الكتاب: مسألتان في النص على علي (ع)
المؤلف: الشيخ المفيد
الجزء: ٢
الوفاة: ٤١٣
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: محمد رضا الأنصاري
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٤ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: طبعت بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد

مسألة أخرى في
النص على علي عليه السلام
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله، العكبري، البغدادي
تحقيق
محمد رضا الأنصاري
1

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على خير خلقه محمد - صلى الله
عليه وآله - وعلى وصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - الذي ورد النص
على إمامته وخلافته في الكتاب والسنة.
النص في اللغة هو المبالغة في الإظهار (1)، أو التعيين والتحديد على شئ ما (2) أو
الدليل الذي لا يتطرق إليه الخلاف. والمقصود بهذا الاصطلاح عند المتكلمين هو البحث
عن الأدلة التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على خلافة أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب - عليه السلام - ووصايته لرسول الله - صلى الله عليه والله -.
والبحث عن النص على خلافته - عليه السلام - من أقدم البحوث التي تناولها
علماء الفريقين، حيث سعى علماء الإمامية في جمع وإحصاء أكبر عدد من النصوص
التي تثبت أحقية علي (ع) بالخلافة من غيره من نصوص الكتاب والسنة.
ومن أشهر النصوص التي تمسك بها الإمامية هي النصوص الآتية:
1) نص يوم الدار (راجع مصادره في كتاب المراجعات، ص 124)
2) نصوص في فضائل علي (ع) (راجع مصادره في كتاب المراجعات، ص 130)

(1) جامع العلوم في اصطلاحات الفنون 3 / 403 - الفصول المختارة ص 2.
(2) تاج العروس والمعجم البسيط مادة (نص).
3

3) نص المنزلة (راجع مصادره في كتاب المراجعات، ص 13)
4) نص المؤاخاة (راجع مصادره في كتاب المراجعات، ص 140 و 145)
5) نمر سد الأبواب (راجع مصادره في كتاب المراجعات، ص 145)
6) نص الغدير (راجع مصادره في كتاب المراجعات، ص 192)
7) نص الوراثة (راجع مصادره في كتاب المراجعات، ص 66 و 221)
و قد دار الجدل بين الإمامية وخصومهم في هذه النصوص حول مدى دلالتها
وحجية أسانيدها وتواترها. وقد أثبتت الإمامية دلالة هنه النصوص وصحة أسانيدها
وتواترها عند العامة والخاصة. أما قومهم فقد شككوا - بعد تسليمهم بصدور هذه
النصوص - تارة في دلالتها على الأفضلية والأحقية بالخلافة، وأخرى حاولوا أن
يعارضوا هذه النصوص بنصوص أخرى ادعوا صدورها عن الرسول - ص - ولكن الحق
يعلو ولا يعلى عليه، فهذه نصو من متضافرة ومتواترة رواها مشايخ الحديث خلفا عن
سلف، وأثبتها أصحاب الصحاح والسن والمسانيد بأسانيد صحيحة وعالية لا يتسرب
إليها الشك ولا تحوم حولها الشبهات، ولا يتردد في قبوله من كانت له أدنى بصيرة إلا
من أعمى الله قلبه وجعل عليها غشاوة، أو أعمته العصبية العمياء فأعرض عن الحق و
نأى.
وقد أفرد جماعة من علماء الإمامية هذا البحث في كتب ورسائل كتبوها، منهم
شيخ الأمة ومعلمها، الفقيه الألمعي والمتكلم البارع الشيخ محمد بن محمد بن النعمان
العكبري البغدادي الملقب بالمفيد - رضوان الله تعالى عليه - فإنه قد ناقش خصومه في
مجالسه وأفحمهم (1)، كما ناقشهم على صفحات كتبه ورسائله. ومن رسائله التي

