الكتاب: ذخائر العقبى
المؤلف: احمد بن عبد الله الطبري
الجزء:
الوفاة: ٦٩٤
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٥٦
المطبعة:
الناشر: مكتبة القدسي لصاحبها حسام الدين القدسي - القاهرة
ردمك:
ملاحظات: عن نسخة دار الكتب المصرية ، ونسخة الخزانة التيمورية / انتشارات جهان - طهران

ذخائر العقبى
في مناقب ذوي القربى
تأليف العلامة الحافظ محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري
* * *
عن نسخة دار الكتب المصرية، ونسخة الخزانة التيمورية
عنيت بنشره
مكتبة القدسي
لصاحبها حسام الدين القدسي
بباب الخلق بحارة الجداوي بدرب سعادة بالقاهرة
(سنة 1356 وحقوق الطبع محفوظة)
3

(كلمة عن حياة المؤلف)
من شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد
هو محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد
الطبري شيخ الحرم المكي.
ولد بمكة في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة.
وسمع من جماعة. وأفتى ودرس. وتفقه وصنف كتابا كبيرا في الاحكام
في ست مجلدات وتعب عليه مدة ورحل إلى اليمن وأسمعه للسلطان صاحب اليمن.
وروى عنه الدمياطي وابن العطار وابن الخباز والبرزالي وجماعة. قال الذهبي:
الفقيه الزاهد المحدث كان شيخ الشافعية ومحدث الحجاز.
وقال غيره: له تصانيف كثيرة في غاية الحسن منها في التفسير كتب وشرح
التنبيه. وله كتاب الرياض النضرة في فضائل العشرة، وكتاب ذخائر العقبى
في مناقب ذوي القربى، وكتاب السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين،
وكتاب القرى في ساكن أم القرى، وغير ذلك.
توفى في جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وستمائة رحمة الله تعالى.
4

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الحمد لله على خصوص المنح وعموم النعماء وله الشكر على ما أولى من عظائم
المنن وكرائم الآلاء. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله (1) جلت نعوته
عن (2) الاحصاء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الرسل وخاتم الأنبياء: محمد
المنتخب من لباب العرب العرباء ونبيه المنتجب من أعلى سنام الذروة العلياء صلى
الله عليه وعلى جميع عترته الطاهرة وصحابته الأنجم الزاهرة وأهل بيته النجباء.
أما بعد فان الله عز وجل قد اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم على جميع من
سواه، وخصه بما عمه به من فضله الباهر وحباه، وأعلى منزلة من انتمى إليه سببا
أو نسبة ورفع مرتبة من انطوى عليه بنصرة أو صحبة، وألزم مودة قرباه كافة
بريته وفرض محبة جملة أهل بيته المعظم وذريته. لاجرم سنح بالخاطر تدوين
ما ورد في مناقبهم وتعريف (3) ما روى في شريف قدرهم وعلو مراتبهم، وتتبع
ما نقل في عظيم فخرهم الفاخر وجمع ما ظفرت به من عميم فضلهم الباهر. ولم لا وهم
هالة قمر الكون وطفاوة شمس البرية. وأغصان دوحة الشرف وفروع أصل الأنوار
النبوية. أعاد الله علينا من معلوم سنى بركتهم. كما أعاذنا من جهل مفهوم على
درجتهم وغمر في غفرانه ذنوبنا بحرمتهم كما غمر باحسانه قلوبنا بمحبتهم
وأحسن مآبنا (4) بجاههم عليه. كما علق آمالنا بالتوسل بهم إليه.
ووسمته بذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى من كتب ذوات أعداد على وجه
الاختصار وحذف الاسناد، عازيا كل حديث إلى كتابه تفصيا (5) من عهدة الارتياب
وتسهيلا على طلابه. والله أسأل أن يجعل ذلك وسيلة إلى جنات النعيم وذريعة

(1) (اله) زائد في نسخة. (
2) في نسخة (على) ولعله غلط.
(3) في نسخة (وتعيين).
(4) في نسخة (مالنا).
(5) في الأصل (تقصيا).
5

إلى درك الفوز (1) العظيم ويحقق الامل فيه لديه إنه ولى ذلك والقادر عليه.
ورتبته قسمين قسم يتضمن ما جاء فيهم على وجه العموم والاجمال، وقسم يتضمن
ذلك على وجه التخصيص وتفصيل الأحوال.
(القسم الأول)
فيما جاء في ذكر القرابة على وجه العموم والاجمال، وفيه أبواب:
(باب في فضل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال توفى لصفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها
ابن فبكت عليه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تبكين يا عمة من توفى
له ولد في الاسلام كان له بيت في الجنة يسكنه فلما خرجت لقيها رجل فقال لها
إن قرابة محمد لن تغنى عنك من الله شيئا فبكت فسمع رسول الله صلى عليه
وسلم صوتها ففزع من ذلك فخرج وكان صلى الله عليه وسلم مكرما لها يبرها ويحبها
فقال لها يا عمة تبكين وقد قلت لك ما قلت قالت ليس ذلك أبكاني وأخبرته بما
قال الرجل فغضب صلى الله عليه وسلم وقال يا بلال هجر بالصلاة ففعل ثم قام صلى
الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع
إن كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وإن رحمي موصلة في
الدنيا والآخرة. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتزوجت أم كلثوم لما سمعت
من رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وأحببت أن يكون بيني وبينه نسب
وسبب. (شرح): التهجير التبكير في كل شئ يقال هجر يهجر تهجيرا فهو مهجر
وهي لغة حجازية، وأراد المبادرة إلى أول وقت الصلاة. وعن جابر بن عبد الله
رضي الله عنهما قال كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم خادم تخدمهم يقال
لها بريرة فلقيها رجل فقال لها يا بريرة غطى شعيفاتك (2) فان محمدا صلى الله عليه
وسلم لن يغنى عنك من الله شيئا قالت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فخرج يجر رداءه محمارة

(1) في نسخة (النور).
(2) الشعفة: الذؤابة.
6

وجنتاه وكنا معشر الأنصار نعرف غضبة بجر ردائه وحمرة وجنيته فأخذنا السلاح ثم
أتيناه فقلنا يا رسول الله مرنا بما شئت والذي بعثك بالحق نبيا لو أمرتنا بآبائنا وأمهاتنا
وأولادنا لمضينا لقولك فيهم ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال من أنا قالوا
أنت رسول الله قال نعم ولكن من أنا قلنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن
هاشم بن عبد مناف قال صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأول من ينفض
التراب عن رأسه ولافخر وأول داخل الجنة ولافخر وصاحب لواء الحمد ولا فخر
وفى ظل الرحمن يوم لاظل إلا ظله ولا فخر ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع بل
تنفع حتى تبلغ حكم وحاء (1) - وهم إحدى قبيلتين من اليمن - إني لأشفع فأشفع
حتى إن من أشفع له ليشفع فيشفع حتى إن إبليس ليتطاول طمعا في الشفاعة. أخرجه
ابن البختري. (شرح) حكم وحاء (1) فسر في الحديث قال في الغريب وهما حيان
واليمن من وراء رمل (2) يبرين. قال أبو موسى يجوز أن يكون حاء من الحوة وقد
حذفت لامه ويجوز أن يكون من حوى يحوى ويجوز أن يكون مقصورا غير
ممدود. حكى ذلك صاحب نهاية الغريب. وعن ابن عمر رضي الله عنهما
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي
وأمي وعمى أبى طالب وأخ لي كان في الجاهلية) أخرجه تمام الرازي في
فوائده، وفى طريقه الوليد بن مسلمة وهو منكر الحديث، وإن ثبت فمحمول
على ما ورد في الصحيح في أبى طالب من تخفيف العذاب عنه بشفاعته صلى الله
عليه وسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت سبيعة بنت أبي لهب
رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الناس
يقولون أنت بنت حطب النار فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغضب
فقال (ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي من آذى قرابتي فقد آذاني ومن آذاني
فقد آذى الله) أخرجه الملا في سيرته.

(1) في الأصل (حاكم) في الموضعين، والتصحيح من النهاية.
(2) في الأصل (ارض) وفى النهاية (رمل).
7

(فصل)
* (ذكر توصيته صلى الله عليه وسلم مع هذا أقاربه أن لا يغتروا بنسبهم) *
عن عائشة رضي الله عنها قالت لما نزل قوله تعالى (وأنذر عشيرتك
الأقربين) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال يا فاطمة بنت محمد
يا صفية بنت عبد المطلب يا بنى عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئا
سلوني من مالي ما شئتم) أخرجه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه (وأنذر عشيرتك
الأقربين) (يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم لا أغنى
عنكم من الله شيئا يا بنى عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس
ابن عبد المطلب لا أغنى عنك من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا أغنى عنك من الله شيئا يا فاطمة بنت محمد سليني من
مالي ما شئت لا أغنى عنك من الله شيئا. وفى رواية (يا معشر قريش اشتروا
أنفسكم من الله لا أغنى عنكم من الله شيئا يا بنى عبد المطلب لا أغنى عنكم
من الله شيئا ثم ذكر نحوه ولم يذكر يا بنى عبد مناف. أخرجاه وأخرجه البخاري
عنه، ولفظه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يا بنى عبد مناف اشتروا أنفسكم
من الله يا بنى عبد المطلب اشتروا أنفسكم من الله يا أم الزبير عمة رسول الله
يا فاطمة بنت محمد اشتريا أنفسكما من الله لا أملك لكما من الله شيئا سلاني من
مالي ما شئتما. وأخرجه مسلم عنه ولفظه قال لما نزلت هذه الآية (وأنذر عشيرتك
الأقربين) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص
فقال يا بنى كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى مرة بن كعب أنقذوا
أنفسكم من النار يا بنى عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى عبد مناف أنقذوا
أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى عبد المطلب أنقذوا
أنفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فانى لا أملك لكم
8

من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها (1). وفى رواية لما نزلت (وأنذر
عشيرتك الأقربين) جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فخص وعم وقال
يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فاتى لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا بنى عبد المطلب
أنقذوا أنفسكم من النار فانى لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا معشر بنى عبد مناف
أنقذوا أنفسكم من النار فانى لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا فاطمة بنت محمد أنقذي
نفسك من النار فانى لا أملك لك ضرا ولا نفعا إلا أن لك رحما سأبلها ببلالها.
أخرجه الحافظ أبو الحسن الخلعي. وهذا لا يضاد ما تقدم وأنه صلى الله عليه
وسلم لا يملك لاحد من الله شيئا ولا ضرا ولا نفعا لكن الله عز وجل يملكه نفع
أقاربه وأمته بالشفاعة الخاصة العامة.
(فصل ذكر آي نزلت فيهم)
عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا
إلا المودة في القربى) قال هي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه ابن السرى.
(ذكر الحث على حب قرابته صلى الله عليه وسلم)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن العباس رضي الله عنه قال لرسول الله
صلى الله عليه وسلم إنا لنخرج فنرى قريشا تتحدث فإذا رأونا سكتوا فغضب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ودر عرق الغضب بين عينيه ثم قال: والله لا يدخل
قلب امرئ إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي. أخرجه أحمد.
(باب في فضل قريش)
وذكر سبب تسميتهم قريشا
عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد سئل عن سبب تسميتهم قريشا قال
بدابة في البحر من أحسن دوابه لا تدع شيئا من الغث والسمين إلا أتت عليه
يقال لها القريش وأنشد:

(1) استعير البلل لمعنى الوصل، أي أصلكم في الدنيا ولا اغنى عنكم من الله
شيئا. والبلال جمع بلل. وفى الأصل تحريف صححته من النهاية.
9

وقريش هي التي تسكن البحر * بها سميت قريش قريشا
تأكل الغث والسمين ولا تترك * منه لذي جناحين ريشا
أخرجه الهاشمي.
(ذكر اصطفائهم)
عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله اصطفى
من ولد آدم إبراهيم واتخذه خليلا واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ثم اصطفى من
ولد إسماعيل نزار ثم اصطفى من ولد نزار مضر ثم اصطفى من مضر كنانة ثم اصطفى
من كنانة قريشا ثم اصطفى من قريش بني هاشم ثم اصطفى من بني هاشم بنى عبد
المطلب ثم اصطفاني من بنى عبد المطلب. أخرجه بهذا السياق الحافظ أبو القسم
حمزة بن يوسف السهمي في فضائل العباس. وأخرجه مسلم والترمذي وأبو حاتم
مختصرا، ولفظه إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة
واصطفى هاشما من قريش واصطفاني من بني هاشم.
(ذكر انهم رضي الله عنهم خير الخلق)
عن العباس بن عبد المطلب قال بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض
ما يقول الناس فصعد المنبر فقال من أنا قالوا أنت رسول الله فقال أنا محمد بن عبد الله
ابن عبد المطلب إن الله خلق الخلق فجعلني من خير خلقه وجعلهم فرقتين فجعلني
في خير فرقة وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم
بيتا فأنا خيركم بيتا وأنا خيركم نفسا (1). أخرجه أحمد وأبو القاسم البغوي في
الفضائل. وعن ابن أبي ذئب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (شرار قريش
خيار شرار الناس). أخرجه الشافعي في مسنده.
(ذكر انهم أعفة صبر)
عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) وفي رواية (فأنا خيار من خيار من خيار). ذكره الحافظ السيوطي في
كتابه مسالك الحنفا. كما في حاشية نسخة.
10

(إن قريشا أعفة صبر ومن يغل لهم الغوائل (1) أكبه الله لوجهه يوم القيامة).
أخرجه أبو القاسم السهمي في فضائل العباس.
(ذكر انهم أفضل الناس أحلاما)
عن نافع بن جبير وسعيد بن المسيب عن عمر أنه قال قريش أفضل الناس
أحلاما وأعظم الناس أمانة ومن يرد قريشا بسوء يكبه الله لفيه. أخرجه
الزهري. وعن رفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيها الناس إن قريشا
أهل أمانة فمن بغاها العواثر أكبه الله لمنخريه) يقولها ثلاث مرات. أخرجه
الشافعي في مسنده وسننه.
(ذكر أنه من أراد هو انهم أهانه الله)
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(من يريد هوان قريش يهنه الله) أخرجه الحافظ أبو الحسن الخلعي وابن الضحاك
وأخرجه السرى وقال أهانه الله. وعن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال (من أهان قريشا أهانه الله).
(ذكر النهى عن سبهم)
عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التميمي أن قتادة بن النعمان وقع بقريش وكأنه
نال منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مهلا يا قتادة لا تشتم قريشا فإنك
لعلك ترى منهم رجالا أو يأتي منهم رجال تحقر عملك مع أعمالهم وفعلك مع أفعالهم
وتغبطهم إذا رأيتهم لولا أن تطغى قريش لأخبرتها بالذي لها عند الله عز
وجل). وعن الحارث بن عبد الرحمن قال بلغنا (2) أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال (لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بالذي لها عند الله عز وجل)
أخرجهما الشافعي في مسنده وسننه.

(1) أي المهالك، جمع غائلة.
(2) في نسخة (بلغني).
11

(ذكر قوة قريش وأمانتهم)
عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوة
رجل من قريش تعدل قوة رجلين من غيرهم وأمانة رجل من قريش تعدل أمانة
رجلين من غيرهم). وعن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان
للقرشي مثل قوة رجلين يعنى من غيره). أخرجهما احمد في المناقب.
(ذكر الامر بحفظهم)
عن عكرمة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم واسطا في قريش كان له في
كل بطن من قريش نسب فقال لا أسألكم إلا ما أدعوكم إليه إلا أن تحفظوني في قرابتي
قال الله عز وجل (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى). خرجه المخلص الذهبي.
ذكر ان خيار قريش خيار الناس
عن ابن أبي ذئب بسنده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (خيار قريش
خيار الناس وشرار قريش خيار شرار الناس) أخرجه الشافعي في سننه.
ذكر الحث على محبتهم
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه
وسلم (أحبوا قريشا فان من أحبهم أحبه الله) أخرجه ابن عرفة العبدي.
(ذكر انهم ولاة الامر)
عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول (إن هذا الامر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله تعالى على
وجهه ما أقاموا الدين) أخرجه البخاري. وفيه رواية (لا يزال هذا الامر في
قريش ما بقي منهم اثنان) أخرجه البخاري أيضا. وعن عطاء بن يسار رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش أنتم أولى الناس بهذا
الامر ما كنتم على الحق إلا أن تعدلوا عنه فتلحون كما تلحى هذه الجريدة يشير
إلى جريدة في يده. (شرح): يقال لحوت الشجر ولحيتها إذا أخدت لحاها
12

وهو قشرها. وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه قال خطبنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال (أيها الناس قدموا قريشا ولا تقدموها
وتعلموا منها ولا تعلموها) أخرجهما الشافعي في مسنده وخرج الثاني أحمد في
المناقب. وعن علي كرم الله وجهه قال سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى
الله عيله وسلم (الناس تبع لقريش صالحهم تبع لصالحهم وشرارهم تبع لشرارهم)
أخرجه أحمد أيضا في المناقب. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (الناس تبع لقريش في الخير والشر) أخرجه
الحافظ الدمشقي وقال حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن لكم على قريش حقا وإن لقريش
عليكم حقا ما حكموا فعدلوا وائتمنوا فأدوا واسترحموا فرحموا فمن لم يفعل ذلك
فعليه لعنة الله) أخرجه أبو حاتم.
(ذكر امتثال أمرهم وإن ساءت أفعالهم)
عن عامر بن شهر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (استمعوا من قريش
ودعوا فعلهم) أخرجه أبو حاتم:
(ذكر أنهم أفضل العرب)
عن سلمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا سلمان
لا تبغضني فتفارق دينك قلت يا رسول الله وكيف أبغضك وبك هدانا الله قال
تبغض العرب) أخرجه ابن المثنى في معجمه وابن السرى. وغن جابر بن
عبد الله رضي الله عنه أن رجلا قتل بالمدينة لا يدرى من قتله فبلغ ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لعنه الله (1) إن كان ليبغض العرب. أخرجه ابن السرى.
(باب في فضل بني هاشم)
تقدم حديث اصطفائهم من قريش وحديث أنهم خير البيوت قبيلة.

(1) في نسخة (أبعده الله).
13

(ذكر أفضليتهم)
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال جبريل
عليه السلام قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم وقلبت
الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بنى أب أفضل من بني هاشم) أخرجه أحمد
في المناقب. واخرج الحافظ الذهبي والمحاملي والسمرقندي وابن الجراح عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال دخل ناس من قريش على صفية بنت عبد المطلب
فجعلوا يتفاخرون ويذكرون الجاهلية فقالت صفية منا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا
تنبت النخلة أو الشجرة في الأرض الكبا فقالت وما الكبا قالوا الأرض التي ليست
بطيبة فذكرت ذلك صفية للنبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال يا بلال هجر بالصلاة فهجر
فقام صلى الله عليه وسلم على المنبر فنادى بصوت فقال (أيها الناس من أنا قالوا أنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انسبوني قالوا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب
قال ما بال (1) أقوام يبتذلون أهلي فوالله إني لأفضلهم أصلا فقالت الأنصار
قد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقوموا فخذوا السلاح فقاموا فأخذوا
السلاح ودخلوا فيه حتى لا يرى منهم إلا الحدق حتى أحدقوا بالناس وغصت بهم أبواب
المسجد والسكك فقام النفر واعتذروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال
للأنصار الناس دثاري وأنتم شعاري وأثنى عليهم خيرا. خرجه أبو علي بن شاذان.
(شرح) الكبا بكسر الكاف وباء موحدة والقصر الكناسة وما يكنس من البيوت،
والتهجير المبادرة في كل شئ. والشعار الثوب الذي على الجسد، والدثار ما كان فوقه.
(ذكر كلفه صلى الله عليه وسلم بادخالهم الجنة)
عن علي كرم الله وجهه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا معشر بني هاشم
والذي بعثني بالحق نبيا لو أخذت بحلقة الجنة ما بدأت إلا بكم) أخرجه أحمد في المناقب.
ذكر افتراض عيادتهم إذا مرضوا
عن زيد بن أسلم عن أبيه قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للزبير بن

(1) في نسخة (فما بال).
14

العوام رضي الله عنه هل لك في أن تعود الحسن بن علي رضي الله عنهما فإنه
مريض؟ فكان الزبير تلكأ عليه فقال له عمر أما علمت أن عيادة بني هاشم
فريضة وزيارتهم نافلة. وفى رواية إن عيادة بني هاشم سنة وزيارتهم نافلة.
أخرجه ابن السماك في الموافقة. (شرح): تلكأ معناه توقف وتبطأ.
ذكر إعطائه صلى الله عليه وسلم السقاية لبنى هاشم
عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
الاذان لنا والسقاية لبنى هاشم والحجابة لبنى عبد الدار. أخرجه المخلص.
باب في مناقب بنى عبد المطلب
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أعطى الله عز وجل بنى عبد المطلب
سبعا الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والحلم والعلم وحب النساء. أخرجه
أبو القاسم حمزة السهمي في فضائل العباس.
ذكر سؤاله صلى الله عليه وسلم الله عز وجل لهم أشياء والزجر عن بغضهم
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بنى
عبد المطلب إني سألت الله لكم ثلاثا أن يجعلكم جنودا نجداء رحماء. أخرجه
ابن السرى. (شرح): نجداء من النجدة الشجاعة وشدة البأس، يقال رجل نجيد
ونجد ونجد ثلاث لغات. حكاها الجوهري. وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال (يا بنى عبد المطلب إني سألت الله أن يثبت قائمكم ويهدى
ضالكم وأن يعلم جاهلكم وأن يجعلكم رحماء نجباء ولو أن رجلا صف قديمه
وصلى ولقى الله وهو مبغض لأهل هذا البيت لدخل النار. أخرجه الملا في سيرته.
ذكر انهم سادات أهل الجنة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة أنا وحمزة وعلى وجعفر بن أبي طالب
والحسن والحسين والمهدى. أخرجه ابن السرى.
15

ذكر آي نزلت فيهم
عن السدى في قوله تعالى (أولى الأيدي والابصار) قال هم بنو عبد المطلب
أخرجه ابن السرى.
(باب فضل أهل البيت)
* (والحث على التمسك بهم وبكتاب الله عز وجل والخلف فيهما بخير) *
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني تارك فيكم
الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله عز وجل
حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا على
الحوض فانظروا كيف تلحقوا بي فيهما. أخرجه الترمذي وقال حسن غريب.
وعنه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي عز وجل فأجيبه وإني
تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله عز وجل
وخذوا به - وحث فيه ورغب فيه ثم قال - وأهل بيتي أذكركم الله عز وجل في
أهل بيتي ثلاث مرات فقيل لزيد من أهل بيته أليس نساؤه من أهل بيته فقال
بلى إن نساءه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم عليه الصدقة بعده قال
ومن هم، قال هم آل على وآل جعفر وآل عقيل وآل عباس. قال أكل هؤلاء
حرم عليهم الصدقة قال نعم. أخرجه مسلم. وعند أحمد معناه (1) من حديث أبي سعيد
ولفظه انه صلى الله عليه وسلم (إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك
فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض
وعترتي أهل بيتي وان اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا على
الحوض فانظروا فيما تخلفوني فيما. وعن عبد العزيز بسنده إلى النبي صلى الله
عليه وسلم قال (أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن تمسك
بنا اتخذ إلى ربه سبيلا) أخرجه أبو سعد في شرف النبوة.

(1) في نسخة (وخرج معناه أحمد).
16

(ذكر اخباره صلى الله عليه وسلم انهم سيلقون بعده اثرة)
والحث على نصرتهم وموالاتهم
عن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنا أهل
البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وان أهل بيتي سيلقون بعدى أثرة (1)
وشدة وتطريدا في البلاد حتى يأتي قوم من ههنا وأشار بيده نحو المشرق أصحاب
رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون ويعطون ما شاءوا فلا
يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها عدلا كما ملئت ظلما فمن
أدرك ذلك فليأتهم ولو حبوا على الثلج) أخرجه أبو حاتم بن حبان (2). وعن
عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كل خلوف (3) من أمتي عدول أهل
بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال (4) المبطلين وتأويل الجاهلين
ألا وان أئمتكم وفدكم إلى الله عز وجل فانظروا بمن توفدون. أخرجه الملا (5).
(ذكر انهم أمان لامة محمد صلى الله عليه وسلم)
عن إياس بن سلمة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (النجوم
أما لأهل السماء وأهل بيتي أمان لامتي) أخرجه أبو عمرو الغفاري. وعن علي
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (النجوم أمان لأهل السماء
فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب
أهل بيتي ذهب أهل الأرض) أخرجه أحمد في المناقب.
(ذكر انهم لا يقاس أحد بهم)
عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نحن أهل بيت لا يقاس
بنا أحد). أخرجه الملا.

(1) أي يفضل عليهم غيرهم في نصيبه من الفئ.
(2) وخرجه ابن سرى بتغيير بعض لفظه كما في نسخة أخرى.
(3) جمع خلف.
(4) في الأصل (امحال) والتصويب من النهاية.
(5) من قوله (عن عمر) إلى هنا هو من زيادات نسخة.
17

(ذكر الحث على حفظهم)
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال (يا أيها الناس ارقبوا محمدا
في أهل بيته) أخرجه البخاري. (شرح): ارقبوا معناه إحفظوا. وعن
عبد العزيز باسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من حفظني في أهل
بيتي فقد اتخذ عند الله عهدا) أخرجه أبو سعيد والملا. وعنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم (استوصوا بأهل بيتي خيرا فانى أخاصمكم عنهم غدا ومن
أكن خصمه أخصمه ومن أخصمه دخل النار) أخرجه أبو سعد والملا في سيرته.
وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أربعة أنا لهم
شفيع يوم القيامة المكرم لذريتي والقاضي حوائجهم والساعي في أمورهم عند
اضطرارهم إليه والمحبة لهم بقلبه ولسانه) أخرجه علي بن موسى الرضا.
(ذكر ما جاء في الحث على حبهم والزجر عن بغضهم)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحبوا
الله لما يغذوكم به وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي بحبي) أخرجه الترمذي
وقال حسن غريب. وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو أن رجلا
صف بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقى الله مبغضا (1) لأهل بيت محمد دخل
النار) أخرجه ابن السرى. وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم (من أبغض أهل البيت فهو منافق) أخرجه أحمد في المناقب.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحبنا أهل
البيت إلا مؤمن تقى ولا يبغضنا إلا منافق شقى) أخرجه الملا. وعن علي كرم
الله وجهه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يرد الحوض أهل بيتي ومن
أحبهم من أمتي كهاتين السبابتين) أخرجه الملا.

(1) في نسخة (وهو مبغض).
18

(ذكر الحث على الصلاة عليهم)
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدى لك
هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت بلى فاهدها قال سألنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت قال
قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك
حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
إنك حميد مجيد) أخرجه البخاري. وعن جابر رضي الله عنه انه كان يقول لو
صليت صلاة لم أصل فيها على محمد وعلى آل محمد ما رأيت انها تقبل.
(ذكر مكافأته صلى الله عليه وسلم من صنع)
إلى أهل بيته معروفا يوم القيامة
عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صنع مع
أحد من أهل بيتي (1) يدا كافأته عنها يوم القيامة) وفى طريق آخر من حديث
غير على (من صنع إلى أحد من أهل بيتي معروفا فعجز عن مكافأته في الدينا فأنا
المكافئ له يوم القيامة) أخرجه أبو سعد وتابعه الملا على الأول.
(ذكر ما لمن توجع لهم)
عن الربيع بن منذر عن أبيه قال كان حسين بن علي رضي الله عنهما يقول:
من دمعت عيناه فينا دمعة أو قطرت عيناه فينا قطرة آتاه الله عز وجل الجنة)
أخرجه أحمد في المناقب.
(ذكر دعائه صلى الله عليه وسلم لهم)
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
سألت ربى أن لا يدخل النار أحدا من أهل بيتي فأعطاني ذلك. أخرجه أبو سعد

(1) في نسخة (من صنع إلى أهل بيتي).
19

والملا في سيرته. وعن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول (اللهم إنهم عترة رسولك فهب مسيئهم لمحسنهم وهبهم لي قال ففعل وهو
فاعل قال قلت ما فعل قال فعله بكم ويفعله بمن بعدكم) أخرجه الملا.
(ذكر انهم أول من يشفع لهم يوم القيامة)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أول من
اشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب ثم الأنصار ثم من آمن بي
واتبعني من أهل اليمن ثم سائر العرب ثم الأعاجم) أخرجه صاحب كتاب الفردوس.
(ذكر انهم كسفينة نوح عليه السلام من ركبها نجا)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل
أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تعلق بها فاز ومن تخلف عنها
غرق) أخرجه الملا في سيرته. وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم (مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تعلق بها
فاز ومن تخلف عنها زج في النار) أخرجه ابن السرى.
(ذكر ان الحماسة فيهم)
عن حميد بن عبد الله بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله الذي
جعل فينا الحكمة أهل البيت. خرجه أحمد في المناقب.
(ذكر وعد الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم فيهم)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعدني ربى في أهل بيتي من أقر منهم بالتوحيد. خرجه ابن السرى.
(ذكر تحريم الجنة على من ظلمهم)
عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم الجنة على من
ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أغار عليهم أو سبهم) أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا.
20

* (باب) *
في بيان ان فاطمة وعليا والحسن والحسين هم أهل البيت المشار إليهم في قوله تعالى
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)
وتجليله صلى الله عليه وسلم إياهم بكساء ودعائه لهم
عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نزلت هذه
الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت - الآية) في بيت أم سلمة رضي الله عنها فدعا النبي صلى الله عليه
وسلم فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلى خلف ظهره ثم قال اللهم هؤلاء أهل
بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة وأنا معهم يا رسول الله
قال أنت على مكانك وأنت على خير. أخرجه الترمذي وقال حديث غريب.
وفى رواية (أنت على خير أنت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) وعن أم
سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل على الحسن والحسين وعلى وفاطمة كساء
وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت
أم سلمة أنا معهم يا رسول الله قال إنك على خير. أخرجه الترمذي وقال حسن.
(شرح): الحامة الخاصة يقال جئناكم في الحامة لا في العامة ومنه الحميم. وعنها ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ ثوبا وجلله فاطمة وعليا والحسن والحسين وهو
معهم وقرأ هذه الآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) الآية قالت فجئت
أدخل معهم فقال مكانك إنك على خير. وعنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لفاطمة ائتني بزوجك وابنيك فجاءت بهم وأكفأ عليهم كساء فدكيا ثم وضع
يده عليهم ثم قال اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد
إنك حميد مجيد، قالت أم سلمة فرفعت الكساء لادخل معهم فجذبه رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال إنك على خير. خرجهما الدولابي في الذرية الطاهرة
وعنها قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته يوما إذ قالت الخادم إن عليا وفاطمة
21

بالسدة قالت فقال لي قومي فتنحى عن أهل بيتي قالت فقمت فتنحيت في
البيت قريبا فدخل على وفاطمة ومعهم الحسن والحسين وهما صبيان صغيران فأخذ
الصبيين فوضعهما في حجره وقبلهما واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة بالأخرى
وقبل فاطمة وقبل عليا فأغدق عليهم خميصة سوداء ثم قال اللهم إليك لا إلى
النار أنا وأهل بيتي قالت قلت وأنا يا رسول الله صلى الله عليك قال وأنت.
أخرجه أحمد، وخرج الدولابي معناه مختصرا. (شرح) السدة: الباب، وأغدق
أرسل، الخميصة قال الأصمعي ثوب أسود من صوف أو خز معلم وجمعة خمائص.
والظاهر أن هذا الفعل تكرر منه صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة يدل عليه اختلاف
هيئة اجتماعهم وما جللهم به ودعائه لهم وجواب أم سلمة والمنع وقع من دخولها معهم
فيما جللهم به وعليه يحمل قولها في الحديثين الأولين وأنا معهم أي أدخل معهم
لا أنها ليست من أهل البيت بل هي منهم وكذلك لما قالت في الحديث الآخر
وأنا ولم تقل معهم أي أنا أيضا إلى الله لا إلى النار قال وأنت إلى الله لا إلى النار
وكذلك لما قالت وأنا من أهل البيت فيما سيأتي قال وأنت من أهل البيت
وابنتك أيضا، على أنه قد ورد انه اذن لها في الدخول معهم في الكساء. وعنها
قالت جاءت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم غدية ببرمة 1 وقد صنعت
له فيها عصيدة تحملها في طبق لها حتى وضعتها بين يديه فقال لها أين ابن عمك
قالت هو في البيت قال اذهبي فادعيه وائتيني بابنيه قالت فجاءت تقود ابنيها
كل واحد منهما بيد وعلى يمشى في اثرهما حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأجلسهما في حجره وجلس على على يمينه وفاطمة على يساره قالت أم سلمة
واجتذب من تحتي كساء خيبريا كان بساطا لنا على المنامة فلفهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم جميعا وأخذ بطرفي الكساء وأومأ بيده اليمنى إلى ربه عز وجل
وقال اللهم أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا اللهم أذهب عنهم

(1) أي قدر.
22

الرجس وطهرهم تطهيرا اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قلت يا رسول
الله لست منهم قال بلى فادخلي في الكساء قالت فدخلت في الكساء بعد ما قضى
دعاءه لابن عمه ولابنته ولابنيه. وعنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم
عندنا منكسا رأسه فعملت له فاطمة حريرة فجاءت ومعها حسن وحسين فقال لها
النبي صلى الله عليه وسلم أين زوجك اذهبي فادعيه فجاءت به فأكلوا فأخذ كساء
فأداره عليهم وأمسك طرفه بيده اليسرى ثم رفع اليمنى إلى السماء وقال اللهم هؤلاء
أهل بيتي وحامتي وخاصتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أنا حرب لمن
حاربهم سلم لمن سالمهم عدو لمن عاداهم. أخرجه ابن القبايي في معجمه. (شرح):
الحامة الخاصة وكرر لاختلاف اللفظ. وعنها قالت: في بيتي أنزلت (إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس) الآية قالت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى فاطمة وعلى والحسن والحسين فقال هؤلاء أهل بيتي فقلت يا رسول الله أما أنا
من أهل البيت قال بلى إن شاء الله تعالى. أخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي
وقال صحيح إسناده ثقات رواته. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده انه
دخل على زينب بنت أبي سلمة فحدثته أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان عند أم سلمة فجعل حسنا من شق وحسينا من شق وفاطمة في حجره
فقال (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) وأنا وأم سلمة
جالستان فبكت أم سلمة فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما يبكيك
فقالت يا رسول الله خصصتهم وتركتني وابنتي فقال إنك وابنتك من أهل البيت.
أخرجه أبو الحسن الخلعي. وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال سألت عن علي
في منزله فقيل لي ذهب يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء فدخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفراش وأجلس
فاطمة عن يمينه وعليا عن يساره وحسنا وحسينا بين يديه وقال (إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) اللهم هؤلاء أهل بيتي قال
23

واثلة بن الأسقع فقلت من ناحية البيت وأنا يا رسول الله من أهلك قال وأنت
من أهلي (1) قال واثلة إنها من أرجى ما أرتجي. أخرجه أبو حاتم، وأخرجه أحمد
في مسنده وأخرجه في المناقب قال وأجلس حسنا على فخذه اليمنى وقبله وحسينا على
فحده اليسرى وقبله وفاطمة بين يديه ثم دعا بعلى فجاءه ثم أردف عليهم كساء
خيبريا كأني أنظر إليه ثم قال (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس - الآية) فقيل
لواثلة ما الرجس قال الشك في الله عز وجل وذكر أن ذلك كان في بيت أم سلمة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط (2).
مرجل من شعر فجاء الحسن بن علي فأدخله فيه ثم جاء الحسين فأدخله فيه ثم جاءت
فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء على فأدخله فيه ثم قال (إنما يريد الله) الآية، أخرجه مسلم.
وأخرج أحمد معناه عن واثلة وزاد في آخره: اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق.
(ذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم داخل في)
أهل البيت المشار إليهم في الآية
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قوله تعالى (إنما يريد الله - الآية) قال
نزلت في خمسة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى وفاطمة والحسن والحسين.
أخرجه أحمد في المناقب. وأخرجه الطبراني.
(ذكر انه صلى الله عليه وسلم كان يمر)
بباب فاطمة ويتلو هذه الآية
عن انس بن مالك رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر
بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول الصلاة يا أهل البيت
(إنما يريد الله) الآية. أخرجه أحمد. وعن ابن الحمراء قال صحبت رسول الله

(1) في نسخة (وأنا يا رسول الله من أهل بيتك قال وأنت من أهل بيتي).
(2) هو كساء من صوف أو خز أو غيره.
24

صلى الله عليه وسلم تسعة أشهر فكان إذا أصبح اتى على باب على وفاطمة وهو يقول يرحمكم
الله (إنما يريد الله) الآية. أخرجه عبد بن حميد.
(ذكر ما جاء انه لما نزل قوله تعالى)
(قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأربعة
عن ابن سعيد رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية (فقل تعالوا ندع أبناءنا
وأبناءكم) الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا
وقال اللهم هؤلاء أهلي. أخرجه مسلم والترمذي.
(ذكر ما جاء ان هؤلاء الأربعة مع النبي صلى الله)
عليه وسلم في مكان واحد يوم القيامة
عن علي رضي الله عنه (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لفاطمة انى
وإياك وهذين يعنى حسنا وحسينا وهذا الراقد يعنى عليا في مكان واحد يوم
القيامة). أخرجه أحمد.
(ذكر انه صلى الله عليه وسلم حرب لمن حاربهم)
سلم لمن سالمهم
عن زيد بن أرقم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين
(انا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم) أخرجه الترمذي وقال حديث غريب.
وأخرجه أبو حاتم وقال انا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم.
(ذكر انهم المشار إليهم في قوله تعالى)
قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت (قل لا أسألكم عليه أجرا الا
المودة في القربى) قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم
قال على وفاطمة وابناهما. أخرجه أحمد في المناقب. وروى أنه صلى الله عليه وسلم
25

قال إن الله جعل اجرى عليكم المودة في أهل بيتي وانى سائلكم غدا عنهم.
أخرجه الملا في سيرته.
* (باب) *
في ذكر سيدة نساء العالمين فاطمة البتول ابنة سيد المرسلين
قال أبو عمر هي وأختها أم كلثوم أفضل بنات النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ولدوا قبل
النبوة ولدت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة إحدى وأربعين من
مولد النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو عمر وهو مغاير لما رواه ابن إسحاق أن أولاد
النبي صلى الله عليه وسلم ولدوا قبل النبوة إلا إبراهيم.
* (باب) *
ذكر تسميتها فاطمة رضي الله عنها
عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة (يا فاطمة
تدرين لم سميت فاطمة قال على يا رسول الله لم سميت فاطمة قال إن الله عز وجل
قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة) أخرجه الحافظ الدمشقي، وقد رواه الإمام علي
بن موسى الرضا في مسنده، ولفظه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ان الله عز وجل
فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار فلذلك سميت فاطمة) وعن ابن
عباس رضي الله عنها قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابنتي فاطمة
حوراء إذ لم تحض ولم تطمث وإنما سماها فاطمة لان الله عز وجل فطمها ومحبيها
عن النار. أخرجه النسائي. (الشرح): الطمث الحيض وكرر لاختلاف اللفظ،
والطمث أيضا الجماع ومنه قوله تعالى (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان).
* (باب) *
ذكر تزويجها بعلى بن أبي طالب كرم الله وجهه
تزوجها علي رضي الله عنه وهي ابنة خمس عشرة سنة وخمسة أشهر أو ستة ونصف،
وسنه يومئذ رضى الله عند إحدى وعشرون سنة وخمسة أشهر ولم يتزوج عليها حتى
26

ماتت. عن جعفر قال تزوج على فاطمة في صفر في السنة الثانية من الهجرة وبنى بها في
ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من التاريخ. قال أبو عمر بعد وقعة أحد
وقال غيره بعد بناء النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة بأربعة أشهر ونصف وبنى
بها بعد تزوجها بسبعة أشهر ونصف.
(ذكر ما جاء في مهرها وكيف تزويجها)
ودخولها على علي رضي الله عنه
قال قالت لي مولاة لي هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لا قال فقد خطبت فما يمنعك أن تأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يزوجك
فقلت وعندي شئ أتزوج به فقالت انك ان جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يزوجك فوالله
ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
جلالة وهيبة فلما قعدت بين يديه أفحمت فوالله ما أتكلم فقال ما جاء بك ألك حاجة
فسكت فقال لعلك جئت تخطب فاطمة قلت نعم قال وهل عندك من شئ تستحلها به
قلت لا والله يا رسول الله فقال ما فعلت الدرع التي سلحتكها فقلت عندي والذي
نفس على بيده إنها لحطمية ما ثمنها أربعمائة درهم قال قد زوجتكها فابعث بها
فان كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه ابن إسحاق، وأخرجه
الدولابي أيضا. (شرح): أفحمت أسكت، والحطمية قال شمر في تفسيرها هي
العريضة الثقيلة، وقال بعضهم هي التي تكسر السيوف ويقال هي منسوبة إلى
بطن من عبد القيس يقال لهم حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع، قال ابن
عيينة: وهي شر الدروع، وهذا أمس بالحديث لان عليا ذكرها في معرض
الذم لها وتقليل ثمنها. وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما
يخطبان فاطمة رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت ولم يرجع إليهما
شيئا فانطلقا إلى علي يأمرانه بطلب ذلك قال على فنبهاني لأمر فقمت أجر ردائي
حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت تزوجني فاطمة قال وعندك شئ قلت فرسى وبدني
27

قال أما فرسك فلا بد لك منها، وأما بدنك (1) فبعها فبعتها بأربعمائة وثمانين
فجئته بها فوضعها في حجره فقبض منها قبضة فقال أي بلال ابتغ لنا بها طيبا
وأمرهم أن يجهزوها فجعل لها سرير مشرط ووسادة من أدم حشوها ليف، وقال
لعلى إذا أتتك فلا تحدث شيئا حتى آتيك فجاءت مع أم أيمن حتى قعدت في جانب
البيت وأنا في جانب وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ههنا أخي قالت
أم أيمن أخوك وقد زوجته ابنتك قال نعم، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فقال
لفاطمة ائتيني بماء فقامت إلى قعب (2) في البيت فأتت فيه بماء فأخذه النبي صلى
الله عليه وسلم ومج فيه ثم قال لها تقدمي فتقدمت فنضح (3) بين ثدييها وعلى
رأسها وقال اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ثم قال أدبري
فأدبرت فصب بين كتفيها وقال اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان
الرجيم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوني بماء قال على فعلمت الذي يريد فقمت
فملأت القعب ماء وأتيته به وأخذه فمج فيه وصنع بعلى كما صنع بفاطمة ودعاه له
بما دعا به لها ثم قال ادخل بأهلك بسم الله والبركة. أخرجه أبو حاتم واحمد في
المناقب عن ابن يزيد رضي الله عنه وقال فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي لاتقرب
امرأتك حتى آتيك فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ودعا بماء وقال فيه ما شاء الله أن يقول
ثم نضح منه على وجهه ثم دعا فاطمة فقامت إليه تعثر في ثوبها - وربما قال في
مرطها - من الحياء فنضح عليها أيضا وقال لها إني لم آل أن أنكحك أحب أهلي
إلى فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوادا وراء الباب فقال من هذا قالت
أسماء قال أسماء بنت عميس قالت نعم قال ابغي بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم جئت كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت نعم فدعا لي دعاء انه
لأوثق عملي عندي قال ثم خرج ثم قال لعلي دونك أهلك ثم ولى في حجره فما
زال يدعو لهما حتى دخل في حجره، ويشبه أن يكون العقد وقع على الدرع

(1) البدن: الدرع.
(2) أي إناء
(3) يقال نضح عليه الماء ونضحه به إذا رشه عليه.
28

كما دل عليه الحديث الأول وبعث بها علي رضي الله عنه ثم ردها إليه النبي
صلى الله عليه وسلم ليبيعها فباعها وأتاه بثمنها من غير أن يكون بين الحديثين
تضاد، وقد ذهب إلى مدلول كل واحد من الحديثين قائل به، وقال بعضهم كان
مهرها الدرع ولم يكن إذ ذاك بيضاء ولا صفراء، وقال بعضهم كان مهرها أربعمائة
وثمانين وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب. وخرج الدولابي
معنى حديث أبي حاتم عن أنس عن أسماء بنت عميس وذكر فيه تقدم على
على فاطمة في النضح والدعاء ثم قال لام أيمن ادعى لي فاطمة فجاءت وهي خرقة
من الحياء فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اسكني بنتي فقد أنكحتك
أحب أهل بيتي إلى ثم نضح عليها ودعا لها قالت ثم رجع فرأى سوادا بين
يديه فقال من هذا قلت أنا قال أسماء بنت عميس قلت نعم قال جئت في زفاف
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم قالت فدعا لي. (شرح): خرقة
من الخرق بالتحريك الدهش من الخوف أو الحياء. وعن علي رضي الله عنه وذكر
قصة زواجه قال فلما أدخلت على قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحدثا شيئا حتى آتيكما
فأتانا وعلينا قطيفة أو كساء فلما رأيناه تحسحسنا قال على مكانكما ثم دعا باناء فيه
ماء فدعا فيه ثم رش علينا قلت يا رسول الله أنا أحب إليك أم هي قال هي أحب
إلى منك وأنت أعز على منها. أخرجه يحيى بن معين.
(ذكر مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم)
فاطمة حين أراد تزويجها
عن عطاء بن أبي رباح قال: لما خطب على فاطمة رضي الله عنها أتاها رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال إن عليا قد ذكرك فسكتت فخرج فزوجها، أخرجه الدولابي.
(ذكر ان تزويج فاطمة عليا كان)
بأمر الله عز وجل ووحى منه
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال خطب أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي
29

صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر لم ينزل القضاء
بعد ثم خطبها عمر رضي الله عنه مع عدة من قريش كلهم يقول له مثل قوله لأبي
بكر فقيل لعلى لو خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لخليق أن يزوجكها
قال وكيف وقد خطبها أشراف قريش فلم يزوجها قال فخطبتها فقال النبي صلى
الله عليه وسلم قد أمرني ربي عز وجل بذلك قال أنس ثم دعاني النبي صلى الله
عليه وسلم بعد أيام فقال لي يا أنس أخرج ادع لي أبا بكر الصديق وعمر بن
الخطاب وعثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة
والزبير وبعدة من الأنصار قال فدعوتهم فلما اجتمعوا عنده كلهم وأخذوا
مجالسهم وكان على غائبا في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله
عليه وسلم (الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب
من عذابه وسطواته النافذ أمره في سمائه وأرضه الذي خلق الخلق بقدرته
وميزهم بأحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ان الله
تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا أوشج
به الأرحام وألزم الأنام فقال عز من قائل (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله
نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) فأمر الله يجرى إلى قضائه وقضاؤه يجرى إلى
قدره ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ولكل أجر كتاب يمحو الله ما يشاء
ويثبت وعنده أم الكتاب ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة بنت خديجة
من علي بن أبي طالب فاشهدوا أنى قد زوجته على أربعمائة مثقال فضة إن رضى
بذلك عن بن أبي طالب ثم دعا بطبق من بسر 1 فوضعت بين أيدينا ثم قال انتهبوا
فانتهبنا فبينا نحن ننتهب إذ دخل علي رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فتبسم
النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه ثم قال: إن الله قد أمرني أن أزوجك فاطمة
على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت بذاك فقال قد رضيت بذلك يا رسول الله قال

(1) البسر: التمر قبل إرطابه.
30

أنس فقال النبي صلى الله عليه وسلم جمع الله شملكما وأسعد جدكما وبارك
عليكما وأخرج منكما كثيرا طيبا قال أنس فوالله لقد أخرج الله منهما الكثير
الطيب، أخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي. (شرح): أوشج به الأرحام أي
شبك بعضها ببعض تقول رحم واشجة أي مشتبكة، والجد الحظ والبخت. وعنه
قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فغشيه الوحي فلما أفاق قال تدرى ما جاء به جبريل،
قلت الله ورسوله اعلم قال أمرني أن أزوج فاطمة من على فانطلق وادع لي
أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير وبعدة من الأنصار ثم ذكر الحديث
بتمامه وقال وشج به الأرحام قال فلما أقبل على قال له يا علي إن الله جل وعلا
أمرني ان أزوجك فاطمة وقد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة أرضيت؟ قال
قد رضيت يا رسول الله قال ثم قام على فخر ساجدا لله شكرا قال النبي صلى الله
عليه وسلم جعل الله منكما الكثير الطيب وبارك فيكما، قال أنس فوالله لقد
أخرج الله منهما الكثير الطيب. أخرجه أبو الخير أيضا، وما تضمنه هذان
الحديثان مغاير لما تقدم من ذكر المهر والأول أشهر وأثبت، والعقد لعلى وهو غائب
محمول على أنه كان له وكيل حاضر أو على أنه لم يرد به العقد بل إظهار ذلك ثم
عقد معه لما حضر أو على تخصيصه بذلك جمعا بينه وبين ما ورد على شرط القبول
على الفور. وعن عمر رضي الله عنه وقد ذكر عنده على قال ذلك صهر رسول الله
صلى الله عليه وسلم نزل جبريل فقال يا محمد إن الله يأمرك أن تزوج فاطمة ابنتك
من على. أخرجه ابن السماك في الموافقة. وعن عبد الله رضي الله عنه قال لما
أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوجه فاطمة إلى علي أخذتها رعدة فقال
يا بنية لا تجزعي انى لم أزوجك من على أن الله أمرني ان أزوجك منه. أخرجه الغساني.
ذكر تزويج الله تعالى فاطمة عليا
في الملا الاعلى بمحضر من الملائكة
عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني ملك
31

فقال يا محمد ان الله تعالى يقرأ عليك السلام ويقول لك انى قد زوجت فاطمة
ابنتك من علي بن أبي طالب في الملا الاعلى فزوجها منه في الأرض، خرجه
الإمام علي بن موسى الرضا في مسنده، وعن أنس رضي الله عنه قال بينما رسول الله
صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ قال لعلي هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك فاطمة وأشهد
على تزويجها أربعين الف ملك وأوحى إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدر
والياقوت فنثرت عليهم الدر والياقوت فابتدرت إليه الحور العين يلتقطن في
اطباق الدر والياقوت فهم يتهادونه بينهم إلى يوم القيامة. أخرجه الملا في سيرته.
وعن عبد الله رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة
حين وجهها إلى علي إن الله لما أمرني ان أزوجك من على وأمر الملائكة أن
يصطفوا صفوفا في الجنة ثم أمر شجر الجنان أن تحمل الحلى والحلل ثم أمر جبريل
فنصب في الجنة منبرا ثم صعد جبريل واختطب فلما فرغ نثر عليهم من ذلك
فمن أخذ أحسن أو أكثر من صاحبه افتخر به إلى يوم القيامة يكفيك يا بنية
هذا. أخرجه الغساني. وعن علي كرم الله وجهه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أتاني ملك فقال يا محمد إن الله تعالى يقول لك إني قد أمرت شجرة طوبى
أن تحمل الدر والياقوت والمرجان وان تنثره على من قضى عقد نكاح فاطمة
من الملائكة والحور العين وقد سر بذلك سائر أهل السماوات وانه سيولد بينهما
ولدان سيدان في الدينا وسيسودان على. كهول أهل الجنة وشبابها وقد تزين
أهل الجنة لذلك فاقرر عينا يا محمد فإنك سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه
وسلم) خرجه الإمام علي بن موسى الرضا.
ذكر زفاف الملائكة فاطمة إلى علي رضي الله عنهما
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت الليلة التي زفت فيها فاطمة إلى علي
عليهما السلام كان النبي صلى الله عليه وسلم أمامها وجبريل عن يمينها وميكائيل عن
يسارها وسبعون الف ملك من خلفها يسبحون الله ويقدسونه حتى طلع الفجر.
32

خرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي.
(ذكر مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم)
فاطمة حين أراد تزويجها
تكرر هذا الذكر لأنه تقدم بلفظه وحروفه. عن عطاء بن أبي رباح قال
لما خطب على فاطمة أتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان عليا قد
ذكرك فسكتت فخرج فزوجها. خرجه الدولابي.
(ذكر وليمة عرسها رضي الله عنها)
عن بريدة قال قال نفر من الأنصار لعلى عليك فاطمة فأتى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال ما حاجة على قال يا رسول الله ذكرت فاطمة بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال مرحبا وأهلا لم يزد عليها فخرج على أولئك الرهط
من الأنصار كانوا ينتظرونه قالوا ما وراءك؟ قال لا أدرى إلا أنه قال لي مرحبا
وأهلا قالوا يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما أعطاك الرحب
وأعطاك الأهل فلما كان بعد ما زوجه قالوا يا علي إنه لابد للعرس من وليمة
فقال سعد عندي كبش وجمع له رهط من الأنصار آصعا من ذرة فلما كان ليلة
البناء قال لاتحدثن شيئا حتى تلقاني فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء
فتوضأ منه ثم أفرغه على على وقال اللهم بارك فيهما وبارك لهما في شملهما. قال
أبو الحسين الشمل: الجماع. خرج أبو عبد الرحمن النسائي وخرجه الدولابي
وقال (في شبليهما) فان صح فله معنى مستقيم والظاهر أنه تصحيف. وخرج
أحمد منه قوله صلى الله عليه وسلم لعلى لابد للعرس من وليمة فقال سعد على كبش وقال
فلان على كذا وقال فلان على كذا. وعن أسماء قالت لقد أولم على على
فاطمة فما كان وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته رهن درعه عند يهودي
بشطر شعير وكانت وليمته آصعا من شعير وتمر وحيس (1). خرجه الدولابي.

(1) هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن وقد يجعل عوض الاقط الدقيق أو الفتيت.
33

وعن جابر قال حضرنا عرس على وفاطمة فما رأيت عرسا كان أطيب منه حشونا
البيت طيبا وأتينا بتمر وزبيب فأكلنا. خرجه أبو بكر بن فارس (شرح):
قوله صلى الله عليه وسلم (مرحبا وأهلا) أي أتيت سعة من الرحب بالضم
السعة، وأتيت أهلا فاستأنس ولا تستوحش، والشبل ولد الأسد فيكون ذلك
إن صح كشف واطلاع منه صلى الله عليه وسلم، وأطلق على الحسن والحسين شبلين وهما
كذلك، والشمل على ما رواه النسائي مشروح في الحديث. قال الجوهري الشمل
بالتحريك مصدر قوله شملت ناقتنا لقاحا من فحل فلان شملا إذا لقحت فلعله من
ذلك فاما أن يكون أطلق على الجماع لأدائه إليه ويكون التقدير بارك الله لهما في
الشمل إذا حصل وكيفية صب الماء. وتخصيص على في هذا الحديث مغاير لما خرجه
أبو حاتم ولعله صلى الله عليه وسلم خص عليا بهذه الكيفية كما تضمنه الحديث
فإنه لم يذكر فيه فاطمة، ونضح عليها على تلك الكيفية كما في حديث أبي
حاتم. وقد تضمن كل واحد من هذا الحديث والحديثين قبله ان الذي حثه على
تزويج فاطمة غير ما تضمنه الآخر، ولا تضاد بينهما بل يتحمل أن يكون
حثته مولاته ثم الشيخان أو بالعكس، ثم لما خرج لذلك لقيه الأنصار فحثوه على
ذلك من غير أن يكون عند أحدهم علم بالآخر، والشطر في حديث أسماء لعله
مكيال عندهم يعرف بذلك أو نصف مكيال إذ الشطر النصف، ويحتمل أن
يريد بوليمته ما قام به هو بنفسه غير ما جاء به الأنصار من الكبش والذرة
جمعا بين الحديثين.
(ذكر ما جهزت به فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم)
تقدم في حديث عمر أبى حاتم عن أنس طرف بما جهزت به من طيب وغيره.
وعن أسماء بنت عميس قالت: لقد جهزت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي
ابن أبي طالب وما كان حشو فرشهما ووسائدهما إلا ليفا. خرجه الدولابي. وعن علي
قال جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميلة وقربة ووسادة من أدم
34

حشوها ليف. خرجه أحمد في المناقب. (شرح): الخميلة القطيفة وهو كل ثوب
له خمل من أي شئ كان، وقيل هي السود من الثياب، الخمل أهداب الثوب
وعن علي رضي الله عنه قال لقد تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش
ننام عليه بالليل ونعلف عليه الناضح (1) بالنهار ومالي ولها خادم غيرها. خرجه
في الصفوة، وظاهر هذا مضاد لما تقدم من حديث أسماء إذ الظاهر أن الواو واو
الحال ويجوز أن تكون استئنافا ولا تضاد ويصار إليه جمعا بين الحديثين إلا
أن أبا بكر بن فارس روى ما يمنع من هذا الحمل عن جابر قال كان فراش على
وفاطمة ليلة عرسهما إهاب كبش.
(ذكر أنها كانت أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)
عن أسامة بن زيد قالوا يا رسول الله من أحب إليك قال فاطمة قالوا نسألك
عن الرجال قال اما أنت يا جعفر وذكر حديثا سيأتي في مناقب جعفر، وفيه
أن أحبهم إليه زيد بن حارثة. خرجه أحمد. وعن عائشة رضي الله عنها انها
سئلت أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت فاطمة
فقيل من الرجال قالت زوجها إن كان ما علمت صواما قواما. خرجه الترمذي
وقال حسن غريب، وخرجه ابن عبيد وزاد بعد قوله قواما جديرا بقول الحق.
وعن بريدة قال كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ومن الرجال على.
خرجه أبو عمر، قال إبراهيم يعنى من أهل بيته، ويؤيد تأويل إبراهيم الحديث
المتقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة أنكحتك أحب أهل بيتي إلى، وفى
المصير إليه جمع بينه وبين ما روى في الصحيح: عن عمرو بن العاص انه صلى
الله عليه وسلم سئل عن أحبهم إليه قال عائشة قالوا من الرجال قال أبوها. وقد
ذكرنا ذلك في مناقب أبى بكر رضي الله عنه في كتاب الرياض النضرة في
فضائل العشرة، وذكرناه في مناقب عائشة رضي الله عنها في كتاب السمط

(1) النواضح: الإبل التي يستقى عليها واحدها ناضح.
35

الثمين في مناقب أمهات المؤمنين، وما خرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي (1) عن
أسامة أن عليا قال يا رسول الله أي أهلك أحب إليك قال فاطمة بنت محمد قال
على لا والله ما نسألك عن أهلك قال فأحب أهلي إلى من أنعم الله عليه وأنعمت
عليه أسامة بن زيد قال ومن يا رسول الله قال ثم أنت قال فقال العباس
يا رسول الله عمك آخرهم قال إن عليا سبقك بالهجرة.
(ذكر ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم)
كان يقبلها في فيها ويمصها لسانه
عن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله مالك إذا قبلت فاطمة
جعلت لسانك في فيها كأنك تريد أن تلعقها عسلا فقال صلى الله عليه وسلم
إنه لما أسرى بي أدخلني جبريل الجنة فناولني تفاحة فأكلتها فصارت نطفة
في ظهري فلما نزلت من السماء واقعت خديجة ففاطمة من تلك النطفة كلما
اشتقت إلى تلك التفاحة قبلتها. خرجه أبو سعد في شرف النبوة. وعن ابن
عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر القبل لفاطمة فقالت له عائشة
إنك تكثر تقبيل فاطمة فقال صلى الله عليه وسلم إن جبريل ليلة أسرى بي
أدخلني الجنة فأطعمني من جميع ثمارها فصار ماء في صلبي فحملت خديجة بفاطمة
فإذا اشتقت لتلك الثمار قبلت فاطمة فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي
أكلتها. خرجه أبو الفضل بن خيرون، وعنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان
إذا جاء من مغزاه قبل فاطمة، خرجه ابن السرى. وعن عائشة رضي الله عنها ان
النبي صلى الله عليه وسلم قبل يوما نحر فاطمة، خرجه الحربي وخرجه الملا في
سيرته وزاد فقلت له يا رسول الله فعلت شيئا لم تفعله فقال يا عائشة إني إذا
اشتقت إلى الجنة قبلت نحر فاطمة.

