الكتاب: كنز الفوائد
المؤلف: أبو الفتح الكراجكي
الجزء:
الوفاة: ٤٤٩
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٩ ش
المطبعة: غدير
الناشر: مكتبة المصطفوي - قم
ردمك:
ملاحظات: طبعة حجرية

كنز الفوائد
لمؤلفه
أبي الفتح محمد بن علي الكراجكي
المتوفي سنة 449
وفيه خمسة رسائل
1 - رسالة البيان عن جمل اعتقاد أهل الايمان 109
2 - رسالة في وجوب الإمامة 148
3 - رسالة في أصول الفقه عن كتاب (المفيد) 186
4 - رسالة المسمى بالبرهان 243
5 - رسالة التعجب من الكراجكي 307
1

هو الموفق والمعين
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين فإنه خير معين
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد رسوله خاتم النبيين وآله الطاهرين (مختصر
من الكلام في أن للحوادث أولا) اعلم أيدك الله ان من الملحدة فريقا
يثبتون الحوادث ومحدثها ويقولون انه لا أول لوجوده ولا ابتداء لها ويزعمون ان الله سبحانه لم يزل
يفعل ولا يزال كذلك وان أفعاله لا أول لها ولا آخر فقد خالفونا في قولهم إن الافعال لا أول لها إذ كنا
نعتقد ان الله تعالى ابتدأها وانه موجود قبلها ووافقونا بقولهم لا آخر لها لانهم وان ذهبوا في ذلك
إلى بقاء الدنيا على ما هي عليه واستمرار الافعال فيها وانه لا آخر لها فانا نذهب في دوام الافعال إلى وجه آخر
وهو تقضى أمر الدنيا وانتقال الحكم إلى الآخرة واستمرار الافعال فيها من نعيم أهل الجنة الذي لا ينقطع عن
أهلها وعذاب النار الذي لا ينقضى عن المخلدين فيها فأفعال الله عز وجل من هذا الوجه لا آخر لها و
هؤلاء أيدك الله هم الدهرية القائلون بان الدهر سرمدية لا أول له ولا آخر وان كل حركة تحرك بها الفلك
فقد تحرك قبلها بحركة قبلها حركة من غير نهاية وسيتحرك بعدها بحركة بعدها حركه لا إلى غاية وان لا
يوم إلا وقد كان قبله ليله ولا ليله إلا وقد كان قبلها يوم ولا انسان إلا أن يكون من نطفه ولا
نطفه تكونت إلا من انسان ولا طائر إلا من بيضه ولا بيضه إلا من طائر ولا شجره إلا من حبه ولا حبه
الا من شجره وان هذه الحوادث لم تزل تتعاقب ولا تزال كذلك ليس للماضي فيها بداية ولا للمستقبل
منها نهاية وهي مع ذلك صنعه لصانع لم يتقدمها وحكمه من حكيم لم يوجد قبلها وان الصنعة و
2

الصانع قديمان لم يزالا تعالى الله الذي لا قديم سواه وله الحمد على ما أسداه من معرفه الحق وأولاه وانا بعون
الله اورد لك طرفا من الأدلة على بطلان ما أدعاه الملحدون وفساد ما تخيله الدهريون (دليل)
فما يدل على أن الحوادث الماضية لا بد لها من أول اننا في كل وقت من أوقات زماننا بين آخر ماضيها
وأول مستقبلها فقد علمنا لا محالة آخر ما مضى هو أحد طرفيه ثم نحن نعلم علما لا نشك فيه انما يأتي
من مستقبل الحوادث إلى مائة سنة يكثر عدد الماضي ويزيد فيه فمعلوم انه قبل الزيادة أقل عددا منه
إذ انضمت إليه وهذا يدل على تناهى عدد ما مضى وحصر طرفيه لأنه لو كان لا نهاية له لم تتصور العقول
دخول التكثر فيه وقد صح بما بيناه ان الحوادث الماضية تصير إلى مائة سنة أكثر عددا مما هي اليوم عليه فبان
بهذا تناهيها وصح أولها كما صح آخرها ويبطل مقال الدهرية فيها (معارضة) وقد قال الملحدون ان جميع ما
ذكرتموه في الماضي عائد عليكم في المستقبل لأنكم تقولون ان أفعال الله تعالى المستقبلة لا آخر لها ومع هذا
فقد علمتم أولها وهو أحد طرفيها فيجب ان يكون ما يوجد إلى مائة سنة ينقص منها وإذا دخل النقصان فيها دل
على تناهيها وانحصار طرفيها (انفصال) فيقال لهم بين الماضي والمستقبل في ذلك فرق وهو ان الحوادث
الماضية ليس منها إلا ما كان موجودا قبل مضيه فقد شمل جميعها حكم الوجود فوجب ان يزيد فيها كل ما يخرج
إلى الوجود وليس المستقبل كذلك لأنها لم توجد وإنما هي في امكان الفاعل فلا يصح فيها النقض ولا سبيل
إلى القول فيها بالتناهي (دليل آخر) على تناهى ما مضى وهو انه قد مضت أيام وليال ووقفنا اليوم
عند آخرها فلا يخلوا أن تكون الأيام أكثر عددا من الليالي أو الليالي أكثر من الأيام أو يكونا في العدد سواء
فإن كانت الأيام أكثر من الليالي تناهت الليالي لأنها أقل منها واقتضى ذلك تناهى الأيام أيضا لبطلان
اتصالها قبل الليالي بغير ليال بينها فوجب على هذا الوجه تناهيهما معا وإن كانت الليالي أكثر من الأيام
كان الحكم فيها نظير ما قدمنا من تناهى الأول فتناهى الأيام لزيادة الليالي عليها ويقتضي ذلك تناهى الليالي
أيضا لفساد اتصالها قبل الأيام بغير أيام بينها فوجب على هذا الوجه الأخر تناهيهما معا وإن كانت الأيام و
الليالي في العدد سواء كان بمجموعهما أكثر عددا من أحدهما بانفراده وهذا يشهد بتناهيهما إذ لو كان
كل واحد منهما في نفسه غير متناه ما تصورت العقول عددا أكثر منه وقد علمنا أن الليالي مع الأيام جميعا
3

أكثر عددا من أحدهما وهذا موضح عن تناهيهما وبهذا الدليل نعلم أيضا تناهى جميع ما مضى من الحركات و
السكنات ومن الاجتماعات والافتراقات ومن الطيور والبيض والشجر والحب وما يجرى مجرى ذلك
(معارضة) قال الملحدون هذا الكلام عائد عليكم في نعيم المؤمنين في الجنة وعذاب الكافرين في النار
وقد زعمتم كل واحد منهما لا نهاية له ولستم تذهبون إلى أن أحدهما أكثر من الأخر فنخاطبكم بما ذكرتم ولكن نقول
لكم انهما بمجموعهما أكثر عددا من أحدهما وهذا يوجب تناهيهما جميعا وحصرهما (انفصال) يقال لهم هذا
الذي ذكرتموه لا يصح في المستقبلات وهو لازم لكم في الماضيات لأن الاعداد إذ يضم بعضها إلى بعض
بعد وجودها وحصرها وعدد الليل والنهار الماضيات فقد وجد أو انحصرا بالفراغ منهما والوقوف
عند آخرهما فصح ضم بعضها إلى بعض وأمكن ما ذكرنا فيهما والمستقبلات من نعيم أهل الجنة وعذاب أهل
النار فأمور متوقعة لم توجد وليس لها آخر لأنها تكون دائمة بغير انقضاء وما لم يوجد من العدد فلا يصح فيه ضم
بعض إلى بعض وما يتوقع حدوثه ابدا بغير نهاية لا يكون مثل ما قد حدث وكان وتناهى بادراك آخره في كل
حال (دليل آخر) ومما يدل على أن للأفعال الماضية أولا كونها ووجودها ولو لم يكن لها
أول ما صح وجودها لأنها كالعدد الذي لا يصح ان يتوالى إلا أن يكون له أول أما واحدا أو جملة يبتدأ
بها تقوم مقام الواحد (انفصال) قيل لهم لا يجب ذلك من قبل ان المستقبل منوطة بقدرة القادر
والعاد يصح منه ان يعد ما دام حيا فإذا كان ليس لوجوده آخر صح ان ليس لعده آخر ومع ذلك فلا بد
من أن يكون لعدده أول (دليل آخر) ومما يدل على أن الافعال لا يصح وجودها إلا بعد ان يبدأ
بأولها انه لو قيل لرجل لا تدخلن دارا حتى تدخل قبلها غيرها لم يصح منه دخول شئ من الدور ابدا ولم يمكن
ذلك إلا بان يبتدأ بواحدة منها (سؤال) فإن قالوا هذا يستحيل كما ذكرتم في المستقبل من الافعال
لأنه لا بد للمستقبلات من أول فمن أين لكم ان هذا حكم الماضيات (جواب) قيل لهم علمنا ذلك
من قبل ان الماضيات قد كانت مستقبلة قبل وجودها ومضيها فلو لم يكن لها أول ما صح وجودها و
بعد فلو رأينا هذا الرجل الذي مثلنا به وهو يدخل دارا بعد دار فقلنا له هل كان بعد دخولك هذه الدور
ابتداء حتى يقول لنا لم ابتدا بدار منها ولا دخلت دارا حتى دخلت قبلها دورا لا تتناهى فعلمنا انه كاذب
4

فيما ادعى (دليل اخر) ومما يدل على تناهى الافعال الماضية وانحصارها وصحة طرفيها خروجها إلى
الوجود على كمالها وفراغ فاعلها منها وكل شئ فعله الفاعل فقد يتوهم ان يفعل أمثاله وهذا وجه
صحيح يدل على تناهيها وانحصار طرفيها لجواز وجود أكثر منها (معارضة) وقال الملحدة هذا راجع
عليكم في نعيم أهل الجنة لأن الله تعالى يقدر على أمثاله فيتناهى بوجود أكثر منها (انفصال) فيقال لهم
ومتى صحت المماثلة بين الموضعين والافعال الماضية فقد خرج جميعها إلى الوجود ونعيم أهل الجنة ليس له
جميع ليخرج إلى الوجود وإنما يوجد شئ من غير أن يوقف له على وجه آخر من الوجوه فان قالوا فقد لزمكم
على هذا ان يكون الله تعالى وعد أهل الجنة بنعيم لا يصلون إلى جميعه ولا ينالون سائره قيل لهم قد أعلمناكم
انه لا جميع له في الحقيقة له ولا سايره إذ ليس له أخرى والذي وعدهم الله به هو نعيم متصل غير منقطع فلو وجد
حتى لا يبقى منه شئ ينتظر لكان في الحقيقة لم يف لهم بما وعد فان قالوا إن الافعال الماضية أيضا لا كل
لها في الحقيقة لاستحالة حصرها قيل لهم ولم زعمتم ذلك وقد سلمتم لنا انها قد دخلت في باب الوجود عن
آخرها واشتمل الحدوث عليها (مسألة) على الملحدة يقال لهم أخبرونا عن الشمس أليس لم تتحرك بحركة حتى
تحركت قبلها بحركات لا نهاية لها فإن قالوا بلى قيل لهم فإذا جاز ان يفرغ الحركات التي لا نهاية لها وتحركت
الشمس بها كلها حتى ينتهى إلى آخرها فالا جاز ان تتحرك بالحركات المستقبلة كلها حتى تفرغ منها وتقف عند آخرها
ولا يبقى مستقبل بعدها فإن قالوا إن المستقبلات لا كل في الحقيقة لها أجابوا بمثل قولنا ثم لم ينفعهم ذلك
فيما سألنا لأن الفراغ مما لا نهاية له قد صح عندهم وهو غير صحيح عندنا ان يلزمهم تقضى المستقبلات حتى توقف
عند آخرها فإن قالوا إن الشمس تتحرك بحركة واحدة باقية دائمة قيل لهم انه ليس يلزمنا قبول ما لا طريق إلى
فهمه ولا سبيل لمدعيه إلى اثبات علمه وهذا الذي زعمتموه دعوى عارية من برهان وبعد فانا إذا لم
تنازعكم في ذلك نسألكم فنقول ألستم معترفين بان الشمس قد دارت الفلك قبل هذه الدورة التي هي فيها
دورات لا نهاية لها فلا بد لهم من الاقرار بذلك فيقال لهم فقد عاد الامر إلى الفراغ مما لا نهاية له فما أنكرتم
ان تنقضي دوراتها المستقبلة التي يقولون انها لا نهاية لها ويفرغ حتى تقف عند آخرها كما فرغت
فيما مضى وهي الان في آخره فإن قالوا هذا يستحيل في المستقبل وهو صحيح في الماضي قيل لهم بنظير الكلام المتقدم
5

وهو ان الماضي قد كان مستقبلا فلو استحال ان يصير المستقبل ماضيا لاستحال في الماضي لأنه قد كان
مستقبلا (مسألة أخرى) عليهم يقال لهم أيجوز ان تدور الشمس في المستقبل دورات
بعد الدورات الماضية أم لا يجوز ذلك فإن قالوا غير جائز قيل لهم لم زعمتم ذلك وعندكم انها تدور في
المستقبل دورات لا نهاية لعددها فليس في ذلك ما يفي بما قد مضى فإن قالوا لا يفي به جعلوا الماضي
أكثر من المستقبل وأوجبوا تناهى المستقبل وان قالوا إن الشمس ستدور دورات يفي عددها بما مضى
أوجبوا تناهى ما مضى وقيل لهم أفيبقى من المستقبل بعد ذلك بقية فإن قالوا لا أقروا بوجود الأول و
الأخر وأوجبوا تناهى الزمان من طرفيه وجعلوا لدورات الشمس بداية ونهاية وهو خلاف ما ذهبوا
إليه وان قالوا إنه ستدور دورات يفي بما مضى ويبقى من المستقبل ما لا نهاية له أيضا لم يبق شبهة في
تناهى الماضي وصح أوله وبطل مذهبهم في قدمه والحمد لله (دليل آخر) على أن للأفعال الماضية أولا
فما يدل على ذلك أنه قد ثبت ان كل واحد منها محدث كائن بعد ان لم يكن ولها محدث متقدم عليها
فوجب ان يكون جميعهما محدثة كائنة بعد ان لم يكن ولها محدث متقدم عليها لأن جميعها هو مجتمع
آحادها ولا يصح ان يختلف في الجمع والتفرقة هذا الحكم فيهما كما أن كل واحد من الزنج بانفراده اسود فا
الجميع باجتماعهم سود والحكم في ذلك واحد في الجمع والتفريق وقد اجتمع معنا على أن جميعها أفعال
الفاعل وصنعة الصانع والعقول تشهد بوجوب تقدم الفاعل على أفعاله وسبق الصانع لصنعته وليس
يخالف في ذلك إلا مكابر لعقله بسم الله الرحمن الرحيم واعلم أن الملحدة لما لم تجد حيلة تدفع بها
وجوب تقدم الصانع على الصنعة قالت إنه متقدم عليها تقدم رتبته لا تقدم زمان فيجب ان نطالبهم بمعنى
تقدم الرتبة ليوضحوه فيكون الكلام بحسبه وقد سمعنا قوما منهم يقولون إن معنى ذلك أنه الفعال
فيها والمدبر لها فسألناهم هل يدافع عنها حقيقة الحدث فعادوا إلى الكلام الأول من أن كل
واحد من اجزاء الصنعة محدث فأعدنا عليهم ما سلف حتى لزمهم الاقرار بحدوث الكل وطالبناهم بحقيقة
المحدث والقديم فلم يجدوا مهربا من التقدم والقديم في الوجود على المحدث التقدم المفهوم المعلوم
الذي يكون أحدهما موجودا والاخر معدوما ولسنا نقول إن هذا التقدم موجب الزمان لان الزمان
6

