الكتاب: النكت الإعتقادية
المؤلف: الشيخ المفيد
الجزء:
الوفاة: ٤١٣
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: رضا المختاري
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٤ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: طبعت بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد

سلسة مؤلفات - الشيخ المفيد
10 - النكت الاعتقادية
ورسائل أخرى
دار المفيد
طباعة - نشر - توزيع -
تعريف الكتاب 1

جميع حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الثانية
1414 هجرية - 1993 ميلادية
طبعت بموافقة اللجنة الخاصة
المشرفة على المؤتمر العالمي
لألفية الشيخ المفيد -
دار المفيد
للطباعة والنشر والتوزيع
بيروت. لبنان. ص. ب. 25 / 304 -
تعريف الكتاب 2

كلمة الناشر
الحمد لله رب العالمين - والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه
المنتجبين.
كان لانعقاد المؤتمر الألفي للشيخ المفيد في مدينة قم سنة 1413 ومشاركة
الوفود العالمية في ذلك المؤتمر، وما ألقي فيه من دراسات وبحوث - كان ذلك حافزا
للكثيرين إلى التنبه لإحياء آثار هذا العالم العظيم الذي كان له في تاريخ الثقافة
الإسلامية و الفكر العربي ما كان، سواء في مدرسته الكبرى التي أقامها في بغداد، أو
في مجالسه العلمية التي كانت تنعقد في داره، أو في مؤلفاته التي تطرقت إلى أنواع
شتى من المعرفة، ما خلدها على مر العصور. -
وقد كان من أهم ما تنبه إليه المفكرون والمحققون هو وجوب جمع تلك
المؤلفات في حلقات متتابعة يسهل على المتتبع الوصول إليها.
وقد كان ذلك فجمعت تلك المؤلفات والمصنفات في سلسلة مترابطة في
حلقاتها لتكون بين يدي القارئ سهلة المأخذ، يستفيد منها العالم والمتعلم،
والأستاذ والتلميذ، وتصبح موردا لكل ظامئ إلى العلم، صاد إلى الثقافة.
وقد رأت دارنا (دار المفيد) أن تقوم بطبع هذه المؤلفات في طبعة جديدة
عارضة لها على شدات الحقيقة العلمية الفكرية أينما وجدوا، وهو ما يراه القارئ بين
يديه فيما يلي، كتابا بعد كتاب.
وإننا لنرجو أن نكون بذلك قد أرضينا الله أولا، ثم أرضينا قراءنا الذين عودناهم
فيما مضى من أيامنا على أن نبذل لهم كل جديد.
سائلين من الله التوفيق والتسديد
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
دار المفيد
كلمة الناشر 3

يحتوي هذا المجلد على
1 - النكت الاعتقادية (48 صفحة) تحقيق الشيخ رضا المختاري
2 - النكت في مقدمات الأصول (80 صفحة) تحقيق السيد محمد رضا
الحسيني الجلالي
3 - الحكايات (136 صفحه) تحقيق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
4 - مسألة في الإرادة (16 صفحة)
5 - عدم سهو النبي ص (32 صفحة) تحقيق الشيخ مهدي نجف
6 - إيمان أبي طالب (48 صفحة) تحقيق مؤسسة البعثة
7 - رسالة حول حديث نحن معاشر الأنبياء (32 صفحه) تحقيق الشيخ
مالك المحمودي.
كلمة الناشر 4

النكت الاعتقادية
تأليف - الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله، العكبري، البغدادي
(336 - 413 ه‍)
تحقيق - رضا المختاري
1

بسم الله الرحمن الرحيم
2

بسم الله الرحمن الرحيم
ألف الشيخ المفيد كتابا باسم " النكت في مقدمات الأصول " في علم
الكلام، وقد حققناه، اعتمادا على نسخ عديدة، وحققنا نسبته إلى الشيخ لذلك،
وتحدثنا عن منهج تأليفه، في مقدمتنا القصيرة له.
وموضوع الكتاب هو شرح الألفاظ المستعملة في علم الكلام بعنوان " إن
قال... فقل " ثم ذكر الأدلة بإيجاز شديد على الأصول الخمسة الاعتقادية، و
أهم مسائلها.
وقد عثر بعض العلماء على كتاب باسم " النكت الاعتقادية " فظنه
" النكت... " المذكور في مؤلفات المفيد، فنشره منسوبا إليه.
وهذا الكتاب - أيضا - يعتمد منهج الحوار (إن قيل... قيل) إلا أنه لا يمكن
نسبته إلى الشيخ المفيد، لوجوه:
1) - بعد ثبوت نسبة الكتاب الأول إلى الشيخ، لا يمكن أن يكون الثاني
له أيضا، لوضوح البعد في أن يكون قد ألف كتابين كل منهما مسمى
ب‍ " النكت... " كما لم ينسب إليه في الفهارس إلا واحد بهذا الاسم، خاصة مع
اتحاد المنهج والموضوع.
3

2) - أن بعض النسخ القديمة لما سمي (النكت الاعتقادية) قد نسب تأليفه
إلى الشيخ فخر المحققين ابن العلامة الحلي.
3) - وهو أقوى ما نستند إليه:
أن أسلوب الكتاب، ونفس مؤلفه، وجرس عباراته، ليس متناسبا مع
شئ من مؤلفات الشيخ المفيد المأثورة والموجودة والمعروفة.
بينما الكتاب الأول، يتفق في كثير من التعاريف التي أوردها مع سائر
كتب الشيخ التي تعرضت لنفس التعاريف وقد أشرنا إلى هذه المقارنات في
مقدمتنا له.
ومهما يكن، فإن لجنة المؤتمر ارتأت أن تنشر هذا الكتاب الثاني - أيضا -
ضمن المؤلفات المنشورة للشيخ المفيد، باعتبار تلك النسبة، ولأنه على كل حال
واحد من مؤلفات علمائنا الأعلام في علم الكلام.
والله ولي التوفيق. وكتب
السيد محمد رضا الحسيني
الجلالي
4

النكت الاعتقادية
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله، العكبري، البغدادي
(336 - 413 ه‍)
13

