الكتاب: المسائل العكبرية
المؤلف: الشيخ المفيد
الجزء:
الوفاة: ٤١٣
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: علي أكبر الإلهي الخراساني
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٤ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: طبعت بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد

سلسلة
مؤلفات
الشيخ المفيد
المسائل العكبرية
الكافئة
العويص
قسم من رسالة المتعة
خلاصة الإيجاز
دار المفيد
تعريف الكتاب 1

طباعة - نشر - توزيع
جميع الحقوق الطبع محفوظة
الطبعة الثانية
1414 هجرية - 1993 ميلادية
طبعت بموافقة اللجنة الخاصة
لألفية الشيخ المفيد
للطباعة والنشر والتوزيع
بيروت. لبنان. ص. ب 25 / 304
تعريف الكتاب 2

كلمة الناشر
الحمد لله رب العالمين - والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه
المنتجبين.
كان لانعقاد المؤتمر الألفي للشيخ المفيد في مدينة قم سنة 1413 ومشاركة
الوفود العالمية في ذلك المؤتمر، وما القي فيه من دراسات وبحوث - كان ذلك حافزا
للكثيرين إلى التنبه لإحياء آثار هذا العالم العظيم الذي كان له في تاريخ الثقافة
الاسلامية والفكر العربي ما كان، سواء في مدرسته الكبرى التي أقامها في بغداد، أو
في مجالسه العلمية التي كانت تنعقد في داره، أو في مؤلفاته التي تطرقت إلى أنواع
شتى من المعرفة " ما خلدها على مر العصور.
وقد كان من أهم ما تنبه إليه المفكرون والمحققون هو وجوب جمع تلك
المؤلفات في حلقات متتابعة يسهل على المتتبع الوصول إليها.
وقد كان ذلك فجمعت تلك المؤلفات والمصنفات في سلسلة مترابطة في
حلقاتها لتكون بين يدي القارئ سهلة المأخذ، يستفيد منها العالم والمتعلم،
والأستاذ والتلميذ، وتصبح موردا لكل ظامئ إلى العلم، صاد إلى الثقافة.
وقد رأت دارنا (دار المفيد) أن تقوم بطبع هذه المؤلفات في طبعة جديدة
عارضة لها على شداة الحقيقة العلمية الفكرية أينما وجدوا، وهو ما يراه القارئ بين
يديه فيما يلي، كتابا بعد كتاب.
وإننا لنرجو أن نكون بذلك قد أرضينا الله أو لا، ثم أرضينا قراءنا الذين عودناهم
فيما مضى من أيامنا على أن نبذل لهم كل جديد.
سائلين من الله التوفيق والتسديد
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
دار المفيد
تعريف الكتاب 3

يحتوي هذا المجلد على:
1 - المسائل العكبرية، تحقيق الشيخ علي أكبر الإلهي الخراساني.
2 - الكافئة في إبطال توبة الخاطئة، تحقيق الشيخ علي أكبر زماني نژاد.
3 - العويص، تحقيق الشيخ محسن أحمدي.
4 - قسم من رسالة المتعة للشيخ المفيد، المستخرج من بحار الأنوار
للعلامة المجلسي - ره -.
5 - خلاصة الإيجاز، للمحقق الكركي وهي مختصر رسالة المتعة
للشيخ المفيد - ره - تحقيق الشيخ علي أكبر زماني نژاد.
تعريف الكتاب 4

المسائل العكبرية
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد بن نعمان ابن المعلم
أبي عبد الله العكبري البغدادي
(336 - 413 ه‍)
تحقيق
علي أكبر إلهي الخراساني
1

بسم الله الرحمن الرحيم
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وخير الصلاة والسلام على رسوله المصطفى
محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
وبعد: لقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالسؤال عما لا يعلمون، فقال مكررا:
" فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " 1. لذلك ترى المسلمين في
الصدر الأول كانوا يسألون الرسرل صلى الله عليه وآله عما لا يعلمون وعما يشتبه
عليهم، وهذا ما نجد مصاديقه في القرآن الكريم من خلال كلمة " يسألونك "،
حيث وردت هذه الصيغة في السؤال عن مختلف الظواهر، كالسؤال عن الأحكام
الشرعية المتعلقة بالأهلة والإنفاق والقتال والخمر والميسر واليتامى والمحيض
والأنفال:
" يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج... " سورة البقرة (2): 189
" يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين... " سورة البقرة (2): 215
" يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير... " سورة البقرة (2): 217
" يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير... " سورة البقرة (2): 219
" ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو. " سورة البقرة (2): 219
": يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير... " سورة البقرة (2): 220

1 - سورة النحل (16): 43. وسورة الأنبياء (12): 7.
3

" ويسألونك عن المحيض هو أذى... " 1 سورة البقرة (2): 222
" يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله وللرسول... " سورة الأنفال (8): 1
كما وردت الصيغة المذكورة في السؤال عن الظواهر الطبيعية كالجبال،
وعن قصص بعض الشخصيات الغابرة مثل ذي القرنين، وعن حقيقة الروح وعن
قيام الساعة:
" يسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا... " سورة طه (20): 105
" يسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا... " سورة الكهف (18): 83
" يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي.. " سورة الأعراف (7): 85
" يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي... " سورة الأعراف (7): 187
ولما استشكل بعض الصحابة قوله تعالى " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم
بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " 2، وقالوا: أينا لم يظلم؟ بين لهم النبي صلى
الله عليه وآله وسلم أن المراد بالظلم الشرك، واستدل بقوله سبحانه في آية أخرى:
" إن الشرك لظلم عظيم " 403
وإذا تجاوزنا صدر الاسلام، نجد أن أهل الذكر الذين أمر الله تعالى بتوجيه
1 - إعلم أنه تعالى جمع في هذا الموضع ستة من الأسئلة، فذكر الثلاثة الأولى بغير الواو،
وذكر الثلاثة الأخيرة بالواو، والسبب أن سؤالهم عن تلك الحوادث الأول وقع في أحوال
متفرقة، فلم يؤت فيها بحرف العطف، لأن كل واحد من تلك السؤالات سؤال مبتدأ
وسألوا عن المسائل الثلاثة الأخيرة في وقت واحد، فجيء بحرف الجمع لذلك، كأنه قيل:
يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر والسؤال عن كذا.
2 - سورة الأنعام (ء): 82
3 - سورة لقمان (31): 13.
4 - في رحاب السنة: 10، وفي مجمع البيان (4 / 327 / 2): روي عن عبد الله بن مسعود، قال: لما
نزلت هذه. الآية شق على الناس، وقالوا: يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه؟ فقال صلى الله عليه
وآله: إنه ليس الذي تعنون، ألم تستمعوا إلى ما قال العبد الصالح: " يا بني لا تشرك
بالله إن الشرك لظلم عظيم ".
4

الأسئلة إليهم وهم أئمة أهل البيت عليهم السلام، يتكفلون بالإجابة على مختلف
الأسئلة التي كانت ترد إليهم من الأصحاب أو من الأعداء أيضا.
وإذا انتقلنا إلى عصر الغيبة، نجد أن الفقهاء والمتكلمين وهم النواب عن
أهل الذكر يتكفلون أيضا بالإجابة على الأسئلة التي تثار أمامهم، حيث ألفوا
رسائل وكتبا تتناول أسئلة الآخرين والإجابة عليها. وقد اتخذ تأليف هذه الرسائل
والكتب " عناوين " منتزعة من نفس المادة المتصلة ب‍ (السؤال) و (الجواب) عن
الأمور الشرعية وغيرها، فجاءت هذه الرسائل والكتب تحمل عناوين مثل
(السؤال والجواب) أو (السؤالات والجوابات) أو (الأسئلة والأجوبة) أو غيرها.
وبإمكاننا أن نلقي نظرة سريعة على موسوعة العلامة الطهراني التي ذكرت
مصنفات علمائنا في هذا الميدان لنجدها شاهدا على ما نقول، وفي هذا الصدد
يوضح صاحب الموسوعة الملابسات التي تكتنف تأليف هذه الرسائل والكتب
من حيث الأسئلة وأجوبتها، فيقول:
" إذا علم أن الكتاب في جواب شخص خاص، أو في جواب اعتراض
معين، أو أنه جواب عن سؤال مخصوص، أو عن شبهة معلومة، أو أنه جواب عن
مسألة مخصوصة، أو عن مسائل متعددة كما هو الشائع من إلقاء المسألة الواحدة،
أو المسائل من القرب، أو من البلاد البعيدة إلى العلماء وهم يكتبون جواباتها بغير
عنوان خاص، أو علم أنه جواب رسالة أو كتاب، أو مكتوب، يصح أن يعبر عنه
بالجواب المضاف إلى ما يعلم من إحدى هذه الأمور " 1.
وإليك نماذج من تلك العناوين التي أوردها العلامة الطهراني:
(الأجوبة...) 2.
1 - الذريعة 5 / 171.
2 - الذريعة 1 / 267 - 278.
5

(جواب. أو جوابات...) 1.
(ا لسؤال والجواب أو سؤال وجواب) 2.
(المسائل. أو المسائل والجوابات) 3.
(مسألة...) 4.
حيث نرى أنه ذكر تحت هذه العناوين مئات من الكتب، التي دون فيها
المصنف نفسه أو أمر من دون فيها مجموع السؤالات أو الاستفتاءات التي
ألقيت إليه على الدفعات التدريجية وما كتبه من جواباتها في أوقات متطاولة فإنه
بعد التدوين في مجلد يسمى بأحد هذه العناوين 5.
وفي ضوء هذه الحقيقة التي ذكرناها عن المسائل وأجوبتها، نجد أن واحدا
من أكبر فقهاء الطائفة ومتكلميها وهو الشيخ المفيد يتكفل بالإجابة علن مختلف
الأسئلة، ومنها أجوبة المسائل الحاجبية أو العكبرية وهي أجوبة كتبها الشيخ
لأحد وخمسين سؤالا سألها الحاجب أبو الليث بن سراج الأواني، الذي دعا له
الشيخ بطول البقاء ودوام التوفيق.
وأكثر ما فيها السؤال عن معاني آيات وأحاديث وتوجيهها، ودفع ما ورد
عند السائل حولها من شبهات. وفيها مجموعة من الأسئلة المرتبطة بالنبوة
والإمامة وشؤونهما.
ويستشف من نمط بعض الأسئلة وكذا من جوابات الشيخ أن السائل كان
ممن تعمد تنظيمها وأراد بها الإلزام، لا مجرد الاستفسار والمعرفة. وقد تصدى الشيخ
للإجابة عنها بكل جلاء وقوة، مع حسن البيان وقوة الأداء، كما هو المعهود في أجوبته.
1 - الذريعة 5 / 172 - 240.
2 - الذريعة 12 / 221 - 251.
3 - الذريعة 20 / 329 / 2 - 373.
4 - الذريعة 20 / 382 - 398.
5 - أنظر الذريعة 5 / 123.
6

الكتاب وعنوانه:
الكتاب يشتمل على إحدى وخمسين مسألة كلامية، عن الآيات المتشابهة
والأحاديث المشكلة، سأل الحاجب أبو الليث بن سراج شرحها وبيانها، فأجاب
عنها الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المتوفى سنة
413 " والذي مدحه الإمام الغائب المنتظر والحجة الثاني عشر عجل الله فرجه
الشريف ورثا عليه بعد موته وقال:
لا صوت الناعي لفقدك إنه يوم على آل الرسول عظيم
إن كنت قد غيبت في جدت الثرى فالعلم والتوحيد فيك مقيم 1
والكتاب نسب تارة إلى السائل فقيل: " المسائل الحاجبية " 2 و " جوابات
المسائل الحاجبية " 3 و " أجوبة المسائل الحاجبية " 3 و " جوابات أبي الليث
الأواني " 5.
وتارة نسب إلى المسؤول عنه، فقيل: " المسائل العكبرية " 6 و " جوابات
المسائل العكبرية " 7.
وتارة إلى عدد الأسئلة، فقيل: " جوابات الإحدى والخمسين مسألة " 8 و
" أجوبة المسائل الإحدى والخمسين " 9.
وقد ذكر بعض تلامذة العلامة المجلسي وهو المولي الجليل الميرزا
1 - بحار الأنوار 110 \ 165.
2 - الذريعة 20 343 /.
3 - الذريعة 5 / 219.
4 - النسخة المحفوظة بمكتبة آية الله الحكيم وهي التي جعلناها أصلا.
5 - رجال النجاشي 400، والذريعة 5 / 198.
6 - الذريعة 20 / 358.
7 - الذريعة 5 / 228.
8 - الذريعة 5 / 198.
9 - بحار الأنوار 110 / 165 و 167.
7

عبد الله الأفنذي الأصفهاني صاحب " رياض العلماء وحياض الفضلاء " المتوفى
سنة 1130 ه‍، في رسالته إلى العلامة المجلسي، المندرجة بعينها في آخر
إجازات بحار الأنوار بعنوان: " خاتمة فيها مطالب عديدة لبعض أزكياء تلامذتنا،
تناسب هذا المقام وبه نختم الكلام) ما نصه:
... إن فهرست الكتب التي ينبغي أن تلحق ببحار الأنوار على حسب ما
أمرتم به هي هذه:
كتاب المزار. وأجوبة المسائل الإحدى والخمسين، وجوابات المسائل
السروية، وجوابات المسائل العكبرية، كلها للشيخ المفيد، ممدوح صاحب
الزمان عليه صلوات الرحيم الرحمان...
وأجوبة المسائل الإحدى والخمسين هي التي اشتريتها لكم لا زالت
همتكم - عالية، والسائل عنها رجل كان يعرف بالحاجب، وكان مكتوبا في ظهرها
أنها للشيخ، ولكنكم نسبتموها إلى المفيد (ره)، وعلامة تلك المسائل أنها مع
كتاب شهاب الأخبار مجلدة. وجواب المسائل السروية والعكبرية نقلتم عنها في
مواضع من البحار. إلى آخره 1.
وهذا الكلام من الأفندي صريح في أن " جوابات المسائل العكبرية، غير
" أجوبة المسائل الإحدى والخمسين " 2، وهو سهو منه، ولعل منشأه أن الكتاب لم
يضع له الشيخ المفيد اسما خاصا، فانتزع الآخرون له عناوين متنوعة - كما ذكرنا -
والتبس الأمر على أمثال الأفندي. فإن كثيرا من مصنفي الشيعة - كما قال العلامة
الطهراني، قد بلغوا من تواضع النفس، وخضوع الجوانح، وخلوص النيات، حدا لا
يرون أنفسهم شيئا قابلا للذكر والإشارة، ولا يحسبون تصانيفهم مع كونها جيدة
قيمة كتابا لائقا بالعنوان والتسمية، فبقيت الكتب بعد عصر المصنفين بغير اسم
1 - بحار الأنوار 110 156 و 167.
2 - راجع الذريعة 5 / 198.
8

خاص يدعى به، فمست الحاجة إلى أن يشار إليها بعنوان ينطبق عليها 1.
ومما يدلل على وحدة الكتاب ما ذكره العلامة الخوانساري: وكذا كتاب
" أجوبة المسائل الإحدى والخمسين " فإن المراد به هو كتابه المعروف ب‍ " المسائل
الحاجبية " أو هو في أجوبة إشكالات وشبهات في معاني بعض الآيات والروايات
المتشابهات على عدد الإحدى والخمسين، عرضها عليه وسأله عنها حاجب
خليفة ذلك العصر، كما يستفاد من ديباجة ذلك الكتاب، وفيه فوائد لا تحصى،
وغلط من نسبه إلى سيدنا المرتضى رحمه الله فليتفطن ولا يغفل 2.
منهج التحقيق:
أ - مقابلة النسخ:
قد حققناها اعتمادا على النسخ التالية:
1 - النسخة المحفوظة بمكتبة آية الله الحكيم العامة، ضمن المجموعة
436 بخط محمد بن الشيخ طاهر السماوي، مكتوبة في سنة 1335 ه‍، تقع في
31 ورقة. وهي نسخة كاملة، مقروة الخط، خالية من الأخطاء والسقط تقريبا،
ولذلك جعلناها " الأصل ".
2 - النسخة المحفوظة بمكتبة آية الله الحكيم العامة أيضا، ضمن
المجموعة 1087، بخط حاجي آقا شيرازي نمازي، مكتوبة في سنة 1327 ه‍
وهي نسخة كاملة، حسنة الخط، قليلة الخطأ، نادرة السقط.
رمزها: حش
3 - النسخة المحفوظة في المكتبة الرضوية - مشهد، برقم 7722، بخط
محمد حسين بن زين العابدين الأرموي، مكتوبة في سنة 1352 ه‍، وهي نسخة
1 - الذريعة 5 / 171.
2 - روضات الجنات 6 / 155.
9

كاملة، جيدة الخط، قليلة الأخطاء والسقط.
رمزها: رض
2 - النسخة المحفوظة بالمكتبة الوطنية - طهران، ضمن المجموعة 1927 / ع
مكتوبة في سنة 1116 ه‍. وهي نسخة جيدة، إلا أنه سقط منها أربع عشر مسألة،
من المسألة السابعة والثلاثين إلى المسألة الحادية والخمسين.
رمزها: مل
5 - النسخة المحفوظة بمكتبة آية الله المرعشي - قم، برقم 2 ضمن
المجموعة 3692، مكتوبة في سنة 1056 ه‍. وهي نسخة ناقصة، كثيرة السقط
والغلط. رمزها: مر
6 - النسخة المحفوظة بالمكتبة الرضوية - مشهد، برقم 2428، وهي نسخة
ناقصة، كثيرة السقط والخطأ.
رمزها: رض 2
وبعد مراجعة هذه النسخ ومقابلتها، فقد جعلنا النسخة الأولى أصلا، لأنها
تمتاز على بقية النسخ بالكمال، وقلة الأخطاء والسقط، واعتمدنا عليها في عملنا،
وأشرنا إلى اختلاف النسخ في الهامش، إلا إذا كان الموجود في الأصل لا يتلاءم
مع النص أو السياق، والعبارة الأخرى أقرب إلى الصحة، ففي هذه الحالة جعلنا
العبارة الصحيحة في المتن، مع الإشارة في الهامش إلى ما كان موجدا في الأصل.
كما ملأنا موارد السقط من هذه النسخة - على قلتها - بما جاء في باقي أو
بعضها، مع الإشارة إلى ذلك في الهامش.
وأما ما حدث من سقط في بعض النسخة - وهو كثير - فلم نشر الهامش،
إلا إلى ما ينبغي الإشارة إليه. كما نشر إلى كل ما وقع من الأخطاء ففي باقي
النسخ، إلا في موارد قليلة.
وقد أهملنا الإشارة إلى ما اختلفت فيه السنخ في تذكير الكلمة وتأنيثها، أو
تعريفها وتنكيرها وأمثال ذلك وما تضمنته من الأخطاء اللغوية والإعرابية و
10

الإملائية، إلا في موارد نادرة. فأوردنا النص مطابقا لما تقتضيه القواعد الأدبية
والإملائية، المعمول بها حاليا.
كما أشرنا في نهاية كل صفحة من المخطوطة إلى رقم الورقة، ورمزنا إلى
وجه الورقة بالحرف (و) وإلى ظهرها بالحرف (ظ)، مثل (2 و) (2 ظ) حيث أن
العدد يشير إلى رقم ورقة المخطوطة، والحرف (و) إلى وجه الورقة، الحرف (ظ)
يشير إلى ظهر الورقة.
وبعد الانتهاء من التصحيح والتحقيق ظفرنا بثلاث نسخ من هذا الكتاب،
نرجو أن نفيد منها في المستقبل، وهي كما يلي:
1 - النسخة المحفوظة بالمكتبة الآستانة المعصومية - قم، ضمن
المجموعة 87، الرسالة السادسة، مكتوبة في سنة 1319 ه‍، بخط مهدي بن علي
رضا القمي.
2 - النسخة المحفوظة بمكتبة جامعة طهران، ضمن المجموعة 2319،
الرسالة الثانية.
3 - النسخة المحفوظة بالمكتبة الرضوية - مشهد، ضمن المجموعة
12851، الرسالة الرابعة، مكتوبة في سنة 1126 ه‍، وهي نسخة ناقصة.
ب: تخريج الآيات القرآنية، وإثبات رقمها واسم السورة ورقمها في
الهامش.
ج: تخريج الأحاديث والآثار التي أوردها المصنف، من مصادر الفريقين
المعتبرة فثبتنا الأحاديث كما وردت فيها - لا كما وردت في نسخ الكتاب - في
الهامش، نظرا إلى أن هذه الكتب قد طبعت غالبا بتحقيق العلماء، فهي أقرب إلى
الصواب.
د: وضعنا قائمة المصادر التي اعتمدناها في تحقيق الكتاب وهي كما يلي:
11

مصادر التحقيق:
- القرآن الكريم.
- الاحتجاج، لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، تحقيق السيد محمد باقر
الخراسان، أفست على الطبعة الأولى، نشر المرتضى - مشهد، 1403 ".
- الاختصاص، المنسوب إلى الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان، المتوفى سنة 413 ه‍، تصحيح علي أكبر الغفاري منشورات مؤسسة
الأعلمي، بيروت، 1402 ه‍.
- الإرشاد، للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، المتوفى سنة 413 ه‍
تصحيح السيد كاظم الموسوي، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1377 ه‍.
- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (ع)، للعلامة المحدث محمد
باقر بن محمد تقي المجلسي، المتوفى سنة 1110 "، دار الكتب الإسلامية، طهران.
- البداية والنهاية، لأبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي، المتوفى سنة 774 ه‍،
دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الرابعة 1408.
- بصائر الدرجات في فضانل آل محمد (ع)، للمحدث الجليل أبي جعفر محمد
بن الحسن الصفار، المتوفى سنة 290 ه‍، من أصحاب الإمام العسكري عليه
السلام، الطبعة الثانية، تصحيح العلامة ميرزا محسن كوچه باغي.
- تاريخ الرسل. والملوك، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة
310 ه‍، مكتبة خياط، بيروت في خمسة عشر مجلدا، المكتبة التجارية
الكبرى بمصر، 1358 ".
- تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد، للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان،
المتوفى سنة 413، تقديم وتعليق العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني،
منشورات الرضي، قم، 3 ء 1363 ه‍.
- تفسير البرهان، للعلامة السيد هاشم بن السيد سليمان البحراني، المتوفى سنة
1107 ه‍، الطبعة الثانية على نفقة السالك.
12

- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، للفخر الرازي المتوفى سنة 606 ه‍، الطبعة
الثالثة دار إحياء التراث العربي بيروت.
- تفسير الكشاف، لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي،
المتوفى سنة 538 ه‍، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1397 ه‍.
- تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب، للعلامة الشيخ محمد بن محمد رضا القمي
المشهدي، من أعلام القرن الثاني عشر، تحقيق حسين درگاهي، مؤسسة الطبع
والنشر، إيران، الطبعة الأولى 13 ه‍. ش.
- تفسير القمي، لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي، تصحيح السيد طيب
الموسوي الجزائري، منشورات مكتبة الهدى، النجف الأشرف، 1387 ه‍.
- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، تحقيق ونشر مدرسة
. الإمام المهدي عليه السلام، قم المقدسة، الطبعة الأولى، 1409.
- تفسير نور الثقلين، للعلامة الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي،
المتوفى سنة 1112، تحقيق وتصحيح السيد هاشم الرسولي المحلاتي،
الطبعة الثانية، 1383 ".
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للعلامة جلال الدين عبد الرحمن، السيوطي،
المتوفى سنة 911 ه‍، منشورات مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1404 ه‍
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الإصبهاني،
المتوفى سنة 430 "، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الخامسة، 1407 ه‍.
- ديوان حسان بن ثابت، تقديم وتعليق عبدا مهنا، دار الكتب العلمية، بيروت،
الطبعة الأولى، 1406 ه‍.
- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، للعلامة الشيح آقا بزرك الطهراني، المتوفى سنة
1389 ه‍، دار الأضواء، بيروت، الطبعة الثالثة، 1203 ه‍.
- رجال النجاشي، للشيخ الجليل أبي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس
النجاشي الأسدي الكوفي، المتوفى سنة 450 ه‍، مؤسسة النشر الإسلامي
13

التابعة لجماعة المدرسين بقم، 1407 ه‍.
- سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار، للمحدث المتبحر الشيخ عباس القمي،
المتوفى سنة 1359 "، انتشارات كتابخانه سنائي.
- سنن أبي داود، للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، المتوفى سنة
275 "، دار إحياء السنة النبوية.
- السنن الكبرى، للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، المتوفى
سنة 458 "، دار المعرفة، بيروت.
- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، المتوفى سنة 656 ه‍، تحقيق محمد أبو
الفضل إبراهيم، دار الفكر، الطبعة الثالثة 1399 ه‍.
- صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة
256 ه‍.، دار المعرفة، بيروت.
- الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، المتوفى سنة 230 ه‍، دار صادر، بيروت.
- علل الشرائع للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه
القمي، المتوفى سنة 381 ه‍، تقديم العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم،
المكتبة الحيدرية في النجف، 1385 ه‍.
- الغدير في الكتاب والسنة والأدب للعلامة عبد الحسين أحمد الأميني، المتوفى
سنة 1390 ه‍، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1379 ه‍.
- فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم
عليهم السلام، للشيخ المحدث إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن عبد الله بن
علي بن محمد الجويني الخراساني، المتوفى سنة 730 ه‍، تحقيق الشيخ
محمد باقر المحمودي، في مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة
الأولى، 1398 ه‍
- في رحاب السنة الكتب الصحاح الستة للدكتور محمد محمد أبو شهبة،
مجموع البحوث الاسلامية، الأزهر 1389 ه‍.
- قرب الإسناد للشيخ الجليل أبي العباس بن جعفر الحميري من أعلام القرن
14

الثالث الهجري، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث،
الطبعة الأولى، 1413 ه‍.
- الكافي، لثقة الاسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني، المتوفى
سنة 329 ه‍، تصحيح علي أكبر الغفاري، الطبعة الرابعة، دار صعب، بيروت، 1401 ه‍.
- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، للعلامة علاء الدين علي المتقي بن حسام
الدين الهندي، المتوفى سنة 975، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1309 ه‍.
- لسان العرب، للعلامة ابن منظور، المتوفى سنة 711 ه‍، تنسيق علي شيري، دار
إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1408 ه‍.
- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، لخاتمة المحدثين الحاج ميرزا حسين
النوري الطبرسي، المتوفى سنة 1320 ه‍، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت
عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1407 ه‍.
- المستدرك على الصحيحين، للحافظ أبي عبد الله الحاكم النيشابوري، إشراف
يرسف عبد الرحمن المرعشلي، دار ا لمعرفة، بيروت.
- معاني الأخبار، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه
القمي، المتوفى سنة 381 ه‍، تصحيح علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق، 1379 ه‍
- نهج البلاغة، وهو مجموع ما اختاره الشريف أبو الحسن محمد الرضي بن
الحسن الموسوي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام،
شرح الشيخ محمد عبده المكتبة التجارية الكبرى بمصر، مطبعة الاستقامة.
- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، للفقيه المحدث محمد بن الحسن
الحر العاملي، المتوفى سنة 1402 ه‍، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم
السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1409 ه‍.
- ينابيع المودة، للحافظ سليمان - بن إبراهيم القندوزي الحننفي، المتوفى سنة
1294 "، تقديم العلامة السيد محمد مهدي الخراسان، الطبعة السابعة،
المطبعة الحيدرية في النجف، 1384 ه‍.
15

الصحفة الأولى من النسخة التي جعلناها أصلا
16

الصفحة الأخيرة من النسخة التي جعلناها أصلا
17

الصفحة الأولى من النسخة حش
18

الصفحة الأخيرة من النسخة حس
19

الصفحة الأولى من النسخة رض
20

الصفحة الأخيرة من النسخة رض
21

الصفحة الأولى من النسخة مل
22

الصفحة الأخيرة من النسخة مل
23

الصفحة الأخيرة من النسخة رض 2
24

أجوبة المسائل الحاجبية 1
للشيخ المفيد رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يؤيد بالتوفيق من يتمم 2 هداه ويخذل من عدل عن سبيله واتبع
هوا.، وصلى الله على نبيه الذي استخلفه 3 واجتباه، واصطفاه من كافة بريته و
ارتضاه، وعلى البررة من أهل بيته المقتدين به في طاعته لربه وتقواه، وسلم كثيرا.
وبعد فقد وقفت - أطال الله بقاء الحاجب في عز طاعته وأدام توفيقه وحرسه
بعصمته - على المسائل التي أنفذها إلي وسأل الإجابة عنها بما يزيل الشبهات
1 - رض: هذه المسائل سألها الحاجب عن الشيخ أبي عبد الله المفيد محمد بن النعمان
الحارثي البغدادي قدس الله سره.
مر: جواب المسائل الواردة من الحاجب أبي الليث بن سراج (رض) تعرف
ب " المسائل العكبرية " إملاء الشيخ المفيد أبي عبد الله معمد بن النعمان قدس الله روحه ونضر
وجهه وألحقه بمواليه الطاهرين عليهم السلام.
أقول: المسائل الحاجبية هي إحدى وخمسون مسألة كلامية عن آيات متشابهة وأحاديت
مشكلة، سأل الحاجب أبو الليث بن سراج شرحها وبيانها فنسبت إليه.
2 - مر: يتم.
3 - رض، مر: استخلصه.
25

المعترضة في معانيها. وتأملت ما تضمنه 1 وليس منها سؤال إلا وقد سلف لي فيه
أجوبة 2، وثبت في معناه عنى كلام يزول به عن 3 فهمه الارتياب، والأمر في جيع
ذلك بمن الله 4 قريب، وأنا بمشيئة الله وعونه أثبت له - أيده الله 6 - الأجوبة كما
سأل، وأعتمد الإيجاز 7 فيها والاختصار، إذ كان استقصاء القول في ذلك مما
ينتشر 8 به الخطاب، ويتسع به الكلام، ويطول به الكتاب، والله 9 الموفق
للصواب.
المسألة الأولى عن قول الله تعالى 10: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا " 11. قال السائل: وإذا كانت أشباحهم قديمة وهم في
الأصل طاهرون فأي رجس أذهب عنهم؟ قال: وأخرى 12 أنه لا يذهب بالشئ إلا
بعد كونه. قال: نحن مجمعون على أنهم 13 لم يزالوا طاهرين قديمي الأشباح قبل
آدم عليه السلام.
الجواب عما تضمنه هذه الأسئلة 14 "، أن الخبر عن إرادة الله تعالى إذهاب
الرجس عن أهل البيت عليهم السلام والتطهير (لهم) 15 لا يفيد إرادة عزيمة أو ضميرا

1 - رض، مل: تضمنته.
2 - مر: جواب.
3 - رض 2: عمن.
4 - رض. مل: بمنة ا لله. مر: لله تعالى وأنا.
5 - رض، مل، مر: بمشية.
6 - ليس في مر.
7 - مر: الأخبار.
8 - مل، مر: ينشر.
9 - مر: + تعالى.
10 - رضي، مل: عن قوله تعالى. مر: ما قوله - أدام الله توفيقه - في قول الله سبحانه.
11 - سورة الأحزاب (33): 33.
12 - رض: قال والسائل: وأخرى. مر: وقال: وشئ آخر.
13 - حش. مل: ونحن مجمعون أنهم. ورض: + عليهم السلام.
14 - رض: تضمنته هذه المسألة.
15 أثبتناه عن سائر النسخ.
26