أحد الافعال والله تعالى متقدم على جميع الأفعال وليس أيضا من شرط التقدم والتأخر في الوجود ان
يكون ذلك في زمان لأن الزمان نفسه قد يتقدم بعضه على بعض ولا يقال إن ذلك مقتض لزمان آخر
والكلام في هذا الموضع جليل ومن الحق فيه سقطت عنه شبه كثيرة وقد كنت اجتمعت في الرملة برجل
عجمي يعرف بابى سعيد البزدعي وكان يحفظ شبها في هذا الباب وكنت كثيرا ما أكلمه واستظهر باثبات
الحجة عليه فاورد على يوما شبهة كانت أكبر مما في يديه وتكلمت عليها بكلام لم اقنع به فاحكيه ثم كتبت كتابا
إلى بغداد إلى حضرة سيدنا الشريف المرتضى ذي المجدين رضي الله عنه وذكرت الشبهة فيه فورد إلي
جوابه عنها فانا أذكر الشبهة والجواب وما وجدته بعد ذلك من الكلام في هذا الباب الشبهة قال الملحدة
مستدلا على أن الصانع لم يتقدم الصنعة انى وجدت امرهما لا يخلو من ثلاث خصال أما ان تتقدم الصنعة
عليه أو ان يتأخر عنه أو ان يكونا في الوجود سواء وقد فسد باتفاق تقدمهما عليه قال ويفسد أيضا تقدمه عليها
إذ كان لا يخلو من أن يكون تقدمه عليها بمدة محصورة وتقدير أوقات متناهية أو بمدة غير محدودة وتقدير أوقات
غير محصورة قال فإن كان بينهما في الوجود أمد محصور وتقدير زمان محدود فهو متناولة أول واخر فكما
ان اخره حدوث الصنعة فكذلك أوله حدوث الصانع ونعوذ بالله من القول بذلك قال وان تقدمها بمدة
لا تحد وتقدير أوقات لا تتناهى وتحصر فلا آخر لهذه المدة كما لا أول لها وإذا لم يكن لها آخر فقد بطل
حدوث الصنعة وان نفيتم الأوقات والأزمان التي يصح هذا فيها فإنه لا يمكنكم انكار تقديرها وفي
التقدير يلزم هذا هنا قال فهذا دليل على أن الصنعة والصانع قديمان لم يزالا (والجواب) قاله
الشريف المرتضى رحمه الله أما الصانع من حيث كان صانعا فلا بد من تقدمه على صنعته سواء كان قديما
أو محدثا لأن تقدم الفاعل على فعله حكم يجب له من حيث كان فاعلا ويستوى في هذا الحكم الفاعل
القديم والفاعل المحدث غير أن الصانع القديم يجب ان يتقدم صنعته بما إذا قدرناه أوقاتا وأزمانا
كانت غير متناهية ولا محصورة ولا يجب هذا في الصانع المحدث بل يتقدم الصانع من المحدثين صنعته
بالزمان الواحد والأزمان المتناهية المحصورة والذي يدل على أن الصانع لا بد من أن يتقدم صنعته
ويستوى في هذا الحكم القديم والمحدث انه لو لم يتقدم عليها لم تكن فعلا له وحادثة به لأن من شأن
7

الفاعل ان يكون قادرا والقادر لا يقدر على الموجود لان وجوده يغني عن تعلق القدرة به فهذا يدل
على استحالة مصاحبة الفاعل لفعله فاما تقدم الفعل على فاعله فاظهر فسادا لأن المؤثر في وجود الفعل
وحدوثه كون فاعله قادرا فكيف يتقدم المؤثر فيه على المؤثر وأما تقدم الصانع القديم تعالى على صنعته
فيجب ان يكون غير محصورة الأوقات وإنما وجب ذلك فيه ولم يجب في الصانع المحدث لكونه قديما لأنه لو
كان بين القديم والمحدث أوقات متناهية لخرج من أن يكون قديما ودخل في أن يكون محدثا لأن من
شأن القديم ان لا يكون بوجوده ابتداء وتناهى ما بينه وبين الأوقات وبين المحدث يقتضى ان
يكون بوجوده أول وابتداء فاما ما تضمنه السؤال من التقسيم والتعويل في افساد تقدم الصنعة على الصانع
على الاتفاق على ذلك فغير صحيح لأن مثل هذا لا يعول فيه على الاتفاق بل لا بد ان يعين طريق العلم أما
من ضرورة أو استدلال وقد بينا ما يدل على أن الصنعة لا تتقدم الصانع فاما ما مضى من السؤال من
الزام نفي التناهى والاخر عن المدة التي تكون بين الصانع والصنعة كما نفى عنها الابتداء والتناهي من
قبل أولها فغير صحيح ولا لازم لأنا قد بينا انا متى جعلنا بين الصانع القديم وصنعته مدة متناهية
الابتداء محصورة لحق القديم بالمحدث وخرج من أن يكون قديما وإذا جعلناها محصورة الانتهاء لم يجب
ذلك فيها ولا أدي إلى ما قد علمنا فساده من كون القديم محدثا ولا إلى غيره من ضروب الفساد
فلم يلزم نفي الأخر عن المدة قياسا على نفي الأول وقد بين شيوخ أهل العدل في كتبهم الفرق بين
هذين الامرين وقالوا من المستحيل اثبات فاعل لم يزل فاعلا وليس بمنكر ولا مستحيل اثبات فاعل لا
يزال فاعلا وبينوا ان نفي التناهي والابتداء عن الافعال من قبل أولها يخرجها من أن يكون أفعالا و
ليس نفي التناهي عنها من قبل آخرها يخرجها من أن تكون أفعالا وذكروا ان نعيم أهل الجنة وعقاب
أهل النار دائمان لا انقطاع لهما ولا آخر ولم يؤد ذلك إلى المحال والفساد إلى ما أدي إليه نفي التناهي
عن الافعال من قبل أولها وقالوا ليس بمنكر ان يدخل داخل دارا بعد دار ابدا بغير انقطاع ومن المستحيل
المنكر ان يدخل دارا قبل دار ابدا بلا أول وقد استقصينا نحن هذا الكلام في مواضع كثيرة من كتبنا
وذكرناه في الملخص وغيره من أجوبة المسائل والنقوض على المخالفين وأما ما تضمنه السؤال من أن هذا
8

يدل على أن الصنعة والصانع قديمان لم يزالا فمناقضة ظاهرة لان الوصف المتصف بالقدم ينقض كونه صفة
كما أن وصف القديم بأنه مصنوع ينقض كونه قديما وهل هذا إلا تصريح بان المحدث قديم والقديم محدث ولا خفاء
بفساد ذلك هذا آخر الجواب الوارد إلي من حضرة السيد الشريف المرتضى رضي الله عنه عن هذه الشبهة وجميع ما تضمنه من اطلاق
القول بان بين القديم وأول المحدثات أوقات لا أول لها فإنما المراد به تقدير أوقات دون ان يكون القصد
أوقاتا في الحقيقة لأن الأوقات أفعال فقد ثبت ان للأفعال أولا فلو قلنا إن بين القديم وأول الافعال أوقاتا
في الحقيقة لناقضناه ودخلنا في مذهب خصمنا نعوذ بالله من القول بهذا (جواب آخر عن هذه
الشبهة) وقد قال بعض أهل العلم انه لا ينبغي ان نقول بين القديم وبين المحدث لأن هذه اللفظة
إنما تقع بين شيئين محدودين والقديم لا أول له والواجب ان نقول إن وجود القديم لم يكن عن عدم ونقول
انه لو أمكن وجود حوادث بلا نهاية ولم يتناقض ذلك لأمكن ان يفعلها حادثا قبل حادث لا إلى أول
فيكون قد وجدت حوادث بلا نهاية ولسنا نريد بذلك انه كان قبل فعل مدة يريد امتدادها لأن هذا هو الحدوث
والتجدد وهو معنى الزمان والحركة فإن قال قائل انه لا يثبت في الأوهام إلا هذا الامتداد قيل له ليس يجب
إذا ثبت في الوهم ان يكون صحيحا أليس عندكم انه ليس خارج العالم خلاء وذلك غير متوهم ثم يقال لهم أيثبت
في الوهم ذلك مع فرضكم نفي الحركات والتغييرات أم مع فرضكم اثبات ذلك فإن قالوا مع فرضنا اثبات
ذلك قيل لهم فيجب مع نفي ذلك ان لا يثبت هذا التوهم وان قالوا يثبت هذا التوهم مع فرضنا نفي ذلك قيل
لهم فقد ثبت في التوهم النقيضان لأن هذا التوهم هو ان ينتقل ويمتد قال ثم يقال أرأيتم لو قال لكم قائل
ليس يثبت في ذهني موجود ليس في جهة فيجب ان يكون البارئ عز وجل في جهة أليس يكون يمكن ان يقال إنما يثبت
ذلك في الوهم متى فرضتموه جسما وأما متى فرضتموه غير جسم ولا متحيز فإنه لا يثبت ذلك في الوهم فهكذا يكون
جوابنا لكم ثم قال هذا المتكلم فإن قالوا فإذا لم تثبتوا مدة مديدة قبل الفعل فقد قلتم ان الباري سبحانه لم
يتقدم فعله قيل بل نقول إنه يتقدم على معنى ان وجوده قارن عدم فعله ثم قارن وجود فعله وقولنا
ثم يترتب على عدم الفعال لا غير قال ونقول إذا فعل الله سبحانه شيئا انه كان يجوز ان يتقدم على معنى
انه يفعله فيكون بينه وبين يومنا من الحوادث أكثر مما هو الان وليس الكثرة والتقدم والتأخر راجعا إلا
9

إلى الحوادث دون مدة يقع فيها ثم تكلم في نفي المدة فقال والذي يبين ان تقدم الحركات وتأخرها يثبت
من دون مدة يقع فيها انه لا يخلو هذه المدة من أن تكون شيئا واحدا لا امتداد فيه ولا ينتقل من حال
إلى حال أو يكون فيه تنقل وامتداد والأول يقتضى اثبات الزمان على غير الوجه المعقول ويقتضي أن تكون
الأشياء غير متقدم بعضها على بعض إذا كان بالأجل تقدمه وتأخره بتقدم الأشياء ويتأخر ليس فيه
تقدم وتأخر فليت شعري أثبت التقدم والتأخر بنفسه أم بغيره إن كان يثبت فيه بغيره أدي إلى ما لا نهاية
له وإن كان ذلك الزمان متقدما ومتأخرا بنفسه من غير أن يكون في شئ متقدم ومتاخر فهلا قيل
ذلك في الحركات واستغنى عن معنى غيرها فصل وبيان وهذه الطريقة التي حكيتها هي عندي قاطعة لمادة
الشبهة كافية في اثبات الحجة المستدل بها وهي مطابقة لاختيار أبي القاسم البلخي لأنه لا يطلق القول
بان بين القديم وأول المحدثات مدة ويقول إن قبلها بمعنى انه كان موجودا ثم وجدت وهي معنى ما ذكر
هذا المتكلم في قوله إن وجوده قارن عدم فعله ثم قارن وجود فعله فهو على هذا الوجه قبل أفعاله
واعلم أيدك الله ان العبارات في هذه المواضع تضيق عن المعاني وتدعو الضرورة إلى النطق بما عهد
ووجد في الشاهد وان لم يكن المراد حقيقة في المتعارف ويجوز ذلك إذا كان مؤديا لحقيقة المعنى
إلى النفس كقولنا قبل وبعد وكان وثم فليس المعهود في الشاهد استعمال هذه الألفاظ إلا في الأوقات
والمدد فإذا قلنا إن الله تعالى كان قبل خلقه ثم أوجد خلقه فليس هذا التقديم والتأخير مفيد الأوقات
ومدد وقد تتقدم الأوقات بعضها على بعض بأنفسها من غير أن يكون لها أوقات اخر وكذلك ما
يطلق به اللفظ من قولنا ان وجود الله قبل وجود خلقه فليس للوجود في الحقيقة معنى غير الموجود و
إنما هو اتساع في القول والمعنى مفهوم معقول وقد سال أبو القاسم البلخي نفسه فقال إن قال قائل أخبرونا
عن أول فعل فعله الله تعالى أكان من الجائز ان يفعل قبل غيره وأجاب عن ذلك فقال هو جائز بمعنى ان
يكون لم يفعله وفعل غيره بدله وفعله هو فاما غير ذلك فلا يجوز لأنه يؤدى إلى المحال وفي هذا القدر
كفاية في الكلام على الملحدة الدهرية والحمد لله (مسألة) في تأويل خبر ان سال سائل فقال ما معنى
قول النبي صلى الله عليه وآله في الخبر المروى عنه لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر (الجواب) قيل له الوجه
10

