الكتاب: إقبال الأعمال
المؤلف: السيد ابن طاووس
الجزء: ٢
الوفاة: ٦٦٤
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: جواد القيومي الاصفهاني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ربيع الأول ١٤١٥
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
ردمك:
ملاحظات:

الإقبال بالأعمال الحسنة
1

الإقبال بالأعمال الحسنة
فيما يعمل مرة في السنة
المؤلف
السيد رضى الدين
علي بن موسى جعفر بي طاوس
المحقق
جواد القيومي الأصفهاني
3

مركز النشر مكتب الاعلام الاسلامي
اسم الكتاب: إقبال الأعمال (ج 2)
المؤلف: السيد رضى الدين على بي موسى بي جعفر بن طاوس
المحقق: جواد القيومي الأصفهاني
الناشر: مكتب الاعلام الاسلامي
طبع على مطابع: مكتب الاعلام الاسلامي
الطبعة: الأولى
تاريخ الطبع: ربيع الأول 1415 هق
طبع منه: 3000 نسخة
- جميع الحقوق محفوظة للناشر -
قم: شارع الشهداء (صفائية)، ص ب: 917 - هاتف 23426
4

بسم الله الرحمن الرحيم
5

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
للتنور بأنوارها والاستضاء بأضواء عنايات الله جل جلاله وأسرارها، ونشكر الله
تبارك وتعالى بأن أحلنا محل ألطافه وعنايات الجليلة، وجعلنا قابلا للتحلي بالصفات
الجميلة.
وشرفنا للتهيأ لمناسك أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا هدى للعالمين،
وأرانا بفضله وكرمه ما فيه من الآيات البينات التي من جملتها مقام إبراهيم، وجعل لنا
الأمن والأمان من أذى الظالمين وموجبات سخط رب العالمين، بدخولها لمناسك
وعبادات قد فصلها بلسان الشرع، كما قال عز من قائل: (ومن دخله كان آمنا)، 2
وأوجب هذه العبادات والمناسك على كل من استطاع إليه سبيلا، ووجد من الزاد
والراحلة على تيسره دليلا، وأشار إلى ذلك بقوله: (ولله على الناس حج البيت من استطاع 2
إليه سبيلا).
ونصلي على نبينا الرؤف علينا بالهداية إلى هذه الخيرات والحث على تلك
المبرات، وعلى آله الأئمة الهداة والسالكين مسالك الألطاف والعنايات صلوات الله عليه
وعليهم أجمعين.
الباب الأول: فيما نذكر من فوائد شهر شوال، وفيه عدة فصول:
فصل: فيما نذكره مما روى في تسمية شوال.

1 - كذا في النسخ الموجودة، وقد سقط منها عبارات من خطبة المؤلف.
2 - آل عمران: 97.
3 - آل عمران: 97.
7

فصل: في ما نذكره من أن صوم الستة أيام من شوال تكون متفرقة فيه.
فصل: فيما نذكره من صيام شوال.
فصل: فيما نذكره من كيفية الدخول في شهر شوال، وما أنشأناه عند رؤية هلاله من
الابتهال، وما نذكره من الإشارة إلى المنسك باجمال المقال.
الباب الثاني: فيما نذكره من فوائد شهر ذي القعدة، وفيه عدة فصول:
فصل: فيما نذكره من الرواية بأن شهر ذي القعدة محل لإجابة الدعاء عند الشدة.
فصل: فيما نذكره من ابتداء فوائد ذي القعدة.
فصل: فيما نذكره في كيفية الدخول في هذا الشهر.
فصل: فيما نذكره مما يعمل في يوم الأحد من الشهر المذكور وما فيه من الفضل
المذخور.
فصل: فيما نذكره من فضل صوم ثلاثة أيام من الشهر الحرام.
فصل: فيما نذكره من فضل ليلة النصف من ذي العقدة والعمل فيها.
فصل: فيما يتعلق بدحو الأرض وانشاء أصل البلاد وابتداء مساكن العباد.
فصل: فيما نذكره مما يعمل يوم خمس وعشرين من ذي العقدة.
فصل: فيما نذكره من زيادة رواية في فضل يوم دحو الأرض.
فصل: فيما ذكره من التنبيه على فضل الله جل جلاله بدحو الأرض وبسطها لعباده،
والإشارة إلى بعض معاني ارفاده بذلك واسعاده.
فصل: فيما نذكره من فضل زائد ليلة يوم دحو الأرض ويومها.
فصل: فيما نذكره من الدعاء من يوم خمس وعشرين من ذي القعدة.
فصل: فيما نذكره مما ينبغي أن يكون المكلف عليه في اليوم المشار إليه.
فصل: فيما نذكره مما يختم بذلك اليوم.
الباب الثالث: فيما يختص بفوائد من شهر ذي الحجة وموائد للسالكين صوب المحجة، وفيه
فصول:
فصل: فيما نذكره من الاهتمام بمشاهدة هلاله.
8

فصل: فيما نذكره في كيفية الدخول في شهر ذي الحجة.
فصل: فيما نذكره من فضل العشر الأول من ذي الحجة على سبيل الاجمال.
فصل: فيما نذكره من زيادة فضل لعشر ذي الحجة على بعض التفصيل.
فصل: فيما نذكره من فضل صلاة تصلى كل ليلة من عشر ذي الحجة.
فصل: فيما نذكره من فضل أول يوم من ذي الحجة.
فصل: فيما نذكره من فضل صوم التسعة أيام من عشر ذي الحجة.
فصل: في صلاة ركعتين قبل الزوال في أول يوم من ذي الحجة.
فصل: فيمن يريد ان يكفي شر ظالم فيعمل أول يوم من ذي الحجة.
فصل: فيما نذكره من فضل اليوم الثامن من ذي الحجة، وهو يوم التروية.
فصل: فيما نذكره من فضل ليلة عرفة.
فصل: فيما نذكره من دعاء في ليلة عرفة.
فصل: فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام في ليلة عرفة.
فصل: فيما نذكره من فضل يوم عرفة على سبيل الجملة.
فصل: فيما نذكره من الاهتمام بالدلالة على الامام يوم عرفة عند اجتماع الأنام،
لأجل حضور الفرق المختلفة من أهل الاسلام.
فصل: فيما نذكره من فضل صوم يوم عرفة والخلاف في ذلك.
فصل: فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة.
فصل: فيما نذكره من لفظ الزيارة المختصة بالحسين عليه السلام يوم عرفة.
فصل: فيما نذكره من صلاة ركعتين قبل الخروج للدعاء المعتاد، وهل الاجتماع
للدعاء يوم عرفة أفضل أو الانفراد.
فصل: فيما نذكره من الاستعداد لدعاء يوم عرفة أين كان من البلاد.
فصل: فيما نذكره من صلاة تخصص بيوم عرفة بعد صلاة الظهرين.
فصل: فيما نذكره من أدعية يوم عرفة.
فصل: فيما نذكره مما ينبغي ان يختم به يوم عرفة.
9

الباب الرابع: فيما نذكره مما يتلق بليلة عيد الأضحى ويوم عيدها، وفيه فصول:
فصل: فيما نذكره من فضل احياء ليلة عيد الأضحى.
فصل: فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام عيد الأضحى.
فصل: فيما نذكره من الإشارة إلى فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم الأضحى
وبماذا يزار.
فصل: فيما نذكره مما ينبغي أن يكون أهل السعادة والاقبال عليه يوم الأضحى من
الأحوال.
فصل: فيما نذكره من الرواية بغسل يوم الأضحى.
فصل: فيما نذكره مما يعتمد الانسان في يوم الأضحى عليه بعد الغسل المشار إليه.
فصل: فيما نذكره من صفة صلاة العيد يوم الأضحى.
فصل: فيما نذكره من فضل الأضحية وتأكيدها في السنة المحمدية.
فصل: فيما نذكره من رواية عن كم تجزى الأضحية وما يقال عند الذبح.
فصل: فيما نذكره من تعيين أيام وقت الأضاحي.
فصل: فيما نذكره من قسمة لحم الأضحية.
فصل: فيما نذكره مما يختم به يوم عيد الأضحى.
الباب الخامس: فيما نذكره مما يختص بعيد الغدير في ليلته ويومه من صلاة ودعاء، وشرف
ذلك اليوم وفضل صومه، وفيه فصول:
فصل: فيما نذكره من عمل ليلة الغدير.
فصل: فيما نذكره من مختصر الوصف مما رواه علماء المخالفين عن يوم الغدير من
الكشف.
فصل: في بعض تفصيل ما جرت عليه حال يوم الغدير من التعظيم والتبجيل.
فصل: فيما نذكره من فضل الله جل جلاله بعيد الغدير على سائر الأعياد وما فيه من
المنة على العباد.
فصل: فيما نذكره من فضل عيد الغدير عند أهل العقول من طريق المنقول.
10

فصل: فيما نذكره من فضل يوم الغدير من كتاب النشر والطي.
فصل: فيما نذكره أيضا من فضل يوم الغدير برواية جماعة من ذوي الفضل الكثير،
وهي قطرة من بحر غزير.
فصل: فيما نذكره من جواب من سأل عما في الغدير من الفضل وقصر فهمه عما
ذكرناه في ذلك من الفضل.
فصل: فيما نذكره من تعظيم يوم الغدير في السماوات برواية الثقات وفضل زيارته
عليه السلام في ذلك الميقات.
فصل: فيما نذكره من جواب الجاهلين بقبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه من
المخالفين.
فصل: فيما نذكره من الإشارة من زاره من الأئمة من ذريته وعليه وعليهم أفضل
السلام وغيرهم من عترته من ملوك الاسلام.
فصل: فيما نذكره مما رأيتها أنا عند ضريحه الشريف غير ما رويناه وسمعناه به من
آياته التي تحتاج إلى مجلدات وتصانيف.
فصل: فيما نذكره من تعيين زيارة لمولانا على صلوات الله عليه في يوم الغدير المشار
إليه.
فصل: فيما نذكره من عوذة تعوذ بها النبي صلى الله عليه وآله في يوم الغدير.
فصل: فيما نذكره من عمل العيد الغدير السعيد مما رويناه بصحيح السناد.
فصل: فيما نذكره من زيارة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، يزار بها بعد الصلاة
والدعاء يوم الغدير السعيد من قريب أو بعيد.
فصل: فيما نذكره من ينبغي أن يكون عليه حال أولياء هذا العيد السعيد في اليوم
المعظم المشار إليه.
فصل: فيما نذكره من فضل تفطير الصائمين فيه.
فصل: فيما نذكره مما يختم به يوم الغدير.
الباب السادس: فيما يتعلق بمباهلة سيد أهل الوجود لذوي الجحود، الذي لا يسارى ولا يجازى،
11

وظهور حجته على النصارى والحبارى، وان في يوم مثله تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بالخاتم،
ونذكر ما يعمل من المراسم، وفيه فصول:
فصل: فيما نذكره من انفاذ النبي صلى الله عليه وآله لرسله إلى نصارى نجران
ودعائهم إلى الاسلام والايمان ومناظرتهم فيما بينهم وظهور تصديقه فيما دعا إليه.
فصل: فيما نذكره من زيارة أهل المباهلة والسعادة.
فصل: فيما نذكره من فضل يوم المباهلة من طريق المعقول.
فصل: فيما نذكره مما ينبغي أن يكون المعرفة بحقوق المباهلة من الاعتراف بنعم
الله جل جلاله الشاملة.
فصل: فيما نذكره من عمل يوم بأهل الله فيه بأهل السعادات وندب إلى صوم أو
صلوات أو دعوات.
فصل: فيما نذكره في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة أيضا لأهل المواسم من
المراسم وصدقة مولانا علي عليه السلام بالخاتم.
فصل: فيما نذكره من الإشارة إلى بعض من روى أن آية: (إنما وليكم الله ورسوله
والدين آمنوا)، نزلت في مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه من طريق
المخالفين عليه.
فصل: فيما نذكره من عمل زائد في هذا اليوم العظيم الشأن.
فصل: فيما نذكره من زيادة تنبيه على تعظيم هذا اليوم وما فيه من المسار وما يختم به
آخر ذلك النهار.
الباب السابع: فيما نذكره مما يتعلق بليلة خمس وعشرين من ذي الحجة ويومها، وفيه
فصول:
فصل: فيما نذكره من الرواية بصدقة مولانا علي عليه السلام ومولاتنا فاطمة صلوات
الله في هذه الليلة على المسكين واليتيم والأسير.
فصل: فيما نذكره مما يعمل يوم خامس وعشرين من ذي الحجة.
الباب الثامن: فيما نذكره مما يتعلق باليوم التاسع والعشرين من ذي الحجة وما يستحب فيه
12

لأهل الظفر بصواب المحجة.
الباب التاسع: فيما نذكره من عمل آخر يوم من ذي الحجة.
وها نحن نفصل ما أجملناه وننجز ما وعدناه، فنقول:
13

الباب الأول
فيما نذكره من فوائد شهر شوال
وفيه فصول:
فصل (1)
فيما نذكره مما روى في تسمية شوال
ذكر مصنف كتاب دستور المذكرين ومنشور المتعبدين باسناده المتصل فقال: قيل
للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله ما شهر رمضان - أما رمضان؟ قال: أرمض الله
تعالى فيه ذنوب المؤمنين وغفرها لهم، قيل: يا رسول الله فشوال؟ قال: شالت فيه ذنوبهم
فلم يبق فيه ذنب الا غفره.
قال مصنف هذا الكتاب: أرمض أي أحرق، وشالت فيه ذنوبهم فلم يبق ذنب
الا غفره.
قال مصنف هذا الكتاب: أرمض أي أحرق، وشالت أي ارتفعت وذهبت عنهم،
قال: والمعنى فيه انهم إذا عرفوا حق رمضان صار كفارة لهم واذهب عنهم ذنوبهم
وطهرهم منها، وإنما يتم ذلك بانقضاء رمضان وانقضاء رمضان بدخول شوال.
قلت: وقال مصنف الصحاح في اللغة ما هذا لفظة: وشوال أول أشهر الحج والجمع
شوالات وشوايل، وشوال أي خفيف من العمل والخدمة.
فصل (2)
فيما نذكره من أن صوم الستة أيام من شوال تكون متفرقة فيه
قد ذكرنا في كتاب الزوائد والفوائد في عمل شهر الصيام روايات بصوم هذه الستة
14

الأيام ولم نذكر الرواية بصومها متفرقة، واجبنا ان نذكرها في فوائد شوال الرواية
بذلك، فنقول:
روى صاحب دستور المذكرين عن الطبراني، وهو ثقة عند المحدثين، باسناده عن
إسحاق بن إبراهيم الديري قال: سألت عبد الرزاق عمن يصوم الثاني من الفطر، فكره
ذلك وأباه اباء شديدا، وقال عبد الرزاق: وسألت معمرا عن صيام الست التي بعد يوم
الفطر وقالوا له: تصام بعد الفطر بيوم، فقال: معاذ الله إنما هي أيام عيد واكل وشرب،
ولكن تصام ثلاثة أيام قبل أيام الغراء وبعدها، وأيام الغراء ثالث عشرة ورابع عشرة
وخامس عشرة.
فصل (3)
فيما نذكره من صيام شوال
باسناد مصنف دستور المذكرين إلى من سماه، قال عفان بن يزيد انه سمعه
من خلق في رسول الله عليه وآله قال: من صام شهر رمضان وشوالا والأربعاء
والخميس دخل الجنة.
وفى حديث آخر منه باسناده إلى مسلم بن عبيد القريشي ان أباه رضي الله عنه
أخبره انه سأل النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا نبي الله أصوم الدهر؟ فسكت، ثم
سأله الثانية، فسكت، ثم سأله الثالثة، فقال: يا نبي الله أصوم الدهر كله؟ فقال النبي
صلى الله عليه وآله: من السائل عن الصوم؟ فقال: أنا يا رسول الله، فقال: اما لأهلك
حق، صم رمضان والذي يليه وكل أربعاء وخميس، فإذا أنت قد صمت الدهر.
فصل (4)
فيما نذكره من كيفية في شوال وما أنشأناه عند رؤية هلاله من الابتهال، وما نذكره
من الإشارة إلى المنسك باجمال المقال
أقول: إن الدخول في شهر شوال، فهو كما قدمناه من الدخول في شهر رجب، فان
15

ظفرت به ففيه بلاغ في المقال، وان لم تظفر بما أشرنا إليه، فليكن دخولك في شهر شوال
دخول المصدقين، فإنه شهر حرام له حق التعظيم بالمقال والفعال.
كمن دخل في دروب مكة إلى مسجدها الأعظم، فلابد أن يكون لدخوله كيفية
على قدر تصديقه صاحب المسجد المعظم، فاجهد أن يكون قبلك وعقلك مصاحبا له
بالتعظيم وجوار حك محافظة على سلوك السبيل المستقيم، فن عادة الملوك المؤدب الكامل
أن يكون موافقا لمالكه في سائر مسالكه.
فصل: واما ما يقال عند رؤية هلال شوال:
فقد قدمنا في كتال عمل الشهر دعاء أنشأناه يصلح لجميع الشهور، 1 فإن لم يجده
فليقل عند رؤية الهلال المذكور:
اللهم انك قد مننت علينا بضياء البصائر والابصار، حتى عرفتنا 2
ما بلغتنا إليه من الاسرار والاعتبار، وشاهدنا هلال شوال، وهو من شهور
التعظيم والاجلال.
فصل على محمد وآل محمد ووفقنا لمصاحبته بما يقربنا إليك، وشرفنا
فيه بتمام اقبالنا عليك، واجعله لنا من أهل السعود والاقبال في جميع
الأحوال والأعمال والأقوال، كما أخلعت علينا خلع التوفيق للظفر بنصره
وبره وخيره.
واجعل ساعاته واردة علينا بزيادات الاحسان إلينا، حتى ندرك بتأييدك
وعنايتك أفضل ما أدركه أحد فيه من مزيدك وعفوك وعافيتك برحمتك.
وابدء بكل ما تريد البدأة به في الدعوات، وأشرك معنا من يعز علينا من
الأهل ودوى المودات والحقوق المحفوظات، يا ارحم الراحمين.
فصل: واما المنسك للحج على سبيل التحرير والاستظهار، فقد كنا شرعنا
فيه واخرنا اتمامه لبعض الاعذار.

1 - الدروع الواقية: 26.
16

الباب الثاني
فيما نذكره من فوائد شهر ذي القعدة
وفيه عدة فصول:
فصل (1)
فيما نذكره من الرواية بان شهر ذي القعدة محل لإجابة الدعاء عند الشدة
رأيت كتاب بالمدرسة المستنصرية تأليف أبى جعفر محمد بن حبيب، تاريخ كتابته
ما هذا لفظه: وكتب عمر بن ثابت في شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، ان
عياض بن خويلد الهذلي قال:
كان بنو ضيعا رهطا حرمة، وكنت جارا لهم، فكانوا يظلمونني ويؤذونني، فأمهلتهم
حتى دخل الشهر الحرام، وهو ذو القعدة، وكان الناس لا يدعو بعضهم على بعض الا
فيه، فقمت قائما فبهلتهم، 1 فقلت: يا رب أدعوك دعاء جاهدا أقتل بنى الضيعا الا
واحدا، ثم اضرب الرجل فدعه قاعدا أعمى إذا قيد - يعنى القائد - فاصطلموا 2 وبقى
هذا، ففعل به ما ترى، وكان المدعو عليه زمنا.
قلت أنا: ورأيت هذه الحكاية برواية دستور المذكرين انها كانت في شهر رجب.
فصل: ورأيت في كتاب محمد بن الحبيب المذكور، عند ذكر من استجيبت دعوته في

1 - البهل: اللعن.
2 - اصطلم: استأصل.
17

الجاهلية، ما رواه عن أبي عبد الله بن الاغرابي:
ان عبد الله بن حلاوة السعدي نزل ببني العنبرين عمر بن تميم، وله مال من إبل
وغنم، فأكلوه واستطالوا عليه بعددهم، فأمهلهم حتى دخل الشهر الحرام، ثم رفع يديه
فقال:
يا رب إن كان بنو عنبر آل السلب، منهم مقصورة، قد أصبحوا كأنهم قارورة 1، من
غنم ونعم كثيرة، ومن شاب حسن صورة، ثم عدوا الحلقة مقصورة، ليس لها من اثمها
صادورة، ففجروا بي فجرة مذكورة، فأصبب عليهم سنة قاسورة 2، تختلق 3 المال اختلاق
النورة، فيقال - والله أعلم - ان أموالهم اجتيحت 4 فلم يبق عليهم منها شئ.
فصل (2)
فيما نذكره من ابتداء فوائد ذي القعدة
أقول: فمن ابتداء فوائده الاهتمام بمشاهدة هلاله، لأجل ما يأتي ذكره فيه من
مواقيت، لا طلاق مكارم الله جل جلاله واقباله، وما يدعى به عند مشاهدة الهلال
الموصوف.
ولم أجد إلى الان تعيين دعاء لذلك المقام المعروف، فيقول ان شاء ما نذكره على
سبيل الانشاء، ما يطلقه على قلمنا مالك الأشياء:
اللهم ان هذا شهر ذي القعدة، من الأشهر التي أمرت بتعظيمها،
وجعلت فيها من اسرار العبادات ما شهد بتكريمها، وقد شرفتنا بان جعلت لنا
طريقا إلى مشاهدة هلاله ومعرفة حق اقباله، ولم تحجبه عنا بالغيوم وحوادث
السماء، ولا حجبتنا عنه بما بمنع ابصارنا من الضياء.

1 - فرت عينه: بردت سرورا.
2 - فسره على الأمر: قهره وأكرهه عليه.
3 - خلق الثوب: بلى.
4 - احتجبت (خ ل)، أقول: الجوح: الاهلاك والاستيصال كالإجاحة والاجتياح - القاموس.
18

فأسألك ان تتم ما ابتدأت من النعم الباطنة والظاهرة، بان تجعلنا من
الظافرين فيه بسعادة الدنيا والآخرة، وكن برحمتك المسير لنا في تقلباته
ولحظاته بكمال حظنا من خيراته وبركاته.
واحفظنا من آفاقه ومخافته، حتى نكون من أسعد من نظر إلى هلاله
وبلغته منه غاية آماله، وابدء بكل من يرضيك البدأة بذكره في المناجاة من
أهل النجاة، وأشرك معنا أهل المصافاة والموالاة، وأرنا آيات الإجابات
والقبول في جميع المأمول والمسؤول، برحمتك يا ارحم الراحمين.
فصل (3)
فيما نذكره في كيفية الدخول في هذا الشهر
فاما كيفية الدخول في شهر ذي القعدة المعظم في الاسلام، فعلى نحو ما أشرنا إليه
من دخول كل شهر حرام، ونزيد في هذا الشهر على التعيين انه الشهر الذي دحاه 1 الله
فيه الأرض وهيأها للعالمين - على ما سيأتي شرحه على التفصيل - فكأنه مطية قد اهتديت
إليك لتوصلك إلى المسكن الجليل والموطن الجميل، وما يتصل به من العطاء الجزيل.
فاشكر واهب تلك المطية واعرف حقه وحقها وما تظفر به من الأمنية، فإنك ترى
العقول السليمة دالة على تعظيم المطايا إذا وصلت إلى شرف العطايا، كما قيل:
وإذا المطي بنا بلغن محمدا فلها علينا حرمة وذمام
بلغتنا من خير من وطى الحصا وظهورهن على الرجال حرام
وليكن حفظك لحرمة هذا الشهر بالقلب والعقل وحفظ الجوارح، لتدرك ما فيه من
الفضل الراجح، إن شاء الله تعالى.
أقول: وقد ذكرنا انه شهر موصوف بإجابة الدعوات، فاغتنم أوقاته وصم فيه صيام
الحاجات، وابدء بالحوائج المهمات على الترتيب الذي يكون أهم عند من تعرض

1 - دحى الأرض: بسطها.
19

الحوائج عليه، فيوشك ان يظفر بما تقصد إليه، إن شاء الله تعالى.
فصل (4)
فيما نذكره مما يعمل في يوم الأحد من الشهر المذكور وما فيه من الفضل المذخور
وجدنا ذلك بخط الشيخ علي بن يحيى الخياط رحمه الله وغيره في كتب أصحابنا الإمامية
، وقد روينا عنه كلما رواه، وخطه عندنا بذلك في إجازة تاريخها شهر ربيع
الأول سنة تسع وستمائة، فقال ما هذا لفظه: روى أحمد بن عبد الله، عن منصور بن
عبد الحميد، عن أبي أمامة، عن انس بن مالك قال:
خرج رسول الله عليه وآله يوم الأحد في شهر ذي القعدة فقال: يا أيها
الناس من كان منكم يريد التوبة؟ قلنا: كلنا نريد التوبة يا رسول الله، فقال عليه
السلام: اغتسلوا وتوضأوا وصلوا أربع ركعات واقرؤوا في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة
(وقل هو الله أحد) ثلاث مرات والمعوذتين مرة، ثم استغفروا سبعين مرة، ثم اختموا
بلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، ثم قولوا:
يا عزيز يا غفار، اغفر لي ذنوبي وذنوب جميع المؤمنين والمؤمنات فإنه
لا يغفر الذنوب الا أنت.
ثم قال عليه السلام: ما من أمتي فعل هذا الا نودي من السماء: يا عبد الله
استأنف العمل فإنك مقبول التوبة مغفور الذنب، وينادى ملك من تحت العرش: أيها
العبد بورك عليك وعلى أهلك وذريتك، وينادى مناد آخر: أيها العبد ترضى
خصماؤك يوم القيامة، وينادى ملك آخر: أيها العبد تموت على الايمان ولا يسلب منك
الدين ويفسح في قبرك وينور فيه، وينادى مناد آخر: أيها العبد يرضى أبواك وان
كانا ساخطين، وغفر لا بويك ذلك ولذريتك وأنت في سعة من الرزق في الدنيا
والآخرة، وينادى جبرئيل عليه السلام: انا الذي آتيك مع ملك الموت ان يرفق بك
ولا يخدشك اثر الموت، إنما تخرج الروح من جسدك سلا.
قلنا: يا رسول الله لو أن عبدا يقول في غير الشهر؟ فقال عليه السلام: مثل
20

ما وصفت، وإنما علمني جبرئيل عليه السلام هذه الكلمات أيام اسرى بي 1.
فصل (5)
فيما نذكره من فضل صوم ثلاثة أيام من الشهر الحرام
روينا ذلك بإسنادنا إلى الشيخ المفيد محمد بن محمد النعمان رضوان الله عليه من
كتابه حدائق الرياض وزهرة المرتاض ونور المسترشد، وعندنا الان به نسخة عتيقة لعلها
كتبت في زمانه، فقال ما هذا لفظه:
وقال رسول الله عليه وآله: من صام من شهر حرام ثلاثة أيام: الخميس
والجمعة والسبت، كتب الله له عبادة سنة.
ورأيت في كتاب دستور المذكورين عن النبي صلى الله عليه وآله: من صام هذه
الثلاثة أيام كتب الله تبارك وتعالى له عبادة تسعمائة سنة، صيام نهارها وقيام ليلها.
أقول: فان قلت، فلأي حال جعلت هذا الحديث في شهر ذي القعدة من دون أشهر
الحرم؟ قلت: لأنه أول ما اشتمل عليه كتابنا هذا منها، فأردنا ان يغتنم الانسان أول
وقت الامكان قبل حوائل الأزمان، لان الاستظهار والاحتياط للمبادرة إلى العبادات
والطاعات قبل الفوات من دلائل العنايات.
على أن إيرادنا هذا الحديث في هذا الشهر لا يمنع ان يعمل عليه في باقي أشهر الحرم،
فان عموم هذا اللفظ المشار إليه يشتمل على كل شهر من أشهر الحرم، فإذا عمله في
كل شهر منها كان أفضل وأكمل فيما يعتمد عليه.
ولا تقل: كيف عدل عن صوم يوم الأربعاء في أولها إلى صوم يوم السبت في
آخرها، فان اسرار العبادات لا يعلمها جميعا الا المطلع على الغائبات، واليه جل جلا له
الاختيار فيما تعبد به من العبادات.
ولعل ان احتمل أن يكون المراد بذلك، انه لما كان الصوم المذكور لهذه الأيام

1 - عنه المستدرك 6: 396.
21

الثلاثة في هذه الأشهر المباركات، فأراد الله تعالى أن يكون افتتاح صوم هذه الأيام
مباركا، وهو الخميس، وختمها بيوم مبارك، وهو السبت، لقول النبي صلى الله عليه
وآله: بورك لأمتي في سبها وخميسها، تعظيما لهذا الصوم حيث وقع في الأشهر الحرم
المعظمة المباركة المكرمة.
أو لعله يحتمل أن يكون يوم الأحد من هذا الشهر معظما كما قدمناه، وهو يوم
ابتداء خلق الدنيا، فيراد أن يكون مع يوم الفراغ من خلقها وتمامها، وهو يوم السبت،
معظما، وشكرا لله في ابتدائها وفراغها.
فصل (6)
فيما نذكره من فضل ليلة النصف من ذي القعدة والعمل فيها
اعلم رحمك الله ان كل وقت اختاره الله جل جلاله لدعوة عباده إلى حبه وقربه
واسعاده وانجاده وارفاده، فان ذلك من أوقات اقبال العبد واعياده، حيث ارتضاه الله
جل جلاله للوفود بشريف بابه، وشرفه بما لم يكن في حسابه.
ونحن ذاكرون في هذا الفصل ما لم نذكره مما يتكرر في السنة مرة واحدة، كما
يفتحه الله جل جلاله علينا من الفائدة، ووجدناه مما تخيرناه في ذلك وأردناه ما رأيناه
في كتاب أدب الوزراء تأليف أحمد بن شاذان في باب شهور العرب:
وروى عن النبي صلى الله عليه وآله ان في ذي القعدة ليلة مباركة، وهي ليلة
خمس عشرة، ينظر الله إلى عباده المؤمنين فيها بالرحمة، اجر العامل فيها بطاعة الله اجر
مائة سائح لم يعص الله طرفة عين، فإذا كان نصف الليل فخذ في العمل بطاعة الله
والصلاة وطلب الحوائج، فقد روى أنه لا يبقى أحد سال الله فيه حاجة الا أعطاه.
أقول: فاغتنم نداء الله جل جلاله لك إلى مجلس سعادتك وتشريفات بمجالستك
ومشافهتك ومحل قضاء حاجتك، وأفكر لو كانت هذه المناداة من سلطان زمانك
كيف تكون نشيطا إلى الحضور بين يديه بغاية امكانك، ولا يكن الله جل جلاله عندك
دون هذه الحال، والذي قد عرضه الله جل جلاله عليك هو للدنيا ولدار الدوام
22

والاقبال، والذي يدعوك إليه سلطان بلدك مكدر بالمنة والذلة، ويؤول إلى الفناء
والزوال.
فصل (7)
فيما يتعلق بدحو الأرض وانشاء أصل البلاد وابتداء مساكن العباد
اعلم أن هذه الرحمة من سلطان الدنيا والمعاد يعجز عن شرح فضلها بالقلم والمداد،
وها نحن نذكر ما نختاره 1 من الرواية بذلك، ثم نذكر ما يحضرنا في فضل ليلة خمس
وعشرين من ذي القعدة وشرف محلها.
فصل (8)
فيها نذكره مما يعمل يوم خمس وعشرين من ذي القعدة
روينا ذلك بإسنادنا إلى الشيخ محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله باسناده في كتاب
الكافي إلى محمد بن عبد الله الصيقل قال:
خرج علينا أبو الحسن - يعنى الرضا - عليه السلام بمرو في يوم خمس وعشرين من
ذي القعدة، فقال: صوموا فانى أصبحت صائما، قلنا: جعلت فداك أي يوم هو؟ قال:
يوم نشرت فيه الرحمة ودحيت فيه الأرض ونصبت فيه الكعبة وهبط فيه آدم عليه السلام: 2
فصل (9)
فيما نذكره من رواية أخرى بتعين وقت نزول الكعبة من السماء
روينا ذلك بإسنادنا إلى الشيخ أبى جعفر محمد بن بابويه رحمه الله باسناده من

1 - يوجد هنا في بعض النسخ هذه الزيادة:
ورأيت في بعض تصانيف أصحابنا العجم رضوان الله عليهم انه يستحب ان يزار مولانا الرضا عليه السلام يوم
ثالث وعشرين من ذي القعدة من قرب أو بعد ببعض زياراته المعروفة أو بما يكون كالزيارة.
2 - رواه الكليني في الكافي 4: 149، والشيخ في التهذيب 4: 304، عنهما الوسائل 10: 450.
23

كتاب من لا يحضره الفقيه، وقد ضمن في خطبة كتابه صحة ما يرويه فيه وانه رواه من
الأصول المنقولة عن الأئمة صلوات الله عليهم، فقال ما هذا لفظه:
وروى أن في تسمع وعشرين من ذي القعدة انزل الله عز وجل الكعبة، وهي أول
رحمة نزلت، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة 1.
فصل (10)
فيما نذكره من زيادة رواية في فضل يوم دحو الأرض
رويناه ذلك بإسنادنا إلى أبى جعفر محمد بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه،
ومن كتاب ثواب الأعمال فقال:
روى الحسن بن الوشاء قال: كنت مع أبي وانا غلام، فتعشينا عند الرضا عليه
السلام ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة، فقال له: ليلة خمس وعشرين من ذي
القعدة ولد فيه إبراهيم عليه السلام، وولد فيها عيسى بن مريم، وفيها دحيت الأرض من
تحت الكعبة، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا 2.
وفى روايته من كتاب ثواب الأعمال الذي نسخة عندنا الان: ان فيه يقوم القائم
عليه السلام 3.
فصل (11)
فيما نذكره من التنبيه على فضل الله جل جلاله بدحو الأرض وبسطها لعباده، والإشارة إلى
بعض معاني ارفاده بذلك واسعاده
اعلم أن كل حيوان فإنه مضطر إلى مسكن يسكن فيه ويتحصن به مما يؤذيه، فمن
أعظم المنن الجسام انشاء الأرض للأنام، ومن أسرار ما في ذلك من الأنام، ان الله جل

1 - الفقيه 2: 9، عنه الوسائل 1: 452، أورده الصدوق في المقنع: 65، عنه المستدرك 7: 52.
24

جلاله لم يجعل بناء الأرض وتدبير انشائها إلى ملائكته ولا غيرهم من خاصته، وتولاها
بيد قدرته ورحمه، وملأها من كنوز حمله وعفوه ورأفته.
فاذكر أيها الانسان المتشرف بنور الألباب، المعترف بالاقرار برب الأرباب، انه لو
كنت في دار الفناء فقيرا يتعذر عليك تحصيل مسكن للبقاء، يتحصن فيه من حر
الصيف وبرد الشتاء وما معك ثمن ولا اجرة العمارة للبناء.
فرحمك سلطان سلطان ذلك الزمان، وبنى لك مسكنا بيده وملأه مما يحتاج إليه من
الاحسان، وما أتعب لك فيه قلبا ولا جسدا ولا قدما ولا يدا ولا أهلا ولا ولدا، بل عمره،
وأنت ما عرفت ذلك السلطان ولا خدمته، ثم دعاك لتسكن فيما عمره بيده لك، فسكنته
ووجدته قد ملأه من ذخائر العناية بك.
فكيف كان يكون محبتك لذلك السلطان العظيم، ومراقبتك لحقه الجسيم،
واعترافك باحسانه العميم، فليكن الله جل جلاله عندك على أقل المراتب، مثل ذلك
السلطان الملوك لربك جل جلاله، الذي هو أصل الواهب.
أقول: وليكن كل يوم يأتي فيه وقت انشاء المسكن الجديد كيوم العيد، معترفا
لمولاك المجيد بحقه الشامل للعبيد، وكن مشغولا رحمك الله ذلك اليوم وغيره بالشكر له
جل جلاله والتحميد والتمجيد.
وإياك وان يمر عليك مثل هذا اليوم وأنت متهاون بقدره ومتغافل عن مولاك وعظيم
شأنه ومتشاغل عن واجب شكره، فسقط من عين عنايته وتهون، وتدخل تحت ذل ذمة
جل جلاله لك في قوله: (وكم من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون) 1.
وتذكر رحمك الله انك لو احتجت إلى فراش في دراك وبساط تجلس عليه لمسارك،
ففرش لك ذلك الفراش وذلك البساط بيدك، كيف تكون في المراقبة والمحبة والخدمة
له بنفسك وما لك ولسانك وأهلك وولدك، فلا يكن الله جل جلاله عندك دون هذه
الحال، وقد بسط لك الأرض فراشا وجعل لك فيها معاشا.

1 - يوسف 5 1.
25

وتذكر رحمك الله جل جلاله منته عليك واحسانه إليك، كيف انزل الكعبة
الشريفة، وجعلها بابا إليه، ومحلا لفتح أبواب عفوه ورحمته عند الجرأة عليه،
واسترضاك، وأنت ملطخ بأنجاس الذنوب وأدناس العيوب ان تزوره إليها، وأن تكون
قبلة لك إذا أردت التوجه إليه توجهت إليها.
وارحم ضعف قلبك وكبدك، ورقة نفسك وجسدك، فلا تعرضها لخطر أن يكون
مولاك ومالك دنياك وأخراك مقبلا عليك يدعوك إليه، وأنت معرض عنه متمرد
عليه.
ويحك من أين يأتيك وجودك إذا ضيعته، ومن أين يأتيك بقاؤك إذا أهملته ومن
أين يأتيك حياتك إذا أعرضت عنه، ومن أين يأتيك عافيتك إذا هربت منه، ومن
يحميك من بأسه الشديد، ومن يدفع عنك غضبه إذا غضب من قريب أو بعيد، ومن
ترجوه لنوائبك ومصائبك وأسقامك وبلوغ مرامك إذا خرجت من حماه وهجرته وآثرت
عليه مالا بقاء له لولاه.
عد ويحك إلى الطواف حول كعبة كرمه، وطف بالذل على أبواب حلمه ورحمته
وسالف نعمه، واجر على الخدود دموع الخشوع، وجد بماء الجفون قبل نفاد ماء الدموع،
العاجز عن تفريح كربه، فإنك تجده جل جلاله بك رحيما، وعنك حليما، وعليك
عطوفا، وباحتمال سفهك رؤوفا.
فلمن تدخر الذل أحق به منه، ولمن تصون الدمع إذا حبسته عنه، واذكرني بالله
عند تلك الساعة فيما تناجيه جل جلاله من الدعاء والضراعة.
فصل (12)
فيما نذكره من فضل زائد ليلة يوم دحو الأرض ويومها
وهو نقلناه من خط علي بن يحيى الخياط، وقد ذكرنا انه من جملة من رويناه عنه
باسناد ذكره عن عبد الرحمان السلمى، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله
26

عليه يقول: إن
أول رحمة نزلت من السماء إلى الأرض في خمس وعشرين من ذي القعدة، فمن
صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة فله عبادة مائة سنة، صام نهارها وقام ليلها، وأيما جماعة
اجتمعت ذلك اليوم في ذكر ربهم عز وجل لم يتفرقوا حتى يعطوا سؤلهم، وينزل في
ذلك اليوم ألف ألف رحمة يضع منها تسعة وتسعين في حلق الذاكرين، والصائمين في
ذلك اليوم، والقائمين في تلك الليلة 1.
قال: وفى حديث آخر عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
- في خلال حديث -: وانزل الله الرحمة لخمس ليال بقين من ذي القعدة، فمن صام
ذلك اليوم كان له كصوم سبعين سنة 2.
قال: وفى رواية: في خمس وعشرين ليلة من ذي القعدة أنزلت الرحمة من السماء،
وانزل تعظيم الكعبة على آدم عليه السلام، فمن صام ذلك اليوم استغفر له كل شئ
بين السماء والأرض 3.
فصل (13)
فيما نذكره من الدعاء في يوم خمس وعشرين من ذي القعدة
رويناه بطريق متعددة، منها عن جدي أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسي فيما ذكره
في المصباح الكبير، فقال قدس الله جل جلاله روحه ونور ضريحه ما هذا لفظه:
ذو القعدة، يوم الخامس والعشرين منه دحيت الأرض من تحت الكعبة، ويستحب
صوم هذا اليوم، وروى أن صومه يعدل صوم ستين شهرا، ويستحب ان يدعى في هذا
اليوم بهذا الدعاء:

1 - عنه صدره الوسائل 10: 451.
2 - عنه الوسائل 10: 451.
3 - عنه الوسائل 10: 451.
27

اللهم داحي الكعبة وفالق الحبة وصارف اللزبة 1 وكاشف الكربة،
أسألك في هذا اليوم، من أيامك التي أعظمت حقها، وقدمت سبقها،
وجعلتها عند المؤمنين وديعة، واليك ذريعة، وبرحمتك الوسيعة ان تصلى
على محمد، المنتجب في الميثاق، القريب يوم التلاق، فاتق كل رتق،
وداع إلى كل حق، وعلى أهل بيته الأطهار الهداة المنار، دعائم الجبار،
وولاة الجنة والنار.
وأعطنا في يومنا هذا من عطائك المخزون، غير مقطوع ولا ممنون، تجمع
لنا التوبة وحسن الأوبة، يا خير مدعو وأكرم مرجو، يا كفى يا وفى، يا من لطفه
خفى، الطف لي بلطفك، وأسعدني بعفوك، وأيدني بنصرك، ولا تنسني
يوم الحشر والنشر، وأشهدني أوليائك عند خروج نفسي وحلول رمسي 3
وانقطاع عملي وانقضاء أجلي.
اللهم واذكرني على طول البلى إذا حللت بين اطباق الثرى، ونسيني
الناسون من الورى، وأحللني دار المقامة، وبوئني منزل الكرامة، واجعلني
من مرافقي أولياؤك وأهل اجتبائك وأصفيائك، وبارك لي في لقائك،
وارزقني حسن العمل قبل حلول الأجل، بريئا من الزلل وسوء الخطل.
اللهم وأوردني حوض نبيك محمد صلى الله عليه وأهل بيته، واسقني
مشربا رويا سائغا هنيئا لا أظمأ بعده ولا أحلأ ورده ولاعنه أذاد 3، واجعله لي
خير زاد وأوفى ميعاد يوم يقوم الاشهاد.
اللهم والعن جبابرة الأولين والآخرين لحقوق أوليائك المستأثرين.
اللهم واقصم دعائمهم، وأهلك أشياعهم وعاملهم، وعجل مهالكهم،

1 - اللزبة: الشدة، القحط.
2 - الرمس: القبر.
3 - ذاده: منعه.
28

واسلبهم ممالكهم، وضيق عليهم مسالكهم، والعن مساهمهم ومشاركهم.
اللهم وعجل فرج أوليائك، واردد عليهم مظالمهم، وأظهر بالحق
قائمهم، واجعله لدينك منتصرا، وبأمرك في أعدائك مؤتمرا، اللهم أحففه 1
بملائكة النصر وبما ألقيت إليه من الامر في ليلة القدر منتقما لك حتى
ترضى، ويعود دينك به وعلى يديه جديدا غضا، ويمحص الحق محصا،
ويرفض الباطل رفضا.
اللهم صل عليه وعلى جميع آبائه، واجعلنا من صحبه وأسرته، وابعثنا
في كريه حتى نكون في زمانه من أعوانه، اللهم أدرك بنا قيامه، وأشهدنا
أيامه، وصل عليه وعليه السلام، واردد إلينا سالمه ورحمة الله وبركاته 2.
هذا آخر الدعاء وادع أنت بما يجريه الله على خاطرك قبل انقضاء دار الفناء.
فصل (14)
فيما نذكره مما ينبغي أن يكون المكلف عليه في اليوم المشار إليه
اعلم أن من مهمات أهل السعادات عند تجديد النعم الباهرات، ان يكونوا
مشغولين بالشكر لواهب بلك العنايات، وخاصة إن كان العبد ما هو في حالا به موافقا
لمولاه في إراداته وكراهاته، بل يكره سيده شيئا فيخالفه في كراهته ويحب سيده شيئا
مالك الأشياء، ومن بيده تدبير دار الفناء ودار البقاء واليه ورود ركائب الآمال
والرجاء.
فليكن متعجبا كيف علم الله جل جلاله ان هذا العبد يكون إذا خلقه على هذه
الصفات من المخالفات له والمعارضات، ومع ذلك فبنا له المساكن، وخلق له فيها
ما يحتاج إليه إلى الممات ولم يؤاخذه ولم يعاجله بالجنات، وعامله معاملة أهل الطاعات.

1 - حقه: احدقوا واستداروا به.
2 - مصباح المتهجد: 669.
29

ويحسن أن يكون على الانسان إن كان مطيعا لربه أثر ما وهبه من المسكن وأعطاه
فيه من الاحسان، كما لو اشترى دارا يحتاج إليه، أو وهبه سلطان مساكن كان مضطرا
إليها، أو كما لو بنى هو دارا بالتعب والعناء ومقاساة الذرجارية 1 والبناء، أو يكون
مسرورا على أقل الصفات، كما لو حصل له دار عارية أو جارة هو محتاج إليها في تلك
الأوقات.
فاما ان خلى قلبه بالكلية من معرفة هذه النعم الإلهية، فكأنه كالميت الذي
لا يحسن بما فيه، أو كالأعمى الذي لا ينظر إلى المواهب التي فضله ممن يراعيه، أو
كالأصم الذي لا يسمع من يناديه، وليبك على فقدان فوائد قلبه وعقله ويتوب.
فصل (15)
فيما نذكره مما يختم به ذلك اليوم
اعلم أن كل يوم سعيد وفصل جديد ينبغي أن يكون خاتمته على العبيد، كما لو
بسط ملك لعباده بساط ضيافة يليق بارفاده وقدم إليهم موائد اسعاده، ثم جلسوا على
فراش اكرامه، فأكلوا ما احتاجوا إليه من طعامه، وقاموا عن البساط ليطوى إلى سنة
أخرى.
فلا يليق بعبد يعرف قدر تلك النعمة الكبرى الا ان يراه سلطانه لانعامه شاكرا
ولاكرامه ذاكرا، ولفضائل مقامه ناشرا، على أفضل العبودية للجلالة الإلهية، ويجعل آخر
ذلك النهار كل الملاطفة للمظلع على الاسرار، ان يقبل منه ما عمله، ويبلغه من مراحمه
ومكارم أمله، ويطيع في طاعته أجله.
فإنه يوشك إذا اجتهد العبد في لزوم الأدب لكل يوم سعيد ان يؤهله الله تعالى
للمزيد: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد.) 2

1 - الذرجارية (خ ل)، والمراد العمالة.
2 - إبراهيم: 7.
30

الباب الثالث
فيما يختص بفوائد من شهر ذي الحجة وموائد للسالكين صوب الحجة
وفيه فصول:
فصل (1)
فيما نذكره من الاهتمام بمشاهدة هلاله، وما ننشئه من دعاء ذلك وابتهاله
لان فيه الفضل الذي يختص بالعشر الأول منه، وما يختص بالحج الذي لا ينبغي
الغفول عنه، وما يختص بيوم الغدير، وما يختص بيوم المباهلة العظيم الكبير، وما سوف
نشرحه في أوقاته، فتنظر هلاله من لوازم العارف ومهماته، ولم أجد له دعاء يختص
بالنظر إليه، فأنشأنا لذلك ما دلنا الله عز وجل جلاله عليه، فنقول:
اللهم ان هذا هلال عظمت شهره، وشرفت قدره، وأعلنت ذكره، وأعليت
امره، ومدحت عشره، وجعلت فيه تأدية المناسك، وسعادة العابد والناسك.
وكملت فيه كشف الولاية المهمة على العمة وزوال الغمة، بما جرى في
الغدير ثامن عشره، واظهار الله جل جلاله لسره حتى صار للدين كمالا
وتماما، وللاسلام عقدا ونظاما، فقلت جل جلالك: (اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) 1.

1 - المائدة: 3.
31

وخصصت هذا الشهر بيوم المباهلة، الذي أظهرت حجة الايمان على
الكفر اظهارا مبينا، ووهبت للذين باهلت بهم مقاما مكينا.
وأودعت في هذا الشهر من الاسرار أأنت ما يأتي ذكر بعضه بصحيح
الاخبار وصريح الاعتبار، وجعلته تسلية عما يأتي بعده من شهر الامتحان،
فبدأت بالاحسان والامتنان قبل التشريف بالرضا بالبلوى الزائدة في جهاد
أهل العدوان.
اللهم فكما عرفتنا بشرف هذه العوائد ودعوتنا إلى الضيافة إلى مقدس
تلك الموائد، فطهرنا تطهيرا نصلح به لموافقة أهل الطهارة ومرافقة فضل
البشارة.
وهب لنا فيه ما يعجز منه منطق أهل العبارة، وليكون فوائد رحمتك
وموائد ضافتك صافية من الأكدار، ومصونة عن خطر الآصار 1، ومناسبة
لابتدائك بالنوال 2 قبل السؤال.
وابدأ في ذلك بمن يستفتح بالبداية أبواب الفلاح والنجاح، وأشرك معنا
من يعيننا امره، واجمع قلوبنا على الصلاح، برحمتك يا ارحم الراحمين.
فصل (2)
فيما نذكره في كيفية الدخول في شهر ذي الحجة
قد ذكرنا ونذكر من جلالة هذا الشهر واقباله وقبوله ما ينبه على تعظيم دخوله، وقد
قدمنا في شهر رجب وشوال وذي القعدة ما هو كالذخيرة والعدة، ونزيد هاهنا بأن نقول:
انك تدخل في هذا الشهر إلى موائد قوم أطهار و فوائد ديوان مطلع على الاسرار،
فبطهر من دنس المعاتبات ونجس المعاقبات، وتفقد جوارحك من الأقذار قبل التهجم

1 - الآصار جمع الإصر، بمعنى الذنب والعقوبة، وكلاهما يناسب المقام.
2 - النوال: العطاء.
32

على مساجد الأبرار، واغسل ما عساك تجده من وسخ في قلبك وحجاب دينك المفرق
بينك وبين ربك.
فإذا تطهرت الجوارح من القبائح وخلعت ثياب الفضائح فالبس ثوبا من العمل
الصالح مناسبا لثياب من تدخل إليهم وتحضر بين يديهم، وقدم قدم السكينة والوقار ومد
يد المسألة والاعتبار، وقف موقف الذلة والانكسار، واجلس مجلس السلامة من
الاعتذار، وكن مؤبدا على مرادهم، وقد ظفرت بما لم يبلغه أملك من اسعادهم
وانجادهم وارفادهم.
واذكرني في ذلك المقام الشريف، الا إنما ضيف الكرام يضيف، عرض بذكرى
عندهم عساهم ان سمعوك سائلوك عنى.
فصل (3)
فيما نذكره من فضل العشر الأول من ذي الحجة على سبيل الاجمال
اعلم أن تعيين الله جل جلاله على أوقات معينات تذكر فيها جل جلاله، دون
مالا يجرى مجراها من الأوقات، يقتضى ذلك تعظيمها ومصاحبتها بذكره الشريف
بالعقول والقلوب، وان لا يخليها العبد من أذكار نفسه بأنها حاضرة بين يدي علام
الغيوب.
وان يلزمها المراقبة التامة في حركاته وسكناته، ويطهرها من دنس غفلاته، حيث
قد اختارها الله جل جلاله لذكره، وجعلها محلا لخزانة سره، وأهلا لتشريفها بتعظيم
قدره، ومنزلا لاطلاق بره، ومنهلا 1 للتلذذ بكأسات شكره.
وهذا عشر ذي الحجة من جملة تلك الأوقات، قال الله جل جلاله: (واذكروا الله في
أيام معلومات) 2.
فرويت بإسنادي إلى جدي أبى جعفر الطوسي فيما ذكره في المصباح الكبير وغيره

1 - المنهل: المورد، المشرب، موضع الشرب.
2 - الحج: 28، وفيه: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات).
33

من الروايات عن الصادق صلوات الله عليه: (ان الأيام المعلومات عشر ذي
الحجة.) 1.
أقول: وينبغي أن يكون مع أذكار عقلك وقلبك ونفسك باطلاع الله جل جلاله
عليك في هذا شهر ذي الحجة، الذي أنعم الله جل جلاله به عليك، وجعله رسولا
يهدى ما فيه من الفضائل إليك، على صفات من يتلقى نعمته جل جلاله بالتعظيم
والثناء الجسيم، ويتلقى رسوله بالتكريم، والاقبال على شكر ما أهداه إليك من الفضل
العظيم
واشغل جميع جوارحك بما يختص كل منها من العبادات، حتى تكون ذاكرا لله جل
جلاله في ذلك العشر فعلا وقولا في جميع التصرفات.
فاحسب ان هذا العشر قد جعله سلطان زمانك وواهب احسانك وقتا للدخول إليه
والثناء عليه بين يديه، أفما كنت تجتهد في تحصيل الألفاظ الفائقة والمعاني الرائقة الجامعة
لأوصاف شكره ويشر بره، وتجمع خواطرك كلها في حضرته على الاخلاص في مراقبته،
ولا تقدر ان تغفل في تلك الحال عنه، وهو يراك وأنت قريب منه.
فان الله جل جلاله أحق بهذا الاقبال عليه والأدب بين يديه وأرجح مطلبا ومكسبا
بالتقرب إليه، فأين تأخذ عنه يمينا وشمالا، وتذهب منه تهوينا وضلالا، لا تغفل فإنك
في قبضته وأنت ميت وابن أموات، صنايع نعمته وبقايا رحمته.
فصل (4)
فيما نذكره من زيادة فضل لعشر ذي الحجة على بعض التفصيل
وجدنا ذلك في كتاب عمل ذي الحجة تأليف أبى على الحسن بن محمد بن
إسماعيل بن محمد بن اشناس البزاز من نسخة عتيقة بخطه، تاريخها سنة سبع وثلاثين
وأربعمائة، وهو مصنفي أصحابنا رحمهم الله، باسناده إلى رسول الله صلى الله عليه

1 - المصباح المتهجد: 671.
34

وآله أنه قال:
مامن أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من أيام العشر - يعنى عشر
ذي الحجة -، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال صلى الله عليه وآله:
ولا الجهاد في سبيل الله رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشئ.
ومن ذلك باسناد ابن اشناس البزاز رحمه الله عن النبي صلوات الله عليه وآله قال:
ما من أيام أزكى عند الله تعالى ولا أعظم اجرا من خير في عشر الأضحى، قيل:
ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال صلى الله عليه وآله: ولا الجهاد في سبيل الله الا رجل
خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع من ذلك بشئ.
وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر
عليه.
فصل (5)
فيما نذكره من فضل صلاة تصلى كل ليلة من عشر ذي الحجة
ذكرها ابن اشناس في كتابه، فقال: قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن المغيرة
الثلاج: سمعت طاهر بن العباس يقول: سمعت محمد بن الفضل الكوفي يقول: سمعت
الحسن بن علي الجعفري يحدث عن أبيه، عن جعفر بن محمد عليهما السلام، قال: قال لي
أبى محمد بن علي عليهما السلام:
يا بنى لا تتركن ان تصلى كل ليلة بين المغرب والعشاء الآخرة من ليالي عشر ذي
الحجة ركعتين، تقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب و (قل هو الله أحد) مرة واحدة، وهذه
الآية:
(واعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون
أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) 1.

1 - الأعراف: 142.
35

فإذا فعلت ذلك شاركت الحاج في ثوابهم وان لم تحج 1.
فصل (6)
فيما نذكره من فضل أول يوم من ذي الحجة
رويت بعدة أسانيد إلى الأئمة عليهم السلام ان أول يوم من عشر ذي الحجة مولد
إبراهيم الخليل عليه السلام 2، وهو الذي اختاره جدي أبو جعفر الطوسي في مصباحه 3،
مع انني رويت ان مولده عليه السلام كان في غير ذلك الوقت 4.
ورويت بعدة أسانيد أيضا إلى أبى جعفر بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه،
والى جدي أبى جعفر الطوسي، باسنادهما إلى مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال
: من صام أول يوم من ذي الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهرا 5.
وزاد جدي أبو جعفر الطوسي في روايته كما حكيناه عنه وقال: وهو اليوم الذي
ولد فيه إبراهيم خليل الرحمان عليه السلام، وفيه اتخذ الله إبراهيم خليلا 6.
وقال رحمه الله: في أول يوم منه بعث النبي صلى الله عليه وآله سورة براءة حين
أنزلت عليه مع أبي بكر ثم نزل النبي عليه انه لا يؤديها عنك الا أنت أو رجل
منك، فانفذ النبي عليه السلام عليا عليه السلام حتى لحق أبا بكر، فأخذها منه وردة
بالروحاء 7 يوم الثالث منه، ثم أداها عنه إلى الناس يوم عرفة ويوم النحر، قرأها عليهم
في الموسم 8.

1 - عنه الوسائل 8: 183.
2 - الفقيه 2: 87.
3 - مصباح المتهجد: 671.
4 - الفقيه 2: 89، وقد مرة في الرواية الرضوي ان مولده ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة.
5 - الفقيه 2: 87.
6 - مصباح المتهجد: 671.
7 - الروحاء 6 من الفرع على نحو أربعين ميلا من المدينة، وهو الموضع الذي نزل به تبع حين رجع من قتال أهل المدينة
يريد مكة، فأقام بها وأراح، فسماها الروحاء.
8 - المصباح: 671، عنه البحار 3: 286.
36

يقول السيد الإمام العالم العامل الفقيه العلامة الفاضل، رضى الدين ركن الاسلام،
أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن الطاوسي قدس الله روحه ونور
ضريحه:
وحيث قد ذكرنا آيات براءة، فينبغي ان نذكر بعض ما رويناه من شرح الحال:
فمن ذلك ما رواه حسن بن اشناس رحمه الله، قال: حدثنا ابن أبي الثلج الكاتب،
قال: حدثنا جعفر بن محمد العلوي، قال: حدثنا علي بن عبدل الصوفي، قال: حدثنا
طريف مولى محمد بن إسماعيل بن موسى وعبيد الله 1 بن يسار، عن عمرو بن أبي المقدام،
عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الهمداني، وعن جابر، عن أبي جعفر، عن
محمد بن الحنيفة، عن علي عليه السلام:
ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح مكة أحب ان يعذر إليهم وان يدعوهم
إلى الله عز وجل أخيرا كما دعاهم أولا، فكتب إليهم كتابا يحذرهم بأسه وينذرهم
عذاب ربه، ويعدهم الصفح ويمنيهم مغفرة ربهم، ونسخ لهم أول سورة براءة ليقرأ
عليهم، ثم عرض على جميع أصحابه المضي إليهم، فكلهم يرى فيه التثاقل، فلما رأى
ذلك منهم ندب 2 إليهم رجلا ليتوجه به.
فهبط إليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد انه لا يؤدي عنك الا رجل منك،
فأنبأني رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك ووجهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكة،
فأتيت مكة - وأهلها من قد عرفت ليس منهم أحد الا ان لو قدر ان يضيع على جبل
منى إربا 3 لفعل، ولو أن يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله.
فأبلغتهم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وقرأت كتابه عليهم، وكلهم يلقاني بالتهديد
والوعيد، ويبدي البغضاء ويظهر لي الشحناء 4 من رجالهم ونسائهم، فلم يتسنى 5 ذلك

1 - في البحار: عبيد.
2 - ندب فلانا للأمر أو إلى الأمر: دعاه ورشحه للقيام به وحثه عليه.
3 - الإرب: العضو.
4 - الشحناء: العداوة امتلأت منها النفس.
5 - مأخوذ من التواني كما في قوله تعالى مخاطبا لموسى وهارون عليهما السلام: (ولا تنيا في ذكرى).
37

حتى نفذت لما وجهني رسول الله صلى الله عليه وآله 1.
وأقول: وروى الطبري في حوادث سنة ست من هجرة النبي صلى الله
عليه وآله: لما أراد النبي صلى الله عليه وآله القصد لمكة ومنعه أهلها، ان عمر بن
الخطاب كان قد امره النبي صلى الله عليه وآله ان يمضى إلى مكة فلم يفعل واعتذر!
فقال الطبري ما هذا لفظه: ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه
اشراف قريش ما حاله، فقال: يا رسول الله انى أخاف قريشا على نفسي! 2.
أقول: فانظر حال مولانا علي عليه السلام من حال من تقدم عليه، كيف كان
يفدى رسول الله عليه وآله بنفسه في كل ما يشير به إليه، وكيف كان غيره يؤثر
عليه نفسه.
ومن ذلك شرح ابسط مما ذكرناه، رواه حسن بن اشناس رحمه الله في كتابه أيضا
فقال: وحدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا، قال: حدثنا
مالك بن إبراهيم النخعي، قال: حدثنا حسين بن زيد، قال: حدثني جعفر بن محمد، عن
أبيه عليهم السلام قال:
لما سرح 3 رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر بأول سورة براءة إلى أهل مكة، اتاه
جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمدان الله يأمرك ان لا تبعث هذا وان تبعث علي بن أبي
طالب، وانه لا يؤديها عنك غيره، وقال: ارجع إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقال
أبو بكر: هل حدث في شئ؟ فقال علي عليه السلام: سيخبرك رسول الله صلى الله
عليه وآله.

1 - رواه الصدوق مع اختلاف في الخصال 2: 369، عنه البحار 35: 286.
2 - تاريخ الطبري 2: 287.
3 - سرحه: أرسله.
38

علي بن أبي طالب، فأكثر أبو بكر عليه من الكلام، فقال له النبي صلى الله عليه وآله:
كيف تؤديها وأنت صاحبي في الغار 1.
قال: فانطلق علي عليه السلام حتى قدم مكة ثم وافى عرفات، ثم رجع إلى جمع، ثم
إلى منى، ثم ذبح وحلق، وصعد على الجبل المشرف المعروف بالشعب، فاذن ثلاث
مرات: الا تسمعون يا أيها الناس انى رسول الله صلى الله عليه وآله إليكم، ثم
قال:
(براءة من الله ورسوله إلى الدين عاهدتم من المشركين فسبحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا
انكم غير معجزي الله وان الله مخزي الكافرين، واذان من الله ورسوله - إلى قوله - ان الله غفور
رحيم).
تسع آيات من أولها، ثم لمع 2 بسفه فاسمع الناس وكررها، فقال الناس: من هذا
الذي ينادى في الناس؟ فقالوا: علي بن أبي طالب، وقال من عرفه من الناس: هذا ابن
عم محمد، وما كان ليجترئ على هذا غير عشيرة محمد.
فأقام أيام التشريق ثلاثة ينادى بذلك ويقرء على الناس غدوة وعشية، فناداه
الناس من المشركين: أبلغ ابن عمك ان ليس له عندنا الا ضربا بالسيف وطعنا
بالرماح.
ثم انصرف علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله ويقصد في السير، وأبطأ
الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وآله في أمر علي عليه السلام وما كان منه، فاغتم
النبي صلى الله عليه وآله لذلك غما شديدا حتى رئي ذلك في وجهه، وكف عن النساء
من الهم والغم.
فقال بعضهم لبعض: لعل قد نعيت إليه نفسه 3 أو عرض له مرض، فقالوا لأبى ذر:

1 - هذا تعيير لأبى بكر وتشنيع له، وإيهام بأنك كنت معي في الغار خائفا فزعا مع استظهارك بي وعدم علم أحد من
الناس إلى مكانك، فكيف تقدر على تبليغ هذه السورة بملأ من الناس يوم الحج الأكبر - كما يأتي في كلام المؤلف.
2 - لمع بسيفه: أشار.
3 - أي أخبر بوفاته.
39

قد نعلم منزلتك من رسول الله عليه وآله وقد ترى ما به، فنحن نحب أن يعلم
لنا أمره، فسأل أبو ذر رحمه الله النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك.
فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما نعيت إلى نفسي وانى لميت، وما وجدت في أمتي
الا خيرا، وما بي من مرض ولكن من شدة وجدي لعلي بن أبي طالب وإبطاء الوحي
عنى في امره، وان الله عز وجل قد أعطاني في علي تسع خصال: ثلاثة لدنياي واثنتان
لآخرتي، واثنتان انا منهما آمن واثنتان أنا منهما خائف.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى الغداة استقبل القبلة بوجهه إلى
طلوع الشمس يذكر الله عز وجل، ويتقدم علي بن أبي طالب عليه السلام خلف النبي
صلى الله عليه وآله ويستقبل الناس بوجهه، فيستأذن في حوائجهم، وبذلك أمرهم
رسول الله صلى الله عليه وآله.
فلما توجه علي عليه السلام إلى ذلك الوجه لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وآله
مكان على لاحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى وسلم استقبل القبلة
بوجهه، فاذن للناس، فقام أبو ذر فقال: يا رسول الله لي حاجة، قال: انطلق في
حاجتك.
فخرج أبو ذر من المدينة يستقبل علي بن أبي طالب عليه السلام، فلما كان ببعض
الطريق إذا هو براكب مقبل على ناقته، فإذا هو علي عليه السلام، فاستقبله والتزمه
وقبله، وقال: بأبي أنت وأمي اقصد في مسيرك حتى أكون أنا الذي ابشر رسول الله
صلى الله عليه وآله، فان رسول الله صلى الله عليه وآله من أمرك في غم شديد وهم،
فقال له علي عليه السلام: نعم.
فانطلق أبو ذر مسرعا حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: البشرى، قال:
وما بشراك يا أبا ذر؟، قال: قدم علي بن أبي طالب، فقال له: لك بذلك الجنة، ثم ركب
النبي عليه السلام وركب معه الناس، فلما رآه أناخ ناقته 1، ونزل رسول الله صلى الله

1 - أناخ الجمل: أبركه.
40

عليه وآله فتلقاه والتزمه وعانقه، ووضع خده على منكب على، وبكى النبي عليه السلام
فرحا بقدومه، وبكى علي عليه السلام معه.
ثم قال له رسول الله عليه وآله: ما صنعت بأبي أنت وأمي، فان الوحي
إبطي على في أمرك، فأخبره بما صنع، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كان الله
عز وجل اعلم بك منى حين أمرني بارسالك 1.
ومن كتاب ابن اشناس البزاز من طريق رجال أهل الخلاف في حديث آخر انه:
لما وصل مولانا علي عليه السلام إلى المشركين بآيات براءة لقيه خراش بن عبد الله
أخو عمرو بن عبد الله - وهو الذي قتله علي عليه السلام مبارزة يوم الخندق - وشعبة بن
عبد الله اخوه، فقال لعلى عليه السلام: ما تيسرنا يا علي أربعة أشهر، بل برئنا منك ومن
ابن عمك ان شئت الا من الطعن والضرب، وقال شعبة: ليس بيننا وبين ابن عمك
الا السيف والرمح، وان شئت بدأ بك، فقال علي عليه السلام: أجل أجل ان شئت
فهملوا 2.
وفى حديث آخر من الكتاب قال: وكان علي عليه السلام ينادى في المشركين
بأربع: لا يدخل مكة مشرك بعد مأمنه، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة الا
نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله عهد فعهدته إلى
مدته 3.
وقال في حديث آخر: وكانت العرب في الجاهلية تطوف بالبيت عراة ويقولون:
لا يكون علينا ثوب حرام، ولا ثوب خالطه اثم، ولا نطوف الا كما ولدتنا أمهاتنا 4.
وقال بعض نقلة هذا الحديث: ان قول النبي صلوات الله وسلامه عليه في الحديث
الثاني لأبى بكر: أنت صاحبي في الغار، لما اعتذر عن انفاذه إلى الكفار، معناه، انك
كنت معي في الغار، فجزعت ذلك الجزع حتى انى سكنتك وقلت لك: لا تحزن،

1 - عنه البحار 35: 287.
2 - عنه البحار 35: 290.
3 - 4 - عنه البحار 35: 290.
41

وما كان قد دنا شر لقاء المشركين، وما كان لك أسوة بنفسي 1، فكيف تقوى على لقاء
الكفار بسورة براءة، وما أنا معك وأنت وحدك؟
ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله ممن يخاف على أبى بكر من الكفار أكثر من
خوفه على علي عليه السلام، لأن أبا بكر ما كان جرى منه أكثر من الهرب منهم،
ولم يعرف له قتيل فيهم ولا جريح، وإنما كان علي عليه السلام هو الذي يحتمل 2 في
المبيت على الفراش حتى سلم النبي منهم، وهو الذي قتل منهم في كل حرب، فكان
الخوف علي عليه السلام من القتل أقرب إلى العقل.
أقول: وقد مضى في الحديث الأول ان مولانا علي عليه السلام بعثه النبي صلى الله
عليه وآله لرد أبى بكر وتأدية آيات براءة بعد فتح مكة، فينبغي ان نذكر كيف أحوج
الحال إلى هذا الارسال بعد فتح مكة فنقول:
اننا وجدنا في كتب من التواريخ وغيرها ان النبي صلى الله عليه وآله فتح مكة
سنة ثمان من الهجرة واستعمل على أهلها عتاب بن أسيد بن العيص بن أمية بن عبد
شمس، ثم اجتمعت هوازن وقدموا لحربه عليه السلام، فخرج من مكة إلى هوازن فغنم
أموالهم.
ثم مضى إلى الطائف، ثم رجع من الطائف إلى الجعرانة 3، فقسم بها غنائمهم، ثم
دخل مكة ليلا معتمرا، فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وقضى عمرته وعاد إلى
الجعرانة، ومنها توجه إلى المدينة ولم يحج عليه السلام تلك السنة.
فلما حج الناس سنة ثمان ولم يحج النبي صلوات الله عليه وآله فيها، حج المسلمون
وعليهم عتاب بن أسيد، لأنه أمير مكة، وحج المشركون من أهل مكة وغيرها ممن أراد
الحج من الذين كان لهم عهدته مع النبي صلى الله عليه وآله ومن انضم إليهم من

1 - الأسوة: القدوة، أي تقتد وقد أمر الله تعالى بذلك حيث قال: (لقد كان في رسول الله أسوة حسنة)
الأحزاب: 21.
2 - كذا في النسخ، ولعل: احتمل، أي اطاقه وصبر عليه.
3 - الجعرانة: موضع قريب من مكة وهو في الحل وميقات الاحرام.
42

الكفار ومتقدمهم أبو سيارة العدواني على اتان أعور رسنها 1 ليف.
فلما دخلت سنة تسمع من الهجرة وقرب وقت الحج فيها أمر الله جل جلاله رسوله
صلوات الله وسلامه عليه وآله ان ينابذ 2 المشركين، ويظهر اعزاز الاسلام والمسلمين،
فبعث عليا عليه السلام لرد أبى بكر كما رويناه.
والمسلمون من أهل مكة بين حاسد لمولانا علي عليه السلام وبين مطالب له بقتل
من قتلهم من أهلهم، والمشركون في موسم الحج أعداء له عليه السلام، فتوجه وحده
لكلهم، فأعز الله جل جلاله ورسوله أمر الاسلام على يد مولانا علي عليه السلام، وأذل
رقاب الكفار والطغاة.
فلما دخلت ستة عشر وقرب وقت الحج خرج النبي صلى الله عليه وآله لحجة
الوداع وابلاغ ما امره الله جل جلاله بإبلاغه، فأقام الناس بسنن الحج والاسلام، ونص
الأنام، وتوجه إلى المدينة، ثم دعاه الله جل جلاله إلى دار السلام في ذلك العام.
يقول السيد الإمام العالم العامل الفقيه العلامة رضى الدين ركن الاسلام جمال
العارفين، أفضل السادة أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن
الطاووس:
اعلم أن الله جل جلاله قد كان عالما قبل ان يتوجه أبو بكر بسورة براءة انه لا يصلح
لتأديتها، وانه ينزل على نبيه صلوات الله عليه جبرئيل، ويأمره بإعادته أبى بكر، وان
أبا بكر يعزل عن ذلك المقام.
فظهر من هذا لذوي الافهام ان قد كان مراد الله جل جلاله اظهار ان أبا بكر
لا يصلح لهذا الأمر الجزئي من أمور الرياسة، فكيف يصلح للأمر الكلى، وانه لا ينفعه
اختيار صاحب (الأمر) 3 لحمل الآيات معه، فكيف ينفعه. اختيار بعض أهل السقيفة

1 - الرسن: الحبل المعروف.
2 - نابذ منابذة: خالفه وفارقه عن عداوة.
3 - هو الظاهر.
43

له، وان الله لم يستصلحه لايات من كتابه، فكيف يستصلح لجمع الشتات.
وان الله أظهر عزله على اليقين، فكيف يجوز الاختيار لولايته على الظن من بعض
المسلمين، وانه لم يصلح للابلاغ عن الله تعالى ورسوله عليه السلام لفريق من الناس،
وفى هذا الحديث المعلوم كشف لأهل العلوم ان علي بن أبي طالب عليه السلام يسد
مسد رسول الله صلى الله عليه وآله فيما لا يمكن القيام فيه بغير نفسه الشريفة، وفيه تنبيه
ونص صريح على ولاية علي عليه السلام من الله، وفيه تنبيه على ما اشتملت عليه تلك
الولاية من اعزاز دين الله واظهار ناموس الاسلام، ورفع التقية والذل عما كان مستورا
من تلك الشرائع والأحكام.
ومن عمل اليوم الأول من ذي الحجة ما رويناه بإسنادنا إلى جدي أبى جعفر
الطوسي قال:
ويستحب ان يصلى فيه صلاة فاطمة عليها السلام، وروى أنها أربع ركعات مثل
صلاة أمير المؤمنين علي عليه السلام، كل ركعة بالحمد مرة وخمسين مرة (قل هو الله أحد)
وسبح عقيبها تسبيح الزهراء عليها السلام وتقول:
سبحان الله ذي العز الشامخ المنيف، سبحان ذي الجلال الباذخ
العظيم، سبحان ذي الملك الفاخر القديم، سبحان من يرى أثر النملة في
الصفا، سبحان من يرى وقع الطير في الهواء، سبحان من هو هكذا لا هكذا
غيره. 1
أقول: وقد تقدم ذكر هذه الصلاة والدعاء في عمل يوم الجمعة، وإنما ذكرناه هاهنا
لعذر اقتضى تكرار معناه.
ومن عمل أول يوم من ذي الحجة إلى عشية عرفة دعاء رويناه بإسنادنا إلى أبى محمد
هارون بن موسى التلعكبري رضوان الله عليه، والى أبى المفضل محمد بن عبد الله الشيباني

1 - مصباح المتهجد: 671.
44

رحمه الله، قالا: أخبرنا أبو علي محمد بن همام الإسكافي، قال: حدثنا خالي أحمد بن
مابنداد، قال: حدثني أحمد بن هلال، قال: حدثني محمد بن أبي عمير، عن ابن مسكان،
عن بكر بن عبيد الله شريك أبى حمزة الثمالي، قال:
كان أبو عبد الله - يعنى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وعلى آبائه وأبنائه
الطاهرين - يدعو بهذا الدعاء في أول يوم من عشرة ذي الحجة إلى عشية عرفة في دبر
صلاة الصبح وقبل المغرب يقول:
اللهم هذه الأيام التي فضلتها على غيرها من الأيام وشرفتها، وقد بلغتنيها
بمنك ورحمتك، فأنزل علينا من بركاتك، وأسبغ علينا فيها من نعمائك.
اللهم إني أسألك ان تصلى على محمد وآل محمد فيها، وان تهدينا فيها
سبيل الهدى، وترزقنا فيها التقوى والعفاف والغنى، والعمل فيها بما تحب
وترضى.
اللهم إني أسألك يا موضع كل شكوى، ويا سامع كل نجوى، ويا شاهد
كل ملاء، ويا عالم كل خفية، ان تصلى على محمد وآل محمد وان تكشف
عنا فيها البلاء، وتستجيب لنا فيها الدعاء، وتقوينا فيها، وتعيننا 1 وتوفقنا فيها
ربنا لما تحب وترضى، وعلى ما افترضت علينا من طاعتك، وطاعة رسولك
وأهل ولايتك.
اللهم إني أسألك يا ارحم الراحمين ان تصلى على محمد وآل محمد،
وان تهب لنا فيها الرضا انك سميع الدعاء، ولا تحرمنا خير ما نزل فيها من
السماء، وطهرنا من الذنوب، يا علام الغيوب، وأوجب لنا فيها دار الخلود.
اللهم صل على محمد وآل محمد ولا تترك لنا فيها ذنبا الا غفرته ولا هما
الا فرجته، ولا دينا الا قضيته، ولا غائبا الا أدنيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا
والآخرة الا سهلتها ويسرتها، انك على كل شئ قدير.

1 - تغنينا (خ ل).
45

اللهم يا عالم الخفيات، يا راحم العبرات 1، يا مجيب الدعوات، يا رب
الأرضين والسماوات، يامن لا تتشابه عليه الأصوات صل على محمد وآل
محمد، واجعلنا فيها من عتقائك وطلقائك من النار، والفائزين بجنتك،
الناجين برحمتك، يا ارحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله أجمعين
وسلم تسليما 2.
ومن عمل أول يوم من ذي الحجة إلى آخر العشر، ما رويناه بإسنادنا إلى المفيد
محمد بن محمد بن النعمان قدس الله جل جلاله روحه، قال: أخبرنا الشريف أبو عبد الله
محمد بن الحسن العلوي الهمداني، قال: أخبرنا الحسين بن علي الصائحي، عن أبي
الحسن الفازي، قال: حدثنا سهل بن إبراهيم بن هشام بن عبيد الله، قال: حدثنا جدي
هشام بن عبيد الله بن عمير، قال: حدثنا محمد بن الفضل، عن أبيه، عن عبد الله بن
عبد بن عمير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن
الله تعالى اهدى إلى عيسى بن مريم عليه السلام خمس دعوات جاء بها جبرئيل عليه
السلام في أيام العشر، فقال: يا عيسى ادع بهذه الخمس الدعوات فإنه ليست عبادة
أحب إلى الله عبادته في أيام العشر - يعنى عشر ذي الحجة:
أولهن: اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد
بيده الخير وهو على كل شئ قدير.
والثانية: اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحدا صمدا لم يتخذ
صاحبة ولا ولدا.
والثالثة: اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحدا صمدا لم يلد
ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
والرابعة: اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد
يحيى ويميت، وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شئ قدير.

1 - زيادة: يا مقيل العثرات (خ ل).
2 - رواه الشيخ في مصاحبه: 672.
46

والخامسة: حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله منتهى،
اشهد لله بما دعى، وانه برى ممن تبرى، وان لله الآخرة والأولى.
قال الحواريون لعيسى عليه السلام: يا روح الله ما ثواب من قال هؤلاء الكلمات؟
قال: اما من قال الأولى مائة مرة، لا يكون لأهل الأرض عمل أفضل من عمله ذلك
اليوم، وكان أكثر العباد حسنات يوم القيامة.
ومن قال الثانية مائة مرة فكأنما قرء التوراة والإنجيل اثنتي عشرة مرة وأعطى ثوابها،
قال عيسى عليه السلام: يا جبرئيل وما ثوابها؟ قال: لا يطيق أن يحمل حرفا واحدا من
التوراة والإنجيل من في السماوات السبع من الملائكة حتى ابعث انا وإسرافيل لأنه أول
عبد قال: لا حول ولا قوة الا بالله.
ومن قال الثالثة مائة مرة كتب الله عشرة آلاف حسنة ومحى عنه بها عشرة آلاف
سيئة، ورفع له بها عشرة آلاف درجة، ونزل سبعون الف ملك من السماء، رافعي
أيديهم يصلون على من قالها، فقال عيسى عليه السلام: يا جبرئيل هل تصلون الملائكة
الا على الأنبياء وقال: انه من آمن بما جاءت به الرسل والأنبياء ولم يبدل اعطى ثواب
الأنبياء.
ومن قال الرابعة مائة مرة تلقاها ملك حتى يصعد بين يدي الجبار عز وجل فينظر الله
عز وجل إلى قائلها، ومن نظر الله تعالى إليه فلا يشقى.
قال عيسى عليه السلام: يا جبرئيل ما ثواب الخامسة؟ فقال: هي دعوتي ولم يؤذن لي
ان أفسرها لك.
ومن عمل أول يوم من ذي الحجة إلى آخر العشر ما رويناه بإسنادنا إلى أبى جعفر بن
بابويه باسناده من كتاب ابن اشناس وغيره، فيما روى عن مولانا أمير المؤمنين صلوات
الله عليه أنه قال:
من قال كل يوم من أيام العشر هذا التهليل:
لا إله إلا الله عدد الليالي والدهور، لا إله إلا الله عدد أمواج البحور، لا إله إلا الله
ورحمته خير مما يجمعون، لا إله إلا الله عدد الشوك والشجر، لا اله
47

الا الله عدد الشعر والوبر، لا إله إلا الله عدد الحجر والمدر.
لا إله إلا الله عدد لمح العيون، لا إله إلا الله في الليل إذا عسعس 1
والصبح إذا تنفس، لا إله إلا الله عدد الرياح والبراري والصخور، لا إله إلا الله
من اليوم إلى يوم ينفخ في الصور.
أعطاه الله عز وجل بكل تهليلة درجة في الجنة من الدر والياقوت، ما بين كل
درجتين مسيرة مأة عام للراكب المسرع، في كل درجة مدينة فيها قصر من جوهر واحد
لافضل فيها، في كل مدينة من تلك المدائن من تفاصيل العطاء مالا يهتدى له وصف
البلغاء، فإذا خرج من قبره أضاءت له كل شعرة منه نورا وابتدره سبعون الف ملك
يحفونه إلى باب الجنة - ثم ذكر الحديث بطوله، وهو عطاء عظيم جسيم حذفنا شرحه
كراهية الإطالة.
وفى روايتنا هذا التهليل بإسنادنا إلى ابن بابويه باسناده إلى مولانا علي عليه
السلام، انه كان يهلل الله تعالى في كل يوم من عشر ذي الحجة بهذا التهليل عشر
مرات، ثم ذكر فضل ذلك كما ذكرناه وزيادة 2.
فصل (7)
فيما نذكره من فضل صوم التسعة أيام من عشر ذي الحجة
اعلم أن الاخبار بصوم ثمانية أيام من عشر ذي الحجة أولها أول يوم منه منفق على
فضل صيامها، والروايات بذلك متظافرة 3، وإنما وردت اخبار مختلفة في فضل صوم يوم
عرفة أو افطاره، وسوف نذكر ما اختاره منها عند ذكر يوم عرفة.
أقول: عمما رويناه بإسنادنا في فضل صوم هذه التسعة أيام من عشر ذي الحجة إلى
مولانا موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله عليه: ان من صامها كتب الله عز وجل له

1 - عسعس الليل: أظلم.
2 - ثواب الأعمال: 98 مع اختلاف في ذكر الثواب.
3 - راجع المستدرك 7: 520.
48

صوم الدهر 1.
فصل (8)
في صلاة ركعتين قبل الزوال في أول يوم الزوال بنصف الساعة ركعتان
في هذا اليوم، في كل ركعة الحمد مرة و (قل هو الله أحد) وآية الكرسي و (انا أنزلناه) عشرا
عشرا
فصل (9)
فيمن يريد ان يكفي شر ظالم فيعمل أول يوم ذي الحجة
وهو مما رويته في بعض الكتاب المذكورة ان من خاف ظالما فقال في هذا اليوم:
حسبي حسبي حسبي من سؤالي علمك بحالي، كفاف الله شره.
فصل (10)
فيما نذكره من فضل اليوم الثامن من ذي الحجة، وهو يوم التروية
روينا ذلك بإسنادنا إلى أبى جعفر محمد بن باتويه باسناده إلى مولانا الصادق
صلوات الله عليه أنه قال: صوم يوم التروية كفارة ستين سنة 2.
فصل (11)
فيما نذكره من فضل ليلة عرفة
رأينا ذلك في كتاب أحمد بن جعفر بن شاذان يرويه عن النبي صلوات الله عليه أنه قال: إن
ليلة عرفة يستجاب فيها ما دعا من خير، وللعامل فيها بطاعة الله تعالى اجر

1 - ثواب الأعمال: 99، الفقيه 2: 87.
2 - ثواب الأعمال: 99، الفقيه 2: 87، عنه الوسائل 10: 467.
49

سبعين ومائة سنة، وهي ليلة المناجاة وفيها يتوب الله على من تاب - والحديث مختصر.
فصل (12)
فيما نذكره من دعاء في ليلة عرفة
وجدناه في كتب الدعوات يقول ما هذا لفظه: روى عن جعفر بن محمد الصادق
عليه السلام يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من دعا به في ليلة عرفة أو
ليالي الجمع غفر الله له، والدعاء:
اللهم يا شاهد كل نجوى، وموضع كل شكوى، وعالم كل خفية،
ومنتهى كل حاجة، يا مبتدئا بالنعم على العباد، يا كريم، العفو يا حسن
التجاوز يا جواد، يا من لا يوارى منه ليل داج، ولا بحر عجاج، 1 ولا سماء ذات
أبراج، ولا ظلم ذات ارتتاج 2، يا من لا ظلمة عنده ضياء.
أسألك بنور وجهك الكريم الذي تجليت به للجبل، فجعلته دكا 3، وخر
موسى صعقا، وباسمك الذي رفعت به السماوات بلا عمد، وسطحت به
الأرض على وجه ماء جمد.
وباسمك المخزون المكنون المكتوب الطاهر، الذي إذا دعيت به
أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وباسمك القدوس البرهان، الذي هو نور
على كل نور، ونور من نور يضئ منه كل نور، إذا بلغ الأرض انشقت، وإذا
بلغ السماوات فتحت، وإذا بلغ العرش اهتز.
وباسمك الذي ترتعد منه فرائض ملائكتك، وأسألك بحق جبرئيل
وميكائيل وإسرافيل، وبحق محمد المصطفى صلى الله عليه وعلى جميع الأنبياء وجميع الملائكة.

1 - عج الريح: اشتدت فأرثأت الغبار.
2 - الرتج الكلام: التبس.
3 - دك الحائط: هدمه حتى سواه بالأرض.
50

وبالاسم الذي مشى به الخضر على قلل 1 الماء كما مشى به على جدد
الأرض، وباسمك الذي فلقت به البحر لموسى، وأغرقت فرعون وقومه،
وأنجيت به موسى بن عمران من جانب الطور الأيمن، فاستجبت له وألقيت
عليك محبة منك.
وباسمك الذي به أحيى عيسى بن مريم الموتى، وتكلم في المهد
صبيا، وأبرئ الأكمه والأبرص بإذنك، وباسمك الذي دعاك به حملة
عرشك وجبرئيل وميكائيل وإسرافيل وحبيبك محمد صلى الله عليه وآله
وملائكتك المقربون وأنبياؤك المرسلون وعبادك الصالحون من أهل
السماوات والأرضين.
وباسمك الذي دعاك به ذو النون، إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر
عليه، فنادى في الظلمات ان لا إله إلا أنت، سبحانك انى كنت من
الظالمين فاستجبت له، ونجيته من الغم وكذلك ننجي المؤمنين.
وباسمك العظيم الذي دعاك به داوود، وخر لك ساجدا فغفرت له
ذنبه، وباسمك الذي دعتك به آسية امرأة فرعون، إذ قالت: (رب ابن لي عندك
بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين)، 2 فاستجبت لها دعاءها.
وباسمك الذي دعاك به أيوب إذ حل به البلاء، فعافيته وأتيته أهله
ومثلهم معهم، رحمة منك وذكرى للعابدين، وباسمك الذي دعاك به
يعقوب فرددت عليه بصره وقرة عينه يوسف وجمعت شمله، وباسمك الذي
دعاك به سليمان فوهبت له ملكا لا ينبغي لاحد من بعده انك أنت الوهاب.
وباسمك الذي سخرت به البراق لمحمد صلى الله عليه وآله، إذ قال
تعالى: (سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) 3، وقوله:

1 - القلة: أعلى الرأس والجبل وكل شئ.
2 - التحريم: 11.
3 - الاسراء: 1.
51

(سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا إلى ربنا لمنقلبون) 1.
وباسمك الذي تنزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله،
وباسمك الذي دعاك به ادم فغفرت له ذنبه وأسكنته جنتك، وأسألك بحق
القرآن العظيم، وبحق محمد خاتم النبيين، وبحق إبراهيم، وبحق فصلك
يوم القضاء، وبحق الموازين إذا نصبت، والصحف إذا نشرت، وبحق القلم
وما جرى واللوح وما احصى، وبحق الاسم الذي كتبته على سرادق العرش
قبل خلقك الخلق والدنيا والشمس والقمر بألفي عام.
واشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله،
وأسألك باسمك الذي شققت به البحار، وقامت به الجبال، واختلف به
الليل والنهار، وبحق السبع المثاني والقران العظيم، وبحق الكرام
الكاتبين، وبحق طه ويس وكهيعص وحمعسق، وبحق توراة موسى وإنجيل
عيسى وزبور داوود وفرقان محمد صلى الله عليه وآله وعلى جميع الرسل،
وباهيا وشراهيا.
اللهم إني أسألك بحق تلك المناجاة التي بينك وبين موسى بن عمران
فوق جبل طور سيناء، وأسألك باسمك الذي علمته ملك الموت لقبض
الأرواح، وأسألك باسمك الذي كتب على ورق الزيتون فخضعت النيران
لتلك الورقة، فقلت: (يا نار كوني بردا وسلاما) 2.
وأسألك باسمك الذي كتبته على سرادق المجد والكرامة، يامن

1 - الزخرف: 13.
2 - الأنبياء: 69.
52

لا يحفيه 1 سائل ولا ينقصه نائل، يا من به يستغاث واليه يلجأ، أسألك بمعاقد
العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم وجدك الاعلى
وكلماتك التامات العلى.
اللهم رب الرياح وما ذرت، والسماء وما أظلت والأرض وما أقلت،
والشياطين وما أضلت والبحار وما جرت، وبحق كل حق هو عليك حق،
وبحق الملائكة المقربين والروحانيين والكروبيين والمسبحين لك بالليل
والنهار لا يفترون 2، وبحق إبراهيم خليلك، وبحق كل ولى يناديك بين
الصفا والمروة، وتستجيب له دعاءه يا مجيب.
أسألك بحق هذه الأسماء، وبهذه الدعوات، ان تغفر لنا ما قدمنا
وما اخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أبدانا وما أخفينا، وما أنت اعلم به منا، انك
على كل شئ قدير، برحمتك يا ارحم الراحمين.
يا حافظ كل غريب، يا مؤنس كل وحيد، يا قوة كل ضعيف، يا ناصر كل
مظلوم، يا رازق كل محروم، يا مؤنس كل مستوحش، يا صاحب كل مسافر،
يا عماد كل حاضر، يا غافر كل ذنب وخطيئة، يا غياث المستغيثين، يا صريخ
المستصرخين، يا كاشف كرب المكروبين.
يا فارج هم المهمومين، يا بديع السماوات والأرضين، يا منتهى غاية
الطالبين، يا مجيب دعوة المضطرين، يا ارحم الراحمين، يا رب العالمين،
يا ديان يوم الدين، يا أجود الأجودين، يا أكرم الأكرمين، يا اسمع السامعين،
يا أبصر الناظرين، يا أقدر القادرين.
اغفر لي الذنوب التي تغير النعم، واغفر لي الذنوب التي تورث الندم،
واغفر لي الذنوب التي تورث السقم، واغفر لي الذنوب التي تهتك العصم،
واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء.