أو قصدا، على ما يظنه جماعة ضلوا عن السبيل في معنى إرادة الله عز اسمه، وإنما
يفيد إيقاع الفعل الذي يذهب الرجس، وهو العصمة في الذين أو التوفيق 1 للطاعة
التي يقرب العبد بها من رب العالمين 2. وليس يقتضي إلا ذهاب للرجس وجوده
(2 ظ) من قبل كما ظنة السائل، بل قد يذهب بما كان موجودا ويذهب بما لم
يحصل له وجود، للمنع منه. والإذهاب عبارة عن الصرف، وقد يصرف عن
الانسان ما لم يعتره، كما يصرف ما اعتراه. ألا ترى أنه يقال في الدعاء: " صرف
الله عنك السوء "، فيقصد إلى المسألة منه تعالى عصمته من السوء، دون أن يراد
بذلك، الخبر عن سوء به، والمسألة في صرفه (عنه) 3.
وإذا كان الإذهاب والصرف بمعنى واحد فقد بطل ما توهمه السائل فيه، وثبت
أنه قد يذهب بالرجس عمن لم يعتره قط الرجس على معنى العصمة له (منه) 3
والتوفيق لما يبعده من حصوله به. فكان تقدير الآية حينئذ: إنما يذهب الله عنكم
الرجس الذي (قد) 3 اعترى سواكم بعصمتكم منه، ويطهركم أهل البيت من تعلقه
بكم 4، على ما بيناه.
وأما القول بأن أشباحهم عليهم السلام قديمة فهو منكر لا يطلق. والقديم في
الحقيقة هو الله تعالى الواحد الذي لم يزل. وكل ما سواه محدث مصنوع مبتدأ له
أول. والقول بأنهم لم يزلوا طاهرين قديمي الأشباح قبل آدم 5 كالأول في الخطأ.
ولا يقال لبشر إنه لم يزل قديما.
1 - سائر النسخ: والتوفيق.
2 - روى الحافظ القندوزي الحنفي عن الحسن بن علي - سلام الله عليهما أنه قال في خطبته. إنا أهل
بيت أكرمنا الله، واختارنا واصطفانا، وأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا. (ينابيع المودة 576).
3 - أثبتناه عن سائر النسخ.
4 - ويؤيد هذا المعنى ما ورد في زيارة الجامعة الكبيرة - التي علمها الإمام علي بن محمد الهادي
عليهما السلام موسى بن عبد الله النخعي -: عصمكم الله من الزلل، وآمنكم من الفتن. وطهركم من
الدنس، وأذهب عنكم الرجس " وطهركم تطهيرا. (فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول
والسبطين 2 / 181).
5 - رض، مل، مر + عليه السلام.
27

وإن قيل: إن أشباح آل محمد عليهم السلام سبق وجودها وجود آدم 1،
فالمراد بذلك أن أمثلتهم 2 في الصور كانت في العرش فرآها آدم 3 وسأل عنها
فأخبره الله 4 أنها أمثال صور من ذريته 5 شرفهم بذلك وعظمهم به. فأما أن يكون 6
ذواتهم عليهم السلام كانت قبل آدم موجودة، فذلك باطل بعيد من الحق، لا يعتقده.
محصل ولا يدين به عالم، وإنما قال به طوائف من الغلاة الجهال، والحشوية من
الشيعة الذين لا بصر 7 لهم بمعاني الأشياء ولا حقيقة الكلام.
وقد قيل: إن الله تعالى كان قد كتب أسماءهم على العرش 8 فرآها آدم
1 - رص، مر، رض 2: + عليه السلام.
2 - مر، رض 2: مثلهم.
3 - رض، مر: + عليه السلام.
2 - رض: + تعالى. مر: + عز وجل.
5 - قال علي بن الحسين عليه السلام: حدثني أبي، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله
(قال:) قال: يا عباد الله إن آدم لما رأى. النور ساطعا من صلبه - إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة
العرش إلى ظهر - رأى النور ولم يتبين الأشباح فقال: يا رب في ما هذه. الأنوار؟ قال الله عز وجل: أنوار
أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك، ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك، إذ كنت وعاءا
لتلك الأشباح. فقال آدم: يا رب لو بينتها لي؟ فقال الله عز وجل: أنظر يا آدم إلى ذروة العرش. فنظر
آدم، ووقع (رفع - ن خ) نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا
التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية، فرأى أشباحنا. فقال يا رب ما هذه
الأشباح؟ قال الله تعالى: يا آدم هذه الأشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمد وأنا المحمود
الحميد في أفعالي شققت له اسما من اسمي. وهذا على، وأنا العلي العظيم. شققت له اسما من اسمي.
وهذه، فاطمة وأنا، فاطر السماوات والأرض، فاطم أعدائي عن رحمتي يوم لفصل قضائي وفاطم
أوليائي عما يعر ويسيئهم (يعتريهم ويشينهم - البحار) شققت لها اسما من اسمي. وهذان الحسن
والحسين وأنا المحسن المجمل شققت أسميهما من أسمى هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي، بهم
آخذ وبهم أعطي، وبهم أعاقب وبهم أثيب فتوسل إلي بهم. يا آدم وإذا دهتك داهية فاجعلهم إلى
شفعاءك، فإني آليت على نفسي قسما حقا (أن) لا أخيب بهم آملا، ولا أرد بهم سائلا. (التفسير
المنسوب. إلى الإمام العسكري - تحقيق ونشر مدرسة الإمام ا لمهدي ص 219، وبحار الأنوار
26 / 327).
6 - رص، مل، مر: تكون.
7 - مر، رض 2: لا نظر.
8 - عن أبي جعفر عليه السلام:... وأن اسمه لمكتوب على العرش: محمد رسول الله صلى الله عليه
وآله (بحار الأنوار 16 / 98).
28

عليه السلام وعرفهم بذلك وعلم أن شأنهم به عند الله العظيم 1 عظيم. وأما القول بأن
ذواتهم كانت موجودة قبل آدم عليه السلام فالقول في بطلانه على ما قدمناه 2.
المسألة الثانية قال السائل: قد أجمعنا 3 أن محمدا وآله، صلوات الله
عليهم 2، أفضل من إبراهيم وآله عليهم السلام. قال: ونحن نسأل الله في الصلاة -
على ما ورد به الأثر - أن يصلي على محمد وآله كما صلى (2 و) على إبراهيم وآل
إبراهيم 5، فكأنا نسأله الحطيطة عن منزلتهم إذ كنا قد أجمعنا على أنهم أفضل من
إبراهيم وآله. قال: وإذا صح أن الأنوار قديمة فما بال إبراهيم 6 قال: " ربنا وابعث
فيهم رسولا منهم " 7. وشدد 8 ذلك ما ورد به الخبر أنه قيل: يا رسول الله، ما بدء
أمرك؟ قال: دعوة إبراهيم 9.
والجواب - وبالله التوفيق - أنه ليس في مسألتنا الله تعالى أن يصلي على
محمد وآله كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم، ما يقتضي الرغبة إليه في إلحاقهم
بدرجة إبراهيم. 9 وآل إبراهيم، وإنهم محطوطون عن تلك الدرجة، وأنا نسأله
التفضل عليهم برفعهم إليها، كما ظنه السائل وأشباهه ممن لا علم لهم بمعاني
الكلام، وإنما المراد بذلك الرغبة إلى الله 11 في أن يفعل بهم المستحق لهم من
التعظيم والإجلال، كما فعل بإبراهيم وآله ما استحقوه من ذلك. فالسؤال يقتضي
1 - " العظيم " ليس في سائر النسخ.
2 - مر، رض 2: بيناه.
3 - رض: قد ثبت. مل: قال السائل إن محمدا. مر: فصل مسألة قد أجمعنا.
4 - حش: + أجمعين.
5 - " وآل إبراهيم "، ليس في حش. رض، مل، مر: وآله.
6 - حش، مل: + عليه السلام.
7 - سورة البقرة (2)، 129.
8 - مر، رص 2: شيد. رص: شذ.
9 - حش. مل: + عليه السلام. رض: + الخليل عليه السلام.
10 - رض: + عليهم السلام.
11 - مل: + تعالى
29

تنجيز المستحق لهم منه 2 تعالى وإن كان أفضل مما استحقه إبراهيم وآله. ولهذا
نظير من الكلام في المتعارف 3، وهو أن يقول القائل لمن كسا عبده في ماضي
الدهر 4 وأحسن إليه: " أكس ولدك الآن كما كسوت عبدك، وأحسن إليه كما
أحسنت إلى عبدك من قبل "، ولا يريد مسألة إلحاق الولد برتبة العبد في الإكرام،
ولا التسوية بينهما في ماهية 5 الكسوة والإحسان ومماثلتهما في القدر، بل يريد به
الجمع بينهما في الفعلية والوجود 6. ولو أن رجلا استأجر إنسانا بدرهم أعطاه إياه
عند فراغه من عمله، ثم عمل له أجير من بعد عملا يساوي أجرته دينارا، لصح أن
يقال عند فراغ الانسان من العمل: " أعط هذا الانسان أجره كما أعطيت فلانا
أجره "، أو يقول الأجير نفسه " وفني أجرتي كما وفيت أجيرك بالأمس أجرته " 7،
ولا يقصد 8 التمثيل بين الأجيرين في قدرهما، ولا السؤال في إلحاق الثاني برتبة
الأول على وجه الحط 9 عن منزلته، والنقص له من حقه. فهكذا القول في مسألتنا
الله سبحانه الصلاة على محمد وآله عليهم السلام كما صلى على إبراهيم، وآل
إبراهيم 10 (3 ظ) حسب ما بيناه وشرحناه.
فصل فأما تكرار القول بأنه قد صح أنهم أنوار، فقد قلنا في ما يكفي 11، وبينا
1 - في الأصل وحش: بتحيز، مل، مر، رض 2: تنجز، ولعل ا لصواب ما أثبتاه عن رض.
2 - رض: من الله.
3 - مل، مر، رض 2: التعارف.
4 - مر، رض 2: لمن كسا عبده أو ولده: " افعل مع هذا كما فعلت مع فلان، وإن لم يكن الأول أفضل من
الآخر ويكون الآخر مستحقا أكثر ". ومن هنا إلى المسألة الرابعة سقط في هاتين النسختين.
5 - رض، مل: مائية.
6 - رض، مل: والوجوب.
7 - رض، حش: أجره
8 - رض، مل: + بذلك.
9 - رض، مل: + له.
10 - " كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم " غير موجودة، في رض ومل وحش.
11 - حش، رض، مل: كفى.
30

أنه مذهب مردود 1، ووصفنا الذاهب إليه من الناس بما ذكره 2 من الغلو والتقليد بغير
بيان. وأما الخبر الثابت عن النبي عليه وآله السلام 3: " أنا دعوة إبراهيم " 4، فلم
يأت بأنه كان جوابا عن المسألة له عن بدء أمره. وله سئل عن بدء أمره لما كان
لقوله أنا دعوة إبراهيم محصول 5، لأنه إن أراد بالبدء الإرسال فلم يكن عن 6 دعوة
إبراهيم. وإن أراد الذكر فقد كان ذلك قبل إبراهيم حين ذكره الله لنبيه آدم عليه
السلام. وفي الخبر أنه مذكور 7 للملائكة 8 تجل آدم عليه السلام 9 وبالجملة 10 فإنا
غير مصححين لقدم الأنوار التي ذكرها السائل، وقد قلنا في ذلك ما فيه مقنع، إن
شاء الله تعالى.
المسألة الثالثة وسأل السائل أيضا عن قول يعقوب عليه السلام " لما رأى
يوسف 11 المنام فقال: " وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم
نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل " 12 وقوله بعد ذلك
لإخوته: " وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون " 13. وقد علم أنه يكون نبيا وأنه
1 - رض، مل: مرذول.
2 - رض، مل: بما ذكرناه.
3 - رض، مل: + أنه قال.
3 - عن أبي أمامة قال: يا رسول الله! ما كان بدء أمرك؟ قال: دعوة أبي إبراهيم. وبشرى عيسى،
ورأت أمي أنة خرج منها شئ أضاءت منه قصور الشام. (تفسير نور الثقلين 1 / 130).
5 - رض: معنى محصل.
6 - رض. مل: عند.
7 - رض: كان مذكورا.
8 - عن أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وآله في خبر طويل في وصف المعراج ساقه إلى أن
قال: قلت: يا ملائكة ربي هل تعرفونا حق معرفتنا؟ فقالوا: يا نبي الله وكيف لا نعرفكم وأنتم أول
ما خلق الله؟ خلقكم أشباح نور من نوره... ثم خلق الملائكة من بدء ما أراد من أنوار شتى، وكنا نمر
بكم وأنتم تسبحون وتحمدون وتهللون وتكبرون وتمجدون وتقدسون، فنسبح ونقدس ونمجد ونكبر
ونهلل بتسبيحكم وتحميدكم وتهليلكم وتكبيركم وتقديسكم وتمجيدكم. الخ. (بحار الأنوار 15 / 8).
9 - " وفي الخبر. عليه السلام " غير موجودة في مل.
10 - رض، مل: وفي ا لجملة.
11 - حش، رض، مل: + عليه السلام.
12 - سورة يوسف (12): 6.
13 - سورة يوسف (12): 13. " وأنتم عنه غافلون " غير موجودة في رض ومل.
31

لا يجوز أن يأكله الذئب 1 مع إجماعنا على أن لحوم الأنبياء محرمة على الوحش.
الجواب - وبالله التوفيق - أن يعقوب عليه السلام تأول رؤيا يوسف عليه
السلام على حكم رؤيا البشر التي يصح منها ويبطل، ويكون التأويل لها مشترطا
بالمشيئة 2 ولم يكن يوسف 3 في تلك الحال " نبيا يوحى إليه في المنام فيكون
تأويلها على القطع وإثبات، فلذلك لم يجزم على ما اقتضته من التأويل، وخاف
عليه أكمل الذئب عند إخراجه مع إخوته في الوجه الذي التمسوا إخراجه معهم فيه.
وليس ذلك بأعجب من رؤيا إبراهيم عليه السلام في المنام - وهو نبي مرسل
وخليل للرحمن 5 مصطفى مفضل - أنه يذبح ابنه ثم صرفه الله تعالى عن ذبحه
وفداه منه بنص التنزيل، مع أن رؤيا المنام أيضا على شرط صحة تأويلها ووقوعه
(3 و) لا محالة ليس بخاص لا يحتمل الوجوه 6، بل هو جار مجرى القول الظاهر
المصروف بالدليل عن حقيقة إلى المجاز، وكالعموم الذي يصرف عن ظاهره إلى
ا لخصوص بقرائنه من البرهان. وإذا كان 7 على ما وصفناه أمكن أن يخاف يعقوب 8
على يوسف عليه السلام من العطب قبل البوغ وإن كانت رؤياه تقتضي على ظاهر
حكمها بلوغه ونيله النبوة وسلامته من الآفات. وهذا بين لمن تأمله. والله الموفق
للصواب.
المسألة الرابعة وسأل. هذا السائل 9 عن قوله تعالى: " والنجم والشجر
يسجدان " 10 وقوله: " ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في 11 الأرض
1 - " وقد علم أنه. أن يأكله الذئب " غير موجودة في رص ومل.
2 - رض. مل: بالمشية.
3 - حش. رض. مل: + عليه السلام.
4 - " في تلك الحال " غير موجودة في رض.
5 - حش، رض. مل: خليل الرحمن.
6 - حش: الوجوب.
7 - رض، مل: + الأمر.
8 - رض، مل: + عليه السلام.
9 - مر، رض 2: مسألة من الأول وسأل.
10 سورة الرحمن (55): 6.
11 - " من في " ساقطة من الأصل وحش ومل.
32

والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر " 1. وقال: هذه كلها جمادات لا
حياة لها 2 فكيف تكون ساجدة لله؟ وما معنى سجودها المذكور؟
والجواب - وبالله التوفيق - أن السجود في اللغة التذلل 3 والخضوع، ومنه
سمي المطيع لله ساجدا لتذلله بالطاعة لمن أطاعه. وسمي واضع جهته على
الأرض ساجدا لمن وضعها له لأنه تذلل بذلك له وخضع. والجمادات وإن فارقت
الحيوانات بالجمادية فهي متذللة لله عز وجل من حيث لم تمتنع من تدبيره لها
وأفعاله فيها. والعرب تصف الجمادات بالسجود وتقصد بذلك، ما شرحناه في
معناه ألا ترى إلى قول الشاعر، وهو زيد الخيل:
بجمع تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافر
أراد أن الأكم الصلاب في الأرض لا تمتنع من هدم حوافر الخيل لها وانخفاضها بها
بعد الارتفاع. وقال سويد الشاعر:
ساجد المنخر لا يرفعه خاشع الطرف أصم المستمع
والتذلل بالاضطرار والاختيار لله عز اسمه يعم الجماد والحيوان الناطق
والمستبهم معا. فالمتذلل لله تعالى بالاختيار والفعل من نفسه 5 هو الحي العاقل
المكلف المطيع. والمتذلل له بالاضطرار هو الحي المستبهم والناطق الناقص (2 ظ)
عن حد التكليف، والكامل الكافر أيضا.
والجمادات جميعهم مصرف بتدبير الله تعالى وغير ممتنع من أفعاله به وآثاره فيه،
فالكل إذا سجد لله جل اسمه متذلل له خاضع، على ما بيناه. وهذا ما لا يختل
معناه على من له فهم باللسان.
1 - سورة ا لحج (22): 18.
2 - مرا، رض 2: + ولا نطق.
3 - رض: هو التذلل والخشوع. مل، مر " رض 2: هو التذلل.
2 - " بذلك " ساقطة من رض.
5 - مر، رض 2: باختيار وعقل.
33

المسألة الخامسة، قال السائل: والأنبياء عندنا معصومون كاملون، فما بال
موسى عليه السلام (كان) 1 تلميذا للخضر 2 وهو أعلى منه، ثم أنكر على الخضر 3
فعله والحق فيه؟
الجواب - وبالله التوفيق - أن موسى 2 اتبع الخضر قبل أن ينبأ ويبعث، وهو إذ
ذاك يطلب العلم ويلتمس الفضل فيه. فلما كلمه الله وانتهى من الفضل في العبادة
والعلم إلى الغاية التي بلغها، بعثه الله تعالى رسولا واختاره كليما نبيا. وليس
اتباع الأنبياء العلماء قبل نبوتهم قدح فيهم ولا منفر 5 عنهم، ولا شين لهم ولا مانع
من بعثتهم واصطفائهم. ولو كان موسى عليه السلام اتبع الخضر 6 بعد بعثته لم يكن
ذلك أيضا قادحا في نبوته، لأنه لم يتبعه لاستفادته منه علم شريعته، وإنما اتبعه
ليعرف باطن أحكامه التي لا يخل فقد علمه بها لكماله 7 في علم ديانته. وليس من
شرط الأنبياء عليهم السلام أن يحيطوا بكل علم، ولا أن يقفوا على باطن كل
ظاهر. وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وآله 8 أفضل أن النبيين وأعلم المرسلين،
ولم يكن محيطا بعلم النجوم، ولا متعرضا لذلك ولا يتأتى منه قول الشعر ولا
ينبغي له. وكان أميا بنص التنزيل ولم يتعاط معرفة الصنائع 9 ولما أراد المدينة 10.
استأجر دليلا على سنن الطريق. وكان يسأل عن الأخبار ويخفى عليه
منها ما لم يأت به إليه صادق من الناس، فكيف 11 ينكر أن يتبع
1 - أثبتناها عن رض لاقتضاء، السياق.
2 - رض: + عليه السلام.
3 - " على الخضر " ساقطة من رض.
4 - رض، مل: + عليه السلام.
5 - رض، مل: تنفير.
6 - رض: + عليه السلام.
7 - رض، مل: فقد علمه بكماله.
8 - حش: عليه وآله الصلاة والسلام. رض: عليه وآله السلام.
9 - رض، مل: + والمهن.
10 - رض، مل: الله، هو تصحيف من الناسخ.
11 - رض، مل: فلا.
34

موسى 1 عليه السلام الخضر 2 بعد نبوته ليعرف بواطن الأمور، فيما 3 كان يعلمه مما
أورده. الله سبحانه بعلمه، من كون ملك يغصب السفن، وكنز في موضع 4 من
الأرض، وطفل إن بلغ كفر وأفسد 5، وليس عدم العلم بذلك نقصا ولا شيئا و
لا موجبا لانخفاض عن رتبة نبوة 6 وإرسال. وأما إنكاره عليه السلام خرق السفينة
وقتل (4 و) الطفل فلم ينكره. على كل حال، وإنما أنكر الظاهر منه يعلم باطن
الحال منه. وقد كان منكرا في ظاهر الحال وذلك جار مجرى قبول الأنبياء عليهم
السلام شهادات العدول في الظاهر وإن كانوا كذبة في الباطن وعند الله، وإقامة
الحدود بالشهادات وإن كان المحدودون براء في الباطن وعند الله. وهذا أيضا مما
لا يلتبس 7 الأمر فيه على متأمل له من العقلاء.
المسألة السادسة، وسأل عن تول أمير المؤمنين عليه السلام في دعائه على
القاعدين عن نصرته من جنده: " اللهم أبدلني بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شرا
مني " 8. فقال: ما وجه هذا الكلام ولم يكن عليه السلام شريرا ولا كانوا هم أخيارا؟
وكيف يسأل الله أن يبدلهم به شريرا، والشر ليس من الله؟
والجواب - وبالله التوفيق - أن العرب تصف الانسان بما يعتقده في نفسه
وإن كان اعتقاد. ذلك باطلا، وتذكر أنفسها بما هي على خلافه لاعتقاد المخاطب
فيها ذلك. ولما ذكرنا نظائر في القرآن وأشعار العرب الفصحاء.
1 - حش، مل: + عليه السلام.
2 - رض. + عليه السلام
3 - في الأصل وحش: فما صححناها عن رض ومل.
4 - " في موضع " ساقطة من رض ومل.
5 - حش: فسد
6 - رض: لانخفاض رتبته عن نبوة.
7 - رض " مل: لا يلبس.
8 - نهج البلاغة، الخطبة 25: اللهم إني قد مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم
9 رض، مل: فيه.
35

قال الله عز اسمه: " ذق إنك أنت العزيز الكريم " 1 ولم يكن كذلك بل كان ذيلا
لئيما، فوصفه بضد ما هو عليه لاعتقاده ذلك في نفسه، واعتقاد من اعتقد فيه
ذلك 2.
وقال حكاية عن موسى عليه السلام، فيما خاطب به السامري: " وانظر إلى
إلهك الذي ظلت عليه عاكفا " 3، ولم يرد إلهه في الحقيقة الذي هو الله عز وجل،
وإنما أراد إلهه في اعتقاده.
وقال حسان بن ثابت يرد على أبي سفيان فيما هجا به النبي،
صلى الله عليه وآله وسلم:
أتهجوه ولست له بند فشركما لخيركما الفداء
ولم يكن في النبي صلى الله عليه وآله وسلم شر، ولا كان صلى الله عليه وآله وسلم 6
شريرا حاشاه من ذلك! وإنما أراد حسان - بما - أورده. من لفظ الدعاء في البيت الذي
أثبتناه. عنه - ما قدمناه من تعلق الصفة باعتقاد المخاطب، أو تقديرها على ما يمكن
من اعتقاد الخطأ في ذلك، حسب ما شرحناه وفي معنى ذلك قوله تعالى: " أذلك
خير نزلا أم شجرة الزقوم " 7. ومعلوم أنه لا خير في شجرة الزقوم 8 على حال.
ونظائر ذلك كثيرة.
1 - سورة الدخان (22): 49.
2 - حش، رض، مل: ذلك فيه.
3 - سورة طه (20): 97.
2 - ديوان خان بن ثابت ص 20:
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكف: فشركما لخيركما الفداء
هجرت مباركا برا حنيفا أين الله شيمته الوفاء
5 - حش مل: عليه وآله السلام.
6 - حش " مل: صلوات الله عليه
7 - ص سورة الصافات (37): 62
8 - " سورة معلوم أنه لا خير في شجرة الزقوم " 1 ساقطة من رض ومل
36

فصل فأما قول السائل: إن أمير المؤمنين عليه السلام سأل الله إبدالهم به شرا
منه والتمس (5 ظ) منه الشر مع أنه تعالى لا يفعل الشرا، فالوجه فيه على خلاف
ما ظنه، وهو أنه عليه السلام (لم) (2) يسأل الله سبحانه أن يفعل بخلقه شرا ولا أن
ينصب عليهم شريرا، لكنه سأله التخلية بين الأشرار من خلقه وبينهم، عقوبة لهم
وامتحانا. وسأله أيضا أن لا يعصمهم من فتنة الظالمين بما قدمت أيديهم مما
يستحقون به العذاب المهين. ونظير ذلك في معنا. قوله تعالى: وإذ تأذن ربك
يستحقون به العذاب إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب "، قوله: " إنا أرسلنا
الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا " (4) وقوله تعالى: " وكذلك جعلنا في كل قرية
أكابر مجرميها ليمكروا فيها " (5). ولم يرد بذلك البعثة التي هي بعثة الرسل ولا الأمر
بذلك (6) والترغيب فيه، وإنما أراد التخلية وترك التمكين وترك الحيلولة بينهم وبين
المذكور 7، وهذا بين، والله المحمود.

1 - رض: لا يفعله.
2 - ساقطة من الأمل وحش، وأثبتناها عن رض ومل لما يقتضيه المعنى.
3 - سورة الأعراف (7): 167.
2 - سورة مريم (19): 83.
5 - سورة الأنعام (6): 123.
6 - مل، مر، رض 2: + ولا الأمر لفعله. حش + ولا الأمر بفعله.
7 - مر، رض 2: المذكورين.
37

المسألة السابعة. وسأل فقال: إذا كان الله تعالى لا تعلم هيئة ولا يحق و
لا يدرك كيفيته ولا يشبه خلقه، ولا تحسه الأوهام والخواطر، ولا يحويه مكان و
لا حيث (2) ولا أوان، فكيف صدر الأمر والنهي عنه إلى الحجج عليهم السلام وكيف
هيئة ذلك؟ هذا سؤال السائل بألفاظه مع اختلاطها وفسادها.
والجواب - وبالله التوفيق - أن الله، تعالى (3) عن أن يكون له هيئة أو كيفية أو
يشته شيئا من خلقه، أو يتصور في الأوهام أو يصح خطور ذلك (4) على الصحة لأحد
ببال، وتعالى (5) أيضا عن المكان والزمان. وحصول الأمر منه والنهي للحجج
عليهم السلام والسفراء ثابت معقول، لا يشتبه معناه على الآباء (6)، وهو أن يحدث
سبحانه كلاما في محل يقوم به الكلام كالهواء وغيره من الأجسام، يخاطب به
المؤهل للرسالة، ويدله على أنه كلامه (سبحانه) (7) دون من سواه، بأنه لا يقدر عليها
أحد من الخلق على كل حال (8)، فيعلم المخاطب بذلك أنه كلام الله، لما قد ثبت في
العقول من حكمته (تعالى) (9)، وأنه لا يلبس على الباد ولا يصدق كاذبا عليه، و
لا يعضد باطلا ببرهان.
ونظير ذلك إرساله لموسى عليه السلام وتكليمه (10) إياه ووحيه إليه في البعثة له

1 - رض، مل، مر، رض 2: لا يعلم.
2 - في الأصل وحش: بحيث. صححناها عن رض ومر ورض 2.
3 - رض، مل: يتعالى.
4 - رض: حضور ذاته. مل: حضور ذلك.
5 - رض، مل: ويتعالى.
6 - رض، مل: الأولياء.
7 - أثبتناها عن حش ورض ومر.
8 - حش، رض، مل، مر، رض 2: على حال.
9 - أثبتناها عن حش ورض ومل. مر: حكمة الله تعالى.
10 - رض، مل، رض 2: كلامه.
38

والارسال. فأحدث كلاما في الشجر؟ التي رام موسى (5 و) منها اقتباس النار، أو
فيما يتصل بالشجرة من الهواء (1)، ودله على أنه كلامه تعالى (2) دون من سواه بجعل
يده بيضاء من غير سوء، وقلب عصاه ثعبانا حيا يسعى في الحال، فعلم موسى
عليه السلام بهذين المعجزين أن المكلم (3) له إذ ذاك هو الله جل اسمه، الذي لا يقدر
على مثل صنيعه (4) باليد والعصا أحد من الخلق (5).
ثم قد يكون الكلام من الله تعالى في معنى الارسال بخطاب (6) المرسل نفسه،
من غير واسطة بينه وبينه من السفراء، وقد يكون بخطاب تلك يتوسط في السفارة
بينه وبين المبعوث من البشر، ويعضد كلامه للملك بمثل ما عضد كلامه لموسى
عليه السلام من الآيات. وهذا بين لا إشكال فيه، والمنة لله (7).
المسألة الثامنة. وسأل فقال: قد ورد الخبر أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
" ما منا إلا من هم أو عصى إلا يحيي بن زكريا فإنه ما هم ولا عصى " (8). قال وقد
سماه الله سيدا (9) ولم يسم غير وإذا صح ذلك فهو خير الأنبياء.

1 - في الأصل: فيما يتصل من الهواء بالشجرة، اخترناها وفاقا لسائر النسخ.
2 - باقي النسخ: سبحانه.
3 - رض، مل، مر، رض 2: المتكلم.
4 - رض 2: صنعته. مر: صفته.
5 - مر، رض 2: + والعباد.
6 - رض: يخاطب.
7 - رض: + تعالى.
8 - ورد في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام (ص 659): لكنه ما من عبد عبد الله
عز وجل إلا وقد أخطأ أو هم بخطأ، ما خلا يحيى بن زكريا، فإنه لم يذنب، ولم يهم بذنب. ونقلها العلامة
المجلسي في البحار 12 / 186.
وفي الدر المنثور (4 / 262): أخرج أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصولي والحاكم وابن
مردويه عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم
بخطيئة إلا يحيى بن زكريا لم يهم بخطيئة ولم يعملها. راجع أيصا المستدرك على الصحيحين - للحاكم
النيشابوري - 2 / 591.
9 - إشارة إلى قوله تعالى: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله يبشرك بيحيى مصدقا
بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين - سورة آل عمران (3): 39.
39

والجواب - وبالله التوفيق - أن هذا الخبر غير ثابت عن النبي
صلى الله عليه وآله، ولو ثبت لما وجب أن يكون يحيى أفضل الأنبياء (1)، إذ كان من
هم وعصى قد تزيد (2) تكاليفه على من لم يهم ولم يعص، وتكون طاعاته و
قربه أكبر (3)، وأعماله أشق (4)، وأكثر صلاحا للخلق وأنفع، لا سيما وهم (5) الأنبياء (6)
ومعاصيهم - على مذهب من جوز ذلك عليهم من أهل العدل - صغائر مغفورة.
فأنا وصف الله تعالى ليحيى (7) بأنه سيد، فذلك أيضا مما لا يوجب تفضيله
على الأنبياء عليهم السلام، لأنه لم يوصف بالسيادة والفضل عليهم، وإنما وصف
بسيادة قومه، والتقدم (8) على أتباعه وأهل عصره. وذلك غير مقتض لسيادته على
النبيين (9) وتقدمه في الفضل على كافة المرسلين حسب ما ذكرناه.
المسألة التاسعة. وسأل عن قوله تعالى: " إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول
له كن فيكون " (10) فسمى المعدوم شيئا والمعدوم ليس بشئ، وخاطب المعدوم
والمخاطب لا يكون إلا لموجود (11).
والجواب - وبالله التوفيق - أن العرب (12) تطلق على المعدوم ما لا يستحقه من

1 - حش، مل: + عليهم السلام.
2 - رض، مل: يزيد.
3 - رض، ملأ: أكثر.
2 - رض: وأشق أعمالا.
5 - رض، مل: وهمة.
6 - حش، مل: + عليهم السلام.
7 - حش، رض، مل: + عليه السلام.
8 - في الأصل: والتقديم، صححناها على باقي النسخ.
9 - مل: لسيادته النبيين.
10 - سورة النحل (16): 40.
11 - مل: بموجود.
12 - مر، رض 2: إن القرآن نزل لسان العرب والعرب...
40

السمة (1) على الحقيقة إلا عند الوجود توسعا ومجازا. ألا ترى أنهم يقولون:
فلان (6 ظ) مستطيع للحج، فيطلقون على ما (لم) (2) يقع - من الفعل الذي إذا وجد كان
حجا - اسم الحج. ويقولون: تريد (3) في هذه. السنة الجهاد؟ فيسمون ما لم يقع
بالجهاد، وهو لا يستحق السمة (1) بذلك إلا بعد الوجود. وزيد في نفسه خصومة
عمرو، وصلح خالد، وخطاب عبد الله، ومناظرة بكر، والخصومة والصلح
والخطاب والمناظرة لا تكون في الحقيقة إلا بأفعال موجودة. وقد أطلقوا عليها
السمة (1) قبل الوجود وفي حال عدمها وقبل كونها، على ما وصفناه. وقد قال الله
تعالى مخبرا عن المسيح عليه السلام إنه قال: " ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه
أحمد " (4) فسماه رسولا قبل وجوده. والرسول لا يكون رسولا في حال عدمه، و
لا يسحق هذه السمة إلا بعد وجوده وبعثته.
(فصل) (5) فأما قوله إن الخطاب لا يتوجه إلا إلى موجود ولا يصح توجهه إلى
المعدوم، فالأمر كذلك. ولم يخبر الله تعالى بأنه خاطب معدوما ولا كلم غير
موجود، وإنما أخبر أن الأفعال غير متعذرة عليه، وأنه مهما أراد إيجاده (6) منها وجد
كما أراد. والعرب تتوسع بمثل ذلك في الكلام، فيقول القائل منهم في الخبر عمن
يريد ذكره باتساع القدرة ونفوذ الأمر وقوة السلطان: فلان إذا أراد شيئا وقال له:
كن، فكان، وهو لا يقصد بذلك، الخبر عن كلامه لمعدوم، وإنما يخبر عن قدرته
وتيسر الأمر له (7)، حسب ما بيناه.