(1) من ذلك مناظرته مع القاضي أبي بكر أحمد بن سيار في أول الفصول المختارة
4

وصلتنا رسالتان تحملان عنوان (النص على علي عليه السلام) إحداها هذه الرسالة التي
وفقنا الله تعالى لتحقيقه، فإنها برغم صغر حجمها كبيرة في مفاهيمها، عظيمة في
مضمونها، فهي كما جاء في صدرها تقرير عن المناظرة التي جرت بين الشيخ المفيد وبين
أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني القاضي، ولم يرد في الرسالة ذكر لمكان المناظرة
ولا ذكر للمشاركين في تلك الجلسة ولا تاريخها.
فأما الباقلاني فإنه كان رأس الأشعرية وشيخها والمدافع عن مذهبهم
وأما الشيخ المفيد فإنه شيخ الإمامية ورئيسها والمدافع عن مذهب أهل البيت (ع).
ونجد على صفحات كتب السير والكلام مناظرات عديدة جرت بينهما سجلها
لنا التاريخ. ولكن يرى المتتبع أن المنحرفين عن جادة الصواب يحاولون أن يقلبوا هزيمة
الباقلاني في مناظراته مع المفيد (ره) إلى نصر ساحق وأن يشوهوا صورة المفيد إمام
القارئ.
أنظر إلى ترجمة الباقلاني في تاريخ بغداد تاريخ بغداد 5 / 379 يترائى لك
الخطيب متعصبا حقودا ويستشف من خلال عباراته حقده على المفيد (ره) وتبرمه منه،
فإنه يحاول أن ينقص من قيمة المفيد وينزل قدره أمام أعين القارئ، مثلا حينما ينقل
حادثة مزعومة حاكها مخيلة الخطيب فيقول (... وحدث أن ابن المعلم - شيخ الرافضة و
متكلمها - حضر بعض مجالس النظر مع أصحاب له إذ أقبل القاضي أبو بكر الأشعري،
فالتفت ابن المعلم إلى أصحابه وقال لهم: قد جاءكم الشيطان، فسمع القاضي كلامهم -
وكان بعيدا من القوم - فلما جلس أقبل على ابن المعلم وأصحابه وقال لهم: قال الله
تعالى: (إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا) أي إن كنت شيطانا فأنتم كفار...)
الخ.
وهكذا يريد الخطيب أن يصور المفيد للقارئ إنسانا شتاما، سبابا، لا يراعي
5

للآخرين حرمة ويتعرض لهم بسوء، ثم انظر كيف يحاول أن يرفع شأن الباقلاني بهذه
القصة المفتعلة، وليس هذا بعيدا عن كاتب عاش في عصور الظلام وتربى في معاهد
الحقد ومدارس الطائفية، وكم للخطيب في تاريخه مثل هذه السفاسف والأكاذيب حول
رجالات أهل البيت (ع) وعلمائهم. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أما المفيد (ره) فإنه لا يحط من قدره ولا يهبط من شأنه هذه المناظرات الوهمية التي
ينهزم فيها (كما يصورها الخطيب) لأنه أعظم شأنا وأجل قدرا من أن يشينه مثل هذه
الأكاذيب، وكفاه شأنا وعلوا أنه ربى أفذاذ الأمة وأعاظم علمائها أمثال الشيخ الطوسي
والشريفين الرضي والمرتضى والنجاشي والديلمي وغيرهم فهؤلاء الذين هم أقرب
الناس إلى المفيد من أمثال الخطيب (الذي لعله لم يتشرف ولو بلقائه مرة واحدة)
يصورونه إنسانا، متواضعا، دينا، عف اللسان - قائم الليل، لا يبتعد ذكر الله عن لسانه.
يقول ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان (1) قلت: وكان كثير التقشف والتخشع
والإكباب على العلم... ما كان المفيد ينام من الليل إلا هجعة ثم يقوم يصلي أو يطالع أو
يدرس أو يتلو القرآن.
وهذه الرسالة تدور حول سؤال سأله الباقلاني من الشيخ المفيد عن عدد من
يروي النص على خلافة أمير المؤمنين (ع) ثم يضيف بأنهم إن كانوا قلة فلا يفيد شيئا وإن
كانوا كثرة فلماذا لم يقاتل بهم علي (ع) أعداءه.
فيبدأ الشيخ بالإجابة فينفي قلة الرواة، ويثبت الكثرة ثم يستمر في كلامه إلى أن
يفحم الباقلاني كما يفهم من كلام روى الرسالة حيث يقول أخيرا (فلم يأت - أي
الباقلاني - بشئ).

