) الفرقان 25: 25.
(2) الفرقان 25: 27.
(3) الأحزاب 33: 66.
(4) البقرة 2: 48.
(5) الصافات 37: 21، الدخان 44: 40، المرسلات 77: 38، النبأ 78: 17.
(6) المرسلات 77: 14.
(7) الأنعام 6: 158.
(8) الكهف 18: 47.
(9) إبراهيم 14: 31.
(10) غافر 40: 18.
(11) النازعات 79: 6 - 8.
122

يا نفس:
احذري: (يوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون) (1)، (يوم
لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) (2)، (يوم لا ينفع مال ولا بنون) (3)،
(يوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون) (4)، (يوم يدعون إلى
نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون) (5)، (يوم يخرجون من
الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك
اليوم الذي كانوا يوعدون) (6)، (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها
وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون) (7).
يا نفس:
احذري: (يوم الدين) (8)، (وما أدراك ما يوم الدين) (9)،

(1) فصلت 41: 19.
(2) المرسلات 77: 35 - 36.
31) الشعراء 26: 88.
(4) الجاثية 45: 27.
(5) الطور 52: 13 - 14.
(6) المعارج 70: 43 - 44.
(7) النحل 16: 111.
(8) الانفطار 82: 15.
(9) الانفطار 82: 17.
123

(يوم يقوم الناس لرب العالمين) (1)، (يوم التناد يوم تولون
مدبرين) (2)، (يوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في
الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين) (3)، (يوم الجمع لا ريب
فيه فريق في الجنة وفريق في السعير) (4)، (يوم لا مرد له من الله ما
لكم من ملجاء يومئذ وما لكم من نكير) (5).
يا نفس:
احذري: (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه) (6)،
(يوم يتذكر الانسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى) (7)، (يوم
يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شئ
شهيد) (8)، (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات
حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله
شديد) (9).

(1) المطففين 83: 6.
(2) غافر 40: 32 - 33.
(3) النمل 27: 87.
(4) الشورى 42: 7.
(5) الشورى 42: 47.
(6) عبس 80: 34 - 36.
(7) النازعات: 79: 35 - 36.
(8) المجادلة 58: 6.
(9) الحج 22: 2.
124

يا نفس:
احذري: (يوم التلاق) (1) (يوم يكشف عن ساق) (2)، (إلى
ربك يومئذ المساق) (3)، (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا
من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه
مآبا) (4)، (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت
ترابا) (5).
يا نفس:
احذري نارا شديد كلبها (6)، عال لجبها، ساطع لهبها، متأجج سعيرها،
متغيظ زفيرها، بعيد خمودها، ذاك (7) وقودها، متخوف وعيدها، قعرها بعيد،
وحرها شديد، وعذابها جديد، وحليها أصفاد (8) الحديد (9)، وإذا قيل لها: هل

(1) غافر 40: 15.
(2) القلم 68: 42.
(3) القيامة 75: 30.
(4) النبأ 78: 38 - 39.
(5) النبأ 78: 40.
(6) في أ: قوله: كلبها أي: مشارتها، والتكالب: المشارة. ولجبها أي: صوتها، وجيش لجب أي: ذي
صوت وكثرة. وبحر لجب: إذا سمع اضطراب موجه. والأجيج: تلهب النار. وقوله: متغيظ زفيرها
التغيظ: الصوت الذي يهمهم به المغتاظ، والزفير: صوت من الصدر
(7) من الذكاء بالفتح الذي هو: شدة وهج النار واشتعالها. مجمع البحرين 1: 159 ذكا.
(8) أي: أغلال. المفردات: 282 صفد.
(9) في ج، د: وحليها حديد.
125

امتلأت؟ وتقول: هل من مزيد (1).
يا نفس:
انظري أولا في ذنوبك الظاهرة، قبل حلول الساهرة (2)، ثم انظري في
الموت وسكرته، والقبر ومسألته، ثم انظري بعد هذه الثلاث، إلى عذاب
الأجداث، ثم انظري رابعا في أهوال النداء يوم النشور، عند نفخة الصور، وكيف
يساق الخلق من القبور، إلى موقف الساهرة حفاة، وإلى أرض المحشر عراة؟!
يسوقهم الله بالنفخة الأولى وهي الراجفة، ثم يتبعها بعد أربعين سنة بالنفخة
الثانية وهي الرادفة.
يا نفس:
ثم انظري خامسا في جميع (3)، الخلائق على صعيد، وأهوال اليوم الشديد (4)،
وعدة تلك الأمور (5) العظام، على ما ورد عن النبي عليه السلام: خمسون هولا
بخمسين ألف عام، ثم انظري سادسا في المناقشة في الحساب في القليل والكثير،
والاستقصاء (6) والمضايقة في النقير والقطمير (7).

(1) إشارة إلى قوله تعالى (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) سورة ق 50: 30.
(2) وهي أرض القيامة. المفردات 245 سهر.
(3) في ج، د: في جمع.
(4) في ج، د: وهول ذلك اليوم الشديد.
(5) في أ: الأهوال.
(6) في أ: والاستفصاء.
(7) النقير: النقرة التي في ظهر النواة. والقطمير: الجلدة الرقيقة على ظهر النواة. مجمع البحرين 3
500 نقر، و 462 قطمر
126

يا نفس:
ثم انظري سابعا في جهنم (1) وأهوالها، وسلاسلها وأغلالها، وسمومها
ونكالها، وزقومها ووبالها، وإلي شررها التي ترمي بها كالجبال، وإلى عقاربها
الفاغرة (2) أفواهها وهي كالبغال، وإلى حياتها الصالفة بأنيابها وهي كالنخل
الطوال، وإلى زبانيتها (3) العظام، الذي ما بين منكبي أحدهم مسير عام، كيف
وقد زمت (4) بسبعين ألف زمام، وردمت (5) بالغضب والانتقام، معذبها مقيم، وهينها
أليم، يأكل بعضها بعض، ويصول بعضها على بعض، تذر العظام رميما، وتسقي
أهلها حميما (6)، لا ترحم من استعطفها وتضرع لديها، ولا يقدر على التخفيف
عمن خشع لها واستسلم إليها.
يا نفس:
إن الله يحشر المتكبرين والمتجبرين كالذر في صورهم وألوانهم، يطؤهم

(1) في ج، د: ثم صوري في نفسك جهنم.
(2) أي: الفاتحة. مجمع البحرين 3: 441 فغر.
(3) الزبانية: قسم من الملائكة غلاظ شداد، وسمو بذلك لدفعهم أهل النار إليها. اللسان 13: 194
زبن.
وفي ب: زبانيها.
(4) أي: شدت. مجمع البحرين 6: 80 زمم.
(5) أي: سدت. مجمع البحرين 6: 72 ردم.
وفي ج، د: مردومة.
(6) في أ: جحيما.
127

أهل الموقف يوم القيامة لهوانهم، فيا خجل المقصرين من التوبيخ في محل
القيامة، ويا حسرة أهل التفريط من زلات يوم الطامة، ويا سوء منقلب الظالمين
عند حلول الندامة، ويا حسرة الهالكين إذا عاينوا أهل السلامة، ويا هوان
المتكبرين إذا حرموا من دار الكرامة.
يا نفس:
يومئذ تبرز المخبئات، وتبدوا المكتومات (1)، وتظهر الفضائح، وتكثر
الجوائح (2)، وتشهد الجوارح، وتبعثر الضرائح، وتعدد القبائح، وقيد الجبابرة
بخطم الأرغام (3)، وجثى (4) الظالمون بين يدي حاكم الحكام، وعرف المجرمون
بسيماهم فأخذوا بالنواصي والأقدام، وقضي بدار البوار لمن حرم دار السلام.
يا نفس:
فإذا عرفت في هذا المقام، بعض شدائد أهوال يوم القيام، فانظري إلى
الجنة كيف زخرفها الله بالنعيم وملأها بالإنعام، وشوق إليها الأتقياء والأخيار
من الأنام، وجعلها ثمانية أقسام: جنة عدن وجنة نعيم وجنة الخلد وجنة المأوى
وجنة الفردوس ودار الجلال ودار الكمال ودار السلام، لبنة من ذهب ولبنة من

(1) في ب: المكنونات.
(2) في أ: قوله الجوائح أي: الشدائد، والجائحة الشدة، والجوح: الاستيصال، وأجاحه: أهلكه بالجائحة.
وفي د: الصوائح.
(3) الخطم: الأنف، والرغام: التراب. اللسان 12: 186 خطم، و 247 رغم.
(4) في ج: وجث.
128

فضة حصاؤها (1) اللؤللؤ والمرجان وترابها الزعفران تضع عليها الأقدام.
يا نفس:
وفيها كما ذكر ذو الجلال في سورة القتال: (أنهار من ماء غير آسن
وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل
مصفى ولهم فيها من كل الثمرات) (2)، مطهرة من الدنس والآثام، أهلها
في أكناف القصور كأمثال البدور بيض الوجوه سود العيون نواعم الأجسام،
حسنهم على قدر أعمالهم فمنهم كالكوكب الدري الغاير في الأفق ومنهم كالبدر
في ليالي التمام، تشرق وجوههم وتضئ أعمالهم ويذهب عنهم الهم ويذهب عنهم
السقام، في نعيم وسرور وجنة وحرير وغبطة وحبور ومساكن وقصور وقباب
وخيام.
يا نفس:
وعلى كل واحد منهم سبعون حلة من سندس وإستبرق منسجلة (3)
الذيول مطرزة الأعلام، وكلما غردت فون الغصون حمامات الأوكار وجرت
تحت القصور أمواه الأنهار هبت النسيم نفحت الأشجار تلألأت الزهور تفتحت
الأكمام، وكلما تعبت مصاريع القصور تغنت الولدان والحور تراقصت البلابل

(1) في أ: حصياتها.
(2) سورة القتال - محمد صلى الله عليه وآله وسلم - 47: 15.
(3) أي: مسترخية. اللسان 11: 325 سجل.
129

وتجاوبت الطيور بأحسن نغام وأمتن (1) نظام، يأكلون ويشربون ويتنعمون لا
يفنى شرخ شبابهم (2) ولا يبلى صافي ثيابهم ولا يترنق (3) صافي شرابهم على طول
الدهور وممر الأيام.
يا نفس:
فوا عجبا لطالب هذا الخير العميم، والرزق الجم (4) العظيم، والمغفرة
والأجر الكريم، كيف يطيب له رقاد ويلذ له منام؟! أو كيف ينام قرير العين
من طالبه لا ينام؟! أو كيف يطمع بالبقاء من ينقص عمره على ممر الساعات
والأيام والشهور والأعوام؟ صدق عليه السلام: الناس نيام.
شعر:
يا أيها الرقد كم ذا المنام (5) * علام ذا الغفلة جهلا علام
علام تفني العمر لا ترعوي * سكرت يا هذا بغير المدام (6)
في طمع الدنيا ولذاتها * وجمع ما تتركه من حطام
حل بك الشيب أما تستحي * ما آن إقلاعك عن ذي المرام
تماري الشبان في جهلهم * ذو شيبة يفعل فعل الغلام

(1) في أ: وأبين.
(2) أي: أول شبابهم. اللسان 3: 29 شرخ.
(3) أي: لا يكدر. مجمع البحرين 5: 13 رشق.
(4) في أ: الجسيم.
(5) في أ: القيام.
(6) في أ: المرام.
130

كأن بالصحة قد حولت * والبس المسكين ثوب السقام
فارقت القوة أركانها * عن كل ما يعهد حتى الطعام
طاف به الأهل ولا حيلة * حتى سقاه الموت كأس الحمام
فيا هنيئا لامرئ قدمت * يداه خيرا بعده لا يضام
ويا حيا المذنب من زلة (1) * موبقة ترديه (2) بين الأنام
يا نفس:
فدراك دراك، قبل حلول الهلاك، قبل هجوم ما لا يدفع، وذهاب ما لا
يرجع، والاعتذار بما لا يسمع، وشخوص الأبصار في المحاجر (3)، وبلوغ
القلوب الحناجر.
وانظري إلى منظر تنصدع منه المرائر، وتعلن فيه السرائر، وتكشف فيه
الصغائر والكبائر، فلا مشمر (4) يومئذ إلا ظافر، ولا مقصر إلا خاسر.
يا نفس:
ما أقبح التقصير بعد التحذير، وما أحسن التشمير بعد التبذير، وما
أعظم المصيبة على من فقد قلبا واعيا، وما أسرع العقوبة على من عدم طرفا

(1) في أ، ب: ذلة، والأنسب ما أثبتناه، وهو من ج، د.
(2) في ج، د: تفضحه.
(3) جمع محجر بالكسر وهو: ما دار بالعين من جميع الجوانب وبدا من البرقع. مجمع البحرين 3: 260
حجر.
(4) أي: متهيأ. اللسان 4: 427 شمر.
131