في ذلك ان الملحدين ومن نفى الصانع من العرب كانوا ينسبون ما ينزل بهم من أفعال الله تعالى كالمرض و
العافية والجدب والخصب والغناء إلى الدهر جهلا منهم بالصانع جلت عظمته ويذمونه في كثير من الأحوال
من حيث اعتقدوا انه الفاعل بهم هذه الأفعال فنهاهم النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك وقال لهم لا تسبوا من
فعل بكم الافعال ممن يعتقدون انه هو الدهر فإن الله تعالى هو الفاعل لهذه الأفعال وإنما
قال إن الله هو الدهر من حيث نسبوا إلى الدهر أفعال الله تعالى وقد حكى الله تعالى عنهم قولهم ما هي
إلا حيوتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وقال لسيد في قروم سادة من قومه نظر الدهر
إليهم وابتهل أي دعا عليهم (قصيدة في الآداب والامثال لابن دريد)
(ما طاب فرع لا يطيب أصله) (حمى مؤاخاة اللئيم فعله) (وكل من آخا لئيما مثله) (من يشتكى الدهر يطل في الشكوى)
(فالدهر ما ليس عليه عدوى) (مستشعر الحرص عظيم البلوى) (من امن الدهر اتى من مامنه) (لا تستثر ذا لبد من مكمنه)
(وكل شئ يبتغى من معدنه) (لكل ناع ذات يوم ناعي) (وإنما السعي بقدر الساعي) (قد يهلك المرعى عنف الراعي)
(من يترك القصد تضق مذاهبه) (دل على فعل امرئ مصاحبه) (لا تركب الامر وأنت عائبه) (من لزم التقوى استبان عدله)
(من ملك الصبر عليه عقله) (نجا من العير وبان فضله) (يجلو اليقين كدر الظنون) (والمرء في تقلب الشؤون)
(حتى توفاه يد المنون) (يا رب حلو سيعود سما) (ورب حمد سيحوز ذما) (ورب روح سيصير هما)
(من لم تصل فارض إذ حباكا) (وأوله حمدا إذا قلاكا) (أو أوله منك الذي أولاكا) (مالك إلا ما عليك مثله)
(لا تحمدن المرء ما لم تبله) (والمرء كالصورة لولا فعله) (يا ربما أورثت اللجاجة) (ما ليس للمرء إليه حاجه)
(وضيق أمر يبتغ انفراجه) (ليس يقي من لم يق الله الحذر) (وليس يقدر امرؤ على القدر) (والقلب يعمى مثلما يعمى البصر)
(كم من وعيد يخرق الأذانا) (كأنما يعنى به سوانا) (أصمنا الاهمال بل أعمانا) (ما أفسد الخرق وساء الرفق)
(وخير ما أنبأ عنك الصدق) (كم صعقة دل عليها البرق) (لكل ما يؤذى وان قل ألم) (ما أطول الليل على من لم ينم)
(وسقم عقل المرء من شر السقم) (أعداء عيب اخوة التلاقي) (يا سواتا لهذه الأخلاق) (كأنما اشتقت من النفاق)
(أنف الفتى وهو صريم اجدع) (من وجهه وهو قبيح أشنع) (هل يستوى المحظوظ والمضيع) (ما منك من لم يقبل المعاتبة)
(وشر أخلاق الفتى المؤاربة) (ينجيك مما نكره المجانبة) (متى تصيب الصاحب المهذبا) (هيهات ما أعسر هذا المطلبا)
11

(وشر ما طالبته ما استصعبا) (أف لعقل الأشمط النصاب) (رب معيب فعله عياب) (ذم الكلام حذر الجواب)
(لكل ما يجرى جواد كبوه) (ما لك إلا أن قبلت عفوه) (من ذا الذي يسقيك عفوا صفوه) (لا يسلك الشر سبيل الخير)
(والله يقضى ليس زجر الطير) (كم قمر عاد إلى قمير) (لا يجتمع جمع لغير بين) (لفرقه كل اجتماع اثنين)
(يعمى الفتى وهو البصير العين) (الصمت ان ضاق الكلام أوسع) (لكل جنب ذات يوم مصرع) (كم جامع لغيره ما يجمع)
(مالك إلا ما بذلت مال) (في طرفة العين يحول الحال) (ودون آمال الفتى الآجال) (كم قد بكت عين وليس تضحك)
(وضاق من بعد اتساع مسلك) (لا تبر من أمرا عليك يملك) (خير الأمور ما حمدت غبه) (لا يرهب المذنب إلا ذنبه)
(والمرء مقرون بمن أحبه) (كل مقام فله مقال) (كل زمان فله رجال) (وللعقول تضرب الأمثال)
(دع كل أمر منه يوما تعتذر) (عف كل ورد غير محمود الصدر) (لا تنفع الحيلة في ماضي القدر) (نوم امرئ خير له من يقظة)
(لم يرضه فيه الكرام الحفظة) (وفي صروف الدهر للمرء عظة) (مسألة الناس لباس ذل) (من عف لم يسأم ولم يمل)
(فارض من الأكثر بالأقل) (جواب سوء المنطق السكوت) (قد أفلح المبتدئ الصموت) (ما حم من رزقك لا يفوت)
(في كل شئ عبرة لمن عقل) (قد يسعد المرء إذا المرء اعتدل) (ترجو غدا ودون ما يرجو الاجل) (من لك بالمحض وليس محض)
(يخبث بعض ويطيب بعض) (ورب أمر قد نهاه النقض) (كم زاد في ذنب جهول عذره) (ذا مرض يعنى عليك امره)
(يخشى امرء شيئا ولا يضره) (يا رب احسان يعود ذنبا) (ورب سلم سيعود حربا) (وذو الحجى يحمل ان أحبا)
(قد يدرك المعسر في اعساره) (ما يبلغ الموسر في ايساره) (وينتهى الهاوي إلى قراره) (الشئ في نقص إذا تناها)
(والنفس تنقاد إلى رداها) (مذعنه يحنث سائقاها) (الناس في فطرتهم سواء) (وان تساوت بهم الأهواء)
(كل بقاء بعده فناء) (لم يغل شئ وهو موجود الثمن) (مال الفتى ما قصه لا ما احتجن) (إذا حوى جثمانه ثرى الجبن)
(المال يحكى الغى في اثقاله) (وإنما المنفق من أمواله) (ما عمر الخلة من سؤاله) (من لاح في عارضه القتير)
(فقد اتاه بالبلى النذير) (ثم إلى ذي العزة المصير) (رأيت غب الصبر مما يحمد) (وانما النفس كما تعود)
(وشر ما يطلب ما لا يوجد) (ان اتباع المرء كل شهوة) (ليلبس القلب لباس قسوة) (وكبوة العجب أشد كبوة)
(من يزرع المعروف يحصد ما رضي) (لكل شئ غاية ستفتضي) (والشر موقوف لدى التعرض) (لا يأكل الانسان إلا ما رزق)
(ما كل أخلاق الرجال تتفق) (هان على النائم ما يلقى الارق) (من يلذع الناس يجد من يلذعه) (لسان ذي الجهل وشيكا يوقعه)
12

(لا يعدم الباطل حقا يدمغه) (كل زمان فله توابع) (والحق للباطل ضد دامغ) (لا يغصك المشرب وهو سائغ)
(رب رجاء قض من مخافة) (ورب امن سيعود آفة) (ذو النجح لا يستبعد المسافة) (كم من عزيز قد رأيت ذلا)
(وكم سرور مقبل تولى) (وكم وضيع شال فاستقلا) (لا خير في صحبة من لا ينصف) (والدهر يجفو امره ويلطف)
(والموت يفنى كل عين تطرف) (رب صباح لامرئ لا يمسه) (حتف الفتى موكل بنفسه) (حتى يحل في ضريح رمسه)
(انى ارى كل جديد بالي) (وكل شئ فإلى زوال) (فاستشف من جهلك بالسؤال) (آن رحيلا فاعد الزادا)
(آن معادا فاحذر المعادا) (لا يملك العمر وان تمادى) (انك مربوب مدين تسئل) (والدهر عن ذي غفله لا يغفل)
(وكل ما قدمته محصل) (حتى يجئ يومك المؤجل) (فصل) روى عن أحد الأئمة أنه قال
رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله عز وجل كتم ثلاثة في ثلاثة رضاه في طاعته وكتم سخطه في معصيته و
كتم وليه في خلقه ولا يستخفن أحدكم شيئا من الطاعات فإنه لا يدرى في أيها رضا الله تعالى ولا يسقلن أحدكم
شيئا من المعاصي فإنه لا يدرى في أيها سخط الله ولا يزرين أحدكم بأحد من خلق الله فإنه لا يدرى أيهم ولى الله
ومن كلامه صلى الله عليه وآله من سرته حسنته وساءته معصيته فهو مؤمن لا خير في العيش إلا لرجلين عالم مطاع ومستمع واع
كفى بالنفس غنى وبالعبادة شغلا لا تنظروا إلى صغير الذنب ولكن انظروا إلى من اجترأتم وقال عليه واله السلام
آفة الحديث الكذب وآفة العلم النسيان وآفة العبادة الفترة وآفة الطرف الصلف لا حسب إلا بتواضع ولا كرم إلا
بتقوى ولا عمل إلا بنية ولا عبادة إلا بيقين ان العاقل من أطاع الله وإن كان ذميم المنظر حقير الخطر وان
الجاهل من عصى الله وإن كان جميل المنظر عظيم الخطر أفضل الناس أعقل الناس ان الله تعالى قسم العقل
ثلاثة اجزاء فمن كانت فيه كمل عقله ولم تك فيه فلا عقل له المعرفة بالله تعالى وحسن الطاقة وحسن الصبر
ان لكل شئ آلة وعدة وآلة المؤمن وعدته العقل ولكل شئ مطية ومطية المرء عقله ولكل شئ غاية وغاية
العبادة العقل ولكل قوم راع وراعي العابدين العقل ولكل تاجر بضاعة وبضاعة المجتهدين العقل
ولكل خراب عمارة وعمارة الآخرة العقل ولكل سفر فسطاط يلجئون إليه وفسطاط المسلمين العقل
(فصل) روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه أنه قال العقل ولادة
والعلم إفادة ومجالسة العلماء زيادة وروى عنه عليه السلام أنه قال هبط جبرئيل عليه السلام على آدم عليه السلام فقال له يا آدم
13

امرت ان أخيرك في ثلاث فاختر منهن واحدة ودع اثنتين فقال له آدم عليه السلام وما الثلاث قال العقل والحياء والدين
فقال آدم عليه السلام فانى قد اخترت العقل فقال جبرئيل للحياء والدين انصرفا فقالا (يا جبرئيل انا امرنا ان نكون
مع العقل حيث كان قال فشأنكما وعرج (مسألة) ان سئل سائل فقال كيف يحسن مخاطبة الحياء
والدين وكيف يصح منهما النطق وهما داخلان في باب الاعراض التي لا تقوم بأنفسها ولا تصح الحياة
والنطق منهما (الجواب) قيل له هذا مجاز من القول وتوسع في الكلام والمعنى فيه انهما لو
كانا حيين قائمين بأنفسهما تصح المخاطبة لهما والنطق منهما لكان هذا حكمهما والمحكى عنهما جوابهما
وقد يستعمل العرب ذلك في كلامهما وهو نوع من أنواع فصاحتها قال الشاعر (امتلا الحوض
وقال قطني) (مهلا رويدا قد ملأت بطني) ونحن نعلم أن الحوض لا يصح منه النطق ولكنه استعار
النطق لأنه عنده لو كان في صورة ما ينطق لكان هذا قوله (خبر آخر) في هذا المعنى وهو المشتهر
بين الخاصة والعامة من أن أول شئ خلق الله تعالى العقل فقال له اقبل فاقبل ثم قال له أدبر فادبر فقال
وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك بك أعطي وبك امنع وبك أثيب وبك أعاقب وعزتي
وجلالي لا أكملتك إلا فيمن أحببت فالمعنى فيه نظير ما تقدم هو ان العقل لو كان قائما بنفسه حتى يوجد
مفردا لكان أول شئ خلقه تعالى لفضله ولأن منازل العالية لا تستحق إلا به ولو كان حيا قادرا
لصح منه امتثال أمر الشارع إلى ما يؤمر به ولم يقع خلاف للمراد منه وهذا كله بينة على شرف العقل وجلالته
وحث على وجوب الرجوع إليه والتمسك بحججه وفي القرآن لذلك نظائر (فصل) مما ورد في القرآن في
هذا المعنى فمن ذلك قول الله عز وجل إنما امرنا بشئ إذا أردناه ان نقول له كن فيكون فدليل شاهد
بان المراد بذلك ليس هو القول ولا يصح فيه حقيقة الامر لأنه لو كان يأمر الشئ في الحقيقة بالكون كان
لا يخلو من حالين أما ان يأمره بذلك والشئ في حال عدمه أو في حال وجوده ومحال ان يأمره وهو في
حال عدمه لان المعدوم في الحقيقة ليس بشئ فيتوجه إليه الامر والذين يثبتون انه شئ في حال عدمه من المتكلمين
لا يخالفون في أنه لا يصح ان يؤمر ومحال أيضا ان يأمره بالكون وهو في حال وجوده لأن الموجود هو الكائن ولا
يقال للكائن كن كما لا يقال للساكن أسكن وأيضا فلو كان يأمره في الحقيقة بالكون لكان الشئ المأمور هو الذي
14

يفعل نفسه ويكونها ولا يصح من شئ ان يفعل الا ان يكون حيا قادرا ولا يصح منه ان يفعل
الحكم المتقن الا بعد كونه عالما وهذا كله على أن المعدوم لا يؤمر وان الشئ لا يفعل نفسه ولم يبق إلا أن يكون
ذلك مجازا في القول والمراد به الاخبار عن تيسر الفعل على الله سبحانه إذا اراده وانه غير متعذر منه ومتى أراد
كونه كان بغير حائل ولا مانع حتى كان الذي يريده لو كان حيا قادرا يصح ان يكون نفسه ثم امره الله تعالى
بذلك ليبادر إليه ولم يتأخر عنه ومثل ذلك قول الله عز وجل ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها و
للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا آتينا طائعين وليس المراد ان السماء والأرض وهما جماد نطقتا وإنما المعنى
تيسر فعلهما وما اراده فيهما فكأنهما لو كانتا حيا قادرا في حكم الاحياء القادرين الذين يصح منهم النطق و
الاتيان لقالتا إذا امرنا بالاتيان آتينا طائعين ونظير هذا في الكلام كثير والناس يجعلون من تيسر
منه الفعل كان فعله قد اطاعه ويقولون للشاعر الحاضر الخاطر ان القوافي لتسمع وتطيع وانك لتراها
رأى العين وانها لمحصورة بين يديك ومرادهم انها لا يتعذر عليه متى رامها ولا يتوقف في شئ منها إذا
قصدها فكأنها لو كانت في حيز ما ترى لرآها أو في حكم من يطيع لاطاعت امره إذا امرها فاما الاخبار
عن السماء والأرض بأنهما قالتا آتينا طائعين بلفظ التذكير فيحتمل ان يكون المعنى آتينا بمن فينا ومن يصح
فيه التذكير ومن ذلك قول الله عز وجل يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد وجهنم في الحقيقة
لا يصح ان يخاطب ولا يقع منها القول فالمعنى انها لو كانت في حكم من يخاطب ويصح منها القول لقالت هل
من مزيد وقيل في الآية بوجه آخر وهو ان الذكر لها أو الخطاب في الحقيقة متوجه إلى خزنتها وهم القائلون هل من
مزيد وإنما أضيف ذلك إليها كما يقال قالت البلدة الفلانية اي قال أهلها قال الله تعالى واسئل القرية التي
كنا فيها والمراد أهلها ومن ذلك قول الله عز وجل يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا
يعملون وقوله جل اسمه وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم
أول مره وإليه ترجعون فالقول عندنا ذلك كله انه على الاستعارة ومجاز اللغة دون الحقيقة والمعنى
فيه ان الجوارح لو كانت مما تنطق لنطقت على أصحابها بالشهادة وقالت أنطقنا الله وقد يجوز في ابعاض
الانسان ما يقام الشهادة بفعله وان لم يكن نطق والعرب تقول رب عين أنطق من لسان ويقولون
15

