الكتاب: التعجب
المؤلف: أبو الفتح الكراجكي
الجزء:
الوفاة: ٤٤٩
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: تصحيح وتخريج : فارس حسون كريم
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

التعجب
من أغلاط العامة في مسألة الإمامة
تأليف
الشيخ القاضي أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي
المتوفى سنة 449 ه‍. ق
تصحيح وتخريج
فارس حسون كريم
1

بسم الله الرحمن الرحيم
3

الإهداء
إلى من كتب الله بعظمته منشور ولايته
إلى من ختم الباري بعنايته توقيع خلافته
إلى من فرض الحق إمامته على كافة بريته
علي بن أبي طالب عليه السلام
سيد الوصيين، وزوج سيدة نساء العالمين
أقدم عملي هذا مادا إليه يدي راجيا أن ينهضني من
كبوتي، وينقذني من هفوتي، بعلو مبانيه، وسمو معانيه
فارس
5

ترجمة المؤلف (1)

(1) تجد ترجمته أيضا في المصادر التالية:
1 - معالم العلماء: 118، رقم 788.
2 - الفهرست للشيخ منتجب الدين: 154، رقم 355.
3 - تاريخ الإسلام - وفيات سنة 449 -: 236.
4 - سير أعلام النبلاء: 18 / 121، رقم 61.
5 - العبر في خبر من غبر: 2 / 294.
6 - تذكرة الحفاظ: 3 / 1127.
7 - الوافي بالوفيات: 4 / 130.
8 - مرآة الجنان لليافعي: 3 / 70.
9 - لسان الميزان: 5 / 300، رقم 1016.
10 - شذرات الذهب: 3 / 283.
11 - مجمع البحرين: 3 / 336 - مادة سلار -.
12 - أمل الآمل: 2 / 287، رقم 857.
13 - بحار الأنوار: 1 / 35 و 105 / 263.
14 - جامع الرواة: 2 / 156، رقم 1176.
15 - تعليقة أمل الآمل لعبد الله أفندي: 287، رقم 857.
16 - رياض العلماء: 5 / 139.
17 - مقابس الأنوار: 9.
18 - لؤلؤة البحرين: 337، رقم 112.
19 - رجال السيد بحر العلوم: 3 / 302. م
20 - روضات الجنات: 6 / 209، رقم 579.
21 - خاتمة مستدرك الوسائل: 3 / 126.
22 - هدية العارفين: 2 / 70.
23 - الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي: 3 / 88.
24 - تحفة الأحباب - فارسي -: 473.
25 - الفوائد الرضوية - فارسي -: 571 - 574.
26 - سفينة البحار: 2 / 409.
27 - تنقيح المقال للمامقاني: 3 / 149 و 159، رقم 11052 و 11134.
28 - طبقات أعلام الشيعة - النابس في أعلام القرن الخامس -: 177.
29 - ريحانة الأدب - فارسي -: 5 / 39.
30 - أعيان الشيعة: 9 / 400.
31 - فهرست المكتبة المركزية لجامعة طهران: 3 / 2162 - 2166.
32 - مستدركات علم الرجال: 7 / 238، رقم 14027.
33 - معجم رجال الحديث: 16 / 332، رقم 11315.
34 - مفاخر إسلام - فارسي -: 3 / 327 - 346.
35 - فلاسفة الشيعة: 496.
36 - موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي لعمر عبد السلام التدمري:
4 / 293 - 305.
37 - الحياة الثقافية في طرابلس الشام لعمر عبد السلام: 329.
38 - الغدير في التراث الإسلامي: 94 - 98.
39 - قاموس الرجال: 8 / 300.
40 - الأعلام للزركلي: 6 / 276.
41 - بروكلمن - الأصل -: 1 / 354، والذيل: 1 / 434.
42 - معجم المؤلفين: 8 / 49 و 11 / 27.
43 - مصفى المقال: 374.
44 - مكتبة العلامة الكراجكي لأحد معاصريه - مطبوع في مجلة تراثنا: العدد 43 و 44.
45 - مراقد المعارف: 2 / 211، رقم 207.
إضافة إلى ما كتبه الأفاضل: السيد أحمد الحسيني، حامد الطائي، الشيخ عبد الله
نعمة، السيد عبد العزيز الطباطبائي، علاء آل جعفر، علي موسى الكعبي في مقدمات
مؤلفات الكراجكي التي حققوها.
7

اسمه:
القاضي أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي ((1).
مولده:
لم يشر التاريخ إلى شئ عن مولده، لا عن زمانه ومتى كان؟ ولا عن
مكانه وبأي بلد كان؟ إلا أنهم قالوا عنه: نزيل الرملة. فيبدو أنه ليس منها
وإنما هو نزيلها.

(1) انقسم الذين ترجموا الكراجكي في سبب تسميته بهذا الاسم إلى طائفتين:
فذهبت الطائفة الأولى - وفيهم: الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب، وآقا بزرگ
الطهراني في طبقات أعلام الشيعة، والمامقاني في تنقيح المقال - إلى أن أصل نسبته يعود
إلى قرية صغيرة غير مشهورة على باب واسط تدعى " كراجك " - بضم الجيم -.
ويبدو أنهم استندوا في دعواهم هذه على ما ذكره السمعاني في الأنساب: 11 / 58، رقم
3414 من نسبة الكراجكة إلى هذه القرية المجهولة بالنسبة إليه، والتي حدثه عنها أستاذه
أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ بأصفهان لما سأله عنها، على حد قوله.
وحتى ياقوت الحموي فإنه ذكرها في معجم البلدان: 4 / 443 بالاعتماد على رواية
السمعاني.
أما الطائفة الثانية - وفيهم: السيد الأمين في أعيان الشيعة، وابن حجر في لسان
الميزان، والذهبي في العبر، واليافعي في مرآة الجنان، وابن العماد في شذرات الذهب،
وكحالة في معجم المؤلفين - فقد ذهبوا إلى أن سبب تسميته هو أن كلمة كراجك هي عمل
الخيم.
وعلى هذا يحتمل أن يكون قد لحقته هذه التسمية نتيجة عمله بها أو عمل أحد آبائه
فعرفوا بها.
9

مكانته العلمية والاجتماعية:
رحل في طلب العلم، وتجول في البلدان، فقد زار في رحلاته كلا من:
بغداد، القاهرة، مكة، طبرية، حلب، طرابلس، صيدا، صور. لقي في أسفاره
هذه المشايخ العظام، وأدرك الكبار كالشيخ المفيد والمرتضى وغيرهما. ولمكانته
العلمية المرموقة، ومشاركته في علوم عصره، ترجم له كثير من المؤرخين
وأصحاب المعاجم، وأطروه وأثنوا على علمه وثقافته.
الاطراء والثناء عليه:
1 - الذهبي في تاريخ الإسلام: شيخ الشيعة.. وكان من فحول الرافضة،
بارع في فقههم وأصولهم، نحوي، لغوي، منجم، طبيب.
2 - الذهبي في سير أعلام النبلاء: شيخ الرافضة وعالمهم... صاحب التصانيف.
3 - الذهبي في العبر: رأس الشيعة وصاحب التصانيف.. وكان نحويا،
لغويا، منجما، طبيبا، متكلما، متفننا، من كبار أصحاب الشريف المرتضى..
4 - منتجب الدين ابن بابويه في الفهرست: الشيخ، العالم، الثقة.. فقيه
الأصحاب..
5 - الحر العاملي في أمل الآمل: عالم، فاضل، متكلم، فقيه، محدث، ثقة،
جليل القدر.
6 - المجلسي في بحار الأنوار: وأما الكراجكي فهو من أجلة العلماء
والفقهاء والمتكلمين، وأسند إليه جميع أرباب الإجازات، وكتابه كنز الفوائد من
الكتب المشهورة التي أخذ عنه جل من أتى بعده، وسائر كتبه في غاية المتانة.
7 - السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة: الفقيه المتكلم، والحكيم
الرياضي، وقد صنف في الكل..
10

مشايخه:
1 - أبو العباس أحمد بن إسماعيل بن عنان الحلبي.
2 - الشريف أبو منصور أحمد بن حمزة الحسيني العريضي.
3 - أبو سعيد أحمد بن محمد بن أحمد الماليني الهروي ((1).
4 - القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم بن كليب السلمي الحراني ((2).
5 - أبو الصلاح الحلبي تقي الدين بن نجم.
6 - أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن كامل الطرابلسي.
7 - أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن علي ابن الواسطي ((3).
8 - أبو عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد القمي.
9 - أبو عبد الله الحسين بن محمد بن علي الصيرفي البغدادي.
10 - أبو يعلى سلار بن عبد العزيز الديلمي.
11 - الشريف أبو الحسن طاهر بن موسى بن جعفر الحسيني.
12 - أبو محمد عبد الله بن عثمان بن حماس.
13 - أبو الحسن علي بن أحمد اللغوي، المعروف بابن زكار.
14 - أبو الحسن علي بن الحسن بن مندة.
15 - الشريف المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي
البغدادي.
16 - الشريف أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمزة.

(1) ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد: 4 / 371، توفي سنة 412 ه‍.
(2) ترجم له في بغية الطلب: 1551، نزيل بغداد.
(3) ترجم له في لسان الميزان: 2 / 298، توفي قبل سنة 420 ه‍.
11

17 - أبو الحسن علي بن محمد السباط البغدادي.
18 - أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي.
19 - شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي.
20 - أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن طلحة الصيداوي.
21 - الشريف أبو عبد الله محمد بن عبيد الله بن الحسين بن طاهر الحسيني.
22 - أبو المرجى محمد بن علي بن أبي طالب البلدي.
23 - القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الأزدي البصري
الضرير ((1).
24 - معلم الأمة أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الشيخ المفيد البغدادي.
25 - أبو القاسم هبة الله بن إبراهيم بن عمر الصواف.
26 - الشريف يحيى بن أحمد بن إبراهيم طباطبا الحسني.
تلامذته:
1 - شمس الإسلام الحسن بن الحسين بن بابويه حسكا القمي.
2 - الحسين بن هبة الله بن رطبة.
3 - ريحان بن عبد الله الحبشي.
4 - ظفر بن الداعي مهدي العلوي الأسترآبادي.
5 - المفيد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين الخزاعي النيسابوري.
6 - الشيخ عبد العزيز ابن البراج.
7 - أبو جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبي.

(1) توفي سنة 443 ه‍.
12

تواريخ تجوله ورحلاته:
سنة 399 ه‍: كان بمياقين في شمال العراق، ويبدو أنه كان في طريقه إلى
بغداد.
سنة 407 ه‍: كان بمصر.
سنة 410 ه‍: كان بالرملة.
سنة 412 ه‍: كان بالرملة - في جمادى الآخرة -.
سنة 412 ه‍: كان بمكة المكرمة.
سنة 416 ه‍: كان بالرملة.
سنة 418 ه‍: كان بصور.
سنة 424 ه‍: كان بالقاهرة.
سنة 426 ه‍: كان بمصر.
سنة 436 ه‍: كان بطرابلس.
سنة 441 ه‍: كان في صيدا.
سنة 449 ه‍: كان بصور.
مؤلفاته:
1 - الإبانة عن المماثلة.
2 - الاختيار من الأخبار.
3 - الاستبصار في النص على الأئمة الأطهار.
4 - الاستطراف في ذكر ما ورد من الفقه في الإنصاف.
5 - الأصول في مذهب آل الرسول.
6 - انتفاع المؤمنين بما في أيدي السلاطين.
13

7 - الأنساب.
8 - الأنيس.
9 - إيضاح السبيل إلى علم أوقات الليل.
10 - ا لإيضاح عن أحكام النكاح.
11 - البستان في الفقه.
12 - التأديب.
13 - التحفة في الخواتيم.
14 - التعجب من أغلاط العامة - هذا الكتاب -.
15 - التعريف بوجوب حق الوالدين.
16 - التفضيل.
17 - التلقين لأولاد المؤمنين.
18 - تهذيب المسترشدين.
19 - حجة العالم في هيئة العالم.
20 - دليل النص بخبر الغدير.
21 - ردع الجاهل وتنبيه الغافل.
22 - الرسالة الدامغة للنصارى.
23 - روضة العابدين ونزهة الزاهدين.
24 - رياض الحكم.
25 - رياضة العقول في مقدمات الأصول.
26 - الزاهر في آداب الملوك.
27 - شرح الاستبصار في النص على الأئمة الأطهار.
14

28 - عدة البصير في حج يوم الغدير.
29 - العيون في الآداب.
30 - غاية الإنصاف في مسائل الخلاف.
31 - الغاية في الأصول.
32 - الفاضح.
33 - القول المبين عن وجوب مسح الرجلين.
34 - كنز الفوائد.
35 - المجالس في مقدمات صناعة الكلام.
36 - مختصر البيان عن دلالة شهر رمضان.
37 - مختصر تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى.
38 - مختصر دعائم الإسلام.
39 - المراشد " المنتخب من غرر الفوائد ".
40 - المزار.
41 - المسألة القيسرانية.
42 - معارضة الأضداد باتفاق الأعداد.
43 - معدن الجواهر ورياضة الخواطر.
44 - معونة الفارض على استخراج سهام الفرائض.
45 - المقنع للحاج والزائر.
46 - المنسك العصي.
47 - المنهاج إلى معرفة مناسك الحاج.
48 - موعظة العقل للنفس.
15

49 - نصيحة الإخوان.
50 - نظم الدرر في مبنى الكواكب والدرر.
51 - نهج البيان في مناسك النسوان.
52 - النوادر... وغيرها.
وفاته:
توفي في صور في يوم الجمعة ثاني أو ثامن ربيع الآخر سنة 449 ه‍. ولعله
انفرد في مراقد المعارف حين قال إنه توفي ببغداد.
مرقده:
قال حرز الدين في مراقد المعارف: مرقده ببغداد في الجهة المؤدية إلى
باب الكوفة، بجانب الرصافة، في الضفة الشرقية لنهر دجلة، برأس الجسر
القديم، في جامع الصفوية المعروف بجامع الآصفية تحريفا، ثم بتكية
المولوية... زرنا مرقد الشيخ الكليني لأول مرة سنة 1305 ه‍ ببغداد، وكان قد دلنا
على قبر الشيخ الكراجكي فضيلة الشيخ إمام الجامع والمقيم بنفس الجامع، فكان
رسم قبره دكة عالية بارتفاع ثلثي قامة إنسان خلف دكة قبر الشيخ الكليني (قدس سره) وفي
وقته لم نشاهد على الدكة الصخرة القديمة، ورأينا رسم موضعها بعد قلعها، وكان
إلى جانب هذه الدكة رسم قبرين مردومين يظهر ذلك من الحجارة والأنقاض
الباقية كالأكمتين. قلت: المعروف والمشهور أن بهذه الجهة الشرقية من الرصافة
في تلك الأزمنة دور سكن متقاربة لوجوه علماء الشيعة الإمامية، ومنها دار ثقة
الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني التي صارت من بعد مسجدا ومقبرة له
ولبعض وجوه علماء الشيعة، ففي صدر هذا السوق المستطيل - مع مجرى نهر
16

دجلة المعروف بسوق الهرج تارة، وسوق السراحين أخرى، وبسوق السراي في
زماننا المتأخر - مرقد الشيخ عثمان بن سعيد العمري، وفي وسطه عند رأس
الجسر العتيق مرقد الشيخ الكليني، والشيخ الكراجكي وأسفل منهما بيسير عند
انحدار دجلة مرقد الشيخ علي بن محمد السمري في مسجد القبلانية.
17

حول الكتاب
موضوعه:
احتجاج ظريف مختصر على العامة في مسألة الإمامة ومناقضاتهم العجيبة
فيها استنادا إلى الكتاب والسنة والأدلة العقلية والتاريخ.
ألفه مؤلفه استجابة لطلب من رأى الفصل الأخير من كتاب " أطراف الدلائل وأوائل
المسائل " للشيخ المفيد (رضي الله عنه)، وهو في أغلاط العامة، فأعجبه ذلك وطلب من
الكراجكي التوسع في الموضوع فأجابه جاعلا كتابه هذا على فصول، منها:
فصل: في ذكر أغلاطهم في ذكر الوصية.
فصل: في أغلاطهم في النص.
فصل: في أغلاطهم في الاختيار.
فصل: في أغلاطهم في الإمام وأوصافه.
فصل: في أغلاط البكرية.
فصل: في ذكر فدك.
إضافة إلى تضمنه موضوعات أخرى كلها من مناقضات أقوال العامة
ومنافرات أفعالهم في عاشوراء وتبجيل ذرية من شارك في قتل الإمام
الحسين بن علي (عليه السلام).
18

نسبته:
ذكر الكتاب هذا أكثر من ترجم لمؤلفه الكراجكي، وفي طليعتهم أحد
معاصريه (رحمه الله)، وهو من تلاميذ الكراجكي، ذكره في فهرس مؤلفات الكراجكي ((1)،
إضافة إلى سائر من ترجم المؤلف (رحمه الله)، منهم:
- معالم العلماء لابن شهرآشوب.
- الفهرست لمنتجب الدين.
- شذرات الذهب لابن العماد.
- تعليقة أمل الآمل لصاحب رياض العلماء.
- رياض العلماء لعبد الله الأفندي الأصفهاني.
- لؤلؤة البحرين للبحراني.
- روضات الجنات للخوانساري.
- خاتمة مستدرك الوسائل للميرزا النوري.
- بحار الأنوار للمجلسي.
- هدية العارفين لإسماعيل باشا.
- الفوائد الرضوية للشيخ عباس القمي.
- أعيان الشيعة للسيد الأمين.
- الذريعة لآقا بزرگ الطهراني ((2).
- مستدركات علم الرجال للنمازي.
- معجم رجال الحديث للسيد الخوئي.

(1) طبع في مجلة تراثنا: العدد 43 و 44، ص 381.
(2) ج 4 / 210، رقم 1044.
19

- فلاسفة الشيعة لعبد الله نعمة.
- مصفى المقال.
والذي يؤيد قول هؤلاء الأعلام جميعا هو رواية المؤلف - الكراجكي -
رحمه الله عن مشايخه في متون الكتاب، كما ورد ذلك في ص 113 روايته عن
شيخه أبو الحسن أسد بن إبراهيم السلمي.
غير أن ما جاء في مقدمة المؤلف في النسخة المخطوطة " ش " قوله: " أما
بعد: يقول العبد الفقير إلى الله تعالى الملك الودود عبد المحمود بن داود المصري
عفا الله تعالى عنه " مدعاة للتأمل، حيث إن هذا الكلام يصح مع كتاب " الطرائف في
معرفة مذاهب الطوائف " للسيد رضي الدين علي بن طاووس، فإن السيد ابن
طاووس (رحمه الله) سمى نفسه بعبد المحمود بن داود تعمية وتقية عن الخلفاء الذين كان
في بلادهم.
ونقل عن خط الشهيد الثاني (رحمه الله) أنه قال: إن التسمية بعبد المحمود لأن كل
العالم عباد الله المحمود، والنسبة إلى داود إشارة إلى داود بن الحسن أخ الإمام
الصادق (عليه السلام) في الرضاعة، وهو المقصود بالدعاء المشهور ب‍ " دعاء
أم داود "، وهو من جملة أجداد السيد ابن طاووس. انتهى.
بالإضافة إلى أن الشيخ آقا بزرگ الطهراني حين ذكره كتاب " أطراف الدلائل "
للشيخ المفيد في الذريعة: 2 / 216، رقم 843 قال: أورد في آخره بابا مختصرا في
أغلاط العامة، فلما رآه بعض المؤمنين سأل من السيد الشريف المرتضى علم
الهدى - المتوفى سنة 436 ه‍ - أن يكتب تفاصيل تلك الأغلاط، فكتب الشريف
المرتضى بالتماسه كتابه الموسوم ب‍ " عجائب الأغلاط ".
وذكر ثانية في الذريعة: 15 / 218، رقم 1436 قائلا: عجائب الأغلاط:
20

للسيد المرتضى علم الهدى... ذكر في أوله: أنه لما اطلع بعض الإخوان على
كتاب " أطراف الدلائل وأوائل المسائل " للشيخ السعيد أبي عبد الله محمد بن
محمد بن النعمان المفيد، ورأى في آخره بابا مختصرا في أغلاط العامة فسأله بيان
تفصيلها فكتب السيد لالتماسه هذا الكتاب، أوله: " اللهم إنا نحمدك على ما
أنعمت وأعطيت... " والنسخة جديدة بخط المولى آقا بن محمد علي اللنكراني،
كتبها في النجف في 1307 ه‍ عند السيد آقا التستري في النجف، ونسخة بخط
الشيخ جمال الدين حسين بن صاعد في 982 ضمن مجموعة 32 رسالة كلها بخطه.
هذا مع أن الشيخ آقا بزرگ نفسه ذكر في الذريعة: 4 / 210، رقم 1044
" التعجب " وقال: تأليف العلامة الكراجكي... طبع مع " كنز الفوائد ".
ومن المعلوم أن المطبوع مع " كنز الفوائد " - أي التعجب - مطلعه: " اللهم إنا
نحمدك على ما أنعمت وأعطيت... "، فتأمل.
نسخه:
للكتاب عدة نسخ، منها:
- نسخة في المكتب الهندي في لندن، ضمن المجموعة 471، كتبت
سنة 1154.
- نسخة في مكتبة المجلس بطهران، رقم 1295، ذكرت في فهرسها:
4 / 133.
- نسخة في مكتبة ملك في طهران، في المجموعة رقم 1236 / 9 ذكرت
في فهرسها: 5 / 250.
- نسخة في مكتبة ملك في طهران، في المجموعة رقم 1535 / 1 ذكرت
21

في فهرسها: 5 / 285، كاتبها محمد كاظم التبريزي في شعبان 1307 ه‍.
- نسخة في مكتبة تربيت في تبريز، رقم 64.
- نسخة في مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام)، رقم 8284، كتبت سنة 986.
- نسخة في مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام)، في المجموعة رقم 13559.
- نسخة في مكتبة المرعشي، في المجموعة رقم 67.
- نسخة في مكتبة الوزيري في يزد، في المجموعة رقم 1128، ذكرت
في فهرسها: 3 / 867.
- نسخة في جامعة طهران، في المجموعة رقم 618، ذكرت في
فهرسها: 11 / 2160.
- نسخة في جامعة طهران، في المجموعة 3205، كتبت سنة 1015،
ذكرت في فهرسها: 11 / 2160.
طبعاته:
طبع طبعة حجرية في آخر كتابه " كنز الفوائد " سنة 1322 ه‍ في تبريز.
النسخ المعتمدة:
1 - النسخة المطبوعة - الحجرية - الملحقة بآخر كتاب " كنز الفوائد "
للمؤلف نفسه، والمطبوعة في سنة 1322 ه‍ في تبريز باهتمام مشهدي أسد آقا عن
نسخة قال كاتبها:
تمت باليمن والسعادة في الحائر المقدس في شهر رجب من شهور سنة ست
وثلاثمائة بعد الألف، وقد كانت النسخة غير خالية عن الغلط، فقد صححت ما
فيها من الأغلاط الفاحشة، وبقي مواضع عديدة علمتها بعلامة، فإن تيسر مقابلته
22

مع نسخة صحيحة فهو المرام، وأرجو ذلك من الله الملك العلام، ثم أن قابلتها مع
نسخة أخرى فصححت ما وقع في هذه النسخة من الأغلاط، وبقي بعض
المواضع ملتبسا كما في الأول، وبقي أيضا مشتبهات لا بد أن يبحث عن مظانها
من التواريخ وكتب السير والمغازي، فإن وفق الله لاستكشاف ذلك فهو المأمول
من فضله الجسيم، ولطفه العميم، والله الملهم للصواب.
وكان مقابلته في المشهد الغروي على مشرفه آلاف التحية من الله العلي في
شهر ربيع المولود من شهور سنة سبع وثلاثمائة بعد الألف.
كتبه العبد الجاني، والأسير الفاني: أحمد بن محمد الحسيني خوشنويس
راجيا شفاعة مواليه الكرام، عليهم وعلى أشياعهم ومواليهم آلاف التحية والسلام،
ولعنة الله على أعدائهم ومنكري فضائلهم ومعادي أوليائهم أجمعين من الآن إلى
يوم القيام.
وقال مصححها في آخرها:
الحمد لله على ما وفقني لتصحيح هذه الدرة الزاهرة الباهرة، مظلومية العترة
الطاهرة، الكاشفة عن عناد المعاندين لأمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى أبنائه
الطاهرين، وأرجو أن لدي فيه خدمة وذريعة في حضرتهم لشفاعتهم لي ولوالدي
يوم الدين.
الأحقر الجاني محمد حسين بن محمد رضا التبريزي
وجاء في آخرها:
كانت على ظهر نسخة الفاضل الإيرواني أعلى الله مقامه: سنة تسع وأربعين
وأربعمائة توفي فيها أبو الفتح الكراجكي، رأس الشيعة، صاحب التصانيف، كان
نحويا، لغويا، منجما، متكلما، من كبار أصحاب الشريف المرتضى. من مرآة
23

الجنان لليافعي. قلت: هكذا كان بخط العالم المدعو بفاضل الهندي، وهذا
الكتاب قد انتسخ من نسخة انتسخت من نسخة كانت في ملك الفاضل الهندي،
وكان هذا الكتاب عزيزا عنده، وكان شديد المحبة له، عليه رحمة الله ورضوانه.
أقول: وهذا الفاضل صاحب كشف اللثام في شرح القواعد.
والله ولي التوفيق.
ورمزت لها بالحرف " ح ".
2 - النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة آية الله المرعشي النجفي في قم
المقدسة، في المجموعة رقم 67 / 4، والمذكورة اشتباها في فهرس المكتبة
المذكورة ج 1، ص 78 بعنوان " كتاب الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف "
للسيد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس الحلي، المتوفى سنة 664 ه‍. ق،
وصحح هذا الاشتباه العلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي بخطه وكتب: التعجب
للكراجكي.
كتبت بخط النسخ في 27 صفحة بقياس 19 × 12 سم في القرن العاشر
الهجري، وذكرت في التراث العربي في خزانة مكتبة المرعشي النجفي ج 2،
ص 56.
ورمزت لها بالحرف " ش ".
منهجية العمل:
بما أن النسخة المطبوعة - الحجرية - " ح " هي الأكمل لذا اعتبرناها هي
الأصل، ومن ثم قابلناها مع النسخة المخطوطة " ش " وكان التفاوت بينهما كثيرا
فأشرنا لمواضع الاختلاف المهمة فقط، وما أثبتناه من إحدى النسختين جعلناه
24

بين [] دون الإشارة إليه.
الآيات القرآنية طابقناها مع القرآن وأشرنا لموضعها من الكتاب الكريم.
والأحاديث الواردة في الكتاب أرجعناها إلى مصادرها الحديثية والتاريخية.
وكذا شرحنا بعض الألفاظ اللغوية الغامضة استعانة بمصادر اللغة الخاصة.
وأيضا صنعنا عدة فهارس تيسيرا للقارئ في الوصول إلى مرامه.
كلمة أخيرة:
وأخيرا نحمده تعالى أن وفقنا لتصحيح وتهذيب وتخريج هذه الدرة،
متوجهين بالشكر الجزيل للشيخ الفاضل علي أمير علي لاقتراحه علينا تحقيق هذا
الأثر النفيس ومن ثم أخذ على عاتقه طبعه ونشره خدمة لأهل البيت (عليهم السلام) وإحياء
لأمرهم، جزاه الله وإيانا خير الجزاء.
ونأمل منه تعالى أن ييسر لنا الحصول على النسخ المخطوطة الأخرى لهذا
الكتاب لنتم حينها تحقيق الكتاب كما ينبغي، إنه نعم المولى، ونعم المعين.
قم المقدسة
13 رجب 1421 ه‍. ق
ذكرى ولادة أمير المؤمنين
علي ابن أبي طالب عليه السلام
25

صورة الصفحة الأولى من النسخة المخطوطة " ش "
26

صورة الصفحة الأخيرة من النسخة المخطوطة " ش "
27

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين ((1)
اللهم إنا نحمدك على ما أنعمت وأعطيت، ونشكرك لما أوليت وأسديت،
ونسألك الصلاة على من انتخبت ((2) وارتضيت، وانتجبت لرسالتك وارتضيت ((3)،
سيدنا محمد رسولك الذي اصطفيت، الحافظ لما أوجبت، والناهض بما
أمضيت، وعلى الأئمة الطاهرين أهل البيت، [صلاة] تزيد على عدد من ((4) أبقيت
وأفنيت، وترفع فوق كل من ((5) اختصصت وأعليت، وأكرمت برضوانك
فارتضيت، وترغب ((6) إليك في التثبت على ما أرشدت إليه وهديت، من موالاة

(1) في " ش ": رب يسر.
(2) في " ح ": انتجبت.
(3) في " ح ": وانتخبت لرسالاتك واستكفيت.
يقال: نضا السيف من غمده وانتضاه إذا أخرجه. (لسان العرب: 15 / 330 - نضا -).
(4) في " ح ": تزيد على عدلهن ما أبقيت.
(5) في " ح ": ما.
(6) في " ح ": وأرضيت، ورغب.
29

من واليت، ومعاداة من عاديت ((1)، والتسليم لما ارتضيت، والرضا ((2) بما
أقضيت.
وبعد: فهذا الكتاب ((3) حداني على عمله أن أحد الإخوان من أهل الإيمان
شملهم الله بفضله اطلع من أمالي الشيخ المفيد (رضي الله عنه) على كتاب موسوم ب‍ " أطراف
الدلائل وأوائل المسائل " يتضمن كلاما في الإمامة، فرأى في آخره (4) بابا من أغلاط العامة،
أورده الشيخ (رضي الله عنه) على طريق التعجب منهم، وضمنه يسيرا من خطأهم المحفوظ
عنهم، وجعله بابا قصيرا، وقولا يسيرا، حسب ما اقتضاه غرضه [في الكتاب،
من الاختصار في كل باب، فراقه وأعجبه، ولم يحب فراقه] واستطرفه واستغربه،
وتأسف لقصر الباب، وتلهف على طول الخطاب، وسألني في سلوك سبيله،
واتباع قصده وقوله، بكلام فصيح، وغرض كغرضه صحيح، [اتبعته] ليكون ما
أورده كتابا مفردا، وفنا في الإمامة واحدا.
فأعلمته أن كتب الشيخ (5) المفيد (رحمه الله) مفاتيح الفوائد، ومصابيح المراشد، وأن
السعيد من سلك أممه، ووطئ [أثر] قدمه، وقصد نهجه، واعتمد حججه، واتبع
آثاره، واقتبس أنواره.

(1) في " ش ": أرديت.
(2) في " ش ": على ما أرشدت، والتسليم لما ارتضيت إليه وهديت، من موالاة من واليت،
ومعاداة من عاديت، والرضا.
(3) في " ش ": أما بعد: يقول العبد الفقير إلى الله تعالى الملك الودود عبد المحمود بن داود
المصري عفا الله تعالى عنه: هذا كتاب.
وهو تصحيف، انظر مقدمة التحقيق - نسبه -.
(4) في " ح ": فرأى أواخره.
(5) في " ح ": أن للشيخ.
30

فأما العامة فلا (1) تنحصر أغلاطهم، ولا تجتمع في الإمامة مناقضاتهم، لأن
زللهم غير قليل، والتعجب منهم طويل، وكيف لا يتعجب ممن قتل الدليل،
والتمس السبيل، واتهم (2) الهداة، وطلب النجاة، وهجر (3) اليقين، واتبع
الظنون، وكره الائتلاف، ورضي الاختلاف؟!
وكيف لا يتعجب ممن يتقرب إلى الله سبحانه بمعاداة أوليائه، ويدينه بموالاة
أعدائه، ويطلب طاعته من معصيته، ويلتمس ثوابه بمخالفته؟!
بل كيف لا يتعجب من قوم ادعوا الشريعة وغيروها، وانتحلوا الملة وبدلوها،
وضيعوا الفرائض واختلفوا فيها، وتركوا السنة وانتسبوا إليها؟! قوم غلبتهم
العصبية، وملكتهم الحمية [حمية الجاهلية]، وأضلتهم الأهواء، وضلت عنهم
الآراء، فعميت أبصارهم، وصدئت أفكارهم، وتناقضت أقوالهم، وتباينت
أفعالهم، [فهم] في ظلمات غيهم تائهون، وبأذيال جهلهم عاثرون، وعن الحق
حائدون (4)، وللحق معاندون، (أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) (5).
وأنا متبع ما رغب فيه الأخ الرشيد، أدام الله له التسديد، من عمل هذا الكتاب،
وإيراد ما حضرني (6) في فصوله من كل باب، من مناقضات القوم في الإمامة
وأغلاطهم، وغلوهم في المعاندة وإفراطهم، مما يقتضي التعجب منهم، ويوجب

(1) في " ح ": فليس.
(2) في " ح ": قبل الدليل... وأتاه.
(3) استظهرها في " ح ": ممن هجر.
(4) في " ح ": ومن الحق عائدون.
(5) سورة المجادلة: 19.
(6) في " ش ": ما حصل.
31

الشكر لله سبحانه عن (1) الانفصال عنهم.
ومن الله أستمد (2) التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.