1 - أحفاه: ألح عليه، حفى عنه: أكثر السؤال عن حاله.
2 - فتر عن العمل: قصر فيه.
53

واغفر لي الذنوب التي تحسبن قطر السماء، واغفر لي الذنوب التي
تعجل الفناء، واغفر لي الذنوب التي تجلب الشفاء، واغفر لي الذنوب التي
تظلم الهواء، واغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء، واغفر لي الذنوب التي
لا يغفرها غيرك يا الله.
واحمل عنى كل تبعه لاحد من خلقك، واجعل لي من امرى فرجا
ومخرجا ويسرا، وانزل يقينك في صدري ورجاءك في قلبي، حتى لا أرجو
غيرك.
اللهم احفظني وعافني في مقامي، واصحبني في ليلى ونهاري، ومن
بين يدي وخلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقى ومن تحتي، ويسر
لي السبيل وأحسن لي التيسير، ولا تخذلني في العسير.
واهدني يا خير دليل، ولا تكلني إلى نفسي في الأمور ولقني كل سرور،
واقلبني إلى أهلي بالفلاح والنجاح محبورا 1 في العاجل والأجل، انك على
كل شئ قدير.
وارزقني من فضلك وأوسع على من طيبات رزقك، واستعملني في
طاعتك، واجرني من عذابك ونارك، واقلبني إذا توفيتني إلى جنتك
برحمتك.
اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمك ومن تحويل عافيتك، ومن حلول
نقمتك، ومن نزول بلائك، وأعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء ومن
سوء القضاء، وشماتة الأعداء، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما في
الكتاب المنزل.
اللهم لا تجعلني من الأشرار، ولا من أصحاب النار، ولا تحرمني صحبة
الأخيار، واحيني حياة طيبة، وتوفني وفاة طيبة تلحقني بالأبرار، وارزقني

1 - حبر: سر، الحبرة: السرور.
54

مرافقة الأنبياء في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
اللهم لك الحمد على حسن بلائك وصنعك، ولك الحمد على الاسلام
والسنة، يا رب كما هديتهم لدينك وعلمتهم كتابك فاهدنا وعلمنا، ولك
الحمد على حسن بلائك وصنعك عندي خاصة، كما خلقتني فأحسنت
خلقي، وعلمتني فأحسنت تعليمي، وهديتني فأحسنت هدايتي، فلك الحمد
على انعامك على قديما وحديثا.
فكم من كرب يا سيدي قد فرجته، وكم من غم يا سيدي قد نفسته، وكم
من هم يا سيدي قد كشفته، وكم من بلاء يا سيدي قد صرفته، وكم من عيب
يا سيدي قد سترته.
فلك الحمد على كل حال، في كل مثوى وزمان، ومنقلب ومقام،
وعلى هذه الحال وكل حال.
اللهم اجعلني من أفضل عبادك نصيبا في هذا اليوم 1، من خير تقسيمه،
أو ضر تكشفه، أو سوء تصرفه، أو بلاء تدفعه، أو خير تسوقه، أو رحمة
تنشرها، أو عافية تلبسها، فإنك على كل شئ قدير، وبيدك خزائن
السماوات والأرض.
وأنت الواحد الكريم، المعطى الذي لا يرد سائله، ولا يخيب آمله،
ولا ينقص نائله، ولا ينفد ما عنده، بل يزداد كثرة وطيبا وعطاء وجودا،
وارزقني من خزائنك التي لا تفنى ومن رحمتك الواسعة، ان عطاءك
لم يكن محظورا، وأنت على كل شئ قدير، برحمتك يا ارحم الراحمين.
ومن عمل ليلة عرفة ما ذكره حسن بن اشناس رحمه الله في كتابه فقال: حدثنا
أبو الفتح البراس املاء، قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل القاضي، قال:
حدثنا يوسف بن موسى، قال: حدثنا مسلم الأزدي، قال: حدثنا عروة بن قيس

1 - في هذه الليلة - ظ.
55

اليحمدي 1، قال: حدثني أم الفيض مولاة عبد الملك بن مروان، قالت:
سمعت عبد الله بن مسعود يقول: مامن عبد ولا أمة دعا ليلة عرفة بهذا الدعاء، وهي
عشر كلم، الف مرة، لم يسأل الله عز وجل شيئا الا أعطاه، الا قطيعة رحم أو اثم:
سبحان من في السماء عرشه، سبحان الذي في النار سلطانه، سبحان الذي في
الجنة رحمته.
سبحان الذي في القبور قضاؤه، سبحان الذي في الهواء امره، سبحان
الذي رفع السماء، سبحان الذي وضع الأرض، سبحان من لا منجا منه الا
إليه.
قالت أم الفيض: قلت لابن مسعود: عن النبي عليه السلام؟ قال: نعم.
فصل (13)
فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام ليلة عرفة
روينا ذلك عن مولانا الباقر صلوات الله عليه أنه قال: من زار الحسين - أو قال:
من زار ليلة عرفة - ارض كربلاء وأرقام بها حتى يعيد ثم ينصرف، وقاه الله شر سنته.
وروى ذلك جدي أبو جعفر الطوسي في المصباح عن ابن ميثم، عن الباقر صلوات الله عليه 2.
فصل (14)
فيما نذكره من فضل يوم عرفة على سبيل الجملة
اعلم أن يوم عرفة من أفضل أيام أعياد العباد، وان لم يظهر اسمه بأنه يوم عيد، فقد

1 - النجدي (خ ل).
2 - المصباح: 716، عنه البحار 101: 91، أورده ابن قولويه في كامل الزيارات: 269 باسناده عن ابن ميثم التمار،
عنه البحار 101: 90.
56

ظهر انه يوم سعيد، دعا الله جل جلاله عباده فيه إلى تحميده وتمجيده، ووعدهم
باطلاق عام لجوده وانجاز وعوده، ووعد فيه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج
الكروب، واذن للمقبل عليه والمعرض عنه في الطلب منه.
وقدمنا ان كل وقت اختاره الله جل جلاله لمناجاته واطلاق مواهبه وصلاته،
فينبغي ان يعرف جليل قدره، ويقام لله جل جلاله بما يقدر العبد عليه من حمده
وشكره، وهذا اليوم كالمتعين للحاج إلى الله جل جلاله بقصد بيته الحرام.
وإنما روينا عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، ان الحضور عند الحسين عليه
السلام للزيارة والدعاء في اليوم المذكور يقوم مقام الدعاء بعرفة مع تعذر ذلك الحضور 1،
وعرفنا رواية وعملا بفضل الله جل جلاله باطلاق عباده في طلب ارفاده أين كانوا من
بلاده.
فصل (15)
فيما نذكره من الاهتمام بالدلالة على الامام يوم عرفة عند اجتماع الأنام، لأجل حضور الفرق
المختلفة من أهل الاسلام
اعلم أن الإشارات إلى الأئمة أوقات يوم عرفة من المهمات، لما رويناه عن الثقات
من كتاب الحج لمحمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن
النضر بن شعيب، عن عمرو بن أبي المقدام، قال:
رأيت أبا عبد الله عليه السلام يوم عرفة بالموقف وهو ينادى بأعلا صوته: يا أيها
الناس ان رسول الله كان الامام، ثم كان علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم
علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم هه، فنادى ثلاث مرات بين يديه، وعن يمينه وعن
يساره، وعن خلفه اثنى عشر صوتا.
قال عمرو: فلما أتيت منى سألت أصحاب العربية عن تفسير (هه)، فقالوا: لغة

1 - روى ابن قولويه في الكامل: 170، والصدوق في ثواب الأعمال 81، وفى معاني الأخبار: 391، الفقيه 1: 183،
والشيخ في مصباحه: 497، التهذيب 6: 50، عن الصادق عليه السلام روايات بهذا المضمون.
57

بنى فلان فاسألوني 1، قال: سألت غيرهم أيضا من أصحاب العربية فقالوا: مثل
ذلك 2.
أقول: ولعل السبب في الاهتمام باظهار الامام يوم عرفة، لأنه يوم معظم عند كافة
المسلمين، فلا يستعبد ان في الحاضرين من هو من الفرق المختلفين، وأن يكون غير معاند
في الاعتقادات، بل لشبهة من الشبهات.
فمن أهم مهمات أهل الايمان في يوم عرفة الإشارة كما قلناه إلى معرفة امام الزمان
مع الأمان، اقتداء بمولانا الصادق عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين أفضل الصلوات،
فقد عرفت ما كان عليه من التقية مع ملوك تلك الأوقات، ومع ذلك فرأى الإشارة ا لي
الأئمة من المهمات.
أقول: وقد ورد الحديث في تفسير قوله جل جلاله: (ومن أحياها فكأنما أحيى الناس
جميعا) 3، ان معناه: من هدى نفسا ضالة إلى هداها فقد أحياها 4.
وورد الحديث المنقول عن الرسول صلوات الله عليه وآله أنه قال: لان يهدى الله
على يديك رجلا إلى الاسلام خير لك مما طلعت عليه الشمس 5.
أقول: فان كنت تعلم أن الانسان إذا كان ضالا عن الهدى فهو كالميت بل أدبر،
لأنه مع موته حاصل إلى الردى، فهدايته إلى النجاة أهم من الحياة، ليكن تذكيره على
الوجه اللطيف كما دل عليه مالك القلوب والألسنة، في قوله جل جلاله: (ادع إلى
سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) 6.
ورأيت في بعض الروايات ان أول ما ظهر دعاء الناس يوم عرفة في عرفات في
خلافة مولانا على صلوات الله عليه بما عرفهم به عن النبي صلوات الله عليه.

1 - في النسخ وفى الكافي أيضا: فسألوني، ما أثبتناه من البحار، وهو الصحيح، فيكون كناية عن إمامته.
2 - الكافي 4: 466، عنه البحار 47: 58.
3 - المائدة: 32.
4 - راجع تفسير البرهان 1: 463، الكافي 2: 21.
5 - منية المريد: 24.
6 - النحل: 25.
58

فصل (16)
فيما نذكره من فضل صوم يوم عرفة، والخلاف في ذلك
رويت بإسنادي إلى أبى جعفر بن بابويه فيما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه،
وقد ذكر في خطبة الكتاب كلما تضمنه فإنه نقله من الأصول الصحيحة المعتمد عليها
عن الأئمة عليهم السلام، فقال: وفى تسمع من ذي الحجة أنزلت توبة داود عليه السلام،
فمن صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة 1.
أقول: والاخبار في فضل صومه متظاهرة، وإنما نذكر بعض ما روى في خلاف ذلك
وما يحضرنا من تأويلات حاضرة.
فروينا بعدة أسانيد إلى مولانا الصادق صلوات الله عليه قال:
أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام وحده، وأوصى علي عليه
السلام إلى الحسن والحسين جميعا، وكان الحسن امامه، فدخل رجل يوم عرفة على
الحسن وهو يتغدى والحسين عليه السلام صائم، ثم جاء بعدما قبض الحسن عليه السلام
فدخل على الحسين عليه السلام يوم عرفة وهو يتغدى وعلي بن الحسين عليه السلام
صائم.
فقال له الرجل: انى دخلت على الحسن يتغدى وأنت صائم، ثم دخلت عليك
وأنت مفطر؟ فقال: ان الحسن عليه السلام كان إماما فأفطر لئلا يتخذ صومه سنة
ويتأسى به الناس، فلما ان قبض كنت انا الامام فأردت ان لا يتخذ صومي سنة
فيتأسى الناس بي 2.
أقول: ولعل سبب كراهية صوم عرفة إذا كان الذي يصومه يضعفه عن استيفاء
الدعاء، أو يكون هلاله مشكوكا فيه، فتخاف أن يكون يوم عرفة عيد الأضحى.
وقد روينا ذلك بعدة طرق إلى أبى جعفر بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه،

1 - الفقيه 2: 87، عنه الوسائل 10: 466.
2 - الفقيه 2: 87، علل الشرايع: 386، عنهما الوسائل 10: 467.
59

والى ابن فضال من كتاب الصيام عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه
السلام قال:
سألته عن صوم عرفة فقلت: جعلت انهم يزعمون أنه يعدل صيام سنة؟
قال: كان أبى عليه السلام لا يصومه، قلت: ولم ذاك جعلت فداك؟ قال: إن يوم عرفة
يوم دعاء ومسألة فأتخوف ان يضعفني عن الدعاء وأكره ان أصومه أتخوف أن يكون يوم
عرفة يوم أضحى وليس بيوم صوم 1.
أقول: فإن كان هلال الشهر من ذي الحجة محققا، والذي يريد صوم عرفة لا يضعفه
الصوم عن شئ من عمل ذلك اليوم، فالظاهر أن الصوم له أفضل.
روينا ذلك عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله، عن أبي الحسن عليه السلام قال: صوم
يوم عرفة يعدل صوم السنة، وقال: لم يصمه الحسن وصامه الحسين عليهما السلام. 2
أقول: ومن أبلغ ما رويت في ترك صومه بإسنادي إلى محمد بن يعقوب الكليني،
باسناده إلى محمد بن بشير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن رسول الله صلى
الله عليه وآله لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان 3.
ومن ذلك بإسنادي إلى محمد بن يعقوب الكليني أيضا باسناده في كتاب الكافي إلى
زرارة، عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام قالا: لا تصومن يوم عاشوراء ولا عرفة،
بمكة ولا بالمدينة، ولا في وطنك، ولا في مصر من الأمصار 4.
أقول: لعل قد كانا عليهما السلام يعرفان من زرارة ان الصوم في يوم عرفة يضعفه عن
الدعاء والمسألة في ذلك اليوم المذكور، وعما هو أهم من وظائف ذلك اليوم
المشكور.

1 - الفقيه 2: 88، علل الشرايع: 385، رواه الشيخ في التهذيب 4: 299، الاستبصار 2: 133، والمفيد في المقنعة: 60،
عنهم الوسائل 10: 465.
2 - رواه الشيخ في التهذيب 4: 298، الاستبصار 2: 133، عنهما الوسائل 10: 465.
3 - الكافي 4: 146، عنه الوسائل 10: 464.
4 - الكافي 4: 164، رواه الشيخ في التهذيب 4: 301، الاستبصار 20: 134، عنهما الوسائل 10: 461.
60

فصل (17)
فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة
فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى أبى جعفر بن بابويه باسناده في كتاب ثواب الأعمال
إلى أبى عبد الله عليه السلام في ثواب من زار الحسين عليه السلام فقال: من
أتاه في يوم عرفة عارفا بحقه، كتب له ألف حجة، وألف عمرة مقبولة، وألف غزوة مع
نبي مرسل أو امام عادل 1.
وفى رواية أخرى: ومن أتاه في يوم عرفة عارفا بحقه كتب الله له ألف حجة، وألف
عمرة متقبلات، وألف غزوة مع نبي مرسل أو امام عادل، قال: قلت: وكيف لي بمثل
الموقف؟ قال: فنظر إلى شبه المغضب، ثم قال: يا فلان ان المؤمن إذا أتى قبر الحسين يوم
عرفة، واغتسل بالفرات، ثم توجه إليه كتب الله له بكل خطوة حجة بمناسكها،
ولا اعلمه الا قال: وعمرة 2.
ومن ذلك ما رواه باسناده إلى أبى عبد الله عليه السلام: ان الله تبارك وتعالى
يتجلى لزوار قبر الحسين عليه السلام قبل أهل عرفات، ويقضى حوائجهم، ويغفر
ذنوبهم، ويشفعهم في مسائلهم، ثم يأتي أهل عرفة فيفعل بهم ذلك 3.
ومن ذلك عن الصادق عليه السلام أيضا أنه قال: من زار الحسين بن علي عليهما
السلام يوم عرفة كتب الله عز وجل له ألف ألف حجة مع القائم، وألف ألف عمرة

1 - رواه الصدوق في ثواب الأعمال: 115، الأمالي: 143، أورده الشيخ في أماليه 1: 204، عنهم البحار 101: 85.
2 - ثواب الأعمال: 115 مع اختلاف، الفقيه 2: 58، أورده في كامل الزيارات: 169، عنه البحار 101: 85.
3 - ثواب الأعمال: 116، رواه الشيخ في مصباح المتهجد: 715، وابن قولويه في الكامل: 170، عنهم البحار
101: 86.
4 - رواه الشيخ في مصباح المتهجد: 716، وابن قولويه في الكامل: 171، عنهما البحار 101: 81، 10: 361.
61

مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وعتق ألف ألف نسمة، وحملان ألف ألف فرس في
سبيل الله، وسماه الله عبدي الصديق آمن بوعدي 1.
والأحاديث في فضل زيارة الحسين عليه السلام في عرفة متواترة عند أهل المعرفة.
فصل (18)
فيما نذكره من لفظ الزيارة المختصة بالحسين عليه السلام يوم عرفة
اعلم أنه سيأتي في بعض ما نذكره من الدعوات في يوم عرفة زيارة النبي والأئمة
عليهم أفضل الصلوات، وإنما نذكر في هذا الفصل زيارة تخصص بهذا اليوم غير داخلة في دعواته.
ذكر هذه الزيارة:
إذا كنت بمشهد الحسين عليه السلام في يوم عرفة، فاغتسل غسل الزيارة والبس
أطهر ثيابك وطهر عقلك وقلبك مما يقتضى الابعاد بعقابك و عتابك، لتكون طاهرا
من الأدناس، فيصح لك ان تقف بباب طاهر من الأرجاس، واقصد مقدس حضرته
وقف على باب حرمه وكبر الله تعالى وقل:
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، والحمد
لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدينا الله، لقد جاءت رسل
ربنا بالحق.
السلام على رسول الله السلام على أمير المؤمنين، السلام على فاطمة
الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام على الحسن والحسين.
السلام على علي بن الحسين، السلام على محمد بن علي، السلام على
جعفر بن محمد، السلام على موسى بن جعفر، السلام على علي بن موسى،
السلام على محمد بن علي، السلام على علي بن محمد، السلام على

1 - رواه ابن قولويه في كامل الزيارات: 172، عنه البحار 101: 88، مستدرك الوسائل 2: 210، والشيخ في مصباح
المتهجد: 715، التهذيب 6: 49، الوسائل 10: 395، وفى مصباح الكفعمي: 501، روضة الواعظين: 323، المزار
للمفيد: 54.
62

الحسن بن علي، السلام على الخلف الصالح المنتظر.
السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بن رسول الله، عبدك وابن
عبدك وابن أمتك، الموالي لوليك، المعادي لعدوك، استجار بمشهدك،
وتقرب إلى الله بقصدك، الحمد لله الذي هدانا لولايتك، وخصني
بزيارتك، وسهل لي قصدك.
ثم تدخل وتقف ما يلي الرأس وتقول:
السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي
الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى
كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله.
السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله، السلام عليك يا وارث
أمير المؤمنين، السلام عليك يا وارث فاطمة الزهراء، السلام عليك يا بن
محمد المصطفى، السلام عليك يا بن علي المرتضى، السلام عليك يا بن
خديجة الكبرى.
السلام عليك يا ثأر الله وابن ثاره والوتر الموتور، اشهد انك قد أقمت
الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وأطعت الله
حتى اتاك اليقين.
فلعن الله أمة قتلتك، ولعن الله أمة ظلمتك، ولعن الله سمعت
بذلك فرضيت به.
يا مولاي يا أبا عبد الله، اشهد الله وملائكته وأنبيائه ورسله انى بكم
مؤمن، وبإيابكم موقن، بشرائع ديني وخواتيم عملي، فصلوات الله عليكم
وعلى أرواحكم وعلى أجسادكم، وعلى شاهدكم وعلى غائبكم، وعلى
ظاهركم وعلى باطنكم. 1

1 - غائبكم وظاهركم وباطنكم (خ ل).
63

السلام عليك يا بن خاتم النبيين، وابن سيد الوصيين، وابن امام
المتقين، وابن قائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، وكيف لا تكون
كذلك، وأنت باب الهدى وامام التقى والعروة الوثقى، والحجة على أهل
الدنيا، وخامس أصحاب الكساء.
غذتك يد الرحمة ورضعت من ثدي الايمان، وربيت في حجر الاسلام،
والنفس غير راضية بفراقك، ولا شاكة في حياتك، صلوات الله عليك وعلى
آبائك وأبنائك.
السلام عليك يا صريع العبرة الساكبة 1، وقرين المصيبة الراتبة، لعن الله
أمة استحلت منك المحارم، فقتلت صلى الله عليك مقهورا، وأصبح
رسول الله صلى الله عليه وآله بك موتورا 2، وأصبح دين الله لفقدك مهجورا.
السلام عليك وعلى جدك وأبيك وأمك وأخيك، وعلى الأئمة من
بنيك، وعلى المستشهدين معك، وعلى الملائكة الحافين بقبرك،
والشاهدين لزوارك، المؤمنين على دعاء شيعتك، والسلام عليك ورحمة الله
وبركاته.
بابى أنت وأمي يا بن رسول الله، بابى أنت وأمي يا أبا عبد الله، لقد
عظمت الرزية، وجلت المصيبة بك علينا، وعلى جميع أهل السماوات
والأرض، فلعن الله أمة أسرجت وألجمت وتهيأت لقتالك.
يا مولاي يا أبا عبد الله قصدت حرمك، واتيت مشهدك، اسأل الله بالشأن
الذي لك عنده، وبالمحل الذي لك لديه ان تصلى على محمد وآل محمد،
وان يجعلني معكم في الدنيا والآخرة، بمنه وجوده وكرمه.
ثم قبل الضريح وصل عند الرأس ركعتين تقرأ فيهما ما أحببت، فإذا فرغت فقل:

1 - سكب الماء: صبه، العبرة: الدمعة.
2 - الموتور: من قتل له قتيل فلم يدرك بدمه.
64

اللهم لك صليت وركعت 1 وسجدت، لك وحدك لا شريك لك، لان
الصلاة والركوع والسجود لا يكون الا لك، لأنك أنت الله لا اله لا أنت.
اللهم صل على محمد وآل محمد وأبلغهم وهاتان الركعتان هدية منى إلى
مولاي وسيدي وامامي الحسين بن علي عليهما السلام.
اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل ذلك منى، واجرني على ذلك
أفضل املى ورجائي فيك وفى وليك، يا ارحم الراحمين.
ثم صر إلى رجلي الحسين عليه السلام وزر علي بن الحسين عليهما السلام ورأسه عند
رجلي أبى عبد الله عليه السلام، فتقول:
السلام عليك يا بن رسول الله، السلام عليك يا بن نبي الله، السلام
عليك يا بن أمير المؤمنين، السلام عليك أيها المظلوم، لعن الله أمة قتلتك،
ولعن الله أمة ظلمتك، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به.
السلام عليك يا ولي الله وابن وليه، لقد عظمت المصيبة وجلت الرزية
بك علينا وعلى جميع المؤمنين، فلعن الله أمة قتلتك، وأبرء إلى الله واليك
منهم في الدنيا والآخرة.
ثم توجه إلى الشهداء فزرهم، وقل:
السلام عليكم يا أولياء الله وأحباءه، السلام عليكم يا أصفياء الله
وأوداءه، السلام عليكم يا أنصار دين الله وأنصار نبيه وأنصار أمير المؤمنين
وأنصار فاطمة سيدة نساء العالمين، السلام عليكم يا أنصار أبى محمد
الحسن الولي الناصح، السلام عليكم يا أنصار أبى عبد الله الحسين الشهيد
المظلوم صلوات الله عليهم أجمعين.

1 - لك ركعت (خ ل)، وفى مصباح الزائر: اللهم إني صليت وركعت.
65

بابى أنتم وأمي وطبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم، وفزتم والله فوزا
عظيما، يا ليتني كنت معكم فأفوز معكم في الجنان مع الشهداء والصالحين
وحسن أولئك رفيقا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم عد إلى رأس الحسين عليه السلام واستكثر من الدعاء لنفسك وأهلك
واخوانك المؤمنين، وإذا أردت وداعه فودعه والشهداء ببعض ما قدمناه من وداعاتهم.
ثم امض إلى مشهد العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام، فإذا أتيت فقف على
قبره، وقل:
السلام عليك يا أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين، السلام عليك يا بن
سيد الوصيين، السلام عليك يا بن أول القوم اسلاما، وأقدمهم ايمانا، وأقومهم
بدين الله، وأحوطهم على الاسلام، اشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك.
فنعم الأخ الصابر المجاهد المحامي الناصر، والأخ الدافع عن أخيه،
المجيب إلى طاعة ربه، الراغب، فيما زهد غيره، من الثواب الجزيل
والثناء الجميل، فألحقك الله بدرجة اباءك في دار النعيم، انه حميد
مجيد.
ثم انكب 1 على القبر وقل:
اللهم لك تعرضت ولزيارة أوليائك قصدت، رغبة في ثوابك ورجاء
لمغفرتك وجزيل احسانك.
فأسألك ان تصلى على محمد وآل محمد وان تجعل رزقي بهم دارا،
وعيشي بهم قارا، وزيارتي بهم مقبولة، وذنبي بهم مغفورا، واقلبني بهم
مفلحا منجحا، مستجابا دعائي، بأفضل ما ينقلب به أحد من زواره
والقاصدين إليه برحمتك يا ارحم الراحمين.
ثم قبل الضريح، وصل عنده صلاة الزيارة وما بدا لك، فإذا أردت وداعه رضوان

1 - انكب على أمر: لزمه.
66

الله عليه فودعه ببعض ما قدمناه من وداعاته 1.
فصل (19)
فيما نذكره من صلاة ركعتين قبل الخروج للدعاء المعتاد
وهل الاجتماع للدعاء يوم عرفة أفضل أو الانفراد
فنقول: وقد وجدنا في كتاب أبى على حسن بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن اشناس
البزاز رحمه الله ركعتين يحتمل أن يكون صلاتهما قبل صلاة الظهرين، فاقتضى
الاستظهار للعبادات أن نذكرهما وفيهما فضل في العنايات.
فقال في كتابه ما هذا لفظه: اما الصلاة في يوم عرفة من كتب أصحابنا رحمهم الله
تعالى، فإنني وجدتهما اثنتي عشرة ركعة، تقرأ ما تيسر من القرآن وتخر ساجدا وترفع
يديك وتقول:
سبحان من لبس الغز وفاز به، سبحان من تعطف بالحلم وتكرم به،
سبحان من احصى كل شئ وعلم به، سبحان من لا ينبغي ان يسبح سواه،
سبحان ذي العز والقدرة، سبحان العظيم الأعظم.
أسألك يا رب بمعاقد العز من عرشك وباسمك العظيم، وأسألك
بالمستجاب من دعاءك، وبنور وجهك ان تصلى على محمد وآل محمد -
وتدعو بما أحببت.
وروى عن مولانا الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: من صلى يوم عرفة
قبل أن يخرج إلى الدعاء في ذلك ويكون بارزا تحت السماء ركعتين واعترف لله عز
وجل بذنوبه وأقر له بخطاياه نال ما نال الواقفون بعرفة من الفوز، وغفر له ما تقدم من
ذنبه وما تأخر 2.

1 - رواه في مصباح الزائر: 182 - 185، مزار الشهيد 52 - 55، عنهما البحار 101: 360 - 363.
2 - عنه الوسائل 8: 183.
67

أقول: واما هل الاجتماع يوم عرفة أفضل أو الانفراد:
فاعلم أن الأحاديث وردت ان اجتماع أربعين في الدعوات وقضاء الحاجات،
يقتضى تعجيل الإجابات وتفريج الكربات، ووردت أحاديث ان الدعاء في السر
أفضل الدعاء وأبلغ في الظفر بالإجابة.
وإذا كانت الاخبار على هذه السبيل فينبغي أن يكون على نفسه بصيرة في كل
كثير وقليل، فان عرف من نفسه ان اجتماعه بالناس لا يشغله عن مولاه وأنه يكون
أقرب له إلى رضاه، فالاجتماع لمثل هذه القوى من العباد أفضل من الانفراد، وإن كان
يعلم من نفسه ان الاجتماع بالعباد يشغله عن سلطان المعاد، فهذا ينبغي له ان يعمل
على الانفراد.
وجملة الأمور ان المراد من العبد المبالغة في اخلاص الأعمال، فكيف قدر على الظفر
بهذه الحال، فليبادر إليها ويعتمد عليها.
فصل (20)
فيما نذكره من الاستعداد لدعاء يوم عرفة أين كان من البلاد
أقول: قدت قدمنا في الجزء الأول من كتاب المهمات والتتمات شروطا للدعوات
المقبولات، وعيوبا في الدعاء تمنع من الإجابات، فان قدرت على نظر ما هناك من
التفصيل، فاعمل عليه، فإنه واضح البرهان والدليل.
وان تعذر عليك حضور ذلك الكتاب وقت هذه الدعوات، ولم تكن ممن يعرف
شروط الإجابة ولا عيوب العبادة، فاعلم أنه ينبغي ان تلقى الله جل جلاله وقت الحضور
لمناجاته، وأنت طاهر من كل ما يقتضى استحقاقك لعقوباته أو معاتباته، كما أن العقل
يشهد انك إذا أردت دخول حضرة ملك من ملوك الزمان، أو لقاء النبي صلوات الله
عليه وآله، أو أحد أئمتك العظمى الشأن، فإنك تستعد للدخول عليهم بكل ما يقربك
إليهم.
ومهما عرفت انهم يؤثرون أن يكون عليك من الكسوات، أو تكون عليه من
68

الصفات، أو يرتضونه من ألفاظ التسليم عليهم، أو القيام أو الجلوس بين يديهم.
فإنك تجتهد في العمل على مرادهم بغاية اجتهادك، مع علمك بأنهم لا يطلعون على
ضميرك وفؤادك، فكيف يجوز الا تكون مع سلطان دنياك ومعادك على هذه
الصفات، وهو مطلع على الخفيات، وحاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى كل من
تحضر بين يديه.
فإذا تطهرت وغسلت عقلك بماء سحائب الاقبال على مولاك، وغسلت قلبك
بدموع الخشوع والخضوع لما لك دنياك واخرك، فاغتسل الغسل المأمور به في عرفة، فإنه
من المهمات، ولتكن نيتك في ذلك الغسل الموصوف، ولكل غسل تحتاج إليه في ذلك
اليوم المعروف.
فتغتسل غسل التوبة، عسى أن يكون قد بقي عليك شئ من عيوب القلوب وأدواء
الذنوب، وغسل الاستخارات، عسى تحتاج إلى شئ من المشاورات، وكل غسل
يمكن في ذلك النهار.
واقتد بأهل الاحتياط والاستظهار، وليكن غسلك قبل الظهرين بقليل لعلك تصلى
وتدعو وأنت على ذلك الحال الجميل، ثم تصلى الظهرين بنوافلهما على التمام في
المراقبات والدعوات.
فصل (21)
فيما نذكره من صلاة تخص بيوم عرفة بعد صلاة الظهرين
روينا هذه الصلاة عن والدي السعيد باسناده إلى الشيخ المفيد محمد بن محمد بن
النعمان تغمدها الله جل جلاله بالرضوان فيما اشتمل عليه كتابه كتاب الاشراف،
فقال فيه ما هذا لفظه: وصلاة يوم عرفة فيما سوى عرفات من الأماكن والأصقاع ركعتان
بعد صلاة العصر وقبل الدعاء.
أقول: فينبغي ان تبالغ فيهما في الاخلاص وعوائد أهل الاختصاص، لتكون هاتان
69

الركعتان فاتحة للأبواب بين يديك، ومقدمة إلى مولاك الذي أنت مضطر إلى اقباله
عليك.
فصل (12)
فيما نذكره من أدعية يوم عرفة
اعلم انني وجدت في الروايات اختلافا فيما نذكره قبل الشروع في الدعوات.
فقال جدي أبو جعفر الطوسي: فإذا وقفت للدعاء فعليك بالسكينة والوقار واحمد الله
تعالى وهلله ومجده، وكبره مائة تكبيرة، واحمده مائة مرة، وسبحه مائة واقرء
(قل هو الله أحد) مائة مرة 1.
وقال محمد بن علي الطرازي في كتابه باسناده عن الصادق عليه السلام مثل هذا
العدد في التكبير والتحميد والتسبيح، مائة مرة كما قدمناه، ثم قال: وان أحببت ان تزيد على
ذلك فزد واقرء سورة القدر مائة مرة.
ووجدت في رواية أخرى عن مولانا الصادق عليه السلام ما هذا لفظه: تكبر الله
تعالى مائة مرة وتهلله مائة مرة وتسبيحه مائة مرة وتقدسه مائة مرة وتقرء آية الكرسي مائة
مرة وتصلى على النبي صلى الله عليه وآله مائة مرة.
أقول: فليكن الاستظهار لأخراك أرجح عندك من الاحتياط لدنياك.
فلو ان سلطانا جعل لرعيته يوما يحضرون بين يديه ويعرضون حوائجهم عليه،
وكانت الرعية مفتقرة في كل شئ إليه واختلف عليهم خواص السلطان فيما عينه الملك
من لفظ الكلام الذي يعرض عليه وقت الحضور بين يديه، لطلب ما يحتاجون إليه من
الاحسان، اما كانوا يستظهرون لكل طريق في الاحتياط والاستظهار بذكر الألفاظ في
جميعها التي ذكرها لهم الخواص عن الشفيق.

1 - مصباح المتهجد: 678.
70

وأقول: يا أيها الرجل المتشرف بنور المعقول والمنقول وهداية الرسول، أنت تعلم انك
لو تعلمت تلك الألفاظ جميعها على التفصيل، ثم دخلت بين يدي ذلك السلطان الجليل
وتلوتها بلسانك، وكنت معرض عنه أو مشغول بغيره عن الالتفات إليه وأدب القرب
منه، فإنك تشهد على نفسك بالجهل بقدر السلطان، وانك قد عرضت نفسك للحرمان
أو الهوان.
فإذا لا يجوز ان تدخل حضرة السلطان الا وانك مقبل عليه بالقلب واللسان وجميع
الجنان والأركان، فكذا ينبغي أن يكون حالك مع الله جل جلاله المطلع على الاسرار،
فتكون عند تلاوة هذه الأذكار حاضرا بعقلك ولبك، ومعظما للألفاظ والمعاني بلسانك
وقلبك ومجتهدا ان يصدق فعالك مقالك.
فإذا تلوت: الله أكبر، فيكون على سرائرك وظواهرك، آثار انه لا شئ أعظم من
الله جل جلاله الذي تتلفظ بتكبيرة، فلا تشغل قلبك في تلك الحال بشئ غيره من
قليل امرك وكثيره.
وإذا تلوت تحميده وقلت: الحمد لله، فقد شهدت ان الحمد ملكه وانه أحق به من
سواه، فلا يكن في خاطرك محمود عندك ممن أحسن إليك في دنياك أرجح مقالا
ولا أصلح اخلاصا واقبالا.
وإذا تلوت تسبيحه وتنزيهه فليكن خاطرك منزها له عن أن تؤثر عليه سواه، وان
يشغلك عنه في تلك الحال غيره ممن ترجوه أو تراه.
وإذا تلوت تهليله وقرأت آية الكرسي و (قل هو الله أحد) فليكن عليك تصديق
الاعتراف له، بأنه الهك الذي لا يشغلك عنه هواك ولا دنياك، وانك مملوكه، وعبده
المفتقر إليه، المشغول به اشتغالا يشهد بتحقيقه سرك ونجواك.
وإذا قرأت سورة القدر فليكن قلبك معظما للفظه الشريف، الذي جعلك نائبا
لتلاوته بين يديه، وكأنك تقرء لفظه المقدس عليه معترفا بحقها بأبلغ ما يصل جهدك إليه.
وإذا صليت على النبي صلوات الله عليه وآله، فاذكر انهم غير محتاجين إلى دعاءك
لهم بالصلاة عليهم، بعد ما تعرفه من أن الله تعالى جل جلاله صلى هو وملائكته عليهم،
71

لكن قد ورد في الحديث ان أبواب الإجابات تفتح لطلب الصلوات عليهم في الدعوات.
وإذا فتحها الله جل جلاله لقبول الصلاة عليهم في مناجاتك كان أرحم وأكرم ان
يغلقها عما تدعوه عقيب ذلك من حاجاتك ومهماتك.
أقول: فإذا عملت في تلاوة هذه الأمور على ما ذكرناه، رجوت لنفسك أن تكون
عبدا عرف حق مولاه وقبل منه فيما يدعوه، ودعاه وظفر برضاه، وكان مسعودا في دنياه
واخراه، وها نحن ذاكرون ما نختاره من الدعوات المختصة بهذا اليوم المتفق على تعظ يمه
بين الفرق المختلفات.
فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى جدي أبى جعفر الطوسي رضي الله عنه، فيما ذكره في
كتاب تهذيب الأحكام، بإسنادنا إلى مولانا الصادق صلوات الله عليه، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام: ألا أعلمك دعاء يوم عرفة، وهو دعاء
من كان قبلي من الأنبياء؟ قال: تقول:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت،
وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شئ قدير.
اللهم لك الحمد كالذي تقول وخيرا مما نقول، وفوق ما يقول القائلون،
اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، ولك براءتي وبك حولي
ومنك قوتي.
اللهم إني أعوذ بك من الفقر ومن وسواس الصدر، ومن شتات الأمر،
ومنت عذاب القبر، اللهم إني أسألك خير الرياح، وأعوذ بك من شر ما تجيء
به الرياح، وأسألك خير الليل والنهار.
اللهم اجعل في قلبي نورا، وفى سمعي وبصرى نورا، وفى لحمي
وعظامي نورا، وفى عروقي ومقعدي ومقامي ومدخلي ومخرجي نورا، وأعظم
لي نورا، يا رب يوم ألقاك، انك على كل شئ قدير 1.

1 - عنه البحار 98: 215، رواه الشيخ في التهذيب 5: 183، مصباح المتهجد: 8 67، والصدوق في الفقيه 2: 542.
72

أقول: وقد كنا ذكرنا في كتاب عمل اليوم ولليلة في صفات المخلصين في الدعوات
عدة روايات، وسوف نذكر في هذا الموضع ما يلق منها.
فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى محمد بن الحسن بن الوليد، باسناده إلى القاسم بن
حسين النيسابوري قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام عندما وقف بالموقف مد يديه
جميعا، فما زالتا ممدودتين إلى أن أفاض، فما رأيت أحدا أقدر على ذلك منه 1.
ومن ذلك ما رويته بإسنادي إلى محمد بن الحسن الصفار، باسناده إلى علي بن داود
قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام في الوقف آخذ بلحيته ومجامع ثوبه وهو يقول
بإصبعه اليمنى منكس الرأس: هذه رمتي بما جنيت 2.
ومن ذلك ما رويته بإسنادي عن محمد بن الحسن بن الوليد أيضا، باسناده إلى
حماد بن عبد الله قال: كنت قريبا من أبى الحسن موسى عليه السلام بالموقف، فلما
همت الشمس للغروب أخذ بيده اليسرى بمجامع ثوبه ثم قال:
اللهم إني عبدك وابن عبدك ان تعذبني فبأمور قد سلفت منى، وأنا
بين يديك برمتي، وان تعف عنى فأهل العفو أنت يا أهل العفو، يا أحق من
عفى اغفر لي ولأصحابي، وحرك دابته فمر 3.
ومن ذلك مما لم نذكره في عمل اليوم والليلة، عن مولانا علي بن موسى الرضا
صلوات الله عليه في يوم عرفة:
اللهم كما سترت على ما لم أعلم، فاغفر لي ما تعلم، وكما وسعني علمك
فليسعني عفوك، وكما بدأتني بالاحسان فأتم نعمتك بالغفران، وكما
أكرمتني بمعرفتك فاشفعها بمغفرتك.
وكما عرفتني وحدانيتك فأكرمني بطاعتك، وكما عصمتني ما لم أكن
أعتصم منه الا بعصمتك، فاغفر لي ما لو شئت عصمتني منه، يا جواد يا كريم،
يا ذا الجلال والاكرام 4.

1 - 2 - عنه البحار 98: 215.
3 - 4 - عنه البحار 98: 216.
73

أقول: فانظر رحمك الله إلى القوم الذين تقتدي بآثارهم، وتهتدي بأنوارهم، فكن
عند دعواتك وفى محل مناجاتك على صفاتهم في ضراعاتهم.
ومن الدعوات المشرفة في يوم عرفة دعاء مولانا الحسين بن علي صلوات الله عليه:
الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع
صانع، وهو الجواد الواسع، فطر أجناس البدائع، وأتقن بحكمته الصنائع،
لا يخفى عليه الطلائع 1، ولا تضيع عنده الودائع.
أتى بالكتاب الجامع، وبشرع الاسلام النور الساطع، وهو للخليفة صانع،
وهو المستهان على الفجائع، جازى كل صانع ورائش كل قانع، وراحم كل
ضارع، ومنزل المنافع، والكتاب الجامع، بالنور الساطع.
وهو للدعوات سامع، وللدرجات رافع، وللكربات دافع، وللجبابرة قامع،
وراحم عبرة كل ضارع، ودافع 2 ضرعة كل ضارع، فلا اله غيره، ولا شئ
يعدله، وليس كمثله شئ، وهو السميع البصير، اللطيف الخبير، وهو على
كل شئ قدير.
اللهم إني أرغب إليك، وأشهد بالربوبية لك، مقرا بأنك ربى، وأن
إليك مردي، ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا، وخلقتني من
التراب ثم أسكنتني الأصلاب، أمنا لريب المنون 3 واختلاف الدهور،
فلم أزل ظاعنا 4 من صلب إلى رحم في تقادم الأيام الماضية، والقرون
الخالية.
لم تخرجني لرأفتك بي، ولطفك لي 6، واحسانك إلى في دولة أيام

1 - الطلائع جمع طليعة، وهو من يبعث للاطلاع من العدو، وقد يجئ بمعنى الجماعة فيكون الطلائع بمعنى
الجماعات.
2 - رافع (خ ل).
3 - ريب المنون: حوادث الدهر.
4 - ظعن: سار و رحل.
5 - تقادم بمعنى قدم، أي مضى على وجوده زمن طويل.
6 - بي (خ ل).
74

الكفرة، الذين نقضوا عهدك وكذبوا رسلك، لكنك أخرجتني رأفة منك
وتحننا 1 على للذي سبق لي من الهدى، الذي فيه يسرتني، وفيه أنشأتني
ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك وسوابغ نعمتك.
فابتدعت خلقي من منى يمنى، ثم أسكنتني في ظلمات ثلاث، بين
لحم وجلد ودم، لم تشهدني بخلقي، ولم تجعل إلى شيئا من أمري.
ثم أخرجتني من الغذاء لبنا مريا، وعطفت على قلوب الحواضن 2، وكفلتني
الأمهات الرحائم، وكلأتني 3 من طوارق الجان وسلمتني من الزيادة
والنقصان، فتعاليت يا رحيم يا رحمان.
حتى إذا استهللت 4 ناطقا بالكلام، أتممت على سوابغ الأنعام، فربيتني
زائدا في كل عام، حتى إذا كملت فطرني، واعتدلت سريرتي، أوجبت
على حجتك بأن ألهمتني معرفتك وروعتني 5 ونبهتني فطرتك، وأنطقتني
لما ذرأت 6 في سمائك وأرضك من بدائع خلقك، ونبهتني ما جاءت به رسلك، ويسرت لي تقبل
مرضاتك، ومننت على في جميع ذلك بعونك ولطفك.
ثم إذ خلقتني من حر الثرى 7 لم ترض لي يا الهي بنعمة دون أخرى،
ورزقتني من أنواع المعاش وصنوف الرياش 8 بمنك العظيم على،

1 - تحنن: ترحم.
2 - الحاضنة: التي تقوم على الصغير في تربيته.
3 - كلأه الله فلانا: حرسه وحفظه.
4 - أسهل الصبي: رفع صوته بالبكاء عند الولادة.
5 - روعتني: ألقيت في روعي وقلبي عجائب خلقتك.
6 - ذرء: خلق.
7 - حر كل دار وارض: وسطها.
8 - الرياش: اللباس: الفاخر.
75

واحسانك القديم إلى حتى إذا أتممت على جميع النعم، وصرفت عنى كل
النقم.
لم يمنعك جهلي وجرأتي عليك أن دللتني على ما يقربني إليك،
ووفقتني لما يزلفني لديك، فان دعوتك أجبتني، وان سألتك أعطيتني، وان
أطعتك شكرتني، وان شكرتك زدتني، كل ذلك اكمالا لأنعمك علي
واحسانا إلى.
فسبحانك سبحانك من مبدئ معيد حميد مجيد، وتقدست أسماؤك،
وعظمت آلاؤك، فأي أنعمك 1 يا الهي أحصي عددا أو ذكرا، أم أي
عطاياك أقوم بها شكرا، وهي يا رب أكثر من أن يحصيها العادون، أو يبلغ
علما بها الحافظون.
ثم ما صرفت وردأت عنى، اللهم من الضر والضراء أكثر مما ظهر لي
من العافية والسراء.
وأنا أشهدك 2 يا الهي بحقيقة ايماني وعقد عزمات يقيني وخالص صريح
توحيدي، وباطن مكنون ضميري، وعلائق مجاري نور بصرى، وأسارير 3
صفحة جبيني، وخرق 4 مسارب 5 نفسي، وخذاريف 6 مارن عرنيني 7،
ومسارب صماخ 8 سمعي، وما ضمت وأطبقت عليه شفتاي، وحركات لفظ

1 - فأي نعمك (خ ل).
2 - اشهد (خ ل).
3 - الأسارير: محاسن الوجه والخدين والوجنتان.
4 - الخرق: النقص.
5 - سرب الماء: مسيله ومجراه.
6 - الخذاريف: القطعات.
7 - العرنين: الأنف كله أو ما صلب منه، المارن، طرف الأنف أو مالان من طرفه.
8 - الصماخ: الاذن الباطن الماضي إلى الرأس.
76

لساني، ومغرز حنك 1 فمي وفكي، ومنابت أضراسي، وبلوغ حبائل بارع 2
عنقي، ومساغ 3 مطعمي 4 ومشربي، وحمالة 5 أم رأسي، وجمل حمائل
حبل وتيني، وما اشتمل عليه تامور 6 صدري، ونياط 7 حجاب قلبي، وأفلاذ
حواشي كبدي، وما حوته شراسيف 8 أضلاعي، وحقاق 9 مفاصلي، وأطراف
أناملي، وقبض عواملي، ودمي وشعري، وبشري وعصبي، وقصبي وعظامي،
ومخي وعروقي، وجميع جوارحي، وما انتسج على ذلك أيام رضاعي،
وما أقلت الأرض مني، ونومي ويقظتي وسكوني وحركتي، وحركات ركوعي
وسجودي، أن لو حاولت واجتهدت مدى الأعصار والأحقاب 10 - لو عمرتها -
أن أؤدي شكر واحدة من أنعمك، ما استطعت ذلك، الا بمنك الموجب
علي شكرا آنفا جديدا، وثناء طارفا 11 عتيدا 12.
أجل، ولو حرصت والعادون من أنامك أن نحصي مدى انعامك، سالفة
وآنفة، لما حصرناه عددا، ولا أحصيناه أبدا، هيهات أنى ذلك وأنت المخبر
عن نفسك في كتابك الناطق، والنبأ الصادق: (وان تعدوا نعمة الله
لا تحصوها) 13.

1 - الحنك: أعلى باطن الفم، الأسفل من طرف مقدم اللحين.
2 - برع الجبل: علاه.
3 - ساغ الشراب: هنأ وسهل مدخله في الخلق.
4 - ما كلى (خ ل).
5 - الحمالة: علاقة السيف.
6 - التامور: الوعاء والنفس وحيوتها والقلب وصوته ودمه.
7 - النياط: عرق علق به القلب من الوتين فإذا انقطع مات صاحبه.
8 - الشرسوف: طرف الضلع المشرف على البطن.
9 - الحقاق: جمع حقة، رأس الورك فيها عظم الفخذ ورأس العضد الذي فيه الوابلة.
10 - الحقب: ثمانون سنة أو أكثر، الدهر.
11 - الطرف: الحديث من المال.
12 - العتيد: الشئ الحاضر المهيأ.
13 - إبراهيم: 34، النحل: 18.
77

صدق كتابك اللهم ونباؤك، وبلغت أنبياؤك ورسلك، ما أنزلت عليهم
من وحيك، وشرعت لهم من دينك، غير أنى 1 أشهد بجدي وجهدي،
ومبالغ طاقتي ووسعي، أقول مؤمنا موقنا:
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا فيكون موروثا، ولم يكن له شريك في
الملك فيضاده فيما ابتدع، ولأولى من الذل فيرفده 2 فيما صنع.
سبحانه سبحانه سبحانه، لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا وتفطرنا،
فسبحان الله الواحد الحق الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له
كفوا أحد.
الحمد لله حمدا يعدل حمد ملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين،
وصلى الله على خيرته من خلقه محمد خاتم النبيين، وآله الطاهرين
المخلصين.
اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني
بمعصيتك، وخر لي في قضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب
تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت.
اللهم اجعل غناي في نفسي، واليقين في قلبي، والاخلاص في عملي،
والنور في بصري، والبصيرة في ديني، ومتعني بجوارحي، واجعل سمعي
وبصري الوارثين مني، وانصرني على من ظلمني، وأرني فيه 3 مأربي 4
وثاري وأقر بذلك عيني.
اللهم اكشف كربتي واستر عورتي، واغفر لي خطيئتي، واخسأ 5
شيطاني، وفك رهاني واجعل لي يا الهي الدرجة العليا في الآخرة والأولى،

1 - غير انى يا الهي (خ ل).
2 - الارفاد: الاعطاء والإعانة والاسترفاد والاستعانة.
3 - في الأصل: وارزقني، ما أثبتناه من البلد الأمين.
4 - المأرب: الحاجة.
5 - خسأت الكلب خساء: طردته.
78

اللهم لك الحمد كما خلقتني فجعلتني سميعا بصيرا، ولك الحمد كما
خلقتني فجعلتني حيا سويا، رحمة بي وكنت عن خلقي غنيا.
رب بما برأتني فعدلت فطرني، رب بما أنشأتني فأحسنت صورتي،
يا رب بما أحسنت بي وفى نفسي عافيتني، رب بما كلأتني ووفقتني،
وأعطيتني، رب بما أطعمتني وسقيتني، رب بما أغنيتني وأقنيتني 1، رب
بما أعنيتني وأعززتني.
رب بما ألبستني من ذكرك الصافي، ويسرت لي من صنعك الكافي،
صل على محمد وآل محمد، وأعنى على بوائق 2 الدهر، وصروف الأيام
والليالي، ونجني من أهوال الدنيا وكربات الآخرة واكفني شر ما يعمل
الظالمون في الأرض.
اللهم ما أخاف فاكفني، وما أحذر فقني، وفى نفسي وديني فاحرسني،
وفي سفري فاحفظني، وفى أهلي ومالي وولدي فاخلفني، وفيما رزقتني
فبارك لي، وفي نفسي فذللني، وفى أعين الناس فعظمني، ومن شر الجن والإنس
فسلمني، وبذنوبي فلا تفضحني، وبسريرتي فلا تخزني، وبعملي
فلا تبتلني، ونعمك فلا تسلبني والى غيرك فلا تكلني.
إلى من تكلني، إلى القريب يقطعني، أم إلى البعيد يتجهمني 3، أم
إلى المستضعفين لي، وأنت ربى ومليك أمري، أشكو إليك غربتي وبعد
دارى وهواني على من ملكته أمري.
اللهم فلا تحلل بي غضبك، فإن لم تكن غضبت على فلا أبالي سواك،
غير أن عافيتك أوسع لي، فأسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الأرض

1 - قنى المال: جمعه، أقناه الله: أغناه وأعطاه ما يقتضى.
2 - البوائق: الدواهي.
3 - يتجهنمي: يطردني.
79

والسماوات، وانكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والآخرين، أن
لا تميتني على غضبك ولا تنزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى قبل 1
ذلك لا إله إلا أنت.
رب البلد الحرام، والمشعر الحرام، والبيت العتيق، الذي أحللته البركة،
وجعلته للناس أمنة، يا من عفى عن العظيم من الذنوب بحمله، يا من أسبغ
النعمة بفضله، يا ن أعطى الجزيل 2 بكرمه.
يا عدتي في كربتي، يا مؤنس في حفرتي، يا ولي نعمتي، يا الهي واله
آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، ورب جبرئيل وميكائيل
وإسرافيل، ورب محمد خاتم النبيين وآله المنتجبين، ومنزل التوراة والإنجيل
والزبور والفرقان العظيم 3، ومنزل كهيعص وطه، ويس والقرآن الحكيم.
أنت كهفي حين تعييني المذاهب في سعتها، وتضيق على الأرض
برحبها 4، ولولا رحمتك لكنت من المفضوحين، وأنت مؤيدي بالنصر على
الأعداء، ولولا نصرك لي لكنت من المغلوبين.
يا من خص نفسه بالسمو والرفعة، وأولياؤه بعزه يتعززون 5، يا من جعلت له
الملوك نير المذلة 6 على أعناقهم فهم من سطواته خائفون، تعلم خائنة الأعين
وما تخفى الصدور، وغيب ما تأتى به الأزمان والدهور.
يا من لا يعلم كيف هو الا هو 7، يا من لا يعلم ما يعلمه الا هو، يا من
كيس 8 الأرض على الماء وسد الهواء بالسماء، يا من له أكرم الأسماء، يا ذا

1 - من قبل (خ ل).
2 - الجزيل: الكثير.
3 - في الأصل: القرآن العظيم، ما أثبتناه من البلد الأمين.
4 - بما رحبت (خ ل)، رحب المكان: اتسع.
5 - يعترون (خ ل).
6 - نير المذلة: علائمهما.
7 - يا من لا يعلم ما هو الا هو (خ ل).
8 - كيس البئر: طمها بالتراب.
80

المعروف الذي لا ينقطع أبدا.
يا مقيض 1 الركب ليوسف في البلد القفر، ومخرجه من الجب، وجاعله
بعد العبودية ملكا، يا راد يوسف على يعقوب بعد أن ابيضت عيناه من الحزن
فهو كظيم 2.
يا كاشف الضر والبلاء عن أيوب، يا ممسك يد إبراهيم عن ذبح ابنه بعد
كبر سنه وفناء عمره، يا من استجاب لزكريا فوهب له يحيى ولم يدعه فردا
وحيدا، يا من أخرج يونس من بطن الحوت، يا من فلق البحر لبنى إسرائيل
فأنجاهم وجعل فرعون وجنوده من المغرقين.
يا من أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته، يا من لا يعجل 3 على من
عصاه من خلقه، يا من هو قائم على كل نفس بما كسبت، ورأني على المعاصي
فلم يخذلني 6.
يا من حفظني في صغرى، يا من رزقني في كبرى، يا من أياديه 7 عندي
لا تحصى، يا من نعمه عندي لا تجازى، يا من عارضني بالخير والاحسان،
وعارضته بالإساءة والعصيان، يا من هداني بالايمان قبل أن أعرف شكر الامتنان.

1 - مقيض: مقدر.
2 - الكظيم بمعنى المكظوم وهو المملو كربا.
3 - لم يعجل (خ ل).
4 - جحد: أنكر.
5 - النفاد: الانقطاع.
6 - فلم يخزني (خ ل)، وفى البلد الأمين: فلم يشهرني.
7 - أياديه: نعمائه.
81

يا من دعوته مريضا فشفاني، وعريانا فكساني، وجائعا فأطعمني،
وعطشانا فأرواني، وذليلا فأعزني، وجاهلا فعرفني، ووحيدا فكثرني، وغائبا
فردني، ومقلا فأغناني، ومنتصرا فنصرني، وغنيا فلم يسلبني، أمسكت عن
جميع ذلك فابتدأني.
فلك الحمد يا من أقال عثرتي، ونفس كربتي، وأجاب دعوتي، وستر
عورتي وذنوبي، وبلغني طلبتي، ونصرني على عدوى، وان أعد نعمك
ومننك وكرائم منحك 1 لا أحصيها يا مولاي.
أنت الذي أنعمت، أنت الذي أحسنت، أنت الذي أجملت، أنت الذي
أفضلت، أنت الذي مننت، أنت الذي أكملت، أنت الذي رزقت، أنت
الذي أعطيت، أنت الذي أغنيت، أنت الذي أقنيت، أنت الذي آويت،
أنت الذي كفيت.
أنت الذي هديت، أنت الذي عصمت، أنت الذي سترت، أنت الذي
غفرت. أنت الذي أقلت، أنت الذي مكنت، أنت الذي أعززت، أنت الذي
أعنت، أنت الذي عضدت، أنت الذي أيدت، أنت الذي نصرت، أنت
الذي شفيت، أنت الذي عافيت، أنت الذي أكرمت، تباركت ربى 2
وتعاليت، فلك الحمد دائما، ولك الشكر واصبا 3.
ثم أنا يا الهي المعترف بذنوبي فاغفرها لي، أنا الذي أخطأت، أنا الذي
أغفلت، أنا الذي جعلت، أنا الذي هممت، أنا الذي سهوت، أنا الذي
اعتمدت، أنا الذي تعمدت، أنا الذي وعدت، أنا الذي أخلفت، أنا الذي
نكثت، أنا الذي أقررت.

1 - المنحة: العطية.
2 - ربنا (خ ل).
3 - واجبا (خ ل)، أقول: واصبا: دائما.
82

الهي 1 أعترف بنعمتك عندي، وأبوه 2 بذنوبي فاغفر لي، يامن لا تضره
ذنوب عباده، وهو الغنى عن طاعتهم، والموفق من عمل منهم صالحا بمعونته
ورحمته، فلك الحمد.
الهي أمرتني فعصيتك، ونهيتني فارتكبت نهيك، فأصبحت لاذا براءة
فأعتذر، ولا ذا قوة فأنتصر، فبأي شئ أستقبلك 3 يا مولاي، أبسمعي أم
ببصري، أم بلساني أم بيدي أم برجلي؟ أليس كلها نعمك عندي، وبكلها
عصيتك يا مولاي، فلك الحجة والسبيل على.
يامن سترني من الاباء والأمهات أن يزجروني، ومن العشائر والاخوان
أن يعيروني، ومن السلاطين أن يعاقبوني، ولو اطلعوا يا مولاي على ما اطلعت
عليه منى، إذا ما أنظروني ولرفضوني وقطعوني.
فها أنا ذابين يديك يا سيدي، خاضعا ذليلا حقيرا 4، لا ذو براءة فأعتذر،
ولا ذو قوة فأنتصر، ولا حجة لي فأحتج بها، ولا قائل لم أجترح 5 ولم أعمل
سوءا.
وما عسى الجحود لو جحدت يا مولاي فينفعني 6، وكيف وأنى ذلك
وجوارحي كلها شاهدة على بما قد (عملت و) 7 علمت يقينا غير ذي شك
أنك سائلي عن عظام الأمور.
وأنك الحكم العدل الذي لا يجور، وعدلك مهلكي، ومن كل عدلك
مهربي، فان تعذبني فبذنوبي يا مولاي 8 بعد حجتك على، وان تعف عنى

1 - أنا يا الهي (خ ل).
2 - أبوء به: اعترف به.
3 - استقبلك (خ ل).
4 - حصيرا حقيرا (خ ل).
5 - اجترح الشئ: اكتسبه.
6 - ينفعني (خ ل).
7 - من البلد الأمين.
8 - يا الهي (خ ل).
83

فبحلمك وجودك وكرمك.
لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانك
انى كنت من المستغفرين، لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من
الموحدين، لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من الوجلين، لا إله إلا أنت
سبحانك انى كنت من الراجين الراغبين، انى كنت من المهللين
المسبحين، لا إله إلا أنت ربى ورب آبائي الأولين.
اللهم هذا ثنائي عليك ممجدا، واخلاصي لك موحدا، واقراري بآلائك
معددا، وان كنت مقرا أنى لا أحصيها لكثرتها وسبوغها، وتظاهرها وتقادمها،
إلى حادث ما لم تزل تتغمدني به معها، مذ خلقتني وبرأتني من أول العمر،
من الاغناء بعد الفقر وكشف الضر، وتسبيب اليسر، ودفع العسر، وتفريج
الكرب، والعافية في البدن والسلامة في الدين.
ولو رفدني 1 على قدر ذكر نعمك على جميع العالمين من الأولين
والآخرين، لما قدرت ولاهم على ذلك، تقدست وتعاليت من رب عظيم
كريم رحيم، لا تحصى آلاؤك، ولا يبلغ ثناؤك، ولا تكافى نعماؤك، صل
على محمد وآل محمد، وأتمم علينا نعمتك، وأسعدنا بطاعتك سبحانك
لا إله إلا أنت.
اللهم انك تجيب دعوة المضطر إذا دعاك، وتكشف السوء، وتغيث
المكروب، وتشفي السقيم، وتغني الفقير، وتجبر الكسير، وترحم الصغير،
وتعين الكبير، وليس دونك ظهير، ولا فوقك قدير، وأنت العلى الكبير.
يا مطلق المكبل الأسير، يا رازق الطفل الصغير، يا عصمة الخائف
المستجير، يا من لا شريك له ولا وزير، صل على محمد وآل محمد، وأعطني

1 - رفده: اعانه.
84

في هذه العشية أفضل ما أعطيت، وأنلت أحدا من عبادك من نعمة توليها،
وآلاء تجددها، وبلية تصرفها، وكربة تكشفها، ودعوة تسمعها، وحسنة
تتقلبها، وسيئة تغفرها، انك لطيف خبير، وعلى كل شئ قدير.
اللهم انك أقرب من دعى، وأسرع من أجاب، وأكرم من عفى، وأوسع
من أعطى، وأسمع من سئل، يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، ليس
كمثلك مسؤول، ولا سواك مأمول، دعوتك فأجبتني، وسألتك فأعطيتني،
ورغبت إليك فرحمتني، ووثقت بك فنجيتني، وفزعت إليك فكفيتني.
اللهم صل على محمد وآل محمد عبدك ورسولك ونبيك وعلى آله الطيبين
الطاهرين أجمعين، وتمم لنا نعماءك، وهنئنا عطاءك واجعلنا لك
شاكرين، ولآلائك ذاكرين، آمين رب العالمين.
اللهم يا من ملك فقدر، وقدر فقهر، وعصى فستر، واستغفر فغفر، يا غاية
رغبة الراغبين، ومنتهى أمل الراجين، يا من أحاط بكل شئ علما، ووسع
المستقبلين 1 رأفة وحملا.
اللهم انا نتوجه إليك في هذه العشية التي شرفتها وعظمتها بمحمد نبيك
ورسولك وخيرتك، وأمينك على وحيك، اللهم صل على البشير النذير،
السراج المنير، الذي أنعمت به على المسلمين، وجعلته رحمة للعالمين.
اللهم فصل على محمد وآله كما محمد أهل ذلك يا عظيم، فصل عليه
وعلى آل محمد المنتخبين الطيبين الطاهرين أجمعين، وتغمدنا بعفوك عنا،
فإليك عجت 2 الأصوات بصنوف اللغات، واجعل لنا في هذه العشية نصيبا
في كل خير تقسمه، ونور تهدى به، ورحمة تنشرها، وعافية تجللها، وبركة
تنزلها، ورزق تبسطه، يا أرحم الراحمين.
اللهم اقلبنا في هذا الوقت منجحين مفلحين مبرورين غانمين،

1 - في البلد الأمين والبحار: المستقيلين.
2 - عجت: ارتفعت.
85

ولا تجعلنا من القانطين، ولا تخلنا من رحمتك ولا تحرمنا ما نؤمله من فضلك،
ولا تردنا خائبين، ولا من 1 بابك مطرودين، ولا تجعلنا من رحمتك محرومين،
ولا لفضل ما نؤمله من عطاياك قانطين، يا أجود الأجودين ويا أكرم الأكرمين.
اللهم إليك أقبلنا موقنين 2، ولبيتك الحرام آمين قاصدين، فأعنا على
منسكنا وأكمل لنا حجنا، واعف اللهم عنا وعافنا، فقد مددنا إليك أيدينا،
وهي بذلة الاعتراف موسومة، اللهم فأعطنا في هذه العشية ما سألناك،
واكفنا ما استكفيناك، فلا كافي لنا سواك ولا رب لنا غيرك، نافذ فينا
حكمك، محيط بنا علمك، عدل فينا قضاؤك، اقض لنا الخير واجعلنا من
أهل الخير.
اللهم أوجب لنا بجودك عظيم الأجر، وكريم الذخر ودوام اليسر، واغفر
لنا ذنوبنا أجمعين، ولا تهلكنا مع الهالكين، ولا تصرف عنا رأفتك،
برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا في هذا الوقت ممن سألك
فأعطيته، وشكرك فزدته، وتاب إليك فقبلته، وتنصل 3 إليك من ذنوبه
فغفرتها له، يا ذا الجلال والاكرام، اللهم وفقنا وسددنا واعصمنا واقبل
تضرعنا.
يا خير من سئل، ويا أرحم من استرحم، يا من لا يخفى عليه اغماض
الجفون، ولا لحظ العيون، ولا ما استقر في المكنون، ولا ما انطوت عليه
مضمرات القلوب، الاكل ذلك قد أحصاه علمك، ووسعه حلمك.
سبحانك وتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا، تسبح لك السماوات
والأرض ومن فيهن، وان من شئ الا يسبح بحمدك، فلك الحمد والمجد،
وعلو الجد، يا ذا الجلال والاكرام، والفضل والانعام والأيادي الجسام وأنت

1 - عن (خ ل).
2 - مؤمنين (خ ل).
3 - تنصل: تبرء.
86

الجواد الكريم، الرؤوف الرحيم، أوسع على من رزقك، وعافني في بدني
وديني، وآمن خوفي، وأعتق رقبتي من النار.
اللهم لا تمكر بي ولا تستدرجني ولا تخذلني، وادرء 1 عنى شر فسقة
الجن والإنس، يا أسمع السامعين، ويا أبصر الناظرين، ويا أسرع الحاسبين،
ويا أرحم الراحمين، صل على محمد وآل محمد.
وأسألك اللهم حاجتي التي ان أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، وان
منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك فكاك رقبتي من النار لا إله إلا أنت
وحدك لا شريك لك، لك الملك، ولك الحمد، وأنت على كل شئ قدير،
يا رب يا رب يا رب 2.
ومن الدعوات في يوم عرفة دعاء مولانا زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام،
وهو من أدعية الصحيفة:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد
بديع السماوات والأرض ذا الجلال والاكرام، واله كل شئ مألوه 3، وخالق
كل شئ مخلوق، ووارث كل شئ، ليس كمثله شئ، ولا يغرب 4 عنه
علم شئ، وهو بكل شئ محيط، وهو على كل شئ رقيب.
أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد المتوحد، الفرد، الدائم المتفرد، وأنت
الله لا إله إلا أنت، الكريم المتكرم، العظيم المتعظم، الكبير المتكبر،
وأنت الله لا إله إلا أنت، الرحمان الرحيم، العليم الحكيم، وأنت الله لا إله إلا أنت
، السميع البصير، القديم الخبير.

1 - أدرء: أسقط.
2 - المألوه: المعبود من دونه تعالى.
3 - لا يعزب: لا يغيب.
4 - عنه البحار 98: 216 - 227، أخرجه الكفعمي في البلد الأمين: 251 - 258، أقول: يوجد هنا في بعض النسخ
المخطوطة زيادة، ولا يوجد في النسخة المعتبرة من الكتاب.
87

وأنت الله لا إله إلا أنت، الكريم الأكرم، الدائم الأدوم 1، وأنت الله
لا إله إلا أنت، الأول قبل كل أحد، والاخر بعد كل عدد، وأنت الله لا إله إلا أنت
، الداني 2 في علوه، والعالي في دنوه، وأنت الله لا إله إلا أنت،
أنشأت الأشياء من غير سنخ 3 وصورت ما صورت من غير مثال، وابتدأت
المبتدعات بلا احتذاء 4.
وأنت الله الذي قدرت كل شئ تقديرا، ويسرت كل شئ تيسيرا،
ودبرت ما دبرت تدبيرا، أنت الذي لم يعنك على خلقك شريك ولم يوازرك 5
في امرك وزير، ولم يكن لك مشابه 6 ولا نظير.
أنت الذي أردت فكان حتما ما أردت، وفضيت فكان عدلا ما قضيت،
وحكمت فكان نصفا 7 ما حكمت، أنت الذي لا يحويك 8 مكان، ولا يقوم 9
لسلطانك سلطان، ولم يعيك 10 برهان ولا بيان، أحصيت كل شئ عددا،
وجعلت لكل شئ أحدا، وقدرت كل شئ تقديرا.
أنت الذي قصرت الأوهام عن كيفيته ولم تدرك الابصار موضع انيته 11،
أنت الذي لا تحد فتكون محدودا، ولا تمثل فتكون موجودا 12 مشهودا، ولم تلد
فتكون مولودا.

1 - وأنت الله لا اله أنت العلى المتعال الشديد المحال (خ ل).
2 - الداني: القريب.
3 - السنخ: الأصل.
4 - بلا احتذاء: بلا اقتداء.
5 - يؤازرك: يعاونك.
6 - مشاهد (خ ل).
7 - نصفا: عدلا.
8 - يحويك: يضمك ويجمعك.
9 - لم يقم (خ ل).
10 - يعيك: يعجزك.
11 - كيفيتك، أينيتك (خ ل).
12 - ممثلا (خ ل).
88

أنت الذي لا ضد لك (فيعاندك) 1 ولا عدل 2 لك فيكاثرك، ولا ند لك
فيعارضك، أنت الذي ابتدأ واخترع، واستحدث، وابتدع، وأحسن صنع
ما صنع.
سبحانك من لطيف ما ألطفك، ورؤوف ما أرأفك، وعليم 3 ما أعرفك،
وسبحانك من منيع 4 ما أمنعك، وجواد ما أوسعك، ورفيع ما أرفعك 5، سبحانك
بسطت بالخيرات يدك، وعرفت الهداية من عندك، فمن التمسك لدين أو
دنيا وجدك.
سبحانك خضع لك ومن جرى في علمك 6، وخشع لعظمتك ما دون
عرشك، وانقاد للتسليم لك كل خلقك، سبحانك لا تحس 7 ولا تمس،
ولا تكاد ولا تماط 8، ولا تغالب ولا تنازع، ولا تجارى 9 ولا تمارى، 10
ولا تخادع ولا تماكر، ولا مبدل لكلماتك.
سبحانك قولك حكم، وقضاؤك حتم، وإرادتك عزم، فسبحانك لا راد
لمشيتك، يا 11 فاطر السماوات والأرض، باني المسموكات 12، بارى
النسمات 13.

1 - من الصحيفة السجادية.
2 - عديل (خ ل)، أقول: العدل: المثل والنظير.
3 - حكيم (خ ل).
4 - مليك (خ ل).
5 - ذي البهاء والمجد والكبرياء والجمال (خ ل).
6 - حوى علمك (خ ل).
7 - لا تحس: لا تفحص اخبارك.
8 - لا تحاط (خ ل)، أقول: لا تماط: لا تدفع ولا تبعد.
9 - لا تجارى: لا تطاول ولا تغالب.
10 - لا تمارى: لا تجادل.
11 - سبحانك باهر الآيات (خ ل).
12 - سمك الشئ: رفعه، المسموكات: السماوات.
13 - بارى النسمات: خالق النفوس.
89

لك الحمد حمدا يدوم بدوامك، ولك الحمد حمدا خالدا بنعمتك 1،
ولك الحمد حمدا يزيد على رضاك، ولك الحمد حمدا مع حمد كل
حامد، وحمدا يقصر عنه 2 شكر كل شاكر، حمدا لا ينبغي الا لك ولا يتقرب
الا إليك.
حمدا يستدام به الأول ويستدعى به دوام الاخر، حمدا يتضاعف على
كرور الأيام، ويتزايد أضعافا مترادفة 3، حمدا يعجز عن احصائه الحفظة،
ويزيد على ما أحصته في كتابك الكتبة، حمدا يوازن عرشك المجيد ويعادل
كرسيك الرفيع.
حمدا يكمل لديك ثوابه، ويستغرق كل جزاء جزاؤه، حمدا ظاهره وفق
لباطنه، وباطنه وفق لصدق النية فيه، حمدا لم يحمدك خلق مثله، ولا يعرف
أحد سواك فضله، حمدا يعجز 4 من اجتهد في تعديده، ويزيد على من ادعى
في ترفيته 5.
حمدا يجمع ما خلقت من الحمد، وينتظم ما أنت خالقه من بعد، حمدا
لا حمدا أقرب إلى قولك منه، ولا حمد ممن يحمدك به، حمدا يجب لكرم
وجهك ويقابل عز جلالك.
رب صل على محمد وآله المنتجب 7 المصطفى، المكرم المقرب،
أفضل صلواتك، وبارك عليه أتم بركاتك، وترحم عليه أسبغ 8 رحماتك.

1 - يوازى بنعمتك (خ ل).
2 - حمدا ينقضى عنه (خ ل).
3 - مترادفه: متتابعة.
4 - يعان (خ ل).
5 - في الصحيفة: يؤيد من أغرق نزعا في توفيته.
6 - يصادف مزيدا (خ ل).
7 - المنتجب: المنتخب.
8 - أمتع (خ ل).
90

رب صل على محمد وآل محمد صلاة زاكية 1 لا تكون صلاة أزكى
منها، وصل عليه وآله صلاة راضية لا تكون صلاة ارضى منها، وصل على
محمد وآله صلاة برضيه وتزيد على رضاك له، وصل على محمد وآله صلاة
تجاوز رضوانك ويتصل اتصالها ببقاءك 2 ولا ينفد كما لا ينفد كلماتك.
وصل على محمد وآله صلاة تنتظم صلوات ملائكتك وأنبيائك ورسلك،
وأهل طاعتك، وتجمع على صلوات عبادك من جنك وانسك وأهل
طاعتك، وتشتمل، على صلاة كل من ذرأت وبرأت من أصناف خلقك،
وصل عليه صلاة تحيط بكل صلاة سالفة ومستأنفة 3.
صل اللهم عليه وعلى آله صلاة مرضية لك ولمن دونك، وتنشئ مع
ذلك صلوات تضاعف معها تلك الصلوات عندها، وتزيدها على كرور
الأيام، زيادة في تضاعيف لا يعدها 4 غيرك.
اللهم صل على محمد وآله أطائب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك،
وجعلتهم خزنة علمك، وحفظة دينك، وخلفاءك في أرضك، وحججك على
عبادك، وطهرتهم من الرجس والدنيس تطهيرا بإرادتك، وجعلتهم الوسيلة
إليك والمسلك إلى جنتك.
رب صل عليه وعليهم صلاة تجزل 5 لهم بها من نحلك 6 وكرامتك
ونعمك، وتكمل 7 لهم بها الأسنى 8 من عطاياك ونوافلك 9، وتوفر عليهم

1 - زاكية: تامة مباركة.
2 - بدوامك (خ ل).
3 - مستأنفة: مبتدئة.
4 - لا يحصيها (خ ل).
5 - تجزل: تكثر.
6 - تحلف، نحلتك (خ ل)، أقول: نحلك: عطياتك.
7 - تكمل لهم بها الأشياء (خ ل).
8 - أسنى: أعلا وارفع.
9 - نوافلك: هباتك وغنائمك.
91

الحظ من عوائدك وفوائدك.
رب صل عليه وعليهم صلاة زنة عرشك وما دونه، وملأ سماواتك
وما فوقهن 1، وعدد أرضيك وما تحتهن وما بينهن، صلاة تقربهم منك زلفى،
وتكون لهم 2 رضى ومتصلة بنظائرهن ابدا.
اللهم انك أيدت دينك في كل أوان بامام أقمته علما لعبادك، ومنارا
في بلادك، بعد ان وصلت حبله بحبلك، بامتثال امره 3 والانتهاء عند
نهيه، وان لا يتقدمه متقدم، ولا يتأخر عنه متأخر، فهو عصمة اللائذين، وكهف
المؤمنين، وعروة المستمسكين 4، وبهاء العالمين.
اللهم فأوزع لوليك شكر ما أنعمت به عليه، وأوزعنا مثله فيه، وآته من
لدنك سلطانا نصيرا، وافتح له فتحا يسيرا، واعنه بركنك الأعز، واشدد إزره،
وقو عضده، وراعه بعينك، واحمه بحفظك، وانصره بملائكتك وامدده
بجندك الأغلب.
وأقم به كتابك وحدودك وشرائعك، وسنن نبيك ورسولك عليه وآله
السلام 6، واحي به ما أماته الظالمون، من معالم دينك، وأجل 7 به صداء
الجور عن طريقك، وابن به الضراء عن سبيلك، وأزل به الناكبين 8 عن
صراطك، وامحق 9 به بغاة قصدك عوجا، وألن جانبه لأولياءك، وابسط يده

1 - ما دونهن (خ ل).
2 - لك ولهم (خ ل).
3 - أوامره (خ ل).
4 - المتمسكين (خ ل).
5 - زين (خ ل).
6 - ورسوله صلواتك اللهم عليه (خ ل).
7 - أجل: اكشف.
8 - الناكبين: العادلين عن القصد.
9 - امحق: امح وأهلك.
92

على أعداءك، وهب لنا رأفته ورحمته، وتعطفه وتحننه، واجعلنا له سامعين
طائعيين 1، وفى رضاه ساعين، والى نصرته والمدافعة عنه مكنفين 2، واليك
والى رسولك صلواتك اللهم عليه وآله بذلك متقربين.
اللهم صل 3 عليهم وعلى أوليائهم المعترفين بمقامهم، المتبعين منهجهم،
المقتفين آثارهم، المتمسكين بعروتهم، المؤتمين بإمامتهم، المسلمين
لأمرهم، المجتهدين في طاعتهم، المنتظرين أيامهم المادين إليهم أعينهم،
واحفظهم بالصلوات المباركات الزاكيات 4.
وصل عليهم وعلى أرواحهم، واجمع على التقوى أمرهم، وأصلح لهم
شؤونهم 6، وتب عليهم انك التواب الرحيم وخير الغافرين، واجعلنا
معهم في دار السلام، برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم وهذا يوم عرفة، يوم كرمته وشرفته 7 وعظمته، ونشرت فيه رحمتك،
ومننت فيه بعفوك، وأجزلت فيه عطيتك، وتفضلت فيه على عبادك.
اللهم وانا عبدك الذي أنعمت به عليه 8 قبل خلقك له وبعد خلقك
إياه، فجعلته ممن هديته لدينك، ووفقته لحقك، وعصمته بحبلك، وأدخلته
في حزبك، وأرشدته لموالاة أولياءك، ومعاداة أعداءك، ثم امرته فلم يأتمر،
وزجرته 9 فلم ينزجر، ونهيته عن معصيتك، فخالف امرك إلى نهيك،
لا معاندة لك، ولا استكبارا عليك.

1 - مطيعين (خ ل).
2 - مكتفين (خ ل)، أقول: مكنفين: معينين ومحيطين.
3 - وصل (خ ل).
4 - الناميات الغاديات الرائحات (خ ل).
5 - وصل وسلم (خ ل).
6 - الشأن: الأمر والحال.
7 - شرفته وكرمته (خ ل).
8 - أنعمت عليه (خ ل).
9 - زجرته: منعته.
93

بل دعاه هواه إلى ما نهيته والى ما حذرته، واعانه على ذلك عدوك
وعدوه، فاقدم عليه خائفا لوعيدك 1، راجيا لعفوك، واثقا بتجاوزك، وكان
أحق عبادك مع ما أنعمت به عليه 2 ان لا يفعل.
فها انا ذا بين يديك صاغرا 3، خاضعا خاشعا خائفا، معترفا بعظيم من
الذنوب تحملته، وجليل من الخطايا اجترامته 4، مستجيرا بصفحك، لائذا
برحمتك، موقنا انه لا يجيرني منك مجير، ولا يمنعني منك مانع.
فعد على بما تعود به على من اقترف 5 من تغمدك، وجد على بما تجود
به على من القى بيده إليك من عفوك، وامنن على بما لا يتعاظمك ان تمن
به على من أملك من غفرانك، واجعل لي في هذا اليوم نصيبا أنال به حظا
من رضوانك، ولا تردني صفرا 6 مما ينقلب بها لمعتذرون إليك 7.
فانى وان لم أقدم ما قدموه من الصالحات، فقد قدمت توحيدك ونفى
الأضداد والأنداد والأشباه عنك، وأتيتك من الأبواب التي أمرت أن يؤتى
منها، وتقربت إليك بما لا يتقرب به أحد منك الا بالتقرب به.
ثم اتبعت ذلك بالإنابة إليك والتذلل والاستكانة 8 لك وحسن الظن بك
والثقة بما عندك، وشفعته من رجاءك الذي لا يخيب 9 عليك به راجيك،
وسألتك مسألة الذليل الحقير 10 البائس الصغير الفقير الخائف المستجير.

1 - عارفا لوعيدك (خ ل).
2 - مننت عليه (خ ل).
3 - ذليلا (خ ل).
4 - اجترمته: عملته.
5 - تعود على من أسرف (خ ل).
6 - صفرا: خاليا.
7 - المتعبدون لك من عبادك (خ ل).
8 - استكان: خضع وذل.
9 - قل ما نخيب (خ ل).
10 - الحقير الذليل (خ ل).
94

ومع ذلك خفية وتضرعا، وتعوذا وتلوذا، لا متعاليا بدالة 1 المطيعين،
ولا مستطيلا 2 بشفاعة الشافعين، وانا بعد ذلك أقل الأقلين وأذل الأذلين
ومثل الذرة أو دونها، فيا من لا يعاجل 3 المسيئين، ولا يعافص المقترفين 4،
ويا من يمن بإقالة 5 العاثرين، ويتفضل انظار الخاطئين 6.
انا المسئ المعترف الخاطي 7، انا الذي أقدم عليك مجترئا، انا الذي
عصاك متعمدا، انا الذي استخفى من خلقك وبارزك 8، انا الذي لم يرهب
سطوتك ولم يخف بأسك 9، انا الجاني على نفسه، انا المرتهن ببائقته 10، انا
القليل الحباء، انا الطويل العناء.
فبحق 11 من انتخبت من خلقك ومن اصطفيت لنفسك، وبحق من
اخترت من بريتك ومن اجتبيت من عبادك، وبحق من وصلت 12 طاعته
بطاعتك، ومن جعلت معصيته كمعصيتك 13، وبحق من قرنت موالاته
بموالاتك، ومن نطت معاداته بمعاداتك.
تغمدني في يومى هذا بما تغمدت به من حار إليك متنضلا، وعاذ
باستغفارك تائبا، وتولني به أهل طاعتك، والزلفى لديك، والمكانة منك،

1 - بدالة: بوثوق وإتكال.
2 - مستطيلا: مترفعا.
3 - لم يعاجل (خ ل).
4 - لم يغافص (خ ل) المترفين (خ ل).
5 - الإقالة: المسامحة.
6 - بانظار: بامهال.
7 - العاثر (خ ل).
8 - استحيى من عبادك وبارزك بالمعصية (خ ل).
9 - بأسك: عذابك.
10 - نفسي، ببلية (خ ل).
12 - وصلت: قرنت.
13 - معصيتك (خ ل).
95

وتوحدني 1 بما تتوحد به من وفا بعهدك، وأتعب نفسه في ذاتك، وأجهدها
في مرضاتك.
ولا تؤاخذني بتفريطي في جنبك وتعدي طوري 2 في حدودك ومجاوزة
أحكامك، ولا تستدرجني باملاءك 3 لي استدراج من يمنعني 4 خير
ما عنده، ونبهني من رقدة الغافلين، وسنة المسرفين، ونعسة المخذولين.
وخذ بقلبي إلى ما استعملت به الطائعين 5، واستعبدت به المتعبدين،
واستنفذت به المتهاونين، وأعذني مما يباعدني عنك، ويحول بيني وبين
حظى منك، ويصدني عما أحاول لديك.
وسهل لي مسلك الخيرات إليك، والمسابقة إليها من حيث أمرت،
والمسارعة 6 فيها على ما أردت، ولا تمحقني فيمن تمحق من المستخفين بما
أوعدت، ولا تهلكني مع من تهلك من المتعرضين لمقتك، ولا تتبرني فيمن
تتبر 7 من المنحرفين عن سبيلك 8.
ونجني من غمرات الفتنة، وخلصني من هفوات 9 البلوى، واجرني من
اخذ الاملاء، وحل بيني وبين عدو يضلني، وهوى يوبقني 10، ومنقصة
ترهقني 11، ولا تعرض عنى اعراض من لا ترضى عنه بعد غضبك، ولا تؤيسني
من الأمل فيك فيغلب على القنوط من رحمتك، ولا تمتحني بما لا طاقة لي

1 - توحدنى: خصني.
2 - تعدى طوره: تجاوز حده.
3 - املاءك: امهالك.
4 - منعني (خ ل).
5 - القانتين (خ ل).
6 - المشاحة (خ ل)، المشاحة: المنافسة.
7 - تبرنى فيمن تبير (خ ل)، أقول: تتبرني: تدمرني.
8 - سبلك (خ ل).
9 - لهوات (خ ل).
10 - يوبقني: يهلكني.
11 - ترهقني: تغشاني.
96

به فتبهظني 1 بما تحملنيه من فضل محبتك.
ولا يرسلني من يدك ارسال من لا خيرة فيه، ولا حاجة بك إليه، ولا إنابة
له، ولا ترم بي ربى من سقط من عين رعايتك، ومن اشتمل عليه الخزي من
عندك، بل خذ بيدي من سقطه المتردين ووهلة المتعسفين 2 وزلة
المغرورين وورطة الهالكين.
وعافني مما ابتليت به طبقات عبيدك وإماءك، وبلغني مبالغ من
عنيت به وأنعمت عليه، فاعشته حميدا وتوفيته سعيدا، وطوقني طوق الاقلاع
عما يحبط الحسنات ويذهب بالبركات.
واشعر قلبي الازدجار 3 عن قبائح السيئات وقواضح الحوبات 4،
ولا تشغلني بما لا أدركه الا بك عما لا يرضيك عنى غيره، وانزع من قلبي
حب دنيا دنية يقطعني 5 عما عندك، ويصدني عن ابتغاء الوسيلة إليك
ويذهلني عن التقرب منك والتفرد 6 بمناجاتك بالليل والنهار، وهب لي
عصمة تذنيني من خشيتك، وتقطعني عن ركوب محارمك، وتفكني عن أسر
العظائم، وهب لي التطهير من دنس العصيان، واذهب عنى درن 7 الخطايا،
وسربلني بسربال 8 عافيتك، وردني رداء معافاتك، وجللني سوابغ نعماءك،
وظاهر على بفضلك 9 وطولك، وأيدني بتوفيقك وتسديدك 10.

1 - تبهظني: تثقلني.
2 - المتعسفين: السالكين على غير هداية.
3 - الانزجار (خ ل).
4 - فضائح (خ ل)، الحوبات: الآثام والخطيئات.
5 - تنهى (خ ل).
6 - وزين لي التفرد (خ ل).
7 - رين (خ ل).
8 - السربال: القميص.
9 - ظاهر لدى فضلك (خ ل).
10 - سددني بتسديدك (خ ل)، أقول: تسديدك: تقويمك.
97

وأعني على صالح النية ومرضى القول ومستحسن العمل، ولا تكلني إلى
حولي وقوتي دون حولك وقوتك، ولا تخزني يوم تبعثني للقاءك،
ولا تفضحني بين يدي أولياءك، ولا تنسني ذكرك، ولا تذهب عنى
شكرك، بل ألزمنيه في أحوال السهو عند غفلات الجاهلين 1.
وأوزعني ان اثنى عليك بما أوليتنيه 2، واعترف بما أسديته إلى 3،
واجعل رغبتي إليك فوق رغبة الراغبين، وحمدي لك فوق حمد الحامدين،
ولا تخذلني عند فاقتي إليك، ولا تهتكني بما أسررته 4، لديك، ولا تخيبني
بما جنيت 5 لك.
فانى مسلم 6، اعلم أن الحجة لك وأنت أولى بالفضل وأعود
بالاحسان، وأهل التقوى وأهل المغفرة، وانك بان تعفو أولى منك بان
تعاقب، وانك بان تستر أقرب منك إلى أن تشهر.
فاحييني حياة طيبة تنظم بكل ما أريد وتبلغ بما 7 أحب من حيث لا اتى
ما تكره، ولا ارتكب ما نهيت عنه، وأمتني ميتة من يسعى نوره بين يديه،
وأعزني عند خلقك، وضعني 8 إذا خلوت بك، وارفعني بين عبادك، وأغنني
عمن هو غنى عنى، وزدني إليك فاقة وفقرا.
واعدني من شماتة الأعداء ومن حلول البلاء، ومن الذل والعناء،
وتغمدني فيما اطلعت عليه منى بما يتغمد به القادر على البطش لولا حمله،

1 - الخاطئين (خ ل).
2 - أوليتنيه: أعطيتنيه.
3 - أبوء بما أسديت، لآلائك (خ ل).
4 - لا تهلكني بما أسديته (خ ل).
5 - لا يجبهنى بما جبهت، جنيت (خ ل).
6 - فانى لك مسلم (خ ل).
7 - تنتظم بما، تبلغ ما (خ ل).
8 - ضعني: اجعلني متواضعا.
98

والاخذ على الجريرة 1 لولا أناته، وإذا أردت بقوم فتنة أو سوءا وانا فيهم،
فنجني منهم عن ارادتك، وإذ لم تقمني مقام فضيحة في دنياك، فلا تقمني
مثله في آخرتك.
واشفع 2 لي أوائل مننك بأواخرها وقديم فوائدك بحوادثها، ولا تمدد لي 3
مدا يقسوا معه قلبي ولا تقرعني قارعة 4 يذهب بها 5 بهائي، ولا تسمني 6
خسيسة يصفر بها 7 قدري، ولا ترعني روعة أبلس 8 بها، ولا تخفني خيفة
أوجس 9 بها.
اجعل هيبتي 10 في وعيدك، وحذري من اعذارك وانذارك، ورهبتي
عند تلاوة كتابك 11، وأعني بانقطاعي فيه لعبادتك، وتفردي بالتهجد لك،
وتجريدي عند شكري لك، وانزال حوائجي ببابك 12، ومنازلتي إياك 13 في
فكاك رقبتي من نارك، واجارتي مما فيه أهلها من عذابك.
ولا تذرني في طغياني عامها 14، ولا في غمرتي ساهيا حتى حين،
ولا تجعلني عظة لمن اتعظ، ولا نكالا لمن اعتبر ولا فتنة لمن نظر، ولا تمكر
بي فيمن تمكر به، ولا تستبدل لي غيري، ولا تغير لي اسما، ولا تبدل لي
.

1 - الجريرة: الجناية والذنب.
2 - اخراك (خ ل)، فاشفع (خ ل).
3 - لا تمدد لي: لا تمهلني.
4 - القادعة: الداهية.
5 - 7 - لها (خ ل).
6 - لا تسمني: لا تلزمني.
8 - أبلس: آيس.
9 - أوجس: أحس.
10 - دونها، بل اجعل (خ ل).
11 - آياتك) خ ل).
12 - تجردي بسكوني إليك، وانزالي في الآمال بك (خ ل).
13 - منازلتي إياك: مرجعتي إياك وسؤالي مرة بعد مرة.
14 - عاملها: مترددا ومتحيرا.
99

جسم ا، ولا تتخذني هزوا لخلقك 1، ولا تجعلني متحيرا الا إليك، ولا متعبعا
الا لمرضاتك، ولا مرتهنا 2 الا بالانتقام لك.
وأوجدني برد عفوك وروحك وريحانك ا وجنة نعيمك، وأذقني طعم
الفراغ لما تحب بسعة من سعتك، والاجتهاد فيما يزلف لديك وعندك،
وأتحفني بتحفة من تحفاتك.
واجعل تجارتي رابحة، وكرتي غير خاسرة، واخفني مكانك 4، وشوقني
إلى لقاءك، وتب على توبة نصوحا لا تبقى 5 معها ذنوبا، صغيرة ولا كبيرة،
ولا تذر 6 معها 7 علانية ولا سريرة، وانزع الغل من صدري للمؤمنين، واعطف
بقلبي على الخاشعين، وكن لي كما تكون للصالحين، وألبسني حلية 8
المتقين.
واجعل لي لسان صدق في الغابرين، وذكرا باقيا 9 في الآخرين، وتمم
لي سبوغ نعمتك على، وظاهر نعماك وكراماتها 10 لدى 11، وسق كرائم 12
مواهبك إلى، وجاور بي الأطيبين من أولياءك في الجنان التي زينتها 13
لأصفياءك وانحلني شرائف نحلك 14 في المقامات المعدة لأحبائك.

1 - ولا سخريا لك (خ ل).
2 - تبعا الا مرضاتك ولا ممتهنا (خ ل).
3 روحك وريحانك: رحمتك ورزقك الطيب.
4 - مقامك (خ ل).
5 - لا تبق (خ ل).
6 - لا تذر: لا تترك.
7 - بها (خ ل).
8 - زينة (خ ل).
9 - ناميا (خ ل).
10 - كراماتك (خ ل).
11 - املاء من فوائدك يدي (خ ل).
12 - الكرائم: النفائس.
13 - رتبتها (خ ل).
14 - نحلك: عطاياك.
100

واجعل لي مقيلا آوى إليه مطمئنا ومثابة أتبوءها وأقر عينا،
ولا تناقشني 1 بعظمات الجرائر، ولا تهلكني يوم تبلى السرائر، وأزل عنى
كل شك وشبهة، واجعل لي في الحق طريقا إلى 2 كل رحمة، واجزل لي
قسم المواهب من نوالك ووفر على حظوظ الاحسان من افضالك.
واجعل قلبي واثقا بما عندك وهمى مستفرغا لما هو لك، واستعملني
بما استعملت به خاصتك ا، واشرب 4 قلبي عند ذهول العقول 5 طاعتك،
واجنع لي الغنى والعفاف والدعة 6 والمعافاة والصحة والسعة والطمأنينة
والعافية.
ولا تحبط حسناتي بما يشوبها من معصيتك، ولا خلواتي بما يعرض لي
معها من نزعات فتنتك، وصن وجهي عن الطلب إلى أحد من العالمين،
وذبني 7 عن التماس ما عند الفاسقين، ولا تجعلني للظالمين ظهيرا 8 ولالهم
على محو كتابك يدا 9 ولا نصيرا، وحطني 10 من حيث اعلم ومن حيث
لا اعلم، حياطة تقيني بها.
وافتح لي أبواب توبتك ورحمتك ورأفتك ورزقك الواسع انى إليك من
الراغبين، وأتمم لي 11 انعامك انك خير المنعمين. واجعل باقي عمري في

1 - فأقر عينا ولا تقاسيني (خ ل).
2 - من (خ ل).
3 - تستعمل به خالصتك (خ ل).
4 - اشرب: امزج.
5 - العقول (خ ل).
6 - الدعة: الراحة وخفض العيض.
7 - ذبنى: أمنعي وادفعني.
8 - ظهيرا: منيعا.
9 - مؤيدا (خ ل).
10 - حطنى: احفظني.
11 - على (خ ل).
101

الحج والعمرة ابتغاء وجهك، يا رب العالمين، وصلى الله على 1 محمد وآل
محمد الطيبين الطاهرين الأبرار الأخيار، والسلام 2 عليهم ورحمة الله
وبركاته 3.
ومن أدعية يوم عرفة دعاء علي بن الحسين عليه السلام للموقف، وهو:
اللهم أنت الله رب العالمين، وأنت الله الرحمن الرحيم، وأنت الله
الدائب في غير وصب 4 ولا نصب 5، ولا يشغلك رحمتك عن عذابك،
ولا عذابك من رحمتك.
خفيت من غير موت، وظهرت فلا شئ فوقك، وتقدست في علوك،
وترديت بالكبرياء في الأرض وفى السماء، وقويت 6 في سلطانك، ودنوت
في كل شئ في ارتفاعك، وخلقت الخلق بقدرتك، وقدرتك الأمور بعلمك،
وقسمت الأرزاق بعدلك.
ونفذ في كل شيئا علمك، وحارت الأبصار دونك، وقصر دونك طرف
كل طارف، وكلت 7 الألسن عن صفاتك، وغشى بصر كل ناظر نورك،
وملأت بعظمتك أركان عرشك.
وابتدأت الخلق على غير مثال نظرت إليه من أحد سبقك إلى صنعة
شئ منه، ولم تشارك في خلقك، ولم تستعن بأحد في شئ من أمرك،
ولطفت في عظمتك، وانقاد لعظمتك كل شئ، وذل لعزتك كل شئ.