عيناك تشهد بسحرك ونظرك يدل على خبرك والشواهد على هذا كثيرة وفيما ذكرناه كفاية (مسألة)
(من عويص النسب الأقل لابن أم حماة أمي) (انا ابن أخ ابن أختك غير وهم) (فلو زوجت أختك من أخ لي)
(فأولدها غلاما كان عمي) (وكان أخي لذاك العم عما) (وصار العم مثل دمي ولحمي) (فمن منك أو
من أنت مني) (أجب ان كنت ذا لب وفهم) (الجواب) القائل ابن ابن المقول له هو خال أب القائل
وأخت المقول له هي أم أبي القائل فإذا تزوجها أخو القائل لامه وهو جائز لأنه لا قرابة بينها فأولدها غلاما فا
لغلام عم القائل لأنه يصير أخا لأبيه ويكون القائل أيضا عما للغلام من الام وكانت اخوة القائل من أبيه و
امه أعماما للغلام (فصل) في ذكر الدنيا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحب دنياه
أضر بآخرته قال أمير المؤمنين عليه السلام الدنيا دول فاطلب حظك منها باجمال الطلب وقال عليه السلام من
امن الزمان خانه ومن غالبه هانه وقال الدهر يومان يوم لك ويوم عليك فإن كان لك فلا تبطر وإن كان
عليك فاصبر فكلاهما عنك يمضى قال بعض الشعراء (وان امرءا دنياه أكثر همه) (لمستمسك منها
بحبل غرور) وقال بعضهم إياك والاغترار بالدنيا والركون إليها فإن أمانتها كاذبة وآمالها خائبة وعيشها نكد
وصفوها كدر وأنت منها على خطر أما نعمه زائلة وأما بلية نازلة وأما مصيبة موجعة ومنية مفجعة وقال
آخر صاحب الدنيا في حرب يكابد الأهواء لتنقدح والجهالة لتقمح والارواع لتندفع والآمال لتنال والمكروه ليزال
وبعض ذلك عن بعض شاغل والمشغل عنه ضائع فلما رأى الحكماء انه لا سبيل إلى احكام ذلك تركوا ما يفنى ليحرزوا
ما يبقى (فصل) في ذكر الأمل روى أن الله تعالى قال يا ابن آدم يأتي رزقك وأنت تحزن وينقص
من عمرك وأنت لا تحزن تطلب ما يطغيك وعندك ما يكفيك وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من كان يأمل ان
يعيش غدا فإنه يأمل ان يعيش ابدا وقال بعضهم الآمال لا تنتهى والحي لا يكتفى وقيل ما أطاع عبدا ملة إلا
قصر امله وقال آخر لا يلهك الأمل الطويل عن الاجل القصير وقال آخر من جرى في عنان عمله عثر بأجله
وقال آخر انك إذا أدركت أملك قربك من اجلك وإذا أدركك اجلك لم تبلغ أملك لابن الرومي (خمسون
عاما كنت آملها) (كانت امامى ثم خلفتها) (كنز حياة لي أنفقته) (على تصاريف تطرفتها) (لو كان عمري
مأة هدني) (تذكري تسوفتها) (فصل) في ذكر الموت روي أنه كان في التوراة مكتوبا يا بن آدم لا
16

لا تشتهى حتى تموت حتى تتوب وأنت لا تتوب حتى تموت وقال أمير المؤمنين عليه السلام من أكثر ذكر الموت رضي
من الدنيا باليسير وقال بعضهم لو رأيتم الاجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغرورة وانشد (نراع
لذكر الموت ساعة ذكره) (فتعترض الدنيا فنلهو ونلعب) وقيل إن امرءا آخره الموت لحقيق ان يخاف
ما بعده وروى أن أمير المؤمنين عليه السلام سمع انسانا يقول انا لله وانا إليه راجعون فقال قولنا انا لله
اقرار منا له بالملك وقولنا وانا إليه راجعون اقرار على أنفسنا بالهلك وقيل إن من عجائب الدنيا انك
تبكى على تدفنه وتطرح التراب على وجه من تكرمه (أبو نؤاس غر جهولا امله) (يموت من جاء اجله
ومن دنا من يومه لم تغن عنه حيله) (وكيف يبقى آخر قد مات عند أوله) (لا يصحب الانسان من
دنياه إلا عمله) - أبو ذؤيب - (وإذا المنيه انشبت أظفارها) (ألفيت كل تميمة لا تنفع) (غيره
ننافس في الدنيا ونحن نعيبها) (وقد حذرتناها لعمري خطوبها) (وما نحسب الساعات تقطع مدة)
(على انها فينا سريع ربيبها) (كأني برهطي يحملون جنازتي) (إلى حفرة يحث على كثيبها) (وباكية
حرى تنوح واننى) (على غفلة من صوتها لا أجيبها) (أيا هادم اللذات ما منك مهرب)
(يحاذر نفسي منك ما يصيبها) (رأيت المنايا قسمت بين أنفس) (ونفسي سيأتي بعد
ذاك نصيبها) - لأبي إسحاق الصابي - (من قطعة كتبها الشريف الرضي أبي الحسن الموسوي وهو
هذا شعر (واني على عيب الردى في جوانبي) (وما كف من خطوى وبطش بناني) (وان
لم يدع إلا فؤادا مروعا) (به غير باق من الخفقان) (تلوم تحت الحجب تنقب حكمة) (إلى اذن
تصغي لنطق لساني) (لاعلم انى ميت عاق دفنه) (دماء قليل في غد هو فان) (وان فما للأرض
غرتان حائما) (يراصد من أكلي حضور أو ان) (به فترة عم الورى لفجائع) (تركن فلانا ثاكلا لفلان)
(غدا فاغرا يشكو الطوى فهو راتع) (وما تلتقي يوما له شفتان) (وكيف وحد القوت منه فناؤنا)
(وما دون ذاك الحد رد عيان) (إذا عاصيا بالنسك ممن يعوله) (فلا أولا منه بمهلك ثان)
(إلى ذات يوم لا ترى الأرض وارثا) (سوى الله من انس تراه وجان) (لغيره فكم من صحيح بات للموت
17

آمنا) (اتته المنايا رقدة بعد ما هجع) (فلم يستطع إذ جاءه الموت بغته) (فرارا ولا منه بحيلة انتفع)
(فأصبح تبكيه النساء مكفنا) (ولا يسمع الداعي إذا صوته رفع) (وقرب من لحد فصار مقيله)
(وفارق ما قد كان بالأمس قد جمع) (فصل) وفي ذكر الموت والقتل وما بينهما اعلم أن الموت
غير القتل والذي يدل على أنهما غير أن قول الله عز وجل فإن مات أو قتل وقوله تعالى ولئن متم أو
قتلتم وقوله سبحانه ما ماتوا وما قتلوا وليس يجوز ان يكون التأكيد والتكرير في اللفظين يرجعان
إلى معنى واحد ويدل على ذلك أيضا العلم بان الله سبحانه ليس بقاتل لمن مات حتف انفه ولو قال
قائل في ميت ان الله قتله لأعاب العقلاء عليه والموت والقتل عرضان وليسا بجسمين وقد قال
شيخنا المفيد رضي الله عنه ان القتل متولد عن الأسباب ومحله محل حياة الأجسام والموت معنى يضاد حياة
الفاعل المخلوق ولا يصح حلوله في الأجسام قال وهذا مذهب يختص بي والقتل عند جميع أهل العدل
من مقدورات العباد والموت لا يقدر عليه أحد إلا الله تأويل آية ان سئل سائل عن قول الله سبحانه
وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت فقال كيف يصح ان يسئل من لا عقل وأي فائدة في سؤالها
عن ذلك ولا ذنب لها وما الموؤدة ومن أي شئ اشتقاق هذه اللفظة (جواب) قلنا
في قوله تعالى سئلت وجهان أحدهما ان يكون المراد ان قاتلها طولب بالحجة في قتلها وسئل عن
سبب قتله لها وباي ذنب قتلها وذلك على سبيل التوبيخ والتعنيف وإقامة الحجة فالقتلة
ههنا هم المسئولون على الحقيقة لا المقتولة مسؤول عنها ومثله قوله تعالى وأوفوا بالعهد ان العهد
كان مسؤولا أي مطالبا به ومسئولا عنه (والوجه الأخر) ان يكون السؤال توجه إلى الموؤدة
على الحقيقة توبيخا لقاتلها وتقريعا له على أنه لا حجة له في قتلها ويجرى هذا مجرى قوله تعالى لعيسى عليه السلام
اونت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله على طريق التوبيخ لقومه وإقامة الحجة عليهم
(فإن قيل) على هذا الوجه كيف يخاطب ويسئل من لا عقل له ولا فهم (فالجواب) ان في
الناس من زعم أن الغرض بهذا القول إذا كان تبكيت القاتل وتهجينه وادخال الغم عليه في ذلك
18

الموقف على طريق العقاب لم يمتنع ان يقع وان لم يكن من الموؤدة فهم لأن الخطاب وان توجه
إليها فالغرض في الحقيقة به غيرها وهذا يجرى مجرى رجل ضرب ضارب طفلا له من ولده فاقبل
الرجل على ولده يقول له لم ضربت وما ذنبك وبأي شئ استحل هذا منك وغرضه تبكيت الظالم
لا خطاب الطفل وفي الناس من قال إن توجه السؤال إلى الموؤدة وإن كان الغرض فيه تبكيت القائل فإنه
لا يكون إلا والموؤدة قد أكملت لها العقل وجعلت على أفضل الهيئات لأنها في القيامة تعوض عما نالها با
لنعيم الدائم فلا بد من اكمال عقولها لتعرف عدل الله تعالى ويحسن التذاذها بما وصل إليها فليس يتوجه
السؤال إليها الا وهذه حالها وقد روى عن أمير المؤمنين عليه السلام وعن ابن عباس رضي الله عنه عنهما وعن
غيرهما انهم قرأوا إذا الموؤدة سئلت بفتح السين والهمزة واسكان التاء بأي ذنب قتلت باسكان
اللام وضم التاء الثانية فكانت الموؤدة هي السائلة والقائلة وأما الموؤدة فهي المقتولة صغيرة
وكانت العرب في الجاهلية تدفن البنات احياء وهو قوله تعالى أيمسكه على هون أم يدسه في
التراب وهو قوله عز وجل قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ويقال انهم كانوا يفعلون ذلك
لامرين أحدهما انهم كانوا يقولون إن الملائكة بنات الله فالحقوا البنات بالله فهو أحق بالبنات
والامر الأخر انهم كانوا يقتلونهم خشية الاملاق قال الله عز وجل لا تقتلوا أولادكم خشية املاق نحن
نرزقكم واياهم ان قتلهم كان خطا كبيرا (فصل) في معرفة الاسم والصفة (اعلم) ان
المسمى غير الاسم والصفة غير الموصوف والاسم والصفة جميعا لا يكونان الا قولا من المسمى والوصف أو كتابة
يدل على ما يدل عليه القول والاسم في الحقيقة ما دل على المسمى والصفة ما دل على معنى في المسمى وفي
هذا اللفظ تجوز لأنها تعطى الظرفية والحلول وربما كان الموصوف غير ظرف ولا محل وأقرب من هذا
ان يقال إن الصفة ما أفادت أمرا يكون في الموصوف عليه وإنما افتقر المتكلم إلى استعمال هذه الألفاظ لضيق
العبارات عن استيفاء المعاني فإذا فهم اللفظ الغرض جاز استعماله فالاسم قولنا زيد وعمرو ونحو ذلك
مما وسمت به الاشخاص وحصل لها القابا تتخصص بها عند الإشارات وليست دالة على معنى في الموصوف
19

ولا مفيدة أمرا هو عليه (والصفة) قولنا قادر وعالم ونحو ذلك مما يدل على أمور يكون الموصوف عليها
فقولنا قادر يفيد جواز وقوع الفعل منه وقولنا عالم يفيد صحة وقوع الفعل المحكم منه فإن انكشف
لنا الاعتبار عن خروج الموصوف عن هاتين الصفتين إلى ضدهما حتى يتعذر وقوع الفعل منه ويستحيل
حصول الفعل المحكم المتقن منه فما ذاك إلا لأن فيه معنيين حالين وهما القدرة والعلم وبوجودهما فيه صح
منه فعل المحكم المتقن وهما عرضان متغايران وضداهما العجز والجهل ولا يكون هذا إلا والموصوف محدث
وليس القدرة والعلم صفتين للقادر والعالم وإنما الصفة قول الواصف هذا قادر وعالم أو كتابته
الدالة على ذلك وكذلك ليس السواد بصفة للأسود وإنما صفته قولنا هذا اسود ومن خالف في هذا فقد غلط
إلا أن يقال إن العلم صفة للعالم والسواد صفة للأسود على وجه التوسع في الكلام فذلك جائز وان كشف لنا
الاعتبار عن استحالة خروج الموصوف عما وصف به وبطلان وصفه بضده فما ذاك إلا لأنها صفات نفسية ولهذا
قلنا إن الله تعالى قادر عالم لنفسه وانه لا علم ولا قدرة في الحقيقة له لاستحالة خروجه من جواز وقوع الفعل المحكم
المتقن منه فالمعاني التي دلت الصفات عليها هي ما استفدناه من حال الموصوف وقد ظنت المجبرة ان الصفة غير
الوصف وقالوا ان الصفة معنى قائم بالموصوف والوصف هو قول الواصف وهذا فاسد والصفة هي الوصف
وهما مصدران لفعل واحد تقول وصف يصف صفة ووصفا وهذا كالوهب والواهب والهبة و
الوعد والعدة تقول وهب يهب هبة ووهبا ووعد يعد عدة ووعدا (فصل) في معرفة
أسماء الله تعالى وحقيقتها فاما أسماء الله تعالى كلها فعائدة إلى الصفات لأنها دالة على معان ومتضمنة
لفوائد وليس فيها اسم يخلو من ذلك ويجرى مجرى اللقب إنما وضع على شخص تقع الإشارة إليه ليفرق
بينه وبين ما شاركه في جنسه من الاشخاص المتماثلة ولما كان الله تعالى يجل عن المجانسة ويرتفع عن
المماثلة استحال ان يكون في أسمائه لقب ووجب ان يكون جميعها مفيدا للمعاني كما تفيد الصفات فاما
التسمية له تعالى بالله فإنه يفيد من المعنى وله العباد إليه وتعلق نفوسهم به ورغبتهم عند الشدائد
في إزالة المكروه إليه وقد روى عن الصادق عليه السلام في هذا المعنى مثل ما ذكرناه الحقيقة وان خالفه في
20