(1) 5 / 368.
6

عملنا في التحقيق:
اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على النسخ التالية:
الأولى = النسخة الموجودة ضمن مجموعة والمحفوظة في خزانة المخطوطات
بمكتبة آية الله المرعشي (ره) بقم وهي ورقة واحدة ومن مخطوطات القرن السابع
الهجري ورقمها (243 رسالة رقم 16). ويبدو أنها أقدم نسخة وصلتنا منها وعليها
تملك سنة لمه 888، وهي النسخة الأصلية التي اعتمدت عليها في تحقيقي ورمزت لها
بحرف (ألف) وقياسها 25 * 5 / 17 سم.
الثانية = النسخة الموجودة ضمن مجموعة بخزانة مخطوطات مكتبة آية الله
المرعشي (ره) وهي من مخطوطات القرن الثالث عشر ورقمها (78 رسالة رقم 19) و
رمزت لها بحرف (ب) وهي بقياس 24 * 5 / 14 سم.
الثالثة = النسخة الموجودة ضمن مجموعة والمحفوظة في خزانة المخطوطات بمكتبة
آية الله المرعشي (ره) ورقمها (255 رسالة رقم 22) وهي من مخطوطات القرن الحادي
عشر (1056 ه‍) ورمزت لها بحرف (ج) وقياسها 25 * 5 / 13 سم.
الرابعة = النسخة الموجودة ضمن مجموعة والمحفوظة في مكتبة (مجلس شوراى
اسلامي) وهي ضمن مجموعة مخطوطات (امام جمعة خوي) المهداة إلى مكتبة المجلس
ورقمها (8 رسالة رقم 30) وهي من مخطوطات القرن الحادي. عشر ورمزت لها بحرف
(د) وقياسها 20 * 14 سم.
الخامسة = النسخة الموجودة في مكتبة الإمام الحكيم (ره) العامة في النجف
الأشرف ورقمها (998) وهي بخط الشيخ محمد بن الشيخ طاهر السماوي (ره) وقد
كتبها في سلخ رجب سنة ألف وثلاثمائة وأربع وثلاثين في بلد الكاظمية، وتوجد
7

منها صورة في المكتبة المركزية لجامعة طهران برقم (3343) وقد رمزنا لها بحرف (ه‍)
وقياسها 5 / 20 * 13 سم.
السادسة = النسخة المطبوعة من هذه الرسالة ضمن كتاب (عدة رسائل) صفحة
181 و 182 والتي تحتوي على مجموعة من رسائل الشيخ المفيد وقد طبعت هذه
المجموعة أولا في النجف الأشرف ثم أعيد طبعها في قم عن دار منشورات المفيد وقد
رمزنا لها ب‍ (ح).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
محمد رضا الأنصاري القمي
24 صفر الخير 1413 ه‍
8

الصفحة الأولى من النسخة " أ "
9

الصفحة الأخيرة من النسخة " أ "
10

الصفحة الأولى من النسخة " ب "
11

الصفحة الأخيرة من النسخة " ب "
12

الصفحة الأولى من النسخة " ج "
13

الصفحة الأخيرة من النسخة " ج "
14

الصفحة الأولى من النسخة " د "
15

الصفحة الأخيرة من النسخة " د "
16

الصفحة الأولى من النسخة " ه‍ "
17

الصفحة الأخيرة من النسخة " ه‍ "
18

الصفحة الأولى من النسخة " ح "
19

الصفحة الأخيرة من النسخة " ح "
20

بسم الله الرحمن الرحيم
الملك الحق المبين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الهادين.
وبعد، فقد سألني القاضي الباقلاني (1) فقال (2): أخبرونا عن أسلافكم
في النص على أمير المؤمنين عليه السلام (3) أكثير أم قليل؟

(1) هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد الباقلاني القاضي، أصله من البصرة، والمرجح أنه ولد
في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، وعاش في بغداد. استدعاه عضد الدولة الديلمي
إلى بلاطه في شيراز فمكث هناك مدة ثم عاد إلى بغداد بعد وفاة عضد الدولة. ويعد الباقلاني
أنبه متكلمي المدرسة الأشعرية ويقال إنه أول من وجد لبعض أفكار الأشاعرة شكلها
الصحيح. وله مناظرات عديدة مع الشيخ المفيد (ره). توفي سنة 403 ه‍ ببغداد.
تجد مصدر ترجمته في: تاريخ التراث العربي / فؤاد سزگين ج 4 من المجلد الأول ص 48
(2) زيادة في نسخة (ح).
(3) زيادة في نسخة (ح).
21

فإن قلتم: قليل، قيل لكم: فلا تنكرون أن يتواطؤوا على الكذب لأن افتعال
الكذب يجوز على القليل.
وإن قلتم كثير، قيل لكم: فما بال أمير المؤمنين سلام الله عليه لم يقاتل
بهم أعداءه، لا سيما وأنتم تدعون أنه لو أصاب أعوانا لقاتل! (1)
الجواب وبالله الثقة:

