الكتاب: الخرائج والجرائح
المؤلف: قطب الدين الراوندي
الجزء: ٣
الوفاة: ٥٧٣
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي (ع) / بإشراف السيد محمد باقر الموحد الأبطحي
الطبعة: الأولى ، كاملة محققة
سنة الطبع: ذي الحجة ١٤٠٩
المطبعة: العلمية - قم
الناشر: مؤسسة الإمام المهدي - قم المقدسة
ردمك:
ملاحظات:

الخرائج والجرائح
للفقيه المحدث والمفسر الكبير
قطب الدين الراوندي
قدس سره
المتوفى سنة 573 هجرية
مزاره بصحن الحضرة الفاطمية قم المقدسة
الجزء الثالث
في أم المعجزات، والفرق بينها وبين الحيل، ونوادرها
تحقيق ونشر
مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام
قم المقدسة - 39
967

بمناسبة مرور أربعة عشر قرنا على يوم الله الأكبر، عيد الغدير الأغر، يوم تبليغ رسالة الله:
" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك "
يوم اكمال الدين واتمام النعمة ورضا الرب:
" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا "
بتتويج سيد المتقين علي عليه السلام مولى وأميرا للمؤمنين بنص خاتم النبيين:
" من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه "
استقصينا مصادر وطرق حديث الغدير
في صحيفة الإمام الرضا: 172 - 225،
ولنا إضافات عليها.
هوية الكتاب:
الكتاب: " الخرائج والجرائح "
الجزء الثالث في أم المعجزات، والفرق بينها وبين الحيل، ونوادرها.
المؤلف: الشيخ الأقدم أبو الحسين سعيد بن هبة الله المشهور ب‍ " قطب الدين الراوندي "
المتوفى سنه 573 ه‍.
التحقيق والنشر في مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام - قم المقدسة.
باشراف.. الحاج السيد محمد باقر نجل المرتضى الموحد الأبطحي الأصفهاني دامت بركاته
الطبعة: الأولى، الكاملة، المحققة.
المطبعة العلمية - قم.
التاريخ: ذو الحجة - سنة 1409 ه‍. ق.
العدد: (2000) نسخة. سعر الدورة الواحدة: (7000) ريال
حقوق الطبع كلها محفوظة لمؤسسة الإمام المهدي - قم المقدسة.
تلفون: 33060.
968

بسم الله الرحمن الرحيم
تنبيه حول الأبواب الثلاثة التالية: 18، 19، 20
نتيجة سقوط وضياع بعض أوراق البابين الثامن عشر والتاسع عشر من أصل
نسخة " م " فقد بحثنا عن السقط في نسخ أخرى، منها ثلاث نسخ محفوظة في مكتبة
آية العظمى المرعشي النجفي - والتي أحدها " ه‍ " - ونسخة المدرسة الفيضية،
ونسختي جامعة طهران، وثلاث نسخ محفوظة في المكتبة المركزية العامة في
مشهد المقدسة، فلم نعثر على هذا السقط إلا في نسختين من مجموع الثلاث نسخ
المحفوظة في المكتبة الأخيرة وهما:
1 - النسخة رقم " 1677 " كتبت بخط النسخ في شهر ذي القعدة سنة خمس وثمانين
وتسعمائة (985 ه‍) ورمزنا لها ب‍ " د ".
2 - النسخة رقم " 1678 " وكتبت بخط النسخ، وهي بدون اسم الناسخ وتاريخ
الاستنساخ، ورمزنا لها ب‍ " ق ".
وهاتان النسختان متفقتان في أغلب مواضع الاختلاف، بل حتى في البياضات
الموجودة فيهما، مما لا يدع مجالا للشك أنهما استنسختا عن نسخة واحدة بعينها
أو أن إحداهما نسخت عن الأخرى.
علما أن العلامة المجلسي قد أورد هذين البابين في البحار: 92 / 121 - 174
نقلا من نسخة سقيمة سيئة، قال عنها مصحح البحار في مقدمته:
969

" ومما كددنا كثيرا في إصلاحه، وتحقيق ألفاظه، وتصحيح أغلاطه باب وجوه
إعجاز القرآن، وهو مما نقله المؤلف العلامة بطوله من كتاب الخرائج والجرائح
للقطب الراوندي رحمة الله عليه، من نسخة كاملة كانت عنده، ولكن النسخة
كانت سقيمة مصحفة جدا، واستنسخ كاتب المؤلف بأمره رضوان الله عليه النسخة
من حيث يتعلق ببحث إعجاز القرآن ووجوهه إلى آخره، بما فيها من السقم والأود
وصحح المؤلف العلامة بقلمه الشريف بعض ما تنبه له من الأغلاط والتصحيفات
- عجالة - وضرب على بعض جملاته التي لم يكن يخل حذفها بالمعنى المراد
كما ضرب على بعضها الآخر، إذا لم يكن لها معنى ظاهر مراد، أو كانت فيها كلمة
مصحفة غير مقروة ولا سبيل إلى تصحيحها.
ثم إنه رضوان الله عليه ضرب على بعض الفصول تماما، وغير صورة الأبواب
وحذف عناوين الفصول بحيث صار البحث متصلا متعاضدا.. " إلى آخر كلامه.
فعلى ذلك لا نشير إلى مواضع الحذف والتحريف الموجود في البحار.
وأخيرا أقول:
ليس بعجيب - بل كان لطفا خفيا منه تعالى - إن قلت: أنه قبل أن نقف على هذه
النقيصة بأيام جاءني أحد الروحانيين وقال: رأيت في منامي الشيخ قطب الدين
الراوندي يقول: " إني لست راضيا عن الطبعات السابقة لكتاب الخرائج والجرائح
فاذهب إلى السيد الأبطحي في مدرسة الإمام المهدي وقل له: أن يسعى في إخراج
الكتاب كاملا ".
فالحمد لله تعالى أولا على أن أشار لي القطب قدس سره.
وثانيا على أن وفقني ربي جل وعلا لتكميله بما رزقني.
وآخر دعواي: أن الحمد لله رب العالمين أولا وآخرا.
970

الباب الثامن عشر
في أم المعجزات، وهو القرآن المجيد
الحمد لله الذي جعل القرآن لنبينا صلى الله عليه وآله أم المعجزات ومعظمها، وصلى الله
على خيرته من خلقه محمد وآله أشرف الصلوات وأعظمها.
وبعد:
فان كتاب الله المجيد ليس هو مصدقا لنبي الرحمة خاتم النبيين فقط، بل هو
مصدق لسائر (1) الأنبياء والأوصياء قبله، وسائر الأوصياء بعده جملة وتفصيلا، وليست
جملة الكتاب معجزة واحدة، بل هو معجزات لا تحصى، وفيه أعلام عدد الرمل
والحصى، لان أقصر سورة [منه] إنما هي " الكوثر " وفيها الاعجاز من وجهين:
أحدهما: إنه قد تضمن خبرا عن الغيب قطعا قبل وقوعه، فوقع كما أخبر عنه من
غير خلف فيه، وهو قوله تعالى: (إن شانئك هو الأبتر) (2) لما قال قائلهم: إن
محمدا رجل صنبور (3) وإذا مات انقطع ذكره، ولا خلف له يبقى به ذكره.

1) " لجميع " ه‍، ط.
2) سورة الكوثر: 3.
3) قال ابن الجوزي في غريب الحديث: 1 / 605: كانت قريش تقول " محمد صنبور ". قال
الأصمعي: الصنبور: - بفتح الصاد - النخلة تبقى منفردة، ويدق أسفلها، فأرادوا أنه لا عقب
له. وقال أبو عبيدة: الصنبور - بضم الصاد -: النخلة تخرج من أصل النخلة الأخرى لم تغرس،
وأرادوا أنه ناشئ حدث، فكيف يتبعه المشايخ والكبراء.
وفي ه‍، ط " مبتور ".
971

فعكس ذلك على قائله، وكان كذلك.
والثاني: من طريق نظمه، لأنه على قلة عدد حروفه، وقصر آية، يجمع نظما
بديعا، وأمرا عجيبا، وبشارة للرسول، وتعبدا للعبادات (1) بأقرب لفظ، وأوجز (2)
بيان، وقد نبهنا على ذلك في كتاب مفرد لذلك.
ثم إن السور الطوال متضمنة للاعجاز من وجوه كثيرة، نظما وجزالة وخبرا
عن الغيوب، فلذلك لا [يجوز أن] يقال: إن القرآن معجز واحد، ولا ألف معجز
ولا أضعافه.
فلذلك خطأنا قول من قال: إن للمصطفى صلى الله عليه وآله ألف معجزة، أو ألفي معجزة.
بل يزيد ذلك عند الاحصاء على الألوف. (3)
فصل
في أن القرآن المجيد معجز
إعلم أن الكلام في كيفية الاستدلال بالقرآن فرع على الكلام في الاستدلال
بالقرآن، والاستدلال به لا يتم إلا بعد بيان خمسة أشياء:
أحدها: ظهور محمد صلى الله عليه وآله بمكة، وادعاؤه أنه مبعوث إلى الخلق ورسول إليهم.
وثانيها: تحديه العرب بهذا القرآن الذي ظهر على يده، وادعاؤه أن الله
سبحانه أنزله عليه وخصه به.
وثالثها: إن العرب مع طول المدة لم يعارضوه.
ورابعها: إنهم لم يعارضوه للتعذر والعجز.
وخامسها: إن هذا التعذر خارق للعادة.

1) " بعبادات " م. وفي نسخة من ط " للعباد ".
2) " وأوجز معنى و " ط.
3) عنه البحار: 92 / 121.
972

فإذا ثبت ذلك، فأما أن يكون القرآن نفسه معجزا خارقا للعادة بفصاحته، فلذلك
لم يعارضوه، أو لان الله سبحانه وتعالى صرفهم عن معارضته، ولولا الصرف لعارضوه
وأي الامرين ثبت [ثبتت] صحة نبوته صلى الله عليه وآله لأنه تعالى لا يصدق كذابا (1)
ولا يخرق العادة لمبطل. (2)
فصل
وأما ظهوره صلى الله عليه وآله بمكة، ودعاؤه إلى نفسه، فلا شبهة فيه.
بل هو معلوم ضرورة، لا ينكره عاقل، فظهور هذا القرآن على يده أيضا معلوم
ضرورة، والشك في أحدهما كالشك في الآخر.
وأما الذي يدل على أنه صلى الله عليه وآله تحدى بالقرآن، فهو أن معنى قولنا: إنه
تحدى بالقرآن: إنه كان يدعي أن الله سبحانه خصه بهذا القرآن، وإنبائه (3) به
وأن جبرئيل عليه السلام أتاه (4) به، وذلك معلوم [ضرورة] لا يمكن لاحد (5) دفعه، وهذا
غاية التحدي في المعنى - والمبعث (6) على إظهار معارضتهم له إن كان معذورا (7).
وأما الكلام في أنه لم يعارض، فهو أنه (8) لو عورض، لوجب أن ينقل (9)
ولو نقل لعلم، كما علم نفس القرآن، فلما لم يعلم، دل على أنه لم يعارض، كما
يعلم (10) أنه ليس بين بغداد والبصرة بلد أكبر منهما، لأنه لو كان كذلك لنقل وعلم.
وإنما قلنا: إن المعارضة لو كانت، لوجب نقلها لان الدواعي تتوفر (11) إلى

1) " كافرا " خ ل
2) عنه البحار: 92 / 122.
3) " وآياته " خ ل.
4) " أنبأه " ط، ه‍.
5) " أحدا " م.
6) " البحث " خ ل.
7) " مقدورا " ه‍، ط.
8) " فلانه " خ ل.
9) " لنقل " م.
10) " لم يكن، وهذا يعلم أنه لم يكن، وهذا يعلم " ه‍. " لم يكن، وبهذا يعلم " البحار.
11) " متوفرة " البحار.
973

نقلها، ولأنها لو كانت، لكانت هي (1) الحجة، والقرآن شبهة، ونقل الحجة
أولى من نقل الشبهة.
وأما الذي به يعلم أن جهة انتفاء المعارضة التعذر لا غير. فهو أن كل فعل
ارتفع عن فاعله مع توفر دواعيه إليه، علم إنما (2) ارتفع للتعذر، ولهذا قلنا: إن
[هذه] الجواهر والألوان (3) ليست في مقدورنا، وخاصة إذا علمنا أن الموانع
المعقولة مرتفعة كلها، فيجب أن (4) نقطع على ذلك في جهة التعذر لا غير.
وإذا علمنا أن العرب تحدوا بالقرآن، فلم يعارضوه مع شدة حاجتهم إلى
المعارضة، علمنا أنهم لم يعارضوه للتعذر لا غير.
وإذا ثبت كون القرآن معجزا، وأن معارضته تعذرت لكونه خارقا للعادة، ثبت
بذلك نبوته المطلوبة (5). (6)
فصل
والطريق إلى معرفة صدق النبي صلى الله عليه وآله والوصي عليه السلام ليس إلا ظهور المعجز عليه
أو خبر نبي ثابت نبوته بالمعجز.
والمعجز في اللغة: ما يجعل غيره عاجزا، ثم تعورف في الفعل الذي يعجز
القادر عن [الاتيان ب‍] مثله. وفي الشرع: هو كل حادث من فعل الله أو بأمره أو
تمكينه ناقض لعادة الناس في زمان تكليف مطابق (7) لدعوته أو ما يجري مجراه.

1) " ولأنها تكون " البحار.
2) " انه " البحار.
3) " الأكوان " البحار.
4) " لنا أن " البحار.
5) " ثبوت المطلب " ط.
6) عنه البحار: 92 / 122.
7) كأنه أراد بالمطابق: المعادي للدعوى
في الزمان، ولهذا عطف عليه قوله: أو ما يجرى مجراه.
والحق أن يكون بمعناه أي موافقا للدعوى لتخرج الإهانة وهي المخارق الذي يظهر على
يد المبطل مخالفا لدعواه، مثل ما وقع من أذر، وفرعون ومسيلمة. (من هامش م).
974

واعلم أن شروط مفهوم المعجزات أمور:
منها: أن يعجز عن مثله، أو عما يقاربه المبعوث إليه وجنسه، لأنه لو قدر
عليه، أو واحد من جنسه في الحال لما دل على صدقه، ووصي النبي عليهما السلام
حكمه حكمه.
ومنها: أن يكون من فعل الله تعالى، أو بأمره وتمكينه، لان المصدق للنبي
بالمعجز هو الله تعالى، فلابد أن يكون من جهته تعالى، ما يصدق به النبي أو الوصي.
ومنها: أن يكون ناقضا للعادة لأنه لو فعل (1) معتادا لم يدل على صدقه، كطلوع
الشمس من مشرقها.
ومنها: أن يحدث عقيب دعوى المدعي (2) أو جاريا مجراه () والذي يجري
مجرى ذلك (4) هو أن يدعي النبوة، ويظهر عليه معجزا، ثم تشيع دعواه في
الناس، ثم يظهر معجز من دون (5) تجديد دعوى لذلك (6) لأنه إذا لم يظهر كذلك
لم يعلم تعلقه بالدعوى، فلا يعلم أنه تصديق له في دعواه.
ومنها: أن يظهر ذلك في زمان التكليف، لان أشراط الساعة تنتقض بها عادته
تعالى، ولا يدل على صدق مدع. (7)

1) " متى كان " ه‍، ط.
2) كذا في البحار. وفي م " كالمدعى ". وفي ه‍، ط " المدعى النبوة ". وفي نسخة من ط " النبي ".
3) " مجرى ذلك " البحار.
4) " يجرى مجراه " البحار.
5) " غير " البحار.
6) " ذلك " م.
7) عنه البحار: 92 / 123
975

فصل
والقرآن معجز، لأنه صلى الله عليه وسلم تحدى العرب [الاتيان] بمثله، وهم النهاية في
البلاغة، وقويت (1) دواعيهم إلى الاتيان بما تحداهم به (2) ولم يكن لهم صارف عنه
ولا مانع منه، ولم يأتوا به، فعلمنا أنهم عجزوا عن الاتيان بمثله.
وإنما قلنا: إنه صلى الله عليه وآله تحداهم لان القرآن الكريم نفسه نطق بذلك كقوله تعالى:
(فأتوا بسورة من مثله) (3).
ومعلوم أن العرب في زمانه، وبعده، كانوا يتباهون بالبلاغة (4) ويفخرون
بالفصاحة، وكانت لهم مجامع يعرضون فيها شعرهم (5) وحضر زمانه (6) من
يعد في الطبقة الأولى كالأعشى ولبيد وطرفة (7).
وفي زمانه كانت العرب قد مالت إلى (8) استعمال المستأنس من الكلام دون
الغريب الوحشي الثقيل [على اللسان] فصح أنهم كانوا الغاية في الفصاحة.
وإنما قلنا: إن دواعيهم اشتدت إلى الاتيان بمثله، لأنه صلى الله عليه وآله تحداهم، ثم
قرعهم (9) بالعجز عنه، كقوله تعالى (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على
أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (10).

1) " توفرت " البحار.
2) " يتضمن التحدي " ه‍، والبحار.
3) سورة البقرة: 23.
4) كذا في خ ل، ه‍. وفي م " كانوا بلغاء أهل فصاحة ". وفي البحار " كانوا يتبارون
بالبلاغة ".
5) مثل سوق عكاظ.
6) " وفيهم " م.
7) وهم أعشى قيس، ولبيد بن ربيعة العامري، وطرفة بن العبد، وشعرهم عرف بالمعلقات
لجزالته وبلاغته وبيانه وفصاحته..
8) " وزمانه أوسط الأزمنة في " خ ل، والبحار.
9) أي عنفهم.
10) سورة الإسراء: 88.
976

وقوله تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) (1).
فان قيل: لعل صارفهم، هو قلة احتفالهم (2) به، أو بالقرآن لانحطاطه في البلاغة.
قلنا: لا شبهة أنه صلى الله عليه وآله كان من الشط (3) في التثبيت (4) حتى سموه الأمين
والصدوق، فكيف لا يحتفلون به، وهم كانوا يستعظمون القرآن حتى شبهوه بالسحر
ومنعوا الناس من استماعه، لئلا يأخذ بمجامع قلوب السامعين.
فكيف يرغبون عن معارضته؟ (5).
فصل
فان قيل: ألستم تقولون: إن ما أتى به محمد من القرآن هو كلام الله وفعله؟
وقلتم: إن مقدورات العباد لا تنتقض بها العادة؟
وقلتم: إن القرآن هو أول كلام تكلم به تعالى، وليس بحادث في وقت نزوله
والناقض للعادة لابد أن يكون هو متجدد الحدوث، ولان الكلام مقدور للعباد
فما يكون من جنسه لا يكون ناقضا للعادة، فلا يكون معجزا للعباد؟
والجواب: إن الناقض للعادة هو ظهور القرآن عليه في مثل بلاغته المعجزة
وذلك يتجدد، وليس يظهر مثله في العادة، سواء جوز أن يكون من قبله أو من قبل

1) سورة البقرة: 24.
2) احنفل بالامر: أحسن القيام به. يقال: ما احتفل به أي ما بالي به.
3) شط: بعد - بالباء المفتوحة والعين المضمومة -.
قال ابن زكريا في معجم مقاييس اللغة: الشين والطاء أصلان صحيحان: أحدهما البعد..
4) تثبت في الامر والرأي: تأنى فيه، شاور فيه وفحص عنه. وزاد عليها في ه‍ " والخصال
المحمودة ".
وفي البحار بلفظ " كان من أوسطهم في النسب والخصال المحمودة " تصحيف ظ.
5) عنه البحار: 92 / 124.
977

ملك أظهر (1) عليه بأمره تعالى، وأوحى الله تعالى به إليه، فإذا علم صدقه في دعواه
بظهور مثل هذا الكلام البليغ الذي يعجز عنه المبعوث إليه، وحبسه عن مثله، وعما
يقاربه فكان ناقضا للعادة، كان (2) معجزا دالا على صدقه، ولم يضرنا في ذلك أن
يكون تعالى تكلم به من قبل، إذا لم تجر عادته تعالى في إظهاره على أحد غيره. (3)
فصل
وقولهم: " إنه مركب من جنس مقدور العباد " لا يقدح (4) في كونه ناقضا
للعادة ولا في كونه معجزا، لان الاعجاز فيه هو من جهة البلاغة، وفيها يقع التفاوت
بين البلغاء. ألا ترى أن الشعراء والخطباء يتفاضلون في بلاغتهم، في شعرهم وخطبهم؟
فصح أن يكون في الكلام ما يبلغ حدا في البلاغة ينتقض به العادة في بلاغة
البلغاء من العباد.
يبين ذلك أن البلاغة في الكلام البليغ لا تحصل بقدرة القادر على إحداث
الحروف المركبة، وإنما تظهر بعلوم المتكلم بالكلام البليغ، وتلك العلوم
لا تحصل للعبد باكتسابه، وإنما تحصل له من قبل الله تعالى ابتداءا، وعند اجتهاد العبد
في استعمال ما يحصل عنده، وتلك العلوم من قبله تعالى.
وقد أجرى الله سبحانه عادته فيما (5) يمنحه العباد من العلوم بالبلاغة، فلا يمنح
من ذلك إلا مقدارا يتقارب (6) فيه بلاغة البلغاء (7) فيتفاوتون في ذلك بعد تقارب
بلاغاتهم (8).

1) " يظهر " خ ل، والبحار.
2) " فكان " م، والبحار.
3) عنه البحار: 92 / 125.
4) قدح في عرضه: طعن فيه وعابه وتنقصه.
5) " فيها " خ ل. وفي البحار بلفظ " بمنح العبد من العلوم للبلاغة ".
6) " تتفاوت " البحار.
7) " بعضهم عن بعض " البحار.
8) " بقدر تفاوت بلاغتهم " البحار.
978

فإذا تجاوز بلاغة البليغ (1) المقدار الذي جرت به العادة في بلاغة العبيد، وتجاوز
ذلك (2) بلاغة أبلغهم ظهر كونه ناقضا للعادة.
وإنما نتبين ذلك بما ذكرنا وبينا (3) أنه تحداهم بمثل القرآن، فعجزوا
عنه، وعما يقاربه. (4)
فصل
فان قيل: بماذا علمتم أن القرآن ظهر معجزة له دون غيره؟ وما أنكرتم أن
الله سبحانه بعث نبيا غير محمد صلى الله عليه آله، وآمن محمد صلى الله عليه وآله به، فتلقاه منه محمد
صلى الله عليه وآله ثم قتل ذلك النبي فادعاه معجزة لنفسه؟
والجواب: أنا نعلم باضطرار أنه مختص به صلى الله عليه وآله كما نعلم في كثير من الاشعار
والتصانيف أنها مختصة بمن تضاف إليه كشعر امرئ القيس (5) وكتاب
العين للخليل.
ثم إن القرآن المجيد ظهر عنه، وسمع منه ولم يجر في الناس ذكر أنه طهر
لغيره، ولا جوزوه، وكيف يجوز في حكمة الحكيم سبحانه أن يمكن أحدا من
مثل (6) ذلك، وقد علم حال محمد صلى الله عليه وآله في عزوف (7) نفسه عن ملاذ الدنيا
وطلق النفس من أول أمره وآخره، فكيف يتهم بما قالوا؟ (8)

1) " القرآن " البحار.
2) " وبلغ حدا لا يبلغه " خ ل، والبحار.
3) " نتبين (يبين) كونه كذلك و (إذا) بينا " خ ل، والبحار.
4) عنه البحار: 92 / 125.
5) هو ابن حجر الكندي، الشاعر الجاهلي المعروف، وصاحب المعلقة.
6) " قبيل " خ ل.
7) عزف نفسه عن كذا: منعها عنه.
8) عنه البحار: 92 / 126.
979

فصل
فان قيل: لعل من تقدم محمدا صلى الله عليه وآله كامرئ القيس وأضرابه لو عاصره
لأمكنه معارضته.
قلنا: إن التحدي لم يقع بالشعر فيصح ما قلته، ومن كان في زمانه صلى الله عليه وآله
وقريبا منه لم تقصر بلاغتهم في البدلة عن بدلهم، كامرئ القيس، بل كانت في
زمانه قريبا منه من قدم في البلاغة على من تقدم.
ولأنه صلى الله عليه وآله ما كلفهم أن يأتوا بالمعارضة من عند أنفسهم، وإنما تحداهم أن
يأتوا بمثل هذا القرآن الكريم من كلامهم، أو كلام غيرهم ممن تقدمهم.
فلو علموا أن في كلامهم ما يوازي بلاغة القرآن لاتوا به، وقالوا (1): إن هذا
كلام من ليس بنبي (2) وهو مساو للقرآن في بلاغته.
ومعلوم أن محمدا صلى الله عليه وآله ما قرأ الكتب، ولا تتلمذ لاحد من أهل الكتاب، وكان
ذلك معلوما لأعدائه، ثم قص عليهم صلى الله عليه وآله قصة (3) نوح، وموسى، ويوسف، وهود
وصالح، وشعيب، ولوط، وعيسى وقصة مريم على طولها.
فما رد عليه أحد من أهل الكتاب شيئا منها، ولا خطأوه في شئ من ذلك.
ومثل هذه الأخبار لا يتمكن منها بالبحث (4) والاتفاق، وقد نبه الله تعالى بقوله:
(ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم) (5) ونحوها (6)
من قصص الأنبياء وأمم الماضين. (7)

1) " ولقالوا " البحار.
2) " بمنئ " البحار.
3) " قصص " البحار.
4) " الا بالتبخت " البحار. تصحيف.
5) سورة يوسف: 102.
6) " ونحو ذلك " البحار.
7) عنه البحار: 2 / 162.
980

فصل
في وجه اعجاز القرآن
إعلم أن المسلمين اتفقوا على ثبوت دلالة القرآن على النبوة. وصدق الدعوة
واختلف المتكلمون في جهة إعجاز القرآن على سبعة أوجه، وقد ذهب قوم إلى
أنه معجز من حيث كان قديما، أو لأنه حكاية للكلام القديم، وعبارة عنه.
فقولهم هذا أظهر فسادا من أن يخلط (1) بالمذاهب المذكورة في إعجاز القرآن.
فأول ما ذكر من [تلك] الوجوه: ما اختاره السيد المرتضى (رض) [وهو] أن وجه
الاعجاز في القرآن (2) أن الله سبحانه صرف الخلق (3) عن معارضته، وسلبهم العلم
بكيفية نظمه وفصاحته، وقد كانوا لولا هذا الصرف قادرين على معارضته
ومتمكنين منها.
والثاني: ما ذهب إليه الشيخ المفيد (ره) أنهم (4) لم يعارضوا من حيث
اختص برتبة في الفصاحة خارقة للعادة، لان مراتب (5) البلاغة (6) محصورة متناهية
فيكون ما زاد على المعتاد، معجزا (7) وخارقا للعادة.
والثالث: ما قال قوم، وهو: أن إعجازه من حيث كانت معانيه صحيحة مستمرة
على النظر، موافقة للعقل.

1) " يختلط " خ ل، والبحار.
2) أورد الشريف المرتضى (ره) في رسائله في المجموعة الثانية: 323 تفصيل لذلك.
3) " العرب " ه‍، ق، د والبحار.
4) " وهو أنه إنما كان معجزا أنهم " خ ل، والبحار.
5) " للعادة بقدر من العلوم فيقع التمكين بها من مراتب في " د، ق.
6) " الفصاحة " ه‍، والبحار.
7) " قال: لان مراتب البلاغة (الفصاحة) إنما تتفاوت بحسب العلوم التي يفعلها الله
في العباد، فلا يمتنع أن يجرى الله العادة بقدر من العلوم، فيقع التمكين بها من مراتب
الفصاحة محصورة متناهية، ويكون ما زاد على ذلك زيادة غير معتادة معجزا " خ ل، والبحار.
" ذلك زيادة غير معتادة معجزا " د، ق.
981

والرابع: إن جماعة جعلوه معجزا من حيث زال عنه الاختلال والتناقض على
وجه لم تجر العادة بمثله.
والخامس: ما ذهب إليه أقوام وهو: أن وجه إعجازه أنه يتضمن الاخبار
عن الغيوب.
والسادس: ما قاله آخرون، وهو: أن القرآن إنما كان معجزا لاختصاصه
بنظم مخصوص، مخالف للمعهود.
والسابع: ما ذكره أكثر المعتزلة، وهو: أن تأليف القرآن ونظمه معجزان لا
لان الله أعجز عنهما بمنع خلقه في العباد، وقد كان يجوز أن يرتفع فيقدروا (1) عليه
لكن محال وقوعه منهم كاستحالة إحداث الأجسام والألوان، وإبراء (2) الأكمه والأبرص
من غير دواء.
ولو قلنا: إن هذه الوجوه السبعة كلها هو وجه (3) إعجاز القرآن على وجه
دون وجه لكان حسنا. (4)
فصل
في أن التعجيز هو الاعجاز
استدل السيد المرتضى - رضي الله عنه - على أنه تعالى صرفهم عن المعارضة (5)
وأن العدول عنها كان لهذا، لا لان فصاحة القرآن خرقت عادتهم، لان الفصل (6)
بين الشيئين أو أكثر (7) لم تقف المعرفة (8) بحالهما على ذوي القرائح الذكية -

1) " فيقدر " البحار.
2) " واحداث " د، ق.
3) " كلها وجوه " البحار.
4) عنه البحار: 92 / 127.
5) راجع رسائله المتقدم ذكرها / المجموعة الثانية.
6) " الفضل " ط، ه‍، والبحار.
7) " إذا كثر " خ ل، ه‍، والبحار.
8) زاد في ط " بينهما ".
982

دون من لم يساوهم - بل يغني ظهور أمرهما عن الروية (1) بينهما، ولهذا (2)
لا يحتاج في الفرق بين الخز (3) والصوف إلى أحذق (4) البزازين.
وإنما يحتاج إلى التأمل الشديد المتقارب (5) الذي يشكل مثله.
ونحن نعلم أنا على مبلغ علمنا بالفصاحة، نفرق بين شعر امرئ القيس وشعر
غيره من المحدثين، ولا يحتاج في هذا الفرق إلى الرجوع إلى من هو الغاية في علم
الفصاحة، بل يستغنى معه عن الفكرة.
وليس بين الفاضل والمفضول من أشعار هؤلاء، وكلام هؤلاء قدر ما بين الممكن
والمعجز، والمعتاد والخارج عن العادة، لان جميع شعراء لو كانوا بفصاحة
الطائيين (6) وفي منزلتهما ثم أتى آت بمثل شعر امرئ القيس، لم يكن معجزا
وكذلك لو كان البلغاء في الكتابة في طبقة أهل عصرنا، لم يكن كلام عبد الحميد (7)
وإبراهيم بن العباس (8) ونحوهما خارقا لعادتهم ومعجزا لهم. وإذا استقر هذا

1) الروية: النظر والتفكر في الأمور. وفي البحار " الرؤية ".
2) " وهذا كما " البحار. وفي د، ق " ولهذا لا نحتاج ".
3) الخز: الحرير.
4) أحذق: أمهر.
5) " التقارب " ه‍، د، ق، والبحار.
6) أي أبو تمام حبيب بن أوس الطائي، والبحتري أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي. قال
المبرد: وبالبحتري يختم الشعر. وسئل المبرد عنهما فقال: لأبي تمام استخراجات
لطيفة، ومعان ظريفة، وجيدة أجود من شعر البحتري، ومن شعر من تقدمه من المحدثين،
وشعر البحتري أحسن استواء من شعر أبي تمام لان البحتري يقول القصيدة كلها فتكون
سليمة من طعن طاعن أو عيب عائب، وأبو تمام يقول البيت النادر ويتبعه البيت السخيف.
7) هو عبد الحميد بن يحيى بن سعد الكاتب البليغ المشهور، وبه يضرب المثل في البلاغة
حتى قيل: فتحت الرسائل بعبد الحميد، وختمت بابن العميد.
تجد ترجمته في وفيات الأعيان: 3 / 228.
8) هو إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول تكين الصولي الشاعر المشهور، وله نثر
بديع، قال عنه الجراح في كتاب الورقة أنه أشعر نظرائه الكتاب، وأرقهم لسانا.
تجد ترجمته في وفيات الأعيان: 1 / 44.
983

وكان الفرق بين قصار سور المفصل (1) وبين أفصح قصائد العرب غير ظاهر لنا
الظهور الذي ذكرناه - ولعله إن كان ثم فرق، فهو مما يقف عليه غيرنا، ولا يبلغه
علمنا - فقد دل على أن القوم صرفوا عن المعارضة، وأخذوا عن (2) طريقها. (3)
فصل
في أن الاعجاز هو الفصاحة
والأشبه بالحق، والأقرب إلى الحجة، بعد ذلك القول: قول من قال: إن (4)
وجه معجز (5) القرآن المجيد (6) خروجه عن العادة في الفصاحة، فيكون ما زاد على
المعتاد هو المعجز كما أنه لما أجرى الله تعالى العادة في القدر (7) التي يتمكن بها
من ضروب أفعال الجوارح كالظفر للنخر، وحمل الخيل (8) بقدر كثيرة خارجة
عن العادة (9) كانت لاحقة بالمعجزات، فكذلك القرآن الكريم (10). (11)

1) في الحديث " فصلت بالمفصل " قيل: سمى به لكثرة ما يقع فيه من فصول التسمية بين
السور، وقيل: لقصر سوره. واختلف في أوله فقيل: من سورة " محمد " صلى الله عليه وآله. وقيل:
من سورة " الفتح ". وعن النووي: مفصل القرآن من " محمد " صلى الله عليه وآله وقصاره من " الضحى "
إلى آخره، ومطولاته إلى " عم "، ومتوسطاته إلى " الضحى ". وفي الخبر: المفصل
ثمان وستون سورة. (قاله الطريحي في مجمع البحرين / مادة فصل).
2) " على غير " ط.
3) عنه البحار: 92 / 128.
4) " من جعل " البحار.
5) " اعجاز " د، ق.
6) " وجه الاعجاز في القرآن " ط.
7) " القدرة " البحار.
8) كذا في م. وفي ه‍ " كالظفر للنمر، وحمل الخيل " وفي ط " كالظفر، وحمل الخيل ".
وفي د، ق، والبحار " كالطفو (كالطفر، كالطفر) بالبحر، وحمل الجبل ".
9) " خارجة عن المعتاد، فإنها إذا زادت على ما (في العادة) تأتى " د، ق، خ ل. وفي
البحار أسقط " خارجة عن المعتاد ".
10) " كذلك القول (هناك) ها هنا " د، ق، والبحار.
11) عنه البحار: 92 / 128.
984

فصل
ان الفصاحة مع النظم معجز
واعلم أن هؤلاء الذين قالوا: إن جهة إعجاز القرآن: الفصاحة المفرطة التي
خرقت العادة، صاروا صنفين:
منهم من اقتصر على ذلك، ولم يعتبر النظم.
ومنهم من اعتبر الفصاحة والنظم والأسلوب (1) المخصوص.
وقال الفريقان: إذا ثبت أنه خارق للعادة بفصاحته، دل على نبوته، لأنه إن
كان من فعل (2) الله تعالى، فهو دال على نبوته ومعجز له.
وإن كان من فعل النبي صلى الله عليه وآله، فإنه لم يتمكن (3) من ذلك مع خرقه العادة
لفصاحته إلا لان الله تعالى خلق فيه علوما خرق بها العادة، فإذا علمنا بقوله: إن القرآن
من فعل الله دون فعله، قطعنا على ذلك دون غيره. (4)
فصل
في أن معناه أو لفظه هو المعجز
وأما القول الثالث والرابع، فكلاهما مأخوذ من قول الله تعالى: (ولو كان
من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (5).
فحمل الأولون ذلك على المعنى، والآخرون على اللفظ، والآية الكريمة مشتملة
عليهما، عامة فيهما.
ويجوز أن يكون كلا القولين معجزا على بعض الوجوه، لارتفاع التناقض منه،
والاختلاف [فيه] على وجه مخالف للعادة. (6)

1) " الفصاحة النظم " البحار.
2) " لو كان من قبل " البحار.
3) " ولم نتمكن " البحار.
4) التخريجة السابقة.
5) سورة النساء: 82.
6) عنه البحار: 92 / 129.
985

فصل
في أن المعجز هو اخباره بالغيب
وأما من جعل جهة إعجازه ما تضمنه من الاخبار عن الغيوب، فذلك لا شك في أنه
معجز، لكن ليس هو الذي قصد به التحدي، وجعل العلم المعجز، لان كثيرا من
القرآن خال من الاخبار بالغيب، والتحدي وقع بسورة غير معينة [والله أعلم]. (1)
فصل
في أن النظم هو المعجز
وأما الذين قالوا: إنما كان معجزا لاختصاصه بأسلوب مخصوص ليس بمعهود،
فان النظم دون الفصاحة لا يجوز أن يكون جهة إعجاز القرآن على الاطلاق، لان ذلك
لا يقع فيه التفاضل.
وفي ذلك كفاية، لان السابق إلى ذلك لابد أن يقع فيه مشاركة بمجرى (2) العادة
على ما تبين. (3)
فصل
في أن تأليفه المستحيل من العباد هو المعجز
وأما من قال: إن القرآن نظمه وتأليفه مستحيلان من العباد، كخلق الجواهر
والألوان، فقوله (4) على الاطلاق باطل، لان الحروف كلها من مقدورنا، والكلام
كله يتركب من الحروف التي يقدر عليها كل متكلم.
فأما التأليف فاطلاقه مجاز في القرآن لان حقيقته في الاحكام (5) وإنما يراد
في (6) القرآن حدوث بعضه في أثر بعض.

1) التخريجة السابقة.
2) " لمجرى " البحار.
3) التخريجة السابقة.
4) " فقولهم به " البحار.
5) " الأجسام " البحار.
6) " من " البحار.
986

فان أريد ذلك، فهو إنما يتعذر لفقد العلم بالفصاحة، وكيفية إيقاع الحروف لا
أن ذلك مستحيل، كما أن الشعر يتعذر على العجز (1) لعدم علمه بذلك، لا إنه مستحيل
منه من حيث القدرة.
ومتى أريد باستحالة ذلك، ما يرجع إلى فقد العلم، فذلك خطأ في العبارة دون
المعنى. (2)
باب
في الصرفة (3) والاعتراض عليها والجواب عنه.
وتقرير ذلك في (4) الصرفة هو أنه لو كانت فصاحة القرآن خارقة فقط، لوجب أن
يكون بينه وبين [أفصح] كلام العرب التفاوت الشديد الذي يكون بين الممكن والمعجز
وكان لا يشتبه فصل بينه وبين ما يضاف إليه من أفصح كلام العرب، كما لا يشتبه الحال
بين كلامين فصيحين، وإن لم يكن بينهما ما بين الممكن والمعجز.
ألا ترى أن الفرق (5) بين شعر الطبقة العليا من الشعراء، وبين شعر المحدثين يدرك (6)
بأول نظر؟ ولا نحتاج في معرفة ذلك الفصل إلى الرجوع (7) إلى من تناهى في العلم بالفصاحة.

1) بفتح العين والجيم المكسورة العاجز. وفي د، ق " المفحم ". وفي ه‍ " المنجم ". وفي البحار " العجم ".
2) معنى الصرف: أن الاتيان بمثل القرآن أو سور أو سورة واحدة منه محال على البشر لمكان
3) التخريجة السابقة.
آيات التحدي وظهور العجز من أعداء القرآن منذ قرون، ولكن لا لكون التأليفات
الكلامية التي فيها في نفسها خارجة عن طاقة الانسان، وفائقة على القوة البشرية مع كون
التأليفات جميعا أمثالا لنوع النظم الممكن للانسان، بل لان الله سبحانه يصرف الانسان
عن معارضتها والاتيان بمثلها، بالإرادة الإلهية الحاكمة على إرادة الانسان حفظا لاية النبوة
ووقاية لحمي الرسالة.
راجع في ذلك رسائل علم الهدى الشريف المرتضى: المجموعة الثانية: 324 وتفسير
الميزان: 10 / 68.
4) " الدليل على صحة " د، ق.
5) أحدنا يفصل د، قل.
6) " يدركنا " م، ه‍. وليس في د، ق.
7) كذا في خ ل، ه‍ وفي م " وانظر ممن عرف ذلك الفضل، ويرجع في ذلك ".
987

وقد علمنا أنه ليس بين هذين الشعرين ما بين المعتاد والخارق للعادة، فإذا ثبت ذلك
وكنا (1) لا نفرق بين بعض قصار سور المفصل، وبين أفصح شعر العرب، ولا يظهر لنا
التفاوت بين الكلامين الظهور الذي قدمناه
فلم حصل الفرق القليل، ولم يحصل الكثير؟
ولم ارتفع (2) اللبس مع التقارب ولم يرتفع مع التفاوت؟
فصل
والاعتراضات على ذلك كثيرة منها:
قولهم: إن الفرق بين أفصح كلام العرب، وبين القرآن موقوف على متقدمي
الفصحاء الذين تحدوا به.
والجواب: أن ذلك لو وقف عليهم مع التفاوت العظيم، لوقف ما دونه أيضا
عليهم، وقد علمنا خلافه.
فأما من ينكر الفرق بين أشعار الجاهلية والمحدثين، فان أشار بذلك إلى عوام
الناس والأعاجم فلا ينكر ذلك، وإن أشار إلى الذين عرفوا الفصاحة فإنه لا يخفى عليهم.
فان قالوا: الصرف عن ماذا وقع؟ قلنا: الصرف وقع عن أن يأتوا بكلام يساوي أو
يقارب القرآن في فصاحته، وطريقة نظمه، بأن سلب كل من رام المعارضة التي يتأتى
بها ذلك.
فان العلوم التي يتمكن بها من ذلك ضرورية من فعل الله تعالى بمجرى العادة،
وعلى هذا لو عارضوه بشعر منظوم، لم يكونوا معارضين.
يدل عليه أنه صلى الله عليه وآله أطلق التحدي وأرسله، فوجب أن يكون إنما أطلق تعويلا
على ما تعارفوه في تحدي بعضهم بعضا، فإنهم اعتادوا ذلك بالفصاحة، وطريقة النظم

1) " ممكنا " م، ه‍.
2) " يرتفع " ه‍.
3) " التفاوت " م، ه‍.
988

ولهذا لم يتحد الخطيب الشاعر [ولا الشاعر الخطيب] ولو شكوا في مراده لاستفهموه
فلما لم يستفهموه دل على أنهم فهموا غرضه (1)، ولو لم يفهموه لعارضوه بالشعر الذي له
فصاحة كثير من القرآن، واختصاص القرآن بنظم مخالف لسائر النظم يعلم ضرورة.
فصل
والذي يدل على أنه لولا الصرف لعارضوه، هو أنه إذ أثبت في فصيح كلامهم
ما يقارب كثيرا من القرآن، والنظم لا يصح فيه التزايد والتفاضل بدلالة أنه يشترك
الشاعران في نظم واحد، لا يزيد أحدهما على صاحبه وإن تباينت فصاحتهما.
وإذا لم يدخل النظم تفاضل، لم يبق إلا أن يقال: الفضل (2) في السبق إليه. وذلك
يقتضي أن يكون من سبق إلى ابتداء الشعر ووزن من أوزانه أتى بمعجز، وذلك باطل
ولا يتعذر (3) نظم مخصوص بمجرى العادة على من يتمكن من نظوم غيره، ولا يحتاج
في ذلك إلى زيادة علم كما يقول في الفصاحة.
فمن قدر على البسيط يقدر على الطويل (4) وغيره، ولو كان على سبيل الاحتذاء (5)
وإن خلا كلامه من فصاحة، فعلم بذلك أن النظم (6) لا يقع فيه تفاضل.
فصل
والاعتراض على ذلك من وجوه:
أحدها: أنهم قالوا: يخرج قولكم هذا القرآن من كونه معجزا على ذلك
لان على هذا المذهب: المعجز هو الصرف (7) وذلك خلاف إجماع المسلمين.

1) " عرضه " م، ه‍.
2) " الفصل " د، ق.
3) " يقتضى " د، ق.
4) البسيط والطويل: من أوزان الشعر العربي.
5) احتذى مثال فلان وعلى مثاله: اقتدى وتشبه به.
6) " الكلام " م، ه‍.
7) " الصور ". م " الصوت " ه‍.
989

الجواب: أن هذه مسألة خلاف، لا يجوز أن يدعى فيها الاجماع، على أن
معنى قولنا معجز: في العرف بخلاف ما في اللغة، والمراد به في العرف: ماله
حظ في الدلالة على صدق من ظهر على يده.
والقرآن بهذه الصفة عند من قال بالصرفة، فجاز أن يوصف بأنه معجز، وإنما
ينكر العوام أن يقال: القرآن ليس بمعجز، متى أريد به أنه غير دال على النبوة
وأن العباد يقدرون عليه. وأما أنه معجز بمعنى أنه خارق للعادة بنفسه، وبما يسند (1)
إليه فموقوف على العلماء المبرزين.
على أنه يلزم - من جعل جهة إعجاز القرآن: الفصاحة - الشناعة (2) لأنهم يقولون:
إن من قدر على الكلام من العرب والعجم يقدرون على مثل القرآن، وإنما ليست
له علوم بمثل فصاحته.
فصل
واعترضوا فقالوا: إذا كان الصرف هو المعجز، فلم [لم] (3) يجعل القرآن
من أرك الكلام وأقله فصاحة، ليكون أبهر (4) في باب الاعجاز؟
الجواب: لو فعل ذلك لجاز، لكن المصلحة معتبرة في ذلك، فلا تمتنع أنها
اقتضت أن يكون القرآن على ما هو عليه من الفصاحة، فلأجل ذلك لم ينقص منه شئ.
ولا يلزم في باب المعجزات أن يفعل ما هو أبهر وأظهر، وإنما يفعل ما تقتضيه
المصلحة بعد أن تكون دلالة الاعجاز قائمة فيه.
ثم يقال (5): هلا جعل الله القرآن أفصح مما هو عليه؟ فما قالوا، فهو جوابنا
عنه، وليس لاحد أن يقول: ليس وراء هذه الفصاحة زيادة، لان الغايات التي ينتهي
إليها الكلام الفصيح غير متناهية. (6)

1) " يستند " د، ق.
2) الشناعة: القبح.
3) من البحار.
4) أبهر: جاء بالعجب.
5) " قال " د، ق.
6) عنه البحار: 92 / 130.
990

فصل
ومن اعتراضاتهم قولهم: لو كان المعجز الصرف لما خفي ذلك على فصحاء
العرب، لأنهم إذا كانوا يتأتى منهم فعل (1) التحدي ما تعذر بعده، وعند روم
المعارضة فالحال (2) في أنهم صرفوا عنها ظاهرة، فكيف لم ينقادوا؟
والجواب: لابد أن يعلموا تعذر ما كان متأتيا منهم: لكنهم يجوز أن ينسبوه
إلى الاتفاقات، أو إلي السحر، أو العناد.
ويجوز أن يدخل عليهم الشبهة على أنهم (3) يلزمهم مثل ما ألزمونا بأن يقال:
إن العرب إذا علموا أن القرآن خرق العادة بفصاحته، فأي شبهة بقيت عليهم؟ ولم
لا (4) ينقادوا؟ فجوابهم، جوابنا. (5)
فصل
واعترضوا، فقالوا: إذا لم يخرق القرآن العادة بفصاحته، فلم شهد له بالفصاحة
متقدمو العرب؟ كالوليد بن المغيرة، وكعب بن زهير، والأعشى الكبير لأنه ورد
ليسلم، فمنعه أبو جهل، وخدعه، وقال: إنه يحرم عليك الأطيبين (6) فلولا أنه
بهرهم بفصاحته، لم ينقادوا له.
والجواب: جميع ما شهد به الفصحاء من بلاغة القرآن فواقعه موقعه، لان من
قال بالصرفة لا ينكر مزية القرآن على غيره بفصاحته، وإنما يقول: تلك المزية
ليست مما يخرق العادة، وتبلغ حد الاعجاز.
فليس في قول الفصحاء وشهادتهم بفصاحة القرآن ما يوجب القول ببطلان الصرفة

1) " قبل " البحار.
2) " بالحال " د، ق، م.
3) " أنه " البحار.
4) " فلم لم " د، ق. " لم " البحار.
5) التخريجة السابقة.
6) يريد - لعنه الله - الخمر والزنا.
991

وأما دخولهم في الاسلام، فلامر بهرهم وأعجزهم، وأي شئ أبلغ من الصرفة
في ذلك؟ (1)
باب
من أن اعجازه الفصاحة
قالوا: إن الله تعالى جعل معجزة كل نبي من جنس ما يتعاطاه قومه، ألا ترى
أن في زمان موسى - على نبينا وعليه السلام - لما كان الغالب على قومه السحر
جعل الله سبحانه معجزته من ذلك القبيل.
فأظهر على يده قلب العصا [حية] (2) واليد البيضاء وغير ذلك، فعلم أولئك
الأقوام (3) أن ذلك مما لا يتعلق بالسحر، فآمنوا به.
وكذلك زمان عيسى - على نبينا وعليه السلام - لما كان الغالب على قومه (4) الطب،
جعل الله سبحانه معجزته من ذلك القبيل، فأظهر الله سبحانه على يده إحياء الموتى، وإبراء
الأكمه والأبرص، فعلم أولئك الأقوام أن ذلك مما لا يوصل إليه بالطب، فآمنوا به.
وكذلك لما كان زمن محمد صلى الله عليه وآله الغالب على قومه الفصاحة والبلاغة، حتى
كانوا لا يتفاخرون بشئ كتفاخرهم بها، جعل الله سبحانه معجزته من ذلك القبيل،
فأظهر على يده هذا القرآن، فعلم الفصحاء منهم أن ذلك ليس من كلام البشر، فآمنوا به
ولهذا جاء المحضرمون (5) وآمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله منهم: قيس بن زهير (6) وكعب

1) التخريجة السابقة.
2) من البحار.
3) كذا في خ ل، ه‍. وفي م " فعلموا ".
4) " عليهم فيه " م.
5) " المخضرمون " خ ل، ق. بمعناها، وهو من مضى شئ من عمره في الجاهلية، وشئ في الاسلام.
وفي البحار " مخصوصون ".
6) هو قيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن الحارث ذكره اليعقوبي في تاريخه:
1 / 267 في شعراء العرب، وابن هشام في سيرته: 1 / 306.
992

بن زهير (1) وجاء الأعشى (2) ومدح رسول الله صلى الله عليه وآله بقصيدة معروفة، فأراد أن يؤمن
فدافعته قريش، وجعلوا يحدثونه بأسوأ ما يقدرون عليه، وقالوا: إنه يحرم عليك
الخمر والزنا.
فقال: لقد كبرت، ومالي في الزنا من حاجة.
فقالوا: أنشدنا ما مدحته (3) به، فأنشدهم:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا * وبت كما بات السليم مسهدا (4)
نبيا (5) يرى مالا ترون وذكره * أغار لعمري في البلاد وأنجدا (6)
قالوا: لو أنشدته هذا لم يقبله [منك]. فلم يزالوا بالسعي حتى صدوه.