(1) لعله أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي مؤرخ الشام
الكبير صاحب (الأحاديث المتخيرة في فضائل العشرة).
36

(ذكر ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر كان)
آخر عهده بفاطمة وإذا قدم أول ما يدخل عليها
عن ثوبان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر آخر عهده إتيان
فاطمة وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة عليها السلام، خرجه أحمد. وعن أبي
ثعلبة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد
فصلى فيه ركعتين ثم أتى فاطمة ثم أتى أزواجه، خرجه أبو عمر.
(ذكر غيرته صلى الله عليه وسلم)
عن المسور بن مخرمة انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو
يقول إن بنى هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب
فلا اذن ثم لا اذن ثم لا اذن لهم إلا أن يحب بن أبي طالب أن يطلق ابنتي
وينكح ابنتهم فإنما ابنتي بضعة منى يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها. أخرجه
الشيخان والترمذي وصححه. وقال البخاري عن المسور إن النبي صلى الله عليه
وسلم قال (إن فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبني). (شرح): البضعة:
القطعة وبضعت الشئ قطعته ومنه البضعة والبضع قطعة من العدد والبضاعة
قطعة من المال، وقوله صلى الله عليه وسلم (يريبني ما رابها) لعله من الريبة
الشك أي يوهمني ما يوهمها ويشككني ما يشككها، والبضعة القطعة من اللحم
وجمعها بضع. وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على منبره
هذا وأنا يومئذ محتلم فقال إن فاطمة منى وانى أتخوف أن تفتن في دينها قال ثم
ذكر صهرا له من بنى عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن قال حدثني
فصدقني ووعدني فأوفاني وانى لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله
لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله مكانا واحدا ابدا،
عنه أن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل وعنده فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم
37

فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له إن قومك يتحدثون
أنك لا تغضب لبناتك وهذا على ناكح ابنة أبى جهل قال المسور فقام النبي
صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد ثم قال أما بعد فانى أنكحت أبا العاص
ابن الربيع فحدثني فصدقني وأن فاطمة بضعة منى وإنما أكره أن تفتنوها وانه والله
لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد
أبدا قال فترك على الخطبة، أخرجهما الشيخان وأبو حاتم. اسم بنت أبي جهل
هذه جويرية أسلمت وبايعت وتزوجها عتاب بن أسيد ثم أبان بن سعيد بن
العاص، وعن يحيى بن سعيد القطان قال ذاكرت عبد الله بن داود يعنى
الحريثي قول النبي صلى الله عليه وسلم لا اذن إلا أن يحب علي بن أبي طالب
أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، قال ابن داود حرم الله على على أن ينكح على
فاطمة حياتها لقول الله عز وجل (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه
فانتهوا) فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا اذن لم يكن يحل لعلى أن ينكح على
فاطمة إلا أن يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال وسمعت عمر بن داود
يقول لما قال النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بضعة منى يريبني ما رابها ويؤذيني
ما يؤذيها حرم الله على على أن ينكح على فاطمة ويؤذى رسول الله صلى الله
عليه وسلم لقول الله تعالى (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) خرجهما الحافظ
أبو القاسم الدمشقي. وعن المسور بن مخرمة انه بعث إليه حسن بن حسن يخطب
ابنته فقال له فلتأتني في العتمة فلقيه فحمد المسور الله عز وجل وأثنى عليه وقال
أما بعد فما من نسب وسبب ولا صهر أحب إلى من نسبكم وصهركم ولكن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فاطمة بضعة منى يقبضني ما يقبضها ويبسطني
ما يبسطها وان الأنساب يوم القيامة تنقطع إلا نسبي وسببي وصهري وعندك
ابنته ولو زوجتك لقبضها ذلك فانطلق عاذرا له. خرجه أحمد في المناقب.
وفيه دليل على أن الميت يراعى منه ما يراعى من الحي، وقد ذكر الشيخ أبو
38

على السبخي في شرح التلخيص انه يحرم التزويج على بنات النبي صلى الله عليه
ولعله يريد من ينتسب إليه بالبنوة ويكون هذا دليلة. وعن محمد بن علي بن
حسين قال: دخلت أم أيمن على فاطمة فرأت في وجهها شيئا فقالت مالك فلم
تذكر لها شيئا فقالت والله ما كان أبوك يكتمني شيئا قالت جارية أعطيها على
قال فخرجت أم أيمن رافعة صوتها فقالت أما رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن يحفظ في أهله
فقال لها على ما شأنها قالت تقول كذا قال فالجارية لها. خرجه أبو روق الهزاني.
(ذكر ما جاء أن الله عز وجل يغضب لغضبها)
ويرضى لرضاها
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(يا فاطمة ان الله عز وجل يغضب لغضبك ويرضى لرضاك) خرجه أبو سعد في
شرف النبوة والإمام علي بن موسى الرضا في مسنده وابن المثنى في معجمه. وعن علي
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله
وغضب رسوله وغضب ملائكته على من هراق دم نبي وآذاه في عترته، خرجه
الإمام علي بن موسى الرضا.
(ذكر شبهها بالنبي صلى الله عليه وسلم في مشيتها وإخباره صلى الله عليه وسلم أنها)
سيدة نساء العالمين ونساء هذه الأمة ونساء أهل الجنة
عن عائشة رضي الله عنها قالت كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده
لم تغادر منهن واحدة فأقبلت فاطمة تمشى ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله
صلى الله عليه وسلم شيئا فلما رآها رحب بها فقال مرحبا يا بنتي ثم أجلسها عن
يمينه أو عن شماله ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى جزعها سارها الثانية
فضحكت فقلت لها خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين نسائه بالسرار ثم أنت
تبكين فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها ما قال لك رسول الله صلى
الله عليه وسلم قالت ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره
39

قالت فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت عزمت عليك بمالي عليك
من الحق لما حدثتيني ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أما الآن
فنعم أما حين سارني في المرة الأولى أخبرني ان جبريل كان يعارضه القرآن
في كل سنة مرة وأنه عارضه الآن مرتين وإني لا أرى الاجل إلا قد اقترب
فاتق الله واصبري فإنه نعم السلف أنا لك قالت فبكيت بكائي الذي رأيت
فلما رأى جزعي سارني الثانية فقال يا فاطمة أما ترضى أن تكوني سيدة نساء
المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة، وفى رواية بعد قول عائشة حتى إذا قبض
سألتها فقالت إنه حدثني انه كان جبريل يعارضه بالقرآن كل عام مرة وأنه
عارضه به في العام مرتين ولا أرى إلا قد حضر أجلى وانك أول أهلي لحوقا
بي ونعم السلف أنا لك ثم سارني وذكر مثل الأول، خرجهما مسلم وخرج
الدولابي معناه عن أم سلمة وقال بعد قوله فلما توفى رسول الله صلى الله عليه
وسلم سألتها فقالت ما بعث نبي إلا كان له من العمر مثل نصف عمر الذي كان
قبله وقد بلغت اليوم نصف عمر من كان قبلي، ثم قال إنك سيدة نساء أهل الجنة
إلا مريم بنت عمران عليها السلام، وفى رواية بعد قوله فسارني الثانية فقال أما
ترضين أما تأتيني يوم القيامة سيدة نساء المؤمنين أو نساء أهل الجنة، وأخرجه
أيضا عن فاطمة نفسها مثل معنى الأول وقال: قالت وأخبرني أن عيسى عاش
عشرين ومائة سنة ولا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين فأبكاني ذلك
وقال يا بنية إنه ليس من نساء المسلمين امرأة أعظم ذرية منك فلا تكوني أدنى امرأة
صبرا، ثم ناجاني في المرة الأخرى وأخبرني انى أول أهله لحوقا به وقال إنك
سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من البتول مريم بنت عمران فضحكت لذلك.
(ذكر شبهها بالنبي صلى الله عليه وسلم سمتا وهديا ودلا وحديثا)
(وقيامة صلى الله عليه وسلم لها إذا أقبلت وإجلاسه إياها مكانه)
عن عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا وحديثا
40

برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامه وقعوده من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت وكانت إذا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها
وأجلسها في مجلسه وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من
مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها فلما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
دخلت فاطمة فأكبت عليه فقبلته ثم رفعت رأسها فبكت ثم أكبت عليه ثم
رفعت رأسها فضحكت فقالت إن كنت لأظن ان هذه من أعقل نسائنا فإذا هي
من النساء فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لها رأيت حين أكببت
على النبي صلى الله عليه وسلم ورفعت رأسك فبكيت ثم أكببت عليه فرفعت
رأسك فضحكت ما حملك على ذلك؟ قالت إني إذا لبذرة أخبرني انه ميت
من وجعه هذا فبكيت ثم أخبرني انى أسرع أهله لحوقا به فذلك حين ضحكت.
خرجه الترمذي وقال حسن غريب وأبو داود والنسائي. (شرح): الهدى
والدل متقاربا المعنى وهما من السكينة والوقار في الهيئة والنظر والشمائل وغير ذلك
والسمت بمعناهما يقال ما أحسن سمته أي هديه وذكر ذلك الجوهري، والبذرة
قال الهروي البذر الذين يفشون ما يسمعون من السر يقال بذرت الكلام بين
الناس تشبيها ببذر الحب وفى الكلام إضمار تقديره لو أذاعته حال حياته، وعنها
قالت: ما رأيت أحد أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة وكانت
إذا دخلت قام إليها فقبلها ورحب بها وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه وكانت
هي إذا دخل عليها قامت إليه فقبلته وأخذت بيده فدخلت عليه في مرضه الذي
توفى فيه فأسر إليها فبكت ثم أسر إليها فضحكت فقلت كنت أحسب ان لهذه
المرأة فضلا على النساء فإذا هي امرأة منهن بينا هي تبكى إذا هي تضحك فلما
توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عن ذلك فقالت أسر إلى أنه ميت فبكيت ثم أسر
إلى إني أول أهله لحوقا به فضحكت. خرجه أبو حاتم، وقد تضمن حديث مسلم
عن عائشة في الذكر قبله انه صلى الله عليه وسلم أخبرها أولا بشيئين بموته
41

صلى الله عليه وسلم وانها أول أهله لحوقا به فبكت وأخبرها ثانيا بشئ واحد
وهي أنها سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء أهل الجنة فضحكت، وتضمن
حديث الدولابي عن أم سلمة انه أسر إليها أولا بموته فقط فبكت وفى الثانية
بأنها سيدة المؤمنين فضحكت، وتضمن حديثه عن فاطمة نفسها انه أسر إليها
أولا بموته فبكت وثانيا بشيئين بلحوقها به وانها سيدة نساء أهل الجنة فضحكت
وتضمن حديث الترمذي وأبى حاتم عنها في هذا الذكر أنه أسر إليها أولا بموته
فبكت وثانيا بأنها أول لاحق به فضحكت فيحمل ذلك على صدوره في مجالس
مختلفة توفيقا بين الأحاديث وان بكاءها في حديث مسلم لم يكن لمجموع
الخبرين بل لموته فقط يدل عليه انه لما أفرد خبر موته صلى الله عليه وسلم عن خبر لحوقها
به كما في حديثي أبى عيسى وأبى حاتم بكت للأول وضحكت للثاني ولو كان
البكاء لمجموعهما لما حصل بأحدهما أو لكل واحد منهما لما ضحكت للثاني، ويدل
أيضا على أن ضحكها في حديث الدولابي عن فاطمة لم يكن لمجموع الخبرين
بل لكل واحد منهما إذ لو كان لهما لما استقل به أحدهما وقد استقل به في حديث أبي
عيسى وأبى حاتم لما ذكرناه فدل على أنه لكل منهما.
(ذكر ما جاء في سيادتها وأفضليتها)
قد تقدم في الذكر قبله طرف من ذلك. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال
خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط وقال تدرون ما هذا
فقالوا الله ورسوله أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضل نساء أهل
الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسية ابنة مزاحم
امرأة فرعون) خرجه أحمد وأبو حاتم. وعن أبي هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم (أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت
محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون) وعن ابن عباس قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضل نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران
42

فاطمة وخديجة وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون) خرجهما أبو عمر. وعن أبي
سعيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما
كان من مريم ابنة عمران عليها السلام. أخرجه الحافظ الدمشقي. وعن أنس
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران
وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون) خرجه احمد والترمذي
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة
وهي مريضة فقال لها كيف تجدينك يا بنية قالت إني وجعة وإني ليزيدني أنى
مالي طعام آكله فقال يا بنية أما ترضين انك سيدة نساء العالمين فقالت
يا أبت فأين مريم بنت عمران قال تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك
أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة. خرجه أبو عمر وخرجه الحافظ
أبو القاسم الدمشقي في فضل فاطمة عن عمران مستوفى ولفظه قال خرجت يوما
فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم قائم فقال لي يا عمران إن فاطمة مريضة فهل لك ان
تعودها قال قلت فداك أبي وأمي وأي شرف أشرف من هذا قال فانطلق
رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلقت معه حتى اتى الباب فقال السلام عليكم
ادخل قالت وعليكم السلام ادخل فقال صلى الله عليه وسلم انا ومن معي قالت
والذي بعثك بالحق نبيا ما على إلا هذه العباءة قال ومع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ملاءة خلقة فرمى بها إليها فقال شدى بها رأسك ففعلت ثم قالت ادخل
فدخل ودخلت معه فقعد عند رأسها وقعدت قريبا منه فقال أي بنية كيف
تجدينك قالت والله يا رسول الله إني لوجعة وانه ليزيدني وجعا إلى وجعى انى
ليس عندي ما آكل قال فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكت وبكيت
معهما فقال لها أي بنية تصبري مرتين أو ثلاثا ثم قال لها أي بنية أما ترضين
أن تكوني سيدة نساء العالمين قالت يا ليتها ماتت وأين مريم بنت عمران قال
لها أي بنية تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك والذي بعثني بالحق
43

لقد زوجتك سيدا في الدينا والآخرة لا يبغضه إلا منافق. وعن ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال (أربع نسوة سيدات سادات عالمهن مريم بنت عمران وآسية بنت
مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وأفضلهن عالما فاطمة. خرجه
الحافظ الثقفي الأصبهاني. وعن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون
وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم. خرجه أبو عمر.
(ذكر إثبات فضلها بأبيها صلى الله عليه وسلم وأقاربها أصلا وفرعا)
عن أبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها
(نبينا خير الأنبياء وهو أبوك وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك
حمزة ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث شاء وهو ابن عم أبيك جعفر
ومنا سبط هذه الأمة الحسن والحسين وهما ابناك ومنا المهدى) خرجه الطبراني في معجمه.
(ذكر ما جاء أنها أصدق الناس لهجة)
عن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين قالت ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة
من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو عمر.
(ذكر طهارتها من حيض الآدميات)
تقدم في أول باب ذكر تسميتها فاطمة طرف من ذلك. وعن أسماء قالت قبلت
أي ولدت فاطمة بالحسن فلم أر لها دما فقلت يا رسول الله إني لم أر لها دما في حيض
ولا في نفاس فقال صلى الله عليه وسلم (أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة لا يرى
لها دم في طمث ولا ولادة. خرجه الإمام علي بن موسى الرضا.
(ذكر أنه ولى ولادتها أربع حواء ومريم وآسية وكلثم (1))
روى الملا في سيرته ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (أتاني جبريل بتفاحة من الجنة فأكلتها

(1) وفي نسخة وكلثم أخت موسى كما في الأصل.
44

وواقعت خديجة فحملت بفاطمة فقالت انى حملت حملا خفيفا فإذا خرجت حدثني
الذي في بطني فلما أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش ليأتينها فيلين منها ما يلي
النساء ممن تلد فلم يفعلن وقلن لا نأتيك وقد صرت زوجة محمد صلى الله عليه وسلم فبينما
هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف
فقالت لها إحداهن أنا أمك حواء وقالت الأخرى أنا آسية بنت مزاحم وقالت
الأخرى أنا كلثم أخت موسى وقالت الأخرى أنا مريم بنت عمران أم عيسى
جئنا لنلي من أمرك ما يلي النساء قالت فولدت فاطمة فوقعت حين وقعت على
الأرض ساجدة رافعة أصبعها.
(ذكر ما ظهر لها من الكرامة على الله عز وجل وأنها أعز)
(الناس عليه صلى الله عليه وسلم ومغفرة الله لها وإجرائها في مجرى مريم بنت عمران)
عن أبي سعيد قال قال علي عليه السلام ذات يوم فقال يا فاطمة هل عندك
من شئ تغدينيه؟ قالت لا والذي أكرم أبى بالنبوة ما أصبح عندي شئ
أغديكه ولا أكلنا بعدك شيئا ولا كان لنا شئ بعدك منذ يومين الا شئ
أوثرك به على بطني وعلى ابني هذين قال يا فاطمة ألا أعلمتيني حتى أبغيكم شيئا
قالت إني أستحى من الله أن أكلفك مالا تقدر عليه فخرج من عندها واثقا بالله
حسن الظن به فاستقرض دينارا فبينا الدينار في يده أراد أن يبتاع لهم ما يصلح لهم
إذ عرض له المقداد في يوم شديد الحر قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته
فلما رآه أنكره فقال يا مقداد ما أزعجك من رحلك هذه الساعة قال يا أبا حسن
خل سبيلي ولا تسألني عما ورائي وقال يا ابن أخي انه لا يحل لك ان تكتمني
حالك قال أما إذا أبيت فوالذي أكرم محمدا بالنبوة ما أزعجني من رحلي إلا
الجهد ولقد تركت أهلي يبكون جوعا فلما سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض
فخرجت مغموما راكبا رأسي فهذه حالتي وقصتي فهملت عينا على بالبكاء حتى
بلت دموعه لحيته ثم قال احلف بالذي حلفت به ما أزعجني غير الذي أزعجك
45

ولقد اقترضت دينارا فهاك وأوثرك به على نفسي فدفع له الدينار ورجع حتى دخل
على النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر والعصر والمغرب فلما قضى النبي صلى
الله عليه وسلم صلاة المغرب مر بعلى في الصف الأول فغمزه برجله فسار خلف
النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحقه عند باب المسجد ثم قال يا أبا الحسن هل عندك شئ
تعشينا به فأطرق على لا يحر جوابا حياء من النبي صلى الله عليه وسلم قد عرف
الحال الذي خرج عليها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إما أن تقول لا فننصرف
عنك أو نعم فنجئ معك فقال له حبا وتكريما اذهب بنا وكأن الله سبحانه
وتعالى قد أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن تعش عندهم فأخذ النبي صلى
الله عليه وسلم بيده فانطلقا حتى دخلا على فاطمة عليها السلام في مصلاها وخلفها
جفنة تفور دخانا فلما سمعت كلام النبي صلى الله عليه وسلم خرجت من المصلى
فسلمت عليه وكانت أعز الناس عليه فرد عليها السلام ومسح بيده على رأسها
وقال كيف أمسيت عشينا غفر الله لك وقد فعل فأخذت الجفنة فوضعتها بين
يديه فلما نظر على ذلك وشم ريحه رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا فقالت ما أشح
نظرك وأشده سبحان الله هل أذنبت فيما بيني وبينك ما أستوجب به السخطة
قال وأي ذنب أعظم من ذنب أصبتيه اليوم أليس عهدي بك اليوم وأنت
تحلفين بالله مجتهدة ما طعمت طعاما يومين فنضرت إلى السماء فقالت إلهي يعلم
ما في سمائه ويعلم ما في أرضه إني لم أقل إلا حقا قال فأنى لك هذا الذي لم أر
مثله ولم أشم مثل رائحته ولم آكل أطيب منه فوضع النبي صلى الله عليه وسلم كفه المباركة
بين كتفي على ثم هزها وقال يا علي هذا ثواب الدينار وهذا جزاء الدينار هذا
من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ثم استعبر النبي صلى الله عليه
وسلم باكيا وقال الحمد لله كما لم يخرجكما من الدنيا حتى يجريك في المجرى الذي
أجرى فيه زكريا ويجريك يا فاطمة في المجرى الذي أجرى فيه مريم كلما دخل
عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا. خرجه
46

الحافظ الدمشقي في الأربعين الطوال.
(شرح): قوله في أول الحديث قال علي عليه السلام ذات يوم فقال يا فاطمة
هو من القيلولة، ولوحته الشمس إذا غيرت لونه وكذلك ألاحته، ولم يحر أي
يرجع والحور الرجوع ومنه (انه ظن أن لن يحوز) والنظر الشحيح هو الذي
لا يملا العين منه والله أعلم من الشح البخل وهو نظر الغضب، واستعبر من العبرة
وهي تحلب الدمع تقول عبرت عينه واستعبرت أي دمعت.
(ذكر برها بالنبي صلى الله عليه وسلم)
عن علي رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق إذ جاءته
فاطمة بكسرة من خبز فرفعتها إليه فقال ما هذه يا فاطمة قالت من قرص اختبزته
لابني جئتك منه بهذه الكسرة فقال يا بنية أما إنها لأول طعام دخل فم أبيك
منذ ثلاث. خرجه الإمام علي بن موسى الرضا. وعن ابن مسعود قال ما رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش غير يوم واحد فإنه كان يصلى
ورهط من قريش جلوس وسلى جزور قريب منه فقالوا من يأخذ هذا السلى
فيلقيه على ظهره فقام رجل وألقاه على ظهره فلم يزل ساجدا حتى جاءت فاطمة عليها
السلام فأخذته عن ظهره فقال صلى الله عليه وسلم (اللهم عليك الملا من قريش اللهم عليك
بعتبة بن ربيعة اللهم عليك بشيبة بن ربيعة اللهم عليك بأبي جهل بن هشام
اللهم عليك بعقبة بن أبي معيط اللهم عليك بأبي بن خلف وأمية بن خلف)
قال عبد الله فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعا ثم سحبوا إلى القليب (1) غير أبى
أو أمية فإنه كان رجلا ضخما فتقطع. خرجه البخاري.
(شرح) سلى جزور: السلى الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه
ملفوفا فيه وقيل هو في الماشية السلى وفى الناس المشيمة والأول أشبه لان المشيمة
تخرج بعد الولد ولا يكون الولد فيها حين يخرج. ذكره في نهاية الغريب.

(1) أي البئر.
47

(ذكر أمر الناس يوم القيامة بتنكس رؤسهم وغض)
أبصارهم حتى تمر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إكراما لها
عن أبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان يوم القيامة
نادى مناد من بطنان العرش يا أهل الجمع نكسوا رءوسكم وغضوا أبصاركم
حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط فتمر ومعها سبعون ألف جارية من الحور
العين كالبرق اللامع) خرجه أبو سعد محمد بن علي بن عمر النقاش في فوائد العراقيين،
وخرجه تمام عن علي عليه السلام مختصرا ولفظه قال (إذا كان يوم القيامة نادى
مناد من وراء الحجاب غضوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمد حتى تمر) وخرجه ابن
بشران عن عائشة مختصرا أيضا ولفظه (إذا كان يوم القيامة نادى مناد يا معشر
الخلائق طأطئوا (1) رءوسكم حتى تجوز (2) فاطمة عليها السلام).
(شرح). بطنان العرش وسطه وكذا بطنان الجنة قاله الجوهري
(ذكر زفاف فاطمة عليها السلام إلى الجنة كالعروس)
عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تحشر ابنتي فاطمة يوم
القيامة وعليها حلة الكرامة قد عجنت بماء الحيوان فتنظر إليها الخلائق فيتعجبون
منها ثم تكسى حلة من حلل الجنة على الف حلة مكتوب بخط أخضر: أدخلوا
ابنه محمد صلى الله عليه وسلم الجنة على أحسن صورة وأكمل هيبة وأتم كرامة وأوفر
حظ فتزف إلى الجنة كالعروس حولها سبعون ألف جارية. خرجه الإمام علي بن
موسى الرضا عليه السلام. (شرح): الحيوان: الحياة.
(ذكر تحريم ذريتها على النار)
عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان فاطمة حصنت فرجها فحرم الله ذريتها
على النار) أخرجه أبو تمام في فوائده

(1) طأطأ رأسه: أي خفضه:
(2) أي تمر.
48

(ذكر ما كانت فيه من ضيق العيش وخدمة نفسها)
مع استصحاب الصبر الجميل
تقدم في ذكر سيادتها وذكر تجهيزها طرف من ذلك. وعن أسماء بنت
عميس عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أتاها يوما فقال أين ابناي يعنى حسنا وحسينا قالت قلت أصبحنا
وليس في بيتنا شئ يذوقه ذائق فقال على أذهب بهما فانى أتخوف أن يبكيا
عليك وليس عندك شئ فذهب بهما إلى فلان اليهودي فوجه إليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في مشربه (1) بين أيديهما فضل من تمر فقال
يا علي ألا تقلب ابني (2) قبل أن يشتد الحر عليهما قال فقال على أصبحنا وليس
في بيتنا شئ فلو جلست يا رسول الله حتى أجمع لفاطمة تمرات فجلس رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو ينزع لليهودي كل دلو بتمرة حتى اجتمع له شئ من تمر
فجعله في حجزته ثم أقبل فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما وحمل على
الآخر عليهم السلام. خرجه الدولابي. وعن علي عليه السلام ان فاطمة شكت
ما تلقاه من أثر الرحى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبى فانطلقت فلم تجده فوجدت عائشة
فأخبرتها فما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجئ فاطمة فجاء النبي
صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت لاقوم فقال على مكانكما
فقعد بيننا حتى وجدت برد قديمه على صدري فقال ألا أعلمكما خيرا مما سألتماني
إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا أربعا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا
وثلاثين فهو خير لكما من خادم يخدمكما. خرجه البخاري وأبو حاتم. وفى رواية
فأتى وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولا خرجت منها جنوبنا وإذا لبسناها عرضا
خرجت منها أقدامنا ورؤوسنا فقال يا فاطمة أخبرت ثم ذكر ما تقدم. خرجه
أبو حاتم. وعن أبي هريرة قال جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) أي غرفة.
(2) أي ترجعهما.
49

تسأله خادما فقال لها قولي اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب
العرش العظيم ربنا ورب كل شئ فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل
والفرقان أعوذ بك من كل شئ أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك
شئ وأنت الآخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ أنت
الباطن فليس دونك شئ اقض عنا الدين وأغننا من الفقر. خرجه مسلم والترمذي
وعن أم سلمة قالت: جاءت فاطمة تشتكي أثر الخدمة وتسأله خادما قالت يا رسول
الله لقد مجلت يداى من الرحا أطحن مرة وأعجن مرة فقال لها إن يرزقك الله
شيئا سيأتيك وسأدلك على خير من ذلك ثم ذكر معناه. خرجه الدولابي.
(شرح): مجلت يداها أي ثخنت فظهر فيها ما يشبه البثر من العمل. وعن علي
عليه السلام قال كانت فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم أهله عليه وكانت
زوجتي فجرت بالرحا حتى أثرت بيدها واستقت بالقربة حتى أثرت بنحرها وقمت (1)
البيت حتى اغبرت ثيابها وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من
ذلك ضر. وعنه عليه السلام أنه قال لابن أم عبد: ألا أحدثك عنى وعن فاطمة
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أحب أهله إليه وكانت عندي فجرت
بالرحا حتى أثرت في يدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها وقمت البيت حتى
اغبرت ثيابها وأصابها من ذلك ضرر فسمعنا أن رقيقا أتى بهم إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقلت لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك فأتته فوجدت عنده
حداثا (2) فاستحت فرجعت فغدا علينا ونحن في لفاعنا (3) فجلس عند رأسها
فأدخلت رأسها في اللفاع حياء من أبيها فقال من كان حاجتك إلى آل محمد
فسكتت مرتين فقلت أنا والله أحدثك يا رسول الله إن هذه جرت عندي بالرحا
حتى أثرت في يدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها وقمت البيت حتى

(1) أي كنست
(2) أي جماعة يتحدثون، وهو جمع على غير قياس حملا على
نظيره نحو سامر وسمار فان السمار المحدثون - كما في النهاية.
(3) أي لحافنا.
50

اغبرت ثيابها وأوقدت القدر حتى دكنت (1) ثيابها وبلغنا انه أتاك رقيق وخدم
فقلت لها سليه خادما فقال ألا أدلكما على خير مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما
ثم ذكر بمثل ما تقدم. خرجه أبو داود. وعن عطاء قال إن كانت فاطمة لتعجن وان
قصتها (2) تكاد تضرب الجفنة. خرجه في الصفوة. وعن أنس ان بلالا أبطأ عن صلاة
الصبح فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما حبسك قال مررت بفاطمة تطحن والصبي
يبكى فقلت لها إن شئت كفيتك الرحا وكفيتيني الصبي وإن شئت كفيتك
الصبي وكفيتيني الرحا فقالت أنا أرفق بابنى منك فذاك الذي حبسني قال فرحمتها
رحمك الله. خرجه أحمد. وعن علي عليه السلام قال كانت فاطمة بنت أسد
تكفيه عمل خارج وفاطمة بنت محمد تكفيه عمل البيت. خرجه ابن البختري.
(ذكر اختياره صلى الله عليه وسلم لها الدار الآخرة)
تقدم في الذكر قبله طرفه منه. وعن أسماء بنت عميس انها كانت عند فاطمة
إذ دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وفى عنقها قلادة من ذهب أتى بها على
ابن أبي طالب عليه السلام من سهم صار إليه فقال لها يا بنية لا تغتري بقول
الناس فاطمة بنت محمد وعليك لباس الجبابرة فقطعتها لساعتها وباعتها ليومها
واشترت بالثمن رقبة مؤمنة فأعتقتها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر (3)
بعتقها وبارك على. أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام. وعن ثوبان
قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزاة له فأتى فاطمة فإذا هو يمسح على بابها ورأي
على الحسن والحسين قلبين (4) من فضة فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما
رأت فاطمة ذلك ظنت انه لم يدخل عليها من أجل ما رأى فهتكت الستر
ونزعت القلبين من الصبيين فقطعتهما فبكى الصبيان فقسمته بينهما فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما يبكيان فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) أي اتسخت واغبر لونها.
(2) كل خصلة من الشعر قصة. والجفنة: القدر.
(3) " فسر " ساقطة من نسخة.
(4) أي سوارين.
51

منهما فقال يا ثوبان اذهب بهذا إلى بنى فلان - أهل بيت في المدينة - فاشتر
لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج فان هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن
يذهبوا طيباتهم في حياتهم الدينا. خرجه أحمد.
(شرح): قلادة من عصب قال الخطابي في المعالم ان لم تكن الثياب اليمانية
فلا أدرى ما هي وما أرى ان القلادة تكون منها. وقال أبو موسى يحتمل عندي
ان الرواية إنما هي العصب بفتح الصاد وهي أطناب مفاصل الحيوانات وهي شئ
مدور فيحتمل انهم كانوا يأخذون عصب بعض الحيوانات الطاهرة فيقطعونه
ويجعلونه شبه الخرز فإذا يبس اتخذوا منه القلادة قال وذكر لي بعض أهل اليمن
ان العصب سن دابة بحرية تسمى فرس فرعون يتخذ منها الخرز وغير الخرز من
نصاب سكين وغيره ويكون أبيض، وقوله من عاج العاج الذبل وقيل شئ يتخذ
من ظهر السلحفاة البحرية وهي بضم فأما العاج الذي هو عظم الفيل فنجس
عند الشافعي وطاهر عند أبي حنيفة.
(ذكر وفاتها عليها السلام)
توفيت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وقيل ثمانية أشهر وقيل بمائة يوم وقيل
بتسعين. ذكره أبو عمر والأول أصح وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر
رمضان سنة إحدى عشرة وهي ابنة تسع وعشرين سنة قاله المديني وقال عبد الله
ابن حسن بن حسن بن أبي طالب عليهم السلام: ابنة ثلاثين. وقال الكلبي
خمس وثلاثين. حكاه أبو عمر. وقيل ثمان وعشرين. حكاه الرازي. وعلى
الأقوال كلها يكون مولدها قبل النبوة وذكر الإمام أبو بكر أحمد بن نصر بن
عبد الله الدراع في كتاب تاريخ مواليد أهل البيت انها توفيت وهي ابنة ثمان
عشرة سنة وخمسة وسبعين يوما منها بمكة ثمان سنين والباقي بالمدينة وعاشت بعد
أبيها صلى الله عليه وسلم خمسة وسبعين يوما. وفى رواية أربعين يوما وكانت ولادتها بعد النبوة
يخمس سنين وقريش تبنى البيت وولدت الحسن ولها إحدى عشرة سنة بعد ا؟؟
52

بثلاث سنين. هذا آخر كلامه. وعن أبي جعفر قال دخل العباس على على
وفاطمة وأحدهما يقول للآخر أينا أكبر فقال العباس ولدت يا علي قبل بناء
قريش البيت بسنوات وولدت ابنتي وقريش تبنى البيت ورسول الله صلى الله
عليه وسلم ابن خمس وثلاثين سنة قبل النبوة بخمس سنين. خرجه الدولابي.
(ذكر وصيتها إلى أسماء بنت عميس بما تصنعه بعد موتها)
عن أم أبى جعفر أن فاطمة عليها السلام قالت لاسماء بنت عميس يا أسماء
إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها وقالت
أسماء يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة
فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة
من الرجل فإذا أنامت فاغسليني أنت وعلى ولا يدخل على أحد. فلما توفيت
جاءت عائشة رضي الله عنها تدخل فقالت أسماء لا تدخلي فشكت إلى أبى بكر
قالت إن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جعلت لها
مثل هودج العروس فجاء أبو بكر فوقف على الباب فقال يا أسماء ما حملك على أن
منعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يدخلن على بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وجعلت لها مثل العروس فقالت أمرتني ان لا يدخل عليها أحد وأريتها
هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني ان اصنع ذلك لها قال أبو بكر اصنعي ما أمرتك
ثم انصرف وغسلها على وأسماء. خرجه أبو عمر وخرج الدولابي معناه مختصرا
وذكر أنها لما أرتها النعش تبسمت وما رؤيت مبتسمة يعنى بعد النبي صلى الله
عليه وسلم إلى يومئذ. وخرج الدولابي أيضا ان الوصية كانت إلى علي بأن
يغسلها وأسماء ويجوز أن تكون أوصت إلى كل واحد منهما. وعن أم سلمة قالت
اشتكت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضها فأصبحت يوما كأمثل ما رأيناها
في شكواها فخرج علي بن أبي طالب لبعض حاجته قالت فاطمة اسكبوا لي
يا أمه غسلا فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما كنت أراها تغتسل
53

قالت ثم قالت يا أمه ناوليني ثيابي الجدد قالت فناولتها ثم جاءت إلى البيت الذي
كانت فيه فقالت قدمي فراشي وسط البيت واضطجعت ووضعت يدها اليمنى
تحت خدها ثم استقبلت القبلة ثم قالت يا أمه إني مقبوضة الآن فلا يكشفني أحد
ولا يغسلني أحد قالت فقبضت مكانها صلى الله عليها قالت ودخل على فأخبرته
بالذي قالته وبالذي أمرتني فقال على والله لا يكشفها أحد فاحتملها فدفنها بغسلها
ذلك ولم يكشفها ولا غسلها أحد. خرجه أحمد في المناقب والدولابي واللفظ
له وهو مضاد لخبر أسماء المتقدم. قال أبو عمر فاطمة أول من غطى نعشها من النساء
في الاسلام على الصفة المذكورة، وفى خبر أسماء المتقدم ثم بعدها زينب بنت
جحش صنع بها ذلك أيضا.
(ذكر من صلى عليها ومن دخل قبرها)
صلى عليها علي عليه السلام وقيل العباس. وخرج البصري من حديث
مالك بن أنس انه صلى عليها أبو بكر، وقد ذكرنا ذلك في مناقب أبى بكر
ودخل بها في قبرها على والفضل وكانت أشارت على علي رضي الله عنه ان يدفنها ليلا.
(ذكر موضع قبرها رضي الله عنها)
ذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر أن الحسن لما توفى دفن إلى جنب أمه فاطمة
عليها السلام وقبر الحسن معروف بجنب قبر العباس ولا يذكر لفاطمة ثم قبر،
وأخبرني أخ في الله تعالى ان أبا العباس المرسي كان إذا زار البقيع وقف
أمام قبة العباس وسلم على فاطمة عليها السلام ويذكر أنه كشف له عن قبرها
ثمة فلم أزل أعتقد ذلك لاعتقادي صدق الشيخ حتى وقفت على ما ذكره أبو عمر
فازددت يقينا. وقد روى الشيخ محب الدين بن النجار في مؤلفه المسمى بالدرة الثمينة
في أخبار المدينة بسنده عن عبد الله بن جعفر بن محمد أنه كان يقول قبر فاطمة عليها
السلام في بيتها الذي أدخله عمر بن عبد العزيز في المسجد وذكر وفاة الحسن انه دفن
إلى جنب أمه فاطمة عليها السلام وسيأتي ذكر ذلك مستوعبا فتكون على هذا
54

مع الحسن في قبة العباس فينبغي أن يسلم عليها عليها السلام هنالك.
(ذكر ولد فاطمة عليها السلام)
عن الليث بن سعد قال تزوج على فاطمة فولدت له حسنا وحسينا ومحسنا
وزينب وأم كلثوم ورقية فماتت رقية ولم تبلغ، وقال غيره ولدت حسنا وحسينا
ومحسنا فهلك محسن صغيرا وأم كلثوم وزينب ولم يتزوج عليها حتى ماتت عليها
السلام. ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم عقب إلا من بنته فاطمة عليها
السلام وأعظم بها مفخرة.
* (باب) *
(في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام)
وقد بسطنا المقال وأوسعنا المجال في ذكر مناقبه في كتابنا الموسر الرياض
النضرة في مناقب العشرة ونحن نأتى على جملة معاني ما ذكرناه ثم إن شاء الله تعالى.
(ذكر نسبة عليه السلام)
هو علي بن أبي طالب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن
كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن
مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. إلى هنا متفق عليه وما
بعده مختلف فيه إلا انهم اتفقوا على أن النسب يرجع إلى إسماعيل بن إبراهيم
ابن خليل الله صلى الله عليه وسلم. وقريش هو فهر بن مالك وقيل النضر بن كنانة. وعلي عليه
السلام يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجد الا دنى لا يشاركه في
هذه الفضيلة إلا بنو عمه وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فان أبا طالب
و عبد الله أبا النبي صلى الله عليه وسلم أمهما فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران
ابن مخزوم، وأمه عليه السلام فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، قال أبو
عمر (1) النمري وهي أول هاشمية ولدت هاشميا أسلمت وهاجرت وتوفيت بالمدينة

(1) في الأصل (أبو عمرو) في كثير من المواضع، وهو خطأ.
55

وشهدها النبي صلى الله عليه وسلم وتولى دفنها ونزع قميصه وألبسها إياه واضطجع في قبرها
فلما سوى عليها التراب سئل عن ذلك فقال ألبستها لتلبس من ثياب الجنة
واضطجعت معها في قبرها لأخفف عنها من ضغطة القبر إنها كانت أحسن خلق
الله صنيعا إلى بعد أبي طالب. وروى أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليها وتمرغ في قبرها وبكى
وقال جزاك الله من أم خيرا فلقد كنت خير أم، وسماها أما لأنها كانت ربته
صلى الله عليه وسلم، وولدت لأبي طالب عقيلا وجعفرا وعليها وأم هانئ واسمها
فاختة وجمانة، وكان على أصغر ولد أبى طالب، وكان أصغر من جعفر بعشر سنين.
وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين.
(ذكر اسمه عليه السلام وكنيته)
ولم يزل اسمه في الجاهلية والاسلام عليا وكان يكنى أبا حسن وسماه رسول
الله صلى الله عليه وسلم صديقا. وعن معاذة العدوية قالت سمعت عليا على المنبر منبر البصرة
بقول أنا الصديق الأكبر. أخرجه ابن قتيبة. وعن أبي ذر قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلى (أنت الصديق الأكبر وأنت الفاروق الذي
يفرق بين الحق والباطل وأنت يعسوب الدين). أصل اليعسوب فحل النحل ثم
أطلق على السيد والمعظم في قومه. وروى أحمد بن حنبل في كتاب المناقب ان
النبي صلى الله عليه وسلم قال الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل يس الذي
قال (يا قوم اتبعوا المرسلين) وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال (أتقتلون
رجلا أن يقول ربى الله) وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم، وكناه رسول الله
صلى الله عليه وسلم بأبي الريحانتين. وروى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي
ابن أبي طالب سلام عليك يا أبا الريحانتين فعن قليل يذهب ركناك والله خليفتي
عليك فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على هذا أحد الركنين فلما ماتت فاطمة رضي الله عنها
قال هذا الركن الآخر، وكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي تراب.
وعن سهل بن سعد قال اتى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة قال أين ابن
56

عمك فقالت هو ذا مضطجع في المسجد فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فوجد
النبي صلى الله عليه وسلم رداءه قد سقط عن ظهره فجعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم يمسح التراب عن ظهره ويقول اجلس أبا تراب والله ما كان اسم أحب
إلى علي منه لان ما سماه إياه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم
والبخاري وقد جاء في الصحيح من شعره * أنا الذي سمتني أمي حيدرة * وحيدرة
اسم الأسد وكانت أمه فاطمة رضي الله عنها لما ولدته سمته باسم أبيها فلما قدم
أبو طالب كره ذلك وسماه عليا وكان يلقب بيضة البلد وبالأمين وبالشريف
والهادي والمهتدي وذي الاذن الواعي.
(ذكر صفته عليه السلام)
وكان عليه السلام ربعة من الرجال أدعج العينين عظيمهما حسن الوجه كأنه
قمر ليلة البدر عظيم البطن إلى السمن عريض ما بين المنكبين لمنكبه مشاش
كمشاش السبع الضاري لا يبين عضده من ساعده قد أدمج إدماجا، شثن الكفين
عظيم الكراديس أغيد كأن عنقه إبريق فضة أصلع ليس في رأسه شعر إلا من
خلفه كثير شعر اللحية وكان لا يخضب وقد جاء عنه الخضاب والمشهور أنه كان
أبيض اللحية وكان إذا مشى تكفأ شديد الساعد واليد وإذا مشى إلى الحروب
هرول ثبت الجنان قوى ما صارع أحدا إلا صرعه شجاع منصور عند من لاقاه.
(شرح): ربعة: لا طويل ولا قصير، والدعج: شدة سواد العين مع سعتها،
والأغيد: المائل العنق والغيد النعومة وامرأة غيداء وغادة ناعمة، والمشاش: رؤس
العظام اللينة الواحد مشاشة، وأدمج يقال أدمج الشئ في الشئ إذا أدخله فيه
يريد والله أعلم ان عظمي عضده وساعده للينهما قد اندمجا وهكذا صفة الأسد،
والضاري: المعود الصيد، وتكفأ تمايل في مشيته.
(ذكر إسلامه وسنة يوم أسلم عليه السلام)
عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن انه بلغه ان علي بن أبي طالب والزبير
57

أسلما وهما ابنا ثمان سنين، وقال ابن إسحاق أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن عشر
سنين وقيل ابن ثلاث عشرة وقيل أربع عشرة وقيل خمس عشرة أو ست عشرة.
وعن مجاهد بن جبير قال كان من نعمة الله تعالى على علي بن أبي طالب ان قريشا
أصابتهم شدة وكان أبو طالب ذا عيال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس (إن
أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى فانطلق بنا فلنخفف من
عياله فقال العباس نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له إنا نريد أن نخفف
عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما أبو طالب إذا
تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فضمه
إليه وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه فلم يزل على مع النبي عليه السلام حتى بعثه
الله عز وجل فتابعه وآمن به وصدقه ولم يزل جعفر مع العباس.
(ذكر أنه عليه السلام أول من أسلم)
عن زيد بن أرقم قال: كان أول من أسلم علي بن أبي طالب. وعن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: على أول من أسلم بعد خديجة. وعن عمر رضي الله عنه
قال كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة إذ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
منكب على من أبى طالب فقال يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا وأنت أول المسلمين
إسلاما وأنت منى بمنزلة هارون من موسى. وعن أبي ذر قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول لعلى (أنت أول من آمن بي وصدق) وعن معاذة
العدوية قالت سمعت عليا على المنبر يقول انا الصديق الأكبر آمنت قبل ان
يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل ان يسلم أبو بكر. وعن سلمان رضي الله عنه أنه قال
أول هذه الأمة ورودا على نبيها الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب. وقد
روى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: السباق
ثلاثة سبق يوشع بن نون إلى موسى وصاحب يس إلى عيسى وعلى إلى النبي
صلى الله عليه وسلم. وقد وردت أحاديث في أن أبا بكر رضي الله عنه أول من
58

أسلم وهي محمولة على أنه أول من أظهر إسلامه وعلى أول من بدر إلى الاسلام. وقد
استوفينا الكلام في هذا الفصل في كتابنا الرياض النضرة في فضائل العشرة.
(ذكر أنه عليه السلام أول من صلى)
عن ابن عباس أنه قال: لعلى أربع خصال ليست لاحد غيره وذكر منها
انه أول عربي وعجمي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم. وعنه قال: أول من صلى علي بن أبي
طالب. وعن أنس رضي الله عنه قال: استنبأ النبي صلى الله عليه وسلم
يوم الاثنين وصلى على يوم الثلاثاء. أخرجه الترمذي. وفى بعض الطرق: بعث
النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وأسلم على يوم الثلاثاء. وعن الحكم بن
عيينة قال: خديجة أول من صدق وعلى أول من صلى إلى القبلة. وعن رافع قال
صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وصلت خديجة آخر يوم الاثنين وصلى
على يوم الثلاثاء. من الغد قبل أن يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد. وعن
عفيف الكندي قال: كنت تاجرا فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب
لابتاع منه بعض التجارة وكان امرأ تاجرا قال فوالله إني عنده بمنى إذ خرج رجل
من خباء قريب منه فنظر إلى السماء فلما رآها قام يصلى ثم خرجت امرأة من ذلك
الخباء فقامت خلفه فصلت ثم خرج غلام قد راهق فقام معه يصلى قال فقلت
للعباس يا عباس من هذا قال هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي قال
فقلت من هذه المرأة قال هذه امرأته خديجة بنت خويلد قال فقلت من هذا
الفتى قال هذا ابن عمه علي بن أبي طالب قال قلت ما الذي يصنع قال يصلى
وهو يزعم أنه نبي ولم يتبعه أحد على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى وهو
يزعم أنه ستفتح له كنوز كسرى وقيصر قال (1) فكان عفيف بن قيس يقول
أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه لو كان الله رزقني لاسلم يومئذ فأكون ثانيا مع
علي بن أبي طالب. أخرجه أحمد. وعن علي عليه السلام قال: عبدت الله

(1) في نسخة (كان) في محل (قال) وهو خطأ.
59

من قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة خمس سنين. خرجه أبو عمر. وعنه عليه
السلام قال: صليت قبل أن يصلى الناس سبع سنين. وفى رواية: أسلمت قبل
أن يسلم الناس بسبع سنين. أخرجهما أحمد. وعنه انه كان يقول أنا عبد الله وأخو
رسوله وأنا الصديق الأكبر ولقد صليت قبل الناس بسبع سنين. خرجه الخلعي.
وعن حبه العرني قال رأيت عليا على المنبر يقول اللهم لا أعرف لك عبدا
من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك لقد صليت قبل أن يصلى الناس. قال ابن إسحاق
: ذكر بعض أهل العلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة
خرج إلى شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا عن عمه أبى
طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه فيصليان الصلوات فيها فإذا أمسيا رجعا
فمكثا على ذلك ما شاء الله أن يمكثا ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما
يصليان فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي ما هذا الذي أراك تدين
به قال أي عم هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله وبعثني الله عز وجل به
رسولا إلى العباد وأنت يا عم أحق من بذلك له النصيحة ودعوته إلى الهدى وأحق من
أجابني إليه وأعانني عليه فقال أبو طالب أي ابن أخي إني والله لا أستطيع أن
أفارق دين آبائي وما كانوا عليه ولكن والله لا يخلص إليك شئ تكرهه
ما بقيت وذكر أنه قال لعلي أي بنى ما هذا الذي أنت عليه قال يا أبت آمنت
برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقت بما جاء به وصليت معه واتبعته، فزعموا أنه قال له
أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه. أخرجه ابن إسحاق.
(ذكر هجرته عليه السلام)
قال ابن إسحاق وأقام على بمكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال وأيامها حتى أدى
عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم الودائع التي كانت عنده للناس حتى إذا فرغ منها لحق
برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم بن الهذم (1) ولم يقم بقباء إلا ليلة أو ليلتين.

(1) في الأصل (الهزم) والتصويب من الإصابة وهو ابن امرئ القيس الأنصاري.
60

(ذكر أفضلية منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم)
عن عبد الله بن الحرث قال قلت لعلي بن أبي طالب أخبرني بأفضل منزلتك
من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم بينا أنا نائم عنده وهو يصلى فلما فرغ
من صلاته قال يا علي ما سألت الله عز وجل من الخير شيئا إلا سألت لك مثله
ولا استعذت الله من الشر إلا استعذت لك مثله. أخرجه الامام المحاملي.
(ذكر أنه ما اكتسب مكتسب مثل فضله)
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(ما اكتسب مكتسب مثل فضل على يهدى صاحبه إلى الهدى ويردده عن
الردى) أخرجه الطبراني.
(ذكر فضيلة اختصاصه بتزويج فاطمة عليها السلام)
وقد تقدمت أحاديث هذا الذكر مستوفاة في باب مناقب فاطمة عليها السلام.
(ذكر أنه أول من يقرع باب الجنة بعد النبي صلى الله عليه وسلم)
عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا علي إنك أول
من يقرع باب الجنة فتدخلها بغير حساب بعدى) أخرجه علي بن موسى الرضا.
(ذكر أنه أحب الخلق إلى الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير فقال اللهم
ائتني بأحب خلقك إليك ليأكل معي هذا الطير فجاء علي بن أبي طالب فأكل
معه. خرجه الترمذي والبغوي في المصابيح في الحسان وأخرجه الحربي وقال أهدى
لرسول الله صلى الله عليه وسلم طير وكان مما يعجبه أكله ثم ذكر الحديث.
وخرجه الإمام أبو بكر محمد بن عمر بن بكير النجار وقال عن أنس بن مالك:
قدمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طيرا فسمى وأكل لقمة ثم قال اللهم ائتني
بأحب الخلق إليك وإلى فأتى على فضرب الباب فقلت من أنت قال على قلت
61

ان رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة ثم أكل لقمة وقال مثل الأولى
فضرب على فقلت من أنت قال على قلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة ثم
أكل لقمة وقال مثل الأولى فضرب على فقلت من أنت قال على قلت إن رسول
الله على حاجة ثم أكل لقمة وقال مثل ذلك قال فضرب على ورفع صوته فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس افتح الباب قال فدخل فلما رآه النبي صلى
الله عليه وسلم تبسم ثم قال الحمد لله الذي جعلك فانى أدعو في كل لقمة أن
يأتيني بأحب الخلق إليه وإلى فكنت أنت قال والذي بعثك إني لأضرب
الباب ثلاث مرات ويردني أنس قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم رددته
قلت كنت أحب معه (1) رجلا من الأنصار فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ما يلام
الرجل على قومه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عليا دخل على النبي صلى
الله عليه وسلم فقام إليه وعانقه وقبل بين عينيه فقال له العباس أتحب هذا يا رسول
الله فقال يا عم والله لله أشد حبا له. خرجه أبو الخير القزويني.
(ذكر أنه أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم)
عن عائشة رضي الله عنها سئلت أي الناس أحب إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم قالت فاطمة قيل من الرجال قالت زوجها إن كان ما علمت صواما
قواما. أخرجه الترمذي وقال حسن غريب. وعنها وقد ذكر عندها على
فقالت: ما رأيت رجلا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ولا من امرأة أحب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم من امرأته. أخرجه المخلص الذهبي والحافظ أبو
القاسم الدمشقي. وعن معاذة الغفارية قالت دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم
في بيت عائشة وعلى خارج من عنده فسمعته يقول يا عائشة إن هذا أحب الرجال
إلى وأكرمهم على فاعرفي له حقه وأكرمي مثواه. أخرجه الخجندي. وعن
معاوية بن ثعلبة قال جاء رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه وهو في مسجد رسول

(1) في نسخة (معه أحب).
62

الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر ألا تخبرني بأحب الناس إليك فانى أعرف ان
أحب الناس إليك أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأي ورب الكعبة
أحبهم إلى أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ذاك الشيخ فأشار إلى علي
. خرجه الملا في سيرته.
(ذكر أنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة الرأس من الجسد)
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (على منى
بمنزلة رأسي من جسدي) أخرجه الملا في سيرته.
* (ذكر أنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى) *
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي
(أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدى) أخرجه البخاري ومسلم.
وعنه قال خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا في غزوة تبوك فقال يا رسول
الله خلفتني في النساء والصبيان (فقال أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من
موسى إلا أنه لانبى بعدى) خرجه مسلم وأبو حاتم. وفى رواية أخرجها ابن إسحاق
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل الجرف (1) طعن رجال من المنافقين في أخرة
على وقالوا إنما خلفه استثقالا فخرج على فحمل سلاحه حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالجرف
فقال يا رسول الله ما تخلفت عنك في غزاة قط قبل هذه قد زعم ناس من المنافقين
انك خلفتني استثقالا قال كذبوا ولكن خلفتك لما ورائي فارجع فاخلفني في
أهلي أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدى. وعن
أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول (اللهم إني أقول كما قال أخي موسى واجعل لي وزيرا من أهلي أخي عليا
أشدد به أزرى وأشركه في أمرى كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت
بنا بصيرا) أخرجه أحمد في المناقب، والمراد بالامر غير النبوة بدليل ما تقدم.

(1) موضع قريب من المدينة.
63

وعنها قالت هبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قال يا محمد إن ربك يقرئك
السلام ويقول لك على منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعدك. أخرجه
الإمام علي بن موسى الرضا.
* (ذكر أنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل) *
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء أبو بكر وعلى يزوران قبر النبي صلى
الله عليه وسلم بعد وفاته بستة أيام قال على لأبي بكر تقدم يا خليفة رسول الله قال
أبو بكر رضي الله عنه ما كنت لاتقدم رجلا سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول (على منى بمنزلتي من ربى) أخرجه السمان في كتاب الموافقة.
* (ذكر انه رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم أو مثله) *
عن المطلب بن عبد الله بن حنطب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لوفد ثقيف حين جاؤه (لتسلمن أو لأبعثن عليكم رجلا منى - أو قال مثل نفسي
ليضربن أعناقكم وليسبين ذراريكم وليأخذن أموالكم) قال عمر رضي الله عنه
فوالله ما تمنيت الامارة إلا يؤمئذ فجعلت أنصب صدري رجاء أن يقول هو هذا
قال فالتفت إلى علي فأخذ بيده وقال هو هذا هو هذا. أخرجه عبد الرزاق في
جامعه وأبو عمر النمري وابن السمان. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (ما من نبي إلا وله نظير في أمته وعلى نظيري) أخرجه أبو حسن الخلعي.
* (ذكر صلاة الملائكة عليه وعلى النبي صلى الله عليه وسلم) *
عن أبي أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد صلت الملائكة على
وعلى على لأنا كنا نصلى ليس معنا أحد يصلى غيرنا) أخرجه أبو الحسن الخلعي.
* (ذكر أن الله عز وجل يقبض روحه وروح النبي صلى الله عليه وسلم) *
* (بمشيئته دون ملك الموت) *
عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما أسرى بي
64

مررت بملك جالس على سرير من نور واحدى رجليه في المشرق والأخرى في
المغرب وبين يديه لوح ينظر فيه والدنيا كلها بين عينيه والخلق بين ركبتيه ويده
تبلغ المشرق والمغرب فقلت يا جبريل من هذا فقال هذا عزرائيل تقدم فسلم
عليه فتقدمت فسلمت عليه فقال وعليك السلام يا أحمد ما فعل ابن عمك على فقلت
وهل تعرف ابن عمى عليا قال كيف لا أعرفه وقد وكلني الله بقبض أرواح
الخلائق ما خلا روحك وروح بن عمك علي بن أبي طالب فان الله يتوفاكما بمشيئته.
أخرجه الملا في سيرته.
(ذكر أنه من آذاه فقد آذى النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبغضه)
فقد أبغضه ومن سبه فقد سبه ومن أحبه فقد أحبه ومن تولاه فقد تولاه
ومن عاداه فقد عاداه ومن أطاعه فقد أطاعه ومن عصاه فقد عصاه
عن عمرو بن شاس (1) الأسلمي وكان من أصحاب الحديبية قال خرجت مع علي
إلى اليمن فجفاني في سفري حتى وجدت في نفسي عليه فلما قدمت أظهرت شكايته
في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله
صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فلما رآني أبدني عينيه - يقول حدد إلى النظر - حتى إذا
جلست قال يا عمرو والله لقد آذيتني قلت أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله فقال بلى
من آذى عليا فقد آذاني. أخرجه أحمد. وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحب عليا
فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد
آذى الله عز وجل) أخرجه أبو عمر النمري. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت اشهد
انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من أحب عليا فقد أحبني ومن
أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد ابغضني ومن ابغضني فقد أبغض الله عز
وجل) أخرجه المخلص الذهبي. وأخرجه غيره من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه
وزاد فيه: ومن تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله. وعن ابن

(1) في الأصل (شاش) بمعجمتين وهو غلط والتصويب من معجم الشعراء للمرزباني.
65

عباس رضي الله عنهما قال اشهد بالله لسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول (من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله عز وجل
أكبه الله على منخريه) أخرجه أبو عبد الله الحلاني، وخرج الإمام أحمد منه من
حديث أم سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من سب عليا فقد
سبني) وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لعلى (من أطاعك فقد أطاعني ومن أطاعني أطاع الله ومن عصاك فقد
عصاني) أخرجه الإمام أبو بكر الإسماعيلي في معجمه، وخرجه الخجندي وزاد:
ومن عصاني فقد عصى الله. وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(يا علي من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني) خرجه احمد في المناقب.
* (ذكر إخائه للنبي صلى الله عليه وسلم) *
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
أصحابه فجاء على تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تواخ بيني
وبين أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت أخي في الدنيا والآخرة)
أخرجه الترمذي وقال حديث حسن، وأخرجه البغوي في المصابيح في الحسان.
وفى رواية من حديث الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما قال
آخيت بين أصحابك وتركتني قال ولم تراني تركتك إنما تركتك لنفسي أنت
أخي وأنا أخوك. وعن علي عليه السلام قال طلبني النبي صلى الله عليه وسلم
فوجدني في حائط نائم فضربني برجله وقال قم فوالله لأرضيك أنت أخي وأبو
ولدى تقاتل على سنتي من مات على عهدي فهو في كنز الجنة ومن مات على عهدك
فقد قضى نحبه ومن مات على دينك بعد موتك ختم الله له بالأمن والايمان ما طلعت
شمس أو غربت. خرجه احمد. وعن جابر رضي الله عنه قال: على باب الجنة
مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله على أخو رسول الله. وفى رواية: مكتوب
على باب الجنة محمد رسول الله على أخو رسول الله قبل أن تخلق السماوات والأرض
66

بألفي سنة - أخرجهما احمد في المناقب.
(ذكر ان الله عز وجل جعل ذرية نبيه صلى الله عليه وسلم)
في صلب علي عليه السلام
تقدم في الفصل قبله قوله صلى الله عليه وسلم (أنت أخي وأبو ولدي) وعن
ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذ دخل علي بن أبي طالب فسلم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام وقام
إليه وعانقه وقبل بين عينيه وأجلسه عى يمينه فقال العباس يا رسول الله أتحب هذا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا عم والله لله أشد حبا له منى ان الله جعل
ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب هذا) أخرجه أبو الخير الحاكمي
في الأربعين.
(ذكر انه من كان النبي صلى الله عليه وسلم مولاه فعلى مولاه)
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم
في سفر فنزلنا بغدير خم (1) فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح (2) لرسول الله صلى
الله عليه وسلم تحت شجرة فصلى الظهر وأخذ بيد على وقال ألستم تعلمون انى أولى
بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى فأخذ بيد على وقال اللهم من كنت مولاه فعلى مولاه
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال هنيئا لك يا ابن أبي
طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة) أخرجه أحمد في مسنده،
وأخرجه في المناقب من حديث عمر وزاد بعد قوله وعاد من عاداه وانصر من نصره
وأحب من أحبه. قال شعبة أو قال وأبغض من بغضه. وعن زيد بن أرقم قال
استنشد علي بن أبي طالب الناس فقال أنشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه
عليه وسلم يقول (من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
فقام ستة عشر رجلا فشهدوا. وعن زياد بن أبي زياد قال سمعت علي بن أبي

(1) موضع بين مكة والمدينة.
(2) أي كنس.
67

طالب ينشد الناس فقال أنشد الله رجلا مسلما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم يقول
يوم غدير خم ما قال فقام اثنا عشر بدريا فشهدوا. وعن عمر رضي الله عنه وقد
جاءه أعرابيان يختصمان فقال لعلى اقض بينهما يا أبا الحسن فقضى على بينهما
فقال أحدهما هذا يقصى بيننا فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه (1) وقال ويحك
ما تدري من هذا هذا مولاي ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.
خرجه ابن السمان في كتاب الموافقة.
(ذكر انه من النبي صلى الله عليه وسلم وانه ولى كل مؤمن من بعده)
تقدم طرف من أحاديث هذا الذكر أنه من النبي صلى الله عليه وسلم عن
عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ان عليا
منى وانا منه وهو ولى كل مؤمن بعدى) أخرجه أحمد والترمذي وقال حسن
غريب وأبو حاتم. وعن بريدة رضي الله عنه انه كان يبغض عليا فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم (تبغض عليا قال نعم قال لا تبغضه وان كنت تحبه فازدد
له حبا قال فما كان أحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى
من على، وفى رواية أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقع في علي
فإنه منى وأنا منه وهو وليكم بعدى) خرجهما احمد.
(ذكر ان جبريل من على عليهما السلام)
عن أبي رافع قال لما قتل على أصحاب الألوية يوم أحد قال جبريل عليه السلام
يا رسول الله ان هذه لهى المواساة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انه منى وانا منه
فقال جبريل عليه السلام وانا منكما يا رسول الله. خرجه احمد في المناقب.
(ذكر سلام الملائكة عليه)
قال لما كان ليلة يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يستسقى لنا
من الماء فأحجم الناس فقام على فاحتضن قربة فأتى بئرا بعيدة القعر مظلمة فانحدر

(1) يقال لببت الرجل تلبيبا إذا جمعت ثيابه عند ظهره ونحره في الخصومة.
68

فيها فأوحى الله عز وجل إلى جبريل وميكائيل وإسرافيل تأهبوا لنصر محمد صلى
الله عليه وسلم وحزبه فهبطوا من السماء لهم لغط يذعر من سمعه فلما حاذوا بالبئر
سلموا عليه من عند آخرهم إكراما وتبجيلا. أخرجه أحمد في المناقب.
(ذكر تأييد الله عز وجل نبيه بعلى عليهما السلام)
عن أبي الخميس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اسرى بي إلى
السماء فنظرت إلى ساق العرش الأيمن فرأيت كتابا فهمته محمد رسول الله أيدته
بعلى ونصرته به) خرجه الملا في سيرته.
(ذكر اختصاصه بالتبليغ عن النبي صلى الله عليه وسلم)
عن أبي سعيد أو أبي هريرة رضي الله عنهما قال بعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم أبا بكر على الحج فلما بلغ ضجنان (1) سمع بغام ناقة على فعرفه فأتاه
فقال ما شأنك فقال خيرا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني ببراءة
فلما رجعنا انطلق أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله مالي قال خيرا
أنت صاحبي في الغار غير أنه لا يبلغ عنى غيري أو رجل منى يعنى عليا. أخرجه
أبو حاتم. وفى رواية عنده من حديث جابر أن أبا بكر رضي الله عنه قال له أمير
أم رسول فقال بل رسول أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة اقرؤها
على الناس في مواقف الحج. وفى رواية من حديث أحمد عن علي أن النبي
صلى الله عليه وسلم لما راجعه أبو بكر رضي الله عنه قال له جبريل جاءني فقال لن
يؤدى عنك الا أنت أو رجل منك.
(شرح): بغام الناقة: صوت لا تفصح به تقول منه بغمت تبغم بالكسر
وبغمت للرجل إذا لم تفصح له عن معنى ما تحدثه به، وضجنان جبل بناحية مكة.
وقد روى أن عليا رضي الله عنه أدرك أبا بكر بالعرج (2) وهو منزل بطريق مكة.
وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يبلغ عنى غيري أو رجل منى) أي من أهل بيتي

(1) بين مكة والمدينة.
(2) في التيمورية (الفرخ) وهو تحريف.
69

وهذا التبليغ والأداء يختص بهذه الواقعة لسبب اقتضاه وذلك أن عادة العرب
في نقض العهود أن لا يتولى ذلك إلا من تولى عقدها أو رجل من قبيلته وكان
النبي صلى الله عليه وسلم ولى أبا بكر ذلك جريا على عادته في عدم مراعاة العوائد الجاهلية
فأمره الله تعالى أن لا يبعث في نقض عهودهم إلا رجلا منه قطعا لحججهم وإزاحة
لعللهم لئلا يحتجوا بعوائدهم والدليل على أنه لا يختص التبليغ عنه بأهل بيته انه
قد علم بالضرورة ان رسله صلى الله عليه وسلم لم تزل مختلفة إلى الآفاق في
التبليغ عنه وأداء رسالته وتعليم الاحكام والوقائع يؤدون عنه صلى الله عليه وسلم
(ذكر اختصاصه بسيادة العرب وحث الأنصار على حبه)
عن الحسن بن علي عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ادعو إلى سيد العرب
يعنى عليا قالت عائشة رضي الله عنها ألست سيد العرب فقال أنا سيد ولد آدم
وعلى سيد العرب فلما جاء أرسل صلى الله عليه وسلم إلى الأنصار فأتوه فقال لهم
يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا قالوا بلى
يا رسول الله قال هذا على فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي فان جبريل أخبرني بالذي
قلت لكم عن الله عز وجل.
(ذكر اختصاصه بسيادة المسلمين وولاة المتقين)
عن عبد الله بن أسعد بن زرارة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى بي
انتهيت إلى ربي عز وجل فأوحى إلى أو أمرني شك الراوي في أيهما في علي ثلاثا
انه سيد المسلمين وولى المتقين وقائد الغر المحجلين) أخرجه المحاملي وأخرجه
الإمام علي بن موسى الرضا من حديث على وزاد: ويعسوب الدين.
(ذكر اختصاصه بأن النبي صلى الله عليه وسلم)
* (أقامه مقامه في نحر بقية بدنه وأشركه في هديه) *
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما حديثه الطويل في مناسك الحج وفيه
70

فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين بدنة (1) بيده وأعطى عليا فنحر
ما عتر منها وأشركه في هديه (2) ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت
فأكلا من لحمها وشربا من مرقها. أخرجه مسلم.
(ذكر اختصاصه بأنه لا يجوز أحد الصراط إلا من)
كتب له على الجواز
عن قيس بن أبي خازم قال التقى أبو بكر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما
فتبسم أبو بكر في وجه على فقال له مالك تبسمت قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول (لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له على الجواز) أخرجه ابن
السمان في كتاب الموافقة.
(ذكر اختصاصه بالوصاية والإرث)
عن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لكل نبي وصى ووارث
وان عليا وصيي ووارثي) أخرجه الحافظ أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة
وإن صح هذا الحديث فالتوريث محمول على ما رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه
قال قال على يا رسول الله ما أرث منك قال ما يرث النبيون بعضهم من بعض
كتاب الله وسنة نبيه. والوصية محمولة على ما رواه أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال وصيي
ووارثي يقضى ديني وينجز موعدي على به أبى طالب رضي الله عنه. أخرجه أحمد
في المناقب أو على ما رواه حبة العرني عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم يا علي أوصيك بالعرب خيرا. أخرجه أحمد في المناقب وخرجه ابن السراج،
أو على ما رواه حسين بن علي عن أبيه عن جده قال أوصى النبي صلى الله عليه
وسلم عليا أن يغسله فقال على يا رسول الله أخشى أن لا أطيق ذلك قال إنك
ستعان على فقال علي رضي الله عنه والله ما أردت أن أقلب من رسول الله صلى

(1) البدنة تقع على جمل والناقة والبقرة، وهي بالإبل أشبه وسميت بدنة
لعظمها وسمنها.
(2) الهدى هو ما يهدى إلى البيت الحرام من النعم لتنحر.
71

الله عليه وسلم عضوا إلا قلب لي. ويعضد هذا التأويل بما ورد من الأحاديث
الصحيحة في نفى التوريث ولايصاء وانه لم يعهد إليهم عهدا غير ما في كتاب
الله وما في صحيفة فيها شئ من أسنان الإبل ومن العقل على ما قررناه في كتاب
الرياض النضرة في فضائل العشرة رضي الله عنهم.
(ذكر انه ادخله النبي صلى الله عليه وسلم في ثوبه يوم توفى)
واحتضنه إلى أن قبض
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة (ادعوا
لي حبيبي فدعوا له أبا بكر رضي الله عنه فنظر إليه ثم وضع رأسه فقال ادعوا لي
حبيبي فدعوا له عمر رضي الله عنه فلما نظر إليه وضع رأسه ثم قال ادعوا لي حبيبي فدعوا له عليا رضي الله عنه فلما رآه أدخله معه في الثوب الذي كان عليه فلم
يزل يحتضنه حتى قبض صلى الله عليه وسلم) أخرجه الرازي.
(ذكر انه أقرب الناس عهدا بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم مات)
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت والذي أحلف إن كان على لأقرب الناس
عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
غداة بعد غداة يقول جاء على وأظنه كان بعثه في حاجة فجاء بعد فظننت ان له
حاجة فخرجنا من البيت قعدنا عند الباب فكنت من أدناهم إلى الباب فأكب
عليه على فجعل يساره ويناجيه ثم قبض صلى الله عليه وسلم يومه ذلك فكان من
أقرب الناس به عهدا. أخرجه الإمام أحمد.
(ذكر اختصاصه باعطائه الراية يوم خيبر وفتحها على يديه)
عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لأعطين غدا الراية رجلا
يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله على يديه قال فبات الناس يدوكون (1)
ليلتهم أيهم يعطى فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو

(1) أي يخوضون ويمرجون فيمن بدفعها إليه. وفى نسخة (يدودون) وهو خطأ.
72

أن يعطاها فقال صلى الله عليه وسلم أين علي بن أبي طالب فقالوا يشتكى عينيه
يا رسول الله قال فأرسلوا إليه فلما جاء بصق صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له
فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع وأعطاه الراية فقال على يا رسول الله أقاتلهم حتى
يكونوا مثلنا قال أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم أدعهم إلى الاسلام
وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لان يهدى الله بك رجلا واحدا
خير لك من أن يكون لك حمر النعم) أخرجه البخاري ومسلم. وفى رواية من
حديث سلمة بن الأكوع لأعطين الراية أو ليأخذن الراية - غدا رجلا يحبه
الله ورسوله - أو قال يحب الله ورسوله - يفتح الله على يديه، ثم ذكر معنى ما بقي.
أخرجه مسلم أيضا من حديث أبي هريرة ولفظه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
خيبر (لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه
قال عمر رضي الله عنه فما أحببت الامارة إلا يومئذ فشارفت فدعا رسول الله صلى
الله عليه وسلم عليا فأعطاه إياها) ثم ذكر معنى ما بقي. وعن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الراية وهزها ثم قال من يأخذها بحقها
فجاء فلان فقال أنا فقال صلى الله عليه وسلم والذي يكرم وجه محمد لأعطينها رجلا
لا يفر هاك يا علي فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتها وقديدها.
أخرجه أحمد. وعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خرجنا
مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته فلما دنا من الحصن خرج
إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود وطرح ترسه فتناول علي رضي الله عنه بابا
كان عند الحصن فترس به نفسه فلم يزل في يده حتى فتح الله عز وجل عليه ثم
ألقاه من يده حين فرغ فلقد رأيتني في نفر معي سبعة أنا ثامنهم نجتهد على أن
نقلب ذلك الباب فما نقلبه. أخرجه أحمد في المسند.
(ذكر انه لم ترمد عيناه بعد أن تفل فيهما النبي صلى الله عليه وسلم)
عن علي رضي الله عنه قال: ما رمدت عيناي منذ تفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في
73

عيني. أخرجه أحمد. وعنه قال: ما رمدت عيناي منذ مسح رسول الله صلى الله عليه
وسلم وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين أعطاني الراية. أخرجه أبو الخير القزويني.
(ذكر اختصاصه
بأنه كان لا يجد حرا ولا بردا) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان أبى يسمر مع علي وكان على يلبس
ثياب الصيف في الشتاء وثياب الشتاء في الصيف فقيل له لو سألته فسأله فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى وأنا أرمد العين يوم خيبر فقلت يا رسول الله إني
أرمد العين فتفل في عيني فقال اللهم أذهب عنه الحر والبرد فما وجدت حرا ولا بردا
منذ يومئذ. أخرجه أحمد.
(ذكر انه كان صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية)
فلا ينصرف حتى يفتح عليه
عن عمر بن حبيش قال خطبنا الحسن بن علي حين قتل على فقال لقد فارقكم
رجل إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية فلا ينصرف حتى يفتح الله عليه ما ترك
من صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه كان يرصدها لخادم لأهله. أخرجه أحمد.
(ذكر انه كان يبعثه النبي صلى الله عليه وسلم على السرية)
جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله فلا ينصرف حتى يفتح عليه
عن الحسن أنه قال حين قتل على لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون بعلم ولا
أدركه الآخرون كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه بالسرية جبريل عن يمينه وميكائيل
عن شماله لا ينصرف حتى يفتح عليه. أخرجه أحمد. وخرجه أبو حاتم ولم يقل بعلم.
(ذكر ملك كان ينوه باسمه يوم بدر)
عن أبي جعفر محمد بن علي قال نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له رضوان
أن لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى إلا على. خرجه الحسن بن عرفة العبدري.
ذو الفقار اسم سيف النبي صلى الله عليه وسلم سمى بذلك لأنه كانت فيه حفر
صغار قال أبو عبيد والمفقر من السيوف الذي في متنه حزوز.
74