(1) في " ح ": إلى.
(2) في " ح ": استمداد.
32

الفصل الأول
في (1) أغلاطهم في ذكر الوصية
[فمن عجيب أمرهم: أنهم قد أجمعوا معنا على حسن الوصية] وفضلها
وشرفها، وحميد فعلها، وأنها [قد] تكون في المال والأهل والولد، وجميع
من (2) كان يسوسه الموصي ويرعاه، وما كان [يقوم] به ويتولاه، وأن إهمالها
تفريط، وتركها تضييع، وفي فعلها حسن نظر واحتياط، وجميل حزم واحتراز،
وسمعوا في القرآن ذكرها، واعترفوا أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بها، وحث عليها، ورغب
فيها، ودعا إليها. ورووا (3) عنه (صلى الله عليه وآله) أخبارا من جملتها [قوله عليه الصلاة
والسلام]: " لا ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلتين إلا ووصيته [مكتوبة عنده " (4).
وفي خبر آخر: " إلا ووصيته] تحت رأسه " (5).

(1) في " ش ": من.
(2) في " ح ": ما.
(3) في " ش ": وورد.
(4) صحيح مسلم: 3 / 1249، ح 1. ذكر أخبار أصفهان: 2 / 285. فتح الباري: 5 / 274.
(5) مصباح المتهجد: 15. الدعوات للراوندي: 231، ح 644. وسائل الشيعة: 19 / 258، ح 5.
مستدرك الوسائل: 2 / 117، ذ ح 5.
33

ثم ادعوا مع ذلك أنه (صلى الله عليه وآله) مضى [من الدنيا] ولم يوص إلى أحد. [هذا] وقد
كان يرعى أمته (1) ويسوسهم، ويقوم بشأنهم، ويدبر أمورهم، كما يسوس الرجل
أطفاله، ويرعى أهله وعياله، ومنهم الضعفاء والأيتام، والعجائز والأطفال، الذين
حاجتهم إلى سياسته، وحسن نظره ورعايته، أشد من حاجة الولد إلى والده،
والعبد إلى سيده.
ثم إنه (صلى الله عليه وآله) خلف مع ذلك أهلا وأولادا، وأقارب وأزواجا، وأشياء يتنازع أهله
وغيرهم [فيها] وأملاكا، وكان له حق في الخمس يحب أن يصرف إلى
مستحقيه (2) [وغيرهم]، وكان عليه دين يتعين وفاءه عنه لأهله (3)، وعنده ودائع
يلزم ردها إلى أربابها، وقد وعد جماعة بعدات يجب أن تقضى عنه بعده (4)،
ولا يقضيها إلا وصيه، فنسبوه إلى تضييع ما حث على حفظه، والتفريط فيما أمر
بالاحتياط في بابه، والزهد فيما رغب فيه أمته، وحاشا له من ذلك، بل كان (صلى الله عليه وآله)
أفعل الخلق فيما (5) دعا إليه، وأسرع الناس إلى فعل ما رغب فيه، وأسبق العالمين
إلى كل فضل، وأولاهم بشرائف الفعل.
ومن عجيب أمرهم: أنهم إذا طرقتهم الحجج الجلية في أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم
يمض من الدنيا إلا عن وصية، وأنه أوصى [إلى] أمير المؤمنين [علي بن أبي
طالب] (عليه السلام) دون سائر الأمة، وسمعوا تمدح أمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك في كلامه
وحجاجه لخصومه، وذكره [له] في خطبه على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واحتجاج

(1) في " ش ": يراعي منهم.
(2) في " ح ": مستحقه.
(3) في " ح ": وفاءه عليه.
(4) في " ح ": تقضى بعدته.
(5) في " ش ": فيما.
34

أهل بيته (عليهم السلام) وشيعته من الأنصار بذلك في فضله، وما نظمه الشعراء فيه،
وسارت [الركبان به]، مثل قول خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين (رضي الله عنه) في أبيات
يذكر فيها فضله [حيث يقول]:
وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه مذ كان في سالف الزمن (1)
وقوله حين بلغه عن عائشة كلام تعيب فيه أمير المؤمنين (عليه السلام):
أعائش خلي عن علي وعيبه (2) * بما ليس فيه إنما أنت والده
وصي رسول الله من دون أهله * وأنت على ما كان من ذاك شاهده (3)
وقول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب (رحمه الله):
وإن (4) ولي الأمر بعد محمد * علي وفي كل المواطن صاحبه
وصي رسول الله حقا وصهره * وأول من صلى ومن لان جانبه (5)
وقول عبد الرحمن بن حنبل (6) الجمحي لما بايع أمير المؤمنين (عليه السلام):
لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة * على الدين معروف العفاف موفقا (7)

(1) الفصول المختارة: 267. بحار الأنوار: 38 / 274.
(2) في " ش ": وعتبه.
(3) شرح نهج البلاغة: 1 / 115. بحار الأنوار: 38 / 23.
(4) في الفصول: " وكان ".
(5) الفصول المختارة: 269. بحار الأنوار: 38 / 276.
(6) كذا في الفصول، وفي شرح النهج: جعيل، وفي " الأصل ": حمل.
وهو عبد الرحمن بن حنبل الجمحي، مولاهم، شاعر هجاء، صحابي، أصله من اليمن
ومولده بمكة، شهد فتح دمشق، توفي سنة 37 ه‍. (الأعلام للزركلي: 3 / 305)
(7) ورد هذا البيت في: شرح نهج البلاغة: 1 / 113. بحار الأنوار: 38 / 20.
35

عفيفا عن الفحشاء أبيض ماجدا * صدوقا وللمختار (1) قدما مصدقا
أبا حسن فارضوا به وتبايعوا * فلن (2) تجدوا فيه لذي العيب منطقا
علي وصي المصطفى وابن عمه (3) * وأول من صلى لذي العرش واتقى (4)
وقول (5) زفر بن زيد (6) الأسدي:
فحوطوا عليا وانصروه فإنه * وصي وفي الإسلام أول أول (7)
وإن تخذلوه والحوادث جمة * فليس لكم في الأرض من متحول (8)
ونحو ذلك من الأقوال التي يطول بذكرها الكلام.
قالوا عند ذلك (9):
لسنا نجحد أن عليا (عليه السلام) وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا ننكر ما قد اشتهر من شهادة
القوم بوصيته، ولكن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما أوصى [إليه] بما كان [له] في

(1) في الفصول: " وللجبار ".
(2) في " ش ": فلم، وفي الفصول: فليس كمن فيه.
(3) في الفصول: ووزيره.
(4) الفصول المختارة: 270. بحار الأنوار: 38 / 277.
(5) في " ح ": وقال.
(6) كذا الصحيح، وفي " الأصل ": الحارث، وفي شرح النهج والتبيين: يزيد.
وهو سيد بني أسد في وقته. انظر: أسد الغابة: 2 / 205، التبيين في أنساب القرشيين:
518.
(7) ورد هذا البيت في: الفصول المختارة: 271. الصراط المستقيم: 1 / 237. بحار الأنوار:
38 / 277.
(8) المقنع في الإمامة للسدابادي: 127. شرح نهج البلاغة: 13 / 160. أعيان الشيعة: 7 / 61.
الغدير: 3 / 330.
(9) في " ش ": هذا.
36

يديه (1) ويمتلكه ويحويه، ولم يوص إليه بأمر الأمة كلها، ولا تعدت وصيته إليه
أمور تركته وأهله إلى غيرها، ثم [إنهم] يدعون بعد هذا (2) أن جميع ما خلفه
صدقة، وأنه لا يورث كما يورث سواه (3) من الأمة، وأن (4) فدكا والعوالي صدقة
ينظر فيها الخليفة الذي (5) تختاره الأمة، ولا يجوز أن تقبل فيها شهادة من تثبت (6)
له الوصية، فليت شعري بماذا أوصى إذا كان جميع ما خلفه صدقة، ولم يكن
أوصى (7) بحفظ الشريعة والقيام بأمر الأمة؟ فإن هذا مما يتحير فيه ذو البصيرة،
والخبرة والمعرفة (8).

(1) في " ح ": يده.
(2) في " ح ": ذلك.
(3) في " ح ": من سواه.
(4) في " ش ": وإن كان.
(5) في " ح ": بعد أن.
(6) في " ش ": ثبتت.
(7) في " ش ": يوصي.
(8) في " ح ": ذو البصيرة، ويعرف فيه - كذا - صافي السريرة.
37

الفصل الثاني
في أغلاطهم في النص
ومن عجيب أمرهم: قولهم: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا خرج من (1) المدينة
استخلف عليها وعلى من [كان] فيها من يقوم بمصالحهم [بنهضته]، ويسير فيهم
بعده بسيرته، إشفاقا من إهمالهم، وفرقا من فساد أحوالهم، وكراهة لاضطرابهم
وتشتتهم (2)، وإيثارا لانتظام أمرهم ومصلحتهم، وإنما أهلها [بعض] من قلد
القيام بأمره، وأمر بحسن النظر [له] في سياسته وتدبيره، هذا مع قرب المسافة
بينه وبينهم، وسرعة عوده إليهم، ثم إنه عند خروجه من الدنيا بوفاته، وانقطاعه
عن جميع أمته بفقده، وطمع أهل الكفر والنفاق فيهم، وتطلعهم إلى اختلاف
كلمتهم، وتشتت شملهم، أهمل أمرهم، وترك الاستخلاف فيهم [، وحرمهم
الألطاف] بالرئاسة عليهم، ولم يحسن النظر لهم بمتقدم يخلفه فيهم!
فأمعن (3) النظر في حياته في الأمر الصغير، وحرسه من التفريط، وأهمله بعد

(1) في " ش ": عن.
(2) في " ش ": وتشتيتهم.
(3) في " ش ": فأنعم.
38

وفاته في (1) الأمر الكبير، والخطب الخطير (2)، وعرضه للتضييع، إن هذا [لهو]
العجب العجيب، والأمر معكوس عند كل حصيف (3) ولبيب!
ومن عجيب أمرهم: [قولهم:] (4) أن النص على علي بن أبي طالب (عليه السلام)
[بالإمامة] لو كان صحيحا لاحتج به على القوم بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، أو احتج به (5)
غيره، ولم يجز أن يهمل [هذا] الأمر، حتى لا يدور بينهم (6) في الذكر،
ويقولون: إنهم [لو] كانوا ذكروه، وخاضوا فيه وتحاوروه، لنقل إلينا ما جرى،
ولم يجز أن يخفى، كما [نقل ما] جرى بين المهاجرين والأنصار من المحاورة
في الكلام، وما احتجت به قريش في استحقاقها [في] المقام، وفي خلو النقل
من ذلك دليل على أن القوم لم يتفوهوا به، وهذا شاهد فيما زعموا ببطلانه.
فإذا قيل لهم: فمن (7) الذي منع القوم من تقديم الفاضل ونصبه رئيسا للعالم؟
ادعوا أن الجماعة علمت علة - بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) - منعت تقديمه، وأوجبت
تأخيره، ولم ينطق بها ناطق، ولا تكلم فيها (8) متكلم، ولا ظهرت من قلب على
لسان، ولا لفظ بها إنسان، ولا ذكر خوضهم فيها ذاكر، ولا أخبر بمفاوضتهم فيها
مخبر، ولا ادعى محاورتهم فيها بشر، ولا اخترع في ذكرهم (9) لها خبر،

(1) في " ش ": من.
(2) في " ش ": الحقير.
(3) الحصافة: ثخانة العقل. (لسان العرب: 9 / 48 - حصف -).
(4) أثبتناه لاقتضاء السياق.
(5) في " ح ": عنه.
(6) في " ش ": حتى يدور هذا الأمر بينهم.
(7) في " ح ": فما.
(8) في " ش ": بها.
(9) في " ح ": ذكرها.
39

وهذه مناقضة قبيحة، ومباهتة صريحة [، وعكس لأحكام العقول، وقلب
للعادات عند ذوي التحصيل].
ومن عجيب أمرهم: اعتمادهم في إنكار النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) [على]
أنه لو كان حقا قد أعلن به على رؤوس الأشهاد، ولنقله الخاص [منهم] والعام،
ولم يقع [فيه] بين الأمة اختلاف، وقولهم: [إن] وجود الاختلاف [فيه] دلالة
على أنه لم ينص عليه.
هذا مع علمهم بأن النبي (صلى الله عليه وآله) نص على عبادات كثيرة وأظهرها، وأعلمها أمته
وشهرها، ثم اختلفت الأمة فيها، ولم تتفق عليها.
ومن ذلك الوضوء الذي عرفهم كيفيته وشرحه، وكرر فعله بحضرتهم
وأوضحه، وهو فرض عام لجميعهم، يترادف وجوبه عليهم، ويتكرر فعله
منهم، فلم يتفقوا عليه، ولا صدق بعضهم بعضا فيما يروونه (1)، فمنهم من مسح
أذنيه، ومنهم من أنكر ذلك وبدع فاعليه، ومنهم من مسح بعض رأسه، ومنهم من
مسح جميعه، ومنهم من مسح رجليه، فقال: لا يجوز غير غسلهما، ومنهم من
يروي أن الفرض غسلها، ومنهم من مسح على خفيه، ومنهم من أنكر ذلك
وضلل، وكل ذلك ينسب قوله وفعله إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ومن ذلك الأذان على اشتهاره بين الناس، وسماعهم له في اليوم والليلة خمس
دفعات، ينادي بهم للصلاة وهم فيه وفي الإمامة على غاية الاختلاف، بين زيادة
ونقصان وتبديع بعضهم بعضا في الخلاف.
ومن ذلك أحكام الصلاة التي نص لهم على جملتها وتفاصيلها، وعلمهم
بالقول والفعل وكيفيتها، وكان يصلي بهم حضرا وسفرا فلم يتفقوا فيها،

(1) في " ح ": يرويه.
40

فقال بعضهم: يرفع يديه مع كل تكبيرة، وقال آخرون: إنما رفعها في تكبيرة
الافتتاح، وقال بعضهم: جهر به ببسم الله الرحمن الرحيم، وقال آخرون: لم
يجهر بها، وقال قوم: كبر على الميت أربعا، وقال قوم: خمسا.
ونحو ذلك من العبادات التي قد نص عليها، وشهر أمرها، فلم يتفقوا فيها،
ويعلمون أنه (صلى الله عليه وآله) قد حج حجة الوداع، وأعلن بما فعله فيها على رؤوس أشهاد
الناس، فلم يتفقوا على صفة حجه، ولا صدق بعضهم بعضا في كيفية فعله،
فمنهم من يقول: أفرد، ومنهم من يقول: قرن، ومنهم من يقول: تمتع، وقد قطع
بحضرتهم السارق، ورأوا ما فعل ذلك بعد أن نص لهم على حكم القطع نصا قطع
به العذر، فلم يتفقوا على مقدار ما يقطع من اليد حتى أن منهم من يقول: يقطع
من أصول الأصابع، ومنهم من يقول: من الزند، ومنهم من يروي: من المرفق،
ويروي قوم: من الكتف.
وغير ذلك من الخلف الذي يطول به الوصف، مما ليس يلحقه في نقله ما
يلحقهم في نقل النص على الإمام، المتقدم على الأنام، لما فيه من التكلف
والمشقة، للشوق إلى نيل الرئاسة على الأمة.
فمن العجب أن يكون الاختلاف في جميع ما ذكرناه من هذه العبادات ليس
بدلالة على أنه لم ينص عليها ويكون الاختلاف في النص على الإمام دلالة على
أنه لم ينص عليه، وهل هذا إلا تجاهل من الخصوم!؟
ومن عجيب أمرهم، وظاهر مناقضتهم: قولهم: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو كان نص
بالإمامة على رجل بعينه، وشهر بين الأمة شخصه، وأمرهم بطاعته، لم يقع من
الصحابة بعد وفاته خلاف أمره، ولا استجازوا مع تقدمهم وفضلهم أن يؤخروا من
قدمه، ويعملوا برأيهم الذي يلوح لهم، ويتركوا رأيه، ولا يجوز أن يحدثوا أمرا
41

يقتضي ترك امتثال أوامره.
فإذا قيل لهم: أفلستم مجمعين على أنه (صلى الله عليه وآله) عند وفاته نص على أمارة أسامة بن
زيد، وقدمه وعقده على طائفة من وجوه الصحابة، وفرض عليهم طاعته،
وأمرهم بالتوجه معه إلى حيث بعثه، وأكد أمره، وحث على تنفيذه، ونادى دفعة
بعد دفعة: " أنفذوا جيش أسامة " (1)، ولعن المتخلفين عنه وفيهم أبو بكر وعمر،
فلم استدركوا رأيه؟
قالوا: حدث أمر اقتضى ذلك، وبحدوث أحوال علمها الحاضرون، وهذه
مناقضة من غلب عقله العصبية!
ومن العجب: استبعادهم مخالفة أكثر الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما أوجبه عليهم
من طاعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وترك اتباع من نصبه قدوة للأنام، مع علمهم بخلاف
جميع قوم موسى أخاه هارون، واقتدائهم بسواه، وعبادتهم العجل من دون الله،
وهارون بينهم يذكرهم الله ويخوفهم، هذا مع ميل أولئك إلى هارون، ونفور
هؤلاء من أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأن أولئك خالفوا دليل العقل الذي لا يحتمل
التأويل، وهؤلاء خالفوا دليل النص إلى ضرب من التأويل، فما هذا الاستبعاد لولا
العصبية والعناد!
ومن عجيب أمرهم: أنهم إذا سمعوا الشيعة تحتج في صحة النص الجلي على

(1) تاريخ مدينة دمشق: 8 / 62.
وورد بلفظ: " أنفذوا بعث أسامة " في: طبقات ابن سعد: 2 / 190. تاريخ مدينة دمشق:
8 / 62. شرح نهج البلاغة: 6 / 209. كنز العمال: 10 / 573.
وورد بلفظ: " جهزوا جيش أسامة " في: الملل والنحل: 1 / 29. وصول الأخيار: 68.
مناظرة الشيخ والد البهائي مع أحد علماء العامة في حلب: 51.
42

أمير المؤمنين (عليه السلام) بالتواتر الذي نقله الخلف منهم عن السلف، استضعفوا هذه
الطريقة، ودفعوا أن تكون دلالة، وبمثلها احتج المسلمون في تثبيت معجزات
النبي (صلى الله عليه وآله)، والتحدي بكتاب الله سبحانه، ويزعمون أن هذا النص لو كان حقا،
وقد ورد متواترا، لعلمت صحته ضرورة، وهذا بعينه قول الكفار في إنكار
التحدي والمعجزات التي ورد بذكرها متواتر الأخبار، ويقولون: لو كان ما تدعون
من النص حقا لنقله الكافة، وهم يعلمون أن هذا قول من جحد الملة في إنكار ما
كان لنبينا من معجز وآية، ويحيلون جواز الكتمان على الكثرة مع معرفتهم بانتفاء
طريق الكفار والملاحدة، ويقولون: إنكم معاشر الشيعة وإن كنتم اليوم لاحقين
بالمتواترين في الكثرة فإنكم نقلتم في الأصل عن قلة، ولا يشكون في أن هذا
قول الكفار لأهل الملة، كل ذلك لقلة التأمل والنصفة، وعدم التوفيق والمعرفة.
ومن عجيب أمرهم: قولهم: كيف خص الله من تشيرون إليه بالنص بالإمامة،
وما سبب هذا التميز، وهل هو بفضل منحصر (1) أم استحقاق أوجبه؟ وينسون أن
ذلك عائد عليهم في الأنبياء وتقديم الله تعالى على الأنام، هذا مع ما يطرق
أسماعهم من قول الله سبحانه: (والله يختص برحمته من يشاء) (2).
ومن عجيب الأمور: أنهم يستصغرون الكلام في النص إذا رمنا إثباته،
ويستعظمونه إذا] (3) راموا بطلانه، فيقولون لمن يثبته: ما هذه العناية المفرطة
بهذا الأمر، وإنما هو مسألة فرع، والخلف فيها غير قادح في الأصل، ولا موجب

(1) استظهرها في " ح ": خصه.
(2) سورة البقرة: 105.
(3) ما بين المعقوفين سقط من " ش ".
43

لفسق (1) ولا كفر، وهي كسائر مسائل الفقه؟ وما الحاجة [إلى] النص على إمام
والأمة (2) تقيم لأنفسها من تشاء وتختار؟ ويستصغرون الكلام في النص على هذا
غاية الاستصغار، ويزهدون الأصاغر في الاطلاع عليه (3)، ويقللون فائدته [عند
المتشوق] إليه، حتى إذا تكلموا في إبطاله عظموا الأمر، وقحموا (4) الخلف
وقالوا: هذه المسألة قطب الشريعة، وأصل عظيم في الملة، ومن خالفنا فيها فقد
خرج عن الجماعة ودخل في [أهل] البدعة، ولهذا لا يعدون (5) قول من أثبت
النص خلافا بين الأمة، ويحذرون من [قبول] قول الشيعة، ويوهمون
المسترشدين أن (6) القول بالنص قدح في الشريعة، كل ذلك قلة ديانة، وكثرة
خيانة، وبرهان عصبية، ودليل ألف للباطل [وحمية].

(1) في " ش ": في الأصل ولا في الفرع لفسق.
(2) في " ش " لكن الأمة.
(3) في " ح ": في النص هذا الاستصغار الأصاغر في الاطلاع فيه.
(4) في " ح ": وتحملوا.
(5) في " ش ": لا يعد.
(6) في " ش ": إلى.
44

الفصل الثالث
في (1) أغلاطهم في الاختيار
ومن عجيب أمرهم: اعترافهم بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان مشفقا على (2) أمته،
رؤوفا بمعتقدي (3) شريعته، مجتهدا في مصالحهم، حريصا على منافعهم،
لا يقف في ذلك دون غاية، ولا يقصر عن نهاية، وبهذا وصفه الله تعالى في كتابه
حيث يقول جل اسمه: [أعوذ بالله من الشيطان الرجيم] (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز
عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) (4)، ثم يزعمون أنه مع ذلك مضى من الدنيا
ولم يختر لأمته [إماما]، ولا استخلف عليهم (5) رئيسا، وعول عليهم في اختيار
الإمام، وتقديمه على الأنام، مع علمه بأن اختيارهم لا يبلغ اختياره، ورأيهم لا
يلحق رأيه، إذ كان أبصر [منهم]

(1) في " ش ": ومن.
(2) في " ح ": شفيقا في.
(3) في " ش ": بمقتدي.
(4) سورة التوبة: 128.
(5) في " ش ": عليها.
45

بمصالحهم، وأعلم بعواقبهم، وأعرف بمن ينتظم به أمرهم، وينصلح بإقامته
شأنهم، فنسبوه (1) (صلى الله عليه وآله) إلى أنه حرمهم اختياره المقرون بالصواب، واقتصر بهم
على اختيارهم الذي لا يؤمن معه [من] الفساد، وقد نزهه الله تعالى عن هذه (2)
الحال، ورفعه عما يدعيه [أهل] الضلال.
ومن عجيب أمرهم: أنهم يعترفون بأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يرد قط إلى أمته، ولا إلى
أحد منها في حياته اختيار الرؤساء، ولا تأمير الأمراء، وأنه كان المتولي بنفسه
استخلاف من يستخلفه، وتأمير من يؤمره على مدينته ورعاياه، وجيوشه
وسراياه، حتى أنفذ سريته إلى مؤتة (3) قدم جعفرا (رضي الله عنه) وقال للناس: " إن أصيب
فأميركم زيد بن حارثة، وإن (4) أصيب فأميركم عبد الله بن رواحة " (5)، من غير أن
رد إليهم الاختيار، ولا كلفهم ولا أحدا منهم هذه الحال، ثم يدعون مع هذا أنه
وكل إليهم عند مفارقته لهم بالوفاة اختيار الإمام، وإقامة رئيس للأنام، وكلفهم من
ذلك بعد وفاته ما لم يكلفهموه في أيام حياته، وهو لو امتحنهم في أيامه فزلوا،
و [لو] كلفهموه فغلطوا، كان يتدارك فارطهم بيمنه، ويصلح ما أفسدوه ببركته
ورأيه، وليس (6) كذلك من بعده لأنهم لو غلطوا بتقديم من يجب تأخيره وتأخير

(1) في " ش ": فينسبوه.
(2) في " ح ": ذلك.
(3) في " ح ": حتى أنه لما أتى مؤتة.
(4) في " ش ": فإذا.
(5) تاريخ الطبري: 3 / 36. تاريخ مدينة دمشق: 16 / 238. الكامل في التاريخ: 2 / 234، وفيهم:
" إن أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن
رواحة على الناس ".
وروي في: كتاب سليم بن قيس: 195. الاحتجاج: 2 / 61. بحار الأنوار: 44 / 99.
(6) في " ش ": وليسوا.
46

من يجب تقديمه لم يجدوا من يتلافى فارطهم، ويتدارك زللهم، ويصرف
عنهم (1) من قد ملكوه أمرهم، وعظم به ضررهم.
ومن عجيب أمرهم: أنهم يعترفون بأن الأمة ليس لها أن تمضي حكما، ولا تقيم
على أحد حدا، ولا تنفذ جيشا، ويزعمون أن لها أن تجعل هذه [الأمور]
لأحدها، وترد إليه [ما لم] يرد إليها، وتملكه من الشريعة أشياء لا تملكها، من
غير أن يأذن لها في ذلك مالكها، وهذا من أطرف الأمور وأعجبها!
ومن عجيب أمرهم: أنهم فيما ذهبوا إليه من الاختيار قد أجازوا إهمال أمر
[هذه] الأمة إلى أن يختار علماؤها واحدا، مع أنه (2) لو اختار أهل مدن مختلفة
عدة أئمة وجب عندهم أن يقف أمرهم إلى أن ينظروا من الأولى منهم فيقدموه،
ويبطلوا إمامة من سواه ويسقطوه، فإن كان قد عقد لهم في وقت واحد سقطت
إمامتهم [كلهم، فأباحوا بهذا ترك الناس في هذه] المهلة (3) بغير إمام، وربما
تراخت وطالت واضطرب فيها أمر الأمة، وضاعت وحدثت أمور لا مدبر لها،
وتولدت مضارا عامة لا مصلح لفاسدها.
وقيل لهم على (4) هذا الرأي: لم لا يصبر (5) أصحاب السقيفة عن المبادرة
بالعقد لإمام، والمسارعة التي انفردوا بها عن الأنام ريثما يفرغ بنو هاشم من
تجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله) (6) ومواراته، وقضاء مفترض حقه في مراعاته، حتى إذا

(1) في " ش ": عن.
(2) في " ش ": إن.
(3) في " ش ": المدة.
(4) في " ش ": مع.
(5) في " ح ": لو لم يصبر.
(6) في " ح ": تجهز النبي (صلى الله عليه وآله).
47

انتجزت هذه الحال حضروا معهم العقد فشاركوهم في الرأي والأمر، فإنهم إن لم
يكونوا أخص بهذا الأمر [منهم] فهم فيه شركاءهم، ونصيبهم منه على أقل
الوجوه نصيبهم، فقالوا: إنما فعلوا ذلك مبادرة بالأمر الذي يخشى فواته،
ويخاف المضرة بتأخيره، مع العلم العام بأنهم ما اضطروا في ذلك الوقت إلى هذا
البدار، ولم تختلف الكلمة لولا ما فعلوه اختلافا يعظم به المضار، ولا قصدهم
من الأعداء قاصد، ولا أحاط بهم عدو معاند، فما هذه العجلة والبدار، مع ما
حكيناه عنهم في شرائط الاختيار، لولا أن القوم اغتنموا الفرصة فانتهزوها،
وبادروا المكنة فاختلسوها، وإن مصوبتهم ناقضوا فعلهم، وناصريهم (1) أوضحوا
زللهم [، مع أن رأيهم في الاختيار وما ساقهم إليه أحكام التقية في هذا الزمان
المخلة بنصبة الإمام، قد أداهم إلى إهمال أمر الأمة وتركهم بغير إمام].
ومن عجيب أمرهم: قولهم: إن اختيار الأمة إلى العلماء، وأن الجماعة [التي]
تختارهم [من] (2) الذين لا يغلطون في اختيارهم [ولا يخطئون في أخبارهم]،
ويعلمون مع هذا أن أبا بكر اختاره أبو عبيدة [بن الجراح وعمر بن الخطاب]،
وأن عمر اختاره أبو بكر، وأن عثمان اختاره عبد الرحمن (3)، وليس فيهم من
حصل [في اختياره] الشرط الذي ذكروا.

(1) في " ش ": وناصبيهم.
(2) أضفناه لاقتضاء السياق.
(3) في " ش ": اختاره ابن عوف.
48

الفصل الرابع
[في أغلاطهم في اختيار أبي بكر]
ومن عجيب أمرهم: أنهم قصدوا إلى رجل أمر الله بتأخيره، ولم يره أهلا للنيابة
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تأدية تسع آيات من سورة براءة إلى أهل مكة، وهم بعض
الأمة، [هذا] ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حي موجود مع قوله (صلى الله عليه وآله): " المؤمنون أكفاء تتساوى
دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من
سواهم " (1)، فلا يراه الله تعالى مع ذلك أهلا لتأدية ذمة، ولا منفذ الأمر فيه
مصلحة للأمة، وعزله عن جيش ظهر فيه [غوله و] عجزه، ومنعه من سكنى (2)
المسجد وسد بابه، وأخره عن الصلاة التي قدمه بلال إليها بأمر عائشة ابنته،
فقدموه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) رئيسا على جميع أمته، وردوا إليه أحكام ملته، حيث
يكون [تتميم] تنفيذ الأمم في يديه، وإقامة حدود الشريعة مردودة كلها إليه،
ويكون القائم مقام خير خلق الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمنفذ لشرعه، إن هذا
لشئ عجيب، يحار فيه عقل [الحازم] اللبيب!

(1) سنن النسائي: 8 / 24. المطالب العالية: 1 / 444، ح 1486. كنز العمال: 1 / 93، ح 403.
(2) في " ح ": ومنعه سكن.
49

ومن عجيب أمرهم: اعتقادهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر الناس بأن يختاروا لأنفسهم إذا
اجتمعوا إماما للصلاة، ويروون عنه أنه قال: " اختاروا أئمتكم فإنهم وفدكم (1) إلى
الله عز وجل " (2).
وقال: " يؤمكم أقرؤكم " (3).
وفي خبر آخر: قالوا له: فإن كانوا في القراءة سواء؟ قال: " فأفقههم (4)
وصاحب المسجد أولى بمسجده " (5).
ثم يروون مع ذلك أن من الواجب تقديم أبي بكر على أمير المؤمنين (عليه السلام) إماما،
ويعتقدون أنه أولى منه بالتقديم على الناس في الصلاة مع علمهم بأن أبا بكر لم
يكن حافظا لكتاب الله وأن أمير المؤمنين كان حافظا [له] بغير خلاف، ولم يكن
أبو بكر فقيها وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) أفقه منه ومن جميع الأمة بغير خلاف، ومع
علمهم بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سد جميع (6) أبواب الصحابة التي كانت إلى المسجد (7)
حتى سد باب عمه العباس (رحمه الله) وترك باب علي (عليه السلام)، وقال: " إن الله تعالى أمر

(1) في " ش ": وفودكم.
(2) المعجم الكبير: 20 / 328، ح 777. مجمع الزوائد: 2 / 64.
(3) سنن أبي داود: 1 / 159 - 160، ح 585. السنن الكبرى للبيهقي: 3 / 125.
(4) في " ش ": فأفهمهم. وروي كلامه (صلى الله عليه وآله) هذا بعدة ألفاظ، منها: فأعلمهم بالسنة، فأقدمهم
هجرة، فأقدمهم قراءة، فأقدمهم سنا...
انظر: صحيح مسلم: 1 / 465، ح 290 و 291. سنن أبي داود: 1 / 159، ح 582 - 584.
المعجم الكبير: 17 / 218 - 225، ح 600 - 621.
(5) دعائم الإسلام: 1 / 152. الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام): 14. مستدرك الوسائل:
6 / 475، ح 2 و 4.
(6) زاد في " ش ": الأبواب إلا باب علي (عليه السلام).
(7) في " ش ": للمسجد.
50

موسى بن عمران أن يتخذ بيتا طهرا لا يجنب فيه إلا هو (1) وهارون وابناه شبر
وشبير، وأنه أمرني [أن] أتخذ بيتا طهرا لا يجنب فيه إلا أنا وعلي وابناه الحسن
والحسين (عليهم السلام) " (2)، فاجتمعت الخصال الموجبة لتقدم أمير المؤمنين (عليه السلام) إماما في
الصلاة، فلم يختاروه (3)، وكان الصواب عندهم أن يؤخروه، وعدمها كلها أبو
بكر فاختاروه وقدموه، إن هذا لهو الرأي المعكوس!
ومن العجب: أن يردوا الأمر والنهي والحل والعقد وتنفيذ أحكام الشرع (4)
وإقامة الحدود في الخلق إلى من [قد] عرفوا ضعف فهمه، وعدم فقهه وعلمه،
وفساد حفظه، وقلة تيقظه، ومن يقر بذلك على نفسه، ويعترف بكثرة زلله
وخلله وقلة علمه، وبقوله (5) على رؤوس الأشهاد: " وليتكم ولست بخيركم، فإن
استقمت فاتبعوني، وإن اعوججت فقوموني، فإن لي شيطانا يعتريني عند
غضبي، فإذا رأيتموني مغضبا فتجنبوني، لا أوثر في أشعاركم و [لا]
أبشاركم " (6)، ثم يسأل عن الكلالة، فلا يعلمها، وعن الأب فلا يفهمه، والفقه
فلا يخبره، والقرآن فلم يكن يحفظه، والشجاعة ففي معزل عنها، والرئاسة فليس
من أهلها، ومن إذا كشفت أحواله، وتتبعت أفعاله، وجدت (7) ما ذكرناه بعض
صفاته، فيقدم على الكافة، وتجعل يده منبسطة على جميع أهل القبلة، ويقال

(1) في " ش ": أنت.
(2) الدر المنثور: 4 / 383.
(3) في " ش ": يختاروه.
(4) في " ش ": الأحكام الشرعية.
(5) في " ش ": إنه يقول.
(6) تاريخ الطبري: 3 / 224. شرح نهج البلاغة: 17 / 110.
(7) في " ش ": وجد.
51

[له]: أنت خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويؤخرون من قد عرفوا فائض فضله وكماله،
وعظم علمه (1)، وتقدم سبقه في جهاده ونصرته، وحسن أثره، وشريف
أهله (2)، ومشتهر زهده، وباهر آياته، وبديع بيناته، ومن هو قيم رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وأخوه، بل القائم مقام نفسه، حسب ما شهد به كتاب الله تعالى، ومن هو أحب
الخلق إلى الله تعالى، ومن افتقرت إليه الكافة ولم يفتقر [هو] إلى أحد من الأمة،
فيجعل هذا رعية مؤخرا تابعا للناقص في خلال الخير كلها!
إن هذا رأي عجيب، واختيار طريف (3)، وفيه تقول فاطمة البتول، ابنة السيد
الرسول (صلى الله عليه وآله): " وإن تعجب (4) فقد أعجبك الحادث، في أي طريق سلكوا؟ وبأي
عروة تمسكوا؟ استبدلوا والله الذنابي بالقوادم (5)، والعجز بالكاهل، فقبحا لقوم
يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ألا إنهم هم الأخسرون ولكن لا يعلمون " (6).
ومن العجب: أن يجتمعوا في السقيفة (7) لطلب الخلافة فتحتج الأنصار بأنها
[هي التي] تستحقها بنصرتها للنبي (صلى الله عليه وآله)، ويحتج المهاجرون بقربهم منه، وليس
فيهم من يذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي لم يلحقه الأنصار في نصرته، ولا تدانيه
قريش في قرابته (8)!