بعض اللفظ فروى عنه أنه قال الاله يقتضى والها والوالد لا بد له من مألوه والاسم غير المسمى والأصل في
قولنا الله الاه ثم دخلت الألف واللام للتعريف فصار الاله فأسقطت الهمزة الثانية تخفيفا و
جعلت اللامان لاما واحدة مشددة فقيل الله فاما التسمية له (بالرحمن الرحيم)
فهو ان الرحمن مشتق من فعل الرحمة على سبيل المبالغة في الوصف لوقوعها في الفعل على حد لا يصح وقوعها
عليه من أحد من الخلق وقد روى عن الباقر عليه السلام صحة ذلك فقال الرحمن لسائر الخلق
الرحيم بالمؤمنين فكان أحد الاسمين مشتق من عموم الرحمة وهو الرحمن والاخر مشتق من خصوصها
وهو الرحيم فاما تسميته (باللطيف) فيفيد اجتماع الحكمة والرحمة ونفوذ مراده إذا شاء وقوعه
على الحتم بلطائفه التي يلطف بها لخلقه على العلم بمصالحهم وهذا معروف في اللسان تقول العرب
فلان لطيف في امره وفلان لطيف في صنعته إذا أرادوا وصفه بالحكمة في تدبيره وأما (الخبير)
فيفيد علمه بالأشياء على حقائقها وتبينه لها على أوصافها وأما (الكريم) فهو مشتق من فعل الكرم
وهو التفضل بالنعم والصفح عن الذنوب والتطول بالمنن وأما (الجواد) فهو مشتق من الجود و
هو التفضل كما ذكرناه في معنى الكرم غير أن لفظ الجود أبلغ في الوصف في معنى الكرم من لفظ كريم
وأما (الغني) فيفيد القدرة على ما يريد من غير معين عليه وليس يستحق هذه السمة مع الله
عز وجل على الحقيقة غيره ومن وصف من المخلوقين فعلى سبيل الاتساع وأما (السخي) فمعناه
عند من حقق اطلاقه على الله سبحانه بذل النعم والتفضل بها وقد أبت جماعة من أهل التوحيد
اطلاق السخاء على الله تعالى لأنه لم ينقطع عذري بكتاب منزل ولا سنة متواترة ولا اجماع ولا اثر مستفيض
جاء عن الصادقين عليهما السلام في تسمية تعالى بالسخاء وليس له معنى تدل عليه العقول وقد ذكر بعض أهل
التوحيد العارفين باللغة انه مأخوذ السخاوة وهي الأرض الرخوة وقد ثبت ان الأسماء لا تؤخذ
إلا سماعا فلهذا وقفت ولم أقدم وأما قولنا (رب) فهو مأخوذ من التربية ثم نقل إلى الملك و
قولنا (مالك) مشتق من الملك وجميع ما سوى هذا مما سمى الله تعالى به نفسه فصفات مفيدة لمعان
21

يفهم ذلك من تأمله (فصل) في تمييز صفات الله تعالى اعلم أن جميع ما يوصف الله سبحانه به ينقسم
على قسمين فقسم يوصف به على حقيقة والمراد به معنى الوصف وقسم يوصف به مجازا واتساعا و
المراد غير حقيقة ذلك الوصف وصفات الحقائق ينقسم أيضا قسمين فقسم صفات ذاتية وهي التي لم
يزل عليها ولا يزول عن استحقاقها وقسم صفات أفعال وهي التي تجددت عند فعله الافعال ولا يصح ان
يقال إنه عليها فيما لم يزل بيان صفات الذات والدليل عليها وهي قولنا حي باق وقادر وعالم وكذلك موجود
وقديم فهذه صفات استحقها لنفسه لا لمعنى آخر والدليل على ذلك أنه لو كان حيا بحياة وباقيا ببقاء
وقادرا بقدرة وعالما بعلم كان حياته وبقاءه وقدرته وعلمه لا يخلو عن حالين أما ان يكون معاني
قديمة معه وأما أن تكون حادثة فلو كانت قديمة لشاركته في أخص صفاته وماثلته فيبطل التوحيد
وقد تقدمت الأدلة على صحته وأيضا فلو ماثلت الصفة للموصوف لم تكن صفة له بأولى من أن
يكون هو صفة لها وإن كانت هذه المعاني الموصوف بها أعني الحياة والبقاء والقدرة والعلم حادثة
وجب ان يكون قبل حدوثها غير مستحق للوصف بها وقد ثبت الأدلة على أنه سبحانه لم يزل حيا باقيا
قادرا عالما ولو كانت أيضا حادثة لم يكن لها غناء عن محدث أحدثها ولا يصح ان يكون محدثا غيره
تعالى لأنه الفاعل الأول والقديم الذي لم يزل فكيف يفعل الحياة لنفسه من ليس بحي أو يحدث القدرة
من ليس بقادر والعاقل يعلم أن هذا مستحيل باطل فعلم أنه حي وباق وقادر وعالم لنفسه لا لمعان غيره
وربما اطلق اللفظ اتساعا بان له قدرة وعلما قال الله سبحانه كذا والمعنى أنزله وهو عالم به ويقول
المتكلمون قدرة الله عظيمة والمعنى التعظيم لمقدوره وانه لا يعجزه شئ اراده فاما عند التحقيق
فهو قادر عالم لنفسه وقد روى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في كلام له وحد الله تعالى
وليس بينه وبين معلومه علم غيره به كان عالما بمعلومه وهذا القول عنه عليه السلام انه تعالى عالم لنفسه
وذاته وانه لا علم في الحقيقة له تعالى الله الذي ليس كمثله شئ وقد ذهب المجبرة إلى أن الله تعالى موصوف
بصفات قديمة معه وانها ليست غيره ولا بعضها غير بعض وهذا خروج عما يعقل ويفهم لان العقول
22

شاهدة بان الأشياء التي يقع عليها العدد ويشملها الوجود ويختص كل منها بدليل لا يكون الا غيارا
بعضها سوى بعض وقد قال لهم أهل العدل إذا كانت لله تعالى صفات قديمة وليست غيره بقولها
انها أو هي هو فإن العقل يقضى بأنه لا بد لكم في اثباتكم لها من أحد هذه الثلاثة الأقسام قالت المجبرة
كل واحد من هذه الثلاثة الأقسام قد ثبت الدليل على بطلانه فلا سبيل إلى قوله ولكنا نقول ليست الصفات
عين الموصوف ولا غيره ولا بعضه فقال لهم أهل العدل وقد هربتم من أن تقولوا بأحد هذه الأقسام
لبطلانه وصرتم إلى ادعاء ما لا يتصور العقول صحته بل يشهد بفساده وبطلانه فاخبرونا ما الفرق
بينكم في قولكم ان صفاته لا هي هو ولا غيره ولا بعضه قالت المجبرة هذا القول مناقضة حالت العدلية
وقولكم في التناقض مثله وأي شئ أردتموه في ابطال ما عارضناكم به فقولكم يبطل بمثله وقد قالت المجبرة
أيضا في نصرة مذهبها انا لم نر عالما إلا وله علم ولا قادرا إلا وله قدرة فلما كان الله عالما قادرا
وجب ان يكون له علم وقدرة قال لها أهل العدل انكم إنما عولتم في ذلك على الشاهد فقولوا إن
علم الله تعالى غيره وكذلك قدرته غيره لأنكم لم تروا في الشاهد عالما قادرا إلا وهذا حكمه وقولوا أيضا
ان علم الله تعالى محدث وكذلك قدرته وجميع صفاته لأنكم لم تروا ذا صفات إلا وصفاته محدثة
فاحتالوا في الخلاص مما لزمكم على سنن قياسكم (بيان صفات الافعال) اعلم أن صفة
الفعل هي كل صفة داخلة في باب المضاف ومعنى ذلك ان يكون يقتضى وجود غير الموصوف كقولنا اله ورب
ومالك وفاعل وجواد ورازق وراحم ومتكلم وصادق ونحو ذلك لأنا قد بينا ان الاله والها
والوالد لا يكون إلا موجودا والرب يقتضى مربوبا ولا يرب المعدوم وانما يصح ذلك بعد وجوده
وكذلك مالك يقتضى وجود المملوك لأنه لا يقال قد ملك المعدوم وفاعل صفة لا شبهة في أنها لا تصح
إذا وجد المفعول نعوذ بالله من القول بان القديم لم يزل فاعلا لأن ذلك يقتضى انه لم يتقدم
أفعاله فيصير الفاعل قديما وجميع صفات الافعال جارية هذا المجرى لمن تأملها الا ترى لو قلنا إنه جواد
فيما لم يزل اقتضى ذلك فعله للجود فيما لم يزل ووجود من يجود عليه أيضا فيما لم يزل وكذلك لو قولنا رازق
23

وراحم في القدم وجب ان يكون فاعلا للرزق والرحمة فيما لم يزل وأن يكون المرزوق المرحوم شريكا له
في القدم وكذلك قولنا متكلم يقتضى وجود كلام إذا تكلم فكلام الله تعالى أحد أفعاله كما أن رزقه أحد أفعاله و
هو موجود قبل كلامه فاما صادق فلا يصح إلا بعد صحة التكلم والجميع صفات أفعال على ما تبين (فصل)
في فروق صفة الذات وصفة الفعل الفروق بينهما كثيرة فمنها ان تنظر الصفة التي تصف الله تعالى
بها فإن كانت داخلة في باب المضاف فهى صفة نفسيه كقولنا موجود وقديم وباق وحي وكذلك إن كانت
تقتضي اضافته إلى أمر غير موجود كقولنا قادر فالقادر لا يكون قادرا إلا على مقدور ولكن المقدور غير
موجود ويجرى مجرى ذلك قولك عالم لأنه لا يكون عالما إلا بمعلوم وقد يصح ان يكون المعلوم معدوما
غير موجود فاما ما سوى ذلك من الصفات الداخلة في باب المضاف المقتضية اثبات غير الموصوف مما يكون
موجودا غير معدوم فكلها صفات أفعال فرق آخر ومنها ان كل صفة تصف الله تعالى بها ولا يجوز ان
يدخلها التخصيص فتثبتها له في حال وتنفيها منه في أخرى فهى صفة نفسية كقولك موجود وحى وقادر وعالم
فإنه لا يجوز ان ينتفى عنه ولا يتخصص شئ من ذلك وكل صفة تصفه بها ويجوز التخصيص فيها فتثبتها له في
حال وتنفيها عنه في غيرها فهى صفة فعل كقولك فاعل وراحم ورازق ومتكلم فإنك تقول انه سبحانه يفعل
الخير ولا يفعل الشر ويرحم المؤمن ولا يرحم الكافر ويرزق زيدا ولا يرزق عمرا وكلم الله موسى عليه السلام ولم يكلم
فرعون فيكون فيها صفات أفعال صح فيها التخصيص وهذا واضح فرق آخر وهو ان كل ما استحال ان يوصف
بالقدرة عليه وعلى ضدة فهو من صفات ذاته الا ترى انه يستحيل قولك يقدر اي يحيي ويقدر على الاحياء
ويقدر على أن لا يقدر ويقدر على أن يعلم ويقدر على أن لا يعلم فهذه صفات ذات فاما إن كان ما يوصف
به يصح ان يوصف بالقدرة عليه وعلى ضده فهو من صفات الافعال الا ترى انك تقول يقدر ان يفعل
ويقدر ان لا يفعل ويقدر ان يرحم ويرزق ويقدر ان لا يرحم ولا يرزق ويقدر ان يتكلم ويقدر ان لا يتكلم
فهذه كلها صفات أفعال فافهم ذلك (بيان صفات المجاز) فاما الذي يوصف الله تعالى به ومرادنا
غير حقيقة الوصف في نفسه فهو كثير فمنه مريد وكاره وغضبان وراض ومحب ومبغض وسميع وبصير
24

ورائي ومدرك فهذه صفات لا تدل على وجوب صفة يتصف بها وإنما نحن متبعون للسمع الوارد بها ولم يرد
بها السمع إلا على مجاز اللغة واتساعاتها والمراد بكل صفة منها معنى غير حقيقتها (القول في
المريد) اعلم أن المريد في الحقيقة والمعقولة هو القاصد إلى أحد الضدين اللذين خطرا بباله
الموجب له بقصده وايثاره دون غيره وهذا من صفات المخلوقين التي يستحيل ان يوصف في
الحقيقة بها رب العالمين إذ كان سبحانه لا يعترضه الخواطر ولا يفتقر إلى ذي أدنى روية وفكر
إذ كان هذا على ما بيناه فإنما معنى قولنا ان الله تعالى مريد لأفعاله انها وقعت وهو عالم بها
غير شاغلة ولا هو موجودا لمسبب وجب من غيره مريدا له فصح إذا أردنا ان نخبر بان الله تعالى يفعل
لا من سهو ولا غفلة ولا بايجاب من غيره ان تقول هو مريد لفعله ويكون لهذا الوصف استعارة
لأن حقيقة كما ذكرناه لا يكون إلا في المحدث (دليل) والذي يدل على صحة قولنا في وصف الله تعالى
بالإرادة انه سبحانه لو كان مريدا في الحقيقة لم يخل الامر من حالين أما ان يكون مريدا لنفسه لوجب ان يكون مريدا
للحسن والقبح كما أنه لما كان عالما لنفسه كان عالما بالحسن والقبح وإرادة القبيح لا تجوز على الله سبحانه والكلام
في هذا يأتي محررا على المجبرة في خلق الافعال فإذا ثبت ان الله عز وجل لا يجوز ان يريد المقبحات علم أنه غير مريد لنفسه
وإن كان مريدا بإرادة لم تخل الإرادة من حالين أما أن تكون قديمة أو حادثة ويستحيل أن تكون قديمة
بما بيناه من أنه لا قديم سواه عز وجل والكلام على المجبرة في هذا داخل في باب نفى الصفات التي ادعت المجبرة انها قديمة مع الله تعالى وأيضا فلو كان الله سبحانه مريدا فيما لم يزل أما لنفسه وأما بإرادة قديمة معه لوجب
ان يكون مراده معه فيما لم يزل لأنه لا مانع له مما اراده ولا حائل بينه وبينه ولكان ما يوجده من الا
فعال لا يختلف أوقاته ويتأخر بعضه عن بعض لأن الإرادة للكل حاصلة موجدة في كل وقت وهذا
كله موضح انه عز وجل ليس بمريد فيما لم يزل لا لنفسه ولا لإرادة قديمة معه وإذا بطل هذا لم يبق إلا أن يكون مريدا
بعد ان لم يكن مريدا بإرادة محدثه وهذا أيضا يستحيل لان الإرادة لا تكون إلا عرضا والعرض يفتقر إلى محل والله تعالى غير محل من
للاعراض ولا يجوز ان يكون ارادته حالة في غيره كما لا يجوز ان يكون عالما بعلم يحل في غيره وقادرا بقدرة تحل في
25

