الكتاب: شرح المنام
المؤلف: الشيخ المفيد
الجزء:
الوفاة: ٤١٣
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: الشيخ مهدي نجف
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٤ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: طبعت بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد

شرح المنام
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله العكبري البغدادي
(336 - 413 ه‍)
تحقيق
الشيخ مهدي نجف
1

بسم الله الرحمن الرحيم
مهما يكن ما ورد في " المنام " من أحاديث، تدل على أن منها ما هو صحيح
وصادق، بل - كما ورد في بعض الأخبار - منها ما هو جزء من أجزاء النبوة،
فإن المنامات ليست في أنفسها حجة معتمدة في شئ من العلوم.
إلا أن المضامين التي تحتويها الأحلام قد تكون مفصلة واضحة ومتقنة
دقيقة، بحيث تشكل بنفسها دليلا مقنعا.
وقد تكون الأحلام ناشئة من انعكاس الجهود التي يزاولها الإنسان في
اليقظة، أو الأفكار التي يرتبها، فتكون الأحلام متشكلة من تلك الأفكار بشكل
منظم ومرتب وجامع، لا يشذ منها شئ.
فمن الواضح - حينئذ - أن مثل هذه المنامات لا يمكن رده ولا دفعه لمجرد
كونه مناما، بل لا بد من اعتبار محتواه على أساس كماله وصحته أو عدم
وضوحه وترابطه، بقطع النظر عن حصوله في المنام.
ولا يرتاب قارئ هذا الكتاب، في أن ما رآه الشيخ المفيد في المنام، من هذا
القبيل، حيث نجد فيه بحثا علميا شيقا، متكامل المقدمات، حكاه الشيخ على أنه
3

وقع له حالة المنام.
والمسألة تبحث عن دلالة " آية الغار " على ما يدعيه العامة من فضل أبي
بكر ابن أبي قحافة، حيث كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغار،
عند نزول تلك الآية.
وقد فضل الشيخ المفيد أوجه الاستدلال الذي ذكروها على مرادهم، ثم
بدأ يردها واحدا واحدا.
وهذا المنام يدل على اختزان محتواه في ذهن الشيخ المفيد، وتركزه فيه
بحيث لم يفارقه في يقظة ولا منام
كما أنه يحتوي على ما هو لازم من عناصر القوة في الاستدلال، و
ضرورات إكمال البحث من النقوض والأجوبة، والشواهد القرآنية والحديثية و
حتى الاستشهاد بالشعر على إثبات المعاني اللغوية، بما يقضي بالعجب، ولا
تبقى معه حاجة إلى البحث عن حجية الرؤيا!
ونحمد الله على توفيقه.
وكتب السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
4

شرح المنام
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله العكبري البغدادي
(336 - 413 ه‍)
21

بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر
روى الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن بنان (1)، أن الشيخ المفيد
-

(1) وروى الشيخ أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج 2: 499
الحديث عن الشيخ أبي علي الحسن بن محمد الرقي، أخبر به بالرملة في شوال من سنة ثلاث
وعشرين وأربعمائة عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله أنه قال:
رأيت في المنام سنة من السنن كأني قد اجتزت. إلى آخره وسوف نرمز إلى موارد اختلاف
روايته بالحرف " ج ".
وعنوان أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي في كنزه 2: 48 الخبر المذكور
قائلا: منام ذكر أن الشيخ المفيد أبا عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه
رآه وأملاه على أصحابه ".
بلغ أن شيخنا المفيد رضوان الله عليه قال: رأيت في النوم. إلى آخره. وسوف نرمز
إلى موارد الاختلاف أيضا بالحرف " ك ".
وذكر ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد 5: 355 - 356 نحو ما سيأتي في احتجاج
المأمون على الفقهاء في فضل علي عليه السلام فلاحظ.
23

رضي الله عنه قال: رأيت في النوم (1) كأني قد اجتزت في بعض الطرق،
فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير.
فقلت: ما هذا؟
قالوا (2): هذه حلقة فيها رجل يقص.
فقلت: من هو؟
قالوا: عمر بن الخطاب.
ففرقت (3) الناس، ودخلت الحلقة، فإذا برجل يتكلم على الناس
بشئ لم أحصله، فقطعت عليه الكلام (4)، وقلت:
أيها الشيخ أخبرني (5)، ما وجه الدلالة على فضل صاحبك [أبي
بكر (6) عتيق بن أبي قحافة في قول الله تعالى: (ثاني اثنين إذ هما في
الغار) (7)؟.
فقال: وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه (8) في ستة مواضع:
الأول: أن الله تعالى ذكر النبي (9) صلى الله عليه وآله، وذكر