1) هو كعب بن زهير بن أبي سلمى، واسم أبى سلمى ربيعة بن رباح بن قرط بن الحارث، كان
رسول الله صلى الله عليه وآله قد أهدر دمه لأبيات قالها. ثم أقبل على رسول الله صلى الله
عليه وآله وأسلم وقال قصيدته المشهورة التي مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم اثرها لم يفد مكبول.
انظر السيرة النبوية لابن هشام: 4 / 144، أسد الغابة: 4 / 240.
2) هو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف.
قال ابن هشام في السيرة النبوية: 2 / 25: حدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي وغيره
من مشايخ بكر بن وائل من أهل العلم: ان أعشى بن قيس.. خرج إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله يريد الاسلام فقال يمدح رسول الله.. ألم تغتمض عيناك.. وذكر القصيدة ونحو
القصة، فراجع.
3) في م هكذا " أنشده باما مدحته ".
4) السليم: الملدوغ. والمسهد: الذي منع من النوم.
5) هكذا في السيرة والبحار. وفي الأصل " وفيها بنى ".
6) أغار: بلغ الغور، وهو ما انخفض من الأرض. وأنجد: بلغ النجد، وهو ما ارتفع من الأرض.
993

فقال: أخرج إلى اليمامة، ألزمه (1) عامي هذا.
فمكث زمانا يسيرا، ومات باليمامة.
نعوذ بالله من الشقاء في الدنيا والآخرة، ومن سوء القضاء، وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وسلم.
وجاء لبيد (2) وآمن برسول الله صلى الله عليه وآله وترك قيل الشعر، تعظيما لأمر القرآن
فقيل له: ما فعلت قصيدتاك:
إن تقوى ربنا خير نفل (3) * وباذن الله ريثي والعجل (4)
وقولك: عفت الديار محلها فمقامها.. (5)؟
قال: أبدلني الله بهما سورتي البقرة، وآل عمران. (6)

1) الزم الشئ: أدامه. ومرجع الضمير إلى الخمر، إذ الرواية هنا مختصره، ففي سيرة
ابن هشام أن الأعشى قال: أما هذه - يعنى الخمرة - فوالله ان في النفس منها لعلالات، ولكني
منصرف فأتروى منها عامي هذا، ثم آتيه فأسلم..
2) هو لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر العامري ثم الجعفري، كان شاعرا من فحول
الشعراء، وفد على رسول الله وأسلم. انظر أسد الغابة: 4 / 260، وغيره.
3) النفل - بالتحريك -: الغنيمة والهبة. (لسان العرب: 11 / 670، وذكر البيت).
4) قال الشريف المرتضى في أماليه: 1 / 21: وممن قيل إنه كان على مذاهب أهل الجبر
ومن المشهورين أيضا لبيد بن ربيعة العامري، واستدل بقوله:
ان تقوى ربنا..
من هداه سبل الخير اهتدى * ناعم البال ومن شاء أضل.
وإن كان لا طريق إلى نسب الجبر إلى مذهب لبيد الا هذان البيتان، فليس فيهما دلالة على
ذلك، أما قوله " وباذن الله ريثى وعجل " فيحتمل أن يريد: بعلمه.. وفيه: ريثى
وعجل. وذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد: 2 / 192، وفيه " ريث وعجل ".
5) وهذا صدر معلقته المشهورة، وعجزه: بمنى تأبد غولها فرجامها.
6) عنه البحار: 92 / 131.
994

فصل
قالوا: ومن خالفنا في [هذا] الباب يقول: إن الطريق إلى النبوة ليس إلا المعجز
وزعموا أن المعجز يلتبس بالحيلة، والشعوذة، وخفة اليد، فلا يكون طريقا إلى
النبوة، فقوله باطل، لان هذا إنما كان يجب لو لم يكن ههنا طريق إلى الفصل بين
المعجز والحيلة، وههنا وجوه من الفصل بينه وبينها:
منها: أن المعجز لا يدخل جنسه تحت مقدور العباد، كقلب العصا حية، وإحياء
الموتى، وغير ذلك.
ومنها: أن المعجز لا يحتاج إلى التعليم، بخلاف الحيلة، فإنها تحتاج إلى الآلات.
ومنها: أن المعجز يكون ناقضا للعادة، بخلاف الحيلة، فإنها لا تكون ناقضة
العادة (1).
ومنها: أن المعجز لا يحتاج إلى الآلات بخلاف الحيلة فإنها تحتاج إلى الآلات.
ومنها: أن المعجز إنما يظهر عند من يكون من أهل ذلك الباب، ويروج
عليهم، والحيلة إنما تظهر عند العوام، والذين لا يكونون من أهل ذلك الباب، ويروج
على الجهال (2). (3)

1) " فإنه يحتاج فيها إلى التعليم " خ ل، والبحار.
2) زاد في خ ل " كل هذه الوجوه من الفرق معنوية ليست أمرية ".
3) عنه البحار: 92 / 133.
995

فصل
ومن قال من مخالفينا: إن محمدا صلى الله عليه وآله لم يكن نبيا لأنه لم يكن معه معجز،
فالكلام عليه أن نقول: إنا نعلم ضرورة أنه ادعى النبوة، كما نعلم أنه ظهر بمكة
وهاجر إلى المدينة، وتحدى العرب بالقرآن، وادعى مزية القرآن على كلامهم
- وهذا يكون تحديا من جهة المعنى - وعلموا أن شأنه يبطل بمعارضته.
فلم يأتوا بها لضعفهم، وعجزهم (1) لانتقاض العادة بالقرآن، فأوجب انتقاض
العادة كونه معجزا دالا على نبوته.
فان قيل: إنما لم يعارضوه لكونهم أعتاما (2) جهالا، لا لعجزهم (3).
قلنا: المعارضة (4) كانت مسلوكة فيما بينهم، فامرئ القيس عارض علقمة بن
عبدة الطبيب (5) وناقضه، وطريقة المعارضة لا تخفى على الصبيان، فكيف على دهاة

1) " وعجزهم كان " البحار.
2) قال ابن زكريا في معجم مقاييس اللغة:
4 / 224: العين، والتاء، والميم أصل صحيح يدل على ابطاء في الشئ أو كف عنه.
وفي البحار " غبايا ".
3) " لا يعجزهم " م. واستظهر ما في المتن.
4) " المعارضات " خ ل، والبحار.
5) كذا في م، ه‍، والبحار وفيه " عبدة بن الطبيب ".
والظاهر أنها هكذا: فامرئ القيس عارضه علقمة بن عبدة، وعبدة بن الطبيب. فكلا
الشاعرين علقمة، وعبدة من فحول الشعراء، كما عدهم اليعقوبي في تاريخه: 1 / 263
و 264، ولكن هذا لا يعنى أن امرئ القيس عارض قصائدهم، بل إن العكس هو الوارد
والصحيح، فقد أورد المبرد في الكامل: 2 / 146 " باب سؤال عبد الملك بن مروان:
أي المناديل أفضل؟ " أبيات لعبدة بن الطبيب هي:
لما نزلنا نصبنا ظل أخبية * وفار للقوم باللحم المراجيل
ورد وأشقر ما يؤنيه طابخه * ما غير الغلى ومنه فهو مأكول
ثمت قمنا إلى جرد مسومة * أعرافهن لأيدينا مناديل
وقال بعد ذلك: وإنما أخذ ما في هذه الأبيات من بيت امرئ القيس، فإنه جمع ما في هذه
الأبيات في بيت واحد، مع فضل التقدم:
نمش بأعراف الجياد أكفنا * إذا نحن قمنا عن شواء مضهب
وأورد الشريف المرتضى في أماليه: 1 / 114 أبيات لعبدة بن الطبيب، منها:
فما كان قيس هلكه هلك واحد * ولكنه بنيان قوم تهدما
قال التبريزي في " المعلقات بشرح التبريزي " بعد شرحه لهذا البيت، وهذا يشبه قول
امرئ القيس:
فلو أنها نفس تموت سوية * ولكنها نفس تساقط أنفسا.
ومما تجدر الإشارة إليه أن ابن عبد ربه قال في العقد الفريد: 7 / 96:
قال أبو عمرو بن العلاء: أعلم الناس بالنساء عبدة بن الطبيب، وأورد أبياتا من الشعر
ثم قال بعدها: وهذه الأبيات لعلقمة بن عبدة المعروف بالفحل.
996

العرب مع ذكائها.
فان قيل: أخطأوا طريق المعارضة - كما أخطأوا في عبادة الأصنام - أو لان
القرآن يشتمل على الاخبار بالماضيات (1) و [هم] لم يكونوا من أهلها.
قلنا: في الأول فرق بينهما، لان عبادة الأصنام طريقها الدلالة والنظر
وما كان طريقه الدلالة والنظر، يجوز فيه الخطأ، بخلاف المعارضة، لان التحدي
وقع بها، وهي ضرورية (2) لا يجوز فيها الخطأ، إذ ليست من النظريات.
وأما الثاني: فقد سألهم ذلك (3) فوجب أن يأتوا بمثله، ويعارضوه، على أنهم
طلبوا ذلك (4) وجاءوا بأشياء وحاولوا أن يجعلوها معارضة للقرآن.

1) " على الأقاصيص " خ ل، والبحار.
2) " بخلاف مسألتنا لان طريقة التحدي هي الضرورة " د، ق، والبحار.
3) " وأما الثاني: ففي القرآن ما ليس من الأقاصيص " خ ل، والبحار.
4) " طلبوا أخبار رستم واسفنديار " خ ل، والبحار.
997

واليهود والنصارى كانوا أهل الأقاصيص، وكان من الواجب أن يعرفوها منهم
وفعلوها (1) معارضة، وحاولوا ذلك، فعجزوا عنه. (2)
فصل
فان قيل: لا يجوز أن يكون القرآن معجزا دالا على نبوته من حيث أنه ناقض
العادة، فلا يمتنع أن يكون العرب أفصح الناس، وفيهم (3) جماعة أفصح العرب
وفي تلك الجماعة واحد هو أفصح منهم، فإذا أتى بكلام لا يمكنهم أن يأتوا بمثله
لا يدل على نبوته.
قلنا: هذا لا يصح، لأنه لا يجوز أن يبلغ كلام ذلك الواحد في الفصاحة إلى
حد لا يمكنهم أن يأتوا بمثله، ولا بما يقاربه.
فإذا أتى بكلام مختص بالفصاحة لا يمكنهم أن يأتوا بمثله، ولا بما يقاربه، يوجب
أن يكون معجزا.
فمثالهم: لا يصح، ولو اتفق، لكان دليلا على صدقه.
فان قيل: لو كان القرآن معجزا لكان نبيا مبعوثا إلى العرب والعجم، وكان
يجب أن يعلم سائر الناس إعجاز القرآن من حيث الفصاحة، والعجم لا يمكنهم ذلك؟
قلنا: هذا لا يصح لان الفصاحة ليست مقصورة على بعض اللغات، والعجم
يمكنهم أن يعرفوا ذلك على سبيل الجملة، إذ أمكن أن يعرفوا (4) بالاخبار المتواترة
أن محمدا صلى الله عليه وآله كان ظهر عليه القرآن، وتحدى به العرب، وعجزوا أن يأتوا بمثله
فيجب أن يكون القرآن معجزا دالا على نبوته.

1) " جعلوها " د، ق.
2) عنه البحار: 92 / 134.
3) " ومنهم " البحار.
4) " يعلموا " د، ق، والبحار. قال أبو هلال في الفروق اللغوية: 62: المعرفة أخص من العلم
لأنها علم بعين الشئ مفصلا عما سواه....
998

والعرب يعرفون ذلك على التفصيل لان القرآن الكريم نزل بلغتهم، والعلم به
على سبيل الجملة في هذا الباب كاف (1).
وإنما قلنا: إنه معجز من حيث أنه ناقض العادة، لان العادة لم تجر أن يتعلم
واحد الفصاحة، ثم يبرز عليهم بحيث لم يمكنهم أن يأتوا بما يقاربه، فإذا أتى به
كذلك، كان معجزا. (2)
باب في أن اعجازه بالفصاحة والنظم معا
قالوا: [إن] الذي يدل على أن التحدي كان بالفصاحة والنظم معا: إنا
رأينا النبي صلى الله عليه وآله أرسل التحدي إرسالا، وأطلقه إطلاقا، من غير تخصيص يحصره
أو استثناء يقصره، فقال مخبرا عن ربه تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن
على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (3)
وقال تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) (4).
فترك القوم استفهامه عن مراده بالتحدي: هل أراد مثله في الفصاحة دون النظم
أو في النظم وحده، أو فيهما معا (5) أو في غيرهما؟ فعل من سبق الفهم إلى قلبه
وزال الريب عنه.
لأنهم لو ارتابوا وشكوا لاستفهموا (6) ولم يجر ذلك على هذا إلا والتحدي

1) " خلاصة الجواب: أنه لا يلزم في المعجز ظهور اعجازه لكل أحد، بالعلم بطريقه، بل
للبعض بذلك، وللآخرين بالنقل " خ ل.
2) عنه البحار: 92 / 134.
3) سورة الإسراء: 88.
4) سورة البقرة: 23.
5) " جميعا " م، د، ق.
6) " لسألوه ولو شكوا لاستفهموه " ه‍، د، ق، والبحار.
999

واقع عندهم، ومعروف بينهم (1).
وقد علمنا أن عادتهم جارية في التحدي باعتبار الفن الذي يقع فيه التحدي
وتفاوته في الفصاحة (2) ولهذا لا يتحدى الشاعر الخطيب الذي لا يتمكن من الشعر
بالشعر، ولا الخطيب الشاعر (3).
وإنما يتحدى كل بنضيره ولا يقنع (4) المعارض حتى يأتي بمثل عروض
صاحبه، كمناقضة جرير للفرزدق، وجرير للأخطل (5).
وإذا كانت هذه عادتهم جرى الحكم (6) في التحدي عليها.
فصل
فان قيل: عادة العرب وإن جرت في التحدي بما ذكرتموه، فلا يمتنع (7) صحة
التحدي بالفصاحة دون طريقة النظم، لا سيما والفصاحة هي التي يصح فيها التفاضل
وإذا لم يمتنع ذلك فما (8) أنكرتم أن يكون تحداهم بالفصاحة دون النظم، وأفهمهم
قصده، فلهذا لم يستعملوه (9).
قلنا: ليس بممتنع أن يقع التحدي بالفصاحة دون النظم (..) (10) وإنما

1) " واقع بحسب عهدهم وعادتهم " ه‍، ط، والبحار.
2) " باعتبار طريقة النظم مع الفصاحة " ه‍، د، ق والبحار. " واقع بحسب عادتهم وعندهم " د، ق.
3) زاد في ط " الذي لا يتمكن من الخطبة ".
4) " كل نضيره " ه‍. " انسان صاحبه بالفن " م.
5) ولكل واحد من هؤلاء باع طويل في الشعر، وقد جرت بينهما - كل مع صاحبه - وقائع
وأحداث طريفة وممتعة تناولتها أكثر كتب الأدب والتاريخ.
6) " فإنما اختلفوا " د، ق، والبحار.
7) " يمنع " البحار.
8) " مما " د، ق. " فبما " البحار.
9) " يستفهموه " د، ق والبحار.
10) في م عبارة غير مقروءة، وفي البحار " فمن أين عرفته ". لاحظ التعليقة الآتية.
1000

منعناه بالقرآن من حيث أطلق التحدي به (1)، وعري عما (2) يخصه بوجه دون وجه
فحملناه على ما عهده الفوم، وألفوه في التحدي.
ولو كان صلى الله عليه وآله أفهمهم تخصيص التحدي بقول مسموع، لوجب أن ينقل إلينا
لفظه، ولا نجد له نقلا، ولو كان أخطرهم (3) إلى قصده (4) بمخارج الكلام، أو بإشارة
وغيرها لوجب اتصاله بنا أيضا، لان ما يدعو إلى النقل للألفاظ، يدعو إلى نقل ما يتصل
بها من مقاصد ومخارج، سيما فيما تمس الحاجة إليه.
ألا ترى أنه لما نفى النبوة بعد نبوته بقوله صلى الله عليه وآله: " لا نبي بعدي " (5) أفهم مراده
السامعين من هذا القول أنه عنى به لا نبي من بعدي، لا نبي من البشر كلهم، وأراد
صلى الله عليه وسلم بالبعد عموم سائر الأوقات، اتصل ذلك بها على حد اتصال اللفظ حتى شركنا
سامعيه في معرفة الغرض، وكنا في العلم به كأحدهم، وفي ارتفاع كل ذلك من النقل
دليل على صحة قولنا.
فصل
على أن التحدي لو كان مقصورا على الفصاحة دون النظم، لوقعت المعارضة
من القوم ببعض فصيح شعرهم، أو بليغ كلامهم، لأنا نعلم حقا الفرق بين فصار
السور، وفصيح كلام العرب.
وهذا يدل على التقارب (6) المزيل للاعجاز، والعرب بهذا أعلم، فكان يجب

1) " قلنا: ليس بممتنع بان يقع التحذى من التحدي من التحدي إلى التحدي به " د، ق.
وفي البحار " سمعناه " بدل " منعناه ".
2) " مما " د، ق.
3) " اضطرهم " م، والبحار.
4) " كان أفهمهم " البحار.
5) وهو حديث متواتر مشهور، قاله صلى الله عليه
وآله في حديث معروف بحديث " المنزلة ".
وقد استقصينا معظم تخريجاته عند تحقيقنا كتاب " مائة منقبة " فراجع المنقبة 57.
6) " التفاوت " خ ل.
1001

أن يعارضوه، فإذ لم يفعلوا، فلأنهم (1) فهموا من التحدي الفصاحة وطريقة النظم
ولم يجتمعا لهم.
واختصاص القرآن الكريم بنظم مخالف لسائر ضروب الكلام، أوضح من أن
نتكلف الدلالة عليه، فالدليل ينصب حيث تتطرق الشبهة، فأما في مثل هذا فلا
فصل
وقد قال السيد: عندي (2) أن التحدي وقع بالاتيان بمثله في فصاحته وطريقته في
النظم (3)، ولم يكن بأحد الامرين.
فلو وقعت المعارضة بشعر منظوم، أو برجز موزون، أو بمنثور من الكلام، ليس
له طريقة القرآن في النظم والفصاحة، لكانت (4) واقعة وقعها (5).
فالصرفة على هذا إنما كانت بأن سلب الله تعالى من البشر جميع العلوم (6) التي
يتأتى معها مثل فصاحة القرآن الكريم، وطريقته في النظم.
ولهذا لا ينصب (7) في كلام العرب ما يقارب القرآن في فصاحته ونظمه. (8)

1) " علم أنهم " م.
2) " عندنا " ه‍.
3) " بكلمه وفصاحته وطريقه في نظم النظم " د، ق.
4) " في النظم لم تكن " خ ل، د، ق، والبحار.
5) " موقعها " د، ق.
6) " يسلب الله كل من رام المعارضة للعلوم " والبحار.
7) " يصيب " د، ق. " يصاب " ط، والبحار.
8) عنه البحار: 92 / 137. وقد أورد السيد
الشريف المرتضى نحوا من هذا في المجموعة الثانية من رسائله كما أشرنا إليه، ويبدو
أن النص الذي أورده المصنف هنا هو من كتاب " الموضح عن وجه اعجاز القرآن " الذي
ذكره أبو جعفر الطوسي والنجاشي، وسمياه " كتاب الصرفة " وذكره أيضا ابن شهرآشوب.
1002

باب
في أن اعجاز القرآن: المعاني التي اشتمل عليها من الفصاحة
قالوا: لما وجدنا الكلام منظوما موزونا، ومنثورا [غير موزون] والمنظوم (1)
هو الشعر، وأكثر الناس لا يقدرون عليه، فجعل الله تعالى معجز نبيه النمط الذي
يقدر عليه كل أحد، ولا يتعذر نوعه على كلهم، وهو الذي ليس بموزون، فتلزم
حجته للجميع.
والذي يجب أن يعلم في العلم باعجاز النظم، هو أن يعلم مباني (2) الكلام
وأسباب الفصاحة في ألفاظها، وكيفية ترتيبها، وتباين ألفاظها، وكيفية الفرق بين
الفصيح والأفصح، والبليغ والأبلغ، ويعلم (3) مقادير النظم والأوزان، وما به
يتبين المنظوم من المنثور، وفواصل الكلام، ومقاطعه، ومباديه، وأنواع مؤلفه
ومنظومه.
ثم ينظر فيما أتى به حتى يعلم أنه من أي نوع هو؟ وكيف فضل على ما فضل
عليه من أنواع الكلام، حتى يعلم أنه نظم (4) مباين لسائر المنظوم، ونمط خارج
عن جملة ما كانوا اعتادوه فيما بينهم من أنواع الخطب، والرسائل، والشعر
والمنظوم، والمنثور (5) والرجز، والمخمس، والمزدوج، والعريض (6)
والقصير.

1) " الموزون " م.
2) " بيان " خ ل.
3) " يعرف " خ ل، ه‍.
4) " من نظم " البحار.
5) من البحار، وفي النسخ " من ".
6) " والقريض " م.
1003

فإذا تأملت ذلك، وتدبرت مقاطعه ومفاتحه، وسهولة ألفاظه، واستجماع معانيه
وأن كل لفظة منها لو غيرت لم يمكن أن يؤتى بدلها بلفظة هي أوفق (1) من تلك اللفظة
وأدل على المعنى منها، وأجمع للفوائد والزوائد منها.
وإذا كان كذلك فعند تأمل جميع ذلك يتحقق ما فيه من النظم اللائق (2) والمعاني
الصحيحة التي لا يكاد يوجد مثلها على نظم تلك العبارة، وإن اجتهد البليغ
والخطيب.
فصل
في خواص (3) نظم القرآن
أولها: خروج نظمه عن صور جميع (4) أسباب المنظومات، ولولا نزول
القرآن لم يقع في خلد (5) فصيح سواه (6) ولذلك قال عتبة بن ربيعة لما اختاره (7) [قريش
للمصير إلى النبي صلى الله عليه وآله قرأ صلى الله عليه وآله عليه حم السجدة فلما انصرف قال:
سمعت أنواع كلام العرب، فما أشبهه شئ منها، إنه أورد علي ما أراعني! (8)
ونحوه ما حكى الله عن الجن (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد) (9)
من قل أوحي.
فلما عدم وجود شبه القرآن من أنواع المنظوم، انقطعت أطماعهم عن معارضته

1) " أو في " د، ق.
2) " الأليق " خ ل. " المباين " ه‍. " الباين " د، ق.
3) " خروج " خ ل.
4) " عن سائر " ه‍، ط.
5) الخلد - بالفتح: البال والقلب.
6) " سواها " خ ل، د، ق.
7) من هنا إلى ص 1013 ليس في " م " راجع بياننا في ص 966.
8) أورد الرواية ابن هشام في السيرة النبوية: 1 / 313 - 314 بالتفصيل.
9) سورة الجن: 1.
1004

والخاصة الثانية: هي (1) الروعة التي له في قلوب السامعين، فمن كان مؤمنا
يجد هشاشة (2) إليه، وانجذابا نحوه.
وحكي أن نصرانيا مر برجل يقرأ القرآن، فبكى، فقيل له (3): ما أبكاك؟
قال: النظم.
والثالثة: إنه لم يزل نظما (4) طريا، لا يمل، ولا يمل (5) والكتب المتقدمة
عارية عن رتبة (6) النظم، وأهل الكتاب لا يدعون ذلك لها.
والرابعة: إنه في صورة كلام هو خطاب لرسوله تارة، ولخلقه أخرى.
والخامسة: ما يوجد من جمعه (7) فان له صفتي الجزالة والعذوبة، وهما
كالمتضادين.
والسادسة: ما وقع في أجزائه من امتزاج بعض أنواع الكلام ببعض، وعادة
ناظمي (8) البشر تقسيم معاني الكلام.
والسابعة: إن كل فضيلة تنعش في (9) تأسيس اللغة في اللسان العربي هي
موجودة في القرآن.
والثامنة: وجود (10) التفاضل بين بعض أجزائه من السور وبين بعض
والصورة (11) الحسنة تظهر بين المختلفات كما (12) في التوراة كلمات عشر تشتمل على

1) " في " البحار.
2) الهشاشة: الاقبال على الشئ بنشاط. وفي البحار " شوقا ".
3) " فقال " ط.
4) " رضا " ط. " غضا " د، ق، والبحار.
5) " لا يخلق، ولا يمل تاليه " البحار.
6) " من زينة " د، ق.
7) زاد في البحار بين []: بين الأضداد.
8) " ناطقي " البحار.
9) " تنفس " من ه‍. " بنفس من " خ ط، د، ق.
10) " عدم وجود " البحار.
11) " والسورة " ه‍.
12) " من السور كما " البحار.
1005

الوصايا يستحلفون بها لجلالة قدرها، وكذا في الإنجيل أربع صحف، وكذا في
الزبور تحاميد وتسابيح (1) يقرأونها في صلواتهم.
والتاسعة: وجود ما يحتاج العباد إلى علمه (2) من أصول دينهم وفروعه، من
التنبيه على طرق العقليات، وإقامة الحجج (3). على الملاحدة، والبراهمة (4)
والثنوية (5) والمنكرة للبعث، والقائلين بالطبائع، بأوجز كلام وأبلغه، ففيه من أنواع
الاعراب والعربية والحقيقة والمجاز حتى الطب في قوله: (كلوا واشربوا
ولا تسرفوا) (6) فهذا أصل الطب، والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ، وهو
مهيمن على جميع الكتب المتقدمة.
والعاشرة: وجود قوة النظم في أجزائه كلها حتى لا يظهر في شئ من
ذلك تفاوت ولا اختلاف، وله خواص سواها كثيرة.

1) " في الإنجيل محاميد ومسابيح " البحار.
2) " عمله " ه‍.
3) " الحجة " ط.
4) البراهمة: تقدم بيانها في ص 17.
5) " الحشوية " ه‍. والثنوية: من يثبت مع القديم قديما غيره. وقيل: هم طائفة يقولون: ان
كل مخلوق مخلوق للخلق الأول. وقيل: هم فرق المجوس يثبتون مبدأين: مبدأ للخير، ومبدأ
للشر، وهما النور والظلمة، ويقولون بنبوة إبراهيم عليه السلام. (مجمع البحرين / ثوا)
واما الحشوية: فإنهم سموا بذلك لأنهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث
المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أي يدخلونها فيها وليست منها، وجميع الحشوية
يقولون بالجبر والتشبيه، وان الله تعالى موصوف عندهم بالنفس واليد والسمع والبصر..
(راجع كتاب المقالات والفرق لمسعد بن عبد الله الأشعري: 136).
6) سورة الأعراف: 31.
1006

فصل
فان قيل: فهلا كانت ألفاظ القرآن بكليتها مؤلفة من مثل الألفاظ الوجيزة (1)
التي إذا وقعت في الكلام زادته حسنا، ليكون كلام الله على النظم الأحسن الأفضل
إذ كان لا يعجزه شئ عن بلوغ الغاية، كما يعجز الخلق عن ذلك؟
الجواب: قلنا: إن هذا يعود إلى أنه كيف لم ترتفع أسباب التفاضل بين الأشياء
حتى تكون كلها كشئ واحد متشابه الاجزاء والابعاض؟ وكيف فضل بعض
الملائكة على بعض؟ ومتى كان كذلك، لم يوجد اختلاف بين الأشياء، يعرف به الشئ
وضده.
على أنه لو كان كلام الله كما ذكر، لخرج في صورة المعمى (2) الذي لا يوجد
له لذة البسط والشرح، ولو كان مبسوطا لم تبق (3) فضيلة الراسخين في العلم على
من سواهم.
ثم أنه تعالى حكيم علم أن (4) إلطاف المبعوث إليهم إنما هو في النمط الذي أنزله
فلو كان على تركيب آخر، لم يكن لطفا لهم.
فصل
ثم لنذكر وجها آخر للصرفة، وهو (5) أن الامر لو كان بخلافه، وكان تعذر
المعارضة المبتغاة والعدول عنها لعلمهم بفضله على سائر كلامهم في الفصاحة، وتجاوزه
له في الجزالة، لوجب أن يقع منهم معارضة على كل حال.

1) " قبل الالفاط الموجزة " البحار.
2) المعمى من الكلام: ما عمى معناه وخفى.
3) " تبين " البحار.
4) " عليم بأن " البحار.
5) " باب في أن التعجيز الأقوى أن التعجيز هو وجه اعجاز اللسان يدل على أن الله صرف
فصحاء العرب عن معارضة القرآن وحان بينهم وبين تعاطى مقابلته " د، ق.
1007

لان العرب الذين خوطبوا بالتحدي والتقريع، ووجهوا بالتعنيف والتبكيت (1)
كانوا متى (3) أضافوا فصاحة القرآن إلى فصاحتهم، وقاسوا بكلامهم كلامه، علموا أن
المزية بينهما إنما تظهر لهم دون غيرهم.
فمن نقص عن طريقتهم (3)، ونزل عن درجتهم، دون الناس أجمعين، ممن لا يعرف
الفصاحة، ولا يأنس بالعربية، وكان ما عليه دون المعرفة لفصيح الكلام من أهل زماننا ممن (4)
خفي الفرق عليهم بين مواضع من القرآن وبين فقرات العرب البديعة، وكلمهم الغريبة (5).
فأي شئ أقعد بهم عن أن يعتمدوا إلى بعض أشعارهم الفصيحة، وألفاظهم
المنثورة، فيقابلوه، ويدعوا أنه مماثل لفصاحته أو أزيد عليها؟ لا سيما وخصمنا
في (6) هذه الطريقة يدعي أن التحدي وقع بالفصاحة دون النظم وغيره من
المعاني المدعاة في هذا الموضع.
فسواء حصلت المعارضة بمنظوم الكلام أو بمنثوره، فمن هذا الذي كان يكون
الحكم في هذه الدعوى؟ وفي جماعة الفصحاء أو جمهورهم كانوا أعداء (7) رسول الله
صلى الله عليه وآله ومن أهل الخلاف عليه، والرد لدعوته، والصدود عن محجته (8) لا سيما
في بدو الامر وأوله، وقبل استقرار الحجة، وظهور الدعوة، وكثرة عدد الموافقين
وتظافر الأنصار والمهاجرين.
ولا يعمل إلا على أن هذه الدعوى لو حصلت لردها بالتكذيب من كان في
حرب النبي صلى الله عليه وآله من الفصحاء. لكن كان اللبس يحصل والشبهة تقع لكل من لم يساو
هؤلاء في المعرفة من المستجيبين للدعوة والمنحرفين عنها من العرب.
ثم لطوائف الناس جميعا - كالفرس والروم والترك ومن ماثلهم ممن لاحظ له
في العربية - عند تقابل الدعاوي في وقوع المعارضة موقعها، وتعارض الأقوال في

1) بكته: عنفه وقرعه.
2) " إذا " البحار.
3) " ممن نقص عن طبقتهم " البحار.
4) " من " د، ق.
5) العربية سابقا عندهم ومتقررا في نفوسهم " د، ق.
6) " أكثر من يذهب إلى " البحار.
7) " حرب " البحار.
8) " المحجة: جادة الطريق، أي وسطه.
1008

الإصابة بها مكانها، ما تتأكد الشبهة، وتعظم المحنة، ويرتفع الطريق إلى إصابة الحق
لان الناظر إذا رأى جل أصحاب الفصاحة وأكثرهم يدعي وقوع المعارضة
والمكافأة والمماثلة، وقوما منهم كلهم ينكر ذلك ويدفعه، كان أحسن حاله أن يشك
في القولين، ويجوز في كل واحد منهما الصدق والكذب.
فأي شئ يبقى من المعجز بعد هذا؟ والاعجاز لا يتم إلا بالقطع على تعذر
المعارضة على القوم، وقصورهم عن المعارضة والمقاربة، والتعذر لا يحصل (1) إلا بعد
حصول العلم بأن المعارضة لم تقع، مع توفر الدواعي وقوة الأسباب، فكانت
حينئذ لا تقع الاستجابة من عاقل، ولا المؤازرة من متدين.
فصل
وليس يحجز العرب عما ذكرناه ورع ولا حياء، لأنا وجدناهم لم يراعوهما و
لم يرعووا عن السب والهجاء، ولم يستحيوا من القذف والافتراء، وليس في ذلك ما
يكون حجة ولا شبهة، بل هو كاشف عن شدة عداوتهم، وأن الحيرة قد بلغت بهم إلى
استحسان القبيح الذي كانت نفوسهم تأباه، وأخرجهم ضيق الخناق إلى أن أحضر أحدهم
أخبار رستم واسفنديار، وجعل يقص بها ويوهم الناس أنه قد عارض، وأن المطلوب
بالتحدي هو القصص والاخبار وليس يبلغ بهم الامر إلى هذا، وهم متمكنون مما
يرفع الشبهة، فيعدلوا عنه مختارين.
وأخلاقهم وإن وقرت، فان الحال التي دفعوا إليها، حال تصغر الكبير، ومن
أشرف على الهوان بعد العزة جف علمه، وغرب غلمه، وأقدم على ما لم يكن يقدم عليه.
وليس يمكن لاحد أن يدعي أن ذلك مما لم يهتد إليه العرب، وأنه لو اتفق
خطوره ببالهم لفعلوه، غير أنه لم يتفق، لأنهم كانوا من الفطنة واللبابة على ما لا يخفى
عليهم معه أنفذ الكيدين فضلا عن أن يدفعوا عن الحيلة وهي بادئة هذا مع صدق
الحاجة وفوتها، والحاجة تفتق الحيل (2).
وهب لم يفطنوا لذلك بالبديهة، كيف لم يقعوا عليه مع التغلغل (3)؟ وكيف لم يتفق

1) " لا يعلم " د، ق.
2) " الجبل " البحار.
3) " التفكر " البحار.
1009

لهم [ذلك] (1) مع فرط الذكاء وجودة الذهن؟
وهذا من قبيح الغفلة التي ينزه القوم عنها، ووصفهم الله بخلافها.
وليس يورد مثل هذا الاعتراض من موافق في إعجاز القرآن، وإنما يصير إليه من
خالفنا في الملة، أو أبهرته (2) الحجة، فيرمي العرب بالبله والغفلة، فيقول: لعلهم لم
يعلموا أن المعارضة أنجع (3) وأنفع، وطريق الحجة أصوب وأقرب، لأنهم لم
يكونوا أصحاب نظر وفكر، وإنما كانت الفصاحة صنعتهم، فعدلوا إلى الحرب.
وهذا الاعتراض إذا ورد علينا كانت كلمة جماعتنا واحدة في رده، وقلنا في جوابه:
إن العرب إن لم يكونوا نظارين، فلم يكونوا غفلة مجانين، وته العقول (4) أن
مساواة (5) التحدي في فعله ومعارضته بمثله، أبلغ في الاحتجاج عليه من كل فعل، ولا يجوز
أن يذهب العرب الألباء عما لا يذهب عنه العامة والأغبياء.
والحرب غير مانعة عن المعارضة، وقد كانوا يستعملون في حروبهم من الارتجاز
ما لو جعلوا مكانه معارضة القرآن كان أنفع لهم. وهذا كان في جواب من جعل ذلك
كفهم عن المعارضة.
باب
في مطاعن المخالفين في القرآن
قالوا: إن في القرآن تفاوتا كقوله: (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا
خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن) (6) ففي هذا تكرير بغير
فائدة فيه لان قوله " قوم من قوم " يغني عن قوله " نساء من نساء " فالنساء يدخلن
في قوم، يقال: " هؤلاء قوم فلان " للرجال وللنساء من عشيرته؟
الجواب: إن " قوم " لا يقع في حقيقة اللغة إلا على الرجال، ولا يقال

1) من البحار.
2) " وأبهرته " البحار.
3) أنجع: أفلح.
4) وتها، تهوا أي غفل.
5) " مسألة " البحار.
6) سورة الحجرات: 11.
1010

للنساء التي ليس فيهن رجل: هؤلاء قوم فلان. وإنما سمي الرجال قوما، لأنهم
هم القائمون بالأمور عند الشدائد - الواحد قائم - كتاجر وتجره، ومسافر وسفره،
ونائم ونومه وزائر وزوره، ويدل عليه قول زهير:
وما أدري وسوف إخال (1) أدري * أقوم آل حصن أم نساء
وقالوا في قوله تعالى: (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري) (2) تفاوت
كيف تكون العيون في غطاء عن ذكر؟ وإنما تكون الاسماع في غطاء عنه.
الجواب: إن الله أراد بذلك عيون (3) القلوب، يدل عليه قول الناس: عمي
قلب فلان. وفلان أعمى القلب، إذا لم يفهم.
وقال تعالى: (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (4) وبصر القلوب أو (5)
عماها هو المؤثر في باب الدين المانع من الاهتداء، فجاز أن يقال للقلب أعمى
وإن كان العمى في العين.
ومثله قوله: (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) (6) والأكنة: الأغطية.
فصل
ويسألوا عن قوله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن
ودا) (7) قالوا: لا يقال: فلان يجعل لفلان حبا، إذا أحبه؟
الجواب: إن الله إنما أراد سيجعل لهم الرحمن ودا في قلوب المؤمنين،
والمعنى إني: حببتهم إلى القلوب.
وقالوا في قوله: (أم عندهم الغيب فهم يكتبون) (8) ما الكتاب من علم الغيب،
وكانت قريش أميين، فكيف جعلهم يكتبون؟

(1) خال الشئ: ظنه، ومضارعه للمتكلم المفرد: اخال.
2) سورة الكهف: 101.
3) " عميان " البحار.
4) سورة الحج: 46.
5) سورة الأنعام: 25.
6) " وقصد القلوب لان " البحار.
7) سورة مريم: 96.
8) سورة الطور: 41، وسورة القلم: 47.
1011

الجواب: إن معنى الكتابة هنا: الحكم. يريد: أعندهم علم الغيب، فهم يحكمون
فيقولون: سنقهرك ونطردك، وتكون العاقبة لنا، لا لك. ومثله قول الجعدي (1):
ومال الولاء بالبلاء فملتم * وما ذاك حكم الله إذ هو يكتب (2)
أي يحكم (3). ومثله (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) (4).
ومثله قوله صلى الله عليه وآله للمتحاكمين إليه: " والذي نفسي بيده لأقضين فيكما بكتاب الله "
أي بحكم الله لأنه أراد الرجم والتعذيب، وليس ذلك في [ظاهر] (5) كتاب الله.
فصل
وقالوا: في قوله: (وقل إني أنا النذير المبين * كما أنزلنا على المقتسمين *
الذين جعلوا القرآن عضين) (6) كيف يليق أحد الكلامين ولفظ " كما " يأتي
لتشبيه شئ بشئ تقدم ذكره ولم يتقدم في أول الكلام ما يشبه به ما تأخر عنه.
كذلك قالوا في قوله: (لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم * كما
أخرجك ربك من بيتك بالحق) (7) ما الذي يشبه (8) بالكلام الأول من إخراج الله إياه.
وقالوا في قوله: (ولاتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون * كما أرسلنا). (9)
الجواب: إن القرآن نزل على لسان العرب، وفيه حذف وإيماء، ووحي وإشارة
فقوله: " أنا النذير المبين " فيه حذف كأنه قال: أنا النذير المبين عذابا، مثلما أنزل
على المقتسمين، فحذف العذاب إذ كان الانذار يدل عليه كقوله في موضع:

1) هو أبو ليلى نابغة بنى جعدة.
2) ومثله قوله الاخر على ما استشهد به الجوهري في الصحاح: 208.
يا ابنة عمى كتاب الله أخرجني * عنكم وهل أمنعن الله ما فعلا
3) زاد في البحار " بيده ".
4) سورة المائدة: 45.
5) من البحار.
6) سورة الحجر: 89 - 91.
7) سورة الأنفال: 4 - 5.
8) " ما ألقى " د، ق.
9) سورة البقرة: 150 - 151.
1012

(أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) (1).
ولو أراد مريد أن يمثل هذا بذاك، لقال: أنا النذير المبين كما أنزل على عاد وثمود.
ومثله من المحذوف كثيرا من أشعار العرب وكلامهم.
وأما قوله: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " فان المسلمين يوم بدر
اختلفوا في الأنفال، وجادل كثير منهم رسول الله صلى الله عليه وآله فيما فعله في الأنفال، فأنزل
الله سبحانه: (يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول - يجعلها لمن يشاء -
فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم - أي فرقوها بينكم على السواء - وأطيعوا الله
ورسوله - فيما بعد - إن كنتم مؤمنين) (2) ووصف المؤمنين. ثم قال:
(كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) (3)
يريد أن كراهتهم في الغنائم ككراهتهم للخروج معك.
وأما قوله: " ولعلكم تهتدون * كما أرسلنا " فإنه أراد: ولاتم نعمتي كارسالي
فيكم رسولا أنعمت به عليكم يبين لكم.
فصل
سألوا عن قوله: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله) (4)
ولا يقول أحد منهما ذلك.
الجواب: إنه لما أحرق بخت نصر بيت المقدس، نفى (5) بني إسرائيل
وسبى ذراريهم، وخرق (6) التوراة حتى لم يبق لهم رسم، وكان في سباياه " دانيال "
فعبر رؤياه (7) فنزل منه بأحسن المنازل.
فأقام عزير لهم التوراة بعينها، حين عاد إلى الشام بعد فوتها.

1) سورة فصلت: 13.
2) سورة الأنفال: 1، 5.
3) سورة الأنفال: 1، 5.
4) سورة براءة: 30.
5) " بغى على " البحار.
6) " حرق " البحار. وخرق أي مزق.
7) أورد المصنف خبر تعبير الرؤيا في قصص الأنبياء: 225 ح 296 فراجع
1013

فقالت طائفة من اليهود: هو ابن الله، ولم يقل ذلك كل اليهود، وهذا خصوص
خرج مخرج العموم.
وسألوا عن قوله: (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) (1) قالوا: كيف جمع الله بينه
وبين قوله: (لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم) (2) وهذا
خلاف الأول، لأنه قال أولا: نبذناه مطلقا، ثم قال: لولا أن تداركه لنبذ، فجعله شرطا؟
الجواب: معنى ذلك: لولا أنا رحمناه بإجابة دعائه، لنبذناه حين نبذناه بالعراء
مذموما، وقد كان نبذه في حالته الأولى سقيما يدل عليه قوله: (فاجتبيه ربه نجعله
من الصالحين) (3) لكن تداركه الله بنعمة من عنده، فطرح بالفضاء وهو غير مذموم
فاختاره الله، وبعثه نبيا، [ولا تناقض بين الآيتين، وإن كان في موضع نبذناه مطلقا
وهو سقيم] (4) ولم يكن في هذه الحالة بمليم.
[وفي موضع آخر نبذ مشروطا، ومعناه: لولا أن رحمنا يونس عليه السلام لنبذناه ملوما]. (5)
وإن كان لوم عتاب، لا لوم عقاب، لأنه ترك الأولى. (5)

1) سورة الصافات: 145.
2) سورة القلم: 49.
3) سورة القلم: 50.
4) من البحار.
5) من البحار.
1014

[فصل]
وسألوا عن قوله: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) (1) واسمه في التوراة تارخ
فيقال: لا ينكر أن يكون له اسمان، فقد يكون للرجال اسمان وكنيتان، هذا إدريس
في التوراة أخنوخ ويعقوب إسرائيل، وعيسى يدعى المسيح، وقد قال نبينا:
لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، والماحي، والعاقب، والحاشر. (2)
وقد يكون للرجل كمنيتان كما كان له اسمان، فان حمزة يكنى: أبا يعلى
وأبا عتبة (3) وصخر بن حرب - والد معاوية - يكنى (4) أبا سفيان، وأبا حنظلة.
وقيل: معنى آزر: يا ضعيف، أو يا جاهل. ويقال: يا معاوني (5) ويا مصاحبي أو يا
شيخي. فعلى هذا يكون ذلك وصفا له. وقال الأكثرون: إن آزر كان عم إبراهيم
والعرب تجعل العم أبا.
والصحيح أن آزر ما كان أبا إبراهيم (6).
[فصل]
وسألوا عن قوله: (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا -
ثم قال: - قل الله أعلم بما لبثوا) (7) وهذا كلام متفاوت، لأنه أخبرنا بمدة لبثهم.
ثم قال: " الله أعلم بما لبثوا " وقد علمنا ذلك بما أعلمنا.
الجواب: إنهم اختلفوا في مدة لبثهم، كما اختلفوا في عدتهم، فأعلمنا الله

1) سورة الأنعام: 74.
2) أخرجه في البحار: 16 / 115، عن كشف الغمة: 1 / 7 مفصلا.
3) كذا في د، ق، والبحار. وفي كتب التراجم والسيرة " أبا عمارة ".
4) " أبا معاوية، و " البحار.
5) " أو قال: يا موازري " د، ق.
6) " والصحيح ان آزر كان أبا لام إبراهيم " البحار.
7) سورة الكهف: 25 - 26.
1015

أنهم لبثوا ثلاثمائة، فقالوا: سنين وشهورا وأياما؟ فأنزل الله سنين] (1).
ثم قال: " ازدادوا تسعا " وأنا أعلم بما لبثوا من المختلفين.
فصل
وسألوا عن قوله (يا أخت هارون ما كان أبوك امرء سوء) (2) ولم يكن لمريم
أخ يقال له هارون! الجواب: [إعلم] إنه لم يرد بهذا اخوة النسب، بل أراد
يا شبيهة هارون، ومثل هارون (3) في الصلاح.
وكان في بني إسرائيل رجل صالح اسمه هارون، وقد يقول الرجل لغيره:
يا أخي، ولا يريد اخوة (4) النسب، ويقال: هذا الشئ أخو هذا الشئ، إذا كان
متشاكلا [ه‍] (5). وقال تعالى: (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) (6).
فصل
وقالوا: كيف [يكون] هذا النظم بالوصف الذي ذكرتم في البلاغة والنهاية (7)
وقد وجد التكرار من ألفاظه كقوله: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) ونحوه من
تكرير القصص؟
الجواب: إن التكرير على وجوه:

1) من ص 1001 إلى هنا ليس في " م ".
2) سورة مريم: 28.
3) " ما شبيه " م، ه‍. " ما يشبه " البحار. وفي نسخة من ط " أو يا مثل " بدل " ومثل ".
4) " به أخوه " د.
5) " له مشاكلا " ه‍، د. وتشاكلا: تماثلا وتوافقا. وشاكله مشاكلة: ماثله ووافقه.
6) سورة الزخرف: 48.
7) " البلاغ عن النهاية " د.
1016

منها: ما يوجد في اللفظ دون المعنى (1) كقولهم: أطعني ولا تعصني.
ومنها: ما يوجد فيهما (2) معا كقولهم، عجل عجل، أي سرا وعلانية، والله
والله، أي في الماضي والمستقبل. وقد يقع كل ذلك لتأكيد المعنى والمبالغة فيه
ويقع مرة لتزيين النظم وحسنه، والحاجة إلى استعمال كليهما.
فالمستعمل للايجاز والحذف ربما عمي على السامع، وإنما ذم أهل
البلاغة التكرار الواقع في الألفاظ إذا وجد فضلا من القول غير مفيد فائدة في
التأكيد لمعنى أو لتزيين لفظ ونظم. وإذا وجد كذلك كان هذرا ولغوا (3).
وأما إذا أفاد فائدة في كل من النوعين كان من أفضل اللواحق للكلام المنظوم
ولم يسم تكريرا على الذم، وتكرير اللفظ لتزيين النظم أمر لا يدفعه عارف بالبلاغة
وهو موجود في أشعارهم. (4)

1) كذا في الأصل والبحار والعكس هو الصحيح.
2) " منهما " م.
3) كذا في البحار. " عناء " م. " عنادا " ه‍. " عياء " ط.
4) من أول الباب إلى هنا عنه البحار: 92 / 121 - 146.
1017

الباب التاسع عشر
في الفرق بين الحيل والمعجزات
أما بعد حمد الله تعالى، الذي فرق لجميع المكلفين بين الحق والباطل.
والصلاة على محمد وآله الذين أعادوا الدين كعود الحلي إلى العاطل (1).
فاني أذكر ما ينكشف به الفصل بين الحيل والمعجزات، ويظهر به الشعوذة
والمخاريق، وحقيقة الدلالات والعلامات لكل ذي رأي صائب، ونظر ثاقب
والله الموفق والمعين.
باب
في ذكر الحيل وأسبابها وآلاتها
وكيفية التوصل إلى استعمالها، وذكر وجه اعجاز المعجزات
إعلم أن الحيل هي أن يري صاحب الحيلة الامر في الظاهر على وجه لا يكون عليه
ويخفي (2) وجه الحيلة فيه.
نحو عجل السامري الذي جعل فيه خروفا تدخل فيها الريح، فيسمع منه صوت.
ومنها: مخرقة المشعبذ نحو أن يري الناظر ذلك في خفة حركاته كأنه ذبح حيوانا
ولا يذبحه في الحقيقة، ثم يري من بعد أنه أحياه [بعد الذبح].

1) العاطل: المرأة التي ليس عليها حلي، ولم تلبس الزينة، وخلا جيدها من القلائد. لسان
العرب: 11 / 453.
2) " لا يلتبس على محصل " م.
1018

ويشبه هذا الجنس من الحيل (1): السحر.
وليست معجزات الأنبياء والأوصياء عليهم السلام من هذا الجنس، لان الذي (2) يأتون به
من المعجزات يكون على ما يأتون به.
والعقلاء يعلمون (3) أنها كذلك، لا يشكون فيه وأنه ليس فيها وجه حيلة نحو قلب
العصا حية، وإحياء الميت، وكلام الجماد والحيوانات من البهائم والسباع
والطيور على الاستمرار في أشياء مختلفة، والاخبار عن الغيب، والاتيان بخرق العادة،
ونحو القرآن في مثل بلاغته والصرفة (4) وإن كان يعلم كونه معجزا أكثر الناس
بالاستدلال.
ولهذا قال تعالى في قوم فرعون وما رأوه من معجزات موسى - على نبينا
وعليه السلام -: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) (5).

1) " وهذا الجنس من الحيل هو " د، ق.
2) " القبيل، بل ما "، د، ط، ه‍، ق، والبحار.
3) زاد في ه‍، والبحار: " أكثرها باضطرار ".
4) الصرفة: مذهب يقول: ان الاتيان بمثل القرآن أو بعضا منه ممكن، ولكن الله سبحانه
يصرف الانسان عن معارضته والاتيان بمثله بالإرادة الإلهية الحاكمة على إرادة الانسان.
فهم يقولون: " ان جهة اعجاز القرآن هي الصرفة لا فرط فصاحته " وهو ما ذهب إليه
السيد المرتضى حتى أنه ألف كتابا في نصرة القول بالصرفة.
وقال: " واعتمادي في نصرتها على أن أحدا لا يفرق بالضرورة - من غير استدلال - بين
مواضع من القرآن وبين افصح كلام للعرب في الفصاحة: راجع رسائل الشريف
المرتضى المجموعة الثانية ص 323 - 327.
5) سورة النمل: 14.
1019

فصل
فان قيل: ما أنكرتم أن يكون في الأدوية ما إذا مس به ميت حيي وعاش، وإذا
جعل في عصا ونحوها صارت حية، وإذا سقي حيوانا تكلم، وإذا شربه الانسان صار
بليغا، بحيث يتمكن من مثل بلاغة القرآن.
قلنا: ليس بخلو إما أن يكون للناس طريق إلى معرفة ذلك الدواء، أو لا يكون
لهم طريق إلى معرفته. فإن كان لهم إليه طريق لزم أن يكون الظفر به ممكنا، وكانوا
يعارضونه به فلا يكون معجزا. وإن لم يمكن الظفر به، لزم أن يكون الظفر به معجزا،
لأنه يعلم أنه ما ظفر به إلا بأن أطلعه الله تعالى عليه - وإن كان تعالى لا يطلع عليه أحدا
ليس برسول - فعلم بذلك صدقه، ثم يعلم من بعد - بخبره - أن ذلك (1) ليس من قبله
- نحو القرآن - بل هو منه تعالى أنزله عليه.
وكذلك هذا في الدواء الذي جوز به (2) السائل إحياء الموتى، لا يخلو إما أن لا يمكن
الظفر به أو يمكن. فعلى الأول لزم أن يكون الظفر به معجزا للنبي أو الوصي، لأنه
يعلم أنه ما ظفر به إلا بأن أطلعه الله تعالى عليه، فيعلم بذلك صدقه. وإن أمكن الظفر به
- وهو الوجه الثاني - فالواجب أن يسهل الاحياء لكل أحد، والمعلوم خلافه.
فصل
واعلم أن الحيل والسحر وخفة اليد لها وجوه متى فتش عنها المعني بذلك فإنه
يقف على تلك الوجوه، ولهذا يصح فيها التتلمذ والتعلم، ولا يختص به واحد
دون آخر.

1) " لا يطلع عليه أحدا، وان اطلع سيكون عند ذلك " خ ل.
2) " يجوز فيه " ه‍.
1020

مثاله أن المحتالين يأخذون البيض، ويضعونه في الخل ونحوه، ويتركونه
يومين وثلاثة، حتى يصير قشره الفوقاني لينا بحيث يمكن أن يطول، فإذا صار طويلا
بمده كذلك، يطرح في قارورة ضيقة الرأس، فإذا صار فيها يصب فيها الماء البارد
وتحرك القارورة حتى يصير البيض مدورا كما كان، ويذهب ذلك اللين من قشره
الفوقاني بذلك بعد ساعات، ويشتد بحيث ينكسر انكساره أولا، فيظن الغفلة أن
المعجز مثله، وهو حيلة.
ونحو ذلك ما ألقى سحرة فرعون من حباهم وعصيهم حتى خيل إلى الناظر
إليها من سحرهم أنها تسعى، احتالوا في تحريك العصا والحبال لأنهم جعلوا فيها
من الزئبق، فلما طلعت الشمس عليها، تحركت بحرارة الشمس.
وغير ذلك من أنواع [الحيل، وأنواع] التمويه والتلبيس، وخيل إلى الناس أنها
تتحرك كما تتحرك الحية، وإنما سحروا أعين الناس لأنهم أروهم شيئا لم يعرفوه (1)
ودخل عليهم الشبهة في ذلك لبعده منهم، فإنهم لم يتركوا الناس يدخلون بينهم.
وفي هذه دلالة على أن السحر لا حقيقة له، لأنها لو صارت حياة حقيقة لم يقل
الله تعالى: (سحروا أعين الناس) (2) بل كان يقول سبحانه: " فلما ألقوا صارت حياة ".
ثم قال تعالى: " وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون) (2)
أي ألقاها فصارت ثعبانا فإذا هي تبتلع ما يأفكون (4) فيه من الحبال والعصي، وإنما
ظهر ذلك للسحرة على الفور، لأنهم لما رأوا تلك الآيات والمعجزات في العصا
علموا أنه أمر سماوي لا يقدر عليه غير الله تعالى.
فمن تلك الآيات: قلب العصا حية.
ومنها أكلها حبالهم وعصيهم مع كثرتها.

1) " يعرفوا حقيقته وخفى ذلك عليهم " د، ق، ه‍، والبحار.
2) سورة الأعراف: 116 و 117.
3) سورة الأعراف: 116 و 117.
4) " يكذبون " د، ق.
1021

ومنها فناء حبالهم وعصيهم في بطنها إما بالتفرق أو الخسف، وإما بالفناء عند
من جوزه.
ومنها عودها عصا كما كانت من غير زيادة ولا نقصان.
وكل عاقل يعلم أن مثل هذه الأمور لا تدخل تحت مقدور البشر، فاعترفوا
كلهم، واعترف كثير من الناس معهم بالتوحيد، والنبوة، وصار إسلامهم حجة
على فرعون وقومه.
فصل
وأما معجزات الأنبياء والأوصياء عليهم السلام فان أعداء الدين يعتنون بالتفتيش عنها،
فلم يعثروا على وجه حيلة فيها.
وكذلك كل من سعى في كشف عوراتهم وتكذيبهم يفتش عن دلالاتهم أهي
شبهات أم لا؟ فلم يوقف فيها على مكر وخديعة منهم عليهم السلام، ولا في شئ من ذلك.
ألا ترى أن سحرة فرعون كانت همتهم أشد في تفتيش معجزة موسى - على
نبينا وعليه السلام - فصاروا هم أعلم الناس بأن ما جاء به موسى عليه السلام ليس بسحر، وهم
كانوا أحذق أهل الأرض بالسحر، وآمنوا، وقالوا لفرعون: (وما تنقم منا إلا أن
آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا، ربنا افرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين) (1).
فقتلهم فرعون، وهم يقولون: (لا ضير إنا إلي ربنا لمنقلبون) (2).
وقيل: إن فرعون لم يصل إليهم وعصمهم الله تعالى منه.