(ذكر انه حمل رأيه النبي صلى الله عليه وسلم)
يوم بدر وكان يحملها في المشاهد كلها
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان على أخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم بدر فقال الحكم يوم بدر والمشاهد كلها. أخرجه أحمد في المناقب. وعن علي
قال كسرت يد علي رضي الله عنه يوم أحد فسقط اللواء من يده فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ضعوه في يده اليسرى فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة. أخرجه
ابن الحضرمي. وعن مالك بن دينار سألت سعيد بن جبير وإخوانه من القراء
من كان حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا كان حاملها علي رضي الله عنه
. أخرجه أحمد في المناقب.
(ذكر اختصاصه بحمل لواء الحمد في ظل العرش)
بين إبراهيم والنبي صلى الله عليه وسلم وانه يكسى إذا كسى النبي صلى الله عليه وسلم
عن مخدوع الذهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي أما علمت يا علي انى أول
من يدعى به يوم القيامة فأقوم عن يمين العرش في ظله فأكسى حلة خضراء من
حلل الجنة ثم يدعى بالنبيين بعضهم على أثر بعض فيقومون سماطين عن يمين
العرش ويكسون حللا خضراء من حلل الجنة ألا وانى أخبرك يا علي ان أمتي
أول الأمم يحاسبون يوم القيامة ثم أبشر انك أول من يدعى بك لقرابتك منى وميزتك
ومنزلتك عندي فيدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد تسير به بين السماطين آدم
وجميع خلق الله تعالى مستظلون بظل لوائي يوم القيامة فتسير باللواء الحسن عن
يمينك والحسين عن يسارك حتى تقف بيني وبين إبراهيم في ظل العرش ثم
تكسى حلة من الجنة ثم ينادى مناد تحت العرش نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم
الأخ أخوك على ابشر يا علي أنك تكسى إذا كسيت وتدعى إذا دعيت وتحيا
إذا حييت. أخرجه أحمد في المناقب. والسماطان من الناس والنخل الجانبان يقال
مشى بين السماطين، وقوله وميزتك لعله ومنزلتك فغلط الناسخ وان صح فالمعنى فلتميزك
75

عندي عن الناس من مزت الشئ أميزه إذا عزلته وأفردته وكذلك ميزته فانماز وتميز.
* (ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم هدد قريشا يوم الحديبية ببعثه عليهم) *
عن علي رضي الله عنه قال لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين
منهم سهيل من عمرو وأناس من رؤساء المشركين فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليك
ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس بهم فقه في الدين وإنما خرجوا فرارا
من أموالنا وضياعنا فارددهم إلينا فإن كان بهم فقه في الدين سنفقههم فقال النبي
صلى الله عليه وسلم (يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب
رقابكم بالسيف على الدين فقد امتحن الله قلبه على الايمان فقالوا من هو يا رسول
الله وقال أبو بكر من هو يا رسول الله وقال عمر من هو يا رسول الله قال هو خاصف
النعل وكان أعطى عليا نعله يخصفها ثم التفت على إلى من عنده وقال إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح.
* (ذكر أنه يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل رسول الله) *
صلى الله عليه وسلم على تنزيله
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله قال أبو بكر رضي الله عنه
أنا هو يا رسول الله قال لا ولكن خاصف النعل في الحجرة وكان أعطى
عليا نعله يخصفها) أخرجه أبو حاتم. وأصل الخصف الضم والجمع وخصف النعل
إطباق طاق على طاق ومنه قوله تعالى (يخصفان عليهما من ورق الجنة).
* (ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسد الأبواب الشارعة في المسجد) *
إلا باب علي عليه السلام
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم أبواب شارعة في المسجد قال فقال يوما سدوا هذه الأبواب إلا باب
76

على قال فتكلم في ذلك ناس قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال أما بعد فانى ما أمرت بسد هذه الأبواب غير باب على فقال فيه قائلكم وانى
والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشئ فاتبعته. أخرجه أحمد. عن
ابن عمر رضي الله عنهما قال لقد أوتى ابن أبي طالب ثلاث خصال لان يكون لي
واحدة منهن أحب إلى من حمر النعم زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسد
الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم حنين. أخرجه أحمد ولعله سقط قال
عمر فان هذا مروى عنه وكذلك رواه بريدة ان عمر قال يعنى هذا الحديث الأول.
* (ذكر اختصاصه بالمرور في المسجد جنبا) *
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا علي
لا يحل لاحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك) قال علي بن المنذر قلت
لضرار بن صرد ما معنى هذا الحديث قال لا يحل لاحد يستطرقه جنبا غيري
وغيرك. أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.
* (ذكر أنه حجة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته يوم القيامة) *
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عليا مقبلا
فقال يا انس قلت لبيك قال هذا المقبل حجتي على أمتي يوم القيامة. أخرجه النقاش.
* (ذكر أنه باب دار الحكمة) *
عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا دار الحكمة
وعلى بابها) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.
* (ذكر أنه باب دار العلم وباب مدينة العلم) *
عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا دار العلم
وعلى بابها) أخرجه البغوي في المصابيح في الحسان وخرجه أبو عمر وقال: أنا
مدينة العلم، وزاد فمن أراد العلم فليأته من بابه.
77

* (ذكر أنه أعلم الناس بالسنة) *
عن عائشة رضي الله عنها انها قالت: من أفتاكم بصوم عاشوراء قالوا على قالت
أما إنه أعلم الناس بالسنة. أخرجه أبو عمر.
* (ذكر أنه أكبر الأمة علما وأعظمهم حلما) *
عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد سئل عن علي رضي الله عنه فقال رحمة الله
على أبى الحسن كان والله علم الهدى وكهف التقى وطود النهى ومحل الحجا وغيث
الندى ومنتهى العلم للورى ونورا أسفر في الدجى وداعيا إلى المحجة العظمى
مستمسكا بالعروة الوثقى أتقى من تقمص وارتدى وأكرم من شهد النجوى بعد
محمد المصطفى وصاحب القبلتين وأبو السبطين وزوجته خير النساء فما يفوقه أحد
لم تر عيناي مثله ولم أسمع بمثله فعلى من بغضه لعنة الله ولعنة العباد إلى يوم التناد.
أخرجه أبو الفتح القواس. قوله طود هو الجبل العظيم، استعير منه التعظيم، والنهى:
العقول والحجا العقل أيضا، والنجوى: المشاورة والمسارة، وختنه وزوجته أي
ابنه النبي صلى الله عليه وسلم. قال الجوهري الختن بالتحريك عند العرب كل ما كان من
قبل المرأة مثل الأب والأخ هذا أصله عند العرب ثم اطلق في عرف الناس على
زوج البنت. وعن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على فاطمة
وهي شاكية فقال كيف تجدينك قالت لقد اشتدت فاقتي وطال سقمي. قال
عبد الله بن أحمد بن حنبل وجدت بخط أبى في هذا الحديث قال أو ما ترضين
انى زوجتك أكرمهم سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما، أخرجه أحمد. وعن
عطاء وقيل له أكان في أصحاب محمد أحد أعلم من على قال ما أعلم. أخرجه
القلعي. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: والله لقد أعطى على تسعة أعشار العلم
وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر. أخرجه أبو عمر. وعن علي رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له (ليهنك العلم أبا الحسن لقد شربت العلم شربا ونهلته
نهلا) أخرجه الرازي، ونهلت هنا بمعنى شربت وكرر لاختلاف اللفظ ان يعدى
78

بمن تقول نهلت منه نهلا أي رويت منه ريا فيجوز أن يكون لما أقامه مقام
شربت عداه إلى المفعول بنفسه. وعن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وقد
سئل عن علي فقال كان له والله ما شاء من ضرس قاطع السطة في النسب وقرابته
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومصاهرته والسابقة في الاسلام والعلم بالقرآن
والفقه والسنة والنجدة في الحرب والجود في الماعون. أخرجه المخلص الذهبي.
وعن الحسن بن أبي الحسن وقد سئل عن علي قال كان والله سهما صائبا من
مرامي الله عز وجل على عدوه ورباني هذه الأمة وذا فضلها وذا سابقتها وذا قرابتها
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن بالنؤمة عن أمر الله ولا بالملومة في دين الله ولا
بالسروقة لمال الله عز وجل اعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة ذاك على
ابن أبي طالب رضي الله عنه. أخرجه القلعي. وقوله رباني هو العالم الراسخ
في العلم والدين أو الذي يبتغى بعلمه وجه الله وقيل العالم العامل المعلم ونسب إلى
الرب لذلك والنون فيه زائدة، وقيل منسوب إلى الرب بمعنى التربية كأنه يربى
بصغار العلم قبل كباره، وذكر في الصحاح الرباني هو المتأله العارف بالله عز وجل.
* (ذكر ان جمعا من الصحابة لما سالوا أحالوا في السؤال عليه) *
عن أذينة العبدي قال أتيت عمر فسألته من أين أعتمر فقال ائت عليا فاسأله. خرجه
أبو عمر. وعن أبي حازم قال جاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسألة فقال سل عنها عليا
فهو أعلم فقال يا أمير المؤمنين جوابك فيها أحب إلى من جواب على قال بئس ما قلت
لقد كرهت رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزه بالعلم غزا ولقد قال له
(أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدى) وكان عمر إذا أشكل
عليه شئ أخذ منه. أخرجه الإمام أحمد في المناقب. قوله يغزه غزا الغزارة
الكثرة وقد غزر الشئ بالضم كثر. وعن عائشة رضي الله عنها وقد سئلت
عن المسح على الخفين فقالت ائت عليا فاسأله. أخرجه مسلم. وعن حنش بن
المعتمر أن رجلين أتيا امرأة من قريش فاستودعاها مائة دينار وقالا لها لا تدفعيها
79

إلى أحد منا دون صاحبه حتى نجتمع فلبثا حولا ثم جاء أحدهما إليها وقال إن
صاحبي قد مات ادفعي لي الدنانير فأبت فثقل عليها باهلها فلم يزالوا بها حتى دفعتها
إليه ثم لبث حولا آخر فجاء الآخر فقال ادفعي إلى الدنانير فقالت إن صاحبك
جاءني وزعم انك قد مت فدفعتها إليه فاختصما إلى عمر رضي الله عنه فأراد أن
يقضى عليها فقالت أنشدك الله أن لا تقضى بيننا وارفعنا إلى علي بن أبي طالب
فرفعها إلى علي فعرف انهما قد مكرا بها فقال أليس قلتما لا تدفعيها إلى واحد منا
دون صاحبه قال بلى قال فان مالك عندنا فاذهب فجئ بصاحبك حتى ندفعها
إليكما. وعن محمد بن يحيى بن حبان قال إن حبان بن منقذ كانت تحته امرأتان
هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية ثم مات على رأس الحول فقالت لم تنقض عدتي
فارتفعوا إلى عثمان فقال هذا ليس لي به علم فارتفعوا إلى علي قال على تحلفي عند منبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنك لم تحيضي ثلاث حيضات ولك الميراث فحلفت وأشركت في الميراث.
(ذكر رجوع أبى بكر وعمر رضي الله عنهما)
إلى قول علي عليه السلام (1)
عن ابن عمر رضي الله عنه ان اليهود جاءوا إلى أبى بكر رضي الله عنه فقالوا
صف لنا صاحبك فقال معشر اليهود لقد كنت معه في الغار كإصبعي هاتين ولقد
صعدت معه جبل حراء وان خنصري لفى خنصره ولكن الحديث عنه صلى الله عليه وسلم
شديد وهذا علي بن أبي طالب فأتوا عليا فقالوا يا أبا الحسن صف ابن عمك
فوصفه لهم صلى الله عليه وسلم. وعن زيد بن علي عن أبيه عن جده قال أتى
عمر رضي الله عنه بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور فأمر برجمها فتلقاها على
فقال ما بال هذه قالوا أمر عمر برجمها فردها على وقال هذه سلطانك عليها فما
سلطانك على ما في بطنها ولعلك انتهرتها أو أخفتها قال قد كان ذلك قال أو ما
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاحد على معترف بعد بلاء انه من قيد

(1) في هامش الأصل (قضاياه العجيبة رضي الله عنه وكرم وجهه).
80

أو حبس أو تهدد فلا إقرار له فخلى سبيلها. وعن عبد الله بن الحسن قال دخل
على على عمر وإذا امرأة حبلى تقاد ترجم قال ما شأن هذه قالت يذهبون بي
يرجموني فقال يا أمير المؤمنين لأي شئ ترجم إن كان لك سلطان عليها فما لك
سلطان على ما في بطنها فقال عمر رضي الله عنه كل أحد أفقه منى ثلاث مرات
فضمنها على حتى ولدت غلاما ثم ذهب بها إليه فرجمها، وهذه المرأة غير تلك
والله أعلم لان اعتراف تلك كان بعد تخويف فلم يصح فلم ترجم وهذه رجمت كما
تضمنه الحديث. وعن أبي عبد الرحمن السلمى قال أتى عمر بامرأة أجهزها
العطش فمرت على راع فاستسقته فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها
ففعلت فشاور الناس في رجمها فقال له على هي مضطرة إلى ذلك فخل سبيلها
ففعل. وهذا محمول على أنها أشرفت على الهلاك لو لم تفعل ومع ذلك ففيه نظر
وربما يتخيل من قول على هذا أنه جوز لها الفجور بسبب ذلك ولا أرى أنه جوز
ذلك وإنما أسقط الحد لمكان الشبهة والله أعلم. وعن أبي ظبيان قال شهدت
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى بامرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا بها
ليرجموها فلقيهم على (1) فقال ما لهذه قالوا زنت فأمر عمر برجمها فانتزعها على من
أيديهم فردهم فرجعوا إلى عمر فقالوا ردنا على قال ما فعل هذا على إلا لشئ
فأرسل إليه فجاءه فقال مالك رددت هؤلاء قال أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول
(رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن
المبتلى حتى يعقل) فقال بلى فقال هذه مبتلاة بنى فلان فلعله أتاها وهو بها فقال عمر
لا أدرى قال فأنا أدرى فترك رجمها. وعن مسروق أن عمر أتى بامرأة قد نكحت
في عدتها ففرق بينهما وجعل مهرها في بيت المال وقال لا يجتمعان أبدا فبلغ عليا
فقال إن كانا جهلا فلها المهر بما استحل من فرجها ويفرق بينهما فإذا انقضت
عدتها فهو خاطب من الخطاب فخطب عمر رضي الله عنه وقال ردوا الجهالات إلى السنة
فرجع إلى قول على. أخرج جميع هذه الأحاديث ابن النعمان في كتاب الموافقة،

(1) من هنا إلى قوله (قال ما فعل) ساقط من نسخة.
81

واخرج حديث أبي ظبيان أحمد، وروى أن عمر أراد رجم المرأة التي ولدت لستة
أشهر فقال له على إن الله عز وجل وعلا يقول (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) وقال تعالى
(وفصاله في عامين) فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين فترك عمر رجمها وقال لولا
على هلك عمر. خرجه القلعي. أخرجه ابن السمان. وعن سعيد بن المسيب قال
كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن. أخرجه أحمد وأبو عمر. وعن محمد
ابن الزبير قال دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بشيخ قد التوت ترقوتاه من الكبر
فقلت يا شيخ من أدركت قال عمر رضي الله عنه فقلت فما غزوت معه قال غزوت
اليرموك قلت فحدثني شيئا سمعته قال خرجت مع فتية حجاجا فأصبنا بيض نعام
وقد أحرمنا فلما قضينا نسكنا ذكرنا ذلك لأمير المؤمنين عمر فأدبر وقال إتبعوني
حتى انتهى إلى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب حجرة منها فأجابته امرأة فقال أثم
أبو حسن قالت لا فمر في المقتاة فأدبر وقال إتبعوني حتى انتهى إليه وهو يسوى
التراب بيده فقال مرحبا يا أمير المؤمنين فقال إن هؤلاء أصابوا بيض نعام وهم
محرمون فقال ألا أرسلت إلى قال أنا أحق بإتيانك قال يضربون الفحل
قلائص (1) أبكارا بعدد البيض فما نتج منها أهدوه قال عمر فان الإبل تخدج
قال على والبيض يمرض فلما أدبر قال عمر اللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو الحسن
إلى جنبي. وعن محمد بن زياد قال كان عمر يطوف بالبيت وعلى يطوف أمامه
إذ عرض رجل لعمر فقال يا أمير المؤمنين خذ لي حقي من علي بن أبي طالب
قال وما باله قال لطم عيني قال فوقف عمر حتى مر به على فقال ألطمت عين هذا
يا أبا الحسن قال نعم يا أمير المؤمنين قال ولم قال لأني رأيته يتأمل حرم المؤمنين
في الطواف فقال عمر أحسنت يا أبا الحسن. وعن يحيى بن عقيل قال كان عمر
يقول لعلى إذا سأله ففرج عنه لا أبقاني الله بعدك يا علي. وعن أبي سعيد الخدري
أنه سمع عمر يقول لعلى وقد سأله عن شئ فأجابه: أعوذ بالله أن أعيش في يوم
لست فيه يا أبا الحسن. وعن موسى بن طلحة أن عمر اجتمع عنده مال

(1) جمع قلوص وهي الناقة الشابة.
82

فقسمه ففضل منه فضلة فاستشار أصحابه في ذلك الفضل فقالوا نرى أن تمسكه
فإذا احتجت إلى شئ كان عندك وعلى في القوم لا يتكلم فقال عمر مالك لا تتكلم
يا علي قال قد أشار عليك القوم قال وأنت فأشر قال فانى أرى أنك تقسمه ففعل.
وعن يحيى بن عقيل عن علي أنه قال لعمر يا أمير المؤمنين إن سرك أن تلحق
بصاحبيك فأقصر الامل وكل دون الشبع وأقصر الإزار وارفع القميص واخصف
النعل تلحق بهما. أخرج جميع ذلك السمان والله أعلم.
(ذكر أنه لم يكن أحد من الصحابة يقول سلوني غيره)
عن سعيد بن المسيب قال لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
سلوني إلا عليا. أخرجه أحمد في المناقب والبغوي في المعجم وأبو عمر ولفظه
ما كان أحد من الناس يقول سلوني غير علي بن أبي طالب. وعن أبي الطفيل
قال شهدت عليا يقول سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم وسلوني
عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم
في جبل. أخرجه أبو عمر.
(ذكر أنه أقضى الأمة)
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أقضى أمتي على) أخرجه البغوي في المصابيح
في الحسان. وعن عمر رضي الله عنه قال: أقضانا على. أخرجه الحافظ السلفي.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى (تخصم الناس
بسبع ولا يحاجك أحد من قريش أنت أولهم إيمانا بالله وأوفاهم بعهد الله
وأقومهم بأمر الله وأقسمهم بالسوية وأعدلهم في الرعية وأبصرهم بالقضية
وأعظمهم عند الله مزية) أخرجه الحاكمي.
ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له حين ولاه قضاء اليمن
عن علي عليه السلام قال: لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن
قاضيا وأنا حديث السن فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم تكون بينهم أحداث
83

ولاعلم لي بالقضاء قال إن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك قال فما شككت في
قضاء بين اثنين. خرجه أحمد، وأراد بالاحداث الأمور الحادثة.
(ذكر بعض أقضيته عليه السلام)
عن زيد بن حبيش قال جلس اثنان يتغديان ومع أحدهما خمسة أرغفة
والآخر ثلاثة وجلس إليهما ثالث واستأذنهما في أن يصيب من طعامهما فأذنا له
فأكلوا على السواء ثم ألقى ثمانية دراهم قال هذا عوض ما أكلت من طعامكما
فتنازعا في قسمتها فقال صاحب الخمسة لي خمسة ولك ثلاثة وقال صاحب الثلاثة
بل نقسمها على السواء فترافعا إلى علي عليه السلام فقال لصاحب الثلاثة اقبل
من صاحبك ما عرض عليك فأبى وقال ما أريد إلا مر الحق فقال على لك في مر
الحق درهم واحد وله سبعة قال وكيف ذلك يا أمير المؤمنين قال لان الثمانية أربعة
وعشرون ثلثا لصاحب الخمسة خمسة عشر ولك تسعة وقد استويتم في الاكل
فأكلت ثمانية وبقى لك واحد وأكل صاحبك ثمانية وبقى له سبعة وأكل
الثالث ثمانية سبعة لصاحبك وواحد لك. أخرجه القلعي. وعن علي عليه
السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فوجد أربعة وقعوا في حفرة ليصطاد
فيها الأسد سقط أول رجل تعلق بآخر وتعلق الآخر بالآخر حتى تساقط الأربعة
فجرحهم الأسد وماتوا من جراحته فتنازع أولياؤهم حتى كادوا يقتتلون فقال على
أنا أقضى بينكم فان رضيتهم فهو القضاء وإلا حجزت بعضكم عن بعض حتى تأتوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقضى بينكم إجمعوا من القبائل الذين حفروا البئر
ربع الدية وثلثها ونصفها ودية كاملة فللأول ربع الدية لأنه أهلك من فوقه وللذي
يليه ثلثها لأنه أهلك من فوقه وللثالث النصف لأنه أهلك من فوقه وللرابع الدية
الكاملة فأبوا أن يرضوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصوا عليه قضاء
على فأجازه. أخرجه أحمد في المناقب. وعن الحارث عن علي رضي الله عنه أنه
جاءه رجل بامرأة فقال يا أمير المؤمنين دلست على هذه وهي مجنونة قال فصعد على
بصره وصوبه وكانت امرأة جميلة فقال ما يقول هذا فقالت والله يا أمير المؤمنين ما بي
84

جنون ولكني إذا كان ذلك الوقت أي وقت الجماع غلبتني غشية فقال خذها
ويحك وأحسن إليها فما أنت لها بأهل. أخرجه الحافظ السلفي. وعن زيد بن
أرقم قال أتى على بثلاثة نفر وقعوا على جارية في طهر واحد فولدت ولدا فادعوه
فقال على لأحدهم تطيب به نفسا لهذا قال لا قال للآخر تطيب به نفسا لهذا قال
لا قال للآخر تطيب به نفسا لهذا قال لا قال أراكم شركاء متشاكسون إني
أقرع بينكم فأيكم أصابته القرعة أغرمته ثلثي القيمة وألزمته الولد فذكروا
ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ما أجد فيها إلا ما قال علي رضي الله عنه.
وعن حميد بن عبد الله بن يزيد قال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم قضاء قضى
به علي بن أبي طالب فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة
أهل البيت. خرجه أحمد في المناقب.
(ذكر اختصاصه بنجوى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الطائف)
عن جابر قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم (عليا يوم الطائف فانتجاه فقال
الناس لقد طال نجواه مع ابن عمه فقال صلى الله عليه وسلم) ما انتجيته ولكن الله
انتجاه (1) أخرجه الترمذي وقال الحديث حسن.
(ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم حمله على منكبه في بعض الأحوال)
عن علي عليه السلام قال انطلقت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم حتى أتينا
الكعبة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس وصعد على منكبي فذهبت
لأنهض به فرأى منى ضعفا فنزل وجلس لي نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال
اصعد على منكبي فصعدت على منكبيه قال فنهض بي قال فخيل إلى أنى لو شئت
لنلت أفق السماء حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفر أو نحاس فجعلت
أزاوله عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى إذا استمكنت منه
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقذف به فقذفت به فتكسر كما تتكسر
القوارير ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نستبق حتى توارينا

(1) أي ان الله أمرني ان أناجيه، أي أسر إليه.
85

بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس. خرجه أحمد وصاحب الصفوة.
والتمثال: الصورة وجمعه تماثيل، وأزاوله: أحاوله وأعالجه.
(ذكر أن الله امره صلى الله عليه وسلم ان يتخذه صهرا)
عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يا علي إن الله أمرني
أن أتخذك صهرا) أخرجه ابن السمان في الموافقة.
(ذكر اختصاصه بأربع ليست لاحد غيره)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لعلي أربع خصال ليست لاحد غيره هو
أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف
وهو الذي صبر معه يوم فر عنه غيره وهو الذي غسله وأدخله قبره. أخرجه أبو عمر.
(ذكر اختصاصه بخمس)
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعطيت في
علي خمسا هن أحب إلى من الدنيا وما فيها أما واحدة فهو تكأتي بين يدي الله
عز وجل حتى يفرغ من الحساب وأما الثانية فلواء الحمد بيده آدم ومن ولده تحته
وأما الثالثة فواقف على عقر (1) حوضي يسقى من عرف من أمتي وأما الرابعة فساتر
عوراتي ومسلمي إلى ربي عز وجل وأما الخامسة فلست أخشى أن يرجع زانيا
بعد إحصان ولا كافرا بعد إيمان) أخرجه أحمد في المناقب. وقوله صلى الله عليه
وسلم تكأتي التكأة بزنة الهمزة ما يتكأ عليه ويقال أيضا لكثير الاتكاء،
وعقر الحوض بضم العين وإسكان القاف: آخره، وضم القاف لغة فيه.
(ذكر اختصاصه بعشر)
عن عمرو بن ميمون قال إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه سبعة رهط
فقالوا يا ابن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو من هؤلاء قال بل أقوم معكم،
وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى قال فانتدوا يتحدثون ثم جاء ينفض ثوبه

(1) عقر الحوض - بالضم - موضع الشاربة منه.
86

ويقول أف وتف وقعوا في رجل له عشر وقعوا في رجل قال له النبي صلى الله عليه
وسلم لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب الله ورسوله قال فاستشرف لها من
استشرف فقال أين على قالوا هو يطحن قال فما كان أحدكم يطحن فجاء وهو أرمد
لا يكاد يبصر فنفث في عينيه ثم هز الراية ثلاثا فأعطاه إياها فجاء (1) بصفية
بنت حيى قال ثم بعث أبو فلان بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها منه وقال
لا يذهب بها إلا رجل منى وأنا منه قال وقال لبنى عمه أيكم يواليني في الدنيا
والآخرة قال وعلى معه جالس فأبوا قال على أنا أواليك في الدنيا والآخرة قال
فتركه ثم أقبل على رجل منهم فقال أيكم يواليني في الدنيا والآخرة قال قال على
أنا أواليك في الدنيا والآخرة قال أنت وليي في الدنيا والآخرة قال وكان أول من
أسلم من الناس بعد خديجة قال وأخذ صلى الله عليه وسلم ثوبه فوضعه على على وفاطمة
وحسن وحسين فقال (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) قال وشرى نفسه ولبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه قال
فكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر وعلى نائم قال
أبو بكر يحسب أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقال له على إن نبي الله قد
انطلق نحو بئر ميمون فأدركه قال فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار قال وجعل على
يرمى بالحجارة كما كان يرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتضور قد لف
رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ثم كشف عن رأسه فقالوا إنك للئيم كان
صاحبك نرميه فلا يتضور وأنت تتضور (2) وقد استكثرنا ذلك. قال وخرج بالناس
في غزوة تبوك قال فقال له على أخرج معك قال فقال له نبي الله صلى الله عليه
وسلم لا فبكى على فقال أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنك
ليس بنبي إنه ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنت ولى كل مؤمن بعدى، قال وسد أبواب المسجد إلا باب على

(1) (فجاء) ساقطة من نسخة.
(2) التضور التلوى والتقلب ظهرا لبطن; وقيل إظهار الضور بمعنى الضر.
87

قال فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره وقال من كنت مولاه
فعلى مولاه قال وأخبر الله عز وجل أنه قد رضى عن أصحاب الشجرة فعلم ما في
قلوبهم هل حدثنا أنه سخط عليهم بعد قال وقال عمر يا نبي الله ائذن لي أن أضرب
عنقه يعنى حاطبا قال وكنت فاعلا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال
اعملوا ما شئتم. أخرجه بتمامه احمد وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفى الأربعين
الطوال وأخرج النسائي بعضه. وقوله انتدوا أي جلسوا في النادي وكذلك
تنادوا، والنادي والندى والمنتدى والندوة مجلس القوم ومتحدثهم فاستعير للمكان
الذي يتحدثون فيه لأنهم اتخذوه لذلك ولعله كان معدا لذلك. وقوله شرى نفسه
أي باعها ومنه قوله تعالى (وشروه بثمن بخس) الآية. هذه القصة مشهورة
ذكرها ابن إسحاق وغيره وقد ذكرناها في كتاب الرياض، وقوله أف وتف أي
قذر له يقال أفا له وتفا وأفة وتفة والتنوين فيه ست لغات حكاها الأخفش أف
أف أوف بالكسر والفتح والضم دون تنوين وبالثلاثة مع التنوين وقفا اتباع
قاله الجوهري، والتضور الصياح والتلوى عند الضرب.
(ذكر ما نزل فيه من الآي)
منها ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (الذين ينفقون
أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية) قال نزلت في علي بن أبي طالب كان معه أربعة
دارهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما وفى السر درهما وفى العلانية درهما فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حملك على هذا فقال أن استوجب على الله تعالى
ما وعدني فقال ألا إن لك ذلك فنزلت. ومنها ما روى عنه في قوله تعالى (أفمن كان
مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) الآية نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن
عقبة بن أبي معيط لأمر بينهما. أخرجه الحافظ السلفي. ومنها قوله تعالى (إنما
وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) نزلت فيه. أخرجه الواحدي. ومنها قوله تعالى
(أفمن شرح الله صدره للاسلام) نزلت فيه وفى حمزة وكان أبو لهب ممن قسا قلبه
ذكره الواحدي. ومنها ما روى عن مجاهد في قوله تعالى (أفمن وعدناه وعدا
88

حسنا فهو لاقيه) الآية نزلت في علي وحمزة وكان الممتنع أبو جهل. ومنها ما روى عن
ابن الحنفية في قوله تعالى (سيجعل لهم الرحمن ودا) قال لا يبقى مؤمن إلا وفى قلبه
ود لعلى وأهل بيته. أخرجه الحافظ السلفي. ومنها ما روى عن أبي ذر وأنه
كان يقسم لنزلت هذه الآية في هؤلاء الرهط يوم بدر (هذان خصمان اختصموا
في ربهم) إلى قوله (وهدوا إلى صراط الحميد) نزلت في علي وحمزة وعبيدة بن
الحرث بن عبد المطلب وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة. أخرجه
مسلم في صحيحه. ومنها ما روى عن ابن عباس في قوله تعالى (ويطعمون الطعام
على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) قال نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ليس من آية في القرآن (يا أيها الذين آمنوا)
إلا وعلى رأسها وأميرها وشريفها فلقد عاتب الله أصحاب محمد في القرآن وما ذكر
عليا إلا بخير. ذكره احمد في المناقب.
(ذكر أنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصره في الجنة)
عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي (أنت معي في قصرى
في الجنة مع فاطمة ابنتي) ثم تلا (إخوانا على سرر متقابلين) أخرجه أحمد في المناقب.
(ذكر أنه يوم القيامة يدخل مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث يدخل)
عن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلى (يا علي يدك في
يدي تدخل معي يوم القيامة حيث أدخل) أخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي.
(ذكر أنه ممن تشتاق له الجنة)
عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجنة تشتاق
إلى ثلاثة على وعمار وسلمان) وفى رواية (بلال) مكان سلمان وفى رواية والمقداد.
(ذكر أنه من سادات أهل الجنة)
عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نحن بنو عبد المطلب سادات أهل
الجنة أنا وحمزة وعلى وجعفر والحسن والحسين والمهدى) أخرجه ابن السرى
89

(ذكر أنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في مكان واحد في الجنة)
تقدم في باب بيان أهل البيت في ذكر ما جاء أن الأربعة معه صلى الله عليه
وسلم في مكان واحد يوم القيامة ما يدل عليه. وعن عبد الله قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لعلى (أما ترضى أنك معي في الجنة والحسن والحسين وذرياتنا خلف ظهورنا
وأزواجنا خلف ذرياتنا وأشياعنا عن أيماننا وعن شمائلنا) أخرجه أحمد في المناقب.
(ذكر ما لعلى في الجنة)
عن علي عليه السلام قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض
طرق المدينة فأتينا على حديقة فقلت ما أحسن هذه الحديقة قال لك في الجنة
أحسن منها ثم أتينا على حديقة أخرى أحسن منها فقلت يا رسول الله ما أحسنها
قال لك في الجنة أحسن منها حتى أتينا على سبع حدائق أقول يا رسول الله
ما أحسنها فيقول لك في الجنة أحسن منها. أخرجه أحمد في المناقب.
ذكر وصف حوريته في الجنة
عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما أسرى بي إلى السماء
أخذ جبريل بيدي وأقعدني على درنوك من درانيك الجنة (1) وناولني
سفرجلة فكنت أقلبها إذ انفلقت وخرجت منها حوراء لم أر أحسن منها
فقالت السلام عليك يا محمد قلت وعليك السلام من أنت قالت أنا الراضية المرضية
خلقني الجبار من ثلاثة أصناف أعلاى من عنبر ووسطى من كافور وأسفلي من
مسك وعجنني بماء الحيوان (2) ثم قال كونى فكنت خلقني لأخيك وابن عمك على
ابن أبي طالب. أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا.
ذكر قصره في الجنة
عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم
خليلا فقصرى في الجنة وقصر إبراهيم في الجنة متقابلان وقصر على بين قصرى

(1) الدرنوك: ستر له خمل.
(2) أي الحياة.
90

وقصر إبراهيم فياله من حبيب بين خليلين) أخرجه أبو الخير الحاكمي.
ذكر أن له يوم القيامة ناقة من نوق الجنة يركبها
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعلى يوم القيامة
ناقة من نوق الجنة يركبها وركبتك مع ركبتي وفخذك مع فخذي حتى تدخل الجنة)
أخرجه أحمد في المناقب.
ذكر أنه يذود المنافقين يوم القيامة عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي سعيد الخدري (1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا علي معك يوم القيامة
عصا من عضي الجنة تزود (2) بها المنافقين عن الحوض) أخرجه الطبراني.
(ذكر الحث على محبته والزجر عن بغضه)
وقد تقدم طرف من ذلك في فصل من أحبه فقد أحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ومن أبغضه فقد أبغضه. وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم (من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي
يوم القيامة) أخرجه أحمد والترمذي. وعنه أنه قال: (والذي فلق الحبة وبرأ
النسمة انه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا
منافق. أخرجه مسلم. وعن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وعن
الطيب بن عبد الله بن حنطب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(يا أيها الناس أوصيكم بحب أخي وابن عمى علي بن أبي طالب فإنه لا يحبه إلا مؤمن
ولا يبغضه إلا منافق) أخرجه أحمد في المناقب. وعن جابر بن عبد الله قال ما
كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم عليا. أخرجه أحمد، وعند الترمذي معناه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حب على يأكل

(1) في هامش الأصل (أبو سعيد الخدري هو سعيد بن مالك بن سنان
الأنصاري له ولأبيه صحبة، الخدري نسبة لخدرة قبيلة من الأنصار. انتهى.
(2) أي تمنع.
91

الذنوب كما تأكل النار الحطب) أخرجه الملا. وعن أنس قال دفع علي رضي الله عنه
إلى بلال درهما ليشترى به بطيخة فوجدها مرة فقال يا بلال رد هذا إلى
صاحبه وائتني بالدرهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي إن الله أخذ حبك
على البشر والشجر والثمر والبذر فما أجاب إلى حبك عذب وطاب وما لم يجب خبث
ومر وإني أظن هذه مما لم يجب. خرجه الملا في سيرته. وفيه دلالة على أن الحادث
من العيب إذا اطلع به على عيب قديم لم يمنع من الرد. وعن فاطمة بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن السعيد كل السعيد حق السعيد من
أحب عليا في حياته وبعد موته) أخرجه أحمد. وعن ابن عباس رضي الله عنهما
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك وويل لمن
أبغضك وكذب فيك) أخرجه الحسن بن عرفة العبدي
(ذكر لعنة الله والنبي صلى الله عليه وسلم على من أبغضه)
عن أنس بن مالك قال صعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فذكر قولا كثيرا ثم
قال أين علي بن أبي طالب فوثب إليه فقال ها أنا ذا يا رسول الله فضمه إلى صدره
وقبل بين عينيه وقال بأعلى صوته معاشر المسلمين هذا أخي وابن عمى وختني هذا
لحمي ودمى وشعرى هذا أبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة
هذا مفرج الكروب عنى هذا أسد الله وسيفه في أرضه على أعدائه على مبغضه
لعنة الله ولعنة اللاعنين والله منه برئ وأنا منه برئ فمن أحب أن يبرأ من الله
ومنى فليبرأ من على وليبلغ الشاهد الغائب ثم قال اجلس يا علي قد عرف الله لك ذلك
أخرجه أبو سعيد في شريف النبوة.
(ذكر أن فيه مثلا من عيسى عليهما السلام)
عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيك مثل
من عيسى عليه السلام أبغضه يهود حتى بهتوا أمته وأحبته النصارى حتى نزلوه
بالمنزلة التي ليس بها ثم قال يهلك في رجلان محب مفرط بما ليس في ومبغض
92

يحمله شنآني على أن يبهتني. أخرجه أحمد في مسنده. وعنه أنه قال (لتحبني
أقوام حتى يدخلوا النار في حبى ويبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي.
أخرجه أحمد في المناقب. وهذا محمول على من حمله حبه حتى اتخذه إلها من دون
الله أو قال ما يقول بعض الرافضة غلط الأمين فصدها عن حيدر فليكفر بذلك.
والبهت الكذب، والشنآن بالهمزة وبتحريك النون بالفتح لغتان وباسكانها
لغتان، والشنان بالتحريك دون همز البغض تقول منه شنيته شنا بفتح الشين وضمها
وكسرها ثلاث لغات وشنا وشنانا بالتحريك والاسكان كما تقدم.
ذكر إحراق على قوما اتخذوه إلها
عن عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال أتى علي بن أبي طالب
فقيل له إن ههنا قوما على باب المسجد يزعمون أنك ربهم فدعاهم فقال لهم ويلكم
ما تقولون قالوا أنت ربنا وخالقنا ورازقنا قال ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل
الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون إن أطعته أثابني إن شاء الله تعالى وإن
عصيت خشيت أن يعذبني فاتقوا الله وارجعوا فأبوا فطردهم فلما كان من الغد
غدوا عليه فجاء قنبر فقال والله رجعوا يقولون ذاك الكلام قال أدخلهم على
فقالوا له مثل ما قالوا وقال لهم مثل ما قال وقال لهم إنكم ضالون مفتونون فأبوا فلما
أن كان اليوم الثالث أتوه فقالوا له مثل ذلك القول فقال والله لئن قلتم ذلك
لأقتلنكم أخبث قتلة فأبوا إلا أن يتموا على قولهم فخد لهم أخدودا (1) بين
باب المسجد والقصر وأوقد فيه نارا وقال إني طارحكم فيها أو ترجعون فأبوا فقذف
بهم فيها. أخرجه المخلص الذهبي. وترديدهم محمول على الاستتابة.
ذكر تشبيه على بخمسة من الأنبياء عليهم السلام
عن أبي الحمراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى آدم في
علمه وإلى نوح في فهمه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى يحيى بن زكريا في زهده وإلى
موسى في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه) أخرجه أبو الخير

(1) أي شق لهم حفرة.
93

الحاكمي. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه وإلى نوح في حكمه وإلى يوسف في جماله
فلينظر إلى علي بن أبي طالب) أخرجه الملا في سيرته.
ذكر رؤية على جبريل عليهما السلام وكلام جبريل له
عن علي قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض فإذا رأسه في حجر
رجل أحسن ما رأيت من الخلق والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فلما دخلت عليه
قال ادن إلى ابن عمك فأنت أحق به منى فدنوت منهما فقام الرجل وجلست
مكانه فقال النبي صلى الله عليه وسلم فهل تدرى من الرجل قلت لا فقال النبي صلى الله
عليه وسلم ذلك جبريل يحدثني حين خف عنى وجعى فنمت ورأسي في حجره.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما وقد ذكر عنده على قال إنكم لتذكرون رجلا
كان يسمع وطئ جبريل فوق بيته. أخرجه أحمد في المناقب.
ذكر شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على علي رضي الله عنه ودعائه له
عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة بن رافع عن أبيه عن جده قال أقبلنا من
بدر ففقدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادت الرفاق بعضها بعضا أفيكم رسول الله فوقفوا
حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي بن أبي طالب فقالوا يا رسول
الله صلى الله عليك وسلم فقدناك فقال إن أبا حسن وجد مغصا في بطنه فتخلفت
عليه. أخرجه أبو عمر. وعن أم عطية قالت: بعث النبي صلى الله عليه وسلم
جيشا فيهم على فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رافع يديه يقول (اللهم لا تمتنى حتى
تريني عليا) أخرجه الترمذي وقال حسن غريب. وعن علي رضي الله عنه
قال: كنت إذا سألت النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني وإذا سكت ابتدأني. أخرجه
الترمذي وقال حديث حسن. وعنه قال كنت شاكيا فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا
أقول اللهم إن كان أجلى قد قرب فأرحني وإن كان متأخرا فارفع عنى وإن كان بلاء
فصبرني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قلت فأعدت عليه فضربني برجله وقال اللهم
94

عافه أو اشفه - شعبة الشاك - قال فما اشتكيت وجعى ذلك بعد. أخرجه
أبو حاتم. وعن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا ثم بعث رجلا خلفه وقال ادعه
ولا ترعه من ورائه. وعن علي رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم (إياك ودعوة المظلوم فإنما يسأل الله حقه وان الله لا يمنع ذا حق حقه)
أخرجه أبو الحسن الخلعي.
ذكر أحقيته بالنبي صلى الله عليه وسلم
عن حذيفة قال كان على أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ظهره فقلت
لعلى هلم أراوحك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أحق به. أخرجه الحافظ أبو نعيم.
ذكر أن النظر إليه عبادة
عن عائشة رضي الله عنها قالت رأيت أبا بكر يكثر النظر إلى وجه على فقلت
يا أبت رأيتك تكثر النظر إلى وجه على فقال يا بنية سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول (النظر إلى وجه على عبادة) أخرجه ابن السمان في الموافقة. وعن
ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (النظر إلى وجه على عبادة) أخرجه
أبو الحسن الحربي. وعن عمرو بن العاص مثله. أخرجه الأبهري. وعن جابر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى عد عمران بن حصين فإنه مريض فأتاه
وعنده معاذ وأبو هريرة فأقبل عمران يحد النظر إلى علي فقال له معاذ لم تحد النظر
إليه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (النظر إلى علي عبادة) فقال
معاذ وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو هريرة وأنا سمعت من
رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه ابن أبي الفرات.
(ذكر اشتياق أهل السماء والأنبياء الذين في الجنة إليه)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(ما مررت بسماء إلا وأهلها يشتاقون إلى علي بن أبي طالب وما في الجنة نبي إلا
وهو يشتاق إلى علي بن أبي طالب) أخرجه الملا في سيرته.
95

(ذكر أنه من خير البشر)
عن عقبة بن سعد العوفي قال دخلنا على جابر بن عبد الله وقد سقط حاجباه
على عينيه فسألناه عن علي قال فرفع حاجبيه بيديه فقال ذاك من خير البشر.
أخرجه أحمد في المناقب.
(ذكر مباهاة الله عز وجل به حملة العرش)
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صف المهاجرين والأنصار
وقال هبط على جبريل عليه السلام بأن الله عز وجل باهى بالمهاجرين والأنصار
أهل السماوات العلى وباهى بي وبك يا علي وبك يا عباس حملة العرش. أخرجه
أبو القاسم في فضائل العباس.
ذكر إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مغفور له
عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أعلمك كلمات إن
قلتهن غفر الله لك مع أنه مغفور لك لا إله إلا الله الحكيم الكريم لا إله إلا الله العلى
للعظيم لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم والحمد لله رب
العالمين) أخرجه أحمد والنسائي وأبو حاتم.
ذكر اتباعه لسنة النبي صلى الله عليه وسلم
عن جابر حديثه الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ان عليا قدم من اليمن
ببدن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا
قلت حين فرضت الحج قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله
عليه وسلم. أخرجاه. وعن علي قال: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام
فقمنا وقعد فقعدنا يعني في الجنازة. أخرجه مسلم. وعن أبي ساسان حصين بن
المنذر قال: شهدت عثمان بن عفان وقد أتى بالوليد وقد شرب الخمر فقال يا علي
قم فاجلده فقال على قم يا حسن فاجلده فقال الحسن ول حارها من تولى قارها (1)

(1) أي ول الجلد من يلزم الوليد امره ويعنيه شأنه، والقار ضد الحار.
96

فكأنه وجد عليه فقال يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده فجلده وعلى يعد حتى بلغ
أربعين فقالت أمسك ثم قال جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر
أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلى، أخرجه مسلم. وعن أبي منتظر البصري
قال رأيت عليا اشترى ثوبا بثلاثة دراهم فلما لبسه قال الحمد لله الذي رزقني من اللباس
ما أتجمل به في الناس وأواري به عورتي ثم قال هكذا سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم. أخرجه أحمد في المناقب. وعن علي عليه السلام انه كان يقول ألا
إني لست بنبي ولا يوحى إلى ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت
فما أمرتكم به من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم. أخرجه أحمد
في المناقب. وعنه وقد شاوره أبو بكر في قتال أهل الردة بعد أن شاور الصحابة
فاختلفوا عليه فقال ما تقول يا أبا الحسن فقال إن تركت شيئا مما أخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم منهم فأنت على خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما لان
قلت ذلك لأقاتلنهم ولو منعوني عقالا. أخرجه ابن السمان.
(ذكر ما ظهر له من الكرامات)
عن الأصبغ قال أتينا مع علي فمررنا بموضع قبر الحسين فقال على ههنا مناخ
ركابهم وههنا موضع رحالهم وههنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه
العرصة تبكى عليهم السماء والأرض. وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال عرض لعلى
رجلان في خصومة فجلس في أصل جدار فقال رجل يا أمير المؤمنين الجدار يقع فقال
له على امض كفى بالله حارسا فقضى بين الرجلين وقام فسقط الجدار. وعن الحارث
قال: كنت مع علي بن أبي طالب بصفين فرأيت بعيرا من إبل الشام جاء وعليه
راكبه وثقله فألقى ما عليه وجعل يتخلل الصفوف حتى انتهى إلى علي فوضع مشفره
ما بين رأس على ومنكبه. فقال على والله إنها لعلامة بيني وبين رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال فجد الناس في ذلك اليوم واشتد قتالهم. وعن علي بن زادان أن
عليا عليه السلام حدث حديثا فكذبه رجل فقال على ادعوا عليك إن كنت صادقا
97

قال نعم فدعا عليه فلم ينصرف حتى ذهب بصره. وعن أبي ذر قال: بعثني رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال لي عد إليه ادعه فإنه في البيت قال فعدت إليه فسمعت
صوت رحا تطحن فشارفت فإذا الرحا تطحن وليس معها أحد فناديته فخرج
إلينا منشرحا فقلت له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فجاء ثم لم أزل
أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وينظر إلى ثم قال يا أبا ذر ما شأنك فقلت
يا رسول الله عجبت من العجب رأيت رحا تطحن في بيت على ليس معها أحد
يديرها فقال يا أبا ذر أما علمت أن لله ملائكة سياحين في الأرض وقد وكلوا
بمعونة آل محمد صلى الله عليه وسلم. أخرج هذه الأحاديث الملا في سيرته. وأخرج
أحمد في المناقب حديث علي بن زادان خاصة. وعن فضالة بن أبي فضالة قال
خرجت مع أبي إلى ينبع عائدا لعلى وكان مريضا فقال له أبى ما يمسكك بمثل
هذا المنزل لو هلكت لم يلك إلا الاعراب أعراب جهينة احتمل إلى المدينة
فان أصابك بها قدر وليك أصحابك وصلوا عليك، وكان أبو فضالة من أهل بدر
فقال له على إني لست بميت من وجعى هذا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد
إلى أن لا أموت حتى أضرب ثم تخضب هذه - يعنى لحيته - من هذه - يعنى هامته -
فقتل أبو فضالة معه بصفين. خرجه ابن الضحاك.
(ذكر شجاعته عليه السلام)
تقدم في ذكر اختصاصه بدفع الراية إليه يوم خيبر طرف منه، وشهرة إبلائه
ببدر وأحد وخيبر وأكثر المشاهد قد بلغت حد التواتر حتى صارت شجاعته
معلومة لكل أحد بالضرورة بحيث لا يمكنه دفع ذلك عن نفسه، وتقدم في ذكر
أنه أعلم الناس بالسنة حديث عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وفيه طرف منه. وعن
صعصعة بن صوحان قال خرج يوم صفين رجل من أصحاب معاوية يقال له كريز بن الصباح
الحميري فوقف بين الصفين وقال من يبارز فخرج إلى رجل من أصحاب على فقتل ووقف
عليه ثم قال من يبارز فخرج إليه آخر فقتله وألقاه على الأول ثم قال من يبارز
فخرج إليه الثالث فقتله وألقاه على الآخرين وقال من يبارز فأحجم الناس وأحب
98

من كان في الصف الأول أن يكون في الآخر فخرج علي رضي الله عنه على بغلة
رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء فشق الصفوف فلما انفصل منها نزل عن
البغلة فسعى إليه فقتله وقال من يبارز فخرج إليه رجل فقتله ووضعه على الأول
ثم قال من يبارز فخرج إليه رجل فقتله ووضعه على الآخرين ثم قال من يبارز
فخرج إليه رجل فقتله ووضعه على الثلاثة ثم قال يا أيها الناس إن الله عز وجل
يقول (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) وقد سأله رجل أكان على
يباشر القتال يوم صفين فقال والله ما رأيت رجلا أطرح لنفسه في متلف من على
ولقد كنت أراه يخرج حاسر الرأس بيده السيف إلى الرجل الدارع فيقتله.
أخرجهما الواقدي. وقال ابن هشام: حدثني من أثق به من أهل العلم أن علي بن أبي
طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة يا كتيبة الايمان وتقدم هو والزبير بن
العوام وقال والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم فقالوا يا محمد ننزل على
حكم سعد بن معاذ.
(ذكر شدته في دين الله عز وجل)
عن سويد بن غفلة قال قال على إذا حدثتكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا
فوالله لان أخر من السماء أحب إلى من أن أكذب عليه. وفى رواية أحب إلى
من أن أقول عليه ما لم يقل. أخرجه البخاري ومسلم. وعن أبي سعيد رضي الله عنه
قال اشتكى الناس عليا يوما فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فسمعته
يقول (أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله انه لأخشن في ذات الله أو قال في سبيل الله)
أخرجه أحمد. وعن كعب بن عجرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن عليا
مخشوشن في ذات الله) خرجه أبو عمر. اخشوشن أي اشتدت خشونته. والأخشن
مثل الخشن. قاله الجوهري.
(ذكر رسوخ قدمه في الايمان)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عليا كان يقول في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إن الله
99

عز وجل يقول (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) والله لا ننقلب على
أعقابنا بعد إذا هدانا الله ولئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت
والله إني لاخوه ووليه وابن عمه ووارثه ومن أحق به منى. أخرجه أحمد في المناقب.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعته وهو يقول
(لو أن السماوات السبع والأرضين السبع وضعت في كفة ووضع إيمان على في كفة
لرجح إيمان على) خرجه ابن السمان في الموافقة والحافظ السلفي في المشيخة البغدادية.
(ذكر زهده رضي الله عنه)
روى أن معاوية قال لضرار الصدى صف لي عليا فقال اعفني يا أمير المؤمنين
قال لتصفنه لي قال أما إذ لابد من وصفه كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول
فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش
من الدنيا وزهوتها ويأنس إلى الليل ووحشته وكان غزير العبرة طويل الفكرة
يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه
ويثيبنا إذا استثبناه ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة
له يعظم أهل الدين ويقرب المساكين لا يطمع القوى في باطله ولا ييأس الضعيف
من عدله فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه
قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكى بكاء الحزين يقول يا دنيا غرى غيري إلى
تعرضت أو إلى تشوقت هيهات هيهات قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيا فعمرك قصير
وخطرك قليل آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق فبكى معاوية وقال
رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرارا قال حزن من ذبح
واحدها في حجرها. أخرجه الدولابي وأبو عمر وصاحب الصفوة. وعن عمار بن ياسر
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى (إن الله عز وجل قد
زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إليه منها وهي زينة الأبرار عند الله الزهد
في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا ولا ترزأ الدنيا منك شيئا ووصب إليك المساكين
فجعلك ترضى بهم أتباعا ويرضون بك إماما) أخرجه أبو الخير الحاكمي. وقوله
100

صلى الله عليه وسلم ترزأ أي تصيب، ووصب أي أدام ومنه قوله تعالى (وله الدين
واصبا). وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كيف
أنت إذا زهد الناس في الآخرة ورغبوا في الدنيا وأكلوا التراث أكلا لما وأحبوا
المال حبا جما واتخذوا دين الله دغلا ومال الله دولا قلت أتركهم وما اختاروا
وأختار الله ورسوله والدار الآخرة وأصبر على مصائب الدنيا وتقواها حتى ألحق
بك إن شاء الله تعالى قلت صدقت اللهم افعل ذلك به) أخرجه الحافظ الثقفي في
الأربعين. والدغل بالتحريك الفساد مثل الدخل. وعن علي بن أبي ربيعة أن على
ابن أبي طالب جاءه ابن التياح فقال يا أمير المؤمنين امتلأ بيت المال من صفراء
وبيضاء قال الله أكبر فقام متوكئا على ابن التياح حتى قام على بيت المال
فنودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت المال المسلمين وهو يقول يا صفراء يا بيضاء
غري غيري ها وها حتى ما بقي منه دينار ولا درهم ثم أمر بنضحه فصلى فيه ركعتين.
أخرجه أحمد في المناقب وصاحب الصفوة (1) الصفوة. وعن عبيد الله بن أبي
الهذيل قال: رأيت عليا خرج وعليه قميص غليظ رازي إذا مد كم قميصه بلغ
الظفر وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد. وعن الحسن بن جرموز عن أبيه قال
رأيت علي بن أبي طالب يخرج من مسجد الكوفة وعليه قطريتان مؤتزرا بواحدة
مرتديا بالأخرى وإزاره إلى نصف الساق وهو يطوف بالأسواق ومعه درة يأمرهم
بتقوى الله عز وجل وحسن الحديث وحسن البيع والوفاء للكيل والميزان. خرجهما
القلعي. القطر والقطرية ضرب من البرود. وعن ابن عباس قال اشترى علي بن أبي
طالب قميصا بثلاثة دارهم وهو خليفة وقطع كمه من موضع الرسغين وقال
الحمد لله هذا من رياشه. أخرجه الحافظ السلفي. والرسغ موصل الوظيف من اليد
والرجل تمكن سينه وتحرك بالضم كعشر، والوظيف مستدق الذراع والساق
من الخيل والإبل ثم استعمل الرسغ في الآدمي اتساعا، والريش والرياش اللباس
الفاخر كالحزم والحزام واللبس واللباس. وعن علي بن ربيعة قال كان لعلى

(1) في الأصل (وصاحب) ولعل الصواب (وصاحب الصفوة).
101

امرأتان فكان إذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم وإذا كان يوم هذه
اشترى لحما بنصف درهم. وعن ابن أبي مليكة قال لما أرسل عثمان إلى علي في
اليعاقيب وجده متزرا بعباءة متحجزا بعقال وهو يهنئ بعيرا له بهناء أي يطليه
بالهناء وهو القطران. وعن عمر بن قيس قال قيل لعلى يا أمير المؤمنين لم ترفع
قميصك قال يخشع القلب ويقتدى به المؤمن. وعن زيد بن وهب أن الجعد
ابن بعجة عاب عليا في لبوسه فقال مالك وللبوسي إن لبوسي أبعد من الكبر
وأجدر أن يقتدي به المسلم. عن الضحاك بن عمير قال رأيت قميص علي بن أبي
طالب الذي أصيب فيه كرباس سنبلاني ورأيت أثر دمه فيه كأنه دردى.
والكرباس: القطن، والسنبلاني أي سابغ الطول. وعن حبة العرني أن عليا
رضي الله عنه أتى بالفالوذج فوضع قدامه فقال والله إنك لطيب الريح حسن.
اللون طيب المطعم ولكني أكره أن أعود نفسي ما لم تعتد. أخرج جميع هذه
الأحاديث أحمد في المناقب.
(ذكر تعبده رضي الله عنه)
وقد تقدم في حديث ضرار في أول الفصل قبله طرف منه. وعن سعد بن أبي
وقاص قال كان لعلى بيت في المسجد يتحنث فيه كما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه ابن الحضرمي. والتحنث التعبد.
(ذكر صدقته رضي الله عنه)
عن عبد الله بن سلام قال أذن بلال لصلاة الظهر فقام الناس يصلون فمن
بين راكع وساجد وسائل يسأل فأعطاه على خاتمه وهو راكع فأخبر السائل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) أخرجه الواقدي
وأبو الفرج بن الجوزي. وعن ابن عباس في قوله تعالى (ويطعمون الطعام
على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) قال أجر على نفسه نخلا بشئ من شعير الرملة
102

حتى أصبح فلما أصبح قبض الشعير وطحن منه فجعلوا منه شيئا ليأكلوه يقال له
الحريرة دقيق بلا دهن فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأطعموه إياه ثم صنعوا الثلث
الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه إياه ثم صنعوا الثلث الباقي فلما تم
إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه إياه وطووا يومهم فنزلت، وهذا قول
الحسن وقتادة أن الأسير كان من المشركين، قال أهل العلم يدل على أن
الثواب مرجو فيهم وإن كانوا من غير أهل الملة، وهذا إذا أعطوا من غير
الزكاة والكفارة. وقال سعيد بن جبير الأسير المحبوس من أهل القبلة. ذكره
الواحدي. وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر رضي الله عنه أقطع عليا ينبع ثم
اشترى عليا أرضا إلى جنب قطعه فحفر فيها عينا فبينما هم يعملون فيها إذ انفجر
عليهم مثل عنق الجزور من الماء فأتى علي رضي الله عنه فبشر بذلك فقال بشروا
الوارث ثم تصدق بها على الفقراء والمساكين وابن السبيل وفى سبيل الله ليوم تبيض
فيه وجوه وتسود فيه وجوه ليصرف الله بها وجهي عن النار وليصرف النار عن
وجهي. أخرجه ابن السمان في الموافقة.
(ذكر فكه رهان ميت)
عن علي بن أبي طالب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بجنازة لم
يسأل عن شئ من عمل الرجل ويسأل عن دينه فان قيل عليه دين كف عن
الصلاة عليه وإن قيل ليس عليه دين صلى عليه فأتى بجنازة فلما قام ليكبر سأل
صلى الله عليه وسلم أصحابه هل على صاحبكم دين قالوا ديناران فعدل صلى الله عليه وسلم وقال صلوا على
صاحبكم فقال علي رضي الله عنه هما على برئ منهما فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه
ثم قال لعلي جزاك الله خيرا فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك انه ليس من
ميت إلا وهو مرتهن بدينه ومن فك رهان ميت فك الله رهانه يوم القيامة فقال بعضهم
هذا لعلى خاصة أم للمسلمين عامة فقال صلى الله عليه وسلم بل للمسلمين عامة. أخرجه الدارقطني.
(ذكر أنه كان من أكرم الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)
عن أبي إسحق السبيعي قال سألت أكثر من أربعين رجلا من أصحاب
103

رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان أكرم الناس على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم قالوا الزبير وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. أخرجه الفضائلي.
(ذكر ما كان فيه من ضيق العيش مع استصحاب الصبر الجميل)
عن علي عليه السلام قال أصبت شارفا (1) من مغنم بدر وأعطاني رسول الله
صلى الله عليه وسلم شارفا فأنختهما عند باب رجل من الأنصار أريد أن احمل
عليهما اذخرا (2) وأبيعه أستعين به على وليمة فاطمة ومعي رجل صانع من بنى قينقاع
وحمزة بن عبد المطلب في البيت وقينته تغنيه:
ألا يا حمز للشرف النواء * وهن معقلات بالفناء
فثار عليهما بالسيف فجب أسنمتهما وبقر (3) خواصرهما وأخذ من
أكبادهما قال فنظرت إلى أمر أفظعني فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعه زيد بن حارثة فخرجت معه حتى قام على حمزة فتغيظ عليه فرفع حمزة بصره
وقال هل أنتم إلا عبد عبيد آبائي فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقهقر عنه.
أخرجه البخاري ومسلم. الشرف بتسكين الراء جمع شارف وهي الكبيرة السن من
الإبل، والنواء السمان يقال نوت الناقة تنوى نواية ونيا فهي ناوية. والفظيع الشديد
الشنيع. وعنه قال جعت بالمدينة جوعا شديدا فخرجت أطلب العمل في عوالي
المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا (4) فظننتها تريد بله فأتيتها فعاطيتها كل دلو
بتمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يدي ثم أتيتها فقلت بكلتا يدي (5)
هكذا بين يديها وبسط إسماعيل راوي الحديث يديه جميعا فعدت لي ست عشرة
تمرة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأكل معي منها وقال لي خيرا ودعا
لي. أخرجه أحمد وصاحب الصفوة. وعن أسماء بنت عميس عن فاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يوما فقال أين ابناي
يعنى حسنا وحسينا قالت قلت أصبحنا وليس في بيتنا شئ يذوقه ذائق فقال

(1) من هنا إلى قوله (شارفا) ساقط من نسخة.
(2) حشيش طيب الرائحة.
(3) أي شق.
(4) المدر: الطين المتماسك.
(5) في نسخة (فللتابين) والتصحيح من التيمورية.
104

على أذهب بهما فانى أتخوف أن يبكيا عليك وليس عندك شئ فذهب بهما إلى
فلان اليهودي فوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في مشربة
بين أيديهما فضل من تمر فقال يا علي ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر عليهما
قال فقال على أصبحنا وليس في بيتنا شئ فلو جلست يا رسول الله حتى أجمع
لفاطمة تمرات فجلس رسول الله صلى الله عليه سلم وعلى ينزع لليهودي كل دلو بتمرة
حتى اجتمع له شئ من تمر فجعله في حجزته ثم اقبل فحمل رسول الله صلى الله عليه
وسلم أحدهما وحمل على الآخر. أخرجه الدولابي في الذرية الطاهرة في مسند أسماء
بنت عميس عن فاطمة رضي الله عنها. وعن سهل بن سعد أن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه دخل على فاطمة وحسن وحسين يبكيان فقال ما يبكيهما قالت الجوع
فخرج على فوجد دينارا في السوق فجاء إلى فاطمة فأخبرها فقالت اذهب إلى فلان
اليهودي فخذ لنا به دقيقا فجاء إلى اليهودي فاشترى به دقيقا فقال اليهودي
أنت ختن (1) هذا الذي يزعم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قال فخذ
دينارك وخذ الدقيق فخرج على حتى جاء فاطمة فأخبرها فقالت اذهب إلى فلان
الجزار فخذ لنا بدرهم لحما فذهب فرهن الدينار بدرهم في لحم فجاء به فعجنت
وخبزت وطبخت وأرسلت إلى أبيها صلى الله عليه وسلم فجاءهم وقالت يا رسول الله أذكر لك.
فان رأيته حلالا أكلنا وأكلت: من شأنه كذا وكذا فقال كلوا باسم الله
فأكلوا فبينما هم بمكانهم وإذا بغلام ينشد الله والاسلام الدينار فأمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم يا علي اذهب إلى الجزار فقل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لك ارسل إلى بالدينار ودرهمك على فأرسل به فدفعه إليه. أخرجه أبو داود.
وعن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة بعث معه بخميلة ووسادة
من أدم حشوها ليف ورحاتين وسقاء وجرتين فقال على لفاطمة ذات يوم والله
لقد سنوت (2) حتى لقد اشتكيت صدري وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه
فقالت أنا والله قد طحنت حتى مجلت (3) يداى فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما جاء بك
يا بنية قالت جئت لاسلم عليك واستحت أن تسأله ورجعت فقال ما فعلت فقالت

(1) أي صهر.
(2) أي استقيت.
(3) أي ظهر فيهما ما يشبه البثور.
105

استحييت أن أسأله فأتيناه جميعا فقال على يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت
صدري وقالت فاطمة وقد طحنت حتى مجلت يداى وقد جاء الله بسبي وسعة
فخدمنا قال والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق
عليهم ولكني أبيعه وأنفق عليهم أثمانهم فرجعا فأتاهما صلى الله عليه وسلم وقد
دخلا في قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما انكشفت أقدامهما وإذا غطت أقدامهما
انكشفت رؤوسهما فثارا فقال مكانكما ثم قال أولا أخبركما بخير مما سألتماني قالا
بلا قال كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام فقال تسبحان دبر كل صلاة عشرا
وتحمدان عشرا وتكبران عشرا وإذا آويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين
واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين قال علي رضي الله عنه فما تركتهن
منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين (1)،
أخرجه أحمد. والخميلة لعله أراد بها القطيفة ويقال لها الخمل. وسنوت أي استقيت
والسانية الناضحة التي يستقى عليها، ومجلت نفطت من العمل. وفى رواية فأتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولا خرجت منها جنوبنا
وإذا لبسناها عرضا خرجت منها أقدامنا ورؤوسنا فقال أولا أدلكما على ما هو
خير لكما من خادم يخدمكما إذا أخذتما مضاجعكما ثم ذكر معناه. أخرجه أبو حاتم.
(ذكر حيائه من رسول الله صلى الله عليه وسلم)
عن علي قال كنت رجلا مذاء فكنت أستحى من رسول الله صلى الله عليه
وسلم لمكان ابنته منى فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال يغسل ذكره ويتوضأ.
أخرجه البخاري. ومسلم.
(ذكر غيرته على النبي صلى الله عليه وسلم)
عن علي عليه السلام قال قلت يا رسول الله مالك تتوق (2) في قريش
وتدعنا قال وعندكم شئ قلت نعم بنت حمزة فقال صلى الله عليه وسلم إنها لا تحل لي فإنها

(1) في هامش الأصل: قوله ولا ليلة صفين بالتشديد يعنى ليلة غزوة صفين لما فيها
من الشدة.
(2) من التوق وهو الشوق، أراد لم تتزوج في قريش وتدعنا، يعنى بني هاشم
. ويروى (تنوق) بالنون، وهو من التنوق في الشئ إذا عمل على استحسان.
106