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
و (1) المرسلين محمد خاتم النبيين وعلى آله المعصومين وأهل بيته الطاهرين.
أما بعد: فهذه عقيدة قادني الدليل إليها وقوى اعتمادي عليها جعلتها
بعد التوضيح والتبيين تحفة لإخواني المؤمنين تقربا إلى الله الكريم (2) وطلبا
لثوابه الجسيم راجيا أن ينفع بها (3) الطالبين إنه خير موفق ومعين.
ورتبتها على خمسة فصول:

(1) ك و م: + سيد.
(2) ك: العظيم.
(3) ك ون: ينتفع بها.
15

الفصل الأول
في معرفة الله تعالى وصفاته الثبوتية والسلبية
تنبه أيها العاقل ونزل (1) نفسك بمنزلة (2) المسؤول والسائل.
فإن قيل لك: أنت حادث أم قديم؟
فالجواب: حادث غير قديم وكل موجود ممكن حادث غير قديم.
فإن قيل: ما حد الحادث وما حد القديم؟
فالجواب: (3) الحادث هو الموجود المسبوق بالعدم. والقديم هو
الموجود الذي لم يسبقه العدم (4).
فإن قيل: ما الدليل على إنك حادث؟
فالجواب: سبق العدم على وجودي دليل على حدوثي.
فإن قيل: ما الدليل على إن العدم سابق على وجودك؟

(1) ك ول: أنزل.
(2) ك ول: منزلة.
(3) ل: + حد.
(4) م: لا يسبقه العدم.
16

فالجواب: الضرورة قاضية (1) بأني لم أكن. موجودا في زمان نوح - عليه
السلام - فعدمي متحقق (2) في ذلك الزمان، ووجودي في هذا الزمان فعدمي
سابق على وجودي.
فإن قيل: ما الدليل على إن كل موجود ممكن حادث؟
فالجواب: كل موجود من الممكنات إما جوهر أو عرض (3) والجوهر
حادث والعرض حادث فكل موجود من الممكنات حادث.
فإن قيل: ما حد الجوهر وما حد العرض؟
فالجواب: الجوهر هو المتحيز والعرض هو الحال في المتحيز (4).
فإن قيل: ما حد المتحيز؟
فالجواب: المتحيز هو الحاصل في حيز (5) بحيث يشار إليه إشارة
حسية بأنه هنا أو هناك لذاته.
فإن قيل: ما حد الحيز؟
فالجواب: الحيز والمكان عبارة (6) عن البعد المفطور (7) الذي تشغله
الأجسام بالحصول فيه.
فإن قيل: كم أقسام الجوهر؟
فالجواب: أربعة: الجوهر الفرد (8) والخط والسطح والجسم.

(1) ل: + بذلك على أني.
(2) ن: محتقق.
(3) ك ول: عرض أو جوهر، ل: + وهما حادثان.
(4) م: في الحيز، ل: بالمتحيز.
(5) ك: هو الشاغل للمكان.
(6) ك: عبارتان.
(7) ك: المفروض.
(8) ك: النقطة، ل: - الجوهر.
17

فإن قيل: ما حد كل واحد من هذه الأربعة؟
فالجواب: حد (1) الجوهر الفرد هو المتحيز الذي لا يقبل القسمة في
جهة من الجهات. وحد الخط هو المتحيز الذي يقبل القسمة في الطول
خاصة. وحد السطح هو المتحيز الذي يقبل القسمة في الطول والعرض
خاصة. وحد الجسم هو المتحيز الذي يقبل القسمة في الطول والعرض
والعمق.
فإن قيل: ما الدليل على حدوث الجواهر؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنها (2) لا تخلو عن الحوادث وكل ما لا
يخلو عن الحوادث فهو حادث.
فإن قيل: ما تعنون بالحوادث؟
فالجواب: أربعة أشياء: الحركة والسكون والاجتماع والافتراق.
فإن قيل: ما حد كل واحد من هذه الأربعة؟
فالجواب: حد الحركة حصول جوهر في مكان عقيب مكان آخر.
وحد السكون حصول جوهر (3) في مكان واحد أكثر من زمان واحد (4). وحد
الاجتماع حصول جوهرين في مكانين بحيث لا يمكن أن يتخللهما ثالث.
وحد الافتراق حصول جوهرين (5) في مكانين بحيث يمكن أن يتخللهما
ثالث.
فإن قيل: ما الدليل على أن هذه الأمور الأربعة حادثة؟

(1) ك ون: + النقطة وهو.
(2) ل: إن الجواهر.
(3) م: الجوهر.
(4) ك: جوهر في مكانه اللابث فيه بدل " إمكان واحد أكثر من زمان واحد ".
(5) م: الجوهرين.
18

فالجواب: الدليل على ذلك أنها تعدم والقديم لا يعدم فتكون
حادثة.
فإن قبل: ما الدليل على إن الجوهر لا يخلو عن هذه الحوادث (1)؟
فالجواب: الدليل على ذلك أن الجوهر لا بد له من مكان، فإن كان
لابثا فيه كان ساكنا، وإن كان منتقلا عنه كان متحركا، وإذا نسب إلى جوهر
آخر (2) فإن أمكن (3) أن يتخللهما ثالث فهو الافتراق وإلا فهو الاجتماع.
فإن قيل: ما الدليل على حدوث باقي الأعراض؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنها تفتقر إلى الجواهر الحادثة والمفتقر إلى
الحادث حادث.
فإن قيل: قد ثبت أن كل موجود ممكن حادث. فهل وجود الحوادث
من نفسها أو من غيرها؟
فالجواب: وجودها من غيرها لا من نفسها.
فإن قيل: ما الدليل على إن وجود الحوادث من غيرها لا من نفسها؟
فالجواب: هيهنا دعويان: أحدهما أن الحادث لا وجود له من
نفسه (4). الثاني إن وجوده من غيره. والدليل على الأول إن الحادث قبل
وجوده عدم محض ونفي صرف فلو أثر في وجود نفسه لزم تأثير المعدوم في
الموجود ولزم تأثير الشئ في نفسه وهما محالان. والدليل على الثاني أن الحادث
لما اتصف بالعدم تارة وبالوجود (5) أخرى كان ممكنا فيفتقر في ترجيح وجوده

(1) ل: عن الحوادث.
(2) م ون: + في مكان آخر.
(3) ن: أمكنه.
(4) م: + قطعا.
(5) ل: + تارة.
19