1 - صل على (خ ل).
2 - صل على، والسلام عليه أبد الأبدين (خ ل).
3 - الدعاء: 47 من الصحيفة السجادية، رواه عنه البلد الأمين: 483، مصباح الكفعمي: 671، ينابيع المودة: 505
مختصرا، اتحاف السادة المتقين 4: 480، عنه إحقاق الحق 12: 46، أورده في الصحيفة السجادية الجامعة: 316،
الدعاء: 147.
4 - وصب: وجع ومرض.
5 - نصب: تعب واعيا.
6 - قويت: غلبت.
7 - كلت: أعيت وعجزت.
102

اثنى عليك يا سيدي وما عسى أن يبلغ في مدحتك ثنائي مع قلة علمي
وقصر رأيي، وأنت يا رب الخالق وأنا المخلوق، وأنت المالك وأنا المملوك،
وأنت الرب وأنا العبد، وأنت الغنى وأنا الفقير، وأنت المعطى وأنا السائل،
وأنت الغفور وأنا الخاطىء، وأنت الحي لا تموت، وأنا خلق أموت.
يا من خلق الخلق ودبر الأمور، فلم يقايس شيئا بشئ من خلقه، ولم يستعن على خلقه بغيره.
ثم أمضى الأمور على قضائه وأجلها إلى أجل مسمى، قضى فيها بعدله،
وعدل فيها بفضله، وفصل فيها بحكمه، وحكم فيها بعدله، وعلمها بحفظه، ثم
جعل منتهاها إلى مشيته، ومستقرها إلى محبته، ومواقيتها إلى قضائه.
لا مبدل لكلماته ولا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا مستزاح عن أمره،
ولا محيص 1 لقدره، ولا خلف لوعده، ولا متخلف عن دعوته، ولا يعجزه شئ
طلبه، ولا يمتنع منه أحد أراده، ولا يعظم عليه شئ فعله، ولا يكبر عليه شئ
صنعه، ولا يزيد في سلطانه طاعة مطيع، ولا ينقصه معصية عاص، ولا يتبدل
القول لديه، ولا يشرك في حكمه أحدا.
الذي ملك الملوك بقدرته، واستعبد الأرباب بعزه 2، وساد العظماء
بجوده، وعلا السادة بمجده، وانهدت 3 الملوك لهيبته، وعلا أهل السلطان
بسلطانه وربوبيته، وأباد 4 الجبابرة بقهره، وأذل العظماء بعزه، وأسس الأمور
بقدرته، ونبا المعالي بسؤدده 5، وتمجد بفخره، وفخر بعزه، وعز بجبروته،
ووسع كل شئ برحمته.
إياك أدعو، وإياك أسأل، ومنك أطلب، واليك أرغب، يا غاية

1 - لا محيص: لا مفر.
2 - بعزته (خ ل).
3 - انهدت: انحطت وانكسرت.
4 - أباد: أهلك.
5 - السؤدد: الرفعة والشرف.
103

المستضعفين، يا صريخ المستصرخين، ومعتمد المضطهدين، ومنجى
المؤمنين، ومثيب الصابرين، وعصمة الصالحين، وحرز العارفين، وأمان
الخائفين، وظهر اللاجين، وجار المستجيرين، وطالب الغادرين، ومدرك
الهاربين، وأرحم الراحمين، وخير الناصرين، وخير الفاصلين، وخير
الغافرين، وأحكم الحاكمين، وأسرع الحاسبين.
لا يمتنع من بطشه، ولا ينتصر من عقابه، ولا يحتال لكيده 1، ولا يدرك
علمه، ولا يدرء 2 ملكه، ولا يقهر عزه، ولا يذل استكباره، ولا يبلغ جبروته،
ولا تصغر عظمته، ولا يضمحل فخره، ولا يتضعضع ركنه، ولا ترام قوته،
المحصى لبريته، الحافظ أعمال خلقه.
لا ضد له ولا ند 3 له، ولا ولد لا صاحبة له، ولا سمى له ولا كفو له،
ولا قريب له ولا شبيه له ولا نظير له ولا مبدل لكلماته، ولا تبلغ شئ مبلغه،
ولا يقدر شئ قدرته، ولا يدرك شئ أثره، ولا ينزل شئ منزلته، ولا يدرك
شئ أحرزه، ولا يحول دونه شئ.
بنى السماوات فأتقهن وما فيهن بعظمته، ودبر أمره تدبيرا فيهن
بحكمته، وكان كما هو أهله لا بأولية قبله، وكان ينبغي له، يرى ولا يرى
وهو بالمنظر الأعلى، يعلم السر والعلانية.
ولا يخفى عليه خافية، وليس لنقمته واقية، يبطش البطشه الكبرى
ولا تحصى منه القصور، ولا تجن 4 منه الستور، ولا تكن 5 منه الجدور،
ولا توارى منه البحور، وهو على كل شئ قدير، وبكل شئ عليم.

1 - كيده: مكره.
2 - يدرأ: يدفع.
3 - الند: النظير.
4 - تجن: تستر.
5 - تكن: تخفى.
104

يعلم هماهم 1 الأنفس وما تخفى الصدور، ووساوسها ونيات القلوب،
ونطق الألسن ورجع الشفاه، وبطش الأيدي، ونقل الأقدام، وخائنة الأعين،
والسر وأخفى والنجوى 2 وما تحت الثرى، ولا يشغله شئ عن شئ،
ولا يفرط في شئ، ولا ينسى شيئا لشئ.
أسألك يا من عظم صفحه، وحسن صنعه، وكرم عفوه، وكثرت نعمته،
ولا يحصى احسانه وجميل بلائه، أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن
تقضى حوائجي التي أفضيت بها إليك، وقمت بها بين يديك، وأنزلتها بك،
وشكوتها إليك، مع ما كان من تفريطي فيما أمرتني به، وتقصيري فيما
نهيتني عنه.
يا نوري في كل ظلمة، ويا انسى في كل وحشة، ويا ثقتي في كل
شديدة، ويا رجائي في كل كربة، ويا وليي في كل نعمة، ويا دليل في
الظلام، أنت دليلي إذا انقطعت دلالة الأدلاء، فان دلالتك لا تنقطع،
لا يضل من هديت ولا يذل من واليت.
أنعمت على فأسبغت 3، ورزقتني فوقرت، ووعدتني فأحسنت،
وأعطيتني فأجزلت 4، بلا استحقاق لذلك بعمل منى ولكن ابتداء منك
بكرمك وجودك، فأنفقت نعمتك في معاصيك، وتقويت برزقك على
سخطك، وأفنيت عمري فيما لا تحب، فلم يمنعك جرأتي عليك، وركوبي
ما نهيتني عنه، ودخولي فيما حرمت على أن عدت في معاصيك.
فأنت العائد بالفضل، وأنا العائد في المعاصي، وأنت يا سيدي خير
الموالي لعبيده، وأنا شر العبيد، أعودك فتجيبني، وأسألك فتعطيني،

1 - الهماهم: الخفايا.
2 - النجوى: اسرار الحديث.
3 - أسبغت: وسعت.
4 - أجزلت: أكثرت.
105

وأسكت عنك فتبتدئنى، وأستزيدك فتزيدني، فبئس العبد أنا لك يا سيدي
ومولاي.
أنا الذي لم أزل أسىء وتغفر، ولم أتعرض للبلاء وتعافيني، ولم أزل
أتعرض للهلكة وتنجينى، ولم أزل أضيع في الليل والنهار في تقلبي 1
فتحفظني، ولم تنكس برأسي عند اخواني، بل سترت على القبائح العظام،
والفضائح الكبار، وأظهرت حسناتي القليلة الصغار، منا منك على، وتفضلا
واحسانا، وانعاما واصطناعا.
ثم أمرتني فلم أئتمر 3، وزجرتني فلم أنزجر، ولم أشكر نعمتك، ولم أقبل
نصيحتك. ولم أؤد حقك، ولم أترك معاصيك، بل عصيتك بسمعي ولو شئت أصممتنى،
فلم تفعل ذلك بي، وعصيتك بيدي، ولو شئت لكنعتني 4 فلم تفعل ذلك بي،
وعصيتك برجلي ولو شئت جذمتنى 5 فلم تفعل ذلك بي، وعصيتك بفرحي
ولو شئت لعقمتني فلم تفعل ذلك بي، وعصيتك بجميع جوارحي ولم يك
هذا جزاؤك منى، فعفوك عفوك.
فها أنا ذا عبدك المقر بذنبي، الخاشع بذلي، المستكين لك بجرمي،
مقر لك بجنايتي، متضرع إليك، راج لك في موقفي هذا، تائب إليك من
ذنوبي ومن اقترافي 6، ومستغفر لك من ظلمي لنفسي، راغب إليك في
فكاك رقبتي من النار، ومبتهل إليك في العفو عن المعاصي.

1 - تقلبي: انتقالي وتحولي.
2 - أقلت عثرتي: غفرت خطيئتي.
3 - أئتمر: امتثل.
4 - كنعتنى: قطعت أو شللت يدي.
5 - جذمتنى: قطعت رجلي.
6 - الإقتراف: الاكتساب.
106

طالب إليك أن تنجح لي حوائجي، وتعطني فوق رغبتي، وأن تسمع
ندائي، وتستجيب دعائي، وترحم تضرعي وشكواي، وكذلك العبد الخاطىء
يخضع لسيده، ويخشع لمولاه بالذل.
يا أكرم من أقر له كل بالذنوب، وأكرم من خضع له وخشع، ما أنت
صانع بمقر لك بذنبه، خاضع لك بذله، فإن كانت ذنوبي قد حالت بيني
وبينك أن تقبل على بوجهك، وتنشر على رحمتك، وتنزل على شيئا من
بركاتك، وترفع لي إليك صوتا أو تغفر لي ذنبا، أو تتجاوز عن خطيئة 1.
فها أنا ذا عبدك مستجيرا بكرم وجهك، وعز جلالك، ومتوجها إليك،
ومتوسلا إليك، ومتقربا إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله أحب خلقك
إليك وأكرمهم لديك، وأولاهم بك، وأطواعهم لك، وأعظمهم منك منزلة،
وعندك مكانا، وبعترته صلى الله عليهم الهداة المهديين، الذين افترضت
طاعتهم، وأمرت بمودتهم، وجعلتهم ولاة الأمر بعد نبيك.
يا مذل كل جبار، ويا معز كل ذليل، قد بلغ مجهودي، فهب لي نفسي
الساعة الساعة برحمتك.
اللهم لا قوة لي على سخطك، ولا صبر لي على عذابك، ولا غنا بي عن
رحمتك، تجد من تعذب غيري، ولا أجد من يرحمني غيرك، ولا قوة لي على
البلاء، ولا طاقة لي على الجهد.
أسألك بحق نبيك محمد صلى الله عليه وآله وبآله الطاهرين، وأتوسل
إليك بالأئمة الذين اخترتهم لسرك، وأطلعتهم على وحيك 2، واخترتهم
بعلمك، وطهرتهم وخلصتهم، واصطفيتهم وصفيتهم، وجعلتهم هداة مهديين،
وائتمنتهم على وحيك، وعصمتهم عن معاصيك، ورضيتهم لخلقك،
وخصصتهم بعلمك، واجتبيتهم وحبوتهم وجعلتهم حججا على خلقك،

1 - خطيئته (خ ل).
2 - في المصباح: خفيك.
107

وأمرت بطاعتهم ولم ترخص لأحد في معصيتهم، وفرضت طاعتهم على من
برأت 1، وأتوسل بهم إليك في موقفي اليوم أن تجعلني من خيار وفدك.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وارحم صراخي واعترافي بذنبي
وتضرعي وارحم طرحي رحلي بفنائك، وارحم مسيري إليك، يا أكرم من
سئل، يا عظيما يرجى لكل عظيم، اغفر لي ذنبي العظيم، فإنه لا يغفر العظيم
الا العظيم.
اللهم إني أسألك فكاك رقبتي من النار، يا رب المؤمنين، ولا تقطع
رجائي، يا منان من على، يا أرحم الراحمين، يا من لا يخيب سائله لا تردني،
يا عفو أعف عنى، يا تواب تب على، واقبل توبتي يا مولاي، حاجتي التي ان
أعطيتنها لم يضرني ما منعتني، وان منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، فكاك
رقبتي من النار.
اللهم بلغ روح محمد وآل محمد عنى تحية وسلاما، وبهم اليوم
فاستنقذني، يا من أمر بالعفو، يا من يجزى على العفو، يا من يعفو، يا من رضى
بالعفو، يا من يثيب على العفو، العفو العفو - يقولها عشرين مرة - أسألك اليوم
العفو، وأسألك من كل خير أحاط به علمك.
هذا مكان البائس الفقير، هذا مكان المضطر إلى رحمتك، هذا مكان
المستجير بعفوك من عقوبتك، هذا مكان العائذ بك منك، أعوذ برضاك من
سخطك، ومن فجأة نعمتك، يا أملى يا رجائي يا خير مستغاث، يا أجود
المعطين، يا من سبقت رحمته غضبه.
يا سيدي ومولاي، ورجائي وثقتي ومعتمدي، ويا ذخري وظهري
وعدتي، وغاية أملى ورغبتي، يا غياثي يا وارثي، ما أنت صانع بي في هذا
اليوم الذي فزعت فيه إليك، وكثرت فيه الأصوات.

1 - برأت: خلقت.
108

أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد وأن تقلبني 1 فيه مفلحا منجحا
بأفضل ما انقلب به من رضيت عنه، واستجبت دعاءه وقبلته، وأجزلت حباه 2
خير منه، وقلبته بكل حوائجه، وأحييته بعد الممات حياة طيبة، وختمت له
بالمغفرة، وألحفته بمن تولاه.
وقد وفدت إليك ووقفت بين يديك في هذا الموضع الذي شرفته رجاء
لما عندك، فلا تجعلني اليوم أخيب وفدك، وأكرمني بالجنة، ومن على
بالمغفرة، وجملني بالعافية، وأجرني من النار، وأوسع على من رزقك
الحلال الطيب، وادرء عنى شر فسقة العرب والعجم، وشر شياطين الإنس والجن.
اللهم صل على محمد وآل محمد و لا تردني خائبا، وسلمني ما بيني
وبين لقائك حتى تبلغني الدرجة التي فيها مرافقة أوليائك، واسقني من
حوضهم مشربا رويا لا أظمأ بعده واحشرني في زمرتهم، وتوفني في حزبهم،
وعرفني وجوههم في رضوانك والجنة، فانى رضيت بهم هداة.
يا كافى كل شئ، ولا يكفي منه شئ صل على محمد وآل محمد،
والكفنى شر ما، أحذر، وشر ما لا أحذر، ولا تكلني إلى أحد سواك، وبارك لي

1 - ان تقلبني: ان ترجعني.
2 - أجزلت حباءه: كثرت عطاءه.
3 - في البحار: فيك.
109

فيما رزقتني، ولا تستبدل بي غيري، ولا تكلني إلى أحد من خلقك ولا إلى
رأيي فيعجزني، ولا إلى الدنيا فتلفظني 1، ولا إلى قريب ولا بعيد، بل تفرد
بالصنع لي يا سيدي ومولاي.
اللهم أنت أنت انقطع الرجاء الا منك، في هذا اليوم تطول على فيه
بالرحمة والمغفرة، اللهم رب هذه الأمكنة الشريفة، ورب كل حرم ومشعر 2
عظمت قدره، وشرفته وبالبيت الحرام، وبالحل والحرام، والركن والمقام.
صل على محمد وآل محمد، وأنجح (لي) 3 كل حاجة مما فيه صلاح
ديني ودنياي وآخرتي، واغفر لي ولوالدي ولمن ولدني من المسلمين،
وارحمهما كما ربياني صغيرا، واجزهما عنى خير الجزاء، وعرفهما بدعائي
لهما ما تقر به أعينهما، وفيهما وفى جميع أسلافي من المؤمنين في هذا اليوم
فشفعني في نفسي وفيهما وفي جميع أسلافي من المؤمنين في هذا اليوم
يا أرحم الراحمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وفرج عن آل محمد، واجعلهم أئمة
يهدون بالحق وبه يعدلون، وانصرهم وانتصر بهم، وأنجز لهم ما وعدتهم،
وبلغتني فتح آل محمد، واكفني كل هول دونه، ثم أقسم اللهم لي فيهم
نصيبا خالصا، يا مقدر الآجال، يا مقسم الأرزاق، افسح لي في عمري،
وابسط لي في رزقي.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وأصلح لنا امامنا واستصلحه، وأصلح
على يديه، وآمن خوفه وخوفنا عليه، واجعله اللهم الذي تنتصر به لدينك.
اللهم املأ الأرض به عدلا وقسطا كما ملأت ظلما وجورا، وامنن به
على فقراء المسلمين وأرامليهم ومساكينهم، واجعلني من خيار مواليه

1 - تلفظني: ترميني.
2 - المشعر: كل موضع مقدس، ومنه المزدلفة.
3 - من البحار والصحيفة.
110

وشيعته، أشدهم له حبا أطوعهم له طوعا، وأنفذهم لأمره، وأسرعهم إلى
مرضاته، وأقبلهم لقوله، وأقومهم بأمره، وارزقني الشهادة بين يديه حتى
ألقاك وأنت عنى راض.
اللهم إني خلفت الأهل والولد وما خولتني 1 وخرجت إليك ووكلت
ما خلفت إليك فأحسن على فيهم الخلف، فإنك ولى ذلك من خلقت، لا إله إلا الله
الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب
السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش
العظيم والحمد لله رب العالمين 2.
ومن هذا الموضع زيادة ليس من هذا الفصل وهو مضاف إليه:
اللهم إني عبدك، ناصيتي بيدك، وأجلى بعلمك، وأسألك أن توفقني
لما يرضيك عنى، وأن تسلم لي مناسكي التي أريتها إبراهيم خليلك،
ودللت عليها نبيك محمدا صلواتك عليهما، اللهم اجعلني ممن رضيت
عمله، وأطلت عمره، وأحييته بعد الممات حياة طيبة.
الحمد لله على نعمائه التي لا تحصى بعدد، ولا تكافى بعمل، الحمد
لله الذي خلقتني ولم أك شيئا مذكورا، وفضلني على كثير ممن خلق
تفضيلا.
الحمد لله الذي رزقني ولم أك أملك شيئا، الحمد لله على حلمه بعد
علمه الحمد لله على عفوه بعد قدرته، الحمد لله على رحمته التي سبقت
غضبه.
اللهم صل على عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك الذي اصطفيته

1 - خولتني: ملكتنى.
2 - عنه البحار 98: 228، رواه إلى هنا المفيد في مزاره: 134، مصباح المتهجد: 689، عنه البلد الأمين: 245،
مصباح الكفعمي: 663، الصحيفة السجادية الجامعة: 337، الدعاء: 149.
111

لرسالاتك 1، واجعله أول شافع وأول مشفع وأول قائل وأنجح سائل،
انك تجيب المضطر إذا دعاك، وتكشف السوء، فوقك المكروب، وتشفى
السقيم، وتغنى الفقير، وتجبر الكسير، وليس فوقك أمير، وأنت العلى
الكبير، يا عصمة الخائف المستجير، يا من لا شريك له ولا وزير.
أسألك بعظيم ما سألك أحد من خلقك من كريم أسمائك وجميل
ثنائك وخاصة آلائك أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تجعل عشيتي
هذه أعظم عشية مرت على منذ أنزلتني إلى الدنيا بركة في عصمة ديني
وخلاص نفسي وقضاء حاجتي، وتشفيعي في مسائلي واتمام النعمة على،
وصرف السوء عنى ولباس العافية لي، وأن تجعلني ممن نظرت إليه في هذه
العشية برحمتك، انك جواد كريم.
اللهم صل على محمد وآل محمد ولا تجعل هذه العشية آخر العهد منى،
حتى تبلغنيها من قابل مع حجاج بيتك الحرام، والزوار لقبر نبيك عليه وآله
السلام في أعفى عافيتك، وأعم نعمتك، وأوسع رحمتك، وأجزل قسمك،
وأوسع رزقك، وأفضل الرجاء، وأنا لك على أحسن الوفاء، انك سميع
الدعاء.
اللهم صل على 1 محمد وآل محمد واسمع دعائي، وارحم تضرعي وتذللي
واستكانتي وتوكلني فانى لك سلم لا أرجوا نجاحا ولا تشريفا الا بك
ومنك، فامنن على بتبليغي هذه العشية من قابل وأنا معافى من كل مكروه
ومحذور، من جميع البوائق 2 وأعنى على طاعتك وطاعة رسولك وأوليائك
الذين اصطفيتهم من خلقك. 3
اللهم صل على محمد وآل محمد، سلمني في ديني وامدد لي في

1 - لرسالتك (خ ل).
2 - البائقة: الداهية.
3 - نحلقك (خ ل).
112

عمري وأصح جسمي، يا من رحمني وأعطاني سؤلي فاغفر لي ذنبي انك
على كل شئ قدير.
اللهم صل على محمد وآل محمد تمم على نعمتك فيما بقي من أجلى
حتى تتوفاني وأنت عنى راض، ولا تخرجني من ملة الاسلام، فانى
اعتصمت بحبلك فلا تكلني إلى غيرك، وعلمني ما ينفعني، واملأ قلبي علما
وخوفا من سطواتك ونقماتك.
اللهم إني أسألك مسألة المضطر إليك المشفق من عذابك، الخائف من
عقوبتك، أن تغفر لي وتحنن على برحمتك وأن تجود على بمغفرتك وتؤدى
عنى فريضتك، وتغنيني بفضلك عمن سواك، وأن تجيرني من النار،
برحمتك يا أرحم الراحمين 1.
ومن أدعية يوم عرفة دعاء لمولانا زين العابدين صلوات الله عليه، وهو دعاء اشتمل
على المعاني الربانية وأدب العبودية مع الجلالة الإلهية:
اللهم ان ملائكتك مشفقون 2 من خشيتك، سامعون مطيعون لك وهم
بأمرك يعملون، لا يفترون 3 الليل والنهار يسبحون، وأنا أحق بالخوف الدائم
لإساءتي على نفسي، وتفريطها إلى اقتراب أجلى، فكم لي يا رب من ذنب
أنا فيه مغرور متحير.
اللهم إني قد أكثرت على نفسي من الذنوب والإساءة وأكثرت على من
المعافاة، سترت على ولم تفضحني بما أحسنت لي النظر وأقلتني العثرة،.
وأخاف أن أكون فيها مستدرجا، فقد ينبغي لي أن أستحيي من كثرة
معاصي معاصي، ثم لم تهتك لي سرا، ولم تبد لي عورة، ولم تقطع عنى الرزق،
ولم تسلط على جبارا، ولم تكشف عنى غطاء مجازاة لذنوبي، تركتني كأني

1 - عنه البحار 98: 234.
2 - مشفقون: خائفون.
3 - لا يفترون: لا يسكنون.
113

لا ذنب لي، كففت 1 عن خطيئتي وزكيتني بما ليس في، أنا المقر على
نفسي بما جنت على يداي، ومشت إليه رجلاي، وباشر جسدي ونظرت إليه
عيناي وسمعته أذناي، وعملته جوارحي، ونطق به لساني، وعقد عليه قلبي.
فأنا المستوجب يا الهى زوال نعمتك، ومفاجأة نقمتك وتحليل عقوبتك، لما
اجترأت عليه من معاصيك، وضيعت من حقوقك، أنا صاحب الذنوب
الكبيرة 2 التي لا تحصى عددها، وصاحب الجرم العظيم، أنا الذي أحللت
العقوبة بنفسي وأوبقتها 3 بالمعاصي جهدي وطاقتي وعرضتها للمهالك بكل
قوتي.
الهى 4 أنا الذي لم أشكر نعمك عند معاصي إياك ولم أدعها عند حلول
البلية ولم أقف عند الهوى ولم أراقبك، يا الهى أنا الذي لم أعقل عند الذنوب
نهيك، ولم أراقب عند اللذات زجرك 5، ولم أقبل عند الشهوة نصيحتك،
وركبت الجهل بعد الحلم، وغدوت 6 إلى الظلم بعد العلم.
اللهم فكما حلمت عنى فيما اجترأت عليه من معاصيك، وعرفت
تضييعي حقك، وضعفي عن شكر نعمتك، وركوبي معصيتك، اللهم إني
لست ذا عذر فأعتذر ولاذا حيلة فأنتصر.
اللهم قد أسأت وظلمت، وبئس ما صنعت، عملت سوء لم تضرك
ذنوبي، فأستغفرك يا سيدي ومولاي، سبحانك لا إله إلا أنت سبحانك انى
كنت من الظالمين.
اللهم انك تجد من تعذبه غيري ولا أجد من يرحمني سواك، اللهم فلو

1 - كففت: انصرف.
2 - الكثيرة (خ ل).
3 - أوبقتها: أهلكتها.
4 - اللهم (خ ل).
5 - زجرك: منعك.
6 - عدوك: ذهبت وانطلقت.
114

كان لي مهرب لهربت، ولو كان لي مصعد في السماء أو مسلك في
الأرض لسلكت، ولكنه لا مهرب لي ولا منجأ ولا منجأ ولا مأوى منك الا
إليك.
اللهم ان تعذبني فأهل ذلك أنا وان ترحمني فأهل ذلك أنت، بمنك
وفضلك ووحدانيتك وجلالك وكبريائك وعظمتك وسلطانك، فقديما ما مننت
على أوليائك ومستحقى عقوبتك بالعفو والمغفرة، سيدي عافية من أرجو إذا
لم أرج عافيتك، وعفو من أرجو إذا لم أرج عفوك، ورحمة من أرجو إذا
لم أرج رحمتك، ومغفرة من أرجوا إذا لم أرج مغفرتك، ورزق من أرجو إذا
لم أرج رزقك، وفضل من أرجو إذا لم أرج فضلك.
سيدي أكثرت على من النعم وأقللت لك من الشكر، فكم لك عندي
من نعمة لا يحصيها أحد غيرك، ما أحسن بلاءك 1 عندي، وأحسن فعالك،
ناديتك مستغيثا مستصرخا فأغثتني، وسألتك عائلا 2 فأغنيتني، ونأيت 3
فكنت قريبا مجيبا، واستعنت بك مضطرا فأعنتني ووسعت على، وهتفت
إليك في مرضى فكشفته عنى، وانتصرت بك في رفع البلاء.
فوجدتك يا مولاي نعم المولى ونعم النصير، وكيف لا أشكرك، يا الهى
أطلقت لساني بذكرك رحمة لي منك، وأضأت لي بصرى بلطفك حجة
منك على، وسمعت أذناي بقدرتك نظرا منك، ودللت عقلي على توبيخ 4
نفسي.
إليك أشكو ذنوبي فإنها لا مجرى لبثها 5 الا إليك، ففرج عنى ما ضاق به
صدري، وخلصني من كل ما أخاف على نفسي، من أمر ديني ودنياي

1 - بلاءك: احسانك وانعامك.
2 - عائلا: فقيرا.
3 - نأيت: بعدت.
4 - التوبيخ: اللوم.
5 - لبثها: لا ذاعتها ونشرها.
115

وأهلي ومالي، فقد استصعب على شأني، وشتت على أمرى وقد أشرفت
على هلكتي نفسي، وإذا تداركتني منك برحمة تنقذني بها، فمن لي بعدك
يا مولاي.
أنت الكريم العواد بالغفرة، وأنا اللئيم العواد بالمعاصي، فاحلم يا حليم
عن جهلي وأقلني يا مقيل عثرتي، وتقبل يا رحيم توبتي، سيدي ومولاي، لابد
من لقائك على كل حال.
وكيف يستغنى العبد عن ربه، وكيف يستغنى المذنب عمن يملك
عقوبته ومغفرته، سيدي لم أزدد إليك الا فقرا، ولم تزدد عنى الا غنى،
ولم تزدد ذنوبي الا كثرة، ولم يزدد عفوك الا سعة.
سيدي، ارحم تضرعي إليك وانتصابي بين يديك، وطلبي ما لديك، توبة
فيما بيني وبينك، سيدي متعوذا بك متضرعا إليك بائسا فقيرا تائبا، غير
مستنكف ولا مستكبر، ولا مستسخط 1، بل مستسلم لأمرك راض بقضائك،
لا آيس من روحك 2، ولا آمن من مكرك ولا قانط من رحمتك، سيدي بل
مشفق 3 من عذابك، راج لرحمتك، لعلمي بك يا سيدي ومولاي، فإنه لن
يجيرني 4 منك أحدا ولا أجد من دونك ملتحدا 5.
اللهم إني أعوذ بك أن تحسبن في رامقة 6 العيون علانيتي، وتفتح فيما
أخلو لك سريرتي، محافظا على رئاء الناس من نفسي، مضيعا ما أنت مطلع
عليه منى فأبدى لك بأحسن أمرى، وأخلو لك بشر فعلى تقربا إلى
المخلوقين بحسناتي، وفرارا منهم إليك بسيئاتي، حتى كأن الثواب ليس

1 - مستسخط: كاره.
2 - روحك: رحمتك.
3 - مشفق: خائف حذر.
4 - يجيرني: ينفذني.
5 - ملتحدا: ملجأ.
6 - وامقة (خ ل)، أقول: رمقه بعينه: أطال النظر إليه.
116

منك، وكأن العقاب ليس إليك، قسوة من مخالفتك من قلبي وزللا عن
قدرتك من جهلي فيحل بي غضبك وينالني مقتك فأعذني من ذلك كله،
وقني بوقايتك التي وقيت بها عبادك الصالحين.
اللهم تقبل منى ما كان صالحا، وأصلح منى ما كان فاسدا، ولا تسلط
على من لا يرحمني ولا باغيا ولا حاسدا.
اللهم أذهب عنى كل هم، وفرج عنى كل غم، وثبتني في كل مقام،
واهدني في كل سبيل من سبل الحق، وحط عين كل خطيئة، وأنقذنى من
كل هلكة وبلية، وعافني أبدا ما أبلغتني واغفر لي إذا توفيتني، ولقنى روحا
وريحانا وجنة نعيم، أبدا الأبدين، يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد
وآله الطاهرين 1.
ومن أدعية يوم عرفة ما رويناه بإسنادنا إلى أبى محمد هارون بن موسى التلعكبري،
باسناده إلى اياس بن الأكوع، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق
عليهما السلام قال: سمعته يدعو في يوم عرفة في الموقف بهذا الدعاء، فنسخته:
تقول إذا زالت الشمس من يوم عرفة وأنت بها، تصلى الظهر والعصر، ثم ائت
الموقف، وكبر الله مائة مرة، واحمده مائة مرة، وسبحه مائة مرة، وهلله مرة واقرأ
قل هو الله أحد) مائة مرة، وان أحببت أن تزيد على ذلك فزد، واقرء سورة القدر مائة
مرة، ثم قل:
لا اله لا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله
رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع، وما فيهن وما بينهن ورب العرش
العظيم والحمد لله رب العالمين، اللهم إياك أعبد وإياك أستعين.
اللهم إني أريد أن اثنى عليك وما عسى أن أبلغ من مدحك مع قلة
علمي، وقصر رأيي، وأنت الخالق وأنا المخلوق، وأنت المالك وأنا

1 - عنه البحار 98: 236 - 239، رواه في الصحيفة السجادية الجامعة: 333، الدعاء: 148.
117

المملوك، وأنت الرب وأنا العبد 1، وأنت العزيز وأنا الذليل، وأنت القوى
وأنا الضعيف، وأنت الغنى وأنا الفقير، وأنت المعطى وأنا السائل، وأنت
الغفور وأنا الخاطى، وأنت الحي الذي لا تموت، وأنا خلق أموت.
اللهم أنت الله رب العالمين، وأنت الله لا إله إلا أنت العزيز الحكيم،
وأنت الله لا إله إلا أنت مالك يوم الدين، وأنت الله لا إله إلا أنت
بدى كل شئ واليك يعود، وأنت الله لا إله إلا أنت لم تزل ولا تزال، وأنت
الله لا إله إلا أنت خالق الجنة والنار.
وأنت الله لا إله إلا أنت خالق الخير والشر، وأنت الله لا إله إلا أنت،
الواحد الأحد الفرد الصمد، لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد، وأنت
الله لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة، وأنت الله لا إله إلا أنت الملك
القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما
يشركون.
وأنت الله لا إله إلا أنت، الخالق الباري المصور له الأسماء الحسنى،
سبحان الله عما يشركون، وأنت الله لا إله إلا أنت الخالق الباري المصور
يسبح لك ما في السماوات والأرض وأنت العزيز الحكيم، وأنت الله لا إله إلا أنت
الكبير، والكبرياء رداؤك.
اللهم أنت 2 سابغ النعماء، حسن البلاء، جزيل العطاء، مسقط القضاء،
باسط اليدين بالرحمة، نفاع بالخيرات، كاشف الكربات، رفيع الدرجات،
منزل الآيات من فوق سبع سماوات، عظيم البركات، مخرج من النور إلى
الظلمات، مبدل السيئات حسنات، وجاعل الحسنات درجات.
اللهم انك دنوت في علوك وعلوت في دنوك، فدنوت فليس دونك

1 - في البحار: أنا المربوب.
2 - في البحار: انك.
118

شئ، وارتفعت فليس فوقك شئ، ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الأعلى،
فالق الحب والنوى، لك ما في السماوات العلى، ولك الكبرياء في الآخرة
والأولى.
اللهم انك غافر الذنوب، شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا أنت إليك
المصير، وسعت رحمتك كل شئ وبلغت حجتك، ولا معقب لحكمك،
وأنت الذي أثبت كل شئ بحكمك، وأحصيت كل شئ بعلمك، وأبرمت
كل شئ بحكمك، ولا يفوتك شئ بعلمك، ولا يمتنع عنك شئ.
أنت الذي لا يعجزك هاربك، ولا يرتفع صريعك، ولا يحيى قتيلك، أنت
علوت فقهرت، وملكت فقدرت، وبطنت فخبرت، وعلى كلى شئ ظهرت،
علمت خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وتعلم ما تحمل كل أنثى وما تضع
وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شئ عندك بمقدار.
أنت الذي لا تنسى من ذكرك، ولا يضيع من توكل عليك، أنت الذي
لا يشغلك ما في جو أرضك عما في جو سماواتك، ولا يشغلك ما في جو
سماواتك عما في جو أرضك، أنت الذي تعززت في ملكك، ولم يشركك
أحد في جبروتك، أنت الذي علا كل شئ ملكك، وملك كل شئ
أمرك.
أنت الذي ملكت الملوك بقدرتك، واستعبدت الأرباب بعزتك، وأنت
الذي قهرت كل شئ بعزتك، وعلوت كل شئ بفضلك، أنت الذي
لا يستطاع كنه وصفك، ولا منتهى لما عندك، أنت الذي لا يصف الواصفون
عظمتك، ولا يستطيع المزايلون 1 تحويلك، أنت شفاء لما في الصدور،
وهدى ورحمة للمؤمنين.

1 - زايله: فارقه.
119

أنت الذي لا يحفيك سائل، ولا ينقصك نائل، ولا يبلغ مدحك مادح
ولا قائل، أنت الكائن قبل كل شئ، والمكنون لكل شئ، والكائن بعد
كل شئ.
أنت الواحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له 1 كفوا أحد،
ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا، السماوات ومن فيهن لك، والأرضون ومن فيهن
لك، وما بينهن وما تحت الثرى، أحصيت كل شئ وأحطت به علما، وأنت
تزيد في الخلق ما تشاء، وأنت 2 لا تسأل عما تفعل وهم يسألون، وأنت
الفعال لما تريد، وأنت القريب وأنت البعيد، وأنت السميع وأنت البصير.
وأنت الماجد وأنت الواحد 3، وأنت العليم وأنت الكريم، وأنت البار
وأنت الرحيم، وأنت القادر وأنت القاهر، لك الأسماء الحسنى كلها، وأنت
الجواد الذي لا يبخل، وأنت العزيز الذي لا تذل، وأنت ممتنع لا ترام، يسبح
لك ما في السماوات والأرض، وأنت بالخير أجود منك بالشر.
أنت ربى ورب آبائي الأولين، أنت تجيب المضطر إذا دعاك، أنت 4
نجيب نوح 2 من العرق، وأنت 5 غفرت لداود ذنبه، وأنت 6 نفست 7 عن ذي
النون كربه، وأنت 8 كشفت عن أيوب ضره، وأنت 9 رددت موسى على أمه.
وأنت صرفت قلوب السحرة إليك، حتى قالوا آمنا برب العالمين، وأنت
ولى نعمة الصالحين، لا يذكر منك الا الحسن الجميل، وما يذكر أكثر،
لك الآلاء والنعماء 10.

1 - لم تلد ولم تولد ولم يكن له (خ ل).
2 - أنت الذي (خ ل).
3 - الواجد (خ ل).
4 - وأنت (خ ل).
5 - 6 - أنت الذي (خ ل).
7 - نفس: أزال كربه.
8 - 9 - أنت الذي (خ ل).
10 - النعم (خ ل).
120

وأنت المحسن المجمل، لا تبلغ مدحتك، ولا الثناء عليك، أنت كما
أثنيت على نفسك، سبحانك وبحمدك، تباركت أسماؤك، وجل ثناؤك،
ما أعظم شأنك، وأجل مكانك، وما أقربك من عبادك، وألطفك بخلقك،
وأمنعك بقوتك.
أنت أعز وأجل وأسمع وأبصر، وأعلى وأكبر، وأظهر وأشكر، وأقدر
وأعلم، وأجبر وأكبر، وأعظم وأقرب، وأملك وأوسع، وأمنع وأعطى، وأحكم
وأفضل، وأحمد، من تدرك العيان عظمتك، أو تصف الواصفون صفتك، أو
يبلغوا غايتك.
اللهم أنت الذي الله لا إله إلا أنت، أجل من ذكر وأشكر من عبد،
وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، تحلم بعد ما تعلم،
وتعفو وتغفر بعدما تقدر، لم تطع قط الا بادنك، ولم تعص قط الا بقدرتك،
تطاع ربنا فتشكر، وتعصى ربنا فتغفر.
اللهم أنت أقرب حفيظ وأدنى شهيد، حلت بين القلوب، وأخذت
بالنواصي وأحصيت الأعمال، وعلمت الأخبار، وبيدك المقادير، والقلوب
إليك مقتصدة 1، والسر عندك علانية، والمهتدى من هديت، والحلال
ما حللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، تقضى
ولا يقضى عليك.
اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ، وأنت الاخر فليس بعدك شئ،
وأنت الباطن فليس دونك شئ.
اللهم بيدك مقادير الليل والنهار، وبيدك مقادير الشمس والقمر،
وبيدك مقادير الليل والنهار، وبيدك مقادير الشمس والقمر،
وبيدك مقادير النصر والخذلان، وبيدك مقادير الدنيا والآخرة، وبيدك
مقادير الموت والحياة، وبيدك مقادير الخير والشر، صل على محمد وآل

1 - مقصدة (خ ل).
121

محمد واغفر لي كل أذنبته في ظلم الليل وضوء النهار، عمدا أو خطأ،
سرا أو علانية، انك على كل شئ قدير، وهو عليك يسير، ولا حول ولا قوة
الا بالله العلي العظيم.
اللهم إني اثنى عليك بأحسن ما أقدر عليه، وأشكرك بما مننت به على
وعلمتني من شكرك، اللهم لك الحمد بمحامدك كلها على نعمائك كلها،
وعلى جميع خلقك حتى ينتهى الحمد إلى ما تحب ربنا وترضى.
اللهم لك الحمد عدد ما خلقت، ولك ما ذرأت، ولك الحمد عدد
ما برأت، ولك الحمد عدد ما أحصيت، ولك الحمد عدد ما في السماوات
والأرضين، ولك الحمد ملء الدنيا والآخرة.
ثم تقول عشرا: لا اله الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد
يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.
وتقول عشرا: أستغفر الله الذي لا إله إلا الله هو الحي القيوم وأتوب إليه.
ثم تقول:
يا الله يا الله - عشرا، يا رحمان يا رحمان - عشرا، يا رحيم يا رحيم - عشرا،
يا بديع السماوات والأرض عشرا، يا ذا الجلال والاكرام - عشرا، يا حنان يا منان
عشرا، - عشرا، يا حي يا قيوم - عشرا، بسم الله الرحمان الرحيم - عشرا، اللهم صل
على محمد وآل محمد - عشرا.
اللهم لك الحمد ولى الحمد، ومنتهى الحمد، وفى الحمد، عزيز
الجند، قديم المجد، الحمد لله الذي كان عرشه على الماء حين لا شمس
تضئ، ولا قمر يسرى، ولا بحر يجرى، ولا رياح تذرى 1، ولا سماء مبنية،
ولا أرض مدحية 2، ولا ليل تجن، ولا نهار يكن، ولا عين تنبع، ولا صوت يسمع،

1 - ذر الشئ: طار في الهواء.
2 - دحى الأرض: بسطها.
122

ولا جبل مرسى 1، ولا سحاب منشى، ولا انس مبرور، ولا جن مذرو، ولا ملك
كريم، ولا شيطان رجيم، ولا ظل ممدود، ولا شئ معدود.
الحمد لله الذي استحمد إلى من استحمده من أهل محامده، ليحمدوه
على ما بذل من نوافله التي فاق مدح الماد حين مآثر محامده، وعدا وصف
الواصفين هيبة جلاله، هو أهل لكل حمد ومنتهى كل رغبة، الواحد الذي
لا بدأ له، الملك 2 الذي لا زوال له، الرفيع الذي ليس فوقه ناظر، ذي المغفرة
والرحمة.
المحمود لبذل نوائله، المعبود بهيبة جلاله، المذكور بحسن آلائه، المنان
بسعة فواضله، المرغوب إليه في تمام المواهب من خزائنه، العظيم الشأن
الكريم في سلطانه، العلى في مكانه، المحسن في امتنانه، الجواد في
فواضله.
الحمد لله بارى خلق المخلوقين بعلمه، ومصور أجساد العباد بقدرته،
ومخالف صور من خلق من خلقه، ونافخ الأرواح في خلقه بعلمه، ومعلم من
خلق من عباده اسمه، ومدبر خلق السماوات والأرض بعظمته.
الذي وسع كل شئ خلق كرسيه، وعلا بعظمته فوق الأعلين، وقهر
الملوك بجبروته، الجبار الأعلى المعبود في سلطانه، المتسلط بقوته،
المتعالى في دنوه، المتداني كل شئ في ارتفاعه، الذي نفذ بصره في
خلقه، وحارت الأبصار بشعاع نوره.
الحمد لله الحليم الرشيد، القوى الشديد، المبدى المعيد، الفعال لما
يريد، الحمد لله منزل الآيات، وكاشف الكربات، ومؤتي السماوات،
الحمد لله في كل مكان، وفي كل زمان، وفي كل أوان. الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، ولا يخيب من دعاه، ولا يذل من

1 - رسى الجبل: ثبت ورسخ.
2 - له الملك (خ ل).
123

والاه، الذي يجزى بالاحسان احسانا، وبالصبر نجاة، الحمد لله الذي له
ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير.
الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة
مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء ان الله على كل شئ قدير،
سبحان الله والحمد لله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في
السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون.
وسبحان الله آناء الليل وأطراف النهار، وسبحان الله بالغدو الاصال،
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب
العالمين، والحمد لله كما يحب ربنا وكما يرضى كثيرا طيبا، وسبحان الله
كلما سبح الله شئ وكما يحب الله أن يسبح.
والحمد لله كلما حمد الله شئ، وكلما يحب الله أن يحمد، ولا إله إلا الله
كلما هلل الله شئ وكما يحب الله أن يهلل، والله أكبر كلما كبر الله
شئ، وكما يحب الله أن يكبر، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
ثم تقول، وهو الدعاء المخزون:
اللهم إني أسألك يا الله يا رحمان - سبع مرات، بأسمائك الرضية المرضية
المكنونة، يا الله، اللهم إني أسألك بأسمائك الكبريائية، اللهم إني أسألك
بأسمائك العزيزة المنيعة، وأسألك بأسمائك التامة الكاملة المعهودة يا الله،
وأسألك بأسمائك التي هي رضاك يا الله.
وأسألك بأسمائك التي لا تردها دونك، وأسألك من مسائلك بما
عاهدت أوفى العهد أن لا تخيب سائلك، وأسألك بجملة مسائلك التي
لا يفي بحملها شئ غيرك - سبع مرات.
وأسألك بكل اسم إذا دعيت به أجبته، وبكل اسم هو لك، وكل مسألة
حتى ينتهى إلى اسمك الأعظم الأكبر الأكبر العلى الأعلى، الذي
124

استويت به على عرشك، واستقللت به على كرسيك، وهو اسمك الكامل
الذي فضلته على جميع أسمائك يا رحمان - سبع مرات.
وأسألك بما لا أعلمه ما لو علمته لسألتك به، وبكل اسم استأثرت به في
علم الغيب عندك، يا رحمان يا رحمان، أن تصلى على محمد عبدك
ورسولك ونبيك وأمينك وحبيبك وصفيك، وصل على محمد وعلى أهل بيت
محمد، وترحم على محمد وأهل بيت محمد، كأفضل وأجمل، وأزكى
وأطهر، وأعظم وأكثر وأتم، ما صليت على أحد من أنبيائك ورسلك، يا ذا
الجلال والاكرام.
اللهم صل على محمد وآل محمد في الأولين، وصل على محمد وآل
محمد في الآخرين، وصل عليهم في الملأ الأعلى، وصل عليهم في
المرسلين.
اللهم أعط محمدا صلواتك عليه الوسيلة، والفضيلة والشرف، والدرجة
الرفيعة.
اللهم أكرم مقامه، وشرف بنيانه، وعظم برهانه، وبيض وجهه، وأعل
كعبه 2، وأفلج حجته 3، وأظهر دعوته، وتقبل شفاعته كما بلغ رسالاتك، وتلا
آياتك، وأمر بطاعتك وائتمر بها، ونهى عن معصيتك وانتهى عنها، في سر
وعلانية، وجاهد حق الجهاد فيك، وعبدك مخلصا حتى أتاه اليقين،
صلواتك عليه وعلى أهله.
اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه عليه الأولون والآخرون من النبيين
والمرسلين.

1 - نجيبك (خ ل).
2 - رجل عالي الكعب: شريف.
3 - أفلج الله حجته: أظهر.
125

اللهم استعملنا لسنته، وتوفنا على ملته، وابعثنا في شيعته، واحشرنا في
زمرته، واجعلنا ممن يتبعه، ولا تحجبنا عن رؤيته، ولا تحرمنا مرافقته حتى
بيني وبينه طرفة عين في الدنيا والآخرة.
اللهم صل على محمد وآل محمد الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم
تطهيرا، اللهم افتح لهم فتحا يسيرا وانصرهم نصرا عزيزا، واجعل لهم من
لدنك سلطانا نصيرا، اللهم مكن لهم في الأرض واجعلهم أئمة واجعلهم
الوارثين.
اللهم أرهم في عدوهم ما يأملون وأر عدوهم منهم ما يحذرون، اللهم
أجمع بينهم في خير وعافية، اللهم عجل الروح والفرج لآل محمد، اللهم
أجمع على الهدى أمرهم، واجعل قلوبهم في قلوب خيارهم، وأصلح ذات
بينهم انك حميد مجيد.
اللهم إني أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد وأن تغفر لي ولوالدي
وما ولدا، وأعتقهما من النار وارحمهما وارضهما عنى، واغفر لكل والد لي
دخل في الاسلام، ولأهلي وولدي وجميع قراباتي، انك على كل شئ
قدير.
اللهم اجعلني وجميع ورثه أبى وإخواني فيك من أهل ولايتك
ومحبتك، فإنه لا يقدر على ذلك غيرك يا رحمان.
اللهم أوزعني 1 أن أشكرك وأشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى
والدي وأن أعمل صالحا ترضاه، وأصلح لي في ذريتي انى تبت إليك وانى
من المسلمين، واجز والدي خير ما جزيت والدا عن ولده، واجعل ثوابهما
عنى جنات النعيم، واغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في

1 - أوزعني: ألهمني.
126

قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم، واغفر لنا وللمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم أصلح ذات بينهم، واجمع على التقوى أمرهم، واجعلني وإياهم
على طاعتك ومحبتك، اللهم والمم شعثهم 1، واحقن دماءهم، وول أمرهم
خيارهم أهل الرأفة والمعدلة عليهم، انك على كل شئ قدير، يا رب يا رب
يا رب.
اللهم بديع السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، ذا الجلال
والاكرام، والجود والقوة والسلطان، والجبروت والملكوت، والكبرياء
والعظمة، والقدرة والمدحة، والرهبة والرغبة، والجود والعلو، والحجة والهدى،
والطاعة والعبادة، والأمر والخلق، وكل شئ لك يا رب العالمين، يا رب
يا رب يا رب.
أسألك سؤال الضارعين المتضرعين، المساكين المستكينين، الراغبين
الراهبين، الذين لا يحذرون سواك، يا من يجيب المضطر ويكشف الضر
ويجيب الداعي ويعطى السائل.
أسألك يا رب سؤال من لم يجد لضعفه مقويا، ولا لذنبه غافرا، ولا لفقره
سادا غيرك، أسألك سؤال من اشتدت فاقته، وضعف قوته، وكثرت ذنوبه،
يا ذا الجلال والاكرام، يا رب يا رب يا رب.
أسألك يا رب، مسألة كل سائل ورغبة كل راغب بيدك، وأنت إذا
دعيت أجبت وبحق السائلين عليك، وبحق صفوتك من عبادك، ومنتهى
العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، أن لا تستدرجني بخطيئتي،
ولا تجعل مصيبتي في ديني.
واذكرني يا رب برضاك، ولا تنسني حين تنشر رحمتك، وأقبل على

1 - الشعث: انتشار الأمر وخلله.
127

بوجهك الكريم، وامنن على بكرامتك، يا كريم العفو، واستجب دعائي
وارحم تضرعي، فانى بائس فقير، خائف مستجير من عذابك، لا أثق بعملي،
ولكني أثق برحمتك، يا رب يا رب يا رب.
اللهم كن بي حفيا ولا تجعلني بدعائك رب شقيا، وامنن على بعافيتك
وأعتق رقبتي من النار، فإنني لا أستغيث بغيرك، وأستجيرك فأجرنى من
كل هول ومشقة وخوف، وآمن خوفي وشجع جبنى، وقو ضعفي، وسد
فاقتي، وأصلح لي جميع أموري، يا رب أعوذ بك من هول المطلع، ومن شدة
الموقف يوم الدين، فإنك تجير ولا يجار عليك، يا رب يا رب يا رب.
اللهم لا تعرض عنى حين أدعوك، ولا تصرف عنى وجهك حين
أسألك، فلا رب لي سواك وأعطني مسألتي وآمن خوفي يوم ألقاك، اللهم إني
أعوذ بك فأعذني، فانى ضعيف خائف مستجير بائس فقير، يا رب يا رب
يا رب، اللهم اكشف ضر ما أستعذتك منه، وألبسني رحمتك، وجللني،
عافيتك وآمنى برحمتك، فإنك تجير ولا تجار عليك، اللهم إني أعوذ بك من
وحشة القبر ومن خلوته ومن ظلمته، وضيقه وعذابه، ومن هول ما أتخوف بعده
يا رب العالمين، يا رب يا رب يا رب.
اللهم إني أسألك أن تصلى على محمد وأهل بيته 1 صفوتك وخيرتك
من خلقك، وأن تستجيب لي دعائي، وتعطيني سؤلي واكفني من دنياي
وآخرتي، وارحم فاقتي، واغفر ذنوبي ما تقدم منها وما تأخر، وآتني في الدنيا
حسنة وفى الآخرة حسنة وقني برحمتك عذاب النار.
اللهم ارزقني صلة قرابتي وحجا مقبولا وعملا مبرورا ترضاه ممن
عمل به، وأصلح لي أهلي وولدي، وأسألك أن تجعل لي عقبا صالحا
تلحقني من دعائهم رضوانا ومغفرة وزيادة في كرامتك انك على كل شئ

1 - آل محمد (خ ل).
128

قدير، وأنت أرحم الراحمين، يا رب يا رب يا رب.
اللهم وكلما كان في قلبي من شك أو ريبة، أو جحود أو قنوط، أو فرح
أو مرح 1، أو بطر أو فجر، أو خيلاء أو جبن أو خفية، أو رياء أو سمعة، أو
شقاق أو نفاق، أو كفرا أو فسوق، أو عظمه أو شئ مما لا تحب عليه
أولياءك، فأسألك بحق محمد أن تمحو ذلك من قلبي وأن تبدلني مكانه
ايمانا وعدلا، ورضا بقضائك، ووفاء بعهدك ووجلا منك، وزهدا في الدنيا
ورغبة فيما عندك، وثقة بك وطمأنينة إليك وتوبة إليك نصوحا، يا رب يا رب
يا رب.
اللهم لك الحمد كما خلقتني ولم أك شيئا مذكورا، فأعنى على أهوال
الدنيا وبوائق 2 الدهر (ونكبات الزمان) 3 وكربات الآخرة، ومصيبات الليالي
والأيام ومن شر ما يعمل الظالمون في الأرض، اللهم بارك لي في قدرك،
ورضني بقضائك، اللهم افتح مسامع قلبي لذكرك، وارزقني شكرا وتوفيقا
وعبادة وخشية يا رب العالمين، يا رب يا رب يا رب.
اللهم اطلع إلى اليوم اطلاعة تدخلني بها الجنة، اللهم استجب دعائي
واقبله منى، واجعله دعاء جامعا يوافق بعضه بعضا، فان كل شئ عندك
بمقدار، اللهم واجعله من شأنك فإنك كل يوم في شأن.
اللهم واكتبه في عليين في كتاب لا يمحى ولا يبدل بأن تقول: قد
غفرت لعبدي ما تقدم من ذنبه وما تأخر، واستجب له دعوته ووفقته،
واصطفيته لنفسي، وكرمته وفضلته، وعصمته وهديته، وزكيته وأصلحته،
واستخلصته وغفرت له، وعفوت عنه، آمين يا رب يا رب يا رب.
اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله،

1 - مرح الرجل: اشتد فرحه ونشاط حتى جاوز القدر وتبختر واختال.
2 - البائقة: الداهية.
3 - من البحار.
129

في خلاصي وخلاص والدي وما ولدا وأهلي وولدي وجميع ذرية أبى
وإخواني فيك وجميع المؤمنين والمؤمنات، وكل والد لي دخل في الاسلام،
من أهوال يوم القيامة، ومن هموم الدنيا والآخرة وأهوالها.
وأسألك أن ترزقني عزها، وتصرف عنى شرها، وتثبتنى بالقول الثابت
في الحياة الدنيا وفي الآخرة انك رؤوف رحيم، وصلى الله على محمد
وآله كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل، يا رب يا رب يا رب.
اللهم إني أسألك أن تصرف عنى شر كل جبار عنيد، وشر كل شيطان
مريد، وشر كل ضعيف من خلقك وشديد، ومن شر السامة والهامة 1 واللامة 2
والخاصة والعامة، ومن شر كل دابة صغيرة أو كثيرة بالليل والنهار، ومن شر
فسقة العرب والعجم، ومن شر فسقة الجن والإنس، انك على كل شئ
قدير، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، وصلى الله على خير مخلوق
دعا إلى خير معبود، اللهم ربنا وآتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا
برحمتك عذاب النار، يا رب يا رب يا رب.
اللهم وما كان من خير أو عمل صالح أسألك به، وأكون في رضوانك
وعافيتك، وما صلح من ذلك من البر، فامنن على به، انى إليك راغب وبك
مستجير.
اللهم ما استطعفيتك منه وما لم أستعفك منه وتوجب على به النار وسخطك
فاعفني منه، وما عذت من المخازي يوم القيامة وسوء المطلع إلى ما في
القبور فأعذني منه، اللهم وما أندم عليه من فعلى له وأجازي عليه يوم المعاد
أو تراني في الدنيا على الحال التي تورث سخطك، فأسألك بوجهك
الكريم أن تعظم عافيتي من جميع ذلك يا ولي العافية، يا رب يا رب يا رب.
وأسألك يا رب مع ذلك العافية من جهد البلاء، وسوء القضاء وشماتة

1 - الهامة: كل ذات سم يقتل، جمع هوام، اما ما يسم ولا يقتل فهو السامة كالعقرب والزنبور.
2 - اللامة: مرض شبه الجنون.
130

الأعداء، وأن تحملني بما لا طاقة لي به وان لا تسلط على ظالمي بما لا طاقة
لي به، وتناقشني في الحساب يوم الحساب مناقشة بمساوى أحوج ما أكون
إلى عفوك وتجاوزك، أسألك بوجهك الكريم أن تعظم عافيتني في جميع
ذلك، يا ولي العافية، أي من عفا عن السيئات ولم يجاز بها، ارحم عبدك،
يا رب يا رب يا رب.
يا الله يا الله يا الله، نفسي نفسي ارحم عبدك يا سيداه، عبدك بين
يديك، يا رباه يا رباه يا رباه يا منتهى رغبتاه، يا مجرى الدم في عروقي، عبدك
عبدك يا سيداه، (عبدك بين يديك) 1، يا مالك عبده، يا سيداه، يا مالكاه،
يا هو يا رباه، لا حيلة لي ولاغنى بي نفسي، ولا أستطيع لها ضرا ولا نفعا،
ولا رجاء لي ولا أجد أحدا اصانعه 2، تقطعت أسباب الخدائع واضمحل عنى
كل باطل، أفسدنى الدهر إليك فقمت هذا المقام، الهى بعلمك.
فكيف أنت صانع بي، ليت شعري ولا أشعر، كيف تقول لدعائي؟
أتقول: نعم، أو تقول: لا، فان قلت: لا، فيا ويلتاه يا ويلتاه يا ويلتاه، يا عولتاه
يا عولتاه يا عولتاه، يا شقوتاه يا شقوتاه يا شقوتاه، يا ذلاه يا ذلاه يا ذلاه.
إلى من، وعند من أو كيف، أو بماذا، أو إلى أي شئ، ومن أرجو، أو
من يعود على أن رفضتني، يا واسع المغفرة، وان قلت: نعم، كما الظن بك،
فطوبى لي أنا السعيد، فطوبى لي أنا المرحوم.
أيا مترحم، أيا متعطف، أيا محيى، أيا متملك، أيا متسلط! لا عمل لي أرجو
به نجاح حاجتي، ولا أحد أنفع لي منك، يا من عرفني نفسه، يا من أمرني
بطاعته، يا مدعو يا مسؤول أيا 3 مطلوب إليه.
رفضت وصيتك، ولو أطعتك لكفيتني ما قمت إليك فيه من قبل أن

1 - من البحار.
2 - صانعه: داهنه، رشه. 3 - يا (خ ل).
131

أقوم، وأنا مع معصيتي لك راج، فلا تحل بيني وبين ما رجوته، واردد يدي
ملأ من خيرك بحقك يا سيدي يا وليي أنا من قد عرفت، شر عبد، وأنت خير
رب، يا مخشى الانتقام، يا رب يا رب يا رب.
يا الله يا الله يا الله، يا محيط بملكوت السماوات والأرض، أصلحني
لدنياي، وأصلحني لأهلي، وأصلحني لولدي وأصلح لي
ما خولتني 1 يا الهى، وأصلحني من خطاياي.
يا حنان يا منان، تفضل على برحمتك، وامنن على بإجابتك، وصل اللهم
على محمد النبي وآله وسلم وحل بيني وبين ما حلت بينه وبين أهل محمد
من الباطل، وآتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة يا أرحم الراحمين.
ثم تقول:
بسم الله الرحمان الرحيم والهكم اله واحد لا إله إلا هو الرحمان
الرحيم، هو الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في
السماوات وما في الأرض، من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين
أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وسع كرسيه
السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم.
آلم الله لا إله إلا هو الحي القيوم، هو الذي يصوركم في الأرحام كيف
يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم، الذين يقولون ربنا اننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا
وقنا عذاب النار، الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين
بالأسحار.
شهد الله انه لا اله هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو
العزيز الحكيم، ان الدين عند الله الاسلام، الله لا إله إلا هو ليجمعنكم
إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا.

1 - خولته: ملكته.
132

ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه وهو على كل
شئ وكيل، اتبع ما أوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن
المشركين.
قل يا أيها الناس انى رسول الله إليكم جميعا، الذي له ملك السماوات
والأرض لا لاه هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي
يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون، وما أمروا الا ليعبدوا الها واحدا
لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون.
لقد جاء كم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم 1 حريص عليكم
بالمؤمنين رؤوف رحيم، فان تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت
وهو رب العرش العظيم، حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا اله الا الذي
آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين.
فإن لم تستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل
أنتم مسلمون، قل هو ربى لا إله إلا هو عليه توكلت واليه متاب، أن أنذروا
أنه لا اله الا أنا فاتقون، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى فاستمع لما
يوحى.
انني أنا الله لا اله الا أنا فاعبدوني وأقم الصلاة لذكرى، إنما إلهكم الله
لا إله إلا هو وسع كل شئ علما، وما أرسلنا من قبلك من رسول الا نوحي
إليه أنه لا اله الا أنا فاعبدون.
وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر 2 عليه فنادى في الظلمات
أن لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من
الغم وكذلك ننجي المؤمنين.
فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله

1 - عنت: وقع في أمر شاق.
2 - نقدر: نضيق.
133

الحكم واليه ترجعون، يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق
غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا اله هو فأنى تؤفكون، انهم كانوا
إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون.
ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون، غافر الذنب وقابل
التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، ذلكم الله ربكم
خالق كل شئ لا إله إلا هو فأنى تؤفكون، تبارك الله رب العالمين.
لا إله إلا هو يحيى ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين، فاعلم أنه لا إله إلا الله
واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم.
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك
الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون، هو الله الذي لا إله إلا هو عالم
الغيب والشهادة هو الرحمان الرحيم.
هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز
الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون، هو الله الخالق الباري المصور له
الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.
الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون، رب المشرق والمغرب
لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا، وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه
ولامن خلفه تنزيل من حكيم بعيد - تقوله سبعا.
ثم تقول:
آمنا بالله وما انزل إلينا وما انزل إلى إبراهيم وإسماعيل، وإسحاق ويعقوب
والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد
منهم ونحن له مسلمون.
ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه الها لقد قلنا إذا شططا 1،

1 - شطط: أفرط، تباعد عن الحق.
134

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت
رسل ربنا بالحق وصلى الله عليهم أجمعين.
ثم تقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك
يا خيرة الله من خلقه، وأمينه على وحيه، السلام عليك يا مولاي
يا أمير المؤمنين.
السلام عليك يا مولاي، أنت حجة الله على خلقه، وباب علمه ووصى
نبيه والخليفة من بعده في أمته، لعن الله أمة غصبتك حقك، وقعدت
مقعدك، أنا برئ منهم، ومن شيعتهم إليك.
السلام عليك يا فاطمة البتول، السلام عليك يا زين نساء العالمين،
السلام عليك يا بنت رسول الله رب العالمين صلى الله عليك وعليه، السلام
عليك يا أم الحسن والحسين، لعن الله أمة غضبتك حقك ومنعتك ما جعله
الله لك حلالا، أنا برى إليك منهم ومن شيعتهم.
السلام عليك يا مولاي يا أبا محمد الحسن الزكي، السلام عليك
يا مولاي، لعن الله أمة قتلتك وبايعت في أمرك وشايعت انا برى منهم ومن
شيعتهم.
السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد الله الحسين بن علي صلوت الله عليك
وعلى أبيك وجدك محمد صلى الله عليه، لعن الله أمة استحلت دمك،
ولعن الله أمة قتلتك واستباحت حريمك، ولعن الله أشياعهم وأتباعهم،
ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم، أنا برئ إلى الله واليك
منهم.
السلام عليك يا مولاي يا أبا محمد علي بن الحسين، السلام عليك
يا مولاي يا أبا جعفر محمد بن علي، السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد الله
جعفر بن محمد، السلام عليك يا مولاي يا أبا الحسن موسى بن جعفر، السلام
135

عليك يا مولاي يا أبا الحسن علي بن موسى.
السلام عليك يا مولاي يا أبا جعفر محمد بن علي، السلام عليك يا مولاي
يا أبا الحسن علي بن محمد، السلام عليك يا مولاي يا أبا جعفر الحسن بن علي
، السلام عليك يا مولاي يا أبا القاسم محمد بن الحسن صاحب الزمان،
صلى الله عليك وعلى عترتك الطاهرة الطيبة.
يا موالي كونوا شفعائي في حط وزرى وخطاياي، آمنت بالله وبما انزل
إليكم وأتوالى آخركم بما أتوالى به أولكم، وبرئت من الجبت والطاغوت
واللات والعزى.
يا مولاي، أنا سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، وعدو لمن
عاداكم، وولى لمن والاكم إلى يوم القيامة، ولعن الله ظالميكم وغاصبيكم
ولعن الله أشياعهم وأتباعهم وأهل مذهبهم، وأبرء إلى الله واليكم منهم.
اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا واشهد محمدا صلى الله عليه وآله
وعليا والثمانية من حملة عرشك والأربعة الأملاك خزنة علمك، أنى برئ 1
من أعدائهم وأن فرض صلواتي لوجهك، ونوافلي وزكواتي وما طاب من قول
وعمل عندك، فعلى محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
اللهم أقرر 2 عيني بصلاته وصلاة أهل بيته، واجعل ما هديتني إليه من
الحق والمعرفة بهم مستقرا لا مستودعا، يا أرحم الراحمين.
اللهم وعرفني نفسك وعرفني رسلك، وعرفني ملائكتك، وعرفني ولاة
أمرك، اللهم إني لا آخذ الا ما أعطيت، ولا واق الا ما وقيت، اللهم لا تحرمني
منازل أوليائك ولا تزع قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رأفة ورشدا،
اللهم وعلمني ناطق التنزيل وخلصني من المهالك.
اللهم وخلصني من الشيطان وحزبه، ومن السلطان وجنده، ومن الجبت

1 - انى أبرى (خ ل).
2 - أقر (خ ل).
136

وأنصاره، بحق محمد المحمود، وبعلى المقصود، وبحق شبر وشبير، وبحق
أسمائك الحسنى صل على أفضل الصفوة، انك على كل شئ قدير، وأنت
بكل شئ محيط.
يا رب يا رب يا رب، يا الله يا الله يا الله، يا رباه يا رباه يا رباه، يا سيداه
يا سيداه يا سيداه، يا مولاه يا مولاه يا مولاه، يا عماد من لا عماد له، ويا سند من
لا سند له، ويا ذخر من لا ذخر له أنت ربى وأنا عبدك على عهدك ووعدك،
اللهم اجعله موقفا محمودا ولا تجعله آخر العهد منا، وأشركنا في صالح دعاء
من دعاك بمنى وعرفات ومزدلفة وعند قبر نبيك عليه السلام وعند زمزم
والمقام.
اللهم لك الحمد حيث رفعت أقدارنا عن شد الزنانيز 1 في الأوساط
والخواتيم في الأعناق، ولك الحمد حيث لم تجعلنا زنادقة مضلين، ولا مدعية
شاكين مرتابين ولا معاصين، ولا عن أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله
منحرفين، ولا بين عباده مشهورين.
اللهم كما بلغنا هذا اليوم المبارك من شهرنا وسنتنا هذه المباركة،
فبلغنا آخرها في عافية وبلغنا أعواما كثيرة برحمتك يا أرحم الراحمين، يا رب
يا رب يا رب، يا الله يا الله يا الله، يا رباه يا رباه يا رباه، يا سيداه يا سيداه
يا سيداه، يا مولاه يا مولاه يا مولاه.
اللهم وما قسمت لي في هذه الساعة وفي هذا اليوم وفي هذا الشهر وفى
هذه السنة، من خير أو بركة أو عافية، أو مغفرة أو رأفة أو رحمة، أو عتق من
النار أو رزق واسع حلال طيب، أو توبة نصوح، فاجعل لنا في ذلك أوفر
النصيب وأجزل الحظ.
اللهم ما أنزلت في هذه الساعة وفى هذا اليوم وفي هذا الشهر وفي هذه

1 - الزنارج الزنانير، الزنارة: ما يشد على الوسط.
137

السنة، من حرق أو شرق أو غرق أو هدم أو ردم 1، أو خسف أو قذف، أو
رجف 2 أو مسخ أو صيحة، أو زلزلة أو فتنة، أو صاعقة أو برد، أو جنون أو
جذام، أو برص أو أكل سبع أو ميتة سوء، وجميع أنواع البلاء في الدنيا
والآخرة، فاصرفه عنا كيف شئت، وأنى شئت، وعن جميع المؤمنين في
كل دار ومنزل في شرق الأرض وغربها.
عز جارك وجل ثناؤك ولا اله غيرك وحدك لا شريك لك فاطر
السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شئ ومليكه، أشهد
أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله
عبده ورسوله.
وأشهد أن الجنة حق، وأن الساعة آتيه لا ريب فيها، وأن الله يبعث من
في القبور، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، عليها أحيى، وعليها
أموت، وعليها ابعث حيا إن شاء الله.
رضيت بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا،
وبعلى وليا، وبالقرآن كتابا، وبالكعبة قبلة، وبإبراهيم عليه السلام أبا،
وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا، وبأمير المؤمنين صلوات الله عليه للحق
واضحا، وللجنة والنار قاسما، وبالمؤمنين من شيعته اخوانا.
لا أشرك بالله شيئا ولا أتخذ من دونه وليا ولا أدعى معه الها، لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، الها واحدا فردا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.
اللهم إني أسألك بالعظيم من آلائك، والقديم من نعمائك، والمخزون
من أسمائك، وما وارت الحجب من بهائك، ومعاقد العز من عرشك،
ومنتهى الرحمة من كتابك، وحدك لا شريك لك أن تصلى على محمد وآل

1 - الردم: ما يسقط من الحائط المتهدم.
2 - رجف: تحرك، الرجفة: الزلزلة.
138

محمد، وأن ترحم هذه النفس الجزوعة، وهذا البدن الهلوع 1 الذي لا يطيق
حر شمسك، فكيف يطيق حر نارك، ان تعاقبني لا يزيد في ملكك شئ،
وان تعف عنى لا ينقص من ملكك شئ.
أنت يا رب أرحم، وبعبادك أعلم، وبسلطانك أرأف، وبملكك أقدم،
وبعفوك أكرم، وعلى عبادك أنعم، لا يزيد في ملكك طاعة المطيعين،
ولا ينقص منه معصية العاصين 2، واعف عنى يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم
الراحمين.
ألوذ بعزتك، وأستظل بفنائك، وأستجير بقدرتك، وأستغيث برحمتك،
وأعتصم بحبلك، ولا أثق الا بك، ولا ألجأ الا إليك، يا عظيم الرجاء،
يا كاشف البلاء، ويا أحق من تجاوز وعفى.
اللهم ان ظلمي مستجير بعفوك، وخوفي مستجير بأمانك، وفقري
مستجير بغناك، ووجهي البالي الفاني مستجير بوجهك الدائم الباقي، الذي
لا يفنى ولا يزول، يامن لا يشغله شأن عن شأن، لا تجعل مصيبتنا في ديننا.
ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، وعد بحلمك
على جهلنا، وبقوتك على ضعفنا، وبغناك على فقرنا، وأعذنا من الأذى
والعدي والضر وسوء القضاء وشماته الأعداء، وسوء المنظر في المال والدين
والأهل والولد، وعند معاينة الموت.
اللهم يا رب نشكوا غيبة نبينا عنا، وقلة ناصرنا، وكثرة عدونا، وشدة
الزمان علينا، ووقوع الفتن بنا، وتظاهر الخلق علينا، اللهم صل على محمد
وآل محمد، وفرج ذلك بفرج منك تعجله، وضر تكشفه وحق تظهره.
اللهم وابعث بقائم آل محمد صلى الله عليه وآله للنصر لدينك، واظهار
حجتك، والقيام بأمرك، وتطهير أرضك من أرجاسها برحمتك يا أرحم الراحمين.

1 - الهلوع: من يفزع.
2 - المذنبين (خ ل).
139

اللهم إني أعوذ بك أن أوالي عدوا أعادي لك وليا، أو أسخط
لك رضا، أو أرضى لك سخطا، أو أقول لحق: هذا باطل، أو أقول لباطل:
اللهم صل على محمد وآله وآتنا في الدنيا حسنة، وفى الآخرة حسنة،
وقنا برحمتك عذاب النار 1.
ومن الدعوات في يوم عرفة، المرويات عن الصادق عليه أفضل الصلاة فقال:
تكبر الله مائة مرة، وتهلله مائة مرة، وتسبحه مائة مرة، وتقدسه مائة مرة، وتقرء آية
الكرسي مائة مرة، وتصلى على النبي صلى الله عليه وآله مائة مرة، ثم تبدء بالدعاء،
فتقول:
الهى وسيدي، وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي لك مخالفة أمرك،
بل عصيت إذ عصيتك وما أنا بنكالك 2 جاهل، ولا لعقوبتك متعرض، ولكن
سولت لي نفسي، وغلبت على شقوتي، وأعانني عليه عدوك وعدوى،
وغرني سترك المسبل 3 على، فعصيتك بجهلي، وخالفتك بجهدي.
فالآن من عذابك من ينقذني، وبحبل من أتصل ان أنت قطعت حبلك
عنى، أنا الغريق المبتلى، فمن سمع بمثلى أو رآى مثل جهلي، لا رب لي
غيرك ينجيني، ولا عشيرة تكفيني، ولا مال يفدينى.
فوعزتك يا سيدي لأطلبن إليك، وعزتك يا مولاي لأتضرعن إليك، وعزتك
يا الهى لالحن عليك، وعزتك يا الهي لأبتهلن إليك، وعزتك يا رجائي لأمدن
يدي مع جرمها إليك.
الهى فمن لي، مولاي فبمن ألوذ؟ سيدي فبمن أعوذ؟ أملى فمن أرجو؟
أنت أنت انقطع الرجاء الا منك، وحدك لا شريك لك، يا أحد من لا أحد

1 - عنه البحار 98: 238 - 255، عنه البحار 101: 375.
2 - النكال: العقوبة.
3 - اسبل الستر: أرخاه.
140

له، يا أكرم من أقر له بذنب، يا أعز من خضع له بذل.
يا أرحم من اعترف له بجرم، لكرمك أقررت بذنوبي، ولعزتك خضعت
بذلتي، فما صانع مولاي ولرحمتك أنت اعترفت بجرمي، فما أنت فاعل
سيدي لمقر لك بذنبه، خاضع لك بذلة، معترف لك بجرمه.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واسمع اللهم دعائي إذ دعوتك،
وندائي إذ ناديتك، وأقبل على إذ ناجيتك، فانى أقر لك بذنوبي، وأعترف
وأشكو إليك مسكنتي وفاقتي وقساوة قلبي وضرى وحاجتي، يا خير من
آنست به وحدتي وناجيته بسرى.
يا أكرم من بسطت إليه يدي، ويا أرحم من مددت إليه عنقي، صل على
محمد وآله، واغفر لي ذنوبي التي نظرت إليها عيناي.
اللهم صل على محمد وآله، واغفر لي ذنوبي التي نطق بها لساني،
اللهم صل على محمد وآله، واغفر لي ذنوبي التي اكتسبتها يدي، واغفر لي
ذنوبي التي باشرها جلدي، واغفر اللهم ذنوبي التي احتطبت بها على
بدني.
واغفر اللهم ذنوبي التي قدمتها يداي، واغفر اللهم ذنوبي التي أحصاها
كتابك، واغفر اللهم ذنوبي التي سترتها من المخلوقين ولم أسترها منك.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لي ذنوبي أولها وآخرها،
صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، ما أعرف 1 منها وما لا أعرف، مولاي عظمت
ذنوبي وجلت، وهي صغيرة في جنب عفوك.
فاعف عنى فقد قيدتني، واشتهرت عيوبي، وغرقتني خطاياي،
وأسلمتنى نفسي إليك، بعد ما لم أجد ملجاء، ولا منجا منك الا إليك، مولاي
استوجبت أن أكون لعقوبتك غرضا، ولنقمتك مستحقا.

1 - عرفت (خ ل).
141

الهى قد غير عقلي فيما وجلت من مباشرة عصيانك، وبقيت حيرانا
متعلقا بعمود عفوك 1، فأقلني يا مولاي وإلهي بالاعتراف، فها أنا ذا بين
يديك عبد ذليل خاضع صاغر داخر راغم، ان ترحمني فقديما شملني عفوك،
والبستني عافيتك، وان تعذبني فانى لذلك أهل وهو منك يا رب 2 عدل.
اللهم إني أسألك بالمخزون من أسمائك، وما وارت الحجب من بهائك
أن تصلى على محمد وآله وترحم هذه النفس الجزوعة، وهذا البدن الهلوع 3،
والجلد الرقيق، والعظم الدقيق، مولاي عفوك عفوك - مائة مرة.
اللهم قد غرقتني الذنوب وغمرتني النعم، وقل شكري وضعف عملي،
وليس لي ما أرجوه الا رحمتك، فاعف عنى فانى امرؤ حقير وخطري يسير.
اللهم إني أسألك أن تصلى على محمد وآله، وان تعف عنى، فان
عفوك أرجى لي من عملي، وان ترحمني فان رحمتك أوسع من ذنوبي،
وأنت الذي لا تخيب السائل، ولا ينقصك النائل، يا خير مسؤول وأكرم
مأمول.
هذا مقام المستجير بك من النار - مائة مرة، هذا مقام العائذ بك من النار
- مائة مرة.
هذا مقام الذليل، هذا مقام البائس الفقير، هذا مقام المستجير، هذا
مقام من لا أمل له سواك، هذا مقام من لا يفرج كربه سواك، الحمد لله
الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي، لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا
بالحق.
اللهم لك الحمد على ما رزقتني، ولك الحمد على ما منحتني 4، ولك

1 - في البحار: غفرانك.
2 - وهو يا رب منك (خ ل).
3 - الهلوع: من نفزع.
4 - منحه: أعطاه.
142

الحمد على ما ألهمتني، ولك الحمد على ما وفقتني، ولك الحمد على
ما شفقتنى، ولك الحمد على ما عافيتني، ولك الحمد على ما هديتني.
ولك الحمد على السراء والضراء، ولك الحمد على ذلك كله، ولك
الحمد على كل نعمة أنعمت على ظاهرة وباطنة، حمدا كثيرا دائما سرمدا
أبدا لا ينقطع ولا يفنى أبدا، حمدا ترضى بحمدك عنا، حمدا يصعد أوله
ولا يفنى آخره يزيد ولا يبيد.
اللهم إني أستغفرك من كل ذنب قوى عليه بدني بعافيتك، أو نالته
قدرتي بفضل نعمتك، أو بسطت إليه يدي بسابغ رزقك، أو اتكلت عند
خوفي منه على أناتك أو وثقت فيه بحولك، أو عولت فيه على كريم عفوك.
اللهم إني أستغفرك من كل ذنب خنت فيه أمانتي، أو نخست بفعله
نفسي، أو احتطبت به على بدني، أو قدمت فيه لذتي، أو آثرت فيه
شهواتي، أو سعيت فيه لغيري، أو استغويت فيه من تبعني، أو غلبت عليه
بفضل حيلتي، أو احتلت عليك فيه مولاي فلم تغلبني على فعلى، إذ كنت
كارها لمعصيتي، لكن سبق علمك في فعلى، فحملت عنى، لم تدخلني
يا رب فيه جبرا، ولم تحملني عليه قهرا، ولم تظلمني فيه شيئا.
أستغفر الله استغفار من غمرته مساغب الإساءة، فأيقن من إلهه
بالمجازاة، أستغفر الله استغفار من تهور تهورا في الغياهب، وتداحض 1
للشقوة في أوداء المذاهب، أستغفر الله استغفار من أورطه الافراط في مآثمه
وأوثقه الارتباك 2 في لجج جرائمه، أستغفر الله استغفار من أناف 3 على
المهالك بما اجترم.
أستغفر الله استغفار من أو حدته المنية في حفرته، فأوحش بما اقترف

1 - دحض رجله: زلقت.
2 - ربكه: خلطه.
3 - أناف على الشئ: أشرف.
143

من ذنب استكفف، فاسترحم هنالك ربه واستعطف، أستغفر الله استغفار
من لم يتزود لبعد زادا، ولم يعد لمظاعن ترحاله 1 اعدادا، أستغفر الله
استغفار من شسعت 2 شقته وقلت عدته فغشيته هنالك كربته، أستغفر الله
استغفار من خالط كسبه التدالس، وقرن بأعماله التباخس.
أستغفر الله استغفار من لا يعلم على أي منزلته هاجم، أفي النار يصلى 3 أم
في الجنة ناعم يحيى، أستغفر الله استغفار من غرق في لجج المآثم، وتقلب
في أضاليل مقت المحارم.
أستغفر الله استغفار من عند عن لوائح حق المنهج، وسلك سوادف
سبل المرتتج 4، أستغفر الله استغفار من لم يهمل شكري ولم يضرب عنه
صفحا، أستغفر الله استغفار من لم ينجه المفر من معاناة ضنك المنقلب،
ولم يجره المهرب من أهاويل عبء 5 المكسب.
أستغفر الله استغفار من تمرد في طغيانه عدوا، وبارزه بالخطيئة عتوا،
أستغفر الله استغفار من أحصى عليه كرور لوافظ ألسنته، وزنة مخانق 6
الجنة، أستغفر الله استغفار من لا يرجو سواه، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو
الحي القيوم مما أحصاه العقول، والقلب الجهول، واقترفته الجوارح الخاطئه،
واكتسبته اليد الباغية.
أستغفر الله الذي لا إله إلا هو بمقدار ومقياس ومكيال، ومبلغ ما أحصى
وعدد ما خلق وما فلق، وذرء وبرء، وإنشاء وصور ودون، وأستغفر الله أضعاف
ذلك كله وأضعافا مضاعفة وأمثالا ممثلة، حتى أبلغ رضى الله وأفوز بعفوه.

1 - رحل رحلا وترحالا عن المكان: تركه.
2 - شسعت: بعدت.
3 - صلى بالنار: قاسى حرها أو احترق بها.
4 - سبل المرتتج: الطرق الضيقة.
5 - العبى: الحمل والثقل من أي شئ كان.
6 - المخنقة جمع مخالق: ما يخنق به، القلادة.
144

والحمد لله الذي هداني لدينه الذي لا يقبل عمل الا به، ولا يغفر ذنبا
الا لأهله، والحمد لله الذي جعلني مسلما له ولرسوله صلى الله عليه وآله
فيما أمر به ونهى عنه.
والحمد لله الذي لم يجعلني أعبد شيئا غيره، ولم يكرم بهواني أحدا من
خلقه، والحمد لله على ما صرف عنى من أنواع البلاء في نفسي وأهلي
ومالي وولدي وأهل حزانتي، والحمد لله رب العالمين على كل حال.
ولا اله الله الملك الرحمان، ولا إله إلا الله المفضل المنان، ولا إله إلا الله
الأول والاخر، ولا إله إلا الله ذو الطول واليه المصير، ولا إله إلا الله
الظاهر الباطن، والله أكبر مداد كلماته، والله أكبر ملء عرشه، والله أكبر
عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله الحليم الكريم، وسبحان الله الغفور
الرحيم، وسبحان الله الذي لا ينبغي التسبيح الا له.
اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ونبيك، وصفيك وحبيبك،
وخيرتك من خلقك، والمبلغ رسالاتك، فإنه قد أدى الأمانة، ومنح
النصيحة، وحمل على المحجة، وكابد 1 العسرة.
اللهم أعطه بكل منقبة من مناقبه، ومنزلة من منازله، وحال من أحواله،
خصائص من عطائك، وفضائل من حبائك 2، تسربها نفسه، وتكرم بها
وجهه، وترفع بها مقامه، وتعلى بها شرفه على القوام بقسطك، والذابين عن
حريمك 3.

1 - كابده: قاسى.
2 - الحبوة: العطية.
3 - حرمك (خ ل).
145

اللهم وأورد عليه وعلى ذريته، وأزواجه وأهل بيته، وأصحابه وأمته ما تقر
به عينه، واجعلنا منهم وممن تسقيه بكأسه، وتورده حوضه، وتحشرنا في زمرته
وتحت لوائه، وتدخلنا في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد، صلى الله
عليهم أجمعين.
اللهم اجعلني معهم في كل شدة ورخاء، وفى كل عافية وبلاء، وفى
كل أمن وخوف، وفى كل مثوى ومنقلب، اللهم أحيني محياهم، وأمتني
مماتهم، واجعلني معهم في المواطن كلها، ولا تفرق بيني وبينهم أبدا، انك
على كل شئ قدير.
اللهم أفننى خير الفناء إذا أفنيتني على موالاتك وموالاة أوليائك،
ومعاداة أعدائك، والرغبة والرهبة إليك والوفاء بعهدك، والتصديق بكتابك،
والاتباع لسنة نبيك صلى الله عليه وآله وتدخلني معهم في كل خير
وتنجينى بهم من كل سوء.
اللهم صل على محمد وآله، واغفر ذنبي ووسع خلقي وطيب كسبي
وقنعني بما رزقتني، ولا تذهب نفسي إلى شئ صرفته عنى، اللهم إني
أعوذ بك من النسيان والكسل والتواني في طاعتك، ومن عقابك الأدنى
وعذابك الأكبر.
وأعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة، ومن حياة تمنع خير الممات، ومن
أمل يمنع خير العمل، وأعوذ بك من نفس لا تشبع، ومن قلب لا يخشع، ومن
دعاء لا يرفع، ومن صلاة لا تقبل.
اللهم افتح مسامع قلبي لذكرك، حتى أتبع كتابك واصدق رسولك،
وآمن بوعدك، وأوفى بعهدك، لا إله إلا أنت، اللهم صل على محمد وآله،
وأسألك الصبر على طاعتك، والصبر لحكمك.
وأسألك اللهم حقائق الايمان، والصدق في المواطن كلها، والعفو
والمعافاة، واليقين والكرامة في الدنيا والآخرة، والشكر والنظر إلى وجهك
146

الكريم، فان بنعمتك تتم الصالحات.
اللهم أنت تنزل الغنا والبركة من الرفيع الأعلى على العباد قاهرا مقتدرا،
أحصيت أعمالهم، وقسمت أرزاقهم، وسميت آجالهم وكتبت آثارهم،
وجعلتهم مختلفة ألسنتهم وألوانهم، خلقا من بعد خلق، لا يعلم العباد علمك،
وكلنا فقراء إليك.
فلا تصرف اللهم عنى وجهك، ولا تمنعني فضلك، ولا تحرمني طولك
وعفوك، واجعلني أوالي أولياءك وأعادي أعداءك، وارزقني الرغبة والرهبة
والخشوع والوفاء والتسليم، والتصديق بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد صلى
الله عليه وآله.
اللهم صل على محمد وآله واكفني ما أهمنى وغمنى، ولا تكلني إلى
نفسي، وأعذني من شر ما خلقت وذرأت وبرأت، وألبسني درعك الحصينة
من شر جميع خلقك، واقض عنى دين ووفقني لما يرضيك عنى.
واحرسنى وذريتي وأهلي وقراباتي وجميع اخواني فيك وأهل حزانتي 1
من الشيطان الرجيم، ومن شر فسقة العرب والعجم، وشياطين الإنس والجن، وانصرني على من ظلمني، وتوفني مسلما وألحقني بالصالحين.
اللهم إني أسألك بعظيم ما سألك به أحد من خلقك، من كريم
أسمائك، وجميل ثنائك، وخاصة دعائك، أن تصلى على محمد وآل
محمد، وأن تجعل عشيتي هذه أعظم عشية مرت على منذ أخرجني إلى
الدنيا بركة، في عصمة من ديني، وخلاص نفسي وقضاء حاجتي، وتشفيعي
في مسألتي، واتمام النعمة على وصرف السوء عنى، تو لباس العافية، وأن
تجعلني ممن نظرت إليه في هذه العشية برحمتك انك جواد كريم.
اللهم ان كنت لم تكتبني في حجاج بيتك الحرام أو أحرمتني الحضور

1 - حزانة الرجل: عياله الذين يتحزن ويهتم لأمرهم.
147

معهم في هذه العشية، فلا تحرمني شركتهم في دعائهم، وانظر إلى بنظرتك
الرحيمة لهم، وأعطني من خير ما تعطي أولياءك وأهل طاعتك.
اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا تجعل هذه العشية آخر العهد
منى، حتى تبلغنيها من قابل مع حجاج بيتك الحرام وزوار قبر نبيك عليه
السلام، في أعفى عافيتك، وأعم نعمتك، وأوسع رحمتك، وأجزل قسمك،
وأسبغ رزقك، وأفضل رجائك، وأتم رأفتك، انك سميع الدعاء.
اللهم صل على محمد وآله واسمع دعائي وارحم تضرعي، وتذللي
واستكانتي وتوكلي عليك، فأنا مسلم لأمرك لا أرجو نجاحا ولا معافاة
ولا تشريفا الا بك ومنك، فامنن على بتبليغي هذه العشية من قابل، وأنا
معافى من كل مكروه ومحذور، ومن جميع البوائق 1 ومحذورات الطوارق 2.
اللهم أعنى على طاعتك وطاعة أوليائك الذين اصطفيتهم من خلقك
لخلقك، والقيام فيهم بدينك، اللهم صل على محمد وآله وسلم لي ديني،
وزد في أجلى، وأصح لي جسمي، وأقر بشكر نعمتك عيني، وآمن روعتي
وأعطني سؤلي، انك على كل شئ قدير.
اللهم صل على محمد وآله وتمم آلاءك على فيما بقي من عمري،
وتوفني إذا توفيتني وأنت عنى راض، اللهم صل على محمد وآله وثبتني
على ملة 3 الاسلام فانى بحبلك اعتصمت فلا تكلني في جميع الأمور الا
إليك.
اللهم صل على محمد وآله واملأ قلبي رهبة منك ورغبة إليك وخشية
منك وغنى بك، وعلمني ما ينفعني واستعملني بما علمتني.
اللهم إني أسألك مسألة المضطر إليك، المشفق من عذابك، الخائف

1 - البائقة: الداهية.
2 - الطارقة طوارق: الداهية.
3 - في البحار: دين.
148

من عقوبتك، أن تغنيني بعفوك وتجيرني بعزتك، وتحنن على برحمتك،
وتؤدى عنى فرائضك وتستجيب لي فيما سألتك، وتغنيني عن شرار خلقك
وتدنينى منن كادنى، وتقيني من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وتغفر
لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات، يا ذا الجلال والاكرام، انك على كل
شئ قدير 1.
دعاء آخر في يوم عرفة مروى عن الصادق عليه السلام:
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت رب العالمين، وأنت الله لا إله إلا أنت
العزيز الحكيم، وأنت الله الا أنت العلي العظيم، وأنت الله لا إله إلا أنت
الغفور الرحيم، وأنت الله لا إله إلا أنت الرحمان الرحيم.
وأنت الله لا إله إلا أنت مالك يوم الدين، بدى كل شئ واليك يعود،
لم تزل ولا تزال الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار
المتكبر، الكبرياء رداؤك، سابغ النعماء، جزيل العطاء، باسط اليدين
بالرحمة، نفاخ 2 الخيرات، كاشف الكربات، منزل الآيات، مبدل
السيئات، جاعل الحسنات درجات.
دنوت في علوك وعلوت في دنوك، دنوت فلا شئ دونك، وارتفعت
فلا شئ فوقك، ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الأعلى، فالق الحب والنوى،
لك ما في السماوات العلى، ولك الكبرياء في الآخرة والأولى، غافر
الذنب، وقابل التوب شديد العقاب 3.
لا إله إلا أنت إليك المأوى، واليك المصير، وسعت رحمتك كل
شئ، وبلغت حجتك، ولا معقب لحكمك، ولا يخيب سائلك، أحطت كل
شئ بعلمك، وأحصيت كل شئ عددا، وجعلت لكل شئ أمدا، وقدرت

1 - عنه البحار 98: 255 - 262.
2 - نفح بالشئ: أعطاه.
3 - ذي الطول (خ ل).
149

كل شئ تقديرا.
بلوت فقهرت، ونظرت فخبرت، وبطنت وعلمت فسترت، وعلى كل
شئ ظهرت تعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، ولا تنسى من ذكرك
ولا تحب من سألك، ولا تضيع من توكل عليك.
أنت الذي لا يشغلك ما في جو سماواتك عما في جو أرضك 1، تعززت
في ملكك وتقويت في سلطانك، وغلب على كل شئ قضاؤك، وملك كل
شئ أمرك، وقهرت قدرتك كل شئ، لا يستطاع وصفك، ولا يحاط
بعلمك، ولا منتهى لما عندك، ولا تصف العقول صفة ذاتك.
عجزت الأوهام عن كيفيتك، ولا تدرك الأبصار موضع أينيك، ولاتحد
فتكون محدودا، ولا تمثل فتكون موجودا، ولا تلد فتكون مولودا، أنت الذي
لا ضد معك فيعاندك، ولا عديل لك فيكاثرك، ولا ند لك فيعارضك، أنت
ابتدأت واخترعت واستحدثت فما أحسن ما صنعت.
سبحانك ما أجل ثناؤك وأسنى في الأماكن مكانك 2، وأصدع بالحق
فرقانك، سبحانك من لطيف ما ألطف، وحكيم ما أعرفك، ومليك
ما أسمحك 3، بسطت بالخيرات يدك، وعرفت الهداية من عندك، خضع 4
لك كل شئ، وانقاد للتسليم لك كل شئ، سبيلك جدد 5، وأمرك رشد.
وأنت حي صمد، وأنت الماجد الجواد، الواحد الأحد، العليم الكريم
القديم، القريب المجيب، تباركت وتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا،
تقدست أسماؤك وجل ثناؤك، فصل على محمد عبدك ورسولك الذي

1 - في أرضك (خ ل).
2 - أسنى الأماكن مكانك (خ ل).
3 - سمح: جاد.
4 - وخضع (خ ل).
5 - الجدد: المستوى من الأرض.
150

صدع بأمرك، وبالغ في اظهار دينك، وأكد ميثاقك، ونصح لعبادك، وبذل
جهده في مرضاتك، اللهم شرف بنيانه وعظم برهانه.
اللهم وصل على ولاة الأمر بعد نبيك تراجمه وحيك، وخزان علمك،
وأمنائك في بلادك الذين أمرت بمودتهم، وفرضت طاعتهم على بريتك،
اللهم وصل على السياح والعباد، وأهل الجد والاجتهاد، واجعلني في
هذه العشية ممن نظرت إليه فرحمته، وسمعت دهاءه فأجبته، وآمن بك
فهديته، وسألك فأعطيته، ورغب إليك فأرضيته، وهب لي في يومى هذا
صلاحا لقلبي وديني ودنياي ومغفرة لذنوبي يا أرحم الراحمين.
أسألك الرحمة يا سيدي ومولاي وثقتي، يا رجائي يا معتمدي 1، وملجائي
وذخري، وظهري وعدتي، وأملى وغايتي، وأسألك بنور وجهك الذي أشرقت
له السماوات والأرض أن تغفر لي ذنوبي وعيوبي، وإساءتي وظلمي وجرمي
واسرافي على نفسي، فهذا مقام العائذ بك من النار، هذا مقام الهارب إليك
من النار.
اللهم وهذا يوم عرفة، كرمته وشرفته وعظمته، نشرت فيه رحمتك ومننت
فيه بعفوك، وأجزلت فيه عطيتك، وتفضلت فيه على عبادك.
اللهم وهذه العشية من عشايا رحمتك واحدى أيام زلفتك، وليلة عيد من
أعيادك، فيها يفضى إليك 2 لهم من الحوائج من قصدك مؤملا راجيا فضلك،
طالبا معروفك الذي تمن به على من تشاء من خلقك.
وأنت فيها بكل لسان تدعى، ولكل خير تبتغى وترجى، ولك فيها جوائز
ومواهب وعطايا، تمن بها على من تشاء من عبادك، وتشمل بها أهل العناية
منك، وقد قصدناك مؤملين راجين، وأتيناك طالبين، نرجو مالا خلف له من

1 - ويا معتمدي (خ ل).
2 - افضى إليه بسره: اعلمه به.
151

وعدك، ولا مترك له من عظيم أجرك، قد أبرزت ذوو الآمال إليك وجوهها
المصونة، ومدوا إليك أكفهم طلبا لما عندك ليدركوا بذلك رضوانك.
يا غفار يا مستراش 1 من نيله، ومستعاش من فضله، يا ملك في عظمته،
يا جبار في قوته، يا لطيف في قدرته، يا متكفل يا رازق النعاب 2 في عشه 3،
يا أكرم مسؤول، ويا خير مأمول، ويا أجود من نزلت بفنائه الركائب 4، وطلب
عنده نيل الرغائب 5، وأناخت 6 به الوفود.
يا ذا الجود، يا أعظم من كل مقصود، أنا عبدك الذي أمرتني فلم أئتمر،
ونهيتني عن معصيتك. وزجرتني فلم أنزجر، فخالفت أمرك ونهيك، لا معاندة
لك ولا استكبارا عليك، بل دعاني هواي واستزلني عدوك وعدوى، فأقدمت
على ما فعلت عارفا بوعيدك، راجيا لعفوك، واثقا بتجاوزك وصفحك.
فيا أكرم من أقر له بالذنوب، هاأنا ذا بين يديك صاغرا ذليلا خاضعا
خاشعا خائفا، معترفا عظيم ذنوبي وخطاياي، فما أعظم ذنوبي التي تحملتها
وأوزاري التي اجترمتها، مستجيرا فيها بصفحك، لائذا برحمتك، موقنا أنه
لا يجيرني منك مجير ولا يمنعني منك مانع.
فعد على بما تعود به على من اقترب من تغمدك، وجد على بما تجود به
على من ألقى بيده إليك من عبادك، وامنن على بما لا يتعاظمك أن تمن به
على من أملك لغفرانك له.
يا كريم، ارحم صوت حزين نخفى ما سترت عن خلقك من مساويه،
يسألك في هذه العشية رحمة تنجيه من كرب موقف المسألة ومكروه يوم

1 - راشه ريشه إذا أحسوا إليه وكل من أوليته خيرا فقد رشته.
2 - النعاب: فرخ الغراب لكثيرة نعبه، والنعب: الصوت.
3 - يا رزاق النعاب في عشته (خ ل).
4 - الركوبة جمع ركائب: ما يركب من الإبل أو المركوبة عموما.
5 - الرغيبة جمع رغائب: الأمر المرغوب فيه.
6 - أناخ الجمل: بركه.
152

هول المعاينة حين تفرده عمله، ويشغله عن أهله وولده.
فارحم عبدك الضعيف عملا الجسيم أملا، خرجت من يدي أسباب
الوصلات الا ما وصله رحمتك 1، وتقطعت عنى عصم الآمال الا ما أنا معتصم
به من عفوك، قل عندي ما أعتد به من طاعتك، وكبر عندي 2 ما أبوه به 3 من
معصيتك، ولن يضيق عفوك عن عبدك وان أساء، فاعف عنى فقد أشرف
على خفايا الأعمال علمك، وانكشف كل مستور عند خبرك، ولا ينطوى
عليك دقائق الأمور، ولا يغرب عنك غيبات 4 السرائر.
وقد استحوذ 5 على عدوك الذي استنظرك لغوايتي، فأنظرته، واستمهلك
إلى يوم الدين لاضلالي فأمهلته، وأوقعني بصغائر ذنوب موبقة، وكبائر أعمال
مردية، حتى إذا قارفت معصيتك، واستوجبت بسوء فعلى سخطك 6، تولى
عنى بالبراءة منى وادبر موليا عنى، فأصحرني لغضبك فريدا، وأخرجني إلى
فناء نقمتك طريدا.
لا شفيع يشفع لي إليك، ولا خفير يقيني 7 منك، ولا حصن يحجبني
عنك، ولا ملاذ ألجأ إليه منك، فهذا مقام العائذ بك من النار، ومحل
المعترف لك، ولا يضيقن عنى فضلك، ولا يقصرن دوني عفوك، ولا أكن
أخيب وفدك من عبادك التائبين، ولا أقنط وفودك الآملين.
اللهم اغفر لي انك أرحم الراحمين، فطال ما أغفلت من وظائف
فروضك وتعديت عن مقامات حدودك، فهذا مقام من استحيا لنفسه منك،

1 - الاوصلة رحمتك (خ ل).
2 - على (خ ل).
3 - أبوء به: أقر.
4 - خيبات (خ ل).
5 - استحوذ: غلب.
6 - لسوء سعيي سخطتك (خ ل).
7 - يؤمننى (خ ل).
153

وسخط عليها ورضى عنك، وتلقاك بنفس خاشعة، ورقبة خاضعة، وظهر
مثقل من الذنوب، واقفا بين الرغبة إليك والرهبة منك، فأنت أولى من وثق
به من رجاه، وآمن من خشية واتقاه.
اللهم فصل على محمد وآله، وأعطني مرجوت وآمنى مما حذرت، وعد
على بعائدة من رحمتك، اللهم وإذ سترتني بفضلك، وتغمدتني بعفوك، في
دار الحياة والفناء بحضرة الأكفاء، فأجرنى من فضيحات دار البقاء عند
مواقف الأشهاد، من الملائكة المقربين، والرسل المكرمين، والشهداء
والصالحين.
فحق رجائي فأنت أصدق القائلين: (يا عبادي الذين أسرفوا على
أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) 1.
اللهم إني سائلك القاصد، ومسكينك المستجير الوافد، وضعيفك الفقير،
ناصيتي بيدك وأجلى بعلمك، أسألك أن توفقني لما يرضيك عنى، وأن
تبارك لي في يومى هذا الذي فزعت فيه إليك الأصوات، وتقربوا إليك
عبادك بالقربات.
أسألك بعظيم ما سألك به أحد من خلقك من كريم أسمائك، وجميل
ثنائك، وخاصة دعائك بآلائك، أن تصلى على محمد وآله، وأن تجعل يومى
هذا أعظم يوم مر على منذ أنزلتني إلى الدنيا بركة في عصمة ديني، وخاصة
نفسي، وقضاء حاجتي، وتشفيعي في مسائلي، واتمام النعمة على، وصرف
السوء عنى يا أرحم الراحمين، افتح على أبواب رحمتك، ورضني بعادل
قسمك، واستعملني بخالص طاعتك.
يا أملى ويا رجائي، حاجتي التي ان أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، وان
منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، فكاك رقبتي من النار.