ابنة أخي من الرضاعة. أخرجه مسلم. وقوله تتوق لعله بمعنى تأنق أو معناه
تتخذ نوقا وكنى بها النساء.
(ذكر ورعه رضي الله عنه)
عن عبيد الله بن رويس قال دخلت على علي بن أبي طالب يوم الأضحى
فقرب إلينا حريرة فقلنا أصلحك الله لو قربت إلينا من هذا البط يعنى الإوز فان
الله قد أكثر الخير فقال يا بن رويس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لا يحل لخليفة من مال الله إلا قصعتان قصعة يأكل فيها هو وأهله
وقصعة يضعها بين أيدي الناس. أخرجه أحمد. والحريرة أن ينصب القدر
ويقطع فيها اللحم قطعا صغارا ويصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه الد قيق
وعصد، وإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة. وعن ابن عمر قال حدثني رجل من
ثقيف أن عليا قال له إذا كان عند الظهر فرح على قال فرحت إليه فلم أجد عنده
حاجبا يحبسني دونه ووجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء فدعا بظبية (1) فقلت
في نفسي لقد أمنني حتى يخرج إلى جوهرا ولا أدري ما فيها فإذا عليها خاتم فكسر
الخاتم فإذا فيها سويق فأخذ منها قبضة في القدح وصب عليها ماء فشرب وسقاني
فلم أصبر فقلت يا أمير المؤمنين تصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك
قال أما والله ما أختم عليه بخلا عليه ولكني أبتاع بقدر ما يكفيني فأخاف أن يفنى
فيصنع فيه من غيره وإنما حفظي لذلك وأكره أن أدخل بطني إلا طيبا. أخرجه
في الصفوة. وعن أبي حيان التيمي على أبيه قال رأيت علي بن أبي طالب على المنبر
يقول من يشترى منى سيفي هذا فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته فقام إليه رجل
وقال أسلفك ثمن إزار. وقال عبد الرزاق وكانت الدنيا كلها بيده رضي الله عنه
إلا ما كان من الشام. أخرجه أبو عمر. وأخرج معناه صاحب الصفوة. وعن علي
ابن الأرقم عن أبيه، ولفظه قال رأيت عليا وهو يبيع سيفا له في السوق ويقول من
يشترى منى هذا السيف فوالذي فلق الحبة لطالما كشفت به الحروب عن وجه

(1) الظبية: جراب صغير عليه شعر، وقيل هي شبه الكيس.
107

رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته (1) وعن هارون بن
عنترة عن أبيه قال دخلت على علي بن أبي طالب بالخورق وهو يرعد تحت
شمل قطيفة فقلت يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في
هذا المال وأنت تصنع بنفسك ما تصنع فقال ما أزراكم من مالكم وإنها لقطيفتي
التي خرجت بها من منزلي أو قال من المدينة والشمل الخلق، والقطيفة دثار
ومخمل والجمع قطايف وقطف أيضا كصحيفة وصحف، وأرزاكم أصب منكم.
وعن أبي مطرف قال: رأيت عليا مؤتزرا بازار ومترديا برداء ومعه الدرة كأنه
أعرابي بدوي حتى بلغ سوق الكرابيس فقال يا شيخ أحسن بيعي في
قميص بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر منه شيئا فأتى آخر فلما عرفه لم يشتر منه
فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ثم جاء أبو الغلام فأخبره
فأخذ أبوه درهما ثم جاء به فقال هذا الدرهم يا أمير المؤمنين فما شأن هذا الدرهم
قال كان قميصي ثمن درهمين قال باعني برضاي وأخذ رضاه. أخرجهما صاحب
الصفوة. والكرباس هو القطن فارسي عرب بكسر الكاف والكرباسة أخص
منها والجمع كرابيس وهي ثياب خشنة. وعن عمرو بن يحيى عن أبيه قال أهدى
أخي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ازقاق سمن وعسل فرآها قد نقصت
فسأل فقيل بعثت أم كلثوم فأخذت منه فبعث إلى المقومين فقوموا خمسة دراهم
فبعث إلى أم كلثوم ابعثي لي بخمسة دراهم. أخرجه في الصفوة. وعن عاصم بن
كليب عن أبيه قال قدم على علي بن أبي طالب مال من أصبهان فقسمه سبعة أسباع
ووجد فيه رغيفا فقسمه سبع كسر وجعل على كل جزء كسرة ثم أقرع بينهم أيهم
يعطى أولا. أخرجه أحمد والقلعي. وعن أبي صالح قال دخلت على أم كلثوم بنت على
وإذا هي تمشط في ستر بينها وبيني فجاء حسن وحسين فدخلا عليها وهي جالسة
وهي تمتشط فقال ألا تطعمون أبا صالح شيئا قال فأخرجوا لي قصعة فيها مرق بحبوب

(1) في هامش الأصل: يرد هذا الحديث ما سبق في حديث قصة خيبر وأنه رفع
عنه شكوى الحمر والبرد فلينظر فيه انتهى.
108

قال فقلت تطعمون هذا وأنتم أمراء فقالت أم كلثوم يا أبا صالح كيف لو رأيت
أمير المؤمنين تعنى عليا وأتى بأترج فذهب حسين فأخذ أترجة فأخذها من يده ثم
أمر به فقسم بين الناس.
(ذكر عدله في رعيته)
تقدم في الفصل. الأول قبله وفى فصول متقدمة طرف منه. وعن كريمة بنت
همام الطائية قالت كان على يقيم فينا الورس بالكوفة قال فضالة حملناه على العدل
منه. أخرجه أحمد في المناقب.
(ذكر تفقده أحوالهم)
عن أبي الصهباء قال رأيت علي بن أبي طالب بشط الكلأ يسأل عن الأسعار.
(ذكر شفقته على محمد صلى الله عليه وسلم في الجاهلية والاسلام)
وتخفيف الله عز وجل عن الأمة بسببه
عن علي عليه السلام قال لما نزلت (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول
فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى دينارا
قال لا يطيقونه قال فكم قلت شعيرة قال إنك لزهيد فنزلت (أأشفقتم أن تقدموا
بين يدي نجواكم صدقات) الآية قال نبي الله خفف الله عن هذه الأمة. أخرجه أبو حاتم.
(ذكر إسلام همذان على يديه)
عن البراء بن عازب قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى
أهل اليمن يدعوهم إلى الاسلام وكنت فيمن سار معهم فأقام عليهم ستة أشهر لا يجيبونه
إلى شئ فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأمره أن يرسل خالدا
ومن معه إلا من أراد البقاء مع علي فيتركه قال البراء وكنت فيمن عقب مع علي فلما
انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له فصلى علي رضي الله عنه بنا
الفجر فلما فرغ صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ
عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همذان كلها في يوم واحد
109

وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ كتابه خر ساجدا وقال السلام على
همذان السلام على همذان. أخرجه أبو عمر.
(ذكر قتله للخوارج)
عن عبيدة السلماني قال ذكر على الخوارج فقال: فيهم رجل مخدج اليد
أو مودن اليد لولا أن تبطروا لأخبرتكم بما وعد الله على لسان نبيه محمد
صلى الله عليه وسلم لمن قتلهم فقال فقلت لعلى أسمعته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أي روب
الكعبة ثلاثا. أخرجه مسلم. والبطر الأشر وهو شدة المرح. ومخدج اليد أي ناقصها
ومنه حديث الصلاة فهي خداج، ومودن اليد وروى مودون اليد ومعناهما ناقصها
أيضا تقول العرب ودنت الشئ وأودنته إذا نقصته. وعن عبد الله بن أبي رافع
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الحرورية لما خرجت وهو مع علي فقالوا لاحكم إلا
لله فقال على كلمة حق أريد بها باطل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف أناسا إني
لأعرف وصفهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم - وأشار إلى
حلقه - من أبغض خلق الله إلى الله فيهم أسود إحدى يديه حلمة ثدي. فلما قتلهم
علي رضي الله عنه قال انظروا فنظروا فلم يجدوا فقال ارجعوا فوالله ما كذبت
ولا كذبت مرتين أو ثلاثا ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه
قال عبيد الله وانا حاضر ذلك أمره وقول على فيه. أخرجه أبو حاتم. الحرورية
قوم ينسبون إلى حرورا وهي بلدة الخوارج. وعن أبي سعيد قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم تمرق مارقة من الناس تقتلهم أولى الطائفتين بالله عز وجل. وعن ابن
مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزل أم سلمة فجاء على فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(يا أم سلمة هذا قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدى) أخرجهما
الحاكمي. والقاسطون الجائرون من القسط بالفتح والقسوط الجور والعدول عن
الحق وأما القسط بالكسر فهو العدل.
(ذكر بيعته رضي الله عنه)
عن محمد بن الحنيفة قال أتى رجل عليا وعثمان رضي الله عنهما محصور فقال
110

إن أمير المؤمنين مقتول ثم جاء آخر فقال إن أمير المؤمنين مقتول الساعة قال
فقام على قال محمد فأخذت بوسطه تخوفا عليه فقال خل لا أم لك قال فأتى على
الدار وقد قتل الرجل فأتى داره فدخلها وأغلق عليه بابه فأتاه الناس فضربوا
عليه الباب فدخلوا عليه فقالوا إن هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من خليفة
ولا نعلم أحدا أحق بها منك فقال لهم علي رضي الله عنه لا تريدوني فانى لكم
وزير خير منى لكم أمير فقالوا والله لا نعلم أحدا أحق بها منك قال فان أبيتم على
فان بيعتي لا تكون سرا ولكن أئتوا المسجد فمن شاء أن يبايعني قال فخرج
إلى المسجد فبايعه الناس. أخرجه أحمد في المناقب. قال ابن إسحاق إن عثمان
لما قتل بويع علي بن أبي طالب بيعة العامة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع له
أهل البصرة وبايع له بالمدينة طلحة والزبير، قال أبو عمر: واجتمع على بيعته
المهاجرون والأنصار وتخلف عن بيعته نفر فلم يكرههم وسئل عنهم فقال أولئك
قوم قعدوا عن الحق ولم يقوموا مع الباطل، وتخلف عنه معاوية ومن معه بالشام
وكان منه في صفين ما كان غفر الله لهم ولنا أجمعين. ثم خرج عليه الخوارج
وكفروه وكل من تبعه إذ رضى بالتحكيم في دين الله تعالى بينه وبين أهل الشام
فقالوا حكمت الرجال في دين الله والله تعالى يقول (إن الحكم إلا لله) ثم اجتمعوا
وشقوا عصا المسلمين ونصبوا راية الخلاف وسفكوا الدماء وقطعوا السبيل فخرج
إليهم فمن معه ورام رجعتهم فأبوا إلا القتال فقاتلهم بالنهروان فقتلهم واستأصل جمهورهم
ولم ينج منهم إلا القليل: وقال أبو عمر: وبايع له أهل اليمن بالخلافة يوم قتل عثمان.
(ذكر ابتداء شخوصه من المدينة)
وأنه لم يقم فيما قام فيه إلا محتسبا لله عز وجل
عن مالك بن الجون قال قام علي بن أبي طالب بالربذة فقال من أحب أن يلحقنا
فليلحقنا ومن أحب أن يرجع فليرجع مأذون له غير حرج فقام الحسن بن علي
فقال يا أبت أو يا أمير المؤمنين: لو كنت في جحر وكان للعرب فيك حاجة
111

لاستخرجوك من جحرك فقال الحمد لله الذي يبتلى من يشاء بمن شاء ويعافى من
يشاء بما يشاء أما والله لقد ضربت هذا الامر ظهرا لبطن أو ذنبا ورأسا فوالله إن
وجدت له إلا القتال أو الكفر بالله فحلف بالله عليه اجلس يا بنى ولا تحن على
حنين الجارية. أخرجه أبو الجهم.
(ذكر مقتله وما يتعلق به)
* (ذكر إخباره عن نفسه أن يقتل) *
تقدم في ذكر كراماته حديث فضالة وطرف منه. وعن زيد بن
وهب قال قدم على على قوم من أهل البصرة من الخوارج فيهم رجل يقال له الجعد
ابن بعجة قال له اتق الله يا علي فإنك ميت قال على بل مقتول ضربه على هذه
تخضب هذه - يعنى لحيته من رأسه - عهد معهود وقضاء مقضى وقد خاب من
افترى. وعن عبد الله بن سبع قال خطبنا على فقال والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه قال الناس أعلمنا لنبيره أو لنبيرن عترته
قال أنشدكم بالله أن يقتل بي غير قاتلي قالوا إن كنت قد علمت ذلك فاستخلف
إذن قال ولكن أكلكم إلى من وكلكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجهما أحمد. وقوله
نبيره نهلكه والبوار الهلاك وقوم بور أي هلك وبار فلان هلك. وعن سكين بن
عبد العزيز العبدي أنه سمع أباه يقول جاء عبد الرحمن بن ملجم ليستحمل عليا
فحمله ثم قال أما ان هذا قاتلي قيل فما يمنعك منه قال إنه لم يقتلني بعد وقيل له
إن ابن ملجم سم سيفه ويقول إنه سيقتلك به قتلة يتحدث بها العرب فبعث إليه
وقال لم تسم سيفك قال لعدوى وعدوك فخلى عنه وقال ما قتلني بعد. أخرجه
أبو عمر وعن الحسين بن كثير عن أبيه وكان قد أدرك عليا قال: خرج على إلى
الفجر فأقبل الإوز يصحن في وجهه فطردوهن فقال دعوهن فإنهن نوائح فضربه
ابن ملجم فقلت له يا أمير المؤمنين خل بيننا وبين مراد فلا تقوم لهم ثاغية ولا
راغية أبدا قال لا ولكن احبسوا الرجل فان أنامت فاقتلوه وإن أعش فالجروح
قصاص. أخرجه أحمد في المناقب، وقوله ثاغية شاة راغية بغير يقال ثغت الشاة
112

تثغو ثغاء ورغا البعير يرغو رغاء.
(ذكر رؤياه في قتله ليلة موته)
عن الحسن البصري عن الحسن بن علي انه سمع أباه في سحر اليوم الذي
قتل فيه يقول لهم يا بنى رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في نومة نمتها فقلت يا رسول الله ما لقيت
من أمتك من اللاواء واللدد (1) فقال ادع اللهم عليهم فقلت اللهم أبدلني بهم
خيرا منهم وأبدلهم بي من هو شر منى ثم انتبه وجاء مؤذنه يؤذنه بالصلاة فخرج
فقتله ابن ملجم. أخرجه أبو عمر.
(ذكر قاتله وما حمله على القتل وكيفية قتله وأين دفن)
عن الزبير بن بكار قال كان من بقي من الخوارج تعاقدوا على قتل على ومعاوية
وعمرو بن العاص فخرج لذلك ثلاثة فكان عبد الرحمن بن ملجم هو الذي التزم
لهم قتل على فدخل الكوفة عازما على ذلك واشترى سيفا لذلك بألف وسقاه السم
فيما زعموا حتى لفظه وكان في خلال ذلك يأتي عليا يسأله ويستحمله فيحمله إلى
أن وقعت عينه على قطام امرأة رائقة جميلة كانت ترى رأى الخوارج وكان على قد
قتل أباها وإخوتها بالنهروان فخطبها ابن ملجم فقالت له آليت أن لا أتزوج إلا
على مهر لا أريد سواه فقال ما هو قالت ثلاثة آلاف دينار وقتل علي بن أبي طالب
فقال والله لقد قصدت لقتل علي رضي الله عنه والفتك به وما أقدمني هذا المصر
غير ذلك ولكني لما رأيتك آثرت تزويجك فقالت ليس إلا الذي قلت لك قال
وما يغنيك أو يغنيني منك قتل على وأنا أعلم انى إن قتلته لم أفت فقالت إن
قتلته ونجوت فهو الذي أردت فتبلغ شفاء نفسي ويهنيك العيش معي وإن قتلت
فما عند الله خير من الدنيا وما فيها فقال لك ما اشترطت فقالت له سألتمس لك من
يشد ظهرك فبعثت إلى ابن عم لها يدعى وردان بن مجالد فأجابها ولقى ابن ملجم
شبيب بن بجرة الأشجعي فقال يا شبيب هل لك في شرف الدنيا والآخرة قال وما
هو قال تساعدني على قتل علي بن أبي طالب قال ثكلتك أمك لقد جئت شيئا

(1) اللاواء: الشدة. واللدد: الخصومة الشديدة.
113

إدا كيف تقدر على ذلك قال إنه رجل لا حارس له ويخرج إلى المسجد منفردا دون
من يحرسه فنكمن له في المسجد فإذا خرج إلى الصلاة قتلناه فان نجونا نجونا وإن
قتلنا سعدنا بالذكر في الدنيا وبالجنة في الآخرة فقال ويلك إن عليا ذو سابقة
في الاسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم والله ما ينشرح صدري لقتله قال ويلك إن حكم الرجال
في دين الله وقتل إخواننا الصالحين فنقتله ببعض من قتل ولا تشكن في دينك
فأجابه وأقبلا حتى دخلا على قطام وهي معتكفة في المسجد الأعظم في قبة ضربتها
لنفسها فدعت لهم وأخذوا أسيافهم وجلسوا قبالة السدة حتى يخرج منها على فخرج
على إلى الصلاة صلاة الصبح فبدره شبيب فضربه فأخطأه وضربه ابن ملجم على
رأسه وقال الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك فقال على لا يفوتكم الكلب فشد
الناس عليه من كل جانب فأخذوه وهرب شبيب خارجا من باب كندة فلما أخذ
قال على احبسوه فان مت فاقتلوه ولا تمثلوا به وإن لم أمت فالامر إلى في العفو
والقصاص أو القصاص. أخرجه أبو عمر. والفتك أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار
غافل حتى يشتد عليه فيقتله وفيه ثلاث لغات فتح الفاء وضمها وكسرها مع إسكان
التاء كود ورغم. إدا الاد بالكسر والادة الداهية والامر الفظيع ومنه قوله تعالى
(لقد جئتم شيئا إدا) فنكمن له أي نختفي تقول كمن كمونا ومنه الكمين في
الحرب. والسدة باب الدار وقد تقدم. وعن الليث بن سعد أن عبد الرحمن بن ملجم
ضرب عليا في صلاة الصبح على دهش بسيف كان سمه بسم ومات من يومه ودفن
بالكوفة ليلا. أخرجه البغوي في معجمه واختلفوا في أنه هل ضربه في الصلاة
أو قبل الدخول فيها وهل استخلف (1) من أتم الصلاة أو هو أتمها والأكثر على
أنه استخلف جعدة بن هبيرة فصلى بهم تلك الصلاة واختلفوا في موضع دفنه
فقيل في قصر الامارة بالكوفة وقيل في رحبة الكوفة وقيل بنجف الحيرة موضع
بطريق الحيرة قال الخجندي والأصح عندهم أنه مدفون وراء المسجد الذي
يؤمه الناس اليوم، النجف والنجفة بالتحريك مكان لا يعلوه الماء مستطيل

(1) في نسخة (اختلف) وهو خطأ ظاهر.
114

منقاد والجمع نجاف بالكسر والنجاف أيضا أسكفة الباب أيضا وهي عتبته العليا
والحيرة بالكسر مدينة بقرب الكوفة والنسبة إليها حيرى وحارى أيضا على غير
قياس كأنهم قلبوا الياء ألفا. وعن أبي جعفر أن قبره جهل موضعه. وغسله الحسن
والحسين و عبد الله بن جعفر حكاه الخجندي. وصلى عليه الحسن بن علي وكبر
عليه أربع تكبيرات قال الخجندي وقيل تسعا. وروى هارون بن سعيد أنه كان
عنده مسك أوصى أن يحنط به وقال فضل من حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم. خرجه
البغوي. وعن عائشة رضي الله عنها لما بلغنا موت على قالت لتصنع العرب
ما شاءت فليس لها أحد ينهاها.
(ذكر تاريخ مقتله رضي الله عنه)
وكان ذلك صبيحة يوم سبع عشرة من رمضان مثل صبيحة بدر وقيل ليلة
الجمعة لثلاث عشرة وقيل لاحدى عشرة ليلة خلت وقيل بقيت من رمضان
وقيل لثمان عشرة ليلة منه سنة أربعين. ذكر ذلك كله أبو عمر.
(ذكر ما ظهر من الآية في بيت المقدس لموت علي عليه السلام)
عن ابن شهاب قال قدمت دمشق وأنا أريد العراق فأتيت عبد الملك لاسلم عليه
فوجدته في قبة على فرش يفوت القائم وتحته سماطان فسلمت ثم جلست فقال يا ابن شهاب
أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل علي بن أبي طالب فقلت نعم قال هلم فقمت
من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة وحول إلى وجهه وأحنى عليه فقال ما كان
فقلت لم يرفع حجر من بيت المقدس إلا وجد تحته دم فقال لم يبق أحد يعلم هذا
غيري وغيرك فلا يسمعوا منك فما حدثت به حتى وتوفى. أخرجه ابن الضحاك.
(ذكر وصف قاتله بأشقى الآخرين)
عن علي عليه السلام قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا علي أتدري من أشقى
الأولين قلت الله ورسوله أعلم قال عاقر الناقة قال أتدري من أشقى الآخرين قلت
الله ورسوله أعلم قال قاتلك. أخرجه أحمد في المناقب. وخرجه بن الضحاك وقال
115

في أشقى الآخرين الذي يضربك على هذه فيبل منها هذه وأخذ بلحيته. وعن
صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى (من أشقى الأولين يا علي قال الذي عقر
ناقة صالح فقال صدقت فمن أشقى الآخرين قال الله ورسوله أعلم قال أشقى.
الآخرين الذي يضربك على هذه وأشار إلى يافوخه وكان على يقول لأهله والله
وددت أن لو انبعث أشقاها. أخرجه أبو حاتم.
(ذكر وصيته)
روى أنه لما ضربه ابن ملجم أوصى إلى الحسن والحسين وصية طويلة في
آخرها يا بنى عبد المطلب لا تخوضوا دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين
ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة
بضربة ولا تمثلوا به فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إياكم
والمثلة ولو بالكلب العقور) أخرجه الفضائلي. وعن قثم مولى الفضل قال لما
قتل ابن ملجم عليا قال للحسن والحسين عزمت عليكم لما حبستم الرجل فان مت
فاقتلوه ولا تمثلوا به. فلما مات رضي الله عنه قام إليه حسين ومحمد فقطعاه وحرقاه
فنهاهم الحسن. أخرجه ابن الضحاك.
(ذكر سنه يوم مات ومدة خلافته)
اختلف في ذلك فقيل سبع وخمسون وقيل ثمان وخمسون وقيل ثلاث وستون
وقيل خمس وستون وقيل ثمان وستون. ذكر ذلك كله أبو عمرو غيره، وذكر
أبو بكر أحمد بن الدراع في كتاب مواليد أهل البيت أن سنه خمس وستون ولم
يذكره غيره، صحب النبي صلى الله عليه وسلم منها بمكة ثلاث عشرة سنة وسنه يوم صحبه
اثنتا عشرة سنة ثم هاجر فصحبه عشر سنين وعاش بعده ثلاثين سنة، وكانت
خلافته أربع سنين وسبعة أشهر وستة أيام وقيل ثلاثة أيام وقيل أربعة عشر يوما.
(ذكر ولده)
وكان له من الولد أربعة عشر ذكرا وثمان عشرة أنثى الحسن والحسين ومحسن
116

مات صغيرا أمهم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحمد الأكبر أمه خوله بنت إياس
ابن جعفر الحنفية. ذكره الدارقطني وغيره وقيل بل كانت أمه من سبى اليمامة
فصارت إلى علي وانها كانت أمة لبنى حنيفة سندية سوداء ولم تكن من أنفسهم،
وقيل إن أبا بكر أعطى عليا الحنيفة أم محمد من سبى بنى حنيفة. أخرجه ابن
السمان، وعبيد الله قتله المختار، وأبو بكر قتل مع الحسين أمهما ليلى بنت معوذ
ابن خالد النهشلي وهي التي تزوجها عبد الله بن جعفر خلف عليها بعد عمه جمع بين
زوجة على وابنته فولدت له صالحا وغيره فهم إخوة عبيد الله وأبى بكر لامهما.
ذكره الدارقطني. والعباس الأكبر وعثمان وجعفر و عبد الله قتلوا مع الحسين
أيضا أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد الوحيدية ثم الكلابية، ومحمد الأصغر
قتل مع الحسين أمه أم ولد، ويحيى وعون أمهما أسماء بنت عميس فهما أخوا بنى
جعفر وأخو محمد بن أبي بكر لامه، وعمر الأكبر أمه أم حبيب الصهباء التغلبية
سبية سباها خالد في الردة فاشتراها على، ومحمد الأوسط أمه بنت أبي العاص
وأم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى شقيقتا الحسن والحسين ورقية شقيقة عمر
الأكبر وأم الحسن ورملة الكبرى أمهما أم سعد بنت عروة بن مسعود الثقفي
وأم هانئ وميمونة وزينب الصغرى ورملة الصغرى وأم كلثوم الصغرى وفاطمة
وأمامة وخديجة وأم الكرام وأم سلمة وأم جعفر وجمانة ونفيسة لأمهات أولاد
شتى. ذكره ابن قتيبة وصاحب الصفوة، وعقبه من الحسن والحسين ومحمد بن
الحنفية والعباس وعمر، وتزوج بنات على بنو عقيل وبنو العباس ما خلا زينب
بنت فاطمة كانت تحت عبد الله بن جعفر، وأم كلثوم بنت فاطمة كانت تحت
عمر بن الخطاب رضي الله عنه فمات عنها فتزوجها بعده محمد بن جعفر بن أبي
طالب فمات عنها وتزوجها بعده عون بن جعفر بن أبي طالب وماتت عنده،
وأم الحسن تزوجها جعفر بن هبيرة الخزومي، وفاطمة تزوجها سعيد بن الأسود من
بنى الحرث. والله أعلم. * * *
117

(الباب التاسع في ذكر الحسن والحسين)
ابني علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(ذكر ميلادهما)
ولد الحسين في منتصف شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة. قال أبو عمر هذا
أصح ما قيل فيه، وقال الدولابي لأربع سنين وستة أشهر من الهجرة، وحكى
الأول عن الليث بن سعد، قال الواقدي: وحملت فاطمة رضي الله عنها بالحسين
من بعد مولد الحسن بخمسين ليلة وولدته لخمس خلون من شعبان سنة أربع، قال
الزبير بن بكار في مولده مثل ذلك. وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال لم يكن بين
الحسن والحسين إلا طهر واحد. وقال قتادة ولد الحسين بعد الحسن بسنة وعشرة
أشهر لخمس سنين وستة أشهر من الهجرة. وقال ابن الدارع في كتاب مواليد أهل
البيت لم يكن بينهما إلا حمل البطن وكان مدة حمل البطن ستة أشهر. وقال لم
يولد مولود قط لستة أشهر فعاش إلا الحسين وعيسى بن مريم عليهما السلام.
(ذكر عقه صلى الله عليه وسلم عنهما وأمره بحلق رؤوسهما)
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا.
خرجه أبو داود وخرجه النسائي وقال كبشين كبشين. وعن أبي رافع أن حسن
ابن علي لما ولد أرادت أمه أن تعق عنه بكبشين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعقي عنه
ولكن احلقي رأسه فتصدقي بوزنه من الورق ثم ولد الحسين فصنعت مثل ذلك.
خرجه أحمد وإنما صرفها صلى الله عليه وسلم عن العقيقة لتحمله عنها ذلك لأتركه (1) بالأصالة
يدل عليه حديث على عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن وقال يا فاطمة احلقي رأسه
وتصدقي بزنة شعره فضة فوزناه فكان وزنه درهما أو بعض درهم. خرجه الترمذي.
وقد روى عن فاطمة أنها عقت عنهما وأعطت القابلة فخذ شاة ودينارا واحدا.
أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا. ولعل فاطمة باشرت الاعطاء. وكان مما عق به

(1) في نسخة (تركا).
118

صلى الله عليه وسلم عنهما وأسند إلى فاطمة لتحمله صلى الله عليه وسلم عنها ويدل عليه ماروت أسماء بنت
عميس قالت عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن يوم سابعه بكبشين أملحين وأعطى
القابلة الفخذ وحلق رأسه وتصديق بزنة الشعر ثم طلى رأسه بيده المباركة بالخلوق ثم
قال يا أسماء الدم من فعل الجاهلية، فلما كان بعد حول ولد الحسين فجاء النبي
صلى الله عليه وسلم ففعل مثل الأول قالت وجعله في حجره فبكى صلى الله عليه وسلم
قلت فداك أبي وأمي مم بكاؤك فقال ابني هذا يا أسماء إنه تقتله الفئة الباغية من
أمتي لا أنالهم الله شفاعتي يا أسماء لا تخبري فاطمة فإنها قريبة عهد بولادة. خرجه
الإمام علي بن موسى الرضا. وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن فاطمة حلقت حسنا
وحسينا يوم سابعهما فوزنت شعرهما فتصدقت بوزنه فضة. خرجه الدولابي.
(ذكر ختانهما لسابعهما)
عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما
لسبعة أيام. خرجه الطبراني. وعن محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم
ختن الحسين لسبعة أيام. خرجه الدولابي.
ذكر تسميتهما يوم سابعهما
عن علي رضي الله عنه قال لما ولد الحسن سميته حربا فجاء النبي صلى الله عليه
وسلم فقال أروني ابني ما سميتموه قلنا حربا قال بل هو حسن فلما ولد الحسين سميته
حربا فجاء النبي صلى الله عليه وسلم قال أروني ابني ما سميتموه فقلنا سميناه حربا
فقال بل هو حسين فلما ولد الثالث سميته حربا فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال
أروني ابني ما سميتموه فقلنا سميناه حربا فقال بل هو محسن ثم قال إنما سميتهم
بولد هارون شبر وشبير ومشبر. خرجه أحمد وأبو حاتم. وعن جعفر بن محمد عن
أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتق اسم حسين من حسن وسمى حسنا وحسينا
يوم سابعهما. خرجه الدولابي. وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الحسن والحسين يوم
سابعهما واشتق اسم حسين من حسن. خرجه البغوي. وعن عمران بن سليمان قال
الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية. خرجه الدولابي.
119

ذكر أن تسميتهما الحسن والحسين كانتا بأمر الله تعالى
وتأذينه صلى الله عليه وسلم في أذنهما
عن علي رضي الله عنه قال لما ولد الحسن سماه حمزة فلما ولد الحسين سماه
باسم عمه جعفر قال فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إني أمرت أن أغير اسم هذين
فقلت الله ورسوله أعلم فسماهما حسنا وحسينا، ولعله رضي الله عنه سماهما باسمين
حربا وحمزة وجعفر وأظهر للنبي صلى الله عليه وسلم أولا من أحدهما ثم علم النبي صلى الله عليه وسلم بالآخر
فقال ذلك. وعن أسماء بنت عميس قالت قبلت فاطمة بالحسن فجاء النبي صلى الله عليه وسلم
فقال يا أسماء هلمى ابني فدفعته إليه في خرقة صفراء فألقاها عنه قائلا ألم أعهد
إليكن أن لا تلفوا مولودا بخرقة صفراء فلفيته بخرقة بيضاء فأخذه وأذن في أذنه
اليمنى وأقام في اليسرى ثم قال لعلي أي شئ سميت ابني قال ما كنت لاسبقك
بذلك فقال ولا أنا أسابق ربى فهبط جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن ربك
يقرئك السلام ويقول لك على منك بمنزلة هارون من موسى لكن لانبى بعدك
فسم ابنك هذا باسم ولد هارون فقال وما كان اسم ابن هارون يا جبريل قال شبر
فقال صلى الله عليه وسلم إن لساني عربي فقال سمه الحسن ففعل صلى الله عليه
وسلم فلما كان بعد حول ولد الحسين فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت
مثل الأول وساقت قصة التسمية مثل الأول من أن جبريل عليه السلام أمره
أن يسميه باسم ولد هارون شبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل الأول فقال
سمه حسينا. خرجه الإمام علي بن موسى الرضا. وعن أبي رافع قال رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة بالصلاة.
خرجه أبو داود والترمذي وصححه.
ذكر رضاع أم الفضل امرأة العباس بن عبد المطلب
الحسن رضي الله عنه بلبن ابنها قثم
عن قابوس بن المخارق أن أم الفضل قالت يا رسول الله رأيت كأن عضوا
120

من أعضائك في بيتي فقال خيرا رأيتينه تلد فاطمة غلام فترضعينه فكبر قثم
فولدت الحسن وأرضعته بلبن قثم. خرجه الدولابي والبغوي في معجمه وخرجه
ابن ماجة وقال فولدت حسينا أو حسنا فأرضعته بلبن قثم قالت فجئت به إلى
النبي صلى الله عليه وسلم يوما فوضعته في حجره فبال فضربت كتفه فقال صلى
عليه وسلم أوجعت ابني رحمك الله.
(ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أب أولاد فاطمة وعصبتهم)
عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل ولد أب فان عصبتهم
لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فأنى انا أبوهم وعصبتهم) خرجه أحمد في المناقب.
(ذكر محبة النبي صلى الله عليه وسلم لهما ودعائه لهما ولمن أحبهما)
عن أسامة بن زيد قال طرقت النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم في بعض الحاجة
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل على شئ لا أدري ما هو فلما فرغت
من حاجتي قلت ما هذا الذي أنت مشتمل عليه فكشف فإذا حسن وحسين على
وركيه فقال هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما.
خرجه الترمذي وقال حسن غريب. وعن عطاء عن رجل أخبره انه رأى النبي
صلى الله عليه وسلم يضم الحسن والحسين ويقول اللهم إني أحبهما. خرجه أحمد
والترمذي وصححه وأبو حاتم واللفظ لأحمد. وعن ابن عباس قال استأذن على
النبي صلى الله عليه وسلم والعباس عنده فأذن له فدخل ومعه الحسن والحسين فقال
العباس هؤلاء ولدك يا رسول الله قال نعم ولدى قال أتحبهم قال أحبك الله كما
أحبهم. خرجه السلفي في المشيخة البغدادية وخرجه الطبراني وقال بعد قوله هؤلاء
ولدك يا رسول الله قال وهم ولدك يا عم ثم ذكر ما بعده.
(ما جاء مختصا بالحسن من ذلك)
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسن (اللهم إني أحبه فأحبه وأحب
من أحبه) خرجه مسلم وأبو حاتم وزاد فما كان أحد أحب إلى من الحسن بن
121

على بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال. وخرجه أبو بكر الإسماعيلي
في معجمه مستوعبا عن أبي هريرة قال لا أزال أحب هذا الرجل يعنى الحسن بن علي
بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يصنع قال رأيت الحسن في
حجر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدخل أصابعه في لحية النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى
الله عليه وسلم يدخل لسانه في فيه ثم يقول اللهم إني أحبه وذكر الحديث. وعنه
قال ما رأيت الحسن بن علي قط إلا فاضت عيناي دموعا وذلك أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم خرج يوما وانا في المسجد فأخذ بيدي واتكأ على حتى جئنا سوق قينقاع
فنظر فيه ثم رجع ورجعت معه حتى جلس في المسجد ثم قال ادعوا ابني قال فأتى
الحسن بن علي يشتد حتى وقع في حجره ثم جعل يقول بيده هكذا في لحية رسول
الله صلى الله عليه وسلم وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح فمه في فمه ويقول اللهم إني
أحبه فأحبه وأحب من يحبه ثلاث مرات يقولها. خرجه الحافظ السلفي.
(شرح) سوق قينقاع وهم بطن من يهود المدينة أضيف السوق إليهم وهو بفتح القاف
وضم النون وقد يكسر ويفتح. وعن البراء بن عازب قال رأيت الحسن بن علي على
عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول اللهم إني أحبه فأحبه. أخرجاه
وأبو حاتم. وعن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذه والحسن
ويقول اللهم إني أحبهما فأحبهما أو كما قال. خرجه البخاري.
(ما جاء من ذلك مختصا بالحسين)
عن أبي هريرة قال أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو آخذ بكفى حسين وقدماه على قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ترق عين
بقه قال فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم افتح فاك ثم قبله ثم قال اللهم إني أحبه فأحبه. خرجه أبو عمر.
(ذكر ما جاء في أنهما أحب أهل بيته إليه)
عن أنس بن مالك قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي أهل بيتك
أحب إليك قال الحسن والحسين وكان يقول لفاطمة ادعى لي ابني فيشمهما
122

ويضمهما إليه. خرجه الترمذي وقال حسن غريب، والحافظ الدمشقي في الموافقات.
(ذكر ما لمن أحبهما وأحب أبويهما)
عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن
وحسين وقال من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. خرجه أحمد والترمذي وقال كان معي في الجنة، وقال حديث غريب.
وعنه قال أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أول من يدخل الجنة أنا وفاطمة والحسن
والحسين قلت يا رسول الله فمحبونا قال من ورائكم. خرجه أبو سعد.
(ذكر ما جاء متضمنا للامر بمحبتهما)
عن يعلى بن مرة قال جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فجاء أحدهما قبل الآخر فجعل يده في عنقه فضمه إلى بطنه صلى الله عليه وسلم وقبل
هذا ثم قبل هذا ثم قال إني أحبهما فأحبوهما أيها الناس الولد مبخلة مجبنة مجهلة.
خرجه أحمد والدولابي.
(ذكر ما جاء ان محبة النبي صلى الله عليه وسلم مقرونة بمحبتهما)
عن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى والحسن والحسين
يتواثبان على ظهره فباعدهما الناس فقال صلى الله عليه وسلم دعوهما بأبي هما
وأمي من أحبني فليحب هذين. خرجه أبو حاتم.
(ذكر ما جاء من ذلك مختصا بالحسن)
عن أبي زهير بن الأرقم رجل من الأزد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول للحسن بن علي من أحبني فليحبه فليبلغ الشاهد منكم الغائب ولولا
عزمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثتكم. أخرجه أحمد.
ذكر أن محبتهما ومقرونة بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وبغضهما كذلك
عن إسرائيل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أحب الحسن والحسين
فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني. خرجه أبو سعيد في شرف النبوة. وعن
123

أبي هريرة مثله خرجه ابن حرب الطائي والسلفي وأبو طاهر البالسي. وعن
عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذان ابناي من أحبهما فقد
أحبني يعنى الحسن والحسين. خرجه ابن السرى وصاحب الصفوة.
ذكر دعائه صلى الله عليه وسلم للحسن بالرحمة
عن أسامة بن زيد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على
فخذه ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ويقول اللهم إني أرحمهما فارحمهما. خرجه
أبو حاتم. وعن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة مولى بني هاشم ان النبي صلى الله
عليه وسلم رأى الحسن مقبلا فقال اللهم سلمه وسلم منه. خرجه الدولابي.
ذكر ما جاء أنهما ريحانتاه من الدنيا
عن ابن عمر وقد سئل عن المحرم يقتل الذباب فقال أهل العراق يسألوني
عن قتل الذباب وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم (هما ريحانتاي من الدنيا). خرجه البخاري. وعن عبد الرحمن
ابن أبي نعيم أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض فقال يسألوني
عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا. خرجه الترمذي وصححه. وعن سعيد بن
راشد قال جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ
أحدهما فضمه إلى إبطه وأخذ الآخر فضمه إلى إبطه الأخرى وقال هذان ريحانتاي
من الدينا. خرجه الترمذي وصححه. وعن سعيد بن راشد قال جاء الحسن والحسين
يسعيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه ثم جاء
الآخر فضمه إلى إبطه الأخرى وقال هذان ريحانتاي من الدنيا من أحبني فليحبهما
ثم قال الولد مجبنة مبخلة مجهلة. خرجه ابن بنت منيع. وعن خولة بنت حكيم
أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وهو محتضن أحد ابني ابنته وهو يقول إنكم
لتجبنون وتبخلون وتجهلون وإنكم لمن ريحان الله عز وجل. خرجه سعيد بن
منصور في سننه.
124

ذكر ما جاء من ذلك مختصا بالحسن
وأنه سيد وعسى الله يصلح بن بين فئتين
عن أبي بكرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بنا وكان الحسن
يجئ وهو صغير فكان كلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب على رقبته
وظهره فيرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه رفعا رفيقا حتى يضعه فقالوا يا رسول الله رأيناك
تصنع بهذا الغلام شيئا ما رأيناك تصنعه بأحد قال إنه ريحانتي من الدنيا إن ابني
هذا سيد وعسى أن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين. خرجه أبو حاتم وخرج
أحمد معناه ولم يقل ريحانتي من الدنيا وزاد قال الحسن بن أبي الحسن والله بعد
أن ولى لم يهراق في خلافته ملء محجمة دم. وعنه سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر
والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة واليه مرة ويقول ابني هذا سيد ولعل الله
يصلح بن بين فئتين من المسلمين. خرجه البخاري. وعنه قال بينما رسول الله
صلى الله عليه وسلم يخطب أصحابه إذ جاء الحسن بن علي فصعد المنبر فضمه
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال (إن ابني هذا سيد وإن الله يصلح به بين فئتين من
المسلمين عظيمتين. خرجه السلفي بهذا السياق (1) وخرجه المخلص ولم يذكر
أنه صلى الله عليه وسلم ضمه (2).
ذكر ما جاء في ضمه صلى الله عليه وسلم لهما وتقبيله وشمه إياهما
تقدم في كثير من الأذكار ضمهما إليه صلى الله عليه وسلم إلى بطنه تارة
وإلى إبطه أخرى والى صدره أخرى، وتقدم في ذكر ما جاء متضمنا للامر بمحبتهما
تقبيله لكل واحد منهما، وفى ذكر محبة النبي صلى الله عليه وسلم للحسن
والدعاء لمن أحبه انه كان صلى الله عليه وسلم يدخل لسانه في فيه، وفى ذكر
محبته للحسين أنه قال له افتح فاك وقبله، وفى ذكر ما جاء أنهما
أحب أهل بيته إليه إنه كان يشمهما ويضمهما. وعن أبي هريرة قال دخل
الأقرع بن حابس على النبي صلى الله عليه وسلم فرآه يقبل إما حسنا وإما

(1) في نسخة (البيان).
(2) (ضمه) ساقطة من نسخة.
125

حسينا فقال تقبله ولى عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم (إنه من لا يرحم لا يرحم) أخرجاه. وعن يعلى بن مرة ان النبي صلى الله عليه وسلم
أخذ الحسين وقنع رأسه ووضع فاه على فيه فقبله. خرجه أبو حاتم وسعيد ابن منصور.
(ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يمص لسانه أو شفته)
عن معاوية قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسان الحسن أو شفته وانه لن
يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. خرجه أحمد.
(ذكر تقبيله صلى الله عليه وسلم سرة الحسن)
عن أبي هريرة أنه لقى الحسن بن علي في بعض طرق المدينة فقال له اكشف
لي عن بطنك فداك أبي حتى أقبل حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله قال فكشف
عن بطنه فقبل سرته. خرجه أبو حاتم. ثم قال لو كانت من العورة ما كشفتها.
ذكر دلعه صلى الله عليه وسلم لسانه للحسين
عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدلع لسان الحسين فيرى الصبي حمرة لسانه
فيهش إليه فقال عيينة بن بدر الا أراه يصنع هذا بهذا فوالله إنه ليكون لي الولد
قد خرج وجهه وما قبلته قط فقال صلى الله عليه وسلم (من لا يرحم لا يرحم). خرجه أبو حاتم.
هكذا قيدناه من أصلنا المسموع للحسين فيهش ولعله للحسن فيبهش بالباء الموحدة
وكذلك خرجه أبو عبيد القاسم بن سلام ولفظه فإذا رأى الصبي حمرة لسانه يهش
إليه. (شرح): دلع لسانه: أخرجه ودلع لسان الرجل خرج يتعدى ولا يتعدى،
ويهش إليه أي يخف إليه ويرتاح والهشاشة الخفة والارتياح المعروف، وهذا على
التقييد بالياء المعجمة باثنتين من تحت وأما على ما رواه أبو عبيد الله بالباء الموحدة
فقال في تفسيره يقال للانسان إذا رأى شيئا فأعجبه واشتهاه فتناوله وأسرع إليه
فرح به فقد بهش إليه.
ذكر تقبيله ثغر الحسين
عن أنس بن مالك قال لما قتل الحسين بن علي جئ برأسه إلى ابن زياد
126

فجعل ينكث بقضيب على ثناياه وقال إن كان لحسن الثغر فقلت في نفسي لأسوءنك.
لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه. خرجه ابن الضحاك.
ذكر تقبيله صلى الله عليه وسلم زبيبة الحسين
عن أبي ظبيان قال والله إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفرج رجليه
يعنى الحسين فيقبل زبيبته. خرجه ابن السرى.
ذكر شبههما بالنبي صلى الله عليه وسلم
عن أنس قال لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي.
خرجه البخاري والترمذي. وعنه قال كان الحسن بن علي من أشبههم وجها بالنبي
صلى الله عليه وسلم. وعنه كان الحسن من أشبه أهل بيته برسول الله صلى الله
عليه وسلم. خرجهما ابن الضحاك. وعن عقبة بن الحرث قال رأيت أبا بكر حمل
الحسن على رقبته وهو يقول * بأبي شبيه بالنبي ليس شبيها بعلى * وهو يضحك.
خرجه البخاري. وفى رواية خرجت مع أبي بكر رضي الله عنه من صلاة العصر
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى يمشى إلى جانبه فمر الحسن يلعب مع
الصبيان فاحتمله على رقبته يعنى أبا بكر وهو يقول الحديث. وعن أبي جحيفة
قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن علي يشبهه. خرجه ابن
الضحاك. وعن عبد الله بن الزبير وقد دخل على قوم يتذاكرون شبه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال أنا أخبركم بأشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن
ابن علي. خرجه الضحاك وأبو بكر الشافعي من رواية ابن غيلان. وعن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه قال الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس
والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك. خرجه الترمذي وقال حسن
غريب، وأبو حاتم. وهذا الحديث قاض على الحديثين جامع بينهما من غير أن
يكون بينهما تضادد. وكان الحسن أبيض مشربا بحمرة أدعج العينين سهل الخدين
دقيق المسربة كث اللحية ذا وفرة كأن عنقه إبريق فضة عظيم الكراديس
بعيد ما بين المنكبين ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير من أحسن الناس وجها
127

وكان يخضب بالسواد وكان جعد الشعر حسن البدن. ذكره الدولابي غيره.
وعن زادان بن منصور قال رأيت الحسن بن علي يخصب بالحناء والكتم (1)
وعن عبد الرحمن بن برزج قال كان الحسن والحسين يخضبان بالسواد إلا أن
الحسن ترك عنفقته (2) بيضاء. خرجه ابن الضحاك. وخرج أيضا عن أبي بكر بن أبي
شيبة أن الحسين كان يخضب بالحناء والكتم. وخرج عن أنس أن الحسين
كان يخضب بالوسمة. (شرح): أدعج العينين أي شديد سوادهما، والمسربة (3)
ما دق من شعر الصدر سائلا إلى البطن، الوفرة: شعر الرأس إذا وصل شحمة الأذن
، الكراديس رؤوس العظام وقيل ملتقى كل عظمين ضخمين كالركبتين
والمرفقين والمنكبين وأحدهما كردوس (4)، والوسمة بكسر السين وقد تسكن:
نبت وقيل شجر باليمن يخضب بورقه الشعر فيسود. ذكره في نهاية الغريب.
وعن أنس قال كنت عند أبي زياد وجئ برأس الحسين قال فجعل يقول
بقضيبه في أنفه ويقول ما رأيت مثل هذا حسنا قلت أما انه كان من أشبههم برسول
الله صلى الله عليه وسلم. خرجه أبو حاتم وخرج البخاري معناه وزاد: وكان
مخضوبا بالوسمة يعنى الرأس.
ذكر انتقام الله عز وجل من ابن زياد في فعله ذلك
عن عمارة بن عمير قال لما جئ برأس ابن زياد وأصحابه نضدت في المسجد
في الرحبة فانتهيت إليهم وهم يقولون قد جاءت قد جاءت فإذا حية قد جاءت
تتخلل الرؤس حتى دخلت في منخر عبيد الله بن زياد فمكثت هنيهة ثم خرجت
فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا قد جاءت قد جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا. خرجه
الترمذي وقال حسن صحيح.

(1) نبت يخلط مع الوسمة ويصبغ به الشعر أسود، وقيل هو الوسمة.
(2) العنفقة الشعر الذي في الشفة السفلى، وقيل الشعر الذي بينها وبين الذقن، وأصل العنفقة خفة
الشئ وقلته.
(3) بضم الراء، وفى الأصل (المشربة) بالشين المعجمة هنا وفيما سبق، وهو غلط.
(4) أراد أنه ضخم الأعضاء.
128

(ذكر توريثهما بعض وصفه صلى الله عليه وسلم)
عن زينب بنت أبي رافع عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنها أتت بالحسن والحسين أباها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكواه التي مات فيها فقالت
تورثهما يا رسول الله صلى الله عليك وسلم فقال أما الحسن فله هيبتي وسؤددي وأما
الحسين فله جرأتي وجودي. خرجه ابن الضحاك.
(ذكر أنهما سيدا شباب أهل الجنة)
عن حذيفة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب فصلى
حتى صلى العشاء ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي فقال من هذا حذيفة قلت نعم قال
إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم على ويبشرني
أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
خرجه أحمد والترمذي وقال حسن غريب وخرج أبو حاتم معناه. وعنه قال رأينا
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتباشر بالسرور وقال ومالي لا أسر وقد أتاني جبريل
فبشرني أن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما أفضل منهما. خرجه
أبو علي بن شاذان. وعن ابن عمر نحوه إلا أنه قال وأبوهما خير منهما. وعن أبي بكر
الصديق رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الحسن والحسين سيدا
شباب أهل الجنة) خرجه ابن السمان في الموافقة. وعن عمر مثله. خرجه صاحب
فضائل عمر. وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
(الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن
زكريا). خرجه أبو حاتم والمخلص الذهبي وغيرهما.
(ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره)
أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى الحسين
عن جابر بن عبد الله قال من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر
إلى الحسين بن علي فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله. خرجه أبو
129

حاتم. وعنه قال من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا. سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ذكر حملهما على كتفيه صلى الله عليه وسلم وقوله نعم الراكبان)
أنتما، وشهادته لهما بالجنة، في فضائل أخر
روى أبو سعيد في شرف النبوة عن عبد العزيز باسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فأقبل الحسن والحسين فلما رآهما صلى
الله عليه وسلم قام لهما واستبطأ بلوغهما إليه فاستقبلهما وحملهما على كتفيه وقال
نعم المطي مطيكما ونعم الراكبان أنتما. وعن ابن عباس قال بينا نحن ذات يوم
مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت فاطمة تبكى فقال لها رسول الله صلى
الله عليه وسلم فداك أبوك ما يبكيك قالت إن الحسن والحسين خرجا ولا أدري
أين باتا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبكين فان خالقهما ألطف
بهما منى ومنك، ثم رفع يديه فقال اللهم احفظهما وسلمهما فهبط جبريل وقال
يا محمد لا تحزن فإنهما في حظيرة بنى النجار نائمين وقد وكل الله بهما ملكا
يحفظهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه حتى أتى الحظيرة فإذا الحسن
والحسين عليهما السلام معتنقين نائمين وإذا الملك الموكل بهما قد جعل أحد جناحيه
تحتهما والآخر فوقهما يظلهما فأكب النبي صلى الله عليه وسلم عليهما يقبلهما
حتى انتبها من نومهما ثم جعل الحسن على عاتقه الأيمن والحسين على عاتقه الأيسر
فتلقاه أبو بكر وقال يا رسول الله ناولني أحد الصبيين أحمله عنك فقال صلى الله
عليه وسلم نعم المطي مطيهما ونعم الراكبان هما وأبوهما خير منهما حتى أتى المسجد
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدميه وهما على عاتقيه ثم قال معاشر المسلمين
ألا أدلكم على خير الناس جدا وجدة قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن والحسين
جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين وجدتهما خديجة بنت خويلد
سيدة نساء أهل الجنة ألا أدلكم على خير الناس عما وعمة قالوا بلى يا رسول الله
قال الحسن والحسين عمهما جعفر بن أبي طالب وعمتها أم هانئ بنت أبي طالب
130

أيها الناس ألا أدلكم على خير الناس خالا وخالة قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن
والحسين خالهما القاسم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالتهما زينت بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم قال اللهم إنك تعلم أن الحسن والحسين في الجنة وعمهما
في الجنة وعمتهما في الجنة ومن أحبهما في الجنة ومن أبغضهما في النار. خرجه
الملا في سيرته وغيره.
(ذكر ما ورد من ذلك مختصا بالحسن)
قد تقدم في ذكر محبة النبي صلى الله عليه وسلم له من حديث الشيخين عن البراء أنه حمل
الحسن على عاتقه. وعن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملا الحسن على
عاتقه فقال الرجل نعم الركب ركبت يا غلام فقال صلى الله عليه وسلم نعم الراكب هو.
خرجه الترمذي وقال غريب، والبغوي في المصابيح.
(ذكر نزوله صلى الله عليه وسلم من المنبر حين رآهما)
يمشيان ويعثران وحملهما
عن بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاء الحسن والحسين رضي الله عنهما
عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
من المنبر وحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله (إنما أموالكم وأولادكم
فتنة) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي
ورفعتهما. خرجه الترمذي وقال حسن غريب وأبو داود وأبو حاتم.
(ذكر توثبهما على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة)
ومكث ضوء البرق لهما حتى مشيا فيه
تقدم في ذكر أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم مقرونة بمحبتهما طرف من الأول وفى ذكر
أن الحسن ريحانته صلى الله عليه وسلم طرف منه أيضا يخص الحسن. وعن أبي هريرة قال
كنا نصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره
فإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه أخذا رفيقا فيضعهما على الأرض فإذا عاد
131

عادا حتى قضى صلاته فأقعدهما على فخديه قال فقمت إليه فقلت يا رسول الله
أردهما فبرقت برقة فقال لهما الحقا بأمكما قال فمكث ضوؤها حتى دخلا. خرجه
أحمد. وعن أنس بن مالك قال كتب النبي صلى الله عليه وسلم لرجل عهدا فدخل الرجل
يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يصلى فرأى الحسن والحسين يركبان على عنقه
مرة ويركبان على ظهره مرة ويمران بين يديه ومن خلفه فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من الصلاة
قال له الرجل ما يقطعان الصلاة فغضب النبي صلى الله عليه وسلم فقال ناولني عهدك فأخذه
فمزقه ثم قال (من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منا ولا أنا منه). خرجه
ابن أبي الفرابي. وعن جابر قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين على
ظهره وهو يقول نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أو الحملان أنتما. خرجه الغساني.
وعن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى حتى إذا سجد وثب
الحسن والحسين على ظهره فإذا أرادوا أن يمنعوهما قال دعوهما فلما أن صلى وضعهما
في حجرة وقال (من أحبني فليحب هذين) خرجه الحافظ الدمشقي في معجم
النساء (1). وعن أبي هريرة قال كان الحسن أو الحسين عند النبي صلى الله عليه وسلم
وكان يحبه حبا شديدا فقال اذهب إلى أمي فقلت أذهب معه فقال لا فجاءت
برقة من السماء فمشى في ضوئها حتى بلغ. خرجه أبو سعيد.
ذكر ما جاء من التوثب مختصا بالحسن رضي الله عنه
عن عبد الله بن الزبير قال رأيت الحسن بن علي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم
وهو ساجد فيركب على ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ويأتي وهو راكع
فيفرج له رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر. رواه ابن غيلان عن أبي بكر الشافعي.
(ذكر ما ورد من النزو على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مختصا بالحسين)
عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال خلونا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل
حسين بن علي فجعل ينزو (2) على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى بطنه قال فبال فقمنا إليه
فقال دعوه ثم دعا بماء فصبه على بوله. خرجه ابن بنت منيغ.

(1) في نسخة (النسائي) وهو غلط ظاهر.
(2) أي يثب.
132

(ذكر حملهما معه صلى الله عليه وسلم على بغلته)
عن أبي إياس قال لقد قدت بالنبي صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين بلغته الشهباء
حتى أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا قدامه وهذا خلفه. خرجه مسلم.
(ذكر ما ورد في كل واحد منهما أنه من النبي صلى الله عليه وسلم)
عن خالد بن معدان قال وفد المقدام بن معدى كرب وعمرو بن الأسود إلى معاوية
فقال معاوية للمقدام أعلمت أن الحسن بن علي توفى فرجع المقدام فقال له معاوية
أتراها مصيبة فقال ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره وقال
هذا منى وحسين من على. خرجه أحمد. وعن يعلى بن مرة العامري قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (حسين منى وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من
الأسباط) خرجه الترمذي وقال حسن، وسعيد في سننه. وعنه أنه خرج مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعوا له فإذا الحسين مع الصبيان يلعب فاشتمل امام القوم ثم
بسط يده فطفق الصبي يفر ههنا مرة وههنا مرة وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يضاحكه حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى تحت قفاه ثم قنع رأسه
ووضع فاه على فيه فقبله وقال حسين منى وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا
حسين سبط من الأسباط. خرجه أبو حاتم وسعيد بن منصور.
(شرح): قوله يفر يجوز أن يكون بالفاء وراء مهملة ومعناه معروف ويجوز
أن يكون بالقاف وزاي معجمة ومعناه يثب، وقنع رأسه رفعه ومنه حديث الدعاء
(ويقنع يديه) أي يرفعهما، وهكذا المنقول قنع رأسه وإنما هو أقنعه يقنعه إقناعا،
وسبط من الأسباط أي أمة من الأمم في الخير والأسباط في أولاد إسحق بن إبراهيم
عليه السلام، والقبائل في ولد إسماعيل، واحدهم سبط. وعن البراء بن عازب
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن أو الحسين هذا منى وأنا منه وهذا
يحرم عليه ما يحرم على. خرجه الحربي.
(ذكر ما جاء في تعويذ النبي صلى الله عليه وسلم إياهما)
عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين: أعوذ بكلمات الله
133

التامة من كل شيطان وهامة (1) ومن كل عين لامة ويقول هكذا كان يعوذ إبراهيم
ابنيه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام. خرجه أبو سعيد في شرف النبوة وغيره.
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الرحمن
ألا أعلمك عوذة كان إبراهيم يعوذ بها ابنيه إسماعيل وإسحاق وأنا أعوذ بها ابني
الحسن والحسين: كفى بسمع الله واعيا لمن دعا ولا مرمى وراء أمر الله لرام
رمى. خرجه المخلص الذهبي.
(ذكر أنه كان في تمائمهما من ريش جبريل عليه السلام)
عن أم عثمان أم ولد لعلى قالت كانت لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة
يجلس عليها جبريل عليه السلام لا يجلس عليها غيره فإذا عرج رفعت وكان
إذا عرج انتفض فسقط من زغب (2) ريشه فتقوم فاطمة فتتبعه فتجعله في تمائم
الحسن والحسين. خرجه الدولابي.
ذكر مصارعتهما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة قال كان الحسن والحسين يصطرعان بين يدي النبي صلى الله
عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هن يا حسن فقالت فاطمة
يا رسول الله لم تقول هن يا حسن فقال إن جبريل عليه السلام يقول هن يا حسين.
خرجه ابن المثنى في معجمه. وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن الحسن والحسين كانا
يصطرعان فاطلع على على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ويها الحسن
فقال على يا رسول الله على الحسين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جبريل
عليه السلام يقول ويها الحسين. خرجه ابن بنت منيع.
(شرح): ويه كلمة تقال للاستحثاث. ذكره الجوهري قال وإذا تعجبت
من طيب شئ قلت واها له ما أطيبه، وإذا أغريته بالشئ قلت ويها يا فلان
وهو تحريض. كما يقال دونك يا فلان.