إلى غيره لاستحالة ترجيح أحد المتساويين على الآخر لا لمرجح فيكون وجوده
من غيره.
فإن قيل: قد ثبت أن وجود الحوادث من غيرها فالغير الذي أوجد
الحوادث موجود أم معدوم؟
فالجواب: موجود.
فإن قيل: ما الدليل على أنه موجود؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو كان معدوما لزم تأثير المعدوم في
الموجود وهو محال.
فإن قيل: موجد الحوادث قديم أم حادث؟
فالجواب: قديم.
فإن قيل: ما الدليل على أنه ليس بحادث (1)؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو كان حادثا لكان من جملة الحوادث
فيفتقر إلى محدث آخر (2) كافتقار الحوادث إليه وننقل (3) الكلام إلى ذلك
المحدث فإن كان قديما انتهت الحوادث إلى محدث قديم وهو المطلوب، وإن
كان حادثا افتقر إلى محدث آخر فإن كان الأول لزم الدور وإن كان غيره (4)
وترامى تسلسل والدور والتسلسل باطلان فلا بد أن ينتهي الحوادث إلى
محدث قديم وهو المطلوب.
فإن قيل: ما حد الدور وما حد التسلسل؟
فالجواب: حد الدور توقف كل واحد من الشيئين على صاحبه فيما

(1) م: على ذلك مكان " أنه ليس بحادث ".
(2) م: - آخر.
(3) ل: ينقل.
(4) م: الثاني.
20

هو موقوف عليه إما بمرتبة أو مراتب. وحد التسلسل ترامي أمور محدثة إلى
غير النهاية (1).
فإن قيل: ما الدليل على بطلان الدور؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه يفضي إلى كون الشئ موجودا قبل
وجوده وهو محال والمفضي إلى المحال محال.
فإن قيل: ما الدليل على بطلان التسلسل؟
فالجواب: الدليل (2) أن السلسلة الحاوية لجميع الممكنات ممكنة
فلا بد لها من مؤثر خارج عنها (3) والخارج من جميع الممكنات هو واجب الوجود
لذاته فتنتهي السلسلة إليه (4) وينقطع التسلسل.
فإن قيل: موجد الحوادث واجب الوجود أم ممكن (5)؟
فالجواب: واجب الوجود.
فإن قيل: ما حد الواجب وما حد الممكن؟
فالجواب: الواجب (6) هو الذي لا يفتقر في وجوده إلى غيره ولا يجوز
عليه العدم. والممكن هو الذي يفتقر في وجوده إلى غيره ويجوز عليه العدم.
فإن قيل: ما الدليل على أن موجد الحوادث واجب الوجود؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو لم يكن واجب الوجود لكان ممكن

(1) في النسخة المطبوعة: + بحيث يتوقف كل لاحق منها عل السابق عليه.
(2) م: + على.
(3) ل: + بالضرورة.
(4) ل: + فينقطع السلسلة.
(5) ل: + الوجود.
(6) ل: واجب الوجود.
21

الوجود ولو (1) كان ممكن الوجود افتقر (2) في وجوده إلى غيره وننقل (3) الكلام إلى
ذلك الغير فإن كان واجب الوجود انتهت الحوادث إليه فهو موجد الحوادث
وإن كان ممكن الوجود افتقر في وجوده إلى موجد آخر فإن كان الأول لزم الدور
وإن كان غيره وترامى تسلسل وهما باطلان كما (4) عرفت فلا بد أن ينتهي
الحوادث إلى موجد (5) واجب الوجود لذاته.
فإن قيل: موجد الحوادث قادر مختار (6) أم موجب؟
فالجواب: قادر مختار (7).
فإن قيل: ما حد القادر وما حد الموجب؟
فالجواب: القادر هو الذي يمكنه الفعل ويمكنه الترك بالنسبة إلى
شئ واحد، والموجب هو الذي يفعل (8) ولا يمكنه الترك كالنار في الاحراق.
فإن قيل: ما الدليل على أن موجد الحوادث قادر مختار؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو لم يكن قادرا لكان موجبا لما (9)
عرفت من أنه لا واسطة بين القادر والموجب. ولو كان موجبا لكانت الحوادث
التي هي آثاره قديمة لقدمه وقدم الحوادث محال فكونه موجبا محال فيكون قادرا
مختارا وهو المطلوب.

(1) ل: وإن.
(2) م: يفتقر.
(3) ل: وينقل.
(4) ل: لما.
(5) م: + هو.
(6) ل: - مختار.
(7) ل: - مختار.
(8) ل: يمكنه الفعل.
(9) م: كما.
22

فإن قيل: موجد الحوادث قادر على كل مقدور أم على مقدور دون
آخر (1)؟
فالجواب: قادر على كل مقدور.
فإن قيل: ما الدليل على أنه قادر على كل مقدور؟
فالجواب: الدليل على ذلك أن نسبة ذاته المقدسة إلى جميع
المقدورات على السوية لكونه مجردا ونسبتها في الاحتياج إلى ذاته المقدسة (2) -
لكونها ممكنة والإمكان علة الاحتياج - على السوية (3) فاختصاص قدرته تعالى
بمقدور دون مقدور ترجيح من غير مرجح وهو باطل فيكون قادرا على كل
مقدور وهو المطلوب.
فإن قيل: موجد الحوادث عالم أم لا؟
فالجواب: إنه عالم.
فإن قيل: ما حد العالم؟
فالجواب: العالم بالشئ هو الذي يكون الشئ منكشفا له حاضرا
عنده غير غائب عنه.
فإن قيل: ما الدليل على أن موجد الحوادث عالم؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه فعل الأفعال المحكمة المتقنة، وكل
من فعل ذلك كان عالما فهو عالم (4).
فإن قيل: ما حد الفعل المحكم المتقن؟
فالجواب: الفعل المحكم المتقن هو المطابق للمنافع المقصودة منه.