1) سورة الأعراف: 126.
2) سورة الشعراء: 50.
1022

فصل
وأما القمر المعروف ب‍ " المقنعي " (1) فإنه ليس بأمر خارق للعادة، وإنما هو
إخراج عين من العيون التي تنبع في الجبال في ذلك الموضع، متى كانت الشمس
في برج الثور أو الجوزاء سامتت (2) تلك العين وانعكس منها الشعاع إلى الجو،
وهناك تكثر الأبخرة في الجو، وتتراكم وتتكاثف، فيركد الشعاع الذي انعكس
[من العين] فيها، فتراءى إلى الناس صورة قمر.
ولهذا لما طمت تلك العين فسد ما فعله المقنع، وقد عثر على ذلك، واطلع
عليه، وكل من اطلع على ذلك، وراقب الوقت وأنفق المال وأتعب الفكر [فيه
أمكنه أن يطلع مثل ما أطلعه المقنع، إلا أن الناس يرغبون عن إنفاق المال وإتيان
الفكر] (3) فيما يجري هذا المجرى، سيما وإن تم لهم ذلك نسبوه إلى الشعوذة.
وأما الطلسمات فان من الناس من يسمي الحيل الباقية بها، وذلك مجاز واستعارة.
وإلا فالطلسمات التي ظاهرها وباطنها سواء، ولا يظهر منها وجه حيلة [خافية]
كما كان على منارة الإسكندرية. (4)

1) " المقفعى " م. " المقمعى " ه‍. وكلاهما تصحيف. والمقنعي نسبة إلى المقنع، واسمه عطاء وقيل
هاشم بن الحكم المروزي، كان رجلا أعورا قصيرا من أهل مرو، عمل وجها من ذهب
وركبه على وجهه لئلا يرى وجهه فسمى " المقنع ".
ادعى الربوبية وأرى الناس قمرا ثانيا في السماء، قيل كان يرى إلى مسيرة شهرين.
وقد تبعه خلق كثير سموا " المقنعية ". ظهر سنة 161 وقتل سنة 163. راجع عبر الذهبي:
1 / 180 وص 184، الكنى والألقاب: 3 / 170، ومعجم الفرق الاسلامية: 236
وغيرها.
2) يقال: سامته إذا قابله ووازاه وواجهه.
3) من البحار.
4) راجع خبرها في معجم البلدان: 1 / 186.
1023

[وكما روي أن الله تعالى بفضله أمر نبيا من الأنبياء المتقدمين أن يأخذ طيرا من
نحاس أو شبه (1) ويجعله على رأس منارة كانت في تلك الولاية، ولم يكن فيها
شجر الزيتون، وكان أهلها محتاجين إلى دهن الزيت للمأدوم وغيره، فإذا كان عند
إدراك الزيتون بالشامات خلق الله صوتا في ذلك الطير فيذهب ذلك الصوت في الهواء
فيجتمع إلى ذلك ألوف ألوف من أجناسه في منقار كل واحد زيتونة، فيطرحها
على ذلك الطير، فيمتلئ حوالي المنارة من الزيتون إلى رأسها، وكان ذلك الطير
غير مجوف.
فلا يدعى أنها من الحيل التي يأخذها الناس لصندوق الساعة ونحوها.
ولا يسمع لذلك الطير صوت إلا عند إدراك الزيتون في السنة، وكان أهلوها
ينتفعون به طول السنة بذلك] (2).

1) وهي ضرب من النحاس يلقى عليه دواء فيصفر لسان العرب: 13 / 505.
2) قال الفخر الرازي في تفسيره: 3 / 212.
" ومن هذا الباب تركيب صندوق الساعات، ويندرج في هذا الباب علم جر الأثقال وهو
أن يجر ثقلا عظيما بآلة خفيفة سهلة، وهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعد من باب السحر، لان لها
أسبابا معلومة نفيسة من اطلع عليها قدر عليها، الا أن الاطلاع عليها لما كان عسيرا شديدا لا يصل
إليه الا الفرد بعد الفرد لا جرم عد أهل الظاهر ذلك من باب السحر.
ومن هذا الباب عمل " أرجعيانوس " الموسيقار في هيكل أورشليم العتيق عند تجديده إياه
وذلك أنه اتفق له أنه كان مجتازا بفلاة من الأرض فوجد فيها فرخا من فراخ البراصل -:
والبراصل هو طائر عطوف. وكان يصفر صفيرا حزينا بخلاف سائر البراصل وكانت البراصل
تجيئه بلطائف الزيتون فنطرحها عنده فيأكل بعضها عند حاجته، ويفضل بعضها عن حاجته،
فوقف هذا الموسيقار هناك وتأمل حال ذلك الفرخ، وعلم أن في صفيره المخالف لصفير
البراصل ضربا من التوجع والاستعطاف حتى رقت له الطيور وجاءته بما يأكله.
فتلطف بعمل آلة تشبه الصفارة، إذا استقبل الريح بها أدت ذلك الصفير، ولم يزل يجرب
ذلك حتى وثق بها، وجاءته البراصل بالزيتون كما كانت تجئ إلى ذلك الفرخ، لأنها
تظن أن هناك فرخا من جنسها، فلما صح له ما أراد أظهر النسك، وعمد إلى هيكل أورشليم
وسأل عن الليلة التي دفن فيها " أسطرخس " الناسك القيم بعمارة ذلك الهيكل، فأخبر انه دفن
في أول ليلة من آب، فاتخذ صورة من زجاج مجوف على هيئة البرصلة ونصبها فوق ذلك
الهيكل، وجعل فوق تلك الصورة قبة، وأمرهم بفتحها في أول آب، وكان يظهر صوت
البرصلة بسبب نفوذ الريح في تلك الصورة، وكانت البراصل تجئ بالزيتون حتى كانت
تمتلي تلك القبة كل يوم من ذلك الزيتون، والناس اعتقدوا أنه من كرامات ذلك المدفون "
وما بين المعقوفين أثبتناه من البحار.
1024

فعندنا هي معجزات [باقية] للأنبياء الماضين، والأوصياء المتقدمين صلى الله عليهم
أجمعين، ولهذا لم تظهر طلسمات (1) بعد النبي صلى الله عليه وآله وفي حال قصور أيدي لائمة عليهم السلام.
فصل
وأما الزراقون (2) الذين يتحدثون (3) على غير أصل، كالشغراني (4) فإنه، كان
ذكيا حاضر الجواب [فطنا بالزرق]، معروفا بكثرة (5) الإصابة فيما يخرجه، حتى ظنوا
أن هذا كله هو ما اقتضاه مولده وتولاه كوكبه (6) من غير علم.

1) " يظهر طلسم " د، ق.
2) واحدها زراق. ورجل زراق: مخادع. لسان العرب: 10 / 140.
) " تتقق لهم من الإصابة " د، ق.
4) رجل من الزراقين فطن كان في عصر السيد المرتضى، وقد شاهد منه بعض إصاباته،
ورواها في أجوبة المسائل السلارية.
راجع الكنى والألقاب: 2 / 329.
5) " معروفا به، كثير " د، ق.
6) " حتى قال المنجمون: ان مولده وما يتولاه كوكبه اقتضى له ذلك، وإن كان مصيب في شئ
إنما سبب اصابته مولده وما تقتضيه كواكبه " ط، ه‍.
1025

وهذا كله باطل، لأنه لو كانت الإصابة بالمواليد، لكان النظر في علم النجوم
عبثا لا يحتاج إليه، لان المولد إذا اقتضى الإصابة أو الخطأ، فالتعلم لا ينفع
وتركه لا يضر، وهذه علة تسري إلى كل صنعة، حتى يلزم أن يكون كل شاعر
مفلق وصانع حاذق وناسج الديباج موفق لا علم له بذلك، وإنما اتفقت له الصنعة
بغير علم لما يقتضي كواكب مولده، وما يلزم من الجهالة على هذا لا يحصى.
فصل
وكان النبي صلى الله عليه وآله يذكر أخبار الأولين والآخرين، من ابتداء خلق الدنيا إلى
انتهائها، وأمر الجنة والنار، وذكر ما فيها على الوجه الذي صدقه عليها أهل
الكتاب وكان صلى الله عليه وآله لم يتعلم، ولم يقعد عند حبر، ولم يقرأ الكتب.
وإذا كان كذلك، فقد بان اختصاصه بمعجزة [لان] ما أتى به من هذه الأخبار -
لا على الوجه المعتاد في معرفتها، من تلقفها من ألسنة الناطقين - لا يكون إلا بدلالة
تكون علما على صدقه.
وما أخبر به عن الغيوب التي تكون على التفصيل لا على الاجمال كقوله تعالى:
(لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين
لا تخافون) (1) فكان كما أخبر به (2).
ولم يكن - عليه وآله السلام - صاحب تقويم وحساب وإسطرلاب (2) ومعرفة مطلع
نجم وريح، وكان صلى الله عليه وآله ينكر على المنجمين، فيقول:

1) سورة الفتح: 27.
2) " فعلم وكان كما قال " ه‍.
3) الأسطرلاب: جهاز استعمله المتقدمون في تعيين ارتفاعات الاجرام السماوية ومعرفة الوقت
والجهات الأصلية.
1026

من أتى عرافا أو كاهنا فآمن بما قال، فقد كفر بما انزل على محمد. (1)
وقد علمنا أن الاخبار عن الغيوب على التفصيل - من حيث لا يقع فيه خلاف
بقليل ولا بكثير، من غير استعانة على ذلك بآلة وحساب وتقويم كوكب وطالع، أو
على التنجيم (2) الذي يخطئ مرة ويصيب مرة - لا يمكن إلا من ذي معجزة مخصوصة
قد خصه الله تعالى بها بالهام من عنده أو أمر يكون ناقضا للعادة الجارية في معرفة
مثلها، إظهارا لصدق من يظهرها عليه وعلامة له.
فصل
واعلم أن ما تضمنه القرآن أو الأحاديث الصحيحة من الاخبار عن الغيوب
الماضية والمستقبلة: فأما الماضية فكالاخبار عن أقاصيص الأولين والآخرين من غير
تعلم من الكتب المتقدمة، على ما ذكرنا.
وأما المستقبلة فكالاخبار عما يكون من الكائنات، فكان كما اخبر عنها على
الوجه الذي اخبر عنها على التفصيل، من غير تعلق (3) بما يستعان به على ذلك، من
تلقين ملقن أو إرشاد مرشد، أو حكم بتقويم، أو رجوع إلى حساب كالكسوف
والخسوف، ومن غير اعتماد على إسطرلاب وطالع.
وذلك كقوله تعالى: (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (4).
وكقوله تعالى: (من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) (5).

1) أخرجه في مستطرفات السرائر: 83 ح 22 عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب، باسناده
عن الهيثم، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عنه الوسائل:
12 / 109 ح 3، والبحار: 2 / 308 ح 66 و ج 79 / 212 ح 11.
2) " التخمين " د، ق.
3) " نطق " د، ق.
4) سورة التوبة: 33. وزاد في ط، ه‍ " فوقع ذلك كما أخبر به ".
5) سورة الروم: 3.
1027

وكقوله تعالى: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) (1).
وكقوله تعالى: (لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (2).
وكقوله تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) (3).
وكقوله تعالى: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها - إلى قوله - قد أحاط
الله بها) (4).
ونحو ذلك من الآيات وكانت كلها كما قال تعالى.
والأحاديث في مثل ذلك (5) كثيرة لا يتفق أمثالها - على كثرتها مع ما فيها من تفصيل
الأحكام المفصلة - عن المنجمين فتقع كلها (6) صدقا، فيعلم أن ذلك بالهام ملهم، علام
الغيوب، معرفا له حقائق الأمور (7).
ووجه آخر وهو ما (8) في القرآن والأحاديث من الاخبار عن الضمائر مثل قوله
تعالى: (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا) (9) من غير أن يظهر منهم قول أو فعل
بخلاف ذلك.
وكذلك قوله تعالى: (وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في
أنفسهم..) (10) من غير أن يسمعه أحد منهم [فلا ينكرونه].
وكذلك قوله تعالى: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن

1) سورة القمر: 45.
2) سورة الإسراء: 88.
3) سورة البقرة: 24.
4) سورة الفتح: 20 و 21.
5) " المعجزة أيضا " د، ق بدل " في مثل ذلك ".
6) " فيجد ذلك " م بدل " عن المنجمين فتقع كلها "، وفي د، ق " على التخمين ". بدل
" عن المنجمين ".
7) " الأشياء " ه‍، م.
8) " وقد ورد " م.
9) سورة آل عمران: 122.
10) سورة المجادلة: 8.
1028

غير ذات الشوكة تكون لكم) (1) فأخبره تعالى بما يريدون (2) في أنفسهم وما
يهمون [به].
وكعرضه تعالى تمني الموت على اليهود في قوله تعالى: (فتمنوا الموت إن
كنتم صادقين) (3).
وقوله تعالى: " ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم) (4).
فعرفوا صدقه، فلم يجسر أحد منهم أن يتمنى الموت، لأنه صلى الله عليه وآله قال لهم: " إن
تمنيتم الموت متم " فدل جميع (5) ذلك على صدقه باخباره عن الضمائر.
وكذلك ما ذكرناه من معجزات الأوصياء، يدل على صدقهم وكونهم حججا
لله تعالى.
فصل
فان قيل: فما الدليل على أن أسباب الحيل مفقودة في أخباركم حتى حكمتم
بصحة كونها معجزة؟
قلنا: كثير من تلك المعجزات لا يمكن فيها الحيل، مثل انشقاق القمر
وحديث الاستسقاء، وإطعام الخلق الكثير من الطعام اليسير، وخروج الماء من بين
الأصابع، والاخبار بالغائبات قبل كونها، ومجئ الشجرة ثم رجوعها إلى مكانها
لا تتم الحيلة فيها.
وإنما تتم الحيلة في الأجسام الخفيفة (6) التي تحدث بالتفكك والقسر (7) وغير

1) سورة الأنفال: 7.
2) " يخبرهم بما يكون " النسخ عدا " م ". 3 و 4) سورة الجمعة: 6 و 7.
5) " قد أجمع " م.
6) " الطفيفة " البحار.
7) " تجدب بالفلك والقسي " ه‍، " تحدث بالتطفل والقسر " البحار.
1029

ذلك، ولا يتم مثله في الشجر والجبل، لأنه لو كان لوجب أن يشاهد.
فان قيل: جوزوا أن يكون ها هنا جسم يجذب الشجرة كما أن ها هنا حجرا
يجذب الحديد يسمى " المغناطيس ".
قلنا: لو كان الامر على هذا لعثر عليه، ولظفر به مع تطاول الزمان، كما عثر
على حجر المغناطيس، حتى علمه كل أحد.
ولو جاز ما قالوه للزم أن يقال: ها هنا حجر يجذب الكواكب ويقلع الجبال من
أماكنها، وإذا قرب من ميت عاش، فيؤدي إلى أن لا يثق بشئ أصلا، ويؤدي ذلك
إلى الجهالات، وكان ينبغي أن يطعن بذلك أعداء الدين ومخالفو الاسلام لأنهم إلى
ذلك أحوج وبه أشغف.
وكذلك القول في خروج الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وآله إن إدعي طبيعة فيه أو حيلة
لزم تجويز ذلك في قلع الجبال، وجذب الكواكب، وإحياء الموتى، وكل
ذلك فاسد.
وحنين الجذع لا يمكن أن يدعى أنه كان لتجويف فيه، لأنه لو كان كذلك
لعثر عليه مع المشاهدة، ولكان لا يسكن مع الالتزام.
وتسبيح الحصى وتكليم الذراع لا يمكن فيه حيلة البتة.
وقيل: في سماع الكلام من الذراع وجهان:
أحدهما: أن الله تعالى بنى الذراع بنية حي صغير، وجعل له آلة النطق والتمييز
فيتكلم بما سمع.
والآخر: أن الله تعالى خلق فيه كلاما سمع من جهته وأضافه إلى الذراع مجازا.
وقول من قال: لو انشق القمر لرآه جميع الناس، لا يلزم، لأنه لا يمتنع أن
تكون للناس في تلك الحال مشاغيل، فإنه كان بالليل، فلم يتفق لهم مراعاة ذلك
فإنه بقي ساعة ثم التأم.
1030

وأيضا فإنه لا يمتنع أن يكون حال بينه وبين من لم يشاهده الغيم، فلأجل ذلك
لم يره الكل، وأكثر معجزات الأئمة عليهم السلام تجري مجرى ذلك، فالكلام فيها كالكلام
في هذه، والله أعلم.
باب
في الفرق (1) بين المعجزة والشعبذة
قد فرق قوم من المسلمين بين المعجزات والمخاريق، بأن قالوا (2): إن المعجزة
لا تكون إلا على يد رسول أو وصي رسول (3) عند الأفاضل من أهل عصره والأماثل
من قومه، فيعرفونها (4) عند التأمل لها والنظر فيها على كل حال.
والشعبذة تظهر على على يد أطراف الناس وسقطهم (5) عند الضعفة من العوام
والعجائز، فإذا بحث عن أسبابها [المبرزون] وجدوها مخرقة، والمعجزة على [مر]
الأيام لا تزداد إلا ظهور صحة لها، ولا تنكشف إلا عن حقيقة فيها.
وإن المعجزة ربما لم يعلم - من تظهر عليه - مخرجها وطريقها، وكيف
تتأتى وتظهر. والشعبذة إنما يهتدي صاحبها إلى أسبابها، ويعلم أن من شاركه
فيها أتى بمثل ما أتى هو به.
وإن المعجزة يجري أمرها مجرى ما ظهر في عصا موسى - على نبينا وعليه السلام -
من انقلابها حية تسعى حتى انقادت له السحرة.

1) " فصول في الفصل " ه‍. وفي د، ق: " الشعوذة ونحوها " بدل " الشعبذة "، وفي سائر
موارد هذا الباب في د، ق " الشعوذة ".
2) " قال " م، ه‍.
3) " يظهرها الله لرسوله أو وصى رسوله " ط، ه‍، د، ق.
4) " والأماثل منهم فيتعذر عليهم مثلها " د، ق.
5) " الشعبذة يظهرها صاحبها " ط، ه‍، د، ق، والبحار.
1031

وخاف موسى - على نبينا وعليه السلام - أن تلتبس الشعبذة على أكثر الحاضرين.
وإن المعجزة تظهر عند دعاء الرسول أو الوصي ابتداءا من غير تكلف آلة
وأداة منه أكثر من دعائه لله تعالى أن يفعل ذلك.
والشعبذة (1) مخرقة وخفة يد تظهر على أيدي بعض المحتالين بأسباب مقدرة
لها، وحيل متعلمة أو موضوعة، ويمكن المساواة فيها، ولا يتهيأ ذلك إلا لمن عرف
مبادئها، ولابد له من آلات يستعين بها في إتمام ذلك ويتوصل بها إليه.
فصل
واعلم أن المعجزة أمر يتعذر على كل من في العصر مثله عند التكلف
والاجتهاد على المشعوذين، فضلا عن غيرهم، كعصا موسى الذي أعجز السحر
أمره مع حذقهم في السحر وصنعته.
والشعوذة مخرقة وخفة تظهر على أيدي المحتالين بأسباب مقدرة تخفى على
قوم دون قوم.
والمعجزة تظهر على أيدي من عرف بالصدق والصيانة والصلاح [والسداد].
والشعوذة تظهر على أيدي المحتالين والخبثاء والأرذال.
والمعجزة يظهرها صاحبها متحديا، ودلائل العقل توافقها على سبيل الجملة
ويباهي بها جميع الخلائق، ولا تزيده الأيام إلا وضوحا، ولا تكشف الأوقات
إلا عن صحته.
وللمعجزات شرائط ذكرناها [(2) على أنها من باب الممكن للمتوهم، الذي
لا يمتنع مثله في المقدور لله، ونفسه (3) قول المنكرين لكونها - من حيث الإحالة

1) " الشعوذة " م خلافا لبقية موارد هذا الفصل، وسيأتي الكلام عليها في الفصل القادم.
2) من هنا إلى ص 1056 ليس في م.
3) " ويفسد " د، ق.
1032

لوقوعها - والله سبحانه وتعالى هو المظهر لها تصديقا للنبي أو الوصي.
ولان أكثر الشعوذة والمخرقة تتعلق بزمان مخصوص ومكان معلوم، ويستعان
في فعلها بالأدوات والمعاونات والمعالجة.
والمعجزة لا تتعلق بزمان مخصوص، ولا ببقعة مخصوصة، ولا يستعين فيها
صاحبها بآلة ولا أداة، وإنما يظهرها الله على يده عند دعائه ودعواه، وهو لم يتكلف
في ذلك سببا، ولا استعان فيها بعلاقة ولا معالجة، ولا أداة ولا آلة.
وأنها على الوجه الناقض للعادات، والباهر للعقول، القاهر للنفوس، حتى تذعن
لها الرقاب والأعناق، وتخضع لها النفوس، وتسمو إليها القلوب ممن أراد
أن يعلم صدق من أظهرها عليه.
فصل
والمعجزة علامة الصدق حيث وجدت، سواء كان نبيا مرسلا، أو وصيا
معظما، وإنما تظهر للتصديق لمن تظهر عليه، إما في دعواه النبوة، أو في تحقيق
حاله، والذي يدل على أنها علامة التصديق أنه قد ثبت أن خبر المخبر لابد من
أن يكون صدقا أو كذبا.
والباري تعالى موصوف بالقدرة على التمييز بين الصادق والكاذب بامارات
ينصبها، وعلامات يضعها دلالات على صدق الصادق، كما أنه القادر على إعلامنا
صدق الصادق وكذب الكاذب بأن يضطرنا إلى صدق الصادق وكذب الكاذب
ولكنه تعالى لا يفعل الاضطرار فيه مع بقاء التكليف.
ولو لم يكن تعالى موصوفا بالقدرة على نصب دلالة على صدق الصادق لم يمكن
المستدل أن يستدل بها على صدقه فيما يقوله كان في ذلك تعجيزه، ووصفه بالعجز
عما يصح أن يقدر عليه، وذلك باطل لأنه تعالى قادر لذاته، فعلم أنه لابد
1033

أن يكون قادرا على نصب دلالة يستدل بها على صدق الصادق.
ثم تلك الدلالة لا تخلو إما أن تكون أمرا معتادا حدوثه، أو أمرا يخص
الصادق وينقض العادة بذلك المعنى الذي أشرنا إليه، ولا يكون أمرا معتادا بل يكون
خارقا للعادات، وإذا كان هذا هكذا صح أن الذي ذكرناه من المعجزة علامة الصدق
وأنها تخصه كما تخص الافعال المحكمة إذ أظهرت علم من يظهر ذلك منه
ويترتب على حسب علمه بترتيبه لها ولم يجز أن توجد مع الكاذب، لان حكم
الامارة مثل حكم الدلالة، ولا يصح أن تكون الدلالة موجودة مع فقد المدلول، لان
ذلك يخرجه من أن تكون دلالة، كما أن العلة توجب الحكم، فإذا وجدت وهي
غير موجبة للحكم خرجت من أن تكون علة للحكم.
والمعجزة: علامة الصدق، وعلامة الشئ كدلالته يلزمه حكمه فلا يجوز
ظهورها على كذاب.
باب
في مطاعن المعجزات وجواباتها وابطالها
ذكر ابن زكريا المتطبب (1) في مقابل المعجزات أمورا يسيرة لا يتمكن منها
إلا بالمواطاة والحيل، وأعجب منها ما يفعله المشعبذون في كل زمان.
فذكر ما نقل عن زرادشت من صب الصفر المذاب على صدره، ومن بعض سدنة

1) هو محمد بن زكريا الرازي، الطبيب الماهر، صاحب التصانيف، قال ابن سينا في حقه:
" هو المتكلم الفضولي الذي من شانه أن ينظر في الأبوال والبرازات ".
وقال القاضي ابن صاعد: " ان الرازي لم يتوغل في العلم الإلهي، ولا فهم غرضه الأقصى
فلذلك اضطرب رأيه وتقلد آراءا سخيفة ".
تجد ترجمته في روضات الجنات: 7 / 300، سير أعلام النبلاء: 14 / 354، وفيات
الأعيان: 5 / 157، أبجد العلوم: 3 / 114 وغيرها.
1034

بيت الأوثان أنه كان منحنيا على سيف وقد خرج من ظهره لا يسيل منه دم، بل ماء أصفر
وكان يخبرهم بأمور.
قال: ورأيت رجلا كان يتكلم من إبطه، وآخر لم يأكل خمسة وعشرين يوما،
وهو مع ذلك حصيف (1) البدن.
وأين ما ذكره من فلق البحر [حتى صار كل فرق منه كالطود (2) العظيم، ومن إحياء
ميت متقادم العهد، ويبقى حيا حتى يولد] (3) وانفجار الماء الكثير من حجر صغير،
أو من بين الأصابع حتى يشرب الخلق الكثير.
فصل
والذي ذكره ابن زكريا عن زرادشت إنما يمكن منه بطلاء الطلق (4) وهو
دواء يمنع من الاحتراق، وفي زماننا نسمع أن أناسا يدخلون التنور المسجور
بالغضى (5). وأما إراءة السيف نافذا في البطن فهو شعبذة معروفة، فإنه يكون
مجوفا يدخل بعضه في البعض، فيري المشعبذ أنه يدخل في جوفه.
وأما الامساك عن أكل الطعام، فهو عادة يعتادها كثير من الناس، والمتصوفة
يعودون أنفسهم التجويع أربعين يوما.
وقيل: إن بعض الصحابة من يصوم صوم الوصال (6) خمسة عشر يوما.

1) كل محكم لا خلل فيه: حصيف.
2) الطود: الجبل.
3) من البحار.
4) هو ضرب من الأدوية، وقيل: هو نبت تستخرج عصارته فيتطلى به الذين يدخلون في النار.
لسان العرب: 10 / 231.
5) الغضى: شجر من الأثل، خشبه من أصلب الخشب، وجمره يبقى زمانا طويلا لا ينطفئ.
6) الوصلة: ما اتصل بالشئ، ومنه المواصلة بالصوم وغيره، وواصلت الصيام وصالا إذا لم
تفطر أياما تباعا. لسان العرب: 11 / 727. وراجع البحار: 16 / 390 ففيه بيان مفيد.
1035

وأما المتكلم من الإبط فيجوز أن يكون ذلك أصواتا مقطعة قريبة من الحروف،
[وأن يكون حروفا متميز كأصوات كثير من الطيور، وقد يسمع من صرير
الباب ما يقرب من الحروف] (1) وهو مبهم في هذه الحكاية.
فيجوز أن يخبر أن ذلك كان كلاما خالصا.
ويجوز أن يتعمد ذلك الانسان له، ويصل إلى ذلك بالتجربة والاستعمال.
وقد رأينا في زماننا من كان يحكى عنه مثل ذلك، والذي يحكى عن الحلاج
أغرب وأعجب.
وقد وقع العلماء على وجوه الحيل فيها، وكل من تفكر في حيلهم أياما وقف
عليها، وما من حيلة إلا وتحصل عقيب سبب، وليس فيها ما تنقض به العادة.
فصل
وطعن ابن زكريا في المعجزات من وجه آخر فقال: " وقد يوجد في طبائع
الأشياء أعاجيب " وذكر حجر المغناطيس وجذبه للحديد، وباغض الخل، وهو
حجر إذا القي في إناء خل فإنه يهرب منه، ولا ينزل إلى الخل، والزمرد يسيل
عين الأفعى، والسمكة الرعادة يرتعد صاحبها ما دامت في شبكته وكان آخذا بخيط
الشبكة. (2)
قال: " فلا يمتنع أيضا - فيما يأتي به الدعاة - أنها ليست منها، بل ببعض (3)

1) من البحار.
2) وينتشر هذا النوع من السمك في كثير من الأنهار الإفريقية، وبخاصة في نهر النيل
والصيادون إذا أحسوا بها في شبكتهم شدوا حبل الشبكة في وتد أو شجرة حتى تموت، فإذا
ماتت بطلت خاصيتها. راجع حياة الحيوان: 1 / 567.
3) أي أنو ببعض.
1036

الطبائع، إلا أن يدعي مدع أنه أحاط علما بجميع طبائع جواهر العالم، وامتناع
ذلك بين ".
وذكر أبو إسحاق ابن عياش (1) أنه أخذ هذا على ابن الراوندي (2) فإنه قال في
كتاب له سماه: " الزمرد (3) على من يحتج بصحة النبوة بالمعجزات " فقال:
من أين لكم أن الخلق يعجزون عنه، هل شاهدتم الخلق؟ أو أحطتم علما بمنتهى قواهم
وحيلهم؟ فان قالوا: نعم، فقد كذبوا، لأنهم لم يجوبوا الشرق والغرب، ولا امتحنوا
الناس جميعا. ثم ذكر أفعال الأحجار كحجر المغناطيس وغيره.
قال أبو إسحاق: فأجابه أبو علي (4) في نقضه عليه أنه يجوز أن يكون في الطبائع
ما تجذب به النجوم، وتسير به الجبال في الهواء، ويحيي به الموتى بعد ما صاروا رميما
فإذا لا يمكن أن يفصل بين الممكن المعتاد، وما ليس بمعتاد، ولا بين ما [ينفذ فيه حيلة
وبين ما] (5) لا ينفذ فيه حيلة، إلا أن يجوب البلاد شرقا وغربا ويعرف جميع قوى الخلق
فأما إذا سلم أن يعلم باضطرار المعتاد وغيره وما لا تنفذ فيه حيلة، لزمه النظر في

1) " عباس " البحار، والظاهر أنه: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عياش، أحد متكلمي
المعتزلة. تجد ترجمته في فهرست ابن النديم: 221.
2) وهو أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي من المتكلمين، وله مصنفات كثيرة، مات سنة
ثمان وتسعين ومائتين. تجد ترجمته في روضات الجنات: 1 / 193، الفهرست: 216،
وفيات الأعيان: 1 / 94، وسير أعلام النبلاء: 14 / 59 وفيه " الريوندى ".
3) " الرد " البحار، وما في المتن هو الصحيح، وهو أحد الكتب التي ألفها، وهو يحتج فيه
على الرسل وابطال الرسالة، وفي بعض المصادر " الزمردة ".
4) هو أبو علي محمد بن عبد الوهاب البصري الجبائي، شيخ المعتزلة، له مصنفات كثيرة، منها
كتابه المشار إليه في المتن " النقض على ابن الراوندي " مات بالبصرة سنة ثلاث وثلاثمائة
تجد ترجمته في روضات الجنات: 7 / 286، الفهرست: 217، وفيات الأعيان: 4 / 267
وسير أعلام النبلاء: 14 / 183.
5) من البحار.
1037

المعجزات قبل أن يجوب البلاد، فليس يحتاج في معرفة كون الجاذب معجزا إلى ما
ذكر من معرفة قوى الخلق وطبائع الجواهر.
ولهذا لو ادعى واحد النبوة، وجذب بالتراب الجبل، علمنا أنه ليس فيه وجه حيلة
وإنا نعلم بذلك صدقه، قبل أن نجوب البلاد ونعرف جميع الطبائع.
وقال أبو إسحاق: إن جميع ما يذكر في خصائص الأحجار أكثره كذب، وذكر
أن واحدا أمر أن يجئ بالأفاعي في سبد (1) وجعل الزمرد الفائق في رأس قصبة، ووجه
به عين الأفاعي، فلم تسل.
ثم إن جميع ما ذكره يسقط بما شرطناه في المعجزات، ونقش عند أهل البصر.
ومن تقوى دواعيه إلى كشف عوارة الزمان الطويل، فلا يوقف منه على وجه
حيلة - فيما ذكروه ما هو معناه ظاهر لأكثر الناس، كحجر المغناطيس - أو يوقف
فيه على وجهه.
فصل
وربما يقول المنكرون لمعجزات النبي والأئمة، عليهم أفضل الصلوات
والتحية: إن الاخبار التي يذكرون والأحاديث التي يعولون عليها في معجزاتهم
ويصولون بها، إنما رواها الواحد والاثنان، ومثل ذلك لا يمكن القطع عليه بعينه
والحكم بصحته، وأمر المعجزات أمر خارج عن العادات يجب أن يكون معلوما
متيقنا غير مظنون متوهم.
والجواب عن ذلك: أن أخبارنا في معجزات النبي والأئمة صلوات الله عليهم
جاءت من طرق مختلفة، ومواضع متفرقة، ومظان متباعدة، وفرق مخالفة وموافقة
في زمان بعد زمان، وقرن بعد قرن، ولذلك كررنا المعجزات من جنس واحد من

1) كلمة فارسية تعنى " سلة ".
1038

كل واحد منهم عليهم السلام ولا يمكن أن يتواطأ الناس على مثل هذا فلا يكون مخبرهم
على ما أخبروا به جميعا، لان ذلك ينقض عادتهم، كما ينقض العادة الاجتماع
على الكذب في الجماعات الكثيرة.
ومما يدل على ذلك أنا رأينا من تواطئ الخبر عنه رجال منفردون بخبر الكذب.
فأما إن أخبر جمهور من الناس، فقال بعضهم: إن رجلا له مال من ذهب وورق.
وآخرون يخبرون عنه أنهم رأوا له أثاثا وجهازا وأواني وآلات وأسبابا.
وفرق يخبرون أنهم رأوا له غلات وارتفاعات وضياعا وعقارات.
وآخرون يخبرون عنه أنهم رأوا له خيلا وبغالا وحميرا.
إن الخبر إذا ورد عن الانسان بما ذكرنا اضطر إلى العلم بأن المخبر عنه غني
موسر، لا يقدر أحد على دفع علم ذلك عن نفسه، إذا نظر بعين الانصاف في
تلك الأخبار، وإن كان يجوز على كل واحد من المخبرين الغلط والكذب في
خبره إذ لو انفرد من مضامة غيره.
ثم إن إجماع الفرقة المحقة منعقد على صحة أخبار معجزات الرسول والأئمة
من أهل بيته عليهم السلام وإجماعهم حجة لان فيهم معصوما.
فصل
ومن أخبار المعجزات: أخبار تقارب أخبار الجماعات الكثيرة، نحو خبر الحصاة
وإشباع الخلق الكثير بالطعام اليسير، وذلك أن المخبرين بهذه الاخبار إنما أخبروا
عن حضرة جماعة فادعوا حضورهم كذلك، فقد كانوا خلائق كثيرين مجتمعين
شاهدي الحال، وكانوا فيمن شرب الماء، وأكل من الطعام، فلم ينكروا عليهم.
ولو كان الخبر كذبا لمنعت الجماعة التي ادعى المخبرون حضورهم بذلك
وأنكروا عليهم، ولقالوا: لم يكن هذا، ولا شاهدناه. فلما سكتوا عن ذلك دل
1039

على تصديقهم لهم، وأن ذلك يجري مجرى المتواتر نقلا في الصحة والقطع به.
ومما يدل على ذلك أن رجلا لو عمد إلى الجامع، والناس مجتمعون وقال
لهم: إنكم كنتم في موضع كذا، في دار كذا، لاملاك فلان، فأطعمكم كذا من
الطعام، وكذا من الشراب، لم يمتنعوا أن ينكروا عليه، ولا يسكتوا على تكذيبه في
الامر الذي لا يمتنع في العادة، فكيف في الامر الذي خرج عن العادة والنفوس
إلى إنكار المنكر فيها أشد إنذارا؟
ومن هذه الأخبار أخبار انتشرت في الأمة، ولم يوجد لها منكر ولا مكذب، بل
تلقوها بالقبول، فيجب المصير إليها، لاجتماع عليها من الأمة أو من الطائفة
المحقة وهم لا يجتمعون على خطأ، ففيهم معصوم في كل زمان.
وما رووا أن زوجين من الطير جادلا إلى أحدهم عليهم السلام فصالح بينهما، أو شكا
طير من حية في موضع تأكل فراخه، فأمر بقتل الحية، فلا خفاء في كونه معجزا.
فأما ما سئل الحسين عليه السلام وهو صبي عن أصوات الطيور والحيوانات
فاعجازه من وجه آخر، ونحوه قول عيسى في المهد: " إني عبد الله " (1)
وكلاهما نقض العادة إذ ليس في مقدور الأطفال التكلم بما تكلم به.
وقيل: إن نفس الدعوى في بعض المواضع معجز.
فصل
والأخبار المتواترة توجب العلم على الاطلاق، وكذلك إذا كانت غير متواترة
وقد اقترن بها قرينة من أحد خمسة أشياء من أدلة العقل، والكتاب، والسنة المقطوع
بها، أو إجماع المسلمين أو إجماع الطائفة، فهذه القرائن تدخل الاخبار - وإن
كانت آحادا - في باب المعلوم، فتكون ملحقة بالمتواتر.
والعلوم التي تحصل عند الأخبار المتواترة - لكل عاقل - مكتسبة عند

1) اقتباس من قوله تعالى في سورة مريم: 30.
1040

الشيخ المفيد، وذهب المرتضى إلى تقسيم ذلك، فقال: " العلوم باخبار البلدان
والوقايع ونحوها يجوز أن تكون ضرورية، ويجوز أن تكون مكتسبة.
وما عداها كالعلم بمعجزات النبي والأئمة عليهم السلام وكثير من أحكام الشريعة
فيقطع على أنه مستدل عليه. وهذا أصح، لان الأدلة في أن الأول فعل لله أو فعل
للعباد كالمتكافئة.
وإذا كان كذلك وجب التوقف، وتجويز كل واحد منهما.
والخبر إذا لم يكن من باب ما يجب وقوع العلم عنده، واشتراك العقلاء فيه
وجاز وقوع الشبهة عليه، فهو أيضا صحيح على وجه، وهو أن يرويه جماعة قد
بلغت من الكثرة إلى حد لا يصح معه أن يتفق فيها، وأن يعلم - مضافا إلى ذلك -
أنه لم يجمعها على الكذب جامع، كالتواطئ أو ما يقوم مقامه، ويعلم أيضا أن
اللبس والشبهة زائلان عما خبروا عنه.
هذا إذا كانت الجماعة تخبر بلا واسطة عن المخبر، فإن كان بينها وبينه واسطة
وجب اعتبار هذه الشروط في جميع من خبرت عنه من الجماعات حتى يقع
الانتهاء إلى نفس المخبر.
وإذا صحت هذه الجملة في صحة الخبر - الذي لابد أن يكون المخبر صادقا
من طريق الاستدلال - بنينا عليها صحة المعجزات وغيرها من أحكام الشرع.
فصل
وقد ذكرنا من قبل أنهم كثيرا ما يوردون السؤال علينا، ويقولون:
قد وجدنا في العالم حجر يجذب الحديد إلى نفسه، فلم يجب اتباع من يجذب
الشجر إلى نفسه كذلك، إذ لا نأمن أن يكون معه شئ مما يفعل به ذلك.
ويؤكدون قولهم بأن المقرين لمعجزات الرسل لم يمتحنوا قوى الخلق، ولم
1041

يعرفوا نهايتها، ولم يقفوا على طبائع العالم، وكيف يستعان بها على الافعال، ولم
يحيطوا علما بأكثرهم، ولم يأتوهم (1) في مظانهم، ولا امتحنوا قواهم، ومبالغ
حيلهم، ومخرقة أصحاب الخفة، وأشكالهم.
الجواب عنه أن يقال: قد لزم النفس العلم لزوما لا يقدر على دفعه، بأن ما
ذكروا ليس في العالم، كما لزمها العلم بأن ليس في العالم حجر إذا أمسكه الانسان
عاش أبدا، وإذا وضعه على الموات عاد حيوانا، وإذا وضعه على العين العمياء
عادت صحيحة، ولا فيه ما يرد الرجل المقطوعة، ولا ما به يزال الزمانة (2)
الحالة، ولا فيه شئ يجذب به الشمس والقمر من أماكنهما.
فلما لزم النفس علم ما ذكرناه كذلك لزم العلم للنفس بأن ليس في العالم حجر
يجذب الشجر من أماكنها، ويشق به البحور، ويحيي به الأموات.
وأيضا فان حجر المغناطيس لما كان موجودا في العالم، طلبه ذوو الحاجة
إليه حتى قدروا عليه، لما فيه من الأعجوبة وخاصة أمره، ولإرادة التكسب به
واستخراج نصل السهم من البدن.
فلو كان فيه حجر أو شئ مثله يجذب الشجر، فإنه كان أعز من حجر المغناطيس
وكان سبيله سبيل الجواهر في عزها، لا يخفى على من في العالم.
وهيئتها كالجوهر الذي يقال له: " الكبريت الأحمر " ولعزته ضرب به المثل
فقيل: " أعز من الكبريت الأحمر " (3) وكانت الملوك أقدر على هذا الحجر، كما
هم أقدر على ما عز من الأدوية والسموم وغيرها من الأشياء العزيزة.

1) كذا استظهرناها، والضمير في " هم " عائد إلى الخلق. وفي النسخ والبحار: يأتهم.
2) الزمانة - بتشديد الميم - العاهة، وهو مرض يدوم زمانا طويلا. مجمع البحرين: 6 / 260.
3) ذكر هذا المثل الميداني في مجمع الأمثال: 2 / 44 رقم 2604 وقال: هو الذهب الأحمر.
وراجع لسان العرب: 2 / 76 (كبرت).
1042

فلما لم يكن لهذا أثر عندهم ولا خبر لكونه، بطل أن يكون له كون ووجود
ولو كان فكيف قدر الرسل وأوصياؤهم عليه، مع فقرهم وعجزهم في الدنيا وما
فيها ويكون معروف المنشأ، ولم يغب عنهم طويلا.
فصل
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله لما دعا الشجرة - وكذا وصي من أوصيائه - ثم ردها إلى
مكانها، فان جذبها بشئ وردها بلا شئ، كان ردها آية عظيمة.
وإن كان شئ كان معه فذلك محال، من قبل أن ذلك الشئ يضاد ما جذبها.
فإذا كان الجذب به فامساكها وردها لم يجب أن يكون به، أو معه ما يرد به
لأنه يوجب أن تكون مقبلة مدبرة، وذلك محال.
ولان الحجر لو كان معه كما قالوا، لكان فيه آية، لأنه ليس في العالم مثله
فهو خارج عن العرف كخروج مجئ الشجرة بدعائه.
وقد أنبع الله لموسى من الحجر الماء فانبجست من الحجر اثنتا عشرة عينا
لكل سبط عين، والحجارة يتفجر منها الأنهار، فلما كان حجر موسى خارجا عن
العادة التي في العالم كان آية، فكذلك لو كان جذب حجر الشجرة لكان خارجا
عن عادات الناس، فكان دليلا على نبوته.
وليس في الحيل ما يمكن به نقل الجبال والمدن.
وأما قولهم: إن المقرين بمعجزات الرسل لم يمتحنوا قوى الخلق. إلى آخره.
فإنه يقال لهم: ولم يمتحن أحد من الجاحدين للرسل طبائع العالم، ولا عرفوا
ما فيه، فيعلموا أن جميع حيوانه يموت بحقله، ولا أن حيوانا لا يموت، يبقى
على الدهر أبدا لا يتغير، ولعل في العالم نارا لا تحرق، إذ لو كان لم يمتحن
قوى العالم، ولا أحاط علمه بخواصه وسرائره لزمه قلب أكثر الحقائق وبطلانها.
1043

باب
في مقالات المنكرين للنبوات أو الإمامة من قبل الله وجواباتها وابطالها
إعلم أن المنكرين للنبوات فرقتان: ملحدة ودهرية، وموحدة البراهمة
والفلاسفة عندنا من جملة الدهرية والملحدة أيضا، وقد اجتمعوا على إبطال النبوات
وإنكار المعجزات، وإحالتها تصريحا وتلويحا، وزعمت أن تصحيح أمرها يؤدي
إلى نقض وجوب الطبائع، وقد استقر أمرها على وجه لا يصح انتقاضها.
وكلهم يطعنون في معجزات الأنبياء وأوصيائهم، حتى قالوا في القرآن تناقض
واختلاف، وأخبار زعموا: " وجدنا مخبراتها على خلافها ".
منها قوله: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) (1).
ثم وجدناكم تقولون أن يحيى بن زكريا قتله ملك من الملوك، ونشر رأس
والده زكريا بالمنشار، مع ما لا يحصى من الخلق من المؤمنين الذين قتلهم الكفار.
وفي القرآن أيضا: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) (2) وقد ينكح
كثير فيبقى فقيرا أو يزداد فقره. وقد قال لنبيه: (والله يعصمك من الناس) (3)
ثم وجدناه كسرت رباعيته وشج رأسه.
وفيه أيضا: (ادعوني أستجب لكم) (4) وإن الخلق يدعونه دائما فلا يجيبهم.
وفي القرآن: (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (5).
وهذا دليل على أن محمدا لم يكن واثقا بما عنده، لأنه ردهم إلى قوم شهد عليهم
بكتمان الحق وقول الباطل، وهم عنده غير ثقات في الدعوى والخبر.

1) سورة النساء: 141.
2) سورة النور: 32.
3) سورة المائدة: 67.
4) سورة غافر: 60.
5) سورة النحل: 43، الأنبياء: 7.
1044

فصل
الجواب عما ذكروه أولا: أن تأويل ما حكيتم على خلاف ما توهمتم، لان
الذي نفاه من كون سبيل الكفار على المؤمنين إنما هو من طريق قيام الحجة
منهم على المسلمين في دينهم، في إقامة دليل على فساد دينهم، ولم يرد بذلك
المسالبة والمغالبة، وهو معنى قوله: (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (1)
أي بالدلالة والحجة، لا بالمغالبة والمعازة.
ويحيى بن زكريا لما قتل كانت حجته ثابتة على من قتله، وكان هو الظاهر
عليه بحقه وإن كان في ظاهر أمر الدنيا مغلوبا، فإذا قهر بحق لم يدل ذلك على
بطلان أمره، وفساد طريقه.
وأما قوله: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) ففيه جوابان:
أحدهما: أنه أراد إن كان بهم فقر إلى الجماع استغنوا بالنكاح.
والثاني: أنه خرج على الأغلب من أحوالهم، وقد قال تعالى بعد ما تزوج
محمد صلى الله عليه وآله خديجة: (ووجدك عائلا فأغنى) (2) أي أغناك بمالها.
وأما قوله: (والله يعصمك من الناس) فالمعنى أنه يعصمك من قتلهم إياك.
وقوله: (ادعوني أستجب لكم) فيه أجوبة:
أحدها: أن فيه إضمارا، أي: إن رأيت لكم مصلحة في الدين، وقد صرح به
في قوله: (فيكشف ما تدعون إليه إن شاء) (3).
والثاني: أن الدعاء هو العبادة، أي: اعبدوني بالتوحيد أجزكم عليه، يدل
على ذلك قوله: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي) (4).

1) سورة التوبة: 33.
2) سورة الضحى: 7.
3) سورة الأنعام: 41.
4) سورة غافر: 40.
1045

والثالث: أن يكون اللفظ عموما والمراد به الخصوص، وهذا في العرف كثير.
وأما قوله: (فسئلوا أهل الذكر) (1) فان الله لما احتج لنبيه بالبراهين
المعجزة، ورأي قومه ومن حسده على نعمة الله عنده من عشيرته يميلون إلى أهل
الكتاب، ويعدلونهم عليه وعلى أنفسهم، ويعتمدون في الاحتجاج لباطلهم على
جحدهم إياه، أراد أن يدلهم على صدقه باقرار عدوه، ومن أعظم استدلالا من
الذي استشهد عدوه، ويحتج باقراره له، وانقياده إياه.
ثم إن في التوراة والإنجيل صفات محمد صلى الله عليه وآله وكل من أنصف منهم شهد
له بذلك.
فصل
وقالوا: كيف تدعون أن جميع أخبار محمد عن الغيب وقع صدقا وعدلا وحقا
وقد وجدنا بعضها بخلافه، لان محمدا قال: " إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده " (2)
وقد وجدنا بعده قياصر كثيرة، وأملاكهم ثابتة.
وقال أيضا: " شهرا عيد لا ينقصان " وقد وجدنا الامر بخلاف ذلك كثيرا.
وقد قال: " ما ينقص مال من صدقة " (3) وقد وجدناه ينقص من حسابها.
وقال: " إن يوسف أعطي نصف الحسن (4) " ثم قال الله في قصة إخوانه لما
دخلوا عليه: (فعرفهم وهم له منكرون) (5) ومن كان في حسنه باينا بهذه البينونة
العظمى، كيف يخفى أمره؟

1) سورة النحل: 43، الأنبياء: 7.
2) تقدم بتمامه في ص 132 ح 218.
3) رواه في الفقيه: 4 / 381 ح 5827، عنه الوسائل: 6 / 264 ضمن ح 2.
4) " نصف شطر " د، ق وكأن إحداهما بدلا عن الأخرى، وفي البحار: نصف حسن آدم.
5) سورة يوسف: 58.
1046

وفي كتابكم أن عيسى ما قتل وما صلب (1) وقد اجتمعت اليهود والنصارى
على أنه قتل وصلب.
وفي كتابكم (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) (2) وقال نبيكم:
" إن في نسائكم أربع نبيات ".
وفي كتابكم (قال فرعون يا هامان ابن لي صرحا) (3) وكان هامان قبل فرعون
بزمان طويل.
وفي كتابكم (وما علمناه الشعر) (4) والشعر كلام موزون، ونحن نجد في
القرآن كلاما موزونا، وهو الشعر في غير موضع، فمنه (وجفان كالجواب وقدور
راسيات) (5) ووزنه عند العروضيين:
فاعلاتن فاعلاتن * فاعلاتن فاعلاتن
ومنه قوله:
(ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) (6).
وزنه قول الشاعر:
ألا حييت عنا يا ردينا * نحييها وإن كرمت علينا
[ومنه قوله:
(مسلمات مؤمنات قانتات * تائبات عابدات سائحات) (7)]

1) إشارة إلى قوله تعالى: " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " سورة النساء: 157.
2) سورة النحل: 43.
3) سورة غافر: 36.
4) سورة يس: 69.
5) سورة سبأ: 13.
6) سورة براءة: 14.
7) سورة التحريم: 5. وما بين المعقوفين من البحار.
1047

وزنه:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن * فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
قالوا: ومثله موجود في كلام نبيكم مع ما روي أنه قال: " ما أبالي ما أتيت
إن أتيت ترياقا، أو علقت تميمة، أو قلت الشعر من قبل نفسي ". (1)
ثم قال يوم حنين:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب (2)
وقال يوم الخندق - لما قال الأنصار:
نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا
- لا عيش إلا عيش الآخرة * فأكرم الأنصار والمهاجرة (3)
وقال أيضا:
غير الاله قط ما ندينا * ولو عبدنا غيره شقينا
فحبذا ربا وحبذا دينا (4)

1) رواه في عوالي اللئالي: 1 / 75 ح 150.
2) أورده في مغازي الواقدي: 3 / 902، والبحار: 21 / 157 وص 179.
3) رواه الواقدي في المغازي: 2 / 452 وص 453، وسيرة ابن كثير: 3 / 184 وص
185، وهو جوابه صلى الله عليه وآله للأنصار، وزاد الواقدي في رواية:
اللهم العن عضلا والقارة * فهم كلفوني أنقل الحجارة
4) أخرجه ابن كثير في السيرة النبوية: 3 / 186 عن دلائل البيهقي باسناده إلى سلمان:
أن رسول الله صلى الله عليه وآله ضرب في الخندق وقال:
باسم الله وبه هدينا * ولو عبدنا غيره شقينا
يا حبذا ربا وحب دينا
1048

وقال لما دميت إصبعه:
هل أنت إلا إصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت (1)
فصل
أما الجواب عما قالوه أولا فهو من أدل الاعلام على صدقه، فيما أخبر به من
الغيوب، وذلك أنه لما أرسل إلى كسرى وهو مزق كتابه صلى الله عليه وآله قال صلى الله عليه وآله:
" مزق الله مملكته كما مزق كتابي " (2) فوقع ذلك كما دعا وأخبر به.
ولما كتب إلى قيصر لم يمزق كتابه قال: " ثبت الله مملكته " وكان تغلب على
الشام، وكان النبي يخبر بفتحها له.
فمعنى قوله: " ولا قيصر بعده " يعني في كل أرض الشام.
وأما قوله: " شهرا عيد لا ينقصان " ففيه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه خرج على سنة بعينها أشار إليها، وكان كذلك.
وهذا كما قال: " يوم صومكم: يوم فطركم " لسنة بعينها.
وكما قال: " الجالس في وسط القوم ملعون " (3) أشار إلى واحد كان يتسمع
الاخبار من وسط الحلقة.
والثاني: أنهما لا ينقصان على الاجتماع غالبا، بل يكون أحدهما ناقصا
والآخر تاما.