(1) في " ح ": فائض علمه وفضله، وكمال علمه، وعظم عمله.
(2) في " ح ": فضله.
(3) في " ش ": ظريف.
(4) في " ش ": فإن تتعجب.
(5) الذنابي من الناس: السفلة والأتباع.
(6) معاني الأخبار: 355. بحار الأنوار: 43 / 158.
(7) في " ش ": ومن العجيب: أن يجتمعوا تحت السقيفة.
(8) في " ح ": لا يلحقه الأنصاري في نصرة، ولا يدانيه القريشي في قرابة.
52

ومن العجب (1): قول قريش: إن الخلافة لا تكون إلا حيث كانت النبوة (2)،
وإنما يستحقها بذلك، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قريش، ولم يعلمها (3) أحد [من
الأنصار] في الحال، إن بني هاشم أولى منكم بها على هذه الحجة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله)
من بني هاشم، لكن صرفهم [عن] أن يحاجوهم بهذا اتفاق [جميع] من حضر
السقيفة على صرف الأمر عن أهله ومنعه عن (4) مستحقه.
وقد روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في كلام له أنفذه إلى معاوية: " فما راعني
إلا والأنصار قد اجتمعت، فمضى إليهم أبو بكر فيمن تبعه من المهاجرين (5)
فحاجهم بقرب قريش من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإن (6) كانت حجته عليهم بذلك ثابتة
فقد كنت أنا [إذا] أحق بها من جماعتهم، لأني أقربهم منه وأمسهم به رحما، وإن
لم يجب لي بذلك فالأنصار على حجتهم (7) " (8).
وروي عنه (عليه السلام) أنه قال:
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب

(1) في " ش ": بل من العجب.
(2) في " ح ": إلا من حيث النبوة.
(3) في " ح ": ولم يقل لها.
(4) في " ش ": من.
(5) في " ش ": فيمن معه من الأنصار.
(6) في " ش ": قد.
(7) في " ش ": فالأنصار على دعواها لحجتهم.
(8) لم أجده بهذا اللفظ، نعم وجدت في نهج البلاغة: 387، كتاب رقم 28 قوله (عليه السلام):... ولما
احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله (صلى الله عليه وآله) فلجوا عليهم، فإن يكن الفلج
به فالحق لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم.
وانظر تاريخ الطبري: 3 / 218 وما بعدها.
53

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب (1)
وقيل (2): إنه قول [قيس بن] سعد [، وإنما تمثل به أمير المؤمنين (عليه السلام).
وقد أخذ الكميت (رحمه الله) هذا المعنى فقال:
فإن هي لم تصلح لخلق سواهم * فإن ذوي القربى أحق وأوجب (3)]
وحفظ عنه (عليه السلام) أنه قال في احتجاجهم أيضا لصحبته النبي (صلى الله عليه وآله) (4): " واعجباه!
أتكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالقرابة " (5)؟ ولسنا نرى على جميع الأمور
أحدا هو أولى بها من المغضب (6) المهجور.
والعجب كله لقوم رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد ولى عمرو بن العاص وأسامة بن زيد
على أبي بكر ثم يولونه على أمير المؤمنين (عليه السلام) والعباس (رضي الله عنه).
ومن عجيب أمرهم: دعواهم أن إمامة أبي بكر ثبتت عن إذن (7) من أهل
الحل والعقد، وتأمل واختيار، هذا مع سماعهم قول عمر بن الخطاب: " كانت
بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين (8) شرها، فمن عاد إلى مثلها (9)

(1) نهج البلاغة: 503. شرح نهج البلاغة: 18 / 437. بحار الأنوار: 29 / 609. ديوان الإمام
علي (عليه السلام): 12.
(2) في " ش ": وروي.
(3) الروضة المختارة: 34. وفيه: لم تصلح لقوم... أحق وأقرب.
(4) في " ح ": بصحبته رسول الله (صلى الله عليه وآله).
(5) نهج البلاغة: 502، حكمة 190. وفيه: بالصحابة والقرابة.
(6) في " ش ": المغتصب.
(7) في " ش ": ارتياء.
(8) في " ش ": الناس.
(9) في " ح ": مثله.
54

فاقتلوه " (1)، فشهد بأنها (2) كانت قد وقعت بغتة من غير روية، وحصلت فجأة
عن عجلة من غير مشورة، وفي هذا غاية الذم [لها]، والتكذيب لهم فيما ادعوه
فيها مع التهديد (3) بسفك دم من عاد إلى مثلها، وليس يشك عاقل في أن الفلتة
التي هي العجلة والبدار تضاد ما يدعون من التأمل والاختيار.
ومن عجيب أمرهم: دعواهم أن الأمة اجتمعت على إمامة أبي بكر مع علمهم
بقلة عدد العاقد (4) لها، وتأخر من تأخر عنها، وإنكار المنكرين لها، والخلف
الواقع فيها في حال السقيفة وبعدها، فيقولون:
إن من خالف من الأنصار، وتأخر من بني هاشم الأخيار، مع وجوه الصحابة
وأعيانهم، وبني حنيف بأسرهم، وما ظهر من إنكارهم أمارته (5)، وخلافهم كلهم
شذاذ لا يخرقون الإجماع، [ثم ينكرون أن يكون الإجماع] حصل على حصار
عثمان وخلعه (6)، وتكفيره وقتله، ولم يكن بالمدينة من أهلها ولا ممن كان بها
من أهل مصر وغيرهم إلا محارب أو خاذل، ولم يحفظ في الإنكار عليهم قول
لقائل. ويدعون أنه وعبيده المحاصرين معه في الدار ومروان ابن عمه قادحون
في الإجماع. هذا، وقد رام قوم من بني أمية أن يصلوا عليه فلم يتمكنوا،
وهموا أن يدفنوه في مقابر المسلمين، فلم يتركوا حتى مضوا [به] إلى

(1) أنساب الأشراف: 2 / 264. تاريخ الطبري: 3 / 205. شرح نهج البلاغة: 2 / 275. نهج الحق:
264. تاريخ الخلفاء: 67.
(2) في " ح ": فشهدوا أنها.
(3) في " ح ": ادعوه من التهديد.
(4) في " ح ": عدد المعاقد.
(5) في " ش ": إمامته.
(6) في " ح ": وقلعه.
55

حش كوكب (1) وهو بستان بقرب البقيع، ثم أتوا [به] ليحتزوا (2) رأسه فصاح
نسوة من أهله [وضربن وجوههن] فتركوه، وداسه عمير بن ضابئ فكسر ضلعا
من أضلاعه، وبقي مكانه مرميا (3) ثلاثة أيام لم يستعظم [ذلك] في بابه مستعظم،
ولا أنكره منكر، ومن تأمل هذه (4) الحال علم أنها أحق وأولى بالإجماع (5).

(1) ذكر في مراصد الاطلاع: 1 / 405 أنه اشتراه عثمان. وذكر الطبري في تاريخه: 4 / 412
أن اليهود كانت تدفن فيه موتاهم.
(2) في " ح ": ليجزوا.
(3) في " ش ": ملقى.
(4) في " ح ": هذا.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 412. الكامل في التاريخ: 3 / 180.
56

[الفصل الخامس
في أغلاطهم في الإمام]
فمن عجيب أمرهم: أنهم قصدوا إلى من رد إليه النبي (صلى الله عليه وآله) جيشا فلم يحسن أن
يدبره ورجع منهزما [فارا] فيجعلونه إمام الأنام، ويردون إليه تدبير الجيوش
العظام، ويصيرونه قبة (1) للإسلام، وسندا في الأمور الجسام، إن هذا لضد
الصواب!

(1) في " ح ": فتنة.
والقب: رئيس القوم وسيدهم، وقيل: هو الملك، وقيل: الخليفة، وقيل: هو الرأس
الأكبر. (لسان العرب: 1 / 658 - قبب -).
57

الفصل السادس
في أغلاطهم (1) في علم الإمام
فمن عجيب أمرهم: [قولهم:] إن الإمام قدوة في الشريعة مع جواز جهله
ببعضها، ولا يجيزون أن يكون [قدوة] فيها مع جهله بجميعها، وقولهم إنه يرجع
في البعض الذي لا يعلمه إلى الأمة، ولا يجيزون أن يرجع في الكل إذا لم يعلمه
إلى أحد من الأمة، ولسنا نجد فرقا بين حاجته إلى رعيته في بعض [ما] لا يعلمه،
وبين حاجته إليهم في كل [ما] لا يعلمه.
بل من العجب: أن يكون الإمام محتاجا إلى من هو محتاج (2) إليه، مقتديا برعية
يقتدون به، لأن هذا عند العقلاء من المناقضة القبيحة.
ومن عجيب أمرهم: أنهم يروون عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " ما ولت أمة قط أمرها
رجلا (3) وفيهم [من هو] أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا (4)،

(1) في " ش ": من غلطهم.
(2) في " ح ": يحتاج.
(3) في " ش ": جاهلا.
(4) السفال: الانحطاط والتدهور.
58

حتى (1) يرجعوا إلى ما تركوا " (2)، ثم يروون مع ذلك أن يتولى الأمر العاجز
الناقص، ويتقدم الجاهل على العالم.
ويروون عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " من تولى شيئا من أمور المسلمين فولى رجلا
شيئا من أمورهم وهو يعلم مكان رجل هو أعلم منه فقد خان الله ورسوله
والمؤمنين " (3)، ثم إنهم يعلمون مع ذلك أن أبا بكر وعمر لم يوليا في أيامهما
عليا (عليه السلام) [شيئا] مع معرفتهما بكمال علمه (4)، ويقدمان الجهال في الولايات
عليه، ولا يستدلون بذلك على خيانتهما لله ولرسوله [وللمؤمنين]، ولا يكتفون
به في العلم ببغضهما له (عليه السلام)، وليس يخفى على العاقل [أنهما] إن كانا رغبا عن
ولايته فقد خانا الله ورسوله، وإن كان هو الراغب عن أن يتولى من قبلهما فكفى
بذلك طعنا عليهما.
ومن عجيب أمرهم: قولهم: إن علوم الشريعة [معروفة و] مفترقة في الأمة،
وأنها قد أحاطت بها، وهي الملجأ والمفزع فيها مع ما يدعون من عصمتها،
ويستعظمون قولنا: إن الإمام هو المحيط بها والعالم بجميعها، والملجأ والمفزع
فيها [إليه]، وهو المسدد المعصوم دونها، ويظلون من قولنا متعجبين، ويقيمون

(1) في " ش ": وهم.
(2) أخرجه في بحار الأنوار: 72 / 155 نقلا عن كتاب البرهان في النص الجلي على إمامة أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) للشيخ أبي الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي
النحوي.
وأخرجه في مستدرك الوسائل: 11 / 30، ح 4 عن بحار الأنوار.
انظر ترجمة الشيخ أبي الحسن علي العدوي الشمشاطي في: رجال النجاشي: 263، رقم
689. أعيان الشيعة: 8 / 307. معجم المؤلفين: 7 / 203.
(3) المعجم الكبير للطبراني: 11 / 114، ح 11216. مجمع الزوائد: 5 / 211.
(4) في " ش ": علي.
59

أنفسهم في ذلك مقام المشركين، الذين قالوا فيما تضمنه الذكر المبين: (أجعل الآلهة
إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب) (1)، [وقولهم: (أأنزل عليه الذكر من بيننا بل
هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب) (2)]، وقد أحسن من قال:
وليس لله بمستنكر (3) * أن يجمع العالم في واحد (4)
ومن العجب: أنهم مع إنكارهم [كمال] علم الإمام، واستبعادهم تميزه في
ذلك عن الأنام، وقولهم: لم تجر العادة بمثل هذا في بشر مخلوق لا يوحى إليه،
ويروون أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " خذوا ثلث دينكم عن عائشة، [لا] بل خذوا ثلثي
دينكم عن عائشة، لا بل خذوا دينكم كله عن عائشة " (5)، فيا عجبا كيف ثبت
لعائشة هذا الكمال الذي تميزت به عن الأنام، واستحال مثله في الإمام، الذي هو
خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (6) والحجة بعده على الخاص والعام!
بل من العجب (7): إنكارهم أن يكون خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمته، والمنفذ
بعده أحكام شريعته، حافظا لعلوم الشريعة، محيطا بأحكام الملة، مستغنيا في
ذلك عن الرعية، ويدعون أن شيخهم الجاحظ على سخافته وخلاعته (8)، وقبيح
فعله، ومشتهر فسقه، قد عرف كل علم، وصنف في كل فن من فرع وأصل،

(1) سورة ص: 5.
(2) سورة ص: 8.
(3) في " ش ": بمستكبر.
(4) القائل هو أبو نؤاس، انظر ديوانه: 454.
(5) تأتي تخريجاته ص 132.
(6) في " ش ": خليفة النبي (صلى الله عليه وآله).
(7) في " ش ": ومن العجب العجيب.
(8) في " ح ": على سخافته وهزله، وجذاعته وصلاعته.
60

وجد (1) وهزل، وأنه لم يبق شئ من علوم الديانات، ومفهوم الرياضات،
ورسوم الأدبيات، إلا وقد خاض فيه، وعرف متصرفاته وعجائبه ومعايبه (2)،
حتى إني لم أر أحدا يقول إنه أحاط علما بأسماء تصنيفاته (3)، ولا علم مبلغ
تأليفاته، إن هذا لشئ عظيم (4)!
ومن عجيب أمرهم: أنهم يسمعون قول النبي (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام): " أنا مدينة
العلم وعلي بابها " (5)، وقوله (صلى الله عليه وآله) [فيه]: " أقضاكم علي " (6)، وقوله [فيه]:
" علي مع الحق، والحق مع علي، اللهم أدر الحق [مع علي] حيثما دار " (7)
ويقطع أعذارهم الإجماع [على] فقر الصحابة إليه [بل وسؤالهم، لمن دونه،
وهو ابن عباس الذي كان عمر يفتقر إليه] في المسائل ويقول [له]: " غص يا
غواص " (8) مع اعتراف ابن عباس (رحمه الله) بأنه أخذ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، [ومن قوله
إذا ذكر عنده: ذاك حديث يأكل الأحاديث،] ثم إنهم يدعون مع هذا كله أن أمير
المؤمنين (عليه السلام) [لم] يعرف الحكم في عتق موالي صفية عمته حيث نازعه الزبير بن
العوام ورافعه إلى عمر بن الخطاب، حتى عرفه عمر [الصواب]، وقال له: إن
الزبير أحق [منه] بميراث من أعتقته صفية، فرجع إلى قوله، ورضي بحكمه،

(1) في " ح ": وجدل.
(2) في " ش ": ومعانيه.
(3) في " ش ": مصنفاته.
(4) في " ح ": إن هذا لعظيم.
(5) الفصول المختارة: 135. المستدرك على الصحيحين: 3 / 126 - 127. بحار الأنوار: 10 / 445.
(6) الفصول المختارة: 135، الصراط المستقيم: 2 / 9 و 10. بحار الأنوار: 10 / 445.
(7) الفصول المختارة: 135. بحار الأنوار: 10 / 445.
(8) تنبيه الخواطر: 2 / 5. بحار الأنوار: 40 / 195.
61

فكيف تصح هذه الدعوى، وأي عاقل يصدقها؟ وكيف يكون من هو باب
[مدينة] العلم يجهل الصواب في هذا الأمر؟ وكيف يكون من هو أقضى الأمة
[لا يعرف القضاء في هذه الحكومة؟ وكيف يطلب ما ليس له من تقول فيه النبي:
" علي مع الحق، والحق مع علي، اللهم أدر الحق مع علي حيثما دار "، وهو
القائل: " سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين ضلوعي علما جما " (1)، فكيف يهديه
إلى الصواب عمر بن الخطاب، وعمر يقول بغير خلاف لما رده أمير المؤمنين (عليه السلام)
عن مواضع ظهر منه فيها الأغلاط: " لولا علي لهلك عمر " (2)؟ وهل حكومة عمر

(1) أمالي الصدوق: 422 - 425. الاختصاص: 235. بحار الأنوار: 10 / 117، ح 1.
(2) لقد قال الخليفة الثاني مثل هذا مرارا وفي مواقف كثيرة وبألفاظ شتى: اللهم إني أعوذ بك
من عضيهة ليس لها علي عندي حاضرا، اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب،
عجزت النساء أن تلد مثل علي بن أبي طالب، كل الناس أفقه منك يا عمر، لا أبقاني الله
لمعضلة ليس لها علي، لا عشت في أمة لست فيها يا أبا حسن، لا عشت لمعضلة لا يكون
لها أبو حسن، لولا علي لهلك عمر، و...
انظر: طبقات ابن سعد: 2 / 339. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: 2 / 647، ح 1100.
أنساب الأشراف: 2 / 100، ح 29 و 30. المستدرك على الصحيحين: 1 / 457. الإستيعاب:
3 / 39. المقنع في الإمامة للسدابادي: 79. المناقب للخوارزمي: 81، ح 65. ترجمة أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق: 3 / 50 - 53، ح 1079 - 1082.
الفائق للزمخشري: 2 / 445. المناقب لابن شهرآشوب: 2 / 31. صفة الصفوة لابن الجوزي:
314. أسد الغابة: 4 / 22 - 23. مطالب السؤول: 82. تذكرة الخواص: 144. كفاية الطالب:
217. بناء المقالة الفاطمية: 194 و 202. كشف الغمة: 1 / 118. ذخائر العقبى: 82.
الرياض النضرة: 3 / 166. لسان العرب: 11 / 453. نهج الحق وكشف الصدق: 240 و 277
و 278 و 350. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 377. المستجاد: 125. فرائد
السمطين: 1 / 351. تهذيب التهذيب: 7 / 337. الإصابة: 2 / 509. الفصول المهمة: 35.
جواهر المطالب: 1 / 195 و 200. الصواعق المحرقة: 127. فيض القدير: 4 / 357.
بحار الأنوار: 30 / 678 و 679 و 690 و 40 / 148 و 149. مناقب أهل البيت (عليهم السلام) للشرواني:
193. نور الأبصار للشبلنجي: 88. ينابيع المودة: 1 / 227 و 2 / 172. الغدير 6 / 327 و 328.
إحقاق الحق: 8 / 25.
62

بضد قوله إلا دلالة على خطأ عمر في حكمه، وإن حكمه إنما مضى لتمكن عمر
في وقته، وتعذر خلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما حكم به؟
63

الفصل السابع
في أغلاطهم في العصمة
فمن عجيب أمرهم: أنهم ينكرون عصمة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) عن سائر الأنام،
ويقولون: إن هذه العصمة إن كانت منهم جاز أن تقع في غيرهم فيساويهم في
منزلتهم، وإن كانت من الله سبحانه فقد جبرهم واضطرهم ولم يستحقوا ثوابا على
عصمتهم، وهم مع ذلك معترفون بأن النبي (صلى الله عليه وآله) معصوم في التأدية والتبليغ،
ومعصوم عما سوى ذلك من جميع كبائر الذنوب في حال نبوته وقبلها، وأنها
عصمة اختيار يستحق عليها الجزاء، ولا يساويه أحد من أمته فيها!
ومن عجيب أمرهم: إنكارهم لعصمة الأئمة وقولهم إنها لا تقتضي الاختيار!
ومن العجب: قولهم: إن العصمة ثابتة لجميع الأمة، منتفية عن كل واحد منها،
مع علمهم بأن آحادهم جماعتها، وأنها إذا كانت مؤمنة بأجمعها كان الإيمان
حاصلا لآحادها، ولو كفر جميعها لكان الكفر حاصلا مع كل واحد منها، وقد قال
أحد المعتزلة يوما وقد سمع هذا الكلام فرق بين العصمة وما ذكرت من الكفر
والإيمان، وذلك أن ما ثبت لكل واحد منها فهو ثابت لجماعتها، وليس كلما ثبت
لجماعتها ثابت لكل واحد منها، فلذلك إذا آمن آحادها كان جميعها مؤمنين،
64

وإذا كفر آحادها كان جميعها كافرين، وليس إذا ثبت العصمة لجماعتها يكون
آحادها معصومين.
فقلت له: ما رأيت أعجب من أمرك وانصرافك عن مقتضى قضيتك إذا كان ما
ثبت لكل واحد من الأمة ثابتا لجميعها فقد ثبت عندي وعندك الحكم على كل
واحد منها بجواز الخطأ والنسيان وتعمد الغلط في الأفعال والأقوال، فاحكم
بثبوت ذلك لجميعها وأسقط ما ادعيت من عصمتها، فلم يدر ما يقول بعد هذا.
ومن عجيب أمرهم، وطريف رأيهم: قولهم: إن الأمة معصومة، وقولها حجة،
وهي مفتقرة مع ذلك إلى إمام، وإمامها غير معصوم، ولا قوله حجة، وليس هو
مفتقر إلى إمام، وهذا من أعجب الأقوال!
ومن عجيب المناقضة: أن يكون لها إمام ولا يكون ارتفاع العصمة عن الإمام
موجبا أن يكون له إمام، ولا يكون أيضا غناية عن الإمام يقتضي تميزه بالعصمة
عن الأنام، إنهم جعلوا حجتهم في عصمة الأمة وفي أن إجماعها صواب وحجة
خبرا نسبوه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أنه: " لا تجتمع أمتي على ضلالة " (1) وهذا
الخبر لا يمكنهم على أصلهم أن يدعوا فيه التواتر إذا كان غير موجب لسامعيه على
الضرورة بصحته، فهو لا محالة من أخبار الآحاد، فهم إذا قد جعلوا دليل الدعوى
بأن الأمة لا تجتمع على] (2) ضلال قول بعضها، والحجة على عصمتها شهادة
واحد (3) منها، ولم يعلموا أن الخلاف في قول جميعها يتضمن الخلاف في قول

(1) الدرر المنتثرة: 143، ح 459. الأسرار المرفوعة: 52، ح 163. كشف الخفاء: 2 / 470،
ح 2999.
(2) ما بين المعقوفين سقط من " ش ".
(3) في " ش ": واحدة.
65

بعضها، والتخطئة لسائرها يدخل في التخطئة لواحدها (1)، وهل هم في ذلك إلا
كمن ادعى الحجة بإجماع عشرة من الناس على قول أو فعل وجعل دليله على
ذلك قول واحد من العشرة ولم يعلم أن المخالف له في الحجة بإجماع العشرة لم
يصر إلى ذلك إلا بعد المخالفة له فيمن دون العشرة، إذ لو سلم [له] الخصم قول
بعضها لم يصح خلافه له في قول جميعها، ولما رأوا أن خبرهم لا يصح كونه في
قسم المتواتر على أصلهم (2)، ولا ينصرف عن إضافته إلى أخبار الآحاد التي
لا تثبت بها حجة لدعواهم، اشتد غلطهم، وعظم زللهم، فأداهم إلى القول بأنهم
علموا صحته بالإجماع. وهذا من أعجب الأقوال! وهو في المناقضة لاحق في
الهذيان، لأن أصل الخلاف إنما هو في الإجماع وهل هو حجة أم لا؟ فكيف
يكون الإجماع دليلا لنفسه (3)، وبرهانا على ما يدعى من صوابه؟! ولو جاز هذا
لكانت الدعوى نفسها برهانا، والفتوى بعينها دليلا، وهذا ما لا يخفى فساده على
العقلاء. ومما يوضح غلطهم فيه أن الدليل على الشئ يعرف قبل معرفة الشئ،
فإذا كانوا لم يعلموا أن الإجماع حجة، وأن الأمة فيما تخبر به معصومة إلا بالخبر
[فقد وجب أن يكونوا عالمين بصحته قبل علمهم بأن الإجماع حجة، وأن الأمة
فيما تخبر به معصومة، وإذا كانوا لم يعلموا أن الخبر صحيح إلا بالإجماع] فقد
وجب أن يكونوا عالمين بأن الإجماع حجة قبل علمهم بصحة الخبر فكيف يتقدم
المؤخر (4) ويتأخر المقدم، وهل رؤي قط أعجب من هذا الأمر؟!

(1) في " ش ": والتخطئة لسائرها فيه التخطئة لواحدها.
(2) في " ح ": أصله.
(3) في " ح ": على نفسه.
(4) زاد في " ش ": على المقدم.
66

ومن عجيب أمرهم: أنهم لا يجيزون إمامة الفاسق ويجوزون أن يكون الإمام
[في] باطنه فاسقا، ويحتجون في نفي إمامة من ظهر فسقه بأنهم لا يأمنونه على
إقامة الحدود، ولا يثقون به في حفظ الأموال وصرفها في الواجبات، ثم [إنهم]
يأتمنون على هذه الأمور من يجوزون عليه الفسق والفجور وارتكاب كبائر
الذنوب ومن لا [يحيلون أن] يكون في باطن أمره على ضلال وكفر وإشراك!
ومن العجب العجيب: امتناعهم من إمامة من علموه فاسقا وتجويزهم أن يكون
في باطنه كافرا (1)، فلئن كان الفسق مانعا من تقديم الفاسق ليكونن تجويز الكفر
مانعا من [تقديم من] هو عليه جائز، لأن الكفر يشتمل على الفسق (2) وغيره،
ومن لم يفهم هذا فهو مريض الذهن، عار من المعرفة (3).

(1) في " ش ": من علموه فاسقا إمامة من يجوز أن يكون في باطنه كافرا.
(2) في " ش ": الفسوق.
(3) في " ش ": فهو خال من الفطنة.
67

الفصل الثامن
في (1) أغلاطهم في إمامة المفضول
فمن عجيب أمر القائلين بإمامة المفضول، ومخالفتهم موجبات العقول: أنهم
قصدوا إلى من اعترفوا بأنه أشرف الأمة وأفضلها، وأوسعها علما وأكملها، وأنه
البصير بسياستها، الخبير بشرائط رئاستها، الذي لم يزل ناهضا بأثقالها، خائضا
بحار أهوالها (2)، مجاهدا مذ كان في نصرتها، عالما بأحكام ملتها، زاهدا في
زهرة دنياها، صابرا على عظيم بلواها، متميزا بالمناقب فيها، مبرزا في الفضائل
عليها، قد جعل الله أعماله أعلى وأفضل من أعمالها، وثوابه أزكى وأجزل من
ثوابها، فمنعوه أعلى المنازل وأجلها، وأشرف الرتب وأفضلها، وهي منزلة الإمامة
التي تليق به ويليق بها، وتشهد العقول السليمة بأنه دون الخلائق صاحبها،
ورفعوا إليها [نسبة] من لا نسبة بينه وبينها، وقالوا: إن [من] الحق الواجب ألا
يكون [هذا] السيد الفاضل رئيسا مقدما، و [من] الرأي المصيب أن يكون رعية

(1) في " ش ": من.
(2) في " ح ": أنوارها.
68

مأموما، ومن السداد والرشاد أن يكون مقتديا بالناقص، متصرفا تحت آراء
الجاهل وفي دين الله عز وجل أن يكون من دونه يسوسه ويرعاه، ويأمره وينهاه،
ويلزمه طاعته، ويحرم عليه مخالفته.
وهذا والله بهت لأحكام العقول، ولعب في شرع الرسول، وخلاف للعادات،
ودفع للضرورات، بل هو حمق ومجانة، وهوى وخدعة (1)، ولو أن أحدنا وصى
على ابنه [من هو في العقل والفهم والنهضة والعلم والصلاح والديانة والورع
والأمانة دون ابنه] لكان عند الناس بمنزلة (2) المجانين، وفي حيز المخبلين، وما
زلنا نسمع العامة تقول: " يأتي على الناس زمان يسلم فيه المعلم إلى الصبيان،
ويسوق فيه البغل الطحان (3) " ونحن نضحك منهم وننكر عليهم قولهم حتى
سمعنا قول المعتقدين إمامة المفضول، ومخالفتهم ما تقتضيه العقول (4)، وقد
استغاث منهم أمير المؤمنين (عليه السلام) متظلما، وشكاهم إلى الله تعالى مستعديا، فقال:
" اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم قطعوا (5) رحمي، وأكفأوا إنائي،
وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري، وقالوا: ألا إن في الحق أن
تأخذه، وفي الحق أن تمنعه، فاصبر مغموما، أو مت متأسفا " (6) في كلام له
معروف بعد هذا.