(1) م: مقدور.
(2) م: + على السوية.
(3) م: - على السوية.
(4) م: الأفعال المحكمة المتقنة فهو عالم، مكان " ذلك كان عالما فهو عالم ".
23

فإن قيل: موجد الحوادث عالم بكل معلوم أم بمعلوم (1) دوم معلوم؟
فالجواب: عالم بكل معلوم.
فإن قيل: ما الدليل على أنه عالم بكل معلوم؟
فالجواب: الدليل على ذلك أن نسبة ذاته المقدسة إلى جميع المعلومات
على السوية لكونه مجردا ولكونه حيا وكل واحد منها قابل لأن يكون معلوما
للحي فاختصاص علمه تعالى بمعلوم دون معلوم ترجيح من غير مرجح وهو
باطل فيكون عالما بكل معلوم وهو المطلوب.
فإن قيل: موجد الحوادث حي أم لا؟
فالجواب: حي.
فإن قيل: ما حد الحي؟
فالجواب: الحي هو (2) الذي يصح منه (3) أن يقدر ويعلم.
فإن قيل: ما الدليل على أنه حي؟
فالجواب: ثبوت القدرة والعلم للشئ (4) دليل على أنه حي.
فإن قيل: موجد الحوادث سميع بصير أم لا؟
فالجواب: سميع لا بإذن بل بمعنى إنه عالم بالمسموعات وبصير لا
بعين بل بمعنى إنه عالم بالمبصرات.
فإن قيل: ما الدليل على أنه سميع بصير بهذا المعنى؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه عالم بجميع المعلومات التي من جملتها
المسموعات والمبصرات فيكون عالما بهما فيكون سميعا بصيرا بهذا المعنى وهو

(1) ل: معلوم.
(2) ل: - هو.
(3) ل: يصلح لأن.
(4) ل ون: بالشئ.
24

المطلوب.
فإن قيل: موجد الحوادث مدرك أم لا؟
فالجواب: مدرك لا بحاسة يحصل الادراك بواسطتها بل بمعنى أنه
عالم بما يدرك بالحواس (1).
فإن قيل: ما الدليل على أنه مدرك بهذا المعنى؟
فالجواب: الدليل على ذلك إنه عالم بجميع المعلومات التي من جملتها
المدركات فيكون عالما بالمدركات فيكون مدركا بهذا المعنى وهو المطلوب.
فإن قيل: موجد الحوادث مريد كاره أم لا؟
فالجواب: مريد كاره.
فإن قيل: ما حد الإرادة والكراهة؟
فالجواب: الإرادة (2) هنا قسمان: إرادة لأفعال نفسه، وإرادة لأفعال
عبيده. وكذا الكراهة.
فإرادة أفعال (3) نفسه عبارة عن علمه الموجب لوجود الفعل في وقت
دون وقت بسبب اشتماله على مصلحة داعية إلى إيجاد الفعل (4) في ذلك الوقت
دون غيره. وإرادة أفعال عبيده عبارة عن طلبه (5) إيقاعها منهم على وجه
الاختيار.
وكراهته لأفعال (6) نفسه عبارة عن علمه الموجب لترك (7) فعل في وقت

(1) ل: بالمدركات بالحواس.
(2) ل و م: + والكراهة.
(3) ن: فالإرادة لأفعال.
(4) ل ون: إلى الايجاد.
(5) م ول: طلب.
(6) ل: كراهيته لأفعال.
(7) ن ول: لانتفاء.
25

دون وقت (1) بسبب اشتماله على مفسدة صارفة عن إيجاد الفعل في ذلك
الوقت. وكراهته (2) لأفعال عبيده عبارة عن نهيه إياهم عن إيقاعها على وجه
الاختيار.
فإن فيل: ما الدليل على أنه مريد لأفعال نفسه؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه تعالى خصص إيجاد الحوادث
بوقت (3) دون وقت، والأوقات كلها صالحة للإيجاد فلا بد من مخصص
لاستحالة التخصيص من غير مخصص وذلك المخصص (4) هو الإرادة
فيكون مريدا لأفعال نفسه وهو المطلوب.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى كاره لأفعال نفسه؟
فالجواب: الدليل عليه أنه تعالى ترك إيجاد الحوادث في وقت دون
وقت آخر والأوقات كلها صالحة للترك فلا بد من مخصص لاستحالة
التخصيص من غير مخصص وذلك المخصص هو الكراهة فيكون كارها
لأفعال نفسه وهو المطلوب (5).
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى يريد (6) من عباده أفعالا ويكره (7)
منهم أفعالا؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه تعالى أمرهم بالطاعة فيكون مريدا

(1) ل: - في وقت دون وقت.
(2) ل: كراهيته.
(3) ل و م: في وقت.
(4) ل: - وذلك المخصص.
(5) قد شطب في نسخة ن على هذا السؤال والجواب.
(6) ل و م: مريد.
(7) ل و م: كاره.
26

لها ونهاهم عن المعصية فيكون كارها لها إذ الحكيم لا يأمر إلا بما يريد (1) ولا
ينهى إلا عما يكره.
فإن قيل: موجد الحوادث متكلم أم لا؟
فالجواب: متكلم لا بجارحة بل بمعنى أنه تعالى يوجد حروفا
وأصواتا في جسم من الأجسام يدل على المعاني المطلوبة له تعالى كما فعل في
الشجرة (2) حين خاطب موسى عليه السلام.
فإن قيل: ما الدليل على أنه متكلم؟
فالجواب: الدليل على ذلك الإجماع والقرآن.
فإن قيل: كلامه (3) تعالى حادث أم قديم؟
فالجواب: حادث غير قديم.
فإن قيل: ما الدليل على ذلك؟
فالجواب: الدليل على ذلك من جهة العقل والنقل:
أما من جهة العقل فلأن الكلام مركب من الحروف المتتالية التي يعدم
بعضها ببعض ويسبق بعضها بعضا فيكون حادثا.
وأما من جهة النقل فقوله (4) تعالى: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم
محدث) (5) والذكر هو القرآن لقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون) (6) (وأنه لذكر لك ولقومك) (7).