(1) إن الإمامية تدعي أنه - عليه السلام - لو أصاب أعوانا لحاول أن يسترد حقه المغصوب وذلك
بعيد وفاة رسول الله (ص) ولكنه لم ينو الحرب مع خصومه لأجل إمرة كانت تعدل عنده قيمة
نعل كان يخصفها - كما في رواية ابن عباس - فإنه كان أحرص على سلامة شريعة
أخيه (ص) من كيد الأعداء عن الذين غصبوا حقه، وقد روى أصحاب السير أن أبا سفيان مد
إليه يده ليبايعه للخلافة ورغبه فيها، لكن لاحبا في تطبيق وصية سيد المرسلين وإنما طمعا في
وقوع الفتنة وزوال الاسلام وعودة الجاهلية الجهلاء إلى ربوع الجزيرة العربية، ولكنه (ع) أبى
ورفض وحاول أن يذكر أصحاب رسول الله (ص) ببيعتهم إياه في يوم الغدير والنصوص
التي سمعوها في مواقع عديدة عن رسول الله (ص)، ولكن حالت دونهم المغريات فلم
يستجب له سوى عدد قليل فآثر سلام الله عليه أن يعمل بوصية رسول الله (ص) وهكذا صبر
أمير المؤمنين في هذه المحنة التي وصفها هو بقوله (فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى
أرى تراثي نهبا).
وبرغم ذلك فإنه شارك المسلمين (حكاما ومحكومين) في حياتهم الاجتماعية ونصح
لحكامهم وسار على سنة أخيه رسول الله (ص) وقد وصف عليه السلام موقفه بعد إبعاده عن
الخلافة في رسالة، بعث بها إلى مالك الأشتر يقول فيها (فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة
الناس قد رجعت عن الاسلام يدعون إلى محق دين محمد (ص) فخشيت إن لم أنصر الاسلام
وأهله، أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به على أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع
أيام قلائل).
22

قيل له: أسلافنا - بحمد الله - في النص كثير لا يجوز عليهم افتعال
الكذب، لكن ليس كل من يصلح لنقل الخبر يصلح للجهاد، لأنه قد يصلح لنقل
الخبر الشيخ الكبير، الثقة، الأمين، ولا يصلح ذلك لضرب السيف.
وأيضا فليست الحروب الدينية موقوفة على كثرة الرجال، وإنما هي
موقوفة على المصلحة، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وآله جاهد وهو في
ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا (1)، وقعد عن الجهاد يوم الحديبية (2) وهو في ثلاثة
آلاف وستمائة رجل (3). فعلمت أن الحروب الدينية الشرعية موقوفة على

(1) يقصد الشيخ (ره) بذلك معركة بدر الكبرى، وهي أولى المعارك التي خاضها رسول الله (ص)
والمسلمون مع المشركين. وقعت هذه المعركة بين المسلمين وكفار قريش عند آبار بدر في يوم
17 (أو 19) من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وكان عدد المسلمين 313 رجلا
والكفار 950 رجلا، وقد نصر الله المسلمين على عدوهم فهزموا وكان عدد قتلى المشركين
70 رجلا كما أسر المسلمون 70 من الكفار، وعدد شهداء المسلمين 14 شهيدا.
(2) الحديبية قرية سميت ببئر هناك وبينها وبين مكة مرحلة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل.
وأما يوم الحديبية فإن الشيخ (ره) يقصد بذلك سفر رسول الله (ص) مع المسلمين من المدينة
إلى مكة لأداء العمرة في ذي القعدة من سنة 6 هجرية، حيث انتهى إلى صد المشركين له و
لأصحابه عن الدخول إلى مكة حيث عقد معهم صلح الحديبية، وقد بايع المسلمون في ذلك
اليوم مع رسول الله (ص) بيعة سميت ببيعة الرضوان.
(3) هناك خلاف بين أصحاب السير في عدد المسلمين يوم الحديبية، فقل روى ابن إسحاق أنهم
كانوا 700 رجل، وأما ابن هاشم فإنه روى عن جابر بن عبد الله أنهم كانوا أربع عشرة مئة
سيرة ابن هشام 3 / 322 وأما ابن سعد فإنه روى في طبقاته أن الخارجين مع رسول
الله (ص) يوم الحديبية (ألف وتسعمائة رجل) ثم أضاف (ويقال ألف وأربعمائة ويقال ألف و
23

المصلحة لا على العدد.
قال السائل: فأرنا وجه المصلحة في قعوده عن أخذ حقه لنعلم بذلك
صحة ما ذكر تموه؟
قيل له: أول ما في هذا أنه لا يلزمنا ما ذكرت، لأنه الإمام المعصوم من
الخطأ والزلل، لا اعتراض عليه في قعود وقيامه، بل يعلم - في الجملة - أن
قعوده لمصلحة في الدين والدنيا. (1)