باكيا.
شعر:
كنت في سفرة الغواية والجهل * دواما فحان (1) منك قدوم
بعد خمس وأربعين لقد ما * طلت لولا أن الغريم كريم
فعسى أن رجعت عن كل حوب * يمح بهذا الحديث ذاك القديم
يا نفس:
إنك عن قريب في البرزخ منبوذة، وبكبائر ذنوبك وصغائرها مأخوذة،
فكيف بك إذا بلغ كتابك المسطور الأجل؟! وحرر حسابك المحصور وحصل؟
وقضي قضاؤك المقدور ونزل؟ وخاب رجاؤك المغرور وبطل؟
شعر:
فيا هنيئا لخير كسبت * يداه خيرا وجد في أجره
وقد تردى بحكمة وتقى * سيان في عسره وفى يسره
ودأبه الصوم والصلاة معا * في يومه والهجود (2) في سحره
ويا تبابا لكادح كدحت * يداه شرا وقد جد في ضرره
مشتمل بالضلال كم بدع * أبدع في بدوه وفي حضره
مباغي البغي يبتغي أثرا * وخده لا يزال في صغره

(1) في ج، د: فحار.
(2) من التهجد، قال تعالى: (ومن الليل فتهجد به) 17: 79 أي: تيقظ بالقرآن.
132

فذاك قصراه في قيامته * بقصره مرتق على سرره
وأن هذا بيوم مبعثه * مسعر الجسم ظل في سعره
يا نفس:
ألا تنظرين إلى الذين عمروا الدنيا زمانا، وجعلوها أوطانا، واتخذوا منها
أموالا وأعوانا، فاخرجوا منها وحدانا، وزودوا من متاعها أكفانا، ولم يجدوا من
خوفها أمانا.
جرت الرياح على محل ديارهم * فكأنهم كانوا على ميعاد
أقاموا (1) في بطون الأرض بعد ظهورها، وسكنوا في قبورها بعد قصورها،
فهم في مضاجع الهلكات راقدون، وفي بلاقع (2) الفلوات خامدون.
يا نفس:
فلو كشفت عنهم أغطية الأجداث، بعد يومين أو ثلاث، لرأيت
الأحداق (3) على الخدود سائلة، والديدان في الأجساد جائلة، والألوان من ضيق
اللحود حائلة، ينكرها من كان لها عارفا، وينفر عنها من لم يزل بها آلفا، قد

(1) في ج، د: قاموا.
(2) جمع بلقع وهو: الأرض القفر التي لا شئ بها. اللسان 8: 21 بلقع.
(3) قال الطريحي في المجمع 5: 144 حدق: وفي الحديث حدقة العين وهي: سوادها.
133

رقدوا في مقابرهم فيها داخرون، وخمدوا في مصائر يفضي إليها الأولون
والآخرون، فسمعا يا بني الأموات لداعي آبائكم سمعا، وقطعا لبقاء رجائكم
في الدنيا قطعا، أسوة بمن كان من قبلكم من القرون من هو أشد منكم قوة
وأكثر جمعا.
يا نفس:
إن قوارع (1)، الأيام خاطبة فهل أذن لعظاتها واعية؟ وإن فجائع الزبايا
صائتة فهل نفس إلى التنزه عنها داعية؟ وإن طوامع الآمال كاذبة فهل قدم إلى
التجنب عنها ساعية؟ فكيف تغفلين عن الاستقامة ولا بد من إدراكك؟! وكيف
تغترين بالسلامة ولا ريب في هلاكك؟! فيا عجباه لمن تخرب الأيام عمره وهو
يعمر دارا، ويا رحمتاه لمن يوقن بحلول الموت به وهو يلذ قرارا.
شعر:
وما الدنيا بباقية لحي * ولا حي على الدنيا بباق
يا نفس:
استيقظي من غفلتك، وانتبهي من رقدتك، قبل أن يقال فلان عليل،
ومدنف (2)، بخيل (3)، فهل على الدواء من دليل؟ أم هل إلى طبيب من سبيل؟ ثم

(1) أي: دواهي. مجمع البحرين 4: 376 قرع.
(2) المدنف: المثقل في المرض. مجمع البحرين 5: 59 دنف.
(3) في ج، د: ثقيل.
134

عرق جبينك، وتتابع حنينك (1)، وأطبقت جفونك، وصدقت ظنونك، وتلجلج
لسانك، وبكى إخوانك، ثم حل بك أمر القضاء، ونزعت نفسك من الأعضاء،
ثم غسلت وكفنت، ثم بعد ذلك دفنت، وبقيت مرتهنة بأعمالك، وانصرف
وراثك (2) إلى مالك،، وانصرفت إما إلى رضوان أو إلى مالك.
يا نفس:
فهلمي إلى محاسبة نفسك قبل مواثبة رمسك، وتدارك يومك وأمسك قبل
شهادة حواسك وفض طرسك، وكوني من الله على وجل، ولا تغتري بالأمل
ونسيان الأجل، وأن تخرجي بغير زاد، وتقدمي على غير مهاد، فتعظم ندامتك
يوم قيامتك، وتكثر حسرتك يوم كرتك، وتغصي في ذلك المقام المهول بريقك،
وتصبحي شماتة عدوك ورحمة صديقك.
يا نفس:
قد خفقت فوق رأسك أجنحة الموت، ورمقتك عن قريب أعين الفوت،
فأهملي عبراتك إذا ذكرت عثراتك، وكيف يفرح بصحبة الدنيا صدرك؟ وكيف
يلتئم في غمراتها أمرك، وقد دعاك باقتراب الأجل قبرك؟ فهلا تنظرين إلى
الذين مضوا نظرة، أما لك بهم عبرة، كيف أصبح جمعهم بورا، وأملهم غرورا،
وخلفوا فرادى في أضيق المضاجع، وصرعتهم المنايا في أعجب المصارع،

(1) في أ، ج، د: أنينك.
(2) في ج، د: أهلك.
135

وذهبت الشهوات، وبقيت التبعات؟!.
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها * من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في معقبها * لا خير في لذة من بعدها النار
يا نفس:
حتام إلى الحياة سكونك، وإلى الدنيا وعمارتها ركونك، أما اعتبرت بمن
مضى من أسلافك، ومن وارته الأرض من ألافك، ومن فجعت به من إخوانك،
ونقل (1) إلى دار البلى من أقربائك (2)
شعر:
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها * محاسنهم فيها بوال دواثر
خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم * وساقتهم نحو المنايا المقادر
وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها * وضمتهم تحت التراب الحفائر
وحلوا بدار لا تزاور بينهم * وأني لسكان القبور التزاور

(1) في أ: ونقلت.
(2) في ج، د: من أقرائك.
136

يا نفس:
فكيف أمنت هذه الحالة، وأنت صائرة إليها لا محالة؟! أم كيف تتهنئين
بحياتك، وهي مطيتك إلى مماتك؟! أم كيف تسيغي طعامك وأنت تنظري حمامك؟!
وهل يحرص على الدنيا لبيب، أو يسر بلذتها أريب، وهو على ثقة في فنائها،
وغير طامع في بقائها؟! أم كيف تنام عين من يخشى البيات (1)، أو تسكن نفس
من يتوقع الممات؟!
ومن يصحب الدنيا يكن مثل مستق * من الماء من بئر عميق بمنخل
فطلقهما يمن المفازة دائما (2) * وتنجو بعون الله من كل موجل
يا نفس:
ضعي فخرك، واحططي كبرك، واذكري قبرك، ولا تقولي: غرتني
الدنيا وقد أرتك مضاجع آبائك من الثرى، ومصارع (3) أمهاتك من البلى، كم
مرضت بكفيك، وكم عالجت بيديك؟! تبتغي لهم الشفاء، وتستوصفي لهم
الأطباء، مثلت لك بهم الدنيا مضجعك، وبمصرعهم مصرعك.

(1) البيات: الأخذ بالمعاصي. مجمع البحرين 2: 194 بيت.
(2) كذا في ب، ولم يرد البيت بأكمله في أ.
(3) في ج، د: ومنازل.
137

يا نفس:
إن الجنازة عبرة للبصير، وفيها تنبية وتذكير (1)، وأهل الغفلة لا تزيدهم
مشاهدتها إلا قسوة، ولا توليهم مباشرتها إلا صبوة، ومنهم من يضمر التوبة،
وترك الحوبة، فيغشى من الجزع عليه، وقد خضبت الدموع خديه.
شعر:
عجبت لمن يبكي على فقد غيره * دموعا ولا يبكي على فقد نفسه (2)
ولو كان له عقل لبكى على نفسه * وما فرط في يومه وأمسه
شعر:
ويبكي على الموتى ويترك نفسه * ويزعم أن قد قل عنهم عزاؤه
فلو كان ذا رأي وعقل وفطنة * لكان عليه لا عليهم بكاؤه
يا نفس:
ثم بعد أن يسير، تنسي ذلك الأمر الخطير، فتحيي شهوات السيئات،
وتميتي قربات الحسنات، ولقد أحسن ورام (3) قدس الله سره في هذه الأبيات.

(1) في أ: إن الجنازة عبرة، وفيها تنبيه وتذكرة.
(2) في أ، ب: ولا يبكي على فقده دما، وما أثبتناه من ج، د، وهو الأنسب، لموافقته للقافية.
(3) قال الشيخ منتجب الدين في الفهرست 195: الأمير الزاهد أبو الحسين ورام بن أبي فراس بحلة،
من أولاد مالك بن الحارث الأشتر النخعي صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. عالم فقيه صالح، شاهدته بحلة ووافق الخبر الخبر. قرأ على شيخنا الإمام سديد الدين محمود
الحمصي رحمه الله بحلة وراعاه.
138

بيت:
مذ رأينا القبور تبنى فتبنا * قدر ما غيب الدفن وغبنا
كم دفنا أخا عزيزا وابنا * وشرجنا عليه طينا ولبنا
لو رجعنا عما زجرنا أجرنا * وتركنا ما اغتصبنا أصبنا
وقبيح علي ذكر الغواني * بعد ما قد مضى الشباب وشبنا
يا نفس:
من أكثر من ذكر قبره وعمل له وجده روضة من رياض النعيم، ومن
غفل ذلك وجده حفرة من حفر الجحيم، وفي الحديث: إن أزهد الناس من لم
ينس القبر والبلى، وترك فضل زينة الدنيا، وآثر ما يبقى على ما يفنى، ولم يعد
من أيامه غدا.
يا نفس:
تعجب الأرض لرجل (1) يمهد مضجعه للمنام، ولا يمهده بالعمل الصالح لطول يوم القيام.

(1) في أ: من رجل.
139

شعر:
ستندم عند الموت كل ندامة * إذا ضم أعضاك الثرى المتضايق
وصرت طريحا في ضريحك مفردا * ويهجرك الجار القريب الملاصق
فذنبك إن أبضغته فمعانق * وما لك إن أحببته فمفارق
وإنك مأخوذ بما قد جنيته * وإنك مطلوب بما أنت سارق
يا نفس:
ما من أحد من العباد، إلا ويناديه قبره: أنا بيت الوحدة والانفراد،
فإن كنت ذا ثواب كنت عليك اليوم رحمة، وإن كنت ذا عقاب فأنا عليك اليوم
نقمة، أنا الذي من دخلني طائعا خرج مسرورا، ومن دخلني عاصيا خرج
مثبورا (1)، ثم يناديه الموتى من جيرانه: أيها الوارد علينا بعد موت إخوانه (2) أما
كان لك فينا عبرة، أما كان لك في تقدمنا إياك فكرة.
يا نفس:
فالسعيد من اعتبر بأمسه واستظهر لنفسه (3)، والشقي من جمع لغيره
وبخل على نفسه بميره (4).