(1) ن: يريده.
(2) ل: شجر.
(3) ل: كلام الله.
(4) ل: فلقوله.
(5) الأنبياء: 21 / 2.
(6) الحجر: 15 / 9.
(7) الزخرف: 43 / 44.
27

فإن قيل: موجد الحوادث واحد لا شريك له أم لا (1)؟
فالجواب: واحد لا شريك له.
فإن قيل: ما الدليل على أنه واحد لا شريك له؟
فالجواب: الدليل على ذلك من العقل والنقل:
أما العقل فلأنه لو كان مع الحكيم إله آخر لامتنع منه نفيه لكونه كذبا
منافيا للحكمة (2) لكن الحكيم قد نفاه فنفيه (3) دليل على انتفائه (4) وإلا لم يكن
الحكيم حكيما.
وأما النقل فلقوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) (5) ولقوله تعالى:
(إنما إلهكم إله واحد) (6) وأمثال ذلك.
فإن قيل: موجد الحوادث جوهر أم عرض (7)؟
فالجواب: ليس بجوهر (8) ولا عرض.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى ليس بجوهر؟
فالجواب: الدليل على ذلك أن الجوهر إما جوهر فرد أو خط أو سطح
أو جسم وكل واحد منها مفتقر حادث والباري تعالى ليس بمفتقر لكونه
واجب الوجود لذاته وليس بحادث لكونه قديما.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى ليس بعرض؟

(1) ن: أم متعدد.
(2) ل: وهو مناف للحكمة.
(3) ل: + له.
(4) ل: نفيه.
(5) محمد صلى الله عليه وآله: 47 / 19. وليست هذه الآية في نسخة ل.
(6) الكهف: 18 / 110، الأنبياء: 21 / 108، فصلت: 41 / 6.
(7) ل: جوهر وعرض أم لا.
(8) ل: لا جوهر.
28

فالجواب: الدليل على ذلك أن العرض مفتقر إلى غيره فيكون ممكنا
وواجب الوجود ليس بممكن فلا يكون عرضا.
فإن قيل: موجد الحوادث في محل أو (1) جهة أم لا؟
فالجواب: ليس في محل ولا في جهة.
فإن قيل: ما حد المحل وما حد الجهة؟
فالجواب: المحل عبارة عن المتحيز (2) الذي تحله الأعراض. والجهة
هي المتعلق للإشارة (3) الحسية ومقصد المتحرك الأيني.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى ليس في محل ولا في جهة؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو حل في محل أو جهة لكان مفتقرا
إليهما (4) فلا يكون واجب الوجود لذاته وقد ثبت أنه تعالى واجب الوجود لذاته
فلا يكون في محل ولا في جهة.
فإن قيل: موجد الحوادث متحد بغيره أم لا؟
فالجواب: ليس متحدا بغيره.
فإن قيل: ما حد الاتحاد؟
فالجواب: (5) الاتحاد صيرورة شيئين شيئا واحدا من غير زيادة ولا
نقصان.
فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى لا يتحد بغيره؟
فالجواب: الدليل على ذلك من وجهين: أما الأول فلأن الاتحاد غير

(1) ن: + في.
(2) ل: الحيز.
(3) م: متعلق الإشارة.
(4) ن: + ولكان محدودا بهما.
(5) ن: + صورة.
29

معقول. وأما الثاني فلأن الواجب لو اتحد بغيره لكان ذلك الغير إما واجبا أو
ممكنا فإن كان واجبا لزم تعدد الواجب وهو محال. وإن كان ممكنا (1) صار
الواجب ممكنا هذا خلف.
فإن قيل: موجد الحوادث مركب أم لا؟
فالجواب: ليس بمركب.
فإن قبل: ما الدليل على أنه تعالى ليس بمركب؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو كان مركبا لافتقر إلى جزئه، وجزؤه
غيره، فيكون مفتقرا إلى غيره فيكون ممكنا.
فإن قيل: موجد الحوادث مرئي بحاسة البصر أم لا؟
فالجواب: ليس (2) بمرئي بحاسة البصر.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى ليس بمرئي بحاسة البصر؟
فالجواب: الدليل على ذلك أن المرئي بحاسة البصر لا بد (3) وأن
يكون في جهة والله تعالى منزه عن الجهة فلا يكون مرئيا بحاسة البصر (4).
فإن قيل: موجد الحوادث غني عن غيره أم محتاج (5)؟
فالجواب: (6) غني عن غيره وغيره مفتقر إليه (7).
فإن قيل: ما الدليل على ذلك؟

(1) ن و م: + فالحاصل بعد الاتحاد إن كان واجبا صار الممكن واجبا هذا خلف وإن كان ممكنا.
(2) ل: + إنه.
(3) ل ون: - و.
(4) ل: - فلا يكون... البصر.
(5) ل: أم مفتقر إلى غيره، ن: وغيره مفتقر إليه أم لا.
(6) م: ليس بمحتاج إلى غيره وغيره محتاج إليه.
(7) ل: غير مفتقر إلى غيره.
30

فالجواب: الدليل على ذلك أنه واجب الوجود لذاته وغيره ممكن
الوجود لذاته فوجوب وجوده يقتفي استغناءه عن غيره وإمكان غيره يقتضي
افتقاره إليه.
31

الفصل الثاني
في العدل
فإن قيل: موجد الحوادث عدل حكيم أم لا؟
فالجواب: عدل حكيم.
فإن قيل: ما حد العدل الحكيم؟
فالجواب: العدل الحكيم هو الذي لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب.
فإن قيل: ما حد القبيح وما حد الواجب؟
فالجواب: القبيح هو الذي (1) يذم فاعله في الدنيا ويعاقب في الآخرة
ويمدح تاركه في الدنيا ويثاب في الآخرة. والواجب هو الذي يمدح فاعله في
الدنيا ويثاب في الآخرة ويذم تاركه في الدنيا ويعاقب في الآخرة.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى عدل حكيم لا يفعل قبيحا ولا يخل
بواجب؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو لم يكن كذلك لكان ناقصا - تعالى

(1) ل: الفعل الذي.
32

الله عن ذلك علوا كبيرا - وأيضا لو جاز عليه فعل القبيح لجاز عليه الكذب
فيرتفع الوثوق عن وعده ووعيده ويرتفع (1) الأحكام الشرعية فينقض (2)
الغرض (3) المقصود من بعثة الأنبياء والرسل.
* * *
33

الفصل الثالث
في النبوة
فإن قيل: حكمة الله تقتضي نصب الأنبياء والرسل أم لا؟
فالجواب: تقتضي ذلك وتوجبه.
فإن قيل: ما حد النبي وما حد الرسول؟
فالجواب: النبي هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد
من البشر أعم من أن يكون له شريعة كمحمد - عليه السلام - أوليس له
شريعة كيحيى - عليه السلام - (1) مأمورا من الله تعالى بتبليغ الأوامر
والنواهي إلى قوم أم لا (2). والرسول هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير
واسطة من البشر (3) وله شريعة إما مبتدءة كآدم - عليه السلام - أو تكملة لما
قبلها كمحمد - صلى الله عليه وآله - (4) مأمور (5) من الله تعالى بتبليغ الأوامر