(1) في " ج " المنام سنة من السنين.
(2) في " ك " فقيل لي.
(3) في " ك " فتقدمت ففرقت.
(4) زيادة من " ج ".
(5) زيادة من " ك و ج ".
(6) ما بين المعقوفين ليس في " ك ".
(7) التوبة: 41.
(8) في " ج " هذه الآية.
(9) في " ك " نبيه.
24

أبا بكر (1)، فجعله ثانيه، فقال: " ثاني اثنين ".
الثاني: أنه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه (2) بينهما،
فقال: " إذ هما في الغار ".
الثالث: أنه أضافه إليه بذكر الصحبة، ليجمع بينهما فيما يقتضي
الرتبة، فقال: " إذ يقول لصاحبه ".
الرابع: أنه أخبر عن شفقة النبي صلى الله عليه وآله عليه (3)،
ورفقه. به، لموضعه عنده، فقال: " لا تحزن ".
الخامس: أنه (4) أخبره أن الله معهما على حد سواء، ناصرا لهما،
ودافعا عنهما، فقال: " إن الله معنا ".
السادس: أنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر، لأن الرسول
لم تفارقه السكينة قط، فقال: " فأنزل الله سكينته عليه ".
فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار، لا يمكنك
ولا لغيرك الطعن فيها.
فقلت له: لقد [حررت كلامك] (5) [هذا، واستقصيت البيان
فيه، وأتيت بما لا يقدر أحد أن يزيد عليه] (6) في الاحتجاج (7)، غير أني
بعون الله وتوفيقه، سأجعل ما أتيت به كرماد اشتدت به الريح في يوم

(1) في " ك " أبا بكر معه.
(2) في " ك " تأليفا.
(3) زيادة من " ك و ج ".
(4) في " ك " اعلامه أنه.
(5) في " ج " حبرت بكلامك.
(6) ما بين المعقوفين ساقط من " ج ".
(7) في " ك و ج " الاحتجاج لصاحبك عليه.
25

عاصف.
أما قولك: أن الله تعالى ذكره وذكر النبي صلى الله عليه وآله وجعل
أبا بكر ثانيه (1)، فهو إخبار عن العدد، ولعمري لقد كانا اثنين، [فما في
ذلك من الفضل؟]، (2)، ونحن نعلم ضرورة أن مؤمنا وكافرا اثنان، [كما
نعلم أن مؤمنا ومؤمنا اثنان] (3)، فما أرى لك في ذكر العدد طائلا
[تعتد به] (4).
وأما قولك: أنه وصفهما بالاجتماع في المكان، فإنه كالأول، لأن
المكان [يجمع المؤمنين والكفار] (5)، وأيضا فإن مسجد النبي صلى الله عليه
وآله أشرف من الغار، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار، وفي ذلك قول
الله تعالى: (فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال
عزين) (6).
وأيضا فإن سفينة نوح قد جمعت النبي، والشيطان، والبهيمة،
[والإنسان (7). فالمكان] (8) لا يدل على ما ادعيت (9) من الفضيلة (10) فبطل

(1) في " ك " ثانيه فليس في ذلك فضيلة.
(2) ليس في " ك ".
(3) زيادة من " ك و ج ".
(4) في " ك و ج " تعتمده.
(5) في " ك " يجتمع فيه المؤمنون والكفار، كما يجتمع العدد للمؤمنين والكفار. وفي " ج " يجمع
المؤمن والكافر كما يجمع العدد المؤمنين والكفار.
(6) المعارج: 37.
(7) في " ج " الكلب.
(8) في " ك " فبان لك أن الاجتماع بالمكان.
(9) في " ج " أوجبت.
(10) في " ك " الفضل.
26

فضلان.
وأما قولك: أنه أضافه إليه بذكر الصحبة، فإنه أضعف من
الفضلين الأولين، لأن الصحبة تجمع المؤمن والكافر، والدليل على ذلك
قول الله عز وجل: (إذ قال لصاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك
من تراب، ثم من نطفة، ثم سواك رجلا " (1).
وأيضا فإن اسم الصحبة يقع (2) بين العاقل ولين البهيمة، والدليل
على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم، فقال الله تعالى:
(وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) (3) وقد سموا الحمار صاحبا
فقالوا:
إن الحمار مع الحمار مطية * فإذا خلوت به فبئس الصاحب (4)
وأيضا فقد سموا السيف (5) صاحبا، [فقالوا في ذلك] (6)
جاورت هندا وذاك اجتنابي (7) ومعي صاحب كتوم اللسان