(1) أي: مهلكا وملعونا. مجمع البحرين 3: 235 ثبر.
(2) في ج، د: أخدانه.
(3) في أ: بنفسه.
(4) قال ابن منظور في اللسان 5: 188 مير: الميرة: الطعام يمتاره الانسان.
140

شعر:
أيا جامع المال من جله (1) * يبيت ويصبح في ظله
سيؤخذ منك غدا (2) كله * وتسأل من بعد عن كله
وارثك يأكله هنيئا، طيبا مريئا، يأكله حلالا، وهو كان عليك وبالا،
خضت في جمعه لجج البحار، ومفاوز (3) القفار، ثم لم تؤدي منه الزكاة، ولم تنفقيه
في القربات، فكم من باطل جمعتيه، ومن حق منعتيه؟! وإن من أعظم
الحسرات، وأكبر البليات، مال لا ينتفع به صاحبه في حياته، وضره بعد وفاته،
قد جمع فأوعى، وشد فأدلى، يرى ثواب ماله في ميزان سواه، ووزره يحمله
على قفاه، فيا لها من حسرة لا تقال، ورحمة لا تنال.
شعر:
يلج ابن آدم في رزقه * كأن رحى الموت لا تطحنه
فكم من حريص على ماله * لأعدائه عد وله يخزنه
فمن يزرع خيرا يحصد السلامة، ومن يزرع شرا يحصد الندامة.
شعر:
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد * ذخرا يكون كصالح الأعمال

(1) في ب: من حيلة.
(2) في أ: غدا منك.
(3) أي: مهالك. مجمع البحرين 4: 30 فوز.
141

يا نفس:
ما شر بشر بعده النعيم، وما خير بخير بعده الجحيم، فكل نعيم دون
الجنة حقير، وكل بلاء دون النار يسير.
واعلمي: أن الغني قلة تمنيك، والرضى بما يكفيك، ومن أطال الأمل
أساء العمل، ومن أكثر الرقاد عدم المراد، وتخليص النية من الفساد، أشد على
العاملين من طول الاجتهاد.
يا نفس:
ومن العجب أنك، تخافين اللص على مالك، فتستظهرين في حفظ ذلك
بإغلاق الباب (1)، وإقامة الحجاب، ورفع الحيطان، وترصيص البنيان، ثم تنسين
الموت الذي يدرك بلا طلب (2)، ويعلق بلا سبب، لا يمنعه مانع، ولا يدفعه دافع،
فانظري إلى الموت هل فاتته نفس في مطمح النسر أو مسبح النون (3).
يا نفس:
أنظري إلى محاسن ما قيل، وذكر في الكنز المذكور في التنزيل: عجبا

(1) في ب: الأبواب.
(2) في ب: بلا طالب.
(3) جملة: فانظري إلى الموت هل فاتته نفس في مطمح النسر أو مسبح النون. غير واضحة القراءة في أ
و ب، فأثبتنا ما استظهرناه، والله العالم.
142

لمن أيقن بالقبر (1) كيف يحزن أو يغضب؟! وعجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل
أو يلعب؟! وعجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح؟! وعجبا لمن أيقن بالرزق كيف
يترح؟! (2) وعجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها، يكف يطمئن إليها ويصحبها؟!
شعر (3):
إذ المرء كانت له فكرة * ففي كل شئ له عبرة
والتفكر في خلق الله وأمره عبادة جليلة، ففي الحديث: فكر ساعة خير
من قيام ليلة، فمن لم يكن كلامه ذكرا فهو لغو، ومن لم يكن نظره اعتبارا فهو
لهو، ومن لم يكن سكوته فكرا فهو سهو، فتفكري قبل أن تعزمي، وتدبري
قبل أن تهجمي، وشاوري قبل أن تقدمي.
شعر:
دافع الأيام بالفكرة * في يوم الممات
وارض من عيشك بالكسرة * والماء الفرات
فهي تكفيك وتغني * عن جميع الشهوات

(1) في أ: با لقدر.
(2) أي: كيف يحزن. مجمع البحرين 2: 344 ترح.
وفي ب: كيف ينزع.
(3) في أ، ب: يا نفس.
143

يا نفس:
إقبال الدنيا كإلمامة (1) ضيف، أو سحابة صيف، أو زيارة طيف.
بيت:
ومن يصحب الدنيا يكن مثل قابض * على الماء خانته فروج الأصابع
وفي الخبر: أن عيسى عليه السلام أتته الدنيا، في صورة عجوز هتما (2)،
وتبرجت وتجلت، وبأحسن الحلي تحلت، فقال لها: كيف أزواجك إذا فارقوك،
أماتوا عنك أم طلقوك؟ فقالت: بل قتلتهم بمضرتي (3)، وأدخلتهم في غرتي،
فقال: تبا لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين.
شعر:
إنما الدنيا فناء * ليس للدنيا ثبوت (4)
إنما الدنيا كبيت * نسجته العنكبوت
إنما يكفيك منها * أيها العاقل (5) قوت

(1) أي: كنزول. مجمع البحرين 6: 165 لمم.
(2) الهتماء: التي انكسرت ثنيتها: اللسان 12: 600 هتم.
(3) في ب: بمضربي.
(4) في أ:
إنما الدنيا بلاء * ليس فيها من ثبوت
(5) في أ. المغرور.
144

ولعمري عن قريب (1) * كل من فيها يموت
يا نفس:
أراك تفرحين كل يوم (2) بزيادة (3) مالك، ولا تحزنين لنقصان (4) عمرك
وصالح أعمالك، وما ينفع مال يزيد وعمر ينقص، وإثم يدوم (5) ونعيم يخلص.
شعر:
حياتك أنفاس تعد فكلما * مضى نفس منها انقضت به جزء
وما أقبح بك يأتيك اليسير من الدنيا فتفرحين، ويفوتك الكثير من دينك
فلا تحزنين.
بيت:
أترضى بأن تفنى الحياة وتنقضي * ودينك منقوص ومالك وافر (6)

(1) في أ: عن قليل.
(2) في أ: أراك كل يوم تفرحين.
(3) في ج، د: لزيادة.
(4) في أ، ج، د: بنقصان.
(5) في د: وعمر ينقص ولم يدم.
(6) في ب: زاخر.
145

يا نفس:
في الحديث المشهور، والخبر المأثور (1): إن العبد إذا بلغ أربعين، من مدة
عمره من السنين، ناداه مناد من عند الجليل (2): قد دنا الرحيل، فأعد الزاد،
ليوم المعاد، ويؤمر حافظاه بالتحقيق عليه والاحصاء، والمناقشة والاستقصاء.
وفي حديث آخر: إن لله ملكا ينادي كل ليلة: يا أبناء الستين، عدوا
أنفسكم في الموتى ولو بعد حين، وقد حكم سيد البرايا، أن ما بين الخمسين إلى
الستين مبدأ اعتراك المنايا.
شعر:
ما عذر من جر عاريا رسنه * ما عذره بعد أربعين سنة
أكل ما طالت الحياة به * أطال عن أخذ حذره وسنه
فعلام يا نفس الإهمال، عن صالح الأعمال، وقد لهزك القتير، ووافاك
النذير؟!
شعر:
وما أقبح التفريط في زمن الصبا * فكيف به والشيب للرأس شامل

(1) في ج، د: في الحديث المأثور والخبر المشهور.
(2) في أ: الخليل.
146

يا نفس:
ومن العجب أنك تبذلي الهدايا الجزيلة، والتحف النبيلة، من الملابس
والمطاعم، مما تستحسنه الأكابر والأعاظم: من برد يمني، أو ديباج رومي،
أو خز سوسي، أو حرير صيني، أو جوخ (1) نبطي، أو صوف قبرصي، أو
بساط أرمني، أو سكر أهوازي، أو عسل أصفهاني، أو شهد كسرواني، أو
مسك نبني، أو عنب شجري، أو عود صندلي، لتبتغي بذلك جزاه، وزيادة
الأبهية (2) والجاه، وليس فعلك ذلك لله، ثم قد تذهب هديتك عليك مجانا (3)، ولا
ترين من المهدي إليه إحسانا، وأنت مع ذلك لا تهدين إلى المسكين والفقير،
ولا تجبرين قلب الحزين الكسير، ولا تلفين إلى اللطيف الخبير، بل لو دعاك
الفقير إلى مائدته لأبيت، ولو دعاك الغني لبيت، وقد يحسن لك هديتك في
إحسانه أكثر، ومنته عليك عند الناس أكبر، هذا مع خلوك من الثواب الجزيل،
والأجر النبيل، وكونه سبحانه يحاسبك على هديتك على القليل والكثير،
ويناقشك على الفتيل (4) والنقير، وتحملين وزر هديتك على قفاك، لأنك لم تجعليه
لله الذي خلقك فسواك، فبالله إلا ما اشتريت نفسك من العذاب المهين،
بالاحسان إلى الفقير والمسكين، واذكري (يوم يتذكر الانسان ما سعى *
وبرزت الجحيم لمن يرى * فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم
هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة

(1) في ب: أو جوج.
(2) أي: العظمة والكبرياء. مجمع البحرين 6: 339 أبه.
(3) بالتشديد أي: بلا بدل مجمع البحرين 6: 314 مجن.
(4) وهو: قشر يكون في بطن النواة، وهو مثل للقلة. مجمع البحرين 5: 439 فتل.
147

هي المأوى) (1)، وبالله إلا ما تتنزهي عن الوقوف في خدمة الأغنياء،
ومعاشرة أهل السمعة والرياء، فإن في فعل ذلك ذهاب ثلثي دينك، وضعف قوة
يقينك، وذلك لمدحك إياهم باللسان، وخدمتك إياهم بالدركان (2)، ولو اعتقدت
فيهم بالجنان، لذهب منك كل الإيمان، كما ذكره سيد ولد عدنان، عليه وآله
الصلاة والسلام ما كر الجديدان (3).
يا نفس:
إذا سرك أن تذوقي حلاوة عبادة الحميد المجيد، فاجعلي بينك وبين
شهوات الدنيا حائطا من حديد، واعلمي: أن الصبر على طاعته أهون من
الصبر على عذابه الشديد، فالمداوي جرحه يصبر على الدواء، مخافة من طول
الداء، فاصبري على عمل لا غنا لك عن ثوابه، وعن عمل لا صبر لك على
عقابه.
يا نفس:
لو علمت قدر بأس الله وعذابه، ونكاله وعقابه، ما رقى لك دمع، ولا
عمر لك ربع.
واعلمي: أن أعقل الناس محسن وهو يعد نفسه من الخائفين، وأجهلهم
مسئ وهو يعدها من الآمنين، وإياك أن تكون الدنيا همك، فيكثر في الآخرة

(1) النازعات 79: 35 - 41.
(2) أي: بالاتباع واللحوق. مجمع البحرين 5: 264 درك.
(3) أي: ما رجع الليل والنهار. مجمع البحرين 3: 471 كرر و 23 جدد.
148

غمك، وليكن تأسفك على ليل نمته، ويوم أفطرته، وآن غفلت عن ذكر الله
تعالى فيه وسوفته.
شعر:
المرء مرتهن بسوف وليتني * وهلاكه في الليت والتسويف
يا نفس:
علام وسعت قصرك، وضيقت قبرك، فرفعت الطين، ووضعت الدين.
شعر:
أما بيوتك في الدنيا فواسعة * فليت قبرك بعد الموت يتسع
واعلمي: أن الدنيا والآخرة ضرتان، وهما ككفتي الميزان، فإن رجحت
إحداهما خفت الأخرى، فانظري الأولى بك والأحرى.
يا نفس:
ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه، إنما الخائف الذي يترك ما يخاف
أن يعذب عليه، واعلمي أن الدنيا دار ممر، لا دار مقر.
بيت:
أحلام يوم أو كظل زائل * إن اللبيب بمثلها لا يخدع
149

والناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها (1)، ورجل ابتاع نفسه
فأعتقها.
يا نفس:
في الحديث: من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان غده شرا من
يومه (2) فهو ملعون، ومن أحب المكارم، اجتنب المحارم، ومن غمس يده في
المكاره، سيق إلى النار وهو كاره، والجنة مضمونة لمن أمسك ما بين فكيه، وأطلق
ما بين كفيه.
يا نفس:
لو نظر إليك وجوه أهل الأرض، ذات الطول والعرض، لأبيت إلا أن
يروك (3) على ما تحبين، ولا يروك على ما تكرهين، فكيف برب العالمين، فلا
تغرنك دنيا كالحية لين مسها، شديد نهشها، يحذرها العاقل، ويهوي إليها
الجاهل.
بيت:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت * له عن عدو في ثياب صديق

(1) أي: فأهلكها. مجمع البحرين 5: 243 وبق.
(2) في ب: من أمسه.
(3) في أ، ج، د: لأحببت أن يروك.
150

يا نفس:
هول لا تدرين متى يغشاك، لم لا تستعدين له قبل أن يفجاك.
بيت:
وما الموت إلا سارق دق شخصه * يصول بلا كف ويسعى بلا رجل
واعلمي: أن غاية كل متحرك سكون، ونهاية كل متكون تكون، وإذا
الدهر أعار، فاحسبيه قد أغار.
شعر:
إذا حيوان كان طعمة ضده * توقاه كالفأر الذي يتقي الهرا
ولا شك أن المرء طعمة دهره * فما باله يا ويحه يأمن الدهرا
يا نفس:
من شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة، وطلاق الدنيا
مهر الآخرة، والزاهد في الدنيا كلما ازدادت له تجليا، ازداد عنها توليا، واعلمي:
أنك لن تكسبي في الدنيا شيئا فوق معيشتك إلا كنت فيه خازنة (1) لورثتك،
يكثر به في الدنيا نصيبك ويقل ثوابك ويحظى به وارثك ويطول حسابك، فخذي

(1) في ب: حارسة.
151

من ممرك لمقرك، ولا تهتكي أستارك عند من لا تخفى عليه أسرارك.
يا نفس:
أوحى الله إلى الدنيا: من خدمك فاستخدميه، ومن خدمني فاخدميه،
واعلمي: أنه ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو
تصدقت فأبقيت، ولا جرم أن المال يفنى، والبدن يبلى، والأعمال تحصى،
والذنوب لا تنسى.
شعر:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله * مخافة فقر فالذي فعل الفقر
يا نفس:
اتخذي تقوى الله صناعة، تأتك الأرباح من غير بضاعة. فإن التقوى
حرز من المهلكات واق، وكنز من المحيى والممات باق، من اتخذها صاحبا كانت
له في ظلم القيامة نورا، ومن نبذها جانبا ركب من الندامة مركبا عثورا.
بيت:
تزود من التقوى فإنك راحل * وبادر فإن الموت لا شك نازل
وإن امرأ قد عاش خمسين حجة * ولم يتزود للمعاد فجاهل
*
152

يا نفس:
كفى بجهنم عذابا، وبالموت نائبا واغترابا.
وكل ذي غيبة يؤوب (1) * وغائب الموت لا يؤوب
واحذري مصارع الجهال، واجتراح معصية لا تقال، وأقيمي الصلاة وآتي
الزكاة تأمني من العذاب الشديد، فإن لله سطوات ونقمات وما هي من الظالمين
ببعيد.
بيت:
الخير يبقى وإن طال الزمان به * والشر أخيب ما أوعيت من زاد
يا نفس:
وطني نفسك على ألم العبادة، ليصير ذلك خلقا لك وعادة، فإن المقامر
يلتذ بالقمار وإن سلبه جميع ماله، وكذلك اللاعب بالحمام وإن طال وقوفه وتعبه
في إرساله، فإذا كانت النفس بالعادة تستلذ بالقبائح، وتميل بالألف إلى غير
الصالح (2) فكيف لا تستلذ بالحق لو ردت (3) مدة إليه، وألزمت المواظبة عليه.