1) أورده الواقدي في المغازي: 2 / 629 ونسبه إلى الوليد بن الوليد بن المغيرة أنه لما
دخل الحرة عثر فانقطعت إصبعه فربطها وهو ينشد هذا البيت. وأخرجه العسقلاني في الإصابة:
3 / 640 عن الطبراني باسناده إلى الوليد. فالظاهر أنه صلى الله عليه وآله تمثل به.
2) أخرجه ابن شهرآشوب في المناقب: 1 / 70 عن ابن مهدي المامطيرى في مجالسه، عنه
البحار: 20 / 381 ح 7.
3) روى نحوه أبو داود في سننه: 4 / 258 ح 4826 باسناده إلى حذيفة.
1049

والثالث: أن يكون معناه: لا ينقص أجر من صامهما، وإن كان في العدد نقصان
لان الشهر الهلالي ربما كمل وربما نقص.
وعلى أي هذه الوجوه حملته لم يكن في خبره خلف ولا كذب.
وأما خبر الزكاة فلان من تصرف فيه بالتجارة استفاد من ثوابه أكثر مما
تصدق به، فكأنه لم ينتقص من المال شئ، ثم إن المال الذي زكى منه يكون
له بركة.
وأما تأويل خبر يوسف، فقد قيل: " إن الله أعطى يوسف نصف حسن آدم "
أفلم يقع فيه التفاوت الشديد، وقد كانوا فارقوه طفلا ورأوه كهلا، ودفعوه أسيرا
ذليلا، ورأوه ملكا عزيزا؟ وبأقل هذه المدة، واختلاف هذه الأحوال، تتغير
فيها الخلق، وتختلف المناظر، فما فيه تناقض.
على أن الله ربما يرى المصالح أن يشتبه شئ على إنسان، فيعرفه جملة ولا يعرفه
تفصيلا، ويحتمل أن يكون معنى قوله: (وهم له منكرون) (1) أي مظهرون
لانكاره، عارفون به.
وأما ما قالوا من قتل عيسى وصلبه، فقد قال نبينا صلى الله عليه وآله حين أخبر: أنه شبه عليهم
وروى القوم أنه قتل وصلب، فقد جمعنا بين خبرين لان إسقاط أحدهما لا يصح
واستعمالهما ممكن، وهو أن نقلهم عن مشاهدة صلب مصلوب يشبه عيسى صحيح
لا خلف فيه، ولكن لما كان الصادق أخبرنا أن الذي رأوه كان جسما القي عليه شبه
عيسى، فقلنا: نجمع بين تواترهم وخبر نبينا، قد قامت دلالة صحتهما.
فنقول: إن ما تقولوا من مشاهدة الجسم الذي كان في صورة المسيح مصلوبا
صحيح، وأما أنهم ظنوا انه المسيح - وكان رجلا القي عليه شبه المسيح -
فلأجل خبر الصادق به، على أن خبر النصارى يرجع إلى أربعة نفر لا عصمة لهم.

1) سورة يوسف: 58.
1050

وأما قوله: " إن في نسائكم أربع نبيات " فإنه لا يناقض قوله: (وما أرسلنا
قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) (1) فان معنى النبي غير الرسول، فيجوز أن يكون
نبيات غير مرسلات. وقيل: المراد به سارة وأخت موسى ومريم وآسية، بعثهن
الله لولادة البتول فاطمة إلى خديجة ليلين أمرها.
وأما هامان فلا ينكر من أن يكون من اسمه هامان قبل فرعون، وفي وقته من
يسمى بذلك.
والجواب عما ذكره أخيرا أن النبي صلى الله عليه وآله قد كان يعاف (2) قول الشعر، وقد
أمره الله تعالى بذلك لئلا يتوهم الكفار أن القرآن من قيله، وليخلص قبله ولسانه
للقرآن، ويصون الوحي عن صنعة الشعر، لان المشركين كانوا يقولون في القرآن
أنه شعر، وهم يعلمون أنهن ليس بشعر، ولو كان معروفا بصنعة الشعر لنقموا عليه
بذلك، وعابوه به.
وقد سئل أبو عبيدة عن ذلك فقال: هو كلام وافق وزنه وزن الشعر إلا أنه
لم يقصد به الشعر، ولا قاربه بأمثاله، والقليل من الكلام مما يتزن بوزن الشعر.
وروي: " أنا النبي لا كذب " " وهل أنت إلا إصبع دميت ".
فقد اخرج عن وزن الشعر.
فصل
وربما قالوا: إذا كان إخبار المنجمين والكهنة قد تتفق مخبراتها كما أخبروا
كذلك إخبار الأنبياء والأوصياء، فبماذا يعرف الفرق بينهما؟
قلنا في الجواب: إن إخبار الأنبياء وأوصيائهم إنما كانت متعلقة بمخبراتها
على التفصيل دون الجملة، من غير أن يكون قد اطلع عليها بتكلف معالجة واستعانة

1) سورة يوسف: 109، سورة النحل: 43.
2) عاف الشئ يعافه: كرهه فتركه.
1051

عليها بآلة وأداة، لا حدس ولا تخمين، فيتفق في جميع ذلك أن تكون مخبراتها
كما اخبر بها على حسب ما تعلق به الخبر، من غير أن يقع به خلف أو كذب في
شئ منها.
فأما إخبار المنجمين فإنه يقع بحساب، وبالنظر في كل طالع بحدس وتخمين.
ثم قد يتفق في بعضها الإصابة دون بعض، كما يتفق إصابة أصحاب الفأل
والزوج والفرد، من غير أن يكون ذلك على أصل معتمد، وأمر يوثق به، فإذا وقعت
الاخبار منهم على هذا الحد لم توجب العلم، ولم يكن معتمدا، ولا علما معجزا
ولا [دالة على صدقهم.
ومتى كان على هذا الوجه الذي أصاب في الكل، كان علما معجزا و] (1)
دلالة قاطعة، لان العادات لم تجر بأن يخبر المخبر عن الغائبات فيتفق ويكون جميعها
على ما أخبر به على التفصيل، من غير أن يقع في شئ منها خلف أو كذب.
فمتى وقعت المخبرات كذلك كان دليل الصدق ناقضا للعادات، فدلنا ذلك
على أنه من عند الله خصه بعلمه، ليجعله علما على نبوته.
وكذلك ما يظهر علمه على يد وصي النبي صلى الله عليه وآله يكون شاهدا لصدقه.
فعلى هذا يكون إخبار النبي والأئمة عن الغائبات أعلاما لصدقهم.
فصل
ومعنى الغيب ما غاب عن الحس، أو ما غاب علمه عن النفس، ولا يمكن الوصول
إليه إلا بخبر الصادق الذي يعلم الغيوب، وليس كل ما غاب عن الحس لا يمكن
الوصول إلى علمه إلا بجبرئيل، لان منه ما يعلم بالاستدلال عليه بما شوهد وما هو
مبني على ما شوهد، والنوع الذي كان الخبر عنه حجة - مما لا دليل عليه من

1) من البحار.
1052

الشاهد - كذلك، كان معجزا.
فان قيل: ما أنكرتم أن لا يدل خبره عن الغائبات على صدقه؟ لان قوله:
(تبت يدا أبي لهب) (1) حكم عليه بالخسران، ولو آمن لكان له أن يقول: إنما
أردت أن يكون ذلك حكمه إن لم يؤمن. كقوله: (ومن يشرك بالله فقد حرم الله
عليه الجنة) (2) فان المراد به إذا مات عليه ولما لم يقل إن أبا لهب يموت على كفره
كان ذلك وعيدا له كما لسائر الكفار.
الجواب: إن قوله: (تبت يدا أبي لهب) مفارق لما ذكرتم، لأنه خبر عن
وقوع العذاب به لا محالة [- وليس هذا من الوعيد الذي يفرق بالشريطة - يدل عليه
(سيصلى نارا ذات لهب) (3) من حيث قطع على دخوله النار لا محالة] (4) فلما مات
على كفره، كان ذلك دليلا على نبوته.
فان قيل: إخباره عن خسران أبي لهب كان على حسب ما رأى من جده في
الشرك، فعمل على ما جرت به العادة في أمثاله.
قلنا: كون جده فيه لا يدل على أنه ينتقل عنه إلى غيره.
ثم إن المنجم يخبر بمائة خبر، حتى يقع واحد على ما قال صدقا.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله نيفا وعشرين سنة، وكان جميع ما أخبر به صدقا.
وأخبر عن ضمائر قوم، وكان كما قال صلى الله عليه وآله.

1) سورة المسد: 1.
2) سورة المائدة: 72.
3) سورة المسد: 3.
4) من البحار.
1053

باب
في مقالات من يقول بصحة النبوة منهم على الظاهر، ومن لا يقول
والكلام عليهما.
من الفلاسفة من يقول - لمجاملة أهل الاسلام -: إن الطريق إلى معرفة صدق
المدعي للنبوة هو أن يعلم أن ما أتى به مطابق لما يصلحون به في دنياهم، ولأغراضهم
التي بسببها يحتاجون إلى النبي صلى الله عليه وآله ولم يشترطوا ظهور معجزة عليه، وذكر بعضهم
ظهور المعجز عليه.
ثم قال: إن ظهور المعجز عليه، وقلب العصا حية، لا يوصل إلى العلم اليقيني
أنه صادق لأنه يمكن أن يظن في المعجز أنه سحر، وأنه حيلة نحو انشقاق القمر.
فأما إذا علم مطابقة ما أتى به لمصالحهم الدنياوية فهو طريق لا يدخله الشبهة، ومن
قال بهذا قال في العلم بصدقه للمعجز فهو طريق العوام والمتكلمين.
وأما العلم بمطابقة شرعه للمصالح الدنياوية فهو طريقة المحققين.
وقد حكي عنهم أنهم قالوا: إن صدق المدعي لصنعة من الصنائع إنما يظهر
إذا أتى بتلك الصنعة التي ادعى العلم بها.
ومثله على الناقل بمن ادعى حفظ القرآن [ثم قرأ، وادعى آخر حفظ القرآن
فإذا قيل له: ما دليلك على أنك تحفظ القرآن؟ قال: دليلي أني اقلب العصا حية
وأشق القمر نصفين. ثم فعلهما، ومن ادعى حفظ القرآن] (1).
فإذا قيل له: ما دليلك على حفظك له؟ قرأه كله، فان علمنا بحفظ هذا القاري
يكون أقوى من علمنا بحفظ الثاني للقرآن، لأنه يشتبه الحال في معجزاته، فيظن أنه
من باب السحر أو أنه طلسم، ولا تدخل الشبهة في حفظ القاري للقرآن.

1) من البحار.
1054

فصل
يقال لهؤلاء: وبماذا علمتم مطابقة ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله من الشرائع للمصالح
- ونفرض الكلام في شريعة نبينا صلى الله عليه وآله لأنكم ونحن نصدقه في النبوة وصحة
شرعه - أبطريقة عقلية علمتم المطابقة؟ أم بطريقة سمعية؟
فان قالوا: بطريقة عقلية. قيل لهم إن من جملة ما أتى به من الشرائع وجوب
الصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، ووجوب أفعال الحج، فما تلك الطريقة
التي علمتم بها مطابقتها للمصلحة؟ أظفرتم بجهة وجوب لها في العقل فحكمتم
لذلك بوجوبها؟ أم ظفرتم بحكم في العقل يدل على وجوبها؟ نحو أن يقول: علمنا
من جهة العقل أن من لم يصل هذه الصلوات بشروطها في أوقاتها فإنه يستحق الذم
من العقلاء كما يستحق الذم من لم يرد الوديعة على صاحبها، بعد ما طولب بردها
ولا عذر له في الامتناع عن ذلك.
والقول به باطل، لأنا لا نجد في عقول العقلاء العلم بجهة وجوب شهر رمضان
دون العيدين وأيام التشريق على وجه، ولا نجد لصلاة الظهر على شروطها بعد الزوال جهة
تقتضي وجوبها في ذلك الوقت دون ما قبله.
وقالوا: إن في أفعال الحج مثل أفعال المجانين.
وقالوا في وجوب غسل الجنابة: إنه سفه، وشبهوه بمن نجس طرف من أطراف
ثوبه فأوجب غسله كله فإنه يعد سفيها.
وقالوا في المحرمات الشرعية - كشرب الخمر أو الزنا -: إنه ظلم، إلى غير
ذلك مما يقوله القائلون بالإباحة وغيرها، فكيف يمكن أن يدعى أنه يمكن الوصول
إلى معرفة وجوبها أو قبحها بطريقة عقلية، ولا يمكن أن يعرف تلك المصالح بقول
النبي إلا بعد العلم بصدقه من جهة المعجز؟!
فصح أنه لا طريق إلى العلم بذلك إلا من جهة المعجز.
1055

فصل
وأما تشبيههم ذلك بمن ادعى حفظ القرآن أو صنعة من الصنائع الدنيوية
إذا أتى بها على الوجه الذي حفظه غيره، أو علم تلك الصناعة.
فليس نظير مسألتنا، لان ذلك من جملة] (1) المعرفة بالمشاهدات، لان بالمشاهدة تعلم
الصنعة بعد وقوعها على ترتيب وأحكام ومطابقة لما سبق من العلم بتلك الصنعة
وبالحفظ لذلك المقرو.
وليس كذلك ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله لأنه لا طريق إلى المعرفة بكونه مصلحة في
أوقاتها دون ما قبلها وما بعدها، وفي مكان دون مكان، وعلى شرائطها من دون تلك
الشرائط لا بمشاهدة، ولا بطريقة (2) عقلية.
ألا ترى أن المخالفين القائلين بالعقليات، المنكرين للنبوات والشرائع لما
لم ينظروا (3) في الطريقة التي سلكها المسلمون في تصديق الرسل عليهم السلام [من النظر في
المعجزات دفعوا النبوة والقول بالشرائع] لما لم يجدوا طريقة عقلية إلى معرفة
شرائعهم ومطابقتها للمصالح (4) الدنياوية.
فصل
وقولهم: المعرفة بصدق النبي صلى الله عليه وآله بالمعجزات (4) معرفة غير يقينية، لأنه يجوز
أن يكون فيها من باب السحر.

1) من ص 1032 إلى هنا ليس في م. راجع بياننا في ص 969.
2) " الا بمشاهدة ولا بدلائل " م.
3) " للنبوات قد راكوا " م. أي ضعفوا.
4) " معرفة ارشادهم إلى المصالح " م.
5) " المعرفة بصدقهم من جهة " د، ق.
1056

فيقال لهم (1): إذا جوزتم في المعجزات أن تكون من باب السحر ولا يحصل
بظهورها لكم العلم اليقيني بصدق (2) النبي، فجوزوا فيمن قرأ القرآن أنه ساحر
وفي من عمل (3) صنعة من الصنائع أن صانعها ساحر لا يحكمها، لكنه يرى بسحره
أنه أحكمها، وفي ذلك سد الطريق عليكم إلى معرفة ما يسهو (4) على أصولكم
لأنكم تقولون بصحة السحر، وأن الساحر بفضل علومه يتمكن من إحداث ما
لا يقدر عليه بشر مثله.
وقلتم: إن هذا السحر هو علم قد كان ثم انقطع باحراق المسلمين كتب
الأكاسرة التي صنفها الفلاسفة في علم السحر.
فمن يقول منكم بصحة النبوة هو أولى بأن يقول: الساحر نبي من الأنبياء.
لان على قوله: " من بلغ في علومه إلى أن يتمكن مما لا يتمكن منه بشر مثله "
فإنه يتمكن بفضل علومه أن يضع شرائع وسننا مطابقة لمصالح الناس، يصلح بها
دنياهم إذا قبلوا منه.
فعلى هذا إذا أتى النبي بمعجز وجب القول بصدقه وحصول اليقين بنبوته.
فصل
قالوا: علمنا هذه الشرعيات، فاستعملنا هذه العبادات، فوجدناها راتعة في (5)
رياضة النفس، والتنزه عن رذائل الأخلاق، وداعية إلى محاسنها.
وإلى هذا أشار بعضهم فقال: إذا فهمت معنى النبوة، فأكثر النظر في القرآن
والاخبار يحصل لك العلم الضروري، بكون محمد صلى الله عليه وآله على أعلى درجات النبوة

1) " قلنا " م.
2) " ولا يحصل بظهورها صدق " م.
3) " كل " د، ق بدل " من عمل ".
4) " معرفة صدق نبي، وهذا لا يستقيم " د، ق.
5) " راجعة إلى " م.
1057

وأعضد ذلك بتجربة (1) ما قاله في العبادات، وتأثيرها في تصفية القلوب.
وكيف صدق فيما قال: " من علم بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم " (2)
وفي قوله صلى الله عليه وآله: " من أعان ظالما سلطه الله عليه " (3)
وفي قوله: " من أصبح وهمه (4) واحد كفاه الله هم (5) الدنيا والآخرة " (6)
قالوا: فإذا جربت هذا في ألف وآلاف حصل لك علم ضروري لا يتمارى فيه
فمن هذا الطريق يطلب اليقين بالنبوة، لا من قلب العصا حية، وشق القمر.
فهذا هو الايمان العلمي، ويصير به الدين كالمشاهدة، والاخذ باليد، ولا يوجد
إلا في طريق التصوف.
فصل
فيقال لهم: إنه من اعتقد في طريقة أنها حق، ودين، وزهد في الدنيا، ورغبة
في الآخرة، وراض نفسه بتلك الطريقة، واستعمل نفسه بما يعتقده عبادات في ذلك
التدين [فإنه يجد لنفسه تميزا ممن ليس في حاله من الاجتهاد في ذلك التدين]

1) " بتجريد " د، ق.
2) روى نحوه الصدوق في ثواب الأعمال: 161 ح 1، والتوحيد: 416 ح 17 بالاسناد
إلى حفص بن غياث النخعي القاضي، عن أبي عبد الله عليه السلام، عنهما الوسائل: 18 /
120 ح 30، والبحار: 2 / 30 ح 14 وص 280 ح 49.
وأورده في مشكاة الأنوار: 139 عن حفص بن غياث، وفي أعلام الدين: 389 مرسلا.
3) روى نحوه الكليني في الكافي: 2 / 332 ح 13 باسناده إلى عبد الاعلى مولى آل سام،
عن أبي عبد الله عليه السلام، عنه البحار: 75 / 325 ح 56.
4) " وهمومه هم " د، ق.
5) " هموم " د، ق.
6) أورد نحوه في التمحيص: 56 ح 112 عن فضيل.
وروى نحوه الكليني في الكافي: 2 / 246 ذ ح 5 باسناده إلى فضيل بن يسار، عن أبي
عبد الله عليه السلام، عنه البحار: 67 / 150 ح 11، وحلية الأبرار: 2 / 171.
1058

وعباداته، واعتقاده في حقية ذلك الدين، حقا كان ذلك أم باطلا.
فرهبان النصارى، وأحبار اليهود يجتهدون في كفرهم الذي يعتقدونه حقا
فيجدون لأنفسهم تميزا على عوامهم، ومتبعيهم، ويدعون لأنفسهم من صفاء القلوب
والنسك، والزهد في الدنيا.
وكذا عباد الأوثان إذا اجتهدوا في عبادتها، فإنهم يجدون أنفسهم خائفة
مستحيية من أوثانهم، أن يقدموا على ما يعتقدونه معصية لها.
ولهذا حكي عن الصابئيين المعتقدين عبادة النجوم لاعتقادهم أنها المدبرة
للعالم، أنهم نحتوا على صورها أصناما ليعبدونها بالنهار إذا خفيت تلك النجوم
ويستحيون (1) أن يقدموا على رذائل الافعال لما يجدون (2) من أنفسهم - على ما ذهبوا
إليه في تدينهم - أنه حق.
وكذلك أهل (3) العمل بشرائع نبينا صلى الله عليه وآله واعتقادهم (4) صدقه من دون نظر
في معجزاته (5).
فصل
قالوا: حقيقة المعجز: هو أن يؤثر نفس النبي في هيولي العالم (6) فيغير صورة بعض
أجزائه إلى صورة أخرى بخلاف تأثيرات سائر (7) النفوس.
فإذا كان هذا هو المعجز عندهم لزم أن يكون العلم به يقينا، وأن (8) يعلم أن صاحب
تلك النفس هو نبي، فبطل قولهم: إن العلم بالمعجز غير يقيني، وأما على قول
المسلمين فهذا ساقط لان للمعجزة شروطا عندهم، متى عرفت كانت معجزة صحيحة
دالة على صدق المدعي، منها أنها ليست من جنس السحر، لان السحر عندهم

1) " ويستقبحون " البحار.
2) " ولم يزل ما يجدونه " د، ق.
3) " وكذا ما ذكر هؤلاء من " د، ق.
4) " لاعتقادهم " د، ق.
5) " شئ " ه‍، م.
6) " يؤثر في العالم " ه‍، م. والهيولي: كلمة يونانية معناها: المادة الأولى.
7) " تغيير " ه‍، م بدل " تأثيرات سائر ".
8) " يكون من يرى ذلك " ه‍، م.
1059

تمويه وتلبيس، يري الساحر أنه حقيقة، ويخفي وجه الحيلة فيه، فهو يري أنه
يذبح الحيوان ثم يحييه بعد الذبح، وهو لا يذبحه بل لخفة حركات اليد يري ولا يفعل.
فمن لم يعلم أن المعجزة جنس، وأن المخرقة والشعوذة من غير (1) ذلك الجنس
لم يعلمها معجزة.
فصل
ثم اعلم أن بين المعجزة، والمخرقة، والشعوذة، والحيل التي تبقي فروقا
توصل إلى العلم بها، بالنظر والاستدلال في ذلك، بأن يعرف أولا (2) ما يصح أن يكون
مقدورا للبشر، وما لا يصح، وأن يعلم بمقتضى (3) العادة كيف جرت في مقدورات
البشر، وعلى أي وجه تقع أفعاله، وأن ما يصح أن يقدر عليه من أي نوع يجب
أن يكون، وكيف يكون حالهم إذا خرجوا من المقدرة عليه. وهل يصح أن يعجز
البشر عما لا يصح أن يقدروا عليه، وينظر فيما يمكن أن يتوصل إليه بحيلة وخفة
ويعلم السبب المؤدي إليه، وما لا يمكن ذلك فيه.
فإذا أحاط علمه بهذه المقدورات عرف حينئذ ما يظهر من المعجزة عليهم، ففصل
بين حالها وبين ما يجري مجرى الشعوذة والمخرقة، كالعجل الذي صاغه السامري
من ذهب لبس به على الناس، وكان له صوت وخوار، إذ احتال إلى إدخال الريح
فيه من مداخله ومجاريه، كما تعمل هذه الآلات التي تصوت بالحيل، أو صندوق
الساعات، أو طاس المفصد (4) الذي تعلم به مقادير الدم.
وإنما أضاف الله تعالى الصوت إليه لأنه كان محله عند دخول الريح فيه (5).

1) " المعجزة ليست من " د، ق.
2) " يوقف أولا على " د، ق.
3) " أن " د، ق بدل " بمقتضى ".
4) " الفصد " د، ق.
5) " في جوفه " د، ق.
1060

فصل
واعلم أن الفلاسفة أخذوا أصول الاسلام ثم أخرجوها على رأيهم (1) فقالوا في
الشرع والنبي: إنما اريدا كلاهما لاصلاح الدنيا.
فالأنبياء يرشدون العوام لاصلاح (2) دنياهم، والشرعيات [تهذب أخلاقهم
لا أن الشرع والدين كما يقول المسلمون من أن النبي يراد لتعريف مصالح الدين
تفصيلا (3)]، وإن الشرعيات ألطاف في التكليف العقلي.
فهم يوافقون المسلمين في الظاهر، وإلا فكل ما يذهبون إليه هدم للاسلام وإطفاء
لنور شرعه (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) (4). (5)

1) " إلى آرائهم " د، ق.
2) " يديرون للعوام في مصالح " د، ق.
3) " تحصيلا " د، ق.
4) سورة التوبة: 32.
5) من أول هذا الباب، عنه البحار: 92 / 121 - 174.
1061

الباب العشرون
في علامات ومراتب نبينا وأوصيائه
عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم السلام (1)
الحمد لله الذي خصنا بفضله بالمعارف، والصلاة على محمد وآله الذين بهم
عمنا باللطائف، فان علامات النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل بيته عليهم السلام في الكتب
المتقدمة كثيرة.
وأنا أشير في هذا المختصر إلى جمل منها خطيرة، وأضيف إليها من الرؤيا الدالة
على (2) مراتبهم ما يليق بها إن شاء الله تعالى.
فصل
في علامات نبينا محمد صلى الله عليه وآله ووصيه وسبطيه الحسن والحسين عليهم السلام تفصيلا
وفي جميع الأئمة عليهم السلام من ذرية الحسين جملة:
1 - روي عن جماعة منهم محمد وعلي ابنا علي بن عبد الصمد التميمي، عن
أبيهما، عن السيد أبي البركات، عن علي بن الحسين الجوزي، عن أبي جعفر بن

1) " النبوة للنبي صلى الله عليه وآله والولاية للأئمة عليهم السلام، ومزاياهم وآياتهم الخارقة
للعادة ومراتبهم الكريمة، أما بعد " ط بدل " ومراتب نبينا.. وأتم السلام ".
2) " علاماتهم في الرموز الإلهية من المروى على علو " ط بدل " الرؤيا الدالة على ".
1062

بابويه، عن.. (1) عبد الله بن سليمان (2) - وكان قارئا للكتب - قال:
قرأت في الإنجيل: صدقوا النبي الأمي صاحب الجمل والمدرعة والتاج (3)
والنعلين والهراوة - وهي القضيب - الانجل (4) العينين، الصلت (5) الجبين، السهل
الخدبن (6) الأقنى الأنف (7) مفلج الثنايا (8) كأن عنقه إبريق فضة، كأن الذهب
نحت (9) في تراقيه، له شعرات من صدره إلى سرته، ليس على بطنه ولا على
صدره شعر (10) أسمر اللون، دقيق المسربة (11) شئن الكف والقدم، إذا التفت
التفت جميعا، وإذا مشى كأنما ينقلع من الصخر، وينحدر في صبب (12) وإذا جامع
القوم بذهم (13) عرقه في وجهه (14) كاللؤلؤ، وريح المسك ينفح منه، لم ير

1) " وبالسند إلى " م، ه‍ بدل " فصول في.. ".
2) " حماد بن عبد الله بن سليمان " كمال الدين. " حماد، عن عبد الله بن سليمان " الأمالي.
3) أضاف في ط: " وهي العمامة ".
4) العين النجلاء: الواسعة الحسنة.
5) الصلت: الواسع المستوى الجميل.
6) سهل الخدين: سائل الخدين، أي فيهما استرسال وانبساط ولين. وفي الكمال:
" الواضح " بدل " السهل ".
7) القنا في الانف: طوله ودقة أرنبته مع حدب في وسطه.
8) الفلج في الأسنان: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات خلقة.
9) " يجرى " د، ق الكمال والأمالي.
10) " شئ " م.
11) المسربة - بضم الراء -: الشعر المستدق، النابت وسط الصدر إلى البطن.
12) قال ابن الأثير في النهاية: 3 / 3: في صفته صلى الله عليه وآله " إذا مشى كأنما ينحط
في صبب " أي في موضع منحدر.
13) في صفته صلى الله عليه وآله " يمشى الهوينا يبذ القوم " إذا سارع إلى خير أو مشى إليه.
لسان العرب: 3 / 477.
14) " عرفه في فيه " م، ه‍.
1063

قبله مثله ولا بعده، طيب الريح، نكاح للنساء، ذو النسل القليل، إنما نسله من
مباركة، لها بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب (1) تكفلها في آخر الزمان كما
كفل زكريا أمك يا عيسى، لها فرخان يستشهدان.
كلامه القرآن، ودينه الاسلام، اهبطك وقت الصلاة لتصلي معهم، إنهم أمة
مرحومة، لتعينهم على اللعين الدجال. (2)
فصل
2 - وبالاسناد إلى الشيخ أبي جعفر بن بابويه: نا علي بن أحمد: نا أحمد بن
يحيى: نا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أبي
عن خالد بن الياس، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم (3): نا أبي، عن جدي
قال: سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب، أنه قال:

1) الصخب: الضجة واختلاط الأصوات للخصام. والنصب: الاعياء من العناء.
2) عنه اثبات الهداة: 1 / 335 ح 40، وعن كمال الدين: 1 / 159 ح 8 باسناده إلى
حماد بن عبد الله بن سليمان، وإعلام الورى: 12، وقصص الأنبياء للمصنف: 288 نقلا
عن كمال الدين.
ورواه الصدوق في الأمالي: 224 ح 8 باسناده إلى عبد الله بن سليمان، عنه البحار:
14 / 284 ح 6 و ج 43 / 22 ح 14 و ج 52 / 181 ح 1، وحلية الأبرار: 1 / 99.
وأورده الحافظ البرسي في مشارق أنوار اليقين: 72 مرسلا.
وأخرجه في الجواهر السنية: 113 عن الأمالي والمشارق.
وفي البحار: 16 / 144 ح 1 عن الكمال والأمالي.
وفي الايقاظ من الهجعة: 323 ح 32 عن الكمال.
3) كذا في الأمالي والكمال، وفي م " نا محمد بن إسماعيل: نا عبد الوهاب: نا محمد ".
1064

بينا أنا نائم في الحجر (1) إذ رأيت رؤيا هالني أمرها، فأتيت كاهنة قريش
وعلي مطرف (2) خز، وجمتي (3) تضرب منكبي، فلما نظرت إلي عرفت في
وجهي التغير، فاستوت، وأنا يومئذ سيد قومي.
فقالت: ما شأن سيد العرب متغير اللون؟ هل رابه من حدثان الدهر ريب؟
فقلت: بلى، إني رأيت (4) وأنا نائم في الحجر، كأن شجرة نبتت على ظهري
قد نال رأسها السماء، وضربت بأغصانها إلى الشرق والغرب.
ورأيت نورا يظهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا (5).
ورأيت العرب والعجم ساجدة لها، وهي (6) كل يوم تزداد نورا وعظما.
ورأيت رهطا من قريش يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن
الناس وجها، وأنظفهم ثوبا فيكسر (7) ظهورهم ويقلع أعينهم، فرفعت يدي لآخذ (8)
غصنا من أغصانها فصاح بي الشاب. وقال: مهلا، ليس لك فيها نصيب.
فقلت: لم ذلك والشجرة لي (9)؟ فقال: النصيب لهؤلاء الذين تعلقوا بها
وستعود إليها. فانتبهت مرعوبا (10) فزعا متغير اللون، فرأيت لون الكاهنة قد تغير
ثم قالت: لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك ولد يملك المشرق والمغرب

1) أي حجر إسماعيل عليه السلام وفي د، ق " حجرة ".
2) المطرف: رداء أو ثوب من خز مربع ذو أعلام.
3) الجمة من شعر الرأس: ما سقط على المنكبين.
4) " رأيت الليلة " الكمال والأمالي.
5) " مرة " ه‍.
6) " وفي " ه‍.
7) " ثيابا فيأخذهم ويكسر " ق، الكمال والأمالي بدل " ثوبا فيكسر ".
8) " لا تناول " د، الكمال والأمالي.
9) " لمن النصيب والشجرة (لي) منى " د، ق، الكمال والأمالي بدل " لم ذلك والشجرة لي ".
10) " مذعورا " د، الكمال والأمالي.
1065

ويتنبأ (1) في الناس، فسري عني غمي.
فلما ولد محمد كان يقول: كان (2) الشجرة والله أبو القاسم الأمين صلى الله عليه وآله. (3)
فصل
3 - ولما تزوج عبد الله آمنة رضي الله عنهما حملت بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله
فروي أنها قالت:
لما حملت به لم [أشك بالحمل ولم] يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل
ورأيت كأن آتيا أتاني فقال لي: قد حملت بخير [الأنام، فلما حان وقت الولادة
خف علي ذلك حتى وضعته، وهو يتقي الأرض بيديه وركبتيه، وسمعت قائلا يقول:
وضعت خير البشر، فعوذيه بالواحد الصمد من شر كل باغ وحاسد.
فقالت آمنة: لما سقط إلى الأرض اتقى الأرض بيديه وركبتيه] (4). ثم رفع
رأسه إلى السماء، وخرج مني نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب (5) ورميت
الشياطين بالنجوم، وحجبوا عن السماء، ورأت قريش الشهب والنجوم (6) تسير
في السماء، ففزعوا لذلك وقالوا: هذا قيام الساعة.
فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك، وكان شيخا كبيرا مجربا

1) " ونبيا " ه‍، وفي الكمال والأمالي: " وينبأ ".
2) " كانت " الكمال والأمالي.
3) رواه الصدوق في كمال الدين: 1 / 173 ح 30، والأمالي: 216 بهذا الاسناد،
عنهما البحار: 15 / 254 ح 7 وفيه بيان مفيد.
وأورده في روضة الواعظين: 80 عن أبي طالب، عن عبد المطلب.
وأخرجه في اثبات الهداة: 1 / 342 ح 47 عن الكمال.
4) من ق والكمال، واللفظ للكمال.
5) " أضاء ما بين السماء والأرض " ق، والكمال.
6) " وحجبت عن السماوات بالرجوم " م. " وحجبوا عن السماوات بالرجوم " ق.
1066

فقال: انظروا إلى هذه النجوم التي يهتدى (1) بها في البر والبحر، فان كانت قد
زالت فهو قيام الساعة، وإن كانت هذه ثابتة فهو لأمر حدث.
وكان بمكة يهودي يقال له: " يوسف " فلما رأى النجوم يقذف بها وتتحرك
قال: هذا نبي ولد في هذه الليلة، وهو الذي نجده في كتبنا، أنه إذا ولد (2) -
آخر الأنبياء - رجمت الشياطين، وحجبوا عن السماء، فلما رأى محمدا وقد ولد
ونظر إليه، وإلى خاتم النبوة على كتفه، خر مغشيا عليه، فلما أفاق قال: ذهبت
النبوة من بني إسرائيل، هذا نبي السيف! وتفرق الناس يتحدثون بخبر اليهودي.
ونشأ محمد صلى الله عليه وآله في اليوم كما ينشأ غيره في الجمعة.
ونشأ (3) في الجمعة كما ينشأ غيره في الشهر. (4)
فصل
4 - وبالاسناد المتقدم، عن عبد الله بن محمد: نا أبي: نا سعيد بن مسلم بن
مراد (5) مولى لبني مخزوم، عن سعيد (6) بن أبي صالح، عن أبيه، عن ابن عباس
قال: قال والدي العباس: لما ولد لوالدي عبد المطلب، عبد الله رأينا في وجهه
نورا يزهر كنور الشمس، فقال أبي: إن لهذا الغلام شأنا (7) عظيما.

1) " تهتدوا " د، ق، والكمال.
2) " ولد وهو " الكمال.
3) كذا في ق، وفي بقية الموارد " وينشاء ".
4) رواه مفصلا الصدوق في كمال الدين: 1 / 196 ح 39 باسناده إلى أبان بن عثمان، عنه
اثبات الهداة: 1 / 512 ح 124، وحلية الأبرار: 1 / 20.
وأورده علي بن إبراهيم القمي في تفسيره: 349 عن آمنة، عنه البحار: 15 / 269 ح 15،
واثبات الهداة: 1 / 349 ح 55 وعن كمال الدين.
5) " عن قمار " كمال الدين. وفي م، ه‍ " سعد " بدل " سعيد ".
6) " سعد " م، ه‍.
7) " لشأن " م. " لسانا " ق.
1067

قال: فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طير أبيض، فطار فبلغ المشرق
والمغرب، ثم رجع حتى سقط على بناء (1) الكعبة، فسجدت له قريش كلها، فبينما
الناس يتأملونه إذ صار نورا بين السماء والأرض، وامتد حتى بلغ المشرق
والمغرب، فلما انتبهت سألت كاهنة بني مخزوم، فقالت: يا عباس لئن صدقت
رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له.
قال أبي: فهمني أمر عبد الله إلى أن تزوج بآمنة وكانت من أجمل نساء
قريش وأتمها خلقا.
فلما مات عبد الله رضي الله عنه وولدت آمنة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وآله (2)
أتيته فرأيت النور بين عينيه يزهر، فحملته وتفرست في وجهه، فوجدت منه ريح
المسك، وصرت كأني قطعة مسك من شدة ريحه (3).
فحدثتني آمنة: إنه لما أخذني الطلق، واشتد بي الامر، سمعت جلبة (4) وكلاما
لا يشبه كلام (5) الآدميين، ورأيت علما من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب
بين السماء والأرض. ورأيت نورا يسطع من رأسه (6) حتى بلغ السماء.
ورأيت قصور الشامات كلها كأنها شعلة نار (7).
ورأيت من القطا شيئا (8) عظيما، قد نشرت أجنحتها حولي، فرأيت شعيرة (9)
الأسدية قد مرت، وهي تقول: آمنة ما لقيت الكهان والأصنام من ولدك؟!

1) " بيت " د، ق، والكمال والأمالي.
2) " وولدت برسول الله " ق.
3) " ريحى " الكمال والأمالي.
4) الجلبة: الصياح والصخب.
5) في م: " لأمر ".
6) في د، ق، م: " رأسي ".
7) " نور " الكمال، " نار نورا " الأمالي.
8) " القطاة أمرا " الكمال والأمالي.
9) في م، ه‍ " شفيرة " وفي د، ق، ه‍ " سفيرة ".
1068

ورأيت شابا من أتم الناس طولا، [وأشدهم بياضا، وأحسنهم ثيابا] (1)
ما ظننته إلا عبد المطلب قد دنا منه (2) وتفل في فيه، واستنطقه، فنطق، فلم أفهم ما قال
إلا أنه قال: في أمان الله وحفظه [وكلاءته]، أنت خير البشر!
ثم أخرج صرة فإذا فيها خاتم، فضرب به بين (3) كتفيه، وألبسه قميصا، وقال:
هذا أمانك من آفات الدنيا، فهذا ما رأيت يا عباس.
ثم جاءت به، وإذا (4) خاتم النبوة بين كتفيه، ونسيت الحديث [فلم أذكره]
إلى وقت إسلامي حتى ذكرني به رسول الله صلى الله عليه وآله. (5)
فصل
5 - وبالاسناد عن ابن عباس قال: كان يوضع لعبد المطلب رضي الله عنه
فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد إجلالا له، وكان بنوه يجلسون حوله حتى
يخرج عبد المطلب.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج وهو غلام فيمشي حتى يجلس على الفراش
فيعظم ذلك أعمامه، ويأخذونه ليؤخروه، فيقول لهم عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم:

1) من الكمال والأمالي.
2) " منى فأخذ المولود " الكمال والأمالي " دنا يأخذ المولود " د، ق.
3) " على " د، ق بدل " به بين ".
4) " قال: فكشفت عن ثوبه فإذا " د، ق.
5) رواه مفصلا الصدوق في كمال الدين: 1 / 175 ح 33، والأمالي: 217 ح 2 بهذا
الاسناد، عنهما البحار: 15 / 256 ح 8.
وأورده ابن الفتال في روضة الواعظين: 81 عن ابن عباس.
وابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب: 1 / 24 عن العباس بن عبد المطلب مختصرا.
وأخرجه في اثبات الهداة: 1 / 532 ح 157 عن الأمالي.
1069

دعوا ابني؟! فوالله إن له لشأنا عظيما، إني أرى أنه، سيأتي عليكم يوم وهو
سيدكم، ثم يحمله فيجلسه معه، ثم يلتفت إلى أبي طالب - وذلك أن أبا طالب
و عبد الله رضي الله عنهما من أم واحدة - فيقول: إن لهذا الغلام شأنا عظيما فاحفظه
واستمسك به فإنه فرد وحيد، وكن له كالأم، لا يصل إليه شئ يكرهه.
ثم يحمله على عاتقه (1) فيطوف به أسبوعا، ثم قدمت به أمه على أخواله من
بني النجار (2) فماتت بالابواء بين مكة والمدينة، ودفنت بها.
فازداد عبد المطلب له رقة وحفظا، أن لا أب له، ولا أم.
فلما أدرك عبد المطلب - رضي الله عنه - الوفاة (3) ومحمد صلى الله عليه وآله على صدره
وهو في غمرات الموت، وهو يبكي، ويلتفت إلى أبي طالب (رضي الله عنه)
ويقول: أبصر (4) أن تكون حافظا لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه، ولا ذاق
شفقة أمه.
يا أبا طالب إذا أدركت أيامه فاعلم أني كنت من أبصر الناس له، وأعلم
الناس به، فان استطعت أن تتبعه فافعل، وانصره بلسانك، ويدك، ومالك فإنه
- والله - سيسودكم، ويملك ما لم يملك أحد من آبائي، هل قبلت وصيتي؟

1) " عنقه " الكمال.
2) " عدى " ق، والكمال. وفي دلائل النبوة للبيهقي: 1 / 188: قدمت آمنة بنت وهب
أم رسول الله صلى الله عليه وآله على أخواله من بنى عدى بن النجار المدينة، ثم رجعت به حتى
إذا كانت بالابواء هلكت بها ورسول الله صلى الله عليه وآله ابن ست سنين.
وقال: وهذا لان هاشم بن عبد مناف كان قد تزوج بالمدينة سلمى بنت عمرو من بنى النجار
فولدت له عبد المطلب.
أقول: وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.
راجع جمهرة أنساب العرب: 1 / 14.
3) أضاف في الكمال: " فبعث إلى أبى طالب ".
4) " يا أبا طالب انظر " الكمال. " انظر " ق.
1070

فقال: نعم، قد قبلت، والله علي بذلك شاهد.
فقال عبد المطلب: فمد يدك إلي. فمد يده إليه، فضرب بيده على يده.
ثم قال عبد المطلب: الآن خف (1) علي الموت. ثم لم يزل يقبله، ويتمنى
أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه.
فمات رضي الله عنه، فضمه أبو طالب رضي الله عنه إلى نفسه. (2)
فصل
6 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة
وذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه وآله بسنتين (3) أتاه وفد العرب، ومعهم عبد المطلب بن
هاشم، فقال: نحن وفد التهنئة، لا وفد المرزئة (4). فقال:
أيهم أنت: قال: أنا عبد المطلب بن هاشم. قال: ابن أختنا (5)؟ قال: نعم.
فأدناه، ثم أقبل على القوم وقال: قد عرف الملك قرابتكم، لكم الكرامة

1) " خفف " ق.
2) رواه مفصلا الصدوق في كمال الدين: 1 / 171 ح
28 باسناده إلى ابن عباس، وفي ص 172 ح 29 باسناده إلى العباس بن عبد الله بن سعيد،
عن بعض أهله، مختصرا، عنه البحار: 15 / 142 - 144 ح 74 و 75.
وأورده مختصرا ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب: 1 / 33 عن عكرمة، عنه
البحار: 15 / 146 ح 79.
وأخرجه الطبرسي في إعلام الورى: 14 عن كمال الدين، عنه اثبات الهداة: 1 / 341 ح
46 وعن كمال الدين.
3) كذا في ط والكمال، وفي م: " بسنين ".
4) قال ابن الأثير قي النهاية: 2 / 219: منه حديث ابن ذي يزن: " فنحن وفد التهنئة
لا وفد المرزئة " أي المصيبة.
5) كذا في الكمال، وفي م: " أخينا ".
1071

ما أقمتم، والحباء (1) إذا ظعنتم (2) انهضوا إلى دار الضيافة.
وقال لعبد المطلب سرا: إني مفوض إليك من سر علمي، فليكن عندك
مطويا حتى يأذن الله فيه، إني أجد في الكتاب المكنون، والعلم المخزون خبرا
عظيما، فيه شرف للناس عامة، ولرهطك خاصة.
فقال عبد المطلب: أيها الملك مثلك من سر وبر، فما هو؟
قال: إذا ولد بتهامة (3) غلام بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، وكذلك
ولولدك به الرعاية (4) إلى يوم القيامة، وهذا حينه الذي يولد فيه أو [قد] ولد
واسمه " محمد " يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، وقد ولد سرارا، والله
باعثه جهارا، وجاعل له منا أنصارا، يعز به أولياءه، ويذل به (5) أعداءه، يكسر
الأوثان، ويخمد النيران، ويعبد الرحمن، ويدحر الشيطان، قوله فصل، وحكمه
عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله.
وإنك يا عبد المطلب جده غير كذب. فخر عبد المطلب ساجدا لله.
فقال له: ارفع رأسك، فهل أحسست شيئا مما ذكرته؟
قال: كان لي ابن، وكنت به معجبا، فزوجته كريمة من قومي، فجاءت بغلام
فسميته محمدا، مات أبوه وأمه، وكفلته (6) أنا وعمه.
فقال الملك: فاحذر عليه اليهود، واطو (7) ما ذكرت دون هؤلاء الذين معك

1) الحباء: العطاء بلا من ولا جزاء.
2) أي ذهبتم وسرتم.
3) تهامة بالكسر: تهامة تساير البحر، منها مكة. والحجاز: ما حجز بين تهامة والعروض.
(مراصد الاطلاع: 1 / 283).
4) " ولكم به الزعامة " ط، د، ق. " ولكم به الدعامة " الكمال بدل " وكذلك ولولدك به الرعاية ".
5) " ليعز بهم أولياءه، ويذل بهم " الكمال.
6) كذا في الكمال، وفي م: " وأكفله ".
7) " وأضمر " ط، ه‍.
1072

فلست آمن أن تدخلهم النفاسة (1) فيطلبون له الغوائل (2) وينصبون له الحبائل (3)
وهم فاعلون أو أبناؤهم، ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي (4) - لصرت بيثرب -
دار ملكه (5) - نصرة له، واستحكام أمره (6) بها - وهي موضع قبره
الخبر إلى آخره (7) قد مضى (8) شئ منه.
فصل
7 - وكان تبع الملك ممن قد عرف (9) النبي صلى الله عليه وآله وانتظر خروجه، وقال:
سيخرج من هذه - يعني مكة - نبي يكون مهاجره يثرب، فأخذ قوما من اليمن
فأنزلهم مع اليهود لينصروه إذا خرج. (10)

1) نفست عليه الشئ: أنفسه نفاسة، إذا ضننت به ولم تحب أن يصل إليه.
2) الغوائل: المهالك.
3) الحبائل: المصائد.
4) " يعاجلني " ه‍، ط.
5) كذا في الكمال، وفي د، ق، م " ملكي ". وفي ق بلفظ " لصيرت يثرب دار ملكي ".
6) " أمر محمد " ه‍، ط.
7) رواه مفصلا الصدوق في كمال الدين: 1 / 176 ح 32، وفي كنز الكراجكي: 82
بأسانيدهما إلى ابن عباس، عنهما البحار: 15 / 186 - 191 ح 11 و 12 و 13 وعن
إعلام الورى: 15 نقلا عن كمال الدين ودلائل النبوة البيهقي: 2 / 9 - 14 من طريقين.
وأورده المسعودي في مروج الذهب: 2 / 58 مرسلا.
وأخرجه ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب: 1 / 20 عن الكمال ونزهة القلوب الثعلبي.
وفي اثبات الهداة: 1 / 342 ح 48 عن الكمال.
8) في ج 1 / 114 ح 190 وص 129 ح 215.
9) " عرف بحال " ه‍.
10) رواه الصدوق في كمال الدين: 1 / 170 ضمن ح 25 بالاسناد إلى أبى عبد الله عليه السلام
عنه إعلام الورى: 13، والبحار: 15 / 182 ضمن ح 5، واثبات الهداة: 1 / 340 ح 43.
1073

8 - وقال ابن عباس: لا يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلما. (1)
9 - وروى لنا جماعة، عن جعفر الدوريستي، عن أبيه، عن أبي جعفر بن بابويه
عن أبيه: ثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن
عبد الحميد، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إن تبعا قال للأوس والخزرج: كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبي، أما
أنا لو أدركته لخدمته، ولخرجت معه. (2)
وقد مضي شئ من دلائله ومعجزاته عليه السلام في حديث تبع.
فصل
وكان أبو طالب، وأبوه عبد المطلب من أعرف العلماء (3) وأعلمهم بشأن النبي
صلى الله عليه وآله وكانا يكتمان الايمان به عن الجهال، وأهل الكفر والضلال.
10 - قال ابن بابويه: حدثنا أحمد بن محمد الصائغ: ثنا محمد بن أيوب، عن
صالح بن أسباط، عن إسماعيل بن محمد وعلي بن عبد الله، عن الربيع بن محمد
المسلي (4) عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت عليا عليه السلام يقول:

1) رواه الصدوق في كمال الدين: 1 / 171 ح 27 باسناده إلى ابن عباس، عنه البحار:
15 / 183 ح 7، واثبات الهداة: 1 / 340 ح 45.
2) رواه الصدوق في كمال الدين: 1 / 170 ح 26 باسناده إلى أبى عبد الله عليه السلام
عنه البحار: 15 / 182 ح 6، واثبات الهداة: 1 / 340 ح 44.
3) " الناس " ط.
4) " بن المسلمى " ق، د. " السلمى " ه‍، ط، والبحار: 35.
تصحيف. ومسلية - كمحسنة - قبيلة بن مذحج، وهي مسلية بن عامر بن عمرو بن علة بن
جلد بن مالك بن أدد. راجع توضيح الاشتباه 156 رقم 681، جمهرة أنساب العرب:
412 - 414، رجال المامقاني: 1 / 427، رجال السيد الخوئي: 7 / 173 رقم 4532.
وفي الأخيرين هكذا " مسيلة.. بن علة بن خالد.. " تصحيف.
1074

والله ما عبد أبي، ولا جدي عبد المطلب، ولا هاشم، ولا عبد مناف صنما قط.
قيل: وما كانوا يعبدون؟
قال: كانوا يصلون إلى البيت، على دين إبراهيم، متمسكين به. (1)
11 - وقال ابن بابويه: ثنا أبو الفرج محمد بن المظفر (2) بن نفيس المصري الفقيه:
ثنا أبو الحسن محمد بن أحمد الداودي، عن أبيه قال:
كنت عند أبي القاسم بن روح، فسأله رجل ما معنى قول العباس للنبي صلى الله عليه وآله:
" إن عمك أبا طالب قد أسلم بحساب الجمل - وعقد بيده ثلاثا وستين - ". (3)
وهذه تسع صور جمعتها ثلاث أصابع: الخنصر والبنصر والوسطى، هذه بالنسبة إلى الآحاد
وأما الأعشار: فالمسبحة والابهام فالعشرة ان يجعل ظفر المسبحة في مفصل الابهام من جنبها
والعشرون: وضع رأس الابهام بين المسبحة والوسطى، والثلاثون: ضم رأس المسبحة مع
رأس الابهام، والأربعون: أن تضع الابهام معكوفة الرأس إلى ظاهر الكف، والخمسون: أن
تضع الابهام على باطن الكف معكوفة الأنملة ملصقة بالكف، والستون: أن تنشر الابهام،
وتضم إلى جانب الكف أصل المسبحة، والسبعون: عكف باطن المسبحة على باطن رأس
الابهام، والثمانون: ضم الابهام وعكف باطن المسبحة على ظاهر أنملة الابهام المضمومة.
والتسعون: ضم المسبحة إلى أصل الابهام ووضع الابهام عليها.
وإذا أردت آحادا وأعشارا عقدت من الآحاد ما شئت مع ما شئت من الأعشار المذكورة.
وإذا أردت آحادا بغير أعشار عقدت في أصابع الآحاد من يد اليسرى مع نشر أصابع الأعشار.
وأما المئات: فهي عقد أصابع الآحاد من يد اليسرى فالمائة كالواحد، والمائتان كالاثنين
وهكذا إلى التسعمائة.
واما الألوف: وهي عقد أصابع عشرات منها، فالألف كالعشرة، والألفان كالعشرين إلى
التسعة آلاف.
هذا خلاصة القاعدة المذكورة فتدبر في هذه القاعدة فان لها نفعا عظيما والحمد لله رب
العالمين.
قال المجلسي (ره): لعل المعنى أن أبا طالب أظهر اسلامه للنبي صلى الله عليه وآله أو
لغيره بحساب العقود بأن أظهر الألف أولا بما يدل على الواحد ثم اللام بما يدل على
الثلاثين وهكذا. وذلك لأنه كان يتقى من قريش كما عرفت.
وقيل: يحتمل أن يكون العاقد هو العباس حين أخبر النبي صلى الله عليه وآله بذلك.
فظهر على التقديرين أن اظهار اسلامه كان بحساب الجمل، إذ بيان ذلك بالعقود لا يتم
الا بكون كل عدد مما يدل عليه العقود دالا على حرف من الحروف بذلك الحساب.
وقد قيل في حل أصل الخبر وجوه أخر:
منها أنه أشار بإصبعه المسبحة: " لا إله إلا الله، محمد رسول الله " فان عقد الخنصر والبنصر
وعقد الابهام على الوسطى يدل على الثلاث والستين على اصطلاح أهل العقود، وكأن
المراد بحساب الجمل هذا.
والدليل على ما ذكرته ما ورد في رواية شعبة، عن قتادة، عن الحسن - في خبر طويل
ننقل منه موضع الحاجة، وهو - أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة دعا رسول الله صلى الله عليه
وآله وبكى وقال: يا محمد انى أخرج من الدنيا ومالي غم الا غمك - إلى أن قال صلى الله
عليه وآله وسلم -: يا عم انك تخاف على أذى أعادي ولا تخاف على نفسك عذاب ربى؟
فضحك أبو طالب وقال: يا محمد دعوتني وكنت قدما أمينا، وعقد بيده على ثلاث وستين:
عقد الخنصر والبنصر وعقد الابهام على إصبعه الوسطى، وأشار بإصبعه المسبحة، يقول:
" لا إله إلا الله محمد رسول الله ".
فقام علي عليه السلام وقال: الله أكبر والذي بعثك بالحق نبيا لقد شفعك في عمك وهداه بك
فقام جعفر وقال: لقد سدتنا في الجنة يا شيخي كما سدتنا في الدنيا.
فلما مات أبو طالب أنزل الله تعالى: " يا عبادي الذين آمنوا ان ارضى واسعة
فإياي فاعبدون " سورة العنكبوت: 56 رواه ابن شهرآشوب في المناقب.
وهذا حبل متين لكنه لم يعهد اطلاق الجمل على حساب العقود.
ومنها: أنه أشار إلى كلمتي " لا " و " الا " والمراد كلمة التوحيد، فان العمدة فيها والأصل
النفي والاثبات.
ومنها: أن أبا طالب وأبا عبد الله عليه السلام امرا بالاخفاء اتقاءا، فأشار بحساب العقود
إلى كلمة سبح من التسبيحة، وهي التغطية أي غط واستر فإنه من الاسرار.
وهذا هو المروى عن شيخنا البهائي طاب رمسه.
ومنها: أنه إشارة إلى أنه أسلم بثلاث وستين لغة، وعلى هذا كان الظرف في مرفوعة
محمد بن عبد الله متعلقا بالقول.
ومنها: أن المراد أن أبا طالب علم نبوة نبينا صلى الله عليه وآله قبل بعثته بالجفر، والمراد
بسبب حساب مفردات الحروف بحساب الجمل.
ومنها: أنه إشارة إلى سن أبى طالب حين أظهر الاسلام.
ولا يخفى ما في تلك الوجوه من التعسف والتكلف سوى الوجهين الأولين المؤيدين
بالخبرين، والأول منهما أوثق وأظهر لان المظنون أن الحسين بن روح لم يقل ذلك الا بعد
سماعه من الإمام عليه السلام. انتهى.
وراجع كتاب ايمان أبي طالب لفخار بن معد: 107.