خمسمائة وخمسة وعشرون رجلا) الطبقات 2 / 95 وأما الطبري فإنه نقل الأعداد السابقة
وأضاف إليهم رقمين آخرين وهما (بضعة عشر ومائة من أصحابه) و (ألفا وثلاثمائة)
الطبري / حوادث السنة السادسة وأما ابن الأثير فقد روى في الكامل ثلاثة أرقام (ألف و
أربعمائة وقيل ألف وخمسمائة وقيل ثلاثمائة) الكامل 2 / 200.
وأما زيني دحلان فقد روى في سيرته أنه (كان الناس سبعمائة رجل... وقيل كانوا أربعة
عشرة ومائة وقيل خمس عشرة وقيل ست عشرة وقيل كانوا ألفا وثلاثمائة وقيل
أربعمائة وقيل خمسمائة وخمسة وعشرين وقيل ألف وسبعمائة)، السيرة الحلبية 3 / 9.
(1) وقد تواترت النصوص على عصمته - عليه السلام - وقد رواه. العامة والخاصة:
أما الآيات: فمنها قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) فقد أجمع المفسرون والرواة على أنها نزلت في حق علي وفاطمة والحسن والحين
- عليهم السلام -
وأما الروايات: فمتضافرة أيضا، منها ما رواه. جماعة عن شهر بن حوشب عن أم سلمة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلل عليا وفاطمة وابنيهما بكساء ثم قال: (اللهم هؤلاء
أهل بيت بيتي وحامتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) الحديث. والحديث
صحيح بشواهده وطرقه وقد أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده والطبراني في مسنده و
الطبري في تفسير. والترمذي في سننه وابن جرير في صحاحه والحاكم النيشابوري في
مستدركه ومسلم في صحيحه وابن حبان في صحاحه ووافقهم الذهبي. (راجع سير أعلام
النبلاء 3 / 254 و 283)
ومنها: الرواية المتواترة والمشهورة (يا أيها الناس إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا،
كتاب الله وعترتي أهل بيتي)
(راجع صحيح الترمذي 5 / 328 ومستدرك الحاكم 3 / 148 ومسند أحمد بن حنبل 5 / 189)
ومنها: حديث السفينة (إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن
تخلف عنها غرق)
(راجع مستدرك الحاكم 2 / 342، الصواعق المحرقة 184)، وغيرها من الروايات
24

ثم تبين بعد ذلك بعض وجوه المصلحة، فيكون بعض ذلك أنه علم أن
في المخالفين من يرجع عن الباطل إلى الحق بعد مدة ويستبصر، فكان ترك قتله
مصلحة.
ومنه أنه علم أن في ظهورهم مؤمنين لا يجوز قتلهم واجتياحهم، فكان
ترك قتلهم مصلحة.
ومنه شفقة منه على شيعته وولده أن يصطلموا (1) فينقطع نظام
الإمامة. و هذا كلام معروف يعرفه أهل العدل والمتكلمون، وهو من أصول
الدين، ألا ترى أنا إذا سئلنا عن تغريق قوم نوح عليه السلام وهلاك قوم
صالح لأجل ناقته، وبقاء قاتل الحسين عليه السلام، والحسين عند الله أعظم
من ناقة صالح (2)، لم يكن الجواب إلا ما ذكرناه من المصلحة، وما علمه الله من

(1) أي يستأصلوا ويبادوا.
(2) أقول: ليس المقصود إن الله تعالى لم يجاز قتلة الحسين (ع) في الدنيا فإن أغلبهم قد قتلوا على
يد المؤمنين الذين ندموا على عدم نصرتهم لسبط رسول الله (ص) فقاموا مطالبين بالثأر لدم
الحسين (ع) فاخرجوا الذين حاربوه وقتلوا أصحابه وأولاده من تحت كل حجر ومدر و
قتلوهم شر قتلة، بل يقصد الشيخ (ره)، أنهم لم يجازوا سريعا ولم ينزل عليهم البلاء كما
عاقب الله تعالى قوم صالح وقوم نوح لمصلحة اقتضته حكمته سبحانه وتعالى.
25

بقاء من بقاه. (1)
فلم يأت بشئ لذلك. (2)

(1) كذا في نسخة الأصل (ألف) ونسخة (د). وفي نسخة (ب) وما علمه الله من بقاه فريقا
وفي نسخة (ج) مثل بقاء فريقاه. وقد أسقطت نسخة (ح) هذه العبارة في يعني إن علم الله
تعالى ببقاء من أبقاه الله، هو السبب في بقاءهم، لأن علم الله عين إرادته، فلا تختلف.
(2) كذا في (ح) ولم يرد في سائر النسخ.
26