(1) أي: يرجع. اللسان 1: 217 أوب.
(2) في أ، ب، ج: المصالح.
(3) في ب: لو رودت.
153

يا نفس:
فالأخلاق السعيدة والأفعال الحميدة، تكتسب بالعادة، والرياضة
والإفادة، ومثاله: أنه من أراد أن يصير (1) في النسخ حاذقا، وفي الكتابة فائقا،
فلا طريق له إلا أن يتعاطى بجارحة اليد هذه الخصلة الجميلة، ويواظب عليها
مدة طويلة، فإذا طال عليه النسخ وضعا، صدر منه حسن الخط طبعا.
يا نفس:
وكذلك من أراد أن يكون فقيها، وكره أن يكون سفيها، فلا طريق إلا
بتعاطي أفعال (2) الفقهاء، وتكرار أقوال العلماء، وكذلك من أراد أن يصير عفيفا
حليما، ومتواضعا كريما، لزمه أن يدأب (3) نفسه في التخلق بآدابهم، والتعلق
بأسبابهم.
يا نفس:
إذا أردت أن تقفين على عيوب نفسك، فخذيها من ألسنة أعدائك لا من
ألسنة أحبائك وأوليائك، ولو سمعت صفتك عن غيرك لمقتيه، إذا كنت لا

(1) في ج: أن يكون.
(2) في د: أقوال.
(3) أي: يعود. مجمع البحرين 2: 54 دأب.
وفي ب: يؤدب.
154

تدرين من الموصوف وبغضتيه، ولعل انتفاع الانسان بعدو يذكر معائبه، أكثر
من انتفاعه بصديق يشهر مناقبه، فعن علي عليه السلام: جهل المرء بعيوبه،
من أكبر ذنوبه، فمن داهنك (1) يا نفس في عيبك، عابك في غيبك.
يا نفس:
إن محبتك لنفسك، ونسيانك لرمسك (2)، قد أصمك وأعماك، وأضلك
وأرداك، لأن الانسان إذا أحب الشئ أغمض (3) عن مواضع عيوبه كأنه لا
ينظرها، وأعرض عن المقابح من ذنوبه كأنه لا يسمعها، فصار من هذا الوجه
كالأعمى لتغاضيه، والأصم لتغابيه.
بيت:
فعين الرضا عن كل عيب كليلة * كما أن عين السخط تبدي المساويا
يا نفس:
جاهدي نفسك على أربعة أقسام: قلة القوت من الطعام، والغمض من
المنام، وترك إكثار الكلام، واحتمال الأذى من الأنام، فإنه يتولد من قلة الطعام
موت الشهوات، ومن قلة المنام صفو الإرادات، ومن قلة الكلام السلامة من

(1) المداهنة: المصانعة واللين. اللسان 13: 162 دهن.
(2) أي: قبرك. مجمع البحرين 4: 76.
(3) في أ، ب، ج: أغضى.
155

الآفات، ومن احتمال الأذى البلوغ إلى الغايات.
يا نفس:
الدنيا يجمع لها من لا عقل له، وعليها يعادي من لا علم له، وعليها
يحسد من لا فقه له، ولها يسعى من لا يقين له.
شعر:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا * فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فطوبى لعبد آثر الله ربه * وجاد بدنياه لما يتوقع
يا نفس:
دعي المساخرة والمشاجرة، وصومي عن الدنيا تفطري بالآخرة (1)، فإن
رأس مال الدنيا الهوى، وربحها لظى (2)، تقرب المنية، وتبعد الأمنية.
شعر:
ومن يجمد الدنيا لعيش يسره * فسوف لعمري عن قليل يلومها (3)
إذا أدبرت كانت على المرء حسرة * وإن أقبلت كانت كبيرا همومها (4)

(1) في ج، د: والتذي بالآخرة.
(2) اللظى: اللهب الخالص، ولظى غير مصروفة: اسم لجهنم. المفردات 450 لظى.
(3) في ج، د: غمومها.
(4) في د: سمومها.
156

يا نفس:
لو أن الدنيا من ذهب يفنى، والآخرة من خزف يبقى، لكان ينبغي لك
أن تختاري ما يبقى على ما يفنى، فكيف وقد اخترت خزفا يفنى على ذهب
يبقى؟!.
بيت:
هب الدنيا تساق إليك عفوا * أليس مصير ذاك إلى انتقال
وما دنياك إلا مثل فيء * أظلك ثم آذن بالزوال
يا نفس:
الدنيا دار خراب وأخرب منها قلب من يشيدها ويخطبها، والجنة دار
عمران وأعمر منها قلب من يريدها ويطلبها، فبيعي دنياك بآخرتك تربحيهما،
ولا تبيعي آخرتك بدنياك تخسريهما.
شعر:
يا خاطب الدنيا إلى نفسها * تنح عن خطبتها تسلم
إن التي تخطب غدارة * قريبة العرس من المأتم
يا نفس:
إذا سألت الله الدنيا فإنما تسأليه طول الوقوف، يوم الحشر الموصوف،
157

هذا سوى ما يقاسيه أصحاب (1) الأموال في الدنيا من الخوف والحزن، وتجشم
المصاعب في الحفظ والخزن، ودرياق الدنيا (2) ما قصد به المراضي والمثوبات،
وما صرف إلى الجيران والقرابات، وما أعطي في الزكوات والصدقات، وما عدا
ذلك سموم وآفات.
بيت:
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها * إن اغترار بظل زائل حمق
يا نفس:
لا تفرحي بما أتاك، ولا تأسي على ما فاتك من دنياك، ففرحك إنما هو
بموجود لا يتركه في يدك الموت، وأسفك إنما هو على مفقود لا يرده عليك
الفوت، وإذا قد علمت أن رزقك لا يأكله غيرك فلم به تهتمين؟! وأن عملك (3)
لا يعمله غيرك فلم بغيره تشتغلين؟! وأن الموت يأتيك على بغتة فلم لا إلى
الطاعة تبادرين؟! وأنك بعين الله على كل حال فعلام منه لا تستحين؟! وإياك
أن يراك الله حيث زجرك، أو يفقدك حيث أمرك.
يا نفس:
إن لم تقنعي بالقليل، وطلبت المال الجزيل، ساهمت النصارى واليهود

(1) في ج، د: أرباب.
(2) أي: دواء الدنيا. اللسان 10: 32 ترق.
(3) في ب: وأن عملا.
158

الأرجاس (1)، ومن لا دين له ولا عقل من الناس، وإن قنعت بالحقير، ورضيت
باليسير، ساهمت الأولياء في رتبتهم، والأنبياء في منزلتهم.
يا نفس:
إن كان لا يغنيك ما يكفيك، فكل ما في الأرض ما يغنيك (2)، وأقل ما
في الخطر في جمع المال يوم المقام، أن يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس
مائة عام.
بيت:
سر من عاش ما له فإذا * حاسبه الله سره الإعدام
يا نفس:
إذا اثني عليك بالصلاح والورع، وعدم الرياء والطمع، وأنت تعلمين
خبث سريرتك، وعظم جريرتك، كان ذلك من غاية جهالتك، ونهاية سفاهتك،
وكنت كمن يهزء بإنسان ويقول له: يا فلان ما أكثر العطر الذي في أحشائك،
وما أطيب الروائح الأرجة التي تفوح من أمعائك، وذلك إذا قضى من الغائط
حاجته، ومن البول أمنيته، وهو يعلم ما اشتمل عليه قلبه من الشر والفتنة،

(1) في ب: والأرجاس.
(2) في أ، ج، د:
شعر:
إن كان لا يغنيك ما يكفيك * فكل ما في الأرض ما يغنيك
159

واحتوت عليه أمعاؤه من الأقذار والنتنة.
يا نفس:
إياك والعجب وهو: استعظام العمل الصالح والنظر إلى استكثاره،
والابتهاج به والميل إلى استكباره، فهو يوقع في مهاوي الهلكات، ناقل للعمل
الصالح من كفة الحسنات إلى كفة السيئات، ومن رفيع الدرجات إلى أسفل
الدركات، فكم من عبادة أفسدها العجب، وإذا أفسدها العجب لم يقبلها الرب،
فعن علي عليه السلام: سيئة تسوء عاملها، خير من حسنة تعجب فاعلها،
وفي الحديث: ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بعمل
صالح صنع.
يا نفس:
وكيف تعجبين بقيام بعض ليلة، ولا تنظرين إلى نعم الله الجزيلة وأياديه
الجميلة، لو قست أكثر عملك على التقدير، بأقل نعمة من نعم اللطيف الخبير،
لم تجديه وافيا باليسير، ولا ناهضا بعشر العشير، ألا تنظرين إلى صاحب
العبادة الطويلة، كيف باعها بشربة وبولة.
يا نفس:
وأنت ترين الأجير يعمل طول النهار بدرهمين، والحارس يسهر جملة
الليل بدانقين، وإذا صرفت الفعل إلى الملك العلام، وصمت يوما من الأيام،
160

أو تهجدت ليلة في جنح الظلام، لأعد لك ما لا تحصره الأقلام، ولا تبلغه
خطرات الأنام، بل لو سجدت لله سجدة حتى يغشاك فيها النعاس، باهى الله
بك الملائكة فأين القياس؟ فهلا تنظرين إلى يومك الذي قيمته درهمان مع
احتمال التعب العظيم، كيف صار له هذه القيمة بالنسبة إلى طاعة الرب الكريم؟!
وكم زمان السجدة، مع ما حصل فيها من الغفلة والرقدة، لكن لما نسبت
السجدة إلى الملك الجبار، بلغت قيمتها من النفاسة والجلالة هذا المقدار
يا نفس:
فحقيق عليك أن تقصري من أملك، وترين حقارة عملك، ففي:
الحديث من مقت نفسه وألزمها الندامة، آمنة الله تعالى من فزع يوم القيامة،
وروي: أنه إن يبيت أحدكم نادما على ذنوبه وأفعاله، خير له من أن يصبح
مبتهجا بصالح أعماله، ونائم مقر بذنبه، خير من مصل مدل على ربه.
يا نفس:
فعليك بتحصين عملك من العجب والرياء، والغيبة والكبرياء، فالعجب
هلاك، والرياء إشراك، والغيبة قوت كلاب الجحيم، والكبر مصيدة إبليس
الرجيم، والعجب ممن يدخله العجب والكبر، والتبختر والفخر، وأوله نطفة،
وآخره جيفة.
شعر:
ما بال من أوله نطفة * وجيفة آخره يفخر
161