1 - رض 2: التسمية.
2 - ساقطة من الأصل وحش، أثبتناها عن سائر النسخ لما يقضيه السياق.
3 - رض، رض 2: يريد. مل، مر: نريد.
4 - سورة الصف (61): 6.
5 - أثبتناها عن مر ورض 2.
6 - رض: إيجاد شئ.
7 - رض، مل، مر، رض 2: عليه.
41

المسألة العاشرة. وسأل عن قوله تعالى: " لمن الملك اليوم " (1) فقال: هذا
خطاب منه لمعدوم، لأنه يقوله عند فناء الخلق. ثم يجيب نفسه فيقول: " الله الواحد
القهار " (1). وكلام المعدوم سفه لا يقع من حكيم، وجوابه نفسه عن سؤاله المعدوم أو
تقريره إياه خلاف للحكمة والعقول (2).
والجواب - وبالله التوفيق - إن الآية غير متضمنة (3) للخبر عن خطاب معدوم و
لا تقرير لغير موجود، بل فيها ما يوضح الخبر عن تقرير لموجود وهو قوله
عز وجل: " لينذر يوم التلاق * يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ " (4). ويوم
التلاق هو يوم الحشر عند التقاء (6 و) الأرواح والأجساد، وتلاقي الخلق
بالاجتماع في الصعيد الواحد. وقوله: " يوم هم بارزون "، يؤكد ذلك، إذ كان البروز (5)
لا يكون إلا لموجود، والمعدوم لا يوصف بظهور ولا بروز. فدل ذلك على أن قوله
تعالى: " لمن الملك اليوم " خطاب للموجود (6)، وتقرير لفاعل ثابت العين غير
معدوم. ثم ليس في الآية أن الله تعالى هو القائل ذلك، بل فيها قول غير مضاف
إلى قائل بعينه، فيحتمل أن يكون القائل ملكا أمر بالنداء، فأجابه أهل الموقف.
ويحتمل أن يكون الله تعالى هو القائل مقررا غير مستخبر، والمجيبون هم البشر
المبعوثون، أو الملائكة الحاضرون، أو الجميع مع الجان وسائر المكلفين. غير أنه
ليس في ظاهر الآية ولا باطنها ما يدل على أن الكلام لمعدوم، على ما ظنه السائل
وأقدم على القول به، من غير بصيرة ولا يقين (7).
ووجه آخر وهو أن قوله عز وجل: " ممن الملك اليوم " يفيد وقوعه في حال إنزال (8)

1 - سورة غافر (40): 16.
2 - رض، مل، مر، رض 2: في العقول.
3 - رض، مل: غير مضمنة.
2 - سورة غافر (20): 15 - 16.
5 - رض 2: إذ البروز.
6 - سائر النسخ: لموجود.
7 - حش: ولا تبيين.
8 - باقي النسخ: إنزاله.
42

الآية دون المستقبل، ألا ترى إلى قوله لنبيه صلى الله عليه وآله: " لينذر يوم التلاق *
يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ لمن الملك اليوم " يعني اليوم الذي
تقدم ذكر ثم قال: " لله الواحد القهار ". فكان قوله: " لمن الملك اليوم " تنبيها على
أن الملك لله تعالى وحده يومئذ، ولم يقصد به إلى تقريره ولا استخبار. وقوله
تعالى: " لله الواحد القهار " تأكيد (1) للتنبيه والدلالة على تفرده تعالى بالملك دون من
سواه، ويكون تقدير الآية كقول (2) القائل: يوم كذا وكذا لمن الأمر؟ في اليوم المذكور
أليس هو لفلان أو فلاق؟ ولم يقصد بذلك تقريرا ولا استخبارا ولا إخبارا (3)، وإنما
قصد الدلالة على حال المذكور في اليوم الموصوف، وهذا ما لا شبهة فيه، والله
المحمود.
المسألة الحادية عشر. وسأل عن كلام الله، لموسى عليه السلام: بأي شئ
كان ذلك، وقد علمنا أن النطق لا يخرج إلا عن (5) مكيف، تعالى الله عن ذلك! فما
هذا النطق وما ورد فيه؟
والجواب - وبالله التوفيق - أن الله تعالى كلم موسى عليه السلام بأن فعل
كلاما له في الشجرة التي سمعه منها، أو في الهواء المتصل (7 ظ) بها (6). والكلام غير
محتاج إلى كيفية المتكلم (7) به وإنما يحتاج إلى محل يقوم به، سواء كان لفاعله
كيفية أم لم يكن (8) له. وكذلك (ما عدا) (9) الكلام من الأعراض كلها يحتاج إلى كيفية (10)

1 - رض، رض 2: تأكيدا.
2 - مر، رض 2: على قول. رض، مل: قول.
3 - مر، رض 2: ولا يقصد بذلك تقرير ولا استخبار ولا إخبار.
4 - باقي النسخ: + تعالى.
5 - سائر النسخ: من.
6 - رض. مل، مر، رض 2: به.
7 - حش، رض، مر: للمتكلم.
8 - رض، مل: لم تكن.
9 - أثبتناها عن رض ومل. وفي مر ورض 2: ما سوى.
10 - رض، مل، مر، رض 2: إلى محل يقوم به.
43

، ولا يفتقر في صحة العقل (1) لها إلى كيفية الفاعل (2). ولم يكن الفاعل فاعلا من
حيث كانت له كيفية. ولا ذلك من حده وحقيقته ولا من شرط كونه فاعلا، بل
حقيقة الفاعل خروج مقدوره إلى الوجود وهو معناه. وكل فاعل خارج مقدور. إلى
الوجود فهو فاعل، فأما كون الشئ جسما أو جوهر أفليس من حدود الفاعلين و
لا من حقائقهم ولا من (3) شروطهم، على ما ذكرناه.
والذي يدل على ذلك، أنه قد يعرف الفاعل فاعلا من لا يعتقد. جسما و
لا جوهرا لا يعرفه بذلك. ويعرف الجسم جسما والجوهر جوهرا من لا يعتقده
فاعلا ولا يعلمه كذلك ولا يجوز الفعلية منه، فعلم أن المتكلم لا يحتاج في كونه
متكلما إلى كيفيته (4) إذ كان معنى المتكلم وحقيقته من فعل الكلام، بدلالة أن كل من
عرف شيئا فاعلا للكلام، عرفه متكلما. وكل من عرفه متكلما، علمه فاعلا للكلام.
، ومن اشتبه الأمر في فعله للكلام اشتبه في كونه متكلما. وهذا واضح لمن تأمله،
إن شاء الله.
(فصل) (5) فأما الوصف لكلام الله تعالى بأنه نطق، فمنكر من القول. و
لا يجوز وصف الباري تعالى بالنطق وإن وصف بالكلام، إذ ليس معنى النطق معنى
الكلام بل هما مختلفان في لسان العرب غير متفقين، إذ كان المتكلم عندهم من
فعل الكلام، على ما بيناه. والناطق ما كانت له أصوات تختص بآلته المنبثة (1) في
جملة جسمه، وإن لم تكن تلك الأصوات كلاما مفهوما، على ما ذكرناه. ولو لم
يكن به شرع ولا تضمنه القرآن ولا أطلقه أحد من أئمة أهل الإيمان، لكفى،
فكيف والقول فيه ما ذكرناه.

1 - رض، مر، رض 2: الفعل.
2 - حش، رض، مل: للفاعل.
3 - " من "، ليس في باقي النسخ.
4 - رض، مل، مر، رض 2: كيفية.
5 - أثبتناها عن مر و رض 2.
6 - حش: المثبتة. رض 2: بآلة منبثة.
44

المسألة الثانية عشر. وسأل فقال: إن قال المخالف: أوجدونا النص على
علي عليه السلام (7 و) في القرآن وأن النص أوجب من الاختيار بدليل عقل وشرع،
وبطلان الخبر المروي في الاستخلاف على الصلاة، وأنه لو صح لم يجز خلافة به.
والجواب - وبالله التوفيق (1) -: هذه ثلاث مسائل متباينات في المعاني
والألفاظ، وقد أمليت في كل واحدة منها كلا ما محفوظا عند أصحابنا، وأوضحت
فيها ما يحتاج إليه المسترشد من البيان. وأنا (2) أرسم في كل واحدة منها جملة من
القول كافية في هذا المكان، إن شاء الله (3).
فصل. أما قوله (4): أوجدونا النص على أمير المؤمنين عليه السلام في القرآن،
فإنا نقول: إن ذلك ثابت في مجمله (5) دون التفصيل منه والظاهر الذي يخرج عن
الاحتمال. ولو كان ظاهرا في القرآن على التفصيل والبيان، لما وقع فيه تنازع
واختلاف. وليس وجوده في المحتمل من الكلام بمانع من قيام الحجة به على
الأنام، كما كان النص على رسول الله صلى الله عليه وآله بالنبوة والبشارة به في
مجمل كلام الله سبحانه من التوراة والإنجيل. ولم يكن (6) ذلك مانعا من قيام الحجة
به على الأنام، وكما ثبت عند المخالف لنا إمامة أئمتهم (7) وإن لم يكن عليها نص
جلي من القرآن، وثبت أنهم في الجنة (8) على قولهم (9) بالنص (10) عن

1 - " والجواب وبالله التوفيق " ليست في رض ومل ومر ورص 2. والموجود في الثلاث الأخيرة:
فصل.
2 - رض، مل: فأنا.
3 - رض، رض 2: + تعالى.
4 - رض، مل: أما قولهم. مر، رض 2: فأما قولهم.
5 - مر: في الجملة. رض: في محله.
6 - رض، مل، رض 2: لم يك.
7 - باقي النسخ: أئمته.
8 - في الأصل: بالجنة. اخترناها عن سائر النسخ.
9 - حش، رض، مل: على قوله.
10 - في الأصل: في النص " اخترناها عن باقي النسخ.
45

النبي صلى الله عليه وآله وإن لم يكن ذلك موجودا في نصوص القرآن، وكما ثبت
(النص) (1) على النصاب في المال الذي (2) فيه الزكاة، وصفة الصلاة وكيفيتها، وصفة
الصيام، ومناسك الحج، وإن لم يكن ذلك كله منصوصا في (3) القرآن، وثبتت
معجزات النبي، صلى الله عليه وآله وقامت حجتها على الخلق وإن لم تكن منصوصة
في ظاهر القرآن، فكذلك ثبتت (5) إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بالنص من رسول
الله صلى الله عليه وآله (6) وإن لم يكن ذلك مودعا في صريح القرآن.
فصل. فمن المواضع التي (7) ثبت فيها النص على إمامة أمير المؤمنين
عليه السلام من مجمل القرآن قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم " (8) ففرض طاعة أولياء الأمر كفرض طاعة نفسه ونبيه
صلى الله عليه وآله (9). وأمير المؤمنين عليه السلام من أولياء الأمر بغير إشكال (10)، إذ
كان للناس في معنى هذه الآية أقوال: (8 ظ)
أحدها أن أولياء الأمر العلماء. الثاني (11) هم أمراء السرايا. الثالث (12) أنهم
الأئمة للأنام. وقد حصل لأمير المؤمنين عليه السلام جميع هذه الأوصاف، فكان
من جملة العلماء باتفاق، وكان من وجوه أمراء السرايا للنبي (13) صلى الله عليه وآله

1 - أثبتناها عن رض، مل، مر و رض 2.
2 - مل: + تزكو. مر، رض 2: + يجب.
3 - رض، مل، مر، رض 2: + ظاهر.
4 - رض، مل: للرسول. مر: الرسول. رض 2: النبي الرسول.
5 - رض 2: ثبتنا.
6 - حش: عليهم السلام. مر: عليهما السلام. رض 2: عليه وآله السلام.
7 - في الأصل: الذي، صححناها على باقي النسخ.
8 - سورة النساء (4): 59.
9 - رض 2: عليه وآله السلام.
10 - رض: بلا إشكال.
11 - باقي النسخ: والثاني.
12 - باقي النسغ: والثالث.
13 - رض: سرايا النبي.
46

بغير اختلاف، وكانت له الإمامة بعده في حال، على الاجتماع (1) في ذلك وعدم
التنازع فيه بين جمهور العلماء، فوجب أن يكون معينا بالآية على ما بيناه. وإذا
كانت الآية مفيدة لفرض طاعته على حسب إفادتها طاعة النبي صلى الله عليه وآله (2)
ثبت بذلك (3) إمامته في تنزيل القرآن (4).
فصل. ومن ذلك قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين " (5)، وقد ثبت أن المنادى به غير المنادى إليه، وأن المأمور بالاتباع غير
المدعو إلى اتباعه. فدل ذلك على أن (6) المأمورين باتباع الصادقين ليسوا هم الأمة
بأجمعها، وإنما هم طوائف منها، وأن المأمور باتباعه غير المأمور بالاتباع (7)، و
لا بد من تمييز الفريقين بالنص، وإلا وقع الالتباس (8) وكان فيه تكليف ما لا يطاق.
فلما بحثنا عن المأمور باتباعه وجدنا القرآن دالا عليه بقوله تعالى: " ليس البر أن
تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر
والملائكة والكثاب والنيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى
والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة
والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك
الذين صدقوا وأولئك هم المتقون " (9) فذكر سبحانه خصا لا تقتضي لصاحبها
بمجموعها التصديق والصدق، ودل على أنه عنى بالصادقين - الذين

1 - رض 2: الاجماع.
2 - رض 2: عليه وآله السلام.
3 - حش: ذكر.
4 - مر: + 9 على ما بيناه.
5 - سورة التوبة (9): 119.
6 - رض، مل: + المؤمنين. حش، مر، رض 2: + أمير المؤمنين، وهو تصحيف من الناسخ كما أنه في حش
قد شطب عليها.
7 - رض: وأن المأمور بالاتباع غير المأمور باتباعه.
8 - رض، مل، رض 2: الإلباس.
9 - سورة البقرة (2): 177.
47

أمروا (1) باتباعهم - من جمع الخلال التي عددناها دون غيره (2). وصح بذلك التمييز (2)
بين المأمور بالاتباع والمدعو إلى اتباعه، ولم نجد أحدا كملت له هذه الخصال
المذكورة في القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله سوى أمير المؤمنين
عليه السلام (4) (8 و) بتواتر الأخبار ودلائل معاني القرآن. ألا ترى أنه (5) أعظم من آمن
بالله واليوم الآخر وأجلهم وأرفعهم قدرا، إذ كان أولهم إيمانا، وكان مشهودا له
بالإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وكان عليه السلام ممن
آتي المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وفي الرقاب.
وقد شهد بذلك له القرآن في قوله تعالى: " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما
وأسيرا " (6). وكان هو المعني بذلك في هذه الآية على اتفاق العلماء (7) على بتأويل القرآن.
وكان عليه السلام ممن أقام الصلاة وآتى الزكاة. وقد نطق القرآن بذلك فيه (8)
على الخصوص والإفراد، حيث يقول سبحانه: " إنما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " (9). فكانت هذه الآية على
ما جاء به الثبت (10) في تفسير القرآن، وطابق اللفظ باللفظ في الاثنين " (11) معا على
البيان، وكان عليه السلام من الموفين لله بالعهد، إذ لم يول الدبر في حرب قط و
لا انهزم في مقام من المقامات عن الأعداء، ولا عصى نبي الله تعالى (12) في شئ،

(1) - رض " مل، مر، رض 2: أمر.
(2) - في الأصل: غير، صححناها على باقي النسخ.
(3) - رض، رض 2: التميز.
(4) - مل: صلوات الله عليه.
(5) - رض، مل، مر، رض 2: + من.
(6) - سورة الانسان (76): 8.
(7) - رض 2: وكان المعني في هذه الآية علي باتفاق العلماء.
(8) - حش، رض، مر، رض 2. فيه بذلك.
(9) - سورة المائدة (5): 55.
(10) - حش: السبب. مر، رض 2: الأثر.
(11) - حش، رض، مل: الآيتين. رض 2: التلفظ اللفظ في الاثنين.
(12) - رض 2: عليه وآله السلام.
48

ولا فرط في عهد له عليه وعقد على حال (1). وكان عليه السلام من الصابرين في
البأساء والضراء وحين البأس، بظاهر شجاعته (2) وثبوته في كل هول، من غير جزع
ولا خور له معروف (3) على حال، وليس يمكن القطع باجتماع هذه الخلال لأحد
سواه من الصحابة وغيرهم من الناس. فثبت أنه هو الذي عناه الله تعالى بقوله:
" وكونوا مع الصادقين " (4). وهذا نص على فرض اتباعه والطاعة له والإيمان (5) به في
الدين من معنى المنزل في القرآن.
فصل. ومن ذلك قوله تعالى: " إنما وليكم الله ورسوله و الذين آمنوا يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " (6). فواجه الله سبحانه بالنداء جماعة أضافهم
إلى غيرهم بالولاء، وجعل علامة المنادى إليه إيتاءه (7) الزكاة في حال الركوع،
بقوله سبحانه: ويؤتون الزكاة وهم راكعون " ولا خلاف عند أهل اللغة (9 ظ) أن قول
القائل (8): " جاءني زيد راكبا، وجاءني زيد في حال ركوبه، ورأيت عمرا قائما
ورأيت عمرا وهو قائم، ورأيته في حال قيامه "، كل واحد (9) من هذه الألفاظ يقوم
مقام صاحبه ويفيد مفاده. وإذا ثبت أن الولاء في هذه الآية واجب لمن آتي الزكاة
في حال ركوعه، ولم يدع أحد من أهل القبلة لأحد أنه آتي الزكاة في حال ركوعه،
سوى أمير المؤمنين عليه السلام وجب أنه المعني بقوله: [" والذين آمنوا "] (10) وإذا
ثبت ولايته حسب ولاية الله ورسوله صلى الله عليه وآله، وجبت له بذلك الإمامة،

(1) - مل: كل حال.
(2) - حش، مل، مر، رض 2: + عليه السلام.
(3) - حش، رض. مل: ولا خور معروف له. مر، رض 2: ولا جاوز معروفا له.
(4) - سورة التوبة (9): 119.
(5) - باقي النسخ: الايتمام.
(6) - سورة المائدة (5): 55.
(7) - في الأصل وحش ومل: إتيانه، صححناها على رض، وفي مر و رض 2: بإيتاء.
(8) - رض، مل: + " جاءني زيد وهو راكب "، يفيد مفاد قوله: " جاءني زيد راكبا ".
(9) - رض: واحدة.
(10) - أثبتناها من رض، مل، رض 2 ومر.
49

إذ كانت ولاية الله ورسوله صلى الله عليه وآله للخلق إنما هي فرض الطاعة التي
تجب للرعية. وهذا كاف في معنى الآية عن إطالة خطب ينتشر به الكلام.
فصل. مع أن الولاية في اللغة وإن كانت تكون بمعنى المودة فإنها في هذا
الموضع غير متوجهة إلا إلى معنى فرض الطاعة، لأن قوله تعالى: " إنما وليكم الله "
جار مجرى قوله: " لا ولي لكم إلا الله " (1) ومحال أن يقصد بالولاية هاهنا المحبة
والمودة ولأنه (2) قد أخبر في آية أخرى أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فدل على
أن الولاية بهذه (3) الآية خاصة لأمير المؤمنين (4)، عليه السلام بمعنى يزيد على المودة،
ولا وجه لما زاد على معنى المودة إلا ما ذكرناه من فرض الطاعة، المقتضي
لصاحبه من الخلق التقدم بالإمامة (5) على من عداه من الأنام. وفي هذا القدر مع
إيجازه غناء (6) عما سواه، والإبانة (7) عما ذكرناه من تضمن الآية النص على
أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة حسب ما قدمناه.
فصل. وقد اشتبه على ضعفة من مخالفينا اختصاص أمير المؤمنين
عليه السلام بالولاية المذكورة في القرآن، لظاهر لفظ العموم في قوله (8): " والذين
آمنوا " فأنكروا لذلك أن يكون المعني بها أمير المؤمنين عليه السلام، وهو واحد،
وهذا بعد منهم عن اللغة، إذ كانت قد أتت بمثله في مواضع كثيرة من القرآن كقوله
تعالى: " إنا نحن نزلنا الذكر " (9)، وهو لفظ عموم اختص بالباري وحده تعالى (10).

(1) - في الأصل وحش: الأولى لكم الله. صححناها على رض ومل.
(2) - رض، مل: لأنه.
(3) - حش، رض، مل: في هذه.
(4) - حش: بأمير المؤمنين.
(5) - رض، مل: بالإمام.
(6) - رض، مل: غنى.
(7) - رض، مل: وفي الإبانة.
(8) - رض: + تعالى.
(9) - سورة الحجر (15): 9.
(10) - رض: خص بالباري تعالى وحده.
50

وكذلك قوله: " إنا أرسلنا نوحا إلى قومه " (1) وقوله عز وجل: " والسماء بنيناها بأيد " (2)،
وقوله: " إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم " (3)، وقوله: " يا أيها الرسل كلوا من
الطيبات " (4)، والمخاطب به رسول [9 و] واحد. وقوله تعالى " يا أيها النبي إذا طلقتم
النساء فطلقوهن " (5)، فواجه (6) تعالى بلفظ التوحيد، ثم أتبع الكلام بلفظ الجمع.
وقال المفسرون في قوله تعالى: " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " (7): إن الناس
هاهنا واحد، وقوله (8) تعالى: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم
لا يعقلون " (9) نزلت في واحد بعينه نادى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد إن
مدحي زين وإن شتمي شين.
وقد جنى مخالفونا في هذا الباب على أنفسهم (10). جناية واضحة، وذلك لقولهم
إن المعني بقوله: " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " (11) نزلت في
واحد بعينه وهو أبو بكر بن أبي قحافة، على قولهم، فكيف جاز أن يعبر عن أبي بكر
بلفظ الجمع (12)، وفسد أن يعبر عن أمير المؤمنين (13) بذلك، لولا الخزي، (14) والخذلان؟
نعوذ بالله من عدم التوفيق!
(1) - سورة نوح (71): 1.
(2) - سورة الذاريات (51): 27.
(3) - سورة الغاشية (88): 25 - 26.
(4) - سورة المؤمنون (23): 51.
(5) - سورة الطلاق (65): 1.
(6) - حش، رض، مل: فواجهه.
(7) - سورة البقرة (2): 199.
(8) - رض، مل: وقالوا في قوله.
(9) - سورة الحجرات (49): 4.
(10) - رض. مل: على أنفسهم في هذا الباب.
(11) - سورة الزمر (39): 33.
(12) - رض، مل: الجماعة.
(13) - حش. رض، مل: + عليه السلام.
(14) - في الأصل وحش: الحين، صححناها على رض.
51

فصل. وأما مسألتهم (1): من أين صار النص أولى من الاختيار؟ فالجواب (2) أنه
كان كذلك لأن من شرط الإمام أنه الأفضل عند الله والأعلم الأشجع الأصلح،
وذلك مما لا يعلم المستحق له على التعيين بالعقل و لا بالحدس (3)، فثبت أنه
لا طريق إليه إلا بالنص من العالم بالسرائر، والتوقيف منه عليه.
وأيضا فإن الإمام يجب أن يكون معصوما كعصمة النبي صلى الله عليه وآله و
لا طريق إلى العلم بالعصمة إلا من جهة النص من صادق عن الله، أو علم معجز
خارق للعادات.
وأيضا فإن الاختيار طريقه السمع دون العقول. وليس في الشرع فرض
الاختيار ولا إباحته، فبطلت الدعوى له في الإمامة، وفي بطلانها ثبوت النص
والتوقيف.
فصل. وأما سؤالهم (4)، في الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
استخلف أبا بكر على الصلاة. فالجواب (5) أن ذلك من أخبار الآحاد التي لا توجب
علما ولا عملا، وما كان هذا سبيله لم تثبت (6) به حجة في الدين، ولأن الخبر بذلك
جاء مختلفا في لفظه ومعناه اختلافا يتناقض، والقصة واحدة، فدل على فساده
بحسب ما ذكرناه.

(1) - حش، رض، مل: والجواب عن مسألتهم.
(2) - حش، رض، مل: فإنه كان.
(3) - حش، رض، مل: بالحس.
(4) - حش، رض، مل: والجواب عن سؤالهم.
(5) - حش، رض، مل: فإن ذلك من أخبار...
(6) - حش، رض، مل: لم يثبت.
52

ولأنهم قد رووا عن النبي صلى الله عليه وآله رواية لا تنازع فيها، أنه قال:
" يؤمكم أقرؤكم للقرآن، فإن استووا في القرآن فأفقهكم في الدين " 1. (ولم يكن
أبو بكر أقرأ الصحابة 2، لما رووه من (10 ظ) قوله صلى الله عليه وآله: " أقضاكم علي 3
، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ 4، وأفرضكم زيد 5، وأقرؤكم أبي 6 ". 7 وإذا كان
يخالفها إلى غيرها، لما تضمنه القرآن من قول النبي صلى الله عليه وآله: " وما أريد
أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه " 8 وهكذا جرت سنة الأنبياء 9 لم يختلفوا فيها، بل
اتفقوا عليها من غير. 10 اختلاف.
فصل. ولو ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله أمره بالصلاة، على ما ادعاه أهل
ا لخلاف، لما أوجب 11 ذلك له الاستخلاف في مقام النبوة، ولا النص 12 عليه
بالإمامة، إذ ليس في الاستخلاف على الصلاة دليل على دعواهم الاستخلاف في

1 - روى البيهقي (في السنن الكبرى 3 / 125) بإسناد. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: يؤمكم
أقرؤكم لكتاب الله، وأقدمكم قراءة للقرآن، فإن كانت قراءتكم سواء فأقدمكم هجرة، فإن كانت
هجرتكم سواء فأقدمكم سنا. وروي الحاكم (في المستدرك على الصحيحين 1 / 223) بإسناده عن ابن
مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يؤم القوم أكثرهم قرآنا، فإن كانوا في القرآن
واحدا فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة واحدا فأفقههم فقها، فإن كانوا في الفقه واحدا فأكبرهم
سنا، وانظر أيضا سنن أبي داود 1 / 160 ح 585.
2 - رض، مل: + للقرآن.
3 - بحار الأنوار 41 / 141، وراجع الغدير 3 / 96 للوقوف على مصادر هذا الحديث من العامة.
4 - في البداية والنهاية لابن كثر 7 / 96 ما نصه: وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل. وفي حلية
الأولياء 1 / 228: أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل.
5 - في كنز العمال 11 / 684 ح 33304 ما نصه: أفرض أمتي زيد بن ثابت.
6 - في الطبقات الكبرى لابن سعد 3 / 498: قال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم: أقرأ أمتي أبي.
7 - " وأقرأكم أبي " ليست في رض ومل.
8 - سورة هود (11): 89.
9 - رض، مل: + عليهم السلام.
10 - رض: + خلاف و.
11 - رض، مل: وجب.
12 - رض. مل: ولا نص.
53

الإمامة، من عقل ولا عادة ولا شرع ولا لسان. وقد استخلف رسول الله
صلى الله عليه وآله ابن أم مكتوم على الصلاة في المدينة 1، ولم يكن ذلك دليلا على
استخلافه في الأنام 2. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمرو بن العاص على
أبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح، وغيرهم من المهاجرين الأولين، واستخلفه
عليهم في الحرب والصلاة، ولم يكن ذلك دليلا على استخلافه في الإمامة العظمى
على الأنام. واستخلف عمر بن الخطاب صهيبا مولاه على الصلاة بالمسلمين في
مدة أيام الشورى، ولم يكن في ذلك دليل على استخلافه في مقامه على الأنام.
هذا وهم أنفسهم يروون عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " صلوا خلف كل بر
وفاجر " 3، فأباح الصلاة خلف الفجار، وما أباحه لأمته جاز أن يتولى فعله، فلا
يكون في تقديمه 4 رجلا للصلاة بالناس دليل على بره وطهارته، فضلا عن أن
يكون في دليل على إمامته للأنام 5، مع أنهم قد ناقضوا فيما اعتقدوه ورووه من
الأخبار، فرووا أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " يؤمكم خياركم 6 " فأوجب 7 بهذا
القول إلى 8 أن يكون الإمام خيرا من المأموم.