(1) في " ش ": وهذر وخلاعة.
(2) في " ش ": في منزلة.
(3) في " ح ": على الطحان.
(4) في " ح ": ومخالفتهم فيما تفسره لأحكام العقول.
(5) في النهج: على قريش ومن أعانهم، فإنهم قد قطعوا.
(6) نهج البلاغة: 336، خطبة رقم 217.
69

ومن عجيب أمرهم: تمحلهم الباطل في الاعتذار لتقديم المفضول على
الفاضل وقولهم: إن العاقدين خافوا أن يلي الفاضل (1) عليهم فيرتد إلى الكفر قوم
منهم لما في نفوسهم عليه من الأحقاد وما بينه وبينهم من الغوائل (2) والترات،
فوجب تأخيره وتقديم من [هو] دونه ليؤمن [من] وقوع هذه الحال، وتسكن
نفوس من يخاف منهم الارتداد، وينسون عند هذا الاعتذار ما قد أجمعوا معنا
عليه، ولم يخالفونا (3) فيه، من أن الحكيم يجب أن يفعل أفضل الأمور وأعلاها،
وأشرفها وأولاها، وإن ضل عندها من ضل، وكفر من كفر، كإرساله سبحانه
الأنبياء (عليهم السلام) إلى من يعلم أنهم يقتلونهم ويزدادون في غيهم، وتبليغه أطفالا يعلم
من حالهم أنهم يكونوا كفارا إذا بلغهم، وتكليفه قوما قد علم أنهم يضلون إذا
كلفهم، فكيف صار من الحكمة والعدل فعل هذه الأمور، وإن ضل معها
الجمهور؟ ومن الظلم والجور تقديم الفاضل على المفضول (4)، خوفا من ضلال
قليل من كثير، وإلا انقادوا إلى هذا الفاضل، واتبعوا في ذلك الواجب فتكون
الحجة على من خالف وعاند، فكيف نسوا (5) هذا الأصل الذي تحملوا
باعتقاده (6) بين [أهل] العدل؟
أوليسوا مقرين بأن الله تعالى قد علم من قوم موسى (عليه السلام) أنهم يكفرون، إذا قدم

(1) في " ش ": المفضول.
(2) في " ش ": الطوائل.
(3) في " ش ": يخالفوا.
(4) في " ح ": تقديم المفضول على الفاضل.
(5) في " ش ": نسبوا.
(6) في " ح ": باعتقادهم.
70

عليهم أخاه هارون (عليه السلام)، ويتخذون العجل إلها من دون الله تعالى، ولم ينهه عن
تقديمه، ولا منعه من استخلافه وتركه، وفعل الأفضل في حكمته؟ وليس لهم أن
يفعلوا فإن الامتحان (1) هو إلى الله تعالى دون العباد وتقديمهم الفاضل وهذه
الحال امتحان، لأن هذه العلة تسقط من أيديهم من حيث إن الله تعالى هو الدال
على وجوب تقديم الفاضل بدليل العقل والسمع، فإذا هم قدموه، وانقادوا له
وأطاعوه، فإنما قدموا من قدمه الله، وأطاعوا من ولاه أمرهم، فهو الممتحن للعباد
دونهم، وأما أحقادهم (2) عليه فإنما كانت في أمور يرضاها الله عز وجل، وهو
الآمر بها على لسان رسوله (صلى الله عليه وآله) (3)، فقد كان يجب أن يكون حقدهم على من
[كان] هو الأصل فيها [والآمر بها] والداعي إليها قاتلهم الله.
أترى لو قالت طائفة من الأمة: لسنا نثبت على الإيمان إلا بأن نخرج الفاضل
من بيننا، هل كان يجب إخراجه؟ بل لو قالت ذلك بعد العقد [له] هل كان يجب
عزله؟ هذا إذا كانوا يعلمون أن قوما عند تقديمه يرتدون فكيف وإنما معهم في
ذلك الدعوى من غير يقين والأمر بضد ما يقولون؟ ولقد أحسن شاعرنا حيث
يقول:
لو سلموا لعلي الأمر واحتسبوا (4) * ما سل بينهم في الناس سيفان
ومن عجيب أمرهم: اعتمادهم (5) على هذا الاعتذار مع علمهم باختلاف الناس

(1) في " ح ": وليس لهم أن يقولوا بأن الامتحان.
(2) في " ح ": هذا وأحقادهم.
(3) في " ح ": رسول الله (صلى الله عليه وآله).
(4) في " ح ": لو سلموا لولي الأمر أمرهم.
(5) في " ش ": ومن العجب اعتمادهم.
71

بأبي (1) بكر لما تقدم، وكراهيتهم له [مع علمهم] ومعرفتهم بما كان من أهل
اليمامة [وقولهم: إنهم ارتدوا عن الإسلام حتى أنفذ إليهم أبو بكر خالدا في جيش
لقتالهم وقول أهل اليمامة] لخالد بن الوليد: " والله لا أطعنا أبا (2) فصيل أبدا "،
وقول خالد لهم: " والله لا رفعنا السيف عنكم حتى تسموه (3) بالفحل الأكبر " (4)
فكان من أمرهم معه ما قد اشتهر من الحرب المبيرة، والفتنة العظيمة، وسفك
الدماء، وسبي الحريم، وهلاك من لا يحصى، ثم اختلاف من سواهم [عليه]
ممن يبسط في ذكره (5) الخطاب، ويطول بوصفه الكتاب، فما يرى الخلف
والارتداد [حصلا] إلا بتقديم أبي بكر على الناس.
ومن العجب: نسيانهم عند هذا الاعتذار كراهية القوم (6) تقديم أبي بكر عمرا
عليهم، ونفورهم من نصه عليه (7)، حتى خوفوه الله عز وجل وقالوا له: ما أنت
قائل إذا لقيته وقد وليت علينا فظا غليظا، والله ما كنا نطيقه وهو رعية فكيف إذا
ملك الأمر؟ فاتق [الله] ولا تسلطه على الناس، فغضب وقال [لهم]: أبالله
تخوفوني؟ أقول له: يا رب وليت عليهم خير أهلك (8).

(1) في " ش ": على أبي.
(2) في " ح ": لأبي.
(3) في " ح ": تتأمروا.
(4) تاريخ الطبري: 3 / 253. الفتوح لابن أعثم: 1 / 14. البداية والنهاية: 6 / 317.
(5) في " ح ": بذكره.
(6) في " ش ": الناس.
(7) في " ح ": نصبه عليهم.
(8) الطبقات الكبرى: 3 / 199. الكامل في التاريخ: 2 / 425. شرح نهج البلاغة: 1 / 127. الإمامة
العظمى: 150.
72

ومن العجب: [أن يكون] فضل عمر بن الخطاب عند أبي بكر يقتضي تقديمه
مع العلم بكراهية الناس له، ولا يكون فضل أمير المؤمنين [علي] (عليه السلام) عند جميع
الأمة يقتضي تقديمه عليهم وإن ظن كراهية بعضهم!
بل من العجب: اعتذارهم في تأخير الفاضل بما قد اعتذروا به مع سماعهم قصة
طالوت المذكورة في القرآن (1)، وتلاوتها عليهم ما اتصلت الأيام [وبقي الأنام]،
ولا ينتبهون بها من رقدة الضلال، حيث كرهه الناس وقالوا: (أنى يكون له الملك علينا
ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) فلم تمنع كراهتهم له من تقديمه، وأخبر الله
سبحانه عما أوجب رئاسته عليهم (2) وتقدمه ف‍: (قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة
في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء) (3) فأخبرهم أن الذي آتاه (4) من علمه وقوته
اقتضى تقديمه في حكمته (5)، فكيف لم يعتبروا بهذا من قول الله سبحانه وتعالى
فيعلموا أنهم على ضلال في تقديم من عرف ضعفه في علمه وجسمه، على من
[قد] حصل الإجماع على أن الله تعالى قد جعله في بسطة من العلم والجسم
كطالوت في قومه.
ومن عجيب أمرهم: أنهم اعترفوا بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) الفاضل [وأن أبا بكر
المفضول، وأقروا بأن الفاضل] بحكم الله تعالى أعلى الناس قدرا، وأرفعهم محلا
وذكرا، وأزكاهم عملا، وأولاهم بالمدح والثناء، وأنه لا يحل استنقاصه،

(1) في " ش ": في كتاب الله.
(2) في " ح ": بما أوجب رئاستهم عليه.
(3) سورة البقرة: 247.
(4) في " ش ": أتاهم.
(5) في " ش ": حكمه.
73

ولا يسوغ ذمه، ثم أجمعوا (1) مع ذلك على كفر الخارجين عن طاعة أبي بكر،
واستحلال [دم] مانعيه الزكاة وسبي حريمهم، ولم يقيموا للشاك في إمامته
عذرا، ثم بسطوا عذر الشاك في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) والممتنعين عن نصرته،
والخارجين عن وجوب طاعته، كسعد بن أبي وقاص، وحسان بن ثابت،
وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، القاعدين عن معونته،
والخاذلين الناس عن نصرته، وتولوهم تولي الصالحين، وقطعوا لهم بالجنات
والنعيم المقيم، ولم (2) يقنعوا بهذا حتى تولوا محاربيه، ومستحلي دمه ودماء أهله
وذريته (3)، الساعين في الأرض بالفساد، والمقيمين الفتنة في البلاد، الذين سعوا
في قتل أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقرفوه (4) بقتل عثمان [بن عفان]، وغصبوا الأموال،
وأقاموا عمود الضلال، طلحة والزبير وعائشة ومن انضاف إليهم من الناس،
وقالوا: إن هؤلاء الثلاثة تابوا قبل الممات، وإنهم يوم (5) القيامة يحشرون مع أمير
المؤمنين (عليه السلام) [وهم] أصفياء له وأحباب، وهذا من المكابرات التي لا يجوز
استحسانها (6) ذوو الديانات، وقد قيل لأحد القائلين بإمامة المفضول: ما تقول
فيمن قصد [إلى أحد] الثلاثة المفضولين، أبي بكر وعمر وعثمان فلطمه
وشتمه؟

(1) في " ش ": وأجمعوا.
(2) في " ش ": وما.
(3) في " ش ": مستحلي دمه ودماء أهله وذويه.
(4) في " ح ": وقذفوه.
وقرفه بكذا، أي أضافه إليه واتهمه به. (لسان العرب: 9 / 280 - قرف -)
(5) في " ش ": في.
(6) في " ح ": لا يستحسنها.
74

قال: أقول: إنه [قد] كفر.
وقيل [له]: فما تقول فيمن قصد إلى هذا (1) الفاضل علي بن أبي طالب (عليه السلام)
فحاربه وأجلب عليه واستحل سفك دمه؟
قال: أقول: [إنه] قد فسق، وهذا أيضا من العجب!

(1) في " ح ": فيمن إذا قصد هذا.
75

الفصل التاسع
من أغلاط البكرية
فمن عجيب أمرهم وظاهر غلطهم: دعواهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قدم أبا بكر
ليصلي بالناس، وزعمهم أن ذلك دليل على استحقاقه الإمامة العامة على [جميع]
الأنام بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، [هذا مع رواياتهم عنه (صلى الله عليه وآله)]: " إن الصلاة جائزة خلف البر
والفاجر " (1) وإقرارهم بأن الإمامة العامة لا تجوز لفاجر.
ومن عجيب أمرهم في ذلك: [أنهم] جعلوا الإمامة العامة التي هي الخلافة
داخلة في الإمامة الخاصة التي هي إمامة الصلاة، وهذا عكس الصواب، والمعلوم
أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا نص بالإمامة العامة على رجل كان له أن يصلي بالناس، لأن
تقدمه (2) في الصلاة [هو] بعض ما رد إليه، وليس كذلك إذا قدمه للصلاة ببعض
الأمة يكون قد رد إليه تنفيذ الأحكام، وتدبير جميع الأنام، لأن هذه الأمور ليست
داخلة في الصلاة.

(1) سنن أبي داود: 1 / 162، ح 594.
(2) في " ح ": التقدم.
76

ومن العجب: أن من جملة ما يروونه عن عائشة قولها: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قام
ورجلاه تخطان الأرض (1) وهو متك على رجلين، أحدهما الفضل بن العباس،
فأخر أبا بكر عن المحراب، فيجعلون تقديمه ولاية ولا يجعلون تأخيره عزلا،
وهذا دليل على أنه لم يقدمه، وأن تقديمه كان من عائشة، ولذلك قال لها
ولصويحبتها (2): " إنكن لصويحبات يوسف " (3).
ومن عجيب أمرهم: أنهم يجعلون صلاة أبي بكر بمن في المسجد مع عدم
اتفاقهم على أنه تممها موجبة له الفضيلة (4) العظيمة، ومرتبة الخلافة والإمامة،
ولا يجعلون ذلك لعبد الرحمن بن عوف مع روايتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) صلى خلفه وأنه
كان مضى ليصلح بين قبيلتين من الأنصار (5) فعاد وقد فاته صلاة المغرب وقدم
الناس عبد الرحمن بن عوف يصلي (6) بهم، فلما أتى النبي (صلى الله عليه وآله) [وهو في الصلاة]
صلى خلفه، فلما فرغ قال له الناس (7): يا رسول الله، أتصلي خلف رجل
من أمتك؟!

(1) في " ح ": في الأرض.
(2) في " ش ": ولحفصة.
(3) انظر: الموطأ: 1 / 171، ح 183. مسند أحمد بن حنبل: 5 / 361 و 6 / 96. صحيح البخاري:
1 / 169 و 182، و 4 / 182، و 9 / 121. الجامع الصحيح للترمذي: 5 / 613، ح 3672. تاريخ
الطبري: 3 / 196 - 197. شرح معاني الآثار: 1 / 406. الكامل في التاريخ: 2 / 322. البداية
والنهاية: 5 / 233. كنز العمال: 5 / 634، ح 14116.
(4) في " ش ": موجبة للفضيلة.
(5) في " ش ": الأنام.
(6) في " ش ": فصلى.
(7) في " ح ": فلما فرغ قالوا.
77

فقال (صلى الله عليه وآله): " ما يموت نبي من أنبياء الله حتى يصلي خلف رجل من أمته " (1)،
فيوجبون الخلافة لأبي بكر بصلاته بالناس [بعد الصلاة] التي لم يتمها، وكان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في معزل عنها، ولا يوجبونها لعبد الرحمن وقد صلى عندهم
بالناس صلاة تممها والنبي (صلى الله عليه وآله) في جملة من اقتدى [به] فيها، وقد سمع أحد
البكرية مني هذا الكلام، فقال لي: صلاة أبي بكر أجل وهو بالخلافة أولى من
عبد الرحمن وأحق (2)، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قدم أبا بكر والأمة قدمت عبد الرحمن،
فمن قدمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أولى بالأمر ممن قدمه الناس.
فقلت له: إن لخصمك إذا سلم أن (3) رسول الله (صلى الله عليه وآله) قدم أبا بكر أن يقول: بل
صلاة عبد الرحمن أجل وأفضل، وهو بالخلافة أولى من أبي بكر وأحق، لأن
تقديم النبي (صلى الله عليه وآله) إنما دل على أنه قد رضيه إماما لمن حضر من أمته في المسجد،
وصلاته خلف عبد الرحمن تدل على أنه قد رضيه إماما لنفسه ولأمته، ومن رضيه
[النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة] لنفسه وأمته أحق بالخلافة ممن نصبه النبي (صلى الله عليه وآله) إماما في
الصلاة (4) لبعض أمته، فتحير ولم يأت بشئ يحسن أن نذكره (5).

(1) الطبقات الكبرى: 3 / 129.
(2) في " ش ": وهو أحق بالخلافة وأولى من عبد الرحمن.
(3) في " ش ": لك.
(4) في " ش ": لنفسه ولأمته أحق بالخلافة ممن رضيه في الصلاة.
(5) في " ش ": يذكر.
78

الفصل العاشر
في (1) أغلاطهم (2) في التقية
فمن عجيب أمر المعتزلة وظاهر [ظلمهم و] دعواهم: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان
يمدح أبا بكر وعمر في وقتهما وبعدهما، وأنه وولده [وأهله] وشيعته [كانوا]
يعظمونهما (3) ويثنون عليهما، ويجعلون هذه الدعوى دليلا (4) على صوابهما،
ووصى أمير المؤمنين (عليه السلام) ذريته بتقديمهما (5)، هذا مع المروي المشتهر من ضد
هذا، فإذا قيل لهم على وجه تسليم الدعوى: ما ننكر (6) أن يكون ما [قد]
ذكرتموه ورد على سبيل التقية منهم ومداراة لهما في وقتهما، واستعظاما
لشيعتهما من بعدهما (7)، استعظموا هذا القول واستبعدوه وأنكروه وجحدوه،

(1) في " ح ": من.
(2) في " ش ": غلطهم.
(3) في " ش ": يطيعونهما.
(4) في " ش ": دلالة.
(5) في " ح ": ورضاء أمير المؤمنين (عليه السلام) وذريته بتقدمهما.
(6) في " ش ": تنكرون.
(7) في " ح ": لشيعتهم من بعدهم.
79

فإذا [هم] سمعوا من سواهم من الحشوية [يقولون:] إن الدليل على صواب
معاوية بن أبي سفيان بعد صلح الحسن (عليه السلام) ما ظهر من الحسن والحسين ومحمد بن
علي (عليهم السلام)، وعبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر وجابر بن عبد الله الأنصاري
[وأبي ذر الغفاري] وأبي أيوب الأنصاري رحمة الله عليهم وغيرهم من التعظيم له
والاجلال، وإظهار الاتباع، وترك الإنكار، وقالوا لهم: إن هذا كان ممن ذكرتموه
على وجه التقية من معاوية لما كانوا عليه في أيامه من أحكام الضرورة الملجئة إلى
الاستعطاف والاستمالة، ولما علموه من المصلحة في ترك المشاقة والمخالفة
فيعتمدون نظير ما ينكرون، ويستعملون الاحتجاج الذي يجحدون قلة تأمل
بوجه المناقضة وعدم إنصاف وديانة.
ومن العجب قولهم: إذا كان أبو بكر وعمر وعثمان قد تركوا كثيرا من الأحكام،
وأظهروا البدع في الإسلام، فلم لم يغير ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) لما انتهى الأمر إليه
بعد عثمان؟ ولا يطلعون [في الآثار فينظروا ما كان عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) من
أحكام الاضطرار] أنه (عليه السلام) نهاهم عن الجماعة في صلاة نوافل شهر رمضان فتفرقوا
عنه وصاحوا: واعمراه نهيتنا (1) عن سنة عمر بن الخطاب، فإذا كانت هذه حاله
معهم في النهي عن أمر يعلمون أن عمرا ابتدعه، ويتحققون أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عنه
وأنكره، ويجعلون البدعة من عمر سنة، فكيف [لو غير أكثر من هذا، بل] لو غير
بدعهم كلها وجاهر (2) بمخالفتهم في الأمور التي استحدثوها؟ فكيف تنكر تقيته
منهم وهذه حاله معهم؟ ألم يسمعوا قوله (عليه السلام): " [أما والله] لو ثنيت لي الوسادة
لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم [وحكمه]، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين

(1) في " ش ": نهينا.
(2) في " ش ": وجاهد.
80

أهل الفرقان بفرقانهم، حتى ينطق كل كتاب ويقول: يا رب قضى علي فينا
بقضائك " (1). وقوله (عليه السلام): " أما والله لو ثبتت قدماي لغيرت أمورا كثيرة " (2).
ومن عجيب أمرهم: قولهم: كيف جازت التقية على الإمام وهو عندكم حجة
فيما فعل وقال، وبه قطع الله الأعذار، ومنه يعرف الخطأ من الصواب (3)، وهم
يعتقدون مع هذا أن في الأمة جماعة هم الصفوة الأخيار، والحجة لله على العباد،
وبهم يعرف الحق والصواب، والتقية عليهم جائزة إذا اعترضت الأسباب، فقد
أقاموهم في كونهم حجة مقام (4) الإمام، وأجازوا عليهم [من التقية] ما لم يجيزوا
على الإمام، [وهذا من جور الأحكام، وربما قالوا أيضا: إذا جازت التقية على
الإمام،] فلم لا تجوز على النبي (صلى الله عليه وآله)؟ فإذا فرقنا بينهما في هذا الباب قالوا: لم
يصح لكم فرق، لأنها عندكم حجتان (5)، فإذا قيل لهم: أليس قد أجزتم التقية على
الطائفة الأخيار، والصفوة من الأئمة الأبرار، الذين قولهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله) حجة في
الحلال والحرام، فلم لا تجيزونها على النبي (صلى الله عليه وآله) وهما عندكم حجتان؟ تعاطوا
الفرق الذي عابوا نظيره، واضطروا إلى التشبث بما أنكروا [منا] إيراده.
ومن العجب: إنكارهم جواز التقية على الأنبياء (عليهم السلام) في شئ من الأحوال مع
علمهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) استتر في الشعب والغار ومن قبله هرب موسى (عليه السلام) وأخبر الله

(1) بصائر الدرجات: 132 - 134. شرح نهج البلاغة: 12 / 321. بحار الأنوار: 26 / 182 - 183.
(2) نهج البلاغة: 523، حكمة رقم 272، بلفظ: لو قد استوت قدماي من هذه المداحض
لغيرت أشياء.
(3) في " ح ": وبه يقطع الخطأ من الصواب.
(4) في " ح ": مع.
(5) في " ح ": ليس بصحيح لكم فرق، لأن عندكم هما حجتان.
81

تعالى [عنه] أنه قال: (ففررت منكم لما خفتكم) (1) وكذلك قد اتقى [غيره من]
الأنبياء (عليهم السلام)، لكن القوم ليس من شأنهم الإنصاف.

(1) سورة الشعراء: 21.
82

الفصل الحادي عشر
في (1) أغلاطهم في [حق] الصحابة
ومن عجيب أمرهم: غلوهم في تفخيم [أمر] الصحابة، وإفراطهم في
تعظيمهم، وقولهم: لا يدخل الجنة مستنقص لأحد منهم، وليس بمسلم من روى
قبيحا عنهم، ويقولون: إنا لا نعرف لأحد منهم بعد إسلامه عيبا، وليس منهم من
واقع ذنبا، ويجعلون من خالفهم في هذا زنديقا، ومن ناظرهم فيه أو طلب الحجة
منهم عليه مبتدعا شريرا.
هذا ولهم في الرسل المصطفين والأنبياء المفضلين، الذين احتج الله تعالى
بهم على العالمين صلوات الله عليهم أجمعين أقوال تقشعر منها الجلود، وترتعد
لها [الأبدان، وتنفطر] القلوب [لها]، ولا تثبت عند سماعها النفوس، يتدينون
بذكرها، ويتحملون بنشرها (2)، ويغتاظون على من أنكرها ودحضها، كغيظهم
على من أضاف إلى أحد الصحابة بعضها، فينسبون آدم وحواء إلى الشرك،
وإبراهيم الخليل إلى الإفك والشك، ويوسف إلى ارتكاب المحظور، والجلوس

(1) في " ح ": من.
(2) في " ش ": ويتجملون بنثيرها.
83

من زليخا مجلس [ذوي] الفجور، وموسى إلى أنه قتل نفسا ظلما، وداود [إلى]
أنه عشق امرأة أوريا [بن حنان] وحمله عشقها إلى (1) أن قتل زوجها وتزوجها،
ويونس [إلى] أنه غضب على الله تعالى، ويقولون في سيدنا محمد خاتم النبيين
وسيد المرسلين في تزويجه بامرأة زيد بن حارثة، وفي غير ذلك من الأقوال
القبيحة المفتعلة ما لا ينطلق لمؤمن بذكره لسان، ولا يثبت لمسلم عند سماعه
جنان، ولا يطلقه عاقل [عليه]، ولا يجيزه منه إلا [كل] كافر جاهل.
فإذا قيل لهم: إن جميع الأخبار الواردة في ذلك باطلة، وسائر الآيات التي
تظنون أنها تقتضيه متأولة، وقد شهدت العقول بعصمة الأنبياء (عليهم السلام)، ودل القرآن
على فضلهم وتميزهم عن الأنام، فوجب أن تتأول الأقوال بما يوافق مقتضى
الاستدلال، قالوا إذا سمعوا هذا الكلام: هذا ضلال وترفض، وهو فتح باب
التزندق، فياليت شعري كيف صار الهتف بالأنبياء بالباطل إسلاما وسترا، والطعن
على بعض الصحابة بالحق ضلالا وكفرا؟ وكيف صار (2) القادح في الأفاضل
المصطفين ثبتا صديقا، ومن قدح في أحد قوم غير معصومين رافضيا زنديقا؟ ألم
يسمعوا قول الله تعالى في أنبيائه صلوات الله عليهم: (ولقد اخترناهم على علم على
العالمين) (3)، وقوله تعالى: (وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) (4)، وقوله سبحانه وتعالى
لأصحاب نبيه (صلى الله عليه وآله) (5): (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله

(1) في " ش ": على.
(2) في " ش ": حصل.
(3) سورة الدخان: 32.
(4) سورة ص: 47.
(5) في " ش ": لأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله).
84

الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) (1)، وقول النبي (صلى الله عليه وآله): " إن من أصحابي (2)
[من] لا يراني بعد أن يفارقني " (3)، فأي نسبة بين الطبقتين، وأي تقارب بين
القبيلتين، لولا [ما] مع خصومنا من العصبية التي حرمتهم حسن التوفيق.
وقد قال بعض المعتزلة لأحد الشيعة: إن أمركم - معشر الشيعة - لعجيب،
ورأيكم طريف [غير مصيب]، لأنكم أقدمتم على وجوه الصحابة الأخيار،
وعيون الأتقياء الأبرار، الذين سبقوا إلى الإسلام، واختصوا بصحبة
الرسول (4) (صلى الله عليه وآله)، [وشاهدوا المعجزات،] وقطعت أعذارهم الآيات، وصدقوا
بالوحي، وانقادوا إلى الأمر والنهي، وجاهدوا المشركين، ونصروا رسول رب
العالمين، ووجب أن يحسن بهم الظنون، ويعتقد فيهم الاعتقاد الجميل، فزعمتم
أنهم خالفوا الرسول (صلى الله عليه وآله) وعاندوا أهله من بعده، واجتمعوا على غصب حق
الإمام (5)، وإقامة الفتنة في الأنام، واستأثروا بالخلافة (6)، [وسارعوا] إلى الترأس
على الكافة، وهذا مما تنكره العقول وتشهد أنه مستحيل، فالتعجب منكم طويل!
قال له الشيعي (7): أما المؤمنون من الصحابة (8) الأخيار، والعيون من الأتقياء

(1) سورة آل عمران: 144.
(2) في " ح ": الصحابة.
(3) مسند أحمد بن حنبل: 6 / 290 و 307 و 312 و 317. الشافي في الإمامة: 177 - الطبعة
الحجرية -. بحار الأنوار: 23 / 165.
(4) في " ش ": بصحبته.
(5) في " ش ": الإمام حقه.
(6) في " ح ": في الخلافة.
(7) في " ح ": قال الشيعة.
(8) في " ح ": أصحابه.
85

الأطهار، فمن هذه الأمور (1) مبرؤون، ونحن عن ذمهم متنزهون، وأما من سواهم
ممن ظهر زللهم وخطائهم، فإن الذم متوجه إليهم، وقبيح فعلهم طرق القول
عليهم، ولو تأملت حال هؤلاء الأصحاب لعلمت أنك نفيت عنهم خطأ قد فعلوا
أمثاله، ونزهتهم عن خلاف قد ارتكبوا أضعافه، وتحققت أنك وضعت تعجبك
في غير موضعه، وأوقعت استطرافك في ضد موقعه، فاحتشمت من خصمك،
ورددت التعجب إلى نفسك.
وهؤلاء القوم الذين فضلتهم وعظمتهم، وأحسنت ظنك بهم ونزهتهم، هم
الذين دحرجوا الدباب ليلة العقبة (2) بين رجلي ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3) طلبا
لقتله (4).
وهم الذين [كانوا] يضحكون خلفه إذا صلى بهم ويتركون الصلاة معه
وينصرفون إلى تجاراتهم ولهوهم حتى نزل القرآن يهتف بهم.
وهم الذين جادلوا في خروجه إلى بدر وكرهوا رأيه في الجهاد، واعتقدوا أنه
فيما دبره على غير الصواب، ونزل فيهم (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين
لكارهون * يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى

(1) في " ش ": هذا الأمر.
(2) وذلك حين رجوع النبي (صلى الله عليه وآله) من غزوة تبوك إلى المدينة. والعقبة: مرقى صعب من
الجبال، والطريق في أعلاها، والجمع عقاب وعقبات... (أقرب الموارد: 2 / 807).
وقال في لسان العرب: 1 / 621: العقبة: الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه وهو
طويل صعب شديد.
والدباب جمع الدبة: وهي التي يجعل فيها الزيت والبذر والدهن طرحوا فيها
الحصى.
(3) في " ش ": ناقة النبي (صلى الله عليه وآله).
(4) إرشاد القلوب: 331.
86

الموت وهم ينظرون) (1).
وهم الذين كانوا يلتمسون من النبي (صلى الله عليه وآله) بمكة القتال وينازلونه في الجهاد
منازلة، ويرون أن الصواب خلاف (2) ما تعبدوا به في تلك الحال من الكف
والإمساك، فلما حصلوا في المدينة (3)، وتكاثر معهم الناس، ونزل عليهم فرض
الجهاد، وأمروا بالقتال، كرهوا ذلك، وطلبوا التأخير من زمان إلى زمان، ونزل
فيهم: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم
يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم (4) كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب) (5)، فيما
اتصل بهذه الآية من الخبر عن أحوالهم، والإبانة عن زللهم.
وهم الذين أظهروا الأمانة والطاعة، وأضمروا الخيانة والمعصية، حتى نزل فيهم:
(يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) (6).
وهم الذين كفوا عن الإثخان في القتل يوم بدر، وطمعوا في الغنائم، حتى نزل
فيهم: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم
* لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) (7).

(1) سورة الأنفال: 5 و 6.
(2) في " ش ": ويروون أن الصواب في خلاف.
(3) في " ش ": بالمدينة.
(4) إلى هنا تنتهي نسخة " ش ".
(5) سورة النساء: 77.
(6) سورة الأنفال: 27.
(7) سورة الأنفال: 67 و 68.
87

وهم الذين شكوا يوم الخندق في وعيد الله ورسوله، وخبثت نياتهم، فظنوا أن
الأمر بخلاف ما أخبرهم به النبي (صلى الله عليه وآله) إذ نزل فيهم: (إذ جآءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم
وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا * وإذ يقول
المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) (1).
وهم الذين نكثوا عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونقضوا ما عقده عليهم في بيعته تحت
الشجرة، وأنفذهم إلى قتال خيبر فولوا الدبر، ونزل فيهم: (ولقد كانوا عاهدوا الله من
قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا) (2).
وهم الذين انهزموا يوم حنين، وأسلموا النبي (صلى الله عليه وآله) للأعداء، ولم يبق معه إلا
أمير المؤمنين (عليه السلام) وتسعة من بني هاشم، ونزل فيهم (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن
عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) (3)، وأمثال ذلك مما يطول بشروحه
الذكر (4).
وهم الذين قال الله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم
على أعقابكم) (5).
وهم الذين قال لهم النبي (صلى الله عليه وآله): " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا
بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموه "، قالوا: يا رسول الله، اليهود

(1) سورة الأحزاب: 10 - 12.
(2) سورة الأحزاب: 15.
(3) سورة التوبة: 25.
(4) كذا.
(5) سورة آل عمران: 144.
88

والنصارى؟ قال: " فمن إذا " (1)؟
وهم الذين قال (صلى الله عليه وآله) لهم: " ألا لأعرفنكم ترتدون بعدي كفارا يضرب بعضكم
رقاب بعض " (2).
وهم الذين قال لهم: " إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة، وأنه سيجاء برجال
من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي؟ فيقال: إنك لا تدري ما
أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم " (3).
وهم الذين قال لهم: " بينما أنا على الحوض إذ مر بكم زمرا فتفرق بكم الطرق
فأناديكم: ألا هلموا إلى الطريق، فينادي مناد من ورائي: إنهم بدلوا بعدك،
فأقول: ألا سحقا ألا سحقا " (4).
وهم الذين قال لهم عند وفاته: " جهزوا جيش أسامة "، ولعن من تخلف عنه،
فلم يفعلوا (5).
وهم الذين قال لهم: " ائتوني بدواة وكتف، أكتب لكم كتابا لن تضلوا
بعدي " (6)، فلم يفعلوا، وقال أحدهم: دعوه فإنه يهجر، ولم ينكر الباقون عليه،
هذا مع إظهارهم الإسلام، واختصاصهم بصحبة النبي (صلى الله عليه وآله)، ورؤيتهم الآيات،

(1) صحيح مسلم: 2 / 2054، ح 4822. جامع الأصول: 10 / 409، ح 7472. الطرائف: 2 / 72.
بحار الأنوار: 23 / 165، وج 28 / 30.
(2) الشافي: 177 - الطبعة الحجرية. بحار الأنوار: 23 / 166.
(3) صحيح مسلم: 4 / 2194، ح 58. الطرائف: 2 / 69. بحار الأنوار: 23 / 165، وج 28 / 25.
(4) الشافي: 177 - الطبعة الحجرية. بحار الأنوار: 23 / 165.
(5) تقدمت تخريجاته في الفصل الثاني.
(6) مسند أحمد بن حنبل: 4 / 299. صحيح البخاري: 1 / 39، وج 4 / 85 و 121، وج 6 / 11.
المعجم الكبير: 11 / 36 و 445. حلية الأولياء 5 / 25.
89

وقطع أعذارهم بالمعجزات.
فانظر الآن أينا أحق بأن يتعجب، وأولانا بأن يتعجب منه، من أضاف إلى
هؤلاء الأصحاب ما يليق بأفعالهم، ومن جعلهم فوق منازل الأنبياء وهذه
أحوالهم! فسكت المعتزلي متفكرا كأنه ألقمه الشيعي حجرا.
ومن عجيب أمرهم، وظاهر جهلهم: أنهم إذا آمنوا بالمعارض، وعدموا
المناقض، ركبوا بهيمة البهتان، فأرخوا فضلة العنان، وجروا في ميدان الهذيان،
فبثوا من فضل أئمتهم كل مختلف، وبثوا من قول رواتهم كل ملفق، وشغلوا
الزمان بذكر المحال، وشحنوا الأوقات بنصرة الضلال، وجعلوا معظم الدين مودة
العاصين، وقاعدة الإسلام حب الظالمين، فألسن مسارعة، وعيون دامعة،
ووجوه خاشعة، وقلوب طائعة، حتى إذا حضر بصير أظهر أغلاطهم، ونحرير
أوضح إفراطهم، وعارف أبان ضلال ساداتهم، وعالم نص على زلل أئمتهم،
قالوا: الكشف عن هذا الأمر لا يلزم، واستماعه محرم، والشغل بغيره أوجب،
ولم يتعبدنا الله بذكر من ذهب، والاطلاع في أخبارهم مشكل، فليس غير الصلاة
والنسك، وكل أحد يلقى عمله، وليس يلزم العبد إلا ما فعله، فهم المقدمون
والمحجمون، وهم المحللون والمحرمون، ولقد أخبرني الخبير بأحوالهم، إنهم
في المغرب يأمرون بقراءة مقتل عثمان وينهون عن قراءة مقتل الحسين (عليه السلام)، فهذا
ما في ضمائرهم شاهد وعنوان.
ومن عجيب أمرهم، وظاهر عصبيتهم، وحكمهم بالهوى القاهر لعقولهم:
قولهم: إنا لما رأينا الصحابة قد شرفهم الله تعالى بصحبة رسول الله، وميزهم
بالكون معه على الأنام، وجعل أعمالهم أفضل الأعمال، وطاعتهم أفضل طاعات
أهل الإيمان، علمنا أن كبير معاصيهم في جنب ذلك صغير، وعظيم زللهم
90