وفي الحديث: من رفع نفسه قال ملكاه: اللهم ضعه، ومن
وضعها قالا: اللهم أرفعه.
يا نفس:
وعليك بالذكر، والحمد والشكر، فإنه يرفع البلاء الحاصل، ويدفع
السوء النازل، وفي الحديث: ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا الله فيه إلا كان
عليهم حسرة وندامة، ووبالا يوم القيامة، وأنه من شغله ذكر الله عن مسألته،
أعطاه الله أفضل ما يعطي السائلين من أمنيته، وأنه في كل حاله، لا تصيبه
منيات السوء ولا تناله، وأنه ينير البصائر، ويؤنس الضمائر، وأنه شيمة كل
مؤمن، ولذة كل موقن، وأنه دعامة الإيمان، وعصمة من الشيطان.
يا نفس:
وعليك بالاستغفار خصوصا في الأسحار، فقد روي: أنه من أكثر
الاستغفار رفعت صحيفته وهي تتلألأ بالأنوار، وجعل الله له من كل هم فرجا،
ومن كل ضيق مخرجا، فعودي نفسك الاستتار، في الذكر (1) والاستغفار، تمحى
عنك الحوبة، وتعظم لك المثوبة، فمن تعطر بأرياح استغفاره، لم ينفضح من
نتنة إصراره على أوزاره، ومن قبل فم الشهوات عضته أسنان الندامة، ومن
تلفع بأردية التقوى اعتنقته (2) أكناف السلامة، فانتهبي زمانك قبل الزمن، ولا

(1) في ب: فعودي نفسك الاستتار والذكر.
(2) في ب: كشفته.
162

تغتري بالدنيا فإنها خضراء الدمن، واقعدي (1) مقعد صدق وانظري عند من،
إن الدنيا تعطي تفاريق وتسترجع جملا، وترضي أفاويق وتعظم عجلا.
شعر:
خطبت يا خاطب الدنيا مشمرة * في ذبح أولادها الغيد الغرانيق (2)
كم من ذبيح لها من تحت ليلتها * زفت إليه بمعزاف وتصفيق
يا نفس:
[أترين] من استؤجر على إصلاح آنية من الدر، وشرط له على ذلك
شيئا من الأجر، وكان الشارط إذا وعد وفى، وإذا توعد عفى، فجاء الأجير
إلى الآنية وكسرها بعهده (3)، وأفسد مصالحها بجهده (4)، ثم جلس على الباب
، ينتظر الأجر والثواب، بزعم أن المستأجر كريم وهاب، أفتراه العقلاء في
انتظاره متمنيا مغرورا، أم راجيا مأجورا؟ هيهات أنه (ليس للانسان إلا ما
سعى وأن سعيه سوف يرى) (5)، وما أجهل من يتوقع المغفرة مع الإصرار،
وما أسفه من يتمنى العفو مع ملازمة الأوزار.

(1) في أ: واطلي.
(2) الغيد: النعومة، والغرانيق جمع غرنوق وهو: الأبيض الشباب الناعم الجميل. اللسان 3: 328
غيد و 10: 86 غرنق.
(3) في أ: بعمده.
(4) في ج، د: وكسرها إذ باشرها، وأفسد باطنها وظاهرها.
(5) النجم 53: 39 - 40.
163

يا نفس:
لا تكوني كالذي يسبح الله ويهلله مائة مرة في أول تذكاره، ثم يغتاب
المسلمين ويمزق أعراضهم بسائر نهاره، فهو أبدا يتأمل (1) في فضائل تسبيحاته
وتهليلاته، ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة نميماته وغيباته، ولعمري لو كان
الكرام الكاتبون يطلبون منه أجر التسبيح، وما يكتبونه من هذيانه القبيح،
لزاد أجر هذيانه على ثوابه، ونقصت مدة حسناته (2) عن مدة عقابه.
بيت:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه * إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
يا نفس:
وأي عاقل يبدل البر بالجفا، أو يستكف (3) النار بالحلفاء (4).
شعر:
واللوزة المرة إن تبصر * يفسد بالطعم (5) بها السكر
فالغيبة تحرق الحسنات، وتبطل الطاعات.

(1) في ب: لا يتأمل.
(2) في ج، د: حسابه.
(3) في أ: أو يكشف.
(4) الحلفاء: نبات حمله قصب النشاب. اللسان 9: 56 حلف.
(5) في ب: في الطعم.
164

شعر:
احذري الغيبة فهي الفسق لا رخصة فيه * إنما المغتاب كالآكل من لحم أخيه
وهي تأكل الأجر والثواب، كما تأكل النار يابس الأحطاب، بل هي
أحرق من النار في الحليج (1)، وأضر من الثلج بالمفاليج.
يا نفس:
الطاعة مع عدم الإيمان لا ترفع، والعلم بغير العمل لا ينفع، ومثاله:
مريض عظم داؤه، وعز شفاؤه، فأعلمه طبيب حاذق، بدواء موافق، وفصل
له أخلاطه، ومقاديره (2) وأشراطه، فكتبه المريض بنسخة مليحة، وقرأه قراءة
صحيحة، غير أنه مال إلى إهماله، ولم يشتغل بشربه واستعماله، [أفترين]
علمه به من غير عمل يداويه، ومن شدة مرضه يشفيه؟ هيهات لو كتب منه
ألف نسخة في ألف قرطاس، وعلمه كافة الناس، لم يشف من مرضه، ولم ينل
شيئا من غرضه، دون أن يشتري الدواء، ويقدم الاحتماء، ثم يشربه في وقته
وأوانه، بعد خلط أخلاطه وصحة أوزانه.

(1) وهو: القطن المندوف. اللسان 2: 239 حلج.
(2) في أ، ب: وتقاديره.
165

يا نفس:
وهكذا الفقيه الذي أحكم علم الطاعات ولم يعملها، وأتقن معرفة (1)
الأخلاق المحمودة وأهملها، قال الله تعالى: (قد أفلح من زكاها) (2) ولم يقل:
قد أفلح من يعلم كيفية تزكيتها ومعناها، فعلم بلا عمل، كحمل على جمل،
فكوني يا نفس عاملة، ولا تكوني حاملة، ولا تكوني كمن ينقل الوسوق (3) من
السوق، ويحمل الشهد ولا يذوق، وعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر، وقوس بلا
وتر.
بيت:
ترجو النجاة ولا تسلك مسالكها * إن السفينة لا تجري على اليبس
يا نفس:
العلم في صدور الكسالى كشموع تلمع من بين يدي الضرير المحجوب،
أو كعروس (4)، تزف إلى الخصي المجبوب، فمن الغبن يا نفس أن تري المياه
جارية، ثم [تموتين] صادية (5).

(1) في ب: وأيقن بمعرفة.
(2) الشمس 91: 9.
(3) أي: الحمل. اللسان 10: 379 وسق.
(4) في أ، ب: أو كشموع، وما أثبتناه من ج، د، وهو الأنسب.
(5) أي: عطشانة. مجمع البحرين 1: 262 صدى.
166

بيت:
كالعير في البيداء تشتكي الظمأ * والماء فوق ظهورها محمول
ومن الخسران يا نفس جزار يأكل الميت، ومكي لا يزور البيت.
يا نفس:
إن تأخير العمل عن العلم حبس الماء عن النبت، والترخص في العمل
حيلة أصحاب السبت، فلا تكوني كالجمل الطليح (1) يتجشم (2) لغيره أسفارا،
أو كمثل الحمار يحمل أسفارا، وفي الحديث: أعظم الناس عذابا يوم القيامة
ظالم لم يقلع عن ظلمه، وعالم لم ينتفع بشئ من علمه، والعلم يهتف بالعمل، فإن
أجابه وإلا ارتحل.
واعلمي: أن العلم والعبادة لأجلهما خلقت الأرضون والسماوات،
وأرسلت الرسل بالبينات، فالعلم بمنزلة الشجرة، والعبادة بمنزلة الثمرة، فلو
لم تكن لهذه الشجرة ثمرة في الوجود، لم تصلح إلا للوقود، للكفعمي مؤلف
الكتاب عفي الله تعالى عنه.
بيت:
إذا المرء مع إيمانه ليس عاملا * بشئ من الخيرات تلفاه خائنا
وذلك مثل السفن في البحر تلقها * جوار وفي غير البحار سواكنا

(1) من الطلاحة التي هي: الاعياء. العين 3: 170 طلح.
(2) أي: يتكلف. مجمع البحرين 6: 29 جشم.
167

يا نفس:
ليس الفقيه من استفاد وأفاد، بل الفقيه من أصلح المعاد، ولا العالم من
أفتى ودرس، بل العالم من تستر بالورع وتترس، ولا المجتهد من بنى (1) أساس
الملة، على قياس العلة، بل المجتهد من شغله الحق عن المنع والتسليم، واكتفى
بعلم الخضر عن علم الكليم، وارعوى بمسؤولات الحشر، عن المقولات العشر
فلا تحسبي المتشبه بالفقيه فقيها، فليس ذو الوجهين عند الله وجيها.
يا نفس:
مثل العالم بالله وأسمائه، وصفاته وآلائه، وهو يقصر في طاعته ويضجع،
ويهمل أوامره ويضيع، كمثل من أراد خدمة رئيس، أو ملك نفيس، فعرف الملك
وأخلاقه، وطبعه وأعرافه، فقصد خدمة جنابه، والتعلق بأسبابه، إلا أنه ملابس
لجميع ما يبغضه ويشناه (2)، وعاطل من جميع ما يحبه ويهواه، أما كان كل عاقل
يحكم بجهالته، وعظم سفاهته، ولا يتصور أن يعرف الأسد عاقل ويعرف
أوصافه، إلا وهو يتقيه ويخافه، فعنه عليه السلام: من ازداد علما ولم يزدد
هدى، لم يزدد من الله إلا بعدا.

(1) في ب: بين.
(2) في ج، د: ويشاه.
168

يا نفس:
كيف تحبي لقاء الله وأنت تعصينه، فلو عصيت آدميا ما اشتهيت أن
تلقينه.
شعر:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه * هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته * أن المحب لمن يحب مطيع
فإياك وملازمة هوى الشيطان، ومجانبة رضى الرحمن، فإنه يصرع
الرجال، ويقطع الآجال (1)، ويزيل النعم، ويطيل الندم.
يا نفس:
كل إثم اقترفتيه في سر أو علانية فهو عليك مرقوم، وكل شئ يشغلك
عن مراضي ربك فهو عليك مشئوم، فعنه عليه السلام: إن العبد (2) إذا خلا
فاستحيى من الله أن يعصيه، ورضي باليسير مما قسم له فيه، رزقه الله في الآخرة
حسن المآب، وأنبت له جناحين يطير بهما إلى الجنة بغير حساب.

(1) في ب: الآمال.
(2) لفظ: إن العبد، لم يرد في أ، ب، وأثبتناه من ج، د، لعدم استقامة المعنى بدونه.
169

يا نفس:
إن الله خلق الآفة وجعل النطق مثارها (1)، وقدر السلامة وجعل الصمت
مدارها، فالصمت يلزمك السلامة، ويؤمنك الندامة، واللسان قليل الخير، وغير
مأمون الغير، والصمت سلم الخلاص، والنطق يحبس الهزار (2) في الأقفاص،
واللفظ شين (3) المحافل، والجرس آفة القوافل، خير القوس المكتوم، وخير
الشراب المختوم، رنين القسي يطرد الظبا، ووسواس الحلي يوقظ الرقبا،
وفرسان الكلام يوم القيامة مشاة، والمتجملون بزخارف العبارات عراة.
يا نفس:
فما اللسان إلا سبع صوال فقيديه، أو صارم مسلول فاغمديه، وسيأتي
يوم يندم فيه الفصيح، والطير الذي يصيح، ولو كان سحبان (4) عاقلا، لتمني
أن يكون باقلا (5)، وأجبن الفرسان، من حارب باللسان، وأحمس (6) الكماة،

(1) في ب: منارها.
(2) بفتح الهاء: العندليب والجمع العنادل، والبلبل يعندل: إذا صوت. حياة الحيوان 2: 82.
(3) وهو خلاف الزين، أو العيب. اللسان 13: 244 شين.
(4) هو: سحبان بن زفر بن أياس الوائلي من باهلة، خطيب وفصيح يضرب به المثل في البيان، اشتهر
في الجاهلية وعاش زمنا في الاسلام، وكان إذا خطب يسيل عرقا ولا يعيد كلمة، ولا يتوقف ولا يقعد
حتى يفرغ. الأعلام للزركلي 3: 79.
(5) هو: بأقل الأيادي، جاهلي يضرب بعيه المثل، قيل اشترى ظبيا بأحد عشر درهما فمر بقوم فسألوه
بكم اشتريته؟ فمد لسانه ومد يديه، يريد أحد عشر، فشرد الظبي وكان تحت إبطه، والمثل - " أعيى
من بأقل " - مشهور. الأعلام للزركلي 2: 42، والمنجد في الأعلام: 113.
(6) في ب: وأحسن.
170

من استعان على قرنه بالصمات، ولو صمت الكليم لعلم العجائب، ولو سكت
يوسف لعصم من النوائب، وحصائد الألسنة قد تزرع العداوة، وطيارات الكلم
قد تطير العلاوة. فخدش اللسان ثلمة لا تنسد، والكلام كالنبل إذا طار لا يرتد.
بيت:
رأيت اللسان على أهله * إذا ساسه الجهل ليثا (1) مغيرا
يا نفس:
وعليك بالعزلة والانفراد، في طاعة المهيمن الجواد، فإن العزلة توقر
الغرض وتستر الفاقة، وترفع عنك ما ليس لك به طاقة، والتخلي (2) للعبادة دليل
على الفضل، والصبر على الوحدة علامة قوة العقل.
بيت:
في عزلة المرء عن كل الورى نعم * أقلها أنه خال من الكلف
يرضى القناعة مسرورا بوحدته * إذا تنازع أقوام على الجيف
يا نفس:
لازمي الوحدة فإنها أسلم جانبا، ونادمي الكتب فإنها أكرم صاحبا.