1 - حش، رض، مل: بالمدينة.
2 - رض: في الإمامة.
3 - روي البيهقي (في السنن الكبري 4 / 19) بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال: صلوا خلف كل بر وفاجر، وصلوا على كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر. وراجع أيضا: كنز
العمال 6 / 54 ح 14815.
2 - رض: تقديم النبي صلى الله عليه وآله.
5 - رض، مل: الأنام.
6 - في كنز العمال 7 / 596 ح 20433: إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم.
7 - رض، مل: فوجب.
8 - " إلى " ليست في رض ومل.
54

ورووا أن أبا بكر قال: " وليتكم ولست بخيركم 1 ". فنفى أن يكون خيرا من رعيته
، وذلك يبطل روايتهم 2 عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قدمه للصلاة ودل بذلك
على أنه خيرهم. وإذا اختلفت أحاديثهم في هذا المعنى وتضادت أقوالهم فيه على
ما بيناه، سقط التعلق في الاحتجاج منهم 3 بالصلاة، على ما شرحناه
وقد أفردت في مسألة الصلاة المنسوبة إلى أبي بكر كتابا (10 و) استقصيت
الكلام فيه، وشرحت وجوه القول في معناه، فمن ظفر به أغناه في هذا الباب عما
سواه، إن شاء الله.
المسألة الثالثة عشر. وسأل أيضا صاحب المسائل فقال: ما العلة التي قسم
بها أمير المؤمنين عليه السلام 4 الغنائم بصفين ولم يقسمها بالبصرة، والطائفتان في
فعلهما سواء، بل أهل الجمل أعظم لنكثهم 5 بعد إقرارهم، وشبهة معاوية أقوى
لطلبه 6 بثار عثمان وهو وليه وابن عمه؟
والجواب - وبالله التوفيق -: الأمر على خلاف ما ظنه السائل، ولم يختلف
حكم أمير المؤمنين عليه السلام في الفريقين، ولم يقسم 7 غنائم الطائفتين إلا بما 8

1 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 169، وقال ابن سعد (في الطبقات الكبرى 3 / 212): أخبرنا
وهب بن جرير قال: أخبرنا أبي سمعت الحسن قال: لما بويع أبو بكر قام خطيبا - فلا والله ما خطب
خطبته أحد بعد - فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإني وليت هذا الأمر وأنا له كاره ووالله
لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إني كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله
صلى الله عليه وسلم. لم أقم به، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبدا أكرمه الله بالوحي وعصمه به،
ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني، فإذا رأيتموني غصبت فاتبعوني، وإن رأيتموني
زغت فقوموني، واعلموا أن لي شيطانا يعتريني، فإذا رأيتموني غصبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم
وأبشاركم.
2 - رض: مبطل رواياتهم. مل: مبطل روايتهم.
3 - رض: منهم في الاحتجاج.
2 - رض: صلوات الله وسلامه عليه.
5 - رض، مل: بنكثهم.
6 - مل: بطلبه.
7 - رض: مل: + من.
8 - رض، مل: ما.
55

حواء عسكره دون ما سواه، ولم يبح اتباع مدبر من الفريقين، ولا الإجهاز على
جريحهم 1 من الفئتين، ومن ظن أنه خالف بين حكمهما فقد ظن باطلا، على ما
ذكرناه.
فصل. فأما الشبهة التي قويت عند السائل فهي ضعيفة جدا، وليس لمعاوية
ولاية في دم عثمان مع ولده، فإن ادعى ولده التوكيل في ذلك، ادعى لطلحة
والزبير، فيتساوى الدعويان 2 مع أنه لم يتول أمير المؤمنين عليه السلام قتل عثمان،
فيكون لأحد من أنسابه مطالبته بذلك. ولو تولاه لكان المطالب به مبطلا، لأنه
يكون مطالبا لمحق 3 بما يلزم المبطل. وقد قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: " علي مع الحق والحق مع علي. اللهم أدر الحق مع علي حيثما دار " 4. وقال
صلى الله عليه وآله: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من
خذله " 5. فأي شبهة مع هذا في جواز قتال أمير المؤمنين عليه السلام؟
المسألة الرابعة عشر. وقال السائل رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله
مقدما للرجلين - أعني أبا بكر وعمر - لغير شرف كان لهما في الجاهلية ولا كثرة
عشيرة وظاهر شجاعة، ثم صاحبهما 6 وعظمهما حتى تم لهما بعده 7 من الشبهة

1 - رض، مل: جريح.
2 - رض: فإن ادعى لطلحة والزبير مثله فتساوى الدعوتان. مل: فإن ادعى طلحة والزبير منه فتساوى
الدعويان.
3 - رض، مل لحق.
4 - الحديث متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله، رواه أربعة وعشرون صحابيا ونقله من أئمة
الحديث مائة وتسعة وعشرون في مصنفاتهم، راجع أسانيده في كتاب " الحق مع علي ". لسماحة
الشيخ مهدي فقيه إيماني.
5 - هذا الحديث متواتر قطعا رواه مائة وعشرة من الصحابة وأربعة وثمانون من التابعين وثلاثمائة
وستون من أئمة الحديث في مصنفاتهم، راجع: إحقاق الحق، عبقات الأنوار. والغدير.
6 - رض، مل: صانهما.
7 - رض، مل: بعد.
56

ما تم، لكبرهما في نفوس الناس، فعرفنا هل كانا منافقين، ورسول الله
صلى الله عليه وآله يعلم ذلك منهما، ويقدمهما على علم به، أم ارتدا بعده وحملهما
الحسد على ما كان منهما، وقد كان يسع الرسول صلى الله عليه وآله لما علم
نفاقهما إطراحهما وأن لا يتزوج منهما؟
والجواب - وبالله التوفيق -: أقول إن هذا السؤال مختلط غير مخلص، وقد
سمع صاحبه شيئا في موضع من المواضع فجعله في غيره (11 ظ) والذي سأل عنه
القوم في تقديم الناس أبا بكر ولم يكن من أشرف العرب نسبا، ولا أكثرهم عشيرة،
ولا أوفرهم مالا، وإنهم زعموا 2 أن ذلك إنما كان لفضل وجدوه له في الدين.
فأما تقديم رسول الله صلى الله عليه وآله من قدم، فليس تدخل 3 الشبهة على
أحد في أنه لم يفعل ذلك لشرف النسب أو عن 4 العشيرة أو المال. فخلط السائل
بين علل التقديمين وأسبابهما. وتحقيق السؤال أن يقولوا: لم قدم رسول الله
صلى الله عليه آله الرجلين؟ أقدمهما على علم بفضلهما ورتبتهما، أم 5 قدمهما وهو
شاك في ذلك، أم متيقن ضده فهما ونقيضه؟
فالجواب 6 عن ذلك، أنا لا نسلم للقوم أن النبي صلى الله عليه وآله قدم
الرجلين تقديما يدل على فضلهما في الدين، ولا عاملهما إلا بما يقتضيه التدبير
فيمن ظاهره بالإيمان 7 والنصرة له بالكلام. فأما التقديم المنبئ عن منازل الثواب،
فلم يكن من رسول الله صلى الله عليه وآله إلا فيمن أطلعه الله تعالى 8 على مغيبه

1 - رض، مل: + كان
2 - رض، مل: + على.
3 - رض، مل: يدخل.
4 - رض: ولا عز.
5 - رض، مل: أو.
6 - حش، رض، مل: + أيصا.
7 - رض: الإيمان.
8 - رض: رسول الله.
57

من أهل الدين، وقد قال الله جل اسمه: * (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك
وبينه عداوة كأنه ولي حميم) * 1. ولو قلنا إن النبي صلى الله عليه وآله وضعهما بحيث
يستحقه المشكوك في نية أو 2 المعروف بأمارات عداوته، لكنا نقول مقالا واضحا
عند أهل الاعتبار. ألا ترى أن رسول الله 3 صلى الله عليه وآله منعهما من شريف
المقام في الجهاد، ولم يأتمنهما على المبارزة والنزال، وأنه عرضهما بخيبر للقتال
، فانكشف عنهما من سوء الحال فيه ما حقق ضعف بصائرهما في الجهاد، فردا
راية رسول الله صلى الله عليه وآله وغرا أهل الاسلام بما كان منهما في الانهزام،
ولم يثبتا في يوم أحد، ووليا في يوم حنين الأدبار، ولم يرهما صلى الله عليه وآله
أهلا لولاية في حياته، ولا إمارة على طائفة من الأمة قبل وفاته.
وسلم إلى أبي بكر عشر آيات من سورة براءة لينبذ بها عهد المشركين، فنزل
جبرائيل 4 الأمين من عند الله العلي العظيم بمنع 5 ذلك صرف عن الأداء، وتولية 6
أمير المؤمنين عليه السلام ذلك المقام. وقلد عليهما تارة عمرو بن العاص، وتارة
أخرى أسامة بن زيد مع كونه في عداد (11 و) الأحداث. وردهما عن تزويج فاطمة
عليها السلام، ولم يرهما أهلا للمصاهرة بها عليها السلام. ولما استشار 7 الناس
في الأسرى ببدر أشارا عليه 8 بما انصرف عنه فخالفهما فيما رأياه. ولما رأت
عائشة تقديم أبيها أبي بكر في الصلاة على نفر من أهل الاسلام، وعلم النبي
صلى الله عليه وآله ذلك 9، بادر معجلا - وهو من المرض والاضطرار إلى الدعة

1 - سورة فصلت (41): 34.
2 - رض: و.
3 - رض، مل: أنه ص.
4 - حش: رض، مل: جبرئيل.
5 - حش: يمنع.
6 - رض، مل. فتولاه.
7 - رض، مل: + عليه السلام.
8 - رض: إليه.
9 - رض: علم ذلك النبي.
58

والرفاهية 1 على أظهر حال - حتى عزله عن الصلاة، ولم يرضه لذلك المقام في
أمثال ما ذكرناه مما يطول باستقصائه الكلام. فأي تقديم كان منه صلى الله عليه وآله
لهما في الدين يموه الأمر فيه على النصاب لولا أنهم جهال أغمار؟
فصل. فأما سؤالهم عن علم رسول الله صلى الله عليه وآله بباطنهما في
الاعتقاد، فإن أصحابنا قد أجابوا عن ذلك بثلاثة أجوبة:
أحدها أن قالوا: لم يكن عليه السلام عالما بباطنهما في ذلك، لأن الله تعالى
ستره عنه كما ستر بواطن غيرهما من الناس. فقال تعالى: * (ومن أهل المدينة مردوا
على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) * 2.
الثاني أن الأمر مشتبه في الباب 3، فجاز 4 أن يكون الله تعالى أطلعه على
باطنهما فعرفه حق المعرفة، وجاز 5 أن يكون ستره عنه. وليس على أحد الأمرين
دليل.
الثالث أنه قد كان يعرف باطنهما على القطع والثبات.
والقول بأنهما كانا على حقيقة الإيمان أو النفاق مما يختلف فيه أصحابنا
أيضا.
فمنهم من يقطع على سلامة باطنهما في أول الأمر.
ومنهم من يقطع 6 على خبث سرائرهما في الدين، وهم أصحاب الموافاة من
أصحاب 7 الإمامة ومعهم بذلك دلائل عقلية وسمعية معا على الاتفاق.
ومنهم من يقف في ذلك.

1 - رض، مل: إلى الرفاهية والدعة.
2 - سورة التوبة (9): 101.
3 - رض، مل: في هذا الباب.
4 - رض، مل: فجائز.
5 - حش، رض، مل: وجائز.
6 - حش، رض. مل: ومنهم من يقف في ذلك. ومنهم من يقطع.
7 - حش، رض، مل: أهل.
59

وليس يمكن المخالف 1 التعلق بفعل من رسول الله 2 صلى الله عليه وآله بهما،
يضاد القول الذي حكيناه عن أصحاب الموافاة. والمدعى على النبي
صلى الله عليه وآله الاجلال لهما والاعظام، مقتصر في 3 الدعوى على ذلك بغير
برهان، فلا وجه للتشاغل بالكلام على وجوه أفعال لم تثبت بحجة عقل، ولا خبر
معلوم، ولا حجة كتاب.
فصل. فأما تزوج 4 النبي صلى الله عليه وآله بابنتيهما، فغير مضاد للقول بعلمه
من باطنهما ما ذكرته الإمامية من أصحاب الموافاة، لأنه قد تزوج 5 بنات المنافقين
والكفار، فتزوج بسودة 6 بنت زمعة [12 ظ] وكان أبوها مشركا ومات على الضلال.
وتزوج برملة بنت أبي سفيان قبل الهجرة وكان أبوها إذ ذاك أكبر رؤوس الكفار،
وصاحب الحروب مع النبي 7 صلى الله عليه وآله في مقام بعد مقام. وتزوج بصفية
بنت حي بن أخطب بعد أن أعتقها، و 8 قتل أباها على الكفر والضلال. فأي شبهة
تدخل على عاقل في سلامة 9 بواطن آباء أزواج النبي صلى الله عليه وآله وإخوتهم
وأقاربهم مع ما ذكرناه. وفي هذا القدر كفاية وغناء 10 في هذا الباب عما 11 سواه
المسألة الخامسة عشرة. وسأل أيضا عن تزويج أمير المؤمنين عليه السلام
ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب، وقد عرف خلافه وكفره. وقول الشيعة " إنه رد أمرها

1 - مل: للمخالف.
2 - رض: بفعل رسول الله.
3 - رض، مل: على.
4 - رض: تزويج.
5 - حش، مل: + عليه السلام.
6 - في الأصل وحش و رض ومل: بسلمة، لعله تصحيف " صححناه على رض 2.
7 - رض: حروب النبي. مل: حروب النبي معه.
8 - حش، رض، مل: + قد.
9 - رض 2: معرفته.
10 - رض، مل: غنى.
11 - في الأصل: عمن، صححناها على باقي النسخ.
60

إلى العباس " يدل [على] 1 أنه كان يرى تزويجه في الشريعة، لأنه 2 لو لم يجز لما
ساغ له التزويج 3 والتوكيل فيه. قال السائل: فإن كان عمر مسلما فلم امتنع علي 4
من مناكحته ثم جعل ذلك إلى العباس رضي الله عنه 5؟
والجواب - وبالله التوفيق -: أن المناكح 6 على ظاهر الاسلام دون حقائق
الإيمان. والرجل المذكور، وإن كان بجحده النص ودفعه الحق قد خرج عن
الإيمان، فلم يخرج عن الاسلام لإقراره بالله ورسوله صلى الله عليه وآله واعترافه
بالصلاة والصيام والزكاة والحج. وإذا كان مسلما بما ذكرناه جازت مناكحته من 7
حكم الشريعة. وليس يمتنع كراهة مناكحة من يجوز مناكحته 8، للاجماع علي
جواز مناكحة الفاسقين من أهل القبلة لفسقهم، وإن كانت الكراهة لذلك لا تمنع من
إباحته 9 على ما بيناه.
وقد ورد عن أهل البيت [عليهم السلام] 10 كراهة مناكحة شارب مسكر،
وقالوا: " من زوج ابنته شارب الخمر 11 فكأنما قادها إلى الزنا " 12 ولا خلاف أنه إن
عقد عليها لشارب 13 خمر على سبيل التحريم، أن العقد ماض وإن كان مكروها.

1 - أثبتناها عن رض ومل.
2 - مل: إذ.
3 - " التزويج و " ليس في رض ومل.
4 - رض: + عليه السلام.
5 - " رضي الله عنه " ليست في حش و رض ومل.
6 - رض: المناكحة.
7 - حش، رض. مل: في.
8 - في الأصل: مناكحه، صححناها على باقي النسخ.
9 - " وإن كانت الكراهة لذلك لا تمنع من إباحته " ليست في رض ومل.
10 - أثبتناها عن باقي النسخ.
11 - في الأصل وحش: خمر، صححناها على رض ومل ومصدر الحديث.
12 - عن الصادق عليه السلام أنه قال: شارب الخمر إذا مرض فلا تعودوه - إلى أن قال - وإذا خطب
إليكم فلا تزوجوه، فإنه من زوج ابنة شارب الخمر، فكأنما قادها إلى الزنى. (مستدرك الوسائل
14 / 191).
13 - مل: شارب.
61

وهذا 1 يسقط شبهة الخصم في تزويج أمير المؤمنين عليه السلام عمر بن الخطاب،
وما أورده في توكيله العباس في ذلك، وتوهم المناقضة 2 والتضاد 3.
فصل. وقد قال بعض الشيعة إنه عليه السلام كان فيما فعله من ذلك مضطرا،
وإنما جعل الأمر فيه إلى العباس ولم يتوله بنفسه ليدل بذلك على اضطراره إليه،
فالضرورة تبيح ما يحظره الاختيار. وهذا أيضا يسقط شبهة الخصم التي تعلق بها.
فصل. وبالجملة 4 إن مناكحة الضال قد وجدت من الأنبياء عليهم السلام [12 و]
عملا وعرضا ودعاء، ولم يمنع من ذلك ضلالهم، ولا أوجب موالاة الأنبياء لهم، و
لا دل على ذلك. ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وآله قد أنكح ابنتيه برجلين
كافرين، وهما عتبة بن أبي لهب وأبو العاص بن الربيع، ولم يقض 5 ذلك بضلاله
صلى الله عليه وآله ولا هداهما، ولا منعت المناكحة بينهما من براءة 6 منهما في
الدين. وقد قال الله تعالى مخبرا عن لوط عليه السلام: " هؤلاء بناتي هن أظهر
لكم " 7. فعرض بناته على الكفار من قومه، وقد أذن الله في إهلاكهم 8، و
لم يقتض 9 ذلك بولاية لهم، ولا منع من عداوتهم في الدين.
وقد أقر رسول الله المنافقين على نكاح المؤمنات، وأقر المؤمنين على نكاح
المنافقات 10، ولم يمنع ذلك من تباين الفريقين في الدين. وهذا القدر كاف في
جواب ما سأل عنه السائل. ولي في هذه المسألة كتاب مفرد قد استقصيت الكلام

1 - رض: وقد.
2 - رض، مل. + فيه.
3 - رض، مل: + فيه.
4 - رض، مل. وفي الجملة.
5 - رض: ولم يفض.
6 - رض، مل: براءته.
7 - سورة هود (11): 78.
8 - رض، مل: هلاكهم.
9 - رض، مل: ولم يقض.
10 - رض، مر: وقد أقر رسول الله ص على نكاح المنافقين.
62

فيه فمن وجده وتأمله أغناه في معناها عما سواه، إن شاء الله 1.
المسألة السادسة عشرة. قال 2 السائل: إذا صح النص 3 بحديث الغدير وغيره
وكانت الأنصار قد سمعت ذلك وعرفته، فكيف دعت إلى أنفسها؟ أتراها أنسيت 4
ذلك حين اجتمعت 5 على سعد بن عبادة أم عاندت فيه؟ وما بالهم لما رأوا الأمر
خارجا عنهم إلى قريش لم يذعنوا بالحق ويظهروا ما أبطنوه، ويردوا الأمر إلى
صاحبه، ويمنعوا قريشا منه بذكر النص والاحتجاج به؟
والجواب - وبالله التوفيق -: أن الأنصار لم تنس ذلك النص ولا جهلت
معناه، وإنما أقدمت على طلب الأمر والاستبداد به كما يقدم المسلم على ارتكاب
محظور على غير الاستحلال له، لدواع تدعوه إلى ذلك، وشهوات واستعجال
اللذات، ومحبة التأمر في الدنيا والرياسات، ولا يكون بفعله ذلك ناسيا للشرع
ولا معاندا فيه.
فصل. فأما تركهم الاقرار بالنص عند خروج الأمر عنهم، فذلك لأسباب
اقتضته:
أحدها: طمعهم في نيله من بعد. فلو اعترفوا بالنص لأيسوا من الظفر به مع
حصوله في المنصوص عليه.
الثاني 6: أنهم كرهوا أن يظهروا ضلالهم فيما سبق منهم من 7 ادعاء الأمر
فأمسكوا عن الاقرار بالحق لذلك.

1 - حش، رض، مل: + وبه التوفيق.
2 - حش، رض، مل: وقال.
3 - رض، مل: + له.
4 - رض، مل: نسيت.
5 - رض: أجمعت.
6 - حش، رض، مل: والثاني.
7 - رض، مل: في.
63

الثالث 1: أنهم اعتقدوا في الاقرار بالنص ظهور باطلهم في الدعوة إلى
[13 ظ] أنفسهم مع قرب 2 ما يرجونه من إخراج الأمر عن قريش. إلى صاحبه ولا
يكونون 3 حينئذ قد نالوا غرضا صحيحا في الاعتراف بالنص، اللهم إلا أن يريدوا
لله عز اسمه 4! وليس كل واحد 5 يرى الرجوع في كل حال إلى الله تعالى 6، وإنما
يرى ذلك من ترتفع 7 عنه دواعي الدنيا، ولم تكن مرتفعة عن طائفة من الأنصار،
فكذلك قاموا 8 على ما كانوا عليه من دفع النص 9 والانكار.
فصل. وقد قال بعض الشيعة إن الأنصار لم تدعو إلى أنفسها لتتآمر
على الأمة وتقوم في مقام الخلافة، وإنما دعوا إلى الأمر والتدبير مدة شغل
أمير المؤمنين 10 بالنبي صلى الله عليه وآله، وفراغ قلبه للنظر في أمر الإمرة من
المصيبة به 11. وهذا هو الظاهر من دعواهم، لقولهم: " منا أمير ومنكم أمير " 12 ولم
يقولوا: " نحن الأئمة والخلفاء، ولا منا خليفة ولا إمام، ومنكم خليفة أو

1 - حش، رض، مل: والثالث.
2 - رض: قوة.
3 - حش، رض: ولا يكونوا، مل: ولا يكون.
4 - حش، رض، مل: عز وجل.
5 - حش، رض، مل: أحد.
5 - حش، رض، مل: عز اسمه.
7 - رض، مل: يرتفع.
8 - رض، مل: فلذلك أقاموا.
9 - رض، مل: الدفع للنص.
10 - حش، رض، مل: + عليه السلام.
11 - رض: + صلى الله عليه وآله.
12 - في صحيح البخاري. باب مناقب المهاجرين (2 / 291): واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في
سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير ومنكم أمير. فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن
الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما
قد أعجبني خشيت، أن لا يبلغه أبو بكر. ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه. نحن الأمراء
وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر. لا ولكنا
الأمراء وأنتم الوزر... هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة! فقال عمر: بل
نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذ عمر بيده فبايعه
وبايعه الناس.
64

إمام " 1. وهذا يسقط سؤال السائل وما فرع عليه من الكلام.
فصل. وقال أيضا بعض الشيعة إن الذي منع عند فوت لأمر لهم من الاقرار
بالنص والشهادة به أنهم كانوا في أول أمرهم وطلبهم الرياسة قاصدين 4 غرضين:
أحدهما إزالته عن المنصوص عليه. والثاني حوزه دون قريش. فلما فاتهم أحد
الغرضين حصل لهم الآخر فلم يقع 3 منهم الاعتراف بالنص، لمناقضته 4 أحد
الغرضين المذكورين ومناقضة 5 الغرض الآخر، بل من 6 العقلاء. والجوابان
الأولان أشبه بالأصل الذي قدمناه في الجواب عن طلبهم الأمر، وأقرب وضوحا
عند ذوي العقول والدين. وإليهما أذهب وعليهما أعول دون الآخرين 7 وإن كانا
مسقطين لاعتراض الخصوم على كل حال.
المسألة السابعة عشرة، وقال السائل: اعترض فلسفي فقال: إذا
قلتم إن الله 8 وحده لا شئ كان معه، فالأشياء المحدثة من أي شئ كانت؟ فقلنا
له: مبتدعة لا من شئ. فقال: أحدثهما معا أو في زمان بعد زمان؟ قال، فإن قلتم:
معا، أوجدناكم أنها لم تكن معا وأنها حدثت شيئا بعد شئ. وإن قلتم: أحدثها في
زمان بعد زمان، فقد صار معه شريك وهو الزمان.
والجواب - وبالله التوفيق -: أن الله 9 لم يزل واحدا لا شئ معه ولا ثاني
[13 و] له، وأنه ابتدأ ما أحدثه في غير زمان. وليس يجب إذا أحدث بعد الأول

1 - حش: ولا منا خليفة ولا منا إمام ومنكم إمام. رض، مر: ولا منا خليفة، ومنكم خليفة، ولا منا إمام
ومنكم إمام.
2 - حش، رض، مر: + به.
3 - رض، مل: فلم يصح.
4 - رض، مل: لمناقضة.
5 - حش:. مناقضته.
6 رض: عند.
7 - رض: الأخيرين.
8 - حش، رض، مل: + تعالى.
9 - رض، مل: + تعالى.
65

حوادث أن يحدثها في زمان، ولو فعل لها زمانا لما وجب بذلك 1 قدم الزمان، إذ
الزمان حركات الفلك أو ما يقوم مقامها مما هو بقدرها في التوقيت. فمن أين يجب
عند هذا الفيلسوف أن يكون الزمان قديما إذا 2 لم توجد الأشياء ضربة واحدة، لولا
أنه لا يعقل معنى الزمان؟
فصل. على أنه يقال لمن ظن أن الأفعال لا تكون إلا في زمان، خبرونا عما
بين الزمانين المتصلين: أهو زمان أو غير زمان؟ فإن قالوا: زمان، أحالوا بجعلهم 3
بينهما فصلا 4، والمسألة عن غير هذا. وإن قالوا: لا زمان بينهما، اعترفوا بتقدير
فعل لا في زمان. وإن زعموا أن الزمان شئ واحد لا يتقدم بعضه بعضا، أوجبوا 5
أن يكون الموجود في سنة أربعمائة من الهجرة هو الموجود في أول سنة من الهجرة،
والموجود في عهد آدم 6 على الابتداء مبتدأ في عهد النبي صلى الله عليه وآله 7 وأن
زمان آدم هو زمان محمد صلى الله عليه وآله 8 وهذا تجاهل لا خفاء به.
المسألة الثامنة عشرة. قال السائل: خبرونا عن الفرق بين الزمان والدهر،
وقول الله تعالى: * (هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) * 9.
قال: ونحن نقول إن الأشباح مخلوقة قديمة.
والجواب عما تضمنه هذا الفصل من المسائل: أن الزمان هو ما ضمن شيئا

1 - ساقطة من رض ومل.
2 - حش، رض، مل: إذ.
3 - في الأصل: بجعل، صححناها على سائر النسخ.
4 - في الأصل وحش: فضلا، صححناها على باقي النسخ.
5 - رض 2: جوزوا.
6 - حش، رض، مل: + عليه السلام.
7 - حش، مل. رض 2: عليه السلام.
8 - حش، مل، رض 2: عليهما السلام.
9 - سورة الانسان (76): 1.
66

مفروضا فأضيف إليه كقولهم: كان كذا في 1 زمن آدم 2 أو زمان سليمان 3 ونحو ذلك.
والدهر ما امتد من الأوقات وطال ولم يضف إلى شئ بعينه. فالزمان على ما
ذكرناه أقصر من الدهر، والدهر أطول من الزمان.
فصل. ومعنى قوله تعالى: * (هل أتى على الانسان حين من الدهر) * قد أتى
على الانسان طائفة من الدهر 3 وبعض الدهر لم يكن في شيئا مذكورا. والحين،
على ما جاء به الأثر، ستة أشهر ومقدارها. من الزمان، قال 4 تعالى: * (تؤتي أكلها كل
جين بإذن ربها) * 5 وهي: تأتي بثمرها في كل ستة أشهر، ولسنا نقطع على أن الحين
الذي كان أتى على الانسان هذا القدر بعينه. وإنما يجعل 6 معنى الحين في الشرع
وحكمه [14 ظ] ما قدرناه للأثر 7، على ما بيناه.
فصل. وأما 8 قوله إن الأشباح مخلوقة قديمة، فهو باطل وكلام 9 متناقض.
اللهم إلا أن يريد بذكر القدم تقدم الزمان الذي لا ينافي الابتداء والحدوث، فذلك
مما يسلم به الكلام من التناقض. إلا أنا لسنا نعلم ما أراد بقوله: الأشباح قديمة
ومخلوقة 10، ولا ما عناه بذلك، فيكون كلامنا بحسبه، والقول بأن الأشباح 11 قديمة،

1 - حش: + كذا أو.
2 - رض: + عليه السلام.
3 - " من الدهر " ساقطة من رض.
4 - حش، رض، مل: + الله.
5 - سورة إبراهيم (14): 25
6 - رض، مل. نجعل.
7 - رض، مل: ما قدر. الأثر.
8 - رض، مل. فأما.
9 - رض، مل: كلامه.
10 - حش: قديمة مخلوقة.
11 - في الأصل وحش ومل: أشباحا. وفي رض. أشباحنا ولعل ما اخترناه أنسب لما يقتضيه السياق.
67

بدع من القول 1 لم يثبت عن صادق عن الله سبحانه فيما نعرفه 2، إلا من كلام طائفة
من الغلاة وعامة لا معرفة لهم بمعاني الكلام.
المسألة التاسعة عشرة. قال السائل: وخبرنا 3 عن الجنة والنار: أخلقتا 4 أم
لا؟ وعن الصور: أي شئ هيئة 5؟ وعن 6 الريح: من أي شئ خلقت؟
والجواب عن هذه المسائل 7: أن الجنة والنار مخلوقان، على ما جاء به
الأثر عن النبي صلى الله عليه وآله، وهما أيضا مسكونتان تسكنهما الملائكة إلى
يوم المآب، فيسكنهما حينئذ الإنس والجان. وأما القصور فهو جمع صورة لأنه
يقال: صور 8 وصور، كما يقال في جمع السورة: سور وسور. والمعنى في قوله:
" ونفخ في الصور) 9 يريد به إحياء الصور من الجن والإنس وكل مصور مات في
الدنيا، فجعل إنشاء الحياة فيها كالنفخ في الجسم 10 يحركه. فشبه الحياة التي
تكون فيها حركة الأجسام بالنمو، بالريح التي يتحرك فيها ما جاورها من
الأجسام.
فصل. فأما الريح فليس لها أصل خلقت منه مقطوع به. وقد قيل إنها بخار
الأرض وما يتحلل من الأجسام بالاستحالة وهي أجسام لطاف شفاف 11 تتحرك

1 - حش، مل: المقال. رض. المقام
2 - مل: ولم نعرفه. رض: ولم يعرفه.
3 - رض: خبرونا.
4 - في الأصل خلقتا، صححناها على حش ومل ومر. وفي رض: أخلقا.
5 - حش: هي.
6 - " عن " ساقطة من باقي النسخ.
7 - رض، مل: + الثلاث،
8 - حش، رض: صورة.
9 - سورة الكهف (18): 99 وغيرها.
10 - رض، مل، رض 2. + الذي.
11 - رض لطافة شفافة. مل، مر، رض 2. لطاف شفافة.
68

وتسكن، وتجتمع وتفترق، وتسخن وتبرد، وتلذ وتؤلم. يقضى بذلك 2 المشاهدة
ويستغنى بالظهور عن الاستدلال عليه.
المسألة العشرون. قال السائل: الإمام عندنا [مجمع] 3 على أنه يعلم
ما يكون، فما بال أمير المؤمنين عليه السلام خرج إلى المسجد وهو يعلم، أنه مقتول
وقد عرف قاتله والوقت والزمان؟ وما بال الحسين عليه السلام صار إلى أهل
الكوفة وقد علم أنهم يخذلونه ولا ينصرونه، وأنه مقتول في سفرته [14 و] تلك 5؟
ولم لما حوصر - وقد علم 6 أن الماء منه لو حفر على أذرع يسيرة - لم يحفر 7، ولم
أعان على نفسه حتى تلف عطشا؟ والحسن عليه السلام وادع معاوية 8 وهو يعلم أنه
ينكث ولا يفي ويقتل شيعة أبيه، عليهما السلام.
والجواب - وبالله التوفيق -: [عن] 9 قوله: إن الإمام يعلم ما يكون بإجماعنا 10،
أن الأمر على خلاف ما قال. وما أجمعت الشيعة قط على هذا القول، وإنما
إجماعهم ثابت على أن الإمام يعلم الحكم في كل ما يكون، دون أن يكون عالما
بأعيان ما يحدث ويكون، على التفصيل والتمييز. وهذا يسقط الأصل الذي بنى
عليه الأسئلة بأجمعها.
فصل. ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان الحوادث 11 تكون بإعلام الله تعالى له

1 - " وتسخن وتبرد " ساقطة عن مل.
2 - رض، مل: + الحس.
3 - أثبتناها عن حش، رض، مل.
4 - رض: وقد يعلم. مل: وقد علم.
5 - رض، مل: تيك.
6 - حش: وقد عرف. مل، رض: ولم لما حضر وقد عرف.
7 - مر، رض 2. ولم لما حضر وعرف أن الماء قد منع منه وأنه إن حفر أذرعا قريبة نبع الماء ولم يحفر.
8 - مر، رض 2: + وهاونه.
9 - أثبتناها عن مر ورض 2.
10 - مر رض 2 فإجماعنا أن الأمر.
11 - رض، مل حوادث. مر، رض 2: ما يحدث.
69

ذلك. فأما القول بأنه يعلم كل ما يكون، فلسنا نطلقه ولا نصوب قائله لدعواه فيه
من غير حجة ولا بيان.
فصل. والقول بأن أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم قاتله والوقت الذي
يقتل فيه، فقد جاء الخبر متظاهرا أنه كان يعلم في الجملة أنه مقتول. وجاء أيضا
بأنه كان يعلم قاتله على التفصيل 1، فأما علمه في وقت 2 قتله فلم يأت فيه أثر على
التفصيل، ولو جاء فيه أثر 3 لم يلزم ما ظنه المستضعفون، إذ كان لا يمتنع أن يتعبده
الله بالصبر على الشهادة والاستلام للقتل، ليبلغه الله بذلك من علو الدرجة ما لا
يبلغه إلا به، ولعلمه تعالى بأنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يؤدها،
ويكون في المعلوم من اللطف بهذا التكليف لخلق من الناس ما لا يقوم مقامه غيره،
فلا يكون بذلك أمير المؤمنين عليه السلام ملقيا بيده إلى التهلكة، ولا معينا على
نفسه معونة مستقبحة في العقول.