غيره ولا يجوز أيضا أن تكون ارادته لا فيه ولا في غيره لأنه عرض والعرض يفتقر إلى محل يحملها ويصح بوجوده وجودها
ولو جاز ان يوجد إرادة لا في مريد بها ولا في غيره لجاز ان يوجد حركة لا في متحرك بها ولا في غيره (فإن قيل) ان
الحركة هيئة للجسم وليس يجوز أن تكون هيئة غير حالة فيه (قلنا) ولم لا يجوز ذلك (فإن قيل) لأن يتغير
هيئة الجسم مدرك بالحاسة فوجب ان يكون المعنى الذي يعتبر به حالا فيه (قلنا) وكذلك المريد للشئ بعد ان لم يكن
مريدا له قد يتغير عليه حس نفسه فوجب أن تكون ارادته تحله (فإن قيل) بأي شئ من الحواس تحس الإرادة
قلنا وبأي شئ من الحواس يحس الصداع (فإن قيل) ان الانسان يدرك ألم الصداع في موضعه ضرورة
قلنا فلم يزكم أشرتم إلى حاسة بعينها أدركه بها (ولنا) ان نقول وكذلك المريد في الحقيقة يعلم بتغير حسه ويدرك
ذلك من نفسه ضرورة (فصل) من كلام شيخنا المفيد رضي الله عنه في الإرادة قال الإرادة من الله جل اسمه
نفس الفعل ومن الخلق الضمير وأشباهه مما لا يجوز إلا على ذوي الحاجة والنقص وذاك ان العقول شاهد بان
القصد لا يكون إلا بقلب كما لا تكون الشهوة والمحبة إلا لذي قلب ولا تصح النية والضمير والعزم إلا على ذي خاطر
يصور معها في الفعل الذي يغلب عليه الإرادة له والنية فيه والعزم ولما كان الله تعالى يجل عن الحاجات و
يستحيل عليه الوصف بالجوارح والآلات ولا يجوز عليه الدواعي والخطرات بطل ان يكون محتاجا في الافعال
إلى القصور والعرفات وثبت ان وصفة بالإرادة مخالف في معناه لوصف العباد وانها نفس فعله الأشياء
واطلاق الوصف بها عليه مأخوذ من جهة الاتباع دون القياس وبذلك جاء الخبر عن أئمة الهدى عليهم السلام قال شيخنا
المفيد رحمه الله اخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن أحمد بن إدريس عن محمد
بن عبد الجبار عن صفوان يحيى قال قلت لأبي الحسن عليه السلام اخبرني عن الإرادة من الله تعالى ومن الخلق فقال
الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل والإرادة من الله تعالى احداثه الفعل لا غير
ذلك لأنه جل اسمه لا يهم ولا يتفكر قال شيخنا المفيد رحمه الله وهذا نص من مولانا عليه السلام على اختياري في وصف
الله تعالى بالإرادة وفيه نص على مذهب لي آخر منها وهو ان إرادة العبد تكون قبل فعله والى هذا ذهب البلخي
والقول في تقدم الإرادة للمراد كالقول في تقدم القدرة للفعل وقول الإمام عليه السلام في الخبر المقدم ان الإرادة
26

من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد الفعل صريح في وجوب تقدمها للفعل إذ كان الفعل يبدو من العبد بعدها
ولو كان الامر فيها على مذهب الجبائي لكان الفعل باديا في حالها ولم يتأخر بدوه إلى الحال التي هي بعد حالها
(فصل) اعلم انا نذهب إلى أن الإرادة تتقدم المراد كتقدم القدرة للمقدور غير أن الإرادة موجبة
للمراد والقدرة لا تصلح ان يفعل الشئ فضده بدلا منه والجمع اعراض لا يصح بقاؤها (فصل) من القول
في أن الإرادة موجبة هو ان الحي متى فعل الإرادة لشئ وجب وجود ذلك الشئ إلا أن يمنعه منه غيره فاما
ان يمتنع هو لا من مرادة فلا يصح ذلك ومن الدليل على صحة ما ذكرناه انه قد ثبت تقدم الإرادة على المراد
لاستحالة ان يريد الانسان ما هو فاعل له في حال فعله فيكون مريدا للموجود كما يستحيل ان يقدر على الموجود
وإذا ثبت ان الإرادة متقدمة للمراد لم يخل أمر المريد لحركة يده من أن يكون واجبا وجودها عقيب الإرادة بلا
فصل أو كان يجوز عدم الحركة فلو جاز ذلك لم يعدم إلا بوجود السكون منه بدلا منها ولو فعل السكون في الثاني
من حال ارادته للحركة لم يخل من أن يكون فعله بإرادته له أو سهو عنه ومحال ان يفعله بإرادة لأن ذلك
موجب لاجتماع إرادتي الحركة والسكون لشئ واحد في حالة واحدة ومحال وجود السكون في حال ارادته للحركة
فيبطل جواز امتناع الانسان مما قد فعل الإرادة له على ما شرحناه (مسألة) ان قال قائل إذا كنتم
تقولون ان إرادة الله تعالى لفعله هي نفس ذلك الفعل ولا تثبتون له إرادة غير المراد فما معنى قولكم أراد
الله بهذا الخبر كذا ولم يرد كذا وأراد العموم ولم يرد الخصوص وأراد الخصوص ولم يرد العموم (جواب)
قيل له معنى ذلك ان في المقدور اخبار كثيرة عن أشياء مختلفة فقولنا أراد كذا ولم يرد كذا فهو انه فعل الخير
الذي هو عن كذا ولم يفعل الخير الذي هو عن كذا وفعل القول الذي يفهم منه كذا ولم يفهم القول الذي
يفهم منه كذا وهذا كقولنا انا إذا قلنا الحمد لله رب العالمين واردنا القرآن كان ذلك قرآنا وإذا أردنا
ان منا ان يكون منا شكرا لله تعالى كان كذلك فانا لسنا نريد ان قولا واحدا ينقلب بإرادتنا قرآنا ان جعلناه
قرآنا ويكون كلامنا ان جعلناه لنا كلاما وإنما معناه ان في مقدورنا كلامين نفعل هذا مره وهذا
مره فإن قال فكان من قولكم ان الحمد لله رب العالمين إذا أردتم به القرآن يكون مقدورا لكم قلنا
27

هذا كلام في الحكاية والمحكى وله باب يختص به وسنورد إن شاء الله تعالى طرفا منه (فصل) فاما إرادة الله تعالى
لأفعال خلقه فهى امره لهم بالافعال ووصفنا له بأنه يريد منهم كذا إنما هو استعارة ومجاز وكذلك كل من
وصف بأنه مريد لما ليس من فعله تعالى بطريق الاستعارة والمجاز وقول القائل يريد منى فلان المصير إليه إنما
معناه انه يأمرني بذلك ويأخذني به وأرادني فلان على كذا اي امرني به فقولنا ان الله يريد من عباده الطاعة
انما معناه انه يأمرهم بها وقد تعبر بالإرادة عن التمني والشهوة مجازا واتساعا فيقول الانسان انا أريد
ان يكون كذا أي أتمناه وهذا الذي كنت أريده اي أشتهيه وتميل نفسي إليه والاستعارات في الإرادات كثيرة
فاما كراهة الله تعالى للشئ فهو نهيه عنه وذلك أيضا مجاز كالإرادة فاعلمه (القول في الغضب
والرضا) وهاتان صفتان لا تصح حقيقتيهما إلا في المخلوق لأن الغضب هو نفور الطباع والرضا هو ميلها
وسكون النفس ووصف الله تعالى بالغضب والرضا انما هو مجاز والمراد بذلك ثوابه وعقابه فرضاه وجود ثوابه
وغضبه وجود عقابه فإذا قلنا رضي الله عنه فإنما نعنى اثابه الله تعالى وإذا قلنا غضب الله فإنما نريد عاقبه الله
فإن علق الغضب والرضا بأفعال العبد فالمراد بهما الامر والنهى نقول إن الله يرضى الطاعة بمعنى يأمر بها
ويغضب من المعصية بمعنى ينهى عنها (القول في الحب والبغض) وهاتان الصفتان إنما يوصف
الله تعالى بهما مجازا لأن المحبة في الحقيقة ارتياح النفس إلى المحبوب والبغض ضد ذلك من الأوزاع والتنفر
الذي لا يجوز على القديم فإذا قلنا إن الله عز وجل يحب المؤمن ويبغض الكافر فإنما نريد بذلك انه ينعم على المؤمن
ويعذب الكافر وإذا قلنا إنه يحب من عباده الطاعة ويبغض منهم المعصية جرى ذلك مجرى الامر والنهى أيضا
على المعنى الذي قدمنا في الغضب والرضا (القول في سميع وبصير) اعلم أن السميع في الحقيقة
هو مدرك الأصوات بحاسة سمعه والبصير هو مدرك المبصرات بحاسة بصره وهاتان الصفتان لا يقال
حقيقتيهما في الله تعالى لأنه يدرك جميع المدركات بغير حواس ولا آلات فقولنا انه سميع إنما معناه لا
يخفي عليه المسموعات وقولنا بصير معناه انه لا يغيب عنه شئ من المبصرات وانه يعلم هذه الأشياء على حقائقها
بنفسه لا بسمع وبصر ولا بمعان زائدة على معنى العلم وقد جاءت الآثار عن الأئمة عليهم السلام بما يؤكد ما
28

ذكرناه قال المفيد رضوان الله عليه اخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن
علي بن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن عيسى عن حماد بن حريز عن محمد بن مسلم الثقفي قال قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام
ان قوما من أهل العراق يزعمون أن الله تعالى سميع بصير كما يعقلونه قال فقال الله تعالى إنما يعقل ذلك فيما كان بصفة
المخلوق وليس الله تعالى كذلك وباسناده عن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد مرسلا عن الرضا عليه السلام أنه قال في كلام
له في التوحيد وصفة الله تعالى كذلك بأنه سميع اخبار بأنه تعالى لا تخفى عليه شئ من الأصوات وليس على معنى تسميتنا
بذلك وكذلك قولنا بصير فقد جمعنا الاسم واختلف فينا المعنى وقولنا أيضا مدرك ورائي مدرك لا يتعدى
به معنى عالم فقولنا رائي معناه عالم بجميع المرئيات وقولنا مدرك معناه عالم بجميع المدركات فهذه صفات المجازات
والحمد لله (القول في الخالق) في لغة العرب هو المقدر للشئ قيل فعل المروى المفكر فيه قال زهير بن
أبي سلمى يمدح هرم بن سنان (ولانت تفرى ما خلقت وبعض) (القوم يخلق ثم لا يفرى) وقال الحجاج
ابن يوسف (اني لا أعد الا وفيت) (ولا أخلق إلا فريت) والشواهد في هذا كثيرة وإذا كان هذا حقيقة
الخالق اعلم أن وصف الله تعالى به اتساع وتجوز والمراد به فاعل لأن الله تعالى لا يصح ان يقدر بروي وبفكر
(فصل) في صفات أهل الايمان في كتاب المحاسن للبرقي قال مر أمير المؤمنين عليه السلام بمجلس من مجالس
قريش فإذا هو بقوم بيض ثيابهم صافية ألوانهم كثير ضحكهم يشيرون بأصابعهم إلى من مر بهم ثم مر بمجلس
للأوس والخزرج فإذا هو بقوم بليت منهم الأبدان ورقت منهم الرقاب واصفرت منهم الألوان قد تواضعوا
بالكلام فتعجب أمير المؤمنين عليه السلام من ذلك ودخل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بابى أنت وأمي يا رسول الله
مررت بمجلس لآل فلان ثم وصفهم ثم قال وجميع مؤمنون فأخبرني يا رسول الله بصفة المؤمن فنكس
رسول الله صلى الله عليه وآله رأسه ثم رفعه فقال عشرون خصلة في المؤمن من لم تكن فيه لم يكمل ايمانه ان من أخلاق المؤمن
يا علي الحاضرون الصلاة والسارعون إلى الزكاة والمطعمون المساكين والماسحون رأس اليتيم والمطهرون
اظفارهم والمتزرون على أوساطهم الذين ان حدثوا لم يكذبوا وان وعدوا لم يخلفوا وان ائتمنوا لم يخونوا
وان تكلموا صدقوا رهبان بالليل أسد بالنهار صائمون النهار قائمون الليل لا يؤذون جارا ولا
29

يتأذى بهم جار الذين مشيهم على الأرض هونا وخطاهم إلى المساجد والى بيوت الأرامل وعلى اثر المقابر جعلنا
الله وإياكم من المتقين اخبرني أبو الرجاء محمد بن علي بن أبي طالب البلدي قال اخبرني أبو المفضل محمد بن عبد الله بن محمد
بن المطلب الشيباني الكوفي قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن حجاب الأزدي بالكوفة قال حدثني خالد بن يزيد بن محمد
الثقفي قال حدثني أبي خالد قال حدثني حنان بن سدير عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه عن جده قال قال علي
عليه السلام لموليه نوف الشامي وهو معه في السطع يا نوف أرامق أم نبهان قال نبهان أرمقك يا أمير المؤمنين
قال هل تدرى من شيعتي قال لا والله قال شيعتي الذبل الشفاه الخمص البطون الذين تعرف الرهبانية والربانية في
وجوههم رهبان بالليل أسد بالنهار الذين إذا جنهم الليل اتزروا على أوساطهم وارتدوا على أطرافهم وصفوا
اقدامهم وافترشوا جباههم تجرى دموعهم على خدودهم يجارون إلى الله في فكاك رقابهم وأما النهار فحلماء
علماء كرام نجباء أبرار أتقياء يا نوف شيعتي الذين اتخذوا الأرض بساطا والماء طيبا والقرآن شعارا ان شهدوا
لم يعرفوا وان غابوا لم يفتقدوا شيعتي من لم يهر هرير الكلب ولا يطمع طمع الغراب ولم يسال الناس ولو مات جوعا
ان رأى مؤمنا أكرمه وان رأى فاسقا هجره هؤلاء والله يا نوف شيعتي شرورهم مأمونة وقلوبهم محزونة
وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة اختلفت بهم الأبدان ولم تختلف قلوبهم قال قلت يا أمير المؤمنين
جعلني الله فداك أين اطلب هؤلاء قال فقال لي في أطراف الأرض يا نوف يجئ النبي صلى الله عليه وآله يوم القيامة آخذا بحجز ربه
جلت أسماؤه يعنى يحمل الدين وحجزه الدين وانا آخذ بحجزته وأهل بيتي آخذون بحجزتي وشيعتنا آخذون بحجزتنا
فإلى أين إلى الجنة ورب الكعبة قالها ثلاثا واخبرني أيضا أبو الرجا محمد بن علي بن طالب الرازي قال اخبرني أبو المفضل
محمد بن عبد الله بن محمد بن المطلب الشيباني قال حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد بن جعفر العلوي الحسني قال حدثنا
أحمد بن محمد بن عيسى الوابشي قال حدثني عاصم بن حميد الخياط قال أبو المفضل الشيباني وحدثنا محمد بن علي بن أحمد
بن عامر البندار بالكوفة من أصل كتابه وهذا الحديث بلفظه وهو أتم سياقه قال حدثنا الحسن بن علي بن بزيع قال
حدثنا مالك بن إبراهيم عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي عن رجل من قومه يعنى يحيى بن أم الطويل انه اخبره
عن نوف الكسائي قال عرضت لي إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حاجة فاستبعثت إليه جندب بن زهير والربيع
30