(1) ل ون: - له شريعة... كيحيى عليه السلام.
(2) ك: - أم لا.
(3) ل وك ون: بشر.
(4) ك ول ون: - وله شريعة إما... كمحمد صلى الله عليه وآله.
(5) م ول ون: مأمورا.
34

والنواهي إلى قوم.
فإن قيل: ما الدليل على أن نصب الأنبياء والرسل واجب في الحكمة؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لطف واللطف واجب في الحكمة
فنصب الأنبياء والرسل واجب في الحكمة (1).
فإن قيل: ما حد اللطف؟
فالجواب: اللطف هو ما يقرب المكلف معه من (2) الطاعة ويبعد عن
المعصية ولاحظ له في التمكين ولم (3) يبلغ الالجاء.
فإن قيل: ما الدليل على أن اللطف واجب في الحكمة؟
فالجواب: الدليل على وجوبه توقف غرض المكلف عليه فيكون
واجبا في الحكمة وهو المطلوب.
فإن قيل: من نبي هذه الأمة؟
فالجواب: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
صلى الله عليه وآله.
فإن قيل: ما الدليل على نبوته؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه ادعى النبوة وظهر المعجز على يده
وكل من ادعى النبوة وظهر المعجز على يده فهو (4) نبي حقا.
فإن قيل: ما حد المعجز؟
فالجواب: المعجز هو الأمر الخارق للعادة المطابق للدعوى المقرون
بالتحدي المتعذر على الخلق الإتيان بمثله.

(1) ل: - فنصب الأنبياء والرسل واجب في الحكمة.
(2) ل و م ون: إلى.
(3) ل: ولا.
(4) ك ون: فيكون نبيا.
35

فإن قيل: بما علمتم أنه ادعى النبوة وظهر المعجز على يده؟
فالجواب: علمنا ذلك بالتواتر، فإنه لا يشك أحد في أن رجلا اسمه
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ظهر بمكة وادعى
النبوة.
وأما ظهور المعجز على يده - صلى الله عليه وآله - فأكثر من أن يحصى
حتى ضبط المسلمون له ألف معجزة (1)، من جملتها: القرآن، وانشقاق
القمر (2)، وحنين الجذع (3)، ونبوع الماء من بين أصابعه (4) وختم (5) الحصا في
كفه (6)، وشكاية البعير (7)، وسلام (8) الغزالة (9)، وكلام الذئب (10)، وكلام
الذراع المسمومة (11)، وإشباع الخلق الكثير من الطعام (12) القليل (13)، وإحياء

(1) ل ون: معجز.
(2) تفسير القمي 2 / 340، صحيح البخاري باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله
عليه وآله آية فأراهم انشقاق القمر، فتح الباري 6 / 494.
(3) سنن الترمذي باب 28 ح 3706 ج 5 / 254، صحيح البخاري باب علامات النبوة في
الإسلام، فتح الباري 6 / 471.
(4) سنن الترمذي باب 31 ح 3710 ج 5 / 256، صحيح البخاري باب علامات النبوة في
الإسلام، فتح الباري 6 / 457.
(5) ل: حتم.
(6) إعلام الورى ص 180، روضة الواعظين ص 63. مناقب آل أبي طالب 1 / 90.
(7) إعلام الورى ص 28.
(8) ن: كلام.
(9) إعلام الورى ص 26.
(10) إعلام الورى ص 25 و 180.
(11) ك ول: المسموم. أمالي الصدوق مجلس 40 ح 2 ص 186، السيرة النبوية 3 / 352،
تاريخ اليعقوبي 2 / 57.
(12) م: طعام، ل: الزاد اليسير.
(13) سنن الترمذي باب 30 ح 3709 ج 5 / 255، صحيح البخاري باب علامات النبوة فتح الباري 6 / 460.
36

الميت (1)، والإخبار بالغيب (2) وأمثال ذلك.
فإن قيل: ما الدليل على أن كل من ادعى النبوة وظهر المعجز على
يده فهو نبي؟
فالجواب: هذه مقدمة ضرورية لا تفتقر إلى دليل لكنا ننبه عليها
فنقول: المعجز فعل الله تعالى وهو قائم مقام التصديق ومن صدقه الله تعالى
فهو صادق لاستحالة أن يصدق الله الكذاب.
فإن قيل: هذا النبي الذي أثبتموه معصوم أم لا؟
فالجواب: معصوم من أول عمره إلى آخره (3) عن (4) السهو والنسيان
والذنوب الكبائر والصغائر (5) عمدا وسهوا.
فإن قيل: ما حد العصمة؟
فالجواب: العصمة لطف (6) يفعله (7) الله تعالى بالمكلف بحث يمتنع
منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما.
فإن قيل: ما الدليل على أنه معصوم من أول عمره إلى آخره؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه لو عهد منه في سالف عمره سهو أو
نسيان لارتفع الوثوق عن إخباراته ولو عهد منه خطيئة لنفرت العقول من
متابعته فتبطل فائدة البعثة.

(1) إعلام الورى ص 139.
(2) سنن الترمذي باب 108 خ 3862 ج 5 / 323 و ص 333.
(3) ل: آخر عمره.
(4) ل: من.
(5) ك: صغيرة وكبيرة، ن: كبائر وصغائر، ل: من كبائر وصغائر.
(6) ك: فعل.
(7) ل: يفعل.
37

فإن قيل: هل علمتم من دينه أنه خاتم الأنبياء (1) أم لا؟
فالجواب: علمنا ذلك من دينه صلى الله عليه وآله.
فإن قيل: بما (2) علمتموه.
فالجواب: علمنا ذلك بالقرآن (3) والحديث. أما القرآن فقوله تعالى:
(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) (4).
وأما الحديث فقوله عليه السلام لعلي عليه السلام: " أنت مني بمنزلة هارون
من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " (5).