(1) الهامة: كل ذات سم يقتل، واما ما يسم ولا يقتل فهو السامة
(2) الزغب صغار الريش.
134

(ذكر جعل عمر عطاءهما مثل عطاء أبيهما)
عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب جعل عطاء حسن وحسين
مثل عطاء أبيهما. خرجه ابن بنت منيع.
ذكر أنهما يحشران يوم القيامة على ناقتيه العضباء والقصواء
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تبعث الأنبياء على الدواب
ويحشر صالح على ناقته ويحشر ابنا فاطمة على ناقتي العضباء (1) والقصواء وأحشر
أنا على البراق خطوها عند أقصى طرفها ويحشر بلال على ناقة من نوق الجنة.
خرجه الحافظ السلفي.
ذكر أنهم يوم القيامة على خيل موصوفة بصفات
عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان يوم القيامة كنت
أنت وولدك على خيل بلق متوجة بالدر والياقوت فيأمر الله بكم إلى الجنة والناس
ينظرون. خرجه الإمام علي بن موسى الرضا. ولا تضادد بينهم وبين حشرهم
على العضباء والقصواء إذ يكون الحشر أولا عليهما ثم ينقلون إلى الخيل أو يحمل
ولده على غير الحسن والحسين منهم.
ذكر ما جاء أن المهدى في آخر الزمان منهما
عن علي بن الهلالي عن أبيه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الحالة التي قبض فيها فإذا فاطمة عند رأسه فبكت حتى ارتفع صوتها فرفع صلى الله

(1) هو علم لها منقول من قولهم: ناقة عضباء أي مشقوقة الأذن. ولم تكن
مشقوقة الأذن، وقال بعضهم انها كانت مشقوقة الأذن، والأول أكثر، وقال
الزمخشري: هو منقول من قولهم ناقة عضباء وهي القصيرة اليد. والقصواء: لقب
ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقصواء: الناقة التي قطع طرف أذنها، وكل ما
قطع من الاذن فهو جدع فإذا بلغ الربع فهو قصع فإذا جاوزه فهو عضب فإذا استؤصلت
فهو صلم، يقال قصوته قصوا فهو مقصو والناقة قصواء ولا يقال بعير أقصى. ولم
تكن ناقة النبي صلى الله عليه وسلم قصواء وإنما هو لقب لها، وقيل كانت مقطوعة الأذن.
135

عليه وسلم طرفه إليها حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك فقالت أخشى الضيعة
من بعدك فقال يا حبيبتي ما علمت أن الله اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار منها
أباك فبعثه برسالته ثم اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك وأوحى إلى أن أنكحك إياه
يا فاطمة ونحن أهل بيت فقد أعطانا الله سبع خصال لم تعط أحدا قبلنا ولا تعط
أحدا بعدنا وأنا خاتم النبيين وأكرمهم على الله عز وجل وأحب المخلوقين إلى الله
عز وجل وأنا أبوك ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله عز وجل وهو بعلك
وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله عز وجل وهو حمزة بن عبد المطلب عم أبيك
وعم بعلك ومنا من له جناحان أخضران يطير بهما في الجنة حيث يشاء مع الملائكة
وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك ومنا سبط هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين
وهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما. يا فاطمة والذي
بعثني بالحق إن منهما مهدى هذا الأمة إذا صارت الدنيا هرجا ومرجا وتظاهرت
الفتن وتقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيرا ولا صغير يوقر
كبيرا فيبعث الله عز وجل عند ذلك من يفتح حصون الضلالة وقلوبا غلفا يقوم
بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ويملا الأرض عدلا كما ملئت جورا.
خرجه الحافظ أبو العلاء الهمذاني في أربعين حديثا في المهدى وقد تقدم مختصرا
في مناقب فاطمة من حديث الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري.
(شرح): الهرج والمرج الاقتتال والاختلاط، غلف أي في غلاف عن سماع
الحق. وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يولد منهما يعنى الحسن والحسين مهدى هذه
الأمة). وعن الحسين بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة (المهدى من ولدك)
وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المهدى من ولدى وجهه كالكوكب الدري. وقد روى
عن أبي سعيد الخدري و عبد الرحمن بن عوف وغيرهما أنه من عترته صلى الله عليه وسلم.
(ذكر ما جاء من ذلك مختصا بالحسين)
عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله
ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من ولدى اسمه كاسمى فقال سلمان من أي ولدك
136

يا رسول الله قال من ولدى هذا وضرب بيده على الحسين. فيحمل ما ورد مطلقا فيما
تقدم على هذا المقيد.
(ذكر ما ورد من حجهما ماشيين)
عن محمد بن علي قال قال الحسن إني لأستحيي من ربى أن ألقاه ولم أمش إلى
بيته فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه. وعن علي بن زيد قال حج الحسن
خمس عشرة مرة ماشيا. خرجه أبو عمر وخرجه صاحب الصفوة والبغوي في معجمه
عن عبيد الله بن عبيد بن عمير وزاد ونجائبه تقاد معه.
(ذكر ما ورد في سخائهما)
عن حرملة مولى أسامة قال أرسلني أسامة بن زيد إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قال لي إنه سيسألك ويقول لك ما خلف صاحبك فقل له يقول لك لو كنت
في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه ولكن هذا أمر لم أره قال فأتيت
عليا فلم يعطني شيئا فذهبت إلى حسن وحسين و عبد الله بن جعفر فأوقروا (1) لي
راحلتي. خرجه البخاري وتابعه الهزاني.
(ذكر ما جاء مختصا بالحسن)
عن سعيد بن عبد العزيز أن الحسن بن علي سمع رجلا يسأل ربه أن يرزقه
عشرة آلاف فانصرف حسن رضي الله عنه فبعث بها إليه. خرجه في الصفوة.
(ذكر فضيلة لهما)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل
لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال والسابق السابق إلى الجنة قال فبلغني أنه
كان بين الحسن والحسين هجران وتشاجر فقلت للحسين الناس يقتدون بكما فلا
تتهاجرا واقصد أخاك الحسن وادخل عليه وكلمه فإنك أصغر سنا منه فقال لولا
أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول السابق السابق إلى الجنة لقصدته

(1) أي حملوها وقرا، وهو الحمل.
137

ولكن أكره أن أسبقه إلى الجنة فذهبت إلى الحسن فأخبرته بذلك فقال صدق
أخي وقام وقصد أخاه الحسين وكلمه واصطلحا رضي الله عنهما. خرجه ابن أبي الفرابي
أذكار تتضمن نبذا من فضائل وأخبار تختص بالحسن
(ذكر علمه رضي الله عنه)
عن محمد بن سعد اليربوعي قال قال علي رضي الله عنه للحسن بن علي كم بين
الايمان واليقين؟ قال أربع أصابع قال بين: قال اليقين ما رأته عينك
والايمان ما سمعته اذنك وصدقت به قال أشهد أنك من من أنت منه ذرية بعضها
من بعض. خرجه ابن أبي الدنيا في كتاب اليقين.
ذكر خطبته يوم قتل أبوه علي بن أبي طالب
عن زيد بن الحسن قال خطب الحسن الناس حين قتل علي بن أبي طالب
رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه
الأولون ولا يدركه الآخرون وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه رايته فيقاتل جبريل
عن يمينه وميكائيل عن شماله فما يرجع حتى يفتح الله عليه ولاترك على وجه
الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها
خادما لأهله ثم قال أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن
ابن علي وأنا ابن الوصي وأنا ابن البشير وأنا ابن النذير وأنا ابن الداعي إلى الله
باذنه والسراج المنير وأنا من أهل البيت الذي اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال الله تعالى
لنبيه صلى الله عليه وسلم (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن
يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت. خرجه الدولابي.
ذكر بيعته وخروجه إلى معاوية وتسليمه الامر له
قال أبو عمر لما قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بايع الحسن أكثر من
أربعين ألفا كلهم قد بايع أباه قبله على الموت وكانوا أطوع للحسن وأحب فيه منهم
138

في أبيه فبقي سبعة أشهر خليفة بالعراق وما وراء النهر من خراسان ثم سار إلى
معاوية وسار معاوية إليه فلما تراءى الجمعان بموضع يقال له لمسكين بناحية الأنبار
من أرض السواد علم أن لن تغلب إحدى الفئتين حتى يذهب أكثر الأخرى
فكتب إلى معاوية يخبره انه يصير الامر إليه على أن يشترط عليه أن لا يطلب
أحدا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشئ مما كان في أيام أبيه فأجابه معاوية
إلا أنه قال عشرة أنفس فلا أو منهم فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه يقول إني
قد آليت انني متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده فراجعه الحسن
إني لا أبايعك أبدا وأنت تطلب قيسا أو غيره بتبعة قلت أو كثرت فبعث
إليه معاوية حينئذ برق أبيض قال أكتب ما شئت فيه فأنا التزمه فاصطلحا على
ذلك واشترط عليه الحسن أن يكون له الامر من بعده فالتزم ذلك كله معاوية
واصطلحا على ذلك وكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله سيصلح به
بين فئتين عظيمتين من المسلمين) وكان رضي الله عنه يقول ما أحببت منذ علمت
ما ينفعني ويضرني ان إلى أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أن يهراق في ذلك محجمة (1)
دم. وروى أنه قال كان ناس من أصحاب الحسن يقولون له لما صالح معاوية يا عار
المؤمنين فيقول العار خير من النار. وعن أبي العريف قال كنا في مقدمة الحسن
ابن علي اثنى عشر ألفا مستميتين حرصا على قتال أهل الشام فلما جاء الحسن
الكوفة أتاه شيخ منا يكنى أبا عمر وسفيان بن أبي ليلى فقال السلام عليك يا مذل
المؤمنين قال لا تقل يا أبا عمرو فانى لم أذل المؤمنين ولكن كرهت أن أقتلهم في
طلب الملك. خرجه أبو عمر. وعن جبير بن نفير قال قدمت المدينة فقال الحسن
ابن علي كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت
فتركتها ابتغاء لوجه الله تعالى وحقن دماء المسلمين. خرجه الدولابي. قال

(1) يقال أراق الماء يريقه، وهراقه يهريقه، يقال فيه أهرقت الماء أهرقه اهراقا
فيجمع بين البدل والمبدل - كما في النهاية. وفى (فتاوى السبكي) بحث مبسوط
عن ذلك. والمحجم بالكسر الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المص.
139

أبو عمر وبايع الناس معاوية فاجتمعوا عليه في منتصف جمادى الأولى سنة اثنتين
وأربعين قال ومن قال ست وأربعين فقد وهم، وحج المغيرة بالناس سنة أربعين
من غير أن يؤمره أحد وكان بالطائف، وروى أنه لما جرى الصلح بين معاوية
والحسن قال له معاوية قم فاخطب الناس واذكر ما كنت فيه فقام الحسن فخطب
فقال الحمد لله الذي هدى بنا أولكم وحقن بنا دماءكم ألا إن أكيس الكيس التقى
وأعجز العجز الفجور وان هذا الامر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما أن يكون
كان أحق به منى أو يكون حقي وتركته لله ولصلاح أمة محمد صلى الله عليه وسلم
وحقن دمائهم قال ثم التفت فقال (وان أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين)
ثم نزل فقال عمرو بن العاص لمعاوية ما أردت إلا هذا. وروى أبو سعد أنه قال
في خطبته أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي
طالب أنا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ابن البشير أنا ابن النذير أنا ابن السراج
المنير أنا ابن مزنة السماء أنا ابن من بعث رحمة للعالمين أنا ابن من بعث إلى الجن والإنس
أنا ابن من قاتلت معه الملائكة أنا ابن من جعلت له الأرض مسجدا
وطهورا أنا ابن من أذهب اللهم عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أنا ابن من كان
مستجاب الدعوة أنا ابن الشفيع المطاع أنا ابن أول من تنشق عنه الأرض ومن
يقرع باب الجنة أنا ابن أول من ينفض التراب عن رأسه أنا ابن من رضاه رضا
الرحمن وسخطه سخط الرحمن أنا ابن من لا يسامى كرما فقال معاوية حسبك
يا أبا محمد ما أعرفنا بفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا معاوية إن الخليفة من سار
بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل بطاعته وليس الخليفة من دان بالجور
وعطل السنن واتخذ الدنيا أما وأبا.
(ذكر عطاء معاوية الحسن وإكرامه له)
عن عبد الله بن بريدة أن الحسن دخل على معاوية فقال لأجيزنك بجائزة
لم أجزها أحدا قبلك ولا أجيز بها أحدا بعدك فأجازة بأربعمائة ألف ألف فقبلها.
خرجه ابن الضحاك في الآحاد والمثاني.
140

(ذكر وفاة الحسن بن علي رضي الله عنهما)
قال أبو عمرو غيره توفى الحسن بالمدنية سنة تسع وأربعين وقيل خمسين في ربيع
الأول وقيل إحدى وخمسين وهو يومئذ ابن سبع وأربعين سنة منها سبع سنين
مع النبي صلى الله عليه وسلم وثلاثون سنة مع أبيه وعشر سنين بعدها وقيل مات وهو ابن خمس
وأربعين. وغسله الحسين ومحمد والعباس بنو علي بن أبي طالب. ودفن بالبقيع
وروى أنه أوصى أن يدفن إلى جنب أمه فاطمة بالمقبرة فدفن بالمقبرة إلى جنبها.
المقبرة بضم الباء. فتحها. وقال سيعد بن محمد بن جبير رأيت قبر الحسن بن علي
ابن أبي طالب عند فم الزقاق الذي بين دار نبيهة بن وهب وبين دار عقيل بن
أبي طالب وقيل إنه دفن عند قبر أمه وروى قايد مولى عبادل قال حدثني
الحفار أنه حفر لقبره فوجد قبرا عى سبع أذرع مشرفا عليه لوح مكتوب: هذا
قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر ذلك كله ابن النجار في أخبار المدينة وذكر
أنه دفن معه في قبره ابن أخيه علي بن الحسين زين العابدين وأبو جعفر محمد بن علي
الباقر وابنه جعفر الصادق. وقبره يعرف بقبة العباس. وصلى عليه سعيد بن
العاص وكان أميرا بالمدينة قدمه الحسين للصلاة على أخيه وقال لولا أنها سنة ما
قدمتك. وقد كانت عائشة أباحت له أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في بيتها وكان سألها ذلك في مرضه فلما مات منع من ذلك مروان وبنو أمية. قال
قتادة وأبو بكر بن حفص مات مسموما سمته امرأته بنت الأشعث بن قيس
الكندي وكان لها ضرائر. وعن قتادة قال دخل الحسين على الحسن فقال يا أخي
إني سقيت السم ثلاث مرات لم أسق مثل هذه المرة إني لأضع كبدي فقال الحسين
من سقاك يا أخي فقال ما سؤالك عن هذا تريد أن تقتلهم أكلهم إلى الله عز وجل.
وعن عمر بن إسحاق قال كنا عند الحسن فدخل المخدع (1) ثم خرج فقال لقد سقيت
السم مرارا ما سقيته مثل هذه المرة ولقد لفظت طائفة من كبدي فرأيتني أقلبها

(1) هو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير، وتضم ميمه وتفتح.
وأصله من الخدع وهو الاخفاء.
141

بعود فقال له الحسين أي أخ من سقاك قال وما تريد إليه أتريد أن تقتله قال
نعم قال لئن كان الذي أظن فالله أشد نقمة وإن كان غيره فلا أريد أن يقتل برئ.
(ذكر وصيته لأخيه الحسين رضي الله عنهما)
قال أبو عمر روينا من وجوه أن الحسن بن علي لما حضرته الوفاة قال للحسين
أخيه يا أخي إن أباك حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم استشرف لهذا
الامر ورجا أن يكون صاحبه فصرفه الله عنه ووليها أبو بكر فلما حضرت أبا بكر
الوفاة تشوف لها أيضا فصرفت عنه إلى عمر فلما قبض عمر جعلها شورى بين
ستة هو أحدهم فلم يشك أنها لا تعروه فصرفت عنه إلى عثمان فلما هلك عثمان
بويع له ثم نوزع حتى جرد السيف وطلبها فما صفا له شئ منها وإني والله ما أرى
أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة فلا أعرفن ما استخفك سفهاء أهل
الكوفة فأخرجوك، وقد كنت طلبت إلى عائشة إذا مت أن أدفن في بيتها مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت نعم وانى لا أدري لعله كان ذلك منها حياء فإذا
أنا مت فاطلب ذلك إليها فان طابت نفسها فادفني في بيتها وما أظن إلا القوم سيمنعونك
إذا أردت ذلك فان فعلوا فلا تراجعهم في ذلك وادفني في بقيع الغرقد (1) فان لي
بمن فيه أسوة فلما مات الحسن أتى الحسين عائشة يطلب ذلك إليها فقالت نعم
حبا وكرامة فبلغ ذلك مروان فقال مروان كذب وكذبت والله لا يدفن هناك أبدا
منعوا عثمان من دفنه في المقبرة ويريدون دفن حسن في بيت عائشة فبلغ ذلك
حسينا فدخل هو ومن معه في السلاح فبلغ ذلك مروان فاستلام في الحديد أيضا
فبلغ ذلك أبا هريرة فقال والله ما هو إلا ظلم يمنع حسن أن يدفن مع أبيه والله انه
لابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق إلى حسين فكلمه وناشده الله وقال
له أليس قد قال أخوك ان خفت أن يكون قتال فردني إلى مقبرة المسلمين ولم يزل
به حتى فعل وحمله إلى البقيع ولم يشهده يومئذ من بنى أمية إلا سعيد بن العاص

(1) بقيع الغرقد هو مقبرة أهل المدينة، وسمى بذلك لأنه كان فيه غرقد
وهو ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك.
142

وكان يومئذ أميرا على المدينة قدمه الحسين في الصلاة عليه هي السنة وخالد
ابن الوليد بن عقبة ناشد بنى أمية أن يخلوه يشهد الجنازة فتركوه فشهد دفنه في
المقبرة. ودفن إلى جنب أمه فاطمة رضي الله عنها وعنهم أجمعين. ولما مات ورد
البريد إلى معاوية بموته ودخل عليه ابن عباس فقال له يا أبا عباس احتسب الحسن
لا يحزنك الله ولا يسوؤك فقال أما ما أبقاك الله يا أمير المؤمنين فلا يحزنني الله ولا
يسؤني قال فأعطاه على كلمته ألف ألف وعروضا وأشياء وقال خذها واقسمها
على أهلك. خرجه أبو عمر.
(ذكر ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما)
وخلف الحسن من الولد حسن بن حسن وعبيد الله وعمرا وزيدا وإبراهيم.
ذكره الدولابي وذكر ابن الذراع أبو بكر بن أحمد في كتاب مواليد أهل البيت
أنه ولد له أحد عشر ابنا وبنت: عبد الله والقاسم والحسن وزيد وعمر وعبيد
الله و عبد الرحمن وأحمد وإسماعيل والحسين وعقيل وأم الحسين.
أذكار تتضمن فضائل وأخبارا تختص بالحسين عليه السلام
* (ذكر فضيلة له رضي الله عنه) *
روى الإمام علي بن موسى الرضا أن الحسين بن علي دخل الخلاء فوجد لقمة
ملقاة فدفعها إلى غلام له فقال يا غلام اذكرنيها إذا خرجت فأكلها الغلام فلما
سأله عنها قال أكلتها يا مولاي قال اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى ثم قال سمعت
جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من وجد لقمة ملقاة فمسح أو غسل
ثم أكلها أعتقه الله من النار) فلم أكن أستعبد رجلا أعتقه الله من النار.
ذكر تأذى النبي صلى الله عليه وسلم ببكائه
عن يزيد بن أبي زياد قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة
فمر على بيت فاطمة فسمع حسينا يبكى. فقال ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني.
خرجه ابن بنت منيع.
143

ذكر كرامات له وآيات ظهرت لمقتله رضي الله عنه
عن رجل من كليب قال صاح الحسين بن علي اسقونا ماء فرمى رجل بسهم
فشق شدقه فقال لا أرواك الله فعطش الرجل إلى أن رمى نفسه في الفرات فشرب
حتى مات. خرجه الملا. وعن العباس بن هشام بن محمد الكوفي عن أبيه عن جده
قال كان رجل يقال له زرعة شهد قتل الحسين فرمى الحسين بسهم فأصاب حنكه
وذلك أن الحسين دعا بماء ليشرب فرماه فحال بينه وبين الماء فقال اللهم أظمئه
قال فحدثني من شهد موته وهو يصيح من الحر في بطنه ومن البرد في ظهره وبين
يديه الثلج والمراوح وخلفه الكانون وهو يقول أسقوني أهلكني العطش فيؤتى
بالعس العظيم فيه السويق والماء واللبن لو شربه خمسة لكفاهم فيشربه ثم يعود
فيقول أسقوني أهلكني العطش قال فانقد بطنه كانقداد البعير. خرجه ابن أبي الدنيا.
(شرح): العس القدح الكبير وجمعه عساس. وعن علقمة بن وائل
أو وائل بن علقمة أنه شهد ما هنا لك قال قام رجل فقال أفيكم الحسين فقالوا نعم
قال أبشر بالنار قال أبشر برب رحيم وشفيع مطاع من أنت قال انا جريرة قال
اللهم جره إلى النار فنفرت به الدابة فتعلقت رجله بالركاب فوالله ما بقي عليها منه
إلا رجله. خرجه ابن بنت منيع. وعن أبي معشر عن بعض مشيخته ان قاتل
الحسين لما جاء ابن زياد وحكى عليه كيفية قتله وما قال له الحسين اسود وجهه.
خرجه ابن بنت منيع أيضا. وعن سفيان قال حدثتني جدتي أنها رأت رجلين
ممن شهدا قتل الحسين وقالت أما أحدهما فإنه طال ذكره حتى كان يلفه وأما
الآخر فإنه كان يستقبل الراوية (1) فيشربها إلى آخرها فما يروى. أخرجه الملا.
وعن سفيان أيضا أن رجلا ممن شهد قتل الحسين كان يحمل ورسا (2) فصار ورسه رمادا.
أخرجه الملا في سيرته. وخرجه منصور بن عمار أكمل من هذا عن أبي محمد الهلالي
قال شرك منا رجلان في دم الحسين بن علي رضي الله عنهما فأما أحدهما فابتلى
بالعطش فكان لو شرب راوية ما روى وقال وأما الآخر فابتلى بطول ذكره وكان

(1) آلة كبيرة يستقى بها الماء.
(2) الورس نبت أصفر يصبغ به.
144

إذا ركب يلويه على عنقه كأنه حبل. وعن أبي رجاء أنه كان يقول لا تسبوا عليا
ولا أهل هذا البيت إن جارا لنا من بنى الهجيم قدم من الكوفة فقال ألم تروا
هذا الفاسق ابن الفاسق إن الله قتله يعنى الحسين رضي الله عنه فرماه الله بكوكبين
في عينيه وطمس الله بصره. خرجه أحمد في المناقب. وعن السدى قال أتيت
كربلاء لابيع التمر بها فعمل لنا شيخ من طي طعاما فتعشينا عنده فذكرنا قتل
الحسين فقلت ما شرك أحد في قتل الحسين إلا مات بأسوأ موتة قال وآيات
ظهرت لمقتله قال ما أكذبكم يا أهل العراق أنا ممن شرك في ذلك فلم يبرح حتى
دنا من المصباح وهو متقد بنفط فذهب يخرج الفتيلة بأصبعه فأخذت النار فيها
فذهب يطفئها بريقه فأخذت النار في لحيته فغدا فألقى نفسه في الماء فرأيته
كأنه جمجمة. خرجه ابن الجراح. وعن ابن لهيعة عن أبي قبيل قال لما قتل الحسين
ابن علي بعث برأسه إلى يزيد فنزلوا أول مرحلة فجعلوا يشربون ويتحيون بالرأس
فبينما هم كذلك إذ خرجت عليهم من الحائط يد معها قلم حديد فكتبت سطرا بدم:
أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب
فهربوا وتركوا الرأس. خرجه ابن منصور بن عمار. وذكر أبو نعيم الحافظ في
كتاب دلائل النبوة عن نضرة الأزدية انها قالت لما قتل الحسين بن علي أمطرت
السماء دما فأصبحنا وجبابنا (1) وجرارنا مملوءة دما. وعن مروان مولى هند بنت
المهلب قال حدثني بواب عبد الله بن زياد أنه لما جئ برأس الحسين بين يديه
رأيت حيطان دار الامارة تسايل دما. خرجه ابن بنت منيع. وعن جعفر
ابن سليمان قال حدثتني خالتي أم سالم قالت لما قتل الحسين مطرنا مطرا كالدم
على البيوت والخدر قالت وبلغني أنه كان بخراسان والشام والكوفة. خرجه ابن
بنت منيع. وعن أم سلمة قالت لما قتل الحسين مطرنا دما. وعن ابن شهاب قال
لما قتل الحسين رضي الله عنه لم يرفع أولم يقلع حجر بالشام إلا عن دم.
خرجهما ابن السرى.

(1) جمع جب وهو البئر.
145

(ذكر مقتل الحسين رضي الله عنه)
* (وذكر قاتله وأين قتل ومتى قتل) *
قتل رضي الله عنه يوم الجمعة لعشر خلت من المحرم يوم عاشوراء سنة ستين
وقيل إحدى وستين بموضع يقال له كربلاء من أرض العراق بناحية الكوفة
ويعرف الموضع أيضا بالطف. قتله سنان بن أنس النخعي وقيل رجل من مذحج
وقيل من شمر بن ذي الجوشن وكان أبرص، وأجهز عليه حولي بن يزيد الأصبحي
من حمير حز رأسه وأتى بها عبيد الله بن زياد. وما نقل من أن عمر بن أبي سعيد بن أبي
وقاص قتله فتاه فلا يصح، وسبب نسبته إليه أنه كان أمير الخيل التي أخرجها
عبيد الله بن زياد لقتاله ووعده إن ظفر أن يوليه الري وكان في تلك الخيل والله
أعلم قوم من أهل مصر وأهل اليمن، ويروى أنه قتل معه في ذلك اليوم سبعة
وعشرون رجلا من ولد فاطمة. وعن الحسن بن أبي الحسن البصري أصيب مع
الحسين ستة عشر رجلا من أهل بيته ما على وجه الأرض لهم شبيه. وقيل قتل
معه من ولده وإخوته وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلا. واختلف في سنه يوم قتل
فقيل سبع وخمسون ولم يذكر ابن الدراع في كتاب مواليد أهل البيت غيره قال
أقام منها مع جده صلى الله عليه وسلم سبع سنين إلا ما كان بينه وبين الحسن. ومع أبيه ثلاثين
سنة ومع أخيه الحسن عشر سنين وبعده عشر سنين فجملة ذلك سبع وخمسون
سنة وقيل أربع وخمسون سنة وقيل ست وخمسون سنة.
(ذكر إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين والحث على نصرته)
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن ابني هذا
يعنى الحسين يقتل بأرض من العراق فمن أدركه منكم فلينصره قال فقتل أنس
مع الحسين. خرجه الملا في سيرته.
(ذكر إخبار الملك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين)
* (وإيرائه تربة الأرض التي يقتل بها) *
عن أنس بن مالك قال استأذن ملك القطر ربه ان يزور النبي صلى الله عليه
146

وسلم فأذن له وكان يوم أم سلمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أم سلمة احفظي
علينا الباب لا يدخل أحد فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين بن علي طفر فاقتحم
فدخل فوثب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم يلثمه ويقبله فقال له الملك أتحبه قال نعم وقال إن أمتك ستقتله وإن شئت
أريك المكان الذي يقتل به فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة
فجعلته في ثوبها قال ثابت كنا نقول إنها كربلاء. خرجه البغوي في معجمة وخرجه
أبو حاتم في صحيحه وقال إن شئت أريك المكان الذي يقتل فيه قال نعم فقبض
قبضة من المكان الذي قتل فيه فأراه إياه فجاءه بسهلة، ثم ذكر باقي الحديث. وخرجه
أحمد في مسنده وقال قالت فجاء الحسين بن علي يدخل فمنعته فوثب فدخل فجعل
يقعد على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وعلى منكبه وعلى عاتقه قالت فقال الملك وذكر الحديث
وقال فضرب بيده على طينة حمراء فأخذتها أم سلمة فصرتها في خمارها قال ثابت
فبلغنا أنها كربلاء.
(شرح): طفر أي وثب. واقتحم أي أوقع نفسه ورماها. السهلة بالكسر رمل
خشن ليس بالدقاق الناعم. ذكره كذلك في نهاية الغريب. وعنها قالت رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح رأس الحسين ويبكى فقلت ما بكاؤك
فقال إن جبريل أخبرني أن ابني هذا يقتل بأرض يقال لها كربلاء قالت ثم
ناولني كفا من تراب أحمر وقال إن هذا من تربة الأرض التي يقتل بها فمتى
صار دما فاعلمي أنه قد قتل قالت أم سلمة فوضعت التراب في قارورة عندي
وكنت أقول إن يوما يتحول فيه دما ليوم عظيم. خرجه الملا في سيرته. وعن
أم سلمة قالت كان جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم والحسين معه فبكى فتركته فذهب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل أتحبه يا محمد قال نعم قال إن أمتك
ستقتله وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها فبسط جناحه إلى
الأرض فأراه أرضا يقال لها كربلاء. خرجه ابن بنت منيع. وعنها أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر فرجع فرقد فاستيقظ وهو خاثر دون
147

ما رأيت منه ثم رجع فاستيقظ وفى يده تربة حمراء فقلت ما هذه يا رسول الله قال
أخبرني جبريل أن ابني هذا يقتل بأرض العراق يعنى الحسين فقلت لجبريل
أرني من تربة الأرض التي يقتل بها قال فهذه تربتها. خرجه ابن بنت منيع.
(شرح): خاثر أي ثقيل النفس (1) غير طيب ولا نشيط. وعن علي رضي الله عنه
قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان قلت يا نبي الله
أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان قال قام من عندي جبريل عليه السلام
قبل وحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات قال فقال هل لك إلى أن أشمك من
تربته قلت نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني ان
فاضتا. خرجه أحمد وخرجه ابن الضحاك. وعن عبد الله بن يحيى عن أبيه أنه
سافر مع علي وكان على مطهرته فلما حاذى بيوتنا وهو منطلق إلى صفين فنادى على
صبرا أبا عبد الله صبرا أبا عبد الله صبرا أبا عبد الله بشاطئ الفرات فقلت له ماذا
أبا عبد الله فقال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان ثم
ذكر الحديث إلى آخره.
(ذكر رؤيا أم سلمة وابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم)
في منامهما وإخباره إياهما انه شهد قتل الحسين
عن سلمى قالت دخلت على أم سلمة هي تبكى فقلت ما يبكيك قالت رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يعنى في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت مالك يا رسول
الله قال شهدت قتل الحسين آنفا. خرجه الترمذي وقال حديث غريب، والبغوي
في الحسان. وعن ابن عباس قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم
نصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم فقلت بأبي أنت وأمي
يا رسول الله ما هذا قال هذا دم الحسين لم أزل التقطه منذ اليوم فوجد قد قتل في
ذلك اليوم. خرجه ابن بنت منيع وأبو عمر الحافظ السلفي وقال دم الحسين
وأصحابه لم أزل التقطه الحديث.

(1) في الأصل (خبيث النفس) وفى النهاية (ثقيل النفس).
148

(ذكر كيفية قتله رضي الله عنه)
عن عبد ربه أن الحسين بن علي رضي الله عنهما لما أرهقه القتال وأخذ السلاح
قال ألا تقبلون منى ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل من المشركين قال
كان إذا جنح أحدهم للسلم قبل منه قالوا لا قال فدعوني أرجع قالوا لا قال فدعوني
آتي أمير المؤمنين فأخذ له رجل السلاح وقال ابشر بالنار قال ابشر إن شاء الله
تعالى برحمة ربى وشفاعة نبيي صلى الله عليه وسلم فقتل وجئ برأسه إلى بين يدي
ابن زياد فنكته بقضيب وقال لقد كان غلاما صبيحا ثم قال أيكم قاتله فقام رجل
فقال أنا قتلته فقال ما قال لك فأعاد الحديث فاسود وجهه. وعن أبي جعفر عن
بعض مشيخته قال قال الحسين بن علي رضي الله عنهما حين نزلا كربلاء ما هذه الأرض
قالوا كربلاء قال كرب وبلاء وبعث عبيد الله بن زياد عمر بن سعيد فقاتلهم فقال
يا عمر اختر منى إحدى ثلاث خصال إما أن تتركني أرجع كما جئت فان أبيت هذه
فسيرني إلى يزيد فأضع يدي في يده فيحكم فيما رأى فان أبيت هذه فسيرني إلى
الترك فأقتلهم حتى أموت فأرسل إلى ابن زياد بذلك فهم أن يسيره إلى يزيد
فقال له شمر بن جوشن لا إلا أن ينزل على حكمك فأرسل إليه بذلك فقال والله لا
افعل وأبطأ عمر عن قتاله فأرسل إليه ابن زياد شمر بن جوشن فقال إن تقدم عمر
فقاتل وإلا فاقتله وكنت أنت مكانه وكان مع عمر قريب من ثلاثين رجلا من
أهل الكوفة فقالوا يعرض عليكم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث خصال فلا
تقبلون منها شيئا فتحولوا مع الحسين فقاتلوا. خرجه ابن بنت منيع هو أبو القاسم
البزي. وعن المطلب قال لما أحيط بالحسين قال ما اسم هذه الأرض فقيل كربلاء
فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها أرض كرب وبلاء. خرجه الضحاك.
(ذكر خطبته رضي الله عنه حين أيقن بالقتل)
قال الزبير بن بكار وحدثني محمد بن الحسن قال لما أيقن الحسين بأنهم قاتلوه.
قام خطيبا فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال قد نزل ما ترون من الامر وان
الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر خيرها ومعروفها واستمرت حتى لم يبق فيها إلا
149

صبابة كصبابة (1) الاناء وخسيس عيش كبيس الرعا للوثيل ألا ترون الحق لا يعمل
به والباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن إلى لقاء الله عز وجل وانى لا أرى الموت
إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا ندامة. أخرجه ابن بنت منيع.
(ذكر نوح الجن لقتل الحسين رضي الله عنه)
عن أم سلمة قالت لما قتل الحسين ناحت عليه الجن ومطرنا دما. خرجه
ابن السرى. وعنها سمعت الجن تنوح على الحسين. خرجه ابن الضحاك. وعنها
ما سمعت نوح الجن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليلة قتل الحسين فقالت
للجارية أخرجي فوالله ما أرى ابني إلا قد مات أخرجي فاسألي فخرجت فسألت
فقيل إنه قتل. خرجه الملا في سيرته.
(ذكر ما جاء فيما يقتل به)
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان جبريل أخبرني
ان الله عز وجل قتل بدم يحيى بن زكريا سبعين ألفا وهو قاتل بدم ولدك الحسين
سبعين ألفا) خرجه الملا في سيرته.
(ذكر من عذل الحسين في خروجه إلى ذلك الوجه)
واجتهد على معنه ورده فأبى عليه رضي الله عنهم
عن الشعبي قال بلغ ابن عمر وهو بمال (2) له أن الحسين بن علي توجه إلى العراق
فلحقه على مسيرة يومين أو ثلاثة فقال له إلى أين فقال له هذه كتب أهل العراق
وبيعتهم فقال له لا تفعل فأبى فقال له ابن عمر إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يختر الدنيا وانكم بضعة من رسول الله صلى
الله عليه وسلم كذلك يريد منكم فأبى فاعتنقه وقال أستودعك الله والسلام. خرجه
أبو حاتم وعن ابن عباس قال استأذنني الحسين في الخروج فقلت لولا أن يزرى

(1) الصبابة: البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الاناء.
(2) المال: كل ما يقتنى ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق عند العرب على الإبل.
150

ذلك بن أو بك لقلت بيدي في رأسك قال فكان الذي قال لي لان أقتل بمكان
كذا وكذا أحب إلى من أن يستحل بي قال فذاك سلى نفسي عنه. خرجه ابن
بنت منيع. وعن بشر بن غالب قال عبد الله بن الزبير يقول للحسين بن علي
تأتى قوما قتلوا أباك وطعنوا أخاك فقال الحسين لان أقتل بموضع كذا وكذا أحب
إلى من أن يستحل بي يعنى الحرم.
(ذكر ما جاء في زيارة قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما)
عن موسى بن علي الرضا بن جعفر قال سئل جعفر بن محمد عن زيارة قبر الحسين
فقال أخبرني أبي أن من زار قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقه كتب الله له في
عليين وقال إن حول قبر الحسين سبعين ألف ملك شعثا غبرا يبكون عليه إلى
يوم القيامة. خرجه أبو الحسن العتيقي.
(ذكر ولد الحسين رضي الله عنه)
ولد له ست بنين وثلاث بنات على الأكبر واستشهد مع أبيه وعلى الإمام زين العابدين
وعلى الأصغر ومحمد و عبد الله الشهيد مع أبيه وجعفر وزينب وسكينة وفاطمة.
القسم الثاني
في ذكر مناقب القرابة على وجه التفصيل إلا من دعت ضرورة التأليف
إلى إدخاله في القسم الأول اتباعا لمناسبة التأليف. وفيه أبواب:
الباب الأول
في ذكر أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه فصول:
الفصل الأول
في كنيتهم ومواليدهم وما اتفق عليه منهم وما اختلف فيه:
وجملة ما اتفق عليه ستة: ابنان القاسم وإبراهيم وأربع بنات زينب ورقية
وأم كلثوم وفاطمة، وكلهن أدركن الاسلام وهاجرن معه. اختلف فيما سوى
هؤلاء قيل لم يكن له صلى الله عليه وسلم سواهم. حكاه أبو عمر والمشهور خلافه
151

قال ابن إسحاق كان له صلى الله عليه وسلم الطاهر والطيب أيضا فيكون على هذا جملتهم ثمانية
أربعة ذكور وأربعة إناث. وقال الزبير بن بكار له غير إبراهيم القاسم و عبد الله
مات صغيرا بمكة ويقال له الطيب والطاهر ثلاثة أسماء وهو قول أكثر أهل النسب قاله
أبو عمر. وقال الدارقطني وهو الا ثبت وسمى بالطيب والطاهر لأنه ولد بعد النبوة
فيكون على هذا جملتهم سبعة ثلاثة ذكور وقيل عبد الله غير الطيب والطاهر. حكاه
الدارقطني وغيره فيكون على هذا جملتهم تسعة خمسة ذكور. وقيل كان له صلى الله عليه وسلم
الطيب والمطيب ولدا في بطن والطاهر والمطهر ولدا في بطن. ذكره صاحب
الصفوة فيكونون على هذا أحد عشر. وقيل ولد له صلى الله عليه وسلم ولد قبل
المبعث يقال له عبد مناف فيكونون على هذا اثنى عشر وهذا القائل يقول أولاده
كلهم سوى هذا ولد في الاسلام وهلك البنون قبل الاسلام وهم يرضعون، وقد
تقدم من قول غيره أن عبد الله ولد بعد النبوة فذلك سمى بالطيب والطاهر فيحصل
من مجموع الأقوال على ثمانية ذكور اثنان متفق عليهما القاسم وإبراهيم وستة مختلف
فيهم عبد مناف و عبد الله والطيب والمطيب والطاهر والمطهر، والأصح أنهم ثلاثا
ذكور والأربع البنات متفق عليهن وكلهن من خديجة بنت خويلد إلا إبراهيم.
وذكرها وذكر مناقبها مستوفى في كتاب مناقب الأزواج. وعن هشام بن عروة
عن أبيه ولدت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم عبد العزى وعبد مناف والقاسم
قلت لهشام فأين الطيب والطاهر فقال هذا ما وضعتم أنتم يا أهل العراق فأما
أشياخنا فقالوا عبد العزى وعبد المناف والقاسم، ولا يجعل عبد العزى على هذه
الرواية تاسعا لان رواتها تنفى ما سوى الثلاثة بخلاف ما تقدم. وهذا خرجه أبو الجهم
الباهلي. وكان أكبر ولده صلى الله عليه وسلم القاسم وبه كان يكنى وعاش عليه
السلام حتى مشى وقيل عاش سنتين، وقال مجاهد مكث سبع ليال ثم هلك رحمة
الله عليه. ذكره ابن قتيبة، وقيل بلغ أن يركب الدابة ويسير على النجيب (1)
ومات قبل المبعث أو بعده على الخلاف المتقدم وهو أول من مات من ولده ثم ولد

(1) النجيب: الفاضل من كل حيوان.
152

له صلى الله عليه وسلم زينب ثم عبد الله ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية ثم عبد الله، وقيل رقية أكبر
من أم كلثوم وهو الأشبه لان عثمان تزوجها أولا في أول إسلامه ثم أم كلثوم
بعدها بعد وقعة بدر والظاهر أن الكبيرة تزوج أولا وإن جاز خلافه. والأكثر
أن فاطمة أصغرهن سنا، ولا خلاف أن زينب أكبرهن سنا. قاله أبو عمر.
وسنذكر نبذا من أخبار إبراهيم والبنات ومناقبهم ونخص كل واحد بفصل إن
شاء الله تعالى.
الفصل الثالث
* (في ذكر إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أمه وميلاده وعقيقته وما يتعلق بذلك) *
أمه مارية القبطية بنت شمعون وذكرها مستوفى في فضل سراريه صلى الله عليه وسلم
من كتاب مناقب أمهات المؤمنين. ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة.
وذكر الزبير بن بكار عن أشياخه أنه ولد بالعالية وكانت سلمى زوجة أبى رافع
مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قابلته فبشر أبو رافع به النبي صلى الله عليه
وسلم فوهب له عبدا فلما كان يوم سابعه عق عنه بكبش وحلق رأسه حلقه أبو هند
وسماه يومئذ وتصدق بزنة شعره ورقا على المساكين ودفنوا شعره في الأرض.
هكذا قال الزبير سماه يوم سابعه. وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم (ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبى إبراهيم ثم دفعه إلى أم سيف
امرأة قين - أي حداد - بالمدينة يقال له أبو سيف قال فانطلق رسول الله صلى الله
عليه وسلم يأتيه واتبعته فانتهى إلى أبى سيف وهو ينفخ في كيره وقد امتلأ البيت
دخانا فأسرعت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأمسك فدعا رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالصبي فضمه إليه فقال ما شاء الله أن يقول قال ولقد رأيته يكيد بنفسه
فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تدمع العين ويحزن القلب. ولا نقول
إلا ما يرضى الرب والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون. أخرجاه.
(شرح): القين الحداد وجمعه قيون. ويكيد بنفسه أي يجود بها ولا تضادد
بين هذا وبين ما تقدم من أن التسمية كانت يوم سابعه بل هو محمول على أن التسمية كانت
153

قبل يوم السابع على ما تضمنه حديث انس ثم أظهرت التسمية يوم السابع على ما تضمنه
حديث الزبير. ويحمل أمره صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن نبي
الله صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق. خرجه
الترمذي وقال حسن غريب على أنها لا تؤخر عن السابع إلا أنها لا تكون إلا فيه. بل هي
مشروعة من وقت الولادة إلى يوم السابع.
(ذكر من أرضعه عليه السلام)
قال الزبير بن بكار تنافست الأنصار فيمن يرضعه أحبوا أن يفرغوا مارية
لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من جنوحه إليها وكانت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم قطعة من ضأن ترعى بالقف - القف واد من أودية المدينة - ولقاح تروح
عليها وكانت تؤتى بلبنها كل ليلة فتشرب وتسقى ابنها فجاءت أم بردة بنت المنذر
ابن يزيد الأنصاري وزوجة البراء بن أويس فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم
في أن ترضعه فكانت ترضعه بلبن ابنها في بنى مازن بن النجار وترجع به إلى أمه
وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة من نخل. وقد تقدم في الذكر
قبله أنه أعطاه أم سيف وبقى عندها إلى أن توفى من غير أن يكون بينهما تضادد غير
أنه قد جاء أن توفى عند أم بردة وسيأتي في الذكر بعده فيرجع في الترجيح إلى الصحيح.
(ذكر ما جاء أن لإبراهيم عليه السلام ظئرا في الجنة تتم رضاعه)
عن أنس بن مالك قال ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان ابنه إبراهيم مسترضعا في العوالي بالمدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل
البيت وكان ظئره فينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع فلما مات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابني
إبراهيم كان في الثدي وإن له ظئرين يكملان رضاعه في الجنة. خرجه أبو حاتم.
(شرح) الظئر: الامام من الرضاعة وجمعة ظآر على فعال بالضم وظؤور وأظآر.
وعن البراء قال لما توفى إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (إن له مرضعا في الجنة) خرجه أبو حاتم
154

(ذكر وفاته عليه السلام)
عن جابر بن عبد الله قال أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن
عوف فأتى به النخل فإذا ابنه إبراهيم في حجر أمه وهو يجود بنفسه فأخذه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره ثم قال (يا إبراهيم إنا لا نغني عنك من الله
شيئا ثم ذرفت عيناه ثم قال يا إبراهيم إنا لا نغني عنك من الله شيئا ثم ذرفت عيناه
ثم قال يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وان آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك
حزنا هو أشد من هذا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون تبكى العين ويحزن القلب
ولا نقول ما يسخط الرب. خرجه بهذا السياق أبو عمر وابن السماك ومعناه في الصحيح.
(شرح): ذرفت عيناه دمعت يقال ذرف الدمع ذرفا وذرفانا أي سال. وقال
الواقدي توفى إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من
ربيع الأول سنة عشر في بنى مازن عند أم بردة ابنة المنذر من بنى النجار ودفن
بالبقيع، قال غيره وحمل على سرير صغير وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالبقيع وكبر عليه أربعا، وقال ندفنه عند فرطنا عثمان بن مظعون، ومعنى الفرط
والفارط المتقدم للقوم والأصل فيه المتقدم إلى الماء ليرتاد لهم ويهيئ لهم الدلاء
والأرشية (1). وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ابنه
إبراهيم ولم يصل عليه. خرجه أبو عمر ولا يصح والأول قول الجمهور، ويجوز أن
يكون معنى قولها ولم يصل عليه أي بنفسه وأمر أصحابه أن يصلوا عليه، أو لم يصل
عليه في جماعة فلا تضادد بين هذا وبين قول الجمهور. وروى أنه غسله أبو بردة.
وروى الفضل بن عباس ولعلهما اجتمعا عليه ونزل في قبره الفضل وأسامة والنبي
صلى الله عليه وسلم على شفير القبر، ولما دفن رش قبره وعلم بعلامة قال الزبير وهو أول قبر رش.
ذكر سنة عليه السلام
قال أهل العلم بالتاريخ مات وله ستة عشرا شهرا وقيل ثمانية عشر.

(1) الأرشية: الحبال.
155

(ذكر ما جاء أن الشمس انكسفت يوم موته)
عن جابر بن عبد الله قال انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم بن النبي
صلى الله عليه وسلم فقال الناس إنما انكسفت لموت إبراهيم فقال عليه السلام (إن
الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل وإنها لا يكسفان لموت أحد من الناس
فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا حتى تنجلي. أخرجاه، وقد ذكر في معنى قولهم ذلك
أن الغالب في كسوف الشمس أن يكون يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين
فكسفت في يوم موت إبراهيم وكان يوم العاشر من ربيع الأول فلذلك قالوا ذلك والله أعلم.
ذكر ما جاء أن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لو عاش كان نبيا، والتوصية بأخواله
عن أنس بن مالك وقد قيل له كم كان بلغ إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم
قال وقد كان ملا لهذه ولو بقي لكان نبيا ولكن لم يبق لان نبيكم آخر
الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام. خرجه أبو عمر. وهذا إنما يقوله أنس
عن توقيف يخص إبراهيم وإلا فلا يلزم أن يكون ابن النبي نبيا بدليل ابن نوح
عليه السلام. قال أبو عمر وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا دخلتم مصر
فاستوصوا بالقبط خيرا فان لهم ذمة ورحما. وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال لو عاش
إبراهيم لأعتقت أخواله ولوضعت الجزية عن كل قبطي.
(الفصل الثالث في ذكر فاطمة سيدة نساء العالمين)
وقد تقدمت أحاديث هذا الفصل في القسم الأول دعت إليه ضرورة التأليف.
(الفصل الرابع في ذكر زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
وقد تقدم بيان انها أكبر بناته بلا خلاف إلا مالا يصح، وإنما الخلاف فيها
وفى القاسم أيهما ولد أولا قال ابن إسحاق سمعت عبيد الله بن محمد بن سليمان الهاشمي
يقول ولدت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاثين من مولد النبي
صلى الله عليه وسلم وأدركت الاسلام وأسلمت وهاجرت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم محبا فيها.
156

(ذكر تزويجها رضي الله عنها)
وكان تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن
عبد مناف في الجاهلية واسمه لقيط وعليه الأكثر وقيل هشيم وقيل مهشم، أمه
هالة بنت خويلد أخت خديجة لأبيها وأمها. قاله الدارقطني. فخديجة خالته. عن
عائشة رضي الله عنها قالت كان ابن العاص من رجال مكة المعدودين مالا وتجارة
وأمانة فقالت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زوجه وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا يخالفها وذلك قبل أن ينزل عليه الوحي فزوجه زينب فلما أكرم الله
تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بنبوته آمنت خديجة وبناته فلما نادى قريشا بأمر الله
تعالى أتوا أبا العاص بن الربيع فقالوا فارق صاحبتك ونحن نزوجك بأي امرأة
شئت من قريش فقال لا والله لا أفارق صاحبتي وما يسرني أن لي بامرأتي أفضل
امرأة من قريش.
ذكر هجرتها صلوات الله تعالى على أبيها وعليها
عن عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة
خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة أو ابن كنانة فخرجوا في أثرها فأدركها
هبار بن الأسود فجعل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها فألقت ما في بطنها وأهريقت
دما فاشتجر فيها بنو هاشم وبنو أمية فقالت بنو أمية نحن أحق بها لكونها تحت
ابن عمهم أبى العاص فكانت عند هند فكانت تقول لها هذا في سبب أبيك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة ألا تنطلق فتجيئني بزينب قال
بلى يا رسول الله قال فخذ خاتمي فأعطها فانطلق زيد فلم يزل يتلطف حتى لقى راعيا
فقال لمن ترعى قال لأبي العاص فقال لمن هذه الغنم قال لزينب بنت محمد فسار
معه شيئا ثم قال هل لك أن أعطيك شيئا تعطيها إياه ولا تذكره لاحد قال نعم
فأعطاه الخاتم فانطلق الراعي فأدخل غنمه وأعطاها الخاتم فعرفته فقالت من
أعطاك هذا قال رجل قالت وأين تركته قال مكان كذا وكذا فسكتت حتى إذا
كان الليل خرجت إليه فلما جاءته قال لها زيد اركبي بين يدي على بعيري قالت
157

لا ولكن اركب أنت بين يدي فركب وركبت خلفه حتى أتت المدينة فكان
النبي صلى الله عليه وسلم يقول هي أفضل بناتي أصيبت في فبلغ ذلك علي بن الحسين فانطلق
إلى عروة فقال ما حديث بلغني عنك تحدثه تنتقص به حق فاطمة قال عروة ما
أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب وانى أنتقص فاطمة حقا هو لها وأما بعد فلك
على أن لا أحدث به أحدا. أخرجه الدولابي. وقد روى أن أبا العاص لما أسر
يوم بدر وفدى نفسه وأطلق أخذ عليه العهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفذها
إليه إذا عاد إلى مكة ففعل فجاءت مهاجرة إلى المدينة. خرجه الفضائلي، ولعل
الهجرة الأولى كانت بارسال أبى العاص فلما منعتها قريش خرج زيد وأتى بها،
ولا تضادد بينهما.
(ذكر إسلام زوجها أبى العاص)
قال أبو عمر وغيره: كان أبو العاص بن الربيع ممن شهد بدرا مع كفار قريش
وأسره عبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري فلما بعث أهل مكة فداء أسراهم
قدم في فدائه أخوه عمرو بن الربيع بمال دفعته إليه زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
من ذلك قلادة لها كانت خديجة أمها قد أدخلتها بها على أبى العاص حين بنى عليها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا الذي
لها فافعلوا فقالوا نعم وكان أبو العاص بن الربيع مواخيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مصافيا
له وكان صلى الله عليه وسلم قد شكر مصاهرته وأثنى عليها خيرا حين أبى أن يطلق
زينب لما سألته قريش ذلك وهاجرت زينب مسلمة وتركته على شركه فلم يزل
كذلك مقيما على الشرك حتى كان قبل الفتح خرج لتجارة إلى الشام ومعه أموال
لقريش فلما انصرف قافلا لقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم أميرهم زيد بن حارثة
وكان أبو العاص في جماعة عير وكان زيد في نحو سبعين ومائة فأخذوا ما في تلك
العير من الأثقال وأسروا أناسا منهم أبو العاص فلما قدمت السرية بما أصابوا أقبل
أبو العاص من الليل حتى دخل على زينب فاستجار بها فأجارته فلما خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وكبر الناس معه صرخت زينب أيها الناس
158

إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة أقبل
عن الناس فقال هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال أما والذي نفسي بيده ما علمت
بشئ كان حتى سمعت منه ما سمعتم إنه يجير على المسلمين أدناهم ثم انصرف رسول
الله صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته زينب فقال أي بنية أكرمي مثواه ولا
يخلص إليك فإنك لا تحلين له فقالت إنه جاء في طلب ماله فخرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم وبعث إلى تلك السرية فاجتمعوا إليه فقال لهم إن هذا الرجل منا
بحيث تعلمون وقد أصبتم له مالا وهو مما أفاء الله عليكم وأنا أحب أن تحسنوا
وتردوا الذي له إليه وإن أبيتم فأنتم أحق به قالوا يا رسول الله بل نرده عليه فردوا
عليه ماله فلما قدم مكة أدى إلى كل ذي مال من قريش ماله الذي كان أبضع معه
ثم قال يا معشر قريش هل بقي لاحد منكم مال لم يأخذه قالوا جزاك الله خيرا لقد
وجدناك وفيا كريما قال فانى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله
والله ما منعني من الاسلام إلا تخوف أن تظنوا بي أكل أموالكم فلما أداها الله
إليكم أسلمت، ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما وحسن
إسلامه رضي الله عنه ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته عليه. خرج ذلك كله ابن إسحاق
وموسى ابن عقبة. وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن زينب بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليها زوجها أن خذي لي أمانا من أبيك
فخرجت فأطلعت رأسها من باب حجرتها والنبي صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس فقالت أيها
الناس أنا زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني قد أجرت أبا العاص
ابن الربيع فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيها الناس إني لم أعلم بها حتى
سمعتموه ألا وانه يجير على المسلمين أدناهم. خرجه الدولابي.
(ذكر حكم نكاحه بعد الاسلام)
عن ابن عباس قال رد رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على أبى العاص بن الربيع بالنكاح
الأول لم يحدث شيئا. وفى رواية بعد سنتين. وفى رواية بعد ست سنين. خرجه
أحمد وأبو داود والترمذي وقال لم يحدث نكاحا. وقال ليس باسناده بأس وعن
159

عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على
أبى العاص بمهر جديد ونكاح جديد. خرجه الدارقطني وقال حجاج يعنى راوي
الحديث لا يحتج بحديثه. والصواب حديث ابن عباس، وقال الترمذي في إسناده
مقال. وعن عائشة قالت كان الاسلام قد فرق بين زينب وبين أبى العاص حين
أسلمت الا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر على أن يفرق بينهما وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم مغلوبا بمكة. خرجه الدولابي.
(ذكر ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على أبى العاص)
عن المسور بن مخرمة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب فقال
إن فاطمة منى وأخاف أن تفتن في دينها وذكر صهرا من بنى عبد شمس فأثنى عليه
في مصاهرته إياه فأحسن وقال حدثني فصدقني ووعدني فوفاني. أخرجاه.
(ذكر وفاة زينب رضي الله عنها)
ماتت زينب صلوات الله على أبيها وعليها في حياة أبيها صلى الله عليه وسلم
في سنة ثمان من الهجرة وكان سبب وفاتها سقوطها من بعيرها لما طعنه هبار على
ما تقدم، سقطت على صخرة وأهريقت دما ولم تزل مريضة بذلك حتى ماتت. قاله
أبو عمر. وعن أبي عمر زاد ان قال لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته
زينب جلس عند القبر فتربد (1) وجهه ثم سرى عنه فسأله أصحابه عن ذلك
فقال ذكرت ابنتي زينب وضعفها وعذاب القبر فدعوت الله ففرج عنها وأيم
الله لقد ضمت ضمة سمعها ما بين الخافقين. خرجه سعيد بن منصور في سننه.
وكان زوجها أبو العاص محبا فيها فقال وهو متوجه في أسفاره إلى الشام:
ذكرت زينب لما وركت أرما * فقلت سقيا لشخص يسكن الكرما
بنت الأمين جزاها الله صالحة * وكل بعل سيثنى بالذي علما
(شرح): وركت: أي اضطجعت يقال ورك يرك وروكا إذا اضطجع كأنه
وضع وركه على الأرض، أرما الأرم الحجر الذي ينصب علما في المفازة

(1) أي تغير إلى الغبرة وقيل الربدة لون بين السواد والغبرة.
(2) بالأصل (المغارة) وهو غلط.
160

والجمع وأرام وأروم نحو ضلع وأضلاع وضلوع، فلعله أراد ذلك توسعا أي انها
اضطجعت على الحجارة أو اضطجعت ونصب لها حجر علامة، والكرم ضد اللؤم
فلعله أراد جعله كالمنزل لها استعارة وتوسعا. ثم تزوج أبو العاص بنت سعيد بن العاص
وهلك بالمدينة وأوصى إلى الزبير بن العوام.
(ذكر ولدها)
قال أبو عمر وغيره ولدت زينب من أبى العاص غلاما يقال له على مات وقد
ناهز الحلم. وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح،
وجارية يقال لها أمامة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها وكان يحملها في
الصلاة على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع رأسه من السجود أعادها. عن أبي قتادة
قال بينا نحن في المسجد جلوس إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهي صبية يحملها على عاتقه فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على
عاتقه يضعها إذا ركع ويعيدها إذا قام حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها. أخرجاه.
وعن عائشة قالت أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فيها قلادة من جزع قال لأدفعنها
إلى أحب أهلي إلى فقال النساء ذهبت بها ابنة أبى قحافة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمامة بنت أبي العاص من زينب فأعلقها في عنقها.
(شرح): علق وأعلق بمعنى. وتزوجها علي بن أبي طالب بعد فاطمة وقيل إن
فاطمة كانت أوصته بذلك. ذكره الدارقطني. وزوجها منه الزبير بن العوام وكان
أبوها أوصى بها إليه فولدت له ولدا سماه محمدا وقيل قتل عنها فلم تلد له. ذكره
الدارقطني. فلما قتل علي رضي الله عنه تزوجها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن
عبد المطلب وكان على قد أمره بذلك بعد لأنه خاف أن يتزوجها معاوية فتزوجها
فولدت لي يحيى وبه كان يكنى وماتت عنه. وروى أن عليا قال لها حين حضرته
الوفاة إني لا آمن أن يخطبك يعنى معاوية فإن كان لك في الرجال حاجة فقد
رضيت لك المغيرة بن نوفل عشيرا فلما انقضت عدتها كتب معاوية إلى مروان
161

يأمره أن يخطبها عليه ويبذل لها مائة ألف دينار فلما خطبها أرسلت إلى المغيرة
ابن نوفل إن هذا أرسل يخطبني فأن كان لك بنا حاجة فاقبل فأقبل وخطبها إلى الحسن
ابن علي فتزوجها منه. خرج جميع ذلك أبو عمر. وذكر الدولابي أن عليا لما أصيب ولت
أمرها المغيرة بن نوفل فقال المغيرة بن نوفل اشهدوا أنى قد تزوجتها وأصدقتها كذا وكذا.
(الفصل الخامس)
* (في ذكر رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) *
ذكر الزبير بن العوام وغيره أنها أكبر بناته صلى الله عليه وسلم، وصححه الجرجاني النسابة.
وقد تقدم أن الأصح والذي عليه الأكثر أن زينب أكبرهن ولدت لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ثلاث وثلاثون سنة.
(ذكر من تزوجها)
كانت رقية تحت عتبة بن أبي لهب وأختها أم كلثوم تحت أخيه عتيبة فلما
نزلت (تبت يدا أبى لهب وتب) قال لهما رأسي من رأسكما حرام إن لم تفارقا
ابنتي محمد ففارقاهما ولم يكونا دخلا بهما فتزوج رقية عثمان بن عفان بمكة وهاجر
بها الهجرتين إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة وكانت ذات جمال رائع. عن أسامة
ابن زيد قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحفة فيها لحم إلى عثمان
فدخلت عليه فإذا هو جالس مع رقية ما رأيت زوجا أحسن منها فجعلت مرة أنظر
إلى عثمان ومرة أنظر إلى رقية فلما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
دخلت عليهما قلت نعم قال هل رأيت زوجا أحسن منهما قلت لا وقد جعلت
مرة أنظر إلى رقية ومرة أنظر إلى عثمان. خرجه البغوي في معجمه.
(شرح): الزوج يطلق على الاثنين وعلى كل منهما ويطلق عليهما زوجين
ومنه من أنفق زوجين في سبيل الله وفى بعضها زوجا. وذكر الدولابي أن تزويج
عثمان رقية كان في الجاهلية. وذكر غيره ما يدل على أن تزويجه إياها كان بعد
إسلامه، وقد ذكرنا ذلك في فصل إسلامه من كتاب مناقب العشرة. وعن
عائشة رضي الله عنها قالت أتت قريش عتبة بن أبي لهب فقالوا طلق بنت محمد
162

ونحن نزوجك أي امرأة شئت من قريش. فقال إن زوجتموني ابنة أبان بن
سعيد بن العاص أو ابنة سعيد بن العاص فارقتها فزوجوه ففارقها ولم يكن دخل
بها فأخرجها الله من يديه كرامة لها وهوانا له وخلف عليها عثمان بن عفان.
(ذكر أن تزويج رقية لعثمان كان بوحي من الله تعالى)
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله أوحى إلى
أن أزوج كريمتي عثمان بن عفان) خرجه الطبراني في معجمه وخرجه خيثمة بن
سليمان عن عروة بن الزبير وزاد بعد قوله كريمتي يعنى رقية وأم كلثوم.
(ذكر هجرتها)
كانت رقية صلوات الله على أبيها وعليها ممن هاجر الهجرتين. عن أنس
قال أول من هاجر إلى الحبشة عثمان وخرج معه بابنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبطأ
على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما فجعل يتوكف الخبر فقدمت امرأة من
قريش فسألها فقالت رأيتها فقال على أي حال رأيتيها فقالت رأيتها وقد حملها
على حمار من هذه الدواب وهو يسوقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم صحبهما
الله إن كان عثمان لأول من هاجر إلى الله عز وجل بعد لوط. خرجه خيثمة بن سليمان والملا.
(ذكر وفاتها رضي الله عنها)
عن ابن شهاب أنها كانت أصابتها الحصبة فمرضت وتخلف عليها عثمان فلم
يشهد بدرا. وماتت بالمدينة وجاء زيد بن حارثة بشيرا بفتح بدر وعثمان قائم على
قبر رقية. خرجه أبو عمر وقال: لا خلاف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ضرب لعثمان بسهمه من بدر وأجره. وعن ابن عباس قال لما عزى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بابنته رقية قال الحمد لله دفن البنات من المكرمات. خرجه الدولابي. وكانت
وفاتها لسنة وعشرة أشهر وعشرين يوما من مقدمه صلى الله عليه وسلم
المدينة. ذكره ابن قتيبة.
(ذكر ولدها)
ولدت رقية لعثمان رضي الله عنهما بالحبشة ولدا سماه عبد الله وكان يكنى به
163

قال مصعب وبلغ الغلام ست سنين فنقر عينه ديك فتورم وجهه ومرض ومات.
وقال غيره وصلى الله عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في حفرته وأبو عثمان. وذكر الدولابي أنه
مات وهو يرضع. وقال قتادة لم تلد رقية لعثمان. وهو غلط والأصح ما تقدم.
(الفصل السادس)
* (في ذكر أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) *
وهي ممن عرف بكنيته ولم يعرف اسمه. وقد تقدم ذكر الخلاف في أيهما
أكبر هي أم رقية. وهي أكبر سنا من فاطمة.
(ذكر من تزوجها رضي الله عنها)
وقد تقدم في الفصل قبله أن عتيبة بن أبي لهب كان تزوجها ثم فارقها قبل دخوله
بها فخلف عليها عثمان بن عفان بعد موت أختها رقية. وعن قتادة أن عتيبة
فارق أم كلثوم ولم يبن بها ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له كفرت
بدينك وفارقت ابنتك لا تحبني ولا أحبك ثم سطا عليه وشق قميصه وهو خارج
نحو الشام تاجرا فقال صلى الله عليه وسلم أما انى أسأل الله ان يسلط عليك
كلبه، فخرج في تجر من قريش حتى نزلوا مكانا من الشام يقال له الزرقاء ليلا فأطاف
بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة (1) يقول يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا
على محمد أقاتلي ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا الشام فعدا عليه الأسد من بين القوم
فأخذ برأسه ففدغه. (شرح) السطو: القهر بالبطش يقال سطا به، وتجر: جمع
تاجر، وفدغ رأسه: شدخه، والفدغ شدخ الشئ المجوف. وعن عروة بن الزبير أن
عتيبة لما أراد الخروج إلى الشام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد هو يكفر
بالذي دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ثم تفل ورد التفلة على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال صلى الله عليه وسلم اللهم سلط عليه كلبا من كلابك. وأبو طالب حاضر فوجم
لها وقال ما كان أغناك عن دعوة ابن أخي ثم خرج إلى الشام فنزلوا منزلا وأشرف عليهم
راهب من الدير فقال أرض مسبعة فقال أبو لهب يا معشر قريش أعينوني على هذه الليلة

(1) (عتيبة) ساقطة من نسخة، والسياق يعينها.
164

فانى أخاف دعوة محمد فجمعوا أحمالهم ففرشوا لعتيبة في أعلاها وباتوا حوله فجاء
الأسد فجعل يتشمم وجوههم ثم ثنى ذنبه فوثب فضربه ضربة واحدة فخدشه
فقال قتلني ومات. وروى أن الأسد أقبل يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغه.
خرجهما الدولابي. (شرح) وجم أي اشتد حزنه يقال وجم من الامر وجوما
إذا اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام فهو واجم.
(ذكر كيفية تزويج أم كلثوم عثمان رضي الله عنهما)
عن سعيد بن المسيب قال أم عثمان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأمت حفصة بنت عمر من زوجها فمر عمر بعثمان رضي الله عنهما فقال هل لك في حفصة
وكان عثمان قد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها فلم يجبه فذكر ذلك عمر
للنبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم هل لك في خير من ذلك أتزوج
أنا حفصة وأزوج عثمان خيرا منها أم كلثوم. خرجه أبو عمر وقال حديث صحيح.
(شرح) أمت يعنى تأيمت أي خلت من الزوج بموت أو طلاق، تقول منه
أمت تئيم وإمت أنا. وعن ربعي بن خراش عن عثمان أنه خطب إلى عمر ابنته
فرده فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلما راح إليه عمر قال يا عمر أدلك على خير
لك من عثمان أدل عثمان على خير له منك قال نعم يا نبي الله قال تزوجني ابنتك وأزوج
عثمان ابنتي. خرجه الخجندي.
(ذكر أن تزويجه إياها كان بوحي من الله تعالى)
تقدم في فضل رقية طرف منه. وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم أتاني جبريل فأمرني أن أزوج عثمان ابنتي. وقالت عائشة كن لما لا ترجو
أرجى منك لما ترجو فان موسى عليه السلام خرج يلتمس نارا فرجع بالنبوة.
خرجه الحافظ أبو نعيم البصري. وعن أبي هريرة قال لقى النبي صلى الله عليه وسلم
عثمان عند باب المسجد فقال يا عثمان هذا جبريل أخبرني أن الله تعالى قد أمرني
أن أزوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها. خرجه ابن ماجة القزويني
والحافظ أبو القاسم الدمشقي والامام أبو الخير القزويني الحاكمي. وعنه قال قال
165

عثمان لما ماتت امرأته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بكيت بكاء شديدا فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك قلت أبكى على انقطاع صهري منك قال
فهذا جبريل عليه السلام يأمرني بأمر الله عز وجل أن أزوجك أختها. وعن ابن
عباس معناه وفيه والذي نفسي بيده لو أن عندي مائة بنت تموت واحدة بعد واحدة
زوجتك أخرى حتى لا يبقى بعد المائة شئ هذا جبريل أخبرني أن الله عز وجل يأمرني
أن أزوجك أختها وأن أجعل صداقها مثل صداق أختها. أخرجهما الفضائلي الرازي.
(ذكر وفاة أم كلثوم رضي الله عنها)
ماتت أم كلثوم في سنة تسع من الهجرة وصلى عليها أبوها صلى الله عليه وسلم
ونزل في حفرتها على والفضل وأسامة بن زيد وروى أن أبا طلحة الأنصاري استأذن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن ينزل معهم فأذن له. ذكره أبو عمر. وعن أنس
قال شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس
على القبر فرأيت عينيه (1) تدمعان فقال هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة فقال
أبو طلحة أنا فقال أنزل في قبرها فنزل. خرجه البخاري.
(شرح): قارف أي جامع ومنه حديث عائشة كان يصبح جنبا من قراف
أي جماع وأصل الاقتراف الاكتساب ومنه اقتراف الذنب ومنه (وليقترفوا ما هم
مقترفون) ولا تضادد بين هذا وبين ما تقدم. بل يجوز أن يكون استأذن أولا
فقال صلى الله عليه وسلم ذلك ليثبت لأبي طلحة موجب اختصاص بالنزول. وقد
رويت هذه القصة في رقية وهو وهم فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن حال دفنها
حاضرا بل كان في غزوة بدر كما تقدم، وغسلتها أسماء بنت عميس وصفية بنت
عبد المطلب وشهدت أم عطية غسلها وروت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
غسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك أن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن
في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا
حقوه وقال أشعرنها إياه قالت ومشطناها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها.

