الكتاب: مناقب آل أبي طالب
المؤلف: ابن شهر آشوب
الجزء: ١
الوفاة: ٥٨٨
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: تصحيح وشرح ومقابلة : لجنة من أساتذة النجف الأشرف
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٧٦ - ١٩٥٦ م
المطبعة: الحيدرية - النجف الأشرف
الناشر: المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف
ردمك:
ملاحظات: قام بتصحيحه وشرحه ومقابلته على عدة نسخ مخطوطة لجنة من أساتذة النجف الأشرف

مناقب آل أبي طالب
تأليف
الإمام الحافظ ابن شهرآشوب
مشير الدين أبي عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب
ابن أبي نصر بن أبي حبيشي السروي المازندراني
المتوفى سنة 588 ه‍
قام بتصحيحه وشرحه ومقابلته على عدة نسخ خطية
لجنة من أساتذة النجف الأشرف
الجزء الأول
من ثلاثة أجزاء
قام بطبعه
محمد كاظم الكتبي
صاحب المكتبة والمطبعة الحيدرية
وله حقوق الطبع محفوظة
1376 ه‍ 1956 م
طبع في المطبعة الحيدرية في النجف
1

بسم الله الرحمن الرحيم
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا *
(القرآن الكريم)
2

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي خلقني فهو يهديني، والذي هو يطعمني ويسقيني، وإذا مرضت
فهو يشفيني، والذي يميتني ثم يحييني، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين،
وصلى الله على سيدنا نبيه محمد خاتم النبيين، وعلى أخيه ووصيه وبعل ابنته أمير المؤمنين
وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
قال محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني: لما رأيت كفر العداة والشراة (1)
بأمير المؤمنين، ووجدت الشيعة والسنة فيه مختلفين، وأكثر الناس عن ولاء أهل
البيت ناكصين، وعن ذكرهم هاربين، وفي علومهم طاعنين، ولمحبتهم كارهين،
انتبهت من نومة الغافلين، وصار لي ذلك لطفا إلى كشف الأحوال، والنظر في اختلاف
الأقوال، فإذا هو مما روته العامة من أحاديث مختلفة، وأخبار مضطربة، عن الناكثين
والقاسطين والمارقين والخاذلين والواقفين والضعفاء والمجروحين والخوارج والشاكين
(وما آفة الاخبار إلا رواتها) فإذا هم مجتمعون على إطفاء نور الله تعالى، ألا ترى
أن أزكاهم قد ألقى حديث الخاتم وقصة الغدير وخبر الطير وآية التطهير، وان
أنصفهم قد كنتم حديث الكهف والإجابة والتحف والارتقاء، وان خيرهم قد طعن
في حديث: أنا مدينة العلم، وحديث اللوح، وان أشهرهم قد توقف عن حديث
الوصية وتأويل: يوفون بالنذر ونعم المطية.
فقلت: ان هذا لشئ عجاب، أفبهذا الحديث أنتم مدهنون فماذا بعد الحق إلا
الضلال فأنى تصرفون، ووجدت جماعة يؤولون الاخبار المجمع عليها نحو (إنما وليكم
الله ورسوله)، و: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، و: اني تارك فيكم الثقلين]

(1) الشراة كقضاة هم الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الإمام علي في حرب صفين، وإنما
لزمهم هذا اللقب لزعمهم بأنهم شروا دنياهم بالآخرة التي باعوا.
3

وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وغلوا (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم
الهدى ويستغفروا ربهم)، وجماعة جعلوا مقابل كل حق باطلا، وبإزاء كل مقال
قائلا مثل: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وكان أحب الناس إلى رسول الله
من الرجال علي، ومن النساء فاطمة، وغروا الجاهل بمقالات باطلة (ويجادل الذين
كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق وقد ضلوا ضلالا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل)
وجماعة زادوا في الاخبار أو نقصوا منها نحو: من كنت مولاه فعلي مولاه،
ولا يقولون ما بعده من الدعاء، و: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي
بعدي، ولا يذكرون: ولو كان لكنت، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة،
ولا يروون: وأبوهما خير منهما.
وروى بعضهم (1) عن علي عليه السلام أنه قال لعمر بن الخطاب: أما علمت أن
القلم رفع عن الجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ.
فترك أول الحديث وهو: ان عمرا هم أن يقيم الحد على مجنونة زنت، وترك الخبر
وهو قول عمر: قد كدت أهلك بحد هذه المجنونة (فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه
على الذين يبدلونه).
وجماعة نقلوا مناقبهم إلى غيرهم كحديث سد الأبواب، وصالح المؤمنين، والاسم
المكتوب (2) على العرش، وتسليم جبرئيل.
يروي مناقب فضلها أعداؤها * أبدا ويسندها إلى أضدادها (3)
(الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله أولئك في
ضلال بعيد).
وجماعة يجرحون (4) رواة المناقب ويطعنون في ألفاظها، ويقدحون في معانيها،
ويعدلون الخوارج فيما حملوا من فضائل أعدائهم مما لا يقبلها العقل، ولا يضبطها النقل
إذا ما روى الراوون الف فضيلة * لأصحاب مولانا النبي محمد
يقولون هذا في الصحيحين مثبت * بخط الامامين الحديث فسدد
ومهما روينا في علي فضيلة * يقولون هذا من أحاديث ملحد

(1) هذا الراوي هو البخاري.
(2) روى ذلك: البخاري والواقدي والواحدي.
(3) هذا البيت للسيد الرضي عليه الرحمة.
(4) من هؤلاء الجارحين أبو عمرو الجاحظ الكاتب المشهور.
4

(سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب مما كانوا يصدفون).
وجماعة يذكرون أكثر المناقب مثل حديث الحباب (1) والثعبان والأسد
والجان (2) والسفرجل (3) والرمان، فيقولون: هذا إفك قديم وبهتان عظيم.
إذا في مجلس ذكروا عليا * وسبطيه وفاطمة الزكية
يقول الحاضرون ذروا فهذا * سقيم من حديث الرافضية
(ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله).
وجماعة جعلت الأمة من آل محمد والصحابة من العترة (4) والنساء من أهل البيت
وأنكرت (5) أن يكون أولاد الرسول ذريته وآله. قال الباقر عليه السلام: (فبدل
الذين ظلموا) في آل محمد (قولا غير الذي قيل لهم) وذلة العالم كانكسار السفينة تغرق
وتغرق معها غيرها بل إذا زل العالم يزل بزلته العالم.
وجماعة من السفساف حملهم العناد على أن قالوا: كان أبو بكر أشجع من علي،
وان مرحبا قتله محمد بن مسلمة، وان ذا الثدية (6) قتل بمصر، وان في أداء سورة
براءة كان أبو بكر أميرا على علي، وربما قالوا: قراها أنس بن مالك، وان محسنا ولدته
فاطمة في زمن النبي صلى الله عليه وآله سقطا، وان النبي قال (7): ان بني هشام بن المغيرة
استأذنونني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم إلا أن يريد ابن أبي طالب
أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، وان صدقة النبي كانت بيد علي والعباس فمنعها علي
عباسا فغلبه عليها (ومن ركب الباطل زلت قدمه وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم
عن السبيل وما كانوا مستبصرين).
وجماعة جاهروهم بالعداوة، كما طعن النظام في أحكامه عليه السلام في كتابيه:
الفتيا والنكت. وكقول الجاحظ: ليس ايمان علي بايمان لأنه آمن وهو صبي ولا
شجاعته بشجاعة لان النبي قد أخبره انه يقتله ابن ملجم. ونسبه جماعة إلى أن
حروبه كانت خطأ وانه قتل المسلمين عمدا. وقول هشيم: كان لعلي ولد صغار

(1) يروي ذلك أبو داود السجستاني.
(2) يشير إلى هذا أحمد بن حنبل.
(3) يريد بذلك الراوية المعروف ابن شاهين.
(4) ممن قال بذلك عكرم المفسر.
(5) ممن أنكر ذلك الحجاج بن يوسف والي الأموريين على العراق وقد شدد النكير على آل لرسول؟
(6) في القاموس: ذو الثدية كسنية لقب عمرو بن عبد ود قتيل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
(7) ذكر ذلك البخاري وابن شاهين.
5

وقد قتل الحسن (ع) ابن ملجم ولم ينتظر به. وقول القتبي: أول خارجي في
الاسلام الحسين (ع) (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال بعيد).
ولعمري ان هذا لأمر عظيم، وخطب في الاسلام جسيم، بل هو كما قال الله
تعالى: (ان هذا لهو الضلال المبين)، فصار الغوغاء يزعقون على المحدثين والمذكرين
في ذكرهم عليا عليه السلام حتى قال الشاعر:
إذا ما ذكرنا من علي فضيلة * رمينا بزنديق وبغض أبي بكر
وقال الآخر:
وان قلت عينا من علي تغامزوا * علي وقالوا قد سببت معاوية
(أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم).
وبقي علماء الشيعة في أمورهم تائهين، وعلى أنفسهم خائفين، وفي الزوايا
منحجرين، بل حالهم كحال الأنبياء والمرسلين، كما حكى الله تعالى عن الكافرين:
(لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين * لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين *
لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا * وقال الذين
كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا). فقلت: (اهدنا
الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين). فعلى
من يعتمد، والى رواية من يستند، فالكف عند حيرة الضلال خير من ركوب
الأهوال، ولا خير في قوم ليسوا بناصحين ولا يحبون الناصحين، ولا خير في
الكذابين، ولا العلماء الأفاكين، لقد قل من يوثق به، وعز من يؤخذ عنه.
فنظرت بعين الانصاف، ورفضت مذهب التعصب في الخلاف، وكتبت على
نفسي ان أميز الشبهة من الحجة، والبدعة من السنة، وأفرق بين الصحيح والسقيم،
والحديث والقديم، واعرف الحق من الباطل، والمفضول من الفاضل، وأنصر الحق
وأتبعه، وأقهر الباطل وأقمعه، وأظهر ما كتموا، وأجمع ما فرقوا، وأذكر ما أجمعوا
عليه واختلفوا فيه، على ما أدته الرواية، وأشير إلى ما رواه الخاصة (أفمن أسس
بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار
به في نار جهنم) فاستصوبت من عيون كتب العامة والخاصة معا لأنه إذا اتفق
المتضادان في النقل على خبر فالخبر حاكم عليهما، وشاهد للمحق في اعتقاده منهما،
وإذا اعتقدت فرقة خلاف ماروت ودانت بضد ما نقلت وأخبرت، فقد أخطأت،
وإلا فلم يروي الانسان ما هو كذب عنده؟ ويشهد بما يعتقد فيه ضده؟ وكيف
6

وكيف يعترف بما يحتج به خصمه، ويسطر ما يخالفه علمه! ولا عجب في رواياتهم مما
هو حجة عليهم (1) فقد أنطقهم الله الذي أنطق كل شئ، وإن كان الشيطان يثبت
غروره فقد يأبى الله إلا أن يتم نوره.
فوفقت في جمع هذا الكتاب، مع اني أقول: مالي وللتصنيف والتأليف، مع قلة
البضاعة، وعظم شأن هذه الصناعة، إلا انني في ذلك بمنزلة رجل وجد جوهرا
منثورا، فاتخذ له عقدا منظوما، وكم دنف نجا، وصحيح هوى، وربما أصاب
الأعمى قصده، وأخطأ البصير رشده. وذلك بعد ما أذن لي جماعة من أهل العلم
والديانة بالسماع والقراءة والمناولة والمكاتبة والإجازة، فصحت لي الرواية عنهم بأن
أقول: حدثني، وأخبرني، وأنبأني، وسمعت، واعترف لي بأنه سمعه ورواه كما
قرأته وناولني من طرق الخاصة.
وأما طرق العامة
فقد صح لنا اسناد البخاري عن أبي عبد الله محمد بن الفضل الصاعد الفراري (2)
وعن أبي عثمان سعيد بن عبد الله العيار الصعلوكي، وعن الخبازي، كلهم عن أبي الهيثم
الكشميهني (3) عن أبي عبد الله محمد الفريري عن محمد بن إسماعيل بن المغيرة البخاري،
وعن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجري عن الداودي عن السرخسي عن
الفريري عن البخاري.
اسناد مسلم عن الفراري عن أبي الحسين عبد الغافر الفارسي النيسابوري عن أبي أحمد
محمد بن عمرويه الجلودي عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه عن أبي الحسين مسلم بن
حجاج النيسابوري (4).
اسناد الترمذي عن أبي سعيد محمد بن أحمد الصفار الأصفهاني عن أبي القاسم الخزاعي
عن أبي سعيد بن كليب الشاشي عن أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (5).

(1) نقل عن البخاري أنه قال: صنفت كتاب الصحيح بست عشرة سنة خرجته من ستمائة
الف حديث وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى، وقد توفي البخاري سنة ست وخمسين ومائتين ه‍
(2) نسبة إلى بلد بخراسان.
(3) كشميهنة: بضم الكاف وكسر الميم وفتح الهاء قرية من قرى مرو.
(4) أبو الحسين مسلم بن حجاج القشيري النيسابوري توفي سنة 161 ه‍.
(5) أبو عيسى محمد بن السلمي الترمذي كان من تلامذة البخاري توفي بترمذ سنة 179 ه‍.
7

اسناد الدارقطني (1) عن أبي بكر محمد بن علي بن محمد بن ياسر الجبائي عن المنصوري
عن أبي الحسن المهراني عن أبي الحسن علي بن مهدي الدارقطني.
اسناد معرفة أصول الحديث عن عبد اللطيف بن أبي سعيد البغدادي الأصفهاني
عن أبي علي الحداد عن الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري ابن البيع.
اسناد الموطأ عن القعنبي وعن معن عن يحيى بن يحيى من طريق محمد بن الحسن عن
مالك بن أنس (2).
اسناد مسند أبي حنيفة (3) عن أبي القاسم بن صفوان الموصلي عن أحمد بن طوق
عن نصر بن المرجى عن أبي القاسم الشاهد العدل البغار.
اسناد مسند الشافعي عن الجياني عن أبي القاسم الصوفي عن محمد بن علي الساوي
عن أبي العباس الأصم عن الربيع عن محمد بن إدريس (4) الشافعي.
اسناد مسند أحمد والفضائل عن أبي سعد بن عبد الله الدجاجي عن الحسن بن علي
المذهب عن أبي بكر بن مالك القطيفي عن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل (5) عن أبيه
اسناد مسند أبى يعلى عن أبي القاسم الشحامي عن أبي سعيد الكنجرودي عن أبي
عمرو الحيري عن أبي يعلى أحمد بن المثنى الموصلي.
اسناد تاريخ الخطيب عن عبد الرحمن بن بهريق القزاز البغدادي عن الخطيب
أبى بكر ثابت البغدادي.
اسناد تاريخ النسوي عن أبي عبد الله المالكي عن محمد بن الحسين بن الفضل القطان
عن درستويه النحوي عن يعقوب بن صفوان النسوي.
اسناد تاريخ الطبري عن القطيفي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عمرو بن محمد
باسناده عن محمد بن جرير بن بريد الطبري.
" مناقب ج 1، م 1 "

(1) الدارقطني نسبة إلى محلة ببغداد، توفي في شهر ذي الحجة سنة 385 ه‍.
(2) مالك بن أنس الأصبحي المدني، وقيل: القرشي التميمي صاحب كتاب الموطأ في الفقه
وأحد الأئمة الأربع توفي في شهر ربيع الأول سنة 179 ه‍ بعد أن عاش أربعا وثمانين ودفن في البقيع
(3) أبو حنيفة النعمان بن ثابت أحد الأئمة الأربع أصله من فارس توفي سنة 150 ه‍
ببغداد وله سبعون سنة.
(4) محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن الشافع المطلبي أحد الأئمة ومجدد المذهب على
رأس المائتين ولد يوم وفاة أبي حنيفة ومات سنة 204 ه‍ وله أربع وخمسون سنة.
(5) أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي نزيل بغداد وأحد الأربع، توفي سنة 241 ه‍
وله من العمر 77 سنة ودفن ببغداد.
8

وهذا اسناد تاريخ أبي الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري.
اسناد تاريخ علي بن مجاهد عن القطيفي عن السلمي عن أبي الحسن علي بن محمد
دلوية (1) القنطري عن المأمون بن أحمد عن عبد الرحمن بن محمد الدجاج عن ابن
جريح عن مجاهد.
اسناد تاريخي أبي علي الحسن البيهقي السلامي وأبي علي مسلويه عن أبي منصور
محمد بن حفدة العطاري الطوسي عن الخطيب أبي زكريا التبريزي باسناده إليهما.
اسناد كتابي المبتدأ عن وهب بن منبه اليماني عن أبي حذيفة حدثنا القطيفي عن
الثعلبي عن محمد بن الحسن الأزهري عن الحسن بن محمد العبدي عن عبد المنعم بن
إدريس عنهما.
اسناد الأغاني عن الفصيحي عن عبد القاهر الجرجاني عن عبد الله بن حامد عن محمد
ابن محمد عن علي بن عبد العزيز اليماني عن أبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني. وهذا
اسناد فتوح الأعثم الكوفي.
اسناد سنن السجستاني عن أبي الحسن الأبنوسي عن أبي العباس بن علي التستري
عن الهاشمي عن اللؤلؤي عن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني.
اسناد سنن اللالكائي (2) عن أبي بكر أحمد بن علي الطرثيثى عن أبي القاسم
هبة الله بن المحسن الطبري اللالكائي.
اسناد سنن ابن ماجة عن ابن الناصر البغدادي عن المقري (3) القزويني عن ابن أبي
طلحة (4) بن المنذر عن أبي الحسن القطان عن أبي عبد الله الرقي عن أبي القاسم
ابن أحمد الخزاعي عن الهيثم بن كليب الشاشي عن أبي عيسى الترمذي. وهذا اسناد شرف المصطفى عن أبي سعيد الخركوشي.
اسناد حلية الأولياء عن عبد اللطيف الأصفهاني عن أبي علي الحداد عن أبي نعيم
اسناد احياء علوم الدين عن أحمد بن محمد الغزالي عن أخيه أبى حامد محمد بن محمد
ابن محمد الغزالي الطوسي.

(1) كذا في الأصل والظاهر أن العبادة هكذا عن دلوية. قال ابن حجر في التقريب: دلوية
لقب زياد بن أيوب الطوسي وكان يغضب من اللقب ثقة حافظ من العاشرة توفي سنة 252 ه‍.
(2) اللالكائي بهمزة في الآخر، هو أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الرازي الطبري
(3) في نسخة: عن المقرمي.
(4) في نسخة: عن أبي طلحة.
9

اسناد العقد عن محمد بن منصور السرخسي عمن رواه عن ابن عبد ربه الأندلسي.
اسناد فضائل السمعاني عن شهرآشوب بن أبي نصر بن أبي الجيش السروي جدي
عن أبي المظفر عبد الملك السمعاني.
اسناد فضائل ابن شاهين عن أبي عمرو الصوفي عن القاضي عن أبي محمد المرندي
عن أبي حفص عمر بن شاهين المروزي.
اسناد فضائل الزعفراني عن يوسف بن آدم المراغي مسندا إلى محمد بن
الصباح الزعفراني.
اسناد فضائل العكبري عن أبي منصور ما شادة الأصفهاني (1) عن مشيخته عن
عبد الملك بن عيسى العكبري (2).
اسناد مناقب ابن شاهين عن المنتهى بن أبي زيد بن كبابكي الجثنى (3) الجرجاني
عن الأجل المرتضى الموسوي عن المصنف.
اسناد مناقب ابن مردويه عن الأديب أبي العلا عن أبيه أبى الفضل الحسن بن
زيد عن أبي بكر مردويه الأصفهاني.
اسناد أمالي الحاكم عن المهدي بن أبي جرب الحسني الجرجاني عن الحاكم النيسابوري
اسناد مجموع ابن عقدة أبى العباس أحمد بن محمد. ومعجم أبى القاسم سليمان بن
أحمد الطبراني بحق روايتي عن أبي العلاء العطار الهمداني باسناده عنهما.
اسناد الوسيط وكتاب الأسباب والنزول عن أبي الفضائل محمد اليهيني عن أبي الحسن
علي بن أحمد الواحدي.
اسناد معرفة الصحابة عن عبد اللطيف البغدادي عن والده أبي سعيد عن أبي يحيى
ابن منده عن والده.
اسناد دلائل النبوة والجامع عن الحسين بن عبد الله المروزي عن أبي النصر
العاصمي عن أبي العباس البغوي عن أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي.
اسناد أحاديث علي بن أحمد الجوهري وأحاديث شعبة بن الحجاج عن محمد البغوي
عن الحراجي (4) عن المحبوي عن ابن عيسى عمن رواها منهما.
اسناد المغازي عن الكرماني عن أبي الحسن القدوسي عن الحسين بن صديق

(1) في نسخة: عن ما شاذة بالذال المعجمة.
(2) نسبة إلى عكبرى بالضم قرية بالقرب من سامراء.
(3) في نسخة: الحسني.
(4) في نسخة: الجراجي.
10

الزورعنجي عن محمد بن إسحاق الواقدي.
اسناد البيان والتبيين والغرة والفتيا عن الكرماني عن أبي سهل الأنماطي عن أحمد
ابن محمد عن أبي عبد الله بن محمد الخازن عن علي بن موسى القمي عن عمرو بن بحر
الجاحظ (1)
اسناد غريب القرآن عن القطيفي عن أبيه عن أبي بكر محمد بن عزيز العزيزي
السجستاني.
اسناد شوف العروس عن القاضي عزيزي عن أبي عبد الله الدامغاني.
اسناد عيون المجالس عن القطيفي عن أبي عبد الله طاهر بن محمد بن أحمد الخربلوي.
اسناد المعارف، وعيون الأخبار، وغريب الحديث، وغريب القرآن، عن
الكرماني عن أبيه عن جده عن محمد بن يعقوب عن أبي بكر المالكي عن عبد الله بن
مسلم بن قتيبة.
اسناد غريب الحديث عن القطيفي عن السلمي عن أبي محمد دعلج عن أبي عبد القاسم
ابن سلام. وهذا اسناد كامل أبى العباس المبرد (2).
اسناد نزهة القلوب عن الفطيفي وشهرآشوب جدي كليهما عن أبي إسحاق الثعلبي.
اسناد أعلام النبوة عن عمر بن حمزة العلوي الكوفي عمن رواه عن القاضي
أبى الحسن الماوردي.
اسناد الإبانة، وكتاب اللوامع عن مهدي بن أبي حرب الحسني (3) عن أبي سعيد
أحمد بن عبد الملك الخركوشي.
اسناد دلائل النبوة، وكتاب جوامع الكلم عن عبد العزيز عن أحمد الحلواني عن أبي
الحسن بن محمد الفارسي عن أبي بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي (4).
اسناد نزهة الابصار عن شهرآشوب عن القاضي أبى المحاسن الرؤياني عن أبي الحسن

(1) جاء لقب الجاحظ لما كان عليه من جحوظ العينين أي نتوؤهما، والى الجاحظ تنسب
الجاحظية فرقة من المعتزلة تقول بما قال الجاحظ، توفي بالبصرة سنة 255 وله مؤلفات أدية مشهورة
ولقب بأمير البيان العربي.
(2) أبو العباس محمد بن يزيد المبرد " بصيغة اسم الفاعل " الأديب الراوية المعروف توفى
سنة 285 ه‍.
(3) في نسخة: الحسيني.
(4) الشاشي نسبة إلى شاش بلد بما وراء النهر، وهذا اصطلاح جغرافي قديم يراد به
بلاد تركستان.
11

علي بن مهدي المامطيري.
اسناد المحاضرات من باب المفردات عن الهيثم الشاشي عن القاضي عزيزي عن أبي
بكر بن علي الخزاعي عن أبي القاسم الراغب الأصفهاني.
اسناد الإبانة عن الفراري (1) عن أبي عبد الله الجوهري عن القطيفي عن عبد الله
بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن أبي عبد الله محمد بن بطة العكبري،
اسناد قوت القلوب عن القطيفي عن أبيه عن أبي القاسم الحسن بن محمد عن أبي يعقوب
يوسف بن منصور السياري.
اسناد الترغيب والترهيب عن أبي العباس أحمد الأصفهاني عن أبي القاسم الأصفهاني
اسناد كتاب أبى الحسن المدائني عن القطيفي عن أبي بكر محمد بن عمر بن حمدان
عن إبراهيم بن محمد بن سعيد النحوي.
اسناد الدارمي، واعتقاد أهل السنة عن أبي حامد محمد بن محمد عن زيد بن حمدان
المنوجهري عن علي بن عبد العزيز الأشنهي. وحدثني محمود بن عمر الزمخشري
بكتاب الكشف، والفايق، وربيع الأبرار. وأخبرني الكباشين (2).
وغير شهردار الديلمي بالفردوس، وأنبأني أبو العلاء العطار الهمداني بزاد
المسافر، وكاتبني الموفق بن أحمد المكي خطيب خوارزم بالأربعين، وروى لي القاضي
أبو السعادات الفضائل، وناولني أبو عبد الله محمد بن أحمد النطنزي الخصائص
العلوية، وأجاز لي أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي رواية كتاب ما نزل من القرآن
في علي وكثيرا ما استند إلي أبى العزيز كلاش (3) العكبري، وأبى الحسن العاصمي
الخوارزمي، ويحيى بن سعدون القرطي وأشباههم.
أسانيد التفاسير
واما أسانيد التفاسير والمعاني فقد ذكرتها في الأسباب والتزول وهي:
تفسير البصري، والطبري، والقشيري، والزمخشري، والجبائي، والطائي،
والسدي، والواقدي، والواحدي، والماوردي: والكلبي، والثعلبي، والوالبي،
وقتادة، والقرطي، ومجاهد، والخركوشي، وعطاء بن رباح، وعطاء الخراساني،

(1) في نسخة: الفزاري.
(2) في نسخة: الكباشني ولعل هذا هو الصحيح.
(3) في نسخة: كادش.
12

ووكيع، وابن جريح، وعكرمة، والنقاشي، وأبى العالية، والضحاك، وابن
عيينة، وأبى صالح، ومقاتل، والقطان، والسمان، ويعقوب بن سفيان، والأصم،
والزجاج، والفراء، وأبي عبيد وأبى العباس، والنجاشي، والدمياطي، والعوفي،
والنهدي، والثمالي، وابن فودك، وابن حبيب.
أسانيد كتب الشيعة
فاما أسانيد كتب أصحابنا فأكثرها عن الشيخ أبى جعفر الطوسي حدثنا بذلك
أبو الفضل الداعي بن علي الحسيني السروي، وأبو الرضا فضل الله بن علي الحسيني
القاشاني، و عبد الجليل بن عيسى بن عبد الوهاب الرازي، وأبو الفتوح الحسين بن
علي بن محمد الرازي، ومحمد وعلي ابنا علي بن عبد الصمد النيسابوري، ومحمد بن
الحسن الشوهاني، وأبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، وأبو جعفر
محمد بن علي بن الحسن الحلبي، ومسعود بن علي الصوابي، والحسين بن أحمد بن
طحال المقدادي، وعلي بن شهرآشوب السروي والدي، كلهم عن الشيخين المفيدين
أبى علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي، وأبى الوفا عبد الجبار بن علي المقرى
الرازي عنه. وحدثنا أيضا المنتهى بن أبي زيد بن كبابكي الحسيني الجرجاني، ومحمد
ابن الحسن الفتال النيسابوري، وجدى شهرآشوب عنه أيضا سماعا وقراءة ومناولة
وإجازة بأكثر كتبه ورواياته.
وأما أسانيد كتب الشريفين المرتضى والرضي ورواياتهما فعن السيد أبى الصمصام
ذي الفقار بن معبد الحسني المروزي عن أبي عبد الله محمد بن علي الحلواني عنهما،
وبحق روايتي عن السيد المنتهى عن أبيه أبي زيد، وعن محمد بن علي القتال الفارسي
عن أبيه الحسن كليهما عن المرتضى، وقد سمع المنتهى والفتال بقراءة أبويهما عليه
أيضا، وما سمعنا من القاضي الحسن الاسترآبادي عن ابن المعافى بن قدامة عنه أيضا،
وما صح لنا من طريق الشيخ أبي جعفر عنه، وروى السعيد المنتهى عن أبيه عن
الشريف الرضي.
واما أسانيد كتب الشيخ المفيد فعن أبي جعفر وأبي القاسم اني كميح عن أبيه
عن ابن البراج عن الشيخ، ومن طرق أبي جعفر الطوسي أيضا عنه.
واما أسانيد كتب أبي جعفر بن بابويه عن محمد وعلي ابني علي بن عبد الصمد
عن أبيهما عن أبي البركات علي بن الحسين الحسيني الخوزي عنه، وكذلك من
13

روايات أبي جعفر الطوسي.
واما أسانيد كتب ابن شاذان، وابن فضال، وابن الوليد، وابن الحاشر،
وعلي بن إبراهيم، والحسن بن حمزة، والكليني، والصفواني، والعبدكي، والفلكي
وغيرهم، فهو على ما نص عليها أبو جعفر الطوسي في الفهرست، وحدثني الفتال
بالتنوير في معاني التفسير وبكتاب روضة الواعظين وبصيرة المتعظين، وأنبأني
الطبرسي بمجمع البيان لعلوم القرآن وبكتاب إعلام الورى بأعلام الهدى، وأجاز لي
أبو الفتوح رواية روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن، وناولني أبو الحسن
البيهقي حلية الاشراف، وقد أذن لي الآمدي في رواية غرر الحكم. ووجدت بخط
أبي طالب الطبرسي كتاب الاحتجاج.
وذلك مما يكثر تعداده ولا يحتاج إلى ذكره لاجتماعهم عليه، وما هذا إلا جزء
من كل ولا أنا علم الله تعالى إلا معترف بالعجز والتقصير كما قال أبو الجوائز:
رويت وما رويت من الرواية * وكيف وما انتهيت إلى نهاية
وللأعمال غايات تناهى * وان طالت وما للعلم غاية
وقد قصدت في هذا الكتاب من الاختصار، على متون الاخبار، وعدلت عن
الإطالة والاكثار، والاحتجاج من الظواهر والاستدلال على فحواها ومعناها،
وحذفت أسانيدها لشهرتها ولإشارتي إلى رواتها وطرقها والكتب المنتزعة منها،
لتخرج بذلك عن حد المراسيل وتلحق بباب المسندات.
وربما تتداخل الاخبار بعضها في بعض أو تختصر منها موضع الحاجة أو تختار
ما هو أقل لفظا أو جاءت غريبة من مظان بعيدة أو وردت مفردة محتاجة إلى التأويل
فمنها ما وافقه القرآن، ومنها ما رواه خلق كثير حتى صار علما ضروريا يلزمهم العمل
به، ومنها ما بقيت آثارها رؤية أو سمعا، ومنها ما نطقت به نالشعراء والشعرورة (1)
لتبذلها، فظهرت مناقب أهل البيت عليهم السلام باجماع موافقيهم وإجماعهم حجة على
ما ذكر في غير موضع، واشتهرت على ألسنة مخالفيهم على وجه الاضطرار ولا يقدرون
على الانكار، على ما أنطق الله به رواتهم وأجراها على أفواه ثقاتهم، مع تواتر الشيعة
بها وذلك خرق العادة وعظة لمن تذكر، فصارت الشيعة موفقة لما نقلته ميسرة،
والناصبة مخيبة فيما حملته مسخرة لنقل هذه الفرقة ما هو دليل لها في دينها وحمل تلك
ما هو حجة لخصمها دونها وهذا كاف لمن (ألقى السمع وهو شهيد) وان هذا

(1) شعرورة بالضم مصغر شاعر.
14

لهو البلاء المبين وتذكرة للمتذكرين ولطف من الله تعالى للعالمين.
ثم وشحت هذه الأخبار بشواهد الاشعار وتوجتها بالآيات فرحم الله امرءا اعتبر
وأحسن لنفسه النظر، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ولان تكون
تابعا في الخير خير من أن تكون متبوعا للشر، وخير العمل ما أصلحت به رشادك
وشره ما أفسدت به معادك، وافتتحت ذلك بذكر سيد الأنبياء والمرسلين، ثم بذكر
الأئمة الصادقين، وختمته بذكر الصحابة والتابعين وسميته ب‍ (مناقب آل أبي طالب)
ونظمته للمعاد لا للمعاش وادخرته للدين لا للدنيا، فأسأل الله تعالى ان يجعله سبب
نجاتي وحط سيئاتي ورفع درجاتي انه سميع مجيب.
15

باب ذكر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله
فصل: في البشائر بنبوته
منها بشائر موسى في السفر الأول، وبشائر إبراهيم في السفر الثاني الثاني وفي السفر
الخامس عشر، وفي الثالث والخمسين من مزامير داود، ومنها بشائر عويبنا (1)
وحيقوق وحزقيل ودانيال وشيعا. وقال داود في زبوره: اللهم ابعث مقيم السنة
بعد الفترة، وقال عيسى في الإنجيل: ان البر ذاهب والبار قليطا جاء من بعده و هو
يخفف الآصار ويفسر كلم كل شئ ويشهد لي كما شهدت له انا جئتكم بالأمثال وهو
يأتيكم بالتأويل.
وكان كعب بن لوى بن غالب يجتمع إليه الناس في كل جمعة وكانوا يسمونها
عروبة فسماه كعب يوم الجمعة وكان يخطب فيه الناس ويذكر فيه خبر النبي آخر
خطبته كلما خطب، وبين موته والفيل خمسمائة وعشرون سنة فقال: أم والله لو
كنت فيها ذا سمع وبصر ويد ورجل لتنصبت فيها تنصب الجمل ولأرقلت فيها
ارقال (2) الفحل، ثم قال:
يا ليتني شاهد فحواي دعوته * حين العشيرة تبغي الحق خذلانا
محمد بن إسحاق: ان زيد بن عمرو بن نفيل ضرب في الأرض يطلب الدين
الحنيف فقال له راهب بالشام: انك لتسأل عن دين ذهب من كان يعرفه ولكنك
قد أظلك خروج نبي يأتي ملة إبراهيم الحنيفية وهذا زمانه، فخرج سريعا حتى إذا
كان بأرض لخم عهدوا عليه فقتلوه، وقال النبي صلى الله عليه وآله: زيد بن عمرو يبعث أمة
وحده. ورثاه ورقة بن نوفل:
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما * تجنبت تنورا من الله حاميا
بدينك ربا ليس رب كمثله * وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وقد تدرك الانسان رحمة ربه * ولو كان تحت الأرض ستين واديا
" مناقب ج 1، م 2 "

(1) في نسخة: عويديا بن البرة.
(2) الارقال: الاسراع.
16

وكان تبع الأول من الخمسة التي كانت لهم الدنيا بأسرها فسار في الآفاق وكان
يختار من كل بلدة عشرة أنفس من حكمائهم، فلما وصل إلى مكة كان معه أربعة
آلاف رجل من العلماء فلم يعظمه أهل مكة فغضب عليهم وقال لوزيره عميا ريسا في
ذلك فقال الوزير: انهم جاهلون ويعجبون بهذا البيت، فعزم الملك في نفسه أن يخربها
ويقتل أهلها فأخذه الله بالصدام (1) وفتح من عينيه واذنيه وأنفه وفمه ماء منتنا
عجزت الأطباء عنه وقالوا: هذا أمر سماوي، وتفرقوا.
فلما أمسى جاء عالم إلى وزيره وأسر إليه: إن صدق الأمير بنيته عالجته، فاستأذن
الوزير له فلما خلا به قال له: هل أنت نويت في هذا البيت أمرا؟ قال: كذا وكذا
فقال العالم: تب من ذلك ولك خير الدنيا والآخرة، فقال: قد تبت مما كنت نويت
فعوفي في الساعة فآمن بالله وبإبراهيم الخليل، وخلع على الكعبة سبعة أثواب، وهو
أول من؟؟ الكعبة، وخرج إلى يثرب ويثرب هي أرض فيها عين ماء، فاعتزل
من بين أربعة آلاف رجل عالم أربعمائة رجل عالم على أنهم يسكنون فيها وجاؤا إلى
باب الملك وقالوا: انا خرجنا من بلداننا وطفنا مع الملك زمانا وجئنا إلى هذا المقام إلى
أن نموت فيه، فقال الوزير: ما الحكمة في ذلك؟ قالوا: اعلم أيها الوزير ان شرف هذا
البيت بشرف محمد صاحب القرآن والقبلة واللواء والمنبر مولده بمكة وهجرته إلى ههنا
وانا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا، فلما سمع الملك ذلك تفكر أن يقيم معهم
سنة رجاء أن يدرك محمدا، وأمر أن يبنوا أربعمائة دار لكل واحد دارا وزوج كل
واحد منهم بجارية معتقة وأعطى لكل واحد منهم مالا جزيلا.
ابن بابويه في كتاب النبوة أنه قال أبو عبد الله (ع): ان تبعا (2) قال للأوس
والخزرج: كونوا ههنا حتى يخرج هذا النبي اما أنا لو أدركته لخدمته ولخرجت
معه. وروي أنه قال:
قالوا بمكة بيت مال داثر * وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد
بادرت أمرا حال ربي دونه * والله يدفع عن خراب المسجد
فتركت فيه من رجالي عصبة * نجبا ذوي حسب ورب محمد
وكتب كتابا إلى النبي عليه السلام يذكر فيه إيمانه وإسلامه وانه من أمته

(1) الصدام بالكسر داء في رؤس الدواب، ولا يضم وإن كان هو القياس.
(2) تبع: جمعه تبابعة، يقال ذلك لملوك اليمن، ولا يسمى به الا إذا كانت له حمير
وحضر موت.
17

فليجعله تحت شفاعته وعنوان الكتاب: إلى محمد بن عبد الله خاتم النبيين ورسول رب
العالمين من تبع الأول. ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصح له ثم خرج منه وسار
حتى مات بغلسان بلد من بلاد الهند. وكان بين موته ومولد النبي صلى الله عليه وآله الف سنة.
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله لما بعث وآمن به أكثر أهل المدينة أنفذوا الكتاب إليه على يد
أبي ليلى فوجد النبي صلى الله عليه وآله في قبيلة بني سليم فعرفه رسول الله فقال له: أنت أبو ليلى؟
قال: نعم، قال: كتاب تبع الأول؟ فتحير الرجل فقال صلى الله عليه وآله: هات الكتاب،
فأخرجه ودفعه إلى رسول الله فدفعه النبي إلى علي بن أبي طالب فقرأه عليه، فلما
سمع النبي صلى الله عليه وآله كلام تبع قال: مرحبا بالأخ الصالح، ثلاث مرات، وأمر أبا ليلى
بالرجوع إلى المدينة.
اكمال الدين (1) عن ابن بابويه وروضة الواعظين عن محمد الفتال انه كان عند تربة
النبي جماعة فسأل أمير المؤمنين سلمان عن مبدأ أمره فقال: كنت من أبناء الدهاقين
بشيراز وكنت عزيزا على والدي فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا بصومعة وإذا
فيها رجل ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله،
فرصف حب محمد في لحمي ودمي فلما انصرفت إلى منزلي إذا أنا بكتاب معلق من
السقف فسألت أمي عنه فقالت: لا نقربه فإنه يقتلك أبوك. فلما جن الليل اخذت
الكتاب فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله إلى آدم انه خالق من صلبه
نبيا يقال له محمد يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن عبادة الأوثان ياروز به أنت وصي
عيسى فآمن واترك المجوسية قال: فصعقت صعقة فأخذني أبي وأمي وجعلاني في بئر
عتيقة وقالا: ان رجعت وإلا قتلناك وضيقوا علي الأكل والشرب فلما طال أمري
دعوت الله بحق محمد ووصيه أن يريحني مما أنا فيه فأتاني آت عليه ثياب بيض فقال:
قم يا روزبه، فأخذ بيدي وأتي بي الصومعة فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى
روح الله وأن محمدا حبيب الله، فقال الديراني: يا روزبه اصعد، فصعدت إليه فخدمته
حولين فقال: اني ميت أوصيك براهب أنطاكية فاقرأه مني السلام وادفع إليه هذا
اللوح وناولني لوحا، فلما فرغت من دفنه أتيت الصومعة وقلت: أشهد أن لا إله إلا
الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله، فقال: اصعد يا روزبه، فصعدت إليه
فخدمته حولين فقال: اني ميت، قلت: على من تخلفني؟ فقال: لا أعرف أحدا يقول

(1) هذا تلخيص لما ذكره الشيخ الصدوق رحمه الله والألفاظ هنا ليست بأعيانها بل
بعضها منقول بمعانيه فليقتصر على ما في الكتاب.
18

بمقالتي هذه في الدنيا وأن ولادة محمد قد حانت فإذا أتيته فاقرأه مني السلام وادفع
إليه هذا اللوح، فلما فرغت من دفنه صحبت قوما لما أرادوا أن يأكلوا شدوا على
شاة فقتلوها بالضرب ثم جعلوا بعضها كبابا وبعضها شواءا فامتنعت من الاكل فقالوا
كل، فقلت: اني غلام ديراني وان الديرانيين لا يأكلون اللحم فضربوني وكادوا
يقتلونني، فقال بعضهم: امسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم فإنه لا يشرب فلما أتوا
بالشراب قالوا: تشرب؟ فقلت مثل ذلك فضربوني وكادوا يقتلونني، فأقررت لواحد
منهم بالعبودية فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي فسألني عن قصتي
فأخبرته وقلت له: ليس لي ذنب سوى حبي محمدا ووصيه، فقال اليهودي: واني
لأبغضك وأبغض محمدا، ثم أخرجني إلى باب داره وإذا رمل كثير فقال: والله لئن
أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لأقتلنك، قال: فجعلت أحمل طول
ليلي فلما أجهدني التعب سألت الله تعالى الراحة منه فبعث الله ريحا فنقلت ذلك الرمل
فلما أصبح نظر إلى الرمل فقال: أنت ساحر قد خفت منك، فباعني من امرأة سلمية
لها حائط فقالت: افعل بهذا الحائط ما شئت، فكنت فيه فإذا أنا بسبعة رهط تظلهم
غمامة فلما دخلوا كان رسول الله وأمير المؤمنين وأبو ذر والمقداد وعقيل وحمزة
وزيد فأوردتهم طبقا من رطب فقلت: هذه صدقة، فقال النبي صلى الله عليه وآله: كلوا،
وأمسك رسول الله وأمير المؤمنين ووضعت طبقا آخر فقلت: هذه هدية، فمد يده
وقال: بسم الله كلوا، فقلت في نفسي: بدت ثلاث علامات، وكنت أدور خلفه
إذ التفت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا روزبه تطلب خاتم النبوة وكشف
عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه عليه شعرات فسقطت على قدميه
اقبلها فقال لي: ادخل على هذه المرأة وقل لها يقول لك محمد بن عبد بيعينا هذا الغلام
فلما أخبرتها قالت: قل له لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة مائتي نخلة صفراء ومائتي نخلة
حمراء، فأخبرته بذلك فقال: ما أهون ما سألت قم يا علي واجمع هذا النوى كله فأخذه
وغرسه ثم قال: اسقه، فسقاه فلما بلغ آخره خرج النخل ولحق بعضه بعضا فقال
قل لها خذي شيئا وادفعي الينا شيئا فخرجت فقالت: والله لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة
كلها صفراء، فهبط جبرئيل فمسح جناحه على النخل فصار كله أصفر فنظرت وقالت
نخلة من هذه أحب إلي من محمد ومنك، فقلت لها: والله ان يوما من محمد أحب إلي
منك ومن كل شئ أنت فيه فأعتقني رسول الله وسماني سلمان.
19

قال نصر بن المنتصر:
من غرس النخل فجاءت يانعة * مرضية لبوسها من النوى
وله أيضا:
ومن غرس النوى فأتت بنخل * لذيذ طعمها للذائقينا
ابن بابويه في تمام النعمة (1) والثعلبي في نزهة القلوب عن ابن عباس: لما ظفر
سيف بن ذي يزن بالحبشة واسترجع ملك أبيه وقومه وذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه وآله
بسنتين أتته وفد العرب وأشرافها بالتهيئة وفيهم عبد المطلب فقال: أيها الملك ان الله
تعالى قد أحلك محلا رفيعا صعبا منيعا باذخا شامخا وأنبتك منبتا طابت أرومته (2)
وعذبت (3) جرثومته ثبت أصله وبسق فرعه في أكرم معدن وأطيب موطن فأنت
أبيت اللعن (4) ملك العرب الذي له تنقاد وعمودها الذي عليه العماد ومعقلها الذي
يلجأ إليه العباد سلفك خير سلف وأنت لنا منهم أفضل خلف فلن يجهل من أنت
سلفه ولن يهلك من أتت خلفه ونحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا
إليك الذي أبهجنا من كشفك الكرب الذي فدحنا فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزية.
قال سيف: وأيهم أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم، قال: ابن أختنا؟
قال: نعم، فأدناه وقرب مجلسه ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحبا وأهلا وناقة
ورحلا ومستناخا سهلا وملكا ونحلا يعطى عطاء جزيلا قد سمع الملك مقالتكم وعرف
قرابتكم وقبل وسيلتكم فأنتم أهل البلد وأهل النهار لكم الكرامة ما أقمتم والحبا إذا
ظعنتم. ثم انتهضوا إلى دار الضيافة فأقاموا شهرا، ثم أرسل إلى عبد المطلب ليلا
فأخلاه وقال: انى مفوض إليك من سر علمي فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه
فان الله بالغ أمره، فقال عبد المطلب: مثلك أيها الملك من سر وبر فما هو فداك أهل
الوبر زمرا بعد زمر، فقال: إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة كانت له الإمامة
ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة، فقال: أيها الملك قد أبت بخير ما آب بمثله وافد
ولولا هيبة الملك واجلاله لسألته عن مساره إياي ما ازداد به سرورا، قال: هذا

(1) اسم الكتاب الشائع اكمال الدين واتمام النعمة وما ذكر هنا تلخيص لما في الكتاب أيضا
(2) الأرومة: أصل الشجرة.
(3) في الأصل غرت وفي نسخة عزت، ولعل ما ذكرناه هو الصحيح.
(4) أي أبيت أن تفعل فعلا تلعن بسببه وتذم به.
20

حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه وقد
ولد سرارا والله باعثه جهارا وجاعل له منا أنصارا، إلى آخر كلام له، فقال
عبد المطلب: أيها الملك دام ملكك وعلا كعبك فهل الملك سارى بافصاح فقد أوضح
لي بعض الايضاح، فقال سيف: والبيت ذي الحجب والعلامات على النصب (1) انك
يا عبد المطلب لجده غير كذب، فحر عبد المطلب ساجدا. ثم إنه أعطى عبد المطلب
بعشرة اضعاف ذلك: فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول يا معشر قريش لا يغبطني أحد
بجزيل عطاء الملك وان كثر فإنه إلى نفاد ولكن يغبطني بما يبقى لي ولعقبي من بعدي
ذكره وفخره وشرفه، فإذا قيل له: ما ذاك؟ يقول: ستعلمون نبأه بعد حين.
قال ابن رزيك (2):
محمد خاتم الرسل الذي سبقت * به بشارة قس وابن ذي يزن
وانذر النطقاء الصادقون بما * يكون من امره والطهر لم يكن
الكامل الوصف في حلم وفي كرم * والطاهر الأصل من دأم ومن درن
ظل الا له ومفتاح النجاة وينبوع * الحياة وغيث الفارض الهتن (3)
فاجعله ذخرك في الدارين معتصما * به وبالمرتضى الهادي أبى الحسن
وتصور لعبد المطلب ان ذبح الولد أفضل قربة لما علم من حال إسماعيل فنذر انه
متى رزق عشرة أولاد ذكور أن ينحر أحدهم للكعبة شكرا لربه فلما وجدهم عشرة
قال لهم: يا بني ما تقولون في نذري؟ فقالوا: الامر إليك ونحن بين يديك، فقال:
لينطلق كل واحد منكم إلى قدحه وليكتب عليه اسمه، ففعلوا وأتوه بالقداح
فأخذها وقال:
عاهدته والآن أوفي عهده * إذ كان مولاي وكنت عبده
نذرت نذرا لا أحب رده * ولا أحب ان أعيش بعده
فقدحهم ثم تعلق بأستار الكعبة ونادى: اللهم رب البيت الحرام والركن والمقام
ورب المشاعر العظام والملائكة الكرام، اللهم أنت خلقت الخلق لطاعتك وامرتهم

(1) النصب كل ما عبد من دون الله والأنصاب حجارة كانت حول الكعبة تنصب فيهل عليها
ويذبح لغير الله تعالى.
(2) هو طلائع بن رزيك وزير مصر، وزريك كقبيط: ولد الملك الصالح.
(3) الفارض: استعارة عن السحاب مأخوذ من الفرض بمعنى ما تجود به بغير ثواب، والهتن
من قولك: هتنت السماء إذا انصيت.
21

بعبادتك لا حاجة منك في كلام له. ثم امر بضرب القداح وقال: اللهم إليك أسلمتهم
ولك أعطيتهم فخذ من أحببت منهم فاني راض بما حكمت وهب لي أصغرهم سنا فإنه
أضعفهم ركنا، ثم أنشأ يقول:
يا رب لا تخرج عليه قد حي * واجعل له واقية من ذبحي
فخرج السهم على عبد الله فأخذ الشفرة واتى عبد الله حتى اضجعه في الكعبة وقال:
هذا بني قد أريد نحره * والله لا يقدر شئ قدره
فان تؤخره تقبل عذره
وهم بذبحه فأمسك أبو طالب يده وقال:
كلا ورب البيت ذي الأنصاب * ما ذبح عبد الله بالتلعاب
ثم قال: اللهم اجعلني فديته وهب لي ذبحته، ثم قال:
خذها إليك هدية يا خالقي * روحي وأنت مليك هذا الخافق
وعاونه أخواله من مخزوم وقال بعضهم:
يا عجبا من فعل عبد المطلب * وذبحه ابنا كتمثال الذهب
فأشاروا عليه بكاهنة بني سعد فخرج في ثمانمائة رجل وهو يقول:
تغادرني أمر فضقت به ذرعا * ولم أستطع مما تجللني دفعا
نذرت ونذر المرء دين ملازم * وما للفتى مما قضى ربه منعا
وعاهدته عشرا إذا ما تكملوا * أقرر منهم واحدا ماله رجعا
فأكملهم عشرا فلما هممت ان * أفئ بذاك النذر نازله جمعا
يصدونني عن أمر ربي وانني * سأرضيه مشكورا ليلبسني نفعا
فلما دخلوا عليها قال
يا رب اني فاعل لما تود * ان شئت ألهمت الصواب والرشد
فقالت: كم دية الرجل عندكم؟ قالوا: عشرة من الإبل، قالت: واضربوا على
الغلام وعلى الإبل القداح فان خرج القداح على الإبل فانحروها وان خرج عليه
فزيدوا في الإبل عشرة عشرة حتى يرضى ربكم وكانوا يضربون القداح على عبد الله
وعلى عشرة فيخرج السهم على عبد الله إلى أن جعلها مائة وضرب فخرج القدح على
الإبل فكبر عبد المطلب وكبرت قريش ووقع عبد المطلب مغشيا عليه وتواثبت بنو
مخزوم فحملوه على أكتافهم فلما أفاق من غشيته قالوا: قد قبل الله منك فداء ولدك،
فبينا هم كذلك فإذا بهاتف يهتف في داخل البيت وهو يقول: قبل الفداء ونفذ القضاء
22

وان ظهور محمد المصطفى فقال عبد المطلب: القداح تخطي وتصيب حتى اضرب ثلاثا
فلما ضربها خرج على الإبل فارتجز يقول:
دعوت ربي مخلصا وجهرا * يا رب لا تنحر بنى نحرا
فنحرها كلها فجرت السنة في الدية بمائة من الإبل.
أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة أنه قال راهب اطلحة في سوق بصرى (1) هل
ظهر محمد فهذا شهره الذي يظهر فيه، في كلام له.
وقال عفكلان الحميري لعبد الرحمن بن عوف: ألا أبشرك ببشارة وهي خير لك من
التجارة أنبئك بالمعجمة وأبشرك بالمرغبة ان الله قد بعث في الشهر الأول من قومك
نبيا ارتضاه وصفيا انزل عليه كتابا جعل له ثوابا ينهى عن الأصنام ويدعو إلى الاسلام
أخف الوقفة وعجل الرجعة، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وآله:
أشهد بالله رب موسى * انك أرسلت بالبطاح
فكن شفيعي إلى مليك * يدعو البرايا إلى الفلاح
فلما دخل على النبي قال: أحملت إلي وديعة أم أرسلك إلي مرسل برسالة فهاتها؟
ورأت كاهنة عثمان فقالت: يا عثمان لك الحجج لك البيان هوان في الرهبان (2)
أرسله بحق الديان، وجاءها بالتنزيل والفرقان. فتعاهد مع أبي بكر لو زوج منى
رقية لأسلمت.
وبشر أوس بن حارث بن ثعلبة قبل مبعثه بثلاثمائة عام وأوصى أهله باتباعه في
حديث طويل وهو القائل:
إذا بعث المبعوث من آل غالب * بمكة فيما بين زمزم والحجر
هنالك فأشروا نصره ببلادكم * بنى غامر ان السعادة في النصر
وفيه يقول النبي صلى الله عليه وآله: رحم الله أوسا مات في الحنفية وحث على نصرتنا في
الجاهلية. وبشر قس بن ساعدة الأيادي به وبأولاده. وكلام عبد المطلب
وأبي طالب رضي الله عنهما لا يحصى في الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله والحث على نصرته.
وأبو طالب قد بين في قصيدته اللامية من سيرته منها:
تطاع به الأعداء ودوا لو اننا * يسد بنا أبواب ترك وكابل
(ترك مدينة خرج منها أول الا تراك).

(1) بصرى كحبلى بلد بالشام.
(2) هو اتي الرهان كذا في جميع النسخ.
23

ومنها: كذبتم وبيت الله ان حل ما نرى * لتلتبسن أسيافنا بالامائل
وقوله (ع) لما استسقى وقال حوالينا ولا علينا، لله در أبى طالب لو كان حيا
لقرت عيناه من ينشدنا شعره؟ يريد قوله:
وابيض يستسقى الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للأرامل (1)
فصل: في المنامات والآيات
الخركوشي في شرف النبي ان أبا طالب قال: رأى عبد المطلب في منامه شجرة
نبتت على ظهره قد نال رأسها السماء وضربت أغصانها الشرق والغرب ونورا يزهر
بينها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا والعرب والعجم ساجدة لها وهي كل يوم
تزداد عظما ونورا ورأي رهطا من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخذهم شاب
من أحسن الناس وجها وأنظفهم ثيابا فيأخذهم ويكسر ظهورهم ويقلع أعينهم فقص
ذلك على كاهنة قريش قالت: لئن صدقت ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق والغرب
ويتنبأ في الناس.
وقال العباس بن عبد المطلب: رأيت في منامي عبد الله كأنه خرج من منخره
طائر ابيض فطار فبلغ المشرق والمغرب ثم رجع وسقط على بيت الكعبة فسجدت له
قريش كلا، فبينما الناس يتأملون إذ صار نورا بين السماء والأرض وامتد حتى بلغ
المشرق والمغرب. قال: فسألت كاهنة بنى مخزوم فقالت: ليخرجن من صلبه ولد
يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له.
ذكر الماوردي ان عبد المطلب رأى في منامه كأنه خرج من ظهره سلسلة بيضاء
لها أربعة أطراف طرف قد اخذ المغرب وطرف اخذ المشرق وطرف لحق بأعنان
السماء وطرف لحق بثرى الأرض: فبينما هو يتعجب إذ التقت الأنوار فصارت شجرة
خضراء مجتمعة الأغصان متدلية الأثمار كثيرة الأوراق قد اخذت أغصانها أقطار
الأرض في الطول والعرض ولها نور قد اخذ الخافقين وكأني قد جلست تحت
الشجرة وبازاي شخصان بهيان وهما نوح وإبراهيم قد استظلا به، فقص ذلك على
كاهن ففسره بولادة النبي صلى الله عليه وآله.
" المناقب ج 1، م 3 "

(1) يأتي تمام القصة في باب المعجزات فيما ظهر من الحيوانات والجمادات.
24

محمد بن إسحاق: كتب كسرى إلى النعمان بن المنذر ليوجه إليه عالما فوجه إليه
بعبد المسيح بن تغلبة الغساني فلما قص عليه رؤياه قال: علم ذلك عند خال لي بمشارق
الشام يقال له سطيح فوجهه إليه فلما أتاه وجده وقد أشرف على الموت فأنشأ أبياتا
في قدومه ففتح سطيح عينيه ثم قال: عبد المسيح على جمل مشيح (1) جاء إلى سطيح
وقد وافى الضريح، بعثك ملك بنى ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران،
ورؤيا الموبدان، يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة (2)،
وفاض وادي السماوة (3)، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس فليس الشام
لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت.
ثم قضى سطيح مكانه (4) فقدم عبد المسيح على كسرى وأخبره بما قال فقال: إلى
أن يملك منا أربعة عشر ملكا قد كانت أمور، قال: فملك منهم عشرة في أربع سنين
والباقون إلى أيام عثمان، وكان سطيح ولد في سيل العرم فعاش إلى ملك ذي نواس
أكثر من ثلاثين قرنا.
الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: بعث الله إلى كسرى ملكا
وقت الهاجرة وقال: يا كسرى تسلم أو اكسر هذه العصا، فقال: بهل بهل، فانصرف
عنه فدعا حراسه وقال: من أدخل هذا الرجل علي؟ فقالوا: ما رأيناه، ثم أتاه في
العام المقبل ووقته فكان كما كان أولا ثم أتاه في العام الثالث فقال: تسلم أو أكسر
هذه العصا؟ فقال: بهل بهل، فكسر العصائم؟ خرج فلم يلبث أن وثب عليه ابنه
فقتله. قال الأجل المرتضى:
اطرحوا النهج ولم يحفلوا * بما لكم في محكم الذكر
واستلبوا إرثكم منكم * من غير حق بيد العسر
كسرتم الدين ولم تعلموا * وكسرة الدين بلا جبر
فيالها مظلمة أو لجت * على رسول الله في القبر
وكان يرى النور في آباء النبي صلى الله عليه وآله خلفا عن سلف. لما قصد أبرهة بن الصباح

(1) المشيخ بالضم: الجاد والمسرع.
(2) الهراوة: العصا. وصاحب الهراوة هو النبي.
(3) السماوة: موضع بين الكوفة والشام، وقال الخليل في العين: هي فلاة بالبادية
تتصل بالشام.
(4) كذا في الأصل ولعل الصحيح ثم فارق سطيح مكانه كناية عن الموت.
25

لهدم الكعبة أتاه عبد المطلب ليسترد منه إبله فقال: تعلمني (1) في مائة بعير وتترك
دينك ودين آبائك وقد جئت لهدمه! فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل وان للبيت
ربا سيمنعه منك، فرد إليه إبله فانصرف إلى قريش فأخبرهم الخبر فأخذ بحلقة الباب قائلا
يا رب لا أرجو لهم سواكا * يا رب فامنع منهم حماكا
ان عدو البيت من عاداكا * أمنعهم أن يحربوا قراكا (2)
وله أيضا:
اللهم ان المرء يمنع رحلة فامنع رحالك * لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك
فانجلى نوره على الكعبة فقال لقومه: انصرفوا فوالله ما انجلى من جبيني هذا
النور إلا ظفرت والآن قد انجلى عنه وسجد الفيل له فقال للفيل: يا محمود، فحرك الفيل
رأسه، فقال له: تدري لم جاؤوا بك؟ فقال الفيل برأسه: لا، فقال: جاؤوا بك لتهدم
بيت ربك أفتراك فاعل ذلك؟ فقال الفيل برأشه: لا.
وكانت امرأة يقال لها فاطمة بنت مرة قد قرأت الكتب فمر بها عبد الله بن
عبد المطلب فقالت: أنت الذي فداك أبوك بمائة من الإبل؟ قال: نعم، فقالت:
هل لك أن تقع علي مرة وأعطيك من الإبل مائة، فنظر إليها وأنشأ:
اما الحرام فالممات دونه * وأحل لا حل فاستبينه
فكيف بالامر الذي تبتغينه
ومضى مع أبيه فزوجه أبوه آمنة فظل عندها يوما وليلة فحملت بالنبي صلى الله عليه وآله ثم
انصرف عبد الله فمر بها فلم يربها حرصا على ما قالت أولا فقال لها عند ذلك مختبرا:
هل لك فيما قلت لي فقلت لا؟ قالت: (قد كان ذلك مرة فاليوم لا) فذهبت كلمتها
مثلا ثم قالت: أي شئ صنعت بعدي؟ قال: زوجني أبي آمنة فبت عندها، فقالت:
لله ما زهرية سلبت * ثوبيك ما سلبت وما تدري
ثم قالت: رأيت في وجهك نور النبوة فأردت أن يكون في وأبي الله إلا أن
يضعه حيث يحب، ثم قالت:
بني هاشم قد غادرت من أخيكم * أمينة إذ للباه يعتلجان (3)
كما غادر المصباح بعد خبوه * فتائل قد ميثت (4) له بدخان

(1) الظاهر أن الكلمة محرفة والصحيح فيها تسألني.
(2) في نسخة: انهم لم يقهروا قواكا.
(3) الباه: الجامعة، ويعتلجان: يتصارعان.
(4) مات موثا: خلطه ودافه.
26

وما كان ما يحوى الفتى من نصيبه * بحرص ولا ما فاته بتواني
ويقال: انه مر بها وبين عينيه غرة كغرة الفرس.
وكان عند الاخبار جبة صوف بيضاء قد غمست في دم يحيى بن زكريا، وكانوا
قد قرأوا في كتبهم: إذا رأيتم هذه الجبة تقطر دما فاعلموا انه قد ولد أبو السفاك
الهتاك، فلما رأوا ذلك من الجبة اغتموا واجتمع خلق على أن يقتلوا عبد الله فوجدوا
الفرصة منه لكون عبد المطلب في الصيد فقصدوه فأدرك وهب بن عبد مناف الزهري
فجاز منه فنظر إلى رجال نزلوا من السماء وكشفوهم عنه فزوج ابنته من عبد الله قال:
فمتن من نساء قريش مائتا امرأة غيرة، ويقال: ان عبد الله كان في جبينه نور
يتلألأ، فلما قرب من حمل محمد لم يطق أحد رؤيته وما مر بحجر ولا شجر إلا سجد
له وسلم عليه فنقل الله منه نوره يوم عرفة وقت العصر وكان يوم الجمعة إلى آمنة
وكانت السباع تهرب عن أبي طالب فاستقبله أسد في طريق الطائف وبصبص له
وتمرغ قبله فقال أبو طالب بحق خالقك ان تبين لي حالك؟ فقال الأسد: إنما أنت
أبو أسد الله ناصر نبي الله ومربيه، فازداد أبو طالب في حب النبي صلى الله عليه وآله والايمان به
والأصل في ذلك ان النبي قال: خلقت انا وعلي من نور واحد نسبح الله يمنة
العرش قبل ان يخلق الله آدم بألفي عام. الخير. انشد العباس في النبي:
من قبلها طبت في الظلال وفى * مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر أنت * ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفير وقد * الجم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم * إذا مضى عام بذا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن من * خندف علياء نحلتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقت الأرض * وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفى * النور وسبل الرشاد نحترق
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يفضض الله فاك:
فصل: في مولده صلى الله عليه وآله
أبان بن عثمان رفعه باسناده قالت آمنة رضي الله عنها لما قربت ولادة رسول الله
صلى الله عليه وآله رأيت جناح طائر ابيض قد مسح على فؤادي فذهب الرعب عني
واتيت بشربة بيضاء وكنت عطشى فشربتها فأصابني نور عال، ثم رأيت نسوة
27

كالنخل طوالا تحدثني وسمعت كلاما لا يشبه كلام الآدميين حتى رأيت كالديباج
الأبيض قد ملا بين السماء والأرض وقائل يقول: خذوه من أعز الناس، ورأيت
رجالا وقوفا في الهواء بأيديهم أباريق ورأيت مشارق الأرض ومغاربها ورأيته علما
من سندس على قضيب من ياقوتة قد ضرب بين السماء والأرض في ظهر الكعبة، فخرج
رسول الله صلى الله عليه وآله رافعا إصبعه إلى السماء ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتى
غشيته، فسمعت نداء: طوفوا بمحمد شرق الأرض وغربها والبحار لتعرفوه باسمه
ونعته وصورته، ثم انجلت عنه الغامة فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن وتحته
حريرة خضراء وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب وقائل يقول: قبض
محمد على مفاتيح النصرة والريح والنبوة، ثم أقبلت سحابة أخرى فغيبته عن وجهي
أطول من المرة الأولى وسمعت نداء: طوفوا بمحمد الشرق والغرب واعرضوه على
روحاني الجن والإنس والطير والسباع وأعطوه صفاء آدم ورقة نوح وخله إبراهيم
ولسان إسماعيل وكمال يوسف وبشرى يعقوب وصوت داود وزهد يحيى وكرم
عيسى، ثم انكشف عنه فإذا أنا به وبيده حريرة بيضاء قد طويت طيا شديدا وقد
قبض عليها وقائل يقول: قد قبض محمد على الدنيا كلها فلم يبق شئ إلا حل في قبضته،
ثم إن ثلاثة نفر كأن الشمس تطلع من وجوههم في يد أحدهم إبريق فضة ونافحة
مسك وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء لها أربع جوانب من كان جانب لؤلؤة
بيضاء وقائل يقول: هذه الدنيا فاقبض عليها يا حبيب الله فقبض على وسطها وقائل
يقول: اقبض الكعبة، وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها فأخرج منها
خاتما تحار أبصار الناظرين فيه فغسل بذلك الماء من الإبريق سبع مرات ثم ضرب الخاتم
على كتفيه وتفل في فيه فاستنطقه فنطق فلم أفهم ما قال إلا أنه قال: في أمان الله
وحفظه وكلاءته قد حشوت قلبك ايمانا وعلما ويقينا وعقلا وشجاعة أنت خير البشر
طوبى لمن اتبعك وويل لمن تخلف عنك، ثم ادخل بين أجنحتهم ساعة وكان الفاعل
به هذا رضوان ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول: ابشر بعز الدنيا والآخرة
ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء ورأيت قصور الشامات كأنه شعلة نار
نورا ورأيت حولي من القطاء أمرا عظيما قد نشرت أجنحتها.
عبد المطلب: لما انتصف تلك الليلة إذا أنا ببيت الله قد اشتمل بجوانبه الأربعة
وخر ساجدا في مقام إبراهيم ثم استوى البيت مناديا: الله أكبر رب محمد المصطفى الآن
قد طهرني ربي من أنجاس المشركين وأرجاس الكافرين، ثم انتقضت الأصنام وخرت
28

على وجوهها وإذا أنا بطير الأرض حاشرة إليها فإذا جبال مكة مشرفة عليها وإذا
بسحابة بيضاء بإزاء حجرتها فأتيتها وقلت: أنا نائم أو يقظان؟ قالت: بل يقظان،
قلت: فأين نور جبهتك؟ قالت: قد وضعته وهذه الطير تنازعني أن أدفعه إليها
فتحمله إلى أعشاشها وهذه السحاب تسألني كذلك، قلت: هاتيه أنظر إليه، قالت:
حيل بينك وبينه إلى ثلاثة أيام، فسللت سيفي وقلت: لتخرجنه أو لأقتلنك، قالت:
شأنك وإياه، فلما هممت أن ألج البيت بدر إلي من داخل البيت رجل وقال لي:
ارجع وراءك فلا سبيل لاحد من ولد آدم إلى رؤيته أو ان تنقضي زيارة الملائكة،
فارتعدت وخرجت.
ابن إسحاق قالت آمنة: وسمعت في الضوء نداءا: انك ولدت سيد الناس فقولي
أعيذه بالواحد من شر كل حاسد وسميه محمدا واتي به عبد المطلب فوضعه في حجره
ثم قال:
الحمد لله الذي أعطاني * هذا الغلام الطيب الاردان
قد ساد في المهد على الغلمان * عوذه الاله بالأركان
حتى أراه مبلغ الغشيان * أعيذه من كل ذي شان
من حاسد ذي طرف العينان (1)
وقال فيه أشعارا كثيرة.
الصادق (ع): أصحبت الأصنام على وجوهها وارتجس إيوان كسرى وسقط
منه أربع عشرة شرافة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك
بألف عام ولم يبق سرير لملك إلا أصبح منكوسا والملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك
وانتزع علم الكهنة وبطل سحر السحرة ولم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن
عن صاحبها. قال القيرواني:
وصرح كسرى تداعى من قواعده * وانغاض منكسر الأوداج ذا ميل
ونار فارس لم توقد وما خمدت * مذ الف عام ونهر القوم لم يسل
خرت لمبعثه الأوثان وانبعثت * ثواقب الشهب ترمي الجن بالشعل
الصادق (ع): ورأي الموبدان (2) في تلك الليلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلا

(1) كذا وجدنا الأبيات في الأصل.
(2) الموبدان بفتح الباء: ففيه الفرس وحاكم المجوس كالمؤبد. قال الجزائري:
الموبدان المجوس كقاضي القضاة المسلمين.
29

عرابا حتى عبرت دجلة وانسربت في بلادهم وانقصم طاق كسرى من وسطه وانحراف
عليه دجلة وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطال حتى بلغ المشرق.
علي بن إبراهيم بن هاشم عن رجاله قال: كان بمكة يهودي يقال له يوسف فلما
رأى النجوم تقذف وتتحرك ليلة ولد النبي صلى الله عليه وآله قال: نجد في كتبنا انه إذا ولد
آخر الأنبياء رجمت الشياطين وحجبوا عن السماء، فلما أصبح كان يتجسس عن
المولود فدل على عبد المطلب فأتاه فلما نظر إلى عينيه وكشف عن كتفيه وعليها شعرات
وقع مغشيا عليه فقال: ذهبت النبوة عن بني إسرائيل، فتعجب منه قريش وضحكوا
منه فقال: هذا نبي السيف ليبتزنكم.
الصادق (ع): كان إبليس يخترق السماوات السبع فلما ولد عيسى حجب عن
ثلاث سماوات وكان يخترق أربع سماوات فلما ولد رسول الله حجب عن السماوات
كلها ورميت الشياطين بالنجوم وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل
الكتب يذكرونه، فقال عمرو بن أمية: إن كان رمى بما تهتدون بها فهو هلاك
كل شئ وان كانت تثبت ورمى بغيرها فهو أمر حدث.
وسئل خطر بن مالك الكاهن عن علة النجوم التي ترمى بها؟ فقال: اصابه اصابه
بأمره عقابه، انه من هاشم، من معشر أكارم، يبعث بالمكاحم، وقتل كل ظالم.
فقال فيه النبي: وانه ليحشر أمة وحده.
كعب: بلغني انه ما بقي يومئذ جبل إلا نادى صاحبه بالبشارة وخضعت كلها
لأبي قبيس ولقد قدست الأشجار أربعين يوما بأنواع أفنائها وثمارها ولقد ضرب
بين السماء والأرض أربعين عمودا في أنواع الأنوار وان الكوثر اضطرب في الجنة
فرمى بسبعمائة الف قصر من قصور الدر والياقوت نثارا له ولقد ضحت الجنة فهي
ضاحكة ابدا.
الصادق (ع)): صاح إبليس في أبالسته فاجتمعوا له فقال: انظروا لقد حدث
الليلة حدث ما حدث مثله رفع عيسى، فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا: ما وجدنا
شيئا، فقال إبليس: أنا لهذا الامر، ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم
فوجد الحرم محفوظا بالملائكة فذهب ليدخل فصاحوا به فقال له جبرئيل: ما وراك؟
قال: حرف أسألك عنه ما هذا الحدث الليلة؟ فقال: ولد محمد، فقال: هل لي فيه
نصيب؟ قال: لا، قال: ففي أمته؟ قال: نعم، قال: رضيت.
وهب: ولقد ذم إبليس وغل والقي في الحصن أربعين يوما وغرق أربعين يوما
30

ولقد تنكست الأصنام كلها فصاحت وولولت ولقد سمعوا صوتا من الكعبة قال:
يا قريش جاءكم النذير معه عز الأبد والربح الأكبر وهو خاتم الأنبياء.
أمير المؤمنين (ع): لما ولد رسول الله (ص) ألقيت الأصنام في الكعبة على
وجوهها فلما أمسى سمع صيحة من السماء: جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا
وورد انه أضاء تلك الليلة جميع الدنيا وضحك كل حجر ومدر وشجر وسبح
كل شئ في السماوات والأرض لله عز وجل وانهزم الشيطان وهو يقول: خير الأمم
وأكرم العبيد وأعظم العالم محمد.
محمد المفضل بن عمر: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: لما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله فتح
لآمنة بياض فارس وقصور الشام فجاءت فاطمة بنت أسد إلى أبي طالب ضاحكة
مستبشرة فأعلمته ما قالته آمنة فقال لها أبو طالب: وتتعجبين من هذا انك تحبلين
وتلدين بوصيه ووزيره.
وفي رواية ابن مسكان فقال لها أبو طالب: اصبري لي سبتا آتيك بمثله إلا النبوة
وقالوا السبت ثلاثون سنة. قال أبو المظفر الأبيوردي:
من دوحة بسقت لا الفرع مؤتشب (1) منها ولا عرقها في الحي مدخول
أني بمكة إبراهيم والده * قرم على كرم الأخلاق مجبول
وقال غيره:
لقد طابت الدنيا بطيب محمد * وزيدت به الأيام حسنا على حسن
لقد فك أغلال العتاة محمد * وانزال أهل الخوف في كنف الامن
فصل: في منشئه صلى الله عليه وآله
إبانة بن بطة (2) قال: ولد النبي صلى الله عليه وآله مختونا مسرورا فحكى ذلك عنده جده
عبد المطلب فقال: ليكونن لابني هذا شان.
كافي الكليني، الصادق (ع): لما ولد النبي صلى الله عليه وآله مكث أياما ليس له لبن فألقاه
أبو طالب على ثدي نفسه فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على
حليمة (3) فدفعه إليها.

(1) مؤتشب بالفتح: غير صريح في نسبه.
(2) ابن بطة: الظاهر هنا هو أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن حمدان بن بطة العكبري
الحنبلي صاحب الإبانة توفي سنة 387 ه‍
(3) هي حليمة السعدية حاضنة النبي التي اشتهرت بالعفة والطهارة.
31

ذكرت حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحرث من مضر زوجة الحرث بن
عبد العزى المضري ان البوادي اجذبت وحملنا الجهد على دخول البلد فدخلت مكة
ونساء بنى سعد قد سبقن إلى مراضعهن فسألت مرضعا فدلوني على عبد المطلب وذكر
ان له مولودا يحتاج إلى مرضع له فأتيت إليه فقال: يا هذه عندي بني لي يتيم اسمه
محمد (1) فحملته ففتح عينيه لينظر إلي بهما فسطع منهما نور فشرب من ثديي الأيمن
ساعة ولم يرغب في الأيسر أصلا واستعمل في رضاعه عدلا فناصف فيه شريكه
واختار اليمين وكان ابني لا يشرب حتى يشرب رسول الله فحملته على الانان وكانت
قد ضعفت عند قدومي مكة فجعلت تبادر وسائر الحمر (2) اسراعا وقوة ونشاطا
واستقبلت الكعبة وسجدت لها ثلاث مرات وقالت: برئت من مرضي وسلمت من
غثي وعلي سيد المرسلين وخاتم النبيين وخير الأولين والآخرين، فكان الناس يعجبون
منها ومن سمني وبرائي ودر لبني فلما انتهينا إلى غار خرج رجل يتلألأ نوره إلى عنان
السماء وسلم عليه وقال: ان الله تعالى وكلني برعايته، قابلنا ظباء وقلن: يا حليمة
لا تعرفين من تربين هو أطيب الطيبين وأطهر الطاهرين وما علونا قلعة ولا هبطنا
واديا إلا سلموا عليه فعرفنا البركة والزيادة في معاشنا ورياشنا حتى أثرينا وكثرت
مواشينا وأموالنا ولم يحدث في ثيابه ولم تبدر عورته ولم يحتج في يوم إلا مرة وكان
مسرورا مختونا وكنت أرى شابا على فراشه يعدله ثيابه فربيته خمس سنين ويومين
فقال لي يوما أين يذهب إخواني كل يوم؟ قلت: يرعون غنما، فقال: انني اليوم
أرافقهم، فلما ذهب معهم اخذه ملائكة وعلوه على قلة جبل وقاموا بغسله وتنظيفه
فأتاني ابني وقال: ادركي محمدا فإنه قد سلب، فأتيته فإذا هو بنور ساطع في السماء
فقبلته وقلت: ما أصابت؟ قال: لا تحزني ان الله معنا وقص عليها قصة فانتشر منه
فوح مسك أذفر وقال الناس: غلبت عليه الشياطين، وهو يقول: ما أصابني شئ
وما علي من بأس فرآه كاهن وصاح وقال: هذا الذي يقهر الملوك ويفرق العرب.
وروي عن حليمة انه جلس محمد وهو ابن ثلاثة اشهر ولعب مع الصبيان وهو
ابن تسعة وطلب منى ان يسير مع الغنم يرعى وهو ابن عشرة وناضل الغلمان بالنبل
وهو ابن خمسة عشر وصارع الغلمان وهو ابن ثلاثين ثم أوردته إلى جده.
ابن عباس: انه كان يفرب إلى الصبيان يصبحهم فيختلسون ويكف ويصبح
" المناقب ج 1، م 4 "

(1) في رواية البحار: اسمه أحمد.
(2) الحمر بالضم: جمع حمار.
32

الصبيان غمصا (1) ورمصا ويصبح صقيلا دهينا. ونادى شيخ على الكعبة:
يا عبد المطلب ان حليمة امرأة عربية وقد فقدت ابنها واسمه محمد فغضب عبد المطلب
وكان إذا غضب خاف الناس منه فنادى: يا بني هاشم ويا بني غالب اركبوا فقد محمد،
وحلف أن لا أنزال حتى أجد محمدا أو أقتل ألف أعرابي ومائة قرشي وكان يطوف
حول الكعبة وينشد أشعارا منها:
يا رب رد راكبي محمدا * رد إلي واتخذ عندي يدا
يا رب ان محمدا لن يوجدا * تصبح قريش كلهم مبددا
فسمع نداء: ان الله لا يضيع محمدا، فقال: أين هو؟ قال: في وادي فلان تحت
شجرة أم غيلان (2).
قال ابن مسعود: فأتينا الوادي فرأيناه يأكل الرطب من أم غيلان وحوله شابان
فلما قربنا منه ذهب الشابان وكانا جبرائيل وميكائيل عليهما السلام فسألناه من أنت
وماذا تصنع؟ قال: أنا ابن عبد الله بن عبد المطلب، فحمله عبد المطلب على عنقه
وطاف به حول الكعبة وكانت النساء اجتمعن عند آمنة على مصيبته فلما رآها تمسك
بها وما التفت إلى أحد وكان عبد المطلب أرسل رسول الله محمد صلى الله عليه وآله إلى رعاية في إبل
قد ندت له بجمعها فلما أبطأ عليه أنفذ وراءه في كل طريق وكل شعب وأخذ بحلقة
باب الكعبة وهو يقول: (يا رب ان صغوا بهلك آلك أن تفعل فأمر ما بدا لك) فجاء
رسول الله صلى الله عليه وآله بالإبل فلما رآه أخذه فقبله فقال: بأبي لا وجهتك بعد هذا في شئ
فاني أخاف أن تغتال فتقتل.
عكرمة: كان يوضع فراش لعبد المطلب في ظل الكعبة ولا يجلس عليه أحد
إلا هو إجلالا له وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج فكان رسول الله يجلس عليه
فيأخذه أعمامه ليؤخروه فقال لهم عبد المطلب: دعوا ابني فوالله ان له لشأنا عظيما
اني أرى انه سيأتي عليكم يوم وهو سيدكم اني أرى عزته عزة تسود الناس، ثم يحمله
فيجلسه معه ويمسح ظهره ويقبله ويوصيه إلى أبى طالب (3)

(1) قال الجزري في النهاية في حديث المولود: انه كان يتيما في حجر أبي طالب وكان يقرب
إلى الصبيان تصبيحهم فيختلسون فيكف على غدائهم.
(2) الغيلان بالفتح: ضرب من الغضاة والغضا شجر.
(3) هذا الكلام منقول من اكمال الدين بتلخيص يسير.
33

القاضي المعتمد (1) في تفسيره عن ابن عباس انه وقع بين أبي طالب وبين يهودي
كلام وهو بالشام فقال اليهودي: لم تفخر علينا وابن أخيك بمكة يسأل الناس،
فغضب أبو طالب وترك تجارته وقدم مكة فرأى غلمانا يلعبون ومحمد فيهم مختل الحال
فقال له: يا غلام من أنت ومن أبوك؟ قال: أنا محمد بن عبد الله أنا يتيم لا أب لي ولا
أم، فعانقه أبو طالب وقبله ثم ألبسه جبة مصرية ودهن رأسه وشد دينارا في ردائه
ونشر قبله تمرا فقال: يا غلمان هلموا فكلوا، ثم أخذ أربع تمرات إلى أم كبشة
وقص عليها فقالت: فلعله أبوك أبو طالب، قال: لا أدري رأيت شيخا بارا، إذ مر
أبو طالب فقالت: يا محمد كان هذا؟ قال: نعم، قالت: هذا أبوك أبو طالب،
فأسرع إليه النبي صلى الله عليه وآله وتعلق به وقال: يا أبه الحمد لله الذي أرانيك لا تخلفني في
هذه البلاد، فحمله أبو طالب.
الأوزاعي (2): كان النبي صلى الله عليه وآله في حجر عبد المطلب فلما أتي عليه اثنان ومائة
سنة ورسول الله ابن ثمان سنين جمع بنيه وقال: محمد بتيم فآووه وعائل فأغنوه احفظوا
وصيتي فيه، فقال أبو لهب: أنا له، فقال: كف شرك عنه، فقال العباس: أنا له،
فقال: أنت غضبان لعلك تؤذيه، فقال أبو طالب: انا له، فقال: أنت له يا محمد أطع
له، فقال رسول الله: يا أبه لا تحزن فان لي ربا لا يضيعني، فأمسكه أبو طالب في حجره
وقام بأمره يحميه بنفسه وماله وجاهه في صغره من اليهود المرصدة له بالعداوة ومن
غيرهم من بني أعمامه ومن العرب قاطبة الذين يحسدونه على ما آتاه الله من النبوة،
وأنشأ عبد المطلب:
أوصيك يا عبد مناف بعدي * بموحد بعد أبيه فرد
وقال:
وصيت من كفيته بطالب * عبد مناف وهو ذو تجارب
يا بن الحبيب أكرم الأقارب * يا بن الذي قد غاب غير آيب
فتمثل أبو طالب وكان سمع من الراهب وصفه:
لا توصني بلازم وواجب * اني سمعت أعجب العجائب
من كل حبر عالم وكاتب * بان بحمد الله قول الراهب

(1) هو القاضي عبد العزيز بن نحرير؟ المكنى بابن البراج صاحب المهذب والمعتمد وغيرهما.
كان قاضيا بطرابلس يذكره ابن شهرآشوب في رجاله كما في أمل الآمل.
(2) هو عبد الرحمن بن أبي عمرو الأوزاعي الفقيه ثقة جليل من السابعة توفي سنة 157 ه‍.
34

أبو سعيد الواعظ في كتاب شرف المصطفى انه لما حضرت عبد المطلب الوفاة دعا
ابنه أبا طالب فقال له: يا بني قد علمت شدة حبي لمحمد ووجدي به أنظر كيف
تحفظني فيه؟ قال أبو طالب: يا أبه لا توصني بمحمد فإنه ابني وابن أخي، فلما توفي
عبد المطلب كان أبو طالب يؤثره بالنفقة والكسوة على نفسه وعلى جميع أهله.
ابن عباس قال أبو طالب لأخيه: يا عباس أخبرك عن محمد اني ضممته فلما أفارقه
ساعة من ليل أو نهار فلم أأتمن أحدا حتى نومته في فراشي فأمرته أن يخلع ثيابه
وينام معي فرأيت في وجهه الكراهية فقال: يا عماه اصرف بوجهك عني حتى أخلع
ثيابي وأدخل فراشي، فقلت له: ولم ذاك؟ فقال: لا ينبغي لاحد أن ينظر إلى جسدي
فتعجبت من قوله وصرفت بصري عنه حتى دخل فراشه فإذا دخلت أنا الفراش إذا
بينه وبيني ثوب والله ما أدخلته في فراشي فأمسه فإذا هو ألين ثوب ثم شممته كأنه
غمس في مسك وكنت إذا أصبحت فقدت فكان هذا دأبي ودأبه وكنت كثيرا
ما أفتقده في فراشي فإذا قمت لأطلبه بادرني من فراشي ها أنا ذا يا عم فارجع إلى مكانك
وكان النبي صلى الله عليه وآله يأتي زمزم فيشرب منها شربة فربما عرض عليه أبو طالب
الغدا فيقول لا أريده أنا شبعان وكان أبو طالب إذا أراد أن يعشي أولاده أو يغديهم
يقول كما أنتم حتى يحضر ابني فيأتي رسول الله فيأكل معهم فيبقى الطعام.
القاضي المعتمد في تفسيره قال أبو طالب: لقد كنت كثيرا ما أسمع منه إذا ذهب
من الليل كلاما يعجبني وكنا لا نسمي على الطعام ولا على الشراب حتى سمعته يقول:
بسم الله الأحد، ثم يأكل فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله كثيرا. فتعجبت منه
وكنت ربما أتيت غفلة فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السماء ثم لم أر منه
كذبة قط ولا جاهلية قط ولا رأيته بضحك في غير موضع الضحك ولا مع الصبيان
في لعب ولا التفت إليهم وكانت الوحدة أحب إليه والتواضع.
وكان النبي ابن سبع سنين فقالت اليهود: وجدنا في كتبنا ان محمدا يجنبه ربه من
الحرام والشبهات فجربوه، فقدموا إلى أبي طالب دجاجة مسمنة فكانت قريش يأكلون
منها والرسول صلى الله عليه وآله تعدل يده عنها فقالوا: مالك؟ قال: أراها حراما يصونني ربي
عنها، فقالوا: هي حلال فنلقمك، قال: فافعلوا إن قدرتم، فكانت أيديهم تعدل بها
إلى الجهات فجاؤه بدجاجة أخرى قد أخذوها لجار لهم غائب على أن يؤدوا ثمنها إذا
جاء فتناول منها لقمة فسقطت من يده فقال صلى الله عليه وآله: وما أراها إلا من شبهة يصونني
ربي عنها، فقالوا: نلقمك منها، فكلما تناولوا منها ثقلت أيديهم فقالوا لهذا شأن عظيم
35

ولما ظهر امره صلى الله عليه وآله عاداه أبو جهل وجمع صبيان بنى مخزوم فقال: أنا أميركم،
وانعقد صبيان بني هاشم وبنى عبد المطلب على النبي وقالوا: أنت الأمير، قالت أم علي (ع)
وكان في صحن داري شجرة قد يبست وخاست ولها رمان يابسة فأتى النبي يوما إلى
الشجرة فمسها بكفه فصارت من وقتها وساعتها خضراء وحملت الرطب فكنت في
كل يوم أجمع له الرطب في دوخلة (1) فإذا كان وقت ضاحي النهار يدخل فيقول
يا أماه أعطيني ديوان العسكر فكان يأخذ الدوخلة ثم يخرج ويقسم الرطب على صبيان
بني هاشم، فلما كان بعض الأيام دخل وقال: يا أماه أعطيني ديوان العسكر، فقلت
يا ولدي اعلم أن النخلة ما أعطتنا اليوم شيئا، قالت: فوحق نور وجهه لقد رأيته وقد
تقدم نحو النخلة وتكلم بكلمات وإذا بالنخلة قد انحنت حتى صار رأسها عنده فأخذ
من الرطب ما أراد ثم عادت النخلة إلى ما كانت، فمن ذلك اليوم قلت: اللهم رب السماء
ارزقني ولدا ذكرا يكون أخا لمحمد ففي تلك الليلة واقعني أبو طالب فحملت بعلي بن
أبي طالب فرزقته فما كان يقرب صنما ولا يسجد لوثن كل ذلك ببركة محمد.
المفسرون عن عبد الله بن عباس في قوله تعالى (لإيلاف قريش) انه كانت لهم
في كل سنة رحلتان باليمن والشام، وكان من وقاية أبي طالب انه عزم على الخروج
في ركب من قريش إلى الشام تاجرا سنة ثمان من مولده صلى الله عليه وآله أخذ النبي بزمام ناقته
وقال: يا عم على من تخلفني ولا أب لي ولا أم؟ وكان قيل لي (2) ما يفعل به في هذا
الحر وهو غلام صغير فقال: والله لأخرجن به ولا أفارقه أبدا. وفي رواية الطبري
ضب به رسول الله صلى الله عليه وآله فرق له أبو طالب فخشيت له خشية (3) وكانوا ركبانا
كثيرا فكان والله البعير الذي كان عليه محمد أمامي ولا يفارقني ويسبق الركب كلهم
وكانت سحابة بيضاء مثل الثلج تظله وربما أمطرت علينا أنواع الفواكه، وكان
يكثر الماء وتخضر الأرض، وكان وقف جمال قوم فمشى إليها ومسح عليها فسارت
فلما قربنا من بصرى إذا نحن بصومعة تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتى إذا قربت
منا وقفت وإذا فيها راهب، فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وآله قال: إن كان أحد فأنت أنت
قال: فنزلنا تحت شجرة عظيمة قليلة الأغصان ليس لها حمل فاهتزت الشجرة وألقت
أغصانها عليه وحملت ثلاثة أنواع فاكهتين للصيف وفاكهة للشتاء فجاء بحيراء بطعام

(1) الدوخلة بالتشديد: كالزمبيل.
(2) هكذا في الأصل والصحيح قيل له:
(3) الظاهر في العبارة: قال فحشوت له حشية.
36

يكفي النبي صلى الله عليه وآله وقال: من يتولى أمر هذا الغلام؟ فقلت: أنا، قال: أي شئ
تكون منه؟ قلت: أنا عمه، فقال: له أعمام أيهم أنت؟ قلت: أنا أخو أبيه من أم
واحدة، فقال: أشهد انه هو وإلا فلست بحيراء، فأذن في تقريب الطعام فقلت:
رجل أحب أن يكرمك فكل، فقال: هو لي من دون أصحابي؟ قال: هو لك خاصة
فقال: فاني لا آكل دون هؤلاء، فقال له: انه لم يكن عندي أكثر من هذا، قال
أفتأذن أن يأكلوا معي؟ قال بلى، قال: كلوا بسم الله، فأكل وأكلنا معه فوالله
لقد كنا مائة وسبعين رجلا فأكل كل واحد منا حتى شبع وتجشأ وبحيراء على رأسه
يذب عن النبي صلى الله عليه وآله ويتعجب من كثرة الرجال وقلة الطعام وفي كل ساعة يقبل
يافوخه ويقول: هو هو ورب المسيح، فقالوا له: ان لك لشأنا، قال: إني لأرى
ما لا ترون وأعلم ما لا تعلمون وان تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم
لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه ولقد رأيت له وقد أقبل نورا أمامه ما بين
السماء والأرض ولقد رأيت رجالا في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه
وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه ثم هذه السحابة لا تفارقه ثم صومعتي مشت إليه
كما تمشي الدابة على رجلها ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان وقد كثرت
أغصانها واهتزت وحملت ثلاثة أنواع من الفواكه ثم فاضت هذه الحياض بعد ما غارت
في أيام الحواريين، ثم قال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى عن ثلاث، فقال:
والله ما أبغضت شيئا كبغضي إياهما، فسأله بالله عن حاله ونومه وهيئته ثم نظر إلى خاتم
النبوة فجعل يقبل رجليه فقال لأبي طالب: ما هو منك؟ قال: ابني، قال: ما هو
بابنك ولا ينبغي أن يكون أبوه حيا. فقال: انه ابن أخي مات أبوه وهو صغير،
فقال: صدقت الآن فارجع به إلى بلده واحذر عليه اليهود والله لئن عرفوا منه
ما عرفت ليقتلنه وان لابن أخيك لشأنا عظيما فقال: إن كان الامر كما وصفت فهو
في حصن الله، وفي ذلك يقول أبو طالب وقد أوردها محمد بن إسحاق:
ان ابن آمنة النبي محمدا * عندي بمثل منازل الأولاد
لما تعلق بالزمام رحمته * والعيس قد قلصن بالأزواد
فارفض من عيني دمع ذارف * مثل الجمان مفرد الافراد
راعيت فيه قرابة موصولة * وحفظت فيه وصية الأجداد
وأمرته بالسير بين عمومه * بيض الوجوه مصاله الانجاد
37

حتى إذا ما القوم بصرى (1) عاينوا * لاقوا على شرف من المرصاد
حبرا فأخبرهم حديثا صادقا * عنه ورد معاشر الحساد
بكر بن عبد الله الأشجعي: ان أبا المويهب الراهب (2) سأل عبد مناف بن كنانة
ونوفل بن معاوية بالشام: هل قدم معكما غيركما من الشام؟ قالا: نعم شاب من
بني هاشم اسمه محمد، قال: إياه أردت، قالوا: انه يتيم أبي طالب أجير خديجة، فأخذ
يحرك رأسه ويقول: هو هو فدلاني عليه، فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم رسول الله
فقال: هو هو، فخلا به يناجيه ويقبل بين عينيه وأخرج شيئا من كمه ليعطيه والنبي
صلى الله عليه وآله يأبى ان يقبله فلما فارقه قال: هذا نبي آخر الزمان سيخرج عن قريب ثم قال
هل ولد لعمه أبي طالب علي؟ فقلنا: لا، فقال: هذه سنته وهو أول من يؤمن به
وانا لنجد صفته عندنا بالوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة، الخبر.
يعلى بن سيابه قال: حكى خالد بن أسيد بن أبي العاص وطليق بن أبي صفيان بن
أمية انهما كانا مع النبي صلى الله عليه وآله في سفر ولما قربنا من الشام رأينا والله قصور الشامات
كلها قد اهتزت وعلا منها نور أعظم من نور الشمس فلما توسطنا الشام ما قدرنا ان
تجوز السوق من ازدحام الناس ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وآله فجاء حبر عظيم اسمه نسطور
فجلس بحذائه ينظر إليه فقال لأبي طالب: ما اسمه قال: محمد بن عبد الله، فتغير لونه
ثم قال: أريد أكشف ظهره، فلما كشف رأى الخاتم فانكب عليه يقبله ويبكي وقال
أسرع برده إلى موضعه فما أكثر عدوه في أرضنا، فلم يزل يتعاهدنا في كل يوم واتاه
بقميص فلم يقبله فأخذه أبو طالب مخافة ان يغتم الرجل.
وزوج أبو طالب خديجة من النبي صلى الله عليه وآله وذلك أن نساء قريش اجتمعن في المسجد
في عيد فإذا هن بيهودي يقول: ليوشك ان يبعث فيكن نبي فأيكن استطاعت أن تكون
له أرضا يطأها فلتفعل، فحصبنه (3) وقر ذلك القول في قلب خديجة وكان
النبي صلى الله عليه وآله قد استأجرته خديجة على أن تعطيه بكرين ويسير مع غلامها ميسرة إلى
الشام فلما أقبلا في سفرها نزل النبي تحت شجرة فرآه راهب يقال له نسطور فاستقبله
وقبل يديه ورجليه وقال: اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله لما
رأى منه علامات وانه نزل تحت الشجرة، ثم قال لميسرة: طاوعه في أوامره ونواهيه

(1) الظاهر اسقاط الألف واللام فتكون: قوم بصرى.
(2) قصة أبي مويهب هذه ملخصة أيضا عن اكمال الدين للصدوق.
(3) أي رمينه بالحصياء وهو الحصاء الصغار.
38

فإنه نبي والله ما جلس هذا المجلس بعد عيسى أحد غيره ولقد بشر به عيسى (ومبشرا
برسول يأتي من بعدي اسمه احمد وهو يملك الأرض بأسرها) وقال ميسرة: يا محمد
لقد جزنا عقبات بليلة كنا نجوزها بأيام كثيرة وربحنا في هذه السفرة ما لم تربح من
أربعين سنة ببركتك يا محمد فاستقبل بخديجة وأبشرها بربحنا، وكانت وقتئذ جالسة
على منظرة لها فرأت راكبا على يمينه ملك مصلت سيفه وفوقه سحابة معلق عليها
قنديل من زبرجدة وحوله قبة من ياقوتة حمراء فظنت ملكا يأتي بخطبتها وقالت اللهم
إلي والى داري، فلما أتى كان محمدا وبشرها بالأرباح فقالت: وأين ميسرة؟ قال:
يقفو أثري، قالت: فارجع إليه وكن معه، ومقصودها لتستيقن حال السحابة فكانت
السحابة تمر معه فأقبل ميسرة إلى خديجة وأخبرها بحاله وقال لها: اني كنت آكل
معه حتى نشبع ويبقى الطعام بحاله كما هو وكنت أرى وقت الهاجرة ملكين يظللانه
فدعت خديجة بطبق عليه رطب ودعت رجالا ورسول الله صلى الله عليه وآله فأكلوا حتى شبعوا
ولم ينقص شيئا فأعتقت ميسرة وأولاده وأعطته عشرة آلاف درهم لتلك البشارة
ورتبت الخطبة من عمرو بن أسد عمها.
قال النسوي في تاريخه: أنكحه إياها أبوها خويلد بن أسد، فخطب أبو طالب
بما رواه الخركوشي في شرف المصطفى، والزمخشري في ربيع الأبرار وفى تفسيره
الكشاف، وابن بطة في الإبانة، والجويني في السير عن الحسن، والواقدي وأبى صالح
والعتبي، فقال: الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم الخليل ومن ذرية الصفي
وضئضئ (1) معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل مسكننا
بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم ابن أخي هذا محمد بن عبد الله
لا يوازن برجل من قريش إلا رجح به ولا يقاس بأحد منهم إلا عظم عنه وإن كان
في المال مقلا فان المال ورق (2) حائل (3) وظل زائل، وله والله خطب عظيم ونبأ
شائع، وله رغبة في خديجة ولها فيه رغبة فزوجوه، والصداق ما سألتموه من مالي
عاجله وآجله. فقال خويلد: زوجناه ورضينا به. وروي أنه قال بعض قريش:

(1) الضئضئ: الأصل، يقال: ضئضئ صدق وضؤضؤ صدق، وحكى بعضهم ضئضئ
بوزن قنديل. وفي النهاية في حديث الخوارج: يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين
كما يمرق السهم من الرمية.
(2) الورق مثلثة: كجبل المال من إبل ودراهم وغيرها.
(3) حائل: أي متغير.
39

يا عجباه أيمهر النساء الرجال! فغضب أبو طالب وقال: إذا كانوا مثل ابن أخي هذا
طلبت الرجال بأغلى الأثمان وإذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي، فقال
من قريش يقال له عبد الله بن غنم:
هنيئا مريئا يا خديجة قد جرت * لك الطير فيما كان منك بأسعد
تزوجته خير البرية كلها * ومن ذا الذي في الناس مثل محمد
وبشر به المرءان عيسى بن مريم * وموسى بن عمران فيا قرب موعد
أقرت به الكتاب قدما بأنه * رسول من البطحاء هاد ومهتدي
فصل: في مبعث النبي صلى الله عليه وآله
(يا أيها النبي انا أرسلناك بالحق هو الذي ارسل رسوله ما كان محمد أبا أحد) أرسله
الله تعالى بعد أربعين سنة من عمره حين تكامل بها واشتد قواه ليكون متهيبا ومتأهبا
لما أنذر به، ولبعثته درجات (أولها) الرؤيا الصادقة (والثانية) ما رواه الشعبي
وداود بن عامر ان الله تعالى قرن جبرئيل بنبوة نبيه ثلاث سنين يسمع حسه ولا
يرى شخصه ويعلمه الشئ بعد الشئ ولا ينزل عليه القرآن، فكان في هذه المدة
مبشرا غير مبعوث إلى الأمة (والثالثة) حديث خديجة وورقة بن نوفل (والرابعة)
امره بتحديث النعم فأذن له في ذكره دون انذاره قوله (واما بنعمة ربك فحدث)
أي بما جاءك من النبوة (والخامسة) حين نزل عليه القرآن بالأمر والنهي فصار به
مبعوثا ولم يؤمر بالجهر ونزل (يا أيها المدثر) فأسلم علي وخديجة ثم زيد ثم جعفر
(والسادسة) امر بأن يعم بالانذار بعد خصوصه ويجهر بذلك ونزل (واصدع بما
تؤمر) قال ابن إسحاق: وذلك بعد ثلاث سنين من مبعثه ونزل (وأنذر عشيرتك
الأقربين) فنادى: يا صباحاه (1) (والسابعة) العبادات لم يشرع منها مدة مقامه بمكة
إلا الطهارة والصلاة وكانت فرضا عليه وسنة لامته، ثم فرضت الصلوات الخمس بعد
اسرائه، وذلك في السنة التاسعة من نبوته، فلما تحول إلى المدينة فرض صيام شهر
رمضان في السنة الثانية من الهجرة في شعبان وحولت القبلة وفرض زكاة الفطر
" مناقب ج 1، م 5 "

(1) وا صباحاه كلمة بقولها المستغيث وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون
عند الصباح، ويسمون يوم الغارة يوم الصباح، فكأن القائل: وا صباحاه أو يا صباحاه، يقول:
قد غشينا العدو.
40

وفرض فيها صلاة العيد، وكان فرض الجمعة في أول الهجرة بدلا من صلاة الظهر
ثم فرضت زكاة الأموال ثم الحج والعمرة والتحليل والتحريم والخطر والإباحة
والاستحباب والكراهة ثم فرض الجهاد ثم ولاية أمير المؤمنين (ع) ونزل (اليوم
أكملت لكم دينكم).
وأما كيفية نزول الوحي فقد سأله الحرث بن هشام: كيف يأتيك الوحي؟ فقال
أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده على فيفصم عني فقد وعيت ما قال وأحيانا
يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول.
وروي انه كان إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل.
وروي انه كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وان جبينه
لينفصد عرقا. وروي انه كان إذا نزل عليه الوحي كرب (1) لذلك ويربد وجهه
ونكس رأسه ونكس أصحابه رؤسهم منه، ومنه يقال: برحاء الوحي (2).
قال ابن عباس: كان النبي إذا نزل عليه القرآن تلقاه بلسانه وشفتيه كان يعالج
من ذلك شدة فنزل (لا تحرك به لسانك) وكان إذا نزل عليه الوحي وجد منه ألما
شديدا ويتصدع رأسه ويجد ثقلا قوله تعالى (انا سنلقي عليك قولا ثقيلا) وسمعت
مذاكرة انه نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله ستين الف مرة.
علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في كتابه: ان النبي صلى الله عليه وآله لما أتى له سبع وثلاثون
سنة كان يرى في نومه كأن آتيا أتاه فيقول: يا رسول الله، فينكر ذلك، فلما طال
عليه الامر كان يوما بين الجبال يرعى غنما لأبي طالب، فنظر إلى شخص يقول:
يا رسول الله، فقال له: من أنت؟ قال: أنا جبرئيل أرسلني الله إليك ليتخذك رسولا
فأخبر النبي خديجة بذلك فقالت: يا محمد أرجو أن يكون كذلك، فنزل عليه جبرئيل
وأنزل عليه ماء من السماء وعلمه الوضوء والركوع والسجود، فلما تم له أربعون
سنة علمه حدود الصلاة ولم ينزل عليه أوقاتها فكان يصلي ركعتين ركعتين في كل وقت
أبو ميسرة وبريدة: ان النبي صلى الله عليه وآله كان إذا انطلق بارزا سمع صوتا: يا محمد،
فيأتي خديجة فيقول: يا خديجة قد خشيت أن يكون خالط عقلي شئ اني إذا خلوت أسمع
صوتا وأرى نورا.

(1) كرب: تغير إلى الغبرة.
(2) في النهاية: البرح الشدة، ومنه الحديث: فأخذه البرحاء، أي شدة الكرب من
ثقل الوحي.
41

محمد بن كعب وعائشة: أول ما بدأ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة وكان
يرى الرؤيا فتأتيه مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلا فكان يخلو بغار حري (1) فسمع
نداء: يا محمد، فغشى عليه، فلما كان اليوم الثاني سمع مثله نداء فرجع إلى خديجة فقال
زملوني زملوني فوالله لقد خشيت على عقلي، فقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبدا
انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدم وتقري الضيف وتعين على نوائب
الحق، فانطلقت خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل فقال ورقة: هذا والله الناموس
الذي انزل على موسى وعيسى وانى أرى في المنام ثلاث ليال ان الله أرسل في مكة
رسولا اسمه محمد وقد قرب وقته وقد قرب وقته ولست أرى في الناس رجلا أفضل
منه، فخرج إلى حرى فرأى كرسيا من ياقوتة حمراء مرقاة من زبرجد ومرقاة من
لؤلؤ، فلما رأى ذلك غشى عليه فقال ورقة: يا خديجة فإذا أتته الحالة فاكشفي عن
رأسك فان خرج فهو ملك وإن بقي فهو شيطان، فنزعت خمارها فخرج الجائي فلما
اختمرت عاد، فسأله ورقة عن صفة الجائي فلما حكاه قام وقبل رأسه وقال: ذاك
الناموس الأكبر الذي نزل على موسى وعيسى، ثم قال: ابشر فإنك أنت النبي الذي
بشر به موسى وعيسى وانك نبي مرسل ستؤمر بالجهاد وتوجه نحوها وأنشأ يقول:
فان يك حقا يا خديجة فاعلمي * حديثك إيانا فأحمد مرسل
وجبريل يأتيه وميكال معهما * من الله وحي يشرح الصدر منزل
يفوز به من فاز عزا لدينه * ويشقى به الغاوي الشقي المضلل
فريقان منهم فرقة في جنانه * وأخرى بأغلال الجحيم تغلل
ومن قصيدة له:
يا للرجال لصرف الدهر والقدر وما لشئ قضاه الله من غير
حتى خديجة تدعوني لأخبرها * وما لنا بحقي العلم من خبر
فخبرتني فأمر قد سمعت به * فيما مضى من قديم الناس والعصر
بأن أحمد يأتيه فيخبره * جبريل انك مبعوث إلى البشر
ومن قصيدة له:
فخبرنا (2) عن كل خير بعلمه * وللحق أبواب لهن مفاتح

(1) أو حراء على المشهور في التسمية، قال القيومي: حراء ككتاب جبل بمكة يذكر ويؤنث
وحكى الفيروزآبادي استعماله كعلى أيضا.
(2) في الأصل فخبرنا بالحاء المهملة.
42

وان ابن عبد الله أحمد مرسل * إلى كل من ضمت عليه الأباطح
وظني به أن سوف يبعث صادقا * كما أرسل العبدان نوح وصالح
وموسى وإبراهيم حتى يرى له * بهاء ومنشور من الذكر واضح
وروي انه نزل جبرئيل على جواد أصفر والنبي صلى الله عليه وآله بين علي وجعفر فجلس
جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ولم ينبهاه إعظاما له فقال ميكائيل: إلى أيهم
بعثت؟ قال: إلى الأوسط، فلما انتبه أدى إليه جبرئيل الرسالة عن الله تعالى، فلما
نهض جبرئيل ليقوم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بثوبه ثم قال: ما اسمك؟ قال: جبرئيل،
ثم نهض النبي ليلحق بقومه فما مر بشجرة ولا مدرة إلا سلمت عليه وهنأته، ثم كان
جبرئيل يأتيه ولا يدنو منه إلا بعد أن يستأذن عليه فأتاه يوما وهو بأعلى مكمة فغمز
بعقبه بناحية الوادي فانفجر عين فتوضأ جبرئيل وتطهر الرسول ثم صلى الظهر وهي
أول صلاة فرضها الله تعالى وصلى أمير المؤمنين (ع) مع النبي ورجع رسول الله صلى الله عليه وآله
من يومه إلى خديجة فأخبرها فتوضأت وصلت صلاة العصر من ذلك اليوم.
وروي ان جبرئيل أخرج قطعة ديباج فيه خط فقال: اقرأ، قلت: كيف أقرأ
ولست بقارئ؟ إلى ثلاث مرات فقال في المرة الرابعة (اقرأ باسم ربك) إلى قوله
(ما لم يعلم) ثم أنزل الله جبرئيل وميكائيل (ع) ومع كل واحد منهما سبعون الف
ملك، وأتى بالكراسي ووضع تاج على رأس محمد صلى الله عليه وآله وأعطى لواء الحمد بيده فقال
اصعد عليه واحمد الله، فلما نزل عن الكرسي توجه إلى خديجة فكان كل شئ يسجد
له ويقول بلسان فصيح: السلام عليك يا نبي الله، فلما دخل الدار صارت الدار
منورة فقالت خديجة: وما هذا النور! قال: هذا نور النبوة قولي لا إله إلا الله محمد
رسول الله، فقالت: طال ما قد عرفت ذلك، ثم أسلمت، فقال يا خديجة انى لأجد
بردا، فدثرت عليه فنام فنودي (يا أيها المدثر) الآية، فقام وجعل إصبعه في اذنه
وقال: الله أكبر الله أكبر، فكان كل موجود يسمعه يوافقه.
وروي انه لما نزل قوله (وأنذر عشيرتك الأقربين) صعد رسول الله صلى الله عليه وآله
ذات يوم الصفا فقال: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش فقالوا: مالك؟ قال: أرأيتكم
إن أخبرتكم ان العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني، قالوا: بلى، قال:
فانى نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك ألهذا دعوتنا، فنزلت
سورة تبت يدا أبى لهب.
43

قتادة: انه خطب ثم قال: أيها الناس ان الرائد (1) لا يكذب أهله ولو كنت كاذبا
لما كذبتم والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم حقا خاصة والى الناس عامة
والله لتموتون كما تنامون ولتبعثون كما تستيقظون ولتحاسبون كما تعلمون ولتجزون
بالاحسان إحسانا وبالسوء سوءا وانها الجنة ابدا والنار ابدا وانكم أول من أنذرتم
ثم فتر الوحي فجزع لذلك النبي صلى الله عليه وآله جزعا شديدا فقالت له خديجة: لقد قلاك (2)
ربك فنزلت سورة الضحى فقال لجبرئيل: ما يمنعك ان تزورنا في كل يوم؟ فنزل
(وما ننزل إلا بأمر ربك) إلى قوله (نسيا).
ابن جبير: توجه النبي صلى الله عليه وآله تلقاء مكة وقام بنخلة في جوف الليل يصلي فمرء به
نفر من الجن فوجدوه يصلي صلاة الغداة ويتلو القرآن فاستمعوا إليه وقال آخرون
امر رسول الله ان ينذر الجن فصرت الله إليه نفرا من الجن من نينوى، قوله (وإذ
صرفنا إليك نفرا من الجن) وكان بات في وادي الجن وهو على ميل من المدينة فقال
إني أمرت ان أقر أعلى الجن الليلة فأيكم يتبعني؟ فاتبعه ابن مسعود فلما دخل الحجون (3)
من مكة خط لي خطا ثم امرني ان اجلس فيه وقال: لا تخرج منه حتى أعود إليك،
ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته اسود كثيرة حتى حالت بيني وبينه حتى لم
اسمع صوته ثم انطلقوا ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب وفرغ النبي صلى الله عليه وآله مع
الفجر فقال لي: هل رأيت شيئا؟ فوصفتهم فقال: أولئك جن نصيبين.
الكلبي، قال ابن مسعود: لم أكن مع النبي صلى الله عليه وآله ليلة الجن وودت انى كنت
معه، وهو الصحيح.
روي عن ابن عباس انهم كانوا سبعة نفر من جن نصيبين فجعلهم رسول الله رسلا
إلى قومهم. وقال زر بن حبيش (4): كانوا سبعة منهم زوبعة. وقال غيره: وهم
مسار وبسار ولارد وخميع.
محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: لما قرأ النبي سورة الرحمن على الناس
سكتوا فلم يقولوا شيئا، فقال صلى الله عليه وآله الجن كانوا أحسن جوابا منكم لما قرأت عليهم

(1) الرائد: الذي يرسل في طلب الكلأ، يقال: لا يكذب الرائد أهله.
(2) قلاك أي عافك.
(3) الحجون: وزان رسول جبل مشرف على مكة.
(4) زر: بالأولى المعجمة ثم المهملة ابن حبيش بالحاء المهملة وآخرها المعجمة: هو من رجال
الإمام علي (ع).
44

(فبأي آلاء ربكما تكذبان) قالوا: لا بشئ من آلائك ربنا نكذب.
علي بن إبراهيم: فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله فآمنوا به وعلمهم النبي شرائع الاسلام
وأنزل (قل أوحي) إلى آخر السورة، وكانوا يفدون إلى النبي في كل وقت ومكان
قال حزيمة بن حكيم النهدي:
ويعلو أمره حتى تراه * يشير إليه أعظم ما مشير
وهذا عمه سيذب عنه * وينصره بمشحوذ بتور
وتخرجه قريش بعد هذا * إذا ما العم صار إلى القبور
وينصره بيثرب كل قوم * بنو أوس وخزرج الأثير
سيقتل من قريش كل قوم * وكبشهم سينحر كالجزور
وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه وآله: مرحبا بالمهاجر الأول.
فصل: فيما لا في النبي من الكفار
رسالة الفائق، انه لما اعترض أبو لهب على رسول الله صلى الله عليه وآله عند إظهار الدعوة
قال له أبو طالب: يا أعور ما أنت وهذا؟ (قال الأخفش: الأعور الذي خيب وقيل
يا ردي، ومنه الكلمة العوراء، وقال ابن الاعرابي: الذي ليس له أخ من أبيه وأمه)
ابن عباس: ان الوليد بن المغيرة أتى قريشا فقال: ان الناس يجتمعون غدا بالموسم
وقد فشا أمر هذا الرجل في الناس وهم يسألونكم عنه فما تقولون؟ فقال أبو جهل:
أقول إنه مجنون!! وقال أبو لهب: أقول إنه شاعر! وقال عقبة بن أبي معيط:
أقول إنه كاهن! فقال الوليد: بل أقول هو ساحر يفرق بين الرجل والمرأة وبين
الرجل وأخيه وأبيه، فأنزل الله تعالى (ن والقلم) الآية، وقوله (وما هو بقول
شاعر) الآية.
وكان النبي صلى الله عليه وآله يقرأ القرآن فقال أبو سفيان والوليد وعتبة وشيبة للنصر بن
الحرث: ما يقول محمد؟ فقال: أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون
الماضية فنزل (فمنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة) الآية.
الكلبي، قال النضر بن الحرث و عبد الله بن أمية: يا محمد لن نؤمن بك حتى تأتينا
بكتاب من عند الله ومعه أربعة املاك يشهدون عليه انه من عند الله وانك رسوله
فنزل (لو نزلنا عليك كتابا في قرطاس) وقالت قريش مكة أو يهود المدينة: ان هذه
الأرض ليست بأرض الأنبياء وإنما أرض الأنبياء الشام فائت الشام فنزل (وان
45

كادوا ليستفزونك من الأرض) وقال أهل مكة: تركت ملة قومك وقد علمنا أنه
لا يحملك على ذلك إلا الفقر فانا نجمع لك من أموالنا حتى تكون من اغنانا فنزل:
(قل أغير الله أتخذ وليا) وكان المشركون إذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم على محمد؟ قالوا
أساطير الأولين فنزل (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم) الآية.
ابن عباس، قالت قريش: ان القرآن ليس من عند الله وإنما يعلمه بلعام وكان
قينا بمكة روميا نصرانيا، وقال الضحاك: أرادوا به سلمان، وقال مجاهد: عبد النبي
الحضرمي يقال له يعيش فنزل (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر) الآية، وقوله
(وقال الذين كفروا ان هذا إلا إفك افتراه) محمد واختلقه من تلقاء نفسه وأعانه
عليه قوم آخرون يعنون عداسا مولى خويطب ويسار غلام العلاء بن الحضرمي
وحميرا مولى عامر وكانوا من أهل الكتاب، فكذبهم الله تعالى فقال (فقد جاؤوا ظلما
وزورا) الآيات.
قال علم الهدى والناصر للحق في رواياتهم: ان النبي صلى الله عليه وآله لما بلغ إلى قوله (أفرأيتم
اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) القى الشيطان في تلاوته تلك الغرانيق (1)
العلى وان شفاعتهن لترتجي، فسر بذلك المشركون، فلما انتهى إلى السجدة سجد
المسلمون والمشركون معا (ان صح هذا الخبر فمحمول على أنه كان يتلو القرآن فلما
بلغ إلى هذا الموضع قال بعض المشركين ذلك فألقى في تلاوته فأضافه الله إلى الشيطان
لأنه إنما حصل باغرائه ووسوسته وهو الصحيح لان المفسرين رووا في قوله (وما
كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء).
كان النبي صلى الله عليه وآله في المسجد الحرام فقام رجلان من عبد الدار عن يمينه يصفران
ورجلان عن يساره يصفقان بأيديهما فيختلطان عليه صلاته فقتلهم الله جميعا ببدر،
قوله (فذوقوا العذاب).
وروي في قوله (وقال الذين كفروا) أي قال رؤساؤهم من قريش لا تباعهم لما
عجزوا عن معارضة القرآن (ان لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) أي عارضوه
باللغو والباطل والمكاء ورفع الصوت بالشعر (لعلكم تغلبون) باللغو (فلنذيقن الذين
كفروا). قال البختري:

(1) الغرانيق هنا الأصنام، وهي في الأصل الذكور من طير الماء واحدها غرنوق
وغرنيق سمي به لبياضه، وقيل هو الكركي. وكانوا يزعمون أن الأصنام تقربهم من الله زلفى
وتشفع لهم، فشبهت بالطيور التي تعلو في السماء وترفع.
46

وأقمت الصلاة في غلف * لا يعرفون الصلاة إلا مكاء
الكلبي: اتى أهل مكة إلى النبي فقالوا: ما وجد الله رسولا غيرك ما نرى أحدا
يصدقك فيما تقول ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر
فأرنا من يشهد انك رسول الله كما تزعم فنزل (قل أي شئ أكبر شهادة) الآية،
وقالوا: العجب ان الله تعالى لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب فنزل
(الر تلك آيات الكتاب الحكيم أكان للناس) الآيات، وقال الوليد بن المغيرة: والله
لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك لأنني أكبر منك سنا وأكثر منك مالا،
وقال جماعة: لم لم يرسل رسولا من مكة أو من الطائف عظيما - يعني أبا جهل وعبد نائل -
فنزل (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل)، وقال أبو جهل: زاحمنا بنو عبد مناف
في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحى إليه والله لا نؤمن به
ولا نتبعه ابدا إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه. فنزل (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن
حتى نؤتى) الآية، وقال الحرث بن نوفل بن عبد مناف: انا لنعلم ان قولك حق
ولكن يمنعنا ان نتبع الذي معك ونؤمن بك مخافة ان يتخطفنا العرب من أرضنا ولا
طاقة لنا بها، فنزلت (وقالوا ان نتبع الهدى نتخطف من أرضنا) فقال الله تعالى
رادا عليهم: (أو لم نمكن لهم حرما آمنا).
الزجاج في المعاني، والثعلبي في الكشف: والزمخشري في الفايق، والواحدي في
أسباب نزول القرآن، والثمالي في تفسيره واللفظ له أنه قال عثمان لابن سلام: نزل
على محمد (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم) فكيف هذه؟ قال:
يعرف نبي الله بالنعت الذي نعته الله إذا رأيناه فيكم كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه بين
الغلمان وأيم الله لأنا بمحمد أشد معرفة مني بابني لأني عرفته بما نعته الله في كتابنا
واما ابني فاني لا أدري ما أحدثت أمه.
ابن عباس قال: كانت اليهود يستنصرون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وآله
قبل مبعثه فلما بعثه الله تعالى من العرب دون بني إسرائيل كفروا به، فقال لهم
بشر بن معرور ومعاذ بن جبل: اتقوا الله واسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا
بمحمد ونحن أهل الشرك وتذكرون انه مبعوث، فقال سلام بن مسلم أخو بني النظير
ما جاءنا بشئ نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر كم فنزل (ولما جائهم كتاب من عند الله
قالوا) إلى قوله (وكانوا من قبل يستفتحون) الآية، وكانت اليهود إذا اصابتهم
شدة من الكفار يقولون: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته
47

في التوراة، فلما قرب وقت خروجه صلى الله عليه وآله قالوا: قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق
ما قلنا فلما جائهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين، وهو المروي عن الصادق
وكان الاخبار من اليهود يعرفونه فحرفوا صفة النبي صلى الله عليه وآله في التوراة من
الممادح إلى المقابح فلما قالت عامة اليهود: كان محمدا هو المبعوث في آخر الزمان،
قالت الأحبار: كلا وحاشا وهذه صفته في التوراة.
واسلم عبد الله بن سلام وقال: يا رسول الله سل اليهود عنى فإنهم يقولون هو أعلمنا
فإذا قالوا ذلك قلت لهم ان التوراة دالة على نبوتك وان صفاتك فيها واضحة، فلما سألهم
قالوا كذلك فحينئذ اظهر ابن سلام إيمانه فكذبوه، فنزل (قل أرأيتم إن كان من
عند الله وكفرتم به وشهد شاهد) الآية.
الكلبي، قال كعب بن الأشرف ومالك بن الضيف ووهب بن يهودا وفنحاص
ابن عازورا: يا محمد ان الله عهد الينا في التوراة ان لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان
تأكله النار فان زعمت أن الله بعثك الينا فجئنا به نصدقك، فنزلت (ولما جائهم كتاب
من عند الله) الآية، وقوله (قل جائكم) أراد زكريا ويحيى وجميع من قتلهم اليهود
الكلبي، كان النضر بن الحرث يتجر فيخرج إلى فارس فيشري اخبار الأعاجم
ويحدث بها قريشا ويقول لهم: ان محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم
بحديث اسفنديار ورستم فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فنزل (ومن
الناس من يشتري لهو الحديث).
القشيري: ان بعض المسلمين كتبوا شيئا من كتب أهل الكتاب، فنزل (أو لم
يكفهم انا أنزلنا الكتاب) وقال النبي صلى الله عليه وآله: جئتكم بها بيضاء نقية.
السدي: انه قيل للوليد بن المغيرة: ما هذا الذي يقرأ محمد سحر أم كهانة أم
خطب؟ فاستظهرهم وقال للنبي: اقرأ علي، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فقال:
تدعو إلى رجل باليمامة يسمى الرحمن؟ قال: لا ولكني أدعو إلى الله وهو الرحمن
الرحيم، ثم افتتح حم السجدة فلما بلغ (فان أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل
صاعقة عاد وثمود) اقشعر جلده وقامت كل شعرة عليه وحلفه أن يكف ثم مضى إلى
داره فقيل له قد صبا إلى دين محمد فقال: لا ولكني سمعت كلاما صعبا تقشعر منه
الجلود قال: قولوا هو سحر فإنه آخذ بقلوب الناس فنزل (ذرني ومن خلقت وحيدا)
إلى قوله (تسعة عشر).
" المناقب ج 1، م 6 "
48

عكرمة: انه سمع الوليد بن المغيرة من النبي صلى الله عليه وآله قوله (ان الله يأمر بالعدل
والاحسان) الآية، فقال: والله ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة (1) وان أعلاه
لمشمر وان أسفله لمغدق وما يقول هذا بشر.
ابن عباس ومجاهد في قوله: (وقال الذين كفروا لولا انزل عليه القرآن) جملة
واحدة كما أنزلت التوراة والإنجيل فقال الله تعالى كذلك متفرقا (لنثبت به فؤادك)
وذلك أنه كان يوحى إليه في كل حادثة، ولأنها نزلت على أنبياء يكتبون ويقرؤن
والقرآن نزل على نبي أمي، ولان فيه ناسخا ومنسوخا، وفيه ما هو جواب لمن سأله
عن أمور، وفيه ما هو إنكار لما كان، وفيه ما هو حكاية شئ جرى، ولم يزل صلى الله عليه وآله
يريهم الآيات ويخبرهم بالمغيبات فنزل (ولا تعجل بالقرآن) الآية، ومعناه لا تعجل
بقراءته عليهم حتى انزل عليك التفسير في أوقاته كما انزل عليك التلاوة.
باع خباب بن الأرت (2) سيوفا من العاص بن وائل فجاءه يتقاضاه فقال: أليس
يزعم محمد ان في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب وفضة وثياب وخدم؟ قال: بلى، قال
فانظرني اقضك هناك حقك فوالله لا تكون هنالك وأصحابك عند الله آثر مني، فنزل
(أفرأيت الذي كفر بآياتنا) إلى قوله (فردا).
وتكلم النضر بن الحارث مع النبي صلى الله عليه وآله فكلمه رسول الله حتى أفحمه ثم قال (انكم
وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) الآية، فلما خرج النبي قال ابن الزبعرى:
أما والله لو وجدته في المجلس لخصمته فاسألوا محمدا أكل ما يعبد من دون الله في جهنم
مع من عبده فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد عيسى، فأخبر
النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا ويل أمه أما علم أن ما لما لا يعقل ومن لمن يعقل، فنزلت (ان
الذين سبقت لهم) الآية،.
وقالت اليهود: ألست لم تزل نبيا؟ قال: بلى، قالت: فلم لم تنطق في المهد كما نطق
عيسى؟ فقال: ان الله عز وجل خلق عيسى من غير فحل فلولا انه نطق في المهد لما
كان لمريم عذر إذ اخذت بما يؤخذ به مثلها وانا ولدت بين أبوين.
واجتمعت إليه قريش فقالوا: إلى ما تدعونا يا محمد؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله
وخلع الأنداد كلها، قالوا: ندع ثلاثمائة وستين إلها ونعبد إلها واحدا! فنزل:

(1) الطلاوة: الحسن والبهجة.
(2) خباب بن الأرت التميمي: أبو عبد الله من السابقين في الاسلام وقد عذب كثيرا في الله
ثم شهد بدرا. ونزل أخيرا في الكوفة وتوفي بها سنة 37 ه‍.
49

(وعجبوا ان جائهم منذر منهم) إلى قوله (عذاب).
نزل أبو سفيان وعكرمة وأبو الأعور السلمي على عبد الله بن أبي و عبد الله بن
أبي سرح فقالوا: يا محمد ارفض ذكر آلهتنا وقل ان لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربك
فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله فأمر وأخرجوا من المدينة ونزل (ولا تطع الكافرين)
من أهل مكة (والمنافقين) من أهل المدينة.
ابن عباس: عيروا النبي بكثرة التزوج وقالوا: لو كان نبيا لشغلته النبوة عن
تزوج النساء، فنزل (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك).
ابن عباس، والأصم: كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي عند المقام فمر به أبو جهل فقال:
يا محمد ألم أنهك عن هذا؟! وتوعده، فأغلظ له رسول الله واتهره، فقال: يا محمد بأي
شئ تتهددني؟ أما والله اني لأكبر هذا الوادي ناديا، فنزل (أرأيت الذي ينهى) إلى
قوله (فليدع ناديه سندع الزبانية) فقال ابن عباس: لو نادى لاخذته الزبانية
بالعذاب مكانه.
القرطي، قالت قريش: يا محمد شتمت الآلهة وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة
فان طلبت ما لا أعطيناك أو الشرف سودناك أو كان بك علة داويناك؟ فقال صلى الله عليه وآله
ليس شئ من ذلك بل بعثني الله إليكم رسولا وأنزل كتابا فان قبلتم ما جئت به فهو
حظكم في الدنيا والآخرة وان تردوه اصبر حتى يحكم الله بيننا، قالوا: فسل ربك
ان يبعث ملكا يصدقك ويجعل لنا كنوزا وجنانا وقصورا من ذهب أو يسقط علينا
السماء كما زعمت أو تأتي بالله والملائكة قبيلا، فقال عبد الله بن أمية المخزومي: والله
لا أؤمن بك حتى تتخذ سلما إلى السماء ثم ترقى فيه وانا انظر، فقال أبو جهل: انه
أبى إلا سب الآلهة وشتم الآباء وانى أعاهد الله لأحملن حجرا فإذا جد ضربت
به رأسه. فانصرف النبي صلى الله عليه وآله حزينا فنزل (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا).
الكلبي، قالت قريش: يا محمد تخبرنا عن موسى وعيسى وعاد وثمود فلت بآية حتى
نصدقك، فقال صلى الله عليه وآله: أي شئ تحبون ان آتيكم به؟ قالوا: اجعل لنا الصفا ذهبا
ولبعث؟ لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك وأرنا الملائكة يشهدون لك أو ائتنا بالله
والملائكة قبيلا، فقال صلى الله عليه وآله: فان فعلت بعض ما تقولون أتصدقونني؟ قالوا: والله
لو فعلت لنتبعنك أجمعين، فقام صلى الله عليه وآله يدعو ان يجعل الصفا ذهبا، فجاء جبرئيل (ع)
فقال: ان شئت أصبح الصفا ذهبا ولكن ان لم يصدقوا عذبتهم وان شئت تركتهم
حتى يتوب تائبهم، فقال صلى الله عليه وآله: بل يتوب تائبهم فنزل (وأقسموا بالله جهد
50

ايمانهم لئن جائهم نذير).
وروي ان قريشا كانوا يلعنون اليهود والنصارى بتكذيبهم الأنبياء ولو اتاهم
نبي لنصروه، فلما بعث الله النبي كذبوه فنزلت هذه الآية وكانوا يشيرون إليه
بالأصابع بما حكى الله عنهم: (وإذا رآك الذين كفروا ان يتخذونك إلا هزوا)
يقول بعضهم لبعض (أهذا الذي يذكر آلهتكم) وذلك قوله: انها جماد لا تنفع ولا
تضر (وهم بذكر الرحمن هم كافرون).
ومشش (1) أبي بن خلف بعظم رميم ففته في يده ثم نفخه فقال: أتزعم ان ربك
يحيي هذا بعد ما ترى، فنزل (وضرب لنا مثلا) السورة.
وذكروا انه كان إذا قدم على النبي صلى الله عليه وآله وفد؟ ليعلموا علمه انطلقوا بأبي لهب
إليهم وقالوا له: اخبر عن ابن أخيك، فكان يطعن في النبي وقال الباطل وقال: انا
لم نزل نعالجه من الجنون فيرجع القوم ولا يلقونه.
طارق المحاربي: رأيت النبي صلى الله عليه وآله في سويقة؟ ذي المجاز عليه حلة حمراء وهو
يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وأبو لهب يتبعه ويرميه بالحجارة
وقد أدمى كعبه وعرقوبيه وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب.
كتاب الشيصان، روى أبو أيوب الأنصاري ان النبي صلى الله عليه وآله وقف بسوق ذي المجاز
فدعاهم إلى الله والعباس قائم يسمع الكلام فقال: اشهد انك كذاب، ومضى إلى أبي لهب
وذكر ذلك فأقبلا يناديان ان ابن أخينا هذا كذاب فلا يغرنكم عن دينكم. قال:
واستقبل النبي أبو طالب فاكتنفه واقبل على أبي لهب والعباس فقال لهما: ما تريدان
تربت أيديكما والله انه لصادق القيل، ثم أنشأ أبو طالب:
أنت الأمين امين الله لا كذب * والصادق القول لا لهو ولا لعب
أنت الرسول رسول الله نعلمه * عليك تنزل من ذي العزة الكتب
مقاتل: انه رفع أبو جهل يوما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد أنت من
ذلك الجانب ونحن من هذا الجانب، فاعمل أنت على دينك ومذهبك، واننا عاملون
على ديننا ومذهبنا، فنزل (وقالوا في قلوبنا أكنة ان يفقهوه).
ابن عباس: كان جماعة إذا صح جسم أحدهم ونتجت فرسه وولدت امرأته
غلاما وكثرت ماشيته رضى بالاسلام وان اصابه وجع أو سوء قال: ما أصبت في
هذا الدين إلا سوء، فنزل (ومن الناس من يعبد الله على حرف).