بالإضافة إلى طاعتهم حقير، وأن الذم لا يتوجه إلى جناتهم، والعقاب ساقط عن
عصاتهم، وهذا ضد الصواب، وهو الحكم الباطل عند أولي الألباب، إلا من كان
بمحل من عرف واستبصر، وحضر الآيات فشاهد وأبصر، وكان من بعده قدوة
فيما روى ونقل، وحصل للخلف سلفا فيما قال وفعل، وجب أن يكون أثر
معصيته أعظم الأثر، وضرر زلته أكثر من كل ضرر، وأن يكون ما يستوجبه من
الذم والعقاب أضعاف ما يستحقه من فعل مثل فعله من أصاغر الناس، لأن
معصيته تتعدى إلى غيره فيهلك من يتبعه ويقتدي به، كما أن طاعة من كان بهذا
المحل أعظم الطاعات، وأعماله أنفس الأعمال، ومدحه وثوابه فوق كل مدح
وثواب، إذ كان طاعاته يتعدى من يتبعه أيضا إلى سواه، فيعمل فيها من بعده
ويهتدي بهداه، فيكون على العاصي وزر معصيته ونظير وزر من هلك في العمل
بها، وللطائع أجر طاعته ونظير أجر من نجا باتباعه فيها.
هذا هو العدل في الحكم الذي شهد بصحته أهل العلم، والمعروف أن الناس
يستعظمون خطيئة العالم، ويحتقرون معصية الجاهل، ويقولون: إن زلة العالم
كانكسار السفينة تغرق وتغرق، فكيف انسد دون إدراكهم الحق هذا الباب، حتى
تاهوا عن الوصول إلى الصواب؟ أتراهم لم يسمعوا الله تعالى يقول في ذكر أزواج
نبيه (صلى الله عليه وآله): (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا *
ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما) (1)؟ بل إنهم قد
سمعوا ذلك بحواس صدية، وعلموه بقلوب قد قهرتها العصبية، وإنما صار جزاء
من عمل من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله)

(1) سورة الأحزاب: 30 - 31.
91

طاعة أو معصية مضاعفا لصحبتهن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقربهن منه، ومشاهدتهن
آياته، ولأنهن قد حصلن قدوة لسواهن، وسلفا لمن بعدهن، ولسن فيما يفعلن
كغيرهن.
ومن عجيب أمر المعتزلة: أنهم يظهرون التمسك بالدليل، ويتحملون
بالاعتماد على ما توجبه العقول، ويعترفون بأن الواجب على كل عاقل أن لا يعدل
عن المعلوم إلى المجهول، ولا يترك اليقين ويأخذ بالظنون، ولا يهجر المشتهر
المجمع عليه انصرافا إلى الشاذ من القول، وأن من فعل ذلك فهو على خطأ كبير
وزلل عظيم.
ثم إنهم مع هذا يخالفون أقوالهم، ويناقضون أنفسهم، فيقولون في عائشة
وطلحة وزبير الذين قد انقطع العذر بفسقهم عن الدين، وصح لكل عاقل ضلالهم
بالبرهان المبين، وتحصيل عداوتهم فريضة على جميع المؤمنين، أنهم تابوا مما
اقترفوه، وأقلعوا عما اجترحوه، ولم يخرجوا من الدنيا إلا وهم من الخلصاء
المؤمنين، والأتقياء الطاهرين، وأن الزبير الذي لم يشك في حربه، وطلحة الذي
هلك في قتاله وحربه، لم يقتلا إلا وهما صفيان لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ووليان له
ومخلصان، وأنهما معه في القيامة عند الله في جملة من قال الله: (ونزعنا ما في صدورهم
من غل إخوانا على سرر متقابلين) (1).
ويعتمدون في ذلك على أخبار آحاد، وحكايات شواذ، لم يجتمع عليها مع
إمكان تأويلها، وأحسن أحوالها أن توجب الظن لسامعها من غير علم ويقين
يحصل بها، وينتقلون بها من اليقين إلى الظنون، وينصرفون من المعلوم إلى

(1) سورة الحجر: 47.
92

المجهول، يوالون بالظن من عادوه باليقين والعلم، حتى كأنهم لم يطلعوا قط على
دليل عقلي، ولا علموا أنه لا يدفع اليقين بالظن، ولا سمعوا قول الله عز وجل:
(ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر كل أولئك كان عنه مسؤولا) (1)،
وقوله: (إلا من شهد بالحق
وهم يعلمون) (2)، وقول النبي (صلى الله عليه وآله): " ردوا الجهالات إلى السنة، وعليكم بالمجمع
عليه فإنه لا ريب فيه " (3) أترى أنهم يستجيزون عكس ذلك من الانصراف عن
موالاة من ثبت إيمانه بواضح الدليل، وعلم إخلاصه بالحق اليقين، إلى معاداته
بضرب من الظنون، والتقرب إلى الله بلعنه والبراءة منه بخبر غير موجب لليقين،
أم لهم فرق بين الموضعين؟
ومن عجيب أمرهم: إشفاقهم من ذم عائشة والبراءة منها، على ما ارتكبته من
معصية ربها، ومخالفة نبيها، وخروجها من بيتها، وسعيها في فتنة هلك فيها كثير
من الخلق وسفكت دماؤهم فيها، ونصبها لنفسها فتية تقاتل أمامها طالبة باطلا في
فعلها، ولو كان حقا لم يكن إليها ولا لها، واعتذارهم في التوقف عن ذمها
ومعاداتها بأنها زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) مع سماعهم قول الله تعالى: (ضرب الله مثلا للذين كفروا
امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع
الداخلين) (4)، وقوله تعالى:
(يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) (5)،

(1) سورة الإسراء: 36.
(2) سورة الزخرف: 86.
(3) أورده في مناقب ابن شهرآشوب: 2 / 361 منسوبا إلى عمر، عنه بحار الأنوار: 40 / 227،
و 104 / 3، ح 8.
(4) سورة التحريم: 10.
(5) سورة الأحزاب: 30.
93

ومع علمهم بأن عصمة البنوة آكد من الزوجية، وقد أخبر الله تعالى عن ابن نبيه
نوح: (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) (1).
هذا مع قول الرسول على رؤوس الأشهاد في آخر أيامه من الدنيا حيث وعظ
أمته وذكرهم ووصاهم، ثم أقبل على أهل بيته خاصة، فقال: " يا فاطمة ابنة
محمد، اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا.
يا عباس يا عم رسول الله، اعمل فإني لا أغني عنك من الله شيئا.
ثم أقبل على سواهم من الناس فقال: أيها الناس لا يدعي مدع، ولا يتمنى
متمن، والذي بعثني بالحق لا ينجيني إلا عمل مع رحمة ولو عصيت لهويت.
اللهم هل بلغت " فقرأ ثلاثا (2).
ولو تأمل القوم ذلك وخافوا الله عز وجل لوجهوا الذم إلى أهله، والمدح
والثناء إلى مستحقه، فوالوا أولياء الله، وعادوا أعداء الله، واتبعوا كتابه حيث يقول
سبحانه: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو
إخوانهم أو عشيرتهم) (3).
ومن عجيب أمرهم: قولهم: يجب أن يحفظ رسول الله في زوجته، ولا يوجبون
أن يحفظ في فاطمة ابنته، ويعلنون بلعن من ظلم عائشة، ولا يستطيعون سماع
لعن من ظلم فاطمة، وهذا عند العقلاء قصور غير خافية، ودلائل على ما في
النفوس كافية.
ومن عجيب أمرهم: دعواهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " أصحابي كالنجوم، بأيهم

(1) سورة هود: 46.
(2) الطبقات الكبرى: 2 / 256. صحيح البخاري: 4 / 8، وج 6 / 140. إتحاف السادة المتقين: 7 / 77.
(3) سورة المجادلة: 22.
94

اقتديتم اهتديتم " (1) واحتجاجهم بذلك في تفضيلهم، واعتمادهم عليه في
تصويب جميعهم، مع علمهم بما جرى بينهم من الخلف العظيم والتباين المبين،
في أمور الدنيا والدين، وأن الحال انتهت بهم إلى أن ضرب بعضهم وجوه بعض
بالسيف، وطلب بعضهم دم بعض على وجه التحليل، فكيف يصح أن يكون
بأيهم اقتدوا اهتدوا مع كونهم على هذا السبيل؟! وهل المستفاد من هذا الخبر إلا
أن الهداية فيما بين الجميع.
ومن عجيب أمرهم: قولهم: يجب الإمساك عن ذكر مساوئ الصحابة، وهم
يعلمون مع ذلك أن بعضهم لم يمسك عن بعض، وقد تجاوز الخلف منهم حد
الذم والطعن إلى البراءة واللعن، وتجريد السيف والقتل.
ومن عجيب أمر المعتزلة وظاهر مناقضتهم: أنهم يجعلون تصرف بعض وجوه
الشيعة في الصدر الأول من قبل عمر بن الخطاب في الظاهر دليلا على موالاتهم
القوم في الباطن، كولاية سلمان المدائن، وعمار الكوفة، ويقولون: لو لم
يتولوهم ويعتقدوا صوابهم ما تصرفوا تحت واحد منهم، ولا تولوا عملا من قبل
من هو ظالم عندهم، ولا يلتفتون مع هذا إلى اعتقادهم أن الخيرة من أصحاب
رسول الله (صلى الله عليه وآله) تصرفوا من قبل معاوية بن أبي سفيان، وأظهروا اتباعه وسموه
بإمرة المؤمنين وعظموه وأجلوه، ومعاوية عند جميع المعتزلة ظالم فاسق يستحق
الخلود في نار جهنم، ويعلمون أنه عقد لابنه يزيد الأمارة على وجوه الصحابة في
حياته، وأنفذهم إلى قتال الروم تحت رايته، حتى بلغوا قسطنطينة ممتثلين أمره،
منقادين إلى طاعته، متصرفين تحت حكمه وتدبيره، منهم: عبد الله بن العباس،

(1) ميزان الاعتدال: 1 / 607. تلخيص الحبير: 4 / 190، ح 2098. كشف الخفاء: 1 / 147، ح 381.
إتحاف السادة المتقين: 2 / 223.
95

وعبد الله بن عمر بن الخطاب الذين يتفقون على تفضيله، وعبد الله بن الزبير بن
العوام الذين يعتقدون الجميل فيه، وأبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
ولا يرون أن تصرفهم هذا من قبل معاوية ويزيد لا يدل على موالاتهم لهما
واعتقادهم صوابهما، وكذلك جماعة ممن يفضلهم المعتزلة قد تصرفوا من قبل
معاوية مثل أبي هريرة في ولايته على المدينة، وغالب بن فضالة الذي تولى أمارة
خراسان، والمغيرة بن شعبة الذي كان أميرا على الكوفة، وسمرة الذي كان أميرا
من قبل زياد على البصرة، وكل ما علم من تصرف شيوخ المعتزلة من قبل الولاة
الظلمة في قضاء وعمالة، بل يقيمون لهم المعاذير، ويخرجون لهم الوجوه التي
لا تجبره مثلها في تولي سلمان وعمار من قبل عمر بن الخطاب، وهذا تحكم
ومناقضة لا تخفى على ذوي الألباب.
96

الفصل الثاني عشر
في أغلاطهم في الأسماء والصفات
ومن عجيب أمرهم، وظاهر عصبيتهم وعنادهم: تسميتهم أبا بكر عتيق ابن أبي
قحافة الصديق، ولم يرووا عن النبي (صلى الله عليه وآله) خبرا يقطع العذر بأنه نحله هذا الاسم،
وميزه بهذا النعت، ولا يثبت ما يدعونه من أنه أول من أسلم، وشعر حسان الذي
نظمه ومدح به أبا بكر بما ادعاه من تقدم إسلامه لا يلتفت إلى مثله، لما علم من
معاداة حسان لأمير المؤمنين (عليه السلام) ومعاندته له.
وقد روي أن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال لأبيه سعد: كان أبو بكر أولكم
إسلاما، فقال: لا قد أسلم قبله خمسون رجلا (1). ولا يقولون إن أمير المؤمنين
الصديق وقد ثبت أنه أول من أجاب النبي وصدق به، وأنه يوم الدار كان الذي قام
بين يدي الجماعة فبايعه على الإقرار بما جاء، وشهد له النبي بذلك في أقوال
كثيرة مأثورة:
منها: " علي أول من آمن بي وصدقني "، و " أول من يصافحني يوم القيامة "،

(1) تاريخ الطبري: 2 / 316. مناقب ابن شهرآشوب: 2 / 4. بحار الأنوار: 38 / 228.
97

و " هو الصديق الأكبر " (1)، وقوله لفاطمة (عليها السلام): " زوجك أقدم أمتي إسلاما " (2).
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) بين الملأ: " اللهم إني لا أعرف أحدا من هذه الأمة
عبدك قبلي غير نبيها " (3)، وكان يقول على المنبر مفتخرا: " أنا الصديق الأكبر،
لا يقولها بعدي إلا مفتر " (4)، وقال (عليه السلام): " أسلمت قبل أن يسلم أبو بكر، وصدقت
قبل أن يصدق " (5)، وقوله أيضا مفتخرا:
سبقتكم إلى الإسلام طرا * غلاما ما بلغت أوان حلمي (6)
والمروي المشتهر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث يوم الاثنين وأجابه أمير المؤمنين يوم
الثلاثاء (7).
وجاء عن ابن عباس في قول الله عز وجل: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم
الصديقون) (8) إنما أنزلت في علي (9).

(1) أمالي الطوسي: 250، ح 444. اليقين: 194 و 200، باب 215. كشف الغمة: 1 / 86. بحار
الأنوار: 38 / 210، ح 9.
(2) مسند أحمد بن حنبل: 5 / 662، ح 19796. كشف الغمة: 1 / 116 و 150. بحار الأنوار:
40 / 178.
(3) فضائل الصحابة: 2 / 681، ح 1164. مسند أحمد بن حنبل: 1 / 160، ح 778. مسند أبي
يعلى: 1 / 348، ح 447. الفصول المختارة: 261. بحار الأنوار: 38 / 203 و 241.
(4) سنن ابن ماجة: 1 / 44، ح 120. تاريخ الطبري: 2 / 310. بحار الأنوار 38 / 204.
(5) إرشاد المفيد: 1 / 31. الفصول المختارة: 261. بحار الأنوار: 38 / 226، ح 32 وص 268.
(6) الفصول المختارة: 280. روضة الواعظين: 87. بحار الأنوار: 38 / 238 و 269 و 286.
(7) الجامع الصحيح للترمذي: 5 / 598، ح 3728. تاريخ الطبري: 2 / 310. مسند أبي يعلى:
1 / 348، ح 446. بحار الأنوار: 38 / 203.
(8) سورة الحديد: 19.
(9) اليقين: 152. بحار الأنوار: 38 / 213، ح 16.
98

وجاء عن ابن مجاهد، عن أبيه في قوله تعالى: (والذي جاء بالصدق وصدق به) (1)
قال: جاء بالصدق النبي، وصدق به علي بن أبي طالب (2).
وروي أيضا عن ابن عباس.
وروي أيضا عن أبي ليلى قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الصديقون ثلاثة: حبيب
بن مري النجار - وهو مؤمن آل يس -، وحزقيل - مؤمن آل فرعون -، وعلي بن
أبي طالب - وهو أفضلهم - " (3)، فكيف لا يكون علي بن أبي طالب هو الصديق
ويكون مختصا بأبي بكر لولا العصبية الغالبة للعقل؟
بل من العجب: أن تجتمع الأمة بأسرها على أن النبي قال: " ما أقلت الغبراء،
ولا أظلت الخضراء، على ذي لهجة أصدق من أبي ذر " (4)، ولا يسمى أبو ذر مع
ذلك صديقا ويسمون أبا بكر صديقا، ولم يرو فيه قط مثل هذا!
ومن عجيب غلطهم، وقبيح خطأهم: تسميتهم أبا بكر خليفة رسول الله مع
اعترافهم بأن رسول الله لم يستخلفه، وأن المستخلف له نحو العشرة في السقيفة
فصفق على يده منهم اثنان وتبعهم الباقون، وهو القائل على المنبر: " أقيلوني
بيعتكم " (5) فيعلن بأن الاستخلاف كان منهم لسؤاله إقالته بيعتهم، وهم في ذلك
يقولون له: يا خليفة رسول الله، ولا يسمون عليا خليفة رسول الله وقد استخلفه

(1) سورة الزمر: 33.
(2) مجمع البيان: 8 / 777. شواهد التنزيل: 2 / 121، ح 811. ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ
مدينة دمشق: 2 / 418، ح 924. كفاية الطالب: 233. تفسير البرهان: 4 / 711، ح 11.
(3) فردوس الأخبار: 2 / 421، ح 3866. بحار الأنوار: 40 / 76.
(4) مسند أحمد بن حنبل: 2 / 347، ح 6483. الجامع الصحيح للترمذي: 5 / 669، ح 3801
و 3802.
(5) الإمامة والسياسة: 20. بحار الأنوار: 28 / 358.
99

في مقامات عديدة، ونص عليه بالخلافة نصوصا كثيرة، وليس ينكرونه أنه
استخلفه على المدينة في غزاة تبوك، وقال له: " إن المدينة لا تصلح إلا بي أو
بك "، وقال له: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي
بعدي " (1)، وهذا منه استخلاف ظاهر مجمع عليه، ويكون أبو بكر خليفة على
أمور لم يردها إليه، وإن جاز هذا ليجوزون أن يقولوا: أمير رسول الله لمن لم
يؤمره، وقاضي رسول الله لمن لم يستقضه، ووصي رسول الله لمن لم يوص
إليه، وقد تعجب أمير المؤمنين (عليه السلام) من استقالة أبي بكر ونصه على عمر حيث
قال: " فواعجبا بينما هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته " (2)،
والعاقل يعلم أن هذين الفعلين في غاية التناقض، لأن الاستقالة تدل على التبري
والكراهة والنص والرغبة.
ومن العجب: أن يؤمر النبي (صلى الله عليه وآله) عند موته أسامة بن زيد على جماعة من
أصحابه فيهم أبو بكر وعمر ثم يموت ولم يعزله فلا يسمى أمير رسول الله،
وتجتمع طائفة فتقدم أبا بكر على سائر الناس ويسمونه خليفة رسول الله.
وقد روي أن أسامة يوما غضب على أبي بكر وقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني
عليك فمن استخلفك علي؟ فمشى إليه هو وعمر حتى استرضياه فكانا يسميانه
مدة حياته أميرا.

(1) صحيح البخاري: 5 / 89، ح 202. صحيح مسلم: 4 / 1870 و 1871، ح 30 - 32. الجامع
الصحيح للترمذي: 5 / 640 و 641، ح 3730 و 3731. سنن ابن ماجة: 1 / 42، ح 115
وص 45، ح 121. مسند أحمد بن حنبل: 1 / 170 و 177 و 179 و 182 و 184 و 185،
وج 3 / 32. كنز الفوائد: 2 / 181. العمدة لابن البطريق: 135، ح 196. بحار الأنوار: 37 / 256،
ح 9 وص 266، ح 39.
(2) نهج البلاغة: 48، خطبة رقم 3، وفيه: فيا عجبا.
100

ومن عجيب أمرهم: تسميتهم عمر بن الخطاب بالفاروق، وليس في نحلته هذا
الاسم لأحد منهم حجة، ولا لناصره شبهة، ولا ورد في رواية، ولا أوجبه لعمر
دلالة، ولا هو مشتق من بعض أفعاله فيستحقه على وجه الاستحقاق، ولم يسموا
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الفاروق وقد قال فيه النبي ويده في يده:
" هذا فاروق أمتي يفرق بين الحق والباطل " (1).
وجاء عنه (صلى الله عليه وآله) أخبار عدة أنه الفاروق الأعظم وجعل محبته فرقا يعرف به
المؤمن من المنافق.
وروي عن ابن عمر أنه قال: " ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله إلا
ببغضهم عليا (عليه السلام) " (2). وفي رواية أخرى: " أن محبته علم لطيب المولد، وبغضه
علم على خبث المولد "، ولا يسمون علي بن أبي طالب هذا فاروقا ويكون عمر
بن الخطاب عندهم فاروقا!
ومن عجيب أمرهم مثل هذا: قولهم: إن عثمان بن عفان ذو النورين،
واعتقادهم من نحلته هذا بأنه تزوج بابنتين كانتا فيما زعموا لرسول الله من
خديجة بنت خويلد، وقد اختلفت الأقوال فيهما، فمن قائل: أنهما ربيبتاه،
وأنهما ابنتا خديجة من سواه، ومن قائل: إنهما ابنتا أخت خديجة من أمها، وإن
خديجة ربتهما لما ماتت أختها في حياتها، وقد قال: إن اسم أبيهما هالة، ومن
قائل: إنهما ابنتا النبي يعلم أنهما ليستا كفاطمة البتول (عليها السلام) في منزلتها، ولا يدانيانها
في مرتبتها، فيسمون عثمان لأجل تزويجه بهما مع ما روي من أنه قتل إحداهما
ذا النورين ولا يقولون: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذو النورين،

(1) بشارة المصطفى: 241، ح 24. اليقين: 194. بحار الأنوار: 38 / 214 و 217 و 230.
(2) شرح نهج البلاغة: 4 / 296. بحار الأنوار: 39 / 395.
101

وهو أبو السبطين السيدين الإمامين الشهيدين الحسن والحسين سيدي شباب
أهل الجنة، وشنفي العرش، وريحانتي نبي الرحمة، وولدي ابنته فاطمة البتول
سيدة نساء العالمين، والأئمة الهادين صلوات الله عليهم أجمعين.
وقد بلغنا أن مجاهدا قال: قيل لابن عباس: ما تقول لعلي بن أبي طالب؟
فقال: " ذاك والله أحد سبق بالشهادتين، وصلى القبلتين، وبايع البيعتين، وأعطى
البسطتين، وهو أبو الإمامين الحسن والحسين، وردت عليه الشمس مرتين،
وجرد السيف كرتين، فمثله في الأمة كمثل ذي القرنين " (1)، يعني بقوله: " أعطي
البسطتين " أن الله تعالى زاده بسطة في العلم والجسم، كما فعل بطالوت من
قبل (2)، وقوله: " وردت عليه الشمس مرتين " يعني في حياة رسول الله وبعده،
كذلك قوله: " جرد السيف مرتين "، إنما يريد في حياته لقتال المشركين وبعده
لقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
وينضاف إلى ما ذكره ابن عباس أنه في علمه وعمله ذو الشرفين، وفي سبقه
وجهاده ذو الفضيلتين، وقد حاز الحسبين لأنه أول من ولد من هاشميين، فهو
صلوات الله عليه أحق من عثمان أن يكون ذا النورين.
ومن عجيب أمرهم: تفضيلهم عائشة بنت أبي بكر على جميع أزواج النبي،
وبهجتهم بتسميتها أم المؤمنين، بدعواهم أنها حبيبة رسول الله، وكثرة ترحمهم

(1) روى المفيد في الأمالي: 235، ح 6 عن سعيد بن المسيب، قال: سمعت رجلا يسأل ابن
عباس عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال له ابن عباس: إن علي بن أبي طالب صلى
القبلتين، وبايع البيعتين، ولم يعبد صنما ولا وثنا، ولم يضرب على رأسه بزلم ولا قدح،
ولد على الفطرة، ولم يشرك بالله طرفة عين...، عنه بحار الأنوار: 32 / 350، ح 333.
(2) إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة: 247.
102

عليها، وإظهارهم الخشوع والبكاء عند ذكرها، ثم لا يذكرون خديجة بنت خويلد
وفضلها متفق عليه، وعلو قدرها لا شك فيه، وهي أول من آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وأنفقت عليه مالها، وكان يكثر ذكرها، ويحسن الثناء عليها، ويقول: " ما نفعني
مال كمالها " (1)، ورزقه الله الولد منها، ولم يتزوج في حياتها إكراما منه لها،
ولكثرة ما كان يذكرها قالت له عائشة يوما: تكثر من ذكر خديجة وقد أبدلك الله
من هو خير منها؟ فقال (صلى الله عليه وآله): " كلا والله ما بدلت بها من هو خير منها، صدقتني إذ
كذبني الناس، وآوتني إذ طردني الناس، وأسعدتني بمالها، ورزقني الله الولد
منها، ولم ارزق من غيرها " (2)، وعائشة مذيعة سر رسول الله التي شهد القرآن
بأنها وصاحبتها قد صغت قلوبهما (3)، وأنهما تظاهرتا عليه وتحاملتا، وقال لها
النبي (صلى الله عليه وآله): " تقاتلين عليا وأنت ظالمة " (4)، مع قول الله تعالى: (ألا لعنة الله على
الظالمين) (5)، وكيف استحقت هذه أن يعلن القول بأنها أم المؤمنين، وينادي
بتفضيلها على رؤوس العالمين؟ فإنا لا نعرف فعلا استحقت به هذا التميز، اللهم
إلا أن يكون استحقت ذلك بحربها لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ومجاهرتها بعداوته،
والقدح فيه، وكونها السبب في هلاك تسعة عشر ألفا من المسلمين، وإدخال

(1) أمالي الطوسي: 468.
(2) الإستيعاب: 4 / 1824. كشف الغمة: 508 و 512.
(3) في قوله تعالى في سورة التحريم: 4: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما). والمعنى: أي وجد
منهما ما يوجب التوبة وهو ميل قلوبهما عن الواجب فيما يخالف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من
حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه، أو أن تتوبا إلى الله مما هممتما من الشتم فقد زاغت
قلوبكما.
(4) منهاج الكرامة: 34.
(5) سورة هود: 18.
103

الشبهة في الدين على الأصاغر المستضعفين، فلعمري إن لها ميزة عظيمة،
استحقت عند القوم هذه الرتبة الجسيمة، فالويل لهم من الله.
ومن عجيب أمر الحشوية، ووقاحتهم في العناد والعصبية: أنهم يقولون: إن
معاوية بن أبي سفيان خال المؤمنين، ويقولون: إنه استحق ذلك بسبب أن أخته أم
حبيبة بنت أبي سفيان إحدى أزواج النبي الذين هم بنص القرآن للمؤمنين أمهات،
ولا يسمون محمد بن أبي بكر خال المؤمنين، بل لا يذكرونه بذكر جميل، وأخته
عائشة أعظم أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) عندهم قدرا، وأجل الأمهات في مذهبهم فضلا
وذكرا، وليس تدانيها عندهم أم حبيبة، ولا تقاربها، ولا أبوها كأبيها، فلم
لا يسمون محمد بن أبي بكر خال المؤمنين ويكون أحق بذلك من معاوية بن أبي
سفيان الفاسق اللعين الطليق ابن الطليق؟ لعنه رسول الله، وقال: " إذا رأيتم معاوية
على منبري فاقتلوه " (1)، وكان من المؤلفة قلوبهم، ولم يحفظ قط حسنة يبسط
معها في تفضيلهم له عذرا، ولا ورد في الأثر عن النبي تسميته بخال المؤمنين
فيصح قولهم (2).
وبأي وجه استحق معاوية هذا الإكرام دون محمد بن أبي بكر؟ وكيف يجب
أن تحفظ أم حبيبة في أخيها معاوية ولم يجب أن تحفظ عائشة في أخيها محمد؟
كلا ليس يخفى على العاقل أن بغضهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) حملهم على تفضيل
محاربيه، وتبجيل أعاديه ومعانديه، وإهمال ذكر أوليائه، والمنسوبين إليه من

(1) وقعة صفين: 216 و 221. تاريخ بغداد: 12 / 181. شرح نهج البلاغة: 15 / 119. ميزان
الاعتدال: 2 / 613. اللئالئ المصنوعة: 1 / 424 - 425.
(2) انظر: الاحتجاج: 1 / 429. روضة الواعظين: 87. الطرائف: 2 / 221. بحار الأنوار: 33 / 132،
وج 38 / 238.
104

أصفيائه، وقد علم أن معاوية كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) عدوا وحربا، وأن محمد بن
أبي بكر كان له وليا وحزبا، بذلك صار معاوية خالا للمؤمنين، دون محمد بن أبي
بكر ربيب أمير المؤمنين، مع ما أنه على الحقيقة واليقين لا يصح أن يكون أحد من
إخوة أزواج النبي خالا للمؤمنين، وذلك أن الله تعالى إنما جعل أزواج نبيه أمهات
لهم ليحرم عليهم بعده العقد عليهن، فلو كان معاوية عليه الهاوية أو غيره خالا
للناس لأجل أن أخته في حكم الأمهات لحرم عليه وطء مؤمنة، لأن الخال لا يحل
أن يطأ بنت أخته. أترى لو اجتمع إخوة أزواج النبي (صلى الله عليه وآله)، كعبد الرحمن ومحمد بن
أبي بكر أخوي عائشة، وعبد الله وعبيد الله وعاصم ومعاوية بنو عمر بن الخطاب
إخوة حفصة، ويزيد ومهاجر ابنا بني أمية أخوي أم سلمة، ومعاوية بن أبي سفيان
أخو أم حبيبة، كيف كان يترتبون في منزلة الخؤلة؟ وهل كان بعضهم خالا
لبعض، أم هذا النعت مختص بمعاوية فقط؟!
وأيضا قولهم: إن معاوية كاتب الوحي (1)، وقد كان بين يدي النبي أربعة عشر
نفسا يكتبون الوحي وأقومهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، فبماذا يستحق معاوية هذا
النعت دونه ودون غيره من الكتاب؟
وقد علم أن معاوية عليه الهاوية لم يزل مشركا مدة كون النبي (صلى الله عليه وآله) مبعوثا،
يكذب بالوحي، ويهزأ بالشرع، وكان باليمن يوم الفتح يطعن على رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ويكتب إلى أبيه صخر بن حرب يعيره بإسلامه ويقول له: صبوت إلى دين
محمد، ومما كتب به إلى أبيه من قبل أن يسلم قوله:
يا صخر لا تسلمن طوعا فتفضحنا * بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا

(1) الطرائف: 2 / 220. سير أعلام النبلاء: 3 / 129 - 130.
105

خالي وعمي وعم الأم ثالثهم * وحنظل الخير قد أهدى لنا الأرقا (1)
لا تركنن إلى أمر يكلفنا * والراقصات به في مكة الخرقا
فالموت أهون من قول العداة لقد * حاد ابن حرب عن العزى إذا فرقا (2)
فإن أبيت أبينا ما تريد ولا * تدعن اللات والعزى إذا اعتنقا (3)
والفتح كان في شهر رمضان لثمان سنين من قدوم النبي (صلى الله عليه وآله) المدينة، ومعاوية
يومئذ مقيم على شركه هارب من النبي (صلى الله عليه وآله)، لأنه كان قد هدر دمه فهرب إلى
مكة، فلما لم يجد له مأوى صار إلى النبي (صلى الله عليه وآله) مصير الاضطرار، فأظهر الإسلام
قبل وفاة النبي بخمسة أشهر أو ستة أشهر، وطرح نفسه على العباس بن
عبد المطلب فسأل فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعفا عنه، ثم شفع له أن يشرفه ويضيفه إلى
جملة الكتاب، فأجابه وجعله واحدا من أربعة عشر كاتبا، فكم ترى يخصه من
الكتبة في مدة ستة أشهر حتى يستحق هذا النعت بكاتب الوحي، ولولا ما
حملتهم عليه العصبية التي أصدت السمع، وأعمت البصر، وليس يلتبس على
أهل العقل أن مجرد الكتابة لا يحصل بها الفضل ما لم يقارنها صحيح الإيمان
وعقد، لأنه قد كتب لرسول الله عبد الله بن أبي سرح (4) ثم ارتد مشركا، وفيه نزل:

(1) كذا في المصادر، وفي " ح ":
جدي وخالي وعم الأم ثالثهم * قوما وحنظلة المهدي لنا الأرقا
(2) كذا في المصادر، وفي " ح ":
فالموت أهون من قبل الصبات لنا * خيل ابن هند عن العزى إذا فرقا
(3) شرح نهج البلاغة: 6 / 370. الغدير: 10 / 239. جمهرة خطب العرب: 2 / 23 - 24. ولم يرد
البيت الأخير في جميعها.
وأورد السبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 201 البيتين الأول والثالث.
(4) هو: عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث القرشي العامري، ارتد فأهدر النبي (صلى الله عليه وآله) دمه.
(سير أعلام النبلاء: 3 / 33، رقم 8).
106

(ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) (1).
وروي أن آخر كتبة الوحي ابن أبي سرح، وارتد من الإسلام ومات على الكفر،
ودفن فلم تقبله الأرض (2)، فكيف حصل لمعاوية هذا النعت وتميز به عن
الخلق؟ والمأثور أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعنه على منبره، وأخبر أنه يموت على غير
ملة.
فمما روي في ذلك: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قام يخطب أخذ معاوية بيد أبيه، فقال
النبي (صلى الله عليه وآله): " لعن الله القائد والمقود " (3)، أي يوم يكون لهذه الأمة من معاوية ذي
الأستاه؟
وروي عن عبد الله بن عمر أنه قال: أتيت النبي (صلى الله عليه وآله) فسمعته يقول: " يطلع
عليكم رجل يموت على غير سنتي " (4)، فطلع معاوية.
وفي خبر آخر: " يطلع عليكم رجل من أهل النار " فطلع معاوية.
وعن جابر، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " يموت معاوية على غير ملتي " (5).
ومن طريق آخر: " يموت كافرا ".
واشتهر عنه لم يمت إلا وفي عنقه صليب ذهب وضعه له في مرضه أهون
المتطبب وأشار إليه بتعليقه فأخذه من كنيسة يوحنا وعلقه في عنقه.