بن خيثم وابن أخته همام بن عبادة بن خيثم وكان من أصحاب البرانس فاقبلنا معتمدين لقاء أمير المؤمنين عليه السلام
فألفيناه حين خرج يؤم المسجد فافضى ونحن معه إلى نفر متدينين قد أفاضوا في الأحدوثات تفكها
وبعضهم يلهى بعضا فلما أشرف لهم أمير المؤمنين عليه السلام أسرعوا إليه قياما فسلموا ورد التحية ثم قال من
القوم فقالوا أناس من شيعتك يا أمير المؤمنين فقال لهم خيرا ثم قال يا هؤلاء ما لي لا ارى فيكم سيمة
شيعتنا وحلية أحبتنا أهل البيت فامسك القوم حياء قال نوف فاقبل عليه جندب والربيع فقالا
ما سمة شيعتكم وصفتهم يا أمير المؤمنين فتثاقل عن جوابهما فقال اتقيا الله أيها الرجلان واحسنا
فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون فقال همام بن عبادة وكان عابدا مجتهدا أسألك
بالذي أكرمكم أهل البيت وخصكم وحباكم وفضلكم تفضيلا إلا انباتنا بصفة شيعتكم فقال
لا تقسم فسأنبئكم جميعا واخذ بيد همام فدخل المسجد فسبح ركعتين وأوجزهما واكملهما ثم جلس واقبل
علينا وحف القوم به فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال أما بعد
فإن الله جل شانه وتقدست أسماؤه خلق خلقه فالزمهم عبادته وكلفهم طاعته وقسم بينهم
معائشهم ووضعهم في الدنيا بحيث وضعهم ووصفهم في الدين بحيث وصفهم وهو في ذلك غنى
عنهم لا تنفعه طاعة من اطاعه ولا تضره معصية من عصاه منهم لكنه تعالى علم قصورهم عما يصلح
عليه شؤونهم ويستقيم به دهما أودهم وهم في عاجلهم وآجلهم فأدبهم باذنه في امره ونهيه
فأمرهم تخييرا وكلفهم يسيرا واماز سبحانه بعدل حكمه وحكمته بين الموجف من أنامه إلى مرضاته ومحبته
وبين المبطئ عنها والمستظهر على نعمته منهم بمعصيته فذلك قول الله عز وجل * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات
ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) * ثم وضع أمير
المؤمنين عليه السلام يده على منكب همام بن عبادة فقال إلا من سئل من شيعة أهل البيت الذين اذهب الله
عنهم الرجس وطهرهم في كتابه مع نبيه تطهيرا فهم العارفون بالله العاملون بأمر الله أهل الفضائل
والفواضل منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع وبخعوا لله بطاعته وخضعوا له
31

بعبادته فمضوا غاضين ابصارهم عما حرم الله عليهم واقفين اسماعهم على العلم بدينهم نزلت أنفسهم
منهم في البلاء كالذين نزلت منهم في الرخاء رضي عن الله بالقضاء فلو لا الآجال التي كتب الله لهم
لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى لقاء الله والثواب وخوفا من العقاب عظم الخالق
في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم فهم والجنة كمن رآها فهم على أرائكها متكئون وهم
والنار كمن دخلها فهم فيها يعذبون قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وأجسادهم نحيفة وحوائجهم
خفيفة وأنفسهم عفيفة ومعرفتهم في الاسلام عظيمة صبروا أياما قليلة فأعقبتهم راحة
طويلة وتجارة مربحة يسرها لهم رب كريم أناس أكياس ارادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم
فأعجزوها أما الليل فصافون اقدامهم تالون لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يعظون أنفسهم
بأمثاله ويستشفون لدائهم بدوائه تارة وتارة يفترشون جباههم واكفهم وركبهم واطراف
اقدامهم تجرى دموعهم على خدودهم ويمجدون جبارا عظيما ويجارون إليه جل جلاله في فكاك
رقابهم هذا ليلهم فاما نهارهم فحلماء علماء بررة أتقياء براهم خوف بارئهم فهم أمثال القداح
يحسبهم الناظر إليهم مرضى وما بالقوم من مرض أو قد خولطوا وقد خالط القوم من عظمة ربهم
وشدة سلطانه أمر عظيم طاشت له قلوبهم وذهلت منه عقولهم فإذا استفاقوا من ذلك
بادروا إلى الله تعالى بالاعمال الزاكية لا يرضون له بالقليل ولا يستكثرون له الجزيل فهم لأنفسهم
متهمون ومن أعمالهم مشفقون ان زكى أحدهم خاف مما يقولون وقال انا اعلم بنفسي من غيري
وربى اعلم بي اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون
فإنك علام الغيوب وساتر العيوب هذا (ومن علامة أحدهم) ان ترى له قوة في دين وحزما
في لين وايمانا في يقين وحرصا على علم وفهما في فقه وعلما في حلم وكيسا في رفق وقصدا في غنى
وتحملا في فاقة وصبرا في شدة وخشوعا في عبادة ورحمة للمجهود واعطاء في حق ورفقا في كسب
وطلبا في حلال وتعففا في طمع وطمعا في غير طبع أي دنس ونشاطا في هدى واعتصاما في شهوة
32

وبرا في استقامة لا يغيره ما جهله ولا يدع احصاء ما عمله يستبطئ نفسه في العمل وهو من صالح عمله على وجل يصبح وشغله الذكر
ويمسى وهمه الشكر يبيت حذرا من سنة الغفلة ويصبح فرحا لما أصاب من الفضل والرحمة ان استعصبت عليه نفسه
فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما إليه تشره رغبته فيما يبقى وزهاده فيما يفنى قد قرن العمل بالعلم والعلم بالحلم يظل دائما
نشاطه بعيدا كسله قريبا امله قليلا زلله متوقعا اجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه قانعة نفسه عازبا جهله محرزا دينه ميتا داؤه
كاظما غيظه صافيا خلقه آمنا منه جاره سهلا امره معدوما كبره ثبتا صبره كثيرا ذكره لا يعمل شيئا من الخير رياء و
ما يتركه حياء الخير منه مأمول والشر منه مأمون إن كان بين الغافلين كتب في الذاكرين وإن كان مع الذاكرين
لم يكتب من الغافلين يعفو عمن ظلمه ويعطى من حرمه ويصل من قطعه قريب معروفه صادق قوله حسن فعله مقبل
خيره مدبر شره غائب مكره في الزلازل وقور وفي المكاره صبور وفي الرخاء شكور لا يحيف على من يبغض ولا يأثم
فيمن يحب ولا يدعى ما ليس له ولا يجحد ما عليه يعترف بالحق قبل ان يشهد به عليه لا يضيع ما استحفظه ولا ينابز
بالألقاب ولا يبغي على أحد ولا يغلبه الحسد ولا يضار بالجار ولا يشمت بالمصاب مؤد للأمانات عامل بالطاعات
سريع إلى الخيرات بطئ عن المنكرات يأمر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويجتنبه لا يدخل في الأمور بجهل ولا
يخرج من الحق بعجز ان صمت لم يعيه الصمت وان نطق لم يعبه اللفظ وان ضحك لم يعل به صوته قانع بالذي
قدر له لا يجمح به الغيظ ولا يغلبه الهوى ولا يقهره الشح يخالط الناس بعلم ويفارقهم بسلم يتكلم ليغنم و
يسال ليفهم نفسه منه في عناء والناس منه في راحه أراح الناس من نفسه وأتعبها لاخوته ان بغى فصبر
ليكون الله تعالى هو المنتصر يقتدى بمن سلف من أهل الخير قبله فهو قدوة لمن خلف من طالب البر بعده أولئك
عمال الله ومطايا امره وطاعته وسرج ارضه وبريته أولئك شيعتنا وأحبتنا ومنا ومعنا آها شوقا إليهم فصاح
همام بن عبادة صيحة وقع مغشيا عليه فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا رحمة الله عليه فاستعبر الربيع
باكيا وقال لأسرع ما أودت موعظتك يا أمير المؤمنين يا بن اخى ولوددت انى بمكانه فقال أمير المؤمنين عليه السلام
هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها أما والله لقد كنت أخافها عليه فقال له قائل فما بالك أنت يا أمير المؤمنين
فقال ويحك ان لكل واحد اجلا لا يعدوه وسببا لن يتجاوزه فلا تعد بها فإنما يعبثها على لسانك الشيطان قال
33

فصلى عليه أمير المؤمنين عليه السلام عشية ذلك اليوم وشهد جنازته ونحن معه قال الراوي عن نوف فصرت
إلى الربيع بن خيثم فذكرت له ما حدثني نوف فبكى الربيع حتى كادت نفسه ان تقبض وقال صدق اخى لا جرم ان موعظة
أمير المؤمنين عليه السلام وكلامه ذلك منى بمرءا ومسمع ما ذكرت ما كان من همام بن عبادة يومئذ واتاني هنيئة
الا كدرها ولا شدة إلا فرجها (فصل) من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الاخوان وآداب
الاخوة في الايمان الناس اخوان فمن كانت اخوته في غير ذات الله فهى عداوة وذلك قوله الله عز وجل * (الأخلاء يومئذ
بعضهم لبعض عدو الا المتقين) * من الاخوان عرف جواهر الرجال امحض أخاك بالنصيحة حسنة كانت أم قبيحة ساعده
على كل حال وزل معه حيث زال ولا تطلبن منه المجازاة فإنها من شيم الدناة ابذل لصديقك كل المودة ولا
تبذل له كل الطمأنينة واعطه كل المواساة ولا تفض إليه بكل الاسرار توفى الحكمة حقها والصديق واجبه لا يكون
أخوك أقوى منك على مودته (البشاشة) فخ المودة والمودة قرابة مستفادة لا يفسدك الظن على صديق
أصلحه لك اليقين كفى بك أدبا لنفسك ما كرهته لغيرك لأخيك عليك مثل الذي لك عليه لا تضيعن حق
أخيك اتكالا على ما بينك وبينه فإنه ليس لك باخ من ضيعت حقه ولا يكن أهلك أشقى الناس بك اقبل عذر
أخيك وان لم يكن له عذر فالتمس له عذرا لا يكلف أحدكم أخاه الطلب إذا عرف حاجته لا ترغبن فيمن زهد فيك
ولا تزهدن فيمن رغب فيك إذا كان للمخالطة موضع لا تكثرن العتاب فإنه يورث الضغينة ويجر إلى البغيضة
وكثرته من سوء الأدب ارحم أخاك وان عصاك وصله وان جفاك احتمل زلة وليك لوقت وثبة عدوك من وعظ
أخاه سرا فقد زانه ومن وعظه علانية فقد شانه من كرم المرء بكاه على ما مضى من زمانه وحنينه أو إلى أوطانه وحفظه
قديم اخوانه (فصل) مما جاء نظما في الاخوان روى أن الصادق جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام كان
يتمثل كثيرا بهذين البيتين (شعر) (أخوك الذي لو جئت بالسيف عامدا) (لتضربه لم يستغشك في الود)
(ولو جئته تدعوه للموت لم يكن) (يردك ابقاء عليك من الود) (وقال مسلم ابن وابصة) (أحب
الفتى ينفى الفواحش سمعه) (كأن به من كل فاحشة وقرا) (سليم دواعي الصدر لا باسطا اذى) (ولا
مانعا خيرا ولا قائلا هجرا) (إذا ما أتت من صاحب لك زلة) (فكن أنت محتالا لزلته عذرا) (غنى
34

النفس ما يكفيك من سد خلة) (فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا) (لغيره) (إذا جمع الفتى حسبا ودينا) (فلا
تعدل به ابدا قرينا) (ولا تسمح بخطك منه بل كن) (بخطك من مودته ظنينا) (الأخر) (وكنت إذا الصديق أراد
غيظي) (واشرقني على حنق بريقي) (غفرت ذنوبه وصفحت عنه) (مخافة ان أعيش بلا صديق) (والاخر)
(ومن لا يغمض عينه من صديقه) (وعن بعض ما يعيش وهو عاتب) (ومن يعتب أخا جاهلا) (فلم يسلم له
الدهر صاحب) وقال اياس بن القائف (يقيم الرجال الأغنياء بأرضهم) (وترمى النوى بالمقترين المراميا) (فأكرم
أخاك الدهر ما دمتما معا) (كفى بالممات فرقة وتباينا) (إذا زرت أرضا بعد طول اجتنابها) (فقدت صديقي
والبلاد كما هيا) وقال حاتم بن عبد الله (وما انا بالساعي بفضل زمامها) (لتشرب ما في الحوض قبل الركائب)
(وما انا بالطاري حقيقة رحلها) (لأبعثها حقا واترك صاحبي) (لبعضهم بدا حين اثرى باخوانه) (ففتك
عنهم شباه العدم) (وذكرهم الحزم غب الأمور) (فبادر قبل انتقال النعم) (لغيره) (إلا أن عبد الله لما
حوى الغنى) (وصار له من بين اخوانه مال رأى) (خلة منهم يسد بماله) (فساواهم حتى استوت بهم الحال)
لموسى بن يقطين (تتبع اخوانه في البلاد) (فاغنى المقل عن المكثر) ولسليمان بن فلاح (لي صديق ما
مسني عدم) (مذ وقعت عينه على عدم) (قام بعذري لما قعدت به) (ونمت عن حاجتي ولم ينم) (اغنى
وأقنى ولم يسم كرما) (يقبل كف له ولا قدم) لبشار بن برد ويكنى أبا معاذ ويلقب بالمرعث الداعمي
(إذا كنت في كل الأمور معاتبا) (صديقك لم تلق الذي من تعاتبه) (فعش واحدا أو صل أخاك فإنه)
(مفارق ذنب مرة ومجانبه) (إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى) (ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه)
لزياد الأعجم (أخ لك لا تراه الدهر إلا) (على العلات بساما جوادا) (أخ لك ليس خلته بمذق)
(إذا ما فاد فقر أخيه عادا) (إذا كان ذواقا أخوك من الهوى) (موجهه في كل فج ركايبه) (فخل له وجه
الطريق ولا تكن) (مطيه رحال كثير مذاهبه) (تخاف المنايا ان ترحل صاحبي) (كان المنايا في المقام تناسبه)
ولبشار أيضا (خير اخوانك المشارك في) (المرؤ وأين الشريك المرانيا) (الذي ان شهدت
سرك في الناس) (وان غبت كان اذنا وعينا) (مثل سر العقيان ان مسه النار) (جلاه البلا فازداد
35