(1) مش الشئ مسحه باليد والخلط، والتمشش لمس أطراف العظام والتمشيش: استخراج المخ.
51

ونهى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الصلاة وقال: ان رأيت محمدا يصلي لأطأن
عنقه، فنزل (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا).
ابن عباس في قوله (وان كادوا ليفتنونك بالذي أوحينا) قال وفد ثقيف: نبايعك
على ثلاث: لا ننحني، ولا نكسر آلها بأيدينا، وتمتعنا باللات سنة. فقال صلى الله عليه وآله:
لا خير في دين ليس فيه ركوع وسجود، فأما كسر أصنامكم بأيديكم فذاك لكم
واما الطاغية اللات فاني غير ممتعكم بها. قالوا: أجلنا سنة حتى نقبض ما يهدى لآلهتنا
فإذا قبضناها كسرناها وأسلمنا، فهم بتأجيلهم فنزلت هذه الآية
قال قتادة: فلما سمع قوله (ثم لا تجد لك علينا نصيرا) قال: اللهم لا تكلني إلى
نفسي طرفة عين أبدا.
وكان النبي صلى الله عليه وآله يطوف فشتمه عقبة بن أبي معيط والقى عمامته في عنقه وجره
من المسجد فأخذوه من يده.
وكان صلى الله عليه وآله يوما جالسا على الصفا فشتمه أبو جهل ثم شج رأسه. قال حمزة بن
عبد المطلب:
لقد عجبت لأقوام ذوي سفه * من القبيلين من سهم ومخزوم
القائلين لما جاء النبي به * هذا حديث أتانا غير ملزوم
فقد أتاهم بحق غير ذي عوج * ومنزل من كتاب الله معلوم
من العزيز الذي لا شئ يعدله * فيه مصاديق من حق وتعظيم
فان يكونوا له ضدا يكن لكم ضدا * بغلباء مثل الليل علكوم (1)
فآمنوا بني لا أبالكم * ذي خاتم صاغه الرحمن مختوم
فصل: في استظهاره صلى الله عليه وآله بأبى طالب
تاريخ الطبري والبلاذري: انه لما نزل (فاصدع بما تؤمر) صدع النبي ونادى
قومه بالاسلام، فلما نزل (انكم وما تعبدون من دون الله) الآيات، أجمعوا على
خلافه فحدب عليه أبو طالب ومنعه، فقام عتبة والوليد وأبو جهل والعاص إلى
أبي طالب فقالوا: ان ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل
آباءنا فأما ان تكفه عنا واما ان تخلي بيننا وبينه، فقال لهم أبو طالب قولا رقيقا

(1) الغلباء: الغليظ العنق، والعرب تصف الاشراف السادة بغلظ الرقبة وطولها.
والعلكوم: القوية الصلبة يصف الناقة. ويحتمل أن يكون الموصوف بهما الناقة أو الجماعة.
52

وردهم ردا جميلا، فمضى رسول الله صلى الله عليه وآله على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه
وأسلم بعض الناس فانهمشوا (1) إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا: ان لك سنا
وشرفا ومنزلة وانا قد اشتهيناك ان تنهى ابن أخيك فلم ينته، وانا والله لا نصبر على
هذا من شتم آباءنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله في ذلك
حتى يهلك أحد الفريقين، فقال أبو طالب للنبي صلى الله عليه وآله: ما بال أقوامك يشكونك؟
فقال صلى الله عليه وآله: اني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم
بها العجم الجزية، فقالوا: كلمة واحدة؟ قال: نعم وأبيك - عشرا - قال أبو طالب:
وأي كلمة هي يا بن أخي؟ قال: لا إله إلا الله، فقاموا ينفضون ثيابهم ويقولون: أجعل
الآلهة إلها واحدا ان هذا لشئ عجاب.
قال ابن إسحاق: ان أبا طالب قال له في السر: لا تحملني مالا أطيق، فظن
رسول الله انه قد بدا لعمه وانه خاذله وانه قد ضعف عن نصرته، فقال: يا عماه لو
وضعت الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا القول حتى أنفذه أو اقتل
دونه، ثم استعبر فبكى ثم قام يولي فقال أبو طالب: امض لأمرك فوالله ما أخذلك
ابدا. وفي رواية أنه قال صلى الله عليه وآله: ان الله تعالى امرني ان ادعو إلى دينه الحنيفية،
وخرج من عنده مغضبا، فدعاه أبو طالب وطيب قلبه ووعده بالنصر ثم أنشأ يقول
والله لن يصلوا إليك. بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وانشر بذاك وقر منك عيونا
ودعوتني وزعمت انك ناصح * فلقد صدقت وكنت قبل أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه * من خير أديان البرية دينا
لولا المخافة أن يكون معرة (2) * لوجدتني سمحا بذاك مبينا
الطبري والواحدي باسنادهما عن السدي، وروى ابن بابويه في كتاب النبوة عن
زين العابدين (ع) انه اجتمعت قريش إلى أبي طالب ورسول الله صلى الله عليه وآله عنده فقالوا
نسألك من ابن أخيك النصف، قال: وما النصف منه؟ قالوا: يكف عنا ونكف عنه
فلا يكلمنا ولا نكلمه ولا يقاتلنا ولا نقاتله إلا أن هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب
وزرعت الشحناء وأنبتت البغضاء، فقال: يا بن أخي أسمعت؟ قال: يا عم لو أنصفني
بنو عمي لأجابوا دعوتي وقبلوا نصيحتي ان الله تعالى أمرني ان ادعوا إلى دينه الحنيفية

(1) يقال للناس إذا كثروا، فأقبلوا وأدبروا واختلطوا رأيتهم يهتمشون همشة.
(2) المعرة: الاثم والأذى.
53

ملة إبراهيم، فمن أجابني فله عند الله الرضوان والخلود في الجنان، ومن عصائي قاتلته
حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. فقالوا: قل له يكف عن شتم آلهتنا فلا يذكرها
بسوء، فنزل (قل أفغير الله تأمروني أعبده)، قالوا: إن كان صادقا فليخبرنا من
يؤمن منا ومن يكفر فان وجدناه صادقا آمنا بيه، فنزل (وما كان الله ليذر المؤمنين)
قالوا: والله لنشتمنك وإلهك، فنزل (وانطلق الملا منهم)، قالوا: قل له فليعبد
ما نعبد ونعبد ما يعبد فنزلت سورة الكافرين، فقالوا: قل له أرسله الله الينا خاصة أم
إلى الناس كافة؟ قال: بل أرسلت إلى الناس كافة إلى الأبيض والأسود ومن على
رؤس الجبال ومن في لجج البحار ولادعون السنة فارس والروم (يا أيها الناس اني
رسول الله إليكم جميعا)، فتجبرت قريش واستكبرت وقالت: والله لو سمعت بهذا
فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا ولقلعت الكعبة حجرا حجرا، فنزل (وقالوا
ان نتبع الهدى معك) وقوله (ألم تر كيف فعل ربك)، فقال مطعم بن عدي: والله
يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على أن يتخلصوا مما تكرهه فما أراك تريد
أن تقبل منهم شيئا، فقال أبو طالب: والله ما أنصفوني ولكنك قد اجتمعت على
خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك، فوثبت كل قبيلة على ما فيها من المسلمين
يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وآله، ومنع الله رسوله بعمه
أبي طالب منهم، وقد قام أبو طالب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم
فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله والقيام دونه إلا أبا لهب كما قال الله:
(ولينصرن الله من ينصره)، وقدم قوم من قريش من الطائف وأنكروا ذلك
ووقعت فتنة فأمر النبي المسلمون أن يخرجوا إلى أرض الحبشة.
ابن عباس: دخل النبي صلى الله عليه وآله الكعبة وافتتح الصلاة فقال أبو جهل: من يقوم
إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعرى وتناول فرثا ودما وألقى ذلك
عليه، فجاء أبو طالب وقد سل سيفه فلما رأوه جعلوا ينهضون فقال: والله لئن قام
أحد جللته بسيفي، ثم قال: يا بن أخي من الفاعل بك هذا؟ قال: عبد الله، فأخذ
أبو طالب فرثا ودما وألقى عليه. وفي روايات متواترة انه أمر عبيده ان يلقوا
السلام (1) عن ظهره ويغسلوه ثم أمرهم أن يأخذوه فيمروا على أسبلة القوم بذلك.
وفي رواية البخاري ان فاطمة أماطته (2) ثم أوسعتهم شتما وهم يضحكون، فلما سلم

(1) أراد بالسلا هنا الجلدة التي يكون فيها الولد من المواشي جمعها أسلاء.
(2) أي نحته وأبعدته.
54

النبي قال: اللهم عليك الملا من قريش اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة
وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف، فوالله الذي لا إله إلا هو
ما سمى النبي يومئذ أحدا إلا وقد رأيته يوم بدر وقد أخذ برجله تجر إلى القليب
مقتولا إلا أمية فإنه كان متنفخا في درعة فتزايل من جره فأقروه والقوا عليه الحجر
محمد بن إسحاق: وقف النبي صلى الله عليه وآله على قليب بدر فقال: بئس عشيرة الرجل كنتم
لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني؟
الناس، ثم قال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فقد وجدت ما وعدني ربي حقا،
ثم قال: انهم يسمعون ما أقول، فقال حسان:
يناديهم رسول الله لما * قذفناهم كمألب في القليب
ألم تجدوا حديثي كان حقا وأمر الله يأخذ بالقلوب
الطبري والبلاذري والضحاك قال: لما رأت قريش حمية قومه وذب عمه أبو طالب
عنه جاؤوا إليه وقالوا: جئناك بفتى قريش جمالا وجودا وشهامة عمارة بن الوليد ندفعه
إليك بكون نصره وميراثه لك ومع ذلك من عندنا مال وتدفع الينا ابن أخيك الذي
فرق جماعتنا وسفه أحلامنا فنقتله، فقال: والله ما أنصفتموني أتعطونني ابنكم
أغذوه لكم وتأخذون ابني تقتلونه؟! هذا والله ما لا يكون أبدا أتعلمون ان الناقة
إذا فقدت ولدها لا تحن إلى غيره، ثم نهرهم فهموا باغتياله فمنعهم أبو طالب من ذلك
وقال فيه:
حميت الرسول رسول الاله * ببيض تلالا مثل البروق
أذب وأحمي رسول الاله * حماية عم عليه شفيق
وأنشد أيضا:
يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى * وغالب لنا غلاب كل مغالب
وسلم الينا أحمدا واكفلن لنا * بنيا ولا تحفل بقول المعاتب
فقلت لهم الله ربى وناصري * على كل باغ من لوي بن غالب
مقاتل: لما رأت قريش يعلو أمره قالوا: لا نرى محمدا يزداد إلا كبرا وتكبرا وان
هو إلا ساحر أو مجنون، وتوعدوه وتعاقدوا لئن مات أبو طالب ليجمعن قبائل
قريش كلها على قتله، وبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وأحلافهم من قريش
فوصاهم برسول الله وقال: ان ابن أخي كما يقول أخبرنا بذلك آباؤنا وعلماؤنا ان
محمدا نبي صادق وأمين ناطق وان شأنه أعظم شأن ومكان من ربه أعلى مكان فأجيبوا
55

دعوته واجتمعوا على نصرته وارموا عدوه من وراء حوزته فإنه الشرف الباقي لكم
مدى الدهر وأنشأ يقول:
أوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وعم الخير عباسا
وحمزة الأسد المخشي صولته * وجعفرا أن تذودوا دونه الباسا
وهاشما كلها أوصي بنصرته * ان يأخذوا دون حرب القوم امراسا
كونوا فداء لكم نفسي وما ولدت * من دون احمد عند الروع أتراسا
بكل ابيض مصقول عوارضه * تخاله في سواد الليل مقباسا
وخص أخاه حمزة على اتباعه إذ اقبل حمزة متوشحا بقوسه راجعا من قنص له
فوجد النبي صلى الله عليه وآله في دار أخته محموما وهي باكية فقال: ما شأنك؟ قالت: ذل الحمى
يا أبا عمارة لو لقيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبى الحكم بن هشام وجده ههنا
جالسا فآذاه وسبعه وبلغ منه ما يكره، فانصرف ودخل المسجد وشج رأسه شجة
منكرة فهم أقرباؤه بضربه فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة لكيلا يسلم، ثم عاد حمزة
إلى النبي وقال: عز بما صنع بك، ثم اخبره بصنيعه فلم يهش النبي وقال: يا عم لانت
منهم، فأسلم حمزة فعرفت قريش ان رسول الله قد عزوان حمزة سيمنعه، قال ابن
عباس: فنزل (أو من كان ميتا فأحييناه) وسر أبو طالب وأنشأ يقول:
صبرا أبا يعلى على دين احمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا
وحط من أتى بالدين من عند ربه * بصدق وحق لانكن حمز كافرا
فقد سرني إذ قلت انك مؤمن * فكن لرسول الله في الله ناصرا
فناد قريشا بالذي قد أتيته * جهارا وقل ما كان احمد ساحرا
وقال لابنه طالب (1):
أبني طالب ان شيخك ناصح * فيما يقول مسدد لك رانق
فاضرب بسيفك من أراد مساءة * حتى تكون لدى المنية ذائق
هذا رجائي فيك بعد منيتي * لا زلت فيك بكل رشد واثق؟
فاعضد قواه يا بني وكن له * انى بحدك لا محالة لاحق
آها أردد حسرة لفراقه * إذ لم أراه قد تطاول باسق
" المناقب ج 1، م 7 "

(1) يلاحظ القارئ اضطراب هذه الأبيات ومجئ قافية ذائق وواثق وباسق مرفوعة مع أن
حكمها النصب. والظاهر أن الألفاظ محرفة عن أصلها الأول والا فأبو طالب من بلغاء
العرب المشهورين.
56

أترى أراه واللواء أمامه * وعلي ابني للواء معانق
أتراه يشفع لي ويرحم عبرتي * هيهات انى لا محالة زاهق
وكتب إلى النجاشي (تعلم أبيت اللعن ان محمدا) الأبيات، فأسلم النجاشي وكان
قد سمع مذاكرة جعفر وعمرو بن العاص ونزل فيه (وإذا سمعوا ما انزل إلى الرسول)
إلى قوله (أجر المحسنين).
عكرمة وعروة بن الزبير وحديثهما لما رأت قريش انه يفشو أمره في القبائل
وان حمزة أسلم وان عمرو بن العاص رد في حاجته عند النجاشي، فأجمعوا أمرهم
ومكرهم على أن يقتلوا رسول الله علانية، فلما رأى ذلك أبو طالب جمع بني عبد المطلب
فأجمع لهم أمرهم على أن يدخلوا رسول الله شعبهم فاجتمع قريش في دار الندوة وكتبوا
صحيفة على بني هاشم ان لا يكلموهم ولا يزوجوهم ولا يتزوجوا إليهم ولا يبايعوهم
أو يسلموا إليهم رسول الله وختم عليها أربعون خاتما وعلقوها في جوف الكعبة.
وفي رواية عند زمعة (1) بن الأسود فجمع أبو طالب بني هاشم وبني عبد المطلب
في شعبه وكانوا أربعين رجلا مؤمنهم وكافرهم ما خلا أبا لهب وأبا سفيان فظاهراهم
عليه فحلف أبو طالب لئن شاكت محمدا شوكة لآتين عليكم يا بني هاشم وحصن الشعب
وكان يحرسه بالليل والنهار، وفي ذلك يقول:
ألم تعلموا انا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب
أليس أبونا هاشم شد ازره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
وان الذي علقتم من كتابكم * يكون لكم يوما كراعية السقب
أفيقوا أفيقوا قبل ان يحفر الثرى * ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب
وله أيضا:
وقالوا خطة جورا وحمقا * وبعض القول أبلج مستقيم
لتخرج هاشم فيصير منها * بلاقع بطن مكة والحطيم
فمهلا قومنا لا تركبونا * بمظلمة لها أمر وخيم
فيندم بعضكم ويذل بعض * وليس بمفلح ابدا ظلوم
فلا والراقصات بكل خرق * إلى معمور مكة لا يريم (2)

(1) زمعة بالفتح والتحريك: والد سودة أم المؤمنين.
(2) في نسخة: الرافضات بدلا من الراقصات، فالأولى جمع رافضة وهي من الإبل التي
ترعى وحدها، والثانية من الرقص بمعنى الجنب للإبل وغيرها. والخرق: القفر والأرض
الواسعة... ولا يريم: لا يحول.
57

طوال الدهر حتى تقتلونا * ونقتلكم وتلتقي الخصوم
ويعلم معشر قطعوا وعقوا * بأنهم هم الجلد الظليم
أرادوا قتل احمد ظالموه * وليس لقتله فيهم زعيم
ودون محمد فتيان قوم * هم العرنين والعضو الصميم (1)
وكان أبو جهل والعاص بن وائل والنضر بن الحرث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط
يخرجون إلى الطرقات فمن رأوا معه ميرة نهوه ان يبيع من بني هاشم شيئا ويحذرونه
من النهب فأنفقت خديجة على النبي فيه ما لا كثيرا، ومن قصيدة لأبي طالب:
فأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا * على ساخط من قومنا غير معتب
فلا تحسبونا خاذلين محمدا * لدى غربة منا ولا متقرب
ستمنعه منا يد همائمية * مركبها في الناس خير مركب
فلا والذي تخذى له كل نضوة * طليح نجي نجلة فالمحصب (2)
يمينا صدقنا الله فيها ولم نكن * لنحلف كذبا بالعتيق المحجب (3)
نفارقه حتى نصرع حوله * وما نال تكذيب النبي المقرب
وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا اخذ مضجعه ونامت العيون جاءه أبو طالب فأنهضه
عن مضجعه واضجع عليا مكانه ووكل عليه ولده وولد أخيه، فقال علي (ع):
يا أبتاه انى مقتول ذات ليلة، فقال أبو طالب:
اصبرن يا بني فالصبر احجى * كل حي مصيره لشعوب
قد بلوناك والبلاء شديد * لفداء النجيب وابن النجيب
لفداء الاعزذي الحسب الثاقب * والباع والفناء الرحيب
ان تصبك المنون بالنبل تبرئ * فمصيب منها وغير مصيب
كل حي وان تطاول عمرا * آخذا من سهامها بنصيب

(1) العرنين بالكسر من كل شئ: أوله. والصميم: العظيم الذي به قوام العضو.
(2) تخذي: تسترخي. والنضوة بالكسر: الناقة المهزولة. والكليح: كالمعنى السابق.
والنجى والنجلة: السريع والمحصب: الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح، والجملة القسية فصلت
بين لا الناسية ومدخولها.
(3) في الأصل فينا بدلا عن فيها إذا لضمير راجع إلى اليمين. وفي الأصل بطلا بدل كذبا
فصحح. والمحجب هو البيت الحرام.
58

فقال علي عليه السلام:
أتأمرني بالصبر في نصر أحمد * ووالله ما قلت الذي قلت جازعا
ولكنني أحببت أن ترتضونني * وتعلم اني لم أزل لك طائعا
وسعيي لوجه الله في نصر أحمد * نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا
وكانوا لا يأمنون إلا في موسم العمرة في رجب وموسم الحج في ذي الحجة
فيشترون ويبيعون فيهما. وكان النبي صلى الله عليه وآله في كل موسم يدور على قبائل العرب
فيقول لهم: تمنعون لي جانبي حتى أتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة،
وأبو لهب في اثره يقول: انه ابن أخي وهو كذاب ساحر، فأصابهم الجهد.
وبعثت قريش إلى أبي طالب: ادفع الينا محمدا حتى نقتله ونملكك علينا، فأنشأ
أبو طالب اللامية التي يقول فيها: (وابيض يستسقى الغمام بوجهه) فلما سمعوا هذه
القصيدة أيسوا منه. فكان أبو العاص بن الربيع وهو ختن (1) رسول الله صلى الله عليه وآله
يجئ بالعير (2) بالليل عليها البر والتمر إلى باب الشعب (3) ثم تصبح بها فحمد النبي
فعله فمكثوا بذلك أربع سنين. وقال ابن سيرين ثلاث سنين.
وفي كتاب شرف المصطفى: فبعث الله على صحيفتهم الأرضة (4) فلحستها فنزل
جبرئيل فأخبر النبي صلى الله عليه وآله بذلك فأخبر النبي أبا طالب، فدخل أبو طالب على قريش
في المسجد فعظموه وقالوا: أردت مواصلتنا وأن تسلم ابن أخيك الينا؟ قال: لا والله
ما جئت لهذا ولكن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني ان الله قد أخبره بحال صحيفتكم
فابعثوا إلى صحيفتكم، فإن كان حقا فاتقوا الله وارجعوا عما أنتم عليه من الظلم وقطيعة
الرحم، وإن كان باطلا دفعته إليكم. فأتوا بها وفكوا الخواتيم فإذا فيها باسمك اللهم
واسم محمد فقط، فقال لهم أبو طالب: اتقوا الله وكفوا عما أنتم عليه، فسكتوا
وتفرقوا فنزل (ادع إلى سبيل ربك) قال: كيف أدعوهم وقد صالحوا على ترك
الدعوة؟ فنزل (يمحو الله ما يشاء ويثبت)، فسأل النبي صلى الله عليه وآله نوفل بن عبد مناف
الذي أجار النبي لما انصرف من الطائف، وزهير بن أمية المخزومي ختن أبي طالب على

(1) الختن؟ بفتحتين: كل من كان من قبل المرأة مثل الأب والأخ جمعه أختان.
(2) العير بالكسر: كل ما امتير عليه إبلا كانت أو حميرا.
(3) الشعب بالفتح: ما انقسمت فيه قبائل العرب والجمع شعوب مثل فلس وفلوس. ويقال
للشعب: الحي العظيم.
(4) الأرضة كقصة: دويبة تأكل الخشب.
59

ابنته عاتكة، وهشام بن عمرو بن لوي بن غالب، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن
الأسود بن المطلب وقال هؤلاء السبعة: أخرقها (1) الله، وعزموا أن يقطعوا يمين
كاتبها وهو منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار فوجدوها شلاه؟
فقالوا: قطعها الله، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله في الدعوة، وفي ذلك يقول أبو طالب:
ألا هل أتى بخدينا صنع ربنا * على نأيهم والله بالناس أرود
فيخبرهم ان الصحيفة مزقت * وان كل ما لم يرضه الله يفسد
يراوحها إفك وسحر مجمع * ولم تلق سحرا آخر الدهر يصعد
وقال أيضا:
وقد كان من أمر الصحيفة عبرة * متى ما يخبر غائب القوم يعجب
محا الله منها كفرهم وعقوقهم * وما نقموا من ناطق الحق معرب
وأصبح ما قالوا من الامر باطلا * ومن يختاق ما ليس بالحق يكذب
وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا * على سخط من قومنا غير معتب
وله أيضا:
تطاول ليلي بهم نصب * ودمعي كسح السقاء السرب (2)
ولعب قصي بأحلامها * وهل يرجع الحلم بعد اللعب (3)
ونفى قصي بني هاشم * كنفي الطهاة لطاف الحطب (4)
وقول لأحمد أنت امرؤ * خلوق الحديث ضعيف النسب
ألا ان أحمد قد جاءهم * بحق ولم يأتهم بالكذب
على أن إخواننا وازروا * بني هاشم وبني المطلب
هما اخوان كعظم اليمين * أمرا علينا لعقد الكرب
فيا لقصي ألم تخبروا * بما قد خلا من شؤون العرب
فلا تمسكن بأيديكم * بعيد الأنوق لعجب الذنب (5)

(1) أي الصحيفة.
(2) السح: الصب والسيلان من فوق، وفي نسخة سفح تقول سنح الدمع: أرسله، والدم
أراقه، والسرب بالتحريك: الماء السائل.
(3) قصي كسمي: قصي بن كلاب.
(4) الطهاة: جمع طاهي وهو الطباخ.
(5) الأنوق: العذاب والعجب (وزان فلس) من كل دابة ما ضمت عليه الورك من
أصل الذنب.
60

ورمتم بأحمد ما رمتم * على الاصرات وقرب النسب (1)
فاني وما حج من راكب * وكعبة مكة ذات الحجب
تنالون أحمد أو تصطلوا * ظبات الرماح وحد القضب (2)
وتفترقوا بين أبنائكم * صدور العوالي وخيلا عصب
فصل: فيما لقبه صلى الله عليه وآله من قومه بعد موت عمه
الزهري في قوله: (ولقد مكناكم) الآيات، قال: لما توفي أبو طالب لم يجد
النبي صلى الله عليه وآله ناصرا ونثروا على رأسه التراب قال: ما نال مني قريش شيئا حتى مات
أبو طالب.
وكان يستتر من الرمي بالحجر الذي عند باب البيت من يسار من يدخل وهو ذراع
وشبر في ذراع إذا جاءه من دار أبي لهب ودار عدي بن حمران، لما نزلت (تبت
يدا أبي لهب) جاءت أم جميل عمة معاوية إلى النبي صلى الله عليه وآله وبيدها فهر ولها ولولة وهي
تقول: مذمما أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، والنبي في المسجد فقيل يا رسول الله
قد أقبلت أم جميل وانا نخاف أن تراك، فقال: انها لن تراني، فوقفت على المسجد
وقالت: قد بلغني ان صاحبكم هجاني، فقالوا: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت
وهي تقول: قد علمت قريش اني ابنة سيدها.
الزهري في قوله تعالى: (فان تولوا فقل حسبي الله) الآية، لما توفي أبو طالب
واشتد عليه البلاء عمد إلى ثقيف بالطائف رجاء أن يؤوه سادتها: عبد نائل ومسعود
وحبيب بنو عمرو بن نمير الثقفي فلم يقبلوه وتبعه سفهاؤهم بالأحجار ودموا رجليه
فخلص منهم واستظل في ظل حبلة (3) منه وقال: اللهم إني أشكو إليك من ضعف
قوتي وقلة حيلتي: وناصري وهو انى على الناس يا أرحم الراحمين، فأنفذ عتبة وشيبة
ابنا ربيعة إليه بطبق عنب على يدي غلام يدعى عداسا وكان نصرانيا فلما مد يده
وقال: بسم الله، فقال: ان أهل هذا البلد لا يقولونها، فقال النبي صلى الله عليه وآله: من أين
أنت؟ قال: من بلدة نينوى، فقال صلى الله عليه وآله: من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى
قال: وبما تعرفه؟ قال: أنا رسول الله والله أخبرني خبر يونس، فخر عداس ساجدا

(1) الاصرات جمع اصرة: وهي الرحم ولقرابة.
(2) الظبات جمع ظبة: حد السنان والسيف ونحوهما، والقضب: السيف القطاع.
(3) الحيلة بالضم وتحرك: الكرم أو أصل من أصوله.
61

لرسول الله وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء، فقال عتبة لأخيه: قد أفسد عليك
غلامك، فلما انصرف عنه سئل عن مقالته فقال: والله انه نبي صادق، فقالوا: ان
هذا رجل خداع لا يفتننك عن نصرانيتك، وقالوا: لو كان محمد نبيا لشغلته النبوة عن
النساء ولأمكنه جميع الآيات ولأمكنه منع الموت عن أقاربه. ولما مات أبو طالب
وخديجة فنزل (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك).
وروي عن الحسن العسكري (ع) في خبر ان أبا جهل كتب إلى النبي صلى الله عليه وآله
بالمدينة: ان الحيوط التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة ورمت بك إلى يثرب
وانها لا تزال تنفرك، إلى آخره. فكان جواب النبي: ان أبا جهل بالمكاره والعطب
يتهددني ورب العالمين بالنصر والظفر عليه يعدني وخبر الله أصدق والقبول من الله
أحق لن يضر محمدا من خذله أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله ويتفضل بجوده
وكرمه يا أبا جهل انك راسلتني بما ألقاه في جلدك الشيطان وأنا أجيبك بما ألقاه في
خاطري الرحمن ان الحرب بيننا وبينك كافية إلى تسعة وعشرين وان الله سيقتلك فيها
بأضعف أصحابي وستلقى أنت وعتبة وشيبة والوليد وفلان وفلان، وذكر عددا من
قريش في قليب اقتل منكم سبعين وأوسر منكم سبعين أحملهم على الفدا أو القتل،
ثم نادى: ألا تحبون أن أريكم مصرع كل واحد من هؤلاء هلموا إلى بدر فان هناك
الملتقى والمحشر وهناك البلاء الأكبر، فلم يجبه إلا علي وقال: نعم بسم الله، فقال لليهود
اخطوا خطوة واحدة فان الله يطوي الأرض لكم ويوصلكم؟ إلى هناك، فخطى
القوم خطوة ثم الثانية فإذا هم عند بئر بدر، فقال: هذا مصرع عتبة وذاك مصرع
الوليد، إلى أن سمى تمام سبعين، وسيؤسر فلان وفلان إلى أن ذكر سبعين منهم،
فلما انتهوا إلى آخرها قال: هذا مصرع أبي جهل يخرجه فلان الأنصاري ويجهز
عليه عبد الله بن مسعود أضعف أصحابي، ثم قال: ان ذلك لحق كائن بعد ثمانية
وعشرين يوما.
كم در جهل أبي جهل بمجهلة * وشاب شيبة قبل الموت من وجل
وقال حسان بن ثابت:
متى يبد في الليل البهيم جبينه * يلوح كمصباح الدجى المتوقد
فمن كان أو من ذا يكون كأحمد * نظاما لحق أو نكالا لملحد؟
وقال بحير بن زهير:
أتانا نبي بعد يأس وفترة * من الله والأوثان في الأرض تعبد
62

وشق له من اسمه لجلاله * فذو العرش محمود وهذا محمد
وأشركه في ذكره جل ذكره * تخلد في الجنات فيمن تخلدوا
أغر عليه للنبوة خاتم * من الله مشهود يلوح ويشهد
وقال غيره:
محمد خير من يمشي على قدم * ممن برى الله من انس ومن جان
هو الذي قدر الله القضاء له * ألا يكون في خلقه ثان
هو الذي امتحن الله القلوب به * عما تجمجم من كفر وايمان (1)
وقال آخر:
لبست رداء الفخر في صلب آدم * فما تنتهي إلا إليك المفاخر
ولله بدر في السماء منور * وأنت لنا بدر على الأرض زاهر
فصل: في حفظ الله تعالى له من المشركين وكيد؟ الشياطين
جابر بن عبد الله: ان النبي صلى الله عليه وآله نزل تحت شجرة فعلق بها سيفه ثم نام، فجاء
أعرابي فأخذ السيف وقام على رأسه فاستيقظ النبي فقال: يا محمد من يعصمك الآن
مني؟ قال: الله تعالى، فرجف وسقط السيف من يده. وفي خبر آخر انه بقي جالسا
زمانا ولم يعاقبه النبي صلى الله عليه وآله.
الثمالي في تفسير قوله: (يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم) إذ هم قوم ان
القاصد إلى النبي كان دغثور بن الحارث فدفع جبرئيل في صدره فوقع السيف من يده
فأخذه رسول الله وقام على رأسه فقال: ما يمنعك مني؟ فقال: لا أحد وأنا أعهد أن
لا أقاتلك أبدا ولا أعين عليك عدوا، فأطلقه. فسئل بعد انصرافه عن حاله؟ قال:
نظرت إلى رجل طويل أبيض دفع في صدري فعرفت انه ملك. ويقال: انه أسلم
وجعل يدعو قومه إلى الاسلام.
حذيفة وأبو هريرة: جاء أبو جهل إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو يصلي ليطأ على رقبته
فجعل ينكص على عقبيه فقيل له: مالك؟ قال: ان بيني وبينه خندقا من نار مهولا
ورأيت ملائكة ذوي أجنحة، فقال النبي: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا
فنزل (أفرأيت الذي ينهئ) الآيات.
ابن عباس: ان قريشا اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومناة لو رأينا

(1) نجمجم: تخفى.
63

محمدا لقمنا مقام رجل واحد ولنقتلنه، فدخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وآله باكية وحكت
مقالهم فقال: يا بنيه ادني وضوء، فتوضأ وخرج إلى المسجد، فلما رأوه قالوا: هاهوذا
وخفضت رؤسهم وسقطت أذقانهم في صدورهم فلم يصل إليه رجل منهم فأخذ النبي
قبضة من التراب فحصبهم بها وقال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلا منهم إلا
قتل يوم بدر.
محمد بن إسحاق: لما خرج النبي صلى الله عليه وآله مهاجرا تبعه سراقة بن جيشم مع خيله فلما
رآه رسول الله دعا فكأن قوائم فرسه ساخت (1) حتى تغيبت فتضرع إلى النبي حتى
دعا وصار إلى وجه الأرض فقصد كذلك ثلاثا والنبي يقول: يا أرض خذيه، وإذا
تضرع قال: دعيه، فكف بعد الرابعة أن لا يعود إلى ما يسوؤه. وفي رواية:
واتبعة دخان حتى استغاثه فانطلق الفرس فعذله أو جهل. وقال سراقة:
أبا حكم واللات لو كنت شاهدا * لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه
عجبت ولم تشكك بأن محمدا * نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه
عليك فكف الناس عنه فإنني * أرى أمره يوما سيبدو معالمه
وقال خطيب منبج:
ومن اخذت سراقة حين أهوى * إليه الأرض أخذة قاطنينا
فصاح به وناداه أقلني * فلست لمثلها في العايدينا
وقال نصر بن المنتصر:
من قال للأرض خذي فأخذت * عدوه لما رآه قد طغا
وقال آخر:
وفي سراقة آيات مبينة * إذ ساخت الحجر في حل بلا وحل
وكان صلى الله عليه وآله مارا في بطحاء مكة فرماه أبو جهل بحصاة، فوقعت الحصاة معلقه
سبعة أيام ولياليها فقالوا: من يرفعها؟ قال: يرفعه الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
عكرمة: لما غزا يوم حنين قصد إليه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عن يمينه فوجد
عباسا فأتى عن يساره فوجد أبا سفيان بن الحارث فأتى من خلفه فوقعت بينهما شواظ
من نار فرجع القهقرى فرجع النبي صلى الله عليه وآله إليه وقال: يا شيب يا شيب ادن مني اللهم
اذهب عنه الشيطان، قال: فنظرت إليه ولهو أحب إلي من سمعي وبصري، فقال
" مناقب ج 1، م 8 "

(1) ساخت: رسخت في الأرض.
64

يا شيب قاتل الكفار، فلما انقضى القتال دخل عليه فقال: الذي أراد الله بك خير مما
أردته لنفسك وحدثه بجميع ما زوى في نفسه، فأسلم.
ابن عباس في قوله (ويرسل الصواعق) قال: عامر بن الطفيل لأربد بن قيس
قد شغلته عنك مرارا فلا ضربنه؟ - يعني النبي -، فقال أربد: أردت ذلك مرتين
فاعترض لي في أحدهما حائط من حديد ثم رأيتك الثانية بيني وبينه، أفأقبلك؟
وفي رواية الكلبي انه لما اخترط من سيفه شبرا لم يقدر على سله فقال النبي صلى الله عليه وآله
اللهم اكفنيهما بما شئت. وفي رواية ان السيف لصق به.
وفي الروايات كلها انه لم يصل واحد منها إلى منزله، اما عامر ففد في ديار بني
سلول فجعل يقول: أغدة كغدة (1) البعير وموتا في بيت السلولية (2)، واما أربد
فارتفعت له سحابة فرمته بصاعقة فأحرقته وكان أخا لبيد لامه فقال يرثيه:
فجعني البرد والصواعق بال‍ * - فارس يوم الكريهة النجد (3)
أخشى على أربد الحتوف ولا * أرهب نوء السماك والأسد (4)
ابن عباس وأنس و عبد الله بن مغفل: ان ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا
من جبل التنعيم (5) عند صلاة الفجر عام الحديبية ليقتلوهم. وفي رواية: كان النبي
جالسا في ظل شجرة وبين يديه علي (ع) يكتب الصلح وهم ثلاثون شابا فدعا عليهم
النبي صلى الله عليه وآله فأخذ الله بأبصارهم حتى اخذناهم فخلى سبيلهم فنزل (وهو الذي كف
أيديهم عنكم).
ابن جبير وابن عباس ومحمد بن ثور في قوله: (فاصدع بما تؤمر) الآيات، كان
المستهزؤون به جماعة مثل: الوليد بن المغيرة المخزومي والأسود بن عبد يغوث الزهري وأبو
زمعة الأسود بن المطلب، والعاص بن وائل السهمي، والحرث بن عقبة السهمي،
وعقبة بن أبي معيط، وقيهلة بن عامر الفهري، والأسود بن الحرث، وأبو أجيحة

(1) الغدة: طاعون الإبل وقل أن تسلم منه.
(2) السلولية: نسبة إلى بني سلول.
(3) النجد بكسر الجيم: الشديد البأس.
(4) النوء: سقوط الكواكب، وكانت العرب في الجاهلية تنسب الأمطار إلى الأنواء
وسيأتي بيان ذلك.
(5) التنعيم: موضع على ثلاثة أو أربعة أميال من مكة أقرب أطراف الحل إلى البيت،
وقد سمي بذلك لان على يمينه جبل نعيم وعلى يساره جبل ناعم والوادي اسمه نعمان.
65

سعيد بن العاص، والنضر بن الحرث العبدري، والحكم بن العاص بن أمية، وعتبة
ابن ربيعة، وطعيمة بن عدي، والحرث بن عامر بن نوفل، وأبو البختري العاص
ابن هاشم بن أسد، وأبو جهل، وأبو لهب. وكلهم قد أفناهم الله بأشد نكال.
وكانوا قالوا له: يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فان رجعت عن قولك وإلا قتلناك،
فدخل صلى الله عليه وآله منزله وأغلق عليه بابه فأتاه جبرئيل ساعته فقال له: يا محمد السلام يقرأ
عليك السلام وهو يقول: اصدع بما تؤمر وأنا معك وقد أمرني ربي بطاعتك،
فلما أتى البيت رمى الأسود بن المطلب في وجهه بورقة خضراء فقال: اللهم أعم بصره
واثكله ولده فعمى وأثكله؟ الله ولده. وروي انه أشار إلى عينه فعمى وكان يضرب
رأسه على الجدار حتى هلك، ثم مر به الأسود بن عبد يغوث فأومى إلى بطنه فاستسقى
ماء ومات حبنا (1)، ومر به الوليد فأومى إلى جرح اندمل في بطن رجله من نبل
فتعلقت به شوكة فنن فخدشت ساقه ولم يزل مريضا حتى مات، ونزل فيه (سأرهقه
صعودا) وانه يكلف ان يصعد جبلا في النار من صخرة ملساء فإذا بلغ أعلاها لم
يترك ان يتنفس فيجذب إلى أسفلها ثم يكلف مثل ذلك، ومر به العاص فعابه فخرج
من بيته فلفحته السموم فلما انصرف إلى داره لم يعرفوه فباعدوه فمات غما، وروي
انهم غضبوا عليه فقتلوه، وروي انه وطأ على شبرقة (2) فدخلت في أخمص رجله
فقال: لدغت، فلم يزل يحكها حتى مات، ومر به الحارث فأومى إلى رأسه فتقيأ قيحا
ويقال: انه لدغته الحية، ويقال: خرج إلى كداء (3) فتدهده عليه حجر فتقطع،
واستقبل ابنه في سفر فضرب جبرئيل رأسه على شجرة وهو يقول: يا بني أدركني،
فيقول: لا أرى أحدا، حتى مات، واما الأسود بن الحارث أكل حوتا فأصابه
العطش فلم يزل يشرب الماء حتى انشقت بطنه، فأما قيهلة بن عامر فخرج يريد الطائف
ففقد ولم يوجد، واما عقبة فاستسقى فمات، ويقال: أتى بشوك فأصاب عينيه فسالت
حدقته على وجهه، واما أبو لهب فإنه سأل أبا سفيان عن قصة بدر فقال: انا لقيناهم
فمنحناهم أكتافنا فجعلوا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا، وأيم الله مع ذلك ما مكث
الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض لا يقوم لها شئ، فقال

(1) الحبن بالتحريك: داء في البطن يعظم منه ويرم
(2) الشبرق بكسر الشين والراء: نبت حجازي يؤكل وله شوك فإذا يبس سمي الصديع
(3) أوكدى، وكداء اسم لعرفات وجبل بأعلى مكة، وكدى كسمى جبل بأسفلهما، وكقرى
جبل على طريق اليمن، وكفتى ثنية بالطائف.
66

أبو رافع لام الفضل بنت العباس: تلك الملائكة، فجعل يضربني فضربت أم الفضل
على رأسه بعمود الخيمة فقلقت رأسه شجة منكرة فعاش سبع ليال، وقد رماه الله
بالعدسة (1) ولقد تركه أبناه ثلاثا لا يدفنانه وكانت قريش تتقي العدسة فدفنوه بأعلى
مكة على جدار وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه، ونزل قوله تعالى (لقد حق القول)
الآيات، في أبى جهل، وذلك أنه كان حلف لئن رأى محمدا يصلي ليرضخن رأسه،
فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه فلما رفعه أثبتت يده على عنقه ولزق الحجر بيده
فلما عاد إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر من يده، فقال رجل من بني
مخزوم: أنا أقتله بهذا الحجر، فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر فأغشى الله بصره،
فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم، حتى نادوه ما صنعت؟
فقال: ما رأيته ولقد سمعت صوته وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه لو
دنوت منه لأكلني.
ابن عباس في قوله (وجعلنا من بين أيديهم سدا) ان قريشا اجتمعت فقالت:
لئن دخل محمد لنقومن إليه قيام رجل واحد، فدخل النبي صلى الله عليه وآله فجعل الله من بين
أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فلم يبصروه، فصلى صلى الله عليه وآله ثم أتاهم فجعل ينثر على رؤسهم
التراب وهم لا يرونه، فلما جلى عنهم رأوا التراب فقالوا: هذا ما سحركم ابن أبي كبشة
ولما نزلت الأحزاب على المدينة عبئ أبو سفيان سبعة آلاف رام كوكبة واحدة ثم
قال: ارموهم رشقا واحدا، فوقع في أصحاب النبي سهام كثيرة، فشكوا ذلك إلى
النبي صلى الله عليه وآله فلوح إلى السهام بكمه ودعا بدعوات فهبت ريح عاصفة فردت السهام إلى
القوم، فكل من رمى سهما عاد السهم إليه فوقع في جرحه بقدرة الله وبركة رسوله.
ودخل النبي صلى الله عليه وآله مع ميسرة إلى حصن من حصون اليهود ليشتروا خبزا وأدما
فقال يهودي: عندي مرادك، ومضى إلى منزله وقال لزوجته: اطلعي إلى أعالي
الدار فإذا دخل هذا الرجل فارمي هذه الصخرة عليه، فبادرت المرأة الصخرة فهبط
جبرئيل فضرب الصخرة بجناحه فخرقت الجدار وأتت تهتز كأنها صاعقة فاحتاطت
بحلق الملعون وصارت في عنقه كدور الرحى فوقع كأنه المصروع، فلما أفاق جلس
وهو يبكي، فقال له النبي: ويلك ما حملك على هذا الفعال؟ فقال: يا محمد لم يكن لي في
المتاع حاجة بل أردت قتلك وأنت معدن الكرم وسيد العرب والعجم اعف عني،
فرحمه النبي فانزاحت الصخرة عن عنقه.

(1) العدسة: بثرة تخرج في موضع من الجسد وهي من جنس الطاعون وتقتل صاحبها غالبا
67

جابر وابن عباس: قال رجل من قريش: لأقتلن محمدا، فوثب به فرسه فاندقت
رقبته، واستغاث الناس إلى معمر يزيد وكان أشجع الناس ومطاعا في بنى كنانة
فقال لقريش: أنا أنجكم منه فعندي عشرون الف مدجج فلا أرى هذا الحي من
بني هاشم يقدرون على حربي فان سألوني الدية أعطيتهم عشر ديات ففي مالي سعة،
وكان يتقلد بسيف طوله عشرة أشبار في عرض شبر فأهوى إلى النبي صلى الله عليه وآله بسيفه
وهو ساجد في الحجر، فلما قرب منه عثر بدرعه فوقع ثم قام وقد أدمى وجهه بالحجارة
وهو يعدو أشد العدو حتى بلغ البطحاء فاجتمعوا إليه وغسلوا الدم عن وجهه وقالوا
ماذا أصابك؟ فقال: المغرور والله من غرر تموه، قالوا: ما شأنك؟ قال: دعوني تعد
إلي نفسي ما رأيت كاليوم، قالوا: ماذا أصابك؟ قال: لما دنوت منه وثب؟ إلي من
عند رأسه شجاعان (1) أقرعان ينفخان بالنيران.
وروي ان كلدة بن أسد رمى رسول الله صلى الله عليه وآله بمزراق (2) وهو بين دار عقيل
وعقال، فعدا المزراق إليه فوقع في صدره، فعاد فزعا وانهزم، وقيل له: مالك؟ قال
ويحكم أما ترون الفحل خلفي! قالوا: ما ترى شيئا، قال: ويحكم فاني أراه، فلم يزل
يعدو حتى بلغ الطائف.
الواقدي: خرج النبي صلى الله عليه وآله للحاجة في وسط النهار بعيدا فبلغ إلى أسفل ثنية
الحجون فاتبعه النضر بن الحارث يرجو أن يغتاله، فلما دنى؟ منه عاد راجعا فلقيه
أبو جهل فقال: من أين جئت؟ قال: كنت طمعت أن أغتال محمدا فلما قربت منه
فإذا أساود تضرب بأنيابها على رأسه فاتحة أفواهها. فقال أبو جهل: هذا بعض سحره
وقصد إليه رجل بفهر (3) وهو ساجد، فلما رفع يده ليرمي به يبست يده على
الحجر. ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وآله يقرأ في المسجد فيجهر بقراءته فتأذى به
ناس من قريش فقاموا ليأخذوه، وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم، وإذا هم عمي
لا يبصرون، فجاؤوا إلى النبي فقالوا: ننشدك الله والرحم، فدعا النبي فذهب ذلك عنهم
فنزلت (يس) إلى قوله (فهم لا يبصرون).
أبو ذر: كان النبي صلى الله عليه وآله في سجوده فرفع أبو لهب حجرا يلقيه عليه فتبت يده
في الهواه فتضرع إلى النبي وعقد الايمان لو عوفي لا يؤذيه، فلما برأ قال: لانت

(1) شجاعان تثنية شجاع بكسر الأول وضمه: الحية أو الذكر منها.
(2) الزراق: رمح صغير.
(3) الفهر: الحجر ملء الكف، وقيل هو الحجر مطلقا.
68

ساحر حاذق، فنزل (تبت يدا أبي لهب).
وكان أبو جهل يطلب غرته فوجده يوما في سجوده فرفع صخرة عظيمة يدفعها
عليه فأمسكت من يده وصار عبرة للناس فتضرع إلى النبي فدعا له بفرج فزالت.
وتكمن نضر بن الحرث بن كلدة لقتل النبي صلى الله عليه وآله فلما سل سيفه رؤي خائفا
مستجيرا فقيل: يا نضر هذا خير لك مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه.
قال الببياري (1):
يا قومنا للمصطفى سالموا * لا تنصبوا جهلا له حربكم
واتلوا من القرآن ما قاله * يا أيها الناس اعبدوا ربكم
وقال غيره:
يقر له بالفضل من لا يؤده * ويقضي له بالحكم من لا يثجم (2)
فصل: في استجابة دعواته صلى الله عليه وآله
سار النبي صلى الله عليه وآله إلى بني شجاعة فجعل يعرض عليهم الاسلام فأبوا وخرجوا عليه
في خمسة آلاف فارس فتبعوا النبي فلما لحقوا به عاجلهم بدعوات فهبت عليهم ربح
فأهلكتهم عن آخرهم.
ولما سار إلى قتال المقعمع بن الهميسع البنهاني كان في طريق المسلمين جبل عظيم
هائل تتعب فيه المطايا وتقف فيه الخيل، فلما وصل المسلمون شكوا أمره إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله وما يلقون فيه من التعب والنصب فدعا النبي بدعوات فساخ الجبل
في الأرض وتقطع قطعا.
ورمى رسول الله ابن قمية بقذافة (3) فأصاب كعبه حتى بدر السيف عن يده في
يوم أحد وقال: خذها مني وأنا ابن قمية، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أذلك الله وأقمأك (4)
فأتى ابن قمية تيس وهو نائم فوضع قرنه في مراقه ثم دعسه فجعل ينادي: وا ذلاه،
حتى أخرج قرنيه من ترقوته.

(1) الظاهر أن اللفظ نسبة إلى بيار ككتاب بلد بين يهق وبسطام ومواضع أخرى من القرى
أو إلى أبيار بلد بين مصر والإسكندرية وعلى أي حال فاللفظ الأصل لم نعرف حقيقته
(2) يؤده: أي من لا يثقل عليه، ويثجم من اشحم؟: وهو سرعة التصرف عن الشئ؟،
وبالتحريك سرعة الانصراف.
(3) القذافة بفتح القاف وتشديد الذال: الذي يرمى به الشئ فيبعد.
(4) أقمأه: صغره وأذله.
69

وكانت الكفار في حرب الأحزاب عشرة آلاف رجل، وبنو قريظة قائمون
بنصرتهم والسحابة في أظل شديد (1) فرفع يديه وقال: انزل الكتاب سريع الحساب
اهزم الأحزاب. فجاءتهم ريح عاصف تقلع خيامهم، فانهزموا بإذن الله تعالى وأيدهم
بجنود لم يروها.
وأخذ النبي صلى الله عليه وآله يوم بدر كفا من التراب، ويقال حصى وترابا فرمى به في
وجوه القوم فتفرق الحصى في وجوه المشركين، فلم يصب من ذلك أحدا إلا قتل
أو أسر، وفيه نزل (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى). قال القيرواني:
أعميت جيشا بكف من حصى فجثوا * وعقلوا عن حراك النفل بالنفل (2)
وقال نصر بن المنتصر:
ومن رمى كف حصاة في الوغى * فهزم القوم العدى لما رمى
وقال خطيب منبج:
ومن نثر الحصى في يوم بدر * فصاح بهم فولوا هاربينا
ومن نصرته امدادا عليهم * ملائكة السماء مسمومينا
ابن المهدي المامطيري في مجالسه: ان النبي صلى الله عليه وآله كتب إلى كسرى: من محمد
رسول الله إلى كسرى بن هرمزد، اما بعد فاسلم تسلم وإلا فأذن بحرب من الله ورسوله
والسلام على من اتبع الهدى، فلما وصل إليه الكتاب مزقه واستخف وقال: من
هذا الذي يدعوني إلى دينه ويبدأ باسمه قبل اسمي؟ وبعث إليه بتراب، فقال صلى الله عليه وآله:
مزق الله ملكه كما مزق كتابي أما انه ستمزقون ملكه وبعث إلي بتراب أما انكم
ستملكون ارضه، فكان كما قال.
الماوردي في أعلام النبوة: ان كسرى كتب في الوقت إلى عامله باليمن باذن
ويكنى أبا مهران ان احمل إلي هذا الذي يذكر انه نبي، وبدأ باسمه قبل اسمي ودعاني
إلى غير ديني، فبعث إليه فيروز الديلمي في جماعة مع كتاب يذكر فيه ما كتب به
كسرى، فأتاه فيروز بمن معه فقال له: ان كسرى امرني ان أحملك إليه، فاستنظره
ليلة فلما كان من الغد حضر فيروز مستحشا (3) فقال النبي صلى الله عليه وآله: اخبرني ربى انه
قتل ربك البارحة سلط الله عليه ابنه شيرويه على سبع ساعات من الليل فامسك حتى

(1) الظاهر أن المراد بالسحابة بالضم فضلة ماء في الغدير، والاظل بطن الإصبع ومن الإبل
باطن المنسم وهو مجلس خف البعير، والعبارة كناية عن ضيق الماء وشدة المعاش.
(2) النفل بالتحريك: الغنيمة.
(3) استحش: عطش.
70

يأتيك الخبر. فراع ذلك فيروز وهاله وعاد إلى باذان فأخبره فقال له بأذان: كيف
وجدت نفسك حين دخلت عليه؟ فقال: والله ما هبت أحدا كهيبة هذا الرجل.
فوصل الخبر بقتله في تلك الليلة من تلك الساعة فأسلما جميعا وظهر العنسي (1) من
افتراه من الكذب فأرسل صلى الله عليه وآله إلى فيروز: اقتله قتله الله، فقلته.
والفرس أخبرها عن قتل صاحبها * پرويز إذ جاءه فيروز في شغل
جابر بن عبد الله: لما قتل العرنيون (2) راعي النبي صلى الله عليه وآله دعا عليهم فقال: اللهم
عم عليهم الطريق، قال: فعمى عليهم حتى أدركوهم واخذوهم.
روت العامة عن الصادق (ع) وعن ابن عباس انه لما نزل (والنجم) قال عتبة بن أبي
لهب: كفرت بالنجم إذا هوى وبالنجم إذا تدلى، وفي رواية انه اناه أو طلق
ابنته وتفل في وجهه وقال: كفرت بالنجم ورب النجم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم
سلط عليه كلبا من كلابك، فخرج في سفر الشام مع قريش فلما نزلوا تحت دبر
حذرهم الديراني من الأسود فقال أبو لهب: يا معشر قريش أعينوني الليلة فانى أخاف
على ابني دعوة محمد فجعلوه في وسطهم فأتى أسد معه زئير وقال: هذا عتبة بن أبي لهب
خرج من مكة مستخفيا زعم أنه يقتل محمدا، فافترسه ولم يأكله، وفي ذلك يقول
حسان بن ثابت:
سائل بني الأشعر إذ جئتهم * ما كان انباء بنى واسع
لا وسع الله له قبره * بل ضيق الله على القاطع
رمى رسول الله من بينهم * دون قريش رمية القاذع
فاستوجب الدعوة منهم بما * بين للناظر والسامع
ان سلط الله به كلبه * يمشي الهوينا مشية الخادع
حتى أتاه وسط أصحابه * وقد علتهم سنة الهاجع
فالتقم الرأس بيافوخه * والنخر منه فغرة الجائع
ثم علا بعد بأنيابه * منعفرا وسط دم ناقع
من يرجع العام إلى أهله * فما أكيل السبع بالراجع
قد كان هذا لكم عبرة * للسيد المتبوع والتابع
وحكى الحكم بن العاص مشية رسول الله مستهزءا فقال صلى الله عليه وآله: فلتكن

(1) العنس أبو قبيلة من اليمن
(2) العرينة كجهينة بطن من بجيلة منهم العرينون المرتدون.
71

ولم يزل يرتعش حتى مات.
وخطب صلى الله عليه وآله امرأة فقال أبوها: ان بها برصا، امتناعا من خطبته ولم يكن بها
برص، فقال صلى الله عليه وآله: فلتكن كذلك، فبرصت وهي أم شبيب البرصاء.
الشاعر الأغاني، ان النبي نظر إلى زهير بن أبي سلمى وله مائة سنة فقال: اللهم
أعذني من شيطانه، فما لاك بيتا حتى مات.
ونهي النبي ان ينقر الرجل لحيته في الصلاة فرأى رجلا ينقر شعره فقال: فتح
الله شعرك، فصلع مكانه.
سلمة الأكوع عن أبيه عن النبي انه رأى رجلا يأكل بشماله فقال: كل بيمينك
فقال: لا أستطيع، فقال صلى الله عليه وآله: لا استطعت، فما نالت يمينه فاه بعد.
الواقدي: كتب النبي إلى بنى حارثة بن عمر ويدعوهم إلى الاسلام فأخذوا كتاب
النبي صلى الله عليه وآله فغسلوه ورقعوا به أسفل دلوهم، فقال النبي: ما لهم أذهب الله عقولهم،
فقال لهم أهل وعدة وعجلة وكلام مختبط وسفه.
وخاف النبي من قريش فدخل بين الأراك فنفرت الإبل فجاء أبو ثروان إليه وقال
من أنت؟ قال: رجل استأنس إلى إبلك، قال: أراك صاحب قريش، قال: انا محمد
رسول الله، قال: قم والله لا تصلح إبل أنت فيها، فقال النبي: اللهم أطل شقاه وبقاه
قال عبد الملك: انى رأيته شيخا كبيرا يتمنى الموت فلا يموت فكان يقول له القوم:
هذا بدعوة النبي.
ابن عباس ومجاهد في قوله تعالى: (ضرب الله مثلا قربة كانت آمنة مطمئنة)
جاء خباب (1) بن الإرث فقال: يا رسول الله ادع ربك ان يستنصر لنا على مضر،
فقال: انكم لتعجلون، ثم قال بعد كلام له: اللهم اشدد وطأنك على مضر واجعل
عليها سنين كسني يوسف، وفى خبرك؟ اللهم سبعا كسني يوسف، فقطع الله عنهم المطر
حتى مات الشجر وذهب الثمر واجدبت الأرض وماتت المواشي واشتووا القد (2)
واكلوا العلهز (3) فعطفوه وعطف ورغب إلى الله فمطروا وامطر أهل المدينة مطرا
خافوا الغرق وانهدام البنيان فشكوا ذلك إليه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فأطاف
" المناقب ج 1، م 9 "

(1) خباب بالخاء المعجمة ثم الموحدتين التحتانيين بينما ألف، صحابي
(2) القد بالكسر الجلد اليابس
(3) العلهز بكسر العين والهاء طعام من الدم والوتر؟ كان يتخذ في أيام المجاعة.
72

بها حولها مستديرا وهي في فجوته كالدارة.
ولما كلم النبي صلى الله عليه وآله في سبي هوازن ردوا عليهم سبيهم إلا رجلين فقال النبي
خيروهما، اما أحدهما قال إني اتركه، واما الآخر فقال لا اتركه، فلما ادبر الرجل
قال النبي: اللهم اخس سهمه، فكان يمر بالجارية البكر والغلام فيدعه حتى مر بعجوز
فقال: انى آخذ هذه فإنها أم حي فيفادونها مني بما قدروا عليه، فقال عطية السعدي
عجوزنا يا رسول الله سبية بتراء مالها أحد، فلما رأى أنه لا يعرفها أحد تركها.
وقال الحميري:
واسأل بني الحسحاس تخبر انه * كاد الوصي برشق سهم مقصد
فدعا عليه المصطفى في قومه * بدعاء محمود الدعاء مؤيد
فتعطلت يمنى يديه عقوبة * وأتى عشيرته بوجه أسود
يعني دعا النبي صلى الله عليه وآله عليه وهو كان عزم على الرمي غيلة لعلي بن أبي طالب.
قال العباس بن مرداس:
يا خاتم النبأ انك مرسل * بالحق كل هدى السبيل هداكا
ان الإله بنى عليك محبة * في خلقه ومحمدا سماكا
واما من دعا له صلى الله عليه وآله فمثل ما روى مرة بن جعيل الأشجعي قال: غزوت مع النبي
في بعض غزواته فقال لي: سر يا صاحب الفرس، فقلت: يا رسول الله هي عجفاء ضعيفة
قال: فضربها بشئ في يده وقال: اللهم بارك له فيها، فوالله لقد رأيتني أمسك رأسها
أن تقدم على الناس ولقد بعث من وطنها باثني عشر ألفا.
وفي حديث جابر ان امرأة من المسلمين قالت: أريد ما تريد المسلمة، فقال النبي:
علي بزوجها، فجئ به فقال له في ذلك ثم قال لها: أتبغضينه؟ قالت: نعم والذي
أكرمك بالحق فقال: أدنيا رؤوسكما، فأدنيا فوضع جبهتها على وجهه ثم قال: اللهم
ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه، ثم رآها النبي تحمل الادم على رقبتها وعرفته
فرمت الادم ثم قبلت رجليه فقال صلى الله عليه وآله: كيف أنت وزوجك؟ فقالت: والذي
أكرمك بالحق ما في الزمان واحد أحب إلي منه.
وكان عند خديجة امرأة عمياه فقال صلى الله عليه وآله: لتكونن عيناك صحيحتين، فصحتا
فقال خديجة: هذا دعاء مبارك، فقال (وما أرسلناك إلا رحمة).
ودعا صلى الله عليه وآله لقيصر فقال: ثبت الله ملكه كما كان، ودعا على كسرى: مزق الله
ملكه، فكان كما قال.
73

سلمان: انه مرض أبو طالب فعاده الرسول صلى الله عليه وآله فقال: سل ربك أن يعافيني
فقال: اللهم اشف عمي، فقام أبو طالب كأنه انشط من عقال.
واستسقى صلى الله عليه وآله عمرو بن أخطب فأتاه بجمجمة (1) فيها ماء وفيها شعرة فأخذها
وقال: جملك الله، فرأى بعد ثلاث وتسعين سنة أسود الرأس والجسد.
جعفر بن نسطور الرومي: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك فسقط من يده
السوط فنزلت عن جوادي فرفعته ودفعته إليه فنظر إلي وقال: يا جعفر مد الله في
عمرك مدا، فعاش ثلاثمائة وعشرين سنة.
وقوله صلى الله عليه وآله للنابغة وقد مدحه: لا يفضض الله فاك، فعاش مائة وثلاثين سنة كلما
سقطت له سن نبتت له أخرى أحسن منها. ذكره المرتضى في الغرر.
وعن ميمونة ان عمرو بن الحمق سقى النبي لبنا فقال: اللهم أمتعة بشبابه، فمرت
عليه ثمانون سنة لم ير شعرة بيضاء.
ومر النبي صلى الله عليه وآله بعبد الله بن جعفر وهو يصنع شيئا من طين من لعب الصبيان
فقال: ما تصنع بهذا؟ قال: أبيعه، قال: وما تصنع بثمنه؟ قال: أشتري رطبا فآكله
فقال له النبي: اللهم بارك له في صفقة يمينه، فكان يقال ما اشترى شيئا قط إلا ربح فيه
فصار أمره إلى أن يمثل به فقالوا: عبد الله بن جعفر الجواد، وكان أهل المدينة
يقترض بعضهم من بعض إلى أن يأتي عطاء عبد الله بن جعفر.
أبو هريرة: أتيت النبي بتميرات فقلت: ادع لي بالبركة فيهن، فدعا ثم قال:
اجعلهن في المزود، قال: فلقد حملت منها كذا وكذا وسقا (2).
وقوله صلى الله عليه وآله في ابن عباس: اللهم فقهه في الدين، الخبر، فخرج بحرا في العلم
وحبرا للأمة.
وقال أمير المؤمنين (ع): بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن فقلت: يا رسول الله
تبعثني وأنا حدث السن ولا علم لي بالقضاء، قال رسول الله: فانطلق فان الله سيهدي
قلبك ويثبت لسانك، قال علي (ع): فما شككت في قضاء بين اثنين.
في نزهة الابصار ان النبي قال لسعد: اللهم أسدد رميته وأجب دعوته، وذلك أنه
كان يرمي، فيقال انه تخلف يوم القادسية عن الوقعة لفترة عرضت له فقال فيه الشاعر

(1) الجمجمة بالضم: القدح من خشب.
(2) قال الأزهري: الوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وآله والصاع خمسة أرطال وثلث،
فالوسق على هذا الحساب مائة وستون منا.
74

ألم تر أن الله أظهر دينه * وسعد بباب القادسية معصم
رجعنا وقد آمت نساء كثيرة * ونسوة سعد ليس فيهن أيم
فبلغ ذلك سعدا فقال: اللهم اخرس لسانه فشهد حربا فأصابته رمية فخرس من
ذلك لسانه.
ورأي سعد رجلا بالمدينة راكبا على بعير يشتم عليا (ع) فقال: اللهم إن كان
هذا الشيخ وليا من أوليائك فأرنا قدرتك فيه فنفر به بعير فألقاه فاندقت رقبته.
وسمع النبي صلى الله عليه وآله في مسيره إلى خيبر سوق عامر بن الأكوع بقوله:
لا عم لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
فقال صلى الله عليه وآله: برحمة الله، قال رجل: وجبت يا رسول الله لولا امتقنا (1) به،
وذلك أن النبي ما استغفر قط لرجل يخصه إلا استشهد. وكان الناس يحفرون الخندق
وينشدون سوى سلمان فقال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم أطلق لسان سلمان ولو على بيتين من
الشعر، فأنشأ سلمان:
مالي لسان فأقول شعرا * أسأل ربي قوة ونصرا
على عدوي وعدو الطهرا * محمد المختار وحاز الفخرا
حتى أتاك في الجنان قصرا * مع كل حوراء تحاكي البدرا
فضج المسلمون وجعل كل قبيلة تقول: سلمان منا، فقال النبي: سلمان منا أهل البيت
. قال أمير المؤمنين عليه السلام:
ألم تر ان الله أبلى رسوله * بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل
وقد انزل الكفار دار مذلة * فلاقوا هوانا من أسار ومن قتل
فأمسى رسول الله قد عز نصره * وكان امين الله ارسل بالعدل
فجاء بفرقان من الله منزل * مبينة آياته لذوي العقل
فآمن أقوام بذاك فأيقنوا * فامسوا بحمد الله مجتمعي الشمل
وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم * فزادهم ذو العرش خبلا على خبل؟
وحكم فيهم يوم بدر رسوله * وقوما كماة فعلهم أحسن الفعل

(1) لعله أمتعنا بالعين المهملة. وامتقنا محركة: شبه الفواق كأنه نفس ينقلع من الصدر عند
البكاء ومئق كنفرح وامثاق، وكأنه قال: وجبت الرحمة لولا ترقب الشهادة بهذا الدعاء وابتلائنا
بالحزن على الشهيد.
75

فصل: في الهواتف في المنام أو من الأصنام
(لهم البشرى في الحياة الدنيا). في حديث مازن بن العصفور الطائي انه لما
نحر عتيرة سمع من صنمه:
بعث نبي من مضر * فدع تحيتا من حجر
ثم نحر في يوم آخر نحرة أخرى فسمع منه:
هذا نبي مرسل * جاء بخير منزل
أبو عميس قال: سمعت قريش في الليل هاتفا على أبي قبيس يقول:
إذا أسلم السعدان يصبح بمكة * محمد لا يخشى خلاف المخالف
فلما أصبحوا قال أبو سفيان: من السعدان؟ قيل: سعد بكر وسعد تميم. ثم
سمع في الليلة الثانية:
أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا * ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داع الهدى وتمنيا * على الله في الفردوس خير زخارف
فلما أصبحوا قال أبو سفيان: هو سعد بن معاذ وسعد بن عبادة.
قال تميم الداري: أدركني الليل في بعض طرقات الشام فلما اخذت مضجعي قلت
أنا الليلة في جوار هذا الوادي فإذا مناد يقول: عذ بالله فان الجن لا تجير أحدا على
الله قد بعث نبي الأميين رسول الله وقد صلينا خلفه بالحجون وذهب كيد الشياطين
ورميت بالشهب فانطلق إلى محمد رسول رب العالمين.
سعد بن جبير قال: قال سواد بن قارب: نمت على جبل من جبال السراة (1)
فأتاني آت وضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب (أتاك رسول من لوي بن غالب)
فلما استويت أدبر وهو يقول:
عجبت للجن وأرجاسها * ورحلها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما صالحوها مثل أنجاسها
فعدت فنمت فضربني برجله فقال مثل الأول فأدبر قائلا:
عجبت للجن وتطلابها * ورحلها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما صادقوها مثل كعذابها

(1) السراة تضاف إلى قبائل وفي كل منها؟ قرى وجبال وسراة الطائف غورها مكة ونخدها
ديار هوازن.
76

فعدت فنمت فضربني برجله فقال مثل الأول فلما استويت أدبر وهو يقول:
عجبت للجن وأشرارها * ورحلها العيس بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنوها مثل كفارها
قال: فركبت ناقتي وأتيت مكة عند النبي صلى الله عليه وآله وأنشدته:
أتاني جن قبل هدء ورقدة * ولم يك فيما قد أتانا بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتاك رسول من لوي بن غالب
فأشهد ان الله لا رب غيره * وانك مأمون على كل غائب
وكان لبني عذرة صنم يقال له حمام فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله سمع من جوفه يقول:
يا بني هند بن حزام * ظهر الحق واودى حمام * ودفع الشرك الاسلام
ثم نادى بعد أيام لطارق يقول: يا طارق يا طارق، بعث النبي الصادق، جاء بوحي
ناطق، صدع صادع بتهامة، لناصريه السلامة، ولخاذليه الندامة، هذا الوداع مني،
إلى يوم القيامة. ثم وقع الصنم لوجهه فتكسر.
قال زيد بن ربيعة: فأتيت النبي فأخبرته بذلك فقال: كلام الجن المؤمنين، فدعانا
إلى الاسلام.
وسمع صوت الجن بمكة ليلة خرج النبي صلى الله عليه وآله:
جزى الله رب الناس خير جزائه * رسولا أتى في خيمتي أم معبد
فيا لقصي ما زوى الله عنكم * به من فعال لا يجازى بسؤدد
فأجابه حسان بقوله:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم * وقد سر من يسري إليه ويقتدي
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله * ويتلو كتاب الله في كل مشهد
وان قال في يوم مقالة غائب * فتصديقها في ضحوة العيد أو غد
وهتف من جبال مكة يوم بدر:
أذل الحنيفيون بدرا بوقعة * سينقض منها ملك كسرى وقيصرا
أصاب رجالا من لوي وجردت * حراير نصر بن الحرارير حسرا
ألا ويح من أمسى عدو محمد * لقد ذاق خزيا في الحياة وخسرا
وأصبح في هامي العجاجة معفرا * تناوله الطير الجياع وتنقرا (1)
فعلموا الواقعة وظهر الخبر من الغد.

(1) العجاجة: الإبل الكبيرة.
77

ودخل العباس بن مرداس السلمي على وثن يقال له الضمير فكنس ما حوله ومسحه
وقبله فإذا بصائح يصيح: يا عباس بن مرداس
قل للقبائل من سليم كلها * هلك الضمير وفاز أهل المسجد
هلك الضمير وكان يعبد مرة * قبل الكتاب إلى النبي محمد
ان الذي جاء النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتد
فخرج ثلاثمائة راكب من قومه إلى النبي صلى الله عليه وآله فلما رآه النبي تبسم ثم قال:
يا عباس بن مرداس كيف كان اسلامك؟ فقص عليه القصة فقال: صدقت، وسر بذلك
وفي حديث سيار الغساني لما قال له عمر: أكاهن أنت؟ فقال: قد هدى الله
بالاسلام كل جاهل ودفع بالحق كل باطل وأقام بالقرآن كل مائل، القصة، فأخذت
ظبية بذي العسف فإذا بهاتف:
يا أيها الراكب السراع الأربعة * خلوا سبيل الظبية المروعة
فخليتها فلما جن الليل فإذا انا بهاتف يقول:
خذها ولا نعجل وخذها عن ثقة * فان شر السير سير الحقحقه (1)
هذا نبي فايز من حققه
وقال عمرو بن جبلة الكلبي: عترنا عتيرة (2) لعمرة (اسم صنم) فسمعنا من
جوفه يخاطب سادنه: يا عصام يا عصام جاء الاسلام، وذهبت الأصنام، وحقنت
الدماء ووصلت الأرحام. ففزعت من ذلك ثم عترنا أخرى فسمعناه يقول لرجل اسمه
بكر: يا بكر بن جبل، جاء النبي المرسل، يصدقه المطعمون في المحل، أرباب يثرب
ذلك النخل، ويكذبه أهل تجد؟ وتهامة، وأهل فلح واليمامة. فأتيا إلى النبي وأسلما
وأنشد عمرو:
أجبت رسول الله إذ جاء بالهدى * فأصبحت بعد الحمد لله أوحدا
تكلم شيطان من جوف هبل بهذه الأبيات:
قاتل الله رهط كعب بن فهر * ما أضل العقول والأحلاما
جاءنا تايه يعيب علينا * دين آباءنا الحماة الكراما (3)
فسجدوا كلهم وتنقصوا النبي وقال: هلموا غدا نسمع أيضا، فحزن النبي صلى الله عليه وآله

(1) الحقحقة: المتعب من السير، وقيل هو أن تحمل الدابة على ما لا تطيقه.
(2) العتر بالكسر: كلما ذبح. ومنشأه كانوا يذبحونها لآلهتهم كالعتيرة.
(3) كذا في الأصل والمعلوم كسر القافية.
78

من ذلك فأتاه جني مؤمن وقال: يا رسول الله أنا قتلت مسعر الشيطان المتكلم في
الأوثان فاحضر المجمع لأجيبه، فلما اجتمعوا ودخل النبي صلى الله عليه وآله خرت الأصنام على
وجوهها فنصبوها وقالوا: تكلم، فقال:
أنا الذي سمائي المطهرا * أنا قتلت ذا الفجور مسعرا
إذا طغى لما طغى واستكبرا * وأنكر الحق ورام المنكرا
بشتمه نبينا المطهرا * قد أنزل الله عليه السورا
من بعد موسى فاتبعنا الاثرا
فقالوا: ان محمدا يخادع اللات كما خادعنا.
تاريخ الطبري، انه روى الزهري في حديث جبير بن مطعم عن أبيه قال: كنا
جلوسا قبل أن يبعث رسول الله بشهر وتحرنا؟ جزورا فإذا صائح يصيح في جوف
الصنم: اسمعوا العجب، ذهب استراق الوحي ويرمى بالشهب، لنبي بمكة اسمه محمد
مهاجرته إلى يثرب.
الطبري في حديث ابن إسحاق والزهري عن عبد الله بن كعب مولى عثمان أنه قال
عمر: لقد كنا في الجاهلية نعبد الأصنام ونعنق الأوثان حتى أكرمنا الله بالاسلام
فقال الاعرابي: لقد كنت كاهنا في الجاهلية، قال: فأخبرنا ما أعجب ما جاءك به
صاحبك؟ قال: جاءني قبل الاسلام جاء فقال: ألم تر إلى الجن بالسها واياسها من
دينها ولحافها بالقلاص (1) وأحلاسها (2). فقال: عمر: اني والله لعند وثن من
أوثان الجاهلية في معشر من قريش قد ذبح له رجل من العرب عجلا فنحن ننظر قسمه
ليقسم لنا منه إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت صوتا قط أنفذ منه وذلك
قبل الاسلام بشهرا وسنة يقول: يا آل ذريح أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله
إلا الله. ومنه حديث الخثعمي وحديث سعد بن عمرو الهذلي.
فصل: في نطق الجمادات
(وان من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
أمير المؤمنين عليه السلام: كنت أخرج مع رسول الله إلى أسفل مكة وأشجارها فلا
يمر يحجر ولا شجر إلا قالت: السلام عليك يا رسول الله، وأنا أسمع.

(1) القلاص جمع قلوص وهي الشابة من الإبل.
(2) الأحلاس جمع حلس؟ وزان حمد: كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله.
79

علقمة وابن مسعود: كنا نجلس مع النبي صلى الله عليه وآله ونسمع الطعام يسبح ورسول الله
يأكل، وأتاه مكرز العامري وسأله آية فدعا بتسع حصيات فسبحن في يده. وفي
حديث أبي: فوضعهن على الأرض فلم يسبحن وسكتن ثم عاد وأخذها من فسبحن.
ابن عباس قال: قدم ملوك حضر موت على النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: كيف نعلم أنك
رسول الله؟ فأخذ كفا من حصى فقال: هذا يشهد اني رسول، فسبح الحصا في
يده وشهد أنه رسول الله.
النبي صلى الله عليه وآله قال: اني لأعرف حجرا بمكة ما مررت عليه الأسلم علي.
أبو هريرة، وجابر الأنصاري، وابن عباس، وأبي بن كعب، وزين العابدين:
ان النبي كان يخطب بالمدينة إلى بعض الأجذاع فلما كثر الناس واتخذوا له منبرا
وتحول إليه حن كما تحن الناقة فلما حن إليه والتزمه كان يئن أنين الصبي الذي يسكت
وفي رواية: فاحتضنه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة.
وفي رواية: فدعاه النبي فأقبل يخد الأرض والتزمه وقال: عد إلى مكانك، فمر
كأحد الخيل.
وفي مسند أحمد قال أبي بن كعب قال النبي صلى الله عليه وآله: أسكن أسكن ان تشأ غرستك
في الجنة فيأكل منك الصالحون وان تشأ أعيدك كما كنت رطبا، فاختار الآخرة
على الدنيا.
وفي سنن ابن ماجة انه لما هدم المسجد أخذ أبي بن كعب الجذع الحنانة وكان
عنده في بيته حتى بلى فأكلته الأرضة وعاد رفاتا. قال خطيب منبج:
ومن أضحى عليه الجذع لما * تولى منه مكتئبا حزينا
وحن إليه من كلف وشوق * فأظهر معلنا منه الحنينا
وقال غيره:
والجذع حن لئن فارقته أسفا * حنين ثكلى شجتها لوعة الثكل
ما صبر من صار عين على أثر * وحال من حال عن حال إلى عطل
أمير المؤمنين (ع): ان اليهود اجتمعت عند امرأة يقال لها عبدة على أن تسمه
في هذه الشاة فشوتها ثم اجتمعت الرؤساء في بيتها فأنت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت:
يا محمد قد علمت ما توجب لي من حق الجوار وقد حضرني رؤساء اليهود فزيني بأصحابك
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه علي وأبو دجانة وأبو أيوب وسهل بن
" مناقب ج 1، م 10 "
80

حنيف. وفي خبر: وسلمان، والمقداد، وعمار، وصهيب، وأبو ذر، وبلال،
والبراء بن معرور. فلما دخلوا وأخرجت الشاة سدوا آنافهم بالصوف وقاموا على
أرجلهم وتوكؤا على عصيهم فقال النبي صلى الله عليه وآله: اقعدوا، فقالوا: انا إذا زارنا نبي
لا نقعد وكرهنا أن تصل إليه أنفاسنا، فلما وضعت الشاة بين يديه تكلم كتفها فقالت
مه يا محمد لا تأكل مني فاني مسمومة، فدعا رسول الله عبدة فقال لها: ما حملك على
ما صنعت؟ قالت: قلت إن كان نبيا لا يضره وإن كان كذابا أرحت قومي منه، فهبط
جبرئيل فقال: السلام يقرئك السلام ويقول: قل بسم الله الذي يسميه به كل مؤمن
وبه عز كل مؤمن وبنوره الذي أضاءت به السماوات والأرض وبقدرته التي خضع
لها كل جبار عنيد وانتكس كل شيطان مريد من شر السم والسحر واللمم بسم العلي
الملك الفرد الذي لا إله إلا هو (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا
يزيد الظالمين إلا خسارا) فقال النبي ذلك وأمر أصحابه فتكلموا به ثم قال: كلوا، ثم
أمرهم أن يحتجموا. وفي خبر: ان البراء بن معرور أخذ منه لقمة أول القوم فوضعها
في فيه فقال له أمير المؤمنين: لا نتقدم رسول الله، في كلام له جاءت به هذه وكانت
يهودية ولسنا نعرف حالها فان أكلته بأمر رسول الله فهو الضامن لسامتك منه وإذا
أكلته بغير إذنه وكلك إلى نفسك فنطق الذراع، وسقط البراء ومات. وروي انها
كانت زينب بنت الحرث زوجة سلام بن مسلم والآكل كان بشر بن البراء بن معرور
وانه دخلت أمه على النبي صلى الله عليه وآله عند وفاته فقال: يا أم بشر ما زالت اكلة خيبر التي
أكلت مع ابنك تعاودني فهذا أوان قطعت أبهري (1) ولذلك يقال: إن النبي صلى الله عليه وآله
مات شهيدا.
وعن عروة بن الزبير: ان النبي بقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي
مات فيه. وفي رواية أربع سنين وهو الصحيح. قال نصر بن المنتصر:
ومن يناديه الذراع انني * مسمومة قد سمنى القوم العدى
وقال ابن حماد:
وأبصر الناس منه كل معجزة * ومعجب بين مراء ومستمع
مثل الذراع التي سمت ليأكلها * فكلمته وكل للكلام يعي
وله أيضا:
وكلمته الذراع إذ سم فيها * يا رسول الإله دع عنك أكلي

(1) الأبهر: الظهر وعرق فيه ووريد العنق والأكحل.
81

تفسير الإمام الحسن العسكري (ع) في قوله تعالى (ثم قست قلوبكم) قالت اليهود
زعمت أن الأحجار ألين من قلوبنا وأطوع لله منا فاستشهد هذه الجبال على تصديقك
فأمر صلى الله عليه وآله فتحرك الجبل وتزلزل وفاض منه الماء ونادى: أشهد انك رسول رب
العالمين وسيد الخلق أجمعين، ثم أمره أن ينقطع نصفين وترتفع السفلى وتنخفض العليا
وتباعد صلى الله عليه وآله إلى فضاء واسع ثم نادى: أيها الجبل بحق محمد وآله الطيبين، في كلام
له، فتزلزل الجبل وسار كالقارح (1) الهملاج (2) حتى وقف بين يديه، فقالوا:
رجل مبخوت (3).
وفيه انه رمت قريش بالأحجار على محمد وعلي عليهما السلام فرأوا كل حجر منها
يسلم عليهما فوجموا فقال عشرة من مردتهم: ما هذه الأحجار تكلمهما ولكنهم رجال
في حفرة بحضرة الأحجار قد خبأهم محمد تحت الأرض، فتحلق (4) عشرة أحجار
ورضت رؤس المتكلمين بهذا الكلام فجاء عشائرهم يبكون ويضجون ويقولون: قتل
محمد أصحابنا بسحره، فأنطق الله جنائزهم: صدق محمد وكذبتم، واضطربت الجنائز
وأسقطت من عليها ونادت: ما كنا لنحمل أعداء الله، فقال أبو جهل: ان ذلك
سحر عظيم، ثم دعيا الله تعالى فنشروا ثم نادى المحيون: ان لمحمد وعلي شأن عظيم
في الممالك التي كنا فيها.
وفيه في تفسير قوله تعالى (ان الذين كفروا سواء عليهم)، أنه قال مالك بن
الصيف: أريد أن يشهد بساطي بنبوتك، وقال أبو لبابة بن عبد المنذر: أريد أن
يشهد سوطي بها، وقال كعب بن الأشرف: أريد أن يؤمن بك هذا الحمار، فأنطق
الله البساط فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك يا محمد عبده ورسوله وأشهد
أن علي بن أبي طالب وصيك، فقالوا: ما هذا إلا سحر مبين، فارتفع البساط ونكس
مالكا وأصحابه، ثم نطق سوط أبي لبابة بالنبوة والإمامة ثم انجذب من يده وجذب
أبا لبابة فخر لوجهه ثم قال: لا أزال أجذبك حتى أثخنك ثم أقتلك أو تسلم، فأسلم
أبو لبابة، وجاء كعب يركب حماره فشب به الحمار وصرعه على رأسه ثم قال: بئس
العبد أنت شاهدت آيات الله وكفرت بها، فقال النبي: حمارك خير منك قد أبى أن

(1) القارح من قرح ذو الحافرة انهمت أسنانه فهو قارح وذلك عند اكمال خمس سنين.
(2) شاة هملاج أي لا مخ فيها لهزالها.
(3) رجل مبخوت أي مجدود بمعنى عظيم الحظ.
(4) تحلق أي تجمع.
82

تركبه، فلن يركبه أبدا فاشتراه منه ثابت بن قيس.
وفيه انه أتاه الحارث بن كلدة الثقفي وسأل معجزة وقال: فادع لي تلك الشجرة
فدعاها النبي صلى الله عليه وآله فجعلت تخد في الأرض أخدودا عظيما كالنهر حتى وقفت بين يديه
ونادت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد انك يا محمد عبده ورسوله
وأشهد أن عليا ابن عمك هو أخوك في دينك، فأسلم الحارث.
تكملة اللطائف: انه كان النبي يبني؟ مسجدا في المدينة فدعا شجرة من مكة فخدت
الأرض حتى وقفت بين يديه ونطقت بالشهادة على نبوته صلوات الله وسلامه عليه.
ومن دعا الدوحة إذ قال لها * ألا اقبلي فأقبلت لمن دعا
وقال عبد الله بن رواحة:
لو لم تكن فيك آيات مبينة * كانت بديهية تنبئك بالخبر
وقال فطن بن حارثة العليمي:
رأيتك يا خير البرية كلها * نبت نضارا في الارمة من كعب
أغر كأن البدر غرة وجه * إذا ما بدا للناس في حلل العصب
أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجها * ورشت اليتامى في السغابة والجدب
فصل: في كلام الحيوانات
أبو هريرة وعائشة: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وفي يده ضب فقال: يا محمد لا أسلم
حتى تسلم هذه الحية، فقال النبي صلى الله عليه وآله: من ربك؟ فقال: الذي في السماء ملكه وفي
الأرض سلطانه وفي البحر عجائبه وفي البر بدائعه وفي الأرحام علمه، ثم قال: يا ضب
من أنا؟ قال: أنت رسول رب العالمين وزين الخلق يوم القيامة أجمعين وقائد الغر
المحجلين قد أفلح من آمن بك وأسعد، فقال الاعرابي: أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم ضحك وقال: دخلت عليك وكنت أبغض الخلق
إلي وأخرج وأنت أحبهم إلي، فلما بلغ الاعرابي منزله اجتمع بأصحابه وأخبرهم بما
رأى فقصدوا نحو النبي صلى الله عليه وآله بأجمعهم فاستقبلهم النبي فأنشأ الاعرابي:
ألا يا رسول الله انك صادق * فبوركت مهديا وبوركت هاديا
شرعت لنا دين الحنيفي بعدما * عبدنا كأمثال الحمير الطواغيا
فيا خير مدعو ويا خير مرسل * إلى الانس ثم الجن لبيك داعيا
أتيت ببرهان من الله واضح فأصبحت فينا صادق القول راضيا
83

فبوركت في الأقوام حيا وميتا * وبوركت مولودا وبوركت ناشيا
وروي ان اسم الاعرابي سعد بن معاذ السلمي فسر النبي صلى الله عليه وآله باسلامهم وأمر
الاعرابي عليهم.
زيد بن الأرقم، وأنس، وأم سلمة، والصادق (ع): انه مر بظبية مربوطة
بطنب خيمة يهودي فقالت: يا رسول الله اني أم خشفين عطشانين وهذا ضرعي قد
امتلأ لبنا فخلني حتى أرضعهما ثم أعود فتربطني، فقال: أخاف ألا تعودي، قالت
جعل الله علي عذاب العشارين إن لم أعد. فخلى سبيلها فخرجت وحكت لخشفيها ما جرى
فقالا: لا نشرب اللبن وضامنك رسول الله صلى الله عليه وآله في أذى منك، فخرجت مع خشفيها
إلى رسول الله وأثنت عليه وجعلا يمسحان رؤسهما برسول الله فبكى اليهودي وأسلم
وقال: قد أطلقتها واتخذ هناك مسجدا فخنق (1) رسول الله في أعناقها بسلسلة وقال
حرمت لحومكم على الصيادين تم قال: لو أن البهائم يعلمون من الموت، الخير.
وفي رواية زيد: فأنا والله رأيتها تسبح في البرية وهي تقول: لا إله إلا الله محمد
رسول الله. وروي ان الرجل اسمه أهيب بن سماع.
جابر الأنصاري وعبادة بن الصامت قالا: كان في حائط بني النجار جمل قطم (2)
لا يدخل الحائط أحد إلا شد عليه فدخل النبي صلى الله عليه وآله الحائط ودعاه فجاءه ووضع
مشفره على الأرض ونزل بين يديه فحطمه (3) ودفعه إلى أصحابه فقيل: البهائم
يعرفون نبوتك؟ فقال: ما من شئ إلا وهو عارف بنبوتي سوى أبي جهل وقريش
فقالوا: نحن أحرى بالجسود لك من البهائم، قال: اني أموت فاسجدوا للحي الذي
لا يموت. وجاء جمل آخر يحرك شفتيه ثم أصغى إلى الجمل وضحك ثم قال: هذا
يشكو قلة العلف وثقل الحمل يا جابر اذهب معه إلى صاحبه فأتني به، قلت: والله
ما أعرف صاحبه، قال: هو يدلك، قال: فخرجت معه إلى بعض بني حنظلة وأتيت به
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بعيرك هذا يخبرني بكذا وكذا، قال: إنما كان ذلك
لعصيانه ففعلنا به ذلك ليلين، فواجهه رسول الله وقال: انطلق مع أهلك، فكان
يتقدمهم متذللا فقالوا: يا رسول الله أعتقناه لحرمتك، فكان يدور في الأسواق
والناس يقولون: هذا عتيق رسول الله.

(1) خنق بمعنى طوق وقلد، ومنه المخنقة بكسر الميم أي القلادة.
(2) قطم بفتح فكسر: من قولهم قطعه أي عضه، وقطم: اشتهى الضراب والنكاح.
(3) خطمه أي جعل فيه الخطام وهو كلما وضع في أنف البعير ليقتاد به والجمع خطم بضمتين.
84

قال نصر بن المنتصر:
ومن شكا البعير ظلم أهله * له إليه ثقل حمل وخوى
وقال ابن حماد:
ودعاه البعير ان يا رسول ا * لله أشكو إليك جفوة أهلي
وفي خبر: بينما هو جالس إذا هو بجمل قد أقبل له رغاء فقال صلى الله عليه وآله: أتدرون
ما يقول؟ يقول اني لآل فلان لحي من الخزرج استعملوني وكدوني حتى كبرت
وضعفت فلما لم يجدوا في حيلة يريدون نحري وأنا مستغيث بك منه، فأوقفه رسول الله
إذ جاء أصحابه يطلبونه فحكى النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: فشأنك به يا رسول الله، قال:
فسرحوه يرتع حيث شاء، قال: فسرحوه فتباعد الجمل قليلا ثم خر لرسول الله
ساجدا فقالت الصحابة: هذه بهيمة سجدت لك فنحن أحق بالسجود منه، فقال صلى الله عليه وآله
لا ينبغي لاحد أن يسجد لاحد ولو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لأمرت المرأة
أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها. قال خطيب منبج:
ومن قدم البعير إليه يشكو * فآمنه شفار الجازرينا
وقال ابن حماد:
وكالبعير الذي وافاه مشتكيا * والذئب والضب واليربوع والسبع
أمير المؤمنين (ع): ولقد كنا مع صلى الله عليه وآله فإذا نحن بأعرابي قد أتى بأعرابي وقال إنه
سرق ناقتي وهو يسوقها وقد استسلم للقطع لما زور عليه الشهود، فقالت الناقة:
يا رسول الله ان فلانا مني برئ وان الشهود شهدوا بالزور وان سارقي فلان اليهودي
عروة بن الزبير: انه لما فتح خيبر كان في سهم رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة أزواج
ثقالا وأربعة أزواج خفافا وعشرة أواقي ذهبا وفضة وحمارا قمر فلما ركبه رسول الله
نطق وقال: يا رسول الله أنا عفير ملكني ملك اليهود وكنت عضوضا جموحا غير
طائع، فقال له: هل لك من أب؟ قال: لا لأنه كان منا سبعون مركبا للأنبياء
والآن نسلنا منقطع لم يبق غيري ولم يبق غيرك من الأنبياء وبشرنا بذلك زكريا (ع)
فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يبعثه إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه
صاحب الدار أومى إليه أن أجب رسول الله فلما قبض النبي أتلف نفسه في بئر لأبي
هيثم بن التيهان فصار قبره. وروى أبو جعفر نحوا منه في علل الشرائع.
عبد الرحمن العنبري: خطب النبي صلى الله عليه وآله يوم عرفة وحث على الصدقة فقال رجل
يا رسول الله ان ابلي هذه للفقراء، فنظر النبي إليها فقال: اشتروها لي، فاشتريت
85

فأتت ليلة إلى حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلمت فقال النبي: بارك الله فيك، قالت: كنت
حاميا فاستعرت من صاحبي فشردت منهم وكنت أرعى فكان النبات يدعوني والسباع
تصيح علي انه لمحمد، فسألها النبي صلى الله عليه وآله عن اسم مولاها فقالت عضبا فسماها عضباء
قال عمر بن الخطاب: فلما حضر النبي الوفاة قالت: لمن توصي بي بعدك؟ قال يا عضباء
بارك الله فيك أنت لا بنتي فاطمة تركبك في الدنيا والآخرة، فلما قبض النبي أتت إلى
فاطمة ليلا فقالت: السلام عليك يا بنت رسول الله قد حان فراقي الدنيا والله ما تهنأت
بعلف ولا شراب بعد رسول الله وماتت بعد النبي بثلاثة أيام.
أنس في خبر: دخل النبي صلى الله عليه وآله حائطا لبعض الأنصار وفي الحائط عنز فسجدت
لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال أبو بكر: نحن أحق بالسجود لك من هذه العنز، فقال صلى الله عليه وآله
انه لا ينبغي السجود لاحد ولو كان ينبغي أن يسجد أحد لاحد لأمرت المرأة
أن تسجد لزوجها.
محمد بن المنكدر في حديثه عن سفينة مولى رسول الله قال: كنت في البحر في
سفينة فانكسرت فركبت لوحا منها فطرحني في أجمة فيها الأسد فقلت: يا أبا الحارث
أنا مولى رسول الله، فطأطأ رأسه ثم غمز بمنكبه يسعى فما زال يغمزني حتى وضعني
على الطريق ثم همهم فظننت انه يودعني.
الخدري: كان أبو ذر في بطن مر (1) يرعى غنما له فانتزع الذئب منه شاة
فهجهج (2) به حتى استنقذ منه شانه؟ فأقعى (3) الذئب مستثفرا بذنبه (4) مقابلا له
ثم قال: أما اتقيت الله حلت بيني وبين شاة رزقنيها الله تعالى، فقال أبو ذر: تالله
ما سمعت أعجب من ذلك، وأعجب من ذلك رسول الله بين الحرتين في النخلات يحدث
الناس بما خلا ويحدثهم بما هو آت وأنت تتبع غنمك، فقال أبو ذر: يا لك من هو كو
من يرعى غنمي حتى أخرج إليه وأومن به؟ فقال الذئب: أنا، فجاء إلى مكة فإذا
هو بحلقة مجتمعين يشتمون النبي صلى الله عليه وآله فأقبل أبو طالب فقالوا: كفوا عنه فقد جاء
عمه، فتبعه أبو ذر فالتفت إليه فقال: ما حاجتك؟ قال: هذا النبي المبعوث فيكم، قال
وما حاجتك إليه؟ قال: أو من به وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، فقال

(1) بطن مر ويقال له مر الظهران: موضع على مرحلة من مكة.
(2) هجهج السبع: صاح.
(3) أقمى الذئب: جلس على أليتيه ونصب فخذيه.
(4) استثفر بذنبه أي أدخل ذنبه بين فخديه حتى ألزقه ببطنه.
86

تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، فدله إلى جعفر فلما عرف
جعفر حاجته دله إلى حمزة فلما عرف حمزة حاجته دله إلى علي فلما عرف علي حاجته
رفعه إلى بيت فيه رسول الله صلى الله عليه وآله فلما دخل عليه قال الرسول: ما حاجتك؟ قال:
هذا النبي المبعوث فيكم، قال: وما حاجتك؟ قال: أو من به وأصدقه ولا يأمرني
بشئ إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال:
أنا رسول الله يا أبا ذر انطلق إلى بلادك فإنك تجد ابن عم لك قد مات فخذ ماله وكن
بها حتى يظهر أمري، ثم دعاه وقال: كفاك الله هم دنياك وعقباك، فصار أربعين
يوما ماء زمزم غسلا له فما اشتهى شيئا آخر وانطلق إلى بلاده فوجده كما قال.
وأتى أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: ان لي غنيمات وأكره أن أفارق حضرتك،
فقال صلى الله عليه وآله: انك فيها، فلما كان يوم السابع جاءه فقال: بينما أنا في صلاتي إذ أخذ
ذئب حملا فاستقبله أسد فقطعه بنصفين واستنقذ الحمل ورده إلى القطيع وناداني
يا أبا ذر أقبل على صلاتك فان الله قد وكلني بغنمك إلى أن تصلي، فلما فرغت منها
قال: امض إلى محمد فأخبره بحفظي لغنمك.
تفسير الإمام (ع): ان ذئبين كلما راعيا وحثاه على الاسلام، فأتى الراعي إلى
النبي صلى الله عليه وآله وحكى له كلامهما فأتى النبي إلى القطيع وقال: أحيطوا بي حتى لا يراني
الذئبان، فأحاطوا به فقال للراعي: قل للذئب من محمد؟ فجاءا يتفحصان عنه حتى
دخلا في وسطهم فدخلا إلى النبي وقالا: السلام عليك يا رسول رب العالمين وسيد
الخلق أجمعين، ووضعا خدودهما على التراب ومرغاها بين يديه فقال النبي: أحيطوا
بعلي، ففعلوا فنادى أيها الذئبان عينا عليا، فجاءا يتخللان القوم ويتأملان الوجوه
والاقدام حتى بلغا عليا فمرغا في التراب أبدانهما ووضعا بين يديه خدوهما وقالا السلام
عليك يا حليف الندى ومعدن النهى ومحل الحجى وعالما بما في الصحف الأولى ووصي
المصطفى. ويقال كان اسم الراعي عمير الطائي، ويقال عقبة فبقي له شرف
يفتخرون على العرب ويقول مفتخرهم: أنا ابن مكلم الذئب. قال خطيب منبج
وخبرنا بأن الذئب أمسى * بمبعثه من المتكلمينا
وقال غيره: الذئب قد أخبر الراعي بمبعثه * فجاء يشهد بالاسلام في العجل
وقال آخر:
ومنطق الذئب بالتصديق معجزة * مع الذراع ونطق العير والجمل
87

لما صار النبي صلى الله عليه وآله إلى وادي حنين للحرب إذا بالطلائع قد رجعت والاعلام
والألوية قد وقفت فقال لهم النبي: يا قوم ما الخبر؟ فقالوا: يا رسول الله حية عظيمة
قد سدت علينا الطريق كأنها جبل عظيم لا يمكننا من المسير، فسار النبي صلى الله عليه وآله حتى
أشرف عليها فرفعت رأسها ونادت السلام عليك يا رسول الله أنا الهيثم بن طاح بن
إبليس مؤمن بك قد سرت إليك في عشرة آلاف من أهل بيتي حتى أعينك على حرب
القوم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: انعزل عنا وسر بأهلك عن ايماننا ففعل ذلك وسار المسلمون
محمد بن إسحاق: مرت امرأة من المشركين شديدة القول في النبي ومعها صبي لها
ابن شهرين فقال الصبي: السلام عليك يا رسول الله محمد بن عبد الله، فأنكرت الام ذلك
من ابنها، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: يا غلام من أين تعلم اني رسول الله واني محمد بن عبد الله؟
قال: أعلمني ربى رب العالمين والروح الأمين، فقال النبي: من الروح الأمين؟ قال
جبرئيل وها هو قائم على رأسك ينزل إليك، فقال له النبي: ما اسمك يا غلام؟ فقال:
عبد العزى وأنا كافر به فسمني ما شئت يا رسول الله، قال: أنت عبد الله، فقال:
يا رسول الله ادع الله أن يجعلني من خدمك في الجنة، فدعا له فقال: سعد من آمن
بك وشقي من كفر بك، ثم شهق شهقة فمات.
شمر بن عطية: انه أتى النبي صلى الله عليه وآله بصبي قد شب ولم يتكلم قط فقال: ادن
مني، فدنا فقال: من أنا؟ قال: أنت رسول الله.
الواقدي عن المطلب بن عبد الله قال: بينما رسول الله جالس بالمدينة في أصحابه
إذ أقبل ذئب فوقف بين يدي النبي صلى الله عليه وآله يعوي فقال النبي هذا وفد السباع إليكم
فان أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره وإن أحببتم تركتموه وأحرزتم
منه فما أخذ فهو رزقه، فقالوا يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشئ، فأومى النبي
بأصابعه الثلاثة أي خالسهم (1) فولى وله غسلان (2).
وفى حكاية عمرو بن المنتشر انه سأل النبي صلى الله عليه وآله أن يدفع الحية عن الوادي
ويرد النخلة عن عادتها، فخرج النبي فإذا الحية تجرجر وتكشكش كالبعير الهائج
وتخور كما يخور الثور فلما نظرت إلى النبي قامت وسلمت عليه، ثم وقف على النخلة
وأمر يده عليها وقال بسم الله الذي قدر فهدى وأمات وأحيى فصارت بطول النبي
وأثمرت ونبع الماء من أصلها.
مناقب ج 1، م 11.

(1) خلس الشئ: اختطفه بمرعة على غفلة.
(2) الغسلان من قولهم غسل الذئب أو الفرس غسلانا وغسلاء أي اضطرب في عدوه وهز رأسه
88

وفى حديث خزيم بن فاتك الأسدي انه وجد إبله بأبرق العزل (1) القصة،
فسمع هاتفا
هذا رسول الله ذو الخيرات * جاء بياسين وحاميمات
فقلت: من أنت؟ قال: انا مالك بعثني رسول الله إلى حي نجد، قلت: لو كان
لي من يكفيني إبلي لاتيته فآمنت به، فقال انا، فعلوت بعيرا منها وقصدت المدينة والناس
في صلاة الجمعة فقلت في نفسي: لا ادخل حتى تنقضي صلاتهم فأنا أنيخ راحلتي إذ خرج
إلي رجل قال يقول لك رسول الله ادخل، فدخلت فلما رآني قال: ما فعل الشيخ الذي
ضمن لك ان يؤدي إبلك إلى أهلك؟ قلت: لا علم لي به، قال: انه أداها سالمة، قلت:
اشهد ان لا إله إلا الله وانك رسول الله.
فصل: في تكثير الطعام والشراب
(ويجعل الله فيه خيرا كثيرا). أبو هريرة، وأبو سعيد، وواثلة بن الأسقع
و عبد الله بن عاصم، وبلال، وعمر بن الخطاب قالوا: أصاب الناس مجاعة في تبوك
فقالوا ان اذنت لنا نحرنا نواضحنا فدعانا لنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم فجعل الرجل
يجئ بكف الذرة والآخر بكف التمر والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع شئ
من ذلك ثم دعا له بالبركة ثم قال: خذوا في أوعيتكم، قال: فأخذوا في أوعيتهم حتى
ما تركوا في العسكر وعاء إلا وملؤه واكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: اشهد ان لا إله إلا الله واني رسول الله لا يقولها أحد إلا حرمه
الله على النار.
ورأي صلى الله عليه وآله عمرة بنت رواحة تذهب بتميرات إلى أبيها يوم الخندق فقال:
اجعليها على يدي ثم جعلها على نطع فجل يربو حتى اكل منه ثلاثة آلاف رجل.
ومنه حديث علي بن أبي طالب (ع) وقد طبخ له ضلعا وفت مع العشيرة.
البخاري عن جابر الأنصاري في حديث حفر الخندق، فلما رأيت ضعف النبي صلى الله عليه وآله
طبخت جديا وخبزت صاع شعير وقلت: يا رسول الله تكرمني بكذا وكذا، فقال
لا ترفع القدر من النار ولا الخبز من التنور، ثم قال يا قوم قوموا إلى بيت جابر، فأتوا

(1) العزل بالأولى المعجمة ككتف أي الرمح الطويل، وفي بعض النسخ باهمال الأولى، ولم
أظفر بمعناها. والأبرق من ديار العرب تطلق على مواضع عدة ذكر جملة منها الفيروزآبادي
وياقوت الحموي، وليس فيها أبرق العزل.
89

وهم سبعمائة رجل. وفى رواية ثمانمائة. وفى رواية الف رجل. فلم يكن موضع
الجلوس فكان يشير إلى الحائط والحائط يبعد حتى تمكنوا فجعل يطعمهم بنفسه حتى
شبعوا ولم يزل يأكل ويهدي إلى قومنا اجمع، فلما خرجوا اتيت القدر فإذا هو مملو
والتنور محشو.
روى انس انه أرسلني أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وآله لما رأى فيه اثر الجوع، فلما
رآني قال أرسلك أبو طلحة؟ قلت نعم، قال لمن معه قوموا، فقال أبو طلحة يا أم سليم
قد جاء رسول الله بالناس وليس عندنا من الطعام ما يطعمهم، فقال صلى الله عليه وآله يا أم سليم
هلمي بما عندك، فجاءت بأقراص من شعير فأمر به ففت وعصرت أم سليم عكة (1)
سمن فأخذها النبي صلى الله عليه وآله ثم وضع يده على رأس الثريد وكان يدعو بعشرة عشرة فأكلوا
حتى شبعوا وكانوا سبعين أو ثمانين رجلا.
وروى أبو هريرة في أصحاب الصفة وقد وضعت بين أيديهم صحفة فوضع النبي
يده فيها فأكلوا وبقيت ملأى فيها اثر الأصابع.
ومثله حديث ثابت بن أسلم البناني عن انس في عرس زينب بنت جحش.
وروي ان أم شريك أهدت إلى النبي صلى الله عليه وآله عكة فيها سمن فأمر النبي الخادم ففرغها
وردها خالية فجاءت أم شريك فوجدت العكة ملأى فلم تزل تأخذ منها السمن زمانا
طويلا وأبقى لها شرفا.
وأعطى صلى الله عليه وآله لعجوز قصعة فيها عسل فكانت تأكل ولا تفنى، فيوما من الأيام
حولت ما كان فيها إلى اناء آخر ففنى سريعا فجاءت إلى النبي وأخبرته بذلك فقال صلى الله عليه وآله
ان الأول كان من فعل الله وصنعه والثاني كان من فعلك.
وقال جابر ان رجلا اتى النبي يستطعمه فأطمعه وسق من شعير فما زال الرجل
يأكل منه وامرأته ووصيفهما حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه وآله فأخبره فقال لو لم تكيلوه
لا كلتم منه ولقام بكم.
وقال أبو هريرة: اتيت إلى النبي بتميرات فقلت ادع الله لي بالبركة يا رسول الله
قال فوضعهن في يده ثم دعا بالبركة قال فجعلتها في جراب فلم نزل نأكل منه ونطعم
وكان لا يفارقني، فلما قتل عثمان كان على حقوي فسقط وذهب وكنت عنه في شغل
جابر بن عبد الله، والبراء بن عازب، وسلمة بن الأكوع، والمسور بن مخزمة،

(1) عكة بالضم: آنية السمن أصغر من القربة ولا زال اللفظ جاريا على ألسنة العوام
حتى اليوم.
90

فلما نزل النبي صلى الله عليه وآله بالحديبية في الف وخمسمائة وذلك في حر شديد قالوا يا رسول الله
ما بها من ماء والوادي يابس وقريش في بلدح (1) في ماء كثير فدعا بدلو من ماء
فتوضأ من الدلو ومضمض فاه ثم مج فيه وامر ان يصب في البئر فجاشت (2) فسقينا
واستقينا. وفي رواية فنزع سهما من كنانته فألقاه في البئر فقارت بالماء حتى جعلوا
يغترفون بأيديهم منها وهم جلوس على شفتها.
أبو عوانة وأبو هريرة انه صلى الله عليه وآله أعطى ناجية بن عمرو نشابة وأمر أبن يقعرها
في البئر فامتلأ البئر ماء فأتته امرأة فأنشأت:
يا أيها الماتح دلوي دونكا * اني رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيرا ويمجدونكا * أرجوك للخير كما يرجونكا
فأجابها ناجية:
قد علمت جارية يمانيه * اني أنا الماتح واسمي ناجية
وطعنة ذات رشاش واهية * طعنتها تحت صدور العانيه
وفي رواية انه دفعها إلى البراء بن عازب وقال: أغرز هذا السهم في بعض قليب
الحديبية، فجاءت قريش ومعهم سهيل بن عمرو فأشرفوا على القليب والعيون تنبع
تحت السهم فقالت: ما رأينا كاليوم قط وهذا من سحر محمد قليل، فلما أمر الناس
بالرحيل قال: خذوا حاجتكم من الماء. ثم قال للبراء: اذهب فرد السهم، فلما فرغوا
وارتحلوا أخذ السهم فجف الماء كأنه لم يكن هناك ماء.
أمير المؤمنين (ع)، ان رسول الله أمرني في بعض غزواته وقد نفد الماء يا علي
قم وائت بتنور قال: فأتيته فوضع يده اليمنى ويدي معها في التنور فقال: أنبع،
فنبع. وفي رواية سالم بن أبي الجعد وأنس فجعل الماء يخرج من بين أصابعه كأنه
العيون فشربنا وشبعنا؟ وذلك في يوم الشجرة وكانوا الف وخمسمائة رجل.
وشكا أصحابه إليه في غزوة تبوك من العطش فدفع سهما إلى رجل فقال انزل
فاغرزه في الركى ففعل ففار الماء فطمى إلى أعلى الركى فارتوى منه ثلاثون الف
رجل في دوابهم ووضع صلى الله عليه وآله بده تحت وشل بوادي المشفق فجعل ينصب في يديه
فانخرق الماء حتى سمع له حس كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا منه فقال
رسول الله لئن بقيتم أو بقي منكم أحد ليسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه

(1) بلدح بفتح الباء والدال: اسم موضع قريب من مكة.
(2) جاش البئر أو القدر! غلا.
91

وما خلفه، قيل وهو إلى اليوم كما قاله صلى الله عليه وآله. وفى رواية أبي قتادة كان يتفجر
الماء من بين أصابعه لما وضع يده فيها حتى شرب الماء الجيش العظيم وسقوا وتزودوا
في غزوة بني المصطلق. وفى رواية علقمة بن عبد الله انه وضع يده في الاناء فجعل
الماء يفور من بين أصابعه فقال حي على الوضوء والبركة من الله فتوضأ القوم كلهم
وفى حديث أبي ليلى شكونا إلى النبي صلى الله عليه وآله من العطش فأمر بحفرة فحفرت فوضع
عليها نطعا ووضع يده على النطع وقال هل من ماء، فقال لصاحب الإداوة (1)
صب الماء على كفي واذكر اسم الله، ففعل فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع
رسول الله حتى روى القوم وسقوا ركابهم.
وشكا إليه الجيش في بعض غزواته صلى الله عليه وآله فقدان الماء فوضع يده في القدح فضاق
القدح عن يده فقال للناس اشربوا فشرب الجيش وأسقوا وتوضأوا وملئوا المزاود
ومنه حديث معاد.
وانبع الماء عذبا من أنامله * من غير ما صخرة كانت على وشل
وأنشد
أنت الذي أنبع في راحته * من حجر ماءا معينا فجرى
وأنشد أيضا
ومن فاضت أنامله بماء * سقاء لواردين وصادرينا
وقرب جفنة صنعت لعشر * على قدر فأطعمها ما مئينا
وعادت بعد أكل القوم ملاى * يفور عليهم لحما سمينا
فصل: في معجزات أقواد؟ صلى الله عليه وآله
مثل ما اخبر به عن الله تعالى في القرآن (ولتعلمن نبأه بعد حين) وقوله (وإذا
وقع القول عليهم أخرجنا) وقوله (وإذا جاء وعد الآخرة) وقوله (حتى إذا فتحت
يأجوج ومأجوج) وقوله (إذا السماء انفطرت) وأمثالها.
أبو رجاء العطاردي (2) قال: أول ما أنكرنا عند مبعث النبي صلى الله عليه وآله انقضاض
الكواكب.

(1) الإداوة بالكسر: المطهرة جمعها أداوى كفتاوى.
(2) اسم أبى رجاء: عمران بن ملحان وقال ابن حجر: هو ثقة معمر مات 105 ه‍ وله من
العمر 120 سنة.
92

قال الزجاج في قوله (فاسترق السمع فاتبعه شهاب ثاقب) الشهاب من معجزات
نبينا صلى الله عليه وآله لأنه لم ير قبل زمانه، والدليل عليه ان الشعراء كانوا يمثلون في السرعة
بالبرق والسيل ولم يوجد في اشعارها بيت واحد فيه ذكر الكواكب المنقضة، فلما
حدثت بعد مولده صلى الله عليه وآله استعملت قال ذو الرمة
كأنه كوكب في اثر عفرية * مسموم في سواد الليل مقتضب
الضحاك في قوله (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان) الآيات، كان الرجال لما به
من الجوع يرى بينه وبين السماء كالدخان واكلوا الميتة والعظام ثم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله
وقالوا: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وقومك قد هلكوا فاسأل الله تعالى لهم الخصب
والسعة، فكشف الله عنهم ثم عادوا إلى الكفر.
الزبيري والشعبي، ان قيصر حارب كسرى فكان هوى المسلمين مع قيصر لأنه
صاحب كتاب وملة وأشد تعظيما لأمر النبي صلى الله عليه وآله وكان وضع كتابه على عينه
وامر كسرى بتمزيقه حين اتاهما كتابه يدعوهما إلى الحق، فلما كثر الكلام بين
المسلمين والمشركين قرأ الرسول صلى الله عليه وآله (ألم غلبت الروم) ثم حدد الوقت في قوله
(بضع سنين) ثم أكده في قوله (وعد الله) فغلبوا يوم الحديبية وبنوا الرومية (1)
وروي عنه صلى الله عليه وآله: لفارس نطحة أو نطحتان، ثم قال لا فارس بعدها ابدا،
والروم ذات القرون كلما ذهب قرن خلف قرن هبهب إلى آخر الأبد.
قتادة وجابر بن عبد الله في قوله (وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) نزل في
النجاشي لما مات نعاه جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه وآله فجمع الناس في البقيع وكشف له من
المدينة إلى ارض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه، فقالت المنافقون في ذلك
فجاءت الاخبار من كل جانب انه مات في ذلك اليوم في تلك الساعة، وما علم هرقل
بموته إلا من تجار رأو المدينة.
الكلبي في قوله (فشدوا الوثاق) ثم نزلت في العباس لما أسر في يوم بدر فقال
له النبي صلى الله عليه وآله: افد نفسك وابني أخيك - يعني عقيلا ونوفلا - وحليفك - يعنى
عتبة بن أبي جحدر - فإنك ذو مال، فقال إن القوم استكرهوني ولا ما عندي،
قال فأين المال الذي وضعته بمكة عند أم الفضل حين خرجت ولم يكن معكما أحد
وقلت إن أصبت في سفري فللفضل كذا وكذا ولعبد الله كذا ولفثم كذا؟ قال
والذي بعثك بالحق نبيا ما علم بهذا أحد غيرها واني لاعلم انك لرسول الله، ففدى

(1) الرومية: بلد بالمدائن خرب.
93

نفسه بمائة أوقية وكل واحد بمائة أوقية فنزل (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من
الاسرى) الآية، فكان العباس يقول صدق الله وصدق رسوله فإنه كان معي عشرون
أوقية فأخذت فأعطاني الله مكانها عشرين عبدا كل منهم يضرب بمال كثير أدناهم
يضرب بعشرين ألف درهم.
وقال أبو جعفر (ع): بينا رسول الله في المسجد إذ قال قم يا فلان قم يا فلان
حتى اخرج خمسة نفر، فقال: أخرجوا من مسجدنا لا تصلون فيه وأنتم لا تزكون
وحكمه (لتدخلن المسجد الحرام).
وفيه حديث عمر ومثل النعاس الذي غشى أصحابه في الحرب قوله (إذا يغشيكم
النعاس).
ومثل حكمه على اليهود انهم لن يتمنوا الموت فعجزوا عنه وهم مكلفون مختارون
ويقرأ هذه الآية في سورة يقرأ بها في جوامع الاسلام يوم الجمعة جهرا تعظيما
للآية التي فيها.
وحكمه على أهل نجران انهم لو باهلوا لأضرم الوادي عليهم نارا فامتنعوا وعلموا
صحة قوله، ونحو قوله (فسوف يكون لزاما) (1) وقوله (يوم نبطش البطشة
الكبرى). وروي انهم كانوا على تبوك فقال لأصحابه الليلة تهب ريح عظيمة
شديدة فلا يقومن أحدكم الليلة، فهاجت الريح فقام رجل من القوم فحملته الريح
فألقته بجبل طي.
وأخبر وهو بتبوك بموت رجل بالمدينة عظيم النفاق، فلما قدموا المدينة وجدوه
وقد مات في ذلك اليوم.
وأخبر بمقتل الأسود العنسي الكذاب ليلة قتله وهو بصنعا وأخبر بمن قتله.
وقال يوما لأصحابه: اليوم تنصر العرب على العجم، فجاء الخبر بوقعة ذي قار (2)
بنصر العرب على العجم.
وكان يوما جالسا بين أصحابه فقال: وقعت الواقعة أخذ الراية زيد بن حارثة
فقتل ومضى شهيدا وقد أخذها بعده جعفر بن أبي طالب وتقدم فقتل ومضى شهيدا
ثم وقف صلى الله عليه وآله وقفة لان عبد الله كان توقف عند أخذ الراية ثم أخذ الراية عبد الله

(1) في هذا الكلام إشارة إلى وقعة بدر، وكذلك قوله: يوم نبطش البطشة الكبرى.
(2) كانت هذه الوقعة لبني شيبان على دولة الأكاسرة وهي أول وقعة انتصر فيها العرب من
الفرس، والوقعة مشهورة في التاريخ العربي.
94

ابن رواحة وتقدم فقتل ومات شهيدا، ثم قال: أخذ الراية خالد بن الوليد فكشف
العدو عن المسلمين، ثم قام من وقته ودخل إلى بيت جعفر ونعاه إلى أهله واستخرج
ولده. ونظر صلى الله عليه وآله إلى ذراعي سراقة بن مالك دقيقين أشعرين فقال: كيف بك
يا سراقة إذا البست بعدي سواري كسرى. فلما فتحت فارس دعاه عمر وألبسه
سواري كسرى.
وقوله صلى الله عليه وآله لسلمان: أن سيوضع على رأسك تاج كسرى، فوضع التاج على
رأسه عند الفتح.
وقوله صلى الله عليه وآله لأبي ذر: كيف تصنع إذا أخرجت منها، الخبر.
وذكر صلى الله عليه وآله يوما زيد بن صوحان فقال: زيد وما زيد يسبقه عضو منه إلى الجنة
فقطعت يده في يوم نهاوند في سبيل الله.
وقال: انكم ستفتحون مصر فإذا فتحتموها فاستوصوا بالقبط خيرا فان لهم رحما
وذمة، يعني ان أم إبراهيم منهم.
وقوله: انكم تفتحون رومية فإذا فتحتم كنيستها الشرقية فاجعلوها مسجدا وعدوا
سبع بلاطات ثم ارفعوا البلاطة الثامنة فإنكم تجدون تحتها عصى موسى وكسوة إيليا.
وأخبر صلى الله عليه وآله بأن طوائف من أمته يغزون في البحر، وكان كذلك.
وخرج الزبير إلى ياسر بخير مبارزا فقالت أمه صفية: ياسر يقتل ابني يا رسول الله؟
قال: لا بل ابنك يقتله انشاء الله، فكان كما قال.
وفي شرف المصطفى عن الخركوشي أنه قال لطلحة: انك ستقاتل عليا وأنت ظالم
وقوله المشهور للزبير: انك تقاتل عليا وأنت ظالم. وقوله لعائشة: ستنبح عليك
كلاب الحوأب. وقوله لفاطمة (ع) بأنها أول أهله لحاقا به فكان كذلك. وقوله
لعلي (ع): لأعطين الراية غدا رجلا، فكان كما قال. وقوله له: انك ستقاتل
الناكثين والقاسطين والمارقين. وقوله في يوم أحد وقد أفاق من غشيته: انهم لن
ينالوا منا مثلها أبدا. وإخباره يقتل علي والحسنين.
سليمان بن صرد قال النبي حين أجلي عنه الأحزاب: أن لا نغزوهم ولا يغزوننا.
وقال صلى الله عليه وآله لرجل من أصحابه مجتمعين: أحدكم ضرسه في النار مثل أحد، فماتوا
كلهم على استقامة وارتد منهم واحد فقتل مرتدا. وقال لآخرين: آخركم موتا
في النار، يعنى أبا محذورة (1) وأبا هريرة وسمرة فمات أبو هريرة ثم أبو محذورة

(1) أبو محذورة: سمرة بن معير كان مؤذن النبي بمكة توفي سنة 59 ه‍.
95

ووقع سمرة في نار فاحترق فيها. وأخبر بقتل أبي بن خلف الجمحي فخدش يوم أحد
خدشا لطيفا فكانت منيته.
الخركوشي في شرف النبي أنه قال للأنصار: انكم سترون بعدي اثرة، فلما تولى معاوية عليهم منع عطاياهم فقدم عليهم فلم يتلقوه فقال لهم: ما الذي منعكم أن تلقوني؟
قالوا: لم يكن لنا ظهور نركبها، فقال لهم: أين كانت نواضحكم؟ فقال أبو قتادة:
عقرناها يوم بدر في طلب أبيك، ثم رووا له الحديث فقال لهم: ما قال لكم رسول الله؟
قالوا: قال لنا اصبروا حتى تلقوني، قال: فاصبروا إذا، فقال في ذلك عبد الرحمن
ابن حسان:
ألا أبلغ معاوية بن صخر * أمير المؤمنين بنا كلامي
فانا صابرون ومنظروكم * إلى يوم التغابن والخصام
السيدي، قال النبي صلى الله عليه وآله لأصحابه: يدخل عليكم الآن رجل من ربيعة يتكلم
بكلام الشيطان، فدخل الحطيم بن هند وحده فقال: إلى ما تدعو يا محمد؟ فأخبره فقال
انظرني فلي من أشاوره، ثم خرج فقال النبي: دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر
فذهب وأخذ سرح (1) المدينة.
أبو هريرة قال صلى الله عليه وآله: ليرعفن (2) جبار من جبابرة بني أمية على منبري هذا،
فرأى عمرو بن سعيد بن العاص سال رعافه.
وروى عنه صلى الله عليه وآله الأئمة من قريش فلم يوجد إمام ضلال أو حق إلا منهم.
أنس، أنه قال: لا تسألوني عن شئ إلا بنيته فقام رجل من بنى سهم يقال له
عبد الله بن حذاقة وكان يطعن في نسبه فقال: يا نبي الله من أبي؟ قال: أبوك حذاقة
ابن قيس فنزلت (يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء) قوله: (سبحان الذي
أسرى بعبده ليلا).
ووصفه بيت المقدس وتعديده أبوابه وأساطينه (3). وحديث العير التي مر بها
والجمل الأحمر الذي يقدمها والغرارتين عليه واستأسر بنو الحيان حبيب بن عدي
الأنصاري وباعوه من أهل مكة فأنشد حبيب:
" مناقب ج 1، م 12 "

(1) سرح الرجل: خرج في أموره، فكأنه بريد بذلك: طريق المدينة.
(2) رعف الرجل: خرج الدم من أنفه.
(3) الأساطير جمع أسطوانة وهي السارية والعمود والكلمة أجنبية.
96

لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا * قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وقد حشدوا أولادهم ونساءهم * وقربت من جذع طويل ممنع
فذا العرش صبرني على ما يراد بي * فقد يأس منهم بعد يومي ومطمعي
وتالله ما أخشى إذا كنت ذا تقى * على أي جمع كان لله مصرعي
فلما صلب قال: السلام عليك يا رسول الله، وكان النبي صلى الله عليه وآله في ذلك الوقت
بين أصحابه بالمدينة فقال: وعليك السلام، ثم بكى وقال: هذا حبيب يسلم علي حين
قتلته قريش.
وكتب صلى الله عليه وآله عهدا لحي سلمان بكازرون: هذا كتاب من محمد بن عبد الله
رسول الله سأله الفارسي سلمان وصية بأخيه مهاد بن فروخ بن مهيار وأقاربه وأهل
بيته وعقبه من بعده ما تناسلوا من أسلم منهم وأقام على دينه سلام الله، أحمد الله إليكم
ان الله تعالى أمرني أو أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له أقولها وآمر الناس بها
والامر كله لله خلقهم وأماتهم وهو ينشرهم واليه المصير، ثم ذكر فيه من احترام
سلمان إلى أن قال: وقد رفعت عنهم جز الناصية والجزية والخمس والعشر وسائر
المؤن والكلف فان سألوكم فاعطوهم وان استغاثوا بكم فأغيثوهم وان استجاروا بكم
فأجيروهم وان أساؤا فاغفروا لهم وان أسئ إليهم فامنعوا عنهم وليعطوا من بيت
مال المسلمين في كل سنة مائتي حلة ومن الا واقي مائة فقد استحق سلمان ذلك من
رسول الله، ثم دعا لمن عمل به ودعا على من آذاهم، وكتب علي بن أبي طالب،
والكتاب إلى اليوم في أيديهم ويعمل القوم برسم النبي صلى الله عليه وآله، فلولا ثقته بأن دينه
يطبق الأرض لكان كتبة هذا السجل مستحيلا.
وكتب نحوه لأهل تميم الداري: من محمد رسول الله للداريين إذا أعطاه الله
الأرض وهب لهم بيت عين وحيرين وبيت إبراهيم.
وكتب صلى الله عليه وآله للعباس: الحيرة من الكوفة والميدان من الشام والخط (1) من
هجر ومسيرة ثلاثة أيام من ارض اليمن، فلما افتتح ذلك أتى به إلى عمر فقال: هذا
مال كثير، القصة.
ومن العجائب الموجودة تدبيره صلى الله عليه وآله أمر دينه بأشياء قبل حاجته إليها مثل وضعه
المواقيت للحج ووضع غمرة والمسخ وبطن العقيق ميقاتا لأهل العراق ولا عراق

(1) الخط: موضع بأرض القطيف ولا زال يعرف بهذا الاسم إلى اليوم. وقد صحف
اللفظ في الأصل إلى الحاء المهملة والظاء والموحدة.
97

يومئذ والجحفة لأهل الشام وليس به من يحج يومئذ، ومن أصغى إلى ما نقل عنه
علم أن الأولين والآخرين يعجزون عن أمثالها وان ذلك لا يتصور إلا أن يكون من
الوحي والتنزيل.
وقوله صلى الله عليه وآله: زويت (1) لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي
ما زوي لي منها فصدق لي خبره فقد ملكهم من أول المشرق إلى آخر المغرب من بحر
الأندلس وبلاد البربر ولم يتسعوا في الجنوب ولا في الشمال كما اخبر صلى الله عليه وآله سواء بسواء
وقوله صلى الله عليه وآله لعدي بن حاتم: لا يمنعك من هذا الدين الذي ترى من جهد أهله
وضعف أصحابه فلكأنهم بيضاء المداين وقد فتحت عليهم وكأنهم بالظعينة تخرج
من الحيرة حتى تأتي مكة بغير خفار (2) ولا تخاف إلا الله فابصر عدى ذلك كله.
وقوله صلى الله عليه وآله لخالد بن الوليد وقد بعثه إلى كيدر بن عبد الملك ملك كنده وكان
نصرانيا ستجده يصيد البقر فخرج حتى كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة
صائفة وهو على سطح له ومعه امرأة فبانت البقرة تخد بقرونها باب القصر فقالت
هل رأيت مثل ذلك قط؟ قال: لا والله، قالت: فمن بترك (3) هذا؟ قال: لا أحد،
فنزل وركب على فرسه ومعه نفر من أهل بيته فيهم أخ يقال له حسان وبعث به
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأنشد في ذلك رجل من بني طي:
تبارك سائق البقرات اني * رأيت الله يهدي كل هاد
فمن يك حائدا عن ذي تبوك * فانا قد أمرنا بالجهاد
وقوله لكنانة زوج صفية والربيع: أين آنيتكما التي كنتما تعيرانها أهل مكة؟
قالا هزمنا فلم تزل تضعنا ارض وتقلنا ارض أخرى وأنفقناها، فقال لهما: انكما ان
كتمتما شيئا فاطلعت عليه استحللت دماء كما وذراريكما، قالا: نعم، فدعا رجلا من
الأنصار وقال: اذهب إلى قراح (4) كذا وكذا ثم ائت النخيل فانظر نخلة عن
يمينك وعن يسارك وانظر نخلة مرفوعة فأتيني بما فيها، فانطلق وجاء بالآنية
والأموال فضرب عنقهما.
وقال جارود بن عمرو العبدي وسلمة بن العباد الأزدي: ان كنت نبيا فحدثنا عما

(1) زويت: جمعت.
(2) الخفار من خفرت الرجل أي حميته وأجرته من طالبه.
(3) بترك أقام، واللفظ بتقديم الموحدة التحتانية على المثناة الفوقانية، وفي بعض النسخ تبرك
بتقديم التاء.
(4) القراح: المزرعة التي ليس فيها بناء.
98

جئنا نسألك عنه، فقال صلى الله عليه وآله: اما أنت يا جارود فإنك جئت تسألني عن دماء الجاهلية
وعن حلف الاسلام وعن المنيحة، قال: أصبت، فقال صلى الله عليه وآله فان دماء الجاهلية
موضوع وحلفها لا يزيده الاسلام إلا شدة ولا حلف في الاسلام ومن أفضل الصدقة
ان تمنح أخاك ظهر الدابة ولبن الشاة، واما أنت يا سلمة بن عباد فجئتني تسألني عن
عبادة الأوثان ويوم السباسب (1) وعقل الهجين (2) اما عبادة الأوثان فان الله جل
وعز يقول (انكم وما تعبدون من دون الله) واما يوم السباسب فقد أبدلك الله
عز وجل ليلة القدر ويوم العيد لمحة تطلع الشمس لا شعاع لها واما عقل الهجين فان
أهل الاسلام تتكافأ دماؤهم ويجير أقصاهم على أدناهم وأكرمهم عند الله اتقاهم، قالا
نشهد بالله ان ذلك كان في أنفسنا.
وفي حديث أبي جعفر (ع) ان النبي صلى الله عليه وآله صلى وتفرق الناس فبقي أنصاري
وثقفي فقال لهما: قد علمت أن لكما حاجة تريدان ان تسألاني عنها فان شئتما أخبرتكما
بحاجتكما قبل ان تسألاني وإن شئتما فاسألا. فقالا: نحب ان تخبرنا بها قبل ان نسألك
فان ذلك أجلى للعماء وأثبت للايمان، فقال صلى الله عليه وآله: يا أخا الأنصار انك من قوم
يؤثرون على أنفسهم وأنت قروي وهذا بدوي أفتؤثره بالمسألة؟ قال: نعم، قال:
اما أنت يا أخا ثقيف فإنك جئت تسألني عن وضوئك وصلاتك وما لك على ذلك من
الاجر، فأخبره بذلك، واما أنت يا أخا الأنصار فجئت تسألني عن حجك وعمرتك
وما لك فيهما، فأخبره بفضلهما.
أنس: أنه قال لرجل اسمه أبو بدر: قل لا إله إلا الله، فسأله حجة، قال: في
قلبك من أربعة اشهر كذا وكذا، فصدقه وأسلم.
اتى سائل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسأله شيئا فأمره بالجلوس فأتاه رجل بكيس ووضع
قبله وقال: يا رسول الله هذه أربعمائة درهم أعطها المستحق، فقال: يا سائل خذ هذه
الأربعمائة دينار، فقال صاحب المال: يا رسول الله ليس بدينار وإنما هو درهم،
فقال صلى الله عليه وآله: لا تكذبني فان الله صدقني، وفتح رأس الكيس فإذا هو دينار فعجب
الرجل وحلف انه شحنها من الدراهم، قال: صدقت ولكن لما جرى على لساني
الدنانير جعل الله الدراهم دنانير.

(1) السباسب: أيام السعانين وهي عيد للنصارى قبل الفصح بأسبوع.
(2) يريد يعقل الهجين دية غير شريف النسب وهل تساوي دية الشريف. أو انه كان عند
السائل انه لا يقتص الشريف للهجين.
99

واستأذن أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكون في مزينة (1) مع ابن أخيه فقال إني
أخشى ان تغير عليك خيل من العرب فتقتل ابن أخيك فتأتيني شعثا فنقوم بين
يدي متكئا على عصى فتقول قتل ابن أخي واخذ السرح، ثم أذن له فخرج ولم يلبث
إلا قليلا حتى أغار عليه عيينة بن حصن وأخذ السرح وقتل ابن أخيه واخذت امرأته
فأقبل أبو ذر يستند حتى وقف بين رسول الله وبه طعنة جايفة (2) فاعتمد على عصاه
وقال صدق الله ورسوله اخذ السرح وقتل ابن أخي وقمت بين يديك على عصاي،
فصاح رسول الله في المسلمين فخرجوا بالطلب فردوا السرح.
وكتب صلى الله عليه وآله إلى ابن جلندي وأهل عمان وقال: أما انهم سيقبلون كتابي
ويصدقوني ويسألكم ابن جلندي: هل بعث رسول الله معكم بهدية؟ فقولوا: لا،
فسيقول: لو كان رسول الله بعث معكم بهدية لكانت مثل المائدة التي نزلت على بني إسرائيل
وعلى المسيح، فكان كما قال.
وفي حديث حريز بن عبد الله البجلي وعبدة بن مسهر لما قال له: اخبرني عما
أسألك وما احرت (3) وما أبصرت - يريد في المنام -، فقال صلى الله عليه وآله: أما ما احرت
فسيفك الحسام وابنك الهمام وفرسك عصام ورأيت في المنام في غلس الظلام ان ابنك
يريد الغزل فلقيه أبو ثعل على سفح الجبل مع احدى نساء بني ثعل فقتله نجدة بن جبل،
ثم أخبره بما يجري وما يجب أن يعمل.
قال أبو شهم (4): مرت بي جارية بالمدينة فأخذت بكشحها (5) قال: وأصبح
الرسول يبايع الناس قال فأتيته فلم يبايعني فقال: صاحب الخبندة! (6) قلت: والله
لا أعود، قال فبايعني.
وأمثلة ذلك كثيرة فصار مخبرات مقاله على ما أخبر به (ص).