(1) في ج، د: لبنا.
(2) في أ: والتحلي، وفي ب: والتجلي، وما أثبتناه من ج، د، وهو الأنسب.
171

شعر:
فطوبى لمستجلس (1) بيته * قنوع له بلغة كافية
نداماه دون الورى كتبه (2) * لا إثم فيها ولا لاغية
فمن شره الناس في راحة * ومن شرهم نفسه ناجية
يا نفس:
متى فتشت أحوال العالم وجدت الصالح منها ذا لونين، فإن ذقتيه وجدتيه
ذا طعمين، فإن قلبتيه وجدتيه ذا وجهين، فإذا استنطقتيه وجدتيه ذا لسانين، فإن كشفتيه وجدتيه ذا طبعين، وتجدين الأنام، كالأنعام: قلوبهم لاهية،
ومجالستهم لاغية، والفاحشة فيهم فاشية، فتنحي عنهم ناحية، [تجدين]
الأمن والعافية.
شعر:
إن أردتي سلامة وفلاحا * الزمي الصمت ثم كوني وحيدة
إنما الإثم في مخالطة الخلق * فدعيها لكي تصيري سعيدة
كل نفس تعاشر الناس تلفى * عند أهل التحقيق غير رشيدة
وانبذي جيفة عليها كلاب * ترقنها (3) وكوني بعيدة

(1) في أ: لمستخلص، وفي ج، د: لمستخلص نيته.
(2) في ب: كتب.
31) كذا في ب، ولم يرد البيت الأخير بأكمله في أ.
172

وعن علي عليه السلام: تبذل ولا تشتهر، ووار شخصك ولا تذكر،
واسكت تسلم، وتعلم واعمل تغنم.
بيت:
كن وحيدا فكل أهل ومال * تعب للنفوس والأجسام
إنما الله وحده فتشبه * بصفات المهيمن العلام
يا نفس:
الموت يطلبك وأنت للدنيا تأملين، والله يمقتك وأنت ملأ فيك تضحكين،
أفبالصحة تغترين، أم بطول العافية تفرحين، أم من الموت تأمنين؟! فكأني
بك وقد أمر منك ما كان حلوا، وكدر منك ما كان صفوا.
بيت:
وسالمتك الليالي فاغتررت بها * وعند صفو الليالي يحدث الكدر
فعلام لنفسك فتنت، وتربصت وارتبت، حتى جاء يوم النشور، وغرك
بالله الغرور.
يا نفس:
كم من عامر مونق يخرب، وكم من سالم صحيح يعطب، فبادري بفعل
الجميل، قبل أن ينادى بالرحيل.
173

واعلمي: أنه من كان مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن كان مقيما
قاطنا، ويقطع المسافة وإن كان واقفا ساكنا.
بيت:
إن الليالي للأنام (1) مناهل * تطوى وتنشر دونها الأعمار (2)
أفبعد المشيب تخدعين بالزبيب، وقد علمت أن الموت قريب، وللنقص
في كل يوم منك نصيب.
يا نفس:
لو رأيت قرب ما بقي من أجلك، لزهدت في طول أملك، ولرغبت في
الزيادة من صالح عملك، ولقصرت من حرصك وحيلك، وإنما يلقاك غدا ندمك،
لو زلت بك قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، وفارقك الولد القريب، ورفضك
الوالد والنسيب، فلا أنت إلى دنياك عائدة، ولا في حسناتك زائدة، فاعملي
ليوم القيامة، قبل الحسرة والندامة.
يا نفس:
ألا تستحين من التوبيخ والتعنيف، على طول التسويف، والذي يدعوك
إلى التسويف اليوم هو معك غدا، وإنما تزدادين بطول المدة ردى، وكلما فعلت

(1) في ج، د: والأيام.
(2) في ب: الأعمال.
174

حوبة، وعدت نفسك التوبة، وتقولين: إن شبت (1) تبت، أو عمرت أنبت، ويرى
جهلك أن الانسان، يستبعد الموت مع الشبان، وهذا جهل منك أيها النفس
القرونة (2)، والأمر بالعكس يا مسكينة، لأن الموت في الشباب أكثر، وفي
الشيوخ أنزر
يا نفس:
ومثاله: لو عددت مشايخ بلدتك، وشيب قريتك، لكانوا أقل من عشرة
رجال، وتجدين الشبان والأطفال (3) أكثر منهم على كل حال، فإلى أن يموت
شيخ يموت ألف من الأطفال والشبان، والغلمان والصبيان، على أن الموت ليس
له وقت مخصوص، ولا عليه آن منصوص، بعيد أو قريب، في شباب أو شيب،
في شتاء أو صيف، أو ربيع أو خريف، فإذا جهلك بموتك وحب الدنيا، دعياك
إلى طول الأمل واتباع الهوى.
يا نفس:
مثل أهل الدنيا واشتغالهم بأشغالها، ونسيانهم للآخرة وإهمالها، كمثل
قوم ركبوا السفينة في البحر للتجارة، فعدلوا إلى جزيرة لأجل الطهارة، والملاح
يناديهم: إياكم وطول المكث، ودوام اللبث، فمن اشتغل منكم بغير الوضوء
والصلاة فاتته سفينة النجاة، فالعقلاء منهم لم يمكثوا، وشرعوا في الوضوء

(1) في ب: شئت.
(2) في ج، د: البقرية.
(3) في ب: وتجدين الشبان والغلمان والصبيان.
175

والصلاة ولم يلبثوا، فوجدوا الأمن والعافية، وأماكن السفينة خالية، فجلسوا في
أطهر الأماكن وأوفقها، وأطيب المواضع وأرفقها.
يا نفس:
ومنهم من وقف ينظر إلى شجرة تلك الجزيرة وأثمارها، ويستمع إلى طيب
ترنم أطيارها، فغفلوا لذلك غفلة قليلة، أعقبتهم حسرة طويلة، فلما عادوا إلى
المركب لم يجدوا مفرجا، بل مكانا حرجا، فقعدوا في أضيق المواطن وأظلمها،
وأحرج الأماكن وأشأمها.
يا نفس:
ومنهم من لم يقتنع بالنزهة والتفرج، وأطال مدة المكث والتبرج، واشتغلوا
بجمع ما في الجزيرة من اللآلي الثمينة، ولم يلتفتوا إلى مناداة الملاح في السفينة،
فتحيروا إذ ذهبت السفينة في الرجوع، وغار (1) من الجزيرة الينبوع (2)، ثم
جدت من شروشها، وخرت على عروشها، فمنهم من هوى فيها صريعا، أو
مات بها جوعا، ومنهم من أهلكته السباع، وأكلته الضباع، فالقوم المتقدمون
هم المؤمنون، والقوم المتوسطون هم الذين للطاعة والمعصية يخلطون، والقوم
المتأخرون هم المجرمون.

(1) في ب: وعاد.
(2) أي: العين. اللسان 8: 345 نبع.
176

يا نفس:
ومثل أهل الدنيا كضيف دعي إلى دار فيها فائدة، وطعام تأنق (1) فيه
على مائدة، وعادة المضيف أن يزين للأضياف داره، ويدعوا إليها زواره، ويضع
بين أيديهم طبقا من الذهب، مملوءا من الرطب، ومجمرة من فضة فيها من العود
والبخور، ما يتطيب به أولئك الحضور
يا نفس:
فالعاقل [ترينه] قد تطيب وانطلق، ولم يطمع في تناول المجمرة والطبق،
والجاهل لعظم الجهالة يتوهم أن المجمرة والطبق قد وهبا له، فأخذ عند خروجه
الطبق والمجمرة فأخذا منه قهرا فما أخسره، فضاق صدره وأتعب قلبه، وطلب
الإقالة إذ أظهر ذنبه، وجلله عار ذلك وغشاه، ودرعه ورداه، فالدنيا كمثل دار
الضيافة، يتزود منها من يريد قطع المسافة، ولا يطمع فيما في الدار من المتاع،
لما وصفناه من عاقبة الارتجاع.
يا نفس:
مثل من ترك الدنيا وطلقلها، وأبغضها وفارقها، كمثل قوم نبأ بهم منزل

(1) أي: تجود. اللسان 10: 363 نوق.
177

جديب (1)، فأموا بمنزل (2) خصيب (3)، فاحتملوا وعثاء (4) الطريق، وفراق
الصديق، ليأتوا سعة دارهم، ومنزل قرارهم، فليس يجدون لشئ من ذلك ألما،
ولا يرون النفقة فيه مغرما، ولا شئ أحب إليهم مما قربهم إلى منزلهم، وأدناهم
إلى محلهم.
يا نفس:
ومثل من اغتر بها، وحواها وصحبها، كمثل قوم كانوا بمنزل خصيب،
فنبا بهم منزل جديب، فلا شئ أكره إليهم ولا أفظع (5) لديهم إلى ما كانوا فيه،
إلى ما يهجمون (6) عليه ويصيرون إليه.
يا نفس:
لو أعطيت في دنياك دينارا في سهر ليلة، لملت إلى ذلك ميلة وأية ميلة،
خصوصا إذا كان في مزاح ولغو، وسماع ولهو، ولو أعطيت على سهرها لأداء
نفل أو فرض، قصرا من الذهب يوم النشور والعرض، لكنت عن ذلك نائمة،
وله غير رائمة (7)، فيا عجباه منك إذ تبتغي قصرا من قصار بدينار، وتستبدلي

(1) أي: انقاد بهم منزل جديب لم يوافقهم ولم يجدوا به قرارا. اللسان 15: 302 نبأ.
(2) في أ. ج، د: المنزل.
(3) من الخصب وهو نقيض الجدب، وهو كثرة العشب ورفاغة العيش. اللسان 1: 355 خصب.
(4) أي: شدة ومشقة. اللسان 2: 202 وعث.
(5) في أ. د: ولا أقطع.
(6) في د: ما يهجعون.
(7) أي: غير طالبة. مجمع البحرين 6: 76 روم.
178

الجنة بالنار.
يا نفس:
ولو قيل لك خذي هذا الدينار، على عدم إفطار هذا النهار، لجعلت
الصوم أمرا واجبا، وفرضا لازما، ولو قيل لك: يفتح لك بصومه أبواب الجنان،
وتغلق عنك أبواب النيران، لكنت في ذلك غير راغبة، وله غير طالبة،
فيا عجباه منك إذ تبيعي غرفات الجنان الباقية، بشئ يسير من الذهبات
الفانية.
يا نفس:
إنما كرهت الموت لأنك عمرت دنياك، وأخربت أخراك، فأنت لا
تريدين إلى الخراب الرحلة، وتكرهين من العمران النقلة، إن قلت: كيف ترى
حالي، عند الله ومالي؟ قلت: أعرضي نفسك على القرآن الكريم، في قوله
تعالى (إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم) (1) فإن كنت من
الأبرار فالجنة مأواك، وإن كنت من الفجار فالنار مثواك، فإن قلت: أين حجي
وزكاتي، وصومي وصلاتي؟ قلت: أعرضيه على الكتاب المبين، في قوله تعالى:
(إنما يتقبل الله من المتقين) (2)، فإن كنت من المتقين صلحت أحوالك
وتقبلت أعمالك، وإن كنت من العاصين اقمطر نكالك (3) وعظم وبالك، فإن

(1) الانفطار 82: 13 - 14.
(2) المائدة 5: 27.
(3) أي: انتشر ضعفك. اللسان 5: 117 قمطر، المفردات: 506 نكل.
179

قلت: فأين شفاعة الرسول، يوم العرض المهول؟ قلت: أعرضيه على الكتاب
المكنون، في قوله تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته
مشفقون) (1)، فإن كنت لله طائعة ومن خشيته فازعة شفع فيك أهل الشفاعة،
وإن كنت مزجاة البضاعة في الطاعة فأنت من أهل الإضاعة، فإن قلت: فأين
رحمة الله الواسعة، ومننه المتتابعة؟ قلت أعرضيه على الكتاب المبين، في قوله
تعالى: (إن رحمت الله قريب من المحسنين) (2) إن كنت من المحسنين رحمت،
وإن كنت من المسيئين نقمت.
يا نفس:
لست مستعدة للموت إذ أتاك، ولا أنت مجمعة عن التحول عن هواك،
أترين بعد الموت دارا لك فيها كرة (3) وهل تأمنين الموت أن يأتيك على غمرة (4).
واعلمي: أن يومك هذا يوم موجود، وهو ماض ولا يعود، والله تعالى
سائلك عنه فيما أفنيته؟ فهل شكرت الله فيه أو حمدته أو قضيت حاجة مؤمن
فيه؟ وهل بظهر الغيب في أهله وولده حفظته أو نفست عنه كربة وأعنته؟ (5).
يا نفس:
إن في صحف إبراهيم، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: أن

(1) الأنبياء 21: 28.
(2) الأعراف 7: 56.
(3) أي: رجعة. مجمع البحرين 3: 471 كرر.
(4) قال الخليل في العين 4: 417 غمر: وغمرة الموت: شدته.
(5) في أ، ج: وأغنيته.
180

للعاقل أربع ساعات: فساعة يخلو فيها للطاعات، وساعة للفكر في المصنوعات،
وساعة يحاسب فيها نفسه على الزلات، وساعة يقضي فيها وطره فيما يحل من
اللذات، فطوبى لمن صلحت سريرته، وحسنت علانيته، وأنفق الفضل من
ماله، وأمسك الفضل من مقاله.
يا نفس:
في الحديث: خصلتان تدخلان النعيم، وتقيان الجحيم، وهما: احتمال ما
يكره إذا أحبه الله، وترك ما يجب إذا أبغضه الله.
واعلمي: أن أكثر يوم القيامة حسرة من قتل (1) فائدة خيره، ورأي
حسناته في ميزان غيره، أدخل الله هذا بماله الجحيم، وأدخل الله وارثه بماله
النعيم.
يا نفس:
لا تعمرين الدنيا فلا بد من فراق حملها (2)، وصانعي وجها واحدا يكفيك
الوجوه كلها.
واعلمي: الويل كل الويل لمن باع نعيما دائم البقاء بكسرة تفنى،
وخرقة تبلى.