1 - الزمر: 53.
154

الهى لا تقطع رحائي، ولا تخيب دعائي، يا منان من على بالجنة، يا عفو
أعف عنى، يا تواب تب على، وتجاوز عنى، واصفح عن ذنوبي، يا من رضى
لنفسه العفو، يا من أمر بالعفو، يا من يجزى على العفو، يا من استحسن العفو،
أسألك اليوم العفو العفو - يقولها عشرين مرة -.
أنت أنت انقطع الرجاء الا منك، وخابت الآمال الا فيك، فلا تقطع
رجائي يا مولاي، ان لك في هذه الليلة أضيافا فاجعلني من أضيافك، فقد
نزلت بفنائك راجيا معروفك، يا ذا المعروف الدائم الذي لا ينقضى أبدا، يا ذا
النعماء التي لا تحصى عددا.
اللهم ان لك حقوقا فتصدق 5 بها على، وللناس قبلي تبعات فتحملها
عنى، وقد أوجبت يا رب لكل ضيف قرى، وأنا ضيفك، فاجعل قراي الليلة
الجنة.
يا وهاب الجنة، يا وهاب المغفرة، اقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي،
مرحوما صوتي، مغفورا ذنبي، بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من وفدك
وزوارك، وبارك لي فيما أرجع إليه من مال - إلى هاهنا ما وجد في الأصل 1.
دعاء آخر في يوم عرفة وجدناه في كتب الدعوات:
الحمد لله الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله، لنكون لاحسانه من
الشاكرين وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين، الحمد لله الذي اجتبانا 2
بدينه، وخصنا 3 بملته وسبيله، وأرشدنا إلى سنن احسانه لنسلكها بمنه
ورضوانه، حمدا يقبله 4 منا ويرضى به عنا.
الحمد لله الذي جعل من تلك السبل يوم عرفة، يوم عظيم قدره، جليل

1 - عنه البحار 98: 262 - 266.
2 - حبانا (خ ل).
3 - اختصنا (خ ل).
4 - يتقبله (خ ل).
155

أمره ميمون ذكره، الحمد لله عرفنا فضله، وجعلنا من التابعين لرسوله،
الطائعين فيه لامره.
اللهم فقنا فيه من المخاوف والشدائد، وكن برحمتك واحسانك علينا
عائدا، واغفر لنا زيارة هذه المشاهد، واجعل حظنا من زيارتها أعظم حظ
وارد، واعف عنا وأنت الصمد الواحد، ولا تشمت بنا عدوا ولا حاسدا،
واجعلني لآلائك شاكرا وحامدا.
يامن بدأني بنعمته، وأفضل على سنى قسمه 1، يامن يعلم سريرتي
ويستر علانيتي، أعطني ثواب المطيعين، وعلو منازل المخبتين، واكتبني
في عبادك الصالحين، الذين قبلت عملهم، وختمته بالمغفرة في هذه العشية
التي ظاهر قدره، جليل أمره، مشهور بين العلماء ذكره، محفوظ في قلوب
العارفين، من عرف فضلها من بين الليالي والأيام فاز، ولكل فضل حاز،
ومن دعاك فاز بجزيل الثواب وحسن الإياب.
اللهم بارك لنا في هذا وخاتمته، واختم لنا بخير عند مساءلته، واجعله
لنا شاهدا بعمل طاعتك، واجعلنا من أهل عنايتك، اللهم إني أستغفرك من
مظالم كثيرة، وبوائق 2 جزيلة، وعظائم ذنوب جمة قد أثقلت ظهري، ومنعني
من الرقاد 3 ذكرها.
اللهم إني أتنصل 4 إليك من تلك الذنوب والخطايا وأتوب، فلا تجعل
دعائي يا رب عنك محجوبا، فأنت أكرم مأمول، وأعز مطلوب، الهى أمد
إليك كفا طال ما عصت، وأبكى بعين طال ما على المعاصي عكفت.
وأدعوك بلسان عليه الملائكة الكرام الحفظة كتبت، وأرجوك بنفس

1 - فسمته (خ ل).
2 - البائقة: الشر.
3 - القاد: النوم.
4 - تنصل إليه من الجناية: خرج وتبرء.
156

عفوك وصفحك أملت، وعلى برك واحسانك يا كريم عولت، ولباب فضلك
ومعروفك طرقت، ولرحمتك 1 تعرضت.
الهى ذلت لعظمتك الأرباب، وتاهت 2 عند تأمل عزيز سلطانك أولوا
الألباب، وقصدك السائلون لعلمهم بأنك جواد وهاب، فقصدتك يا الهى
لمعرفتي بأنك تجيب الداعين، وتسمع سؤال السائلين، وتقبل ببرك
ومعروفك على التائبين، فقبضت إليك كفا هي من عقابك خائفة، وبما
جنت من الخطايا عارفة.
وشخصت إليك بعين هي من هيبتك ذارفة 3، ودعوتك بلسان نغماته
لشكرك واصفة، وأذللت بين يديك نفسا لم تزل على المعاصي عاكفة 4،
فيامن يعلم سريرتي، ارحم ضعفي ومسكنتي، وتغمدني بعفوك وسترك في
دنياي وآخرتي، ولا تكلني إلى سواك فأنت رجائي وأملى.
يا عدتي عند السدائد، يا من لا يضجره سائل سأل، ولا يثقل عليه عليه ملح
بالدعاء مبتهل، بابك للطارقين مفتوح، وبرك للمنيبين ممنوح 5، فأنت مشكور
ممدوح، اللهم وهذه ليلة من عرف ظاهرها فاز، ومن عرف باطنها فكل 6
فضيلة حاز.
اللهم وفقنا فيها للأعمال الصالحة، والتجارة الرابحة، والسلوك للمحجة
الواضحة، واجعلها لنا شاهدة، وقنا فيها من الشدائد، واجعل الخير علينا فيها
واردا، ولا تشمت بنا عدوا ولا حاسدا، فأنت الأحد الواحد.
الهى هاأنا ذا عبدك بين يديك، باسط إليك كفا هي حذرة مما جنت،

1 - لمعروفك (خ ل).
2 - تاهت: ضلت.
3 - ذرف العين دمعها: اسالته.
4 - عكف على الامر: لزمه مواظبا.
5 - منحه، أعطاه.
6 - فبكل (خ ل).
157

وجلة مما اقترفت 1، اللهم فاستر سوء عملي يوم كشف السرائر، وارحمني
مما فيه أحاذر، وكن بي رؤوفا ولذنبي غافرا، فأنت السيد القاهر، فان
عفوت فمن أولى منك بالعفو، وان عذبت فمن أعدل منك في الحكم.
اللهم وهذه ليلة باطنها سرور أوليائك الذين حبوتهم بعلو المنازل
والدرجات، وضاعفت لهم الحسنات، وغفرت لهم السيئات، وختمت لهم
بالخيرات.
وقد أمسيت يا رب في هذه العشية راجيا لفضلك، مؤملا برك، منتظرا
مواد احسانك ولطفك، متوكلا عليك، متوسلا بك، طالبا لما عندك من
الخير المذخور لديك، معتصما بك من شر ما أخاف وأحذر، ومن شر ما علن
وأسر.
فبك أمتنع وأنتصر، واليك ألجأ وبك استتر، وبطاعة نبيك والأئمة
عليهم السلام أفتخر، والى زيارة وليك وأخي نبيك أبتدر، اللهم فبه وبأخيه
وذريته أتوسل، وأسأل وأطلب في هذه العشية فكاك رقبتي من النار، والمقر
معهم في دار القرار، فان لك في هذه العشية رقابا تعتقها من النار.
اللهم وهذه ليلة عيد ولك فيها أضياف، فاجعلني من أضيافك، وهب
لي ما بيني وبينك، واجعلي قراي منك الجنة، يا الله يا الله يا الله، يا خير
منزول به، يا خير من نزلت بفنائه الركائب، وأناخت 2 به الوفود، يا ذا السلطان
الممتنع بغير أعوان ولا جنود.
أنت الله 3 لا إله إلا أنت أقر لك كل معبود، أحمدك واثنى عليك بما
حمدك كل محمود، يا الله أسألك يامن برحمته يستغيث المذنبون، ويامن

1 - اقترف: اكتسب.
2 - أناخ الجمل: أبركه.
3 - وأنت الله (خ ل).
158

إلى ذكر احسانه يفزع المضطرون، ويامن لخيفته ينتحب 1 الخاطئون،
ويا انس كل مستوحش غريب، ويا فرج كل مكروب كئيب، ويا عون 2 كل
ضعيف فريد، ويا عضد كل محتاج طريد.
أنت الله الذي وسعت كل شئ رحمة وعلما، وأنت الله الذي جعلت
لكل مخلوق في نعمك سهما، وأنت الله الذي تسعى رحمته أمام غضبه.
وأنا يا الهي عبدك الذي أمرته بالدعاء، وتكفلت له الإجابة، فها أنا ذا
يا الهى بين يديك، أنا الذي أثقلت الخطايا ظهره، أنا الذي بجهله عصاك،
وجاهر ك بذنبه وما استحياك، ولم يكن هذا جزاؤك منى، فعفوك، فها أنا ذا
عبدك المقر بذنبه، الخاضع لك بذله، المستكين لك بجرمه.
الهى فما أنت صانع بمقر لك بجنايته، متوكل عليك في رعايته، الهى
لا تخيب من لا يجد 3 مطمعا غيرك، ولا أحدا دونك، يا أكرم من أقر له
بالذنوب، ويا أعظم من خضع وخشع له، أسألك العفو، يامن رضى بالعفو،
يامن استحسن العفو! يامن يجزى على العفو! العفو العفو، يا أهل العفو! العفو
العفو.
لا تعرض بوجهك الكريم عنى، ولا تجبهني 4 بالرد في مسألتي، وأكرم
في مجلسي منقلبي، فانى أسألك وأناديك، فنعم المجيب ونعم المدعو ونعم
المرجو.
يا من لا يبرمه 5 سائل سأل، ولا ملح عليه بالدعاء مبتهل، يا أهل الوفاء
والعطاء، يا كريم العفو، يا حسن التجاوز، يا من لا يوارى منه ليل داج، ولا بحر

1 - انتحب: بكى شديدا.
2 - غوث (خ ل).
3 - لم يجد (خ ل).
4 - جبهه بالمكروه: استقبله.
5 - برم: سئم وضجر.
159

عجاج ولا سماء ذات أبراج، أسألك بحق حجاج بيتك، والركن
والمقام، والمشاعر العظام، والليالي والأيام، والضياء والظلام، والملائكة
الكرام، وأنبيائك ورسلك عليهم السلام.
وأسألك بأمرك من خلقك، وباسمك العلى الأعظم 1، وبكل ما سألك
به داع شاكر ومسبح ذاكر، أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تغفر لي
خطيئتي، وترضى عنى وتصفح، وتتجاوز عن ذنبي وتسمح، وأن تجعل مآبي
خير مآب، وأن تكفيني شر كل عدو ظاهر، ومستخف وبارز، وكيد كل
مكيد.
يا حليم يا ودود، اكفني شر أعدائي وحاسدي، وتولني بولايتك واكفني
بكفايتك، واهد قلبي بهداك، وحط عنى وزرى، وشد أزرى، وارزقني
التوبة بحط السيئات وتضاعف الحسنات، وكشف البليات، وربح
التجارات، ودفع معرة 2 السعايات.
انك مجيب الدعوات، ومنزل البركات، كن لدعائي مجيبا، ومن ندائي
قريبا، ولى حافظا ورقيبا، وأجرني مما أحاذر وأخشى من (شر) 3 كل ذي
شر من خلقك أجمعين، انك أرحم الراحمين 4.
دعاء آخر في يوم عرفة، ذكر رواية ان فيه اسم الله الأعظم:
اللهم إني أسألك باسمك الذي 5 نجيت به موسى حين قلت باهيا
شراهيا في الدهر الباقي والدهر الخالي، وأسألك بعلمك الغيب، وقدرتك
على الخلق، فإنك على كل شئ قدير، وبأسمائك الحسنى المتعززات أن
تصلى على محمد وآل محمد، وأن تغفر لنا، وتفعل بنا ما أنت أهله، فإنك

1 - في البحار: العظيم.
2 - المعرة: المساءة والاثم.
3 - من البحار.
4 - عنه البحار 98: 266 - 270.
5 - في البحار: باسمك العظيم الذي.
160

أهل العفو.
يا ذا الجلال والاكرام، اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت
وما أعلنت، وما أبديت وما أخفيت، وما خفى على الخلائق ولم يخف عليك،
فإنك أهل التجاوز والاحسان، أسألك يا جواد يا كريم، أن تصلى تجود على
بفضلك آمين رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وآله الطاهرين
وسلم تسليما كثيرا.
اللهم لك الحمد حمدا دائما مع دوامك، وخالدا مع خلودك، ولك
الحمد حمدا لا أمد له دون مشيتك، ولك الحمد زنة عرشك ورضى نفسك،
ولك الحمد حمدا لا أجر لقائله دون رضاك.
ولا حول ولا قوة الا بالله قوة كل ضعيف، ولا حول ولا قوة الا بالله عز كل
ذليل، ولا حول ولا قوة الا بالله غنى كل فقير، ولا حول ولا قوة الا بالله، عون
كل مظلوم، ولا حول ولا قوة الا بالله مؤنس كل وحيد.
ولا حول ولا قوة الا بالله، فكاك كل أسير، ولا حول ولا قوة الا بالله ملجأ
كل مهموم 1، ولا حول ولا قوة الا بالله دافع كل سيئة، ولا حول ولا قوة الا
بالله كاشف كل كربة، ولا حول ولا قوة الا بالله صاحب كل سريرة،
ولا حول ولا قوة الا بالله موضع كل رزية.
ولا حول ولا قوة الا بالله الفعال لما يريد، ولا حول ولا قوة الا بالله رازق
العباد، ولا حول ولا قوة الا بالله عدد ما خلق، ولا حول ولا قوة الا بالله غاية
كل طالب، ولا حول ولا قوة الا بالله سرمدا أبدا لا ينقطع أبدا، ولا حول ولا قوة
الا بالله عدد الشفع والوتر.
اللهم إني أسألك بحرمة هذا الدعاء، وبحرمة هذا اليوم المبارك أن
تصلى على محمد وآل محمد، وأن تغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت

1 - في بعض النسخ (ملجا كل مهموم) قد على (مؤنس كل وحيد).
161

وما أعلنت، وما أبديت وما أخفيت، وما أنت أعلم به منى.
وأن تقدر لي خيرا من تقديري لنفسي، وتكلفني ما يهمني وتغنيني بكرم
وجهك عن جميع خلقك، وترزقني حسن التوفيق، وتصدق على بالرضا
والعفو عما مضى، والتوفيق لما تحب وترضى، وتيسر لي من أمرى ما أخاف
عسره، وتفرج عنى الهم والغم والكرب، وما ضاق به صدري وعيل به
صبري، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت على كل شئ قدير،
برحمتك يا أرحم الراحمين 1.
دعاء آخر في عشية عرفة، وجدناه في نسخة تاريخ كتابتها سنة سبعين ومائتين، فقال
ما هذا لفظه:
بسم الله وبالله والله أكبر، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن نزغه 2
وشره وكيده وخيله وحيله، اللهم إني أفتح القول في مقامي هذا بما يبلغه
مجهودي من تحميدك وتهليلك وتكبيرك، والصلاة على أنبيائك ورسلك،
والاستغفار لأوليائك، ولأقرت إليك بذلك، فبمحمد وآل محمد عليه
وعليهم السلام، متوجها جميعا إليك في حوائجي، صغيرها وكبيرها، عاجلها
وآجلها.
فكن اللهم الهادي في ذلك كله للصواب والمعين عليه بالتوفيق
والرشاد، صل على محمد وآل محمد، وامنن على بذلك يا أرحم الراحمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، أنت قبل كل شئ
وأوله، وبعد 3 كل شئ ومنتهاه، ورب كل شئ وخالقه، ومدبر كل شئ
ومحصيه، ومالك كل شئ ووارثه.

1 - عنه البحار 98: 270.
2 - نزغ الشيطان: وساوسه وما يحمل به الانسان على المعاصي.
3 - وآخره وبديع كل شئ (خ ل).
162

أنت الذي لم تستعن بشئ، ولم تشاور أحدا في شئ، ولم يعوزك 1
شئ، ولم يمتنع عليك شئ، أنت الذي أحصى كل شئ، وذل كل
شئ لعزتك، واعترف كل شئ لقدرتك، وحارت الأبصار دونك، وكلت
الألسن عن صفاتك، وضلت الأحلام فيك.
أنت الذي تعاليت بقدرتك، وعلوت بسلطانك، وقهرت بعزتك، فأدركت
الأبصار، وأحصيت الأعمار، وأخذت بالنواصي وحلت دون القلوب.
الله أكبر، الله أكبر أهل الكبرياء والعظمة، ومنتهى الجبروت والقوة،
وولى الغيث والقدرة، ملك الدنيا والآخرة، الله أكبر الله أكبر، عظيم
الملكوت، شديد الجبروت، عزيز القدرة، لطيف لما يشاء، الله أكبر، الله
أكبر.
مدبر الأمور، مبدي الخفيات، معلن السرائر، محيى الموتى والعظام وهي
رميم، الله أكبر الله أكبر، أول كل شئ وآخره، وبديع كل شئ ومعيده،
وخالق كل شئ ومولاه.
لا إله إلا أنت، يا رب خشعت لك الأصوات، وضلت فيك الأحلام
والأبصار، وأفضت إليك القلوب، لا إله إلا أنت كل شئ خاشع لك، وكل
شئ قائم بك وكل شئ مشفق منك، وكل شئ ضارع إليك، لا إله إلا أنت
لا يقضى في الأمور الا أنت، ولا يدبر مقاديرها غيرك، ولا يتم شئ
منها دونك، ولا يصير شئ منها الا إليك.
لا إله إلا أنت، الخلق، كله في قبضك، والنواصي كلها بيدك،
والملائكة مشفقون من خشيتك، وكل شئ أشرك بك عبد داخر 2 لك،
لا إله إلا أنت، علوت فقهرت وملكت فقدرت، ونظرت فخبرت، وعلى كل
شئ ظهرت، علمت خائنة الأعين وما تخفى الصدور.

1 - عاز الشئ فلانا: احتاج فلان إليه فلم يجده.
2 - دخر: ذل وصغر.
163

سبحانك ربنا تسبيحا دائما لا يقصر دون أفضل رضاك، ولا يجاوزه
شئ، سبحانك عدد ما قهره ملكك، وأحاطت به قدرتك، وأحصاه كتابك،
سبحانك ما أعظم شأنك، وأعز سلطانك، وأشد جبروتك، سبحانك لك
التسبيح والعظمة، ولك الملك والقدرة، ولك الحول والقوة، ولك الدنيا
والآخرة.
الحمد لله الذي من تكلم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه،
ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه مرده، الحمد لله الذي يجير ولا يجار
عليه، ويمتنع عليه، ويحكم بحكمه، ويقضى فلا راد لقضائه.
الحمد لله الذي أحاط بكل شئ علمه، ووسع كل شئ حفظه، وقهر
كل شئ جبروته، وأخاف كل شئ سلطانه.
الحمد لله الذي ملك فقدر، وبطن فخبر، الذي يحيى الموتى ويميت
الأحياء وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.
اللهم لك الحمد على ما تأخذ، ولك الحمد على ما تعطى، وعلى ما تبلى
وعلى ما تبتلى، ولك الحمد على ما بقي وعلى ما تبدى، وعلى ما تخفى،
وعلى مالا يرى وعلى ما يرى، وعلى ما قد كان، وعلى ما قد يكون، وعلى ما هو
كائن، ولك الحمد على حلمك بعد علمك، وعلى عفوك بعد منك
وقدرتك، وعلى آلائك بعد حجتك، وعلى صفحك بعد انتقامك 1.
ولك الحمد على ما تقضى فيما خلقت، وعلى بعد ما فنى خلقك، ولك
الحمد قبل أن تخلق شيئا من خلقك، وعلى بدء ما خلقت إلى انقضاء
خلقك وبعد ذلك، حمدا أرضى الحمد لك، وأحق الحمد بك، وأحب
الحمد إليك وترضاه لنفسك، حمدا لا يحجب عنك، ولا ينتهى دونك،
ولا يقصر دون أفضل رضاك.

1 - افتقارك (خ ل)، أقول: على ما أثبتناه المعنى واضح، أي صفحك بعد قد رتك على الانتقام، وعلى ما في نسخة البدل
أيضا، لان الافتقار قد يكون بمعنى العلم بالأمور الحنيفة، - كما في النهاية - أي صفحك بعد علمك بالمعاصي المستورة.
164

تباركت أسماؤك يا رب وتعالى ذكرك، وقهر سلطانك، وتمت كلماتك،
تباركت وتعاليت، أمرك قضاء، وكلامك نور، ورضاك رحمة، وسخطك
عذاب، تباركت وتعاليت، تقضى بعلم وتعفو بحلم، وتأخذ بقدرة وتفعل
ما تشاء.
تباركت وتعاليت، واسع المغفرة، شديد العقاب والنقمة، قريب الرحمة،
سريع الحساب على كل خفية، الحاضر لكل سريرة، الشاهد لكل نجوى،
اللطيف لما يشاء.
ثم تكبر الله مائة مرة، وتحمده مائة مرة، وتسبيحه مائة مرة، وتقرء (قل هو الله أحد)
مائة مرة، وتقول: لا حول ولا قوة الا بالله مائة مرة، وتقول:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت
ويميت ويحيى، وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.
وتقول: اللهم صل على محمد وآل محمد - مائة مرة، وتقرء عشرة آيات من
أول البقرة:
بسم الله الرحمن الرحيم، آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين
يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقنا هم ينفقون والذين يؤمنون بما
انزل إليك وما انزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من
ربهم وأولئك هم المفلحون.
ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله
على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ومن
الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله
والذين آمنوا وما يخدعون الا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم
الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون.
الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السماوات
وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم
165

ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض
ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم.
لله ما في السماوات وما في الأرض وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه
يحاسبكم به الله فيغير لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ
قدير.
آمن الرسول بما انزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته
وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا
واليك المصير.
لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا
لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطانا، ربنا ولا تحمل علينا اصرا 1 كما حملته على
الذين من قلبنا، ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنابه، واعف عنا واغفر لنا
وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك
الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون هو الله الذي لا إله إلا هو عالم
الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم.
هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المهيمن العزيز
الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق الباري المصور له
الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.
ان ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى
على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حيثا 2 والشمس والقمر والنجوم
مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.
ادعوا ربكم تضرعا وخفية انه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض

1 - الاصر: الاثم والثقل.
2 - الحثيث: السريع كان نفسه تحثه.
166

بعد اصلاحها وادعوه خوفا وطعما ان رحمة الله قريب من المحسنين.
والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن
له ولى من الذل وكبره تكبيرا.
قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن
شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد.
قل أعوذ برب الناس ملك الناس اله الناس من شر الوسواس
الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس.
وتحمد الله على كل نعمة أنعم بها عليك، من أهل أو مال أو ولد، وقليل أو كثير،
وتذكر النعم عليك في جميع ما أبلاك وأولاك شيئا ما أمكنك ذكره، وقل:
الحمد لله على نعمة التي لا تحصى ولا تكافأ بعمل الا بحمد الله،
والحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا مذكورا، وفضلني على كثير ممن
خلق في حسن الخلق، الحمد لله الذي علمني ولم أعلم شيئا وفضلني على
كثير ممن خلق في حسن الرزق.
والحمد لله على حلمه بعد علمه، والحمد لله على عفوه بعد قدرته،
والحمد لله على رحمته التي سبقت غضبه، والحمد لله سبقت غضبه، والحمد لله الذي لم ينطقنى من
بكم غيره، والحمد لله الذي لم يبصرني من عمى غيره.
والحمد لله الذي لم يسمعني من صم غيره، والحمد لله الذي لم يهدني
من ضلالة غيره، والحمد لله الذي لم يؤمني من خوف غيره، والحمد لله
الذي لم يؤمن روعي غيره، والحمد لله الذي لم يقلني من عثرة غيره، والحمد
لله الذي لم يكرمني من هوان غيره.
والحمد لله الذي لم يستر منى عورة غيره، والحمد لله الذي لم يرفعني
من ضعة غيره، والحمد لله الذي لم يسد منى فاقة غيره، والحمد لله الذي
لم يشبعني من جوع غيره، والحمد لله الذي لم يسقنى من ظمأ غيره.
والحمد لله الذي لم يكسبنى من عرى غيره، والحمد لله الذي لم يفهمنى
167

من على غيره، والحمد لله الذي لم يعلمني من جهل غيره، والحمد لله الذي
لم يقونى من ضعف غيره.
والحمد لله الذي لم يكفنى المهم غيره، والحمد لله الذي لم يصرف
عنى السوء غيره، والحمد لله الذي أكرمني في كل مصر قدمته، والحمد لله
الذي عافاني في كل طريق سلكته.
والحمد لله الذي آوانى، والحمد لله الذي أفرشني، والحمد لله الذي
مهد لي، والحمد لله الذي أخدمنى، والحمد لله زوجني، والحمد لله
الذي حملني في البر والبحر، والحمد لله الذي رزقني من الطيبات،
أحدثها الناس بعد نبيهم عليه السلام.
والحمد لله الذي هداني لما اختلف فيه من الحق والحمد لله الذي
بمحامده كلها على نعمائه كلها، حتى ينتهى الحمد إلى ما يحب ربنا
ويرضى، والحمد لله الذي لم ينس من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيب من
دهاه، والحمد لله الذي لا يذل من والاه، والحمد لله الذي يجزى بالاحسان
احسانا وبالصبر نجاة.
والحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، والحمد لله الذي من وثق به
لم يكله إلى غيره، والحمد لله الذي هو يقيننا حين ينقطع الحبل عنا،
والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين يسوء ظننا بأعمالنا، والحمد لله الذي
يكشف غمنا وينفس كربنا، والحمد لله الذي يفرج همنا.
اللهم صل على محمد وآل محمد وأوزعني شكر نعمتك التي أنعمت
168

بها على وعلى والدي فقد أنعمت على نعما لا أحصيها، فلك الحمد على
جميع ما أحصيت منها وعلى كل حال، حمدا ترضاه ويصعد إليك،
ولا يحجب عنك ولا يقصر دون رضاك، حمدا توجب لي به الكرامة عندك،
والمزيد من عندك يا أرحم الراحمين.
وتحمد الله وتسبحه وتهلكه وتكبره بكل ما في القرآن من ذلك.
التحميد:
الحمد لله رب العالمين * والحمد لله الذي خلق الظلمات والنور *
فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين * والحمد لله الذي
هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدينا الله * ولولا أن من الله علينا
لخسف بنا * وآخر دعويهم أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق * الحمد لله بل
أكثرهم لا يعلمون * الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في
الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا.
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * وقل
الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين * ولقد آتينا داود وسليمان علما
وقالا الحمد في الأولى والآخرة * قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون.
الحمد لله الذي له ما في السماوات والأرض وله الحمد في الآخرة *
الحمد لله فاطر السماوات والأرض * وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا
الحزن * وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين * هل يستويان
مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون *
وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده * وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد
لله رب العالمين * فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين *
169

وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون.
التسبيح:
سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا * وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني
له ما في السماوات والأرض * سبحانك فقنا عذاب النار * سبحانه أن يكون
له ولد له ما في السماوات والأرض.
سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته،
تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك انك أنت علام الغيوب * وخرقوا له
بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون * قال سبحانك تبت إليك
وأنا أول المؤمنين * لا إله إلا الله سبحانه عما يشركون * دعويهم فيها
سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام.
سبحانه وتعالى عما يشركون * ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم
ما يشتهون * سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى * سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا * سبحان ربى هل كنت
الا بشرا رسولا.
سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * لو كان فيهما آلهة الا
الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون * وقالوا اتخذ الرحمن ولدا
سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * إذا لذهب
كل اله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون * ما يكون
لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم.
سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء * وربك يخلق
ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون *
فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض
وعشيا وحين تظهرون * هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ
سبحانه وتعالى عما يشركون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم.
170

سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما
لا يعلمون * فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون * سبحان
الله عما يصفون * سبحان ربك رب العزة عما يصفون * سبحانه هو الله
الواحد القهار * والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون
سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا إلى ربنا لمنقلبون *
سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون * أم لهم اله غير
الله سبحان الله عما يشركون * قالوا سبحان ربنا إن كان وعد ربنا
لمفعولا * قالوا سبحان ربنا انا كنا ظالمين * سبحان ربى الأعلى.
التهليل:
والهكم اله واحد لا إله إلا هو الحي القيوم * آلم الله لا إله إلا هو الحي
القيوم * لا إله إلا هو العزيز الحكيم * شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة
وأولوا العلم قائما بالقسط لا اله هو العزيز الحكيم.
الله لا الا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه * ذلكم الله
لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه * لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له
الدين الحمد لله رب العالمين * الله لا اله هو وأعرض عن المشركين *
لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي.
لا اله هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم * لا له الا الذي آمنت
به بنو إسرائيل * لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون * لا إله إلا هو عليه توكلت
واليه متاب * لا اله الا أنا فاتقون * لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى * لا اله
الا أنا فاعبدني * لا إله إلا هو وسع كل شئ علما * لا اله الا أنا فاعبدون.
لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين * لا إله إلا هو رب
العرش العظيم * لا إله إلا هو رب العرش الكريم * لا إله إلا هو كل شئ
هالك الا وجهه * لا إله إلا هو فأنى تؤفكون * لا إله إلا هو سبحانه وتعالى
عما يشركون * وما من اله الا الله الواحد القهار.
171

لا إله إلا هو يحيى ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين * لا إله إلا الله
واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات * لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة
الرحمن الرحيم * لا إله إلا هو الملك القدوس * لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا.
ثم قل:
سبحان الله وبحمده، سبحان الله الحي القيوم، سبحان الله الملك،
سبحان الله العلى الأعلى، سبحان من علا في الهواء، سبحان الله وتعالى،
سبحان الله القائم الدائم، سبحان الله العزيز الحكيم، سبحان العزيز الجبار
المتكبر.
اللهم لك الحمد ما أحمدك وأمجدك، وأجودك (وأكرمك) 1، وأرأفك
وأرحمك، وأعلاك وأقربك، وأقدرك وأقهرك، وأوسعك وأفضلك، وأثبتك
وأثوبك، وأحضرك وأخبرك، وألطفك وأعلمك، وأشكرك وأحلمك، وأجل
ثناءك، وأتم ملكك، وأمضى أمرك، وما أقدم عزك، وأعز شأنك، وأمتن
كيدك، وأظهر مكرك، وأقرب فتحك، وأدوم نصرك، وأقدم شأنك، وأحوط
ملكك، وأظهر عدلك، وأعدل حكمك، وأوفى عهدك، وأنجز وعدك،
وأكرم ثوابك، وأشد عقابك، وأحسن عفوك، وأجزل عطاءك، وأشد
أركانك، وأعظم سلطانك.
لأنك الله العظيم في عظمتك، جليل في بهائك، بهى في جلالك،
جبار في كبريائك، كبير في جبروتك، ملك في قدرتك، قادر في ملكك،
عزيز في قهرك، قاهر في عزك، منير في ضيائك، عدل في قضائك،
صادق في دعائك، كريم في عفوك، قريب في ارتفاعك، عال في دنوك.
اللهم ندبت المؤمنين إلى أمر بدأت فيه بنفسك وملائكتك، فقلت:
(ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

1 - من البحار.
172

اللهم صل على محمد وآل محمد، عبدك ورسولك، ونبيك وأمينك،
ونجيك ونجيبك، وصفوتك وصفيك، ووليك وحبيبك، خليلك وخاصتك
وخالصتك وخيرتك من خلقك.
الذي انتجبته لرسالتك 1 واستخلصته لدينك، واسترعيته عبادك، وائتمنته
على وحيك، وجعلته علم الهدى، وباب النهى، والحجة الكبرى، والعروة
الوثقى فيما بينه وبين خلقك، والشاهد لهم والمهيمن عليهم.
كما بلغ رسالتك 2، ونصح لعبادك، وجاهد في سبيلك، وصدع بأمرك،
وأحل حلالك، وحرم حرامك، وبين فرائضك، واحتج على خلقك بأمرك،
أفضل وأشرف، وأحسن وأجمل، وأنفع وأزكى، وأنمى وأطهر، وأطيب
وأرضى، وأكمل ما صليت على أحد من أنبيائك ورسلك وأصفيائك، وأهل
المنزلة لديك، والكرامة عليك.
اللهم واجعل صلواتك وغفرانك وبركاتك، ورضوانك ورحمتك، ومنك
وافضالك، وتحيتك وسلامك، وتشريفك واعظامك، وصلوات ملائكتك
المقربين وأنبيائك المرسلين، وعبادك الصالحين، من الشهداء والصديقين،
والأوصياء، وحسن أولئك رفيقا، وأهل السماوات والأرضين وما بينهما
وما تحتهما، وما بين الخافقين، وما في الهواء والشمس والقمر، والنجوم
والجبال، والشجر والدواب، وما يسبح لك في البر والبحر، والظلمة والضياء،
بالغدو والآصال، في ساعات الليل والنهار.
على محمد بن عبد الله، النبي الأمي، المهدى الهادي، السراج المنير،
الشاهد الأمين، الداعي إليك باذنك، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وامام
المتقين، ومولى المؤمنين وولى المرسلين، وقائد الغر المحجلين، كما
هديتنا به من الضلالة، وأنرت لنا به من الظلمة، واستنقذتنا به من الهلكة.

1 - لرسالاتك (خ ل).
2 - رسالاتك (خ ل).
173

فاجزه عنا أفضل ما جزيت نبيا عن أمته ورسولا عمن أرسلته إليه،
واجعلنا ندين بدينه، ونهتدى بهداه، ونوالي وليه، ونعادى عدوه، وتوفنا على
ملته، واجعلنا في شفاعته، واحشرنا في زمرته، غير خزايا ولا نادمين،
ولا ناكثين ولا مبدلين، آمين رب العالمين.
اللهم وصل على محمد وعلى أهل بيته الذين أذهبت عنهم الرجس
وطهرتهم تطهيرا، اللهم صل على محمد وأهل بيته، الذي أمرت
بطاعتهم، وأوجبت حقهم ومودتهم.
اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته، الذين ألهمتهم علمك،
واستحفظتهم كتابك، فإنهم معدن كلماتك، وخزان علمك، ودعائم دينك،
والقوام بأمرك، صلاة كثيرة، طيبة مباركة، تامة زاكية نامية، وأبلغ أرواحهم
وأجسادهم منى في هذه الساعة وفى كل ساعة تحية كثيرة وسلاما.
اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وعلى إبراهيم خليلك، وعلى
ملائكتك المقربين، وأولى العزم من المرسلين، والأولياء المنتخبين،
والأئمة الراشدين المهديين، أولهم وآخرهم.
واخصص خواص أهل صفوتك، الذين اجتبيت لرسالاتك، وحملت
الأمانة فيما بينك وبين خلقك، بتفاضل درجات أهل صفوتك، وزدهم إلى
كل كرامة كرامة، والى كل فضيلة فضيلة، والى كل خاصة خاصة، وعلى
جميع ملائكتك، وأنبيائك ورسلك وأهل طاعتك، وصل بيني وبينهم في
اتصال موالاتك.
اللهم سلم على جميع أنبيائك ورسلك، واخصص محمدا من ذلك
بأشرفه، وسلم على جميع ملائكتك، واخصص جبرئيل وميكائيل وإسرافيل
من ذلك بأفضله، وسلم على عبادك الصالحين، واخصص أوليائك من
ذلك بأدومه، وبارك عليهم جميعا، وعلى أهلي وولدي ووالدي وما ولدا،
آمين رب العالمين.
174

اللهم ان ذنوبي أكثر من أن تحصى، وحوائجي أكثر من أن تسمى،
اللهم ولى إلى عفوك ومعروفك، ومغفرتك ورحمتك، ورضوانك وعافيتك،
وعصمتك وحسن اجابتك أعظم الفاقة، وأشد الحاجة.
اللهم لا أجد في ذلك كله إليك شافعا ولا متقربا أوجه في نفسي رجاء
فيما قصدت إليك به، من تحميدك وتسبيحك وتهليلك، وتكبيرك
وتمجيدك، وتعظيم ذكرك، وتفخيم شأنك، والصلاة على ملائكتك
وأنبيائك ورسلك وأهل طاعتك والتقرب إليك، بنبيك محمد نبي الرحمة،
وبأهل بيته الأوصياء المرضيين، صلواتك وبركاتك ورحمتك عليه وعليهم.
يا محمد يا رسول الله، بأبي أنت وأمي انى أتقرب بك إلى الله ربك
وربى ليغفر لي ذنوبي ويقضى لي بك حوائجي، فكن لي شفيعا عند ربك
وربى، فنعم المسؤول ربى، ونعم الشفيع أنت يا محمد، اللهم إني أتقرب
إليك بمحمد وآل محمد، الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا.
اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك عليه وعليهم، واجعلني به وبهم
وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، واجعلي صلاتي بهم مقبولة،
ودعائي بهم مستجابا، وذنبي بهم مغفورا، ورزقي بهم مبسوطا، وانظر إلى
في مقامي هذا نظرة رحيمة، أستكمل بها الكرامة عندك، ولا تصرفه عنى
أبدا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إني أسألك يا الله يا رحمان يا رحيم، يا واحد يا ماجد، يا أحد
يا صمد، يا حي يا قيوم يا دائم، يا قائم يا عالم، يا ملك يا قدوس يا سلام، يا مؤمن
يا مهيمن، يا عزيز يا جبار يا متكبر، يا خالق يا بارى يا مصور، يا علي يا عظيم،
يا حليم يا كريم، يا حكيم يا عليم، يا خبير يا كبير، يا متعالي يا ولي.
يا أول يا آخر، يا ظاهر يا باطن، يا حق يا مبين، يا سميع يا بصير، يا قريب
يا مجيب، يا حميد يا مجيد، يا قادر يا قاهر، يا مليك يا مقتدر، يا غنى يا كريم،
يا عفو يا غفور، يا غفار يا غافر، يا قابل يا تواب، يا وهاب يا واسع، يا رفيع يا رازق،
175

يا منير يا شهيد يا حفيظ، يا فالق يا فاطر، يا بديع يا نور يا شاكر، يا ولى يا مولى،
يا نصير.
يا الله، يا مستعان يا خلاق، يا لطيف يا شكور، يا قدوس يا سريع، يا شديد
يا محيط، يا رب يا قوى، يا رؤوف يا ودود، يا فعال لما يريد.
اللهم يا علام يا رقيب، يا مغيث يا حبيب، يا وكيل يا هادي، يا مبدي
يا معيد، يامن في السماء، يا ذا العرش، يا ذا الفضل، يا ذا الطول يا ذا
المعارج، يا ذا الجلال والاكرام، يا ذا التقوى، يا أهل المغفرة، يا جاعل يا ناشر
يا باعث، يا كافي يا حفي 1 يا مولج يا مخرج، يا معطى يا قابض، يا مجيب
الدعوات.
أسألك يا الله الذي لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة الرحمان
الرحيم، هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن 2
العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون، هو الله الخالق الباري
المصور له الأسماء الحسنى، يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز
الحكيم.
وتقول:
قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد *
ويا الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في
السماوات وما في الأرض من ذا الذي شفع عنده الا باذنه يعلم ما بين
أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وسع كرسيه
السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم.
وأسألك بأسمائك كلها، يا الله يا رحمان، وبكل اسم هو لك سميت به

1 - حفى فلانا: أعطاه.
2 - هيمن فلان على كذا: صار رقيبا عليه وحافظا، المهيمن: بمعنى المؤمن أو المؤتمن أو الشاهد أو القائم على خلقه
بأعمالهم وارزاقهم وآجالهم.
176

نفسك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، ولكل
اسم سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك. وبكل اسم هو لك، علمته أحدا
من خلقك أو لم تعلمه إياه، وأسألك بعزتك وقدرتك ونورك وجميع ما أحاط
به علمك، وجميع ما أحطت به على خلقك.
وأسألك بجمعك وأركانك كلها، وبحق 1 رسولك صلى الله عليه وآله،
وبحق أوليائك وبحقك عليهم، وباسمك الأكبر الأكبر الأكبر، وباسمك
الأعظم الأعظم الأعظم الذي من دعاك من كان حقا عليك أن ترده، وأن
تعطيه ما سألك أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تغفر لي جميع ذنوبي
وجميع علمك في.
ولا تدع لي في مقامي هذا ذنبا الا غفرته، ولا وزرا الا حططته،
ولا خطيئة الا كفرتها، ولا سيئة الا محوتها، ولا حسنة الا أثبتها، ولا شحا الا
سترته، ولا عيبا الا أصلحته، ولا شينا الا زينته، ولا سقما الا شفيته، ولا فقرا
الا أغنيته، ولا فاقة الا سددتها، ولا دينا الا قضيته، ولا أمانة الا أديتها،
ولا هما الا فرجته، ولا غما الا كشفته، ولا كربة الا نفستها، ولا بلية الا
صرفتها، ولا عدوا الا أبدته، ولا مؤونة الا كفيتها، ولا حاجة من حوائج الدنيا
والآخرة الا قضيتها، على أفضل أملى ورجائي فيك، وامنن على بذلك
يا أرحم الراحمين.
اللهم إني عبدك، ناصيتي بيدك، وأجلى بعلمك، أسألك أن تصلى
على محمد وآل محمد، وأن توفقني لما يرضيك عنى، وفك رقبتي من النار،
وأوسع على من الرزق الحلال الطيب، وادرء عنى شر فسقة العرب والعجم،
وشر فسقة الجن والأنس، اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا تمكر بي
ولا تخدعني، ولا تستدرجني.

1 - أسألك بحق (خ ل).
177

اللهم هذا مقام العائذ بك، البائس الفقير، الخائف المستجير المشفق،
مقام من يبوء 1 بخطيئته، ويعترف بذنبه، ويتوب إلى ربه، عصيتك الهى
بلساني، ولو تشاء وعزتك لأخرستنى، وعصيتك ببصري ولو تشاء وعزتك
لأكمهتنى 2، وعصيتك بسمعي ولو تشاء وعزتك لأصممتنى، وعصيتك
برجلي ولو تشاء وعزتك لجذمتني 3، وعصيتك الهى بجميع جوارحي التي
أنعمت بها على ولم يكن ذلك جزاؤك منى في حسن صنيعك إلى وجميل
بلائك عندي.
اللهم ما عملت من عمل عمدا أو خطأ، سرا أو علانية، مما خانه سمعي،
أو عاينه بصرى، أو نطق به لساني، أو نقلت إليه قدمي، أو بطشته بيدي، أو
باشرته بجلدي، أو جعلته في بطني، أو كسوته ظهري، أو هويته بنفسي، أو
شربته قلبي، فيما هو لك معصية وعلى من فعله وزر، ومن كل فاحشة 4 أو
ذنب أو خطيئة عملتها في سواد ليل أو بياض نهار، في خلاء أو ملاء،
علمته أو لم أعلمه، ذكرته أو نسيته، عصيتك فيه طرفة عين، في حل أو
حرم، أو قصدت فيه مذ يوم خلقتني إلى أن وقفت موقفي هذا، فإنني
أستغفرك له وأتوب إليك منه.
وأسألك يا الله يا الله يا رب يا رب - تقول ذلك عشر مرات، بحقك على
نفسك، وبحق محمد وآل محمد عليك، وبحق أهل الحق عليك، وبحقك
عليهم، وبالكلمات التي تلقاك بها آدم، فتبت عليه، أن تصلى على محمد
وآل محمد، وأن تتوب على في مقامي هذا وأن تعطيني خير الدنيا والآخرة
توبة لا تسخط على بعدها أبدا.

1 - باء بالحق أو بالذنب: أقر.
2 - كمه: عمى أو صار أعشى.
3 - جذم: قطعه بسرعة فانقطع، أجذم يده: قطعها.
4 - الفاحش: القبيح.
178

وأن تغفر لي مغفرة لا تعذبني بعدها أبدا، وأن تعافينى فيه معافاة
لا تبتليني بعدها أبدا، وأن ترزقني فيه يقينا لا أشك بعده أبدا، وأن تكرمني
فيه كرامة لا تهينني بعدها أبدا، وأن تعزنى فيه أزا لا ذل بعده أبدا.
وأن ترفعني فيه رفعة لا تضعنى بعدها أبدا، وأن ترزقني فيه رزقا واسعا
حلالا طيبا كثيرا نافعا للآخرة والدنيا، من حيث أرجو ومن حيث لا أرجو،
ومن حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب، لا تعذبني عليه، ولا تفقرني بعده
أبدا.
وأن تهب فيه صلاحا لقلبي، وصلاحا لبدني 1، وصلاحا لأهلي،
وصلاحا لولدي، وصلاحا لما خولتني 2 ورزقتني، وأنعمت به على من قليل
أو كثير، ومغفرة لذنوبي وعافية من كل بلاء، يا أرحم الراحمين.
ثم تقول سبعين مرة: أستغفر الله، وسبعين مرة: أتوب إلى الله، وسبعين مرة
أسأل الله الجنة، وسبعين مرة: أعوذ بالله من النار.
ثم تقول وأنت رافع رأسك إلى السماء:
اللهم حاجتي إليك التي ان أعطيتنيها لم يضرني شئ، وان منعتنيها
لم ينفعني شئ، فكاك رقبتي من النار، وأوسع على من رزقك الحلال،
وادرأ عنى شر فسقة العرب والعجم، واكفني مؤونة عيالي، فإنك ولى ذلك
منى ومنهم في يسر وعافية.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلني ممن رضيت عنه وأطللت
عمره، وأحييته بعد الموت حياة طيبة، اللهم لك الحمد كما أقول وفوق
ما أقول، وفوق ما يقول القائلون، اللهم لك صلاتي وديني، ومحياي ومماتي،

1 - في البحار: لديني.
2 - خولتني: ملكتنى.
179

وبك قوامي وبك حولي وقوتي، اللهم إني أعوذ بك من الفقر ومن وسواس 1
الصدر، ومن شتات الأمر ومن عذاب النار، ومن عذاب القبر.
اللهم إني أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد، وأسألك خير
الرياح، وأعوذ بك من شر ما تجريه الرياح، وأسألك خير الليل وخير النهار،
اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعل لي في قلبي نورا، وفى بصرى
نورا وفى لحمي ودمى وعظامي، وعروقي ومفاصلي، ومقعدى ومقامي،
ومدخلي ومخرجي نورا، وأعظم لي نورا يا رب يوم ألقاك، انك على كل
شئ قدير.
الله من تهيأ وتعبأ واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وطلب
نائله وجائزته، فإليك أي سيدي كان اليوم تهيئتي وتعبئتي 2 واعدادي
واستعدادي، رجاء عفوك ورفدك 3 وطلب فضلك وجائزتك أ، فصل على
محمد وآل محمد ولا تخيبني في ذلك اليوم وفى كل يوم أبدا ما أبقيتني من
رجائي.
يامن لا يحفيه 4 سائل، ولا ينقصه نائل، فانى لم آتك اليوم ثقة منى بعمل
صالح قدمته، ولا شفاعته مخلوق رجوته الا شفاعته محمد وآل محمد، صلواتك
وبركاتك ورحمتك عليه وعليهم.
أتيتك مقرا بأن لا حجة لي ولا عذر لي، أتيتك أرجو عظيم عفوك الذي
عفوت به عن الخطائين 5، فأنت الذي عفوت للخطائين على عظيم جرمهم،
ولم يمنعك طول عكوفهم على عظيم الجرم، أن عدت عليهم بالرحمة
والمغفرة.

1 - وساوس (خ ل).
2 - عبأ المتاع: هيأه.
3 - رجاء رفدك (خ ل).
4 - خفى فلانا: أعطاه احفى إليه في الوصية: بالغ فيها.
5 - الخاطئين (خ ل).
180

فيامن رحمته واسعة، وفضله عظيم، يا عظيم يا عظيم يا عظيم، يا كريم،
صل على محمد وآل محمد وعد على برحمتك، وتحنن على بمغفرتك،
وامنن على بعفوك وعافيتك، وتفضل على بفضلك وتوسع على برزقك، ليس
يرد غضبك الا حلمك، ولا يرد سخطك الا عفوك، ولا يجيرني من عقابك الا
رحمتك، ولا ينجى منك الا التضرع إليك.
فصل على محمد وآل محمد وهب لي يا الهي منك فرجا بالقدرة التي
تحيى بها أموات العباد، وبها تنشر ميت البلاد، ولا تهلكني يا الهى غما
حتى تستجيب لي وتعرفني الإجابة في دعائي، وأذقني طعم العافية إلى
منتهى أجلى، ولا تشمت بي عدوى، ولا تمكنه من عنقي 1.
يا الهى ان رفعتني فمن ذا الذي يضعني، وان وضعتني فمن ذا الذي
يرفعني، وان أكرمتني فمن ذا الذي يهينني، وان أهنتني فمن ذا الذي
يكرمني، أو من ذا الذي يرحمني ان عذبتني، أو من ذا الذي يعذبني ان
رحمتني، وان أهلكتني فمن ذا الذي يعرض لك في عبدك أو يسألك عن
أمره.
وقد علمت يا الهي أنه ليس في حكمك ظلم ولا جور، ولا في عقوبتك 2
عجلة، إنما يعجل من يخاف الفوت، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف، وقد
تعاليت يا الهى 3 علوا كبيرا.
الهى صل على محمد وآل محمد ولا تجعلني للبلاء غرضا ولا لنقمتك
نصبا، وأمهلني ونفسني 4 وأقلني عثرتي، وارحم تضرعي، ولا تتبعني ببلاء
في أثر بلاء، فقد ترى ضعفي، وقلة حيلتي، وتضرعي إليك.

1 - ولا تسلطه على (خ ل).
2 - نقمتك (خ ل).
3 - تعاليت الهى (خ ل).
4 - نفسني: أزال كربى وغمي.
181

أعوذ بك من غضبك، فصل على محمد وآل محمد وأعذني، وأستجير
بك من سخطك فأجرنى، وأؤمن بك فآمني، وأستهديك فاهدني،
وأسترحمك فارحمني، وأستنصرك فانصرني، وأستكفيك فاكفني،
وأسترزقك فارزقني، وأستعين بك على الصبر فأعنى، وأستعصمك فيما بقي
من عمري فاعصمني، وأستغفرك لما سلف من ذنوبي فاغفر لي، فانى لن
أعود لشئ كرهته منى 1 ان شئت ذلك يا رب.
فإذا قاربت غروب الشمس فقل:
بسم الله وبالله، وسبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر،
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، سبحان الله آناء الليل وأطراف
النهار، سبحان الله بالغدو والآصال 2، سبحان الله حين تمسون وحين
تصبحون، وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون.
يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، ويحيى الأرض بعد
موتها وكذلك تخرجون، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، سلام على
المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والعظمة والجبروت،
سبحان الملك الحي الذي لا يموت، سبحان القائم الدائم القديم، سبحان
الحي القيوم، سبحان ربى الأعلى، سبحانه وتعالى، سبحان الله، سبوحا
قدوسا رب الملائكة والروح.
اللهم إني أمسيت منك في نعمة وعافية، فصل على محمد وأهل بيته،
وأتمم على يا رب نعمتك وفضلك وعافيتك، وارزقني شكرك.
اللهم بنورك اهتديت، وبفضلك استغنيت، وبنعمتك أصبحت
وأمسيت، أشهدك وكفى بك شهيدا، وأشهد ملائكتك وحملة عرشك،

1 - كرهت (خ ل).
2 - الأصيل جمع آصال: الوقت بين العصر والمغرب أو العشى.
182

وأنبيائك، ورسلك، وأهل سماواتك وأهل أرضك، وجميع خلفك، بأنك
أنت الله وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واكتب لي هذه الشهادة عندك حتى
تلقنيها يوم القيامة، وقد رضيت عنى انك على كل شئ قدير، اللهم لك
الحمد حمدا تضع لك السماء اكنافها أو يسبح لك الأرض ومن عليها.
اللهم لك الحمد حمدا يصعد، ولا ينقد 1، حمدا يزيد ولا يبيد، حمدا
سرمدا دائما لا انقطاع له ولا نفاد، حمدا يصعد أوله، ولا ينفد آخره، ولك
الحمد على وفى ومعي، وقبلي وبعدي، وأمامي ولدى، وإذا كت وفنيت
وبقيت أنت يا مولاي، ولك الحمد بجميع محامدك كلها على جميع
نعمائك كلها، ولك الحمد في كل عرق ساكن، وكل أكلة وشربة، ونفس
وبطش 2، وعلى كل موضع شعرة وعلى كل حال.
اللهم لك الحمد باعث الحمد، ووارث الحمد، وبديع الحمد، وفى
العهد، صادق الوعد، عزيز الجند، قديم المجد، رفيع الدرجات، مجيب
الدعوات، منزل الآيات، من فوق سبع سماوات، مخرجا من الظلمات إلى
النور ومبدل السيئات حسنات، وجاعل الحسنات درجات.
اللهم لك الحمد غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول
لا إله إلا أنت إليك المصير، اللهم لك الحمد في الليل إذا يغشى، ولك
الحمد في النهار إذا تتجلى، ولك الحمد في الآخرة والأولى، ولك الحمد

1 - في البحار: يصعد أوله ولا ينفد آخره.
2 - البطش: الأخذ بسرعة.
183

عدد كل ملك في السماء، ولك الحمد عدد كل قطرة في البحار.
ولك الحمد عدد القطر والشجر، والحصى والنوى والثرى، وجميع الانس
والبهائم 1 والطير، والسباع والهوام، ولك الحمد عدد ما في جوف الأرض،
ولك الحمد عدد ما على وجه الأرض، ولك الحمد على ما أحصى كتابك
وأحاط به علمك، حمدا كثيرا طيبا مباركا أبدا.
ثم قل:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت
ويميت ويحيى، وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير -
عشر مرات.
ثم قل:
أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه - عشر مرات، يا الله
يا الله - عشرا، يا رحمان يا رحمان - عشرا، يا رحيم يا رحيم - عشرا، يا بديع
السماوات والأرض - عشرا، يا ذا الجلال والاكرام - عشرا، يا حي يا قيوم -
عشرا، يا حنان يا منان - عشرا، يا لا إله إلا أنت - عشرا، آمين آمين - عشرا.
ثم قل:
أسألك يامن هو أقرب إلى من حبل الوريد، يامن يحول بين المرء وقلبه،
يامن هو بالمنظر الأعلى وبالأفق المبين، يامن هو الرحمان على العرش
استوى، يامن ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير، أسألك أن تصلى على
محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا، وتسأل كل حاجة لك.
ثم قل: أمسينا والجود والجمال، والنور والبهاء، والعزة والقدرة، والسلطان والدنيا
والآخرة، وما سكن في الليل والنهار، لله رب العالمين لا شريك له.

1 - البهيمة: كل ذات أربع قوائم من دواب البر والماء ما عدا السباع والطيور.
184

وتقول ثلاث مرات:
الحمد لله رب العالمين لا شريك له، والله أكبر لا شريك له، لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وسبحان الله وحده لا شريك له صلى الله على
محمد وعلى أهل بيته، اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعله أحب من
أحب، وآثر من أوثر عندي، ثم ثبتني على دين محمد وإبراهيم عليهما
السلام واتباعهما 1، يا أرحم الراحمين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى
ويميت ويميت ويحيى وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ
قدير - تقولها أحد عشر مرة.
وتقول عشر مرات: أعوذ بالله من همزات 2 الشياطين وأعوذ بالله أن
يحضرون 3.
ثم قل: الحمد لله مع كل شئ حتى لا يكون شئ بكل شئ وحده، عدد
جميع الأشياء وأضعافها منتهى علم الله، ولا إله إلا الله كذلك، والله أكبر
وسبحان الله كذلك، وصلى الله على محمد وعلى آل محمد والحمد لله
ملء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش.
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة الا بالله
زنة عرشه ومثله، ومداد كلماته ومثله، وعدد خلقه ومثله وملأ سماواته ومثله،
وملأ أرضه ومثله، وعدد جميع ذلك كله سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر، وصلى الله على محمد وآل محمد والسلام عليه وعليهم
وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته.

1 - والانقطاع إليهما (خ ل).
2 - همزات الشيطان: خطراته التي يخطرها بقلب الانسان.
3 - أعوذ بك رب ان يحضرون (خ ل).
185

ثم ارفع يديك وقل:
اللهم لك الحمد حمدا خالدا مع خلودك، ولك الحمد حمدا لا أمد له
دون مشيتك، ولك الحمد حمدا لا منتهى له دون علمك، ولك الحمد حمدا
لاحد لقائله الا رضاك.
اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان، اللهم لك الحمد
كما أنت أهله، أشهد أنه ما أمسيت بي من نعمة في ديني ودنياي فإنها من
الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد على بها والشكر كثيرا.
أمسيت لله عبدا مملوكا، أمسيت لا أستطيع أن أسوق إلى نفسي خير
ما أرجو ولا أصرف منها شر ما أحذر، أمسيت مرتهنا بعملي، أمسيت لا فقر هو
أفقر منى إلى الله، والله هو الغني الحميد، بالله نصبح وبالله نمسي،
وبالله نحيا وبالله نموت، والى الله النشور.
اللهم إني أسألك أن تصلى محمد وآل محمد، وأسألك خير ليلتي
هذه وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها، اللهم إني أعوذ بك أن
تكتب على فيها خطيئة أو اثما، اللهم صل على محمد وآل محمد، واكفني
خطيئتها واثمها وأعطني يمنها ونورها وبركاتها.
اللهم نفسي خلقتها، وبيدك حياتها وموتها، اللهم فان أمسكتها فإلى
رضوانك والجنة، وان أرسلتها فصل على محمد وآل محمد واغفر لها
وارحمها، اللهم صل على محمد وآل محمد، وقنعني بما رزقتني، وبارك
لي فيما آتيتني، واحفظني في غيبتي وحضرتي وكل أحوالي.
ثم قل عشر مرات:
اللهم صل على محمد وآل محمد، وابعثني على الايمان بك، والتصديق
برسولك، والولاية لعلي بن أبي طالب، صلواتك عليه والبراءة من عدوه،
والانتقام بالأئمة من آل محمد، فانى قد رضيت بذلك يا رب، اللهم صل
على محمد عبدك ورسولك في الأولين والآخرين، وصل على محمد في
186

الملاء الأعلى، وصل على محمد في المرسلين.
اللهم أعط محمدا الوسيلة والشرف والفضيلة، والدرجة الكبيرة الرفيعة
في الجنة، اللهم إني آمنت بمحمد ولم أره فلا تحرمني يوم القيامة رؤيته،
ارزقني صحبته، وتوفني على ملته، واسقني من حوضه مشربا رويا سائغا 1
هنيئا لا أظمأ بعده أبدا، انك على كل شئ قدير.
اللهم إني آمنت 2 بمحمد ولم أره فعرفني في الجنان وجهه، اللهم بلغ 3
روح محمد منى تحية كثيرة وسلاما، اللهم صل على محمد وآل محمد
الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا، اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد الذين أمرت بطاعتهم وأوجبت حقهم ومودتهم.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الذين ألهمتهم علمك
واستحفظتهم كتابك، واسترعيتهم عبادك، فإنهم معدن كلماتك، وخزان
أرواحهم الطيبة وأجسادهم الطاهرة منى في هذه الساعة وكل ساعة تحية
كثيرة وسلاما، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وأهل بيته
وسلم تسليما 4.
دعاء آخر في عشية عرفة:
يا رب ان ذنوبي لا تضرك، وان مغفرتك لي لا تنقصك، فأعطني
ما لا ينقصك، واغفر لي ما لا يضرك
دعاء آخر في عشية عرفة:
اللهم لا تحرمني خير ما عندك لشر ما عندي، فان أنت لم ترحمني بتعبي

1 - ساغ الشراب: هنأ وسهل مدخله في الخلق.
2 - اللهم آمنت (خ ل).
3 - أبلغ (خ ل).
4 - عنه البحار 98: 270 - 291.
5 - عنه البحار 98: 291.
187

ونصبي 1، فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته 2.
أقول: وقد روينا في دعاء جدتنا أم جدنا داود بن الحسن ابن مولانا الحسن السبط
ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام، المذكور في عمل يوم النصف من رجب، قالت أم
داود: فقلت لأبى عبد الله عليه السلام: أيدعى بهذا الدعاء في غير رجب؟ قال: نعم في
يوم عرفة.
أقول: ويستحب أيضا أن يدعى في هذا اليوم بالدعاء الذي قدمناه في تعقيب الظهر
يوم الجمعة، في الجزء الرابع، عن مولانا زين العابدين عليه السلام الذي أوله: يامن
يرحم من لا يرحمه العباد 3.
فصل (23)
فيما نذكره مما ينبغي ان يختم به يوم عرفة
اعلم أن كل يوم جعله الله جل جلاله من مواسم السعادات ومراسم العبادات،
ينبغي أن يكون العبد فيه موافقا لمولاه ساعات ذلك اليوم، وقفا على طاعة الله جل
جلاله ورضاه، ويختمه بالاجتهاد في التضرعات بان منه بما صدر عنه، ويتم نقصان
أعماله بما الله جل جلاله أهله من مكارمه وافضاله.
ويسلم ذلك العمل بلسان الحال إلى من كان العبد ضيفا له في ذلك اليوم المشار
إليه من امام وقته صلوات الله عليه، ليكون عرضه على يديه، ويكون هو الشفيع فيما
لم يبلغ أمل العبد إليه، فان كل ضيف بحكم مضيفه، وكل متشرف بسلطان فحديث
أعماله إلى مشرفه.

1 - النصب: العناء.
2 - عنه البحار 98: 291.
3 - جمال الأسبوع: 262.
188

الباب الرابع
فيما نذكره مما يتعلق بليلة الأضحى ويوم عيدها
وفيه فصول:
فصل (1)
فيما نذكره من فضل احياء ليلة عيد الأضحى
روينا ذلك بإسنادنا إلى جدي أبى جعفر الطوسي رحمه الله فيما رواه عن الصادق
عليه السلام، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام قال: كان يعجبه ان يفرغ نفسه
أربع ليال في السنة، وهي أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الفطر،
وليلة الأضحى 1.
واعلم أن احياء الليالي بالعبادات هو أن تكون حركاتك وسكناتك، وإراداتك
وكراهاتك جميعا معاملاة لله جل جلاله، وتقصد بها التقرب إليه والاقبال عليه والأدب
بين يديه فيما يكرهه أو يرضاه، كما يكون العبد بين يدي مولاه إذا كان المولى يراه.
فإن كانت فيها عبادات متعينات فاعمل عليها، وان لم يكن فيها عبادة متعينة، أو
كانت فيها عبادات مرويات، ولكن يبقى من الليل ما ليس له وظائف متعينات،
فليكن احياء ما يتخلف من الليلة التي يراد احياؤها بالعبادات بالاستغفار، واصلاح

1 - مصباح المتهجد: 648، رواه في دعائم الاسلام 1: 184، قرب الإسناد: 177، عنه البحار 91: 122، فضائل
الأشهر الثلاثة: 46.
189

ما بينك وبين الله جل جلاله، من طهارة الاسرار وزوال ظلمة الاصرار، وما يحتاج مثلك
إليه من الأذكار وسعادة الدنيا ودار القرار.
وان غلبك النوم فليكن نومك على نية التقرب إلى العظمة الإلهية، لتستعين به على
النشاط والاقبال على زيادة العبادات للأبواب الربانية، فإذا عملت على هذا النظام
تكون قد ظفرت باحياء تلك الليلة على التمام إن شاء الله جل جلاله.
فصل (2)
فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام عيد الأضحى
روينا ذلك بإسنادنا إلى جدي أبى جعفر الطوسي، عن الشيخ المفيد محمد بن
محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون، جميعا، عن الشيخ محمد بن أحمد
بن داود القمي، شيخ القميين وفقيههم وعالمهم، قال: حدثنا محمد بن محمد
النحوي، قال: حدثنا أبو القاسم علي بن محمد، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبي
سنان، عن ابان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
من زار الحسين عليه السلام ليلة من ثلاث غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال:
قلت: وأي الليالي؟ فذكر ليلة الأضحى 1.
فصل (3)
فيما نذكره من الإشارة إلى فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم الأضحى، وبماذا يزار
اعلم أن عمل الشيعة على زيارته عليه السلام في هذا الميقات، يغنى عن ذكر
الرواة، وقد كنا قدمنا عند ذكر ليلة عرفة حديث مولانا الباقر عليه السلام بما معناه:
ان الإقامة عند الحسين عليه السلام حتى يعيد للأضحى يحفظ المقيم عنده من شر
سنته 2.

1 - عنه البحار 91: 126، رواه في مصباح المتهجد: 716، عنه البحار 101: 91.
2 - مصباح المتهجد: 715.
190

واما لفظ ما نذكره في هذا اليوم من زيارته، فقد كنا ذكرنا في كتاب مصباح الزائر
وجناح المسافر زيارتين يختص بهذا الميقات، وليس هذا الكتاب مما نقصد به ذكر
الزيارات، فان وجدت تلك الزيارتين، والا فزر الحسين عليه السلام ليلة الأضحى
ويوم الأضحى بما ذكرناه في هذا الكتاب من الزيارة ليوم عرفة، فإنها كافية عند أهل المعرفة.
فصل (4)
فيما نذكره مما ينبغي أن يكون أهل السعادات والاقبال عليه يوم الأضحى من الأحوال
اعلم أننا قد ذكرنا في عيد شهر رمضان ما فتحه علينا مالك القلب واللسان، من
الآداب عند استقبال ذلك العيد وآداب ذلك النهار، ما تستغنى به الان عن التكرار،
لكن يمكن أنك لا تقدر على نظر ما قدمناه، أو لا تعرف معناه، فنذكر ما يفتح الله جل
جلاله عليه ويحسن به إلينا، فنقول:
أذكر أيها الانسان أن الله جل جلاله سبقك بالاحسان قبل أن تعرفه، وقبل أن
تتقرب إليه بشئ من الطاعات، فهيأ لك كلما كنت محتاجا إليه من المهمات، حتى
بعث لك رسولا من أعز الخلائق عليه، يزيل ملوك الكفار ويقطع دابر الأشرار، الذين
يحولون بينك وبين فوائد أسراره، ويشغلونك عن الاهتداء فأطفأ نار الكافرين،
وأذل رقاب ملوك اليهود والنصارى والحدين.
ولم يكلف أن تكون في تلك الأوقات من المجاهدين، ولا تكلف خطرا، ولا تحملت
ضررا في استقامة هذا الدين، وجاءتك العبادات في عافية ونعمة صافية، مما كان فيه
سيد المرسلين، وخواص عترته الطاهرين، صلوات الله عليه أجمعين، ومما جاهد
عليه ووصل إليه السلف من المسلمين.
فلا تنس المنة عليك في سلامتك من تلك الأهوال وما ظفرت به من الآمال
والاقبال، وجر 1 بلسان الحال بنظرك، واذكر بخاطرك القتلى، الذين سفكت دماؤهم

1 - جبر (خ ل).
191

في مصلحتك وهدايتك من أهل الكفر ومن أهل الاسلام، حتى ظفرت أنت
بسعادتك، وكم حزب من بلاد عامرة، وأهلك من أمم غابرة.
ثم أذكر ابراز الله جل جلاله أسراره بيوم العيد، وأظهر لك أنواره بذلك الوقت
السعيد، من مخزون ما كان مستورا عن الأمم الماضية، والقرون الخالية، وجعلت أهلا أن
تزور عظمته وحضرته فيه، وتحدثه بغير واسطة وتناجيه.
فهل كان هذا في حسنات نطفتك أو علقتك أو مضغتك؟ أو لما كنت جنينا
ضيفا؟ أو لما صرت رضيعا لطيفا؟ أو لما كنت ناشئا 1 صغيرا؟ أو هل وجدت لك
في ذلك تدبيرا؟
فكن رحمك الله عبدا مطيعا ومملوكا سميعا لذلك المالك السالك بك في تلك المسالك،
الواقي لك من المهالك، فوالله ليقبح بك مع سلامة عقلك، وما وهب لك من فضله،
الذي صرت تعتقده من فضلك أن تعمى أو تتعامى عن هذا الاحسان الخارق للألباب، أو
أن تشغل عنه، أو تؤثر عليه شيئا من الأسباب؟
أقول: فاستقبل هداية الله جل جلاله إليك يوم عيده، بتعظيمه وتمجيده، والقيام بحق
وعوده، والخوف من وعيده، وفرحك وسرورك بما في ذلك من المسار والمبار على قدر
الواهب جل جلاله، وعلى قدر ما كنت عليه من ذل التراب، وعقبات النشأة الأولى
وما كان فيها من الأخطار، وترددك في الأصلاب والأرحام الوفا كثيرة من الأعوام،
يسار بك في تلك المضائق على مركب السلامة من العوائق، حتى وصلت إلى هذه
المسافة، وأنت مشمول بالرحمة والرأفة، موصول بموائد الضيافة، آمنا من المخالفة.
فالعجب كل العجب لك ان جهلت قدر المنة عليك فيما تولاه الله جل جلاله من
الاحسان إليك، فاشتغل بما يريد، وقد كفاك كل هول شديد، وهو جل جلاله كافيك
ما قد بقي بذلك اللطف والعطف الذي أجراه على المماليك والعبيد.

1 - الناشئ: الغلام أو الجارية إذا جاوز أحد الصغر وشبا.
192

فصل (5)
فيما نذكره من الرواية بغسل يوم الأضحى
بإسنادنا إلى أبى جعفر بن بابويه رضوان الله جل جلاله عليه فيما ذكره من كتاب
من لا يحضره الفقيه فقال ما هذا لفظه:
وروى ابن المغيرة، عن القاسم بن الوليد قال: سألته عن غسل الأضحى؟ قال:
واجب الا بمنى 1.
ثم قال رحمه الله: وروى أن غسل الأضحى سنة 2.
أقول: إنه إذا ورد لفظ الأمر بالوجوب لشئ يكون ظاهر العمل عليه أنه مندوب،
فعسى يكون المراد بلفظ الواجب التأكيد للعمل عليه، واظهار تعظيمه على غيره من
غسل مندوب من لم يبلغ تعظيمه إليه.
فصل (6)
فيما نذكره مما يعتمد الانسان في يوم الأضحى عليه بعد الغسل المشار إليه
وجدنا ذلك في بعض مصنفات أصحابنا المهتمين بالعبادات بنسخة عتيقة، ذكر
مصنفها أنها مختصر من كتاب المنتخب، فقال ما هذا لفظه:
العمل في يوم النحر، تبكر يوم النحر فتغسل وتلبس أنظف ثوب لك، وتقول عند
ذلك:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم انا نستفتح الثناء بحمدك، ونستدعى
الثوب بمنك، فاسمع يا سميع مدحتي، فكم يا الهى من كربة قد كشفتها
فلك الحمد، وكم يا الهى من دعوة قد أجبتها فلك الحمد، وكم يا الهى من
رحمة قد نشرتها فلك الحمد، وكم يا الهي من عثرة قد أقلتها فلك الحمد،

1 - 2 - الفقيه 1: 321، عنه الوسائل 3: 330.
193

وكم يا الهى من محنة قد أزلتها فلك الحمد، وكم يا الهي من حلقة 1 ضيقة قد
فككتها فلك الحمد.
سبحانك لم تزل عالما كاملا، أولا آخرا، ظاهرا باطنا، ملكا عظيما،
أزليا قديما، عزيزا حكيما، رؤوفا رحيما، جواد كريما، سميعا بصيرا، لطيفا
خبيرا، عليا كبيرا، عليما قديرا، لا إله إلا أنت، سبحانك وتعاليت أستغفرك
وأتوب إليك وأنت التواب الرحيم.
اللهم إني اشهد بحقيقة ايمانى 2، وعقد عزائمي 3 وايقاني، وحقائق
ظنوني ومجاري سيول مدامعي 4، ومساغ 5 مطعمي، ولذة مشربي، ومشامي 6
ولفظي، وقيامي وقعودي، ومنامي، وركوعي وسجودي، وبشرى وعصبي
وقصبي 7، ولحمي ودمى، ومخي وعظامي، وما احتويت عليه شراسيف 8
أضلاعي وما أطبقت عليه 9 شفتاي، وما أقطعت الأرض من قدمي، أنك أنت
الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، الها واحدا أحدا فردا صمدا،
لم تتخذ صاحبة ولا ولدا ولا ولدا ولم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد.
وكيف لا اشهد لك بذلك يا سيدي ومولاي وأنت خلقتني بشرا سويا 10،
ولك أك شيئا مذكورا، وكنت يا مولاي عن خلقي غنيا وربيتني طفلا صغيرا،
وهديتني للاسلام كبيرا، ولولا رحمتك إياي لكنت من الهالكين، نعم فلا اله

1 - الحلقة: الضيقة: استعيرت للضيق الشديد اللازم.
2 - بحقيقة ايمانى: أي بما حق وثبت بها ايمانى من العقائد الحقة.
3 - عقد عزائمي: ما عقدت عليه قلبي.
4 - المدامع: المآفي، وهي أطراف العين.
5 - ساغ الشراب: سهل مدخلة في الحلق.
6 - المشام: آلة الشم أو مكانه.
7 - القصب: العظام المجوفة.
8 - الشر سوف: غضروف معلق بكل ضلع أو مقط الضلع.
9 - أطبقت الشئ على الشئ: غطيته به.
10 - بشرا سويا: مستوى الأعظاء حسن الخلق.
194

الا الله كلمة حق من قالها سعد وعز، ومن استكبر عنها شقى وذل، ولا إله إلا الله
وحده شريك له كلمة خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، بها
رضى الرحمان، وسخط الشيطان.
والحمد لله أضعاف ما حمده جميع خلقه من الأولين والآخرين، وكما
يحب ربنا، الله لا إله إلا هو ويرضى أن تحمد، وكما ينبغي لكرم وجه ربنا
وعز جلاله وعظم ربوبيته ومداد كلماته، وكما هو أهله.
وسبحان الله أضعاف ما سبحه جميع خلقه من الأولين والآخرين وكما
يحب ربنا الله لا إله إلا هو، ويرضى أن يسبح وكما ينبغي لكرم وجه ربنا
وعز جلاله وعظم ربوبيته ومداد كلماته وكما هو أهله.
ولا إله إلا الله وحده لا شريك له الها واحدا أحدا فردا صمدا لم يتخذ
صاحبة ولا ولدا ولم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، اضعاف ما هلله جميع
خلقه من الأولين والآخرين وكما يحب ربنا الله لا إله إلا هو ويرضى أن
يهلل، وكما ينبغي لكرم رجه ربنا وعز جلاله وعظم ربوبيته ومداد كلماته
وكما هو أهله.
والله أكبر أضعاف ما كبره جميع خلقه من الأولين والآخرين، وكما
يحب ربنا الله لا إله إلا هو ويرضى أن يكبر، وكما ينبغي لكرم وجه ربنا
وعز جلاله وعظم ربوبيته ومداد كلماته وكما هو أهله.
وأستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم غفار الذنوب وأتوب إليه،
وأسأله أن يتوب على أضعاف ما استغفره جميع خلفه من الأولين والآخرين،
وكما يحب ربنا الله لا اله هو ويرضى أن يستغفر، وكما ينبغي لكرم وجه
ربنا وعز جلاله وعظم ربوبيته ومداد كلماته وكما هو أهله.
اللهم يا الله يا رب، يا رحمان يا رحيم، يا ملك يا قدوس، يا سلام يا مؤمن،
يا مهيمن يا عزيز، يا جبار يا متكبر، يا كبير يا خالق، يا بارى يا مصور، يا حكيم
يا خبير، يا سميع يا بصير، يا عالم يا عليم، يا جواد يا كريم، يا حليم يا قديم، يا غنى.
195

يا عظيم يا متعالي، يا عالي يا محيط، يا رؤوف 1 يا غفور 2 يا ودود 3، يا شكور
يا جليل، يا جميل، يا حميد يا مجيد، يا مبدي يا معيد، يا فعالا لما يريد يا باعث
يا وارث 4 يا قدير يا مقتدر، يا صمد يا قاهر يا تواب يا بار، يا قوي يا بديع، يا وكيل
يا كفيل.
يا قريب يا مجيب، يا أول يا رازق يا منير، يا ولي يا هادي، يا ناصر يا واسع،
يا محيى يا مميت، يا قابض يا باسط، يا قائم يا شهيد يا رقيب يا حبيب يا مالك
يا نور، يا رفيع يا مولى، يا ظاهر يا باطن، يا أول يا آخر، يا طاهر يا مطهر، يا لطيف
يا حفي 5، يا خالق يا مليك، يا فتاح يا علام، يا شاكر يا أحد، يا غفار.
يا ذا الطول يا ذا الحول، يا معين يا ذا العرش، يا ذا الجلال والاكرام،
يا مستعان يا غالب يا مغيث يا محمود يا معبود، يا محسن يا مجمل يا فرد، يا حنان
يا منان، يا قديم الاحسان.
أسألك بحق هذه الأسماء وبحق أسمائك كلها، ما علمت منها
وما لم أعلم، أن تصلى على محمد نبيك ورسولك وخيرتك من خلقك، وعلى
آل محمد الطيبين الأخيار الطاهرين الأبرار، وأن تفرج عنى كل غم وهم
وكرب وضر وضيق أنا فيه، وتوسع على في رزقي أبدا ما أحييتني، و تبلغني
أملى سريعا عاجلا.
وتكتب أعدائي 6 وحسادي، وذوي التعزز على، والظلم لي و التعدي
على، وتنصرني عليهم، برحمتك وتكفني أمرهم بعزتك، وتجعلني الظاهر
عليهم بقدرتك وغالب مشيتك يا أرحم الراحمين، آمين رب العالمين، وصلى

1 - الرؤوف: الرحيم بعباده العطوف عليهم بألطافه، والرأفة أدق من الرحمة.
2 - الغفر: التغطية، والغفور بمعنى الساتر للذنوب والعيوب.
3 - الودود: فعول بمعنى الفاعل أي يحب عباده الصالحين، أو بمعنى المفعول أي محبوب في قلوبهم.
4 - الوارث: هو الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم.
5 - الحفى: المبالغ في الاكرام والبر واظهار السرور.
6 - كبت الله العدو: أهلكه وأذله.
196

الله على محمد 1 خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وسلم
تسليما كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل 2.
وتقول إذا خرجت من منزلك تريد المصلى:
بسم الله وبالله، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر
الله أكبر ولله الحمد، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن
هدينا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق.
اللهم يا الله يا الله يا الله يا كهيعص، يا نور كل نور، يا مدبر الأمور، يا الله
يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين، ويا ولي المؤمنين، يا ارحم الراحمين،
يا رحمان يا رحيم، يا جواد يا كريم، يا سميع يا عليم.
اغفر لي الذنوب التي تزيل النعم، واغفر لي الذنوب التي تنزل النقم،
واغفر لي الذنوب التي تأخذ بالكظم 3، واغفر لي الذنوب التي تحل السقم،
واغفر لي الذنوب التي تهتك العصم 4، واغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء،
واغفر لي الذنوب التي تورث الشقاء، واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء،
(واغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء) 5.
واغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء، واغفر لي الذنوب التي تمسك
غيث السماء، واغفر لي الذنوب التي تكدر الصفاء 6، واغفر لي الذنوب
التي أتيتها تعمدا أو خطأ، انك سميع قريب مجيب، الحمد لله كما ينبغي
لكرم وجه ربنا وعز جلاله.
اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة يا ذا الجلال

1 - صلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله والصالحون من عباده على محمد (خ ل).
2 - عنه البحار 98: 295، 91: 47.
3 - يقال: اخذ بكظمه أي كربه وغمه.
4 - الهتك: خرق الستر، والعصم جمع العصمة، وهي ما يعتصم به.
5 - من البحار.
6 - الصفا - بالقصر - جمع الصفاة، وهي الصخرة الملساء.
197

والاكرام، انى أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا، وأشهدك انى اشهد ان
لا إله إلا الله وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد وأنت على كل
شئ قدير.
وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك صلى الله عليه وآله وسلم، واشهد ان
وعدك حق، وان لقاءك حق، وان الساعة آتيه لا ريب فيها، وانك تبعث من
في القبور واشهد 1 انك ان تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة 2 وذنب
وخطيئة، وانى لا أثق الا برحمتك، فاجعل لي عندك عهدا تؤديه إلى يوم
ألقاك انك لا تخلف الميعاد، واغفر لي ذنوبي كلها صغيرها وكبيرها، انه
لا يغفر الذنوب الا أنت، وتب على انك أنت التواب الرحيم.
وتقول وأنت في الطريق:
بسم الله وبالله، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر 3، الله
أكبر ولله الحمد، الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين 4 وانا إلى
ربنا لمنقلبون.
بسم الله مخرجي، وباذنه خرجت، ومرضاته اتبعت وعليه توكلت، واليه
فوضت امرى وهو حسبي ونعم الوكيل، توكلت على الاله الأكبر، توكل
مفوض إليه.
اللهم يا الله يا رحمان، يا علي يا عظيم، يا أحد يا صمد، يا فرد يا رحيم
يا وتر، يا سميع يا عليم، يا عالم يا كبير يا متكبر، يا حليل يا جميل، يا حليم

1 - عوزة (خ ل)، أقول: العورة: كل ما يستحى منه وكل حال يتخوف منه، عوز الرجل: افتقر.
2 - أشهدك (خ ل).
3 - زيادة: لا إله إلا الله والله أكبر (خ ل).
4 - مقرنين: مطيقين.
5 - الموتر: الفرد.
198

يا كريم، يا قوي يا وفى، يا عزيز يا مكون، يا حنان يا منان، يا مؤمن يا مهيمن 1،
يا عزيز يا جبار.
يا قديم يا متعالي، يا معين يا تواب يا وهاب يا باعث يا وارث، يا حميد
يا مجيد يا معبود، يا موجود يا ظاهر يا باطن، يا طاهر يا مطهر، يا مكنون يا مخزون،
يا أول يا آخر، يا حي يا قيوم يا شامخ، يا واسع يا سلام يا رفيع يا مرتفع يا نور.
يا ذا الجلال والاكرام، يا ذا العزة والسلطان، أسألك ان تصلى على
محمد وآل محمد وان تفرج عنى كل هم وغم وكرب انا فيه، وتقضى جميع
حوائجي و تبلغني غاية املى، وتكبت 2 أعدائي وحسادي، وتكفيني أمر كل
مؤذ لي سريعا عاجلا، انك على كل شئ قدير.
فإذا دخلت إلى المصلى وجلست في الموضع الذي تصلى فيه، تقول:
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر 3 ولله الحمد،
يا واسع لا يضيق، ويا حسنا عائدته، يا ملبسا فضل رحمته، يا مهابا لشدة
هائبا 5 لك، يقول: رب عملت سوء وظلمت نفسي، فلمغفرتك خرجت
إليك.
استجير بك في خروجي مما أخاف واحذر، وبعز جلالك استجير من
كل سوء ومكروه ومحذور، وباسمك الذي تسميت به، وجعلته مع قوتك،
ومع قدرتك، ومع سلطانك، وصيرته في قبضتك، ونورته بكلماتك، وألبسته
وقارها منك.