(1) في نسخة (عيناه) وهو خطأ بين.
166

(شرح): آذنني أعلمنني، والحقو الإزار وأصله معقد الإزار وجمعه أحق
وأحقاء وحقا، وأشعرنها أي اجعلن شعارها الذي يلي جسدها وذلك هو
الشعار وما فوقه الدثار. وعنها أنه صلى الله عليه وسلم قال ابدأن بميامنها ومواضع
السجود منها. أخرجاهما. وعن ليلى بنت قايف الثقفية قالت كنت فيمن غسل
أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى
الله عليه وسلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر
قالت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على الباب معه كفنها فناولنا ثوبا.
خرجه الدولابي وغيره. (شرح): الحقا الحقو والله أعلم وقد تقدم ذكره.
(الفصل السابع)
في ذكر زينب بنت فاطمة وعلى عليهما السلام
وإنما أخر ذكرها وذكر أختها أم كلثوم عن أحاديث أهل البيت المشار إليهم
في الآية لان أحاديث أهل البيت المذكورة لم تتضمنها لأنهما والله أعلم لم يكونا
موجودتين حين نزول الآية وتجليلهم بالكساء وقوله صلى الله عليه وسلم ما قال.
(ذكر من تزوجها رضي الله عنها)
عن ابن شهاب قال تزوج زينب بنت على عبد الله بن جعفر فماتت عنده وقد ولدت
له عليا وعونا. وعن الحسن قال زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب أمها
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدت عليا وجعفرا وعونا وعباسا وأم
كلثوم بنى عبد الله بن جعفر. وقال الدارقطني ولدت له عليا وأم كلثوم ورقية.
(الفصل الثامن)
في ذكر أم كلثوم بنت فاطمة وعلى عليهما السلام
(ذكر مولدها رضي الله عنها)
قال أبو عمر ولدت أم كلثوم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق
حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال خطب عمر إلى علي ابنته أم كلثوم فأقبل
167

علي عليه وقال إنها صغيرة فقال عمر لا والله ما ذلك بك ولكن أردت منعي فان
كانت كما تقول فابعثها إلى فرجع على فدعاها فأعطاها حلة وقال انطلقي بهذه إلى
أمير المؤمنين وقولي له يقول لك أبى كيف ترى هذه الحلة فأتته بها وقالت له ذلك
فأخذ عمر بذراعها فاجتذبتها منه وقالت أرسلها فأرسلها وقال حصان كريم
انطلقي قولي له ما أحسنها وأجملها وليست والله كما قلت فزوجها إياه. وذكر أبو
عمر أن عمر قال له لما قال إنها صغيرة: زوجنيها يا أبا الحسن فانى أرصد من كرامتها
مالا يرصده أحد فقال رضي الله عنه له: أنا أبعثها إليك فان رضيتها
فقد زوجتكها فبعثها إليه ببرد فقال لها قولي له هذا البرد الذي قلت لك فقالت
ذلك لعمر فقال قولي له قد رضيت رضى الله عنك ووضع يده على ساقها فكشفها
فقالت أتفعل هذا لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ثم خرجت حتى أتت
أباها فأخبرته الخبر وقالت أتبعثني إلى شيخ سوء قال يا بنية فإنه زوجك فجاء عمر
إلى مجلس المهاجرين في الروضة وكان يجلس فيها المهاجرون الأولون فجلس إليهم
وقال لهم زفوني قالوا بمن يا أمير المؤمنين قال تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا
سببي ونسبي وصهري) فزفوه. وفى رواية أنها قالت لولا أن أمير المؤمنين لطمست
عينيك. (شرح) حصان أي عفيفة تقول منه حصنت المرأة بالضم حصنا أي
عفت فهي حاصن وحصان بالفتح وحصنا أيضا بينة الحصانة، زفوني أي قولوا
لي بالرفاء والبنين تقول زفيته تزفيه إذا قلت له ذلك. وعن جعفر بن محمد عن
أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب إلى علي أم كلثوم فقال عمر أنكحنيها
فقال علي رضي الله عنه إني أرصدها لابن أخي جعفر فقال عمر أنكحنيها فوالله
ما أحد يرصد من أمرها ما أرصد فأنكحه على فأتى عمر المهاجرين والأنصار
فقال ألا تهنؤوني فقالوا بم يا أمير المؤمنين قال بأم كلثوم بنت على ثم ذكر معنى
ما تقدم إلى قوله إلا سببي ونسبي وزاد فأحببت أن يكون بيني وبين رسول
الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب. وفى رواية أن عليا رضي الله عنه
168

اعتل عليه بصغرها فقال عمر رضي الله عنه إني لم أرد الباه ولكني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثم ذكر الحديث. خرجهما أحمد في المناقب
وخرج الأول ابن السمان في الموافقة مختصرا. وعن عطاء الخراساني قال خطب
عمر إلى علي أم كلثوم بنت فاطمة فاعتل عليه فقال إنها صغيرة فقال عمر وإن كانت
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة
إلا نسبي وصهري) فلذلك رغبت في ذلك فزوجه إياها. خرجه ابن السمان. وعن
المستطل قال خطب عمر إلى علي ابنته أم كلثوم فاعتل على بصغرها وقال أعددتها
لابن أخي يعنى جعفرا فقال له عمر والله إني ما أردت الباه ولكني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول (كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي وكل بنى
أنثى فعصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فانى أبوهم وأنا عصبتهم. خرجه ابن السمان.
وعن واقد بن محمد بن عبد الله بن عمر عن بعض أهله قال خطب عمر بن الخطاب
إلى علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له
على أن على أمراء حتى أستأذنهم فأتى ولد فاطمة فذكر ذلك لهم فقالوا زوجه فدعا
أم كلثوم وهي يومئذ صبية فقال لها انطلقي إلى أمير المؤمنين فقولي له إن أبى
يقرئك السلام ويقول لك قد قضيت حاجتك التي طلبت فأخذها عمر فضمها
إليه فقال إني خطبتها إلى أبيها فزوجنيها قيل يا أمير المؤمنين ما كنت تريد إليها
إنها صبية صغيرة قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كل سبب
ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي فأردت أن يكون بيني وبين رسول الله
صلى الله عليه وسلم سبب وصهر. خرجه الدولابي وخرج ابن سمان معناه ولفظه مختصرا
ان عمر قال لعلي إني أحب أن يكون عندي عضو من أعضاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال له على ما عندي إلا أم كلثوم وهي صغيرة فقال إن تعش تكبر
فقال إن لها أميرين معي قال نعم فرجع على إلى أهله وقعد عمر ينتظر ما يرد عليه
فقال على ادعوا الحسن والحسين فجاءا فدخلا فقعدا بين يديه فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال لهما إن عمر قد خطب إلى أختكما فقلت له إن لها معي أميرين وإني كرهت ان
169

أزوجها إياه حتى أؤامركما فسكت الحسين وتكلم الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أبتاه
من بعد عمر صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفى وهو عنه راض ثم ولى
الخلافة فعدل قال صدقت يا بنى ولكن كرهت أن أقطع أمرا دونكما ثم ذكر معنى
ما تقدم. وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال خطب عمر رضي الله عنه إلى علي
ابن أبي طالب أم كلثوم فاستشار على العباس وعقيلا والحسن فغضب عقيل وقال
عقيل لعلى ما تزيدك الأيام والشهور إلا العمى في أمرك والله لئن فعلت ليكونن
وليكونن قال على للعباس والله ما ذاك منه نصيحة ولكن درة عمر أحوجته إلى ما
ترى أما والله ما ذاك منه لرغبة فيك يا عقيل ولكن أخبرني عمر بن الخطاب انه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي) خرجه
الدولابي. وعنه أن عمر بن الخطاب تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب على أربعين
ألف درهم. خرجه أبو عمر والدولابي وابن السمان في الموافقة. وعن الزهري قال أم كلثوم
بنت على من فاطمة تزوجها عمر بن الخطاب فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب.
وقال أبو عمر: زيد بن عمر الأكبر ورقية بنت عمر، قال الزهري ثم خلف على أم كلثوم
بعد عمر عون بن جعفر بن أبي طالب فلم تلد له شيئا حتى مات فخلف عليها بعده محمد
ابن جعفر فولدت له جارية ثم مات فخلف عليها بعده عبد الله بن جعفر فلم تلد له شيئا
وماتت عنده. قال ابن إسحاق حدثني والدي إسحق بن يسار عن حسن بن حسن بن
علي بن أبي طالب قال لما تأيمت أم كلثوم بنت على من عمر بن الخطاب دخل عليها
حسن وحسين أخواها فقالا لها إنك من عرفت سيدة نساء العالمين وبنت سيدتهن
وإنك والله إن أمكنت عليا من رمتك لينكحنك بعض أيتامه وان أردت ان تصيبي
بنفسك مالا عظيما لتصيبيه فوالله ما قاما حتى طلع علي رضي الله عنه يتكئ على عصاه
فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر منزلتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال قد عرفت وقد عرفتم منزلتكم يا بنى فاطمة وأثرتكم عندي على سائر ولدى
ومكانكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابتكم منه قالوا صدقت رحمك الله فجزاك الله عنا خيرا
فقال أي بنية إن الله قد جعل أمرك بيدك فأنا أحب أن تجعليه بيدي فقالت أي أبت
170

انى والله لامرأة أرغب ما يرغب فيه النساء وأحب ان أصيب ما تصيب النساء من الدنيا
فأنا أريد أن انظر في أمر نفسي فقال لا والله يا بنية ما هذا من رأيك ما هو إلا رأى هذين
ثم قام فقال والله لا أكلم رجلا منهم أو تفعلين فأخذا بثوبه وقالا اجلس يا أبت فوالله
ما على هجرتك من صبرا جعلى أمرك بيده قالت قد فعلت قال فانى قد زوجتك من عون
ابن جعفر وانه لغلام ثم رجع إلى بيته فبعث إليها بأربعة آلاف درهم وبعث إلى ابن
أخيه فأدخلها عليه قال حسن فوالله ما سمعت بمثل عشق منها له منذ خلقها الله عز وجل.
قال ابن إسحاق فما نشب عون ان هلك فرجع إليها على فقال يا بنية اجعلي امرك بيدي
ففعلت فزوجها محمد بن جعفر وبعث إليها بأربعة آلاف ثم ادخلها عليه فمات محمد عنها
فزوجها عبد الله بن جعفر فماتت عنده ولم يصب منها ولد. هكذا رواه ابن إسحاق.
وقال الزهري ماتت عنده كما قدمناه وكذلك ذكره الدارقطني في كتاب الاخوة
والأخوات غير أنه ذكر أن محمدا تزوجها أولا ثم عونا ثم عبد الله. وحكى الدولابي
وغيره القولين في موتها عنده أو موته عندها، قال أبو عمر ماتت أم كلثوم وابنها زيد
في وقت واحد وكان زيد قد أصيب في حرب بين بنى عدى ليلا فخرج ليصلح بينهم
فضربه رجل منهم في الظلمة فشجه وصرعه فعاش أياما ثم مات هو وأمه في وقت واحد
وصلى عليهما ابن عمر قدمه الحسن بن علي فكانت فيهما سنتان فيما ذكروا لم يورث أحدهما
من الآخر. وقدم زيد على أمه مما يلي الامام. حكاه أبو عمر وقيل صلى عليهما سعيد بن
العاص وخلفه الحسن والحسين وأبو هريرة. رواه الدولابي عن عمار بن أبي عمار.
(الباب الثاني)
* (في مناقب الأعمام أعمام النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فصول) *
(الفصل الأول في بيان (1) كميتهم)
وكان له اثنا عشر عما بنو عبد المطلب أبوه صلى الله عليه وسلم ثالث عشرهم:
الحارث وأبو طالب واسمه عبد مناف والزبير ويكنى أبا الحارث وحمزة وأبو لهب واسمه

(1) في نسخة (شأن) مكان (بيان) وهو خطأ ظاهر.
171

عبد العزى والغيداق (1) والمقوم وضرار والعباس وقثم وعبد الكعبة وحجل ويسمى
المغيرة، وقيل كانوا إحدى عشر فأسقط المقوم، وقيل هو عبد الكعبة، وقيل عشرة
وأسقط الغيداق وحجلا، وقيل تسعة، ولم يذكر ابن قتيبة وابن إسحق وأبو سعيد
غيره فأسقط قثم. وأمهاتهم شتى فحمزة والمقوم وحجل لام هي هالة بنت وهب بن
عبد مناف بن زهرة، والعباس وضرار وقثم لام هي نثيلة بنت جناب بن كلب من
النمر بن قاسط، والحارث من صفية بنت حنيذ من بنى عامر بن صعصعة وأبو لهب من
لبنى بنت هاجر من خزاعة و عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طالب والزبير وعبد الكعبة
لام وهي فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم. ولم يعقب منهم إلا أربعة الحارث
والعباس وأبو طالب وأبو لهب وكان أكبرهم الحارث وبه كان يكنى عبد المطلب شهد
معه حفر زمزم، ومن ولده وولد ولده جماعة لهم صحبة سيأتي ذكرهم إن شاء الله
تعالى وذكر غيرهم ممن أسلم من بنى الأعمام ولم يدرك الاسلام منهم غير أربعة
أبو طالب وأبو لهب حمزة والعباس ولم يسلم غير حمزة والعباس.
(الفصل الثاني في ذكر حمزة بن عبد المطلب)
(ذكر نسبة ومعرفة آبائه مستفادة من نسبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه من تقدم ذكرها)
وكان أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أرضعتهما و عبد الله بن
عبد الأسد ثويبة بلبن ابنها مسروح وكانت ثويبة مولاة لأبي لهب، وقال ابن
قتيبة: امرأة من أهل مكة، ولا تضادد بين كونها مولاة وامرأة من أهل مكة.
وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنين، قال أبو عمر وهذا يرده ما تقدم ذكره
آنفا من تقييد رضاع ثويبة بلبن ابنها مسروح إذ لارضاع إلا في حولين. ولولا
التقييد بذلك أمكن حمل الرضاع على زمنين مختلفين. قلت ويمكن أن تكون
أرضعت حمزة في آخر سنيه في أول رضاع ابنها وأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم
في أول سنيه في آخر رضاع ابنها فيكون أكبر بأربع سنين وقيل كان أسن بسنتين.

(1) اسمه مصعب وقيل نوفل، ولقب الغيداق لجوده، وأمه ممنعة بنت عمر
ابن مالك من خزاعة. قاله ابن سيد الناس - كما في حاشية الأصل.
172

(ذكر اسمه وكنيته رضي الله عنه)
ولم يزل اسمه في الجاهلية والاسلام حمزة ويكنى أبا عمارة وأبا يعلى كنيتان له
بابنيه عمارة ويعلى، وكان يدعى أسد الله وأسد رسوله. عن يحيى بن عبد الرحمن
ابن أبي لبيبة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (والذي
نفسي بيده إنه لمكتوب عند الله عز وجل في السماء السابعة حمزة أسد الله وأسد
رسوله) خرجه البغوي في معجمه.
(ذكر إسلامه رضي الله عنه)
قال ابن إسحاق حدثني رجل من أسلم كان واعية ان أبا جهل مر برسول الله
صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه وقال فيه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف
لامره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاة لعبد الله بن جدعان بن
عمرو بن سعد بن كعب بن تيم بن مرة في مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف عنه
فعمد إلى نادى قريش عند الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب
أن اقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص (1) وكان إذا رجع من قنصه لم يصل أهله
حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم
وتحدث معهم، وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة فلما مر بالمولاة وقد رجع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته قالت له يا أبا عمارة لو رأيت ما لقى ابن
أخيك محمد آنفا من أبى الحكم بن هشام وجده ههنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ
منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به
من كرامته فخرج يسعى لم يقف على أحد معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به فلما
دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس
فضربه بها فشجه شجة منكرة وقال أتشتمه فأنا على دينه أقول ما يقول فرد ذلك
على إن استطعت فقامت رجال بنى مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل
دعوا أبا عمارة فانى والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا وتم حمزة على إسلامه وعلى

(1) أي صيد.
173

متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد عز وامتنع وأن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون من
النبي صلى الله عليه وسلم. وعند غير ابن إسحاق أن كلام أبى جهل للنبي صلى الله
عليه وسلم كان عند الحجون وأنه صب التراب على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ووطئ برجله
على عاتقه وأن المرأة التي أخبرت حمزة سلمى مولدة صفية بنت عبد المطلب وأنه
قال لها أنت رأيت هذا الذي تقولين قالت نعم فدخل سريعا فنظر في الخلق
لا يتكلم يعرف في وجهه الغضب حتى وقف على أبى جهل فحمل عليه بالقوس
فضربه ضربة أوضحت في رأسه وذكر معنى ما بعده وقال قال حمزة أشهد أن
لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والله لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين.
وخرج صاحب الصفوة منه ذكر الايضاح بالقوس حين بلغه ما نال أبو جهل من
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غير. وكان إسلامه رضي الله عنه في السنة الثانية
من المبعث وقيل كان إسلامه بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم في
السادسة من المبعث ولم يذكر في الصفوة غيره، وذكر الحافظ أبو القاسم الدمشقي
أن إسلامه كان يوم ضرب أبو بكر حين ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
إسلام عمر من دار الأرقم، وروى أن ذلك كان قبل إسلام عمر بثلاثة أيام. التوفيق
بين الأحاديث كلها ممكن.
(أذكار تتضمن نبذا من فضائله)
ذكر إسلامه يوم بدر
شهد حمزة بدرا وأبلى فيها بلاء حسنا مشهورا قيل إنه قتل عتبة بن ربيعة مبارزة
يوم بدر. قاله موسى بن عقبة وقيل بل قتل شيبة بن ربيعة مبارزة. قاله ابن إسحاق
وغيره، وقتل يومئذ طعيمة بن عدي أخا المطعم بن عدي وسباعا الخزاعي وقيل
بل قتله يوم أحد قبل أن يقتل. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لما
كان يوم بدر ودنا القوم منا إذا رجل منهم على جمل أحمر يسير في القوم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ناد حمزة وكان أقربهم من المشركين فجاء حمزة فقال
174

هو عتبة بن ربيعة قال فبرز عتبة وشيبة والوليد فقالوا من يبارزنا فخرج فتية من
الأنصار فقال عتبة لا نريد هؤلاء ولكن يبارزنا من بنى عمنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قم يا علي قم يا حمزة قم يا عبيدة بن الحارث فلما قاموا ودنوا منهم قالوا من أنتم
قال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة وقال على على قالوا نعم أكفاء كرام فبارز
عبيدة وكان أسن القوم عتبة بن ربيعة وبارز حمزة شيبة بن ربيعة وبارز على
الوليد بن عتبة فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله وأما على فلم يمهل الوليد أن قتله
واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبة فكبر على وحمزة
على عتبة بأسيافهما فدففا عليه واحتملا صاحبهما فحاذاه إلى أصحابه. خرجه ابن إسحاق
. (شرح): التدفيف الاجهاز على الجريح وانجاز قتله. وعن إبراهيم بن
سعيد قال حدثني أبي عن أبيه قال قال أمية بن خلف يا عبد الاله من المعلم بريشة
نعامة في صدره؟ قلت ذاك حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم قال ذاك فعل بنا الأفاعيل منذ اليوم.
خرجه المخلص. وقال ابن إسحاق وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي وكان رجلا
شرسا سيئ الخلق فقال أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه
فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف
ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه ثم حبا إلى الحوض
فاقتحم فيه يريد أن يبر في يمينه فاتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.
(شرح): شرسا أي سيئ الخلق ضيقه. فأطن قدمه أي جعلها تطن من صوت القطع
من الطنين وهو صوت الشئ الصلب. فاقتحم فيه أي وقع والاقتحام في الشئ الوقوع فيه.
ذكر أن أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم
لاحد من المسلمين كانت لحمزة بن عبد المطلب
قال ابن إسحاق بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة حمزة بن
عبد المطلب إلى سيف البحر في ثلاثين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من
الأنصار أحد فلقى أبا جهل بذلك الساحل في ثلاثمائة راكب من أهل مكة فحجر بينهما
مجدي بن عمرو الجهني وكان موادعا للفريقين قال وبعض الناس يقول كانت راية حمزة
175

أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحد من المسلمين. قال المدايني أول
سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب في ربيع الأول من سنة
اثنتين إلى سيف البحر (1) من أرض جهينة. خرجه أبو عمر وصاحب الصفوة ولفظه أول
لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة حين قدم المدينة. قال ابن إسحاق ويقال إن ذلك
لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وذلك لان بعثه وبعث عبيدة كانا معا فاشتبه
ذلك على الناس فكل من قال ذلك في واحد منهما فهو صادق.
ذكر أنه أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم
تقدم عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن أبيه عن جده قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده إنه مكتوب عند الله عز وجل في السماء السابعة
حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله) خرجه المخلص. قال ابن هشام قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبد المطلب مكتوب في
أهل السماوات السبع أسد الله وأسد رسوله).
(ذكر أنه خير أعمام النبي صلى الله عليه وسلم)
عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير أعمامي
حمزة) خرجه الحافظ الدمشقي.
ذكر أنه سيد الشهداء
عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن
عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه). خرجه ابن السرى. وفى رواية
حمزة خير الشهداء. وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بأفضل
الشهداء عند الله بعد حمزة بن عبد المطلب قيل بلى يا رسول الله قال رجل أتى أميرا
جائرا فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فان هو لم يقتله لم يجر عليه ذنب ما دام
حيا وإن هو قتله كان من أفضل الشهداء عند الله عز وجل بعد حمزة بن عبد
المطلب. خرجه الحلبي.

(1) سيف البحر: ساحله.
176

(ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة)
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال دخلت البارحة الجنة فإذا حمزة مع أصحابه. خرجه أبو عمر
(ذكر آي نزلت فيه)
عن السدى في قوله تعالى (أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه) قال نزلت في
حمزة بن عبد المطلب (كمن متعناه) الآية نزلت في أبى جهل. خرجه ابن
السرى. وعن بريدة في قوله تعالى (يا أيتها النفس المطمئنة) قال حمزة بن عبد
المطلب. خرجه السلفي. وعن ابن عباس في قوله تعالى (فمنهم من قضى نحبه)
قال حمزة بن عبد المطلب وأنس بن النضر وأصحابه، وقال أبو إسحاق من
استشهد يوم بدر وأحد.
(ذكر فضل حمزة وما يتعلق به)
عن جعفر بن عمرو الضمري قال خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار إلى
الشام فلما قدمنا حمص قال لي عبيد الله هل لك في وحشى تسأله عن قتل حمزة
وكان وحشى يسكن حمص فجئنا حتى وقفنا عليه فسلمنا عليه فرد السلام وعبيد الله
معتجر بعمامته (1) ما يرى وحشى إلا عينيه ورجليه فقال عبيد الله يا وحشى أتعرفني
قال فنظر إليه ثم قال لا والله إلا أنى أعلم أن عدى بن الخيار تزوج امرأة فولدت
له غلاما فحملت ذلك الغلام مع أمه التي ترضعه فكأني نظرت إلى قديمه فكشف
عبيد الله عن وجهه ثم قال ألا تخبرنا بقتل حمزة فقال نعم إن حمزة قتل طعيمة بن عدي
فنذر لي مولاي جبير بن مطعم إن قتلت حمزة بعمى فأنت حر فلما خرج
الناس عام عينين - وعينين (2) جبل تحت أحد بينه وبينه واد - خرجت مع الناس
إلى القتال فلما اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز فخرج إليه حمزة فقال
يا سباع يا ابن أم أنمار يا ابن أم مقطعه البظور أتحارب الله ورسوله ثم شد عليه فكان

(1) الاعتجار بالعمامة هو أن يلفها على رأسه ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئا تحت
ذقنه.
(2) في نسخة في الموضعين (عنين) والتصويب من نسخة أخرى ومن معجم البلدان.
177

كامس الذاهب وكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مر على فلما أن دنا منى رميته بحربتي
فأوقعتها في ثنته (1) حتى دخلت من وركيه فكان ذلك آخر العهد به فلما رجع الناس
رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها الاسلام ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا وقالوا إنه لا يهيج الرسل فخرجت معهم حتى قدمت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآني قال أنت وحشى قلت نعم قال أنت قتلت
حمزة قلت قد كان من الامر الذي بلغك يا رسول الله قال أما تستطيع أن تغيب
وجهك عنى قال فرجعت فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج مسيلمة الكذاب
قلت لأخرجن إلى مسيلمة لعلى أقتله وأكافئ به حمزة فخرجت مع الناس فكان
من أمرهم ما كان قال وإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر
الرأس قال فرميته بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه قال
ودب إليه رجل من الأنصار حتى ضربه السيف على هامته قال عبد الله بن الفضل
أخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول فقالت جارية على ظهر بيت
يا أمير المؤمنين قتله العبد الأسود. أخرجه البخاري وأبو حاتم ولفظه خرجت أنا
وعبيد الله بن عدي بن نوفل بن عبد مناف في زمن معاوية فلما وردنا حمص وكان
وحشى قد سكنها. ثم ذكر ما تقدم إلى قوله فأتيناه فإذا هو بفناء داره وإذا هو شيخ
كبير على طنفسة (2) فلما انتهينا إليه سلمنا عليه فرفع رأسه إلى عبيد الله فقال ابن
لعدى بن الخيار قلت نعم قال والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية حين أرضعتك
بذى طوى فانى ناولتها إياك وهي على بعيرها فأخذك فلمعت لي قدماك حين رفعتك
إليها فوالله ما هو إلا أن وقف على فرأيتها فعرفتها فجلسنا إليه فقلنا جئناك
لتحدثنا عن قتل حمزة كيف قتلته قال أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن ذلك ثم ذكر معنى ما تقدم إلى قوله فخرجت مع الناس وكنت حبشيا
أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطئ بها شيئا فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة

(1) الثنة ما بين السرة والعانة من أسفل البطن.
(2) بكسر الطاء والفاء وبضمهما وبكسر الطاء وفتح الفاء: البساط الذي له خمل رقيق، جمعه طنافس.
178

حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق (1) يهز الناس بسيفه هزا ما يقوم له شئ
فوالله إني لا تهيأ له إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى فلما رآه حمزة قال هلم يا ابن
مقطعة البظور قال ثم ضربه فوالله لكأنما أخطأ رأسه وهززت حربتي حتى إذا رضيت
منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين وركيه فذهب لينوء نحوى
فغلب وتركته وإياها حتى مات ثم أتيته فأخذت حربتي ثم رجعت إلى الناس فقعدت
في المعسكر لم يكن لي بعده حاجة إنما قتلته لأعتق فلما قدمت مكة عتقت. وخرجه
ابن إسحاق بنحو ما خرجه أبو حاتم. وعن عمرو بن أمية الضمري قال كان وحشى
يسكن حمص فمررت بها أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار فسألنا عنه فقيل لنا
إنكم ستجدونه بفناء داره وهو رجل قد غلب عليه الخمر فان تجداه صاحيا
تجدا رجلا غريبا وتجدا عنده بعض ما تريدان وتصيبان عنده ما شئتما من حديث
تسألانه عنه وإن تجداه وبه بعض ما يكون به فانصرفا عنه ودعاه قال فأتيناه وإذا
هو في فناء داره على قطيفة له وإذا شيخ كبير مثل البغاث - وهو ضرب من الطير
فإذا هو صاح لا بأس به فسلمنا عليه وسألناه عن مقتل حمزة فذكر معنى ما تقدم.
خرجه ابن إسحاق. وعن غيره ابن إسحاق قال كان حمزة يقاتل بين يدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم بسيفين فقال قائل أي أسد فبينا هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على ظهره
فانكشفت الدرع عن بطنه فطعنه وحشى الحبشي بحربة أو قال برمح فأنقذه. وعن
ثابت البناني قال نظر حمزة يوم أحد فقال اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء
يعنى المشركين وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعنى المسلمين ثم قام بسيفه فضرب
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل. خرجه ابن السنى. وعن سعيد بن
المسيب كان يقول كنت أعجب لقاتل حمزة كيف ينجو حتى بلغني أنه مات غريقا
في الخمر. خرجه الدارقطني على شرط الشيخين. قال ابن هشام بلغني أن وحشيا
لم يزل يجد في الخمر حتى خلع من الديوان وكان عمر رضي الله عنه يقول لقد علمت
أن الله لم يكن ليدع قاتل حمزة.

(1) أي الأسمر.
179

(ذكر بكاء النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة وحزنه عليه)
وثنائه وذكر ما مثل به ومن مثل به وذكر نبذ من أخباره
عن جابر بن عبد الله قال لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حمزة قتيلا بكى فلما
رأى ما مثل به شهق. خرجه السلفي. وعن أبي هريرة قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم
على حمزة وقد قتل ومثل به فلم ير منظرا كان أوجع لقلبه منه فقال رحمك الله أي عم (1)
فلقد كنت وصولا للرحم فعولا للخيرات فوالله لئن أظفرني الله بالقوم لأمثلن
بسبعين منهم قال فما برح حتى نزلت (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم
لهو خير للصابرين) فقال صلى الله عليه وسلم بل نصبر فكفر عن يمينه. خرجه
أبو عمر وخرجه المخلص وصاحب الصفوة وقالا بعد قوله فعولا للخيرات: ولولا حزن
من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواه شتى أما والله مع ذلك
لأمثلن بسبعين منهم مكانك فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعد
بخواتيم النحل (وإن عاقبتم) إلى آخر الآية فصبر النبي صلى الله عليه وسلم وأمسك
عما أراد. وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بحمزة يوم أحد وقد جدع
أنفه ومثل به فقال لولا أن تجد صفية لتركت دفنه حتى يحشر من بطون الطير والسباع،
وكفنه في نمرة إذا خمر رجليه بدا رأسه وإذا خمر رأسه بدت رجلاه فخمر رأسه.
خرجه المخلص. قال ابن هشام لما وقف صلى الله عليه وسلم على حمزة قال لن أصاب
بمثلك ابدا ما وقفت موقفا قط أغيظ لي من هذا. وعن ابن عباس قال لما انصرف
المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتلى فرأى
منظرا ساءه ورأي حمزة قد شق بطنه واصطلم أنفه (1) وجدعت أذناه فقال لولا أن
تجزع النساء ويكون سنة بعدى لتركته حتى يبعثه الله من بطون السباع والطير
لأمثلن مكانه بسبعين قتيلا. ثم كفن ببردة كان إذا غطى بها وجهه خرجت رجلاه
فغطى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وجهه وجعل على رجليه شيئا من الإذخر (3)
ثم قدم وصلى عليه عشرا ثم جعل يجاء بالرجل وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين

(1) في نسخة (يا عم).
(2) أي قطع.
(3) الإذخر: حشيشة طيبة الرائحة.
180

صلاة وكان القتلى سبعين فلما فرغ منهم نزل قوله تعالى (أدع إلى سبيل ربك
بالحكمة) إلى قوله (واصبر وما صبرك إلا بالله) فصبر صلى الله عليه وسلم ولم يمثل
بأحد. خرجه الغساني. وعن عبد الله بن مسعود قال ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا قط
أشد من بكائه على حمزة بن عبد المطلب لما قتل وقتل إلى جنبه رجل من الأنصار
يقال له سهيل قال فجئ بحمزة وقد مثل به فجاءت صفية بنت عبد المطلب بثوبين
لكفنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دونك المراة فردها فأتاها الزبير بن العوام فقال يا أمه
ارجعي فقالت إليك عنى لا أم لك قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن
أردك قال فانصرفت ودفعت إلى الثوبين قال فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين
سهيل فأصاب سهيلا أكبر الثوبين فكفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بالصغير
فكان إذا مده على وجهه خرجت قدماه وإذا مده على قدميه خرج وجهه فغطى النبي
صلى الله عليه وسلم وجهه ولف على قدميه ليفا وإذخرا ووضعه في القبلة ثم وقف صلى الله عليه
وسلم على جنازته وانتحب حتى نشغ من البكاء يقول يا حمزة يا عم رسول الله وأسد الله
وأسد رسوله يا حمزة يا فاعل الخيرات يا حمزة يا كاشف الكربات يا حمزة يا ذاب عن
وجه رسول الله قال وطال بكاؤه قال فدعا برجل رجل حتى صلى عليه سبعين صلاة
وحمزة على حالته. خرجه ابن شاذان وقال غريب. (شرح): النشغ: الشهيق
حتى يبلغ به الغشى. وروى ابن إسحاق أن الزبير لما قال لصفية إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي قالت ولم وقد بلغني انه قد مثل بأخي وذلك
في الله فما أرضانا بما كان في ذلك لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله تعالى فلما جاء
الزبير وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال خل سبيلها فأتته فنظرت إليه فصلت
عليه واسترجعت واستغفرت له ثم أمر به صلى الله عليه وسلم فدفن. وعن ابن مسعود قال إن
النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين فلو حلفت يومئذ
لرجوت أن أبر إنه ليس أحد منا يريد الدنيا حتى أنزل الله تعالى (منكم من
يريد الدنيا - الآية) فلما خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أمروا
أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش وهو
181

عاشرهم فلما رهقوه قال رحم الله رجلا ردهم عنا قال فقام رجل من الأنصار فقاتل
ساعة حتى قتل فلما رهقوه قال رحم الله رجلا ردهم عنا فلم يزل يقول ذلك حتى قتل
السبعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه ما أنصفنا أصحابنا فجاء أبو سفيان
فقال أعل هبل فقال صلى الله عليه وسلم قولوا الله أعلى وأجل فقال أبو سفيان لنا
العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا الله مولانا والكافرون
لا مولى لهم ثم قال أبو سفيان يوم بيوم بدر:
يوم علينا ويوم لنا * ويوم نساء ويوم نسر
حبطة بخبطة وفلان بفلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سواء أما قتلانا فأحياء يرزقون
وقتلاكم في النار يعذبون قال أبو سفيان قد كانت في القوم مثلة وإن كان لعن غير ملا منا
ما أمرت ولا نهيت ولا أحببت ولا كرهت ولا ساءني ولا سرني قال فنظروا فإذا حمزة رضي
الله عنه قد بقر بطنه وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم أكلت منه شيئا قالوا لا قال ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة النار فوضع رسول
الله صلى الله عليه وسلم حمزة فصلى عليه وجئ برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه
فرفع الأنصاري وترك حمزة حتى صلى عليه ويومئذ سبعين صلاة. خرجه أحمد،
وقال ابن جريج مثل (1) الكفار يوم أحد بقتلى المسلمين كلهم إلا حنظلة بن الراهب
لان أبا عمر الراهب كان يومئذ مع أبي سفيان فتركوا حنظلة لذلك. وقال كثير بن
زيد عن المطلب بن حنطب لما كان يوم أحد جعلت هند بنت عتبة والنساء معها يجد عن
انف المسلمين ويبقرون (2) بطونم ويقطعن الآذان إلا حنظلة فان أباه كان مع
المشركين وبقرت هند بطن حمزة وأخرجت كبده وجعلت تلوكها ثم لفظتها (3) وقال
النبي صلى الله عليه وسلم (لو دخلت بطنها لم تدخل النار) قال ولم يمثل بأحد ما مثل بحمزة
قطعت هند يده وجدعت أنفه وقطعت أذنيه وبقرت بطنه فلما رأى النبي صلى الله
عليه وسلم قال لئن ظفرت بقريش لأمثلن بثلاثين منهم فأنزل الله تعالى

(1) يقال مثلت بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه وشوهت به، فأما
مثل بالتشديد فهو للمبالغة.
(2) أي يشقون.
(3) أي رمتها.
182

(وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما
صبرك إلا بالله) الآية. وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع نساء
من بنى الأشهل يبكين على هلكانهن فقال لكن حمزة لا بواكي له فجاء نساء الأنصار
فبكين على حمزة عنده فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ويحهن أتيتن
تبكين حتى الآن مروهن فليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم. أخرجه أحمد
وابن ماجة. وذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال إن حمزة لا بواكي له لم
تبك امرأة من الأنصار على ميت بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إلى اليوم
إلا بدأت بالبكاء على حمزة ثم بكت على ميتها. خرجه أبو عمر عنه. وعن أبي
عامر الأشعري أن حمزة رضي الله عنه لما قتل مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يكلم الناس فلما كان في اليوم الثالث أقبل على الناس بوجهه. خرجه ابن الجراح.
(ذكر كفنه رضي الله عنه)
وقد تقدم في الذكر قبله أن صفية جاءت بثوبين. وعن عروة بن الزبير عن
أبيه قال لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى إذا كادت تشرف على القتلى
قال فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تراهم فقال المرأة المرأة قال الزبير فتوسمت أنها أمي
صفية فخرجت أسعى إليها فأدركتها قبل أن تنتهى إلى القتلى قال فلدمت في
صدري وكانت امرأة جلدة وقالت إليك لا أم لك فقلت إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم عزم عليك قال فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت هذان ثوبان
جئت بهما ليكفن فيهما حمزة فقد بلغني قتله فكفنوه بهما قال فجئنا بالثوبين
ليكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبة رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة
قال فوجدنا غضاضة وحياء أن يكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له فقلنا
لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب فقدرناهما وكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعت
بينهما فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له. خرجه المخلص وصاحب الصفوة.
(شرح): توسمت تفرست. لدمت: ضربت ودفعت. وجلدة أي قوية صابرة من
الجلد. وغضاضة يجوز أن يكون من غض طرفه إذا أغمضه وغض من صوته إذا
183

أنقصه أي الكفاف انقباض أو من قولهم ما عليك في هذا الامر غضاضة أي مذلة
ومنقصة فكنى به عن المجازية إذ بها يحصلان. وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
انه أتى بطعام وكان صائما فبكى وقال قتل حمزة فلم يوجد ما يكفن
فيه إلا ثوب واحد (1) وقتل مصعب بن عمير فلم يوجد ما يكفن فيه إلا ثوب واحد
ولقد حمزة خشيت أن تكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا قال وجعل يبكى. خرجه أبو
حاتم. وعن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده قال لما كان يوم أحد
وقتل حمزة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده كفن لحمزة فقال رجل من
الأنصار بأبي وأمي يا رسول الله عندي لأبي شقتان من شعر فدعا بهما رسول الله صلى
الله عليه وسلم فمدهما على وجهه فبرزت رجلاه ومدهما على رجليه فبرز وجهه فمدهما على
وجهه رضي الله عنه وجعل على رجليه شئ من اذخر ثم قال لقد كان حمزة مكتوبا
عند الله في السماء السابعة حمزة أسد الله وأسد رسوله. أخرجه ابن السرى. ويمكن
أن يكون كان هذا في أول الأمر قبل مجئ صفية ثم جاءت صفية قبل دفنه فكفن بما
جاءت به من غير أن يكون بينهما تضادد والله أعلم.
(فصل نذكر فيه ذكر الصلاة عليه)
قد تقدم في ذكر بكائه أنه صلى عليه صلى الله وسلم سبعين صلاة. وعن
انس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة
كبر عليها أربعا وأنه كبر على حمزة سبعين تكبيرة. خرجه صاحب الصفوة والبغوي
في معجمه. وعن ابن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة يوم أحد
فهيئ للقبلة ثم كبر عليه سبعا ثم جمع إليه الشهداء حتى صلى عليه سبعين صلاة.
أخرجه المحاملي. وقد روى أنس بن مالك أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم
ولم يصل عليهم. خرجه أحمد وأبو داود والترمذي وخرجه البخاري من حديث
جابر فيحمل أمر حمزة على التخصيص ومن صلى عليه في غيره على أنه جرح حال
الحرب ولم يمت حتى انقضت الحرب، أما من مات حال الحرب فحكمه ما تضمنه

(1) في نسخة (ثوبا واحدا) وهو غلط جلى.
184

هذا الحديث. وقد خرج المخلص عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على
أحد من الشهداء غير حمزة وقال أنا شهيد عليهم وكان صلى الله عليه وسلم يدفن
الاثنين والثلاثة في قبر واحد. خرجه المخلص وهو محمول على الشهداء الذين قتلوا
حال الحرب لم يصل على أحد منهم غير حمزة كما تقدم تقريره.
(ذكر غسل الملائكة حمزة رضي الله عنه)
عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت حمزة تغسله الملائكة.
خرجه أبو مسلم البصري والأنصاري. (ذكر تاريخ مقتله وسنه يوم قتل رضي الله عنه)
قتل على رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة وكان يوم قتل له سبع وخمسون
سنة ودفن هو وابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد.
(ذكر وصيته)
قال ابن إسحاق أوصى حمزة فيما بلغنا إلى زيد بن حارثة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
آخى بينه وبينه أوصى إليه يوم أحد لما حضر القتال ان حدث به حادث الموت.
(ذكر ولد حمزة رضي الله عنه)
كان له من الولد عمارة أمه خولة بنت قيس بن فهد بن مالك بن النجار ويعلى.
قال مصعب لم يعقب واحد من ولد حمزة وكان يعلى قد ولد له خمسة رجال وماتوا
كلهم عن غير عقب وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل واحد منهما
أعوام. ولم يحفظ لواحد منهما رواية. وكان له ابنة يقال لها أم أبيها. قاله ابن قتيبة
وقال صاحب الصفوة اسمها أمامة أمها زينب بنت عميس الخثعمية وكانت تحت
عمر بن أبي سلمة المخزومي ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي التي اختصم
في حضانتها على وجعفر وزيد فقال على ابنة عمى وقال جعفر ابنة عمى وخالتها تحتي
وقال زيد ابنة أخي فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة
بمنزلة الام. أخرجاه وفيه دلالة على أن من نكحت قريبا لا يسقط حقها من
185

الحضانة. عن علي رضي الله عنه قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تزوج
ابنة حمزة فإنها أحسن فتاة في قريش فقال أليس قد علمت أنها ابنة أخي من الرضاعة
وأن الله عز وجل قد حرم من الرضاعة ما حرم من النسب. خرجه البغوي في معجمه.
(الفصل الثالث في ذكر العباس)
* (ابن عبد المطلب بن هاشم القرشي. وذكر نسبه ومعرفة آبائه رضي الله عنه) *
يستفاد من معرفة نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه نثلة ويقال نثيلة وقد تقدم
ذكرها ويقال إنها أول عربية كست البيت الحرام الديباج وأصناف الكسوة وذلك أن
العباس ضاع وهو صبي فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت الحرام فوجدته ففعلت.
(ذكر اسمه وصفته)
ولم يزل اسمه العباس ويكنى أبا الفضل وكان رضي الله عنه جميلا وسيما أبيض
بضا له ضفيرتان معتدل القامة وقيل كان طوالا. عن جابر أن الأنصار لما أرادوا
أن يكسوا العباس حين أسر يوم بدر فلم يصلح عليه قميص إلا قميص عبد الله بن أبي
فكساه إياه فلما مات عبد الله بن أبي ألبسه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه وتفل عليه من ريقه
قال سفيان فظن أنه مكافأة لقميص العباس. خرجه ابن الضحاك وأبو عمر. وكان
مولده رضي الله عنه قبل الفيل بثلاث سنين وكان أسن من النبي صلى الله عليه
وسلم بسنتين وقيل بثلاث. عن أبي رزين قال قيل للعباس أيكما أكبر أنت أو
النبي صلى الله عليه وسلم قال هو أكبر منى وأنا ولدت قبله. خرجه ابن الضحاك.
وعن ابن عمر مثله خرجه البغوي في معجمه وغيره. وكان العباس في الجاهلية رئيسا
في قريش واليه عمارة المسجد الحرام والسقاية بعد أبي طالب أما السقاية فمعروفة
وأما عمارة المسجد الحرام فكان لا يدع أحدا يشبب فيه ولا يقول فيه هجرا
وكانت قريش قد اجتمعت وتعاقدت على ذلك فكانوا له عونا عليه وأسلموا
ذلك إليه. ذكره الزبير بن بكار وغيره من علماء النسب. حكاه أبو عمر.
(شرح): التشبيب: ترقيق الشعر بذكر النساء وكأنه أراد إنشاد ذلك في
المسجد، والهجر بالضم الهذيان وقول الباطل ويطلق على الكلام الفاحش.
186

(ذكر شفقته على النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية والاسلام)
عن جابر بن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة معهم
للكعبة وعليه إزاره فقال له العباس يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك
دون الحجارة قال فحله وجعله على منكبيه فسقط مغشيا عليه فما رؤى بعد ذلك
عريانا. متفق على صحته. وخرج ابن الضحاك معناه بزيادة ولفظه قال كنا ننقل
الحجارة إلى البيت حين بنت قريش البيت وأفردت قريش رجلين رجلين
ينقلون والنساء يبقلن الشيد (1) وكنت أنا وابن أخي فكنا ننقل على رقابنا وأزرنا
تحت الحجارة فإذا غشينا الناس اتزرنا فبينا أنا أمشى ومحمد قدامي ليس عليه يعنى
إزار قال فخر فانبطح عليه وجهه فجئت أسعى وألقيت حجري وهو ينظر إلى
السماء فوقفت فقلت ما شأنك قال فقام فأخذ إزاره وقال تبت أن أمشى عريانا
قال قلت اكتمها الناس مخافة أن يقولوا مجنون.
(شرح): الشيد ما يطلى على الحائط من جص أو غيره. حكاه الهروي.
وعن أبي هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة فقيل
منعه ابن جميل وخالد والعباس بن عبد المطلب فقال صلى الله عليه وسلم
ما ينقم ابن جميل وخالد والعباس بن عبد المطلب فقال صلى الله عليه وسلم
ما ينقم ابن جميل إلا إن كان فقيرا فأغناه الله ورسوله وأما خالد فإنكم
تظلمون خالد وقد احتسب أدراعه وأعبده في سبيل الله وأما العباس بن
عبد المطلب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي على مثلها معها. أخرجاه
في الزكاة. وإنما تحمل عنه ذلك رفقا به لمكان معروفه وكثرة صدقته على
أقاربه وكثرة ضيافته. وهذا أحد التأويلين فيمن رواه على والثاني استلفتها
منه ومثلها فالفضيلة على هذا مبادرته بصدقته ومساعدته النبي صلى الله عليه وسلم
بذلك. وفى بعض الطرق وهي عليه ومثلها معها أي إنها صدقة عليه وهو مسامح
بها لاستحقاق ذلك ومثله معه لمكان ما ذكرناه.

(1) في نسخة (السيد) وهو غلط على ما سيأتي في شرحه.
187

(ذكر شهود العباس رضي الله عنه بيعة العقبة)
مع النبي صلى الله عليه وسلم ومناصحته له وهو على دينه
قال ابن إسحاق وابن قتيبة وأبو سعيد وأبو عمر وصاحب الصفوة كان العباس
يوم العقبة مع النبي صلى الله عليه وسلم يعقد له البيعة على الأنصار وقام بذلك الامر
وقالوا جاء قوم من أهل العقبة يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لهم هو في بيت العباس
فدخلوا عليه فقال العباس إن معكم من قومكم من هو مخالف لكم فاخفوا أمركم
حتى ينصدع هذا الحاج ونلتقي نحن وأنتم فنوضح لكم هذا الامر وتدخلوا على
أمر بين فوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة التي في صبيحتها النفر الآخر
أن يوافيهم أسفل العقبة وأمرهم أن لا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا فخرج القوم
تلك الليلة يتسللون وقد سبقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه العباس ليس
معه غيره وهو على دين قومه حينئذ وكان صلى الله عليه وسلم يثق به في أمره كله. وقال ابن إسحاق
فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من
رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند
العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ومعنا امرأتان نسيبة بنت كعب من بنى النجار
وأسماء بنت عمرو من بنى سلمة قال فلما اجتمعنا في الشعب كان أول من تكلم
العباس رضي الله عنه وقال يا معاشر الخزرج وكانت الأوس والخزرج تدعى الخزرج
إنكم قد دعوتم محمدا إلى ما دعوتموه إليه ومحمد من أعز الناس في عشيرته يمنعه
والله من كان منا على قوله ومن لم يكن يمنعه للشرف والحسب. وقد أتى محمد الناس
كلهم غيركم فان كنتم أهل قوة وجلد وبصيرة بالحرب واستقلال بعداوة العرب
قاطبة فإنها سترميكم عن قوس واحدة فأروني رأيكم وأنتم وأمركم ولا تفرقوا إلا
عن إجماع فان أحسن الحديث أصدقه، وأخرى صفوا لي الحرب كيف تقاتلون
عدوكم فأسكت القوم وتكلم عبد الله بن عمرو بن حزام فقال نحن والله
أهل الحرب وغذينا بها ومرينا ورثناها عن آبائنا كابرا فكابرا نرمي بالنبل حتى
تفنى ونطاعن بالرماح حتى تكسر ثم نمشي بالسيوف فنضارب بها حتى يموت
188

الأعجل منا أو من عدونا قال العباس هل فيكم دروع قالوا نعم سابلة قال البراء
ابن معرور قد سمعنا ما قلت إنا والله لو كان في أنفسنا غير ما ننطق به لقلناه
ولكنا نريد الوفاء والصدق وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. والعباس
آخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد له البيعة تلك الليلة على الأنصار.
وعن الشعبي قال انطلق النبي صلى الله عليه وسلم بالعباس إلى الشعبين عند
العقبة تحت الشجرة فقال العباس رضي الله عنه ليتكلم متكلمكم ولا يطيل الخطبة
فان عليكم من المشركين عينا وإن يعلموا بكم يفضحوكم فقال قائلهم وهو أسعد
يا محمد سل لربك ما شئت ثم سل لنفسك وأصحابك ما شئت ثم أخبرنا مالنا من
الثواب إذا فعلنا ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألكم لربى أن تعبدوه ولا تشركوا
به شيئا وأسألكم لي ولأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما وتمنعون منه
أنفسكم قالوا فمالنا إذا فعلنا ذلك قال الجنة قالوا فلك ذلك. خرجه في الصفوة.
(سرور العباس بفتح خيبر على النبي صلى الله عليه وسلم)
وشدة حزنه حين بلغه خلاف ذلك
عن أنس بن مالك قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال
الحجاج بن علاظ يا رسول الله إن لي بمكة مالا وإن لي بها أهلا وإني أريد أن
آتيهم فأنا في حل إن أنا قلت فيك أو قلت شيئا فأذن له رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يقول ما شاء قال فأتى امرأته حين قدم فقال اجمعي لي ما كان عندك
فانى أريد أن أشترى من غنائم محمد وأصحابه فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم
قال وفشا ذلك بمكة فأوجع المسلمين وأظهر المشركون فرحا وسرورا وبلغ الخبر
العباس بن عبد المطلب فعقر في مجلسه وجعل لا يستطيع أن يقوم قال فأخذ العباس
ابنا له يقال له قثم وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستلقى فوضعه على صدره وهو يقول
حبى قثم شبيه * ذي الانف الأشم * برغم من رغم
قال ثم أرسل غلاما له إلى الحجاج بن علاط فقال ويلك ما جئت به وماذا
تقوم فما وعد الله خير مما جئت به قال الحجاج لغلامه أقرأ أبا الفضل السلام وقل له
189

فليخل لي بعض بيوته لآتيه فان الخبر على ما يسره فجاء غلامه فلما بلغ الباب قال
أبشر أبا الفضل فوثب العباس فرحا حتى قبل بين عينيه فأخبره ما قال الحجاج
فاعتنقه ثم جاء الحجاج فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افتتح خيبر
وغنم أموالهم وجرت سهام الله في أموالهم واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
صفية بنت حيى بن أحطب فأعدها لنفسه وخيرها بين اثنين أن يعتقها وتكون
زوجته أو تلحق بأهلها فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته ولكني جئت لمال
كان لي ههنا أردت أن أجمعه وأذهب به فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأذن لي أن أقول ما شئت فاخف عنا ثلاثا ثم أذكر ما بدا لك قال فجمعت
امرأته ما كان عندها من حلى ومتاع فدفعته له ثم استمر به فلما كان بعد ثلاث
أتى العباس امرأة الحجاج فقال ما فعل زوجك فأخبرته أنه ذهب وقالت لا يحزنك
الله أبا الفضل بعد شق علينا الذي بلغك قال أجل لا يحزنني الله ولم يكن بحمد
الله إلا ما أحببناه قد أخبرني الحجاج أن الله فتح خيبر على رسول الله صلى الله عليه
وسلم وجرت فيها سهام الله واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه فان
كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به قالت أظنك والله صادقا قال وإنني صادق
والامر على ما أخبرتك قال ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش وهم يقولون لا يصيبك
إلا خير أبا الفضل قال لم يصبني إلا خير بحمد الله قد أخبرني الحجاج أن خيبر
فتحها الله على رسوله وجرت فيها سهام الله واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه
وقد سألني أن أخفى عنه ثلاثا وإنما جاء ليأخذ ما كان له ثم ذهب فرد الله الكآبة
التي كانت على المسلمين على المشركين فخرج المسلمون من كان دخل بيته
مكتئبا حتى أتوا العباس فأخبرهم الخبر فسر المسلمون بذلك ورد الله ما كان
من كآبة أو غيظ أو حزن على المشركين. خرجه أبو حاتم.
(شرح): عقر في مجلسه العقر بفتحتين أن يفجأ الرجل الروع (1) فيدهش فلا
يستطيع أن يتقدم أو يتأخر وقيل لاتحمله قوائمه من الخوف.

(1) أي الفزع.
190

(ذكر ألم النبي صلى الله عليه وسلم لالم العباس لما شدوا وثاقه)
عن سويد بن الأصم أن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ممن خرج مع
المشركين يوم بدر فأسر فيمن أسر منهم وكانوا قد شدوا وثاقه فسهر النبي صلى
الله عليه وسلم تلك الليلة فقال له بعض أصحابه ما يسهرك يا رسول الله قال أسهر
لأنين العباس فقام رجل من القوم فأرخى من وثاقه فقال صلى الله عليه وسلم مالي
لا أسمع أنين العباس فقال رجل أنا أرخيت من وثاقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فافعل ذلك بالأسارى. خرجه أبو عمر وصاحب الصفوة.
(ذكر اسلام العباس رضي الله عنه)
قال أهل العلم بالتاريخ كان اسلام العباس قديما وكان يكتم إسلامه وخرج
مع المشركين يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم من لقى العباس فلا يقتله فإنه
خرج مستكرها فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو ففادي نفسه ورجع إلى مكة ثم
أقبل إلى المدينة مهاجرا قال أبو سعيد وقيل إنه أسلم يوم بدر فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم
يوم الفتح بالابواء وكان معه حين فتح مكة وبه ختمت الهجرة. وقال أبو عمر أسلم
قبل فتح خيبر وكان يكتم اسلامه ويسره ما يفتح الله على المسلمين وأظهر إسلامه يوم
فتح مكة وشهد حنينا والطائف وتبوك ويقال إن اسلامه كان قبل بدر وكان يكتب
بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون بمكة يثقون به
وكان يحب القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم إن مقامك بمكة خير لك. وعن شرحبيل بن سعد قال لما بشر
أبو رافع رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلام العباس بن عبد المطلب أعتقه.
خرجه أبو القاسم السهمي في الفضائل.
(أذكار تتضمن نبذا من فضائله رضي الله عنه)
قال أبو عمر وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم العباس بعد اسلامه ويعظمه ويقول هذا عمى
صنو (1) أبى. وكان العباس جوادا مطعما وصولا للرحم ذا رأى حسن ودعوة مرجوة.

(1) الصنو: المثل، يريد أن أصل العباس وأصل أبى واحد.
191

(ذكر ما جاء من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم له ولطفه به)
عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة قالت يا ابن أخي لقد رأيت من تعظيم
رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس أمرا عجبا. خرجه البغوي في معجمه. وعن جعفر بن
محمد عن أبيه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس جلس أبو بكر عن
يمينه وعمر عن يساره وعثمان بين يديه وكان كاتب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإذا جاء العباس تنحى له أبو بكر رضي الله عنهم عن مكانه فجلس فيه. خرجه أبو القاسم
السهمي في الفضائل. قال ابن إسحاق اجتمع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه نساء
من نسائه أم سلمة وميمونة من نساء المسلمين فيهن أسماء بنت عميس وعنده عمه
العباس فأجمعوا أن يلدوه (1) وقال العباس لألدنه قال فلدوه فلما أفاق رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال من صنع هذا بي قالوا يا رسول الله عمك قال هذا دواء أتى به نساء
جئن من نحو هذه الأرض وأشار إلى أرض الحبشة قال ولم فعلتم ذلك قال العباس
رضي الله عنه خشينا يا رسول الله أن يكون بك ذات الجنب فقال إن ذلك لداء
ما كان الله ليعذبني به ولا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمى ولقد لدت ميمونة
وإنها لقائمة لقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عقوبة لهم بما صنعوا، هكذا
خرجه ابن إسحاق. وفى الصحيح أن العباس لم يحضرهم فلذلك لم يلد. وعن أنس
ابن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس لطفا بالعباس.
خرجه أبو القاسم في الفضائل. وعن أبي زيد بن كريب مولى ابن عباس أنه
قال إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحل العباس محل الوالد والوالدة
خاصة خص الله العباس من بين الناس.
(ذكر وصفه بالجود والصلة)
عن سعد بن أبي وقاص قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهز بعثا في موضع بسوق
النحاسين اليوم إذ طلع العباس بن عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم
العباس عن نبيكم أجود قريش كفا وأوصلها. خرجه أبو حاتم وخرجه أبو القاسم

(1) اللدود بالفتح من الأدوية ما يسقاه المريض في أحد شقى الفم.
192

في الفضائل ولفظه: هذا العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس
كفا وأحناه عليهم. وخرج عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى العباس
مقبلا فقال هذا عمى أبو الخلفاء أجود قريش كفا وأجملها. وعن ابن عباس رضي الله عنهما
قال جاء العباس يعود النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فرفعه وأجلسه
في مجلسه على السرير وقال رحمك الله يا عم. خرجه السلفي في المشيخة البغدادية. (ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه إن عم الرجل صنو أبيه)
(والزجر عن أذاه والايذان بأنه من النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم منه)
عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه أما علمت أن
عم الرجل صنو أبيه وكان عمر رضي الله عنه. كلمه فصدقته. خرجه الترمذي وقال
حديث حسن. وعنه قال قلت لعمر أما تذكر حين شكوت العباس فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم اما علمت أن عم الرجل صنو أبيه. وعن عطاء الخراساني
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس عمى وصنو أبى من آذاه فقد
آذاني. خرجهما البغوي في معجمه وخرج معناه أبو القاسم السمرقندي عن ابن
عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بال رجال يؤذونني في عمى العباس إن
عم الرجل صنو أبيه من آذى العباس فقد آذاني ومن آذاني يوشك أن يكبه الله عز
وجل على منخريه في نار جهنم اللهم استر العباس وولده وذريته من بعده من النار.
خرجه السمرقندي. وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
العباس منى وأنا منه لا تؤذوا العباس فتؤذونني من سب العباس فقد سبني.
خرجه. البغوي في معجمه. وعن المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أن
العباس دخل على رسول الله صل الله عليه وسلم وأنا عنده فقال ما أغضبك قال
يا رسول الله مالنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة وإذا لقونا لقونا
بغير ذلك؟ قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه ثم قال
والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الايمان حتى يحبكم لله ولرسوله ثم قال أيها
الناس من آذى عمى فقد آذاني فإنما عم الرجل صنو أبيه. خرجه الترمذي وقال
193

حسن صحيح، وخرجه أحمد وقال بعد قوله حتى احمر وجهه وحتى استدر عرق بين
عينيه وكان صلى الله عليه وسلم إذا غضب استدر فلما سرى عنه قال والذي نفسي بيده
أو نفس محمد بيده لا يدخل وذكر الحديث. وفى بعض طرقه حتى يحبكم لله
ولرسوله. وخرج أبو حاتم منه أن عم الرجل صنو أبيه. وعن ابن عباس أن رجلا
من الأنصار وقع في أب العباس وكان في الجاهلية فلطمه العباس فجاء قومه فقالوا
والله لنلطمنه كما لطمه فلبسوا السلاح فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصعد المنبر فقال يا أيها الناس أي أهل الأرض أكرم على الله عز وجل قالوا أنت
قال فان العباس منى وأنا منه لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا فجاء القوم فقالوا
يا رسول الله نعوذ بالله من غضبك. خرجه احمد. وعنه قال تناول رجل من
قريش بعض أمهات العباس فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغضب النبي
صلى الله عليه وسلم حتى استدر العرق بين عينيه ثم صعد المنبر فقال أيها الناس
من آذى العباس فقد آذاني لا تؤذوا الاحياء بسب الأموات. خرجه أبو القاسم
السهمي في الفضائل.
(ذكر أنه رضي الله عنه وصيه صلى الله عليه وسلم ووارثه)
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس عمى ووصيي
ووارثي. خرجه النسائي في معجمه.
(ذكر وصيته صلى الله عليه وسلم به)
عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال احفظوني في العباس فإنه عمى وصنو أبى.
(ذكر مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم به وشهادته له بالخيرية)
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن أمه أم الفضل قالت أتى العباس النبي
صلى الله عليه وسلم فلما رآه قام إليه وقبل ما بين عينيه ثم أقعده عن يمينه ثم قال
هذا عمى فمن شاء فليباه بعمه قال العباس نعم القول يا رسول الله ولم لا أقول
هذا يا عم أنت عمى وصنو أبى وبقية آبائي ووارثي وخير من أخلف من أهلي.
خرجه أبو القاسم السهمي في الفضائل.
194

(ذكر أن الله عز وجل باهى بالعباس حملة العرش)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صف المهاجرين
والأنصار صفين ثم أخذ بيد على والعباس رضي الله عنهما فمر بين الصفين فضحك
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من قريش ضحكت يا رسول الله فداك أبي وأمي قال
هبط إلى جبريل عليه السلام بأن الله عز وجل باهى بالمهاجرين والأنصار أهل
السماوات العلى وباهى بي وبك يا علي وبك يا عباس حملة العرش. خرجه أبو القاسم
السهمي في الفضائل.
(ذكر دعائه صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه ولولده وتجليلهم بكساء)
تقدم طرف من الدعاء في ذكر عم الرجل صنو أبيه. وعن ابن عباس
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس إذا كان غداة الاثنين فائتني أنت
وولدك حتى أدعو بدعوة ينفعك الله بها وولدك فغدا وغدونا فألبسنا كساء ثم قال
اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا اللهم احفظه في ولده.
خرجه الترمذي وقال حسن غريب، وخرجه ابن السمان وقال كساء له. وعن أبي
أسيد الساعدي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب
يا أبا الفضل لا ترم من منزلك أنت وبنوك غدا حتى آتيكم فان لي فيكم حاجة
قال فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى النهار فدخل عليهم فقال السلام عليكم فقالوا
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته قال كيف أصبحتم قالوا بخير نحمد الله تعالى
فكيف أصبحت بأبينا وأمنا أنت يا رسول الله قال أصبحت بخير أحمد الله تعالى
فقال تقدموا تقاربوا يزحف بعضكم إلى بعض حتى إذا مكنوه اشتمل عليهم
بملاءته ثم قال يا رب هذا عمى وصنو أبى وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري
إياهم بملاءتي هذه قال فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت آمين آمين
آمين. خرجه أبو القاسم السهمي وابن ناصر السلامي. ورواه ابن غيلان. (شرح):
لا ترم: لا تزل ولا تبرح، أسكفة الباب عتبته العليا. وعن عبد الله بن الغسيل
قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر بالعباس فقال يا عم اتبعني ببنيك
195

فقال له أبو الهيثم بن عتبه بن أبي لهب يا عم انتظرني حتى أجيئك فلم يأته فانطلق
بستة من بنيه الفضل و عبد الله وعبيد الله وقثم ومعبد و عبد الرحمن قال فأدخلهم
النبي صلى الله عليه وسلم وغطاهم بشملة له سوداء مخططة بحمرة وقال اللهم إن
هؤلاء أهل بيتي وعترتي فاسترهم من النار كما سترتهم بهذه الشملة (1) قال فما بقي
في البيت مدرة (2) ولا باب إلا أمن. خرجه ابن السرى. وعن سهل بن سعد قال
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة فقام يغتسل فقام العباس يستره فقال النبي صلى الله عليه
وسلم اللهم استر العباس وولده من النار. وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم اللهم اغفر للعباس ولولد العباس ولمن أحبهم. خرجه ابن عبد الباقي.
(ذكر أمره صلى الله عليه وسلم بسؤال العافية)
عن العباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عم رسول الله سل الله
العفو والمعافاة في الدنيا والآخرة. أخرجه البغوي في معجمه.
(ذكر حثه صلى الله عليه وسلم على صلاة التسبيح)
عن أبي رافع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس يا عم ألا أصلك
ألا أحبوك ألا أنفعك قال بلى يا رسول الله قال يا عم صل أربع ركعات تقرأ
في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة فإذا انقضت القراءة فقل الله أكبر والحمد لله
وسبحان الله خمس عشرة مرة قبل أن تركع ثم اركع فقلها عشرا ثم ارفع رأسك
فقلها عشرا ثم اسجد فقلها عشرا ثم ارفع رأسك فقلها عشرا ثم اسجد فقلها عشرا
قبل أن تقوم فذلك خمس وسبعون في كل ركعة وهي ثلاثمائة تسبيحة في أربع
ركعات ولو كانت ذنوبك مثل رمل عالج غفرها الله لك قال يا رسول الله ومن
يستطيع أن يقولها في كل يوم قال إن لم تستطع أن تقولها في كل يوم فقلها في كل
جمعة فإن لم تستطع أن تقولها في كل جمعة فقلها في كل شهر فلم يزل يقول له حتى
قال فقلها في كل سنة. خرجه الترمذي وأبو داود.

(1) الشملة: كساء يتغطى به ويتلفف فيه.
(2) المدر الطين المتماسك.
196

(ذكر تبشير النبي صلى الله عليه وسلم العباس)
بأن له من الله حتى يرضى وأنه لا يعذب بالنار ولا أحد من ولده
عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس لك يا عم من الله حتى
ترضى. خرجه البغوي. وعن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لي
وللعباس ألا أبشرك يا عم قال بلى بأبي أنت وأمي فقال صلى الله عليه وسلم إن
لك من الله يعنى حتى ترضى وبعد الرضا.
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس إن
الله عز وجل غير معذبك ولا أحد من ولدك. أخرجهما أبو القاسم السهمي في الفضائل.
(ذكر منزله رضي الله عنه في الجنة)
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله اتخذني خليلا
كما اتخذ إبراهيم وإن منزلي في الجنة تجاه منزل إبراهيم عليه السلام ومنزل العباس
بين منزلي ومنزل إبراهيم مؤمن بين خليلين) خرجه أبو القاسم السهمي وخرجه
ابن شاهين وقال بعد قوله كما اتخذ الله إبراهيم خليلا ومنزلي ومنزل إبراهيم في
الجنة تجاهين والعباس بن عبد المطلب مؤمن بين خليلين. وعن أبي بكر الصديق
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا العباس وقال أي عم منزلي ومنزلك
في الجنة. أخرجه السهمي في الفضائل. وعن ابن عبد عباس قال قال لي العباس
لما انصرفت من بيعة الشجرة فرأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما
كنت أرى منه من البشر والاعظام فلما مضت أيام قال الا أبشرك يا عم قلت
بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال إن الله عز وجل بنى لإبراهيم خليله قصرا
من ياقوتة خضراء في الجنة وبنى لي قصرا من ياقوتة بيضاء وبنى لك قصرا
من ياقوتة حمراء فأنت بين حبيب وخليل. حديث حسن.
ذكر ملازمة العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بلجام بغلته يوم حنين
عن كثير بن العباس عن أبيه قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم حنين فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنه وأبو سفيان بن
الحارث بن عبد المطلب فلزمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه وهو على
197

بغلة شهباء - وربما قال بيضاء - أهداها له فروة بن نفاثة الخزامي فلما التقى المسلمون
والكفار ولى المسلمون مدبرين وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض على
بغلته قبل الكفار قال العباس وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أكفها وهو لا يألو مسرعا نحو المشركين وأبو سفيان بن الحارث آخذ بغرز رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس ناد يا أصحاب السمرة وكنت
رجلا صيتا فقلت بأعلى صوتي يا أصحاب السمرة فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا
صوتي عطفة البقر على أولادها يقولون يا لبيك يا لبيك وأقبل المسلمون فاقتتلوا هم
والكفار فنادت الأنصار يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعاوى على بنى الحارث
ابن الخزرج قال فنظرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول
عليها إلى قتالهم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا حين حمى الوطيس ثم
أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار قال انهزموا
ورب الكعبة انهزموا ورب الكعبة قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما
أرى فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصياته فما أرى
حدهم الا كليلا وأمرهم إلا مدبرا حتى هزمهم الله عز وجل قال وكأني أنظر إلى
النبي صلى الله عليه وسلم يركض قبلهم على بغلته. خرجه أبو حاتم. (شرح):
الغرز ركاب الرجل من جلد فإن كان من خشب أو حديد فهو ركاب. والوطيس
التنور يقال حمى الوطيس إذا اشتدت الحرب. قال أبو عمر انهزم الناس يوم حنين
غير العباس وعمر وعلى وأبى سفيان بن الحرث وقيل غير سبعة من أهل بيته قال ابن إسحاق
وهم على والعباس وابنه أبو الفضل وأبو سفيان بن الحارث وابنه جعفر
وربيعة بن الحارث وأسامة بن زيد وثامنهم أيمن بن عبيد، وجعل غير ابن إسحاق
عمر بن الخطاب مكان أبي سفيان والصحيح أبا سفيان كان يومئذ معهم لم
يختلف فيه ووقع الخلف في عمر.
(ذكر استسقاء الصحابة رضي الله عنهم بالعباس رضي الله عنه)
عن أنس بن مالك أنهم كانوا إذا قحطوا على عهد عمر خرج بالعباس فاستسقى
198

به وقال اللهم إنا كنا نتوسل بنبينا ادا قحطنا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا
فاسقنا. خرجه البخاري، وفى رواية نتوجه مكان نتوسل. وعن ابن عمر أن عمر
خطب الناس وقال أيها الناس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى
الولد لوالده يعظمه ويفخمه ويبر قسمه فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه
وسلم في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله عز وجل فيما نزل بكم. حديث حسن
صحيح تفرد به الزبير بن بكار. خرجه الحافظ الدمشقي. قال أبو عمر أجدبت
الأرض (1) على عهد عمر إجدابا شديدا سنة سبع عشرة فقال كعب يا أمير المؤمنين
إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة أنبيائهم فقال عمر
هذا عم النبي صلى الله عليه وسلم وصنو أبيه وسيد بني هاشم فمشى إليه عمر فشكا
إليه ما فيه الناس ثم صعد المنبر ومعه العباس وقال اللهم إنا قد توجهنا إليك بعم
نبينا صنو أبيه فاسقنا الغيث وتجعلنا من القانطين قال عمر يا أبا الفضل قم
فادفع فقام العباس فقال بعد حمد الله وثناء عليه اللهم إن عندك سحابا وعندك
ماء فانشر السحاب وأنزل الماء منه علينا واشدد به الأصل وأطل بن الزرع وأدر به
الضرع اللهم إنك لم تنزل بلاء إلا بذنب ولم تكشفه إلا بتوبة وقد توجه القوم
بي إليك فاسقنا الغيث اللهم شفعنا في أنفسنا وأهلنا اللهم إنا شفعنا عما لا ينطق
من بهائمنا وأنعامنا اللهم اسقنا سقيا نافعا طبقا سحا عاما اللهم لا نرجو إلا إياك ولا
ندعو غيرك ولا نرغب إلا إليك اللهم إليك نشكو جوع كل جائع وعرى كل
عار وخوف كل خائف وضعف كل ضعيف في دعاء طويل، وكل هذه الألفاظ لم
تجئ في حديث واحد وإنما في أحاديث متفرقة جمعت واختصرت، وفى بعض
الطرق فسقوا والحمد لله، وفى بعضها فأرخت السماء عزاليها (2) فجاءت بأمثال الجبال
حتى استوت الحفر والآكام. اخضرت الأرض وعاش الناس فقال عمر هذا والله
الوسيلة إلى الله والمكان منه. وعن ابن عمر قال استسقى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عام الرمادة بالعباس وقال اللهم هذا عم نبيك صلى الله عليه وسلم نتوجه به

(1) أي يبست ومحلت لانقطاع المطر عنها.
(2) العزالى: أفواه القرب.
199

إليك فاسقنا قال فما برحوا حتى سقاهم الله تعالى. خرجه إبراهيم بن عبد الصمد
الهاشمي. (شرح): عام الرمادة كان عام جدب وقحط على عهد عمر، وسمى بذلك
من رمده وأرمده إذا أهلكه وصيره كالرماد وأرمد إذا هلك بالرمد والرمادة
الهلاك، وقيل سمى بذلك لان الجدب صير ألوانهم كلون الرماد. قال أبو عمر وروينا
من وجوه عن عمر أنه خرج يستسقى وخرج معه العباس فقال اللهم إنا نتقرب
إليك بعم نبيك ونستسقي به فاحفظ فيه نبيك كما حفظت الغلامين لصلاح أبيهما
وأتيناك مستغفرين ومستشفعين ثم أقبل على الناس وقال (استغفروا ربكم إنه كان
غفارا) إلى قوله تعالى (ويجعل لكم أنهارا) ثم قام العباس وعيناه تنضحان ثم
قال اللهم أنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكسير بدار مضيعة فقد تضرع
الصغير ورق الكبير وارتفعت الشكوى وأنت تعلم السر وأخفى أغثهم بغياثك
من قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون فنشأت
طريرة (1) من سحاب فقال الناس ترون ترون ثم تلاءمت ثم هرت ودرت فوالله
ما برحوا حتى اعتلقوا الحداء وقطعوا المياذر. وطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه
ويقولون هنيئا لك ساقى المؤمنين.
(ذكر تعظيم الصحابة العباس رضي الله عنهم أجمعين)
قال ابن شهاب كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفون للعباس
فضله فيقدمونه ويشاورونه ويأخذون برأيه. وعن أبي الزناد عن أبيه أن العباس
ابن عبد المطلب لم يمر بعمر وعثمان وهما راكبان إلا نزلا حتى يجوز العباس إجلالا
ويقولون عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. خرجه أبو عمر.
(ذكر شفقة العباس على أهل الاسلام)
في الجاهلية والاسلام وحرمته في قريش
عن ابن عباس قال ألا أخبركم باسلام أبي ذر قال قلنا بلى قال قال
أبو ذر كنت رجلا من غفار فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي

(1) الطريرة: تصغير الطرة وهي قطعة من السحاب تبدو من الأفق مستطيلة.
200

فقلت لاخى انطلق إلى هذا الرجل كلمة وائتني بخبره فانطلق فلقيه
ثم رجع فقلت ما عندك فقال والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن
الشر فقلت له لم تشفني من الخبر فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى مكة وجعلت
لأعرفه وأكره أن أسأل عنه فأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد قال فمر بي
على فقال كأن الرجل غريب قال قلت نعم قال فانطلق إلى المنزل فانطلقت معه
لا يسألني عن شئ ولا أحدثه فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل (1) عنه
وليس أحد يخبرني عنه بشئ قال فمر بي على فقال أما آن للرجل أن يعرف منزله
قال قلت لا قال فانطلق معي فذهبت معه ولا يسأل أحد منا صاحبه عن شئ
حتى إذا كان الثالث فعل به مثل ذلك فأقامه على معه قال له ألا تحدثني قال فقال
ما أمرك وما أقدمك هذه البلدة قال قلت إن كتمت على أخبرتك قال فانى أفعل
قال قلت له بلغنا انه خرج ههنا رجل يزعم أنه نبي فأرسلت أخي ليكلمه فرجع
ولم يشفني من الخبر فأردت أن ألقاه فقال أما انك قد رشدت هذا وجهي إليه
فاتبعني أدخل حيث أدخل فانى ان رأيت أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط
كأني أصلح نعلي وامض أنت فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له اعرض على الاسلام فعرضه فأسلمت فقال لي
يا أبا ذر اكتم هذا الامر وارجع إلى بلدك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل فقلت
والذي بعثك بالحق نبيا لأصرخن بها بين أظهرهم فجاء إلى المسجد وقريش فيه فقال
يا معشر قريش إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقالوا قوموا إلى هذا
الصابي فقاموا فضربت حتى لأموت فأدركني العباس فأكب على ثم أقبل عليهم
فقال ويلكم تقتلون رجلا من غفار ومتجركم وممركم على غفار فأقلعوا عنى فلما
أصبحت من الغد فغدوت فقلت مثل ما قلت بالأمس فقالوا قوموا إلى هذا الصابي
فصنع بي مثل ما صنع بالأمس وقال فكان هذا أول اسلام أبي ذر. أخرجاه
واللفظ للبخاري. (شرح): انى وان بمعنى أي حان وقته.