1 - روى الشيخ المفيد في كتابه (الإرشاد ص 6) تحت عنوان " الأخبار التي جاءت بذكره عليه السلام
الحادث قبل كونه، وعلمه به قبل حدوثه ": عن الأصبغ بن نباته. قال: أتى أبن ملجم أمير المؤمنين
فبايعه عليه السلام فيمن بايع، ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين عليه السلام فتوثق منه وتؤكد عليه ألا
يغدر ولا ينكث. ففعل ثم أدبر عنه، فدعاه أمير المؤمنين عليه السلام الثانية فتوثق منه وتؤكد عليه ألا
يغدر ولا ينكث، ففعل ثم أدبر عنه، فدعاه أمير المؤمنين الثالثة فتوثق منه وتؤكد عليه ألا يغدر ولا
ينكث، فقال ابن ملجم لعنه الله: والله يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري. فقال
أمير المؤمنين عليه السلام:
أريد حباءه ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد
امض يا ابن ملجم! فوالله ما أرى أن تفي بما قلت.
2 - باقي النسخ. بوقت.
3 - روى الشيخ المفيد في كتابه (الإرشاد ص 8) في حديث آخر. أن أمير المؤمنين عليه السلام قد
سهر تلك الليلة فأكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول: والله ما كذبت ولا كذبت وإنها الليلة التي
وعدت بها، ثم يعاود مضجعه. فلما طلع الفجر شد إزاره وخرج وهو يقول:
أشدد حيازيمك للموت * فإن الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت * إذا حل بواديكا
فلما خرج إلى صحن داره استقبله الإوز فصحن في وجهه، فجعلوا يطردونهن، فقال: دعوهن فإنهن
نوائح، ثم خرج فأصيب عليه السلام. راجع أيضا بحار الأنوار ج 42 (باب إخباره صلوات الله عليه
بشهادة نفسه) ص 191 - 199.
70

فصل. فأما علم الحسين عليه السلام بأن أهل الكوفة خاذلوه، فلسنا نقطع
على ذلك إذ لا حجة عليه من عقل ولا سمع. ولو كان عالما 1 بذلك لكان الجواب
عنه ما قدمناه في الجواب عن أمير المؤمنين عليه السلام بوقت قتله والمعرفة بقاتله
لما ذكرناه.
فصل. أما دعواه علينا أنا نقول إن الحسين عليه السلام كان عالما بموضع
الماء وقادرا عليه، فلسنا نقول ذلك ولا جاء به خبر على حال، وظاهر الحال التي
كان عليها الحسين عليه السلام في طلب الماء والاجتهاد [15 ظ] فيه يقتضي
بخلاف ذلك. ولو ثبت أنه كان عالما 2 بموضع الماء لم يمتنع في العقول أن يكون
متعبدا بترك السعي في طلب الماء من ذلك الموضع، ومتعبدا بالتماسه من حيث
كان ممنوعا منه حسب ما ذكرناه في أمير المؤمنين عليه السلام، غير أن الظاهر 3 في

1 - روي أنه صلوات الله عليه لما عزم على الخروج إلى العراق، قام خطيبا فقال: الحمد لله وما شاء
الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على رسوله وسلم، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة
على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف. وخير لي ممرع أنا لاقيه. كأني
بأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات، بين النواويس وكربلا، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا،
لا محيص عن يوم خط بالقلم. من كان فينا باذلا مهجته، موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معناه
فإني راحل مصبحا إن شاء الله. (بحار الأنوار 44 / 366).
وقال عليه السلام في خطبة ليلة عاشورا: أما بعد. فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من
أصحابي. ولا أهل البيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيرا، ألا وإني لا أظن يوما لنا
من هؤلاء. ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم
فاتخذوه جملا. (الإرشاد ص 214 وبحار الأنوار 44 / 392 وانظر تاريخ الأمم والملوك - للطبري -
4 / 317).
2 - قال (محمد بن أبي طالب): ورجعت خيل ابن سعد حتى نزلوا على شاطئ الفرات، فحالوا بين
الحسين وأصحابه وبين الماء. وأضر العطش بالحسين وأصحابه. فأخذ الحسين عليه السلام فأسا
وجاء إلى وراء خيمة النساء فخطا في الأرض تسع عشر خطوة نحو القبلة ثم حفر هناك. فنبعت له
عين من الماء العذب، فشرب الحسين عليه السلام وشرب الناس بأجمعهم، وملأوا أسقيتهم، ثم غارت
العين، فلم ير لها أثر، وبلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى عمر بن سعد: بلغني أن الحسين يحفر الآبار،
ويصيب الماء، فيشرب هو وأصحابه. فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت
وضيق عليهم، ولا تدعهم يذقوا الماء. وافعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان، فعندها ضيق عمر بن سعد
عليم غاية التضييق بحار الأنوار 44 / 387).
3 - رض: طاهر الحال.
71

خلاف ذلك، على ما قدمناه.
فصل. والكلام في علم الحسن عليه السلام بعاقبة حال موادعته معاوية
بخلاف ما تقدم، وقد جاء الخبر بعلمه ذلك، وكان شاهد الحال له يقتضي به، غير
أنه دفع به عن تعجيل قتله وتسليم أصحابه 1 إلى معاوية. وكان في ذلك لطف في
مقامه إلى حال معينة ولطف لبقاء كثير من شيعته وأهله وولد ه، ورفع لفساد في
الذين هو أعظم من الفساد الذي حصل عند هدنته، وكان عليه السلام أعلم 2 بما
صنع لما ذكرناه، وبينا الوجه 3 فيه وفصلناه.
المسألة الحادية والعشرون
وسأل عن قوله تعالى: * (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم
يقوم الإشهاد) *، وقال: في هذه الآية تأكيد 5 فقد أوجب تعالى بأنه 6 ينصرهم في
الحالين جميعا في الدنيا والآخرة، وهذا الحسين بن علي عليهما السلام حجة الله

1 - رض، مل: + له.:
2 - عن سليم بن قيس قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام على المنبر حين اجتمع
مع معاوية، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلا. ولم أر
نفسي لها أهلا. وكذب معاوية. أنا أولى الناس بالناس، في كتاب الله وعلى لسان نبي الله. فأقسم
بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها. ولما طمعت
فيها يا معاوية... وقد هرب لم سول الله صلى الله عليه وآله من قومه، وهو يدعوهم إلى الله، حتى فر
إلى الغار، ولو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم، ولو وجدت أنا أعوانا ما بايعتك يا معاوية. (بحار
الأنوار 44 / 22). وقد أجاب عليه السلام حجر بن عدي الكندي لما قال له: سودت وجوه المؤمنين،
فقال عليه السلام: ماكل أحد يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك. وإنما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم. (بحار
الأنوار 44 / 28). وروى الكليني عن أبي جعفر عليه السلام قال: والله، للذي صنعه الحسن بن علي
عليهما السلام كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس. (الكافي 8 / 330 وراجع أيضا بحار
الأنوار 44 / 25).
3 - رض، مل: الوجوه.
2 - سورة غافر (40): 51.
5 - رض، مل: وهذه لام تأكيد
6 - باقي النسخ: أنه.
72

قتل مظلوما فلم ينصره أحد، والله تعالى غضب لناقة فأهلك الأرض ومن عليها،
وقد قتل هو 1 وأهل بيته، وسبي الباقون منهم، فأملى الله لهم ولم يظهر غضبه
عليهم. فليعرفنا ما عندك 2 في ذلك، مأجورا إن شاء الله تعالى.
والجواب - وبالله التوفيق -: أن الله تعالى وعد رسله والمؤمنين في الدنيا
والآخرة بالنصر، فأنجز وعده في الدنيا، و 3 منجز لهم وعد ه 4 في الآخرة: وليس
النصر الذي وعدهم به في الدنيا هو الدولة الدنيوية 5 والإظفار لهم بخصومهم،
والتهليك لهم إياهم بالغلبة بالسيف والقهر به. وإنما هو ضمان لهم 6 بالحجج البينات
والبراهين القاهرات، وقد فعل سبحانه ذلك فأيد الأنبياء والرسل والحجج من
بعدهم بالآيات المعجزات، وأظهرهم على أعدائهم بالحجج البالغات، وخذل
أعداءهم بالكشف عما 7 اعتمدوه من الشبهات، وفضحهم بذلك وكشف عن [15 و]
سرائر هم وأبدى منهم العورات. وكذلك حال المؤمنين في النصر العاجل، إذ هم
مؤيدون في الدنيا 8 بالبينات، وأعداؤهم مخذولون بالالتجاء إلى الشبهات.
فأما ما وعدهم 9 تعالى من النصر في الآخرة فإنه بالانتقام لهم من الأعداء،
وحلول عقابه بمن خالفهم من الخصماء، وحميد العاقبة لهم بحلول دار الثواب،
وذميم عاقبة أعدائهم بصليهم 10 في العذاب الدائم والعقاب. ألا ترى إلى قوله تعالى:
* (ولهم اللعنة ولهم سوء الدار 11) * فأخبر عز ا سمه أنه لا ينفع أعداء الرسل والمؤمنين

1 - رض، مل: قد قتل وقتل بنوه.
2 - في الأصل وحش: ما عنده صححناها على رض ومل.
3 - رض " مل: + هو.
4 - حش، رض، مل: وعدهم.
5 - حش، رض، مل. الدنياوية. 6 - رض، مل: لنصرتهم.
6 - رض، مل. لنصرتهم.
7 - حش، رض، مل: عن ضعف ما.
8 - رض: في الدين.
9 - رض: + الله.
10 - في الأصل وحش: يصليهم، صححناها على رض ومل.
11 - سورة غافر (40): 52.
73

معاذيرهم في القيامة، وأن لهم فيها اللعنة، وهي الطرد عن الخير والثواب والتبعيد
لهم عن ذلك، * (ولهم سوء الدار) * يعني العاقبة وهو خلودهم في العقاب. وهذا يبطل
الشبهة في أن الحسين عليه السلام لم يتوجه إليه الوعد بالنصر، لأنه قتل وقتل معه
بنوه وأهل بيته، وأسر الباقون منهم، إذ النصر المعني ما ذكرناه.
وليس في قتل الرسل في الدنيا وظفر أعدائهم في الأولى وإن كانوا هم
الأعلون عليهم بالحجة، والغالبون لهم بالبرهان والدلالة، ويوم القيامة ينتصر الله
لهم منهم بالنقمة 1 الدائمة حسب ما بيناه وقد قالت الإمامية: إن الله تعالى ينجز
الوعد بالنصر للأولياء قبل الآخرة عند قيام القائم، والكرة التي وعد بها المؤمنين،
وهذا لا يمنع 2 من تمام الظلم عليهم حينا مع النصر لهم في العاقبة حسب ما ذكرناه.
فصل. فأما قوله إن الله غضب لناقة فأهلك الأرض ومن عليها، فالغضب من
الله تعالى لم يكن للناقة وإنما كان لمعصية القوم له فيها، وجرأتهم على خلافه
فيما أمرهم به في معناها، وقد عقرت على كل حال، ونصر الله تعالى نبيه صالحا
عليه السلام بالحجة عليهم لأنه كان أخبرهم بتعجيل النقمة منه 3 على عقر الناقة،
ولو كان النبي صلى الله عليه آله أخبر بذلك لعجل لقاتليه 4 العذاب، ولما أخر عنهم
إلى يوم المآب، ولو علم الله تعالى أن تعجيل العذاب لقاتل الحسين عليه السلام
من اللطف في الدين [16 ظ] مثل اللطف الذي كان في تعجيل العذاب لعاقري 5
الناقة لعجله كتعجيل ذلك، لكنه تعالى علم اختلاف الحالين في الخلق، وتباين
الفريقين في اللطف، فدبر الجميع بحسب ما تقتضيه الحكمة من التدبير. وهذه
أسئلة شديدة الضعف، وشبهات ظاهرة الوهن والاضمحلال. والله نسأل 6 التوفيق

1 - حش: بالنعمة.
2 - رض، مل: لا يمتنع.
3 - حش، مل: منهم.
4 - رض، مل: لقاتله.
5 - رض، مل: لعاقر.
6 - رض: نسأله.
74

في كل حال.
المسألة الثانية والعشرون
قال السائل: وما بال أمير المؤمنين عليه السلام، مع اعتقاده. في عائشة وعلمه
بنفاقها وخلافها، لم يطلقها عن الرسول عليه السلام 1 ولم ردها 2 إلى الحجاب ولم
يحل ناموسها؟ فليس ذلك بأعظم من قتل طلحة والزبير ومن قتل من المسلمين 3
في ذلك المكان.
والجواب 4، أن المرأة لم تكن لها برسول الله صلى الله عليه وآله عصمة في
الدين بعد الذي كان منها من 5 الخلاف على أمير المؤمنين عليه السلام، وقد كان
ما فرط منها في العداوة مغنيا في انقطاع عصمتها من رسول الله صلى الله عليه وآله
عن إحداث تطليق لها أو ما يقوم مقام ذلك من الفعل، بل لم يكن لتطليقها معنى
يصح فعله 6 من العقلاء، لأن الطلاق إنما يقصد به قطع العصمة الحاظرة على المرأة
النكاح لغير الزوج الذي هي في حباله بمتقدم عقد النكاح. فإذا وقع الطلاق حلت
به لغيره من الأزواج على شرط الشرع في قضاء العدة أو 7 تركها لاختلاف
الأحوال. وقد حظر 8 الله تعالى نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وآله على من سواه،
ولم يبح ذلك بفرقة 9 تقع بهن من موت ولا طلاق. فلا معنى لإيقاع الطلاق بهن 10 في

1 - رض: صلى الله عليه وآله.
2 - في الأصل وحش: ولم يردها، صححناها على رض ومل.
3 - رض: ومن قتل المسلمين.
4 - رض، مل: فصل والجواب.
5 - رض، مل: في.
6 - رض، مل: قصده.
7 - في الأصل: وصححناها على باقي النسخ.
8 - حش: وقد قطع حظره، وهو تصحيف من الناسخ.
9 - رض، مل: تفرقة.
10 - رض، مل: لهن.
75

الحياة ولا بعد الوفاة، إذ هن في الحالين 1 جميعا محبوسات عن نكاح من سواه. ألا
ترى أن فرقة الموت أوكد من فرقة الطلاق، وهي مع ذلك غير مبيحة لأزواجه
النكاح، فعلم 2 أنه لا معنى لإيقاع الطلاق لهن لذلك، ولا لقطع العصمة في الدين،
إذ هي ثابتة للمطلقات مع الاتفاق في الديانات.
فأما قوله: لم ردها إلى الحجاب ولم يحل ناموسها بترك ذلك؟ فإنه إنما ردها
إلى الحجاب [16 و] بحراسة 3 حكم الله تعالى في تحريمها على الناس وحظر
نكاحها بعد النبي صلى الله عليه وآله 4 على كل حال. ولم يكن ذلك إعظاما لحقها
ولا إجلالا لقدرها، وإنما كان إعظاما لحق النبي صلى الله عليه آله وإجلالا لقدره،
وصيانة له بعد الوفاة ما صانه به في الحياة، وتمييزا له عن 5 كافة الخلق سواه فيما
ذكرناه.
ولو اقتضى الدين سوى ذلك فيها لأمضاه عليه السلام كما أمضى حكم الله
تعالى 6 في الرجلين اللذين شركاها في الفتنة، وأتباعهما من البغاة، لكن
حكم الله 7 كان فيها ما صنعه عليه السلام. وليس ذلك بإكرام لها ولا إجلال في
الدين، على ما ذكرناه.
المسألة الثالثة والعشرون
وسأل عن قول الله تعالى: * (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) * 8، وقال:

1 رض، مل: الحالتين.
2 - رض، مل: فيعلم.
3 - رض، مل، لحراسة.
4 - حش، مل: عليه السلام.
5 - رض، مل: من.
6 - حش، مل: سبحانه رض: سبحانه وتعالى.
7 - حش، رض، مل: + سبحانه.
8 - سورة التحريم (66): 3.
76

ما كان ذلك السر؟
والجواب 1 عن ذلك، أنا لو قلنا إذ تعاطى الأخبار عن السر المذكور تكلف
ساقط عنا، لما توجهت حجة بذلك علينا، إذ القرآن ناطق بأنه سر النبي
صلى الله عليه وآله إلى بعض أزواجه ولم ينطق بأنه شاع بعد الاستسرار به، فلا
عهدة علينا في العجز عن ذكره، إذ لم يجعل لنا سبيل إلى علمه.
مع أنه 3 قد جاء في حديث الشيعة 3 عن جعفر بن محمد عليهما السلام أن السر
الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بعض أزواجه إخباره عائشة 4 أن الله
أوحى إليه أن يستخلف أمير المؤمنين عليه السلام وأنه قد ضاق ذرعا 5 بذلك، لعلمه
بما في قلوب قريش له من البغضاء والحسد والشنآن، وأنه خائف منهم فتنة عاجلة
تضر بالدين، وعاهدها أن تكتم ذلك ولا تبديه وتستره وتخفيه.
فنقضت عهد الله سبحانه عليها في ذلك، وأذاعت سره إلى حفصة، وأمرتها
أن تعلم أباها ليعلمه صاحبه، فيأخذ القوم لأنفسهم ويحتالوا 6 في بعض 7 ما يثبته 8
رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل، له
أسباب مذكورة. ففعلت ذلك حفصة واتفق القوم على عقد 9 بينهم إن مات رسول الله
صلى الله عليه وآله لم يورثوا أحدا من أهل بيته ولا يؤتوهم 10.

1 - رض: فصل والجواب.
2 - رض، مل: فصل مع أنه.
3 - راجع تفسير القمي 2 / 375 والبرهان في تفسير القرآن 4 / 352 ونور الثقلين 5 / 367 وبحار
الأنوار 22 / 246 وتفسير كنز الدقائق 13 / 324.
4 - رض، مل: إلى بعض أزواجه عائشة.
5 - الذرع: الطاقة. وضاق بالأمر ذرعه وذراعه أي ضعفت طاقته ولم يجد من المكروه فيه مخلصا ولم
يطقه ولم يقو عليه. وأصل الذرع إنما هو بسط اليد فكأنك تريد مددت يدي إليه. فلم تنله. (لسان
العرب).
6 - في الأصل: يحتالون، صححناها على باقي النسخ.
7 - رض: نقص. مل: نقض.
8 - حش: ينتسبه. مل: بينه. مر. رض 2: نبأها به.
9 - باقي النسح: عهد.
10 - باقي النسخ: ولا يولوهم.
77

مقامه، واجتهدوا في تأخرهم والتقدم عليهم.
فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله بذلك، وأعلمه ما صنع القوم وتعاهدوا
عليه، وأن الأمر يتم لهم محنة من الله تعالى للخلق بهم 1. فوقف 2 النبي
صلى الله عليه وآله 3 عائشة على [17 ظ] ذلك، وعرفها ما كان منها من إذاعة السر 4،
وطوى عنها الخبر بما علمه من تمام الأمر لهم، لئلا تتعجل إلى المسرة به وتلقيه إلى
أبيها، فيتأكد طمع القوم فيما عزموا عليه، وهو قوله تعالى: * (عرف بعضه وأعرض
عن بعض) * 5، فالبعض الذي عرفه ما كان منها من إذاعة سره 6. والبعض الذي
أعرض عنه، ذكر تمام الأمر لهم. وكان في الآية ما يؤذن بشك المرأة في نبوته
صلى الله عليه وآله بقولها عند إخباره إباها بضيعها 7: * (من أنبأك هذا قال نبأني
العليم الخبير) * 5.
فصل. والعامة تقول إن السر الذي أسره النبي صلى الله عليه وآله خلوه 8
بمارية القبطية في يوم عائشة منه، وقد كانت حفصة اطلعت على ذلك، فاستكتمها
رسول الله صلى الله عليه وآله إباه 9 فأذاعته 10 وعلماء الأمة مجمعون على اختلافهم
أن هذه الآية نزلت في عائشة وحفصة خاصة من بين الأزواج. فهذا، الذي قاله في

1 - رض، مل: لهم.
2 - رض، مل، مر، رض 2: فواقف.
3 - رض: عليه وآله السلام.
4 - باقي النسخ: سره.
5 - سورة التحريم (66): 3.
6 - باقي النسخ: في الإذاعة.
7 - حش: بصنيعها. مر، رض 2: بعضها.
8 - رض، مل، مر، رض 2: خلوته.
9 - رض إياها.
10 - قال الزمخشري في تفسيره: روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في يوم عائشة،
وعلمت بذلك حفصة فقال لها: اكتمي علي وقد حرمت مارية على نفسي، وأبشرك أن أبا بكر وعمر
يملكان بعدي أمر أمتي فأخبرت به عائشة. (الكشاف 4 / 124).
78

الآية الفريقان 1.
المسألة الرابعة والعشرون
قال السائل: قد أجمعنا على أن الحجج عليهم السلام أحياء غير أموات يعون
ويسمعون، فهل هم في قبورهم؟ فكيف يكون الحي في الثرى باقيا؟
والجواب 2، أنهم عندنا أحياء في جنة من جنات 3 الله عز وجل، يبلغهم
السلام عليهم من بعيد ويسمعونه من مشاهدهم، كما جاء الخبر بذلك مبينا 4 على
التفصيل، وليسوا عندنا في القبور حالين، ولا في الثرى ساكنين. وإنما جاءت
العبادة بالسعي إلى مشاهدهم والمناجاة لهم عند قبورهم امتحانا وتعبدا، وجعل
الثواب على السعي والاعظام للمواضع التي حلوها عند فراقهم دار التكليف،
وانتقالهم إلى دار الجزاء. وقد تعبد الله الخلق بالحج إلى البيت الحرام والسعي إليه
من جميع البلاد والأمصار، وجعله بيتا له مقصودا، ومقاما معظما محجوجا، وإن
كان الله عز وجل لا يحويه مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان، فكذلك
يجعل مشاهد الأئمة عليهم السلام مزورة، وقبورهم مقصودة، وإن لم تكن [17 و
ذواتهم لها مجاورة، ولا أجسادهم فيها حالة.

1 - روى البخاري بإسناده عن ابن عباس يقول: أردت أن أسأل عمر، فقلت يا أمير المؤمنين: من
المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فما أتممت كلامي حتى قال: عائشة
وحفصة. (صحيح البخاري - كتاب تفسير القرآن، سورة التحريم - 3 / 204).
2 - باقي النسخ: فصل والجواب.
3 - حش، مل، رض 2: جنان.
4 - حش، مل: مبنيا.
79

المسألة الخامسة والعشرون
وسأل عن قوله تعالى: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء
عند ربهم يرزقون) * 1، وقال: فهل يكون الرزق بغير 2 جسم؟ وما صورة هذه الحياة؟
فإنا مجمعون على أن الجواهر لا تتلاشى، فما حينئذ الفرق 3 في الحياة بين الكافر
والمؤمن؟
والجواب 4، أن الرزق عندنا لا يكون إلا للحيوان، والحيوان عندنا ليسوا
بأجسام بل هم ذوات أخرجوا 5 في هذه الدار إلى الأجساد، وتعذر عليهم كثير من
الأفعال إلا بها، وصارت آلة لهم في الأفعال والاكتساب، فإن أغنوا عنها بعد
الوفاة جاز أن يرزقوا مع عدمها رزقا تحصل 6 لهم به اللذات، وإن افتقروا إليها كان
الرزق لهم 7 بحسبه في الدنيا على السواء.
فصل. فأما قوله: ما صورة هذه الحياة؟ فالحياة لا صورة لها لأنها عرض من
الأعراض وهي تقوم بالذات 8 الفعالة دون الأجساد التي تقوم بها حياة النمو دون
الحياة التي هي 9 شرط العلم والقدرة ونحوهما من الأعراض.
فصل. وقوله: إنا مجمعون على أن الجواهر لا تتلاشى، فليس ذلك كما ظن،
ولو كان الأمر فيه كما توهم لم يمتنع أن توجد الحياة لبعض الجواهر وترفع من
بعض، كما توجد حياة النمو لبعض الأجسام وترفع من 10 بعض على الاتفاق. ولو

1 - سورة آل عمران (3): 169.
2 - رض، مر، رض 2: لغير.
3 - حش: فما الفرق. رض، مل، مر: فما الفرق حينئذ.
4 - رض، مل: فصل والجواب.
5 - رض، مل: أحوجوا.
6 - حش، رض، مل: يحصل.
7 - رض، مل: + حينئذ.
8 - رض، مل: بالذوات.
9 - حش، رض، مل: + في، مر، رض 2: هي شرط في العلم.
10 - رض، مل: عن.
80

قلنا إن الحياة بعد النقلة عن هذه الدار تعم أهل الكفر والإيمان لم يفسد ذلك علينا
أصلا في الدين. وكانت الحياة لأهل الإيمان شرطا في وصول اللذات إليهم،
والحياة لأهل الكفر شرطا في وصول الآلام إليهم بالعقاب 1.
المسألة السادسة والعشرون
وسأل فقال: خبرني 2 عن قول الله تعالى: * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا
وحيا أو من وراء حجاب) * 3. فالوحي قد عرفناه فما الحجاب؟ وهل يقع الحجاب
إلا على محدود وكيف صورة الكلام؟
والجواب 4، أن الوحي الذي عناه الله تعالى في هذه الآية ما سمعه الرسول
بغير واسطة، والمسموع من وراء الحجاب هو الكلام [18 ظ] الذي تؤديه 5 الوسائط
إلى الرسل والبشر من غيرهم، وليس الحجاب المعني في هذه الآية هو الشئ
الذي يستر المتكلم عمن كلمه، ويحول بينه وبين مشاهدته كما ظنه السائل، لكنه
ما وصفناه من الرسل والوسائط بين الخلق وبين الله تعالى، فشبههم بالحجاب
الذي يكون بين الانسان وبين غيره عند الكلام، فيسمعه من ورائه ولا يرى المتكلم
من أجله، والعرب تستعير للتشبيه والتمثيل، ولا تضع ذلك موضع الحقائق، إذ لو
وضعته موضع الحقيقة لم تكن مستعيرة للأمثال. وقد قال الله عز ا سمه: * (وتلك
الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) * 6.
فصل. وأما قوله: كيف صورة الكلام؟ فالكلام أيضا مما لا صورة له لأنه عرض
لا يحتمل التأليف، والصورة هي ذات التأليف. غير أنا نراه أراد بالصورة الحقيقة،

1 - رض: بالعذاب.
2 - رض، مر: أخبرني.
3 - سورة الشورى (42): 51.
4 - رض، مل: فصل. والجواب.
5 - حش، مل، مر، رض 2: يؤديه.
6 - سورة العنكبوت (29): 43.
81

فحقيقة الكلام عندنا الأصوات المقطعة ضربا من التقطيع يفيد المعاني التي
يقصدها 1 دون الأعراض، وهو محتاج إلى محل يقوم به كحاجة غيره من
الأعراض. وليس يكون المحل هو المتكلم بل المتكلم هو فاعل الكلام، كما أنه
ليس يكون المتفضل محل التفضل، بل المتفضل فاعل التفضل بلا ارتياب.
المسألة السابعة والعشرون
وسأل عن قول الله 2 تعالى: * (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات
مطويات بيمينه) * 3، فقال: ما اليمين؟ وما القبضة؟
والجواب 4، أن اليمين في الآية هي القدرة والقبضة هي الملك. قال الشاعر:
إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين
يريد تلقاها بالقوة، فأما شاهد الملك بالقبضة، فيقول القائل: هذه الدار في قبضتي
، وهذا الغلام في قبضتي، يريد به: في ملكي، فكان المعنى في قوله 5: * (وما قدروا
الله حق قدره والأرض جميعا قبضته) * 6 يريد في ملكه، * (والسماوات مطويات
بيمينه) * يريد به أنها مطويات في قدرته 7. وليس المراد بالقدرة ههنا معنى من
المعاني كالكون والحركة والقدرة التي يقدر بها [18 و] الحيوان، وإنما يريد به أنها
مطويات بكونه قادرا على طيها، كما يقول القائل: لي على كذا وكذا قدرة، وهو
يعنى أنه قادر عليه، إذ كان أكثر من يتكلم بهذا الكلام لا يقصد به إلى إثبات معنى
من المعاني قائم بالذات، بل يقصد به ما ذكرناه

1 - مل: نقصدها. رض 2: يقصد بها.
2 - رض، مل، مر، رض 2: عن قوله.
3 - سورة الزمر (39): 67.
4 - رض: فالجواب.
5 - رض، مل، مر، رض 2: + تعالى.
6 - سورة الزمر (39): 67.
7 - حش، رض، مل: بقدرته.
82

المسألة الثامنة والعشرون
وسأل عن قوله عز وجل: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن
يشاء) * 1. ثم قال: عرفنا هل يجوز أن يغفر قتل العمد ويعفو عن الخوارج على الأئمة 2
وإن لم يخالفوا في الأصول.
والجواب 3 عن ذلك، أن كل معصية لله عز وجل تكون كفرا، فهي شرك في
حكم الشرع والدين، وكل كافر فهو مشرك من أسماء الدين دون أسماء اللغة. وكل
مشرك فهو كافر من أسماء الدين واللغة، وإذا كان الأمر على ما ذكرناه وجب القطع
على وعيد 4 الكفار بأي ضرب من الكفر وأنواعه، لما ذكرناه من استحقاق السمة
لهم بالشرك في حكم الدين. والخوارج على أئمة العدل إذا استحلوا حربهم
وعداوتهم وقتل المؤمنين من أنصارهم، فهم كفار بذلك، وحكمهم حكم المشركين،
وقد دخلوا بذلك في الوعيد من قوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما
دون ذلك لمن يشاء) * 1.
فصل. فأما قتل العمد فهو على ضربين: أحدهما أن يكون القاتل مستحلا له،
والضرب الآخر أن يقع على وجه التحريم. فمن قتل مؤمنا مستحلا لدمه فهو كافر
بقتله، مستحق للوعيد لقوله 5: " إن الله لا يغفر أن يشرك به " وبأمثال هذه الآية من 6
وعيد الكفار. ومن قتل مؤمنا محرما لقتله خائفا من العقوبة له على ذلك، معتقدا
لوجوب الندم عليه منه، كان مستثنى بقوله 7: " ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " غير

1 - سورة النساء (4): 116.
2 - رض: + عليهم السلام.
3 - حش، رض: فصل والجواب.
4 - حش: وعيده.
5 - مل: بقوله. رض: بقوله تعالى.
6 - " من " ساقطة من حش.
7 - رض، مل: لقوله.
83

أنا لا نقطع على عقابه، ولا نجزم بالعفو 1 عنه، إلا أن يندم ويتوب فيكون مقطوعا له
بالعفو والغفران.
المسألة التاسعة والعشرون
وسأل فقال: رأينا صاحب الحبشة لما سار إلى البيت منعه الله منه وأهلكه
دونه. والحجاج رماه بالعذرة 2 وهدمه، والقرمطي قتل الناس حوله وسلبه كسوته
وقلع الحجر، ولم يمنعا من ذلك ولا عجل عليهما العقوبة عليه.
والجواب 3 عن هذا السؤال، قد سلف 4 في إمهال 5 الله تعالى [19 ظ] قتل 6
الحسين 7 عليه السلام. وذكر ما 8 يتعلق بأفعال 9 الله عز وجل من مصالح 10 الخلق،
وأن المصالح تختلف 11 فلا حاجة 12 إلى تكراره.
فصل. على أن بين الأمرين فرقا، وهو أن صاحب الحبشة قصد البيت
للاستخفاف بحرمته، والانكار لحرمته، والدفع لفرض الله تعالى في تعظيمه،
والكفر بما أوجبه من ذلك، ولم يقصد لغيره ولا أراد السوء 13 لسواه، فعجل الله
تعالى له النقمة لذلك، وأنظر القاصدين له من أهل الملة، إذ لم يكن قصدهم له

1 - حش: للعفو. رض. مل: على العفو.
2 - حش، مر: بالقذرة.
3 - رض: فصل والجواب.
4 - مل: قد سبق.
5 - رض: إنه قد سلف إمهال.
6 - رض، مل، مر: قتلة.
7 - رض، مل، مر، رض 2: + بن علي.
8 - مر، رض 2: وذكرنا.
9 - رض، مل. مر. رض 2: تعلق أفعال....
10 - رض، مر، رض 2: بمصالح.
11 - مر، رض 2: مختلف.
12 - رض، مل: + هنا، مر، رض 2: + بنا.
13 - رض، مل: + به.
84

من أجل نفسه، ولا للكفر بفرضه والعناد لله في تعظيمه،. إنما قصدوه لغيره ممن
لم يكن له عند الله تعالى من الحرمة كحرمة، بل لم يكن لأكثرهم عند الله سبحانه
حرمة في الدين، لضلالهم عن الهدى، وسلوكهم في الأفعال والأقوال طريق
الردى 1. وهذا يوضح عن فرق ما بين الجرمين 2 ويفصل بين أحكام 3 المعصيتين،
والله ولي التوفيق.
المسألة الثلاثون
وسأل هل يجوز أن يحسن الله قبيحا في حال، ويقبحه في أخرى، مثل شرب
الخمر وأكل لحم الخنزير والقتل والربا والزناء؟ وهل كانت هذه الأشياء محللة ثم
حرمت، أم لم تزل محرمة غير محللة؟
والجواب، عن ذلك، أن الله تبارك. تعالى لا يحسن قبيحا ولا يقبح حسنا،
إذ تقبيح الحسن وتحسين القبيح باطل، لا يقع إلا من جاهل بحقيقتهما، أو متعمد
للكذب في وصفهما بغير صفتهما. والله، تعالى 5 عن ذلك علوا كبيرا.
فصل. وقد تدخل على العامة شبهة في هذا الباب يعترضهم شك في النسخ،
وحظر ما كان مباحا وإباحة ما كان محظورا، فيتوهمون أن الله تعالى حسن قبيحا
وقبح حسنا. وليس الأمر كما ظنوه. وذلك أن الحسن والقبح 6 إنما هما وصفان
للأفعال، فالأفعال التي مضت وتعلق بها الحظر كانت قبيحة. وما مضى مما تعلقت
به الإباحة والأمر بها كان حسنا. فإذا طرأ الحظر على أفعال في المستقبل كان ما
يتعلق به ذلك في المستقبل قبيحا وما مضى منه حسنا. والأفعال المستقبلة غير