(1) في ج، د: قرا.
(2) في ج، د: محلها.
181

بيت:
كفى حزنا ألا حياة لذيذة * ولا عمل يرضى به الله صالح
يا نفس:
في الحديث: أن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى
قلوبكم وأعمالكم، فاتقي في الخلوات المآثم، فإن الشاهد هو الحاكم.
واعلمي: أن في طلب الدنيا ذل النفوس، وفي طلب الآخرة عز النفوس،
فيا عجباه لمن يختار المذلة في طلب ما يفنى، ويترك العز في طلب ما يبقى.
شعر:
......... (1) * فمر تجع بموت أو زوال
يا نفس:
ما يضرك إذا رزقت خير الآخرة ما فاتك من الدنيا وأصابك من
شدائدها، وما ينفعك إذا حرمت خير الآخرة ما أصابك من الدنيا وفوائدها.

(1) في أ، ب، وردت كلمات لم نستطع قراءتها.
182

بيت:
ما عذر (1) من يعمر أو طانه * وجسمه مستهدم يخرب
يبكي على الذاهب من ماله * وإنما يبقى الذي يذهب
يا نفس:
لا تنظري إلى صغير الخطيئة ولكن انظري إلى من عصيت، ولا ترثي
لمن ظلمت ولكن ارثي لسوء ما جنيت.
واعلمي: أن ما قل وكفي، خير مما كثر وألهى، وأن صاحب الدينارين،
أطول حسابا من صاحب الدرهمين، وأن النوم على المزابل وأكل خبز الشعير،
في طلب الجنة (2) ولذاتها يسير.
بيت:
خبز شعير وماء بئر * وثوب قطن مع السلامة
أفضل من نعمة جزيلة * تكون عقباها الندامة
يا نفس:
عجبا لمن عرف الله كيف يقترف السيئات، ولمن أيقن بالموت كيف تهنؤوه
اللذات، ولمن تحقق البعث والحساب كيف يترك الطاعات!

(1) في أ: ما عز.
(2) في ج، د: الفردوس.
183

واعلمي: أن تقوى الله زاد لا يفنى، والعمل الصالح كفن لا يبلى،
فإياك أن يراك الله حيث زجرك، أو يفقدك حيث أمرك.
يا نفس:
الكيس العاقل (1) من يهدم دنياه فيبني بها أخراه، والأحمق الجاهل من
يهدم أخراه فيبني بها دنياه.
واعلمي: أنك لا تدركين ما تأملين إلا بالصبر على ما تكرهين، ولا تبلغين
ما تريدين إلا بترك ما تشتهين.
وإياك والبطنة فإنها ثقل في الحياة، ونتن في الممات، فمن لزمها كثرت
أسقامه، وفسدت أحلامه، لأنه إذا امتلأت المعدة قلت الإفادة، وقعدت
الأعضاء عن العبادة.
والعجب أنك تعلمين أن البطنة خزانتها الكنيف (2)، وأن الصدقة خزانتها
اللطيف، وأن الصدقة بالدرهم السخيف، يحذي الخطوة بالقصر المنيف، ثم
تكوني عند الصدقة راقدة، وفي ثوابها العظيم زاهدة.
يا نفس:
في الحديث: إن صلاة الليل من السنة، ومفتاح الجنة، بها تقبل الأعمال،
وتنمو الأموال، وتكون لمصليها مؤنسا في القبر، وسراجا وظلا فوق رأسه في
الموقف، وتاجا وسترا بينه وبين النار، وحجة وجوازا على المراط، ومحجة ونورا

(1) في ج، د: الكيس الفطن الحذر.
(2) وهو: الموضع المعد للخلاء. مجمع البحرين 5: 116 كنف.
184

يسعى أمامه، وثقلا في ميزانه يوم القيامة، وهي مطردة للأدواء والبليات، ومرضاة
لرب الأرضين والسماوات، وهي المشار إليها بقوله: (إن الحسنات يذهبن
السيئات) (1).
وفي الحديث عن النبي المختار: ركعتان بالليل أفضل من ألف ركعة
بالنهار.
يا نفس:
عليك بالدعاء فإنه مفاتيح الرحمة، ومجاديح (2) النعمة، ومقاليد الفلاح،
ومصابيح النجاح، وخير الدعاء ما صدر عن صدر نقي، وقلب تقي، وفي
المناجاة، سبب النجاة، وفي الإخلاص، يكون الخلاص، وإذا اشتد الفزع،
فإلى الله المفزع.
بيت:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع * أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها * يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن ملكه في قول: كن * امنن فإن الخير عندك أجمع

(1) هود 11: 114.
(2) المجاديح: الأنواء، والأنواء عند الجاهلية: ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها
من الصيف والشتاء والربيع والخريف، يسقط منها، في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع
الفجر... وكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم وطلع آخر قالوا: لا بد من أن يكون عند ذلك
مطر أو رياح. اللسان 2: 421 جدح و 1: 176 نوأ.
185

ما لي سوى فقري إليك وسيلة * بالافتقار إليك فقري أدفع (1)
ما لي سوى فزعي لبابك حيلة * فلئن رددت فأي باب أقرع
ومن الذي أدعو وأهتف باسمه * إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لمجدك (2) أن يقنط عاصيا * الفضل أجزل (3) والمواهب أوسع
يا نفس:
إن تخاذلت عن الاستعانة بمولاك، وتقاعدت عن الاستقامة في طلب
هداك، يوشك أن ينتهز بك الملعون الفرصة، فتعلق بك مخاليبه (4) فتكون عليك
غصة، ثم لا تقدرين من حبائله (5) على الخلاص، وليس لك من مصائده
مناص (6)، ثم بعد ذلك تلحقين، بالأشقياء والمعذبين.
فعليك بكثرة الاستغاثة والصراخ، قبل أن يعلق بك الفخاخ (2). ولازمي
قرع الباب، عسى أن يرفع لك الحجاب، وقولي بلسان الخجل والانسكار، في
مناجاة الملك الجبار، ما كان يقوله سيد العباد، في بسط الرجاء إلى الملك الجواد:
إلهي وعزتك وجلالك، لو قرنتني بالأصفاد، ومنعتني سيبك (8) من بين
الأشهاد، ودللت على فضائحي عيون العباد، وأمرت بي إلى النار، وحلت بيني

(1) في ب: أرفع.
(2) في ج: لجودك.
(3) في أ: أجرك.
(4) أي: أظافيره. العين 4: 270 خلب.
(5) وهي: مصائده. مجمع البحرين 5: 348 حبل.
(6) أي: ملجأ. المفردات: 509 نوص.
(7) الفخاخ جمع فخ وهو: آلة يصاد بها. مجمع البحرين 2: 439 فخخ.
(8) أي معروفك وعطاءك. العين 7: 313 سيب.
186

وبين الأبرار.
ما قطعت رجائي منك، ولا صرفت تأميلي للعفو عنك.
ولئن صيرتني للعقوبات مع أعدائك، وجمعت في النار بيني وبين أهل
بلائك، فبعزتك يا سندي ومولاي أقسم صادقا، لئن تركتني ناطقا، لأضجن
إليك بين أهلها ضجيج الآملين، ولأنادينك أين كنت يا ولي المؤمنين، يا غاية
آمال العارفين، يا غياث المستغيثين، يا حبيب قلوب الصادقين، ويا إله العالمين.
أفتراك سبحانك يا إلهي وبحمدك، تسمع فيها صوت عبد مسلم سجن،
فيها بمخالفته، وذان طعم عذابها بمعصيته، وحبس بين أطباقها بجرمه وجريرته،
وهو يضج إليك ضجيج مؤمل لرحمتك، ويناديك بلسان أهل توحيدك ومعرفتك
ويتوسل إليك بربوبيتك، وبمحمد وآله صفوتك من بريتك.
فكيف يا مولاي يبقى في العذاب وهو يرجو ما سلف من حلمك
ورأفتك؟! أم كيف تؤلمه النار وهو يأمل عواطف فضلك ورحمتك؟! أم كيف
يحرقه لهبها وأنت تسمع صوته وترى شديد نكاله؟! أم كيف يشتمل عليه زفيرها
وأنت ترى ضعفه وسوء حاله؟!
هيهات ما ذلك الظن بك، ولا المعروف من فضلك وامتنانك، ولا مشبة
لما عاملت به الموحدين من برك وإحسانك.
فباليقين أقطع لولا ما حكمت به من تعذيب جاحديك، وقضيت به من
إخلاد معانديك، لجعلت النار كلها بردا وسلاما، وما كانت لأحد فيها مقرا ولا
مقاما، لكنك تقدست أسماؤك، وجل ثناؤك، أقسمت أن تملأها من الكافرين،
من الجنة والناس أجمعين.
187

يا نفس:
فكوني بهذه المناقشة والمحاسبة راضية، ولهذه النصيحة والموعظة واعية،
ولا تنسي ما ذكرت، ولا تأمني ما حذرت (1).
فإن قادك الهوى والصبوة، وغلبتك (2) عن قبول ذلك القسوة، فاستعيني
على زوال ذلك بدوام التهجد والقيام، فإن لم يزل فبالمواظبة على الصيام، فإن
لم يزل فبصلة الأرحام والتلطف بالأيتام، فإن لم يزل فانظري هل تسمح عينك
من الدمع بقطرة؟ أو هل يأخذك على مصيبتك حزن وحسرة؟
فإن سمحت عينك بالبكاء، فقد بقي فيك موضع للرجاء، فاطلبي من
الله التوفيق والإعانة، وادمني الاستغفار وطول الاستكانة، لعله أن يرحم ضعفك،
ويجبر معصيتك (3)، ويعز ذلك، ويقبل توبتك، فلا ملجأ إلا إليه، ولا متكل
إلا عليه، فإنه يفك الأسير، ويقبل اليسير، ويعفو عن الكثير، لا يخيب من
أمله ورجاه، ويجيب المضطر إذا دعاه.
فاطلبي من الذي عنده مفاتح الغيب، أن يغفر لك قبائح العيب.
وليكن مقامك مقام البائس الفقير، وسؤالك سؤال المسكين الحقير،
وادعيه (4) دعاء الهالك الغريق، فهو أرأف من كل شفيق، والمسؤول جواد
والمطلوب منه كريم، ورحمته واسعة وعفوه عظيم، وهو القائل: (يا عبادي
الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا

(1) في ب: ولا تنسي ما ذكرتك ولا تأمني ما حذرتك.
(2) في ج، د: وغيبتك.
(3) في أ: مصيبتك.
(4) في ج، د: وأدعيتك.
188

إنه هو الغفور الرحيم) (1).
وبالجملة فلا تيأسي من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم
الكافرون، ولا تأمني مكر الله ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
بيت:
أخاف وأرجو عفوه وعقابه * وأعلم حقا أنه ملك عدل
فإن يك عفو فهو منه تفضل * وإن يك تعذيب فإني له أهل
يا نفس:
لقد بصرت إن أبصرت، وأسمعت إن سمعت، وهديت إن اهتديت،
ووعيت إن وعيت، فاحفظي وصيتي، وجانبي معصيتي، وأخذي (2) مثالي،
وافقهي أمثالي، فيا لها مواعظ شافية، وأمثالا كافية، لو صادفت قلوبا زاكية،
وأسماعا واعية.
ولنختم هذه المحاسبة بهذه المناجاة، لتكون إن شاء الله وسيلة إلى ركوب
سفينة النجاة، والفوز بغرفات الجنات، ورضى رب الأرضين والسماوات.
وهي هذه المناجاة:
إلهي لك الحمد الذي لا نهاية * له ويرى كل الأحانين (3) باقيا
وشكرا يفوت العد والرمل والحصا * ونجم السما والقطر ثم الأواديا