1 - المهيمن: الرقيب، الشاهد.
2 - كبت الله عدوه: أهلكه وذلله.
3 - لا اله الله والله أكبر (خ ل).
4 - الضرير: من اصابه الضر وسوء الحال.
5 - هابه: خافه واتقاه وحذره.
199

يا الله، اطلبه إليك ان تصلى على محمد وآل محمد، وان تمحو 1 عنى
كل كبيرة أتيتها، وكل خطيئة ارتكبتها، وكل سيئة اكتسبتها، وكل سوء
ومكروه، ومخوف ومحذور ارهب، وكل ضيق انا فيه.
فانى بك لا إله إلا أنت، وباسمك الذي فيه تفسير الأمور كلها، هذا
اعترافي فلا تخذلني، وهب لي عافية شاملة كافية، ونجني من كل أمر
عظيم ومكروه جسيم، هلكت فتلافني 2 بحق حقوقك كلها، يا كريم يا رب
بحبي 3 محمد بن عبد الله عبدك، شديد حياؤه من تعرضه لرحمتك، لاصراره
على ما نهيته عنه من الذنب العظيم، يا عظيم يا عظيم يا عظيم.
ما أتيت به لا يعلمه غيرك، قد شمت بي فيه القريب والبعيد، واسلمني
فيه العدو والحبيب، وألقيت بيدي إليك، طمعا لأمر واحد وطمعي ذلك في
رحمتك، فارحمني يا ذا الرحمة الواسعة، وتلافني بالمغفرة من الذنوب.
انى أسألك بعز ذلك الاسم الذي ملأ كل شئ دونك ان تصلى على
محمد وآل محمد، وان ترحمني باستجارتي بك إليك، باسمك هذا يا رحيم،
أتيت هذا المصلى تائبا مما اقترفت 4، فاغفر لي تبعته، وعافني من اتباعه
بعد مقامي، يا كريم يا رحمان يا رحيم، آمين رب العالمين.
اللهم يا محل كنوز أهل الغنى، ويا مغنى أهل الفاقة بسعة تلك الكنوز
بالعيادة عليهم والنظر لهم، يا الله لا يسمى غيرك الها، إنما الألهة كلها
معبودة بالفرية 5 عليك والكذب، لا إله إلا أنت يا ساد الفقراء يا كاشف
الضر، يا جابر الكسير، يا عالم السرائر والضمائر، صل على محمد وعلى آل
محمد، وارحم هربي إليك من فقرى.

1 - تمحق (خ ل).
2 - في الموضعين: فتلافنى، أقول: تلافيته: تداركته.
3 - بحق (خ ل).
4 - الاقتراب: الاكتساب.
5 - الفرية: الكذب واختلاقه.
200

أسألك باسمك الحال في غناك، الذي لا يفتقر ذاكره ابدا، ان تعيذني
من لزوم فقر انسى به الدين، أو بسوء غنى افتتن به عن الطاعة، بحق نور
أسمائك كلها، اطلب إليك من رزقك ما توسع به على، وتكفني به عن
معاصيك وتعصمني به في ديني، لا أجد لي غيرك.
مقادير الأرزاق عندك، فانفعني من قدرتك بي فيها بما ينزع ما نزع بي
من الفقر، يا غنى يا قوى يا متين، يا ممتننا على أهل الصبر بالدعة 1 التي
أدخلتها عليهم بطاعتك، لا حول ولا قوة الا بك، وقد فدحتني 2 المحن
وأفنتني واعيتنى 3 المسالك للروح منها، واضطرنى إليك الطمع فيها مع
حسن الرجاء لك فيها.
فهربت بنفسي إليك، وانقطعت إليك بضري، ورجوتك لدعائي، أنت
مالكي فاغننى، واجبر مصيبتي بجلاء كربها، وادخالك الصبر على فيها،
فإنك ان حلت بيني وبين ما انا فيه هلكت ولا صبر لي، يا ذا الاسم الجامع
الذي فيه عظم الشؤون كلها، بحقك يا سيدي صل على محمد وآل محمد،
وأغنني بأن تفرج عنى يا كريم 4.
فصل (7)
فيما نذكره من صفة صلاة العيد يوم الأضحى
اعلم اننا قدمنا في صفة صلاة عيد الفطر رواية تتضمن دعاء واحدا للتكبيرات،
وقد وجدنا عدة روايات فيها لكل تكبيرة من صلاة العيد دعاء جديد، فاخترنا لله جل
جلاله ان نذكر هاهنا منها ليكون لكل عيد صلاة منفردة، استظهارا للظفر

1 - الدعة: الخفض.
2 - فدحه الأمر أو دين: أثقله وبهظه.
3 - أعفتني (خ ل)، أعيتني المسالك: أي حيرتني وملتني الطرق التي سلكتها للروح من المحن فلم يتسير لي ذلك.
4 - عنه البحار 91: 50 - 53.
201

بالفضل عنها، فنقول:
أخبرنا جماعة قد ذكرنا أسمائهم في الجزء الأول من المهمات، بطرقهم المرضيات
إلى مشائخ المعظمين محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله وجعفر بن قولويه وأبى
جعفر الطوسي وغيرهم، باسنادهم جميعا إلى سعد بن عبد الله من كتاب فضل الدعاء،
المتفق على ثقته وفضله وعدالته، باسناده فيه إلى أبى عبد الله عليه السلام قال:
صلاة العيدين: تكبر فيها اثنتي عشرة تكبيرة، سبع تكبيرات في الأولى، وخمس
تكبيرات في الثانية، تكبر باستفتاح الصلاة، ثم تقرء الحمد وسورة (سبح اسم ربك
الاعلى)، ثم تكبر فتقول:
الله أكبر، أهل الكبرياء والعظمة، والجلال والقدرة، والسلطان والعزة،
والمغفرة والرحمة، الله أكبر، أول كل شئ وآخر كل شئ، وبديع كل
شئ ومنتهاه، وعالم كل شئ ومنتهاه.
الله أكبر مدبر الأمور، باعث من في القبور، قابل الأعمال، مبدي
الخفيات، معلن السرائر، ومصير كل شئ ومرده إليه، الله أكبر، عظيم
الملكوت، شديد الجبروت، حي لا يموت، الله أكبر، دائم لا يزول، فإذا
قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.
ثم تكبر وتركع وتسجد سجدتين، فذلك سبع تكبيرات: أولها استفتاح الصلاة
وآخرها تكبيرة الركوع، وتقول في ركوعك:
خشع قلبي وسمعي وبصرى، وشعرى وبشرى، وما أقلت الأرض 1 منى
لله رب العالمين، سبحان ربى العظيم وبحمده - ثلاث مرات.
فان أحببت ان تزيد فزد ما شئت، ثم ترفع رأسك من الركوع، وتعتدل وتقيم
صلبك وتقول:
الحمد لله، والحول والعظمة، والقوة والعزة، والسلطان والملك،

1 - أقلت الأرض: حملته من جوارحي واعضائى.
202

والجبروت والكبرياء، وما سكن في الليل والنهار لله رب العالمين، لا شريك
له.
ثم تسجد وتقول في سجودك:
سجد وجهي البالي، الفاني الخاطى المذنب، لوجهك الباقي الدائم
العزيز الحكيم، غير مستنكف ولا مستحسر 1 ولا مستعظم ولا متجبر، بل بائس
فقير خائف مستجير عبد ذليل مهين 2 حقير، سبحانك وبحمدك استغفرك
وأتوب إليك.
ثم تسبح وترفع رأسك وتقول:
اللهم صل على محمد وعلى وفاطمة، والحسن والحسين والأئمة، واغفر
لي وارحمني، ولا تقطع بي 3 عن محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة،
واجعلني معهم وفيهم وفى زمرتهم ومن المقربين، آمين يا رب العالمين.
ثم تسجد الثانية وتقول مثل الذي قلت في الأولى، فإذا نهضت في الثانية، تقول:
برئت إلى الله من الحول والقوة، ولا حول ولا قوة الا بالله.
ثم تقرأ فاتحة الكتاب وسورة (والشمس وضحها)، ثم تكبر وتقول:
الله أكبر خشعت 4 لك يا رب الأصوات، وعنت لك الوجوه، وحارت من
دونك الابصار، الله أكبر كلت الألسن عن صفة عظمتك، والنواصي كلها
بيدك، ومقادير الأمور كلها إليك، لا يقضى فيها غيرك، ولا يتم منها شئ
دونك 5.
(الله أكبر أحاط بكل شئ علمك 6، وقهر كل شئ عزك، ونفد في

1 - حسر: أعيا وتعب.
2 - المهين: الحقير والضعيف.
3 - في القاموس: قطع بزيد فهو مقطوع به، عجز عن سفره بأي سبب كان، أوصل بينه وبين ما يؤمله.
4 - أي لا تصير تماما الا بمشيتك.
6 - في الفقيه: حفظك.
203

كل شئ امرك، وقائم كل شئ بك) 1، الله أكبر، تواضع كل شئ
لعظمتك، وذل كل شئ لعزتك، واستسلم كل شئ لقدرتك، وخضع كل
شئ لملكك، الله أكبر.
ثم تكبر وتقول وأنت راكع مثل ما قلت في ركوعك الأول، وكذلك في السجود
ما قلت في الركعة الأولى، ثم تتشهد بما تتشهد به في سائر الصلوات، فإذا فرغت دعوت
بما أجبت للدين والدنيا 2.
أقول: ومن غير هذه الرواية: فإذا فرغت من صلاة عيد الأضحى فادع بهذا الدعاء:
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد،
لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الها
واحدا ونحن له مسلمون، لا إله إلا الله لا نعبد الا إياه ولو كره المشركون 3.
لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأولين، لا إله إلا الله وحده وحده، انجز
وعده، ونصر عبده (وأعز جنده 4، وهزم الأحزاب وحده، فله الملك وله
الحمد وهو على كل شئ قدير.
سبحان الله كلما سبح الله شئ وكما يحب الله ان يسبح وكما ينبغي
لكرم وجهه وعز جلاله، والله أكبر كلما كبر الله شئ وكما يحب الله ان
يكبر وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، والحمد لله كلما حمد الله شئ
وكما يحب الله ان يحمد وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.
ولا إله إلا الله كلما هلل الله شئ وكما يحب الله ان يهلل وكما
ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، وسبحان الله والحمد لله عدد الشفع والوتر،
وعدد كل نعمة انعمها الله على، وعلى أحد من خلقه، ممن كان أو يكون

1 - ليس في بعض النسخ.
2 - عنه البحار 91: 60 - 62، رواه في الفقيه 1: 512، 523.
3 - الكافرون (خ ل).
4 - من البحار.
204

إلى يوم القيامة.
أعيد نفسي وديني وسمعي وبصرى وجسدي وجميع جوارحي، وما أقلت
الأرض منى، وأهلي ومالي وولدي وجميع جوارحي، ومن تشمله عنايتي 1،
وجميع ما رزقتني يا رب وكل من يعنيني امره، بالله الذي لا إله إلا هو الحي
القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم. له ما في السماوات وما في الأرض، من ذا الذي
يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يحيطون بشئ من
علمه، الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما، وهو
العلي العظيم.
قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل ان تنقد كلمات
ربى ولو جئنا بمثله مدادا * قل إنما انا بشر مثلكم يوحى إلى إنما إلهكم اله
واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا.
والصافات صفا * فالزاجرات زجرا * فالتاليات ذكرا * ان إلهكم
لواحد * رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق * انا زينا السماء
الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسمعون إلى الملاء
الاعلى ويقذفون من كل جانب دحورا 2 ولهم عذاب واصب * الا من
خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب * فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا
انا خلقناهم من طين لازب * سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام
على المرسلين * والحمد لله رب العالمين.
يا معشر الجن والإنس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السماوات
والأرض فانفذوا 4 لا تنفذون الا بسلطان 5 * فبأي آلاء ربكما تكذبان *

1 - عنايتي: إعتنائي واهتمامي بأمره.
2 - دحره: منعه.
3 - الواصب: الدائم.
4 فانفذوا: فاخرجوا.
5 - بسلطان: بقوة وقهر.
205

يرسل عليكما شواظ 1 من نار ونحاس 2 فلا تنتصران * فبأي آلاء ربكما
تكذبان.
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله *
وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون * هو الله الذي لا اله هو
عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو
الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله
عما يشركون * هو الله الخالق الباري المصور له الأسماء الحسنى يسبح له
ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.
قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد.
قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وهب * ومن
شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد.
قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * اله الناس * من شر الوسواس
الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس.
اللهم انك ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الاعلى، وان إليك 3 الرجعي 4
والمنتهى، ولك الآخرة والأولى، اللهم انا نعوذ بك من أن نذل 5 أو نخزى 6،
اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وآله، بأفضل صلواتك، واغفر لي
ولوالدي وما ولدا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات،
الاحياء منهم والأموات والاهل والقربات.
استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، لجميع ظلمي وجرمي

1 - الشواظ: لهب لا دخان فيه.
2 - النحاس: الدخان أو الصفر المذاب يصب على رؤوسهم.
3 - واليك (خ ل).
4 - الرجعي: الرجوع، أي إليك رجوع الخلائق للجزاء والحساب.
5 - نعوذ بك ان نذل (خ ل).
6 - الخزي: الذل والهوان.
206

وذنوبي واسرافي على نفسي وأتوب إليه، اللهم اجعل في قلبي نورا، وفى
سمعي نورا، وفى بصرى نورا، ومن بين يدي نورا، ومن خلقي نورا، ومن
فوقى نورا، ومن تحتي نورا وأعظم لي النور، واجعل لي نورا أمشي به في
الناس ولا تحرمني نورك 1 يوم ألقاك.
ان في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار * لايات لأولي الألباب
* الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في
خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا * سبحانك فقنا عذاب
النار.
ربنا انك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار * ربنا اننا
سمعنا مناديا ينادى للايمان ان آمنوا بربكم فأمنا * ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر
عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار * ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم
القيامة انك لا تخلف الميعاد.
سبحان رب الصباح الصالح، فالق الاصباح 2، وجاعل الليل سكنا
والشمس والقمر حسبانا 3، اللهم اجعل أول يومى هذا صلاحا وأوسطه فلاحا
واخره نجاحا، اللهم من أصبح وحاجته إلى مخلوق وطلبته 4 إليه، فان
حاجتي وطلبتي إليك لا شريك لك.
الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات
وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين أيديهم
وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات
والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم.

1 - من نورك (خ ل).
2 - فالق الاصباح: شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل أو عن بياض النهار، أو شاق ظلمة الاصباح وهو الغبش الذي
يليه.
3 - حسبانا: على ادوار مختلفة تحسب بها الأوقات.
4 - الطلبة: ما طلبته من شئ.
207

لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن
بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم * الله ولى
الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت
يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد
ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن
شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا
حسد.
بسم الله الرحمن الرحيم * قل أعوذ برب الناس * ملك الناس اله
الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من
الجنة والناس.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد
لله العالمين.
اللهم إني أسألك بأسمائك التي إذا دعيت بها على مغالق أبواب
السماء 1 للفتح انفتحت، وأسألك بأسمائك التي إذا دعيت بها على مضائق
الأرضين للفرج انفرجت، وأسألك بأسمائك التي إذا دعيت بها على
البأساء والضراء للكشف انكشفت 2، وأسألك بأسمائك التي إذا دعيت بها
على أبواب العسر لليسر تيسرت.
وأسألك بأسمائك التي إذا دعيت بها على الأموات للنشور انتشرت، ان
تصلى على محمد وآل محمد، وان تعرفني بركة هذا اليوم ويمينه، وترزقني
خيره وتصرف عنى شره، وتكتبني فيه من خيار حجاج بيتك الحرام،

1 - في البحار: السماوات.
2 - تكشفت (خ ل).
208

المبرور حجهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنوبهم، المكفر عنهم سيئاتهم،
وان توسع على في رزقي، وتقضى عنى ديني، وتؤدى عنى أمانتي،
وتكشف (عنى) 1 ضري، وتفرج عنى همى وغمى وكربي، وتبلغنى سريعا
عاجلا، وتخير لي وتختار لي، برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعل اسمى في هذا اليوم في
السعداء وروح مع الشهداء، وإحساني في عليين، وإساءتي مغفورة، وهب
لي يقينا تباشر به قلبي، وايمانا يذهب بالشك عنى، وآتني في الدنيا حسنة
وفى الآخرة حسنة وقني عذاب النار 2.
وتدعو أيضا في يوم عيد الأضحى فتقول:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، ولله الحمد، اللهم ربنا
لك الحمد كما ينبغي لعز سلطانك وجلال وجهك، لا إله إلا أنت الحليم
الكريم، وسبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، والحمد
لله رب العالمين.
اللهم إني أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم الحي القيوم
لا تأخذه سنة ولا نوم، لا إله إلا الله الها واحدا له الملك وله الحمد يحيى
ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.
اللهم إني أسألك بمعاقد العز 3 من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك،
وباسمك العظيم وجدك 4 الاعلى، وبكلماتك التامات التي لا يجاوزهن بر
ولا فاجر.

1 - من البحار.
2 - عنه البحار 91: 63 - 67.
ا - بمعاقد العز من عرشك: أي بالخصال التي استحق بها العرش العز وبمواضع انعقادها منه.
4 - الجد، هنا بمعنى العظمة والغناء.
209

وأسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم، الذي لا إله إلا هو الحي
القيوم، المحيى المميت الغفور الودود، ذو العرش المجيد، الفعال لما يريد،
الحي القيوم الذي لا يموت، قدوس قدوس.
تباركت 1 وتعاليت خالق ما يرى وما لا يرى، فإنك بديع لم يكن قبلك
شئ، وسميع لم يكن دونك شئ، ورفيع لم يكن فوقك شئ، أسألك
باسمك المخزون المكنون، وباسمك التام النور، وباسمك الطهر الطاهر.
وباسمك الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، وإذا
سميت به رضيت، ان تصلى على محمد وآل محمد وان ترحمني وترحم
والدي وما ولدا، والمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، والقانتين
والقانتات 2، والذاكرين الله كثيرا والذاكرات، وان تفرج عنى همى وغمى
وكربي وضيق صدري، وتقضى عنى ديوني، وتؤدى عنى أمانتي، وتوصلني
إلى بغيتي 3، وتسهل لي محنتي 4، وتيسر لي إرادتي سريعا عاجلا، انك
قريب مجيب.
اللهم اشرح صدري للاسلام، وزيني بالايمان، وألبسني التقوى، وقني
عذاب النار، اللهم رب النجوم السائرة أ ورب البحار الجارية، ورب الدنيا
والآخرة، مالك 6 الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز
من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير، انك على كل شئ قدير.
رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطى منهما ما تشاء وتمنع منهما
ما تشاء، اقض عنى ديني، وفرج عنى كل هم وبلاء، انك سميع الدعاء

1 - تباركت: تكاثر خيرك، من البركة، وهي كثرة الخير.
2 - القنوب: الطاعة، والدعاء المخصوص في الصلاة.
3 - البغية: الحاجة.
4 - محبتي (خ ل).
5 - الشرح: الفتح والكشف.
6 - ومالك (خ ل).
210

فعال لما يشاء قريب مجيب.
اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إلى، واجعل أخوف الأشياء عندي
خوفك، وارزقني الشوق إلى لقائك وأقرر عيني بعبادك.
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الها واحدا فردا صمدا، لم يتخذ
صاحبة ولا ولدا، ولم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، لا إله إلا الله اختم
بها عملي، لا إله إلا الله عند خروج نفسي، لا إله إلا الله أسكن بها قبري،
لا إله إلا الله القى بها ربى.
اللهم لك الحمد حمدا على حمد، ولكل أسمائك حمد، وفى كل
شئ لك حمد، وكل شئ لك عبد.
اللهم لك الحمد حمدا على حمد، حمدا دائما ابدا خالدا لخلودك وزنة
عرشك، وكما ينبغي لكرم وجهك وعز جلالك وعظم ربوبيتك، وكما أنت
أهله، اللهم لك الحمد على البأساء، ولك الحمد على الضراء، حمدا يوافي
نعمك ويكافى 1 مزيدك.
اللهم أنت نور السماوات والأرض، وضياء السماوات والأرض، وملك
السماوات والأرض وقيوم السماوات والأرض، أنت ذو العز والفضل،
والعظمة والكبرياء، والقدرة على خلقك.
اللهم إني أسألك بأسمائك كلها، يا الله يا الله يا الله، لا إله إلا أنت
يا الله، أسألك بأسمائك يا قديم يا قدير يا دائم، يا فرد يا وتر، يا أحد يا صمد،
يامن لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
اللهم إني أسألك يا نور كل شئ وهدى كل شئ 2، ومالك كل
شئ، ومنتهى كل شئ، ومميت كل شئ ومحيى كل شئ، وخالق
كل شئ، أنت الخالق الباري، لك البقاء و يفنى كل شئ.

1 - يكافى: يجازى ويماثل.
2 - وصاحب كل شئ (خ ل).
211

اللهم إني أسألك بأسمائك كلها مع اسمك العظيم رب العرش العظيم،
لا إله إلا أنت أسألك بوجهك الكريم ونورك القديم، وعفوك العظيم، لا إله إلا أنت
يا كريم، اللهم إني أسألك بلا اله الا أنت، وبأسمائك الذي خلقت
به النور الذي أضاء كل شئ.
وأسألك باسمك الذي خلقت به الظلمة التي أطبقت على كل شئ،
وأسألك باسمك الذي به خلقت الخلق وبه تميت الخلق، به به به، أسألك
يا جميل يا حي يا قيوم، يا باعث يا وارث، يا ذا الجلال والاكرام.
أسألك باسمك العظيم الذي خلقت به العرش العظيم، فإنك خلقته
بأسمائك العظيم، وأسألك باسمك الذي طوقت به حملة العرش حين
حملتهم، وأسألك باسمك الذي به أحطت الأرض فإنه اسمك، يا الله يا رب
يا رب يا رب، أسألك باسمك الذي خلقت به الملائكة الخارجين من
الأقطار، فإنك خلقتهم باسمك العزيز، يا قريب يا مجيب يا باعث يا وارث.
أسألك ان تصلى على محمد وآل محمد 1، وان تفرج عنى كل هم وغم
وكرب وضر وضيق انا فيه، وان تستنقذنى من ورطتي 2، وتخلصني من
محنتي، وان تبلغني املى سريعا عاجلا، برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم يا الله يا قديم الاحسان، يا دائم المعروف، يامن لا يشغله سمع عن
سمع، ولا يغلطه ولا يضجره الحاح الملحين، ولا يشغله شأن عن شأن،
ولا يتعاظمه الحوائج، يا مطلق الاطلاق، يا مدر الأرزاق، يا فتاح الاغلاق،
يا منقذ من في الوثاق 3، يا واحد يا رازق 4 صل على محمد وآل محمد واقض لي
جميع حوائجي واكشف ضري، فإنه لا يكشفه أحد سواك، يا ارحم الراحمين.

1 - الورطة: الهلكة وكل أمر تعسر النجاء منه.
2 - وآل محمد (خ ل).
3 - الوثاق: ما يشد به.
4 - رزاق (خ ل).
212

اللهم قد 1 اكدى 2 الطلب واعيت الحيل الا عندك، وسدت المذاهب
وضاقت الطرق الا إليك 3، واختلف الظن الا بك، وتصرمت 4 الأشياء
وكذبت العداة الا عدتك.
اللهم وانى أجد سبل المطالب إليك مشرعة 5، ومناهل 6 الرجاء إليك
مترعة 7، والاستعانة بفضلك لمن ائتم بك مباحة، وأبواب الدعاء لمن
دعاك مفتحة، واعلم انك لداعيك بموضع إجابة، وللصارخ إليك بمرصد 8
إغاثة، وان القاصد إليك قريب المسافة، ومناجاة الراحل إليك غير محجوبة
عن اسماعك، وان اللهف 9 إلى جودك والرضا بعدتك والاستغاثة بفضلك
عوض عن منع الباخلين، وخلف من ختل 10 الوارثين.
اللهم وانى أقصدك بطلبتي و أتوجه إليك بمسألتي رغبتي،
واجعل بك استغاثتي، وبدعائك تحرمي 11، من غير استحقاق منى
لاستماعك ولا استيجاب لاجابتك، عن بسط يد إلى طاعتك، أو قبض يدمن
معاصيك، ولا اتعاظ منى لزجرك، ولا احجام 12 عن نهيك الا لجاء إلى
توحيدك ومعرفتك، بمعرفتي 13 ان لا رب لي غيرك، ولا قوة ولا استعانة الا بك.

1 - وقد (خ ل).
2 - كدى الرجل: عجز ولم ينفع.
3 - زيادة: وخابت الثقة (خ ل).
4 - تصرمت الأشياء: تقطعت.
5 - الشارع: الطريق الأعظم، والشريعة: مورد الإبل على الماء الجاري.
6 - المنهل: المورد، موضع الشرب في الطريق.
7 - ترع الحوض: امتلأ.
8 - المرصد: موضع الترصد والترقيب.
9 - اللاهف: المظلوم المضطر.
10 - ختله: خدعه.
11 - تحرمي: استجارتي وامتناعي من البلايا.
12 - احجام منى (خ ل)، أقول: أحجم عن الشئ: كف، نكص هيبة.
13 - بمعرفة منى (خ ل).
213

إذ تقول يا الهي وسيدي ومولاي لمسرفي عبادك: (لا تقنطوا من رحمة
الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) 1، وتقول لهم افهاما
وموعظة وتكرارا: (ومن يغفر الذنوب الا الله) 2، فارحمنا برحمتك يا ارحم
الراحمين، واكشف ضري ونحيبي إليك، انك السميع العليم.
اللهم يا رب تكذيبا لمن أشرك بك، وردا على من جعل الحمد لغيرك،
تباركت وتعاليت علوا كبيرا، بل أنت الله لك الحمد رب العالمين، أنت
الله العزيز الحكيم، أنت الله العليم الحليم، أنت الله الغفور الرحيم، أنت
الله ملك يوم الدين.
أنت الله خالق كل شئ واليك يعود، أنت الله الذي لا إله إلا أنت،
أنت الله الخالق عالم السر واخفى، لا الا الا أنت الواحد الاحد، الفرد
الصمد، لم تلد ولم تولد ولم يكن له كفوا أحد.
اللهم انك حي لا تموت، وخالق لا تغلب، وبصير لا ترتاب، وسميع
لا تشك، وصادق لا تكذب، وقاهر لا تقهر، وبدى لا تتغير، وقريب لا تبعد
وقادر لا تضاد، وغافر لا تظلم، وصمد لا تطعم، وقيوم لا تنام، ومجيب
لا تسأم، وجبار لا تكلم، وعظيم لا ترام.
وعالم لا تعلم، وقوى لا تضعف، ووفى لا تخلف، وعدل لا تحيف،
وغنى لا تفتقر، وكبير لا تغادر 3، وحكيم لا تجور، وممتنع لا تمانع 4، ومعروف
لا تنكر، ووكيل لا تخفى، وغالب لا تغلب، وبر لا تستأمر 5، وفرد لا تشاور،

1 - الزمر: 53.
2 - آل عمران: 135.
3 - المغادرة: الترك، أي لا تترك شيئا الا أحصيته وجازيت عليه.
4 - لا تمانع: لا يمتنع منك أحد.
5 - لا تستأمر: لا تستشير أحدا في البر والاحسان.
214

ووهاب لا تمل 1، وواسع لا تذهل 2. وجواد لا تبخل، وعزيز لا تغلب، وحافظ
لا تغفل، وقائم لا تنام، ومحتجب لا تزول، ودائم لا تفنى، وباق لا تبلى،
وواحد لا شبيه لك، ومقتدر لا تنازع.
اللهم إني أسألك بان لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان، بديع
السماوات والأرض، ذو الجلال والاكرام، ان تصلى على محمد وآل محمد،
وان تبلغني غاية املى وابعد أمنيتي، وأقصى ارجائي وتكشف ضري، فإنه
لا تكشفه أحد سواك برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم إني أسألك يا نور السماوات والأرضين، ويا عماد 3 السماوات
والأرضين ويا قيوم السماوات والأرضيين، ويا جمال 4 السماوات والأرضين،
و يازين السماوات والأرضين، ويا بديع السماوات والأرضين، و يا ذا الجلال
والاكرام، يا صريخ 5 المستصرخين، يا غياث المستغيثين، يا منتهى رغبة
العابدين، يا منفس 6 عن المكروبين.
يا مفرج عن المغضوبين، يا كاشف الضر، يا مجيب دعوة المضطرين،
يا ارحم الراحمين، يا اله العالمين، منزول بك كل حاجة، يا حنان يا منان يا ذا
الجلال والاكرام، يا نور السماوات والأرضين وما بينهن، ورب العرش
العظيم، يا رب يا رب يا رب.
اللهم إني أسألك بوجهك الكريم النور المشرق، الحي الباقي الدائم،
وبوجهك القدوس الذي أشرقت له السماوات والأرضون، وانفلقت 7 به

1 - لا تمل: لا تسأم من الهبة والعطاء ولو من كثرة السؤال.
2 - لا تذهل: أي لا تفعل.
3 - العماد: ما يعتمد عليه.
4 - الجمال: الحسن.
5 - الصريخ: المغيث.
6 - نفس الله عنه كربته: فرجها.
7 - انفلقت: انشقت.
215

الظلمات ان تصلى على محمد وآل محمد وان تفرج عنى كل هم وغم
وكرب وضر وضيق انا فيه، وان ترحمني وترحم والدي وما ولدا، والمؤمنين
والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الاحياء منهم والأموات، انك على
كل شئ قدير يا ارحم الراحمين.
اللهم إني أسألك يامن لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا تصفه
الواصفون، ولا تعتريه الحوادث ولا تغشاه الدوائر 1، تعلم مثاقيل الجبال
ومكائيل البحار، وعدد قطر الأمطار وورق الأشجار، ولا ارض أرضا، ولا جبل
ما في وعره 2 ولا بحر ما في قعره، ان تجعل خير عمري آخره، وخير عملي
خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك، انك على كل شئ قدير.
اللهم فل 3 عنى حد من نصب لي حده، واطف عنى نار من شب 4 لي
ناره، واكفني هم من ادخل على همه، واعصمني بالسكينة 5 والوقار 6،
وأدخلني في درعك الحصينة، وأدخلني برحمتك في سترك الواقي، يامن
لا يكفي منه شئ اكفني ما أهمني من أمر دنياي وآخرتي يا ارحم
الراحمين.
يا حقيق يا شفيق، يا ركني الوثيق، أخرجني من حلق المضيق، إلى فرج
منك قريب، ولا تحملني يا عزيز بحق عزك مالا أطيق، أنت الله سيدي
ومولاي الملك الحق الحقيق، يا مشرق البرهان، يا قوي الأركان، يامن وجهه
في هذا المكان، احرسني بعينك التي لا تنام، واكفني بكفايتك التي

1 - الدوائر جمع الدائرة: وهي الدولة بالغلبة والنصرة.
2 - وغده (خ ل)، أقول: الوعر: المكان الصلب، المكان المخيف الوحش.
3 - فل السيف: ثلمه، الفلة: الثلمة في حد السيف.
4 - شبب (خ ل)، أقول: شب النار: أوقدها.
5 - السكينة: اطمينان القلب بذكر الله.
6 - الوقار: كون الجوارح مشغولة بطاعة الله.
216

لا ترام 1، اللهم لا أملك وأنت الرجاء، فارحمني برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم رب النور العظيم، ورب الشفع والوتر، ورب البحر المسجور 2،
والبيت المعمور، ورب التوراة والإنجيل 3، ورب القرآن 4 العظيم.
أنت الله اله من في السماوات والأرضين، لا اله فيهما غيرك ولا معبود
سواك، وأنت جبار من في السماوات وجبار من في الأرض لا جبار فيهما
غيرك، وأنت ملك من في السماوات 5 وملك من في الأرض، لا ملك فيهما
غيرك.
أسألك باسمك العظيم وملكك القديم، وباسمك الذي صلح به
الأولون، وبه صلح الآخرون، يا حي قبل كل حي، يا حي لا إله إلا أنت.
أسألك ان تصلى على محمد وعلى آل محمد وان تصلح لي شأني كله،
وان تجعل عملي في المرفوع المتقبل، وهب لي ما وهبت لأوليائك وأهل
طاعتك، فانى مؤمن بك، متوكل عليك، منيب إليك مصيري إليك.
أنت الحنان المنان تعطى الخير من تشاء وتصرفه عمن تشاء، فتوفني
على دين محمد وسنته، وهب لي ما وهبت لعبادك الصالحين يا ارحم
الراحمين.
اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز
من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير، تولج الليل
في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من
الحي، وترزق من تشاء بغير حساب، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما،
تعطى منهما ما تشاء وتمنع منهما ما تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير.

1 - لا ترام: أي لا تقصد بسوء وممانعة.
2 - المسجور: المملو أو المتقد نارا في القيامة.
3 - والزبور (خ ل).
4 - الفرقان (خ ل).
5 - السماء (خ ل).
217

اللهم إني أعوذ بك من الجوع ضجيعا 1، ومن الشر ولوعا 2 اللهم إني أعوذ
بك من النار فإنها بئس المصير وأعوذ بك من الفقر فإنه بئس الضجيع وأعوذ
بك من الشيطان فإنه بئس القرين، وأصبحت وربى محمود، أصبحت
لا ادعو مع الله الها، ولا اتخذ من دونه وليا، ولا أشرك به شيئا.
اللهم يا نور السماوات والأرض، ويا جمال السماوات ويا ذا الجلال والاكرام،
ويا صريخ المستصرخين، و يا مروح عن المكروبين، ويا ارحم الراحمين
ويا كاشف السوء ويا مجيب دعوة المضطرين، ويا اله العالمين، منزول بك
كل حاجة، أنزلت بك اليوم حاجتي.
اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك وفى قبضك، ناصيتي بيدك،
عدل في حكمك، ماض في قضاؤك، فأسألك بحقك على خلقك وبكل
حق هو لك، وبكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته
أحدا من خلقك أو استأثرت 3 به في علم الغيب عندك، وان تجعل القرآن
ربيع قلبي 4 ونور بصرى وجلاء حزني وذهاب همى وغمى، وان تقضى لي
كل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة برحمتك يا ارحم الراحمين، اللهم اغفر
لي ذنوبي واسرافي في امرى وقني عذاب القبر، اللهم يسرني لليسرى
وجنبني العسرى.
اللهم اعصمني بدينك وطاعتك وطاعة رسولك، اللهم أعذني من عذاب
القبر، اللهم أمرتني ان أدعوك، فانى أدعوك ان يغفر لي وترحمني وتقيني

1 - الضجيع المضطجع على جنبه.
2 - ولعت بالشئ: أولع به ولعا.
3 - استأثرت به: تفردت واستبددت به ولم تعلمه أحدا من خلقك.
4 - في النهاية: في الحديث: اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي، جعله ربيعا له لأن الانسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان
ويميل إليه.
218

عذاب 1 النار، اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا والممات وعذاب القبر
ومن فتنة المسيح الدجال 2.
اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو أنزلته في كتبك، أو
علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، وأسألك بنور
وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح به أمر الدنيا والآخرة.
وأسألك يا الله الذي لا إله إلا أنت، بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت
الواحد الاحد، الفرد الصمد، الذي لم تلد ولم تولد ولم تتخذ صاحبة ولا ولدا،
ولم يكن لك كفوا أحد، وأسألك بان لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع
السماوات والأرضين، ذو الجلال والاكرام.
وأسألك باسمك العظيم الأعظم الذي لا شئ أعظم منه ولا أجل منه
ولا أكبر منه، ان تصلى على محمد وآل محمد في الأولين والآخرين، وان
تعطى محمدا الوسيلة، وان تجزى محمدا عن أمته أحسن ما تجزى نبيا عن
أمته، وان تجعلنا في زمرته، وان تسقينا بكأسه، انك ولى ذلك والقادر
عليه.
اللهم عافني ابدا ما أبقيتني وآتني في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة
وقني برحمتك عذاب النار يا ارحم الراحمين، آمين رب العالمين، وصلى
الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما،
وحسبنا الله ونعم الوكيل 3.
وإذا نهضت من مصلاك لتنصرف فقل:
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

1 - من عذاب (خ ل).
2 - فتنة المسيح الدجال، سمى الدجال مسيحا لأن إحدى عينيه ممسوحة، أو المراد به المسيح الكذاب الذي يخرج
قبيل ظهور المسيح الصادق عليه السلام.
3 - عنه البحار 91: 69 - 76.
219

وإذا انصرفت إلى منزلك ودخلته تقول:
بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله
والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، اللهم إني أسألك بأسمائك الرفيعة
الجليلة الكريمة، الحسنة الجميلة، يا حميد يا الله يا الله، يا جليل يا عظيم،
يا كريم يا قادر، يا وارث يا عزيز، يا فرد يا وتر، يا الله يا رحمن يا رحيم، يا الله
يا الله يا الله.
أسألك بأسمائك ومنتهاها التي محلها في نفسك مما لم تسم به أحدا
غيرك، وأسألك بما لا يراه ولا يعلمه من أسمائك غيرك، يا الله، وأسألك
بكل ما نسبت إليه نفسك مما تحبه يا الله.
وأسألك بجملة مسائلك يا الله، وأسألك بكل مسألة أوجبتها حتى انتهى
بها إلى اسمك العظيم الأعظم يا الله، وأسألك بأسمائك الحسنى كلها
يا الله، وأسألك بكل اسم أوجبته حتى انتهى إلى اسمك العظيم الأعظم،
الكبير الأكبر، العلى الاعلى، يا الله.
وأسألك باسمك الكامل الذي فضلته على جميع من يسمى به أحد
غيرك، الذي هو في علم الغيب عندك، يا الله يا الله، يا الله يا الله، يا الله
يا الله يا الله، يا صمد يا رحمان، أدعوك وأسألك بكل ما أنت فيه مما لا اعلمه،
فأسألك به يا الله.
وأسألك بحق هذه الأسماء، وبحق تفسيرها فإنه لا يعلم تفسيرها غيرك،
يا الله، وأسألك بما لا اعلم به وبما لو علمته لسألتك به، وبكل اسم
استأثرت به في علم الغيب عندك يا الله، ان تصلى على محمد عبدك
ورسولك، وان تغفر لنا وترحمنا وتوجب لنا رضوانك والجنة وترزقنا من
فضلك الكثير الواسع، وتجعل لنا من أمرنا فرجا، انك على كل شئ قدير.
اللهم لك الحمد لا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا مانع
لما أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا مؤخر لما قدمت، ولا مقدم لما أخرت،
220

ولا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت 1.
اللهم إني أسألك الغنى يوم العلية، والامن يوم الخوف، وأسألك النعيم
المقيم الذي لا يزول ولا يحول 2.
اللهم إني أسألك بما سألك به محمد عبدك ورسولك من الخير كله،
و أستجير بك مما استجار بك منه محمد عبدك ورسولك من الشر كله، اللهم
أنت ربى فيسر لي امرى، ووفقني في يسر منك وعافية، وادفع عنى السوء
كله، واكفنا شر كل ذي شر، آمين رب العالمين.
اللهم إني أسألك باسمك العظيم الذي به قوام الدين، وباسمك الذي
قامت به السماوات والأرضون، وباسمك الذي تحيى به الموتى، وباسمك
الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت، وبالتوراة والإنجيل 3
والقرآن العظيم، رب جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، ان تعتقني من النار عتقا
ثابتا لا أعود لاثم بعده ابدا.
اللهم اذكرني برحمتك ولا تدركني 4 بخطيئتي، وزدني من فضلك انى
إليك راغب، واجعل دعائي وعملي خالصا (لك) 5، واجعل ثواب منطقي
ومجلسي رضاك عنى، واجعل ثوابي من ذلك الجنة بقدرتك، وزدني من
فضلك انى إليك راغب.
اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت 6، وما أعلنت وما أسررت، وما أنت اعلم
به منى انك على كل شئ قدير، اللهم وما كان من خير فارزقني المداومة
عليه والزيادة منه، حتى تبلغني بذلك جسيم الخير عندك، وتجعله لكل خير

1 - في البحار زيادة: اللهم ابسط علينا بركاتك وفضلك ورحمتك ورزقك.
2 - لا يحول: لا يتغير.
3 - في البحار زيادة: والزبور.
4 - في البحار: لا تذكرني.
5 - من البحار.
6 - ما قدمت، أي ما فعلته في حياتي، وما أخرت أي ما أوصيت به بعد وفاتي.
221

تبعا 1 ونجاة من كل تبعة.
اللهم ارزقني الصوم والصلاة والحج والعمرة وصلت الرحم، وعظم ووسع
رزقي ورزق عيالي، أنت الله قبل كل شئ، وأنت الله بعد كل شئ،
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب
العالمين.
اللهم إني أدعوك دعاء عبد اشتدت 3 فاقته، وضعفت قوته، دعاء من
ليس له رب غيرك، ولا اله الا أنت، ولا مفزع الا إليك، ولا مستغاث الا
بك، ولا ثقة له غيرك، ولا حول له ولا قوة الا بك.
أدعوك (يا خير من دعى و) 4 يا خير من أجاب، ويا خير من تضرع إليه،
(ويا خير من سئل ويا خير من اعطى ويا خير من رغب إليه) 5.
أدعوك يا خير من رفعت إليه الأيدي، و أدعوك يا ذا القوة والقدرة 6،
و أدعوك يا ذا العزة والجلال، وادعوك يا ذا البهجة والجمال، وادعوك يا ذا
الملك 7 والسلطان، وادعوك يا رب الأرباب. وادعوك يا سيد السادات،
وادعوك بلا اله الا أنت.
وادعوك يا احكم الحاكمين، ويا ديان الدين 8، ويا قائما بالقسط 9،

1 - التبع بالتحريك التابع.
2 - الجهد: المشقة.
3 - في البحار: قد اشتدت.
4 - من البحار.
5 - من البحار.
6 - المغفرة (خ ل).
7 - ذا العزة (خ ل).
8 - ديان الدين: معطى الجزاء أو الحاكم يوم الجزاء.
9 - القسط: العدل.
222

يا رحيم يا رحيم يا رحيم يا ارحم الراحمين، ويا اسمع السامعين ويا أبصر
الناظرين يا قريب يا مجيب.
أسألك بحق حملة عرشك وبحق الملائكة، وبحق الراكعين والساجدين
لك، وبحق النبيين والشهداء والصديقين والصالحين، وبحق السائلين
والمحرومين 1 وبحقك العظيم 2، وبحقك على خلقك أجمعين.
وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة الرحمان الرحيم،
ان تصلى على محمد وآل محمد، وان تعتقني من النار، وتغفر لي
وترحمني يا رحمان، وتفرج عنى وهمى وغمى وكربي وضيق صدري،
وتكشف ضري وتيسر لي امرى، وتبلغنى غاية املى سريعا عاجلا، انك
قريب مجيب.
اللهم انني أذكر ذنوبي واعترف بخطاياي وسوء عملي واسرافي على
نفسي وظلمي قبل اللقاء، وقبل ان يؤخذ بكظمي 3، واعترفت انى مأخوذ
بذنوبي وبخطاياي، ومجازي بكسبي ومحاسب بعلى، فاستعفت 4 منهن
نفسي، ووجلت منهم قلبي، ووهن منهن عظمي، وسهرت منهن عيني،
وبكت حتى بل الدموع خدي وضاقت على الأرض بما رحبت.
رب فأوسع على ذنوبي برحمتك، وعلى خطاياي بمغفرتك، وعلى سوء
عملي بعفوك، وعلى إساءتي بحلمك، وعلى اسرافي على نفسي وظلمي
بها تجاوزك، اللهم تفضل على بحلمك، وعد على بعفوك.
وارزقني من فضلك، واستعملني بمحابك من الأعمال الصالحة التي
تحب وترضى، وتقبلها فيها يرفع إليك من الأعمال الصالحة التي ترضيك

1 - بحق السائلين والمحرومين: أي الفقراء الذين يسألون والذين لا يسألون فيحسبهم الناس أغنياء فيحرمون.
2 - بحقك العظيم على (خ ل).
3 - اخذ بكظمه: كربه وغمه.
4 - اعفني عن الخروج معك: دعني منه.
223

عنى حتى تجعلني رفيقا لإبراهيم وإسحاق ويعقوب ونبينا محمد صلى الله عليه وآله
وجميع 1 النبيين والمرسلين والشهداء والصالحين والأئمة الصادقين،
رب قد امنت نفسي من عذابك، ورضيت من ثوابك، واطمأنت إلى دارك
دار السلام التي لا يمسني فيها نصب ولا لغوب 2.
اللهم لا تنسى ذكرك، ولا تؤمني مكرك ولا تصرف عنى وجهك،
ولا تزل عنى خيرك، ولا تكشف عنى سترك، ولا تلهني عن ذكرك،
ولا تجعل عبادتي لغيرك، ولا تحرمني ثوابك ولا تحل بيني وبين المساجد
التي يذكر فيها اسمك، ولا تجعلني من الغافلين عن ذكرك وشكرك 3.
ولا تحرمني العمل بطاعتك، واجعلني وجلا من عذابك، خائفا من
عقابك، واجعل عيني باكية لخشيتك، واجعلني أحبك وأحب من يحبك،
واجعلني اسجد في مواطن صدق ترضيك عنى، انك على كل شئ قدير.
اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن سيئات عملي، ومن الندم
والسدم 4، ومن الحرق والغرق، وكآبة المرض، ومن سوء المنقلب 6، ومن الاصرار
على الفواحش، ما ظهر منها وما بطن 7، ومن جهد البلاء، ومن عمل لا تحب
ولا ترضى، وأسألك الهدى وأعوذ بك من الضلالة والردى 8.
اللهم إني كنت عميا 9 فبصرتني، وضعيفا فقويتني، وجاهلا فعلمتني،

1 - وعلى جميع النبيين (خ ل).
2 - النصب، العناء، تعب واعيا أشد الاعياء.
3 - اسمك (خ ل).
4 - السدم: الهم أو مع ندم أو غيظ مع حزن.
5 - وعث الطريق: تعسر سلوكه.
6 - سوء المنقلب: أي الانقلاب إلى الآخرة أو إلى الوطن.
7 - ما ظهر منها وما بطن: أي أفعال الجوارح والقلوب.
8 - الردى: الهلاك.
9 - رجل عمى القلب: جاهل - الصحاح.
224

عائلا فآويتني، ويتيما فكفلتني، وفقيرا فأغنيتني، ووحيدا فكثرتني، ثم
علمتني القرآن وهديتني للصلاة والصيام، فلك الحمد على نعمائك عندي،
فأسألك يا رب ان تداركني سعة رحمتك التي سبقت غضبك، وحلمك
وعفوك ومغفرتك يا خير الغافرين.
اللهم اغفر لي ذنبي وطهر قلبي، واشرح صدري واعنى على ما علمتني،
وفرج همى، واصرف عنى كل 1 مكروه، واصرف الأسواء والمكاره عنى،
وتقبل منى حسناتي، وتجاوز عن سيئاتي في أصحاب الجنة وعد الصدق
الذي كانوا يوعدون.
وأسألك يا رب ان تحبب إلى ما أحببت وتبعض إلى ما كرهت، وتحبب
إلى رضوانك، وتبغض إلى مخالفتك وعصيانك، وتستعملني في الباقيات
الصالحات التي هي خير ثوابا وخير مردا 2.
اللهم ألهمني شكرك، وعلمني حكمك، وفقهنى في دينك، ووفقني
لعبادتك، وهب لي حسن الظن بك، وارزقني اجتناب سخطك، والتسليم
لقضائك، والمعرفة بحقك، والعمل بطاعتك، وتفويض أموري كلها إليك،
والاعتصام بك، والتوكل عليك، والثقة والاستعانة بك، ولا حول ولا قوة الا
بالله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
اللهم إني أشهدك واشهد الملائكة وحملة العرش وجميع خلقك، بأنك
أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك،
ولا حول ولا قوة الا بك، سبحان الله العلى الاعلى، سبحان الله وتعالى.
اللهم صل على محمد النبي الأمي، واعطه الوسيلة والرفعة والفضيلة،
اللهم انفعنا بما علمتنا انك سميع الدعاء، اللهم إليك رفعت الأيدي،

1 - واصرفني عن كل (خ ل).
2 - خير مردا: عاقبة ومنفعة.
225

و أفضن القلوب 1، وخضعت الرقاب، وعنت 2 الوجوه، وخشعت الأصوات،
ودعت الألسن.
اللهم فأنت الحليم فلا تجهل، (وأنت الجواد فلا تبخل) 3، وأنت العدل
فلا تظلم، وأنت الحكيم فلا تجوز، وأنت المنيع فلا ترام، وأنت الرفيع
فلا ترى، وأنت العزيز فلا تستذل 4، وأنت الغنى فلا تفتقر، وأنت الدائم غير
الغافل، أحطت بكل شئ علما، و أحصيت كل شئ عددا.
وأنت البديع قبل كل شئ، والدائم بعد كل شئ، وأنت خالق ما يرى
وما لا يرى، علمت كل شئ بغير تعليم، وأنت الأول فليس قبلك شئ،
وأنت الاخر فليس بعدك شئ، وأنت الباطن فليس دونك شئ، وأنت
الظاهر فليس فوقك شئ.
يامن هو أقرب إلى من حبل الوريد 5، يامن هو بالمنظر الاعلى 6، يامن
يفعل ما يريد، يا اسمع السامعين، ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين
ويا ارحم الراحمين، بلا اله الا أنت انك على كل شئ قدير، آمين.
أصبحت راضيا بفطرة الاسلام 7، وكلمة الاخلاص، وسنة نبينا محمد
وملة أبينا إبراهيم حنيفا وما انا من المشركين، رضيت بالله ربا، وبالاسلام
دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا.
اللهم إني أسألك باسمك بسم الله الرحمان الرحيم، وأسألك باسمك
الذي لا إله إلا هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، الذي لا تأخذه

1 - أفضت القلوب: وصلت أو أبدت اسرارها لديك.
2 - عنت: خضعت وذلت.
3 - من البحار.
4 - فلا تذل (خ ل).
5 - قال الجوهري: حبل الوريد عرق تزعم العرب انه من الوريد، وهما وريدان مكتنفا ضفتي العنق مما يلي مقدمه
غليظان.
6 - بالمنظر الأعلى: أي في المرقب الأعلى يرقب عباده.
7 - فطرة الاسلام: أي الاسلام الذي فطرتني عليه.
226

سنة ولا نوم، الذي ملأ السماوات والأرض.
وأسألك باسمك الذي عنت له الوجوه وخشعت له الأصوات، وخضعت
له الرقاب، وذلت له الخلائق، ووجلت من خشية القلوب، ان تغفر لي
وترحمني وتدفع عنى كل سوء ومكروه، وان تصلى لي امرى كله،
ولا تكلني إلى نفسي في شئ من أموري، ولا إلى أحد من خلقك طرفة
عين ابدا، ولا أقل من ذلك ولا أكثر.
ولا تنزع منى صالحا أعطيتنيه، ولا تعدني في سوء استنقذتني منه،
ولا تشمت بي عدوا ولا حاسدا، ولا تجعلني من المفسدين، واجعلني من أهل
طاعتك وأوليائك حتى تتوفاني إلى جنتك ورحمتك.
اللهم يا ذا النعماء السابغة، ويا ذا الحجج البالغة، ويا ذا الرحمة الواسعة،
ويا ذا المغفرة النافعة، ويا ذا الكلمة الباقية، ويا ذا الحمد الفاضل، وياذا
العطاء الجزيل، وياذا الفضل الجميل، وياذا الاحسان الجليل، يامن يدرك
الابصار ولا تدركه الابصار وهو اللطيف الخبير.
أسألك الأمن والايمان، والسلامة والاسلام، واليقين والشكر، والصبر
والصدق، والعافية والمعافاة، والورع عن محارمك، والثقة بطولك برحمتك،
يا ارحم الراحمين، انك على كل شئ قدير.
اللهم إني أسألك الخير والعفة وحسن الخلق والرضا بالقضاء والقدر،
سبحانك في السماء عرشك، وسبحانك في الأرض سلطانك، وسبحانك
في البر والبحر سبيلك، وسبحانك في الجنة رحمتك، وسبحانك في النار
غضبك، وسبحانك في الجحيم سخطك.
لا إله إلا أنت سبحانك لا شريك لك، لك ملك السماوات والأرض،
سبحانك أنت الرب واليك المعاد، سبحانك يا ذا الملك والملكوت
سبحانك يا ذا العزة والجبروت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الملك
القدوس، سبحان رب الملائكة والروح.
227

سبحان ربي الأعلى، سبحانه وتعالى، سبحان الملك الجبار، سبحان
الواحد القهار، سبحان العزيز الغفار، سبحان الكبير المتعال، سبحانك
وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك.
اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، ولك خضعت، واليك
خشعت، فاغفر لي ما قدمت من ذنوبي وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت،
انك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، اللهم لك الحمد وأنت نور السماوات
والأرض ومن فيهن، أنت الحق ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق،
والجنة حق والنار حق والساعة حق.
اللهم رب السماوات السبع والأرضين السبع، وما فيهن وما بينهن، ورب
السبع المثاني 1 ورب القرآن العظيم، ورب جبرئيل وميكائيل وإسرافيل 2،
ورب محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله.
أسألك بأسمائك التي بها قوم السماء، وبها تقوم الأرض، وبها ترزق
البهائم، وبها تفرق المجتمع، وتجمع المتفرق، وبها أحصيت عدد الرمال،
وورق الأشجار، وكيل البحار، وقطر الأمطار، وما أظلم عليه الليل وأشرق
(عليه) 4 النهار، أسألك بذلك كله ان ترحمني من النار يا ارحم الراحمين.
اللهم أنت العظيم تمن بالعظيم، وتعطى الجزيل وتعفو عن الكثير،
وتضاعف القليل وتفعل ما تريد، اللهم إني أسألك ان تملأ قلبي من خشيتك
وتلبس وجهي من نورك، وان تغمرني في رحمتك، وان تلقى على محبتك،
وان تبلغ بي جسيم الخير عندك.
وأسألك باسمك الأعظم، وأسألك بكل حرف أنزلته على نبيك محمد،

1 - السبع المثاني: أي السورة الفاتحة لأنها سبع آيات.
2 - في الجار زيادة: وعزرائيل.
3 - في البحار: اللهم إني أسألك.
4 - من البحار.
228

وبكل حرف أنزلته على نبيك على نبيك عيسى وبكل حرف سبحك به ملك من
ملائكتك، أو نبي من أنبيائك، أو رسول من رسلك، واستجبت له دعوته،
ان تفرج عنى همى وغمى وكربي وضيق صدري وما تخيرت به في امرى.
يا موضع كل شكوى، ويا شاهد كل نجوى، ويا منتهى كل حاجة،
ويا عالم كل خفية، ويا كاشف كل بلية، ويا خليل إبراهيم ويا نجى 1 موسى
ويا مصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أدعوك دعاء من اشتدت
فاقته، وضعفت قوته وقلت حيلته، وادعوك دعاء من لا يجد لكشف ما هو فيه
غيرك ان تغفر لي.
يا اسمع السامعين ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا ارحم
الراحمين ويا أقرب المحبين، ويا رؤوف يا رحيم، يا بديع السماوات
والأرضيين، اغفر لي ذنبي واعتقني من النار، يامن تلطف بي في صغير
حوائجي وكبيرها، ان وكلتني فيها إلى نفسي طرفة عين عجزت عنها،
فادخلني الجنة برحمتك، يا الله، ولا تناقشني في الحساب.
اللهم ما كان لأحد من خلقك عندي من مظلمة، في عرض أو مال أو
غيره، فاغفر لي ذلك فيما بيني وبينك، وارض عبادك عنى بما شئت من
فضلك وخزائنك.
اللهم افتح لي باب الخير ويسر لي امره، اللهم افتح لي باب الأمر
الذي فيه الفرج والعافية، اللهم افتح لي بابه ويسر لي سبيله وسهل لي
مخرجه.
اللهم أيما أحد من خلقك أرادني بسوء فانى أدرء 2 بك في نحره 3،

1 - النجي: المناجي، والمخاطب للانسان والمحدث له.
2 - درء يدرء: دفع.
3 - إنما خص النحور لأنه أسرع وأقوى في الدفع والتمكن من المدفوع - قاله في النهاية.
229

وأعوذ بك من شره، وسطوته وغضبه و بادرته 1، فخذوه من بين يديه ومن خلفه
وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه، وامنعه من أن
يوصل إلى ابدا سوء.
اللهم اجعلني في حصنك وجوارك وكنفك 2، عز جارك وجل ثناؤك،
ولا اله غيرك، اللهم إني أعوذ بك من كل سوء زحزح 3 بيني وبينك، أو
باعد بيني وبينك، أو صرف به عنى وجهك الكريم، اللهم إني أعوذ بك
من أن تحول خطيئتي وجرمي بيني وبينك.
اللهم وفقني لكل شئ يرضيك عنى، ويقربني إليك، فارفع درجتي
وعظم شأني وأحسن مثواي وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى
الآخرة، ووفقني لكل مقام محمود تحب ان تدعا فيه بأسمائك أو تسأل فيه
من عطاياك، رب لا تكشف عنى سترك، ولا تبد عورتي 4 لاحد من خلقك.
اللهم اجعل القين في قلبي، والنور في بصرى، والصحة في بدني،
والنصيحة 5 في صدري، وذكرك بالليل والنهار على لساني، وأوسع على من
فضلك، وارزقني من بركاتك 6، واستعملني بطاعتك، واجعل رغبتي إليك
فيما 7 عندك وتوفني على سنتك 8، ولا تكلني إلى غيرك، ولا تزع قلبي 9 بعد
إذ هديتني.
يا صريخ المكروبين، يا مجيب دعوة المضطرين، فرج همى وغمى

1 - البادرة: الحدة، بدرت منه بوادر غضب أي خطأ وسقطات عندما احتد.
2 - الكنف: الجانب.
3 - زحزحته عن كذا: باعدته.
4 - تبد عورتي: عيوبي.
5 - النصيحة: خلوص المحبة لله ولحججه ولسائر المؤمنين.
6 - البركات: الزيادات من المنافع و الإفاضات الدنيوية والأخروية فيما عندك من الألطاف.
7 - وفيما (خ ل).
8 - سننك (خ ل).
9 - ولا تزع قلبي: أي لا تمله إلى الباطل.
230

وحزني، كما كشفت عن رسولك همه وغمه وحزنه وكفيته هول عدوه،
فاكفني كل هول وفتنة وسقم حتى تبلغني رحمتك.
اللهم هذا مكان البائس 1 الفقير، والخائف المستجير، والهالك الفرق 2،
والمشفق الوجل، ومن يقر بخطيئته ويعترف بذنبه ويتوب إلى ربه، اللهم
فقد ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم سرى واعلاني ولا يخفى عليك شئ
من امرى.
أسألك بأنك ولى التقدير وممضى المقادير، سؤال من أساء واقترف 3،
واستكان 4 واعترف، وأسألك ان تغفر لي ما مضى في علمك وشهدته
حفظتك و أحصته ملائكتك، وأسألك ان تتجاوز عنى وترحمني برحمتك
يا ارحم الراحمين، وتصلى على محمد النبي وعلى أهل بيته صلى الله
عليهم وسلم.
اللهم يا نور السماوات والأرضين، و يازين السماوات والأرضين، وياذا
الجلال والاكرام، ويا مغيث المستغيثين، ويا صريخ المستصرخين، ويا منتهى
رغبة العابدين، ويا مفرج عن المغمومين.
ويا كاشف كرب المكروبين ويا خير الغافرين ويا ارحم الراحمين،
ويا مجيب دعوة المضطرين ويا اله العالمين، أسألك بان لك الحمد لا إله إلا أنت
يا حنان يا منان، يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والاكرام،
يا حي يا قيوم، أسألك ان تعتقني من النار.
اللهم افتح لي أبواب الخيرات ووفقنا لما يكسبنا الحسنات، وجنبنا
السيئات وادفع عنا المكروهات، وقنا المخوفات، انك منتهى الرغبات،

1 - البائس: هو الذي اشتدت حاجته.
2 - الفرق: الخائف.
3 - اقترف: اكتسب الذنوب.
4 - استكان: خضع.
231

ومجيب الدعوات وقاضي الحاجات، وكاشف الكربات، وفارج الهم
وكاشف الغم، ورحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما.
اللهم اغفر لي ذنوبي 1، وارحمني في حياتي ومماتي، رحمة تغنيني بها
عن رحمة من سواك.
اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت وانا عبدك، آمنت بك مخلصا لك ديني،
أصبح و أمسي على عهدك ووعدك ما ستطعت، أسألك التوبة من سيئات
عملي، واستغفرك لذنوبي التي لا يغفرها الا أنت.
اللهم أنت بالمنظر الاعلى، ترى ولا ترى، أعوذ بك ان أضل فأشقى، أو
أذل فأخزى، وأعوذ بك ان اتى مالا ترضى، اللهم إني أسألك بمعاقد العز
من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم، وجدك الاعلى،
وكلماتك التامات.
اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز
من تشاء، وتذل من تشاء بيدك الخير، انك على كل شئ قدير، تولج
الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتخرج الحي من الميت وتخرج
الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب.
أسألك ان تصلى على محمد وعلى آل محمد، وان تغفر لي جميع
ذنوبي، وتقضى لي جميع حوائجي، صغيرها وكبيرها، ما أسررت منها
وما أعلنت، وتسهل لي محياي، وتيسر لي أموري، وتكشف ضري وتكبت 2
أعدائي، وتكفيني 3 شر حسادي، وشر كل ذي شر وتؤتيني في الدنيا حسنة
وفى الآخرة حسنة، وتقيني برحمتك عذاب النار برحمتك، يا ارحم
الراحمين.

1 - اغفر ذنوبي (خ ل).
2 - الكبت: الصرف والاذلال.
3 - تكفني (خ ل).
232

ويا اسمع السامعين، ويا مالك يوم الدين آمين رب العالمين، وصلى الله
على محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين 1، وسلم تسليما كثيرا، ولا حول
ولا قوة لي ولا حيلة الا بالله العلي العظيم، وما شاء الله كان، وحسبنا الله
ونعم الوكيل 2.
ومن الدعوات بعد عيد الأضحى دعاء الندبة، قدمناه في عيد الفطر.
ومن الدعوات بعد دعائين ذكرناهما في تعقيب ظهر الجمعة أحدهما أوله: يامن
يرحم من لا يرحمه العباد، والاخر: اللهم ان هذا يوم مبارك والمسلمون فيه
مجتمعون في أقطار أرضك 3.
فصل (8)
فيما نذكره من فضل الأضحية وتأكيدها في السنة المحمدية
روينا ذلك باسنادها إلى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: الأضحية
واجبة على من وجد، من صغير أو كبير، وهي سنة 4.
روينا ذلك بإسنادنا إلى العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل
سأله عن الأضحى فقال: هو واجب على كل مسلم الا من لم يجد، فقال له السائل:
فما ترى في العيال؟ قال: إن شئت فعلت وان شئت لم تفعل، فاما أنت فلا تدعه 5.
وروينا عن محمد بن بابويه فيما ذكره عن أم سلمة رضي الله عنها، آنها جاءت إلى
النبي صلى الله عليه وآله، فقالت: يا رسول الله تحضر الأضحى وليس عندي ثمن
الأضحية فاستقرض وأضحى؟ قال: فاستقرض فإنه دين مقضى 6.

1 - الطيبين الطاهرين (خ ل).
2 - عنه البحار 91: 76 - 86.
3 - راجع جمال الأسبوع: 262.
4 - الفقيه 2: 488.
5 - الفقيه 2: 488.
6 - الفقيه 2: 489.
233

فصل (9)
فيما نذكره من رواية عن كم تجزى الأضحية وما يقال عند الذبح
روينا ذلك بإسنادنا إلى أبى جعفر بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه فقال:
وضحى رسول الله صلى الله عليه وآله بكبشين ذبح واحدا بيده، وقال: اللهم هذا
عنى وعن من لم يضح من أهل بيتي، وذبح الاخر فقال: اللهم هذا عنى وعن
من لم يضح من أمتي 1.
قال محمد بن بابويه: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يضحي عن رسول الله صلى الله
عليه وآله كل سنة بكبش، فيذبحه ويقول:
بسم الله الرحمان الرحيم وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض
حنيفا مسلما وما انا من المشركين، ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله
رب العالمين، اللهم منك ولك.
ثم تقول عليه السلام: هذا عن نبيك، ثم يذبحه ويذبح كبشا آخر عن نفسه 2.
أقول: وروينا بإسنادنا زيادة في الدعاء عند الذبح عن محمد بن يعقوب، باسناده
إلى صفوان ومحمد بن أبي عمير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا اشتريت هديك
فاستقبل به القبلة فانحره أو اذبحه وقل:
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما انا من
المشركين، ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك
له وبذلك أمرت وانا من المسلمين، اللهم منك ولك بسم الله والله أكبر،
اللهم تقبل منى.
ثم أمر السكين ولا تنخعها حتى تموت 3.

1 - الفقيه 2: 489.
2 - الفقيه 2: 489.
3 - الكافي: 4: 489.
234

فصل (1)
فيما نذكره من تعيين أيام وقت الأضاحي
روينا ذلك بإسنادنا إلى جدي أبى جعفر الطوسي من تهذيب الأحكام، باسناده
إلى علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:
سألته عن الأضحى كم هو بمعنى؟ فقال: أربعة أيام، وسألته عن الأضحى في غير
منى؟ فقال: ثلاثة أيام، قلت: فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين، أله ان
يضحى في اليوم الثالث؟ قال: نعم 1.
أقول: وقد روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب وابن بابويه، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: سألته عن النحر؟ فقال: اما بمعنى فثلاثة أيام، واما في البلدان فيوم
واحد 2.
أقول: لعل هذا يراد به ان الأفضل في البلدان أن يكون النحر في يوم الأضحى
الواحد، على أجل الامكان، فلا يؤخر فيودى إلى التهاون وحوائل الأزمان.
فصل (11)
فيما نذكره من قسمة لحم الأضحية
روينا ذلك بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب باسناده إلى أبى الصباح الكناني قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لحوم الأضاحي؟ فقال: كان علي بن الحسين
وأبو جعفر عليه السلام يتصدقان بثلث على جيرانهم، وثلث على السؤال، وثلث يمسكانه
لأهل البيت 3.
أقول: ولتكن النية فيما يخرجه أو يمسكه عن الأضحية، امتثال أمر الله جل جلاله

1 - التهذيب 5: 203.
2 - الكافي 4: 486، الفقيه 2: 486.
3 - الكافي 4: 499.
235

واتباع السنة المحمدية والعبادية بذلك لله جل جلاله، لأنه أهل للعبادة.
أقول: وقد تقدم في عيد الفطر مهمات يحتاج إليها في عيد الأضحى وزيادات،
فلينظر من ذلك المكن، لئلا يتكرر ذكرها الان.
فصل (12)
فيما نذكره مما يختم به يوم عيد الأضحى
قد ذكرنا في عدة مواقيت معظمات ما يختم زمان تلك الأوقات، فيعمل على
ما ذكرنا، ونذكر هاهنا ما معناه:
ان كل وقت اختص الله جل جلاله بخدمته به، وجعله محلا لبسط فراش رحمته
واطلاق المواهب لأهل مسألته، للابتداء لمن لم يسأله من خليقته، فكل من اخرج من
ذلك الوقت شيئا في غير العبادة وطلب السعادة، فكأنه قد سرق الوقت من مولاه وهتك
الحرمة، وخرج عن رضاه ونازعه في ارادته وتعرض بما لا طاقة له به من نقمته، فأي
انسان أو أي جنان يكون عارفا بما لك رقاب العبيد، ويقدم على المجاهرة والمكابرة في
مقدس حضرته بما لا يريد.
ومتى فعل عبد نحو هذا التبدر والتشريد 1 في يوم عيد، فقد صار عيده من أيام
المصيبات، و كان جديرا ان يجلس في العزاء، على ما أقدم عليه من كسر حرمة مالك
الاحياء والأموات وكسر حرمة رسوله ونوابه عليهم السلام الذين جاؤوا بشرائع الاسلام،
ولأجل ما فاته من المواهب والانعام.
ثم لينظر فيمن كان حاميه وخفيره 2 ومضيفه في اليوم المشار إليه، كما كنا ذكرناه
في كتاب جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع، من أن لكل يوم خفيرا ومضيفا، اما
النبي أو بعض الأئمة صلوات الله عليهم، فليرجع فيما جرى عليه إليهم ويسألهم استدراك
أمره وجبر كسره، كما يرجع كل ضيف فيه إلى مضيفه، وكل متشرف بخفير إلى خفيرة ومشرفه.

1 - شرده: طرده ونفره.
2 - الخفير: الحامي والكفيل.
236

الباب الخامس
فيما نذكره مما يختص بعيد الغدير في ليلته ويومه من صلاة ودعاء،
وشرف ذلك اليوم وفضل صومه
وفيه فصول:
فصل (1)
فيما نذكره من عمل ليلة الغدير
وجدنا فيها صلاة مذكورة في كتب العبادات، والصلاة خير موضوع وخير مسموع
عام في سائر الصلوات.
ذكر صفة هذه الصلاة في ليلة الغدير:
وهي اثنتي عشرة ركعة، لا يسلم الا في اخراهن ويجلس بين كل ركعتين، ويقرء في
كل ركعة الحمد (وقل هو الله أحد) عشر مرات، وآية الكرسي مرة، فإذا أتيت الثانية
عشر فاقرء فيها الحمد سبع مرات و (قل هو الله أحد) سبع مرات، واقنت وقل:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت
ويميت ويحيى، وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.
وتركع وتسجد وتقول في سجودك عشر مرات:
سبحان من احصى كل شئ علمه، سبحان من لا ينبغي التسبيح الا
له، سبحان ذي المن والنعم، سبحان ذي الفضل والطول، سبحان ذي
237

العزة 1 والكرم.
أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وبالاسم
الأعظم وكلماتك التامة ان تصلى على محمد رسولك وأهل بيته الطيبين
الطاهرين وان تفعل بي كذا كذا، انك سميع مجيب.
دعاء ليلة الغدير:
وجدناه في كتب الدعوات فقال ما هذا لفظه: وجد في كتاب الشريف الجليل أبى
الحسين 2 زيد بن جعفر المحمدي بالكوفة، اخرج إلى الشيخ أبو عبد الله الحسين عبيد الله
الغضائري، جزءا عتيقا بخط الشيخ أبى غالب أحمد بن محمد الزراري فيه أدعية بغير
أسانيد، من جملتها هذا الدعاء منسوبا إلى ليلة الغدير، وهو:
اللهم انك دعوتنا إلى سبيل طاعتك وطاعة نبيك ووصيه وعترته، دعاء
له نور وضياء، وبجهة واستنار، فدعانا نبيك لوصيه يوم غدير خم، فوفقتنا
للإصابة وسددتنا للإجابة لدعائه، فأنلنا إليك بالإنابة، واسلمنا لنبيك قلوبنا،
ولوصيه نفوسنا، ولما دعوتنا إليه عقولنا.
فتم لنا نورك يا هادي المضلين، اخرج البغض والمنكر والغلو لأمينك
أمير المؤمنين والأئمة من ولده، من قلوبنا ونفوسنا وألسنتنا، وهمومنا، وزدنا
من موالاته ومحبته ومودته له والأئمة من بعده زيادات لا انقطاع لها، ومدة
لا تناهى لها، واجعلنا نعادي لوليك من ناصبه، ونوالى من أحبه ونأمل بذلك
طاعتك، يا ارحم الراحمين.
اللهم اجعل عذابك وسخطك على من ناصب وليك وجحد إمامته وأنكر
ولايته وقدمته أيام فتنتك في كل عصر وزمان واوان، انك على كل شئ
قدير.
اللهم بحق محمد رسولك وعلى وليك والأئمة من بعده حججك، فأثبت

1 - العز (خ ل).
2 - أبى الحسن (خ ل).
238

قلبي على دينك، وموالاة أوليائك ومعاداة أعدائك، مع خير الدنيا والآخرة،
تجمعها لي ولأهلي وولدي وإخواني المؤمنين، انك على كل شئ قدير.
فصل (2)
فيما نذكره من مختصر الوصف مما رواه علماء المخالفين عن يوم الغدير من الكشف
اعلم أن نص النبي صلوات الله عليه وآله على مولانا علي بن أبي طالب صلوات الله
عليه يوم الغدير بالإمامة لا يحتاج إلى كشف وبيان لأهل العلم والأمانة والدراية، وإنما
نذكر تنبيها على بعض م رواه ليقصد من شاء ويقف على معناه.
فمن ذلك ما صنفه أبو سعد مسعود بن ناصر السجستاني المخالف لأهل البيت في
عقيدته، المتفق عند أهل المعرفة به على صحة ما يرويه لأهل البيت وأمانته، صنف
كتابا سماه كتاب الدراية في حديث الولاية، وهو سبعة عشر جزء، روى فيه حديث
نص النبي عليه أفضل السلام بتلك المناقب والمراتب على مولانا علي بن أبي طالب عليه
السلام عن مائة وعشرين نفسا من الصحابة.
ومن ذلك ما رواه محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير صنفه وسماه
كتاب الرد على الحرقوصية 1، روى فيه حديث يوم الغدير وما نص النبي على علي عليه
السلام بالولاية والمقام الكبير، وروى ذلك من خمس وسبعين طريقا.
ومن ذلك ما رواه أبو القاسم عبيد الله الحسكاني في كتابي سماه كتاب
دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة.
ومن ذلك الذي لم يكن مثله في زمانه أبو العباس أحمد بن سعيد بن عقدة الحافظ،
الذي زكاة وشهد بعلمه الخطيب مصنف تاريخ بغداد 2، فإنه صنف كتابا سماه حديث
الولاية، وجدت هذا الكتاب بنسخة قد كتبت في زمان أبى العباس بن عقدة مصنفه،
تاريخها، سنة ثلاثين وثلاثمائة صحيح النقل، عليه خط الطوسي وجماعة من شيوخ

1 - هم اتباع حرقوص بن زهير المعروف بذى الثدية.
2 - تاريخ بغداد:
239

الاسلام، لا يخفى صحة ما تضمنه على أهل الافهام، وقد روى فيه نص النبي صلوات
الله عليه على مولانا علي عليه السلام بالولاية من مائة وخمس طرق.
وان عددت أسماء المصنفين من المسلمين في هذا الباب، طال ذلك على من يقف
على هذا الكتاب، وجميع هذه التصانيف عندنا الان الا كتاب الطبري 1.
فصل (3)
في بعض تفصيل ما جرت عليه حال يوم الغدير من التعظيم والتبخيل
اعلم أن ما نذكر في هذا الفصل ما رواه أيضا مخالفوا الشيعة المعتمد عليهم في النقل.
فمن ذلك ما رواه عنهم مصنف كتاب الخالص، المسمى بالنسر والطي، وجعله
حجة ظاهرة باتفاق العدو والولي، وحمل به نسخة إلى الملك شاه مازندران رستم بن علي
لما حضرته بالري، فقال فيما رواه عن رجالهم:
فصل: وعن أحمد بن محمد بن علي المهلب، أخبرنا الشريف أبو القاسم علي بن
محمد بن علي بن القاسم الشعراني، عن أبيه، حدثنا سلمة بن الفضل الأنصاري، عن أبي

1 - جدير بنا أن نذكر هنا بعض مصادر أهل السنة التي يذكر فيها حديث ولاية الكبرى:
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 2: 26، الذهبي في ميزان الاعتدال 2: 303 الطحاوي في مشكل الآثار
2: 307، ابن كثير في البداية والنهاية 5: 211، ابن حجر في لسان الميزان 2: 379، وفى مطالب العالية 4: 65،
ابن حسنوية في درر بحر المناقب: 92، ابن حجر في الإصابة 2: 414، الأمر تسرى في أرجح المطالب: 581،
المتقى الهندي في كنز العمال 12: 258 و 15: 115، السيوطي في الحبائك في اخبار الملائك: 131، الخوارزمي في
المناقب: 115، العاصمي في زين الفتى 1: 46، العسقلاني في الكاف الشاف: 96، الحاكم في المستدرك
3: 371، ابن حبان في مسنده 2: 179، البزاز في مسنده 1: 100، أحمد بن حنبل في الفضائل: 290، الهيثمي في
مجمع الزوائد 9: 17، السيوطي في تاريخ الخلفاء: 169، الكنجي في كفاية الطالب: 56، النسائي في الخصائص:
1، البدخشي في مفتاح النجاح: 58، الدولابي في الكنى والأسماء 2: 88، الرازي في نهاية العقول: 199،
الحمويني في فرائد السمطين 1: 59، الحضرمي في وسيلة - المال على ما في الغدير - 1: 176، ابن قتيبة في الإمامة
والسياسة: 93، الكتاني في نظم المتناثر: 124، الترمذي في المناقب المرتضوية: 125، العيني الحيدر آبادي في
المناقب: 37، الحسكاني في شواهد التنزيل 1: 173 القلندر هندي في رياض الأزهر 00 ا، النبهاني في فتح الكبير
2: 242، الخطيب في تاريخ بغداد 12: 343، مجد الدين الطبري في رياض النضرة 2: 203، الشوكاني في تفسيره
2: 57، السيوطي في جامع الصغير: 141، السمهودي في ينابيع المودة: 38، القرماني في اخبار الدول: 102، ابن
صباغ المالكي في فصول المهمة: 23.
240

مريم، عن قيس بن حنان، عن عطية السعدي، قال: سألت حذيفة بن اليمان عن إقامة
النبي صلى الله عليه وآله عليا يوم الغدير كيف كان؟ فقال: ان الله تعالى انزل على
نبيه صلى الله عليه وآله.
أقول: لعله يعنى بالمدينة.
(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام
بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) 1، فقالوا:
يا رسول الله ما هذه الولاية التي أنتم بها أحق بأنفسنا؟ فقال عليه السلام: السمع والطاعة
فيا أحببتم وكرهتم، فقلنا: سمعنا وأطعنا، فأنزل الله تعالى: (واذكروا نعمة الله
عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا) 2.
فخرجنا إلى مكة مع النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع، فنزل جبرئيل عليه
السلام فقال: يا محمد ان ربك يقرئك السلام ويقول: انصب عليا عليه السلام علما
للناس، فبكى النبي صلى الله عليه وآله حتى اخضلت لحيته 3، وقال: يا جبرئيل ان
قومي حديثوا عهد بالجاهلية ضربتهم على الدين طوعا وكرها حتى انقادوا لي فكيف إذا
حملت على رقابهم غيري، قال: فصعد جبرئيل.
ثم قال صاحب كتاب النشر والطي: عن حذيفة: وقد كان النبي صلى الله عليه
وآله بعث عليا عليه السلام إلى اليمن فوافى مكة ونحن مع الرسول، ثم توجه علي عليه
السلام يوما نحو الكعبة يصلى، فلما ركع أتاه سائل فتصدق عليه بحلقة خاتمة، فأنزل
الله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون) 4.
فكبر رسول الله وقرأه علينا ثم قال: قوموا نطلب هذه الصفة التي وصف الله بها،

1 - الأحزاب: 6.
2 - المائدة: 7.
3 - خضل واخضل: ابتل.
4 - المائدة: 55.
241

فلما دخل رسول الله المسجد استقبله سائل، فقال: من أين جئت؟ فقال: من عند هذا
المصلى تصدق على بهذه الحلقة وهو راكع.
فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله ومضى نحو على فقال: يا علي ما أحدثت اليوم
من خير؟ فأخبره بما كان منه إلى السائل، فكبر ثالثة.
فنظر المنافقون بعضهم إلى بعض وقالوا: ان أفئدتنا لا تقوى على ذلك أبدا مع
الطاعة له، فنسأل رسول الله صلى الله عليه وآله ان يبدله لنا، فاتوا رسول الله صلى الله
عليه وآله فاخبروه بذلك، فأنزل الله تعالى قرآنا وهو: (قل ما يكون لي ان أبدله من تلقاء
نفسي - الآية) 1، فقال جبرئيل: يا رسول الله أتمه، فقال حبيبي جبرئيل: قد سمعت
ما تؤامروا به، فانصرف عن رسول الله الأمين جبرئيل.
ثم قال صاحب كتاب النشر والطي من غير حديث حذيفة: فكان من قول
رسول الله في حجة الوداع بمنى: يا أيها الناس انى قد تركت فيكم أمرين ان أخذتم بهما
لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا
حتى يردا على الحوض كإصبعي هاتين - وجمع بين سبابتيه - ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا
ومن خالفهما فقد هلك، الأهل بلغت أيها الناس؟ قالوا: نعم، قال: اشهد.
ثم قال صاحب كتاب النشر والطي: فلما كان في آخر يوم من أيام التشريق انزل
الله عليه: (إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخرها) 2، فقال عليه السلام: نعيت إلى نفسي،
فجاء إلى المسجد الخيف فدخله ونادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فحمد الله وأثنى عليه
- وذكر خطبته عليه السلام.
ثم قال فيها: أيها الناس انى تارك فيكم الثقلين، الثقل الأكبر كتاب الله عز
وجل، طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به، والثقل الأصغر عترتي أهل
بيتي، فإنه نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض كإصبعي
هاتين - وجمع بين سبابتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين سبابتيه والوسطى - فتفضل هذه

1 - يونس: 15.
2 - الفتح: 1.
242

على هذه.
قال مصنف كتاب النشر والطي: فاجتمع قوم وقالوا: يريد محمد ان يجعل الإمامة
في أهل بيته، فخرج منهم أربعة ودخلوا إلى مكة، ودخلوا الكعبة وكتبوا فيما بينهم: ان
أمات الله محمدا أو قتل لا يرد هذا الأمر في أهل بيته، فأنزل الله تعالى: (أم أبرموا أمرا فانا
مبرمون، أم يحسبون انا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) 1.
أقول: فانظر هذا التدريج من النبي صلى الله عليه وآله، والتلطف من الله جل
جلاله في نصه على مولانا على صلوات الله عليه، فأول امره بالمدينة قال سبحانه:
(أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) 2، فنص على أن
الأقرب إلى النبي صلوات الله عليه أولى به من المؤمنين والمهاجرين، فعزل جل جلاله
عن هذه الولاية المؤمنين والمهاجرين، وخص بها أولى الأرحام من سيد المرسلين.
ثم انظر كيف نزل جبرئيل بعد خروجه عليه السلام إلى مكة بالتعيين على علي عليه
السلام، فلما راجع النبي صلوات الله عليه وأشفق على قومه من حسدهم لعلى
عليه السلام، كيف عاد الله جل جلاله وأنزل: (إنما وليكم الله ورسوله) 3، وكشف عن علي
عليه السلام بذلك الوصف، ثم انظر كيف مال النبي صلى الله عليه وآله إلى
التوطئة بذكر أهل بيته بمنى، ثم عاد ذكرهم في مسجد الخيف.
ثم ذكر صاحب كتاب النشر والطي توجههم إلى المدينة ومراجعة رسول الله مرة بعد
مرة لله جل جلاله، وما تكرر من الله تعالى إلى رسول الله في ولاية علي عليه السلام،
قال حذيفة: واذن النبي صلى الله عليه وآله بالرحيل نحو المدينة فارتحلنا.
ثم قال صاحب كتاب النشر والطي: فنزل جبرئيل على النبي عليهما السلام
بضجنان 4 في حجة الوداع باعلان علي عليه السلام.

1 - الزخرف: 79 - 80.
2 - الأنفال: 15.
3 - المائدة: 55.
4 - الضجن: واد في بلاد هذيل بتهامة، أسفله لكنانة، على ليلة من مكة.
243

ثم قال صاحب الكتاب: فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله حتى نزل الجحفة،
فلما نزل القوم واخذوا منازلهم، فأتاه جبرئيل عليه السلام فأمره ان يقوم بعلى عليه
السلام وقال: يا رب ان قومي حديثوا عهد بالجاهلية فمتى افعل هذا يقولوا: فعل بابن
عمه.
أقول: وزاد في الجحفة، أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني في كتاب الدراية،
فقال باسناده من عدة طرق إلى عبد الله بن عباس قال:
لما خرج النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع، فنزل جحفة اتاه جبرئيل عليه
السلام فأمره ان يقوم بعلى عليه السلام قال: ألستم تزعمون انى أولى بالمؤمنين من
أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه، وأحب من أحب وابغض من أبغضه وانصر من نصره، وأعن من عانه،
قال ابن عباس: وجبت والله في أعناق الناس.
أقول: وسار النبي صلى الله عليه وآله من جحفة.
قال مسعود السجستاني في كتاب الدراية باسناده إلى عبد الله بن عباس أيضا قال:
أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ان يبلغ ولاية علي عليه السلام، فأنزل الله تعالى:
(يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس.) 1
يقول رضى الدين ركن الاسلام أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد
الطاووس أمده الله بعناياته وأيده بكراماته:
اعلم أن موسى نبي الله راجع الله تعالى في ابلاغ رسالته وقال في مراجعته: (انى
قتلت منهم نفسا فأخاف ان يقتلون) 2، وإنما كان قتل نفسا واحدة، واما علي بن أبي طالب،
فإنه كان قد قتل من قريش وغيرهم من القبائل قتلى كل واحد منهم.
يحتمل مراجعة النبي صلى الله عليه وآله لله جل جلاله في تأخير ولاية مولانا علي عليه
السلام وترك اظهار عظيم فضله وشرف محله، وكان النبي شفيقا على أمته كما

1 - المائدة: 67.
2 - القصص: 33.
244

وصفه الله جل جلاله، فاشفق عليهم من الامتحان باظهار ولاية علي عليه السلام في
أوان.
ويحتمل أن يكون الله جل جلاله اذن للنبي عليه السلام في مراجعته لتظهر لامته انه
ما آثره لمولانا علي عليه السلام، وإنما الله جل جلاله آثره كما قال: (ما ينطق عن الهوى
ان هو الا وحى يوحى) 1.
قال صاحب كتاب النشر والطي في تمام حديثه ما هذا لفظه:
فهبط جبرئيل فقال: اقرأ: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك - الآية)، وقد بلغنا
غدير خم في وقت لو طرح اللحم فيه على الأرض لانشوى 2، وانتهى إلينا رسول الله
فنادى: الصلاة جامعة، ولقد كان أمر علي عليه السلام أعظم عند الله مما يقدر، فدعا
المقداد وسلمان وأبا ذر وعمار، فأمرهم أن يعمدوا إلى أصل شجرتين فيقموا 3 ما تحتهما
فكسحوه 4، وأمرهم ان يضعوا الحجارة بعضها على بعض كقامة رسول الله صلى الله عليه
وآله، وأمر بثوب فطرح عليه، ثم صعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر ينظر يمنة ويسره
ينتظر اجتماع الناس إليه.
فلما اجتمعوا فقال: الحمد لله الذي علا في توحده ودنا في تفرده - إلى أن قال: - أقر
له على نفسي بالعبودية واشهد له بالربوبية وأؤدي ما أوحى إلى، حذر ان لم افعل ان
تحل بي قارعة 5، أوحى إلى: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك - الآية).
معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما أنزله الله تبارك وتعالى، وانا أبين لكم سبب
هذه الآية، ان جبرئيل هبط إلى مرارا أمرني عن السلام ان أقول في المشهد واعلم
الأبيض والأسود، ان علي بن أبي طالب أخي وخليفتي والامام بعدى.
أيها الناس علمي بالمنافقين - الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه

1 - النجم: 3 - 4.
2 - شوى اللحم: عرضه للنار فنضج.
3 - قم البيت: كنسه.
4 - كسحت البيت: كنسته.
5 - القارعة: الداهية، النكبة المهلكة.
245

هينا وهو عند الله عظيم، وكثرة إذا هم لي مرة سموني اذنا لكثرة ملازمته إياي واقبالي
عليه، حتى انزل الله: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن) 1 - محيط 2، ولو شئت ان
اسمى القائلين بأسمائهم لسميت.
واعلموا ان الله قد نصبه لكم وليا واماما، مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار
وعلى التابعين وعلى البادي والحاضر، وعلى العجمي والعربي، وعلى الحر والمملوك، وعلى
الكبير والصغير، وعلى الأبيض والأسود، وعلى موحد، فهو ماض حكمه، جائز قوله،
نافذ أمره، ملعون من خالفه ومرحوم من صدقه.
معاشر الناس تدبروا القرآن وافهموا آياته ومحكماته ولا تتبعوا فوالله لا يوضح تفسيره
الا الذي انا آخذ بيده ورافعها بيدي، ومعلمكم ان من كنت مولاه فهو مولاه، وهو
على.
معاشر الناس ان عليا والطيبين من ولدى من صلبه هم الثقل الأصغر والقرآن
الثقل الأكبر، لن يفترقا حتى يردا على الحوض، ولا يحل امرة المؤمنين لأحد بعدى
غيره.
ثم ضرب بيده على عضده، فرفعه على درجة دون مقامه متيامنا عن وجه رسول الله
صلى الله عليه وآله، فرفعه بيده وقال:
أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله، فقال: الأمن كنت
مولاه فهذا على مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل
من خذله، إنما أكمل الله لكم دينكم بولايته وامامته، وما نزلت آية خاطب الله بها
المؤمنين الا بدأ به، ولا شهد الله بالجنة في هل أتى الا له، ولا أنزلها في غيره، ذرية كل
نبي من صلبه وذريتي من صلب على، لا يبغض عليا الا شقى ولا يوالي عليا الا تقى،
وفي علي نزلت (والعصر)، وتفسيرها: ورب عصر القيامة، (ان الانسان لفي خسر) أعداء
آل محمد، (الا الذين آمنوا) بولايتهم)، (وعملوا الصالحات) بمواساة اخوانهم، (وتواصوا

1 - التوبة: 61.
2 - خبر لقوله: علمي.
246

بالصبر) في غيبة غائبهم.
معاشر الناس آمنوا بالله والنور الذي انزل، انزل الله النور في، ثم في علي،
ثم النسل منه إلى المهدى، الذي يأخذ بحق الله، معاشر الناس انى رسول الله قد خلت
من قبلي الرسل، الا ان عليا الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده من ولده من صلبه.
معاشر الناس قد ضل من قبلكم أكثر الأولين، انا صراط الله المستقيم الذي أمركم
ان تسلكوا الهدى إليه، ثم على من بعدى، ثم ولدى من صلبه أئمة يهدون بالحق، انى
قد بينت لكم وفهمتكم، هذا على يفهمكم بعدى، الا وانى بايعت لله وعلى بايع لي،
وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله، (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله
فسيؤتيه اجرا عظيما) 1.
معاشر الناس أنتم أكثر من أن تصافحوني بكف واحدة قد أمرني الله ان آخذ من
ألسنتكم الاقرار بما عقدتم الامرة لعلي بن أبي طالب، ومن جاء من بعده من الأئمة منى
منه، على ما أعلمتكم ان ذريتي من صلبه فليبلغ الحاضر الغائب، فقولوا: سامعين
مطيعين راضين لما بلغت عن ربك، نبايعك على ذلك بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا، على
ذلك نحيا ونموت ونبعث، لا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب، أعطينا بذلك الله وإياك،
وعليا والحسن والحسين والأئمة الذين ذكرت، كل عهد وميثاق من قلوبنا وألسنتنا،
ونحن لا نبتغي بذلك بدلا ونحن نؤدى ذلك إلى كل من رأينا.
فبادر الناس بنعم نعم، سمعنا وأطعنا أمر الله وامر رسوله آمنا به بقلوبنا وتداكوا 2
على رسول الله وعلى عليهما السلام بأيديهم، إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد،
وباقي ذلك اليوم إلى أن صليت العشاء آن في وقت واحد ورسول الله صل الله عليه
وآله يقول كلما أتى فوج: (الحمد لله الذي فضلنا على العالمين.) 3

1 - الفتح: 10.
2 - تداك عليه القوم: ازدحموا.
3 - عنه بطوله البحار 37: 126 - 133.
247

فصل: واما رواه مسعود بن ناصر السجستاني في صفة نص النبي صلى الله عليه
وآله على مولانا علي عليه السلام بالولاية، فإنه مجلد أكثر من عشرين كراسا.
واما الذي ذكره محمد بن جرير صاحب التاريخ في ذلك فإنه مجلد، وكذلك
ما ذكره أبو العباس بن عقدة وغيره من العلماء وأهل الروايات فإنها عدة مجلدات.
فصل: واما ما جرى من اظهار بعض من حضر في يوم الغدير لكراهة نص النبي
صلوات الله عليه على مولانا على صلوات الله عليه.
فقد ذكر الثعلبي في تفسيره: ان الناس تنحوا عن النبي عليه السلام، فأمر عليا
فجمعهم، فلما اجتمعوا قام وهو متوسد على يد علي بن أبي طالب، فحمد الله وأثنى
عليه.
ثم قال: أيها الناس انه قد كرهت تخلفكم عنى حتى خيل إلى أنه ليس شجرة
أبغض إليكم من شجرة تليني، ثم قال: لكن علي بن أبي طالب أنزله الله منى بمنزلتي
منه، فرضى الله عنه كما أنا راض عنه، فإنه لا يختار على قربي ومحبي شيئا، ثم رفع يديه
فقال: من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
قال: فابتدر الناس إلى رسول الله عليه وآله يبكون ويتضرعون ويقولون:
يا رسول الله ما تنحينا عنك الا كراهية ان نثقل عليك، فنعوذ بالله من سخط رسوله،
فرضى رسول الله صلى الله عليه وآله عنهم عند ذلك 1.
فصل: وقال مصنف كتاب النشر والطي: قال أبو سعيد الخدري: فلم ننصرف
حتى نزلت هذه الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام
دينا) 2، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمد لله على كمال الدين وتمام النقمة
ورضى الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب، ونزلت: (اليوم يئس الذين كفروا من
دينكم - الآية) 3.
قال صاحب الكتاب: فقال الصادق عليه السلام: يئس الكفرة وطمع الظلمة.