1) رواه الصدوق في كمال الدين: 1 / 174 ح 32 بهذا الاسناد، عنه البحار: 15 / 144
ح 76 و ج 35 / 81 ح 22.
2) " أحمد بن المطهر " ط، تصحيف. وهو من مشايخ الصدوق، وذكره مترحما عليه، وكناه
بأبى الفرج، ووصفه بالفقيه، راجع رجال السيد الخوئي: 17 / 265 رقم 11802.
3) تفسير قاعدة الجمل: نقلا عن هامش معاني الأخبار - تحقيق على أكبر غفاري - نقله عن
هامش نسخة خطية ما لفظه:
لا يخفى أن مبنى هذا على قاعدة وضعها العلماء المتقدمون في مفاصل أصابع اليدين لبيان
عقود العدد وضبطها من الواحد إلى عشرة آلاف، فصورة الثلاثة والستين على القاعدة
الممهدة أن يثنى الخنصر والبنصر والوسطى والآحاد وهي الثلاثة جاريا على منهج المتعارف
من الناس في عد الواحد إلى الثلاثة ولكن يوضع الأنامل في هذه العقود قريبة من
أصولها وأن يوضع لستين بابهام اليمنى على باطن العقدة الثانية من السبابة كما يفعله الرماة.
وملخص هذه القاعدة التي ذكرها القدماء هو ان الخنصر والبنصر والوسطى العقد الآحاد
فقط والمسبحة والابهام الأعشار فقط.
فالواحد أن تضم الخنصر مع نشر الباقي، والأربعة نشر الخنصر وترك البنصر والوسطى
مضمومتين، والخمسة، نشر البنصر مع الخنصر وترك الوسطى مضمومة، والستة: نشر جميع
الأصابع وضم البنصر، والسبعة: أن يجعل الخنصر فوق البنصر منشورة مع نشر الباقي أيضا،
والثمانية: ضم الخنصر والبنصر فوقها: والتسعة: ضم الوسطى إليهما.
1075

فقال: عنى بذلك: إله أحد جواد (1).
وتفسير ذلك أن الألف واحد، واللام ثلاثون، والهاء خمسة، والألف واحد
والحاء ثمانية، والدال أربعة، والجيم ثلاثة، والواو ستة، والألف واحد، والدال
أربعة، فذلك ثلاثة وستون. (2)
12 - وباسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن العباس
ابن عامر، عن علي بن أبي سارة، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إن أبا طالب أسر (3) الايمان، فلما حضرته الوفاة، أوحى الله إلى رسوله:
اخرج منها [يعني مكة] فليس لك بها ناصر. فهاجر إلى المدينة. (4)
فصل
13 - وبالاسناد عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام [قال]: إن عليا عليه السلام قال
لسلمان: ألا تخبرنا ببدء (5) أمرك؟
قال: أنا كنت من أهل شيراز، وكنت عزيزا على والدي، بينا أنا سائر معه في
عيد لهم، إذا أنا بصومعة (6) فإذا رجل منها ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن
عيسى روح الله، وأن محمدا (7) حبيب الله، فوقع حب محمد في (8) لحمي ودمي.

1) " واحد " ه‍، ط.
2) رواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 519 ح 48،
ومعاني الأخبار: 286 ح 2 بهذا الاسناد، عنهما البحار: 35 / 78 ح 19. وأخرجه في
البحار: 53 / 191 ح 20 عن كمال.
3) " أستر " م.
4) رواه الصدوق في كمال الدين: 1 / 174 ح 31 بهذا الاسناد عنه البحار: 35 / 81 ح 21
5) " بمبدأ " ق.
6) الصومعة: بيت للنصارى، ويقال: هي نحو المناصرة ينقطع فيها رهبان النصارى.
7) زاد في ه‍، ط " رسول الله، أو قال ".
8) " فوصف حب محمد من " م، ه‍. " فوصف محمد في " ق، د.
1078

فقال لي أبي: مالك لا تسجد لمطلع الشمس؟ فكابرته (1) حتى سكت.
فلما انصرفت إلى منزلي إذا أنا بكتاب معلق في (2) السقف، فقلت لأمي (3):
ما هذا الكتاب؟
فقالت: يا روزبه (4) إن هذا الكتاب لما رجعنا من عيدنا رأيناه معلقا، فلا تقرب
ذلك المكان (5) فإنك إن قربته قتلك [أبوك].
قال: فجاهدتها حتى جن الليل، ونام أبي وأمي، فقمت وأخذت الكتاب، فإذا
فيه مكتوب: " بسم الله الرحمن الرحيم: هذا عهد من الله إلى آدم أنه خالق من صلبه
نبيا يقال له " محمد " يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن عبادة الأوثان.
يا روزبه إئت (6) وصي وصي عيسى [فاخدمه فهو (7) يرشدك إلى مرادك] ".

1) كابره: عانده.
2) " من " م، د.
3) " لأبي " ط، وما بعده بصيغة المذكر.
4) قال الصدوق (ره) كان اسم سلمان روزبه بن خشبوذان، وما سجد قط لمطلع الشمس
وإنما كان يسجد لله عز وجل، وكانت القبلة التي امر بالصلاة إليها شرقية، وكان أبواه
يظنان أنه إنما يسجد لمطلع الشمس كهيئتهم، وكان سلمان وصي وصي عيسى عليه السلام
في أداء ما حمل إلى من انتهت إليه الوصية من المعصومين، وهو آبى عليه السلام..
أقول: الأب - بالمد - عند المسيحيين: الاقنون الأول من الأقانيم الإلهية.
ولما هاجر إلى الله، ودخل مدينة علم رسوله صلى الله عليه وآله التي بابها أمير المؤمنين
عليه السلام صار سلمان المحمدي بقول خاتم الأنبياء، وعد منهم أهل البيت عليهم السلام
وفضائله ومآثره في الاسلام أشهر من أن تذكر، راجع تفصيل حياته وسيرته في البحار:
22 / 315 - 392، ونفس الرحمان في فضائل سلمان (رض) تأليف صاحب كتاب
مستدرك الوسائل...
5) " فلا تقرأه " ه‍.
6) " أنت " م، ه‍، د، ق.
7) كذا في نسخة من ط، وفي المصادر: فآمن واترك المجوسية.
1079

فصعقت صعقه فعلم (1) أبواي بذلك، فجعلوني في بئر، وقالوا: إن رجعت وإلا
قتلناك. فقلت: افعلوا بي ما شئتم، حب محمد لا يذهب من صدري.
قال: وكنت لا أعرف العربية (2) ولقد فهمني الله العربية في ذلك اليوم، وكانوا
ينزلون علي قرصا (3) صغارا (4).
فلما طال أمري في البئر، رفعت يدي إلى السماء، وقلت: " يا رب إنك حببت
محمدا ووصيه إلي، فبحق وسيلته عجل فرجي ".
فأتاني آت عليه ثياب بيض (5) فقال: قم يا روزبه. فأخذ بيدي وأتي بي إلى الصومعة
وصعدتها. فقال الديراني: أنت روزبه؟ قلت: نعم. وأقمت عنده وخدمته (6) حولين
فلما حضرته الوفاة [دلني على (7) راهب بأنطاكية، وناولني لوحا فيه صفات
محمد صلى الله عليه وآله. فلما أتيت راهب أنطاكية، وصعدت صومعته، قال: أنت روزبه؟
قلت: نعم. فرحب بي، وخدمته حولين أيضا، وعرفني بصفات محمد ووصيه.
فلما حضرته الوفاة، قال لي: يا روزبه إن محمد بن عبد الله قد] (8) حان خروجه (9)
فخرجت بعد موته مع (10) قوم يخرجون إلي الحجاز [فصرت] أخدمهم فقتلوا شاة

1) " فانتبه " ط.
2) " قال سلمان: كنت أفهم العبرية / العبرانية " م، ه‍،
ونسخة من ط. " قال سلمان: كنت أعرف العلماء " د، ق.
3) القرصة: قطعة من الخبز مبسوطة مستديرة، جمعها: قرص - بضم القاف وفتح الراء -.
4) زاد في نسخة من المطبوع: فلبثت فيها ما شاء الله.
5) " بياض " م، د، ق.
6) " نعم وخدمته أيضا " م.
7) " فلما مات خلفني إلى " ق، د. وفي ه‍، ط " دنته " بدل " حضرته ".
8) في نسخة من ط " دلني على راهب بأنطاكية وناولني لوحا، فلما أتيت صومعته، قال: روزبه؟
قلت: نعم وخدمته حولين أيضا، فلما حضرته الوفاة.. ".
وأنطاكية: مدينة، هي قصبة العواصم من الثغور الشامية، من أعيان البلاد وأمهاتها...
(مراصد الاطلاع: 1 / 124).
9) " ولادته " ط د، ق.
10) " فوصلت إلى " ه‍، ط.
1080

بالضرب وشووا، وأحضروا الخمر، وقالوا لي: كل واشرب.
فامتنعت فأرادوا قتلي فقلت: لا تقتلوني، أقر لكم بالعبودية. فباعوني من يهودي
فسألني عن قصتي فأخبرته [بخبري من أوله إلى آخره].
فقال: إني أبغضك وأبغض محمدا.
فأخرجني إلى خارج داره، وإذا رمل كثير على بابه (1)، فقال: إن (2) أصبحت
ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع [إلى هذا الموضع] لأقتلنك.
فجعلت أحمل طول ليلتي.
فلما تعبت [ولم أنقل منه إلا القليل] فقلت: " يا رب إنك حببت محمدا ووصيه
إلي، فبحق وسيلته أرحني مما (3) أنا فيه ".
فبعث الله ريحا قلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال اليهودي.
فلما أصبح (4) قال لي: إنك (5) ساحر، لأخرجنك من هذه القرية، لئلا تهلكنا (6).
فأخبر جني فباعني من امرأة سليمة (7) فأحبتني، وكان لها حائط (8) [فجعلتني فيه]
فقالت: كل منه، وهب وتصدق.
فبينا أنا في الحائط يوما إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا، تظلهم غمامة تسير معهم
قلت: إن فيهم نبيا.. الخبر بتمامه قد مضى (9).

1) " باب داره " ه‍، ط.
2) " لان " د، ق.
3) " بما " م.
4) " أصبح رآه " ه‍، ط.
5) " أنت " د، ق.
6) " تهلكها " د، ق.
7) " سلمية " كمال، مناقب.
8) أي بستان.
9) أورده المصنف في قصص الأنبياء: 295 باختلاف، ورواه الصدوق في كمال الدين:
1 / 161 ح 21 باسناده عن العطار وابن إدريس جميعا، عن ابن عيسى، عن محمد بن علي
بن مهزيار، عن أبيه، عمن ذكره، عن موسى بن جعفر عليهما السلام باختلاف يسير،
وأورده الفتال في روضة الواعظين: 325 مرسلا عنه عليه السلام باختلاف يسير، عنهما
مناقب آل أبي طالب: 1 / 18.
وأخرجه في اثبات الهداة: 1 / 506 ح 120، والبحار: 22 / 355 ح 2 عن كمال الدين.
1081

فصل
14 - وإن قس بن ساعدة الأيادي (1) أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية،
عاش ستمائة سنة، وكان يعرف النبي باسمه ونسبه، ويبشر الناس بخروجه، وكان
يستعمل التقية (2).
ومن شجون الحديث أنه كان النبي صلى الله عليه وآله يوم افتتح مكة [قاعدا] بفناء الكعبة
إذ أقبل إليه وفد، قال من القوم؟ قالوا: وفد بكر بن وائل.
قال: فهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأيادي؟
قالوا: مات. فقال: رحم الله قسا، يحشر يوم القيامة أمة وحده (3). (4)
15 - وعن ابن عباس أنه لما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله (5) بكعب بن أسد (6) ليضرب
عنقه. وذلك في غزوة بني قريظة، نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله [وقال له:]

1) وهو من أياد بن أد بن معد، وكان حكيم العرب، وكان مقرا بالبعث، وهو الذي يقول:
من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، وقد ضرب العرب بحكمته وعقله
الأمثال.. راجع مروج الذهب للمسعودي: 1 / 82 - 84.
2) رواه في كمال الدين: 1 / 168 ذ ح 23 مفصلا، عنه البحار 15 / 186 ذ ح 10.
3) " واحدة " د، ق.
4) روى مثله في كمال الدين: 1 / 166 ح 22 باسناده إلى أبى جعفر عليه السلام، وفي سعد
السعود: 232 باسناد له من طريق الصدوق مفصلا.
وأورده في الاختصاص: 17 مثله. وأخرجه في البحار: 15 / 183 ح 8 عن كمال الدين.
5) " لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله أمر " ه‍، ط.
6) انظر بشأنه الكامل في التاريخ: 2 / 180، 186.
1082

أما نفعك وصية أبي حواس (1) الحبر الذي أقبل من الشام؟
قال: تركت الخمر والخمير (2) والحمد، وجئت إلى البؤس والتمور (3)
لنبي يبعث، هذا أوان خروجه، يكون مخرجه بمكة، ويثرب دار هجرته، وهو
الضحوك القتال، يجتزي (4) بالتمرات، ويركب الحمار العاري، في عينيه حمرة،
وبين كتفيه خاتم النبوة، يضع سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى، يبلغ سلطانه، منقطع الخف والحافر.
قال كعب: قد كان ذلك يا محمد، ولولا أن اليهود تعيرني، إني خفت (5) عند
التقتيل (6) لآمنت بك وصدقتك، ولكني على (7) دين اليهودية. فأمر بضرب (8) عنقه. (9)
16 - وأتى النبي يهودي، فقال: يا محمد لم يبعث نبي إلا وكان له (10)
هامان، فمن هامانك؟ قال: إذا أريتكه (11) تسلم؟ قال: نعم.

1) " أبي حواش " ه‍، د، ق. " ابن حواش " كمال. وروى علي بن إبراهيم في تفسيره: 520
ما لفظه:.. قال الزبير بن باطا - وكان شيخا كبيرا مجربا قد ذهب بصره - قد قرأت التوراة
التي أنزلها الله في سفرنا بأنه يبعث نبيا في آخر الزمان يكون مخرجه بمكة، ومهاجره في
هذه البحيرة، يركب الحمار العاري..
2) " اللحم والخمير " د، ق. وفي رواية القمي " الخنزير " والخمير: الخبز.
3) " التهور " د، ق.
4) جزاه الشئ: كفاه.
5) " جبنت " د، ق.
6) " القتل " د، ق.
7) " لا أترك " د، ق.
8) " فأمر صلى الله عليه وآله به فضربت " ط.
9) رواه علي بن إبراهيم في تفسيره: 529 ضمن حديث طويل.
ورواه في كمال الدين: 1 / 198 ح 40 باسناده عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي
عمير والبزنطي جميعا، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن
عباس مثله، عنه اثبات الهداة: 1 / 350 ح 56، والبحار: 15 / 206 ح 24 و ج
20 / 247 ح 15، وحلية الأبرار: 1 / 31، ومستدرك الوسائل: 8 / 269 ح 5.
10) " كان في زمانه " د، ق.
11) " أرينكاه " م. " أريتكاه " د، ق.
1083

قال: إن فيه عشر علامات: أدلم (1) أكشف (2) أجلح (3) أحول (4) أقبل (5)
أعسر (6) أيسر (7) أفحج، أقصى (8).
فدخل عليه رجلان كل ذلك (9) يقول: هو ذا (10)؟ قال: لا.
فدخل (11) رجل، فقال: هو ذا؟ فقال: نعم. قال: (12) أشهد أنك رسول الله.
فصل
17 - وبالاسناد المذكور عن ابن عباس، عن أبيه، عن أبي طالب قال:
خرجت إلى الشام تاجرا سنة ثمان من مولد رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان في أشد ما
يكون من الحر، وكنت أقول (13) أن لا اخلف محمدا، فقيل لي: غلام صغير في

1) الادلم من الرجال: الطويل الأسود.
2) الأكشف: الذي انحسر مقدم رأسه.
3) الأجلح: الذي انحسر شعره عن جانبي رأسه.
4) الحول - بالفتح -: أن تميل احدى الحدقتين إلى الانف، والأخرى إلى الصدغ.
5) الأقبل - من القبل -: الذي كأنه ينظر إلى طرف أنفه.
وقيل: هو الأفحج: وهو الذي تتدانى صدور قدميه، ويتباعد عقباهما. وفي م " أقيل ".
6) الأعسر: الذي يعمل بيساره.
7) قال ابن الأثير في النهاية: 5 / 297: وفيه ".. أعسر أيسر " هكذا يروى، والصواب
" أعسر أيسر " وهو الذي يعمل بيديه جميعا، ويسمى الأضبط.
8) المذكور في النسخ تسع علامات.
9) " وكلما دخل رجل " ه‍، ط.
10) " هذا " ه‍.
11) " حتى دخل " د، ق.
12) " حتى دخل رجل. قال: هو هذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله و " ه‍، ط.
13) كذا في نسخة من ط، ونسخة أخرى " وكنت عزمت، ثم خفت عليه الأعداء بعد سفري
فعزمت على أخذه على ". وفي م، ه‍ د، ق " وكنت على ".
أقول: وفي رواية الصدوق بلفظ " فلما أجمعت على السير، قال لي رجال من قومي:
ما تريد أن تفعل بمحمد، وعلى من تخلفه؟ فقلت: لا أريد أن أخلفه على أحد من الناس، أريد
أن يكون معي...
1084

حر مثل هذا؟ [فقلت: يكون معي أروح لخاطري] فحشوت له حشية (1).
[واستأجرت له ناقة، وأركبته].
وكنا ركبانا كثيرا، فكان البعير الذي عليه محمد صلى الله عليه وآله أمامي لا يفارقني، وكان
يسبق الركب كلهم، وكان إذا اشتد الحر أتته سحابة (2) بيضاء مثل قطعة ثلج
فتسلم عليه، وتقف على رأسه لا تفارقه.
وكانت ربما أمطرت علينا السحابة أنواع الفواكه، وهي تسير معنا.
وقد ضاق الماء أبدا في طريقنا من قبل حتى كنا لا نجد قربة إلا بدينارين
فحيثما نزلنا في هذا السفر تمتلئ الحياض، ويكثر الماء، وتخضر الأرض، فكنا
في تلك السنة في خصب وطيب من الخير.
وكان معنا قوم قد وقفت جمالهم، فمشى إليها محمد صلى الله عليه وآله ومسح عليها فسارت
فلما قربنا من بصرى (3) إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة
السريعة (4) حتى إذا قربت منا، وقفت فإذا فيها راهب (5). وكانت السحابة
لا تفارق محمدا صلى الله عليه وآله ساعة واحدة.
وكان الراهب لا يكلم الناس، ولا يدري ما الركب، فلما نظر إلى محمد صلى الله عليه وآله

1) " فحشوت له حنقة " م. " فحشيت له حشية " خ ل.
والحشية - بتشديد الياء -: الفراش المحشو.
2) " أتاه بسحابة " ط.
3) بصرى - بالضم والقصر -: إحداهما بالشام، وهي التي وصل إليها النبي صلى الله عليه
وآله للتجارة، وهي المشهورة عند العرب، قال: هي قصبة كورة حوران، والأخرى..
(مراصد الاطلاع: 1 / 201).
4) " المسرعة " ط.
5) هو بحيرى - وقيل بالمد - الراهب الذي عرف النبي صلى الله عليه وآله بصفته ونعته
ونسبه واسمه قبل ظهوره بالنبوة، وكان منتظرا لخروجه كما ذكر الصدوق. واسمه في
النصارى: سرجس، وقيل: جرجس أو جرجيس، وكان من عبد القيس.
1085

عرفه، فسمعته يقول: إن كان أحد فأنت أنت، فنزلنا (1) تحت شجرة عظيمة، قريبة من
الراهب [وكانت يابسة] قليلة الأغصان، ليس لها حمل.
فلما نزل تحتها محمد صلى الله عليه وآله اهتزت الشجرة، وألقت أغصانها على محمد صلى الله عليه وآله
وحملت من [حينها] ثلاثة ألوان [من] الفواكه، فاكهتان للصيف، وفاكهة للشتاء.
فتعجب جميع من معنا من ذلك.
فلما رأى الراهب ذلك، ذهب فأعد (2) طعاما لمحمد صلى الله عليه وآله بقدر ما يكفيه، ثم
جاء وقال: من يتولى أمر هذا الغلام؟ قلت: أنا. قال: أي شئ تكون منه؟.
قلت: عمه. قال: يا هذا له أعمام، فأي الأعمام أنت؟.
قلت: أنا أخو أبيه، من أب وأم واحدة.
فقال: أشهد أنه هو، وإلا فلست بحيرى.
ثم قال لي: أتأذن لي أن أقرب (3) هذا الطعام منه؟ قلت: قربه إليه.
فالتفت إلى محمد صلى الله عليه وآله فقلت (4): رجل أحب أن يكرمك، فكل (5).
قال: هو لي دون أصحابي؟ فقال بحيري: نعم هو لك خاصة.
فقال محمد صلى الله عليه وآله: إني لا آكل دون هؤلاء.
فقال بحيرى: لم يكن عندي أكثر من هذا.
فقال: أفتأذن يا بحيرى أن يأكلوا معي؟ فقال: بلى.
فقال: كلوا على اسم الله. فأكل كل واحد [منها] حتى شبع (6) وبحيري قائم

1) " فنزل إلى " م.
2) " فاتخذ " ه‍، ط، د.
3) " تقرب " م، ه‍.
4) " فقال " م، ه‍. تصحيف. فالحديث لأبي طالب، وقد قاله بعد أن رأى النبي صلى الله عليه
وآله كارها لذلك كما في الروايات.
5) " وكل " م.
6) " شبع وتجشى " د، ق.
1086

على رأسه، وفي كل ساعة يقبل رأسه ويافوخه (1) ويقول: هو، هو ورب المسيح
- والناس لا يفهمون -.
فقال له رجل (2) من الركب: كنا نمر بك (3) ولا تفعل بنا هذا البر؟
فقال بحيرى: إني أرى ما لا ترون، وأعلم ما لا تعلمون، وهذا الغلام، لو
تعلمون منه ما أعلم، لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه (4) إلى وطنه.
ولقد رأيت له (5) - وقد أقبل - نورا أمامه ما بين السماء والأرض.
ولقد رأيت رجالا في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه، وآخرين
ينثرون عليه أنواع الفواكه.
ثم هذه السحابة لا تفارقه، ثم صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها
وهذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان، وقد كثرت أغصانها واهتزت (6) وحملت.
ثم هذه الحياض (7) التي غارت وذهب ماؤها أياما، منذ الحواريين [حين]
وردوا على بني إسرائيل فعصوا.
فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنه دعا عليهم فغارت وذهب ماؤها.
ثم قال: إذا ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء، فاعلموا أنه من أجل (8)
نبي يخرج في أرض تهامة، مهاجرة إلى المدينة، اسمه في قومه " الأمين " وفي
السماء " أحمد " وهو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه، فوالله إنه لهو. (9)

1) اليافوخ: حيث التقى عظم مقدم الرأس وعظم مؤخره، وهو الموضع الذي يتحرك من
رأس الطفل.
2) " شخص " ط.
3) في م غير مقروءة ولعلها " نعرفك ".
4) " تودوه " م، د، ق.
5) " رأيته " د، ق.
6) " كبرت واهتزت " ط.
7) الحوض: مجتمع الماء جمعها: أحواض
وحياض وحيضان.
8) " لأجل " ه‍، ط، د، ق.
9) روى مثله في كمال الدين: 1 / 182 ح 33 باسناده عن القطان وابن موسى ومحمد بن
أحمد الشيباني، عن ابن زكريا القطان، عن محمد بن إسماعيل، عن عبد الله بن محمد،
عن أبيه، عن الهيثم، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس مفصلا، عنه
اثبات الهداة: 1 / 343 ح 49، وص 508 ح 121، والبحار 15 / 193 ح 14.
راجع في ذلك أيضا السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 191، ومروج الذهب: 1 / 89.
1087

فصل
18 - وبالاسناد المذكور عن أبي طالب أنه قال: لما أراد بحيرى أن يفارق محمدا
بكى بكاء شديدا فأخذ يقول: يا بن آمنة كأني بك وقد رماك العرب [عن قوس واحد]
بوترها (1) وقد قطعك الأقارب.
ثم التفت إلي وقال: أما أنت يا عم [محمد] فارع (2) فيه قرابتك الموصولة،
واحفظ فيه وصية أبيك، وإن قريشا ستهجر بك (3) فيه، فلا تبالي، ولا يمكنك أن تؤمن
به ظاهرا.
ولكن يؤمن به ظاهرا ولد (4) تلده وسينصره نصرا عزيزا اسمه في السماوات
البطل الماضي، والشجاع الأنزع (5) أبو الفرخين المستشهدين، وهو سيد العرب
وربانها، وذو قرنيها، وهو في الكتب أعرف من أصحاب عيسى عليه السلام (6). (7)

1) الوتر: شرعة القوس ومعلقها. وفي م " بوتدها ".
2) أي فاحفظ. يقال: رعى عليه حرمته: حفظها.
3) " سيهجونك " د. " ستهجرك " ط. يقال: هجرته هجرا - بالفتح والكسر -: تركته ورفضته. وهجر
يهجر هجرا: هذى وخلط في كلامه.
4) " ولكن تؤمن به باطنا، وسيولد لك ولد " ه‍، ط.
5) الأنزع: الذي ينحسر شعر مقدم رأسه مما فوق الجبين.
6) في نسخة من ط " أعرف من أصحاب موسى بتوراتهم، ومن أصحاب عيسى بإنجيلهم ".
7) إلى هنا رواه الصدوق بالاسناد المتقدم، عن عبد الله بن محمد، عن أبيه، و عبد الرحمن بن
محمد، عن (محمد بن) عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده
مثله، عنه البحار: 15 / 198 ح 15.
1088

ثم قال بحيرى: يا بني الله (1) ما أطيبك وأطيب ريحك؟ يا أكثر النبيين أتباعا،
يا من بهاء نور الدنيا من نوره، يا من بذكره (2) تعمر المساجد، كأني بك قد قدت (3)
الاجناب (4) والخيل، وقد تبعك العرب والعجم طوعا وكرها.
كأني باللات والعزى قد كسرتهما، وقد صار (5) البيت العتيق تضع مفاتيحه
حيث تريد، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه، معك مفاتيح الجنان والنيران،
معك الذبح (6) الأكبر، وهلاك الأصنام.
أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل المملوك كلها في دينك صاغرة قمئة (7).
فلم يزل يقبل وجهه (8) مرة ويديه مرة، ويقول لئن أدركت زمانك لأضربن بين
يديك، أنت - والله - سيد المرسلين، وخاتم النبيين.
والله، لقد ضحكت الأرض يوم ولدت، فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحا بك.
والله، لقد بكت البيع (9) والأصنام والشياطين فهي باكية إلى يوم القيامة.
أنت دعوة إبراهيم، وبشرى عيسى، أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية.
ثم التفت إلي وقال: وإني أرى أن ترده إلى بلده، فإنه ما بقي يهودي، ولا
نصراني، وصاحب كتاب إلا وقد علم بمولد هذا الغلام، ولو رأوه (10) لابتغوه بشر (11)

1) " يا بنى " م.
2) " بدركه " خ ل.
3) من قاد الدابة إذا مشى أمامها آخذا بقيادها. وقاد الجيش والجند: كان رئيسا عليهم.
4) كذا، والأجناب: الغرباء. والظاهر أنها " الأجناد " جمع جند أي العسكر، وهو الموجود
في رواية الصدوق. وفي نسخة من ط بلفظ " وقد قرب الاجناب ".
5) " سار " م.
6) " الريح " ه‍.
7) قمأ: ذل وصغر، فهو قمئ.
8) " رجليه " د، ق، ه‍، ط، وكذلك في رواية الصدوق.
9) البيع - بكسر الموحدة وتحريك المثناة -: جمع بيعة، وهي معبد النصارى واليهود.
10) " ولو رأوه وعرفوا منه ما عرفت " ط. وهو الموجود في رواية الصدوق.
11) " لاتبعوه سرا " د، ق. " لاتبعوه " ط.
1089

وأكثر أعدائه هؤلاء اليهود.
قلت: ولم؟ قال: لأنه كائن (1) لابن أخيك هذه النبوة والرسالة، ويأتيه
الناموس الأكبر (2) الذي كان يأتي موسى وعيسى عليهما السلام.
قال أبو طالب: فخرجنا إلى الشام، فلما قربنا منها [رأيت] والله قصور
الشامات (3) كلها قد اهتزت وعلا منها (4) نور أعظم من نور الشمس، وذهب الخبر
في جميع الشامات، حتى ما بقي فيها حبر ولا راهب إلا اجتمع عليه.
فجاء حبر عظيم كان اسمه " نسطورا " فجلس بحذائه ينظر إليه لا يكلمه بشئ
حتى فعل ذلك ثلاثة أيام متوالية.
فلما كانت الليلة الثالثة، لم يصبر حتى قام إليه، فدار خلفه [كأنه] يلتمس
منه شيئا، فقال لي: ما اسمه؟ فقلت: " محمد بن عبد الله ". فتغير - والله - لونه (5)
ثم قال: فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لأنظر إليه؟ فكشف عن ظهره (6).
فلما رأى الخاتم انكب عليه يقبله ويبكي، ثم قال: يا هذا أسرع من رد
هذا الغلام إلى موضعه الذي ولد فيه، فإنك لو تدري كم عدو له في أرضنا، لم تكن
بالذي تقدمه معك، فلم يزل يتعاهده في كل يوم، ويحمل إليه الطعام.
فلما خرجنا منها، أتاه بقميص من عنده، فقال: ترى أن يلبس هذا القميص
ويذكرني به؟ فلم يقبله، ورأيته كارها لذلك، فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم

1) " ثم قال: ان " ه‍، ط.
2) الناموس الأكبر: جبريل قال الجوهري: وأهل الكتاب يسمون جبريل عليه السلام: الناموس.
3) " الشام " ه‍، ط. وكذا بعدها. قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط: 4 / 134:
الشأم: بلاد عن مشأمة القبلة وسميت لذلك، أو لان قوما من بنى كنعان تشاءموا إليها أي
تياسروا... أو لان أرضها شامات بيض وحمر وسود، وعلى هذا لا تهمز..
4) " وعلاها " ه‍، ط.
5) " لوقته " ه‍.؟
6) في نسخة من ط: " فقلت لمحمد اكشف له ".
1090

وقلت (1): أنا ألبسه، وعجلت به حتى رددته إلى مكة.
فوالله ما بقي بمكة امرأة، ولا كهل، ولا شاب، ولا صغير، ولا كبير، إلا
استقبلوه شوقا إليه، ما خلا أبا جهل - لعنه الله - فإنه قد ثمل (2) من السكر. (3)
وقد مضى من (4) هذا الحديث شئ لم نعده هنا.
فصل
19 - وعن يعلى (5) النسابة قال: خرج خالد بن أسيد بن أبي العيص (6)،
وطليق (7) بن أبي سفيان بن أمية تجارا - سنة خرج محمد إلى الشام - وكانا
يحكيان أنهما رأيا في مسيره، وركوبه ما يصنع الوحش والطير [معه].
قالا: ولما توسطنا سوق بصرى إذا نحن بقوم من الرهبان قد جاءوا متغيري
الألوان، نرى منهم الرعدة (8) كأن على وجوههم الزعفران (9).
فقالوا: نحب أن تأتوا كبيرنا، فإنه ها هنا قريب في الكنيسة العظمى.

1) في نسخة من ط: " وقلت لمحمد ".
2) " كان ثملا " ط. وثمل: أخذ فيه الشراب، فهو ثمل.
3) رواه الصدوق في كمال الدين: 1 / 185 بالسند المتقدم في الحديث 15، عنه البحار:
15 / 196. والخبر مروى بألفاظ مختلفة في كتب منها: تاريخ الطبري: 2 / 32 وإعلام الورى
: 17، وغيرها.
4) في الحديث 15 المتقدم.
5) " العجلي " ه‍. تصحيف.
6) " خالد بن أسيد بن.. - غير مقروءة - " م. " خالد بن أسد بن (أبى) العاص " د، ق، ه‍. " خالد بن أبي
العاص ". والصحيح ما في المتن، وهو الموجود في كتب الرجال. وهو خالد بن أسيد
ابن أبي العيص بن أمية بن بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، أخو عتاب بن أسيد.. "
أسلم عام الفتح ومات بمكة. راجع أسد الغابة: 2 / 76.
7) " ظريف " ه‍.
8) الرعدة: الاضطراب، يكون من الفزع وغيره.
9) كناية عن صفرة وجوههم لما اعتراهم من اضطراب وفزع. وفي م " الزعفر لك " تصحيف.
1091

فقلنا: ما لنا ولكم؟ فقالوا: ليس يضركم من هذا شئ، ولعلنا نكرمكم. فظنوا
أن واحد منا (1) " محمد " صلى الله عليه وآله، فذهبنا معهم حتى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة
البنيان، فإذا كبيرهم قد توسطهم، وحوله تلامذته، وقد نشر كتابا في يديه، فأخذ
ينظر (2) إلينا مرة، وفي الكتاب أخرى (3)، ثم قال لأصحابه:
ما صنعتم شيئا لم تأتوني بالذي أريد، وهو الآن ها هنا.
ثم قال لنا: من أنتم؟ قلنا: رهط من قريش. قال: من أي قريش؟ قلنا: من
[بني] عبد شمس. قال: أغيركم معكم؟ قلنا: بلى، شخص (4) من بني هاشم
نسميه يتيم أبي طالب [ابن عبد المطلب] فوالله لقد نخر (5) نخرة كاد أن يغشى
عليه [ثم وثب قائما] فقال: أروه لي، أروه لي (6)، هلكت النصرانية والمسيح.
ثم قام واتكأ على صليب من صلبانه، وهو يفكر، وحوله ثمانون رجلا من
البطارقة (7) والتلامذة، فقال لنا: فبحقه عليكم أن ترونيه (8).
فقلنا: نعم. فجاء معنا، فإذا نحن بمحمد قائم في سوق بصرى، والله لكأنا
لم نر وجهه إلا يومئذ، كأن هلالا يتلألأ من وجهه وقد اشترى الكثير (9)، وربح الكثير
فأردنا أن نقول للقس: هو هذا، فإذا هو قد سبقنا! فقال:

1) " اسمه " ط.
2) " نظره " م، ه‍.
3) في نسخة من ط: مرة.
4) " فشاب معنا " د، ق. " شاب " ه‍، ط.
5) نخر الانسان: مد الصوت.
6) " أورده لي، أورده، أورده في نسخة من ط " ثم وثب وثبة فقال: أرونيه ".
7) البطريق - بكسر الباء -: خواص الدولة، وقيل: الحاذق بالحرب وأمورها بلغة الروم
وهو ذو منصب ويقدم عندهم (مجمع البحرين / بطرق).
أقول: ولعلها تصحيف " بطريك " وهو رئيس رؤساء الأساقفة على أقطار معينة أو في طائفة
من الطوائف المسيحية.
8) " فبحقه عليكم أرونيه " ه‍، ط.
9) في نسخة من ط " القليل ".
1092

" هو، هو قد عرفته - والمسيح - ".
فدنا منه - والله - (1) وقال [له]: أنت المقدس. ثم أخذ يسائله عن أشياء من
علاماته، ثم كان يقول: لو أدركت زمانك لأعطيت السيف حقه.
ثم قال لنا: أتعلمون ما معه؟ [قلنا: اللهم لا.
فقال:] معه الحياة والموت، ومن تعلق به حيي حياة طويلة (2) ومن زاغ (3)
عنه مات موتا لا يحيى بعده أبدا، معه (4) الذبح (5) الأعظم.
ثم قبل وجهه، ورجع (6) راجعا. (7)
فصل
20 - وعن بكر بن عبد الله الأشجعي، عن آبائه قال: [خرح - سنة] خرج
رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الشام - عبد مناة بن (8) كنانة، ونوفل بن معاوية أيضا، فلقيهما
أبو المويهب (9) الراهب، فقال لهما: من أنتما؟

1) " وقبل رأسه " د، ق، ه‍، ط 2) " يحى طويلا " ط 3) زاغ: مال.
4) " هذا الذبح الذي معه " د، ق، م. وفي رواية الصدوق بلفظ: هو هذا الذي معه.
5) " الريح " ه‍، ط. وفي نسخة أخرى من ط: الربح.
6) " وانصرف " د، ق.
7) رواه الصدوق في كمال الدين: 1 / 188 ح 36 باسناده عن القطان وابن موسى
والشيباني جميعا عن ابن زكريا القطان، عن محمد بن إسماعيل، عن عبد الله بن محمد، عن
أبيه، عن الهيثم بن عمر والمزني، عن عمه، عن يعلى مثله، عنه اثبات الهداة: 1 / 346 ح
51، والبحار: 15 / 201 ح 18، وحلية الأبرار: 1 / 29.
8) " عبد مناف من " م. " عبد مناف بن " د، ق، ط. كلاهما تصحيف، راجع تاريخ اليعقوبي:
1 / 232 والسيرة النبوية لابن هشام: 1 / 95.
9) كذا في رواية الصدوق وما يأتي في م. وفي م، ه‍ " أبو الموهب " وفي ط " أبو المواهب ".
قال الصدوق (ره): وكان أبو المويهب الراهب من العارفين بأمر النبي صلى الله عليه وآله
وبصفته، وبوصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.
1093

قالا: نحن تجار من أهل الحرم، من قريش.
قال: من أي قريش؟ فأخبراه، فقال لهما: هل قدم معكما من قريش أحد غيركما؟.
قالا: نعم شاب من بني هاشم اسمه " محمد ".
فقال أبو المويهب (1): إياه - والله - أردت.
فقالا: والله ما في قريش أخمل (2) ذكرا منه، إنما يسمونه بيتيم قريش (3) وهو أجير
لامرأة يقال لها " خديجة " ما حاجتك إليه؟
فأخذ يحرك رأسه، ويقول: هو، هو. فقال لهما: تدلاني (4) عليه؟.
فقالا: تركناه في سوق بصري. فبينا هم في الكلام (5) إذ طلع عليهم محمد صلى الله عليه وآله.
فقال: هو، هو. فخلا به ساعة يناجيه، ويكلمه، ثم أخذ يقبل بين عينيه
وأخرج شيئا من كمه لا ندري ما هو، ومحمد صلى الله عليه وآله يأبى أن يقبله.
فلما فارقه قال لنا: تسمعا مني (1)؟ هذا - والله - نبي هذا الزمان، فسيخرج
إلى قريب يدعو الناس إلى الشهادة أن لا إله إلا الله، فإذا رأيتم ذلك فاتبعوه.
ثم قال [لنا]: هل ولد لعمه أبي طالب [ولد اسمه] علي؟ فقلنا: لا.
قال: إما أن يكون قد ولد، أو يولد في سنته، هو أول من يؤمن به - نعرفه -.
إنا لنجد صفته عندنا بالوصية، كما نجد صفة محمد بالنبوة.
وإنه سيد العرب وربانها (7) يعطي السيف حقه، اسمه في الملا الاعلى " علي " هو
أعلى الخلائق يوم القيامة بعد " محمد " ذكرا، وتسميه الملائكة " البطل الأزهر (8)

1) " الراهب " ه‍، ط.
2) " أجمل " د، ق. " أحمد " ه‍.
3) " أبى طالب " ه‍، ط.
4) " دلانى " ط.
5) " كذلك " ه‍، ط.
6) " تسمعنا " م. " ستسمعان " ه‍، ونسخة من ط.
7) " وربانيها " د، ق.
8) " والأزهر " م.
1094

المفلح " لا يتوجه إلى وجه إلا أفلح وظفر - والله - لهو أعرف بين أصحابه في السماوات
من الشمس الطالعة. (1)
باب
العلامات السارة الدالة على صاحب الزمان حجة الرحمن
صلوات الله عليه ما دار فلك، وما سبح ملك
21 - وبالاسناد عن أبي جعفر بن بابويه قال: ثنا أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن
حاتم النوفلي: (2) ثنا أبو الحسين عبد الله بن محمد بن جعفر القصباني (3) البغدادي: ثنا
محمد بن جعفر الفارسي (4) الملقب بابن أفريسون (5): ثنا محمد بن إسماعيل بن بلال
ابن ميمون: ثنا الأزهر بن مسرور بن (العباس: ثنا محمد) (6) بن مسلم بن الفضل، قال:
أتيت أبا سعيد غانم بن سعيد الهندي بالكوفة، فجلست [عنده] فلما طالت مجالستي
إياه، سألته عن حاله، وقد كان وقع إلي شئ من خبره.

1) رواه في كمال الدين: 1 / 190 ح 37 باسناده عن القطان، وابن موسى، والشيباني
جميعا عن ابن زكريا القطان، عن محمد بن إسماعيل، عن عبد الله بن محمد، عن أبيه
وقيس بن سعد، عن عبد الله بن بحير، عن بكر بن عبد الله الأشجعي مثله، عنه اثبات الهداة:
1 / 346 ح 52 و ج 3 / 359 ح 164، والبحار: 15 / 202 ح 19، وحلية الأبرار:
1 / 30.
2) " البرمكي " م، ط، ه‍. " البوفكي " د، ق وهو تصحيف - راجع رجال السيد الخوئي: 17 / 24.
3) " الشيباني " م.
4) " القاشى " ه‍، ونسخة من ط.
5) " فرسون " نسخة من ط. " جرموز " كمال الدين.
6) " العباس بن حامد " ه‍، ط. وفي نسخة من ط " حامد ". وفي كمال الدين هكذا " الأزهري مسرور
بن العاص، قال: حدثني مسلم بن الفضل ".
1095

قال: كنت ببلد (1) الهند، بمدينة يقال لها قشمير (2) الداخلة، ونحن أربعون رجلا
نقعد حول كرسي الملك، نقرأ التوراة والإنجيل والزبور، ويفزع إلينا في العلم
فتذاكرنا (محمدا) يوما، وقلنا نجده في كتبنا. فاتفقنا على الخروج في طلبه
والبحث عنه، فخرجت (3) ومعي مال، فقطع علي الترك وسلخوني (4) فوقعت إلى
كابل (5).
وخرجت من كابل إلى بلخ (6) والأمير بها: ابن أبي شمون (7) فأتيته وعرفته
ما خرجت له، فجمع الفقهاء والعلماء لمناظرتي.
فسألتهم عن محمد صلى الله عليه وآله. فقالوا: هو نبينا محمد بن عبد الله وقد مات.
فقلت: من كان خليفته؟ فقالوا: أبو بكر. فقلت: انسبوه لي. فنسبوه إلى قريش.
فقلت: ليس هذا بنبي، إن النبي الذي نجده في كتبنا، خليفته ابن عمه، وزوج

1) " بمدينة " م، ه‍.
2) " تعرف بقشمير " ه‍، ط. وقشمير - بالكسر ثم السكون
وكسر الميم - مدينة متوسطة لبلاد الهند، قيل: إنها مجاورة لقوم من الترك اختلط نسلهم
بهم، فهم أحسن خلق الله خلقة، يضرب بنسائهم المثل في حسن القامة، وحسن الصور
والشعور. (مراصد الاطلاع: 3 / 1094)
3) زاد في ط " فخرجت فيمن خرج في طلبه ". وفي رواية الصدوق بلفظ " فاتفقنا على أن
أخرج في طلبه، وأبحث عنه " والذي يستفاد من رواية الكليني والصدوق (ره) أيضا أن
الاختيار وقع على الراوي لا غير.
4) انسلخ من ثيابه: تجرد. وفي د، ق: وكمال الدين " شلحونى "، بمعناها.
5) كابل: وهي من ثغور طخارستان، إقليم متاخم للهند... (مراصد الاطلاع: 3 / 1141)
6) بلخ: مدينة مشهورة بخراسان من أجلها وأشهرها ذكرا، وأكثرها خيرا، وبينها وبين
ترمذ اثنا عشر فرسخا، ويقال لجيحون: نهر بلخ. (مراصد الاطلاع: 1 / 217).
7) كذا في خ ل، ه‍، ط، وفي م " ابن أبي مسعون ". وفي نسخة من ط " شمعون ". وفي رواية
الكليني: " داود بن العباس بن أبي [أ] سود ". وفي رواية الصدوق " ابن أبي شور "
1096

ابنته، وأبو ولده. فقالوا للأمير:
إن هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر، ومن يكون كذلك يضرب عنقه!
فقلت لهم: إني متمسك بدين لا أدعه إلا ببيان. فدعا الأمير الحسين بن إشكيب (1)
وقال له: يا حسين ناظر الرجل: فقال: حولك العلماء والفقهاء: فأمرهم لمناظرته.
فقال له: ناظره كما أقول لك، واخل به، والطف له.
قال: فخلا بي الحسين بن إشكيب، فسألته عن محمد، فقال: هو كما قالوه إلا (2)
أنه قال: خليفته ابن عمه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، وهو محمد بن عبد الله
ابن عبد المطلب، وهو زوج ابنته فاطمة، وأبو ولديه الحسن والحسين.
فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنه رسول الله.
فصرت إلى الأمير، فأسلمت (3) فمضى بي إلى الحسين، ففقهني (4).
فقلت له: إنا نجد في كتبنا أنه لا يمضي خليفة إلا عن خليفة، فمن كان خليفة علي؟
فقال: [ولده] الحسن، والحسين، وسمى الأئمة حتى بلغ إلى الحسن [العسكري]
عليهم السلام ثم قال لي: تحتاج أن تطلب خليفة الحسن، وتسأل عنه. فخرجت في الطلب (5).
قال: محمد بن محمد (6) ووافى معنا " بغداد " وذكر لنا أنه كان معه رفيق قد صحبه
على هذا الامر، فكره بعض أخلاقه، ففارقه.

1) تجد ترجمته في رجال النجاشي: 44 رقم 88، ورجال السيد الخوئي: 5 / 199، وغيرهما.
2) " غير " ه‍، ط 3) زاد في نسخة من ط " فقال للحسين: امض به
وعلمه شرائط الاسلام ".
4) " وفهمني " ه‍، ط.
5) في رواية الكليني بهذا اللفظ: " ثم ساق الامر في
الوصية انتهى إلى صاحب الزمان عليه السلام، ثم أعلمني ما حدث، فلم يكن لي همة
الا طلب الناحية ".
6) هو محمد بن محمد الأشعري راوي الحديث عن غانم بطريق علان الكليني كما
سترى في تخريجة الحديث.
1097

قال: فبينا أنا يوما وقد تمسحت (1) في الصراة (2) وأنا مفكر (3) فيما خرجت له، إذ
أتاني آت، فقال: أجب مولاك. فلم يزل يخترق في المجال حتى أدخلني دارا - أو
بستانا - فإذا مولاي عليه السلام قاعد، فلما نظر إلي كلمني بالهندية وسلم علي وأخبرني
باسمي، وسألني عن الأربعين رجلا بأسمائهم عن اسم رجل رجل.
ثم قال لي: تريد الحج مع أهل قم، في هذه السنة، فلا تحج في هذه السنة،
وانصرف إلى خراسان، وحج من قابل (4). [قال:] ورمى إلي بصرة، وقال:
اجعل هذه في نفقتك، ولا تدخل في بغداد دار أحد، ولا تخبر بشئ مما رأيت.
قال محمد: فانصرفنا (5) من العقبة (6) ولم يقض لنا الحج (7) وخرج غانم إلى
خراسان وانصرف من قابل وحج فبعث إلينا بألطاف (8) ولم يدخل قم، وانصرف
إلى خراسان، فمات بها، رحمه الله. (9)

1) أي توضأت. وهذا ينسجم مع رواية الكليني حيث أنها بلفظ " حتى سرت إلى العباسية
أتهيأ للصلاة ".
2) " تفسحت في الصحراء " ه‍، خ ل. والصراة - بالفتح -:
نهران ببغداد، الصراة الصغرى والصراة الكبرى، قال: ولا أعرف الا واحدة تأخذ من نهر
عيسى عند بلد يقال له: المحول، بينها وبين بغداد فرسخ، ويسقى ضياع بادرويا، ويتفرع
منه أنهار إلى أن يصل إلى بغداد فيمر بقنطرة العباس ثم قنطرة الصبيان... (مراصد الاطلاع:
2 / 836).
3) " متفكر " ط.
4) القابل: اسم للعام الذي بعد العام الحاضر.
5) زاد في نسخة من ط " إلى الحج ".
6) العقبة: منزل في طريق مكة بعد واقصة، وقبل القاع لمن يريد مكة، وهو ماء لبنى عكرمة.
(مراصد الاطلاع: 2 / 948)
7) " ولم نفض إلى الحج " ه‍.
8) زاد في نسخة من ط " ورجع معنا ".
9) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 163.
ورواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 437 ح 6 من طرق ثلاث، الأول بهذا الاسناد.
والثاني: عن أبيه، عن سعد، عن علان الكليني، عن علي بن قيس، عن غانم.
والثالث: عن علان، عن جماعة، عن محمد بن محمد الأشعري، عن غانم مثله مع زيادة في
آخره، عنه اثبات الهداة: 1 / 299 ح 10، و ج 7 / 270 - 271 ح 2، ومدينة المعاجز:
598 ح 23، وعن الكافي: 1 / 515 ح 3 باسناده عن علي بن محمد، وعن غير واحد من
أصحابه القميين، عن محمد بن محمد العامري، عن أبي سعيد غانم الهندي بلفظ آخر.
وأخرجه في البحار: 52 / 27 ح 22 عن كمال الدين.
وأورده في ينابيع المودة: 463 مرسلا مثله عن غانم الهندي، عنه إحقاق الحق: 19 / 703.
1098

فصل
22 - وبالاسناد عن ابن بابويه: ثنا محمد بن موسى بن المتوكل: ثنا عبد الله بن جعفر
الحميري، عن إبراهيم بن مهزيار قال: قدمت المدينة - مدينة الرسول صلى الله عليه وآله - فبحثت
عن أخبار آل أبي محمد الحسن بن عل الأخير عليهم السلام، فلم أقع على شئ منها.
فدخلت منها إلى مكة مستبحثا عن ذلك، فبينا أنا في الطواف إذ تراءى لي فتى أسمر
اللون، رائع (1) الحسن، جميل المخيلة، (2) يطيل التوسم (3) في، فعدلت إليه
مؤملا عرفان ما قصدت له، فلما قربت منه، سلمت، فأحسن الإجابة.
فقال: من أي البلاد؟ فقلت: (4) من أهل العراق. فقال: من أي العراق؟ قلت:
من الأهواز. قال: مرحبا بلقائك، هل تعرف بها جعفر بن حمدان الخصيبي؟ قلت:
دعي فأجاب. قال: رحمه الله، هل (5) تعرف إبراهيم بن مهزيار؟ قلت: أنا إبراهيم (6).