(1) ن و م: الرسل.
(2) ل وك: بم.
(3) ك: من النص من القرآن.
(4) الأحزاب: 33 / 40.
(5) تفسير فرات الكوفي ص 160، معاني الأخبار ص 73، سنن الترمذي باب 91 ح 3814
ج 5 / 304، سنن ابن ماجة ج 1 / 45 ح 121.
38

الفصل الرابع
في الإمامة
فإن قيل: حكمة الله تعالى (1) تقتضي نصب الإمام (2) وتوجبه أم لا؟
فالجواب: الحكمة تقتضي ذلك (3) وتوجبه.
فإن قيل: ما حد الإمام؟
فالجواب: الإمام هو الإنسان الذي له رئاسة عامة في أمور الدين
والدنيا نيابة عن النبي عليه السلام.
فإن قبل: ما الدليل على أن الإمامة واجبة في الحكمة؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنها لطف واللطف واجب في الحكمة
على الله تعالى فالإمامة واجبة في الحكمة.
فإن قيل: هل يشترط في الإمام أن يكون معصوما أم لا؟

(1) ك ول: الحكمة.
(2) ن: إمام.
(3) ك: نصب الإمام.
39

فالجواب: يشترط العصمة في الإمام كما (1) تشترط (2) في النبي عليه
السلام.
فإن قيل: ما الدليل على أن الإمام يجب أن يكون معصوما؟
فالجواب: الدليل على ذلك من وجوه:
الأول: إنه لو جاز عليه الخطأ لافتقر إلى إمام آخر يسدده وننقل (3)
الكلام إليه ويتسلسل أو يثبت المطلوب.
الثاني: إنه لو فعل الخطيئة فإما أن يجب الانكار عليه (4) أو لا فإن
وجب الانكار عليه سقط (5) محله من القلوب ولم يتبع (6) والغرض من نصبه
اتباعه (7). وإن لم يجب الانكار عليه سقط وجوب النهي عن المنكر وهو باطل.
الثالث: إنه حافظ للشرع فلو لم يكن معصوما لم يؤمن عليه الزيادة
فيه والنقصان منه.
فإن قيل: من إمام هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟
فالجواب: علي بن أبي طالب عليه السلام.
فإن قيل: بما (8) علمتم أنه الإمام؟
فالجواب: علمنا (9) بالنص المتواتر من الله - عز وجل - ومن رسول

(1) ك: + إنها.
(2) ك: شرط.
(3) ن: ينقل.
(4) ك: عليه الانكار.
(5) ن: تسقط.
(6) ل وك و م: فلم يتبع.
(7) ك: فينتقض الغرض.
(8) ك ول: بم.
(9) ل: + ذلك.
40

الله صلى الله عليه وآله.
أما الذي (1) من الله تعالى فمثل قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (2). ومثل
قوله تعالى: (يا أيها الرسولا بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما
بلغت رسالته) (3). ومثل قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت
عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (4). ومثل قوله تعالى: (وإن
تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصلح المؤمنين) (5). ومثل قوله تعالى:
(فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) (6).
وأمثال ذلك.
وأما الذي (7) من رسول الله - صلى الله عليه وآله - فمثل قوله: " أنت
خليفتي من بعدي " (8) " أنت وصيي وقاضي ديني " (9) " سلموا عليه بإمرة
المؤمنين " (10) " أقضاكم علي " (11) " تعلموا منه ولا تعلموه " (12) " اسمعوا له (13)

(1) ل: أما من عند الله.
(2) المائدة: 5 / 55.
(3) المائدة: 5 / 67.
(4) المائدة: 5 / 3.
(5) التحريم: 66 / 4 ليست هذه الآية في نسخة ل.
(6) آل عمران: 3 / 61.
(7) ل: وأما من الرسول.
(8) عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 / 59 ح 229.
(9) ن: وأنت قاضي ديني. عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 / 61 ح 243، مناقب آل أبي
طالب 3 / 47.
(10) الكافي 1 / 131، تلخيص الشافي 2 / 45.
(11) الإيضاح لفضل بن شاذان ص 231 و 314.
(12)........ (13) ل: منه.
41

وأطيعوا " (1) " من كنت مولاه فعلي مولاه " (2) " أنت مني بمنزلة هارون من
موسى إلا أنه لا نبي بعدي " (3) " اللهم آتني (4) بأحب خلقك إليك يأكل
معي (5) هذا الطير (6) " (7) " أنا مدينة العلم وعلي بابها " (8) " نعم الراكبان هما
وأبوهما خير منهما " (9) " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله
ورسوله كرارا غير فرار " (10). ومثل إخائه (11) وتزويجه بابنته (12) وتعميمه بعمامته (13)
وركوبه على ناقته (14) وأمثال ذلك.
فإن قيل: من الإمام بعد علي عليه السلام؟

(1) ك ول: أطيعوه. التوحيد / 311، بحار الأنوار 38 / 113، 132 و ج 23 ص 298.
(2) تفسير فرات الكوفي / 160، معاني الأخبار / 63، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 / 47
ح 183، سنن ابن ماجة 1 / 45 ح 121.
(3) تفسير فرات الكوفي / 160 و 82، معاني الأخبار / 73، سنن ابن ماجة 1 / 45 ح 121،
سنن الترمذي باب 91 ح 3814 ج 5 / 304.
(4) ن و م: ائتني.
(5) ك و م: + من.
(6) ك ول: الطائر.
(7) سنن الترمذي باب 86 خ 3805 ج 5 / 300.
(8) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 / 66 ح 298.
(9) مناقب آل أبي طالب 3 / 388، ذخائر العقبى ص 130.
(10) تفسير فرات الكوفي ص 160، السيرة النبوية 3 / 349، سنن ابن ماجة 1 / 45 ح 121،
صحيح البخاري باب مناقب علي بن أبي طالب فتح الباري ج 7 / 58.
(11) تفسير فرات الكوفي / 68، سنن الترمذي ج 5 / 300 ح 3804. ن: أخاه.
(12) تفسير فرات الكوفي ص 82 و 157.
(13) ل وك: تعممه، مجمع البيان 8 / 343، مناقب آل أبي طالب 3 / 135، بحار الأنوار
20 / 203، 42 / 32.
(14) الكافي 1 / 237 وبحار الأنوار ج 42 / 32.
42