1 - " الردى " ساقطة في الأصل. أثبتناها عن باقي النسخ.
2 - حش: الحرمتين، مر، رض 2: الأمرين.
3 - حش: + المقصدين.
2 - رض: فصل والجواب.
5 - رض: مل: يتعالى.
6 - رض، مل: القبيح.
85

الماضية، وكذلك إذا تجددت [19 و] الإباحة لأفعال في المستقبل كانت الأفعال
المستقبلة حسنة، وما تعلق به النهي من ماضيا قبيحا، والماضي غير المستقبل،
على ما بيناه.
وإنما تقبح 1 الأفعال التي لا دليل في العقل على قبحها ولا 2 حسنها، للعلم
بالفساد بإباحتها ويقبح حظرها للعلم بالاستفساد بتحريمها، وأحوال المكلف 3
تتغير، فلتغيرها يحسن إباحتهم حينا ما كان نوعه محظورا عليهم حينا، ويحسن
منعهم حينا ما كان نوعه لهم مطلقا 4 حينا، وهذا باب لا يخفى معناه على متأمل له،
ومفكر من أهل العقل في.
فصل. فأما تحريم الزنا والربا فلسنا نعلم خلافا في أنه كان كذلك في كل
شريعة ولم يأت بإباحته نبي والاستفساد به ظاهر لذوي الألباب، وتحريم الخمر
عندنا كان في كل شريعة، ولم يكن مباحا في حال من الأحوال.
وقد خالف في ذلك الجمهور، ومعنا به آثار صادقة عمن يجب التسليم 6 له من
حجج الله تعالى وأصفيائه في الدين. ولو قلت إن الاعتبار يدل عليه أيضا لما أبعد 7
بذلك عن الحق من قبل أن الفساد بشرب 8 كثير من الخمر معلوم وأن شرب القليل
منه يدعو إلى شرب كثيرة، وقال الله سبحانه:
* (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوا لعلكم
تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر

1 - رض، مل: يقبع.
2 - رض: + على.
3 - رض، مل: المكلفين.
4 - رض: مطلوبا.
5 - رض، مل: الربا والزناء.
6 - رض، التصديق.
7 - حش، رض، مل: لم أبعد.
8 - رض، مل: لشرب.
86

ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون " 1، فدل على أن عاقبة الخمر
ترك الصلاة، والإعراض عن ذكر الله ووقوع البغضاء والعداوة بين الناس، وما
كان هذا عاقبة فهو قبيح. ومعلوم أن شرب قليل الخمر يدعو إلى هذا الكثير الذي
نص الله على الفساد به، فدل على أن شرب القليل والكثير من المسكر محرم في
كل شرع بهذا الضرب من الاعتبار، ووافق ذلك ما جاءت به عن الأئمة الصادقين
عليهم السلام الآثار 2.
وأما إباحة لحم الفيل والقرد والدب وأشباهها مما لم يأت بإباحته شريعة،
فقد عرفنا تحريمه في كل شرع. ولسنا نعلم للعقلاء حالا قبل الشرع [20 ظ] فنتكلم
عليها فإن كنا لو قدرناها لوجب الوقف عندنا في الحظر والإباحة، لما لا تدل 3
العقول على حسنه وقبحه من الأشياء.
وأما لحم الخنزير فالنصارى تزعم أن المسيح عليه السلام أباحهم أكله. ولسنا
نثق بدعواهم وإن كنا نجوز، صحتها في العقول، فإن بطلت فقد كفينا 5 الكلام على
وجه حظره بعد إباحته، وإن صحت فالوجه في حظر المستقبل منه بعد إباحته في
الماضي 6 ما قدمناه 7، وفي ذلك كفاية، والمنة لله.
المسألة الإحدى والثلاثون
وسأل عن قوله تعالى: * (ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون " 8 قال:

1 - سورة المائدة (5): 90، 91.
2 - مل: فهذا الضرب من الاعتبار وافق ما جاءت به من الأئمة الصادقين عليهم السلام بالآثار.
3 - حش، رض، مل: لا يدل.
2 - رض: مل: وإن كان يجوز.
5 - رض: اكفينا.
6 - مل: أباحته الماضية.
7 - في الأصل وحش: بما قدمناه، صححناها على مل و رض.
8 - سورة ص ص (38): 69.
87

والملأ الأعلى هم الملائكة فبم 1 اختصموا؟
والجواب - وبالله التوفيق -: أن الله أخبر عن نبيه صلى الله عليه وآله أنه لم
يكن له علم بذلك 3 وأنه طوى عنه علمه، فالسؤال لنا عن ذلك إعنات، وتكلفنا
الجواب عنه ضلالة 3، وما رأيت أعجب ممن يسأل رعايا الأنبياء عما طوى عن
أنبيائهم ويكلفهم الإخبار عما لم يخبروا به، وليس كل أمر حدث فقد أوحى الله به
إلى الأنبياء عليهم السلام ولا كل معلوم له قد أعلمهم إياه، وليس يمتنع أن يطوي
عنهم علم كثير من معلوماته 4، ويعلم أن ذلك أصلح لهم في التدبير، وغير منكر
أيضا أن يطلعهم على شئ ويكلفهم ستره عن غيرهم، فسؤال هذا السائل عما
أخبر نبي الهدى صلى الله عليه وآله 5 بأنه لا علم له به، ضلال عن الحق، وعدول عن
طريق الهدى، وتكليف بممتنع 6 لا يحسن من حكيم تكليفه.
فصل. مع أنه قد روي في الحديث أن الله تعالى أعلم نبيه من بعد فيما
اختصوا به، وهو أنهم اختصموا في الدرجات بالأعمال والتفاوت 7 فيها. فكانت 8
طائفة منهم تظن في ذلك شيئا، وتخالفها الأخرى فيه، فبين الله لهم الحق في ذلك
فأجمعوا عليه، وهذا خبر وإن كان مرويا فليس مما يقطع به، والله أعلم.
المسألة الثانية والثلاثون
وسأل عن قوله تعالى: * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال

1 - حش: فيما. رض، مل: ففيما.
2 - رض: بذلك علم.
3 - رض، مل: ضلال.
4 - حش، رض، مل: + تعالى.
5 - حش، رض، مل: عليه السلام.
6 - حش، مل: لممتنع. رض: ممتنع.
7 - رض، مل: الكفارات.
8 - حش: وكانت.
88

فأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا " 1 فقال 2
[20 و]: فهل يجوز العرض على الجماد والتكليف له؟ أوليس الامتناع من ذلك كفرا؟
وهل كان العرض على سبيل التخيير أم على الإيجاب؟ فإن كان على الإيجاب فقد
وقع العصيان، وإن كان على التخيير فقد جاز حظر 3 الأمانة وترك أدائها.
والجواب 4 أنه لم يكن عرض في الحقيقة على السماوات والأرض والجبال
بقول صريح، أو دليل ينوب مناب القول، وإنما الكلام في هذه الآية [مجاز] 5 أريد
به الايضاح عن عظم الأمانة وثقل التكليف بها وشدته على الانسان، وأن
السماوات والأرض والجبال لو كانت ممن يعقل لأبت 6 حمل الأمانة لو عرضت
عليها 7، وقد تكلفها الانسان ولم يؤد مع ذلك حقها.
فصل. ونظير ذلك قوله تعالى: " تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض
وتخر الجبال هدا " 8 ومعلوم أن السماوات والأرض والجبال جماد لا تعرف الكفر
من الإيمان، ولكن المعنى في ذلك إعظام ما فعله المبطلون، وتفوه به الضالون،
وأقدم عليه المجرمون من الكفر بالله تعالى، وأنه من عظمه جار مجرى ما يثقل 9
باعتماده على السماوات والأرض والجبال من الأحمال وأن الوزر به 10 كذلك، فكان
الكلام في معناه بما جاء به التنزيل مجازا واستعارة كما ذكرناه.
فصل. ومن ذلك قوله تعالى: * (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها

1 - سورة الأحزاب (33) 72.
2 - حش: رض، مل: وقال.
3 - حش: خفر. رض، مل: حقر،
2 - رض: فصل والجواب.
5 - ساقطة في الأصل، أثبتناها عن باقي النسخ.
6 - حش، رض، مل: لأبي.
7 - حش، رض، مل: عليه.
8 - سورة مريم (19): 90.
9 - رض: تنتقل.
10 - حش: رض: الوزرية.
89

لما يشفق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله " 1، ومعلوم أن الحجارة
جماد ولا تعلم فتخشى، أو تحذر أو ترجو أو تأمل، وإنما المراد بذلك تعظيم الوزر
في معصية الله، ما يجب أن يكون العبد عليه من خشية الله. وقد بين الله تعالى
ذلك بقوله في نظير ما ذكرناه: " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال وقطعت به الأرض أو
كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا " 2 فبين بهذا المثل عن جلالة القرآن وعظيم قدره.
وعلو شأنه، وأنه لو كان كلام يكون به ما عدده 3 ووصفه [21 ظ] لكان بالقرآن ذلك
وكان القرآن به أولى لعظم قدره على سائر الكلام، وجلالة محله حسب ما قدمناه.
فصل. وقد قيل إن المعنى في قوله: " إنا عرضنا الأمانة على السماوات
والأرض والجبال " عرضها على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال،
والعرب تخبر عن أهل الموضع بذكر الموضع وتسميهم باسمه. قال الله عز وجل:
" وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها " 4 يريد أهل القرية وأهل العير،
فكان العرض على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال قبل خلق آدم 5،
وخيروا بين التكليف بما كلف به آدم وبنوه، فأشفقوا من التفريط فيه واستعفوا منه
فأعفوا 6، وتكلفه الناس ففرطوا فيه. وليس الأمانة على ما ظنه السائل أنها الوديعة 7
وما في بابها، لكنه 8 التكليف الذي وصفناه وهذا يسقط الشبهة التي

1 - سورة البقرة (2): 74.
2 - سورة الرعد (13): 31.
3 - حش، رض، مل، مر، رض 2: عده.
2 - سورة يوسف (12): 82.
5 - رض: + عليه السلام.
6 - حش، رض، مل: + منه.
7 - رض. مل: إنما هي الوديعة.
8 - رض، مل: لكنهما.
90

اعترضت له في جواز 1 الأمانة على ما قدره من ذلك وقطعناه 2.
فصل. ولطائفة تنسب إلى الشيعة - وهم براء منهم - تأويل هذه الآية بعيد من
الصواب. ولقوم من أصحاب الحديث الذاهبين إلى الإمامة جواب تعلقوا به من
جهة بعض الأخبار، وهو أن الأمانة هي الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام وأنها
عرضت قبل خلق آدم عليه السلام على السماوات والأرض والجبال، ليأتوا على
شروطها فأبين من حملها على ذلك خوفا من تضييع الحق فيها وكلفها الناس
فتكلفوها ولم يؤد أكثرهم حقها، وللعامة تأويل آخر إن عملنا على إثباته طال به
الكلام، ولم يكن في إثباته طائل. وفيما ذكرناه كفاية، إن شاء الله.
- المسألة الثالثة والثلاثون
وسأل عن قوله تعالى: " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا
من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس " 3 قال: وليس يخشى الله إلا مكلف
يعقل، فما معنى هذا الكلام؟
والجواب عن ذلك، كالمتقدم في المسألة الأولى وهو أن الله تعالى يخبر
عن عظم قدر القرآن وجلالة محله وموقع وعدة ووعيده ومواعظه من القلوب، فقدر 4
تقديرا على المثل. وكان الكلام في ذلك مجازا، ومعناه أن القرآن لو أنزل على
جبل في شدته وعظمه، وكان الجبل حيا مع ذلك [21 و] عاقلا ففهمه وعرف معانيه،
لانصدع مع شدته، وانخشع 5 مع صلابته من خشية الله، ألا ترى إلى قوله في صلة
الكلام: " وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون " فبين أن ذلك مثل نبه به على

1 - مر، رض 2. + خفر.
2 - رض، مل. بطناه (بطن الأمر: عرف باطنه).
3 - سورة الحشر (59): 21.
4 - رض، مل: + له.
5 - رض، مل، مر، رض 2. خشع.
91

عظم محل القرآن وما يجب أن يكون الانسان عليه عند سماعه وتدبره، من الحذر
من الله تعالى والخشوع له والطاعة والخضوع.
المسألة الرابعة والثلاثون
وسأل فقال: قد ثبت أن الله عدل لا يجور، وأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو
العالم بأن العرب لا تأتي بمثل القرآن ولا تقدر عليه، فلم كلفهم أن يأتوا بعشر سور
مثله أو بسورة من مثله؟ وكذلك إن كانوا عليه قادرين لكنهم كانوا منه ممنوعين،
فالسؤال واحد.
والجواب 1، أن قوله تعالى: * (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) * 2 [ليس بأمر لهم
وإلزام وندبة وترغيب، لكنه تحد وتعجيز، ألا ترى إلى قوله عز وجل: * (أم يقولون
افتراه قل فأتوا بعشر سورة مثله مفتريات) *] 3 يريد به تعالى أنه لو كان القرآن من
كلام بشر قد افتراه لكان مقدورا لغيره من البشر، فامتحنوا أنفسكم فإذا عجزتم عن
افتراه مثله، فقد علمتم بطلان دعواكم على محمد صلى الله عليه وآله الافتراء
للقرآن، ومن لم يفهم فرق ما بين التحدي والتقريع والتعجيز، والأمر والتكليف
والالزام كان في عداد البهائم وذوي الآفات الغامرة للعقول 4 من الناس، وكذلك
قوله: * (فأتوا بسورة من مثله) * ليس بأمر وإلزام لكنه تحد وتعجيز. ألا ترى قوله: * (إن
كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون
الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا " 5 فحداهم 6 وبين عجزهم وأنهم
يعجزون عن ذلك ولم يتهيأ لهم أبدا.

1 - رض: فصل والجواب.
2 - سورة هود (11): 13.
3 - أثبتناها عن رض ومل.
4 - رض، مل: العقول.
5 - سورة البقرة (2): 23، 24.
6 - حش، رض، مل: فتحداهم.
92

ومثل 1 ما ذكرناه في هذا الباب، أن يقول امرؤ 2 لكاتب محسن: إنني قادر على
كل ما تقدر عليه، فيقول الكافي: لست قادرا على ذلك ولا تيسر مما يتأتى مني،
والدليل على ذلك أنني أكتب كتابا حسنا، فإن كنت تحسن منه ما أحسن، فاكتب
مثله أو بعضه. وكقول المفحم 3 للشاعر: ليس يمكنك من النظم إلا ما يمكنني مثله،
فينظم قصيدة ويتحداه بنظم مثلها. فإذا عجز عن ذلك أعلمه بعجزه بطلان دعواه
مماثلته 4 في الشعر. ولم تزل العرب يتحدى بعضها بعضا [بالشعر ويعجز بعضها
بعضا] 5 وكذلك كل ذي صناعة يتحدى بعضهم بعضا على وجه التقريع والتعجيز،
ولا يكون [22 ظ] تحديهم أمرا ولا إلزاما.
ومن خفى عنه القول في هذا الباب، - وعرضت له من الشبهة فيه ما عرض
لصاحب السؤال كان بعيدا من العلم، ناقصا عن رتبة الفهم، والله المستعان.
المسألة الخامسة والثلاثون
قال السائل قد ورد عن صاحب الشريعة، صلى الله عليه وآله 6 أنه قال: " اتقوا.

1 - رض، مل: مثال.
2 - حش: أمي.
3 - في الأصل وحش: المنجم. صححناها على رض ومل. والمفحم: من لا يقدر أن يقول شعرا.
4 - رض، مل: مما يليه.
5 - أثبتناها عن حش و رض ومل.
6 - رض 2: عليه وآله الصلاة والسلام والتحية.
93

فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " 1 وقد رأينا آدم عليه السلام لم يعرف إبليس لما
تصور له 2 وأغواه 3، ولا مريم عليها السلام عرفت جبرائيل 4، ولا عرف داود
الملكين، ولا لوط وإبراهيم 5 عرفا الملائكة لما جاؤوا بصورة ضيوف، ولا صاحب
شريعتنا صلى الله عليه وآله 6 عرف المنافقين حتى عرفه الله إياهم.
والجواب، أن هذا حديث لا نعرف له سندا متصلا ولا وجدناه في الأصول
المعتمدة، وما كان هذا حكمه لم يصح التعلق به والاحتجاج بمضمونه.
فصل. مع أن له وجها في النظر - لو ثبت لكان محمولا عليه - وهو الخبر عن
صحة ظن المؤمن في أكثر الأشياء، وليس يخبز 7 بالغائبات 8 من طريق المشاهدة،
وقد قيل إن الانسان لا ينتفع بعلمه ما لم ينتفع بظنه، أراد بذلك أنه متى لم يكن

1 - روى الشيخ المفيد في كتابه (الاختصاص 143): في الصادق عليه السلام. أنه قال:... وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله. ورواه الشيخ الصدوق في
معاني الأخبار (ص 350)، ونقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار 38 / 83 و 67 / 61. ونقل أيضا
عن بصائر الدرجات (ص 79) عن سليمان الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام قال:
يا سليمان! اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله. فسكت حتى أصبت خلوة، فقلت: جعلت فداك
سمعتك تقول: اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله؟ قال: نعم يا سليمان، إن الله خلق المؤمن من
نوره، وصبغهم في رحمته وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية. والمؤمن أخ المؤمن لأبيه وأمه، أبوه النور وأمه
الرحمة، وإنما ينظر بذلك النور الذي خلق منه. ثم قال العلامة المجلسي:
بيان: الفراسة الكاملة لكمل المؤمنين، وهم الأئمة عليهم السلام، فإنهم يعرفون كلا من المؤمنين
والمنافقين بسيماهم، كما مر في كتاب الإمامة، وسائر المؤمنين يتفرسون ذلك بقدر إيمانهم. (بحار
الأنوار 67 / 73).
2 - رض 2: لما سوله.
3 - رض: أغراه، مل: غواه.
4 - مل، مر: جبرئيل. رض، رض 2: جبرئيل عليه السلام.
5 - رض: عليهما السلام.
6 - حش، مر. رض 2: عليه السلام.
7 - رض، مل، مر، رض 2: + عن علمه.
8 - رض، مل: بالغائب.
9 - حش: حتى.
94

ذكيا 1 فطنا متيقظا صافي 2 الطبيعة لم يكد يعلم كثيرا من الأشياء، وإنما يكثر علم
الانسان. بخلوص طبيعته من الشوائب، وشدة ذهنه واجتهاده وطلبه، ومتى كان كذلك
صدقت ظنونه، فكان المعنى في القول بصحة فراسة المؤمن هو ما ذكرناه من صدق
ظنه في الأكثر وليس إصابة الانسان في الأكثر تمنع من سهوه في الأقل. وهذا يسقط
شبهة السائل لأنها مبنية على توهمه أن المؤمن يعلم بالفراسة الغيب، ولا يخفى معها
عليه علم باطن 3، وذلك فاسد لم يتضمنه الخبر بصريحه، ولا أفاده بدليل منه [عليه] 4.
فصل. مع أن آدم عليه السلام قد تفرس في إبليس 5 المكر والخديعة، فحذره
حتى أقسم له بالله عز وجل فاشتبه عليه أمره بالقسم، قال الله تعالى: * (وقاسمهما
إني لكما لمن الناصحين. فدلاهما بغرور) * 6 وليس يمتنع أن يرجع الانسان عما
قوي في ظنه بشبهة تعرض 7 له في ذلك، وهو على صورته التي خلق عليها
فيصدق ظنه فيه بتفرسه، وإنما شاهده على غيرها فالتبس الأمر عليه لذلك، مع أنا
لا نعلم أن آدم عليه السلام رأى إبليس بعينه في حال غوايته، ولا ينكر أن يكون
وصلت إليه وسوسته 8 مع احتجابه عنه، كما تصل وسوسته 8 إلى بني آدم من
حيث لا يرونه، فلا يكون حينئذ لآدم 9 فراسة لإبليس لم تصدق على ما ظنه
السائل وتخيله في معناه. والخبر الذي جاء أنه 10 تصور لآدم 11 في صورة شاهده
عليها، خبر شاذ يتعلق به أهل الحشو، وما كان ذلك سبيله فهو مطروح عند العلماء.

1 - حش، رض: زكيا.
2 - في الأصل وحش: في، صححناها على باقي النسخ.
3 - حش: عليه ناظر. مر، رض 2: عليه ما ظن.
4 - أثبتناها عن باقي النسخ.
5 - رض: + لعنه الله.
6 - سورة الأعراف (7): 21 و 22.
7 - رض، مل: تعترض.
8 - حش: وسوسة.
9 - حش، رض، مل: + عليه السلام.
10 - رض: فيه تصور.
11 - رض: + عليه السلام.
95

فصل. وأما الملكان اللذان هبطا على داود عليه السلام فإنه قد ظن بفراسته
لهما ما عرف اليقين 1 منه بعد الحال، ألا ترى إلى قوله تعالى: " وهل أتاك نبأ
الخصم إذ تسوروا المحراب. إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان
بغى بعضنا على بعض " 2 [فبين تعالى عن صدق ظنه فيهما، وبصحة فراسته لهما،
وأنهما غطيا عليه الأمر بقوله " خصمان بغى بعضا على بعض "] 3، والقول في هذا
الباب قد تضمنه ما تقدم من القول بأن الانسان قد ينصرف عن غالب ظنه بشبهة
تعترض 4 له، وأن الفراسة لا توجب اليقين 5، وأن النظر بنور الله 6 يدل على قوة
الظن، إذ لا طريق إلى العلم بالغائبات من جهة المشاهدات.
فصل. وكذلك القول في لوط وإبراهيم عليهما السلام واشتباه الأمر عليهما في
حال الملائكة، وأنهما ظنا بالفراسة لهم ما تحققاه من بعد، ألا ترى 7 قوله تعالى
* (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا
إلى قوم لوط) * 8 وقالوا للوط 9: " إنا رسل ربك لن يصلوا إليك " 10
فصل. وبعد، فإن الملكين اللذين تسورا 11 على داود 12 والملائكة الذين نزلوا
بهلاك 13 قوم لوط لم يكونوا بصورهم 14 التي هي لهم، فتكون فراسة الأنبياء

1 - رض، مل: النفس.
2 - سورة ص (38): 21 و 22.
3 - أثبتناها عن رض ومل و رض 2.
4 - باقي النسخ: تعرض.
5 - رض: لا يوجب التعيين.
6 - حش: + تعالى. رض، مل: + تعالى في الخبر.
7 - رض، مل، مر، رض 2: + إلى.
8 - سورة هود (11): 70.
9 - رض: + عليه السلام.
10 - سورة هود (11): 81.
11 - حش، رض، مل: تسوروا.
12 - رض: + عليه السلام.
13 - رض: على هلاك. مل، مر، رض 2: لهلاك.
14 - رض، مل، مر: في صورهم. رض 2: في صورتهم.
96

عليهم السلام لهم توجب لهم اليقين في حالهم، لكنهم جاؤوا في غيرها، فلذلك
التبس أمرهم 1 على ما شرحناه.
فصل. وأما فراسة النبي صلى الله عليه وآله للمنافقين فقد صدقت ولم يخف
على 2 النبي صلى الله عليه وآله أمرهم مع التفرس لهم. وقوله تعالى: * (ولو نشاء
لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم) * 3 [يدل
على ما ذكرناه] 4 وذلك أن الله تبارك وتعالى رده في علم أحوالهم إلى التفرس لهم،
وأحاله في معرفتهم على مشاهدته 5 مخارج كلامهم وسماع مقالهم، وقطع على
وصوله إلى معرفة بواطنهم بتأمله لحن قولهم، وجعل ذلك نائبا مناب تعيينهم
وتسميتهم، وهذا خلاف ما توهمه 6 السائل وتظناه 7.
فصل. فإن سأل سائل عن قوله تعالى: * (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق
لا تعلمهم نحن نعلمهم) * 8 فقال: كيف يكون صادق التوسم وهو لا يعلم أهل النفاق
مع تفرسه لهم؟
فالجواب، عن هذا قد تقدم، وهو أن الله تعالى نفى علمه بهم ولم ينف ظنه 9
بنفاقهم، والخبر إنما يدل على قوة ظنه بهم عند تفرسه لهم، ولا يدل على علم 10
ويقين لهم على ما قدمناه.
فصل. مع أن القوم الذين عناهم الله تعالى بهذه الآية من أهل النفاق، لم يقم

1 - رض 2: الأمر.
2 - رض 2: عن.
3 - سورة محمد (47): 30.
2 - أثبتناها عن مر و رض 2.
5 - مر، رض 2: مشاهدتهم.
6 - مر: ظنه.
7 - رض: وأبطلناه وتظناه من التظني، والتظني: إعمال الظن. وأصله التظنن، أبدل من إحدى
النونات ياء. (لسان العرب).
8 - سورة التوبة (9): 101.
9 - رض: تفطنه مل. ولم يتفطنه.
10 - حش: علمه.
97

دليل على تفرس النبي صلى الله عليه وآله بهم 1 في حال نفاقهم، ولا يمتنع أن يكون
القوم كانوا غيبا عنه، أو كانوا 2 يحضرونه فلا يتميز بينهم 3 لشغله بغيرهم، فأنبأه الله
عز وجل عن حالهم بالتمرد على النفاق، وهو العتو فيه والتمرد عليه.
ولا يمتنع أيضا أن يكون قد عرفهم بالنفاق، غير أنه لم يعرفهم بالتمرد عليه.
وليس في الخبر ما يدل على أن فراسة المؤمن تدل 4 على كل حال يكون عليها من
تفرسه، وإنما يقتضي 5 أنها 6 تميز بينه وبين غيره في الجملة دون التفصيل، وهذا
الكلام يأتي 7 على معنى الخبر لو صح وثبت. فكيف والقول في ما قدمناه.
المسألة السادسة والثلاثون
وسأل فقال: قد كان أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام في زمان
واحد، وجميعهم أئمة منصوص عليهم، فهل كانت طاعتهم جميعا واجبة [في وقت
واحد؟ وهل كانت طاعة بعضهم واجبة] 8 على بعض؟ وكيف الحال في ذلك؟
والجواب 9 عن ذلك، أن الطاعة في وقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
كانت له من جهة الإمامة دون غيره، والأمر له خاصه دون من سواه، فلما قبض
صلى الله عليه وآله صارت الإمامة من بعده لأمير المؤمنين عليه السلام، ومن عداه من
الناس كافة رعية له، فلما قبض عليه السلام صارت الإمامة للحسن بن علي
عليهما السلام، والحسين عليه السلام إذ ذاك رعية لأخيه الحسن عليه السلام، [23 و]

1 - رض، مل: لهم.
2 - رض، مل: وكانوا.
3 - حش، مل: فلا يتفرسهم. رض: فلا يميز بينهم.
4 - رض، مل: تدله.
5 - حش: تقتضي.
6 - رض، مل: بأنها.
7 - رض، مل: كاف.
8 - أثبتناها عن رض ومل و رض 2.
9 - حش، رض: فصل والجواب.
98

فلما قبض الحسن عليه السلام صار الحسين [23 و] عليه السلام إماما مفترض
الطاعة على الأنام. وهكذا حكم كل إمام وخليفة في زمانة، ولم تشرك الجماعة
في الإمامة معا، وكانوا معها 1 على الترتيب الذي ذكرناه.
فصل. وقد ذهب قوم من أصحابنا الإمامية إلى أن الإمامة كانت لرسول الله
صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والحسن عليه السلام والحسين
عليه السلام 2 في وقت واحد، إلا أن النطق والأمر والتدبير كان للنبي
صلى الله عليه وآله مدة حياته دونهم، وكذلك كان الأمر والتدبير لأمير المؤمنين
عليه السلام دون الحسن عليه السلام والحسين عليه السلام 3 وجعلوا الإمام في
وقت صاحبه صامتا، وجعلوا الأول ناطقا، وهذا خلاف في عبارة، والأصل ما
قدمناه.
المسألة السابعة والثلاثون
وسأل عن قول الصادق عليه السلام: " ما بدا لله في شئ ما 4 بدا له في
إسماعيل " 5، وقال: هل يبدأ الله شيئا ثم ينقضه قبل تمامه؟
والجواب 6 أن البداء من الله تعالى هو الظهور، فإذا ظهر 7 من أفعاله ما لم

1 - حش. رض، مل: فيها.
2 - حش، رض، مل: عليهم السلام.
3 - حش: عليهم السلام. رض، مل: عليهما السلام.
4 - رض: كما.
5 - قال الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد (ص 51): وقول أبي عبد الله عليه السلام: " ما بدا لله شئ
كما بدا له في إسماعيل " فإنما أراد به ما ظهر من الله تعالى فيه من دفاع القتل عنه، وقد كان مخوفا
عليه من ذلك مظنونا به. فلطف له في دفعه عنه. وقد جاء الخبر بذلك عن الصادق عليه السلام فروي
عنه عليه السلام أنه قال: كان القتل قد كتب على إسماعيل مرتين، فسألت الله في دفعه عنه فدفعه، و
قد يكون الشئ مكتوبا بشرط فتغير الحال فيه. ومن أراد تفصيل القول في مسألة البداء فليراجع إلى
ما أورده العلامة المجلسي في بحار الأنوار (4 / 122) تحت عنوان: بسط كلام لرفع شكوك وأوهام.
6 - رض: فصل والجواب.
7 - رض: أظهر.
99

يكن في الاحتساب والظنون قيل في ذلك: بدا لله كذا وكذا. وقد قال الله عز وجل:
* (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) * 1، أي ظهر لهم من فعله بهم ما لم يكن في
احتسابهم. وليس البداء من الله تعالى تعقب رأي، ولا استدراك فائت، ولا انتقال 2
من تدبير إلى تدبير،، لحدوث علم بما لم يكن في المعلوم 3 والمعنى في قوله
عليه السلام: " ما بدا لله في شئ كما بدا له في إسماعيل " بمعنى 4: ما ظهر له 5 فعل
في أحد من أهل البيت عليهم السلام، ما ظهر له في إسماعيل، وذلك أنه كان
الخوف عليه من القتل مستندا 6. والظن به غالبا، فصرف الله عنه ذلك بدعاء
الصادق عليه السلام ومناجاته لله 7. وبهذا جاء الخبر 8 عن الرضا علي بن موسى
عليهما السلام، وليس الأمر في هذا الخبر كما 9 ظنه قوم من الشيعة في 10 أن النص
كان 11 قد استقر في إسماعيل، فقبضه الله إليه، وجعل الإمامة من 12 بعده في موسى 13،
فقد جاءت الرواية بضد ذلك عن أئمة آل الرسول صلى الله عليه وآله 14 فروي أنهم
قالوا: " مهما بدا لله في شئ فإنه لا يبدو له في نقل نبي عن نبوته، ولا إمام عن
إمامته، ولا مؤمن قد أخذ عهده بالإيمان عن إيمانه ". فكان هذا الخبر مصححا
[24 ظ] من التأويل في البدا ما قدمناه.