(1) في نسخة (لا سألت) وهو تحريف.
201

ذكر احترام عثمان وعلى العباس وامتثالهما أمره وقبولهما إشارته
عن صهيب مولى العباس بن عبد المطلب قال أرسلني العباس إلى عثمان بن
عفان أدعوه فأتيته وهو يغدى الناس فغداهم ثم جاء فقال أفلح الوجه أبا الفضل
قال العباس ووجهك قال ما هو إلا أن غديت الناس ثم أتيتك فقال أذكرك الله
يا أمير المؤمنين في علي ابن عمك وابن عمتك وأخيك في دينك وصاحبك مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم وصهرك بلغني أنك تريد أن تقوم به وبأصحابه فاعفني من
ذلك فقال عثمان ان أول ما أجيبك به انى قد شفعتك وان عليا لو شاء ما كان
أحد دونه ولكنه أبى إلا رأيه ثم انطلق فأرسلني إلى علي فأتاه فقال إن عثمان ابن
عمك وابن عمتك وأخوك في دينك وصاحبك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وولى
بيعتك فقال على لو أمرتني أن أخرج من دارى لفعلت. خرجه سعد بن نصر المخزومي.
(ذكر بر على به ودعائه له رضي الله عنهما)
عن ابن عباس قال اعتل أبى العباس فعاده على فوجدني اضبط رجليه فأخذهما
من يدي وجلس موضعي وقال أنا أحق بعمى منك إن كان الله عز وجل قد
توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمى حمزة وأخي جعفرا فقد أبقى لي العباس
عم الرجل صنو أبيه وبره به كبره بأبيه اللهم هب لعمى عافيتك وارفع له درجة واجعله
عندك في عليين. خرجه الحافظ السلفي في مشيخته.
(ذكر عطاء النبي صلى الله عليه وسلم العباس السقاية)
عن ابن عباس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال له العباس ادفع
لي مفاتيح البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا بل أنا أعطيكم شيئا
لا يرزأكم ولا ترزءوا به. خرجه ابن مخلد.
(ذكر رخصة النبي صلى الله عليه وسلم)
له بترك المبيت بمنى لأجل السقاية إيثارا لنفع المسلمين
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم
202

قال إن الله حرم مكة لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها فقال العباس إلا
الإذخر يا رسول الله فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال إلا الإذخر. أخرجاه. (شرح): القين
الحداد والصائغ واستدل بعضهم بهذا على أنه صلى الله عليه وسلم يشرع في الدين باجتهاده
ولا دليل فيه إذ يجوز أن يكون أوحى إليه هذا التشريع معذوقا بهذا السبب أو يكون
أوحى إليه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة ولابعد في ذلك والقدرة صالحة له.
(ذكر ثناء عبد الله بن عباس على أبيه العباس رضي الله عنهما)
عن ابن عباس وقد سئل عنه قيل له ما تقول في الشيخ العباس بن عبد
المطلب فقال وما عسيت أن أقول فيه رحمة الله على أبى الفضل عم رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقرة عين نبي الله وسيد الأعمام حوى أخلاق آبائه الأجواد
وخلا مع أجداده مهذب الامداد يتبع رأيه كل مهذب صنديد ويتجنب رأيه
كل مخالف عنيد وكيف لا يكون كذلك وقد ساسه خير من دب وهب وأفضل
من مشى وركب قيل فيمن قلت ذا قال في صاحب الكوثر والمقام الأكبر والتاج
الأنور والإكليل الأحمر المشرق بالنور الطاهر القلب التقى اللسان صاحب
الأجنحة الأربعة المكللة بنور الرحمن المنسوجة بالعبقري والأرجوان خليل جبريل
وصفى رب العالمين صاحب الحوض والشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. خرجه
الهاشمي. (شرح): العبقري منسوب إلى عبقري وقد قيل إنه في الأصل قرية يسكنها
الجن فكلما رؤى شئ غريب يصعب عمله أو شئ عظيم نسب إليها وقيل هو الديباج
والأرجوان شجر له نور أحمر فكل لون هو يشبهه فهو أرجوان وقيل هو الصبغ
الأحمر والذكر والأنثى فيه سواء يقال له ثوب أرجوان وقطيفة أرجوان.
(ذكر فراسته رضي الله عنه)
عن ابن عباس أن العباس قال لعلي في مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي
مات فيه أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وانى والله لأرى رسول الله صلى الله
عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا لأني أعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت
اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسألنه فيمن هذا الامر بعده ان
203

كان فينا علمنا وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا فقال أما والله لئن سألناها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعد وانى والله لا أسألها
رسول الله صلى الله عليه وسلم. خرجه البخاري. وعنه قال قال العباس إني أعلم
ما بقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا إلا قليلا قال فأتاه فقال يا رسول الله لو
اتخذت مكانا تكلم الناس منه قال بل اصبر عليهم ينازعوني ردائي ويطؤون
عنقي ويصيبني غبارهم حتى يكون الله هو الذي يريحني منهم. حديث حسن صحيح
ويصلح في ذكر شفقته على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن علي أن العباس قال له إني والله
لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفين من وجعه هذا إني لأعرف وجوه
بنى عبد المطلب عند الموت. (ذكر رياسته)
عن ابن عباس قال قال لي العباس يا بنى إن أمير المؤمنين يعنى عمر يدعوك
ويقدمك ويستشيرك فاحفظ عنى ثلاث خصال لا يجرين عليك كذبة ولا تفش
له سرا ولا تغتابن عنده أحدا قال فقلت لابن عباس يا أبا عباس كل واحدة خير
من ألف قال كل واحدة خير من عشرة آلاف. خرجه أبو محمد بن السقاء.
(ذكر صدقته بداره على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوسعه بها)
عن كعب قال كان للعباس دار فلما أراد عمر أن يوسع المسجد طلبها من العباس
فقال قد جعلتها صدقة منى على مسجد المسلمين. حديث حسن.
(ذكر عتقه)
عن مجاهد قال أعتق العباس بن عبد المطلب سبعين عبدا. خرجه ابن الضحاك.
(ذكر آي نزلت فيه)
عن السدى قال في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من
الربا) نزلت في العباس وخالد وكانا شريكين في الجاهلية فكانا يسلفان في الربا
فجاء الاسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فلما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه
204

وسلم وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب. ذكره
الواحدي وأبو الفرج. وعن عطية العوفي في قوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين
لم يقاتلوكم في الدين) الآية نزلت في جماعة من بني هاشم منهم العباس بن
عبد المطلب، وقيل نزلت في أسماء بنت أبي بكر قدمت عليها أمها المدينة فلم
تنزلها ولم تقبل هديتها فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية
فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بانزالها وقبول هديتها. خرجه أبو الفرج.
وعن الهيثم بن معاوية قال للعباس عدة في كتاب الله ليست لغيره وعده الله إياها
فهي تقرأ إلى يوم القيامة تكون له ولولده من بعده قال الله تعالى (إن يعلم الله
في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم) فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم للعباس وفيت فوفى الله عز وجل لك. أخرجه ابن البختري.
ذكر ما جاء في أن الخلافة في ولده
عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال كنت عند النبي صلى الله عليه
وسلم ذات ليلة فقال انظر هل ترى في السماء نجما قلت نعم قال ما ترى قلت الثريا
قال أما انه يلي هذه الأمة بعددها من صلبك اثنان في فتنة. خرجه أحمد. وعن
ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فوجد العباس بن
عبد المطلب ساجدا فوقف حتى رفع رأسه فلما انفتل من صلاته قال صلى الله عليه
وسلم ألا أبشرك يا عم قلت بلى بأبي أنت وأمي فقال صلى الله عليه وسلم إن من
ذريتك الأصفياء ومن عترتك الخلفاء. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال للعباس فيكم النبوة والمملكة. وعن ابن عباس عن أبيه أن النبي
صلى الله عليه وسلم نظر إليه مقبلا فقال هذا عمى أبو الخلفاء أجود قريش كفا
وأجملها وإن من ولده السفاح والمنصور والمهدى. خرجهن الحافظ أبو القاسم
السهمي. وعن عقبة بن عامر الجهني قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا
بيد العباس ثم قال يا عباس إنه لا يكون نبوة إلا وكانت بعدها خلافة وسيلى من ولدك
في آخر الزمان سبعة عشر منهم السفاح ومنهم المنصور ومنهم المهدى ومنهم الجموح
205

ومنهم العاقب ومنهم الراهن من ولدك وويل لامتي منه كيف يهلكها ويذهب
بأمرها. وعن ابن عباس قال أقبل العباس يوما على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل إلى أبى بكر فقال يا أبا بكر هذا العباس
قد أقبل وعليه ثياب بيض وسيلبس ولده من بعده السواد ويتملك منهم اثنا عشر
رجلا - يعنى ملكا - ولا ينازع فيه. خرجهما ابن حبان والملا في سيرته. وعن
جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليكونن في ولده يعنى العباس ملوك
يكونون أمراء أمتي يعز الله بهم الدين. قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني هذا
حديث غريب من حديث عمرو بن دينار عن جابر خرجه الأصفهاني.
ذكر ما جاء أن المهدى من ولده
تقدم آنفا أيضا في الذكر قبله حديث يتضمنه عن ابن عباس أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال للعباس منك المهدى في آخر الزمان به ينتشر الهدى وبه
تطفأ نيران الضلالات إن الله عز وجل فتح بنا هذا الامر وبذريتك يختم. وعن
عثمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المهدى من
ولد العباس عمى. وعن عبد الصمد بن علي عن أبيه عن جده قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم راكبا إذ التفت فرأى العباس فقال يا عباس فقال لبيك يا رسول الله
قال يا عم النبي قال لبيك يا رسول الله قال إن الله عز وجل ابتدأ الاسلام بي وسيختمه
بغلام من ولدك وهو الذي يتقدم عيسى بن مريم. وعن أبي هريرة قال خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فتلقاه العباس فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ألا أبشرك يا أبا الفضل فقال بلى يا رسول الله فقال إن الله تعالى افتتح بي
هذا الامر وبذريتك يختمه. خرجهن الحافظ أبو القاسم السهمي
ذكر وفاته وما يتعلق بها
توفى رضي الله عنه في خلافه عثمان قبل مقتله بسنتين بالمدينة يوم الجمعة لاثنتي
عشرة - وقيل لأربع عشرة ولم يذكر صاحب الصفوة غيره - خلت من رجب وقيل
من رمضان سنة اثنتين وقيل ثلاث وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة وقيل سبع
206

وثمانين أدرك منهما في الاسلام اثنتين وثلاثين سنة. وصلى عليه عثمان ودفن في
البقيع ودخل في قبره ابنه عبد الله.
ذكر ولده
وكان له من الولد تسعة ومن الإناث ثلاث: الفضل و عبد الله وعبيد الله وعبد
الرحمن وقثم ومعتد وأم حبيب أمهم أم الفضل لبابة بنت الحارث بن حرب الهلالية،
وتمام وكثير ابنا العباس لام ولد والحارث أمه هزلية وأمينة وأم كلثوم وصفية
لأمهات أولاد. قال هشام بن الكلبي: وصبيح ومسهر ابنا العباس، ولم يتابع
على ذلك، وقال إبراهيم المزني: ولبابة وأمينة. ذكر ذلك كله الدارقطني في
كتاب الاخوة والأخوات وتابعه غيره على أكثره.
(الباب الثالث)
في مناقب أولاد الأعمام وفى هذا الباب أبواب
الباب الأول في ذكر أولاد أبى طالب
وجملة أولاد أبى طالب ستة أربعة ذكور وابنتان والذكور طالب ومات كافرا
وهو أكبر ولد أبى طالب وبه كان يكنى، وعقيل وجعفر وعلى وأم هانئ وجمانة
أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكان على أصغرهم كان جعفر أسن
منه بعشر سنين وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين وطالب أسن من عقيل بعشر
سنين. ذكره ابن قتيبة وأبو سعيد وأبو عمر. وقد تقدم ذكر مناقب علي بن أبي
طالب رضي الله عنه ولنذكر مناقب من بقي منهم ونفرد كلا منهم بفصل.
الفصل الأول
في ذكر جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي
وقد تقدم ذكر أمه يكنى أبا عبد الله.
أسلم قديما وهاجر الحبشة للهجرة الثانية ومعه زوجته أسماء بنت عميس وولدت
له ثمة بنيه عبد الله ومحمدا وعونا فلم يزل هنالك حتى قدم على النبي صلى الله عليه
207

وسلم وهو بخيبر سنة سبع فحصلت له الهجرتان رضي الله عنه.
ذكر جواره في ارض الحبشة وما جرى له مع النجاشي
قال بعث عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية من أبي سفيان إلى النجاشي
فقالوا له ونحن عنده قد صار إليك ناس من سفلتنا وسفهائنا فادفعهم إلينا قال لا
حتى أسمع كلامهم قال فبعث إلينا فقال ما يقول هؤلاء قال قلنا هؤلاء قوم يعبدون
الأوثان وان الله عز وجل بعث إلينا رسولا فآمنا به وصدقناه قال فقال لهم
النجاشي أعبيد هم لكم قالوا لا قال فلكم عليهم دين قالوا لا قال فخلوا سبيلهم
قال فخرجنا من عنده فقال عمرو بن العاص ان هؤلاء يقولون في عيسى بن مريم
غير ما تقول قال إن لم يقولوا في عيسى مثل قولي لم أدعهم في أرضى ساعة من نهار
فأرسل إلينا فكانت الدعوة الثانية أشد علينا من الأولى قال ما يقول صاحبكم
في عيسى بن مريم قال قلنا يقول هو روح الله وكلمته ألقاها إلى عذراء بتول قال فأرسل
فقال أدع لي فلانا القس وفلانا الراهب وأتاه أناس منهم قال فقال ما تقولون في
عيسى بن مريم قالوا أنت أعلمنا بما نقول فقال النجاشي وأخذ شيئا من الأرض
ما عدا عيسى ما قال هؤلاء بمثل هذا قال لهم أيؤذيكم أحد قالوا نعم فأمر مناديا فنادى
من آذى أحدا منهم فأغرموه أربعة دراهم ثم قال أيكفيكم قلنا لا قال فأضعفوها
قال فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج إلى المدينة وظهر بها أتيناه فقلنا إن صاحبنا
قد خرج إلى المدينة وظهر بها وقتل الذين كنا حدثناك عنهم وقد أردنا الرحيل
فزودنا فحملنا وزودنا ثم قال أخبر صاحبك بما صنعت إليكم وهذا صاحبي معك
وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقل له يستغفر لي قال جعفر فخرجنا حتى
أتينا المدينة فتلقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقني ثم قال ما أدرى أبفتح
خيبر أفرح أم بقدوم جعفر ووافق ذلك فتح خيبر ثم جلس فقام رسول النجاشي فقال
هذا جعفر فاسأله ما صنع به صاحبنا فقال نعم فعل بنا وحملنا وزودنا وشهد أن لا إله
إلا الله وأنك رسول الله وقال قل له يستغفر لي فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم
دعا ثلاث مرات اللهم اغفر للنجاشي فقال المسلمون آمين قال جعفر فقلت للرسول
208

انطلق وأخبر صاحبك بما قد رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم. خرجه المخلص
الذهبي والبغوي. وعن أم سلمة قالت لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار
النجاشي أمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن
يبعثوا إلى النجاشي هدايا مما يستظرف من متاع مكة (1) فجمعوا له أدما كثيرا
ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا إليه هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن
ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص وقالوا لهما ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن
تكلموا النجاشي بهداياه ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم قال فخرجا
فقدما على النجاشي فدفعا إلى كل بطريق هديته وقالا إنه قد صبا إلى بلد الملك
منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع وقد
بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا
عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فقالوا نعم ثم قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها
منهم ثم كلماه فقالا له أيها الملك انه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين
قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا
إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلم
بما عابوا عليهم فقالت البطارقة بطارقته صدقوا فأسلمهم إليهم فغضب النجاشي
وقال لاها الله إذن لا أسلمهم إليهم ولا أكيد قوما جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني
على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هؤلاء في أمرهم فإن كان كما يقولون
سلمتهم إليهما وإن كان على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني
قال ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم فلما أن جاءهم
الرسول اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا نقول والله
ما علمناه وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا في ذلك ما هو كائن فلما جاءوه
وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم ما هذا الدين الذي فارقتم
فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين من دين هذه الأمم قالت وكان الذي

(1) زاد في مجمع الزوائد (وكان أعجب ما يأتيه منها الادم) وزيادات أخرى في مواضع.
209

يكلمه جعفر بن أبي طالب فقال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام
ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار يأكل القوى منا
الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه
وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن
وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان من أمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة
الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور
وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا وأمر بالصلاة
والزكاة والصيام فصدقناه وآمنا به فعبدنا الله عز وجل ولم نشرك به شيئا وحرمنا
ما حرم علينا وحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا
إلى عبادة الأوثان وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما نهرونا فظلمونا وشقوا
علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك ورغبنا
في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك قالت فقال النجاشي هل معك مما
جاء به عن الله عز وجل شئ قال نعم قال فاقرأه على فقرأ عليه صدرا من كهيعص
فبكى والله النجاشي حتى اخضل لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلوا مصاحفهم ثم
قال إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقوا فوالله لا أسلمهم
إليكم أبدا قالت فلما خرجنا من عنده قال عمرو بن العاص لآتينه غدا أعيبهم
عنده بما أستأصل به خضراءهم فقال له عبد الله بن ربيعة وكان أتقى الرجلين لا تفعل
فان لهم أرحاما قال لا والله لأخبرنه انهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد قالت
ثم غدا عليه الغد فقال أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما
فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه قالت فأرسل إليهم فسألهم عنه قالت ولم ينزل
بنا مثلها فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم
قالوا نقول والله ما قال الله عز وجل وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن فلما
دخلوا عليه قال لهم ما تقولون في عيسى بن مريم قال له جعفر بن أبي طالب نقول
فيه الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم هو عبد الله وروحه ورسوله وكلمته ألقاها
210

إلى مريم العذراء البتول قال فضرب النجاشي يده على الأرض فأخذ منها عودا
ثم قال ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود، ثم قال اذهبوا فأنتم سيوم
بأرضي ردوا عليهما هداياهم فلا حاجة لنا بها فوالله ما أخذ الله منى الرشوة
حين رد على ملكي فآخذ الرشوة أو ما أطاع الله الناس في فأطيعهم فيه قال
فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير
جار قالت فوالله إنا على ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه قالت
فوالله ما علمنا حزنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك خوفا أن يظهر
ذلك الرجل على النجاشي يعرف منه قالت وسار إليه النجاشي وبينهما عرض
النيل قالت فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من رجل يخرج حتى
يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا بالخبر قالت فقال الزبير بن العوام أنا قالوا فأنت وكان
من أحدث القوم سنا فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى عبر إلى
ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم قالت فدعونا الله للنجاشي
بالظهور على عدوه والتمكن في بلاده قالت فوالله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن
إذ طلع الزبير يسعى فلمع بثوبه وهو يقول إلا أبشروا فقد ظفر النجاشي وأهلك
الله عدوه ومكن له في بلاده قالت فوالله ما علمنا فرحنا فرحة قط مثلها قالت فرجع
النجاشي وقد أهلك الله عدوه ومكن له في بلاده فكنا عنده في خير منزل حتى
قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة. خرجه ابن إسحاق.
(شرح) الأساقفة جمع أسقف وهم علماؤهم ورؤساؤهم وهو اسم سرياني فيحتمل أن
يكون سمى به لخضوعه وخشوعه في عبادته والأسقف في اللغة طول في انحناء. اخضل
لحيته: بلها تقول خضل وأخضل إذا ندى وأخضلته أنا، مشكاة هي الكوة وقيل
الحديدة التي يعلق عليها القنديل أراد أن القرآن والإنجيل من أصل واحد،
خضراؤهم أي سوادهم ودهماؤهم، سيوم أي آمنون بها كذا جاء مفسرا في الحديث
وهي كلمة حبشية ويروى بفتح السين وقيل سيوم جمع سائم أي أنتم كالغنم السائمة
لا يعارضكم أحد، وقول النجاشي ما أخذ الله منى الرشوة حين رد على ملكي إلى
211

آخره وذلك أن أباه كان ملك قومه ولم يكن له ولد سواه وكان له أخ له من صلبه
اثنا عشر ولدا وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة فقالت الحبشة لو أنا قتلنا أبا
النجاشي وملكنا أخاه فإنه لا ولد له غير هذا الغلام ولأخيه اثنا عشر ولدا لصلبه
فعدوا على أبى النجاشي فقتلوه وملكوا أخاه ومكثوا على ذلك حينا ونشأ
النجاشي مع عمه وكان لبيبا حازما فغلب على أمر عمه ونزل منه كل منزل فلما رأت
الحبشة مكانة منه قالت والله لقد غلب هذا الفتى على أمر عمه وإنا لنتخوف أن
يملكه علينا وإن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين لقد عرف أنا قتلنا أباه فمشوا
إلى عمه فقالوا إما أن تقتل هذا الفتى وإما أن تخرجه من بين أظهرنا فانا قد خفناه على
أنفسنا قال ويلكم قتلت أباه بالأمس وأقتله اليوم بل أخرجه من بلادكم قال فخرجوا
به إلى السوق فباعوه من رجل تاجر بستمائة درهم فقذفه في سفينة فانطلق به حتى
إذا كان من العشى من ذلك اليوم هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه
يستمطر فأصابته صاعقة فأهلكته ففزعت الحبشة إلى ولده فإذا ليس في ولده
خير فمرج على الحبشة أمرهم فلما ضاق عليهم ما هم فيه قال بعضهم لبعض إن ملككم
الذي لا يقيم أمركم غيره بعتموه غدوة فإن كان لكم بالحبشة حاجة فأدركوه قالت
فخرجوا في طلبه وطلب الرجل الذي باعوه منه حتى أدركوه فأخذوه منه ثم جاءوا به
فعقدوا عليه التاج وأقعدوه على سرير الملك فملكوه فجاءهم التاجر الذي باعوه
منه فقال إما أن تعطوني مالي وإما أن أكلمه في ذلك قالوا لا نعطيك شيئا قال
والله إذا أكلمه في ذلك قالوا فدونك قال فجاءه فجلس بين يديه فقال أيها الملك
ابتعت غلاما من قوم بالسوق بستمائة درهم فأسلموا إلى غلامي وأخذوا دراهمي
حتى إذا سرت بغلامي أدركوني فأخذوا منى غلامي ومنعوني دراهمي قال فقال
لهم النجاشي لتعطنه دراهمه أو ليضعن غلامه في يده فليذهب بن حيث شاء قالوا
بل نعطيه دراهمه قال فذلك قوله ما أخذ الله منى رشوة حين رد إلى ملكي وما
أطاع الناس في وكان ذلك أول ما خبر من صلابته ودينه وعدله رحمه الله. ذكر
ابن إسحاق عن عائشة أم المؤمنين وعن أبي بردة قال أمرنا رسول الله صلى الله
212

عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي فبلغ ذلك قريشا
فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد وجمعوا للنجاشي هدية فأتيناه بها فقبلها
ثم قالا إن ناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرض الملك فبعث إلينا فقال
لنا جعفر لا يتكلم منكم أحد أنا خطيبكم اليوم فقالوا اسجدوا للملك قال جعفر لا
نسجد إلا لله، ثم ذكر نحو حديث أم سلمة وقال ثم قال النجاشي مرحبا بكم وبمن
جئتم من عنده وأنا أشهد أنه رسول الله وانه الذي بشر بن عيسى بن مريم عليه
السلام ولولا ما أنا فيه من الملك لاتيته حتى أقبل نعله. خرجه في الصفوة. وعن
عمرو بن العاص قال لما اتينا باب النجاشي ناديت ائذن لعمر وبن العاص فنادى
جعفر من خلفي ائذن لحزب الله فأذن له قبلي. خرجه في الصفوة.
(ذكر ما ثبت لجعفر رضي الله عنه)
ومن هاجر إلى الحبشة من الفضل
عن أبي موسى الأشعري قال بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن
باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر
أبو رهم إما قال في بضعة وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من
قومي قال فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي
طالب وأصحابه عنده فقال جعفر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا ههنا
وأمرنا بالإقامة فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا قال فوافقنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا أو قال أعطانا منها وما قسم لاحد غاب عن
فتح خيبر منها شيئا إلا لأصحاب سفينتنا جعفر وأصحابه قسم لهم معهم قال
وكان ناس من الناس يقولون لنا سبقناكم بالهجرة قال فدخلت أسماء بنت عميس
وهي ممن قدمت معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة وقد كانت
هاجرت إلى النجاشي ممن هاجر إليه فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر
حين رأى أسماء من هذه قالت أسماء بنت عميس فقال عمر الحبشية هذه البحرية
هذه فقالت أسماء نعم فقال عمر سبقناكم بالهجرة فنحن أحق بالنبي صلى الله
213

عليه وسلم منكم فغضبت وقالت يا عمر كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يطعم جائعكم يعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء
البغضاء من الحبشة وذلك في الله وفى رسوله وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب
شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف
وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا
أزيد على ذلك قال فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت يا نبي الله إن عمر
قال كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بأحق منكم وله ولأصحابه
هجرة ولكم أهل السفينة هجرتان قالت فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة
يأتوني ارسالا ليسألوني عن هذا الحديث ليس من الدنيا شئ هم به أفرح ولا
أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد رأيت أبا
موسى يستعيد هذا الحديث منى. أخرجاه.
(ذكر قدوم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم)
عن الشعبي قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوم جعفر وفتح خيبر
قال ما أدرى بأيهما أنا أشد فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر قال ثم التزمه وقبل
ما بين عينيه. خرجه البغوي في معجمه هكذا ورفعه من طريق آخر عن جابر
ابن عبد الله. وعن جابر قال لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة تلقاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل قال سفيان
حجل مشى على رجل واحدة إعظاما منه صلى الله عليه وسلم فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
بين عينيه وقال حدثني ببعض عجائب الحبشة قال نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله
بينا أنا سائر في بعض طرقاتها إذا بعجوز على رأسها مكتل فأقبل شاب يركض
على فرس له فرجمها فألقاها لوجهها وألقى المكتل عن رأسها فاسترجعت قائمة
وأتبعته النظر وهي تقول الويل لك غدا إذا جلس الملك على كرسيه فاقتص المظلوم
من الظالم قال جابر فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وان دموعه على لحيته
مثل الجمان ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قدس الله أمة لا تأخذ للمظلوم
214

حقه من الظالم. خرجه الغساني في معجمه.
(ذكر شبهه بالنبي صلى الله عليه وسلم)
عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجعفر (أشبهت خلقي
وخلقي) خرجه الترمذي وقال حسن صحيح، وخرجه أحمد وأبو حاتم. وعن أسامة
ابن زيد بن أبيه قال اجتمع على وجعفر وزيد بن حارثة فقال جعفر أنا أحبكم إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال على أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقال زيد أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا انطلقوا بنا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم نسأله قال أسامة فجاءوا يستأذنونه فقال اخرج فانظر
من هؤلاء فقلت هذا جعفر وعلى وزيد ما أقول أبى فقال ائذن لهم فدخلوا فقالوا
يا رسول الله من أحب إليك قال فاطمة قالوا نسألك عن الرجال فقال أما أنت
يا جعفر فأشبه خلقك خلقي وأشبه خلقي خلقك وأنت منى وشجرتي وأما أنت يا علي
فختني وأبو ولدي وأنا منك وأنت منى وأما أنت يا زيد فولاي منى والى
وأحب القوم إلى. خرجه أحمد.
(ذكر أنه خلق من الطينة التي خلق منها رسول الله صلى الله عليه وسلم)
عن جابر لما قال قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة قبل النبي صلى الله عليه وسلم بين عينيه
وقال يا حبيبي أنت أشبه الناس بخلقي وخلقي وخلقت من الطينة التي خلقت منها.
(ذكر أنه خير الناس للمساكين)
عن أبي هريرة أن الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة وإني كنت ألزم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني حين لا أكل الخمير ولا ألبس الحرير
ولا يخدمني فلان ولا فلانة وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع وان كنت
لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني وكان خير الناس للمساكين
جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى
أن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شئ فيشقها فنلعق ما فيها. خرجه
215

البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنا ندعو جعفر بن أبي طالب.
رضي الله عنه أبا المساكين فكنا إذا أتيناه قرب إلينا ما حضر فأتيناه يوما فلم
نجد عنده شيئا فأخرج جرة من عسل فكسرها فجعلنا نلعق منها. أخرجه الترمذي
وقال حسن غريب. وعنه قال كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم
ويحدثونه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا المساكين. خرجه البغوي
في معجمه وصاحب الصفوة والحافظ أبو الحسين العطار في الثمانية. وعنه أنه قال إن
كنت لأسأل الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الآية من القرآن
أنا أعلم بها منه ما أسأله إلا ليطعمني شيئا وكنت إدا سألت جعفر بن أبي طالب
لم يجبني حتى يذهب بي إلى منزله ويقول لامرأته يا أسماء أطعمينا فإذا أطعمتنا
أجانبي وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه فكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يكنيه بأبي المساكين. خرجه الترمذي وقال حديث غريب.
(ذكر ما جاء انه يطير بجناحين مع الملائكة في الجنة)
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأيت جعفرا يطير في
الجنة مع الملائكة) خرجه الترمذي وقال غريب. وخرجه البغوي في معجمه
وزاد بجناحين، وخرجه أبو حاتم بزيادة ولفظه رأيت جعفرا ملكا يطير بجناحيه
في الجنة. وخرجه أبو عمر عن ابن عباس ولفظه دخلت البارحة الجنة فإذا فيها
جعفر يطير مع الملائكة، وهكذا رواه ابن غيلان. وعن ابن عمر أنه كان إذا
سلم على ابن جعفر قال السلام عليك يا ابن ذي الجناحين. خرجه البخاري والبغوي.
وعن ابن عباس قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريبا منه إذ رد
السلام فقال يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب مع جبرائيل وميكائيل فمروا
فسلموا علينا فردوا عليهم وأخبرني أنه لقى المشركين يوم كذا وكذا قبل ممره
على رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث أو أربع فقال له لقيت المشركين فأصبت في جسدي
من مقاديمي ثماني وسبعين بين طعنة وضربة ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت
ثم أخذته بيدي اليسرى فقطعت فعوضني الله عز وجل من يدي جناحين أطير بهما
216

مع جبريل وميكائيل أنزل من الجنة حيث شئت وآكل من ثمارها ما شئت، قالت
أسماء هنيئا لجعفر ما رزقه الله من الخير ولكني أخاف أن لا يصدق الناس فأصعد
المنبر فأخبر من الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس
إن جعفر بن أبي طالب مر مع جبريل وميكائيل وله جناحان عوضه الله عز وجل من
يديه فسلم على ثم أخبرهم كيف أخبره حين لقى المشركين فاستبان الناس من بعد
ذلك اليوم الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جعفرا لقيهم فلذلك سمى جعفر الطيار في
الجنة. خرجه ابن البختري. وعن إسماعيل بن أبي خلف عن رجل عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال قد رأيته يعنى جعفرا في الجنة له جناحان مضرجان بالدماء مصبوغ
القوادم. خرجه ابن الضحاك.
ذكر ما جاء في أنه أفضل من ركب الكور بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة قال ما احتذى النعال ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا ركب الكور (1)
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر. خرجه الترمذي وقال حسن صحيح. وعن عبد الله
ابن جعفر قال كنت إذا سألت عليا فمنعني قلت له بحق جعفر أعطاني. خرجه أبو عمر.
(ذكر وفاته رضي الله عنه)
قتل رضي الله عنه في غزاة مؤتة بالبلقاء سنة ثمان من الهجرة. عن عبد الله
ابن الزبير قال حدثني أبي الذي أرضعني وكان أحد بنى مرة قال شهدت مؤتة
مع جعفر بن أبي طالب وأصحابه فرأيت جعفرا حين التحم القتال اقتحم عن
فرس له شقراء ثم عقرها وقاتل القوم حتى قتل وكان أول رجل عقر في الاسلام.
خرجه البغوي في معجمه وخرجه أبو عمر وقال عرقبها حين رأى الغلبة وقاتل حتى
قتل رضي الله عنه وقطعت في تلك الوقعة يداه جميعا ثم قتل فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء
فمن هناك قيل لجعفر ذو الجناحين. وعن سالم بن أبي الجعد قال أرى النبي صلى الله
عليه وسلم في النوم جعفر بن أبي طالب ذا جناحين مضرجا بالدماء. خرجهما أبو

(1) الكور بالضم هو رحل الناقة بأداته وهو كالسرح وآلته للفرس.
217

عمر. وعن أبي عمر قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة
فقال إن قتل زيد فجعفر وان قتل جعفر فعبد الله بن رواحة قال ابن عمرو كنت
معهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفرا فوجدناه في القتلى ووجدنا فيما اقبل من جسده
بضعا وتسعين من طعنة ورمية. وعنه انه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل فعددت
به خمسين من طعنة وضربة ليس شئ في دبره. أخرجهما البخاري وتابعة أبو
حاتم في الأول، ويمكن أن يكون استوفى العدد في إحدى المرتين دون الأخرى
من غير أن يكون بينهما تضادد وعن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم نعى جعفرا وزيدا
قبل ان يجئ خبرهم وعيناه تذرفان. خرجه في الصفوة. وعن عائشة قالت لما جاء
نعى جعفر وزيد و عبد الله بن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف
الحزن في وجهه متفق على صحته. وعن أسماء بنت عميس قالت لما أصيب جعفر
وأصحابه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دبغت أربعين منيا، وفى
رواية منيئة (1) وعجنت عجيني وغسلت بنى ودهنتهم ونظفتهم فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ائتيني ببنى جعفر فأتيته بهم وذرفت عيناه فقلت يا رسول الله
بأبي أنت وأمي ما يبكيك أبلغك عن جعفر وأصحابه شئ قال نعم قتل اليوم هو
وأصحابه قالت فقمنا واجتمع النساء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله
فقال لا تغفلوا عن آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم.
خرجه ابن إسحاق والبغوي، وخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة منه
اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم، قال أبو عمر ولما جاء نعى جعفر
اتى امرأته أسماء بنت عميس فعزاها في زوجها ودخلت فاطمة وهي تبكى وتقول
وا عماه فقال صلى الله عليه وسلم على مثل جعفر فلتبك البواكي. وعن ابن المسيب
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل إلى جعفر وزيد بن حارثة و عبد الله
ابن رواحة في خيمة من دركل واحد منهم على سرير فرأيت زيدا وابن رواحة
في أعناقهما صدود ورأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود قال فسألت فقيل لي إنهما

(1) يقال منأت الأديم إذا ألقيته في الدباغ، ويقال له ما دام في الدباغ منيئه أيضا.
218

حين غشيهما الموت أعرضا أو كأنهما صدا بوجههما وأما جعفر فإنه لم يفعل. خرجهما أبو عمر
قال الزبير بن بكار كانت سن جعفر حين قتل إحدى وأربعين سنة. وعن عبد الله
ابن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل أهل جعفر ثلاثا ثم اتاهم فقال لا تبكوا على اخى بعد اليوم
ثم قال ادعوا بنى اخى فجئ بنا كأننا أفرخ فدعا الحلاق فحلق رؤوسنا. خرجه البغوي.
(ذكر ولده)
كان له من الولد ثلاثة عبد الله وبه كان يكنى ومحمد وعون ولدوا كلهم بأرض
الحبشة. ذكره الدارقطني وأبو عمر والبغوي وغيرهم. أمهم أسماء بنت عميس واخوتهم
لامهم محمد بن أبي بكر ويحيى بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(ذكر عبد الله بن جعفر ويكنى أبا جعفر)
هو أول مولود ولد في الاسلام في أرض الحبشة وقدم مع أبيه المدينة وحفظ
عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه.
(ذكر بيعته)
عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن الزبير و عبد الله بن جعفر بايعا
النبي صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين وان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآهما تبسم
وبسط يده فبايعهما. خرجه البغوي.
(ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له)
عن عمر بن حريث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعبد الله بن جعفر
وهو يلعب مع الغلمان أو الصبيان فقال اللهم بارك لعبد الله في بيعته أو في صفقته.
وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على رأسه ثلاثا كلما مسح قال
اللهم اخلف جعفرا في ولده. خرجه أحمد والبغوي.
(ذكر حمل النبي صلى الله عليه وسلم إياه معه على دابته)
عن عبد الله بن جعفر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر يلقى
بالصبيان من أهل بيته قال وانه قدم من سفر فسبق بي إليه قال فحملني بين يديه
219

قال ثم أتى بأحد ابني فاطمة إما حسن وإما حسين فأردفه خلفه قال فدخلنا
المدينة ثلاثة على الدابة. خرجه مسلم. وعنه قال أردفني رسول الله صلى الله عليه
وسلم خلفه وأسر إلى. خرجه البغوي. وسيأتي في باب قثم انه صلى الله عليه وسلم حمله بين
يديه وقثم خلفه، خرجه أحمد وأبو عمر والبغوي.
(ذكر جوده وكرمه وغيرهما من صفاته الجميلة)
قال أبو عمر وكان عبد الله جوادا ظريفا حليما عفيفا سخيا يسمى بحر الجود يقال
إنه لم يكن في الاسلام أسخى منه وكان لا يرى بأسا بسماع الغناء. روى أن عبد الله
كان إذا قدم على معاوية أنزله داره وأظهر له من بره وكرمه ما يستحقه فكان ذلك
يغيظ فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف زوجة معاوية
فسمعت ليلة غناء عند عبد الله بن جعفر فجاءت إلى معاوية فقالت هلم فاسمع
ما في منزل هذا الرجل الذي جعلته بين لحمك ودمك قال فجاء معاوية فسمعه
وانصرف فلما كان في آخر الليل سمع معاوية قراءة عبد الله بن جعفر فجاء فاختة
فقال اسمعي مكان ما أسمعتيني. وكانوا يقولون أجواد العرب في الاسلام عشرة
فأجواد أهل الحجاز عبد الله بن جعفر وعبيد الله بن عباس وسعيد بن العاص،
وأجواد أهل الكوفة عتاب بن ورقاء أحد بنى رباح بن يربوع وأسماء بن خارجة
ابن حصن الفزاري وعكرمة بن ربعي الفياض أحد بنى تيم الله بن ثعلبة. وأجواد
أهل البصرة عمر بن عبد الله بن معمر وطلحة بن عبيد الله بن خلف الخزاعي ثم أحد
بنى مليح وهو طلحة الطلحات وعبيد الله بن أبي بكر. وأجواد أهل الشام خالد بن
عبد الله بن خالد بن أسيد. وليس في هؤلاء كلهم أجود من عبد الله بن جعفر ولم
يكن مسلم يبلغ مبلغه في الجود وعوتب في ذلك فقال إن الله عودني عادة وعودت
الناس عادة فأنا أخاف ان قطعتها قطعت عنى. وأخباره في الجود كثيرة. ذكره أبو عمر.
(ذكر شبهه بالنبي صلى الله عليه وسلم)
عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات جعفر دعا الحالق
فحلق رؤوسنا وقال أما محمد فشبيه عمى أبى طالب وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي
220

ثم أخذ بيدي وقال اللهم اخلف جعفرا في أهله وبارك لعبد الله في صفقته ميته
ثلاث مرات فجاءت أسماء أمنا فذكرت يتمنا فقال العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم
في الدنيا والآخرة. خرجه البغوي. (شرح): العيلة الفقر ومنه (وان خفتم عيلة)
وكان عبد الله يسكن المدينة وكان قد أتى الكوفة والبصرة والشام. (ذكر وفاته)
توفى عبد الله بن جعفر بالمدينة سنة ثمانين وهو ابن تسعين سنة، وقيل سنة
أربع أو خمس وثمانين وهو ابن ثمانين قال أبو عمر والأول أشبه وعليه الأكثر.
وصلى عليه أبان بن عثمان وهو أمير بالمدينة يومئذ ولما حضرته الوفاة دعا بابنه
معاوية فنزع شنفا (1) من أذنه وأوصى إليه وفى ولده من هو أسن منه وقال إني لم أزل
أؤملك لها. فلما توفى عبد الله احتال معاوية بدينه وخرج يطلب فيه حتى قضاه
وقسم أموال أبيه بين ولده ولم يستأثر عنهم بشئ.
ذكر محمد بن جعفر رضي الله عنه
قال أبو عمر ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه أسماء بنت عميس
وقال صلى الله عليه وسلم محمد يشبه عمنا أبا طالب. وقد تقدم ذكر ذلك. وزوجه علي رضي الله عنه
بابنته أم كلثوم بعد عمر على ما تقدم ذكره في فضل ذكرها، وكان محمد بن جعفر
هذا ومحمد بن الحنفية ومحمد بن الأشعث ومحمد بن أبي حذيفة كلهم يكنى أبا
القاسم واستشهد محمد بتستر.
ذكر عون بن جعفر رضي الله عنه
ولد أيضا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمه أيضا أسماء واستشهد
أيضا بتستر ولا عقب له.
الفصل الثاني في ذكر عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه
لم يزل اسمه في الجاهلية والاسلام عقيلا ويكنى أبا يزيد. أمه فاطمة بنت أسد

(1) الشنف: من حلى الاذن، وجمعه شنوف.
221

(ذكر اسلامه رضي الله عنه)
قال العذري وكان عقيلا قد خرج مع كفار قريش يوم بدر مكرها فأسر
ففداه عمه العباس ثم أتى مسلما قبل الحديبية وشهد غزوة مؤتة. ذكره أبو عمر.
ذكر محبة النبي صلى الله عليه وسلم له
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا يزيد إني أحبك حبين حبا لقرابتك منى وحبا
لما كنت أعلم من حب عمى إياك. خرجه أبو عمر والبغوي.
ذكر ترحيب النبي صلى الله عليه وسلم وسؤاله عنه
عن جابر أن عقيلا دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مرحبا بك يا أبا يزيد كيف
أصبحت قال بخير صبحك الله بخير يا أبا القاسم. خرجه البغوي.
(ذكر علمه بالنسب وأيام العرب)
وكان عقيل أنسب قريش وأعلمهم بأيامها ولكنه كان مبغضا إليهم لأنه كان
يعد مساوئهم وكانت له قطيفة تفرش له في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلى عليها ويجتمع إليه الناس في علم النسب وأيام العرب وكان رضي الله عنه أسرع
الناس جوابا وأحضرهم مراجعة في القول وأبلغهم في ذلك. خرجه أبو عمر.
(ذكر خروجه إلى معاوية)
قال أبو عمر كان عقيل غاضب عليا وخرج إلى معاوية وأقام عنده فزعموا أن معاوية
قال يوما بحضرته هذا أبو يزيد لولا علمه بأنى خير له من أخيه ما أقام عندنا وتركه فقال
عقيل أخي خير لي في ديني وأنت خير لي في دنياي وقد آثرت دنياي وأسأل الله خاتمة
خير. وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن عقيلا جاء إلى علي بالعراق فسأله فقال إن أحببت
أن أكتب لك إلى مالي بينبع فأعطيتك منه فقال عقيل لأذهبن إلى رجل هو
أوصل لي منك فذهب إلى معاوية فعرف ذلك له. خرجه البغوي.
(ذكر نبذ من اخباره)
قال أبو عمر قدم عقيل البصرة ثم الكوفة ثم الشام. وعن عطاء قال رأيت
222

عقيلا شيخا كبيرا يفتل غرب زمزم فإذا خرج الغرب يعنى الدلو فتله بيده. وعن
الحسن بن أبي الحسن عن عقيل أنه تزوج امرأة فقيل بالرفاء والبنين فقال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج أحدكم فليقل له بارك الله لك وبارك عليك. ورواه
عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبيه عن جده ولفظه كنا نؤمر بأن نقول بارك الله لكم
وبارك عليكم ولا نقول بالرفاء والبنين. خرجهما أبو عمر وخرج الأول البغوي أيضا.
وعن موسى بن طلحة عن عقيل بن أبي طالب قال جاءت قريش إلى أبى طالب
فقالوا إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفى كعبتنا وفى ديارنا ويسمعنا ما نكره فان
رأيت أن تكفه عنا فافعل فقال لي يا عقيل التمس لي ابن عمك فأخرجته من كبس
من كباس أبى طالب فجاء يمشى معي يطلب الفئ يطأ فيه لا يقدر عليه حتى
انتهى إلى أبى طالب فقال يا ابن أخي والله لقد كنت لي مطيعا جاء قومك يزعمون
أنك تأتيهم في كعبتهم وفى ناديهم فتؤذيهم وتسمعهم ما يكرهون فان رأيت أن تكف
عنهم فحلق بصره إلى السماء وقال والله ما أنا بقادر أن أرد ما بعثني به ربى ولو
أن يشعل أحدهم من هذا الشمس نارا فقال أبو طالب والله ما كذب قط فارجعوا
راشدين. والكبس بالباء الموحدة والسين المهملة بيت صغير. ويروى بالنون من
الكناس وهو بيت الظبي، وتوفى رضي الله عنه في خلافة معاوية ولم يوقف على
السنة التي مات فيها. ذكره ابن الضحاك.
(ذكر الإناث من أولاد أبى طالب)
كان له ابنتان أم هانئ واسمها فاختة وقيل هند أسلمت يوم الفتح. حكاه
أبو عمر. وتزوجها هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم. وولدت
له أولادا وهرب إلى نجران ومات مشركا وهي التي صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها عام
الفتح الضحى ثمان ركعتان في ثوب واحد مخالفا بين طرفيه وقال لها قد أجرنا من
أجرت يا أم هانئ. متفق عليه. وعن ابن عباس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم
هانئ بنت أبي طالب يوم الفتح وكان جائعا فقالت يا رسول الله إن أصهارا لي
قد لجؤا إلى وأن علي بن أبي طالب لا تأخذه في الله لومة لائم وإني أخاف أن يعلم
223

بهم فيقتلهم فاجعل من دخل دار أم هانئ آمنا حتى يسمع كلام الله فأمنهم رسول
لله صلى الله عليه وسلم وقال أجرنا من أجارت أم هانئ فقال هل عندك من
طعام نأكله فقالت ليس عندي إلا كسر يابسة وانى لأستحي أن أقدمها إليك
قال هلميهن فكسرهن في ماء وجاءت بملح فقال هل من إدام فقالت ما عندي
يا رسول الله إلا شئ من خل فقال هلميه فصبه على طعامه فأكل منه ثم حمد الله
ثم قال نعم الادام الخل يا أم هانئ لا يفقر بيت فيه خل. خرجه بهذا السياق الطبراني
وجماعة. وجمانة ذكرها ابن قتيبة وأبو سعيد في شرف النبوة في أولاد أبى طالب
أمهما فاطمة بنت أسد، وأما أبو عمر فلم يذكرها فلعلها لم يثبت عنده إسلامها،
وذكرها الدارقطني في كتاب الاخوة والأخوات ولم يذكر فيه إلا من أسلم يدل
على أنه صح عنده إسلامها. قال وتزوجها ابن عمها أبو سفيان بن الحارث بن عبد
المطلب وولدت له قال ولم يسند عنها شئ. وهذا القول دليل على صحة إسلامها
إذ من لم يسلم لم يوصف بذلك اثباتا ولا نفيا.
الباب الثاني من أبواب بنى الأعمام في ولد العباس بن عبد المطلب
قد تقدم ذكر جملتهم اجمالا في آخر مناقب العباس. ولنذكر كل واحد
منهم منفردا بفصل على وجه التفصيل:
(الفصل الأول)
(في ذكر الفضل بن العباس)
كان أكبره ولده وبه كان يكنى. أمه أم الفضل لبابة بنت الحرث الهلالية
أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى أنها أول امرأة أسلمت
بعد خديجة بمكة. خرجه البغوي.
(ذكر اسمه وصفته رضي الله عنه)
لم يزل اسمه الفضل في الجاهلية والاسلام ويكنى أبا عبد الله وقيل أبا محمد
وكان أحمل الناس وجها. وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفع من
224

المزدلفة إلى منى أردف الفضل بن العباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما
فمرت ظعن مجيزين فجعل الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يده على وجه الفضل فحول الفضل إلى الشق الآخر ينظر فحول رسول الله صلى الله
عليه وسلم يده إلى الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر
ينظر. خرجه مسلم. وفى بعض الطرق فقال العباس لويت عنق ابن عمك يا رسول
الله فقال رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما.
(ذكر نبذ من اخباره)
قال أهل العلم بالتاريخ غزا الفضل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وحنينا
وثبت يومئذ وشهد حجة الوداع وأردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه فيها
على ما تقدم، وهو الذي كان يصب الماء على غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رضي الله عنه
يغسله. عن عبد الله بن عباس عن أخيه الفضل قال جاءني رسول الله
صلى الله عليه وسلم موعوكا قد عصب رأسه فقال خذ بيدي فأخذت بيده فأقبل حتى جلس
على المنبر ثم قال ناد في الناس فصحت في الناس فاجتمعوا إليه فقال أما بعد
أيها الناس فانى أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو وانه قد دنا منى حقوق من
بين أظهركم فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقض منه ومن كنت
شتمت له عرضا فهذا عرضى فليستقض منه ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي
فليأخذ منه ولا يقول رجل إني أخشى الشحناء من قبل رسول الله صلى الله عليه
وسلم ألا وان الشحناء ليست من طبيعتي ولامن شأني ألا وان أحبكم إلى من أخذ
حقا إن كان له أو حللني فلقيت الله وأنا طيب النفس. خرجه البغوي.
(ذكر وفاته رضي الله عنه)
قال أبو عمر واختلف في وفاته فقيل أصيب بأجنادين في خلافة أبى بكر سنة
ثلاث عشرة وكان الأمير بها عمرو بن العاص وأبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان
وشرحبيل بن حسنة كل منهم على طائفة وقيل إن عمرا كان أميرا عليهم كلهم.
وقيل قتل يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة أيضا وقيل مات بطاعون عموا؟ ى
225

سنة ثمان عشرة في خلافة عمر وقيل قتل رضي الله عنه في يوم اليرموك في خلافة
أبى بكر رضي الله عنه. ذكره الدارقطني وغيره.
(ذكر ولده رضي الله عنه)
توفى ولم يترك ولدا غير ابنة تزوجها الحسن بن علي ثم فارقها فتزوجها
أبو موسى الأشعري فولدت له موسى ومات عنها فتزوجها عمر بن طلحة. وقيل
إن الفضل خلف ابنا يقال له عبد الله ولم يثبت. ذكر ذلك جمعه الدارقطني
في كتاب الاخوة وتابعه غيره على بعضه.
(الفصل الثاني)
في ذكر عبد الله بن عباس ويكنى أبا العباس
(ذكر اسمه وكنيته ومولده وصفته)
لم يزل اسمه عبد الله ويكنى أبا العباس، أمه أم الفضل. ولد قبل الهجرة بثلاث
سنين بالشعب قبل خروج بني هاشم منه. وذكر الطائي أن النبي صلى الله عليه
وسلم حنكه بريقه ودعا له وقال اللهم بارك فيه وانشر منه وعلمه الحكمة، وسماه
ترجمان القرآن. وكان يوم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثلاث عشرة سنة. روى ذلك
عنه، وروى عنه أيضا أنه قال مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد
قرأت المحكم يعنى المفصل. وفى رواية وأنا ابن خمس عشرة سنة وأنا ختن
ولعله الأشبه إذ روى عنه أنه قال في حجه الوداع وأنا قد ناهزت الاحتلام وصحح
أبو عمر القول الأول إخبار الدارقطني. وكان له وفرة وكان ابن عباس طويلا
أبيض مشربا بشقرة جسيما وسيما صبيح الوجه وكان يصفر لحيته وقيل كان
يخضب بالحناء وكان له وفرة. خرجه ابن الضحاك. قال أبو إسحاق رأيت ابن
عباس بمنى طويل الشعر فعرفت أنه قصر ولم يحلق وعليه إزار وعليه رداء أصفر
وكان يخضب بالسواد، وهذا مغاير لما تقدم عن خضابه ولعله كان يفعل هذا مرة
وهذا أخرى فيروى كل ما بلغه. وعن ابن أبي الحسين أن رجلا نظر إلى ابن
عباس وقد دخل المسجد فنظر إلى هيئته وطوله فقال من هذا قيل هذا ابن عباس
226

هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (الله أعلم حيث يجعل رسالته)
حديث حسن غريب. قال أبو عمر وشهد عبد الله بن عباس مع علي الجمل وصفين
والنهروان وكان ممن شهد ذلك مع علي والحسن والحسين ومحمد بنوه وعقيل أخوه
وعبيد الله وقثم ابنا عمه العباس و عبد الله ومحمد وعون بنو جعفر والمغيرة بن نوفل
ابن الحارث بن عبد المطلب وعبيد الله بن ربيعة بن عبد المطلب. ذكره أبو عمر
في ذكر عبد الله بن عباس رضي الله عنهم.
(ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له)
عن ابن عباس قال ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وقال اللهم علمه الحكمة.
خرجه الترمذي وقال حسن صحيح والبغوي في معجمه وأبو حاتم، وخرجه البخاري
وقال ضمني إلى صدره، وفى رواية له اللهم علمه الكتاب. وخرجه أبو عمر وزاد وتأويل
القرآن ولم يقل ضمني. وفى حديث آخر وزده علما وفقهه في الدين. قال أبو عمر
وكلها أحاديث صحاح. وفى رواية خرجها الحافظ الثقفي زده فهما وعلما. وعنه انه
رأى جبريل مرتين ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم مرتين. خرجه الترمذي وقال حديث
مرسل، وخرجه أبو عمر ولفظه قال رأيت جبريل مرتين ودعا لي رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالحكمة مرتين، وخرج الترمذي قوله دعا لي رسول الله صلى الله عليه وآله بالحكمة مرتين
وقال حسن غريب. وعنه قال أجلسني النبي صلى الله عليه وسلم في حجره ومسح
رأسي ودعا لي بالبركة. وعنه قال بينما أنا ردف النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لي
(احفظ الله يا غلام تجده تجاهك إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله
جفت الأقلام وارتفعت الصحف والذي نفسي بيده لو أرادت الأمة أن ينفعوك بغير
ما كتبه الله ما استطاعت أو أرادت أن تضرك بغير ما كتبه الله لك ما استطاعت.
وعن عمر أنه كان يدعو ابن عباس فيقربه ويقول رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم دعاك يوما فمسح رأسك وتفل في فيك وقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل.
خرج الثلاثة البغوي في معجمه. وعن ابن عباس قال أتى النبي صلى الله عليه
وسلم الخلاء فوضعت له وضوءا فلما خرج قال من وضع هذا قالوا ابن عباس قال اللهم.
227

فقهه. أخرجاه. وفى رواية فقهه في الدين. أخرجه البخاري. وفى رواية فقهه في الدين
وعلمه التأويل. خرجهما أبو حاتم. وفى رواية علمه تأويل القرآن. خرجهما ابن
الضحاك. وعنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفه أو على منكبه
شك معبد ثم قال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل. خرجه أحمد. وبعضهم يعزيه
إلى البخاري ولم يزد ذكر التأويل في الكتابين. وعنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال اللهم اعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل. خرجه أحمد.
(ذكر علمه رضي الله عنه)
عن ابن عباس قال كان عمر رضي الله عنه يدخلني مع أشياخ بدر فقال بعضهم
لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله قال إنه ممن علمتم قال فدعاهم ذات يوم
ودعاني وما دعاني إلا ليريهم منى فقال ما تقولون (إذا جاء نصر الله والفتح) إلى أن ختم
السورة فقال بعضهم أمرنا أن نستغفر ونتحمد إذا نصرنا وفتح علينا وقال بعضهم
لا ندري ولم يقل بعضهم شيئا فقال لي يا ابن عباس أكذلك تقول؟ قلت لا قال
فما تقول قلت أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له إذا جاء نصر الله
وفتح مكة فذلك علامة أجلك (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) فقال عمر
رضي الله عنه ما أعلم فيها إلا ما يعلم هذا. خرجه البخاري. وعنه قال كان عمر
يأذن لأهل بدر ويأذن لي معهم فقال بعضهم أتأذن لهذا الفتى وفى أبنائنا من هو
مثله فقال فإنه من قد علمتم فأذن لهم يوما وأذن لي معهم فسألهم عن هذه السورة
(إذا جاء نصر الله والفتح) إلى آخرها فقالوا أمر الله نبيه إذا فتح عليه أن يستغفر
وأن يتوب إليه فقال لي ما تقول يا ابن عباس فقلت ليس كذلك ولكنه أخبر
نبيه بحضور أجله فقال (إذا جاء نصر الله والفتح) فتح مكة (ورأيت الناس يدخلون
في دين الله أفواجا) أي فذلك علامة موتك (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان
توابا) فقال لهم كيف تلوموني عليه بعد ما ترونه. خرجه في الصفوة. وعن عبيد الله
ابن عمرو أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل ابن عباس عن شئ فأجابه فقال
جزاك الله عنا الخير يا ابن أخي شفيتنا. خرجه ابن الضحاك. وعن عمر أنه قال
228

يوما لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما ترون هذه الآية نزلت (أيود أحدكم أن تكون له جنة من
نخيل) قالوا الله ورسوله أعلم فغضب عمر فقال قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس
في نفسي منها شئ يا أمير المؤمنين قال عمر ابن أخي قل ولا تحقر نفسك قال ابن عباس
ضربت مثلا لعمل قال عمر أي عمل قال ابن عباس لعمل رجل عمل بطاعة الله ثم بعث الله له
الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق عمله. خرجه البخاري. وعن عمر أنه كان يقول
انك والله لأصبح فتياننا وجها وأحسنهم عقلا وأفقههم في كتاب الله عز وجل. خرجه في
الصفوة. وعن ابن مسعود أنه قال نعم ترجمان القرآن ابن عباس. والترجمان بفتح
التاء والجيم والجمع تراجم مثل زعفران وزعافر ويقال ترجمان بفتح التاء وضم الجيم ويقال
بضمهما. وعن مجاهد ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس إلا أن يقول قائل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن طاووس قال أدركت نحو خمسمائة من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذاكروا ابن عباس فخالفوه فلم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى
قوله. وعن ابن سيرين قال مر بجنازة على الحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن
ولم يقم ابن عباس فقال الحسن بن علي لابن عباس أما تعلم أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قام لها فقال ابن عباس بلى قام وقعد. خرجه الترمذي. وعن يزيد
ابن الأصم قال خرج معاوية حاجا معه ابن عباس فكان لمعاوية موكب ولابن
عباس موكب ممن يطلب العلم. وعن مسروق قال كنت إذا رأيت عبد الله بن
عباس قلت أجمل الناس وإذا تكلم قلت أفصح الناس وإذا تحدث قلت أعلم
الناس. وعن الأعمش مثله وزاد فإذا اسكت قلت من أحلم الناس. وعن شقيق بن أبي
وائل قال خطبنا ابن عباس وهو على الموسم فافتتح سورة النور فجعل يقرأ ويفسر
فجعلت أقول ما سمعت ولا رأيت كلام رجل مثله ولو سمعته فارس والروم والترك
لاسلمت. خرج جميع ذلك أبو عمر، وخرج في الصفوة حديث شقيق وقال سورة
البقرة مكان سورة النور. وعن الحسن قال كان ابن عباس يقوم على منبرنا هذا
فيقرأ البقرة وآل عمران فيفسرهما آية آية وكان عمر إذا ذكره قال ذاكم فتى
الكهول له لسان سؤول وقلب عقول. وعن عمرو بن دينار عن ابن عمر أن رجلا
229

أتاه فسأله عن (السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) فقال اذهب إلى ذلك الشيخ
فاسأله فقال ابن عباس كانت السماوات رتقا لا تمطر والأرض رتقا لا تنبت ففتق
هذه بالمطر وفتق هذه بالنبات فرجع ابن عمر فأخبره فقال إن ابن عباس قد أوتى
علما صدق هكذا كانت ثم قال ابن عمر قد كنت أول ما يعجبني جرأة ابن عباس
على تفسير القرآن فالآن قد أوتى علما خرجه في الصفوة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما
قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار هلم
فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير فقال واعجبا لك
يا ابن عباس أترى الناس يفتقرون إليك وفى الناس من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم من فيهم قال فتركته وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن الحديث فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فأتي بابه وهو
قائل فأتوسد الباب فيخرج فيراني فيقول يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما جاء بك ألا أرسلت إلى فأتيك فأقول لا أنت أحق أن آتيك فأسأله عن
الحديث فعاش ذلك الرجل الأنصاري حتى رأى وقد اجتمع الناس حولي فيقول
هذا الفتى كان أعقل منى. خرجه في الصفوة. وعن عمرو بن دينار قال ما رأيت
مجلسا أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس الحلال والحرام والعربية والأنساب
وأحسبه قال والشعر. وعن عطاء قال كان ناس يأتون ابن عباس في الشعر والأنساب
وأناس لأيام العرب ووقائعها وناس للعلم فما منهم من صنف إلا يقبل عليهم بما
شاءوا. خرجه الحربي. وعن طاووس قال كان ابن عباس قد بسق على الناس في
العلم كما تبسق النخلة السحوق على الودي الصغار (1). وعن عبد الله بن عبد الله قال ما
رأيت أحدا كان أعلم بالسنة ولا أجلد رأيا ولا أثقب نظرا من ابن عباس ولقد كان عمر
رضي الله عنه يعده للمعضلات مع اجتهاد عمر ونظره للمسلمين. وعن القاسم بن محمد
قال ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلا قط وما سمعت فتوى أشبه بالسنة من فتواه
وكان أصحابه يسمونه البحر ويسمونه الحبر. خرج جميع ذلك كله أبو عمر. وعن