فالجواب: ولده (1): الحسن ثم (2) الحسين ثم علي بن الحسين ثم
محمد بن علي الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم
ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي التقي الجواد ثم علي بن محمد
الهادي ثم الحسن بن علي العسكري ثم الخلف القائم المهدي صلوات الله
عليهم أجمعين.
فإن قيل: ما الدليل على إمامة كل واحد من هؤلاء المذكورين؟
فالجواب: الدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله نص عليهم
نصا متواترا بالخلافة مثل (3) قوله عليه السلام: " ابني هذا الحسين إمام ابن
إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم يملأ الأرض قسطا وعدلا كما
ملئت ظلما وجورا " (4) (5). ومثل قوله صلى الله عليه وآله في حق القائم عليه
السلام (6): (لو لم يبق من الدنيا إلا ساعة واحدة لطول الله تلك الساعة حتى
يخرج رجل من ذريتي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي (7) يملأ الأرض قسطا

(1) ل: ولداه.
(2) ل: و.
(3) ك: ومثل.
(4) ل ون: جورا وظلما.
(5) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 52 ح 17، كمال الدين 1 / 262، الخصال 2 / 475
ح 38، الإختصاص ص 207 ح 1 باب 67، مناقب آل أبي طالب 1 / 295، كشف الغمة
3 / 421، إرشاد القلوب للديلمي 2 / 233 أنوار الملكوت ص 230، كنز العمال 7 / 98
و 13 / 644 و 11 / 590.
(6) ل: - في حق...
(7) ل: كنيتي.
43

وعدلا كما ملئت ظلما (1) وجورا " (2) ويجب على كل مخلوق متابعته (3). ولأن كل
إمام منهم نص على من بعده نصا متواترا بالخلافة ولا نهم - صلى الله عليهم -
ظهر عنهم (4) معجزات وكرامات خارقة للعادة لم تظهر على يد غيرهم
كعجن (5) الحصا وختمه (6) وأمثال ذلك.
فإن قيل: من إمام هذا الزمان؟
فالجواب: القائم المنتظر المهدي محمد (7) بن الحسن العسكري
صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.
فإن قيل: هو موجود أم سيوجد؟
فالجواب: هو موجود من زمان أبيه الحسن العسكري عليه السلام
لكنه مستتر إلى أن يأذن الله تعالى له بالخروج (8) فيملأ الأرض قسطا وعدلا
كما ملئت ظلما وجورا (9).
فإن قيل: ما الدليل على وجوده؟
فالجواب: الدليل على ذلك أن كل زمان لا بد فيه من إمام معصوم
وإلا لخلا الزمان من إمام معصوم مع أنه لطف واللطف واجب على الله تعالى

(1) ن: جورا وظلما.
(2) ن و م: - و. إعلام الورى 427 و 435، مسند أحمد الحنبل 1 / 377. منتخب
الأثر / 153.
(3)......
(4) ك: ظهرت منهم.
(5) ل: كمعجز.
(6) ك: حتمه.
(7) م: م، ح، م، د.
(8) ل وك: في الخروج.
(9) ل ون: جورا وظلما.
44

في كل زمان.
فإن قيل: ما وجه استتاره؟
فالجواب: وجه استتاره لكثرة العدو وقلة الناصر. وجاز أن يكون
لمصلحة خفية استأثر الله تعالى بعلمها.
فإن قيل: قد تقدم أن الإمامة لطف واللطف واجب على الله تعالى
فإذا كان الإمام مستترا كان الله تعالى مخلا بالواجب - تعالى الله عن ذلك علوا
كبيرا.
فالجواب: اللطف الواجب على الله تعالى في الإمام هو نصبه وتكليفه
بالإمامة، والله تعالى قد فعل ذلك فلم يكن مخلا بالواجب وإنما الاخلال
بالواجب من قبل (1) الرعية فإنهم يجب عليهم أن يتابعوه (2) ويمتثلوا أوامره
ونواهيه ويمكنوه من أنفسهم. فحيث لم يفعلوا ذلك كانوا مخلين بالواجب
فهلاكهم من قبل أنفسهم.
فإن قيل: ما الطريق إلى معرفته حين ظهوره بعد استتاره عليه
السلام؟
فالجواب: الطريق إلى ذلك ظهور المعجز على يده (3).

(1) ك: من جهة.
(2) ك: يبايعوه.
(3) م: بيده.
45

الفصل الخامس
في المعاد
فإن قيل: كل من اتصف (1) بالحياة هل يعاد بعد الموت أم لا؟
فالجواب: كل من اتصف بالحياة يعاد بعد الموت.
فإن قيل: ما الدليل على ذلك؟
فالجواب: الدليل على ذلك قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض
ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكثب من شئ ثم إلى
ربهم يحشرون) (2). وأخبار الصادق عليه السلام. فإن العقل دل (3) على
إعادة من له عوض أو عليه عوض. والنقل دل على إعادة الجميع.
فإن قيل: كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله من سؤال القبر،
ومنكر ونكير، ومبشر وبشر (4)، وحشر الأبدان والنفوس، والميزان، وتطاير

(1) ل: متصف.
(2) الأنعام: 6 / 38.
(3) ن و م: العقل والنقل دالان.
(4) ل: نذير.
46

الكتب، وشهادة الجوارح، والصراط، والجنة وما وعد الله فيها من النعيم
الدائم الذي لا ينقطع أبدا، والنار وما وعد الله فيها من العقاب (1) الدائم
الذي لا ينقطع أبدا، وشفاعة محمد صلى الله عليه وآله لأهل الكبائر والكوثر
الذي يسقي منه أمير المؤمنين عليه السلام العطاش من المؤمنين حق أم لا (2)؟
فالجواب: حق لا يشك (3) فيه أحد (4) من المؤمنين.
فإن قيل: ما الدليل على أن كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله
فهو حق؟
فالجواب: الدليل على ذلك أنه عليه الصلاة والسلام معصوم وكل
ما (5) أخبر به المعصوم فهو حق وإلا لم يكن المعصوم معصوما فكل (6) ما أخبر
به النبي صلى الله عليه وآله فهو حق.
وهذا آخر ما أردنا إيراد في هذه المقدمة ولنختمها بآية من كتاب الله
العزيز وهي:
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله
رب العالمين) (7).

(1) ك: العذاب والعقاب.
(2) ل: أم باطل.
(3) ك: لا شك.
(،) ك: لأحد.
(5) ن: فكل.
(6) م: وكل.
(7) الصافات: 37 / 180 - 182. م: + والله أعلم بالصواب.
47