(1) مزينة كجهينة: اسم قبيلة.
(2) طعنة جايفة: أي طعنة تبلغ الجوف.
(3) قال في البحار قوله: ما أحرت، بالحاء المهملة المخففة أي رددت، أو بالخاء المعجمة أي
تركت وراء ظهري.
(4) أبو شهم: يزيد بن أبي شيبة، صحابي.
(5) المكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف.
(6) جارية خبندة: أي تقيلة الوركين، أو هي التامة الممتلئة.
100

فصل: في معجزات أفعاله صلى الله عليه وآله
محمد بن المنكدر: سمعت جابرا يقول: جاء رسول الله صلى الله عليه وآله يعودني وأنا مريض
لا أعقل فتوضأ وصب علي من وضوئه فعقلت، الخبر.
وشكى إليه طفيل العامري الجذام فدعا بركوة ثم تفل فيها وأمره أن يغتسل به
فاغتسل وعاد صحيحا.
وأتاه صلى الله عليه وآله حسان بن عمرو الخزاعي مجذوما فدعا له بماء فتفل فيه ثم أمره
فصبه على نفسه فخرج من علته فأسلم قومه.
وأتاه قيس اللخمي وبه برص فتفل عليه فبرأ.
أبو بكر القفال في دلائل النبي: ان البراء ملاعب الأسنة كان به استسقاء فبعث
إليه لبيد بن ربيعة وأهدى إليه فرسين ونجائب، فقال صلى الله عليه وآله: لا أقبل هدية مشرك،
قال: فإنه يستشفيك من الاستسقاء، فأخذ بيده حثوة من الأرض فتفل عليها
وأعطاه ثم قال: دفها بماء ثم اسقه إياه، فلما شربها البراء برأ من مرضه.
محمد بن خاطب: انكب القدر على ساعدي في الصغر فأتت بي أمي إلى النبي صلى الله عليه وآله
قالت: فتفل في في ومسح على ذراعي وجعل يقول: اذهب الباس رب الناس واشف
أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقما، فبرأ بإذن الله.
الفايق، ان النبي صلى الله عليه وآله مسح على رأس غلام وقال: عش قرنا، فعاش مائة. وان
امرأة أتته بصبي لها للتبرك وكانت به عاهة فمسح يده على رأسه الصبي فاستوى شعره
وبرأ داؤه. وروى ابن بطة ان الصبي كان المهلب، وبلغ ذلك أهل اليمامة فأتت
امرأة مسيلمة بصبي لها فمسح رأسه فصلع وبقى نسله إلى يومنا هذا.
وقطع يد أنصاري وهو عبد الله بن عتيك في حرب أحدا فألزقها رسول الله صلى الله عليه وآله
ونفخ عليه فصار كما كان.
ونفخ صلى الله عليه وآله في عين علي (ع) وهو أرمد يوم خيبر فصحح من وقته. قال
أبو العباس أحمد بن عطية:
تفل النبي بمحضر يختصه * في مقلتيه ولحظه يتطلع
فرأى البسيطة مثل راحة كفه * حتى كأن السهل منها إصبع
وفقئت في أحد عين قتادة بن ربعي أو قتادة بن النعمان الأنصاري فقال يا رسول الله
الغوث الغوث، فأخذها بيده فردها مكانها فكانت أصحهما وكانت تعتل الباقية ولا
101

تعتل المردودة، فلقب ذا العينين أي له عينان مكان الواحدة، فقال الخرنق الأوسي:
ومنا الذي سالت على الخد عينه * فردت بكف المصطفى أحسن الرد
فعادت كما كانت لأحسن حالها * فيا طيب ما عين ويا طيب ما يد
وأصيبت رجل بعض أصحابه فمسحها بيده فبرأت من حينها. وأصاب محمد بن
مسلمة يوم قتل كعب بن الأشرف مثل ذلك في عيني ركبتيه فمسحه رسول الله صلى الله عليه وآله
بيده فلم تبن من أختها. وأصاب عبد الله بن أنيس مثل ذلك في عينه فمسحها فما
عرفت من الأخرى.
عروة بن الزبير عن زهرة قال: أسلمت فأصيب بصرها فقالوا لها أصابك اللات
والعزى، فرد صلى الله عليه وآله عليها بصرها، فقالت قريش: لو كان ما جاء محمد خيرا ما سبقتنا
إليه زهرة، فنزل (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه).
وأنفذ النبي صلى الله عليه وآله عبد الله بن عتيك إلى حصن أبي رافع اليهودي فدخل فيه بغتة
فإذا أبو رافع في بيت مظلم لا يدري أين هو فقال: أنا رافع، قال: من هذا فأهوى
نحو الصوت فضربه ضربة وخرج فصاح أبو رافع ثم دخل عليه فقال ما هذا الصوت
يا أبا رافع؟ فقال: ان رجلا في البيت ضربني، فضربه ضربة أخرى وكان ينزل
فانكسر ساقه فعصبها، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وآله فحدثه قال: ابسط رجلك فبسطها
فمسحها فبرأت.
وكان أبي بن خلف يقول: عندي رمكة (1) أعلفها كل يوم فرق (2) ذرة أقتلك
عليها فقال النبي: أنا أقتلك انشاء الله، فطعنه النبي صلى الله عليه وآله يوم أحد في عنقه وخدشه
خدشة فتدهدى عن فرسه وهو يخور كما يخور الثور، فقالوا له في ذلك فقال: لو
كانت الطعنة بربيعة ومضر لقتلهم أليس قال لي أقتلك فلو بزق علي بعد تلك المقالة
قتلني، فمات بعد يوم. فقال حسان:
لقد ورث الضلالة عن أبيه * أبي حين بارزه الرسول
أتيت إليه تحمل منه عضوا * وتوعده وأنت به جهول
وقد قتلت بنو النجار منكم * أمية إذ يغوث يا عقيل
وفي لطائف القصص ان قوما شكوا إليه ملوحة مائهم فجاء معهم وتفل في بئرهم

(1) الرمكة محركة: الفرس والبرذونة تتخذ للنسل.
(2) الفرق بفتحتين: مكيال بفتحتين: مكيال يقال إنه تسع عشر رطلا؟ قال الأزهري: وأهل اللغة مجمعون
على الفتح وأهل الحديث يسكنون.
102

فانفجرت بالماء العذب الفرات فهاهي تتوارثها أهلها، وكان مما أكد الله به صدقه ان
قوم مسيلمة سألوه مثلها فتفل في بئر فعادت ملحا أجاجا كبول الحمار وهي إلى اليوم
بحالها معروفة المكان.
وروي ان النبي تفل في بئر معطلة ففاضت حتى سقي منها بغير دلو ولا رشأ.
وكانت امرأة متبرزة وفيها وقاحة فرأت رسول الله يأكل فسألت لقمة من
فلق فيه فأعطاها فصارت ذات حياء بعد ذلك.
وروي ان جرهدا أتى النبي صلى الله عليه وآله وبين يديه طبق فمد يده الشمال ليأكل وكانت
اليمين مصابة فقال له النبي: كل باليمين، فقال: يا رسول الله انها مصابة، فنفث عليها
فما اشتكاها.
أبو هريرة قال: انصرف النبي صلى الله عليه وآله ليلة من العشاء فأضاءت له برقة فنظر إلى
قتادة بن النعمان فعرفه فقال: يا نبي الله كانت ليلة مطيرة فأحببت أن أصلي معك،
فأعطاه النبي عرجونا وقال: خذها تستضئ به ليلتك، الخبر، وأعطى صلى الله عليه وآله عبد الله
ابن طفيل الأزدي نورا في جبينه ليدعو به قومه فقال: يا رسول الله هذه مثلة،
فجعله رسول الله في سوطه واهتدى به أبو هريرة.
وروى أبو هريرة ان الطفيل بن عمرو نهته قريش عن قرب النبي فدخل المسجد
محشوا اذنيه بكرسف لكيلا يسمع صوته فكان يسمع فأسلم وقال:
يحذرني محمدها قريش * وما أنا بالهيوب لدى الخصام
فقام إلى المقام وقمت منه * بعيدا حيث أنجو من ملام
وأسمعت الهدى وسمعت قولا * كريما ليس من سجع الأنام
وصدقت الرسول وهان قوم * علي رموه بالبهت العظام
ثم قال يا رسول الله اني امرئ مطاع في قومي فادع الله أن يجعل لي آية تكون
لي عونا على ما أدعوهم إلى الاسلام فقال صلى الله عليه وآله: اللهم اجعل له آية فانصرف إلى قومه
إذ رأى نورا في طرفه سوطه كالقنديل فأنشأ قصيدة منها:
ألا أبلغ لديك بني لوي * على الشنآن والغضب المرد
بأن الله رب الناس فردا * تعالى جده عن كل جد
وان محمدا عبد رسول * دليل هدى وموضح كل رشد
رأيت له دلائل أنبأتني * بأن سبيله للفضل يهدي
أبو عبد الله الحافظ قال: خط النبي صلى الله عليه وآله عام الأحزاب أربعين ذراعا بين كل
103

عشرة فكان سلمان وحذيفة يقطعون نصيبهم فبلغوا ندبا عجزوا عنه فذكر سلمان
للنبي صلى الله عليه وآله ذلك فهبط وأخذ معوله وضرب ثلاث ضربات في كل ضربة لمعة وهو
يكبر ويكبر الناس معه فقال: يا أصحابي هذا ما يبلغ الله شريعتي الأفق.
وفي خبر بالأولى اليمن وبالثانية الشام والمغرب وبالثالثة المشرق فنزل (ليظهره على
الدين كله) الآيات.
جابر بن عبد الله: اشتد علينا في حفر الخندق كدانة فشكونا، إلى النبي فدعا
باناء من ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو ثم نضح الماء على تلك الكدانة
فعادت كالكندر.
وروي ان عكاشة انقطع سيفه يوم يدر فناوله رسول الله خشبة وقال: قاتل بها
الكفار فصارت سيفا قاطعا يقاتل به حتى قتل به طليحة في الردة.
وأعطى عبد الله بن جحش يوم أحد عسيبا من نخل فرجع في يده سيفا. وروى
في ذي الفقار مثله رواية. وأعطى صلى الله عليه وآله يوم أحد لأبي دجانة سعفة نخل فصارت
سيفا فأنشأ أبو دجانة:
نصرنا النبي بسعف النخيل * فصار الجريد حساما صقيلا
وذا عجبا من أمور الإله * ومن عجب الله ثم الرسولا
ومن هز الجريدة فاستحالت * رهيف الحد لم يلق الغلولا
وأتاه قوم من عبد القيس بغنم لهم فسألوه أن يجعل لها علامة يذكر بها فغمز
إصبعه في أصول اذانها فابيضت فهي إلى اليوم معروفة النسل ظاهرة الأثر.
وأكل النبي صلى الله عليه وآله يوما رطبا كان في يمينه وكان يحفظ النوى في يساره فمرت
شاة فأشار إليها بالنوى فجعلت تأكل في كفه اليسرى وهو يأكل بيمينه حتى فرغ
وانصرفت الشاة.
وروي انه صلى الله عليه وآله قال: اعطني يا علي كفا من الحصى، فرماها وهو يقول: جاء
الحق وزهق الباطل. قال الكلبي: فجعل الصنم ينكب لوجهه إذا قال ذلك وأهل
مكة يقولون: ما رأينا رجلا أسحر من محمد.
أبو هريرة: ان رجلا أهدى إليه قوسا عليه تمثال عقاب فوضع يده عليه فأذهبه
الله. وكان خباب بن الأرت في سفر فأتت بنيته إلى الرسول صلى الله عليه وآله وشكت نفاد
النفقة فقال اوربني بشوية لكم فمسح يده على ضرعها فكانت تدر إلى انصراف خباب.
104

أمالي الطوسي عن زيد بن أرقم في خبر طويل ان النبي صلى الله عليه وآله أصبح طاويا فأتى
فاطمة (ع) فرأى الحسن والحسين (ع) يبكيان من الجوع وجعل يزقهما بريقه حتى
شبعا وناما فذهب مع علي إلى دار أبي الهيثم فقال: مرحبا برسول الله ما كنت أحب
أن تأتيني وأصحابك إلا وعندي شئ وكان لي شئ ففرقته في الجيران، فقال:
أوصاني جبرئيل بالجار حتى حسبت انه سيورثه، قال: فنظر النبي إلى نخلة في جانب
الدار فقال: يا أبا الهيثم تأذن في هذه النخلة؟ فقال: يا رسول الله انه لفحل وما حمل
شيئا قط شأنك به، فقال: يا علي اتيني بقدح ماء فشرب منه ثم مج فيه ثم رش على النخلة
فتملت اغداقا من بسر ورطب ما شئنا، فقال: ابدؤا بالجيران، فأكلنا وشربنا ماءا
باردا حتى شربنا وروينا فقال: يا علي هذا من النعيم الذي يسألون عنه يوم القيامة
يا علي تزود لمن وراك لفاطمة والحسن والحسين، قال: فما زالت تلك النخلة عندنا
نسميها نخلة الجيران حتى قطعها يزيد عام الحرة.
هند بنت الجون وحبيش بن خالد وأبو معبد الخزاعي: ان النبي صلى الله عليه وآله عند الهجرة
نزل على أم معبد الخزاعية وسألوها شيئا ليشتروه فلم يصيبوا فإذا شاة في كسر البيت
جرباء ضعيفة فدعا بها فمسح يده على ضرعها وقال: اللهم بارك لي في شأنها، فتفاجت
ودرت واخبزت فدعا النبي باناء لها يربض الرهط فحلبها وشرب هو وأصحابه والمرأة
وأحصابها ولم يشرب حتى شربوا بجمعهم ثم قال: ساقى القوم آخرهم شربا، ثم حلب
لها عودا بعد بدء. قال خطيب منبج:
ومن حلب الضئيلة وهي تضو * فأسبل درها؟ للحالبينا
وكانت حائلا فغدت وراحت * بيمن المصطفى الهادي لبونا
وقال غيره:
والشاة لما مسحت الكف منك على * جهد الهزال بأوصال لها قحل
سنحت بدرة سكر الضرع حافلة * فروت الركب بعد النهل بالعلل
وسمع صوت:
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها * فإنكم ان تسألوا الناس تشهد
دعاها بشاة حايل فتحلبت * له بصريح صرة الشاة من يد
فلما أصبح الناس اخذوا نحو المدينة حتى لحقوا به.
ومسح صلى الله عليه وآله ضرع شاة حايل لا لبن لها فدرت فكان ذلك سبب إسلام ابن مسعود
أمالي الحاكم، ان النبي كان يوما قائظا فلما انتبه من نومه دعا بماء فغسل يديه
105

ثم مضمض ماء ومجه إلى عوسجة فأصبحوا وقد غلظت العوسجة وأثمرت وأينعت
بثمر أعظم ما يكون في لون الورس ورائحة العنبر وطعم الشهد والله ما أكل منها
جائع إلا شبع ولا ظمآن إلا روى ولا سقيم إلا برء ولا أكل من ورقها حيوان إلا
در لبنها وكان الناس يستشفون من ورقها وكان يقوم مقام الطعام والشراب ورأينا
النماء والبركة في أموالنا فلم يزل كذلك حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط وثمرها
وصغر ورقها فإذا قبض النبي صلى الله عليه وآله فكانت بعد ذلك تثمر دونه في الطعم والعظم
والرائحة وأقامت على ذلك ثلاثين سنة فأصبحنا يوما وقد ذهبت نضارة عيدانها فإذا
قتل أمير المؤمنين (ع) فما أثمرت بعد ذلك قليلا ولا كثيرا فأقامت بعد ذلك مدة
طويلة ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط وورقها زايل يقطر ماء كماء
اللحم فإذا قتل الحسين (ع).
أجمع المفسرون والمحدثون سوى عطا والحسين والبلخي في قوله (اقتربت
الساعة وانشق القمر) انه قد اجتمع المشركون ليلة بدر إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: ان
كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين، قال: ان فعلت تؤمنون؟ قالوا: نعم، فأشار
إليه بإصبعه فانشق شقتين رؤي حرى (1) بين فلقيه. وفي رواية نصفا على أبى قبيس
ونصفا على قعيقعان (2). وفى رواية نصف على الصفا ونصف على المروة فقال صلى الله عليه وآله
اشهدوا اشهدوا، فقال ناس: سحرنا محمد، فقال رجل: إن كان سحركم فلم يسحر
الناس كلهم. وكان ذلك قبل الهجرة وبقى قدر ما بين العصر إلى الليل وهم ينظرون
إليه ويقولون: هذا سحر مستمر، فنزل (وان يروا آية يعرضون) الآيات. وفى
رواية انه قدم السفار من كل وجه فما من أحد قدم إلا اخبرهم انهم رأوا مثل ما رأوا
قال نصر بن المنتصر:
والقمر البدر المنير شقة * فقيل سحر عجب لما رأى
وغرس صلى الله عليه وآله نوى فنبت نخلا وحملت الذهب الذي دفعه إلى سلمان وبارك فيه
ووفى بكل ما كان عليه وما نقص منه وأرطبت في وقت واحد.

(1) حراء ككتاب وكعلى: جبل بمكة.
(2) قعيقعان كزعيفران: جبل بمكة وجهه إلى أبي قبيس.
106

فصل: في معجزاته في ذاته
كان النبي صلى الله عليه وآله قبل المبعث موصوفا بعشرين خصلة من خصال الأنبياء لو
انفرد واحد بأحدها لدل على جلاله فكيف من اجتمعت فيه كان نبيا أمينا صادقا
حاذقا أصيلا نبيلا مكينا فصيحا عاقلا فاضلا عابدا زاهدا سخيا كميا قانعا متواضعا
حليما رحيما غيورا صبورا موافقا مرافقا لم يخالط منجما ولا كاهنا ولا عيافا.
ولما قالت قريش انه ساحر علمنا أنه قد أراهم ما لم يقدروا على مثله وقالوا هذا
مجنون لما هجم منه على شئ لم يفكر في عاقبته منهم، وقالوا هو كاهن لأنه أنبأ
بالغائبات، وقالوا معلم لأنه قد أنبأهم بما يكتمونه من أسرارهم فثبت صدقه من حيث
قصدوا تكذيبه.
وكان فيه خصال الضعفاء ومن كان فيه بعضها لا ينظم أمره، كان يتيما فقيرا
ضعيفا وحيدا غريبا بلا حصار ولا شوكة كثير الأعداء، ومع جميع ذلك تعالى مكانه
وارتفع شأنه فدل على نبوته.
وكان البدوي يرى وجهه الكريم فقال: والله ما هذا وجه كذاب. وكان
ثابتا في الشدائد وهو مطلوب، وصابرا على البأساء والضراء وهو مكروب محزوب.
كان زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة فثبت له الملك. وكان يشهد كل عضو منه
على معجزة.
(نوره) كان إذا يمشي في ليلة ظلماء بداله نور كأنه قمر.
عائشة: فقدت إبرة ليلة فما كان في منزلي سراج فدخل النبي فوجدت الإبرة بنور
وجهه. حمزة بن عمر الأسلمي قال: نفرنا مع النبي في ليلة ظلماء فأضاءت أصابعه.
(عرفه) جابر بن عبد الله: انه كان لا يمر في طريق فيمر فيه انسان بعد يومين
إلا عرف انه عبر فيه. مسلم: كان النبي صلى الله عليه وآله يقيل عند أم سلمة فكانت تجمع عرقه
وتجعله في الطيب.
عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: اتي رسول الله صلى الله عليه وآله بدلو من ماء فشرب ثم
توضأ فتمضمض ثم مج مجة في الدلو فصار مسكا أو أطيب من المسك.
(ظله) لم يقع ظله على الأرض لان الظن من الظلمة. وكان إذا وقف في
الشمس والقمر والمصباح نوره يغلب أنوارها.
(قامته) كل ما مشى مع أحد كان أطول منه برأس وإن كان طويلا.
107

(رأسه) كان تظله سحابة من الشمس وتسير لمسيرة وتركد لركوده ولا
يطير الطير فوقه.
(عينه) كان يبصر من ورائه كما يبصر من أمامه، ويرى من خلفه كما يرى
من قدامه.
(أنفه) لم يشم به منذ خلقه الله تعالى رائحة كريهة،
(فمه) كان يمج في الكوز والبئر فيجدون له رائحة أطيب من المسك.
(لسانه) كان ينطق بلغات كثيرة.
(محاسنه) كانت فيه سبع عشرة طاقة نور تتلألأ في عوارضه.
(اذنه) كان يسمع في منامه كما يسمع في انتباهه ويسمع كلام جبرئيل عند
الناس ولا يسمعونه.
ربيع الأبرار، انه دخل أبو سفيان على النبي صلى الله عليه وآله وهو نفاد فأحس بتكاثر
الناس فقال في نفسه: واللات والعزى يا ابن أبي كبشة لأملأنها عليك خيلا ورجلا
وانى لأرجو ان أرقي هذه الأعواد، فقال النبي: أو يكفينا الله شرك يا أبا سفيان.
(صدره) لم يكن على وجه الأرض أعلم منه.
(ظهره) كان بين كتفيه خاتم النبوة كلما أبداه علا نوره نور الشمس مكتوب
عليه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له توجه حيث شئت فأنت منصور.
في حديث جابر بن سمرة: رأيت خاتمة غضروف كتفيه مثل بيض الحمامة.
وسئل الخدري عنه فقال: بضعة ناشزة. أبو زيد الأنصاري: شعر مجتمع على
كتفيه. السايب بن يزيد: مثل زر الحجلة.
ولما شك في موت رسول الله صلى الله عليه وآله وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه
فقالت: قد توفي رسول الله، قد رفع الخاتم.
(بطنه) كان يشد عليه الحجر من الغرث (1) فتشبع.
(قلبه) كان تنام عيناه ولا ينام قلبه.
(يداه) فار الماء من بين أصابعه وسبح الحصى في كفه.
(ركبه) ولد مسروا مختونا وما احتلم قط، لان ذلك من الشيطان، وكان
له شهوة أربعين نبيا.
(جلوسه) عائشة: قلت يا رسول الله انك تدخل الخلاء فإذا خرجت دخلت

(1) الغرث بالتحريك: الجوع.
108

على اثرك فما أرى شيئا إلا انى أجد رائحة المسلك؟ فقال: انا معشر الأنبياء تنبت
أجسادنا على أرواح الجنة فما يخرج منه شئ إلا ابتلعته الأرض.
وتبعه رجل علم صلى الله عليه وآله مراده فقال: انا معاشر الأنبياء لا يكون منا ما يكون
من البشر.
أم أيمن: أصبح رسول الله فقال: يا أم أيمن قومي فاهرقي ما في الفخارة - يعني
البول - قلت: والله شربت ما فيها وكنت عطشى، قالت: فضحك حتى بدت نواجذه
ثم قال: أما انك لا تنجع (1) بطنك ابدا. ومنه حديث دم الفصد.
(فخذه) كل دابة ركبها النبي بقيت على سنها لا تهرم قط.
(رجلاه) أرسلها في بئر ماؤه أجاج فعذب.
(قوته) كان لا يقاومه أحد. إسحاق بن بشار: ان ركانة بن عبد بن زيد
ابن هاشم كان من أشد قريش فحلا فقال له النبي في وادي أصم: يا ركانة ألا تتقي
الله وتقبل ما أدعوك إليه، قال: انى لو اعلم أنه حق لا تبعتك، فقال النبي صلى الله عليه وآله:
أفرأيت إن صرعتك أتعلم ان ما أقول حق؟ قال: نعم، قال: قم حتى أصارعك،
قال: فقام إليه ركانة فصارعه فلما بطش به رسول الله اضجعه قال: فعد، فعاد
فصرعه فقال: ان ذا العجب يا قوم ان صاحبكم أسحر أهل الأرض.
(حرمته) كان المقر يحرك مهده في حال صباه، وكان لا يمر على شجرة إلا
سلمت عليه، ولم يجلس عليه الذباب، ولم تدن منه هامة ولا سامة.
(مشيه) كان إذا مشى على الأرض السهلة لا يبين لقدمه اثر وإذا مشى على
الصلبة بان اثرها.
(هيبته) كان عظيما مهيبا في النقوس حتى ارتاعت رسل كسرى مع أنه كان
بالتواضع موصوفا وكان محبوبا في القلوب حتى لا يقليه مصاحب ولا يتباعد عنه مقارب
قال السدي: قوله (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) لما ارتحل أبو سفيان
والمشركين يوم أحد متوجهين إلى مكة قالوا: ما صنعنا قتلناهم حتى لم يبق منهم إلا
الشريد وتركناهم إذ هموا وقالوا: ارجعوا فاستأصلوهم، فلما عزموا على ذلك القى الله
في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا. وروي ان الكفار دخلوا مكة كالمنهزمين
مخافة أن يكون له الكرة عليهم. وقال صلى الله عليه وآله: نصرت بالرعب مسيرة شهر، قوله
تعالى: (وكف أيدي الناس عنكم) وذلك أن النبي لما قصد خيبر وحاصر أهلها همت

(1) النجيع بتقديم النون على الجيم: دم الجوف.
109

قبائل من أسد وغطفان أن يغيروا على أهل المدينة فكف الله عنهم بالقاء الرعب في
قلوبهم قوله تعالى: (هو الذي أيدك بنصره)، وقال صلى الله عليه وآله: لم تخل في ظفر اما في
ابتداء الامر واما في انتهائه.
وكان جميل بن معمر الفهري حفيظا لما يسمع ويقول: ان في جوفي لقلبين أعقل
بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فكانت قريش تسميه ذا القلبين فتلقاه أبو سفيان
يوم بدر وهو آخذ بيده احدى نعليه والأخرى في رجله فقال له: يا أبا معمر ما الخبر؟
قال: انهزموا، قال: فما حال نعليك؟ قال: ما شعرت إلا انها في رجلي لهيبة محمد،
فنزل (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه).
أمير المؤمنين (ع):
وينصر الله من لافاه ان له * نصرا يمثل بالكفار ما عندوا
ومن أوضح الدلالات على نبوته صلى الله عليه وآله استيقان كافتهم بحدوده وتمكن موجباتها
في غوامض صدورهم حتى أنهم يشتمون بالفسوق من خرج عن حد من حدوده
وبالجهل من لم يعرفه وبالكفر من اعرض عنه ويقيمون الحدود ويحكمون بالقتل
والضرب والأسر لمن خرج عن شريعته ويتبرأ الأقارب بعضهم من بعض في محبته وانه
بقي في نبوته نيفا وعشرين سنة بين ظهراني قوم ما يملك من الأرض إلا جزيرة العرب
فانسقت دعوته برا وبحرا منذ خمسمائة وسبعين سنة مقرونا باسم ربه ينادى بأقصى
الصين والهند والترك والخرز والصقالبة والشرق والغرب والجنوب والشمال في كل
يوم خمس مرات بالشهادتين بأعلى صوت بلا اجرة وخضعت الجبابرة لها ولا تبقى لملك
نوبته بعد موته.
وعلى ذلك فسر الحسن ومجاهد قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) ما يقول المؤذنون
على المنابر والخطباء على المنابر. قال الشاعر:
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه * إذا قال في الخمس المؤذن اشهد
ومن تمام قوته انها تجذب العالم من أدنى الأرض وأقصى أطرافها في كل عام إلى
الحج حتى تخرج العذراء من خدرها والعجوز في ضعفها ومن حضرته وفاته يوصي
بأدائه، وقد نرى الصائم في شهر رمضان يتلهب عطشا حتى يخوض الماء إلى حلقه
ولا يستطيع ان يجرع منه جرعة وكل يوم خمس مرات يسجدون خوفا وتضرعا
وكذلك أكثر الشرائع وقد تخرب الناس في محبته حتى يقول كل واحد انا على الحق
وأنت لست على دينه.
110

قال الفرزدق:
جعلت لأهل العدل عدلا ورحمة * وبرء لآثار الجروح الكواتم
كما بعث الله النبي محمدا * على فترة والناس مثل البهائم
وقال البيناري:
الله قد أيد بالوحي * محمدا ذا الامر والنهى
يأمر بالعدل وينهى عن * الفحشاء والمنكر والبغي
فصل: في اعجازه صلى الله عليه وآله
علي بن إبراهيم بن هاشم: ما زال أبو كرز الخزاعي يقفو أثر النبي صلى الله عليه وآله فوقف
على باب الحجر - يعني الغار - فقال: هذه قدم محمد والله أخت القدم التي في المقام،
وقال: هذه قدم أبي قحافة أو ابنه وقال: ما جاوزوا هذا المكان اما ان يكونوا صعدوا
في السماء أو دخلوا في الأرض، وجاء فارس من الملائكة في صورة الانس فوقف على باب
الغار وهو يقول لهم: اطلبوه في هذه السغاب فليس ههنا، وتبعه القوم فعمى اثره وهو
نصب أعينهم وصدهم عنه وهم دهاة العرب. وكان الغار ضيق الرأس فلما وصل
إليه النبي صلى الله عليه وآله اتسع بابه فدخل بالناقة فعاد الباب وضاق كما كان في الأول.
الواقدي: لما خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى الغار فبلغ الجبل وجده مصمتا فانفرج حتى
دخل رسول الله الغار.
زيد بن أرقم، وأنس، والمغيرة: أمر الله شجرة صغيرة فنبتت في وجه الغار
وامر العنكبوت فنسجت في وجهه وامر حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار. وروي
انه انبت الله تعالى على باب الغار ثمامة وهي شجرة صغيرة.
الزهري: ولما قربوا من الغار بقدر أربعين ذراعا تعجل بعضهم لينظر من فيه
فرجع إلى أصحابه فقالوا له: مالك لا تنظر في الغار؟ قال: رأيت حمامتين بفم الغار
فعلمت ان ليس فيه أحد، وسمع النبي صلى الله عليه وآله ما قال فدعا لهن وفرض جزاهن فاتخذن
في الحرم، ورأي أبو بكر واحدا يبول قبلهم فقال: قد أبصرونا، فقال النبي صلى الله عليه وآله
لو أبصرونا لما استقبلونا بعوراتهم. قال الحميري:
حتى إذا قصدوا لباب مغارة * ألفوا عليه نسج غزل العنكب
صنع الإله؟ فقال فريقهم * ما في المغار لطالب من مطلب
ميلوا فصدهم المليك ومن يرد * عنه الدفاع مليكه لم يعطب
111

وله أيضا:
فصدهم عن غاره عنكب له * على بابه سدى ووشى فجودا
فقال زعيم القوم ما فيه مطلب * ولم يظفر الرحمن منهم به يدا
وقال القيرواني:
حمت لديك حمام الوحش جاثمة * كيدا بكل غوي القلب مختبل
والعنكبوت أجادت حوك حلتها * فما تخاف خلال النسج من خلل
قالوا وجاءت إليه سرحة سترت * وجه النبي بأغصان لها هذل
وفى خطبة القاصعة عن أمير المؤمنين (ع) ان النبي صلى الله عليه وآله قال: أيتها الشجرة ان
كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر وتعلمين اني رسول الله فانقلعي بعروقك حتى تقفي
بين يدي بإذن الله، فوالله الذي بعثه بالحق لانقلعت بعروقها وجاءت ولها دوي شديد
وقصف كقصف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله مرفرفة وألقت بغصنها
الاعلى على رسول الله وببعض أغصانها على منكبي وكنت عن يمينه، فلما نظر القوم
إلى ذلك قالوا علوا واستكبارا: فمرها فليأتك نصفها، فأمرها بذلك فأقبل إليه نصفها
بأعجب اقبال وأشده دويا فكانت تلتف برسول الله، فقالوا كفرا وعتوا: فمر هذا
النصف فليرجع إلى نصفه، فأمره صلى الله عليه وآله فرجع فقال القوم: ساحر كذاب عجب
خفيف فيه.
ابن عباس عن أبيه قال أبو طالب للنبي: يا بن أخ الله أرسلك؟ قال: نعم، قال
فأرني آية ادع لي تلك الشجرة، فدعاها حتى سجدت بين يديه ثم انصرفت، فقال
أبو طالب: اشهد انك صادق رسول يا علي صل جناح ابن عمك.
ابن عباس: جاء اعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسأله آية فدعا النبي العذق فجاء العذق
ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض فجعل يبقر (1) حتى اتى النبي فقال له: عد إلى
مكانك، فعاد إلى مكانه فأسلم الاعرابي. وفى رواية فدعا العذق فلم يزل يأتي
ويسجد حتى انتهى إلى النبي يتكلم.
وفى دعائك للأشجار حين أتت * تمشي بأمرك في أغصانها الدلل
وقلت عودي فعادت في منابتها * تلك العروق بإذن الله لم تمل
وكان أبو جهل يقول: ليت لمحمد إلي حاجة فأسخر منه وأرده، إذ اشترى
" مناقب ج 1، م 14 "

(1) بقره كمنعه شقه وبقر مشى كالمتكبر.
112

أبو جهل من رجل طائي بمكة إبلا فلواه (1) بحقه فأتى نادي قريش مستجيرا بهم
فأحالوه إلى النبي صلى الله عليه وآله استهزاء به لقلة منعته عندهم، فأتى الرجل مستجيرا به فمضى
صلى الله عليه وآله معه وقال: قم يا أبا جهل وأد إلى الرجل حقه، وإنما كنى أبا جهل ذلك اليوم
وكان اسمه عمرو بن هشام، فقام مسرعا وأدى حقه. فقال بعض أصحابه: فعل
ذلك فرقا من محمد، قال: ويحكم اعذروني انه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا بأيديهم
حراب تتلألأ وعن يساره ثعبانان تصطك أسنانهما وتلمع النيران من أبصارهما فلو
امتنعت لم آمن أن يبعجوا (2) بالحراب بطني ويقضمني الثعبانان.
ابن مسعود: لما دخل النبي صلى الله عليه وآله الطائف رأى عتبة وشيبة جالسين على سرير
فقالا: هو يقوم قبلنا، فلما قرب النبي منهما خر السرير ووقعا على الأرض فقالا:
عجز سحرك عن أهل مكة فأتيت الطائف.
والسرح بالشام لما جئتها سجدت * شم الذوائب من افنانها الخضل
وكان النبي يخبر بالسرائر، وكان المنافقون لا يخوضون في شئ من أمره إلا
اطلعه الله عليه حتى كان بعضهم يقول لصاحبه اسكت وكف فوالله لو لم يكن عنده
إلا الحجارة لأخبرته حجارة البطحاء. وقال أبو سفيان في فراشه مع هند: العجب
يرسل يتيم أبي طالب ارسل! فقص عليه النبي من غده، فهم أبو سفيان بعقوبة هند
لافشاء سره فأخبره النبي بعزمه في عقوبتها فتحير أبو سفيان.
قتادة، قال أبي بن خلف الجمحي، وفي رواية غيره: صفوان بن أمية المخزومي
لعمير بن وهب الجمحي: علي نفقاتك ونفقات عيالك ما دمت حيا إن سرت إلى المدينة
وقتلت محمدا في نومه، فنزل جبرئيل بقوله (سواء منكم من أسر القول) الآية، فلما
رآه رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لم جئت؟ فقال: لفداء أسرى عندكم، قال: وما بال
السيف؟. قال: قبحها الله وهل أغنت عن شئ، قال: فماذا شرطت لصفوان بن أمية
في الحجر؟ قال: وماذا شرطت؟ قال: تحملت له بقتلي على أن يقضي دينك ويعول
عيالك والله حائل بيني وبينك فأسلم الرجل ثم لحق بمكة وأسلم معه بشر وحلف
صفوان لا يكلمه أبدا وضلت ناقته بنوك فتفرق الناس في طلبها، فقال زيد بن اللصيب
انه ينبئنا بخبر السماء وهو لا يدري أين ناقته، فقال صلى الله عليه وآله: والله اني لا أعلم إلا ما علمني
ربي وقد أخبرني انها في وادي كذا متعلق زمامها بشجرة، فكان كما قال.
وأخبر الناس عما في ضمائرهم * مفصل بجواب غير محتمل

(1) لواء بدينه: مطله.
(2) بعجه: شقه.
113

الصادق (ع) في خبر: انه ذكر قوة اللحم عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ما ذقته
منذ كذا، فتقرب إليه فقير بجدي كان له فشواه وأنفذه إليه، فقال النبي: كلوه ولا
تكسروا عظامه، فلما فرغوا أشار إليه وقال: انهض بإذن الله، فأحياه فكان يمر
عند صاحبه كما يساق.
وأتي أبو أيوب بشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في عرس فاطمة (ع) فنهاه جبرئيل
عن ذبحها فشق ذلك عليه فأمر صلى الله عليه وآله لزيد بن جبير الأنصاري فذبحها بعد يومين فلما
طبخ أمر ألا يأكلوا إلا باسم الله وأن لا يكسروا عظامها ثم قال: ان أبا أيوب رجل
فقير إلهي أنت خلقتها وأنت أفنيتها وانك قادر على إعادتها فأحيها يا حي لا إله إلا أنت،
فأحياها الله وجعل فيها بركة لأبي أيوب وشفاء المرضى في لبنها، فسماها أهل المدينة
المبعوثة، وفيها قال عبد الرحمن بن عوف أبياتا منها:
ألم ينظروا شاة ابن زيد وحالها * وفي أمرها للطالبين مزيد
وقد ذبحت ثم استجزاها بها * وفضلها فيما هناك يزيد
وانضج منها اللحم والعظم والكلى * فهلهله بالنار وهو هريد
فأحيى له ذو العرش والله قادر * فعادت بحال ما يشاء يعود
وفي خبر عن سلمان انه لما نزل صلى الله عليه وآله دار أبي أيوب لم يكن له سوى جدي وصاع
من شعير فذبح له الجدي وشواه وطحن الشعير وعجنه وخبزه وقدم بين يدي النبي فأمر
بأن ينادى: ألا من أراد الزاد فليأت دار أبي أيوب، فجعل أبو أيوب ينادي والناس
يهرعون كالسيل حتى امتلأت الدار فأكل الناس بأجمعهم والطعام لم يتغير، فقال
النبي: اجمعوا العظام، فجمعوها فوضعها في اهابها ثم قال: قومي بإذن الله تعالى، فقام
الجدي فضج الناس بالشهادتين.
أمير المؤمنين (ع) قال: لما غزينا خيبر ومعنا من يهود فدك جماعة فلما أشرفنا على
القاع إذا نحن بالوادي والماء يقلع الشجر ويدهده الجبال قال: فقدرنا الماء فإذا هو
أربع عشة قامة فقال بعض الناس: يا رسول الله العدو من ورائنا والوادي قدامنا،
فنزل النبي فسجد ودعا ثم قال: سيروا على اسم الله، قال فعبرت الخيل والإبل والرجال
عن الحسين ان رجله جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله اني قدمت من سفر لي فبينما
بينة خماسية تدرج حولي في حليها فأخذت بيدها وانطلقت بها إلى وادي فلان
فطرحتها فيه، فقال النبي صلى الله عليه وآله: انطلق معي فأرني الوادي، فانطلق معه فأراه
الوادي فقال النبي لامها: ما كان اسمها؟ قالت: فلانة، فقال صلى الله عليه وآله: يا فلانة أجيبيني
114

بإذن الله، فخرجت الصبية وهي تقول: لبيك يا رسول الله وسعديك، فقال لها: ان
أبويك قد أساءا فان أحببت أن أردك عليها؟ فقالت: يا رسول الله لا حاجة لي فيهما
وجدت الله خيرا لي منهما.
وقالت قريش لأبي لهب: ان أبا طالب هو الحائل بيننا وبين محمد ولو قتلته لم
ينكر أبو طالب وأنت برئ من دمه ونحن نؤدي الدية وتسود قومك، قال: فاني
أكفيكموه، فنزل أبو لهب إليه وتسلقت امرأته الحائط حتى وقفت على رسول الله
فصاح به أبو لهب فلم يلتفت إليه وهما كانا لا ينقلان قدما ولا يقدران على شئ حتى
انفجر الصبح وفرغ النبي من الصلاة فقال أبو لهب: يا محمد أطلقنا، قال: لا أطلق
عنكما أو تضمنا لي انكما لا تؤذياني، قالا: قد فعلنا، فدعا ربه فرجعا.
جابر: خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى المسلمين وقال: جدوا في الحفر، فجدوا واجتهدوا
ولم يزالوا يحفرون حتى فرغ الحفر والتراب حول الخندق تل عال فأخبرته بذلك
فقال: لا تفزع يا جابر فسوف ترى عجبا من التراب، قال: واقبل الليل ووجدت عند
التراب جلبة وضجة عظيمة وقائل يقول:
انتسفوا التراب والصعيدا * واستودعوه بلدا بعيدا
وعاونوا محمد الرشيدا * قد جعل الله له عميدا
أخاه وابن عمه الصنديدا
فلما أصبحت لم أجد من التراب كفا واحدا. قال أمير المؤمنين (ع):
ان الذي قد اصطفى محمدا * وأظهر الامر به وأيدا
وسر من والى واكبا الحسدا * وأحسن الذخر له ومهدا
وجاء بالنور المضئ المحمدا * وناصح الله وخاف الموعدا
فصل: فيما ظهر من الحيوانات والجمادات
سلمان قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة تعلق الناس بزمام الناقة فقال النبي:
يا قوم دعوا الناقة فهي مأمورة فعلى باب من بركت فأنا عنده، فأطلقوا زمامها وهي
تهف في السير حتى دخلت المدينة فبركت على باب أبي أيوب الأنصاري ولم يكن في
المدينة أفقر منه، فانطلقت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي صلى الله عليه وآله فنادى أبو أيوب
يا أماه افتحي الباب فقد قدم سيد البشر وأكرم ربيعة ومضر محمد المصطفى والرسول
المجتبى، فخرجت وفتحت الباب وكانت عمياء فقالت: وا حسرتا ليت كان لي عين
115

أبصر بها إلى وجه سيدي رسول الله، فكان أول معجزة النبي صلى الله عليه وآله في المدينة انه
وضع كفه على وجه أم أبي أيوب فانفتحت عيناها.
محمد بن إسحاق في خبر طويل عن كثير بن عامر انه طلع من الأبطح راكب ومن
ورائه سبع عشرة ناقة محملة ثياب ديباج على كل ناقة عبد اسود يطلب النبي الكريم
ليدفعها إليه بوصية أبيه فأومى ابن أبي البختري إلى أبي جهل وقال: هذا صاحبك،
فلما دنا منه قال: ما أنت بصاحبي، فما زال يدور حتى رأى النبي فسعى إليه وقبل يديه
ورجليه فقال له النبي: ألست أنت ملجأ ناجي بن المنذر السكاكي؟ قال: بل يا رسول الله
قال: فأين السبع عشرة ناقة محملة ذهبا وفضة ودرا وياقوتا وجواهرا ووشيا وملحما
وغير ذلك؟ قال: هي ورأي مقبلة، فقال: هي سبع عشرة ناقة على كل ناقة عبد
أسود عليهم أقبية الديباج ومناطيق الذهب وأسماؤهم محرز ومنعم وبدر وشهاب
ومنهاج وفلان وفلان؟ قال: بلي يا رسول الله قال: سلم المال وأنا محمد بن عبد الله، فأورد
المال بجملته إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال أبو جهل: يا آل غالب إن لم تنصفوني وتنصروني
عليه لأضعن سيفي في صدري وهذا المال كله للكعبة، وركب فرسه وجرد سيفه
ونفرت مكة أقصاها وأدناها حتى أجابت أبا جهل سبعون الف مقاتل، وركب
أبو طالب في بني هاشم وبني عبد المطلب وأحاطوا بالنبي ثم قال أبو طالب: ما الذي
تريدون؟ قال أبو جهل: ان ابن أخيك قد جنى علينا جنايات عظيمة ويحق للعرب أن
تغضب وتسفك الدماء وتسبي النساء. قال أبو طالب: وما ذاك؟ فذكر قصة الغلام
وأن محمدا سحره ورده إلى دينه وأخذ منه المال وهو شئ مبعوث للكعبة، فقال:
قف حتى أمضي إليه وأسأله عن ذلك، فلما أتى النبي صلى الله عليه وآله وسأله رد ذلك وقال:
لا أعطيه حبة واحدة، قال: خذ عشرة واعطه سبعة، فأبى ثم أمر صلى الله عليه وآله أن توقف
الهدية بين يديه وتناديها سبع مرات فان كلمتها فالهدية هديتها وان كلمتها أنا وأجابتني
فالهدية هديتي، فأتى أبو طالب وقال: ان ابن أخي قد أجابك إلى النصفة، وذكر
مقال النبي والميعاد غدا عند طلوع الشمس، فأتى أبو جهل إلى الكعبة وسجد لهبل
ورفع رأسه وذكر القصة ثم قال: أسألك أن تجعل النوق تخاطبني ولا يشمت بي محمد
وأنا؟ أعبدك من أربعين سنة وما سألتك حاجة فان أجبتني هذه لأضعن لك قبة من
لؤلؤ أبيض وسوارين من الذهب وخلخالين من الفضة وتاجا مكللا بالجوهر وقلادة
من العقيان، ثم إن النبي صلى الله عليه وآله حضر وكان منه المعجزات أن أجابته كل ناقة سبع؟
مرات وشهدت بنبوته بعد عجز أبي جهل فأخذ المال.
116

يعلى بن سبابة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله في مسيرة فأراد أن يقضي حاجته فأمر
نخلتين أن تنضم إحداهما إلى الأخرى ثم أمرهما بعد انقضاء حاجته أن يرجعا إلى منبتهما
فرجعتا. ومر صلى الله عليه وآله في غزوة الطائف في كثير من طلح وسدر فمشى وهو وسن
من النوم فاعترضته سدرة فانفرجت له بنصفين فمر بين نصفيها وبقيت منفرجة على
ساقين إلى زماننا هذا يتبرك بها كل مار ويسمونها سدرة النبي.
وصيد سمكة فوجد على احدى اذنيها: لا إله إلا الله، وعلى الأخرى: محمد
رسول الله.
كتاب شرف المصطفى، انه أتي بسخلة منقشة فنظرت إلى بياض شحمة اذنيها
فإذا في إحداهما: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وطعن صلى الله عليه وآله أبيا في جرمان الدرع بعنزة في يوم أحد فاعتنق فرسه فانتهى إلى
عسكره وهو يخور خوار الثور فقال أبو سفيان: ويلك ما أجزعك إنما هو خدش
ليس بشئ، فقال: طعنني ابن أبي كبشة وكان يقول أقتلك، فكان يخور الملعون حتى
صار إلى النار.
وكان بلال إذا قال: أشهد أن محمدا رسول الله، كان منافق يقول كل مرة:
حرق الكاذب - يعني النبي - فقام المنافق ليلة ليصلح السراج فوقعت النار في سبابته
فلم يقدر على اطفائها حتى أخذت كفه ثم مرفقه ثم عضده حتى احترق كله.
البخاري: ان النبي صلى الله عليه وآله قال لمديون مر عليه والدائنون يطلبونه بالديون: صنف
تمرك (1) كل شئ على حدته، ثم جاء فقعد عليه وكال لكل رجل حتى استوفى وبقى
التمر كما هو كأن لم يمس.
واستند النبي صلى الله عليه وآله على شجرة يابسة فأورقت وأثمرت.
ونزل النبي بالجحفة تحت شجرة قليلة الظل ونزل أصحابه حوله فتداخله شئ من
ذلك فأذن الله تعالى لتلك الشجرة الصغيرة حتى ارتفعت وظللت الجميع فأنزل الله تعالى
ذكره (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا).
وقال اعرابي للنبي صلى الله عليه وآله: يا محمد انني كنت وأخ لي خلف هذا الجبل نحتطب حطبا
فرأينا الجموع قد زحف بعضها إلى بعض فقلت لأخي: اقعد حتى ننظر لمن تكون
الغلبة وعلى من تدور الدائرة فإذا قد كشف الله عن أبصارنا فرأينا خبولا قد نزلت

(1) صنفه تصنيفا جعله أصنافا وميز بعضها من بعض والمصنف من الشجر ما فيه صنفان من
رطب ويابس.
117

من السماء إلى الأرض أرجلها في الأرض وأعناقها في السماء وعليها قوم جبارين ومعهم
الراية قد سدت ما بين الخافقين فأما أخي فإنه انشقت مرارته فمات من وقته وساعته
وأمر أنا فقد جئتك، ثم أسلم.
ومثل الملائكة الذين ظهروا على الخيل البلق بالثياب البيض يوم بدر يقدمهم جبرئيل
على فرس يقال له حيزوم.
معرض بن عبد الله عن أبيه عن جده يتقدمهم معي. اتي بصبي في خرقة إلى النبي
في حجة الوداع فوضعه في كفه ثم قال له: من أنا يا صبي؟ فقال: أنت محمد رسول الله
فقال: صدقت يا مبارك، فكنا نسميه مبارك اليمامة.
وأتى عامر بن كريز يوم الفتح رسول الله صلى الله عليه وآله بابنه عبد الله بن عامر وهو ابن
خمس أو ست فقال: حنكه يا رسول الله، فقال: ان مثله لا يحنك، وأخذه وتفل في
فيه فجعل يتسوغ ريق رسول الله ويتلمظه فقال صلى الله عليه وآله: انه لمستقى، فكان لا يعالج
أرضا إلا ظهر له الماء وله سقايات معروفة وله النباح والجحفة وبستان ابن عامر.
ابن عباس والضحاك في قوله (يوم يعض الظالم) نزلت في عقبة بن أبي معيط
وأبي بن خلف وكانا توأمين في الخلة فقدم عقبة من سفره وأو لم لجماعة الاشراف وفيهم
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال النبي: لا آكل طعامك حتى تقول لا إله إلا الله واني رسول الله
فشهد الشهادتين فأكل طعامه، فلما قدم أبي بن خلف عذله وقال: صبأت؟ فحكى قصته
فقال: اني لا أرضى عنك أو تكذبه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وتفل في وجهه فانشقت
التفلة شقتين وعادتا إلى وجهه فأحرقتا وجهه وأثرتا، ووعده النبي حياته ما دام في
مكة فإذا خرج قتل بسيفه، فقتل عقبة يوم بدر وقتل النبي بيده أبيا.
ابن عباس: ان النبي صلى الله عليه وآله خلع خفيه وقت المسح فلما أراد أن يلبسهما تصوب
عقاب من الهواء وسلبه وعلق في الهواء ثم أرسله فوقعت من بينه حية فقال النبي:
أعوذ بالله من شر ما يمشي على بطنه ومن شر من يمشي على رجلين، ثم نهى أن يلبس
إلا أن يستبرأ.
أنس: ان النبي سمع صوتا من قلة جبل: اللهم اجعلني من الأمة المرحومة المغفورة
فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا شيخ أشب (1) قامته ثلاثمائة ذراع فلما رأى رسول الله
عانقه ثم قال: انني آكل في كل سنة مرة واحدة وهذا أوانه، فإذا هو بمائدة

(1) قوله: شيخ أشب، اما هو مأخوذ من أشب الشجر كفرح أي التف، أو بالتشديد
على أن يكون فعلا من أشب الثور أي أسن.
118

أنزلت من السماء فأكلا وكان الياس (ع).
وكان أهل المدينة في جدب؟ فلما أتى النبي صلى الله عليه وآله استسقوه فرفع يديه واستسقى
فما رد يده إلى نحره حتى أتى المطر. وكان يمطر أسبوعا فضجروا وقالوا له في كثرته
فقال صلى الله عليه وآله: حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن السماء وظهرت الشمس في المدينة
وكان يمطر في حواليها فظهرت البركات من قدومه، فقال صلى الله عليه وآله: لله در أبي طالب
لو كان حيا لقرت به عيناه من ينشدنا قوله؟ فقال عمر: لعلك أردت:
وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد
فقال: هذا من قول حسان، فقال أمير المؤمنين (ع): لعلك أردت يا رسول الله
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للأرامل
الأبيات، فقال: أجل. والسبب في ذلك أنه كان قحط في زمن أبي طالب،
فقالت قريش: اعتمدوا اللات والعزى، وقال آخرون: اعتمدوا مناة الثالثة
الأخرى، فقال ورقة بن نوفل: أنى تؤفكون وفيكم بقية إبراهيم وسلالة إسماعيل
أبو طالب، فاستسقوه فخرج أبو طالب وحوله أغيلمة من بني عبد المطلب وسطهم
غلام كأنه شمس دجنة تجلت عنها غمامة فأسند ظهره إلى الكعبة ولاذ بإصبعه
وبصبصت الاغلمة حوله فأقبل السحاب في الحال فأنشأ أبو طالب اللامية.
ومنه حديث أنس ان اعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: لقد أتيناك وما لنا بعير
ليط (1) ولا صغير يغط، الخبر بطوله.
فصل: في المفردات من المعجزات
قدم حي بن أخطب المدينة وكان ملك خيبر وحضر عند النبي صلى الله عليه وآله وقال: عجبت
لمن يدخل في دينك فان مدة ملكك أحد وسبعون سنة، فسئل عن ذلك فقال: ألم
بحساب الجمل الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون فذلك أحد وسبعون سنة،
فقال: يا محمد هل غيرها؟ قال: المص، فقال: هذا أثقل فالألف واحد واللام ثلاثون
والميم أربعون والصاد تسعون فذلك مائة وأحد وستون سنة، فقال: هل غيرها؟
قال: الر، فقال: هذا أطول فهل غيرها؟ قال: المر، فقال: هل غيرها؟ قال:
نعم كهيعص وحمعسق طسم، فقال حي: قد التبس علينا أمرك.
وقال المأمون للحكيم ايزدخواه ما شاء الله لما صحح عنده أحكاما: لم لا تؤمن

(1) أط الرجل نحره يئط أطيطا صوت والإبل أنت تعبا أو حنينا.
119

بنبينا وأنت بهذا المحل من العلم والكياسة؟ فقال: كيف أومن واصدق كاذبا وأنا
أعلم كذبه والنبي لا يكذب، فقال المأمون: كيف؟ قال: قوله أنا آخر نبي وخاتم الأنبياء
ولا يكون بعدي نبي ابدا، وهذا الذي قال في علمي كذب لا محالة لأنه
ولد بالطالع الذي لو ولد فيه مولود لابد أن يكون نبيا فظهر لي كذبه إذ قال لا نبي
بعدي فكيف أو من به وأصدقه، فخجل المأمون من ذلك وتحير الفقهاء فقال متكلم:
من ههنا قلنا إنه صادق وانه خاتم الأنبياء لان الحكماء كلهم اجتمعوا على أن
نجمه عليه السلام كان المشتري وعطارد والزهرة والمريخ ولا يولد بها ولد إلا
ويموت من ساعته وإن عاش فيموت لا محالة ولا يجاوز اليوم السابع وهو قد عاش
وبقى ثلاثا وستين سنة فصح انه آية وقد أتى من المعجزات الباهرة بما لم يأت بمثله
أحد قبله ولا بعده، فأقر ايزدخواه وأسلم فسمي ما شاء الله الحكيم، فمن نظر المشتري
له العلم والحكمة والفطنة والسياسة والرياسة، ومن نظر عطارد اللطافة والظرافة
والملاحة والفصاحة والحلاوة، ومن نظر الزهرة الصباحة والهشاشة والبشاشة
والحسن والطيب والجمال والبهاء والغنج والدلال، ومن نظر المريخ السيف والجلادة
والقتال والقهر والغلبة والمحاربة فجمع الله فيه جميع المدايح.
وقال بعض المنجمين: مواليد الأنبياء السنبلة والميزان، وكان طالع النبي صلى الله عليه وآله
الميزان. وقال صلى الله عليه وآله: ولدت بالسماك. وفي حساب المنجمين انه السماك الرامح.
وروي انه اخذ بلال جمانة ابنة الزحاف الأشجعي، فلما كان في وادي النعام هجمت
عليه وضربته ضربة بعد ضربة ثم جمعت ما كان يعز عليها من ذهب وفضة في سفرة
وركبت حجزة من خيل أبيها وخرجت من العسكر تسير على وجهها إلى شهاب بن
مازن الملقب بالكوكب الدري وكان قد خطبها من أبيها، ثم إنه انفذ النبي صلى الله عليه وآله
سلمان وصهيبا إليه لابطائه فرأوه ملقى على وجه الأرض ميتا والدم يجري من تحته
فأتيا النبي صلى الله عليه وآله واخبراه بذلك فقال النبي: كفوا عن البكاء، ثم صلى ركعتين ودعا
بدعوات ثم اخذ كفا من الماء فرشه على بلال فوثب قائما وجعل يقبل قدم النبي فقال
له النبي: من هذا الذي فعل بك هذه القعال يا بلال؟ فقال: جمانة بنت الزحاف واني
لها عاشق، فقال: ابشر يا بلال فسوف انفذ إليها وآتي بها. فقال النبي صلى الله عليه وآله:
يا أبا الحسن هذا أخي جبرئيل يخبرني عن رب العالمين ان جمانة لما قتلت بلالا مضت
إلى رجل يقال له شهاب بن مازن وكان قد خطبها من أبيها ولم ينعم له بزواجها وقد
" مناقب ج 1، م 15 "
120

شكت حالها إليه وقد سار بجموعه يروم حربنا فقم واقصده بالمسلمين فالله تعالى ينصرك
عليه وها أنا؟ راجع إلى المدينة، قال: فعند ذلك سار الامام بالمسلمين وجعل يجد في السير
حتى وصل إلى شهاب وجاهده ونصر المسلمون فأسلم شهاب وأسلمت جمانة والعسكر
وأتى بهم الامام إلى المدينة وجددوا الاسلام على يدي النبي صلى الله عليه وآله فقال النبي: يا بلال
ما تقول؟: فقال: يا رسول الله قد كنت محبا لها فالآن شهاب أحق بها مني، فعند ذلك
وهب شهاب لبلال جاريتين وفرسين وناقتين.
وفي مسلم عن جابر ان أم مالك كانت تهدي إلى النبي في عكة لها سمنا فيأتيها
بنوها فيسألون الادم وليس عندهم شئ فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيها للنبي صلى الله عليه وآله
فتجد فيها سمنا فما زال تقيم لها ادم بيتها حتى عصرتها فأتت النبي فقال: عصرتها؟
قالت: نعم، قال: لو تركتها ما زالت مقيمة.
فصل: فيما ظهر من معجزاته بعد وفاته
في حديث خزيمة بن أوس سمعت النبي يقول: هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي
وهذه الشيماء بنت نفيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار اسود، فقلت: يا رسول الله
ان نحن دخلنا الحيرة فوجدناها كما تصف فهي لي؟ قال: نعم هي لك، قال: فلما
فتحوا الحيرة تعلق بها وشهد له محمد بن مسيلمة ومحمد بن بشير الأنصاريان بقول النبي
فسلمها؟ إليه خالد فباعها من أخيها بألف دينار.
أبو هريرة قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر
بعده، والذي نفسي بيده لينفقن كنوزهما في سبيل الله.
جبير بن عبد الله قال النبي: تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل (1)
تجبى إليها خزائن الأرض. وفى رواية: تسكنها جبابرة الأرض، الخبر.
أبو بكر قال النبي صلى الله عليه وآله: ان أناسا من أمتي ينزلون بغائط (2) يسمونه البصرة
وعنده نهر يقال له دجلة يكون لهم عليها جسر ويكثر أهلها ويكون من أمصار
المهاجرين، الخبر.
فضالة بن أبي فضالة الأنصاري وعثمان بن صهيب أنه قال لعلي في خبر أشقى

(1) قطربل: بالضم وتشديد الباء الموحدة أو بتخفيفها وتشديد اللام موضعان أحدهما بالعراق
ينسب إليه الخمر.
(2) الغائط: المطمئن الواسع من الأرض.
121

الآخرين الذي يضربك على هذه وأشار إلى يافوخه.
انس بن الحارث قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: ان ابني هذا - يعني الحسين -
يقتل بأرض من العراق فمن ادركه منكم فلينصره. قال: فقتل أنس مع الحسين (ع)
وفيه حديث القارورة التي أعطى أم سلمة. وحديث الحسن بن علي انه سيصلح الله
به فئتين. وحديث فاطمة الزهراء (ع) وبكائها وضحكها عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله
وحديث كلاب الحوأب. وحديث عمار تقتلك الفئة الباغية.
حذيفة قال: لو أحدثكم بما سمعت من رسول الله لرجمتموني، قالوا: سبحان الله
نحن نفعل! قال: لو أحدثكم ان بعض أمهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها شديد
بأسها تقاتلكم صدقتم؟ قالوا: سبحان الله ومن يصدق بهذا؟ قال: تأتيكم أمكم الحميراء
في كتيبة يسوق بها اعلاجها (1) من حيث تسوء وجوهكم.
ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وآله: أيتكن صاحبة الجمل الأدبب (2) يقتل حولها قتلى
كثيرة بعد ان كادت. وقال: أطو لكن يدا أسرعكن لحوقا بي، فكانت سودة
أطولهن يدا بالمعروف.
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله: يكون في ثقيف كذاب ومبير. فكان الكذاب المختار
والمبير الحجاج.
ومنه اخباره صلى الله عليه وآله بأويس القرني، حكى القعبي ان أبا أيوب الأنصاري رأى عند
خليج قسطنطينة فسئل عن حاجته قال: اما دنياكم فلا حاجة لي فيها ولكن ان مت
فقدموني ما استطعتم في بلاد العدو فاني سمعت رسول الله يقول: يدفن عند سور
القسطنطينة رجل صالح من أصحابي وقد رجوت ان اكونه ثم مات فكانوا يجاهدون
والسرير يحمل ويقدم فأرسل قيصر في ذلك فقالوا: صاحب نبينا وقد سألنا ان
ندفنه في بلادك ونحن منفذون وصيته، قال: فإذا وليتم أخرجناه إلى الكلاب،
فقالوا: لو نبش من قبره ما ترك بأرض العرب نصراني إلا قتل وكنيسة إلا هدمت،
فبنى على قبره قبة يسرج فيها إلى اليوم وقبره إلى الآن يزار في جنب القسطنطينة.
ابن عباس في قوله (كما أخرجك ربك) ان الصحابة فزعوا لما مات عير أبي سفيان
وأدركهم القتال فباتوا ليلتهم فحلموا ولم يكن لهم ماء فوقعت الوسوسة في نفوسهم

(1) رجل علج: شديد، والعلج: الرجل الضخم من كفار العجم، وبعض العرب يطلق العلج؟
على الكافر مطلقا، والجمع علوج وأعلاج مثل حمل وحمول وأحمال.
(2) الأدب: الجعل الكثير الشعر.
122

لذلك فأنزل الله المطر قوله: (إذ يغشيكم النعاس) فرأى النبي صلى الله عليه وآله في منامه قلة
قريش قوله: (إذ يريكهم الله في منامك قليلا)، فلما التقى الجمعان استحقر كل جيش
صاحبه قوله (إذا التقيتم)، وكان المسلمون يخافون فنزل: (يا أيها الذين آمنوا إذا
لقيتم فئة) وقوله (فلا تولوهم الادبار)، فزعم أبو جهل انهم جزر سيوفهم، وكان
النبي صلى الله عليه وآله يحزن وعلي (ع) يقول: لا يخلف الله الميعاد فنزل (يمددكم ربكم) وقوله
(إذ يوحي ربك) فساعدهم إبليس على صورة سراقة فلما أدرك جبرئيل وميكائيل
وإسرافيل مع الملائكة نكص إبليس على عقبيه وقال: اني برئ منكم، فكانت الملائكة
يضربون فوق الأعناق وفوق البنيان بعدهم، ورمى النبي بقبضة من الحصى في
وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فأصاب عين كل واحد منهم فانهزموا فنزل (لقد
صدق الله وعده إذ تحسونهم) ووجد ابن مسعود أبا جهل مصروعا من ضربة معاذ
ابن عمرو بن عفرا فكان يجز رأسه وهو يقول: يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى
صعبا، نزل النبي صلى الله عليه وآله على فدك يحاربهم ثم قال لهم: وما يأمنكم ان تكونوا آمنين
في هذا الحصن وأمضي إلى حصونكم فأفتحها، فقالوا: انها مقفلة وعليها ما يمنع عنها
ومفاتيحها عندنا، فقال صلى الله عليه وآله: ان مفاتيحها دفعت إلي، ثم أخرجها وأراها القوم
فاتهموا ديانهم (1) انه صبا إلى دين محمد ودفع المفاتيح إليه فحلف ان المفاتيح عنده
وانها في سفط في صندوق في بيت مقفل عليه، فلما فتش عنها ففقدت فقال الديان:
لقد أحرزتها وقرأت عليها من التوراة وخشيت من سحره وأعلم الآن انه ليس
بساحر وان أمره لعظيم، فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وقالوا: من أعطاكها؟ قال:
أعطاني الذي أعطى موسى الألواح جبرئيل، فتشهد الديان، ثم فتحوا الباب وخرجوا
إلى رسول الله وأسلم من أسلم منهم فأقرهم في بيوتهم وأخذ منهم أخماسهم، فنزل:
(وآت ذا القربى حقه) قال وما هو؟ قال: اعط فاطمة فدكا وهي من ميراثها من
أمها خديجة ومن أختها هند بنت أبي هالة، فحمل إليها النبي صلى الله عليه وآله ما اخذ منه وأخبرها
بالآية فقالت: لست احدث فيها حدثا وأنت حي أنت أولى بي من نفسي ومالي لك
فقال: أكره أن يجعلوها عليك سبة (2) فيمنعوك إياها من بعدي، فقالت: أنفذ فيها
أمرك، فجمع الناس إلى منزلها وأخبرهم ان هذا المال لفاطمة ففرقه فيهم وكان كل
سنة كذلك وتأخذ منه قوتها فلما دنت وفاته دفعه إليها.

(1) الديان: القهار والقاضي والحاكم والسائس والحاسب والمجازي الذي لا يضيع عملا.
(2) السبة بالضم: العار.
123

فصل: فيما خصه الله تعالى به
فارق صلى الله عليه وآله جماعة النبيين بمائة وخمسين خصلة، منها في باب النبوة قوله (وخاتم
النبيين) وقوله: أعطيت جوامع الكلم، وقوله: أرسلت إلى الخلق كافة، وبقاء
دولته (ليظهره على الدين كله)، والعجز عن الاتيان بمثل كتابه (قل ان اجتمعت
الإنس والجن)، وكان ممنوعا من الشعر وروايته (وما علمناه الشعر)، وتسهيل
شريعته (ما جعل عليكم في الدين من حرج)، واضعاف ثواب الطاعة (من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها)، ورفع العذاب (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)، وفرض
محبة أهل بيته (قل لا أسألكم عليه أجرا).
وفي باب أمته: (كنتم خير أمة)، (هو سماكم المسلمين)، (إنما المؤمنون)،
(الذين اصطفينا من عبادنا)، (هو اجتباكم)، (الله ولي الذين آمنوا)، (هو
الذي يصلي عليكم)، (ويستغفرون للذين آمنوا) يعني الملائكة، وافشاء السلام
(وإذا جائك الذين يؤمنون بآياتنا).
وفي باب الطهارة: كمال الوضوء، والتيمم، والاستنجاء بالحجارة، وان الماء
مزيل للنجاسات، وان لا يؤثر النجاسة في الماء الكثير، وقوله: جعلت لي الأرض
مسجدا وترابها طهورا، وكان ينام ثم يصلي ويقول تنام عيني ولا ينام قلبي،
ويقال: فرض عليه السواك وهو قد سنه لنا.
وفي باب الصلاة: الاذان، والإقامة، والجمعة، والجماعة، والركوع، والسجدتين
والتشهد، والسلام، وصلاة الليل، والوتر، وصلاة الكسوفين، والاستسقاء،
وصلاة العشاء الآخرة.
وفي باب الزكاة: حرم عليه الزكاة والصدقة وهدية الكافر، وأحل له الخمس
والأنفال والغنيمة، وجعل زكاة المال ربع الخمس لأربع المال.
وفي باب الصيام: (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن)، وليلة القدر، والعيدين
وتحليل الطعام والشراب واللمس ليالي الصيام إلى وقت الصبح، وحرم صوم الوصال
وقالوا أبيح له الوصال في الصوم، وكتب له الأضحية وسنها لنا، وكذلك
الفطرة على وجه.
وفي باب الحج: يقال أحل له دخول مكة بغير احرام وعقد النكاح وهو محرم.
وفى باب الجهاد: (يمددكم ربكم)، وقوله: نصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم،
124

وكان إذا لبس لامته لم ينزعها حتى يقاتل، ولا يرجع إذا خرج، ولا ينهزم إذا لقى
العدو وان كثروا عليه، وانه افرس العالمين، وخص بالحمى.
وفي باب النكاح: حرم عليه نكاح الإماء والذميات، والامساك بمن كرهت
نكاحه، وحرم أزواجه على الخلق، وخص باسقاط المهر والعقد بلفظ الهبة، والعدد
ما شاء بعد التخيير، والعزل عمن أراد، وكان طلاقه زايدا على طلاق أمته، والواحدة
من نسائه إذا أتت بفاحشة ضعف لها العذاب.
أبو عبد الله (ع) في قوله (لا تحل لك النساء من بعد) يعني قوله (حرمت عليكم
أمهاتكم) الآية.
وفي باب الاحكام: تخفيف الامر على أمته، والقربان بغير الفضيحة، وتيسير
التوبة بغير القتل، وستر المعصية على المذنب، ورفع الخطأ والنسيان وما استكره عليه
والتخيير بين القصاص والدية والعفو، والفرق بين الخطأ والعمد والتوبة من الذنب
دون إبانة العضو، وتحليل مجالسة الحائض، والانتفاع بما نالته، وتحليل تزويج
نساء أهل الكتاب لامته.
وفي باب الآداب: لم يكن له خائنة الأعين، يعني الغمز بالعين والرمز باليد،
وحرم عليه أكل الثوم على وجه.
وفي باب الآخرة: وذلك أنه أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يدخل
الجنة، وانه يشهد لجميع الأنبياء بالأداء، وله الشفاعة ولواء الحمد والحوض والكوثر
ويسأل في غيره يوم القيامة وكل الناس يسألون في أنفسهم، وانه أرفع النبيين درجة
وأكثرهم أمة.
وكان له معجزات لم يكن لغيره، وذكر ان له أربعة آلاف وأربعمائة وأربعين
معجزة ذكرت منها ثلاثة آلاف تتنوع أربعة أنواع، ما كان قبله وبعد ميلاده
وبعد بعثته وبعد وفاته، وأقواها وأبقاها القرآن لوجوه:
أحدها - ان معجزة كل رسول موافق للأغلب من أحوال عصره، كما بعث الله
موسى في عصر السحرة بالعصى فإذا هي تلقف وفلق البحر يبسا وقلب العصى حية
فأبهر كل ساحر وأذل كل كافر، وقوم عيسى أطباء فبعثه الله بابراء الزمني وإحياء
الموتى بما دهش كل طبيب وأذهل كل لبيب، وقوم محمد بلغاء فصحاء فبعثه الله
بالقرآن في ايجازه وإعجازه بما عجز عنه الفصحاء وأذعن له البلغاء وتبلد فيه الشعراء
ليكون العجز عنه أقهر والتقصير فيه أظهر.
125

والثاني - ان المعجز في كل قوم بحسب أفهامهم وعلى قدر عقولهم وأذهانهم وكان
في بني إسرائيل من قوم موسى وعيسى بلادة وغباوة لأنه لم ينقل عنهم من كلام
جزل أو معنى بكر وقالوا لنبيهم حين مروا على قوم يعكفون على أصنام لهم: اجعل
لنا إلها، والعرب أصح الناس أفهاما وأحدهم أذهانا فخصوا بالقرآن بما يدركونه
بالفطنة دون البديهة لتخص كل أمة بما يشاكل طبعها.
والثالث - ان معجز القرآن أبقى على الاعصار وأنشر في الأقطار وما دام إعجازه
فهو أحج وبالاختصاص أحق فانتشر ذلك بعده في أقطار العالم شرقا وغربا قرنا
بعد قرن عصرا بعد عصر وقد انقرض القوم وهذه سنة سبعين وخمسمائة من مبعثه
فلم يقدر أحد على معارضته. قال الصاحب:
قالت فمن صاحب الدين الحنيف أجب * فقلت أحمد خير السادة الرسل
قالت فهل معجز وافى الرسول به * قلت القرآن وقد أعيى به الأول
وقال القيرواني:
أعجزت بالوحي أرباب البلاغة في * عصر البيان فضلت أوجه الحيل
سألتهم سورة من مثل محكمه * فثلهم عنه حين العجز حين تلي
وقال ابن حماد:
فمن آياته القرآن يهدى كل من فكر * ولو لم يك من آياته إلا الفتى حيدر
فصل: في آدابه ومزاحه صلى الله عليه وآله
اما آدابه فقد جمعها بعض العلماء والتقطها من الاخبار، كان النبي صلى الله عليه وآله أحكم
الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم، لم تمس يده يد امرأة لا تحل، وأسخى
الناس لا يثبت عنده دينار ولا درهم فان فضل ولم يجل من يعطيه ويجنه الليل لم يأو
إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما أتاه الله إلا قوت عامه فقط
من يسير ما يجد من التمر والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله، ولا يسأل شيئا إلا
أعطاه ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته
شئ، وكان يجلس على لا أرض وينام؟ عليها ويأكل عليها، وكان يخصف النعل،
ويرقع الثوب، وبفتح الباب، ويحلب الشاة، ويعقل البعير ويحله، ويطحن مع
الخادم إذا أعيى، ويضع طهوره بالليل بيده ولا يتقدمه مطرق، ولا يجلس متكئا،
ويخدم في مهته أهله، ويقطع اللحم، وإذا جلس على الطعام جلس محقرا. وكان
يلطع أصابعه، ولم يتجشأ قط، ويجيب دعوة الحر والعبد ولو على ذراع أو كراع
126

ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويأكلها ولا يأكل الصدقة، ولا يثبت بصره في
وجه أحد، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه. وكان يعصب الحجر على بطنه من
الجوع، يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد، لا يلبس ثوبين، يلبس بردا حبرة يمنية
وشملة جبة صوف والغليظ من القطن والكتان، وأكثر ثيابه البياض ويلبس العمامة
تحت العمامة، يلبس القميص من قبل ميامنه، وكان له ثوب للجمعة خاصة، وكان
إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا، وكان له عباء يفرش له حيث ما ينقل
تثنى ثنيتين، يلبس خاتم فضة في خنصره الأيمن، يحب البطيخ، ويكره الريح الردية
ويستاك عند الوضوء، ويردف خلفه عبده أو غيره، ويركب ما أمكنه من فرس
أو بغلة أو حمار، ويركب الحمار بلا سرج وعليه العذار، ويمشي راجلا وحافيا بلا
رداء ولا عمامة ولا قلنسوة، ويشيع الجنائز ويعود المرضى في أقصى المدينة، يجالس
الفقراء ويواكل المساكين ويناولهم بيده، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف
أهل الشرف بالبر لهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر
الله، ولا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه، وكان أكثر الناس تبسما ما لم
ينزل عليه قرآن ولم تجر عظة، وربما ضحك من غير قهقهة، لا يرتفع على عبيده
وإمائه في مأكل ولا في ملبس، ما شتم أحدا بشتمة ولا لعن امرأة ولا خادما بلعنة
ولا لاموا أحدا إلا قال دعوه، ولا يأتيه أحد حرا وعبدا وأمة إلا قام معه في
حاجته، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يحزي بالسيئة السيئة ولكن
يغفر ويصفح، ويبدأ من لقيه بالسلام، ومن رامه بحاجة صابره حتى يكون هو
المنصرف، وما أخذ أحد يده فيرسل يده حتى يرسلها وإذا لقى مسلما بدأه بالمصافحة،
وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله، وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي
إلا خفف صلاته وأقبل عليه وقال: ألك حاجة؟ وكان أكثر جلوسه أن ينصب
ساقيه جميعا، وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس، وكان أكثر ما يجلس مستقبل
القبلة، وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه ويؤثر الداخل بالوسادة
التي تحته، وكان في الرضا والغضب لا يقول إلا حقا، وكان يأكل القثاء بالرطب
وبالملح، وكان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب وأكثر طعامه الماء والتمر
وكان يتمجع (1) اللبن بالتمر ويسميهما الأطيبين، وكان أحب الطعام إليه اللحم
ويأكل الثريد باللحم، وكان يحب القرع، وكان يأكل لحم الصيد ولا يصيده،

(1) المجيع تمر يعجن بلبن، وتمجع: أكل التمر اليابس باللبن معا وأكل التمر وشرب عليه اللبن.
127

وكان يأكل الخبز والسمن، وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ومن القدر
الدبا ومن الصباغ الخل ومن التمر العجوة (1) ومن البقول الهندبا والبادروج والبقلة
اللينة، وكان يمزح ولا يقول إلا حقا، قال أنس: مات نغير لأبي عمير وهو ابن
لام سليم فجعل النبي صلى الله عليه وآله يقول: يا أبا عمير ما فعل النغير (2).
وكان حادي بعض نسوته خادمه أنجشة فقال له: يا أنجشة ارفق بالقوارير.
وفي رواية: لا نكسر القوارير.
وكان له عبد أسود في سفر فكان كل من أعيى ألقى عليه بعض متاعه حتى حمل
شيئا كثيرا فمر به النبي صلى الله عليه وآله فقال: أنت سينة فاعتقه.
وقال رجل: احملني يا رسول الله، فقال: انا حاملوك على ولد ناقة، فقال:
ما أصنع بولد ناقة؟ قال صلى الله عليه وآله: وهل يلد الإبل إلا النوق.
واستدبر رجلا من ورائه وأخذ يعضده وقال: من يشتري هذا العبد - يعني انه
عبد الله. وقال صلى الله عليه وآله لاحد: لا تنس يا ذا الاذنين.
زيد بن أسلم أنه قال لامرأة وذكرت زوجها: أهذا الذي في عينيه بياض؟
فقالت: لا ما بعينيه بياض، وحكت لزوجها فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من
سوادها. ورأي صلى الله عليه وآله جملا عليه حنطة فقال: تمشي الهريسة.
ورأي صلى الله عليه وآله بلالا وقد خرجت بطنه فقال: أم حبين (3)، وأم حبين ضرب من
العظاية، ويقال: انه الحرباء. وقال صلى الله عليه وآله للحسين: حبقة حبقة ترق عين بقه.
ابن عباس انه صلى الله عليه وآله كسى بعض نسائه ثوبا واسعا فقال لها: البسية واحمدي الله
وجري منه ذيلا كذيل العروس.
وقالت عجوز من الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله: ادع لي بالجنة، فقال: ان الجنة لا يدخلها
العجز، فبكت المرأة فضحك النبي وقال: أما سمعت قول الله تعالى: (انا أنشأناهن
انشاء فجعلناهن أبكارا).
وقال صلى الله عليه وآله للعجوز الأشجعية: يا أشجعية لا تدخل العجوز الجنة، فرآها بلال
باكية فوصفها للنبي فقال: والأسود كذلك فجلسا يبكيان فرأهما العباس فذكرهما له
فقال: والشيخ كذلك، ثم دعاهم وطيب قلوبهم وقال: ينشئهم الله كأحسن ما كانوا
" المناقب ج 1، م 16 "

(1) بالحجاز النمر المحشى وتمر بالمدينة.
(2) النغر كصرد البلبل وفراخ العصافير.
(3) أم حبين: دويبة عظيمة البطن.
128

وذكر انهم يدخلون الجنة شبابا منورين وقال: ان أهل الجنة جرد مرد مكحلون.
وقال صلى الله عليه وآله لرجل حين قال: أنت نبي الله حقا نعلمه، ودينك الاسلام دينا
نعظمه، نبغي مع الاسلام شيئا نقضمه، ونحن حول هذا ندندن. يا علي اقض
حاجته، فأشبعه علي (ع) وأعطاه ناقة وجلة تمر.
وجاء أعرابي فقال: يا رسول الله بلغنا ان المسيح - يعني الدجال - يأتي الناس
بالثريد وقد هلكوا جميعا جوعا أفترى بأبي أنت وأمي أن أكف من ثريده تعففا وتزهدا
فضحك رسول الله ثم قال: يغنيك الله بما يغني به المؤمنين.
وقبل جد خالد القسري امرأة فشكت إلى النبي فأرسل إليه فاعترف وقال: ان
شئت أن تقتص فلتقص، فتبسم رسول الله وأصحابه فقال: أولا تعود؟ فقال:
لا والله يا رسول الله، فتجاوز عنه.
ورأي صلى الله عليه وآله صهيبا يأكل تمرا فقال: أتأكل التمر وعينك رمدة؟ فقال يا رسول الله
اني أمضغه من هذا الجانب وتشتكي عيني من هذا الجانب.
ونهى صلى الله عليه وآله أبا هريرة عن مراح العرب فسرق نعل النبي ورهنه بتمر وجلس
بحذائه يأكل فقال صلى الله عليه وآله: يا أبا هريرة ما تأكل؟ فقال: نعل رسول الله.
وقال سويبط المهاجري لنعيمان البدري: اطعمني، وكان علي الزاد في سفر فقال
حتى يجئ الأصحاب، فمروا بقوم فقال لهم سويبط: تشترون مني عبدا لي؟
قالوا نعم، قال: انه عبد له كلام وهو قائل لكم اني حرفان سمعتم مقاله تفسدوا علي
عبدي، فاشتروه بعشرة قلايص ثم جاؤوا فوضعوا في عنقه حبلا فقال نعيمان: هذا
يستهزئ بكم واني حر، فقالوا: قد عرفنا خبرك، وانطلقوا به حتى أدركهم القوم
وخلصوه فضحك النبي من ذلك حينا.
وكان نعيمان هذا أيضا مزاحا فسمع محرمة بن نوفل وقد كف بصره يقول: ألا
رجل يقودني حتى أبول، فأخذ نعيمان بيده فلما بلغ مؤخر المسجد قال: ههنا فبل،
فبال فصيح به فقال: من قادني؟ قيل: نعيمان، قال: لله علي أن أضربه بعصاي هذه
فبلغ نعيمان فقال: هل لك في نعيمان؟ قال نعم، قال قم، فقام معه فأتى به عثمان
وهو يصلي فقال: دونك الرجل، فجمع يديه بالعصا ثم ضربه فقال الناس: أمير المؤمنين
فقال: من قادني؟ قالوا نعيمان، قال: لا أعود إلى نعيمان أبدا.
ورأي نعيمان مع أعرابي عكة عسل فاشتراها منه وجاء بها إلى بيت عائشة في يومها
وقال: خذوها، فتوهم النبي صلى الله عليه وآله انه أهداها له، ومر نعيمان والأعرابي على الباب
129

فلما طال قعوده قال: يا هؤلاء ردوها علي إن لم تحضروا قيمتها، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله
القصة فوزن له الثمن فقال لنعيمان: ما حملك على ما فعلت؟ فقال: رأيت رسول الله
يحب العسل ورأيت الاعرابي معه العكة، فضحك النبي ولم يظهر له نكرا.
فصل: في أسمائه وألقابه
سماه في القرآن بأربعمائة اسم: العالم (وعلمك ما لم تكن تعلم)، الحاكم (فلا وربك
لا يؤمنون حتى يحكموك)، الخاتم (وخاتم النبيين)، العباد (واعبد ربك)،
الساجد (وكن من الساجدين)، الشاهد (انا أرسلناك شاهدا)، المجاهد (يا أيها
النبي جاهد الكفار)، الطاهر (طه ما أنزلنا)، الشاكر (شاكرا لأنعمه أجتبيه)
الصابر (واصبر وما صبرك)، الذاكر (وأذاكر اسم ربك)، القاضي (إذا قضى
الله ورسوله)، الراضي (لعلك ترضى)، الداعي (وداعيا إلى الله باذنه)،
الهادي (وانك لتهدي)، القاري (اقرأ باسم ربك)، التالي (يتلو عليهم)، الناهي
(وما نهاكم عنه)، الآم (وأمر أهلك)، الصادع (فاصدع بما تؤمر)، الصادق
(ص والقرآن)، القانت (أمن هو قانت)، الحافظ (يحفظونه من أمر الله)،
الغالب (وان جندنا)، العائل (ووجدك عائلا)، الضال، أي يهدي به الضال:
(ووجدك ضالا)، الكريم (انه لقول رسول كريم)، الرحيم (رؤوف رحيم)،
العظيم (وانك لعلى خلق عظيم)، اليتيم (ألم يجدك يتيما)، المستقيم (فاستقم
كما أمرت)، المعصوم (والله يعصمك)، البشير (انا أرسلناك بالحق بشيرا)،
النذير (ونذيرا)، العزيز (لقد جاءكم رسول)، الشهيد (وجئنا بك شهيدا)،
الحريص (حريص عليكم)، القريب (ق والقرآن)، الحبيب، والمحب،
والمحبوب في سبع مواضع (حم)، النبي (يا أيها النبي)، القوي (ذي قوة)،
الوحي (وكذلك أوحينا إليك)، الأمي (النبي الأمي)، الأمين (مطاع ثم أمين)،
المكين (عند ذي العرش)، المبين (وقل اني أنا النذير)، المذكر (فذكر إنما
أنت)، المبشر (ومبشرا برسول)، المنذر (إنما أنت منذر)، المستغفر
(واستغفر لذنبك)، المسبح (فسبح بحمد ربك)، المصلي (فصل لربك)،
المصدق (مصدقا لما معكم)، المبلغ (يا أيها الرسول بلغ)، المحدث (وأما بنعمة
ربك)، المؤمن (آمن الرسول)، المتوكل (وتوكل على الحي)، المزمل (يا أيها
المزمل)، المدثر (يا أيها المدثر)، المتهجد (ومن الليل فتهجد)، المنادي (سمعنا
130

مناديا)، المهتدى (وهداه إلى صراط)، الحق (قد جائكم الحق)، الصدق
(والذي جاء بالصدق)، الذكر (إنا أرسلنا إليكم ذكرا)، البرهان (قد جائكم
برهان)، الفضل (قل بفضل الله)، المرسل (انك لمن المرسلين)، المبعوث (هو
الذي بعث)، المختار (وربك يخلق)، المغفور (ليغفر لك الله)، المفكي (انا
كفيناك)، المرفوع، والرفيع (ورفعنا لك)، المؤيد (هو الذي أيدك)،
المنصور (وينصرك الله)، المطاع (مكين مطاع)، الحسنى (وصدور بالحسنى)
الهدى (وما منع الناس)، الرسول (يا أيها الرسول)، الرؤف (بالمؤمنين
رؤوف)، النعمة (يعرفون نعمة الله)، الرحمة (وما أرسلناك إلا رحمة)، النور
(قد جائكم من الله نور)، الفجر (والفجر وليال)، المصباح (المصباح في
زجاجة)، السراج (وسراجا منيرا)، الضحى (والضحى والليل)، النجم
(والنجم إذا هوى)، الشمس (ثم جعلنا الشمس)، البدر (طه)، الظل (ألم
تر إلى ربك كيف مد الظل)، البشر (بشر مثلكم)، الناس (أم يحسدون الناس)
الانسان (خلق الانسان)، الرجل (على رجل منكم)، الصاحب (ما ضل
صاحبكم)، العبد (أسرى بعبده)، المجتبى (ولكن الله يجتبي)، المقتدى
(فبهديهم اقتده)، المرتضى (إلا من ارتضى)، المصطفى (الله يصطفي)، أحمد
(يأتي من بعدي اسمه أحمد)، محمد (محمد رسول الله)، (كهيعص)، (يس)
(طه)، (حمعسق) كل حرف يدل على اسم له مثل: الكافي، والهادي، والعارف
والسخي، والطاهر، وغير ذلك.
وأسماؤه في الاخبار: العاقب - وهو الذي يعقب الأنبياء، الماحي - الذي
يمحى به الكفر، ويقال تمحى به سيئات من اتبعه، ويقال الذي لا يكون بعده
أحد، الحاشر - الذي يحشر الناس على قدميه، والمقفى - الذي قفى النبيين جماعة،
الموقف - يوقف الناس بين يدي الله، القثم - وهو الكامل الجامع. ومنه: الناشر
والناصح، والوفي، والمطاع، والنجي، والمأمون، والحنيف، والحبيب، والطيب
والسيد، والمقترب، والدافع، والشافع، والمشفع، والحامد، والمحمود، والموجه
والمتوكل، والغيث.
وفي التوراة: ميذميذاي غفور رحيم، وقيل ميد ميداي محمد، وقيل مود مود،
وفي حكاية ان اسمه فيها مرقوفا أي المحمود.
وفي الزبور: قليطا مثل أبي القاسم فقالوا بلقيطا وقالوا فاروق وقالوا محياثا.
131

وفي الإنجيل: طاب طاب أحمد، ويقال يعني طيب طيب. وفي كتاب شعيا:
نور الأمم، ركن المتواضعين، رسول التوبة، رسول البلاء.
وفي الصحف: بلقيطا، وفي صحف شيث: طاليثا، وفي صحف إدريس:
بهيائيل، وفي صحف إبراهيم: مود مود، وفي السماء الدنيا: المجتبي، وفي الثانية:
المرتضى، وفي الثالثة: المزكى، وفي الرابعة: المصطفى، وفي الخامسة: المنتجب،
وفي السادسة: المطهر والمجتبى، وفي السابعة: المقرب والحبيب.
ويسميه المقربون: عبد الواحد، والسفرة: الأول، والبررة: الآخر،
والكروبيون: الصادق، والروحانيون: الطاهر، والأولياء: القاسم، والرضوان:
الا بكر، والجنة: عبد الملك، والحور: عبد العطاء، وأهل الجنة: عبد الديان،
ومالك: عبد المختار، وأهل الجحيم: عبد النجاة، والزبانية: عبد الرحيم، والجحيم:
عبد المنان.
وعلى ساق العرش رسول الله، وعلى الكرسي نبي الله، وعلى طوبى صفي الله،
وعلى لواء الحمد صفوة الله، وعلى باب الجنة خيرة الله، وعلى القمر قمر الأقمار، وعلى
الشمس نور الأنوار.
والشياطين: عبد الهيبة، والجن: عبد الحميد، والموقف: الداعي، والميزان:
الصاحب، والحساب: الداعي، والمقام: المحمود الخطيب، والكوثر: الساقي،
والعرش: المفضل، والكرسي: عبد الكريم، والقلم: عبد الحق، وجبرئيل:
عبد الجبار، وميكائيل: عبد الوهاب، وإسرافيل: عبد الفتاح، وعزرائيل:
عبد التواب، والسحاب: عبد السلام، والريح: عبد الاعلى، والبرق: عبد المنعم،
والرعد: عبد الوكيل، والأحجار: عبد الجليل، والتراب: عبد العزيز، والطيور:
عبد القادر، والسبع: عبد العطاء، والجبل: عبد الرفيع، والبحر: عبد المؤمن،
والحيتان: عبد المهيمن، وأهل الروم: الحليم، وأهل مصر: المختار، وأهل مكة:
الأمين، وأهل المدينة: الميمون، والريح: المهمت، والترك: صانجي، والعرب:
الأمي، والعجم: أحمد.
(ألقابه صلى الله عليه وآله)
حبيب الله، صفي الله، نعمة الله، عبد الله، خيرة الله، خلق الله، سيد المرسلين
إمام المتقين، خاتم النبيين، رسول الحمادين، رحمة العالمين، قائد الغر المحجلين، خير
البرية، نبي الرحمة، صاحب الملحمة، محلل الطيبات، محرم الخبائث، مفتاح الجنة،
132

دعوة إبراهيم، بشرى عيسى، خليفة الله في الأرض، زين القيامة ونورها وتاجها،
صاحب اللواء يوم القيامة، واضع الإصر والاغلال، أفصح العرب، سيد ولد آدم
ابن العواتك، ابن الفواطم، ابن الذبيحين، ابن بطحا ومكة، العبد المؤيد، والرسول
المسدد، والنبي المهذب، والصفي المقرب، والحبيب المنتجب، والأمين المنتخب،
صاحب الحوض والكوثر، والتاج والمغفر، والخطبة والمنبر، والركن والمشعر،
والوجه الأنور، والخد الأقمر، والجبين الأزهر، والدين الأظهر، والحسب الأطهر
والنسب الأشهر، محمد خير البشر، المختار للرسالة، الموضح للدلالة، المصطفى للوحي
والنبوة، المرتضى للعلم والفتوة والمعجزات والأدلة، نور في الحرمين، شمس بين
القمرين، شفيع من في الدارين، نوره أشهر، وقلبه أطهر، وشرائعه أظهر، وبرهانه
أزهر، وبيانه أبهر، وأمته أكثر، صاحب الفضل والعطاء، والجود والسخاء،
والتذكر والبكاء، والخشوع والدعاء، والإنابة والصفاء، والخوف والرجاء،
والنور والضياء، والحوض واللواء، والقضيب والرداء، والناقة العضباء، والبغلة
الشهباء، قائد الخلق يوم الجزاء، سراج الأصفياء، تاج الأولياء، إمام الأتقياء،
خاتم الأنبياء، صاحب المنشور والكتاب، والفرقان والخطاب، والحق والصواب،
والدعوة والجواب، وقائد الخلق يوم الحساب صاحب القضيب العجيب، والفناء
الرحيب، والرأي المصيب، المشفق على البعيد والقريب محمد الحبيب. صاحب القبلة
اليمانية، والملة الحنيفية، والشريعة المرضية، والأمة المهدية، والعترة الحسنية
والحسينية. صاحب الدين والاسلام، والبيت الحرام، والركن والمقام، والصلاة
والصيام، والشريعة والأحكام، والحل والحرام. صاحب الحجة والبرهان،
والحكمة والفرقان، والحق والبيان، والفضل والاحسان، والكرم والامتنان،
والمحبة والعرفان. صاحب الخلق الجلي، والنور المضي، والكتاب البهي، والدين
الرضي، الرسول النبي الأمي. صاحب الخلق العظيم، والدين القويم، والصراط
المستقيم، والذكر الحكيم، والركن والحطيم. صاحب الدين والطاعة، والفصاحة
والبراعة، والكر والشجاعة، والتوكل والقناعة، والحوض والشفاعة. صاحب
الدين الظاهر، والحق الزاهر، والزمان الباهر، واللسان الذاكر، والبدن الصابر،
والقلب الشاكر، والأصل الطاهر، والآباء الأخاير، والأمهات الطواهر. صاحب
الضياء والنور، والبركة والحبور، واليمن والسرور. واللسان الذكور، والبدن
الصبور، والقلب الشكور، والبيت المعمور.
133

كناه: أبو القاسم، وأبو الطاهر، وأبو الطيب، وأبو المساكين، وأبو الدرتين
وأبو الريحانتين، وأبو السبطين.
وفي التوراة: أبو الأرامل. وكناه جبرئيل بأبي إبراهيم لما ولد إبراهيم، وإنما
يكنى بأبي القاسم بأول ولد يقال له القاسم. ويقال لأنه يقسم الجنة يوم القيامة.
صفاته: راكب الجمل، آكل الذراع. قابل الهدية، محرم الميتة، حامل الهراوة
خاتم النبوة.
نسبه: العربي، التهامي، الأبطحي، اليثربي، المكي، المدني، القرشي، الهاشمي،
المطلبي، فهو من جهة الأب هاشمي، ومن جهة الام زهري، ومن الرضاع سعدي،
ومن الميلاد مكي، ومن الانشاء مدني.
فصل: في نسبه وخليته صلى الله عليه وآله
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب سمي بذلك لان مطلبا دخل مكة وهو رديفه
و عبد المطلب اسمه شيبة الحمل لبياض كان في شعره بعد ما تولد، بن هاشم (سمي بذلك
لأنه هشم الثريد للناس في أيام الغلاء وهو عمرو بن عبد مناف سمي بذلك لأنه علا
وأناف واسمه المغيرة بن قصي واسمه زيد أقصى عن دار قومه لأنه حمل من مكة في
صغره إلى بلاد ازدشوءة فسمي قصيا ويلقب بالمجمع لأنه جمع قبائل قريش بعد
ما كانوا في الجبال والشعاب وقسم بينهم المنازل بالبطحاء، ابن كلاب بن مرة بن كعب
ابن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو فريش وسمي النضر لان الله تعالى
اختاره والنضر النضرة، ابن خزيمة وإنما سمي بذلك لأنه خزم نور آبائه، ابن مدركة
لأنهم أدركوا الشرف في أيامه وقتل لادراكه صيدا لأبيه وسمي اخوه طابخة لطبخه
لأبيه، ابن الياس النبي وسمي بذلك جاء على اياس وانقطاع، ابن مضر وسمي بذلك
لاخذه بالقلوب ولم يكن يره أحد إلا أحبه، ابن نزار واسمه عمرو وسمي بذلك لان
معدا نظر إلى نور النبي صلى الله عليه وآله في وجهه فقرب له قربانا عظيما وقال له: لقد استقللت
هذا القربان وانه لقليل نزر، ويقال انه اسم أعجمي وكان رجلا هزيلا فدخل على
يستانيف فقال هذا نزار، ابن معد وسمي بذلك لأنه كان صاحب حروب وغارات
على اليهود وكان منصورا، ابن عدنان لان أعين الحي كلها كانت تنظر إليه، وروي
عنه صلى الله عليه وآله: إذا بلغ نسبي إلى عدنان فامسكوا، وعند كذب النسابون قال الله تعالى
(وقرونا بين ذلك كثيرا). قال القاضي عبد الجبار بن أحمد: المراد بذلك ان اتصال
134

الأنساب غير معلوم فلا يخلو اما أن يكون كاذبا أو في حكم الكاذب، وقد روي أنه
انتسب إلى إبراهيم. أم سلمة سمعت النبي يقول: معد بن عدنان بن أدد وسمي أدد
لأنه كان ماد الصوت كثير العز بن زيد بن ثرا بن اعراق الثرى. قالت أم سلمة: زيد
هميسع وثرا نبيت واعراق الثرى إسماعيل بن إبراهيم، قالت: ثم قرأ صلى الله عليه وآله (وعادا
وثمود وأصحاب الرس) الآية.
واعتمد النسابة وأصحاب التواريخ ان عدنان هو أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع
ابن سلامان بن نبت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل.
وقال ابن بابويه عدنان بن أد بن أدد بن زيد بن يقدد بن يقدم بن الهميسع بن
ابن نبت بن قيدار بن إسماعيل.
وقال ابن عباس عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع ويقال ابن يامين بن
يشخب بن منحر بن صابوغ بن الهميسع بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم بن
تارخ بن ناحور بن شروغ بن ارغو وهو هود، ويقال رقالغ بن عابر وهو هود
ابن ارفخشد بن متوشلخ بن سام بن نوح بن لمك بن أخنوخ، ويقال أخنوخ هو
إدريس بن مهلائيل، وقيل مهائيل بن زياد، ويقال مارد، ويقال اياد بن قينان بن
انوش، ويقال قينان بن أدد بن انوش بن شيث وهو هبة الله بن آدم.
(أمه) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة إلى آخر
النسب ويقال انه ينسب إلى آدم بتسعة وأربعين أبا.
الترمذي في الشمائل، والطبري في التاريخ، والزمخشري في الفايق، والفتال في الروضة، رووا صفة النبي صلى الله عليه وآله بروايات كثيرة منها عن أمير المؤمنين (ع) وابن
عباس، وأبي هريرة، وجابر بن سمرة، وهند بن أبي هالة، انه كان صلى الله عليه وآله فخما مفخما
في العيون معظما وفى القلوب مكرما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر أزهر منور
اللون مشربا بحمرة لم تزريه مقلة ولم تعبه ثجلة أغر أبلج أحور أدعج أكحل أزج
عظيم الهامة رشيق القامة مقصدا واسع الجبين أقنى العرنين أشكل العينين مقرون
الحاجبين سهل الخدين صلتهما طويل الزند بن؟ شبح الذراعين عظيم مشاشة المنكبين
طويل ما بين المنكبين شثن الكفين ضخم القدمين عاري الثديين خمصان الاخمصين مخطوط
المتينين أهدب الأشفار كث اللحية ذا فروة وافر السبلة اخضر الشمط ضليع الفم
أشم اغنب مفلج الأسنان سبط الشعر دقيق المسربة معتدل الخلق مفاض البطن عريض
الصدر كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة سائل الأطراف منهوس العقب قصير
135

الحنك دافى الجبهة ضرب اللحم بين الرجلين كأن في خاصرته انفتاق فعم الأوصال
لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصير الشائن ولا بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد
ولا بالجعد القطط ولا بالسبط ولا بالمطهم ولا بالمكلثم ولا بالأبيض الامهق ضخم
الكراديس جليل المشاش انور المتجرد لم يكن في بطنه ولا في صدره شعر إلا موصل
ما بين اللبة إلى السرة كالخط جليل الكتد اجرد ذا مسربة وكان أكثر شيبه في فودي
رأسه وكأن كفه كف عطار مسها بطيب رحب الراحة سبط القصب وكان إذا
رضى وسر فكأن وجه المرآة وكان فيه شئ من صور يخطو تكفؤا ويمشي الهوينا
يبدوا القوم إذا سارع إلى خير وإذا مشى تقلع كأنما ينحدر في صبب إذا تبسم يتبسم
عن مثل المنحدر عن بطون الغمام وإذا افتر افترعن سنا البرق إذا تلألأ لطيف الخلق
عظيم الخلق لين الجانب إذا طلع بوجهه على الناس رأوا جبينه كأنه ضوء السراج
المتوقد كان عرقه في وجهه كاللؤلؤ وريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر بين
كتفيه خاتم النبوة.
أبو هريرة: كان يقبل جميعا ويدبر جميعا. جابر بن سمرة: كانت في ساقيه
حموشة. أبو جحيفة: كان قد سمط عارضاه وعنفقته بيضاء. أم هاني: رأيت
رسول الله ذا ضفائر أربع، والصحيح انه كان له ذؤابتان ومبدأها من هاشم.
أنس: ما عددت في رأس رسول الله ولحيته إلا أربع عشرة شعرة بيضاء، ويقال
سبع عشرة. ابن عمر: إنما كان شيبه نحوا من عشرين شعرة بيضاء. البراء بن
عازب: كان يضرب شعره كتفيه. أنس: له لمة إلى شحمة اذنيه. عائشة: كان
شعره فوق الوفرة ودون الجمة.
وفي نهج البلاغة: اختاره من شجرة الأنبياء ومشكاة الضياء وذوابة العلياء
وسرة البطحاء ومصباح الظلمة وينابيع الحكمة أرسله على حين فتره من الرسل وتنازع
من الألسن فقفي به الرسل وختم به الوحي فجاهد في الله المدبرين عنه والعادلين به
أرسله بالضياء وقدمه في الاصطفاء فرتق به المفاتق وساور به المغالب وذلل به
الصعوبة وسهل به الحزونة حتى سرح الضلالة عن يمين وشمال أرسله داعيا إلى الحق
وشاهدا على الخلق فبلغ رسالات ربه غير وان ولا مقصر وجاهد في الله اعداه غير
واهن ولا معذر إمام من اتقى وبصر من اهتدى.
وفي سحر البلاغة: صلى الله على خير مبعوث وأفضل وارث ومورث وخير
" مناقب ج 1، م 17 "
136

مولود دعا إلى خير معبود بشير الرحمة والثواب ومدبر السطوة والعقاب ناسخ كل ملة
مشروعة وفاسخ كل نحلة متبوعة جاء بأمته من الظلمات إلى النور وأوفى بهم إلى الظل
بعد الحرور قد افرد بالزعامة وحده وختم بأن لا نبي بعده أرسله الله قمرا منيرا
وقدرا مبيرا.
فصل: في أقربائه وخدامه
كان لعبد المطلب عشر بنين: الحارث، والزبير، وحجل وهو الغيداق، وضرار
وهو نوفل، والمقوم، وأبو لهب وهو عبد العزى، و عبد الله، وأبو طالب،
وحمزة، والعباس وهو أصغرهم سنا. وكانوا من أمهات شتى إلا عبد الله وأبو طالب
فإنهما كانا ابني أم وأمهما فاطمة بنت عمر وبن عايد، وأعقب منهم البنون أربعة:
أبو طالب، وعباس، والحارث، وأبو لهب.
وعماته ستة: عاتكة، أميمة، البيضاء وهي أم حكيم، وصفية وهي أم الزبير،
وبرة، ويقال وزيده.
وأسلم من أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس، ومن عماته صفية وأروى وعاتكة
وآخر من مات من أعمامه العباس، ومن عماته صفية.
وجدته لأبيه فاطمة بنت عمرو المخزومي، وجدته لامه برءة بنت عبد العزى بن
عثمان بن عبد الدار، واخوته من الرضاعة عبد الله وأنيسة.
وخدامه أولاد الحارث. وكان له أخ في الجاهلية اسمه الخلاص بن علقمة،
وكان النبي صلى الله عليه وآله يقرظه. وأخوه ووزيره ووصيه وختنه علي (ع). وربيبه
هند بن أبي هالة الأسدي من خديجة، وعمرو بن أبي سلمة وزينب أخته من أم سلمة
قال الصادق (ع): تزوج رسول الله بخمس عشرة امرأة ودخل بثلاث عشرة
منهن وقبض عن تسع.
المبسوط، أنه قال أبو عبيدة: تزوج النبي صلى الله عليه وآله ثماني عشر امرأة. وفي
أعلام الورى، ونزهة الابصار، وأمالي الحاكم، وشرف المصطفى: انه تزوج بإحدى
وعشرين امرأة. وقال ابن جرير وابن مهدي: واجتمع له احدى عشرة امرأة
في وقت.
ترتيب أزواجه: تزوج بمكة أولا خديجة بنت خويلد، قالوا: وكانت عند
عتيق بن عايذ المخزومي ثم عند أبي هالة زرارة بن نباش الأسدي.
137

وروى أحمد البلاذري، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما، والمرتضى في الشافي،
وأبو جعفر في التلخيص: ان النبي صلى الله عليه وآله تزوج بها وكانت عذراء، يؤكد ذلك ما ذكر
في كتابي الأنوار والبدع ان رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة.
وسودة بنت زمعة بعد موتها بسنة وكانت عند سكران بن عمرو من مهاجري
الحبشة فتنصر ومات بها.
وعائشة بنت أبي بكر وهي ابنة سبع قبل الهجرة بسنتين، ويقال كانت ابنة
ست ودخل بها بالمدينة في شوال وهي ابنة تسع ولم يتزوج غيرها بكرا، وتوفي النبي
وهي ابنة ثمانية عشر سنة وبقيت إلى امارة معاوية وقد قاربت السبعين.
وتزوج بالمدينة أم سلمة واسمها هند بنت أمية المخزومية وهي بنت عمته عاتكة بنت
عبد المطلب وكانت عند أبي سلمة بن عبد الأسد بعد وقعة بدر من سنة اثنتين من
التاريخ، وفي هذه السنة تزوج بحفصة بنت عمر وكانت قبله تحت خنيس بن عبد الله
ابن حذاقة السهمي فبقيت إلى آخر خلافة علي (ع) وتوفيت بالمدينة.
وزينب بنت جحش الأسدية وهي ابنة عمتها أميمة بنت عبد المطلب وكانت عند
زيد بن حارثة وهي أول من ماتت من نسائه بعده في أيام عمر بعد سنتين من التاريخ.
وجويرية بنت الحارث بن ضرار المصطلقية، ويقال انه اشتراها فأعتقها وتزوجها
وماتت في سنة خمسين وكانت عند مالك بن صفوان بن ذي السفرتين.
وأم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة وكانت عند عبد الله بن جحش في سنة
ست وبقيت إلى امارة معاوية.
وصفية بنت حي بن أخطب النضري وكانت عند سلام بن مسلم ثم عند كنانة
ابن الربيع وكانت أتي بها واسر بها في سنة سبع.
وميمونة بنت الحارث الهلالية خالة ابن عباس وكانت عند عمير بن عمرو الثقفي
ثم عند أبي زيد بن عبد العامري خطبها للنبي صلى الله عليه وآله جعفر بن أبي طالب وكان تزويجها
وزفافها وموتها وقبرها بسرف وهو على عشرة أميال من مكة في سنة سبع وماتت
في سنة ست وثلاثين وقد دخل بهؤلاء.
والمطلقات أو من لم يدخل بهن أو من خطبها ولم يعقد عليها:
فاطمة بنت شريح، وقيل بنت الضحاك، تزوجها بعد وفاة ابنته زينب وخيرها
حين أنزلت عليه آية التخيير فاختارت الدنيا ففارقها فكانت بعد ذلك تلقط البعر
وتقول: أنا الشقية اخترت الدنيا.
138

وزينب بنت خزيمة بن الحرث أم المساكين من عبد مناف وكانت عند عبيدة بن
الحرث بن عبد المطلب.
وأسماء بنت النعمان بن الأسود الكندي من أهل اليمن.
وأسماء بنت النعمان، لما دخلت عليه قالت: أعوذ بالله منك، فقال: أعذتك إلحقي
بأهلك، وكانت بعض أزواجه علمتها وقالت: انك تحظين عنده.
وقتيلة أخت الأشعث بن قيس الكندي ماتت قبل أن يدخل بها، ويقال طلقها
فتزوجها عكرمة بن أبي جهل وهو الصحيح.
وأم شريك واسمها غزية بنت جابر من بني النجار.
وسنا بنت الصلت من بني سليم، ويقال خولة بنت حكيم السلمي ماتت قبل أن
تدخل عليه، وكذلك صراف أخت دحية الكلبي.
ولم يدخل بعمرة الكلابية، وأميمة بنت النعمان الجونية، والعالية بنت ظبيان
الكلابية، ومليكة الليثية.
واما عميرة بنت بريد رأى بها بياضا فقال: دلستم علي، فردها، وليلى بنت
الحطيم الأنصارية ضربت ظهره وقالت: أقلني، فأقالها فأكلها الذئب، وعمرة من
العرطا (كذا) وصفها أبوها حتى قال: انها لم تمرض قط، فقال صلى الله عليه وآله: ما لهذه
عند الله من خير.
والتسع اللاتي قبض عنهن: أم سلمة، زينب بنت جحش، ميمونة، أم حبيبة،
صفية، جويرية، سودة، عائشة، حفصة.
قال زين العابدين (ع)، والضحاك، ومقاتل، الموهبة امرأة من بني أسد وفيه
ستة أقوال. ومات قبل النبي صلى الله عليه وآله: خديجة، وأمي هاني، وزينب بنت خزيمة.
وأفضلهن خديجة ثم أم سلمة ثم ميمونة.
مبسوط الطوسي، انه اتخذ من الإماء ثلاثا: عجميتين وعربية فأعتق العربية
واستولد احدى العجميتين، وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه: مارية القبطية،
وريحانة بنت زيد القرظية، أهداهما المقوقس صاحب الإسكندرية، وكانت لمارية
أخت اسمها سيرين فأعطاها حسان فولدت عبد الرحمن فتوفت مارية بعد النبي بخمس
سنين، ويقال انه أعتق ريحانة ثم تزوجها.
تاج التراجم، ان النبي صلى الله عليه وآله اختار من سبي بني قريظة جارية اسمها تكانة بنت
عمرو وكانت في ملكه فلما توفي صلى الله عليه وآله زوجها العباس.
139

وكان مهر نسائه اثنتا عشر أوقية ونش (1).
أولاده: ولد من خديجة القاسم و عبد الله وهما: الطاهر والطيب، وأربع بنات:
زينب، ورقية، وأم كلثوم وهي آمنة، وفاطمة وهي أم أبيها. ولم يكن له ولد
من غيرها إلا إبراهيم من مارية، ولد بعالية في قبيلة مازن في مشربة أم إبراهيم،
ويقال ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة ومات بها وله سنة وعشرة أشهر وثمانية
أيام وقبره بالبقيع. وفي الأنوار، والكشف، واللمع، وكتاب البلاذري: ان زينب ورقية كانتا
ربيبتيه من جحش، فأما القاسم والطيب فماتا بمكة صغيرين.
قال مجاهد: مكث القاسم سبع ليال، واما زينب فكانت عند أبي العاص القاسم
ابن الربيع فولدت أم كلثوم وتزوج بها علي، وكان أبو العاص أسر يوم بدر فمن
عليه النبي صلى الله عليه وآله وأطلقه من غير فداء: وأتت زينب الطائف ثم أتت النبي بالمدينة
فقدم أبو العاص المدينة فأسلم، وماتت زينب بالمدينة بعد مضى النبي صلى الله عليه وآله إليها بسبع
سنين وشهرين، واما رقية فتزوجها عتبة، وأم كلثوم تزوجها عتيق وهما ابنا أبي لهب
فطلقاهما فتزوج عثمان رقية بالمدينة وولدت له عبد الله صبيا لم يجاوز ست سنين وكان
ديك نقره عليك عينه فمات، وبعدها أم كلثوم، ولا عقب للنبي إلا من ولد فاطمة.
رفقاؤه: علي وابناه، وحمزة، وجعفر، وسلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار
وحذيفة، وابن مسعود، وبلال، وأبو بكر، وعمر.
كتابه: كان على يكتب أكثر الوحي ويكتب أيضا غير الوحي، وكان أبي
ابن كعب وزيد بن ثابت يكتبان الوحي، وكان زيد و عبد الله بن الأرقم يكتبان
إلى الملوك، وعلاء بن عقبة و عبد الله بن أرقم يكتبان القبالات، والزبير بن العوام
وجهم بن الصلت يكتبان الصدقات، وحذيفة يكتب صدقات التمر، وقد كتب له
عثمان وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص والمغيرة بن شعبة والحصين بن نمير والعلاء بن
الحضرمي وشرحبيل بن حسنة الطانحي وحنظلة بن ربيع الأسدي و عبد الله بن
سعد بن أبي سرح وهو الخائن في الكتابة فلعنه رسول الله وقد ارتد. وفي تاريخ
البلاذري انه أنفذ النبي صلى الله عليه وآله ابن عباس إلى معاوية ليكتب له فقال: انه يأكل،
ثم بعث إليه ولم يفرغ من أكله فقال النبي: لا أشبع الله بطنه.
حاجبه: أنس بن مالك.

(1) وفي البحار: والأوقية أربعون درهما والنش عشرون درهما يعنى نصف أوقية.
140

مؤذنه: بلال وهو أول من أذن له، وعمرو بن أم مكتوم واسم أبيه قيس،
وزياد بن الحارث الصدائي، وأبو محذورة أوس بن مغير كان لا يؤذن إلا في الفجر،
و عبد الله بن زيد الأنصاري، وأدركه سعيد القرظي في مسجد قبا.
مناديه: أبو طلحة، ومن كان يضرب أعناق الكفار بين يديه: علي والزبير ومحمد
ابن مسلمة وعاصم بن الأفلح والمقداد.
وحراسه: سعد بن معاذ حرسه يوم بدر وهو في العريش وقد حرسه ذكوان بن
عبد الله، وبأحد محمد بن مسلمة، وبالخندق الزبير، وليلة بني نصيفة وهو بخيبر سعد
ابن أبي وقاص، وأبو أيوب الأنصاري وبلال بوادي القرى، وزياد بن أسد ليلة
فتح مكة، وكان سعد بن عباد بلي حرسه، فلما نزل: (والله يعصمك من الناس)
ترك الحرس.
ومن قدمهم للصلاة: فأمير المؤمنين (ع) كان يصلي بالمدينة أيام تبوك وفي
غزوة الطائف وفدك، وسعد بن عبادة على المدينة في الأبواء وودان، وسعد بن
معاذ في بواط، وزيد بن حارثة في صفوان وبني المصطلق إلى تمام سبع مرات،
وأبا سلمة المخزومي في ذي العشيرة، وأبا لبابة في بدر القتال وبني قينقاع والسويق
وعثمان في بني غطفان وذي امرة (1) وذات الرقاع، وابن أم مكتوم في قرقرة
الكدر وبني سليم واحد وحمراء الأسد وبني النظير والخندق وبني قريظة وبني لحيان
وذي قرد وحجة الوداع والاكيدر، وسباع بن عمر فطة في الحديبية ودومة الجندل
وأبا ذر في حنين وعمرة القضاء، وابن رواحة في بدر الموعد، ومحمد بن مسلمة ثلاث
مرات، وقدم قدم عبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبا عبيدة وعايشة بن محصن
ومرثد الغوي.
وعماله: ولى عمرو بن حزم الأنصاري نجران، وزياد بن أسيد حضر موت،
وخالد بن سعيد بن العاص صنعاء، وأبا أمية المخزومي كندة والصدق، وأبا موسى
الأشعري زبيد، وزمعة عدن والساحل، ومعاذ بن جبل الجبلة والغضا من أعمال
اليمن، وعمرو بن العاص عمان ومعه أبو زيد الأنصاري، ويزيد بن أبي سفيان على
نجران، وحذيفة دبا، وبلالا على صدقات الثمار، وعباد بن البشير الأنصاري على
صدقات بني المصطلق، والأقرع بن حابس على صدقات بني دارم، والزبرقان بن بدر
على صدقات عوف، ومالك بن نويرة على صدقات بني يربوع، وعدي بن حاتم على

(1) بلد دجيل.
141

صدقات طي وأسد، وعيينة بن حصن على صدقات فزارة، وأبا عبيدة بن الجراح
على صدقات مزيته وهذيل وكنانة.
رسله: بعث خاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس، وشجاع بن وهب الأسدي إلى
الحارث بن شمر، ودحية الكلبي إلى قيصر، وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن
علي الحنفي، و عبد الله بن حذاقة السهمي إلى كسرى، وعمر بن أمية الضمري
إلى النجاشي.
المشبهون به: جعفر الطيار، والحسن بن علي، وقثم بن العباس، وأبو سفيان
ابن الحارث بن عبد المطلب، وهاشم بن عبد المطلب، ومسلم بن معتب بن أبي لهب
من هاجر، معه من مكة إلى المدينة: أبو بكر وعامر بن فهيرة ودليلهم عبد الله بن
أريقط الليثي وخلف عليا مع الودائع فلما سلمها إلى أصحابها لحق به فخرج إلى الغار
ومنها إلى المدينة، وفي رواية انه أدرك النبي صلى الله عليه وآله بقبا.
خدامه من الأحرار: أنس وهند وأسماء ابنتا خارجة الأسلمية وأبو الحمراء
وأبو الخلف.
عيونه: الخزاعي، و عبد الله بن حدرد الذي حلق رأسه يوم الحديبية خراش
ابن أمية الخزاعي، وفي حجته معمر بن عبد الله بن حارثة بن نضر الذي حجمه
أبو طيبة الذي شرب دم النبي فخطب في الاشراف وأبو هند مولى فروة بن عمرو
البياضي الذي قال له النبي صلى الله عليه وآله: إنما أبو هند رجل منكم فأنكحوه وانكحوا إليه
وأبو موسى الأشعري.
شعراؤه: كعب بن مالك قوله:
واني وان عنفتموني لقائل * فدا لرسول الله نفسي وتاليا
أطعناه لم نعد له فينا بغيره * شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا
وله:
وفينا رسول الله نتبع امره * إذا قال فينا القول لا يتطلع
تدلى على الروح من عند ربه * ينزل من جو السماء ويرفع
وقال عبد الله بن رواحة:
وكذاك قد ساد النبي محمد * كل الأنام وكان آخر مرسل
وقال حسان بن ثابت:
ألم تر ان الله ارسل عبده * ببرهانه والله أعلى وامجد
142

وشق له من اسمه ليجله * وذو العرش محمود وهذا محمد
نبي اتانا بعد بأس وفترة * من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
تعاليت رب العرش من كل فاحش * فإياك نستهدي وإياك نعبد
وأمره النبي ان يجب أبا سفيان فقال:
ألا أبلغ أبا سفيان عني * مغلغلة وقد برح الخفاء
بأن سيوفنا تركتك عبدا * وعبد الدار سادتها الإماء
أتهجوه ولست له بند * فشركما لخيركما الفداء
هجوت محمدا برا حنيفا * امين الله شيمته الوفاء
أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سوءا
فان أبي ووالدتي وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء
وقال النابغة الجعدي:
اتيت رسول الله إذ جاء بالهدى * ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
بلغنا السما في مجدنا وسنائنا * وانا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال النبي: إلى أين؟ قال: الجنة، فقال صلى الله عليه وآله أجل. وقال كعب بن زهير
ان الرسول لسيف يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم * ببطن مكة لما أسلموا زولوا
شم العرانين ابطال لبوسهم * من نسج داود في الهيجا سرابيل
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة * القرآن فيه مواعيد وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم * أذنب ولو كثرت في الأقاويل
نبئت ان رسول الله أوعدني * والعفو عند رسول الله مأمول
وقال قيس بن صرمة من بني النجار:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة * يذكر من يلقى صديقا مواليا
ويعرض في أهل المواسم نفسه * فلم ير من يؤى ولم ير داعيا
فلما اتاها اظهر الله دينه * فأصبح مسرورا بطيبة راضيا
والقى صديقا واطمأنت به النوى * وكان له عونا من الله باديا
يقص لنا ما قال نوح لقومه * وما قال موسى إذا جاب المناديا
ولم يقل لبيد بعد اسلامه إلا كلمة:
زال الشباب ولم أحفل به بالا * واقبل الشيب بالاسلام اقبالا
143

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي * حتى لبست من الاسلام سربالا
وقال ابن الزبعرى:
يا رسول المليك ان لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور
إذا جارى الشيطان في سنن * الغي ومن مال ميله مثبور
شهد اللحم والعظام بربي * ثم قلبي الشهيد أنت النذير
يعتذر من الهجاء فأمر له النبي بحلة. وله:
ولقد شهدت بأن دينك صادق * حقا وانك في العباد جسيم
والله يشهد ان احمد مصطفى * مستقبل في الصالحين كريم
وله أيضا:
فالآن اخضع للنبي محمد * بيد مطاوعة وقلب تائب
ومحمد أوفى البرية ذمة * واعز مطلوب واظفر طالب
هادي العباد إلى الرشاد وقائد * للمؤمنين بضوء نار ثاقب
اني رأيتك يا محمد عصمة * للعالمين من العذاب الواصب
وقال أمية بن الصلت:
واحمد أرسله ربنا * فعاش الذي عاش لم يهتضم
وقد علموا انه خيرهم * وفى بيته ذي الندى والكرم
نبي الهدى طيب صادق * رحيم رؤوف بوصل الرحم
عطاء من الله أعطيته * وخص به الله أهل الحرم
قال العباس بن مرداس:
رأيتك يا خير البرية كلها * نشرت كتابا جاء بالحق معلما
سننت لنا فيه الهدى بعد جورنا * عن الحق لما أصبح الحق مظلما
ونورت بالبرهان امرا مدمسا * واطفأت بالبرهان جمرا تضرما
أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجها * ودانت قديما وجهها قد تهدما
وقال طفيل الغنوي
فأبصرت الهدى وسمعت قولا * كريما ليس من سجع الأنام
فصدقت الرسول وهان قوم * علي رموه بالبهت العظام
" مناقب ج 1، م 18 "
144

وقال كعب بن نمط
وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد
ولا وضعت أنثى لأحمد مشبها * من الناس في التقوى ولا في التعبد
وقال مالك بن عوف
ما ان رأيت ولا سمعت بواحد * في الناس كلهم شبيه محمد
وقال قيس بن بحر الأشجعي
رسولا يضاهي البدر يتلو كتابه * ولما اتى بالحق لم يتلعثم
وقال عبد الله بن حرب الاسهمي
فينا الرسول وفينا الحق نتبعه * حتى الممات ونصر غير مجذوذ
وقال أبو دهبل الجمحي
ان البيوت معادن فنجاره * ذهب وكل بيوته ضخم
عقم النساء فلا يلدن شبيهه * ان النساء بمثله عقم
متهلل نعم بلا متباعد * سيان منه الوفر والعدم
وقال بحير بن أبي سلمى
إلى الله وجهي والرسول ومن بقم * إلى الله يوما وجهه لا يخيب
وأتى الأعشى مكة فقالت قريش: ان محمدا يحرم الخمر والزنا. فانصرف فسقط
عن بعيره ومات. ويقال أنه قال:
نبي يرى ما لا يرون وذكره * أغار؟ لعمري في البلاد وأنجدا؟
ومن هجاته: ابن الزبعرى السهمي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي وشافع بن
عبد مناف الجمحي وعمرو بن العاص وأمية بن الصلت الثقفي وأبو سفيان بن أبي الحرث
ومن قوله:
فأصبحت قد راجعت حلمي وردني * إلى الله من طردت كل مطرد
أصد وأنأى جاهلا عن محمد * وادعى وان لم انتسب من محمد
فضرب النبي صلى الله عليه وآله يده في صدره وقال: متى طردتني يا أبا سفيان؟.
145

فصل: في أمواله ورقيقه صلى الله عليه وآله
أفراسه: (الورد) أهداه التميم الداري، (والطرب) سمي لتشوقه وحسن صهيله
ويقال هو الظرب، (واللزاز) وقد أهداه المقوقس سمي بذلك لأنه كان ملززا موثقا
(واللحيف) أهداه ربيعة بن أبي البراء وسمي بذلك لأنه كان كالمتلحف بعرفه،
والصحيح انه الورد الذي أعطاه الداري وسماه النبي اللحيف، (ومرتجز) وقد
صحفوه فقالوا المرتجز وهو المشترى من الاعرابي الذي شهد فيه حزيمة، (والسكب)
وكان أول فرس ركبه وأول ما غزا عليه في أحد، وكان ابتاعه من رجل من
فزارة، ويقال اسمه بريدة الملاح. ومنها: اليعسوب، والسبحة، وذو العقاب،
والملاوح وقيل مراوح.
بغاله: أهدى إليه المقوقس (دلدل) وكانت شهباء فدفعها إلى علي (ع) ثم كانت
للحسن ثم للحسين ثم كبرت وعميت، وهي أول بغلة ركبت في الاسلام. وقال
التاريخي: أهدى إليه فروة بن عمرو الجذامي بغلة يقال لها (فضة).
حمره: أهدى له المقوقس (يعفور) مع (دلدل)، وأعطاه فروة الجذامي (عفير)
مع (فضة).
إبله: (العضباء) وكانت لا تسبق، (والجدعا)، (والقصواء) ويقال القضواء
وهي ناقة اشتراها النبي صلى الله عليه وآله من أبي بكر بأربعمائة درهم وهاجر عليها نفقت عنده
(والصهباء). ومنها: (البغوم)، (والغيم)، (والنوق)، (ومروة). وكان
له عشر لقاح (1) يحلبها يسار كل ليلة قربتين عظيمتين يفرقها على نسائه، منها (مهرة)
أرسل بها سعد بن عبادة، (والشقرا) (والريا) ابتاعهما بسوق النبط، (والحبا)،
(والسمرا)، (والعريس)، (والسعدية)، (والبغوم)، (واليسيرة) (وبردة)
وكانت منايح (2) رسول الله صلى الله عليه وآله سبع أعنز يرعاهن ابن أم أيمن وهي: (عجوة)
(وزمزم)، (وسقيا)، (وبركة)، (وورسة)، (وأطلال)، (وأطراف)،
وكانت له ماية من الغنم.
وكان مخرنق أحد بني النضير حبرا عالما أسلم وقاتل مع رسول الله وأوصى بماله
لرسول الله وهو سبع حوائط وهي: المينب، والصايفه، والحسنى، ويرقد،
والعواف، والكلاء، ومشربة أم إبراهيم.