1 - عنه البحار 37: 134، رواه في الطرائف: 145، ذكره ابن المغازلي في مناقبه: 25، عنه العمدة: 53.
2 - 3 - المائدة: 3.
248

قلت انا: وقال مسلم في صحيحة باسناده إلى طارق بن شهاب قال: قالت اليهود
لعمر: لو علينا معشر اليهود نزلت هذه الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الاسلام دينا)، نعلم اليوم الذي أنزلت فيه لاتخذنا ذلك اليوم عيدا 1.
وروى نزول هذه يوم الغدير جماعة من المخالفين ذكرناهم في الطرائف 2.
وقال مصنف كتاب النشر والطي ما هذا لفظه: فصل: وروى أن الله تعالى عرض
عليا على الأعداء يوم الابتهال فرجعوا عن العداوة وعرضه على الأولياء يوم الغدير
فصاروا أعداء، فشتان ما بينهما.
وروى أبو سعيد السمان باسناده ان إبليس اتى رسول الله صلى الله عليه وآله في
صورة شيخ حسن السمت، فقال: يا محمد ما أقل من يبايعك على ما تقول في ابن عمك
على؟ فأنزل الله: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين) 3، فاجتمع
جماعة من المنافقين الذين نكثوا عهده فقالوا: قد قال محمد بالأمس في مسجد الخيف
ما قال، وقال هاهنا ما قال، فان رجع إلى المدينة يأخذ البيعة له والرأي ان نقتل محمدا
قبل ان يدخل المدينة.
فلما كان في تلك الليلة قعد له عليه السلام أربعة عشر رجلا في العقبة ليقتلوه -
وهي عقبة بين الجحفة والايواء - فقعد سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا
ناقته، فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وآله صلى وارتحل وتقدم أصحابه وكان
صلى الله عليه وآله على ناقة ناجية، فلما صعد العقبة ناداه جبرئيل: يا محمد ان فلانا
وفلانا - وسماهم كلهم وذكر صاحب الكتاب أسماء القوم المشار إليهم - ثم قال: قال
جبرئيل: يا محمد هؤلاء قد قعدوا لك في العقبة ليغتالوك 4.
فنظر رسول الله إلى من خلفه، فقال: من هذا خلفي؟ فقال حذيفة بن اليمان: انا
حذيفة يا رسول الله، قال: سمعت، سمعناه؟ قال: نعم، قال: اكتم، ثم دنا منهم فناداهم

1 - صحيح مسلم 4: 2313، عنه الطرائف: 147.
2 - الطرائف: 140 - 153.
3 - سبأ: 20.
4 - ليقتلوك (خ ل).
249

بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلما سمعوا نداء رسول الله عليه وآله مروا ودخلوا في
غمار الناس وتركوا رواحهم وقد كانوا عقلوها داخل العقبة، ولحق الناس برسول الله
وانتهى رسول الله إلى رواحلهم فعرفها.
فلما نزل قال: ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة: ان أمات الله محمدا أو قتل لا نرد
هذا الأمر إلى أهل بيته، ثم هموا بما هموا به، فجاؤوا إلى رسول الله يحلفون انهم لن
يهموا بشئ من ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر
وكفروا بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا الآية.) 2، 1
فصل: وذكر الزمخشري في كتاب الكشاف، وهو ممن لا يتهم عند أهل الخلاف،
فقال في تفسير قوله تعالى: (لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور) 3 ما هذا لفظه:
وعن ابن جريح: وقفوا لرسول الله ليلة الثنية على العقبة، وهم اثنا عشر رجلا،
ليفتكوا به من قبل غزاة تبوك (وقلبوا لك الأمور) ودبروا لك الحيل والمكائد ودوروا
الآراء في ابطال امرك، وقرى: وقلبوا - بالتخفيف - حتى جاء الحق وظهر أمر الله 4.
ثم قال الزمخشري أيضا في الكتاب في تفسير قوله جل جلاله: (وكفروا بعد اسلامهم
وهموا بما لم ينازلوا) 5 ما هذا لفظه:
وهو الفتك برسول الله وذلك عند مرجعه من تبوك تواثق خمسة عشر منهم على أن
يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنم العقبة بالليل فأخذ عمار بن ياسر رضي الله عنه
بخطام راحلته يقودها، وحذيفة خلفه يسوقها، فبينا هو كذلك إذ سمع حذيفة توقع
اخفاف الإبل بقعقعة السلام، فالتفت قوم متلثمون فقال: إليكم أعداء الله، فهربوا 6.
فصل: وبلغ أمر الحسد لمولانا علي عليه السلام على ذلك المقام والانعام إلى بعضهم

1 - التوبة: 74.
2 - عنه البحار 37: 134.
3 - التوبة: 48.
4 - الكشاف 2: 277.
5 - التوبة: 74.
6 - الكشاف 2: 291.
250

الهلاك والاصطلام 1.
فروى الحاكم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني في كتاب دعاء الهداة إلى أداء حق
الموالاة، وهو من أعيان رجال الجمهور، فقال: قرأت على أبى بكر محمد بن محمد
الصيدلاني فأقربه، حدثكم أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني، حدثنا
عبد الرحمان بن الحسين الأسدي، حدثنا إبراهيم بن الحسين الكسائي، حدثنا الفضل بن
دكين، حدثنا سفيان بن سعيد، حدثنا منصور بن ربعي، عن حذيفة بن اليمان قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلى: من كنت مولاه فهذا على مولاه، قام
النعمان بن المنذر الفهري فقال: هذا شئ قتلته من عندك أو شئ أمرك به ربك؟
قال: لا بل أمرني به ربى، فقال: اللهم أنزل علينا حجارة من السماء، فما بلغ رحله
حتى جاءه حجر فأدماه 2 فخر ميتا، فأنزل الله تعالى: (سئل سائل بعذاب واقع) 3.
أقول: وروى هذا الحديث الثعلبي في تفسيره للقرآن بأفضل وأكمل من هذه
الرواية 4.
وكذلك رواه صاحب كتاب النشر والطي قال: لما كان رسول الله صلى الله عليه
وآله بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد على فقال: من كنت مولاه فعلى مولاه،
فشاع ذلك في كل بلد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله صلى
الله عليه وآله على ناقة له، حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها، ثم أتى النبي
وهو في ملأ من أصحابه، فقال: يا محمد أمرتنا عن الله ان نشهد ان لا إله إلا الله وانك
رسول الله، فقبلناه، وأمرتنا ان نصلى خمسا، فقبلناه، وأمرتنا بالحج، فقبلناه، ثم لم ترض
بذلك حتى رفعت بضبع 5 ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلى مولاه،
أهذا شئ من عندك أم من الله؟ فقال: والله الذي لا إله إلا هو ان هذا من الله،
فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقوله محمد حقا فامطر علينا

1 - اصطلمه: استأصله.
2 - أدمى الرجل: أسال دمه.
3 - المعارج: 1.
4 - عنه الغدير 1: 240 وفى الطرائف: 153. ذكره الحسكاني في شواهد التنزيل 2: 286.
5 - الضبع: وسط العضد، أ الإبط.
251

حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على
هامته 1، وخرج من دبره فقتله 2.
أقول: فإذا كان الحال كما ذكرناه من الحاسدين الكارهين لما انزل الله ولما أمر به
رسوله صلوات الله عليه وآله من ولاية علي بن أبي طالب على الاسلام والمسلمين، وكان
ذلك في حياة النبي صلوات الله عليه وآله وهو يرجا ويخاف والوحي ينزل عليه، فكيف
يستبعد ممن كان بهذه الصفات في الحسد والعداوات ان يعزلوا الولاية عن مولانا علي عليه
السلام بعد وفاة النبي صلوات الله عليه أو يكتموا كثير من النصوص عليه:
باعوه بالأمل الضعيف سفاهة * وقت الحياة فكيف بعد وفاته
خذلوه في وقت يخاف ويرتجى * إيراد منهم ان يفوا لمماته
فصل (4)
فيما نذكره من فضل الله جل جلاله بعيد الغدير على سائر الأعياد، وما فيه من المنة على العباد
اعلم أن كل عيد جديد أطلق الله جل جلاله فيه شيئا من الجود لعبد سعيد، فإنما
يكون اطلاقه جل جلاله لذلك الاحسان لمن ظفر بمعرفة الله جل جلاله ومعرفة رسوله
صلوات الله عليه وامام الزمان، وكان صحيح الايمان، فان النقل عن صاحب الشريعة
النبوية ورد متظاهرا انه من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية.
وهذا عيد يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجة، فيه كشف الله ورسوله عن واضح
الحجة، ونص بها على من اختاره للإمامة والحجة، وكل عبد علاقة عليه كالعبد الذي
يخدم بين يديه ويتقرب إليه.
واعلم أن المنة بكشفه والمحنة بلطفه، تكاد ان تزيد على الامتحان بصاحب النبوة
العظيم الشأن، لأن الرسول المبعوث صلوات الله وسلامه عليه، بعث في أول امره بمكة
إلى قوم يعبدون أحجارا واخشابا لا تدفع ولا تنفع ولا تسمع خطابا ولا ترد جوابا.
قد شهدت عقول أهل الوجود بجهل من اتخذ آلهة من دون الله المعبود، ولم يكن

1 - الهامة: الرأس.
2 - عنه البحار 37: 136.
252

بين أهل مكة وبين رسول الله صلى الله عليه وآله عداوة قبل رسالته، ولا بينهم وبينه
قتل ولا دماء قد سفكها، تمنع طبعا وعقلا من قبول نبوته.
واما مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل السلام، الذي نص الله جل جلاله عليه على
لسان رسوله عليه أعظم الصلاة والسلام في يوم الغدير، فان أهل الاسلام كانوا قد
اتسعت عليهم شبهات العقول والأحلام وتأويل ما يقدرون فيه على التأويل، وكان مولانا
علي عليه السلام قد عادى كثيرا في الله جل جلاله وفى طاعة الرسول الجليل، فسفك
دماء عظيمة من أسلافهم وعظمائهم وأمثالهم، وسار مع رسول الله عليه السلام سيرة
واحدة في معاداة من عاداه من أول امره إلى آخره، من غير مراعاة لحفظ قلوب من
كان عاداه من رجالهم، وظهرت له من العنايات والكرامات ما اقتضت حسد أهل
المقاماة.
فحصل لامامته من المعاداة والحسد له على الحياة ونفور الطبايع، بأنه ما يسير الا
سيرة واحدة من غير مداهات زيادة على ما كان عند بعثة النبي عليه أفضل الصلوات،
بلغ الأمر إلى ما قدمناه قبل هذا الفصل من العداوات.
فصل: ولقد حكى أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل، وهو من المخالفين
المعاندين، كلاما جليلا في سبب عداوة الناس لمولانا علي بن أبي طالب عليه السلام
فقال في مدح أبو الهيثم بن التيهان انه أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه
وآله في ابتداء أمر نبوته، ثم قال باسناده إلى أبو الهيثم بن التيهان انه قام خطيبا بين يدي
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال:
ان حسد قريش إياك على وجهين: اما خيارهم فتمنوا ان يكونوا مثلك منافسة 1 في
الملأ وارتفاع الدرجة، واما شرارهم فحسدوا حسدا أثقل القلوب وأحبط الأعمال،
وذلك انهم رأوا عليك نعمة قدمها إليك الحظ وأخرهم عنها الحرمان، فلم يرضوا ان
يلحقوا حتى طلبوا ان يسبقوك، فبعدت والله عليهم الغاية وأسقط المضمار.
فلما تقدمهم بالسبق وعجزوا عن اللحاق بلغوا منك ما رأيت، وكنت والله أحق

1 - نافس فلانا في أمر: فاخره وباراه فيه.
253

قريش بشكر قريش، نصرت نبيهم حيا وقضيت عنه الحقوق ميتا، والله ما بغيهم الا على
أنفسهم ولا نكثوا الا بيعة الله، يد الله فوق أيديهم فيها، ونحن معاشر الأنصار أيدينا
وألسنتنا معك، فأيدينا على من شهد وألسنتنا على من غاب.
أقول: فهذا أبو الهيثم بن التيهان من أشرف الأنصار، وقد حضر أول أمر النبوة
وما جرت الحال عليه، وقوله حجة على قريش وغيرهم فيما أشار رحمه الله.
فليكن تعظيم عيد أهل الشرايع على قد ما فيه من المنافع، وعلى قدر ما سلم الله جل
جلاله الظافر بما فيه من الحوائل والقواطع، فان كل نعمة لله على عباده، على قدر
ما سلمهم فيها من أخطار غضبه وابعاده، وعلى قدر مفارقتهم لأهل عناده وموافقتهم
لمراده.
فصل (5)
فيما نذكره من فضل عيد الغدير عند أهل العقول من طريق المنقول
فمن ذلك ما اخبرني به الشيخ العالم حسين بن أحمد السوراوي والشيخ الأوحد الملقب
عماد الدين أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، باسنادهما المقدم ذكره عن الشيخ السعيد
المجيد أبى جعفر محمد بن محمد الحسن الطوسي قدس الله روحه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي
محمد هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد الخراساني
الحاجب في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، قال: حدثنا سعيد بن هارون
أبو عمرو المروزي - وقد زاد على الثمانين سنة - قال: حدثنا الفياض بن محمد بن عمر
الطوسي بطوس سنة تسع وخمسين ومأتين، وقد بلغ التسعين، انه شهد أبا الحسن
علي بن موسى الرضا عليهم السلام في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصته قد احتسبهم
للافطار، وقد قدم إلى منازلهم الطعام والبر والصلات والكسوة حتى الخواتيم والنعال،
وقد غير أحوالهم وأحوال حاشيته وجددت له الآلة غير الآلة التي جرى الرسم بابتذالها
قبل يومه، وهو يذكر فضل اليوم وقدمه، فكان من قوله عليه السلام:
حدثني الهادي أبى، قال: حدثني جدي الصادق، قال: حدثني الباقر، قال: حدثني
سيد العابدين، قال: حدثني أبي الحسين، قال:
254

اتفق في بعض سنى أمير المؤمنين عليه السلام الجمعة والغدير، فصعد المنبر على خمس
ساعات من نهار ذلك اليوم، فحمد الله حمدا لم يسمع بمثله، وأثنى عليه بما لا يتوجه إلى
غيره، فكان ما حفظ من ذلك:
الحمد لله الذي جعل الحمد من غير حاجة منه إلى حامديه، وطريقا من طرق
الاعتراف بلا هويته وصمدانيته وفردانيته، وسببا إلى المزيد من رحمته، ومحجة للطالب
من فضله، وكمن في ابطان حقيقة الاعتراف له بأنه المنعم على كل حمد باللفظ وان
عظم.
واشهد ان لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة نزعت عن اخلاص الطوى
ونطق اللسان بها عبارة عن صدق خفى، انه الخالق الباري المصور له الأسماء الحسنى،
ليس كمثله شئ، إذ كان الشئ من مشيته وكان لا يشبهه مكونه.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، استخلصه في القدم على سائر الأمم، على علم منه،
بأنه انفرد عن التشاكل والتماثل من أبناء الجنس، وانتجبه آمرا وناهيا عنه، اقامه في
سائر عالمه في الأداء مقامه، إذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الأفكار،
ولا تمثله غوامض الظنون في الاسرار.
لا إله إلا هو الملك الجبار، قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلا هويته، واختصه من
تكرمته بما لم يلحقه فيه أحد من بريته، فهو أهل ذلك بخاصته وخلته، إذ لا يختص من
يشوبه التغير، ولا يخالل من يلحقه التظنين، وأمر بالصلاة عليه، مزيدا في تكرمته،
وطريقا للداعي إلى اجابته، فصلى الله عليه وكرم وشرف وعظم، مزيدا لا تلحقه التفنية
ولا ينقطع على التأكيد.
وان الله تعالى اختص لنفسه بعد نبيه صلى الله عليه وآله بريته خاصة، علاهم
بتعليته، وسمى بهم إلى رتبته بهم إلى رتبته، وجعلهم الدعاة بالحق إليه، والأداء
بالارشاد عليه، لقرن قرن، وزمن وزمن، انشأهم في القدم قبل كل مذر و مبر، وانورا
أنطقها بتحميده وألهمها على شكره وتمجيده.
وجعلها الحجج على كل معترف له بملكوت الربوبية، وسلطان العبودية، واستنطق
255

بها الخرسات بأنواع اللغات، بخوعا 1 له بأنه فاطر الأرضين والسماوات، واستشهدهم
خلقه وولاهم ما شاء من أمره.
جعلهم تراجم مشيته وألسن ارادته، عبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون،
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يشفعون الا لمن ارتضى، وهم من خشيته مشفقون،
يحكمون باحكامه ويستنون بسنته، ويعتمدون حدوده، ويؤدون فرضه.
ولم يدع الخلق في بهم صما ولا في عمى بكما، بل جعل لهم عقولا مازجت
شواهدهم، وتفرقت في هياكلهم، حققها في نفوسهم واستعد لها حواسهم، فقرر بها على
اسماع ونواظر وأفكار وخواطر، ألزمهم بها حجته واراهم بها محجته وانطقهم عما شهدته
بألسن ذرية بما قام فيها من قدرته وحكمته، وبين عندهم بها (ليهلك من هلك عن بينة
ويحيى من حي عن بينة) 2، وان الله لسميع عليم، بصير شاهد خبير.
وان الله تعالى جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين، لا يقوم
أحدهما الا بصاحبه، ليكمل لكم عندكم، جميل صنعه، ويقفكم على طريق رشده،
ويقفوا بكم آثار المستضيئين بنور هدايته، ويسلك بكم منهاج قصده، ويوفر عليكم
هنيئ رفده.
فجعل الجمعة مجمعا ندب إليه 3 لتطهير ما كان قبله، وغسل ما أوقعته مكاسب السوء
من مثله إلى مثله، وذكرى للمؤمنين وتبيان خشية المتقين، ووهب لأهل طاعته في
الأيام قبله وجعله لا يتم الا بالايتمار لما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه، والبخوع بطاعته
فيما حث عليه وندب إليه، ولا يقبل توحيده الا بالاعتراف لنبيه صلى الله عليه وآله
بنبوته، ولا يقبل دينا الا بولاية من أمر بولايته، ولا ينتظم أسباب طاعته الا بالتمسك
بعصمه وعصم أهل ولايته.
فأنزل على نبيه صلى الله عليه وآله في يوم الدوح ما بين فيه عن ارادته في خلصائه

1 - بخع: أقر به وأذعن.
2 - الأنفال: 42.
3 - ندب للأمر أولي الأمر: دعاه ورشحه للقيام به.
256

وذوي اجتبائه، وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق، وضمن له عصمته
منهم وكشف عن خبايا أهل الريب وضمائر أهل الارتداد ما رمز فيه.
فعقله المؤمن والمنافق فاذعن مذعن وثبت على الحق ثابت، وازدادت جهالة المنافق،
وحمية المارق 1، ووقع العض على النواخذ 2 والعمر على السواعد، ونطق ناطق، ونعق
ناعق، ونشق ناشق، واستمر على مارقته مارق، ووقع الاذعان من طائفة باللسان دون
حقائق الايمان، ومن طائفة باللسان وصدق الايمان.
وأكمل الله دينه، وأقر عين نبيه والمؤمنين والمتابعين، وكان ما قد شهده بعضكم
وبلغ بعضكم، وتمت كلمة الله الحسنى على الصابرين، ودمر 3 الله ما صنع فرعون
وهامان وقارون وجنوده وما كانوا يعرشون 4، وبقيت حثالة 5 من الضلال، لا يألون
الناس خبالا 6.
فيقصدهم الله في ديارهم، ويمحوا آثارهم، ويبيد معالمهم، ويعقبهم عن قرب
الحسرات، ويلحقهم عن بسط أكفهم، ومد أعناقهم، ومكنهم من دين الله حتى بدلوه
ومن حكمه حتى غيروه، وسيأتي نصر الله على عدوه لحينه، والله لطيف خبير وفى دون
ما سمعتم كفاية وبلاغ.
فتأملوا رحمكم الله ما ندبكم الله إليكم، وحثكم عليه، واقصدوا شرعه، واسلكوا
نخجه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.
هذا يوم عظيم الشأن فيه وقع الفرج، ورفعت الدرج، ووضحت الحجج، وهو يوم
الايضاح والافصاح عن المقام الصراح، ويوم كمال الدين، ويوم العهد المعهود، ويوم

1 - المارق: من مرق من الدين، أي خرج من الدين بضلالة أو بدعة.
2 - عض الشئ: لزمه واستمسك به، الناجذ: واحد النواجذ أي الأضراس، يقال: عض على ناجذه: بلغ أشده لان
النواجذ تنبت بعد البلوغ وكمال العقل.
3 - الدمار: الهلاك.
4 - عرش البيت: بناه.
5 - حثالة: ما يسقط من قشر الشعير، حثالة الناس: رذالتهم.
6 - الخبال: الفساد.
257

الشاهد والمشهود، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود، ويوم البيان عن حقائق
الايمان، ويوم دحر 1 الشيطان، ويوم البرهان.
هذا يوم الفصل الذي كنتم به توعدون، هذا يوم الملأ الأعلى الذي أنتم عنه
معرضون، هذا يوم الارشاد، ويوم محنة العباد ويوم الدليل على الرواد، هذا يوم ابداء
خفايا الصدور، ومضمرات الأمور، هذا يوم النصوص على أهل المخصوص.
هذا يوم شيث، هذا يوم إدريس، هذا يوم اظهار يوشع، هذا يوم شمعون، هذا يوم الأمن
المأمون، هذا يوم اظهار المصون من المكنون، هذا يوم ابداء السرائر.
فلم يزل عليه السلام يقول: هذا يوم هذا يوم، فراقبوا الله واتقوه، واسمعوا له
وأطيعوه، واحذروا المكر ولا تخادعوه، وفتشوا ضمائركم، ولا تواربوه، وتقربوا إلى الله
بتوحيده، وطاعة من أمركم ان تطيعوه، ولا تمسكوا بعصم الكوافر.
ولا ينجح 2 بكم الغى فتضلوا عن سبيل الرشاد، باتباع أولئك الذين ضلوا وأضلوا،
قال الله تعالى عز من قائل في طائفة ذكرهم بالذم في كتابه: (انا أطعنا سادتنا وكبراءنا
فاضلونا السبيلا * ربا اتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) 3، وقال الله تعالى: (وإذ
يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للدين استكبروا انا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله
من شئ، قالوا لو هدينا الله لهدينا) 4، أفتدرون استكبار ما هو، ترك الطاعة لمن أمر الله
بطاعته والترفع عمن ندبوا إلى متابعته، والقرآن ينطق من هذا عن كثير، ان تدبره
متدبر زجره ووعظه.
واعلموا أيها المؤمنون ان الله عز وجل قال: (ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا
كأنهم بنيان مرصوص) 5، أتدرون ما سبيل الله ومن سبيله ومن صراط الله ومن طريقه.

1 - دحر: طرد.
2 - جنح: مال.
3 - الأحزاب: 67.
4 - إبراهيم: 21.
5 - الصف: 4.
258

انا صراط الذي من لا يسلكه بطاعة الله فيه هوى به 1 إلى النار، انا سبيله الذي
نصبي للاتباع بعد نبيه صلى الله عليه وآله، أنا قسيم النار، أنا حجة الله على الفجار،
أنا نور الأنوار.
فانتبهوا من رقدة الغفلة، وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل، وسابقوا إلى مغفرة من
ربكم قبل ان يضرب بالسور بباطن الرحمة وظاهر العذاب، فتنادون فلا يسمع نداؤكم،
وتضجون فلا يحفل 2 بضجيجكم، وقبل ان تستغيثوا فلا تغاثوا، سارعوا إلى الطاعات قبل
فوات الأوقات، فكان قد جاء هادم اللذات فلا مناص نجات ولا محيص تخليص.
عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم، والبر باخوانكم،
والشكر لله عز وجل على ما منحكم، وأجمعوا يجمع الله شملكم، وتباروا يصل الله
ألفتكم، وتهانوا نعمة الله كما هناكم بالصواب فيه على أضعاف الأعياد قبله وبعده الا
في مثله، والبر فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضى رحمة الله وعطفه،
وهبوا لاخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من جودكم، وبما تناله القدرة من
استطاعتكم، وأظهروا البشرى فيما بينكم والسرور في ملاقاتكم.
واحمدوا الله على ما منحكم وعودوا بالمزيد على أهل التأميل لكم، وساووا بكم
ضعفاء كم ومن ملككم وما تناله القدرة من استطاعتكم وعلى حسب امكانكم،
فالدرهم فيه بمأتي ألف درهم والمزيد من الله عز وجل.
وصوم هذا يوم مما ندب الله إليه، وجعل العظيم كفالة عنه، حتى لو تعبد له عبد
من العبيد في التشبيه من ابتداء الدنيا إلى تقضيها 3 صائما نهارها قائما ليلها، إذا خلص
المخلص في صومه لقصرت أيام الدنيا عن كفايته، ومن أضف فيه أخاه مبتدئا وبره
راغبا، فله كأجر من صام هذا اليوم وقام ليلة، ومن فطر مؤمنا في ليلة فكأنما فطر

1 - هوى الشئ: ألقاه من فوق.
2 - حفل: بالى واهتم.
3 - تقضى الشئ: انصرم وفنى.
259

فئاما 1 فئاما، يعدها بيده عشرة.
فنهض ناهض فقال: يا أمير المؤمنين وما الفئام؟ قال: مأتى ألف نبي وصديق وشهيد،
فكيف بمن يكفل عددا من المؤمنين والمؤمنات، فانا ضمينه على الله تعالى الأمان من
الكفر والفقر.
وان مات في ليلته أو بعده إلى مثله، من غير ارتكاب كبيرة، فأجره على
الله، ومن استدان لاخوانه وأعانهم، فأنا الضامن على الله ان أبقاه وان قبضه حمله عنه،
وإذا تلاقيتم فتصافحوا بألسنتكم وتهانوا بالنعمة في هذا اليوم، وليبلغ الحاضر الغائب
والشاهد البائن، وليعد الغنى على الفقير والقوى على الضعيف، أمرني رسول الله صلى
الله عليه وآله بذلك.
ثم اخذ صلوات الله عليه في خطبته الجمعة، وجعل صلاته جمعة صلاة عيد،
وانصرف بولده وشيعته إلى منزل أبى محمد الحسن بن علي عليهما السلام، بما أعد له من
طعامه، وانصرف غنيهم وفقيرهم برفده إلى عياله 2.
فصل (6)
فيما نذكره من فضل يوم الغدير من كتاب النشر والطي
رواه عن الرضا عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة زفت أربعة أيام إلى الله كما
تزف العروس إلى خدرها، قيل: ما هذه الأيام؟ قال:
يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة ويوم الغدير، وان يوم الغدير بين الأضحى
والفطر والجمعة كالقمر بين الكواكب، وهو اليوم الذي نجا فيه إبراهيم الخليل من
النار، فصامه شكرا لله، وهو اليوم الذي أكمل الله به الدين في إقامة النبي عليه ا لسلام
عليا أمير المؤمنين علما وأبان فضيلته ووصايته، فصام ذلك اليوم، وانه اليوم الكمال ويوم
مرغمة الشيطان، ويوم تقبل اعمال الشيعة ومحبى آل محمد، وهو اليوم الذي يعمد الله

1 - الفئام: الجماعة من الناس.
2 - رواه الشيخ في مصباحه: 752، عنه الوسائل 10: 444.
260

فيه إلى ما عمله المخالفون فيجعله هباء منثورا.
وهو اليوم الذي يأمر جبرئيل عليه السلام ان ينصب كرسي كرامة الله بإزاء بيت
المعمور ويصعده جبرئيل عليه السلام وتجتمع إليه الملائكة من جميع السماوات ويثنون
على محمد ويستغفرون لشيعة أمير المؤمنين والأئمة عليه السلام ومحبيهم من ولد آدم عليه
السلام، وهو اليوم الذي يأمر الله فيه الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن محبي أهل
البيت وشيعتهم ثلاثة أيام من يوم الغدير، ولا يكتبون عليهم شيئا من خطاياهم كرامة
لمحمد وعلى والأئمة.
وهو اليوم الذي جعله الله لمحمد وآله وذوي رحمه، وهو اليوم الذي يزيد الله في حال
من عبد فيه ووسع على عياله ونفسه واخوانه ويعتقه الله من النار، وهو اليوم الذي يجعل
الله فيه سعى الشيعة مشكورا وذنبهم مغفورا وعملهم مقبولا.
وهو يوم تنفيس الكرب ويوم تحطيط الوزر ويوم الحباء والعطية ويوم نشر العلم
ويوم البشارة والعيد الأكبر، ويوم يستجاب فيه الدعاء، ويوم الموقف العظيم، ويوم لبس الثياب
ونزع السواد، ويوم الشرط المشروط ويوم نفى الهموم ويوم الصفح عن مذنبي شيعة أميرا لمؤمنين.
وهو يوم السبقة، ويوم اكثار الصلاة على محمد وآل محمد، ويوم الرضا، ويوم عيد
أهل بيت محمد، ويوم قبول الأعمال، ويوم طلب الزيادة ويوم استراحة المؤمنين ويوم
المتاجرة، ويوم التودد، ويوم الوصول إلى رحمة الله، ويوم التزكية، ويوم ترك الكبائر
والذنوب ويوم العبادة ويوم تفطير الصائمين، فمن فطر فيه صائما مؤمنا كان كمن أطعم
فئاما وفئاما - إلى أن عد عشرا، ثم قال: أو تدرى ما الفيام؟ قال: لا، قال: مائة ألف.
وهو يوم التهنئة، يعنى بعضكم بعضا، فإذا لقى المؤمن أخاه يقول: الحمد لله الذي
جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام، وهو يوم التبسم في وجوه الناس
من أهل الايمان، فمن تبسم في وجه أخيه يوم الغدير نظر الله إليه يوم القيامة بالرحمة
وقضى له الف حاجة، وبنى له قطرا في الجنة من درة بيضاء، ونضر وجهه 1.

1 - نضر الوجه: نعم وحسن وكان جميلا.
261

وهو يوم الزينة، فمن تزين ليوم الغدير غفر الله له كل خطيئة عملها، صغيرة أو
كبيرة، وبعث الله إليه ملائكة يكتبون له الحسنات ويرجعون له الدرجات إلى قابل
مثل ذلك اليوم، فان مات مات شهيدا وان عاش عاش سعيدا، ومن أطعم مؤمنا كان
كمن أطعم جميع الأنبياء والصديقين، ومن زار فيه مؤمنا ادخل الله قبره سبعين نورا
ووسع في قبره ويزور قبره كل يوم سبعون ألف ملك ويبشرون بالجنة.
وفى يوم الغدير عرض الله لولاية على أهل السماوات السبع فسبق إليها أهل السماء
السابغة فزين بها العرش، ثم سبق إليها أهل السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم
سبق إليها أهل السماء الدنيا فزينها بالكواكب، ثم عرضها على الأرضين فسبقت مكة
فزينها بالكعبة، ثم سبقت إليها المدينة فزينها بالمصطفى محمد صلى الله عليه وآله، ثم
سبقت إليها الكوفة فزينها بأمير المؤمنين عليه السلام، وعرضها على الجبال فأول جبل أقر
بذلك ثلاثة جبال: جبل العتيق وجبل الفيروزج وجبل الياقوت، فصارت هذه الجبال
جبالهن وأفضل الجواهر، ثم سبقت إليها جبال اخر، فصارت معادن الذهب والفضة،
وما لم يقر بذلك ولم يقبل صارت لا تنبت شيئا.
وعرضت في ذلك اليوم على المياه فما قبل منها صار ملحا أجاجا،
وعرضها في ذلك اليوم على النبات فما قبله صار حلوا طيبا، وما لم يقبل صار مرا، ثم
عرضها في ذلك اليوم على الطير فما قبلها صار فصيحا مصوتا وما أنكرها صار أخرس مثل
اللكن، ومثل المؤمنين في قلوبهم ولاء أمير المؤمنين في يوم غدير خم كمثل الملائكة في
سجودهم لادم، ومثل من أبى ولاية أمير المؤمنين في يوم الغدير مثل إبليس، وفى هذا
اليوم أنزلت هذه الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم) 1، وما بعث الله نبيا الا وكان يوم بعثه
مثل يوم الغدير عنده وعرف حرمته إذ نصب لامته وصيا وخليفة من بعده في ذلك
اليوم.

1 - المائدة: 68.
262

فصل (7)
فيما نذكره أيضا من فضل يوم الغدير، برواية جماعة من ذوي الفضل الكثير،
وهي قطرة من بحر غزير
فمن هؤلاء ما رواه محمد بن يعقوب الكليني باسناده إلى عبد الرحمان بن سالم، عن أبيه
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى
والفطر؟ قال: نعم أعظمها حرمة، قلت: وأي عيد هو جعلت فداك؟ قال: اليوم الذي
نصب فيه رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام، وقال: من كنت
مولاه فعلى مولاه، قلت: وأي يوم هو؟ قال: ما تصنع باليوم، ان السنة تدور ولكنه يوم
ثماني عشر من ذي الحجة.
فقلت: وما ينبغي لنا ان نفعل في ذلك اليوم؟ قال: تذكرون الله فيه بالصيام
والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد صلى الله عليهم، وأوصى رسول الله صلى الله عليه وآله
أمير المؤمنين ان يتخذ ذلك اليوم عيدا، وكذلك كانت الأنبياء تفعل، كانوا يوصون
أوصيائهم بذلك فيتخذونه عيدا 1.
ومن أولئك ما رواه علي بن الحسن بن فضال في كتاب الصيام، باسناده إلى
الحسن بن راشد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل للمسلمين عيد سوى الفطر
والأضحى؟ فقال: نعم أعظمها وأشرفهما، قال: قلت: أي يوم هو؟ قال: يوم نصب
رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين للناس فدعاهم إلى ولايته، قال: قلت: في أي
يوم ذلك؟ قال: يوم ثمانية عشر من ذي الحجة.
قال: قلت: فما ينبغي فيه وما يستجيب فيه؟ قال: الصيام والتقرب إلى الله عز وجل
فيه باعمال الخير، قال: قلت: فما لمن صامه؟ قال: يحسب له بصيام ستين شهرا. 2

1 - رواه الكليني في الكافي 4: 149، عنه الوسائل 10: 44، أورده الشيخ في مصباحه 2: 679.
2 - رواه مع اختلاف الكليني في الكافي 4: 148، والصدوق في الفقيه 2: 90، ثواب الأ عمال: 99، والشيخ في
التهذيب 4: 305، مصباح المتهجد: 680، عنهم الوسائل 10: 441، رواه في العدد القوية: 168، عنه البحار 98: 322.
263

ومن أولئك ما رواه الشيوخ المعظمون أبو جعفر محمد بن بابويه والمفيد محمد بن
محمد بن النعمان وأبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، باسنادهم جميعا عن الصادق عليه
السلام ان العمل في يوم الغدير ثامن عشر ذي الحجة يعدل العمل في ثمانين شهرا 1.
وفى حديث آخر باسنادهم آخر جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صوم يوم
غدير خم كفارة ستين سنة 2.
ومن أولئك مصنف كتاب النشر والطي قال باسناده إلى الحسن بن محمد بن سعيد
الهاشمي الكوفي، حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي، حدثنا محمد بن ظهير، حدثنا
عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام، قال النبي صلى الله
عليه وآله:
يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي هو اليوم الذي أمرني الله فيه بنصب أخي علي بن أبي
طالب فيه علما لامتي يهتدون به بعدى، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم على
أمتي فيه النعمة ورضى لهم الاسلام دينا، ثم قال:
معاشر الناس ان عليا منى وأنا من على خلق من طينتي وهو بعدى يبين لهم
ما اختلفوا فيه من سنتي، وهو أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين ويعسوب المؤمنين وخير
الوصيين وزوج سيدة نساء العالمين وأبو الأئمة المهديين.
ومن أولئك ما رواه محمد بن علي بن محمد الطرازي في كتابه، باسناده المتصل إلى
المفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام:
إذا كان يوم القيامة زفت أربعة أيام إلى الله عز وجل كما تزف العروس إلى
خدرها: يوم الفطر ويوم الأضحى ويوم الجمعة ويوم غدير خم، ويوم غدير خم بين الفطر
والأضحى يوم الجمعة كالقمر بين الكواكب، وان الله ليوكل بغدير خم ملائكته
المقربين، وسيدهم يومئذ جبرئيل عليه السلام، وأنبياء الله المرسلين وسيدهم يومئذ

1 - ثواب الأعمال: 100.
2 - ثواب الأعمال: 100، التهذيب 4: 305، الفقيه 2: 90 الخصال: 264، عنهم الوسائل 10: 442، رواه الشيخ في
مصباحه: 736.
264

محمد صلى الله عليه وآله، وأوصياء الله المنتخبين، وسيدهم يومئذ أمير المؤمنين، وأولياء
الله، وساداتهم يومئذ سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار، حتى يورده الجنان كما يورد الراعي
بغنمه الماء والكلاء.
قال المفضل: سيدي تأمرني بصيامه؟ قال لي: أي والله أي والله أي والله انه اليوم
الذي تاب الله فيه على آدم عليه السلام فصام شكرا لله، على ذلك اليوم، وانه اليوم
الذي نحبي الله تعالى فيه إبراهيم عليه السلام من النار فصام شكرا لله تعالى على ذلك
اليوم، وانه ليوم الذي أظهر عيسى عليه السلام وصيه شمعون الصفا فصام شكرا لله عز
وجل على ذلك اليوم.
وانه اليوم الذي أقام رسول الله صلى الله عليه وآله عليا للناس علما وأبان فيه فضله
ووصيه، فصام شكرا لله تبارك وتعالى ذلك اليوم، وانه ليوم صيام وقيام واطعام وصلة
الاخوان وفيه مرضاة الرحمان ومرغمة الشيطان 1.
فصل (8)
فيما نذكره من جواب من سأل عما في يوم الغدير من الفضل،
وقصر فهمه عما ذكرناه في ذلك من الفضل
اعلم أن من التنبيه على أن فضل يوم الغدير ما عرف مثله بعده ولا قبله لأحد من
الأوصياء والأعيان فيما مضى من الأزمان وجوه:
منها: ان الله جل جلاله جعل نفس علي عليه السلام نفس النبي صلى الله عليه
وآله في آية المباهلة، فقال تعالى: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم) 2.
وقد ذكرنا في الطرائف عن المخالف ان الأبناء الحسن والحسين، والنساء فاطمة،

1 - عنه الوسائل 10: 445، رواه في العدد القوية: 168، عنه البحار 98: 3 32.
2 - آل عمران: 61.
265

وأنفسنا علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم 1، فمنها جرى من التعظيم لنفس رسول الله،
فمولانا علي عليه السلام داخل فيما يمكن فيه من ذلك المقام، ولو اقتصرنا على هذا
الوجه الكبير لكفى في تعظيم يوم الغدير.
ومنها: اننا روينا في الطرائف أيضا عن المخالف، ان نور على من نور النبي صلى
الله عليه وآله في أصل خلقتها، وان ذلك ينبه على تعظيم منزلتهما 2.
ومنها: ان مولانا عليا صلوات الله عليه في أمته.
ومنها: ان كلما عصمت حرمة المنصوص عليه بالخلافة كان ذلك تعظيما لمن كان
عنه، ومولانا علي عليه السلام نائب عن الله ورسوله في كل رحمة ورأفة وأمانا من مخافة.
ومنها: ان الله جل جلاله قال: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن
المنكر) 3، فيكون علي عليه السلام بمقتضى هذا الوصف الذي لا يجحد ولا ينكر،
الرئيس من الله ورسوله صلى الله عليه وآله على هذه الأمة، التي هي خير الأمم أعظم
من كل رئيس في شرف القدم وعلو الهمم وكمال القسم.
ومنها: ان الامتحان بنص الله جل جلاله ورسوله صلوات الله عليه على مولانا
علي بن أبي طالب عليه السلام، وجدناه أعظم من كل امتحان عرفناه للأوصياء لأجل
ما اتفق لمولانا على صلوات الله عليه من كثرة الحاسدين وأعداء الدين، الذين عاداهم
وجاهدهم في الله رب العالمين وفى نصرة سيد المرسلين، وقد شهدت عدالة الألباب ان
المنازل في الفضل تزيد بزيادة الامتحان الوارد من جانب مالك الأسباب.
ومنها: ان مولانا عليا عليه السلام وقى النبي صلى الله عليه وآله وحفظ الاسلام
والمسلمين في عدة مقامات، عجز عنها كثير من قوة العالمين، فجازاه جل جلاله ورسوله

1 - الطرائف: 129، رواه الطبري في تفسيره 22: 7، الحسكاني في شواهد التي نزيل 2: 16 و 17، مسلم في صحيحه
4: 1871، النسائي في الخصائص: 4، القندوزي في ينابع المودة: 107 - 109، الخوارزمي في المناقب: 22 -
25.
2 - الطرائف: 15، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: 205 - على ما في إحقاق الحق 5: 243 -، كتاب الفردوس في
باب الخاء - على ما في الاحقاق 4: 92 - المناقب لابن المغازلي: 79، العمدة: 44.
3 - آل عمران: 110.
266

صلوات الله عليه شرف ذلك الفضل المبين بهذا المقام المكين مثل انه بات على فراش
رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة، وقد عجز عنها كل من قرب منه وكانوا بين هارب
أو عاجز عنه فكلما جرى بالمهاجرة من الشهادة في الدنيا والآخرة، فمولانا حيث فداه
بمهجته أصل الفوائد بنبوته 1.
ومنها: أداؤه سورة براءة ونبذ عهود المشركين، لما نزل إلى خاتم النبيين انه لا يؤديها
الا أنت أو رجل منك، فكان القائم مقام النبوة مولانا على أمير المؤمنين عليه السلام 2.
ومنها: مقامات مولانا علي عليه السلام في بدر وخبير وحنين وفى أحد، وفى كل
موقف كان يمكن أن يخذل الوالد للولد 3.
ومنها: قتل مولانا على صلوات الله عليه لعمرو بن عبد ود، العظيم الشأن، وقد روينا
في الطرائف عن المخالف ان النبي صلى الله عليه وآله قال: لضربة على لعمرو بن
عبد ود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة 4، وكذلك قال النبي صلوات الله عليه لما
برز مولانا على إليه: برز الاسلام كله إلى الكفر كله، فما ظنك برجل يرى النبي صلوات
الله عليه انه هو الاسلام كله، وكيف يدرك بالبيان والتبيان فضله، ولله در القائل:
يفنى الكلام ولا يحيط بوصفه * أيحيط ما يفنى بما لا ينفد
ومنها: ان الله جل جلاله جعل النص منه جل جلاله ومن رسوله صلوات الله عليه
بالخلافة لعلى صلوات الله عليه يقوم مقام جميع فضل الرسالة، وهذا مقام لا يبلغ وصفى
حقيقته، فقال جل جلاله: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته
والله يعصمك من الناس) 5، وقد ذكرنا في الطرائف عن المخالف وفى هذا الكتاب ان المراد

1 - راجع الطرائف: 36، مسند أحمد بن حنبل 1: 331، عنه البحار 36: 41 والعمدة: 123، الحقاق الحق 6: 476
عن الثعلبي.
2 - راجع الطرائف: 38، عن مسند أحمد بن حنبل 3: 283، إحقاق الحق عن الفاضل لأحمد بن حنبل 3: 428، ذخائر
العقبى: 69، تفسير ابن كثير 2: 322 صحيح بخارى 5: 202، إحقاق الحق 3: 430 عن تفسير الثعلبي.
3 - راجع الطرائف: 55 - 59، صحيح بخارى 5: 76 - 77، صحيح مسلم 4: 187، مسند أحمد 5: 333، صحيح
ترمذي 13: 171.
4 - الطرائف: 60، عن مناقب الخوارزمي: 58، وفيه لمبارزة على.
5 - المائدة: 67.
267

بهذه الآية ولاية على صلوات الله عليه يوم الغدير من غير ارتياب 1.
ومنها: ان عناية الله جل جلاله بمولانا علي عليه السلام بلغت بتكرار الآيات
والمعجزات والكرامات إلى أن ادعى فيه خلق عظيم باقون إلى هذه الأوقات ما ادعى
بعض النصارى في عيسى صلوات الله عليه، وانه رب العالمين الذي يجب ان توجه
العبادات إليه.
ومنها: ان مولانا عليا عليه السلام عذب الذين ادعوا فيه الالية كما امره صاحب
النبوة الربانية، ولم يزدهم تعذيبه لهم الا ملزما بأنه رب العالمين وما عرفنا ان معبودا
عذب من يعبده بمثل ذلك العذاب، وهو مقيم على عبادته بالجد والاجتهاد، فكان ذلك
تنبيها على أن ظهور فضله خرق العقول والبصائر حتى بلغ إلى هذا الأمر الباهر.
وما يقدر على شرح فضائل مولانا علي عليه السلام على التفضيل، وقد ذكرنا في
الطرائف وجوها دالة على مقامه الجليل، وقد نطق القرآن الشريف بنعم الله تعالى على
عباده مطلقا على التجميل، فقال تعالى: (وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها) 2، فهذا يكون من
تلك النعم التي لا تحصى لأنه عليه السلام رئيس القوم الذين ظهروا بها وحصلوها.
فصل (9)
فيما نذكره من تعظيم يوم الغدير في السماوات برواية الثقات
وفضل زيارته عليه السلام في ذلك الميقات
روينا بإسنادنا الذي ذكرناه قبل هذا الفصل إلى الشيخ الموثوق بروايته محمد بن أحمد
بن داود، في كتاب كامل الزيارات، قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن عمار
الكوفي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن محمد بن
عبد الله زرارة، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال:

1 - راجع الطرائف: 145 - 153.
2 - إبراهيم: 34.
268

كنا عند الرضا عليه السلام والمجلس غاص بأهله 1 فتذاكروا يوم الغدير، فأنكره
بعض الناس، فقال الرضا عليه السلام: حدثني أبي، عن أبيه عليهما السلام قال: إن
يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض، ان لله عز وجل في الفردوس الأعلى
قصرا، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، فيه مائة ألف قبة من ياقوتة حمراء ومائة ألف
خيمة من ياقوت أخضر، ترابه المسك والعنبر فيه أربعة انهار: نهر من خمر ونهر من ماء
ونهر من لبن ونهر من عسل، حواليه أشجار جميع الفواكه، عليه طيور أبدانها من لؤلؤ
وأجنحتها من ياقوت تصوت بألوان الأصوات.
فإذا كان يوم الغدير ورد إلى ذلك القصر أهل السماوات يسبحون الله ويقدسونه
ويهللونه، فتطاير تلك الطيور فتقع في ذلك الماء وتتمرغ 2 على ذلك المسلك والعنبر، فإذا
اجتمعت الملائكة طارت تلك الطيور فتنفض 3 ذلك، وانهم في ذلك اليوم ليتهادون نثار
فاطمة عليها السلام فإذا كان آخر اليوم نودوا: انصرفوا إلى مراتبكم فقد امنتم من الخطأ
والزلل إلى قابل في مثل هذا اليوم تكرمة لمحمد وعلي عليه السلام.
ثم التفت فقال لي: يا ابن أبي نصر أين ما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين
عليه السلام، فان الله تبارك وتعالى يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين
سنة ويعتق من النار ضعف ما أعتق من شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر ولدرهم
فيه بألف درهم لاخوانك العارفين وأفضل على اخوانك في هذا اليوم وسر فيه كل مؤمن
ومؤمنة.
ثم قال: يا أهل الكوفة لقد أعطيتم خيرا كثيرا وانكم لمن امتحن الله قلبه للايمان،
مستذلون مقهورون ممتحنون يصب البلاء عليهم صبا، ثم يكشفه كاشف الكرب العظيم،
والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر
مرات، ولولا انى أكره التطويل لذكرت فضل هذا اليوم وما أعطاه الله لمن عرفه

1 - عض المكان بهم: امتلأ وضاق عليهم.
2 - تمرغ في التراب: تقلب.
3 - الفض: النفر المتفرقون.
269

مال لا يحصى بعدد.
قال على ين الحسن بن فضال: قال لي محمد بن عبد الله: لقد ترددت إلى أحمد بن
محمد أنا وأبوك والحسن بن جهم أكثر من خمسين مرة سمعناه منه 1.
فصل (10)
فيما نذكره من جواب الجاهلين بقبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه من المخالفين
اعلم أن كل ميت كان قبره مشهورا أو مستورا، فان أهل بيته والمخصوصون بمصيبته
والموصوفون بشيعته وخاصته، يكونون اعرف بموضع دفنه وقبره، وهذا اعتبار صحيح
لا يجحده الا مكابر وضعيف في عقله أو حقير في قدره.
وقد علم أعيان أهل الاسلام ان عترة مولانا علي عليه السلام وشيعته الذين
لا يحصرهم عدد ولا يحويهم بلدة، مطبقون متفقون على أن هذا الضريح الشريف الذي
يزور أهل الحقائق من المغارب والمشارق، هو قبر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
فمن العجب ان كل انسان وقف دارس 2 وقال: هذا قبر أبى أو جدي حكم
الحاضرون بتصديقه ولم ينازعوه في تحقيقه، ويكون قبر مولانا علي عليه السلام لا يقبل فيه
قول أولاده الذين لا يحصيهم الا الله جل جلاله.
ومن العجب أن يكون أصحاب كل ملة وعقيدة يرجع في معرفة قبور رؤسائهم
إليهم، ولا يرجع في قبر أمير المؤمنين عليه السلام إلى أصحابه وشيعته وخاصته، وإنما بعض
المخالفين ذكر انهم لا يعرفون ان هذا موضع قبره الان، وربما روى بعضهم ان قبره في
غير هذا المكان.
واعلم أن قبر مولانا علي عليه السلام إنما ستره ذريته وشيعته عن المخالفين عليه،
ولقد صدق المخالف إذا لم يعرفه فان ستره إنما كان منه ومن أمثاله فكيف يطلع على
حاله.

1 - عنه البحار 100: 359، رواه الشيخ في مصاحبه مختصرا: 737.
2 - درس الرسم: عفا وانمحى.
270

فصل (11)
فيما نذكره من الإشارة إلى من زارة من الأئمة من ذريته عليه وعليهم
أفضل السلام، وغيرهم من عترته من ملوك الاسلام
فأقول: قد روينا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر زيارة مولانا علي بن الحسين
عليه السلام لمولانا على صلوات الله عليه أيام التقية من بنى أمية، وروينا من كتاب
المسرة من كتاب ابن أبي قرة زيارة زين العابدين وولده محمد بن علي الباقر عليهما
عليه السلام له في هذا القبر الشريف، وزيارة مولانا علي بن محمد الهادي عليه السلام.
فهؤلاء أربعة من أئمة الاسلام ومن أعيان ذريته عليه وعليهم أفضل السلام قد نصوا
على أن هذا موضع ضريحه وزاروه فيه وشهدوا بتصحيحه ومثلهم لا ترد شهادتهم في
شئ من احكام المسلمين، فكيف ترد في معرفة قبر جدهم أمير المؤمنين سلام الله جل
جلاله عليهم.
واما الخلفاء من بنى العباس والملوك من الناس، فأول زاره الرشد وجماعة من
بني هاشم، ثم المقتفى، ثم الناصر مرارا وأطلق عنده صدقات ومبارا، ثم المستنصر وجعله
شيخه في الفتوة، ثم المعتصم.
واما العلماء والعقلاء والملوك والوزراء، فلا يحصى عددهم بما نذكره من قلم أو
لسان، وقبورهم شاهدة بذلك ومدافنهم إلى الان.
فصل (12)
فيما نذكره من آيات رأيتها انا عند ضريحه الشريف غير ما رويناه وسمعنا به،
من آياته التي تحتاج إلى مجلدات وتصانيف
اعلم أن كل نذر يحمل إليه مذ ظهر مقدس قبره بعد هلاك بنى أمية والى الان،
فان تصديق الله جل جلاله لأهل النذر، كالآية والمعجز والبرهان على أن قبره
271

الشريف بذلك المكان، وهذه النذور أحد من أهل الدهور، واما انا فاشهد
بالله وفى الله جل جلاله انني كنت يوما قد ذكرت تاريخه في كتاب البشارات بين يدي
ضريحه المقدس، وأقسمت عليه في شئ وسألت جوابه باقي النهار وانفصلت،
فما استقررت بمشهده في الدار حتى عرفت في الحال من رآه في المنام بجواب ما فهمته به
من الكلام.
أقول: واعرف انني كنت يوما وراء ظهر ضريحه الشريف، واخى الرضى محمد بن
محمد بن الآوي حاضر معي، وأنا أقسم على أمير المؤمنين عليه السلام في اذلال بعض من
كان يتجرأ على الله وعلى رسوله وعلى مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام وعلينا بالأقوال
والأعمال.
فقلت للقاضي الآوي محمد بن محمد: يا أخي قد وقع في خاطري ان قد
حصل ما سألته، وان اليوم الثالث من هذا اليوم يصل قاصد من عند القوم المذكورين
بالذل والسؤال لنا على أضعف سؤال السائلين، فلما كان اليوم الثالث من يوم قلت له
وصل قاصد من عندهم على فرس عاجل بمثل ما ذكرناه من الذل الهائل.
أقول: واعرف انني دخلت حضرته الشريفة كم مرة في أمور هائلة لي وتارة لأولادي
وتارة لأهل ودادي، فبعضها زالت وانا بحضرته، وبعضها زالت باقي نهار مخاطبته،
وبعضها زالت بعد أيام في جواب زيارته، ولو ذكرتها احتاجت إلى مجلد كبير، وقد
صنف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمان الحسنى مصنفا في ذلك متضمنا
للأسانيد والروايات، لو أردنا تصنيف مثله وأمثاله كان ذلك أسهل المرادات، ولكنا
وجدنا من الآيات الباهرات ما يغنى عن الروايات.
فصل (13)
فيما نذكره من تعيين زيارة لمولانا على صلوات الله عليه في يوم الغدير المشار إليه
اعلم اننا ذكرنا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر عدة روايات مطولات
يضيق عن مثلها مثل هذا الميقات، لأن يوم الغدير يختص بيومه زياراة في كتاب المسرة
272

من كتاب مزار ابن أبي قرة، وهي زياراة يوم الغدير.
رويناها عن جماعة إليه رحمة الله عليه قال: أخبرنا محمد بن عبد الله، قال: أخبرنا
أبى، قال: أخبرنا الحسن بن يوسف عميرة، عن أبيه، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي
جعفر محمد بن علي عليهما السلام قال:
كان أبى علي بن الحسين عليهما السلام قد اتخذ منزلة من بعد مقتل أبيه الحسين بن علي
عليهما السلام بيتا من شعر وأقام بالبادية، فلبث بها عدة سنين كراهية لمخالطته
الناس وملابستهم وكان يسير من البادية بمقامه بها إلى العراق زائرا لأبيه وجده عليهما
السلام، ولا يشعر بذلك من فعله.
قال محمد بن علي: فخرج سلام الله عليه متوجها إلى العراق لزيارة أمير المؤمنين عليه
السلام وأنا معه، وليس معنا ذو روح الا الناقتين، فلما انتهى إلى النجف من بلاد
الكوفة، وصار إلى مكانه منه، فبكا حتى اخضلت لحيته بدموعه، ثم قال:
السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا امين
الله في ارضه وحجته، اشهد لقد جاهدت يا أمير المؤمنين في الله حق جهاده،
وعملت بكتابه، واتبعت سنن نبيه صلى الله عليه وآله، حتى دعاك الله إلى
جواره، فقبضك إليه باختياره لك كريم ثوابه، والزم أعداءك الحجة مع
مالك من الحجج البالغة على جميع خلقه.
اللهم صل على محمد وآله واجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية
بقضائك، مولعة 1 بذكرك ودعائك، محبة لصفوة 2 أوليائك، محبوبة في
أرضك وسمائك، صابرة على نزول 3 بلائك، شاكرة لفواضل نعمائك، ذاكرة
لسوابغ آلائك 4، مشتاقة إلى فرحة لقائك، متزودة التقوى ليوم جزائك، مستنة

1 - المولعة: المتعلقة.
2 - الصفوة: الخالصة.
3 - عند نزول (خ ل).
4 - لسابغ آلائك (خ ل).
273

بسنن أوليائك، مشغولة عن الدنيا بحمدك وثنائك.
ثم وضع خده على القبر وقال:
اللهم ان قلوب المخبتين 1 إليك والهة 2، وسبل الراغبين 3 إليك شارعة،
واعلام القاصدين إليك واضحة، وأفئدة الوافدين إليك فازعة 4، وأصوات
الداعين إليك صاعدة، وأبواب الإجابة لهم مفتحة، ودعوة من ناجاك
مستجابة، وتوبة من أناب إليك مقبولة، وعبرة من بكا من خوفك مرحومة.
والاستغاثة لمن استغاث بك موجودة، والإعانة لمن استعان بك مبذولة،
وعداتك 5 لعبادك منجزة 6، وزلات من استقالك 7 مقالة، واعمال العاملين
لديك محفوظة، وارزاق الخلائق من لدنك نازلة، وعوائد المزيد متواترة 8،
وموائد المستطعمين معدة، ومناهل الظماء مترعة 9.
اللهم فاستجب دعائي، واقبل ثنائي، واجمع بيني وبين أوليائي
وأحبائي، بحق محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين آبائي، انك ولى
نعمائي ومنتهى مناي وغاية رجائي في منقلبي ومثواي.
قال جابر: قال لي الباقر عليه السلام: ما قال هذا الكلام ولا دعا به أحد من
شيعتنا عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام، أو عند قبر أحد من الأئمة عليهم السلام الا رفع
دعاؤه في درج 10 من نور وطبع عليه بخاتم محمد صلى الله عليه وآله، وكان محفوظا

1 - المخبتين: الخاشعين.
2 - والهة: متحيرة من شدة الوجد.
3 - الراغبين: المبتهلين.
4 - فارغة (خ ل).
5 - عداتك: وعودك.
6 - متنجزة (خ ل).
7 - استقالك: طلب صفحك.
8 - متواترة: متتابعة.
9 - ترع الحوض: امتلأ.
10 - الدرج - بالفتح - الذي يكتب فيه.
274

كذلك حتى يسلم إلى قائم آل محمد عليهم السلام، فيلقى صاحبه بالبشرى والتحية
والكرامة إن شاء الله.
قال جابر: حدثت به أبا عبد الله جعفر بن محمد بن محمد عليهما السلام وقال لي: زد فيه إذا
ودعت أحدا منهم فقل:
السلام عليك أيها الامام ورحمة الله وبركاته، استودعك الله وعليك
السلام ورحمة الله، آمنا بالرسول وبما جئتم به وبما دعوتم إليه 1، اللهم
لا تجعله آخر العهد من زيارتي وليك، اللهم لا تحرمني ثواب مزاره الذي
أوجبت له ويسر لنا العود إليه إن شاء الله 2.
أقول: وقد رواه مولانا الصادق بنحو هذه الألفاظ من الزيارة تركنا ذكرها خوف
الإطاعة.
أقول: وروى جدي أبو جعفر الطوسي هذه الزيارة ليوم الغدير عن جابر الجعفر عن
الباقر عليه السلام ان مولانا علي بن الحسين صلوات الله عليه زاره بها فيه، وفى ألفاظها
خلاف، ولم يذكر فيها وداعا 3.
فصل (14)
فيما نذكره من عوذة تعوذ بها النبي صلى الله عليه وآله في يوم الغدير
فتعوذ بها أنت أيضا قبل شروعك في عمل اليوم المذكور ليكون حرزا لك من
المحذور، وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله خير الأسماء، بسم الله رب الآخرة
والأولى، ورب الأرض والسماء، الذي لا يضر مع اسمه كيد الأعداء، وبها

1 - ودعوتم إليه (خ ل).
2 - رواه في كامل الزيارات: 39، عنه البحار 100: 264، المزار الكبير: 112، مصباح الزائر: 583، مزار الشهيد:
95، البلد الأمين: 295، ومصباح الكفعمي: 480، فرحة الغري: 40، عنه الوسائل 10: 306، البحار 100:
264 و 102: 176، وفى الصحيفة السجادية الجامعة: 595، الدعاء: 255.
3 - مصباح المتهجد: 681.
275

تدفع كل الأسواء، وبالقسم بها يكفي من استكفى.
اللهم أنت رب كل شئ وخالقه، وبارى كل مخلوق ورازقه، ومحصى
كل شئ وعالمه، وكافى كل جبار وقاصمه، ومعين كل متوكل عليه
وعاصمة، وبر كل مخلوق وراحمه، ليس لك ضد فيعاندك، ولا ند
فيقاومك، ولا شبيه فيعادلك، تعاليت عن ذلك عن ذلك علوا كبيرا.
اللهم بك اعتصمت وأسقمت توجهت وعليك اعتمدت، يا خير
عاصم وأكرم راحم واحكم واعلم عالم، من اعتصم بك عصمته،
ومن استرحمك رحمته، ومن استكفاك كفيته، ومن توكل عليك امنته 1
وهديته، سمعا لقولك يا رب وطاعة لأمرك.
اللهم أقول وبتوفيقك أقول، وعلى كفايتك أعول، وبقدرتك أطول، وبك
استكفى وأصول، فاكفني اللهم وانقذني وتولني واعصمني وعافني، وامنع
منى وخذ لي وكن لي بعينك ولا تكن على، اللهم أنت ربى عليك توكلت
واليك انبت واليك المصير وأنت على كل شئ قدير.
فصل (15)
فيما نذكره من عمل العيد الغدير السعيد، مما رويناه بصحيح الاسناد
فمن ذلك بالأسانيد المتصلة مما ذكره ورواه محمد بن علي الطرازي في كتابه، عن
محمد بن سنان، عن داود بن كثير الرقي، عن عمارة بن جوين أبى هارون العبدي،
ورويناه بأسنادنا أيضا إلى الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، فيما رواه عن
عمارة بن جوين أبى هارون العبدي أيضا قال:
دخلت على أبى عبد الله عليه السلام في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، فوجدته
صائما فقال: ان هذا اليوم يوم عظم الله حرمته على المؤمنين، إذ أكمل الله لهم فيه

1 - توكل امنته (خ ل).
276

الذين وتمم عليهم النعمة، وجدد لهم ما أخذ عليهم من الميثاق والعهد في الخلق الأول،
إذ أنساهم الله ذلك الموقف، ووفقهم للقبول منه، ولم يجعلهم من أهل الانكار الذين
جحدوا.
فقلت له: جعلت فداك فما صواب صوم هذا اليوم؟ فقال: انه يوم عيد وفرح وسرور
وصوم شكرا لله عز وجل، فان صومه يعدل ستين شهرا من الأشهر الحرم، ومن صلى
فيه ركعتين أي وقت شاء، وأفضل ذلك قرب الزوال، وهي الساعة التي أقيم فيها
أمير المؤمنين عليه السلام بغدير خم علما للناس، وذلك أنهم كانوا قربوا من المنزل في
ذلك الوقت.
فمن صلى ركعتين، ثم سجد وشكر الله عز وجل مائة مرة، ودعا بهذا الدعاء بعد
رفع رأسه من السجود، الدعاء:
اللهم إني أسألك بأن لك الحمد وحدك لا شريك له، وأنك واحد أحد
صمد، ولم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد، وأن محمدا عبدك ورسولك
صلواتك عليه وآله.
يامن هو كل يوم في شأن، كما كان من شأنك أن تفضلت على بأن
جعلتني من أهل اجابتك وأهل دينك وأهل دعوتك، ووفقتني لذلك في
مبتدء 1 خلقي تفضلا منك وكرما وجودا، ثم أردفت الفضل فضلا، والجود
جودا، والكرم كرما، رأفة منك ورحمة إلى أن جددت ذلك العهد لي
تجديدا بعد تجديدك خلقي، وكنت نسيا منسيا ناسيا ساهيا غافلا.
فأقمت نعمتك بأن ذكرتني ذلك ومننت به على وهديتني له فليكن
من شأنك يا الهي وسيدي ومولاي، أن تتم لي ذلك ولا تسلبنيه حتى تتوفاني
على ذلك، وأنت عنى راض، فإنك أحق المنعمين أن تتم نعمتك على.
اللهم سمعنا وأجبنا داعيك بمنك فلك الحمد، غفرانك ربنا

1 - مبدء (خ ل).
277

واليك المصير، آمنا بالله وحده لا شريك له، وبرسوله محمد صلى الله عليه
وآله وصدقنا وأجبنا داعى الله واتبعنا الرسول في موالاة مولانا ومولى
المؤمنين، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عبد الله وأخي رسوله، والصديق
الأكبر، والحجة على بريته، المؤيد به نبيه ودينه الحق المبين، علما لدين
الله، وخازنا لعلمه، وعيبة غيب الله، وموضع سر الله، وأمين الله على خلقه،
وشاهده في بريته.
اللهم اننا سمعنا مناديا ينادى للايمان أن آمنوا بربكم، فآمنا ربنا فاغفر
لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك
ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد.
فانا يا ربنا بمنك ولطفك أجبنا داعيك، واتبعنا الرسول وصدقناه وصدقنا
مولى المؤمنين، وكفرنا بالجبت والطاغوت، فولنا ما تولينا، واحشرنا مع أئمتنا
فانا بهم مؤمنون موقنون ولهم مسلمون.
آمنا بسرهم وعلانيتهم، وشاهدهم وغائبهم، وحيهم، ورضينا بهم
أئمة وقادة وسادة، وحسابنا بهم بيننا وبين الله دون خلقه لا نبتغي بهم بدلا،
ولا نتخذ من دونهم وليجة 1، وبرئنا إلى الله من كل من نصب لهم حربا من
الجن والإنس من الأولين والآخرين، وكفرنا بالجبت والطاغوت والأوثان
الأربعة وأشياعهم وأتباعهم وكل من والاهم من الجن والإنس من أول الدهر
إلى آخره.
اللهم انا نشهدك أنا ندين بما دان به محمد وآل محمد، صلى الله عليه
وعليهم وقولنا ما قالوا، وديننا ما دانوا به، ما قالوا به قلنا، وما دانو به دنا،
وما أنكروا أنكرنا، ومن والوا والينا، ومن عادوا عادينا، ومن لعنوا لعنا، ومن
تبرؤا منه تبرأنا منه، ومن ترحموا عليه، آمنا وسلمنا ورضينا

1 - الوليجة: الدخيلة وخاصتك من الرجال أو من تتخذه معقدا عليه.
278

واتبعنا موالينا صلوات الله عليهم.
اللهم فتمم لنا ذلك ولا تسلبناه، واجعله مستقرا ثابتا عندنا، ولا تجعله
مستعارا، وأحينا ما أحييتنا عليه وأمتنا إذا أمتنا عليه، آل محمد أئمتنا، فبهم
نأتم وإياهم نوالى، وعدوهم عدو الله نعادي، فاجعلنا معهم في الدنيا
والآخرة ومن المقربين، فانا بذلك راضون يا أرحم الراحمين.
ثم تسجد وتمحد الله مائة مرة وتشكر الله عز وجل مائة مرة وأنت ساجد، فإنه من
فعل ذلك كان كمن حضر ذلك اليوم وبايع رسول الله صلى الله عليه وآله على ذلك،
وكانت درجته مع درجة الصادقين الذين صدقوا الله ورسوله في موالاة مولاهم ذلك
اليوم، وكان كمن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين صلى الله
عليه ومع الحسن والحسين صلى الله عليهما، وكمن يكون تحت راية القائم صلى الله عليه
وفى فسطاطه من النجباء والنقباء 1.
ومن الدعوات في يوم عيد الغدير ما ذكرناه محمد بن علي الطرازي في كتابه رويناه
بإسنادنا إلى عبد الله بن جعفر الحميري قال: حدثنا هارون بن مسلم، عن أبي الحسن
الليثي، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال لمن حضره من مواليه
وشيعته.
أتعرفون يوما شيد الله به الاسلام، وأظهر به منار الدين، وجعله عيدا لنا ولموالينا
وشيعتنا؟ فقالوا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو يا سيدنا؟ قال: لا، قالوا:
أفيوم الأضحى هو؟
قال: لا، وهذان يومان جليلان شريفان ويوم منار الدين أشرف منهما، وهو اليوم
الثامن عشر من ذي الحجة، وان رسول الله صلى الله عليه وآله لما انصرف من حجة
الوداع وصار بغدير خم أمر الله عز وجل جبرئيل عليه السلام أن يهبط على النبي صلى
الله عليه وآله وقت قيام الظهر من ذلك اليوم، وأمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين عليه

1 - عنه البحار 98: 298، عنه صدره الوسائل 8: 90، 10: 444، وفى مصباح المتهجد: 737.
279

السلام وأن ينصبه علما للناس بعده، وأن يستخلفه في أمته.
فهبط إليه وقال له: حبيبي محمد ان الله يقرئك السلام، ويقول لك: قم في هذا
اليوم بولاية على صلى الله عليه وآله ليكون علما لامتك بعدك، يرجعون إليه، ويكون
لهم كأنت، فقال النبي صلى الله عليه وآله: حبيبي جبرئيل انى أخاف تغير أصحابي
لما قد وتروه وأن يبدوا ما يضمرون فيه.
فعرج، وما لبث أن هبط بأمر الله فقال له: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان
لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) 1.
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ذعرا 2 مرعوبا خائفا من شدة الرمضاء 3 وقدماه
تشويان، وأمر بأن ينظف الموضع ويقم 4 ما تحت الدوح 5 من الشوك وغيره، فغفل
ذلك، ثم نادى بالصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون وفيمن اجتمع أبو بكر وعمرو عثمان
وسائر المهاجرين والأنصار.
ثم قام خطيبا وذكر بعده الولاية، فألزمها للناس جميعا فأعلمهم أمر الله بذلك فقال
قوم ما قالوا وتناجوا بما أسروا.
فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره، وأن يلبس المؤمن أنظف
ثيابه وأفخرها ويتطيب امكانه وانبساط يده ثم يقول:
اللهم ان هذا اليوم شرفتنا فيه بولاية وليك على صلوات الله عليه وجعلته
أمير المؤمنين وأمرتنا بموالاته وطاعته وأن نتمسك بما يقربنا إليك، ويزلفنا
لديك أمره ونهيه.
اللهم قد قبلنا أمرك ونهيك، وسمعنا وأطعنا لنبيك، وسلمنا ورضينا،
فنحن موالي على صلوات الله عليه، وأولياؤه كما أمرت، نواليه ونعادى من

1 - المائدة: 67.
2 - ذعره: افزعه.
3 - الرمضاء: شدة الحر، الأرض الحامية من شدة حر الشمس.
4 - قم البيت: كسحه.
5 - الدوحة ج دوح: الشجرة العظيمة المتسعة.
280

يعاديه، ونبرء ممن تبرء منه، ونبغض من أبغضه، ونحب من أحبه، وعلى
صلى الله عليه مولانا كما قلت، وامامنا بعد نبينا صلى الله عليه وآله كما
أمرت.
فإذا كان وقت الزوال أخذت مجلسك بهدوء 1 وسكون ووقار وهيبة واخبات 2
وتقول:
الحمد لله رب العالمين كما فضلنا في دينه على من جحد وعند 3، وفى
نعيم الدنيا على كثير ممن عمد 4، وهدانا بمحمد نبيه صلى الله عليه وآله،
وشرفنا بوصيه وخليفته في حياته وبعد مماته، أمير المؤمنين صلى الله عليه.
اللهم ان محمدا صلى الله عليه وآله نبينا كما أمرت، وعليا صلى الله
عليه مولانا كما أقمت، ونحن مواليه وأولياؤه.
ثم تقوم وتصلى شكرا لله تعالى ركعتين، تقرء في الأولى الحمد، و (انا أنزلناه
في ليلة القدر)، (قل هو الله أحد) كما أنزلتا لا كما نقصتا، ثم تقنت وتركع وتتم الصلاة
وتسلم وتخر ساجدا، وتقول في سجودك:
اللهم إياك نعبد ولك نخضع ولك نسجد، على ملة إبراهيم ودين محمد
وولاية على صلواتك عليهم أجمعين، حنفاء مسلمين وما نحن من المشركين
ولا من الجاحدين.

1 - هدء هدوء: سكن.
2 - اخبت إلى الله: اطمأن إليه تعالى وتخشع امامه.
3 - عند الرجل: خالف الحق وهو عارف به.
4 - عمد الشئ: أسقطه، عمد فلان: وجع.
281

اللهم العن الجاحدين المعاندين المخالفين لأمرك وأمر رسولك صلى
الله عليه وآله، اللهم العن المبغضين لهم لعن لعنا كثيرا، لا ينقطع أوله
ولا ينفذ آخره.
اللهم صل على محمد وآله، وثبتنا على موالاتك وموالاة رسولك وآل
رسولك وموالاة أمير المؤمنين صلوات الله عليهم، اللهم آتنا في الدنيا حسنة
وفى الآخرة حسنة وأحسن منقلبنا يا سيدنا ومولانا.
ثم كل واشرب وأظهر السرور وأطعم اخوانك، وأكثر برهم واقض حوائج
اخوانك، اعظاما ليومك، وخلافا على أظهر فيه الاغتمام والحزن ضاعف الله حزنه
وغمه 1.
ومن الدعوات في يوم الغدير ما نقلناه من كتاب محمد بن علي الطرازي أيضا باسناده
إلى أبى الحسن عبد القاهر بواب مولانا أبى إبراهيم موسى بن جعفر وأبى جعفر محمد بن علي
عليهما السلام قال:
حدثنا أبو الحسن علي بن حسان الواسطي بواسط في سنة ثلاثمائة قال: حدثني
علي بن الحسن العبدي قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه الصلاة
والسلام وعلى آبائه وأبنائه يقول:
صوم يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا، لو عاش انسان عمر الدنيا، ثم لو صام
ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك وصيامه يعدل عند الله عز وجل مائة حجة ومائة
عمرة، وهو عيد الله الأكبر، وما بعث الله عز وجل نبيا الا وتبعيد في هذا اليوم، وعرف
حرمته، واسمه في السماء يوم العهد المعهود، وفى الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع
المشهود.
ومن صلى فيه ركعتين من قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة شكرا لله عز وجل،
ويقرء في كل ركعة سورة الحمد عشرا و (قل هو الله أحد) عشرا، و (انا أنزلناه في ليلة القدر)

1 - عنه البحار 98: 300.
282

عشرا، وآية الكرسي عشرا، عدلت عند الله عز وجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة.
وما سأل الله عز وجل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة كائنة ما كانت الا أتى الله
عز وجل على قضائها في يسر وعافية، ومن فطر مؤمنا كان له ثواب من أطعم
بعددهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في حرم الله عز وجل وسقاهم في
يوم ذي مسغبة 1، والدرهم فيه بمائة ألف درهم، ثم قال: لعلك ترى أن الله عز وجل
خلق يوما أعظم حرمة منه؟ لا والله، لا والله، لا والله، ثم قال: وليكن من قولك إذا
لقيت أخاك المؤمن:
الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اليوم، وجعلنا من المؤمنين، وجعلنا من
الموفين بعهده الذي عهده إلينا، وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية ولاة أمره،
والقوام بقسطه، ولم يجعلنا من الجاحدين والمكذبين بيوم الدين.
ثم قال: وليكن من دعائك في دبر الركعتين أن تقول:
ربنا اننا سمعنا مناديا ينادى للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر
لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك
ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد.
اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا، واشهد ملائكتك وحملة عرشك
وسكان سماواتك وأرضك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، المعبود الذي ليس
وجهك الكريم، لا إله إلا أنت المعبود لا معبود سواك، تعاليت عما يقول
الظالمون علوا كبيرا.
وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك، وأشهد أن عليا أمير المؤمنين ووليهم

1 - سغب: جاع.
283

ومولاهم ومولاي، ربنا سمعنا النداء، وصدقنا المنادى، رسولك صلى
الله عليه وآله، إذ نادى نداء عنك بالذي أمرته أن يبلغ عنك ما أنزلت إليه
من موالاة ولى المؤمنين وحذرته وأنذرته ان لم يبلغ أن تسخط عليه، وأنه إذا
بلغ رسالاتك 1 عصمته من الناس.
فنادى مبلغا وحيك ورسالاتك: الأمن كنت مولاه فعلى مولاه، ومن
كنت وليه فعلى وليه، ومن كنت نبيه فعلى أميره.
ربنا قد أجبنا داعيك النذير المنذر محمدا عبدك الذي أنعمت عليه،
وجعلته مثلا لبنى إسرائيل، ربنا آمنا واتبعنا مولانا وولينا وهادينا وداعينا
وداعي الأنام وصراطك السوى المستقيم، محجتك البيضاء، وسبيلك
الداعي إليك على بصيرة هو ومن اتبعه، وسبحان الله عما يشركون بولايته
وبأمره ربهم باتخاذ الولايج من دونه.
فأشهد يا الهي أن الإمام الهادي المرشد الرشيد علي بن أبي طالب
صلوات الله عليه أمير المؤمنين، الذي ذكرته في كتابك فقلت: (وانه في أم
الكتاب لدينا لعلى حكيم) 2.
اللهم فانا نشهد بأنه عبدك الهادي من بعد نبيك النذير المنذر،
والصراط المستقيم وامام المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، وحجتك البالغة،
ولسانك المعبر عنك في خلقك، والقائم بالقسط بعد نبيك، وديان دينك،
وخازن علمك، وعيبة وحيك، وعبدك وأمينك، المأمون المأخوذ ميثاقه مع
ميثاقك وميثاق رسلك من خلقك وبريتك بالشهادة والاخلاص بالوحدانية.
بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، ومحمد عبدك ورسولك وعلى
أمير المؤمنين، وجعلت الاقرار بولايته تمام توحيدك والاخلاص لك
بوحدانيتك واكمال دينك وتمام نعمتك على جميع خلقك، فقلت وقولك

1 - رسالتك (خ ل).
2 - الزخرف: 4.
284

الحق: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) 1.
فلك الحمد على ما مننت به علينا من الاخلاص لك بوحدانيتك، وجدت علينا
بموالاة وليك الهادي من بعد نبيك النذير المنذر، ورضيت لنا الاسلام دينا
بمولانا وأتممت علينا نعمتك بالذي جددت لنا عهدك وميثاقك، وذكرتنا
ذلك.
وجعلتنا من أهل الاخلاص والتصديق لعهدك وميثاقك، ومن أهل الوفاء
بذلك، ولم تجعلنا من الناكثين والمكذبين بيوم الدين 2، ولم تجعلنا من
المغيرين والمبدلين والمحرفين والمبتكين 3 آذان الأنعام، والمغيرين خلق
الله، ومن الذين استحوذ 4 عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، وصدهم عن
السبيل والصراط المستقيم.
وأكثر من قولك:
اللهم العن الجاحدين والناكثين والمغيرين والمبدلين والمكذبين، الذين
يكذبون بيوم الدين من الأولين والآخرين.
ثم قل:
اللهم لك الحمد على نعمتك علينا بالذي هديتنا إلى موالاة ولاة أمرك
من بعد نبيك، والأئمة الهادين الذين جعلتهم أركانا لتوحيدك، وأعلام
الهدى ومنار التقوى، والعروة الوثقى، وكمال دينك، وتمام نعمتك، ومن
بهم وبموالاتهم رضيت لنا الاسلام دينا، ربنا فلك الحمد.
آمنا بك وصدقنا بنبيك الرسول النذير المنذر، واتبعنا الهادي من بعد
النذير المنذر، ووالينا وليهم وعادينا عدوهم، وبرئنا من الجاحدين

1 - المائدة: 3.
2 - والجاحدين بيوم الدين (خ ل).
3 - بتكه: قطعه.
4 - استحوذ عليه: غلبه واستولى عليه.
285

والناكثين والمكذبين بيوم الدين.
اللهم فكما كان من شأنك يا صادق الوعد، يامن لا يخلف الميعاد، يامن
هو كل يوم في شأن، أن أتممت علينا نعمتك بموالاة أوليائك، المسؤول
عنهم عبادك، فإنك قلت: (ولتسئلن يومئذ عن النعيم) 1، وقلت: (وقفوهم انهم
مسؤولون) 2.
ومننت بشهادة الاخلاص لك بولاية أوليائك الهداة من بعد النذير
المنذر، السراج المنير، وأكملت لنا الدين بموالاتهم والبراءة من عدوهم 3،
وأتممت علينا النعم بالذي جددت لنا عهدك، وذكرتنا ميثاقك المأخوذ منا
في مبتدء 4 خلقك إيانا.
وجعلتنا من أهل الإجابة، وذكرتنا العهد والميثاق، ولم تنسنا ذكرك،
فإنك قلت: (وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم
قالوا بلى) 5.
شهدنا بمنك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت ربنا وأن محمدا عبدك
ورسولك نبينا، وأن عليا أمير المؤمنين ولينا ومولانا، وشهدنا بالولاية لولينا
ومولانا من ذرية نبيك من صلب ولينا ومولانا علي بن أبي طالب
أمير المؤمنين عبدك الذي أنعمت عليه.
وجعلته في أم الكتاب لديك عليا حكيما، وجعلته آية لنبيك وآية من
آياتك الكبرى، والنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون، والنبأ العظيم الذي
هم عنه معرضون، وعنه يوم القيامة مسؤولون، وتمام نعمتك التي عنها يسأل
عبادك إذ هم موقوفون، وعن النعيم مسؤولون.

1 - التكاثر: 7.
2 - الصافات: 24.
3 - في البحار: أعدائهم.
4 - ابتداء (خ ل).
5 - الأعراف: 172.
286

اللهم وكما كان من شأنك ما أنعمت علينا بالهداية إلى معرفتهم، فليكن
من شأنك أن تصلى على محمد وآل محمد وأن تبارك لنا في يومنا هذا
الذي ذكرتنا فيه عهدك وميثاقك، وأكملت لنا ديننا وأتممت علينا نعمتك،
وجعلتنا بنعمتك من أهل الإجابة والاخلاص بوحدانيتك، ومن أهل الايمان
والتصديق بولاية أوليائك والبراءة من أعدائك وأعداء أوليائك الجاحدين
المكذبين بيوم الدين.
فأسألك يا رب تمام ما أنعمت علينا ولا تجعلنا من المعاندين، ولا تلحقنا
بالمكذبين بيوم الدين، واجعل لنا قدم صدق مع المتقين.
واجعل لنا من لدنك رحمة واجعل لنا من المتقين إماما إلى يوم الدين،
يوم يدعى كل أناس بامامهم، واجعلنا في ظل القوم المتقين الهداة بعد
النذير المنذر والبشير، الأئمة الدعاة إلى الهدى، ولا تجعلنا من المكذبين
الدعاة إلى النار، وهم يوم القيامة وأولياؤهم من المقبوحين.
ربنا فاحشرنا في زمرة الهادي المهدى وأحينا ما أحييتنا على الوفاء
بعهدك وميثاقك المأخوذ منا على موالاة أوليائك، والبراءة من أعدائك
المكذبين بيوم الدين، والناكثين بميثاقك، وتوفنا على ذلك، واجعل لنا مع
الرسول سبيلا، أثبت لنا قدم صدق في الهجرة إليهم.
واجعل محيانا خير المحيا ومماتنا خير الممات ومنقلبنا خير المنقلب،
على موالاة أوليائك والبراءة من أعدائك، حتى تتوفانا وأنت عنا راض، قد
أو جبت لنا الخلود في جنتك برحمتك والمثوى في جوارك والإنابة إلى دار
المقامة من فضلك، لا يمسنا فيها نصب 1 ولا يمسنا فيها لغوب 2.
ربنا انك أمرتنا بطاعة ولاة أمرك، وأمرتنا أن نكون مع الصادقين،

1 - نصب: تعب واعيا.
2 - لغب: تعب واعيا أشد الاعياء.
287

فقلت: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) 1، وقلت: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
وكونوا مع الصادقين) 2.
ربنا سمعنا وأطعنا ربنا ثبت أقدامنا وتوفنا مع الأبرار، مسلمين مسلمين
مصدقين لأوليائك، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة
انك أنت الوهاب، ربنا آمنا بك وصدقنا نبيك، ووالينا وليك والأولياء من
بعد نبيك، ووليك مولى المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه،
والإمام الهادي من بعد الرسول النذير المنذر والسراج المنير.
ربنا فكما كان من شأنك أن جعلتنا من أهل الوفاء بعهدك بمنك علينا
ولطفك لنا، فليكن من شأنك أن تغفر لنا ذنوبنا وتكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع
الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف
الميعاد.
ربنا آمنا بك، ووفينا بعهدك، وصدقنا رسلك، واتبعنا ولاة الأمر من بعد
رسلك، ووالينا أوليائك، وعادينا أعداءك فاكتبنا مع الشاهدين، واحشرنا
مع الأئمة الهداة من آل محمد الرسول البشير النذير.
آمنا يا رب بسرهم وعلانيتهم، وشاهدهم وغائبهم، وبحيهم وميتهم،
ورضينا بهم أئمة وسادة وقادة لا نبتغي بهم بدلا ولا نتخذ من دونهم ولائج
أبدا.
ربنا فأحينا ما أحييتنا على موالاتهم، والبراءة من أعدائهم، والتسليم لهم
والرد إليهم، وتوفنا إذا توفيتنا على الوفاء لك ولهم بالعهد والميثاق،
والموالاة لهم والتصديق والتسليم لهم، غير جاحدين ولا ناكثين ولا مكذبين.
اللهم إني أسألك بالحق الذي جعلته عندهم، وبالذي فضلتهم على
العالمين جميعا، أن تبارك لنا في يومنا هذا الذي أكرمتنا فيه بالوفاء

1 - النساء: 59.
2 - التوبة: 119.
288

لعهدك، الذي عهدت إلينا والميثاق الذي واثقتنا به من موالاة أوليائك
وتمن علينا بنعمتك، وتجعله عندنا مستقرا ثابتا ولا تسلبناه أبدا،
ولا تجعله عندنا مستودعا فإنك قلت: (فمستقر ومستودع) 1، فاجعله مستقرا ثابتا.
وارزقنا نصر دينك مع ولى هاد من أهل بيت نبيك قائما رشيدا هاديا
مهديا من الضلالة إلى الهدى واجعلنا تحت رايته وفى زمرته شهداء
صادقين، مقتولين في سبيلك وعلى نصرة دينك.
ثم سل بعد ذلك حوائجك للآخرة والدنيا، فإنها والله والله والله مقضية في هذا
اليوم، ولا تقعد عن الخير، وسارع إلى ذلك إن شاء الله تعالى 2.
ومن الدعوات في يوم الغدير ما وجدناه في نسخة عتيقة من كتب العبادات:
اللهم رب السماوات والأرض، ورب النور العظيم، ورب البحر
المسجور 3، ورب الشفع الكبير، ورب الوتر الرفيع، سبحانك منزل التوراة
والإنجيل والزبور والقرآن العظيم، اله من في السماوات السبع، واله من في
الأرض لا اله فيهما غيرك، جبار من في السماوات والأرض، لا جبار فيهما
غيرك، ملك من في السماوات والأرض 4 لا ملك فيهما غيرك.
أسألك باسمك العظيم وبنور وجهك الكريم، وبملك القديم،
وباسمك الذي أشرقت له السماوات والأرضون، وباسمك الذي أصلحت به
أمور الأولين والآخرين.
يا حي قبل كل حي، يا حي بعد كل حي، يا حي حين لا حي الا أنت،

1 - الانعام: 98.
2 - عنه البحار 98: 302 - 307، روى مثله مع اختلاف في التهذيب 3: 143، اخرج منه قطعات في الوسائل 5: 224
و 8: 89 البحار 35: 318، اثبات الهداة 3: 303، غاية المرام: 101، اللوامع: 374، جامع الأحاديث 7: 398،
مصباح المتهجد 2: 691.
3 - سجر البحر: فاض.
4 - ملك من في السماوات وملك من في الأرض (خ ل).
289

يا حي يا قيوم، يا أحد يا صمد يا فرد يا وتر يا رحمان يا رحيم، اغفر لنا ذنوبنا،
واجعل لنا من أمورنا فرجا من أمورنا فرجا ومخرجا، واستقبلنا على هدى نبيك محمد صلى
الله عليه وآله، واجعل عملنا في المرفوع المتقبل.
وهب لنا ما وهبت لأوليائك وأهل طاعتك وعبادك الصالحين من
خلقك، فانا بك مؤمنون، وعليك متوكلون، ومصيرنا إليك، واجمع لنا الخير
كله بحولك وقوتك، واصرف عنا الشر كله بمنك ورحمتك.
يا حنان يا منان، يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والاكرام،
تعطى الخير من تشاء، وتصرف الشر عمن تشاء، أعطنا جميع ما سألناك من
الخير، وامنن به علينا برحمتك يا أرحم الراحمين، انا إليك راغبون، ولا حول
ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
اللهم اشرح بالقرآن صدري، وأنطق بالقرآن لساني، ونور بالقرآن بصرى
واستعمل بالقرآن بدني، وأعنى عليه أبدا ما أبقيتني، فإنه لا حول ولا قوة الا
بك.
اللهم يا داحي المدحوات 1، ويا باني المبنيات ويا مرسى المرسيات 2،
ويا جبار القلوب على فطرتها، شقيها وسعيدها، ويا باسط الرحمة للمتقين،
اجعل شرائف صلواتك ونوامس بركاتك ورأفتك، وتحيتك ورحمتك، على
محمد عبدك ورسولك، الفاتح لما انغلق، والخاتم لما سبق، وفاتح الحق
بالحق، ودافع جيشات الأباطيل.
كما حملته فاضطلع 3 بأمرك مستبصرا في رضوانك، غير نأكل 4 عن قدم،
ولا منثن عن كرم، حافظا لعهدك، قاضيا لنفاذ أمرك، فهو أمينك المأمون،

1 - المدحيات (خ ل)، أقول: دحى الأرض: بسطها.
2 - رسى: ثبت ورسخ.
3 - اضطلع: قوى، اضطلع بحمله: نهض به وقوى عليه.
4 - نكل عن كذا: نكص وجبن.
290

وشهيدك يوم الدين، وبعيثك رحمة للعالمين.
اللهم فافسخ له مفسحا عندك، وأعطه من بعد رضاه الرضا، من نور
ثوابك المحلول وعطاء جزائك المعلول، اللهم أتمم له وعده بانبعاثك إياه
مقبول الشفاعة عندك مرضى المقالة، ذا منطق عدل، وخطبة فصل، وحجة
وبرهان عظيم. اللهم اجعلنا سامعين مطيعين وأولياء مخلصين، ورفقاء
مصاحبين.
اللهم أبلغه منا السلام، واردد علينا منه السلام، اللهم إني ضعيف فقول
في رضاك ضعفي وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الاسلام منتهى رضاك،
اللهم إني ضعيف فقوتي، وانى ذليل فأعزني، وانى فقير فارزقني.
ثم تقول مائة مرة:
اللهم إني أسألك الجنة، اللهم إني أعوذ بك من النار.
ثم تقول:
اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك،
وبأنك أرحم الراحمين، وأسألك بأنك أحد صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن
لك كفوا أحد، أن تغفر لي ذنوبي كلها، صغيرها وكبيرها، مغفرة تامة
يا أرحم الراحمين.
ثم تقول أربع مرات:
اللهم إني أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنى
أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأومن بك وأتوكل
عليك، وأستغفرك وأتوب إليك.
ثم تقول: اللهم أصبحت في ديني وأمانتي ونفسي وولدي ومالي وجميع أهل
عنايتي في حماك الذي لا يستباح، وفى عزك الذي لا يرام، وفى سلطانك
الذي لا يستضام، وفى ملكك الذي لا يبلى، وفى نعمك التي لا تحصى،
291

وفى ذمتك التي لا تخفر، وفى رحمتك التي وسعت كل شئ، وجار الله
آمن محفوظ.
ولا حول ولا قوة الا بالله، لا إله إلا الله والله أكبر، وسبحان الله، رب
صل على محمد وآل محمد، واغفر لي ذنوبي كلها برحمتك يا أرحم
الراحمين.
اللهم افتح لنا بطاعتك، واختم لنا برضوانك، وأعذنا من الشيطان
الرجيم، السلام على الحافظين الكرام الكاتبين، أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله، ان صلاتي
ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا
من المسلمين.
اللهم إني أسألك خير يومى هذا، وخير ما فيه، وخير ما أمرت به وخير
ما قبله، وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر يومى هذا وشر ما فيه وشر ما قبله وشر
ما بعده.
اللهم إني أسألك فتحه ونصره ونوره وهداه، اللهم افتح لي بخير واختم
لي بخير، واختمه على بخير، اللهم افتحه على برحمتك، واختمه على
برضوانك، اللهم من كادنى في يومى هذا بسوء فاكفينيه، وقني شره، واردد
كيده في نحره.
اللهم ما أنزلت في يومى هذا من خير أو رحمة أو شفاء، أو فرج أو عافية
أو رزق، فاجعل لي فيه نصيبا وافرا حسنا، وما أنزلت فيه من محذور أو
مكروه أو بلية أو شقاء فاصرفه عنى.
اللهم إني أسألك أن تجعل بدو يومى هذا فلاحا وأوسطه صلاحا وآخره
نجاحا، وأعوذ بك من شر يوم أوله فزع، وأوسطه جزع، وآخره وجع، اللهم
برأفتك أرجو رحمتك، وبرحمتك أرجو رضوانك، وبرضوانك أرجو الجنة
فلا تؤاخذني بذنبي، ولا تعاقبني بسوء عملي.
292

اللهم اجعل ما أحييتني زيادة لي في كل خير، واجعل وفاتي إذا
توفيتني راحة من كل شر، ونجاة لي من كل سوء، اللهم اجعلني أخشاك
كأني أراك، وأرجوك ولا أرجو غيرك وأذكرك ولا أنساك.
اللهم اغفر لي كل ذنب سلف منى في الليل والنهار منذ خلقتني وكفره
عنى وأبدلني به حسنات وتقبل منى كل خير عملته لك في الليل والنهار
منذ خلقتني، وارفعه لي عندك في الرفيع الأعلى، وأعطني عليه الثواب
الكثير برحمتك انك جواد لا يبخل.
اللهم إني أصبحت متوكلا عليك فاكفني، وأصبحت فقيرا إليك
فأغننى، وأصبحت لا أعرف ربا غيرك فاغفر لي، وأصبحت مقرا لك
بالربوبية معترفا لك بالعبودية.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الها واحدا أحدا صمدا
لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فبلغ رسالاته ونصح لامته،
وجاهد في الله حق جهاده، وعبده حتى أتاه اليقين.
وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن
الجنة حق والنار حق والبعث حق وأنى أؤمن بالله وبرسوله صلى الله عليه
وآله وبملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله.
اللهم فاكتب لي هذه الشهادة عندك، ولقنيها عند حاجتي إليها وأحيني
عليها وابعثني عليها واحشرني عليها واجزني جزاء من لقيك بها مخلصا،
غير شاك فيها ولا مرتد عنها ولا مبدل لها آمين رب العالمين، وصلى الله على
محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الأخيار وسلم كثيرا، سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر واستغفر الله الذي لا إله إلا هو، غفار الذنوب
وأتوب إليه.
وأسأله أن يتوب على، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، الأول
293

فليس قبله شئ، والاخر فليس بعده شئ، والظاهر فليس فوقه شئ،
والباطن فليس دونه شئ، يحيى ويميت، وهو حي لا يموت بيده الخير وهو
على كل شئ قدير.
الحمد لله الذي لا تبديل لقوله، ولا معادل لحكمه، ولا راد لقضائه،
الحمد لله الأول قبل كل شئ، والخالق له، والاخر بعد كل شئ،
والوارث له.
والظاهر على كل شئ والوكيل عليه، والباطن دون كل شئ والمحيط
به، الذي علا فقهر، وملك فقدر، وبطن فخبر، ديان الدين رب العالمين،
الحمد لله على حلمه بعد علمه، والحمد لله على عفوه بعد قدرته.
اللهم لك الحمد في الليل إذا يغشى، وفى النهار إذا تجلى، ولك
الحمد في الآخرة والأولى، ولك الحمد كما حمدت نفسك وكما أنت أهله
وكما حمدك الحامدون، ولك الحمد عدد ما أحصى كتابك وأحاط به
علمك، ولك الحمد زنة عرشك ومداد كلماتك، ولك الحمد كما ينبغي
لكرم وجهك وعز جلالك، وعظم سلطانك.
اللهم لك الحمد حمدا خالدا بخلودك، ولك الحمد حمدا دائما
بداومك، ولك الحمد حمدا لا أمدا له دون بلوغ مشيتك، ولك الحمد حمدا
لا يتناهى دون منتهى علمك، ولك الحمد حمدا يبلغ رضاك ويوجب
مزيدك، ويؤمن من غيرك، فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله
الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون.
يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت
ويخرج الميت من الحي ويحيى الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون،
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب
العالمين.
سبحان الدائم القائم، سبحان الملك الحق، سبحان العلى الأعلى،
294

سبحانه وتعالى، سبحان الله وبحمده، سبحان الله الحي القيوم، سبحان الله
الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، سبحان من تواضع كل شئ لعظمته، سبحان من
ذل كل شئ لعزته، سبحان من خضع كل شئ لملكته، سبحان من
استسلم كل شئ لقدرته، سبحان من انقادت له الأمور بأزمتها، سبحانه
وبحمده.
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو
حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير، لا إله إلا الله الحليم
الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله السميع العليم، لا إله إلا الله
رب السماوات السبع ورب العرش العظيم.
لا إله إلا الله الها واحدا أحدا فردا صمدا، لم يلد ولم يولد ولم يتخذ
صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له كفوا أحد، لا إله إلا الله الأول قبل كل شئ،
والباقي بعد كل شئ، والقادر عليه والمحيط بكل شئ.
لا تداركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، يعلم ما يلج في
الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور.
اللهم إني أسألك وأدعوك وأنت قلت: (قل ادعو الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعوا
فله الأسماء الحسنى) 1، انك أمرتني بدعائك ووعدت اجابتك ولا خلف لوعدك،
فانى أدعوك كما أمرتني فاستجب لي كما وعدتني.
اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، كما سميت به نفسك، أو ذكرته
في كتابك أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب
عندك، يا الله يا الله يا الله، يا رحمان يا رحيم، يا بدئ لا بدء لك، يا دائم
لا نفاد لك، يا حي يا قيوم 2 يا محيى يا مميت، يا قائما على كل نفس بما
كسبت.