1 - سورة الزمر (39): 47.
2 - حش: الانتقال.
3 - رض: + فصل.
4 - حش، رض: يعني.
5 - حش، رض: + تعالى.
6 - حش: مشتدا.
7 - حش: + فيه.
8 - حش، رض: الأثر.
9 - حش، رض: على ما.
10 - حش: من.
11 - ليست في حش و رض.
12 - ليست في حش.
13 - حش، رض: + عليه السلام.
14 - حش: عليهم السلام.
100

المسألة الثامنة والثلاثون
وسأل عن القلم فقال: نحن مجمعون عليه وهو مذكور في القرآن حيث يقول
الله تعالى: * (والقلم وما يسطرون) * 1، وقد ثبت أنه يجري في اللوح، فخبرنا هل هو
جار بسواه فمن الذي يكتب به؟
والجواب 2، أن القلم المعروف هو ما يكتب به كاتب 3، وليس في القرآن
دليل على ما رواه أصحاب الحديث أن الله تعالى خلق فلما ولوحا يسطر بالقلم في
اللوح، والذي تضمنه القرآن في 4 القلم يجري مجرى القسم، كما جاء القسم
بأمثاله من المخلوقات المعروفة 5، فقال سبحانه: " والطور وكتاب مسطور في رق
منشور " 6، " ق والقرآن المجيد " 7، " والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد
الأمين " 8. فكان الله تعالى أقسم بالقلم كما أقسم بالتين والزيتون، وعلى حسب
ما ذهب إليه الناس في ذلك، فقال بعضهم أن الله أن يقسم بما شاء من خلقه
وليس لخلقه أن يقسموا إلا به. وقال آخرون إن القسم في هذه المواضع برب
المذكورات، وإن كان اسم الرب فيها مضمرا، وتقديره ورب التين والزيتون، ورب
القلم وما يسطرون، ورب ق والقرآن المجيد، وأمثال ذلك. وقال آخرون إنه في
صورة القسم ومعناه ابتداء الكلام بذكر منافع الخلق، وعلى جميع الوجوه فليس في
القرآن شاهد ما ذكره أصحاب الحديث في اللوح والقلم على التفصيل.
وإن صح الحديث بذلك، فإن الله تعالى يحدث في القلم اعتمادات وحركات

1 - سورة القلم (68): 1.
2 - رض: فصل والجواب.
3 - حش، رض: الكاتب.
4 - حش، رض: من ذكر.
5 - رض: المعروفات.
6 - سورة الطور (52) 1 - 3.
7 - سورة ق (50): 1.
8 - سورة التين (95): 1 - 3.
101

تتولد 1 منها 2 الكتابة في اللوح بما شاء، والكتابة فعله وهو الكاتب لها، كما يحدث
الكلام في الهواء، فيكون الكلام فعله وهو المتكلم. هذا على الحديث الوارد بأنه
يأمر القلم فيجري بما يريد.
ويحتمل أن يكون لله ملك موسوم يكتب وحيه في اللوح لما يتلقاه 3
الملائكة، ويكون المعنى - فيما تضمنه الخبر من أن الله تعالى يأمر القلم فيجري
في اللوح لما شاء (3) أنه يأمر الملك بكتب ه ما يشاء بقلمه (23 و) فيكتبه. ويكون
ذكر القلم يراد به صاحبه تجوزا في الكلام وعلى مذهب الاستعارة فيه.
فأما القول بأن هناك قلما جمادا يؤمر على الحقيقة فيفعل، فإنه حال فاسد
في العقول. ومن ذهب إلى أن القلم ملك حي ناطق واللوح كذلك، أخرج الحديث
من جملة المفهوم، واستعار ذلك اسما لا يعرف في اللغة. مع؟ له لا معنى لكتابة
ملك في ملك. وإن كان الذاهب إلى ذلك قد تعلق فيه بحديث، فهو ضعيف لا
يثبت لما ذكرناه.
المسألة التاسعة والثلاثون
وسأل فقال: أجمعنا أن الجنة خلقت من ذهب وفضة وحلية، وأنها لا تفنى
وتهلك، وسائر الناس (اجتمعوا) وأن الحجر الأسود من الجنة نزل مع آدم 7، ولما

1 - حش، رض: يتولد.
2 - رض: عنها.
3 - حش: بما تتلقاه
4 - رض: بما يشاء.
5 - في الأصل وحش: يكتب، صححناها على رض.
ء - حش: لا تعرف. رض: لا نعرف.
7 - رض: + عليه السلام.
102

حرقه القرمطي احترق وأتى الفناء عيه، ولنا كسره لم يوجد في الكتاب الذي قد
أجمعنا أن الله. نعا لي أودعه إياه.
والجواب، أن الذي ادعاه. من إجماعنا على أن الجنة مخلوقة من فضة
وذهب، ليس كما ذكر، وما في هذا إجماع وإن كان يجوز في العقول ذلك. ولو
أجمعنا عليه كما قال، لما امتنع أن يكون عنصر الجنة من ذهب وفضة أحيل إلى
خلق آخركما كان الناس مخلوقة من تراب أجل إلى الحيوانية، والجان مخلوقا
من نار أجيل إلى الحيوانية - أيضا، ولو كانت الجنة من ذهب وفضة على حالهما لم
يمتنع وجود ما ليس بذهب وفضة فيها، وقد علمنا أن فيها أنهارا 3 من ماء غير آسن
، ومن لبن لم يتغير طعمه، ومن خمر لذة للشاربين، ومن عسل مصفى، وفيها حور
عين وفواكه وأطيار وطعام وشراب، وهذا كله ليس بذهب ولا فضة، فكذلك، يكون
الحجر من الجنة، وليس بذهب ولا فضة.
بل قد جاء الحديث بأنه كان درة بيضاء 5 فأهبط إلى البيت، وأن لونه تغير
لكثرة من كان يلمسه من الخطائين 6، وليس يمتنع أن تسود 7 الدرة البيضاء
و تستحجر 8 بشئ يحدثه الله فيها من الصلابة والسواد، ويجعل ذلك علما على

1 - حش، رض: كسر.
2 - حش رض: مخلوقا.
3 - حش: أنهار، ولعله أراد نفس الآية: فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طمعه و
أنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى، (سورة محمد (27): 15).
4 - حش: فلذلك.
5 - عن ابن أبي عمير رفعه عن أحدهما عليهما السلام، أنة سئل عن تقبيل الحجر؟.
فتال: إن الحجر كان درة بيضاء في الجنة وكان آدم يراها، فلما أنزلها الله عز وجل إلى الأرض، نزل
إليها آدم عليه السلام فبادر فقبلها فأجرى الله تبارك وتعالى بذلك السنة. (وسائل الشيعة 13 / 322)
6 - روي عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عيلهم السلام: أنه إنما يقبل الحجر ويستلم ليؤدي
إلى الله العهد الذي أخذ عليهم في الميثاق. وإنما يستلم العجر لأن مواثيق الخلائق رفيه، وكان أشد
بياضا من اللبن. فاسود من خطايا بني آدم، ولولا ما مسه من أرجاس الجاهلية، ما مسه ذو عاهة
إلا برئ. (وسائل الشيعة 13 / 318).
7 - رض: تسود.
8 - رص: يستحجر.
103

عظم ضلال اللامس 1 لها مع الخبر بذلك، فأي منكر [25 ظ] في كون حجر هبط
من جنة مخلوقة من ذهب وفضة. صورة الأمر فيه ما ذكرناه، لولا أن المتعلق بذلك
- لشبهة دخلت عليه فيه - بعيد 2 من العلم والعلماء؟
فصل. وقوله إن الجنة لا تفنى فهو كذلك، وليس بقاؤها يمنع من فناء شئ
فيها، إذ 3 ليس بقاء الدار منافيا لفناء أهلها، وبقاء المكان منافيا لفناء أهله، أو منافيا 3
لما حله و 5 جاوره من الأشياء، وهذا اشتباه ضعيف لا يغتر به إلا مأفوف 7، مع أن
انكسار الشئ وتفرق أجزائه 8 ليس بفناء في الحقيقة، وتخلل 9 الأجسام ليس
بعدم لها. وما أظن المتعلق بالكلام في هذا السؤال ممن يجزم بشئ من العلم،
وأظنه حشويا تعاطى 10 الاعتبار فتورط بذلك في الجهالات.
فصل. وقوله: إنه لما انكسر الحجر لم يوجد فيه الكتاب الذي أودعه في
الميثاق، فلم يرد الخبر بأن الله 11 كتب كتابا ثم ألقمه الحجر، فيظن السائل ذلك.
وإنما ورد بأن الله عز وجل لما أخذ العهد على بني آدم أودعه الحجر 12، وأخذ

1 - رض: الملامس.
2 - رض: فهو بعيد.
3 - رض: كما أنه.
2 - حش: + الفناء.
5 - حش، رض: أو.
6 - حش: لا يعتبر.
7 - حش: ضعيف. رض: مصفوف.
8 - رض: الأجزاء.
9 - رض: تحلل.
10 - رض: يعاطى.
11 - رض: + تعالى.
12 - عن الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لم جعل استلام الحجر؟ فقال: إن الله عز
وجل حيث أخذ ميثاق بني آدم، دعا الحجر من الجنة، فأمر. فالتقم الميثاق، فهو يشهد لمن
وافاه. بالموافاة، (وسانل الشيعة 13 / 317). وفي حديث آخر: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام:
هل تدري ما كان الحجر؟ قلت: لا. قال: كان ملكا من عظماء الملائكة عند الله، فلما أخذ الله من
الملائكة الميثاق كان أول من آمن به وأقر ذلك الملك، فاتخذه الله أمينا على جميع خلقه،
فألقمه الميثاق، وأودعه عنده، واستعبد الخلق أن يجددوا عنده في كل سنة الاقرار بالميثاق
104

العهد محتمل 1 إثبات الحجة عليهم بالعقول والإقدار والتمكين، وإن مستنسخي
الأعمال موكلون بالحجر ليرفعوا أعمال المسلمين من المقربين 2 إلى غيرهم من
الملائكة تعبدا لهم بذلك، وليلقي الكتاب المؤمن يوم القيامة بعمله الصالح،
فبشر 3 بالبشارة به. وقد قال الله عز وجل: " إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون " 4 وليس
كل من استودع شيئا جعله في نفسه ورأيه، ولا كل من أخبر عنه بأنه قد أودع شيئا،
كان المعنى بذلك نفسه دون ما جاوره وتعلق به ضربا من التعلق، لجواز ذكر تسمية
الشئ باسم ما جاوره وقاربه.
مع أنه لو ثبت أن الحجر وضع فيه كتاب لم يمتنع أن يرفع الله الكتاب منه
قبل كسره أو عنده، فلا تجد بفقده أن لا يكون موجودا فيه قبل تلك الحال، هذا
على تأويل الخبر وسلامته، فأنا مع الريب فيه و ه الوقوف في صحته فلا عهدة
علينا [25 و] في صحته وسقمه.
والحديث الذي روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لعمر بن الخظاب -
عند قوله للحجر 6: إنني أعلم أنك لا تضر ولا تنفع -: مه، يا ابن الخطاب! إن له
عينين يبصر بهما وأذنين يسمع بهما 7. أراد به أن معه موكلا من الملائكة ذا عينين يبصر

والعهد الذي أخذ الله عز وجل عليهم - إلى أن قال -: ثم إن الله عز وجل لما بنى الكعبة وضع
الحجر في ذلك المكان، لأن الله حين أخذ الميثاق من ولد آدم أخذه في ذلك المكان، وفي
ذلك المكان ألقم الملك الميثاق. (وسائل الشيعة 13 / 318).
1 - حش: يحتمل.
2 - رض: المقرين.
3 - رض: فيسر.
2 - سورة الجاثية (45): 29.
5 - حش: أو.
6 - رض: في الحجر.
7 - عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مر عمر بن الخطاب على الحجر الأسود، فقال: والله يا
حجر! إنا لنعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، إلا أنا رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يحبك فنحن نحبك. فتال له أمير المؤمنين عليه السلام: كيف يا بن الخظاب! فوالله ليبعثنه الله
يوم القيامة وله لسان وشفتان، فيشهد لمن وافاه، وهو يمين الله في أرضه يبايع بها خلقه. فقال
عمر: لا أبقانا الله في بلد لا يكون فيه علي بن أبي طالب، (علل الشرائع 2 / 226).
105

بهما وأذنين يسمع بهما 1. وقد يقال في الكلام: " إن لهذا الطفل لسانا يحتج به 2 عن
نفسه، يراد به الناصر 3 الذي يدفع عنه، درن أن يراد به نفسه. وهذا معروف في
التحاور ومجاز 4 الكلام.
فأما القول بأن له عينين في نفسه مع جماديته يبصر بهما وأذنين 5 يسمع بهما،
فهو محال ببديهة 6 العقول، وليس بممتنع حمل الأخبار على مجاز الكلام، إذ أكثر
ما في القرآن محمول على المجاز، وأكثر كلام العرب في نظمها ونثرها كذلك.
المسألة الأربعون
وسأل فقال: خبرنا عن قوله تعالى: " اهدنا الصراط المستقيم " 7 وتعبد الله
النبي صلى الله عليه وآله بقوله 8، ما وجهه؟ رأى صراط بعد الاسلام والقرآن؟
والجواب 9، أن الله تعبد نبيه صلى الله عليه وآله وكافة المسلمين بالرغبة إليه
في إدامة التوفيق والألطاف في الدين والتمسك منه بالصراط 10 المستقيم بالمسألة
لله تعالى في ذلك، فالنبي صلى الله عليه وآله وإن كان مهتديا ومتمسكا بسبيل 11
الحق فلا غناء له 12 عن إمداد الله تعالى بالتوفيق واللطف له في استدامة ما هو عليه

1 - " أراد به. يمع بهما " ليست في خش و رض.
2 - رض: + ويدا يدفع بها.
3 - حش: + له.
2 - حش: مجارى.
5 - حش، رض: + في ذاته.
6 - حش: بديهية.
7 - سورة الفاتحة (1): 6.
8 - رض: بقولها.
9 - رض: فصل والجواب.
10 - حش. رض: بالطريق.
11 - رض: لسبيل.
12 - حش، رض: به.
106

من ذلك، وليس يمتنع 1 أن يكون من لطفه رغبة 2 إلى الله في ذلك وإظهار التضرع
فيه، والمسألة في إدامته له. ولفظ القرآن يدل على ذلك، لأنه تعبد بسؤال ما
يستقبل من الأفعال. ولا ينكر أيضا أن يكون السؤال لذلك شرطا في كمال العصمة
وحراستها، وإذا لم يكن ذلك منكرا زالت الشبهة في معناه على ما بيناه.
المسألة الإحدى والأربعون
وسأل عن قوله تعالى: " ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا " 3، قال 4: والله 5
لا يجعل الغل في قلب أحد، فما وجه الدعاء؟ -
والجواب 6، عن هذه المسألة كالأولى وهو أن الله تعبد 7 بالرغبة إليه في
التوفيق لاستدامة مودة المؤمنين، واللطف في إبقاء 8 ذلك 9 وإدامته عليهم 10، إذ
بدوامه ينتفي الغل عن قلوبهم لأهل الإيمان، ولم يتعبدهم بالرغبة إليه أن لا يخلق
غلا للمؤمنين في قلوبهم كما ظنه السائل. وليس كل من سأل الله تعالى أن يجنبه
شينا يكرهه فقد سأله أن لا بفعل [26 ظ] به ما يكرهه، إذ كان انتفاء الشئ قد
يكون بفعل المسؤول به 11 تركه، وبفعل 12 ما يستعين به السائل على تركه. وإنما
أضيف جعل ذلك إلى الله تعالى، وإن لم يكن فاعلا له في الحقيقة، لأن تركه
التوفيق لما ينفيه كالفعل له، فجاز أن يضاف إليه على طريق الاستعارة واتساع

1 - رض: بممتنع.
2 - رض: رغبته.
3 - سورة الحشر (59): 10.
2 - رض: فإن.
5 - حش، رض: + تعالى.
6 - رض: فصل والجواب.
7 - رض: تعبدنا.
8 - رض فيما يبقى.
9 - حش، رض: + عليهم.
10 - حش، رض: لهم.
11 - رض: فيه.
12 - رض: وبفعله.
107

الكلام، وهذا معروف في اللسان.
فصل. ألا ترى أنهم يقولون لمن ترك تأديب ولده والمراعاة له: فلان قد أهلك
ولده. وأفسده، وإن لم يكن فعل به شيئا على حال، وإنما أضافوا إليه إفساد.
وإهلاكه لأنه ترك أن يفعل به ما يحميه عن الفساد والهلاك، وإذا كان الأمر على
ما ذكرنا.، بأن به ما شرحنا. في تأويل الآية على ما قدمناه.
المسألة الثانية والأربعون
وسأل عن قوله تعالى: " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا
لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات " 1، ثم قال في الأسرى: " ما كان لنبي أن
يكون له أشرى حتى يثخن في الأرض تريدون غرض الدنيا " إلى قوله: " لولا كتاب
من الله شبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم " 2، فأين كان التثبيت هنا وقد تهدده.
بما تهدده؟
والجواب 3، أن الله تعالى ذكر منته على نبيه، بالتثبيت له والعصمة والتأييد،
وأنه لو لم يفعل ذلك به لركن إلى المشركين ركونا يستحق به منه العقاب، كما ركن
غير. إليهم ركونا أوبقه وأهلكه، فأخبر تعالى أنه عصمه متى تورط فيه غيره، وثبته
بالتوفيق ليثبت به 5 الحجة على الخلق، وعدد ذلك من آلائه عليه ونعمائه لديه،
ولم يزل صلى الله عليه وآله موفقا مثبتا محروسا بالعصمة والتأييد.
ولم يكن منه 6 في الأسرى ذنب عرتب عليه، وإنما كان ذلك من أصحابه
الذين أسروا بغير علمه، وكفرا عن القتل طعما في الفداء، وأشاروا به على النبي

1 - سورة الإسراء (17): 74 ر 75.
2 - سورة الأنفال (8): 67 و 68.
3 - حش رض: فمل والجواب.
2 - حش رض: + صلى الله عليه وآله.
5 - حش " رض: له.
ء - حش: + عليه السلام. رض: + صلى الله عليه وآله.
108

صلى الله عليه وآله فتوجه العتب عليهم 1 في ذلك واللوم والتهديد، وإن كان أول
الخطاب قد وجه إلى النبي صلى الله عليه وآله، وخاتمته تدل على أنه لغيره، وإنما
وجه به صلى الله عليه وآله لأنه السفير بين الخلق وبين الله سبحانه، كما قال في
موضع آخر: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعد تهن " 2 فواجهه بالخطاب
[26 و] وكان المراد به أمته. ألا ترى إلى قوله بعد إفراد النبي صلى الله عليه وآله
بالخطاب: " إذا طلقتم النساء " فجاء بلفظ الجمع بعد الإفراد؟ وكذلك قوله تعالى:
" ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرص الدنيا " 3
فجاء بلفظ الجمع دون التوحيد مع أن قوله: " " ما كان لنبي أن يكون له أسرى " غير
مفيد للخبر عن تخصيصه بالرأي في الأسرى، ولا دال على أنه عتاب له 4، بل هو
محتمل لعتاب من أشار بذلك ورآه. فيمن 5 سوا.، وقد أكد ذلك بقوله عز وجل:
" تريدون غرض الدنيا والله يريد الآخرة " 6 وليس من صفات النبي
صلى الله عليه وآله إرادة عرض الدنيا، والخلاف لله تعالى فيما أراد من عمل
الآخرة، ولا من صفاته صلى الله عليه وآله مقارفة 7 ما يحبط الأعمال، ويستحق
عليه العقاب العظيم على التعجيل والتأجيل في ظاهر الكلام، من توجهه إلى غير
النبي صلى الله عليه وآله بقوله: " تريدون " وهذا اللفظ جمع، على ما قدمناه
فصل. مع أنه لا منافاة بين تثبيت الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله على شئ
لو زل عنه لمسه عذاب أليم 8، وبين وقرع ضرب آخر منه لو لم يعف عنه لاستحق

1 - رض: إليهم.
2 - سورة الطلاق (65): 1.
3 - سورة الأنفال (8): 67.
2 - حش رض: + عليه السلام.
5 - رض: ممن.
6 - سورة الأنفال (8): 67.
7 - المقارفة: المخالطة. وقارف فلان الخطيئة أي خالطها أو قارف الشئ: داناه، ولا تكون المقارفة إلا
في الأشياء الدنية. وفي حديت الإفك: إن كنت قارفت ذنبا فتوبي إلى الله. وهذا راجع إلى المقاربة
والمداناة. (راجع: لسان العرب).
8 - حش، رض. عظيم.
109

عليه عذاب عظيم 1، وقد يعصم الانسان من 2 شئ تكون العصمة له فيه لطفا،
ويخلى يبنه وبين شئ يكون التخلي 3 لمن سواه لطفا، وتكون المصلحة بذلك
عمر ما. وهذا بحسب المعلوم،، والكلام فيه متعلق بالأصلح، وليس يكاد يفهم
معنا. إلا من عرف قواعد الكلام في الأصلح، وقليل من يعرف ذلك اليوم من
المتكلمين.
المسألة الثالثة والأربعون
وسأل عن قوله تعالى: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " 5 ومعلوم
أنهم لقنوه. عن النبي صلى الله عليه وآله في حياته. فكيف يرثون ما حصل لهم في
حياة الموروث. ثم قال: " فمنهم ظالم لنفسه " 5 فوصفهم بالظلم مع وصفه لهم
بالاصطفاء. وقال في أصحاب الجنة: " يرثون الفردوس " 6 والميراث لا يكون إلا من
مورث 7، فمن الموروث منه الفردوس؟ وهل كان لأحد قبلهم فمضى وورثوه. 8 بعده.؟
والجواب 9، أن التوريث للكتاب في هذه. الآية هو إقامة من وصف بالميراث
مقام الحكام به [27 ظ] فيما مضى من الاستحفاظ 10 له والاستيداع عليه والنصب
لهم حكاما به، كما كان يحكم به الماضون من خلفاء الله تعالى، ولم يرد به حقيقة
الميراث الذي هر تملك الأعيان من جهة ماض كان يملكها قبل مضيه، وإنما أراد

1 - " وبين وقوع. عذاب عظيم " ساقطة عن حش.
2 - رض: عن.
3 - حش، رض: التخلية.
4 - حش: العلوم.
5 - سورة فاطر (35): 32.
6 - سورة المؤمنون (23): 11.
7 - رض: موروث.
8 - حش: فورثوه. رض: موروثه.
9 - حش. رض: فصل والجواب
10 - رض: الاستحقاق.
110

ما ذكرنا. تشبيها واستعارة، على ما بيناه.
فصل. وقوله تعالى: " فمنهم ظالم لنفسه " 1 بعد وصفه الوارثين للكتاب
بالصفوة فإنه عير ما ظنه السائل أنه لم يرد بقوله: " فمنهم " من
أعيانهم، وإنما أراد من ذوي أنسابهم وذراريهم. فأما المصطفون فقد حرسوا
بالاصطفاء من الظلم، ووفقوا به للعدل. وكذلك قوله: " ومنهم مقتصد " 1 يريد به من
نسلهم وأهلهم وذوي أنسابهم. وقوله: " ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله " 1 كذلك. ولم
يرد بالأصناف الثلاثة أعيان من خبر م اصطفائه وتوريثه الكتاب. وهذا يسقط ما توهمه السائل واعترضته الشبهة في علته فيه. -
فصل. وقوله تعالى: " الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون معناه.
مصيرهم إلى الفردوس بأعمالهم الصالحة واستحقاقهم الخلود في النعيم، فشبههم
في ذلك بمن انتقل إليه مال من ماض لحق 3، وإن لم يكن ما ملكوه من ذلك منتقلا
من مالك كان له فيما سلف، فجعل اسحقاقهم لنعم، الفردوس بأعمالهم،
كاستحقاق ذوي الأنساب أموال الماضين من أقربائهم بأنسابهم، ولم يرد به
الميراث الحقيقي، على ما وصفناه.
وهذا الضرب من المجاز في الميراث معروف عند أهل اللسان لا يتناكره منهم
اثنان. ولو لم يكن معروفا لوجد المخالفون لرسول الله صلى الله عليه وآله من
العرب طريقا 5 إلى القدح في نبوته صلى الله عليه وآله 6 ولطعنوا بذلك في القرآن،
و قالوا: قد جئتنا بعمان فيه لا يعقلها أهل اللسان، وتجوزت فيه بما لا يسوغ

1 - سورة فاطر (35): 32.
2 - سورة المؤمنون (23): 11.
3 - حش: بحق.
2 - رض: لنعيم.
5 - رض: طبقاته إلى القدح في نبوته سبيلا.
6 - حش، رض: عليه السلام.
7 - حش رض: + له.
111

المجاز في معنا.، وهذا يبطل إضافتك إياه. إلى الله 1. ولما لم يتعلق مخالف للنبي
صلى الله عليه وآله 2 بطعن في القرآن من جهة تناقض واختلاف، أو فساد عبارة أو
معنى تضمنه على حال، مع تقريع النبي صلى الله عليه وآله لهم بالعجز عنه، و
وصفه له بالبيان والحكمة وفصل الخطاب، دل على سلامته مما ظنه [27 و]
الملحدون فيه، وبان بذلك جهل متعاطي الطعن فيه بإفساد معانيه أو ألفاظه على
حال.
المسألة الرابعة والأربعون
وسأل عن تحريم الله تعالى الشجرة على آدم 3، قال: وقد ثبت أنها الحنطة،
والجسد لا بد له من الغذاء، فكأنه لما حرم عليه ما لا بد له منبه، دل على أنه يريد
إخراجه من الجنة، وأنه قد ألجأه إلى المعصية التي خرج بها من الجنة.
والجواب، أن الشجرة المحرمة على آدم 5 ليست الحنطة على الاصطلاح
والاتفاق، حسب ما ادعاه السائل، وقد ذهب خلق كثير من المسلمين إلى أنها
الكرمة. ولو كانت الحنطة، كما قال السائل، لما كان في تحريمها إلجاء آدم 5 إلى
تناولها، لأن له في غيرها من الغذاء مندوحة عنها. ولو لم تكن 6 مندوحة عنها لما
كان ملجأ إلى تأوله 7، لأن لله تعالى أن يتعبد. 8 بالصبر على ما يتلف نفسه، كما
تعبد أكثر خلقه بالصبر على الشهادة، وفرض عليهم من الصبر في القتال على ما لا

1 - رض. + تعالى.
2 - حش: عليه لسلام.
3 - رض: + عليه السلام.
2 - رض: فصل والجواب.
5 - رض: + عليه السلام.
ء - حش، رض +: له.
7 - رض: ملجأ لذلك إلى تناولها أيضا.
8 - حش: الله تعالى يتعبده.
112

بقاء لهم معه. وهذا أيضا يبطل شبهة السائل فيما تعلق به من تحريم الله تعالى
على آدم الأكل من الشجرة المذكورة في القرآن.
المسألة الخامسة والأربعون
وسأل عن قوله تعالى " وإذا أخذ ربك من نبي آدم من ظهور هم ذريتهم
وأشهد هم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " 1، قال: فكيف يصح خطاب أشباح
عير مكلفة؟ ومع هذا فلسنا نرى أحدا يذكر ذلك في الدنيا، ولسنا نعلم ذلك عموما
أو خصوصا، فليعرفنا ما عنده في ذلك إن شاء الله 3.
والجواب،، أن الآية تتضمن أخذ الله من بني آدم من ظهور ذريتهم 5،
وليست متضمنة أخذها 6 من ظهر آدم، على ما تخيله فريق من الناس. والذي أخذه الله من ذرية آدم هو العهد. وأخذ 7 العهد منهم بإكمال عقولهم وإلزام أنفسهم، دلالة.
حدوثهم والحجة عليهم بالربوبية ولك هو الإشهاد لهم على أنفسهم. وإخباره عنهم
بأنهم قالوا: بلى، مجاز في الكلام يفيد أنهم غير منكرين آثار الصنعة 8 فيهم، وقيام
الحجة عليهم لبارئهم 9 بالإلهية والتوحيد، والإيجاب والاقرار له، والاعتراف
منهم بنعمته عليهم، والشكر له عليه ذلك.
ومثله قوله تعالى: " ثم [28 ظ] استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها

1 - سورة الأعراف (7) 172.
2 - حش: أم.
3 - رض: + تعالى.
4 - رض: فصل والجواب.
5 - حش: فصل والجواب.
6 - رض: أخذه.
7 - حش، رض أخذه.
8 - رض: غير ممنوع من آثار الصفة.
9 - رض: ببارئهم.
113

وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قلتا أتينا طائعين " 1 وهو تعالى لهم يقل للسماء
والأرض قولا صريحا " ائتيا " لكنه فعلهما فكان بفعله بهما 2، وتيسر ذلك عليه
كالقائل لغيره: ائت 3، فأتاه من غير تعذر ولا تثبت. ولم تقل السماء والأرض قولا
صريحا: " أتينا طائعين " بل انفعلتا بمشيئة الله تعالى، ولم يتعذر صنعهما عليه.
فكانتا بذلك كالمجيب لمن دعاه مسرعا وأطاعه باخعا 4، وقال: سمعا وطاعة،
والعرب تتوسع بمثل هذا الكلام في نحو ما ذكرناه.
قال الشاعر:
وقالت لي 5 العينان سمعا وطاعة * وحدرتا 6 كالدر لما يثقب
والعينان لم تقل قولا على الحقيقة، لكنهما أسرعتا بالدموع على وفاق إرادة
صاحبهما فعبر عنهما بالقول الصريح.
وقال آخر.
امتلأ الحوض وقال قطني * مهلا رويدا قد ملأت بطني
وقال آخر 7: شكا إلي جملي طول السرى.
وهذا كقوله: شكا إلي بعيرة 8 وتحمحم.
والمراد في ذلك كله الخبر عن الأفعال ووقوعها، دون الكلام الحقيقي. وهذا
هو الاستعارة [في الكلام] 9 والتشبيه والمجاز.
فصل. فأما سؤاله عن العموم في ذلك والخصوص، فهو عندنا عموم في كل

1 - سورة فصلت (41:) 11
2 - رض: لهما.
3 - حش، رض: ائتني.
4 - حش: ناجعا.
5 - رض: له.
6 - رض: وجدتهما.
7 - رض: الآخر.
8 - رض: بعيري.
9 - أثبتناها عن حش و رض.
114

مكلف من بين آدم، وليس بعموم في الجميع، دلالة اختصاص الحجة بذوي
التكليف، دون الأطفال ونواقص العقول.
المسألة السادسة والأربعون
وسأل فقال: إذا كان الرسول صلى الله عليه وآله معصوما، فما وجه التهدد له
والوعيد في القرآن؟
والجواب، 1 أن العصمة لا تنافي القدرة على العصمة، والخواص طرفيها ودعاء
الشهوة إلى فعلها، فلذلك احتاجت الأنبياء معها إلى الوعيد والتهديد. ولأن
العصمة إنما هي بالأمر والنهي، والوعد والوعيد والتهديد، ولولا ذلك لم يتكامل
في معناها. وإذا كانت بمجموع أشياء من جملتها الوعد والوعيد والترهيب
والترغيب 2، بطل قول القائل: ما وجه ذلك مع العصمة؟ وسقطت الشبهة فيما تخيله
مع 3 الغناء عن ذلك، على ما شرحناه. [28 و]
المسألة السابعة والأربعون
وسأل عن قوله تعالى: " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلط عليهم " 4
فقال: 5 رأيناه جاهد المنافقين، فما الوجه في ذلك؟.
والجواب 6 أن الجهاد على ضربين: جهاد بالسيف وجهاد باللسان، وكان
الجهاد بالسيف 7 مفروضا على النبي صلى الله عليه وآله للكفارة الذين ظاهروا

1 - رض: فصل والجواب.
2 - حش، رض: الترغيب والترهيب.
3 - رض: من.
4 - سورة التوبة (9): 73، وسورة التحريم (66): 9.
5 - حش، رض: وقال: فما.
6 - رض: فصل والجواب.
7 - حش، رض، والجهاد بالسيف كان.
115

بالكفر والشرك. وكان جهاد اللسان مفروضا عليه للمنافقين، وقد أدى الفرضين
معا، فجاهد الكفار بالسيف 2 وجاهد المنافقين باللسان كما فرض عليه.
ووجه آخر، هو أنه قد جاهد الفريقين بالسيف، فتولى جهاد 3 الكفار،
وأوصى 4 أخاه وابن عمه [أمير المؤمنين عليه السلام] 5 بجهاد المنافقين من بعده 6،
فقام بأمره في ذلك، ونفذ وصاته فيه، فجاهد أهل البصرة وأهل الشام وأهل
النهروان، وأقام حد الله 7 فيهم.
وليس لقائل أن يقول: إن الجهاد فرض عليه ليتولاه بنفسه، إذ جهاد كثير من
الكفار في أمراء، لم يباشر جهادهم بنفسه، وكان 8 هو المجاهد لهم بحكم الدين
إذ كان أمراؤه تولوه 9 نيابة عنه، وامتثالا لأمره فيه، فكذلك يكون الحكم فيما
تولاه أمير المؤمنين 10 في جهاد من سميناه، ويكون النبي صلى الله عليه وآله هو
المجاهد لهم بحكم الدين على ما شرحناه.
فصل. ولعل قائلا يقول: قد وجدناكم حكمتم على طوائف بالنفاق، لم يتول
علي [عليه السلام] 11 جهادهم.
فيقال له: قد وجدنا جماعة كفارا من أهل الكتاب وغير هم لم يتول رسول الله
صلى الله عليه وآله جهادهم، ولم يمنع ذلك إداء الفرض عليه في جهاد الكفار.