تكميل من كلام الشيخ الطوسي (ره) في المفصح
فإن قيل: لو كان النص عليه صحيحا على ما ادعيتوه: وجب أن يحتج به
وينكر على من يدفعه عن ذلك بيده ولسانه ولما جاز منه أن يصلي معهم ولا أن
ينكح سبيهم ولا أن يأخذ من فيئهم ولا أن يجاهد معهم. وفي فعله عليه السلام
ذلك كله دليل على بطلان ما تدعونه.
قيل له: الذي منع أمير المؤمنين عليه السلام من الاحتجاج بالنص عليه
ما ظهر له بالأمارات اللايحة من... 1 القوم على الأمر واطراح العهد فيه وعزمهم على
الاستبداد به مع البدار منهم إليه والانتهاز له وأيسه 2 ذلك عن الانتفاع بالحجة،
وربما أدى ذلك إلى دعواههم النسخ لوقوع النص عليه فتكون البلية بذلك أعظم،
وإن ينكروا وقوع النص جملة ويكذبوه في دعواه فيكون البلاء به أشد.
وأما ترك النكير عليهم باليد فهو أنه لم يجد ناصرا ولا معينا على ذلك،
ولو تولاه بنفسه وحامته لربما أدى ذلك إلى قتله أو قتل أهله وأحبته فلأجل ذلك
عدل عن النكير.
وقد بين ذلك عليه السلام في قوله: (أما والله لو وجدت أعوانا لقاتلتهم)
وقوله أيضا بعد بيعة الناس له حين توجه إلى البصرة: (أما والله لولا حضور الناصر
ولزوم الحجة وما أخذ الله على أوليائه ألا يقروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم
لألفيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم عندي
أهون من عفطة عنز).
فبين عليه السلام أنه إنما قاتل من قاتل لوجود النصار وعدل عن قتال من
عدل عن قتالهم لعدمهم.
وأيضا فلو قاتلهم لربما أدى ذلك إلى بوار الاسلام وإلى ارتداد الناس إذ

1 - بياض بالأصل، وعبارة كتاب الاقتصاد هكذا: من إقدام القوم على طلب الأمر.
2 - فآيسه. ظ.
27

أكثر 1 وقد ذكر ذلك في قوله: (أما والله لولا قرب عهد الناس بالكفر لجاهدتهم).
فأما الإنكار باللسان فقد أنكر عليه السلام في مقام بعد مقام، ألا ترى إلى
قوله عليه السلام: (لم أزل مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله،)، وقوله:
(اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم منعوني حقي وغصبوني إرثي)، وفي رواية
أخرى: (اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم ظلموني في) الحجر
والمدر...)، قوله في خطبته المعروفة: (أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وأنه
ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي
الطير...) إلى آخر الخطبة، صريح بالانكار والتظلم من الحق.
فأما ما ذكره السائل من صلاته معهم فإنه عليه السلام إنما كان يصلي معهم
لا على طريق الاقتداء بهم بل كان يصلي لنفسه وإنما كان يركع بركوع ويكبر
بتكبيرهم، وليس ذلك بديل الاقتداء عند أحد من الفقهاء.
فأما الجهاد معهم فإنه لم ير واحد أنه عليه السلام جاهد معهم ولا سار
تحت لوائهم، وأكثر ما روى في ذلك دفاعه عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله
وعن نفسه، وذلك واجب عليه وعلى كل أحد أن يدفع عن نفسه وعن أهله وإن لم
يكن هناك أحد يقتدي به.
فأما أخذه من فيئهم فإن ما كان يأخذ بعض حقه، ولمن له حق، له أن
يتوصل إلى أخذه بجميع أنواع التوصل ولم يكن يأخذ من أموالهم هم.
وأما نكاحه لسبيهم فقد اختلف في ذلك - فمنهم من قال: إن النبي
عليه السلام وهب له الحنفية 2 وإنما استحل فرجها بقوله عليه السلام.
وقيل أيضا: إنها أسلمت وتزوجها أمير المؤمنين عليه السلام.
وقيل أيضا: إنه اشتراها فأعتقها ثم تزوجها.
وكل ذلك ممكن جائز، على أن عندنا يجوز وطء سبي أهل الضلال
إذا كان المسبي مستحقا لذلك -، وهذا يسقط أصل السؤال.
فإن قيل: لو كان عليه السلام منصوصا عليه لما جاز منه الدخول في
الشورى، ولا الرضا بذلك، لأن ذلك خطأ على مذهبكم.