1 - الاسراء: 110.
2 - يا حي يا قديم يا قيوم (خ ل).
295

يا أحد يا وتر يا فرد يا صمد، يامن لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد،
يا مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء
و تذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير.
يا حنان يا منان، يا ذا الجلال والاكرام، يا رب الأرضين وما أقلت،
والسماوات وما أظلت، والرياح وما ذرت، يا خالق كل شئ، يا زين
السماوات والأرضين يا عماد السماوات والأرضين يا قيوم الدنيا والآخرة.
ويا غياث المستغيثين، ويا صريخ المستصرخين، ويا معاذ العائذين
ويا مجيب دعوة المضطرين، ويا منفسا عن المكروبين، ويا مفرجا عن
المغمومين، ويا مجيب دعوة المضطرين، ويا مجيب دعوة الداعين، ويا أرحم
الراحمين، ويا أول الأولين ويا آخر الآخرين.
أسألك باسمك الأجل الأعز الأكرم، الظاهر الباطن الطاهر المطهر
المقدس الأحد الصمد الفرد، الذي ملأ الأركان كلها، الذي إذا دعيت به
أجبت، وإذا سئلت به أعطيت أن تصلى على محمد وآل محمد كأفضل
وأكرم، وأعلى وأكمل، وأعز وأعظم، وأشرف وأزكى، وأنمى وأطيب،
ما صليت على أحد من أنبيائك المصطفين وملائكتك المقربين وعبادك
الصالحين.
اللهم شرف بنيانه، وعظم برهانه، وثقل ميزانه، وابعثه المقام المحمود
الذي وعدته، وتقبل شفاعته، واجزه عنا أفضل ما جزيت نبيا عن أمته، اللهم
صل على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما
صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، انك حميد مجيد.
اللهم صل على أنبيائك المرسلين، وملائكتك المقربين، وعبادك
الصالحين وصل علينا معهم انك أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لي ولوالدي وما ولدا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين
والمسلمات، حيهم وميتهم، شاهدهم وغائبهم، انك تعلم منقلبهم ومثواهم،
296

اللهم اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا
للذين آمنوا، ربنا انك رؤوف رحيم.
اللهم أصلح لنا أئمتنا وقضاتنا وولاة أمورنا وجماعتنا وديننا الذي
ارتضيت لنا، اللهم أعز الاسلام وأهله، وأذل الشرك وأهله.
اللهم إني من عبادك الذين ظلموا أنفسهم وأسرفوا عليها واستوجبوا
العذاب بالحجج اللازمة، والذنوب الموبقة 1، والخطايا المحيطة بهم، وقد
قلت: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا 2 من رحمة الله ان الله
يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) 3، لا خلف لوعدك، ولا مبدل
لقولك.
اللهم لا تقنطي من رحمتك، ولا تؤيسني من عفوك ومغفرتك،
واجعلني من عبادك الذين تغفر لهم ذنوبهم، وتكفر عنهم سيئاتهم، وتب
على انك أنت التواب الرحيم، وخذ بسمعي وبصرى وقلبي وجوارحي كلها
إلى طاعتك وطاعة رسولك صلى الله عليه وآله، والى أحب الأعمال إليك.
وارزقني توبة نصوحا أستوجب بها محبتك، وأستحق معها جنتك،
وتوقينى من عذابك، فإنه لا حول ولا قوة الا بك، واجعلني من أوليائك
وأنصارك الذين تعز بهم دينك، وتنتقم بهم من عدوك، وتختم لهم بالسعادة
والشهادة، تحييهم حياة طيبة، وتقلبهم منقلبا كريما وتؤتيهم في الدنيا حسنة
وفى الآخرة حسنة وتقيهم عذاب النار.
اللهم ان ذنوبي عظيمة كثيرة، ورحمتك وعفوك وفضلك أعظم منها
وأكثر وأوسع، فانشر على من سعة رحمتك وعظم عفوك ومغفرتك ما تنجيني
به من النار وتدخلني به الجنة.

1 - الموبق: المهلك.
2 - قنط: يئس.
3 - الزمر: 53.
297

اللهم برحمتك استغثت من ذنوبي واستجرت فأغثني، وأجرني من
ذنوبي، وامنن على بمغفرتك وعفوك عما ظلمت به نفسي خاصة، يا الهي،
وخلصني ممن له حق قبلي، واستوهبني منه واغفر لي وعوضه من فضلك
وطولك وجزيل ثوابك على وعليه بذلك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل ما مضى من حسن عملي مقبولا وما فرط منى من سيئة
مغفورا، وما أستأنف من عمري أوله صلاحا وأوسطه فلاحا وآخره نجاحا،
اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء وسوء القضاء وشر العمل ودرك الشقاء
وشماته الأعداء وسوء المنظر في الأهل والمال والولد.
اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، وعمل لا ينفع
ودعاء لا يسمع، اللهم سلمني وسلم منى، وعافني واعف عنى، ولا تؤاخذني
بذنوبي، ولا تقاسيني بعملي، ولا تفضحني بسريرتي، وأدخلني الجنة
برحمتك وعافني من النار بقدرتك.
اللهم أقلني عثرتي، واستر عورتي وآمن روعتي، اللهم إني أسألك
الهدى والتقى والعفاف والكفاف والغنى، والعمل بما تحب وترضى، اللهم إني
أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم أو لا أعلم، وأستغفرك لما أعلم ولما
لا أعلم.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همى ولا تجعل مصيبتي في حد، ولا تسلط
على من لا يرحمني، ولا تسلطني على أحد بظلم فتهلكني، اللهم اجعل
حياتي زيادة لي في كل خير، واجعل وفاتي راحة لي من كل سوء.
اللهم ان ذلي أصبح وأمسى مستجيرا بعزتك وفقري مستجيرا بغنائك،
وذنوبي مستجيرة برحمتك، ووجهي البالي الفاني مستجيرة بوجهك الباقي
الدائم الكريم، فكن لي جارا من كل سوء برحمتك.
اللهم ما أعطيتني من عطاء أو قضيت على من قضاء، فاجعل الخيرة لي
في بدئه وعاقبته، وارزقني العافية والسلامة برحمتك يا أرحم الراحمين.
298

اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان ولا حول ولا قوة الا
بالله العلي العظيم، وصلى الله على ملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين
وعلى محمد خاتم النبيين، ورسول رب العالمين وامام المتقين، وسيد
المرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما.
اللهم إني أسألك يا رب حسن الظن بك، والصدق في التوكل عليك،
وأعوذ بك أن تدخلني النار، وأعوذ بك رب 1 أن تبتليني ببلية تحملني
ضرورتها على التعرض بشئ من معاصيك، وأعوذ بك أن تدخلني في حال
كنت أو أكون فيها في يسر أو عسر ظن أن معاصيك أنجح لي من طاعتك.
وأعوذ بك أن أقول قولا من طاعتك ألتمس به رضا سواك، وأعوذ بك أن
يكون أحد أسعد بما آتيتني منى، وأعوذ بك أن أتكلف طلب ما ليس لي وما
لم تقسمه لي، وما قسمت لي من قسم أو رزقتني من رزق فأتني به في يسر
منك وعافية حلالا طيبا.
وأعوذ بك من كل شئ زحزح 2 بيني وبينك، أو باعد بيني وبينك أو
تصرف به حظى أو صرف وجهك الكريم عنى، وأعوذ بك أن تحول
خطيئتي أو ظلمي أو جرمي أو اسرافي على نفسي أو اتباعى هواي أو
استعمالي شهوتي دون مغفرتك وثوابك ورضوانك ونائلك، وبركاتك
وموعدك الحسن الجميل.
اللهم إني أعوذ بك من الضرر في المعيشة، وأعوذ بك أن تبتليني ببلاء
لا طاقة لي به، أو تسلط على طاغيا أو تهتك لي سترا، أو تبدى لي عورة، أو
تحاسبني يوم القيامة مناقشة أحوج ما أكون إلى تجاوزك وعفوك عنى.
وأسألك بوجهك الكريم وكلماتك التامات أن تصلى على محمد وعلى آل
محمد، وتعطى محمدا وآل محمد أفضل ما سألك وأفضل ما سئلت له وأفضل

1 - يا رب (خ ل).
2 - زحزحه عن مكانه: باعده، الزحزح: البعد.
299

ما أنزلت مسؤول له، وأسألك أن تجعلني من عتقائك وطلقائك من النار.
يا أرحم الراحمين، ويا أجود الأجودين، ويا اله العالمين، ويا سيد
السادات، ويا جبار الجبابرة، ويا أفضل من سئل و 1 أكرم من أعطى وأحق من
تجاوز وعفى ورحم وتفضل باحسانه القديم، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحانه تبارك الله رب العرش العظيم،
الحمد لله رب العالمين، لا إله إلا أنت أفلح سائلك، وتعالى جدك 2، وامتنع
عائذك، أعذني برحمتك من شر ما خلقت وذرأت وبرأت، حسبي الله
وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله منتهى.
اللهم أنت ربى ورب من كادنى وبغى على، من الجن والإنس،
ناصيتي وناصيته بيدك، فادفع في نحره وأعذني من شره، بعزتك التي
لا ترام وبقدرتك التي لا يمتنع منها بر ولا فاجر، وبكلماتك الحسنى.
الحمد لله الذي خلقتني ولم أك شيئا، اللهم أعنى على هول الدنيا
وبوائق 3 الآخرة، ومصيبات الليالي والأيام، اللهم اصحبني في سفري
واخلفني في أهلي 4 وبارك لي فيما رزقتني، ولك فذللني وعلى خلق
حسن صالح فقومني، واليك فحببني والى الناس فلا تكلني، رب
المستضعفين.
وأنت ربى أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له السماوات والأرض،
وكشفت به الظلمات وصلح عليه أمر الأولين والآخرين، أن ينزل بي
سخطك، أو يحل على غضبك ومن زوال نعمتك ومن جميع سخطك، لك

1 - ويا (خ ل).
2 - الجد: الحظ، الحظوة: يقال: تعس جده: خسر أو هلك.
3 - البائقة: الشر، الداهية.
4 - ومالي (خ ل).
300

العتبى عندي فيما استطعت، ولا حول ولا قوة الا بك.
اللهم انك لست برب استحدثناك، ولا كان معك اله أعانك (تعالى الله
ع) 1 - ما ما يقول القائلون، صل على محمد وعلى آل محمد وبارك لي في
الموت إذا نزل بي، واجعل لي فيه راحة وفرجا، اللهم فكما 2 حسنت خلقي
فحسن خلقي، اللهم إني ضعيف فقو في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير
بناصيتي، واجعل الاسلام منتهى رضاي.
اللهم إني أشهدك واشهد ملائكتك وكفى بك شهيدا، أنك أنت الله
لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك
وخيرتك من خلقك، وأن كل معبود من دون عرشك إلى قرار أرضك السابغة
باطل ما خلا وجهك الكريم، الدائم الذي لا يزول، فصل على محمد وعلى
آل محمد، واكشف ما بي من ضر، وحوله عنى يا أرحم الراحمين، انك
سميع الدعاء، وانك تفعل ما تشاء وان ميسور العسير عليك يسير.
اللهم يسر من أمرى ما عسر، وسهل ما صعب، ولين ما غلظ، وفرج
ما لا يفرجه أحد غيرك، بنور وجهك الكريم الدائم التام، وبحق محمد عبدك
ورسولك، وبحق الروحانيين الذين لا يفترون الا بتعظيم عز جلالك،
وبالثناء عليك، ولا يبلغون ما أنت مستحقه من عظيم عزك وعلو شأنك.
اللهم إني أسألك باسمك الذي تجليت به للجبل فجعله دكا وخر موسى
صعقا، وبالاسم المخزون المكنون، وباسمك الذي فقلت 3 به البحر
لموسى بن عمران فصار كل فرق كالطود 4 العظيم، وباسمك الذي ذل له
كل جبار عنيد.

1 - هو الظاهر.
2 - كما (خ ل).
3 - فلق الشئ: شقه.
4 - الطود: الجبل العظيم.
301

وباسمك الذي وضعته على النهار فأضاء وعلى الليل فأظلم أن تصلى
على محمد وعلى آل محمد، وأن تجعلني من التوابين المتطهرين وتغفر لي
خطيئتي يوم الدين، وتغفر لوالدي كما ربياني صغيرا، و علماني كتابك وسنة
نبيك، وتدخل عليهما رأفة منك ورحمة، وبدل سيئاتهم حسنات وتقبل
منهما ما أحسنا، وتجاوز عنهما ما أساءا، فإنك أولى بالجود، واجعلهما من
الذين رضيت عنهم، وأسكنتهم جناتك النعيم برحمتك لا بأعمالهم، تفضلا
منك عليهم بجودك وكرمك وعزتك وسلطانك.
يامن له الحمد ولا ينبغي الحمد الا له، يا كريم الاحسان، يامن يبقى
ويفنى كل شئ، يامن يرى ولا يرى وهو بالمنظر الأعلى،، ومن هو على كل
شئ رقيب، وبكل شئ رؤوف وعلى كل شئ قابل شهيد، يعلم خائنة
الأعين وما تخفى الصدور، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك.
وأسألك بالاسم الذي وضعت به الجبال على الأرض فاستقرت،
وبالاسم الذي وضعته على السماوات فاستقلت، أن تنجيني من النار،
وتجيزنى الصراط بقدرتك، ووالدي وحامتي 1 وقرابتي 2 وجيراني ومن
أحبني، وكل ذي رحم في الاسلام دخل إلى، بنورك الذي لا يطفأ، وبعزتك
التي لا ترام، واكفني مالا يكفينه أحد سواك، وما أنت أعلم به منى،
واسترني بسترك الجميل، وعافني بقدرتك من عذابك وعقابك.
اللهم انك عالم غير متعلم، وأنت عالم بحالي وأمري، فاجعل لي في
كل خير نصيبا والى كل خير سبيلا، اللهم واجعل لي سهما في دعاء من
دعاك رجاء الثواب منك في مشارق الأرض ومغاربها من المسلمين
والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وتقبل دعاءهم وأعنهم على عدوك
وعدوهم، فإنك تقدر ولا يقدر عليك، ولا يدفع البلاء غيرك.

1 - الحامة: خاصة الرجل من أهله وولده الذين يهتم لهم.
2 - قراباتي (خ ل).
302

يا معروفا بالاحسان والرأفة والرحمة أنت مقلب القلوب، ثبت قلبي على
دينك، وأنت مدبر الأمور وأنت تختار لعبادك، فاجعلني ممن اخترته
لطاعتك، وأمنته من عذابك يوم يخسر المبطلون، وتب على انك أنت التواب
الرحيم.
واخترنى واختر ولدى فقد خلقتهم فأحسنت، ورزقت فأفضلت، فتمم
نعمتك على وعلى والدي وأهل عنايتي، وأوسع علينا في رزقك،
ولا تشمت 1 بنا عدوا ولا حاسدا، ولا باغيا ولا طاغيا، واحرسنا بعينك التي
لا تنام.
اللهم هذا الدعاء وعليك الإجابة، وأنت المستعان وعليك التكلان،
ولا حول ولا قوة الا بك وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وعلى آله
الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل 2.
ومن الدعوات في يوم الغدير من رواية أخرى:
اللهم بنورك اهتديت، وبفضلك استغيث، وقلت وقولك الحق: (ولو
أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله
توابا رحيما) 3، وقلت: (ما يعبؤ بكم ربى لولا دعاؤكم) 4، وقلت: (وإذا
سألك عبادي عنى فانى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) 5.
اللهم فانى أسألك وأشهدك واشهد ملائكتك أنك ربى لا إله إلا أنت
عليك توكلت، وأن محمدا عبدك ورسولك نبيي صلى الله عليه وآله، وأن
عليا أمير المؤمنين مولاي ووليي عليه وآله السلام، أسألك أن تغفر لي في
هذا اليوم، وفى هذا الوقت، ما سلف من ذنوبي وتصلحني فيما بقي من عمري.

1 - شمت بفلان: فرح ببليته.
2 - عنه البحار 98: 308 - 318.
3 - النساء: 64.
4 - الفرقان: 77.
5 - البقرة: 186.
303

اللهم ايمانا بك وتصديقا بوعدك، حتى أكون على النهج الذي ترضاه،
والطريق الذي تحبه، فإنك عدتي عند شدتي وولى نعمتي.
اللهم إني أسألك نفحة من نفحاتك كريمة تلم بها شعثي 1، وتصلح بها
شأني، وتوسع بها رزقي، وتقضى بها ديني، وتعينني بها على جميع أموري،
فإنك عند شدتي، فأسألك بحق محمد وآل محمد أن تصلى على محمد و آل
محمد، وأن تصلح لي أحوال الدنيا والآخرة.
اللهم إني أسألك ولم يسأل السائلون أكرم منك، وأطلب إليك ولم يطلب
الطالبون إلى أحد أجود منك، أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تبلغني
في هذا اليوم أمنية الدنيا والآخرة، اللهم فارج الغم ومجيب دعوة
المظطرين، اللهم فارج الغم انى مغموم ففرج عنى، اللهم إني مهموم
فاكشف همى.
اللهم إني مضطر فسهل لي، اللهم إني مديون فاقض ديني، الله انى
ضعيف فقو ضعفي، اللهم إني أسألك من رزقك رزقا واسعا حلالا طيبا،
أستعين به وأعيش به بين خلقك، رزقا من عندك لا أبذل فيه وجهي لأحد
من عبادك، أنت حسبي ونعم الوكيل.
اللهم اغفر لي ولوالدي وما ولدا وأهل قرابتي وإخواني من عرفت ومن
لم أعرف، اللهم اجزهم بأحسن أعمالهم وأوصل إليهم الرحمة والسرور،
واحشرهم مع رسولك وأمير المؤمنين وأوليائهم انك على كل شئ قدير.
اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز
من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير، وصلى الله
على محمد وأهل بيته وسلم 2.
ومن الدعوات في يوم الغدير ما رويناه بإسنادنا عن الشيخ المفيد رضوان الله عليه:

1 - الشعث: انتشار الأمر وخلله، يقال: لم الله شعثهم: جمع أمرهم.
2 - عنه البحار 98: 319.
304

اللهم إني أسألك بحق محمد نبيك وعلى وليك، والشأن والقدر الذي
خصصتهما به دون خلقك، أن تصلى على محمد وعلى وأن تبدأ بهما في
كل خير عاجل، اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة القادة، والدعاة
السادة، والنجوم الزاهرة، والأعلام الباهرة، وساسة العباد، وأركان البلاد،
والناقة المرسلة، والسفينة الناجية الجارية في اللجج الغامرة 1.
اللهم صل على محمد وآل محمد، خزان علمك وأركان توحيدك،
ودعائم دينك، ومعادن كرامتك وصفوتك من بريتك، وخيرتك من خلقك،
الأتقياء النجباء الأبرار، والباب المبتلى به الناس، من أتاه نجى ومن أباه
هوى.
اللهم صل على محمد وآل محمد، أهل الذكر الذين أمرت بمسألتهم،
وذوي القربى الذين أمرت بمودتهم، وفرضت حقهم، وجعلت الجنة معاد من
اقتفى 2 آثارهم، اللهم صل على محمد وآل محمد كما أمروا بطاعتك، ونهوا
عن معصيتك، ودلوا عبادك على وحدانيتك.
اللهم إني أسألك بحق محمد نبيك ونجيبك 3 وصفوتك وأمينك
ورسولك إلى خلقك، وبحق أمير المؤمنين، ويعسوب الدين، وقائد الغر
المحجلين، الوصي الوفي، والصديق الأكبر، والفاروق بين الحق والباطل
والشاهد لك، والدال عليك، والصادع بأمرك، والمجاهد في سبيلك،
لم تأخذه فيك لومة لائم.
أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تجعلني في هذا اليوم الذي
عقدت فيه لوليك العهد في أعناق خلقك وأكملت لهم الدين من العارفين
بحرمته والمقرين بفضله، من عتقائك وطلقائك من النار، ولا تشمت بي

1 - اللجة: معظم الماء، غمر الماء: علاه وغطاه.
2 - اقتص (خ ل)، أقول: اقتفى الشئ: اختاره، اقتص اثره: اتبعه.
3 - نجيك (خ ل).
305

حاسدي النعم.
اللهم فكما جعلته عيدك الأكبر وسميته في السماء يوم العهد المعهود،
وفى الأرض يوم الميثاق المأخوذ، والجمع المسؤول، صل على محمد وآل
محمد، وأقرر به عيوننا، واجمع به شملنا، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا 1، واجعلنا
لأنعمك من الشاكرين يا أرحم الراحمين.
الحمد لله الذي عرفنا فضل هذا اليوم، وبصرنا حرمته، وكرمنا به،
وشرفنا بمعرفته، وهدانا بنوره، يا رسول الله يا أمير المؤمنين عليكما وعلى
عترتكما وعلى محبيكما منى أفضل السلام، ما بقي الليل والنهار، وبكما
أتوجه إلى الله ربى وربكما في نجاح طلبتي وقضاء حوائجي وتيسير أموري.
اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد أن تصلى على محمد وآل
محمد، وأن تلعن من جحد حق هذا اليوم وأنكر حرمته، فصد عن سبيلك
لاطفاء نورك، فأبى الله الا أن يتم نوره.
اللهم فرج عن أهل بيت محمد نبيك، واكشف عنهم وبهم عن
المؤمنين الكربات، اللهم املاء الأرض بهم عدلا كما ملأت ظلما وجورا،
وأنجز لهم ما وعدتهم انك لا تخلف الميعاد 2.
فصل (16)
فيما نذكره من زيارة لأمير المؤمنين عليه السلام،
يزار بها بعد الصلاة والدعاء يوم الغدير السعيد، من قريب أو بعيد
روى عدة من شيوخنا عن أبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني من كتابه باسناده عن أبي
عبد الله عليه السلام قال:
إذا كنت في يوم الغدير في مشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فادن من

1 - وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب (خ ل).
2 - عنه البحار 98: 320.
306

قبره بعد الصلاة والدعاء، وان كنت في بعد فأوم إليه بعد الصلاة، وهذا الدعاء:
اللهم صل على وليك واخى نبيك، ووزيرة وحبيبة، وخليله وموضع
سره، وخيرته من أسرته، ووصيه وصفوته، وخالصته وأمينه ووليه وأشرف
عترته، الذين آمنوا به، وأبى ذريته وباب حكمته، والناطق بحجته، والداعي
إلى شريعته والماضي على سنته 1، وخليفته على أمته، سيد المرسلين،
وأمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين، أفضل ما صليت على أحد من خلقك
وأصفيائك وأوصياء أنبياءك.
اللهم إني اشهد أنه قد بلغ عن نبيك ما حمل، ورعى ما استحفظ، وحفظ
ما استودع، وحلل حرامك، وحرم حرامك، وأقام احكامك، ودعى إلى
سبيلك، ووالى أولياءك، وعادى أعداءك، وجاهد الناكثين 2 عن سبيلك
والقاسطين والمارقين عن امرك، صابرا محتسبا غير مدبر، لا تأخذه في الله
لومة لائم، حتى بلغ في ذلك الرضاء سلم إليك القضاء، وعبدك مخلصا،
ونصح لك مجتهدا، حتى اتاه اليقين.
فقبضته إليك شهيدا سعيدا، وليا تقيا رضيا زكيا، هاديا مهديا، اللهم
صل على محمد وعليه، أفضل ما صليت على أحد من أنبيائك وأصفيائك
يا رب العالمين.
فصل (17)
فيما نذكره مما ينبغي أن يكون عليه حال أولياء هذا العيد السعيد
في اليوم المعظم المشار إليه
اعلم اننا قد ذكرنا في عيد الفطر وعيد الأضحى وغير هما فيما مضى، ما يكون

1 - سننه (خ ل).
2 - نكث العهد: نقضه ونبذه.
3 - عنه البحار 100: 273.
307

الانسان عليه مع الله جل جلاله في تحصيل كمال العفو والرضا، وإذا عرفت كما قدمناه
فضل عيد الغدير على كل وقت ذكرناه.
فينبغي أن تكون في هذا العيد على قدر فضله على كل يوم عيد، فتكون عند
المجالسة لشرف تلك الأوقات، كما جالست مماليك سلطان معظمين في الحرمات
والمقامات، وتكون في عيد الغدير كما لو جالست سلطان أولئك المماليك المعظمين،
وصاحبت مولاهم الذي هم علاقة عليه في أمور الدنيا والدين.
فأجتهد في احترام ساعاته والتزام حق حرمانه وصحبته لشكر الله جل جلاله على
تشريفك بمعرفته وتأهيلك لكرامته، وتجميلك بتجديد نعمته.
وقد قدمنا في اخبار فضله آدابا وأسبابا يعملها المسعودون في ذلك اليوم، فاعمل
عليها، فإنها من تدبير العارفين.
فصل (18)
فيما نذكره من فضل تفطير الصائمين فيه
أقول: قد قدمنا فيه مضى من الفصول فضلا عظيما لمن فطر صائما ليوم الغدير،
وأوضحنا ذلك بالمنقول، فنذكر هاهنا زيادة من طريق المعقول، فنقول:
إذا كان لكل صائم في ذلك العيد ما ذكرناه من الحظ السعيد، فإذا قمت بافطارهم
ومسارهم وحفظ القوة التي بذلوها لله جل جلاله في نهارهم، فكأنك قد ملكتها عليهم،
أو صرت شريكا لهم في كل ما وصل من الله جل جلاله إليهم بالمقدار اليسير الذي
تخرجه في فطور الصائم.
وقد شهد العقل ان من قدر على الفطر بالغنائم وبالمماليك وبالسعادات وبالعنايات
بقوت يوم واحد لبعض أهل الضرورات، فإنه يغتنم ذلك بأبلغ الامكان ولا يسامح نفسه
بالتهوين لهذا المطلب العظيم الشأن، وكفاك انك تعظم بذلك ما عظم مولاك ومالك
دنياك واخراك، ويا طوباك ان يبلغ خير خلق الله جل جلاله محمدا صلوات الله عليه
ومولاك أمير المؤمنين صلوات الله عليه ومن يكون حديثك بعدهما إليه انك عظمت يوما
308

عزيزا عليهم، وأكرمت كريما لديهم ورفعت رايات معالمهم المذكورة، وقطعت شبهات من
سعى في تعظيم آيات مواسمهم المشهورة، فتكون كمن كان صدقت محبته وتعطرت
فضائله وظهرت دلائله:
وتهتز للمعروف في طلب العلى 1 * لتذكر يوما عند ليلى شمائله
فصل (19)
فيما نذكره مما يختم به يوم عيد الغدير
اعلم انا قد عرفناك بعض ما عرفناه من شرف هذا اليوم وتعظيمه عند الله جل
جلاله وعند من اتبع رضاه، فكن عند أواخر نهاره ذاكرا لمعرفة قدره، متأسفا على
ابعاده، تأسف المغرم 2 بفراق أهل وداده، متلهفا ان يؤهلك الله جل جلاله ليوم اظهار
اسراره، وان يجعلك من أعوان المولى المذخور لرفع مناره، ويشرفك بان يكتب اسمك في
ديوان أنصاره، ويضم مثل ما عملت في اليوم المذكور السعيد بلسان الحال، كما يفعل
المؤدب من العبيد.
وتعرضه على من كنت ضيفا له من نواب الله جل جلاله وخاصته، الذين هم
الوسائل بينك وبين رحمة وحفظ نعمته، وتسأل ان يتموا ما فيه من نقصان، ويربحوا
ما تخاف على علمك من خسران، وان يسلموه من يد لسان حالهم إلى الملكين الحافظين
الكاتبين بجميع أعمالك في ذلك النهار، أو يعرضوه على مزيد كمالهم على وجه الله جل
جلاله، عرضا يليق بالثابت المكمل في صفات الأبرار على مولى الممالك المطلع على
الاسرار.
فتكون قد أديت الأمانة في يومك وفى عملك، واجتهدت في حفظ حرمته ومحله،
وسلمت كل تعويض وتسليم إلى أهله.

1 - اهتز: تحرك.
2 - أغرم بالشئ: أولع به فهو مغرم.
309

الباب السادس
فيما يتعلق بمباهلة سيد أهل الوجود لذوي الجحود، الذي لا يساوى ولا يجازى، وظهور
حجته على النصارى والحبارى وان في يوم مثله تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بالخاتم،
ونذكر ما يعمل من المراسم
وفيه فصول:
فصل (1)
فيما نذكره من انفاذ النبي صلى الله عليه وآله لرسله إلى نصارى نجران ودعائهم
إلى الاسلام والايمان، ومناظرتهم فيما بينهم، وظهور تصديقه فيما دعا إليه
روينا ذلك بالأسانيد الصحيحة والروايات الصريحة إلى أبى المفضل محمد بن
المطلب الشيباني رحمه الله من كتاب المباهلة، ومن أصل كتاب الحسن بن إسماعيل بن
اشناس من كتاب عمل ذي الحجة، فيما رويناه بالطرق الواضحة عن ذوي الهمم
الصالحة، لا حاجة إلى ذكر أسمائهم، لأن المقصود ذكر كلامهم، قالوا:
لما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة، وانقادت له العرب، وأرسل رسله ودعائه
إلى الأمم، وكاتب الملكين، كسرى وقيصر، يدعوهما إلى الاسلام، والا أقرا بالجزية
والصغار، والا أذنا بالحرب العوان 1، أكبر شأنه نصارى نجران وخلطاؤهم من بنى

1 - الحرب العوان: الحرب التي قوتل فيها مرة بعد الأخرى، وهي أشد الحروب.
310

عبد المدان وجميع بنى الحارث بن كعب، ومن ضوي إليهم 1، ونزل بهم من دهماء الناس على اختلافهم هناك في دين النصرانية من الاروسية والسالوسية وأصحاب دين الملك
والمارونية والعباد والنسطورية، وأملأت قلوبهم على تفاوت منازلهم رهبة منه ورعبا،
فإنهم كذلك من شأنهم.
إذا وردت عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه وآله بكتابه، وهم عتبة بن غزوان
وعبد الله بن أبي أمية والهدير بن عبد الله أخو تيم بن مرة وصهيب بن سنان أخو النمر بن
قاسط، يدعوهم إلى الاسلام، فان أجابوا فاخوان، وان أبوا واستكبروا فإلى الخطة 3
المخزنية 4 إلى أداء الجزية عن يد، فان رغبوا عما دعاهم إليه من أحد المنزلين 5 وعندوا
فقد آذانهم على سواء، وكان في كتابه صلى الله عليه وآله:
(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ
بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون) 6.
قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقاتل قوما حتى يدعوهم، فازداد القوم
لورود رسل نبي الله صلى الله عليه وآله وكتابه نفورا وامتزاجا، ففزعوا لذلك إلى بيعتهم
العظمى وأمروا، ففرش أرضها وألبس جدرها بالحرير والديباج، ورفعوا الصليب
الأعظم، وكان من ذهب مرصع، انفذه إليهم قيصر الأكبر، وحضر ذلك بنى الحارث بن
كعب، وكانوا ليوث الحرب فرسان الناس، قد عرفت العرب ذلك لهم في قديم أيامهم
في الجاهلية.
فاجتمع القوم جميعا للمشورة والنظر في أمورهم، وأسرعت إليهم القبائل من مذحج،
وعك وحمير وانمار، ومن دنا منهم نسبا ودارا من قبائل سبا، وكلهم قد ورم انفه غضبا

1 - ضويت إليه: إذا أديت إليه.
2 - دهماء الناس: جماعتهم.
3 - الخطة: الأمر والقصة.
4 - المخوفة (خ ل).
5 - المنزلين (خ ل).
6 - آل عمران: 67.
311

لقومهم، ونكص 1 من تكلم منهم بالاسلام ارتدادا.
فخاضوا وأفاضوا في ذكر المسير بنفسهم وجمعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
والنزول به بيثرب لمناجزته 2، فلما رأى أبو حامد حصين بن علقمة - أسقفهم الأول
وصاحب مدارسهم وعلامهم، وكان رجلا من بنى بكر بن وائل - ما أزمع 3 القوم عليه من
اطلاق الحرب، دعا بعصابة فرفع بها حاجبيه عن عينيه، وقد بلغ يومئذ عشرين ومائة سنة.
ثم قام فيهم خطيبا معتمدا على عصى وكانت فيه بقية وله رأى وروية وكان موحدا
يؤمن بالمسيح وبالنبي عليهما السلام ويكتم ذلك من كفرة قومه وأصحابه.
فقال: مهلا بنى عبد المدان مهلا، استديموا العافية والسعادة، فإنهما مطويان في
الهوادة 4، دبوا 5 إلى قوم في هذا الأمر دبيب الزور، وإياكم والسورة العجلي، فان البديهة
بها لا ينجب 6، انكم والله على فعل ما لم تفعلوا أقدر منكم على رد ما فعلتم، الا ان النجاة
مقرونة بالأناة، الإرب احجام 7 أفضل من اقدام، وكائن من قول أبلغ من وصوله.
ثم أمسك، فأقبل عليه كرز بن سبرة الحارثي، وكان يومئذ زعيم بنى الحارث بن
كعب، وفى بيت شرفهم، والمعصب فيهم وأمير حروبهم، فقال: لقد انتفخ 8 سحرك
واستطير قلبك أبا حارثة، فضلت كالمسبوع النزاعة الهلوع 9، تضرب لنا الأمثال وتخوفنا
النزال 10، لقد علمت وحق المنان بفضيلة الحفاظ بالنوء باللعب، وهو عظيم، وتلقح 11
الحرب وهي عقيم تثقف أورد الملك الجبار ولنحن أركان الرايس وذى المنار الذين

1 - نكص عن الأمر: أحجم عنه.
2 - ناجزه: بارزه وقاتله.
3 - أزمعت على أمر: أثبت عليه.
4 - الهوادة: الصلح.
5 - دب: مشى كالحيلة أو على اليدين والرجلين كالطفل.
6 - نجب: حمد في نظره أو قوله أو فعله.
7 - حجم عن الشئ: منع.
8 - انتفخ: علا.
9 - الهلوع: من يفزع من الشر.
10 - النزال: الحرب.
11 - لقح الحرب: هاجت بعد سكون.
312

شددنا ملكهما وأمرنا مليكهما، فأي أيامنا ينكرام لأيهما ويك تلمز 1، فما اتى على آخر
كلامه حتى انتظم نصل نبلة كانت في يده بكفه غيظا وغضبا وهو لا يشعر.
فلما أمسك كرز بن سبرة أقبل عليه العاقب، واسمه عبد المسيح بن شرحبيل، وهو
يومئذ عميد القوم وأمير رأيهم وصاحب مشورتهم، الذي لا يصدرون جميعا الا عن قوله،
فقال له: أفلح وجهك وأنس ربعك 2 وعز جارك وامتنع ذمارك 3، ذكرت وحق مغبرة
الجباه 4 حسبا صميما، وعيصا 5 كريما وعزا قديما، ولكن أبا سبرة لكل مقام مقال، ولكل
عصر رجال، والمرء بيومه أشبه منه بأمسه، وهي الأيام تهلك جبلا، وتديل قبيلا،
والعافية أفضل جلباب، وللآفات أسباب، فمن أوكد أسبابها لتعرض لأبوابها، ثم صمت
العاقب مطرقا.
فأقبل عليه السيد واسمه اهتم بن النعمان، وهو يومئذ أسقف نجران، وكان نظير
العاقب في علو المنزلة، وهو رجل من عاملة وعداده في لخم 6، فقال له سعد: جدك وسما
جدك أبا وائلة، ان لكل لامعة ضياء، وعلى كل صواب نورا، ولكن لا يدركه وحق
واهب العقل الا من كان بصيرا، انك أفضيت وهذان فيما تصرف بكما الكلم إلى
سبيلي حزن وسهل، ولكل على تفاوتكم حظ من الرأي الربيق 7 والأمر الوثيق إذا
أصيب به مواضعه، ثم إن أخا قريش قد نجدكم لخطب عظيم وأمر جسيم، فما عندكم
فيه قولوا وانجزوا 8، أبخوع 9 واقرار أم نزوع 10.

1 - اللمز: العيب.
2 - الربع: الدار، المنزلة، جماعة الناس.
3 - الذمار: ما يلزمك حفظه.
4 - أي الجباه المغبرة.
5 - أي نسبا.
6 - أي من قبيلة لخم.
7 - الرأي الربيق: الذي عليه العزم كأنه كناية عن الشديد.
8 - نجز الحاجة: قضاها.
9 - البخوع: الطاعة والخضوع.
10 - أي انتهاء عنه.
313

قال عتبة والهدير والنفر من أهل نجران، فعاد كرز بن سبرة لكلامه وكان كميا 1
أبيا، فقال: أنحن نفارق دينا رسخت عليه عروقنا ومضى عليه آباؤنا وعرف ملوك
الناس ثم العرب ذلك منا، أنتهالك 2 إلى ذلك أم نقرب الجزية وهي الخزية حقا،
لا والله حتى نجرد البواتر 3 من أغمادها، ونذهل الحلائل 4 عن أولادها، أو تشرق 5
نحن محمد بدمائنا، ثم يديل 6 الله عز وجل بنصره من يشاء.
قال له السيد: أربع 7 على نفسك وعلينا أبا سبرة، فان سل السيف يسل السيف،
وأن محمدا قد بخعت 8 له العرب، وأعطته طاعتها وملك رجالها واعنتها، وجرت أحكامه
في أهل الوبر 9 منهم والمدر 10، ورمقه 11 الملكان العظيمان كسرى وقيصر، فلا أراكم
والروح لو نهد 12 لكم، الا وقد تصدع عنكم من خف معكم من هذه القبائل، فصرتم
جفاء كأمس الذاهب أو كلحم على وضم 13.
وكان فيهم رجل يقال له: جهير بن سراقة البارقي من زنادقة نصارى العرب، وكان
له منزلة من ملوك النصرانية، وكان مثواه بنجران، فقال له أبا سعاد 14: قل في أمرنا
وانجدنا برأيك، فهذا مجلس له ما بعده.
فقال: فانى أرى لكم أن تقاربوا محمدا وتطيعوه في بعض ملتمسه عندكم،

1 - كم: إذا قتل الشجعان.
2 - تهالك في الأمر أو العدو: جد فيه مستعجلا.
3 - البواتر: السيوف.
4 - الحليل ج حلائل: الزوج لأنه يحل امرأته وتحل معه.
5 - تشرق: تظهر.
6 - يديل: ينصر.
7 - أربع: ارفق.
8 - بخعت: أطاعت.
9 - الوبر، هو للإبل كالصوف للغنم، أهل الوبر: أهل البدو.
10 - المدر: الطين، أهل المدر: أهل المدن والقرى لأن بنيانها غالبا من المدر.
11 - رمقه: نظر إليه.
12 - نهد: نهض.
13 - الوضم: كل شئ يجعل عليه اللحم من خشب.
14 - سعد (خ ل).
314

ولينطلق وفودكم إلى ملوك أهل ملتكم إلى الملك الأكبر بالروم قيصر، والى ملوك هذه
الجلدة السوداء الخمسة، يعنى ملوك السودان، ملك النوبة وملك الحبشة وملك علوه
وملك الرعا 1 وملك الراحات ومريس والقبط، وكل هؤلاء كانوا نصارى.
قال: وكذلك من ضوي 2 إلى الشام وحل بها من ملوك غسان ولخم وجذام
وقضاعة، وغيرهم، من ذوي يمنكم فهم لكم عشيرة وموالى وأعوان وفى الدين اخوان،
يعنى انهم نصارى، وكذلك نصارى الحيرة من العباد وغيرهم، فقد صبت إلى دينهم
قبائل تغلب بنت وائل وغيرهم من ربيعة بن نزار، لتسير وفودكم.
ثم لتخرق إليهم البلاد اغذاذا 3، فيستصرخونهم لدينكم فيستنجدكم 4 الروم وتسير
إليكم الأساودة 5 مسير أصحاب الفيل، وتقبل إليكم نصارى العرب من ربيعة اليمن.
فإذا وصلت الامداد واردة، سرتم أنتم في قبائلكم وسائر من ظاهركم وبذل نصره
وموازرته لكم، حتى تضاهون 6 من انجدكم 7 وأصرخكم، من الأجناس، والقبائل
الواردة عليكم، فاموا 8 محمدا حتى تنجوا به جميعا، فسيعتق إليكم وافدا لكم من
صبا 9 إليه، مغلوبا مقهورا، وينعتق به من كان منهم في مدرته 10 مكثورا 11، فيوشك ان
تصطلموا 12 حوزته وتطفؤوا جمرته.
ويكون لكم بذلك الوجه والمكان في الناس، فلا تتمالك العرب حينئذ حتى

1 - ملك حبشة، ملك عليه، ملك الرعانة (خ ل).
2 - ضوي إليه: انضم ولجأ.
3 - اغذاذا: سريعا.
4 - استنجد: استعان وقوى بعد الضعف.
5 - الأساودة: جماعة سودان.
6 - ضاهاه: شاكله.
7 - نجده: اعانه.
8 - أمة: قصده.
9 - صبا: مال.
10 - مدرته: بلده.
11 - مكثورا: المغلوب بالكثرة.
12 - الاصطلاء: الاستيصال.
315

تتهافت دخولا في دينكم، ثم لتعظمن بيعتكم هذه، ولتشرفن، حتى تصير كالكعبة
المحجوجة 1 بتهامة، هذا الرأي فانتهزوه 2، فلا رأى لكم بعده.
فاعجب القوم كلام جهير بن سراقة، ووقع منهم كل موقع، فكاد أن يتفرقوا على
العمل به، وكان فيهم رجل من ربيعة بن نزار من بنى قيس بن ثعلبة، يدعى حارثة بن
أثال على دين المسيح عليه السلام، فقام حارثة على قدميه واقبل على جهير، وقال
متمثلا:
متى ما تقد بالباطل الحق بابه * وان قلت بالحق الرواسي ينقد
إذا ما أتيت الأمر من غير بابه * ضللت وان تقصد إلى الباب تهتد
ثم استقبل السيد والعاقب والقسيسين والرهبان وكافة نصارى نجران بوجهه لم تخلط
معهم غيرهم، فقال 3: سمعا سمعا يا أبناء الحكمة وبقايا حملة الحجة، ان السعيد والله
من نفعته الموعظة ولم يعش 4 عن التذكرة، ألا وانى أنذركم وأذكركم قول مسيح الله عز
وجل - ثم شرح وصيته ونصه على وصيه شمعون بن يوحنا وما يحدث على أمته من
الافتراق.
ثم ذكر عيسى عليه السلام وقال: ان الله جل جلاله أوحى إليه: فخذ يا بن أمتي
كتابي بقوة ثم فسره لأهل سوريا بلسانهم، وأخبرهم انى انا الله لا اله الا انا، الحي
القيوم البديع الدائم الذي لا أحول ولا أزول، انى بعثت رسلي ونزلت كتبي رحمة ونورا
عصمة لخلقي، ثم انى باعث بذلك نجيب رسالتي، احمد صفوتي من بريتي البار قليطا
عبدي أرسله في خلو من الزمان، ابعثه بمولده فاران من مقام أبيه إبراهيم عليه السلام،
انزل عليه توراة حديثة، افتح بها أعينا عميا، واذنا صما، وقلوبا غلفا 5، طوبى لمن شهد
أيامه وسمع كلامه، فامن به واتبع النور الذي جاء به، فإذا ذكرت يا عيسى ذلك النبي

1 - حج: قصد.
2 - إنتهزوه: إغتنموه.
3 - يعنى حارثة.
4 - عشوت إلى النار: إذا استدللت إليها بسير ضعيف، وإذا صدرت عنه إلى غيره قلت: عشوت عنه.
5 - الأغلف ج غلف: الذي لا يعى شيئا.
316

فصل عليه فانى وملائكتي نصلى عليه.
قال: فما أتى حارثة بن أثال على قوله هذا حتى أظلم بالسيد والعاقب مكانهما، وكرها
ما قام به في الناس معربا ومخبرا عن المسيح عليه السلام بما أخبر وقدم من ذكر النبي
محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لأنهما كانا قد أصابا بمواضعهما من دينهما شرفا بنجران
ووجها عند ملوك النصرانية جميعا، وكذلك عند سوقتهم وعربهم في البلاد، فاشفقا أن يكون
ذلك سببا لانصراف قومها عن طاعتهما لدينهما وفسخا لمنزلتهما في الناس.
فأقبل العاقب على حارث فقال: أمسك عليك يا حار، فان راد هذا الكلام عليك
أكثر من قابله، ورب قول يكون بلية على قائله، وللقلوب نفرات عند الاصداع 1 بمظنون
الحكمة، فاتق نفورها، فلكل نبأ أهل، ولكل خطب محل، وإنما الدرك 2 ما اخذ لك
بمواضي النجاة، وألبسك جنة السلامة، فلا تعدلن بهما حظا، فانى لم آلك لا أبا لك
نصحا ثم ارم 3.
فأوجب السيد ان يشرك العاقب في كلامه، فأقبل على حارثة فقال: انى لم أزل
أتعرف لك فضلا تميل إليك الألباب، فإياك ان تقعد مطية اللجاج، وان توجف إلى
السراب 4، فمن عذر بذلك فلست فيه أيها المرء بمعذور، وقد أغفلك أبو واثلة، وهو ولى
أمرنا وسيد حضرنا عتابا فأوله 5 اعتبارا 6.
ثم تعلم أن ناجم 7 قريش يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله يكون رزؤه 8 قليلا، ثم
ينقطع ويخلو، ان بعد ذلك قرن يبعث في آخره النبي المبعوث بالحكمة والبيان والسيف
والسلطان، يملك ملكا مؤجلا، تطبق فيه أمته المشارق والمغارب، ومن ذريته الأمير

1 - الصدع: الشق، صدع بالأمر: تظلم به جهارا.
2 - الدرك: اللحاق والوصول.
3 - ارم القوم: سكتوا.
4 - الال والسراب (خ ل)، الال الذي تراه أول النهار وآخره يرفع الشخوص وليس بالسراب.
5 - أوله: اعطه.
6 - اعتابا (خ ل).
7 - ناجم قريش أي الرجل الظاهر منهم، من نجم الشئ إذا أظهر.
8 - الرزء: المصيبة.
317

الظاهر يظهر على جميع الملكات والأديان، ويبلغ ملكه ما طلع عليه الليل والنهار، وذلك
يا حار أمل من ورائه أمد ومن دونه أجل، فتمسك من دينك بما تعلم وتمنع لله أبوك
من أنس متصرم بالزمان أو لعارض من الحدثان، فإنما نحن ليومنا ولغد أهله.
فأجابه حارثة بن أثال فقال: أيها 1 عليك أبا قرة، فإنه لاحظ في يومه لمن لأدرك له
في غده، واتق الله تجد الله جل وتعالى بحيث لا مفزع الا إليه، وعرضت مشيدا بذكر أبى
واثلة، فهو العزيز المطاع الرحب الباع، واليكما معا ملقى 2 الرحال، فلو أضربت التذكرة
عن أحد لتبزين 3 فضل لكنتماه، لكنها ابكارا لكلام 4 تهدى لأربابها، ونصيحة كنتما
أحق من أصغى بها، إنكما مليكا ثمرات قلوبنا، ووليا طاعتنا في ديننا.
فالكيس الكيس يا أيها المعظمان عليكما به، أريا مقاما يذهكما نواحيه واهجر سنته
التسويف 5 فيما أنتما بعرضة، آثر الله فيما كان يؤثركما بالمزيد من فضله، ولا تخلدا فيما
أظلكما إلى الونيه 6، فإنه من أطال 7 عنان الأمر أهلكته الغرة، ومن اقتعد مطية الحذر
كان سبيل أمن من المتألف، ومن استنصح عقله كانت العبرة له لا به، ومن نصح لله
عز وجل انسه الله جل وتعالى بعز الحياة وسعادة المنقلب.
ثم أقبل على العاقب معاتبا فقال: وزعمت أبا واثلة ان راد ما قلت أكثر من قائله،
وأنت لعمرو الله حرى الا يؤثر هذا عنك، فقد علمت وعلمنا أمة الإنجيل معا بسيرة
ما قام به المسيح عليه السلام في حواريه، ومن آمن له من قومه، وهذه منك فقهة 8
لا يدحضها 9 الا التوبة والاقرار بما سبق به الانكار.

1 - أيها - بالكسر منونا وغير منون - يقال تسكينا لمن استزاد في كلامه يراد بذلك كفه عن الكلام.
2 - يلقى (خ ل).
3 - بزز الرجل: فاق على أصحابه.
4 - ابكار الكلم، ابكارا لكلمه (خ ل).
5 - أر مقاما يذهكما بواحيه واهجر التسويف (خ ل).
6 - ونيت في الأمر: خففت.
7 - أطاع (خ ل).
8 - فهة: السقط.
9 - الدحض: غسل الثوب والجسد.
318

فلما أتى على هذا الكلام صرف إلى السيد وجهه فقال: لا سيف الا ذو نبوة
ولا عليم الا ذو هفوة، فمن نزع عن وهلة واقلع فهو السعيد الرشيد، وإنما الآفة في
الاصرار، وأعرضت 1 بذكر نبيين يخلقان زعمت 2 بعد ابن البتول، فأين يذهب بك
عما خلد في الصحف من ذكرى ذلك، ألم تعلم ما أنبأ به المسيح عليه السلام في نبي
إسرائيل، وقوله لهم: كيف بكم إذا ذهب بي إلى أبى وأبيكم وخلف بعد أعصار يخلو
من بعدى وبعدكم صادق وكاذب؟ قالوا: ومن هما يا مسيح الله؟، قال: نبي من ذرية
إسماعيل عليهما السلام صادق ومتنبئ ممن بني إسرائيل كاذب، فالصادق منبعث منهما
برحمة وملحمة، يكون له الملك والسلطان ما دامت الدنيا، واما الكاذب، فله نبذ يذكر
به المسيح الدجال، يملك فواقا 3 ثم يقتله الله بيدي إذا رجع بي.
قال حارثة: وأحذركم يا قوم أن يكون من قبلكم من اليهود أسوة لكم، انهم انذروا
بمسيحين: مسيح رحمة وهدى ومسيح ضلالة، وجعل لهم على كل واحد منهما آية وأمارة،
فجحدوا مسيح الهدى وكذبوا به وآمنوا بمسيح الضلالة الدجال واقبلوا على انتظاره،
واضربوا في الفتنة وركبوا نتجها 4، ومن قبل نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وقتلوا
أنبياءه والقوامين بالقسط من عباده، فحجب الله عز وجل عنهم البصيرة بعد التبصرة بما
كسبت أيديهم، ونزع ملكتهم منهم ببغيهم، والزمهم الذلة والصغار، وجعل منقلبهم إلى
النار.
قال العاقب: فما أشعرك يا حار أن يكون هذا النبي المذكور في الكتب هو قاطن 5
يثرب، ولعله ابن عمك صاحب اليمامة، فإنه يذكر من النبوة ما يذكر منها أخو قريش،
وكلاهما من ذرية إسماعيل ولجميعهما اتباع وأصحاب، يشهدون بنبوته ويقرون له
برسالته، فهل تجد بينهما في ذلك من فاصلة فتذكرها؟

1 - عرضته (خ ل).
2 - زعمته (خ ل).
3 - الفواق: ما بين الحلبتين من الوقت، الزمن اليسير.
4 - نتج بمعنى نتج، ويقال إذا تكسب من عمله.
5 - قطن بمكان: أقام فيه.
319

قال حارثة: أجل والله أجدها، والله أكبر وأبعد مما بين السحاب والتراب، وهي
الأسباب التي بها وبمثلها تثبيت حجة الله في قلوب المعتبرين من عباده لرسله وأنبيائه،
واما صاحب اليمامة فيكفيك فيه ما أخبركم به سفرائكم وغيركم والمنتجعة 1 منكم ارضه
ومن قدم من أهل اليمامة عليكم، ألم يخبركم جميعا عن رواد 2 مسيلمة وسماعيه، ومن
أوفده 3 صاحبهم 4 إلى احمد بيثرب وبئارنا ثماد 6 ومياهنا ملحة، وكنا من قبله لا نستطيب
ولا نستعذب، فبصق في بعضها ومج 7 في بعض، فعادت عذابا محلولية وجاش 8 منها
ما كان ماؤها ثمادا فحار 9 بحرا.
قالوا: وتفل محمد في عيون رجال ذوي رمد وعلى كلوم 10 رجال ذوي جراح، فبرأت
لوقته عيونهم فما اشتكوها واندملت جراحاتهم فما ألموها في كثير مما أدوا، ونبؤوا عن محمد
صلى الله عليه وآله من دلالة وآية، وأرادوا صاحبهم مسيلمة على بعض ذلك، فأنعم لهم
كارها وأقبل بهم إلى بعض بئارهم فمج فيها وكانت الركى معذوبة، فصارت ملحا
لا يستطاع شرابه، وبصق في بئر كان ماؤها وشلا 11 فعادت فلم تبض بقطرة من ماء،
وتفل في عين رجل كان بها رمد فعميت، وعلى جراح - أو قالوا: جراح آخر - فاكتسى
جلده برصا.
فقالوا لمسيلمة فيما ابصروا في ذلك منه واستبرؤوه، فقال: ويحكم بئس الأمة أنتم

1 - النجعة: طلب الكلام في موضعه، يقال: انتجعت فلانا إذا أتيته تطلب معروفا.
2 - الرواد: الجواسيس.
3 - أوفده: أرسله.
4 - أي مسيلمة.
5 - أي الأنصار.
6 - الثماد: الماء لا مادة له.
7 - مج من فمه: رمى به.
8 - جاش الوادي: كثر ماؤه.
9 - حار المكان بالماء: امتلأ.
10 - الكلوم: الجراحات.
11 - وشلا: قليل الماء.
320

لنبيكم والعشيرة لابن عمكم، انكم كلفتموني يا هؤلاء من قبل ان يوحى إلى في شئ
مما سألتم، والآن فقد اذن لي في أجسادكم واشعاركم دون بئاركم ومياهكم، هذا لمن
كان منكم بي مؤمنا، واما من كان مرتابا فإنه لا يزيده تفلتي عليه الا بلاء، فمن شاء
الان منكم فليأت لا تفل في عينه وعلى جلده، قالوا: ما فينا وأبيك أحد يشاء ذلك، انا
نخاف ان يشمت بك أهل يثرب اضربوا عنه حمية لنسبه فيهم وتذمما لمكانه منهم.
فضحك السيد والعاقب حتى فحصا الأرض بأرجلهما، وقالا: ما النور والظلام،
والحق والباطل بأشد تباينا وتفاوتا مما بين هذين الرجلين صدقا وكذبا.
قالوا: وكان العاقب أحب مع ما تبين من ذلك ان يشيد ما فرط من تفريط مسيلمة
ويؤهل منزلته، ليجعله لرسول الله صلى الله عليه وآله كفا، استظهارا بذلك في بقاء
عزته وما طار له من السمو في أهل ملته، فقال: ولان فخر أخو بنى حنيفة 1 في زعمه ان
الله عز وجل أرسله وقال من ذلك ما ليس له بحق فلقد بر 2 في أن نقل قومه من عبادة
الأوثان إلى الايمان بالرحمان.
قال حارثه: أنشدك بالله الذي دحاها 3 وأشرق باسمه قمراها، هل تجد فيما انزل الله
عز وجل في الكتب السالفة، يقول الله عز وجل: انا الله لا اله الا أنا، ديان يوم الدين
أنزلت كتبي وأرسلت رسلي لاستنقذ بهم عبادي من حبائل الشيطان وجعلتهم في بريتي
وأرضى كالنجوم الدراري في سمائي، يهدون بوحيي وامري، من أطاعهم أطاعني ومن
عصاهم فقد عصاني، وانى لعنت وملائكتي في سمائي وارضى واللاعنون من خلقي من
جحد ربوبيتي أو عدل بي شيئا من بريتي، أو كذب بأحد من أنبيائي ورسلي - أو قال:
أوحى إلى ولم يوح إليه شئ - أو غمص 4 سلطاني أو تقمصه 5 متبريا، أو أكمله عبادي
وأضلهم عنى، الا وإنما يعبدني من عرف ما أريد من عبادتي وطاعتي من خلقي، فمن

1 - يعنى المسيلة.
2 - بر: أحسن.
3 - أي دحى الأرض.
4 - غمص: احتقر ونقص.
5 - أي لبسه قميصا يعنى ادعاه بالباطل.
321

لم يقصد إلى من السبيل التي نهجتها برسلي لم يزدد في عبادته منى الا بعدا.
قال العاقب: رويدك 1 فاشهد لقد نبأت حقا، قال حارثة: فما دون الحق من مقنع
وما بعده لأمري مفزع، ولذلك قلت الذي قلت، فاعترضه السيد وكان ذا محال 2 وجدال
شديد، فقال: ما أحرى 3 وما أرى أخا قريش 4 مرسلا الا إلى قومه بنى إسماعيل دينه،
وهو مع ذلك يزعم أن الله عز وجل أرسله إلى الناس جميعا.
قال حارثة: أفتعلم أنت يا أبا قرة ان محمدا مرسل من ربه إلى قومه خاصة؟ قال:
أجل، قال: أتشهد له بذلك؟ قال: ويحك وهل يستطاع دفع الشواهد، نعم اشهد غير
مرتاب بذلك، وبذلك شهدت له الصحف الدراسة والأنباء الخالية.
فأطرق حارثة ضاحكا ينكت الأرض بسبابته، قال السيد: ما يضحك يا بن أثال؟
قال: عجبت فضحكت، قال: أو عجب ما تسمع؟ قال: نعم العجب أجمع، أليس بالإله
بعجيب من رجل أوتى اثرة من علم وحكمة، يزعم أن الله عز وجل اصطفى لنبوته
واختص برسالته وأيد بروحه وحكمته رجلا خراصا يكذب عليه ويقول: أوحى إلى
ولم يوح إليه، فيخلط كالكاهن كذبا بصدق وباطلا بحق.
فارتدع السيد وعلم أنه قد وهل 5 فأمسك محجوبا قالوا: وكان حارثة بنجران
حثيثا 6، فأقبل عليه العاقب وقد قطعه ما فرط إلى السيد من قوله، فقال له: عليك 7 أخا
بنى قيس بن ثعلبة، واحبس عليك ذلق لسانك وما لم تزل تستحم 8 لنا من مثابة سفهك،
فرب كلمة (يرفع صاحبها بها رأسا، قد ألقته في قعر مظلمة، ورب كلمة لامت 9

1 - رويدك: أمهل.
2 - المحال الكيد والمكر.
3 - الأحرى: الأولى والأجدر.
4 - أي محمد صلى الله عليه وآله.
5 - وهل: فزع.
6 - حثيثا: غريبا - كذا في هامش الأصل.
7 - أي أمسك.
8 - حم البئر والبيت: كبسها.
9 - لامت: أصلحت.
322

ورأبت قلوبا نغلة 1، فدع عنك ما يسبق إلى القلوب انكاره، وإن كان عندك ما يبين
اعتذاره.
ثم اعلم أن لكل شئ صورة، وصورة الانسان العقل، وصورة العقل الأدب،
والأدب ادبان: طباعي ومرتاضي، فأفضلها أدب الله جل جلاله، ومن أدب الله
سبحانه وحكمته أن يرى لسلطانه حق ليس لشئ من خلقه، لأنه الحبل بين الله وبين
عباده، والسلطان اثنان: سلطان ملكة وقهر، وسلطان حكمة وشرع، فاعلاهما فوقا
سلطان الحكمة قد ترى يا هذا ان الله عز وجل قد صنع لنا حتى جعلنا حكاما وقواما
على ملوك ملتنا من بعدهم من حشوتهم 2 واطرافهم، فاعرف لذي الحق حقه، أيها المرء
وخلاك ذم 3
ثم قال: وذكرت أخا قريش وما جاء به من الآيات والنذر، فأطلت وأعرضت ولقد
برزت، فنحن بمحمد وبه جدا موقنون، شهدت لقد انتظمت له الآيات
والبينات، سالفها وآنفها، الا انه هي اشفاها 4 وأشرفها، وإنما مثلها فيما جاء به كمثل
الرأس للجسد، فما حال جسد لا رأس له، فأمهل رويدا، نتجسس الاخبار ونعتبر الآثار
ولنستشف ما ألفينا مما افضى إلينا، فان انسنا الآية الجامعة لديه، فنحن إليه
أسرع وله أطوع، والا فاعلم ما نذكر به النبوة والسفارة عن الرب الذي لا تفاوت في
أمره ولا تغاير في حكمه.
قال له حارثة: قد ناديت فأسمعت، وفزعت فصدعت، وسمعت وأطعت، فما هذه
الآية التي أوحش بعد الأنسة فقدها، واعقب الشك بعد البينة عدمها، وقال له
العاقب: قد اثلجك أبو قرة بها فذهبت عنها في غير مذهب وجاورتها فأطلت في غير
ما طائل وحاورتنا 5، قال حارثة، إلى ذلك فجلها الان لي فداك إلى وأمي.

1 - نغلة: فاسدة.
2 - حشوتهم: رذالهم.
3 - أي أعذرت وسقط عنك الغم.
4 - اثفاها، اسفاها (خ ل).
5 - حاورتنا فأطلت في غير ما طائل وجوازنا (خ ل).
323

قال العاقب: أفلح من سلم للحق وصدع به ولم يرغب عنه وقد أحاط به علما، فقد
علمنا وعلمت من أبناء الكتب المستودعة علم القرون وما كان وما يكون، فإنها استهلت
بلسان كل أمة منهم معربة مبشرة ومنذرة بأحمد النبي، العاقب الذي تطبق أمته المشارق
والمغارب يملك وشيعته من بعده ملكا مؤجلا يستأثر 1 مقتبلهم 2 ملكا على الاحم 3 منهم
بذلك النبي وتباعة وسيما، ويوسع من بعدهم أمتهم عدوانا وهضما، فيملكون بذلك
سبتا 4 طويلا حتى لا يبقى بجزيرة العرب بيت الا وهو راغب إليهم أو راهب لهم.
ثم بدال بعد لأي منهم ويشعث 5 سلطانهم حدا حدا وبيتا فبيتا، حتى تحيى أمثال
النعف 6 من الأقوام فيهم، ثم يملك أمرهم عليهم عبداؤهم وقنهم، يملكون جيلا فجيلا،
يسيرون في الناس بالقعسرية 7 خبطا 8 خبطا، ويكون سلطانهم سلطانا عضوضا ضروسا،
فتنقص الأرض حينئذ من أطرافها ويشتد البلاء وتشتمل الآفات حتى يكون الموت أعز
من الحياة الحمراء 9، أو أحب حينئذ إلى أحدهم من الحياة 10، وما ذلك الا لما يدهنون
به من الضر والضراء والفتنة العشواء وقوام الدين يومئذ وزعماؤهم يومئذ أناس ليسوا
من أهله، فمج 11 الدين بهم وتعفو آياته ويدبر توليا وامحاقا، فلا يبقى منه الا اسمه حتى
ينعاه ناعيه والمؤمن يومئذ غريب والديانون قليل ما هم، حتى يستأنس الناس من روح
الله وفرجه الا أقلهم، وتظن أقوام ان لن ينصر الله رسله ويحق وعده.

1 - الاستيثار: الاستبداد.
2 - اقتبل امره: استأنفه، اقتبل الخطبة: ارتجلها.
3 - أي أقربهم.
4 - سبتا: دهرا.
5 - يشعث: يتفرق.
6 - النعف: الدود الذي في أنوف الإبل والغنم.
7 - بالقهرية (خ ل)، أقول: القعسرية: الصلابة.
8 - الخبط: الجماعة.
9 - الحمراء: الشديدة.
10 - من الحبوة إلى المعافاة السليم، حبوة التسليم (خ ل).
12 - فمج (خ ل).
324

فإذا بهم الشصائب 1 والنقم واخذ من جميعهم بالكظم تلافى الله دينه وراش 2 عباده
من بعدما قنطوا برجل من ذرية نبيهم احمد ونجله، يأتي الله عز وجل به من حيث
لا يشعرون، وتصلى عليه السماوات وسكانها وتفرح به الأرض وما عليها من سوام 3 وطائر
وأنام، وتخرج له أمكم - يعنى الأرض - بركتها وزينتها وتلقى إليه كنوزها وأفلاذ كبدها،
حتى تعود كهيئتها على عهد آدم عليه السلام، وترفع عنهم المسكنة والعاهات في عهده
والنقمات التي كانت تضرب بها الأمم من قبل، وتلقى في البلاد الامنة وتنزع حمة كل
ذات حمة، ومخلب كل ذي مخلب، وناب كل ذي ناب، حتى أن الجويرية اللكاع
لتعب بالافعوان 4، فلا يضرها شيئا، وحتى يكون الأسد في الباقر 5 كأنه راعيها، والذئب
في البهم 6 كأنه ربها.
ويظهر الله عبده على الدين كله فيملك مقاليد الأقاليم إلى بيضاء الصين 7، حتى
لا يكون على عهده في الأرض أجمعها الا دين الله الحق ارتضاه لعباده وبعث به
آدم بديع فطرته واحمد خاتم رسالته ومن بينهما من أنبيائه ورسله.
فلما أتى العاقب على اقتصاصه هذا أقبل عليه حارثة مجيبا فقال: اشهد بالله البديع
يا أيها النبيه الخطير والعليم الأثير لقد ابتسم الحق بقلبك وأشرق الجنان بعدل منطقك
وتنزلت كتب الله التي جعلها نورا في بلاده وشاهدة على عباده بما اقتصصت من
سطورها حقا، فلم يخالف طرس 8 منها طرسا ولا رسم من آياتها رسما فما بعد هذا.
قال العاقب: فإنك زعمت زعمة أخا قريش 9 فكنت بما تأثر من هذا حق غالط،

1 - الشصائب: الشدائد.
2 - أي أصلح.
3 - السوام: الوحوش.
4 - الأفعوان: ذكور الأفاعي.
5 - الباقر: جماعة البقر.
6 - البهم: الولاد الضأن.
7 - بيضاء الصين: كورة بالمغرب.
8 - الطرس: الصحيفة.
9 - زعمت أخا قريش (خ ل).
325

قال: وبم، ألم تعترف له بنبوته ورسالته الشواهد؟ قال العاقب: بلى لعمرو الله ولكنهما
نبيان رسولان يعتقبان بين مسيح الله عز وجل وبين الساعة، اشتق اسم أحدهما من
صاحبه محمد واحمد، بشر بأولهما موسى عليه السلام وثانيهما عيسى عليه السلام، فأخو
قريش هذا مرسل إلى قومه ويقفوه من بعده، ذو الملك الشديد والأكل الطويل، يبعثه
الله عز وجل خاتما للدين وحجة على الخلائق أجمعين، ثم تأتى من بعده فترة تتزايل فيها
القواعد من مراسيها فيعيدها الله عز وجل ويظهره على الدين كله، فيملك هو والملوك
الصالحون من عقبه جميع ما طلع عليه الليل والنهار من أرض وجبل وبر وبحر، يرثون
أرض الله عز وجل ملكا كما ورثهما أو ملكهما الأبوان آدم ونوح عليهما السلام، يلقون
وهم الملوك الأكابر في مثل هيئة المساكين بذاذة واستكانة.
فأولئك الأكرمون الأماثل لا يصلح عباد الله وبلاده الا بهم، وعليهم ينزل عيسى بن
البكر عليه السلام على آخرهم، بعد مكث طويل وملك شديد، لا خير في العيش
بعدهم، وتردفهم رجرجة 1 طغام 2 في مثل أحلام العصافير وعليهم يقوم الساعة، وإنما تقوم
على شرار الناس واخابثهم، فذلك الوعد الذي صلى 3 به الله عز وجل على أحدكما صلى
به خليله إبراهيم عليه السلام في كثير مما لأحمد صلى الله عليه من البراهين والتأكيد
الذي خبرت به كتب الله الأولى.
قال حارثة: فمن الأثر المستقر عندك أبا واثلة في هذين الاسمين انهما لشخصين
لنبيين مرسلين في عصرين مختلفين، قال العاقب: أجل، قال: فهل يتخالجك في ذلك
ريب أو يعرض لك فيه ظن؟ قال العاقب: كلا والمعبود ان هذا لأجلي من بوح 4،
وأشار له إلى جرم الشمس المستدير، فأكب حارثة مطرقا وجعل ينكث في الأرض
عجبا، ثم قال: إنما الآفة أيها الزعيم المطاع أن يكون المال عند من يخزنه لامن ينفقه

1 - الرحرجة: من لا عقل له، الجماعة الكثيرة في الحرب.
2 - الطغام: رذال الناس.
3 - أي جعله صلة.
4 - بالياء والباء المضمومة كلاهما اسم للشمس.
326

والسلاح عند من يتزين به لامن يقاتل به والرأي عند من يملكه 1 لامن ينصره.
قال العاقب: لقد أسمعت يا حويرث فأقذعت 2 وطفقت فأقدمت فيه؟ قال: 3 أقسم
بالذي قامت به السماوات والأرضون باذنه وغلبت الجبابرة بأمره انهما اسمان مشتقان
لنفس واحدة، واحد لنبي وواحد رسول، واحد أنذر به موسى بن عمران وبشر به
عيسى بن مريم ومن قبلهما أشار به صحف إبراهيم عليه السلام، فتضاحك السيد، يرى
قومه ومن حضرهم ان ضحكه هزؤ من حارثة وتعجب وانتشط العاقب من ذلك، فأقبل
على حارثة مؤنبا 4، فقال: لا يغررك باطل أبى قرة فإنه وان ضحك لك فإنما يضحك
منك.
قال حارثة: لئن فعلها لأنها لاحدى الدهارس 5 أو سوء أفلم تتعرفا راجع الله بكما
من موروث الحكمة لا ينبغي للحكيم أن يكون عباسا في غير أدب ولا ضحاكا في غير
عجب أو لم يبلغكما عن سيد كما المسيح عليه السلام، قال: فضحك العالم في غير حينه
غفلة من قلبه أو سكره ألهته عما في غده.
قال السيد: يا حارثة انه لا يعيش والله أحد بعقله حتى يعيش بظنه 6، وإذا أنا
لم أعلم الا ما رويت فلا علمت أو لم يبلغك أنت عن سيدنا المسيح علينا سلامه ان لله
عبادا ضحكوا جهرا من سعة رحمة ربهم وبكوا سرا من خفية ربهم؟ قال: إذا كان
هذا فنعم، قال: فما هنا فليكن مراجم ظنونك بعباد ربك، وعد بنا إلى ما نحن بسبيله،
فقد طال التنازع والخصام بيننا يا حارثة، قالوا: وكان هذا مجلسا ثالثا في يوم ثالث من
اجتماعهم للنظر في أمرهم.

1 - يهلكه (خ ل).
2 - اقذعه: رماه بأفحش وسوء القول.
3 - يعنى حارثة.
4 - انبه: عنفه ولامه.
5 - دهرس: الداهية والحنفة والنشاط.
6 - أي التعيش بالظنون الفاسدة أكثر من التعيش بالعقل، وهذا كناية ان هكذا الكلام صادر من الظن الفاسد،
ومراده ان ضحكه لم يكن عبثا.
327

فقال السيد: يا حارثة ألم ينبؤك أبو واثلة بأفضح لفظ اخترق 1 اذنا ودعا ذلك بمثله
مخبرا، فألقاك مع غرمانك 2 بموارده حجرا وهاجما أنا ذا آكد عليك التذكرة بذلك من
معدن ثالث، فأشهدك الله وما أنزل إلى كلمته من كلماته، هل تجد في الزجرة المنقولة
من لسان أهل سوريا إلى لسان العرب يعنى صحيفة شمعون بن حمون الصفا التي توارثها
عنه أهل النجران؟
قال أسيد: ألم يقل بعد نبذ طويل من كلام فإذا طبقت وقطعت الأرحام وعفت 3
الاعلام بعث الله عبده الفارقليطا بالرحمة والمعدلة، قالوا: وما الفار قليطا يا مسيح الله؟
قال: احمد النبي الخاتم الوارث ذلك الذي يصلى عليه حيا ويصلى عليه بعدما
يقبضه إليه بابنه الطاهر الخاير، ينشره الله في آخر الزمان بعدما انقضت 5 عرى الدين
وخبت مصابيح الناموس، وافلت 6 نجومه فلا يلبث ذلك العبد الصالح الا أمما حتى يعود
الدين به كما بدء، ويقر الله عز وجل سلطانه في عبده ثم في الصالحين من عقبه وينشر
منه حتى يبلغ ملكه منقطع التراب.
قال حارثة: كلما قد أنشدتما حق لا وحشة مع الحق ولا انس في غيره، فمه؟ قال
السيد: فان من الحق ان لاحظ في هذه الإكرومة للأبتر، قال حارثة: انه لكذلك أليس
بمحمد؟ قال السيد: انك ما عملت الا لدا 7 ألم يخبرنا سفرنا وأصحابنا فيما تجسسنا من
خبره ان ولديه الذكرين القرشية والقبطية بادا 8 وغودر 9 محمد كقرن الاغصب 10 موف

1 - أحرق (خ ل).
2 - عرفائك (خ ل).
3 - علقت (خ ل).
4 - يا روح الله (خ ل).
5 - انغمضت، انفصمت (خ ل).
6 - فأفلقت (خ ل).
7 - لدا: خصومته شديدة.
8 - بادا: هلكا.
9 - غودر: ترك.
10 - أي غنم مكسور القرن.
328

على ضريحه 1، فلو كان له بقية كان لك بذلك مقالا إذا ولت انباؤه الذي تذكر.
قال حارثة: العبر لعمرو الله كثيرة والاعتبار بها قليل، والدليل موف على سنن
السبيل ان لم يعش عنه ناظر وكما أن ابصار الرمدة لا تستطيع النظر في قرص الشمس
لسقمها 2، فكذلك البصائر القصيرة لا تتعلق بنور الحكمة لعجزها، الا ومن كان كذلك
فلستماه - وأشار إلى السيد والعاقب - إنكما ويمين الله لمحجوجان بما أتاكما الله عز وجل
من ميراث الحكمة واستودعكما من بقايا الحجة، ثم بما أوجب لكما من الشرف والمنزلة
في الناس، فقد جعل الله عز وجل من أتاه سلطانا ملوكا للناس وأربابا وجعلكما حكما
وقواما على ملوك ملتنا وذادة 3 لهم يفزعون اليكما في دينهم ولا تفزعان إليهم وتأمرانهم
فيأتمرون لكما وحق لكل ملك أو مؤطأ الأكناف ان يتواضع لله عز وجل إذ رفعه، وان
ينصح لله عز وجل في عباده ولا يدهن في امره وذكرتما محمدا بما حكمت له بالشهادات
الصادقة وبينة فيه الاسفار المستحفظة، ورأيتماه مع ذلك مرسلا إلى قومه لا إلى الناس
جميعا وان ليس بالخاتم الحاشر 4 ولا الوارث العاقب لأنكما زعمتماه أبترا ليس كذلك؟
قالا: نعم.
قال: أرأيتكما لو كان به بقية وعقب هل كنتما ممتريان لما تجدان وبما تكذبان 5 من
الوراثة والظهور على النواميس انه النبي الخاتم والمرسل إلى كافة البشر؟ قالا: لا، قال:
أفليس هذا القيل لهذه الحال مع طول اللوائم والخصائم عندكما مستقرا؟ قالا: أجل،
قال: الله أكبر، قالا: كبرت كبيرا فما دعاك إلى ذلك؟ قال حارثة: الحق أبلج والباطل
لجلج، ولنقل ماء البحر ولشق الصخر أهون من إماتة ما أحياه الله عز وجل واحياء
ما أماته الان، فاعلما ان محمدا غير أبتر وانه الخاتم الوارث والعاقب الحاشر حقا، فلا نبي
بعده وعلى أمته تقوم الساعة، ويرث الله الأرض ومن عليها وان من ذريته الأمير الصالح

1 - موف على ضريحه: مشرف على الموت.
2 - بسقمها (خ ل).
3 - زادة (خ ل)، ذاده: منعه.
4 - الحاشر من أسماء النبي صلى الله عليه وآله لأنه يحشر الناس ممن على دينه خلفه.
5 - تمتريان لما تجدان وبما تذكران (خ ل).
329

الذي بينتما ونبأتما انه يملك مشارق الأرض ومغاربها ويظهره الله عز وجل بالحنيفة
الإبراهيمية على النواميس كلها؟ قالا: أولى لك يا حارثة لقد أغفلناك 1 وتأبى الا
مراوغة كالثعالبة فما تسأم المنازعة ولا تمل من المراجعة، ولقد زعمت مع ذلك عظيما
فما برهانك به؟ قال: اما وجدكما لانبئكما ببرهان يجير من الشبهة ويشفى به جوى 2
الصدور.
ثم أقبل على أبى حارثة حصين بن علقمة شيخهم واسقفهم الأول، فقال: ان رأيت
أيها الأب الأثير ان تؤنس قلوبنا وتثلج صدورنا باحضار الجامعة والزاجرة، قالوا: وكان
هذا المجلس الرابع من اليوم وذلك لما خلقت 3 الأرض وركدت الشمس وفى
زمن قيظ 4 شديد، فاقبلا على حارثة، فقالا: ارج هذا إلى غد فقد بلغت القلوب منا
الصدور فتفرقوا على احضار الزاجرة والجامعة من غد للنظر فيهما والعمل بما يتراان منهما.
فلما كان من الغد صار أهل نجران إلى بيعتهم لاعتبار ما أجمع صاحباهم مع حارثة
على اقتباسه وتبينه من الجامعة، ولما رأى السيد والعاقب اجتماع الناس لذلك قطع
بهما 5 لعلمها 6 بصوا قول حارثة واعترضاه ليصدانه عن تصفح الصحف على أعين الناس
وكانا من شياطين الانس.
فقال السيد: انك قد أكثرت وأمللت قض الحديث لنا مع قصه 7 ودعنا من تبيانه،
فقال حارثة: وهل هذا الا منك وصاحبك، فمن الان فقولا ما شئتما، فقال العاقب:
مامن مقال الا قلنا وسنعود فنخبر بعض ذلك تخبيرا غير كاتمين لله عز وجل من حجة
ولا جاحدين له آية ولا مفترين مع ذلك على الله عز وجل لعبد انه مرسل منه وليس

1 - اغفلني فلان: اعيانى أمره.
2 - الجوى: الضيق الصدر.
3 - تخليق الشمس: ارتفاعها.
4 - قاظ اليوم: اشتد حرها.
5 - قطع بفلان: عجز عن سفره من نفقة الذهاب أو فات راحلته.
6 - بعلمهما (خ ل).
7 - فض عنا: تترك الكلام، قض عنا: من قض الجناح انقطع الحديث والكلام.
330

برسوله، فنحن نعترف يا هذا بمحمد صلى الله عليه وآله انه رسول من الله عز وجل إلى
قومه من بنى إسماعيل عليهم السلام في غير أن تجب له بذلك على غيرهم من عرب
الناس ولا أعاجهم تباعة ولا طاعة بخروج له عن ملة ولا دخول معه في ملة الا الاقرار له
بالنبوة والرسالة إلى أعيان قومه ودينه.
قال حارثة: وبم شهدتما له بالنبوة والأمر؟ قالا: حيث جائتنا فيه البينة من تباشير
الأناجيل والكتب الخالية، فقال: منذ وجب هذا لمحمد صلى الله عليه وآله عليكما في
طويل الكلام وقصيره وبدئه وعوده، فمن أين زعمتها انه ليس بالوارث الحاشر ولا المرسل
إلى كافة البشر؟ قالا: لقد علمت وعلمنا فما نترى بان حجة الله عز وجل لم ينته 1 أمرها
وآنها كلمة الله 2 جارية في الأعقاب ما اعتقب الليل والنهار وما بقي من الناس شخصان
وقد ظننا من قبل ان محمدا صلى الله عليه وآله ربها وانه القائد بزمامها، فلما اعقمه
وجل الباقية ونبيه الخاتم بشهادة كتب الله عز وجل المنزلة ليس بأبتر، فإذا هو نبي يأتي
ويخلد بعد محمد صلى الله عليه وآله اشتق اسمه من اسم محمد وهو احمد الذي نبأ
المسيح عليه السلام باسمه وبنبوته ورسالاته الخاتمة ويملك ابنه القاهرة الجامعة للناس
جميعا على ناموس الله عزو جل الأعظم ليس بمظهرة دينه ولكنه من ذريته وعقبه يملك
قرى الأرض وما بينهما من لوب 3 وسهل وصخر وبحر ملكا مورثا موطأ 4 وهذا نبأ أحاطت
سفرة الأناجيل 5 به علما وقد أوسعناك بهذا القيل سمعا وعدنا لك به انفة بعد سالفة
فما اربك 6 إلى تكراره.