(1) سورة النحل: 106.
(2) صحيح مسلم: 4 / 2145، ح 14. الطرائف: 2 / 220.
(3) تذكرة الخواص: 201. شرح نهج البلاغة: 15 / 118. مجمع الزوائد: 7 / 247. الغدير:
10 / 198 - 199 و 240. جمهرة خطب العرب: 2 / 23.
(4) وقعة صفين: 220. أنساب الأشراف: 5 / 134. تاريخ الطبري: 10 / 58 - حوادث سنة
284 ه‍ -، شرح نهج البلاغة: 5 / 119. الغدير: 10 / 201 و 202.
(5) وقعة صفين: 217. بحار الأنوار: 33 / 187.
107

وروي أيضا أنه تشافى بلحم الخنزير فأكله قبل موته، وغير ذلك مما
لا يحصى، وإنما يتأسى القوم هذه الأخبار وأمثالها ولم يلتفتوا إلى شئ منها لما
جاهر به معاوية من معاجلة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتناهيه في
جهاده وحربه أنه قتل خيار أصحابه وشيعته، ولعنه على المنابر، وجعل بغضه
يتوارث نصا، ولذلك قيل: كاتب الوحي، وخال المؤمنين، والخليفة الحليم،
والسميح الكريم، ونسي جميع ما روي فيه بالويل الطويل، ويلهم من رب
العالمين.
ومن عجيب أمرهم: أنهم يسمون خالد بن الوليد سيف الله عنادا لأمير
المؤمنين (عليه السلام)، أهلك الله بسيفه الكفار والمشركين، والعتاة المتجبرين، وثبت به
قواعد الدين، وشد به أزر خاتم النبيين، فقال فيه الرسول (صلى الله عليه وآله): " علي سيف الله،
وسهم الله " (1).
وقال هو (عليه السلام) على المنبر: " أنا سيف الله على أعدائه، ورحمته لأوليائه " (2).
واحتجوا في تسميتهم خالد بن الوليد بخبر رووه عن قتادة أنه لما فعل
خالد بن الوليد بأهل اليمامة ما فعل، وبذل فيهم السيف والقتل، وقتل مالك بن
نويرة - وهو مؤمن - ظلما، ووطئ امرأته من ليلته، أشار عمر إلى أبي بكر بإقامة
الحد، فقال أبو بكر: يا عمر، خالد سيف من سيوف الله (3)، فسموا خالدا لذلك
سيف الله اتباعا لقول أبي بكر، ونسوا أن خالدا لم يزل على الإسلام وأهله،
وللنبي (صلى الله عليه وآله) عدوا وحربا، وبالدين والإيمان مكذبا، وبالشرك والإفك متعصبا،

(1) أمالي الصدوق: 61، ح 6. بحار الأنوار: 38 / 90، ح 3.
(2) مناقب ابن شهرآشوب: 3 / 113. بحار الأنوار: 35 / 61.
(3) شرح نهج البلاغة: 17 / 141.
108

وهو كان السبب في قتل المسلمين في يوم أحد، وما ابتلي به الرسول (صلى الله عليه وآله) من
الأذى، حتى كسرت رباعيته، وأدمي فمه، وشجت جبهته، وقتل حمزة، وسرى
القتل في أنصاره، وأثخن المشركون في أوليائه وأعوانه، وأتى على دماء حماته
الذين وكلهم النبي (صلى الله عليه وآله) بثغرة الجبل، ثم لما تظاهر بالإسلام بعثه النبي إلى بني
جذيمة ليأخذ منهم صدقاتهم، فخانه في عهده، وخالفه على أمره، وقتل
المسلمين، واستعمل في ذلك لترة (1) كانت بينه وبينهم في الجاهلية، حتى قام
النبي (صلى الله عليه وآله) خطيبا بالإنكار عليه، رافعا إلى السماء يديه، حتى رؤي بياض إبطيه
وهو يقول: " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد " (2)، ثم أنفذ إليهم أمير
المؤمنين (عليه السلام) ليتلافى فارطه (3) وأمره أن يدني القوم ويسترضيهم، ففعل ذلك
إليهم، وبلغ منه مبلغا سرى به عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ولما قبض النبي وأنفذه أبو بكر لقتال أهل اليمامة قتل منهم ألفا ومائتي نفس
وهم على ظاهر الإسلام، وقتل مالكا صبرا وهو مسلم مؤمن، وعرس بامرأته،
وجعل رأسه تحت يديه (4)، ولم يراقب الله عز وجل فيما صنع، ثم لم يزل مباينا

(1) الترة: الثأر، تقال للموتور الذي قتل له قتيل، الجمع: ترات. وأن بني جذيمة كانوا قد
سبوا نسوة من بني المغيرة وقتلوا الفاكه بن المغيرة عم خالد.
(2) السيرة النبوية لابن هشام: 4 / 72. صحيح البخاري: 5 / 203. تاريخ اليعقوبي: 2 / 61. أمالي
الصدوق: 146، ح 7. الخصال: 562. علل الشرائع: 474، ح 35. إرشاد المفيد: 1 / 139.
دلائل النبوة للبيهقي: 5 / 114. أمالي الطوسي: 2 / 112. الإستيعاب: 2 / 428، رقم 603.
إعلام الورى: 1 / 228. الكامل في التاريخ: 2 / 256. بحار الأنوار: 21 / 139 - 143، ح 1 - 6،
وج 104 / 423، ح 1. الغدير: 7 / 228 - 229. سيرة المصطفى: 610.
(3) المراد: ليتلافى ما أفرط به خالد بن الوليد وما أسرف في دم بني جذيمة.
(4) ذكر في الغدير: 7 / 216 أن مالك بن نويرة كان كثير شعر الرأس، فلما قتل أمر خالد
برأسه فنصب إثفية لقدر فنضج ما فيها قبل أن يخلص النار إلى شؤون رأسه.
انظر تاريخ الطبري: 3 / 279. بحار الأنوار: 30 / 471 - 495.
109

لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) ولولده ولأهل بيته بالبغضة، ثم عمل على احتياله لقتله (1)
حتى كفاه الله شره، ولما مضى بسيئ عمله ورث ابنه عبد الرحمن عداوة أمير
المؤمنين (عليه السلام)، وبارزه مع معاوية بالحرب، وجاهره ببغضه والمقت حتى هلك
إلى النار.
فمن العجب: أن يكون من هذه صفته " سيف الله " وما ترى المخالفين ينقلون
من نعوت أمير المؤمنين (عليه السلام) وصفاته إلى أعدائه وشنائه أما سمعوا قاتلهم الله قول
النبي (صلى الله عليه وآله): " من لقي الله عز وجل وفي قلبه مقت لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) لقي الله
يهوديا " (2)؟ بلى قد سمعوا هذا، ولكن من عبد هواه أهلكه ضلاله!
ومن العجب: أن تمنع بنو حنيفة من حمل الزكاة إلى أبي بكر ولم يصح عندهم
إمامته، فيسمونهم أهل الردة، ويستحلون دماءهم وأموالهم ونساءهم، ثم ينكث
طلحة والزبير بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ويخرجان مع عائشة يستنفرون الخلق عليه،

(1) كذا، والأصوب: ثم احتال لقتله.
(2) روى الصدوق في عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2 / 60، ح 234 بإسناده عن الحسن بن علي (عليه السلام)،
عن أبيه (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يبغضك من الأنصار إلا من كان أصله يهوديا.
عنه بحار الأنوار: 39 / 301، ح 113.
وروى الديلمي في فردوس الأخبار: 3 / 508، ح 5579 بإسناده عن معاوية بن حيدة:
من مات وفي قلبه بغض علي بن أبي طالب فليمت يهوديا أو نصرانيا، عنه بحار الأنوار:
39 / 305.
وروى شاذان في الروضة في الفضائل: 12 بإسناده عن معاوية بن أبي سفيان قال:
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي (عليه السلام): يا علي، لا تبال بمن مات وهو مبغض لك كان
يهوديا أو نصرانيا، عنه بحار الأنوار: 39 / 250، ح 15.
110

ويتناهون مع من تبعهم في حربه، ولا يسمون مع ذلك أهل الردة، ومعلوم أن منع
الزكاة يدخل في جملة الحرب، لأن أحدا لا يرى حمل الزكاة إلى من يحاربه
ويستحله فيكون على حكمه مانع الزكاة من غير خطأ مرتدين، والذين أضافوا
إلى منعها البغي، والمشاقة، وتجريد السيف، وإقامة الفتنة، غير مرتدين!
هذا وقد بلغهم قول النبي (صلى الله عليه وآله): " حربك يا علي حربي، وسلمك سلمي " (1)،
وقد علمنا أن من حارب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كافر فيجب أن [يكون] (2) من حارب
أمير المؤمنين كافرا كذلك.
ومن عجيب أمرهم: أنهم يسمون أنفسهم بالسنة وقد غيروها وبدلوها
واستحدثوها بآرائهم وعقولهم ما ليس منها، ويدعون أنهم أهل الجماعة مع
أقوالهم المختلفة، وقياساتهم المتضادة، وتكون الشيعة عندهم أهل بدعة،
وأقوالهم متفقة، ومعهم النص في كل حاجة!

(1) تلخيص الشافي: 4 / 132. شرح نهج البلاغة: 2 / 461، وج 18 / 214، وج 20 / 402. بحار
الأنوار: 32 / 331.
(2) أضفناه لاقتضاء السياق.
111

الفصل الثالث عشر
في ذكر بغضهم لأهل البيت (عليهم السلام)
ومن عجيب أمرهم: أنهم يجحدون بغضهم لأهل البيت (عليهم السلام) ووجوههم بها
شاهدة، ويدعون محبتهم وجوارحهم لهم مكذبة، ويزعمون أنهم أحق
بموالاتهم من الشيعة المؤمنين، وأخص بمودتهم من جميع العالمين، وليس
الحق كالبطلان، ولا الصدق كالبهتان، وهيهات أن يجتمع الضدان، أو يحل قلبا
واحدا نقيضان.
وقد بلغنا أن رجلا قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): أنا أحبك وأتوالى عثمان، فقال له:
" أما الآن فأنت أعور، فإما أن تعمى أو تبصر " (1).
ولعمري ما ودك من توالى ضدك، ولا أحبك من صوب غاصبك، ولا أكرمك
مكرم من هضمك، ولأعظمك معظم من ظلمك، ولا أطاع الله فيك مفضل
أعاديك، ولا اهتدى إليك مضلل مواليك، النهار فأصح، والمنار واضح، إن كانوا
في محبتهم أهل البيت محقين، وفيما ادعوا (2) من موالاتهم صادقين، فلم

(1) مستطرفات السرائر: 149، ح 1. بحار الأنوار: 27 / 58، ح 17.
(2) كذا الأصوب، وفي " ح ": ادعوهم.
112

لا تسكن قلوبهم إذا ذكرت مناقبهم، وتثبت عقولهم إذا نشرت فضائلهم؟ ولم
صار المتشيع لهم رافضيا شريرا، ومناصبهم العداوة شينا مستورا، وإذا سمعوا من
يقول: " اللهم العن ظالمي آل محمد " يغضبون ويقولون: هذا تعريض ورفض،
وتشرد وبغض، والمسلم لا يكون لعانا، والأفضل من اللعن التسبيح، وهم مع
ذلك يلعنون الشيعة اللعن الصريح، فكيف صار لعن ظالمي آل محمد تعريضا
ورفضا، ولعن الشيعة حقا واجبا وفرضا؟ بل كيف صار لعن من يقول: " إن
عائشة ظلمت " صوابا يكسب ثوابا، ولم يصر لعن من لا يقول: " إن فاطمة
ظلمت " ضلالا يكسب عقابا؟ ولم صارت فضائل أهل البيت (عليهم السلام) إذا وردت
متفرقة في خلال أحاديثهم، ومشهورة بين روايات شيوخهم تسمع وتثبت، وإذا
انتزعت وتميزت تدفع وتمقت، ومن رواها وحدها كان رافضيا ملعونا؟
ولقد أخبرني القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم السلمي (1) أنه حضر بمصر
مجلس ابن النخاس المحدث فروى فاخرا من أحاديثه يتضمن خبر الليث بن
سعد وما فيه من الآية التي رواها [عن] (2) الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) (3)

(1) هو أسد بن إبراهيم بن كليب بن إبراهيم الحراني، انظر ترجمته في بغية الطلب: 4 / 1551.
وقد تقدم ذكره في مقدمتنا ضمن مشايخ الكراجكي.
(2) أضفناها لاقتضاء السياق.
(3) خبر الليث مشهور، وأنه قال: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، فلما صليت العصر رقيت
أبا قبيس، وإذا أنا برجل جالس وهو يدعو فقال: " يا رب يا رب " حتى انقطع نفسه، ثم
قال: " رب رب " حتى انقطع نفسه، ثم قال: " يا الله يا الله " حتى انقطع نفسه، ثم قال:
" يا حي يا حي " حتى انقطع نفسه، ثم قال: " يا رحيم يا رحيم " حتى انقطع نفسه، ثم
قال: " يا أرحم الراحمين " حتى انقطع نفسه سبع مرات، ثم قال: اللهم إني أشتهي من هذا
العنب فأطعمنيه، اللهم وإن بردي قد أخلقا.
قال الليث: فوالله ما استتم كلامه حتى نظرت إلى سلة مملوة عنبا، وليس على
الأرض يومئذ عنب، وبردين جديدين موضوعين، فأراد أن يأكل فقلت له: أنا شريكك،
فقال لي: ولم؟ فقلت: لأنك كنت تدعو وأنا أؤمن، فقال لي: تقدم فكل ولا تخبئ شيئا
فتقدمت فأكلت شيئا لم آكل مثله قط وإذا عنب لا عجم له فأكلت حتى شبعت، والسلة لم
تنقص، ثم قال لي: خذ أحد البردين إليك، فقلت: أما البردان فإني غني عنهما، فقال لي:
توار عني حتى ألبسهما، فتواريت عنه فاتزر بالواحد، وارتدى بالآخر، ثم أخذ البردين
اللذين كانا عليه، فجعلهما على يده ونزل، فاتبعته، حتى إذا كان بالمسعى لقيه
رجل فقال: اكسني كساك الله، فدفعهما إليه، فلحقت الرجل، فقلت: من هذا؟ قال: هذا
جعفر بن محمد (عليهما السلام).
قال الليث: فطلبته لأسمع منه فلم أجده... انظر: مناقب ابن شهرآشوب: 4 / 232.
صفة الصفوة: 2 / 173. تذكرة الخواص: 345. مطالب السؤول: 2 / 59. كشف الغمة:
2 / 160. بحار الأنوار: 47 / 141، ح 194، وج 95 / 158، ح 9.
113

قال: ولم أكن أسمع خبر الليث بن سعد منفردا من جملة الحاضرين، لكن سمعته
في جملة السامعين، ثم عدت إليه في وقت آخر فسألته أن يملي علي ما رواه فلم
يفعل، واتهمني بالتشيع، وأوصى أصحابه أن لا يمكنونني منه، فلم هذا، وما
سببه؟ إن كان الخبر كذبا فقد حرمت عليه روايته، وإن كان صدقا فليس له أن
يمنع طالبه.
ومن عجيب أمرهم، وظاهر بغضهم لأهل البيت (عليهم السلام): أنهم إذا ذكروا الإمام
الحسن بن علي (عليه السلام) الذي هو ولد رسول الله وريحانته وقرة عينه والذي نحله
الإمامة وشهد له بالجنة حذف من اسمه الألف واللام ويقال: " حسن بن علي "،
ولأولاده: " أولاد حسن "، استصغارا له، واحتقارا لذكره، ثم يقولون مع ذلك:
" الحسن البصري " فيثبتون في اسمه الألف واللام إجلالا له وإعظاما، وتفخيما
لذكره وإكراما، وذلك أن هذا البصري كان متجاوزا عن ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وهو
القائل في عثمان: " قتله الكفار وخذله المنافقون " ولم يكن في المدينة يوم قتله
114

إلا قاتل وخاذل، فنسب جميع المهاجرين والأنصار إلى الكفر والنفاق، وتخلف
عن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، ثم خرج مع قتيبة بن مسلم في جند
الحجاج إلى خراسان.
ومن عجيب أمرهم: دعواهم محبة أهل البيت (عليهم السلام) مع ما يفعلون يوم المصاب
بالحسين (عليه السلام) من المواظبة على البر والصدقة، والمحافظة على البذل والنفقة،
والتبرك بشراء ملح السنة، والتفاخر بالملابس المنتخبة، والمظاهرة بتطيب
الأبدان، والمجاهرة بمصافحة الإخوان، والتوفر على المزاورة والدعوات،
والشكر من أسباب الأفراح والمسرات، واعتذارهم في ذلك بأنه يوم ليس
كالأيام، وأنه مخصوص بالمناقب العظام، ويدعون أن الله عز وجل تاب فيه
على آدم فكيف وجب أن يقضي فيه حق آدم فيتخذ عيدا، ولم يجز أن يقضي حق
سيد الأولين والآخرين محمد خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) في مصابه بسبطه وولده،
وريحانته وقرة عينه، وبأهله الذين أصيبوا، وحريمه الذين سبوا وهتكوا، فتجهد
فيه حزنا ووجدا، ويبالغ عملا وكدا، لولا البغضة للذرية التي تتوارثها الأبناء عن
الآباء؟!
ومن عجيب ما سمعته: أنهم في المغرب بمدينة قرطبة يأخذون في ليلة
العاشوراء رأس بقرة ميتة، ويجعلونه على عصا، ويحمل ويطاف به الشوارع
والأسواق، وقد اجتمع حوله الصبيان يصفقون ويلعبون، ويقفون به على أبواب
البيوت ويقولون: يامسي المروسة، أطعمينا المطنفسة - يعنون القطائف - وأنها
تعد لهم، ويكرمون ويتبركون بما يفعلون.
وحدثني شيخ بالقاهرة من أهل المغرب كان يخدم القاضي أبا سعيد ابن
العارفي (رحمه الله) أنه كان ممن يحمل هذا الرأس في المغرب وهو صبي في ليلة عاشوراء،
115

فرأى هذا من فرط المحبة لأهل البيت (عليهم السلام)، وشدة التفضيل لهم على الأنام.
وقد سمع هذه الحكاية بعض المتعصبين لهم، فتعجب منها وأنكرها، وقال:
ما يستجيز مؤمن أن يفعلها، فقلت: أعجب منها حمل رأس الحسين بن علي بن
أبي طالب (عليهما السلام) على رمح عال، وخلفه زين العابدين (عليه السلام) مغلول اليدين إلى عنقه،
ونساؤه وحريمه معه سبايا مهتكات على أقتاب الجمال، يطاف بهم البلدان،
ويدخل بهم الأمصار التي أهلها يظهرون الإقرار بالشهادتين، ويقولون: إنهم من
المسلمين، وليس فيهم منكر، ولا أحد ينفر، ولم يزالوا بهم كذلك إلى دمشق
وفاعلو ذلك يظهرون الإسلام، ويقرأون القرآن، ليس منهم إلا من قد تكرر
سماعه قول الله سبحانه: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (1)، فهذا أعظم من
حمل رأس بقرة في بلدة واحدة.
ومن عجيب قولهم: إن أحدا لم يشر بهذا الحال، ويستبشر بما جرى فيها من
الفعال، وقد رأوا ما جرى قرره شيوخهم، ورسمه سلفهم، من تبجيل كل من نال
من الحسين صلوات الله عليه في ذلك اليوم منالا، وآثر في القتل به أثرا،
وتعظيمهم لهم، وجعلوا ما فعلوه سمة لأولادهم.
فمنهم في أرض الشام: بنو السراويل، وبنو السرج، وبنو سنان، وبنو
الملحي، وبنو الطشتي، وبنو القضيبي، وبنو الدرجي.
وأما بنو السراويل: فأولاد الذي سلب سراويل الحسين (عليه السلام).
وأما بنو السرج: فأولاد الذين أسرجت خيله لدوس جسد الحسين (عليه السلام)،
ووصل بعض هذه الخيل إلى مصر، فقلعت نعالها من حوافرها وسمرت على

(1) سورة الشورى: 23.
116

أبواب الدور ليتبرك بها، وجرت بذلك السنة عندهم حتى صاروا يتعمدون عمل
نظيرها على أبواب دور أكثرهم.
وأما بنو سنان: فأولاد الذي حمل الرمح الذي على سنانه رأس الحسين (عليه السلام).
وأما بنو المكبري: فأولاد الذي كان يكبر خلف رأس الحسين (عليه السلام)، وفي ذلك
يقول الشاعر (1):
ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا
وأما بنو الطشتي: فأولاد الذي حمل الطشت الذي ترك فيه رأس الحسين (عليه السلام)،
وهم بدمشق مع بني الملحي معروفون.
وأما بنو القضيبي: فأولاد الذي أحضر القضيب إلى يزيد لعنه الله لنكت ثنايا
الحسين (عليه السلام).
وأما بنو الدرجي: فأولاد الذي ترك الرأس في درج جيرون (2)، وهذا لعمرك
هو الفخر باب من أبواب دمشق إلى الواضح، لولا أنه فاضح.
وقد بلغنا أن رجلا قال لزين العابدين (عليه السلام): إنا لنحبكم أهل البيت، فقال (عليه السلام):
" أنتم تحبونا حب السنورة (3) من شدة حبها لولدها تأكله ".

(1) هو أبو محمد عبد السلام بن رغبان المعروف ب‍ " ديك الجن "، أصله من مؤتة، وولد في
حمص، ترجمه الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب: 2 / 212. وورد هذا البيت في
أدب الطف: 1 / 288.
(2) سقيفة مستطيلة على عمد وسقائف، حولها مدينة تطيف بها، وهي بدمشق، في وسطها
كالمحلة باب الجامع الشرقي إليها يسمى باب جيرون، وقيل: جيرون قرية الجبابرة في
أرض كنعان. (مراصد الاطلاع: 1 / 366).
(3) السنور: حيوان أليف من الفصيلة السنورية ورتبة اللواحم، من خير مآكله الفأر، ومنه أهلي
وبري، وهي سنورة. (المعجم الوسيط: 1 / 454).
117

أترى هذا عن محبة ومصافاة، وخالص مودة وموالاة؟ ألم يروا ما فعل قبل
ذلك من لعن أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر ثمانين سنة ليس فيها مسلم ينكر حتى
أن أحد خطبائهم بمصر نسي أن يلعن أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنبر في خطبته
وذكر ذلك في الطريق عند منصرفه، فلعنه حيث ذكر قضاء لما نسيه، وقياما بما
يرى أنه فرض، وقد لزم وبنى في ذلك المكان مسجدا وهو باق إلى الآن بسوق
وردان (1) يعرف بمسجد الذكر، وهدم في بعض السنين لأمر من الأمور فرأيت في
موضعه سرجا كثيرة وآثار بخور لنذور، وقيل لي: إنه يؤخذ من ترابه ويتشافى به،
ثم بني بعد ذلك وعظم أمره.
وفي مسجد الرمح أيضا خبر عجيب يعرفه من افتقد أسرار القوم، لهم الويل
الطويل، والعذاب النكيل، لقد نبذوا قدسهم (2)، وأطفأوا نيرانهم، واحتقبوا
العظائم، واستفرهوا المخاصم، وقد بلغنا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " أنا أول من
يجثو يوم القيامة للخصوم " (3).

(1) ذكره في مراصد الاطلاع: 2 / 756، وقال: بفسطاط مصر.
(2) القدس: السطل بلغة أهل الحجاز، لأنه يتطهر فيه. (لسان العرب: 6 / 169 - قدس -).
(3) صحيح البخاري: 6 / 124 - تفسير سورة الحج -. أمالي الطوسي: 1 / 83. العمدة لابن
البطريق: 311، ح 519 و 520. بحار الأنوار: 36 / 22، ح 4، وج 39 / 234، ح 16. وفيها:
" للخصومة " بدل " للخصوم ".
118

الفصل الرابع عشر
في أغلاطهم في تفضيل أبي بكر بآية الغار
فمن عجيب الأمور وطريفها: أن نزل في أمير المؤمنين (عليه السلام) آيات من القرآن
يجتمع المسلمون على اختصاصه بها، وفضيلته فيها:
منها: ما يشهد بأنه بعد رسول الله ويوجب على الكافة فرض طاعته، وهو
قوله سبحانه: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون) (1).
ومنها: آية المباهلة الناطقة بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) في النسبة نفس النبي،
والمتضمنة من تفضيله وتفضيل ولديه وزوجته صلوات الله عليهم ما لا يشركهم
أحد فيه من العالمين، وهو قوله سبحانه: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (2).
ومنها: سورة " هل أتى " المتضمنة من فضل أمير المؤمنين وسبطيه وزوجته
ما لا يختلف اثنان فيه، الشاهدة لهم بالرضوان، والخلود بالجنان، والثناء عليهم

(1) سورة المائدة: 55.
(2) سورة آل عمران: 61.
119

في محكم القرآن.
وغير ذلك من الآيات النازلة فيه وفي أهله (عليهم السلام) بالفضائل الباهرات، التي
لا يدعيها غيرهم، و [لا] (1) يشاركهم فيها سواهم، ولا يشهر ذلك في الفضائل،
ولا يعلن بذكر مستحقه في المحافل، ويكون من أورد شيئا منه وأضافه إلى
مستحقه من الشريرين الروافض، ثم تنزل في أبي بكر آية تتضمن أنه كان مع النبي
في الغار، وأنه حزن فنهاه، فيكاد تقوم القيامة، وتزلزل الأرض بالأمة، ويعتقد
أنها أشرف آي القرآن، وأنها شاهدة لأبي بكر بفضل يتجاوز الأفهام، ولا يدرك
كنهه الأوهام.
ومن عجيب ما رأينا: مصحف قد كتب فيه آية الغار بذهب ليتميز عن جميع ما
يتضمنه المصحف من كلام الله عز وجل، ونحن أبدا نحتج على من ينكر أن
يكون بسم الله الرحمن الرحيم من أول كل سورة، ويدعي أنها للفرق بين
السورتين، فنقول له: لو كانت وضعت للفرق فقط لكتب بخط مميز عن خط
المصحف، كما يكتب أبدا أسماء السور، ولكانت في أول سورة براءة، وفي
إثباتها بالخط الذي أثبت به القرآن، فليست للفرق، فقد طلب القوم بما فعلوه في
آية الغار الفضل فوقعوا في الجهل، فياعجباه!
ويحق للعاقل أن يعجب كيف فعل ذلك بآية الغار ولم يفعل ب‍ (قل هو الله أحد)
التي هي سورة الإخلاص ونسبة الرحمن، والتي روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " من
قرأها ثلاث دفعات فكأنما قرأ جميع القرآن " (2).

(1) أضفناه لاقتضاء السياق.
(2) المحاسن: 1 / 251، ح 473. كمال الدين: 542، ح 6. كنز الفوائد: 2 / 86، ح 2. بحار الأنوار:
27 / 94، ح 54، وج 39 / 288، ح 81، وج 51 / 228.
120

بل كيف لم يفعل ذلك بسورة الحمد التي هي: سبع المثاني، وأم الكتاب،
وفاتحة الكتاب، وكل صلاة بغيرها خداج (1)؟ فكيف صارت آية الغار أحق
بالتفضيل والتميز من جميع ما نزل؟ وما الذي شرفت به على سورتي " الحمد "
و " قل هو الله أحد " لولا الهوى الذي يعبده، والعناد الذي يقصد، وقد رأيت
نسخة التوراة مع بعض اليهود فاطلعت فيها فرأيتهم قد ميزوا العشر الكلمات عن
جميعها فكتبوها بذهب، فأظن فاعل ذلك بآية الغار اقتدى باليهود في هذا الأمر.
ومن العجب: اعتقادهم في آية الغار فضلا وهي شاهدة عليه بالنقص واستحقاق
الذم، وظنهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخذه معه للأنس به، وقد آنسه الله بالملائكة ووحيه،
وتصحيح اعتقاده أنه تعالى ينجز له ما وعده، وإنما أخذه لأنه لقيه في طريقه
فخاف أن يظهر أمره من جهته فأخذه معه احتياطا في تمام شره، وتوهموا أن
حصوله في الغار منقبة له، وفي الغار ظهر خطاؤه وزلله، لأنه حصل معه في الغار
في حرز حريز، ومكان مصون، بحيث يأمن الله على نبيه مع ما ظهر له من الآيات
في تعشيش الطائر ونسج العنكبوت على بابه، لم يثق مع هذه الأمور بالسلامة،
ولا صدق بالآية، وأظهر الحزن والمخافة، حتى غلبه بكاؤه، وتزايد قلقه
وانزعاجه، وبكى النبي (صلى الله عليه وآله) في تلك الحال إلى مقاساته، ووقع إلى مداراته، فنهاه
عن الحزن وزجره، ونهي النبي (صلى الله عليه وآله) لا يتوجه في الحقيقة إلا إلى الزجر عن
القبيح، ولا سبيل إلى صرفه إلى المجاز بغير دليل، لا سيما وقد ظهر من جزعه
وبكائه ما يكون من مثله فساد الحال في الاختفاء، فهو إنما نهى عن استدامة ما
وقع منه، ولو سكنت نفسه إلى ما وعد الله تعالى نبيه، وصدقه فيما أخبر به من

(1) خداج: نقصان. (لسان العرب: 2 / 248 - خدج -).
121

نجاته لم يحزن حيث يجب أن يكون آمنه، ولا انزعج قلبه في الموضع الذي
يقتضي سكونه، فأي فضيلة في آية الغار يفتخر بها لأبي بكر لولا المكابرة
واللدد (1)؟!
وأعجب من هذا: قول الله تعالى: (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) (2)،
فيعلمون بهذا أن السكينة اختصت برسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنه المؤيد بالجنود دون
غيره، ولا يجوز أن يريد الله تعالى بجنوده أحدا من الأنام سوى نبيه!
ومن عجيب جهلهم: قولهم: إن النبي مستغن بنبوته عن السكينة، حتى كأنهم
لم يسمعوا في القرآن قول الله: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) (3)، ولو أنهم
يسمعون ذلك استماع من يعيه ويفهم لعلموا أن السكينة لا تنزل على أحد من أهل
الإيمان ومعه النبي (صلى الله عليه وآله) إلا وتنزل على النبي (صلى الله عليه وآله) قبله، ويذكر قبل ذكره، وتحققوا
أن نزولها في الغار دليل على أنه للنبي (صلى الله عليه وآله) وأنه ليس معه مؤمن يستحقها، ولولا
ذلك لقال: فأنزل سكينته على رسوله وعليه، أو قال: وعليهما!
ومن عجيب أمرهم، وظاهر عنادهم: افتخارهم لأبي بكر بآية الغار، وإكثارهم
من ذكرها، ولا يذكرون مبيت أمير المؤمنين (عليه السلام) تلك الليلة على فراش رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، حيث بذل مهجته دونه، وفداه بنفسه، واضطجع في موضعه الذي
يقصده إليه أعداؤه، حتى تعجبت من ذلك الملائكة، وأنزل الله في مبيته:

(1) اللدد: الخصومة الشديدة. (النهاية: 4 / 244 - لدد -).
(2) سورة التوبة: 40.
(3) سورة التوبة: 26.
122

(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد) (1)، هنالك قالت الملائكة:
هنيئا لك يا بن أبي طالب وأنت الحبيب المواسي (2)، فما انصراف القوم عن هذه
الفضيلة العظيمة، ولهجهم بذكر آية الغار، إلا معاندة في الدين، وبغضة قد
خالطت لحومهم لأمير المؤمنين (عليه السلام)!
ومن العجب: أن يفتخر أمير المؤمنين (عليه السلام) بمبيته على الفراش فلا يعدونه له
فخرا، ويعترف أبو بكر بأن حزنه في الغار معصية، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبره أن حزنه
إثم وفتنة، فيخالفونه ويعدونه فخرا، وقد نظم كل واحد منها في ذلك شعرا،
فروي أن أمير المؤمنين قال في مبيته:
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول إله الخلق أن مكروا به * فنجاه ذو الطول الكريم من المكر
وبت أراعيهم وما يثبتونني * وقد صبرت نفسي على القتل والأسر (3)
وقال أبو بكر في أبيات له رواها ابن إسحاق (4) في السيرة، وهو عند القوم
أمين، ثقة:
ولما ولجت الغار قال محمد * أمنت فثق في كل ممسى ومولج

(1) سورة البقرة: 207.
(2) فردوس الأخبار: 1 / 159، ح 587. الطرائف: 1 / 53. كشف الغمة: 1 / 310. تفسير البرهان:
1 / 445. بحار الأنوار: 36 / 41.
(3) ديوان الإمام علي (عليه السلام): 57. المستدرك على الصحيحين: 3 / 4. مناقب الخوارزمي: 127،
ح 141.
(4) هو: محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني، من أقدم مؤرخي العرب. (الأعلام
للزركلي: 6 / 28).
123

بربك إن الله بالغك الذي * تنوء به في كل مثوى ومخرج
ولا تحزنن فالحزن إثم وفتنة * يكون على ذي البهجة المتحرج
فيقر الرجل في شعره بأن النبي أخبره أن حزنه في تلك الحال فتنة وإثم، فالفتنة
الكفر، قال الله تعالى: (والفتنة أكبر من القتل) (1)، ولا صرفها في هذا المكان إلى
بعض محتملاتها من غير هذا الوجه لما قد قارنها من الإثم الذي لا يكون إلا في
معصية الله عز وجل وشيعة الرجل يكذبونه فيما أخبر به، ويعدون معصيته
حسنة، وحزنه مسرة، ويجعلون له ببغداد عيدا في كل سنة يظهرون فيه الفرح
والمسرة، فيفرحون يوم إثمه، ويسرون يوم حزنه، وقد كان يجب أن يحزنوا كما
حزن، ويغتموا بما جنى وأثم، بل يبكون لبكائه إذا كانوا من شيعته وأوليائه، لكن
قصوراتهم واضحة، ومناقضاتهم فاضحة!