1 - كذا في الأصل، والظاهر: أو أكثرهم.
2 - أم ابنه عليه السلام: محمد.
28

قيل له: إنما دخل عليه السلام في الشورى لأمور:
منها أنه دخلها ليتمكن من إيراد النص عليه والاحتجاج بفضائله وسوابقه،
وما يدل على أنه أحق بالأمر وأولى، وقد علمنا أنه لو لم يدخلها لم يجز منه أن يبتدئ
بالاحتجاج، وليس هناك مقام احتجاج وبحث فجعل عليه السلام الدخول فيها
ذريعة إلى التنبيه على الحق بحسب الإمكان، على ما وردت به الرواية، فإنها
وردت بأنه عليه السلام عدد في ذلك اليوم جميع فضائله ومناقبه أو أكثرها.
ومنها أن السبب في دخوله عليه السلام كان للتقية والاستصلاح لأنه
عليه السلام لما دعى الدخول في الشورى أشفق من أن يمتنع فينسب 1 منه الامتناع
إلى المظاهرة والمكاشفة، وإلى أن تأخره عن الدخول إنما كان لاعتقاده أنه
صاحب الأمر دون من ضم إليه فحمله على الدخول ما حمله في الابتداء على إظهار
الرضا والتسليم.
بأن قيل: لو كان عليه السلام منصوصا عليه السلام 2 على ما تدعون لوجب أن
يكون من دفعه عن مقامه مرتدا كافرا، وفي ذلك، إكفار الأمة بأجمعها، وذلك
خروج عن الاسلام:
قيل له: الذي نقوله في ذلك: إن الناس لم يكونوا بأسرهم دافعين للنص
وعاملين بخلافه مع علمهم الضروري به، وإنما بادر قوم من الأنصار - لما قبض
الرسول عليه السلام - إلى طلب الإمامة واختلفت كلمة رؤسائهم واتصلت حالهم
بجماعة من المهاجرين فقصدوا السقيفة عامين على إزالة الأمر من مستحقه
والاستبداد به، وكان الدعي لهم إلى ذلك والحامل لهم عليه رغبتهم في عاجل
الرياسة والتمكن من الحل والعقد، وانضاف إلى هذا الداعي ما كان في نفس
جماعة منهم من الحسد لأمير المؤمنين عليه السلام والعداوة له لقتل من قتل من أقاربهم
ولتقدمه واختصاصه بالفضائل الباهرة والمناقب الظاهرة التي لم يخل من اختص
ببعضها من حسد وغبطة وقصد بعداوة وآنسهم بتمام ما حاولوه بعض الأنس بتشاغل
بني هاشم وعكوفهم على تجهيز النبي عليه السلام فحضروا السقيفة ونازعوا في الأمر
وقووا على الأمر وجرى ما هو مذكور.

1 - فيتسبب.
2 - كذا في الأصل، والظاهر أنه زايد.
29

فلما رأى الناس فعلهم - وهم وجوه الصحابة ومن يحسن الظن بمثله
وتدخل الشبهة بفعله - توهم أكثرهم أنهم لم يتلبسوا بالأمر ولا أقدموا فيه على ما
أقدموا عليه إلا لعذر يسوع لهم ويجوزه، فدخلت عليه الشبهة واستحكمت في
نفوسهم، ولم يمعنوا النظر في حلها فمالوا ميلهم وسلموا لهم، وبقي العارفون بالحق
والثابتون عليه غير متمكنين من إظهار ما في نفوسهم فتكلم بعضهم ووقع منهم من
النزاع ما قد أتت به الرواية، ثم عاد عند الضرورة إلى الكف والامساك وإظهار
التسليم مع إبطان الاعتقاد للحق ولم يكن في وسع هؤلاء إلا نقل ما علموه وسمعوه
من النص إلى أخلافهم ومن يأمنونه على نفوسهم فنقلوه وتواتروا الخبر به عنهم.
على أن الله تعالى قد أخبر عن أمة موسى عليه السلام أنها قد ارتدت بعد
مفارقة موسى إياها إلى ميقات ربه وعبدوا العجل واتبعوا السامري وهم قد شاهدوا
المعجزات مثل فلق البحر وقلب العصا حية واليد البيضاء وغير ذلك من
المعجزات، وفارقهم موسى أياما معلومة، والنبي عليه السلام خرج من الدنيا بالموت
فإذا كان كل ذلك جايزا عليهم فعلى أمتنا أجوز وأجوز.
على أن الله تعالى قد حكى في هذه الأمة وأخبر أنها ترتد، قال الله
تعالى: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل
بالنعل والقذة بالقذة حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه! قالوا: فاليهود
والنصارى يا رسول الله؟ قال: فمن إذن؟!).
وقال عليه السلام: (- ستفترق أمتي ثلاثة وسبعين فرقة، واحدة منها ناجية
وثنتان وسبعون في النار).
وهذا كله يدل على جواز الخطأ عليهم بل على وقوعه فأين التعجب من
ذلك؟.
فإن قيل: كيف يكون منهم ما ذكرتموه من الضلال وقد أخبر الله تعالى أنه
رضي عنهم، وأعد لهم جنات في قوله: " السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار،
والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها
30