(1) اللقايح جمع لقوح وهي الناقة الحلوب.
(2) المنيحة والمنحة: الغنم فيها لبن.
146

وكان له صفايا ثلاثة: مال بني النضير وخيبر وفدك، فأعطى فدك والعوالي
فاطمة (ع)، وروي انه وقف عليها. وكان له من الغنيمة الخمس وصفي يصطفيه
من المغنم ما شاء قبل القسمة وسهمه مع المسلمين كرجل مهم، وكانت له الأنفال.
وكان ورث من أبيه أم أيمن فأعتقها، وورث خمسة أجمال أوارك وقطيعة غنم وسيفا
ما ثوى وزرقا (كذا بالأصل).
سيوفه: ذو الفقار، والمنخذم، والرسوب ورثه من أبيه، والعضب أعطاه سعد
ابن عبادة، وأصاب من بني قينقاع بتارا وحتفا وسيفا قلعيا.
رماحه: أصاب ثلاثا من بني قينقاع وكان له رمح يقال له المستوفي، وكان له
عنزة يقال لها المثنى أنفذها النجاشي، ويقال ان النجاشي أعطى للزبير عنزة فلما جاء
إلى النبي صلى الله عليه وآله أعطاه إياها فكان بلال يحملها بين يديه يوم العيد ويخرج بها في أسفاره
فتركز بين يديه يصلي إليها، ويقولون: هي تحمل المؤذنون بين يدي الخلفاء.
دروعه: ذات الفضول أعطاها سعد بن عبادة، والفضة، ودرعان أصابهما من
بني قينقاع وهما السعدية وذات الوشاح، ويقال: كانت عنده درع داود النبي صلى الله عليه وآله
لبسها لما قتل جالوت.
قسيه: البيضاء وكانت من شوحط، والصفرا من نبع، والروحاء، أصاب هذه
الثلاثة من بني قينقاع، والكرع ويقال كرار. وكان له ترس يقال له الزلوق،
وترس فيه تمثال رأس كبش أذهبه الله. وكان له جعبة يقال له الكافورة. ودخل
مكة وعلى رأسه مغفر يقال له السبوع.
رايته: العقاب ولونه أبيض. وكان له قضيب يسمى الممشوق، محجن،
ومختصرة تسمى العرجون، ومنطقة من أديم منشور فيها ثلاث حلق من فضة والابزيم
والطرف من فضة. وكان له قدح مضبب بثلاث ضبات فضة، وتور من حجارة
يقال له المخضب، وقدح من زجاج، ومغتسل من صفر، وقطيفة، وقصعة، وخاتم
فضة نقش محمد رسول الله. وأهدى له النجاشي خفين أسودين ساذجين فلبسهما.
وقالت عائشة: كان فراش النبي صلى الله عليه وآله الذي يرقد فيه من ادم حشوه ليف،
وكانت ملحفته مصبوغة بورس أو زعفران، وكان يلبس يوم الجمعة برده الأحمر
ويعتم بالسحاب، ودخل مكة يوم الفتح عليه عمامة سوداء، وكانت له ربعة فيها
مشط عاج ومكحلة ومقراض وسواك. ويقال: ترك يوم مات عشرة أثواب ثوب
حبرة؟ وإزارا عمانيا وثوبين صحاربين، وقميصا سحوليا وجبة يمنية، وكساء أبيض
147

وقلانس صغارا لاطئة ثلاثا أو أربعا، وإزارا طوله ثلاثة أشبار، وتوفي في أزار
غليظ من هذه اليمانية، وكساء يدعى بالملبدة، وكان له سرير أعطاه أسعد بن زرارة
وكان منبره ثلاثة مراقي من الطرفاء استعملت امرأة لغلام لها نجار اسمه ميمون،
وكان مسجده بلا منارة، وكان بلال يؤذن على الأرض، وكان شعار أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله: يا منصور أمت. وقال لمزينة: ما شعاركم؟ قالوا: حرام، قال:
شعاركم حلال. وكان شعار المهاجرين يوم أحد: يا بني عبد الله، والخزرج: يا بني
عبد الرحمن، والأوس: يا بني عبد الله.
مواليه: سلمان الفارسي، وزيد بن حارثة وابنه أسامة، وأبو رافع أسلم ويقال
اسمه بندويه العجمي وهبه العباس وأعتقه النبي صلى الله عليه وآله لما بشر باسلام العباس وزوجه
سلمى فولد له عبيد الله كاتب أمير المؤمنين، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي،
وسفينة اسمه مفلح الأسود ويقال رومان البلخي وكان لام سلمة فأعتقه واشترطت
عليه خدمة النبي، وثوبان الحميري اشتراه النبي صلى الله عليه وآله وأعتقته وبقى في خدمته وخدمة
أولاده إلى أيام معاوية، ويسار النوبي أسر في غزوة بني ثعلبة فأعتقه وهو الذي
قتله العرنيون، وشقران واسمه صالح بن عدي الحبشي ورثه عن أبيه ويقال هو من
أولاد دهاقين الري، ومدعم الخثعمي وهو هدية فروة بنت عمرو الجذامي،
وأبو مويهبة من مولدي مزينة أعتقه النبي، وأبو كبشة واسمه السليم من مولدي
أرض دوس أو مكة فاشتراه وأعتقه، مات في أول يوم من جلوس عمر، وأبو بكرة
هشام واسمه نقيع تدلى من الحصن على بكرة ونزل من حصن الطايف إلى النبي فانعتق
وأبو أيمن واسمه رباح وكان أسود وكان يستأذن على النبي صلى الله عليه وآله ثم صيره مكان
يسار حين قتل، وأبو لبابة القرظي اشتراه النبي فأعتقه، وفضالة وهبه رفاعة بن
زيد الجذامي وقتل بوادي القرى، وانبسة بن كردى من العجم قتل في بدر وقيل
توفي في أيام أبي بكر، وكركره أهدي له فأعتقه ويقال مات وهو مملوك، وأبو
ضمرة كان مما أفاء الله عليه من العرب وهو أبو ضميرة ويقال اشترته أم سلمة للنبي
فأعتقه ويقال هو روح بن شيرزاد من ولد كشتاسب الملك وبنيه من مولدي السراة،
وأسلم الأصفر الرومي، والحبشة الحبشي، وماهر كان المقوقس أهداه إليه،
وأبو ثابت، وأبو نيزر، وأبو سلمى، وأبو عسيب، وأبو رافع الأصغر، وأبو
لقيط، وأبو البشر، ومهران، وعبيد، وأفلح، ورفيع، ويسار الأكبر.
إماؤه: حارثة بنت شمعون أهداها له ملك الحبشة، وسلمى، ورضوى، وأم أيمن
148

اسمها بركة، وأسلمه، وانسه، ومويهبة، وقيل: هما من مواليه، وكان له خصي
يقال له مابورا.
فصل: في أمواله وتواريخه
حملت به أمه في أيام التشريق عند جمرة العقبة الوسطى في منزل عبد الله بن
عبد المطلب، ولد بمكة عند طلوع الفجر من يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع
الأول بعد خمس وخمسين يوما من هلاك أصحاب الفيل، وقالت العامة: يوم الاثنين
الثامن أو العاشر منه لسبع بقين من ملك أنوشيروان، ويقال في ملك هرمز لثمان
سنين وثمانية أشهر مضت من ملك عمرو بن هند ملك العرب، ووافق شهر الروم
العشرين من شباط في السنة الثانية من ملك هرمز بن أنوشيروان، وذكر الطبري ان
مولده كان لاثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشيروان وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وآله:
ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان.
قال الكليني: في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف في الرواية القصوى عن
يسارك وأنت داخل الدار. وقال الطبري: في بيت من الدار التي تعرف اليوم بدار
محمد بن يوسف وهو أخو الحجاج بن يوسف وكان قد اشتراها من عقيل وادخل
ذلك البيت في الدار حتى أخرجته خيزران واتخذته مسجدا يصلي فيه الناس.
الزهرة عن أبي عبد الله الطرابلسي: البيت الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله في دار
محمد بن يوسف وتوفي أبوه وهو ابن شهرين. الواقدي: وهو ابن سبعة أشهر.
الطبري: توفي أبوه بالمدينة ودفن في دار النابغة. ابن إسحاق: توفي أبوه وأمه
حامل به، وماتت أمه وهو ابن أربع سنين. الكلبي: وهو ابن ثمانية وعشرين
شهرا. محمد بن إسحاق: توفيت أمه بالابواء منصرفة إلى مكة وهو ابن ست ورباه
عبد المطلب، وتوفي عنه وهو ابن ثمانية سنين وشهران وعشرة أيام فأوصى به إلى
أبي طالب فرباه.
كتاب العروس وتاريخ الطبري: انه أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها
مسروح أياما فتوفيت مسلمة سنة سبع من الهجرة ومات ابنها قبلها ثم أرضعته حليمة
السعدية فلبثت فيهم خمس سنين وكانت أرضعت قبله الحمزة وبعده أبا سلمة المخزومي
وخرج مع أبي طالب في تجارته وهو ابن تسع سنين، ويقال ابن اثنتي عشرة سنة،
وخرج إلى الشام في تجارته لخديجة وله خمس وعشرون سنة، وتزوج بها بعد أشهر.
149

قال محمد بن يعقوب الكليني: تزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة ولبث بها
أربع وعشرين سنة وأشهرا وبنيت الكعبة ورضيت قريش بحكمه فيها وهو ابن
خمس وثلاثين سنة.
ابن عباس وأنس: أوحى الله إليه يوم الاثنين السابع والعشرين من رجب وله
أربعون سنة. ابن مسعود: أحد وأربعون سنة. ابن المسيب وابن عباس: ثلاث
وأربعون سنة وكان لإحدى عشرة خلون من ربيع الأول، وقيل لعشر خلون من
ربيع الأول، وقيل بعث في شهر رمضان لقوله: (شهر رمضان الذي انزل فيه
القرآن) أي ابتدأ انزاله للسابع عشر أو الثامن عشر.
عن ابن عباس:. والرابع والعشرين. عن أبي الجليد: قام يدعو الناس وقام
أبو طالب بنصرته فأسلم خديجة وعلي وزيد، وأسرى به بعد النبوة بسنتين، وقالوا
بسنة وستة أشهر بعد رجوعه من الطايف.
الحلبي عن أبي عبد الله قال: اكتتم رسول الله بمكة مستخفيا خائفا خمس سنين
ليس يظهر وعلي معه وخديجة ثم أمره الله أن يصدع بما يؤمر فظهروا وظهر أمره
وتوفي أبو طالب بعد نبوته بتسع سنين وثمانية اشهر وذلك بعد خروجه من الشعب
بشهرين. وزعم الواقدي انهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، وفي
هذه السنة توفي أبو طالب وتوفيت خديجة بعد بستة أشهر وله ست وأربعون سنة
وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوما، ويقال وهو ابن سبع وأربعين سنة وستة أشهر
وأياما. (أبو عبد الله) منده في كتاب المعرفة: ان وفاة خديجة بعد موت أبي طالب
بثلاثة أيام. المعرفة عن النسوي: توفيت خديجة بمكة قبل الهجرة من قبل أن
تفرض الصلاة على الموتى وسمي هذا العام عام الحزن، ولبث بعدها بمكة ثلاثة أشهر
فأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة فخرج جماعة من أصحابه بأهاليهم وذلك بعد خمس
من نبوته، وكان حصار الشعب وكتابة الصحيفة أربع سنين، وقيل ثلاث سنين،
وقيل سنتين، فلما توفي أبو طالب خرج إلى الطايف وأقام فيه شهرا وكان معه زيد
ابن الحارث، ثم انصرف إلى مكة ومكث فيها سنة وستة أشهر في جوار مطعم بن
عدي، وكان يدعو القبائل في المواسم، فكانت بيعة العقبة الأولى بمنى فبايعه خمسة
نفر من الخزرج وواحد من الأوس في خفية من قومهم بيعة النساء وهم: جابر بن
عبد الله، وفطنة بن عامر بن حزام، وعوف بن الحارث، وحارثة بن ثعلبة، ومرثد؟
ابن الأسد، وأبو امامة ثعلبة بن عمرو ويقال هو أسعد بن زرارة. فلما انصرفوا إلى
150

المدينة وذكروا القصة وقرأوا القرآن صدقوه. وفي السنة القابلة وهي العقبة الثانية
أنفذوا معهم ستة آخرين بالسلام والبيعة وهم: أبو الهيثم بن التيهان، وعبادة بن
الصامت، وذكوان بن عبد الله، ونافع بن مالك بن العجلان، وعباس بن عبادة بن
نضلة، ويزيد بن ثعلبة حليف له، ويقال مسعود بن الحارث وعويم بن ساعده حليف
لهم. ثم أنفذ النبي صلى الله عليه وآله معهم مصعب بن هاشم (1) فنزل دار أسعد بن زرارة فاجتمعوا
عليه وأسلم أكثرهم إلا دار أمية بن زيد وحطمة ووايل وواقف فإنهم أسلموا بعد
بدر وأحد والخندق. وفي السنة القابلة كانت بيعة الحارث (2) كانوا من الأوس
والخزرج سبعين رجلا وامرأتين واختار صلى الله عليه وآله منهم اثنى عشر نقيبا ليكونوا كفلاء
قومه تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، فمن الخزرج: أسعد، وجابر، والبراء
ابن معرور، و عبد الله بن حزام، وسعد بن عبادة، والمنذر بن قمر، و عبد الله بن
رواحة، وسعد بن الربيع. ومن القوافل: عبادة بن الصامت. ومن الأوس:
أبو هيثم، وأسيد بن خضير، وسعيد بن خيثمة.
وبعث رسله إلى الآفاق في سنة عشر، وبين فتح مكة ووفاته كانت الوفود
منهم: بنو سليم وفيهم العباس بن مرداس، وبنو نهم وفيهم عطارد بن حاجب بن
زرارة؟ وبنو عامر بن الطفيل واربد بن قيس، وبنو سعد بن بكر وفيهم صام بن
ثعلبة و عبد القيس والجارود بن عمرو، وبنو حنيفة وفيهم مسيلمة الكذاب، وطي
وفيهم زيد الخيل وعدي بن حاتم، وزبيد وفيهم عمرو بن معدي كرب، وكندة
وفيهم الأشعث بن قيس، ونجران وفيهم السيد والعاقب وأبو الحارث، والأزد،
وبعثت حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله باسلامهم، وبعث فروة الجذامي رسولا باسمه،
وبنو الحارث بن كعب وفيهم قيس بن الحصين ويزيد بن عبد المدان، وثقيف وسيدهم
عبد نائل، وبنو أسد واسلم.
وهاجر إلى المدينة وأمر أصحابه بالهجرة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، وكانت
هجرته يوم الاثنين وصار ثلاثة أيام في الغار ليخيب من قصد إليه، وروي ستة أيام.
ودخل المدينة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وقيل الحادي عشر وهي
السنة الأولى من الهجرة فرد التاريخ إلى المحرم، وكان نزل بقبا في دار كلثوم بن
الهدم ثم بدار خيثمة الأوسي ثلاثة أيام، ويقال اثنى عشر يوما إلى بلوغ علي وأهل
البيت. وكان أهل المدينة يستقبلون كل يوم إلى قبا وينصرفون فأسس بقبا مسجدهم

(1) هو مصعب بن عمير كما هو المشهور.
(2) كذا بالأصل.
151

وخرج يوم الجمعة ونزل المدينة وصلى في المسجد الذي ببطن الوادي.
قال النسوي في تاريخه: أول صلاة صلاها في المدينة صلاة العصر ثم نزل على أبي
أيوب، فلما أتى لهجرته شهر وأيام تمت صلاة المقيم، وبعد ثمانية أشهر آخى بين المؤمنين
وفيها شرع الاذان، فلما أتى لهجرته سنة وشهران واثنان وعشرون يوما زوج
عليا (ع) من فاطمة، وروي انها كانت بعد سنة من مقدمه إليها.
قال الحسن: نزل القرآن في ثمانية عشر سنة بمكة ثماني سنين وبالمدينة عشر سنين.
وقال الشعبي: في عشرين سنة.
سئل الصادق (ع): متى حولت القبلة؟ قال: بعد رجوعه من بدر. قال أنس:
وهم ركوع في صلاة الصبح فاستداروا. البخاري والواحدي ان النبي صلى الله عليه وآله صلى
عند قدومه المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس.
البخاري: حج النبي صلى الله عليه وآله قبل النبوة وبعدها لا نعرف عددها ولم يحج بعد الهجرة
إلا حجة الوداع. وعن جابر الأنصاري: انه حج ثلاثة حجج حجتين قبل الهجرة
وحجة الوداع. العلاء بن رزين، وعمرو بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) قال: حج
رسول الله عشرين حجة. الطبري عن ابن عباس: اعتمر النبي صلى الله عليه وآله أربع عمر:
الحديبية، والقضا، والجعرانة، والتي مع حجته. معاوية بن عمار عن الصادق (ع)
اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث عمر متفرقات ثم ذكر الحديبية والقضا والجعرانة،
وأقام بالمدينة عشر سنين، ثم حج حجة الوداع، ونصب عليا إماما يوم غدير خم،
فلما دخل المدينة بعث أسامة بن زيد وأمره أن يقصد حيث قتل أبوه وجعل في جيشه
وتحت رايته أبا بكر وعمر وأبا عبيدة وعسكر أسامة بالحرف فاشتكى شكواه التي
توفي فيها فكان يقول في مرضه نفذوا جيش أسامة ويكرر ذلك، فلما دخل سنة
احدى عشر أقام بالمدينة المحرم ومرض أياما وتوفي في الثاني من صفر يوم الاثنين،
ويقال يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، وكان بين قدومه
المدينة ووفاته عشر سنين، وقبض قبل أن تغيب الشمس وهو ابن ثلاث وستين سنة
فغسله علي (ع) بثوبيه بوصية منه، وفي رواية ويؤدى (كذا) بذلك، وبقى غير
مدفون ثلاثة أيام يصلي عليه الناس، وحفر له لحدا أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري
ودفنه علي (ع) وعاونه العباس والفضل وأسامة فنادت الأنصار يا علي نذكرك الله
وحقنا اليوم من رسول الله أن يذهب أدخل منا رجلا فيه، فقال: ليدخل أوس بن
خولي، فلما دلاه في حفرته قال له اخرج، وربع قبره.
152

فصل: في معراجه صلى الله عليه وآله
الحمد لله العلي الاعلى، الوفي الأوفى، الولي الأولى، رب الآخرة والأولى، خالق
السماوات العلى، ومبدع الأرضين السفلى، له الآخرة والأولى، الذي خلق فسوى،
والذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، بعث محمدا صلى الله
عليه وآله، ذي النعمة العظمى، والمحبة الكبرى، الهادي إلى الطريقة المثلى، الداعي
إلى الخليفة الحسنى، وجعله خير الخلق ما بين الثريا والثرى، ورفعه إلى السماء من
أم القمرى، بقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد
الحرام إلى المسجد الأقصى).
اختلف الناس في المعراج فالخوارج ينكرونه. وقالت الجهمية: عرج بروحه
دون جسمه على طريق الرؤيا. وقالت الامامية والزيدية والمعتزلة: بل عرج بروحه
وبجسمه إلى بيت المقدس لقوله تعالى: (إلى المسجد الأقصى). وقال آخرون:
بل عرج بروحه وجسمه إلى السماوات، روي ذلك عن ابن عباس، وابن مسعود،
وحذيفة، وأنس، وعائشة، وأم هاني - ونحن لا ننكر ذلك إذا قامت الدلالة -،
وقد جعل الله معراج موسى إلى الطور (وما كنت بجانب الطور)، ولإبراهيم إلى
السماء الدنيا (وكذلك نرى إبراهيم)، ولعيسى إلى الرابعة (بل رفعه الله إليه)،
ولإدريس إلى الجنة (ورفعناه مكانا عليا)، ولمحمد صلى الله عليه وآله (فكان قاب
قوسين أو أدنى) وذلك لعلو همته، فلذلك يقال: المرء يطير بهمته، فتعجب الله من
عروجه (سبحان الذي أسرى) وأقسم بنزوله (والنجم إذا هوى) فيكون عروجه
ونزوله بين تأكيدين.
السدي والواقدي: الاسراء قبل الهجرة بستة أشهر بمكة في السابع عشر من
شهر رمضان ليلة السبت بعد العتمة من دار أم هاني بنت أبي طالب، وقيل من بيت
خديجة، وروي من شعب أبي طالب. الحسن وقتادة: كان من نفس المسجد.
ابن عباس: هي ليلة الاثنين في شهر ربيع الأول بعد النبوة بسنتين فالأول معراج
العجائب والثاني معراج الكرامة.
ابن عباس في خبر: ان جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله وقال: ان ربي بعثني إليك وأمرني
أن آتيه بك فقم فان الله يكرمك كرامة لم يكرم بها أحد قبلك ولا بعدك فأبشر
وطب نفسا، فقام وصلى ركعتين فإذا هو بميكائيل وإسرافيل ومع كل واحد منهما
153

سبعون الف ملك فسلم عليهم فبشروه فإذا معهم دابة فوق الحمار ودون البغل خده
كخد الانسان وقوائمه كقوائم البعير وعرفه كعرف الفرس وذنبه كذنب البقر
رجلاها أطول من يديها ولها جناحان من فخذيه خطوتها مد البصر وإذا عليها الجام
من ياقوتة حمراء، فلما أراد أن يركب امتنعت فقال جبرئيل: انه محمد، فتواضعت حتى
لصقت بالأرض فأخذ جبرئيل بلجامها وميكائيل بركابها فركب، إذا هبطت ارتفعت
يداها وإذا صعدت ارتفعت رجلاها فنفرت العير من دفيف البراق ينادي رجل في آخر
العير: ان يا فلان ان الإبل قد نفرت وان فلانة ألقت حملها وانكسرت يدها، فلما
كان ببطن البلقاء، عطش فإذا لهم ماء في آنية فشرب منه والقى الباقي، فبينا هو في
مسيره إذ نودي عن يمين الطريق: يا محمد على رسلك، ثم نودي عن يساره: على رسلك
فإذا هو بامرأة استقبلته وعليها من الحسن والجمال ما لم ير لاحد وقالت: قف مكانك
حتى أخبرك، ففسر له إبراهيم الخليل لما رآه جميع ذلك فقال: منادي اليمين داعية
اليهود فلو أجبته لتهودت أمتك ومنادي اليسار داعية النصارى فلو أجبته لتنصرت
أمتك والمرأة المتزينة هي الدنيا تمثلت لك لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة،
فجاء جبرئيل إلى بيت المقدس فرفعها فأخرج من تحتها ثلاثة أقداح: قدحا من لبن
وقدحا من عسل وقدحا من خمر فناوله من قدح اللبن فشرب فناوله قدح العسل
فشرب ثم ناوله قدح الخمر فقال: قد رويت يا جبرئيل، فقال: أما انك لو شربته
ضلت أمتك.
ابن عباس في خبر: وهبط مع جبرئيل ملك لم يطأ الأرض قط مع مفاتيح خزائن
الأرض فقال: يا محمد ان ربك يقرئك السلام ويقول هذه مفاتيح الأرض فان شئت فكن
نبيا عبدا وإن شئت فكن نبيا ملكا فقال: بل أكون نبيا عبدا، فإذا سلم من ذهب قوائمه
من فضة مركب باللؤلؤ والياقوت يتلألأ نورا وأسفله على صخرة بيت المقدس ورأسه
في السماء فقال له: اصعد يا محمد، فلما صعد إلى السماء رأى شيخا قاعدا تحت شجرة وحوله
أطفال فقال جبرئيل (ع): هذا أبوك آدم إذا رأى من يدخل الجنة من ذريته ضحك
وفرح وإذا رأى من يدخل النار من ذريته حزن وبكى، ورأي ملكا باسر (1) الوجه
وبيده لوح مكتوب بخط من النور وخط من الظلمة فقال: هذا ملك الموت، ثم رأى
ملكا قاعدا على كرسي فلم ير منه من البشر ما رأى من الملائكة فقال جبرئيل: هذا
مالك خازن النار كان طلقا بشرا فلما اطلع على النار لم يضحك بعد فسأله أن يعرض

(1) بسر: عبس وقهر.
154

عليه النار فرأى فيها ما رأى، ثم دخل الجنة ورأي ما فيها وسمع صوتا: آمنا برب
العالمين، قال: هؤلاء سحرة فرعون، وسمع: لبيك اللهم لبيك، قال: هؤلاء الحجاج
وسمع التبكير فقال: هؤلاء الغزاة، وسمع التسبيح قال: هؤلاء الأنبياء، فلما بلغ إلى
سدرة المنتهى فانتهى إلى الحجب فقال جبرئيل: تقدم يا رسول الله ليس لي أجوز
هذا المكان ولو دنوت أنملة لاحترقت.
أبو بصير قال: سمعته يقول: ان جبرئيل احتمل رسول الله حتى انتهى به إلى
مكان من السماء ثم تركه فقال له: ما وطأنبي قط مكانك.
وروي انه رأى في السماء الثانية عيسى ويحيى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة
إدريس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة الكروبيين، وفي السابعة خلقا والملائكة
وفي حديث أبي هريرة: رأيت في السماء السادسة موسى وفي السابعة إبراهيم.
ابن عباس: ورأي ملائكة الحجب يقرؤن سورة النور وخزان الكرسي يقرؤن
آية الكرسي وحملة العرش يقرؤن حم المؤمن، قال: فلما بلغت قاب قوسين نوديت
بالقرب. وفي رواية: انه نودي الف مرة بالدنو وفي كل مرة قضيت لي حاجة ثم
قال لي: سل تعط، فقلت: ياب اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما على بساط
الطور وأعطيت سليمان ملكا عظيما فماذا أعطيتني؟ فقال: اتخذت إبراهيم خليلا
واتخذتك حبيبا وكلمت موسى تكليما على بساط الطور وكلمتك على بساط النور وأعطيت
سليمان ملكا فانيا وأعطيتك ملكا باقيا في الجنة. وروي انا المحمود وأنت محمد شققت
اسمك من اسمي فمن وصلك وصلته ومن قطعك بتلته انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي
إياك واني لم ابعث نبيا إلا جعلت له وزيرا وانك رسولي وان عليا وزيرك. وروي
انه لما بلغ إلى السماء السابعة نودي: يا محمد انك لتمشي في مكان ما مشى عليه بشر فكلمه
الله تعالى فقال: (آمن الرسول بما انزل إليه من ربه) فقال: نعم يا رب والمؤمنون
كل آمن بالله)، فقال الله: (لا يكلف الله نفسا) الآية، فقال: (ربنا لا تؤاخذنا)
السورة، فقال: قد فعلت، ثم قال: من خلفت لامتك من بعدك؟ فقال: الله أعلم،
قال: ان علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ويقال أعطاه الله في تلك الليلة أربعة رفع
عنها علم الخلق: (فكان قاب قوسين)، والمناجاة (فأوحى إلى عبده)، والسدرة
(إذ يغشى السدرة)، وإمامة علي (ع). وقالوا: المعراج خمسة أحرف، فالميم مقام
الرسول عند الملك الاعلى، والعين عزة عند شاهد كل نجوى، والراء رفعته عند خالق
الورى، والألف انبساطه مع عالم السر واخفى، والجيم جاهه في ملكوت العلى.
155

وروي انه فقده أبو طالب في تلك الليلة فلم يزل يطلبه ووجه إلى بني هاشم وهو
يقول: يا لها من عظيمة إن لم أر رسول الله إلى الفجر، فبينا هو كذلك إذ تلقاه
رسول الله صلى الله عليه وآله وقد نزل من السماء على باب أم هاني فقال له: انطلق معي، فأدخل
بين يديه المسجد فدخل بنو هاشم فسل أبو طالب سيفه عند الحجر ثم قال: أخرجوا
ما معكم يا بني هاشم، ثم التلفت إلى قريش فقال: والله لو لم أره ما بقيت منكم عين
تطرف، فقالت قريش: لقد ركبت منا عظيما.
وأصبح صلى الله عليه وآله يحدثهم بالمعراج فقيل له: صف لنا بيت المقدس، فجاء
جبرئيل بصورة بيت المقدس تجاه وجهه فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه، فقالوا: أين
بيت فلان ومكان كذا؟ فأجابهم في كل ما سألوه عنه فلم يؤمن منهم إلا قليل وهو قوله
(وما تغن الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون). قال الحسن الباخرزي:
طلبت وصاله دهرا طويلا * فولدها القضاء وراء ضده
فلما غبت عنه وغاب عني * اتاني طارقا من بعد بعده
مضت فقضت حوايجنا خبالا * فسبحان الذي اسرى بعبده
وقال غيره:
عجبت لمن اسرى الإله؟ بعبده * من البيت ليلا نحو بيت المقدس
وقال آخر:
دنى فتدلى فاكتسى حلة البها * فقال له سلني فأعطيك ما تشا
وقال الخبز أرزي:
قلت للبدر لا تغيب وزرني * واسمت الوصل بالرضا لا التجافي
قال إني مع العشاء سأتي * فارتقبني ولا تخف من خلافي
قلت يا سيدي فهلا نهارا * فهو أعلى لرقبة الايتلاف
قال لي لا أريد تغيير رسم * إنما البدر في الظلام يوافي
فصل: في هجرته
كان النبي صلى الله عليه وآله يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم فلقى رهطا من الخزرج
فقال: ألا تجلسون أحدثكم؟ قالوا: بلى، فجلسوا إليه فدعاهم إلى الله وتلا عليهم
القرآن فقال بعضهم لبعض: يا قوم تعلموا والله انه النبي الذي كان يوعدكم به اليهود
فلا يسبقنكم إليه أحد، فأجابوه وقالوا له: انا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من
156

العداوة والشر مثل ما بينهم وعسى ان يجمع الله بينهم بك فتقدم عليهم وتدعوهم إلى
امرك وكانوا ستة نفر، قال: فلما قدموا المدينة فأخبروا قومهم بالخبر فما دار حول
إلا وفيها حديث رسول الله حتى إذا كان العام المقبل اتى الموسم من الأنصار اثنا عشر
رجلا فلقوا النبي صلى الله عليه وآله فبايعوه على بيعة النساء ان لا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا
إلى آخرها ثم انصرفوا وبعث معهم مصعب بن عمير يصلي بهم، وكان بينهم بالمدينة
يسمى المقري فلم تبق دار في المدينة إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا دار أمية
وحطيمة ووابل وهم من الأوس ثم عاد مصعب إلى مكة وخرج من خرج من
الأنصار إلى الموسم مع حجاج قومهم، فاجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعون
رجلا وامرأتان في أيام التشريق باليل فقال صلى الله عليه وآله: أبايعكم على الاسلام، فقال له
بعضهم: نريد ان تعرفنا يا رسول الله ما لله علينا وما لك علينا وما لنا على الله؟ قال:
اما لله عليكم فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا. واما مالي عليكم فتنصروني مثل
نساءكم وأبناءكم وان تصبروا على عض السيف وان يقتل خياركم، قالوا: فإذا فعلنا
ذلك ما لنا على الله؟ قال: اما في الدنيا فالظهور على من عاداكم وفى الآخرة الرضوان
والجنة. فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: والذي بعثك بالحق لنمنعك بما تمنع به
ازرنا (1) فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحرب وأهل الحلفة ورثناها كبارا
عن كبار، فقال أبو الهيثم ان بيننا وبين الرجال حبالا وإنا إن قطعناها أو قطعوها
فهل عسيت ان فعلنا ذلك ثم أظهرك الله ان ترجع إلى قومك وتدعنا، فتبسم رسول الله
ثم قال: بل الدم الدم والهدم الهدم (2) أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم، ثم قال:
أخرجوا لي منكم اثنى عشر نقيبا، فاختاروا ثم قال: أبايعكم كبيعة عيسى بن مريم
للحواريين كفلاء على قومهم بما فهم وعلى ان تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم
فبايعوه على ذلك. فصرخ الشيطان في العقبة: يا أهل الجباجب هل لكم في محمد والصباة
معه قد اجتمعوا على حربكم ثم نفر الناس من منى وفشى الخبر فخرجوا في الطلب فأدركوا
سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو، فأما المنذر فأعجز القوم واما سعد فأخذوه وربطوه
بنسع (3) رحله وادخلوه مكة يضربونه فبلغ خبره إلى جبير بن مطعم والحرث بن

(1) ازرنا أي نسائنا وأهلنا وقيل أراد أنفسنا فقد يكنى عن النفس بالأزر.
(2) الهدم يروى بسكون الدال وفتحها فالهدم بالتحريك القبر يعني اني اقبر حيث تقبرون،
وقيل هو المنزل وبالسكون والفتح أيضا اهدار دم الفتيل والمعنى ان طلب دمكم فقد طلب دمي.
(3) النسع: بالنون المكسورة سير ينسج عريضا على هيئة أعنة البغال يشد به الرحال.
157

حرب بن أمية فأتياه وخلصاه.
وكان النبي صلى الله عليه وآله لم يؤمر إلا بالدعاء والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل
فطالت قريش علي المسلمين، فلما كثر عتوهم امر بالهجرة فقال صلى الله عليه وآله: ان الله قد
جعل لكم دارا واخوانا تأمنون بها فخرجوا ارسالا حتى لم يبق مع النبي إلا علي (ع)
وأبو بكر فخذرت قريش خروجه وعرفوا انه قد اجمع لحربهم، فاجتمعوا في دار
الندوة وهي دار قصي بن كلاب يتشاورون في امره فتمثل إبليس في صورة شيخ
من أهل نجد فقال: أنا ذو رأى حضرت لمؤازرتكم، فقال عروة بن هشام: نتربص
به ريب المنون، وقال ابن البختري: أخرجوه عنكم تستريحوا من اذاه، وقال العاص
ابن وايل وأمية وأبي ابنا خلف: نبني له علما ونترك فرجا نستودعه فيه فلا يخلص
من الصباة إليه أحد، وقال عتبة وشيبة وأبو سفيان: نرحل بعيرا صعبا ونوثق محمدا
عليه كتافا وشدا ثم نقطع البعير بأطراف الرماح فيوشك ان يقطعه بين الدكادك (1)
اربا اربا، فقال أبو جهل أرى لكم ان تعمدوا إلى قبائلكم العشرة فتنتدبوا من كل
قبيلة رجلا نجدا (2) ويأتونه بياتا فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا فلا يستطيع
بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قريش فيه فيرضون بالعقل، فقال أبو مرة: أصبت
يا أبا الحكم هذا الرأي فلا نعدلن به رأيا، فنزل (وإذ يمكر بك) الآية، فجاء جبرئيل
إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له: لانبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، فدعا
عليا (ع) وقال: ان الله تعالى أوحى إلي ان اهجر دار قومي وان انطلق إلى غار ثورا
تحت ليلتي وانه امرني ان آمرك بالمبيت على مضجعي وان القي عليك شبهي، فقال
علي (ع): أو تسلم بمبيتي هناك؟ فقال صلى الله عليه وآله: نعم، فتبسم علي ضاحكا واهوى إلى
الأرض ساجدا، فكان أول من شكر لله شكرا وأول من وضع وجهه على الأرض
بعد سجدته، فلما رفع رأسه قال له: امض لما أمرت فداك سمعي وبصري وسويداء
قلبي، قال: فارقد على فراشي واشتمل برد الحضرمي، ثم اني أخبرك يا علي ان الله
تعالى يمتحن أولياءه على قدر ايمانهم ومنازلهم من دينه فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم
الأمثل فالأمثل وقد امتحنك يا بن أم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم
والذبيح إسماعيل فصبرا صبرا فان رحمة الله قريب من المحسنين، ثم ضمه إلى صدره،
واستتبع رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر وهند بن أبي هالة و عبد الله بن فهيرة ودليلهم

(1) الدكداك: أرض فيها غلظ، جمعه دكادك.
(2) النجد: بالفتح وككتف الشجاع الماضي فيما يعجز عنه غيره.
158

أر بقطة (1) الليثي فأمرهم بمكان ذكره ولبث هو مع علي يوصيه، ثم خرج في فحمة
العشاء، والرصد من قريش قط أطافوا به ينتظرون انتصاف الليل وكان يقرأ:
(وجعلنا من بين أيديهم سدا) الآية، وكانت بيده قبضة تراب فرمى بها في رؤسهم
ومضى حتى انتهى إليهم فمضوا معه حتى وصلوا إلى الغار وانصرف هند و عبد الله،
فهجم الكفار على علي (ع) القصة، فركب في طلبه الصعب والذلول، وامهل حتى
إذا اغتم من الليلة القابلة انطلق هو وهند حتى دخلا على النبي في الغار فأمر النبي بأداء
أمانته حتى أدى الجميع فكان مقام رسول الله فيه ثلاثا ومبيت علي على فراشه أول ليلة
ولما ورد المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقبا ترصدا لعلي (ع) وكتب إليه يأمره
بالمسير إليه على يدي أبي واقد الليثي فتهيأ للهجرة وامر ضعفاء المؤمنين أن يتسللوا
ويتحففوا إذا ملا الليل بطن كل واد. وخرج علي (ع) إلى ذي طوى بالفواطم
وأيمن بن أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وغير ذلك، وأبو واقد يسوق الرواحل
فأعنف بهم فقال: ارفق بالنسوة أبا واقد انهن من الضعايف، قال: اني أخاف ان
يدركنا الطلب، فقال: أربع (2) عليك ان النبي قال لي: يا علي انهم لن يصلوا من
الآن إليك بأمر تكرهه، ثم جعل علي يسوق بهن سوقا رفيقا ويرتجز:
وليس إلا الله فارفع ظنكا * يكفيك رب الناس ما اهمكا
فلما شارف ضجنان (3) ادركه الطلب بثمانية فوارس فأنزل النسوة واستقبلهم
منتضيا سيفه فأقبلوا عليه فقالوا: ظننت يا غدار انك ناج بالنسوة ارجع لا أبالك،
قال: فإن لم افعل أترجعون راغمين، ودنوا من النسوة فحال بينهم وبينها وقتل جناحا
وكان يشد على قومه شد الأسد على فريسته وهو يقول:
خلوا سبيل الجاهد المجاهد * آليت لا اعبد غير الواحد
فانتشروا عنه فسار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان فتلوم (4) بها قدر يومه وليلته.
ويروى انه لحق به نفر من المستضعفين فصلى ليلته تلك هو والفواطم يذكرون الله
قياما وقعودا وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لوجهه حتى
قدم المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم: (الذين يذكرون الله
قياما إلى قوله: (الأنثى) فالذكر علي والأنثى فاطمة (بعضكم من بعض) يقول:

(1) قال الفيروزآبادي في مادة الرقطة: و عبد الله بن أريقط دليل النبي في الهجرة.
(2) ربع: كمنع وقف وانتظر وتحبس؟، ومنه قولهم: أربع عليك.
(3) جبل قرب مكة وجبل آخر بالبادية.
(4) تلوم في الامر تمكث وانتظر.
159

علي من الفواطم وهن من علي (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم) إلى قوله:
(حسن الثواب)، وتلا رسول الله: (ان الله اشترى) الآية، ثم قال: يا علي أنت
أول هذه الأمة إيمانا بالله ورسوله وأولهم هجرة إلى الله ورسوله وآخرهم عهدا
برسوله لا يحبك والذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه بالايمان ولا يبغضك
إلا منافق أو كافر.
وروي انه كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يستقبلونه وينصرفون عند الظهيرة فدخلوا
يوما فقدم النبي فأول من رآه رجل من اليهود فلما رآه صرخ بأعلى صوته: يا بني
قيله (1) هذا جدكم (2) قد جاء، فنزل النبي صلى الله عليه وآله على كلثوم (3) بن هدم، وكان
يخرج فيجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة، وكان قيام علي بعد النبي ثلاث ليال
ثم لحق برسول الله فنزل معه على كلثوم، وكان أبو بكر في بيت حبيب بن إساف،
فأقام النبي صلى الله عليه وآله بقبا يوم الاثنين والأربعاء والخميس، وأسس مسجده وصلى يوم
الجمعة في المسجد الذي في بطن الوادي وادى رافوقا، فكانت أول صلاة صلاها
بالمدينة، ثم اتاه غسان بن مالك وعباس بن عبادة في رجال من بني سالم فقالوا:
يا رسول الله أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة، فقال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة،
يعني ناقته. ثم تلقاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال من بني بياضة فقال
كذلك. ثم اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة. ثم
اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد و عبد الله بن رواحة في رجال من بني الحارث
ابن الخزرج. فانطلقت حتى إذا وازت دار بني مالك بن النجار بركت على باب
مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار، فلما بركت
ورسول الله لم ينزل وثبتت فسارت غير بعيد ورسول الله واضع لها زمامها لا يثنيها به
ثم التفت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت ثم تجلجلت ورزمت ووضعت
جرانها فنزل عنها رسول الله واحتمل أبو أيوب رحله فوضعه في بيته ونزل النبي في
بيت أبي أيوب وسأل عن المربد فأخبر انه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء
فأرضاهما معاذ، وامر النبي صلى الله عليه وآله ببناء المسجد وعمل فيه رسول الله بنفسه فعمل فيه
المهاجرون والأنصار واخذ المسلمون يرتجزون وهم يعملون، فقال بعضهم:
" مناقب ج 1، م 20 "

(1) قيلة أم الأوس والخزرج.
(2) أي صاحب جدكم وسلطانكم.
(3) كلثوم بن هدم شيخ من بني عمرو من قبيلة الأوس وكان صالحا مكفوف البصر.
160

لئن قعدنا والنبي يعمل * لذاك منا العمل المضلل
والنبي صلى الله عليه وآله يقول:
لا عيش إلا عيش الآخرة * اللهم ارحم الأنصار والمهاجرة
وعلي بن أبي طالب (ع) يقول:
لا يستوي من يعمل المساجدا * يدأب فيها قائما وقاعدا
ومن يرى عن الغيار حايدا
ثم انتقل من بيت أبي أيوب إلى مساكنه التي بنيت له. وقيل كان مدة مقامه
بالمدينة إلى أن بنى المسجد وبيوته من شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة القابلة.
فصل: في غزواته صلى الله عليه وآله
لما كان بعد سبعة أشهر من الهجرة نزل جبرئيل بقوله: (أذن للذين يقاتلون)
الآية، وقلد في عنقه سيفا. وفي رواية: لم يكن له غمد، فقال له: حارب بهذا
قومك حتى يقولون لا إله إلا الله.
أهل السير: ان جميع ما غزا النبي صلى الله عليه وآله بنفسه ست وعشرون غزوة على هذا
النسق: البواط، العشيرة، بدر الأولى، بدر الكبرى، السويق، ذي إمرة، أحد،
نجران، بنو سليم، الأسد، بنو النضير، ذات الرقاع، بدر الآخرة، دومة الجندل،
الخندق، بنو قريظة، بنو لحيان، بنو قرد، بنو المصطلق، الحديبية، خيبر، الفتح،
حنين، الطايف، تبوك، ويلحق بها بنو قينقاع.
قانل؟ في تسع وهي: بدر الكبرى، وأحد، والخندق، وبني قريظة، وبني
المصطلق، وبني لحيان، وخيبر، والفتح، وحنين، والطايف.
واما سراياه فست وثلاثون، أو لها سرية حمزة لقى أبا جهل بسيف البحر في ثلاثين
من المهاجرين، وفي ذي القعدة بعث سعد بن أبي وقاص في طلب عير، ثم عبيدة بن
الحارث بعد سبعة أشهر في ستين من المهاجرين نحو الجحفة إلى أبي سفيان فتراموا
بالاحياء. ابن إسحاق: وغزا في ربيع الآخر إلى قريش وبني ضمرة وكرز بن جابر
الفهري حتى بلغ بواط، السنة الثانية في صفر غزاودان حتى بلغ الأبواء، وفي ربيع
الآخر غزوة العشيرة من بطن ينبع ووادع فيها بني مدلج وضمرة، وأغار كرز بن
جابر الفهري على سرح المدينة فاستخلف على المدينة زيد بن حارثة وخرج حتى بلغ
وادي سفوان (1). بدر الأولى وحامل لوائه علي (ع)، ثم بعث في آخر رجب

(1) سفوان: بفتح السين والفاء، واد من ناحية بدر.
161

عبد الله بن جحش في أصحابه ليرصد قريشا فقتل واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن
الجموح الحضرمي وهرب الحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الدار وأخوة واستأمن
الباقون واستاقوا العير إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: والله ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام،
وذلك تحت النخلة فسمى غزوة النخلة فنزل: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه)
الآية، فأخذ العير وفدى الأسيرين، ثم غزا بدر الكبرى وهو يوم الفرقان، كما في
قوله: (أخرجك ربك) السورة، وقوله: (قد كان لكم آية)، وبدر ما بين مكة
والمدينة. وقال الشعبي والثمالي: بئر منسوبة إلى بدر الغفاري، وقال الواقدي: هو
اسم الموضع وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله خرج سابع عشر شهر رمضان ويقال ثالثه في
ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا في عدة أصحاب طالوت منهم ثمانون راكبا أو سبعون.
ويقال سبعة وسبعين راجلا من المهاجرين ومائتي وثلاثين رجلا من الأنصار، وكان
المقداد فارسا فقط يعتقب النفر على البعير الواحد، وكان بين النبي صلى الله عليه وآله وبين
أبي مرثد الغنوي بعير، ويقال فرس. وكان معهم من السلاح ستة أدرع وثمانية
سيوف قاصدا إلى أبي سفيان وعتبة بن أبي ربيعة في أربعين من قريش أو سبعين
فأخبروا بالنبي صلى الله عليه وآله فأخذوا على الساحل واستصرخوا إلى أهل مكة على لسان ضمضم
ابن عمرو الغفاري.
قال عروة: رأت عاتكة بنت عبد المطلب في منامها راكبا أقبل حتى وقف بالأبطح
وصرخ: انفروا يا آل عدي إلى مصارعكم، ثم نادى على ظاهر الكعبة، ثم نادى على
أبي قبيس، ثم أرسل صخرة فارفضت فما بقي في مكة دار إلا دخل منها فلذة.
قال ابن قتيبة: خرجوا تسعمائة وخمسين، ويقال ألف ومائتان وخمسون، ويقال
ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فارس يقودونها والقيان يضر بن بالدفوف ويتغنين بهجاء
المسلمين ولم يكن من قريش بطن إلا خرج منهم ناس إلا من بني زهرة وبني عدي
ابن كعب، وأخرج فيهم طالب كرها فلم يوجد في القتلى والأسرى. وشاور النبي
أصحابه في لقائهم أو الرجوع؟ فقال أبو بكر وعمر كلاما فأجلسهما، ثم قال المقداد
وسعد بن معاذ كلاما فدعا لهما وسر، ونزل (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب)
وأصابهم المطر فبعثوا عمير بن وهب الجمحي حتى طاف على عسكر النبي صلى الله عليه وآله فقال
نواضح يثرب، فنزل (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) فبعث النبي إليهم وقال: يا معشر
قريش اني أكره أن أبدأ بكم فخلوني والعرب وارجعوا، فقال عتبة: مارد هذا قوم
فأفلحوا، فقال أبو جهل: جبنت وانتفخ سحرك، فلبس عتبة درعه وتقدم هو
162

وأخوه شيبة وابنه الوليد وقال: يا محمد اخرج الينا أكفاءنا من قريش فتطاولت
الأنصار لمبارزتهم فدفعهم وأمر عليا (ع) وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب
وهو ابن سبعين سنة بالبراز وقال: قاتلوا على حقكم الذي بعث الله به نبيكم إذ جاؤوا
بباطلهم ليطفؤا نور الله، فلما رأوهم قالوا: أكفاء كرام. فقتل علي الوليد وحمزة
عتبة وأصابت فخذ عبيدة ضربة فحمله علي وحمزة إلى رسول الله فقال: يا رسول الله
ألست شهيدا؟ قال: بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي، فمات بالصفراء (1).
الكلبي وأبو جعفر وأبو عبد الله (ع): كان إبليس في صف المشركين أخذ بيد
الحارث بن هشام فنكص على عقبيه، فقال له الحارث: يا سراق أين أتخذلنا على هذه
الحالة! فقال له: اني أرى مالا ترون، فقال: والله ما نرى إلا جعاسيس (2) يثرب
فدفع في صدر الحارث وانطلق وانهزم الناس، فلما قدموا مكة قالوا: هزم الناس
سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم، فقالوا
انك أتيتنا يوم كذا فحلف لهم، فلما أسلموا علموا ان ذلك كان الشيطان.
السدى والكلبي: انهم تثبطوا خوفا من بني بكر فتبدأ لهم إبليس في صورة
سراقة بن جشعم المدلجي وقال: أني جار لكم، فلما رأى الملائكة نكص على عقبيه
وقال إني برئ، الآية.
وقال النبي صلى الله عليه وآله في العريش: اللهم انك ان تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد بعد
اليوم، فنزل (إذ يستغيثون ربكم) فخرج يقول: (سيهزم الجمع) الآية، فأمده الله
بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وكثرهم في أعين المشركين وقلل المشركين في
أعينهم، فنزل (وهم بالعدوة القصوى) من الوادي خلف العقنقل والنبي صلى الله عليه وآله
بالعدوة الدنيا عند القليب.
وقال علي وابن عباس في قوله: (مسمومين) كان عليهم عمايم بيض أرسلوها
بين أكتافهم. وقال عروة: كانوا على خيل بلق عليهم عمايم صفر. الحسن
وقتادة: كانوا اعلموا بالصوف في نواصي الخيل وأذنابها. ابن عباس: وسمع
غفاري في سحابة حمحمة الخيل وقائل يقوم أقدم حيزوم. البخاري: قال النبي:
يوم بدر هذا جبرئيل أخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب. الحسن: قال رجل:
يا رسول الله اني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك، فقال صلى الله عليه وآله: ذاك ضرب الملائكة.
ابن عباس: لم يقاتل الملائكة إلا يوم بدر وإنما أتوا بالمدد في غيرها. الثعلبي وسماك

(1) موضع مجاور بدر.
(2) الجعسوس؟: القصير الذميم أي الحقير.
163

ابن حرب عن عكرمة عن ابن عباس في قوله (وما رميت إذ رميت) ان النبي صلى الله عليه وآله
قال لعلي (ع): ناولني كفا من حصباء فناوله فرمى في وجوه القوم فما بقي أحد
إلا امتلأت عينه من الحصباء، وفي رواية غيره: وأفواههم ومناخرهم. قال أنس
رمى بثلاث حصيات في الميمنة والميسرة والقلب.
قال ابن عباس: (وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا) يعني وهزم الكفار ليغنم النبي
والوصي عليهما السلام، فقتل على خلقا، وقتل حمزة عتبة بن ربيعة والأسود بن عبد الأسود
المخزومي وعبيدة بن سعيد بن عامر، وقتل عمار أمية بن خلف، وضرب معاذ بن
عمرو الجموح الأنصاري أبا جهل فصرعه، وقطع ابنه عكرمة يمين معاذ فعاش
إلى زمن عثمان.
وكان الاسرى سبعين، ويقال أربع وأربعون، منهم العباس وعقيل ونوفل
وعتبة بن أبي جحدر، ففداهم العباس وأسلموا، وأما عقبة بن أبي معيط والنضر بن
الحارث قتلهما النبي صلى الله عليه وآله بالصفراء صبرا، ولم يؤسر أحدا من المسلمين، والشهداء
كانوا أربعة عشر، وأخذ الفداء من كل مشرك أربعين أوقية ومن العباس مائة،
وقالوا: كان أكثر من أربعة آلاف درهم، فنزل عتابا في الفداء والأسرى ما كان لنبي
أن يكون له أسرى. وقد كان كتب في اللوح المحفوظ لولا كتاب من الله سبق،
وكان القتال بالسابع عشر من شهر رمضان، وكان لوائه مع مصعب بن عمير،
ورأيته مع علي (ع))، ويقال: رأيته مع علي وراية الأنصار مع سعد بن عبادة.
قال كعب بن مالك:
وعدنا أبو سفيان بدرا ولم نجد؟ * لميعاده صدقا وما كان وافيا
فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا * لابت ذميما وافتقدت المواليا
تركنا به أوصال عتبة وابنه * وثم أبا جهل تركناه ثاويا
ولما رجع إلى المدينة غزا بعد سبع ليال بني سليم حتى بلغ ماء لهم يقال له الكدر
وأقام عليه ثلاث ليال. وفي ذي الحجة غزا غزوة السويق وهو بدر الصغرى ماء
لكنانة، وكان موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام.
وقيل غزوة السويق لان أبا سفيان كان نذر أن لا يمس رأسه من جنابة حتى يغزوا
محمدا صلى الله عليه وآله فخرج في مائة راكب وأتى بني النضير ليلا فلم يفتح له حي بن أخطب
ثم أتى إلى سلام بن مسلم وساره ثم أتى إلى العريض فقتل أنصاريين فتبعهم النبي صلى الله عليه وآله
إلى قرقرة الكدر فخشي أبو سفيان منه فألقى ما معه من الزاد والسويق فسمعت غزوة
164

السويق ووافق السوق وكانت لهم تجارات، سنة ثلاث في صفر غزوة غطفان،
وإنما روي ذي مرة وذلك لما بلغه ان دعثور بن الحارث خرج في أربعمائة رجل
وخمسين رجلا ليصيب من أطراف المدينة نزل النبي صلى الله عليه وآله ذا إمرة وعسكر به
وأصابهم مطر كثير وبل ثياب النبي فنزعها فنشرها لتجف فقصده دعثور بسيفه،
القصة، ثم كانت سرية زيد بن حارثة وتدعى غزوة القردة ماء من مياه نجد لما بعثه
إلى عير قريش فيها أبو سفيان وقد سلكوا طريق العراق واستأجروا فرات بن
حيان فأصابها زيد فهربت قريش وفيها قتل كعب بن الأشرف، وفي يوم السبت النصف
من شوال على رأس شهرين من الهجرة غزوة بني قينقاع وهي سوق في نواحي المدينة
ابن عباس: نزل قوله (قل للذين كفروا ستغلبون). الواقدي: نزل قوله (فأما
تثقفنهم) الآيتان، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وآله قال لليهود: احذروا من الله مثل ما نزل
بقريش من قوارع الله فأسلموا فإنكم قد عرفتم يعني صفتي في كتابكم فجاروه في ذلك
فكانت تقع بينهم المشاجرة، فنزل (قد كان لكم آية) إلى قوله: (اولي الابصار)
فحاصرهم النبي ستة أيام حتى نزلوا على حكمه تركهم بشفاعة عبد الله بن أبي سلول،
ونزل في عبد الله وناس من بني الخزرج (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود) إلى
قوله (نادمين)، وفي شوال غزوة أحد وهو يوم المهراس.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والسدي وابن إسحاق: نزل قوله:
(وإذ غدوت من أهلك) وهو المروي عن أبي جعفر (ع). زيد بن وهب (إن
الذين تولوا منكم) فقالوا: لم انهزمنا وقد وعدنا بالنصر، فنزل (ولقد صدقكم الله
وعده) ابن مسعود والصادق (ع): لما قصد أبو سفيان في ثلاثة آلاف من قريش
إلى النبي صلى الله عليه وآله، ويقال في ألفين منهم مائتا فارس والباقون ركب ولهم سبعمائة درع
وهند ترتجز:
نحن بنات طارق * نمشي على النمارق
والمسك في المفارق * والدر في المخانق
وكان استأجر أبو سفيان يوم أحد الفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي، قوله:
(ان الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) فرأى النبي أن يقاتل
الرجال على أفواه السكك والضعفاء من فوق البيوت فأبوا إلا الخروج، فلما صار
على الطريق قالوا: نرجع، فقال: ما كان لنبي إذا قصد قوما أن يرجع عنهم، وكانوا
الف رجل، ويقال سبعمائة، فانعزل عنهم عبد الله بن أبي بثلث الناس فهمت بنو حارثة
165

وبنو سلمة بالرجوع، وهو قوله (إذ همت طائفتان منكم)، قال الجابي هما به ولم
يفعلاه فنزلوا دور بني حارثة، فأصبح وتجاوز يسيرا، وجعل على راية المهاجر بن
عليا (ع) وعلى راية الأنصار سعد بن عبادة وقعد في راية الأنصار وهو لابس درعين
وأقام على الشعب عبد الله بن جبير في خمسين من رماة الأنصار وقال: لا تبرحوا
مكانكم هذا وإن قتلنا عن آخرنا فإنما نؤتى من موضعكم، وقام بإزائهم خالد بن
الوليد، وصاحب لواء قريش كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة فضربه علي (ع) على
مقدم رأسه. وروى الطبري عنه عليه السلام:
أفاطم هاك السيف غير ذميم * فلست برعديد ولا لئيم
لعمري لقد جاهدت في نصر أحمد * وطاعة رب بالعباد رحيم
وسيفي بكفي كالشهاب أهزه * وأجذبه من عاتق وصميم
فما زلت حتى فض ربي جمعهم * وحتى تشفت نفس كل حليم
فانكب المسلمون على الغنائم، فترك أصحاب الشعب رئيسهم في اثنى عشر رجلا الغنائم
وحمل عليه خالد فقتله، وجاء من ظهر النبي صلى الله عليه وآله وقال: دونكم هذا الطليق الذي
يطلبونه فشأنكم به، فحملوا عليه حملة رجل واحد حتى قتل منهم خلقا وانهزم الباقون
في الشعب، وأقبل خالد بخيل المشركين كما قال: إذ تصعدون ولا تلوون على أحد،
ورسول الله يدعوهم في أخراهم: يا أيها الناس إني رسول الله ان الله قد وعدني بالنصر
فأين الفرار؟. وكان النبي صلى الله عليه وآله يرمى ويقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون،
فرماه ابن قمئة بقذافة فأصاب كفه، ورماه عبد الله بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه
وضربه عتبة بن أبي وقاص أخو سعد على وجهه فشج رأسه فنزل من فرسه، ونهبه
ابن قمئة وقد ضربه على جنبه وصاح إبليس من جبل أحد إلا أن محمدا قد قتل فصاحت
فاطمة ووضعت يدها على رأسها وخرجت تصرخ وكل هاشمية وقرشية، القصة،
فلما حمله علي (ع) إلى أحد نادى العباس، وكان جهوري الصوت فقال: يا أصحاب
سورة البقرة أين تفرون إلى النار تهربون.
وقال وحشي قال لي جبير بن مطعم: ان عليا قتل عمي يوم بدر فان قتلت محمدا
أو حمزة أو عليا فأنت حر.
وفي مغازي الواقدي: ان هندا رأت وحشيا الحبشي يعدو قبلها فقالت له: إنما
ينفذ حكمك علي إذا ثأرت بأبي وأخي وعمي من علي أو حمزة أو محمد، فقال:
لا أطمع بمحمد لشوكته ولا في علي لبسالته وبصارته ولعلي أصيب من حمزة غرة
166

فأزرقه، فقالت: إن تقتله فقد أدركت ثاري. وقد كان علم رمي الحراب بالحبشة
وكان حمزة يحمل حملاته كالليوث ثم يرجع إلى موقفه، فكمن وحشي تحت شجرة
قال الصادق (ع): فزرقه وحشي فوق الثدي فسقط وشدوا عليه فقتلوه، فأخذ
وحشي الكبد فشدبها إلى هند فأخذتها فطرحتها في فيها فصارت مثل الداغصة فلفظتها
ويقال صارت حجرا.
ورأي الحليس بن علقمة أبا سفيان وهو يشد الرمح في شدق حمزة فقال: انظروا
إلى من يزعم أنه سيد قريش ما يصنع بعمه الذي صار لحما، وأبو سفيان يقول:
ذق يا عقق. وأتت هند وجذعت أنفه واذنه وجعلت في مخنقتها بالذريرة (1) مدة،
فوجودا سبعين شهيدا، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله حمزة خنقته العبرة وقال: لأمثلن
بسبعين من قريش فنزل (فان عاقبتم فعاقبوا) فقال صلى الله عليه وآله: بل أصبر، وفيه ضربت
يد طلحة فشلت، وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام:
الحمد لله ربي الخالق الصمد * فليس يشركه في حكمه أحد
هو الذي عرف الكفار منزلهم * والمؤمنون سيجزيهم بما وعدوا
وينصر الله من والاه ان له * نصرا ويمثل بالكفار إذ عندوا
قومي وقو الرسول الله واحتسبوا * شم العرانين منهم حمزة الأسد
وأنشأ:
رأيت المشركين بغوا علينا * ولجوا في الغواية والضلال
وقالوا نحن أكثر إذ نفرنا * غداة الروع بالأسل الطوال
فان يبغوا ويفتخروا علينا * بحمزة وهو في الغرف العوالي
فقد أودى بعتبة يوم بدر * وقد أبلى وجاهد غير آل
وقد غادرت كبشهم جهارا * بحمد الله طلحة في المجال
فحر؟ لوجهه ورفعت عنه * رقيق الحد حودث بالصقال
ثم كانت غزوة حمراء الأسد، قوله (الذين استجابوا لله وللرسول) الآية.
ذكر الفلكي المفسر عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعن أبي رافع: انها
نزلت في علي (ع)، وذلك أنه نادى يوم الثاني من أحد في المسلمين فأجابوه وتقدم
علي براية المهاجرين في سبعين رجلا حتى انتهى إلى حمراء الأسد ليرهب العدو وهي
سوق على ثلاثة أميال من المدينة ثم رجع إلى المدينة يوم الجمعة، وخرج أبو سفيان

(1) نوع من الطيب.
167

حتى انتهى إلى الروحاء فرأى معبد الخزاعي فقال: ما وراك؟ فأنشده:
كادت تهد من الأصوات راحلتي * إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تردى (كذا) بأسد كرام لاننابلة * عند اللقاء ولا خرق معاذيل
فقال أبو سفيان لركب من عبد القيس: أبلغوا محمدا انى قتلت صناديدكم وأردت
الرجعة لأستأصلكم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: حسبنا الله ونعم الوكيل. قال أبو رافع
قال ذلك علي فنزل (الذين قال لهم الناس) الآية.
ورجع النبي إلى المدينة يوم الجمعة ثم كانت غزوة الرجيع ماء لهذيل، وذلك أنه
قدم على البنى صلى الله عليه وآله من عضل والديش وقالوا: ابعث معنا نفرا يعلموننا القرآن
ويفقهوننا في الدين فبعث مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة في ستة نفر وهم: خالد
ابن بكر وعاصم بن ثابت الأفلح وجنيب بن عدي وزيد بن دثنه و عبد الله بن طارق
فلما بلغوا بطن الرجيع قاتلوا القوم فقالوا: لكم عهد الله وميثاقه ألا نقتلكم، فلم يزل
مرثد وخالد وعاصم يقاتلون حتى قتلوا، وكان عاصم يقول:
أبو سليمان رضيع المقصد * ومخبأ من جلد ثور أجلد
واما زيد وجنيب و عبد الله أعطوا بأيديهم فخرجوا إلى مكة فانتزع عبد الله يده
واستأخر عنهم فرموه بالحجارة حتى قتلوه، واما زيد فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله
بأبيه، واما جنيب فابتاعه حجم بن اهاب التميمي لعقبة بن الحراث ليقتله بأبيه،
فلما أحسن قتله قال: ذروني أصلي ركعتين، فتركوه فصلى سجدتين فجرت سنة لمن
قتل صبرا ان يصلي ركعتين ثم قال:
وذلك في ذات الإله؟ ولم يشا * يبارك في أوصال شلو ممزق
وبعث محمد بن مسلمة في نفر فقتلهم المشركون إلا محمدا ظنوا انه قتل.
سنة أربع كانت غزوة بئر معونة ونزل في شهدائهم الذين قالوا لإخوانهم
وقعدوا. محمد بن إسحاق: قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة
وكان سيد بني عامر بن صعصعة على رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة وأهدى له هدية فقال
له: يا أبا براء لا أقبل هدية مشرك، فقال: فلو بعثت رجالا إلى أهل نجد لأجابوك،
قال: أخشى عليهم، قال: انا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس إلى امرك. فبعث المنذر
ابن عمر وأخا بني ساعدة في سبعين رجلا من خيار المسلمين، منهم: الحارث بن
الصمة، وحزام بن ملحان، وعروة بن أسماء السلمي، ونافع بن بديل بن ورقاء
" مناقب ج 1، م 21 "
168

الخزاعي وعامر بن فهيرة والمنذر بن عمرو الساعدي. فخرج حزام ابن ملحان بكتاب
رسول الله إلى عامر بن الطفيل فلم ينظر عامر إليه، فقال حزام: يا أهل بئر معونة اني
رسول رسول الله إليكم واني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فآمنوا بالله
ورسوله، فطعنه رجل، ثم استصرخ عامر بن الطفل بني عامر على المسلمين فلم يجيبوه
وقالوا: لن تخفر (1) أبا براء وعقد لهم عقودا وجوارا، فاستصرح عليهم قبائل
بني سليم عصية ورعلا وذكوان فأجابوه فخرج حتى غشوا القوم فقاتلوهم حتى قتلوا
عن آخرهم إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فعاش حتى
قتل يوم الخندق، وكان رجلان في سرح القوم فرأيا الطير تحوم حول العسكر
فأقبلا لينظرا إليه فإذا القوم في دمائهم والخيل واقفة، فقاتلهم الأنصاري حتى قتل،
وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا، فلما أخبرهم انه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز
ناصيته وأعتقه، فقدم عمرو على النبي صلى الله عليه وآله وأخبره الخبر فقال: هذا عمل أبي براء
فقال حسان:
بني أم البنين ألم يرعكم * وأنتم من ذوايب أهل نجد
تهكم عامر بأبي براء * ليخفره وما خطأ كعمد
وقال كعب بن مالك:
لقد طارت شعاعا كل وجه * خفارة ما أجار أبو براء
فلما بلغ قولهما إليه حمل على عامر بن الطفيل فطعنه فخر عن فرسه فقال: هذا عمل
أبي براء فان مت فدمي لعمي وإن عشت فسأرى فيه الرأي، قال: وأنزل الله في
شهداء بئر معونة قرآنا بلغوا عنا قومنا انا قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه، ثم
نسخت ورفعت ونزل (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) الآية.
(غزوة بني النضير) مجاهد: في قوله (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا)
الآية، نزلت في بني قريظة وبني النضير، لما دخل النبي المدينة صالحه بنو النضير على
أن لا يكونوا له ولا عليه، فلما غزا قالوا: والله انه للنبي الذي وجدنا نعته في التوراة
فلما هزم المسلمون في أحد ارتابوا ونقضوا العهد، واجتمع كعب بن الأشرف في
أربعين وأبو سفيان في أربعين وتعاهدا بين الأستار والكعبة، فنزل جبرئيل بسورة
الحشر، فبعث النبي محمد بن مسلمة بقتله فقتله بالليل، ثم قصد صلى الله عليه وآله إليهم وعمد على
حصارهم فضرب قبتة في بني حطمة من البطحاء فلما أقبل الليل أصاب القبة سهم

(1) خفر به أي؟ نقض عهده.
169

فحولت القبة إلى السفح وحوتها الصحابة، فلما أمسوا فقدوا عليا (ع) فقالوا في ذلك
فقال صلى الله عليه وآله: أراه في بعض ما يصلح شأنكم، فلو يلبث أن جاء رأس الرامي وهو
غرور اليهودي، وأخذ من النبي عشرة فيهم أبو دجانة وسهل بن حنيف فما لبث أن
جاء بتسعة رؤس فطرح في آبارهم، وفي تلك الليلة قتل كعب بن الأشرف، ثم حاصرهم
نيفا وعشرين يوما وأمر بقطع نخلات، قوله (ما قطعتم من لينة أو تركتموها) وهي
البويرة في قول حسان:
وهان على سراة بني لوي * حريق بالبويرة مستطير
ثم أمسك عن قطعها بمقالهم واصطلحوا أن يخرجوا، قوله: (هو الذي أخرج
الذين كفروا) فخرجوا إلى اذرعات وأريحا وخيبر وحيرة، وجعل لكل ثلاثة منهم
بعيرا واصطفى أموالهم، وكانت أول صافية قسمها بين المهاجرين الأولين وهم ثلاثة:
أبو دجانة وسهل بن حنيف وحارث بن الصمة، وأمر عليا (ع) فحاز للنبي صلى الله عليه وآله
فجعله صدقة وكان في يده حال حياته وفي يد علي بعده وهو الذي في أيدي ولد فاطمة
عليها السلام إلى اليوم.
(غزوة بني لحيان) في جمادى الأولى وكان بينهما الرمي بالحجارة وصلى فيها صلاة
الخوف بعسفان، ويقال في ذات الرقاع مع غطفان، سميت بذلك لأنه جبل يقع فيه
حمرة وسواد وبياض، ويقال لان ستة نفر من أصحاب الصفة كانوا حفاة وكانوا
يلفون الخرق على أقدامهم من شدة الطريق وتسقط منهم الرقاع والخرق، وكان ذلك
بعد النضير بشهرين. قال البخاري: بعد خيبر، ولم يكن حرب سنة خمس في شوال
(غزوة الخندق) وهي الأحزاب، قوله (إذ جاؤكم من فوقكم) أي من قبل
المشرق (ومن أسفل منكم) أي من المغرب، إلى قوله (غرورا) فخرج إليه أبو سفيان
بقريش، والحارث بن عوف في بني مرة، ووبرة بن طريف ومسعود بن جبلة في
أشجع، وطليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد، وعيينة بن حصن الفزاري في
غطفان وبني فزارة، وقيس بن غيلان وأبو الأعور السلمي في بني سليم، ومن اليهود
حي بن أخطب، وكنانة بن الربيع وسلام بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس الوالي؟
في رجالهم، فكانوا ثمانية عشر الف رجل، والمسلمون في ثلاثة آلاف، فلما سمع النبي
باجتماعهم استشار أصحابه فاجتمعوا على المقام بالمدينة وحرضهم على اتقائها، وأشار
سلمان بالخندق فأقاموا بضعا وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلا مرامات، فلما رأى
النبي ضعف قومه استشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة في المصالحة على ثلث ثمار المدينة
170

لعيينة بن حصن والحارث بن عوف فأبيا، فقال صلى الله عليه وآله: ان الله تعالى لن يخذل نبيه
ولن يسلمه حتى ينجز له ما وعده، فقام صلى الله عليه وآله يدعوهم إلى الجهاد ويعدهم النصر.
وكان الكفار على الخمر والغناء والمدد والشوكة والمسلمون كأن على رؤسهم الطير
لمكان عمرو، والنبي جاث على ركبتيه باسط يديه باكية عيناه ينادي بأشجى صوت:
يا صريخ المكروبين يا مجيب دعوة المضطرين اكشف همي وكربي فقد ترى حالي.
عبد الله بن أوفى: ودعا عليهم وقال: اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم
الأحزاب، فابتدر للبراز عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل المخزومي وضرار بن
أبي الخطاب ومرداس الفهري. قال الواقدي: ونوفل بن عبد الله بن المغيرة، حتى
وقفوا على الخندق وقالوا: والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، فقال عمرو:
يا لك من مكيدة ما أنكرك * لابد للملهوب من أن يعبرك
ثم زعق على فرسه في مضيق فقفز به إلى السبخة بين الخندق وسلع. قال الطبري
فخرج علي (ع) في نفر من المسلمين حتى أخذ الثغرة وسلمها إليهم، ثم بارز عمروا
وقتله، فبعث المشركون إلى النبي صلى الله عليه وآله يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف، فقال
النبي: هو لكم لا نأكل ثمن الموتى.
ابن إسحاق: قتل فيه ستة من المسلمين وثلاثة من المشركين، فنزل: (اذكروا
نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود) السورة. فأرسل النبي صلى الله عليه وآله حذيفة ليأتيه بخبرهم
قال حذيفة: فخرجت فإذا أنا بنيران القوم قد طفيت وخمدت، وأقبل جند الله الأعظم
ريح شديد فيها الحصى فما ترك لهم نارا إلا أخمدها ولا خباء إلا طرحها ولا رمحا إلا
ألقاها حتى جعلوا يتترسون من الحصى وكنت أسمع وقع الحصى في الترسه فصاحوا
النجاء النجاء وذهبوا.
أبو الحسين المدايني: لما نعي إلى خنساء قالت: من الذي اجترى عليه؟ قالوا:
على، قالت: قتل الابطال وبارز الاقران وكانت منيته على يد كريم قومه ما سمعت
أفخر من هذا يا بني عامر تم أنشأت:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله * لكنت أبكي عليه آخر الأبد
لكن قاتله من لا يعاب به * من كان يدعى قديما بيضة البلد
وروي عن أختيه كبشة وعمرة وعن ابنته أم كلثوم:
أسدان في ضيق المكر تصاولا * وكلاهما كفو كريم باسل
فتخالسا مهج النفوس كلاهما * وسط المذاذ مخاتل ومقاتل
171

وكلاهما حضرا القراع حفيظة * لم يثنه من ذاك شغل شاغل
فاذهب علي فما ظفرت بمثله * قول سديد ليس فيه تحامل
فالثار عندي يا علي وليتني * أدركته والعقل منى كامل
ذلت قريش بعد مقتل فارس * فالذل مهلكها وخزي شامل
ثم قالت: والله لا ثأرت قريش بأخي ما حنت النيب.
(بنو قريظة) وانزل (الذين ظاهروهم من أهل الكتاب) إلى قوله (قديرا)
كانت في ذي القعدة وكانوا نقضوا العهد مع النبي صلى الله عليه وآله.
الزهري وعروة: لما دخل النبي المدينة وجعلت فاطمة (ع) تغسل رأسه إذ قال
له جبرئيل: رحمك ربك وضعت السلاح ولم يضعه أهل السماء ما زلت أتبعهم حتى بلغت
الروحاء، فقال النبي: لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة، وسأل صلى الله عليه وآله: هل مر بكم
الفارس آنفا؟ قالوا: نعم، فقالوا: مر بنا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة
ديباج، فقال صلى الله عليه وآله: ليس ذلك بدحية ولكنه جبرئيل ارسل إلى بني قريظة ليزلزلهم
ويقذف في قلوبهم الرعب، ثم قدم عليا (ع) وقال: سر على بركة الله فان الله قد
وعدكم أرضهم وديارهم ومعه المهاجرون وبنو النجار وبنو الأشهل وجعل يسرب إليه
الرجال، فلما رأوا عليا قالوا: أقبل عليكم قاتل عمرو، فقال علي: الحمد لله الذي أظهر
الاسلام وقمع الشرك، فحاصرهم النبي خمسا وعشرين ليلة، فقال كعب بن أسد:
يا معشر اليهود نبايع هذا الرجل وقد تبين انه نبي مرسل، قالوا: لا، قال: فنقتل
أبناءنا ونساءنا وتخرج؟ إليه مصلتين، قالوا: لا، قال: فنثب عليه وهو يأمن علينا
لأنها ليلة السبت، قالوا: لا، فاتفقوا على أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ. وكان
سعد أصاب أكحله نبلة في الأحزاب فقال: اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش
شيئا فابقني لحربهم وإن كنت دفعتها فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من
بني قريظة. قال الصادق (ع): فحكم فيهم - يعني سعدا - بقتل الرجال وسبي
الذراري والنساء وقسمة الأموال وأن يجعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار،
فقال النبي صلى الله عليه وآله: لقد حكمت فيهم بحكم الله فوق سبعة أوقعة، وفيه يقول الحميري
قال الجوار من الكثير بمنزل * يجري لديه كنيسة المتنسب
فقضى بما رضي الإله؟ لهم به * بالقتل والحرب المسلل المحرب
قتل الكهول وكل مرء منهم * وسقى عقايل بدنا كالربرب
وقضى عقارهم لكل مهاجر * دون الأولى نصروا ولم يتهيب
172

فقتل منهم أربعمائة وخمسين رجلا وقسم الأموال واسترق الذراري وحبسوا
الاسرى في دار من دور بني النجار، فخرج النبي صلى الله عليه وآله إلى موضع هو السوق اليوم،
فخندق فيها خنادقا وأمر بهم فأخرجوا ارسالا، وكانوا سبعمائة رجل، فقتل علي
عشرا وقتل الزبير عشرا وقل رجل من الصحابة إلا قتل رجلا أو رجلين.
الواقدي: وكانت بنانة أرسلت إلى خلال بن سويد بن ثعلبة حجرا فأمر النبي
بقتلها ولم يقتل فيه من المسلمين غير الخلال، واصطفى النبي عمرة، ثم بعث صلى الله عليه وآله
عبد الله بن عتيك إلى خيبر فقتل أبا رافع بن أبي الحقيق.
(بنو المصطلق) من خزاعة وهو المربسيع (1)، غزاهم علي (ع) في شعبان
ورأسهم الحارث بن أبي ضرار وأصيب يومئذ ناس من بنى عبد المطلب فقتل علي
مالكا وابنه، فأصاب النبي صلى الله عليه وآله سبيا كثيرا وكان سبى علي جويرة بنت الحارث بن
أبي ضرار فاصطفاها النبي فجاء أبوها إلى النبي بفداء ابنته فسأله النبي عن جملين خبأهما
في شعب كذا، فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله وانك لرسول الله والله ما عرفهما
أحد سواي، ثم قال: يا رسول الله ان ابنتي لا نسبي انها امرأة كريمة، قال: فاذهب
فخيرها، قال: قد أحسنت وأجملت، وجاء إليها أبوها فقال لها: يا بنية لا تفضحي
قومك فقالت: قد اخترت الله ورسوله، فدعا عليها أبوها فأعتقها رسول الله وجعلها
في جملة أزواجه، فلما سمع القوم ذلك أرسلوا ما كان في أيديهم من بنى المصطلق، فما
علم امرأة أعظم بركة على قومها منها.
وفي هذه الغزاة نزلت (ان الذين جاؤوا بالإفك) وفيها قال عبيد الله بن أبي: لئن
رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
سنة ست في ربيع الأول بعث عكاشة بن محصن في أربعين رجلا إلى العمرة فهربوا
وأصاب مائتي بعير، وفيها بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى القصة في أربعين رجلا فأغار
عليهم وفيها سرية زيد بن حارثة إلى الجموم من أرض بني سليم فأصابوا ووصلوا إلى
بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا فهربوا وأصاب منهم عشرين بعيرا. وغزوة زيد إلى
العيص في جمادى الأولى. وغزوة بنى قرد، وذلك أن ناسا من الاعراب قدموا
وساقوا الإبل فخرج إليهم رسول الله وقدم أبا قتادة الأنصاري مع جماعة فاسترددها
منهم قال حسان:
أظن عتيبة إذ زارها * بأن سوف يهدم منها قصورا

(1) الريسيع: (مصغر مرسوع) ماء أو بئر لخزاعة.
173

فعفت المدينة إذ زرتها * وآنست للأسد فيها زئيرا
وبعث محمد بن مسلمة إلى قوم من هوازن فكمن القوم لهم وأفلت محمد وقتل أصحابه.
ذات السلاسل وهو حصن، وذلك أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: ان لي
نصيحة، قال: وما نصيحتك؟ قال: اجتمع بنو سليم بوادي الرمل عند الحرة على
أن يبيتوك بها، القصة.
وفيها غزوة علي بن أبي طالب إلى بنى عبد الله بن سعد من أهل فدك، وذلك أنه
بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ان لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر، وفيها سرية
عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان، وسرية العرنيين الذين قتلوا راعي
النبي واستاقوا الإبل وكانوا عشرين فارسا، وفيها اخذت أموال أبي العاص بن
الربيع وقد خرج تاجرا إلى الشام ومعه بضائع قريش فلقيته سرية لرسول الله
واستاقوا عيره وافلت، وفيها غزوة الغاية.
ثم اعتمر عمرة الحديبية في ألف ونيف رجل وسبعين بدنة، فهمت قريش في
صده وبعثوا إليه مكرز بن حفص وخالد بن الوليد وصدوا الهدى فبعث النبي عثمان
إليهم يرى أنه معتمر، فلما أبطأ أخذ صلى الله عليه وآله البيعة تحت شجرة السمرة على أن لا يفروا
قال الزهري: فلما صار بذي الحليفة قلد النبي الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة،
فلما بلغ غدير الاشطاط عند عسفان أتاه عتبة الخزاعي فقال: ان كعب بن لوي
وعامر بن لوي جمعوا لك الجموع وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال (ع):
روحوا فراحوا حتى إذا كان ببعض الطريق، قال صلى الله عليه وآله: ان خالد بن الوليد
بالغميم طليعة فخذوا ذات اليمين وسار حتى إذا كان بالثنية بركت ناقته فقال: ما حلات
القصوى ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والله لا يسألونني خطة يعظمون فيها
حرمات الله إلا أعطيتهم إياها قال: فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد القصة،
فأتاهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة وكان عيبة نصح رسول الله
وقال كما قال الغير فقال النبي صلى الله عليه وآله: انا لم نجئ لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين،
في كلام له بين الصلح والحرب، فقال بديل: سأبلغهم ما تقول، فأتى قريشا وقال:
ان هذا الرجل يقول كذا وكذا، فقال عروة بن مسعود الثقفي: انه قد عرض
عليكم خطة رشد فاقبلوها، فقالوا: ائته، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسمع منه مثل مقالته لبديل
ورأي تعظيم الصحابة له صلى الله عليه وآله، فلما رجع قال: أي قوم والله لقد وفدت على قيصر
وكسرى والنجاشي والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا
174

يقتتلون على وضوئه ويتبادرون لامره ويخفضون أصواتهم عنده وما يحدون إليه
النظر تعظيما له وانه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوه، فقال رجل من بني كنانة:
آته، فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وآله: هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن
فابعثوها، فبعثت له واستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي
لهؤلاء أن يصدوا عن البيت الحرام ثم جاء مكرز بن حفص فجعل يكلم النبي إذ جاء سهيل
ابن عمرو فقال صلى الله عليه وآله: قد سهل عليكم أمركم، فجلس وضرع إلى النبي في الصلح،
ونزل عليه الوحي بالإجابة إلى ذلك وأن يكتب علي (ع)، فقال النبي صلى الله عليه وآله اكتب
بسم الله الرحمن الرحيم، القصة، ثم كتب: باسمك اللهم، واصطلحا على وضع الحرب
عن الناس سبع سنين يأمن فيهن الناس، ويكف بعضهم عن بعض، ويأمن المجتازين
من الفريقين، وان العهد بيننا عيبة مكفوفة، وانه لا اسلال ولا أغلال، وانه من
أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش
وعهدهم دخل فيه، وعلى أن لا يستكره أحد على دينه، وعلى أن يعبد الله بمكة علانية
وعلى ان محمدا ينحر الهدى مكانه وعلى أن يخليها له في قابل ثلاثة أيام فيدخلها بسلاح
الراكب ويخرج قريشا كلها من مكة إلا رجل واحد من قريش يخلفونه مع محمد
وأصحابه، ومن لحق محمدا وأصحابه من قريش فان محمدا يرده عليهم، ومن رجع
من أصحابه إلى قريش فلا يردون إليه. فقال المسلمون في ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وآله:
من جاءهم منا فأبعده الله ومن جاءنا منهم رددناه إليهم فلو علم الله الاسلام من قلبه جعل
له مخرجا. إذ جاء أبو جندل بن سهل بن عمرو يرسف في قيوده فقال سهيل: هذا
يا محمد أول ما أفاوضك عليه أن ترده، فقال صلى الله عليه وآله: انا لم نقض بالكتاب بعد، قال:
والله لا أصالحك على شئ أبدا، فقال النبي: فأجره لي، قال: ما أنا بمجيره لك، قال
مكرز: بلى أجرناه، فقال النبي: انه ليس عليه بأس إنما يرجع إلى أبيه وأمه فاني
أريد أن أتم لقريش شرطها، فقال عمر: والله ما شككت منذ أسلمت، القصة، فنزل
(إنا فتحنا لك) فنحر رسول الله صلى الله عليه وآله بدنة وأمر بحلق شعره.
قال الصادق (ع): فما انقضت تلك المدة حتى كاد الاسلام يستولي على أهل مكة
ولما رجع صلى الله عليه وآله إلى المدينة انفلت أبو بصير بن أسيد بن حارثة الثقفي من المشركين
فبعث الأخنس بن شريق في اثره رجلين فقتل أحدهما فأتى النبي مسلما مهاجرا فقال
صلى الله عليه وآله مسعر حرب لو كان معه واحد، ثم قال: شأنك بسلب صاحبك واذهب حيث
شئت، فخرج أبو بصير وتبعه خمسة نفر أيضا حتى كانوا بين العيص وذى المروة
175

من أرض جهينة على طريق عيرات قريش مما يلي سيف البحر، وانفلت أبو جندل
في سبعين راكبا أسلموا فلحق بأبي بصير، واجتمع إليهم ناس من غفار واسلم وجهينة
حتى بلغوا ثلاثمائة لا يمر بهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا أصحابها، وأخذوا
عيرا فيها أبو العاص صهر النبي صلى الله عليه وآله فخلوا سبيله ولم يقتلوا أحدا منهم، فأرسلت
قريش أبا سفيان بن حرب إلى النبي يتضرعون إليه أن يبعث إليهم، فتقدموا عليه وقالوا
من خرج منا إليك فامسكه غير حرج.
سنة سبع، قال الواقدي: فتح خيبر في المحرم، لما دنى النبي صلى الله عليه وآله منها رفع يديه
وقال: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب
الشياطين وما أضللن أسألك خير هذه القرية وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر
ما فيها، ولما رأت أهل خيبر عمل علي (ع) قال ابن أبي الحقيق للنبي صلى الله عليه وآله انزل
فأكلمك، (قال: نعم، فنزل وصالح النبي على حقن دماء من في حصونهم ويخرجون
منها بثوب واحد.
(فدك) فلما سمع أهل فدك قصتهم بعثوا محيصة بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وآله
يسألونه أن يسترهم بأثواب، فلما نزلوا سألوا النبي أن يعاملهم الأموال على النصف
فصالحهم على ذلك وكذلك فعل بأهل خيبر.
وفيها غزوة بني خزيمة وقد كانوا ادعوا الاسلام فرد ما أخذ منهم وضمن دية
قتلاهم. وفيها غزوة قتلى نجد؟، ثم بعث عبد الله بن رواحة في ثلاثين راكبا إلى
البشير بن رزام اليهودي لما جمع غطفان، وبعث غالب بن عبد الله الكلبي إلى ارض من
بنى مرة، وبعث عيينة بن حصين البدري إلى بني العنبر، وفى ذي القعدة اعتمر عمرة
القضاء في جمع الحديبية ودخل مكة وطاف بالبيت على بعيره وبيده محجن و عبد الله بن
رواحة أخذ بخطامه ويقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله * خلوا فكل الخير في رسوله
قد نزل الرحمن في تنزيله * نضربكم ضربا على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله * يا رب اني مؤمن بقيله
فأقام بها ثلاثة أيام.
سنة ثمان في جمادى الأولى، (وقعة مؤتة) وهم ثلاثة آلاف في كتاب ابان
قال الصادق (ع): انه استعمل عليهم جعفرا فان قتل فزيد فان قتل فابن رواحة،
ثم خرجوا حتى نزلوا معان فبلغهم ان هرقل قد نزل بمأرب في مائة الف من الروم
" المناقب ج 1، م 22 "
176

ومائة الف من المستغربة، فانحازوا إلى ارض يقال لها المشارف ونسبت السيوف
المشرفية إليها لأنها طبعت لسليمان بن داود (ع) بها، فاختلفوا في القتال أو في اخبار
النبي (ص) بكثرتهم، فقال ابن رواحة: ما نقاتل الناس بكثرة وإنما نقاتلهم بهذا الدين
فلقوا جموعهم بقرى البلقاء ثم انحازوا إلى مؤتة. وفى البخاري: نعى النبي جعفرا
وزيدا وابن رواحة قبل أن يجئ خبرهم وعيناه تذرفان.
زيد بن أرقم: حارب جعفر على أشقره حتى عقر وهو أول من عقر فرسه في
الاسلام فحارب راجلا حتى قتل.
فضيل بن يسار عن الباقر (ع) قال: أصيب يومئذ جعفر وبه خمسون جراحة
خمس وعشرون منها في وجهه.
محمد بن جرير: لما سقطت الراية اخذها رجل بالقربة لا بالإمرة، فأخذها منه خالد
ابن الوليد وجاء عبد الرحمن بن سمرة إلى النبي بالخبر.
محمد بن إسحاق: لما أقبل أهل مؤنة تلقاهم النبي صلى الله عليه وآله فجعلت الصحابة يحثون
عليهم التراب ويقولون: يا فرار فررتم عن سبيل الله، فقال صلى الله عليه وآله: ليسوا بفرار
ولكنهم الكرار.
(غزوة الفتح) لليلتين مضتا من شهر رمضان، وقيل لثلاث عشرة خلت منه،
وذلك أنه خرج في نحو من عشرة آلاف رجل وأربعمائة فارس، وكان نزل (لتدخلن
المسجد الحرام)، ثم نزل (إذا جاء نصر الله)، ونزل (انا فتحنا لك) واستصرخته
خزاعة، فأجمع على المسير إليها وقال: اللهم خذ العيون عن قريش حتى نأتيها في بلادها
وكان المؤتمن على هذا السر علي (ع) ثم نماه إلى جماعة من بعد.
قال ابان: لما انتهى الخبر إلى أبي سفيان وهو بالشام مشاجرة كنانة وخزاعة
أقبل حتى دخل على النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد احقن دماء قومك واحرس قريشا وزدنا في
المدة، قال: غدرتم يا أبا سفيان. فلقي الشيخين فلم يؤجرا فدخل على أم حبيبة فذهب
ليجلس على الفراش فطوته فقال: يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني! قالت: نعم هذا
فراش رسول الله ما كنت لتجلس عليه وأنت رجس مشرك، ثم استجار فاطمة
والسبطين فلم يجب، فقال لعلي (ع): أنت أمس القوم بي رحما وقد التبست علي
فانصح لي، قال: أنت شيخ قريش فقم فاستجر بين الناس ثم الحق بأهلك، قال:
فترى ذلك نافعي؟ قال: لا أدري، فقال: أيها الناس اني استجرت بكم، ثم ركب
بعيره وانطلق فقدم على قريش فقالوا: ما وراك؟ فقص عليهم فقالوا: فهل أجاز محمد
177

مقال علي؟ قال: لا، قالوا: لعب بك الرجل.
ثم سار صلى الله عليه وآله حتى نزل مر الظهران فخرج في تلك الليلة أبو سفيان وحكيم بن
حزام وبديل بن ورقاء هل يسمعون خبرا. وقد كان العباس يتلقى النبي صلى الله عليه وآله ومعه
أبو سفيان بن الحارث و عبد الله بن أمية وقد تلقاه بثنية العقاب والنبي في فتية،
فدخل العباس عليه وقال: بأبي أنت وأمي هذا ابن عمك قد جاء تائبا وابن عمتك،
قال: لا حاجة لي فيهما ان ابن عمي انتهك عرضي واما ابن عمتي فهو الذي يقول بمكة
لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا، وقالت أم سلمة فيهما، فنادى أبو سفيان
كن لنا كما قال العبد الصالح: لا تثريب عليكم اليوم، فدعا لهما وقبل منهما. وقال العباس
هو والله هلاك قريش إن دخلها عنوة، فركب بغلة النبي صلى الله عليه وآله البيضاء ليطلب
الخطابة أو صاحب لين يأمره ان يأتي قريشا فيركبون إليه ويستأمنون إليه، إذ سمع
أبا سفيان يقول لبديل وحكيم: ما هذه النيران؟ قال: هذه خزاعة، قال: خزاعة
أقل من هذه فلعل هذه تميم أو ربيعة، فعرف العباس صوت أبي سفيان وناداه وعرفه
الحال، قال: فما الحيلة؟ قال: تركب في عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله ففعل
فكال يجتاز على نار بعد نار فانتهى إلى عمر فسبقهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال: هذا أبو سفيان
قد أمكنك الله منه بغير عهد فدعني أضرب عنقه، فقال العباس: يا رسول الله أبو سفيان
وقد أجرته، قال: ادخله فدخل فقام بين يديه فقال: ويحك يا أبا سفيان أما آن لك
ان تشهد ان لا إله إلا الله واني رسول الله فتلجلج لسانه وعلي يقصده بسيفه والنبي
محدق بعلي، فقال العباس: يضرب والله عنقك الساعة أو تشهد الشهادتين، فأسلم
اضطرارا، فقال له النبي: عند من تكون الليلة؟ قال: عند أبي الفضل فسلمه إليه،
فلما أصبح سمع بلالا يؤذن قال: ما هذا المنادي؟ ورأي النبي صلى الله عليه وآله وهو يتوضأ
وأيدي المسلمين تحت شعره يستشفون بالقطرات فقال: تالله ان رأيت كاليوم كسرى
وقيصر، فلما صلى النبي قال: يا رسول الله اني أحب ان تأذن لي ان اذهب إلى قومي
فأنذرهم وأدعوهم إلى الحق، فأذن له، فقال العباس: ان أبا سفيان رجل يحب الفخر
فلو خصصته بمعروف، فقال صلى الله عليه وآله: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم قال:
ومن أغلق بابه فهو آمن، فلما ذهب أبو سفيان قال النبي للعباس: ادركه واحبسه
في مضايق الوادي حتى تمر به جنود الله، فرأى خالد بن الوليد في المقدمة، والزبير
في جهينة، وأشجع وأبا عبيدة في أسلم ومزينة، والنبي صلى الله عليه وآله في الأنصار، وسعد
ابن عبادة في يده راية النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا أبا حنظلة
178

اليوم يوم الملحمة * اليوم تسبى الحرمة
يا معشر الأوس والخزرج ثاركم يوم الجبل. فأتى العباس إلى النبي صلى الله عليه وآله واخبره
بمقالة سعد، فقال صلى الله عليه وآله: ليس بما قال سعد شئ، ثم قال لعلي: أدرك سعدا فخذ
الراية منه وادخلها ادخالا رفيقا، فقال سعد: لولاك لما اخذت مني، وقال أبو سفيان
يا أبا الفضل ان ابن أخيك قد كنف ملكا عظيما، فقال العباس: ويحك هذه نبوة،
واقبل أبو سفيان من أسفل الوادي يركض فاستقبلته قريش وقالوا: ما وراك وما
هذا الغبار؟ قال: محمد في خلق، ثم صاح: يا آل غالب البيوت البيوت من دخل داري
فهو آمن، فعرفت هند فأخذت تطردهم ثم قالت: اقتلوا الشيخ الخبيث قبح من
وافد قوم وطليعة قوم، قال: ويلك اني رأيت ذات القرون ورأيت فارس أبناء
الكرام ورأيت ملوك كندة وفتيان حمير يسلمون آخر النهار ويلك اسكتي فقد والله
جاء الحق وذهبت البلية.
وكان قد عهد النبي صلى الله عليه وآله ان لا يقتلوا فيها إلا من قاتلهم سوى عشرة: الجويرة
ابن نفيل بن كعب، ومقيس بن ضبابة، وقرينة المغنية - قتلهم أمير المؤمنين (ع)،
و عبد الله بن حنظل - قتله عمار، أو بريدة أو سعيد بن خبيب المخزومي، وصفوان
ابن أمية - هرب إلى جدة فاستأمنه عبد الله بن وهب وانفذ إليه عمامة النبي صلى الله عليه وآله
واسلم، وعكرمة بن أبي جهل - هرب إلى اليمن وأسلم، و عبد الله بن أبي سرح
عرف أمير المؤمنين انه في دار عثمان، فأتى عثمان إلى النبي شافعا فشفع، فلما انصرف
قال النبي في قتله، فقال سعد بن عبادة: ولو رمزت؟ فقال النبي: لا رمز من النبي
وسارة مولاة بني عبد المطلب وجدت قتيله، وهند دخلت دار أبي سفيان، فتكلم
أبو سفيان في بيعة النساء وعاونته أم الفضل وقرأت (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات)
فقبل منهن البيعة، وقرينا (كذا) انفلتت واستومن لها فرمحها فرس في الأبطح
في إمارة عمر.
قال أبو هريرة: رأى النبي أوباش قريش فأمر بحصدهم فقتلنا منهم عددا وانهزم
الباقون، واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر دخلوا من أسفل مكة وأخطأ والطريق
فقتلوا. بشير بن النبال: مرفوعا، قال النبي: عند من المفتاح؟ قالوا: عند أم شيبة،
فدعا شيبة فقال: اذهب إلى أمك فقل لها ترسل بالمفتاح، قالت له: قتلت مقاتلينا
وتريد ان تأخذ منا مكرمتنا! فقال: لترسلن به أو لأقتلنك، فوضعته في يد الغلام
فأخذه. ودعا عمر وقال: هذا تأويل رؤياي، ثم قام ففتحه وستره، فمن يومئذ يستر
179

ثم دعا الغلام فبسط رداءه وجعل فيه المفتاح وقال: رده إلى أمك. وأخذ بعضادتي
الباب ثم قال: لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وغلب
الأحزاب وحده. وكانت صناديد قريش يظنون أن السيف لا يرفع عنهم فأنبهم، ثم
قال: ألا ان كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية فإنها موضوعة تحت قدمي إلا
سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما ألا ان مكة محرمة بتحريم الله
لم تحل لاحد كان قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار فهي محرمة إلى أن تقوم الساعة
لا يختلى خلاها ولا يقطع شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، ثم قال:
ألا بئس جيران النبي كنتم لقد كذبتم وطردتم وأخرجتم وفللتم ثم ما رضيتم حتى
جئتموني في بلادي تقاتلوني فاذهبوا فأنتم الطلقاء فدخلوا في الاسلام وأذن بلال على
الكعبة فكره عكرمة، وقال خالد بن الأسيد: الحمد لله الذي أكرم أبا عتاب من هذا
اليوم، وقال سهيل بن عمرو كلاما، وقال الحرث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا
الغراب الأسود مؤذنا! فقال أبو سفيان: اني لا أقول شيئا والله لو نطقت لظننت ان
هذه الجدر تخبر به محمدا. وبعث صلوات الله عليه إليهم فأخبرهم بما قالوا، فاستغفر
عتاب وأسلم وولاه النبي مكة. وكان فيها ثلاثمائة وستون صنما بعضها مشدودا
ببعض بالرصاص، فأنفذ أبو سفيان من ليلته مناة إلى الحبشة ومنها إلى الهند فهيأوا
لها دارا من مغناطيس فتعلقت في الهواء إلى أيام محمود سبكتكين، فلما غزاها أخذها
وكسرها ونقلها إلى أصفهان وجعلت تحت مارة الطريق، فلما دخل النبي صلى الله عليه وآله قال:
يا علي اعطني كفا من الحصى، الخبر. ثم بعث النبي بمعرو بن أمية إلى بني الذيل
وبعبد الله بن سهيل إلى بني محارب وبخالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر وكانوا
بالغميصاء فشن عليهم بعد العهد فأسر منهم فتبرأ النبي صلى الله عليه وآله من فعله.
(حنين) في شوال لما أمر النبي صلى الله عليه وآله عتاب بن أسيد على مكة فات الحج من
فساد هوازن في وادي حنين فخرج صلى الله عليه وآله في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه
وكان النبي استعار من صفوان بن أمية مائة درع وهو رئيس جشم فعابهم أبو بكر
لعجبه بهم فقال: لن نغلب اليوم عن قلة، فنزلت (ويوم حنين إذ أعجبتكم) الآية.
وأقبل مالك بن عوف النضري فيمن معه من قبائل قيس وثقيف، وسمع عبد الله
ابن أبي جدرم - عين رسول الله صلى الله عليه وآله - ابن عوف يقول: يا معشر هوازن انكم أحد
العرب وأعدهم وان هذا الرجل لم يلق قوما يصدقونه القتال فإذا لقيتموه فاكسروا
جفون سيوفكم واحملوا عليه حملة رجل واحد.
180

قال الصادق (ع): كان مع هوازن دريد بن الصمة خرجوا به شيخا كبيرا
يتيمنون به، فلما نزلوا بأوطاس قال: نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس
مالي أسمع روغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير وثغاء الشاة وخوار البقر، فقال
لابن عوف في ذلك فقال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله فيقاتل عنهم،
قال: ويحك لم تصنع شيئا قدمت بيضة هوازن في نحور الخيل وهل يزد وجه المنهزم
شئ انها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في
أهلك ومالك، ثم قال: حرب عوان يا ليتني فيها جذع أخب فيها واضع، قال: انك
كبرت وذهب علمك.
قال جابر: كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضايقه فما راعنا إلا كتائب
الرجال، فانهزم بنو سليم وكانوا على المقدمة وانهزم من وراءهم وبقى علي ومعه
الراية، فقال مالك بن عوف: أروني محمدا، فأروه إياه فحمل عليه فلقيه أيمن بن عبيدة
وهو ابن أم أيمن فالتقيا فقتله مالك. قال الشاعر:
وثوى أيمن الأمين من القوم * شهيدا فاعتاض قرة عين
فقال النبي صلى الله عليه وآله للعباس وكان جهوريا: ناد في القوم وذكرهم العهد - يعني قوله
(ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) فنادى: يا أهل بيعة الشجرة إلى أين تفرون؟
اذكروا العهد، والقوم على وجوههم، وذلك في أول ليلة من شوال، قال: فنظر
النبي صلى الله عليه وآله إلى الناس ببعض وجهه في الظلماء فأضاء كأنه القمر ليلة البدر، وكان
علي بين الشعبين حتى لم يبق فيهما مقتول وعاونه بعض الأنصار، فقام النبي في ركاب
سرجه حتى أشرف عليهم وقال: الآن حمى الوطيس
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب
وما زال المسلمون يقتلون المشركين ويأسرون منهم حتى ارتفع النهار فأمر
النبي صلى الله عليه وآله بالكف.
الصادق (ع): سبى رسول الله صلى الله عليه وآله يوم حنين أربعة آلاف رأس واثنى عشر
الف ناقة سوى ما لا يعلم من الغنائم.
قال الزهري: ستة آلاف من الذراري والنساء ومن البهائم ما لا يحصى ولا يدرى.
(حرب أوطاس وخثعم وثقيف) فأخذت ثقيف إلى الطائف والاعراب إلى
أوطاس، فبعث النبي صلى الله عليه وآله أبا عامر الأشعري إلى أوطاس فقاتل حتى قتل، فأخذ
الراية أبو موسى الأشعري وهو ابن عمه ففتح عليه، وبعث أبا سفيان إلى ثقيف
181

فضربوه على وجهه فانهزم وتعلل، ثم سار النبي صلى الله عليه وآله بنفسه إلى الطائف فحاصرهم
أياما، ثم أنفذ عليا (ع) في خيل فبرز شهاب بن عبيس فقام إليه علي فوثب أبو العاص
ابن الربيع وزوج بنت النبي فقال: أنا كفؤه أيها الأمير، فقال: لا ولكن إن
قتلت فأنت على الناس، فبرز إليه علي (ع) فقتله ومضى حتى كسر الأصنام، فلما
انصرف إلى النبي صلى الله عليه وآله ناجاه، القصة.
قال محمد بن إسحاق: كان حاصرهم ثلاثين ليلة فنزل منهم أبو بكرة والمبيعث وفدان
في جماعة وأسلموا، فلما قدم وفد الطائف قالوا: رد علينا رقيقنا الذين أتوك،
فقال: أولئك عتقاء الله.
سنة تسع في رجب نزل: (انفروا خفافا وثقالا) الآية، فخطب صلى الله عليه وآله ورغب
في المواساة لجيش العسرة، فأنفق العباس وعثمان و عبد الرحمن وطلحة والزبير وغيرهم
فنزل: واستفرز ليعلم سائر الصحابة بشدة القيظ وقلة الماء واتساق الامر بلا قتال،
فقصد نحو الروم إلى مدينة تبوك، وقيل هو من البوك لأنهم كانوا يبوكون الأرض
للماء حتى أن بعضهم كان يقتل فرسه ويمص أحشاه، واستخلف عليا (ع) في أهله
وقال: يا علي ان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وذلك لشفقته عليها من أعدائها،
ونصه عليه بالقيام بعده، فعظم ذلك إلا على الأنصار، فضرب النبي صلى الله عليه وآله عسكره
فوق ثنية الوداع فأبطأ أكثرهم فنزل: (ألا تنفروا يعذبكم)، فسار حتى نزل الجرف
فرجع عبد الله بن أبي بغير إذن، فقال: (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف
بين قلوبهم) الآية، ويقال انه حلف للتعذر فنزل: (سيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا
معكم)، واستأذنه بعض بني غفار في التأخر فنزل: (وجاء المعذرون) إلى قوله:
(كاذبين)، واستأذنه جد بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهما من المنافقين وكانوا
ثمانين رجلا، وكان جد بن قيس أظهر شبقة بالنساء فنزل (ومنهم من يقول ائذن لي)
وقال منافق لصحبه: لا تنفروا في الحر، فنزل: (قل نار جهنم أشد حرا) وقال
آخر: انه اغتر بحرب العرب وليس الروم كذلك، فنزل: (ولئن سألتهم ليقولن إنما
كنا نخوض). وأتاه البكاؤن وهم: معقل بن يسار وصخر بن خنسا و عبد الله بن
كعب وعلية بن زيد وسالم بن عمير وثعلبة بن عتمة و عبد الله بن معقل وسألوا دوابا
أو بغالا أو خفافا فلم يجد فانصرفوا وهم يبكون، فنزل: (ولا على الذين إذا
ما أتوك لتحملهم).
وقال الزهري: نزل في تخلف عبد الله بن كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة
182

ابن ربيعة وعلى الثلاثة الذين خلفوا.
وكان النبي صلى الله عليه وآله نهي عن مكالمتهم حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت (ثم
وليتم مدبرين)، فلما انتهى إلى الجرف لحقه علي (ع) وأخذ بغرر رحله وقال:
يا رسول الله زعمت قريش إنما خلفتني استثقالا ومقتا، فقال صلى الله عليه وآله: طال ما آذت
الأمم أنبياءها أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ الخبر، فقال: قد
رضيت قد رضيت، وقال: ارجع يا أخي إلى مكانك وانه لابد للمدينة مني أو منك
وأنفذ معه الضعفاء والمرضى لقوله: (ليس على الضعفاء)، وأخر أبو ذر انتظار ناقته
فمشى راجلا بزاده وسلاحه، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله في بعض المنازل ان راجلا يتبعنا فقال
هو أبو ذر رحم الله أبا ذر يعيش وحده، الخبر، فوصل إلى تبوك في شعبان يوم
الثلاثاء وظهر النفاق في هذه السنة.
قال الخركوشي: كانوا ينوفون على ثلاثين ألفا.
قال الواقدي: منهم عشرة آلاف فارس فأقام ثلاثة عشر يوما فأتاه الرئيس وهو
نجية بن رؤبه فأعطاه الجزية وقبل للمستقبل، فكتب النبي كتابا وهو عندهم،
وكتب أيضا لأهل جربا واذرح، وبعث سعد بن عبادة إلى أناس من بني سليم
وجموع من بلى (1) فلما قاربهم هربوا، وبعث خالدا في ثلاثمائة رجل ثم عبد الرحمن
ابن عوف مع سبعمائة رجلا إلى الأكيدر وصاحب دومة الجندل، وجاء به إلى النبي
في ثمانمائة رأس وألفي بعير وأربعمائة درع وأربعمائة رمح وخمسمائة سيف فصالحه
النبي صلى الله عليه وآله، وبعث أبا عبيدة وزنباع بن روح الجذامي إلى جمع من جذام فأصاب
منهم وكان آخر غزواته صلى الله عليه وآله.
فصل: في اللطائف
إن كان لآدم سجود الملائكة مرة فلمحمد صلوات الله عليه والملائكة والناس
أجمعين كل ساعة إلى يوم القيامة، وإن كان آدم قبلة الملائكة فقد جعله الله امام
الأنبياء ليلة المعراج فصار امام آدم، وإن خلق آدم من طين فإنه خلق من النور
قوله: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين)، وإن كان آدم أول الخلق فقد صار
محمد قبله، قوله: ان الله خلقني من نور وخلق ذلك النور قبل آدم بألف سنة، وإن
كان آدم أبو البشر فمحمد سيد النذر قوله صلى الله عليه وآله: آدم ومن دونه تحت لواي يوم

(1) كرضى قبيلة معروفة.
183

القيامة، وإن كان آدم أول الأنبياء فنبوة محمد أقدم منه قوله: كنت نبيا وآدم
منخول في طينته، وإن عجزت الملائكة عن آدم فأعطى القرآن الذي عجز عنه الأولون
والآخرون، وإن قيل لآدم فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه فقال له ليغفر لك
الله، وإن دخل آدم في الجنة فقد عرج به إلى قاب قوسين أو أدنى.
(إدريس (ع)) قوله: (ورفعناه مكانا عليا) أي السماء، وللنبي صلى الله عليه وآله: (ورفعنا
لك ذكرك)، وناجى إدريس ربه، ونادى الله محمدا) فأوحى إلى عبده ما أوحى)
وأطعم إدريس بعد وفاته، وقد أطعمه الله في حال حياته قوله: اني لست كأحدكم
اني أبيت عند ربي ويطعمني ويستقيني.
(نوح (ع)) جرت له السفينة على الماء وهي تجري للكافر والمؤمن ولمحمد جرى
الحجر على الماء، وذلك أنه كان على شفير غدير ووراء الغدير تل عظيم فقال عكرمة
ابن أبي جهل يا محمد ان كنت نبيا فادع من صخور ذلك التل حتى يخوض الماء فيعبر
فدعا بالصخرة فجعلت تأتي على وجه الماء حتى مثلت بين يديه فأمرها بالرجوع فرجعت
كما جاءت، وأجيبت دعوته على قومه لا تذر على الأرض فهطلت له السماء بالعقوبة
وأجيبت لمحمد بالرحمة حيث قال: حوالينا ولا علينا، فنوح رسول العقوبة، ومحمد
رسول الرحمة (وما أرسلناك إلا رحمة)، دعا نوح لنفسه ولنفر يسير رب اغفر لي
ولوالدي، ومحمد دعا لامته من ولد منهم ومن لم يولد واعف عنا، وقال له: (وجعلنا
ذريته هم الباقين) وقال لمحمد (ذرية بعضها من بعض)، كانت سفينته سبب النجاة
في الدنيا، وذرية محمد سبب النجاة في العقبى قوله: مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح
الخبر، وقال نوح: ان ابني من أهلي، فقيل له: انه ليس من أهلك، ومحمد لما أعلنت
من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة ولم ينظر إليهم بعين المقت. قال حسان:
وإن كان نوح نجا سالما * على الفلك بالقوم لما نجا
فان النبي نجا سالما * إلى الغار في الليل لما دجى
(هود (ع)) انتصر من أعدائه بالريح قوله: (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم)، ومحمد
نصره الله يوم الأحزاب والخندق بالريح والملائكة قوله: (بجنود لم تروها) فزاد الله
محمدا على هود بثلاثة آلاف ملك، وفضله على هود بأن ريح عاد ريح سخط وريح محمد
ريح رحمة قوله: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جائتكم) الآية،
وصبر هود في ذات الله وأعذر قومه إذ كذب، والنبي صلى الله عليه وآله صبر في ذات الله
184

وأعذر قومه إذ كذب وشرد وحصب بالحصاة وعلاه أبو جهل بسلا شاة فأوحى
الله إلى جاجائيل ملك الجبال أن شق الجبال وانته إلى أمر محمد، فأتاه فقال له: قد
أمرت لك بالطاعة فان أمرت أطبقت عليهم الجبال فأهلكتهم بها، قال: إنما بعث
رحمة اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
(صالح (ع)) خرجت لصالح ناقة عشراء من بين صخرة صماء، وأخرج لنبينا
رجل من وسط الجبل يدعوا له ويقول: اللهم ارفع له ذكرا اللهم أوجب له أجرا
اللهم أحطط عنه وزرا، وعقر ناقته وعقر أولاد محمد. قال أبو القاسم البارع:
لناقة صالح نادت أناس * وقد خسروا على قتل الحسين
وكان صالح ينذر قومه فقيل له: يا صالح ائتنا بعذاب الله، ومحمد نبي الرحمة قوله
(وما أرسلناك إلا رحمة)، والناقة لم تناطقه ولم تشهد له بالنبوة، وقد تكلمت مع
النبي صلى الله عليه وآله نوق كثيرة. قال الحميري:
بعث الإله؟ إلى ثمود صالحا * منه بنور سلامة لا يشكل
قالوا له اخرج لنا من صخرة * عشراء نحلبها إذا ما تنزل
فتصدعت عن ناقة فتنوا بها * وقضاء ربك ليس عنه مرحل
في حفل درتها لقاح خلفها * سقب ويقدمها هناك وينزل
لما رأوها حافلا حفوا بها * ودعوا بأوعية وقالوا احملوا
حتى عتوا فتمردوا وسطوا بها * بطرا فأسرع في شواها المنصل
خضبوا فراسنها بقان معجل * فرغا هنالك بكرها فاستوصلوا
قبل الصباح بصيحة أخذتهم * بعد الرقاد سرى إليهم منهل
(لوط (ع)). قال حسان بن ثابت:
وإن كان لوط دعا ربه * على القوم فاستؤصلوا بالبلا
فان النبي ببدر دعا * على المشركين بسيف الفنا
فناداه جبريل من فوقه * بلبيك لبيك سل ماتشا
(إبراهيم (ع)) نظر من الملك إلى الملكوت (وكذلك نري إبراهيم)، والحبيب
نظر من الملك إلى الملك (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل)، الخيل طالب قال: (اني
ذاهب إلى ربي) والحبيب مطلوب (أسرى بعبده ليلا)، قال الخليل: (والذي
أطمع أن يغفر لي) وقيل للحبيب: (ليغفر لك الله)، وقال الخليل: (ولا تحزني)
وللحبيب (يوم لا يخزي الله)، وقال الخليل وسط النار: (حسبي الله) وقيل للحبيب
185

(يا أيها النبي حسبك الله)، قال الخليل: (واجعل لي لسان صدق) وقيل للحبيب:
(ورفعنا لك ذكرك)، قال الخليل: (وأرنا مناسكنا) وقيل للحبيب: (لنريه)،
قال الخليل: (واجعلني من ورثة جنة النعيم) وللحبيب: (وللآخرة خير لك)،
الخليل: (والذي هو يطعمني) وللحبيب: (أطعمهم من جوع) لأجلك، الخليل
بخل على أعدائه بالرزق وارزق أهله من الثمرات، والحبيب سخابها على الأعداء حتى
عوتب (ولا تبسطها كل البسط)، الخليل: أقسم بالله وتالله لأكيدن أصنامكم،
واقسم الله بالحبيب (لعمرك انهم)، واتخذ مقام الخليل قبلة (واتخذوا من مقام
إبراهيم) وجعل أحوال الحبيب وأفعاله وأقواله قبلة (لقد كان لكم في رسول الله
أسوة)، الخليل كسر أصنام قومه غضبا لله، والحبيب كسر عن الكعبة ثلاثمائة
وستين صنما وأذل من عبدها بالسيف، اصطفى الخليل بعد الابتلاء (ولقد اصطفيناه)
واصطفى الحبيب قبل الابتلاء (الله يصطفي)، الخليل بذل ماله لأجل الجليل، وخلق
الجليل العالم لأجل الحبيب، مقام الخليل مقام الخدمة (واتخذوا من مقام إبراهيم)،
ومقام الحبيب مقام الشفاعة (عسى أن يبعثك) والشفيع أفضل من الخادم، الخليل
طلب ابتداء الوصلة (قال هذا ربي) والحبيب طلب بقاء الوصلة (وأمرت ان أكون
من المسلمين) والبقاء أفضل من الابتداء، صير الله حر النار على الخليل بردا وسلاما،
وصير السم في جوفه سلاما حين سمته الخيبرية، ثم سخر له نار جهنم التي كانت نار
الدنيا كلها جزءا منها، كان الخليل مناديا بالحج والقربان (وأذن في الناس بالحج)
والحبيب مناديا بالاسلام والايمان مناديا للايمان (أن آمنوا بربكم)، قال للخليل:
(أو لم تؤمن) وقال للحبيب: (آمن الرسول)، قال الخليل: (فإنهم عدو لي)
وقال للحبيب: لولاك لما خلقت الأفلاك، وقيل للخليل (وفديناه بذبح عظيم)
والحبيب فدي أبوه عبد الله بمائه ناقة، وبارك في أولاد الخليل حتى عفوا فأمر داود
في أيامه باحصائهم فعجزوا عن ذلك فأوحى الله تعالى إليه: لما أطاعني بذبح ولده
كثرت ذريته، والحبيب لما ابتلى أيضا بذبح ابنه الحسين كثرت أولاده، وصل الخليل
إلى الجليل بالواسطة (وكذلك نري إبراهيم) ووصل الحبيب بلا واسطة (ثم دنى
فتدلى)، أراد الخليل رضاء الملك في رفع الكعبة (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من
البيت) وأراد الله القبلة في رضاء الحبيب (فلنولينك قبلة ترضها)، كان الابتلاء
للخليل أولا والاجتباء آخرا (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) والحبيب ابتداؤه
بشارة (ليظهر على الدين)، سأل الخليل (واجنبني وبني ان نعبد الأصنام) وقال
186

للحبيب: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس)، الخليل: من يخاله، والحبيب من
تخاله فلا جرم (ولسوف يعطيك ربك فترضى)، الخليل: المريد، والحبيب: المراد،
الخليل: عطشان، والحبيب: ريان.
قال صاحب العين: مخرج الحاء أقصى من مخرج الخاء بدرجة فان الخاء من الحلق
والحاء من الفؤاد فإذا ذكرت الخليل لم تملأ فاك لأنه من الحلق وإذا ذكرت الحبيب
ملأت فاك وقلبك لأنه من الفؤاد.
قالوا: أظهر الله الخليل ولم يظهر الحبيب، الجواب: انه أظهر المحبة لمتبعيه فكيف
المتبوع قوله: (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله).
(يعقوب (ع))) كان له اثنا عشر ابنا، ومحمد صلى الله عليه وآله كان له اثنى عشر وصيا،
وجعل الأسباط من سلالة صلبه ومريم بنت عمران من بناته والهداية في ذريته قوله
(ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب)، ومحمد أرفع ذكرا
من ذلك جعلت فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته والحسن والحسين من ذريته وأتاه
الكتاب المحفوظ لا يبدل ولا يغير، وصبر يعقوب على فراق ولده حتى كاد يحرض،
وصبر محمد على وفاة إبراهيم وعلى ما علم من فحوى ما يجري على ذريته.
(يوسف (ع)) إن كان له جمال، فلمحمد ملاحة وكمال قوله صلى الله عليه وآله: كان
يوسف أحسن ولكنني أملح، وإن كان يوسف في الليل نورانيا، فمحمد في الدنيا
والعقبى نوراني ففي الدنيا يهدي الله لنوره وفي العقبى (انظرونا نقتبس)، يوسف
دعا لمالك بن زعر ليكثر ماله وولده، قال النبي: ستدرك ولدا لي يسمى الباقر فإذا
لقيته فاقرأه مني السلام، وقال لانس: اللهم أطل عمره وأكثر ماله وولده فبقي إلى
أيام عمر بن عبد العزيز وله عشرون من الذكور وثمانون من الإناث وكانت شجراته
كل حول ذوات ثمرتين، صبر يوسف في الجب والحبس والفرقة والمعصية، ومحمد
قاسى من كثرة الغربة والفرقة وحبس في الشعب ثلاث سنين وفي الغار ثلاث ليال،
وكان ليوسف رؤياه، ولمحمد صلى الله عليه وآله لقد صدق الله ورسوله الرؤيا بالحق
لتدخلن المسجد الحرام.
(موسى (ع)) أعطاه الله اثنتا عشرة عينا قوله: (فانفجرت منه اثنتا عشرة
عينا) ومحمد أمر البراء بن عازب يغرس سهمه يوم المبضاة بالحديبية في قليب جافة
(فتفجرت اثنتا عشرة عينا) حتى كفت ثمانية آلاف رجل، وكان لموسى انفجار
الماء من الحجر، ولمحمد انفجار الماء من بين أصابعه وهذا أعجب، وأنزل الله لموسى
187

عمودا من السماء يضئ لهم ليلتهم ويرتفع نهارهم، ورسول الله أعطى بعض أصحابه
عصى تضئ أمامه وبين يديه وأعطى قتادة بن النعمان عرجونا فكان العرجون يضئ
أمامه عشرا قوله: (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) قال ابن عباس والضحاك:
اليد، والعصا، والحجر، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع،
والدم. يروى ان النبي صلى الله عليه وآله استتر للوضوء في بعض أسفاره إلى الشام فأحاط به
اليهود بالسيوف فأثار الله من تحت رجله جراد فاحترشتهم وجعلت تأكلهم حتى أتت
على جميعهم وكانوا مائتي نفر.
وقال صلى الله عليه وآله: ان بين الركن والصفا قبور سبعين نبيا ما ماتوا إلا بضر الجوع
والقمل. وتبعه قوم يوما خاليا فنظر أحدهم إلى ثياب نفسه وفيها قمل ثم جعل بدنه
يحكه فأنف من أصحابه وانسل وأبصر آخر وآخر مثل ذلك حتى وجد كلهم من
نفسه ثم زاد ذلك عليهم حتى استولى ذلك عليهم فماتوا كلهم من خمسة أيام إلى شهرين
وهم جماعة بقتله فخرجوا نحو المدينة من مكة فسلط الله على مزاودهم ورواياهم
وسطايحهم الجرذان فخرقتها ونقبتها وسالت مياهها، فلما عطشوا شعروا فرجعوا
القهقرى إلى الحياض التي كانوا تزودوا منها تلك المياه وإذا الجرذان قد سبقتهم إليها
فنقبت أصولها فسال في الحرة مياهها فتماوتوا ولم ينفك منهم إلا واحد لا يزال يقول
يا رب محمد وآل محمد قد تبت من أذاه ففرج عني بجاه محمد وآل محمد فوردت عليه قافلة
فسقوه وحملوه وأمتعه القوم بالنبي صلى الله عليه وآله فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله له تلك
الجمال والأموال.
واحتجم النبي مرة فدع الدم الخارج منه إلى أبي سعيد الخدري وقال: غيبه،
فذهب فشربه، فقال: ما ذا صنعت به؟ قال: شربته، قال: أو لم أقل لك غيبه!
فقال: قد غيبته في وعاء حريز، فقال: إياك أن تعود لمثل هذا ثم اعلم أن الله قد
حرم لحمك على النار ودمك لما اختلط بلحمي ودمي.
واستهزأ به أربعون نفرا من المنافقين فقال صلى الله عليه وآله: أما ان الله يعذبهم بالدم،
فلحقهم الرعاف الدائم وسيلان دماء من أضراسهم فكان طعامهم وشرابهم يختلط
بدمائهم فبقوا كذلك أربعين صباحا ثم هلكوا.
قوله: (اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء). وأعطي أفضل منه وهو ان نورا
كان عن يمينه حيث ما جلس، وكان يراه الناس كلهم وقد بقي ذلك النور إلى قيام
الساعة، وكان يحب أن يأتيه الحسنان فيناديهما هلما إلي فيقبلان نحوه من البعد قد
188

بلغهما صوته فيقول بسبابته هكذا يخرجهما من الباب فتضئ لهما أحسن من ضوء القمر
والشمس فيأتيان ثم تعود الإصبع كما كانت وتفعل في انصرافهما مثل ذلك قوله:
(وان الق عصاك).
وله ما روي أن الزبير بن العوام انكسر سيفه في بعض الغزوات فأخذ البني صلى الله عليه وآله
خشبته فمسحها من جانبيها فصارت سيفا أجود ما يكون وأضربها فكان يقاتل به.
وان الله تعالى قلب جذوع سقوف يهود نازعوه أفاعي وهي أكثر من مائة جذع
وقصدت نحوهم والتقمت متابع بيتهم فمات منهم أربعة وخبل جماعة وأسلم آخرون
وقالوا: اللهم بجاه محمد الذي اصطفيته وعلي الذي ارتضيته وأوليائهما الذين من سلم
لهم أمرهم اجتبيته فانشر الله الأربعة قوله (فاضرب بعصاك البحر) قال أمير المؤمنين
عليه السلام: خرجنا معه - بعني النبي صلى الله عليه وآله - إلى خيبر فإذا نحن بواد يشخب فقدرناه
فإذا هو أربعة عشرة قامة فقالوا: يا رسول الله العدو من ورائنا والوادي أمامنا كما
قال أصحاب موسى انا لمدركون، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: اللهم انك جعلت
لكل مرسل دلالة فأرني قدرتك وركب فعبرت الخيل لا تندى حوافرها والإبل
لا تندى أخفافها فرجعنا فكان فتحها. وفي رواية أنس انه مطرت السماء ثلاثة أيام
ولياليها بوادي الخزاز فقالوا: يا رسول الله هول عظيم! فقال: أيها الناس اتبعوني
وكنت آخر الناس ولقد رأيت الماء ما بل أخفاف الإبل.
قوله: (ولقد أخذنا فرعون بالسنين)، وروي ان النبي صلى الله عليه وآله قال: اللهم العن
رعلا وذكوان اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعل سنيهم كسني يوسف، ففي
الخبر ان الرجل كان منهم يلحق صاحبه فلا يمكنه الدنو فإذا دنى منه لا يبصره من
شدة دخان الجوع وكان يجلب إليهم من كل ناحية فإذا اشتروه وقبضوه لم يصلوا به
إلى بيوتهم حتى يتسوس وينتن فأكلوا الكلاب الميتة والجيف والجلود ونبشوا القبور
وأحرقوا عظام الموتى فأكلوها وأكلت المرأة طفلها وكان الدخان متراكما بين السماء
والأرض وذلك قوله: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب
أليم)، فقال أبو سفيان ورؤساء قريش: يا محمد أتأمرنا بصلة الرحم؟ فأدرك قومك
فقد هلكوا، فدعا لهم، وذلك قوله: (ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون) فقال
الله تعالى: (انا كاشفوا العذاب قليلا انكم عائدون) فعاد إليهم الخصب والدعة وهو
قوله: (فليعبدوا رب هذا البيت).
انتقم الله لموسى من فرعون، وانتقم لمحمد من الفراعنة (سيهزم الجمع ويولون
189

الدبر)، كان لموسى عصا ولمحمد ذو الفقار، خلف موسى هارون في قومه وخلف
محمد عليا في قومه: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وكان لموسى اثنا عشر نقيبا
ولمحمد اثنى عشر إماما، كان لموسى انفلاق البحر في الأرض فانفلق فكان كل فرق
ولمحمد انشقاق القمر في السماء وذلك أعجب (اقتربت الساعة وانشق القمر)، العصا
بلغت البحر فانفلق (فاضرب بعصاك البحر) وأشار بالإصبع إلى القمر فانشق، وقال
موسى: (رب اشرح لي صدري) وقال الله له: (ألم نشرح لك صدرك)، وقال
لموسى وهارون: (وقولا له قولا لينا) وقال لمحمد: (واغلظ عليهم ولا تطع كل
حلاف)، وأعطى الله موسى المن والسلوى وأحل الغنائم لمحمد ولامته ولم يحل
لاحد قبله، وقال في حق موسى: (وظللنا عليهم الغمام) يعني في التيه، والنبي صلى الله عليه وآله
كان يسير الغمام فوقه، وكلم الله موسى تكليما على طور سيناء، وناجى الله محمدا عند
سدرة المنتهى، وكان واسطة بين الحق وبين موسى ولم يكن بين محمد وربه أحد
(فأوحى إلى عبده)، وليس من مشى برجليه كمن اسرى بسره، وليس من ناداه
كمن ناجاه، ومن نودي من بعد كمن نوجي من قرب، ولم يكلم موسي إلا بعد
أربعين ليلة، ومحمد كان نائما في بيت أم هاني فعرج به، ومعراج موسى بعد الموعود
ومعراج محمد بلا وعد، واختار موسى قومه سبعين رجلا واختير محمد وهو فريد،
ولم يحتمل موسى ما رآه (فخر موسى صعقا) واحتمل محمد ذلك (لقد رأى من
آيات ربه)، معراج موسى نهارا ومعراج محمد ليلا، معراج موسى على الأرض
ومعراج محمد فوق السماوات السبع، اخبر بما جرى بينه وبين موسى، وكتم ما جرى
بينه وبين محمد (فأوحى إلى عبده ما أوحى)، قوله: (ولما جاء موسى لميقاتنا) كأنه
جاء من عند فرعون، (لقد جاءكم رسول) كأنه جاء من عند الله، وقال لموسى:
(وأوحينا إلى موسى وأخيه ان تبوءا لقومكما بمصر بيوتا) وأخرج النبي صلى الله عليه وآله
من مسجده ما خلا العترة، وفي هذا تبيان قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.
قال حسان:
لئن كلم الله موسى على * شريف من الطور يوم الندا
فان النبي أبا قاسم * حبي بالرسالة فوق السما
وقد صار بالقرب من ربه * على قاب قوسين لما دنا
وإن فجر الماء موسى لهم * عيونا من الصخر ضرب العصا
فمن كف أحمد قد فجرت * عيون من الماء يوم الظلما
190

وإن كان هارون من بعده * حبي بالوزارة يوم الملا
فان الوزارة قد نالها * علي بلا شك يوم الفدا
وقال كعب بن مالك الأنصاري:
فان يك موسى كلم الله جهرة * على جبل الطور المنيف المعظم
فقد كلم الله النبي محمدا * على الموضع الاعلى الرفيع المسوم
(داود (ع)) كان له سلسلة الحكومة ليميز؟ الحق من الباطل، ولمحمد القرآن
(ما فرطنا في الكتاب من شئ) وليست السلسلة كالكتاب والسلسلة قد فنيت
والقرآن بقي إلى آخر الدهر. وكان له النغمة، ولمحمد الحلاوة (وإذا سمعوا
ما انزل إلى الرسول). وكان له ثلاثون الف حرس، وكان حارس محمد صلى الله عليه وآله
هو الله تعالى (والله يعصمك من الناس). وسبحت له الوحوش والطيور والجبال،
فالله تعالى وملائكته يشهدون بمحمد وكفى بالله شهيدا (محمد رسول الله). وقال
له: (ألنا له الحديد)، وألان قلب محمد بالرحمة والشفاعة (فيما رحمة من الله لنت لهم)
وألان لهم الصم الصخور الصلاب وجعلها غارا، وكان يحلب الشاة المجهودة ويمسح
ضرعها فيحلب منها كيف شاء. وسخر له الجبال فكن يسبحن، وأخذ النبي صلى الله عليه وآله
أحجارا فأمسكها فسبحن في كفه. وله الطير محشورة كل له أواب، ولمحمد
البراق. وقال له: (وشددنا ملكه)، وشدد ملك محمد حتى نسخ بشريعته سائر
الشرائع. وقال لداود: (لا تتبع الهوى)، وقال لمحمد: (ما ضل صاحبكم)،
قال حسان:
وإن كان داود قد أوبت * جبال لديه وطيرا الهوا
ففي كف أحمد قد سبحت * بتقديس ربي صغار الحصى
سليمان (ع): سخرت له الريح غدوها شهر ورواحها شهر يقال إنه غدا من
العراق وقال (1) بمرو وأمسى ببلخ، وأكرم محمدا بالبراق خطوته مد البصر. وقال
(علمنا منطق الطير)، وروي ان الحمرة فجعت بأحد ولدها فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله
وجعلت تدف على رأس رسول الله فقال: أيكم فجع هذه؟ فقال رجل من القوم: أنا
أخذت بيضها، فقال النبي: ارددها، ومنه كلام البعير والعجل والظبي والشاة والذئب
والضب. وسخرت له الجن والشياطين، وقال للنبي: (قل أوحي إلي انه استمع
نفر من الجن)، وقوله: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) وهم التسعة من اشراف

(1) قال: من القيلولة.
191

الجن بنصيبين واليمن من بني عمرو بن عامر منهم: شصاه، ومصاه، والهملكان،
والمرزبان، والمازمان، ونضاه، وهاضب، وعمرو، وبايعوه على العبادات واعتذروا
بأنهم قالوا على الله شططا. وسليمان كان يصفدهم؟ لعصيانهم، ونبينا أتوه طائعين
راغبين. وسأل سليمان ملك دنيا (رب هب لي ملكا)، وعرض مفاتيح خزائن
الدنيا على محمد فردها، فشتان بين من يسأل وبين من يعطى فلا يقبل، فأعطاه الله
الكوثر والشفاعة والمقام المحمود (ولسوف يعطيك ربك فترضى). وقال لسليمان: (امنن
أو امسك بغير حساب)، وقال لنبينا: (ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا)
قال حسان بن ثابت:
وإن كانت الجن قد ساسها * سليمان والريح تجري رخا
فشهر غدو به رابيا * وشهر رواح به إن يشا
فان النبي سرى ليلة * من المسجدين إلى المرتقى
وقال كعب بن مالك:
وإن تك نمل البر بالوهم كلمت * سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمى
فهذا نبي الله أحمد سبحت * صغار الحصى في كفه بالترنم
(يحيى (ع)) قال الله تعالى له: (وآتيناه الحكم صبيا) وكان في عصر لا جاهلية
فيه، ومحمد أوتي الحكم والفهم صبيا بين عبدة الأوثان وحزب الشيطان. وكان يحيى
أعبد أهل زمانه وأزهدهم، ومحمد أزهد الحلائق وأعبدهم حتى قيل (طه ما أنزلنا).
قال حسان بن ثابت:
وإن كان يحيى بكت عينه * صغيرا وطهره في الصبي
فان النبي بكى قائما * حزينا على الرجل خوف الرجا
فناداه طه أبا قاسم * ولا تشق بالوحي لما أتى
(عيسى (ع)) وأبرئ الأكمه والأبرص ونبينا أتاه معاذ بن عفر فقال: يا رسول الله
اني قد تزوجت وقالوا للزوجة ان بجنبي بياضا فكرهت ان تزف إلي، فقال: اكشف
لي عن جنبك، فكشف له عن جنبه فمسحه بعود فذهب ما به من البرص، ولقد أتاه
من جهينة أجذم يتقطع من الجذام فشكا إليه فأخذ قدحا من ماء فتفل فيه ثم قال:
امسح به جسدك ففعل فبرأ، وبرأ صاحب السلعة.
وأتته امرأة فقالت: يا رسول الله ان ابني قد أشرف على حياض الموت كلما اتيته
192

بطعام وقع عليه التثاؤب فقام وقمنا معه، فلما اتيناه قال له: جانب يا عدو الله ولي الله
فأنا رسول الله، فجانبه الشيطان فقام صحيحا. واتاه رجل وبه أدرة عظيمة فقال: هذه الأدرة تمنعني من التطهير والوضوء،
فدعا بماء فبرك فيه ودعا وتفل فيه ثم امره ان يفيض عليه، ففعل الرجل واغفى إغفاءة
وانتبه فإذا هي قد تقلصت وجاءت امرأة ومعها عكة سمن وأقط ومعها ابنة لها فقالت
يا رسول الله ولدت هذه كمهاء، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله عودا فمسح به عينيها فأبصرتا
ومنه حديث قتادة بن ربعي ومحمد بن مسلمة و عبد الله بن أنيس قوله: وأحيي
الموتى بإذن الله. قال الكلبي: كان عيسى يحيي الأموات بيا حي يا قيوم. وقيل إنه
أحيى أربعة أنفس وهم: عاذر، وابن العجوز، وابنة العاشر، وسام بن نوح.
قال الرضا (ع): لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه ان يحيي لهم
موتاهم، فوجه معهم علي بن أبي طالب (ع) فقال: اذهب إلى الجنانة فناد باسم
هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان ويا فلان يقول لكم رسول الله
قوموا بإذن الله، فقاموا ينفضون التراب عن رؤسهم، فأقبلت قريس تسألهم عن
أمورهم ثم أخبروهم ان محمدا صلى الله عليه وآله قد بعث نبيا فقالوا وددنا انا أدركناه فنؤمن به.
وأحيى صلى الله عليه وآله النفر الذين قتلوا يوم بدر فخاطبهم وكلمهم وعيرهم بكفرهم قوله:
وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون، ومحمد كان ينبئ بأشياء كثيرة. منها قصة خاطب
ابن أبي بلتعة وانفاد كتابه إلى مكة، ومنها قصة عباس وسبب إسلامه،
ابن جريح في قوله (ويعلمه الكتاب والحكمة) ان الله تعالى أعطى عيسى تسعة
أشياء من الحظ والسائر الناس جزءا، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله: أوتيت القرآن
ومثليه. وأنشد:
وإن كان من مات يحيى لكم * يناديه عيسى برب العلى
فان الذراع لقد سمها * يهود لأحمد يوم القرى
فنادته اني مسمومة * فلا تقربني وقيت الأذى
193

فصل: في التكت؟ والإشارات
اختير من أسمائه اثنا عشر اسما، اسمان عبارة: المزمل والمدثر، واسمان إشارة: المذكر
والمنذر، واسمان إشارة: البشير والنذير، واسمان كرامة: النبي والرسول، واسمان
كناية: طه ويس، واسمان علامة: محمد واحمد.
واختير أيضا أربع: الأول - الشمس لان من أيام عيسى إلى أيامه كان العالم
ظلمانيا من الكفر فبلغ شريعته شرقا وغربا أشرق من الشمس. والثاني - النجم وهو
هداية على البلاد والنبي هداية إلى الرشاد. والثالث - السراج فالبيت الظلماني يضئ
بنوره فكذلك محبته تنور القلب وتوقد من سراج الف سراج ولا تنتقص وكذلك
استنار العالم من نور ولم تنقص منه والضال في الظلمة يهدى به ويأمن أهل الدار.
والرابع - طه قيل: الطاء طوله والهاء هدايته.
الحسن وقتادة قالا: طاء ابتداء اسمه طاهر، هاء اسمه هادي فوضع في ابتداء
السورة حرفان من أسمائه حتى إذا قلت طه جرى على لسانك اسمان من أسمائه.
وقالوا: الطاء تسعة والهاء خمسة فجعلها أربعة عشر كالبدر والبدر إذا طلع تشرق الدنيا
وتسمى الليالي البيض، والنبي أشرقت به قلوب المؤمنين ووجوههم يوم تبيض وجوه
وقالت الأنصار:
طلع البدر علينا * من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا * ما دعا لله داع
وسماه؟ النبي في ثلاثة عشر موضعا: (يا أيها النبي حسبك الله)، (يا أيها النبي حرض
المؤمنين)، (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم)، (يا أيها النبي جاهد الكفار)، (يا أيها النبي
اتق الله)، (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن)، (يا أيها النبي انا جعلناك)،
(يا أيها النبي انا أرسلناك)، (يا أيها النبي انا أحللنا لك)، (يا أيها النبي إذا جائك
المؤمنات)، (يا أيها النبي لم تحرم)، (يا أيها النبي قل لأزواجك)، (يا أيها النبي
إذا طلقتم).
وقد مدح الله لاثني عشر من الأنبياء باثني عشر نوعا من الطاعة: مدح إسحاق ويعقوب
بالطاعة (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) ولعيسى بالزهادة قيل له لو اتخذت منزلا أو اشتريت
دابة فقال ما قال، ولسليمان بالسخاء وكان يطعم كل يوم سبعمائة جريب من الحواري
194

وهو يأكل الحسكل، ولإبراهيم بالرحمة (ان إبراهيم لحليم أواه منيب) وفيه قصة
المجوس الذين أسلموا من ضيافته، لنوح بالصلابة (رب لا تذرني فردا)، وأيضا
من موسى وهارون (ربنا انك آتيت فرعون)، فبالغ نبينا صلى الله عليه وآله في هذه الخصال
حتى نهاه عن ذلك. الاستغفار (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم)، المجاهدة (ولا تعجل
بالقران)، العبادة (طه ما أنزلنا)، الزهد (لم تحرم ما أحل الله لك) وفيه حديث
مارية، وعرض عليه مفاتيح الدنيا فأبى، السخاء (ولا تجعل يدك مغلولة)، الرحمة
(واغلظ عليهم) وقال (فلعلك باخع نفسك). الصلابة (لست عليهم بمسيطر)
(يا أيها النبي جاهد الكفار) وفيه قصة ابن مكتوم، الانذار (نبئ عبادي اني أنا
الغفور الرحيم)، عيب آلهتهم (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله).
وانه تعالى اقسم لأجله بخمسة عشر قسما: بهدايته (والنجم إذا هوى)، برسالته
(يس والقرآن الحكيم)، بولي عهده (والعاديات ضبحا)، بمعراجه (لتركبن طبقا
عن طبق)، بشريعته (والعصر ان الانسان لفي خسر)، بكتابه (ق والقرآن
المجيد)، بخلقه (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم)، بخلقه (ن والقلم)، بزيادة
نوافله (طه ما أنزلنا)، بطهارته (فلا اقسم بما تبصرون)، ببلده (لا اقسم بهذا البلد)
بمحبته (والضحى والليل)، بتهديد مؤذيه (كلا لئن لم ينته)، بعقوبة أعدائه (كلا
انهم عن ربهم يومئذ)، بعمره (لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون)، ومن شدة
فرط المحبة ان يحلف بعمر حبيبه.
وكل ما سأل الأنبياء من الله تعالى أعطاه بلا سؤال: آدم (وإن لم تغفر لنا)
وله (ليغفر لك الله)، نوح (لا تذر على الأرض) وله (انا كفيناك المستهزئين)،
إبراهيم (ولا تحزني يوم يبعثون) وله (يوم لا يخزي الله النبي)، شعيب (ربنا
افتح بيننا) وله (انا فتحنا لك)، لوط (رب انصرني على القوم) وله (وينصرك
الله)، موسى (قال رب اشرح لي صدري) وله (ألم نشرح لك صدرك)، موسى
(اخلفني في قومي) وله (إنما وليكم الله).
وكان له اثنان وعشرون خاصية: كان أحسن الخلائق (الذي خلقك فسواك)
وأجملهم (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) وأطهرهم (طه ما أنزلنا) وأفضلهم
(وكان فضل الله عليك كبيرا) وأعزهم (لقد جائكم رسول) وأشرفهم (انا أرسلناك)
وإظهار المعجزة (قل لئن اجتمعت الإنس والجن) وأهيب الناس (سنلقي في قلوب
الذين كفروا) وأكملهم سعادة (عسى ان يبعثك ربك) وأكرمهم كرامة (سبحان
195

الذي اسرى) وأقربهم منزلة (ثم دنى فتدلى) وأقواهم نصرة (وينصرك الله نصرا)
وأصحهم رؤيا (لقد صدق الله ورسوله الرؤيا) وأكملهم رسالة (الله نزل أحسن
الحديث) وأحسنهم دعوة (فبشر عبادي الذين) واعصمهم عصمة (والله يعصمك)
وابعدهم صيعا (ورفعنا لك ذكرك) وأحسنهم خلقا (وانك لعلى خلق عظيم) وأبقاهم
ولاية (ليظهره على الدين كله) وأعلاهم خاصية (لعمرك) وأجلهم خليفة (إنما
وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) وأطهرهم أولاد (إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس).
وان الله تعالى وضع ثلاثة أشياء على هوى الرسول صلى الله عليه وآله: الصلاة (ومن الليل
فسبح وأطراف النهار)، والشفاعة (ولسوف يعطيك ربك)، والقبلة (فلنولينك
قبلة) كقول الناس: من حب فلان لفلان انه إن امره بتحويل القبلة لحولها.
وأعطى التوراة لموسى، والإنجيل لعيسى، والزبور لداود. وقال النبي صلى الله عليه وآله
أوتيت السبع الطوال مكان التوراة والمابين (1) مكان الإنجيل والمثاني مكان الزبور
وفضلني ربى بالفضل.
وانه شاركه مع نفسه في عشرة مواضع: (ولله العزة ولرسوله)، (أطيعوا
الله وأطيعوا الرسول)، (ومن يعص الله ورسوله)، (ان الذين يؤذون الله
ورسوله)، (استجيبوا لله وللرسول)، (وينصرون الله ورسوله)، (إذا نصحوا
لله ولرسوله)، (فاذنوا بحرب من الله ورسوله)، (فآمنوا بالله ورسوله)، (ومن
يتول الله ورسوله).
ومن جلالة قدره ان الله نسخ بشريعته سائر الشرائع ولم ينسخ شريعته. ونهى
الخلق ان يدعوه باسمه (لا تجعلوا دعاه الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) وإنما كان
ينبغي ان يدعو له: يا أيها الرسول يا أيها النبي، ولم يأذن بالجهر عليه (يا أيها الذين
آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)، وان الله تعالى أرسل سائر الأنبياء إلى
طائفة دون أخرى قوله: (وما أرسلنا من نبي إلا بلسان قومه)، كما قال: (انا
أرسلنا نوحا إلى قومه). والى عاد أخاهم هودا، والى ثمود أخاهم صالحا قرية واحدة
لم تكمل أربعين بيتا، والى مدين أخاهم شعيبا ولم تكمل أربعين بيتا، ثم أرسلنا موسى
وأخاه هارون إلى مصر وحدها، وأرسل إبراهيم بكوثى وهي قرية من السواد،

(1) كذا بالأصل.
196

وكان بعده لإسحاق ويعقوب في أرض كنعان، ويوسف في أرض مصر، ويوشع
إلى بني إسرائيل في البرية، والياس في الجبال. وارسل نبينا صلى الله عليه وآله إلى الناس كافة
قوله: (نذيرا للبشر)، والى الجن أيضا قوله: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن)،
والى الشياطين أيضا قال صلى الله عليه وآله: ان الله أعانني على شيطان حتى أسلم على يدي قوله:
(وما أرسلناك إلا كافة)، وقال صلى الله عليه وآله: بعثت إلى الأحمر والأسود والأبيض،
وقال صلى الله عليه وآله: بعثت إلى الثقلين. وانه علق خمسة أشياء باتباعه: المحبة (فاتبعوني
يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)، والفلاح (فاتبعوه لعلكم تفلحون)، والهداية (فمن
تبع هداي فلا يضل ولا يشقى)، والرحمة (فسأكتبها للذين) الآية.
المقام أربعة: مقام الشوق لشعيب حيث بكى من خوف الله، ومقام السلام
لإبراهيم (إذ جاء ربه بقلب سليم)، ومقام المناجاة لموسى (وقربناه نجيا؟)، ومقام
المحبة للنبي (فكان قاب قوسين).
وسمى الله تعالى نوحا شكورا (انه كان عبدا شكورا)، وإبراهيم حليما (ان
إبراهيم لحليم)، وموسى كليما (وكلم الله موسى تكليما)، وجمع له كما جمع لنفسه
فقال: (ان الله بالناس لرؤف رحيم)، وله (بالمؤمنين رؤوف رحيم)، قيل هما واحد
وقيل: الرؤف شدة الرحمة رؤوف بالمطيعين رحيم بالمذنبين رؤوف بأقربائه رحيم بأصحابه
رؤوف بعترته رحيم بأمته رؤوف بمن رآه رحيم بمن لم يره، وانه مدح كل عضو من
أعضائه: نفسه (لا يكلف إلا نفسك)، رأسه (يا أيها المدثر)، شعره (والليل إذا
سجى)، عينه (ولا تمدن عينيك)، بصره (ما زاغ البصر)، اذنه (ويقولون هو
اذن)، لسانه (فإنما يسرناه بلسانك)، كلامه (وما ينطق عن الهوى)، وجهه
(قد نرى تقلب وجهك)، خده (ولا تصعر خدك)، فؤاده (ما كذب الفؤاد)،
قلبه (على قلبك)، صدره (ألم نشرح لك صدرك)، ظهره (الذي أنقض ظهرك)
يده (ولا تجعل يدك)، قيامه (حين تقوم)، صوته (فوق صوت النبي)، رجله
(طه ما أنزلنا) يعني طأ الأرض بقدميك، روحه (لعمرك انهم لفي سكرتهم
يعمهون)، خلقه (وانك لعلى خلق، ثوبه (وثيابك فطهر)، علمه (وعلمك ما لم
تكن تعلم)، صلاته (فتهجد به نافلة لك)، صومه (ان لك في النهار)، كتابه
(وانه لكتاب عزيز)، دينه (دينهم الذي ارتضى لهم)، أمته (كنتم خير أمة)،
قبلته (فلنولينك قبلة)، بلده (لا أقسم بهذا البلد)، قضاياه (إذا قضى الله ورسوله
أمرا)، جنده (والعاديات ضبحا)، عزته (ولله العزة ولرسوله)، عصمته (والله
197