(1) الزمر 39: 53.
(2) في أ: واحذري.
(3) في هامش المصباح: الأحانين: جمع حين، والأوادي جمع: البحر، وقوله: أباحته، أي هيأت له،
قاله الكفس عفى الله عنه.
189

على أن رزقت العبد منك هداية * أباحته (1) تخليصا من الكفر واقيا
فأنت الذي أطعمتني وسقيتني * ولولاك كنت الدهر غرثان ظاميا
وأنت الذي آمنت خوفي بحكمة * أيارجها (2) تلقاه للنصر شافيا 5
وأنت الذي أعززتني بعد ذلة * وصيرتني بعد الإذالة عاليا
وأنت الذي أغنيتني بعد فاقتي * فأصبحت من جدوى جدائك ثاريا
وأنت الذي في يوم كربي أغثتني * وقد كنت مكثورا (3) وللنصر ساليا
وأنت الذي لما دعوتك مخلصا * بلا مرية حقا أجبت دعائيا
وأنت الذي أوليتني منك عصمة * رأيت بها طرف المكاره خاسيا (4) 10
وفي أحسن التقويم ربي خلقتني * وسيرت لي في الخافقين (5) مساعيا
وكم لك يا رب الأنام مواهبا * وكم منن تحكي الرياح السوافيا (6)
ومن بعد هذا عن صراطك سيدي * تنكبت إذ ألفي لأمرك عاصيا
فكم زلة أثبتها في صحائفي * وكنت بها أعلى (7) المعاصي راقيا
وكم مأثم حقا تقمصت (8) قمصه * وكم من يد حسنا جعلت مساويا 15
وكم صهوة (9) في منكر امتطيتها * وكنت بميدان الهوى متماديا

(1) في أ: أتاحته.
(2) في هامش المصباح: الأيارج: دواء كثير المنافع يستعمله الأطباء، وهنا استعارة.
(3) في هامش المصباح: المكثور الذي كثر عليه العدو وفقد البصر.
(4) أي: بعيدا وصاغرا. مجمع البحرين 1: 121 خسا.
(5) كذا في م، وفي أ: وصيرت في الخافقين.
(6) أي: الرياح المسرعة التي تسقي التراب وتذروه. مجمع البحرين 1: 230 سفا.
(7) في المصباح: أوج، وفي الهامش: الأوج ضد الهبوط، وهو من الاصطلاحات، وأهمله الجوهري.
(8) في هامش المصباح: قوله تقمصت، أي: استوليت عليه واستبددته، ومنه قول علي عليه السلام:
ولقد تقمصها فلان وفلان، قاله الكفعمي.
(9) في هامش المصباح: قوله: وكم صهوة: مقعد الفارس، والامتطاء: الركوب.
190

وكم من عهود حنثتها متعمدا * وصرت بها عن قرب عفوك قاصيا
وكم لذة من بعدها النار لم أخف * عواقبها بل كنت فيها مواليا
وكم من هوى تابعته فأضلني * فأصبحت من أثواب سخطك كاسيا
وكم واجب ضيعته يوم شقوتي * وعزمي أضحى في المعازف (1) ماضيا 20
فيا نفس هلا اعتبرت بمن مضى * ودورهم للموت أمست خواليا
فهم ببطون الأرض أضحوا رهائنا * محاسنهم فيها (2)، يرين بواليا
كم اخترمت (3)، أيدي المنون من الورى * قرونا فأمسوا في القبور جواثيا
وكم من مليك قد تمكن ملكه * سقاه الردى كأسا من الموت ظاميا
فما منعت عنه الصياصي (4) التي بنى * ولا كان بالأموال للنفس فاديا 25
ولم يغن عنه جمعه وجنوده * وأصبح منه ناظر العين خاسيا
فكم فرح مستبشر بوفاته * وكم ترح أضحى لذلك (5) باكيا
فيا نفس جدي في البكاء واندبي * زمانا به قد كان شرك ساميا
ويا نفس ماذا تصنعين بحق من * له الحق في يوم يريد التقاضيا (6)
ويا نفس توبي عن هواك واقصري * وسحي (7) دموعا بل دماء (8) جواريا 30
ويا نفس ولى العمر والشيب قد أتى * نذيرا بقرب الموت لا شك ناعيا
ويا نفس قومي في الظلام بذلة * ورقة قلب يجعل الصخر جاريا

(1) في هامش المصباح: قوله: في المعازف، المعازف: الملاهي، وعزفت: لهوت.
(2) في أ: منها.
(3) في هامش المصباح: قوله: اخترمت، أي: استأصلت، واخترمت الدهور: استأصلت.
(4) هي الحصون والقلاع التي يمانعون بها. مجمع البحرين 4: 174 صيص.
(5) في أ: أضحى منه كذلك.
(6) كذا في المصباح، وفي أ: التقاصيا.
71) أي: سيلي. مجمع البحرين 2: 370 سحح.
(8) في أ: بالدماء.
191

وقولي: إلهي أنت أكرم من عفى * وأجدر من يولي (1) والأياديا
إلهي إلهي دق عظمي وانمحى (2) * من العالم الأرضي ذكري وشأنيا
إلهي إلهي أقحمتني مآثمي (3) * تعمدتها تحكي البحور الطواميا (4) 35
إلهي أمن أهل الشقاء خلقتني * فأبدي أشجانا تطيل بكائيا
إلهي أهل في الفائزين جعلتني * فأفرح في دار المقام رجائيا
إلهي بباب العفو أصبحت سائلا * ذليلا أرجي أن تجيب دعائيا
إلهي لئن أقعدت عن سبق طائع * فتوحيد ربي قد أقام قواميا
إلهي لسان في ثنائك (5) مدأب * فكيف يرى في الحشر للنار صاليا 40
إلهي لئن أخطأت كل طريقة * فإني أصبت الخوف منك إلهيا
إلهي إذا لم تعف إلا عن امرئ * أطاع فمن للذي (6) جاء خاطيا
إلهي لئن عذبتني فبمأثمي * وإن جدت لي فالفضل ألقاه فاشيا
إلهي إذا ذنبي أباح عقوبتي * أراني ارتجائي حسن صفحك دانيا
إلهي فاجعلني مطيعا أجرته * وإن لم يكن فارحم لمن جاء عاصيا 45
إلهي أمرت الضيف يقري (7) ضيفه * فكن لي بعفو منك يا رب قاريا
نزلت بباب العفو أرجو إجارة * فعرب الفلا ناوي النزيل الأمانيا
وحاشاك يا رب البرية كلها * ترد عبيدا مستجيرا مواليا

(1) وهو: السائل والطالب. مجمع البحرين 1: 82 جدا.
(2) في أ: وانتحى.
(3) في المصباح: مآثم.
(4) قال ابن منظور في اللسان 12: 370 طمم: طم الماء يطم طما وطموما: علا وغمر.
(5) في أ: ثناياك.
(6) في أ: فمن ذا الذي.
(7) أي: يضيف ويحسن إليه. مجمع البحرين 1: 340 قرا.
192

وحاشاك في يوم القيامة أن أرى * وحظي من نبل المراحم خاليا
وحاشاك في يوم التغابن أن يرى * بي الغبن أو أضحى من العفو عاريا 50
وإن يقيني فيك إنك منقذي * من النار في يوم تشيب النواصيا
وكيف أذوق النار يا خالق الورى * وذلي قد أمسى بعزك لاجيا
وكيف أذوق النار يا رافع السما * وطرفي قد أضحى ببابك باكيا (1)
سليل الجباعي جاء نحوك تائبا * ذليلا يرى في حندس الليل (2) داعيا
سليل الجباعي يشتكي من جرائم * صغائرها تحكي الجبال الرواسيا (3) 55
؟؟؟ يبلى اللكام (4) بحملها * لذل وأضحى بالثبور مناديا
بعثت الأماني نحو جودك سيدي * فرد الأماني العاطلات حواليا
وأرسلت آمالي خماصا عواريا * بحقك فارجعها بطانا كواسيا
أقلني أجرني أجزني يا مؤملي * مكارمك العظمى فقد جئت راجيا
وصل على خير (5) النبي وآله * وعترته ما أصبح الدهر باقيا 60

(1) في أ: باقيا.
(2) أي: في شدة ظلام الليل. مجمع البحرين 4: 61 حندس.
(3) أي: الجبال الثابتة. مجمع البحرين 1: 153 رسا.
(4) في هامش المصباح: جبل اللكام هو: جبل الفرح الذي بين مكة والمدينة يمضي إلى الشام حتى يتصل
بلبنان ثم يتصل بجبال أنطاكية ويسمى هناك اللكام، قاله القزويني في عجائبه.
(5) في المصباح: على المولى.
193

الفهارس: (1) فهرس الآيات القرآنية.
(2) فهرس الأحاديث.
(3) فهرس الكلمات اللغوية المشروحة.
(4) فهرس الأبيات الشعرية.
(5) فهرس الأمثال والحكم.
(6) فهرس الأعلام.
(7) فهرس مصادر المقدمة والكتاب.
(8) الفهرس العام.
195

(1) فهرس الآيات القرآنية
الآية الرقم الصفحة
يوما لا تجري نفس عن نفس... 2 / 48 122
يوم تجد كل نفس ما علمت... 3 / 30 35
إنما يتقبل الله من المتقين 5 / 27 179
يوم يأتي بعض آيات ربك... 6 / 158 122
إن رحمة الله قريب من المحسنين 7 / 56 180
يوم يحمى عليها في نار جهنم... 9 / 35 88
إن الحسنات يذهبن السيئات 11 / 114 185
يوم لا بيع فيه ولا خلال 14 / 31 122
يوم تأتي كل نفس تجادل... 16 / 111 123
يوم ندعو كل أناس بإمامهم... 17 / 71 121
يوم نسير الجبال 18 / 47 122
ولا يشفعون إلا من ارتضى 21 / 28 180
يوم ترونها تذهل كل مرضعة... 122 / 2 114
يوم يرون الملائكة لا بشرى 25 / 22 121
يوم تشقق السماء بالغمام... 25 / 25 121
197

يوم يعض الظالم على يديه... 25 / 27 122
يوم لا ينفع مال ولا بنون 26 / 88 123
يوم ينفخ في الصور... 27 / 87 124
يوم تقلب وجوههم في النار... 33 / 66 122
يوم الفصل 37 / 21 122
أليس الله بكاف عبده 39 / 36 118
يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم... 39 / 53 188 - 189
وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم 39 / 61 112
يوم التلاق 40 / 15 125
يوم الآزفة 40 / 18 122
يوم التناد يوم تولون... 40 / 32 - 33 124
يوم يحشر أعداء الله إلى النار... 41 / 19 113
يوم الجمع لا ريب فيه... 42 / 7 124
يوم لا مرد له من الله... 42 / 47 124
يوم الفصل 44 / 40 122
يوم تقوم الساعة 45 / 27 123
أنهار من ماء غير آسن... 47 / 15 129
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين 51 / 55 36
يوم تمور السماء مورا... 52 / 9 - 10 121
يوم يدعون إلى جهنم... 52 / 13 - 14 123
ليس للانسان إلا ما سعى 53 / 39 - 40 163
يوم يقول المنافقون... 57 / 13 121
يوم يبعثهم الله جميعا... 58 / 16 124
يوم يكشف عن ساق 68 / 42 125
يوم يخرجون من الأجداث... 70 / 43 - 44 123
يوم ترجف الأرض والجبال... 73 / 14 121
يوما يجعل الولدان شيبا... 73 / 17 - 18 121
إلى ربك يومئذ المساق 80 / 34 - 36 124
198

يوما عبوسا قمطريرا 76 / 10 121
وما أدراك ما يوم الفصل 77 / 14 122
يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم... 77 / 35 123
يوم الفصل 77 / 38 122
يوم الفصل 78 / 17 122
يوم يقوم الروح والملائكة... 78 / 38 - 40 125
يوم ترجف الراجفة تتبعها... 79 / 6 - 7 122
يوم يتذكر الانسان ما سعى 79 / 35 - 636 124
يوم يفر المرء من أخيه... 80 / 34 - 36 124
لكل امرئ منهم يومئذ شأن... 80 / 37 119
إن الأبرار لفي نعيم... 82 / 13 - 14 179
يوم الدين 82 / 15 123
وما أدراك ما يوم الدين 82 / 17 123
يوم يقوم الناس لرب العالمين 83 / 6 124
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا... 99 / 7 - 8 36
الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون 107 / 6 - 7 88
199