1) " زاهي " ق، د.
2) قال المجلسي (ره): قال الفيروزآبادي: [في القاموس المحيط: 3 / 372]: الرجل
الحسن المخيلة بما يتخيل فيه. انتهى.
3) التوسم: التفرس.
4) زاد في ط " رجل ".
5) " فهل " ق، د.
6) " ذلك " ه‍.
1099

فعانقني [مليا] ثم قال لي: مرحبا يا أبا إسحاق، ما فعلت بالعلامة (1) التي وشجت (2)
بينك وبين أبي محمد عليه السلام (3)؟
فقلت: لعلك تريد الخاتم الذي آثرني الله به من الطيب أبي محمد الحسن بن
علي عليهما السلام؟ فقال: ما أردت سواه.
فأخرجته إليه، فلما نظر إليه استعبر، وقبله، ثم قرأ كتابته، فكانت " يا الله يا محمد
يا علي " ثم قال: بأبي بنان (4) طالما جلت (5) فيها.
فقلت له: ما توخيت (6) بعد الحج، فقال لي: إني لرسوله إليك، فارتحل إلى
الطائف، وليكن ذلك في خفية من رجالك. فشخصت معه إلى الطائف، أتخلل (7)
رملة فرملة، حتى أخذ في بعض مخارج الفلاة، فبدت لنا خيمة شعر تتلألأ تلك البقاع (8)
منها. فلما مثل لي [مولاي] أكببت عليه ألثم كل جارحة، [منه] فمكثت عنده

1) " العلامة " م، د.
2) قال المجلسي (ره): وشجت: من باب التفعيل على بناء المعلوم أو المجهول، أو المعلوم
من المجرد، أي صارت وسيلة للارتباط بينك وبينه عليه السلام:
قال الفيروز - آبادي: [في القاموس المحيط: 1 / 211] الوشيج: اشتباك القرابة،
والواشجة: الرحم المشتبكة، وقد وشجت بك قرابته تشج، ووشجها الله تعالى توشيجا،
ووشج محمله: شبكه بقد ونحوه لئلا يسقط منه شئ. وفي ه‍، ط " رسخت ".
3) " أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام " ه‍، ط.
4) البنان: الأصابع أو أطرافها (القاموس المحيط). وفي رواية الصدوق " يدا ".
5) " جلت " مخاطب من جول " جال في الشئ " إذا أدير فيها.
القائل يصف خاتم أبى محمد عليه السلام بأنك كنت طويلا ما تجول وتدور في بنانه عليه السلام.
6) توخى الامر: تعمده وتطلبه دون سواه. أقول: يريد أنه أخبره بما يبغيه، وأنه يبحث عن
أخبار آل أبي محمد عليه السلام كما تقدم في أول الحديث.
7) " فمررنا على " د، ق.
8) " يتلألأ نور الشعاع " د، ق.
1100

حينا، ثم انصرفت (1).
وهذا مثل حكاية أخيه علي بن مهزيار [فإنه] قال: حججت عشرين حجة
لذلك، فلما كان بعد هذا كله أتاني آت في منامي قال:
[قد] أذن الله لك في مشاهدته عليه السلام. تمام الخبر قد مضى. (2)
فصل
23 - وبالاسناد عن أبي الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن علي العسكري عليه السلام
وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت عليه في علته التي توفي فيها وكتب معي
[كتبا] فقال:
امض بها إلى المدائن، فإنك ستغيب خمسة عشر يوما، وتدخل إلى " سر من
رأى " يوم الخامس عشر، وتسمع (3) الواعية في داري، وتجدني على المغتسل.
قال أبو الأديان: فقلت يا سيدي فإذا كان ذلك (4) فمن؟
قال: من طالبك بجوابات (5) كتبي فهو القائم بعدي.
فقلت: زدني؟ قال: من يصلي علي فهو القائم بعدي.
فقلت: زدني؟ قال فمن خبر بما في الهميان (6) فهو القائم بعدي.
فمنعتني هيبته أن (7) أسأله ما في الهميان، وخرجت بالكتب إلى المدائن

1) رواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 445 ح 19 بهذا الاسناد بلفظ آخر، عنه البحار:
52 / 32 ح 28.
2) ص 785 ح 111، مع كامل اتحاداته فراجع.
3) " تستمع " م.
4) زاد في نسخة من ط " من بعدك ".
5) " بجواب " ه‍، ط.
6) " من خبر بالهميان " م، ه‍، ط. الهميان: كيس تجعل فيه النفقة، ويشد على الوسط.
7) " ثم منعتني هيبته عن أن " د، ق.
1101

وأخذت جواباتها، ودخلت " سر من رأى " يوم الخامس عشر كما قال عليه السلام.
فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به على المغتسل، وإذا أنا بجعفر الكذاب أخيه
بباب الدار والشيعة من حوله (1)، يعزونه ويهنونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا
الامام فقد بطلت الإمامة، لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ (2) ويقامر في الجوسق (3)
ويلعب بالطنبور (4)، فتقدمت بغتة (5)، فعزيت وهنيت، فلم يسألني عن شئ.
ثم خرج " عقيل " غلام (6) العسكري فقال: يا سيدي قد كفن أخوك، فقم
فصل (7) عليه.
فدخل جعفر والشيعة من حوله، فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي
عليهما السلام على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر ليصلي عليه (8).
فلما هم بالتكبير، خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط (9) وبأسنانه تفلج (10)
فجذب رداء جعفر، وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر
وقد أربد (11) وجهه، فتقدم الصبي، وصلى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه.

1) " خلفه " ط.
2) " الخمر والنبيذ المسكر " ه‍، ط.
3) قال المجلسي (ره): الجوسق: القصر. أقول: والجوسق في عدة مواضع، منها: قرية
كبيرة من دجيل من أعمال بغداد فوق أوانا.. (مراصد الاطلاع: 1 / 358)
4) الطنبور والطنبار: آلة طرب ذات عنق طويل لها أوتار من نحاس.
5) " تقية وعزيت " د، ق.
6) " خرج غلام المحسن " ه‍. وفي كمال الدين " عقيد " بدل " عقيل ".
7) " تصلى " م.
8) " على أخيه " د، ق.
9) قط الشعر وقطط: كان قصيرا جعدا.
10) قال ابن الأثير في النهاية: 3 / 468 في صفته عليه السلام: " أنه كان مفلج الأسنان " وفي
رواية " أفلج الأسنان " الفلج - بالتحريك -: فرجة ما بين الثنايا والرباعيات. والفرق -
بالفتح -: فرجة بين الثنيتين. وفي ه‍ " فلج ".
11) قال ابن الأثير في النهاية: 2 / 183: وفيه " انه كان إذا نزل عليه الوحي أربد وجهه " أي
تغير إلى الغبرة، وقيل: الربدة: لون بين السواد والغبرة.
1102

ثم قال لي يا بصري هات جوابات الكتب التي معك.
فدفعتها إليه، وقلت في نفسي: هذه علامتان اثنتان، بقي الهميان.
ثم خرجنا إلى جعفر وهو يزفر، فقال له حاجز الوشا: يا سيدي من الصبي
لنقيم الحجة عليه (1)؟ فقال: والله ما رأيته قط ولا أعرفه.
فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي عليهما السلام فعرفوا موته
فقالوا: فمن [بعده]؟ فأشار بعض الناس إلى جعفر بن علي.
فسلموا عليه وعزوه، وقالوا: معنا كتب ومال، فقل لنا (2): ممن الكتب، وكم
المال؟ فقام جعفر ينفض أثوابه، ويقول: يريدون منا أن نعلم (3) الغيب
وخرج جعفر.
قال: فجاء الخادم وقال: معكم (4) كتب فلان، وفلان، وفلان، وهميان فيه ألف
دينار، وعشرة دنانير فيها (5) مطلية. فدفعوا الكتب والمال وقالوا: الذي وجه
بك لاخذ المال، هو الامام، فان جميع ذلك كذلك.
[قال أبو الأديان: فعلمت صحة ما قاله الحسن عليه السلام من أمر الهميان].
فدخل جعفر الكذاب على المعتمد (6) وكشف له وجود خلف (7) الحسن، فوجه

1) " ليقيم الحجة على جعفر " م، ه‍، ط. " ليقيم عليه الحجة " البحار. وفي د، ق هكذا: "..
الوشاء: فقال لم يتقدم على ابنه ليفهم الحجة (عليه) على جعفر " وما في المتن كما في كمال الدين.
2) " وقالوا: كنا نجى إلى أبى محمد فنقول: د، ق.
3) " مقام جعفر وقال: ما أحد منا يعلم " د، ق.
4) " فجاء الحاجب، ودخل الدار، وقعد وكتب أسماءهم و " د، ق. وفي نسخة من ط
" الغلام " بدل " الخادم ".
5) " منها " د، ق.
6) في نسخة من ط " المعتضد ". وهو اشتباه لان شهادة الإمام العسكري عليه السلام كانت سنة
260 ه‍ في خلافة المعتمد الذي استمرت خلافته من سنة 256 إلى 279 هو بويع بعده
المعتضد يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب.
7) " ولد " ه‍، ط.
1103

المعتمد بخدمه، فقبضوا على صيقل (1) الجارية، وطالبوها بالصبي، فأنكرته وادعت
حبلا بها لتغطي حال الصبي.
فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبلغهم (2) موت عبد الله (3) بن يحيى
ابن خاقان فجأة وخروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية
فخرجت من أيديهم والحمد لله [رب العالمين]. (4)
فصل
24 - وعن ابن بابويه، ثنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن عبد الله بن محمد بن
مهران الآبي العروضي بمرو: ثنا أبو الحسين زيد (5) بن عبد الله البغدادي: ثنا
أبو الحسن علي بن سنان (6) الموصلي [قال:] حدثني أبي أنه لما قبض أبو محمد
[الحسن] عليه السلام وفد (7) من الجبال [ومن قم] وفود بالأموال التي كانت تحمل على
الرسم (8) ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن عليه السلام.

1) " صقيل " د، ق. والكمال والبحار. راجع كتاب أمهات الأئمة عليهم السلام باب
أم الإمام الحجة عليه السلام (مخطوط).
2) " وبغتهم " د، ق، ط والكمال.
3) " عبيد الله " الكمال. وعبيد الله هو أبو الحسن
عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المعتمد المتوفى سنة 263 كما ذكره الطبري وابن الأثير
في أحداث السنة المذكورة، فلاحظ.
4) رواه في كمال الدين: 2 / 457 ضمن ح 25 عن أبي الأديان مثله، عنه منتخب الأنوار
المضيئة: 157، واثبات الهداة: 7 / 300 ح 42، والبحار: 50 / 332 ح 4، و ج
52 / 67 ح 53.
5) " يزيد " ه‍ " بن زيد " كمال. وفي البحار: " الحسين بن زيد ".
6) " سيار " ه‍. " بشار " ط.
7) " جاء وفد " ه‍، ط.
8) في رواية الصدوق " على الرسم والعادة ". يقال: رسمت
له كذا فارتسمه إذا امتثله.
1104

فلما أن وصلوا إلى " سر من رأى " سألوا عن أبي محمد عليه السلام.
فقيل لهم: قد فقد (1). قالوا: فمن وارثه؟ قالوا: أخوه جعفر.
فسألوا عنه، فقيل (2): خرج متنزها، وقد ركب زورقا في دجلة ليشرب ومعه
المغنون قال: فتشاور (3) القوم، وقالوا: ليست هذه صفة الامام.
وقال بعضهم لبعض: امض بنا حتى نرد هذه الأموال إلى أصحابها.
فقال أبو العباس محمد بن جعفر القمي: قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل
ونختبر أمره على صحة.
قال: فلما انصرف دخلوا إليه، وسلموا عليه فقالوا: يا سيدنا نحن جماعة
من الشيعة كنا نحمل إلى سيدنا أبي محمد عليه السلام الأموال. قال: وأين هي؟ قالوا:
معنا. قال: احملوها إلي. قالوا: لا، إن لهذه الأموال خبرا طريفا. قال: وما هو؟
قالوا: إن هذه الأموال تجمع، ويكون لها من عامة الشيعة الدينار والديناران
والثلاثة، ثم يجعلونها في كيس، ويختمون عليه، وكنا إذا وردنا بالمال إلى سيدنا
أبي محمد عليه السلام قال لنا: جملة المال كذا وكذا من عند فلان، وكذا من عند فلان
حتى يأتي على أسماء الناس كلهم، ويقول ما على نقش الخاتم.
فقال [جعفر]: كذبتم، تقولون على أخي ما لم يفعله، هذا علم الغيب قال:
فلما سمع القوم كلام جعفر، نظر بعضهم إلى بعض، فقال لهم: احملوا المال إلي.
قالوا: إنا قوم مستأجرون وكلاء (4) وإنا لا نسلم المال إلا بالعلامات التي
كنا نعرفها من سيدنا أبي محمد عليه السلام، فان كنت الامام فبرهن (5) لنا، وإلا رددناه

1) " قعد " م.
2) " قالوا " م، والبحار.
3) " فساروا " ه‍. " فتسار " ط. تسار - بتشديد الراء - القوم: تناجوا، واطلع بعضهم بعضا على سر ما.
وفي " م " هكذا رسمها " قالوا: قيتور " والظاهر أنها تصحيف " قال: فتثور ".
4) أي وكلاء لأرباب المال.
5) " ففسرهن " م.
1105

إلى أصحابه، يرون فيه ما يرونه.
قال: فدخل جعفر (1) على الخليفة، وكان ب‍ " سر من رأى " فاستعدى عليهم (2)
فلما احضروا، قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر.
قالوا: أصلح الله أمير المؤمنين (3)، إنا قوم مستأجرون، وكلاء لأرباب هذه
الأموال، وهي لجماعة، وقد أمرونا (4) أن لا نسلمها إلا بعلامة ودلالة، وقد جرت
هذه العادة مع أبي محمد عليه السلام.
فقال الخليفة: وما العلامة والدلالة التي كانت مع أبي محمد عليه السلام؟ قال القوم:
كان أبو محمد عليه السلام (5) يصف الدنانير وأصحابها والأموال، وكم هي، فإذا فعل
[ذلك] سلمناها إليه، وقد وفدنا عليه مرارا، فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا، وقد
مات، فان يكن هذا الرجل صاحب هذا الامر، فليقم بما كان يقوم (6) أخوه، وإلا
رددناها إلى أصحابها.
فقال جعفر: يا أمير المؤمنين هؤلاء قوم كذابون يكذبون على أخي، وهذا علم
الغيب. فقال الخليفة: القوم رسل وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
قال: فبهت جعفر، ولم يحر جوابا (7) فقال القوم: يتطول (8) أمير المؤمنين

1) في د " وخرجوا من عنده فقام من وقته " بدل " قال فدخل جعفر ".
2) أي استعان بالخليفة واستنصره عليهم.
3) " الأمير " ط.
4) " فأمرونا " م.
5) " قال القوم بأن " م، ه‍.
6) " فليقم إلى ما كان يقيم " ه‍. م. وفي رواية الصدوق بلفظ " فليقم لنا ما كان يقيمه لنا ".
7) قال ابن الأثير في النهاية: 1 / 458: ومنه حديث سطيح " فلم يحر جوابا " أي لم يرجع ولم يرد.
8) تطول عليه: امتن عليه وأنعم.
1106

باخراج أمره إلى من يبدرق (1) بها حتى نخرج من هذه البلدة.
قال: فأمر لهم بنقيب (2) فأخرجهم منها، فلما أن خرجوا من البلد (3) وانصرف
النقيب، خرج إليهم غلام أحسن الناس وجها، كأنه خادم، فنادى: يا فلان، يا فلان،
ويا فلان بن فلان، أجيبوا مولاكم.
قالوا: أنت مولانا؟ قال: معاذ الله أنا عبد مولاكم، فسيروا إليه.
قالوا: فسرنا معه حتى دخلنا دار أبي محمد عليه السلام فإذا والله القائم عليه السلام قاعد على
سرير، كأنه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلمنا عليه، فرد علينا السلام.
ثم قال جملة المال كذا وكذا دينارا، حمل فلان [كذا] وكذا لفلان، وكذا
لفلان (4)، ولم يزل يصف حتى وصف الجميع، ثم وصف ثيابنا ورحالنا، وما كان
معنا من الدواب [وغيرها] فخررنا سجدا لله، وقبلنا الأرض بين يديه.
ثم سألناه عما أردنا، فأجاب، فحملنا إليه الأموال، فأمرنا القائم عليه السلام أن لا نحمل
بعدها إلى " سر من رأى " شيئا من المال، فإنه ينصب لنا ببغداد رجلا نحمل (6)
إليه الأموال، وتخرج من عنده التوقيعات.
قالوا: فانصرفنا من عنده، ودفع إلى أبي العباس محمد بن جعفر الحميري
القمي [شيئا] من الحنوط والكفن، وقال له: عظم الله أجرك في نفسك.

1) البذرقة: فارسي معرب، قال ابن برى: البذرقة: الخفارة. وقال الهروي: ان البذرقة
يقال لها عصمة أي يعتصم بها. وفي المغرب: البدرقة - بالدال المهملة - هي الجماعة التي
تتقدم القافلة، وتكون معها تحرسها وتمنعها العدو. وهي مولدة. (لسان العرب / بذرق،
مجمع البحرين / بدرق). وفي رواية الصدوق: " يبدرقنا حتى نخرج ".
2) النقيب: شاهد القوم وضمينهم وعريفهم وسيدهم.
3) " الدار " ط.
4) " حمل فلان كذا " ه‍. وذكرها في د، ط مرتين.
5) " ورجالنا " د.
6) " نسلم " ه‍، ط.
1107

[قالوا:] فلما بلغ أبو العباس عقبة همدان (1) توفي [رحمه الله]. (2)
فصل
25 - وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد، إلى النواب (3) المنصوبين بها
وتخرج من عندهم التوقيعات (4) أولهم:
[وكيل أبي محمد عليه السلام] الشيخ عثمان بن سعيد العمري.
ثم ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان.
ثم أبو القاسم الحسين بن روح، ثم الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري.
ثم كانت (5) الغيبة الطولى، وكانوا - كل واحد منهم - (6) يعرفون (7) كمية
المال جملة وتفصيلا، ويسمون أربابها باعلامهم ذلك من (8) القائم عليه السلام.
والخبر الذي ذكرناه آنفا (9) يدل على - أن خلفاء بني العباس - خلفا عن سلف
منذ عهد الصادق عليه السلام إلى ذلك الوقت - كانوا يعرفون هذا الامر، ويطلعون على

1) " مهران " م.
2) رواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 476 ح 26 بهذا
الاسناد، عنه اثبات الهداة: 7 / 301 ح 43، والبحار: 52 / 47 ح 34، و ج 76 / 63
ح 4. وأخرجه في مدينة المعاجز: 619 ح 117، عن كمال الدين، وثاقب المناقب: 533
(مخطوط) مرسلا عن علي بن سنان الموصلي، عن أبيه مثله.
وأورده في ينابيع المودة: 462 مرسلا عن علي بن سنان، عن أبيه مثله، عنه إحقاق الحق:
19 / 643.
3) كذا في رواية الصدوق. وفي الأصل " الأبواب ".
4) زاد في ه‍، ط: " وكانت توجد العلامات والدلالات على أيديهم ".
5) " ثم كان في " م، ه‍، ط.
6) " وكل واحد منهم كانوا " نسخ الأصل.
7) " يذكرون " د، ه‍، ط.
8) " باعلام " ه‍، ط.
9) " أيضا " م.
1108

أحوال أئمتنا. فقد كانوا يرون معجزاتهم على ما تقدم كثير منها.
[فلهذا كف الخليفة جعفر عن القوم، وعما معهم، وعما يصل إليهم من الأموال،
ودفع جعفر الكذاب عن مطالبتهم] ولم يأمرهم بتسليمها إليه وأنه (1) كان يحب أن
يخفى هذا الامر ولا يشتهر لئلا يهتدي الناس إليهم.
وقد كان جعفر حمل عشرين ألف دينار إلى الخليفة لما توفي الحسن العسكري
عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي ومنزلته؟
فقال الخليفة: إن منزلة أخيك ليست منا إنما كانت من الله (2) ونحن كنا
نجتهد (3) في حط منزلته والوضع منه، وكان الله يأبى إلا أن يزيده كل يوم
بما كان معه من الصيانة، وحسن السمت (4) والعلم و [كثرة] العبادة.
وإن كنت (5) عند شيعة أخيك بمنزلته، فلا حاجه بك إلينا، وإن لم تكن عندهم
بمنزلته، ولم يكن فيك ما في أخيك، لم نغن عنك - في ذلك - شيئا. (6)
فصل
26 - وقد خرج إلى عثمان بن سعيد العمري وابنه من صاحب الزمان عليه السلام:
وفقكما الله لطاعته، انتهى إلينا ما ذكرتما أن الميثمي أخبركما عن المختار

1) " ويجوز أنه " ه‍، ط.
2) " بالله " م، ط. وفي رواية الصدوق بلفظ " لم تكن بنا إنما كانت بالله ".
3) " نجهد " ه‍.
4) " السمت: هيئة أهل الخير. وفي ه‍ " الصمت ".
5) " فان تكن " ه‍.
6) عنه مدينة المعاجز: 623 ذ ح 123. وقال مثله
الصدوق في كمال الدين: 2 / 479، عنه البحار: 52 / 49.
وقول المصنف " وكان بعد ذلك.. التوقيعات " رواه الصدوق في آخر الحديث المتقدم.
وتجد نحوا منه في الكافي: 1 / 505 ضمن ح 1.
1109

ومناظرته من لقي (1) واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي، وتصديقه إياه
وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء، فكيف يتساقطون في الفتنة؟
أما يعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة [الله] أو لم يروا انتظام أئمتهم بعد
نبيهم إلى أن أفضي الامر إلى الماضي - يعني الحسن بن علي عليهما السلام - [ثم] أوصى
بها إلى وصي ستره الله بأمره إلى غاية.
فليدعوا عنهم اتباع الهوى، ولا يبحثوا عما ستر عنهم فيأثموا، فليقتصروا
منا على هذه الجملة دون التفسير. (2)

1) " من نفى القائم بعد أبي محمد " ه‍، ط.
2) أورده الصدوق في كمال الدين: 2 / 510 ح 42 قال: كان خرج إلى العمرى وابنه
(رض) رواه سعد بن عبد الله، قال الشيخ أبو عبد الله جعفر (رض): وجدته مثبتا عنه رحمه الله،
عنه منتخب الأنوار المضيئة: 128، والبحار: 53 / 190 ح 19.
ولان المصنف (ره) ذكرها باختصار، نوردها بتمامها اتماما للفائدة.
" وفقكما الله لطاعته، وثبتكما على دينه، وأسعدكما بمرضاته، انتهى الينا ما ذكرتما أن
الميثمي أخبركما عن المختار ومناظراته من لقى واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي
وتصديقه إياه وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه وأنا أعوذ بالله من العمى بعد
الجلاء ومن الضلالة بعد الهدى، ومن موبقات الاعمال ومرديان الفتن، فإنه عز وجل
يقول: " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " (العنكبوت 1 و 2) كيف
يتساقطون في الفتنة، ويترددون في الحيرة، ويأخذون يمينا وشمالا، فارقوا دينهم،
أم ارتابوا، أم عاندوا الحق، أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة
، أو علموا ذلك فتناسوا ما يعلمون ان الأرض لا تخلو من حجة اما ظاهرا واما
مغمورا.
أو لم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم صلى الله عليه وآله واحدا بعد واحد إلى أن أفضى الامر
بأمر الله عز وجل إلى الماضي - يعنى الحسن بن علي عليهما السلام - فقام مقام آبائه عليهم السلام
يهدى إلى الحق والى طريق مستقيم، كانوا نورا ساطعا، وشهابا لامعا، وقمرا زاهرا، ثم
اختار الله عز وجل له ما عنده فمضى على منهاج آبائه عليهم السلام حذو النعل بالنعل على عهد
عهده، ووصية أوصى بها إلى وصى ستره الله عز وجل بأمره إلى غاية، وأخفى مكانه بمشيئة
للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا فضله، ولو قد أذن الله عز وجل فيما قد منعه
عنه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه لأراهم الحق ظاهرا بأحسن حلية، وأبين دلالة، وأوضح
علامة، ولا بان عن نفسه وقام بحجته ولكن أقدار الله عز وجل لا تغالب، وارادته لا ترد، وتوفيقه
لا يسبق، فليدعوا عنهم اتباع الهوى وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه، ولا يبحثوا عما
ستر عنهم فيأثموا، ولا يكشفوا ستر الله عز وجل فيندموا، وليعلموا أن الحق معنا وفينا، لا
يقول ذلك سوانا الا كذاب مفتر، ولا يدعيه غيرنا الا ضال غوى، فليقتصروا منا على هذه
الجملة دون التفسير، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله.
1110

27 - وعن عبد الله بن جعفر الحميري (1) [قال]: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو
عثمان بن سعيد فقلت: أسألك عن شئ، وما أنا شاك باعتقادي أن الأرض لا تخلو
من حجة، رأيت الخلف؟
فقال: إي والله، وافيته (2) مثل ذلك، وأومأ بيده. قلت: الاسم؟ (3)
قال: الامر عند السلطان، إن أبا محمد مضى ولم يخلف ولدا، وقسم ميراثه
وأخذه من لا حق له [فيه] فصبر على ذلك، وهو ذا عياله (4) يجولون ليس أحد
يجسر أن يتقرب إليهم أو ينيلهم شيئا، فإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وامسكوا

1) قال العلامة الحلي في الخلاصة: 106: عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع
الحميري أبو العباس القمي، شيخ القميين ووجههم، قدم الكوفة سنة نيف وتسعين
ومائتين، ثقة من أصحاب أبي محمد العسكري عليه السلام. تجد ترجمته في رجال النجاشي:
219 رقم 573، ورجال السيد الخوئي: 10 / 139.
2) وافى الرجل: أتاه. وفي روايتي الكليني والشيخ الطوسي " رقبته مثل ذا، وأومأ (بيده)
بيديه ".
3) " الامر " ه‍.
4) " أهله " م.
1111

عن ذلك. (1)
28 - وبالاسناد عن عبد الله بن جعفر الحميري [قال]: خرج التوقيع إلى أبي
جعفر العمري في التعزية لأبيه:
عاش أبوك سعيدا، ومات حميدا، أجزل الله لك الثواب، رزئت ورزئنا
وأوحشك وأوحشنا، ومن كمال سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك، يقوم مقامه. وأقول:
إن الأنفس طيبة لمكانك ".
وكان عثمان بن سعيد وكيل العسكري عليه السلام ثم نائب القائم عليه السلام. (2)

1) رواه في الكافي: 1 / 329 ح 1 باسناده عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعا عن
عبد الله بن جعفر الحميري مفصلا، عنه إعلام الورى: 421، والايقاظ من الهجعة: 392
وقال الكليني: حدثني شيخ من أصحابنا - ذهب عنى اسمه - أن أبا عمرو سئل عند أحمد بن
إسحاق عن مثل هذا، فأجاب بمثل هذا. عنه الغيبة للطوسي: 146، وص 219.
ورواه في الغيبة: 218 باسناده عن ابن قولويه والرازي والتلعكبري كلهم عن الكليني،
عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى مثله مفصلا، عنه البحار: 51 / 346 ضمن ح 1
وأخرجه في اثبات الهداة: 6 / 345 ح 12 عن الكافي بالطريقين مختصرا.
2) رواه في كمال الدين: 2 / 510 ح 41، وفي غيبة الطوسي: 219 باسناديهما إلى
عبد الله الحميري، وأورده في الاحتجاج: 2 / 301 مرسلا عن الحميري، عنهم البحار:
51 / 348 - 349. جميعا بهذا اللفظ:
" في فصل من الكتاب: انا لله وانا إليه راجعون تسليما لامره ورضاء بقضائه، عاش أبوك
سعيدا ومات حميدا فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم السلام، فلم يزل مجتهدا في
أمرهم، ساعيا فيما يقربه إلى الله عز وجل واليهم، نضر الله وجهه وأقاله عثرته ".
وفي فصل آخر: " أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه
وأوحشنا، فسره الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله عز وجل ولدا مثلك
يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحم عليه.
وأقول: الحمد لله، فان الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله عز وجل فيك وعندك أعانك الله
وقواك وعضدك ووفقك، وكان الله لك وليا وحافظا وراعيا وكافيا ومعينا ".
1112

فصل
29 - وعن أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري أنه حمل إلى أبيها من قم مال ينفذه
إلى صاحب الامر عليه السلام فأوصل الرسول ما دفع إليه وجاء لينصرف فقال له أبو جعفر:
قد بقي شئ وأين هو؟ قال: لم يبق شئ إلا وقد سلمته.
قال أبو جعفر: امض إلى فلان القطان الذي حملت إليه العدلين من القطن، فافتق
أحدهما الذي عليه مكتوب " كذا وكذا " فإنه في جانبه.
فتحير الرجل، فوجد كما قال. (1)
فصل
30 - وعن ابن بابويه، عن [محمد بن] محمد بن عصام الكليني [عن محمد بن
يعقوب الكليني] عن إسحاق بن يعقوب أنه قال: سألت الشيخ الكبير أبا جعفر محمد
ابن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه مسائل أشكلت علي، فورد التوقيع
بخط مولانا صاحب الزمان (2) عليه السلام:
أما ما سألت عنه - أرشدك الله وثبتك - من أمر المنكرين لي من أهل بيتي (3)
وبني عمنا، فإنه (4) ليس بين الله وبين أحد قرابة، فمن أنكرني فليس مني
وسبيله سبيل ابن نوح.
وأما سبيل عمي جعفر وولده، فسبيل إخوة يوسف.

1) الفصل بتمامه ليس في " م ".
2) " الدار " د، م. وهو من ألقابه أيضا عجل الله فرجه الشريف.
3) " بيتنا " خ ل.
4) " فاعلم أنه " د، ق.
1113

وأما الفقاع فشربه حرام، ولا بأس بالشلماب (1).
وأما أموالكم فما نقبلها إلا لتطهروا، فمن شاء فليصل، ومن شاء فليقطع
ما آتانا (2) الله خير مما آتاكم.
وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله، [تعالى ذكره] وكذب الوقاتون.
وأما قول من زعم أن الحسين بن علي عليهما السلام لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال.
وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا [فيها] إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم
وأنا حجة الله.
وأما محمد بن عثمان العمري - رضي الله عنه وعن أبيه من قبل - فإنه ثقتي، وكتابه كتابي.
وأما محمد بن علي بن مهزيار (3) الأهوازي فسيصلح الله قلبه، ويزيل عنه شكه.
وأما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر، وثمن المغنية حرام.
[وكان لإسحاق جارية مغنية، فباعها، وبعث ثمنها إليه، فرده].
وأما محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت.
وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون، وأصحابه ملعونون
فلا تجالس أهل مقالتهم، فاني منهم برئ، وآبائي عليهم السلام منهم براء.
وأما المتلبسون بأموالنا، فمن استحل منها شيئا فأكله، فإنما يأكل النيران.
وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا، لتطهر

1) الشلماب - فارسية -: يعنى ماء الشليم، والشليم والشولم والشالم: الزؤان يكون بين
الحنطة.
والزؤان: ما ينبت غالبا بين الحنطة، وحبه يشبه حبها الا أنه أصغر، وإذا اكل يجلب النوم،
والواحدة: زؤانة. وفي بعض النسخ غير مقروءة.
2) " فما آتاني " د، ق.
3) " محمد بن إبراهيم " ه‍، ط. راجع رجال السيد الخوئي: 17 / 30، وقد ذكر هذه القطعة
من الرواية عن الكمال.
1114

ولادتهم، ولا تخبث.
وأما ندامة قوم شكوا في دين الله على ما وصلونا به، فقد أقلنا من استقال ولا حاجة
لنا في صلة الشاكين.
وأما علة وقوع (1) الغيبة، فان الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن
تبد لكم تسؤكم) (2) إنه لم يكن أحد من آبائي عليهم السلام، إلا [وقد] وقعت في عنقه
بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين (3) أخرج، ولا بيعة لاحد من الطواغيت في عنقي.
وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس (4) إذا غيبها عن الابصار
السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا باب
السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج،
فان [في] ذلك فرجكم.
والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى. (5)

1) " ما وقع من " م، ه‍، ط.
2) سورة المائدة: 101.
3) " متى " م، ه‍، ط.
4) " في غيبتي كالشمس " ه‍، ط.
5) رواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 483 ح 4 بهذا الاسناد، والطوسي في الغيبة: 176
باسناده عن جماعة، عن ابن قولويه والرازي وغيرهما، عن محمد بن يعقوب الكليني
مثله، وأورده في الاحتجاج: 2 / 281 عن محمد بن يعقوب مثله، عنهم الوسائل: 18 /
101 ح 9، والبحار: 53 / 180 ح 10.
وأورده في إعلام الورى: 452 عن محمد بن يعقوب الكليني مثله، وفي كشف الغمة:
2 / 531 عن إسحاق بن يعقوب مثله.
وأخرج قطعا منه في الوسائل: 6 / 383 ح 16 عن الكمال والاحتجاج، و ج 12 / 86 ح
3، عن الكمال، و ج 17 / 291 ح 15 عن الكمال والغيبة، وفي البحار: 50 / 227 ح 1
عن الاحتجاج، و ج 79 / 166 ح 2 عن الغيبة والاحتجاج.
1115

فصل
31 - وبالاسناد عن أبي جعفر بن بابويه: ثنا محمد بن الحسن: ثنا سعد بن عبد الله،
عن علي بن محمد الرازي المعروف بعلان الكليني: ثنا محمد بن جبرائيل الأهوازي،
عن إبراهيم ومحمد ابني الفرج، عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار (1) أنه ورد العراق
شاكا مرتابا، فخرج إليه:
" قل للمهزياري قد فهمنا ما قد حكيته عن موالينا بناحيتكم، فقل لهم: أما سمعتم
قول الله جل جلاله يقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم) (2) هل أمر إلا بما هو كائن إلى يوم القيامة؟
أولم تروا أن الله جعل لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاما تهتدون بها، من لدن آدم
إلى أن ظهر الماضي صلوات الله عليه، كلما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم بدا نجم.
فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله قد قطع السبب بينه وبين خلقه!؟
كلا، ما كان ذاك، ولا يكون حتى تقوم الساعة، ويظهر أمر الله وهم كارهون.
يا محمد بن إبراهيم لا يدخلك الشك، فان الله لا يخلي الأرض من حجته، أليس قال
لك أبوك قبل وفاته: احضر الساعة من يعير (3) هذه الدنانير التي عندنا (4)؟
فلما أبطأ ذلك عليه، وخاف الشيخ على نفسه من الوفاة (5) قال لك: عيرها على

1) " إبراهيم بن محمد أبى الفرج " م.
2) سورة النساء: 59.
3) عيرت الدنانير تعييرا: امتحنتها لمعرفة أوزانها. وفي ه‍ " يعتبر ".
4) " عندي " د، ق.
5) " نفسه الوحا " الكمال. يريد خاف على نفسه سرعة الموت، لان الوحا: السرعة.
1116

نفسك. وأخرج إليك كيسا [لونه] كذا (1) وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس وصرة
فيها دنانير مختلفة النقد، فعيرتها، وختم الشيخ عليها بخاتمه، وقال لك: اختم مع خاتمي
فان أعش، فأنا أحق بها، وإن أمت، فاتق الله في نفسك أولا، ثم في، وخلصني،
وكن عند ظني بك.
أخرج - رحمك الله - الدنانير التي استفضلتها (2) من بين النقدين من حسابنا.
وهي بضعة عشر دينارا، واسترد من قبلك (3) فان الزمان أصعب مما كان، وحسبنا
الله ونعم الوكيل. (4)
فصل
32 - وبالاسناد عن محمد بن إبراهيم قال: قدمت العسكر زائرا، فقصدت الناحية
فلقيتني امرأة، فقالت: أنت محمد بن إبراهيم؟ قلت: نعم.
قالت: انصرف، فإنك لا تصل في هذا الوقت، وارجع الليلة، فان الباب
مفتوح لك، فادخل الدار، واقصد البيت الذي فيه السراج.
ففعلت، وقصدت الباب، فإذا هو مفتوح، فدخلت الدار، وقصدت البيت الذي
وصفته، فإذا أنا بين القبرين أنحب وأبكي، إذ سمعت صوتا وهو يقول:

1) " كيسا كبيرا " كمال الدين.
2) " إلى استفصلها " د، م " إلى استفصلنا " ق " التي استفضلها " ط. وما في المتن كما في الكمال.
3) كذا في الكمال. وفي م، د، ق بلفظ " من حسابها ومن نصفه (وبين بضعه) عشرا، واسترد
من ذلك ".
4) رواه في كمال الدين: 2 / 486 ح 8 بهذا الاسناد، عنه اثبات الهداة: 1 / 224
ح 167، وعن الاحتجاج: 2 / 277 عن أبي عمر والعمرى نحوه.
ورواه في دلائل الإمامة: 287 باسناده عن علي بن السويقاني وإبراهيم بن الفرج الرجعى،
عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار مثله.
وأخرجه في البحار: 53 / 185 ح 16 عن الكمال، وفي مدينة المعاجز: 605 ح 59
عن دلائل الإمامة.
1117

" يا محمد اتق الله وتب من كل ما أنت عليه، فقد قلدت أمرا عظيما ". (1)
فصل
33 - وعن ابن بابويه: ثنا أبو جعفر محمد بن محمد الخزاعي: ثنا أبو علي بن
أبي الحسين الأسدي، عن أبيه (2) (رض) قال: ورد علي توقيع من الشيخ أبي جعفر
محمد بن عثمان العمري - ابتداءا لم يتقدمه سؤال -:
" [بسم الله الرحمن الرحيم] لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من استحل
من مالنا درهما ".
قال الأسدي: فوقع في نفسي أن ذلك فيمن استحل محرما، فأي فضل في ذلك
للحجة على غيره؟
قال: فوالذي بعث محمدا بالحق بشيرا، لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته
قد انقلب إلى ما كان (3) في نفسي: " [بسم الله الرحمن الرحيم] لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين على من أكل من مالنا درهما حراما ".
قال الخزاعي: أخرج إلينا الأسدي هذا التوقيع حتى نظرنا إليه وقرأناه. (4)
34 - وعن أبي الحسين الأسدي فيما ورد على أبي جعفر العمري في جواب مسائله:
أما ما سألت عنه من أمر المولود الذي نبتت قلفته (5) بعدما يختن مرة أخرى

1) رواه في كمال الدين: 2 / 487 ذ ح 8 بهذا الاسناد عنه منتخب الأنوار المضيئة: 125،
والبحار: 51 / 326 ح 47.
2) أبو الحسين الأسدي: هو محمد بن (أبى عبد الله) جعفر الأسدي. تجد ترجمته وترجمة ابنه
في معجم رجال الحديث: 15 / 153 وص 165، و ج 21 / 123 وص 244.
3) " ما وقع " د، ق، ط.
4) رواه في كمال الدين: 2 / 522 بهذا الاسناد، عنه
اثبات الهداة: 7 / 321 ح 88، والبحار: 53 / 183 ح 12، و ج 96 / 185 ح 3.
وعن الاحتجاج: 2 / 300.
5) " غلفته " الكمال، وكذا بعدها، والغلفة: القلفة، وهي الجليدة التي يقطعها الخاتن.
1118

فإنه يجب أن تقطع قلفته، فان الأرض تضج إلى الله عز وجل من بول الأقلف
أربعين صباحا.
وأما من لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنار، فإنه جائز له أن يصلي والنار
والصورة والسراج بين يديه ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة النار والأصنام. (1)
فصل
35 - وعن ابن بابويه: ثنا علي بن محمد بن متيل: حدثني عمي جعفر بن أحمد (2)
ابن متيل، قال: دعاني أبو جعفر العمري، فأخرج إلى ثويبات معلمة وصرة (3)
فيها دراهم.
فقال: يحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت، وتدفع ما دفعته إليك
إلى أول رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلى الشط بواسط.
قال: فداخلني من ذلك غم شديد، فقلت: مثلي يرسل في مثل هذا الامر، ويحمل
هذا الشئ الوتح (4)؟ قال: فخرجت إلى واسط، وصعدت من المركب، فأول رجل
تلقاني، سألته عن الحسن بن محمد بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط.

1) رواه في كمال الدين: 2 / 520 ضمن ح 49 باسناده عن الشيباني والدقاق وابن المؤدب
والوراق جميعا عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي، عنه الوسائل: 3 / 460 ح 5
(قطعة)، و ج 15 / 167 ح 1 (قطعة)، والبحار: 104 / 107 و 108 ح 1 و 2، وعن
الاحتجاج: 2 / 299 مرسلا عن الأسدي مثله.
2) " محمد بن علي بن متيل حدثني عمى جعفر بن محمد " الكمال، وكذا في الأحاديث
التالية. راجع معجم رجال الحديث: 4 / 52، وقاموس الرجال: 7 / 62، في ترجمة عمه
جعفر بن أحمد بن متيل.
3) " صريرات " د، ق، م، ه‍.
4) الوتح: القليل التافه.
1119

فقال: أنا هو، من أنت؟ قلت: جعفر بن محمد بن متيل.
قال: فعرفني باسمي، وسلم علي، وسلمت عليه، وتعانقنا، فقلت له: أبو
جعفر العمري يقرأ عليك السلام، ودفع إلى الثويبات، وهذه الصرة لأسلمها إليك.
فقال: الحمد لله، فان محمد بن عبد الله الحائري (1) قد مات، وخرجت لأصلح
كفنه، فحل الثياب، فإذا هي ما يحتاج إليه من حبر (2) وثياب وكافور، وفي الصرة
كرى الحمالين والحفار.
قال: فشيعنا جنازته، وانصرفت. (3)
36 - وعن أبي جعفر الأسود: إن أبا جعفر العمري قد حفر لنفسه قبرا، وسواه
بالساج، فسألته عن ذلك (4) فقال: أمرت أن أجمع أمري. فمات بعد شهرين. (5)
فصل
37 - وعن ابن بابويه: ثنا علي بن محمد بن متيل [عن عمه جعفر بن أحمد
ابن متيل] (6): لما حضرت أبا جعفر العمري الوفاة كنت جالسا عند رأسه، أسائله

1) في البحار " العامري ". راجع معجم رجال الحديث: 16 / 252.
2) الحبرة: ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط.
3) رواه في كمال الدين: 2 / 504 ح 35، بهذا الاسناد، عنه اثبات الهداة: 7 / 314 ح 79،
والبحار: 51 / 336 ح 63، وعنه في مدينة المعاجز: 617 ح 108، وعن ثاقب المناقب:
521 مرسلا عن جعفر بن أحمد مثله.
4) " عنه " م، ه‍.
5) رواه في كمال الدين: 2 / 502 ح 29 باسناده عن أبي
جعفر محمد بن علي الأسود، وفي الغيبة للطوسي: 222 باسناده عن جماعة، عن ابن بابويه
مثله، عنهما اثبات الهداة: 7 / 312 ح 74، والبحار: 51 / 351 ضمن ح 3.
وأخرجه في إعلام الورى: 450، ومدينة المعاجز: 612 ح 86 عن الكمال
6) من الكمال.
1120

واحدثه، وأبو القاسم بن روح عند رجليه.
فالتفت إلي وقال: قد أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح.
فقمت من عند رأسه، وأخذت بيد أبي القاسم بن روح، فأجلسته في مكاني
وقعدت عند رجليه. (1)
38 - قال: وقال علي [بن محمد] بن متيل: كانت امرأة يقال لها " زينب "
وكانت من أهل " آبه " (2) وكانت امرأة محمد بن عبدل الآبي، معها ثلاثمائة (3)
دينار، وصارت إلى عمي جعفر بن أحمد بن متيل، فقالت: أحب أن أسلم هذا
المال من يدي إلى يد الشيخ أبي القاسم بن روح، فأنفذني معها أترجم عنها.
فلما دخلت على أبي القاسم قال - بلسان آوي (4) فصيح - لها: " زينب: چونا
خويذا، كوابذا، چون استه " (5) ومعناه: كيف أنت، وكيف كنت، وما حال صبيانك.
فاستغنت عن الترجمان، وسلمت المال إليه. (6)

1) رواه في كمال الدين: 2 / 503 ح 34 بهذا الاسناد، وفي الغيبة للطوسي: 226
باسناده عن جماعة، عن ابن بابويه، عنهما البحار: 51 / 354 ح 5.
2) آبه - بالباء الموحدة -: من قرى أصبهان، وقيل: من ساوة. والعامة تقول: آوه..
(مراصد الاطلاع: 1 / 2).
3) " ثمانمائة " ه‍.
4) " آبى " الكمال. وكلاهما وارد، نسبة إلى بلدة المرأة المذكورة.
5) كذا في الكمال. واللفظ في نسخ الأصل وبقية الموارد يختلف بعضه عن بعض باعتباره
لهجة محلية قديمة.
6) رواه في الكمال الدين: 2 / 503 ح 34 بهذا الاسناد، وفي الغيبة للطوسي: 195 باسناده
عن جماعة، عن ابن بابويه مثله، عنها البحار: 51 / 336 ح 62.
وأخرجه في اثبات الهداة: 7 / 340 ح 108 عن الغيبة.
1121

فصل
39 - وعن أبي علي بن همام، قال: أنفذ محمد بن علي الشلمغاني العزاقري (1)
إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح يسأله أن يباهله، وقال: إنما أنا صاحب
الرجل [وقد أمرت باظهار العلم، وقد أظهرته باطنا وظاهرا، فباهلني] (2).
فأنفذ إليه ابن روح: أينا تقدم صاحبه، فهو المخصوم. فتقدم العزاقري، فقتل
وصلب، وأخذ معه ابن أبي عون، وذلك في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة (3). (4)
40 - وقال أبو عبد الله بن سورة (5) القمي، عن رجل متهجد في الأهواز يسمى
" سرور " أنه قال: كنت أخرس لا أتكلم، فحملني أبي وعمي - وسني إذ ذاك
ثلاث عشرة أو أربع عشرة - إلى الشيخ أبي القاسم بن روح رضي الله عنه، فسألاه
أن يسأل الحضرة، أن يفتح الله لساني.

1) قال النجاشي: 378: محمد بن علي الشلمغاني، أبو جعفر المعروف بابن أبى العزاقر،
كان متقدما في أصحابنا، فحلمه الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب،
والدخول في المذاهب الردية حتى خرجت فيه توقيعات، فأخذه السلطان وقتله وصلبه.
ذكره الطوسي في الفهرست: 673 تحت رقم 627، وعده في رجاله (في من لم يرو عن
الأئمة): 512.
وتجد ترجمته في معجم رجال الحديث: 17 / 47.
2) من الغيبة.
3) كذا في الغيبة. وفي ه‍: فهو المخصوص. فقتل العزاقري، ووجد التوقيع في لعنه.
وذكر الطبرسي في الاحتجاج: 2 / 290 نص التوقيع بلعنه مع جماعة آخرين، الذي
خرج على يد الحسين بن روح رضي الله عنه وأرضاه، فراجع.
4) رواه الطوسي في الغيبة: 186 باسناده عن الحسين بن عبيد الله، عن محمد بن أحمد
القمي، عن أبي علي بن همام، عنه اثبات الهداة: 7 / 334 ح 101، والبحار: 51 / 323 ح 43.
5) وفي ه‍، ط، المدينة: سروة. راجع قاموس الرجال: 10 / 123.
1122

فذكر الشيخ أبو القاسم: إنكم أمرتم بالخروج إلى الحائر. (1)
قال سرور: فخرجنا إلى الحائر، فاغتسلنا، وزرنا. فصاح أبي أو (2) عمي:
يا سرور. فقلت - بلسان فصيح -: لبيك، فقال: تكلمت؟ فقلت: نعم.
قال ابن سورة: ونسيت نسبه، وكان سرور هذا رجلا ليس جهوري الصوت. (3)
فصل
41 - وعن ابن بابويه: ثنا الحسين بن علي بن محمد القمي المعروف بأبي (4)
علي البغدادي، قال: كنت ببخارى (5) فدفع إلي المعروف ب‍ " ابن جابشير " (6)
عشر سبائك ذهب، وأمر أن أسلمها ب‍ " مدينة السلام " إلى أبي القاسم بن روح.
فحملتها معي، فلما بلغت مفازة " أمويه " (7) ضاعت مني سبيكة، ولم أعلم
بذلك، حتى دخلت مدينة السلام.

1) الحائر: موضع قبر الحسين عليه السلام، وإنما سمى بذلك لأنه كلما أجروا عليه الماء
غار وحار واستدار بقدرة العزيز الجبار، وذلك في زمن المتوكل عليه اللعنة.
2) " و " ه‍، والغيبة.
3) عنه مدينة المعاجز: 624 ح 127. ورواه الطوسي في الغيبة: 188 عن أبي عبد الله بن
سورة، عنه اثبات الهداة: 7 / 337 ح 105، والبحار: 51 / 325 ذ ح 23. والحديث
ليس في " م ".
4) " بابن أبى " م. تصحيف.
5) بخارى - بالضم -: من أعظم مدن ما وراء النهر وأجلها، يعبر إليها من آمل الشط، وبينها
وبين جيحون يومان، وهي مدينة قديمة، نزهة البساتين.. (مراصد الاطلاع: 1 / 169).
6) " حاميس " ه‍، ط. " جاوشير " الكمال.
7) أمويه - بفتح الهمزة وتشديد الميم وسكون الواو وياء مفتوحة وهاء -: وهي آمل الشط.
وآمل - بضم الميم واللام - اسم أكبر مدينة بطبرستان في السهل. (معجم البلدان: 1 / 255
وص 57).
1123

فأخرجت السبائك لأسلمها، فوجدتها قد نقصت واحدة منها، فاشتريت (1) سبيكة
مكانها بوزنها من مالي، وأضفتها إلى التسع سبائك، ثم دخلت على الشيخ أبي
القاسم بن روح، فوضعت السبائك عنده.
فقال لي: خذ تلك السبيكة التي اشتريتها - وأشار إليها بيده - فان السبيكة التي
ضيعتها قد وصلت إلينا، وهي ذا هي.
ثم أخرج تلك السبيكة التي كانت ضاعت مني، فنظرت إليها وعرفتها. (2)
فصل
43 - وعن ابن بابويه: ثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود [قال]: سألني
أبوك أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه السلام ليدعو الله أن
يرزقه ولدا ذكرا.
فسألته، فأخبرني بعد ثلاثة أيام، أنه قد دعا لعلي بن الحسين، وأنه سيولد
له ولد مبارك، ينفع الله به، وبعده أولاد.
قال: وسألته في أمري أن يدعو لي أن أرزق ولدا ذكرا.
فقال: ليس إلا هذا سبيل. فولد لعلي بن الحسين، ولم يولد لي. (3)

1) " فجعلت " م.
2) رواه في كمال الدين: 2 / 518 ح 47 بهذا الاسناد،
عنه اثبات الهداة: 7 / 319 ح 86، والبحار: 51 / 341 ح 69. وعنه مدينة المعاجز:
618 ح 113، وعن ثاقب المناقب: 525 (مخطوط) عن الحسين بن علي بن محمد
المعروف بابى على البغدادي مثله.
3) رواه في كمال الدين: 2 / 502 ح 31 بهذا الاسناد، وفي الغيبة للطوسي: 194 باسناده
عن جماعة، عن ابن بابويه، عنهما اثبات الهداة: 7 / 313 ح 76 و 77، والبحار: 51 /
335 ح 61.
وأورده في ثاقب المناقب: 539 (مخطوط) مرسلا عن الأسود مثله، عنه مدينة المعاجز:
612 ح 87، وعن الكمال.
وأخرجه في إعلام الورى: 450، ومنتخب الأنوار المضيئة: 113 عن الكمال.
وقال الصدوق (ره): كان أبو جعفر محمد بن علي الأسود - رضي الله عنه - كثيرا ما يقول لي -
إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رضي الله عنه -
وأرغب في كتب العلم وحفظه -:
" ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم، وأنت ولدت بدعاء الإمام عليه السلام ".
1124

43 - قال ابن بابويه: ثنا الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي (1) علي البغدادي
قال: رأيت في تلك السنة (2) بمدينة السلام امرأة، تسأل (3) عن وكيل مولانا عليه السلام من هو؟
فأخبرها بعض القميين (4) أنه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار لها إليه (5) وأنا عنده.
فقالت له: أيها الشيخ أي شئ معي؟
فقال: ما معك إذهبي فألقيه في دجلة، ثم ائتيني حتى أخبرك.
قال: فذهبت المرأة، وحملت ما كان معها، فألقته في دجلة، ثم رجعت، ودخلت
إلى أبي القاسم الروحي، وأنا عنده.
فقال أبو القاسم لمملوكته: أخرجي إلي الحقة (6) فأخرجت إليه الحقة، فقال
للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك، ورميت بها في دجلة، أخبرك بما فيها أم تخبريني؟
قالت: بل تخبرني أنت. قال: في هذه الحقة زوج سوار ذهب، وحلقة كبيرة
فيها جواهر (7) وخاتمان أحدهما فيروزج، والآخر عقيق.
وكان الامر كما ذكر لم يغادر منه شيئا. ثم فتح الحقة، فعرض علي ما فيها، ونظرت
المرأة إليه فقالت: هذه التي حملتها بعينها، ورميت بها في دجلة.