1 - حش، رض: وجهاد اللسان كان.
2 - حش: + كما أمر الله تعالى. رض + كما أمره الله تعالى.
3 - حش: + الفريق من.
4 - حش، ووصى.
5 - أثبتناه عن حش و رض.
6 - حش، رض: + بالسيف.
7 - حش + تعالى.
8 - حش، رض: + عليه السلام.
9 - حش: وكان أمراؤه يتولونه. رض: + عنه صلى الله عليه وآله.
10 - حش + عليه السلام رض + صلوات الله عليه وآله.
11 - أثبتناه عن حش و رض.
116

المسألة الثامنة والأربعون
وسأل عن قوله تعالى: " يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا " 1، وقال: ما معنى
هذا الكلام، والخزي بعيد عنه 2 لعصمته؟
والجواب 3، أن الله تعالى أخبر بأنه لا يخزي نبيه 4 والمؤمنين يوم القيامة،
ويخزي أعداءه من الكافرين، ودل بذلك على أنه محروس من العذاب يوم يحل
بالظالمين الظالين 5، لهداه 6 وطاعته لله واجتناب معاصيه. فأي شبهة عرضت
للسائل في هذه الآية من حيث أنه ثبتت 7 عنده عصمة النبي صلى الله عليه وآله أوليس
8 ثبوت 9 العصمة يدل 10 على بعد صاحبها من الخزي وحراسته من ذلك؟ فإذا
جاء الخبر بوفاق العصمة كان مؤكدا لما في العقول، وتأكيد الشئ ينفى 11 الشبهة
فيه، فتخيل صاحب السؤال في الآية خلاف ما يقتضيه، تخيل فاسد. وإنما كانت
الشبهة [29 ظ] تعرض لوجاء الخبر بخلاف مضمونه، العياذ بالله! فأما ما هو مؤكد
لدلالة العصمة، فالشبهة بعيدة عن 12 قلوب العقلاء في معناه، والهادي هو الله 13.

1 - سورة التحريم (66): 8
2 - رض: + صلى الله عليه وآله.
3 - حش، رض: فصل. والجواب.
4 - رض + صلى الله عليه وآله.
5 - حش، رض: يحل بالضالين.
6 - رض + عليه السلام.
7 - حش، رض: من حيث ثبتت.
8 - حش: إذ
9 - رض: بثبوت.
10 - رض: تدل.
11 - رض: يبقى وهو تصحيف.
12 - حش، رض من.
13 - " والهادي هو الله " ساقطة عن و رض.
117

المسألة التاسعة والأربعون
وسأل فقال: رأينا الناس بعد الرسول قد اختلفوا خلافا عظيما في فروع الدين
وبعض أصوله، حتى لم يتفقوا على شئ منه. وحرفوا الكتاب وجمع كل واحد منهم
مصحفا وزعم أنه الحق، مثل أبي بن كعب وابن مسعود وعثمان بن عفان، ورويتم
أن أمير المؤمنين عليه السلام جمع القرآن ولم يطهره، ولا تداوله الناس كما ظهر
غير. ولم يكن أبي وابن مسعود 2 بأجل من أمير المؤمنين عليه السلام في قلوب
الناس، ولم يتمكن عثمان من 3 منعهما مما جمعاه، ولا حظر 4 عليهما قراءته، فما
الحجة ثابتة بهذا المتداول أم لا؟
والجواب 5، أن سبب اختلاف الناس في الفروع والأصول بعد النبي
صلى الله عليه وآله عدول جمهور هم عن أمير المؤمنين 6، وتقديم من قدموه عليه
ورغبتهم عن الاقتداء بآل محمد عليهم السلام والتجاؤهم إلى من عمل في دينه
بالرأي والظنون والأهواء، ولو اتبعوا سبيل الحق في الاقتداء بالعترة عليهم السلام
، والتمسك بالكتاب، لما وجد بينهم تنازع واختلاف.
قال الله تعالى اسمه في ذم ما صاروا إليه من الاختلاف ونهيهم عن ذلك 7:
" ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما ما جاء هم البينات وأولئك لهم عذاب
عظيم " 8، ونفى عن دينه وكتابه الاختلاف فقال سبحانه 9: " ولو كان من عند غير

1 - حش، رض: + صلى الله عليه وآله.
2 - حش، رض: + في نفوس الناس.
3 - ليست في حش و رض.
4 - رض ولا الحظر.
5 - حش رض: فصل والجواب.
6 - حش رض: ونهاهم عن ذلك بقوله.
7 - سورة آل عمران (3): 105
9 - حش، رض: بقوله تعالى.
118

الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " 1.
فأما سؤاله 2 عن ظهور مصحفي 3 أبي وابن مسعود، واستتار مصحف أمير
المؤمنين عليه السلام، فالسبب في ذلك عظم وطأة أمير المؤمنين عليه السلام
على ملوك الزمان، وخفة وطأة أبي وابن مسعود عليهم، وما اعتقدوه من الفساد 4
بظهور خلاف أمير المؤمنين عليه السلام وقلة احتفالهم بسواه 5، ولأن أمير
المؤمنين 6 كان في عداد الأضداد لهم [29 و] والأنداد، وأبي وابن مسعود في
عداد الرعية 7 والأتباع، ولم يكن على القوم كثرة ضرر بظهور مصحفيهما، بخلاف
مصحف أمير المؤمنين عليه السلام فبذلك تباينت الحالتان في مصاحف 8 القوم
فصل. مع أنه لا يثبت لأبي وابن مسعود وجود مصحفين منفردين، وإنما
يذكر ذلك من طريق الظن وأخبار الآحاد، وقد جاءت بكثير مما يضاف إلى أمير
المؤمنين عليه السلام من القراءة أخبار الآحاد التي جاءت بقراءة أبي وابن
مسعود، على ما ذكرناه.
فصل. وأما قوله: خبرونا هل الحجة ثابتة جمعه عثمان؟ فإن أراد
بالحجة الإعجاز فهي فيه، وإن أراد الحجة في جميع المنزل فهي في أكثره دون
جميعه. وهذا الباب يطول الشرح بمعناه 9، وفيما أثبتناه منه كفاية، إن شاء الله
تعالى.

1 - سورة النساء (4): 82.
2 - رض: سؤالهم.
3 - حش، رض: مصحف.
4 - حش، رض: + عليهم.
5 - رض: بخلاف من سواه. حش: وقلة إخفائهم من سواه.
6 - حش، رض: + عليه السلام.
7 - حش + لهم.
8 - رض: مصحف.
9 - حش، رض: لمعناه.
119

المسألة الخمسون
وسأل فقال: الناس، مختلفون في رقية وزينب، هل كانتا ابنتي رسول
صلى الله عليه وآله وسلم أم ربيبتيه؟ فإن كانتا ابنتيه فكيف زوجهما من أبي العاص
بن الربيع وعتبة بن أبي لهب، وقد كن عندنا منذ أكمل الله عقله عليه الإيمان،
وولد مبعوثا، ولم يزل نبيا صلى الله عليه؟ وما باله رد الناس عن فاطمة عليها
السلام ولم يزوجها إلا بأمر الله عز وجل، وزوج ابنتيه بكافرين على غير الإيمان؟
والجواب، أن زينب ورقية كانتا ابنتي رسول الله صلى الله عليه وآله
والمخالف لذلك شاذ بخلافه، فأما تزويجه 2 لهما بكافرين فإن ذلك كان قبل
تحريم مناكحة الكفار، وكان له 3 أن يزوجهما لمن يراه، وقد كان لأبي العاص 4
وعتبة نسب برسول الله صلى الله عليه وآله وكان لهما محل عظيم إذ ذلك ولم يمنع
شرع من العقد لهما فيمتنع رسول الله صلى الله عليه وآله من أجله.
فصل. وأما فاطمة 5 فإن السبب الذي من أجله رد رسول الله
صلى الله عليه وآله خاطبيها 6 حتى جاء الوحي بتزويجها أمير المؤمنين عليه السلام،
فلأنها كانت سيدة نساء العالمين، وواحدة الأبرار من النساء أجمعين، وكانت
بفضلها في الدين تفوق على كافة نساء العالمين 7، [30 ظ] فلم يكن لها كفو إلا 8
أمير المؤمنين عليه السلام وكان رسول الله صلى الله عليه وآله، يرتقب الوحي في
أمرها، ليكون القعد لها بحجة يخصم بها المخالفين، ويدل بها على مكانها من

1 - رض: فصل والجواب.
2 - حش، رض: + عليه السلام.
3 - حش، رض: + عليه السلام.
4 - في الأصل و رض: لأبي بن العاص، صححناها على حش.
5 - حش، رض: + عليه السلام.
6 - رض: خاطبها.
7 - حش، رض: المسلمين.
8 - رض: سوى.
120

الله تعالى ومنزلتها في الدين. ولو كانت كأختيها في الأعمال لكان لها من الخلق
أكفاء كثيرة، ولم تكن الحاجة إليها في الاختيار 1 صادقة إلى نزول الوحي في ذلك
عن علام الغيوب.
فصل. وقوله إن النبي 2 ولد مبعوثا ولم يزل نبيا، فإنه محتمل الحق من
المقابل، وباطل فيه عليه حال. فإن أزاد بذلك أنه لم يزل في الحكم مبعوثا في
العلم نبيا فهو كذلك. وإن أراد أنه لم يزل موجودا في الأزل ناطقا رسولا وكان في
العلم نبيا فهو كذلك. وإن أراد أنه لم يزل موجود أفي الأزل ناطقا رسولا، وكان في
حال ولادته نبيا مرسلا كان بعد الأربعين من عمره فذلك باطل، لا يذهب إليه
إلا ناقص غبي، لا يفهم عن نفسه ما يقول 3، والله المستعان وبه التوفيق.
المسألة الحادية و الخمسون
وسأل فقال: لم لم يرد أمير المؤمنين عليه السلام فدكا لما أفضى الأمر إليه
وتابعه 4 الناس: وكيف وسعه ذلك؟ وبال عمر بن عبد العزيز تيسر له 5 ردها،
وتعذر على أمير المؤمنين عليه السلام؟ وكيف ردها المأمون ولم يمنعه من ذلك
مانع، وعلي عليه السلام أتقى لله منهما، وأعظم سلطانا وأجل في النفوس؟
والجواب 6، عن ذلك أن أمير المؤمنين عليه السلام كان ممتحنا في زمانه
بما لم يمتحن به عمر بن عبد العزيز والمأمون، بل لم يمتحن به أحد من الخلق
أجمعين، وهي مباينة 7 عائشة بنت أبي بكر به عليه السلام، وهي عند الجمهور
أفضل، أزواج النبي صلى الله عليه وآله، ومباينة طلحة والزبير وهما عند أنفسهما
وجمهور من العامة نظراؤه 8 في الجلالة، واجتماع الثلاثة على حربة والعطن في إمامته،

1 - حش، رض: ولم تكن الحاجة في الاختيار لها.
2 - حش: + عليه السلام. رض + صلى الله عليه وآله.
3 - في الأصل: بالقول، صححناها على حش و رض.
4 - رض، ما: بايعه.
5 - حش: يسترد إليه.
6 - رض: فضل والجواب.
7 - رض، مل: وهو بمبانية.
8 - رض، مل: نظيراه.
121

والاجتهاد في التماس الحيل لحل أمره وتفريق جمعه، وسفك دمه ودماء ذريته
وأنصاره، والتشنيع عليه بالأباطيل، مع كون ناصريه في الحروب ممن 1 يرى صواب
أبي بكر في منع فاطمة عليها السلام فدكا [30 و] وضلالة ناقض كلمته في ذلك.
ومني عليه السلام بمعاوية بن أبي سفيان ومن كان في حيزه 2 من الصحابة والوجوه
عند العامة بأعظم مما 3 مني به 4 طلحة والزبير وعائشة. واتفق عليه من أصحابه
الذين كانوا بطانته وخاصته مت شهرته من 5 المحنة له به يغني 6 عن ذكره مفصلا،
حتى أكفره فريق منهم، وألحد فيه آخرون فاتحذوه ربا معبودا، فاضطر [لذلك] 7
إلى الاستنصار عليه من جمهر هم القائلين 8 بتصويب المتقدمين عليه في منع
فدك 9، وإظهار التضليل لمن تقدمه، وقضائه 10 فيها بنقيض الصواب عند الله تعالى
وخلاف المنزل من القرآن.
ورأي عليه السلام أن تركه بعض حقوق واستنزل ولده عن الطلب بميراثه،
للتوصل ذلك إلى إقامة 11 حقوق الله تعالى وهي أعظم، وحراسة الدين وهو أولى،
فوجه الرأي وصواب التدبير أنه لا يسعه تضييع معظم الدين بالنظر في صغيره،
وإهمال كثيره بحفظ قليله، لا سيما وقد علم 12 أن ما يرومه من ذلك لا يتم، وأن

1 - باقي النسخ: من
2 - حش: حيرة.
3 - رض، مل: ما.
4 - حش، رض، مل: + من.
5 - رض، مل: في.
6 - رض، مل: تغني.
7 - أثبتناها عن باقي النسخ.
8 - رض، مل: يدين.
9 - رض: إلى الاسترجاع. مل: إلى استرجاع.
10 - رض، مل:: وقضى.
11 - رض، مل: إفاضة.
12 - رض: + عليه السلام.
122

السعي فيه يفسد عليه نظام الدين والدنيا معا، ويحل عليه عقد التدبير، وقد بين
ذلك عليه السلام في قوله لقضاته وقد سألوه: بم نقضي؟ فقال: اقضوا بما كنتم
تقضون حتى يكون الناس جماعة، أو أموت كمامات أصحابي.
وقوله عليه السلام لو ثنى 2 لي الوسادة لحكمت بين أصل التوراة
بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور هم، وبين أهل القرآن
بقرآنهم، حتى يزهر 3 كل كتاب من هذه الكتب ويقول: يا رب إن عليا قضى
بقضائك. وقوله: إذا حدثتك عن رسول الله صلى عليه وآله الحديث 4

1 - حش، رض، مل: وقال.
2 - رض، مل ثنى.
3 - باقي النسخ: يزهو.
4 - رض. مل: بحديث روى الشيخ المفيد في كتابه (الإرشاد: 15) عن الأصبح بن نباته، قال:
لما بويع أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة خرج إلى المسجد معتما بعمامة رسول الله صلى
الله عليه وآله، لابسا بردته، قصد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وأنذر، ثم جلس متمكنا
وشبك بين أصابعه، ووضعها أسفل سرته، ثم قال: يا معشر الناس لحكمت بين أهل التوراة
سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين ما أما والله لو ثنى لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة
بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم،
حتى ينهى كل كتا بمن هذه الكتب ويقول: يا رب إن عليا قضى بقضائك وقال العلامة
المجلسي: روى ابن البختري من ستة طرق، وابن المفضل من عشر طرق، وإبراهيم الثقفي من
أربعة عشر طريقا، منهم عدي بن حاتم والأصبع بن نباته وعلقمة بن قيس ويحيى بن أم
الطويل، ورزين حبيش وعباية بن ربعي وعباية بن رفاعة وأبو الطفيل، أن أمير المؤمنين عليه
السلام قال بحضرة المهاجرين والأنصار وأشار إلى صدره - كيف ملأ علما لو وجدت له
طالبا، سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سقط العلم، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وآله، هذا
ما زقني رسول الله صلى الله عليه وآله زقا، فاسألوني فإن عندي علم الأولين والآخرين. أما الإنجيل
لو ثنيت لي الوسادة ثم أجلست عليها، لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل
بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، حتى كل كتاب بأن
123

فلأن أخر من السماء فيخطفني الطير أحب إلي من أن أقول عليه رسول الله صلى
الله عليه وآله ما لم يقل، وإذا حدثتكم عن نفسي فإنما أنا رجل محارب والحرب
خدعة 1. فبين عيه السلام أنه كان مضطر إلى التألف 2 والمداراة وغير متمكن
[31 ظ] من القضاء لما 3 يراه في الدين ومحتاجا إلى التقية والاستصلاح.
وفي هذا القدر كفاية وغنا سواه في جواب ما سأل عنه السائل من أمر
فدك، وترك أمير المؤمنين عليه السلام نقض أحكام المتقدمين عليه فيها، مع بيعة
الناس له. وبذلك ما توهمه وتظناه.
فصل. وبعد، فشتان بين حالتي أمير المؤمنين عليه السلام ومن ذكره
السائل في الرأي والقضاء! فأمير المؤمنين عليه السلام مدبر الدين والدنيا.
وأهلهما على علم بالحال والعاقبة، وصلاح شامل ف - العاجل والآجل ومثال، قد مثل له في

عليا حكم في بحكم الله في - وفي رواية حتى ينطق الله التوراة والإنجيل، وفي رواية:
حتى يزهر كل كتاب من هذه الكتب ويقول يا رب إن عليا قضى بقضائك. (بحار الأنوار
40 / 153).
روى أبو العباس الحميري (في قرب الإسناد 133) عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن علي
عليه السلام أنه قال الحرب خدعة، إذا حدثتكم عن رسول الله صلى عليه وآله وسلم
حديثا، فوالله لأن أخر من السماء أو تخطفني الطير أحب إلي من أن أكذب على رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا حدثتكم عني فإنما الحرب خدعة. ونقله عن قرب الإسناد
العلامة المجلسي في بحاره 20 / 246 و 100 / 31. أقول ويشبهه قول أبي القاسم الحسين بن
روح وكيل الناحية المقدسة رضي الله عنه، قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق (ره): فعدت إلى
الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (ره) في الغد أنا أقول في نفسي: أتراه ذكر لنا ما ذكر يوم
أمس من عند نفسه؟ فابتدأني وقال: يا محمد بن إبراهيم! لئن أخر من السماء فتختطفني الطير،
أو تهوي بي الريح، في مكان سحيق، أحب إلي من أن قول في دين الله برأيي ومن عند نفسي،
بل ذلك عن الأصل، ومسموع من الحجة صلوات الله وعليه وسلام. الاحتجاج 2 / 437 وراجع
سفينة البحار 1 / 402.
2 - حش: التآلف.
3 - باقي النسخ: بما.
124

ذلك، ونص لا يتعداه. وغيره من أمراء الدنيا وملوكها يعملون على الهوى،
ويخبطون في الدين والدنيا خبط عشواء، ولا علم لهم بالعاقبة، ولا علم لهم بالعاقبة، ولا بصيرة لهم
بشاهد الحال، ولا فكرة لهم في الصلاح، ولو فكروا في ذلك لكان غير مأمون عليه
الخطأ فيه والضلال.
وهذا أيضا يسقط شبهة السائل وما اعتمده من ضرب الأمثال. وفي غير
هذه المسألة أجوبة شتى قد سارت بها الركبان وثبتت في أمالي المنثورة في
الأصقاع والأمصار. وفيما أثبته في هذا القمام بلاغ وإقناع لمن تأمله بعين
الإنصاف، والله الموفق والمعين 2، وهو حسبنا ونعم الوكيل 3.
تمت - بحمد الله تعالى والصلاة على نبيه محمد وآله والسلام عليهم -
أجوبة الشيخ المفيد رضي الله عنه عن أسئلة الحاجب المعروفة بالمسائل الحاجبية.
على يد محمد بن الشيخ طاهر المساوي
في النجف في منتصف ربيع الثاني 1335
حامدا مصليا
مسلما

1 - باقي النسخ: المكان.
2 - رض، مل: للصواب.
3 - رض، مل + نعم المولى ونعم النصير.
125

فهرس الموضوعات
127

1 - ماذا تعنى الآية الكريمة (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) (1)؟
2 - هل أن الرسول الأكرم وآله - عليهم السلام - أفضل من إبراهيم وآله - عليهم
السلام.؟
3 - كيف قال يعقوب، (أخاف أن يأكله الذئب) مع أن لحوم الأنبياء محرمة
على الوحوش؟
4 - كسف أصبح موسى - عليه السلام - تلميذ الخضر - عليه السلام - رغم أن موسى
أرفع مرتبة من الخضر؟
6 - ما هو وجه دعاء أمير المؤمنين عليه السلام - في قوله عن القاعدين عن نصرته " اللهم أبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني "؟
7 - كيف تصل الأوامر والنواهي الإلهية إلى أئمة الهدى - عليهم السلام - مع أن أي
مخلوق لا يمكنه أن يدرك ذات الله - جل وعز -؟ 8 - في الخبر المنسوب إلى النبي أنه قال ما مضمونه ما منا إلا من هم أو عصى إلا
يحيى بن زكريا، فإنه ما هم ولا عصى، قال: وقد سماه الله سيدا ولم يسم غيره

1 - الأحزاب: 33.
2 - يوسف: 13.
129

فإذا كان الحديث صحيحا، فإن يحيى سيكون أفضل الأنبياء.
9 - في الآية الشريفة: (إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن قول له كن فيكون) (1) كيف
أطلق على المعدوم شئ ووجه الخطاب له؟ والمعدوم كما هو معلوم ليس
بشئ والخطاب يوجه دائما إلى الموجود.
10 - كيف يقول الله تعالى بعد فناء الخلق: (لمن الملك اليوم لله الواحد
القهار) (1) وهو خطاب للمعدوم ولعدم وجود الخلق؟
11 - كيف كلم الله موسى - عليه السلام (3)
12 - هل في القرآن نص على خلافة أمير المؤمنين - عليه السلام؟
وهل النص مقدم على الانتخاب والاختيار؟ وأليست الخلافة في إقامة الصلاة
دليل على الخلافة في الإمامة؟
13 - لماذا وزع علي بن أبي طالب - عليه السلام - غنائم معركة صفين، ولم يوزع
غنائم معركة الجمل؟.
14 - لماذا كان يفضل رسول الله - صلى الله عليه وآله - البعض رغم عدم اتصافه
بالشجاعة أو بشرف خاص أو بعشرة كبيرة؟
15 - كيف تم تزويج أو كلثوم ابنة أمير المؤمنين - عليه السلام - بعمر؟
16 - لو كان حديث الغدير صحيحا، وسمعه الأنصار، فلم رشحوا بن عبادة للخلافة؟
17 - لو قلتم إن الله كان وحده ولم يكن معه شئ فمم وجدت الأشياء الحادثة؟
18 ما هو الفرق بين " الزمان " و " الدهر "؟ وماذا تعني الآية الكريمة: (هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) (4) مع قولنا إن الأشباح
مخلوقات قديمة؟

1 - النمل، 40.
2 - غافر: 16.
3 - النساء: 164 (وكلم الله موسى تكليما).
4 - الانسان: 1.
130

19 - هل خلقت والنار؟ وأيه صورة لهما؟ ومم خلق الريح؟
20 - إننا نقول إن الإمام يعلم بما سيقع، فلماذا دخل أمير المؤمنين عليه السلام
المسجد ليلة 19 رمضان؟ أو صالح الإمام الحسن - عليه السلام - معاوية؟ أو
تحريم الإمام الحسين - عليه السلام - نحو الكوفة؟.
21 - حرف اللام في الآية الكريمة (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا
ويوم يقوم الإشهاد) (1) للتأكيد، فكيف قتل الإمام الحسين - عليه السلام -
مظلوم ولم ينزل تعالى غضبه على قتلته؟ بينما غضب الله على القوم الذين
عقروا ناقة صالح - عليه السلام - وأبادهم؟
22 - لو كانت عائشة منافقة، والإمام علي عليه السلام - يعلم بذلك فلم لن يطلقها
رسول الله - صلى الله عليه وآله؟ ألم يكن طلاقها أهم مما فعلته في معركة الجمل من سفك الدماء.
23 - ما هو السر الذي أشار الله تعالى إليه في الآية الكريمة: (وإذ أسر النبي إلى
بعض أزواجه حديثا).
24 - مع الاعتقاد بحياة أئمة الهدى - عليهم السلام - فهل هم في قبورهم المطهرة؟ وهل يمكنهم البقاء أحياء على هذه الصورة؟.
25 أي حياة هي المقصودة في الآية الكريمة (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل
الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) (3)؟ وهل هناك زرق للموجودات غير الجسمية؟
26 - ما هو المقصود بالحجاب في الآية الشريفة:: (ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) (4)؟ وهل يمكن لغير المحدود أن يكون وراء حجاب؟

1 - غافر: 51.
2 - التحريم: 3.
3 - آل عمران: 169.
4 - الشورى: 51.
131

27 - ما المراد ب " يمينه " و " قضته " في الآية الكريمة: " والأرض جميعا قبضته،
والسماوات مطويات بيمنه).
28 - ما المراد بمغفرة الذنوب التي دون الشرك في قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن
يشرك به ويعفر ما دون ذلك) (2)؟ وهل تشمل المغفرة الإلهية القتل العمد أو
الخروج الأسود من مكانه دون أن يواجه برد إلهي؟
29 - لما قضى الله على أصحاب الفيل الذين جاؤوا لهدم الكعبة ولم يمهلهم بينما أقدم الحجاج بن يوسف على هدمها وقام القرمطي بقتل الناس من حولها ونزع الحجر الأسود من مكانه دون أن يواجه برد إلهي؟
30 - هل أن بعض الأعمال مثل شرب الخمر وأكل لحم الخنزير والربا والزنا كانت
محللة في يوم ثم حرمت؟ أم إنها كانت محرمة في جميع الأديان الإلهية؟
31 - ماذا يراد بالاختصام ونوعه في قوله تعالى (ما كان لي من علم بالملأ الأعلى
إذ يختصمون).
32 - هل هو عرض للأمانات الإلهية على الجمادات في الآية الكريمة (إنا عرضنا
الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها) (4) أو هل يصح تكليف الجمادات؟
33 - مع أن الخشية والخوف هما من صفات المكلفين والعقلاء، فكيف يقول تعالى: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) (5)؟ 34 - معروف أن الله عادل لا يكلف ما لا يطاق فكيف إذن كلف المخالفين بإتيان

1 - الزمر 67.
2 - النساء: 48.
3 - ص: 69.
4 - الأحزاب: 72.
5 - الحشر: 21.
132

عشر سور أو سورة واحدة (1) مثل سور القرآن؟
35 - جاء في الخبر إن رسول الله - صلى الله عليه وآله - قال: اتقوا فراسة المؤمن،
فإنه ينظر بعين الله. بينما لم يعرف آدم الشيطان ولم يعرف داود ولوط وإبراهيم
ومريم - صلوات الله عليهم أجمعين - الملائكة، بل إن رسول الله لم يعرف
المنافتين حتى عرفه الله إياهم. فكيف لم يتعرف هؤلاء المؤمنين على
الملائكة بالفراسة؟
36 - عاش أمير المؤمنين والحسن بن علي والحسين بن علي - عليهم الصلاة
والسلام - في فترة واحدة، وكانوا أئمة، فهل كانت طاعتهم في زمن واحد
واجبة، أم إن طاعة بعضهم على البعض الآخر كانت لازمة؟
37 - ما هو المراد في قول الإمام الصادق - عليه السلام -: ما بدا لله في شئ كما بدا
له في إسماعيل؟
38 - ما هو المقصود بالقلم في الآية الكريمة: ن والقلم وما يسطرون " (2) وهل
أن القلم يكتب بنفسه أم أن غيره يكتب به؟ فإذا كان يكتب بنفسه فهو حي،
وإذا كان غيره يكتب به فمن هو هذا " الغير "؟
39 - هناك إجماع على أن الجنة خلقت من الذهب والفضة و. وهي لا تفنى. وأن
الحجر الأسود نزل على الأرض من الجنة مع آدم، فكيف اللهب بعد أن أحرقه
القرمطي وتحطم.؟
40 - ما هو المراد بالصراط المستقيم في الآية: (اهدنا الصراط المستقيم) (3)،
وأي صراط مستقيم موجود بعد الاسلام والقرآن؟
41 - إن الله سبحانه وتعالى لا يجعل الغل والعداء في القلب، فما هو إذن معنى

1 - هود: 113 قل فاتوا بعشر سور له مفتريات " والبقرة: 123 فاتوا بسورة من مثله).
2 - القلم: 1.
3 - الفاتحة: 6.
133

الدعاء الوارد في الآية الكريمة: (ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا " (1)؟
42 كيف يمكن الجمع بين الآية الكريمة التالية التي يخاطب بها النبي: (لولا أن
ثبتناك لقد كدت تركن إليهم) (2) والآية الكريمة التالية التي يهدد فيها النبي:
(ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض *) (3)؟
43 - قال تعالى: (ثم أورثنا، الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (4). ومن المعلوم
أن هذا الإرث أخذه المؤمنون عن الرسول في حياته، فهل يمكن للانسان أن
يرث الآخر في حياته؟ ثم يقول: (فمنهم ظالم لنفسه) فكيف يوصف
المصطفين بالظلم؟ وقال تعالى في آية أخرى: (يرثون الفردوس) (5) فمن
أية جهة يرثونها؟
44 - الشجرة التي حرمها الله تعالى على آدم (6) هي الحنطة، ومن العلوم أن جسم
الانسان يحتاج إلى الغذاء، وقد حرم الله تعالى على آدم ما هو بحاجة إليه، ومن
هنا يتضح أن الله تعالى أراد إخراج آدم من الجنة فاضطره لارتكاب المعصية
لكي يخرجه من الجنة، فهل يتفق هذا الأمر مع العدل الإلهي؟
45 - قال تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على
أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) (7).
أولا: الذرية غير مكلفة، فكيف تخاطب؟
ثانيا: لماذا لا يتذكر أي إنسان هذا الشئ؟
فهرس الموضوعات

1 - الحشر: 15.
2 - الإسراء: 74.
3 - الأنفال: 67.
ه‍ - فاطر: 32.
5 - المؤمنون: 11.
6 - الأعراف: 19 - 25.
7 - الأعراف: 172.
134

46 - لو كان الرسول معصوما فما معنى الآيات التي تخاطبه وتتضمن تهديدا
ووعيدا؟
47 - أمر الله تعالى نبيه بجهاد المنافقين في الآية: (يا أيها النبي جاهد الكفار
والمنافقين وأغلظ عليهم) (1)، ولكن لم يسجل لنا التاريخ أنه جاهد المنافقين،
فما هو السبب؟
48 - تنبئ الآية الكريمة: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا) (2) عن أن الله
تعالى لا يذل الرسرل والمؤمنين يوم القيامة، فما وجه هذا الكلام حول
المعصوم؟
49 - حصلت بعد وفاة الرسول اختلافات كثيرة في أصول الدين وفروعها، حتى
اختلف أيضا في جمع القرآن الكريم، ولهذا وجدت مصاحف أبي بن كعب
وابن مسعود وعثمان بن عفان وأمير المؤمنين - عليه السلام -، وبينما لم يمنع
عثمان تداول مصحف أبي وابن مسعود، فلم لم يجعل أمير المؤمنين - عليه
السلام - مصحفه الذي جمعه في متناول الأيدي؟
50 - هل كانت رقية وزينب ابنتا رسول الله - صلى الله عليه وآله - أم ربيبتاه؟ فلو
كانتا ابنتاه، فلم زوجهما من مشركين - أي أبي العاص بن الربيع وعتبة بن
لهب -، بينما لم يختر لفاطمة - سلام الله عليها - زوجا حتى نزل أمر الله فيها؟
51 - لقد رد عمر بن عبد العزيز ومأمون الرشيد فدك إلى أبناء فاطمة، فلم لم يردها
أمير المؤمنين - عليه السلام - أثناء خلافته الظاهرية إلى أبناء فاطمة - سلام الله
عليها - مع أنه كان أتقى منهما وأكثر احتراما بين الناس؟

1 - التوبة: 73.
2 - التحريم: 8.
135