يعصمك من الناس)، شفاعته (فلعلك ترضى)، صلابته (براءة من الله ورسوله)،
وصيه (إنما وليكم الله ورسوله)، أهل بيته (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت).
وإنما سماه نورا (لقد جائكم من الله نور)، وسماه ظلا (ألم تر إلى ربك كيف
مد الظل) فبنوره يضئ البلاد وبظله يعيش العباد، وقال لسائر الأنبياء: (فبهداهم
اقتده)، وقال له: (وان تطيعوه تهتدوا).
قوله: (ولله العزة)، الملوك لهم عيش بلا دين، والملائكة لهم دين بلا عيش،
فأعطاه الله عيش الملوك ودين الملائكة. قوله: (طسم) يقال: طا شجرة طوبى
وسين سدرة المنتهى وميم محمد المصطفى.
وسئل: ان الله تعالى سماه سراجا منيرا والشمع أنور، والجواب: ان الشمع
للأغنياء والسراج للفقراء فلم يحرمهم من نوره، والشمس للظاهر لا للباطن وتضئ
بالنهار دون الليل وتخفى يوم الغيم والسراج تعم ذلك.
قوله: (ألم يجدك يتيما فآوى) من كنت له أمينا فلا يكون يتيما، أليس الله بكاف
عبده، وان مات أبواك فأنا الحي الذي لا أموت، أربيك كما ير بيان (قل من يكلؤكم
بالليل) وأرزقك كما يرزقان (نحن نرزقك) والعاقبة وهكذا.
للحفظ (والله يعصمك من الناس)، وللمدح (وسراجا منيرا)، وللنصرة (هو
الذي أيدك بنصره)، وللتزويج (يا أيها النبي انا أحللنا لك)، وللمحبة (ما ودعك
ربك)، وللقربة (ثم دنى فتدلى)، وللعفو (ليغفر لك الله)، وللآخرة (وللآخرة
خير لك من الأولى). فأي الأبوين يقيم بجميع ذلك؟ ومع هذا جعلت الدارين
تحت ختمك ليظهره على الدين كله في الدنيا وعسى أن يبعثك ربك في العقبى.
قوله: (وخاتم النبيين). جابر وأبو هريرة: ان النبي صلى الله عليه وآله قال: وإنما مثلي
ومثل الأنبياء كرجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها
ويعجبون بها ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين.
قوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، لان كل نبي جاء بعقوبة كنوح وهود
وشعيب وصالح وانه جاء بالرحمة، فبحرمته سلم الكافر من العقوبة والمنافق من السيف
في الدنيا فلاغر وأن ينجو المؤمن من النار في العقبى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)
قوله: (النبي الأمي الذي يجدونه)، وقال صلى الله عليه وآله: نحن أمة أمية لا نكتب ولا
نحسب. وقيل: أمي منسوبة إلى أمته، يعني جماعة عامة والعامة لا تعلم الكتابة.
ويقال: سمى بذلك لأنه من العرب وتدعى العرب الأميون قوله: (هو الذي بعث
198

في الأميين). وقيل: لأنه يقول يوم القيامة: أمتي أمتي. وقيل: لأنه الأصل
وهو بمنزلة الام يرجع الأولاد إليها، و منه أم القرى. وقيل: لأنه لامته بمنزلة
الوالدة الشفيقة بولدها، فإذا نودي في القيامة يوم يفر المرء من أخيه تمسك بأمته.
وقيل منسوبة إلى أم وهي لا تعلم الكتابة لان الكتابة من امارات الرجال. وقالوا:
نسب إلى أمه يعني الحلقة. قال الأعشى:
وان معاوية الأكرمين * حسان الوجوه طوال الأمم
قال المرتضى في قوله: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب) الآية، ظاهر الآية
يقتضي نفي الكتابة والقراءة بما قبل النبوة دون ما بعدها، ولان التعليل في الآية
يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوة، لأنهم إنما يرتابون في نبوته لو كان يحسنها
قبل النبوة، فأما بعدها فلا تعلق له بالريبة، فيجوز أن يكون تعلمها من جبرئيل بعد
النبوة، ويجوز أن لا يتعلم فلا يعلم،
قال الشعبي وجماعة من أهل العلم: ما مات رسول الله حتى كتب وقرأ.
وفي حديث محمد بن علي الرضا (ع) في قوله: (هو الذي بعث في الأميين)
فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن؟ والله لقد كان رسول الله يقرأ ويكتب باثنين وسبعين
وقال ثلاثة وسبعين لسانا وقد شهر في الصحاح والتواريخ قوله صلى الله عليه وآله: ائتوني بدواة
وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا.
قوله: (محمد رسول الله)، قد سماه بهذا الاسم في أربعة مواضع: (وما محمد إلا
رسوله)، (ما كان محمد أبا أحد)، (وآمنوا بما نزل على محمد)، و (محمد رسول الله)
النبي صلى الله عليه وآله: إذا سميتم ولدكم محمدا فلا تسبوه ولا تضربوه، بورك في بيت فيه
محمد ومجلس فيه محمد ورفقة فيها محمد، وما اجتمع قوم قط في مشورة وفيهم رجل
اسمه محمد فلم يدخلوه في مشورتهم إلا لم يبارك فيهم.
قال أهل الإشارات: الميم ميثاق الله على الأنبياء لأجله، قوله: (وإذ أخذ الله
ميثاق النبيين)، والحاء حبه في قلوب المرسلين، وتلبه في أصلاب الطاهرين (الذي
يراك حين تقوم)، والميم الثاني مرتبته في كتب الأنبياء (النبي الأمي الذي يجدونه
في التوراة والإنجيل)، والدال دولته إلى الأبد. قوله: أنا دعوة إبراهيم وبشارة
عيسى ورؤيا أمي. وقيل: الميم الأول فإنه المعرفة أعطاه الله المعرفة بعلم الأولين
والآخرين، وأما الحاء فان الله تعالى أحيى المسلمين على يديه من الكفر بالاسلام حيث
قال: (وكنتم أمواتا فأحياكم)، والميم الثاني أعطاه الله مملكة لم يعط أحدا مثل ذلك
199

وأما الدال فهو الدليل لجميع الخلائق إلى الفردوس. وقيل: امح الشرائع ومد
شريعتك، ومحى الشرك ومد الاسلام. وقيل: ميم ملكه الممدوح، حاء حوضه
المورود، ميم مقامه المحمود، دال دينه المشهود. وقيل: لم يكن لموسى من اسمه
إلا حرفا فسلم من الغرق، ولا لنوح إلا حرفا فسلم من الطوفان، ولا لسليمان إلا
حرفا فوجد الملك، ولا لداود إلا حرفا فوجد الملك، فمن له كذا اسما إلا ينجو من
من النار ولا يصل إلى الجنة.
الأمة بأسرها وجدوا حرفا من اسمه، والامامية وجدوا حرفين فأخذوا الشريعة
بطرفيها، وان الله خلق صورة بني آدم على صورة اسمه، فالميم بمنزلة الرأس، والحاء
بمنزلة اليدين، والميم بمنزلة البطن، والدال بمنزلة الرجلين فلما خلق الخلق على صورة اسمه
اليوم فيرجى أن يحشرهم في زمرته غدا ويرحمهم بشفاعته (ولسوف يعطيك ربك فترضى)
قال سيبويه: أحمد على وزن أفعل يدل على فضله على سائر الأنبياء لأنه ألف
التفضيل، ومحمد على وزن مفعل والأنبياء محمودون فهو أكثر حمدا من المحمود
والتشديد للمبالغة يدل على أنه كان أفضلهم.
أنس: قال رجل في السوق: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله فقال الرجل:
إنما أدعو ذلك الرجل، فقال صلى الله عليه وآله: سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي.
أبو هريرة: أنه قال: لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي أنا أبو القاسم الله يؤتي القسم وأنا أقسم.
وروي ان قريشا لما بنت البيت وأرادت وضع الحجر تشاجروا في وضعه حتى
كاد القتال يقع فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا محمد الأمين قد رضينا بك، فأمر
بثوب فبسط ووضع الحجر في وسطه ثم أمر من كل فخذ من أفخاذ قريش أن يأخذ
جانب الثوب ثم رفعوا فأخذه رسول الله بيده فوضعه.
ويروى انه كان يسمى الأمين قبل ذلك بكثير، وهو الصحيح.
وفي الحساب سيد النبيين صلى الله عليه وآله وزنه المصطفى محمد رسول الله لان
عدد كل واحد منهما استويا في سبعمائة وأربعة عشر. (المناقب ج 1، م 25)
200

فصل: في وفاته صلى الله عليه وآله
ابن عباس والسدي: لما نزل قوله تعالى: (انك ميت وانهم ميتون) قال رسول الله
ليتني أعلم متى يكون ذلك، فنزلت سورة النصر، فكان يسكت بين التكبير والقراءة
بعد نزولها فيقول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فقيل له في ذلك
فقال: أما أن نفسي نعيت إلي، ثم بكى بكاءا شديدا فقيل: يا رسول الله أو تبكي من
الموت وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: فأين هول المطلع وأين
ضيقة القبر وظلمة اللحد وأين القيامة والأهوال فعاش بعد نزول هذه السورة عاما
الأسباب والنزول عن الواحدي انه روى عكرمة عن ابن عباس قال: لما أقبل
رسول الله صلى الله عليه وآله من غزوة حنين وأنزل الله سورة الفتح قال: يا علي بن
أبي طالب ويا فاطمة (إذا جاء نصر الله والفتح) إلى آخر السورة.
وقال السدي وابن عباس: ثم نزلت (لقد جائكم رسول من أنفسكم) الآية،
فعاش بعدها ستة أشهر، فلما خرج إلى حجة الوداع نزلت عليه في الطريق:
(يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) الآية، فسميت آية الصيف، ثم نزلت عليه
وهو واقف بعرفة: (اليوم أكملت لكم دينكم) فعاش بعدها واحدا وثمانين يوما، ثم
نزلت عليه آيات الربوا، ثم نزلت بعدها: (وانقوا يوما ترجعون فيه)، وهي آخر
آية نزلت من السماء فعاش بعدها واحدا وعشرين يوما. قال ابن جريج: تسع ليال.
وقال ابن جبير ومقاتل: سبع ليال.
وقال الله تعالى تسلية للنبي صلى الله عليه وآله: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله
الرسل) وقال: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلداء فان مت فهم الخالدون).
ولما مرض النبي صلى الله عليه وآله مرضه الذي توفي فيه وذلك يوم السبت أو يوم الأحد
من صفر أخذ بيد علي (ع) وتبعه جماعة من أصحابه وتوجه إلى البقيع ثم قال: السلام
عليكم أهل القبور وليهنكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم
يتبع آخرها أولها ان جبرئيل كان يعرض علي القرآن كل سنة مرة وقد عرضه
علي العام مرتين ولا أراه إلا لحضور أجلي، ثم خرج يوم الأربعاء معصوب الرأس
متكئا على علي (ع) بيمنى يديه وعلى الفضل باليد الأخرى فصعد المنبر فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فإنه قد حان مني خفوق بين أظهر كم فمن كانت له
عندي عدة فليأتني أعطه إياها ومن كان له علي دين فليخبرني به. فقام رجل فقال
201

يا رسول الله ان لي عندك عدة اني تزوجت فوعدتني أن تعطيني ثلاثة أواقي، فقال
ايماء: انحلها يا فضل، ثم نزل. فلما كان يوم الجمعة صعد المنبر فخطب ثم قال:
معاشر أصحابي أي نبي كنت لكم ألم أجاهد بين أظهركم؟ ألم تكسر رباعيتي؟ ألم يعفر
جبيني؟ ألم تسل الدماء على حر وجهي؟ ألم أكابد الشدة والجهد مع جهال قومي؟ ألم
أربط حجر المجاعة على بطني؟. فقالوا: بلى يا رسول الله. قال: ان ربي حكم وأقسم
ألا يجوزه ظلم ظالم فأنشدكم الله أي رجل كانت له قبل محمد مظلمة إلا قام فالقصاص
في دار الدنيا أحب إلي من القصاص في دار الآخرة على رؤس الملائكة والأنبياء.
فقام إليه رجل يقال له سوادة بن قيس فقال: انك لما أقبلت من الطائف استقبلتك
وأنت على ناقتك العضباء وبيدك القضيب الممشوق فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة
فأصاب بطني، فقال صلى الله عليه وآله لبلال: قم إلى منزل فاطمة فأتيني بالقضيب الممشوق.
فلما مضى إليها سألت فاطمة: وما يريد به؟ قال: أما علمت أنه يودع أهل الدين
والدنيا، فصاحت وهي تقول: وا غماه لغمك يا أبتاه. فلما ورد إليه قال: أين
الشيخ؟ قال: ها أنا ذا يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فقال: فاقتص حتى ترضى،
فقال الشيخ: فاكشف لي عن بطنك، ثم قال: أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك؟
فأذن له، فقال: أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله، فقال: اللهم اعف
عن سوادة بن قيس كما عفى عن نبيك محمد. وقال صلى الله عليه وآله: لم يمت نبي قط إلا خلف
تركة وقد خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي. ثم دخل بيت أم سلمة قائلا: رب
سلم أمة محمد من النار ويسر عليهم الحساب.
ابن بطة والطبري ومسلم والبخاري واللفظ له: انه سمع ابن عباس يقول:
يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى، فقيل له: وما يوم
الخميس؟ فقال: اشتد برسول الله وجعه يوم الخميس فقال ائتوني بداوة وكتف
أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا:
هجر رسول الله. وفي رواية مسلم والطبري قالوا: ان رسول الله يهجر.
وقال يونس الديلمي:
وصى النبي فقال قائلهم * قد ظل يهجر سيد البشر
البخاري ومسلم في خبر أنه قال عمر: النبي صلى الله عليه وآله قد غلب عليه الوجع وعندكم
القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل ذلك البيت واختصموا، منهم من يقول:
قربوا يكتب لكم رسول الله كتابا لن تضلوا بعده أبدا، ومنهم من يقول: القول
202

ما قال عمر، فلما كثر اللفظ والاختلاف عند النبي فقال: قوموا. فكان ابن عباس
يقول: ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب
من اختلافهم ولغطهم.
مسند أبي يعلى وفضايل أحمد عن أم سلمة في خبر: والذي تحلف بن أم سلمة انه
كان آخر الناس عهدا برسول الله علي وكان رسول الله بعثه في حاجة غداة قبض
فكان يقول: جاء علي؟ ثلاث مرات، قال: فجاء قبل طلوع الشمس فخرجنا من البيت
لما عرفنا ان له إليه حاجة، فأكب عليه على فكان آخر الناس به عهدا وجعل
يساره ويناجيه.
الطبري في الولاية، والدار قطني في الصحيح، والسمعاني في الفضائل، وجماعة
من رجال الشيعة عن الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن، و عبد الله بن العباس،
وأبي سعيد الخدري، و عبد الله بن الحارث واللفظ الصحيح ان عائشة قالت: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في بيتها لما حضره الموت: ادعوا لي حبيبي، فدعوت له
أبا بكر فنظر إليه ثم وضع رأسه ثم قال: ادعوا لي حبيبي، فدعوت له عمر فلما نظر
إليه قال: ادعوا لي حبيبي، فقلت: ويلكم ادعوا له علي بن أبي طالب فوالله ما يريد
غيره، فلما رآه أفرج له الثوب الذي كان عليه ثم أدخله فيه ولم يزل يحتضنه حتى
قبض ويده عليه.
أحمد في مسنده عن ابن عباس: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرضه
الذي مات فيه قال: ادعوا لي عليا، قالت عائشة: ندعوا لك أبا بكر؟ قالت حفصة
ندعوا لك عمر؟ قالت أم الفضل ندعوا لك العباس؟ فلما اجتمعوا رفع رأسه فلم ير
عليا (ع) فسكت. فقال عمر: قوموا عن رسول الله، الخبر.
ومن طريقة أهل البيت عليهم: ان عائشة دعت أباها فأعرض عنه ودعت حفصة
أباها فأعرض عنه، ودعت أم سلمة عليا فناجاه طويلا ثم أغمي عليه، فجاء الحسن
والحسين يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله وأراد علي أن ينحيهما عنه فأفاق
رسول الله ثم قال: يا علي دعهما أشمهما ويشماني وأتزود منهما ويتزودان مني، ثم جذب
عليا تحت ثوبه ووضع فاه على فيه وجعل يناجيه، فلما حضره الموت قال له: ضع
رأسي يا علي في حجرك فقد جاء أمر الله فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها
وجهك ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري وصل علي أول الناس ولا تفارقني حتى
تواريني في رمسي واستعن بالله عز وجل وأخذ علي برأسه فوضعه في حجره وأغمي
203

عليه، فبكت فاطمة فأومى إليها بالدنو منه فأسر إليها شيئا تهلل وجهها، القصة. ثم
قضى، ومد أمير المؤمنين يده اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها إلى وجهه
فمسحه بها، ثم وجهه ومد عليه أزاره واستقبل بالنظر في أمره.
وروى أنه قال جبرئيل: ان ملك الموت يستأذن عليك وما استأذن أحدا قبلك
ولا بعدك، فأذن له فدخل وسلم عليه وقال: يا أحمد ان الله تعالى بعثني إليك لأطيعك
أقبض أو أرجع؟ فأمره فقبض.
الباقر (ع): لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله الوفاة نزل جبرئيل فقال: يا رسول الله
تريد الرجوع إلى الدنيا؟ قال: لا وقد بلغت، ثم قال له: يا رسول الله تريد الرجوع
إلى الدنيا؟ قال: لا، الرفيق الاعلى.
الصادق (ع): قال جبرئيل: يا محمد هذا آخر نزولي إلى الدنيا إنما كنت أنت
حاجتي منها.
وروي انه صلى الله عليه وآله اسل علي (ع) من تحت ثيابه وقال: عظم الله أجوركم في
نبيكم، فقيل له ما الذي ناجاك به رسول الله تحت ثيابه؟ فقال علمني ألف باب من العلم
فتح لي من كل باب الف باب وأوصاني بما أنا به قائم انشاء الله.
أبو عبد الله بن ماجة في السنن وأبو يعلى الموصلي في المسند، قال أنس: كانت
فاطمة (ع) تقول لما ثقل النبي صلى الله عليه وآله: أتاه جبرئيل ينعاه، فقالت فاطمة يا أبتاه من
ربه ما أدناه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه.
الكافي: اجتمعت نسوة بني هاشم وجعلن يذكرن النبي فقالت فاطمة: اتركن
التعداد وعليكن بالدعاء.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم
المصائب. وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام:
الموت لا والد يبقي ولا ولدا * هذا السبيل إلى أن لا ترى أحدا
هذا النبي ولم يخلد لامته * لو خلد الله خلقا قبله خلدا
للموت فينا سهام غير خاطئة * من فاته اليوم سهم لم يفته غدا
وقالت الزهراء عليها السلام:
إذا مات قرم قل والله ذكره * وذكر أبي مذ مات والله أزيد
تذكرت لما فرق الموت بيننا * فعزيت نفسي بالنبي محمد
فقلت لها ان الممات سبيلنا * ومن لم يمت في يومه مات في غد
204

وقال ديك الجن:
تأمل إذا الأحزان فيك تكاثرت * أعاش رسول الله أم ضمه القبر
وقال إبراهيم بن المهدي:
اصبر لكل مصيبة وتجلد * واعلم بأن المرء غير مخلد
أو ما ترى ان الحوادث جمة * وترى المنية للرجال بمرصد
فإذا ذكرت مصيبة تشجى بها * فاذكر مصابك بالنبي محمد
ولغيره:
فلو كانت الدنيا يدوم بقاؤها * لكان رسول الله فيها مخلدا
تاريخ الطبري، وإبانة العكبري، قال ابن مسعود: قيل للنبي صلى الله عليه وآله: من يغسلك
يا رسول الله؟ قال: أهلي الأدنى.
حلية الأولياء، وتاريخ الطبري: ان علي بن أبي طالب كان يغسل النبي والفضل
يصب الماء عليه وجبرئيل يعينهما وكان علي يقول: ما أطيبك حيا وميتا.
مسند الموصلي في خبر عن عائشة: ثم خلوا بينه وبين أهل بيته فغسله علي بن
أبي طالب (ع) وأسامة بن زيد.
الصفواني في الإحن والمحن باسناده عن إسماعيل بن عبد الله عن أبيه عن علي (ع)
قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أنا مت فاغسلني بسبع قرب من
بئري بئر غرس.
إبانة ابن بطة قال يزيد بن بلال قال علي: أوصى النبي أن لا يغسله أحد غيري
فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه، قال: فما تناولت عضوا إلا كأنما كان
يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله.
وروي انه لما أراد علي غسله استدعى الفضل بن عباس ليعينه وكان مشدود
العينين وقد أمره علي (ع) بذلك اشفاقا عليه من العمى. قال الحميري:
هذا الذي وليته عورتي * ولو رأى عورتي سواه عمى - كذا -
وله أيضا:
من ذا تشاغل بالنبي وغسله * ورأي عن الدنيا بذاك عزاء
وقال العبدي:
من ولى غسل النبي ومن * لففه من بعده في الكفن
205

وقال السروجي:
غسله إمام صدق طاهر * من دنس الشرك وأسباب الغير
فأورث الله عليا علمه * وكان من بعد إليه يفتقر
وقال غيره: كان بغسل النبي مشتغلا * فافتتنوا والنبي لم يقبر
وقال أبو جعفر (ع): قال الناس: كيف الصلاة عليه؟ فقال علي: ان
رسول الله إمام حيا وميتا فدخل عليه عشرة فصلوا عليه يوم الاثنين وليلة
الثلاثاء حتى الصباح ويوم الثلاثاء حتى صلى عليه الأقرباء والخواص ولم يحضر أهل
السقيفة، وكان علي (ع) أنفذ إليهم بريدة وإنما تمت بيعتهم بعد دفنه. وقال
أمير المؤمنين سمعت رسول الله يقول: إنما نزلت هذه الآية في الصلاة علي بعد قبض
الله لي: (ان الله وملائكته يصلون علي النبي) الآية.
وسئل الباقر (ع): كيف كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله؟ فقال: لما غسله
أمير المؤمنين وكفنه سجاه وأدخل عليه عشرة عشره فداروا حوله ثم وقف
أمير المؤمنين في وسطهم فقال: (ان الله وملائكته) الآية، فيقول القوم مثل
ما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي. واختلفوا أين يدفن؟ فقال
بعضهم: في البقيع، وقال آخرون: في صحن المسجد، فقال أمير المؤمنين: ان الله
لم يقبض نبيه إلا في أطهر البقاع فينبغي أن يدفن في البقعة التي قبض فيها. فاتفقت
الجماعة على قوله ودفن في حجرته.
تاريخ الطبري في حديث ابن مسعود قلنا: فمن يدخلك قبرك يا نبي الله؟ قال: أهلي
وقال الطبري وابن ماجة: الذي نزل في قبر رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي
طالب والفضل وقثم وشقران ولهذا قال أمير المؤمنين: أنا الأول أنا الآخر.
قال الحميري:
وكفاه تغسيله وحده * أحمد ميتا ووضعه في اللحد
وقال العبدي:
من كان صنو النبي غير علي * من غسل الطهر ثم واراه
وقال العوني:
من غسل المرسل من أنزله * في لحده وعنه للدين قضى
206

وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام:
نفسي على زفراتها محبوسة * يا ليتها خرجت مع الزفرات
لا خير بعدك في الحياة وإنما * أخشى مخافة ان تطول حياتي
وله عليه السلام:
أمن بعد تكفين النبي ودفنه * بأثوابه أسى على هالك ثوى
رزئنا رسول الله فينا فلن نرى * بذاك عديلا ما حيينا من الورى
وكان لنا كالحصن من دون أهله * لهم معقل حرز حريز من العدى
وكنا به شم الأنوف بنحوه * على موضع لا يستطاع ولا يرى
فيا خير من ضم الجوانح والحشا * ويا خير ميت ضمه الترب والثرى
كأن أمور الناس بعدك ضمنت * سفينة موج البحر والبحر قد طمى
وضاق فضاء الأرض عنهم برحبه * لفقد رسول الله إذ قيل قد قضى
فيا حزنا انا رأينا نبينا * على حين تم الدين واشتدت القوى
وكان الالى شبهته سفر ليلة * أضل الهدى لا نجم فيها ولا ضوي
وله عليه السلام عند زيارة سيد الأنام:
ما غاض دمعي عند نائبة * إلا جعلتك للبكا سببا
وإذا ذكرتك سامحتك به * مني الجفون ففاض وانسكبا
اني أجل ثرى حللت به * عن أن أرى بسواه مكتئبا
وله عليه السلام:
فقد نزلت بالمسلمين مصيبة * كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا
فلن يستقل الناس تلك مصيبة * ولن يجبر العظم الذي منهم وهي
وفي كل وقت للصلاة يهيجه * بلال ويدعو باسمه كلما دعا
ويطلب أقوام مواريث هالك * وفينا مواريث النبوة والهدى
وله عليه السلام:
إلى الله أشكو لا إلى الناس اشتكي * أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب
أخلاي لو غير الحمام أصابكم * عتبت ولكن ما على الموت معتب
وله أيضا عليه السلام: ألا طرق الناعي بليل فراعني * وأرقني لما استقل مناديا
فقلت له لما سمعت الذي نعي * أغير رسول الله إن كنت ناعيا
207

فخفق ما أشفقت منه فلم أجد * وكان خليلي عزتي وجماليا
فوالله ما أنساك احمد ما مشت * بي العيس في ارض وجاوزت واديا
وكنت متى اهبط من الأرض تلعة * أجد اثرا منه جديدا وباليا
شجاعا تشط الخيل عنه كأنما * يزين به ليثا عليهن عاديا
وله أيضا عليه السلام:
ألا يا رسول الله كنت رجائيا * وكنت بنا برا ولم تك جافيا
كأن على قلبي لذكر محمد * وما جاء من بعد النبي المكاويا
أفاطم صلى الله رب محمد * على جدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لرسول الله أمي وخالتي * وعمي وزوجي ثم نفسي وخاليا
فلو ان رب العرش أبقاك بيننا * سعدنا ولكن امره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية وأدخلت جنات من العدن راضيا
وقالت الزهراء عليها السلام
قل للمغيب تحت اطباق الثرى * إن كنت تسمع صرختي وندائيا
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن لياليا
قد كنت ذات حمى بظل محمد * لا أخش من ضميم وكان جماليا
فاليوم أخشع للذليل واتقي * ضيمي وادفع ظالمي بردائيا
فإذا بكت قمرية في ليلها * شجنا على غصن بكيت صباحيا
فلأجعلن الحزن بعدك مؤنسي * ولأجعلن الدمع فيك وشاحيا
ماذا على من شم تربة أحمد * ان لا يشم مدى الزمان غواليا
ولها عليها السلام
كنت السواد لمقلتي * يبكي عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت * فعليك كنت أحاذر
ولها أيضا عليها السلام
نعت نفسك الدنيا الينا وأسرعت * ونادت الاجد الرحيل وودعت
ولها عليها السلام وقد ضمنت أبياتا وتمثكت بها
قد كنت لي جبلا ألوذ بظله * فاليوم تسلمني لاجرد ضاح
قد كنت جار حميتي ما عشت لي * واليوم بعدك من يريش جناحي
واغض من طرفي واعلم أنه * قد مات خير فوارسي وسلاحي
208

حضرت منيته فأسلمني العزا * وتمكنت ريب المنون جواحي
نشر الغراب علي ريش جناحه * فظللت بين سيوفه ورماح
اني لأعجب من يروح ويغتدي * والموت بين بكوره ورواح
فاليوم أخضع للذليل واتقي * ذلي وادفع ظالمي بالراح
وإذا بكت قمرية شجنا بها * ليلا على غصن بكيت صباحي
فالله صبرئي على ما حل بي * مات النبي قد انطفى مصباحي
وقالت أم سلمة رضي الله عنها
فجعنا بالنبي وكان فينا * إمام كرامة نعم الامام
وكان قوامنا والرأس منا * فنحن اليوم ليس لنا قوام
ننوح ونشتكي ما قد لقينا * ويشكو فقدك البلد الحرام
فلا تبعد فكل فتى كريم * سيدركه وإن كره الحمام
وقالت صفية بنت عبد المطلب
يا عين جودي بدمع منك منحدر * ولا تملي وبكي سيد البشر
بكي الرسول فقد هدت مصيبته * جميع قومي وأهل البدو والحضر
ولا تملي بكاك الدهر معولة * عليه ما غرد القمري في السحر
وقال سالم بن زهير المحاربي
أفاطم بكي ولا تسأمي * فقد فاتك الماجد الطيب
جوى حل بين الحشا والشغاف * فخيم فيه فلا يذهب
فيا عين ويحك لا تهجعي * وما بال دمعك لا يسكب
فمن ذا لك الويل بعد الرسول يبكي من الناس أو يندب
وقال كعب بن مالك
ألا أنعى النبي إلى العالمينا * جميعا ولا سيما المسلمينا
ألا أنعى النبي لأصحابه * وأصحاب أصحابه التابعينا
ألا أنعى النبي إلى من هدى * من الجن ليلة إذ تسمعونا
لفقد النبي إمام الهدى * وفقد الملائكة المنزلينا
وقال حسان بن ثابت
ان الرزية لا رزية مثلها * ميت بطيبة مثله لم يفقد
ميت بطيبة أشرقت لحياته * ظلم البلاد لمتهم أو منجد
209

والكواكب الدري أصبح آفلا * بالنور بعد تبلج وتصعد
لله ما ضمنت حفيرة قبره * منه وما فقدت سواري المسجد
وله أيضا
بطيبة رسم للرسوم ومعهد * أضحى تعفيه الرسوم وتمهد
ولا تمحي الآيات من دار حرمة * بها منبر الهادي الذي كان يصعد
وواضح آيات وباقي معالم * وربع له فيه مصلى ومسجد
عرفت بها رسم الرسول وعهده * وقبرا بها واراه في الترب ملحد
وما فقد الماضون مثل محمد * ولا مثله حتى القيامة يفقد
(زيارته صلى الله عليه وآله) عن أنس قال صلى الله عليه وآله: من زارني بالمدينة
محتسبا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة.
210

باب في امامة على أمير المؤمنين عليه السلام
فصل: في شرائطها
(إثباتها) قوله: (اني جاعل في الأرض خليفة) بدأ بالخليفة قبل الخليقة،
والحكيم العليم يبدأ بالأهم قبل الأعم، وقوله: (فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين
أولئك الذين هدى الله فبهديهم اقتده) دليل على أنه لا يخلو كل زمان من حافظ
للدين اما نبي أو إمام.
الصادق (ع): لا تخلو الأرض من عالم يفزع الناس إليه في حلالهم وحرامهم ثم
فسر قوله: (اصبروا على دينكم وصابروا عدوكم ممن خالفكم ورابطوا امامكم واتقوا
الله فيما أمركم به وفرض عليكم).
سئل الرضا والصادق عليهما السلام: تكون الأرض ولا إمام؟ قال: إذا لساخت
قال ابن بابويه كما جاء في قصة الأنبياء: (فلما جاء أمرنا وفار التنور)، (فاسر
بأهلك بقطع من الليل)، (واعتزلكم وما تدعون)، وقال لنبينا: (وما كان الله
ليعذبهم). عن النبي صلى الله عليه وآله: في كل خلق من أمتي عدل من أهل بيتي ينفون من
هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
أبو عبيدة: سألت أبا جعفر (ع) عن قوله: (ائتوني بكتاب من قبل هذا
أو إثارة من علم)، قال: عنى بالكتاب التوراة والإنجيل، وبالإثارة من العلم فإنما عني
بذلك علم أوصياء الأنبياء.
أمير المؤمنين (ع): لا تخلو الأرض من قائم بحجة الله، اما ظاهر مشهور، واما
خائف مغمور. وفي رواية: لا يزال في ولدي مأمور مأمور. قال العوني:
ولولا حجة في كل وقت * لاضحى الدين مجهول الرسوم
وحار الناس في طخياء منها * نجونا بالأهلة والنجوم
وقال آخر:
كواكب دجن كلما انقض كوكب * بدا وانجلت عنه الدجنة كوكب
ومن ألفاظ عن الرضا (ع): الامام زمام الدين، ونظام أمور المسلمين، وعز
211

المؤمنين، وبوار الكافرين، وأس الاسلام، وصلاح الدنيا، والنجم الهادي،
والسراج الزاهر، والماء العذب على الظمأ، والنور الدال على الهدى، والمنجي من
الردى، والسحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس الظليلة، والأرض البسيطة،
والعين الغزيرة، والأمين الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، والام البرة
بالولد الصغير، وأمين الله في خلقه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، الداعي
إلى الله، والذاب عن حرم الله.
النبي صلى الله عليه وآله: من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية. قال الحميري:
فمن لم يكن يعرف إمام زمانه * ومات فقد لاقى المنية بالجهل
العيون والمحاسن قال هشام بن الحكم: قلت لعمرو بن عبيد: لي سؤال، قال:
هات. قلت: ألك عين؟ قال: نعم، قلت. فما ترى بها؟ قال: الألوان والأشخاص،
قلت: فلك أنف؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أشم به الرائحة، قلت:
فلك فم؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أذوق به الطعم، قلت: ألك قلب؟
قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أميز به كلما ورد على هذه الجوارح، قلت: ليس
لها غنى عن القلب؟ قال: لا، قلت: وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة؟ قال: يا بني
الجوارح إذا شكت في شئ شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردته إلى القلب فيتقن
اليقين ويبطل الشك، قلت: فإنما أقامه الله لشك الجوارح؟ قال: نعم، قلت: فلابد من
القلب وإلا لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم، قلت: يا أبا مروان ان الله لم يترك
جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح ويتقن لها ما شكت فيه ويترك
هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واخلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم
وحيرتهم ويقيم لك إماما لجوارحك يرد إليه حيرتك وشكك!.
على الملوك تصلح الجماعة * ان صلحوا أو لا فهم كالضاعه
وقال متكلم: لا يخلو من أربعة أوجه: اما ان علم النبي صلى الله عليه وآله جميع أمته الأولين
والآخرين وجميع ما يحتاجون إليه في حياته حتى استغنوا بعد وفاته، أو علمت الأمة
كلها بعده، أو استغنت عن مؤدب ومعلم من الله، أو رفع التكليف عن الأمة بعده
كالبهائم. وكل ذلك باطل لان التكليف لازم واللطف واجب والناس غير معصومين
فلابد من حافظ شرع معصوم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
قال الأفوه الأودي:
لا يصلح القوم إلا في السراة لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا
212

والبيت لا يبتنى إلا بأعمدة * ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فان تجمع أوتاد وأعمدة * وساكن أدركوا الامر الذي كادوا
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت * فان تولت فبالأشرار تنقاد
(العصمة) قوله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)،
أمرنا سبحانه أمرا مطلقا بالكون مع الصادقين من غير تخصيص، وذلك يقتضي
عصمتهم لقبح الامر على هذا الوجه باتباع من لا يؤمن منه القبيح ومن حيث يؤدي
ذلك الامر بالقبيح، وإذا ثبت في الإمامة ثبت تخصصها بأمير المؤمنين وأولاده
المعصومين بالاجماع لان أحدا من الأمة لم يقل ذلك فيها إلا خصها بهم، ولأنه لم
تثبت هذه الصفات لغيرهم ولا ادعيت لسواهم قوله (ولو ردوه إلى الرسول والى اولي
الامر منهم) لعلمه الذين يستنبطونه منهم يدل على عصمتهم لأنه اخبر ان العلم يحصل
بالرد إلى اولي الامر كما يحصل بالرد إلى الرسول، والعلم لا يصح حصوله ويقينا ممن
ليس بمعصوم، ولأنه تعالى لا يجيز أن يأمر باستفتاء من لا يؤمن منه القبيح من
حيث كان في ذلك أمره تعالى بالقبيح، وإذا اقتضت الآية عصمة اولي الامر ثبتت
إمامتهم لان أحدا لم يفرق بين الامرين، وإذا ثبت ذلك ثبت توجه الآية إلى آل محمد
وقد روي أنها نزلت في الحج الاثني عشر، قوله (اني جاعلك للناس إماما) فقال
إبراهيم من عظم خطر الإمامة عنده: (ومن ذريتي) قال (لا ينال عهدي الظالمين)
وفي خبر أنه قال: ومن الظالم من ولدي؟ قال: من سجد لصنم من دوني، فقال
إبراهيم: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)، وقد ثبت ان النبي والوصي عليهما السلام
ما عبدا الأصنام فانتهت الدعوة إليهما فصار محمد نبيا وعلي وصيا، ولما قال: (لا ينال
عهدي الظالمين) صار في الصفوة (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) إلى قوله (عابدين)
فلم يزل في ذريته يرثها بعض عن بعض حتى ورثها النبي صلى الله عليه وآله فقال: أولى الناس
بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا، فكانت له خاصة فقلدها عليا (ع)
بأمر الله على رسم ما فرضها الله فصارت في ذريته الأصفياء الذين أوتوا العلم والايمان
قوله (وقال الذين أوتوا العلم والايمان) فهي في ولد علي (ع) إلى يوم القيامة.
عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر (ع) في هذه الآية: هم الأئمة ومن تبعهم، قال
إبراهيم: ومن ذريتي، ومن للتبعيض ليعلم ان فيهم من يستحقها ومن لا يستحقها
ومستحيل أن يدعو إلا من هو مثله في الطهارة لقوله (لا ينال عهدي الظالمين) وقال
ومن تبعني فإنه منى، فيجب أن يكونوا معصومين، ولما سأل الرزق قال (وارزق
213

أهله من الثمرات) سال عاما ولما سأل الإمامة سأل خاصا قال (ومن ذريتي).
قال الصادق (ع) في قوله: (وجعلها كلمة باقية في عقبه) أي الإمامة إلى يوم
القيامة. قال السدي: عقبه آل محمد. قال العوني:
فقال من فرج يا رب عهدك في * ذريتي هل تبقيه مؤنفه
فقال ليس ينال الظالمين معا * عهدي ووعدي فيه لست أخلفه
والشرك ظلم عظيم والعكوف على * الأصنام لا يلحق التأمين عكفه
فانظر إلى الرمز والايماء كيف أتى * من لم يكن عبد الأصنام مصرفه
وله أيضا:
ألم يكن في حاله نبيا * ثم رسولا منذرا رضيا
ثم خليلا صفوه صفيا * ثم إماما هاديا مهديا
وكان عند ربه مرضيا
فعندها قال ومن ذريتي * قال له لا لن ينال رحمتي
وعهدي الظالم من بربتي * أبت لملكي ذاك وحدانيتي
سبحانه لا زال وحدانيا
قوله (اني مخلف فيكم الثقلين) الخبر يقتضي عصمة المذكورين لأنه أمر من جهة
الخبر بالتمسك بهم على الاطلاق فاقتضى ذلك عصمتهم وإلا أدى إلى كونه عز وجل
أمر بالقبيح، ثم إنه قطع بأمان المتمسك بهم من الضلال وجواز الخطأ عليهم لا يؤمن
معه ضلال المتمسك بهم، ثم إنه قرن بينهم وبين الكتاب في الحجة ووجوب التمسك،
ثم إنه أخبر انهم لا يفارقون الكتاب ووقوع الخطأ منهم يقتضي مفارقتهم له وذلك
ينافي نصه، وإذا ثبتت عصمتهم ثبتت إمامتهم وانهم المعنيون بالخبر.
وقال أبو علي المحمودي لأبي الهذيل: أليس من دينك ان العصمة والتوفيق
لا يكونان لك من الله إلا بعمل تستحقهما به؟ قال: نعم، قال: فقوله (اليوم أكملت
لكم دينكم) قال قد أكمل لنا الدين، فقال: ما تصنع بمسألة لا تجدها في الكتاب والسنة
وقول الصحابة وحيلة الفقهاء؟ قال: هات، قال: خبرني عن عشيرة كلهم عنين
وقعوا في طهر واحد بامرأة وهم مختلفوا العنة فمنهم قد وصل إلى بعض حاجته ومنهم
من قارب بحسب الامكان منه، أفي خلق الله اليوم من يعرف حد الله في كل رجل
منهم ومقدار ما ارتكب من الخطيئة فيقيم عليه الحد في الدنيا ويطهره منه في الآخرة؟
فالحم، لو لم يكن الامام معصوما لم يكن بتقديم الكل موسوما، من خرج من
214

غماز المأمومين دخل في جملة المعصومين، من افتقر البشر إليه كانت العصمة ثابتة عليه
من ظهرت معجزته ثبتت عصمته.
أمير المؤمنين (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل
لهم الرحمن ودا) قال: المودة في قلوب المؤمنين هي العصمة. قال الناشي:
قد نصب الله لكم مسددا * بالرشد والعصمة مأمون الغلط
أحاط بالعلم ولا يصلح أن * يدعى إمام من بعلم لم يحط
من مثلكم يا آل طه ولكم * في جنة الفردوس والخلد خطط
حب سواكم نفل وحبكم * فرض من الله علينا مشترط
يا طود افضال بعيد المرتقى * وبحر علم ماله يحويه شط
كل الولا إلا ولا كم باطل * وكل جرم بولاكم منحبط
(النصوص) قال الله تعالى في آدم: (ان الله اصطفى آدم) وفي موضع (اني
جاعل في الأرض خليفة) وفي إبراهيم (ولقد اصطفيناه في الدنيا) وفي موضع (اني
جاعلك للناس إماما) وفي موسى (اني اصطفيتك على الناس) وفي موضع (واصطفيتك
لنفسي) وفي طالوت (ان الله اصطفاه عليكم) وفي سائر الأنبياء والأوصياء (ان
الذين سبقت لهم منا الحسنى)، (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس)، (وانه
عندنا لمن المصطفين الأخيار)، (ولقد اخترناهم على علم على العالمين)، (وجعلناهم
أئمة يهدون بأمرنا)، (مالك الملك تؤتي الحكم من تشاء)، (يؤتي الحكمة من يشاء)
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم ونجعلهم أئمة ونجعلهم
الوارثين)، (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة)، (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)
(قل ان الفضل بيد الله)، (ولا تتمنوا ما فضل الله)، (شهد الله أن لا إله إلا الله هو
والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط)، (والله فضل بعضكم على بعض)، (ورفعنا
بعضهم فوق بعض درجات). قال الحميري:
هبة وما وهب المليك لعبده * يبقى ومهما لم يهب لم يوهب
يمحو ويثبت ما يشاء وعنده * علم الكتاب وعلم ما لم يكتب
وقال العوني:
في النص آي من الفرقان منزلة * يقر طوعا بها من لا يحرفه
منهن رمز وايماء وتسمية * تلويح حق وتصريح تنقفه
الرضا والصادق وأمير المؤمنين (ع) والحديث مختصر ان ادم (ع) أوصى إلى
215

ابنه شيث وأوصى شيث إلى شبان وشبان إلى مجلث ومجلث إلى محوق ومحوق إلى
عثميشا وعثميشا إلى أخنوخ وهو إدريس وإدريس إلى ناحور وناحور إلى نوح
ونوح إلى سام وسام إلى عثامر وعثامر إلى برغيشا وبرغيشا إلى يافث ويافث إلى بره
وبره إلى جفيسه وجفيسه إلى عمران وعمران إلى إبراهيم وإبراهيم إلى إسماعيل وإسماعيل
إلى إسحاق وإسحاق إلى يعقوب ويعقوب إلى يوسف ويوسف إلى برثيا وبرثيا إلى
شعيب وشعيب إلى موسى وموسى إلى يوشع ويوشع إلى داود وداود إلى سليمان
وسليمان إلى آصف وآصف إلى زكريا وزكريا إلى عيسى وعيسى إلى شمعون وشمعون
إلى يحيى ويحيى إلى منذر ومنذر إلى سلمة وسلمة إلى بردة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ودفعها إلي بردة وأنا أدفعها إليك يا علي وأنت تدفعها إلى وصيك ويدفعها وصيك
إلى أوصيائك من ولدك واحد بعد واحد حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك،
لو لم يكن الامام نصا لم يكن بعلم الله مختصا، من حقق إمامته بغير نص كان الناظر
من غير فحص، من ثبت النص عليه من أبيه كان مرضي ذويه. قال ابن حماد:
رأيت النص يفضح جاحديه * ويلجئهم إلى ضيق الخناق
ولو كان اجتماع القوم رشدا * لما أدى إلى طول افتراق
وقال الناشي:
ومن لم يقل بالنص منه معاندا * غدا غفلة بالرغم منه يحاوله
يعرفه حق الوصي وفضله * على الخلق حتى تضمحل بواطله
وقال البشنوي:
يا مصرف النص جهلا عن أبي حسن * باب المدينة عن ذي الجهل مقفول
مولى الأنام علي والولي معا * كما تفوه عن ذي العرش جبريل
وسأل حمران بن أعين يحيى بن أكثم عن قول النبي صلى الله عليه وآله حيث أخذ بيد علي (ع)
وأقامه للناس فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه أبأمر من الله تعالى ذلك أم برأيه؟
فسكت عنه حتى انصرف فقيل له في ذلك فقال: إن قلت برأيه نصبه للناس خالفت
قول الله تعالى (وما ينطق عن الهوى) وإن قلت بأمر الله تعالى ثبتت إقامته قال
فلم خالفوه واتخذوا وليا غيره؟. قال العوني:
فما ترك النبي الناس شورى * بلا هاد ولا علم مقيم
ولكن سول الشطان أمرا * فأودى بالسوام وبالمسيم
216

قال الصادق (ع) في قوله: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)
يعني يوصي إمام إلى إمام عند وفاته.
النبي صلى الله عليه وآله: من مات ولم يوص مات ميتة جاهلية. وقال صلى الله عليه وآله: الوصية حق
على كل مسلم. وقال: من مات ولم يوص فقد ختم عمله بمعصية. وقال ابن
العودي النيلي:
وكل نبي جاء قبلي وصيه * مطاع وأنتم للوصي عصيتم
ففعلكم في الدين أضحى منافيا * لفعلي وأمري غير ما قد أمرتم
وقلتم مضى عنا بغير وصية * ألم أوص لفظا زغتم وعقلتم
نصبت لكم بعدي إماما يدلكم * على الله فاستكبرتم وضللتم
وقد قلت في تقديمه وولائه * عليكم بما شاهدتم وسمعتم
علي غدا مني محلا وقربة * كهارون من موسى فلم عنه حلتم
علي رسولي فاتبعوه فإنه * وليكم بعدي إذا غبت عنكم
أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام في قوله: (ولقد أوحى إليك) الآية،
وذلك لما أمر الله رسوله أن يقيم عليا (ع) أن لا يشرك مع علي شريكا. قال الناشي
ولو آمنوا بني الهدى * وبالله ذي الطول ما خالفوكا
ولو أيقنوا بمعاد لما * أزالوا النصوص ولا مانعوكا
ولكنهم كتموا الشك في * أخيك النبي وأبدوه فيكا
لهم خلف نصروا قولهم * ليبغوا عليك وما عاينوكا
إذا صحح النص قالوا لنا * توانى عن الحق واستضعفوكا
فقلنا لهم نص خير الورى * يزيل الظنون وينفي الشكوكا
(صفات الأئمة عليهم السلام) قد جاء في أخبار الامامية ان لامام الهدى خمسين
علامة: العصمة، والنصوص، وأن يكون أعلم الناس، وأفصحهم، وأحلمهم،
وأحكمهم، وأتقاهم، وأشجعهم، وأشرفهم، وأنصحهم، وأوفاهم، وأصبرهم،
وأزهدهم، وأسخاهم، وأعبدهم، وأشفقهم عليهم، وأشدهم تواضعا لله، وأخذهم
بما يأمر الله به، وأكفهم عما ينهى عنه، وأولى الناس منهم بأنفسهم، ويولد مختونا
ويكون مطهرا، وبلي ولادته ووفاته معصوم، وتكون الأموال تحت أمره،
ويرى من خلفه ومن بين يديه للفراسة الصادقة، ولا يكون له ظل لأنه مخلوق من
نور الله، وكل من ولد منه يكون مؤمنا، وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع
217

على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين، ولا ينام قلبه، ويكون محدثا، ويكون دعاؤه
مستجابا، ولا يرى له حدث لان الله تعالى وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه، ولا
يحتلم، ولا يتثاءب، ولا يتمطى، وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك، ويكون
صاحب الوصية الظاهرة، ويكون له الدليل والمعجزة في خرق العادة واستجابة
الدعوة وإخباره بالحوادث التي تظهر قبل حدوثها بعهد معهود من النبي، ويكون
عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسيفه ذو الفقار، ويستوي عليه درعه، ويكون
عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم
القيامة، وعنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه ولد
آدم إملاء رسول الله وخط أمير المؤمنين، ويكون عنده الجفر الأحمر وهو وعاء
فيه سلاح رسول الله ولن يخرج حتى يخرج قائمنا، والجفر الأبيض وهو وعاء فيه
توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله المنزلة، ويكون له إلهام وسماع
ونقر في الاسماع ونكت في القلوب، ويسمع الصوت مثل صوت السلسلة في الطشت
وربما تأتيه صورة أعظم من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، وربما يعابن، ويخاطب
وقالوا: من صفات الامام المعرفة بجميع الاحكام. تقديم المفضول يوجب تناقض
الأصول، من ثبت انتقاصه بطل اختصاصه. قال عبد المحسن الصوري:
آل النبي هم النبي وإنما * بالوحي فرق بينهم فتفرقوا
أبت الإمامة أن تليق بغيرهم * ان الرسالة بالإمامة أليق
وأئمتنا عليهم السلام خصوا بالعلوم، لأنهم لم يدخلوا مكتبا، ولا تعلموا من
من معلم، ولا تلمذوا لفقيه، ولا تلقنوا من راو، وقد ظهرت في فرق العالمين منهم
العلوم ولم يعرف إلا منهم، لأنهم أخذوا عن النبي صلى الله عليه وآله.
وكذا كان حال جدهم صلى الله عليه وآله حين علم منشأه بين قريش، لم يدخل مكتبا، ولا
قرأ على معلم، ولا استفاد من خبر، وأتى الناس بالقرآن العظيم بما فيه من أسرار
الأنبياء وأخبار المتقدمين، فعلم العقلاء ان ذلك من عند الله تعالى وليس من تلقاء
نفسه. فأولاده قوم بنور الخلافة يشرقون، وبلسان النبوة ينطقون، وقد جمعوا
ما رووا عنهم وسموا ذلك بالأصول سبعمائة أصل ويزيد على ذلك، ويتضمن علوم الدين
والآداب والحكم والمواعظ وغير ذلك.
واما من نقل منهم الروايات مثل الحسن والحسين (ع) فلقلة أيامهما، واما أبو الحسن
وأبو محمد (ع) فقد كانا ممنوعين محبوسين بسر من رأى، فإذا ثبت علوم هؤلاء التي
218

لم يأخذوها عن رجال العامة ولا رأى أحد منهم يختلف إلى متقدم من أهل العلم وان كثيرا
من فتاويهم يخالف ما عليه العامة ولم يدع مدع قط انهم اختلفوا إلى أحد من مخالفيهم
ليتعلموا منه والموافق لهم فمعلوم حاجته إليهم، دل ذلك على أن الله تعالى أفردهم ليكشف
عن استحقاقهم الإمامة وانهم أحق بالتقديم لحاجة الناس إليهم وغنائهم عنهم وجروا
في ذلك مجرى الرسول صلى الله عليه وآله حين أغناهم الله بما علموا علمهم من اخبار سوالف الأمم
وأحكام شرائع الأنبياء من غير أن لقى أحدا من علماء تلك الأديان وجعل ذلك احدى
الدلائل على نبوته، قال الله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق ان يتبع أمن لا يهدي
إلا أن يهدى)، وقال: (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون).
قال أبو تمام الطائي:
أما سأل القوم الالى ملكا يكن * تسد به الجلي ويطلب به الوتر
فلما رأوا طالوت عدوا سناهم * عليه وما يغني السناء ولا الفخر
وما ذاك إلا انهم كرهوا القنا * وهجر وغى يتلوه من بعده هجر
عمى وارتيابا أوضحت مشكلاته * وقيعة يوم النهر إذ ورد النهر
وقال أمير المؤمنين عليه السلام:
فرض الإمامة لي من بعد احمدنا * كالدلو علقت التكريب والوذما
لا في نبوته كانوا ذووا ورع * ولا رعوا بعده إلا ولا ذمما
لو كان لي جابر (كذا) سرعان أمرهم * خليت قومي فكانوا أمة أمما
وله عليه السلام:
أنا علي صاحب الصمصامة * وصاحب الحوض لدى القيامة
أخو نبي الله ذي العلامة * قد قال إذ عممني العمامة
أنت أخي ومعدن الكرامة * ومن له من بعدي الإمامة
(في مفسداتها) الاختيار عشرون بمشية الله تعالى: (يرزق من يشاء)،
(يهب لمن يشاء إناثا)، (ويهب لمن يشاء الذكور)، (ويجعل من يشاء عقيما)،
(تؤتي الملك من تشاء)، (وتنزع الملك ممن تشاء)، (وتعز من تشاء)، (وتذل
من تشاء)، (ويغفر لمن يشاء)، (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، (ويفعل ما يشاء)
(والله يضاعف لمن يشاء)، (ولكن الله يزكي من يشاء)، (يؤتي الحكمة من يشاء)
(والله يؤيد بنصره من يشاء)، ولكن الله يمن على من يشاء)، (يرفع درجات من
يشاء)، (يهدي الله لنوره من يشاء)، (وربك يخلق ما يشاء ويختار).
219

نظيره: (الله يصطفي من الملائكة)، (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله
ورسوله)، (أهم يقسمون رحمة ربك) الآية، (فما لكم كيف تحكمون) إلى قوله
(صادقين).
الاختيار في الإمامة مدعاة إلى عدم السلامة، لو كانت الإمامة إلى الأمة بطل
التوقيف من النبوة، لو جاز للأمة نصب إمام صح منها وضع أحكام، مختارنا للهلك
ومختاره للسلك، مختارنا للحريق ومختاره للرحيق، مختارنا للسعير ومختاره للسرير،
مختارنا للجحيم ومختاره للنعيم، مختارنا للملامة ومختاره للكرامة، مختارنا للتبعيد
ومختاره للتقريب.
محمد بن سنان عن الصادق (ع) في قوله: (يخلق ما يشاء ويختار)، قال: اختار
محمدا وأهل بيته.
أبو هاشم باسناده عن الباقر (ع) قال: قال الله تعالى لمحمد: اني اصطفيتك
وانتجبت عليا وجعلت منكما ذرية طيبة جعلت لها الخمس.
ابن بطة في الإبانة باسناده إلى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وأبو صالح
المؤذن في الأربعين، والسمعاني في الفضائل باسنادهما عن عبد الرزاق عن معمر عن
أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس واللفظ له قال: لما زوج النبي فاطمة من علي
قالت: زوجتني لعائل لامال له، فقال: يا فاطمة أما ترضين ان الله تعالى اطلع على
أهل الأرض واختار منها رجلين أحدهما أبوك والآخر بعلك.
علي بن الجعد عن شعبة عن حماد بن مسلمة عن أنس قال النبي صلى الله عليه وآله: ان الله
خلق آدم من طين كيف يشاء، ثم قال: ويختار ان الله تعالى اختارني وأهل بيتي
عن جميع الخلق فانتجبنا فجعلني الرسول وجعل علي بن أبي طالب الوصي، ثم قال:
ما كان لهم الخيرة يعني ما جعلت للعباد ان يختاروا ولكني اختار من أشاء فأنا وأهل
بيتي صفوة الله وخيرته من خلقه، ثم قال: سبحان الله - يعني تنزيها لله عما يشركون
به كفار مكة، ثم قال: وربك يا محمد يعلم ما تكن صدورهم من بغض المنافقين لك
ولأهل بيتك وما يعلنون بألسنتهم من الحب لك ولأهل بيتك. قال ابن حماد:
تروم فساد دليل النصوص * ونصرا لاجماع ما قد جمع
ألم يستمع قوله صادقا * غداة الغدير بماذا صدع
ألا ان هذا ولي لكم * أطيعوا فويل لمن لم يطع
وقال له أنت مني أخي * كهارون من صنوه فاقتنع
220

وقال له أنت باب إلى * مدينة علمي لمن ينتجع
ويوم براءة نص الاله * انص عليه فلا تختدع
وسماه في الذكر نفس الرسول * في يوم باهل لما خشع
ففيم تخيرتم غير من * تخيره ربكم واصطنع
اختار الله تعالى لموسى (ع) قوله وانا اخترتك، فصار نجيا كليما وقربناه نجيا
وكلم الله موسى تكليما. واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فصار اختياره
واقعا على الأفسد دون الأصلح. قال الصاحب:
بالنص فاعقد ان عقدت دينا * كن باعتقاد الاجتبا رصينا
مكن لقول ربنا تمكينا * واختار موسى قومه سبعينا
واجتمعت الأمة على أن النبي صلى الله عليه وآله شاور الصحابة في الأسارى فاتفقوا على قبول
الفداء واستصوبه النبي وكان عند الله خطأ فنزل (ما كان لنبي أن يكون له اسرى)
إلى قوله (عظيم).
ابن جرير الطبري: لما كان النبي صلى الله عليه وآله يعرض نفسه على القبائل جاء إلى بني كلاب
فقالوا نبايعك على أن يكون لنا الامر بعدك فقال: الامر لله فان شاء كان فيكم
أو في غيركم فمضوا فلم يبايعوه وقالوا: لا نضرب لحربك بأسيافنا ثم تحكم علينا غيرنا
الماوردي في اعلام النبوة: أنه قال عامر بن الطفيل للنبي صلى الله عليه وآله وقد أراد به
غيلة: يا محمد مالي ان أسلمت؟ فقال صلى الله عليه وآله: لك ما للاسلام وعليك ما على الاسلام،
فقال: ألا تجعلني الوالي من بعدك؟ قال: ليس لك ذلك ولا لقومك ولكن لك أعنة
الخيل تغزوا في سبيل الله، القصة.
وجملة الأمران الله قدمه * والامر لله ليس الامر من قبلي
* * *
الخير أجمع فيما اختار خالقنا * وفى اختيار سواه اللوم والشؤم
أبو ذر: عن النبي: من استعمل غلاما في عصابة فيها من هو ارضى لله منه فقد
خان الله. قال البشنوي:
قد خان من قدم المفضول خالقه * وللاله فبالمفضول لم أخن
الوليد بن صبيح قال أو عبد الله (ع) ان هذا الامر لا يدعيه غير صاحبه إلا
بتر الله عمره. وقال أبو الحسن الرفا لابن رامين الفقيه لما خرج النبي من المدينة
ما استخلف عليها أحدا قال: بلى استخلف علينا، قال: وكيف لم يقل لأهل المدينة
221

اختاروا فإنكم لا تجتمعون على الضلال، قال: خاف عليهم الخلف والفتنة، قال:
فلو وقع بينهم فساد لأصلحه عند عودته، قال: هذا أوثق، قال: أفأستخلف أحدا
بعد موته؟ قال: لا، قال. فموته أعظم من سفره فكيف أمن على الأمة بعد موته
ما خافه في سفره وهو حي عليهم؟ فقطعه. قال العبدي:
وقالوا رسول الله ما اختار بعده * إماما ولكنا لأنفسنا اخترنا
أقمنا إماما إن أقام على الهدى * أطعنا وإن ضل الهداية قومنا
فقلنا إذا أنتم امام إمامكم * بحمد من الرحمن تهتم ولا تهنا
ولكننا اخترنا الذي اختار ربنا * لنا يوم خم ما اعتدينا ولا حلنا
سيجمعنا يوم القيامة ربنا * فتجزون ما قلتم وتجزى الذي قلنا
هدمتم بأيديكم قواعد دينكم * ودين على غير القواعد لا يبنى
ونحن على نور من الله واضح * فيا رب زدنا منك نورا وثبتنا
نهج البلاغة: لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس ما إلى ذلك
سبيل ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن
يختار. قال يحيى بن الوزير المغربي:
إذا كان لا يعرف الفاضلين * إلا شبيههم في الفضيلة
فمن أين للأمة الاختيار * وما لعقولهم المستحيلة
وقال ابن هاني المغربي:
عجبت لقوم أضلوا السبيل * وقد بين الله أين الهدى
فما عرفوا الحق لما استبان * ولا أبصروا الرشد لما بدا
وما خفي الرشد لكنما * أضل الحلوم اتباع الهوى
وقال غيره:
نور الهداية لا يخفى على أحد * لولا اتباع الهوى والغي والحسد
قد بين الله ما يرضى ويسخطه * منا وفرق بين الغي والرشد
بأحمد المصطفى الهادي وعترته * من اهتدى بهداهم واستقام هدي
ان الإمامة رب العرش ينصبها * مثل النبوة لم تنقص ولم تزد
والله يختار من يرضاه ليس لنا * نحن اختيار كما قد قال فاقتصد
الوصف: سئل أبو عبد الله (ع) عن قوله: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا
على الله وجوههم مسودة) قال: كل من زعم أنه إمام وليس بامام، قلت: وإن كان
222

علويا فاطميا؟ قال: وإن كان علويا فاطميا.
أبو خالد القماط: اخبر أبا عبد الله (ع) ان رجلا قال لي: ما منعك أن تخرج مع
زيد؟ قلت له: إن كان أحد في الأرض مفروض الطاعة فالخارج والداخل موسع لهما
زرارة بن أعين: قال لي زيد بن علي (ع) عند الصادق (ع): ما تقول في رجل
من آل محمد استنصرك؟ فقلت: إن كان مفروض الطاعة نصرته وإن كان غير
مفروض الطاعة فلي أن أفعل ولي أن لا أفعل، فقال أبو عبد الله (ع): لما خرج
زيد أخذته والله من بين يديه ومن خلفه وما تركت له مخرجا.
أبو مالك الأحمسي: قال زيد بن علي لصاحب الطاق: انك تزعم أن في آل محمد
إماما مفترض الطاعة معروفا بعينه؟ قال: نعم وكان أبوك أحدهم، قال: ويحك فما
كان يمنعه من أن يقول لي فوالله إن كان يؤتى بالطعام الحار فيقعدني على فخذه ويتناول
المضغة فيبردها ثم يلقمنيها افتراه انه كان يشفق علي من حر الطعام ولا يشفق علي
من حر النار فيقول لي: إذا أنا مت فاسمع وأطع لأخيك محمد الباقر ابني فإنه الحجة
عليك، ولا يدعني أموت ميتة جاهلية، فقال: كره أن يقول لك فتكفر فيجب من
الله عليك الوعيد ولا يكون له فيك شفاعة فتركك مرجيا لله فيك المشيئة وله فيك
الشفاعة، ثم قال: أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال: بل الأنبياء، قال: يقول يعقوب
ليوسف (لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا) لم لم يخبرهم حتى كانوا
لا يكيدونه ولكن كتمهم وكذا أبوك كتمك لأنه خاف منك على محمد ان هو أخبرك
بموضعه من قلبه وبما خصه الله به فتكيد له كيدا كما خاف يعقوب على يوسف من
اخوته. فبلغ الصادق (ع) مقاله فقال: والله ما خاف غيره.
وقال زيد بن علي: ليس الامام منا من أرخى عليه ستره إنما الامام من أشهر
سيفه، فقال له أبو بكر الحضرمي: يا أبا الحسن اخبرني عن علي بن أبي طالب أكان
إماما وهو مرخي عليه ستره أو لم يكن إماما حتى خرج وشهر سيفه؟ فلم يجبه زيد
فردد عليه ذلك ثانيا وثالثا كل ذلك لا يجيبه بشئ، فقال أبو بكر: إن كان علي بن
أبي طالب إماما فقد يجوز أن يكون بعده إمام وهو مرخى عليه ستره وإن كان
علي لم يكن إماما وهو مرخي عليه ستره فأنت ما جاء بك ههنا؟.
وسأل زيدي الشيخ المفيد وأراد الفتنة فقال: بأي شئ استجزت إنكار إمامة
زيد؟ فقال: انك قد ظننت علي ظنا باطلا وقولي في زيد لا يخالفني فيه أحد من
الزيدية، فقال: وما مذهبك فيه؟ قال: أثبت في إمامته ما ثبتته الزيدية وأنفي عنه
223

من ذلك ما تنفيه وأقول كان إماما في العلم والزهد والامر بالمعروف والنهي عن
المنكر وأنفي عنه الإمامة الموجبة لصاحبها العصمة والنص والمعجز فهذا ما لا يخالفني
عليه أحد. قال ابن الحجاج:
أهلا وسهلا بالأغر * ابن الميامين الغرر
أهلا وسهلا بابن زمزم * والمشاعر والحجر
بابن الذي لولاه ما * اقتربت ولا انشق القمر
بابن الذي نزلت عليه * المحكمات من السور
بان الذي هو والنبي * محمد خير البشر
ومن استجاز خلاف ذلك * أو رواه فقد كفر
وقال الرضي:
إذا ذكروه للخلافة لم تزل * تطلع من شوق رقاب المنابر
إذا عددوا المجد التليد تنحلوا * علا تتبزى من عقود الخناصر
حريون إلا أن تهز رماحهم * ضنينون إلا بالعلي والمفاخر
(الميراث) موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن، ومعتب ومصادف موليا
الصادق (ع) في خبر: انه لما دخل هشام بن الوليد المدينة أتاه بنو العباس وشكوا
من الصادق (ع) انه أخذ تركات ماهر الخصي دوننا، فخطب أبو عبد الله فكان مما
قال: ان الله تعالى لما بعث رسول الله (ص) وكان أبونا أبو طالب المواسي له بنفسه
والناصر له وأبوكم العباس وأبو لهب يكذبانه ويؤلبان عليه شياطين الكفر وأبوكم
يبغي له الغوائل ويقود إليه القبائل في بدر، وكان في أول رعيلها وصاحب خيلها
ورجلها المطعم يومئذ والناصب الحرب لم، ثم قال: فكان أبوكم طليقنا وعتيقنا
وأسلم كارها تحت سيوفنا لم يهاجر إلى الله ورسوله هجرة قط فقطع الله ولايته منا
بقوله: الذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ، في كلام له، ثم قال:
هذا مولى لنا مات فحزنا تراثه إذ كان مولانا ولأنا ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وأمنا
فاطمة أحرزت ميراثه.
واستدل الفضل بن شاذان بقوله: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) إذا
أوجب الله للأقرب برسول الله الولاية وحكم بأنه أولى من غيره فان عليا أولى بمقام
النبي صلى الله عليه وآله من كل أحد لان الإمامة فرع الرسالة، فأما العباس فان الله تعالى يذكر
224

الأقرب به دون أن علقه بوصف فقال: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) الآية،
فشرط في الأولى به الايمان والهجرة ولم يكن العباس مهاجرا بالاجماع، ثم إن
أمير المؤمنين (ع) كان أقرب إلى النبي صلى الله عليه وآله من العباس وأولى بمقامه أن ثبت ان
المقام موروث وذاك ان عليا كان ابن عمه لأبيه وأمه والعباس عمه لأبيه خاصة
ومن يقرب بسببين كان أقرب ممن يقرب بسبب واحد ولو لم تكن فاطمة موجودة
بعد الرسول لكان علي أحق بتركته من العباس ولو ورث مع الولد غير الأبوين
والزوج والزوجة فكان أمير المؤمنين أحق بميراثه مع فاطمة من العباس لما قدمت
من انتظام القرابة من جهتين واختصاص العباس لها من جهة واحدة.
وقال سعيد بن جبير لابن عباس: رجل مات وخلف عمه وابنته، قال ابن عباس
المال بينهما نصفان، قال سعيد: فما بال فاطمة أحرزت ميراث النبي دون العباس؟ قال
ما أحرزته دونه وقد ورثاه جميعا، قال: فهل عندك سلاحه ولامته وسيفه وخاتمه
وبغلته وقضيبه وغير ذلك من تراثه؟ قال: اما هذا فلا، قال: فما الذي ورث العباس
من رسول الله.
وسأل المعتصم أحمد بن حنبل: كان أبو بكر أفضل الصحابة أم علي؟ قال:
أبو بكر أفضل الصحابة وعلي أفضل أهل البيت، قال: أترجح ابن العم على العم؟
قال: ان حمزة والعباس قالا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله يوم أمر بسد الأبواب.
وسأل الشيخ المفيد عباسي بمحضر أجلتهم: من كان الامام بعد النبي صلى الله عليه وآله؟
قال: من دعاه العباس أن يمد يده لبيعته على حرب من حارب وسلم من سالم، قال:
ومن هذا؟ قال: علي بن أبي طالب حيث قال له العباس في اليوم الذي قبض فيه
النبي بما اتفق عليه النقل: ابسط يدك يا بن أخي أبايعك، فيقول الناس: عم رسول الله
بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان، قال: فما كان الجواب من علي؟ قال: كان
الجواب ان النبي عهد إلي ان لا أدعو أحدا حتى يأتوني ولا أجرد سيفا حتى يبايعوني
فإنما أنا كالكعبة اقصد ولا أقصد ومع هذا فلي برسول الله شغل، فقال العباسي:
كان العباس إذا على خطأ في دعائه إلى البيعة، قال: لم يخطئ العباس فيما قصد لأنه
عمل على الظاهر وكان عمل أمير المؤمنين على الباطن وكلاهما أصابا الحق، قال: فإن كان
علي هو الامام بعد النبي فقد أخطأ الشيخان ومن تبعهما، قال: فان استعظمت
تخطئة من ذكرت فلا بدلك من تخطئة علي والعباس من قبل انهما تأخرا عن بيعة
أبي بكر ولم يرضيا بتقدمه عليهما ولا رآهما أبو بكر ولا عمر أهلا أن يشاركاهما في
225

شئ من أمورهما وخاصة ما صنعه عمر يوم الشورى لما ذكر عليا دعابة ووصفه بالدعابة
تارة وبالحرص على الدنيا أخرى وأمر بقتله إن خالف عبد الرحمن وجعل الحق في
حيز عبد الرحمن دونه وفضله عليه وذكر من يصلح للإمامة في الشورى ومن يصلح
للاختيار فلم يذكر العباس في أحد الطائفتين وقد اخذ من علي والعباس وجميع بني
هاشم الخمس وجعله في السلاح والكراع فان كنت أيها الشريف تنشط للطعن على علي
والعباس بخلافهما للشيخين وتأخرهما عن بيعتهما وترى من العقد ما سنه الشيخان في
التأخير لهما عن شريف المنازل والحط من أقدارهما فصر إلى ذلك فإنه الضلال.
قال أبو طالب المحسن الحسيني النصيبي:
وقد كان في الشورى من القوم ستة * ولم يك للعباس ثم دخول
نفاه أبو حفص ولم يرضه لها * أصاب أم أخطأ أي ذاك نقول
وجمع المكتفي بين هارون الشاري واحمد القرمطي صاحب الدكة وقال: تناظرا
في الإمامة، فقال الشاري: من الأمم بعد النبي صلى الله عليه وآله؟ قال: علي، قال: بأي
حجة؟ فإن كان بالوراثة فالعباس وإن كان بالاجماع فأبو بكر، فقال القرمطي:
أما أبو بكر (كذا) ما أخلفوا في نزاعه وانه بايع بعد عراك ولم يبايع هو وأصحابه
إلا بعد ما خشوا الفتنة فأما العباس فلا يام الطلقاء بالمهاجرين، فقال الشاري: صدقت
إلا أنه احدث، ففرق بينهما إلى محبسهما.
من ورث المصحف والبغلة * والسيف جميعا والردا
سوى علي المرتضى فطالب * العباس مولاي بذاك وادعى
فاحتكما إلى عتيق فرأى * ان الولاء لعلي فقضى
(الرد على الغلاة) قال الله تعالى: (لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا
الحق)، معقل بن يسار: قال النبي صلى الله عليه وآله: رجلان من أمتي لا تنالهما شفاعتي: إمام
ظلوم غشوم وغال في الدين مارق منه.
الأصبغ ابن نباتة: قال أمير المؤمنين (ع): اللهم إني برئ من الغلاة كبراءة
عيسى بن مريم من النصارى اللهم اخذلهم أبدا ولا تنصر منهم أحدا.
الصادق (ع): الغلاة شر خلق الله يصغرون عظمة الله ويدعون الربوبية لعباد
الله والله ان الغلاة لشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا. للمؤلف
فلا تدخلن في علا الأنبياء * وفي الأوصياء بجهل غلوا
ولا تنسين الذي قاله * جعلنا لكل نبي عدوا
226

وكان النبي صلى الله عليه وآله قد أخبر بذلك، روى أحمد بن حنبل في المسند، وأبو السعادات
في فضائل العشرة: ان النبي قال: يا علي مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم أحبه
قوم فأفرطوا فيه وابغضه قوم فأفرطوا فيه قال: فنزل الوحي (ولما ضرب بن
مريم ثملا إذا قومك منه يصدون).
أبو سعد الواعظ في شرف النبي صلى الله عليه وآله: لولا أني أخاف ان يقال فيك ما قالت
النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالة لا تمر بملا من المسلمين إلا اخذوا تراب
نعليك وفضل وضوئك يستشفون به ولكن حسبك أن تكون مني وانا منك ترثني
وأرثك، الخبر، رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام. في الألفية:
لولا مخافة مفتر من أمتي * ما في ابن مريم يفتري النصراني
أظهرت فيك مناقبا في فضلها * قلب الاريب يظل كالحيران
ولسارع الأقوام منك لاخذ ما * وطأته منك من الثرى العقيان
متبركين بذاك ترامة لهم * شم المعاطس أي مارئمان
كذا جاء في البيت الأخير
ولغيره:
فلو أبصر الناس ما تحت ثوبه * لهاموا به من طيبه وتمسحوا
أمير المؤمنين (ع): يهلك في اثنان: محب غال ومبغض قال. وعنه: يهلك في
رجلان محب مفرط بقرظني بما ليس لي ومبغض يحمله شناني على أن يبهتني.
عبد الله بن سنان: ان عبد الله بن سبا كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين
هو الله، فبلغ ذلك أمير المؤمنين، فدعاه وسأله فأفر بذلك وقال: أنت هو، فقال له
ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب، فلما أبى حبسه
واستتابه ثلاثة أيام فأحرقه بالنار.
وروي ان سبعين رجلا من الزط أتوه (ع) بعد قتال أهل البصرة يدعونه إلها
بلسانهم وسجدوا له قال لهم: ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم، فأبوا عليه فقال
فإن لم ترجعوا عما قلتم في وتتوبوا إلى الله لأقتلنكم، قال: فأبوا فخد لهم أخاديد
وأوقد نارا فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه فيقذفه في النار ثم قال:
اني إذا أبصرت أمرا منكرا * أوقدت نارا ودعوت قنبرا
ثم احتفرت حفرا فحفرا * وقنبر يخطم خطما منكرا
227

وقال السيد الحميري:
قوم غلوا في علي لا أبا لهم * وجشموا أنفسا في حبه تعبا
قالوا هو الله جل الله خالقنا * من أن يكون ابن أم أو يكون أبا
فمن أدار أمور الخلق بينهم * إذ كان في المهد أو في البطن محتجبا
ثم أحيى ذلك رجل اسمه محمد بن نصر النميري البصري زعم أن الله تعالى لم يظهر
إلا في هذا العصر وانه علي وحده، فالشر ذمة النصيرية ينتمون إليه وهم قوم اباحية
تركوا العبادات والشرعيات واستحلوا المنهيات والمحرمات ومن مقالهم: ان اليهود على
الحق ولسنا منهم وان النصارى على الحق ولسنا منهم. قال المؤلف:
ذل قوم بنصير انتصروا * وعموا في أمرهم ما نظروا
أسرفوا في بغيهم وانهمكوا * ربحوا فيما ترى أم خسروا
فاقر أن في حقهم ما قاله * كيف يهدي الله قوما كفروا
(الرد على السبعية) اختلفت الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله في الإمامة بين النص
والاختيار، فصح لأهل النص من طرق المخالف والمؤالف بأن الأئمة اثنا عشر ونبغت
السبعية بعد جعفر الصادق (ع) وادعوا دعوى فارقوا بها الأمة بأسرها.
وكان الصادق (ع) قد نص على ابنه موسى (ع) وأشهد على ذلك ابنيه إسحاق
وعليا، والمفضل بن عمر، ومعاذ بن كثير، و عبد الرحمن بن الحجاج، والعيص بن
المختار، ويعقوب السراج، وحمران بن أعين، وأبا بصير، وداود الرقي، ويونس
أبى ظبيان، ويزيد بن سليط، وسليمان بن خالد، وصفوان الجمال، والكتب بذلك
شاهدة. وكان الصادق (ع) أخبره بهذه الفتنة بعده وأظهر موت إسماعيل وغسله
وتجهيزه ودفنه وتشيع في جنازته بلا حذاء وأمر بالحج عنه بعد وفاته.
أنفذ أبو جعفر الباقر (ع) لعكاشة بن محصن الأسدي بصرة إلى دار ميمون
بشراء جارية من صفتها كذا للصادق (ع)، فلما أتى النخاس قال: لا أبيعها إلا بسبعين
فجعل يفتح الصرة فقال: لا تفتح لا تكون حبة أقل منه، فلما فتح كان كذلك، قال
فأورد بالجارية إلى الصادق (ع) فقال: ما اسمك؟ قالت: حميدة، فقال: حميدة في
الدنيا ومحمودة في الآخرة حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ما زالت الملائكة
تحرسها حتى أديت إلى كرامة من الله لي وللحجة من بعدي، ثم سألها: أبكر أنت
أم ثيب؟ قالت: بكر، قال: وأنى تكونين من أيدي النخاسين؟ قالت: لما كان
هم بي يأتيه شيخ وما زال يلطمه على حر وجهه حتى يتركني، ولما اشتراها النخاس
228

رأته امرأة من أهل الكتاب وقالت: سيولد منك أعز الخلق على الأرض.
ابن بابويه بالاسناد عن منصور بن حازم قال: كنت جالسا مع أبي عبد الله (ع)
على الباب ومعه إسماعيل إذ مر علينا موسى وهو غلام فقال إسماعيل: سبق بالخير
ابن الأمة. ابن بابويه بالاسناد عن الوليد بن صبيح قال: رأيت إسماعيل بن جعفر
في قوم يشربون فخرجت مغموما فجئت الحجر فإذا إسماعيل متعلق بالبيت يبكي قد
بل أستار الكعبة بدموعه فرجعت أسير فإذا إسماعيل جالس مع القوم فرجعت فإذا
هو آخذ بأستار الكعبة قد بلها بدموعه، قال قال: فذكرت ذلك لأبي عبد الله (ع)
فقال: لقد ابتلى ابني بشيطان يتمثل في صورته. وقد روي أن الشيطان لا يتمثل
في صورة نبي ولا في صورة وصي.
زرارة بن أعين قال: دعى الصادق (ع) داود بن كثير الرقي وحمران بن أعين
وأبا بصير ودخل عليه المفضل بن عمر وأتى بجماعة حتى صاروا ثلاثين رجلا فقال:
يا داود كشف عن وجه إسماعيل، فكشف عن وجهه فقال: تأمله يا داود فانظره
أحي هو أم ميت؟ فقال: بل هو ميت، فجعل يعرضه على رجل رجل حتى أتى على
آخرهم فقال (ع): اللهم اشهد. ثم أمر بغسله وتجهيزه ثم قال: يا مفضل احسر
عن وجهه، فحسر عن وجهه فقال: أحي هو أم ميت انظروه أجمعكم، فقال: بل
هو يا سيدنا ميت، فقال: شهدتم بذلك وتحققتموه؟ قالوا: نعم. وقد تعجبوا من
فعله، فقال: اللهم اشهد عليهم، ثم حمل إلى قبره فلما وضع في لحده قال: يا مفضل
اكشف عن وجهه، فكشف فقال للجماعة: انظروا أحي هو أم ميت؟ فقالوا: بل
ميت يا ولي الله، فقال: اللهم اشهد فإنه سير تاب المبطلون يريدون أن يطفؤا نور الله،
ثم أومى إلى موسى (ع) وقال: والله متم نوره ولو كره الكافرون، ثم حثوا عليه
التراب ثم أعاد علينا القول فقال: الميت المكفن المحنط المدفون في هذا اللحد من هو؟
قلنا: إسماعيل ولدك، فقال: اللهم اشهد، ثم اخذ بيد موسى فقال: هو حق والحق
معه ومنه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
عنبسة العباد قال: لما توفي إسماعيل بن جعفر قال الصادق (ع): أيها الناس ان
هذه الدنيا دار فراق ودار التواء لا دار استواء، في كلام له، ثم تمثل بقول أبي خراش
فلا تحسبن اني تناسيت عهده * ولكن صبري يا أميم جميل
كهمس في حديثه: حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله (ع) جالس عنده ثم
قال بعد كلام كتب على حاشية الكفن: إسماعيل يشهد ان لا إله إلا الله.
229

وروي عن الصادق (ع) انه استدعى بعض شيعته وأعطاه دراهم وأمره أن
يحج بها عن ابنه إسماعيل وقال له: انك إذا حججت عنه لك تسعة أسهم من الثواب
ولإسماعيل سهم واحد. أنشد داود بن القاسم الجعفري:
لما انبرى لي سائلا لأجيبه * موسى أحق بها أم إسماعيل
قلت الدليل معي عليك وما على * ما تدعيه للامام دليل
موسى أطيل له البقاء فحازها * إرثا ونصا والرواة تقول
ان الإمام الصادق ابن محمد * عزي بإسماعيل وهو جديل
وأتى الصلاة عليه يمشي راجلا * أفجعفر في وقته معزول
وقال غيره:
سألنا ملحدا إثبات دين * فعاندنا ومجمع في دليله
وأرعد ثم أبرق ثم ولى * وبادر بالمقال إلى خليله
حكمت عليهم بالكفر حقا * لقد كفروا وصدوا عن سبيله
(الرد على الخوارج) في حلية الأولياء قال أبو مجاز: قال علي بن أبي طالب
عابوا علي بحكم الحكمين وقد حكم الله في طائر حكمين.
إبانة أبي عبد الله بن بطة: ناظر ابن عباس جماعة الحرورية فقال: ماذا نقمتم على
أمير المؤمنين؟ قالوا: ثلاثا انه حكم الرجال في دين الله فكفر وانه قاتل ولم يغنم ولم
يسب ومحا اسمه من امرة المؤمنين، فقال: ان الله حكم رجالا في أمر الله مثل قتل
صيد فقال (يحكم به ذوا عدل منكم) وفي الاصلاح بين الزوجين قال (فان خفتم
شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) واما انه قاتل ولم يسب ولم يغنم
أفتسبون أمكم عائشة ثم تستحلون منها ما يستحل من غيرها فلئن فعلتم لقد كفرتم
وهي أمكم وان قلتم ليست بأمنا فقد كذبتم لقوله (وأزواجه أمهاتكم) واما انه محا
اسمه من امرة المؤمنين لقد سمعتم بأن النبي أناه سهيل بن عمرو وأبو سفيان للصلح
يوم الحديبية فقال اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله القصة، ووالله لرسول الله
خير من علي وما خرج من النبوة بذلك، فقال بعضهم: هذا من الذين قال الله تعالى
(بل هم قوم خصمون) وقال (وتنذر به قوما لدا) احتجاج قريش عليهم، قال:
ورجع منهم خلق كثير.
وناظر عبد الله بن اباض هشام بن الحكم قبل الرشيد فقال هشام: انه لا مسألة
للخوارج علينا، فقال الأباضي: كيف ذاك؟ قال: لأنكم قوم قد اجتمعتم معنا على
230

ولاية رجل وتعديله والإقامة بإمامته وفضله ثم فارقتمونا في عداوته والبراءة منه
فنحن على إجماعنا وشهادتكم لنا وخلافكم لنا غير قادح في مذهبنا ودعواكم غير
مقبولة علينا إذ الاختلاف لا يقابل بالاتفاق وشهادة الخصم لخصمه مقبولة وشهادته
عليه مردودة غير مقبولة، فقال يحيى بن خالد: قد قربت قطعه ولكن جازه شئ،
فقال هشام: ربما انتهى الكلام إلى حد يغمض ويدق على الافهام والانصاف بالواسطة
والواسطة إن كان من أصحابي لم يؤمن عليه العصبية لي وإن كان من أصحابك لم
أجبه في الحكم علي وإن كان مخالفا لنا جميعا لم يكن مأمونا علي ولا عليك ولكن
يكون رجلا من أصحابي ورجلا من أصحابك فينظران فيما بيننا، قال: نعم، فقال
هشام لم يبق معه شئ، ثم قال: ان هؤلاء القوم لم يزالوا معنا على ولاية أمير المؤمنين
حتى كان من امر الحكمين ما كان فاكفروه بالتحكيم وضللوه بذلك وهذا الشيخ قد
حكم رجلين مختلفين في مذهبهما أحدهما يكفره والآخر يعدله فإن كان مصيبا في ذلك
فأمير المؤمنين أولى بالصواب وإن كان مخطئا فقد أراحنا من نفسه بشهادته بالكفر
عليها والنظر في كفره وايمانه أولى من النظر في اكفاره عليا (ع). فاستحسن
الرشيد ذلك وامر له بجائزة.
قال مؤمن الطاق للضحاك الشاري لما خرج من الكوفة محكما ويسمى بإمرة المؤمنين
لم تبرأتم من علي بن أبي طالب واستحللتم قتاله؟ قال: لأنه حكم في دين الله، قال
وكل من حكم في دين الله استحللتم قتله؟ قال: نعم، قال: فأخبرني عن الدين
الذي جئت به أناظرك عليه لادخل فيه معك ان علت حجتك حجتي؟ قال: فمن
يشهد للمصيب بصوابه لابد لنا من عالم يحكم بيننا، قال: لقد حكمت يا هذا في الدين
الذي جئت أناظرك فيه، قال: نعم. فأقبل الطاقى على أصحابه فقال: ان هذا صاحبكم
قد حكم في دين الله فشأنكم به، فضروا الضحاك بأسيافهم.
وقال القاضي التنوخي في جواب ابن المعتز:
وعبت عليا في الحكومة بينه * وبين ابن حرب في الطغام الأشايب
وقد حكم المبعوث يوم قريظة * ولا عيب في فعل الرسول لعايب
وقال ابن العوذي
وقالوا علي كان في الحكم ظالما * ليكثر بالدعوى عليه التظلم
وقالوا دماء الناس ظلما أراقها * وقد كان في القتلى برئ ومجرم
231

فصل: في مسائل وأجوبة
سئل الباقر (ع): لأي علة ترك أمير المؤمنين (ع) فدك لما ولى الناس؟
فقال: للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح مكة وقد باع عقيل داره فقيل ألا ترجع
إلى دارك؟ فقال وهل ترك عقيل لنا دارا إنا أهل بيت لا نسترجع شيئا يؤخذ منا
ظلما. وفى خبر لان الظالم والمظلومة قد كانا قدما على رسول الله وأثاب الله المظلومة
وعاقب الظالم.
وقال ضرار لهشام بن الحكم: ألا دعا علي الناس عند وفاة النبي إلى الائتمام به
إن كان وصيا؟ قال: لم يكن واجبا عليه لأنه قد دعاهم إلى موالاته والائتمام به
النبي يوم الغدير ويوم تبوك وغيرهما فلم يقبلوا منه ولو كان ذلك جائزا لجاز على آدم
ان يدعو إبليس إلى السجود له بعد إذ دعاه ربه إلى ذلك، ثم إنه صبر كما صبر أولوا
العزم من الرسل.
وسأل أبو حنيفة الطاقي فقال: لم لم يطلب علي بحقه بعد وفاة الرسول إن كان
له حق؟ قال: خاف أن يقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة.
وقيل لعلي بن ميثم: لم قعد عن قتالهم؟ قال: كما قعد هارون عن السامري وقد عبدوا
العجل. قيل: فكان ضعيفا، قال: كان كهارون حيث يقول (يا بن أم ان القوم
استضعفوني) وكنوح إذ قال (اني مغلوب فانتصر) وكلوط إذ قال (لو أن لي بكم
قوة أو آوي إلى ركن شديد) وكموسى وهارون إذ قال موسى (رب اني لا أملك إلا
نفسي وأخي). وهذا المعنى قد اخذه من قول أمير المؤمنين لما اتصل به الخبر انه لم
ينازع الأولين، فقال (ع) لي بستة من الأنبياء أسوة: أولهم خليل الرحمن إذ قال
(واعتزلكم وما تدعون من دون الله) فان قلتم انه اعتزلهم من غير مكروه فقد
كفرتم وإن قلتم انه اعتزلهم لما رأى المكروه منهم فالوصي اعذر، وبلوط إذ قال
(لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) فان قلتم ان لوطا كانت له بهم قوة فقد
كفرتم وإن قلتم لم يكن له بهم قوة فالوصي اعذر، وبيوسف إذ قال (رب السجن
أحب إلي مما يدعونني إليه) فان قلتم طالب بالسجن بغير مكروه يسخط الله فقد
كفرتم وإن قلتم انه دعي إلى ما يسخط الله فالوصي اعذر، وبموسى إذ قال (فررت
منكم لما خفتكم) فان قلتم انه فر من غير خوف فقد كفرتم وإن قلتم فر منهم (المناقب ج 1، م 29)
232

لسوء أرادوه به فأوصي اعذر، وبهارون إذ قال لأخيه: يا بن أم ان القوم استضعفوني
وكادوا يقتلونني فان قلتم لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم وان قلتم
استضعفوه وأشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم فالوصي اعذر، وبمحمد إذ هرب إلى
الغار وخلفني على فراشه ووهبت مهجتي لله فان قلتم انه هرب من غير خوف أخافوه
فقد كفرتم وان قلتم انهم أخافوه فلم يسعه إلا الهرب إلى الغار فالوصي اعذر، فقال
الناس صدقت يا أمير المؤمنين. قال العوني:
كم من نبي غدا مستضعفا وله * رب السماوات بالاملاك يردفه
لله في الأرض مكر ليس يأمنه * إلا كفور شقى الجد مقرفه
وفي نهج البلاغة فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فظننت بهم عن الموت
فأغضيت على القذى وشربت على الشجى وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمر من طعم
العلقم. وفي الخصال في آداب الملوك أنه قال (ع): ولي في موسى أسوة وفي خليلي
قدوة وفي كتاب الله عبرة وفيما أودعني رسول الله برهان وفيما عرفت تبصرة ان
تكذبوني فقد كذبوا الحق من قبلي وان ابتلى به فتلك سيرتي المحجة البيضاء والسبيل
المفضية لمن لزمها من النجاة لم أزل عليها لأنا كلا ولا مبدلا لن أضيع بين كتاب الله
وعهد ابن عمي به، في كلام له، ثم قال:
لن أطلب العذر في قومي وقد جهلوا * فرض الكتاب ونالوا كلما حرما
حبل الإمامة لي من بعد أحمدنا * (الأبيات)
ومن كلام له (ع) رواه محمد بن سلام فنزل بي من وفاة رسول الله ما لم تكن
الجبال لو حملته لحملته ورأيت أهل بيته بين جازع لا يملك جزعه ولا يضبط نفسه ولا
يقوى على حمل ما نزل به قد أذهب الجزع صبره وأذهل عقله وحال بينه وبين الفهم
والافهام وبين القول والاستماع، ثم قال بعد كلام: وحملت نفسي على الصبر عند وفاته
ولزمت الصمت والاخذ فيما أمرني به من تجهيزه، الخبر.
قوله تعالى (فوكزه موسى فقضى عليه) كان قتل واحدا على وجه الدفع فأصبح
في المدينة خائفا (فخرج منها خائفا) ففررت منكم لما خفتكم (رب اني قتلت منهم) رب
اني أخاف، فكيف لا يخاف علي وقد وترهم بالنهب وأفناهم بالحصيد واستأسرهم فلم يدع
قبيلة من أعلاها إلى أدناها إلا وقد قتل صناديدهم. قال مهيار:
تركت أمرا ولو طالبته لدرت * معاطس راغمته كيف تجتدع
صبرت تحفظ أمر الله ما اطرحوا * ذبا عن الدين فاستيقظت إذ هجعوا
233

ليشرقن بحلو اليوم مرغد * إذا حصدت لهم في الحشر ما زرعوا
قيل لأمير المؤمنين في جلوسه عنهم قال إني ذكرت قول النبي: إن القوم نقضوا
أمرك واستبدوا بها دونك وعصوني فيك فعليت بالصبر حتى ينزل الامر فإنهم سيغدرون
بك وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني وان
هذه ستخضب من هذا.
وسئل الصادق: ما منع عليا أن يدفع أو يمتنع؟ فقال: منع عليا من ذلك آية من
كتاب الله تعالى: (لو تزايلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) انه كان لله ودايع
مؤمنين في أصلاب قوم كفار ومنافقين فلم يكن علي ليقتل حتى تخرج الودايع فإذا
خرج ظهر على من ظهر وقتله. قال ابن حماد:
أغرك امهال الامام لمن بغى * عليه ومن شأن الامام الرضى المهل
ولو شاء ارسال العذاب إليهم * لما صده عن ذاك خيل ولا رجل
ولكنه أبقى عليهم لعترة * ولو هلك الآباء لا نقطع النسل
زرارة بن أعين قلت لأبي عبد الله (ع): ما منع أمير المؤمنين (ع) أن يدعو
الناس إلى نفسه ويجرد في عدوه سيفه؟ فقال: لخوف أن يرتدوا فلا يشهدوا ان
محمدا رسول الله. قال الناشي:
ان الذي قبل الوصية ما أتى * غير الذي يرضي الاله وما اغتدى
أصلحت حال الدين بالامر الذي * أضحى لحالك في الرياسة مفسدا
وعلمت انك ان أردت قتالهم * ولوا عن الاسلام خوفك شردا
فجمعت شملهم بترك خلافهم * وان اغتديت من الخلافة مبعدا
لتتم دينا قد أمرت بحفظه * وجمعت شملا كاد أن يتبددا
وسأل صدقة بن مسلم عمر بن قيس الماصر عن جلوس علي في الدار؟ فقال: ان
عليا في هذه الأمة كان فريضة من فرايض الله أداها نبي الله إلى قومه مثل الصلاة
والزكاة والصوم والحج وليس على الفرايض أن تدعوهم إلى شئ إنما عليهم أن
يجيبوا الفرايض وكان علي أعذر من هارون لما ذهب موسى إلى الميقات فقال لهارون
اخلفني في قومي ولا تتبع سبيل المفسدين، فجعله رقيبا عليهم وان نبي الله نصب عليا
لهذه الأمة علما ودعاهم عليه فعلي في غدرهم جلس في بيته وهم في حرج حتى يخرجوه
فيضعوه في الموضع الذي وضعه فيه رسول الله. فاستحسن منه جعفر الصادق (ع)
قال العوني:
234

تقول لم لم يقاتلهم هناك على * حق ليدفع عنه الضيم مرهفه
أم كيف أمهل من لو سل صارمه * في وجهه لرأيت الطير يخطفه
فقلت من ثبتت في العقل حكمته * فلا اعتراض عليه حين ينصفه
لم عمر الله إبليسا وسلطه * على ابن آدم في الآفات يقرفه
لم يمهل الله فرعونا يقول لهم * إني أنا الله محي الخلق متلفه
في مجلس لو أراد الله كان به * وبالالى نصروه كان يخسفه
أملى لهم فتمادوا في غوايتهم * ان الغوي كذا الدنيا تسوفه
وهل خلا حجة لله ويحك من * جبار سوء على البأساء يعطفه
ومن كلام أمير المؤمنين (ع) وقد سئل عن أمرهما: وكنت كرجل له على الناس
حق فان عجلوا له ماله أخذه وحمدهم، وان أخروه أخذه غير محمودين، وكنت كرجل
يأخذ بالسهولة وهو عند الناس مخذول الهدى بقلة من يأخذه من الناس فإذا سكت
فاعفوني. وقال (ع) لعبد الرحمن بن عوف يوم الشورى: ان لنا حقا ان أعطيناه
أخذنا وإن منعناه ركبنا أعجاز الإبل وإن طال بنا السرى.
وسئل متكلم: لم لم يقاتل الأولين على حقه وقاتل الآخرين؟ فقال: لم لم يقاتل
رسول الله على ابلاغ الرسالة في حال الغار ومدة الشعب وقاتل بعدهما؟. وقال ابان
ابن تغلب لعبد الله بن شريك لما هزمهم أمير المؤمنين (ع) يوم الجمل قال: لا تتبعوا
مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن. فلما كان يوم صفين قتل
المدبر وأجهز على الجريح هذه سيرتان مختلفتان. فقال: ان أهل الجمل قتلوا طلحة
والزبير وان معاوية كان قائما بعينه وهو قائدهم.
أبو بكر الحضرمي: قال الصادق (ع): لسيرة علي بن أبي طالب في أهل البصرة
كان خيرا لشيعته مما طلعت عليه الشمس انه علم أن للقوم دولة فلو سباهم سبيت شيعته.
وقال بعض النواصب لصاحب الطاق: كان علي يسلم على الشيخين بإمرة المؤمنين
أفصدق أم كذب؟ قال: اخبرني أنت عن الملكين اللذين دخلا على داود فقال أحدهما
ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة كذب أم صدق؟ فانقطع
الناصبي. وسال سليمان بن حريز: يا هشام بن الحكم اخبرني عن قول علي لأبي بكر:
يا خليفة رسول الله، أكان صادقا أم كاذبا؟ فقال هشام: وما الدليل على أنه قاله؟ ثم قال
وإن كان قاله فهو كقول إبراهيم (اني سقيم) وكقوله (بل فعله كبيرهم) وكقول
يوسف (أيتها العير انكم لسارقون).
235

وقال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحكم: الدليل على صحة معتقدنا وبطلان
معتقدكم كثرتنا وقلتكم مع كثرة أولاد علي وادعائهم، فقال هشام: لست إيانا أردت
بهذا القول إنما أردت الطعن على نوح حيث لبث في قومه الف سنة إلا خمسين عاما
يدعوهم إلى النجاة ليلا ونهارا وما آمن معه إلا قليل. وقال أمير المؤمنين: سرت في
أهل البصرة بسيرة رسول الله في أهل مكة.
وقيل لعلي بن ميثم: لم صلى علي خلف القوم؟ قال: جعلهم بمنزلة السواري،
قيل: فلم ضرب الوليد بن عقبة بين يدي عثمان؟ قال: لان الحد له واليه فإذا أمكنه
إقامته إقامة بكل حيلة، قيل: فلم أشار على أبى بكر وعمر؟ قال: طلبا منه أن يحيي
أحكام الله وأن يكون دينه القيم كما أشار يوسف على ملك مصر نظرا منه للخلق ولان
الأرض والحكم فيها إليه فإذا أمكنه أن يظهر مصالح الخلق فعل وان لم يمكنه ذلك
بنفسه توصل إليه على يدي من يمكنه طلبا منه الاحياء لأمر الله، قيل: لم قعد في
الشورى؟ قال: اقتدارا منه على الحجة وعلما بأنهم ان ناظروه وأنصفوه كان هو
الغالب ومن كان له دعوى فدعى إلى أن يناظر عليه فان ثبتت له الحجة أعطته فإن لم
يفعل بطل حقه وأدخل بذلك الشبهة على الخلق وقد قال (ع) يومئذ: اليوم أدخلت
في باب إذا أنصفت فيه وصلت إلى حقي - يعني ان الأول استبد بها يوم السقيفة ولم
يشاوره -، قيل فلم زوج عمر ابنته؟ قال: لاظهاره الشهادتين واقراره بفضل
رسول الله وارادته استصلاحه وكفه عنه وقد عرض نبي الله لوط بناته على قومه
وهم كفار ليردهم عن ضلالتهم فقال هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ووجدنا آسية بنت
مزاحم تحت فرعون.
وسئل الشيخ المفيد: لم أخذ عطاهم وصلى خلفهم ونكح سبيهم وحكم في
مجالسهم؟ فقال: اما أخذه العطاء فأخذ بعض حقه، واما الصلاة خلفهم فهو الامام
من تقدم بين يديه فصلاته فاسدة على أن كلا مؤد حقه، واما نكاحه من سبيهم فمن
طريق الممانعة ان الشيعة روته ان الحنفية زوجها أمير المؤمنين محمد بن مسلم الحنفي،
واستدلوا على ذلك بأن عمر بن الخطاب لما رد من كان أبو بكر سباه لم يرد الحنفية فلو
كانت من السبي لردها، ومن طريق المتابعة انه لو نكح من سبيهم لم يكن لكم ما أردتم
لان الذين سباهم أبو بكر كانوا عندكم قادحين في نبوة رسول الله كفارا فنكاحهم
حلال لكل أحد ولو كان الذين سباهم يزيد وزياد وإنما كان يسوغ لكم ما ذكرتموه
إذا كان الذين سباهم قادحين في إمامته ثم نكح أمير المؤمنين، واما حكمه في مجالسهم
236

فإنه لو قدر أن لا يدعهم يحكمون حكما لفعل إذ الحكم إليه وله دونهم.
وفي كتاب الكر والفر قالوا: وجدنا عليا يأخذ عطاء الأول ولا يأخذ عطاء
ظالم إلا ظالم؟ قلنا: فقد وجدنا دانيال يأخذ عطاء بختنصر. وقالوا: قد صح ان
عليا لم يبايع ثم بايع ففي أيهما أصاب أخطأ في الأخرى؟ قلنا: وقد صح ان النبي لم يدع
في حال ودعا في حال ولم يقاتل ثم قاتل. وقال رجل للمرتضى: أي خليفة قاتل
ولم يسب ولم يغنم؟ فقال: ارتد علاثة في أيام أبي بكر فقتلوه ولم يعرض أبو بكر
لماله. وروي مثل ذلك لمرتد قتل في أيام عمر فلم يعرض لماله. وقتل علي مسوره
العجلي ولم يعرض لماله، فالقتل ليس بامارة على تناول المال.
وقال رجل لشريك: أليس قول علي لابنه الحسين يوم الجمل: يا بني يود أبوك
انه مات قبل هذا اليوم بثلاثين سنة، يدل على أن في الامر شيئا؟ فقال شريك: ليس
كل حق يشتهى ان يتعب فيه، قد قالت مريم في حق لا يشك فيه (يا ليتني مت قبل هذا
وكنت نسيا منسيا)، ولما قيل لأمير المؤمنين في الحكمين: شككت؟ قال: أنا أولى
بأن لا أشك في ديني أم النبي وما قال الله تعالى لرسوله (قل فأتوا بكتاب من عند الله
هو أهدى منهما اتبعه ان كنتم صادقين).
وسأل هشام بن الحكم جماعة من المتكلمين فقال: أخبروني حين بعث الله محمدا
بعثه بنعمة تامة أو بنعمة ناقصة؟ قالوا بنعمة تامة، قال: فأيما أتم أن يكون في أهل بيت
واحد نبوة و خلافة أو يكون نبوة بلا خلافة؟ قالوا: بل يكون نبوة وخلافة
قال: فلماذا جعلتموها في غيرها فإذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسيوف،
فأفحموا. قال الصاحب:
من كالوصي علي عند سابقة * والقوم ما بين تضليل وتسفيه
من كالوصي علي عند مشكلة * وعنده البحر قد فاضت نواحيه
من كالوصي علي عند مخمصة * قد جاد بالقوت ايثارا لعافيه
يا يوم بدر تجشم ذكر موقعة * فاللوح يحفظه والوحي يمليه
وأنت يا أحد هل في الورى أحد * يطيق جحدا لما قد قلته فيه
براءة استرسلي في القوم وانبسطي * فقد لبست جمالا من توليه
237

باب في امامة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام
فصل: في الخطب
نسب إلى علم الهدى رحمه الله:
الحمد لله بارئ النسم * مقدر الرزق قاسم القسم
الواحد الماجد المفيض على * عباده من سوابغ النعم
رب توالت فنون نعمته * كما توالت هو أطل الديم
نحمده شاكرين أنعمه * حيث هدانا لدينه القيم
وأرسل المرسلين قاطبة * بكتبه حجة على الأمم
وابتعث المصطفى وفضله * بأفضل الكتب أشرف الكلم
محمد خير من سعى ودعا * وحج بيتا بكعبة الحرم
صلى عليه الاله ما زهرت * شوابك النجم في دجى الظلم
ثم علي المرتضى وزوجته * وابنيه ثم الامام ذي الحرم
ثم على باقر وجعفر والكاظم * ثم الرضا ذوي الهمم
ثم ابنه والنقي والحسن * المسموم ثم الامام ذي العلم
القائم العادل المجدد دين * المصطفى الحبر سيد النسم
من يملأ الأرض بعد ما ملئت * بالجور والعدل خير مقتسم
هم عصمتي في الورى لأنهم * خير قرين وخير معتصم
سهل ويسر لنا لقاءهم * في جنة الخلد بارئ النسم
واغفر لنا سيئاتنا وقنا * هول عذاب الجحيم والألم
ولعلي بن الهيصم:
الحمد لله ذي الافضال والكرم * رب البرايا ولي الطول والنعم
أبدا صنايعه من غيب قدرته * تزهو بدايعها كالروض في الديم
يجري ممالكه سلطان حكمته * ما شاء يخرجه خلقا من العدم
انظر إلى القبة الخضراء عالية * قد زانها الأنجم الزهراء في الظلم
238

وانظر إلى الأرض فوق الماء طافية * محفوظة بالرواسي الشم والأمم
أما ترى شخصك الميمون أبدعه * من نطفة مكنت في ظلمة الرحم
نفسا عجيبا بلا عيب تعاوره * قدا جميلا مكين الساق والقدم
فالوجه والعين والأذنان ظاهرة * والقلب والروح والاحشاء في ظلم
فيها دمي حليف العقل مدكر * هذا لحيم أليف النطق والكلم
هذا مرتب أفعال ميسرة * هذا مفتح مخزون ومن كتم
هذا بعرفان محض القول في شرف * هذا بتوحيد رب العرش في نعم
سبحان منشئها سبحان مبدعها * أعجب بصنعه في كل ذي رقم
اختار من خلقه ما شاء مغتنيا * حتى تعالى رفيع الشأن والعلم
واختار منهم رسول الله سيدنا * محمدا أفضل الاحياء والنسم
جلت مناصبه عزت مناسبه * فاحت أطايبه في الحل والحرم
صلى عليه إله الخلق متصلا * ما انهل وبل على الضيعات والاكم
ثم الصلاة على من بعده خلف * عنه الخليفة حقا كاسر الصنم
أخو الرسول أمير المؤمنين ولي * الله خير عباد الله كلهم
ثم الصلاة على نجل له فطن * أعني به الحسن المختار ذي الهمم
ثم الصلاة على نجل له ندس * أعني الحسين كريم الخيم والشيم
ثم الصلاة على زين العباد رضا * أعني عليا علي الفضل والخيم
ثم الصلاة على المعصوم باقرنا * محمد بن علي سيد الأمم
ثم الصلاة على المأمول جعفرنا * الصادق الطاهر الخالي من التهم
ثم الصلاة على المنصوص كاظمنا * الكاظم الغيظ غيظ الخيل والخدم
ثم الصلاة على المظلوم سيدنا * علي بن موسى الرضا المحافظ للذمم
ثم الصلاة على الصدر التقي ند * محمد بن علي عالم فهم
ثم الصلاة على البدر النقي به * نجل التقي إمام الخلق محتشم
ثم الصلاة على معصومنا الحسن * الزكي وافى الذمام الطاهر الحرم
ثم الصلاة على المهدي قائمنا * محمد بن الحسن الكشاف للغمم
عليهم صلوات الله زاكية * ما دامت المسكة الذفراء في اللمم
ولغيره خطبة:
الحمد لله خالق السماوات والأرض، وجعلها اطباقا بعضها فوق بعض، خالق
239

الرفع والخفض، والابرام والنقض، المنره عن الطول والعرض، نور السماوات
والأرض. خالق المساء والصباح، فقال الاصباح منشر الرياح باعث الأرواح،
أهل الجود والسماح، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، مخرج البيض من الدجاجة،
ومنزل الماء من المزن بعضها عذب وبعضها اجاجه، وصف في قلوب المؤمنين سراجه،
فقال المصباح في زجاجة الزجاجة. رب العالمين عليم علي وفيما وعد للمؤمنين وفي،
ضرب لنا مثلا ومثله سني، فقال كأنها كوكب دري. يعطي الجزيل من الثواب غير
ممنونة، وانزل التوراة والإنجيل في صحف مكنونة، وانزل القرآن في أوقات
ميمونة، يوقد من شجرة مباركة زيتونة. لا جوهرية ولا عرضية، ولا سمائية ولا
أرضية، لا فوقية ولا تحتية، لا شرقية ولا غربية. فمن عرفه لم يلحقه اثم ولا عار،
ومن جحد صار إلى النار، ومن هرب من عذابه لا تنجيه دار ولا غار، وهو الله
الواحد القهار، النافع الضار، يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار، ومن جماله سرور
في سرور، ومن كماله حبور في حبور، وفى جنانه قصور في قصور، وفى كتابه نور على نور. اله العزة والبهاء، والقدرة والسناء، يهدي الله لنوره من يشاء. فمن
عرفه رفع عنه العقوبة والباس، والقنوط والياس، ويضرب الله الأمثال للناس،
وهو الملك القديم، الرحمن الرحيم، وهو بكل شئ عليم.
فصل: في الآيات المنزلة فيهم عليهم السلام
تظاهرت الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله في قوله: (الله نور السماوات)، أنه قال: يا علي
النور اسمي والمشكاة أنت يا علي المصباح الحسن والحسين الزجاجة علي بن الحسين كأنها
كوكب دري محمد بن علي يوقد من شجرة جعفر بن محمد مباركة موسى بن جعفر زيتونة علي
ابن موسى لا شرقية محمد بن علي ولا غربية علي بن محمد يكاد زيتها الحسن بن علي
يضئ القائم المهدي.
كتاب التوحيد عن ابن بابويه باسناده عن الباقر (ع) في قوله: (كمشكاة فيها
مصباح) قال: نور العلم في صدر النبي صلى الله عليه وآله المصباح في زجاجة صدر علي
صار علم النبي إلى صدر علي علم النبي عليا، يوقد من شجرة مباركة نور العلم لا شرقية
ولا غربية لا يهودية ولا نصرانية، يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار قال: يكاد
العالم من آل محمد يتكلم بالعلم قبل ان يسأل، نور على نور أي إمام مؤيد بنور العلم
والحكمة في اثر إمام من آل محمد وذاك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة فهؤلاء
240

الأوصياء الذين جعلهم الله خلفاءه في أرضه وحججه على خلقه لا تخلو الأرض في كل
عصر من واحد منهم، وقالوا: الشجرة الرضوان والبيعة للنبي صلى الله عليه وآله وللصحابة لقد
رضى الله عن المؤمنين وشجرة النور والمباركة وهي الأئمة الأثناء عشر يوقد من شجرة
والشجرة الملعونة بنو أمية عن الباقر وابن المسيب (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا
فتنة) الآية. قال الحميري:
غرست نخيل من سلالة آدم * شرفا فطاب بفخر طيب المولد
زيتونة طلعت فلا شرقية * تلقى ولا غربية في المتحد
ما زال يشرق نورها من زيتها * فوق السهول وفوق صم الجلمد
وسراجها الوهاج احمد والذي * يهدى إلى نهج الطريق الأزهد
وقال الزاهي:
فهم في الكتاب زيتونه النور * وفيها من غير نار وقود
وهم النخل باسقات كما قال * سوار لهن طلع ونضيد
وبأسمائهم إذا ذكر الله * بأسمائه اقتران وكيد
جابر الجعفي عنه (ع) في تفسير قوله (والفجر وليال عشر) يا جابر والفجر جدي
وليال عشر عشرة أئمة والشفع أمير المؤمنين والوتر اسم القائم. قال ابن الحجاج:
أقسمت بالشفع والوتر * والنجم والليل إذا يسري
اني امرؤ قد ضقت ذرعا بما * أطوى من الهم على صدري
وقال الحميري:
الفجر فجر الصبح والشعر عشر * الفجر والشفع النجيان
محمد وابن أبي طالب * والوتر رب العزة الثاني
مقاتل فسر هذا كذى * تفسير ذي صدق وايمان
أعني ابن عباس وكان امرءا * صاحب تفسير وتبيان
الرضا في تفسير قوله (الله نور السماوات والأرض) قال: هدى من في السماوات
وهدى من في الأرض، وفى رواية: هاد لأهل السماوات وهاد لأهل الأرض.
الصادق (ع): هو مثل ضربه الله لنا. ويقال أي مزينهما.
وذكر صاحب مصباح الواعظ ان الله تعالى زين كل شئ باثني عشر شيئا: السماء
بالبروج (وزينا السماء الدنيا)، والسنة بالشهور (ان عدة الشهور عند الله)، والبحار
بالجزاير وهي اثنا عشر، والأرض بمكان الأئمة من أولاد علي وفاطمة للحديث المروى
241

عن زيد الرقاشي عن أنس قال: قال صلى بنا رسول الله صلاة الفجر ولما انفتل من
الصلاة أقبل علينا بوجهه الكريم فقال: معاشر الناس من افتقد الشمس فليستمسك
بالقمر ومن أفقد القمر فليستمسك بالزهرة ومن افتقد الزهرة فليستمسك بالفرقدين
فسئل عن ذلك فقال: أنا الشمس وعلي القمر وفاطمة الزهرة والحسن والحسين
الفرقدان، ذكره النطنزي في الخصائص.
وفي رواياتنا روى القاسم عن سلمان الفارسي فإذا فقدتم الفرقدين فتمسكوا
بالنجوم الزاهرة ثم قال: واما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسين
والتاسع مهديهم، الخبر. وقد سمى الله تعالى اثنى عشر شيئا نورا: نفسه (الله نور
السماوات)، ونبيه (قد جائكم من الله نور)، ووليه (نور على نور)، والأئمة
الاثني عشر (يريدون ليطفؤا نور الله)، والايمان (مثل نوره كمشكاة)، والنهار
(وجعل الظلمات والنور)، والقمر (وجعل القمر فيهن نورا)، والسعادة (يسعى
نورهم)، والنار (مثلهم كمثل الذي)، والطاعة (ليخرجكم من الظلمات إلى النور)،
والتوراة (انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونورا)، والقرآن (واتبعوا النور الذي)،
والعدل (وأشرقت الأرض بنور ربها).
جابر الجعفي في تفسيره عن جابر الأنصاري قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله عن قوله:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) عرفنا الله ورسوله فمن أولوا
الامر؟ قال: هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي أو لهم علي بن أبي طالب ثم
الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه
يا جابر فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي
ابن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي وكنيتي حجة الله
في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي الذي فتح الله على يده مشارق الأرض
ومغاربها ذاك الذي يغيب عن شيعته غيبته لا يثبت على القول بإمامته إلا من امتحن
الله قلبه بالايمان.
أبو بصير عن الباقر (ع) في هذه الآية قال: الأئمة من ولد علي وفاطمة إلى
أن تقوم الساعة. قال العوني:
نص على ست وست بعده * كل إمام راشد برهانه
صلى عليه ذو العلى ولم يزل * يغشاه منه أبدا رضوانه
جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر في خبر طويل في قوله (فقلنا اضرب بعصاك
242

الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم) الآية، فقال: ان قوم
موسى لما شكوا إليه الجدب والعطش استسقوا موسى فاستسقى لهم فسمعت ما قال الله
له ومثل ذلك جاء المؤمنون إلى جدي رسول الله قالوا: يا رسول الله تعرفنا من الأئمة
بعدك؟ فقال وساق الحديث إلى قوله: فإنك إذا زوجت عليا من فاطمة خلفت منها
أحد عشر إماما من صلب علي يكونون مع علي اثنا عشر إماما كلهم هداة لامتك
يهتدون بهم كل أمة بامام منهم ويعلمون كما علم قوم موسى شربهم، قوله (وإذا أخذنا
من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) (وإذ أخذنا
ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا).
الصادق (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله: ان الله تعالى أخذ ميثاقي وميثاق اثنى عشر إماما
بعدي وهم حجج الله علي خلقه الثاني عشر منهم القائم الذي يملا به الأرض قسطا وعدلا
كما ملئت ظلما وجورا.
قيس بن أبي حازم عن أم سلمة قالت: قال رسول الله في قوله: (أولئك الذين أنعم
الله عليهم من النبيين) أنا (والصديقين) علي (والشهداء) الحسن والحسين (والصالحين)
حمزة (وحسن أولئك رفيقا) الأئمة الاثنا عشر بعدي.
الباقر (ع) في قوله (ومن يطع الله ورسوله) المراد بالأنبياء المصطفى وبالصديقين
المرتضى وبالشهداء الحسن والحسين وبالصادقين من أولاد الحسين وحسن أولئك رفيقا
المهدي. كتاب النبوة عن ابن بابويه باسناده عن المفضل بن عمر قال: سألت الصادق عن
قوله (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) ما هذه الكلمات؟ قال: التي تلقاها آدم من ربه
فتاب عليه وهو أنه قال: يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا
تبت علي فتاب الله عليه انه هو التواب الرحيم، فقلت ما يعني بقوله (فأتمهن)؟ قال:
أتمهن إلى القائم اثنى عشر إماما.
الباقر والصادق في قوله (والشمس وضحاها) قالا: هو رسول الله (والقمر
إذا تلاها) علي بن أبي طالب (والنهار إذا جلاها) الحسن والحسين وآل محمد، قالا:
(والليل إذا يغشاها) عتيق وابن صهاك وبنو أمية ومن تولاهما.
الكافي، قال الصادق (ع): الشمس رسول الله به أوضح الله عز وجل للناس
دينهم (والقمر إذا تلاها) ذاك أمير المؤمنين تلا رسول الله ونقبه بالعلم نقبا (والليل
إذا يغشاها) ذاك أئمة الجور الذين استبدوا بالامر دون الرسول وجلسوا مجلسا كان
الرسول أولى به منهم فغشوا دين الله بالظلم والجور فحكى الله فعلهم فقال والليل إذا
243

يغشاها (والنهار إذا جلاها) ذاك الامام من ذرية فاطمة يسأل عن دين رسول الله
فحكى الله عز وجل قوله فقال: والنهار إذا جلاها.
كتاب كشف الحيرة قال أمير المؤمنين (ع): أنشدكم بالله أتعلمون ان الله أنزل
في سورة الحج (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم) السورة، فقام
سلمان فقال: يا رسول الله من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم الشهداء على الناس
الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة إبراهيم؟ قال النبي: عنى بذلك
ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة، قال سلمان بينهم لنا يا رسول الله، قال: أنا
وأخي علي وأحد عشر من ولدي، قالوا: اللهم نعم، الخبر.
جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر (ع) في قوله (ان عدة الشهور) الآية قال قال
شهورها اثنا عشر وهو أمير المؤمنين وعدد الأئمة بعده ثم قال بعد كلام طويل في
قوله (منها أربعة حرم) أربعة منهم باسم واحد على أمير المؤمنين وأبي علي بن الحسين
وعلي بن موسى وعلي بن محمد (فلا تظلموا فيهم أنفسكم) أي قولا بهم جميعا تهتدوا،
وفي خبر أربعة حرم علي والحسن والحسين والقائم بدلالة قوله (ذلك الدين القيم)،
وقال سلمان القصري سألت الحسن بن علي عليهما السلام فقال: عددهم عدد شهور الحول
العمر أقصر أن يقضى * بالبطالة والسرور
فتروح بالخسران من * دنياك في يوم النشور
فافزع إلى مولاك ذي * الانعام والفضل الكبير
متوسلا بالمصطفى * ووصيه البر الطهور
السادة الأبرار والا * نوار في عدد الشهور
فهم الهداة لنا على * مر الليالي والدهور
الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (ع) في خبر: ولقد سئل رسول الله وأنا
عنده عن الأئمة فقال: والسماء ذات البروج ان عدهم بعدد البروج ورب الليالي والأيام
والشهور. يزيد بن عبد الملك عن زين العابدين (ع) أنه قال في قول الله تعالى:
(بئس ما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا) قال: من ولاية علي
أمير المؤمنين والأوصياء من ولده.
مسنم بن قيس عن أمير المؤمنين في خبر طويل في قوله (ووالد وما ولد) قال:
اما الوالد فرسول الله (وما ولد) يعني هؤلاء الأوصياء. وروى في قوله (وأولوا
العلم قائما بالقسط) هم الأئمة إماما بعد إمام.
244

وحكى في قوله (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) انهم الأئمة الاثنا عشر يوضحه
قول النبي: النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض الخبر، فالضال
في البرية يهتدي بها والضال في الدين يهتدي بهم.
وجاء في تفسير قوله تعالى (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل) الآية،
ان صاحب البستان رسول الله والبستان شريعته والأشجار الأئمة والأنهار علوم العلماء
والكبر وصول الرسول إلى الله تعالى والذرية أولاده والنار الفتن والأيتام الأمة.
أبو القاسم الكوفي قال: روى في قوله (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون
في العلم) ان الراسخون في العلم من قرنهم الرسول بالكتاب وأخبر انهما لن يفترقا حتى
يردا علي الحوض. وفي اللغة الراسخ هو اللازم الذي لا يزول عن حاله ولن يكون
كذلك إلا من طبعه الله على العلم في ابتداء نشؤه كعيسى في وقت ولادته قال (اني
عبد الله آتاني الكتاب) الآية، فاما من يبقى السنين الكثيرة لا يعلم ثم يطلب العلم فيناله
من جهة غيره على قدر وما يجوز أن يناله منه فليس ذلك من الراسخين، يقال رسخت
عروق الشجر في الأرض ولا يرسخ إلا صغيرا، وقال أمير المؤمنين: أين الذين
زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا لنا وحسدا علينا ان رفعنا الله سبحانه
ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى
لابهم. أبو الصباح الكناني وأبو بصير كلاهما عن الصادق، وروى الفضل بن يسار
ويزيد بن معاوية العجلي كلاهما عن الباقر واللفظ للكناني: نحن قوم فرض الله طاعتنا
لنا الأنفال ولنا صفو المال ونحن الراسخون في العلم ونحن المحسودون الذين قال الله
(أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله)
أقول توحيد رب العلى * وان الأئمة اثنا عشر
فصل: في النصوص الواردة على ساداتنا
الروايات في هذا الباب نوعان، منها المتناقل قبل آدم، ومنها المروي قبل شرع
الاسلام، ومنها ما تظاهرت به الروايات عن النبي وذلك نوعان، منها ما روته العامة،
ومنها ما روته الخاصة، فما جاء قبل آدم نحو حديث الميثاق وحديث الأصل وحديث
الأسماء المكتوبة على العرش وحديث الكلمات وغير ذلك فلتؤخذ من مواضعها في هذا
الكتاب، واما ما جاء قبل الاسلام خبر الهاروني الذي سأل عمر بن الخطاب وهو خبر
245

طويل ذكرنا بعضه فيه وحدثني أبو علي الطبرسي في أعلام الورى قال حدثني من أثق
به كانت بشارة موسى بالنبي صلى الله عليه وآله في السفر الأول من التوراة (وليشتمعيل شمتنح
هنه يرختي أتو وهفرتي أتو وهربتي أتو بمادماد شنيم عاسار نسئيم بوالد؟ وأنا تيتولگري
كادل وات برني هانيم) وتفسيره بالعربية: إسماعيل قبلت صلواته وباركت فيه وأنميته
وكثرت عدده بولد له اسمه محمد يكون اثنين وتسعين في الحساب وسأخرج اثنى عشر
إماما من نسله وأعطيه قوما كثير العدد، وقال القاضي الكراجكي في الاستبصار هذا
من التوراة العتيقة بوجد؟ عند اليونايين، وروى الشيخ المفيد حديث الخضر ومحبته
إلى أمير المؤمنين وسؤاله عن مسئلة وأمره لولده الحسن بالإجابة عنها فلما أجاب أعلن
الخضر بحضرة الجماعة فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ولم أزل أشهد بها وحده لا شريك
له وأشهد أن محمدا رسول الله ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصي رسول الله القائم
بحجته وأشار بيده إلى أمير المؤمنين ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصيه والقائم
بحجته وأشار بيده إلى الحسن انه وصي أبيه والقاسم بحجته بعد واشهد ان الحسين بن
علي وصي أبيه والقائم بحجته بعدك واشهد على علي بن الحسين انه القائم بأمر الحسين
واشهد على محمد بن علي انه القائم بأمر علي بن الحسين واشهد على جعفر بن محمد انه
القائم بأمر محمد بن علي واشهد على موسى بن جعفر انه القائم بأمر جعفر واشهد على
علي بن موسى انه القائم بأمر موسى واشهد على محمد بن علي انه القائم بأمر علي بن
موسى واشهد على علي بن محمد انه القائم بأمر محمد بن علي واشهد على الحسن بن علي
انه القائم بأمر علي بن محمد واشهد ان رجلا من ولد الحسين لا يسمى ولا يكنى حتى
يظهر الله أمره فيملأها عدلا كما ملئت جورا والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله
وبركاته. وروى الكلبي عن الشرقي بن القطامي عن تميم بن وعلة المري عن الجارود
ابن المنذر العبدي وكان نصرانيا فأسلم عام الحديبية وأنشد:
يا نبي الهدى أتتك رجال * قطعت فدفدا وأفرت جبالا
جابت البيد والمهامه حتى * غالها من طوى السرى ما غالا
اخبر الأولون باسمك فينا * وبأسماء بعده تتتالا
فقال رسول الله: أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الأيادي؟ فقال الجارود:
كلنا يا رسول الله نعرفه غير اني من بينهم عارف بخبره واقف على اثره، فقال سلمان:
أخبرنا، فقال: يا رسول الله لقد شهدت قسا وقد خرج من ناد ومن أندية اياد إلى
246

ضحضح ذي قتاد وسمر وغياد وهو مشتمل بنجاد فوقف في أضحيان ليل كالشمس
رافعا إلى السماء وجهه وإصبعه فدنوت منه فسمعته يقول: اللهم رب السماوات والأرفعة
والأرضين الممرعة، بحق محمد والثلاثة المحاميد معه، والعليين الأربعة، وفاطم والحسنين
الابرعة، وجعفر وموسى التبعة، سمي الكليم الصرعة، أولئك النقباء الشفعة، والطريق
المهيعة، وراثته الأناجيل، ومحاة الأضاليل، ونقاة الأباطيل، والصادقوا القيل، عدد
نقباء بني إسرائيل، فهم أول البداية، وعليهم تقوم الساعة، وبهم تنال الشفاعة،
ولهم من الله فرض الطاعة، اسقنا غيثا مغيثا. ثم قال: ليتني مدركهم ولو بعد لأي
من عمري ومحياي، ثم أنشأ يقول:
أقسم قس قسما * ليس به مكتتما
حتى يلاقي أحمدا * والنجباء الحكما
يعمى الأنام عنهم * وهم ضياء للعما
لو عاش الفي سنة * لم يلق منها سلما
هم أوصياء احمد * أفضل من تحت السما
لست بناس ذكرهم * حتى أحل الرجما
قال الجارود: فقلت يا رسول الله أنبئني أنبأك الله بخبر هذه الأسماء التي لم نشهدها
وأشهدنا قس ذكرها؟ فقال رسول الله: يا جارود ليلة اسرى بي إلى السماء أوحى الله
عز وجل إلي ان سل من قد أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا قلت: على ما بعثوا؟
قال: بعثتهم على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما، ثم عرفني الله تعالى
بهم وبأسمائهم، ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله للجارود أسمائهم واحدا واحدا إلى المهدي
عليهم السلام قال لي الرب تبارك وتعالى هؤلاء أوليائي وهذا المنتقم من أعدائي يعني
المهدي، فقال الجارود:
اتيتك يا بن آمنة رسولا * لكي بك اهتدى النهج السبيلا
فقلت وكان قولك قول حق * وصدق ما بدا لك ان تقولا
وبصرت العما من عبد شمس * وكلا كان من شمس ظليلا
وأنبأناك عن قس الأيادي * مقالا أنت طلت به حديلا
وأسماء عمت عنا فالت * إلى علم وكنت بها جهولا
وقد ذكر صاحب الروضة ان هذا الاستسقاء كان قبل النبوة بعشر سنين وشهادة
سلمان الفارسي بمثل ذلك مشهور. وقال الشعبي: قال لي عبد الملك بن مروان:
وجد وكيلي في مدينة الصفر التي بناها سليمان بن داود على سورها أبياتا منها:
هذا مقاليد أهل الأرض قاطبة * والأوصياء له أهل المقاليد
247

هم الخلائف اثنا عشرة حججا * من بعده الأوصياء السادة الصيد
حتى يقوم بأمر الله قائمهم * من السماء إذا ما باسمه نودي
فقال عبد الملك للزهري: هل علمت من امر المنادي باسمه من السماء شيئا؟ قال
الزهري: أخبرني علي بن الحسين ان هذا المهدي من ولد فاطمة، فقال عبد الملك:
كذبتما ذاك رجل منا يا زهري؟ هذا القول لا يسمعه أحد منك.
وإذا كانت النصوص على ساداتنا متناصرة، والاخبار بعددهم قبل وجودهم
متظاهرة، وقد ذكرهم الله في الكتب السالفة، وأعلمت الأنبياء بهم الأمم الماضية،
دل على كونهم أئمة الزمان، وحجج الله على الإنس والجان، قبل الحجج على جميع
البشر، الأئمة الاثنا عشر.
فصل: فيما روته العامة
حدثنا جماعة عن الكشميهني عن الفريري عن النجاري قال: حدثنا محمد بن المثنى
قال: حدثنا غندر قال: حدثنا شعبة عن عبد الملك قال: سمعت جابر بن سمرة قال:
سمعت النبي يقول: يكون اثنا عشر أميرا، فقال كلمة لم اسمعها فقال أبي أنه قال:
كلهم من قريش. أخرجه الخطيب في تاريخه، وحدثني الفراوي عن أبي الحسين
الفارسي عن أبي احمد الجلودي عن أبي إسحاق الفقيه عن الحافظ مسلم عن قتيبة بن
سعيد عن جرير عن حصين عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي فسمعته
يقول: ان هذا الامر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، قال: ثم تكلم بكلام
خفى علي، قال فقلت لأبي: ما قال؟ قال: قال كلهم من قريش. وبهذا الاسناد قال
مسلم، وحدثني ابن أبي عمير عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال:
سمعت النبي يقول: لا يزال امر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا، ثم تكلم بكلمة
خفيت علي فسألت أبى ماذا قال رسول الله؟ قال: قال كلهم من قريش. وبهذا الاسناد
قال مسلم. وأخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة
مثله إلا أنه لم يذكر لا يزال امر الناس ماضيا. وبهذا الاسناد قال مسلم، وحدثنا
هداب بن خالد الأزدي، قال حدثنا حماد بن خالد الأزدي، قال حدثنا حماد بن سلمة
عن سماك بن حرب، قال سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله يقول:
مناقب ج 1، م 31
248

لا يزال الاسلام عزيزا إلى اثنتي عشر خليفة ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لأبي فقال:
كلهم من قريش، وبهذا الاسناد قال مسلم وحدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا
أبو معاوية عن داود عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال قال النبي صلى الله عليه وآله: لا يزال هذا
الامر عزيزا إلى اثنتي عشر خليفة، ثم قال: تكلم بشئ لم أفهمه فقال فقلت لأبي قال
كلهم من قريش، وبهذا الاسناد قال مسلم وحدثني قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة
قال حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل عن المهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص
قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلام نافع ان اخبرني بشئ سمعته من رسول الله قال
فكتب إلي: سمعت رسول الله يوم الجمعة عشية رجم الأسلمي يقول: لا يزال الدين
قائما حتى تقوم الساعة ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. أخرجه
أبو يعلى الموصلي في المسند، وبهذا الاسناد قال مسلم وحدثني نصر بن علي الجهضمي
قال حدثنا يزيد بن ذريع قال حدثنا ابن عورج وحدثنا أحمد بن عثمان النوفلي واللفظ
له قال حدثنا أزهر قال حدثنا ابن عون عن الشعبي عن جابر بن سمره قال: انطلقت إلى
رسول الله ومعي أبي فسمعته يقول: لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثنى عشر
خليفة، فقال كلمة سمها الناس فقلت لأبي ما قال؟ قال: كلهم من قريش، أخرجه
السجستاني في السنن وحدثني أبو القاسم الشحام عن أبي سعيد الكنجرودي عن أبي عمرو
الجبري عن أبي يعلى الموصلي في مسنده عن شيبان بن فروخ عن حماد بن زيد عن مجالد
عن الشعبي عن مسروق قال: كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود فسأله رجل:
يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله كم يملك أمر هذه الأمة خلفه؟ فقال ابن مسعود
ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم فسألت رسول الله فقال:
اثنا عشر مثل نقباء بني إسرائيل. أخرجه ابن بطة في الإبانة وأحمد في مسنده عن
ابن مسعود، وقد رواه عثمان بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج وأبو كريب ومحمود بن
غيلان وعلي بن محمد وإبراهيم بن سعيد و عبد الرحمن بن أبي حاتم كلهم جميعا عن أبي
أسامة عن مجالد عن الشعبي.
وحدثني الفراوي عن أبي عبد الله الجوهري عن القطيفي عن عبد الله بن أحمد
ابن حنبل عن أبيه عن أبي عبد الله بن بطة العكبري مسندا إلى الإبانة عن علي بن
الجعد عن زهير عن سماك بن حرب وزياد بن علاقة وحصين بن عبد الله كلهم عن جابر
ابن سمرة ان النبي صلى الله عليه وآله قال: يكون بعدي اثنا عشر أميرا، وتكلم بكلمة فسألت أبى
249