(1) الكهف: 35.
(2) في " ك " تكون. وفي " ج " تطلق.
(3) إبراهيم: 4.
(4) البيت من قصيدة قالها. هكذا في " الأصل ".
51) في " ك و ج " الجماد مع الحي.
(6) في " ك " قال الشاعر، وفي " ج " قالوا ذلك في السيف شعرا.
(7) في " ك و ج " زرت.
27

يعني السيف.
فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر، وبين العاقل
وبين (1) البهيمة، وبين الحيوان والجماد، فأي حجة لصاحبك؟!
وأما قولك: أنه قال " لا تحزن " فإنه (2) وبال عليه، ومنقصة (3)
ودليل على خطئه، لأن قوله: " لا تحزن " نهي، وصورة النهي قول
القائل: (لا تفعل).
فلا يخلو [أن يكون] (4) الحزن وقع (5) من أبي بكر [على أحد
وجهين: إما] (6) طاعة أو معصية، فإن كان طاعة فالنبي لا ينهى [عنها،
فدل على أنه] (7) معصية. [فإن انتهى وإلا فقد شهدت الآية بعصيانه
بدليل أنه نهاه] (8).
وأما قولك أنه قال له: (إن الله معنا) فإن النبي صلى الله عليه وآله
أخبر (9) أن الله معه خاصة، وعبر عن نفسه بلفظ الجمع [فقال: " معنا "
كما عبر الله تعالى عن نفسه بلفظ الجمع] (10) فقال: (إنا نحن نزلنا الذكر

(1) ليس في " ك و ج ".
(2) في " ك " فإن ذلك.
(3) في " ك و ج " منقصة له.
(4) ما بين المعقوفين ليس في " ك ".
(5) في " ك " الواقع.
(6) في " ك " من أن يكون.
(7) في " ك و ج " عن الطاعات، بل يأمر بها ويدعو إليها، وإن كان.
(8) في " ك " فقد صح وقوعها منه، وتوجه النهي عنها وشهدت الآيات أنه ولم يرد دليلا على امتثاله
للنهي وانزجاره. وفي " ج " فقد نهاه النبي صلى الله عليه وآله عنها، وقد شهدت الآية بعصيانه
بدليل أنه نهاه.
(9) في " ك " اعلمه.
(10) ما بين المعقوفين ليس في " ك و ج ".
28

وإنا له لحافظون " (1).
وقد قيل [أيضا في هذا] (2): أن أبا بكر قال: يا رسول الله حزني على
أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه.
فقال له النبي: (لا تحزن إن الله معنا). أي: معي ومع أخي علي
ابن أبي طالب.
وأما قولك أن السكينة نزلت على أبي بكر فإنه [كفر بحت] (3)، لأن
الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيده بالجنود كذا يشهد ظاهر القرآن في
قوله تعالى: (فأنزل سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) (4) فإن (5) كان
أبو بكر هو صاحب السكينة فهو (6) صاحب الجنود، وهذا (7) إخراج النبي
عليه السلام من النبوة، على أن هذا الموضع لو كتمته على صاحبك كان
خيرا له، لأن الله تعالى أنزل السكينة على النبي عليه السلام في موضعين،
وكان معه قوم مؤمنون، فشركهم فيها، فقال في موضع (8): (ثم أنزل
سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها) (9).
[وفي موضع آخر] (10): (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين
وألزمهم كلمة التقوى " (11).

(1) الحجر: 9.
(2) ليس في " ك ".
(3) في " ج " فإنه ترك للظاهر. وفي " ك " كفر.
(4) التوبة: 41.
(5) في " ك " فلو.
(6) في " ك " لكان هو.
(7) في " ك و ج " وفي هذا.
(8) في " ك " أحدهما. وفي " ج " أحد الموضعين.
(9) التوبة: 27.
(10) في " ك و ج " وقال في الموضع الآخر.
(11) الفتح: 26.
29

ولما كان في [هذا اليوم] (1) خصه وحده بالسكينة، فقال: (فأنزل
سكينته عليه).
فلو كان معه في الموضع مؤمن لشركه معه في السكينة، كما شركه من
قبله (2) من المؤمنين، فدل بإخراجه (3) من السكينة على خروجه من
الإيمان.
[قال الشيخ المفيد رحمه الله] (4) فلم يحر [عمر بن الخطاب] (5)
جوابا، وتفرق الناس، واستيقظت (6).
تم المنام ولله الحمد والمنة، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله.

(1) في " ك " يوم الغار، وفي " ج " هذا الموضع.
(2) في " ك " كان معه. وفي " ج " كما شرك من ذكرنا قبل هذا.
(3) في " ك و ج " إخراجه.
(4) ما بين المعقوفين زيادة من " ك ".
(5) ما بين المعقوفين زيادة من " ك ".
(6) في " ج " واستيقظت من نومي.
30