1 - لن ينتهى (خ ل).
2 - كلمة لله (خ ل).
3 - لوب - جمع لابه، هو الحرة من الأرض ذات أجمر سود.
4 - موطأ: مهيا.
5 - سفرة الأناجيل: كتب الأناجيل.
6 - اربك: حاجتك.
331

قال حارثة: قد اعلم انا وإياكما في رجع من القول منذ 1 ثلاث وما ذاك الا ليذكر
ناس ويرجع فارط 2 وتظهر لنا الكلم 3 وذكرتما نبيين يبعثان يعتقبان بين مسيح الله عز
وجل والساعة قلتما وكلاهما من بنى إسماعيل، أولهم محمد بيثرب وثانيهما احمد العاقب،
واما محمد صلى الله عليه وآله أخو قريش هذا القاطن بيثرب فآياته حق مؤمن أجل وهو
والمعبود احمد الذي نبأت به كتب الله عز وجل ودلت عليه آياته وهو حجة الله عز وجل
ورسوله صلى الله عليه وآله الخاتم الوارث حقا ولا نبوة ولا رسول الله عز وجل ولا حجة
بين ابن البتول والساعة غيره، بلى ومن كان منه من ابنته البتولة البهلولة 4 الصديقة
فامنتما 5 ببلاغ الله لكنكما من نبوة محمد صلى الله عليه وآله في أمر مستقر، ولولا انقطاع
نسله لما ارتبتما فيما زعمتما به انه السابق العاقب؟ قالا: أجل ان ذلك لمن أكبر اماراته
عندنا.
قال: فأنتما والله فيما تزعمان من نبي ثان من بعده في أمر ملتبس والجامعة يحكم في
ذلك بيننا، فتنادى الناس من كل ناحية وقالوا: الجامعة يا أبا حارثة الجامعة، وذلك لما
مسهم في طول تحاور الثلاثة من السأمة والملل، وظن القوم مع ذلك ان الفلج 6
لصاحبيهما لما كانا يدعيان في تلك المجالس من ذلك، فأقبل أبو حارثة إلى علج 7 واقف
منه فقال: امض يا غلام فات بهما، فجاء بالجامعة يحملها على رأسه وهو لا يكاد يتماسك
بها اثقلها.
قال: فحدثني رجل صدق من النجزانية ممن كان يلزم السيد والعاقب ويخف لهما
في بعض أمورهما ويطلع على كثير من شأنهما، قال: لما حضرت الجامعة بلغ ذلك من

1 - منك (خ ل).
2 - فارط: مقصر.
3 - يطمئن لنا الكلم، تطهر لنا الكلام (خ ل).
4 - البهلولة (خ ل)، أقول: البهلول: السيد الجامع لكل خير.
5 - فأنتما (خ ل).
6 - أفلج الله حجته: أظهرها.
7 - العلج: رجل من كفار عجم، قيل من مطلق الكفار.
332

السيد والعاقب كل مبلغ لعلمهما بما يهحمان عليه في تصفحهما من دلائل رسول الله
صلى الله عليه وآله وصفته وذكر أهل بيته وأزواجه وذريته وما يحدث في أمته وأصحابه
من بوائق الأمور من بعده إلى فناء الدنيا وانقطاعها.
فأقبل أحدهما على صاحبه فقال: هذا يوم ما بورك لنا في طلوع شمسه، لقد شهدته
أجسامنا وغابت عنه آراؤنا بحضور طغاتنا وسفلتنا ولقل ما شهد سفهاء قوم مجمعة الا
كانت لهم الغلبة، قال الآخر: فهم شر غالب لمن ان أحدهم ليفيق بأدنى كلمة
ويفسد في بعض ساعة مالا يستطيع الأسى الحليم له رتقا ولا الخولي 1 النفيس اصلاحا له
في حول محرم له ذلك، لان السفيه هادم والحليم بان وشتان بين البناء والهدم.
قال: فانتهز حارثة الفرصة فأرسل في خيفة 2 وسر إلى النفر من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وآله فاستحضرهم استظهارا بمشهدهم، فحضروا فلم يستطيع الرجلان فض
ذلك المجلس ولا ارجاؤه، وذلك لما بينا من تطلع عامتها من نصارى نجران إلى معرفة
ما تضمنت الجامعة من صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وانبعاث له مع حضور رسل
رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك وتأليب 3 حارثة عليهما فيه وصفو 4 أبى حارثة شيخهم
إليه.
قال: قال لي ذلك الرجل النجراني، فكان الرأي عندهما ان ينقادا لما يدهمهما من
هذا الخطب ولا يظهران شماسا 5 منه ولا نفورا، حذار ان يطرقا الظنة فيه إليهما وان يكونا
أيضا أول معتبر للجامعة ومستحث لهما لئلا يفتات 6 في شئ من ذك المقام والمنزلة
عليهما ثم يستبين ان الصواب في الحال ويستنجد انه ليأخذان بموجبه فتقدما لما تقدم في
أنفسهما من ذلك إلى الجامعة وهي بين يدي أبى حارثة وحاذاهما حارثة بن أثال

1 - الخولي: الراعي الحسن القيان على المال.
2 - خفية (خ ل).
3 - التأليب: التحريض.
4 - الصفو: الميل.
5 - شماسا: منعا.
6 - يفتات: من الفت وهو التكسر والتفريق والانهدام.
333

وتطاولت إليهما فيه الأعناق، وحفت رسل رسول الله صلى الله عليه وآله بهم، فأمر أبو
حارثة بالجامعة ففتح طرفها واستخرج منها صحيفة آدم الكبرى المستودعة علم ملكوت
الله عزو جل جلاله وما ذرء وما برء في ارضه وسمائه وما وصلهما جل جلاله من ذكر
عالميه، وهي الصحيفة التي ورثها شيث من أبيه آدم عليه السلام عما دعا من الذكر
المحفوظ.
فقرء القوم السيد والعاقب وحارثة في الصحيفة تصلبا لما تنازعوا فيه من نعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وصفته ومن حضرهم يومئذ من الناس إليهم مضجون 1
مرتقبون لما يستدرك من ذكرى ذلك، فألفوا في المسباح 2 الثاني من فواصلهما: بسم الله
الرحمن الرحيم انا الله لا اله الا أنا الحي القيوم، معقب الدهور وفاصل الأمور، سبقت
بمشيتي الأسباب وذللت بقدرتي الصعاب، فانا العزيز الحكيم الرحمان الرحيم، ارحم
ترحم، سبقت رحمتي غضبي وعفوي عقوبتي، خلقت عبادي لعبادتي وألزمتهم حجتي، الا
انى باعث فيهم رسلي ومنزل عليهم كتبي، ابرم ذلك من لدن أول مذكور من بشر إلى
احمد نبيي وخاتم رسلي، ذاك الذي اجعل عليه صلواتي واسلك في قلبه بركاتي وبه
أكمل أنبيائي ونذرى.
قال آدم عليه السلام: الهى من هؤلاء الرسل ومن احمد هذا الذي رفعت وشرفت؟
قال: كل من ذريتك واحمد عاقبهم، قال: رب بما أنت باعثهم ومرسلهم؟ قال:
بتوحيدي، ثم اقفى ذلك بثلاثمائة وثلاثين شريعة، انظمها وأكملها لأحمد جميعا فاذنت
لمن جاءني بشريعة منها مع الايمان بي وبرسلي ان ادخله الجنة، ثم ذكر ما جملته: ان الله
تعالى عرض على آدم عليه السلام معرفة الأنبياء عليهم السلام وذريتهم ونظرهم آدم.
ثم قال ما هذا لفظه: ثم نظر آدم عليه السلام إلى نور قد لمع فسد الجو المنخرق، فأخذ
بالمطالع من المشارق ثم سرى كذلك حتى طبق المغارب ثم سمى حتى بلغ ملكوت
السماء، فنظر فإذا هو نور محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا الأكناف به قد

1 - مصيحون (خ ل).
2 - المصباح (خ ل).
334

تضوعت طيبا 1 وإذا أنوار أربعة قد اكتنفته عن يمينه وشماله ومن خلفه وامامه أشبه
شئ به ارجا 2 ونورا ويتلوها أنوار من بعدها تستمد منها، وإذا هي شبيه بها في ضيائها
وعظمها ونشرها، ثم دنت منها فتكللت 3 عليها وحفت بها ونظر، فإذا أنوار من بعد ذلك
في مثل عدد الكواكب ودون منازل الأوائل جدا جدا، وبعض هذه أضوء من بعض
وهي في ذلك متفاوتون جدا، ثم طلع عليه سواد كالليل وكالسيل ينسلون من كل وجهة
وارب، فاقبلوا كذلك حتى ملؤوا القاع 4 والاكم 5 فإذا هم أقبح شئ صورا وهيئة
وانتنه ريحا.
فبهر 6 آدم عليه السلام ما رأى من ذلك وقال: يا عالم الغيوب وغافر الذنوب وياذا
القدرة القاهرة والمشية الغالبة من هذا الخلق السعيد الذي كرمت ورفعت على العالمين
ومن هذه الأنوار المنيفة المكتنفة له؟
فأوحى الله عزو جل إليه: يا آدم هذا وهؤلاء وسيلتك ووسيلة من أسعدت من
خلقي، هؤلاء السابقون المقربون والشافعون المشفعون، وهذا احمد سيدهم وسيد بريتي،
اخترته بعلمي واشتققت اسمه من اسمى، فانا المحمود وهو محمد، وهذا صنوه 7 ووصيه،
آزرته به وجعلت بركاتي وتطهيري في عقبه، وهذه سيدة امائى والبقية في علمي من احمد
نبيي، وهذان السبطان والخلفان لهم، وهذه الأعيان المضارع نورها أنوارهم بقية منهم،
الا ان كلا اصطفيت وطهرت وعلى كل باركت وترحمت، فكلا بعلمي جعلت قدوة
عبادي ونور بلادي.
ونظر فإذا شبح في آخرهم يزهر في ذلك الصفيح 8 كما يزهر كوكب الصبح لأهل

1 - ضوع المسك: انتشرت رائحته.
2 - ارجا: طيبا.
3 - تكللت: أحاطت.
4 - القاع: المستوى من الأرض.
5 - اأكم: التلال.
6 - بهره: قهره.
7 - صنوه: اخوه.
8 - الصفيح: السماء ووجه كل شئ عريض.
335

الدنيا، فقال الله تبارك وتعالى: وبعبدي هذا السعيد افك عن عبادي الأغلال واضع
عنهم الآصار 1 ارضى به حنانا ورأفة وعدلا كما ملئت من قبله قسوة وقشعرية
وجورا.
قال آدم عليه السلام: رب ان الكريم من كرمت وان الشريف من شرفت، وحق
يا الهي لمن رفعت وأعليت أن يكون كذلك، فياذا النعم التي لا تنقطع والاحسان الذي
لا يجازى ولا ينفد، بم بلغ عبادك هؤلاء العالون هذه المنزلة من شرف عطائك وعظيم
فضلك وحبائك، وكذلك من كرمت من عبادك المرسلين؟
قال الله تبارك وتعالى: انى أنا الله لا اله الا أنا الرحمان الرحيم العزيز الحكيم عالم
الغيوب ومضمرات القلوب، اعلم ما لم يكن مما يكون كيف يكون، وما لا يكون كيف
لو كان يكون، وانى اطلعت يا عبدي في علمي على قلوب عبادي فلم أر فيهم أطوع لي
ولا انصح لخلقي من أنبيائي ورسلي، فجعلت لذلك فيهم روحي وكلمتي وألزمتهم عبء
حجتي واصطفيتهم على البرايا برسالتي وولى، ثم ألقيت بمكانتهم تلك في منازلهم
حوامهم 2 وأوصيائهم من بعدى ودائع حجتي والسادة في بريتي، لأجبر بهم كسر عبادي
وأقيم بهم اودهم ذلك، انى بهم وبقلوبهم لطيف خبير، ثم اطلعت على قلوب المصطفين
من رسلي، فلم أجد فيهم أطوع ولا انصح لخلقي من محمد خيرتي وخالصتي، فاخترته على
علم ورفعت ذكره إلى ذكرى، ثم وجدت قلوب حامته 3 اللاتي من بعده على صبغة قلبه
فألحقهم به وجعلتهم ورثة كتابي ووحيي وأوكار حكمتي ونوري، وآليت 4 بي الا أعذب
بناري من لقيني معتصما بتوحيدي وجعل مودتهم ابدا.
ثم أمرهم أبو حارثة ان يصيروا إلى صحيفة شيث الكبرى التي انتهى ميراثها إلى
إدريس النبي عليه السلام، قال: وكان كتابتها بالقلم السرياني القديم، وهو الذي كتب

1 - الآصار: الذنوب.
2 - حوامهم: أقربائهم.
3 - حامته: أقربائه.
4 - آليت: حلفت.
336

به من بعد نوح عليه السلام من ملوك الهاطلة 1 وهم النمادرة، قال: فاقتص القوم
الصحيفة وافضوا منها إلى هذا الرسم.
قال: اجتمع إلى إدريس عليه السلام قومه وصحابته، وهو يومئذ في بيت عبادته من
ارض كوفان، فخبرهم فيما اقتص عليهم، قال: إن بنى أبيكم آدم عليه السلام الصلبية
وبنى بنيه اختصموا فيما بينهم وقالوا: أي الخلق عندكم أكرم على الله عز وجل
وارفع لديه مكانه وأقرب منه منزلة؟ فقال بعضهم: أبوكم آدم عليه السلام خلقه الله عز
وجل بيده واسجد له ملائكته وجعله الخليفة في ارضه وسخر له جميع خلقه، وقال
آخرون: بل الملائكة الذين لم يعصوا الله عز وجل، وقال بعضهم: لا بل امين الله
جبرئيل عليه السلام.
فانطلقوا إلى آدم عليه السلام فذكروا الذي قالوا واختلفوا فيه، فقال: يا بنى أنا
أخبركم بأكرم الخلائق جميعا على الله عز وجل، انه والله لما ان نفخ في الروح حتى
استويت جالسا فبرق لي العرش العظيم، فنظرت فيه فإذا فيه: لا إله إلا الله محمد
رسول الله، فلان صفوة الله فلان امين الله فلان خيرة الله عز وجل، فذكر عدة أسماء
مقرونة بمحمد صلى الله عليه وآله.
قال آدم: ثم لم أر في السماء موضع أديم - أو قال: صفيح - منها، الا وفيه مكتوب:
لا إله إلا الله، وما من موضع مكتوب فيه: لا إله إلا الله وفيه مكتوب خلقا لا خطا:
محمد رسول الله، وما من موضع في مكتوب: محمد رسول الله، الا ومكتوب: فلان خيرة
الله فلان صفوة الله فلان امين الله عز وجل، فذكر عدة أسماء تنتظم حساب المعدود،
قال آدم عليه السلام: فمحمد صلى الله عليه وآله يا بنى ومن خط من تلك الأسماء معه
أكرم الخلائق على الله تعالى جميعا.
ثم ذكر ان أبا حارثة سأل السيد والعاقب ان يقفا على صلوات إبراهيم عليه السلام

1 - الهيطل - كحيدر - جنس من الترك والهند كانت لهم شوكة.
337

الذي جاء بها الاملاك من عند الله عز وجل فقنعوا بما وقفوا عليه في الجامعة، قال أبو
حارثة: لا بل شارفوها 1 بأجمعها واسبروها 2، فإنه أصرم 3 للمعذور وارفع لحكة 4 الصدور،
وأجدر الا ترتابوا في الأمر من بعد، فلم يجد من المصير إلى قوله من بد، فعمد القوم إلى
تابوت إبراهيم عليه السلام قال: وكان الله عز وجل بفضله على من يشاء من خلقه، قد
اصطفى إبراهيم عليه بخلته وشرفه بصلواته وبركاته وجعله قبلة واماما لمن يأتي من بعده
وجعل النبوة والإمامة والكتاب في ذريته يتلقاها آخر عن أول وورثه تابوت آدم عليه
السلام المتضمن للحكمة والعلم الذي فضله الله عز وجل به على الملائكة طرا.
فنظر إبراهيم عليه السلام في ذلك التابوت فأبصر فيه بيوتا بعدد ذوي العزم من
الأنبياء المرسلين وأوصيائهم من بعدهم ونظرهم، فإذا شكل عظيم يتلألأ نورا فيه:
هذا صنوه ووصيه المؤيد بالنصر، فقال إبراهيم عليه السلام، الهى وسيدي من هذا
الخلق الشريف؟
فأوحى الله عزو جل: هذا عبدي وصفوتي الفاتح الخاتم وهذا الوارث، قال:
رب ما الفاتح الخاتم؟ قال: هذا محمد خيرتي وبكر فطرني 5 وحجتي الكبرى في بريتي،
نبئته واجتبيته إذا آدم بين الطين والجسد، ثم انى باعثه عند انقطاع الزمان لتكملة ديني
وخاتم به رسالاتي ونذرى، وهذا على اخوه وصديقه الأكبر، آخيت بينهما واخترتهما
وصليت وباركت عليهما وطهرتهما واخلصتهما والأبرار منهما وذريتهما قبل ان أخلق سمائي
وارضى وما فيهما من خلقي، وذلك لعلمي بهم وبقلوبهم انى بعبادي عليهم خبير.
قال: ونظر إبراهيم عليه السلام فإذا اثنى عشر تكاد تلألأ اشكالهم لحسنهما 6 نورا،

1 - شارفه وعليه: اطلع من فوقه.
2 - السبر: امتحان غور الشئ.
3 - اصرم: اقطع.
4 - لحسكة (خ ل)، أقول: حكة الصدر: خلجان الشبهة فيها، الحسكة: نبات تعلق ثمرته بالصوف، والحقد والعداوة.
5 - بكر فطرتي: أول خلقي.
6 - بحسنها (خ ل).
338

فسأل ربه عز وجل وتعالى فقال: رب نبئنى بأسماء هذه الصور المقرونة بصورة محمد
ووصيه وذلك لما رأى من رفيع درجاتهم والتحاقهم بشكلي محمد ووصيه عليهم
السلام، فأوحى الله عز وجل إليه: هذه أمتي والبقية من بنيى فاطمة الصديقة الزهراء
وجعلتها مع خليلها عصبة لذرية نبيي، هؤلاء وهذان الحسنان وهذا فلان وهذا فلان
وهذا كلمتي التي انشر به رحمتي في بلادي وبه انتاش ديني وعبادي ذلك بعد اياس
منهم وقنوط منهم من غياثي، فإذا ذكرت محمدا نبيي لصلواتك فصل عليهم معه
يا إبراهيم 1.
قال: فعندها صلى عليهم إبراهيم عليه السلام فقال: رب صل على محمد وآل محمد
كما اجتبيتهم واخلصتهم اخلاصا، فأوحى الله عز وجل لتهنك كرامتي وفضلي عليك
فانى صائر بسلالة محمد صلى الله عليه وآله ومن اصطفيت معه منهم إلى قناة 2 صلبك
ومخرجهم منك ثم من بكرك 3 إسماعيل عليه السلام، فأبشر يا إبراهيم فانى واصل
صلواتك بصلواتهم ومتبع ذلك بركاتي وترحمي عليك وعليهم وجاعل حناني 4 وحجتي
إلى الأمد المعدود واليوم الموعود الذي ارث فيه سمائي وارضى وابعث له خلقي لفصل
قضائي وإفاضة رحمتي وعدلي.
قال: فلما سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما افضى إليه القوم من تلاوة
ما تضمنت الجامعة والصحف الدراسة من نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وصفة
أهل بيته المذكورين معه بما هم به منه وبما شاهدوا من مكانتهم عنده ازداد القوم بذلك
يقينا وايمانا واستطيروا 5 له فرحا.
قال: ثم صار القوم إلى ما نزل على موسى صلى الله عليه وآله فألفوا في السفر الثاني
من التوراة انى باعث في الأميين من ولد إسماعيل رسولا انزل عليه كتابي وابعثه

1 - معهم (خ ل).
2 - قناة: الظهر التي تنتظم الفقار.
3 - البكر: أول كل شئ وأول ولد الأبوين.
4 - الحنان: الرحمة والبركة.
5 - استطير: طير.
339

بالشريعة القيمة إلى جميع خلقي، أوتيته حكمتي وايدته بملائكتي وجنودي يكون ذريته من
ابنة له مباركة باركتها ثم من شبلين لهما كإسماعيل وإسحاق، أصلين لشعبتين عظيمتين
أكثرهم جدا جدا، يكون منهم اثنى عشر فيما أكمل بمحمد صلى الله عليه وآله وبما أرسله
به من بلاغ وحكمة ديني واختم به أنبيائي ورسلي فعلى محمد صلى الله عليه وآله وأمته
تقوم الساعة.
فقال حارثة: الان أسفر الصبح لذي عينين ووضح الحق لمن رضى به دينا، فهل
في أنفسكما من مرض تستشفيان به فلم يرجعا إليه قولا، فقال أبو حارثة: اعتبروا الامارة
الخاتمة من قول سيدكم المسيح عليه السلام فصار إلى الكتب والأناجيل التي جاء بها
عيسى عليه السلام، فألفوا في المفتاح الرابع من الوحي إلى المسيح عليه السلام:
يا عيسى بن الطاهرة البتول اسمع قولي وجد في أمرى، انى خلقتك من غير فحل
وجعلتك آية للعالمين، فإياي فأعبد وعلى فتوكل، وخذ الكتاب بقوة ثم فسره لأهل
سوريا وأخبره انى أنا الله لا اله الا أنا الحي القيوم الذي لا أحول ولا أزول، فآمنوا بي
وبرسولي النبي الأمي الذي يكون في آخر الزمان نبي الرحمة والملحمة الأول والاخر،
قال: أول النبيين خلقا وآخرهم مبعثا، ذلك العاقب الحاشر فبشر به بني إسرائيل.
قال عيسى عليه السلام: يا مالك الدهور وعلام الغيوب من هذا العبد الصالح
الذي قد أحبه قلبي ولم تره عيني، قال: ذلك خالصتي ورسولي المجاهد بيده في سبيلي
يوافق قوله فعله وسريرته علانيته انزل عليه توراة 1 حديثة، افتح بها أعينا عميا وآذانا
صما وقلوبا غلفا، فيها ينابيع العلم وفهم الحكمة وربيع القلوب وطوباه طوبى أمته.
قال: رب ما اسمه وعلامته وما أكمل أمته - يقول: ملك أمته 2 - وهل له من بقية -
يعنى ذرية؟ قال: سأنبئك بما سألت، اسمه احمد صلى الله عليه وآله منتخب من ذرية
إبراهيم ومصطفى من سلالة إسماعيل عليه السلام، ذو الوجه الأقمر والجبين الأزهر
راكب الجمل، تنام عيناه ولا ينام قلبه، يبعثه الله في أمة أمية ما بقي الليل والنهار مولده

1 - نورا (خ ل).
2 - أي المراد من أكل أمته ملك أمته.
340

في بلد أبيه إسماعيل - يعنى مكة - كثير الازواح قليل الأولاد نسله من مباركة صديقة،
يكون له منها ابنة، لها فرحان سيدان يستشهدان، اجعل نسل احمد منهما، فطوباهما ولمن
أحبهما وشهد أيامهما فنصرهما.
قال عيسى عليه السلام، الهى وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة ساقها وأغصانها من
ذهب وورقها حلل وحملها كثدي الابكار، أحلى من العسل وألين من الزبد وماؤها من
تسنيم لو أن غرابا طار وهو فرخ لا دركه الهرم من قبل ان يقطعها، وليس منزل من
منازل أهل الجنة الا وظلاله 1 فنن 2 من تلك الشجرة، قال: فلما أتى القوم على دراسة
ما أوحى الله عز وجل إلى المسيح عليه السلام من نعت محمد رسول الله صلى الله عليه
وآله وصفته وملك أمته وذكر ذريته وأهل بيته، أمسك الرجلان مخصومين وانقطع
التحاور بينهم في ذلك.
قال: فلما فلج حارثة على السيد والعاقب بالجامعة وما تبينوه بينوه في الصحف
القديمة ولم يتم لهما ما قدروا من تحريفها ولم يمكنهما ان يلتبسا 3 على الناس في تأويلهما
امسكا عن المنازعة من هذا الوجه وعلما انهما قد أخطأ سبيل الصواب فصار إلى
معبدهم 4 آسفين 5 لينظرا ويرتئيا 6، وفزع إليهما نصارى نجران، فسألوهما عن رأيهما
وما يعملان في دينهما، فقالا: ما معناه تمسكوا بدينكم حتى يكشف دين محمد وسنسير إلى
بنى قريش إلى يثرب وننظر إلى ما جاء به والى ما يدعوا إليه.
قال: فلما تجهز السيد والعاقب للمسير إلى رسول الله بالمدينة انتدب 7 معهما أربعة
عشر راكبا من نصارى نجران هم من أكابرهم فضلا وعلما في أنفسهم وسبعون رجلا

1 - فظلاله (خ ل).
2 - الفنن: الأغصان.
3 - ان يلبسا (خ ل).
4 - بيعتهم (خ ل).
5 - الأسف: أشد الحزن.
6 - ارتأى: افتعال من الرأي.
7 - ندبه الأمر فانتدب له: دعاه فأجابه.
341

من اشراف بنى الحارث بن كعب وسادتهم، قال: وكان قيس بن الحصين ذو الغصة
ويزيد بن عبد المدان ببلاد حضرموت فقدما نجران على بقية مسير قومهم فشخصا معهم،
فأغترز 1 القوم في ظهور مطاياهم وجنبوا خيلهم واقبلوا لوجوههم حتى وردوا المدينة،
قال: ولما استرات 2 رسول الله صلى الله عليه وآله خبر أصحابه انفذ إليهم خالد بن
الوليد في خيل سرجها معه لمشارفة أمرهم، فالفوهم وهم عامدون إلى رسول الله صلى
الله عليه وآله.
قال: ولما دنوا من المدينة أحب السيد والعاقب ان يباهيا المسلمين وأهل المدينة
بأصحابهما وبمن حف من بني الحارث معهما فاعترضاهم، فقالا: لو كففتم صدور ركابكم
ومسستم الأرض فألقيتم عنكم تفثكم 3 وثياب سفركم، وشننتم 4 عليكم من باقي مياهكم
كان ذلك أمثل، فانحدر القوم عن الركاب فأماطوا 5 من شعثهم والقوا عنهم ثياب
بذلتم 6 ولبسوا ثياب صونهم من الاتحميات 7 والحرير، وذروا 8 المسك في لممهم 9
ومفارقهم، ثم ركبوا الخيل واعترضوا بالرماح على مناسج 10 خيلهم واقبلوا يسيرون
رذقا 11 واحدا وكانوا من أجمل العرب صورا وأتمهم أجساما وخلقا.
فلما تشرفهم الناس اقبلوا نحوهم فقالوا: ما رأينا وفدا أجمل من هؤلاء، فأقبل القوم
حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده وحانت 12 وقت صلاتهم، فقاموا

(1) اغترز القوم: ركب القوم.
2 - الاسترائة: الاستبطاء.
3 - التفث: الشعث والكثافات.
4 - شن الماء: صبه وفرقه.
5 - أماط: أبعد.
6 - البذلة: مالا يصان من الثياب.
7 - الاتحمية: نوع من البرد.
8 - ذر الملح والطيب: نثره وفرقه.
9 - اللم جمع اللمة، وهو الشعر يجاوز شحمة الأذن.
11 - الرزدق: الصف من الناس.
12 - حانت: قربت.
342

يصلون إلى المشرق، فأراد الناس ان ينهوهم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه
وآله ثم أمهلهم وامهلوه ثلاثا فلم يدعهم ولم يسألوه لينظروا إلى هديه ويعتبروا ما يشاهدون
منه مما يجدون من صفته.
فلما كان بعد ثالثة دعاهم صلى الله عليه وآله إلى الاسلام فقالوا: يا أبا القاسم
ما أخبرتنا كتب الله عز وجل بشئ من صفة النبي المبعوث بعد الروح عيسى عليه
السلام الا وقد تعرفناه فيك الا خلة هي أعظم الخلال آية ومنزلة واجلاها امارة
ودلالة.
قال صلى الله عليه وآله: وما هي؟ قالوا: انا نجد في الإنجيل من صفة النبي الغابر 1
من بعد المسيح انه يصدق به ويؤمن به وأنت تسبه وتكذب به وتزعم انه عبد، قال:
فلم تكن خصومتهم ولا منازعتهم للنبي صلى الله عليه وآله الا في عيسى عليه السلام.
فقال النبي صلى الله عليه وآله: لا، بل أصدقه واصدق به وأؤمن به واشهد انه
النبي المرسل من ربه عز وجل وأقول: انه عبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا
ولا حياة ولا نشورا، قالوا: وهل يستطيع العبد ان يفعل ما كان يفعل وهل جاءت الأنبياء
بما جاء به من القدرة القاهرة ألم يكن يحيى الموتى ويبرى الأكمه والأبرص وينبئهم بما
يكنون 2 في صدورهم وما يدخرون في بيوتهم، فهل يستطيع هذا الا الله عزو جل أو ابن
الله، وقالوا في الغلو فيه وأكثروا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؟
فقال صلى الله عليه وآله: قد كان عيسى اخى كما قلتم يحيى الموتى ويبرى
الأكمه والأبرص ويخبر قومه بما في نفوسهم وبما يدخرون في بيوتهم، وكل ذلك بإذن الله
عز وجل وهو لله عز وجل عبد وذلك عليه غير عار وهو منه غير مستنكف، فقد كان
لحما ودما وشعرا وعظما وعصبا وامشاجا 3 يأكل الطعام ويظمى وينصب باربه 4 وربه

1 - الغابر: الماضي والباقي.
2 - كننت الشئ: استرته، وأكننته في نفس: أسررته.
3 - المشاج: الاخلاط.
4 - ينصب باربه: يتعقب بسبب حاجته، ويمكن أن يكون كناية عن الذهاب إلى الخلاء.
343

الاحد الحق الذي ليس كمثله شئ وليس له ند، فأرنا مثله من جاء من غير
فحل ولا أب؟
قال: هذا آدم عليه السلام أعجب منه خلقا، جاء من غير أب ولا أم وليس شئ
من الخلق بأهون على الله عز وجل في قدرته من شئ ولا أصعب، (إنما أمره إذا أراد شيئا
أن يقول له كن فيكون) 1، وتلا عليهم: (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال
له كن فيكون) 2، قالا: فما نزداد منك في أمر صاحبنا الا تباينا وهذا الأمر الذي لا نقر
لك فهلم فلنلاعنك أينا أولى بالحق فنجعل لعنة الله على الكاذبين، فإنها مثلة وآية
معجلة.
فأنزل الله عز وجل آية المباهلة على رسول الله صلى الله عليه وآله: (فمن حاجك فيه
بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءكم وأنفسكم ثم
نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) 3، فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما نزل عليه
في ذلك من القرآن، فقال صلى الله عليه وآله: ان الله قد امرني أصير إلى ملتمسكم
وأمرني بمباهلتكم ان أقمتم وأصررتم على قولكم، قالا: وذلك آية ما بيننا وبينك إذا كان
غدا باهلناك.
ثم قاما وأصحابهما من النصارى معهما فلما أبعدا وقد كانوا أنزلوا بالحرة 4 اقبل
بعضهم على بعض فقالوا: قد جاءكم هذا بالفصل من امره وأمركم فانظروا أولا بمن
يباهلكم بكافة اتباعه، أم بأهل الكتاب من أصحابه، أو بذوي التخشع والتمسك 5
والصفوة دينا وهم القليل منهم عددا، فان جاءكم بالكثرة وذوي الشدة منهم، فإنما
جاءكم مباهيا كما يصنع الملوك، فالفج 6 إذا لكم دونه، وان اتاكم بنفر قليل من

1 - يس: 82.
2 - آل عمران: 59.
3 - آل عمران: 61.
4 - الحرة: موضع وقعة حنين وموضع بتبوك وبين المدينة والعتيق وقبلي المدينة.
5 - الامساك: عند الرهبان التقتير في العيش والامتناع عن بعض الماكل تنسكا وتعبد ا.
6 - أفلج الله حجته: أظهرها.
344

ذوي تخشع، فهؤلاء سجية الأنبياء وصفوتهم وموضع بهلتهم، فإياكم والاقدام إذا على
مباهلتهم، فهذه لكم امارة، وانظروا حينئذ ما تصنعون ما بينكم وبينه، فقد اعذار من
أنذر.
فامر صلى الله عليه وآله بشجرتين فقصدتا وكسح 1 ما بينهما، وامهل حتى إذا كان
من الغد أمر بكساء اسود رقيق فنشر على الشجرتين، فلما أبصر السيد والعاقب ذلك
خرجا بولديهما صبغة المحسن وعبد المنعم وسارة ومريم وخرج معهما نصارى نجران وركب
فرسان بنى الحرث بن الكعب في أحسن هيئة، واقبل الناس من أهل المدينة مز
المهاجرين والأنصار وغير هم من الناس في قبائلهم وشعارهم من راياتهم وألويتهم
وأحسن شارتهم 2 وهيئتهم، لينظروا ما يكون من الأمر.
ولبث رسول الله صلى الله عليه وآله في حجرته حتى متع 3 النهار، ثم خرج آخذا بيد
على والحسن والحسين امامه وفاطمة عليهم السلام من خلفهم، فأقبل بهم حتى أتى
الشجرتين فوقف من بينهما من تحت الكساء على مثل الهيئة التي خرج بها من حجرته،
فأرسل إليهما يدعوهما إلى ما دعاه إليه من المباهلة.
فاقبلا إليه فقالا: بمن تباهلنا يا أبا القاسم؟ قال: بخير أهل الأرض وأكرمهم على
الله عز وجل، بهؤلاء وأشار لهما إلى علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم،
قالا: فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر ولامن الكثر ولا أهل الشارة ممن نرى ممن آمن بك
واتبعك، وما نرى هاهنا معك الا هذا الشاب المرأة والصبيين، أفبهؤلاء تباهلنا؟ قال
صلى الله عليه وآله: نعم، أو لم أخبركم بذلك آنفا، نعم بهؤلاء أمرت والذي بعثني
بالحق ان أباهلكم.
فاصفارت حينئذ ألوانهما وكرا وعادا إلى أصحابنا وموقفهما، فلما رأى أصحابهما
ما بهما وما دخلهما، قالوا: ما خطبكما؟ فتماسكا، وقالا ما كان ثمة من خطب، فنخبركم

1 - كسح: كنس.
2 - الشارة: اللباس والهيئة.
3 - متع النهار: ارتفع.
345

وأقبل عليهم شاب كان من خيارهم قد أوتى فيهم علما، فقال: ويحكم لا تفعلوا
واذكروا ما عثرتم عليه في الجامعة من صفته فوالله انكم لتعلمون حق العلم انه الصادق
وإنما عهدكم باخوانكم حديث قد مسخوا قردة وخنازير، فعلموا انه قد نصح لهم
فأمسكوا.
قال: وكان للمنذرين علقمة اخى أسقفهم أبى حارثة حظ من العلم فيهم يعرفونه له
وكان نازحا 1 عن نجران في وقت تنازعهم، فقدم وقد اجتمع القوم على الرحلة إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله، فشخص معهم، فلما رأى المنذر انتشار أمر القوم يومئذ
وترددهم في رأيهم اخذ بيد السيد والعاقب على أصحابه فقال: اخلوني وهذين، فاعتزل بهما.
ثم أقبل عليهما فقال: ان الرائد 2 لا يكذب أهله وأنا لكما جد شفيق، فان نظرتما
لأنفسكما نجوتما وان تركتما ذلك هلكتما وأهلكتما، قالا: أنت الناصح حبيبا 3 المأمون عيبا
فهات، قال: أتعلمان انه ما باهل يوم نبيا قط الا كان مهلكم ان محمدا أبا القاسم هذا هو الرسول
الذي بشرت به الأنبياء عليهم السلام وأفصحت ببيعتهم وأهل بيتهم الامناء، وأخرى
انذركما بها فلا تعشوا عنها، قالا: وما هي يا أبا المثنا؟
قال: انظرا إلى النجم قد استطلع إلى الأرض والى خشوع الشجر وتساقط الطير
بازائكما 5 لوجوههما قد نشرت على الأرض اجتحتها وفات ما في حواصلها وما عليها لله عز
وجل من تبعة، ليس ذلك الا ما قد أظل من العذاب وانظر إلى اقشعرار الجبال والى
الدخان المنتشر وقزع 6 السحاب، هذا ونحن في حمارة 7 القيظ وأبان الهجير 8، وانظروا

1 - نازحا: بعيدا.
2 - الرائد: الجاسوس.
3 - رجل ناصح الحبيب: امين.
4 - ارب: عقل وصار بصيرا.
5 - بارائكما (خ ل).
6 - القزع: قطع من السحاب رقيقة.
7 - حمارة القيظ: شدته.
8 - الهجير والهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحر.
346

إلى محمد صلى الله عليه وآله رافعا يده والأربعة من أهل معه إنما ينتظر ماتحبيبان به، ثم
اعلموا انه ان نطق فوه بكلمة من بهلة لم نتدارك هلاكا ولم نرجع إلى أهل ولامال.
فنظرا فابصرا أمرا عظيما فأيقنا انه الحق من الله تعالى، فزلزت اقدامها وكادت ان
تطيش عقولهما واستشعرا ان العذاب واقع بهما، فلما أبصر المنذر بن علقمة ما قد لقيا من
الخيفة والرهبة قال لهما: إنكما ان اسلمتها له سلمتها في عاجله وآجله وان آثرتما دينكما
وغضارة 1 ملتكما وشححتما 2 بمنزلتكم من الشرف في قومكما، فلست احجر 3 عليكما
الضنين 4 بما نلتما من ذلك، ولكنكما بدهتما 5 محمدا صلى الله عليه وآله بتطلب المباهلة
وجعلتماها حجازا وآية بينكما وبينه وشخصتما من نجران، وذلك من تاليكما 6، فأسرع
محمد صلى الله عليه وآله إلى ما بغيتما منه والأنبياء إذا أظهرت بأمر لم نرجع الا بقضائه
وفعله، فإذ نكلتما 7 عن ذلك وإذ هلتكما مخافة ما تريان فالحظ في النكول لكما، فالوحا 8
يا إخوتي الوحا صالحا محمدا صلى الله عليه وآله وارضياه ولا ترجيا 9 ذلك، فإنكما وانا
معكما بمنزلة قوم يونس لما غشيهم العذاب.
قالا: فكن أنت يا أبا المثنى أنت الذي تلقى محمدا صلى الله عليه وآله بكفالة
ما يبتغيه 10 لدينا والتمس لنا إليه ابن عمه هذا ليكون هو الذي يبرم الأمر بيننا وبينه، فإنه
ذو الوجه والزعيم عنده ولا تبطئن به ما ترجع إلينا به.
وانطلق المنذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: السلام عليك يا رسول الله

1 - الغضارة: طيب العيش.
2 - الشح: البخل مع حرص.
3 - احجر: امنع.
4 - الضن: البخل.
5 - بدهه بأمر: استقبله به.
6 - التالي: التقصير والحلف.
7 - نكله عن الشئ: صرفه.
8 - الوحي: السرعة، الوحا الوحا: البدار البدار.
9 - برجيا: تؤخرا.
10 - ابتغى الشئ: طلبه.
347

اشهد ان لا إله إلا الله الذي بعثك وانك وعيسى عبدان لله عز وجل مرسلان، فأسلم
وبلغه ما جاء له، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام مصالحة القوم،
فقال علي عليه السلام: بأبي أنت على ما أصحالهم؟ فقال له: رأيك يا أبا الحسن فيما
تبرم معهم معه رأيي، فصار إليهم فصالحاه على ألف حلة وألف دينار خرجا في كل عام
يؤديان شطر ذلك في المحرم وشطرا في رجب.
فصار علي عليه السلام بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ذليلين صاغرين
وأخبره بما صالحهما عليه واقرا له بالخرج والصغار، فقال له رسول صلى الله عليه
وآله: قد قبلت ذلك منكم اما انكم لو باهلتمونى بمن تحت الكساء لأضرم 1 الله عليكم
الوادي نارا تأجج 2 ثم لساقها الله عز وجل إلى من ورائكم في أسرع من طرف العين،
فحرقهم تأججا.
فلما رجع النبي صلى الله عليه وآله بأهل بيته وصار إلى مسجده هبط عليه جبرئيل
عليه السلام فقال: يا محمد ان الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول: ان عبدي موسى
عليه السلام باهل عدوه قارون بأخيه هارون وبنيه، فخسفت بقارون وأهله وماله وبمن
آزره من قومه، وبعزتي أقسم وبجلالي، يا احمد لو باهلت بك وبمن تحت الكساء من
أهلك أهل الأرض والخلائق جميعا لتقطعت السماء كسفا 3 والجبال زبرا ولساخت 4
الأرض فلم تستقر ابدا، الا ان أشاء ذلك.
فسجد النبي صلى الله عليه وآله ووضع على الأرض وجهه ثم رفع يديه حتى تبين
للناس عفرة إبطيه 5 فقال: شكرا للمنعم - قالها ثلاثا، فسئل النبي صلى
الله عليه وآله عن سجدته ومما رأى من تباشير السرور في وجهه، فقال: شكرا لله عز
وجل لما ابلانى من الكرامة في أهل بيتي، ثم حدثهم بما جاء به جبرئيل عليه السلام.

1 - ضرم النار: اشتعل.
2 - تأجج النار: اشتد حرها.
3 - الكسف: القطع، وكذا الزبر.
4 - ساخت قوائمه في الأرض: دخلت وغابت.
5 - العفرة: البياض ليس بالشديد.
348

فصل (2)
فيما نذكره من زيادة في فضل أهل المباهلة والسعادة
اعلم أن شهادة أهل الخلاف لأهل المباهلة بشرف الأوصاف، مع ما يعاملونهم به
من الانحراف أبلغ من شهادة شيعتهم وأظهر في أنوار حجتهم.
فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحة ان الذين باهل بهم النبي صلى الله عليه وآله
على وفاطمة والحسن والحسين 1.
ورواه أيضا الثعلبي ومقاتل والكلبي والحافظ ابن مردويه وعبد الله بن عباس
وجابر بن عبد الله الأنصاري والحسن البصري والشعبي والسدي وغيرهم ممن لا يحضرني
ذكر أسمائهم 2.
ورواه أيضا الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير القرآن عند تفسير قوله تعالى:
(فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونساءكم ونساءنا ونساءكم ثم
نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين.) 3.
فقال الزمخشري ما هذا لفظه: انه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر،
فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم
يا معشر النصارى ان محمدا نبي مرسل، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله
ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لتهلكن، فان أبيتم الا
ألف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا.
فاتوا رسول الله عليه وآله وقد غدا محتضنا للحسين، آخذا بيد الحسن،
وفاطمة تمشى خلفه، وعلى خلفهما، وهو يقول: إذ أنا دعوت فامنوا، فقال أسقف

1 - صحيح مسلم 4: 1871.
2 - ذخائر العقبى: 25، الجامع للترمذي: 4: 82، المستدرك للحاكم 3: 150، المسند لأحمد بن حنبل 1: 185،
العمدة: 95 عن تفسير الثعلبي، التفسير لفخر الرازي 8: 85، المناقب لابن المغازلي: 263، در المنثور 4: 38.
3 - آل عمران: 61.
349

نجران: يا معشر النصارى انى لأرى وجوها لو شاء الله ان يزيل جبلا عن مكانه لأزاله
بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولم يبق على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا
القاسم رأينا اننا لا نباهلك وان نقرك على دينك ونثبت على ديننا.
قال: فإذا أبيتم المباهلة فاسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فأبوا،
قال: فانى أناجزكم 1، فقالوا: مالنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا
ولا تخفينا ولا تردنا عن ديننا، على أن نؤدى إليك في كل عام ألفي حلة، ألف في صفر
وألف في رجب، وثلاثين درعا عادية من حديد.
فصالحهم على ذلك وقال: والذي نفسي بيده ان الهلاك قد تدلى على نجران ولولا
عنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولا اضطرم الوادي عليهم نارا، ولأستأصل الله نجران وأهله
حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا.
وعن عائشة: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج وعليه مرط مرحل 2 من
شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم على، ثم قال:
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) 3.
فان قلت: كان ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه، حيث استجرء
على تعريض اعزته وأفلاذ كبده، وأحب الناس إليه بذلك، ولم ينتصر على تعرض نفسه
له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلكه مع أحبته واعزته، هلاك الاستيصال، ان
تمت المباهلة، وخص الأبناء والنساء، لأنهم أعز الأهل والصقهم بالقلوب، وربما
بدأهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل، ومن ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم
الضغائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق،

1 - ناجزه: بارزه وقاتله.
2 - المرط: كساء من صوف أو خز، المرحل - بالحاء المهملة - ما ينقش عليه صورة رحل الإبل.
3 - الأحزاب: 33.
350

وقدمهم في الذكر على أنفسهم، لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم
مقدمون على الأنفس مقدمون بها، وفيه دليل لا شئ أقوى منه على فضل أصحاب
الكساء عليهم السلام، وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله لأنه
لم يرو أحد من موافق ولا مخالف انهم أجابوا إلى ذلك - هذا آخر كلام الزمخشري.) 1.
فصل (3)
فيما نذكره من فضل يوم المباهلة من طريق المعقول
اعلم أن يوم مباهلة النبي صلوات الله عليه وآله لنصارى نجران كان يوما عظيم
الشأن اشتمل على عدة آيات وكرامات:
فمن آياته: انه كان أول مقام فتح الله جل جلاله فيه باب المباهلة الفاصلة، في
هذه الملة الفاضلة، عند جحود حججه وبيناته.
ومن آياته: انه أول يوم ظهرت لله جل جلاله ولرسوله صلوات الله عليه وآله العزة،
بالزام أهل الكتاب من النصارى الذلة والجزية، ودخولهم عند حكم نبوته ومراداته.
ومن آياته: انه أول يوم أحاطت فيه سرادقات القوة الإلهية والقدرة النبوة،
بمن كان يحتج عليه بالمعقول.
ومن آياته: انه يوم الظهر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله تخصيص أهل بيته بعلو
مقاماتهم.
ومن آياته: انه يوم كشف الله جل جلاله لعباده، ان الحسن والحسين عليهما أفضل
السلام، مع ما كانا عليه من صغر السن، أحق بالمباهلة من صحابة رسول الله صلوات
الله عليه والمجاهدين في رسالاته.

1 - الكشاف 1: 368 - 370، عنه الطرائف: 43.
351

ومن آياته: انه يوم أظهر الله جل جلاله فيه ان ابنته المعظمة، فاطمة صلوات الله
عليها، أرجح في مقام المباهلة، من اتباعه وذوي الصلاح من رجاله وأهل عناياته.
ومن آياته: انه يوم أظهر الله جل جلاله فيه ان مولانا علي بن أبي طالب عليه
السلام نفس رسول الله صلوات الله عليهما، وانه من معدن ذاته وصفاته، وان مراده من
مراداته، وان افترقت الصورة فالمعنى واحد في الفضل من سائر جهاته.
ومن آياته: انه يوم وسم كل من تأخر عن مقام المباهلة بوسم، يقتضى انه دون من
قدم عليه في الاحتجاج لله عز وجل ونشر علاماته.
ومن آياته: انه يوم لم يجر مثله قبل الاسلام، فيما عرفنا من صحيح النقل ورواياته.
ومن آياته: انه يوم أخرس السنة الدعوى وعرس في مجلس منطق الفتوى، بان أهل
المباهلة أكرم على الله جل جلاله من كل من لم يصلح لما صلحوا له من المتقربين
بطاعاته وعباداته.
ومن آياته: ان يوم المباهلة يوم بيان برهان الصادقين، الذين أمر الله جل جلاله
باتباعهم في مقدس قرآنه وآياته.
ومن آياته: ان يوم المباهلة أبلغ في تصديق صاحب النبوة والرسالة من التحدي
بالقرآن، وأظهر في الدلالة الذين تحداهم صلوات الله عليه بالقرآن قالوا: (لو نشاء لقلنا
مثل هذا) 1، وإن كان قولهم في مقام البهتان ويوم المباهلة، فما اقدموا على دعوى الجحود
للعجز عن مباهلة لظهورهم حجته وعلاماته.
ومن آياته: ان يوم المباهلة اطفأ الله به نار الحرب وصان وجوه المسلمين من الجهاد
ومن الكرب، وخلصهم من هيجان المخاطرة بالنفوس والرؤوس، وعتقها من رق الغزو
والبؤس، لشرف أهل الموصوفين فيها بصفاته.

1 - الأنفال: 31.
352

ومن آياته: ان البيان واللسان والجنان اعترفوا بالعجز عن شرح كمال كراماته.
فصل (4)
فيما نذكره مما ينبغي أن يكون أهل المعرفة بحقوق المباهلة
من الاعتراف بنعم الله جل جلاله الشاملة
اعلم أن يوم المباهلة أعظم مما أشرنا إليه، وإنما ذكرنا من فضله بحسب ما دلنا الله
جل جلاله عليه.
وكن أنت مفكرا في أن الله جل جلاله اختار لنا في الأزل، من غير وسيلة منا
ولا فضيلة صدرت عنا، أنورا تباهل بها جاحدين كفارا، وشموسا تكشف بنورها دعوى
اليهود والنصارى، وتمحو آثار استمرار شرعهم وشموسهم، ويخسف ببدورها دعوى
الجاهلية بعبادة أصنامهم وتخليطهم 1 بها من نحوسهم، وتخلع به خلع التشريف
بالتكليف للتراب، ويحيى بهدايتها موات الألباب، وتعم لأجلها دوام نعيم دار الثواب،
ويأتي بها إلى نار، قد علا لهبها وسعيرها، وحروب قد اشتد كلبها 2 وزفيرها، فخفف بها
عنا وعن سائر البشر هول ذلك الخطر والضرر، واطفاء شررها بمباهلة ساعة بأهل
الطاعة، وقرب جموعها وهدم ربوعها، بثبوت اقدام أرباب المباهلة، ورايات اخلاصهم،
وحمى حوزة الاسلام والمسلمين بتلك المباهلة الصادرة عن أمر رب العالمين.
فلهذا اليوم المباهلة من حق التشريف وتعظيم أهل المقام الشريف، وتخفيف المالك
اللطيف، يقتضى أن يكون هذا اليوم من أعظم أيام البشارات وأكرم أيام السعادات،
معمور المجالس والمحافل بالثناء على الله جل جلاله، وذكر ما فيه من الفضائل، معروفا به
جل جلاله حقوق ملوك أهل المباهلة وما دفع الله جل جلاله بهم من الأمور الهائلة،
وما نفع بمباهلتهم في العاجلة والاجلة، وان يتوجه بهم فيه إلى كشاف الكربات وواهب
ألطاف الكرامات، فيما يكون العبد محتاجا إليه، وعلى قدر تعظيم اليوم المذكور وعزة أهله عليه.

1 - تخليطهم (خ ل).
2 - كلب الزمان: اشتد.
353

فصل (5)
فيما نذكره من عمل يوم باهل الله فيه باهل السعادات وندب إلى صوم
أو صلوات أو دعوات
روينا ذلك أبى الفرج محمد بن علي بن أبي قرة، باسناده إلى علي بن محمد القمي
رفعه في خبر المباهلة، وهي يوم أربع وعشرين من ذي الحجة، وقد قيل: يوم إحدى
وعشرين، وقيل: يوم سبعة وعشرين، وأصح الروايات يوم أربعة وعشرين، والزيارة فيه قال:
إذا أردت ذلك فابدء بصوم ذلك اليوم شكرا لله تعالى، واغتسل والبس أنظف
ثيابك، وتطيب بما قدرت عليه، وعليك السكينة والوقار، والذي يعمله من يزور أن
يمضى إلى مشهد ولى من أولياء الله، أو موضع خال، أو جبل عال، أو واد خضر،
وعليه الا يقيم في منزله، ويخرج بعد ان يغتسل، ويلبس أحسن ثيابه.
فإذا وصل إلى المقام الذي يريد فيه أداء الحق وطلب الحاجة والمسألة بهم صلى
ساعة يدخل ركعتين بقراءة وتسبيح، فإذا جلس في التشهد وسلم استغفر الله سبعين
مرة، ثم يقوم قائما ويرفع يديه ويرم طرفه 1 نحو الهواء، ويقول:
الحمد لله الذي عرفني ما كنت به جاهلا، ولولا تعريفك إياي لكنت
من الهالكين، إذ قلت وقولك الحق: (قل لا أسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى) 2،
فبينت لي القرابة، وقلت: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) 3، فبينت لي البيت بعد القرابة.

1 - الطرف: العين.
2 - الشورى: 23.
3 - الأحزاب: 33.
354

ثم قلت وقولك الحق بتفضلك على خلقك وأردت معرفتهم بالبيت
والقرابة، فقلت وقولك الحق: (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) 1.
فلك الشكر يا رب ولك المن حيث هديتني وأرشدتني، حتى لم يخف
على الأهل والبيت والقرابة، حتى عرفتني نسائهم وأولادهم ورجالهم.
اللهم إني أتقرب إليك بذلك المقام الذي لا يكون أعظم فضلا منه
للمؤمنين ولا أكثر رحمة بمعرفتك إياهم 2، فلولا هذا المقام المحمود الذي
أنقذتنا، ودللتنا إلى اتباع المحققين من أهل بيت نبيك وعترته، فلك الحمد
والمن والشكر على نعمائك واياديك.
اللهم فصل على محمد وآل محمد، الذين افترضت علينا طاعتهم، وثبتنا
بالقول الذي عرفونا، واجز محمدا وآله عليهم السلام منا أفضل الجزاء،
وأدخلنا في شفاعتهم دار كرامتك، يا ارحم الراحمين.
اللهم هؤلاء أهل الكساء والعباء يوم المباهلة، ومن دخل من الانس
والملائكة المقربين، اجعلهم شفعاءنا، أسألك بحق ذلك المقام ان تغفر لي
وترحمني وتتوب على، انك أنت التواب الرحيم.
اللهم إني أشهدك ان أرواحهم وطينتهم واحدة، وهم الشجرة التي
طاب أصلها وأغصانها وأوراقها.
اللهم فارحمنا بحقهم، فإنك اقمتهم حججا على خلقك، ودلائل على
ما يستدل بوحدانيتك، وبابا إلى المعجزات بعلمك الذي يعجز عنه الخلق
غيرهم، وأنت المتفضل عليهم حيث اقمتهم من بين خلقك ونقلتهم من
عبادك.
فجعلتهم مطهرين أصولا وفروعا ومنبتا، ثم أكرمتهم بنورك، حتى

1 - آل عمران: 61.
2 - اخراجهم عن الشبهات (خ ل).
355

فضلتهم من بين أهل زمانهم والأقربين إليهم، فخصصتهم بوحيك، وأنزلت
عليهم كتابك، وامرتنا بالتمسك بهما.
اللهم فانا قد تمسكنا بكتابك وبعترة نبيك، الذين اقمتهم لنا دليلا
وعلما، وامرتنا باتباعهم، اللهم انا قد تمسكنا فارزقنا شفاعتهم، ولا تضلنا بعد إذ
هديتنا، آمين رب العالمين.
ثم تصلى عندكل دعاء ركعتين وتقيم إلى انتصاف النهار، أو زوال الشمس، وقد
قيل إلى اصفرار الشمس، وكل ذلك حسن.
وهذا ما جاء من الروايات في انصراف القوم عن مقامهم في يوم المباهلة.
ومن الدعاء في يوم المباهلة دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله:
رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبى الفرج محمد بن علي بن أبي قرة، باسناده إلى محمد بن
سليمان الدتيمي، عن الحسين بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أبو جعفر
عليه السلام.
لو قلت إن في هذا الدعاء الاسم الأكبر لصدقت، ولو علم الناس ما فيه من الإجابة
لأضطربوا على تعليمه بالأيدي، وانا لا قدمه بين يدي حوائجي فينجح، وهو دعاء
المباهلة من قول الله تعالى: (قل تعالوا أبنائنا وأبنائكم ونساءنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم - ثم
إلى آخر الآية) 2، وان جبرئيل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله
فأخبره بهذا الدعاء، قال: تخرج أنت ووصيك وسبطانك وابنتك وباهل القوم وادعوا
به.
قال أبو عبد الله عليه السلام: فإذا دعوتم فاجتهدوا في الدعاء، فان ما عند الله خير
وأبقى، من كنوز العلم، فاشفعوا به واكتموه من غير أهله السفهاء والمنافقين، الدعاء:

1 - الشعراء: 100 - 101.
2 - آل عمران: 61.
356

اللهم إني أسألك من بهائك بأبهاه وكل بهائك بهى، اللهم إني أسألك
ببهائك كله، اللهم إني أسألك من جلالك بأجله وكل جلالك جليل، اللهم إني
أسألك بجلالك كله، اللهم إني أسألك من جمالك بأجمله وكل
جمالك جميل اللهم إني أسألك بجمالك كله، اللهم إني أدعوك كما
أمرتني فاستجب لي كما وعدتني.
اللهم إني أسألك من عظمتك بأعظمها وكل عظمتك عظيمة، اللهم إني
أسألك بعظمتك كلها، اللهم إني أسألك من نورك بأنوره وكل نورك نير،
اللهم إني أسألك بنورك كله، اللهم إني أسألك من رحمتك بأوسعها وكل
رحمتك واسعة، اللهم إني أسألك برحمتك كلها، اللهم إني أدعوك كما
أمرتني فاستجب لي كما وعدتني.
اللهم إني أسألك من كمالك بأكمله وكل كمالك كامل، اللهم إني
أسألك بكمالك كله، اللهم إني أسألك من كلماتك بأتمها وكل كلماتك
تامة، اللهم إني أسألك بكلماتك كلها، اللهم إني أسألك من أسمائك
بأكبرها، وكل أسمائك كبيرة، اللهم إني أسألك بأسمائك كلها اللهم إني
أدعوك كما أمرتني فاستجب لي كما وعدتني.
اللهم إني أسألك من عزتك بأعزها، وكل عزتك عزيزة، اللهم إني
أسألك بعزتك كلها، اللهم إني أسألك من مشيتك بأمضاها، وكل مشيتك
ماضية، اللهم إني أسألك بمشيتك كلها، اللهم إني أسألك بقدرتك التي
استطلت بها على كل شئ، وكل قدرتك مستطيلة، اللهم إني أسألك
بقدرتك كلها، اللهم إني أدعوك كما أمرتني فاستجب لي كما
وعدتني.
اللهم إني أسألك من علمك بأنفذه وكل علمك نافذ، اللهم إني أسألك
بعلمك كله، اللهم إني أسألك من قولك بأرضاه وكل قولك رضى، اللهم إني
أسألك بقولك كله، اللهم إني أسألك من مسائلك بأحبها إليك وكل
357

مسائلك 1 إليك حبيبة، اللهم إني أسألك بمسائلك كلها، اللهم إني أدعوك
كما أمرتني فاستجب لي كما وعدتني.
اللهم إني أسألك من شرفك بأشرفه وكل شرفك شريف، اللهم إني
أسألك بشرفك كله، اللهم إني أسألك من سلطانك بأدومه وكل سلطانك
دائم، اللهم إني أسألك بسلطانك كله، اللهم إني أسألك من ملكك بافخره
وكل ملكك فاخر، اللهم إني أسألك بملكك كله، اللهم إني أدعوك كما
أمرتني فاستجب لي كما وعدتني.
اللهم إني أسألك من علائك بأعلاه وكل علائك عال، اللهم إني
أسألك بعلائك كله، اللهم إني أسألك من آياتك بأعجبها وكل آياتك
عجيبة، اللهم إني أسألك بأياتك كلها، اللهم إني أسألك من منك بأقدمه،
وكل منك قديم، اللهم إني أسألك بمنك كله، اللهم إني أدعوك كما
أمرتني فاستجب لي كما وعدتني.
اللهم إني أسألك بما أنت فيه من الشؤون والجبروت، اللهم وانى
أسألك بكل شأن وكل جبروت لك.
اللهم وانى أسألك بما تجيبني به حين أسألك يا الله يا لا إله إلا أنت،
أسألك ببهاء لا إله إلا أنت يا لا إله إلا أنت، أسألك بجلال لا إله إلا أنت
يا لا إله إلا أنت، أسألك بجمال لا إله إلا أنت يا لا إله إلا أنت.
أسألك بعظمة لا إله إلا أنت يا لا إله إلا أنت، أسألك بكمال لا إله إلا أنت
يا لا إله إلا أنت، أسألك بقول لا إله إلا أنت يا لا إله إلا أنت، أسألك
بشرف لا إله إلا أنت يا لا إله إلا أنت.
أسألك بعلاء لا إله إلا أنت يا لا إله إلا أنت، أسألك بكلماتك لا إله إلا أنت
يا لا إله إلا أنت، أسألك بعزة لا إله إلا أنت يا لا إله إلا أنت، أسألك

1 - كلها (خ ل).
358

بلا اله الا أنت، يا الله يا رباه، حتى ينقطع النفس.
وتقول:
أسألك سيدي فليس مثلك شئ، وأسألك بكل دعوة دعاك بها نبي
مرسل، أو ملك مقرب أو مؤمن امتحنت قلبه للايمان استجبت دعوته منه،
وأتوجه إليك بمحمد نبيك نبي الرحمة، وأتقدم بين يدي حوائجي بمحمد.
يا محمد يا رسول الله، بابى أنت وأمي أتوجه إلى ربك وربى وأقدمك
بين يدي حاجتي، يا رباه يا الله يا رباه، أسألك بك فليس كمثلك شئ،
وأتوجه إليك بمحمد خليلك ونبيك نبي الرحمة وبعترته وأقدمهم بين يدي
حوائجي.
وأسألك بحياتك التي لا تموت، وبنور وجهك الذي لا يطفأ، وبالعين
التي لا تنام، أسألك ان تصلى على محمد وآل محمد قبل كل شئ، ثم
تسأل حاجتك، تقضى انشاء الله 1.
ومن دعاء في يوم المباهلة ما وجدناه في كتب الدعوات فقال ما هذا لفظه:
دعاء المباهلة والإنابة والتضرع والمسألة عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:
الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات
وما في الأرض، من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه، يعلم ما بين أيديهم
وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات
والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم.
شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة، وأولوا العلم قائما بالقسط، لا إله إلا هو
العزيز الحكيم.
قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء،
وتعز من تشاء ويذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير، تولج

1 - رواه الشيخ في مصباحه: 759 مع اختلافات.
359

الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتخرج الحي من الميت وتخرج
الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب.
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله،
وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون، هو الله الذي لا إله إلا هو
الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله
عما يشركون، هو الله الخالق الباري المصور له الأسماء الحسنى يسبح له
ما في السماوات والأرض، وهو العزيز الحكيم.
هو الله الذي لا يعرف له سمى وهو الله الرجاء والمرتجى، واللجاء
والملتجى، واليه المشتكى ومنه الفرج والرخاء وهو سميع الدعاء.
اللهم إني أسألك يا الله، بحق الاسم الرفيع عندك العالي المنيع، الذي
اخترته لنفسك، واختصصته لذكرك، ومنعته جميع خلقك، وافردته عن كل
شئ دونك، وجعلته دليلا عليك، وسببا إليك، وهو أعظم الأسماء، وأجل
الأقسام، وافخر الأشياء، وأكبر الغنائم، وأوفق الدعائم، لا تخيب راجيه،
ولا ترد داعيه، ولا يضعف من اعتمد عليه ولجأ إليه.
وأسألك يا الله بالربوبية التي تفردت بها ان تقيني من النار بقدرتك،
وتدخلني الجنة برحمتك، يا نور أنت نور السماوات والأرش، قد استضاء
بنورك أهل سماواتك وارضك.
فأسألك ان تجعل لي نورا في سمعي وبصرى، أستضيئ في الدنيا
والآخرة، يا عظيم أنت رب العرش العظيم، بعظمتك استعنت فارفعني
والحقني درجة الصالحين.
يا كريم بكرمك تعرضت، وبه تمسكت، وعليه توكلت، واعتمدت
فأكرمني بكرامتك، وانزل على رحمتك وبركاتك، وقربني من جوارك،
وألبسني من مهابتك وبهاءك، وأنلني من رحمتك وجزيل عطائك، يا كبير
لا تصعر خدي، ولا تسلط على من لا يرحمني، وارفع ذكرى، وشرف مقامي،
360

واعل في عليين درجتي.
يا متعال 1 أسألك بعلوك ان ترفعني ولا تضعنى، ولا تذلني بمن هو ارفع
منى، ولا تسلط على من هو دوني، واسكن خوفك قلبي، يا حي، أسألك
بحياتك التي لا تموت ان تهون على الموت وان تحييني حياة طيبة وتوفني
مع الأبرار.
يا قيوم أنت القائم على كل نفس 2، والمقيم بكل شئ، اجعلني ممن
يطيعك، ويقوم بأمرك وحقك، ولا يغفل عن ذكرك، يا رحمان ارحمني
برحمتك، وجد على بفضلك وجودك، ونجني من عقابك، واجرني من
عذابك.
يا رحيم تعطف على ضري برحمتك وجد على بجودك ورأفتك،
وخلصني من عظيم جرمي برحمتك، فإنك الشفيق الرفيق، ومن لجأ إليك
فقد استمسك بالعروة الوثقى والرن الوثيق.
يا مالك من ملكك اطلب، ومن خزائنك التي لا تنفد اسأل، فأعطني
ملك الدنيا والآخرة فإنه لا يعجزك ولا ينقصك شئ ولا يؤثر فيما عندك.
يا قدوس أنت الطاهر المقدس، فطهر قلبي، وفرغني لذكرك، وعلمني
ما ينفعني، وزدني علما إلى ما علمتني، يا جبار بقوتك أعني على الجبارين
واجبرني يا جابر العضم الكسير، وكل جبار خاضع لك.
يا متكبر اكنفني بركنك وحل بيني وبين البغاة 3، ولا تبتليني بالمعاصي
فاهون عندك وعند خلقك، يا حليم عد علي بحلمك، واسترني بعفوك،
واجعلني مؤديا لحقك، ولا تفضحني يوم الوقوف بين يديك.
يا عليم أنت العالم بحالي وسرى وجهرى وخطاياي وعمدي، فاصفح لي

1 - متعالي (خ ل).
2 - بما كسبت (خ ل).
3 - من خلقك بكبريائك يا عزيز أعزني بطاعتك ولا تذلني (خ ل).
361

عما خفى عن خلقك من امرى، يا حكيم أسألك بما أحكمت به الأشياء
فأتقنتها ان تحكم لي بالإجابة فيما أسألك وارغب فيه إليك.
يا سلام سلمني من مظالم العباد ومن عذاب القبر وأهوال يوم القيامة،
يا مؤمن آمني من كل خوف وارحم ضري وذل مقامي واكفني ما أهمني من
أمر دنياي وآخرتي، يا مهيمن خذ بناصيتي إلى رضاك واجعلني عاملا
بطاعتك معصوما عن طاعة من سواك، يا بارى الأشياء على خير مثال،
أسألك ان تجعلني من الصادقين المبرورين عندك.
يا مصور صورتني فأحسنت صورتي وخلقتني فأكملت خلقي، فتمم
أحسن ما أنعمت به على ولا تشوه خلقي يوم القيامة، يا قدير بقدرتك قدرت
وقدرتني على الأشياء فأسألك ان تحسن على أمور الدنيا والآخرة معونتي،
وتنجينى من سوء اقدارك.
يا غنى أغنني بغنائك، وأوسع على عطاءك 1، واشفني بشفائك،
ولا تبعدني من سلامتك، يا حميد لك الحمد كله، وبيدك الامر كله ومنك
الخير كله، اللهم الهمنى الشكر على ما أعطيتني، يا مجيد أنت المجيد
وحدك لا يفوتك شئ ولا يؤودك شئ، فاجعلني ممن يقدسك ويمجدك
ويثنى عليك.
يا أحد أنت الله الفرد الاحد الصمد، لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا
أحد، فكن لي اللهم جارا ومؤنسا وحصنا منيعا، يا وتر أنت وتر كل شئ
ولا يعدلك شئ فاجعل عاقبة امرى إلى خير واجعل خير أيامي يوم ألقاك.
يا صمد يامن لا تأخذه سنة ولا نوم ولا يخفى عليه خافية في ظلمات البر
والبحر، احفظني في تقلبي 2 ونومي ويقظتي، يا سميع اسمع صوتي، وارحم
صرختي.

1 - في عطائك (خ ل).
2 - تخيلي (خ ل).
362

يا سميع يا مجيب يا بصير قد أحاط بكل شئ علمك، ونفذ فيه علمك
وكله بعينك، فانظر إلى برحمتك ولا تعرض عنى بوجهك، يا رؤوف أنت
أرأف بي من أبى وأمي ولولا رأفتك لما عطفا على، فتمم نعمتك على
ولا تنغصني ما أعطيتني.
يا لطيف الطف بي بلطفك الخفي، من حيث اعلم ومن حيث لا أعلم،
انك أنت علام الغيوب، يا حفيظ احفظني في نفسي وأهلي ومالي وولدي،
وما حضرته ووعيته، وغبت عنه من امرى بما حفظت به السماوات والأرضين
وما بينهما، انك على كل شئ قدير.
يا غفور اغفر لي ذنوبي واستر عيوبي، ولا تفضحني بسرائري انك ارحم
الراحمين، ويا ودود اجعل لي منك مودة ورحمة في الدنيا والآخرة، واجعل
لي ذلك في صدور المؤمنين، يا ذا العرش المجيد اجعلني من المسبحين
الممجدين لك في آناء الليل وأطراف النهار وبالغدو والآصال، واعنى على
ذلك.
يا مبدي أنت بدأت الأشياء كما تريد وأنت المبدى المعيد الفعال لما
تريد، فاجعل لي الخيرة في البدء والعاقبة في الأمور، يا معيد أنت تعيد
الأشياء كما بدأتها أول مرة، أسألك إعادة الصحة والمال وجليل الأحوال
إلى والتفضل بذلك.
يا رقيب احرسني برقبتك واعنى بحفظك واكنفنى بفضلك ولا تكلني
إلى غيرك، يا شكور أنت المشكور على ما رعيت وغذيت ووهبت وأعطيت
وأغنيت، فاجعلني لك من الشاكرين ولألائك من الحامدين.
يا باعث ابعثنى شهيدا صديقا رضيا عزيزا حميدا مغتبطا مسرورا مشكورا
محبورا، يا وارث ترث الأرض ومن عليها والسماوات وسكانها وجميع
ما خلقت، فورثني حلما وعلما انك خير الوارثين.
يا محيى أحيني حياة طيبة بجودك، والهمنى شكرك ابدا ما أبقيتني،
363

وآتني في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقني عذاب النار، يا محسن عد
على اللهم باحسانك وضاعف عندي نعمتك وجميل بلائك.
يا مميت هون على سكرات الموت وغصصه، وبارك لي فيه عند نزوله،
ولا تجعلني ما رزقتني ولا تحرمني ما وعدتني وجملتني بطاعتك.
يا منعم تمم نعمتك على وآنسني بها واجعلني من الشاكرين لك عليها،
يا مفضل بفضلك أعيش ولك أرجو وعليك اعتمد فأوسع على من فضلك
وارزقني من حلال رزقك.
أنت الأول والاخر والظاهر والباطن، وأنت على كل شئ قدير،
فاجعلني أول التائبين وممن يروى من حوض نبيك يوم القيامة، يا آخر أنت
الاخر وكل شئ هالك الا وجهك تعاليت علوا كبيرا.
يا ظاهر أنت الظاهر على كل شئ مكنون والعالم بكل شئ مكتوم،
فأسألك ان تظهر من أموري أحبها إليك، يا باطن أنت تبطن في الأشياء مثل
ما تظهره فيها وأنت علام الغيوب، فأسألك اللهم ان تصلح ظاهري وباطني
بقدرتك.
يا قاهر أنت الذي قهرت الأشياء بقدرتك، فكل جبار دونك ونواصي
الخلق كلهم بيدك، وكلهم واقف بين يديك وخاضع لك، يا وهاب هب لي
من لدنك رحمة وعلما ومالا وولدا طيبا انك أنت الوهاب.
يا فتاح افتح لي أبواب رحمتك، وأدخلني فيها، وأعذني من الشيطان
الرجيم، وافتح لي من فضلك، يا رزاق ارزقني من فضلك، وزدني من
عطائك، وسعة ما عندك، وأغنني عن خلقك، يا خلاق أنت خلقت الأشياء
بغير نصب ولا لغوب 1، خلقتني خلقا سويا حسنا جميلا، وفضلتني على كثير

1 - نصب: تعب واعيا، لغب: تعب واعيا أشد الاعياء.
364

ممن خلقت تفضيلا.
يا قاضى أنت تقضى في خلقك بما تريد، فاقض لي بالحسنى وجنبني
الردى واختم لي بالحسنى في الآخرة والأولى، يا حنان تحنن على برأفتك،
وتفضل على برزقك، ورحمتك، واقبض عنى يد كل جبار عنيد وشيطان
مريد، وأخرجني بعزتك من حلق المضيق إلى فرجك القريب.
يا منان امنن على بالعافية في الدنيا والآخرة ولا تسلبنيها ابدا ما أبقيتني
يا ذا الجلال والاكرام، اغفر لي بجلالك وكرمك مغفرة تحل بها عنى قيود
ذنوبي وتغفر لي سيئاتي انك على كل شئ قدير.
يا جواد أنت الجواد الكريم الذي لا تبخل، والمعطى الذي لا تنكل 1،
فجد على بكرمك واجعلني شاكرا لانعامك، يا قوي خلقت السماوات وما في
الأرض وما بينهما وما فيهما وحدك لا شريك لك بغير نصب ولا لغوب، فقوني
على امرى بقوتك.
يا شديد اشدد ازرى واعنى على امرى وكن لي من كل خاصة قاضيا،
يا غالب غلبت كل غلاب بقدرتك فأغلب بالى وهواي حتى تردهما إلى
طاعتك وأغلب بعزتك من بغى على ورام حربي.
ياديان أنت تحشر الخلق وعليك العرض وكل يدين لك ويقر لك
بالربوبية فاغفر لي الذنوب بعزتك، يا ذكور اذكرني في الأولين والشهداء
والصالحين وعند كل خير تقسمه.
يا خفى أنت تعلم السر واخفى وهو ظاهر عندك فاغفر لي ما خفى على
الناس من امرى، ولا تهلكني يوم القيامة على رؤوس الاشهاد، يا جليل
جللت عن الأشياء، فكلها صغيرة عندك فاعطني من جلائل نعمتك،
ولا تحرمني من فضلك.

1 - نكله عن الشئ: صرفه، نكل عن كذا: نكص وجبن.
365

يا منقذ أنقذني من الهلاك واكشف عنى غماء الضلالات، وخلصني
من كل موبقة، وفرج عنى كل ملمة، يا رفيع ارتفعت عن أن يبلغك وصف
أو يدرك نعت أو يقاس بك قياس بك قياس فارفعني في عليين.
يا قابض كل شئ في قبضك محيط به قدرتك، فاجعلني في ضمانك
وحفظك ولا تقبض يدي عن كل خير افعله، يا باسط ابسط يدي بالخيرات،
وأعطني بقدرتك أعلى الدرجات.
يا واسع وسعت كل شئ رحمة وعلما، فوسع على في رزقي، يا شفيق
أنت أشفق على خلقك من آبائهم وأمهاتهم وارأف بهم، فاجعلني شفيقا
رفيقا وكن بي شفيقا برحمتك.
يا رفيق ارفق بي إذا أخطأت وتجاوز عنى إذا أسأت وأمر ملك الموت
وأعوانه عليهم السلام ان يرفقوا بروحى إذا أخرجوها عن جسدي ولا تعذبني
بالنار.
يا منشى أنشأت كل شئ كما أردت وخلقت ما أحببت، فبتلك القدرة
أنشأني سعيدا مسعودا في الدنيا والآخرة، وأنشأت ذريتي وما ذرعت وبذرت
في أرضك، وأنشأ معاشى ورزقي وبارك لي فيهما برحمتك.
يا بديع أنت بديع السماوات والأرض ومبدعهما وليس لك شبه 1
ولا يلحقك وصف، ولا يحيط بك فهم، يا منيع لا تمنعي ما اطلب من رحمتك
وفضلك وامنع عنى كل محذور ومخوف، يا تواب اقبل توبتي وارحم عبرتي
واصفح عن خطيئتي ولا تحرمني ثواب عملي.
يا قريب قربني من جوارك واجعلني في حفظك وكنفك، ولا تعذبني
عنك برحمتك، يا مجيب أجب دعائي وتقبله منى ولا تحرمني الثواب كما
وعدتني.

1 - شبيه (خ ل).
366

يا منعم بدأت بالنعم قبل استحقاقها وقبل السؤال بها فكذلك اتمامها
بالكمال والزيادة من فضلك يا ذا الافضال 1، يا مفضل لولا فضلك هلكنا
فلا تقصر عنا فضلك، يا منان فامنن علينا بالدوام يا ذا الاحسان.
يا معروف أنت المعروف الذي لا يجهل، ومعروفك ظاهر لا ينكل،
فلا تسلبنا ما أودعتناه من معروفك برحمتك، يا خبير خبرت الأشياء قبل
كونها وخلقتها على علم منك بها، فأنت أولها وآخرها، فزدني خيرا بها
الهمتنيه من شكرك وبصيرة.
يا معطى اعطني من جليل عطاءك، وبارك لي في قضائك، وأسكني
برحمتك في جوارك، يا معين أعني على أمور الدنيا والآخرة بقوتك،
ولا تكلني في شئ إلى غيرك، يا ستار استر عيوبي واغفر ذنوبي واحفظني
في مشهدي ومغيبي.
يا شهيد أشهدك اللهم وجميع خلقك وملائكتك، انه لا إله إلا أنت
وحدك لا شريك لك، فاكتب هذه الشهادة عندك ونجني بها من عذابك،
يا فاطر أنت فاطر السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما فكن لي في الدنيا
والآخرة، وتوفني مسلما، والحقني بالصالحين.
يا مرشد ارشدني إلى الخير بعزتك وجنبني السيئات بعصمتك ولا تخزني
يوم القيامة، يا سيد السادات مولى الموالي، إليك مصير كل شئ فانظر
إلى بعين عفوك.
يا سيد أنت سيدي وعمادي ومعتمدي، وذخري وذخيرتي وكهفي
فلا تخذلني، يا محيط أحاط بكل شئ علمك، ووسعت كل شئ
رحمتك، فاجعلني في ضمانك، وحطني من كل سوء بقدرتك.
يا مجير اجرني من عقابك وامنى من عذابك، اللهم إني خائف وانى

1 - يا ذا الفضل (خ ل).
367

مستجير بك فاجرني من النار برحمتك، يا أهل التقوى وأهل المغفرة.
يا عدل أنت اعدل الحاكمين وارحم الراحمين، فالطف لنا برحمتك،
واتنا شيئا بقدرتك، ووفقنا لطاعتك، ولا تبتلنا بما لا طاقة لنا به، وخلصنا من
مظالم العباد، واجرنا من ظلم الظالمين وغشم 1 الغاشمين بقدرتك، انك
على كل شئ قدير.
اللهم اسمع دعائي، واقبل ثنائي، وعجل إجابتي، وآتني في الدنيا
حسنة، وفى الآخرة حسنة، وقني برحمتك عذاب النار، وصلى الله على
خيرته من خلقه محمد وعترته الطاهرين.
فصل (6)
فيما نذكره في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة أيضا لأهل المواسم من المراسم
وصدقة مولانا علي عليه السلام بالخاتم
اعلم أن في مثل هذا يوم المباهلة، اطلق الله جل جلاله مواهب ومراتب فاضلة
لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام، فينبغي ان يعرف منها ما يبلغ جهد الناظر إليه.
منها: انه يوم تصدق فيه مولانا علي عليه السلام على السائل بخاتمه وهو راكع،
حتى انزل جل جلاله على رسوله محمد صلوات الله عليه وسلامه:
(يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على
المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من
يشاء والله واسع عليم إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون.) 2
فكانت هذه الآيات بما اشتملت عليه من الصفات، نصا من الله جل جلاله صريحا
على مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام بالولاية من رب العالمين وعن سيد المرسلين

1 - الغشم: الظلم.
2 - المائدة: 54 - 57.
368

وانه أمير المؤمنين.
فمن الصفات فيها قوله جل جلاله: (من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم
ويحبونه).
وقد شهد من روى هذه الآيات من المخالف والمؤالف ان النبي صلى الله عليه وآله
قال لمولانا علي عليه السلام لم انهزم المسلمون في خيبر: (لأعطين الراية غدا رجلا يحب
الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله عليه) 1، وقال
النبي عليه السلام في حديث الطائر: (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من
هذا الطائر) 2.
فكان مولانا على سلام الله عليه هو المشهود له بهذه المحبة الباهرة والصفة الظاهرة.
ومن الصفات قوله جل جلاله: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين).
ولم يجمع هاتان الصفتان المتضاديان في أحد من القرابة والصحابة الا في مولانا على
صلوات الله عليه، فإنه عليه السلام كان في حال التفرغ من الحروب على الصفات
المكملة من الذل لعلام الغيوب وحسن صحابة المؤمنين والرحمة للضعفاء والمساكين،
وكان في حال الحرب على ما هو معلوم من الشدة على الكافرين، والاقدام على كل هول
في ملاقاة الابطال والظالمين، حتى أن من يراه في حال احتمال أهوال الجهاد يكاد
أن يقول: هذا الذي رأيناه من قبل من أذل العباد والزهاد.
ومن الصفات قوله جل جلاله: (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم).
وما عرفنا ابدا ان أحدا من القرابة الذي نازعوه في إمامته ورياسته، الا
وكان له في الأمور العظائم موقف اقدام وموقف احجام الا مولانا على صلوات الله عليه،
فإنه كان على صفة واحدة في الاقدام عند العظائم، لا يخاف لومة لائم منذ بعث النبي
صلوات الله عليه إلى العباد والى حين انتقل مولانا علي عليه السلام إلى سلطان المعاد.
ومن الصفات وصف الله جل جلاله: (أولئك الذين يجاهدون في سبيله ولا يخافون لومة

1 - راجع الطرائف: 55 - 59.
راجع الطرائف: 71 - 72.
369

لائم) بالآية التي بعدها بغير فصل بلفظ خاص كشف فيه مراده جل جلاله لأهل
البصائر والمعالم، فقال: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة
وهم راكعون).
فبدء بولاية الله جل جلاله التي هي شاملة على جميع الخلائق، ثم بولاية رسوله
صلوات الله عليه على ذلك الوصف السابق، ثم بولاية الذي تصدق بخاتمه وهو راكع،
على الوصف الواضح اللاحق، فكيف يحسن المكابرة بعد هذا الكشف لأهل الحقائق
بمحكم القرآن الناطق.
ومن الصفات قوله جل جلاله: (ومن يتول الله ورسوله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم
الغالبون).
وهذا اطلاق لهؤلاء الموصوفين بالغلبة العامة والحجة التامة، وهي صفة من يكون
معصوما في المسالك والمذاهب، ولم يدع عصمة واجبة لأحد نازع مولانا علي عليه السلام
في شئ من المراتب والمناصب، فكانت هذه الآيات دالة على أن مولانا عليا صلوات
الله عليه المراد بها فيما تضمنته من الولايات.
فصل (7)
فيما نذكره من الإشارة إلى بعض من روى أن هذه الآية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) 1
نزلت في مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من طرق أهل الخلاف
اعلم اننا ذكرنا في كتاب الطرائف بعض من روى هذا من طرق المخالف، وانا
أذكر في هذا المكان من يحضرني أسماؤهم منهم لئلا يطول الكلام بذكر اخبارهم على
التفصيل والبيان:
فممن روى ذلك من أهل الخلاف مصنف كتاب الجمع بين الصحاح الستة، من
الجزء الثالث من اجزاء الثلاثة، ورواه الثعلبي في كتابه في تفسير القرآن عن السدى

1 - المائدة: 55.
370

وعبتة بن أبي حكيم، ورواه أيضا عن عبابة بن الربعي وعن ابن عباس وعن أبي ذر،
ورواه أيضا الشافعي ابن المغازلي من خمس طرق، ورواه أيضا علي بن عابس وعبد الله بن
عطاء، ورواه الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير القرآن، واجمع أهل البيت الذين
وصفهم النبي صلوات الله عليه وآله انهم لا يفارقون كتابه حتى يردوا عليه الحوض ان
هذه الآية نزلت في مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وأطبق على ذلك الشيعة الذين
تثبت الحجة بما أطبقوا عليه 1.
فصل (8)
فيما نذكره من عمل زائد في هذا اليوم العظيم الشأن
روينا ذلك عن جماعة من الأعيان والاخوان، أحدهم جدي أبو جعفر الطوسي فيما
يذكره في المصباح في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة، فقال ما هذا لفظه:
في هذا اليوم تصدق أمير المؤمنين صلوات الله عليه بخاتمه وهو راكع للصلاة فيه،
روى عن الصادق عليه السلام أنه قال: من صلى في هذا اليوم ركعتين قبل الزوال
بنصف ساعة، شكرا لله على مامن به عليه وخصه به، يقرأ في كل ركعة أم الكتاب مرة
واحدة، وعشر مرات (قل هو الله)، وعشر مرات آية الكرسي إلى قوله تعالى: (هم فيها
خالدون)، وعشر مرات (انا أنزلناه في ليلة القدر)، عدلت عند الله مائة ألف حجة ومائة
ألف عمرة ولم يسأل، الله عز وجل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة الا قضاها له،
كائنة ما كانت انشاء الله، وهذه الصلاة بعينها رويناها في يوم الغدير) 2.
أقول: فإذا عملت ما أشرنا إليه فاعلم، ان من العمل الزائد الذي يعتمد عليه، ان
تجعل هذا اليوم محلا لبذل الصدقات على أهل الضرورات، اقتداء بمن يعتدى به
صلوات الله عليه، ومبادرة، واغتناما لهذا الموسم الذي كانت الصدقة فيه مفتاحا لما

1 - رواه الزمخشري في الكشاف 1: 624، الثعلبي في تفسيره عنه إحقاق الحق 2: 402 و 4: 59 والبحار 35: 195، وفى
ذخائر العقبى: 102، ينابيع المودة: 218، المناقب لابن المغازلي: 321، الطرائف: 7 4.
2 - مصباح المتهجد: 758.
371

لم تبلغ الآمال إليه، فعسى يأتيك من فضل الله جل جلاله عند صدقاتك ما لم يبلغ أملك
إليه من سعاداتك.
فان لأوقات القبول اسرارا لله جل جلاله ما تعرف نص القرآن
العظيم والرسول الكريم ان هذا اليوم فيه كان بذل العطاء الجزيل بالتصديق بالقليل،
ولتكن نيتك مجردة العبادة لله جل جلاله هذه الحال، لأنه جل جلاله أهل أن يعبد بما
يريده من صواب الأعمال.
فصل (9)
فيما نذكره من زيادة تنبيه على تعظيم كل وقت عند العارفين بقدر ما تفضل الله
جل جلاله على أوليائه المعظمين وعلى المسلمين
وإذا كان الله جل جلاله قد جعله للنص على من يقوم مقام صاحب الرسالة،
فقد بالغ جل جلاله في تعظيمه بما دل عليه من الجلالة، فليكن العارف بهذا المقدار
مشغولا بحمد الله جل جلاله، على ما وهب من المسار ودفع من الاخطار، وعلى قدر
ما أضاء بهذا اليوم من ظلمات الجهالات، بما أنا فيه من الدلالات، وعلى قدر ما أوضح
فيه من السبيل إلى النعيم المقيم الجليل.
أقول: واما يختم به آخر هذا اليوم الراجح من العمل الصالح:
فاعلم اننا قد قدمناه في عدة مقامات ما يختم به ساعات تلك الأوقات،
فان ظفرت بشئ مما قدمناه فاعمل في ذلك بما يقربك إلى الله جل جلاله والظفر
برضاه، ونذكر هاهنا أن تكون خاتمة نهار يوم الابتهال ويوم نص الله جل جلاله على
مولانا علي عليه السلام بصريح مقال بعدما ذكرناه من الأعمال.
من أن تنظر إلى جميع ما عملت فيه، من طاعة الله جل جلاله ومراضيه، بعين
الاعتراف لله جل جلاله ولأهل تلك المقامات الكاملة بالمنة العظيمة الفاضلة، فان
أعمالك، وان كثرت في المقدار، فإنها لا تقوم بحق الله جل جلاله وحقوق القوم
الأطهار، بل هي من مكاسبهم ومعدودة من مناقبهم، إذ كانوا الفاتحين لأبوابها والهادين
372

إلى صوابها.
وان تجمع بلسان الحال أطراف عباداتك وتضمها بين يدي الذين جعلهم الله جل
جلاله من أسباب حياتك وأبواب نجاتك، وتتوجه إليهم بالله جل جلاله، وبكل من
بعز عليهم، وتتوجه إلى لله جل جلاله بهم في أن يأذن لهم في تسليم أعمالك إليهم
ليصلحوا منها ما كان قاصرا ويربحوا فيها ما كان خاسرا، ويعوضوها بيد قبولهم،
ويدخلوها في سعة قبول الله جل جلاله لأعمالهم وبلوغ آمالهم.
373

الباب السابع
فيما نذكره مما يتعلق بليلة خمس وعشرين من ذي الحجة ويومها
وفيه فصول:
فصل (1)
فيما نذكره من الرواية بصدقة مولانا على ومولاتنا فاطمة صلوات الله عليهما
في هذه الليلة على المسكين واليتيم والأسير
روينا ذلك بعدة طرق، منها ما ذكره جدي أبو جعفر الطوسي في كتاب المصباح،
فقال: (وفى ليلة خمس وعشرين سنة - يعنى من ذي الحجة - تصدق أمير المؤمنين وفاطمة
عليهما السلام، وفى اليوم الخامس والعشرين منه نزلت فيهما وفى الحسن والحسين عليهما
السلام سورة هل أتى) 1.
لما مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه أبو بكر
وعمر وعاد هما عامة العرب، فقال: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك وكل نذر لا يكون
له وفاء فليس بشئ، فقال علي عليه السلام: ان براءا ولداي: مما بهما صمت ثلاثة
أيام شكرا لله عز وجل، وقالت فاطمة وجاريتهم فضة مثل ذلك، فالبس الغلامان
العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فانطلق علي عليه السلام إلى شمعون بن

1 - مصباح المتهجد: 767.
374

حاريا الخيبري فاقترض منه ثلاثة أصوع من شعير.
أقول: ورويت ببعض أسانيدى، ان صدقة مولانا على ومولاتنا فاطمة صلوات الله
عليهما على المكين واليتيم والأسير كانت في ثلاث ليال، فيمكن أن يكون أول الثلاثة
ليلة خمس وعشرين من ذي الحجة.
فمن الرواية في ذلك قال: فانطلق علي عليه السلام إلى جار له من اليهود يعالج
الصوف، يقال له: شمعون بن حاريا، فقال له: هل لك ان تعطيني جزة من الصوف
تغزلها بنت محمد صلى الله عليه وآله بثلاثة أصوع من شعير؟ فقال: نعم، فأعطاه فجاء
بالصوف وبالشعير، فأخبر عليه السلام فاطمة عليها السلام بذلك، فقبلت وأطاعت.
قالوا: فقامت فاطمة عليها السلام فطحنته واختبزت منه خمسة اقراض، لكل واحد
منهم قرص وصلى على مع النبي صلوات الله عليهما المغرب وأتى المنزل، فوضع الطعام
بين يديه، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين
من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فسمعه علي عليه السلام
فأمر باعطائه فاعطوه.
فمكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح، فلما كان اليوم الثاني قامت
فاطمة عليها السلام إلى صاع فطحنته واختبزته وصلى على مع النبي عليهما السلام، ثم
أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه، فأتاهم يتيم فوقف بالباب وقال: السلام عليكم أهل بيت
محمد يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة، أطعموني أطعمكم الله
من موائد الجنة. فسمعه علي عليه السلام فأمر باعطائه فاعطوه.
ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح، فلما كان اليوم الثالث قامت
فاطمة عليها السلام إلى الصاع الثالث فطحنته وصلى على مع النبي صلى الله
عليه وآله ثم أتى المنزل ثم وضع الطعام بين يديه وأتاهم أسير فوقف بالباب فقال:
السلام عليكم أهل بيت محمد، تأسرونا ولا تطعمونا، فسمعه علي عليه السلام فأمر
باعطائه فاعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح.
فلما كان اليوم الرابع وقد وفوا نذرهم، أخذ على بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى
375

الحسين، واقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله، وهم يرتعشون كالفراخ من شدة
الجوع، فلما بصر به النبي صلى الله عليه وآله قال: يا أبا الحسن ما أشد ما أراه بكم،
فانطلق بنا إلى منزل فاطمة.
فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما
رآها النبي صلى الله عليه وآله قال: وا غوثاه يا الله أهل بيت محمد يموتون جوعا، فهبط
جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد خذ ما هناك الله في
أهل بيتك، فقال: ما أخذ يا جبرئيل، فاقرأه عليه:
(هل اتى على الانسان حين من الدهر - إلى قوله: إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء
ولا شكورا - إلى آخر السورة.) 1
أقول: وزاد محمد بن الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة: انهم
عليهم السلام نزلت عليهم مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيام.
أقول: وروى حديث نزول المائدة عليهم أيضا موفق، أي احمد المكي الخوارزمي 2.
أقول: وذكر حديث نزول المائدة الزمخشري في كتاب الكشاف ولكنه لم يذكر نزولها
في الوقت الذي ذكرناه، فقال ما هذا لفظه:
وعن النبي صلى الله عليه وآله انه جاع في زمن قحط، فاهدت له فاطمة عليها
السلام رغيفين وبضعة لحم، اثرته بها، فرجع بها إليها فقال: هلمى يا بنية وكشفت عن
الطبق، فإذا هو مملو خبزا ولحما، فبهتت وعلمت انها نزلت من عند الله، فقال لها
صلوات الله عليه: أنى لك هذا؟ قال: هو من عند الله يرزق من يشاء بغير
حساب، فقال عليه السلام: الحمد لله الذي جعلك شبيه سيدة نساء بني إسرائيل، ثم
جمع رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته
حتى شبعوا وبقى الطعام كما هو وأوسعت فاطمة على جيرانها 3.

1 - نقله بتفصيله في الطرائف: 107 إلى 109 عن الثعلبي عن ابن عباس.
2 - المناقب للخوارزمي: 188.
3 - الكشاف 1: 358.
376

أقول: وروى حديث نزول هذه الآيات من هل أتى في مدح مولانا على وفاطمة
والحسن والحسين، علي بن أحمد الواحدي النيشابوري المخالف لأهل البيت في كتاب
أسباب النزول 1.
فصل (2)
فيما نذكره من العبادات لرب العالمين في هذه ليلة خمس ليلة خمس وعشرين
اعلم أن أوقات العبادات والمراد منها لله جل جلاله في تلك الأوقات مرجعه إلى
العالم بمصالح العباد، وما يكون أنفع لهم في الدنيا والمعاد، لما عرفنا ان صدقة مولانا على
ومولاتنا فاطمة صلوات الله عليهما في هذه الليلة بالمقدار اليسير بلغ بهم إلى المقام الكبير
والثناء عليهم بلفظ الكتاب المجيد وما وهب لهم من المزيد، وكانوا قدوة لمن اقتدى
بآثارهم واهتدى بأنوارهم.
اقتضى ذلك بلسان الحال أن يكون في هذه الليلة من جملة ثواب الأعمال التصدق
على الفقراء والاسراء والأيتام والمساكين والايثار على النفس والأقربين، موافقة لأهل
الايثار، ومتابعة للاطهار، وترضى لنفحات مالك المراحم والمكارم والمبار، ودخول فيما
فتحه الله جل جلاله في تلك الليلة من الأنوار والاسرار.
فصل (3)
فيما نذكره مما يعمل يوم خامس من ذي الحجة
اعلم أن هذا يوم عظيم الشأن اثنى الله جل جلاله على خاصته ببيان لفظ مقدس
القرآن، فهو يوم يحسن ان يقرب فيه إلى الله جل جلاله بصلوات الشكر، على ما وهب
لأهل الذكر وولاة الأمر، ويبالغ العبد فيه الحق الاعتراف والانعام والإسعاف.
روينا بإسنادنا إلى شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان ضاعف الله جل جلاله

1 - راجع أسباب النزول للواحدي: 331، المناقب لابن المغازلي: 272، شواهد التنزيل 2: 303، كفاية الطالب:
201، ينابيع المودة: 93، البحار 35: 248.
377

له تحف الرضوان، فيما ذكره في كتاب حدائق الرياض وزهرة المرتاض وزهرة المرتاض عند ذكر شهر
ذي الحجة فقال ما هذا لفظه:
وفى يوم الخامس والعشرين منه نزلت في أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهما
السلام سورة هل أتى، ويستحب صيامه على ما أظهره الله تعالى ذكره من فضل صفوته
وعترة رسوله حجته على خلقه.
أقول: واما صحبة هذا اليوم بحفظ حرمته والعمل في خاتمه، فقد قدمنا في الأيام
المعظمات ما يغنى عن تكراره لمن عرفه.
أقول: وفى السادس والعشرين من ذي الحجة قتل عدو لأهل بيت النبوة عليهم
السلام، وفى اليوم السابع والعشرين منه كان قتل مروان وزوال دولة بنى أمية بالكلية،
فهذا يقتضى ان يكونا يومى سرور وصوم وصلاة شكر وصدقات عند ذوي البصائر
والابصار والعنايات، وهو مذكور وصفة في غير هذه الروايات.
378

الباب الثامن
فيما نذكره مما يتعلق باليوم التاسع والعشرين من ذي الحجة وما يستحب
فيه لأهل الظفر بصواب المحجة
روينا ذلك بإسنادنا إلى شيخنا المفيد رضوان الله جل جلاله عليه من كتاب
حدائق الرياض المشار إليه عند ذكر اليوم التاسع والعشرين من ذي الحجة فقال ما هذا
لفظه: ويستجيب صيامه شكرا لله تعالى لتفريحه عن أوليائه بموت عدوه وعدو رسوله.
أقول: وإذا كان هذا اليوم كما أشار إليه المفيد رحمه الله، فينبغي أن يكون السرور
فيه والعمل لله جل جلاله بمراضيه، والشكر له سبحانه والثناء على بره، على قدر نعمة
هلاك عدوه الذي أشار إلى ذكره، فإن كان عدوا عظيما، فليكن ما يفعله العبد في
مقابلته عظيما جليلا، ويكون الشكر لله جل جلاله جسيما جميلا.
أقول: وما اصحبه هذا اليوم بما يليق به من الاعتراف لله جل جلاله بمنته وكمال
الأوصاف عند خاتمه، فهو أن يكون عدواتك لمن عاد الله جل جلاله لأجله ولمن
عادى رسوله صلوات الله عليه، على قدر ما وضع من محلة، ولمن عدواتك لدنيا فانية
ولا لأغراض واهية، وإذا كان آخر نهار اليوم المذكور فاختمه بالآداب التي قدمناها في
أيام السرور.
379

الباب التاسع
فيما نذكره من عمل آخر يوم ذي الحجة
يصلى ركعتين بفاتحة الكتاب، وعشر دفعات سورة (قل هو الله أحد) وعشر دفعات
آية الكرسي، ثم تدعوا وتقول:
اللهم ما عملت في هذه السنة من عمل، نهيتني عنه ولم ترضه، ونسيته
ولم تنسه، ودعوتني إلى التوبة بعد اجترائي عليك، اللهم فانى استغفرك منه
فاغفر لي، وما عملت من عمل يقربني إليك فاقبله منى، ولا تقطع رجائي
منك يا كريم.
قال: فإذا قلت هذا قال الشيطان: يا ويله ما تعبت فيه هذه السنة هدمه أجمع بهذه
الكلامات وشهدت له السنة له السنة الماضية انه قد ختمها بخير 1.
أقول: ووجدت في بعض الكتب لفظ آخر بعد الصلاة في هذا اليوم وهوان يقول:
اللهم ما عملت في هذه السنة من عمل صالح ووعدتني ان تعطيني عليه
الثواب، فتقبله منى بفضلك وسعة رحمتك، ولا تقطع رجائي، ولا تخيب
دعائي، اللهم وما عملت في هذه السنة مما نهيتني عنه، وتجرأت عليه، فانى
استغفرك لذلك كله فاغفر لي يا غفور.

1 - عنه المستدرك 6: 397.
380

وهذه الرواية دلت على أن أول السنة المحرم، وسوف نذكر ما نرويه في هذه
الأسباب في أول الجزء الثاني من هذا الكتاب ونجمع بين الروايتين على وجه الثواب
إن شاء الله تعالى.
يقول السيد الإمام العالم الفقيه العلامة الفاضل البارع الزاهد العابد، أوحد دهره
وفريد عصره، رضى الدين ركن الاسلام والمسلمين جمال العارفين أفضل السادات عند
الطائفة، ذو الحسين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن الطاووس الحسنى
قدس الله روحه ونور ضريحه:
وحيث رأينا ان قد وصل آخر عمل شهر ذي الحجة إلى هذا المقدار من التصنيف،
ومتى جعلنا كتاب الاقبال جزءا واحدا اضجر بنقل التأليف، جعلنا آخر هذا الجزء
شهر ذي الحجة شهر المسرات والمبرات والبشارات.
ويكون أول الجزء الآخر شهر محرم شهر تشريف أهل السعادة بتأهيله للشهادة
والاظهار للأبرار، ان بذل النفوس والرؤوس عن حمى المالك الجبار من صفات الأخيار
الذين جادوا بالنفوس لواهبها وبالرؤوس في اليقين وايثار رب العالمين بما وهبك وسلمه
إليك قبل ان يخرج عن يديك وتحالب عليه ويفوتك الشرف الذي وصل إليه الباذلون
لما أعطاهم المسعودون في دنياهم وأخراهم.
وهذا آخر ما اجراه الله جل جلاله على خاطري ان أذكره في الجزء الأول من
كتاب الاقبال، ولم يكن له عندي مسودة، بل كنت أملى ما يكون صادرا عن مالك
سرائري في رقاع أو بلساني، وينقله الناسخ في الحال، وما يكون منقولا من الروايات
والكتب المصنفات، تارة امليه من الكتاب الذي هو فيه، وتارة يكتبه الناسخ من
الأصل بألفاظه ومعانيه، والحمد لله جل جلاله كما يريد منا وكما ترضى به عنا.
381