الأنهار " 1 وقال: " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما
في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم " 2 وذلك مانع من وقوع الضلال الموجب لدخول
النار.
قيل له: أما قوله: " والسابقون الأولون...) فإنما ذكر فيها الأولون منهم،
ومن ذكرناه ممن دفع النص لم يكن من السابقين الأولين لأنهم أمير المؤمنين
عليه السلام وجعفر بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وخباب بن
الإرث، وغيرهم ممن دفع النص كان إسلامه متأخرا عن إسلام
هؤلاء.
على أن من ذكروه لو ثبت له السبق فإنما يثبت له السبق إلى الاسلام في
الظاهر والباطن لا يعلمه إلا الله، وليس كل من أظهر السبق إلى الاسلام كان
سبقه على وجه يستحق به الثواب، والله تعالى إنما عنى من يكون سبقه مرضيا على
الظاهر والباطن، فمن أين لهم أن من ذكروه كان سبقه على وجه يستحق به
الثواب.
على أنهم لو كانوا هم المعنيين بالآية لم يمنع ذلك من وقوع الخطأ منهم
ولا واجب لهم العصمة لأن الرضى المذكور في الآية وما أعد الله من النعيم إنما
يكون مشروطا بالإقامة على ذلك والموافاة به، وذلك يجري مجرى قوله " وعد الله
المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار " 3 ولا أحد يقول إن ذلك
يوجب لهم العصمة ولا يؤمن وقوع الخطأ منهم بل ذلك مشروط بما ذكرناه وكذلك
حكم الآية.
وأيضا فإنه لا يجوز أن يكون هذا الوعد غير مشروط وأن يكون على الإطلاق
إلا لمن علم عصمته ولا يجوز عليه شئ من الخطأ، لأنه لو عنى من يجوز عليه الخطأ
بالاطلاق، على كل وجه كان ذلك إغراء له بالقبيح ذلك فاسد بالاجماع،
وليس أحد يدعي للمذكورين العصمة فبطل، أن يكونوا معنيين بالآية على الإطلاق.
وأما قوله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين...) فالظاهر يدل على

1 - التوبة: الآية: 100.
2 - الفتح: ا لآية: 18.
3 - التوبة: الآية: 72.
31

تعليق الرضى بالمؤمنين، والمؤمن هو المستحق للثواب وألا يكون مستحقا لشئ من
العقاب فمن أين لهم أن القوم بهذه الصفة؟ فإن دون ذلك خرط القتاد.
على أنه تعالى قد بين أن المعني بالآية من كان باطنه مثل ظاهره بقوله:
" فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم... " ثم قال: " وأثابهم فتحا قريبا " 1.
فبين أن الذي أنزل السكينة عليه هو الذي يكون الفتح على يديه، ولا خلاف أن أول
حرب كانت بعد بيعة الرضوان خيبر، وكان الفتح فيها على يدي أمير المؤمنين
عليه السلام بعد انهزام من انهزم من القوم فيجب أن يكون هو المعني بالآية.
على أن ما قدمناه في الآية الأولى من أنها ينبغي أن تكون مشروطة وأن
لا تكون مطلقة، يمكن اعتماده هاهنا، وكذلك ما قلناه من أن الآية لو كانت مطلقة
كان ذلك إغراء بالقبيح موجود في هذه الآية.
ثم يقال لهم: قد رأينا من جملة السابقين ومن جملة المبايعين تحت
الشجرة من وقع منهم الخطأ، ألا ترى أن طلحة والزبير كانا من جملة السابقين ومن
جملة المبايعين تحت الشجرة وقد نكثا بيعة أمير المؤمنين عليه السلام وقاتلاه
وسفكا دماء شيعته، وتغلبا على أموال المسلمين، وكذلك فعلت عائشة، وهذا
سعد بن أبي وقاص من جملة السابقين والمبايعين تحت الشجرة وقد تأخر عن بيعة
أمير المؤمنين عليه السلام، وكذلك محمد بن مسلمة، وما كان أيضا من سعد بن
عبادة وطلبه الأمر خطأ، بلا خلاف، وقد استوفينا الكلام على هذه الطريقة في
كتابنا المعروف بالاستيفاء في الإمامة، فمن أراد الوقوف عليه فليطلبه من هناك
إن شاء الله.
32