(1) سورة البقرة: 217.
124

الفصل الخامس عشر
في غلطهم فيما يدعون لأبي بكر من الانفاق
ومن عجيب أمرهم، وعظيم خطئهم: أنهم يسمعون قول الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله):
(ووجدك عائلا فأغنى) (1)، ويعلمون أن الله تعالى جعل له الأنفال خالصة من دون
المؤمنين، والقسم الوافر من الأخماس التي تميز به عن سائر الناس لتنزيهه وأهله
من الصدقات، وأغناه بفضله عن أموال العباد، وقال في كتابه: (قل
لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (2) فلا يعتبرون هذا ويدعون
أنه افتقر إلى مال أبي بكر فأنفق عليه مالا جزيلا، ويرتكبون في ذلك بهتانا مهولا!
فياعجباه كيف يحتاج إلى مال أحد رعيته، وقد أغناه الله تعالى بفضله وسعة
رحمته؟ وكيف يمد يده إلى أموالهم وقد نزهه الله تعالى عن أخذ ما فرض عليهم
إخراجه من صدقاتهم؟ هذا هو البهت القبيح، والكذب الصريح!
و [من] (3) العجب: دعواهم الإنفاق لرجل قد عرف مذ كان بالفقر وسوء

(1) سورة الضحى: 8.
(2) سورة الشورى: 23.
(3) أضفناه لاقتضاء السياق.
125

الحال، ومن اطلع في النقل والآثار، وأشرف على السير والأخبار، لم يخف عليه
فقر أبي بكر وصعلكته، وحاجته ومسكنته، وضيق معيشته، وضعف حيلته، وأنه
كان في الجاهلية معلما، وفي الإسلام خياطا، وكان أبوه سيئ الحال ضعيفا، يكابد
فقرا مهلكا، ومعيشة ضنكا، مكتسبه أكثر عمره من صيد القماري والدباسي (1)
الذي لا يقدر على غيره، فلما عمي وعجز ابنه عن القيام به التجأ إلى عبد الله بن
جدعان فنصبه ينادي على مائدته كل يوم لإحضار الأضياف، وجعل له على ذلك
ما يقوته من الطعام، فمن أين كان لأبي بكر هذا الحال، وهذه حاله وحال أبيه في
الفقر والاختلال!؟
وهم الراوون أن أبا بكر طلب يوما من منزله غشاء لقربة فلم يكن عنده شئ
حتى شقت أسماء نطاقها فغشت القربة بنصفه، وزعموا أنه سماها ذات
النطاقين (2). وليس بخلاف أنه لما ولي الأمر بعد النبي (صلى الله عليه وآله) غدا إلى السوق
ليتعيش، فقال له المسلمون: لا تفعل ففي ذلك نقص، ونحن نجعل لك من بيت
مال المسلمين ما يقوتك، فجعل كل يوم ثلاثة دراهم يعود بها على نفسه
وعياله (3)، وهذا يدل على أن الرجل لم يزل فقيرا من أول عمره إلى آخره، ولقد
أحسن شاعرنا في قوله:
وإلا فهذا الحال من أين أصله * وفيما روي إنفاقه تجدان

(1) القمري: طائر، لأنه أقمر اللون كالفاختة، بالحجاز. (المحيط في اللغة: 5 / 419 - قمر -).
والدبسي: ضرب من الحمام، الجمع: دباسي. (المعجم الوسيط: 1 / 270 - دبس -).
(2) السيرة النبوية لابن هشام: 2 / 131. تاريخ مدينة دمشق: 30 / 79. لسان العرب: 10 / 355
- نطق -.
(3) انظر: صفة الصفوة: 1 / 257. شرح نهج البلاغة: 17 / 155. الغدير: 8 / 75 وما بعدها.
126

وقد علم من أخبار أهل البيت أن أصعب الأحوال كانت على النبي يفتقر في
مثلها إلى المعونة والإرفاد حالان: أحدهما وهو مستتر في الشعب، والآخر
خروجه عن مكة هاربا إلى المدينة.
فأما مدة مقامه في الشعب فقد روى المخالف والمؤالف أن أمير المؤمنين (عليه السلام)
كان يتردد ويتحمل كل يوم فيما ينفقه عليه حتى روي أنه أجر نفسه من يهودي
وصرف الأجرة إلى ما يحتاج إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأما توجهه (صلى الله عليه وآله) إلى الهجرة فقد روي أنه كان لأبي بكر يومئذ بعيران، فلما
نشب (1) في إحدارهما إليه قال: خذ يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحدهما، فقال له: " لا، إلا
بالثمن " (2)، فلو كان له عليه إنفاق لم يقل هذا المقال.
ومن العجيب: أن يتصدق أمير المؤمنين (عليه السلام) بخاتمه على مسكين فينزل في
خاتمه قرآن (3) لا يختلف في أنه المراد به اثنان، ويتصدق هو وأهله على مسكين
ويتيم وأسير بأقراص من الطعام فتنزل سورة كاملة تشهد له بالرضوان والخلود في
الجنان (4)، ثم ينفق أبو بكر فيما زعموا على خير خلق الله مائة ألف درهم فلا ينزل
على مدحه آية من القرآن (5)!

(1) نشب: ابتدأ. (تاج العروس: 1 / 484 - نشب -).
(2) الطبقات الكبرى: 1 / 228. السيرة النبوية لابن هشام: 2 / 131. البداية والنهاية: 3 / 188.
الغدير: 8 / 78.
(3) انظر: تفسير الفخر الرازي: 12 / 26. مناقب الخوارزمي: 266، ح 248. الدر المنثور: 3 / 104
- 106. والمراد قوله تعالى في سورة المائدة: 55: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون).
(4) مناقب الخوارزمي: 267، ح 250. أسد الغابة: 5 / 531. الطرائف: 1 / 153. تفسير القرطبي:
19 / 130 - 134. الدر المنثور: 8 / 371.
(5) انظر الغدير: 8 / 82.
127

الفصل السادس عشر
في ذكر فدك
فمن عجيب الأمور وطريفها: أن تخرج فاطمة الزهراء البتول سيدة نساء
العالمين، ابنة خاتم النبيين، تندب أباها وتستغيث بأمته، ومن هداهم
إلى شريعته، في منع أبي بكر من ظلمها فلا يساعدها أحد، ولا يتكلم معها
بشر، مع قرب العهد برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومع ما يدخل القلوب من الرقة في مثل
هذا الفعل إذا ورد من مثلها حتى تحمل الناس أنفسهم على الظلم فضلا عن
غيره، ثم تخرج عائشة بنت أبي بكر إلى البصرة تحرض الناس على قتال
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقتال من معه من خيار الناس، ساعية
في سفك دمه ودماء أولاده، وأهله وشيعته، فتجيبها عشرة آلاف من الناس،
ويقاتلون أمامها، إلى أن هلك أكثرهم بين يديها، إن هذا لمن الأمر العجيب!
ومن العجب: أن تأتي فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر تطالبه بفدك، وتذكر أن أباها
نحلها إياها، فيكذب قولها، ويقول لها: هذه دعوى لا بينة لها، هذا مع إجماع
الأمة على طهارتها وعدالتها، فتقول له: " إن لم يثبت عندك أنها نحلة فأنا
128

أستحقها ميراثا " (1)، فيدعي أنه سمع النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: " نحن معاشر الأنبياء
لا نورث وما تركناه صدقة " (2)، ويلزمها تصديقه فيما ادعاه من هذا الخبر، مع
اختلاف الناس في طهارته وصدقه وعدالته، وهو فيما ادعاه خصم لأنه يريد أن
يمنعها حقا جعله الله لها!
ومن العجيب: أن يقول لها أبو بكر مع علمه بعظم خطرها في الشرف،
وطهارتها من كل دنس، وكونها في مرتبة من لا يتهم، ومنزلة من لا يجوز عليه
الكذب: ائتيني بأحمر أو أسود يشهد لك بها وخذيها - يعني فدك (3) -، فأحضرت
إليه أمير المؤمنين والإمامين الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين وأم
أيمن، فلم يقبل شهادتهم وأعلها، وزعم أنه لا يقبل شهادة الزوج لزوجته،
ولا الولد لوالده، وقال: هذه امرأة واحدة - يعني أم أيمن -، هذا مع إجماع
المخالف والمؤالف على أن النبي قال: " علي مع الحق، والحق مع علي، اللهم
أدر الحق معه حيثما دار " (4)، وقوله: " الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا " (5)،
وقوله (صلى الله عليه وآله) في أم أيمن (6): " أنت على خير وإلى خير "، فرد شهادة الجميع مع

(1) انظر: نهج الحق وكشف الصدق: 265 - 270. شرح نهج البلاغة: 16 / 344 وما بعدها.
(2) مسند أحمد بن حنبل: 2 / 463. التمهيد لابن عبد البر: 8 / 175. شرح نهج البلاغة: 16 / 357
و 364. البداية والنهاية: 2 / 154، وج 4 / 203. فتح الباري: 12 / 8.
(3) الكافي: 1 / 543، ح 5 باختلاف.
(4) تاريخ بغداد: 14 / 321. شرح نهج البلاغة: 2 / 461، وج 18 / 245. تقدم الحديث.
(5) علل الشرائع: 211. مناقب ابن شهرآشوب: 3 / 367. بحار الأنوار: 43 / 291، ضمن ح 54،
وج 44 / 2، ضمن ح 2.
(6) يقال: إن اسمها بركة، وهي حاضنة النبي (صلى الله عليه وآله). انظر ترجمتها في: الطبقات الكبرى:
8 / 223. تهذيب الكمال: 35 / 329، رقم 7950. سير أعلام النبلاء: 2 / 223، رقم 24.
ولم نجد قوله (صلى الله عليه وآله) هذا بحقها، بل المشهور أنه (صلى الله عليه وآله) قال ذلك لزوجه أم سلمة، م
كما في حديث الكساء. انظر: أمالي الطوسي: 2 / 174.
129

تميزهم عن الناس.
ثم لم تمض الأيام حتى أتاه مال البحرين، فلما ترك بين يديه تقدم إليه
جابر بن عبد الله الأنصاري فقال له: النبي (صلى الله عليه وآله) قال لي: " إذا أتى مال البحرين
حبوت لك، ثم حبوت لك - ثلاثا - " فقال له: تقدم فخذ بعددها، فأخذ ثلاث
حفنات من أموال المسلمين بمجرد الدعوى من غير بينة ولا شهادة، ويكون أبو
بكر عندهم مصيبا في الحالين، عادلا في الحكمين، إن هذا من الأمر المستطرف
البديع!
ومن عجيب أمر المعتزلة: إقرارهم بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) أعلم الناس وأزهدهم
بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم يعلمون أنه أتى مع فاطمة شاهدا لها بصحة ما ادعته من
نحلتها، فلا يستدلون بذلك على صوابها، وظلم مانعها، ولا يتأملون أن أعلم
الناس لا يخفى عنه ما يصح من الشهادة وما يبطل، وأن أزهد الناس لا يشهد
بباطل، وأن أمير المؤمنين (عليه السلام) لو كان لا يعلم أن شهادته بذلك مع من حضره
لا يجوز قبولها، ولا يؤثر في وجوب الحكم بها، وكان أبو بكر يعلم ذلك لبطل
القول بأنه (عليه السلام) أعلم الناس بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، وأنه لو كان يعلم أن فاطمة (عليها السلام) تطلب
باطلا، وتلتمس محالا، وأن شهادته لا يحل في تلك الحال قبولها، ولا يسوغ
الحكم بها، ثم أقدم مع ذلك عليها فشهد لها لكان قد أخطأ متعمدا، وفعل ما
لا يليق بالزهاد والأتقياء، وبطل قولهم أنه (عليه السلام) أزهد الناس بعد النبي (صلى الله عليه وآله)،
ولا ينتبهون بهذه الحال من رقدة الخلال (1)!
ومن عجيب أمرهم: اعتقادهم في رد أبي بكر شهادة أمير المؤمنين والحسن

(1) كذا في " ح ". ولعل الصواب: الضلال.
130

والحسين (عليهم السلام) بقولهم: إن هذا بعلها، وهذان ابناها، وكل منهم يجر إلى نفسه،
ولا يصح شهادة من له حظ فيما يشهد به، ثم يقبلون مع ذلك قول سعيد بن زيد
بن نفيل - فيما رواه وحده - من أن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعدا
وسعيدا وعبد الرحمن بن عوف وأبا عبيدة من أهل الجنة، ويصدقونه في هذه
الدعوى، ويحتجون بقوله مع علمهم بأنه أحد من ذكره، وله حظ فيما شهد به،
ولا يردون بذلك قوله، ولا يبطلون خبره، ويتغطى عليهم أنه لا للزوج من مال
زوجته، ولا للولد من مال والده، إلا ما نحله أباه أو ورثه عنه!
ومن عجيب الأمور، وعظيم البدع في الدين: أن يشهد رجل بر تقي لم يكن
قط بالله مشركا، ولا للدين منكرا، ولا أكل من حرام سحتا، ولا عاقر على خمر
نديما، ولا ارتكب محرما، ولا جرب أحد منه قط كذبا، ولا علم منه ذنبا، ولا كان
في طاعة الله ورسوله مقصرا، ولا عن درجات السبق إلى الفضائل متأخرا، مع
اختصاصه برسول الله (صلى الله عليه وآله) نسبا وسببا، عند رجل أقام أربعين سنة من عمره كافرا،
وبالله تعالى مشركا، ولما ظهر وبطن من الفواحش مرتكبا، ولما ظهر الإسلام لم
يعلم أحد أن له فيه أثرا جميلا، ولا كفى النبي (صلى الله عليه وآله) مخوفا، بل عن كل فضيلة
متأخرا، ولعهود الله ناكثا، وكان في علمه ضعيفا، وإلى غيره فيه فقيرا، فيردن
شهادته، ولا يقبل قوله، ويظهر أنه أعرف بالصواب منه، هذا والشاهد متفق على
طهارته، وصدقه وإيمانه، والمشهود عنده مخالف في طهارته، وصدقه وإيمانه،
إن هذا مما تنفر منه النفوس السليمة، والعقول المستقيمة!
ومن العجب: أنهم يدعون على فاطمة البتول سيدة نساء العالمين التي
أحضرها النبي (صلى الله عليه وآله) للمباهلة، وشهد لها بالجنة، ونزلت فيها آية الطهارة، أنها
طلبت من أبي بكر باطلا، والتمست لنفسها محالا، وقالت كذبا، ويعتذرون في
131

ذلك بأنها لم تعلم بدين أبيها، أنه لا حق لها في ميراثه، ولا نصيب لها من تركته،
وجهلت هذا الأصل في الشرع، وعلم أبو بكر أن النساء لا يعلمن ما يعلم الرجال،
ولا جرت العادة بأن يتفقهن في الأحكام، ثم يدعون مع هذا أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
" خذوا ثلث دينكم عن عائشة، لا بل خذوا ثلثي دينكم عن عائشة، لا بل خذوا
كل دينكم عن عائشة " (1)، فتحفظ عائشة جميع الدين، وتجهل فاطمة في مسألة
واحدة مختصة بها في الدين. إن هذا لشئ عجيب، والذي يكثر التعجب،
ويطول فيه الفكر: أن بعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يعلمها، ولم يصنها عن الخروج
من منزلها لطلب المحال، والكلام بين الناس، بل يعرضها لالتماس الباطل،
ويحضر معها فيشهد بما لا يسوغ ولا يحل، إن هذا من الأمر المهول، الذي تحار
فيه العقول!
ومن عجيب أمرهم، وضعف دينهم: أنهم نسبوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أنه لم يعلم
ابنته التي هي أعز الخلق عنده، والذي يلزم من صيانتها، ويتعين عليه من حفظها،
أضعاف ما يلزمه لغيرها، بأنه لاحق لها من ميراثه، ولا نصيب له في تركته، ويأمرها
أن تلزم بيتها، ولا تخرج للمطالبة بما ليس لها، والمخاصمة في أمر مصروف
عنها، وقد جرت عادة الحكماء في تخصيص الأهل والأقرباء بالإرشاد والتعليم،
والتأديب والتهذيب، وحسن النظر بهم بالتنبيه والتنتيف (2)، والحرص عليهم

(1) النهاية لابن الأثير: 1 / 438 - حمر -. فردوس الأخبار: 2 / 165، ح 2828. البداية والنهاية:
3 / 129. تذكرة الموضوعات: 100. الأسرار المرفوعة: 116، ح 438 - 440. كشف الخفاء:
1 / 449 - 450، ح 1198. الفوائد المجموعة: 399، ح 139. وفي أكثر المصادر: خذوا شطر
دينكم عن الحميراء. وتقدم الحديث ص 60.
(2) النتف: نزع الشعر والريش. (المحيط في اللغة: 9 / 444 - نتف -).
132

بالتعريف والتوقيف، والاجتهاد في إيداعهم معالم الدين، وتميزهم عن العالمين!
هذا مع قول الله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (1)، وقوله سبحانه:
(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) (2)، وقول النبي (صلى الله عليه وآله): " بعثت
إلى أهل بيتي خاصة، وإلى الناس عامة " (3)، فنسبوه (صلى الله عليه وآله) إلى تضييع الواجب،
والتفريط في الحق اللازم، من نصيحة ولده، وإعلامه ما عليه وله، ومن ذا الذي
يشك في أن فاطمة كانت أقرب الخلق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأعظمهم منزلة عنده،
وأجلهم قدرا لديه، وأنه كان في كل يوم يغدو إليها لمشاهدتها، والسؤال عن
خبرها، والمراعاة لأمرها، ويروح كذلك إليها ويتوفر على الدعاء لها، ويبالغ في
الإشفاق عليها، وما خرج قط في بعض غزواته وأسفاره حتى ولج بيتها ليودعها،
ولا قدم من سفره إلا لقوه بولديها، فحملهما على صدره وتوجه بهما إليها، فهل
يجوز في عقل، أو يتصور في فهم، أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) أغفل إعلامها بما يجب لها
وعليها، وأهمل تعريفها بأنه لاحظ في تركته لها، والتقدم إليها بلزوم بيتها بترك
الاعتراض بما لم يجعله الله لها؟
اللهم إلا أن نقول: إنه أوصاها فخالفت، وأمرها بترك الطلب فطلبت وعاندت،
فيجاهرون بالطعن عليها، ويوجبون بذلك ذمها والقدح فيها، ويضيفون المعصية
إلى من شهد القرآن بطهارتها، وليس ذلك منهم بمستحيل، وهو في جنب
عداوتهم لأهل البيت (عليهم السلام) قليل!

(1) سورة الشعراء: 214.
(2) سورة التحريم: 6.
(3) الطبقات الكبرى: 1 / 192. مسند أحمد بن حنبل: 4 / 237، ح 13852. السنن الكبرى
للبيهقي: 2 / 433.
133

ومن العجب: قول بعضهم لما أغضبه الحجاج: أنه (صلى الله عليه وآله) أعلمها فنسيت،
واعترضها الشك بعد علمها فطلبت، وهذا مخالف للعادات، لأنه لم يجر العادة
بنسيان ما هذا سبيله، لأنه قال لها: " لا ميراث لك مني، وإنا معاشر الأنبياء
لا نورث، وما تركناه صدقة "، كان الحكم في ذلك معلقا بها، فكيف يصح في
العادات أن تنسى شيئا يخصها فرض العلم به، ويصدق حاجتها إليه حتى يذهب
عنها علمه، وتبرز للحاجة، ويقال لها: إن أباك قال: إنه لا يورث، ولا تذكر مع
وصيته إن كان وصاها حتى تحاجهم بقول الله تعالى: (وورث سليمان داود) (1)، وقوله
تعالى حكاية عن زكريا: (يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) (2)، ولا تزال باكية
شاكية إلى أن قبضت، وأوصت أن لا يصلي ظالمها وأصحابه عليها، ولا يعرفوا
قبرها؟!
ومن العجب: أن يعترض اللبس على أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى يحضر فيشهد
لها مما ليس لها، مع قول النبي: " أنا مدينة العلم وعلي بابها " (3)!
ومن العجب: اعترافهم بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " إن الله يغضب لغضب فاطمة،
ويرضى لرضاها " (4)، وقال: " فاطمة بضعة مني يؤلمني ما يؤلمها " (5)،

(1) سورة النمل: 16.
(2) سورة مريم: 6.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 127. تاريخ بغداد: 2 / 377، وج 4 / 348، وج 7 / 173،
وج 11 / 48 و 204. ترجمة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) من تاريخ دمشق: 2 / 464 - 480،
ح 991 - 1007. مجمع الزوائد: 9 / 114. إتحاف السادة المتقين: 6 / 244.
(4) المعجم الكبير: 1 / 66، ح 182. المستدرك على الصحيحين: 3 / 154. ميزان الاعتدال:
2 / 492، ح 4560. مجمع الزوائد: 9 / 203. كنز العمال: 13 / 674، ح 37725.
(5) المستدرك على الصحيحين: 3 / 158. السنن الكبرى: 10 / 201 - 202. كنز العمال: 12 / 107
- 112. إتحاف السادة المتقين: 6 / 244.
134

وقال: " من آذى فاطمة فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله " (1)، ثم إنهم يعلمون
ويتفقون أن أبا بكر أغضبها وآلمها وآذاها، فلا يقولون: هو هذا إنه ظلمها،
ويدعون أنها طلبت باطلا، فكيف يصح هذا؟ ومتى يتخلص أبو بكر من أن يكون
ظالما وقد أغضب من يغضب لغضبه الله، وآلم هو بضعة لرسول الله، ويتألم
لألمها، وآذى من في أذيته أذية الله ورسوله، وقد قال الله تعالى: (إن الذين يؤذون الله
ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) (2)،
وهل هذا إلا مباهتة في تصويب الظالم، وتهور في ارتكاب المظالم!
ومن العجب: قول بعضهم أيضا: إن أبا بكر كان يعلم صدق الطاهرة فاطمة
عليها صلوات الله فيما طلبته من نحلته من أبيها، لكنه لم يكن يرى أن يحكم
بعلمه، فاحتاج في إمضاء الحكم لها إلى بينة تشهد بها.
فإذا قيل لهم: فلم لم يورثها من أبيها؟
قالوا: لأنه سمع النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه
صدقة " (3).
فإذا قيل لهم: فهذا خبر تفرد أبو بكر بروايته، ولم يروه معه غيره؟
قالوا: هو وإن كان كذلك فإنه السامع له من النبي (صلى الله عليه وآله)، ولم يجز له مع سماعه
منه وعلمه به أن يحكم بخلافه.
فهم في النحلة يقولون: إنه لا يحكم بعلمه وله المطالبة بالبينة، وفي الميراث
يقولون: إنه يحكم بعلمه ويقضي بما انفرد بسماعه.

(1) علل الشرائع: 186. المحتضر: 133. بحار الأنوار: 43 / 80 و 204.
(2) سورة الأحزاب: 57.
(3) تقدمت تخريجاته في أول هذا الفصل.
135

والمستعان بالله على تلاعبهم بأحكام الملة، وهو الحكم العدل بينهم وبين من
عاند من أهله.
ومن عجائب الأمور: تأتي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) تطلب فدكا، وتظهر أنها
تستحقها، فيكذب قولها، ولا تصدق في دعواها، وترد خائبة إلى بيتها، ثم تأتي
عائشة بنت أبي بكر تطلب الحجرة التي أسكنها أباها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتزعم أنها
تستحقها، فيصدق قولها، وتقبل دعواها، ولا تطالب ببينة عليها، وتسلم هذه
الحجرة إليها، فتصرف فيها، وتضرب عند رأس النبي (صلى الله عليه وآله) بالمعاول حتى تدفن
تيما وعديا فيها، ثم تمنع الحسن ابن رسول الله بعد موته منها، ومن أن يقربوا
سريره إليها، وتقول: لا تدخلوا بيتي من لا أحبه (1)، وإنما أتوا به ليتبرك بوداع
جده، فصدته عنه، فعلى أي وجه دفعت هذه الحجرة إليها، وأمضى حكمها إن
كان ذلك لأن النبي نحلها إياها فكيف لم تطالب بالبينة على صحة نحلتها كما
طولبت بمثل ذلك فاطمة صلوات الله عليها؟ وكيف صار قول عائشة بنت أبي بكر
مصدقا، وقول فاطمة ابنة رسول الله مكذبا مردودا؟ وأي عذر لمن جعل عائشة
أزكى من فاطمة صلى الله عليها وقد نزل القرآن بتزكية فاطمة في آية الطهارة
وغيرها، ونزل بذم عائشة وصاحبتها، وشدة تظاهرهما على النبي (صلى الله عليه وآله) وأفصح
بذمها، وإن كانت الحجرة دفعت إليها ميراثا، فكيف استحقت هذه الزوجة من
ميراثه ولم تستحق ابنته منه حظا ولا نصيبا؟ وكيف لم يقل هذا الحاكم لابنته
عائشة نظير ما قال لبنت رسول الله: إن النبي لا يورث، وما تركه صدقة!
على أن في الحكم لعائشة بالحجرة عجبا آخر وهو: أنها واحدة من تسع أزواج

(1) إرشاد المفيد: 2 / 18. الخرائج والجرائح: 1 / 242، ضمن ح 8. بحار الأنوار: 44 / 154 و 157.
136

خلفهن النبي، فلها تسع الثمن بلا خلاف، ولو اعتبر مقدار ذلك من الحجرة مع
ضيقها لم يكن بمقدار ما يدفن أباها، وكان بحكم الميراث للحسن (عليه السلام) منها أضعاف
بما ورثه من أمه فاطمة ومن أبيه أمير المؤمنين (عليهما السلام) المنتقل إليه بحق الزوجية منها!
ثم إن العجب كله: من أن يمنع فاطمة جميع ما جعله الله لها من النحلة
والميراث ونصيبها ونصيب أولادها من الأخماس التي خص الله تعالى بها أهل
بيته (عليهم السلام) دون جميع الناس، فإذا قيل للحاكم بهذه القضية: إنها وولدها يحتاجون
إلى إنفاق، جعل لهم في كل سنة بقدر قوتهم على تقدير الكفاف، ثم برأيه يجري
على عائشة وحفصة في كل سنة اثني عشر ألف درهم واصلة إليهما على الكمال،
ولا ينتطح في هذا الحكم عنزان!
فمن عجيب كذبهم، ومفرط غلوهم: روايتهم عن النبي أنه قال: " نزل علي
جبرئيل فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، ويقول لك: اقرأ على أبي بكر
مني السلام، وقل له: ربك يقرئك السلام، ويقول: أنا عنك راض، فهل أنت عني
راض " (1)؟! فهذه منزلة تفوق منازل الأنبياء المصطفين، لأنا لا نعلم أحدا منهم
خاطبه الله تعالى بهذا الخطاب العظيم، بل لو روي مثله في النبي (صلى الله عليه وآله) الذي هو
خير الأنام لكان من المنكر؟ فكيف فيمن أشرك بالله أربعين سنة، وقال عند
موته: وددت أني شعرة في صدر مؤمن (2)؟

(1) تاريخ مدينة دمشق: 30 / 71 - 72. الاحتجاج للطبرسي: 2 / 477. أسد الغابة: 3 / 213.
الرياض النضرة: 3 / 196. بحار الأنوار: 50 / 80.
(2) قال عمر: وددت أني شعرة في صدر أبي بكر. انظر: مناظرات في الإمامة: 182، نقلا عن
الاحتجاج للطبرسي: 2 / 319. وأخرجه أيضا في بحار الأنوار: 49 / 280. وسيأتي الحديث
ص 139.
137

ومن عجيب كذبهم: روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان راكبا وأبو بكر يمشي، فأوحى
الله تعالى إليه: " ألا تستحي، أنت راكب وأبو بكر يمشي "؟ وهذا من جهالتهم
المفرطة، وهو دال على غباوة من اختلقه، وحمق من صدقه، وذلك أن مضمون
هذا الكلام يقتضي أن أبا بكر إما مساو لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في الفضل، أو أفضل منه
وأجل، لأنه لا يجوز أن يقال للنبي (صلى الله عليه وآله): ألا تستحي أن تركب ومن دونك ماش؟
ومعنى هذا التوبيخ في الخبر: أنه كان يجب أن تكون ماشيا مثل أبي بكر، أو يكون
أبو بكر راكبا مثلك، أو تمشي أنت ويركب أبو بكر، وإلا فلا فائدة في القول!
وجميع ذلك خلاف دين الإسلام، وكفر من جوزه من الناس، والمعلوم أن الله
تعالى أمر بتعظيم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا
تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون * إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله
أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) (1)، فكيف مع هذا أن يوبخ الله
تعالى من أمر الأمة بإجلاله وتعظيمه إذا ركب ومشى أحد أمته؟ إن هذا لعظيم!
ومن عجيب كذبهم: دعواهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " أبو بكر وعمر سيدا
كهول أهل الجنة " (2)، هذا مع المشهور عنه (صلى الله عليه وآله): أن أهل الجنة شباب كلهم، فإنه
لا يدخلها العجوز، وإنما افتعلوا هذا الخبر ليعارضوا به قول النبي (صلى الله عليه وآله): " الحسن
والحسين سيدا شباب أهل الجنة " (3).
وقد قال لهم بعض الشيعة: إن صح خبركم هذا في الرجلين فالمراد أنهما سيدا

(1) سورة الحجرات: 2 و 3.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 30 / 165 - 182. كنز العمال: 11 / 573، ح 32712.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 167. كنز العمال: 7 / 26، وج 12 / 112، ح 32246 وص 115،
ح 34259 و 34260 وص 119، ح 34282 وص 120، ح 34285، وج 13 / 661، ح 37682.
138

كهول الكافرين، لأنه قد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " الدنيا سجن المؤمن،
والقبر بيته، والجنة مأواه، وإن الدنيا جنة الكافر، والقبر حبسه، والنار مثواه " (1).
فما علمنا جنة فيها كهول إلا جنة الكفار التي هي الدنيا، فهما سيدا الكفار!
ومن عجيب كذبهم: روايتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " وزنت بأمتي فرجحت،
ووزن بها أبو بكر فرجح، ووزن بها عمر فرجح، ثم رجح، ثم رجح، فزعموا أن
نبي الرحمة الذي هدى الله به الأمة رجح مرة واحدة، وأن أبا بكر ساواه رجح مرة
واحدة مثله، وأن عمر بن الخطاب الذي شك في نفسه، ولم يتحقق إيمانه،
واتهم نبيه ولم يصوبه في فعله، ولا صدق في قوله، ومنع أن يؤتى له بالدواة
ليكتب بها ما فيه صلاح أمته، وزعم أن خير خلق الله يهجر في كلامه (2)، ولطم
فاطمة ابنته (3)، وأتى بالحطب ليحرق بيتها على من فيه (4)، رجح بالفضل ثلاث
دفعات، وأن فضل رسول الله (صلى الله عليه وآله) قدر ثلث فضله، وهذا في الغاية من الجهل،
وعدم التميز والعقل!
فليت شعري ماذا يقولون فيما روي عن عمر من تمنيه لو كان شعرة في صدر
أبي بكر (5)؟ وكيف يتمنى ذلك وفضله ثلاثة أمثال فضل أبي بكر، وأبو بكر يتمنى
لو كان شعرة في صدر مؤمن؟!