1) " بابن أبي " م. تصحيف. وتقدم في الحديث " 39 ".
2) أي السنة التي دخل فيها مدينة السلام " بغداد " ومعه السبائك الذهبية كما تقدم في الحديث 39.
3) كذا في منتخب الأنوار، وفي نسخ الأصل والكمال " فسألتني ".
4) " القائمين " ه‍.
5) " وأشار إليها " الكمال.
6) الحقة: الوعاء الصغير.
7) " كبيرة فيها جوهرة، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر " الكمال.
1125

فغشي علي وعلى المرأة لما شاهدناه من صدق الدلالة والعلامة.
ثم قال الحسين بن علي: أشهد عند الله يوم القيامة بما حدثت به كما ذكرته لم أزد
فيه ولم أنقص منه. (1)
قصل
44 - وعن ابن بابويه: ثنا أبو جعفر محمد بن علي بن أحمد بن بزرج بن عبد الله بن
منصور بن يونس بزرج (2) صاحب الصادق عليه السلام قال: سمعت محمد بن الحسن
الصيرفي (3) المقيم بأرض بلخ يقول:
أردت الخروج إلى الحج، وكان معي مال، بعضه ذهب، وبعضه فضة، فجعلت
ما كان معي من ذهب سبائك، وما كان معي من فضة نقرا (4) وكان قد دفع ذلك

1) رواه في كمال الدين: 2 / 519 ضمن ح 47 بهذا الاسناد، عنه منتخب الأنوار المضيئة:
112 واثبات الهداة: 7 / 320 ح 87، والبحار: 51 / 342 ضمن ح 69.
وأورده في ثاقب المناقب: 525 (مخطوط) مرسلا عن الحسين بن علي مثله، عنه مدينة
المعاجز: 618 ح 114، وعن الكمال.
2) " بن روح " ه‍. " بن بزرج " الكمال.
قال النجاشي في رجاله: 413: منصور بن يونس بزرج أبو يحيى، وقيل: أبو سعيد:
كوفي، ثقة روى عن أبي عبد الله وأبى الحسن عليهما السلام.
ومثله في رجال الشيخ: 313 رقم 534، وص 360 رقم 21 وفي الفهرست: 730.
وتجد في معجم رجال الحديث: 18 / 388 وص 390 وص 403 وص 404 ما يفيد.
وكان قد ذكر في ج 16 / 343 نقلا عن كمال الدين " محمد بن علي بن أحمد بن بزرج بن
عبد الله بن منصور بن يونس (بن) بزرج أبو جعفر صاحب الصادق عليه السلام "، وفي البحار
تصحيف آخر أعرضنا عن ذكره خشية الإطالة، فراجع. فالصحيح أن محمد بن علي..: أبو جعفر
ومنصور بن يونس، بزرج، أبو يحيى فتدبر جيدا.
3) " الصيرفي في الدورقي الدوري " خ ل الكمال.
4) " نقرة " م. والنقرة - بضم النون -: القطعة المذابة من الذهب والفضة.
1126

[المال] إليه ليسلمه إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح.
قال: فلما نزلت " سرخس " (1) ضربت خيمتي على موضع فيه رمل، وجعلت أميز
تلك السبائك والنقر، فسقطت سبيكة من تلك السبائك، وغاصت في الرمل، وأنا لا أعلم.
قال: فلما دخلت همدان ميزت تلك السبائك والنقر مرة أخرى، اهتماما مني
بحفظها، ففقدت منها سبيكة وزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل - أو قال: ثلاث
وسبعون (2) مثقالا -.
قال: فسبكت من مالي مكانها بوزنها وجعلتها بين السبائك، ولما وردت مدينة
السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح، وسلمت إليه ما كان معي من السبائك
والنقر، فمد يده من بين السبائك إلى السبيكة التي كنت سبكتها من مالي - بدلا مما ضاع
مني (3) - فرمى بها إلي، وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا، سبيكتنا ضيعتها ب‍ " سرخس "
حيث ضربت الخيمة في الرمل، فارجع إلى مكانك، وانزل حيث نزلت، واطلب
السبيكة هناك تحت الرمل، فإنك ستجدها وستعود إلى ههنا ولا تراني.
قال: فرجعت إلى " سرخس " ونزلت حيث كنت نزلت، ووجدت السبيكة تحت
الرمل، وقد نبت عليها الحشيش، فأخذت السبيكة وانصرفت إلى بلدي.
فلما كان بعد ذلك، حججت ومعي السبيكة، فدخلت مدينة السلام، وقد كان
الشيخ أبو القاسم توفي (رضي الله عنه).
ولقيت الشيخ أبا الحسن علي بن محمد السمري وطلب مني السبيكة، فسلمتها
إليه. (4)

1) سرخس - بالفتح ثم السكون، وفتح الخاء المعجمة، وآخره سين مهملة. ويقال: بالتحريك -:
مدينة قديمة من نواحي خراسان، كبيرة، بين نيسابور ومرو.. (مراصد الاطلاع:
2 / 705).
2) " تسعون " د، ق.
3) " وأخرجها من بين السبائك " ه‍، ط.
4) رواه في كمال الدين: 2 / 516 ح 45 بهذا الاسناد، عنه منتخب الأنوار المضيئة:
111، واثبات الهداة: 7 / 317 ح 84، والبحار: 51 / 340 ح 68.
وأورده في ثاقب المناقب: 524 (مخطوط) مرسلا عن الصيرفي مثله، عنه مدينة المعاجز:
618 ح 112، وعن الكمال.
1127

فصل
45 - وعن ابن بابويه: ثنا أبو الحسن (1) صالح بن شعيب الطالقاني: ثنا أبو عبد الله
أحمد بن إبراهيم بن مخلد قال:
حضرت بغداد عند المشايخ فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري ابتداء
منه: " رحم الله علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ".
قال: وكتب المشايخ تأريخ (2) ذلك اليوم، فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم.
ومضى أبو الحسن السمري في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة (3). (4)
46 - وقال ابن بابويه: أنبأنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بمدينة
السلام في السنة التي توفي بها أبو الحسن السمري، فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج
إلى الناس توقيعا نسخته:

1) " الحسين " م، والكمال. راجع معجم رجال الحديث: 9 / 74.
2) " المشايخ في " ه‍، ط. وفي نسخة من ط " وكتب التاريخ ".
3) كذا في الأصل والكمال وفي رواية الطوسي وأغلب الموارد " 329 ".
ومن المسلم أن وفاة ابن بابويه (رض) كانت سنة تناثر النجوم، وهي سنة 329، وكانت
وفاة السمري (رض) بعده كما يستفاد من الرواية.
4) رواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 503 ح 32 بهذا الاسناد، وفي الغيبة للطوسي:
242 باسناده عن جماعة، عن ابن بابويه، عنهما البحار: 51 / 360 ذ ح 6.
وأورده في ثاقب المناقب: 540 (مخطوط) مرسلا عن أحمد بن مخلد.
وأخرجه في إعلام الورى: 451، ومدينة المعاجز: 612 ح 88 عن الكمال.
1128

[بسم الله الرحمن الرحيم] (1) " يا علي بن محمد أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك
ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك
فقد وقعت الغيبة التامة، ولا (2) ظهور إلا بعد إذن الله، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة
القلوب، وامتلاء الأرض جورا.
وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني
والصيحة، فهو كاذب مفتر (3) [ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم] (4) ".
قال: فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس، عدنا إليه
وهو يجود بنفسه. (5)
فصل
47 - وعن ابن بابويه: ثنا أبي: ثنا سعد بن عبد الله، عن أبي حامد المراغي، عن
محمد بن شاذان بن نعيم، قال:
بعث رجل من أهل " بلخ " بمال ورقعة ليس فيها كتابة، قد خط فيها بإصبعه كما تدور (6)
من غير كتابة، وقال للرسول:

1) من الكمال.
2) " فلا " د، ق.
3) " كافر " ه‍، ط.
4) من الكمال.
5) رواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 516 بهذا الاسناد، والطوسي في الغيبة: 242
باسناده عن جماعة، عن ابن بابويه، عن أبي محمد أحمد بن الحسن المكتب مثله، وفي
آخرهما " فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه. ومضى رضي الله عنه، فهذا
آخر كلام سمع منه ". عنهما البحار: 51 / 360 ح 7. وأورده في إعلام الورى: 445
مرسلا عن أبي محمد الحسن بن أحمد.
وأخرجه في منتخب الأنوار المضيئة: 130 عن كمال الدين، وفي اثبات الهداة: 7 / 342
ح 112 عن الغيبة.
وفي البحار: 52 / 151 ح 1 عن الكمال والاحتجاج: 2 / 297 مرسلا.
6) " فيما (يرون) ترون " نسخ الأصل. وما في المتن من الكمال.
1129

احمل هذا المال فمن أخبرك بقصته وأجاب عن الرقعة فأوصل إليه المال (1).
فصار الرجل إلى العسكر وقصد جعفرا، وأخبره الخبر.
فقال له جعفر: أتقر بالبداء؟ فقال الرجل: نعم. قال: إن صاحبك قد بدا له، وقد
أمرك أن تعطيني المال. فقال له الرسول: لا يقنعني هذا الجواب.
فخرج من عنده، وجعل يدور على أصحابنا. فخرجت إليه رقعة [قال] (2):
" هذا مال قد كان غرر به [وكان فوق صندوق] (4) فدخل اللصوص البيت
وأخذوا ما في الصندوق، وسلم المال ".
وردت عليه الرقعة وقد كتب فيها (5): " كما تدور، سألت الدعاء فعل الله بك
وفعل ". (6)
48 - عن سعد بن عبد الله [قال]: قال لي علي بن محمد الشمشاطي (7): خرجت زائرا
إلى العسكر وأنا في المسجد إذ دخل علي غلام، فقال: قم.

1) كذا في الكمال. وفي النسخ " احمل هذا المال إليه ". 2 و 4) من الكمال.
3) كذا في الكمال. وفي م " غزو به ". وفي ط " غدر به ".
ويظهر من سياق الحديث أن اللصوص استهدفوا المال، وقصدوا الصندوق، فزاغ المال
عن أبصارهم إذ لم يكن بداخله فأخذوا ما فيه بدل المال المستهدف الذي كان فوق
الصندوق، فيجوز أن يقال: هذا المال " غزو، أو غرر بسببه ". وكان هذا اخبارا بالغيب.
5) قال المجلسي (ره): قوله: " وقد كتب فيها " أي الرقعة التي كانت قد كتب السؤال فيها
بالإصبع كما تدور.
6) رواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 488 ح 11 بهذا الاسناد، عنه اثبات الهداة:
7 / 303 ح 48، والبحار: 51 / 327 ح 50. ورواه الطبري في دلائل الإمامة: 287،
عنه مدينة المعاجز: 605 ح 61.
وأورده في ثاقب المناقب: 522 (مخطوط) مرسلا عن محمد بن شاذان بن نعيم.
7) كذا في الكمال، وفي " م " غير منقوطة. وفي ه‍، ط " السميساطى ".
1130

فقلت: من أنا، وإلى أين أقوم؟ قال: أنت علي بن محمد رسول جعفر بن إبراهيم
اليماني، قم إلى المنزل. وما كان علم أحد من أصحابنا بموافاتي.
فقمت، [إلى منزله] فاستأذنت في أن أزور من داخل، فأذن لي. (1)
49 - وقال سعد: حدثنا أبو القاسم بن أبي حليس (2): اعتللت ب‍ " سر من رأى "
علة شديدة أشرفت بها على الموت،. (3) فأطليت مستعدا للموت.
فبعث إلي ببستوقة فيها بنفسجين (4) وأمرت بأخذه، فما فرغت حتى أفقت. (5)
50 - وعن جعفر بن عمرو: خرجت إلى العسكر - وأم أبي محمد عليه السلام في الحياة -
ومعي جماعة [فوافينا العسكر].

1) رواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 491 ذ ح 14 بهذا الاسناد لمثلها.
ورواه الكليني في الكافي: 1 / 519 ذ ح 12 باسناده عن علي بن محمد، عن علي بن الحسين
اليماني، والمفيد في الارشاد: 398 عن ابن قولويه، عن الكليني.
وأورده في كشف الغمة: 2 / 452 مرسلا عن علي بن الحسين.
وأخرجه في اثبات الهداة: 7 / 276 ذ ح 11 عن الكافي والكمال، وفي البحار: 51 /
329 ذ ح 53 عن الكافي والارشاد.
2) كذا في كمال الدين، وفي م " بن حليس "، وفي ط " بن أبي حلس ". تقدم في ص 443 ح 24.
3) " أشفقت منها " الكمال. يقال: أشفق منه.: حاذر وخاف.
وأطلى: مالت عنقه لضعف أو سواه، أو أطلى بالنورة استسلاما للموت.
4) يعمل من البنفسج والأنجبين.
5) رواه في كمال الدين: 2 / 493 ضمن ح 17 بهذا الاسناد مثله، وفي آخره " أفقت من
علتي والحمد لله رب العالمين "، عنه اثبات الهداة: 7 / 306 ح 54، والبحار: 51
331 ضمن ح 56.
وأورده في عيون المعجزات: 144 عن أبي القاسم الحليسي بلفظ آخر، عنه اثبات الهداة
المذكور ص 360 ح 134، ومدينة المعاجز: 611 ح 72.
1131

فكتب أصحابي يستأذنون في الزيارة من داخل باسم رجل رجل، فقلت لهم:
لا تكتبوا اسمي، فاني لا أستأذن. فتركوا اسمي، فخرج التوقيع:
" ادخلوا ومن أبى أن يستأذن ". (1)
51 - وعن أبي جعفر المروزي: بعثنا مع رجل إلى العسكر شيئا، فعمدودس
فيما معه رقعة من غير علمنا. فردت عليه الرقعة بلا جواب. (2)
52 - قال: وكان [بقم] رجل بزاز مؤمن، وله شريك مرجئ (3) فوقع
بينهما ثوب نفيس، فقال المؤمن: يصلح هذا الثوب لمولاي.
فقال شريكه: لست أعرف مولاك، ولكن افعل بالثوب ما تحب.
فلما وصل الثوب شقه عليه السلام بنصفين طولا فأخذ نصفه، ورد النصف، وقال:
لا حاجة لنا في مال المرجئ. (4)

1) رواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 498 ح 21 باسناده إلى جعفر بن عمرو، عنه اثبات
الهداة: 7 / 310 ح 67، والبحار: 51 / 334 ح 58.
وأخرجه الطوسي في الغيبة: 208 عن كتاب الأوصياء للشلمغاني عن أبي جعفر المروزي،
عن جعفر بن محمد بن عمر، عنه اثبات الهداة المذكور، والبحار: 51 / 293 ح 2.
2) رواه في كمال الدين: 2 / 499 ح 24 باسناده إلى أبى جعفر، عنه اثبات الهداة: 7 / 311
ح 72، والبحار: 51 / 334 ضمن ح 58.
3) أي من المرجئة وهم: فرقة من الاسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الايمان معصية كما لا ينفع
مع الكفر طاعة، وقالوا: ان الله أرجى تعذيبهم عن المعاصي، أي أخره عنهم، وهم الذين
قالوا: الايمان قول بلا عمل، لأنهم يقدمون القول ويؤخرون العمل (المقالات والفرق): 131).
4) رواه في كمال الدين: 2 / 510 ح 40 باسناده إلى حامد بن إسحاق الكاتب، عنه اثبات
الهداة: 7 / 317 ح 83، والبحار: 51 / 340 ح 66.
وأورده في ثاقب المناقب: 524 (مخطوط) مرسلا عن إسحاق بن حامد، عنه مدينة
المعاجز: 618 ح 111.
1132

باب
في العلامات الحزينة الدالة على صاحب الزمان وآبائه عليهم السلام
53 - أخبرنا جماعة، عن جعفر الدوريستي، عن أبيه: ثنا أبو جعفر بن بابويه: ثنا
محمد بن إبراهيم بن إسحاق، عن (1) عبد العزيز بن يحيى الجلودي، عن الحسين
بن معاذ، عن قيس بن حفص (2) عن يونس بن أرقم، عن أبي سيار الشيباني، عن
الضحاك بن مزاحم، عن النزال بن سبرة (3) قال:
خطبنا علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: " سلوني قبل أن تفقدوني " ثلاثا.
فقام صعصعة بن صوحان، فقال: يا أمير المؤمنين متى يخرج الدجال؟
فقال: ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات وهيئات (4) يتبع
بعضها بعضا.
وإن علامات ذلك: إذا أمات (5) الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلوا
الكذب، وأكلوا الربا، وشيدوا البنيان، وباعوا الدين بالدنيا، واستعملوا السفهاء
وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتبعوا الأهواء، واستخفوا بالدماء.
وكان الحلم ضعفا، والظلم فخرا، وكانت الامراء فجرة، والوزراء ظلمة والعرفاء (6)
خونة، والقراء فسقة، وظهرت شهادة الزور، واستعلن الفجور، وقول (7) البهتان
والاثم والطغيان.

1) " إسحاق بن " م. تصحيف.
2) " جعفر " م. وفي د، ق " محمد بن حفص ".
3) قال عنه العسقلاني في تقريب التهذيب: 2 / 298 رقم 51: كوفي ثقة.
4) الهيئة: حال الشئ وكيفيته وشكله وصورته. وفي د، ق: " بينات ".
5) كذا في بقية الموارد، وفي د، ق بلفظ " إذا أحلوا الناس الخيانة ".
6) " العلماء " ه‍، ط. والعرفاء: جمع عريف، وهو العالم بالشئ، أو القيم بأمر القوم وسيدهم.
7) " وقبل " ه‍، ط. والبهتان: الكذب والافتراء.
1133

وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطولت المنارة (1) وأكرم الأشرار
وازدحمت الصفوف، واختلفت القلوب، ونقضت العهود، واقترب الموعود
وشارك (2) النساء أزواجهن في التجارة حرصا على الدنيا.
وعلت أصوات الفساق، واستمع منهم، وكان رئيس (3) القوم أرذلهم، واتقي
الفاجر مخافة شره، وصدق الكاذب، واؤتمن الخائن، واتخذت القينات [والمعازف
ولعن آخر هذه الأمة أولها، وركب ذوات الفروج السروج] (4) وتشبه الرجال
بالنساء، والنساء بالرجال.
وشهد شاهد من غير أن يستشهد، وشهد الآخر قضاء لذمام من غير (5) حق عرفه
وتفقه لغير الدين، وآثروا عمل الدنيا على عمل الآخرة.
ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، وقلوبهم أنتن من الجيف، وأمر من
الصبر، فعند ذلك الوحا (6) الوحا، العجل العجل [خير المساكن يومئذ بيت
المقدس، ليأتين على الناس زمان يتمنى أحدهم أنه من سكانه]. (7)

1) كذا في الأصل. وفي الكمال " منارات ".
والظاهر أنها " منائر " - جمع منارة - كما في المختصر.
2) " شاركت " ط.
3) " زعيم " د، ق، ه‍، ط.
4) من بقية الموارد.
5) " بغير " ق، الكمال والمختصر.
6) الوحا: العجل، السرعة.
7) رواه الصدوق - في حديث طويل - في
كمال الدين: 2 / 525 - 528 ح 1 باسناده من طريقين الأول مثل هذا الاسناد، والثاني
إلى ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وآله مثله، عنه البحار: 52 / 192 ح 26.
ورواه الحسن بن سليمان الحلى في مختصر بصائر الدرجات: 30 في حديث طويل
باسناده إلى النزال بن سبرة، عنه اثبات الهداة: 7 / 46 ح 407، ومستدرك الوسائل:
2 / 390 باب 39 ح 1.
1134

فصل
ثم قال الأصبغ بن نباتة بعد ذلك إلى علي عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين من الدجال؟
فقال: [الدجال] صائد بن الصائد (1)، فالشقي من صدقه، والسعيد من كذبه،
يخرج من بلدة يقال لها " إصفهان " من قرية تعرف ب‍ " اليهودية ".
عينه اليمنى ممسوحة، والعين الأخرى في جبهته تضئ كأنها كوكب الصبح،
فيها علقة كأنها (2) ممزوجة بالدم.
بين عينية مكتوب " كافر " يقرأه كل كاتب وأمي، يخوض البحار، وتسير
معه الشمس، بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض يرى الناس أنه طعام،
يخرج - حين يخرج - في قحط شديد.
تحته حمار أقمر (3) خطوة حماره ميل، تطوى له الأرض منهلا منهلا (4) لا يمر بماء
إلا غار إلى يوم القيامة، ينادي بأعلى صوته - يسمع ما بين الخافقين (5) من الجن والإنس
والشياطين - يقول:

1) " صائد بن الصيد " الكمال والمختصر. وفي سنن الترمذي: 4 / 516 باب 63 " ابن
الصائد ". وفي سنن ابن داود: 4 / 120 " ابن صائد ".
2) " كلها " م.
3) قال ابن الأثير في النهاية: 4 / 107: في صفة الدجال " هجان أقمر " هو الشديد البياض
والأنثى: قمراء. وقال الفيروزآبادي في القاموس المحيط: 2 / 121: القمرة - بالضم -:
لون إلى الخضرة، أو بياض فيه كدرة، حمار أقمر وأتان قمراء.
4) " ميلا ميلا " ه‍.
وقال في النهاية: 5 / 138: وفي حديث الدجال " أنه يرد كل منهل " المنهل من المياه:
كل ما يطؤه الطريق، وما كان على غير الطريق لا يدعى منهلا، ولكن يضاف إلى موضعه،
أو إلى من هو مختص به، فيقال: منهل بنى فلان: أي مشربهم وموضع نهلهم.
5) أي المشرق والمغرب.
1135

إلى أوليائي، أنا الذي خلق فسوى وقدر فهدى، أنا ربكم الاعلى.
وكذب عدو الله، إنه أعور يطعم الطعام، ويمشي في الأسواق، وإن ربكم جل
وعز ليس بأعور، ولا يطعم [الطعام]، ولا يمشي في الأسواق، ولا يزول.
ألا وإن أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله
بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق (1) لثلاث ساعات من يوم الجمعة على يد من يصلي
المسيح [عيسى] بن مريم خلفه. ألا وأن بعد ذلك الطامة الكبرى.
فصل
قالوا: قلنا يا أمير المؤمنين وما ذلك؟
قال عليه السلام: خروج دابة الأرض (2) من عند الصفا (3) معها خاتم سليمان وعصا موسى
يضع الخاتم على وجه كل مؤمن، فينطبع (4) فيه " هذا مؤمن حقا ".
ويضعه على وجه كل كافر، فينطبع فيه " هذا كافر حقا " حتى أن المؤمن لينادي
" الويل لك يا كافر "، وأن الكافر لينادي " طوبى لك يا مؤمن، وددت أني اليوم (5)
مثلك فأفوز فوزا عظيما ".

1) أفيق: قرية من حوران في طريق الغور في أول العقبة المعروفة بعقبة أفيق، والعامة
تقول فيق، تنزل من هذه العقبة إلى الغور، وهو الأردن، وهي عقبة طويلة نحو ميلين.
(معجم البلدان: 1 / 233).
2) إشارة إلى قوله تعالى في سورة النمل: 82. فانظر إلى التفاسير ومنها تفسير الصافي:
4 / 74.
3) الصفا - بالفتح، والقصر المذكور في القرآن الكريم -: مكان مرتفع من جبل أبى
قبيس، بينه وبين المسجد الحرام، عرض الوادي الذي هو طريق وسوق، وإذا وقف
الواقف عليه كان حذاء الحجر الأسود، ومنه يبتدئ السعي بينه وبين المروة.
4) " فيطبع " م.
5) " بالقوم " م.
1136

ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين - بإذن الله - بعد طلوع الشمس من
مغربها، فعند ذلك ترفع التوبة، فلا توبة تقبل، ولا عمل يرفع " ولا ينفع نفسا إيمانها لم
تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا " (1).
ثم قال عليه السلام: لا تسألوني عما يكون بعد هذا، فإنه عهد إلي حبيبي صلى الله عليه وآله ألا اخبر
به غير عترتي.
فصل
[قال] النزال بن سبرة: فقلت لصعصعة بن صوحان: ما عنى أمير المؤمنين بهذا القول؟
فقال: إن الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه [هو] الثاني عشر من العترة، التاسع من
ولد الحسين بن علي عليهما السلام وهو الشمس الطالعة من مغربها، يظهر عند الركن والمقام
فيطهر الأرض، ويضع ميزان العدل، فلا يظلم أحد أحدا.
فأخبر أمير المؤمنين عليه السلام أن حبيبه رسول الله صلى الله عليه وآله عهد [إليه] أن لا يخبر بما
يكون بعد ذلك غير عترته [الأئمة] عليهم السلام. (2)

1) اقتباس من قوله تعالى في سورة الأنعام: 158.
2) رواه الصدوق بتمامه في كمال الدين: 2 / 525 - 528 ح 1 باسناده من طريقين، الأول
مثل هذا الاسناد، والثاني عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عنه البحار:
52 / 192 ح 26.
ورواه الحسن بن سليمان الحلى في مختصر بصائر الدرجات: 30 باسناده إلى النزال بن
سبرة، عنه اثبات الهداة: 7 / 46 ح 407، ومستدرك الوسائل: 2 / 390 باب 39 ح 1.
1137

فصل
والمخالفون من أصحاب الحديث يروون عن نافع، عن ابن عمر (1) الخبر في
الدجال، وغيبته، وبقائه المدة الطويلة، وخروجه في آخر الزمان على ما نذكره
من بعد هذا الفصل، وهم لا يصدقون بأمر القائم عليه السلام، وأنه يغيب مدة طويلة ثم
يظهر فيملأ الأرض قسطا [كما ملئت جورا] مع نص النبي والأئمة عليه وعليهم
السلام باسمه وكنيته، ونسبه، وإخبارهم بطول غيبته، إرادة لاطفاء نور الله [وإبطالا
لأمر وليه، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون].
وأكثر ما يحتجون به في دفعهم لأمر الحجة عليه السلام، أنهم يقولون: لم نرو هذه الأخبار
التي تروونها في شأنه ولا نعرفها [- وكذا يقول من يجحد بنبينا صلى الله عليه وآله
والبراهمة واليهود والنصارى، أنه ما صح عندنا مما تروونه من معجزاته ودلائله
ولا نعرفها -] فنعتقد (2) بطلان أمره لهذه الجهة.
ومتى لزمنا ما يقولون، لزمهم (3) ما تقوله هذه الطوائف، وهم أكثر عددا منهم.
ونقول لهم: لو نظرتم في أخبارنا في المهدي عليه السلام ونظر مخالفو الاسلام في
أخبار المسلمين في النبي صلى الله عليه وآله لعلمتم وعلموا الحق من النبوة والشريعة والإمامة
وما يتعلق بها. (4)
فصل
54 - وقد أخبرنا جماعة من أصحاب الحديث بأصبهان، وجماعة منهم من همدان
وخراسان سماعا وإجازة، عن مشايخهم الثقاة بأسانيد مختلفة، عن أبي بكر محمد

1) " نافع بن عمر " ه‍، ط. وفي نسخة من ط " نافع وابن عمر ".
2) " فيعتقدون " د، ق.
3) نلزمهم " م.
4) قال مثله الصدوق في كمال الدين: 2 / 529.
1138

ابن عمرو (1) بن عثمان بن الفضل العقيلي الفقيه، عن أبي عمرو محمد بن جعفر بن
المظفر (2)، و عبد الله بن محمد بن موسى بن كعب الصيداني (3) أبو سعيد، و عبد الله
[بن] محمد بن عبد الرحمان الرازي، وأبو الحسن محمد بن عبد الله بن صبيح (4)
الجوهري: ثنا أبو يعلى (5) أحمد بن المثنى (6) الموصلي، عن عبد الاعلى بن
حماد النرسي (7) عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال:
إن النبي صلى الله عليه وآله صلى ذات يوم الفجر بأصحابه، ثم قام مع أصحابه حتى أتى
باب دار بالمدينة، وطرق الباب فخرجت [إليه] امرأة، فقالت: ما تريد يا أبا القاسم؟
فقال صلى الله عليه وآله: يا أم عبد الله استأذني لي عليه. قالت: يا أبا القاسم ما تصنع بعبد الله،
فوالله إنه لمجهود في عقله (8) يحدث في ثوبه (9) وإنه ليراودني (10) [على] الامر
العظيم.
فقال: استأذني لي عليه. قالت: أعلى (11) ذمتك؟ قال: نعم وقالت: ادخل، فدخل

1) " عمر " ه‍.
2) كذا في بقية الموارد. وفي نسخ الأصل " مطر ". راجع
نوابغ الرواة في رابعة المئات: 297.
3) كذا في بقية الموارد. وفي نسخ الأصل " الصيدلاني ". راجع المصدر السابق، وسير
أعلام النبلاء: 15 / 530.
4) " فصيح " م. وفي د، ق " أبو الحسين " بدل " أبو الحسن ".
5) " أبو علي " نسخ الأصل. تصحيف، راجع سير أعلام النبلاء: 14 / 174.
6) " الليثي " د، ق.
7) " البرسي " م. تصحيف راجع سير أعلام النبلاء: 11 / 28.
8) " مخمور في عقله " د، ق. " عقله خفة " ه‍، ط. قال المجلسي (ره): قولها " انه لمجهود في
عقله " أي أصاب عقله جهد البلاء، فهو مخبط. يقال: جهد المرض فلانا: هزله.
9) " نومه " ط.
10) " ليوردني " ط. قال المجلسي (ره): كأن مراودته إياها كان
لاظهار دعوى الألوهية أو النبوة، ولذا كانت تأبى عن أن يراه النبي صلى الله عليه وآله.
11) " إلى " د، ق.
1139

فإذا هو في قطيفة يهينم (1) [فيها] فقالت أمه (2): اسكت واجلس، هذا محمد [قد أتاك].
فسكت وجلس، فقال للنبي (3) صلى الله عليه وآله: مالها - لعنها الله - لو تركتني لأخبرتكم،
أهو هو (4)؟
فقال [له] النبي: ما ترى؟ قال: أرى حقا وباطلا، وأرى عرشا على الماء (5).
فقال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.
فقال: بل أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فما جعلك الله في ذلك أحق مني.
فلما كان في اليوم الثاني صلى بأصحابه الفجر، ثم نهض، ونهضوا معه حتى
طرق الباب، فقالت أمه: ادخل. فدخل فإذا هو في نخلة يغرد (6) فيها، فقالت له أمه:
اسكت وانزل، هذا (7) محمد قد أتاك.
فسكت فقال للنبي صلى الله عليه وآله: مالها - قاتلها الله - لو تركتني لأخبرتكم، أهو هو؟

1) قال ابن الأثير في النهاية: 5 / 290: في حديث اسلام عمر " ما هذه الهينمة؟ " هي الكلام
الخفي لا يفهم، والياء زائدة. ومنه حديث طفيل " هينم في المقام " أي قرأ فيه قراءة خفية.
قال المجلسي (ره): الهينمة: الصوت الخفي. وفي أخبار العامة: يهمهم.
والقطيفة: دثار مخمل يلقيه الرجل على نفسه.
وفي د، ق " فإذا هو قطعة يهينم ".
2) " له " ه‍، ط.
3) كذا في البحار. وفي نسخ الأصل والكمال " النبي ". وكذا ما بعدها.
4) " يقوم " د، ق، م. قال المجلسي (ره): قوله " أهو هو؟ " أي اما تقولون بألوهية اله أم لا؟
5) قال المجلسي: روى الحسين بن مسعود الفراء في شرح السنة باسناده، عن أبي سعيد
الخدري أن في هذه القصة قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ما ترى؟ قال: أرى عرشا
على الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ترى عرش إبليس على البحر فقال: ما ترى؟
قال: أرى صادقين وكاذبا أو كاذبين وصادقا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لبس عليه
دعوه. انتهى. وفي د، ق " عرشها " بدل " عرشا ".
6) كذا في الكمال. وفي د، ق، م " يغرر "، وفي ط " يغرو ". قال المجلسي: غرد الطائر - كفرح -
وغرد تغريدا، وأغرد وتغرد: رفع صوته، وطرب به.
7) " على " د، ق.
1140

فلما كان اليوم الثالث صلى بأصحابه الفجر، ثم نهض ونهضوا معه حتى أتوا
ذلك المكان، فإذا هو في غنم ينعق بها، فقالت له أمه: اسكت واجلس هذا محمد قد
أتاك.
فسكت، وقد كانت آيات نزلت في ذلك اليوم من سورة الدخان، فقرأها بهم (1)
النبي صلى الله عليه وآله في صلاة الغداة.
ثم قال: إشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله. فقال: بل أشهد أن لا إله إلا الله،
وأني رسول الله، فما جعلك الله بذلك أحق مني.
فقال النبي: إني خبأت لك خبيئا (2) [فما هو]؟ قال: الدخ، الدخ (3).
فقال النبي صلى الله عليه وآله: اخسأ، اخسأ، إنك لن تعدو أجلك (4) ولن تبلغ أملك، ولن
تنال إلا ما قدر لك.

1) " قرأ عليهم " د، ق. " قرأها لهم " ط.
2) قال المجلسي: " قد خبأت لك خباء " أي أضمرت لك شيئا أخبرني به.
3) قال ابن الأثير في النهاية: 3 / 107، والزمخشري في الفائق: 1 / 410 فيه " أنه قال
لابن صياد: خبأت لك خبيئا (فما هو)؟ قال: هو الدخ ". الدخ - بضم الدال وفتحها - الدخان،
قال: " عند رواق البيت يغشى الدخا " وفسر الحديث أنه أراد بذلك " يوم تأتى السماء
بدخان مبين ".
وقيل: إن الدجال يقتله عيسى بجبل الدخان، فيحتمل أن يكون المراد تعريضا بقتله لان
ابن الصياد كان يظن أنه الدجال.
4) قال المجلسي (ره): قوله صلى الله عليه وآله " اخسأ " يقال: خسأت الكلب أي طردته
وأبعدته:
قوله " فإنك لن تعدو أجلك " قال في شرح السنة -:
قال الخطابي: يحتمل وجهين أحدهما أنه لا يبلغ قدرة أن يطالع الغيب من قبل الوحي الذي
يوحى به إلى الأنبياء، ولا من قبل الالهام الذي يلقى في روع الأولياء وإنما كان الذي جرى على
لسانه شيئا ألقاه الشيطان حين سمع النبي صلى الله عليه وآله يراجع به أصحابه قبل
دخوله النخل.
والاخر أنك لن تسبق قدر الله فيك وفي أمرك.
وقال أبو سليمان: والذي عندي أن هذه القصة إنما جرت أيام مهادنة رسول الله صلى الله
عليه وآله اليهود وحلفاءهم وكان ابن الصياد منهم أو دخيلا في جملتهم وكان يبلغ رسول
الله صلى الله عليه وآله خبره وما يدعيه من الكهانة، فامتحنه بذلك، فلما كلمه علم أنه مبطل،
وأنه من جملة السحرة أو الكهنة أو ممن يأتيه رئي الجن أو يتعاهده شيطان فيلقى على لسانه
بعض ما يتكلم به، فلما سمع منه قوله " الدخ " زبره وقال: اخسأ فلن تعدو قدرك.
يريد أن ذلك شئ ألقاه إليه الشيطان، وليس ذلك من قبل الوحي وإنما كانت له تارات
يصيب في بعضها ويخطئ في بعضها، وذلك معنى قوله: يأتيني صادق وكاذب فقال له عند
ذلك: خلط عليك.
والجملة من أمره أنه كان فتنة قد امتحن الله به عباده " ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي
عن بينة " وقد افتتن قوم موسى في زمانه بالعجل فافتتن به قوم وأهلكوا، ونجا من هداه الله
وعصمه انتهى كلامه.
1141

ثم قال النبي لأصحابه: ما بعث الله نبيا إلا وقد أنذر قومه الدجال، وإن الله أخره
[إلى] يومكم (1) هذا، فمهما تشابه عليكم من أمره فان (2) ربكم ليس بأعور، وإنه
يخرج على حمار عرض ما بين اذنيه ميل يخرج ومعه جنة ونار، وجبل من خبز، ونهر
من ماء، أكثر أتباعه اليهود والنساء والاعراب، يدخل آفاق الأرض كلها إلا مكة
ولابتيها (3) والمدينة ولابتيها. (4)

1) من رواية الصدوق. وفي ط بلفظ " وان الله أوحى خبره إلى في يومكم ". وفي د، ق بلفظ
" وان الله مؤخر على يومكم ".
2) " فما تشابه انه عليكم من أمره وان " م.
3) اللابتان: تثنية اللابة، وهي الحرة. وفي الحديث أن النبي حرم ما بين لابتيها يعنى المدينة
لأنها بين الحرتين. قال الأصمعي: اللابة: الأرض التي ألبستها الحجارة السود (معجم
البلدان: 1 / 3).
4) رواه في كمال الدين: 2 / 528 باسناده عن العقيلي، عنه البحار: 52 / 528 باسناده عن العقيلي، عنه البحار: 52 / 195 ح 27.
وحديث الدجال روته العامة - في كتبها نحوا من هذا - بأسانيد مختلفة، راجع:
سنن أبي داود: 2 / 434، صحيح البخاري: 9 / 75، صحيح مسلم: 4 / 2240 -
2267، وفيه: أن اسم ابن الصياد: صاف.
1142

فصل
55 - ومن العجب أن المخالفين يروون عن النبي صلى الله عليه وآله في أمر عمار أنه " تقتله
الفئة الباغية ". (1)
وفي علي عليه السلام أنه " تخضب لحيته من دم رأسه ". (2)
وفي الحسين عليه السلام أنه " مقتول بالسيف ". (3)
وفي الحسن عليه السلام أنه " مقتول بالسم " ولا يصدقون فيما أخبر به من أمر القائم عليه السلام
ووقوع الغيبة والتعيين عليه باسمه ونسبه، وهو صلى الله عليه وآله صادق في جميع ذلك.
وأعجب من هذا رواية مخالفينا أن عيسى مر بأرض كربلاء فرأى عدة من الظباء
هناك مجتمعة، فأقبلت إليه وهي تبكي، وأنه جلس وجلس الحواريون، ثم بكى،
وهم لا يدرون لم جلس ولم يبكي.
فقالوا: يا روح الله ما يبكيك؟ قال: أتعلمون أي أرض هذه؟ قالوا: لا.
قال: هذه أرض يقتل فيها فرخ رسول الله أحمد، وفرخ الحرة الطاهرة البتول
شبيهة أمي، ويلحد فيها، وهي أطيب من المسك، لأنها طينة الفرخ المستشهد، وهكذا
تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء.
فهذه الظباء تكلمني وتقول: إنها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ
المبارك، ثم ضرب بيده على بعر تلك الظباء، فشمها وقال: اللهم ابقها أبدا حتى
يشمها أبوه، فتكون له عزاء وسلوة، وبكى.

1) روته العامة بأسانيد شتى، تجد معظمها في إحقاق الحق: 8 / 422 - 469 و ج 18 / 114
- 118.
2) روته العامة بأسانيد عديدة وألفاظ مختلفة، راجع إحقاق الحق: 5 / 49 و ج 8 / 114
- 118 وص 589 وص 779 - 786 وص 791 - 794 و ج 15 / 425 و ج 17 /
550 - 566.
3) روت العامة خبر شهادته عليه السلام في العديد من مصنفاتها، بشتى الألفاظ ومختلف
الأسانيد. راجع إحقاق الحق: 11 / 339 - 414.
1143

وأخبر بقصتها علي بن أبي طالب عليه السلام لما مر بكربلاء، فتصدقون أن بعر تلك
الظباء (1) بقي زيادة على ستمائة (2) عام لم تغيره الأمطار والرياح ولا تصدقون بأن
القائم من آل محمد عليهم السلام يبقى حتى يظهر، فيملأ الأرض قسطا [وعدلا]، وتروون أنه
يكون المهدي!؟. (3)
فصل
56 - وسياق ذلك الخبر على لفظه يروى عن مشيخة (4) المخالفين، عن شيخ
لأصحاب الحديث بالري يعرف (5) بأبي علي بن عبد ربه (6) قال: ثنا أحمد بن
يحيى بن (7) زكريا القطان: ثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن
علي بن عاصم، عن الحصين (8) بن عبد الرحمان، عن مجاهد، عن ابن عباس.
[وتروى عن شيخ لهم بأصفهان يعرف بأبي بكر بن مردويه باسناده عن ابن
عباس]، قال:
كنت مع علي بن أبي طالب عليه السلام في خرجته (9) [إلى صفين].
فلما نزل ب‍ " نينوى " (10) وهو شط الفرات، قال بأعلى صوته: يا بن عباس

1) زاد في م " فشمها وقال: ابقها.. " وكرر العبارة السابقة.
2) " خمسمائة " م، والكمال.
3) قال مثله الصدوق في كمال الدين: 2 / 531، عنه البحار: 52 / 201.
4) " على قوله بنسخة " د، ق.
5) " عن شيخ أصحاب الحديث بالري معروف " م. " عن مشايخ أصحاب الحديث بالري
منهم شيخ يعرف " ه‍، ط.
6) هو أحمد بن الحسن القطان المعروف بأبى علي بن عبد ربه (عبدويه): من مشايخ الصدوق..
ولا يبعد أن يكون من العامة، كما استظهر بعضهم راجع معجم رجال الحديث: 2 / 86.
7) " عن " م، ه‍. تصحيف. راجع معجم رجال الحديث: 2 / 363.
8) " الحسين " م.
9) " خروجه " خ ل. وفي د، ق بلفظ " في حرب صفين ".
10) نينوى: ناحية بسواد الكوفة، منها كربلاء (انظر مراصد الاطلاع: 3 / 1414).
1144

أتعرف هذا الموضع؟ قلت: نعم (1).
قال: لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه (1) حتى تبكي كبكائي. قال: فبكى
طويلا حتى اخضلت (3) لحيته، وسالت الدموع [على صدره] وبكينا معه وهو
يقول: أوه أوه مالي ولآل أبي سفيان، مالي ولآل حرب حزب الشيطان، وأولياء الكفر؟
صبرا أبا عبد الله، فقد لقى أبوك مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء، فتوضأ
وضوء الصلاة، فصلى ما شاء الله أن يصلي.
ثم (4) ذكر نحو كلامه الأول إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته ساعة، ثم انتبه
فقال: يا بن عباس، فقلت: ها أنا ذا.
قال: ألا أحدثك بما رأيت في منامي، آنفا عند رقدتي؟
قلت: نامت عيناك ورأيت خيرا (5).
قال: رأيت كأني برجال [بيض] (6) قد نزلوا من السماء، معهم أعلام بيض
قد تقلدوا سيوفهم، وهي بيض تلمع، وقد خطوا حول هذه الأرض خطة.
ثم رأيت كأن هذه النخيل وقد ضربت بأغصانها الأرض، وهي (7) تضطرب
بدم عبيط، وكأني بالحسين (8) سخلي (9) وفرخي وبضعتي (10) قد غرق فيه، يستغيث
فلا يغاث.

1) " ما اعرفه " م، ه‍، ط، وروايتي الصدوق.
2) " بحوضها " م.
3) خضل: ندى وابتل.
4) " فقال: يا بن عباس و " ط. وفي د، ق بلفظ " ثم عاود كلامه ".
5) " يا أمير المؤمنين " د، ق.
6) من الكمال.
7) كذا في ه‍، ط. وفي د، ق، م: " فرأيتهن ".
8) " كأن الحسين " م.
9) قال ابن الأثير في النهاية: 2 / 350: وفيه " كأني يجبار يعمد إلى سخلى فيقتله ".
السخل: المولود المحبب إلى أبويه.
10) وفي د، ق " ودمي وعظمي ومخي ".
1145

وكأن الرجال البيض الذين نزلوا من السماء ينادونه، ويقولون: صبرا آل الرسول
فإنكم تقتلون على أيدي شرار الناس، وهذه الجنة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة.
ثم يعزونني، ويقولون: يا أبا الحسن أبشر، فقد أقر الله به عينك يوم القيامة
يوم يقوم الناس لرب العالمين.
ثم انتبهت هكذا، والذي نفسي بيده، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسم
صلى الله عليه وآله أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا.
وهذه أرض كرب وبلاء يدفن فيها الحسين وسبعة عشر رجلا كلهم من ولدي
وولد فاطمة، وأنها لفي السماوات معروفة، تذكر أرض (1) كرب وبلاء كما تذكر
بقعة الحرمين وبقعة (2) بيت المقدس.
ثم قال: يا بن عباس اطلب لي حولنا (3) بعر الظباء، فوالله ما كذبت ولا كذبت
ولا كذبني قط، وهي مصفرة، لونها لون الزعفران.
قال ابن عباس: فطلبتها فوجدتها مجتمعة، فناديته: يا أمير المؤمنين قد أصبتها
على الصفة التي وصفتها. فقال علي: صدق الله [وصدق] ورسوله.
ثم قام يهرول إلينا (4) فحملها وشمها، فقال: هي هي بعينها، أتعلم يا بن عباس
ما هذه الأباعر؟ [هذه] قد شمها عيسى من مريم وقال: هذا الطيب لمكان حشيشها -
وتكلم بكل ما قدمناه إلى أن قال: -
اللهم فابقها أبدا حتى يشمها أبوه فتكون له عزاء.
قال: فبقيت إلى يوم الناس (5) هذا، ثم قال علي: [اللهم] يا رب عيسى بن
مريم، لا تبارك في قتلته، والحامل عليه والمعين عليه، والخاذل له.

1) " معروفة بأرض " ه‍، ط، ق.
2) " وأرض " ه‍، ط.
3) " حولها " الكمال والأمالي. وفي د، ق " ما " بدل " لي ".
4) " إليها " د، ق.
5) " يومنا " ه‍، ط.
1146

ثم بكى طويلا، فبكينا معه حتى سقط لوجهه مغشيا عليه.
ثم أفاق وأخذ البعر وصره في ردائه، وأمرني أن أصرها كذلك.
ثم قال: إذا رأيتها تنفجر دما عبيطا فاعلم أن أبا عبد الله قد قتل بها [ودفن].
قال ابن عباس: لقد كنت أحفظها، ولا أحلها من طرف كمي، فيينا أنا في
البيت نائم وقد خلا عشر المحرم إذ انتبهت فإذا تسيل دما، فجلست وأنا باك، فقلت:
قتل الحسين، وذلك عند الفجر، فرأيت المدينة كأنها ضباب (1) ثم طلعت الشمس
وكأنها منكسفة، وكأن على الجدران دما، فسمعت صوتا يقول وأنا باك:
اصبروا آل الرسول * قتل الفرخ البجول (2)
نزل الروح الأمين * ببكاء وعويل
ثم بكى وبكيت، ثم حدثت الذين كانوا مع الحسين، فقالوا:
لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة. فكنا (3) نرى أنه الخضر عليه السلام. (4)

1) " خراب " د، ق.
2) كذا في الأصل. وفي الكمال والأمالي " النحول ".
يقال: بجل بجالة وبجولا كان معظما ومكرما، فهو بجيل.
3) " قلنا " م.
4) رواه الصدوق في أماليه: 478 ح 5 وفي كمال الدين: 2 / 532 ح 1 باسناده
من طريقين إلى ابن عباس، عنهما اثبات الهداة: 1 / 352 ح 58 وص 516 ح 132،
والبحار: 44 / 252 ح 2.
وأخرجه في اثبات الهداة: 4 / 454 ح 34 عن الكمال، وفي البحار: 61 / 170
ح 26 ومدينة المعاجز: 120 ح 23 وص 283 ح 181 عن الأمالي.
1147

باب
العلامات الكائنة قبل خروج المهدى ومعه عليه السلام
57 - قال النبي صلى الله عليه وآله: عشر علامات قبل الساعة لابد منها:
السفياني، والدجال، والدخان، [والدابة]، وخروج القائم، وطلوع الشمس
من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب (1)
ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر. (2)
وقال صلى الله عليه وآله: يخرج بقزوين (3) رجل اسمه اسم نبي، فيسرع الناس إلى طاعته
المشرك والمؤمن، يملا الجبال خوفا. (4)
وقال صلى الله عليه وآله: طوبى لمن أدرك زمان قائم أهل بيتي وهو معتقد به قبل قيامه
ويتولى وليه ويتبرأ من عدوه، ويتولى الأئمة الهادية من قبله، أولئك أكرم خلق

1) " بالمغرب " ط. وفي نسخة أخرى " بجزيرة بالمغرب ". وفي رواية الصدوق بلفظ " خسف
بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ".
2) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 24. ورواه الصدوق في الخصال: 2 / 431 ح 13 باسناده
إلى حذيفة بن أسيد عنه صلى الله عليه وآله، عنه البحار: 6 / 303 ح 2.
ورواه الطوسي في الغيبة: 267 باسناده إلى أمير المؤمنين عليه السلام، عنه صلى الله عليه
وآله، عنه اثبات الهداة: 7 / 405 ح 45، والبحار: 52 / 209 ح 48.
وأخرجه في الصراط المستقيم: 2 / 259. عنه كتاب الشفا، عن أمير المؤمنين عليه السلام،
عنه صلى الله عليه وآله. ورواه مسلم في صحيحه: 4 / 2226 ح 40، وأبو داود في سننه: 2 /
429 باسناديهما إلى حذيفة بن أسيد، عنه صلى الله عليه وآله.
3) قزوين: مدينة مشهورة بينها وبين الري سبعة وعشرون فرسخا والى أبهر اثنا عشر فرسخا
بينها وبين الديلم جبل. (مراصد الاطلاع: 3 / 1089)
4) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 25. وأورده الطوسي في الغيبة: 270 مرسلا عن النبي
صلى الله عليه وآله، عنه اثبات الهداة: 7 / 408 ح 53، والبحار: 52 / 213 ح 66.
1148

الله علي. (1)
وقال صلى الله عليه وآله: سيأتي قوم من بعدكم الرجل منهم له أجر خمسين منكم.
قالوا: يا رسول الله نحن كنا معك ببدر واحد وحنين ونزل فينا القرآن.
قال إنكم إن تحملوا ما حملوا، لم تصبروا صبرهم. (2)
وعن حذيفة [قال]: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وقد ذكر المهدي، فقال:
إنه يبايع بين الركن والمقام.
اسمه محمد و عبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها. (3)
وقال صلى الله عليه وآله: لا تقوم الساعة حتى يخرج نحو من ستين كذابا. (4)
فصل
58 - وقال أمير المؤمنين عليه السلام وهو على المنبر: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان

1) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 25. ورواه في الغيبة: 275 باسناده عن الفضل بن شاذان
عن إسماعيل بن مهران، عن أيمن بن محرز، عن رفاعة بن موسى ومعاوية بن وهب، عن
أبي عبد الله عليه السلام، عنه اثبات الهداة: 2 / 466 ح 378: والبحار: 52 / 129 ح 25.
2 - عنه منتخب الأنوار المضيئة: 25. ورواه في الغيبة: 275 باسناده إلى أبي عبد الله، عنه
صلى الله عليه وآله، عنه البحار: 52 / 130 ح 26.
3) عنه منتخب الأنوار المضيئة 25. ورواه في الغيبة: 274 وص 281 باسناده إلى حذيفة،
عنه اثبات الهداة: 7 / 32 ح 356، والبحار: 52 / 290 ح 23.
4) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 25. ورواه في الغيبة: 266 باسناده إلى عبد الله بن عمر
عنه صلى الله عليه وآله، عنه اثبات الهداة: 7 / 405 ح 44، وعن إعلام الورى: 455.
وأورده المفيد في الارشاد: 404 بالاسناد إلى عبد الله بن عمر.
وأخرجه في البحار: 52 / 208 ح 46 عن الغيبة والارشاد.
1149

أبيض مشرب حمرة، مندح (1) البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش (2) المنكبين.
بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي صلى الله عليه وآله، له اسمان:
اسم يخفى، واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يعلن فمحمد.
فإذا هز رايته أضاء [لها] ما بين المشرق والمغرب، ويضع يده على رؤوس
العباد، فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر (3) الحديد، وأعطاه الله قوة أربعين رجلا.
ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم
ويتباشرون بقيام القائم. (4)
وقال عليه السلام: يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل ربعة، وحش
الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري،
إذا رأيته حسبته أعور، واسمه " عثمان " وأبوه " عنبسة " (5) وهو من ولد أبي سفيان
حتى يأتي أرضا ذات قرار ومعين (6) فيستوي على منبرها. (7)

1) " مبدح " ه‍، ط. وفي نسخة من ط " مدح ". وكلها بمعنى واسع البطن وعريضها.
2) قال ابن الأثير في النهاية: 4 / 333: في صفته عليه السلام " جليل المشاش " أي عظيم
رؤوس العظام كالمرفقين والكتفين، والركبتين.
3) الزبر - بفتح الباء وضمها -: قطع الحديد، واحدتها: زبرة.
4) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 27. ورواه في كمال الدين: 2 / 653 ح 17 باسناده إلى
أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين
عليهم السلام، عنه الوسائل: 11 / 490 ح 19: واثبات الهداة: 7 / 400 ح 32،
والبحار: 51 / 35 ح 5 (وفيه رقم الحديث 4 وأخرجه عن غيبة الطوسي، والصواب
ما أثبتناه). وأورده في إعلام الورى: 465 بالاسناد إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
5) " عتبة " نسخة من ط.
6) قال المجلسي (ره): الأرض ذات القرار الكوفة أو النجف كما فسرت به في الاخبار
7) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 28.
ورواه في كمال الدين: 2 / 651 ح 9 باسناده إلى عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله، عن
أبيه، عن أمير المؤمنين عليه السلام، عنه اثبات الهداة: 7 / 397 ح 26، والبحار:
52 / 205 ح 36 وأورده في إعلام الورى: 457 بالاسناد إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
1150

وقال عليه السلام: إذا اختلف رمحان (1) في الشام فهو آية من آيات الله. قيل: ثم مه (2)؟
قال: ثم رجفة تكون بالشام، يهلك فيها مائة ألف يجعلها الله رحمة للمؤمنين، وعذابا
على الكافرين.
فإذا كان كذلك، فانظروا إلى أصحاب البراذين (3) الشهب، والرايات الصفر،
تقبل من المغرب حتى تحل بالشام.
فإذا كان كذلك، فانتظروا خسفا (4) بقرية من قرى الشام يقال لها (5): " حرستا " (6).
فإذا كان كذلك، فانتظروا ابن آكلة الأكباد بالوادي اليابس. (7)

1) كذا في بقية الموارد. وفي الأصل " ريحان ".
2) أي ماذا، للاستفهام، أبدل الألف " هاء " للوقف والسكت.
3) البرذون - بكسر الباء الموحدة والذال المعجمة -: هو من الخيل الذي أبواه أعجميان
والأنثى برذونة، والجمع: براذين. (مجمع البحرين / برذ).
4) " رجفا " م.
5) " فقال لنا " م.
6) في نسخ الأصل " خرشنة ". واختلف في ضبطها في بقية الموارد، وما في المتن كما في
كتاب " لوائح الأنوار البهية ".
وحرستا - بالتحريك وسكون السين -: قرية كبيرة عامرة في وسط بساتين دمشق على
طريق حمص، بينها وبين دمشق أكثر من فرسخ. (مراصد الاطلاع: 1 / 392).
7) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 29. ورواه النعماني في الغيبة: 305 ح 16، والطوسي
في الغيبة: 277 باسناديهما إلى أبى جعفر محمد بن علي الباقر، عن أمير المؤمنين عليهم
السلام.
وأخرجه في اثبات الهداة: 7 / 413 ح 69، والبحار: 52 / 216 ح 73 عن الغيبة
للطوسي. وفي ص 253 ح 144 من البحار المذكور عن غيبة النعماني.
1151