فقال: كلهم من قريش، وبهذا الاسناد قال ابن بطة: روى الثوري عن عبد الملك
ابن عمير عن جابر بن سمرة قال قال النبي: لا يزال أمر الناس صالحا حتى يقوم اثنا عشر
أميرا من قريش، وبهذا الاسناد عن عبد الله بن أمية مولى مجاشع عن يزيد الرقاشي
عن أنس قال قال النبي: لا يزال هذا الدين قائما إلى اثنى عشر أميرا من قريش فإذا
مضوا ساخت الأرض بأهلها، وبهذا الاسناد عن أبي بكر بن أبي خيثمة عن علي بن
الجعد عن زهير بن معاوية عن زياد بن خيثمة عن الأسود بن سعيد الهمداني عن جابر
ابن سمرة يقول: سمعت رسول الله يقول: يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من
قريش ثم يكون الهرج، وبهذا الاسناد عن سماك بن حرب وزياد بن علاقة وحصين
ابن عبد الرحمن عن ابن سمرة عن النبي قال قال: لا يزال أهل هذا الدين ينصرون على
من ناواهم إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش.
وحدثني عبد الرحمن بن زريق القزاز البغدادي عن أبي بكر بن ثابت الخطيب
في تاريخ بغداد قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي الطفيل قال قال لي عبد الله بن عمر:
يا أبا طفيل أعدد اثنى عشر خليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله ثم يكون بعده النقف والنقاف، وفي
رواية عبد الله بن أبي أوفى: ثم يكون دواره.
ومما رواه الليث بن سعد عن خالد بن بريد عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن
سيف قال: كنا عند شقيق الأصبحي فقال: سمعت عبد الله بن عمر قال: سمعت
رسول الله يقول: يكون بعدي اثنا عشر خليفة.
ومما رواه سهل بن حماد عن يونس بن أبي يعقوب قال: حدثنا عوان بن أبي
جحيفة عن أبيه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فقال: لا يزال امر أمتي صالحا حتى يمضي
اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.
ومما رواه أبو الفرج محمد بن فارس الغوري المحدث باسناده عن أنس قال: قال
رسول الله: يكون منا اثنا عشر خليفة ينصرهم الله على من ناواهم ولا يضرهم من
عاداهم، الخبر. وروى عن أبي الطفيل انه سئل ابن عمر عن الخلفاء بعد رسول الله
فقال: اثنا عشر من بني كعب.
وكاتبني أبو المؤيد المكي الخطيب بخوارزم بكتاب الأربعين بالاسناد عن الحسين
ابن علي عليهما السلام قال: سمعت النبي يقول: من أحب أن يحيى حياتي ويموت ميتتي
ويدخل الجنة التي وعدني؟ ربى فليتول علي بن أبي طالب وذريته الطاهرين أئمة الهدى
250

ومصابيح الدجى من بعده فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة.
وحدثني أبو سعيد عبد اللطيف الأصفهاني عن ابن علي الحداد عن أبي نعيم
الأصفهاني مسندا إلى حليته عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال: جئت إلى أبى إلى المسجد
والنبي يخطب فسمعته يقول: يكون من بعدي اثنا عشر خليفة، ثم خفض صوته فلم
أدر ما يقول فقلت لأبي ما يقول؟ قال: قال كلهم من قريش.
وروى باسناده عن السدي عن زيد بن أرقم وعن شريك عن الأعمش عن حبيب
ابن ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم وعن عكرمة وعن سلمة بن كهيل؟ كليهما عن
ابن عباس ان قال قال النبي صلى الله عليه وآله: من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن
جنة عدن التي غرسها ربى فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من
بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي وزقوا فهما وعلما ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي
القاطعين منهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي.
وقد روى أحمد بن حنبل في مسنده عن جابر بن سمرة بأربع وثلاثين طريقا
منهم عامر بن سعد وسماك بن حرب والأسود بن سعيد الهمداني و عبد الملك بن عمير
وعامر الشعبي وأبو خالد الوالبي مثل ما روينا من الصحيحين وغيرهما.
عبد الله بن محمد البغوي عن علي بن الجعد عن أحمد بن وهب بن منصور عن أبي
قبيصة شريح بن محمد العنبري عن نافع عن عبد الله بن عمر قال قال النبي: يا علي أنا
نذير أمتي وأنت هاديها والحسن قايدها والحسين سايقها وعلي بن الحسين جامعها ومحمد
ابن علي عارفها وجعفر بن محمد كاتبها وموسى بن جعفر محصيها وعلي بن موسى معبرها
ومنجيها وطارد مبغضيها ومدني مؤمنيها ومحمد بن علي قايدها وسايقها وعلي بن محمد
ساير وعالمها والحسن بن علي ناديها ومعطيها والقائم الخلف ساقيها وناشدها وشاهدها
ان في ذلك لآيات للمؤمنين. وقد روى ذلك جماعة عن جابر بن عبد الله عن النبي.
الأعمش عن أبي إسحاق عن الحارث بن سعيد بن قيس عن علي بن أبي طالب
وعن جابر الأنصاري كليهما عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أنا واردكم على الحوض وأنت يا علي
الساقي والحسن الرائد والحسين الآمر وعلي بن الحسين الفارط ومحمد بن علي الناشر
وجعفر بن محمد السائق وموسى بن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين وعلي
ابن موسى مزين المؤمنين ومحمد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم وعلي بن محمد
خطيب شيعتهم ومزوجهم الحور والحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به
251

والهادي المهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن إلا لمن يشاء ويرضى.
وروى محمد بن زكريا العلاني عن سليمان بن إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله
ابن عباس قال: حدثني أبي قال: كنت عند الرشيد فذكر المهدي وعدله فقال الرشيد
انى أحسبكم تحسبونه أبى المهدي حدثني عن أبيه عن جده عن ابن عباس عن أبيه
العباس بن عبد المطلب ان النبي صلى الله عليه وآله قال له: يا عم يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ثم
يكون أمور كريهة وشدة عظيمة ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة
فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ويمكث في الأرض ما شاء الله ثم يخرج الدجال.
وروى محمد بن أحمد بن عبيد الله الهاشمي قال حدثني أبو موسى عيسى بن
أحمد بن عيسى عن المنصور قال حدثني أبو الحسن علي بن محمد العسكري عن أبيه
محمد بن علي عن أبيه علي بن موسى عن آبائه عن علي عليهم السلام قال قال رسول الله
من سره أن يلقى الله عز وجل آمنا مطهرا لا يحزنه الفزع الأكبر فليتولك وليتول ابنيك
الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر
وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ثم المهدي وهو خاتمهم
الخبر. ولو أشبعنا القول في هذا الباب لطال الكتاب فمن أراد الزيادة فليطلب ايضاح
دفاين؟ النواصب مما يتضمن النص على الأئمة الاثني عشر فقد أوضح رسول الله الأئمة
الاثني عشر ونصه على أسمائهم وعددهم وذكر استخلافهم وهو وان لم يشتهر بين المخالفين
ولا يتواتر على ألسنتهم فقد وافقوا فيه المتواترين فيه بمثله ووجبت المحبة على ألسنة
أعدائهم، وإذا ثبت بهذه الاخبار هذا العدد المخصوص ثبتت إمامتهم لان من خالفهم
لا يقصر الإمامة على هذا العدد بل يجوز الزيادة عليها وليس في الأمة من ادعى هذا
العدد سوى الامامية وما أدى على خلاف الاجماع يحكم بفساده.
فصل: فيما روته الخاصة
وذلك نوعان، منها ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله، ومنها ما نص الآباء على الأبناء
وهذا إنما يجئ في باب كل إمام انشاء الله.
فاما ما روى عن النبي فكفاك كتاب الكفاية في النصوص عن الخزاز القمي
نزيل الري، وذلك أنه روى مائة وخمسا وخمسين خبرا من طرق كثيرة من جهة
أصحاب النبي مثل ابن عباس روى عنه سعيد بن جبير وأبو صالح ومجاهد وطاووس
252

والأصبغ وعطا، ومثل ابن مسعود روى عنه مثل عطاء بن السايب عن أبيه مسروق
وقيس بن عابد وحنش بن المعتمر، ومثل أبي سعيد الخدري روى عنه عطية العوني
وأبو هارون العبدي وسعيد بن المسيب وأبو الصديق الناجي، ومثل أبي ذر روى
عنه أبو الحارث حنش بن المعتمر وابن المسيب، ومثل سلمان الفارسي روى عنه سليم
ابن قيس الهلالي وأبو حازم والسائب بن أوفى وأبو مالك وأبو القاسم بن عليم
الأزدي، ومثل جابر الأنصاري روى عنه جابر الجعفي وواثلة بن الأسقع والقاسم
ابن حسان ومحمد الباقر (ع)، ومثل أبى أيوب الأنصاري روى عنه اياس بن سلمة بن
الأكوع ويزيد بن هارون عن مشيخته عنه، ومثل عمار بن ياسر روى عنه أبو الطفيل
وأبو عبيدة ومحمد بن عمار، ومثل حذيفة بن اليمان روى عنه أحمد بن عبد الله بن
يزيد بن سلام، ومثل حذيفة بن أسيد روى عنه أبو الطفيل وأبو جحيفة وهشام،
ومثل زيد بن أرقم روى عنه محمد بن زياد ويزيد بن حسان وأبو الضحى، ومثل واثلة
ابن الأسقع روى عنه مكحول والأجلح وخالد بن معدان وأبو سليمان الضبي وإبراهيم
ابن أبي عبلة والقاسم، ومثل زيد بن ثابت روى عنه القاسم بن حسان وأبو الطفيل
ومثل أبي أمامة أسعد بن زرارة روى عنه الأجلح الكندي والقاسم وأبو سليمان الضبي
ومثل عمران بن حصين روى عنه مطرف بن عبد الله والأصبغ وأبو عبد الله الشامي
ومثل سعد بن مالك روى عنه سعيد بن المسيب، ومثل جابر بن سمرة روى عنه زياد
ابن عقبة و عبد الملك بن عمير والشعبي وسماك بن حرب والأسود بن سعيد الهمداني،
ومثل أنس روى عنه هشام ويزيد وأنس بن سيرين وأبو الغالية وحفصة بنت سيرين
والحسن البصري، ومثل أبي هريرة روى عنه سعيد المقري و عبد الرحمن الأعوج
وأبو صالح السمان وأبو مريم وأبو سلمة، ومثل أبي قتادة روى عنه، ومثل عمر بن
خطاب روى عنه المفضل بن حصين و عبد الله بن مالك وعمرو بن عثمان بن عفان،
ومثل عايشة روى عنها شعبة عن قتادة عن الحسن البصري عن أبي سلمه، وروى هشام
ابن جابر عن أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم عن أبي سلمة وأبو بشير محمد بن المنكدر عن
أبي سلمة عنها، ومثل فاطمة الزهراء عليها السلام روى عنها زينب بنت علي وأبو ذر
وسهل الساعدي وجابر الأنصاري والحسين بن علي وعباس بن سعد الساعدي، ومثل
أم سلمة روى عنها عمار الدهني وابن جبير ومقلاص، ومن التابعين مثل زيد بن علي
والأئمة الأحد عشر واحدا واحدا فما أخبرت، منها ما رواه الأصبغ عن ابن عباس
253

قال: سمعت رسول الله يقول: أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين
مطهرون معصومون.
ابن السائب عن ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وآله: الأئمة بعدي اثنا عشر تسعة من
صلب الحسين والتاسع مهديهم.
حنش بن المعتمر عن ابن مسعود قال النبي: الأئمة بعدي اثنا عشر كلهم من
قريش. عطية العوفي عن الخدري قال النبي للحسين: أنت الإمام ابن الإمام تسعة
من صلبك أئمة أبرار والتاسع قائمهم.
أبو ذر قال النبي: الأئمة بعدي اثنا عشر تسعة من صلب الحسين تاسعهم قائمهم
ثم قال: ألا ان مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى؟ ومن تخلف عنها هلك
ومثل باب حطة في بني إسرائيل.
سلمان الفارسي قال النبي: الأئمة بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل كانوا اثنى عشر
ثم وضع يده على صلب الحسين وقال: من صلبه تسعة أئمة أبرار والتاسع مهديهم يملأ الأرض
قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فالويل لمبغضيهم.
جابر الأنصاري قال: يا رسول الله وجدت في التوراة أيقظوا شبرا وشبيرا فلم
أعرف أساميهم فكم بعد الحسين من الأوصياء وما أساميهم؟ فقال: تسعة من صلب
الحسين والمهدي منه، الخبر.
المفضل بن حصين عن عمر بن الخطاب سمعت النبي: الأئمة بعدي اثنا عشر ثم
أخفى صوته فسمعته يقول: كلهم من قريش.
أنس قال النبي: الأئمة بعدي من عترتي، فقيل: يا رسول الله فكم الأئمة بعدك؟
فقال: عدد نقباء بني إسرائيل.
فاطمة (ع) سألت أبيها عن قول الله تعالى (وعلى الأعراف رجال) قال: هم
الأئمة بعدي، علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسين فهم رجال الأعراف لا يدخل
الجنة إلا من يعرفهم ويعرفونه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وينكرونه لا يعرف
الله تعالى إلا على سبيل معرفتهم.
أبو أمامة قال النبي: لما عرج بي إلى السماء رأيت مكتوبا على ساق العرش بالنور
لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته بعلي ثم بعده الحسن والحسين ورأيت
عليا عليا عليا ورأيت محمدا محمدا مرتين وجعفرا وموسى والحسن والحجة اثنى عشر
اسما مكتوبا بالنور فقلت: يا رب أسامي من هؤلاء الذين قرنتهم بي؟ فنوديت: يا محمد هم
254

الأئمة بعدك والأخيار من ذريتك. ومما ذكر أبو جعفر القمي في اكمال الدين عن
سماعة بن مهران وأبو بصير عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: نحن اثنا
عشر محدثا. أبو بصير عن أبي جعفر (ع): يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي
تاسعهم قائمهم.
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وآله: ان خلفائي وأوصيائي وحجج الله
على الخلق بعدي لاثنا عشر أولهم وآخرهم ولدي، الخبر.
ابن عباس عن سليم بن قيس الهلالي انه جرى بين عبد الله بن جعفر ومعاوية
كلام فقال عبد الله: سمعت رسول يقول: انا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم علي بن
أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا استشهد علي فالحسن بن علي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم ثم ابني الحسين بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا استشهد فابنه علي بن
الحسين الأكبر أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم ابني محمد الباقر أولى بالمؤمنين من أنفسهم
وستدركه يا جابر ثم تكلمه اثنى عشر إماما تسعة من ولد الحسين، ثم استشهد الحسن
والحسين و عبد الله بن عباس وعمر بن أبي سلمه وأسامة بن زيد فشهدوا له بذلك.
وروى ذلك أيضا سلمان وأبو ذر والمقداد.
وذكر في كتاب مولد فاطمة انه اخبرني أبي سمع محمد بن موسى بن المتوكل
ومحمد بن علي ماجيلويه وأحمد بن علي بن إبراهيم والحسين بن إبراهيم بن تاتانه وأحمد ابن
زياد الهمداني بأسانيدهم عن جابر بن عبد الله قال للباقر (ع): هنأت فاطمة
بولادة الحسين وفي يديها لوح مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من
الله العزيز العليم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند
رب العالمين عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي انى انا الله لا إله إلا انا
فمن رجا غيري عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فإياي فاعبد وعلي فتوكل انى لم
ابعث نبيا فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصيا وانى فضلتك على الأنبياء
وفضلت عليا وصيك على الأوصياء وأكرمتك بشبليك بعده وسبطيك حسن وحسين
فجعلت حسنا معدن حكمي بعد انقضاء مدة أبيه وجعلت حسينا خازن وحيي أكرمته
بالشهادة فهو أكرم من استشهد وارفع الشهداء درجة جعلت كلمتي التامة معه والحجة
البالغة عنده بعترته أثيب وأعاقب أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الماضين وابنه
شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي سيهلك المرتابون في جعفر الراد
عليه كالراد علي حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر ولأقرن عينه بأشياعه
255

وأنصاره ومحبيه انبخ بعده فتنة عمياء حندس لان خيط فرضي لا ينقطع وحجتي
لا تخفى وان أوليائي لا يشقون ابدا ألا ومن جحد منهم أحدا فقد جحد نعمتي ومن
غير آية من كتابي فقد افترى علي ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي
موسى وخيرتي ان المكذب بالثلاثة مكذب بكل أوليائي علي ولي وناصري ومن
أضع عليه أعباء النبوة وامتحنه بالاضطلاع يقتله عفريت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها
العبد الصالح ذو القرنين إلى جنب شر خلقي حق القول مني لأقرن عينه بمحمد ابنه
وارث علمه فهو معدن علمي وموضع سري وحجتي على خلقي جعلت له الجنة مثواه
وشفعته في سبعين من أهل بيته كل قد وجبت له النار واختم بالسعادة لابنه علي وليي
وناصري والشاهد في خلقي وأميني على وحيي اخرج منه الداعي إلى سبيل والخازن
لعلمي الحسن ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين ابن الحسن عليه كمال موسى وبهاء عيسى
وصبر أيوب سيذل أعداؤه في زمانه ويتهادون رؤسهم كما يتهادون رؤس الترك
والديلم فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين وجلين تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو
الويل والرنة في نسائهم أولئك أوليائي حقا بهم ارفع كل فتنة عمياء حندس وبهم
اكشف الزلزال وارفع الآصار والاغلال أولئك هم المهتدون. ثم روى أن الباقر (ع)
جمع ولده وفيهم عمهم زيد ثم اخرج إليهم كتابا بخط علي واملاء رسول الله مكتوب
فيه حديث اللوح. ثم روى عن الصادق (ع) أنه قال: وجدنا صحيفة باملاء
رسول الله وخط علي وذكر مثله.
وروى المفيد محمد بن النعمان وأبو جعفر الكليني والحسن بن حمزة العلوي عن
الباقر عن جابر أنه قال: دخلت على فاطمة، وذكر حديث اللوح.
ومن روايات الكليني عن ابن أذينة عن زرارة قال أبو جعفر: من آل محمد اثنا
عشر إماما كلهم محدث ورسول الله وعلي هما الوالدان.
وعنه عن الخدري وأبى الطفيل انه انى هاروني إلى عمر يسأله عن مسائله فدله
على علي فكان فيما سأله: اخبرني عن أوصياء محمد وعن منزله في الجنة ومن معه فيها؟
فقال (ع): ان لهذه الأمة اثنى عشر إماما من ذرية نبيها وهم مني واما منزل نبينا في
الجنة فهي أفضلها وأشرفها جنة عدن واما من معه في منزله فهؤلاء الاثنا عشر من
ذريته، الخبر. وروى جل مشايخنا عن النبي: الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم أنت يا علي
وآخرهم القائم الذي يفتح الله على يديه مشارقها ومغاربها. (المناقب ج 1، م 32)
256

الباقر عن النبي أنه قال: آمنوا بليلة القدر فإنه ينزل فيها أمر السنة وان لذلك
الامر ولاة من بعدي علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده، وقد روى نحوا من
ذلك جابر بن عبد الله عن النبي، وروى ابن عباس عن أمير المؤمنين قريبا منه.
وقال ابن هاني المغربي:
فيه تنزل كل وحي منزل * ولأهل بيت الوحي فيه سناء
وقال أبو عبد الله (ع): ان الله تعالى أنزل على عبده كتابا قبل وفاته فقال يا محمد
هذه وصيتك إلى النجيب من أهل بيتك فقال يا جبريل ومن النجيب من أهل بيتي؟ فقال:
علي بن أبي طالب وكان على الكتاب خواتيم من ذهب فدفعه النبي إلى أمير المؤمنين وأمره
ان يفك خاتما منه ويعمل بما فيه، ففكه وعمل بما فيه، ثم دفعه إلى ابنه الحسن ففك خاتما
ثم دفعه إلى الحسين ففك خاتما فوجد فيه: ان اخرج بقوم إلى الشهادة فلا شهادة لهم إلا
معك وآثر نفسك لله، ففعل ثم دفعه إلى علي بن الحسين ففك خاتما فوجد فيه: ان
اطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين، ثم دفعه إلى ابنه محمد بن علي
ففك خاتما فوجد فيه: حدث الناس وافتهم ولا تخافن إلا الله فإنه لا سبيل لاحد عليك،
ثم دفعه إلى ابنه جعفر ففك خاتما فوجد فيه: حدث الناس وانشر علوم أهل بيتك وصدق
آبائك الصالحين ولا تخافن إلا الله وأنت في حرز وأمان ففعل ذلك وهو دافعه إلى
موسى وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده ثم كذلك ابدا إلى قيام المهدي، وقد
روى نحو هذا الخبر أبو بكر بن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح
عن ابن عباس عن النبي.
ورووا في حديث حبابة الوالبية انها قالت قلت لعلي: يا أمير المؤمنين ما دلالة
الإمامة قال: ائتيني بتلك الحصاة فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ثم قال لي: يا حبابة إذا
ادعى مدعي الإمامة فقدر ان يطبع كما رأيت فاعلمي انه إمام مفترض الطاعة والامام
لا يعزب عنه ما يريده، فجئت إلى الحسن بعد وفاته فقال لي: حبابة الوالبية؟ قلت نعم
قال: هاتي ما معك، فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها كما طبع أمير المؤمنين ثم اتيت الحسين
فقال لي: أتريدين دلالة الإمامة؟ هاتي ما معك، فناولته الحصاة فطبع لي فيها ثم رأيت
علي بن الحسين وأنا أعد يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة فرأيته يتعبد فأومي إلي بالسبابة
فعاد إلي شبابي ثم قال: هات ما معك، فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها ثم أتيت أبا جعفر
فطبع لي فيها وهكذا إلى الرضا وعاشت بعد ذلك تسعة أشهر.
فهذه نبذ مما نقلته الخاصة عن النبي صلى الله عليه وآله وهي في قسم التواتر لاتفاق معانيها وتماثل
257

مدلولها وان اختلفت ألفاظها، ويوضح ذلك ان هذه الأخبار متضمنة أكثرها في
كتب سلفهم المعروفة بالأصول عندهم مما قد أصاب مؤلفوها قبل الغيبة وكمال عدة
الأئمة وكان الامر موافقا لما رووه من غير اختلاف والاخبار بالكائن قبل كونه
لا يكون إلا من الله تعالى ولا يؤخذ إلا عن رسول صلى الله عليه وآله.
فصل: في النكت والإشارات
ان الله تعالى قد أشار إلى عددهم وأسمائهم بأشياء كما قال (ستريهم آياتنا في الآفاق
وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق) من ذلك ما صرح بذكرهم في الكتب، ومنها
ما اظهر عددهم في المخلوقات ومن أحب شيئا أكثر ذكره، قوله (فبهداهم اقتده) وقوله
(سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) وقال أنس قال النبي في
قوله (سنة الله في الذين خلوا من قبل) وهي التي لا يجوز أن تغير ولا تبدل.
النبي صلى الله عليه وآله: كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة
بالقذة، كان فيهم اثنا عشر نقيبا قوله (وبعثا منهم اثنى عشر نقيبا).
سلمان وأبو أيوب وابن مسعود وواثلة وحذيفة بن أسيد وأبو قتادة
وأبو هريرة وأنس انه سئل النبي كم الأئمة من بعدك؟ قال عدد نقباء بني إسرائيل.
وفى حديث الأعمش عن الحسين بن علي عليهما السلام قال: فأخبرني يا رسول الله هل
يكون بعدك نبي؟ فقال: لا أنا خاتم النبيين لكن يكون بعدي أئمة قوامون بالقسط
بعد نقباء بني إسرائيل، الخبر.
وفي حديث أبي جعفر (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أهل بيتي
اثنا عشر نقيبا محدثون مفهمون منهم القائم بالحق يملأ الأرض عدلا كما ملئت
جورا وقال الله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في
الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) وقد أخبرنا بأنهم كانوا اثنى عشر قوله (وبعثنا
منهم اثنى عشر نقيبا) فيجب أن يكون عدد خلفائنا كذلك لأنه تعالى شبههم بهم
بكاف التشبيه ولا شبهة ان النقباء هم الخلفاء.
مجالد عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود قال النبي: الخلفاء بعدي اثنا عشر
كعدة نقباء بني إسرائيل وفيهم اثنا عشر حواريا قوله (وإذ قال الحواريون يا عيسى)
هشام بن زيد عن أنس قال: سألت النبي من حواريك يا رسول الله؟ فقال
الأئمة من بعدي اثنا عشر من صلب علي وفاطمة وهم حواريي وأنصار ديني عليهم من
258

الله التحية والسلام، وفيهم الأسباط أولاد يعقوب وهم اثنا عشر قوله (وقطعناهم
اثنى عشرة أسباطا أمما.
أبو صالح السمان عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: معاشر
الناس من أراد أن يحيى حياتي ويموت ميتتي فليتول علي بن أبي طالب وليقتد بالأئمة
من بعده، فقيل: فكم الأئمة بعدك؟ فقال: عدد الأسباط وانفجرت لموسى اثنتا عشرة
عينا قوله (فانبجست منه اثنتا عشرة عينا) وقوله (اني رأيت أحد عشر كوكبا
والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) ووقع التعبير على أن يقع له أحد عشر أخا للثاني
عشر الذي هو يوسف، وشعوب بني إسرائيل اثنا عشر شعبا، وقوله (إنا أوحينا
إليك كما أوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب
ويونس وهارون وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم
نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما) ذكر فيها اثنى عشر نبيا.
منصور بن حازم قال للصادق صلى الله عليه وآله: أكان رسول الله صلى الله عليه وآله يعرف
الأئمة؟ فقال: نعم ونوح، ثم تلا (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) الآية،
وقد جاء عددهم في القرآن رمزا كأنه أقسم بأسمائهم كما أقسم بالنبي في قوله (لعمرك)
فقال تعالى: والصافات والذاريات والمرسلات والنازعات والنجم والطور والسماء ذات
البروج والسماء والطارق والفجر والشمس والليل والضحى والتين.
قال الباقر (ع)): والتين الحسن والزيتون الحسين وطور سينين أمير المؤمنين
وهذا البلد الأمين ذاك رسول الله لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم، قال حين أخذ
الله ميثاقه لمحمد وأوصيائه بالولاية.
وقد جاءت أسماؤهم في التوراة وهي بمادماد إيليا فتدوران ابربيل مسطور مشموط
وذور مرمشوذ هراز شمويد نشطور يوقش فيثمور.
وروى عبد الله بن عياش في المقتضب نوعا آخر وهو: وليشمعيل شمعتيخ هنه
برختي أتو وهفرتي أتو وهربتي أتو بمادماد شنيم عاسار نسئيم يوالد وأنا تيتولگري
گادل وات برني هاتيم. وأسماؤهم في الإنجيل من المقتضب أيضا تفوبيث فيدوار بيرا
مقشورا مشموعوا ذوموه مشؤ هداذ يثموا بطون نوقش فيذموا، وان الله تعالى
وضع كلمة التوحيد على اثنى عشر حرفا وهي لا إله إلا الله، قال العوني:
وفي أحرف التوحيد آيات حكمة * بهن عن التوحيد تنتفيان
فمن هن سبع واثنتان وأربع * مثاني أصول أيدت بمثاني
259

وجملتها اثنا عشر وهي كواحد * أهاتيك في الاعداد يحتسبان
محمد رسول الله اثنا عشر حرفا، قال الله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) يعني إذا
ذكرت ذكرت معي فالمنكر لآخرهم كالمنكر لأولهم، وكلمتا الشهادتين لا نقطة على
حرف منهما يدل على أنه لا مثل لهم ولا يشبههم أحد.
أسماء الله تعالى على عددهم: الواحد القديم، الحليم العليم، الرحمن الرحيم، السميع
البصير، اللطيف الخبير، خالق العالمين، مالك يوم الدين، المالك القادر، الخالق الرازق
المحيي المميت، الدائم الباقي، الله لا إله إلا هو، الحمد لله شكرا، الحمد لله حقا، الله
ولي الدين، توكلت على الله، حسبي الله وكفى، وحده لا شريك له.
آيات على عددهم: (أعطيناك الكوثر) أي أولاده، (ورفعنا لك ذكرك) أي
بأولاده، (وعلم آدم الأسماء) وذلك أنه رأى أسماءهم مكتوبات على العرش،
(وجعلناهم أئمة)، (فبهداهم اقتده)، (سنريهم آياتنا)، (إذا فرغت فانصب)،
(اذكرني عند ربك).
مدح النبي على عددهم: النبي المصطفى، الولي المجتبى، أفضل العالمين، خاتم النبيين
البشير النذير، السراج المنير، الصادق المقال، الشريف الخصال، الحاكم بالعدل،
القاضي بالفصل، الهادي المرشد، الشفيع المنقذ. محمد رسول الله، محمد حبيب الله، محمد
أمين الله، محمد جاء بالشرع، محمد خص بالوحي، محمد صاحب الحق، محمد صفوة الرب،
محمد سيد الرسل، محمد خير البشر، محمد سيد العرب، حمد نبي الهدى، محمد أبو القاسم.
أسماء الأنبياء على عددهم: آدم والد البشر، آدم خليفة الله، نوح ذو السفينة،
نوح ذو الطوفان، إبراهيم الخليل، آدم نوحي إبراهيم، موسى عيسى محمد، موسى
والتوراة، موسى كليم الله، عيسى والإنجيل، عيسى كلمة الله، محمد والفرقان، أولوا
العزم خمسة خاتمهم أفضلهم.
ألقاب علي على عددهم: علي وصي الرسول، علي زوج البتول، علي قامع الشرك
علي دامغ الإفك، علي قالع الباب، علي رد الأحزاب، علي عالم الأمة، علي أبو الأئمة
علي فارج الكرب، علي خليفة الرب، علي ذو العجائب، علي ذو الغرايب، علي
خليفة الله، حيدرة أبو تراب، علي بن أبي طالب، أمير المؤمنين.
ذكر أئمتنا على عددهم: الأئمة من قريش، النبي والامام، علي وأولاده حق،
فاطمة الزهراء، الحسن والحسين، الحسن المسموم، الحسين الشهيد، الحسين بن علي
علي ذو الثفنات، الإمام الباقر، الإمام الصادق، الإمام الكاظم، الرضا وصي موسى
260

أبو جعفر التقي، البر الوصي النقي، الحسن العسكري، الحجة المنتظر، اثنا عشر خليفة
اثنا عشر إماما، اثنا عشر نقيبا، اثنا عشر أسباطا، الحجج اثنا عشر، الأئمة اثنا عشر
أصحاب الأعراف، ذرية نبي الهدى، أهل بيت الرسول، العترة الزكية، كتاب الله
العترة، المنصوص عليهم، صلى الله عليهم، وليهم في الجنة، عدوهم في النار
لقد أتانا خبر بأنهم اثنا عشر * وسيلتي في محشري أئمتي اثنا عشر
كلمات حق على عددهم: انهم الصديقون، الهدى دين الحق، أئمة أمناء الله،
العقل حجة الله، الشرع دين الله، الدين الاسلام، النجاة الايمان، العماد القرآن،
الوعد والوعيد، الحياة والموت، البعث والنشور، محاسبة العباد، الجنة والجحيم،
الثواب الدائم، العقاب الدائم، من تفقه استبصر، لا عمل إلا بنية، الطهر وضوء
وغسل، الوضوء غسل ومسح، الكعبة القبلة. الصلوات الخمس، الزكاة والصوم،
لا حج إلا بعمرة، الصفا والمروة، الطواف والسعي، والمشعر الحرام.
استخراج أسمائهم من الحروف: يستخرج اثنا عشر من حاء محمد ومن داله،
وكذلك من دال آدم وحاء حواء، يؤخذ باء بسم والف الله وحاء الرحمن والف
الرحيم فيكون اثنا عشر، وفى بسم الله ثلاث ميمات وفيهم ثلاث محمد، وفيه أربع لامات
وفيهم أربع علي، وفيه ياء يدل على الحسين وسين ونون يدل على الحسن، وفيه راء
يدل على جعفر، وفيه سين يدل على موسى
خمس ميمات وعينان وفا * معها جيم وحاءان وحا
شفعاي يوم ألقاهم ونعم الشفعا
وأعظم سورة الاخلاص وفيها عددهم أربع مرات وان ألم وحم في القرآن
اثنا عشر، وقال المفسرون: حروف المعجم في أوايل السور سر الله، وكذلك
يستخرج من كهيعص اسم علي وفاطمة، وفي حم ثلاثة أحرف من محمد، وفي طه
حرفان من فاطمة، وفي يس حرفان من الحسن والحسين
بأربعة كل يسمى محمدا * وأربعة أسماؤهم كلهم علي
وبالحسنين والحسين وجعفر * وموسى أجرني انني لهم ولي
وحروف أسمائهم اثنان وأربعون المكرر منها ثمانية وعشرون وغير المكرر
اثنا عشر وهي علي حسن مجد رؤوف، وحروف المنقط من محمد إلى محمد اثنا عشر
عليان موسى جعفر حسنان * محمدان عليان الرضا والقائم
ومنها ما اظهر في العلوم: الاعراض على ضربين أحدهما فعل لله تعالى والآخر
261

فعل لنا، فأفعال الله تعالى اثنا عشرك حياة قدرة شهوة نفار لون طعم رائحة حرارة
برودة رطوبة يبوسة فناء، ويدل ذلك على أن الإمامة من فعله نصا ولا يكون اختيارا
وانهم اثنا عشر، بناء أصول الفقه اثنا عشر: الخطاب الأوامر النواهي العموم
الخصوص المجمل البيان النسخ الاخبار الاجماع الافعال القياس الاجتهاد الحظر الإباحة
نحو اسم فعل حرف، ويا من حروف النداء وهي اثنا عشر، لفظة اثنتي عشر من بين
أخواتها معربة شرفت على أخواتها كما شرفت الأئمة بعد النبي على سائر الخلق.
الثلاثي اثنا عشر بناء وذلك أن للفاء فتحة وضمة وكسرة وللعين فتحة وضمة
وكسرة وسكون فهذه ثلاثة في أربعة فيكون اثنى عشر فالفاء المفتوحة نضربها في
الأربعة الأوجه في العين فتخرج فعل فعل فعل فعل ثم تصرف ضمة الفاء في الأربعة
الأوجه في العين فتخرج فعل فعل فعل فعل وتكسر الفاء فتخرج فعل فعل فعل فعل
عشرة مستعملة واثنان مهملان وهما فعل وفعل، وقال الأخفش: جاء الدئل، وقال
الليث: والوعل في الوعل فصار احدى عشر مستعملا وبقى واحد مهملا وهو
بمنزلة المنتظر (ع).
تكبيرات الركعتين اثنا عشر، وتكبيرات صلاة العيد اثنا عشر، ووعد الجنة
باثني عشر شرطا في قوله (وعباد الرحمن) الآية، وفرض الصلوات في اليوم والليلة
سبع عشر ركعة فاثنتا عشرة منها تدل على المعصومين وخمسة تدل على الأصول الخمس،
أعلام مكة اثنا عشر، القارن والمفرد يحجان من أربع جوانب البيت على اثنى عشر ميلا
أبواب مسجد البني صلى الله عليه وآله اثنا عشر، وكان لوح موسى اثنى عشر ذراعا، وجاء في
تفسير قوله تعالى (وإذا رأوا تجارة أو لهوا) انه بقي مع النبي اثنا عشر رجلا، وفي
رواية ثمانية، وسئل أمير المؤمنين عن طول الكواكب وعرضها فقال اثنا عشر فرسخا
في اثنى عشر فرسخا، ويقال يقطع المشتري الفلك في اثنى عشر سنة، وقالوا الفرسخ
اثنا عشر ميلا وكل ميل الف ذراع، الجهات الأربع الشرق والشمال الغرب والجنوب
الرياح الأربع الصباة والدبور والشمال والجنوب الحمل والمريخ الثور والزهرة الجوزا
وعطارد السرطان للقمر الأسد بيت الشمس السنبلة وعطارد السابع للزهرة الثامن
للمريخ القوس للمشتري العاشر بيت زحل برج الدلو لزحل الحوت للمشتري، قال المعري
حسد من أربع يلحظه * سبعة دانية في اثنى عشر
مستشار جائر في نصحه * وأمين ناصح لم يستشر
قوله (والسماء ذات البروج) وهي حمل ثور جوزا سرطان أسد سنبلة ميزان
262

عقرب قوس جدي دلو حوت، قال الناشي:
قوم نجوم في البروج منيرة * في برج ثاني العشر ظل قرانها
ومنازل القمر المنير عليهم * سعد السعود وغيرهم دبرانها
شرفت بوطئهم البقاع وإن علوا * قلل المنابر شرفت عيدانها
سل عنهم الليل البهيم فإنهم * في كل حندس ليلة رهبانها
حساب على عددهم: ومن الحجة على عباده بعد الرسل، وزنه علي بن أبي طالب
إمامنا ووصي المصطفى بعده، وعدد كل واحد منهما ثمانمائة وثلاثة، ومن يكون
القدوة القائم بالحجة بعد علي بن أبي طالب، وزنه الحسن بن علي النقي، عدد كل واحد
واحد منهما ثمانمائة واثنان وخمسون، ومن الحجة بعد النقي الحسن بن علي، وزنه البر
المقتول الحسين بن علي، وعدد كل واحد منهما الف ومائة واحد وسبعون، ومن
هو الحجة بعد الحسين بن علي، وزنه الزكي علي بن الحسين بن علي، وعدد كل واحد
منهما خمسمائة واحد وخمسون، ومن قام بعد السيد علي بن الحسين، وزنه أقيم القائم محمد
ابن علي، وعدد كل واحد منهما سبعمائة وتسعة وثلاثون، فمن قام بعد الباقر بحجة،
وزنه الصادق جعفر بن محمد، وعدد كل واحد منهما سبعمائة وتسعة وثلاثون، ومن
هو الامام القدوة القائم بالحجة بعد الصادق، وزنه الأمين وصي الأوصياء موسى بن
جعفر، وعدد كل واحد منهما ثمانمائة وثمانية وتسعون، ومن في الأرض بعد موسى
حجه، وزنه الرضا علي بن موسى حجة، وعدد كل واحد منهما الف وثلاثمائة وستة
وثلاثون، من كان القائم بالحق بعد علي بن موسى الحجة، وزنه محمد بن علي الثقة،
وعدد كل واحد منهما ثمانمائة واحد وتسعون، فمن الحجة بعد محمد بن علي، وزنه
الولد الصالح الزكي علي بن محمد وعدد كل واحد منهما خمسمائة وسبعة وأربعون ومن
القدوة من القائم بالحجة بعد الناصح علي بن محمد، وزنه الخالص الحسن بن علي، وعدد
كل واحد منهما الف ومائتان وستون.
نوع آخر على الآيات (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) يوافق ذلك
وذرية نبي الله من فاطمة وأمير المؤمنين وهم أحد عشر منهم مهديهم القائم بالحق،
حساب كل واحد منهما ثلاثة آلاف ومائة وسبعة وخمسون، وكذلك (جعلناكم أمة
وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) يوافق ذلك هؤلاء
هم الأئمة الامناء اثنا عشر العلماء أهل بيت المصطفى وأصحاب الأعراف يوم القيامة
صلى الله عليهم، حساب كل واحد منهما ثلاثة آلاف وتسعة وتسعون، (كنتم خير
263

أمة أخرجت للناس) يوافق ذلك وهم النبي رسول الله والأئمة الاثنا عشر أهل البيت
أمناء الله سلام الله عليهم، حساب كل واحد منهما الفان وسبعمائة وواحد وأربعون،
ولو ردوه إلى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، يوافق
ذلك هم العلماء من أهل بيت محمد الرسول الاثنا عشر العدول صلى الله عليهم، حساب
كل واحد منهما الفان وثمانمائة وتسعة عشر، (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم) يوافق ذلك أولياء أمر الأمة آل نبي الرحمة الاثنا عشر
الأئمة حساب كل واحد منهما الف وتسعمائة وأربعة وثمانون، (فكيف إذا جئنا من
كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) يوافق ذلك الشهود بعد النبي على الأمة
اثنا عشر برا، حساب كل واحد منهما الفان وسبعة وعشرون، (إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) يوافق ذلك علي
ابن أبي طالب أمير المؤمنين الذي يكون في عقبه أحد عشر إماما هاديا مهديا عليه السلام
حساب كل واحد منهما ثلاثة آلاف وخمسمائة وسبعون، (وممن خلقنا أمة يهدون
بالحق وبه يعدلون) يوافق ذلك وهم بعد نبينا اثنا عشر، حساب كل واحد منهما الف
وثلاثمائة واثنان، (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد) يوافق ذلك
الرسول واثنا عشر برا زكيا بعده، حساب كل واحد منهما الف وسبعمائة وسبعون،
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) يوافق ذلك أرباب
الطهارة في الآية محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي
ومحمد وعلي والحسن وابنه الهادي المهدي صلوات الله عليهم، حساب كل واحد منهما الفان
وسبعمائة وسبعة وسبعون (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) يوافق ذلك
هو ود الاثني عشر، حساب كل واحد منهما الف ومائة وثلاثة وثمانون. ومنها
ما اظهر في الأزمان قوله (ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا).
داود الرقي قال أبو عبد الله (ع): يا سماعة بن مهران ائتني بتلك الصحيفة فأتاه
بصحيفة بيضاء فدفعها إلي وقال: اقرأ هذه، فقرأتها فإذا فيها سطران السطر الأول
لا إله إلا الله محمد رسول الله والسطر الثاني ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في
كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم علي بن
أبي طالب والحسن بن علي والحسين بن علي إلى قوله والخلف الصالح منهم الحجة لله
ثم قال: يا داود أتدري أين كان ومتى كان مكتوبا قلت يا بن رسول الله الله أعلم ورسوله
264

وأنتم قال قبل أن يخلق آدم بألفي عام ان الله تعالى قد ذكر فيها انها الدين القيم والتدين
بها واجب والتحول عنها كفر، ولا خلاف ان معرفة الشهور والسنين ليست بواجبه
غير شهر رمضان وذي الحجة لمن وجب عليه الحج وان من مات ولم يعرف الشهور
والأعوام ليس يلحقه ذم ومن مات ولم يعرف الأئمة مات ميتة جاهلية، قال العبدي:
أئمتي سادة البرايا * عدوا كما عدت الشهور
وليغره:
ذخيرتي للحشر والنشور * أئمتي في عدد الشهور
قالوا: الشهور هلالية اليوم والليلة والصابح والمساء، الأزمنة الأربعة الشتاء
والربيع والصيف والخريف.
روضة الواعظين روى الصقر بن أبي دلف في خبر طويل قلت لأبي الحسن
العسكري: يا سيدي حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وآله لا أعرف معناه، قال: وما هو؟
قلت قوله: لا تعادوا الأيام فتعاديكم ما معناه؟ فقال: نعم الأيام ما قامت السماوات والأرض
فالسبت اسم رسول الله والأحد كناية عن أمير المؤمنين والاثنين الحسن والحسين
والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد والأربعاء موسى بن جعفر وعلي
ابن موسى ومحمد بن علي وأنا والخميس ابني الحسن والجمعة ابن ابني واليه تجمع عصابة
الحق وهو الذي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فهذا معنى الأيام فلا
تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة.
عدد ساعات النهار اثنا عشر وعدد ساعات الليل اثنا عشر، ومنها ما اظهر في
الافعال. أنهار الجنة اثنا عشر: فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير
طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى (ويسقون فيها كأسا
كان مزاجا كافررا عينا فيها تسمى سلسبيلا) (انا أعطيناك الكوثر) (يسقون من
رحيق مختوم) (ومزاجه من تسنيم) (فيهما عينان تجريان) (فيهما عينان نضاختان).
وفي الخبر فقال جبرئيل: كيف لو رأيت إسرافيل وله اثنا عشر جناحا، النور
اثنا عشر نوعا: حجري شجري شمسي قمري نجمي جوهري بري بحري شرقي غربي
ظاهري باطني، العناصر أربعة: ماء ترب ريح نار وهي اثنا عشر حرفا كان الله خلقها
على عددهم، الجزاير الكبار اثنا عشر وهي معروفة.
أبو المضاعن الرضا (ع) في قوله (والى الجبال كيف نصبت) قال الأوصياء،
265

ظاهر العالم على اثنى عشر حشيش بقول رياحين حبوب أشجار مثمرة غير مثمرة
حشرات سباحة طيارة سباع بهايم انس، للنوامي اثنتا عشرة حالة: زهرتها ورقها
حملها قوتها نضجها رايحتها طعمها بيعها شراؤها أكلها استحالتها.
الأجساد اثنا عشر: ذهب فضة رصاص اسرب؟ شبه صفر نحاس قير كبريت
زيبق حديد، الجواهر الخلص اثنا عشر: لؤلؤ ياقوت لعل فيروزج عقيق بدخش
جزع زمرد الماس يشب بسذ لازورد، أصول العطر اثنا عشر: عنبر مسك كافور
عود ماء ورد ند؟ غاليه زعفران زباد مخلوطات، أحسن الرياحين اثنا عشر: ورد نرجس
سوسن بنفسج خيرى شنبليذ نيلوفر منثور ياسمين ريحان اذريون، أصول الحلاوي
اثنا عشر: قصب السكر عسل عنب تمر طرنجبين من كزنجبين فرصاد بطيخ موز
خرنوب عناب.
ومنها ما اظهر في نفس بني آدم، خلق الآدمي على اثنى عشر طبقة: شعر ظفر
جلد لحم شحم مخ دم عروق عصب مني بول حدث (وفى أنفسكم أفلا تبصرون)،
ونشؤنا من اثنى عشر سلالة: علقة مضغة عظام لحم جنين رضيع فطيم صبي شاب كهل
شيخ ميت (وقد خلقكم أطوارا)، اثنا عشر عضوا يجمعها الجوف وهي: مجرى
الهواء ومجرى الطعام والشراب والقلب والكبد والرئة والطحال والكليتان والمرارة
والمثانة والمعدة؟ العليا والمعدة السفلي، الأعضاء المتصلة اثنا عشر: قدم ساق فخذ يد
بطن صدر ظهر عنق رأس وهو بمنزلة النبي صلى الله عليه وآله فجعله رئيسا لهم، الأعضاء المنفصلة
المزدوجة اثنا عشر: قدمان ساقان فخذان عضدان ذراعان كفان، المنافذ والخروق اثنا
عشر: عينان أذنان منخران فم ثديان سرة سؤنان (نحن خلقناهم وشددنا أسرهم)
يعني قوينا منافذهم، وفى الوجه اثنا عشر جزءا: جبهة حاجبان عينان خدان أنف فم
شفتان لسان (فتبارك الله أحسن الخالقين)، عظام الأصابع من كل يد ورجل سوى
الاباهيم اثنا عشر اثنا عشر والابهام بمنزلة النبي
وابهام خير المرسلين محمد * فصلى عليه الواحد المتكبر
وخصال القلوب اثنا عشر: ذهن انتباه سرح حياة حياء بصرفهم يقين عقل
معرفة خوف رجاء والقلب بمنزلة النبي، ان في جسد ابن آدم المضغة الخبر.
266

فصل: في الألفاظ فيهم
محمد نبي الجبار، علي كرار غير فرار، الحسن مسموم الفجار، الحسين قتيل
الكفار، السجاد شمس الأبرار، الباقر انس الأخيار، الصادق سيد الأحرار، الكاظم
خير الأخيار، الرضا قدس الاسرار، التقي المبرأ عن العار، النقي الولي البار، الزكي
المطهر من الشنار، المهدي ولي الثار.
محمد خاتم الأنبياء، علي سيد الأوصياء، الحسن ولي الأصفياء، الحسين إمام
الشهداء، السجاد زين الأتقياء، الباقر علم الأولياء، الصادق ظهير الفقراء، الكاظم
مؤنس الضعفاء، الرضا معلم الفقهاء، التقي ميراث النقباء، النقي مزين الامراء، الزكي
ولي الحنفاء، المهدي آخر الخلفاء.
محمد ركن الاعلام، علي حصن الاسلام، الحسن شرف الكرام، الحسين زين
الأيام، السجاد فخر الأنام، الباقر ذكر الاعلام، الصادق السيد الإمام، الكاظم مزين
المقام، الرضا البدر التمام، التقي البلد الحرام، النقي أفضل الصيام، الزكي راشد الأقوام
المهدي الخلف للأقوام.
محمد سراج الدين، علي أمير المؤمنين، الحسن مفتاح اليقين، الحسين مصباح
المتقين، السجاد زين العابدين، الباقر باقر علم النبيين، الصادق مقتدى الصادقين، الكاظم
راحم المساكين، الرضا مقدم المنفقين، التقي إمام المحققين، النقي مولى المشتاقين، الزكي
رئيس السابقين، المهدي خليفة الله في العالمين.
محمد النبي، علي الوصي، الحسن الرضي، الحسين الوفي، السجاد الحيي، الباقر
السخي، الصادق الوقي، الكاظم الولي، الرضا العلي، التقي الصفي، النقي الجلي،
العسكري الزكي، القائم المهدي.
اللهم صل على السراج الوهاج والغيث الثجاج المكرم ليلة المعراج الداعي إلى
أفضل شرع ومنهاج، وصل على سيد العرب وحايز الفخر والحسب والهزبر الأغلب
والأغر المهذب، وصل على سليلة المصطفى وحليلة المرتضى ابنة رسول رب الأرض
والسماء سيدة النساء فاطمة الزهراء، وصل على الحجة النبوي العلوي الفاطمي الامام
الرضي الحسن بن علي، وصل على السيد الرشيد الفارس الصنديد ذي البأس الشديد
الحسين الشهيد، وصل على زين العباد وفخر الزهاد وأمان أهل البلاد المعروف بالسجاد،
267

وصل على محي سنن الأوصياء المصطفى بالنفس والاباء المرتضى للابتداء والانتهاء باقر
علم الأنبياء، وصلى على النور المشرق والشجاع المطرق والعسل المروق والكوكب
المتألق أبي عبد الله جعفر الصادق، وصل على الامام المطهر والليث الغضنفر السيد على
البشر أبي الحسن موسى بن جعفر، وصل على الطور الأشم والبحر الخضم السيد المحترم
إمام العرب والعجم علي بن موسى المعظم، وصل على الامام الوفي والبطل الكمي
ذي الحسب العلي محمد بن علي التقي، وصل على العالم المؤيد والامام المسدد المعصوم
المجرد علي بن محمد، وصلى على السراج المضي والشرف العلي الامام الزكي الحسن
العسكري، وصل على الامام الحاكم العامل العالم الثاير المنتقم الحجة القائم.
النذير المبين الصادق الأمين خاتم النبيين ورسول رب العالمين. النجم الثاقب الرفيع
المراتب الكثير المناقب غالب كل غالب علي بن أبي طالب، زوجته الغراء الانسية
الحوراء البتول العذراء المزوجة في السماء فاطمة الزهراء، السند المعصوم والسيد المسموم
الرضا المؤتمن أبو محمد الحسن، السيد الأمين الواضح الجبين الركن الركين المبرأ من
كل شين أبي عبد الله الحسين، عصمة المسلمين وإمام الصابرين ورئيس البكائين و أفضل
القانتين وسيد المجتهدين علي بن الحسين زين العابدين، القمر الباهر و النجم الزاهر
والبحر الزاخر والنور الظاهر والامام الطاهر محمد بن علي الباقر، الفرع الباسق واللسان
الناطق قامع كل مارق جعفر بن محمد الصادق، السيد العالم والعادل الحاكم والسيف
الصارم القادر القائم موسى بن جعفر الكاظم، الشرف والحجى والضياء المستضا والنور
المصفى قتيل طوس بالقضا علي بن موسى الرضا، النور المضي والبطل الكمي والفارس
الجري والسمح الزكي والمهل الروي محمد بن علي التقي، الامامين العادلين وارثي
المشعرين وإمامي الحرمين المدفونين بسر من رأى علي والحسن، الخلف المفضال أكرم
الأخيار ومبيد عصبة الكفار محمد بن الحسن الهادي المهدي.
اللهم صل على الدعوة النبوة والحجة الحيدرية والاعلام الحسنية والصلابة
الحسينية والعبادة السجادية والعلوم الباقرية والماثر الجعفرية والاسرار الكاظمية
والحجج الرضوية والأنوار المحمدية والشروح العلوية والهيبة العسكرية والخلافة
الصالحة المنتظرية.
اللهم بحق محمد وأمته وعلي وشيعته وفاطمة وعترتها والحسن ودعوته والحسين
وشهادته والسجاد وزهادته والباقر وجلادته والصادق واستقامته والكاظم وانابته
268

والرضا وآيته والتقي وجلالته والنقي وهدايته والزكي ونهايته والمهدي وغيبته.
فصل: في الاشعار فيهم
لأبي تمام:
ربي الله والأمين نبيي * صفوة الله والوصي إمامي
ثم سبطا محمد تالياه * وعلي وباقر العلم خام
والتقي الزكي جعفر الطيب * مأوى له المقر والمقام
ثم موسى ثم الرضا علم الفضل * الذي طال ساير الاعلام
والمصفى محمد بن علي * والمعرى من كل سوء وذام
والزكي الامام مع نجله القائم * مولى الأنام نور الظلام
أبرزت منه رأفة الله بالناس * لترك الظلام بدر التمام
فرع صدق نمى إلى الرتبة القصوى * وفرع النبي لا شك نام
فهو ماض على البديهة بالفيصل * من رأي هزبري همام
عالم بالأمور غارت فلم؟ * تنجم وماذا يكون في الابحام
هؤلاء الأولى أقام بهم حجته * ذو الجلال والاكرام
وقال السيد الرضي:
سقى الله المدينة من محل * لباب الماء بالنطف العذاب
وجاد على البقيع وساكنيه * رخي الذيل ملآن الوطاب
وأعلام الغري وما استباحت * معالمها من الحسب اللباب
وقبر بالطفوف بضم شلوا * قضى ظمئا إلى برد الشراب
وبغداد وسامرا وطوس * هطول الودق منخرق العباب
قبور تنطف العبرات فيها * كما نطف الصبير على الرواب
صلاة الله تخفق كل يوم * على تلك المعالم والقباب
وله أيضا:
معشر منهم رسول الله * والكاشف الكرب إذا الكرب عرى
صهره الباذل عنه نفسه * وحسام الله في يوم الوغى
أول الناس إلى الداعي الذي * لم يقدم غيره لما دعا
ثم سبطاه الشهيدان فذا * بحسى السم وهذا بالظي؟
269

وعلي وابنه الباقر والصادق * القول وموسى والرضا
وعلي وأبوه وابنه * والذي ينتظر القوم غدا
يا جبال المجد عزا وعلا * وبدور الأرض نورا وسنا
أنتم الشافون من داء العما * وغدا ساقون من حوض الروى
وقال الحصفكي:
حيدرة والحسنان بعده * ثم علي وابنه محمد
وجعفر الصادق وابن جعفر * موسى ويتلوه علي السيد
أعني الرضا ثم ابنه محمد * ثم علي ابنه المسدد
والحسن الثاني يتلو تلوه * محمد بن الحسين المفتقد
وقال الأمير أبو فراس:
شافعي أحمد ومولاي في البعث * علي والبنت والسبطان
وعلي وباقر العلم والصادق * ثم الأمين ذي التبيان
وعلي والخيران علي * وعلى العسكري القريب الداني
والإمام المهدي في يوم لا * ينفع إلا غفران ذي الغفران
وله أيضا.
لست أرجو النجاة من كل ما * أخشاه إلا بأحمد وعلي
وببنت النبي فاطمة الطهر * وسبطيه والإمام علي
والتقي النقي باقر علم * الله فينا محمد بن علي
وابنه جعفر وموسى ومولاي * علي أكرم به من علي
وأبي جعفر سمي رسول * الله ثم ابنه الزكي علي
وابنه العسكري والقائم المظهر * حقي محمد وعلي
فبهم أرتجي بلوغ الأماني * يوم عرضي على الإله؟ العلي
وقال حسان الدولة أبو الشوك فارس بن محمد:
بلغ أمير المؤمنين تحيتي * واذكر له جي وصدق توددي
وزر الحسين بكربلا وقل له * يا بن الرسول ويا سلالة أحمد
مني السلام عليك يا بن محمد * أبدا يروح مع الزمان ويغتدي
وعلى أبيك وجدك المختار * والثاوين منكم في بقيع الغرقد
270

وبأرض بغداد على موسى وفي * طوس على ذاك الرضاء المفرد
وبسر من رأى السلام على * النقي نجل التقى والسؤدد
بالعسكر بين اعتصامي من لظى * وبقائم من آل أحمد في غد
وقال السوسي:
بهم يبيض يوم الحشر وجهي * واقبض باليمين على الكتاب
فأولهم أبو حسن إمامي * إمام هدى يرى مثل الشهاب
ومنهم من سقته العرس سما * فغص أبو محمد بالشراب
ومنهم ثاويا بالطف أضحى * قتيلا بالصفايح والحراب
وزين العابدين معا علي * وباقر كل علم بالصواب
أبو عبد الإله؟ به ارجي * نجاتي في الحساب وفى الكتاب
ومنهم مخبر ما كان قدما * ومخبر ما يكون بلا ارتياب
أمير المعجزات ومن تبدى * لنا بالعلم والعجب العجاب
وتاسعهم محمد ذو سناء * مقيم عند موسى في القباب
وعاشرهم أبو حسن رجائي * أبو حسن المرجى للمآب
وحادي عشرهم حسن إمامي * أبو القمر المغيب في الحجاب
وله أيضا:
حبي للغائب في كوفان * ولابنه المسموم بالديفان
والثالث المقتول بالعدوان * وبعده الساجد للمتان
وباقر العلوم ذي التبيان * وجعفر محير الأذهان
إمامنا موسى العظيم الشأن * وابنه الثامن في نوقان
وابنه التاسع في بغدان * والعسكري وابنه القرمان
متى يلوح البدر للعيان * متى يقوم قائم الزمان
وله أيضا:
الطيبون الطاهرون الخيرون * الفاضلون السادة الأمجاد
أهل الندى أهل الحجى * أهل التقى أهل النهى الزهاد
أهل الرياسة والسياسة والنفاسة * والشراسة في الأولى شداد
السادة العلماء والحلماء * والفقهاء والحكماء والعباد
271

الأنجم الصبحاء والفصحاء * والرجحاء والسمحاء والنقاد؟
أنتم عداد شهورنا ونجومنا * وبكم تصح وتستوي الاعداد
منكم علي والحسين وقبله * حسن أخوه ومنكم السجاد
ومحمد منكم وجعفر وابنه * وكذاك موسى في العلى شياد
ثم الرضا ومحمد وعليه * وأبو الذي الدنيا له تنقاد
ذاك المميت الجور بالعدل الذي * فيه لمن يبغي الرشاد رشاد
وقال عضد الدولة:
ان كنت جئتك في الهوى متعمدا * فرميت من قطب السماء بهاوية
وبرئت من حب ابن بنت محمد * وحشرت من قبري بحب معاوية
ان الأئمة بعد أحمد عندنا * اثنان ثم اثنان ثم ثمانية
وقال البشنوي:
آليت ربي بالهدى متمسكا * باثني عشر بعد النبي مراقبا
اقى على البيت المطهر أهله * بيت قريش للديانة طالبا
وقال العوني وينسب إلى عياش:
سلام على خير الورى خاتم النذر * سلام على المستحفظ الطاهر الطهر
سلام وريحان وروح ورحمة * على علم الدين المتوج بالفخر
سلام على بحر الندى لجة الحجى * به نزل الاملاك بالخير والذكر
سلام على صنو البني وصهره * أبي حسن أكرم به ذاك من صهر
سلام على الطهر الزكية فاطم * سلام على أولادها الأنجم الزهر
سلام على المعروف بالحلم والتقى * سلام على المقتول بالبيض والسمر
سلام على السجاد ثم على ابنه * محمد ذي العلم المشهر بالبقر
سلام على الطهر المطهر جعفر * سلام على موسى إلى آخر الدهر
سلام وريحان وروح على الرضا * سلام على تاليه كالكوكب الدري
سلام على من أكمل العشر باسمه * سلام على الباري على الحادي العشر
سلام على الطهر المسمى بجده * سلام حزين القلب عبرته تجري
سلام على من سر من رأى محله * سلام على المرجو في محكم الزبر
(المناقب ج 1، م 34)
272

وله أيضا:
خليفة الله أبو الخلايف الشم * العرانين البهاليل الزهر
ذو النور في التفسير والنوران في * منسله الزاكي شبير وشبر
الأول المسموم والثاني الذي * بقتله رهط ملاعين كفر
واذكر عليا والذي أظهر في * الخلق علوما تم أبدا ونشر
الراكع العابد والساجد حتى * قص من بين جبينه الدبر
ثم اذكر الباقر للعلم ألا * يا حبذا من باقر وما بقر
ثم اذكر الصادق أعني جعفرا * مثل أبي موسى بخير من ذكر
ثم الرضا أعني عليا خيرة الله * بيمنه إلى المجد خبر
ثم اقتفاه في الهدى محمد * ثم علي فأتانا ما ذخر
من سبل الحق ومن بعدهما * فالحسن المحبوب بالبر الطهر
السيد المهدي والقائم في * الأرض الذي غيب فهو المنتظر
يملأها عدلا كما قد ملئت * جورا وذو العزة يعطيه الظفر
وقال السيد الحميري:
على آل الرسول أقربيه * سلام كلما سجع الحمام
أليسوا في السماء هم نجوم * وهم أعلام عز لا يرام
فيا من قد تحير في ضلال * أمير المؤمنين هو الامام
رسول الله يوم غدير خم * أناف به وقد حضر الأنام
وثاني أمره الحسن المرجى * له بيت المشاعر والمقام
وثالثه الحسين فليس يخفى * سنا بدر إذا اختلط الظلام
ورابعهم علي ذو المساعي * به للدين والدنيا قوام
وخامسهم محمدا ارتضاه * له في المأثرات إذا مقام
وجعفر سادس النجباء بدر * ببهجته زها البدر التمام
وموسى سابع وله مقال * تقاصر عن أدانيه الكرام
علي ثامن والقبر منه * بأرض الطوس ان قحطوا رهام
وتاسعهم طريد بني البغايا * محمد الزكي له حسام
وعاشرهم علي وهو حصن * يحن لفقده البلد الحرام
273

وحادي العشر مصباح المعالي * منير الضوء الحسن الهمام
وثاني العشر حان له القيام * محمد الزكي به اعتصام
سيظهر عاجلا نورا خفيا * وينساق الأمور به انتظام
أولئك في الجنان بهم مساعي * وجيرتي الخوامس والسلام
وقال الخطيب الباهر ابن الفرار المطيري:
بدين المصطفى أرجو نجاتي * وحب المرتضى من يوم شين
بفاطمة البتول أتاك رشدا * وبالحسن الزكي وبالحسين
بزين العابدين وصلت حبلي * علي بن الحسين ومن كذين
وان الباقر بن علي ركني * محمد وهو ركن الأمتين
وكهفي جعفر الصادق علما * أفوز من الجنان بحلتين
وكاظم غيظه الطهر موسى * إلى ربي جعلت وسيلتين
وأنى بالرضا علي بن موسى * وثقت بان أتاك فضيلتين
كذاك وبالزكي أمنت يوما * محمد من اليم عقوبتين
وحسبي بالامام علي وابن * له حسن قتيل العسكرين
تحاب به وحب الكل جمعا * هو المهدي أرجى خصلتين
وقال ابن حماد:
صلى الاله على علي ذي العلى * ما نال طيرا أو علا أغصانا
وسقى المدينة والبقيع ومشهدا * حل الغري الطهر من كوفانا
وسقى قبورا بالطفوف منيرة * وسقى قبورا ضمنت بغدانا
وسقى مقابر سر من رأى والذي * من طوس أصبح ثاويا نوقانا
وله أيضا:
أنا مولى للسادة الأمجاد * أهل بيت التقى وباب الرشاد
أنا مولى لأحمد وعلي * ولسبطيهما وللسجاد
أنا مولى لباقر العلم و * الصادق ذي الفضل والتقى والسداد
أنا مولى لكاظم الغيظ موسى * وعلي الرضا ونعم الجواد
أنا مولى للعسكريين حقا * ثم للقائم الإمام الهادي
معشر طاب مولدي بولاهم * وعليهم يوم المعاد اعتمادي
274

وموالاتهم نجاة من النار * وحصني من هول يوم المعاد
وله أيضا:
إلهي بحق الحق من آل هاشم * بصفوتك الصفوة الهداة الأكارم
بأحمد المختار بالقرم حيدر * بسبطيه بالطهر البتولة فاطم
بجاه علي ذي التقى بمحمد * بجعفر رب المعجزات العظائم
بموسى المصفى بالرضا بمحمد * بحق علي ذي العلا والمكارم
وبالحسن الميمون والقائم الذي * غدا خير مأمول وأكرم قائم
باثني عشر صفيتهم وارتضيتهم * وطهرتهم من نسل أولاد آدم
بحقهم يا ذا المعارج نجني * وجد لي بعفو من عظيم الجرائم
وله أيضا:
يا علي المرتضى لست أبغي عوضا * منك أو عنك ولا حاشاي بالمنحرف
أنا مولى حيدرة وبنيه العشرة * والامام القائم المنتظر المستخلف
وقال أبو الفتح محمد بن السابوري:
سلام على الصفوة المصطفى * محمد ذي المنهج الأقوم
سلام على ابن أبي طالب * أخي الحرب والفارس المعلم
سلام من الله ما غردت * حمام على النبأ الأعظم
سلام على حرة بعلها * سبيل النجاة لمن قد عمي
سلام على الحسن المرتجى * كنور بدا في دجى مظلم
سلام على من سقى بالطفوف * كؤسا أمر من العلقم
سلام على ساجد عابد * حماه المهيمن عن مجرم
سلام على باقر علمه * يفجر كالجدول المفعم
سلام على جعفر بعده * سلام كئيب به معزم
سلام على كاظم نوره * توقد كالسبعة الأنجم
سلام على مفرد قبره * بطوس وطوس به يحتمي
سلام على تاسع مجده * تألق كالعلم المعلم
سلام على عاشر جوده * أسح من السيل بالمرزم
سلام على حادي عشرهم * سلام على القائم القيم
سلام عليكم بني أحمد * وأولاد حيدرة الاكرام
275

سلام عليكم بني فاطم * سلام محب لكم مكرم
وقال أبو عبيد الله الحسيني:
يا طيب نفح النسيم في سحر * عرج على طيبة بتغليس؟
وزر بقيعا بما تخذ به * رسما من الدين جد مطموس
واغزهما بالغزي رازمة * تثلم اضحاكها بتعبيس
وطف بها بالطفوف مدلجا * وحيها ضحوة بتشميس
واقصد ببغدان من أزمتها * يرو صداها بطون تعريس
وخص سامرة بمرتجز * يشوب تطبيقه بتبجيس
وازحف إلى طوس واقض محتسبا * حقوق ذاك الغريب في طوس
مشاهد روحت مراقدها * برحمة نورت وتقديس
وقال الصاحب:
يا زائرين اجتمعوا جموعا * وكلهم قد أجمعوا الرجوعا
إذا حللتم تربة المدينة * بخير أرض وبخير طينة
فابلغوا محمدا الزكيا * عني السلام طيبا زكيا
حتى إذا عدتم إلى الغري * فسلموا مني على الوصي
وبعد بالبقيع في خير وطن * اهدوا سلامي نحو مولاي الحسن
وأبلغوا القتلى بأرض الطف * تحيتي ألفان بعد ألف
ثمة عودوا ببقيع الغرقد * نحو علي بن الحسين سيدي
وباقر العلم أخا الذخائر * ومعدن العلياء والمفاخر
وكنز علم الله في الخلايق * جعفر الصادق أتقى صادق
فبلغوهم من سلامي النامي * مالا يزول مدة الأيام
حتى إذا عدتم إلى بغدان * بمشهد الزكاء والرضوان
فبلغوا مني سلاما زايبا * سلام من يرى الولاء واجبا
وواصلوا السرور وارؤا طوسا * نحو علي ذي العلى بن موسى
حيوه عني ما أضاء كوكب * وما أقام يذبل وكبكب
وسلموا بعد على محمد * بأرض بغدان زكي المشهد
واعتمروا عسكر سامراء * اهدوا سلامي أحسن الاهداء
نحو علي الطاهر المطهر * والحسن المحسن نسل حيدر
276

وله أيضا:
يا زائرا قد قصد المشاهدا * وقاطع الجبال والفدافدا
فابلغ النبي من سلامي * ما لا يبيد مدة الأيام
حتى إذا عدت بأرض الكوفة * البقعة الطاهرة المعروفة
وصرت في الغري في خير وطن * سلم على خير الورى أبى الحسن
ئمة سر نحو بقيع الغرقد * مسلما على أبي محمد
وعد إلى الطف بكربلاء * اهد سلامي أحسن الاهداء
بخير من قد ضمه الصعيد * ذاك الحسين السيد الشهيد
واجنب إلى الصحراء بالبقيع * فثم أرض الشرف الرفيع
هناك زين العابدين الأزهر * وباقر العلم وثم جعفر
أبلغهم عني السلام راهنا * قد ملا البلاد والمواطنا
واجنب إلى بغداد بعد العيسا * مسلما على الزكي موسى
واعجل إلى طوس على اهدى سكن * مبلغا تحيتي أبا الحسن
وعد لبغداد بطير أسعد * سلم على كنز التقى محمد
وأرض سامراء أرض العسكر * سلم على علي المطهر
والحسن الرضي في أحواله * من منبع العلوم في أقواله
فإنهم دون الأنام مفزعي * ومن إليهم كل يوم مرجعي
وأنشد المندب أبو طاهر القمي لنفسه:
أقول اني عبد لا عتاق له * لآل ياسين قول الصادق الجاهر
محمد وعلي والبتولة والسبط * - ين والسيد السجاد والباقر
وجعفر وابنه موسى وحافده * الرضا ونوار الورى محمد الطاهر
والعسكري علي وابنه الحسن * الزاكي أرومته والحجة الباهر
وأنشد أبو الرضا الحسيني لنفسه:
يا رب مالي شفيع يوم منقلبي * إلا الذين إليهم ينتهي نسبي
المصطفى وهو جدي ثم فاطمة * أمي وشيخي علي الخير وهو أبي
والمجتبى الحسن الميمون غرته * ثم الحسين أخوه سيد العرب
ثم ابنه سيد العباد قاطبة * وباقر العلم مكشوف عن الحجب
والصادق البر في شئ يفوه به * والكاظم الغيظ في مستوقد الغضب
277

ثم الرضا المرتضى في الخلق سيرته * ثم التقي نقيبا غير ما كذب
ثم النقي ابنه والعسكري وما * لي في شفاعة غير القوم من ارب
ثم الذي يملا الدنيا بأجمعها * عدلا وقسطا بإذن الله عن كثب
وتشرق الأرض من لآلئ غرته * كالبدر يطلع من داج من السحب
وله أيضا:
محمد خير مبعوث وأفضل من * مشى على الأرض من حاف ومنتعل
من دينه نسخ الأديان أجمعها * ودور ملته عفى على الملل
ثم الإمامة مهداة مرتبة * من بعده لأمير المؤمنين علي
من بعده ابناه وابنا بنت سيدنا * محمد ثم زين العابدين علي
والباقر العلم عن أسرار حكمته * والصادق البر لم يكذب ولم يخل
والكاظم الغيظ لم ينقض مروته * ثم الرضا لم يفه والله بالزلل
ثم التقى فتى عاف الأنام معا * قولا وفعلا فلم يفعل ولم يقل
ثم النقي ابنه والعسكري ومن * يطهر الأرض من رجس ومن دخل
القائم العدل والحاكي بطلعته * طلوع بدر الدجى في دامس الطفل
تنشق ظلمة ظلم الأرض من قمر * اشراق دولته يأتي على الدول
ولنا:
ألا ان خير الناس بعد نبينا * علي ولي الله وابن المهذب
به قام للدين الحنيف عموده * وصار رفيعا ذا رواق مطنب
ومن بعده نجلاء سبطا محمد * وريحانتاه من أطائب طيب
فسيدنا السجاد أكر من مشى * على الأرض طرا من تقي ومعرب
وباقر علم الدين والصادق الذي * به يهتدى في كل عمياء غيهب
وموسى أمين الله ثم ابنه الرضا * زكي نجار قد علا كل منصب
فسيد سادات الأنام محمد * أبو جعفر الزاكي التقي المطيب
وخير البرايا العسكريان بعده * إمامان مهديان في كل مشعب
وقائمنا المهدي لابد قاتل * عداة أبيه بالحسام المشطب
يقول على اسم الله قد حان أمره * فيملأ عدلا كل شرق ومغرب
بهم أتولى مؤمنا متيقنا * وأشنأ من أعدائهم كل مذهب
278

وقال محمد بن حبيب الصبي:
صلى الإله؟ على النبي محمد * وعلت عليا نضرة ووسام
وكذا على الزهراء صلى سرمدا * رب بواجب حقها علام
وعليه صلى ثم بالحسن ابتدى * وعلى الحسين لوجهه الاكرام
وعلى علي ذي التقى ومحمد * صلى فكل سيد وهمام
وعلى المهذب والمطهر جعفر * أزكى الصلاة وان أبى الأقوام
الصادق المأثور عنه علم ما * فيكم به يتمسك الأقوام
وكذا على موسى أبيك وبعده * صلى عليك وللصلاة دوام
وعلى محمد الزكي فضوعفت * وعلى علي ما استمر كلام
وعلى الرضا ابن الرضا الحسن الذي * عم البلاد لفقده الاظلام
وعلى خليفته الذي لكم به * تم النظام فكان فيه تمام
فهو المؤمل أن يعود به الهدى * باق وان يستوثق الاحكام
وقال غيره:
إلهي بحق المصطفى ووصيه * وبفاطم الزهراء ابنة أحمد
يا رب بالحسن الزكي ومن ثوى * في كربلا والزاهد المتعبد
وبباقر علم التقى وبجعفر * وبحق موسى والرضا ومحمد
وعلي الهادي وبالحسن النقي * والحجة المهدي الامام السيد
اغفر ذنوبي واعف عن جرمى غدا * فوسيلتي يا رب آل محمد
وقال آخر:
وعرفت قبلتي النبي محمدا * حسبي وذا ذخري وعند نزاعي
وعرفت مولائي عليا صنوه * علم الهدى ومذل كل شجاع
وعرفت بعد الصنو بالحسن التقى * وعرفت كيف حقيقة الابداع
وعرفت مولاي الحسين مفرها * أبدا بداء دوائه استرجاعي
وعرفت سجادا سجدت لنوره * أكرم به من ساجد ركاع
وعرفت باقر علمهم والصادق الميمون * ثدي العالم الرضاع
وعرفت موسى والرضا ومحمدا * وعلي والحسن الكريم الساعي
وعرفت مولاي الإمام القائم القوام * قارع كل باب قراع
أشباح نور في هياكل حكمة * أرواح قدس في صدور سباع
279

وقال سلامه الحسيني:
أنا مولى حيدر وابنيه * والعلم السجاد مصباح العرب
وابنه الباقر والصادق * والمرتضى موسى الامام المنتجب
ثم الرضا ثم أبي جعفر * والعسكريين وباق محتجب
وقال أبو العمر عبد الملك البعلبكي:
بمحمد ووصيه وابنيهما قسما غموسا
وبمن بحيدرة الوصي المرتضى أضحت عروسا
وعليهم ومحمد وبجعفر أيضا وموسى
وبمن بطوس قبره بأبي وأمي من بطوسا
وثلاثة من بعدهم وبرابع يأتي بعيسى
جد لي بعفوك يا إلهي واكفني يوما عبوسا
فلقد دعوتك بالذين جعلتهم فينا شموسا
كدعاء آدم إذ دعاك فلم يخف إذ ذاك بؤسا
إلا غفرت خطيئتي وكفيتني يوما عبوسا
وقال الصاحب:
بمحمد ووصيه وابنيهما * وبعابد وبباقرين وكاظم
ثم الرضا ومحمد ثم ابنه * والعسكري المتقي والقائم
أرجو النجاة من المواقف كلها * حتى أصير إلى نعيم دائم
وله أيضا:
بمحمد ووصيه وابنيهما * الطاهرين وسيد العباد
ومحمد وبجعفر بن محمد * وسمي مبعوث بشاطئ الوادي
وعلى الطوسي ثم محمد * وعلي المسموم ثم الهادي
حسن واتبع بعده بامامة * للقائم المبعوث بالمرصاد
وله أيضا:
قد تبرأت من الجبتين تيم وعدي * ومن الشيخ العتل المستحل الأموي
أنا لا أعرف إلا رهن قبر بالغري * وثمانا بعد سبطيه ومنصوصا خفي
مناقب ج 1، م 35
280

وله أيضا:
نبي والوصي وسيدان * وزين العبادين وباقران
وموسى والرضا والفاضلان * بهم أرجو خلودي في الجنان
وقال كشاجم:
نبيي شفيعي والبتول وحيدر * وسبطاه والسجاد والباقر المجد
بجعفر بموسى بالرضا بمحمد * بنجل الرضا والعسكريين والمهدي
وقال غيره:
علي وابناه وبحران واللجة * وموسى وطهراه وبران والحجة
أولئك آل المصطفى عترة الهدى * فأفعالهم حق وأقوالهم حجة
وقال غيره:
أعوذ بذى ا لعرش مما جنبت؟ * ورحمته الجمة الواسعة
وأهل العباء وآل الحسين * اولي الامر والحجة التاسعة
وقال آخر:
أعددت قوما لدنياي وآخرتي * هم النجاة فخل اللوم يا لائم
علي وابنيه موسى جعفرا حسنا * محمدا وعليا والرضا القائم
وقال محمد الموسوي:
آمنت بالله وبالمصطفى * والمرتضى والعترة الطاهرة
هم خمسة يتلوهم سبعة * حجتهم باطنة ظاهره
ولنا:
ميلاد من والاهم ظاهر * وأم من عاداهم عاهره
ثلاثة أربعة خمسة * أعددت للدنيا وللآخرة
مالي إلى غيرهم حاجة * بعد نبي الله في الساهره
وقال الزاهي:
والد الأسباط أنوار قلبي * في مساي بهم وابتكاري
منهم المسموم إذ لذعوه * بذعاف السم لذع الشرار
وقتيل الطفوف يا لهف قلبي لقتيل قل فيه اصطباري
والفتى السجاد والباقر الأمجد * والصادق خدن الوقار
ثم مدفون ببغداد يغشى * قبره مني بطيب المزار
281

والرضا فارض به ثم زره * وابكه بالهاطلات الغزار
وسمي المصطفى يا آل نجد * طال حزني بعده وافتكاري
وعلى صاحب العسكر المفرج لي * باب بفرط ادكاري
وأخو الاحسان أعني إمامي * حسنا والركن ذو المستجار
ثم مهدي إليه اشتياقي * طال وجدي به وانتظاري
وله أيضا:
هم الآل آل الله والقطب التي * بها فلك التوحيد أصبح دائرا
أئمة حق خاتم الرسل جدهم * ووالدهم من كان للحق ناصرا
علي أمير المؤمنين وسيد * إلى قرنه بالسيف ما زال باترا
وأمهم الزهراء أكرم برة * غد اقلبها مضنى على الوجد صابرا
ومنهم قتيل السم ظلما ومنهم * إمام له جبريل يكدح زائرا
قتيل بأرض الطف أروت دماؤه * رماح الأعادي والسيوف البواترا
ومنهم لدى المحراب سجاد ليله * وقرم لفضل العلم أصبح باقرا
وسادسهم ياقوتة العقد جعفر * إمام هدى تلقاه بالعدل آمرا
وسابعهم موسى أبو العلم الرضا * ومن لم يزل بالعلم للخلق ناشرا
وثامنهم ثاو بطوس ومن به * طفقت حزينا للهموم مسامرا
وتاسعهم زين الأنام محمد * أبو علم للقوم أصبح عاشرا
ومنهم إمام سر من رأى محله * تمام لحادي العشر ظل مجاورا
وآخرهم مهدي دينك انه * إمام لعقد الفاطميين آخرا
وقال غيره،
يا إلهي على رضاك أعني * وتفضل علي بالغفران
فشفيعي محمد وعلي * والبتول الزهراء والحسنان
وعلي والطاهران وموسى * والذي حل نازح الأوطان
وابنه واللذان في تربة العسكر * والقائم الخفي المكان
فبهم سيدي سألت فما لي * شافع غيرهم وغير القرآن
وقال محمد بن حمزة الحسيني:
بحبل رسول الله والبر حيدر * وشبليه والزهراء مفقودة العدل
وحبل علي وابنه ثم جعفر * وكاظمه ثم الرضا وابنه العدل
282

وحبل علي بن الزكي محمد * وبابن له المشهور بالحسن الكفل
وبالقائم المهدي من آل أحمد * سمي لطه الطهر خاتمة الرسل
وقال ابن قرط أمير الموصلي:
إلهي بالميامين * هداتي من بني هاشم
بأنوارك في خلقك * والحجة في العالم
بمن صيرت جبريل * لهم يا ذا العلى خادم
بخير الخلق ختام * النبيين أبي القاسم
وبالهادي علي * وبحوراء النساء فاطم
وبالمسموم والمقتول * ظلما لعن الظالم
وبالسجاد والباقر * والصادق والكاظم
وبالمدفون في طوس * علي وابنه العالم
بحق العسكريين * وبالمنتظر القائم
وقال محمد بن أبي نعمان:
خليفة الله ربي ليس ينكره * إلا جهول عمي بادي الصمم
وفاطم خير نسوان بها فطمت * أشياعها من عظيم السخط والنقم
والصفوتان حسين قبله حسن * حبل متين وعقد غير منفصم
وتسعة كملت عد الشهور بهم * على بيان من القرآن منتظم
إذا قرأت براءة كنت واجده * في شرح معنى شهور الحل والحرم
وقبلها سورة الأعراف في قصص * الأنباء عن نقباء سادة بهم
كانوا لموسى نجي الله فاتفقت * أعدادهم عدة الأبراج للنجم
وفي النساء إذا ما كنت تاليها * فرض لطاعتهم من بارئ النسم
وفي الحواميم أيضا ذكر ودهم * وذكر فضلهم في النون والقلم
وقال غيره:
الله ربي ثم أحمد شافعي * وعلي لي ذخري ليوم معاد
والحسن المسموم والمقتول * بالنهرين ظلما والفتى السجاد
وبباقر للعلم دنت وجعفر * وبحبل موسى قد شددت عمادي
ثم الرضا ثم الإمام محمد * وعلي عاشر سادتي والحادي
والقائم المهدي الذي يحيي به * رب البرايا جمع كل بلاد
283

وجميعهم مثل النجوم أئمتي * ما مثلهم في حاضر أو باد
وقال آخر:
سألتك بالإله؟ وبالنبي * وبالمدفون في أرض الغري
وبالزهراء سيدة البرايا * وبالمسموم في الماء الهني
وبالمقتول ظلما واعتداءا * وممنوعا من الماء الروي
وبالسجاد للرحمن طوعا * وباقر علمه البر التقي
بصادق عصره قسما يمينا * من الرحمن نور جعفري
بحرمة ابنه موسى كموسى * كليم الله حسبك من سمي
وبالمدفون في أكناف طوس * وبالمسموم بالرطب الجني
بحق علينا بدرا تلألأ * من الأشباح في الأفق العلي
وبالحسن المقيم بسر من رأى * بسرداب حوى ابن العسكري
وبالمهدي قائم آل طاها * ودارس ذكر حقم المضي
وأنشد:
يا ذا المعارج والسماوات العلى * والأرض والفلك المطل الدائر
اني بأحمد والوصي وزوجه * وابنيهما وبزينهم والباقر
وبجعفر والقرم موسى والرضا * ومحمد البحر الخضم الزاخر
وبعسكريين النقي ونجله * الحسن الزكي وبالإمام الثائر
بالقائم الخلف المبارك والذي * نص الرسول عليه عين الطاهر
متوسل بهم إليك ومهتد * في هديهم عن طيب أصل طاهر
وقال أبو الواثق العنبري:
شفيعي إليك اليوم يا خالق الورى * رسولك خير الخلق والمرتضى علي
وسبطاه والزهراء بنت محمد * ومن فاق أهل الأرض في زهده علي
وباقر علم الأنبياء وجعفر * وموسى وخير الناس في رشده علي
ومولاي من بعد الكرام إلى الوري * محمد المحمود ثم ابنه علي
وبالحسن الميمون تمت شفاعتي * وبالقائم المهدي ينمى إلى علي
أئمة رشد لا فضيلة بعدهم * سلالة خير الخلق أفضلهم علي
ولغيره:
أجرني فاني قد أتيتك صادقا * بحق النبي المصطفى خاتم الرسل
284

وبالسيد المولى علي وفاطم * و بالحسنين المفردين عن المثل
وبالزاهد السجاد ثم محمد * وبالصادق المعروف بالعلم والفضل
بموسى بمولاي الرضا بمحمد * وبالعسكريين الامامين بالكل
و بالخلف الباقي عليك بحقهم * تفضل بما قد جئت فيه بلامطل
وقال آخر:
بحق جلال وجهك بالنبي * وحق الهاشمي الأبطحي
وبالقرآن إذ يوحى إليه * وحق وصيه البطل الكمي
وبالسبطين أعني ابني علي * وأمهما ابنة البر الزكي
وحق أئمة سلفوا جميعا * على منهاج جدهم النبي
وحق القائم المهدي لما * غفرت خطيئة العبد المسي
وقال زيد المرزكي:
منهم رسول الله أكرم من * وطأ الحصا وأجل من أصف
وعلي البطل الامام ومن * وارى غرايب فضله النجف
وعلى الحسنين متكلي * في الحشر يوم تنشر الصحف
وشفاعة السجاد تشملني * وبها من الآثام أكتنف
وبباقر العلم الذي علقت * كفي بحبل ولائه الزلف
وبحب جعفر اقتوى أملي * ولشقوتي في ظله كنف
ووسيلتي موسى وعترته * أكرم بهم من معشر سلفوا
منهم علي وابنه وعلي * وابنه ومحمد الخلف
صلى الاله عليهم وسقى * مثواهم الهطالة الوكف
وقال ابن مكي:
ومحمد يوم القيامة شافع * للمؤمنين وكل عبد مقنت
وعلي والحسنان ابنا فاطم * للمؤمنين الفائزين الشيعة
وعلي زين العابدين وباقر * علم التقى وجعفر هو منيتي
والكاظم الميمون موسى والرضا * علم الهدى عند النوائب عدتي
ومحمد الهادي إلى سبل الهدى * وعلي المهدي جعلت ذخيرتي
والعسكر بين الذين بحبهم * أرجو إذا أبصرت وجه الحجة
285

وقال غيره:
بسمي المصطفى ثم سمي المصطفى * ثم بالثالث شفعه لذي العرش الولي
والمرجى الحسن ثم المرجى الحسن * وشفيع الخير مولاي الحسين بن علي
وبموسى ذي المساعي وأبيه جعفر * وعلي وعلي وعلي وعلي
شفعاءهم لعمري شفعائي في الورى * وبهم كربي لعمري سوف عني ينجلي
وقال آخر:
سألتك يا إله العالمينا * ويا محيي جميع الميتينا
بحرمة أحمد المبعوث فينا * بمولانا أمير المؤمنينا
بحق بتولة طهرت وطابت * فقد فاقت نساء العالمينا
وبالحسن الذي سموه ظلما * بنو هند تعدوا ظالمينا
بمولانا الحسين شهيد طف * قتيل بني زياد المارقينا
بحق علي سجاد ونسك * وفضل محمد في الباقرينا
بحرمة جعفر وبفضل موسى * محل الحلم زين الكاظمينا
بمنزلة الرضا أعني عليا * بطوس شلوه أضحى دفينا
بحق محمد ثاوى قبورا * ببغداد يشوقنا حنينا
بحرمة عسكريين أقاما * بسامرا مقام القاطنينا
بحق محمد المهدي بقوم * إلى الايمان كانوا راغبينا
أجرني من عذابك يا إلهي * بهم وبجدهم في السافينا
قال إبراهيم بن السماك سمعت ليلة عند دومة الجندل هاتفا يهتف من الجبال:
ناد من طيبة مثواه وفى طيبة حلا
أحمد المبعوث بالحق عليه الله صلى
وعلى التالي له في الفضل والمخصوص فضلا
وعلى سبطيهما المسموم والمقتول قتلا
وعلى التسعة منهم محتدا طابوا وأصلا
هم منار الحق للخلق إذا ما الخلق ضلا
نادهم يا حجج الله على العالم كلا
كلمات الله تمت بكم صدقا وعدلا
286

باب درجات أمير المؤمنين عليه السلام
فصل: في مقرماتها
اجتمعت الأمة على أن ليس لها تولية رجل بالاختيار والشورى إلا بعد أن
يجدوا في الكتاب والسنة ما يدل على رجل باسمه وفعله فإذا وجدوه ولوه عليهم.
واجتمعت المعتزلة على أن الخصال المستحقة لصاحبها التعظيم الذهني في علي أو فر مما في
غيره وذلك العلم والجهاد والزهد والجود.
واما الدليل السمعي الذي يوجب كثرة ثوابه وفضله على غيره، ففي حديث
الطير وحديث تبوك ونحوهما، ومن افتقر البشر إليه كانت العصمة ثابتة عليه، ثم
أجمع الكل على أن أفضل الفضايل السبق إلى الاسلام ثم القرابة ثم العلم ثم الهجرة ثم
الجهاد ثم النفقة في سبيل الله ثم الزهد والورع ثم رضى رسول الله عنه يوم مات وقد
سبق على الكل في ذلك على ما يجئ بيانه انشاء الله، فاما رضى رسول الله فقد تفرق
في عدة مواضع من هذا الكتاب، واما القرابة فلا يشك فيه مسلم وان قالوا حمزة
وجعفر والحسن والحسين والعباس و غيرهم ممن حرم الله عليهم الصدقة لقرباهم من
رسول الله فكان علي أخصهم به بأشياء كثيرة، وسئل الصادق (ع) عن فضيلة خاصة
لأمير المؤمنين فقال: فضل الأقربين بالسبق وسبق الأبعدين بالقرابة قال ديك الجن
قرابة ونصرة وسابقه * هذا المعالي والصفات الفايقة
قال الحميري:
ما استبق الناس إلى غاية * إلا حوى السبق على سبقه
وقال ابن حماد:
اما أمير المؤمنين فإنه * سبق الهداة ولم يكن مسبوقا
اختاره رب العلى وأقامه * علما إلى سبل الورى وطريقا
ثم وجدنا فضايل علي (ع) على ثلاثة أنواع، ما على الصحابة فيما شاركهم فيه،
وما اجتمع فيه وتفرق في الكل وما تفرد به قال جابر الأنصاري: كانت لأصحاب
النبي صلى الله عليه وآله ثمانية عشر سابقة خص منها علي بثلاثة عشر وشركنا في الخمس.
287

الفضايل عن العكبري قال عبد الله بن شداد بن الهاد قال ابن عباس: كان
لعلي ثمانية عشر منقبة ما كانت لاحد في هذه الأمة مثلها.
ابن بطة في الإبانة عن عبد الرزاق عن أبيه قال: فضل علي بن أبي طالب
أصحاب رسول الله بمائة منقبة وشاركهم في مناقبهم.
كتاب أبي بكر بن مردويه قال نافع بن الأزرق لعبد الله بن عمر: اني أبغض
عليا، فقال قال: أبغضك الله أتبغض رجلا سابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها.
قال الحميري:
لئن كان بالسبق للسابقين * مزية فضل على السابقينا
لقد فضل الله آل الرسول * لفضل الرسول على العالمينا
وقال الحصفكي:
يا بن ياسين وطاسين وحاميم ونونا * يا بن من أنزل فيه السابقون السابقونا
وقال الحميري:
أين الجهاد وأين فضل قرابة * والعلم بالشبهات والتفصيل
أين التقدم بالصلاة وكلهم * للات يعبد جهرة ويحول
أين الوصية والقيام بوعده * وبدينه ان غرك المحصول
أين الجواز بمسجد لا غيره * حينا يمر به فأين تحول
هل كان فيهم أن نظرت مناصحا * لأبي الحسين مقاسط وعديل
فصل: في المسابقة بالاسلام
استفاضت الرواية ان أول من أسلم علي ثم خديجة ثم جعفر ثم زيد ثم أبو ذر
ثم عمرو بن عنبسة السلمي ثم خالد بن سعيد بن العاص ثم سمية أم عمار ثم عبيدة بن
الحرث ثم حمزة ثم خباب بن الأرت ثم سلمان ثم المقداد ثم عمار ثم عبد الله بن مسعود
في جماعة ثم أبو بكر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص و عبد الرحمن بن
عوف وسعد بن زيد وصهيب وبلال.
تاريخ الطبري: ان عمر أسلم بعد خمسة وأربعين رجلا واحدى وعشرين امرأة.
أنساب الصحابة عن الطبري التاريخي والمعارف عن القتيبي: ان أول من أسلم خديجة
ثم علي ثم زيد ثم أبو بكر.
288

يعقوب النسوي في التاريخ قال الحسن بن زيد: كان أبو بكر الرابع في الاسلام
وقال القرطي: أسلم علي قبل أبي بكر. واعترف الجاحظ في العثمانية بعد ما كر وفر
ان زيدا وخبابا أسلما قبل أبي بكر ولم يقل أحد انهما أسلما قبل علي، وقد شهد أبي بكر
لعلي بالسبق إلى الاسلام.
روى أبو ذرعة الدمشقي وأبو إسحاق الثعلبي في كتابيهما أنه قال أبو بكر:
يا أسفي على ساعة تقدمني فيها علي بن أبي طالب فلو سبقته لكان لي سابقة الاسلام.
معارف القتيبي وفضايل السمعاني ومعرفة النسوي قالت معاذة العدوية: سمعت
عليا يقول على منبر البصرة: أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أو بكر وأسلمت
قبل أن يسلم عمرا.
تاريخ الطبري قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال قلت
لأبي: أكان أبو بكر أولكم اسلاما؟ فقال: لا وقد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلا
ولكن كان أفضلنا إسلاما.
وقال عثمان لأمير المؤمنين (ع): انك ان تربصت بي فقد تربصت بمن هو خير
مني ومنك، قال: ومن هو خير مني؟! قال: أبو بكر وعمر، فقال: كذبت أنا
خير منك ومنهما عبدت الله قبلكم وعبدته بعدكم.
فلما شعر حسان بأن أبا بكر أول من أسلم فهو شاعر وعناده لعلي ظاهر. واما
رواية أبي هريرة فهو من الخاذلين وقد ضربه عمر بالدرة لكثرة روايته وقال: انه
كذوب. وأما رواية إبراهيم النخعي فإنه ناصبي جدا تخلف عن الحسين (ع)
وخرج مع ابن الأشعث في جيش عبيد الله بن زياد إلى خراسان وكان يقول: لا خير
إلا في النبيذ الصلب.
واما الروايات في أن عليا أول الناس إسلاما فقد صنف فيه كتب: منها ما رواه
السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله (والسابقون السابقون أولئك المقربون)
فقال: سابق هذه الأمة علي بن أبي طالب.
مالك بن أنس عن أبي صالح عن ابن عباس: انها نزلت في أمير المؤمنين (ع)
سبق والله كل أهل الايمان إلى الايمان ثم قال: والسابقون كذلك يسبق العباد يوم
القيامة إلى الجنة.
كتاب أبي بكر الشيرازي، مالك بن أنس عن سمي عن أبي صالح عن أبي عباس
289

قال: والسابقون الأولون نزلت في أمير المؤمنين سبق الناس كلهم بالايمان وصلى إلى
القبلتين وبايع البيعتين بيعة بدر وبيعة الرضوان وهاجر الهجرتين مع جعفر من مكة
إلى الحبشة ومن الحبشة إلى المدينة.
وروي عن جماعة من المفسرين انها نزلت في علي وقد ذكر في خمسة عشر كتابا
فيما نزل في أمير المؤمنين بل في أكثر التفاسير انه ما أنزل الله تعالى في القرآن آية
(يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي أميرها لأنه أول الناس إسلاما.
النطنزي في الخصايص العلوية بالاسناد عن إبراهيم بن إسماعيل عن المأمون عن
الرشيد عن المهدي عن المنصور عن جده عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب
يقول قال رسول الله: يا علي أنت أول المسلمين إسلاما وأول المؤمنين ايمانا.
أبو يوسف النسوي في المعرفة والتأريخ روى السدي عن أبي مالك عن ابن عباس
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: علي أول من آمن بي وصدقني.
أبو نعيم في حلية الأولياء والنطنزي في الخصايص بالاسناد عن الخدري ان
النبي قال لعلي وضرب يده بين كتفيه: يا علي سبع خصال لا يحاجك فيهز أحد يوم
القيامة أنت أول المؤمنين بالله ايمانا، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأرأفهم
بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعلمهم بالقضية، وأعظمهم مزية؟ يوم القيامة.
أربعين الخطيب باسناده عن مجاهد عن ابن عباس وفضايل أحمد وكشف الثعلبي
باسنادهم إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قالا قال البني صلى الله عليه وآله: ان سباق الأمم ثلاثة لم
يكفروا طرفة عين علي بن أبي طالب وصاحب ياسين ومؤمن آل فرعون فهم
الصديقون وعلي أفضلهم.
فردوس الديلمي قال أبو بكر قال رسول الله: ثلة من الأولين وثلة من
الآخرين هما من هذه الأمة.
محمد بن فرات عن الصادق في هذه الآية ثلة من الأولين ابن آدم المقتول ومؤمن
آل فرعون وقليل من الآخرين علي بن أبي طالب.
شرف النبي عن الخركوشي انه أخذ النبي صلى الله عليه وآله بيد علي فقال: ألا ان هذا
أول من يصافحني يوم القيامة وهذا الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين
الحق والباطل وهذا يعسوب المسلمين والمال يعسوب الظالمين.
جامع الترمذي وإبانة العكبري وتاريخ الخطيب والطبري أنه قال زيد بن أرقم
290

وعليم الكندي: أول من أسلم علي بن أبي طالب.
محمد بن سعد في كتاب الطبقات واحمد في المسند قال ابن عباس: أول من
أسلم بعد خديجة علي (ع).
تاريخ الطبري وأربعين الخوارزمي قال محمد بن إسحاق: أول ذكر آمن برسول الله
وصلى معه وصدقه بما جاء من عند الله علي.
مروان و عبد الرحمن التميمي قالا: مكث الاسلام سبع سنين ليس فيه إلا ثلاثة
رسول الله وخديجة وعلي.
فضايل الصحابة عن العكبري وأحمد بن حنبل قال عباد بن عبد الله قال علي (ع):
أسلمت قبل الناس بسبع سنين.
كتاب ابن مردويه الأصفهاني والمظفر السمعاني وأمالي سهل بن عبد الله المروزي
عن أبي ذر وأنس واللفظ لأبي ذر أنه قال النبي صلى الله عليه وآله: ان الملائكة صلت علي وعلى
علي سبع سنين قبل أن يسلم بشر.
تاريخ بغداد والرسالة القوامية ومسند الموصلي وخصايص النطنزي أنه قال حبة
العرني: قال علي: بعث النبي يوم الاثنين وأسلمت يوم الثلاثاء.
تاريخ الطبري وتفسير الثعلبي أنه قال محمد بن المنكدر وربيعة بن أبي عبد الرحمن
وأبو حازم المدني ومحمد بن السايب الكلبي وقتادة ومجاهد وابن عباس وجابر بن
عبد الله وزيد بن أرقم وعمرو بن مرة وشعبة بن الحجاج: علي أول من أسلم.
وقد روى وجوه الصحابة وخيار التلعين؟ وأكثر المحدثين ذلك، منهم سلمان
وأبو ذر والمقداد وعمار وزيد بن صوحان وحذيفة وأبو الهيثم وخزيمة وأبو تراب
والخدري وأبي وأبو رافع وأم سلمة وسعد بن أبي وقاص وأبو موسى الأشعري
وأنس بن مالك وأبو الطفيل وجبير بن مطعم وعمرو بن الحمق وحبة العرني وجابر الحضرمي
والحارث الأعور وعباية الأسدي ومالك بن الحويرث وقثم بن العباس وسعد بن قيس
ومالك الأشتر وهاشم بن عتبة ومحمد بن كعب وأبو مجاز والشعبي والحسن البصري
وأبو البختري والواقدي و عبد الرزاق ومعمر والسدي والكتب برواياتهم مشحونة
وقال أمير المؤمنين (ع):
صدقته وجميع الناس في بهم * من الضلالة والاشراك والنكد
قال الحميري:
من فضله انه قد كان أول من * صلى وآمن بالرحمن إذ كفروا
291

سنين سبع وأياما محرمة * مع النبي على خوف وما شعروا
وله أيضا:
من كان وحد قبل كل موحد * يدعوا الاله الواحد القهارا
من كان صلى القبلتين وقومه * مثل النواهق تحمل الأسفارا
ولقد كان إسلامه عن فطرة وإسلامهم عن كفر وما يكون عن الكفر لا يصلح
للنبوة وما يكون من الفطرة يصلح لها، ولهذا قوله صلى الله عليه وآله: الا انه لا نبي بعدي ولو
كان لكنته. ولذلك قال بعضهم وقد سئل: متى أسلم علي؟ قال: ومتى كفر إلا أنه
جدد الاسلام.
تفسير قتادة وكتاب الشيرازي روى ابن جبير عن ابن عباس قال: والله ما من
عبد آمن بالله إلا وقد عبد الصنم فقال وهو الغفور لمن تاب من عبادة الأصنام إلا علي
ابن أبي طالب فإنه آمن بالله من غير أن عبد صنما فذلك قوله وهو الغفور الودود يعني
المحب لعلي بن أبي طالب إذ آمن به من غير شرك.
سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس في قوله (الذين آمنوا يا محمد
الذين صدقوا بالتوحيد) قال: هو أمير المؤمنين (ولم يلبسوا ايمانهم بظلم) أي ولم
يخلطوا، نظيرها (لم تلبسون الحق بالباطل) يعني الشرك لقوله (ان الشرك لظلم عظيم)
قال ابن عباس: والله ما من أحد إلا أسلم بعد شرك ما خلا أمير المؤمنين (أولئك
لهم الامن وهم مهتدون) يعني عليا:
الكافي، أبو بصير عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام انهما قالا: ان الناس
لما كذبوا برسول الله هم الله تبارك وتعالى بهلاك أهل الأرض إلا عليا فما سواه بقوله
(فتول عنهم فما أنت بملوم) ثم بداله فرحم المؤمنين ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله: (فذكر
فان الذكرى تنفع المؤمنين).
وقد روى المخالف والمؤالف من طرق مختلفة منها عن أبي بصير مصقلة بن
عبد الله عن عمر بن الخطاب عن النبي قال: لو وزن ايمان علي بايمان أمتي، وفى رواية
وايمان أمتي لرجح ايمان علي على ايمان أمتي إلى يوم القيامة.
وسمع أبو رجاء العطاردي قوما يسبون عليا فقال: مهلا ويلكم أتسبون أخا
رسول الله وابن عمه وأول من صدقه وآمن به وانه لمقام علي مع رسول الله ساعة
من نهار خير من أعماركم بأجمعها. قال العبدي:
اشهد بالله لقد قال لنا * محمد والقول منه ما خفى
292

لوان ايمان جميع الخلق ممن * سكن الأرض ومن حل السما
يجعل في كفة ميزان لكي * يوفى بايمان على ما وفى
وانه مقطوع على باطنه لأنه ولي الله بما ثبت في آية التطهير وآية المباهلة وغيرهما
وإسلامهم على الظاهر.
الشيرازي في كتاب النزول عن مالك بن أنس عن حميد عن أنس بن مالك في
قوله (ان الذين آمنوا) نزلت في علي صدق أول الناس برسول الله، الخبر.
الواحدي في أسباب نزول القرآن في قوله (فمن شرح الله صدره للاسلام فهو
على نور من ربه) نزلت في حمزة وعلى (فويل للقاسية قلوبهم) أبو لهب وأولاده.
الباقر (ع) في قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون الله)
علي بن أبي طالب. وعنه (ع) في قوله (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وانهم إليه
راجعون) نزلت في علي وعثمان بن مظعون وعمار وأصحاب لهم (والذين آمنوا
وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة) نزلت في علي وهو أول مؤمن وأول مصل.
رواه الفلكي في إبانة ما في التنزيل عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
وعنه (ع) في قوله (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه
ترجعون) نزلت في علي لأنه أول من سمع والميت الوليد بن عقبة.
وعنه (ع) في قوله (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله) ان المعني
بالآية أمير المؤمنين (ع).
الشيرازي في نزول القرآن عن عطا عن ابن عباس، والواحدي في الأسباب
والنزول وفي الوسيط أيضا عن ابن ليلى عن حكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس،
والخطيب في تاريخه عن نوح بن خلف، وابن بطة في الإبانة، واحمد في الفضايل
عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، والنطنزي في الخصايص عن أنس، والقشيري
في تفسيره، والزجاج في معانيه، والثعلبي في تفسيره، وأبو نعيم فيما نزل من القرآن
في علي (ع) عن الكلبي عن أبي صالح، وعن ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن أبي
العالية عن عكرمة، وعن أبي عبيدة عن يونس عن أبي عمر، وعن مجاهد كلهم
عن ابن عباس.
وقد روى صاحب الأغاني؟ وصاحب تاج التراجم عن ابن جبير وابن عباس
وقتادة، وروي عن الباقر (ع) واللفظ له أنه قال الوليد بن عقبة لعلي (ع): أنا
أحد منك سنانا وأبسط لسانا وأملا حشوا للكتيبة، فقال أمير المؤمنين: ليس كما
293

قلت يا فاسق، وفى روايات كثيرة: اسكت فإنما أنت فاسق، فنزلت الآيات (أفمن
كان مؤمنا) علي بن أبي طالب (كمن كان فاسقا) الوليد (لا يستون). (اما الذين
آمنوا وعملوا الصالحات) الآية أنزلت في علي (واما الذين فسقوا) أنزلت في الوليد
فأنشأ حسان:
أنزل الله والكتاب عزيز * في علي وفي الوليد قرآنا
فتبوأ الوليد من ذاك فسقا * وعلي مبوء ايمانا
ليس من كان مؤمنا عرف الله * كمن كان فاسقا خوانا
سوف يجزى الوليد خزيا ونارا * وعلي لا شك يجزى جنانا
وقال الحميري:
من كان في القرآن سمي مؤمنا * في عشر آيات جعلن خيارا
وانه (ع) بقي بعد النبي صلى الله عليه وآله ثلاثين سنة في خيراته من الأوقاف والصدقات
والصيام والصلاة والتضرع والدعوات وجهاد البغاة وبث الخطب والمواعظ وبين
السير والأحكام وفرق العلوم في العالم وكل ذلك من مزايا ايمانه.
تفسير يوسف بن موسى القطان ووكيع بن الجراح وعطاء الخراساني أنه قال
ابن عباس (إنما المؤمنون الذين آمنوا صدقوا بالله وبرسوله ثم لم يرتابوا) يعني لم
يشكوا في ايمانهم نزلت في علي وجعفر وحمزة (وجاهدوا الأعداء في سبيل الله) في
طاعته بأموالهم وأنفسهم (أولئك هم الصادقون في ايمانهم) فشهد الله لهم بالصدق
والوفاء. قال الضحاك قال ابن عباس في قوله (الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا
وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) ذهب علي بن أبي طالب بشرفها.
وروي عن النبي ان رجلين كانا متواخيين فمات أحدهما قبل صاحبه فصلى عليه
النبي ثم مات الآخر فمثل الناس بينهما فقال (ع): فأين صلاة هذا من صلاته وصيامه
بعد صيامه (لما) بينهما كما بين السماء والأرض. قال الحميري:
بعث النبي فما نلبث بعده * حتى تخيف غير يوم واحد
صلى وزكى واستسر بدينه * من كل عم مشفق أو والد
حججا يكاتم دينه فإذا خلا * صلى ومجد ربه بمحامد
صلى ابن تسع وارتدى في برجد * ولداته يسعون بين براجد
قال ابن البيع في معرفة أصول الحديث: لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ ان
علي بن أبي طالب أول الناس إسلاما وإنما اختلفوا في بلوغه.
294

فأقول: هذا طعن منهم على رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كان قد دعاه إلى
الاسلام وقبل منه وهو بزعمهم غير مقبول منه ولا واجب عليه بل ايمانه في صغره
من فضايله وكان بمنزلة عيسى وهو ابن ساعة يقول في المهد: (انى عبد الله اتاني
الكتاب) وبمنزلة يحيى (واتيناه الحكم صبيا) والحكم درجة بعد الاسلام. قال الحميري
وصي محمد وأبا بنيه * ووارثه وفارسه الوفيا
وقد اوتى الهدى والحكم طفلا * كيحيى يوم أوتيه صبيا
وقد رويتم في حكم سليمان وهو صبي، وفي دانيال، وصاحب جريح، وشاهد
يوسف، وصبي الأخدود، وصبي العجوز، وصبي مشاطة ابنة فرعون.
وأخذتم الحديث عن عبد الله بن عمر وأمثاله من الصحابة ان البني قال لوفد:
ليؤمكم أقرؤكم، فقدموا عمر بن سلمة وهو ابن ثمان سنين قال: وكانت علي بردة
إذا سجدت انكشفت فقالت امرأة من القوم واروا سوءة إمامكم وكان أمير المؤمنين
ابن تسع في قول الكلبي. قال السيد الحميري:
وصدق ما قال النبي محمد * وكان غلاما حين لم يبلغ العشرا
وقال الشافعي: حكمنا باسلامه لان أقل البلوغ تسع سنين. وقال مجاهد
ومحمد بن إسحاق وزيد بن أسلم وجابر الأنصاري: كان ابن عشر.
بيانه: انه عاش بقول العامة ثلاثا وستين سنة فعاش مع النبي ثلاثا وعشرين سنة
وبقى بعده تسعا وعشرين سنة وستة اشهر. وقال بعضهم ابن احدى عشرة سنة.
وقال أبو طالب الهاروني: ابن اثنتي عشرة سنة. وقالوا: ابن ثلاث عشرة سنة.
وقال أبو الطيب الطبري: وجدت في فضايل الصحابة عن أحمد بن حنبل ان قتادة
روى أن عليا أسلم وله خمس عشرة سنة. ورواه النسوي في التاريخ، وقد روى
نحوه عن الحسن البصري قال قتادة اما بيته غلاما ما بلغت أوان حلمي إنما قال قد
بلغت. قال الحميري:
فإنك كنت تعبده غلاما * بعيدا من اساف ومن منات
ولا وثنا عبدت ولا صليبا * ولا عزى ولم تسجد للات
وله أيضا:
وعلي أول الناس اهتدى * بهدى؟ الله وصلى وادكر
وحد الله ولم يشرك به * وقريش أهل عود وحجر
295

وله أيضا:
وصي محمد وأبو بنيه * وأول ساجد لله صلى
بمكة والبرية أهل شرك * وأوثان لها البدنات تهدى
وله أيضا:
وصي رسول الله والأول الذي * أناب إلى دار الهدى حين ايفعا
غلاما فصلى مستسرا بدينه * مخافة ان يبغي عليه فيمنعا
بمكة إذ كانت قريش وغيرها * تظل لأوثان سجودا وركعا
وله أيضا:
هاشمي مهذب أحمدي * من قريش القرى وأهل الكتاب
خازن الوحي والذي اوتى الحكم * صبيا طفلا وفصل الخطاب
كان لله ثاني اثنين سرا * وقريش تدين للأنصاب
وقال العوني:
وغصن رسول الله أحكم غرسه * فعلا الغصون نضارة وتماما
والله ألبسه المهابة والحجى * وربا به ان يعبد الأصناما
ما زال يغذوه بدين محمد * كهلا وطفلا ناشيا وغلاما
فصل: في المسابقة بالصلاة
أبو عبيد الله المرزباني وأبو نعيم الأصفهاني في كتابيهما فيما نزل من القرآن في
علي (ع) والنطنزي في الخصايص عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وروى
أصحابنا عن الباقر (ع) في قوله تعالى (واركعوا مع الراكعين) نزلت في رسول الله
وعلي بن أبي طالب وهما أول من صلى وركع.
المرزباني عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله (ان الذين آمنوا
وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) نزلت في علي خاصة وهو
أول مؤمن وأول مصل بعد النبي صلى الله عليه وآله.
تفسير السدي عن قتادة عن عطا عن ابن عباس في قوله (ان ربك يعلم انك تقوم
أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك) فأول من صلى مع رسول الله
علي بن أبي طالب.
" المناقب ج 1، م 37 "
296

تفسير القطان عن وكيع عن سفيان عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في
قوله (يا أيها المدثر) يعني محمدا يدثر بثيابه (قم فأنذر) أي فصل وادع علي بن أبي طالب
إلى الصلاة معك (وربك فكبر) مما تقول عبدة الأوثان.
تفسير يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو بكر الحميدي عن سفيان بن عيينة عن
ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في خبر يذكر فيه كيفية بعثة النبي صلى الله عليه وآله ثم
قال: بينا رسول الله قائم يصلي مع خديجة إذ طلع عليه علي بن أبي طالب (ع) فقال
له: ما هذا يا محمد؟ قال: هذا دين الله، فآمن به وصدقه ثم كانا يصليان ويركعان
ويسجدان فأبصرهما أهل مكة ففشى الخبر فيهم ان محمدا قد جن فنزل (نون والقلم وما
يسطرون وما أنت بنعمة ربك بمجنون).
شرف النبي عن الخركوشي قال: وجاء جبرئيل بأعلى مكة وعلمه الصلاة فانفجرت
من الوادي عين حتى توضأ جبرئيل ين يدي رسول الله وتعلم رسول الله صلى الله عليه وآله منه
الطهارة ثم أمر به عليا (ع).
تاريخ الطبري والبلاذري وجامع الترمذي وإبانة العكبري وفردوس الديلمي
وأحاديث أبي بكر بن مالك وفضايل الصحابة عن الزعفراني عن يزيد بن هارون عن
شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم ومسند أحمد عن عمرو بن
ميمون عن ابن عباس قالا قال النبي: أول من صلى معي علي.
تاريخ النسوي قال زيد بن أرقم: أول من صلى مع رسول الله علي.
جامع الترمذي ومسند أبي يعلى الموصلي عن أنس وتاريخ الطبري عن جابر قال:
بعث النبي يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء.
أبو يوسف النسوي في المعرفة وأبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق في أخبار
أبي رافع من عشرين طريقة عن أبي رافع قال: صلى النبي أول يوم الاثنين وصلت
خديجة آخر يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء من الغد.
أحمد بن حنبل في مسند العشرة وفي الفضايل أيضا والنسوي في المعرفة والترمذي
في الجامع وابن بطة في الإبانة روى علي بن الجعد عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن
حبة العرني قال: سمعت عليا يقول: أنا أول من صلى مع رسول الله.
ابن حنبل في مسند العشرة وفي فضايل الصحابة أيضا عن سلمة بن كهيل عن
حبة العرني في خبر طويل أنه قال علي: اللهم لا اعرف ان عبدا من هذه الأمة عبدك
297

قبلي غير نبيك ثلاث مرات الخبر. وفى مسند أبي يعلى: ما أعلم أحدا من هذه
الأمة بعد نبيها عبد الله غيري، الخبر. قال كعب بن زهير:
صهر النبي وخير الناس كلهم * وكل من رامه بالفخر مفخور
صلى الصلاة مع الأمي أولهم * قبل العباد ورب الناس مكفور
وقال أبو الأسود الدؤلي:
وان عليا لكم مفخر * يشبه بالأسد الأسود
اما انه ثاني العابدين * بمكة والله لم يعبد
الحسين بن علي عليهما السلام في قوله (تراهم ركعا سجدا) نزلت في علي بن
أبي طالب، وروى جماعة انه نزل فيه: (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة
وهم راكعون).
تفسير القطان قال ابن مسعود قال علي: يا رسول الله ما أقول في السجود في الصلاة
فنزل (سبح اسم ربك الاعلى) قال: فما أقول في الركوع فنزل (فسبح باسم ربك
العظيم) فكان أول من قال ذلك، قال العوني:
علي خير الورى بعد النبي ومن * في الشرق والغرب مضروب به المثل
علي صام وصلى القبلتين وكم * في الجاهلية قوم ربهم هبل
وقال الزاهي:
صنو النبي المصطفى والكاشف * الغماء عنه والحسام المخترط
أول من صام وصلى سابقا * إلى المعالي وعلى السبق غبط
وانه (ع) صلى قبل الناس كلهم سبع سنين وأشهرا مع النبي صلى الله عليه وآله وصلى مع
المسلمين أربع عشرة سنة وبعد النبي ثلاثين سنة.
ابن فياض في شرح الاخبار عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت النبي يقول
لقد صلت الملائكة علي وعلى علي بن أبي طالب سبع سنين وذلك أنه لم يؤمن بي ذكر
قبله وذلك قول الله (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون
لمن في الأرض) وفي رواية زياد بن المنذر عن محمد بن علي عن أمير المؤمنين لقد مكثت
الملائكة سنين لا تستغفر إلا لرسول الله ولي وفينا نزلت (والملائكة يسبحون بحمد
ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا) إلى قوله (الحكيم).
وروى جماعة عن أنس وأبي أيوب، وروى ابن شيرويه في الفردوس عن جابر
298

قالوا: قال النبي صلى الله عليه وآله: لقد صلت الملائكة علي وعلى علي بن أبي طالب سبع سنين قبل الناس وذلك أنه كان يصلي ولا يصلي معنا غيرنا. وفي رواية: لم يصل فيها غيري
وغيره. وفي رواية: لم يصل معي رجل غيره.
سنن ابن ماجة وتفسير الثعلبي عن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه ان عليا صلى
مستخفيا مع النبي سبع سنين وأشهر.
تاريخ الطبري وابن ماجة قال عباد بن عبد الله: سمعت عليا قال: أنا عبد الله
وأخو رسول الله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر صليت مع
رسول الله سبع سنين.
مسندي أحمد وأبي يعلى قال حبة العرني: قال علي (ع): صليت قبل أن يصلي
الناس سبعا. قال الحميري:
ألم يصل علي قبلهم حججا * ووحد الله رب الشمس والقمر
وهؤلاء ومن في حزب دينهم * قوم صلاتهم للعود والحجر
وله أيضا:
وكفاه بأنه سبق الناس * بفضل الصلاة والتوحيد
حججا قبلهم كوامل سبعا * بركوع لديه أو بسجود
وله أيضا:
أليس علي كان أول مؤمن * وأول من صلى غلاما ووحدا
فما زال في سر يروح ويغتدي * فيرقي بثورا وحراء مصعدا
يصلي ويدعو ربه فهما به * مع المصطفى مثنى وإن كان أوحدا
سنين ثلاثا بعد خمس وأشهرا * كوامل صلى قبل أن يتمردا
وله أيضا:
ألم يؤت الهدى والناس حيرى * فوحد ربه الأحد العليا
وصلى ثانيا في حال خوف * سنين تجرمت سبعا آسيا
وله أيضا:
وصلى ولم يشرك سنين وأشهرا * ثمانية من بعد سبع كوامل
وقال غيره:
أما لا يرون إقام الصلاة * وتوحيده وهم مشركونا
299

ويشهد أن لا إله سوى * ربنا أحسن الخالقينا
سنينا كوامل سبعا يبيت * يناجي الإله له مستكينا
بذلك فضله ربنا * على أهل فضلكم أجمعينا
وهو أول من صلى القبلتين، صلى إلى بيت المقدس أربع عشرة سنة، والمحراب
الذي كان النبي يصلي ومعه علي وخديجة معروف وهو على باب مولد النبي في شعب
بني هاشم. وقد روينا عن الشيرازي ما رواه عن ابن عباس في قوله (والسابقون
الأولون) نزلت في أمير المؤمنين (ع) سبق الناس كلهم بالايمان وصلى القبلتين وبايع
البيعتين. قال الحميري:
وصلى القبلتين وآل تيم * واخوتها عدي جاحدونا
وصلى إلى الكعبة تسعا وثلاثين سنة، تاريخ الطبري بثلاثة طرق، وإبانة العكبري
من أربعة طرق، وكتاب المبعث عن محمد بن إسحاق، والتاريخ عن النسوي، وتفسير
الثعلبي، وكتاب الماوردي، ومسند أبي يعلى الموصلي ويحيى بن معين، وكتاب أبي
عبد الله محمد بن زياد النيسابوري عن عبد الله بن أحمد بن حنبل بأسانيد هم عن ابن مسعود
وعلقمة البجلي وإسماعيل بن اياس بن عفيف عن أبيه عن جده ان كل واحد منهم قال
رأى عفيف أخو الأشعث بن قيس الكندي شابا يصلي ثم جاء غلام فقام عن يمينه ثم
جاءت امرأة فقامت خلفها فقال للعباس: هذا أمر عظيم، قال: ويحك هذا محمد وهذا
علي وهذه خديجة ان ابن أخي هذا حدثني ان ربه رب السماوات والأرض أمر بهذا
الذين؟ والله ما على ظهر الأرض على هذا الذين؟ غير هؤلاء الثلاثة.
وفي كتاب النسوي انه كان عفيف يقول بعد إسلامه: لو كنت أسلمت يومئذ
كنت ثانيا مع علي بن أبي طالب. وفى رواية محمد بن إسحاق عن عفيف قال: فلما
خرجت من مكة إذا أنا بشاب جميل على فرس فقال: يا عفيف ما رأيت في سفرك هذا؟
فقصصت عليه فقال: لقد صدقك العباس والله ان دينه لخير الأديان وان أمته أفضل
الأمم، قلت: فلمن الامر من بعده؟ قال: لابن عمه وختنه على بنته يا عفيف الويل كل
الوبل لمن يمنعه حقه.
ابن فياض في شرح الاخبار عن أبي الجحاف عن رجل ان أمير المؤمنين (ع)
قال في خبر: هجم على رسول الله صلى الله عليه وآله - يعني أبا طالب - ونحن ساجدان قال: أفعلتماها
ثم أخذ بيدي فقال انظر كيف تنصره وجعل يرغبني في ذلك ويحضني عليه، الخبر.
300

وفى كتاب الشيرازي ان النبي صلى الله عليه وآله لما نزل الوحي عليه أتى المسجد الحرام وقام
يصلي فيه فاجتاز به علي وكان ابن تسع سنين فناداه يا علي إلي اقبل فأقبل إليه ملبيا
قال: اني رسول الله إليك خاصة والى الخلق عامة تعال يا علي فقف عن يميني وصل معي
فقال: يا رسول الله حتى أمضي وأستأذن أبا طالب والدي، قال: اذهب فإنه سيأذن
لك، فانطلق يستأذن في اتباعه فقال: يا ولدي تعلم أن محمدا والله أمين منذ كان إمض
واتبعه ترشد وتفلح وتشهد، فأتى علي (ع) ورسول الله قائم يصلي في المسجد فقام عن
يمينه يصلي معه فاجتاز بهما أبو طالب وهما يصليان فقال: يا محمد ما تصنع؟ قال: أعبد
إله السماوات والأرض ومعي أخي علي يعبد ما أعبد يا عم وأنا أدعوك إلى عبادة الله
الواحد القهار، فضحك أبو طالب حتى بدت نواجذه وأنشأ يقول:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أغيب في التراب دفينا
الأبيات. تاريخ الطبري وكتاب محمد بن إسحاق ان النبي كان إذا حضرت
الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من قومه فيصليان
الصلوات فيها فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك زمانا، ثم روى الثعلبي معهما ان أبا طالب
رأى النبي وعليا يصليان فسأل عن ذلك فأخبره النبي ان هذا دين الله ودين ملائكته
ودين رسله ودين أبينا إبراهيم.
في كلام له فقال علي: يا أبت آمنت بالله وبرسوله وصدقته بما جاء به وصليت
معه لله، فقال له: أما انه لا يدعو إلا إلى خير فالزمه.
الصادق (ع) قال: أول جماعة كانت ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان
يصلي وأمير المؤمنين معه إذ مر أبو طالب به وجعفر معه فقال: يا بني صل جناح ابن
عمك، فلما أحس به رسول الله تقدمهما وانصرف أبو طالب مسرورا وهو يقول:
ان عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والكرب
والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب
اجعلهما عرضة العدى وإذا * اترك ميتا نما إلى حسبي
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لا مي من بينهم وأبي
قال الحميري:
ألم يك لما دعاه الرسول * أصاب النبي ولم يدهش
فصلى هنيئا له القبلتين * على أنسه غير مستوحش
301

ونزل فيه (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) وقيل: الخاشع في
الصلاة من تكون نفسه في المحراب وقلبه عند الملك الوهاب.
ابن عباس والباقر (ع) في قوله (واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة إلا
على الخاشعين) والخاشع الذليل في صلاته المقبل إليها يعني رسول الله وأمير المؤمنين.
أبو المضا صبيح عن الرضا (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله: في هذه الآية علي منهم،
وجاء انه لم يقدر أحد أن يحكي صلاة رسول الله إلا علي ولا صلاة علي إلا علي بن
الحسين. تفسير وكيع والسدي وعطاء أنه قال ابن عباس: أهدي إلى رسول الله
ناقتان عظيمتان سمينتان فقال للصحابة: هل فيكم أحد يصلي ركعتين بقيامهما وركوعهما
وسجودهما ووضوئهما وخشوعهما لا يهتم فيهما من أمر الدنيا بشئ ولا يحدث قلبه بفكر
الدنيا أهدي إليه احدى هاتين الناقتين، فقالها مرة ومرتين وثلاثة لم يجبه أحد من
أصحابه فقام أمير المؤمنين فقال: أنا يا رسول الله أصلي ركعتين أكبر تكبيرة الأولى
والى أن أسلم منهما لا احدث نفسي بشئ من أمر الدنيا، فقال: يا علي صل صلى الله
عليك، فكبر أمير المؤمنين ودخل في الصلاة فلما سلم من الركعتين هبط جبرئيل على
النبي فقال: يا محمد ان الله يقرءك السلام ويقول لك: اعطه احدى الناقتين، فقال
رسول الله: اني شارطته أن يصلي ركعتين لا يحدث فيهما بشئ من الدنيا أعطيه احدى
الناقتين ان صلاهما وانه جلس في التشهد فتفكر في نفسه أيهما يأخذ، فقال جبرئيل:
يا محمد ان الله يقرءك السلام ويقول لك: تفكر أيهما يأخذها أسمنهما وأعظمهما فينحرها
ويتصدق بها لوجه الله فكان تفكره لله عز وجل لا لنفسه ولا للدنيا، فبكى رسول الله
وأعطاه كليهما، وأنزل الله فيه (ان في ذلك لذكرى) لعظة لمن كان له قلب عقل
(أو ألقى السمع) يعني يستمع أمير المؤمنين بأذنيه إلى من تلاه بلسانه من كلام الله
(وهو شهيد) يعني وأمير المؤمنين شاهد القلب لله في صلاته لا يتفكر فيها بشئ من
أمر الدنيا. قال البرقي:
ومن وحد الله من قبلهم * ومن كان صام وصلى صميا
وزكى بخاتمه في الصلاة * ولم يك طرفة عين عصيا
لقد فاز من كان مولى لهم * وقد نال خيرا وحظا سنيا
وخاب الذي قد يعاديهم * ومن كان في دينه ناصبيا
302

وقال بعض الاعراب:
ألا ان خير الناس بعد محمد * علي وان لام العذول وفندا
وان عليا خير من وطأ الحصا * سوى المصطفى أعني النبي محمدا
هما أسلما قل الأنام وصليا * أغارا لعمري في البلاد وانجدا
وقال غيره:
علي وصي المصطفى وابن عمه * وأول من صلى ووحد فاعلم
فصل: في المسابقة بالبيعة
كان للنبي صلى الله عليه وآله بيعة عامة وبيعة خاصة، فالخاصة بيعة الجن ولم يكن للانس فيها
نصيب، وبيعة الأنصار ولم يكن للمهاجرين فيها نصيب، وبيعة العشيرة ابتداء وبيعة
الغدير انتهاء وقد تفرد علي بهما وأخذ بطرفيهما. وأما البيعة العامة فهي بيعة الشجرة
وهي شجرة أو أراك عند بئر الحديبية ويقال لها بيعة الرضوان لقوله (رضى الله عن
المؤمنين) والموضع مجهول والشجرة مفقودة فيقال انها بروحاء فلا يدرى أروحاء مكة
عند الحمام أو روحاء في طريقها وقالوا الشجرة ذهبت السيول بها، وقد سبق أمير المؤمنين
الصحابة كلهم في هذه البيعة أيضا بأشياء، منها انه كان من السابقين فيها.
ذكر أبو بكر الشيرازي في كتابه عن جابر الأنصاري: ان أول من قام للبيعة
أمير المؤمنين ثم أبو سنان عبد الله بن وهب الأسدي ثم سلمان الفارسي.
وفي أخبار الليث ان أول من بايع عمار - يعني بعد علي -، ثم إنه أولى الناس
بهذه الآية لان حكم البيعة ما ذكره الله تعالى (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم
وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في
التوراة والإنجيل والقرآن) الآية.
ورووا جميعا عن جابر الأنصاري أنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله على الموت.
وفي معرفة النسوي انه سئل سلمة على أي شئ كنتم تبايعون تحت الشجرة؟ قال: على
الموت. وفي أحاديث البصريين عن أحمد قال أحمد بن يسار: ان أهل الحديبية بايعوا
رسول الله على أن لا يفروا، وقد صح انه لم يفر في موضع قط ولم يصح ذلك لغيره،
ثم إن الله تعالى علق الرضا في الآية بالمؤمنين، وكان أصحاب البيعة ألفا وثلاثمائة عن
ابن أوفى، وألفا وأربعمائة عن جابر بن عبد الله، وألفا وخمسمائة عن ابن المسيب،
303

وألفا وستمائة عن ابن عباس ولا شك انه كان فيهم جماعة من المنافقين مثل جد بن قيس
و عبد الله بن أبي سلول، ثم إن الله تعالى علق الرضا في الآية بالمؤمنين الموصوفين
بأوصاف قوله (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم) ولم ينزل السكينة على أبي بكر
في آية الغار قوله (فأنزل الله سكينته عليه).
قال السيدي ومجاهد: فأول من رضي الله عنه ممن بايعه علي فعلم في قلبه الصدق
والوفاء، ثم إن حكم البيعة ما ذكره الله (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا
الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) وقال (ان الذين يبايعونك إنما
يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) الآية، وإنما سميت
بيعة لأنها عقدت على بيع أنفسهم بالجنة للزومهم في الحرب إلى النصر.
وقال ابن عباس: أخذ النبي تحت شجرة السمرة بيعتهم على أن لا يفروا وليس
لاحد من الصحابة إلا نقض عهدا في الظاهر بفعل أو بقول وقد ذمهم الله تعالى فقال
في يوم الخندق (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار)، وفي يوم حنين
(وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم الادبار مدبرين)، وفي يوم أحد (إذ
تصعدون ولا تلون على أحد والرسول يدعوكم في اخراكم)، وانهزم أبو بكر وعمر
في يوم خيبر بالاجماع وعلي في وفائه اتفاق فإنه لم يفر قط وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله
حتى نزل (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) ولم يقل كل المؤمنين (فمنهم من قضى نحبه)
يعني حمزة وجعفر وعبيدة (ومنهم من ينتظر) يعني عليا
علي موفي العهد * وما كان بغدار
قال السوسي:
ذاك الامام المرتضى * ان غدر القوم وفى
أو كدر القوم صفا * فهو له مطاول
مونسه في وحدته * صاحبه في شدته
حقا مجلي كربته * والكرب كرب شامل
ثم إن الله تعالى قال (وأثابهم فتحا قريبا) يعني فتح خيبر وكان على يد علي
بالاتفاق، وقد وجدنا النكث في أكثرهم خاصة في الأول والثاني لما قصدوا في تلك
السنة إلى بلاد خيبر فانهزم الشيخان ثم انهزموا كلهم في يوم حنين فلم يثبت منهم تحت (المناقب ج 1، م 38)
304

راية علي إلا ثمانية من بني هاشم ذكرهم ابن قتيبة في المعارف. قال الشيخ المفيد رحمه الله
في الارشاد وهم: العباس بن عبد المطلب عن يمين رسول الله والفضل بن العباس بن
عبد المطلب عن يساره وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ممسك بسرجه عند لغد
بغلته وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب بين يديه يقاتل بسيفه ونوفل بن الحرث بن
عبد المطلب وربيعة بن الحرث بن عبد المطلب و عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب
وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب بن عبد المطلب حوله. وقال العباس:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر منهم فاقشعوا
وقال مالك بن عبادة:
لم يواس النبي غير بني هاشم * عند السيوف يوم حنين
هرب الناس غير تسعة رهط * فهم يهتفون بالناس أين
والتاسع أيمن بن عبيد قتل بين يدي النبي صلى الله عليه وآله. قال العوني:
وهل بيعة الرضوان إلا أمانة * فأول من قد خالف السلفان
ثم إن النبي إنما كان يأخذ البيعة لنفسه ولذريته، روى الحافظ بن مردويه في
كتابه بثلاثة طرق عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عن جعفر بن محمد عليهم السلام
قال: أشهد لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي عليهم السلام قال:
لما جاءت الأنصار تبايع رسول الله على العقبة قال: قم يا علي، فقال علي: على ما أبايعهم
يا رسول الله؟ قال: على أن يطاع الله فلا يعصى وعلى أن يمنعوا رسول الله وأهل بيته
وذريته مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم، ثم إنه كان الذي كتب الكتاب بينهم.
ذكر أحمد في الفضايل عن حبة العرني وعن ابن عباس وعن الزهري ان كاتب الكتاب
يوم الحديبية علي بن أبي طالب. وذكر الطبري في تاريخه باسناده عن البراء بن
عازب عن قيس النخعي، وذكر القطان ووكيع والثوري والسدي ومجاهد في تفاسيرهم
عن ابن عباس في خبر طويل ان النبي صلى الله عليه وآله قال: ما كتبت يا علي حرفا إلا وجبرئيل
ينظر إليك ويفرح ويستبشر بك.
واما بيعة العشيرة قال النبي: بعثت إلى أهل بيتي خاصة والى الناس عامة، وقد
كان بعد مبعثه بثلاث سنين على ما ذكره الطبري في تاريخه والخركوشي في تفسيره ومحمد
ابن إسحاق في كتابه عن أبي مالك عن ابن عباس وعن ابن جبير انه لما نزل قوله:
(وأنذر عشيرتك الأقربين) جمع رسول الله بني هاشم وهم يومئذ أربعون رجلا وأمر
305