(1) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام): 339. بحار الأنوار: 6 / 169، ح 41، وج 78 / 347.
(2) مسند أحمد بن حنبل: 1 / 483، ح 2671. صحيح البخاري: 1 / 39، وج 4 / 85، وج 6 / 11.
(3) الاختصاص: 185. بحار الأنوار: 7 / 270، وج 28 / 227، وج 29 / 192.
(4) المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 432، ح 37045. الإمامة والسياسة: 19. العقد الفريد: 5 / 13.
(5) الاحتجاج: 2 / 319. بحار الأنوار: 5 / 280.
139

ومن عجيب كذبهم: روايتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " إن بين عيني عمر ملكا يسدده
ويثقفه " (1)، و " إن ملكا ينطق على لسان عمر " (2). هذا مع اعتقادهم أن سيد البشر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة في المسجد الحرام وهو غاص بالناس فقرأ: (والنجم إذا
هوى) (3)، فلما انتهى إلى قوله: (أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى) (4) ألقى الشيطان
على لسانه أن قال: " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى "، وزعموا أن
الشيطان ألقى على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضلالا زاده في القرآن (5)، وأن بين عيني
عمر وعلى لسانه ملكين. وهذا إفراط في الكفر وهزؤ بالشرع!
فليت شعري أين كان هذان الملكان اللذان أحدهما بين عيني عمر، والآخر
على لسانه، وقت شكه بالإسلام، وارتيابه وإنكاره على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما فعله في
الحديبية، وحكم به وقوله: على م تعطي الدنية في ديننا؟ فقال له النبي (صلى الله عليه وآله):
" إنما أعمل بما يأمرني به ربي " (6).
وروي أنه قال (صلى الله عليه وآله): " هو خير لك إن عقلت "، فقام من بين يديه وهو مسخط
رأيه، غير راض حكمه، وأقبل يمشي بين الناس، ويؤلب على النبي ويقول:
وعدنا برؤياه التي رآها أن ندخل مكة، وقد صددنا عنها ومنعنا منها، نحن الآن

(1) فضائل أحمد بن حنبل: 1 / 247 و 306. مجمع الزوائد: 9 / 72.
(2) فضائل الصحابة: 1 / 263، ح 341. المعرفة والتاريخ: 1 / 456.
(3) سورة النجم: 1.
(4) سورة النجم: 19 و 20.
(5) تفسير البيضاوي: 4 / 134.
(6) تاريخ الطبري: 2 / 634. تاريخ عمر بن الخطاب: 58.
140

ننصرف وقد أعطيت الدنية، والله لو أن معي أعوانا ما أعطيتهم الدنية أبدا، وقد
أعطى له الأعوان يوم أحد ويوم حنين وغيرها فانهزم، وبلغ قوله النبي (صلى الله عليه وآله)،
فغضب وقال: " أين كنتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلون على أحد وأنا أدعوكم؟
أنسيتم يوم الأحزاب (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر
وتظنون بالله الظنونا) (1)؟ أنسيتم يوم كذا "؟
فلما رأى عمر غضبه قال: " أعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله، والله
يا رسول الله إن الشيطان ركب على عنقي " (2)، فكيف يركب الشيطان على عنق
من بين عينيه ملك يسدده، وعلى لسانه ملك ينطق على لسانه؟! ثم قال له:
يا رسول الله، ألم تكن أخبرتنا أنك تدخل المسجد الحرام وتأخذ مفتاح الكعبة
وتعرف مع المعرفين، فكيف ذلك وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحن؟
فقال (صلى الله عليه وآله): قلت لكم: إن ذلك يكون في سفركم هذا؟ قال: لا.
قال: فستدخلونها، وآخذ المفتاح، وأعرف مع المعرفين، وتحلقون
رؤوسكم، فلما كان يوم الفتح أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) مفتاح الكعبة وقال: ادعوا لي عمر،
فلما أتاه، قال: أي عمر هذا الذي كنت قلت لكم.
وكذلك لما عرف في حجة الوداع أحضره وقال له مثل ذلك.
وروي عن عمر أنه قال: " ما شككت مثل يومئذ " (3) فكيف يشك في الإيمان
من رويتم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: بين عينيه وعلى لسانه ملكان لا يفارقانه؟!

(1) سورة الأحزاب: 10.
(2) تفسير القمي: 2 / 357. بحار الأنوار: 9 / 242.
(3) مجمع البيان: 9 / 198. بحار الأنوار: 20 / 335.
141

ومن عجيب أمرهم في مثل هذا: دعواهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " إن الله ضرب
الحق على لسان عمر وقلبه " (1)، فكيف تصح هذه الدعوى، وقد تكلم في أمارته
في الجد بسبعين قضية يخالف بعضها بعضا، وقال: لا تغالوا في مهور النساء
فتجاوز أربعمائة درهم حتى قامت إليه امرأة فقالت: كتاب الله أحق أن يتبع أم
قولك؟ قال: بل كتاب الله، فتلت عليه قول الله تعالى: (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا
منه شيئا) (2)، فقال لما استمع ذلك: ثكلتك أمك يا عمر، كل أحد أفقه منك حتى
النساء (3).
وحكم يوما بين اثنين فقالا له: أصبت يا أمير المؤمنين أصاب الله بك الخير،
فقال: وما يدريكما؟ وقال: والله ما يدري عمر أصاب أم أخطأ (4)، وأغلاطه قبل
ذلك وبعده لا تحصى، وهو القائل لما رده أمير المؤمنين (عليه السلام) في أشياء كثيرة إلى
الصواب: " لولا علي لهلك عمر " (5)، فكيف يثبت مع هذه الأمور دعواهم أن الله
تعالى ضرب الحق على لسانه وقلبه؟ أليس هو الذي خلط في الشورى تخليطا
لا يخفى على ذي فهم، وأحضر الستة فقال لكل واحد منهم قولا لا يصح معه أن
يرد إليه أمارة على مدينة، ولا تدبير ضيعة، فوصف طلحة بزهوه ونخوه، والزبير

(1) تاريخ مدينة دمشق: 44 / 97 - 106. شرح نهج البلاغة: 12 / 307.
(2) سورة النساء: 20.
(3) سنن سعيد بن منصور: 1 / 166، ح 598. السنن الكبرى: 7 / 233. كنز العمال: 16 / 535،
ح 45790.
(4) دعائم الإسلام: 1 / 93 - 94. بحار الأنوار: 104 / 271. وفيهما: أنه قضى قضية بين رجلين،
فقال له أدنى القوم إليه مجلسا: أصبت يا أمير المؤمنين، فعلاه عمر بالدرة وقال: ثكلتك
أمك، والله ما يدري...
(5) المناقب للخوارزمي: 80، ح 65. كفاية الطالب: 227، ح 3. ذخائر العقبى: 80 و 81.
142

بجفايته وجلافته، وأنه مؤمن من الرضا كافر من السخط، وسعدا بأنه صاحب
مقنب (1) وقتال، وأنه لا يقوم بتدبير قرية، وعبد الرحمن بضعفه، وعثمان بأنه
يحمل أهله على رقاب الناس، وقال: إن روثة خير منه، ووصف علي بن أبي
طالب (عليه السلام) بأنه ذو لطافة وفكاهة، ثم أمر بعد ذلك أن يختاروا أحدهم للأمة (2)،
فليس يخفى تخليط هذا الرجل عن ذي بصيرة، ولا يشك عاقل أنهم كذابون في
قولهم: إن الحق ضرب على لسان عمر!
ومن العجب: أن يتحسر على سالم مولى أبي حذيفة ويقول: لو كان حيا ما
يخالجني فيه الشك (3)، وبحضرته أمير المؤمنين والعباس فتخالجه الشكوك
فيهما، ولا يتخالج في سالم لو كان حيا، فهل هذا من الحق الذي ضربه على لسانه
وقلبه؟!
وأعجب من هذا في الستة بما لم ينزل الله تعالى، ولم يتضمنه شرع رسول
الله (صلى الله عليه وآله): قوله: إن اختلفوا ثلاثة وثلاثة فالحق في الثلاثة التي فيها عبد الرحمن،
واقتلوا الثلاثة الأخرى (4)، فهل هذا إلا قصد لقتل أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ إذ العلم
حاصل بأن عليا (عليه السلام) لا يوافق عثمان على شئ، وأن عبد الرحمن في تلك الحال
يميل إلى عثمان، وإذا لم يكن أمير المؤمنين ثالثهما فإنما أمر بقتل الثلاثة التي هو
أحدهم، فهل هذا فعل من ضرب الحق على لسانه؟

(1) أي صاحب خيل.
(2) انظر: تاريخ المدينة المنورة لابن شبة: 3 / 880 - 882. السنن الكبرى للبيهقي: 7 / 150.
شرح نهج البلاغة: 1 / 144. منتخب كنز العمال: 2 / 189.
(3) تاريخ المدينة المنورة: 3 / 881. تاريخ الطبري: 4 / 227. أسد الغابة: 2 / 246. بحار الأنوار:
28 / 383.
(4) الإمامة والسياسة: 29. تاريخ الطبري: 4 / 229 - 230.
143

ومن العجب: قوله: " الحق في الثلاثة التي فيها عبد الرحمن " مع سماعه قول
الرسول (صلى الله عليه وآله): " علي مع الحق، والحق مع علي " (1) فما هذه المنزلة لعبد الرحمن
على أمير المؤمنين (عليه السلام) لولا العداوة والهوى، وركوب كل صعب يسخط الله
تعالى؟!
ومن عجيب كذبهم، ومفرط غلوهم: دعواهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " لو نزل
العذاب ما نجا إلا عمر بن الخطاب " (2)، وهذا تصريح بالكفر والردة، والخروج
عن الملة، لأنهم أوجبوا أنه لولا عمر بن الخطاب لهلك جميع الناس وفيهم
رسول الله الذي قال الله تعالى فيه: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) (3)، وفيهم أهل بيته
المكرمون الذين شهد بطهارتهم التنزيل في قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (4).
هذا والمحفوظ عن عمر أنه دعا بالويل والثبور عند احتضاره، وتمنى لو كان
ترابا، وأن أمه لم تلده (5)، فلولا أنه رأى بوادر ما توعد به على سيئ أعماله،
وأشرف على مقدمات العذاب وأهواله، لم يقل هذا عند احتضاره، فكيف يصح
القول بأنه لولا من هذه صفته لعذب الله خلقه الذين فيهم خيرته وصفوته؟ وهل
يخفى هذا الافتعال إلا على العمي والجهال؟!
ومن عجيب كذبهم، وقبيح جهلهم: دعواهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " لو لم

(1) تقدمت تخريجاته في الفصل السادس.
(2) تفسير القرطبي: 8 / 47. شرح نهج البلاغة: 12 / 307. الدر المنثور: 4 / 108. بحار الأنوار:
50 / 83.
(3) سورة الأنفال: 33.
(4) سورة الأحزاب: 33.
(5) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي: 187.
144

أبعث فيكم لبعث عمر " (1)، وأنه قال: " ما أبطأ علي جبرئيل إلا أني ظننت أنه قد
بعث إلى عمر " (2)، وفي رواية أخرى: " ما احتبس عني الوحي ثلاثا إلا ظننته قد
نزل على عمر " (3)، فأي كفر أعظم من هذا؟ وأي جهل أعجب منه؟! أليس عمر
الذي شك في نفسه حتى سأل حذيفة بن اليمان، فقال له: أنا من المنافقين أم لا؟
وكيف يشك في نفسه ومنزلته منزلة من يظن به النبي (صلى الله عليه وآله) نزول الوحي عليه
ويخاف أن ينتقل بنبوته إليه؟ وبعد، فقد قال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين) (4)، فإن كانت روايتهم هذه صحيحة فإرساله نقمة على عمر بن الخطاب،
لأنه حرمه أن يكون نبيا، إذ لو لم يبعث فيهم لبعث عمر، فيجب أن لا يكون في
الأرض أشر على عمر بن الخطاب من النبي (صلى الله عليه وآله) يصرفه عن أن ينال أجل مرتبة،
وأعلى مقام!
ومن عجيب كذبهم، وطريف افتعالهم: قولهم: إن شاعرا كان ينشد رسول
الله (صلى الله عليه وآله) شعرا، فبينما ينشده إذ دخل عمر بن الخطاب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) للشاعر:
اسكت، فسكت، فلما خرج عمر قال للشاعر: عد، فعاد ينشده، فرجع عمر بن
الخطاب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) للشاعر: اسكت، فسكت، حتى فعل ذلك ثلاث دفعات.
فلما خرج عمر قال الشاعر: يا رسول الله، من هذا الذي تأمرني بالإنشاد إذا
خرج وتسكتني إذا دخل؟

(1) تاريخ مدينة دمشق: 44 / 114 - 116. تاريخ عمر بن الخطاب: 40. شرح نهج البلاغة:
12 / 307. وفي بعضها: " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ".
(2) شرح نهج البلاغة: 12 / 308.
(3) الاحتجاج: 2 / 480. بحار الأنوار: 50 / 82.
(4) سورة الأنبياء: 107.
145

فقال: النبي (صلى الله عليه وآله): " هذا عمر بن الخطاب لا يحب سماع الباطل " (1)، فحملهم
كثرة الجهل، وقلة الدين، وخفة العقل، على افتعال هذا الخبر الذي نزهوا عمر
فيه عن أمر نسبوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الرغبة فيه، وأجلوا عمر عن محبة الباطل،
وزعموا أن محمد بن عبد الله خير خلق الله يحبه ويستدعيه، ولا يذكرون مع ذلك
ما روي من أن عمر بن الخطاب كان أحب الأشياء إليه الشعر واستماعه، وحفظه
وإنشاده، وأنه ما أهمه قط أمر إلا أنشد بيت شعر، وهو القائل للناس: أنشدوا
أولادكم الشعر فإنه ديوان العرب، وبه معرفة أنسابهم، وحفظ مناقبهم!
ومن عجيب كذبهم: روايتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " عمر سراج أهل الجنة " (2)،
أفترى لو لم يخلق الله عمر بن الخطاب كان تكون الجنة مظلمة على أهلها، وفيها
النبيون والمرسلون وأولوا العزم والملائكة المقربون والشهداء والصديقون!؟
ومن عجيب كذبهم: روايتهم أن عمر بن الخطاب نادى سارية بن رستم فقال:
يا سارية الجبل، هذا وعمر بالمدينة وسارية بفارس، فسمع صوته وانحاز إلى
الجبل (3)، وإنما وضعوا هذا الحديث ليضاهوا به خبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في جعفر بن
أبي طالب (عليه السلام) حيث رفعت له مؤتة فنظر إلى معترك جعفر، ثم نعاه إلى الناس
فأخبر أنه أصيب، وأصيب بعده زيد بن حارثة، ثم عبد الله بن رواحة (4)، فأرادوا
أن يساووا في المعجزتين [بين] (5) رسول الله وبين عمر بن الخطاب تناهيا بالغلو

(1) حلية الأولياء: 2 / 46. شرح نهج البلاغة: 12 / 308.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 44 / 166 - 167. شرح نهج البلاغة: 12 / 308.
(3) أسنى المطالب: 361، ح 1762. كشف الخفاء: 2 / 514 - 515، ح 3172. السلسلة الصحيحة:
3 / 101، ح 1110.
(4) تاريخ الطبري: 3 / 41.
(5) أضفناه لاقتضاء السياق.
146

والإفراط، وإذا روي دون هذا في أمير المؤمنين (عليه السلام) كذبوه، واستعظموا روايته
وأنكروه، ولئن كان عمر قد نادى بسارية من بعد فلقد قوي سارية بسماع ندائه
من بعد، ولعل المعجز لسارية في سماعه وهو بفارس كلام عمر بن الخطاب وهو
بالمدينة.
ولهم من هذه الأخبار المفتعلة التي يعارضون بها معجزات النبي (صلى الله عليه وآله)
ما لا يحصى كثرة، ولقد سمعت بعض رواتهم يقول: إن عثمان بن عفان سبح
الحصى في كفيه جميعا، وهذا تصريح بتفضيل عثمان على النبي (صلى الله عليه وآله)، لأن
النبي (صلى الله عليه وآله) سبح الحصى في كفه، وعثمان سبح الحصى في كفيه جميعا، ويقولون
مع هذا: إن الشيعة تغلو في أمير المؤمنين، وهذا اعتقادهم في أبي بكر وعمر
وعثمان أخزاهم الله، ولقد تناهوا في العناد والعصبية، وأبدعوا باختراع كل
عظيمة، ولو رمنا إيراد جميع ما نقلوه من هذا النمط، لطال القول في ذلك
وانبسط، ولم يحوه كتاب مفرد، وفيما ذكرنا كفاية لمن انتفل (1)!

(1) انتفل من الشئ: انتفى وتبرأ منه. (لسان العرب: 11 / 672 - نفل -).
147

الفصل السابع عشر
من أغلاطهم في الأحكام، وبدعهم في شريعة الإسلام
فمن عجيب أمرهم: أنهم يسمعون كتاب الله تعالى يتلى عليهم، يتلقنه
صغارهم، ويتداركه كبارهم، وفيه قوله جلت عظمته: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت
عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (1) فيخبرهم أن الدين قد أكمله لهم، وأزاح فيه عللهم،
ولا يكون كاملا إلا وقد نص لهم على جميع أحكامه، وعرفهم ما كلفهموه من
حلاله وحرامه.
فيجحدون ذلك ويدعون أن أكثر الأحكام لم ينص عليها، وأن من وجوه
الحلال والحرام شيئا لم يعرفهم الحق فيها، وأن القرآن والسنة اللذين أزيح بهما
علل الأمة لم يشتملا على جميع أحكام الملة، وأنهم لم يأثروا عن النبي (صلى الله عليه وآله) من
الصحيح إلا أربعة آلاف حديث لا تحيط بجميع الأحكام، ولا تحتوي على سائر
الحلال والحرام، ويبلغهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في المنبر آخر عمره: " اللهم هل
بلغت " (2)؟ فيقولون: إنه لم يبلغهم جميع ما كلفهموه، ولا نص لهم على سائر

(1) سورة المائدة: 3.
(2) مسند أحمد بن حنبل: 1 / 230، وج 4 / 76. تفسير الطبري: 4 / 105. بداية النهاية: 5 / 194.
148

ما احتاجوه، ولا أودع حفظة يكونون بعده يفزع إليهم فيه، وأن عدمهم النصوص
في كثير من التكليف أحوجهم إلى أن عولوا على الظنون والآراء، واعتمدوا على
الاستحسان والأهواء، وزعموا أنهم يستخرجون مراد الله تعالى من العياذ بالقياس
على علل غير معلومات، والله تعالى يقول: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الكافرون) (1)، فهم يقولون: إن لنا أن نحكم في الشريعة بما يوجبه قياسنا واجتهادنا
مما ليس بمنزل ولا منصوص، ولو اجتهد الطاغوت في إبطال الحق، وإهلاك
الخلق، ما قدر على أكثر من أن يحكم في الشرع بغير ما أنزل الله سبحانه، ويجعل
ذلك دينا يتوارث ومذهبا يتناقل، ولذلك اختلفت كلمتهم، وتضادت أقوالهم،
وتحير المسترشد منهم، وضاق الحق عنهم، ولتعذر إئتلافهم اعتقدوا أنهم على
صواب في اختلافهم!
ومن العجب: أن الله تعالى ينهاهم عن الاختلاف في قوله: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا
واختلفوا) (2)، ويعلمهم أن دينه غير مختلف في قوله تعالى: (ولو كان من عند غير الله
لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (3)، وهم يعتقدون مع ذلك أن الاختلاف من دين الله،
ويدعون على النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " اختلاف أمتي رحمة " (4)!
فمن العجب: أن يكون اختلافهم رحمة، ولا يكون اتفاقهم سخطا ونقمة!

(1) سورة المائدة: 44.
(2) سورة آل عمران: 105.
(3) سورة النساء: 82.
(4) إتحاف السادة المتقين: 1 / 204 و 205. كنز العمال: 10 / 136، ح 28686. سلسلة الأحاديث
الضعيفة: 1 / 76، ح 57.
149

ومن عجيب أمرهم: أنهم يسمعون النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: " من حكم في أقل من
عشرة دراهم فأخطأ حكم الله عز وجل جاء يوم القيامة مصفودة يده " (1) فيخالفون
ويزعمون أنه للحاكم أجرا في خطائه، ويدعون على النبي أنه قال: " إذا اجتهد
الحاكم فأخطأ فله أجر، وإذا اجتهد وأصاب فله أجران " (2)، والذي حملهم على
افتعال هذا الخبر علمهم بوقوع الخطأ منهم ومن أئمتهم الذين يأخذون دينهم
عنهم، ولذلك قالوا: كل مجتهد مصيب!
ومن العجيب: أن يكون كل مجتهد مصيبا إلا الشيعة، فإنهم في اجتهادهم على
خطأ وبدعة، وكل من أفتى في الإسلام بفتوى، سواء قام إليها أم رجع إلى غيرها،
فهو من فقهاء الأمة، وفتواه معدودة في خلاف أهل الملة، وأقواله مسموعة، وهو
من أهل السنة والجماعة، إلا الأئمة من أهل بيت النبوة، فإن الباقر والصادق
وآباءهما والأئمة من ذريتهما صلوات الله عليهم أجمعين ليسوا عندهم من
الفقهاء، ولا يعدون أقوالهم خلافا، ولا يصدقون لهم قولا، ولا يصوبون لهم
فعلا، وليسوا من أهل السنة والجماعة، ومن اتبعهم واقتدى بهم فهو من أهل
البدعة، وهذا من التجريد في العداوة إلى الغاية!
ومن العجب: إنهم يسمعون قول الرسول (صلى الله عليه وآله): " إني مخلف فيكم الثقلين ما إن

(1) انظر: مسند أحمد بن حنبل: 1 / 430، وج 5 / 284. المعجم الكبير: 10 / 196، ح 10313.
الترغيب والترهيب: 3 / 157، ح 9، وص 159، ح 11، وص 173، ح 24، وص 174، ح 27 -
31. مجمع الزوائد: 5 / 204 - 207. كنز العمال: 6 / 24، ح 14680 - 14684، وص 32،
ح 14720 - 14722، وص 33، ح 14723 و 14725 و 14728 و 14729، وص 34، ح 14730
و 14731 و 14733، وص 40، ح 14761.
(2) سنن الدارقطني: 4 / 211. دلائل النبوة للبيهقي: 7 / 185. السنن الكبرى للبيهقي: 10 / 118
و 119. تلخيص الحبير: 4 / 180، ح 2072.
150

تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا
علي الحوض " (1)، وقوله (صلى الله عليه وآله): " مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها
نجا، ومن تخلف عنها غرق " (2)، وقوله (صلى الله عليه وآله): " النجوم أمان لأهل السماء، وأهل
بيتي أمان لأمتي " (3)، في أمثال هذه الأخبار الواردة مورد الظهور والانتشار،
المتضمنة إعلامهم بأن الله تعالى قد أزاح بأهل بيت نبيه (عليهم السلام) عللهم، وأغناهم بهم
عن غيرهم، فيهجرونهم ولا يرجعون في مسألة من الفقه إليهم، ويتعلقون بأذيال
مالك وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود وابن حنبل، المختلفي الأفعال
والأقوال، المتبايني الأحكام في الحلال والحرام، فيتبعونهم مقتدين بهم،
ويعتمدون عليهم في معالم الدين، ويتقربون بما يأخذونه منهم إلى رب
العالمين، ويقولون: هم علماء الأمة، وفقهاء أهل القبلة، وأئمة الأنام، وحفظة
الإسلام، الذين هذبوا الشرع، وتمموا الناقص من السمع، ومن سواهم لا يؤخذ
منه علما، ولا يصوب لهم عملا (بئس للظالمين بدلا) (4)!
ومن عجيب أمرهم، وظاهر عنادهم: أنهم يرون وجوب العمل بأخبار الآحاد،

(1) مسند أحمد بن حنبل: 3 / 388، ح 10720. المستدرك على الصحيحين: 3 / 148. السنن
الكبرى للبيهقي: 2 / 148. مجمع الزوائد: 9 / 162 - 163. إتحاف السادة المتقين: 10 / 502
و 506.
(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 150. حلية الأولياء: 4 / 306. نظم درر السمطين: 235.
مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) للخوارزمي: 1 / 104. المناقب لابن المغازلي: 132، ح 173 -
176. ذخائر العقبى: 20. مجمع الزوائد: 9 / 168.
(3) فضائل الصحابة: 2 / 671، ح 1145. المستدرك على الصحيحين: 3 / 149. العمدة لابن
البطريق: 161. ذخائر العقبى: 17. مجمع الزوائد: 9 / 174.
(4) سورة الكهف: 50.
151

فإذا أورد إليهم خبر عن أحد العترة الأبرار، والأئمة الأطهار، أهل بيت النبوة،
ومعدن العلم والحكمة، صلوات الله عليهم أجمعين لم يصغوا إليه، ويدعوا
المعقول عليه، وكان عندهم دون أخبار الآحاد رتبة، وأقل منها درجة.
ويختارون عليه أخبار أبي هريرة الذي قال له النبي (صلى الله عليه وآله): " إن فيك لشعبة من
الكفر " (1).
وأخبار مغيرة بن شعبة الذي شهد عليه ثلاثة بالزنا عند عمر بن الخطاب،
ولعن الرابع حتى تلجلج في الشهادة، فدفع عنه الحد (2).
وأخبار أبي موسى الأشعري مقيم الفتنة، ومضل الأمة، الذي أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) أنه
إمام الفرقة المرتدة، فقال فيما رواه حذيفة، عن سلمان: " ستفترقون على ثلاث
فرق، فرقة منها على الحق لا ينقص الباطل منها شيئا يحبونني ويحبون أهل بيتي،
مثلهم كمثل الذهبة الحمراء أوقد عليها صاحبها فلم تزدد إلا خيارا، وفرقة على
الباطل لا ينقص الحق منها شيئا يبغضونني ويبغضون أهل بيتي، مثلهم مثل
الحديدة أوقد عليها صاحبها فلم تزدد إلا شرا، وفرقة مذبذبة (3) بين هؤلاء على
ملة السامري يقولون: لا مساس، إمامهم الأشعري " (4).
وأخبار عبد الله بن عمر الذي لم يحسن أن يطلق امرأته (5)، والذي قعد عن بيعة

(1) مجمع الزوائد: 8 / 86.
(2) السنن الكبرى للبيهقي: 8 / 235.
وانظر: شرح نهج البلاغة: 12 / 342 - 350. الغدير: 6 / 196 - 204.
(3) في أمالي المفيد: مدهدهة. أي مدحرجة، ولعله كناية عن اضطرابهم في الدين وتزلزلهم
بشبهات المضلين.
(4) أمالي المفيد: 29، ح 3. بحار الأنوار: 28 / 9، ح 12.
(5) انظر: تاريخ الطبري: 4 / 228.
152

أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم جاء بعد ذلك إلى الحجاج فطرقه ليلا وقال: بيدك أبايعك
لأمير المؤمنين عبد الملك، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " من مات وليس
عليه بيعة إمام فموتته جاهلية " (1)، فأنكر عليه الحجاج ذلك مع كفره وعتوه،
وقال له: بالأمس تقعد عن بيعة علي بن أبي طالب، وأنت اليوم تأتيني وتسألني
عن بيعة عبد الملك بن مروان! يدي عنك مشتغلة، لكن هذه رجلي (2).
وأخبار كعب الأحبار الذي قام إليه أبو ذر (رحمه الله) فضربه بين يدي عثمان على رأسه
بالمحجنة فشجه، وقال: يا بن اليهودية، متى كان مثلك يتكلم في الدين، فوالله ما
خرجت اليهودية من قلبك (3)؟
وأخبار عامر الشعبي الذي تخلف عن الحسين (عليه السلام) وخرج مع عبد الرحمن بن
محمد بن الأشعث، وقال له الحجاج: أنت المعين علينا، فقال: نعم، ما كنا فيها
ببررة أتقياء، ولا فجرة أشقياء (4).
وهو الذي دخل بيت المال فسرق في خفه مائتي درهم.
فهؤلاء ومن يجري مجراهم، رواة القوم وثقاتهم، الذين يختارون أخبارهم
على أخبار الإمام الصادق وآبائه وأتباعه صلوات الله عليهم، فالكفر منهم طويل،
والتعجب منهم غير قليل!
ومن عجيب مغالطتهم، وظاهر جهلهم ومباطلتهم: قولهم: لو علمنا أنكم

(1) مسند أحمد بن حنبل: 3 / 446. المعجم الكبير 10 / 350، وج 19 / 335. السنن الكبرى
للبيهقي: 8 / 156. مجمع الزوائد: 5 / 223 و 225. إتحاف السادة المتقين: 6 / 122 و 334
و 335.
(2) شرح نهج البلاغة: 13 / 167.
(3) انظر: مروج الذهب: 2 / 349. شرح نهج البلاغة: 3 / 41.
(4) سير أعلام النبلاء: 4 / 306 و 314. وفيات الأعيان: 2 / 39، وج 3 / 14.
153

معاشر الشيعة صادقون فيما تدعون عن الباقر والصادق (عليهما السلام) لسمعنا منكم،
وأخذناه عنكم، لأن مثلهم لا يخالف في علم، ولا يتهم في فهم، ولكنكم غير
موثوق بكم فيما تدعون، ولا بما نقل إليكم عنهم ما يذكرون، فيظهرون استعظام
مخالفة الأئمة صلوات الله عليهم، ويعتذرون في ترك الأخذ بقولهم بهذا الاعتذار
الباطل والتعليل الفاسد، وينسبون مع ذلك أنهم بأجمعهم وسلفهم من قبلهم
يجاهرون بمخالفة أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو أفضل وأعلم من بنيه فيما هو
مذكور في كتبهم، مسطور في صحفهم، الذي منه قولهم: " كان من مذهب
علي (عليه السلام): بيع أمهات الأولاد " (1)، و " كان من مذهبه: إنكار المسح على
الخفين " (2)، و " كان من مذهبه: أن لا يقتل اثنين بواحد إلا أن يؤدي أولياء الدم إلى
كل واحد منهما نصف الدية " (3)، و " كان من مذهبه قطع يد السارق من أصول
الأصابع " (4)، وغير ذلك مما يعترفون بأنه من مذهبه، وقوله الذي يدين به، ثم
إنهم يخالفونه فيه، ويباينونه عليه، فما هذا الاستعظام لمخالفة أولاده،
والاحتشام من تخطئة الأئمة من بعده، لولا أنهم يحجمون المقال، ويبطلون
بالزور والمحال!؟
ومن العجب: أن تنقل كل طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة
وغيرهم من متفقهة العامة فقها عن أئمتها فتصدق فيما نقلت، ولا تكذب فيما
أخبرت وروت، ولا يقول لها أحد: لا يثق بك فيما حكيت عن ربك مقالتك،
وأنت متهم فيما رويت عن رئيس محلتك، ثم تنقل الشيعة فقها عن أئمتها

(1) تلخيص الحبير: 4 / 219. وسائل الشيعة: 18 / 278، ب 24.
(2) وسائل الشيعة: 1 / 457، ب 38.
(3) وسائل الشيعة: 29 / 41، ب 12.
(4) وسائل الشيعة: 28 / 251، ب 4.
154

فلا تصدق وتتهم فيما تسنده إليهم ولا يوثق فيقول لها جميع من خالفها: قد
كذبت على من انتسبت إليه، وافتعلت الباطل والمحال عليه، ومن تأمل بعين
الإنصاف رأى الطرفين متماثلين، والنقل مشتبهين، ووجدنا ما صحح أحدهما
مصححا للآخر، وما شكك أحدهما مشككا للآخر.
هذا وأمثاله شاهد صدق بعنادهم، وحاكم حق بسوء اعتقادهم، ودليل بيان
يخبر بجهلهم، وبرهان عرفان ينطق بضلالتهم. ومن افتقد أقوالهم، وانتقد
أفعالهم، واعتبر مقاصدهم، واختبر عقائدهم، واستكشف ظواهرهم، وكشف
ضمائرهم، رأى من قبيح أغلاطهم، وفظيع إفراطهم، وزايد زللهم، وكثير
خللهم، وواضح معاندتهم، وفاضح مناقضتهم، ما يطيل تعجبه منهم، ويواصل
فكره فيهم، يعلم أننا فيما سطرناه إنما أشرنا إلى قليل من كثير، وأومأنا إلى بقية
من غدير، بل أتينا بنقطة من بحر، وذكرنا وقتا من دهر، وإذ كان استيعاب هذا
الفن متعذرا، والإكثار منه مسئما مضجرا، ففيما أوردناه مثال للفاضل، وكفاية
للعاقل، وتنبيه للغافل، وقضاء لحق السائل.
والحمد لله ولي النعم الكامل، ومبتدئ الكرم المتواصل، وصلاته على سيدنا
محمد ورسوله المخصوص بالحجج والدلائل، وعلى الأئمة من ذريته ذوي
المناقب والفضائل (1).

(1) قال ابن بابويه (رحمه الله) في كتاب كمال الدين وإتمام النعمة: 123: يقال لهم: أليس جعفر بن
محمد عندكم كان لا يذهب إلى ما تدعيه الإمامية، وكان على مذهبكم ودينكم؟ فلا بد من
أن يقولوا: نعم، اللهم إلا أن تبرؤوا منه، فيقال لهم: وقد كذبت الإمامية فيما نقلته عنه،
وهذه الكتب المؤلفة التي في أيديهم إنما هي من تأليف الكذابين؟ فإذا قالوا: نعم، قيل
لهم: فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكون إمامكم يذهب مذهب الإمامية ويدين بدينها،
وأن يكون ما يحكي عن أسلافكم ومشايخكم عنه مولدا موضوعا لا أصل له، انتهى
كلامه.
155