وقال عليه السلام: أظلتكم فتنة (1) مظلمة عمياء منكسفة لا ينجو منها إلا النومة.
قيل: وما النومة؟ قال: الذي لا يعرف الناس ما في نفسه. (2)
وسأله عليه السلام عمر عن صفة المهدي فقال:
هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه (3) ونور
وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبي ابن خير الإماء. (4)
وقال عليه السلام: بين يدي القائم موت أحمر، وموت أبيض، وجراد في حينه، وجراد
في غير حينه، أحمر كألوان (5) الدم.
فأما الموت الأحمر فالسيف، وأما الموت الأبيض فالطاعون. (6)

1) " فئة " نسخة من ط.
2) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 29.
ورواه الصدوق في معاني الأخبار: 166 ح 1. والطوسي في الغيبة: 279 باسناديهما
إلى أبى الطفيل عن أمير المؤمنين عليه السلام.
وأخرجه في البحار: 2 / 73 ح 39، والعوالم: 3 / 303 ح 1 عن الغيبة.
وفي ج 75 / 70 ح 9 وص 396 ح 20 عن معاني الأخبار.
3) " منكبه " م.
4) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 29. وأورده المفيد في
الارشاد: 410، والطوسي في الغيبة: 281، وابن الفتال في روضة الواعظين 2 / 315
والطبرسي في إعلام الورى: 465 بالاسناد إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام.
وأخرجه في كشف الغمة: 2 / 464 عن الارشاد، وفي اثبات الهداة: 7 / 414 ح 71 عن
الغيبة والاعلام. وفي البحار: 51 / 36 ح 6 عن (غط، نى) رمزا لغيبتي الطوسي
والنعماني ولم نجده في مطبوع الأخير.
وفي إحقاق الحق: 13 / 326 عن غالية المواعظ: 1 / 83.
5) " كلون " ط.
6) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 30.
ورواه النعماني في الغيبة: 277 ح 61، عنه اثبات الهداة: 7 / 428 ح 114، والمفيد
في الارشاد: 405، والطوسي في الغيبة: 267 بالاسناد إلى أمير المؤمنين عليه السلام،
عنهم البحار: 52 / 211 ح 59، وأورده في إعلام الورى: 456 بالاسناد إلى أمير المؤمنين.
وأخرجه في كشف الغمة: 2 / 459، والصراط المستقيم: 249 عن الارشاد، وفي
إحقاق الحق: 13 / 305 و 324 عن الفصول المهمة: 283.
1152

59 - الحسن بن علي عليهما السلام: لا يكون هذا الامر الذي تنتظرون، حتى يتبرأ بعضكم
من بعض، ويلعن بعضكم بعضا، ويتفل بعضكم في وجه بعض، وحتى يشهد بعضكم
بالكفر على بعض. قيل: ما في ذلك خير؟
قال: الخير كله في ذلك، عند ذلك يقوم قائمنا، فيرفع ذلك كله. (1)
فصل
60 - وعن الحسين بن علي عليهما السلام أنه قال لأصحابه: ألا وإني لاعلم يوما لنا من
هؤلاء، ألا وإني قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعا في حل. فقالوا: معاذ الله. (2)
قال: إن قدام القائم عليه السلام علامات تكون (3) من الله للمؤمنين، وهي قول الله:
(ولنبلونكم) يعني المؤمنين قبل خروج القائم.
(بشئ من الخوف) من ملوك بني العباس في آخر سلطانهم.
(والجوع) لغلاء أسعارهم (ونقص من [الأموال) فساد التجارات، وقلة الفضل.
(و - نقص من - الأنفس) موت ذريع.
(و - نقص من -] الثمرات) قلة زكاء (4) ما يزرع.
(وبشر الصابرين) عند ذلك بتعجيل خروج القائم. (5)

1) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 30.
وأورده الطوسي في الغيبة: 267 بالاسناد إلى عميرة بنت نفيل، عن الحسن بن علي
عليهما السلام، عنه اثبات الهداة: 7 / 406 ح 48، والبحار: 52 / 211 ح 58.
2) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 30.
وأورده المفيد في الارشاد: 258، عنه البحار: 44 / 392، والعوالم: 17 / 243.
3) " تتكون " م.
4) زكا الزرع زكاء: نما. وفي نسخة من ط " زكاة ".
5) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 31 باختلاف يسير في بعض الألفاظ.
والحديث مروى في بعض الأصول من طرق متعددة عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، فقد
رواه ابن بابويه في الإمامة والتبصرة: 129 ح 132 والصدوق في كمال الدين: 2 / 649
ح 3، والنعماني في الغيبة: 250 ح 5، والطبري في دلائل الإمامة: 259، والمفيد في
الارشاد: 408 بأسانيدهم عن الصادق عليه السلام. والآية من سورة البقرة: 155.
1153

وروى جعفر (1): إن دولة أهل بيت نبيكم لها إمارات، فالزموا الأرض، وكفوا
حتى تجئ (2) أمارتها، فإذا استثارت عليكم الروم والترك (3) وجهزت الجيوش،
ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال، واستخلف بعده رجل صحيح، فيخلع بعد
سنتين (4) من بيعته، ويأتي هلاك ملكهم من حيث بدأ (5). (6)
وقال (7): إن النفس الزكية هو غلام من آل محمد اسمه: محمد بن الحسن، يقتل
بلا جرم، فإذا قتل، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد عليه السلام. (8)
وقال (9): لا يخرج المهدي حتى تطلع مع الشمس آية. (10)

1) كذا في بعض نسخ الأصل. وليس في ط. والرواية مروية في بقية الموارد عن عمار بن
ياسر، فلاحظ.
2) " تروا " ط.
3) " عليكم الترك " د، ق. " عليكم لزوم الترك " ط.
4) " سنين " الغيبة.
5) قال المجلسي (ره): قوله " من حيث بدأ " أي من جهة خراسان، فان هولاكو توجه من تلك
الجهة، كما أن بدء ملكهم كان من تلك الجهة، حيث توجه أبو مسلم منها إليهم، انتهى.
6) رواه الطوسي في الغيبة: 278 بالاسناد إلى عمار بن ياسر، عنه البحار: 52 / 207 ح 45.
وأورده المقدسي الشافعي في عقد الدرر في أخبار المنتظر: 52 مرسلا عن عمار.
7) " وروى " ط.
8) رواه الطوسي في الغيبة: 279 بالاسناد إلى سفيان بن
إبراهيم الحريري، عن أبيه. عنه البحار: 52 / 217 ح 78.
9) " وروى أنه " ط.
10) رواه الطوسي في الغيبة: 280 بالاسناد إلى علي بن عبد الله بن عباس مثله، عنه البحار:
52 / 217 ح 79. ورواه في المصنف: 11 / 373 باسناده إلى علي بن عبد الله بن عباس،
عنه إحقاق الحق: 19 / 684.
ونقل في الحاوي للفتاوى: 82 مثله، عنه إحقاق الحق: 13 / 381.
1154

فصل
61 - وقيل لعلي بن الحسين عليهما السلام: صف لنا خروج المهدي، وعرفنا (1) دلائله
وعلاماته؟
فقال: يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له: عوف السلمي، بأرض الجزيرة
[ويكون مأواه تكريت (2) وقتله بمسجد دمشق] ثم يكون خروج شعيب بن صالح
بسمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون بالواد اليابس، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان
فإذا ظهر السفياني (3) أخذ في المهدي (4) ثم يخرج بعد ذلك. (5)
وقال (6): ما تستعجلون بخروج القائم، فوالله ما لباسه إلا الغليظ، وما طعامه إلا الشعير
الجشيب (7) وما هو إلا السيف والموت تحت ظل السيف. (8)
فما تمدون أعينكم، ألستم آمنين؟ لقد كان من قبلكم من هو على ما أنتم عليه يؤخذ

1) " وصف لنا " ط.
2) تكريت - بفتح التاء، والعامة تكسرها -: بلد مشهور
بين بغداد والموصل: (مراصد الاطلاع: 1 / 268).
وفي الغيبة: " بكريت ". كريت: اسم لعدة مواضع. راجع مراصد الاطلاع: 3 / 1163.
3) " الملعون " ط.
4) " المهد " الأنوار. وفي الغيبة بلفظ " اختفى المهدى ".
5) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 31.
أورده الطوسي في الغيبة: 270 عن حذلم بن بشير، عن علي بن الحسين عليهما السلام،
عنه اثبات الهداة: 7 / 408 ح 52، والبحار: 52 / 213 ح 65.
6) " ثم قال " م.
7) جشب الطعام: غلظ، فهو جشب وجشيب.
8) رواه النعماني في الغيبة: 233 ح 20 وص 234 ح 21 باسناده من طريقين إلى الصادق
عليه السلام، عنه اثبات الهداة: 7 / 79 ح 503 و 504، والبحار: 52 / 354 ح 115
وص 355 ح 116.
والطوسي في الغيبة: 277 بالاسناد إلى أبى عبد الله عليه السلام مثله، عنه اثبات الهداة:
7 / 33 ح 360، والبحار المذكور ح 115.
1155

فيقطع يده ورجله ويصلب، ثم تلا (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل
الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا) (1). (2)
وقال زين العابدين عليه السلام: المفقودون (3) عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا
عدة أهل بدر، فيصبحون بمكة، وهو قول الله تعالى:
(أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا) (4) وهم أصحاب القائم. (5)
وقال عليه السلام: إذا بنى بنو العباس مدينة على شاطئ الفرات، كان بقاؤهم بعدها سنة. (6)
فصل
62 - [قال:] محمد بن علي الباقر عليهما السلام لجابر الجعفي: إلزم الأرض، ولا تحرك
يدا ولا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك وما أراك تدرك:
اختلاف بني العباس (7) و (8) مناديا ينادي من السماء، ويجيئكم الصوت من
ناحية دمشق، وتخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية (9).

1) سورة البقرة: 214.
2) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 32، وتفسير الصافي:
1 / 246، ونور الثقلين: 1 / 174 ح 786.
3) " المفتقدون " ط. وفي نسخه أخرى منه " المقعدون ".
4) سورة البقرة: 148.
5) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 32.
ورواه في كمال الدين: 2 / 654 ح 21 باسناده عن العطار، عن أبيه، عن ابن أبي الخطاب
عن محمد بن سنان، عن أبي خالد القماط، عن ضريس، عن أبي خالد الكابلي، عن سيد
العابدين عليه السلام، عنه البحار: 52 / 323 ح 34.
6) رواه في كمال الدين: 2 / 655 ح 26 باسناده عن ابن الوليد، عن ابن أبان عن الأهوازي،
عن النضر، عن يحيى الحلبي، عن معمر بن يحيى، عن أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين
عليهما السلام، عنه البحار: 46 / 71 ح 50، والعوالم: 18 / 95 ح 2.
7) في بعض الأصول " بنى فلان ".
8) " إذ " م.
9) الجابية - بكسر الباء -: قرية من أعمال دمشق.. وبالقرب منها تل يسمونه تل الجابية،
كثير الحيات، ويقال لها: جابية الجولان. (مراصد الاطلاع: 1 / 304).
1156

وستقبل اخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة، وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة (1)
فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب.
فأول أرض تخرب الشام، ثم يختلفون على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية
الأشهب، وراية السفياني. (2)
وعن سيف بن عميره: قال أبو جعفر المنصور: لابد من مناد ينادي باسم رجل من
ولد أبي طالب، إني سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام (3). (4)

1) " الدجلة " خ ل. والرملة: واحدة الرمل، مدينة بفلسطين، كانت قصبتها، وكانت
رباطا للمسلمين، وبينها وبين بيت المقدس اثنا عشر ميلا، وهي كورة منها. (مراصد
الاطلاع: 2 / 633).
2) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 34، ورواه النعماني في الغيبة: 279 عن عبد الواحد بن
عبد الله الموصلي، عن أبي على أحمد بن محمد بن أبي ناشر، عن أحمد بن هلال، عن
الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفي.
وأورده المفيد في الارشاد: 405 عن الحسن بن محبوب..، عنه كشف الغمة: 2 / 409.
وفي الاختصاص: 249 عن عمرو بن أبي المقدام.
والطوسي في الغيبة: 269 عن الفضل، عن الحسن بن محبوب...، عنه الوسائل: 11
/ 41 ح 16 واثبات الهداة: 7 / 406 ح 51، والبحار: 52 / 212 ح 62 وعن الارشاد. والطبرسي في إعلام الورى: 457 عن الحسن بن محبوب مثله.
وأخرجه في احقاق 13 / 355 عن الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 283 عن
جابر جميعا مثله.
3) أي سمعت هذا الحديث، يحدثني به الباقر عليه السلام.
4) رواه المفيد في الارشاد: 404 باسناده عن علي بن بلال، عن محمد بن جعفر، عن أحمد
ابن إدريس، عن ابن قتيبة، عن ابن شاذان، عن إسماعيل بن الصباح قال: سمعت شيخا من
أصحابنا، عن سيف بن عميرة، مفصلا.
والطوسي في الغيبة: 265 باسناده عن الغضائري، عن البزوفري، عن ابن إدريس.. مفصلا.
عنهما البحار: 52 / 288 ح 25. وأخرجه في اثبات الهداة: 7 / 404 ح 43
عن الغيبة.
1157

وقال عليه السلام: آيتان تكونان قبل قيام القائم لم تكونا منذ هبط آدم إلى الأرض:
تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان، والقمر في آخره، وعند ذلك يسقط
حساب المنجمين. (1)
وقال عليه السلام: تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر (2)
المهدي، بعث (3) إليه بالبيعة. (4)

1) رواه الكليني في الكافي: 8 / 212 ح 258 باسناده عن العدة، عن سهل، عن البزنطي،
عن ثعلبة، عن بدر بن خليل الأزدي، عن أبي جعفر عليه السلام مثله.
والنعماني في الغيبة: 271 ح 45 باسناده عن ابن عقدة، عن علي بن الحسن، عن محمد
وأحمد ابني الحسن، عن أبيهما، عن ثعلبة.. مثله.
وأورده المفيد في الارشاد: 406، والطوسي في الغيبة: 270 عن الفضل بن شاذان، عن
أحمد بن محمد، عن ثعلبة.. مثله. عنهما البحار: 52 / 213 ح 67.
ورواه النعماني أيضا في الغيبة: 271 ح 46 باسناده إلى ورد عن أبي جعفر عليه السلام
نحوه، عنه اثبات الهداة: 7 / 427 ح 110.
ورواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 655 ح 25 باسناده عن محمد بن الحسن، عن
الحسين بن الحسن، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن الحكم
الحناط، عن محمد بن همام، عن ورد، عن أبي جعفر عليه السلام مثله. عنه اثبات: 7 / 401 ح 35.
وأورده في إعلام الورى: 459، عن الفضل بن شاذان، وفي صراط المستقيم: 2 / 49
مرسلا عن الباقر عليه السلام.
وأخرجه في كشف الغمة: 2 / 460 عن الارشاد، وفي اثبات الهداة: 7 / 409 ح 54
عن غيبة الطوسي، وفي البحار: 58 / 153 عن الكافي والارشاد.
وأخرجه في إحقاق الحق: 13 / 318 عن التذكرة للقرطبي: 619.
2) " بعث " ط.
3) " بعثت " م.
4) أورده الطوسي في الغيبة: 274 بالاسناد إلى جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، عنه
اثبات الهداة: 7 / 412 ح 65، والبحار: 52 / 217 ح 77.
والمقدسي الشافعي في عقد الدرر: 129 مرسلا عنه عليه السلام، وقال: أخرجه الحافظ
أبو نعيم بن حماد.
1158

وقال عليه السلام: كأني بالقائم عليه السلام يوم عاشوراء يوم السبت، قائما بين الركن والمقام
يد جبرئيل على يده، ينادي بالبيعة لله، فيملأها (1) عدلا. (2)
وقال عليه السلام: إذا دخل القائم عليه السلام الكوفة، لم يبق مؤمن إلا وهو بها أو يجئ إليها. (3)
وقال عليه السلام لعمار الدهني (4): كم تعدون بقاء السفياني فيكم؟ قلت: حمل امرأة
تسعة أشهر.
قال: ما أعلمكم يا أهل الكوفة. (5) وقد روي حمل جمل. (6)

1) " فيما الأرض " نسخة من ط.
2) أورده الطوسي في الغيبة: 274 بالاسناد إلى علي بن مهزيار، عن أبي جعفر عليه السلام
مثله، عنه اثبات الهداة: 7 / 31 ح 353، والبحار: 52 / 290 ح 30.
3) أورده الطوسي في الغيبة: 275 بالاسناد إلى أبى خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام
مثله، عنه اثبات الهداة: 7 / 32 ح 357، والبحار: 52 / 330 ح 51.
4) تجد ترجمته في معجم رجال الحديث: 12 / 252. وراجع ما ذكرناه في ترجمته أيضا
في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام: 310.
5) أورده الطوسي في الغيبة: 278 بالاسناد إلى عمار الدهني مثله، عنه اثبات الهداة:
7 / 414 ح 70، والبحار: 52 / 216 ح 74.
6) أورد الطوسي في الغيبة: 273 بالاسناد إلى محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال: ان السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس حمل امرأة، ثم قال: أستغفر الله
حمل جمل، وهو من الامر المحتوم الذي لابد منه. عنه اثبات الهداة: 7 / 411 ح 63، والبحار:
52 / 215 ح 71.
قال المجلسي: يحتمل أن يكون بعض أخبار مدة السفياني محمولا على التقية لكونه مذكورا
في رواياتهم، أو على أنه مما يحتمل أن يقع فيه البداء، فيحتمل هذه المقادير، أو يكون
المراد مدة استقرار دولته، وذلك مما يختلف بحسب الاعتبار. ويومئ إليه خبر عيسى بن
أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: السفياني من المحتوم، وخروجه من أول خروجه
إلى آخره خمسة عشر شهرا: ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر
ولم يزد عليها يوما [رواه النعماني في الغيبة: 299 ح 1، عنه اثبات الهداة: 7 / 430 ح 120
والبحار: 52 / 248 ح 130] وخبر محمد بن مسلم الذي سبق.
1159

وقال عليه السلام: يموت سفيه من آل عباس بالسر، يكون سبب موته أنه ينكح خصيا،
فيقوم ويذبحه، ويكتم موته أربعين يوما (1) فإذا سارت الركبان في بيعة الصبي (2)
لم يرجع أول من يخرج إلى آخر من يخرج، حتى يذهب (3) ملكهم. (4)
وقال عليه السلام: إن أمرنا لو قد كان، لكان (5) أبين من هذه الشمس، [ثم قال:] ينادي
مناد من السماء: فلان بن فلان هو الامام باسمه، وينادي إبليس - لعنه الله - من الأرض
كما نادى برسول الله (6) ليلة العقبة (7). (8)

1) " صباحا " ط.
2) " طلب الخصي " الكمال.
3) " يخرج " م.
4) رواه في كمال الدين: 2 / 655 ح 24 باسناده عن أحمد البرقي، عن أبيه، عن
جده، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن إبراهيم بن عقبة، عن زكريا عن أبيه،
عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر عليه السلام، عنه بشارة الاسلام: 90.
5) " وقال: ان أمرنا لقد كان " م، ه‍. " وعن ميمون اليماني، قال الباقر عليه السلام: عند
خروج القائم عليه السلام أضاء نور قد كان " ط. وما في المتن من الاثبات والبحار عن
الكمال. وفي نسخة الكمال التي عندنا هكذا " ان أمرنا قد كان ".
6) " نادى في زمان رسول الله " ط.
7) راجع السيرة النبوية لابن هشام: 2 / 90، وفيه:.. صرخ الشيطان من رأس العقبة
بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب - والجباجب: المنازل - هل لكم في مذمم (أي
المذموم جدا) والصباة (أي جمع صابى، وهو الصبابئ - بالهمز - وكان يقال للرجل إذا
أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وآله: صابئ) معه قد اجتمعوا على حربكم. قال: فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا أزب العقبة (اسم شيطان).
8) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 34. ورواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 650 ح 4
باسناده عن ابن الوليد، عن ابن أبان، عن الأهوازي، عن النضر، عن يحيى الحلبي، عن
الحارث بن المغيرة، عن ميمون البان، عن أبي جعفر عليه السلام مثله، عنه اثبات الهداة:
7 / 396 ح 21، والبحار: 52 / 204 ح 31.
1160

وقال أنى يكون هذا الامر ولما (1) تكثر القتلى بين الحيرة والكوفة؟ (2)
فصل
63 - وقال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: لا يخرج القائم عليه السلام إلا في وتر من
السنين: تسع أو سبع أو ثلاث أو خمس أو احدى. (3)
وقال عليه السلام: اختلاف بني العباس من المحتوم [وخروج السفياني في شهر رجب
من المحتوم (4)، وقتل النفس الزكية من المحتوم].
والنداء من المحتوم، ينادي مناد من السماء [في أول النهار، يسمعه كل قوم
بألسنتهم] (5): ألا إن الحق في علي وشيعته.

1) " قال لما " م. " حتى " المنتخب.
2) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 35.
وأورده المفيد في الارشاد: 406، والطوسي في الغيبة: 271 عن عمرو بن شمر، عن
جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، عنهما البحار: 52 / 209 ح 50.
وأخرجه في كشف الغمة: 2 / 460 عن الارشاد، وفي اثبات الهداة: 7 / 409 ح 55 عن الغيبة.
3) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 35.
وأورده المفيد في الارشاد: 408، وابن الفتال في روضة الواعظين: 312، والطبرسي
في إعلام الورى: 459، وابن الصباغ في الفصول المهمة: 284 عن الصادق عليه السلام.
وأخرجه في كشف الغمة: 2 / 462، واثبات الهداة: 7 / 108 ح 586، والبحار:
52 / 291 ح 36 عن الارشاد.
وفي الصراط المستقيم: 2 / 260 عن كتاب البصائر، عنه اثبات الهداة المذكور
ص 231 ح 164.
وفي إحقاق الحق: 13 / 351 وص 362 عن الفصول المهمة، وعن الأبياري في العرائس
الواضحة: 209، وفي جالية الكدر: 208. ورواه النعماني في الغيبة: 262 ح 22
باسناده إلى أبى جعفر عليه السلام. عنه البحار المذكور ص 235 ح 103.
4) " من المحتوم في رجب " د، ق.
5) " بأسماعهم " نسخة من ط.
1161

ثم ينادي إبليس الملعون في آخر النهار من الأرض: ألا أن الحق في عثمان
وشيعته. فعند ذلك يرتاب المبطلون (1)
وقال عليه السلام: لا يخرج القائم حتى يخرج اثنا عشر رجلا من بني هاشم كلها يدعو
إلى نفسه. (2)
وقال عليه السلام: ليس بين قيام القائم وقتل النفس الزكية إلا خمس عشرة ليلة. (3)

1) رواه الكليني في الكافي: 8 / 310 ح 484، والصدوق في كمال الدين: 2 / 652
ح 14، والطوسي في الغيبة: 267 بأسانيدهم إلى أبى حمزه الثمالي، عن أبي عبد الله
عليه السلام. وأورده المفيد في الارشاد: 405، والطبرسي في إعلام الورى:
455 بالاسناد إلى أبى حمزه الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام.
وفي الصراط المستقيم: 2 / 248 مرسلا عن أبي جعفر عليه السلام.
وأخرجه في كشف الغمة: 2 / 459 عن الارشاد، وفي اثبات الهداة: 6 / 371 ح 61
عن الكافي و ج 7 / 399 ح 31 عن الكمال وص 415 ح 73 عن إعلام الورى،
وفي البحار: 52 / 288 ح 27 عن الغيبة والارشاد وص 305 ح 75 عن الكافي.
2) أورده المفيد في الارشاد: 405 بالاسناد إلى أبى خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام
عنه كشف الغمة: 2 / 459، وعنه البحار: 52 / 209 ح 47، وعن الغيبة للطوسي:
267 بالاسناد إلى أبى خديجة.
وأورده الطبرسي في إعلام الورى: 455 بالاسناد إلى أبى عبد الله عليه السلام.
والنباطي في الصراط المستقيم: 2 / 249 مرسلا عن أبي عبد الله عليه السلام.
وأخرجه في اثبات الهداة: 7 / 406 ح 47 عن الغيبة.
3) رواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 649 ح 2، والطوسي في الغيبة: 271 باسناديهما
إلى صالح، عن أبي عبد الله عليه السلام، وأورده المفيد في الارشاد: 406، والطبرسي
في إعلام الورى: 456 بالاسناد إلى أبى عبد الله عليه السلام، وفي الصراط المستقيم:
2 / 249 مرسلا عن أبي جعفر عليه السلام.
وأخرجه في كشف الغمة: 2 / 460 عن الارشاد، وفي اثبات الهداة: 7 / 395 ح 19
عن الكمال والغيبة وص 416 ح 77 عن إعلام الورى. والبحار: 52 / 302 ح 30
عن الكمال والغيبة والارشاد.
1162

وقال عليه السلام: إذا هدم حائط مسجد الكوفة، مؤخره مما يلي دار عبد الله بن مسعود
فعند ذلك زوال ملك بني فلان أما إن هادمه لا يبنيه. (1)
وقال عليه السلام: خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة، في
شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها (2) راية [بأهدى من راية] اليماني، تهدي
إلى الحق. (3)
وقال عليه السلام: من يضمن لي موت عبد الله، أضمن له القائم عليه السلام.
[ثم قال: إذا مات عبد الله] (4) لم يجتمع الناس بعده على أحد. (5)

1) رواه النعماني في الغيبة: 276 ح 57 باسناده عن عبد الواحد بن عبد الله، عن محمد
ابن جعفر، عن ابن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن الحسين بن المختار، عن
خالد القلانسي عنه عليه السلام.
والطوسي في الغيبة: 271 بالاسناد إلى الحسين بن المختار، عنه عليه السلام.
وأورده المفيد في الارشاد: 406 عن محمد بن سنان، عن الحسين بن المختار، عنه
عليه السلام. والنباطي في الصراط المستقيم: 2 / 249 مرسلا عن الصادق عليه السلام
مثله. وأخرجه في كشف الغمة: 2 / 460، واثبات الهداة: 7 / 108 ح 584 عن الارشاد
وفي ص 409 ح 56 من الاثبات المذكور عن الغيبة. وفي البحار: 52 / 210 ح 51
عن غيبتي النعماني والطوسي وعن الارشاد.
2) " منها " د، ق، م.
3) أورده الطوسي في الغيبة: 271 بالاسناد إلى بكر بن محمد الأزدي، عن أبي عبد الله
عليه السلام وأورده المفيد في الارشاد: 407، والطبرسي في إعلام الورى: 458
بالاسناد عن سيف بن عميرة، عن بكر بن محمد، عنه عليه السلام.
وأخرجه في كشف الغمة: 2 / 460 عن الارشاد، وفي اثبات الهداة: 7 / 410 ح 57
عن الغيبة، وفي البحار: 52 / 210 ح 52 عن الارشاد والغيبة.
4) من غيبة الطوسي.
5) أورده الطوسي في الغيبة: 271 بالاسناد إلى أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام
عنه اثبات الهداة: 7 / 410 ح 59، والبحار: 52 / 210 ح 54.
1163

و [قال عليه السلام:] لا يكون فساد ملك [بني] فلان حتى يختلف سيفاهم (1) فإذا
اختلفوا كان عند (2) ذلك فساد ملكهم. (3)
وقال عليه السلام: إن قدام القائم عليه السلام لسنة غيداقة (4) يفسد التمر في النخل فلا تشكوا
في ذلك. (5)
وقال عليه السلام: عام الفتح ينبثق (6) الفرات حتى يدخل أزقة الكوفة. (7)

1) كذا في نسخ الأصل، وفي غيبة الطوسي " سيفا بنى فلان ".
2) " فعند " د، ق.
3) أورده الطوسي في الغيبة: 271 بالاسناد إلى بكر بن حرب، عن أبي عبد الله عليه السلام
عنه البحار: 52 / 210 ح 55.
4) قال ابن الأثير في النهاية: 3 / 345: في حديث الاستسقاء " اسقنا غيثا غدقا مغدقا "
الغدق - بفتح الدال -: المطر الكبار القطر.. انتهى " وسنة غيداقة أي كثيرة المطر.
وفي نسختي د، ق " غيدافية "، وفي ط " غيدافة ".
5) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 35.
وأورده المفيد في الارشاد: 407، عنه كشف الغمة: 2 / 461.
والطوسي في الغيبة: 272، عنه اثبات الهداة: 7 / 411 ح 62، والبحار: 52 / 214
ح 69. والطبرسي في إعلام الورى: 458، جميعا بالاسناد إلى أبي بصير، عن أبي
عبد الله عليه السلام.
6) قال ابن الأثير في النهاية: 1 / 95، في حديث هاجر أم إسماعيل عليه السلام " فغمز بعقبه
على الأرض فانبثق الماء " أي انفجر وجرى.
وفي م، ط. وبعض الموارد: " ينشق ".
7) رواه الطوسي في الغيبة: 273 بالاسناد إلى جعفر الأسدي، عن أبي عبد الله عليه السلام
عنه البحار: 52 / 217 ح 76.
وأورده المفيد في الارشاد: 408، والطبرسي في إعلام الورى: 458 بالاسناد إلى
أبى عبد الله عليه السلام.
وأخرجه في كشف الغمة: 2 / 461، واثبات الهداة: 7 / 435 ح 125 عن الارشاد.
وفي ص 419 ح 86 من الاثبات المذكور عن إعلام الورى.
1164

فصل
64 - وقال موسى بن جعفر عليه السلام في قوله: (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) (1):
الظاهرة الامام الظاهر، والباطنة الامام الغائب، يغيب عن أبصار الناس شخصه
تظهر له كنوز الأرض، ويقرب عليه (2) كل بعيد. (3)
وعن الحسن بن جهم: سأل رجل أبا الحسن عليه السلام عن الفرج، فقال: تريد الاكثار
أو أجمل لك؟ قال: بل تجمله لي.
قال: إذا تحركت رايات قيس بمصر، ورايات كندة بخراسان. أو ذكر غير كندة. (4)
وقال عليه السلام: إن القائم ينادى باسمه ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ويقوم (5)

1) سورة لقمان: 20.
2) " له " د، ق.
3) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 20.
ورواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 368 ح 6، والخزاز القمي في كفاية الأثر: 266
باسناديهما إلى أبى أحمد محمد بن زياد الأزدي، عن موسى بن جعفر عليهما السلام مفصلا
وأخرجه في اثبات الهداة: 7 / 163 ح 763 وفي البحار 24 / 53 ح 8 و ج 51 / 64.
4) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 36.
ورواه الطوسي في الغيبة: 272 بالاسناد إلى علي بن أسباط، عن الحسن بن الجهم.
وأورده المفيد في الارشاد: 407 بالاسناد إلى ابن الجهم، وفيه إذا ركزت رايات قيس
بمصر ورايات كندة بخراسان.
عنهما البحار: 52 / 214 ح 68. وأخرجه عن الارشاد في كشف الغمة: 2 / 461 وفي
اثبات الهداة: 7 / 410 ح 61 عن الغيبة.
5) " من شهر رمضان والقمر آخره، فعند ذلك يسقط حساب المنجمين، وقال: تنزل الرايات
السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا بعث المهدى بعث إليه بالبيعة، وقال:
كأني بالقائم " ط.
أورد في " ط " هذا الحديث والذي يليه في الفصل الخاص بأحاديث الصادق عليه السلام.
1165

يوم عاشوراء فلا يبقى راقد إلا قام، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه
من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل. (1)
وقال: إذا قام القائم عليه السلام التي المؤمن في قبره، فيقال له: يا هذا إنه قد ظهر
صاحبك، فان تشاء أن تلحق به فالحق، وإن تشاء أن تقم في كرامة ربك فقم. (2)
[وقال موسى بن جعفر عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، عن الحسين عليه السلام قال: دخلت على
رسول الله صلى الله عليه وآله، وعنده أبي بن كعب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
مرحبا بك يا أبا عبد الله، يا زين السماوات والأرض.
فقال أبي: كيف يكون غيرك زين السماوات والأرض يا رسول الله؟
فقال صلى الله عليه وآله: الحسين في السماء أكبر منه في الأرض، فإنه مكتوب على يمين
عرش الله عز وجل - ثم انتهى إلى ذكر المهدي عليه السلام من ولده - يرضى به كل
مؤمن، يحكم بالعدل، ويأمر به، ويخرج من تهامة حتى تظهر الدلائل والعلامات
يجمع الله له من أقصى البلاد عدد أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، معه صحيفة
فيها عدد أسماء أصحابه وآبائهم وبلدانهم وحلاهم وكناهم.

1) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 36.
وروى مثله بالتفصيل النعماني في غيبته: 253 ح 13 باسناده عن ابن عقدة، عن أحمد بن
يوسف، عن ابن مهران، عن ابن البطائني، عن أبيه، ووهيب بن حفص، عن أبي بصير،
عن أبي جعفر عليه السلام، عنه اثبات الهداة: 7 / 423 ح 100، والبحار: 52 / 230 ح 96.
2) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 36.
ورواه الطوسي في الغيبة: 276 بالاسناد إلى المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام
عنه اثبات الهداة: 7 / 32 ح 358، والايقاظ من الهجعة: 271 ح 77، والبحار: 53 /
91 ح 98.
أقول: لم ترد أحاديث هذا الفصل الخاص بالامام الكاظم عليه السلام في " ط "، وذكر
بدلها ما سنورده بين [].
1166

قال أبى: وما علاماته ودلالاته؟
قال صلى الله عليه وآله: له علم، إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم بنفسه، فناداه العلم:
اخرج يا ولي الله، واقتل أعداء الله.
وله سيف، إذا حان وقت خروجه اقتلع من غمده، فناداه السيف: اخرج يا
ولي الله، فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله. فيخرج وجبرئيل عن يمينه، وميكائيل
عن شماله، وشعيب بن صالح على مقدمته، إن شاء الله تعالى.
إن الله تعالى أنزل علي اثنتي عشرة صحيفة باثني عشر خاتما، فعمل كل إمام
على خاتم، وصفته في صحيفته. (1)
وروي عن عبد الله بن بشار رضيع الحسين عليه السلام شعرا:
إذا كملت إحدى وستين حجة * إلى التسع من بعدهن ضرايح
وقام بنو ليث بنصر ابن أحمد * يهزون أطراف القنا والصفايح
تعرفهم شعث النواصي يقودها * من المنزل الأقصى شعيب بن صالح
وحدثني ذا (2) أعلم الناس كلهم * أبو حسن أهل التقى والمدايح (3)
ذكر ابن بابويه في كتاب النبوة، عن سهل بن سعيد قال: بعثني هشام بن عبد الملك
أستخرج له بئرا في أرضنا (4) فحفرنا فيها مائتي قامة، ثم بدت لنا جمجمة، فحفرنا
حولها، فإذا رجل قائم على صخرة، عليه ثياب بيض، وإذا كفه اليمنى على رأسه
على موضع ضربته، فكنا إذا نحينا يده عن رأسه سالت الدماء، وإذا أعدناها سترت
الجرح، وإذا في ثوبه مكتوب: أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبي
عليه السلام إلى قومه، فضربوني وطرحوني في هذا الجب، وهالوا علي التراب. (5)].

1) تجد الحديث بطوله مع تخريجاته في عوالم النصوص على الأئمة الاثني عشر ص 58 ح 7، فراجع.
2) " وجدى هذا " خ ل.
3) تقدم ص 550 ح 10.
4) " رصافة عبد الملك " خ ل.
5) تقدم ص 552 ح 12.
1167

فصل
65 - وقال الرضا عليه السلام: لابد من فتنة صماء صيلم (1) يسقط فيها كل بطانة ووليجة (2)
وذلك عند فقدان الشيعة الثالث (3) من ولدي، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض
وكم من مؤمن متأسف حران (4) حيران حزين عند فقدان الماء المعين (5) كأني
بهم شر (6) ما يكونون وقد نودوا نداءا يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، يكون
رحمة للمؤمنين، وعذابا على الكافرين.
فقال له الحسن بن محبوب (7): وأي نداء هو؟
قال: ينادون في [شهر] رجب ثلاثة أصوات من السماء:
صوتا: ألا لعنة الله على الظالمين.

1) قال ابن الأثير في النهاية: 3 / 54: ومنه الحديث " الفتنة الصماء العمياء " هي التي لا سبيل
التي تسكينها لتناهيها في دهائها، لان الأصم لا يسمع الاستغاثة، فلا يقلع عما يفعله.
وقيل: هي كالحية الصماء التي لا تقبل الرقى والصيلم: الداهية.
2) قال الطريحي في مجمع البحرين: 6 / 214: وفي حديث غيبة القائم عليه السلام
" لابد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة " البطانة: السريرة والصاحب.
والوليجة: دخيلتك وخاصتك من الناس.
3) " الرابع " د، ق، م، ه‍.
4) حرن بالمكان حرونة: إذا لزمه فلم يفارقه. والمعنى
هنا ظاهرا للدلالة على دواهي الفتن وشدتها، وكلب الزمان، فيبقى المؤمن مشدوها
فزعا لا يطيق حراكا.
5) أي الجاري.
6) " أسر " الغيبة. وفي الاثبات - عن الغيبة -: أشر.
7) هو راوي الحديث، وقد عده الشيخ في رجاله: 347 رقم 9 من أصحاب الكاظم عليه السلام
وفي ص 372 رقم 11 من أصحاب الرضا عليه السلام. تجد ترجمته في معجم رجال الحديث: 5 / 90.
1168

والصوت الثاني: أزفة الآزفة (1) يا معشر المؤمنين.
والصوت الثالث - يرون بدنا بارزا نحو عين الشمس -: هذا أمير المؤمنين قد كر
في هلاك الظالمين.
وفي رواية الحميري: والصوت الثالث: بدن يرى في قرن الشمس يقول:
" إن الله بعث فلانا فاسمعوا له وأطيعوا ". (2)
وقالا (3) جميعا: فعند ذلك يأتي للناس الفرج، ويود الأموات أن لو كانوا
أحياء، ويشفي الله صدور قوم مؤمنين. (4). (5)
وقال البزنطي: قال الإمام الرضا عليه السلام: إن من علامات الفرج حدثا يكون بين
الحرمين. قلت: وأي شئ الحدث؟ فقال: عصبية (6) [تكون] بين المسجدين

1) قوله تعالى " أزفت الآزفة " النجم: 57: أي قربت القيامة ودنت، سميت بذلك لقربها، لان
كل ما هو آت قريب. يقال: أزف شخوص فلان أزفا وأزوفا أي قرب (مجمع البحرين / أزف).
2) وفي رواية النعماني - إلى ابن محبوب - هكذا: والثالث: يرون يدا بارزا مع قرن
الشمس ينادى: ألا أن الله قد بعث فلانا على هلاك الظالمين.
3) أي ابن محبوب والحميري: وفي ه‍، ط " وأقبلوا ".
4) اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة: 14.
5) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 36.
ورواه الطوسي في الغيبة: 268 بالاسناد إلى الحسن بن محبوب، عنه اثبات الهداة:
7 / 406 ح 50، وروى مثله المسعودي في اثبات الوصية: 257، والطبري في دلائل
الإمامة: 245، والنعماني في الغيبة: 180 ح 28 والصدوق في عيون أخبار الرضا: 2 / 6
ح 14، وفي كمال الدين: 2 / 370 ح 3 بأسانيدهم إلى ابن محبوب.
وأخرجه في البحار: 52 / 289 ح 28 عن غيبتي النعماني والطوسي، وفي البحار: 51 /
152 ح 2 عن العيون، و ح 3 عن الكمال.
6) " عصيبة " م، والمنتخب. " قضية " ط. وفي نسخة من ط وقرب الإسناد " عصبة ". والعصبة
من الرجال: الجماعة، ويوم عصيب، صعب شديد.
1169

ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشا من العرب. (1)
وقال عليه السلام: لا يكون ما تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا، وتمحصوا، فلا يبقى
منكم إلا الاندر (2). (3)
وعن أبي الصلت الهروي، قلت للرضا عليه السلام: ما علامة القائم منكم (4) إذا خرج؟
فقال: علامته (5) أن يكون شيخ السن، شاب المنظر حتى أن الناظر إليه
ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وأن من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام

1) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 38.
ورواه في قرب الإسناد: 164، وغيبة الطوسي: 272 عن أحمد بن محمد بن أبي نصر
البزنطي عن الرضا عليه السلام. وأورده المفيد في الارشاد: 407 عن الرضا عليه
السلام، عنه كشف الغمة: 2 / 461.
وأخرجه في اثبات الهداة: 7 / 410 ح 60 عن الغيبة. وفي البحار: 52 / 184 ذ ح 8 عن
قرب الإسناد، وص 210 ح 56 عن الارشاد والغيبة.
أقول: زاد بعده في " ط " حديث الحسن بن الجهم المتقدم في الفصل الخاص بأحاديث
الإمام الكاظم عليه السلام.
2) أي الأقل. وفي د، ق " الانزر ". في نسخة من ط " فئة ".
3) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 38. ورواه الحميري في قرب الإسناد: 162، والمفيد في
الارشاد: 407، والطوسي في الغيبة: 204 بالاسناد إلى أحمد بن محمد بن أبي نصر
البزنطي، عن الرضا عليه السلام.
ورواه النعماني في الغيبة: 208 ح 15 باسناده إلى صفوان بن يحيى عن الرضا عليه السلام
عنه البحار: 52 / 114 ح 30.
وأخرجه في كشف الغمة: 2 / 461 عن الارشاد، وفي اثبات الهداة: 7 / 23 ح 330، والبحار
المذكور ص 113 ح 24 عن الغيبة، و ح 25 من البحار المذكور أيضا عن قرب الإسناد.
4) " فيكم " د، ق.
5) " علاماته " د، ق.
1170

والليالي حتى يأتيه أجله. (1)
[وأمثال هذه العلامات لا تعد كثرة.
وإذا خرج القائم عليه السلام، يقال له في التسليم عليه:
" السلام عليك يا بقية الله في أرضه ". (2)
فصل
66 - وقال محمد بن علي التقي عليهما السلام لعبد العظيم [الحسني]: المهدي الذي
يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، وأن الله
ليصلح أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى عليه السلام حيث ذهب ليقتبس لأهله نارا. (3)
هو سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيه، تطوى له الأرض. (4)

1) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 38.
ورواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 652 ح 12 باسناده إلى أبى الصلت الهروي، عن
الرضا عليه السلام، عنه اثبات الهداة: 7 / 420 ح 91، والبحار: 52 / 285 ح 16.
وأورده في إعلام الورى: 465 عن أبي الصلت.
2) رواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 653 ذ ح 18 باسناده إلى جابر، عن أبي جعفر عليه -
السلام، عنه البحار: 51 / 36 ذ ح 5.
وأورد نحوه في العدد القوية: 65 عن أبي جعفر عليه السلام، عنه البحار: 52 / 317 ح 16.
3) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 39.
ورواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 377 ح 1 باسناده إلى عبد العظيم الحسنى، عن
محمد بن علي عليهما السلام مفصلا، عنه اثبات الهداة: 6 / 420 ح 174، والبحار: 51 /
156 ح 1.
والخزاز القمي في كفاية الأثر: 276 باسناده إلى عبد العظيم الحسنى، عنه اثبات الهداة
المذكور ص 181 ح 19 وعن الكمال.
4) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 39.
ورواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 378 ضمن ح 2، والخزاز القمي في كفاية الأثر:
278 باسناديهما إلى عبد العظيم الحسنى، عن محمد بن علي عليهما السلام، عنهما البحار:
51 / 32 ح 6.
وأخرجه في وسائل الشيعة: 11 / 489 ح 14 عن الكمال.
وفي البحار المذكور ص 157 ح 4 عن الكفاية.
1171

قيل: ولم سمي القائم؟ قال: لأنه يقوم بعد موت (1) ذكره، وارتداد أكثر
القائلين بإمامته.
وسمي المنتظر لان له غيبة يطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره
المرتابون، ويهلك المستعجلون. (2)
فصل
67 - وعن علي بن محمد النقي عليهما السلام قال: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين
فتوقعوا [الفرج]. (3)

1) " فوت " م.
2) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 40.
ورواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 378 ضمن ح 3، والخزاز القمي في كفاية الأثر:
279 باسناديهما إلى الصقر بن أبي دلف، عن محمد بن علي عليهما السلام. وأورده
الطبرسي في إعلام الورى: 436 عن الصقر بن أبي دلف. وأخرجه في اثبات الهداة:
2 / 407 ح 260، والبحار: 51 / 30 ح 4 عن الكمال، وص 157 ح 5 عن الكفاية.
3) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 40.
ورواه ابن بابويه في الإمامة والتبصرة: 93 ح 83، والصدوق في كمال الدين: 2 / 380 ح 2
و 3 (من طريقين) باسناديهما إلى علي بن مهزيار، عن أبي الحسن صاحب العسكر
عنهما البحار: 52 / 150 ح 77.
وأورده المسعودي في اثبات الوصية: 259 عن ابن مهزيار.
وأخرجه في اثبات الهداة: 6 / 421 ح 177، والبحار: 51 / 159 ح 2 عن الكمال.
1172

وقال عليه السلام: صاحب هذا الامر من يقول الناس أنه لم يولد بعد. (1)
وقال عليه السلام: الجمعة (2) ابن ابني، إليه تجتمع عصابة الحق. (3)

1) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 40.
ورواه الصدوق في كمال الدين: 1 / 381 ح 6 وص 382 ح 7 باسناده من طريقين، عنه
البحار: 51 / 159 ح 3.
2) " الحجة " الأنوار. والجمعة هو اسم الحجة (عج) على ما في هذا الحديث الطويل والذي
اختار منه المصنف (رض) هذه القطعة، وفيه:.. " لا تعادوا الأيام فتعاديكم ".. فالسبت
اسم رسول الله صلى الله عليه وآله، والأحد: أمير المؤمنين عليه السلام..
أقول: واختصاص يوم الجمعة به عليه السلام أشار له جدنا المغفور له الحاج ميرزا محمد تقي
الموسوي في كتابيه: مكيال المكارم: 2 / 30 - 34، وكتاب أبواب الجنات في
آداب الجمعات: 341.
3) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 40.
ورواه الصدوق من طريقين في كمال الدين: 2 / 382 ضمن ح 9، وفي معاني الأخبار: 123
ح 1، وفي الخصال: 2 / 394 ح 102.
والخزاز القمي في كفاية الأثر: 285 باسناديهما إلى الصقر بن أبي دلف.
وأورده في إعلام الورى: 437 عن ابن أبي دلف مثله.
وأخرجه في اثبات الهداة: 2 / 357 ح 177 عن الكمال والخصال والمعاني والكفاية، وفي
البحار: 24 / 238 ح 1، و ج 59 / 20 ح 3 عن الخصال، و ج 36 / 413 ح 3 عن كفاية
الأثر، و ج 50 / 194 ح 6 عن الخصال والكمال والعلل.
(والظاهر أن الأخير تصحيف لمعاني الاخبار).
1173

فصل
68 - وقال الحسن بن علي العسكري عليهما السلام لأحمد بن إسحاق (1)، وقد أتاه
ليسأله عن الخلف بعده، فقال مبتدئا: مثله مثل الخضر، ومثله مثل ذي القرنين. (2)
إن الخضر شرب من ماء الحياة، فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور، وإنه
ليحضر الموسم كل سنة، ويقف بعرفة، فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله
به وحشة قائمنا في غيبته، ويصل به وحدته. (3)
فله البقاء في الدنيا مع الغيبة عن الابصار.
وسئل علي عليه السلام عن ذي القرنين كيف استطاع أن يبلغ المشرق والمغرب؟
فقال: سخر له السحاب، ومد له الأسباب، وبسط له النور، وكان الليل والنهار

1) هو أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري، أبو علي
القمي، وكان وافد القميين، وروى عن أبي جعفر الثاني وأبى الحسن عليهما السلام،
وكان خاصة أبى محمد عليه السلام. قاله النجاشي في رجاله: 91 رقم 225.
2) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 40.
ورواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 384 ضمن ح 1 باسناده عن علي بن عبد الله الوراق،
عن سعد، عن أحمد بن إسحاق، وقال (ره) في آخره: لم أسمع هذا الحديث الا
من علي بن عبد الله الوراق، ووجدته مثبتا بخطه، فسألته عنه فرواه لي [قراءة] عن سعد
ابن عبد الله، عن أحمد بن إسحاق (رض) كما ذكرته، عنه الصراط المستقيم: 2 / 231
واثبات الهداة: 1 / 218 ح 53 باختصار، والبحار: 52 / 23 ح 16.
3) عنه منتخب الأنوار المضيئة: 40.
ورواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 390 ح 4 باسناده إلى الحسن بن علي بن فضال
عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، عنه الوسائل: 8 / 458 ح 1، والبحار:
13 / 299 ح 17 و ج 52 / 152 ح 3.
1174

عليه سواء. (1)
وأنه رأى في المنام كأنه دنا من الشمس حتى أخذ بقرنها (2) في شرقها وغربها
فلما قص رؤياه على قومه عز فيهم، وسموه ذا القرنين، فدعاهم إلى الله فأسلموا
ثم أمرهم أن يبنوا له مسجدا، فأجابوا إليه فأمر أن يجعلوا طوله أربعمائة ذراع وعرضه
مائتي ذراع، وعرض حائطه اثنين وعشرين ذراعا، وعلوه إلى (3) السماء مائة ذراع.
فقالوا: كيف لك بخشب يبلغ ما بين الحائطين؟
فقال: إذا فرغتم من بنيان الحائطين، فاكبسوا (4) بالتراب حتى يستوي مع حيطان
المسجد، وإذا فرغتم من ذلك، أخذتم من الذهب والفضة على قدره، ثم قطعتموه
مثل قلامة الأظفار، ثم خلطتموه مع ذلك الكبس، وعملتم له خشبا من نحاس وصفائح
من نحاس، تذوبون ذلك وأنتم متمكنون (5) من العمل كيف شئتم على أرض مستوية.
فإذا فرغتم من ذلك، دعوتم المساكين لنقل ذلك التراب، فيسارعون فيه من
أجل ما فيه من الذهب والفضة.
فبنوا المسجد، وأخرج المساكين ذلك التراب وقد استقل السقف بما فيه
واستغنى المساكين، فجندهم أربعة أجناد، في كل جند عشرة آلاف ونشرهم

1) رواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 393 ح 2 باسناده إلى رجل من بنى أسد، عن علي
عليه السلام، عنه البحار: 12 / 193 ح 16.
وأورده نحوه المصنف في قصص الأنبياء: 121 ح 122 عن سماك بن حرب بن حبيب
عن علي عليه السلام، عنه البحار المذكور ص 194 ح 18.
2) " بقرنيها " الكمال. وقرن الشمس: أعلاها وأول ما يبدو منها في الطلوع. قال ابن
الأثير في النهاية: 4 / 52: وذو القرنين هو الإسكندر، سمى بذلك لأنه ملك الشرق والغرب.
وقيل: لأنه كان في رأسه شبه قرنين. وقيل: رأى في النوم أنه أخذ بقرني الشمس.
3) " وطوله في " د، ق، م.
4) " فاكبوا " ق. كبس البئر: طمها بالتراب.
5) " تتمكنون " م.
1175

في البلاد. (1)
وقال الصادق عليه السلام: إذا قام قائم آل محمد عليه السلام يبني في ظهر الكوفة مسجدا له
ألف باب. (2)
تم الكتاب المسمى ب‍ " الخرائج والجرائح " بحمد الله وحسن توفيقه في معجزات
النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام تأليف الشيخ الفقيه العالم " أبي الحسين سعيد بن عبد الله
ابن الحسين الراوندي " قدس الله روحه، بحضرة مولانا الامام أمير المؤمنين وسيد
الوصيين " علي بن أبي طالب " عليه من الصلوات أفضلها، ومن التحيات أكملها
على يدي العبد الفقير الحقير المحتاج إلى رحمة الله الملك الغني الهادي
" كمال الدين حسين بن محمد بن عماد الحسيني الاسترآبادي ".
" اللهم اغفر لصاحبه ولكاتبه ولقارئه ولمستمعه، ولمن نظر وتأمل فيه، بحق
محمد وآله الطاهرين في خامس عشر شهر جمادي الثاني سنة 958 ه‍ ".
أقول: وبعد الحمد قد تم اخراج الكتاب بهذه الحلة الجديدة في مؤسسة الإمام المهدي
عليه السلام 26 / شوال 1409 ه‍، ق. وأنا السيد محمد باقر بن المرتضى الموحد الأبطحي

1) رواه الصدوق في كمال الدين: 2 / 394 ح 5 باسناده عن الطالقاني، عن الجلودي، عن
محمد بن عطية، عن عبد الله بن عمر بن سعيد، عن هشام بن جعفر بن حماد، عن عبد الله
ابن سليمان مفصلا، عنه البحار: 12 / 183 ح 15.
وأورد المصنف نحوه في قصص الأنبياء: 133 ح 126 عن عبد الله بن سليمان.
2) رواه الطوسي في الغيبة: 280 باسناده عن جماعة، عن التلعكبري، عن علي بن حبشي
عن جعفر بن مالك، عن أحمد بن أبي نعيم، عن إبراهيم بن صالح، عن محمد بن غزال
عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام مفصلا، عنه اثبات الهداة: 7 / 33 ح 363
والبحار: 52 / 330 ح 52. وأخرجه في البحار: 100 / 385 ح 3 عن السيد علي بن عبد الحميد
من كتاب الفضل بن شاذان.
1176