عليا أن ينضج رجل شاة وخبز لهم صاعا من طعام وجاء بعس من لبن ثم جعل يدخل
إليه عشرة عشرة حتى شبعوا وان منهم لمن يأكل الجذعة ويشرب الفرق. وفى رواية
مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم. وفى
رواية البراء بن عازب وابن عباس انه بدرهم أبو لهب فقال: هذا ما سحركم به الرجل،
ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وآله: اني بعثت إلى الأسود والأبيض والأحمر ان الله أمرني أن أنذر
عشيرتي الأقربين واني لا أملك لكم من الله شيئا إلا أن تقولوا لا إله إلا الله، فقال
أبو لهب: ألهذا دعوتنا، ثم تفرقوا عنه فنزلت (تبت يدا أبي لهب وتب) ثم دعاهم
دفعة ثانية وأطعمهم وسقاهم تم قال لهم: يا بني عبد المطلب أطيعوني تكونوا ملوك
الأرض وحكامها وما بعث الله نبيا إلا جعل له وصيا أخا ووزيرا فأيكم يكون أخي
ووزيري؟ ووصيي ووارثي وقاضي ديني، وفى رواية الطبري عن ابن جبير وابن عباس
فأيكم يوازرني على هذا الامر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فأحجم
القوم. وفى رواية أبي بكر الشيرازي عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس، وفى
مسند العشرة وفضايل الصحابة عن أحمد باسناده عن ربيعة بن ناجذ عن علي (ع):
فأيكم يبايعني عن أن يكون أخي وصاحبي فلم يقم إليه أحد وكان علي أصغر القوم
يقول انا فقال في الثالثة أجل وضرب بيده على يد أمير المؤمنين.
وفى تفسير الخركوشي عن ابن عباس وابن جبير وأبي مالك وفى تفسير الثعلبي
عن البراء بن عازب فقال علي وهو أصغر القوم: انا يا رسول الله، فقال: أنت،
فلذلك كان وصيه، قالوا فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد امر عليك
وفى تاريخ الطبري: فأحجم القوم فقال علي: انا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ
برقبته ثم قال: هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام
القوم يضحكون فيقولون لأبي طالب: قد امرك ان تسمع لابنك وتطيع. وفى رواية
الحرث بن نوفل وأبي رافع وعباد بن عبد الله الأسدي عن علي فقلت: انا يا رسول الله
قال: أنت وأدناني إليه وتفل في في فقاموا يتضاحكون ويقولون: بئس ما حبا ابن
عمه إذا اتبعه وصدقه.
تاريخ الطبري عن ربيعة بن ناجذ ان رجلا قال لعلي: يا أمير المؤمنين بم ورثت
ابن عمك دون عمك؟ فقال (ع) بعد كلام ذكر فيه حديث الدعوة فلم يقم إليه أحد
فقمت إليه وكنت من أصغر القوم قال فقال اجلس ثم قال ذلك ثلاث مرات كل ذلك
306

أقوم إليه فيقول لي اجلس حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي قال فبذلك ورثت
ابن عمي دون عمي.
وفى حديث أبي رافع أنه قال أبو بكر للعباس: أنشدك الله تعلم أن رسول الله
قد جمعكم وقال يا بني عبد المطلب انه لم يبعث الله نبيا إلا جعل له من أهله وزيرا وأخا
ووصيا وخليفة في أهله فمن يقم منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووارثي
ووصي وخليفتي في أهلي فبايعه علي على ما شرط له، وإذا صحت هذه الجملة وجبت
إمامته بعد النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل. قال الحميري:
وقيل له أنذر عشيرتك الألى * وهم من شباب أربعين وشيب
فقال لهم اني رسول إليكم * ولست أراني عندكم بكذوب
وقد جئتكم من عند رب مهيمن * جزيل العطايا للجزيل وهوب
فأيكم يقفوا مقالي فأمسكوا * فقال ألا من ناطق فمجيبي
ففاز بها منهم علي وسادهم * وما ذاك من عاداته بغريب
وله أيضا:
أنت أولى الناس بالناس * وخير الناس دينا
كنت في الدنيا أخاه * يوم يدعو الأقربينا
ليجيبوه إلى الله * فكانوا أربعينا
بين عم وابن عم * حوله كانوا عرينا
وله أيضا:
ويوم قال له جبريل قد علموا * أنذر عشيرتك الأدنين ان بصروا
فقام يدعوهم من دون أمته * فما تخلف عنه منهم بشر
فمنهم آكل في مجلس جذعا * وشارب مثل عس وهو محتفر
فصدهم عن نواحي قصعة شبعا * فيها من الحب صاع فوقه الوزر
فقال يا قوم ان الله أرسلني * إليكم فأجيبوا الله وادكروا
فأيكم يجتبي قولي ويؤمن بي * اني نبي رسول فانبرى عذر
فقل تبا (كذا) أتدعونا لتلفتنا * عن ديننا ثم قام القوم فانشمروا
من الذي قال منهم وهو أحدثهم * سنا وخيرهم في الذكر إذ سطروا
آمنت بالله قد أعطيت نافلة * لم يعطها أحد جن ولا بشر
307

وان ما قلته حق وانهم * ان لم تجيبوا فقد خانوا وقد خسروا
ففاز قدما بها والله أكرمه * فكان سباق غايات إذا ابتدروا
وله أيضا:
أبو حسن غلام من قريش * أبرهم وأكرمهم نصابا
دعاهم احمد لما اتته * من الله النبوة فاستجابا
فأدبه وعلمه وأملى * عليه الوحي يكتبه كتابا
فأحصى كل ما املى عليه * وبينه له بابا فبابا
وله أيضا:
لأقدم أمته الأولين * هدى ولاحدئهم مولدا
دعاه ابن آمنة المصطفى * وكان رشيد الهدى مرشدا
إلى أن يوحد رب السماء * تعالى وجل وان يعبدا
فلباه لما دعاه إليه * ووحده مثل ما وحدا
واخبره انه مرسل * فقال صدقت وما فندا
فصلى الصلاة وصام الصيام * غلاما ووافى الوغى أمردا
فلم وير يوما كأيامه * ولا مثل مشهده مشهدا
وقال العوني:
تخيره الله من خلقه * فحمله الذكر وهو الخبير
وانزل بالسور المحكمات * عليه كتابا مبين منير
وأغشاه نورا وناداه قم * فأنذر وأنت البشير النذير
فلاح الهدى واضمحل العمى * وولى الضلال وعيف الغرور
فوصى عليا فنعم الوصي * ونعم الولي ونعم النصير
وله أيضا:
ان رسول الله مصباح الهدى * وحجة الله على كل البشر
جاء بقرآن مبين ناطق * بالحق من عند مليك مقتدر
فكان من أول من صدقه * وصيه وهو بسن من صغر
ولم يكن أشرك بالله ولا * دنس يوما بسجود لحجر
فذاكم أول من آمن بالله * ومن جاهد فيه وصبر
308

أول من صلى من القوم ومن طاف * ومن حج بنسك واعتمر
وقال دعبل:
سقيا لبيعة احمد ووصيه * أعني الامام ولينا المحسودا
أعني الذي نصر النبي محمدا * قبل البرية ناشيا ووليدا
أعني الذي كشف الكروب ولم يكن * في الحرب عند لقائها رعديدا
أعني الموحد قبل كل موحد * لا عابدا وثنا ولا جلمودا
وقال آخر:
فلما دعى المصطفى أهله * إلى الله دعاه سرا رفيقا
ولاطفهم عارضا نفسه * على قومه فجزوه عقوقا
فبايعه دون أصحابه * وكان لحمل أذاه مطيقا
ووحد من قبلهم سابقا * وكان إلى كل فضل سبوقا
فصل: في المسابقة بالعلم
سفيان عن ابن جريح عن عطاه عن ابن عباس في قوله (والذين أوتوا العلم
والايمان) قال: قد يكون مؤمنا ولا يكون عالما فوالله لقد جمع لعلي كلاهما العلم
والايمان مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس في قوله (إنما يخشى الله من
عباده العلماء) قال: كان علي يخشى الله ويراقبه ويعمل بفرايضه ويجاهد في سبيله.
الصفواني في الإحن والمحن عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: حم
اسم من أسماء الله (عسق) علم علي سبق كل جماعة وتعالى عن كل فرقة.
محمد بن مسلم وأبو حمزة الثمالي وجابر بن يزيد عن الباقر (ع) وعلي بن فضال
والفضيل بن يسار وأبو بصير عن الصادق (ع) وأحمد بن محمد الحلبي ومحمد بن الفضيل
عن الرضا (ع)، وقد روي عن موسى بن جعفر (ع) وعن زيد بن علي وعن محمد
ابن الحنفية رضي الله عنه وعن سلمان الفارسي وعن أبي سعيد الخدري وعن إسماعيل
السدي انهم قالوا في قوله تعالى (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عند علم الكتاب)
هو علي بن أبي طالب (ع).
الثعلبي في تفسيره باسناده عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس
وروي عن عبد الله بن عطاء عن أبي جعفر (ع) انه قيل لهما: زعموا ان الذي عنده
علم الكتاب عبد الله بن سلام، قال: ذاك علي بن أبي طالب.
309

ثم روى أيضا انه سئل سعيد بن جبير (ومن عنده علم الكتاب) عبد الله بن
سالم؟ قال: لا فكيف وهذه سورة مكية. وقد روي عن ابن عباس: لا والله ما هو
إلا علي بن أبي طالب لقد كان عالما بالتفسير والتأويل والناسخ والمنسوخ والحلال
والحرام. وروي عن ابن الحنفية: علي بن أبي طالب عنده علم الكتاب الأول
والآخر، ورواه النطنزي في الخصايص، ومن المستحيل ان الله تعالى يستشهد
بيهودي ويجعله ثاني نفسه، وقوله (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم
الكتاب) موافق لقوله كلا انزل في أمير المؤمنين علي.
وعدد حروف كل واحد منهما ثمانمائة وسبعة عشر. قال العوني:
ومن عنده علم الكتاب وعلم ما * يكون وما قد كان علما مكتما
وقال أبو مقاتل بن الداعي العلوي:
وان عندك علم الكون أجمعه * ما كان من سالف منه ومؤتنف
وقال نصر بن المنتصر:
ومن حوى علم الكتاب كله * علم الذي يأتي وعلم ما مضى
وقد ظهر علمه على سائر الصحابة حتى اعترفوا بعلمه وبايعوه، قال الجاحظ:
اجتمعت الأمة على أن الصحابة كانوا يأخذون العلم من أربعة علي وابن عباس وابن
مسعود وزيد بن ثابت، وقال: قالت طائفة وعمر بن الخطاب، ثم اجمعوا على أن
الأربعة كانوا أقرأ لكتاب الله من عمر، وقال (ع): يؤم بالناس أقرأهم، فسقط
عمر ثم أجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الأئمة من قريش، فسقط ابن مسعود وزيد
وبقى علي وابن العباس إذ كانا عالمين فقيهين قرشيين فأكثرهما سنا وأقدمهما هجرة علي
فسقط ابن عباس وبقي علي أحق بالإمامة بالاجماع.
وكانوا يسألونه ولم يسأل هو أحدا، وقال النبي: إذا اختلفتم في شئ فكونوا
مع علي بن أبي طالب.
عبادة بن الصامت قال عمر: كنا أمرنا إذا اختلفنا في شئ ان نحكم عليا ولهذا
تابعه المذكورون بالعلم من الصحابة نحو سلمان وعمار وحذيفة وأبو ذر وأبي بن
كعب وجابر الأنصاري وابن عباس وابن مسعود وزيد بن صوحان ولم يتأخر إلا
زيد بن ثابت وأبو موسى ومعاذ وعثمان وكلهم معترفون له بالعلم مقرون له بالفضل.
النقاش في تفسيره قال ابن عباس: علي علم علما علمه رسول الله ورسول الله
علمه الله فعلم النبي علم الله وعلم علي من علم النبي وعلمي من علم علي وما علمي وعلم
310

أصحاب محمد في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر.
الضحاك عن ابن عباس قال: أعطى علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم وانه
لأعلمهم بالعشر الباقي.
أمالي الطوسي: مر أمير المؤمنين بملا فيهم سلمان فقال لهم سلمان: قوموا
فخذوا بحجزة هذا فوالله لا يخبركم بسر نبيكم غيره.
أمالي ابن بابويه قال محمد بن المنذر: سمعت أبا أمامة يقول: كان علي (ع) إذا
قال شيئا لم يشك فيه وذلك انا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: خازن
سري بعدي علي. قال الحميري:
وعلي خازن الوحي الذي * كان مستودع آيات السور
يحيى بن معين باسناده عن عطاء بن أبي رياح انه سئل هل تعلم أحدا بعد رسول الله
أعلم من علي؟ فقال: لا والله ما اعلمه. فأما قول عمر بن الخطاب في ذلك فكثير،
رواه الخطيب في الأربعين قال عمر: العلم ستة أسداس لعلي من ذلك خمسة أسداس
وللناس سدس ولقد شاركنا في السدس حتى لهو اعلم به منا.
عكرمة عن ابن عباس ان عمر بن الخطاب قال له: يا أبا الحسن انك لتعجل في
الحكم والفصل للشئ إذا سئلت عنه، قال: فأبرز علي كفه وقال له: كم هذا؟ فقال
عمر: خمسة، فقال: عجلت يا أبا حفص، قال: لم يخف علي، فقال علي: انا أسرع
فيما لا يخفى علي.
واستعجم عليه شئ ونازع عبد الرحمن فكتبنا إليه ان يتجشم بالحضور فكتب
إليهما: العلم يؤتى ولا يأتي، فقال عمر: هناك شيخ من بني هاشم وإثارة من علم يؤتى
إليه ولا يأتي، فصار إليه فوجده متكئا على مسحاة فسأله عما أراد فأعطاه الجواب
فقال عمر: لقد عدل عنك قومك وانك لأحق به، فقال (ع): يوم الفصل كان ميقاتا
يونس عن عبيد قال الحسن: ان عمر بن الخطاب قال: اللهم إني أعوذ بك من
عضيهة ليس لها علي عندي حاضرا.
إبانة بن بطة، كان عمر يقول فيما يسأله عن علي فيفرج عنه: لا أبقاني الله بعدك
تاريخ البلاذري: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن. الإبانة والفايق: أعوذ
بالله من معضلة ليس لها أبو حسن. وقد ظهر رجوعه إلى علي (ع) في ثلاث وعشرين
مسألة حتى قال: لولا علي لهلك عمر، وقد رواه الخلق منهم أبو بكر بن عباس وأبو
المظفر السمعاني. قال الصاحب:
311

في مثل فتواك إذ قالوا مجاهرة * لولا علي هلكنا في فتاوينا
وقال خطيب خوارزم:
إذا عمر تخطى في جواب * ونبهه علي بالصواب
يقول بعدله لولا علي * هلكت هلكت في ذاك الجواب
وقد اشتهر عن أبي بكر قوله: فان استقمت فاتبعوني وان زغت فقوموني،
وقوله: اما الفاكهة فأعرفها واما الأب فالله اعلم، وقوله في الكلالة: أقول فيها برأي
فان أصبت فمن الله وان أخطأت فمني ومن الشيطان الكلالة ما دون الولد والوالد.
وعن عمر: سؤال السبيع عن الذاريات وقوله لا تتعجبوا من إمام أخطأ،
وامرأة أصابت: ناضلت أميركم فنضلته، ومسألة الحمارية، وآية الكلالة، وقضاؤه
في الجد، وغير ذلك.
وقد شهد له رسول الله بالعلم قوله: علي عيبة علمي، وقوله: علي أعلمكم علما
وأقدمكم سلما، وقوله: اعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب، رواه علي بن هاشم
وابن شيرويه الديلمي باسنادهما إلى سلمان.
النبي صلى الله عليه وآله: أعطى الله عليا من الفضل جزءا لو قسم على أهل
الأرض لوسعهم.
حلية الأولياء سئل النبي عن علي بن أبي طالب فقال: قسمت الحكمة عشرة
اجزاء فاعطي علي تسعة اجزاء والناس جزء واحد.
ربيع بن خثيم: ما رأيت رجلا من يحبه أشد حبا من علي ولا من يبغضه أشد
بغضا من علي، ثم التفت فقال: ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا. واستدل
بالحساب فقالوا اعلم الأمة علي بن أبي طالب اتفقا في مائتين وثمانية عشر، وكذلك
قولهم اعلم الأمة جمال الأمة علي بن أبي طالب سيد النجباء اتفقا في ثلاثمائة وسبعين،
قال ديك الجن:
هو الذي سمي أبا البيان * صدقت قد أصبت بالبيان
وهو أبو العلم الذي لا يعلم * من قوله قولوا ولا تحمحموا
وقد أجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أقضاكم علي، وروينا عن سعيد بن

(1) البيان اسم من أسماء الله وفي رسالة البيان لجابر بن حيان طبعة هولميارد تفصيل ذلك
312

أبي الخصيب وغيره أنه قال الصادق (ع) لابن أبي ليلى: أتقضي بين الناس يا عبد الرحمن
قال: نعم يا بن رسول الله، قال: بأي شئ تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فما لم تجد
في كتاب الله؟ قال: من سنة رسول الله وما لم أجده فيهما أخذته عن الصحابة بما
اجتمعوا عليه، قال: فإذا اختلفوا فبقول من تأخذ منهم؟ قال: بقول من أردت
وأخالف الباقين، قال: فهل تخالف عليا فيما بلغك انه قضى به؟ قال: ربما خالفته إلى
غيره منهم، قال أبو عبد الله: ما تقول يوم القيامة إذا رسول الله قال أي رب ان هذا
بلغه عني قول فخالفه؟ قال: وأين خالفت قوله يا بن رسول الله؟ قال: فبلغك ان
رسول الله قال أقضاكم علي؟ قال: نعم، قال: فإذا خالفت قوله ألم تخالف قول
رسول الله؟ فاصفر وجه ابن أبي ليلى وسكت.
الإبانة، قال أبو أمامة قال رسول الله: أعلم بالسنة والقضاء بعدي علي بن
أبي طالب. كتاب الجلاء والشفاء، والإحن والمحن قال الصادق (ع): قضى علي
بقضية باليمن فأتوا النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: ان عليا ظلمنا، فقال: ان عليا ليس بظالم ولم
يخلق للظلم وان عليا وليكم بعدي والحكم حكمه والقول قوله لا يرد حكمه إلا كافر
ولا يرضى به إلا مؤمن.
وإذا ثبت ذلك فلا ينبغي لهم أن يتحاكموا بعده إلى غير علي والقضاء يجمع علوم
الدين فإذا يكون هو الأعلم فلا يجوز تقديم غيره عليه لأنه يقبح تقديم المفضول على
الفاضل. قال الأصفهاني:
وله يقول محمد أقضاكم * هذا واعلم يا ذوي الأذهان
اني مدينة علمكم وأخي له * باب وثيق الركن مصراعان
فأتوا بيوت العلم من أبوابها * فالبيت لا يؤتى من الحيطان
وقال العوني:
أمن سواه إذا أتى بقضية * طرف الشكوك وأخرس الحكاما
فإذا رأى رأيا فخالف رأيه * قوم وان كدوا له الأفهاما
نزل الكتاب برأيه فكأنما * عقد الاله برأيه الأحكاما
وقال ابن حماد:
عليم بما قد كان أو هو كائن * وما هو دق في الشرائع أو جل
مسمى مجلى في الصحايف كلها * فسل أهلها واسمع تلاوة من يتلو
ولولا قضاياه التي شاع ذكرها * لعطلت الاحكام والفرض والنفل
313

وقال الحميري:
من كان أعلمهم وأقضاهم ومن * جعل الرعية والرعاء سواء
الباقر وأمير المؤمنين عليهما السلام في قوله (وليس البر بأن تأتوا البيوت) الآية
وقوله تعالى (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية) نحن البيوت التي أمر الله أن يؤتى من
أبوابها نحن باب الله وبيوته التي نؤتى منه فمن تابعنا وأقر بولايتنا فقد أتى البيوت من
أبوابها ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها.
وقال النبي بالاجماع: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب، رواه
أحمد من ثمانية طرق وإبراهيم الثقفي من سبعة طرق وابن بطة من ستة طرق والقاضي
الجعاني من خمسة طرق وابن شاهين من أربعة طرق والخطيب التاريخي من ثلاثة
طرق ويحيى بن معين من طريقين وقد رواه السمعاني والقاضي الماوردي وأبو منصور
السكري وأبو الصلت الهروي و عبد الرزاق وشريك عن ابن عباس ومجاهد وجابر،
وهذا يقتضى وجوب الرجوع إلى أمير المؤمنين لأنه كنى عنه بالمدينة وأخبر ان الوصول
إلى علمه من جهة علي خاصة لأنه جعله كباب المدينة الذي لا يدخل إليها إلا منه، ثم
أوجب ذلك الامر به بقوله: فليأت الباب، وفيه دليل على عصمته لأنه من ليس
بمعصوم يصح منه وقوع القبيح فإذا وقع كان الاقتداء به قبيحا فيؤدي إلى أن يكون
صلى الله عليه وآله قد أمر بالقبيح وذلك لا يجوز.
ويدل أيضا انه اعلم الأمة، يؤيد ذلك ما قد علمناه من اختلافها ورجوع بعضها
إلى بعض وغناؤه صلى الله عليه وآله عنها، وأبان ولاية علي وإمامته وانه لا يصح اخذ العلم والحكمة
في حياته وبعد وفاته إلا من قبله وروايته عنه كما قال الله تعالى (وأتوا البيوت من
أبوابها)، وفي الحساب علي بن أبي طالب باب مدينة الحكمة استويا في مائتين وثمانية
عشر. قال البشنوي.
فمدينة العلم التي هو بابها * أضحى قسيم النار يوم مآبه
فعدوه أشقى البرية في لضى * ووليه المحبوب يوم حسابه
وله أيضا:
مدينة العلم ما عن بابها عوض * لطالب العلم إذ ذو العلم مسؤول
وقال الصاحب
كان النبي مدينة هو بابها * لو أثبت النضاب؟ ذات المرسل
314

وله أيضا
باب المدينة لا تبغوا سواه لها * لتدخلوها فخلوا جانب التيه
وقال السيد الحميري
من كان باب مدينة العلم الذي * ذكر النزول وفسر الأنباء
وقال ابن حماد
باب الاله تعالى لم يصل أحد * إليه إلا الذي من بابه يلج
وله أيضا
هذا الامام لكم بعدي يسددكم * رشدا ويوسعكم علما وآدابا
انى مدينة علم الله وهو لها * باب فمن رامها فليقصد البابا
وقال خطيب منبج
أنا دار الهدى والعلم فيكم * وهذا بابها للداخلينا
أطيعوني بطاعته وكونوا * بحبل ولائه مستمسكينا
وقال خطيب خوارزم
ان النبي مدينة لعلومه * وعلي الهادي لها كالباب
أفلا يكون أعلم الناس وكان مع النبي صلى الله عليه وآله في البيت والمسجد يكتب وحيه
ومسائله ويسمع فتاويه ويسأله، وروي انه كان النبي إذا نزل عليه الوحي ليلا لم
يصبح حتى يخبر به عليا وإذا نزل عليه الوحي نهارا لم يمس حتى يخبر به عليا، ومن
المشهور إنفاقه الدينار قبل مناجاة الرسول وسأله عن عشر مسائل فتح له منها الف باب
فتح من كل باب الف باب، وكذلك حين وصى النبي قبل وفاته.
أبو نعيم الحافظ باسناده عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام
قال: علمني رسول الله الف باب يفتح كل باب إلي الف باب، وقد روى أبو جعفر بن
بابويه هذا الخبر في الخصال من أربع وعشرين طريقة وسعد بن عبد الله القمي في
بصائر الدرجات من ستة وستين طريقة.
أبو عبد الله (ع): كان في ذؤابة سيف النبي صلى الله عليه وآله صحيفة صغيرة هي الأحرف
التي يفتح كل حرف الف حرف فما خرج منها حرفان حتى الساعة، وفي رواية ان عليا
دفعها إلى الحسن فقرأ منها حروفا ثم أعطاها الحسين فقرأها أيضا ثم أعطاها محمدا فلم
يقدر على أن يفتحها، قال أبو القاسم البستي: وذلك نحو أن يقول الربوا في كل مكيل
في العادة أي موضع كان وفي كل موزون، وإذا قال يحل من البيض كل ما دق أعلاه
315

وغلظ أسفله، وإذا قال يحرم من السباع كل ذي ناب وذي مخلب من الطير ويحل
الباقي، وكذلك قول الصادق (ع): كل ما غلب الله عليه من امره فالله أعذر لعبده،
قال الحميري:
حدثه في مجلس واحد * الف حديث معجب حاجب
كل حديث من أحاديثه * بفتح الف عدة الحاسب
فتلك وفت الف الف له * فيها جماع المحكم الصائب
وله أيضا
وكفاه بألف الف حديث * قد وعاهن من وحي مجيد
قد وعاها في مجلس بمعانيها * وأسبابها ووقت الحدود
وله أيضا
علي أمير المؤمنين أخو الهدى * وأفضل ذي نعل ومن كان حافيا
أسر إليه احمد العلم جملة * وكان له دون البرية واعيا
ودونه في مجلس منه واحد * بألف حديث كلها كان هاديا
وكل حديث من أولئك فاتح * له الف باب فاحتواها كما هيا
وقال الشريف بن الرضا
يا بني احمد أناديكم اليوم * وأنتم غدا لرد جوابي
الف باب أعطيتم ثم أفضى * كل باب منها إلى الف باب
لكم الامر كله واليكم * ولديكم يؤول فصل الخطاب
أبان بن تغلب والحسين بن معاوية وسليمان الجعفري وإسماعيل بن عبد الله بن
جعفر كلهم عن أبي عبد الله (ع) قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله الموت دخل عليه
علي (ع) فأدخل رأسه معه ثم قال: يا علي إذا أنا مت فغسلني وكفني ثم أقعدني
وسايلني واكتب.
تهذيب الأحكام: فخذ بمجامع كفني وأجلسني ثم اسألني عما شئت فوالله لا تسألني
عن شئ إلا أجبتك فيه، وفي رواية أبى عوانة باسناده قال علي: ففعلت فأنبأني بما
هو كائن إلى يوم القيامة.
جميع بن عمير التيمي عن عائشة في خبر انها قالت: وسالت نفس رسول الله في
كفه ثم ردها في فيه.
وبلغني عن الصفواني أنه قال: حدثني أبو بكر بن مهرويه باسناده إلى أم سلمة
316

في خبر قالت: كنت عند النبي فدفع إلي كتابا فقال من طلب هذا الكتاب منك ممن يقوم
بعدي فادفعيه إليه، ثم ذكرت قيام أبي بكر وعمر وعثمان وانهم ما طلبوه ثم قالت: فلما
بويع علي نزل عن المنبر ومر وقال لي يا أم سلمة هاتي الكتاب الذي دفع إليك رسول الله
فقالت: قلت له أنت صاحبه؟ فقال نعم، فدفعته إليه، قيل ما كان في الكتاب؟ قال:
كل شئ دون قيام الساعة. وفي رواية ابن عباس فلما قام علي أتاها وطلب الكتاب
ففتحه ونظر فيه فقال هذا علم الأبد.
قال أبو عبد الله: يمصون الثماد ويدعون النهر الأعظم، فسئل عن معنى ذلك
فقال: علم النبيين بأسره أوحاه الله إلى محمد فجعل محمد ذلك كله عند علي، وكان (ع)
يدعي في العلم دعوى ما سمعت قط من أحد.
روى حنش الكناني انه سمع عليا يقول: والله لقد علمت بتبليغ الرسالات وتصديق
العدات وتمام الكلمات، وقوله: ان بين جنبي لعلما جما لو أصبت له حملة، وقوله: لو
كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا. قال ابن العودي.
ومن ذا يساميه بمجد ولم يزل * يقول سلوني ما يحل ويحرم
سلوني ففي جني علم ورثته * عن المصطفى ما فات مني به ألقم
سلوني عن طرق السماوات انني * بها عن سلوك الطرق في الأرض أعلم
ولو كشف الله الغطاء لم أزد به * يقينا على ما كنت أدري وأفهم
وقال الزاهي
ما زلت بعد رسول الله منفردا * بحرا يفيض على الوراد زاخره
أمواجه العلم والبرهان لجته * والحلم شطاه والتقوى جواهره
وروى ابن أي البختري من ستة طرق وابن المفضل من عشر طرق وإبراهيم
الثقفي من أربعة عشر طريقا منهم عدي بن حاتم والأصبغ بن نباتة وعلقمة بن قيس
ويحيى بن أم الطويل وزر بن حبيش وعباية بن ربعي وعباية بن رفاعة وأبو الطفيل
ان أمير المؤمنين (ع) قال بحضرة المهاجرين والأنصار وأشار إلى صدره: كيف ملئ
علما لو وجدت له طالبا سلوني قبل أن تفقدوني وهذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله
هذا ما زقني به رسول الله زقا فاسألوني فان عندي علم الأولين والآخرين أما والله لو
ثنيت لي الوسادة ثم اجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل
بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم حتى ينادي كل كتاب
بأن عليا حكم في بحكم الله في، وفي رواية حتى ينطق الله التوراة والإنجيل، وفي
317

رواية حتى يزهر كل كتاب من هذه الكتب ويقول يا رب ان عليا قضى بقضائك، ثم
قال: سلوني قبل أن تفقدوني فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية آية
في ليلة أنزلت أو في نهار أنزلت مكيها ومدنيها وسفريها وحضريها ناسخها ومنسوخها
ومحكمها ومتشابهها وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم، وفي غرر الحكم عن الآمدي سلوني
قبل أن تفقدوني فانى بطرق السماوات أخبر منكم بطرق الأرض.
وفي نهج البلاغة فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة
ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأنكم بناعقها وقائدها وسايقها ومناخ ركابها
ومحط رحاها ومن يقتل من أهلها قتلا ويموت موتا، وفي رواية لو شئت أخبرت كل
واحد منكم بمخرجه ومولجه وجميع شانه لفعلت.
وعن سلمان أنه قال (ع): عندي علم المنايا والبلايا والوصايا والألباب وفصل
الخطاب ومولد الاسلام ومولد الكفر وأنا صاحب الميسم وأنا الفاروق الأكبر ودولة
الدول فسلوني عما يكون إلى يوم القيامة وعما كان قبلي وعلى عهدي والى أن يعبد الله
قال ابن المسيب: ما كان في أصحاب رسول الله أحد يقول سلوني غير علي بن أبي
طالب، وقال ابن شبرمة: ما أحد قال على المنبر سلوني غير علي، وقال الله تعالى
(تبيانا لكل شئ) وقال (وكل شئ أحصيناه في امام مبين) وقال (ولا رطب ولا
يابس إلا في كتاب مبين) فإذا كان ذلك لا يوجد في ظاهره فهل يكون موجودا إلا
في تأويله كما قال (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) وهو الذي عنى (ع)
سلوني قبل ان تفقدوني، ولو كان إنما عنى به في ظاهره فكان في الأمة كثير يعلم ذلك
ولا يخطئ فيه حرفا، ولم يكن (ع) ليقول من ذلك على رؤس الاشهاد ما يعلم أنه
لا يصح من قوله وان غيره يساويه فيه أو يدعي على شئ منه معه، فإذا ثبت انه لا نظير
له في العلم صح انه أولى بالإمامة. وقالي العونى
وكم علوم مقفلات في الورى * قد فتح الله به أقفالها
حرم بعد المصطفى حرامها * كما أحل بينهم حلالها
وكم بحمد الله من قضية * مشكلة حل لهم اشكالها
حتى أقرت أنفس القوم بأن * لولا الوصي ارتكبت ضلالها
وله أيضا
ومن ركب الأعود يخطب في الورى * وقال سلوني قبل فقدي لافهما
318

وقال ابن حماد
قلت سلوني قبل فقدي ان لي * علما وما فيكم له مستودع
وكذاك لو ثني الوساد حكمت * بالكتب التي فيها الشرايع تشرع
وله أيضا
سلوني أيها الناس * سلوني قبل فقداني
فعندي علم ما كان * وما يأتي وما يانى
شهدنا انك العالم * في علمك رباني
وقلت الحق يا حق * ولم تنطق ببهتان
وله أيضا
هل سمعتم بقائل قبله * قال سلوني من قبل ان تفقدون
وله أيضا
من قال بالبصرة للناس سلوني * من قبل ان أفقد من طرق السماء
وقال زيد المرزكي
مدينة العلم علي بابها * وكل من حاد عن الباب جهل
أم هل سمعتم قبله من قائل * قال سلوني قبل ادراك الأجل
وقال شاعر آخر
قال اسألوني قبل فقدي وذا * إبانة عن علمه الباهر
لو شئت أخبرت بمن قد مضى * وما بقي في الزمن الغابر
ومن عجب امره في هذا الباب انه لا شئ من العلوم إلا وأهله يجعلون عليا قدوة
فصار قوله قبلة في الشريعة، فمنه سمع القرآن. ذكر الشيرازي في نزول القرآن
وأبو يوسف يعقوب في تفسيره عن ابن عباس في قوله (لا تحرك به لسانك) كان النبي
يحرك شفتيه عند الوحي ليحفظه وقيل له لا تحرك به لسانك يعني بالقرآن لتعجل به
من قبل ان يفرغ به من قراءته عليك (ان علينا جمعه وقرآنه) قال ضمن الله محمدا ان
يجمع القرآن بعد رسول الله علي بن أبي طالب. قال ابن عباس: فجمع الله القرآن
في قلب علي وجمعه علي بعد موت رسول الله بستة اشهر.
وفى اخبار ابن أبي رافع ان النبي قال في مرضه الذي توفى فيه لعلي: يا علي هذا
كتاب الله خذه إليك، فجمعه على في ثوب فمضى إلى منزله فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله جلس
علي (ع) فألفه كما أنزله الله وكان به عالما.
319

وحدثني أبو العلاء العطار والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالاسناد عن
علي بن رباح ان النبي امر عليا بتأليف القرآن فألفه وكتبه.
جبلة بن سحيم عن أبيه عن أمير المؤمنين قال: لو ثنيت لي الوسادة وعرف لي
حقي لاخرجت مصحفا كتبته واملاه علي رسول الله.
ورويتم أيضا انه إنما أبطأ علي (ع) عن بيعة أبى بكر لتأليف القرآن. أبو نعيم
في الحلية والخطيب في الأربعين بالاسناد عن السدي عن عبد خير عن علي (ع) قال:
لما قبض رسول الله أقسمت لو حلفت ان لا أضع رداي عن ظهري حتى اجمع ما بين
اللوحين فما وضعت رداى حتى جمعت القرآن.
وفى اخبار أهل البيت عليهم السلام انه آلى ان لا يضع رداءه على عاتقه إلا للصلاة
حتى يؤلف القرآن ويجمعه فانقطع عنهم مدة إلى أن جمعه ثم خرج إليهم به في ازار
يحمله وهم مجتمعون في المسجد فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع البتة (1) فقالوا:
الامر ما جاء به أبو الحسن، فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم ثم قال: ان رسول الله
قال: انى مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وهذا
الكتاب وانا العترة، فقام إليه الثاني فقال له: ان يكن عندك قرآن فعندنا مثله فلا
حاجة لنا فيكما، فحمل عليه السلام الكتاب وعاد بعد ان ألزمهم الحجة.
وفى خبر طويل عن الصادق (ع) انه حمله وولى راجعا نحو حجرته وهو يقول
(فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون)، ولهذا قرأ ابن
مسعود ان عليا جمعه وقرأ به فإذا قرأه فاتبعوا قراءته. قال الناشي:
جامع وحي الله إذ فرقه * من رام جمع آية فما ضبط
اشكله لشكله بجهله * فاستعجمت احرفه حين نقط
وقال العوني
لما رأى الامر قبيح المدخل * حرد في جمع الكتاب المنزل
وقال الصاحب
هل مثل جمعك للقرآن تعرفه * نظما ومعنى وتأويلا وتبيينا
وقال خطيب منبج
علي جامع القرآن جمعا * يقصر عنه جمع الجامعينا

(1) الالبة بالضم المجاعة.
320

فأما ما روي أنه جمعه أبو بكر وعمر وعثمان فان أبا بكر أقر لما التمسوا منه جمع
القرآن فقال: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله ولا أمرني به، ذكره البخاري في
صحيحه وادعى علي ان النبي أمره بالتأليف، ثم إنهم أمروا زيد بن ثابت وسعيد بن
العاص و عبد الرحمن بن الحارث بن هاشم و عبد الله بن الزبير بجمعه فالقرآن يكون
جمع هؤلاء جميعهم، ومنهم العلماء بالقرآن.
أحمد بن حنبل وابن بطة وأبو يعلى في مصنفاتهم عن الأعمش عن أبي بكر بن
عياش في خبر طويل انه قرأ رجلان ثلاثين آية من الأحقاف فاختلفا في قراءاتهما فقال
ابن مسعود هذا بخلاف ما أقرأه فذهب بهما إلى النبي فغضب وعلي عنده فقال علي:
رسول الله يأمركم أن تقرأوا كما علمتم. وهذا دليل على علم علي بوجوه القراءات
المختلفة، وروي ان زيدا لما قرأ التابوت قال علي اكتبه التابوت فكتبه كذلك،
والقراء السبعة إلى قراءته يرجعون، فاما حمزة والكسائي فيعولان على قراءة علي وابن
مسعود وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود فهما إنما يرجعان إلى علي ويوافقان ابن
مسعود فيما يجري مجرى الاعراب، وقد قال ابن مسعود: ما رأيت أحدا أقرا من علي
ابن أبي طالب للقرآن.
واما نافع وابن كثير وأبو عمرو فمعظم قراءاتهم ترجع إلى ابن عباس وابن
عباس قرأ على أبي بن كعب وعلي، والذي قرأه هؤلاء القراء يخالف قراءة أبي، فهو
إذا مأخوذ عن علي (ع).
واما عاصم فقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وقال أبو عبد الرحمن: قرأت القرآن
كله على علي بن أبي طالب، فقالوا أفصح القراءات قراءة عاصم لأنه أتى بالأصل وذلك أنه
يظهر ما أدغمه غيره ويحقق من الهمز مالينه غيره ويفتح من الالفات ما أماله غيره.
والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى علي (ع) وليس في الصحابة من ينسب
إليه العدد غيره، وإنما كتب عدد ذلك كل مصر عن بعض التابعين ومنهم المفسرون
كعبد الله بن عباس و عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وهم معترفون له
بالتقدم. تفسير النقاش، قال ابن عباس: جعل ما تعلمت من التفسير من علي بن أبي طالب
وابن مسعود ان القرآن انزل على سبعة أحرف ما منها إلا وله ظهر وبطن وان علي بن
أبي طالب علم الظاهر والباطن.
فضايل العكبري، قال الشعبي: ما أحد أعلم بكتاب الله بعد نبي الله من علي بن
321

أبي طالب. تاريخ البلاذري وحلية الأولياء وقال علي (ع): والله ما نزلت آية إلا
وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت أبليل نزلت أم بنهار نزلت في سهل أو جبل ان ربي
وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤلا.
قوت القلوب، قال علي (ع): لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا في تفسير فاتحة
الكتاب، ولما وجد المفسرون قوله لا يأخذون إلا به.
سئل ابن الكواء وهو على المنبر: ما الذاريات ذروا؟ فقال: الرياح، فقال: وما
الحاملات وقرأ؟ قال: السحاب، قال: وما الجاريات يسرا؟ قال: الفلك، قال: فما
المقسمات أمرا؟ قال الملائكة، فالمفسرون كلهم على قوله.
وجهلوا تفسير قوله (ان أول بيت وضع للناس) فقال له رجل: هو أول بيت؟
قال: لا قد كان قبله بيوت ولكنه أول بيت وضع للناس مباركا فيه الهدى والرحمة
والبركة وأول من بناه إبراهيم ثم بناه قوم من العرب من جرهم ثم هدم فبنته قريش،
وإنما استحسن قول ابن عباس فيه لأنه قد أخذ منه.
أحمد في المسند، لما توفي النبي صلى الله عليه وآله كان ابن عباس ابن عشر سنين وكان قرأ
المحكم - يعني المفصل - قال الصحاب:
هل مثل علمك لو زلوا وان وهنوا * وقد هديت كما أصبحت تهدينا
ومنهم الفقهاء وهو أفقههم فإنه ما ظهر عن جميعهم ما ظهر منه، ثم إن جميع فقهاء
الأمصار إليه يرجعون ومن بحره يغترفون، اما أهل الكوفة وفقهاؤهم: سفيان الثوري
والحسن بن صالح بن حي وشريك بن عبد الله وابن أبي ليلى وهؤلاء يفرعون المسائل
ويقولون هذا قياس قول علي ويترجمون الأبواب بذلك.
واما أهل البصرة فقهاؤهم: الحسن وابن سيرين وكلاهما كانا يأخذان عمن أخذ
عن علي، وابن سيرين يفصح بأنه أخذ عن الكوفيين وعن عبيده السمعاني وهو
أخص الناس بعلي (ع).
وأما أهل مكة فإنهم أخذوا عن ابن عباس وعن علي وقد أخذ عبد الله معظم
علمه عنه. وأما أهل المدينة فعنه أخذوا.
وقد صنف الشافعي كتابا مفردا في الدلالة على اتباع أهل المدينة لعلي و عبد الله
وقال محمد بن الحسن الفقيه: لولا علي بن أبي طالب ما علمنا حم أهل البغي، ولمحمد بن
الحسن كتابا يشتمل على ثلاثمائة مسألة في قتال أهل البغي بناء على فعله.
322

مسند أبي حنيفة، قال هشام بن الحكم قال الصادق لأبي حنيفة: من أين أخذت
القياس؟ قال: من قول علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت، وحين شاهدهما عمر في الجد
مع الاخوة فقال له علي: لو أن شجرة انشعب منها غصن وانشعب من الغصن غصنان
أيما أقرب إلى أحد الغصنين أصاحبه الذي يخرج معه أم الشجرة؟ فقال زيد: لو أن
جدولا انبعث فيه ساقية فانبعث من الساقية ساقيتان أيما أقرب أحد الساقيتين إلى
صاحبهما أم الجدول؟، ومنهم الفرضيون وهو أشهرهم فيها.
فضايل أحمد، قال عبد الله: ان أعلم المدينة بالفرايض علي بن أبي طالب،
قال الشعبي: ما رأيت أفرض من علي ولا أحسب منه، وقد سئل وهو على المنبر يخطب
عن رجل مات وترك امرأة وأبوين وابنتين كم نصيب المرأة؟ فقال (ع): صار ثمنها
تسعا، فلقبت بالمسألة المنبرية.
(شرح ذلك) للأبوين السدسان وللبنتين الثلثان وللمرأة الثمن عالت الفريضة
فكان لها ثلث من أربعة وعشرين ثمنها فلما صارت إلى سبعة وعشرين صار ثمنها تسعا،
فان ثلاثة من سبعة وعشرين تسعها ويبقى أربعة وعشرون للابنتين ستة عشر وثمانية
للأبوين سواء قال هذا على الاستفهام أو على قولهم صار ثمنها تسعا أو على مذهب نفسه
أو بين كيف يجئ الحكم على مذهب من يقول بالعول، فبين الجواب والحساب
والقسمة والنسبة، ومنه المسألة الدينارية وصورتها.
ومنهم أصحاب الروايات نيفا وعشرون رجلا منهم: ابن عباس وابن مسعود
وجابر الأنصاري وأبو أيوب وأبو هريرة وأنس وأبو سعيد الخدري وأبو رافع
وغيرهم، وهو أكثرهم رواية وأتقنهم حجة ومأمون الباطن لقوله: علي مع الحق.
الترمذي والبلاذري، قيل لعلي: ما بالك أكثر أصحاب النبي حديثا؟ قال: كنت
إذا سألته أنبأني وإذا سكت عنه ابتدأني.
كتاب ابن مردويه، أنه قال: كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتديت.
قال محمد الإسكافي:
حبر عليهم بالذي هو كائن * واليه في علم الرسالة يرجع
أصفاه احمد من خفي علومه * فهو البطين من العلوم الأنزع
ومنهم المتكلمون وهو الأصل في الكلام، قال النبي صلى الله عليه وآله: علي رباني هذه الأمة
وفي الاخبار ان أول من سن دعوة المبتدعة بالمجادلة إلى الحق على، وقد ناظره الملاحدة
323

في مناقضات القرآن، وأجاب مشكلات مسائل الجاثليق حتى أسلم. أبو بكر بن
مردويه في كتابه عن سفيان أنه قال: ما حاج علي أحدا إلا حجه.
أبو بكر الشيرازي في كتابه عن مالك عن أنس عن ابن شهاب، وأبو يوسف
يعقوب بن سفيان في تفسيره، وأحمد بن حنبل وأبو يعلي في مسنديهما قال ابن شهاب
أخبرني علي بن الحسين ان أباه الحسين بن علي أخبره ان علي بن أبي طالب أخبره ان
النبي طرقه وفاطمة بنت رسول الله فقال ألا تصلون؟ فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا
بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا - أي يكثر اللطف بنا - فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع
إلي ثم سمعته وهو مول يضرب فخذيه يقول: وكان الانسان يعني علي بن أبي طالب
أكثر شئ جدلا - يعني متكلما بالحق والصدق -.
وقال لرأس الجالوت لما قال له: لم تلبثوا بعد نبيكم إلا ثلاثين سنة حتى ضرب
بعضكم وجه بعض بالسيف، فقال (ع): وأنتم لم تجف أقدامكم من ماء البحر حتى
قلتم لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.
وأرسل إليه أهل البصرة كليبا الجرمي بعد يوم الجمل ليزيل الشبهة عنهم في أمره
فذكر له ما علم أنه على الحق ثم قال له بايع فقال إني رسول القوم فلا احدث حدثا حتى
ارجع إليهم، فقال: أرأيت لو أن الذين ولوك بعثوك رائدا تبتغي لهم مساقط الغيث
فرجعت إليهم فأخبرتهم عن الكلأ والماء، قال: فامدد إذا يدك، قال كليب: فوالله
ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجة علي فبايعته.
وقوله (ع): أول معرفة الله توحيده وأصل توحيده نفي الصفات عنه، إلى
آخر الخبر، وما أطنب المتكلمون في الأصول إنما هو زيادة لتلك الجمل وشرح لتلك
الأصول، فالامامية يرجعون إلى الصادق وهو إلى آبائه والمعتزلة والزيدية يرويه لهم
القاضي عبد الجبار بن أحمد عن أبي عبد الله الحسين البصري وأبي إسحاق عباس عن أبي
هاشم الجبائي عن أبيه أبي علي عن أبي يعقوب الشحام عن أبي الهذيل العلاف عن أبي
عثمان الطويل عن واصل بن عطا عن أبي هاشم عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه محمد بن
الحنفية عنه عليه السلام، قال الوراق القمي:
علي لهذا الناس قد بين الذي * هم اختلفوا فيه ولم يتوهم
علي أعاش الدين وفاه حقه * ولو لاه ما أفضى إلى عشر درهم
ومنهم النحاة وهو واضع النحو لأنهم يروونه عن الخليل بن أحمد بن عيسى بن
324

عمرو الثقفي عن عبد الله بن إسحاق الحضرمي عن أبي عمرو بن العلاء عن ميمون الافرن
عن عنبسة الفيل عن أبي الأسود الدؤلي عنه (ع)، والسبب في ذلك ان قريشا كانوا
يزوجون بالانباط فوقع فيما بينهم أولاد ففسد لسانهم حتى أن بنتا لخويلد الأسدي كانت
متزوجة بالأنباط فقالت: ان أبوي مات وترك علي مال كثير، فلما رأوا فساد لسانها
أسس النحو. وروي ان أعرابيا سمع من سوقي يقرأ: ان الله برئ من المشركين
ورسوله، فشج رأسه فخاصمه إلى أمير المؤمنين فقال له في ذلك فقال: انه كفر بالله
في قراءته، فقال عليه السلام: انه لم يتعمد ذلك.
وروي ان أبا الأسود كان في بصره سوء وله بنية تقوده إلى علي (ع) فقالت:
يا أبتاه ما أشد حر الرمضاء! تريد التعجب فنهاها عن مقالتها فأخبر أمير المؤمنين بذلك
فأسس. وروي ان أبا الأسود كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل من المتوفي فقال
الله ثم اخبر عليا بذلك فاسس. فعلى أي وجه كان وقعه إلى أبى الأسود وقال:
ما أحسن هذا النحو اجش له بالمسائل، فسمي نحوا.
قال ابن سلام: كانت الرقعة الكلام ثلاثة أشياء اسم وفعل وحرف جاء لمعنى
فالاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى والحرف ما أوجد معنى في
غيره. وكتب علي بن أبو طالب فعجزوا عن ذلك، فقالوا: أبو طالب اسمه كنيته
وقالوا: هذا تركيب مثل دراخنا وحضرموت. وقال الزمخشري في الفايق: ترك
في حال الجر على لفظه في حال الرفع لأنه اشتهر بذلك وعرف فجرى مجرى المثل الذي
لا يغير. ومنهم الخطباء وهو أخطبهم، ألا ترى إلى خطبه مثل: التوحيد والشقشقية
والهداية والملاحم واللؤلؤة والغراء والقاصعة والافتخار والأشباح والدرة اليتيمة
والأقاليم والوسيلة والطالوتية والقصبية والنخيلة والسلمانية والناطقة والدامغة والفاضحة
بل إلى نهج البلاغة عن الشريف الرضي وكتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام عن
إسماعيل بن مهران السكوني عن زيد بن وهب أيضا. قال الحميري:
من كان أخطبهم وأنطقهم ومن * قد كان يشفى حوله البرحاء
من كان انزعهم من الاشراك و * للعلم كان البطن منه خفاء
من ذا الذي أمروا إذ اختلفوا بأن * يرضوا به في أمرهم قضاء
من قيل لولاه ولولا علمه * هلكوا وعانوا فتنة صماء
ومنهم الفصحاء والبلغاء وهو أوفرهم حظا، قال الرضى: كان أمير المؤمنين
325

مشرع الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها ومنه ظهر مكنونها وعنه اخذت
قوانينها. الجاحظ في كتاب الغرة، كتب إلى معاوية: غرك عزك فصار قصارى
ذلك ذلك فاخش فاحش فعلك فعلك تهدى بهدى. وقال (ع): من آمن أمن.
وروى الكلبي عن أبي صالح وأبو جعفر بن بابويه باسناده عن الرضا عن آبائه
عليهم السلام انه اجتمعت الصحابة فتذاكروا ان الألف أكثر دخولا في الكلام فارتجل
عليه السلام الخطبة المونقة التي أولها: حمدت من عظمت منته وسبغت نعمته وسبقت
رحمته وتمت كلمته ونفذت مشيته وبلغت قضيته، إلى آخرها.
ثم ارتجل خطبة أخرى من غير النقط التي أولها: الحمد لله أهل الحمد ومأواه وله
أوكد الحمد وأحلاه وأسرع الحمد وأسراه وأظهر الحمد وأسماه وأكرم الحمد وأولاه،
إلى آخرها، وقد أوردتهما في المخزون المكنون.
ومن كلامه: تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر بأولكم آخركم، وقوله: ومن يقبض
يده عن عشيرته فإنما يقبض عنهم بيد واحدة ويقبض منهم عنه أيد كثيرة ومن تلن
حاشيته يستدم من قومه المودة، وقوله: من جهل شيئا عاداه، مثله (بل كذبوا بما لم
يحيطوا بعلمه)، وقوله: المرء مخبو تحت لسانه فإذا تكلم ظهر، مثله (ولتعرفنهم في
لحن القول)، وقوله: قيمة كل امرئ ما يحسن، مثله (ان الله اصطفاه عليكم وزاده
بسطة في العلم والجسم)، وقوله: القتل يقل القتل، مثله (ولكم في القصاص حياة)
ومنهم الشعراء وهو أشعرهم، الجاحظ في كتاب البيان والتبيين وفي كتاب
فضايل بني هاشم أيضا، والبلاذري في أنساب الأشراف ان عليا أشعر الصحابة وأفصحهم
وأخطبهم وأكتبهم.
تاريخ البلاذري، كان أبو بكر يقول الشعر وعمر يقول الشعر وعثمان يقول
الشعر وكان علي اشعر الثلاثة.
ومنهم العروضيون ومن داره خرجت العروض، روي أن الخليل بن أحمد اخذ
رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد الباقر أو علي بن الحسين فوضع لذلك أصولا
ومنهم أصحاب العربية وهو أحكمهم، ابن الحريري البصري في درة الغواص،
وابن فياض في شرح الاخبار ان الصحابة قد اختلفوا في المؤودة فقال لهم علي (ع)
انها لا تكون مؤودة حتى يأنى عليها الثارات السبع، فقال له عمر: صدقت أطال الله
بقاك، أراد بذلك المبينة في قوله (ولقد خلقنا الانسان من سلالة) الآية، فأشار انه
326

إذا استهل بعد الولادة ثم دفن فقد وئد.
ومنهم الوعاظ وليس لاحد من الأمثال والبعر والمواعظ والزواجر ماله، نحو
قوله: من زرع العدوان حصد الخسران، من ذكر المنية نسي الأمنية، من قعد به
العقل قام به الجهل، يا أهل الغرور ما أبهجكم بدار خيرها زهيد وشرها عتيد ونعيمها
مسلوب وعزيزها منكوب ومسالمها محروم ومالكها مملوك وتراشها متروك. وصنف
عبد الواحد الآمدي غرر الحكم من كلامه (ع).
ومنهم الفلاسفة وهو أرجحهم، قال (ع): انا النقطة أبا الخط انا الخط انا النقطة
انا النقطة والخط، فقال جماعة: ان القدرة هي الأصل والجسم حجابه والصورة حجاب
الجسم لان النقطة هي الأصل والخط حجابه ومقامه والحجاب غير الجسد الناسوتي.
وسئل (ع) عن العالم العلوي فقال: صور عارية عن المواد عالية عن القوة
والاستعداد تجلى لها فأشرقت وطالعها فتلألأت والقى في هويتها مثاله فأظهر عنها أفعاله
وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكاها بالعلم فقد شابهت جواهر أوايل عللها وإذا
اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد.
أبو علي بن سينا: لم يكن شجاعا فيلسوفا قط إلا علي.
الشريف الرضي: من سمع كلامه لا يشك انه كلام من قبع في كسر بيت أو انقطع
في سفح جبل لا يسمع إلا حسه ولا يري إلا نفسه ولا يكاد يوقن بأنه كلام من
يتغمس في الحرب مصلتا سيفه فيقط الرقاب ويجدل الابطال ويعود به ينطف دما
ويقطر مهجا وهو مع ذلك زاهد الزهاد وبدل الابدال. وهذه من فضايله العجيبة
وخصايصة التي جمع بها بين الأضداد، قال السوسي:
في كفه سبب الموت الوفي فمن * عصاه مدله من ذلك السبب
في فيه سيف حكاه سيف راحته * سيان ذاك وذا في الخطب والخطب
لو قال للحي مت لم يحيي من رهب * أو قال للميت عش ما مات من رعب
أو قال لليل كن صبحا لكان ولو * للشمس قال اطلعي بالليل لم تغب
أو مد كفا إلى الدنيا ليقلبها * هانت عليه بلا كد ولا تعب
ذاك الامام الذي جبريل خادمه * ان ناب خطب ينب عنه ولا ينب
وعزرائيل مطواع له فمتى * يقل أمت ذا يمل أو هبه لي يهب
رضوان راض به مولى ومالك * مملوك يطيعانه في كل منتدب
327

ومنهم المهندسون وهو أعلمهم، حفص بن غالب مرفوعا قال: بينا رجلان
جالسان في زمن عمر إذ مر بهما عبد مقيد فقال أحدهما: ان لم يكن في قيده كذا وكذا
فامرأته طالق ثلاثا، وحلف الآخر بخلاف مقاله فسئل مولى العبد ان يحل قيده حتى
يعرف وزنه فأبي فارتفعا إلى عمر فقال لهما: اعتزلا نساء كما، وبعث إلى علي وسأله عن
ذلك فدعا بإجانة فأمر الغلام ان يجعل رجله فيها ثم امر ان يصب الماء حتى غمر القيد
والرجل ثم علم في الإجانة علامة وأمره ان يرفع قيده من رجله فنزل الماء من العلامة
فدعا بالحديد فوضعه في الإجانة حتى تراجع الماء إلى موضعه ثم امر ان يوزن الحديد
فوزن فكان وزنه بمثل وزن القيد وأخرج القيد فوزن فكان مثل ذلك فعجب عمر.
التهذيب، قال رجل لأمير المؤمنين: انى حلفت ان ازن الفيل، فقال: لم تحلفون
بما لا تطيقون، فقال: قد ابتليت، فأمر (ع) بقرقور فيه قصب فأخرج منه قصب
كثير ثم علم صنع الماء بقدر ما عرف صنع الماء قبل ان يخرج القصب ثم صير الفيل فيه
حتى رجع إلى مقداره الذي كان انتهى إليه صنع الماء أولا ثم امر بوزن القصب الذي
اخرج فلما وزن قال هذا وزن الفيل، ويقال وضع كلكا وعمل المجداف واجري على
الفرات أيام صفين.
ومنهم المنجمون وهو أكيسهم، سعيد بن جبير أنه قال: استقبل أمير المؤمنين
دهقان، وفى رواية قيس بن سعدانه مزجان بن شاشوا استقبله من المداين إلى جسر
بوران فقال له: يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطالعات وتناحست السعود بالنحوس
فإذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء و يومك هذا يوم صعب قد اقترن
فيه كوكبان وانكفى فيه الميزان وانقدح من برجك النيران وليس الحرب لك بمكان
فقال أمير المؤمنين: أيها الدهقان المنبئ بالآثار المخوف من الاقدار ما كان البارحة
صاحب الميزان وفى أي برج كان صاحب السرطان وكم الطالع من الأسد والساعات
في الحركات وكم بين السراري والذراري، قال: سأنظر إلى الأصطرلاب، فتبسم
أمير المؤمنين وقال له: ويلك يا دهقان أنت مسير الثابتات أم كيف تقضي على الجاريات
وأين ساعات الأسد من المطالع وما الزهرة من التوابع والجوامع وما دور السراري
المحركات وكم قدر شعاع المنيرات وكم التحصيل بالغدوات؟ فقال لا علم لي بذلك
يا أمير المؤمنين، فقال له: يا دهقان هل نتج علمك ان انتقل بيت ملك الصين واحترقت
328

دور بالزنج وخمد؟ بيت نار فارس وانهدمت منارة الهند وغرقت سرانديب وانقض حصن
الأندلس ونبح بترك الروم بالرومية، وفى رواية: البارحة وقع بيت بالصين وانفرج
برج ماجين وسقط سور سر انديب وانهزم بطريق الروم بأرمينية وفقد ديان اليهود
بايلة وهاج النمل بوادي النمل وهلك ملك إفريقية أكنت عالما بهذا؟ قال لا يا أمير المؤمنين
وفي رواية: أظنك حكمت باختلاف المشتري وزحل إنما أنا لك في الشفق ولاح لك
شعاع المريخ في السحر واتصل جرمه بجرم القمر، ثم قال: البارحة سعد سبعون الف
عالم وولد في كل عالم سبعون ألفا والليلة يموت مثلهم وهذا منهم وأومى بيده إلى سعد
ابن مسعدة الحارثي وكان جاسوسا للخوارج في عسكره فظن الملعون انه يقول خذوه
فأخذ بنفسه فمات فخر الدهقان ساجدا فلما أفاق قال أمير المؤمنين ألم أروك من عين
التوفيق؟ فقال بلى، فقال: أنا وصاحبي لا شرقيون ولا غربيون نحن ناشئة القطب
وأعلام الفلك أما قولك انقدح من برجك النيران فكان الواجب ان تحكم به لي لا علي اما
نوره وضياؤه فعندي واما حريقه ولهبه فذهب عني وهذه مسألة عميقه احسبها ان
كنت حاسبا، فقال الدهقان: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وانك علي ولي الله
ومنهم الحساب وهو أوفرهم نصيبا، ابن أبي ليلى: ان رجلين تغديا في سفر ومع
أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة وواكلهما ثالث فأعطاهما ثمانية دراهم عوضا
فاختصما وارتفعا إلى أمير المؤمنين (ع) فقال: هذا أمر فيه دناءة والخصومة فيه غير
جميلة والصلح أحسن، فأبى صاحب الثلاثة إلا مر القضاء فقال (ع): إذا كنت
لا ترضى إلا بمر القضاء فان لك واحدة من ثمانية ولصاحبك سبعة أليس كان لك
ثلاثة أرغفة ولصاحبك خمسة؟ قال بلى، قال: فهذه أربعة وعشرون ثلثا أكلت منه
ثمانية وللضيف ثمانية فلما أعطا كما الثانية الدراهم كان لصاحبك سبعة ولك واحدة.
ومنهم أصحاب الكيمياء وهو أكثرهم حظا، سئل أمير المؤمنين عن الصنعة
فقال: هي أخت النبوة وعصمة المروة والناس يتكلمون فيها بالظاهر واني لاعلم
ظاهرها وباطنها هي والله ما هي إلا ماء جامد وهواء راكد ونار جائلة وأرض سائلة،
وسئل في أثناء خطبته: هل الكيمياء يكون؟ فقال: وهو كائن وسيكون، فقيل
من أي شئ هو؟ فقال: انه من الزئبق الرجراج والاسرب والزاج والحديد المزعفر
وزنجار النحاس الأخضر الحور إلا توقف على عابرهن، فقيل: فهمنا لا يبلغ إلى ذلك،
فقال: اجعلوا البعض أرضا واجعلوا البعض ماء وافلحوا الأرض بالماء وقد تم، فقيل
زدنا يا أمير المؤمنين، فقال: لا زيادة عليه فان الحكماء القدماء ما زادوا عليه كيما يتلاعب
329

به الناس. قال ابن رزيك:
علي الذي قد كان ناظر قلبه * يريه عيانا ما وراء العواقب
علي الذي قد كان أفرس من علا * على صهوات الصافنات الشوارب
ومنهم الأطباء وهو أكثرهم فطنة، أبو عبد الله (ع) قال: كان أمير المؤمنين
يقول: إذا كان الغلام ملتاث الاذرة صغير الذكر ساكن النظر فهو ممن يرجى خيره
ويؤمن شره وإذا كان الغلام شديد الاذرة كبير الذكر حاد النظر فهو ممن لا يرجى
خيره ولا يؤمن شره.
وعنه (ع) قال: يعيش الولد لستة اشهر ولسبعة ولتسعة ولا يعيش لثمانية اشهر
وعنه: لبن الجارية وبولها يخرج من مثانة أمها ولبن الغلام يخرج من العضدين
والمنكبين، وعنه: يشب الصبي كل سنة أربع أصابع بأصابع نفسه.
وسأل رجل أمير المؤمنين عن الولد ما باله تارة يشبه أباه وأمه وتارة يشبه خاله وعمه؟
فقال للحسين أجبه، فقال (ع): اما الولد فان الرجل إذا اتى أهله بنفس ساكنة
وجوارح غير مضطربة اعتلجت النطفتان كاعتلاج المتنازعين فان علت نطفة الرجل
نطفة المرأة جاء الولد يشبه أباه وإذا علت نطفة المرأة نطفة الرجل شبه أمه وإذا اتاها
بنفس منزعجة وجوارح مضطربة غير ساكنة اضطربت النطفتان فسقطتا عن يمنة
الرحم وبسرته فان سقطت عن يمنة الرحمن سقطت على عروق الأعمام والعمات فشبه
أعمامه وعماته وان سقطت عن يسرة الرحم سقطت على عروق الأخوال والخالات
فشبه أخواله وخالاته؟، فقام الرجل وهو يقول: الله اعلم حيث يجعل رسالاته،
وروي انه كان الخضر (ع).
وسئل النبي صلى الله عليه وآله: كيف تؤنث المرأة وكيف يذكر الرجل؟ قال: يلتقي الماء ان
فإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت وان علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت.
ومنهم من تكلم في علم المعاملة على طريق السوقية وهم يعترفون انه الأصل في
علومهم ولا يوجد لغيره إلا اليسير حتى قال مشايخهم: لو تفرغ إلى اظهار ما علم من
علومنا لاغنى في هذا الباب.
ومن فرط حكمته ما روي عن أسامة بن زيد وأبي رافع في خبر ان جبرئيل نزل
على النبي فقال: يا محمد ألا أبشرك بخبيئة لذريتك فحدثه بشأن التوراة وقد وجدها رهط
من أهل اليمن بين حجرين أسودين وسماهم له، فلما قدموا على رسول الله قال لهم: كما
أنتم حتى أخبركم بأسمائكم وأسماء آبائكم وأنتم وجدتم التوراة وقد جئتم بها معكم،
330

فدفعوها له واسلموا فوضعها النبي صلى الله عليه وآله عند رأسه ثم دعا الله باسمه فأصحبت عربية
ففتحها ونظر فيها ثم رفعها إلى علي بن أبي طالب وقال: هذا ذكر لك ولذريتك من
بعدي. أمير المؤمنين، في قوله (ورسلا قد قصصناهم عليك ورسلا لم نقصصهم
عليك) بعث الله نبيا اسود لم يقص علينا قصته.
وكتب معاوية إلى أبي أيوب الأنصاري: اما بعد فحاجيتك لا تنسى شيئا، فقال
أمير المؤمنين: اخبره انه من قتله عثمان وان من قتل عنده مثل الشيباء فان الشيباء
لا تنسى قاتل بكرها ولا أبا مخدرها ابدا.
ومن وفور علمه (ع) انه عبر منطق الطير والوحوش والدواب، زرارة عن
أبي عبد الله قال: قال أمير المؤمنين: علمنا منطق الطير كما علمه سليمان بن داود وكل
دابة في بر أو بحر.
ابن عباس قال: قال علي (ع): نقيق الديك (اذكروا الله يا غافلين) وصهيل
الفرس: (اللهم انصر عبادك المؤمنين على عبادك الكافرين)، ونهيق الحماران يلعن
العشارين وينهق في عين الشيطان، ونقيق الضفدع: (سبحان ربي المعبود المسبح في
لحج البحار)، وانيق القبرة: (اللهم العن مبغضي آل محمد)، قال العبدي:
وعلمك الذي علم البرايا * وألهمك الذي لا يعلمونا
فزادك في الورى شرفا وعزا * ومجدا فوق وصف الواصفينا
وروى سعيد بن طريف عن الصادق، وروى أبو امامة الباهلي كلاهما عن النبي
في خبر طويل واللفظ لأبي امامة: ان الناس دخلوا على النبي وهنؤه بمولوده ثم قام
رجل في وسط الناس فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله رأينا من علي عجبا في هذا
اليوم، قال وما رأيتم؟ قال: اتيناك لنسلم عليك ونهنيك بمولودك الحسين فحجبنا عنك
واعلمنا انه هبط عليه مائة الف ملك وأربعة وعشرون الف ملك فعجبنا من احصائه
وعدده الملائكة، فقال النبي: واقبل بوجهه إليه متبسما ما علمك انه هبط علي مائة
وأربعة وعشرون الف ملك؟ قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله سمعت مائة الف لغة
وأربعة وعشرين الف لغة فعلمت انهم مائة وأربعة وعشرون الف ملك، قال: زادك
الله علما وحلما يا أبا الحسن:
الفايق عن الزمخشري انه سئل شريح عن امرأة طلقت فذكرت انها حاضت ثلاث
حيضات في شهر واحد فقال شريح: ان شهدت ثلاث نسوة من بطانة أهلها انها كانت
تحيض قبل ان طلقت في كل شهر فالقول قولها، فقال (ع): قالون - أي أصبت
331

بالرومية - وهذا إذا اتهمت المرأة.
بصائر الدرجات عن سعد القمي ان أمير المؤمنين (ع) حين اتى أهل النهر نزل
قطقطا فاجتمع إليه أهل بادوريا فشكوا ثقل خراجهم وكلموه بالنبطية وان لهم جيرانا
أوسع أرضا منهم وأقل خراجا، فأجابهم بالنبطية زعرا وطائه من زعرا رباه، معناه
دخن صغير خير من دخن كبير.
وروي أنه قال (ع) لابنة يزدجرد: ما اسمك؟ قالت: جهان بانويه، فقال:
بل شهر بانويه، واجابها بالعجمية.
وانه عليه السلام قد فسر صوت الناقوس، ذكره صاحب مصباح الواعظ
وجمهور أصحابنا عن الحارث الأعور وزيد وصعصعة ابني صوحان والبراء بن سيرة
والأصبغ بن نباتة وجابر بن شرحبيل ومحمود بن الكواء أنه قال (ع) يقول:
سبحان الله حقا حقا، ان المولى صمد يبقى، يحلم عنا رفقا رفقا، لولا حلمه كنا
نشقى، حقا حقا صدقا صدقا، ان المولى يسائلنا، ويوافقنا ويحاسبنا، يا مولانا لا تهلكنا
وتداركنا واستخدمنا، واستخلصنا حلمك عنا، قد جرأنا عفوك عنا، ان الدنيا قد
غرتنا، واشتغلتنا واستهوتنا، واستهلتنا واستغوتنا، يا بن الدنيا جمعا جمعا، يا بن الدنيا
مهلا مهلا، يا بن الدنيا دقا دقا، تفنى الدنيا قرنا قرنا، ما من يوم يمضي عنا، إلا يهوى
منا ركنا، قد ضيعنا دارا تبقى، واستوطنا دارا تفنى، تفنى الدنيا قرنا قرنا، كلا
موتا كلا موتا، كلا موتا كلا دفنا، كلا فيها موتا كلا، فناء كلا فيها موتا، نقلا
نقلا دفنا دفنا، يا بن الدنيا مهلا مهلا، زن ما يأتي وزنا وزنا، لولا جهلي ما ان كانت،
عندي الدنيا إلا سجنا، خيرا خيرا شرا شرا، شيئا شيئا حزنا حزنا، ماذا من ذاكم
ذا أم ذا، ترجو تنجو تخشى تردى، عجل قبل الموت الوزنا، ما من يوم يمضي عنا، إلا
أوهى منا ركنا، ان المولى قد أنذرنا، إنا تحشر؟ عزلا بهما.
قال ثم انقطع صوت الناقوس فسمع الديراني ذلك وأسلم وقال: اني وجدت في
الكتاب ان في آخر الأنبياء من يفسر ما يقول الناقوس.
أجمعوا على أن خيرة الله من خلقه هم المتقون لقوله (ان أكرمكم عند الله أتقاكم)
ثم أجمعوا على أن خيرة المتقين الخاشعون لقوله (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد) إلى
قوله (منيب)، ثم أجمعوا على أن أعظم الناس خشية العلماء لقوله (إنما يخشى الله من
عباده العلماء)، وأجمعوا على أن اعلم الناس أهداهم إلى الحق وأحقهم أن يكون متبعا
ولا يكون تابعا لقوله (أفمن يهدي إلى الحق أحق ان يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى)
332

وأجمعوا على أن أعلم الناس بالعدل أدلهم عليه وأحقهم أن يكون متبعا ولا يكون
تابعا لقوله (يحكم به ذوا عدل منكم)، فدل كتاب الله وسنة نبيه وإجماع الأمة على أن
أفضل هذه الأمة بعد نبيها علي عليه السلام.
فصل: في المسابقة إلى الهجرة
للصحابة الهجرة، وأولها إلى الشعب وهو شعب أبي طالب و عبد المطلب
والاجماع انهم كانوا بني هاشم وقال الله تعالى فيهم (والسابقون الأولون من المهاجرين
والأنصار)، وثانيها هجرة الحبشة.
معرفة النسوي قال: أمرنا رسول الله ان ننطلق مع جعفر إلى ارض النجاشي
فخرج في اثنين وثمانين رجلا.
الواحدي، نزل فيهم (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) حين لم يتركوا
دينهم ولما اشتد عليهم الامر صبروا وهاجروا.
ثالثها للأنصار الأولين وهم العقبيون باجماع أهل الأثر وكانوا سبعين رجلا وأول
من بايع فيه أبو الهيثم بن التيهان.
ورابعها للمهاجرين إلى المدينة والسابق فيه: مصعب بن عمير وعمار بن ياسر
وأبو سلمة المخزومي وعامر بن ربيعة و عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم وبلال
وسعد ثم ساروا ارسالا.
قال ابن عباس نزل فيهم (ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله
والذين أووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم والذين آمنوا
من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض
في كتاب الله) ذكر المؤمنين ثم المهاجرين ثم المجاهدين وفضل عليهم كلهم فقال (وأولوا
الأرحام أولى ببعض)، فعلي (ع) سبقهم بالايمان ثم بالهجرة إلى الشعب ثم بالجهاد ثم
سبقهم بعد هذه الثلاثة الرتب بكونه من ذوي الأرحام، فاما أبو بكر فقد هاجر إلى
المدينة إلا أن لعلي مزايا فيها عليه، وذلك أن النبي أخرجه مع نفسه أو خرج هو لعلة
وترك عليا للمبيت باذلا مهجته فبذل النفس أعظم من الاتقاء على النفس في الهرب إلى
الغار، وقد روى أبو المفضل الشيباني باسناده عن مجاهد قال: فخرج عايشة بأبيها
ومكانه مع رسول الله في العار، فقال عبد الله بن شداد بن الهاد: فأين أنت من على
333

ابن أبي طالب حيث نام في مكانه وهو يرى أنه يقتل، فسكتت ولم تحر جوابا.
وشتان بين قوله (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) وبين قوله
(لا تحزن ان الله معنا)، وكان النبي صلى الله عليه وآله معه يقوي قلبه ولم يكن مع علي، وهو
لم يصبه وجع وعلي يرمى بالحجارة، وهو مختف في الغار وعلي ظاهر للكفار.
واستخلفه الرسول لرد الودايع لأنه كان أمينا فلما أداها قام على الكعبة فنادى
بصوت رفيع: يا أيها الناس هل من صاحب أمانة؟ هل من صاحب وصية؟ هل من
عدة له قبل رسول الله؟ فلما لم يأت أحد لحق بالنبي وكان في ذلك دلالة على خلافته
وأمانته وشجاعته، وحمل نساء الرسول خلفه بعد ثلاثة أيام وفيهن عايشة فله المنة على
أبي بكر بحفظ ولده، ولعلي (ع) المنة عليه في هجرته، وعلي ذو الهجرتين والشجاع
البايت بين أربعمائة سيف، وإنما أباته على فراشه ثقة بنجدته فكانوا محدقين به إلى
طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا فيذهب دمه بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبايل.
قال ابن عباس: فكان من بني عبد شمس عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن هشام
وأبو سفيان، ومن بني نوفل طعمة بن عبدي وجبير بن مطعم والحارث بن عمر،
ومن بني عبد الدار النضر بن الحارث، ومن بني أسد أبو البختري وزمعة بن الأسود
وحكيم بن حزام، ومن مخزوم أبو جهل، ومن بني سهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج،
ومن بني جمح أمية بن خلف ممن لا يعد من قريش، ووصى إليه في ماله وأهله وولده
فأنامه منامه وأقامه مقامه وهذا دليل على أنه وصيه.
تاريخ الخطيب والطبري وتفسير الثعلبي والقزويني في قوله (وإذ يمكر بك
الذين كفروا)، والقصة مشهورة جاء جبرئيل إلى النبي فقال له: لا تبت هذه الليلة على
فراشك الذي كنت تبيت عليه فلما كانت العتمة اجتمعوا على بابه يرصدونه فقال
لعلي: نم على فراشي واتشح ببردي الحضرمي الأخضر وخرج النبي، قالوا: فلما دنوا
من علي عرفوه فقالوا: أين صاحبك؟ فقال: لا أدري أو رقيبا كنت عليه أمرتموه
بالخروج فخرج.
أبي رافع، ان النبي صلى الله عليه وآله قال: يا علي ان الله قد أذن لي بالهجرة واني آمرك ان
تبيت على فراشي وان قريشا إذا رأوك لم يعلموا بخروجي.
الطبري والخطيب والقزويني والثعلبي (ونجا الله رسوله من مكرهم) وكان مكر
الله تعالى بيات على على فراشه.
334

عمار وأبو رافع وهند بن أبي هالة ان أمير المؤمنين (ع) وثب وشد عليهم
بسيفه فانحازوا عنه.
محمد بن سلام في حديث طويل عن أمير المؤمنين: ومضى رسول الله واضطجعت
في مضجعه أنتظر مجئ القوم إلي حتى دخلوا علي فلما استوى بي وبهم البيت نهضت
إليهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الناس، فلما أصبح (ع) امتنع ببأسه وله
عشرون سنة وأقام بمكة وحده مراغما لأهلها حتى أدى إلى كل ذي حق حقه.
محمد الواقدي وأبو الفرج النجدي وأبو الحسن البكري وإسحاق الطبراني ان
عليا لما عزم على الهجرة قال له العباس: ان محمدا ما خرج إلا خفيا وقد طلبته قريش
أشد طلب وأنت تخرج جهارا في إناث وهوادج ومال ورجال ونساء وتقطع بهم
السباسب والشعاب من بين قبايل قريش ما أرى لك ان تمضي إلا في خفارة خزاعة،
فقال علي (ع):
ان المنية شربة مورودة * لا تنزعن وشد للترحيل
ان ابن آمنة النبي محمدا * رجل صدوق قال عن جبريل
أرخ الزمام ولا تخف من عائق * فالله يرديهم عن التنكيل
إني بربي واثق وبأحمد * وسبيله متلاحق بسبيلي
قالوا: فكمن مهلع غلام حنظلة بن أبي سفيان في طريقه بالليل فلما رآه سل سيفه
ونهض إليه فصاح علي صيحة خز؟ على وجهه وجلله بسيفه، فلما أصبح توجه نحو
المدينة فلما شارف ضجنان ادركه الطلب بثمانية فوارس وقالوا يا غدر أظننت انك ناج
بالنسوة، القصة.
وكان الله تعالى قد فرض على الصحابة الهجرة وعلى علي المبيت ثم الهجرة، ثم إنه
تعالى قد كان امتحنه بمثل ما امتحن به إبراهيم بإسماعيل و عبد المطلب بعبد الله، ثم إن
التفدية كانت دابه في الشعب فإن كان بات أبو بكر في الغار ثلاث ليال فان عليا
بات على فراش النبي في الشعب ثلاث سنين، وفى رواية أربع سنين.
العكبري في فضايل الصحابة والفنجكردي؟ في سلوة الشيعة ان عليا قال:
وقيت بنفسي من وطأ الحصى * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
محمد لما خاف ان يمكروا به * فوقاه ربي ذو الجلال عن المكر
وبت أراعيهم وما يثبتونني * وقد صبرت نفسي على القتل والأسر
335

وبات رسول الله في الغار آمنا * وذلك في حفظ الإله؟ وفى ستر
أردت به نصر الإله تبتلا * وأضمرته حتى أوسد في قبري
وقال الحميري:
ومن ذا الذي قد بات فوق فراشه * وأدنى وساد المصطفى فتوسدا
وخمر منه وجهه بلحافه * ليدفع عنه كيد من كان أكيدا
فلما بدا صبح يلوح تكشفت * له قطع من حالك اللون اسودا
ودارت به احراسهم يطلبونه * وبالأمس ما سب النبي واوعدا
انوا طاهرا والطيب الطهر قد مضى * إلى الغار يخشى فيه ان يتوردا
فهموا به ان يقتلوه وقد سطوا * بأيديهم ضربا مقيما ومقعدا
وله أيضا:
وليلة كاد المشركون محمدا * شرى نفسه لله إذ بت لا نشري
فبات مبيتا لم يكن ليبيته * ضعيف عمود القلب منتفح السحر
وله أيضا:
باتوا وبات على الفراش ملفقا * فيرون ان محمدا لم يذهب
حتى إذا طلع الشميط كأنه * في الليل صفحة خد أدهم معرب
ثار والاحداج الفراش فصادفت * غير الذي طلبت اكف الخيب
فوقاه بادرة الحتوف بنفسه * حذرا عليه من العدو المجلب
حتى تغيب عنهم في مدخل * صلى الاله عليه من متغيب
وله أيضا:
وسرى النبي وخاف ان يسطى به * عند انقطاع مواثق ومعاهد
واتى النبي فبات فوق فراشه * متدثرا بدثاره كالراقد
وذكت عيون المشركين ونطقوا * ابيات آل محمد بمراصد
حتى إذا ما أصبح لاح كأنه * سيف تخرق عنه غمد الغامد
ثاروا وظنوا انهم ظفروا به * فتعاوروه وخاب كيد الكايد
فوقاه بادرة الحتوف بنفسه * ولقد تنوول رأسه بجلامد " مناقب ج 1، م 42 "
336

وله أيضا:
وبات على فراش أخيه فردا * يقيه من العتاة الظالمينا
وقد كنت رجال من قريش بأسياف يلحن إذا انتضينا
فلما ان أضاء الصبح جاءت * عداتهم جميعا مخلفينا
فلما أبصروه تجنبوه * وما زالوا له متجنبينا
وقال ابن علوية:
أمن شرى لله مهجة نفسه * دون النبي عليه ذا تكلان
هل جاد غير أخيه ثم بنفسه * فوق الفراش يغط كالنعسان
وقال الصاحب:
هل مثل فعلك في ليل الفراش وقد * فديت بالروح ختام النبيبنا
وقال المرزكي:
ونام على الفراش له فداء * وأنتم في مضاجعكم رقود
وقال ابن طوطي:
ولما سرى الهادي النبي مهاجرا * وقد مكر الأعداء والله أمكر
ونام علي في الفراش بنفسه * وبات ربيط الجاش ما كان يذعر
فوافوا بياتا والدجى متقوض * وقد لاح معروف من الصبح أشقر
فألفوا أبا شبلين شاكي سلاحه * له ظفر من صائك الدم أحمر
فصال علي بالحسام عليهم * كما صال في العريس ليث غضنفر
فولوا سراعا نافرين كأنما * هم حمر من قسور الغاب تنفر
فكان مكان المكر حيدرة الرضا * من الله لما كان بالقوم يمكر
وقال الزاهي:
بات على فرش النبي آمنا * والليل قد طافت به احراسه
حتى إذا ما هجم القوم على * مستيقظ ينصله أشماسه
ثار إليهم فتولوا مزقا * يمنعهم عن قربه حماسه
وقال الناشي:
وقي النبي بنفس كان يبذلها * دون النبي قرير العين محتسبا
حتى إذا ما أتاه القوم عاجلهم * بقلب ليث يعاف الرشد ما وجبا
337

فسائلوه عن الهادي فشاجرهم * فخوفوه فلما خافهم وثبا
وقال ابن دريد الأسدي:
أولم يبت عنه أبو حسن * والمشركون هناك ترصده
متلففا ليرد كيدهم * ومهاد خير الناس ممهده
فوقى النبي ببذل مهجته * وبأعين الكفار منجده
وقال دعبل:
وهو المقيم على فراش محمد * حتى وقاه كايدا ومكيدا
وهو المقدم عند حو مات الندى * ما ليس ينكر طارفا وتليدا
وقال مهيار:
وأحق بالتمييز عند محمد * من كان منهم منكبيه راقيا
من بات عنه موقيا حوباؤه * حذر العدا فوق الفراش وقاديا
وقال العبدي:
ما لعلي سوى أخيه * محمد في الورى نظير
فداه إذ أقبلت قريش * عليه في فرشه الأمير
وافاه في خم وارتضاه * خليفة بعده وزير
وقال الأجل المرتضى:
وهو الذي ما كان دين ظاهر * في الناس لولا رمحه وحسامه
وهو الذي لا يقتضى في موقف * اقدامه نكص به اقدامه
ثانيه في كل الأمور وحصنه * في الباينات وركنه ودعامه
لله در بلائه ودفاعه * فاليوم يغشى الدالعين قتامه
وكأنما أجم العوالي غيله * وكأنما هو بينه ضرغامه
طلبوا مداه فقاتهم سبقا إلى * أمد يشق على الرجال مرامه
وقال العوني:
أبن لي من كان المقدم في الوغى * بمهجته عن وجه احمد دافعا
أبن لي من في القوم جدل مرحبا * وكان لباب الحصن بالكف قالعا
ومن باع منهم نفسه واقيا بها * نبي الهدى في الفرش أفديه يافعا
وقد وقفوا طرا بجنب مبيته * قريش تهز المرهفات القواطعا
338

ومولاي يقظان يرى كل فعلهم * فما كان مجزاعا من القوم فازعا
وقال شاعر آخر:
وليلته في الفرش إذ صمدت له * عصايب لا نالوا عليه انهجامها
فلما تراؤا ذا الفقار بكفه * أطار بها خوف الردى وأهامها
وكم كربة عن وجه أحمد لم يزل * يفرجها قدما وينفي اهتمامها
كلما كانت المحنة أغلظ كان الاجر أعظم وأدل على شده الاخلاص وقوة
البصيرة، والفارس يمكنه الكر والفر والروغان والجولان، والراجل قد ارتبط
روحه وأوثق نفسه والحج بدنه محتسبا صابرا على مكروه الجراح وفراق المحبوب
فكيف النائم على الفراش بين الثياب والرياش نزل قوله (ومن الناس من يشري نفسه
ابتغاء مرضاة الله) في علي (ع) حين بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله رواه إبراهيم
الثقفي، والفلكي الطوسي بالاسناد عن الحكم عن السدي، وعن أبي مالك عن ابن عباس
ورواه أبو المفضل الشيباني باسناده عن زين العابدين (ع)، وعن الحسن البصري عن
أنس، وعن أبي زيد الأنصاري عن أبي عمرو بن العلاء، ورواه الثعلبي عن ابن عباس
والسدي ومعبد انها نزلت في علي بن مكة والمدينة لما بات علي على فراش رسول الله
فضايل الصحابة عن عبد الملك العكبري، وعن أبي المظفر السمعاني باسنادهما عن
علي بن الحسين عليهما السلام قال: أول من شرى نفسه لله علي بن أبي طالب كان
المشركون يطلبون رسول الله فقام من فراشه وانطلق هو وأبو بكر واضطجع علي
على فراش رسول الله فجاء المشركون فوجودا عليا ولم يجدوا رسول الله صلى الله عليه وآله.
الثعلبي في تفسيره، وابن عقب في ملحمته، وأبو السعادات في فضايل العشرة،
والغزالي في الاحياء وفى كيمياء السعادة أيضا برواياتهم عن أبي اليقظان، وجماعة من
أصحابنا ومن ينتمي الينا نحو: ابن بابويه وابن شاذان والكليني والطوسي وابن عقدة
والبرقي وابن فياض والعبد لي والصفواني والثقفي بأسانيدهم عن ابن عباس وأبي رافع
وهند بن أبي هالة أنه قال رسول الله: أوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل اني آخيت
بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه؟ فكلاهما كرها
الموت فأوحى الله إليهما ألا كنتما مثل وليي طالب آخيت بينه وبين محمد
بني فآثره بالحياة على نفسه ثم ظل اؤرقه على فراشه يقيه بمهجته اهبطا إلى الأرض
جميعا فاحفظاه من عدوه، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجعل
339

جبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب والله يباهي به الملائكة، فأنزل الله
(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)، قال الشاعر:
يجود بالنفس إذ ضمن الجواد بها * والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وقال ابن حماد:
باهى به الرحمن أملاك العلى * لما انثنى من فرش احمد يهجع
يا جبرئيل وميكائيل فإنني * آخيت بينكما وفضلي أوسع
أفإن بدا في واحد أمرى فمن * يفدي أخاه من المنون ويقنع
فتوثقا كل يضمن بنفسه * قال الإله أنا الأعز الا رفع
ان الوصي فدى أخاه بنفسه * ولفعله زلفى لدي وموضع
فلتهبطا ولتمنعا من رامه * أم من لم بمكيده يتسرع
وقال خطيب خوارزم:
علي في مهاد الموت عار * وأحمد مكنس غار اغتراب
يقول الروح بخ بخ يا علي * فقد عرضت روحك لانتهاب
فصل: في المسابقة بالجهاد
اجتمعت الأمة ووافق الكتاب والسنة ان لله خيرة من خلقه وان خيرته من
خلقه المتقون قوله (ان أكرمكم عند الله أتقاكم)، وان خيرته من المتقين المجاهدون
(فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة)، وان خيرته من المجاهدين
السابقون إلى الجهاد قوله (لا يستوي من أنفق من قبل الفتح وقاتل) الآية، وان
خيرته من المجاهدين أكثرهم عملا في الجهاد، واجتمعت الأمة على أن السابقين إلى الجهاد
هم البدريون وان خيرة البدريين علي فلم يزل القرآن يصدق بعضه بعضا باجماعهم حتى
دلوا بأن عليا خيرة هذه الأمة بعد نبيها، قال العلوي البصري:
ولو يستوي بالنهوض الجلوس * لما بين الله فضل الجهاد
قوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) فجاهد النبي صلى الله عليه وآله الكفار في
حياته وأمر عليا (ع) بجهاد المنافقين، قوله: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين،
وحديث خاصف النعل، وحديث كلاب الحوأب، وحديث تقتلك الفئة الباغية،
وحديث ذي الثدية وغير ذلك، وهذا من صفات الخلفاء، ولا يعارض ذلك يقتال
340

أهل الردة لان النبي كان أمر عليا بقتال هؤلاء باجماع أهل الأثر وحكم المسمين أهل
الردة لا يخفى على منصف.
المعروفون بالجهاد علي وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث والزبير وطلحة وأبو
دجانة وسعد بن أبي وقاص والبراء بن عازب وسعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة، وقد
اجتمعت الأمة على أن هؤلاء لا يقاسون بعلي في شوكته وكثرة جهاده، فاما أبو بكر
وعمر فقد تصفحنا كتب المغازي فما وجدنا لهما فيه أثرا البتة.
وقد اجتمعت الأمة على أن عليا كان المجاهد في سبيل الله والكاشف الكروب عن
وجه رسول الله المقدم في ساير الغزوات إذا لم يحضر النبي صلى الله عليه وآله وإذا حضر فهو تاليه
وصاحب الراية واللواء معا وما كان قط تحت لواء جماعة أحد ولا فر من زحف
وانهما فرا في غير موضع وكانا تحت لواء جماعة.
واستدل أصحابنا بقوله (ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب
ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله) ان المعني بها أمير المؤمنين
لأنه كان جامعا لهذه الخصال بالانفاق ولا قطع على كون غيره جامعا لها، ولهذا قال
الزجاج والفراء كأنها مخصوصة بالأنبياء والمرسلين، وقال الزاهي:
أيجعل سيد الثقلين شبها * لما لا يرتضيه له غلاما
إلى من قط لم يهزم شجاعا * ولم يحمل بقبضته حساما
ابن عباس في قوله (وله أسلم من في السماوات والأرض) قال: أسلمت الملائكة
في السماوات والمؤمنون في الأرض وأولهم علي إسلاما ومع المشركين قتالا وقاتل من
بعده المقاتلين ومن أسلم كرها.
تفسير عطاء الخراساني قال ابن عباس في قوله (ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض
ظهرك) أي قوى ظهرك بعلي بن أبي طالب.
أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن مجاهد في قوله (هو الذي أيدك بنصره)
أي قومك بأمير المؤمنين وجعفر وحمزة وعقيل، وقد روينا نحو ذلك عن الكلبي عن
أبي صالح عن أبي هريرة.
كتاب أبي بكر الشيرازي قال ابن عباس (وقل رب ادخلني مدخل صدق
وأخرجني مخرج صدق) يعني مكة (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) قال: لقد
استجاب الله لنبيه دعاءه وأعطاه علي بن أبي طالب سلطانا ينصره على أعداءه.
341

العكبري في فضايل الصحابة عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله يوم فتح
مكة متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم ابعث إلي من بني عمي من يعضدني، فهبط عليه
جبرئيل كالغضب فقال: يا محمد أوليس قد أيدك الله بسيف من سيوف الله مجرد على
أعداء الله - يعني بذلك علي بن أبي طالب عليه السلام.
أبو المضابيح مولى الرضا عن الرضا عن آبائه عليهم السلام في قوله (لننصرن
رسلنا والذين آمنوا) قال: منهم علي بن أبي طالب عليه السلام، قال الناشي:
أيا ناصر المصطفى أحمد * تعلمت نصرته من أبيكا
وناصبت نصابه عنوة * فلعنة ربي على ناصبيكا
ولو آمنوا بني الهدى * وبالله ذي الطول ما ناصبوكا
وقال غيره:
كان يصير له سيف الرشاد انتضى * سل على كل من عن أمره أعرضا
قوله (ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيل الله صفا كأنهم بنيان مرصوص)
وكان (ع) إذا صف في القتال كأنه بنيان مرصوص وما قتل المشركين قتله أحد.
سفيان الثوري، كان علي بن أبي طالب عليه السلام كالجبل بين المسلمين
والمشركين أعز الله به المسلمين وأذل به المشركين. قال العوني:
فلك النجاة وباب للجنان غدا * وملتجى وصراط غير ذي جنف
جنب عزيز يلوذ اللائذون به * حبل متين قوي محكم الطرف
ويقال انه نزل فيه (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم). أبو جعفر
وأبو عبد الله عليهما السلام نزل قوله (ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة) في أمير المؤمنين
وفى حديث جبير: أنت أول من آمن بي وأول من جاهد معي وأول من ينشق عنه
القبر. وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا خرج من بيته تبعه أحداث المشركين يرمونه بالحجارة
حتى أدموا كعبة وعرقوبيه وكان علي (ع) يحمل عليهم فينهزمون فنزل (كأنهم حمر
مستنفرة فرت من قسورة).
ولا خلاف ان أول مبارز في الاسلام علي وحمزة وأبو عبيدة بن الحارث في يوم
بدر. قال الشعبي: ثم حمل علي على الكتيبة مصمما وحده واجتمعت الأمة انه ما رأى
أحد ادعيت له الإمامة عمل في الجهاد ما عمل علي، قال الله تعالى (ولا يطأون موطئا
يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح)، ولقد فسر قوله
(ولقد كنتم تمنون الموت) يعني عليا لان الكفار كانوا يسمونه الموت الأحمر سموه
342

يوم بدر لعظم بلائه ونكايته، قال العوني:
من اسمه الموت في القرآن فهل * يسبقه في الحروب من هربا
ومن رأى وحده مبارزه إلا رأى الموت منه والعطبا
قال المفسرون: لما أسر العباس يوم بدر أقبل المسلمون فعيروه بكفره بالله وقطيعة
الرحم وأغلظ علي له القول فقال العباس: مالكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون
محاسننا، فقال علي (ع): ألكم محاسن؟ قال: نعم انا لنعمر المسجد الحرام ونحجب
الكعبة ونستقي الحاج ونفك العاني، فأنزل الله تعالى ردا على العباس ووفاقا لعلي بن
أبي طالب (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) الآية، ثم قال: (إنما يعمر
مساجد الله) الآية، ثم قال: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن
بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله).
وروى إسماعيل بن خالد عن عامر وابن جريح عن عطاء عن ابن عباس، ومقاتل
عن الضحاك عن ابن عباس، والسدي عن أبي صالح وابن أبي خالد، وزكريا عن الشعبي
انه نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب.
الثعلبي والقشيري والجبائي والفلكي في تفاسيرهم، والواحدي في أسباب نزول
القرآن عن الحسن البصري وعامر الشعبي ومحمد بن كعب القرطي، وروينا عن عثمان
ابن أبي شيبة ووكيع بن الجراح وشريك القاضي ومحمد بن سيرين ومقاتل بن سليمان
والسديري وأبي مالك ومرة الهمداني وابن عباس انه افتخر العباس بن عبد المطلب
فقال: انا عم محمد وأنا صاحب سقاية الحجيج فأنا أفضل من علي بن أبي طالب،
وقال شيبة بن عثمان أو طلحة الداري أو عثمان: وأنا أعمر بيت الله الحرام وصاحب
حجابته فأنا أفضل، وسمعهما علي (ع) وهما يذكران ذلك فقال: أنا أفضل منكما لقد
صليت قبلكما ست سنين، وفي رواية: سبع سنين وأنا أجاهد في سبيل الله، وفي رواية
الحسكاني عن أبي بريدة ان عليا قال: استحييت لكل فقد أوتيت على صغرى ما لم تؤتيا
فقالا: وما أوتيت يا علي؟ قال: ضربت خراطيمكما بالسيف حتى آمنتما بالله وبرسوله،
فشكا العباس ذلك إلى النبي فقال: ما حملك على ما استقبلت به عمك؟ فقال: صدمته
بالحق فمن شاء فليغضب ومن شاء فليرض، فنزلت هذه الآية، قال الناشي:
إذ فاخر العباس عم المصطفى * لعلي المختار صهر محمد
بعمارة البيت المعظم شأنه * وسقاية الحجاج وسط المسجد
343

فأتى بها جبريل عن رب السما * يقري السلام علي النبي المهتدي
أجعلتم سقي الحجيج وما يرى * من ظاهر الأستار فوق الجلمد؟
كالمؤمنين الضاربي هام العدى * وسط العجاج بساعد لم يرعد
وقال البشنوي:
يا قاري القرآن مع تأويله * مع كل محكمة أتت في حال
أعمارة البيت المحرم مثله * وسقاية الحجاج في الأمثال
أم مثلي التيمي أم عدويهم * هل كان في حال من الأحوال
لا والذي فرض علي وداده * ما عندي العلماء كالجهال
وقال خطيب منبج:
وقال جعلتم السقيا كمن لا * يزال مجاهدا لا يستوونا
وقال القاضي بن قابوس المصري:
يا سيد العالم طرا بدوهم والحضر
ان عظموا سقي الحجيج فأنت ساقي الكوثر
أنت الامام المرتضى * وشفيعنا في المحشر
في بعض التفاسير انه نزل قوله تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر)
الآية في علي (ع) لأنه قتل عشيرته مثل عمرو بن عبد ود والوليد بن عتبة في خلق،
قال أبقراط النصراني:
أما رد عمروا يوم سلع بباتر * كأن على جنبيه لطخ العنادم
وعاد بن معدى نحو أحمد خاضعا * كشارب اثل في خطام الغمائم
وعاديت في الله القبايل كلها * ولم تخش في الرحمن لومة لائم
وكنت أحق الناس بعد محمد * وليس جهول القوم فضلا كعالم " المناقب ج 1، م 43 "
344

فصل: في لمسابقة بالسخاء والنفقة في سبيل الله
المشهور من الصحابة بالنفقة في سبيل الله علي وأبو بكر وعمر وعثمان
و عبد الرحمن وطلحة، ولعلي في ذلك فضايل لان الجود جودان نفسي ومالي، قال:
(جاهدوا بأموالكم وأنفسكم)، وقال النبي صلى الله عليه وآله: أجود الناس من جاد بنفسه في
سبيل الله الخبر، فصار قوله (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك
أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا؟) أليق بعلي (ع) لأنه جمع بينهما ولم يجمع
لغيره، وقولهم: ان أبا بكر أنفق على النبي أربعين ألفا فان صح هذا الخبر فليس فيه
انه كان دينارا أو درهما وأربعون ألف درهم هو أربعة آلاف دينار ومال خديجة أكثر
من ماله ونفع ذلك للمسلمين عامة وقد شرحت ذلك في كتابي المشهور، فاما قوله (فاما
من أعطى واتقى) عموم ويعارض بقوله (ووجدك عائلا فأغنى) بمال خديجة،
وروي انه نزلت في علي (ع)، وفيه يقول العبدي:
أبوكم هو الصديق آمن واتقى * وأعطى وما أكدى وصدق بالحسنى
الضحاك عن ابن عباس نزلت في علي (ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى)
الآية. ابن عباس والسدي ومجاهد والكلبي وأبو صالح والواحدي والطوسي
والثعلبي والطبرسي والماوردي والقشيري والثمالي والنقاش والفتال وعبيد الله بن الحسين
وعلي بن حرب الطائي في تفاسيرهم انه كان عند علي بن أبي طالب أربعة دراهم من
الفضة فتصدق بواحد ليلا وبواحد نهارا وبواحد سرا وبواحد علانية فنزل (الذين
ينفقون أموالهم بالليل) الآية، فسمى كل درهم مالا وبشره بالقبول، رواه النطنزي
في الخصايص.
تفسير النقاش وأسباب النزول قال الكلبي فقال له النبي: ما حملك على هذا؟ قال:
حملني ان استوجب على الله الذي وعدني، فقال له رسول الله: ألا ان ذلك، فأنزل الله
هذه الآية، قال الحميري:
وأنفق ماله ليلا وصبحا * وأسرارا وجهر الجاهرينا
وصدق ماله لما أتاه * الفقير بخاتم المتختمينا
الضحاك عن ابن عباس قال: لما انزل الله (للفقراء الذين احضروا في سبيل الله)
الآية، بعث عبد الرحمن بن عوف بدنانير كثيرة إلى أصحاب الصفة حتى أغناهم،
وبعث علي بن أبي طالب في جوف الليل بوسق من تمر، فكان أحب الصدقتين إلى الله
345

صدقة علي وأنزلت الآية، وسئل النبي: أي الصدقة أفضل في سبيل الله؟ فقال
جهد من مقل.
تاريخ البلاذري وفضايل أحمد انه كانت غلة علي أربعين ألف دينار فجعلها صدقة
وانه باع سيفه وقال: لو كان عندي عشاء ما بعته.
شريك والليث والكلبي وأبو صالح والضحاك والزجاج ومقاتل بن حنان ومجاهد
وقتادة وابن عباس: كانت الأغنياء يكثرون مناجاة الرسول صلى الله عليه وآله فلما نزل قوله:
(يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) انتهوا
فاستقرض (ع) دينارا وتصدق به فناجى النبي صلى الله عليه وآله عشر نجوات ثم نسخته الآية
التي بعدها. أمير المؤمنين: كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت كلما أردت أن
أناجي رسول الله قدمت درهما فنسختها الآية الأخرى.
الواحدي في أسباب نزول القرآن والوسيط أيضا، والثعلبي في الكشف والبيان
ما رواه علي بن علقمة ومجاهد ان عليا قال: ان في كتاب الله لآية ما عمل به أحد قبلي
ولا عمل بها أحد بعدي ثم تلا هذه الآية.
جامع الترمذي، وتفسير الثعلبي، واعتقاد الأشنهي، عن الأشجعي والثوري
وسالم بن أبي حفصة وعلي بن علقمة الأنماري عن علي (ع) في هذه الآية: فبي
خفف الله ذلك عن هذه الأمة. وفي مسند الموصلي: فيه خفف الله عن هذه الأمة،
وزاد أبو القاسم الكوفي في الرواية: ان الله امتحن الصحابة بهذه الآية فتقاعسوا
كلهم عن مناجاة الرسول فكان الرسول احتجب في منزله عن مناجاة أحد إلا من
تصدق بصدقة فكان معي دينار، وساق (ع) كلامه إلى أن قال: فكنت أنا سبب
التوبة من الله على المسلمين حين عملت بالآية فنسخت ولو لم أعمل بها حين كان عملي
بها سببا للتوبة عليهم لنزل العذاب عند امتناع الكل عن العمل بها.
وقال القاضي الطرثيتي: انهم عصوا في ذلك إلا علي فنسخة عنهم يدل عليه قوله
(فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم) ولقد استحقوا العذاب لقوله (أأشفقتم) وقال مجاهد
وما كان إلا ساعة، وقال مقاتل بن حبان: كان ذلك عشر ليال وكانت الصدقة
مفوضة إليهم غير مقدرة.
سفيان باسناده عن علي عن البني: فيما استطعت تصدقت، وروى الثعلبي عن
أبي هريرة وابن عمرانه قال عمر بن الخطاب: كان لعلي ثلاث لو كان لي واحدة
منهن كانت أحب إلي من حمر النعم: تزويجه فاطمة واعطاؤه الراية يوم خيبر وآية
346

النجوى. قال الوراق القمي:
علي الذي ناجاه بالوحي أحمد * فعلمه أبواب سلم مسلم
وقال الأصفهاني:
وبألف حرف أيكم ناجي أخي * فيهن دونكم أخي ناجاني
ولكل حرف الف باب شرحه * عندي بفضل حكومة وبيان
وأنفق علي ثلاث ضيفان من الطعام قوت ثلاث ليال فنزلت فيه ثلاثين آية
ونصت على عصمته وستره ومراده وقبول صدقته، وكفاك من جوده قوله (عينا
يشرب بها عباد الله) الآية، واطعام الأسير خاصة وهو عدو في الدين، قال العوني:
من أطعم المسكين واليتيم والأسير لله ثلاثا وطوى
وحدث أبو هريرة انه كان في المدينة مجاعة ومر بي يوم وليلة لم أذق شيئا
وسألت أبا بكر آية كنت أعرف بتأويلها منه ومضبت معه إلى بابه وودعني وانصرفت
جايعا يومي وأصبحت وسألت عمر آية كنت أعرف منه بها، فصنع كما صنع أبو بكر
فجئت في اليوم الثالث إلى علي وسألته ما يعلمه فقط فلما أردت أن أنصرف دعاني إلى بيته
فأطعمني رغيفين وسمنا فلما شبعت انصرفت إلى رسول الله فلما بصر بي ضحك في
وجهي وقال: أنت تحدثني أم أحدثك، ثم قص علي ما جرى وقال لي جبرئيل عرفني
ورؤي أمير المؤمنين حزينا فقيل له: مم حزنك؟ قال لسبع أتت لم يضف الينا ضيف
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان وعلي بن حرب الطائي ومجاهد بأسانيدهم
عن ابن عباس وأبي هريرة، وروى جماعة عن عاصم بن كليب عن أبيه واللفظ له عن
أبي هريرة انه جاء رجل إلى رسول الله فشكا إليه الجوع فبعث رسول الله إلى أزواجه
فقلن ما عندنا إلا الماء فقال صلى الله عليه وآله: من لهذا الرجل الليلة؟ فقال أمير المؤمنين (ع):
أنا يا رسول الله، وأتى فاطمة وسألها: ما عندك يا بنت رسول الله؟ فقالت: ما عندنا
إلا قوت الصبية لكنا نؤثر به ضيفنا فقال علي: يا بنت محمد نومي الصبية واطفي المصباح
وجعلا يمضغان بألسنتهما، فلما فرغ من الاكل أتت فاطمة بسراج فوجدت الجفنة
مملوة من فضل الله، فلما أصبح صلى مع النبي فلما سلم النبي من صلاته نظر إلى
أمير المؤمنين وبكى بكاء شديدا وقال يا أمير المؤمنين لقد عجب الرب من فعلكم البارحة
اقرأ (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) أي مجاعة (ومن يوق شح نفسه)
يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين فأولئك هم المفلحون، وقال الحميري:
قائل للنبي اني غريب * جايع قد أتيتكم مستجيرا
347

فبكى المصطفى وقال غريب * لا يكن للغريب عندي ذكورا
من يضيف الغريب قال علي * أنا للضيف فانطلق مأجورا
ابنة العم هل من الزاد شئ * فأجابت أراه شيئا يسيرا
كف بر قال اصنعيه فان * الله قد يجعل القليل كثيرا
ثم أطفي المصباح كي لا يراني * فاخلي طعامه موفورا
جاهد يلمظ الأصابع والضيف * يراه إلى الطعام مشيرا
عجبت منكم ملائكة الله * وأرضيتم اللطيف الخبيرا
ولهم قال يؤثرون على * أنفسهم قال ذاك فضلا كبيرا
وله أيضا
وآثر ضيفه لما أتاه * فضل وأهله يتلمظونا
فسماه الاله بما أتاه * من الايثار باسم المفلحينا
كتاب أبي بكر الشيرازي باسناده عن مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قوله
(رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكره الله) إلى قوله (بغير حساب) قال هو والله
أمير المؤمنين، ثم قال بعد كلام: وذلك أن النبي أعطى عليا يوما ثلاثمائة دينار أهديت
إليه قال علي: فأخذتها وقلت والله لأتصدقن الليلة من هذه الدنانير صدقة يقبلها الله
مني فلما صليت العشاء الآخرة مع رسول الله اخذت مائة دينار وخرجت من المسجد
فاستقبلتني امرأة فأعطيتها الدنانير فأصبح الناس بالغد يقولون تصدق علي الليلة بمائة دينار
على امرأة فاجرة فاغتممت غما شديدا فلما صليت القابلة صلاة العتمة اخذت مائة دينار
وخرجت من المسجد وقلت والله لأتصدقن الليلة بصدقة يتقبلها ربي مني فلقيت رجلا
فتصدقت عليه بدنانير فأصبح؟ أهل المدينة يقولون تصدق علي البارحة بمائة دينار على
رجل سارق فاغتممت غما شديدا وقلت والله لأتصدقن الليلة صدقة يتقبلها ربي مني
فصليت العشاء الآخرة مع رسول الله ثم خرجت من المسجد ومعي مائة دينار فلقيت
رجلا فأعطيته إياها فلما أصبحت قال أهل المدينة تصدق علي البارحة بمائة دينار على
رجل غني فاغتممت غما شديدا فأتيت رسول الله فخبرته فقال لي يا علي هذا جبرئيل
يقول لك ان الله عز وجل قد قبل صدقاتك وزكى عملك ان المائة دينار التي تصدقت
بها أول ليلة وقعت في يدي امرأة فاسدة فرجعت إلى منزلها وتابت إلى الله عز وجل
من الفساد وجعلت تلك الدنانير رأس مالها وهي في طلب بعل تتزوج به، وان الصدقة
الثانية وقعت في يدي سارق فرجع إلى منزله وتاب إلى الله من سرقته وجعل الدنانير
348

رأس ماله يتجر بها، وان الصدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غني لم يزك ماله منذ
سنين فرجع إلى منزله ووبخ نفسه وقال شحا عليك يا نفس هذا علي بن أبي طالب تصدق
علي بمائة دينار ولا مال له وانا قد أوجب الله على مالي الزكاة لأعوام كثيرة لم أزكه
فحسب ماله وزكاه وأخرج زكاة ماله كذا وكذا دينارا وانزل الله فيك (رجال
لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) الآية.
أبو الطفيل: رأيت عليا يدعو اليتامى فيطعمهم العسل حتى قال بعض أصحابه:
لوددت انى كنت يتيما.
المعلى بن خنيس عن الصادق انه (ع) أتى ظلمة بني ساعدة في ليلة قد رشت
السماء ومعه جراب فإذا نحن بقوم نيام فجعل يدس الرغيف والرغيفين حتى أتى على
آخره. قال الحميري:
ومن ذا كان للفقراء كنزا * إذا نزل الشتاء بهم كنينا
محمد بن الصمة عن أبيه عن عمه قال: رأيت في المدينة رجلا على ظهره قربة وفي
يده صحفة يقول: اللهم ولي المؤمنين وإله المؤمنين وجار المؤمنين اقبل قرباني الليلة
فما أمسيت أملك سوى ما في صحفتي وغير ما بواربني فإنك تعلم انى منعته نفسي مع شدة
سغبى في طلب القرية إليك غنما اللهم فلا تخلق وجهي ولا ترد دعوتي، فأتيته حتى عرفته
فإذا هو علي بن أبي طالب فأتى رجلا فأطعمه.
عبد الله بن علي بن الحسين يرفعه ان النبي أتى مع جماعة من أصحابه إلى علي فلم
يجد علي شيئا يقربه إليهم فخرج ليحصل لهم شيئا فإذا هو بدينار على الأرض فتناوله
وعرف به فلم يجد له طالبا فقومه على نفسه و اشترى به طعاما واتى به إليهم وأصاب
عوضه وجعل ينشد صاحبه فلم يجده فأتى به النبي واخبره بالخبر فقال: يا علي انه شئ
أعطاكه الله لما اطلع على نيتك وما أردته وليس هو شئ للناس ودعا له بخير قال الحميري
فمال إلى أدناهم منه بيعا * توسم فيه خير ما يتوسم
فقال له بعني طعاما فباعه * جميل المحيا ليس منه التجهم
فكال له حبا به ثم رده * إليه وارزاق العباد تقسم
فآب برزق ساقه الله نحوه * إلى أهله والقوم للجوع رزم
فلا ذلك الدينار أحمى تبره * يقينا واما الحب فالله اعلم
أمن زرع ارض كان أم حب جنة * حباه به من ناله منه أنعم
وبيعه جبريل أطهر بيع * فأي أيادي الخير من تلك أعظم
349

يكلم جبريل الأمين فإنه * لافضل من يمشي ومن يتكلم
روت الخاصة والعامة منهم ابن شاهين المروي وابن شيرويه الديلمي عن الخدري
وأبي هريرة ان عليا أصبح ساغبا فسأل فاطمة طعاما فقالت: ما كانت إلا ما أطعمتك
منذ يومين آثرت به على نفسي وعلى الحسن و الحسين فقال: ألا أعلمتني فأتيتكم
بشئ، فقالت: يا أبا الحسين انى لأستحي من إلهي ان أكلفك ما لا تقدر عليه فخرج
واستقرض من النبي دينارا فخرج يشتري به شيئا فاستقبله المقداد قائلا: ما شاء الله،
فناوله علي الدينار ثم دخل المسجد فوضع رأسه فنام فخرج النبي فإذا هو به فحركه
وقال: ما صنعت؟ فأخبره فقام وصلى معه فما قضى النبي صلاته قال: يا أبا الحسن هل
عندك شئ نفطر عليه فنميل معك؟ فأطرق لا يجيب جوابا حياء منه وكان الله أوحى
إليه ان يتعشى تلك الليلة عند علي، فانطلقا حتى دخلا على فاطمة وهي في مصلاها
وخلفها جفنة تفور دخانا فأخرجت فاطمة الجفنة فوضعتها بين أيديهما فسأل علي (ع)
(أنى لك هذا قالت هو من فضل الله ورزقه ان الله يرزق من يشاء بغير حساب)
قال: فوضع النبي كفه المبارك بين كتفي علي ثم قال: يا علي هذا بدل دينارك، ثم
استعبر النبي باكيا وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا لمريم
وفي رواية الصادق (ع) انه انزل الله فيهم (ويؤثرون على أنفسهم)، قال الحميري:
وحدثنا عن حادث الأعور الذي * تصدقه في القول منه وما يروي
بأن رسول الله نفسي فداؤه * وأهلي ومالي طاوي الحشي يطوي
لجوع أصاب المصطفى فاغتدى إلى * كريمته والناس لاهون في سهو
فصادفها وابنى علي وبعلها * وقد أطرقوا من شدة الجوع كالنضو
فقال لها يا فطم قومي تناولي * ولم بك فيما قال ينطق بالهزو
هدية ربى انه مترحم * فقامت إلى ما قال تسرع بالخطو
فجاءت عليها الله صلى بجفنة * مكرمة باللحم جزوا على جزو
فسموا وظلوا يطعمون جميعهم * فبخ بخ لهم نفسي الفداء وما احوي
فقال لها ذاك الطعام هدية * من الله جبريل اتاني به يهوى
ولم بك؟ منه طاعما غير مرسل * وغير وصى خصه الله بالصفو
وفي رواية حذيفة ان جعفرا أعطى النبي صلى الله عليه وآله الفرع من العالية والقطيفة فقال
النبي: لأدفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وأعطاها
عليا (ع)، ففصل على القطيفة سلكا فباع بالذهب فكان ألف مثقال ففرقه في فقراء
350

المهاجرين كلها فلقيه النبي ومعه حذيفة وعمار وسلمان وأبو ذر والمقداد فسأله النبي
الغداء فقال حياء منه: نعم فدخلوا عليه فوجدوا الجفنة.
وفي حديث ابن عباس ان المقداد قال له: أنا منذ ثلاثة أيام ما طعمت شيئا،
فخرج أمير المؤمنين وباع درعه بخمسمائة ودفع إليه بعضها وانصرف متحيرا فناداه
أعرابي: اشتر مني هذه الباقة مؤجلا، فاشتراها بمائة درهم ومضى الاعرابي فاستقبله
آخر وقال بعني هذه الناقة بمائة وخمسين درهما فباع وصاح يا حسين ويا حسين امضيا في
طلب الاعرابي وهو على الباب فرآه النبي فقال وهو متبسم: يا علي الاعرابي صاحب
الناقة جبرئيل والمشتري ميكائيل يا علي المائة عن الناقة والخمسين بالخمس التي دفعتها إلى
المقداد ثم تلا (ومن يتق الله يجعل له) الآية. قال السيد الحميري:
أليس المؤتر المقداد لما * أتاه مقويا في المقوبينا
بدينار وما يحوي سواء * وما كل الأفاضل مؤثرينا
وقال الوراق:
علي غدا يبتاع قوتا لأهله * فبايعه جبريل بيع المحكم
وسمع أمير المؤمنين (ع) أعرابيا يقول وهو آخذ بحلقه الباب: البيت بيتك
والضيف ضيفك ولكل ضيف قرى فاجعل قراي منك في هذه الليلة المغفرة، فقال:
يا أعرابي هو والله أكرم من أن يرد ضيفه بلا قرى، وسمعه الليلة الثانية قائلا: يا عزيزا
في عزك يعز من عز عزك أنت أنت لا يعلم أحد كيف أنت إلا أنت أتوجه إليك بك
وأتوسل بك إليك وأسألك بحقك عليك وبحقك على آل محمد اعطني ما لا يملكه غيرك
واصرف عني ما لا يصرفه سواك يا ارحم الراحمين، فقال (ع): هذا اسم الله الأعظم
بالسريانية وسمعه الليلة الثالثة يقول: يا زين السماوات والأرض ارزقني أربعة آلاف
درهم، فضرب يده على كتف الاعرابي ثم قال: قد سمعت ما طلبت وما سألت ربك فما
الذي تصنع بأربعة آلاف درهم؟ قال: الف صداق امرأتي والف أبني به دارا والف
اقضي به ديني والف ألتمس به المعاش، قال: أنصفت يا اعرابي إذا قدمت المدينة فسل
عن علي بن أبي طالب، قال: فلما أتى الاعرابي المدينة قال للحسين (ع): قل لأبيك
صاحب الضمان بمكة، فدخل فأخبره قال: اي والله يا حسين ايتيني بسلمان، فلما اتاه
قال: يا سلمان اجمع لي التجار، فلما اجتمعوا قال لهم: اشتروا مني الحايط الذي غرسه
لي رسول الله بيده، فباعه منهم باثني عشر ألف درهم فدفع إلى الاعرابي أربعة آلاف
فقال: يا اعرابي كم أنفقت في طريقك؟ قال: ثلاثة عشر درهما، قال: ادفعوا له ستا
351

وعشرين درهما حتى يصرف الأربعة آلاف حيث سأل، وصير بين يديه الباقي فلم يزل
يعطي قبضة قبضة حتى لم يتق منها درهم فلما أتى فاطمة ذكر بيع الحائط قالت: فأين
الثمن؟ قال: دفعته والله إلى عيون استحييت منها ان أحوجها إلى ذل المسألة فأعطيتهم
قبل ان يسألوني، فقالت لا أفارقك أو يحكم بيني وبينك أبى إذ أنا جايعة وابناي
جايعان لم يكن لنا في اثنى عشر ألف درهم درهم نأكل به الخبز، فقال: يا فاطمة لا تلاحيني
وخلي سبيلي، فهبط جبرئيل على النبي فقال: السلام يقرأ عليك السلام ويقول بكت
ملائكة السماوات للزوم فاطمة عليا فاذهب إليهما، فجاء إليهما فقال: يا بنتي مالك تلزمين
عليا؟ نقصت عليه القصة فقال: خل سبيله فليس على مثل علي تضرب يد، ثم خرجا
من الدار فما لبث ان رجع النبي فقال: يا فاطمة رجع أخي؟ فقالت: لا، فأعطاها سبعه
دراهم سودا هجرية وقال قولي له يبتاع لكم بها طعاما، فلما اتاها أعطته الدراهم فاخذها
وقال: بسم الله والحمد لله كثيرا طيبا من فضل الله، فذهب إلى السوق فإذا سائل
يقول: من يقرض الله الملي الوفي، فقال: يا أبا الحسن أتسمع ما يقول اقرض الله،
ثم مضى ليستقرض من أحد فإذا بشيخ معه ناقة فقال: يا علي ابتع مني هذه الناقة،
فقال: ليس معي تمنها، قال: انى أنظرك بثمنها، فابتاعها بمائة درهم ثم اشترى، إلى
آخر القصة، المخبرة:
أمن طوى يومين لم يطعم ولم * تطعم حليلته ولا الحسنان
فمضى لزوجته ببعض ثيابها * ليبيعه في السوق كالعجلان
يهوى ابتياع جرادق لعياله * من بين ساغبة ومن سغبان
إذ جاءه مقداد يخبر انه * مذ لم يذق أكلا له يومان
فهوى إلى ثمن المثال فصبه * من كف ابيض في يد غرثان
فطرا من الاعراب سابق ناقة * حسناء تأجره له معسان
نادى ألا اشترها فقال وكيف لي * بشر البعير وما معي فلسان
قال الفتى ابتعها فإنك منظر * فيما به الكفان تصطفقان
فبدا له رجل فقال أبائع * منى بعيرك أنت يا رباني
اخبر شراك اهن ربحك قال ها * مائة فقال فهاكها مائتان
وأتى البني معجبا فأهابه * واليه قبل قد انتهى الخبران
نادى أبا حسن أبدء بالذي * أقبلت ما استلفيت أم تبدأني
352

قال الوصي له فانبئني به * اني اتجرت فتاح لي ربحان
ربح لآخرتي وربح عاجل * وكلاهما لي يا أخي فخران
فأبثه ما في الضمير وقال هل * تدري فداك أحبتي من دان
جبريل صاحب بيعها والمشتري * ميكال طبت وانجح السعيان
والناقة الكوماء كانت ناقة * ترعى بدار الخلد في بطنان
وانه (ع) طلب السائل منه صدقة فأعطى خاتما فنزلت (إنما وليكم الله ورسوله)
وفيه يضرب المثل في الصدقات، يقال في الدعاء يقبل الله منه كما يقبل توبة آدم وقربان
إبراهيم وحج المصطفى وصدقة أمير المؤمنين، وكان (ع) يأخذ من الغنايم لنفسه
وفرسه ومن سهم ذي القربى وينفق جميع ذلك في سبيل الله، وتوفي ولم يترك إلا
ثمانمائة درهم.
فصل: في المسابقة بالشجاعة
وصف الله تعالى أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فقال: (والذين معه أشداء على الكفار)
ثبتت هذه الصفة لعلي (ع) دون من يدعون له الشدة على الكفار، وقال تعالى في قصة
طالوت (ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم)، واجتمعت الأمة على أن
عليا أشد من أبي بكر، واجتمعت أيضا على علمه واختلفوا في علم أبي بكر
وليس المجتمع عليه كالمختلف فيه.
الباقر والرضا عليهما السلام في قوله (لينذر بأسا شديدا من لدنه) البأس الشديد
علي بن أبي طالب وهو لدن رسول الله صلى الله عليه وآله يقاتل معه عدوه، ويروى انه نزل فيه
(والصابرين في البأساء والضراء وحين الباس)، قال الحيص بيص:
وأنزع من شرك الرجال مبرأ * بطين من الاحكام جم النوافل
سديد مضاء الباس يغني بلاؤه * إذا زحموه بالقنا والقنابل
علي بن جعد عن شعبة عن قتادة عن الحسين عن ابن عباس ان عبد الله بن أبي سلول
كان يتنحى عن النبي مع جماعة من المنافقين في ناحية من العسكر ليخوضوا في أمر
رسول الله في غزوة حنين فلما أقبل راجعا إلى المدينة رأى حقالا وهو مسلم لطم
للحمقاء وهو منافق فغضب ابن أبي سلول وقال: لو كففتم عن اطعام هؤلاء لتفرقوا
عنه - يعني عن النبي - والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل - يعني
نفسه والنبي فأخبر زيد بن أرقم للنبي بمقاله فأنى ابن أبي سلول في أشراف الأنصار إلى
353

النبي يعذرونه ويكذبون زيدا فاستحيى زيد فكف عن اتيان رسول الله فنزل: (هم
الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات
والأرض ولكن المنافقين لا يعلمون يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها
الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) يعني القوة والقدرة لأمير المؤمنين وأصحابه على
المنافقين، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد زيد وعركها وقال: ابشر يا صادق فقد صدق الله
حديثك وأكذب صاحبك المنافق. وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع):
عجب لمن يقاس بمن لم يصب محجمة من دم في جاهلية أو إسلام مع من علم أنه قتل في
يوم بدر خمسا وثلاثين مبارزا دون الجرحى على قول العامة وهم: الوليد بن عتبة،
والعاص بن سعيد بن العاص، ومطعم بن عدي بن نوفل، وحنظلة بن أبي سفيان،
ونوفل بن خويلد، وزمعة بن الأسود، والحارث بن زمعة، والنضر بن؟؟ بن
عبد الدار، وعمير بن عثمان بن كعب عم طلحة، وعثمان ومالك أخوا طلحة، ومسعود
ابن أبي أمية بن المغيرة، وقيس بن الفاكهة بن المغيرة، وأبو القيس بن الوليد بن
المغيرة، وعمرو بن مخزوم، والمنذر بن أبي رفاعة، ومنبه بن الحجاج السهمي،
والعاص بن منبه، وعلقمة بن كلدة، وأبو العاص بن قيس بن عدي، ومعاوية بن
المغيرة بن أبي العاص، ولوذان بن ربيعة، و عبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة، ومسعود
ابن أمية بن المغيرة، والحاجب بن السايب بن عويمر، وأوس بن المغيرة بن لوذان،
وزيد بن مليص، وعاصم بن أبي عوف، وسعيد بن وهب، ومعاوية بن عامر بن
عبد القيس، و عبد الله بن جميل بن زهير، والسايب بن سعيد بن مالك، وأبو الحكم
ابن الأخنس، وهاشم بن أبي أمية.
ويقال قتل بضعة وأربعين رجلا.
وقتل (ع) في يوم أحد كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة، وابنه أبا سعيد،
واخوته خالدا ومخلدا وكلدة والمحالس، و عبد الرحمن بن حميد بن زهرة، والحكم
ابن الأخنس بن شريق الثقفي، والوليد بن أرطأة، وأمية بن أبي حذيفة، وأرطاة
ابن شرحبيل، وهشام بن أمية، ومسافع، وعمرو بن عبد الله الجمحي، وبشر بن
مالك المغافري، وصواب مولى عبد الدار، وأبا حذيفة بن المغيرة، وقاسط بن شريح
العبدي، والمغيرة بن المغيرة، سوى من قتلهم بعد ما هزمهم.
ولا اشكال في هزيمة عمر وعثمان، وإنما الاشكال في أبي بكر هل ثبت إلى
وقت الفرج أو انهزم.
354

وقتل (ع) في يوم الأحزاب: عمرو بن عبد ود وولده، ونوفل بن عبد الله
ابن المغيرة، ومنبه بن عثمان العبدري، وهبيرة بن أبي هبيرة المخزومي وهاجت الرياح
وانهزم الكفار.
وقتل (ع) يوم حنين أربعين رجلا وفارسهم أبو جرول وانه قده عظيما بنصفين
بضربة في الخوذة والعمامة والجوشن والبدن إلى القربوس وقد اختلفوا في اسمه.
ووقف (ع) يوم حنين في وسط أربعة وعشرين الف ضارب سيف إلى أن
ظهر المدد من السماء.
وفي غزاة السلسلة قتل السبعة الأشداء وكان أشدهم آخرهم وهو سعيد بن مالك
العجلي؟ في بني نضير قتل أحد عشر منهم غرورا. وفى بني قريظة ضرب أعناق
رؤساء اليهود مثل حي بن أخطب وكعب بن الأشرف. وفى غزوة بني المصطلق
قتل مالكا وابنه.
الفايق، كانت لعلي ضربتان إذا تطاول قد وإذا تقاصر قط، وقالوا: كانت
ضرباته أبكار إذا اعتلى قد وإذا اعترض قط وإذا أتى حصنا هد، وقالوا: كانت
ضرباته مبتكرات لا عونا، يقال ضربة بكر أي قاطعة لا تثنى والعون التي وقعت
مختلسة فأحوجت إلى المعاودة، ويقال انه كان يوقعها على شدة في الشدة لم يسبقه
إلى مثلها بطل. زعمت الفرس ان أصول الضرب ستة وكلها مأخوذة عنه وهي علوية
وسفلية وغلبة وماله وجاله وجرهام.
وفي يوم الفتح قتل فاتك العرب أسد بن غويلم: وفى غزوة وادي الرمل قتل
مبارزيهم. وبخيبر قتل مرحبا وذا الخمار وعنكبوتا. وبالطايف هزم خيل خثعم
وقتل شهاب بن عيس ونافع بن غيلان. وقتل مهلعا وجناحا وقت الهجرة. وقتاله
لاحداث مكة عند خروج النبي من داره إلى المسجد. ومبيته على فراشه ليلة الهجرة
وله المقام المشهور في الجمل حتى قطع يد الجمل ثم قطع رجليه حتى سقط. وله ليلة
الهرير ثلاثمائة تكبيرة أسقط بكل تكبيرة عدوا، وفي رواية خمسمائة وثلاثة وعشرون
رواه الأعثم، وفي رواية سبعمائة ولم يكن لدرعه ظهر ولا لمركوبه كر وفر.
وفيما كتب أمير المؤمنين إلى عثمان بن حنيف: لو تظاهرت العرب على قتالي لما
وليت عنها ولو أمكنت الفرصة من رقابها لسارعت إليها.
وفي الفايق ان عليا حمل على المشركين فما زالوا يبقطون - يعني تعادوا - إلى الجيال
355

منهزمين، وكانت قريش إذا رأوه في الحرب تواصت خوفا منه، وقد نظر إليه رجل
وقد شق العسكر فقال: علمت بأن ملك الموت في الجانب الذي فيه علي، قال الناشي:
همام ملك الموت إذا بادر في كد
لذاك الموت يقضي حاجة في صورة العبد
ولا يبرح حتى يولج المرهف في الغمد
ولا يقتل إلا كل ليث باسل نجد
ولا يتبع من ولى * من الحر إلى العبد
وقد سماه رسول الله كرار غير فرار في حديث خيبر، قال الصاحب:
قد كان كرارا فسمي غيره * في الوقت فرارا فهل من معدل
وقال غيره:
نفسي فداء علي من إمام هدى * مجاهدا في سبيل الله كرار
وقال ابن الحجاج:
أنا ملوى الكرار يوم حنين * والظبي قد تحكمت في النحور
أنا مولى لمن به افتتح الاسلام * حصني قريضة والنضير
والذي علم الأرامل في بدر * على المشركين جز الشعور
من مضت ليلة الهرير وقتلاه * جزافا يحصون بالتكبير
وكان النبي صلى الله عليه وآله يهدد الكفار به عليه السلام، وروى أحمد بن حنبل في الفضايل
عن شداد بن الهاد قال: لما قدم على رسول الله وفد من اليمن ليسرح فقال رسول الله
اللهم لتقيمن الصلاة أو لأبعثن إليكم رجلا يقتل المقاتلة ويسبي الذرية، قال: ثم قال
رسول الله: اللهم أنا أو هذا، وانتثل بيد علي.
تاريخ النسوي، قال عبد الرحمن بن عوف قال النبي لأهل الطايف في خبر:
والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة أولا بعثن إليكم رجلا مني أو كنفسي
فليضربن أعناق مقاتليكم وليسبين ذراريكم، قال: فرأى الناس انه عنى أبا بكر وعمر
فأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال هذا.
صحيح الترمذي وتاريخ الخطيب وفضايل السمعاني أنه قال صلى الله عليه وآله يوم الحديبية
لسهيل بن عمير: يا معشر قريش لتنتهن أو ليعثن الله عليكم من ضرب رقابكم على الدين
الخبر، ولذلك فسر الرضا (ع) قوله (والذين معه أشداء على الكفار) ان عليا منهم.
وقال معاوية يوم صفين: أريد منكم والله أن تشجروه بالرماح فتريحوا العباد والبلاد
356

منه، قال مروان: والله لقد ثقلنا عليك يا معاوية إذ كنت تأمرنا بقتل حية الوادي
والأسد العادي، ونهض مغضبا فأنشأ الوليد بن عقبة:
يقول لنا معاوية بن حرب * أما فيكم لواتركم طلوب
يشد على أبي حسن علي * بأسمر لا تهجنه الكعوب
فقلت له أتلعب يا بن هند * فإنك بيننا رجل غريب
أتأمرنا بحية بطن واد * يتاح لنا به أسد مهيب
كأن الخلق لما عاينوه * خلال النقع ليس لهم قلوب
فقال عمرو: والله ما يعير أحد بفراره من علي بن أبي طالب، ولما نعى بقتل
أمير المؤمنين دخل عمرو بن العاص على معاوية مبشرا فقال: ان الأسد المفترش ذراعيه
بالعراق لاقى شعوبه، فقال معاوية:
قل للأرانب تربع حيث ما سلكت * وللظباء بلا خوف ولا حذر
وقال الصاحب:
أسد ولكن الكلاب تعاورته بالنباح
لم يعرفوا لضلالهم فضل الزئير على الضباح
وقال أبو العلاء السروري:
تخاله أسدا يحمي العرين إذا * يوم الهياج بأبطال الوغى وجفا
يظله النصر والرعب اللذان هما * كانا له عادة إذ سار أو وقفا
شواهد فرضت في الخلق طاعته * برغم كل حسود مال وانحرفا
وقد أسر يزيد بن ركانة أشجع العرب وعمرو بن معدي كرب حتى فتح الله به
بلاد العجم وقتل بنهاوند، قال السوسي:
فتى قد عمروا حين خندقهم عبر * وساق بن معدى بالعمامة إذ أسر
وقال مهيار:
وتفكروا في أمر عمرو أولا * وتفكروا في أمر عمرو ثانيا
أسدان كانا من فرايس صيده * ولقلما هابا سواه مناديا
وقال الناشي:
وافى علي وعمرو في وقايعه * حتى إذا ما رآه حار واضطربا
واستعمل الصمت حتى لامه عمر * فقال يؤمي إليه وهو قد رعبا
357

هذا أحاديثه من عظمها أكلت * كل الأحاديث حتى أنه رهبا
هذا الذي ترك الألباب حائره * وأبلس العجم بالاقدام والعربا
في كفه كنت مأسورا فأطلقني * فقد غدوت على شكري له جدبا
أبو السعادات في فضايل العشرة روى أن عليا (ع) كان يحارب رجلا من
المشركين فقال المشرك: يا بن أبي طالب هبني سيفك، فرماه إليه فقال المشرك: عجبا
يا بن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع إلي سيفك! فقال: يا هذا انك مددت يد
المسألة إلي وليس من الكرم أن يرد السائل، فرمى الكافر نفسه إلى الأرض وقال:
هذه سيرة أهل الدين، فباس قدمه وأسلم.
وقال له جبرئيل: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.
وروى الخلق ان يوم بدر لم يكن عند الرسول صلى الله عليه وآله ماء فمر علي يحمل الماء
إلى وسط العدو وهم على بئر بدر فيما بينهم وجاء إلى البئر ونزل وملا السطيحة ووضعها
على رأس البئر فسمع حسا وأشار لمن يقصده فبرك في البئر فلما سكن صعد فرأى الماء
مصبوبا ثم نزل ثانيا فكان مثل ذلك فنزل ثالثا وحمل الماء ولم يصعد به بل صعد به حاملا
للماء، فلما حمل إلى النبي ضحك النبي في وجهه وقال: أنت تحدث أو أنا، فقال: بل
أنت يا رسول الله فكلامك أحلى، فقص عليه ثم قال له: كان ذلك جبرئيل يجرب ويري
الملائكة ثبات قلبك، قال ابن رزيك:
ما جردت من علي ذا الفقار يد * إلا وأغمده في هامة البطل
لم يقترب يوم حرب للكمي به * إلا وقرب منه مدة الأجل
كم كربة لأخيه المصطفى فرجت * به وكان رهين الحارث الجلل
محمد بن أبي السرى التميمي عن أحمد بن الفرج عن النهدي عن وبرة عن ابن عباس
قال: لما خرج النبي إلى بني المصطلق نزل بقرب وادي وعر فلما كان آخر الليل هبط
عليه جبرئيل يخبره ان كفارا من الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده فدعا
أمير المؤمنين وقال: اذهب إلى هذا الوادي فلما قارب شفيره أمر أصحابه أن يقفوا
بقرب الشفير ولا يحدثوا شيئا حتى يأذن لهم ثم تقدم فوقف على شفير الوادي وتعوذ
بالله من أعدائه وسماه بأحسن أسمائه ثم أمر أصحابه ان يقربوا منه ثم امر بالهبوط إلى
الوادي فاعترضتهم ريح عاصف كاد القوم يقعون على وجوههم لشدتها فصاح: انا علي
ابن أبي طالب بن عبد المطلب وصي رسول الله وابن عمه أثبتوا ان شئتم، وظهر
358