(1) بسق أي علا وارتفع، والودي بتشديد الياء: صغار النخل الواحدة ودية.
230

أبى صالح قال لقد رأيت من ابن عباس مجلسا لو اجتمعت قريش وفخرت به لكان
فخرا رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاقت بهم الطريق فما كان أحد يقدر على أن
يجئ ولا أن يذهب قال فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه فقال لي ضع لي
وضوءا قال فتوضأ وجلس وقال اخرج لهم من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه
وما أراد منه فليدخل قال فخرجت فناديتهم فدخلوا حتى ملؤا البيت والحجرة
قال فما سألوا عن شئ إلا أخبرهم عنه وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر ثم قال
إخوانكم فخرجوا ثم قال اخرج فقل من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن أو تأويله
فليدخل قال فخرجت فناديتهم فدخلوا حتى ملؤا البيت والحجرة فما سألوا عن
شئ إلا أخبرهم بن وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثر ثم قال إخوانكم قال فخرجوا
ثم قال أخرج فقل من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل فخرجت
فقلت لهم قال فدخلوا حتى ملؤا البيت والحجرة فما سألوا عن شئ إلا أخبرهم
وزادهم مثله ثم قال اخوانكم قال فخرجوا ثم قال أخرج فقل من أراد أن يسأل عن
الفرائض وما أشبهها فليدخل قال فخرجت فناديتهم فدخلوا حتى ملؤا البيت
والحجرة فما سألوه عن شئ إلا أخبرهم وزاد مثله ثم قال اخوانكم قال فخرجوا
ثم قال اخرج فقل من أراد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام
فليدخل قال فدخلوا حتى ملؤا البيت والحجرة فما سألوه عن شئ إلا أخبرهم به
وزادهم مثله قال أبو صالح فلو أن قريشا كلها فخرت بذلك لكان لها فخرا ما رأيت
مثل هذا لاحد من الناس. خرجه في الصفوة.
(ذكر رجوع بعض الخوارج إلى قوله)
وانصرافهم عن قتال على رضي الله عنهما بسبب ذلك
عن ابن عباس رضي الله عنه قال اجتمعت الخوارج وهو ستة آلاف أو نحوها
قلت لعلي بن أبي طالب يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلى ألقى هؤلاء القوم قال
إني أخافهم عليك قال فقلت كلا قال ثم لبس حلتين من أحسن الحلل قال وكان
ابن عباس جميلا جهيرا قال فأتيت القوم فلما بصروا إلى قالوا مرحبا بابن
231

عباس فما هذه الحلة قال قلت ما تذكرون من ذلك لقد رأيت على رسول الله
صلى الله عليه وسلم حلة من أحسن الحلل قال ثم تلوت عليهم (قل من حرم زينة
الله التي أخرج لعباده) قالوا فما جاء بك قلت جئتكم من عند أمير المؤمنين ومن
عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن عند المهاجرين والأنصار لأبلغكم ما قالوا
ولابلغهم ما تقولون فما تنقمون من علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله
عليه وسلم وصهره قال فأقبل بعضهم على بعض فقال بعضهم لا تكلموه فان الله
تعالى يقول (بل هم قوم خصمون) وقال بعضهم وما يمنعنا من كلام ابن عم
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى كتاب الله قالوا ننقم عليه خلالا
ثلاثا قال وما هن قال حكم الرجال في أمر الله تعالى وما للرجال ولحكم الله تعالى
وقال ولم يسب ولم يغنم فإن كان الذي قاتل قد حل قتالهم فقد حل سبيهم وإن لم
يكن حل سبيهم فما حل قتالهم ومحى اسمه من أمير المؤمنين فإن لم يكن أمير
المؤمنين فهو أمير المشركين قال فقلت لهم غير هذا شئ قالوا حسبنا هذا قلت
أرأيتم إن خرجت من هذا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله أراجعين أنتم قالوا
وما يمنعنا قال قلت أما قولكم حكم الرجال في أمر الله تعالى فانى سمعت الله عز
وجل يقول في كتابه (يحكم به ذوي عدل منكم) في ثمن صيد أرنب أو نحوه
تكون قيمته ربع درهم ورد الله تعالى الحكم فيه إلى الرجال ولو شاء أن يحكم بنفسه
لحكم. وقال تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من
أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) أخرجت من هذه قالوا نعم، قلت وأما
قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم فإنه قاتل أمكم وقال تعالى (النبي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) فان زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم وإن زعمتم
أنها أمكم فما حل سباها فأنتم بين ضلالتين أخرجت من هذه قالوا نعم وأما
قولكم محى اسمه من أمير المؤمنين فانى أنبئكم بذلك عن من ترضون أما تعلمون
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وقد جرى الكتاب بينه وبين
سهيل بن عمرو فقال يا علي اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو
232

فقالوا لو نعلم إنك رسول الله ما قاتلناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال
اللهم تعلم أنى رسولك ثم أخذ الصحيفة فمحاها بيده ثم قال يا علي اكتب هذا ما صالح
عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو فوالله ما أخرجه الله بذلك من النبوة صلى
الله عليه وسلم أخرجت من هذه قالوا نعم فرجع ثلثهم وانصرف ثلثهم وقتل
سائرهم على الضلالة. خرجه ابن بكار وابن قتيبة في نسخته.
(ذكر أنه كان يقرئ جماعة من المهاجرين)
منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه و عبد الرحمن بن عوف
عن ابن عباس قال كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن
عوف. أخرجاه. وعن أبي رافع قال كان ابن عباس خليطا لعمر كأنه من أهله
وكان يقرئه القرآن. خرجه أبو حاتم.
(ذكر رؤية ابن عباس جبريل عليه السلام)
تقدم في ذكر الدعاء له انه رأى جبريل مرتين. خرجه الترمذي، قال أبو عمر
روى عنه رأى رجلا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعرفه فقال النبي صلى الله عليه وسلم
أرأيته قال نعم قال ذلك جبريل أما انك ستفقد بصرك فعمى في آخر عمره رضي الله عنه.
(ذكر حبه الخير لغيره وإن لم يصبه منه شئ)
عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد شتمه رجل فقال إنك لتشتمني وفى خصال
انى لآتي على الآية من كتاب الله فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم
وانى لاسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به ولعلى لا أقاضي إليه
أبدا وانى لاسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح به ومالي من
سائمة. حديث حسن غريب.
(ذكر صبره واحتماله)
قال إنه ما بلغني عن أخ لي مكروه إلا نزلته إحدى ثلاث منازل إما أن يكون
فوقى فأعرف له قدره أو نظيري تفضلت عليه أو يكون دون فلم أحفل به. وعن
233

عكرمة قال سب رجل ابن عباس فلما قضى مقالته قال عكرمة انظر هل للرجل حاجة
فتقضيها له قال فنكس الرجل رأسه استحياء. حديث حسن. وعن كريب بن
سليم الكندي قال كنت مع ابن عباس آكل معه فدخل قوم فقالوا أين
ابن عباس الأعمى قال (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
(ذكر شدته في دين الله تعالى)
عن طاووس انه كان يقول ما رأيت أحدا كان أشد تعظيما لحرمات الله تعالى
من ابن عباس. وعن ابن عباس رضي الله عنهما انه لما نزل الماء في عينيه فذهب بصره
فأتاه الذي يثقب العين ويسيل الماء فقال خل بيننا وبين عينيك نسيل ماءهما ولكن
تمسك خمسة أيام عن الصلاة قال لا والله لا ركعة واحدة انى حدثت انه من ترك
صلاة واحدة لقى الله وهو عليه غضبان، وفى رواية انه لما فقد بصره قيل له نداويك
ولكن تمكث كذا وكذا لا تصلى إلا على قفاك فأبى وقال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال من ترك صلاة، لقى الله وهو عليه غضبان. خرجه أبو محمد الإبراهيمي في كتاب
الصلاة، وكان رضي الله عنه لم ير هذا عذرا في ترك القيام لمكان القدرة عليه
فإذا تركه كان تاركا للصلاة لعدم صحتها. وفى المسألة خلاف بين العلماء والذي عليه
العمل عندنا جواز ذلك للضرورة إليه فنزل منزلة العجز عن القعود والله أعلم.
(ذكر سخائه وكرمه رضي الله عنه)
روى أن معاوية أمر له بأربعة آلاف دينار ففرقها في بنى عبد المطلب فقالوا
إنا لا نقبل الصدقة فقال إنها ليست صدقة وإنما هي هدية.
(ذكر تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس كلمات ينفعه الله بهن)
عن ابن عباس قال أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة أهداها له كسرى
أو قيصر قال فركبها النبي صلى الله عليه وسلم بحبل من شعر ثم أردفني خلفه
ثم سار بي مليا ثم التفت إلى فقال يا غلام قلت لبيك يا رسول الله فقال لي احفظ
الله يحفظك احفظ الله تجده امامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة
وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله قد مضى القلم بما هو كائن
234

ولو جهد الناس أن ينفعوك بأمر لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه ولو جهد الناس أن
يضروك بأمر لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه فان استطعت تعمل الصبر مع
اليقين وإن لم تستطع فان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا واعلم أن النصر
مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا. وفى رواية قال ردفت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وذكر معنى
ما تقدم، وفى رواية أخرى تقرب إلى في الرخاء يقربك في الشدة مكان
تعرف. خرج جميع ذلك الحافظ أبو الحسن الخلعي. وخرجه عبد بن حميد في
مسنده بتغيير بعض اللفظ واسقاط بعضه.
(ذكر حرصه على الخير من صغره)
عن ابن عباس قال أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض
الصف وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك على. أخرجاه
إلا قوله إلى غير جدار وانفرد به البخاري. وفيه دليل على أن سترة الامام سترة من
خلفه. وعنه قال بت عند خالتي ميمونة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم قام يصلى
فقمت وتوضأت وقمت عن يساره فأخذ بيدي وأدارني عن يمينه فتتامت صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة. أخرجاه، وفى رواية
بت عند خالتي ميمونة فقلت لها إذا قام رسول الله صلى الله عليه وآله فأيقظيني
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدي فجعلني في
شقه الأيمن وجعل إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني. خرجه المخلص الذهبي.
(ذكر قوله صلى الله عليه وسلم في ابن عباس هذا شيخ قريش وهو صغير)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أتيت خالتي ميمونة فقلت إني أريد أن
أبيت عندكم الليلة فقالت وكيف تبيت وإنما الفراش واحد فقلت لا حاجة لي في
فراشكم أفترش نصف إزاري وأما الوسادة فانى أضع رأسي مع رؤوسكما من وراء
الوسادة قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته ميمونة بما قال ابن عباس فقال
235

رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا شيخ قريش. خرجه أبو زرعة في كتاب العلل.
(ذكر فزعه إلى الصلاة عند شدة تعروه)
عن عنبسة بن عبد الرحمن عن أبيه أن ابن عباس نعى إليه أخوه قثم فاسترجع
ثم أناخ عن الطريق وصلى ركعتين فأطال فيهما ثم قام فمشى إلى راحلته وهو يقرأ
(واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) خرجه ابن الضحاك.
(ذكر أنه أبو الخلفاء)
عن طاووس عن عبد الله بن عباس قال حدثتني أم الفضل قالت مررت بالنبي
صلى الله عليه وسلم وهو جالس في الحجر فقال يا أم الفضل فقلت لبيك يا رسول
الله قال إنك حامل بغلام قلت وكيف يا رسول الله وقد تحالفت قريش أن لا يأتوا
النساء قال هو ما أقول لك فإذا وضعتيه فائتيني به قالت فلما وضعته أتيت به النبي
صلى الله عليه وسلم فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى ولته من ريقه وسماه
عبد الله وقال اذهبي بأبي الخلفاء قالت فأتيت العباس فأعلمته وكان رجلا لباسا
مديد القامة فتلبس ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قام إليه وقبل ما بين
عينيه ثم أقعده عن يمينه ثم قال هذا عمى فمن شاء فليباه بعمه قال نعم القول
يا رسول الله قال ولم لا أقول هذا أنت يا عم أنت عمى وصنو أبى وبقية آبائي
ووارثي وخير من أخلف من أهلي قال قلت يا رسول الله قالت أم الفضل
كذا وكذا قال صلى الله عليه وسلم هي لك يا عباس. خرجه الحافظ أبو القاسم
السهمي في الفضائل، وخرجه ابن حبان والملا في سيرته ولم يقل ولته من ريقه
وسماه عبد الله ولا قال وبقية آبائي ووارثي وخير من أخلفه، وزاد بعد ذكر
حديث أم الفضل إن هذا ابنك أبو الخلفاء منهم السفاح ومنهم المهدى وحتى
يكون منهم من يصلى بعيسى بن مريم.
(ذكر وفاته رضي الله عنه)
توفى رضي الله عنه بالطائف سنة ثمان وستين أيام ابن الزبير وهو ابن سبعين
وقيل إحدى وسبعين وقيل أربع وسبعين. وصلى عليه محمد بن الحنفية وكبر عليه
236

أربعا وقال اليوم مات رباني هذه الأمة وضرب على قبره فسطاطا. ذكر ذلك
أبو عمر والبغوي في معجمه. وروى ابن الضحاك رباني هذه الأمة من قول أبي هريرة
وزاد ولعل الله أن يجعل منه خلفا. وروى عن ابن الحنفية أنه قال رباني
العلم. وعن أبي حمزة قال لما مات ابن عباس وليه ابن الحنيفة. وعن سعيد بن
جبير قال مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم ير على خلقته
فدخل في نعشه ولم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية (يا أيتها النفس المطمئنة
ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) خرجه ابن عرفة
العبدي. وروى عن أبي الزبير مثله. وعن غيلان بن عمر بن أبي سويد قال شهدت
جنازة ابن عباس بالطائف فلما حملناه جاء طائر أبيض فدخل في أكفانه ولم
نره خرج. خرجهما البغوي في معجمه. ويروى أن طائرا أبيض خرج من قبره
فتأولوه علمه خرج إلى الناس. وعن أبي بكر بن أبي عاصم ان ابن عباس مات
بمكة. خرجه ابن الضحاك. والمشهور أنه مات بالطائف ودفن بها وقبره معروف ثمة.
ذكر ولده رضي الله عنه
كان له من الولد العباس وبه كان يكنى، وعلى السجاد والفضل ومحمد
وعبيد الله ولبابة وأسماء.
الفصل الثالث في ذكره عبيد الله بن عباس
أمه أم الفضل وكان أصغر من أخيه عبد الله قيل إنه رأى النبي صلى الله عليه
وسلم وسمع منه وحفظ عنه واستعمله علي بن أبي طالب على اليمن وأمره على الموسم
فحج بالناس سنة ست وثلاثين وسبع وثلاثين فلما كان سنة ثمان وثلاثين بعثه أيضا
على الموسم وبعث معاوية ذلك يزيد بن شجرة الرهاوي ليقيم الحج فاجتمعا فسأل
كل واحد منهما صاحبه أن يسلم له فأبى واصطلحا على أن يصلى بالناس شيبة بن
عثمان. وروى أن معاوية بعث إلى اليمن بشر بن أرطأة العامري وعليها عبيد الله
ابن عباس من قبل على فتنحى عبيد الله فاستولى بشر عليها فبعث على حارثة
ابن قثامة السعدي فهرب بشر ورجع عبيد الله بن عباس فلم يزل عليها حتى قتل
237

على. وكان عبيد الله أحد الأجواد وكان يقال من أراد الجمال والفقه والسخاء
فليأت دار العباس الجمال للفضل والفقه لعبد الله والسخاء لعبيد الله. ومات عبيد الله
ابن عباس سنة ثمان وخمسين. وقال الواقدي والزبير توفى في المدينة في أيام يزيد
ابن معاوية وقال مصعب مات باليمن، والأول أصح وقال الحسن مات سنة سبع
وثمانين في خلافة عبد الملك والله أعلم.
الفصل الرابع في ذكر قثم بن العباس
أمه أم الفضل أيضا وهو رضيع الحسن بن علي. وقد تقدم ذكره في فضل الحسن.
وكان قثم يشبه النبي صلى الله عليه وسلم. عن ابن عباس قال: أخذ العباس ابنا
له يقال له قثم فوضعه على صدره وهو يقول:
حبى قثم شبيه ذي الانف الأشم * نبي ذي النعم برغم من رغم
خرجه ابن الضحاك. وقد تقدم في قصة طويلة من حديث أبي حاتم في فضل
مناقب العباس. وعن عبد الله بن جعفر قال لو رأيتني وقثم وعبيد الله ابني العباس
صبيانا نلعب إذ مر النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارفعوا هذا إلى فحملني أمامه
وقال لقثم ارفعوا هذا إلى فحمله وراءه وكان عبيد الله أحب إلى العباس من قثم
فما استحيا من عمه أن حمل قثم وترك عبيد الله قال قلت ما فعل قثم قال استشهد
قال قلت الله ورسوله أعلم بالخبر. خرجه أحمد وأبو عمر، وخرج البغوي منه أنه
أركبه خلفه. وعن ابن عباس قال آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه
وسلم قثم وذلك أنه كان آخر من خرج من قبره ممن نزل فيه. خرجه أبو عمر،
وخرجه ابن الضحاك مختصرا، وقد ادعى المغيرة بن شعبة ذلك فأنكر
ذلك ابن عباس فقال آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم
قثم بن العباس. وروى عن علي مثل ذلك في أنه أنكر ما ادعاه المغيرة وقال
آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن العباس وولى علي بن أبي
طالب قثم مكة ولم يزل واليا عليها حتى قتل علي رضي الله عنه وكان ولاها قبله
أبا قتادة الأنصاري ثم عزله وولى قثم، وقال الزبير استعمل على قثم على المدينة
238

رواه عنه أبو إسحق السبيعي وغيره. استشهد قثم بسمرقند كان خرج إليها مع
سعيد بن عثمان بن عفان زمن معاوية. ذكره الدارقطني وأبو عمر، وقال الضحاك
مات في خلافة عثمان بن عفان
(الفصل الخامس في ذكر عبد الرحمن بن عباس)
أمه أم الفضل أيضا ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل هو وأخوه
بإفريقية مخفف شهيدين في خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين مع عبد الله بن سعيد بن أبي
سرح قاله مصعب وقال ابن الكلبي قتل عبد الرحمن بالشام. ذكره الدارقطني.
(الفصل السادس في ذكر معبد بن عباس)
يكنى أبا عباس أمه أم الفضل أيضا. ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولم يحفظ عنه شيئا. واستعمله علي رضي الله عنه على مكة وقتل بإفريقية كما
تقدم ذكره آنفا، ويقال ما من إخوة أشد تباعدا قبورا من بنى العباس من
أم الفضل. ذكره الدارقطني.
الفصل السابع في ذكر كثير بن العباس
أمه أم ولد رومية اسمها سبا وقيل أمه حميرية ويكنى أبا تمام. وقد قبل وفاة
النبي صلى الله عليه وسلم بأشهر في سنة عشر من الهجرة وكان فقيها ذكيا فاضلا
روى عنه ابن شهاب و عبد الرحمن الأعرج. ذكره أبو عمر
الفصل الثامن في ذكر تمام بن عباس
أمه سبا أم كثير المذكورة آنفا. ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه
قوله صلى الله عليه وسلم (لا تدخلوا على قلحا - القلح صفرة الأسنان - استاكوا فلولا أن أشق
على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة) خرجه البغوي في معجمه. وخرج
أبو عمر منه إلى قوله استاكوا ولم يذكر ما بعده. وكان تمام واليا لعلى على المدينة
وكان قد استخلف قبله سهل بن حنيف حين توجه إلى العراق ثم عزله واستجلبه
لنفسه وولى تماما ثم عزله وولى أبا أيوب الأنصاري ثم شخص أبو أيوب إلى علي
239

رضي الله عنه واستخلف رجلا من الأنصار فلم يزل واليا إلى أن قتل علي بن أبي
طالب رضي الله عنه. ذكر ذلك كله أبو عمر، قال وقال الزبير وكان تمام أشد
الناس بطشا، وله عقب. وكان للعباس عشرة بنين ستة منهم من أم الفضل أمامة
بنت الحارث الهلالية الفضل و عبد الله وعبيد الله وقثم ومعبد و عبد الرحمن
وسابعتهم أم حبيب شقيقتهم وعون بن العباس، قال أبو عمر لم أقف على اسم أمه
وتمام وكثير لام ولد والحارث أمه من هذيل. فهؤلاء عشرة أولاد العباس وكان
تمام أصغرهم وكان العباس يحمله ويقول:
تموا بتمام فصاروا عشره * يا رب فاجعلهم كراما برره
واجعل لهم ذكرا وأنم الشجرة
ذكر ذلك أبو عمر، وهذا يضادد ما تقدم في كثير لأنه ذكر أن كثيرا ولد
قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأشهر وذكر أن تماما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
فيكون كثير أصغر منه قطعا إلا أن يكون هذا من قول الزبير بن بكار وغيره
يخالفه فيه. وقد ذكر أبو عمر عونا والحرث في ولد العباس وذكر أن أم الحارث هذلية
وقد تقدم ذكر الدارقطني ذلك في فصل ولد العباس إجمالا قال صاحب الصفوة واسمها
حجيلة بنت جندب. ولم يذكر ابن قتيبة عونا في ولد العباس وذكر الحارث وقال
أمه أم ولد، وتابعه أبو سعيد في شرف النبوة على ذلك
(ذكر الإناث من ولد العباس)
هن أربع أم حبيب لبابة ويقال أم حبيب أمها أم الفضل وقد روى من حديث
أم الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو بلغت أم حبيبة بنت العباس وأنا
حي لتزوجتها. وتزوجها الأسود بن سفيان بن عبد الأسود بن هلال المخزومي.
ذكره أبو عمر. وروى الدارقطني عن أم الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم
رأى أم حبيب بنت العباس فوق الفطيم فقال إن بلغت بنية العباس هذه وأنا
حي لا تزوجها فتوفى قبل أن تبلغ فتزوجها الأسود بن عبد الأسد أخو أبى سلمة
فولدت له رزق بن الأسود ولبابة بنت الأسود وصفية وأمينة. قاله الدارقطني،
240

وذكره ابن قتيبة وأبو سعيد وقالا تمام وكثير والحارث وصفية وأمينة لأمهات
أولاد شتى، وأما أبو عمر فلم يذكر أنثى غير أم حبيب وقال في الأمهات ما تقدم، وقال
صاحب الصفوة: تمام وكثير وصفية وأميمة أمهم أم ولد فجعل أم الأربعة واحدة
وقال أميمة ولعله تصحيف من الناسخ وقال الحرث أمه ما قدمناه عنه آنفا والله
أعلم. وذكر الدارقطني أن أمينة تزوجها عياش بن عتيبة بن أبي لهب فولدت له
الفضل الشاعر قال ولا رواية لها ولا لصفية بنت العباس. وأم حبيب وأم كلثوم
روى عنهما محمد بن إبراهيم التيمي، وذكر الدارقطني في مناقب العباس أم كلثوم
كما تقدم في آخر باب ذكر العباس.
(الباب الثالث)
من أبواب بنى الأعمام في أولاد الحارث بن عبد المطلب
وجملتهم ستة أبو سفيان ونوفل وربيعة والمغيرة وعبد شمس وأروى خمسة
ذكور. وفيه فصول:
(الفصل الأول في ذكر أبي سفيان القرشي الهاشمي)
(ذكر نسبه واسمه)
هو أبو سفيان بن الحارث ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة،
أرضعتهما حليمة السعدية. أمه غزية بنت قريش بن طريف من ولد فهر بن مالك وقيل
اسمه المغيرة ولم يذكر الدارقطني غيره وقيل بل اسمه كنيته والمغيرة أخوه، وكان
يألف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بعث صلى الله عليه وسلم عاداه وهجاه. ذكره ابن إسحاق.
(ذكر إسلامه)
أسلم أبو سفيان عام الفتح وحسن إسلامه. ويقال إنه ما رفع رأسه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم حياء منه. وأسلم معه ولده جعفر، لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالابواء
وأسلما قبل دخوله مكة وقيل بل لقيه هو و عبد الله بن أبي أمية بين السقيا والعرج (1)

(1) (الأبواء والسقيا والعرج) أسماء مواضع بين مكة والمدينة.
241

فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فقالت أم سلمة لا يكن ابن
عمك وأخو ابن عمتك أشقى الناس بك وقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه
ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف
ليوسف (تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين) فإنه لا يرضى أن يكون
أحد أحسن قولا منه ففعل ذلك أبو سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين).
(ذكر نبذ من فضائله)
قال أهل العلم بالتاريخ شهد أبو سفيان حنينا وأبلى فيها بلاء حسنا وكان ممن
ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفر ولم تفارق يده لجام بغلة رسول الله
صلى الله عليه وسلم أو غرزه (1) على اختلاف في النقل حتى انصرف الناس. وكان يشبه رسول
الله صلى الله عليه وسلم ويقال إن الذين كانوا يشبهون النبي صلى الله عليه وسلم: جعفر بن أبي
طالب والحسن بن علي وقثم بن العباس وأبو سفيان بن الحارث والسائب بن
عبيد بن عبد نوفل بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. وقد تقدم في مناقب عبد الله
ابن جعفر أنه يشبه النبي صلى الله عليه وسلم فيكونون ستة. وكان صلى الله
عليه وسلم يحب أبا سفيان.
(ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة)
عن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبو سفيان بن الحارث من
شباب أهل الجنة أو سيد فتيان أهل الجنة. خرجه أبو عمر.
(ذكر إثبات الخيرية له)
عن أبي حبة البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبو سفيان خير أهلي أو من خير
أهلي. خرجه أبو عمر. وذكر الدارقطني أنه صلى الله عليه وسلم قاله يوم حنين.
(ذكر وفاته رضي الله عنه)
مات رضي الله عنه بالمدينة سنة عشرين ودفن في دار عقيل بن أبي طالب.

(1) الغرز: الركاب.
242

قاله أبو عمر وقال ابن قتيبة دفن بالبقيع. وقيل توفى سنة خمس عشرة. وكان هو
الذي حفر قبر نفسه قبل أن يموت بثلاثة أيام. وسبب موته أنه كان في رأسه ثؤلول
فحلقه الحلاق فقطعه فلم يزل مريضا حتى مات بعد مقدمه من الحج، روى عنه انه
لما حضرته الوفاة قال لا تبكوا على فانى لم أنطف بخطيئة منذ أسلمت.
(شرح): لعله يشير بالنطف إلى المبالغة في عدم المعصية فقال نطف ينطف
وينطف إذا قطر قليلا ومنه النطفة لقلتها.
(ذكر ولده)
وكان له من الولد عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب القرشي
الهاشمي رأى النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه وكان معه مسلما بعد الفتح وجعفر بن أبي
سفيان بن الحرث ذكر أهل بيته انه شهد حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكره ابن هشام وغيره وقطع به الدارقطني وانه لم يزل مع أبيه ملازما لرسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى قبض. وتوفى جعفر في خلافة معاوية، وأبو الهياج بن أبي
سفيان قيل اسمه عبد الله وقيل على، وعاتكة بنت أبي سفيان بن الحرث
تزوجها معقب بن أبي لهب فولدت له.
(الفصل الثاني)
في ذكر نوفل بن الحرث بن عبد المطلب القرشي الهاشمي
يكنى أبا الحارث وكان أسن من إخوته ومن جميع من أسلم من بني هاشم حتى
من حمزة والعباس، أسر يوم بدر ففداه العباس وقيل بل فدى نفسه.
(ذكر إسلامه)
قيل أسلم وهاجر أيام الخندق، وقيل أسلم يوم فدى نفسه. عن عبد الله بن
الحرث بن نوفل قال لما أسر نوفل بن الحارث ببدر قال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم افد نفسك قال مالي شئ أفتدي به قال افد نفسك برماحك التي بجدة
فقال والله ما علم أحد أن لي بجدة رماحا غيري بعد الله أشهد أنك رسول الله
وفدى نفسه فها فكانت ألف رمح. ذكره أبو عمر.
243

(ذكر نبذ من فضائله)
شهد نوفل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا والطائف وكان ممن ثبت يوم
حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة آلاف رمح
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أرى رماحك تقصف أصلاب المشركين.
وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين العباس بن عبد المطلب وكانا
شريكين في الجاهلية متفاوضين في المال متحابين.
(ذكر وفاته)
توفى بالمدينة سنة خمس عشرة في خلافة عمر وصلى عليه عمر بعد أن شيعه إلى
البقيع ووقف على قبره حتى دفن.
(ذكر ولده)
كان له من الولد الحارث و عبد الله وعبيد الله والمغيرة وسعيد بن عبد الرحمن
وربيعة بنو نوفل فأما الحارث بن نوفل وهو الذي كان يقال له ببة لان أمه هند بنت أبي
سفيان بن حرب بن أمية كانت ترقصه وهو طفل وتقول:
لأنكحن ببه * جارية خدبه * مكرمة محبه
(شرح): ببه لقب له. وخدبة أي عظيمة سمينة، والخدب هو العظيم الجافي.
وكان قد اصطلح عليه أهل البصرة حين توفى يزيد بن معاوية وخرج مع ابن الأشعث
فلما هزم هرب إلى عمان فمات بها، قال الواقدي كان الحارث بن نوفل على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فأسلم عند إسلام أبيه نوفل وولد له على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولده عبد الله فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنكه ودعا له
وكانت تحته درة بنت أبي لهب بن عبد المطلب. واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم
على بعض أعماله بمكة واستعمله أبو بكر رضي الله عنه أيضا قال الدارقطني وقيل
إن أبا بكر ولى الحرث بن نوفل مكة وانتقل الحرث من المدينة إلى البصرة واختط
بها دارا في ولاية عبد الله بن عامر ومات بها في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه،
وأما المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ويكنى أبا يحيى فولد على عهد
244

رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة وقيل بعدها ولم يدرك من حياة
رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ست سنين، وهو الذي تلقى عبد الرحمن بن
ملجم المرادي حين ضرب عليا على هامته بسيفه فصرعه فلما هم الناس به حمل
عليهم بسيفه ففرجوا له فتلقاه المغيرة بن نوفل بقطيفة (1) فرماها عليه واحتمله وضرب
به الأرض وقعد على صدره وانتزع سيفه منه وكان أيدا ثم حمل ابن ملجم وحبس
إلى أن مات علي رضي الله عنه فقتل. (شرح): أيد قوى والأيد القوة ومنه (ذا
الأيد إنه أواب) وكان المغيرة هذا قاضيا في زمن عثمان وشهد مع علي صفين. وتزوج
أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بعد علي بن أبي طالب. وقد تقدم ذكر تزويجها
في فصل مناقب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وولده يحيى منها. وروى
المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل إن حديثه مرسل ولم يسمع من النبي
صلى الله عليه وسلم شيئا. ومن ولده عبد الملك بن المغيرة بن نوفل. وروى عنه الزهري
وعن عبد الرحمن الأعرج وعمران بن أبي أنس وأما عبد الله بن نوفل بن عبد
الحارث وكان جميلا وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أول من ولى القضاء
بالمدينة في خلافة معاوية. وأما أخواه عبيد الله وسعيد فقد روى عنهما العلم وأما
عبد الرحمن وربيعة ابنا نوفل فلا بقية لهما ولا رواية. ذكر ذلك الدارقطني في كتاب الاخوة.
(الفصل الثالث)
في ذكر ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب القرشي الهاشمي
يكنى أبا أروى وكانت له صحبة وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم فتح مكة ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي ودماء الجاهلية
موضوعة وإن أول دم أضع دم ابن ربيعة بن الحرث. وذلك أنه قتل لربيعة بن
الحرث في الجاهلية ولد يسمى آدم وقيل تمام فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم الطلب
به في الاسلام ولم يجعل لربيعة في ذلك تبعة. وكان ربيعة هذا أسن من العباس فيما
ذكروا بسنين. ذكره أبو عمر وغيره. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم نعم الرجل

(1) القطيفة: كساء له خمل.
245

ربيعة لو قصر من شعره وشمر من ثوبه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم أطمعه مائة وسق (1) من
خيبر كل عام. ذكره الدارقطني في كتاب الاخوة والأخوات. وكان شريك عثمان
في التجارة. ذكره ابن قتيبة. توفى سنة ثلاث وعشرين في خلافة عمر. وروى
عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. ولد له من الولد بنون وبنات فالبنون العباس
ابن ربيعة و عبد المطلب بن ربيعة و عبد الله بن ربيعة. ذكر عبد الله هذا أبو عمر
في عبد الله بن عباس فيمن شهد مع علي صفين وغيرهما ولم يفرده بالذكر، وذكر
الدارقطني في باب الاخوة من ولد ربيعة بن الحرث وذكر من ولده أيضا الحرث
وأمية وعبد شمس ومن ولده أيضا آدم بن ربيعة وهو الذي كان مسترضعا في هذيل.
وقد تقدم ذكر الحديث فيه عن عبد المطلب بن ربيعة أن أباه والعباس بن
عبد المطلب اجتمعا في المسجد وأنا مع أبي والفضل مع أبيه العباس فقال أحدهما
للآخر ما يمنعنا أن نبعث هذين الفتيين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعثهما
إلى بعض هذه الأعمال التي يبعث عليها الناس فبينما هم كذلك إذ أقبل علي بن أبي
طالب رضي الله عنه فقال ما يريد الشيخان فأخبراه بالذي عزما عليه قال
لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل قالا تقول هذا يا علي نفاسة (2) علينا فوالله ما نفسنا عليك
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم من ذلك من صهره وصحبته ومكانك منه قال
فوالله ما ذاك بي قال فذهبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا إن أبوينا
قد بعثانا إليك لتستعملنا على بعض هذه الأعمال التي تستعمل عليها الناس فقال
ما أنا بفاعل أما هذه الصدقات أوساخ الناس وأنها لا تحمل لمحمد ولا لآل محمد
ولكن ادعو إلى محمية بن جزء وكان على الخمس وادعوا لي أبا سفيان بن الحرث
فدعوناهما فقال يا أبا سفيان زوج عبد المطلب ابنتك قال قد فعلت وقال يا محمية
زوج الفضل ابنتك قال قد فعلت يا رسول الله قال يا محمية أصدق عن هذين
الغلامين مما عندك. خرجه أبو عمر وخرجه أبو حاتم وقال بعد قول على لهما ما قال
وردهما عليه فقال أنا أبو حسن أرسلوهما ثم اضطجع فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) الوسق: ستون صاعا.
(2) يقال نفست عليه الشئ نفاسة إذا لم تره أهلا له.
246

الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى مر بنا صلى الله عليه وسلم فأخذ
بأذقاننا وقال اخرجا ما تصرران فدخل ودخلنا معه وهو يومئذ في بيت زينب بنت
جحش، وذكر معنى ما بقي بتغيير بعض اللفظ. وكان العباس بن ربيعة ذا قدر
وأقطعه عثمان دار بالبصرة وأعطاه مائة ألف درهم، وشهد صفين مع علي عليه
السلام. وكانت تحته أم فراس بنت حسان بن ثابت فولدت له أولادا. وعقبه كثير
ذكره ابن قتيبة. وأما البنات فلم يذكر أسماءهن عند ذكرهن. وذكر أبو عمر
في باب هند بنت ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ولدت على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وذكر الدارقطني أن اسمها أروى قال وقيل هند تزوجها حبان بن
منقذ الأنصاري البخاري فولدت له واسعا ويحيى بن حبان. ولم أظفر بأسماء باقيهن
ولا بكميتهن غير أنهن ذكرن على سبيل الجمع كما قدمناه.
(الفصل الرابع)
في ذكر عبد شمس بن الحرث بن عبد المطلب القرشي الهاشمي
سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله. مات بالصفراء في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفنه
رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميصه وقال في حقه صلى الله عليه وسلم سعيد أدركته السعادة.
قال الدارقطني في كتاب الاخوة والبغوي في معجمه: وليس له عقب، وقال ابن
قتيبة عقبه بالشام يقال لهم الموزة لقلتهم لأنهم لا يكادون يزيدون على ثلاثة.
(الفصل الخامس)
في ذكر المغيرة بن الحرث بن عبد المطلب القرشي الهاشمي
ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم له صحبة وقد قيل إن أبا سفيان بن الحرث اسمه
المغيرة والصحيح أنه أخوه. وذكر الدارقطني أمية بن الحرث مكان المغيرة بن الحرث
وقال ولا عقب له ولا رواية. وأما أروى بنت الحرث فذكرها ابن قتيبة وأبو سعد في
ولده ولم يذكرها أبو عمر فلعله لم يثبت عنده إسلامها وذكرها الدارقطني في كتاب
الاخوة والأخوات وذلك دليل إسلامها لأنه لم يذكر فيه إلا من أسلم قال وتزوجها
أبو وداعة بن صبرة السهمي فولدت له المطلب وأبا سفيان بن أبي وداعة.
247

(الباب الرابع)
من أبواب أولاد الأعمام في ذكر أولاد الزبير بن عبد المطلب
وجملتهم ثلاثة عبد الله وابنتان أم الحكم ويقال أم حكيم وضباعة. وفيه فصلان
الفصل الأول
في ذكر عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب القرشي الهاشمي
أمه عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ المخزومية. أدرك الاسلام وأسلم
وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فيمن ثبت يومئذ. ذكره الدارقطني. وقتل يوم
أجنادين في خلافة أبى بكر شهيدا ووجد حوله عصبة من الروم قد قتلهم ثم أثخنه
الجراح فمات. وذكر الواقدي ان أول قتيل قتل من الروم بطريق معلم برز ودعا إلى
البراز فبرز إليه عبد الله ولم يتعرض لسلبه ثم برز آخر يدعو إلى البراز فبرز إليه
فاقتتلا بالرمحين ساعة ثم صارا إلى السيفين فضربه عبد الله على عاتقه وهو يقول
خذها وانا ابن عبد المطلب فأثبته وقطع سيفه الدرع وأسرع إلى منكبه ثم ولى الرومي
منهزما فعزم عليه عمرو بن العاص ان لا يبارز فقال عبد الله إني والله ما أجدني
أصبر فلما اختلطت السيوف وأخذ بعضها بعضا وجد في ربضه من الروم عشرة
حوله قتلى وهو مقتول بينهم وكانت سنه نحوا من ثلاثين سنة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول له ابن عمى وحبى ومنهم من يقول كان يقول ابن أمي. ولم يعقب. قاله ابن قتيبة.
(الفصل الثاني)
* (في ذكر بنتي الزبير بن عبد المطلب) *
ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي التي أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاشتراط
في الحج وكانت تحت المقداد بن الأسود. وأم الحكم وكانت تحت ربيعة بن الحارث بن
عبد المطلب. قاله ابن قتيبة وذكرهما أبو عمر في باب أخيهما عبد الله بن الزبير.
(الباب الخامس)
* (من أبواب أولاد الأعمام أولاد أبى لهب) *
وجملتهم أربعة عتبة ومعتب ودرة لهم صحبة وعتيبة قتله الأسد بالزرفا كافرا
248

وقد سبق ذكره في مناقب رقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر عتيبة ومعتب
أسلما يوم الفتح وكانا قد هربا فبعث العباس إليهما ودعا لهما رسول الله صلى الله عليه
وسلم وشهدا معه حنينا والطائف وفقئت عين معتب يوم حنين. ولم يخرجا من مكة
ولم يأتيا المدينة. ولهم عقب عند أهل النسب. وقد تقدم ذكر تزويج عتيبة وعتبة
بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم وفراقهما إياهما قبل الدخول.
ذكر درة بنت أبي لهب
أسلمت وكانت عند الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب فولدت له
عقبة والوليد وأبا مسلم. وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم في أول
الكتاب في فصل القرابة عن أبي هريرة أن سبيعة بنت أبي لهب شكت إلى النبي
صلى الله عليه وسلم أذى الناس لها وقولهم بنت حطب النار فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما قال لها ولعلها هذه وذاك لقب لها إذ لم يذكر أبو عمر ولاغيره
في أولاده غير هؤلاء. وذكر الدارقطني في كتاب الاخوة والأخوات في أولاده
عتبة ومعتب ودرة وخالدة وعزة بنو أبى لهب قال ولا رواية لهما يعنى عزة وخالدة.
الباب السادس في ذكر ولد حمزة
وجملتهم ثلاثة ذكران وأنثى: عمارة ويعلى وأمامة وقد تقدم ذكر تفصيل أحوالهم
في آخر مناقب أبيهم رضي الله عنه ولم نظفر بزيادة على ما تقدم ذكره وإنما أخرناهم في الذكر
لأنه لم يثبت لهم من الفضل ما ثبت لمن تقدمهم من شهود المشاهد وغير ذلك وإن
كان أبوهم أفضل من آباء من تقدمهم لأنا اعتبرنا شرفهم بأنفسهم ولذلك قدمنا
أولاد أبى طالب على أولاد العباس فصح جملة أولاد عمه الذكور من أسلم ومن
لم يسلم خمسة وعشرون اثنان منهم لم يسلما طالب بن أبي طالب وعتيبة بن أبي.
لهب والباقون أسلموا ولهم صحبة تفصيلهم أربعة أولاد أبى طالب: طالب ومات
كافرا وعقيل وجعفر وعلى، وعشرة للعباس الفضل و عبد الله وعبيد الله وقثم
و عبد الرحمن ومعبد وكثير والحارث وعون وتمام. وخمسة للحارث أبو سفيان ونوفل
249

وربيعة والمغيرة وعبد شمس وابن الزبير و عبد الله. وثلاثة لأبي لهب عتبة وعتيبة
مات كافرا ومعتب. واثنان لحمزة عمارة ويعلى. والإناث عشرة تفصيلهن ابنتان
لأبي طالب أم هانئ وجمانة. وثلاثة للعباس أم حبيب وصفية وأمينة وبنت الحرث
أروى. وابنتان للزبير ضباعة وأم الحكم وبنت لأبي لهب درة. وبنت لحمزة أمامة.
(الباب الرابع)
من أبواب الأصول في ذكر عمات النبي صلى الله عليه وسلم
بنات عبد المطلب بن هاشم وجملتهن ست عاتكة وأميمة والبيضاء وهي أم
حكيم وبرة وصفية وأروى. ولم يسلم منهن إلا صفية أم الزبير بلا خلف. واختلف
في أروى وعاتكة فذهب أبو جعفر العقيلي إلى إسلامهما وعدهما في الصحابة
وذكر الدارقطني عاتكة في جملة الاخوة والأخوات ولم يذكر أروى، وأما محمد
ابن إسحاق وغيره فذكروا أنه لم يسلم من عماته صلى الله عليه وسلم غير صفية.
ولنذكر طرفا من أخبار كل واحدة منهن ومن تزوجهن وما ولدن:
(ذكر أم حكيم البيضاء)
وهي شقيقة عبد الله أبى النبي صلى الله عليه وسلم وأبى طالب والزبير وعبد الكعبة أمهم
فاطمة بنت عمرو بن عايذ. وقد تقدم ذكرها كانت عند كريز بن ربيعة بن حبيب
ابن عبد شمس بن عبد مناف فولدت له عامرا وبناتا.
ذكر عاتكة المختلف في إسلامها
أمها فاطمة أيضا فتكون شقيقة عبد الله أبى النبي صلى الله عليه وسلم
وكانت تحت أبى أمية بن المغيرة المخزومي فولدت له عبد الله وزهيرا وكلاهما
ابنا عم أبى جميل وأخوا أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأبيها. هكذا
ذكره أبو عمر. وذكر أن أم سلمة عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن
خزيمة بن علقمة بن فراس وان أم عبد الله وزهير عاتكة بنت عبد المطلب
عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أبو سعيد فذكر في شرف النبوة أن أم سلمة ابنة عمة
النبي صلى الله عليه وسلم عاتكة بنت عبد المطلب فتكون أخت عبد الله وزهير لأبيهما
250

والأول أثبت لان معه زيادة علم والثاني لعله اشتبه عليه.
ذكر برة بنت عبد المطلب
أمها فاطمة أيضا وكانت عند أبي رهم بن عبد العزى العامري ثم خلف عليها
بعده عبد الأسد بن هلال المخزومي فولدت له أبا سلمة بن عبد الأسد الذي كانت
عنده أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل كانت أولا عند عبد الأسد
ثم خلف عليها أبارهم. ولم يذكر أبو سعيد غيره. والوجهان ذكرهما أبو عمر.
ذكر أميمة بنت عبد المطلب
وكانت تحت جحش بن رياب أخي بنى غنم بن دود بن أسد بن خزيمة فولدت
له عبد الله وعبيد الله وأبا أحمد وزينب وأم حبيبة وحمنة أولاد جحش بن رياب.
ذكر أروى بنت عبد المطلب المختلف في اسلامها
أمها صفية بنت جندب أم الحرث بن عبد المطلب هي شقيقته. وكانت
تحت عمير بن وهب بن عبد قصى فولدت له طليبا ثم خلف عليها كلدة بن
عبد مناف بن عبد الدار بن قصى، وأسلم طليب وكان سببا في إسلام
أمه. ذكر الواقدي ان طليبا أسلم في دار الأرقم ثم خرج فدخل على أمه
أروى بنت عبد المطلب فقال اتبعت محمدا وأسلمت لله عز وجل فقالت إن أحق
من واددت وعضدت ابن خالك والله لو قدرنا على ما يقدر عليه الرجال لمنعنا
وذببنا عنه فقال لها طليب ما يمنعك أن تسلمي وتتبعيه فقد أسلم أخوك حمزة؟
قالت أنظر ما يصنع أخواتي ثم أكون من إحداهن قال فقلت إني أسألك بالله
إلا أتيتيه فسلمت عليه وصدقتيه وشهدت أن لا إله إلا الله قالت فانى أشهد أن
لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم كانت بعد تعضد النبي صلى الله عليه وسلم
بلسانها وتحض على نصرته والقيام بأمره، وهذا دليل قول من قال إنها أسلمت.
ذكر صفية بنت عبد المطلب
أسلمت باتفاق وشهدت الخندق وقتلت رجلا من اليهود، وضرب لها النبي
251

صلى الله عليه وسلم بسهم. وروت حديثا واحدا رواه عنها ابنها الزبير بن العوام
ذكر ذلك الدارقطني. أمها هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة شقيقة حمزة
والمقوم وحجل. وكانت في الجاهلية تحت الحرث بن حرب بن أمية بن عبد شمس
ثم هلك عنها فخلف عليها العوام بن خويلد أخو خديجة بنت خويلد زوج النبي
صلى الله عليه وسلم فولدت له الزبير والسائب وعبد الكعبة. وتوفيت بالمدينة في
خلافة عمر رضي الله عنه سنة عشرين ولها ثلاث وسبعون ودفنت بالبقيع بفناء دار
المغيرة بن شعبة. وكانت لما مات النبي صلى الله عليه وسلم رثته بهذه الأبيات:
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا * وكنت بنا برا ولم تك جافيا
وكنت بنا (1) برا رؤوفا نبينا * ليبك عليك اليوم من كان باكيا
كأن على قلبي لذكر محمد * وما خفت من بعد النبي المكاويا
أفاطم صلى الله رب محمد * على جدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لرسول الله أمي وخالتي * وعمى ونفسي قصدة وعياليا
صدقت وبلغت الرسالة صادقا * ومت صليب الدين أبلج صافيا
فلو أن رب الناس أبقاك بيننا (2) * سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية * وأدخلت جنات من العدن راضيا
أرى حسنا أيتمته وتركته * يبكى ويدعو جده اليوم نائيا
روى هذه الأبيات الحافظ السلفي بسنده عن هشام بن عروة.
الباب الخامس في ذكر أولاد العمات
وهم وإن لم يكونوا من ذوي القربى لكن ذكرناهم تبعا لأمهاتهم لتطلع النفس
عند ذكرهم إجمالا إلى تعرف شئ من أحوالهم ونحن نذكرهم على ترتيب أمهاتهم،
ذكر ولد أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب
وهم عامر وبنات لم يذكر عددهن ولا أسماؤهن ولا إسلامهن. وأما عامر فأسلم
يوم فتح مكة وبقى إلى خلافة عثمان وهو والد عبد الله بن عامر بن كريز الذي ولى

(1) في نسخة (وكان بنا).
(2) في نسخة (أبقى نبينا).
252

عثمان العراق وخراسان وكان عمره أربعا وعشرين سنة. ذكرهم أبو عمر.
ذكر ولد عاتكة المختلف في اسلامها
وهم عبد الله وزهير ابنا أبى أمية فأما عبد الله فأسلم وكان قبل اسلامه
شديد العدواة للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وهو الذي قال (لن نؤمن
لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو يكون لك بيت من زخرف)
ثم إنه خرج مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه في الطريق بين السقيا
والعرج مريدا لمكة عام الفتح فتلقاه فأعرض صلى الله عليه وسلم عنه مرة بعد
أخرى حتى دخل على أخته أم سلمة وسألها أن تشفع له فشفعت فشفعها رسول الله
صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامه وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة
مسلما وحنينا والطائف فرمى يوم الطائف بسهم فقتله ومات شهيدا. وهو الذي قال
له المخنث في بيت أم سلمة يا عبد الله ان فتح عليكم غدا فانى أدلك على ابنة غيلان
فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندها فقال لا يدخلن
هذا عليكم. وفى رواية من حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان يدخل على
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث قالت وكانوا يعدونه من غير أولى الإربة ثم
ذكرت معنى ما تقدم وزادت فقال صلى الله عليه وسلم أرى هذا يعرف ما ههنا لا يدخل عليكم
فحجبوه. وقوله تقبل بأربع أي بأربع عكن (1) في بطنها وتدبر بثمان لان كل عكنة لها
طرفان. وأما زهير بن أبي أمية فقد عد في المؤلفة قلوبهم وفيه نظر. ذكر ذلك أبو عمر.
ذكر ولد برة بنت عبد المطلب
وهو أبو سلمة بن عبد الأسد الذي كانت عنده أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم واسمه
عبد الله. أسلم وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين وهو أول من هاجر إلى الحبشة
ومعه زوجته أم سلمة ثم هاجر إلى المدينة، وهو أول من هاجر إليها وكانت هجرته
قبل بيعة العقبة لما آذته قريش حين قدم من الحبشة وقد بلغه إسلام من
أسلم من الأنصار فخرج إليها مهاجرا وشهد بدرا وجرح يوم أحد جرحا اندمل

(1) العكنة بالضم: ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا.
253

ثم انتقض عليه فمات منه. وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعده زوجته أم سلمة.
عن أم سلمة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى سلمة وقد شق
بصره فأغمضه وقال إن الروح إذا قبض تبعه البصر فصاح ناس من أهله فقال لا تدعو ا على أنفسكم إلا بخير فان الملائكة تؤمن على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر
لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب
العالمين اللهم افسح له في قبره. ونور له قبره. أخرجاه. وخرجه أبو حاتم وقال في
المقربين مكان المهديين.
ذكر ولد أميمة بنت عبد المطلب
وهم عبد الله وعبيد الله وأبو أحمد وزينب وأم حبيبة وحمنة أولاد جحش بن
رياب أسلموا كلهم وهاجر الذكور الثلاثة إلى أرض الحبشة فأما عبد الله فتنصر
وبانت منه زوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومات على النصرانية بأرض الحبشة، وأما أبو أحمد واسمه عبد وقيل ثمامة والأول
أصح كان سلفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحته الفارعة بنت أبي سفيان
ابن حرب أخت أم حبيبة ومات بعد وفاة أخته زينت وكانت وفاتها سنة عشرين
وأما عبد الله فهاجر الهجرتين. عن الشعبي قال أول لواء عقده رسول الله صلى الله
عليه وسلم لعبد الله بن جحش. وقال ابن إسحاق بل لواء عبيدة بن الحارث.
وقال المدايني بل لواء حمزة. و عبد الله هذا أول من سن الخمس في الغنيمة للنبي
صلى الله عليه وسلم قبل أن تفرض ثم افترض بعد ذلك المرباع. وشهد عبد الله بدرا
وأحدا واستشهد بها. عن سعيد بن أبي وقاص قال قال عبد الله بن جحش يوم
أحد ألا تأتى ندعو الله تعالى فخلوا في ناحية فدعا سعد فقال يا رب إذا لقيت
العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه أقاتله فيك ويقاتلني ثم ارزقني عليه الظفر
حتى أقتله وآخذ سلبه وأمن عبد الله على دعائه ثم قال اللهم ارزقني غدا رجلا شديدا
بأسه أقاتله فيك ويقاتلني فيقتلني ثم يأخذني فيجزع أنفى وأذني فإذا لقيتك قلت
عبد الله فيما جزع انفك وأذنك فأقول فيك وفى رسولك فيقول صدقت قال سعد
254

وكانت دعوة عبد الله خير من دعوتي لقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه معلقان
في خيط. وذكر الزبير بن بكار أن عبد الله بن جحش انقطع سيفه يوم أحد
فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عرجون نخلة فصار في يده سيفا فبيع بعد موته بمائتي دينار.
وتوفى عبد الله عن نيف وأربعين سنة، قال الواقدي دفن هو وحمزة في قبر واحد
وولى رسول الله صلى الله عليه وسلم تركته فاشترى لولده مالا بخيبر. وعن عبد
الله بن مسعود قال استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش وأبا
بكر وعمر رضي الله عنهم في أسارى بدر، وأما البنات فأسلمن كلهن ولهن
صحبة وتزوج صلى الله عليه وسلم منهن زينب وقد ذكرنا مناقبها في كتاب مناقب
أمهات المؤمنين. وأما حمنة فكانت تحت مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد
مناف بن عبد الدار العبدري وكان من فضلاء الصحابة فلما قتل تزوجها طلحة بن
عبيد الله فولدت له محمدا وعمران. وهي التي استحيضت وسألت النبي صلى الله عليه
وسلم وحديثها في باب الاستحاضة مشهور، وأما أم حبيبة ويقال أم حبيب
وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف وكانت تستحاض أيضا. وأهل السير يقولون
المستحاضة حمنة والصحيح عند أهل الحديث أنهما استحيضتا، وقد قيل
إن زينب أيضا كانت تستحاض.
ذكر ولد أروى بنت عبد المطلب المختلف في اسلامها
وهو طليب بن عمير بن وهب بن قصى أسلم وكان سببا لاسلام أمه على ما
تقدم. وهاجر إلى ارض الحبشة وشهد بدرا في قول ابن إسحاق والواقدي، قال
الزبير بن بكار كان طليب من المهاجرين الأولين وشهد بدرا وقتل بأجنادين
شهيدا ولا عقب له، وقال مصعب قتل يوم اليرموك.
ذكر ولد صفية بنت عبد المطلب المتفق على إسلامها
وهم ثلاثة الزبير والسائب وعبد الكعبة فأما الزبير فقد ذكرناه في كتاب
مناقب العشرة وذكرنا ولده بعد ذكره. وأما السائب فأسلم وشهد أحدا والخندق
وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل يوم اليمامة شهيدا. وأما عبد
255

الكعبة فذكره أبو عمر في أولادها في باب صفية ولم يذكره في بابه فصح جملة
أولاد العمات أحد عشر رجلا وثلاث بنات عرفن فالرجال عامر بن البيضاء بن
كريز بن ربيعة و عبد الله وزهير ابنا عاتكة من أبى أمية المخزومي وأبو سلمة بن برة
من عبد الأسد المخزومي و عبد الله وعبيد الله وأبو أحمد بنو أميمة من جحش وطليب
ابن أروى من عمير بن وهب والزبير بن السائب وعبد الكعبة بنو صفية من العوام.
وكلهم أسلموا وثبتوا على الاسلام الا عبيد الله بن جحش.
وأما الإناث فزينب وأم حبيبة وحمنة بنات أميمة بنت جحش، وذكر لام
حكيم بنات لم يذكر عددهن ولا اسلامهن ولا أسماءهن. وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
قد قيل فيها ما تقدم والصحيح أنها عاتكة بنت عبد المطلب زوجة ابنها
وأم أخويها كما تقدم وأمها عاتكة المخزومية وقد تقدم بيان ذلك.
فهذا جملة ما أمكننا جمعه في الحالة الراهنة في مناقب ذوي القربى
وأولادهم أعاد الله علينا من بركتهم ونفعنا بمحبتهم وجعل هذا المجموع فيهم
وسيلة إلى نيل شفاعتهم والحشر في زمرتهم آمين.
(فصل)
يتضمن ذكر جدات النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه
قال ابن قتيبة أم عبد الله هي فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمر بن مخزوم وأم عبد
المطلب سلمى ابنة عمرو من بنى النجار وأمها وأم أمها منهم أيضا وكانت قبل هاشم
تحت أحيحة بن الجلاح فولدت له عمرو بن أحيحة فهو أخو عبد المطلب لامه وأم
هاشم عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالح بن ذكوان من بنى سليم. وقال أبو اليقظان أم
عبد مناف عاتكة بنت فالح بن ذكوان بن سليم قال أبو اليقظان أم عبد مناف حتى بنت
خليل الخزاعية وكان مفتاح البيت في يد خليل الخزاعي ثم أخذه قصى بن كلاب، وأم
قصى فاطمة بنت سعد بن أزد السراة وأم كلاب نعم بنت سرير بن ثعلبة بن مالك بن
كنانة وأم مرة وحشية بنت شيبان بن محارب من فهر، وأم كعب سلمى بنت محارب
ابن فهر وأم لؤي وحشية بنت مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة وأم غالب
256

سلمى ابنة سعد بن هذيل وأم فهر جزلة ابنة الحرث الجرهمي وأم مالك هند بنت
عدوان بن عمرو بن قيس غيلان وأم النضر برة بنت مرة وهي أخت تميم بن
مرة فتميم أخوال قريش لان قريشا من النضر تقرشت. هذا كله ذكره أبو محمد
ابن قتيبة في كتاب المعارف فالجدة الأولى مخزومية والثانية نجارية والثانية سلمية والرابعة
سلمية أيضا وقيل خزاعية والخامسة أزدية والسادسة كنانية والسابعة فهرية والثامنة
فهمية أيضا أو فهرية - الخط في ناسخ الأصل يوهم - والتاسعة كنانية والعاشرة
هذليه والحادية عشرة جرهمية والثانية عشرة قيسية والثالثة عشرة مرية والله أعلم.
(فصل يتضمن ذكر أمه وأمهاتها)
هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب قرشية زهرية أمها برة
بنت عبد العزى بن قصى في كلاب بن مرة وأم أبيها وهب عاتكة بنت الأوقص
ابن مرة بن هالة بن فالح بن ذكوان من بنى سليم. ذكره ابن قتيبة. وقال
أبو عمر يعرف أبوها بأبي كبشة الذي كان ينسب إليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيقال ابن أبي كبشة ونسب إليه لأنه كان يعبد الشعرى ولم يكن أحد يعبد
الشعرى من العرب غيره خالف في ذلك جميع العرب فلما جاءهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم بخلاف ما كانت عليه العرب قالوا هذا ابن أبي كبشة وقيل بل
نسب صلى الله عليه وسلم إلى أبى أمه وهب، وكان يدعى بأبي كبشة، وقيل إن أباه من
الرضاعة الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي زوج حليمة السعدية كان
يدعى بأبي كبشة فنسب إليه، وأم أمها برة هي أم حبيب، قاله ابن قتيبة. وقال
أبو سعيد: أم سفيان بنت أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب بن مرة وأم أم
حبيب هي برة بنت عوف بن عبيد بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، وأم
برة بنت عوف قلابة بنت الحرث بن صعصعة بن عايذ بن لحيان بن هذيل. وأم
قلابة هند بنت يربوع من ثقيف. قاله ابن قتيبة، وقال أبو سعيد أمها بنت
مالك بن عثمان من بنى لحيان فالجدة الأولى والثانية والثالثة من أمهات أمه صلى الله عليه وسلم
قرشيات وأم أبى سلمية والرابعة لحيانية هذلية والخامسة ثقفية ففي كل قبيلة من
257

قبائل العرب كان له صلى الله عليه وسلم علقة نسب والأرومة قرشية هاشمية.
(ذكر تزويج آمنة بعبد الله بن عبد المطلب)
قال أبو عمر خرج به أبوه عبد المطلب إلى وهب بن عبد مناف فزوجه آمنة
ابنة وهب، وقيل كانت آمنة في حجر عمها وهيب بن عبد مناف فأتاه عبد المطلب
فخطب إليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه وخطب آمنة بنت أخيه وهب لابنه
عبد الله فتزوجاهما في مجلس واحد فولدت آمنه لعبد الله رسول الله صلى الله عليه
وسلم وولدت هالة لعبد المطلب حمزة وصفية وكان سن عبد الله إذا تزوج ثلاثين سنة
وقيل خمسا وعشرين ولم يكن لآمنة أخ ولا أخت فلذلك لم يكن لرسول الله
صلى الله عليه وسلم خال ولا خالة وإنما بنو زهرة يقولون نحن أخواله لان آمنة أمه
منهم ولم يكن لعبد الله ولا لآمنة ولد غيره صلى الله عليه وسلم فذلك لم يكن له أخ ولا أخت
لكن كان له ذلك من الرضاع وسيأتي ذكرهم.
(ذكر وفاة أمه صلى الله عليه وسلم)
توفيت لست سنين مضت من مولد النبي صلى الله عليه وسلم بالابواء بين مكة والمدينة
وكانت قد خرجت به صلى الله عليه وسلم إلى أخوال أبيه بنى النجار تزورهم
فماتت فقدمت به أم أيمن بعد موت أمه بخمسة أيام. وقال أبو سعيد دفنت أمه
صلى الله عليه وسلم بمكة وأهل مكة يزعمون أن قبرها في مقابر أهل مكة من
الشعب المعروف شعب أبى دب وكان أبو دب رجلا من سراة بنى عمرو معروفا،
وقيل قبرها في دار رائقة بالمعلاة بثنية أذاخر عند حائط حكما.
(ذكر زيارته صلى الله عليه وسلم قبر أمه)
عن أبي هريرة قال زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى
من حوله ثم قال صلى الله عليه وسلم سألت ربى أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته
في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت. خرجه مسلم.
(ذكر ما جاء في إيمان أمه صلى الله عليه وسلم بعد موتها)
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل الحجون كئيبا
258

حزينا فأقام به ما شاء الله عز وجل ثم رجع مسرورا قال سألت ربي عز وجل فأحيا لي
أمي فآمنت بي ثم ردها. رويناه من حديث أبي عزية محمد بن محمد بن يحيى الزهري.
(فصل في أمهاته صلى الله عليه وسلم من الرضاع)
أرضعته صلى الله عليه وسلم حليمة بنت أبي دويب عبد الله بن الحرث بن شجنة
ابن جابر بن رزام بن ناضرة بن سعد بن بكر بن هوازن، وهي التي أرضعته حتى
أكملت رضاعه ورأت له برهانا وآيات ذكرناها في مختصر السير. وأرضعته بلبن
زوجها الحرث بن عبد العزى، ولحليمة أحاديث وقصص ذكرنا منها نبذا في خلاصة
سير سيد البشر وأرضعته أيضا ثويبة جارية أبى لهب بلبن ابنها مسروح وكانت
تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن تزوج خديجة فكانت خديجة رضي الله عنها
تكرمها، وأعتقها أبو لهب لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إليها من المدينة بكسوة وحلة
حتى ماتت بعد فتح خيبر فبلغت وفاتها النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عن ابنها مسروح فقيل
مات فسأل عن قرابتها فقيل لم يبق منهم أحد. ذكره أبو عمر.
(ذكر قدوم حليمة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد النبوة)
عن عطاء بن يسار قال جاءت حليمة بنت عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة
إليه يوم حنين فقال إليها وبسط رداءه لها فجلست عليه. وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم
روى عنها عبد الله بن جعفر. خرجه أبو عمر.
(فصل في اخوته صلى الله عليه وآله من الرضاعة)
كان له إخوة من الرضاعة حمزة وأبو سلمة بن عبد الأسد أرضعتهما مع
النبي صلى الله عليه وسلم ثويبة جارية أبى لهب بلبن ابنها مسروح كما قدمناه
ومسروح بن ثويبة وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب أرضعته ورسول الله
صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية. ذكر ذلك أبو عمر وأبو سعيد وغيرهما. وقد سبق ذكر
حمزة في فصله من باب بنى الأعمام وذكر أبى سلمة في فصله من باب بنى العمات
ولم أظفر بذكر ثويبة وابنها ولعلهما لم يسلما فلذلك لم يذكرهما أبو عمر وكذلك لم
259

يذكر من أولاد حليمة غير الشما قال واسمها حذافة قال وإنما غلب لقبها فلم
تعرف في قومها إلا به وقد ذكر أنها كانت تحضن النبي صلى الله عليه وسلم مع أمها فلا تعرف
في قومها إلا به. قال وروى أن خيلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أغارت على
هوازن فأخذوها في جملة السبي فقالت لهم أنا أخت صاحبكم فلما قدموا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم قالت له يا محمد أنا أختك وعرفته بعلامة عرفها فرحب
بها وبسط لها رداءه وأجلسها عليه ودمعت عيناه وقال صلى الله عليه وسلم إن
أحبب فأقيمي عندي مكرمة محبة وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتك
قالت بل أرجع إلى قومي فأسلمت وأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أعبد
وجارية ونعما وشاء. ذكره أبو عمر وابن قتيبة.
(ذكر أم أيمن حاضنته صلى الله عليه وسلم)
هي بركة بنت ثعلبة بن حصن بن مالك غلبت عليها كنيتها. وكنيت باسم
أبيها أيمن بن عبيد الحبشي وهي أم أسامة بن زيد تزوجها زيد بعد عبيد فولدت له
أسامة ويقال إنها مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجرت الهجرتين إلى أرض
الحبشة وإلى المدينة جميعا وكانت لعبد الله بن عبد المطلب فورثها النبي صلى الله
عليه وسلم، وقال سليمان بن أبي شيخ كانت لام النبي صلى الله عليه وسلم وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أم أيمن أمي بعد أمي وكان صلى الله عليه
وسلم يزورها ثم أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما. عن أنس قال قال أبو بكر لعمر
انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها
ويقال انها التي شربت بوله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم وبالله التوفيق.
* * *
ثم الكتاب المبارك يوم الثلاثاء يوم سابع عشرى شهر رجب الفرد سنة
خمس عشرة بعد الألف بالطائف في وادى و ج، وكتبه بيده الفانية
العبد الفقير المعروف بالذنب والتقصير الراجي فضل ربه اللطيف الخبير
260

علي بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن هلال بن يونس بن الشيخ عيسى بن
الشيخ علي بن الشيخ محمد صاحب الخطوة نسبا والشافعي مذهبا واليمنى بلدا غفر
الله له ولوالديه أجمعين.
وكان الفراغ من نساخته في يوم الجمعة المبارك سادس عشر شهر ربيع
الثاني سنة ألف ومائة وواحد على يد كاتبه العبد الفقير المعترف بالعجز والتقصير
راجي لطف ربه اللطيف الخبير محفوظ بن أحمد بن عبد الجواد الشهير نسبه
بجعيجع القوصى بلدا الشافعي مذهبا الأشعري معتقدا غفر الله له ولوالديه ولمشايخه
ولمن دعا لهم بالمغفرة آمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى
آله وصحبه وأزواجه أمهات المؤمنين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
* * *
وجاء في آخر النسخة التيمورية:
نجز ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى بحمد الله وعونه على يد العبد الفقير إلى
الله تعالى الراجي عفو ربه ومغفرته عبد العزيز بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن أبي جرادة
من بنى العديم الحنفي لطف الله تعالى به والمسلمين في يوم الأربعاء ثاني عشر شهر
المحرم الحرام سنة ستين وثمانمائة أحسن الله خاتمتها بمحمد وآله وصحبه آمين
وحسبنا الله وكفى.
* * *
ثم طبع هذا الكتاب بحمد الله تعالى
في مطبعة القدسي، ومطبعة السعادة
261