أشخاص مثل الزط يخيل الينا ان في أيديهم شعل النار وقد اطمأنوا بجنبات الوادي فتوغل
أمير المؤمنين بطن الوادي وهو يتلو القرآن ويؤمي بسيفه يمينا وشمالا فما لبث الأشخاص
حتى صارت كالدخان الأسود وكبر أمير المؤمنين ثم صعد فقال: كفى الله كيدهم وكفى
المسلمين شرهم وسيسبقني بقيتهم إلى النبي فيؤمنوا به، قال: فلما وافى النبي قال له:
لقد سبقك يا علي إلي من أخافه الله بك فأسلم.
وهذا كما رويتم عن ابن مسعود قصة ليلة الجن، وتصح محاربة الجن بأسماء الله
تعالى. قال أبو الفتح محمد السابوري.
وفي الجن فضل وفي حرفهم * أعاجيب علم لمستعلم
وقال أبو الحسن البياضي:
من قاتل الجن غير حيدرة * وصاح فيهم بصوته الجهور
فصوته قد علا غريفهم * إذ قال هات الحسام يا قنبر
فانهزموا ثم مزقت شيعا * منه العفاريت خيفة تذعر
وقال أبو الحسن الأسود:
من قاتل الجن الطغاة فأسلموا * في البئر كرها يا اولي الألباب
من هز خيبر هزة فتساقطت * أبراجها لما دحى بالباب
محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن الحارث عن أبيه عن ابن عباس، وأبو
عمر وعثمان بن أحمد عن محمد بن هارون باسناده عن ابن عباس في خبر طويل انه أصاب
الناس عطش شديد في الحديبية فقال النبي: هل من رجل يمضى مع السقاة إلى بئر
ذات العلم فيأتينا بالماء وأضمن له على الله الجنة فذهب جماعة فيهم سلمة بن الأكوع فلما
دنوا من الشجرة والبئر سمعوا حسا وحركة شديدة وقرع طبول ورأوا نيرانا تتقد
بغير حطب فرجعوا خائفين ثم قال: هل من رجل يمضي مع السقاة فيأتينا بالماء اضمن
له على الله الجنة، فمضى رجل من بنى سليم وهو يرتجز:
أمن غريف ظاهر نحو السلم * ينكل من وجهه خير الأمم
من قبل ان يبلغ آبار العلم * فيستقي والليل مبسوط الظلم
ويا من الذم وتوبيخ الكلم
فلما وصلوا إلى الحس رجعوا وجلين فقال النبي صلى الله عليه وآله: هل من رجل يمضي مع
السقاة إلى البئر ذات العلم فيأتينا بالماء اضمن له على الله الجنة فلم يقم أحد واشتد بالناس
359

العطش وهم صيام ثم قال لعلي (ع): سر مع هؤلاء السقاة حتى ترد بئر ذات العلم
وتستقي وتعود إن شاء الله، فخرج علي قائلا:
أعوذ بالرحمن ان اميلا * من غرف جن اظهروا تأويلا
وأوقدت نيرانها لعلها تهويلا * وقرعت مع غرفها طبولا
قال: فداخلنا الرعب فالتفت علي الينا وقال: اتبعوا أثري ولا يفزعنكم ما ترون
وتسمعون فليس بضائركم انشاء الله، ثم مضى فلما دخلنا الشجر فإذا بنيران تضطرم
بغير حطب وأصوات هائلة ورؤوس مقطعة لها ضجة وهو يقول: اتبعوني ولا
خوف عليكم ولا يلتفت أحد منكم يمينا ولا شمالا، فلما جاوزنا الشجرة ووردنا الماء
أدلى البراء بن عازب دلوه في البئر فاستقى دلوا أو دلوين ثم انقطع الدلو فوقع في القليب
والقليب ضيق مظلم بعيد القعر فسمعنا من أسفل القليب قهقهة وضحكا شديدا فقال
علي: من يرجع إلى عسكرنا فيأتينا بدلو ورشا؟ فقال أصحابه: لن نستطيع ذلك،
فاتزر بميزر ونزل في القليب وما تزداد القهقهة إلا علوا وجعل ينحدر في مراقي القليب
إذ زلت رجله فسقط فيه فسمعنا وجبة شديدة واضطرابا وغطيطا كغطيط المخنوق
ثم نادى: الله أكبر الله أكبر أنا عبد الله وأخو رسول الله هلموا قربكم، فأقعمها
واصعدها على عتقه شيئا فشيئا ومضى بين أيدينا فلم نر شيئا، فسمعنا صوتا يقول:
أي فتى ليل أخي روعات * وأي سباق إلى الغايات
لله در الغرر السادات * من هاشم الهامات والقامات
مثل رسول الله ذي الآيات * أو كعلي كاشف الكربات
كذا يكون المرء في الحاجات
فارتجز أمير المؤمنين عليه السلام:
الليل هول يرهب المهيبا * ويذهل المشجع اللبيبا
فإنني أهول منه ذيبا * ولست أخشى الروع والخطوبا
إذا هززت الصارم القضيبا * أبصرت منه عجبا عجيبا
وانتهى إلى النبي وله زجل فقال رسول الله: ماذا رأيت في طريقك يا علي؟
فأخبره الخبر كله فقال: ان الذي رأيته مثل ضربه الله لي ولمن حضر معي في وجهي هذا،
قال علي: اشرحه لي يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله: اما الرؤوس التي رأيتم لها ضجة " المناقب ج 1، م 45 "
360

ولألسنتها لجلجة فذلك مثل قوم معي يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ولا يقبل الله
منهم صرفا ولا عدلا ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا، واما النيران بغير حطب ففتنة
تكون في أمتي بعدي القائم فيها والقاعد سواء لا يقبل الله لهم عملا ولا يقيم لهم يوم
القيامة وزنا، واما الهاتف الذي هتف بك فذاك سلقعة وهو سلقعة بن غراف الذي
قتل عدو الله مسعرا شيطان الأصنام الذي كان يكلم قريشا منها ويشرع في هجاي.
عبد الله بن سالم: ان النبي صلى الله عليه وآله بعث سعد بن مالك بالروايا يوم الحديبية فرجع
رعبا من القوم ثم بعث عليا (ع) فاستسقى ثم أقبل بها إلى النبي فكبر ودعا له بخير.
قال العبدي:
من قاتل الجن في القليب ترى * من قلع الباب ثم أدحاها
من كان في الحرب فارس بطل * أشدهم ساعدا وأقواها
وقال أبو الحسين: من قاتل الجن على الماء ومن * ردت له الشمس فصلى وسرى
وقال العوني:
علي هبط الجب * وجنح الليل كالقار
وقال السروجي:
والبئر لما عندها محمد * حل وللبئر لهيب قد سعر
وأدلى الوارد منها دلوه * فعاد مقطوعا إلى حيث انحدر
وأظهرت نار فولى هاربا * عنها وفي أعقابه رمى الحجر
فعندها وافى وصي أحمد * صلى عليه من عفا ومن غفر
ومر فيها نار لا حتى إذا * صار إلى النصف به الحبل انبتر
فطال فيها لبثه ثم ارتقى * لسانه القرآن يقرا والسور
فاغترف الناس وأسقى وسقى * والماء فيه من دم الجان عكر
وهل ثبت مثل ذلك لكرد من الفرس مثل رستم واسفنديار وكشتاسف وبهمن
أو لفرسان من العرب مثل عنتر العبسي وعامر بن الطفيل وعمرو بن عبد ود أو لمبارز
من الترك مثل افراسياب وشبهه فهو الفارس الذي يفرق العسكر كفرق الشعر ويطويهم
كطي السجل الحرب دأبه والجد آدابه والنصر طبعه والعدو غنمه جري خطار
وجسور هصار ما لسيفه إلا الرقاب قراب انه لو حضر لكفى الحذر ويقال له غالب كل
361

غالب علي بن أبي طالب.
وقد رويتم علي كان أشجعه * وأشجع الجمع بالأعداء أثقفه
وقال السروجي:
فقلت أما علي آية خلقت * والله أظهرها للناس في رجل
مخيفة بعلي ثم ألحقها * بذي الفقار وفيه قبضة الأجل
ما سله ورحاء الحرب دائرة * إلا وأغمده في هامة البطل
ما صالح في الجيش صوتا ثم اتبعه * أنا علي تولى الجيش من جفل
وقال الزاهي:
هذا الذي أردى الوليد وعتبة * والعامري وذا الخمار ومرحبا
هذا الذي هشمت يداه فوارسا * قسرا ولم يك خائفا مترقبا
في كل منبت شعرة من جسمه * أسد يمد إلى الفريسة مخلبا
وقال دعبل:
سنان محمد في كل حرب * إذا نهلت صدور السمهري
وأول من يجيب إلى براز * إذا زاغ الكمي عن الكمي
مشاهد لم تفل سيوف تيم * بهن ولا سيوف بني عدي
وقال ابن حماد:
ذاك الفتى النجد الذي إذا بدا * بمعرك ألقت له فتيانه
ليث لو الليث الجري خاله * أطار من هيبته جنانه
ذاك الشجاع إذ بدا بمعرك * تفرقت من خوفه شجعانه
تبكي الطلا ان ضحكت أسيافه * ويرتوي ان عطشت سنانه
صقر ولكن صيده صيد الوغى * ليث ولكن فرسه فرسانه
ترى سباع البيد تقفوا اثره * لأنها يوم الوغى ضيفانه
يقرن أرواح الكماة بالردى * كذاك خاضت دونه أقرانه
وكم كمي قد سقاه في الوغى * وليس تخبو للقرى نيرانه
ومن قوله:
مجلي الكرب يوم الحرب * في بدر وفي أحد
إذا الهيجاء هاج لها * بقلب غير مرتعد
362

ترى الابطال باطلة * لخوف الفارس الأسد
فأنفسهم مودعة * لها بتنفس الصعد
وقد خنقوا لخيفة * فلست تحس من أحد
فلا صوت بغير البيض * فوق البيض والزرد
سقى عمروا منيته * وعمروا قاد في الصفد
أمير النحل مولى ال‍ * خلق غير الواحد الصمد
فلن تلد النسا شبها * له كلا ولم تلد
شبيه المصطفى في الفضل * لم ينقص ولم يزد
وقالت جرهمة الأنصارية:
صهر النبي فذاك الله أكرمه * إذا اصطفاه وذاك الصبر مدخر
لا يسلم القرن منه ان ألم به * ولا يهاب وان أعداؤه كثروا
من رام صولته وافت منيته * لا يدفع الثكل عن أقرانه الحذر
فصل: في المسابقة بالزهد والقناعة
المعروفون من الصحابة بالورع: علي وأبو بكر وعمر وابن مسعود وأبو ذر
وسلمان وعمار والمقداد وعثمان بن مظعون وابن عمر، ومعلوم ان أبا بكر ثوفي وعليه
لبيت مال المسلمين نيف وأربعون ألف درهم وعمر مات وعليه نيف وثمانون ألف درهم
وعثمان مات وعليه مالا يحصى كثرة وعلي مات وما ترك إلا سبعمائة درهم فضلا عن
عطائه أعدها الخادم. قال السوسي:
من فارق الدنيا وما * أفاد منهما درهما
ولم يكن كغيره * مستأكلا متهما
وقد ثبت من زهده انه لم يحفل بالدنيا ولا الرياسة فيها دون أن عكف على غسل
رسول الله وتجهيزه وقول أولئك منا أمير ومنكم أمير إلى أن تقمصها أبو بكر، وقال
الله تعالى (ان أكرمكم عند الله أتقاكم) وقال تعالى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا)
الآية، واجتمعت الأمة على أنه من فقراء المهاجرين، وأجمعوا على أن أبا بكر كان
غنيا، وكان (ع) جلي الصفحة نقي الصحيفة ناصع الجيب تقي الذيل عذب المشرب
عفيف المطلب لم يتدنس بحطام ولم يتلبس بآثام وقد شهد النبي صلى الله عليه وآله بزهده قوله:
363

علي لا يزره من الدنيا ولا تزرء الدنيا منه.
أمالي الطوسي في حديث عمار: يا علي ان الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة
أحب إلى الله منها زينك بالزهد في الدنيا وجعلت لا تزره منها شيئا ولا تزرء منك شيئا
ووهبك حب المساكين فجعلت ترضى بهم أتباعا ويرضون بك إماما.
اللؤليات، قال عمر بن عبد العزيز: ما علمنا أحدا كان في هذه الأمة أزهد من
علي بن أبي طالب بعد النبي صلى الله عليه وآله. قوت القلوب، قال ابن عيينة: أزهد الصحابة
علي بن أبي طالب.
سفيان بن عيينة عن الزهري عن مجاهد عن ابن عباس: (فأما من طغى وآثر
الحياة الدنيا) هو علقمة بن الحارث بن عبد الدار، (وأما من خاف مقام ربه) علي بن
أبي طالب خاف فانتهى عن المعصية ونهى عن الهوى نفسه فان الجنة هي المأوى خاصا
لعلي ومن كان على منهاجه هكذا عاما.
قتادة عن الحسن عن ابن عباس في قوله (ان للمتقين مفازا) هو علي بن أبي طالب
سيد من اتقاه عن ارتكاب الفواحش ثم ساق التفسير إلى قوله (جزاء من ربك) لأهل
بيتك خاصا لهم وللمتقين عاما.
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان عن مجاهد وابن عباس (ان المتقين في ظلال
وعيون) من اتقى الذنوب علي بن أبي طالب والحسن والحسين في ظلال من الشجر
والخيام من اللؤلؤ طول كل خيمة مسيرة فرسخ في فرسخ، ثم ساق الحديث إلى قوله
(إنا كذلك نجزي المحسنين) المطيعين لله أهل بيت محمد في الجنة، وجاء في تفسير قوله
تعالى (ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) علي بن أبي طالب.
الحليلة، قال سالم بن الجعد: رأيت الغنم تبعر في بيت المال في زمن أمير المؤمنين،
وفيها عن الشعبي قال: كان أمير المؤمنين (ع) ينضحه ويصلي فيه.
وروى أبو عبد الله بن حمويه البصري باسناده عن سالم الجحدري قال: شهدت
علي بن أبي طالب اتي بمال عند المساء فقال: اقتسموا هذا المال، فقالوا: قد أمسينا
يا أمير المؤمنين فأخره إلى غد، فقال لهم: تضمنون لي أن أعيش إلى غد؟ قالوا: ماذا
بأيدينا، فقال: لا تؤخروه حتى تقسموه.
ويروى انه كان يأتي عليه وقت لا يكون عنده قيمة ثلاثة دراهم يشتري بها
أزارا وما يحتاج إليه ثم يقسم كل ما في بيت المال على الناس ثم يصلى فيه ويقول: الحمد
364

لله الذي أخرجني منه كما دخلته.
وروى أبو جعفر الطوسي ان أمير المؤمنين قيل له: اعط هذه الأموال لمن
يخاف عليه من الناس وفراره إلى معاوية فقال (ع): أتأمروني أن أطلب النصر
بالجور لا والله لا أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السماء نجم والله لو كان مالهم لي لواسيت
بينهم وكيف وإنما هي أموالهم.
واتي إليه بمال فكوم كومة من ذهب وكومة من فضلة وقال: يا صفراء اصفري
يا بيضاء ابيضي وغري غيري
هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه
قال العبدي:
وكان يقول يا دنياي غري * سواي فلست من أهل الغرور
وله أيضا:
لم تستمل قلبه الدنيا بزخرفها * بل قال غري سواي قول محتقر
الباقر (ع) في خبر: ولقد ولى خمس سنين وما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة
على لبنة ولا أقطع قطيعا والا أورث بيضا ولا حمرا.
ابن بطة عن سفيان الثوري ان عينا نبعت في بعض ماله فبشر بذلك فقال (ع):
بشر الوارث، وسماها عين ينبع. قال ابن حماد:
لقد نبعت له عين فظلت * تفور كأنها عنق البعير
فوافاه البشير بها مغذا * فقال علي ابشر يا بشيري
فقد صيرتها وقفا مباحا * لوجه الله ذي العز القدير
الفايق عن الزمخشري ان عليا اشترى قميصا فقطع ما فضل عن أصابعه ثم قال
للرجل: حصه، أي خط كفافه.
خصال الكمال عن أبي الحسن البلخي انه اجتاز بسوق الكوفة فتعلق به كرسي
فتخرق قميصه فأخذه بيده ثم جاء به إلى الخياطين فقال: خيطوا لي ذا بارك الله فيكم
الأشعث العبدي قال: رأيت عليا في الفرات يوم جمعة ثم ابتاع قميصا كرابيش
بثلاثة دراهم فصلى بالناس الجمعة وما خيط جريانه بعد.
عن شبيكة قال: رأيت عليا يأتزر فوق سترته ويرفع ازاره إلى انصاف ساقيه.
الصادق (ع): كان علي (ع) يلبس القميص الزابي ثم يمد يده فيقطع مع أطراف
365

أصابعه. وفى حديث عبد الله بن الهذيل: كان إذا مده بلغ الظفر وإذا أرسله كان
مع نصف الذراع.
علي بن ربيعة: رأيت عليا يأتزر فرأيت عليه ثيابا فقلت له في ذلك فقال: وأي
ثوب أستر منه للعورة وأنشف للعرق.
وفى فضايل أحمد: رؤي على علي (ع) أزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم ورؤي
عليه أزار مرقوع فقيل له في ذلك فقال: يقتدي به المؤمنون ويخشع له القلب وتذل
به النفس ويقصد به المبالغ، وفى رواية: أشبة بشعار الصالحين، وفى رواية: أحصن
لفرجي، وفي رواية: هذا أبعد لي من الكبر وأجدر أن يقتدي به المسلم.
مسند أحمد، أنه قال الجعدي بن نعجة الخارجي: اتق الله يا علي انك ميت، قال
بل والله قتلا ضربة على هذا قضاء مقضيا وعهدا معهودا وقد خاب من افترى. وكان
كمه لا يجاوز أصابعه ويقول: ليس للكمين على اليدين فضل. ونظر (ع) إلى فقير
انخرق كم ثوبه فخرق كم قميصه وألقاه إليه.
أمير المؤمنين: ما كان لنا إلا اهاب كبش أبيت مع فاطمة بالليل ويعلف عليها
الناضح. مسند الموصلي، الشعبي عن الحارث عن علي قال: ما كان ليلة أهدت لي
فاطمة شئ ينام عليه إلا جلد كبش، واشترى (ع) ثوبا فأعجبه فتصدق به.
الغزالي في الاحياء: كان علي بن أبي طالب يمتنع من بيت المال حتى يبيع سيفه
ولا يكون له إلا قميص واحد في وقت الغسل لا يجد غيره.
ورأي عقيل بن عبد الرحمن الخولاني عليا جالسا على بردعة حمار مبتلة فقال لأهله
في ذلك فقالت: لا تلومني فوالله ما يرى شيئا ينكره إلا اخذه وطرحه في بيت المال.
فضايل احمد، قال زيد بن محجن قال علي: من يشتري سيفي هذا فوالله لو كان
عندي ثمن أزار ما بعته.
الأصبغ وأبو مسعدة والباقر (ع): انه أنى البزازين فقال لرجل: يعني ثوبين
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين عندي حاجتك، فلما عرفه مضى عنه فوقف على غلام فأخذ
ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين فقال: يا قنبر خذ الذي بثلاثة، فقال:
أنت أولى به تصعد المنبر وتخطب الناس، قال: أنت شابو لك شره الشباب وأنا
استحي من ربي أن أتفضل عليك سمعت رسول الله يقول ألبسوهم مما تلبسون وأطعموهم
مما تأكلون، فلما لبس القميص مدكم القميص فأمر بقطعه واتخاذه قلانس للفقراء
366

فقال الغلام: هلم اكفه، قال: دعه كما هو فان الامر أسرع من ذلك فجاء أبو الغلام
فقال: ان ابني لم يعرفك وهذان درهمان ربحهما، فقال: ما كنت لافعل قد ما كست
وما كسني واتفقنا على رضى، رواه أحمد في الفضايل. قال أبو أيوب المورياني:
ينشر ديباجا على صحبه * وهم إذا ما نشروا كربسوا
علي بن أبي عمران قال: خرج ابن للحسن بن علي عليهما السلام وعلي في الرحبة
وعليه قميص خز وطوق من ذهب فقال ابني هذا قالوا نعم قال فدعاه فشقه عليه
واخذ الطوق منه فجعله قطعا قطعا.
عمرو بن نعجة السكوني قال: اتي علي (ع) بدابة دهقان ليركبها فلما وضع
رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما وضع يده على القربوس زلت يده من الصفة فقال
أديباج هي؟ قال نعم، فلم يركب.
الاحياء عن الغزالي انه كان له سويق في اناء مختوم يشرب منه فقيل له أتفعل
هذا بالعراق مع كثرة طعامه فقال: أما اني لا اختمه بخلابه ولكني أكره أن يجعل
فيه ما ليس منه وأكره ان يدخل بطني غير طيب.
معاوية بن عمار عن الصادق (ع) قال: كان علي (ع) لا يأكل مما هنا حتى يؤتى
به من ثم - يعنى الحجاز -.
الأصبغ بن نباتة قال علي: دخلت بلادكم بأشمالي هذه ورحلتي وراحلتي هاهي
فان انا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنني من الخائنين، وفى رواية: يا أهل البصرة
ما تنقمون منى ان هذا لمن غزل أهلي، وأشار إلى قميصه.
ورآه سويد بن غفلة وهو يأكل رغيفا يكسر بركبتيه ويلقيه في لبن خازر يجد
ريحه من حموضته فقلت: ويحك يا فضه أما تتقون الله تعالى في الشيخ فتخلون له طعاما
لما أرى فيه من النخال، فقال أمير المؤمنين: بأبي وأمي من لم ينخل له طعام ولم
يشبع من خبز البر حتى قبضه الله.
وقال لعقبة بن علقمة: يا أبا الجنوب أدركت رسول الله يأكل أيبس من هذا
ويلبس أخشن من هذا فان أنا لم آخذ به خفت أن لا ألحق به.
وترصد غداه عمرو بن حريث فأتت فضة بجراب مختوم فأخرج منه خبزا متغيرا
خشنا فقال عمرو: يا فضة لو نخلت هذا الدقيق وطيبته قالت كنت افعل فهاني وكنت
أضع في جرابه طعاما طيبا فختم جرابه. ثم إن أمير المؤمنين فته في قصعة وصب عليه
367

الماء ثم ذر عليه الملح وحسر عن ذراعه فلما فرغ قال: يا عمرو لقد حانت هذه، ومد
يده إلى محاسنه، وخسرت هذه ان ادخلها النار من اجل الطعام وهذا يخزبنى.
ورآه عدي بن حاتم وبين يديه شنة فيها قراح ماء وكسرات من خبز شعير وملح فقال إني
لا أرى لك يا أمير المؤمنين لتظل نهارك طاويا مجاهدا وبالليل ساهرا مكايدا ثم
يكون هذا فطورك! فقال (ع): علل النفس بالقنوع وإلا طلبت منك فوق ما يكفيها
وقال سويد بن غفلة: دخلت عليه يوم عيد فإذا عنده فاثور عليه خبز السمراء
وصحفة فيها خطيفة وملبنة فقلت يا أمير المؤمنين يوم عيد وخطيفة! فقال: إنما
هذا عيد من غفر له.
ابن بطة في الإبانة عن جندب ان عليا قدم إليه لحم غث فقيل له: نجعل لك فيه
سمنا؟ فقال (ع) انا لا نأكل ادمين جميعا.
واجتمع عنده في يوم عيد أطعمة فقال: أجعلها بأجا، وخلط بعضها ببعض
فصارت كلمته مثلا.
العرني: وضع خوان من فالوذج بين يديه فوجأ بإصبعه حتى بلغ أسفله ثم سلها
ولم يأخذ منه شيئا وتلمظ بإصبعه وقال: طيب طيب وما هو بحرام ولكن أكره ان
أعود نفسي بما لم أعودها. وفى خبر عن الصادق (ع) انه مد يده إليه ثم قبضها فقيل
له في ذلك فقال ذكرت رسول الله انه لم يأكله قط فكرهت ان آكله.
وفى خبر آخر عن الصادق انه قالوا له: تحرمه؟ قال لا ولكن أخشى ان تتوق
إليه نفسي ثم تلا أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا.
الباقر في خبر كان (ع) ليطعم خبز البر واللحم وينصرف إلى منزله ويأكل
خبز الشعير والزيت والخل. فضايل احمد، قال علي ما أصبح بالكوفة أحد إلا ناعما ان أدناهم منزلة ليأكل
البر ويجلس في الظل ويشرب من ماء الفرات. قال الحميري:
وكان طعامه خبزا وزيتا * ويؤثر باللحوم الطارقينا
وقال الشريف المرتضى
وإذا الأمور تشابهت وتبهمت * فجلاؤها وشفاؤها أحكامه
وإذا التفت إلى التقى صادفته * من كل بر وافر اقسامه " مناقب ج 1، م 46 "
368

فالليل فيه قيامه متهجدا * يتلو الكتاب وفي النهار صيامه
يعفى الثلاث تعففا وتكرما * حتى يصادف زاده ومقامه
فمضى بريئا تشنه ذنوبه * يوما ولا ظفرت به آثامه
وقال الحيص بيص:
صدوق عن الزاد الشهي فؤاده * رغيب إلى زاد التقى والفضايل
جري إلى قول الصواب لسانه * إذا ما الفتاوى أفحمت بالمسائل
أعيدت له الشمس الأصيل جلالة * وقد حال ثوب الصبح في ارض بابل
أبو صادق عن علي (ع) انه تزوج لبلى؟ فجعلت له حجلة فهتكها وقال: حسب
آل علي ما هم فيه.
الحسن بن صالح بن حي قال: بلغني ان عليا تزوج امرأة فنجدت له بيتا فأبى ان يدخله
كلاب بن علي العامري قال: زفت عمتي إلى علي على حمار باكاف تحتها قطيفة
وخلفها قفة معلقة.
ابن عباس ومجاهد وقتادة في قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات) الآية
نزلت في علي وأبي ذر وسلمان والمقداد وعثمان بن مظعون وسالم انهم اتفقوا على أن
يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفراش ولا يأكلوا اللحم ولا يقربوا
النساء والطيب ويلبسوا المسوح ويرفضوا الدنيا ويسيحوا في الأرض وهم بعضهم
أن يجب مذاكيره فخطب النبي صلى الله عليه وآله وقال: ما بال أقوام حرموا النساء والطيب والنوم
وشهوات الدنيا أما اني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا فإنه ليس في ديني
ترك اللحم والنساء ولا اتخاذ الصوامع وان سياحة أمتي ورهبانيتهم الجهاد، إلى آخر الخبر
أبو عبد الله (ع): نزلت في علي وبلال وعثمان بم مظعون، فاما علي فإنه
حلف أن لا ينام بالليل أبدا إلا ما شاء الله، واما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا
واما عثمان بن مظعون فإنه حلف أن لا ينكح أبدا. وقال مهيار:
كلا ولا أغنته عفة نفسه * عن جاعل يرضى سواه حاضر
ولقاؤه شهواته ببصيرة * معصومة عنها بذيل طاهر
وفيما كتب (ع) إلى سهل بن حنيف أما علمت أن إمامكم قد اكتفى من دنياه
بطبرته ويسد فاقة جوعه بقرصيه ولا يأكل الفلذة في حوليه إلا في سنة أضحيته
يستشرق الافطار على ادميه ولقد آثر اليتيمة على سبطيه ولم تقدروا على ذلك فأعينوني
بورع واجتهاد والله ما كنزت من دنياكم تبرا ولا ادخرت من غنايمها وفرا ولا أعددت
369

لبالي ثوبي طمرا ولاخرت من أقطارها شبرا وما اقتات منها إلا كقوت أتان دبرة
ولهى في عيني أهون من عصفة ولقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها
فقال قائل: القها فذ والاتن لا ترضى لبراذعها فقلت اغرب عني فعند الصباح يحمد القوم
السرى. قال ابن رزيك:
هو الزاهد الموفى على كل زاهد * فما قطع الأيام بالشهوات
بايثاره بالقوت يطوى على الطوى * إذا أمه المسكين في الأزمات
تقرب للرحمن إذ كان راكعا * بخاتمه في جملة القربات
تاريخ الطبري والبلاذري، ان العباس قال لعلي (ع): ما قدمتك إلى شئ إلا
ما خرت عنه أشرت عليك عنده وفاة رسول الله تسأله في من هذا الامر فأبيت وأشرت
عليك بعد وفاته أن تعاجل الامر فأبيت وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى
لا تدخل معهم فأبيت فما الحيلة.
دخل ابن عباس على أمير المؤمنين وقال: ان الحاج قد اجتمعوا ليسمعوا منك وهو
يخصف نعلا قال: أما والله إنها لأحب إلي من إمرتكم هذه إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا
وكتب (ع) إلى ابن عباس: أما بعد فلا يكن حظك في ولايتك ما لا تستفيده
ولا غيظا تشتفيه ولكن إماتة باطل واحياء حق.
وقال (ع): يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت أم إلي تشوقت لا حان حينك هيهات غري
غيري لا حاجة لي فيك قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، وله عليه السلام:
طلق الدنيا ثلاثا * واتخذ زوجا سواها
انها زوجة سوء * لا تبالي من أتاها
وقال الصاحب:
من كمولانا علي زاهد * طلق الدنيا ثلاثا ووفى
وقال ابن رزيك:
ذاك الذي طلق الدنيا لعمري عن * زهد وقد سفرت عن وجهها الحسن
وأوضح المشكلات الخافيات وقد * دقت عن الفكر واعتاضت على الفطن
حمل أنساب الأشراف ان أمير المؤمنين مر على قدر بمزبلة وقال هذا ما بخل به
الباخلون، ويروى ان أمير المؤمنين (ع) كان في بعض حيطان فدك وفي يده مسحاة
فهجمت عليه امرأة من أجمل النساء فقالت: يا بن أبي طالب أن تزوجتني أغنيك عن
هذه المسحاة وأدلك على خزائن الأرض ويكون لك الملك ما بقيت، قال لها: فمن أنت
370

حتى أخطبك من أهلك؟ قالت: أنا الدنيا، فقال (ع): ارجعي فاطلبي زوجا غيري
فلست من شأني، وأقبل على مسحاته وأنشأ:
لقد خاب من غرته دنيا دنية * وما هي أن غرت قرونا بباطل
أتتنا على زي العروس بثينة * وزينتها في مثل تلك الشمايل
فقلت لها غري سواي فإنني * عزوف عن الدنيا ولست بجاهل
وما أنا والدنيا وان محمدا * رهين بقفر بين تلك الجنادل
وهبها أتتني بالكنوز ودرها * وأموال قارون وملك القبايل
أليس جميعا للفناء مصيرنا * ويطلب من خزانها بالطوايل
فغري سواي انني غير راغب * لما فيك من عز وملك ونايل
وقد قنعت نفسي بما قد رزقته * فشأنك يا دنيا وأهل الغوايل
فاني أخاف الله يوم لقائه * وأخشى عذابا دائما غير زايل
الباقر (ع): انه ما ورد عليه أمران كلاهما رضى الله إلا أخذ بأشدهما على بدنه.
وقال معاوية لصرار بن ضمرة: صف لي عليا، قال: كان والله صواما بالنهار
قواما بالليل يحب من اللباس أخشنه ومن الطعام أجشبه وكان يجلس فينا ويبتدي إذا
سكتنا ويجيب إذا سألنا يقسم بالسوية وبعدل في الرعية لا يخاف الضعيف من جوره
ولا يطمع القوي في ميله والله لقد رأيته ليلة من الليالي وقد أسبل الظلام سدوله
وغارت نجومه وهو يتململ في المحراب تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ولقد رأيته
مسيلا للدموع على خده قابضا على لحيته يخاطب دنياه فيقول يا دنيا أبي تشوقت ولي
تعرضت لا حان حينك فقد أنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك فعيشك قصير وخطرك يسير
آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
ابن بطة في الإبانة، وأبو بكر بن عياش في الأمالي عن أبي داود عن السبيعي
عن عمران بن حصين قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وعلي إلى جنبه إذ قرأ النبي هذه
الآية (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) قال:
فارتعد علي فضرب النبي على كتفيه وقال: مالك يا علي؟ قال: قرأت يا رسول الله هذه
الآية فخشيت ان أبتلي بها فأصابني ما رأيت، فقال رسول الله: لا يحبك إلا مؤمن ولا
يبغضك إلا منافق إلى يوم القيامة. قال الحميري:
وانك قد ذكرت لدى مليك * يذل لعزه المتجبرونا
فخر لوجهه صعقا وأبدى * لرب الناس رهبة راهبينا
371

وقال لقد ذكرت لدى إلهي * فأبدي ذلة المتواضعينا
وقال حسان بن ثابت:
جزى الله خيرا والجزاء بكفه * أبا حسن عنا؟ ومن كأبي حسن
سبقت قريشا بالذي أنت أهله * فصدرك مشروح وقلبك ممتحن
فصل: في المسابقة بالسخاء والتفقه في سبيل الله
الأصبغ عن علي (ع) في قوله (وعباد الرحمن) قال: فينا نزلت هذه الآية.
أبو الجارود: سألت أبا جعفر (ع) عن قوله (والذين هم من خشية ربهم مشفقون)
إلى قوله (راجعون).
الصادق: كان أمير المؤمنين يحطب ويستسقي ويكنس وكانت فاطمة تطحن
وتعجن وتخبز.
الإبانة عن ابن بطة والفضايل عن أحمد انه اشترى (ع) تمرا بالكوفة فحمله
في طرف ردائه فتبادر الناس إلى حمله وقالوا: يا أمير المؤمنين نحن نحمله، فقال (ع):
رب العيال أحق بحمله.
قوت القلوب عن أبي طالب المكي: ان علي يحمل الثمر والماح بيده ويقول:
لا ينقص الكامل من كماله * ما جر من نفع إلى عياله
زيد بن علي: انه كان يمشي في خمسة حافيا ويعلق نعليه بيده اليسرى يوم الفطر
والنحر ويوم الجمعة وعند العيادة وتشييع الجنازة ويقول: انها مواضع الله وأحب
أن أكون فيها حافيا.
زادان: انه كان (ع) يمشي في الأسواق وحده وهو ذاك يرشد الضال ويعين
الضعيف ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ (تلك الدار الآخرة نجعلها)
الصادق (ع): خرج أمير المؤمنين على أصحابه وهو راكب فمشوا معه فالتفت
إليهم فقال: ألكم حاجة؟ قالوا: لا ولكنا نحب أن نمشي معك، فقال لهم: انصرفوا
وارجعوا النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكي.
وترحل دهاقين الأنبار له وأسندوا بين يديه فقال: ما هذا الذي صنعتموه؟
قالوا: خلق منا نعظم به أمراءنا، فقال: والله ما ينتفع بهذا امراؤكم وانكم لتشقون
به على أنفسكم وتشقون به في آخرتكم وما أخسر المشقة وراءها العقاب وما اربح
الراحة معها الأمان من النار.
372

أبو عبد الله (ع): افتخر رجلان عند أمير المؤمنين (ع) فقال: أتفتخران
بأجساد بالية وأرواح في النار ان لم يكن له عقل فان لك خلفا وان لم يكن له تقوى
فان لك كرما وإلا فالحمار خير منكما ولست بخير من أحد.
الحسن العسكري (ع) في خبر طويل ان رجلا وابنه وردا عليه فقام إليهما
وأجلسهما في صدر مجلسه وجلس بين أيديهما ثم أمر بطعام فأحضر فأكلا منه ثم أخذ
الإبريق ليصب على يد الرجل فتمرغ الرجل في التراب فقال: يا أمير المؤمنين كيف الله
يراني وأنت تصب على يدي، قال اقعد واغسل فان الله يراني أخاك الذي لا يتميز منك
ولا يتفضل عنك ويزيد بذاك في خدمه في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا
وعلى حسب ذلك في مماليكه فيها، فقعد الرجل وغسل يده فلما فرغ ناول الإبريق
محمد بن الحنفية وقال: يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده ولكن
الله يأبى أن يسوي بين ابن وأبيه إذا جمعهما قد صب الأب على الأب فليصب الابن على
الابن. حلية الأولياء ونزهة الابصار انه مضى علي (ع) في حكومة إلى شريح مع
يهودي فقال: يا يهودي الدرع درعي ولم أبع ولم أهب، فقال اليهودي: الدرع لي
وفي يدي، فسأله شريح البينة فقال: هذا قنبر والحسين يشهدان لي بذلك، فقال
شريح: شهادة الابن لا تجوز لأبيه وشهادة العبد لا تجوز لسيده وانهما يجران إليك، فقال
أمير المؤمنين: ويلك يا شريح أخطأت من وجوه أما واحدة فأنا إمامك تدين الله
بطاعتي وتعلم اني لا أقول باطلا فرددت قولي وأبطلت دعواي ثم سألتني البينة فشهد
عبدي وأحد سيدي شباب أهل الجنة فرددت شهادتهما ثم ادعيت عليهما انهما يجران إلى
أنفسهما أما اني لا أرى عقوبتك إلا أن تقضي بين اليهود ثلاثة أيام أخرجوه، فأخرجه
قبا فقضى بين اليهود ثلاثا ثم انصرف، فلما سمع اليهودي ذلك قال: هذا أمير المؤمنين جاء إلى الحاكم والحاكم حكم عليه، فأسلم ثم قال: الدرع درعك سقط يوم صفين من
جمل أورق فأخذته.
وفي الأحكام الشرعية عن الخزاز القمي ان عليا كان في مسجد الكوفة فمر به
عبد الله بن قفل التيمي ومعه درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة فقال (ع): هذه
درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة، فقال ابن قفل: يا أمير المؤمنين اجعل بيني وبينك
قاضيا فحكم شريحا فقال علي: هذه درع طلحة اخذت غلولا يوم الصرة فالتمس شريحا
البينة فشهد الحسن بن علي بذلك فسأل آخر فشهد قنبر بذلك فقال هذا مملوك ولا
أقضي بشهادة المملوك، فغضب على ثم قال: خذوا الدرع فقد قضى بجور ثلاث
373

مرات فسأله عن ذلك فقال (ع): اني لما قلت لك انها درع طلحة اخذت غلولا يوم
البصرة فقلت هات على ما قلت بينة فقلت رجل لم يسمع الحديث وقد قال رسول الله
حيث ما وجد غلولا أخذ بغير بينة ثم اتيتك بالحسن فشهد فقلت هذا شاهد ولا اقضي
بشاهد حتى يكون معه آخر وقد قضى رسول الله بشاهد ويمين فهذان اثنتان ثم اتيتك
بقنبر فقلت هذا مملوك ولا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا فهذه الثالثة، ثم قال:
يا شريح ان إمام المسلمين يؤتمن في أمورهم على ما هو أعظم من هذا.
الباقر (ع) في خبر انه رجع علي إلى داره في وقت القيظ فإذا امرأة قائمة تقول
ان زوجي ظلمني وأخافني وتعدى علي وحلف ليضربني، فقال (ع): يا أمة الله اصبري
حتى يبرد النهار ثم أذهب معك انشاء الله، فقالت: يشتد غضبه وحرده علي فطأطأ
رأسه ثم رفعه وهو يقول: لا والله أو يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع أين منزلك فمضى
إلى بابه فوقف على بابه فقال السلام عليكم، فخرج شاب فقال علي: يا عبد الله اتق الله
فإنك قد أخفتها وأخرجتها، فقال الفتى: وما أنت وذاك والله لأحرقنها لكلامك
فقال أمير المؤمنين: آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر تستقبلني بالمنكر وتنكر
المعروف، قال فأقبل الناس من الطرق ويقولون سلام عليكم يا أمير المؤمنين، فسقط
الرجل في يديه فقال: يا أمير المؤمنين أقلني عثرتي فوالله لأكونن لها أرضا تطأني،
فأغمد علي سيفه وقال: يا أمة الله ادخلي منزلك ولا نلجئي زوجك إلى مثل هذا وشبهه
وروى الفنجكردي في سلوة الشيعة له (ع):
ودع التجبر والتكبر يا أخي * ان التكبر للعيد وبيل
واجعل فؤادك للتواضع منزلا * ان التواضع بالشريف جميل
فصل: في المسابقة بالعدل والأمانة
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عطاء عن ابن مسعود في قوله (إنا جعلنا
ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) قال زينة الأرض الرجال وزنية الرجال
علي بن أبي طالب.
حمزة بن عطاء عن أبي جعفر (ع) في قوله (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل)
قال: هو علي بن أبي طالب يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم. وروى نحوا منه
أبو المضا عن الرضا.
فضايل أحمد بن حنبل قال علي: أحاج الناس يوم القيامة بتسع، باقام الصلاة
374

وايتاء الزكاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والعدل في الرعية والقسم بالسوية
والجهاد في سبيل الله وإقامة الحدود وأشباهه.
الفايق، انه بعث العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث ابنيهما الفضل بن عباس
و عبد المطلب بن ربيعة يسألانه أن يستعملهما على الصدقات فقال علي: والله لا يستعمل
منكم أحد على الصدقة، فقال له ربيعة؟: هذه امرك نلت صهر رسول الله فلم نحسدك
عليه، فألقي علي رداءه ثم اضطجع عليه فقال: أنا أبو الحسن القوم والله لا أريم حتى
يرجع اليكما ابنا كما بحور ما بعثتما به، قال صلى الله عليه وآله: ان هذه الصدقة أوساخ
الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، قال الزمخشري: الحور الخيبة.
نزل بالحسن بن علي ضيف فاستقرض من قنبر رطلا من العسل الذي جاء من
اليمن فلما قعد علي ليقسمها قال: يا قنبر قد حدث في هذا الزق حدث، قال: صدق
فوك، وأخبره الخبر فهم بضرب الحسن وقال: ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة
قال: ان لنا فيه حقا فإذا رددناه، قال: فذاك أبوك وإن كان لك فيه حق فليس لك
أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم لولا أني رأيت رسول الله يقبل ثنيتك
لأوجعنك ضربا، ثم دفع إلى قنبر درهما وقال: اشتر به أجود عسل تقدر عليه.
قال الرازي: فكأني أنظر إلى يدي علي على فم الزق وقنبر يقلب العسل فيه ثم شده
ويقول: اللهم اغفرها للحسن فإنه لا يعرف.
التهذيب، قال علي بن أبي رافع: وكان علي مال أمير المؤمنين أخذت مني ابنته
عقد لؤلؤ عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيام في أيام الأضحى فرآه عليها فعرفه
وقال لي أتخون المسلمين فقصصت عليه وقلت قد ضمنته من مالي فقال رده من يومك
هذا وإياك أن تعوذ لمثل هذا فتنالك عقوبتي ثم قال لو كانت ابنتي اخذت هذا العقد على
غير عارية مضمونة لكانت إذا أول هاشمية قطعت يدها على سرقة، فقالت ابنته في
ذلك مقالا فقال: يا بنت علي بن أبي طالب لا تذهبن بنفسك عن الحق أكل نساء
المهاجرين يتزين في هذا العيد بمثل هذا.
فضايل أحمد، أم كلثوم يا أبا صالح لو رأيت أمير المؤمنين واتي بأترج فذهب
الحسن والحسين عليهما السلام يتناول أترجة فنزعها من يده ثم أمر به فقسم بين الناس.
ان رجلا من خثعم رأى الحسن والحسين عليهما السلام يأكلان خبزا وبقلا وخلا
فقال لهما أتأكلان من هذا وفي الرحبة ما فيها، فقالا: ما أغفلك عن أمير المؤمنين.
عن زاذان ان قنبرا قدم إلى أمير المؤمنين جامات من ذهب وفضة في الرحبة وقال
375

انك لا تترك شيئا إلا قسمته فخبأت لك هذا، فسل سيفه وقال: ويحك لقد أحببت ان
تدخل بيتي نارا، ثم استعرضها بسيفه فضربها حتى انتثرت من بين اناء مقطوع بضعة
وثلاثين وقال علي بالعرفاء فجاؤوا فقال هذا بالحصص وهو يقول:
هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه
جمل أنساب الأشراف، انه أعطته الخادمة في بعض الليالي قطيفة فأنكر دفأها
فقال: ما هذه؟ قالت الخادمة: هذه من قطف الصدقة، قال: اصردتمونا بقية ليلتنا.
وقدم عليه عقيل فقال للحسن: اكس عمك، فكساه قميصا من قميصه ورداء من
أرديته، فلما حضر العشاء فإذا هو خبز وملح فقال عقيل ليس ما أرى فقال أوليس
هذا من نعمة الله فله الحمد كثيرا فقال اعطني ما اقضي به ديني وعجل سراحي حتى
ارحل عنك، قال فكم دينك يا أبا يزيد؟ قال مائة ألف درهم، قال والله ما هي عندي ولا
املكها ولكن اصبر حتى يخرج عطاي فأواسيكه ولولا أنه لابد للعيال من شئ
لأعطيتك كله، فقال عقيل: بيت المال في يدك وأنت تسوفني إلى عطائك وكم عطاؤك
وما عسى يكون وله أعطيتنيه كله، فقال: ما انا وأنت فيه إلا بمنزلة رجل من المسلمين
وكانا يتكلمان فوق قصر الامارة مشرفين على صناديق أهل السوق فقال له علي (ع)
ان أبيت يا أبا يزيد ما أقول فأنزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر اقفاله وخذ ما فيه،
فقال وما في هذه الصناديق؟ قال فيها أموال التجار، قال أتأمرني ان اكسر صناديق
قوم قد توكلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم، فقال أمير المؤمنين أتأمرني ان افتح بيت
المال المسلمين فأعطيك أموالهم وقد توكلوا على الله واقفلوا عليها وان شئت اخذت
سيفك واخذت سيفي وخرجنا جميعا إلى الحيرة فان بها تجارا مياسير فدخلنا على بعضهم
فأخذنا ماله، فقال أو سارق جئت! قال تسرق من واحد خير من أن تسرق من
المسلمين جميعا، قال له أفتأذن لي ان اخرج إلى معاوية فقال له قد أذنت لك، قال فأعني
على سفري هذا، قال يا حسن اعط عمك أربعمائة درهم فخرج عقيل وهو يقول:
سيغنيني الذي اغناك عني * ويقضي ديننا رب قريب
وذكر عمرو بن العاص ان عقيلا لما سأل عطاه من بيت المال قال له أمير المؤمنين
تقيم إلى يوم الجمعة، فأقام فلما صلى أمير المؤمنين الجمعة قال لعقيل: ما تقول فيمن
خان هؤلاء أجمعين؟ قال بئس الرجل ذاك، قال فأنت تأمرني ان أخون هؤلاء وأعطيك
ومن خطبة له (ع): ولقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا
المناقب ج 1، م 47
376

وعاودني في عشر وسق من شعيركم يقضمه جياعه وكاد يطوي ثالث أيامه خامصا
ما استطاعه ولقد رأيت أطفاله شعث الألوان من صرهم كأنما اشمأزت وجوههم من
قترهم فلما عاودني في قوله وكره أصغيت إليه سمعي فغره وظنني أرثغ ديني واتبع
ما أسره؟ أحميت له حديدة لينزجر إذ لا يستطيع مسها ولا يصير ثم أدنيتها من جسمه
فضجع من ألمه ضجيج دنف يئن من سقمه وكاد يسبني سفها من كظيمه ولحرمة في
لظى ادني له من عدمه فقلت له ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من أذى ولا أئن من لظى
وعن أم عثمان أم ولد علي قالت: جئت عليا وبين يديه قرنفل مكتوب في الرحبة
فقلت: يا أمير المؤمنين هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة، فقال: هاك ذا - ونفذ
بيده إلي درهما - فإنما هذا للمسلمين أولا فاصبري حتى يأتينا حظنا منه فنهب لابنتك
قلادة. وسأله عبد الله بن زمعة ما لا فقال: ان هذا المال ليس لي ولا لك وإنما هو
للمسلمين وجلب أسيافهم فان شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم وإلا فجناة
أيديهم لا تكون لغير أفواههم.
وجاء إليه عاصم بن ميثم وهو يقسم مالا فقال: يا أمير المؤمنين اني شيخ كبير
مثقل، قال والله ما هو بكد يدي ولا بترائي عن والدي ولكنها أمانة أوعيتها قال
رحم الله من أعان شيخا كبيرا مثقلا.
تاريخ الطبري وفضايل أمير المؤمنين عن ابن مردويه انه لما اقبل من اليمن تعجل
إلى النبي واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا
كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي فلما دنى جيشه خرج علي ليتلقاهم
فإذا هم عليهم الحلل فقال ويلك ما هذا؟ قال كسوتهم ليتجملوا إذا قدموا في الناس قال
ويلك من قبل ان ينتهي إلى رسول الله، قال فانتزع الحلل من الناس وردها في البز
واظهر الجيش شكاية لما صنع بهم.
ثم روى عن الخدري أنه قال: شكا الناس عليا فقام رسول اله خطيبا فقال:
أيها الناس لا تشكو عليا فوالله انه لخشن في ذات الله.
وسمعت مذاكرة انه دخل عليه عمرو بن العاص ليلة وهو في بيت المال فطفئ
السراج وجلس في ضوء القمر ولم يستحل ان يجلس في الضوء من غير استحقاق.
ومن كلام له فيما رده على المسلمين من قطايع عثمان والله لو وجدته قد تزوج به
النساء وملك به الإماء لرددته فان في العدل سعة ومن ضاق عليه العدل فالجور
عليه الضيق.
377

ومن كلام له لما اراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان دعوني والتمسوا غيري فانا
مستقبلون أمرا له وجوه وألوان لا يقوم لها القلوب ولا يثبت عليه العقول وان
الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت واعلموا اني ان أجبتكم ركبت بكم ما اعلم ولم
اصنع إلى قول القائل وعتب العاتب.
وفي رواية عن أبي الهيثم بن التيهان و عبد الله بن أبي رافع ان طلحة والزبير جاءا
إلى أمير المؤمنين وقالا ليس كذلك كان يعطينا عمر، قال فما كان يعطيكما رسول الله
فسكتا، قال أليس كان رسول الله يقسم بالسوية بين المسلمين؟ قالا نعم، قال فسنة
رسول الله أولى بالاتباع عندكم أم سنة عمر؟ قالا سنة رسول الله يا أمير المؤمنين لنا
سابقة وعناء وقرابة، قال سابقتكما أقرب أم سابقتي؟ قالا سابقتك، قال فقر ابتكما أم
قرابتي؟ قالا قرابتك، قال فعناؤكما أعظم من عناى؟ قالا عناؤك، قال فوالله ما انا
وأجيري هذا إلا بمنزلة واحدة، وأومى بيده إلى الأجير.
كتاب ابن الحاشر باسناده إلى مالك بن أوس بن الحدثان في خبر طويل انه قام
سهل بن حنيف فأخذ بيد عبده فقال يا أمير المؤمنين قد أعتقت هذا الغلام فأعطاه ثلاثة
دنانير مثل ما أعطى سهل بن حنيف.
وسأله (ع) بعض مواليه مالا فقال: يخرج عطاي فأقاسمكم، فقال لا اكتفي
وخرج إلى معاوية فوصله فكتب إلى أمير المؤمنين يخبره بما أصاب من المال فكتب
إليه أمير المؤمنين: اما بعد فان ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك وهو صائر إلى
أهل من بعدك فإنما لك ما مهدت لنفسك فآثر نفسك على أحوج ولدك فإنما أنت جامع
لاحد رجلين اما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت واما رجل عمل فيه بمعصية
الله فشقي بما جمعت له وليس من هذين أحد باهل ان نؤثره على نفسك ولا تبرد له على
ظهرك فارج لمن مضى رحمة الله وثق لمن بقي برزق الله.
حكيم بن أوس: كان علي يبعث الينا بزقاق العسل فيقسم فينا ثم امر ان يلعقوه
واتي إليه بأحمال فاكهة فأمر ببيعها وان يطرح ثمنها في بيت المال.
سعيد بن المسيب: رأيت عليا بنى للضوال مربدا فكان يعلفها علفا لا يسمنها ولا
يهزلها من بيت المال فمن أقام عليها بينة اخذه وإلا أقرها على حالها.
عاصم بن ميثم: انه أهدي إلى علي سلال خبيص له خاصة فدعا بسفرة فنثره عليه
ثم جلسوا حلقتين يأكلون.
أبو حريز: ان المجوس اهدوا إليه يوم النيروز جامات من فضة فيها سكر فقسم
378

السكر بين أصحابه وحسبها من جزيتهم.
وبعث إليه دهقان بثوب منسوج بالذهب فابتاعه منه عمرو بن حريث بأربعة
آلاف درهم إلى العطاء.
الحلية وفضايل أحمد وعاصم بن كليب عن أبيه أنه قال: أتى علي بمال من
أصفهان وكان أهل الكوفة اسباعا فقسمه سبعة أسباع فوجد فيه رغيفا فكسره بسبعة
كسر ثم جعل على كل جزء كسرة ثم دعا امرأة بالاسباع فأقرع أيهم.
فضايل أحمد انه رأى حبلا في بيت المال فقال اعطوه الناس فأخذه بعضهم.
مجالس ابن مهدي، انه تخاير غلامان في خطيهما إلى الحسن (ع) فقال: انظر
ما تقول فإنه حكم، وكان (ع) قوالا للحق قواما بالقسط إذا رضى لم يقل غير الصدق
وان سخط لم يتجاوز جانب الحق، قال مهيار:
بنفسي من كانت مع الله نفسه * إذا قل يوم الخلق من لم يحارف
أبا حسن إن أنكر القوم فضله * على أنه والله انكار عارف
إذا ما عزوا دينا فأول عابد * وان أقسموا دنيا فأول عايف
وأغرى بك الحساد انك لم تكن * على صنم فيما رووه بعاكف
أسر لمن والاك حب موافق * وابدي لمن عاداك سب مخالف
فصل: في المسابقة باطلم؟ والشفقة
مختار الثمار عن أبي مطر البصري ان أمير المؤمنين مر بأصحاب التمر فإذا هو
بجارية تبكي فقال: يا جارية ما يبكيك؟ فقال: بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمرا
فأتيتهم به فلم يرضوه فلما أتيته به أبى أن يقبله، قال: يا عبد الله انها خادم وليس لها
أمر فاردد إليها درهمها وخذ التمر فقام إليه الرجل فكزه فقال الناس هذا أمير المؤمنين
فربا الرجل واصفر وأخذ التمر ورد إليها درهمها ثم قال: يا أمير المؤمنين ارض عني
فقال ما أرضاني عنك ان أصلحت أمرك، وفى فضايل أحمد: إذا وفيت الناس حقوقهم
ودعا (ع) غلاما له مرارا فلم يجبه فخرج فوجده على باب البيت فقال: ما حملك
على ترك إجابتي؟ قال: كسلت عن اجابتك وأمنت عقوبتك فقال: الحمد لله الذي جعلني
ممن تأمنه خلقه امض فأنت حر لوجه الله، وأنشد الأشجع:
ولست بخائف لأبي حسين * ومن خاف الإله؟ فلن يخافا
379

وقال أبو نواس: قد كنت خفتك ثم آمنني * من أن أخافك خوفك اللاها
وقال غيره: آمنني منه ومن خوفه * خيفته من خشية الباري
وكان علي في صلاة الصبح فقال ابن الكواء من خلفه: (ولقد أوحى إليك
والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) فأنصت علي
تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية ثم عاد في قراءته ثم أعاد ابن الكواء الآية فأنصت
علي أيضا ثم قرأ ثم أعاد ابن الكواء فأنصت علي ثم قال: (فاصبر ان وعد الله حق
ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) ثم أتم وركع.
وبعث أمير المؤمنين إلى لبيد بن العطارد التيمي في كلام بلغه فمر به أمير المؤمنين
في بني أسد فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فأفلته فبعث إليه أمير المؤمنين فأتوه به
وأمر به ان يضرب فقال له: نعم والله ان المقام معك لذل وان فراقك لكفر، فلما سمع
ذلك منه قال: قد عفونا عنك ان الله عز وجل يقول (ادفع بالتي هي أحسن السيئة)
اما قولك ان المقام معك فذل فسيئة اكتسبتها، واما قولك ان فراقك لكفر فحسنة
اكتسبتها فهذه بهذه.
مرت امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم فقال أمير المؤمنين: ان ابصار هذه
الفحول طوامح وان ذلك سبب هناتها فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلمس أهله
فإنما هي امرأة كامرأة، فقال رجل من الخوارج قاتله الله كافرا ما أفقهه، فوثب القوم
ليقتلوه فقال علي: رويدا إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب.
وجاءه أبو هريرة وكان يتكلم فيه واسمعه في اليوم الماضي وسأله حوايجه فقضاها
فعاتبه أصحابه على ذلك فقال: اني لأستحي ان يغلب جهله علمي وذنبه عفوي
ومسألته جودي. ومن كلامه: إلى كم اغضي الجفون على القذى واسحب ذيل على
الأذى وأقول لعل وعسى.
العقد ونزهة الابصار قال قنبر: دخلت مع أمير المؤمنين على عثمان فأحب الخلوة
فأومى إلي بالتنحي فتنحيت غير بعيد فجعل عثمان يعاتبه وهو مطرق رأسه واقبل إليه
عثمان فقال: مالك لا تقول: فقال (ع): ليس جوابك إلا ما تكره وليس لك عندي
إلا ما تحب، ثم خرج قائلا:
ولو انني جاوبته لامضه * نواقد قولي واحتضار جوابي
380

ولكنني أغضي على مضض الحشا * ولو شئت اقداما لانشب نابي
واسر مالك الأشتر يوم الجمل مروان بن الحكم فعاتبه (ع) وأطلقه، وقالت
عايشة يوم الجمل ملكت فاسجح فجهزها أحسن الجهاز وبعث معها بتسعين امرأة أو سبعين
واستأمنت لعبد الله بن الزبير على لسان محمد بن أبي بكر فآمنه وآمن معه سائر الناس
وجئ بموسى بن طلحة بن عبيد الله فقال له قل استغفر الله وأتوب إليه ثلاث
مرات وخلى سبيله وقال اذهب حيث شئت وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح
أو كراع فخذه واتق الله فيما تستقبله من امرك واجلس في بيتك.
ابن بطة العكبري وأبو داود السجستاني عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر (ع)
قال: كان علي (ع) إذا اخذ أسيرا في حروب الشام اخذ سلاحه ودابته واستحلفه
ان لا يعين عليه.
ابن بطة باسناده عن عرفجة عن أبيه قالا: لما قتل على أصحاب النهر جاء بما كان
في عسكرهم فمن كان يعرف شيئا اخذه حتى بقيت قدرا ثم رأيتها بعد قد اخذت.
الطبري، لما ضرب علي طلحة العبدري بركه فكبر رسول الله وقال لعلي ما منعك
ان تجهز عليه؟ قال إن ابن عمي ناشدني الله والرحم حين انكشفت عورته فاستحيبته
ولما أدرك عمرو بن عبد ودلم يضربه فوقعوا في علي (ع) فرد عنه حذيفة
فقال النبي صلى الله عليه وآله: مه يا حذيفة فان عليا سيذكر سبب وقفته، ثم إنه ضربه فلما جاء
سأله النبي عن ذلك فقال قد كان شتم أمي وتفل في وجهي فخشيت ان اضربه لحظ نفسي
فتركته حتى سكن مابي ثم قتلته في الله.
وانه (ع) لما امتنع من البيعة جرت من الأسباب ما هو معروف فاحتمل وصبر،
وروي انه لما طالبوه بالبيعة قال له الأول بايع، قال فإن لم افعل؟ قال والله الذي
لا إله إلا هو نضرب عنقك، قال فالتفت علي إلى القبر فقال يا بن أم ان القوم استضعفوني
وكادوا يقتلوني.
الجاحظ في البيان والتبيين، ان أول خطبة خطبها أمير المؤمنين قوله: قد مضت
أمور لم تكونوا فيها بمحمودي الرأي اما لو أشاء ان أقول لقلت ولكن عفا الله عما
سلف سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه يا ويله لو قص جناحه وقطع
رأسه لكان خيرا له.
وقد روى الكافة عنه اللهم إني استعديك على قريش فإنهم ظلموني في الحجر والمدر
إبراهيم الثقفي عن عثمان بن أبي شيبة والفضل بن دكين باسنادهما قال على: ما زلت
381

مظلوما منذ قبض الله نبيه إلى يومي هذا.
وروى إبراهيم باسناده عن المسيب بن نجية قال: بينما علي يخطب وأعرابي يقول
وا مظلمتاه، فقال (ع): ادن، فدنا فقال: لقد ظلمت عدد المدر والمطر والوبر.
وفى رواية كثير بن اليمان وما لا يحصى.
أبو نعيم الفضل بن دكين باسناده عن حريث قال: ان عليا لم يقم مرة على المنبر
إلا قال في آخر كلامه قبل أن ينزل: ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه.
وكان (ع) بشره دائم وثغره باسم غيث لمن رغب وغياث لمن وهب مآل الآمل
وثمال الأرامل يتعطف على رعيته ويتصرف على مشيته ويكلاه بحجته ويكفيه بمهجته
ونظر علي إلى امرأة على كتفها قربة ماء فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها
وسألها عن حالها فقالت: بعث علي بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فقتل وترك
علي صبيانا يتامى وليس عندي شئ فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس فانصرف
وبات ليلته قلقا، فلما أصبح حمل زنبيلا فيه طعام فقال بعضهم: اعطني أحمله عنك،
فقال: من يحمل وزري عني يوم القيامة، فأتى وقرع الباب فقالت من هذا؟ قال أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة فافتحي فان معي شيئا للصبيان فقالت: رضى الله عنك
وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب، فدخل وقال: اني أحببت اكتساب الثواب
فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين وبين أن تعللين الصبيان لاخبز أنا، فقالت أنا بالخبز
أبصر وعليه أقدر ولكن شأنك والصبيان فعللهم حتى أفرغ من الخبز، فعمدت إلى
الدقيق فعجنته وعمد علي إلى اللحم فطبخه وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره
فكلما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له: يا بني اجعل علي بن أبي طالب في حل مما مر في
امرك، فلما اختمر العجين قالت: يا عبد الله سجر التنور، فبادر لسجره فلما أشعله ولفح
في وجهه جعل يقول: ذق يا علي هذا جزاء من ضيع الأرامل واليتامى، فرأته امرأة
تعرفه فقالت ويحك هذا أمير المؤمنين، قال فبادرت المرأة وهي تقول واحياي منك
يا أمير المؤمنين فقال بل واحياي منك يا أمة الله فيما قصرت في امرك، قال الناشي:
يا هالكا هلك الرشاد بهلكه * فلقد يئسنا بعده أن يوجدا
هتكت جيوب الصالحات فيابها * أضحى لأجلك مذنأيت مسودا
382

فصل: في المسابقة بالهينة والهمة
أبو الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله (أولئك يسارعون في الخيرات)
الآية، قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لم يسبقه أحد.
وروي عن ابن عباس قال كان أمير المؤمنين إذا أطرق هبنا ان نبتديه بالكلام.
وقيل لأمير المؤمنين: بم غلبت الاقران؟ قال بتمكن هيبتي في قلوبهم.
النطنزي في الخصايص عن سفيان بن عيينة عن شقيق بن سلمة قال: كان عمر
يمشي فالتفت إلى ورائه وعدا فسألته عن ذلك فقال ويحك أما ترى الهزبر بن الهزبر القثم
ابن القثم الفلاق للبهم الضارب على هامة من طغى وظلم ذا السيفين ورأي فقلت هذا علي بن
أبي طالب فقال ثكلتك أمك انك تحقره بايعنا رسول الله يوم أحد ان من فرمنا فهو ضال
ومن قتل فهو شهيد ورسول الله يضمن له الجنة، فلما التقى الجمعان هزمونا وهذا كان
يحاربهم وحيدا حتى انسل نفس رسول الله وجبرئيل ثم قال: عاهدتموه وخالفتموه،
ورمى بقبضة رمل وقال شاهت الوجوه فوالله ما كان منا إلا وأصابت عينه رملة فرجعنا
نمسح وجوهنا قائلين الله الله يا أبا الحسين أقلنا أقالك الله فالكر والفر عادة العرب
فاصفح وقل ما أراه وحيدا إلا خفت منه.
وقال النبي صلى الله عليه وآله من قتل قتيلا فله سلبه، وكان أمير المؤمنين يتورع عن ذلك
وانه لم يتبع منهمزما وتأخر عمن استغاث، ولم يكن يجهز على جريح، قال بعض السادة
لم يهتك العورة يبغي سلبا * ولا خطا متبعا لمنهزم
ولا قضى يوما على جريحه * ولا استباح محرما ولا ظلم
وقال غيره
إمام لا يراه الله يوما * يحيف على اليتيمة واليتيم
ولا ولى على عقب غداة * الجلاد ولا احاز على كليم
ولا عرف العبادة مع قريش * لغير الواحد الصمد القديم
ولما اردى (ع) عمروا قال عمرو: يا بن عم ان لي إليك حاجة لا تكشف سوأة
ابن عمك ولا تسلبه سلبه، فقال ذاك أهون علي، وفيه يقول عليه السلام
وعففت عن أثوابه ولو انني * كنت المقطر بزني أثوابي
محمد بن إسحاق قال له عمر: هلا سليت درعه فإنها تساوي ثلاثة آلاف وليس
383

للعرب مثلها؟ قال إني استحييت ان اكشف ابن عمي.
وروي انه جاءت أخت عمرو ورأته في سلبه فلم تحزن وقالت إنما قتله كريم.
وقال (ع) يا قنبر لانعر فرايسي، أراد لا تسلب قتلاي من البغاة
ان الأسود اسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
وسأله أعرابي شيئا فأمر له بألف فقال الوكيل: من ذهب أو فضة؟ فقال:
كلاهما عندي حجران فاعط الاعرابي نفعهما له.
وقال له ابن الزبير اني وجدت في حساب أبي ان له على أبيك ثمانين ألف درهم،
فقال له ان أباك صادق، فقضى ذلك ثم جاءه فقال غلطت فيما قلت إنما كان لوالدك على
والدي ما ذكرته لك، فقال والدك في حل والذي قبضته مني هو لك
له همم لا منتهى لكبارها * وهمته الصغرى أجل من الدهر
له راحة لو أن معشار جودها * على البر صار البر أندى من البحر
فصل: في المسابقة باليقين والصبر
أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن سمعي عن أبي صالح عن أبي هريرة وابن
عباس في قوله تعالى (فما يكذب بعد بالدين) يقول يا محمد لا يكذبك علي بن أبي طالب
بعده ما آمن بالحساب.
وقال أمير المؤمنين في مقامات كثيرة: أنا باب المقام وحجة الخصام ودابة
الأرض صاحب العصا وفاصل القضاء وسفينة النجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها
غرق. وقال (ع) أنا شجرة الندى وحجاب الورى وصاحب الدنيا وحجة الأنبياء
واللسان المبين والحبل المتين والنبأ العظيم الذي عنه تعرضون وعنه تسألون وفيه تختلفون
وقال (ع): فوعزتك وجلالك وعلو مكانك في عظمتك وقدرتك ما هبت عدوا ولا
تملقت وليا ولا شكرت على النعماء أحدا سواك.
وفي مناجاته: اللهم إني عبدك ووليك اخترتني وارتضيتني ورفعتني وكرمتني.
بما أورثتني من مقام أصفيائك وخلافة أوليائك وأغنيتني وأفقرت الناس في دينهم
ودنياهم إلي وأعززتني وأذللت العباد إلي وأسكنت قلبي نورك ولم تحوجني إلى غيرك
وأنعمت علي وأنعمت بي ولم تجعل منة علي لاحد سواك وأقمتني لاحياء حقك
384

والشهادة على خلقك وأن لا أرضى ولا أسخط إلا لرضاك وسخطك ولا أقول إلا
حقا ولا أنطق إلا صدقا. فانظر إلى جسارته على الحق وخذلان جماعة كما تكلموا
بما روي عنهم في حلية الأولياء وغريب الحديث وغيرهما.
وكان (ع) يطوف بين الصفين بصفين في غلالة فقال الحسن (ع): ما هذا زي
الحرب، فقال: يا بني ان أباك لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه.
وكان (ع) يقول: ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم، ولما ضربه ابن
ملجم لعنه الله قال: فزت ورب الكعبة فقد قال الله تعالى قل يا أيها الذين هادوا ان
زعمتم الآية:
أبا لموت الذي لابد أني * ملاق لا أباك تخوفيني
ومن صبره ما قال الله تعالى فيه: (والصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين
والمستغفرين بالاسحار) والدليل على أنها نزلت فيه انه قام الاجماع على صبره مع النبي
في شدايد من صغره إلى كبره وبعد وفاته وقد ذكر الله تعالى صفة الصابرين في قوله
(والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا) وهذا صفته بلا
شك. مجمع البيان وتفسير علي بن إبراهيم وابان بن عثمان انه أصاب عليا يوم أحد
ستون جراحة.
تفسير القشيري، قال أنس بن مالك: انه اتى رسول الله صلى الله عليه وآله بعلي وعليه نيف
وستون جراحة.
قال ابان: أمر النبي أم سليم وأم عطية أن تداوياه فقالتا قد خفنا عليه، فدخل
النبي والمسلمون يعودونه وهو قرحة وأخذه فجعل النبي يمسحه بيده ويقول إن رجلا
لقى هذا في الله لقد أبلى وأعذر، فكان يلتئم، فقال علي: الحمد لله الذي لم أفر ولم
أول الدبر، فشكر الله تعالى له ذلك في موضعين من القرآن وهو قوله تعالى (سنجزي
الشاكرين وسيجزي الله الشاكرين).
سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم
ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) يعني بالشاكرين
صاحبك علي بن أبي طالب والمرتدين على أعقابهم الذين ارتدوا عنه.
سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود في قوله تعالى
(اني جزيتهم اليوم بما صبروا) يعني صبر علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين
عليهم السلام في الدنيا على الطاعات وعلى الجوع وعلى الفقر وصبروا على البلاء لله في
385

الدنيا انهم هم الفائزون. وقال علي بن عبد الله بن عباس وتواصوا بالصبر علي
ابن أبي طالب.
ولما نعى رسول الله عليا بحال جعفر في أرض موته قال: انا لله وانا إليه
راجعون، فأنزل عز وجل (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا إليه راجعون
أولئك عليهم صلوات) الآية، وقال له رجل: اني والله لأحبك في الله تعالى، فقال
عليه السلام: ان كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا أو جلبابا. قال الحميري:
ان كنت من شيعة الهادي أبي حسن * حقا فاعدد لريب الدهر تجفافا
ان البلاء مصيب كل شيعته * فاصبر ولاتك عند الهم مقصافا
قال أبو عبيدة وتغلب أي استعد جلبابا من العمل الصالح والتقوى يكون لك
جنة من الفقر يوم القيامة، وقال آخرون أي فليرفض الدنيا وليزهد فيها وليصبر على
الفقر، يدل عليه قول أمير المؤمنين: ومالي لا أرى منهم سيماء الشيعة، قيل: وما سيماء
الشيعة يا أمير المؤمنين؟ قال: خمص البطون من الطوى يبس الشفاه من الظما عمش
العيون من البكا. قال كشاجم:
زعموا ان من أحب عليا * ظل للفقر لابسا جلبابا
كذبوا كم حبه من فقير * فتردى من الغنى أثوابا
حرفوا منطق الوصي لمعنى * خالفوا إذ تأولوه الصوابا
إنما قال ارفضوا عنكم * الدنيا إذا كنتم لنا أحبابا
في مسند أبي يعلى واعتقاد الأشنهي ومجموع أبي العلاء الهمداني عن أنس
وأبي برزة وأبي رافع وفي إبانة ابن بطة من ثلاثة طرق ان النبي صلى الله عليه وآله خرج يمشي إلى
قبا فمر بحديقة فقال علي: ما أحسن هذه الحديقة، فقال النبي: حديقتك يا علي في الجنة
أحسن منها حتى مر بسبع حدائق على ذلك ثم أهوى إليه فاعتنقه فبكى وبكى علي ثم
قال علي: ما الذي أبكاك يا رسول الله؟ قال: أبكي لضغائن في صدور قوم لن تبدو
لك إلا من بعدي، قال: يا رسول الله كيف أصنع؟ قال: تصبر فإن لم تصبر تلق جهدا
وشدة، قال: يا رسول الله أتخاف فيها هلاك دبني؟، قال: بل فيها حياة دينك.
وقال الحميري:
وقد كان في يوم الحدايق عبرة * وقول رسول الله والعين تدمع
فقال علي مم تبكي فقال من * ضغاين قوم شرهم أتوقع
عليك وقد يبدونها بعد منيتي * فماذا هديت الله في ذاك يصنع
386

وقال العوني:
وقد قال في يوم الحدايق موعزا * إليهم بما في فعلهم هو آت
ستغدر بعدي من قريش عصابة * بعهدك دهرا أعظم الغدرات
سيبدين أسرارا ثوت في صدورهم * قديما من الأضغان والأحنات
سيفتن قوم عندها أي فتنة * وأنت سليم غير ذي فتنات
ويوسع غدرا منكم بعهوده * ويملا غيظا قبل حين مماتي
وتوجد صبارا شكورا مسلما * كظوما لغيظ النفس ذا حكمات
وقال أمير المؤمنين (ع): ما رأيت منذ بعث الله محمدا رخاء فالحمد لله ولقد خفت
صغيرا وجاهدت كبيرا أقاتل؟ المشركين وأعادي المنافقين حتى قبض الله نبيه فكانت
الطامة الكبرى فلم أزل محاذرا وجلا أخاف أن يكون ما لا يسعني فيه المقام فلم أر بحمد
الله إلا خيرا حتى مات عمر فكانت أشياء ففعل الله ما شاء الله ثم أصيب فلان فما زلت بعد
فيما ترون دائبا اضرب بسيفي حتى كنت شيخا. عمرو بن حريث في حديثه قال أمير المؤمنين
كنت أحسب ان الامراء صبيا يظلمون الناس فإذا الناس يظلمون الامراء وقال الحميري
ما زال مذ سلك السبيل محمد * ومضى لغير مذلة مظلوما
ضامته أمته و ضيمهم له * قد كان أصغر ما يكون عظيما
أبو الفتح الحفار باسناده ان عليا قال: ما زلت مظلوما منذ كنت، قيل له: عرفنا
ظلمك في كبرك فما ظلمك في صغرك فذكر ان عقيلا كان به رمد فكان لا يذرهما حتى
يبدأ وأبي. قال ابن الحجاج:
و قديما كان العقيل تداوى * وسوى ذلك العليل عليل
حين كانت تذر عين علي * كلما التاث أو تشكى عقيل
فصل: في المسابقة بصالح الاعمال
الباقر (ع) في قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، قال قال:
أمير المؤمنين وشيعته فلهم أجر غير ممنون.
محمد بن عبد الله بن الحسن عن آبائه، والسدي عن أبي مالك عن ابن عباس،
ومحمد الباقر (ع) في قوله تعالى (ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) والله لهو علي بن
أبي طالب. والسدي وأبو صالح وابن شهاب عن ابن عباس في قوله تعالى (ويبشر
المؤمنين الذين يعملون الصالحات) قال: يبشر محمد بالجنة عليا وجعفرا وعقيلا
387

وحمزة وفاطمة والحسن والحسين الذين يعملون الصالحات قال الطاعات، قوله: (أم
نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات) علي وحمزة وعبيد بن الحراث (كالمفسدين في
الأرض) عتبة وشيبة والوليد.
الصادق (ع): انه أعتق الف نسمة من كد يده جماعة لا يحصون كثرة.
قال الحميري:
وأعتق ألفا ثم من صلب ماله * أراد بهم وجه الإله؟ وشيبا
وله أيضا:
وأعتق من يديه الف نفس * فأضحوا بعد رق معتقينا
وقال له رجل ورأي عنده وسق نوى: ما هذا يا أبا الحسن؟ قال: مائة الف عبد
انشاء الله فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة فهو من أوقافه، ووقف ما لا بخيبر وبوادي
القرى، ووقف مال أبى نيرو والبغيبغة وارباجا وارينه ورعدا ورزينا ورباحا على
المؤمنين وأمر بذلك أكثر ولد فاطمة من ذوي الأمانة والصلاح وأخرج مائة عين
ينبع جعلها للحجيج وهو باق إلى يومنا هذا وحفر آبارا في طريق مكة والكوفة وبنى
مسجد الفتح في المدينة وعند مقابل قبر حمزة وفى الميقات وفي الكوفة وجامع البصرة
وفي عبادان وغير ذلك، وكان يصوم النهار ويصلي بالليل الف ركعة، وعمر طريق
مكة، وصام مع النبي سبع سنين وبعده ثلاثين سنة، وحج مع النبي عشر حجج، وجاهد
في أيامه الكفار وبعد وفاته البغاة وبسط الفتاوى وأنشأ العلوم وأحيا السنن و أمات
البدع، قال بعض السادة:
مفرق الأحزاب ضراب الطلى * مكسر الأصنام كشاف الغمم
الزاهد العابد في محرابه * الساجد الراكع في جنح الظلم
صام هجيرا وعلى سائله * جاد بافطار الصيام ثم تم
وقال العبدي:
وكم غمرة للموت في الله خاضها * ولجة بحر في الحكوم أقامها
وكم ليلة ليلاء لله قامها * وكم صبحة مسجورة الحرصامها
أبو يعلى في المسند أنه قال: ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي صلاة
صلاة الليل نور، فقال ابن الكواء: ولا ليلة الهرير؟ قال: ولا ليلة الهرير.
إبانة العكبري، سليمان بن المغيرة عن أمه قالت: سألت أم سعيد سرية علي عن
صلاة على في شهر رمضان فقالت رمضان وشوال سواء يحيي الليل كله.
388

النيسابوري في روضة الواعظين أنه قال عروة بن الزبير: سمع بعض التابعين
أنس بن مالك يقول: نزلت في علي بن أبي طالب (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا
وقائما) الآية. قال الرجل: فأتيت عليا وقت المغرب فوجدته يصلي ويقرأ القرآن
إلى أن طلع الفجر ثم جدد وضوئه وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر ثم
قعد في التعقيب إلى أن طلعت الشمس ثم قصده الناس فجعل يقضي بينهم إلى أن قام إلى
صلاة الظهر فجدد الوضوء ثم صلي بأصحابه الظهر ثم قعد في التعقيب إلى أن صلى بهم
العصر ثم كان يحكم بين الناس ويفتيهم إلى أن غابت الشمس.
وفى تفسير القشيري انه كان (ع) إذا حضر وقت الصلاة تلون وتزلزل فقيل
له مالك! فيقول: جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال
فأبين ان يحملنها وحملها الانسان في ضعفه فلا أدري أحسن إذا ما حملت أم لا.
عروة ابن الزبير قال: تذاكرنا صالح الاعمال فقال أبو الدرداء: أعبد الناس
علي بن أبي طالب سمعته قائلا بصوت حزين ونغمة شجية في موضع خال: إلهي كم
من موبقة حلمتها عني فقابلتها بنعمتك وكم من جريرة تكرمت علي بكشفها بكرمك
إلهي ان طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما انا مؤمل غير غفرانك ولا
انا براج غير رضوانك ثم ركع ركعات فأخذ في الدعاء والبكاء فمن مناجاته إلهي أفكر
في عفوك فتهون علي خطيئتي ثم اذكر العظيم من اخذك فتعظم علي بليتي، ثم قال:
آه ان انا قرأت في الصحف سيئة انا ناسيها وأنت محصيها فتقول خذوه فياله من
مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا تنفعه قبيلته يرجمهم البلاء إذا اذن فيه بالنداء آه
من نار تنضج الأكباد والكلى آه من نار لواعة للشوى آه من غمرة من ملهبات
لظى، ثم أنعم (ع) في البكاء فلم اسمع له حسا فقلت غلب عليه النوم أوقظه لصلاة
الفجر فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة فحركته فلم يتحرك فقلت انا لله وانا إليه راجعون
مات والله علي بن أبي طالب، قال: فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم فقالت فاطمة (ع)
ما كان من شأنه؟ فأخبرتها فقالت: هي والله الغشية التي تأخذه من خشية الله تعالى
ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ونظر إلي وانا أبكي فقال: هم بكاؤك يا أبا الدرداء
فكيف ولو رأيتني ودعي بي إلى الحساب وأيقن أهل الجرائم بالعذاب واحتوشني
ملائكة غلاظ وزمانية فظاظ فوقفت بين يدي الملك الجبار قد أسلمتني الأحباء ورحمني
أهل الدنيا أشد رحمة لي بين يدي من لا يخفى عليه خافية.
واخذ زين العابدين (ع) بعض صحف عباداته فقرأ فيها يسيرا ثم تركها من
389

يده تضجرا وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب.
أنس بن مالك قال: لما نزلت الآيات الخمس في طس (أمن جعل الأرض قرارا)
انتفض علي انتفاض العصفور فقال له رسول الله: مالك يا علي؟ قال: عجبت يا رسول الله
من كفرهم وحلم الله تعالى عنهم، فمسحه رسول الله بيده ثم قال ابشر فإنه لا يبغضك
مؤمن ولا يحبك منافق ولولا أنت لم يعرف حزب الله.
صاحب الحلية، وأحمد في الفضائل عن مجاهد، وصاحب مسنده العشرة، وجماعة
عن محمد بن الكعب القرطي انه رأى أمير المؤمنين أثر الجوع في وجه النبي فأخذاها با
فحوى وسطه وأدخله في عنقه وشد وسطه بخوص نخل وهو شديد الجوع فاطلع على
رجل يستقي ببكرة فقال: هل لك في كل دلوة بتمرة؟ فقال: نعم فنزح له حتى امتلأ
كفه ثم أرسل الدلو فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله. قال الحميري:
حدثنا وهب وكان امرؤ * يصدق بالمنطق عن جابر
ان عليا عاين المصطفى * ذا الوحي من مقتدر قادر
عاينه من جوعه مطرقا * صلى عليه الله من صابر
وظل كالواله مما رأى * بصهره ذي النسب الفاخر
يجول إذ مر بذي حائط * يسقى بدلو غير مستأجر
قال له ما أنت لي جاعل * بكل دلو مترع ظاهر
فقال ما عندي سوى تمرة * بكل دلو غير ماء غادر
فأترع الدلو إمام الهدى * يسقي به الماء من الخاسر
حتى استقى عشرين دلو على * عشر بقول العالم الخابر
ثم أتى بالتمر يسعى به * إلى أخيه غير مستاثر
فقال ما هذا الذي جئتنا * به هداك الله من زائر
فاقتص ما قد كان من أمرة؟ * في عاجل الامر وفي الآخر
فضمه ثم دعا ربه * له بخير دائم ما طر
وله أيضا:
فقام يسعى حتى استقى فملا * كفيه يسعى به أبو حسن
أدناه منه فقال حين قضى * صلاته اذن لي تخبرني
من أين هذا فقص قصته * عليه مستعبرا جوى حزن
فضمه أحمد كوامقه * يا لك من وامق ومحتضن
390

فقال ذا للبتول فاطمة * أوثرها مرة وتؤثرني
وهاك هذا فأنت أول من * آثرني ذو العلى وأكرمني
فصل: في الاستنابة والولاية
ولاه رسول الله صلى الله عليه وآله في أداء سورة براءة وعزل به أبا بكر باجماع المفسرين
ونقلة الاخبار، رواه الطبري والبلاذري والترمذي والواقدي والشعبي والسدي والثعلبي
والواحدي والقرطي والقشيري والسمعاني وأحمد بن حنبل وابن بطة ومحمد بن إسحاق
وأبو يعلى الموصلي والأعمش وسماك بن حرب في كتبهم عن عروة بن الزبير وأبي هريرة
وأنس وأبي رافع وزيد بن نقيع وابن عمر وابن عباس واللفظ له: انه لما نزل براءة
من الله ورسوله إلى تسع آيات أنفذ النبي أبا بكر إلى مكة لأدائها فنزل جبرئيل فقال:
انه لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك، فقال النبي لأمير المؤمنين: اركب ناقتي العضباء
والحق أبا بكر وخذ براءة من يده، قال: ولما رجع أبو بكر إلى النبي جزع وقال:
يا رسول الله انك أهلتني لأمر طالت الأعناق فيه فلما توجهت له رددتني عنه، فقال
صلى الله عليه وآله: الأمين هبط إلي عن الله تعالى انه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك وعلي
مني ولا يؤدي عني إلا علي.
وفى خبر ان عليا قال له: انك خطيب وأنا حديث السن، فقال: لابد من أن
تذهب بها أو اذهب بها قال اما إذا كان كذلك فأنا اذهب بها يا رسول الله قال اذهب
فسوف يثبت الله لسانك ويهدي قلبك.
أبو بصير عن أبي جعفر (ع) قال: خطب علي الناس فاخترط سيفه وقال:
لا يطوفن بالبيت عريان ولا يحجن البيت مشرك ومن كان له مدة فهو إلى مدته ومن لم
يكن له مدة فمدته أربعة اشهر.
زيادة في مسند الموصلي: ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة وهذا هو الذي أمر
الله تعالى به إبراهيم حين قال (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) فكان
الله تعالى أمر إبراهيم الخليل بالنداء أولا قوله: (وأذن في الناس بالحج) وأمر الولي
بالنداء آخرا قوله (وأذان من الله ورسوله) قال السدي وأبو مالك وابن عباس
وزين العابدين: الاذان علي بن أبي طالب الذي نادى به.
تفسير القشيري، ان رجلا قال لعلي بن أبي طالب فمن أراد منا ان يلقى رسول الله
في بعض الأمور بعد انقضاء الأربعة فليس له عهد قال علي: بلى ان الله تعالى قال
391

(وان أحد من المشركين استجارك فأجره) إلى آخر الآية.
وفي الحديث عن الباقرين (ع) قالا: قام خداش وسعيد أخو عمرو بن ود
فقال: وما يسرنا على أربعة اشهر بل برئنا منك ومن ابن عمك فليس بيننا وبين ابن
عمك إلا السيف والرمح وان شئت بدأنا بك، فقال علي (ع): هلموا، ثم قال واعلموا
انكم غير معجزي الله، إلى قوله: إلى مدتهم.
تفسير الثعلبي، قال المشركون: نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك إلا من
الطعن والضرب، وطفقوا يقولون: انا منعناك ان تبرك.
وفي رواية عن النسابة ابن الصوفي ان النبي صلى الله عليه وآله قال في خبر طويل: ان
أخي موسى ناجى ربه على جبل طور سيناء فقال في آخر الكلام امض إلى فرعون
وقومه القبط وانا معك لا تخف فكان جوابه ما ذكره الله تعالى (اني قتلت منهم نفسا
فأخاف ان يقتلون) وهذا علي قد أنفذته ليسترجع براءة ويقرأها على أهل مكة وقد قتل
منهم خلقا عظيما فما خاف ولا توقف ولا تأخذه في الله لومة لائم.
وفى رواية: فكان أهل الموسم يتلهفون عليه وما فيهم إلا من قتل أباه أو أخاه
أو حميمه فصدهم الله عنه وعاد إلى المدينة سالما، وكان أنفذه أول يوم من ذي الحجة
سنة تسع من الهجرة وأداها إلى الناس يوم عرفة ويوم النحر. قال الحميري:
من كان أذن منهم ببراءة * في المشركين فأنذر الكفارا
منكم برانا أجمعين فأشهر * في الأرض سيروا كلكم فرارا
وله أيضا:
من كان أرسله النبي بسورة * في الحج كانت فيصلا وقضاء
وله أيضا:
براءة حين رد بها زريقا * وكان بأن يبلغها ضنينا
وقال له رسول الله انى * يؤدي الوحي إلا الأقربونا
وقال ابن حماد:
بعث النبي براءة مع غيره * فأتاه جبريل يحث ويوضع
قال ارتجعها وأعطها أولى الورى * بأدائها وهو البطين الأنزع
فانظر إلي ذي النص من رب العلى * يختص ربي من يشاء ويرفع
392

وقال ابن أبي الحديد: ولا كان يوم الغار يهفو جنانه * حذار ولا يوم العريش تسترا
ولا كان معزولا غداة براءة * ولا عن صلاة أم فيها مؤخرا
ولا كان في بعث ابن زيد مؤمرا؟ * عليه فأضحى لابن زيد مؤمرا
وله أيضا:
ففي براءة أعطيت الأداء لها * لما اتيت عليا بالبلاغ وفي
ألفت شمل الهدى بالسيف مجتهدا * لولاك لم تك في حال بمؤتلف
وقال الصاحب بن عباد:
سورة التوبة من وليها * بينوا الحق ومن ذا صرفا
وله أيضا:
أذكرا امر براءة واصدقاني من تلاها
واذكرا من زوج الزهراء كيما يتناهى
وقال ابن علوية الأصفهاني:
أم أيهم فخر الأنام بخصلة * طالت طوال فروع كل عنان
من بعد إذ بعث النبي إلى منى * ببراءة من كان بالخوان
فيها فاتبعه رسولا رده * يعدو به القصوي كالسرحان
كانت لوحي منزل وافى به * الروح الأمين فقص عن تبيان
إذ قال لا عني يؤدي حجتي * إلا أنا أولى نسيب دان
وقال آخر:
وأعلم أصحاب النبي محمد * وأقضاهم من بعد علم وخبرة
براءة أداها إلى أهل مكة * بأمر الذي أعلى السماء بقدرة
واما قول الجاحظ انه كانت عادة العرب في عقد الحلف وحل العقد انه كان
لا يتولى ذلك إلا السيد منهم أو رجل من رهطه فإنه أراد ان يذمه فمدحه.
واجمع أهل السير وقد ذكره التاريخي ان النبي صلى الله عليه وآله بعث خالدا إلى اليمن يدعوهم
إلى الاسلام فيهم البراء بن عازب فأقام ستة اشهر فلم يجبه أحد فساء ذلك على النبي وأمره
ان يعزل خالد فلما بلغ أمير المؤمنين (ع) القوم صلى بهم الفجر ثم قرأ على القوم كتاب
رسول الله فأسلم همدان كلها في يوم واحد وتبايع أهل اليمن على الاسلام فلما بلغ ذلك
رسول الله خر لله ساجدا وقال السلام على همدان.
393

ومن ابيات لأمير المؤمنين في يوم صفين:
ولو أن يوما كنت بواب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
واستنابه لما أنفذه إلى اليمن قاضيا على ما أطبق عليه الولي والعدو على قوله (ع)
وضرب على صدره وقال: اللهم سدده ولقنه فصل الخطاب، قال: فما شككت في
قضاء بين اثنين بعد ذلك اليوم، رواه أحمد بن حنبل وأبو يعلى في مسنديهما، وابن
بطة في الإبانة من أربعة طرق.
واستنابه حين أنفذه إلى المدنية لمهم شرعي، ذكره احمد في المسند والفضايل، وأبو
يعلى في المسند، وابن بطة في الإبانة، والزمخشري في الفايق واللفظ لأحمد قال علي:
كنا مع رسول الله في جنازة فقال: من يأت المدينة فلا يدع قبرا إلا سواه ولا صورة
إلا لطخها ولا صنما إلا كسره، فقام رجل فقال: أنا، ثم هاب أهل المدينة فجلس
فانطلقت ثم جئت فقلت: يا رسول الله لم أدع بالمدينة قبرا إلا سويته ولا صورة إلا
لطختها ولا وثنا إلا كسرته، قال فقال صلى الله عليه وآله: من عاد فصنع شيئا من ذلك فقد كفر
بما انزل الله على محمد. الخبر.
واستنابه في ذبح باقي إبله فيما زاد على ثلاثة وستين، روى إسماعيل البخاري، وأبو
داود السجستاني والبلاذري وأبو يعلى الموصلي وأحمد بن حنبل وأبو القاسم الأصفهاني
في الترغيب واللفظ له عن جابر وابن عباس قال: اهدى رسول الله مائة بدنة فقدم
علي (ع) من المدينة فأشركه في بدنه بالثلث فنحر رسول الله صلى الله عليه وآله ستا وستين بدنة
وأمر عليا فنحر أربعا وثلاثين وأمره النبي من كل جزور ببضعة فطبخت فأكلا من
اللحم وحسيا من المرق، وفي رواية مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي (ع)
قال: امرني رسول الله ان أقوم على البدن قال فإذا نحرتها فتصدق بجلودها وبجلالها
وبشحومها، وفي رواية ان لا أعطي الجار ومنها نحن نعطيه من عندنا.
كافي الكليني، قال أبو عبد الله (ع): نحر رسول الله بيده ثلاثا وستين ونحر
علي ما غبر. تهذيب الأحكام: ان النبي لما فرغ من السعي قال: هذا جبرئيل يأمرني
بأن آمر من لم يسق هديا ان يحل ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل
ما أمرتكم ولكني سقت الهدي، وكان (ع) ساق الهدي ستا وستين أو أربعا وستين
وجاء علي من اليمين بأربع وثلاثين أو ست وثلاثين وقال لعلي: بما أهللت؟ قال:
يا رسول الله أهلالا كاهلال النبي، فقال النبي: كن على احرامك مثلي وأنت شريكي
394

في هديي، فلما رمى الجمرة نحر رسول الله منها ستا وستين ونحر علي أربعا وثلاثين.
قال الحميري:
شريك رسول الله في البدن التي * حداها هدايا عام حج فودعا
فلم يعد ان وافى الهدي محله * دعا بالهدايا مشعرات فصرعا
بكعبة ستا بعد ستين بكرة * هدايا له قد ساقها ماية معا
وفاز علي الخير منه بأنيق * ثلاثين بل زادت على ذاك أربعا
فنحرها ثم اجتذى من جميعها * جذا ثم القى ما اجتذى منه أجمعا
بقدر فأغلاها فلما أتت أتى * بها قد تهوى لحمها وتميعا
فقال له كل واحس منها ومثل ما * تراني بإذن الله أصنع فاصنعا
ولم يطعما خلقا من الناس بضعة * ولا حسوة من ذاك حتى تضلعا
واستنابه في التضحي، الحاكم بن البيع في معرفة علوم الحديث: حدثنا أبو نصر
سهل الفقيه عن صالح بن محمد بن الحبيب عن علي بن حكيم عن شريك عن أبي الحسناء
عن الحكم بن عتيبة عن رزين بن حنيس قال: كان علي يضحي بكبشين بكبش عن
النبي وبكبش عن نفسه وقال: كان أمرني رسول الله أن أضحي عنه فأنا أضحي
عنه أبدا، ورواه أحمد في الفضايل.
واستنابه في اصلاح ما أفسده خالد، وروى البخاري ان النبي بعث خالدا في سرية
فأغار على حي أبي زاهر الأسدي، وفي رواية الطبري انه أمر بكتفهم ثم عرضهم على
السيف فقتل منهم من قتل فأتوا بالكتاب الذي أمر رسول الله أمانا له ولقومه إلى
النبي (ص) قالوا جميعا ان النبي قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، وفي رواية
الخدري اللهم إني أبرأ من خالد ثلاثا، ثم قال (ع): اما متاعكم فقد ذهب فاقتسمه
المسلمون ولكني أرد عليكم مثل متاعكم، ثم إنه قدم على رسول الله ثلاث رزم من
متاع اليمن فقال: يا علي فاقض ذمة الله وذمة رسوله، ودفع إليه الرزم الثلاث فأمر علي
بنسخة ما أصيب لهم فكتبوا فقال: خذوا هذه الرزمة فقوموها بما أصيب لكم،
فقالوا: سبحان الله هذا أكبر مما أصيب لنا، فقال: خذوا هذه الثانية فاكسوا عيالكم
وخدمكم ليفرحوا بقدر ما حزنوا وخذوا الثالثة بما علمتم وما لم تعلموا لترضوا عن
رسول الله، فلما قدم علي على رسول الله أخبره بالذي كان منه فضحك رسول الله
حتى بدت نواجذه وقال: أدى الله عن ذمتك كما أديت عن ذمتي، ونحو ذلك روي
أيضا في بني جذيمة قال الحميري:
395

من ذا الذي أوصى إليه محمد * يقضي العدات فأنفذ الاقضاء
وقد ولاه في رد الودايع لما هاجر إلى المدينة استخلف صلى الله عليه وآله عليا (ع) في أهله
وماله فأمره ان يؤدي عنه كل دين وكل وديعة وأوصى إليه بقضاء ديونه.
الطبري باسناده له عن عباد عن علي (ع) أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من
يؤدي عني ديني ويقضي عداتي ويكون معي في الجنة؟ قلت: أنا يا رسول الله.
فردوس الديلمي قال سليمان قال صلى الله عليه وآله: علي بن أبي طالب ينجز عداتي ويقضي
ديني. أحمد في الفضائل عن ابن آدم السلولي وحبشي بن جنادة السلولي قال النبي:
علي مني وأما منه ولا يقضي عني ديني إلا أنا أو علي، وقوله: يقضي ديني وينجز
وعدي، وقوله: أنت قاضي ديني في روايات كثيرة.
قتادة: بلغنا ان عليا نادى ثلاثة أعوام بالموسم من كان له على رسول الله دين
فليأتنا نقضي عنه.
وروت العامة عن حبشي بن جنادة انه أتى رجل أبا بكر فقال: رسول الله
وعدني أن يحثو لي ثلاث حثيات من تمر، فقال: يا علي فاحثها له، فعدها أبو بكر
فوجد في كل حثية ستين تمرة فقال: صدق رسول الله سمعته يقول: يا أبا بكر كفي
وكف علي في العدد سواء، ودين النبي إنما كان عداته وهي ثمانون ألف درهم فأداها.
قال الحميري:
وأديت عنه كل عهد وذمة * وقد كان فيها واثقا بوقائكا
فقلت له أقضي ديونك كلها * وأقضي بانجاز جميع عداتكا
ثمانين ألفا أو تزيد قضيتها * فأبرأته منها بحسن قضائكا
وله أيضا:
أدى ثمانين ألفا عنه كاملة * لابل يزيد فلم يغرم وقد غنما
يدعو إليها ولا يدعو ببينة * لابل يصدق فيها زعم من زعما
حتى يخلصه منها بذمته * ان الوصي الذي لا يخفر الذمما
وله أيضا:
قضيت ديونه عنه فكانت * ديون محمد ليست بغرم
ثمانين ألفا باع فيها تلاده * موقرة ارباتها لم تهضم
فما زال يقضي دينه وعداته * ويدعو إليها قائما كل موسم
يقول لأهل الدين أهلا ومرحبا * مقالة لا من ولا متجهم
396

وينشدها حتى يخلص ذمة * ببذل عطايا ذي ندى متقسم
ومما قضى عنه الدين دين الله الذي هو أعظم، وذلك ما كان افترضه الله عليه
فقبض صلوات الله عليه قبل أن يقضيه وأوصى عليا بقضائه عنه وذلك قول الله تعالى
(يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) فجاهد الكفار في حياته وأمر عليا بجهاد المنافقين
بعد وفاته فجاهد الناكثين والقاسطين والمارقين وقضى بذلك دين رسول الله الذي كان
لربه عليه. وانه صلى الله عليه وآله جعل طلاق نسائه إليه. أبو الدر علي المرادي وصالح مولى
التومة عن عايشة ان النبي جعل طلاق نسائه إلى علي:
الأصبغ بن نباتة قال: بعث علي (ع) يوم الجمل إلى عائشة ارجعي وإلا تكلمت
بكلام تبرين من الله ورسوله.
وقال أمير المؤمنين للحسن: اذهب إلى فلانة فقل لها قال لك أمير المؤمنين والذي
فلق الحبة والنوى وبرأ النسمة لئن لم ترحلي الساعة لأبعثن إليك بما تعلمين، فلما أخبرها
الحسن بما قال أمير المؤمنين قامت ثم قالت: رحلوني، فقالت لها امرأة من المهالبة:
أتاك ابن عباس شيخ بني هاشم حاورتيه وخرج من عندك مغضبا وأتاك غلام فأقلعت!
قالت: ان هذا الغلام ابن رسول الله فمن أراد أن ينظر إلى مقلتي رسول الله فلينظر
إلى هذا الغلام وقد بعث إلي بما علمت، قالت: فأسألك بحق رسول الله عليك إلا
أخبرتنا بالذي بعث إليك، قالت: ان رسول الله جعل طلاق نسائه بيد علي فمن طلقها
في الدنيا بانت منه في الآخرة، وفي رواية كان النبي يقسم نفلا في أصحابه فسألناه
أن يعطينا منه شيئا وألححنا عليه في ذلك فلامنا علي فقال حسبكن ما أضجرتن
رسول الله فتجهمناه فغضب النبي مما استقبلنا به عليا ثم قال: يا علي اني قد جعلت
طلاقهن إليك فمن طلقتها منهن فهي باينة، ولم يوقت النبي في ذلك وقتا في حياة ولا
موت فهي تلك الكلمة فأخاف أن أبين من رسول الله. قال خطيب خوارزم:
علي في النساء له وصي * أمين لم يمانع بالحجاب
واستنابه في مبيته على فراشه ليلة الغار. واستنابه في نقل الحرم إلى المدينة بعد
ثلاثة أيام. واستنابه في قتل الصناديد من قريش وولاه عليهم عند هزيمتهم.
واستنابه في خاصة أمره وحفظ سره مثل حديث مارية لما قرفوها. واستنابه على
المدينة لما خرج إلى تبوك. وولاه حين بعثه إلى فدك. وولاه الخروج إلى بني
زهرة. وولاه يوم أحد في أخذ الراية وكان صاحب راياته دونهم. وولاه على
نفسه عند وفاته وعلى غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.
397

وقد روي عنه (ع): انا أهل بيت النبوة والرسالة والإمامة وانه لا يجوز أنه
يقبلنا عند ولادتنا القوابل وان الامام لا يتولى ولادته وتغميضه وغسله ودفنه إلا
إمام مثله، فتولى ولادته رسول الله وتولى وفاة رسول الله علي وتولى أمير المؤمنين
ولادة الحسن والحسين وتوليا وفاته، ووصى إليه أمر الأمة على ما يأتي بيانه انشاء الله
وقد استنابه يوم الفتح في أمر عظيم فإنه وقف حتى صعد على كتفيه وتعلق
بسطح البيت وصعد وكان يقلع الأصنام بحيث يهتز حيطان البيت ويرمي بها فتنكسر.
ورواه أحمد بن حنبل، وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما، وأبو بكر الخطيب في
تاريخه، ومحمد بن الصباح الزعفراني في الفضايل، والخطيب الخوارزمي في أربعينه،
وأبو عبد الله النطنزي في الخصايص، وأبو المضا صبيح مولى الرضا (ع) قال سمعته
يحدث عن أبيه عن جده في قوله تعالى (ورفعناه مكانا عليا) قال: نزلت في صعود
علي على ظهر النبي لقلع الصنم.
أبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين (ع) عن قتادة عن
ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال لي جابر بن عبد الله: دخلنا مع النبي مكة وفى البيت
وحوله ثلاثمائة وستون صنما فأمر بها رسول الله فألقيت كلها لوجوهها وكان على البيت
صنم طويل يقال له هبل فنظر النبي إلى علي وقال له: يا علي تركب علي أو أركب
عليك لالقى هبل عن ظهر الكعبة؟ قلت: يا رسول الله بل تركبني فلما جلس على ظهري
لم أستطع حمله لثقل الرسالة قلت يا رسول الله بل أركبك، فضحك ونزل وطأطأ لي
ظهره واستويت عليه فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أردت أن أمسك السماء لأمسكتها
بيدي فألقيت هبل عن ظهر الكعبة فأنزل الله تعالى (وقل جاء الحق وزهق الباطل ان
الباطل كان زهوقا).
وروى أحمد بن حنبل وأبو بكر الخطيب في كتابيهما بالاسناد عن نعيم بن حكيم
المدايني قال: حدثني أبو مريم عن علي بن أبي طالب قال: (انطلق بي رسول الله إلى
الأصنام فقال اجلس فجلست إلى جنب الكعبة ثم صعد رسول الله على منكبي ثم قال لي
انهض بي إلى الصنم فنهضت به فلما رأى ضعفي عنه قال اجلس فجلست وأنزلته عني
وجلس لي رسول الله ثم قال لي اصعد يا علي فصعدت على منكبه ثم نهض رسول الله
فلما نهض بي خيل لي اني لو شئت نلت السماء وصعدت على الكعبة وتنحى رسول الله
فألقيت صنمهم الأكبر صنم قريش وكان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى
الأرض، الخبر، وفي رواية الخطيب فإنه تخيل إلي اني لو شئت لنلت أفق السماء.
398

وحدثني أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي عن إسماعيل بن أحمد الواعظ عن
أبي بكر البيهقي باسناده عن أبي مريم عن أمير المؤمنين (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
احملني لنطرح الأصنام عن الكعبة فلم أطق حمله فحملني فلو شئت أتناول السماء فعلت
وفى خبر والله لو شئت أن أنال السماء بيدي المتها؟.
وروى القاضي أبو عمر وعثمان بن أحمد عن شيوخ باسناده عن ابن عباس قال
قال النبي لعلي: قم بنا إلى الصنم في أعلى الكعبة لنكسره فقاما جميعا فلما أتياه قال له
النبي: قم على عاتقي حتى أرفعك عليه، فأعطاه علي ثوبه فوضعه رسول الله على عاتقه
ثم رفعه حتى وضعه على البيت فأخذ علي الصنم وهو من نحاس فرمى به من فوق الكعبة
فنادى رسول الله أنزلت فوثب من أعلى الكعبة كأنما كان له جناحان، ويقال ان عمر
كان تمنى ذلك فقال صلى الله عليه وآله: ان الذي عبده لا يقلعه، ولما صعد أبو بكر المنبر نزل
مرقاة فلما صعد عمر نزل مرقاة فلما صعد عثمان نزل مرقاة فلما صعد علي صعد إلى
موضع يجلس عليه رسول الله فسمع من الناس ضوضاء فقال: ما هذه الذي أسمعها؟
قالوا: لصعودك إلى موضع رسول الله الذي لم يصعده الذي تقدمك، فقال: سمعت
رسول الله يقول: من قام مقامي ولم يعمل بعملي أكبه الله في النار وأنا والله العامل
بعمله الممتثل قوله الحاكم بحكمه فلذلك قمت هنا، ثم ذكر في خطبته: معاشر الناس
قمت مقام أخي وابن عمي لأنه أعلمني بسري وما يكون مني، فكأنه قال: أنا الذي
وضعت قدمي على خاتم النبوة فما هذه الأعواد أنا من محمد ومحمد مني.
وقال (ع) في خطبة الافتخار: أنا كسرت الأصنام أنا رفعت الاعلام أنا بنيت
الاسلام، قال ابن نباتة: حتى شد به اطناب الاسلام وهد به أحزاب الأصنام فأصبح
الايمان فاشيا بأقياله والبهتان متلاشيا بصياله، ولمقام إبراهيم شرف على كل حجر
لكونه مقاما لقدم إبراهيم فيجب أن يكون قدم على أكرم من رؤس أعدائه لان مقامه
كتف النبوة، والغالية والمشبهة تقول أكثر من هذا كما انشد شاعرهم، وقد روي عن
أبي نواس:
قيل لي قل في علي المرتضى * كلمات تطفؤ نارا موقده
قلت لا يبلغ قولي رجلا * حار ذو الجهل إلى أن عبده
وعلي واضعا رجلا له * بمكان وضع الله يده
وأنشد آخر:
قالوا مدحت علي الطهر قلت لهم * كل امتداح جميع الأرض معناه
399

ماذا أقول لمن حطت له قدم * في موضع وضع الرحمن يمناه
وقال الشريف المرتضى:
ولنا من البيت المحرم كلما * طافت به في موسم أقدامه
وبجدنا وبصنوه دعبت عن * البيت الحرام وزعزعت أصنامه
وهما علينا اطلعا شمس الهدى * حتى استنار حلاله وحرامه
وقال مهيار:
فمن آية الباب يوم اليهود * ومن صاحب الجن يوم الخسيف
ومن جمع الدين في يوم بدر * واحد بتفريق تلك الصفوف
وهدم في الله أصنامهم * بمرأى عيون عليه عكوف
وقال أبو الحسن القمي:
والمرتقي كتف النبي بمكة * في مجمع للمسلمين كثيف
وقال ابن الحجاج:
جاوز الروم والنصارى * يحانون بمقتل الصلبان
مثل ما كان قد جرى من علي * من إمام الهدى على الأوثان
وقال العوني:
علي على ظهر النبي توطيا * فهل ظهره شيخا كما يطئان
وله أيضا:
كسرت أصنام أهل الشرك ويلهم * لما علوت من الهادي على الكتف
وله أيضا:
أمير المؤمنين أبو تراب * بنى الاسلام بالبيض الرقاق
غياث محمد في كل كرب * إذا ما الحرب قامت فوق ساق
وجاهد في سبيل الله ما ان * يحاني في الجهاد ولا يتاقي
علي كاسر الأصنام لما * رقى كتف النبي إلى بساق
وله أيضا:
ومن ارتقى كتف النبي محمد * وكذلك ابنا فاطم الزهراء
ما شأن عرسهم وكيف تباهلوا * دون الورى كما هو الاملاء
مناقب ج 1، م 50
400

وله أيضا:
فهذا ويوم الفتح نادى محمد * ألا قم إلى الأصنام حيدر فافلع
وطأطأ له حتى اعتلى فوق ظهره * فأجلل بهذا من مقام وأرفع
فقال علي لو أشأ نلت عندها * سما الله أورمت النجوم أتت معي
وقال دعبل:
علي رقى كتف النبي محمد * فهل كسر الأصنام خلق سوى علي
وقال الزاهي:
مكسر الأصنام في اليوم الذي * أريح عن وجه الهدى عماسه
رقي على الكاهل من خير الورى * والدين مقرون به انباسه
ونكس اللات وألقى هبلا * مهشما يقلبه انتكاسه
وقام مولاي على البيت وقد * طهر إذ فارقه انجاسه؟
وقال ابن رزيك:
اما علي علت رجلاه كاهل * خير الخلق حتى أزال العز عن هبل
وقال القمي:
علي تعالى منكب النور أحمد * فأهوى إليه بالصليب المهشم
وقال خطيب خوارزم؟:
علي كاسر الأصنام لما * علا كتف النبي بلا احتجاب
وقال المفجع:
رام حمل النبي كي يقلع الأصنام * من سخطها المشمول؟ الجثيا
فحباه ثقل النبوة حتى * كاد ينآد تحته مثنيا
فارتقى منكسب؟ النبي علي * صنوه ما أجل ذاك رقيا
فأماط الأوثان عن طابة * الكعبة ينقي الأرجاس عنها نقيا
ولو أن الوصي حاول؟ مس النجم * بالكف لم يجده قصيا
وقال المرزوقي (ويقال للحصفكي):
يا رب بالقدم التي أوطأتها * من قاب قوسين المحل الأعظما
وبحرمة القدم التي جعلت لها * كتف المؤبد بالرسالة سلما
اجعلهما ربي إليك وسيلتي * في يوم حشر أن أزور جهنما
401

وقال السروجي:
رقى على ظهر النبي حيدر * من دون جمع بين بدو وحضر
حتى علا البيت وألقى هبلا * من كعبة الله سريعا وانحدر
وقال الناشئ:
أما علا من خاتم الرسل كاهلا * وقد كان عبلا يحمل الظهر كاهله
ولكن رسول الله علاه عامدا * على كتفيه كي تناهى فضايله
وذلك يوم الفتح والبيت قبله * ومن حوله الأصنام والكفر شامله
فشرفه خير الأنام بحمله * فبورك محمولا وبورك حامله
فلما دحى الأصنام أومى بكفه * فكادت تنال الأفق منه أنامله
أيعجز عنه من دحى باب خيبر * ويحمله أفراسه ورواحله
وله أيضا:
أقام دين الإله؟ إذا كسرت * يداه من فتح مكة هبلا
علا على كاهل النبي ولو * رام احتمالا لأحمد حملا
ولو أراد النجوم لامسها * هناه ذو العرش ما به كفلا
وله أيضا:
وكسر أصناما لدى فتح مكة * فأورث حقدا كل من عبد الوثن
فأبدت له عليا قريش تراتها * فأصبح بعد المصطفى الطهر في محن
يعادونه إذ أخفت الكفر سيفه * وأضحى به الدين الحنيفي قد علن
وقال خطيب منبج:
ومن نهض النبي به فأضحى * بأصنام البنية مستهينا
دحى باللات والعزى جميعا * على هبل فغادر مستهينا
ولم يسجد له من قبل طوعا * كما كانوا بمكة ساجدينا
أجيب دعاء إبراهيم فيه * فكان لها من المتجبينا
وقال غيره:
ومن علا ظهر النبي وارتقى * وكسر الأصنام بالنصر
وحديث الارتقاء مثل حديث المعراج سواء، وقد روي كل واحد منهما من
وجهين في زمانين مختلفين فيدل هذا على أن كل واحد منهما كان مرتين.
مسند أبو يعلى، أبو مريم قال علي: انطلقت مع رسول الله ليلا حتى أتينا
402

الكعبة فقال لي اجلس فجلست فصعد رسول الله على منكبي ثم نهضت به فلما رأى
ضعفي عنه قال اجلس فجلست فنزل رسول الله وجلس لي وقال اصعد على منكبي ثم
صعدت عليه ثم نهض بي حتى أنه ليخيل إلي لو شئت نلت أفق السماء وصعدت على
البيت فأتيت صنم قريش وهو بمثال رجل من صفر أو نحاس، الحديث.
وروى إسماعيل بن محمد الكوفي في خبر طويل عن ابن عباس انه كان صنم
لخزاعة من فوق الكعبة فقال له النبي: يا أبا الحسن انطلق بنا نلقي هذا الصنم عن البيت
فانطلقا ليلا فقال له يا أبا الحسن ارق على ظهري وكان طول الكعبة أربعين ذراعا فحمله
رسول الله فقال: انتهيت يا علي؟ قال: والذي بعثك بالحق لو هممت أن أمس السماء
بيدي لمسستها واحتمل الصنم وجلد به الأرض فتقطع قطعا ثم تعلق بالميزاب وتخلى
بنفسه إلى الأرض فلما سقط ضحك فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما يضحك يا علي أضحك الله
سنك؟ قال: ضحكت يا رسول الله تعجبا من اني رميت بنفسي من فوق البيت إلى
الأرض فما ألمت ولا أصابني وجع، فقال: كيف تألم يا أبا الحسن أو يصيبك وجع إنما
رفعك محمد وأنزلك جبرئيل.
وفي أربعين الخوارزمي في خبر طويل فانطلقت انا والنبي وخشينا ان يرانا أحد
من قريش أو غيرهم فقذفته فتكسر ونزوت من فوق الكعبة. قال ابن الأسود الكاتب
أمن سرى معه سواء عندما * مضيا بعون الله يبتدران
نحو البنية بيته العالي الذي * ما زال يعرف شامخ البنيان
حتى إذا أتيا إليه بسدفة * وهما لما قصدا له وجلان
ويفرق الكفار عن أركانه * وخلا المقام وهوم الحيان
أهوى ليحمله رآه وصيه * فونى ونى سوى لألف هدان
ان النبوة لم يكن ليقيلها * إلا نبي أيد النهضان
فحنى النبي له مطاه وقال قم * فاركب ولاتك عنه بالخشيان
فعلاه وهو له مطيع سامع * بأبي المطيع مع المطاع الحاني
ولو أنه منه يروم بنانه * نجما لنال مطالع الدبران
فتناول الصنم الكبير فرجه * من فوقه ورماه بالكذان
حتى تحطم منكباه ورأسه * ووهى القوايم والتقى الطرفان
ونحا بصم جلامد أوثانهم * فأبادها بالكسر والايهان
وغدا عليه الكافرون بحسرة * وهم بلا صنم ولا أوثان
403

وقال الحميري:
وليلة خرجا فيها على وجل * وهما يجوبان دون الكعبة الظلما
حتى إذا انتهيا قال النبي له * انا نحاول ان نستنزل الصنما
من فوقها فاعل ظهري ثم قام به * خير البرية ما استحيى وما احتشما
حتى إذا ما استوت رجلا أبي حسن * أهوى به لقرار الأرض فانحطما
ناداه احمد ان ثب يا علي لقد * أحسنت بارك ربي فيك فاقتحما
وله أيضا:
وليلة قاما يمشيان بظلمة * يجوبان حلبابا من الليل غيهبا
إلى صنم كانت خزاعة كلها * توقرة كي يكسراه ويهربا
فقال اعل ظهري يا علي وحطه * فقام به خير الأنام مركبا
يغادره فضا جذاذا وقال ثب * جزاك به ربى جزاء مؤربا
فهذه دلالات ظاهرة على أنه أقرب الناس إليه وأخصهم لديه وانه ولي عهده
ووصيه على أمته من بعده وانه صلى الله عليه وآله لم يستنب المشايخ في شئ إلا ما روى في أبى بكر
انه استنابه في الحج وفي قول عائشة: مروا أبا بكر ليصلى بالناس، وكلا الموضعين
فيه خلاف.
ولعلي بن أبي طالب (ع) مزايا فإنه لم يول عليه أحد وما أخرجه إلى موضع
ولا تركه في قوم إلا ولاه عليهم وكان الشيخان تحت ولاية أسامة وعمرو بن العاص
وغيرهما. قال منصور النميري:
من كان ولى احمد واليا * على علي فيولوا عليه
قل لأبي القاسم ان الذي * وليت لم يترك وما في يديه
فصل: في المسابقة بالهزم وترك المراهتة
تفسير الثعلبي والقشيري والواحدي والقزويني ومعاني الزجاج ومسند الموصلي
وأسباب نزول القرآن عن الواحدي انه لما دخل النبي صلى الله عليه وآله مكة يوم الفتح غلق عثمان
ابن طلحة العبدي باب البيت وصعد السطح فطلب النبي المفتاح منه فقال: لو علمت أنه
رسول الله لم امنعه فصعد علي بن أبي طالب السطح ولوى يده واخذ المفتاح منه
وفتح الباب فدخل النبي البيت فصلى فيه ركعتين فلما خرج سأله العباس ان يعطيه
404

المفتاح فنزل (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن
يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه فقال له عثمان: يا علي أكرهت وأذيت ثم جئت برفق،
قال: لقد أنزل الله عز وجل في شأنك، وقرأ عليه الآية فأسلم عثمان فأقره النبي في يده
وفى رواية صاحب النزول انه جاء جبرئيل فقال: ما دام هذا البيت فان المفتاح
والسدانة في يد أولاد عثمان وهو إلى اليوم في أيديهم.
وفي الصحيحين والتاريخين والمسندين وأكثر التفاسير ان سارة مولاة أبي عمرو
ابن صيفي بن هشام أتت النبي من مكة مسترفدة فأمر صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب باسدانها
فأعطاها حاطب بن أبي بلتعة عشرة دنانير على أن تحمل كتابا بخبر وفود النبي إلى مكة
وكان صلى الله عليه وآله أسر ذلك ليدخل عليهم بغتة فأخذت الكتاب وأخفته في شعرها وذهبت
فأتى جبرئيل وقص القصة على رسول الله فأنفذ عليا والزبير ومقداد وعمارا وعمر
وطلحة وأبا مرثد؟ خلفها فأدركوها بروضة خاخ يطالبوها بالكتاب فأنكرت وما
وجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال علي (ع): والله ما كذبنا ولا كذبنا، وسل
سيفه وقال: أخرجي الكتاب وإلا والله لأضربن عنقك، فأخرجته من عقيصتها فأخذ
أمير المؤمنين الكتاب وجاء إلى النبي فدعا بحاطب من أبي بلتعة وقال له: ما حملك على
ما فعلت؟ قال: كنت رجلا عزيزا في أهل مكة - أي غريبا ساكنا بجوارهم - فأحببت
أن أتخذ عندهم بكتابي إليهم مودة ليدفعوا عن أهلي بذلك فنزل قوله تعالى (يا أيها
الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة).
قال السدي ومجاهد في تفسيرهما عن ابن عباس: (لا تتخذوا عدوي وعدوكم
أولياء تلقون إليهم بالمودة) بالكتاب والنصيحة لهم وقد كفروا بما جاءكم أيها المسلمون
من الحق يعني الرسول والكتاب يخرجون الرسول يعني محمدا وإياكم يعني وهم أخرجوا
أمير المؤمنين ان يؤمنوا بالله ربكم وكان النبي وعلي صلى الله عليهما وحاطب ممن اخرج
من مكة فحلاه رسول الله لايمانه ان كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي
أيها المؤمنون تسرون إليهم بالمودة تخفون إليهم بالكتاب بخبر النبي وتتخذون عندهم
النصيحة وأنا أعلم بما أخفيتم من اخفاء الكتاب الذي كان معها وما أعلنتم وما قاله
أمير المؤمنين (ع) للزبير: والله لاصدقت المرأة ان ليس معها كتاب بل الله أصدق
ورسوله فأخذه منها ثم قال: ومن يفعله منكم عند أهل مكة بالكتاب فقد ضل
سواء السبيل.
405

وقد اشتهر عنه (ع) قوله: أنا فقأت عين الفتنة ولم يكن ليفقأها غيري.
وقال الطبري ومجاهد في تاريخهما جمع عمر بن الخطاب الناس يسألهم من أي يوم
نكتب فقال علي: من يوم هاجر رسول الله ونزل أهل الشرك فكأنه أشار أن
لا تبتدعوا بدعة وتؤرخوا كما كانوا يكتبون في زمان رسول الله لأنه قدم النبي المدينة
في شهر ربيع الأول أمر بالتاريخ فكانوا يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه إلى
أن تمت له سنة.
ذكره التاريخي عن ابن شهاب، ولقد كان يجري سياسته مجرى المعجزات
لصعوبته وتعدده، وذلك أن أصحابه كانوا فرقتين أحدهما على أن عثمان قتل مظلوما
وتتولاه وتتبرأ من أعدائه والأخرى وهم جمهور الحرب وأهل الغنى والباس يعتقدون
ان عثمان قتل لاحداث أوجبت عليه القتل ومنهم من يصرح بتكفيره وكل من هاتين
الفرقتين يزعم أن عليا موافق له على رأيه وكان يعلم أنه متى وافق احدى الطائفتين
باينته الأخرى وأسلمته وتولت عنه وخذلته يستعمل في كلامه ما يوافق كل واحدة
من الطائفتين فيقول والله قتل عثمان قتل ولم.
تاريخ الطبري، قال أبو بكر الهذلي: اجتمع أهل همدان والري ونهاوند
وقومس وأصفهان وتظاهروا على أبي بكر فقال طلحة فضلا ثم قال عثمان تلقيهم في
أهل الشام واليمن وأهل الكوفة والبصرة فقال أمير المؤمنين (ع): ان أشخصت أهل
الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم وان أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت
الحبشة إلى ذراريهم وان أشخصت من هذين الحرمين انقضت العرب عليك من أطرافها
وأكنافها حتى يكون ما تدع وراء ظهرك من عيالات العرب أهم إليك مما بين يديك
واما ذكرك كثرة العجم ورهبتك من جموعهم فانا لم نكن نقاتل على عهد رسول الله
بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصرة واما ما بلغك من اجتماعهم على المسير إلى المسلمين فان الله
لمسيرهم أكره منك لذلك وهو أولى بتغيير ما يكره وان الأعاجم إذا نظروا إليك قالوا
هذا رجل العرب فان قطعتموه قطعتم العرب فكان أشد لكلبهم فكنت ألبتهم على
نفسك وأمدهم من لم يكن يمدهم ولكني أرى أن تقر هؤلاء في أمصارهم وتكتب إلى
أهل البصرة فليتفرقوا على ثلاث فرق فلتقم منهم فرقة على ذراريهم حرسا لهم ولتقم
فرقة في أهل عهدهم لئلا يتقضوا ولتسر فرقة منهم إلى اخوانهم مددا لهم. قال
أبو بريدة الأسلمي:
كفى بعلى قائدا لذوي النهى * وحرزا من المكروه والحدثان
406

ونربع إليه ان ألمت ملمة * علينا وترضى قوله ببيان
يبين اخفاء النفوس التي لها * من الهلك والوسواس هاجستان
وروي عن الصادق عليه السلام:
محال وجود النار في بيت ظلمة * وان يهتدى في ظل حيران حاير
فلا تطمعوا في العدل من غير أهله * ولا في هدى من غير أهل البصاير
تفسير مجاهد وأبو يوسف يعقوب بن أبي سفيان قال ابن عباس في قوله تعالى:
(وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك) قائما ان دحية الكلبي جاء يوم
الجمعة من الشام بالمسيرة فنزل عند أحجار الزيت ثم ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه
فانفض الناس إليه إلا علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام وسلمان وأبو ذر
والمقداد وصهيب وتركوا النبي قائما يخطب على المنبر فقال النبي لقد نظر الله يوم الجمعة
إلى مسجدي فلولا الفئة الذين جلسوا في مسجدي لانضرمت المدينة على أهلها نارا
وحصبوا بالحجارة كقوم لوط ونزل فيهم (رجال لا تلهيهم تجارة) الآية.
تاريخ الطبري، ان أمير المؤمنين نزل بقبا على أم كلثوم بنت هدم وقت الهجرة
ليلتين أو ثلاثا فرآها تخرج كل ليلة نصف الليل إلى طارق وتأخذ منه شيئا فسألها
عن ذلك فقالت هذا سهل بن حنيف قد عرف اني امرأة لا أحد لي فإذا أمسى غدا على
أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها وقال احتطبي بهذا فكان أمير المؤمنين يحترمه بعد ذلك
الحسن الحسيني في كتاب النسب انه رأى أمير المؤمنين علي (ع) يوم بدر عقيلا
في فدفد فصد عنه فصاح به يا بن أم علي اما والله لقد رأيت مكاني ولكن عمدا تصدعني
فأتى علي إلى النبي وقال: يا رسول الله هل لك في أبي يزيد مشدودة يداه إلى عنقه
بتسعة فقال انطلق بنا إليه.
قوت القلوب، قيل لعلي بن أبي طالب (ع): انك خالفت فلانا في كذا؟ فقال
خيرنا اتبعنا لهذا الدين.
وضافه رجل ثم خاصم إليه رجلا فقال تحول عنا فان رسول الله نهانا ان نضيف
رجلا إلا وأن يكون خصمه معه.
ونوشه الحارث الأعور فقال قد أجبتك على أن تضمن لي ثلاث خصال لا تدخل
علينا شيئا من خارج ولا تدخر عنا شيئا في البيت ولا تجحف بالعيال.
أبو عبد الله قال أمير المؤمنين لعمر بن الخطاب: ثلاث ان حفظتهن وعلمتهن
407

كفتك ما سواهن وان تركتهن لم ينفعك شئ سواهن، قال: وما هن يا أبا الحسن؟ قال
إقامة الحدود على القريب والبعيد والحكم بكتاب الله في الرضا والسخط والقسم بين
الناس بالعدل بين الأحمر والأسود، فقال له عمر: لعمري لقد أوجزت وأبلغت.
زرارة قال سمعت أبا جعفر يقول: أقيم عبيد الله بن عمر وقد شرب الخمر فأمر
به عمران يضرب فلم يتقدم إليه أحد يضربه حتى قام علي (ع) بنسعة مثنية فضربه بها
أربعين. زرارة قال سمعت أبا جعفر يقول: ان الوليد بن عقبة حين شهد عليه شرب
الخمر قال عثمان لعلي اقض بيني وبين هؤلاء الذين يزعمون أنه شرب الخمر فأمر علي
ان يضرب بسوط له شعبتان أربعين جلدة.
واخذ (ع) رجلا من بني أسد في حد فاجتمع قومه ليكلموا فيه وطلبوا إلى
الحسن ان يصحبهم فقال ائتوه فهو أعلى بكم عينا فدخلوا عليه وسألوه فقال لا تسألوني
شيئا أملك إلا أعطيتكم فخرجوا يرون انهم قد انجحوا فسألهم الحسن فقالوا اتينا خير
مأتى وحكوا له قوله فقال ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم فاصنعوه فأخرجه علي
فحده ثم قال هذا والله لست أملكه.
تهذيب الأحكام، انه اتي أمير المؤمنين بالنجاشي الشاعر وقد شرب الخمر في
شهر رمضان فضربه ثمانين جلدة ثم حبسه ليلة ثم دعا به من الغد فضربه عشرين سوطا
فقال له يا أمير المؤمنين ضربتني ثمانين جلدة في شرب الخمر وهذه العشرين ما هي؟ قال
هذا لتجريك على شرب الخمر في شهر رمضان.
وبلغ معاوية ان النجاشي هجاه فدس قوما شهدوا عليه عند أمير المؤمنين (ع)
انه شرب الخمر فأخذه علي فحده فغضب جماعة على علي في ذلك منهم طارق بن عبد الله
النهدي فقال: يا أمير المؤمنين ما كنا نرى ان أهل المعصية والطاعة وأهل الفرقة والجماعة
عند ولاة العقل ومعادن الفضل سيان في الجزاء حتى ما كان من صنيعك بأخي الحارث
- يعني النجاشي - فأوغرت صدورنا وشتت أمورنا وحملتنا على الجادة التي كنا نرى
ان سبيل من ركبها النار، فقال علي صلوات الله عليه: انها لكبيرة إلا على الخاشعين
يا أخا بني نهد هل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدها
زكاة له وتطهيرا يا أخا بني نهد انه من اتى حدا فأقيم كان كفارته يا أخا بني نهد ان الله
عز وجل يقول في كتابه العظيم (ولا يجر منكم شنان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو
أقرب للتقوى) فخرج طارق والنجاشي معه إلى معاوية ويقال انه رجع.
المناقب ج 1، م 51
408

مطر الوراق وابن شهاب الزهري في خبر انه لما شهد أبو زينب الأسدي وأبو
مزرع وسعيد بن مالك الأشعري و عبد الله بن خنيس الأزدي وعلقمة بن زيد البكري
على الوليد بن عقبة انه شرب الخمر امر عثمان بإقامة الحد عليه جهرا ونهى سرا فرأى
أمير المؤمنين انه يدره عنه الحد قام والحسن معه ليضربه فقال: نشدتك الله والقرابة
قال (ع): اسكت أبا وهب فإنما هلكت بنو إسرائيل بتعطيلهم الحدود، فضربه وقال
لتدعوني قريش بعد هذا جلادها، قال الرشيد الوطواط:
المصطفى قال في رهط وفي عدد * لكن واحدة إلا كفى أبو الحسن
هذا هو المجد من تبغونه عوجا * ان العلى خشن ينقاد للخشن
وروي انه خير لرجل فسق بغلام اما ضربه بالسيف أو هدم حايط عليه أو الحرق
بالنار فاختار النار لشدة عقوبتها وسأل النظرة لركعتين فلما صلى رفع رأسه إلى السماء
وقال: يا رب اني اتيت بفاحشة واتيت إلى وليك تائبا واخترت الاحراق لأتخلص من
نار يوم القيامة، فبكى علي وبكى من حوله فقال علي: اذهب فقد غفر الله لك، فقال
رجل: يا أمير المؤمنين تعطل حدا من حدود الله، فقال له ويلك ان الامام إذا كان
من قبل الله ثم تاب العبد من ذنب بينه وبين الله فله ان يغفر له.
أتت امرأة إلى علي تستعدي على زوجها انه أحبل جاريتي؟ فقال: انها وهبتها لي
فقال علي للرجل: تأتيني بالبينة وإلا رجمتك، فلما رأت المرأة انه الرجم ليس دونه
شئ أقرت انها وهبتها له فجلدها علي (ع) وأجاز له ذلك، ولما حث أمير المؤمنين على
حرب صفين قام أربد بن ربيعة الفزاري فقال: يا علي أتريد ان تقتل أهل الشام كما
قتلنا أهل البصرة قتلة الغوغاء، فقال أبو علافة التميمي:
أعوذ بربي أن تكون منيتي * كما مات في سوق البزازين أربد
تغاوره قراؤنا تبعا لهم * إذا رفعت ايدبها وقعت يد
فجعل أمير المؤمنين (ع) ديته على بيت المال، قال الصاحب:
من كمولانا علي مفتيا * خضع الكل له واعترفا
وله أيضا:
تولى أمور الناس لم يستغلهم * ألا ربما يرتاب من يتقلد
ولم يك محتاجا إلى علم غيره * إذا احتاج قوم في القضايا تبلدوا
فهذه مزايا له فيما شاركهم فيه فتجمع فيه ما تفرق في سائر الصحابة فتبين رجحانه
على جميعهم والتقدم على الأفضل خطأ. قال الصاحب:
409

تجمع فيه ما تفرق في الورى * من الخلق والأخلاق والفضل والعلى
وقال الرشيد وطواط:
لقد تجمع في الهادي أبي الحسن * ما قد تفرق في الأصحاب من حسن
ولغيره:
ولم يكن في جميع الناس من حسن * ما كان في الضيغم العادي أبي الحسن
وقال علي بن هارون:
وهل خصلة من سؤدد لم يكن بها * أبو حسن من بينهم ناهضا قدما
وقال المنجم:
فما فاتهم منها به سلموا له * وما شاركوه كان أوفرهم قسما
كتاب أبو موسى الحامض النحوي انه عرض عباسي للسيد الحميري ان أشعر
الناس من قال:
محمد خير من يمشي على قدم * وصاحباه وعثمان بن عفان
فقال السيد: يا حدث علي أهلك بالعداوة، فقال السنة فقال السيد هذه حجة
أنا أشعر من هذا حيث أقول:
سائل قريشا ان كنت ذا عمه * من كان أثبتهم في الدين أوتادا
من كان أولها سلما وأكثرها * علما وأطيبها اهلا وأولادا
من كان أعدلهم حكما وأقسطهم * فتيا وأصدقهم وعدا وايعادا
من صدق الله إذا كانت مكذبة * تدعو مع الله أوثانا وأندادا
ان يصدقوك فان؟ تعدو أبا حسن * ان أنت لم تلق للأبرار حسادا
وقال ابن حماد:
هو النبأ الاعلى الذي يسأل الورى * غدا عنه إذ يبلو به الله من يبلو
فذاك هو الذكر الحكيم وانه * هو المثل الاعلى الذي ماله مثل
هو العروة الوثقى هو الجنب إنما * يفرط فيه الخاسر العمة العقل
هو القبلة الوسطى يرى الوفد حولها * لها حرم الله المهيمن والحل
وآيته الكبرى وحجته التي * أقيمت على من كان مناله عقل
هو الباب أعني باب حطة لم يكن * لخلق إلى الرحمن من غيره وصل
نعم وصراط الله ينجو وليه * ويهلك من زلت عليه به الرجل
(تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني)
410