زينا) (وانشدت) لابن نعمه الخطيب مما قاله في مجلس ابن خالويه (شعر) (أيها العالم الذي ملا الأرض
علمه) (لما جرحت قلبي بحال تغمه) (لا يفر الحوار ان يتوطأه امه) (ولعمري لضمه كان أحلى وشمه) (لا
تهجم على الصديق بشئ يغمه) (فإذا أحوج الشجاع بدا منه سمه) قال وانشد لغيره (لا توردن على الصديق
من الدعابة ما يغمه) (واحذر بوادر طيشه) (يوما إذا ما طال حلمه) (فالعجل تنطحه على ادمان) (مس
الضرع امه) (فصل آخر) في ذكر الاخوة والاخوان قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا آخى أحدكم رجلا
فليسأله عن اسمه واسم أبيه وقبيلته ومنزله فإنه من واجبي الحق وصافي الاخاء وإلا فهو مودة حمقاء و
روي أن داود قال لابنه سليمان عليهما السلام يا بني لا تستبدلن باخ قديم أخا مستفادا ما استقام لك ولا
تستقلن ان يكون لك عدو واحد ولا تستكثرن ان يكون لك الف صديق وانشد لأمير المؤمنين عليه السلام
(وليس كثيرا الف خل وصاحب) (وان عدوا واحدا لكثير) وروى أن سليمان عليه السلام قال لا تحكموا على رجل
بشئ حتى تنظروا من يصاحب فإنما يعرف الرجل بأشكاله واقرانه وينسب إلى أصحابه واخوانه وروى أنه كانت بين الحسن والحسين صلوات الله عليهما وحشه فقيل للحسين عليه السلام لم لا تدخل على أخيك وهو أسن منك
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول أيما اثنان جرى بينهما كلام فطلب أحدهما رضاء صاحبه كان سابقا
له إلى الجنة فاكره ان أسبق أبا محمد إلى الجنة فبلغ ذلك إلى الحسن عليه السلام فقام يجر رداءه حتى دخل على الحسين
صلوات الله عليهما فاسترضاه حدثني الشريف أبو عبد الله محمد بن عبيد الله بن الحسين بن ظاهر الحسيني
رحمه الله وكتب لي بخطه قال حدثنا عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي قال أخبرنا أحمد بن محمد بن رباح قال حدثنا
محمد بن العباس الحسيني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني عن صفوان الجمال قال وقع بين أبي عبد الله
جعفر بن محمد عليهما السلام وبين عبد الله ابن الحسن بن الحسن كلام حتى ارتفع الضوضاء واجتمع الناس عليهما
فتفرقا عشيتهما تلك ثم غدوت في حاجة لي فإذا انا بابى عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام على باب عبد الله
بن عبد الله بن الحسن وهو يقول يا جاريه قولي لأبي محمد هذا جعفر بالباب قال فخرج عبد الله فقال يا
أبا عبد الله ما بكر بك فقال أبو عبد الله عليه السلام انى ذكرت آية من كتاب الله البارحة فأقلقتني قال
36

وما هي فقال قول الله عز وجل * (والذين يصلون ما أمر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) * فقال
عبد الله صدقت والله يا أبا عبد الله كأني لم اقرأ هذه الآية قط (وروى) في الكامل ان عبد الله بن علي
بن جعفر بن أبي طالب افتقد صديقا له من مجلسه ثم جاءه فقال أين كانت غيبتك قال خرجت إلى عرض من اعراض المدينة
مع صديق لي فقال له ان لم تجد من صحبة الرجال بدا فعليك بصحبة من أن صحبته زانك وان خفقت له صانك وان احتجت
إليه عانك وان رأى منك خلة سدها أو حسنة عدها أو وعدك لم يحرضك وان كثرت عليه لم يرفضك وان
سئلته أعطاك وان أمسكت عنه ابتداك (وقال بعضهم) قارب اخوانك في لقاهم تسلم من بوائقهم (وفي بعض كتب
الهند) ثق بذى العقل والكرم واطمئن إليه وواصل العاقل غير ذي الكرم واحترس من سئ أخلاقه وانتفع بعقله وواصل
الكريم غير العاقل وانتفع بكرمه وانفعه بعقلك واهرب من اللئيم الأحمق (وقال آخر) دع مصارعة أخيك وان
حث التراب في فيك وقيل إياك وطاعة الأسفال فإنه يهجم بصاحبه على مكروه وإذا صفا لك أخ فكن به أشد ضنا
منك بنفائس أموالك ثم لا يزهدنك فيه ان ترى منه خلقا تكرهه فإن نفسك التي هي أخص الأنفس بك لا تطيعك
كالمقادة في كل ما تهوى فكيف تلتمس ذلك من غيرك ويحسبك ان يكون لك من أخيك أكثره فقد قالت العرب
من لك يوما بأخيك كله ووصف اعرابي رجلا فقال كان والله يتحسى مرارة الاخوان ويسقيهم عذبه وقيل
لخالد بن صفوان أي الاخوان أحب إليك فقال الذي يغفر زللي ويقبل على ويسد خللي (وسئل) رجل عن
صديقين له فقال أما أحدهما فعلق مصيبه لاتباع وأما الأخر فعلق مصيبه لا تبتاع (وكان آخر)
يقول اللهم احفظني من الصديق فقيل له ولم قال لانى من العدو متحرز ومن الصديق آمن (وانشد)
(احذر مودة ماذق شاب المرارة بالحلاوة) (يحصى العيوب عليك أيام الصداقة للعداوة) (وقيل)
لبعضهم كم لك من صديق فقال لا أدرى لأن الدنيا على مقبلة فكل من يلقاني يظهر لي الصداقة وإنما أحصيهم
إذا ولت عنى (وقيل) ليحيى بن خالد وهو في الحبس وقد احتاج لو كتبت إلى فلان فإنه صديقك فقال دعوه يكون
صديقا (لبعضهم) (قد أخلق الدهر ثوب المكرمات فلا) (تخلق لوجهك في الحاجات ديباجه) (ولا يغرونك
اخوان تعدهم) (أنت العدو لمن كلفته حاجة) لغيره (ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها) (فحيث ما انقلبت
37

يوما مساعدوه) (على الدنيا فإن وثبت يوما) (عليه بما لا يشتهى وثبوا) لغيره (هي توبتي من أن أظن جميلا)
(باخ ودود أو أعد خليلا) (كشفت لي الأيام كل خبيئة) (فوجدت اخوان الصفاء قليلا) (الناس سلمك ما
رأوك مسلما) (ورأوا نوالك ظاهرا مبذولا) (فإذا امتحنت بمحنة ألفيتهم) (سيفا عليك مع الردى
مسلولا) للشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين الموسوي رحمه الله (وقد كنت مذ لاح المشيب بعارضي)
(انفر عن هذا الورى واكشف) (فما إذ عرفت الناس إلا ذمتهم) (جزى الله خيرا كل من لست اعرف) ولإبراهيم
بن هلال الصابي (أيا رب كل الناس أبناء علة) (أما تغلط الدنيا لنا بصديق) (وجوه بها من مضمر الغل
شاهد) (ذوات أديم في النفاق صفيق) (إذا اعترضوا عند اللقاء فإنهم) (قذى لعيون أو شجا لحلوق)
(وان عرضوا برد الوداد وظله) (أسروا من الشحناء حر صديق) (إلا ليتني حيث انتوت افرخ القطا) (بأقصى محل
في البلاد سحيق) (أخو وجده قد آنستني كأنني) (بها نازل في معشري وفريقي) (فذلك خير للفتى من ثوابه)
(بمسغبة من صاحب ورفيق) لغيره (اسم الصديق على كثير واقع) (وقد اختبرت فما وجدت فتى يفي) (كعجائب
البحر التي أسماؤها معروفة مشهورة وشخوصها لم تعرف) لأحمد بن إسماعيل (مذ سمعنا باسم
الصديق فطالبنا بمعناه) (فما استفدنا صديقا) (أتراه في الأرض يوجد لكن) (نحن لا نهتدي إليه طريقا)
(أم ترى قولهم صديق مجازا) (لا نرى تحت لفظه تحقيقا) لعبد الملك بن مروان (صديقك
حين تستغنى كثير) (وما لك عند فقرك من صديق) (فلا تأسف على أحد إذا ما) (لهى عنك الزيارة وقت
ضيق) لبعضهم (هو خل ولكن لعن الله ولكن) (لفظه في ضمنها السوء تحامى في أماكن) مسألة
فقهية ذكر شيخنا المفيد رضي الله عنه رجل صحيح دخل على مريض فقال له أوص فقال بما اوصى و
إنما يرثني زوجتاك وإختاك وعمتاك وخالتاك وجدتاك وفي ذلك يقول الشاعر (أتيت الوليد ضحى
عائدا) (وقد خامر القلب منه السقاما) (فقلت له أوص فيما تركت) (فقال إلا قد كفيت الكلاما) (ففي
عمتيك وفي جدتيك) (وفي خالتيك تركت السواما) (وزوجاك حقهما ثابت) (وإختاك منه تحوز التماما)
(هنالك يا بن أبي خالد) (ظفرت بعشر حويت السهاما) الجواب هذا المريض تزوج جدتي الصحيح
38

أم امه وام أبيه فأولد كل واحدة منهما ابنتين فابنتاه من جدته أم امه هما خالتا الصحيح وتزوج الصحيح جدتي
المريض أم أبيه وام امه وتزوج أبو المريض أم الصحيح فأولدها ابنتين فقد ترك المريض أربع بنات وهما عمتا الصحيح
وخالتاه وترك جدتيه وهما زوجتا الصحيح وترك امرأتيه وهما جدتا الصحيح وترك أختيه لأبيه وهما أختا الصحيح
لامه فلبناته الثلثان ولزوجته الثمن ولجدتيه السدس ولأختيه لأبيه ما بقى وهذه القسمة على مذهب العامة
دون الخاصة (شبهه المجبرة) استدل المجبرة على أن الايمان فعل الله تعالى ان قالت قد قال الله تعالى
اهدنا الصراط المستقيم ولا شك انه أراد بذلك تعليمنا سؤاله فلا تخلو هذه الهداية التي نسئل فيها من حالين أما ان
الدلالة على ما يقولون وأما ان يكون الايمان على ما نقول وزعموا انها لا تصح أن تكون الدلالة لأن الله
عز وجل قد فعلها قالوا ولا يجوز ان نسأله في فعل ما قد فعله وإذا لم يصح ان يكون السؤال في الدلالة فما هو إلا
في أن يفعل لنا الايمان فنكون بفعله مهتدين (نقض عليهم) أما قولهم إن هذه الهداية المسؤول فيها لا
تخلو في حالين أما أن تكون الدلالة وأما ان يكون الايمان فخطأ لأنها قد تحتمل غير ذلك ويجوز ان يكون المراد
بها فعل الألطاف التي إذا فعلها الله تعالى ازداد بها الصدر انشراحا للايمان ولا تكون هذه الألطاف إلا لمن آمن
واهتدى وقد تكون الألطاف هداية قال الله تعالى * (والذين اهتدوا زادهم هدى) * وأما قولهم إنها لا تجوز أن تكون
الدلالة فخطأ لأن الدلالة وإن كان الله سبحانه قد فعلها وأزاح علل المكلفين بإقامتها فإنه قد يصح ان تسئله في
الزيادة فيها وان يقوى خواطرنا بالتيسير لنا ادراك أدلة اخر بعدها ولا شبهه في أن ترادف الأدلة زيادة في الهدى
وأما قولهم إنه لا يجوز سؤال الله تعالى في فعل قد فعله فخطأ أيضا وقد يصح ان نسأل الله سبحانه في فعل ما فعله وفي
ان لا يفعل ما يجوز ان يفعله وقد علمنا ذلك في كتابه وندبنا إلى ما فعله عبادة تعبدنا بها ومصلحة هدانا إليها
فقال سبحانه حاكيا عن ملائكته * (ربنا اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) * ولا شك انه قد فعل ذلك بهم
قبل المسألة منهم وكقوله رب احكم بالحق ونحن نعلم أنه لا يحكم الا به وكذلك ما تعبدنا به من سؤاله من أن تصلى على أنبيائه
ورسله مع علمنا أنه قد صلى عليهم ورفع اقدارهم وحكى لنا سؤال إبراهيم خليله صلى الله عليه في قوله * (لا تخزني يوم
يبعثون) * وهو يعلم أنه لا يخزيه وعلمنا سبحانه كيف تقول ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ونحن نعلم أنه لا يكلف عباده ما
39

لا يطيقون وقد شهد بذلك قوله عز وجل * (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) * وإنما جازت العبادة بذلك ونحوه لما
فيه من التذلل والخضوع والاستكانة والخشوع فيجوز على هذا الوجه ان نسأله ان يهدينا الصراط المستقيم بمعنى
يدلنا عليه وإن كان قد دل وهدى جميع المكلفين قال الله تعالى * (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) *
(مسألة) لهم قالت المجبرة ما معنى قول الله تعالى * (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا) * وكيف يجوز ان
يتعبدنا بالدعاء بذلك وعندكم ان النسيان من فعله سبحانه ولا تكليف على الناس في حال نسيانه (جواب)
يقال للمجبرة لسنا نحيل ان يكون المراد من النسيان المذكور في هذه الآية السهو وفقد العلم ويكون وجه الدعاء
إلى الله تعالى بترك المؤاخذة عليه جاريا مجرى ما تقدم ذكره من الانقطاع إليه واظهار الفقر إلى مسئلته والاستعانة
به وإن كان مأمونا منه في المؤاخذة بمثله على المعنى الذي أوضحنا قبل هذه المسألة ويجوز أيضا ان نحمل النسيان
المذكور فيها على أن المراد به الترك كما قال سبحانه * (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى) * أي فترك ولولا ذلك لم يكن فعله
معصية كقوله * (نسوا الله فنسيهم) * أي تركوا طاعته فتركهم من ثوابه ورحمته وقد يقول الرجل لصاحبه لا
تنسنى من عطيتك اي لا تتركني منها وانشد أبو عرفة (ولم أك عند الجود للجود قاليا) (ولا كنت يوم
الروع للطعن ناسيا) يعنى تاركا ويشهد بصحة ذلك قول الله عز وجل * (أتأمرون الناس بالبر وتنسون
أنفسكم) * بمعنى وتتركون أنفسكم (فصل) من الفرق بين مذهبنا ومذهب المجبرة في الافعال التي نعتقده
ان الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يثيبهم ولا يعاقبهم الا على ما يفعلون وان الايمان فعل المؤمن
وان الكفر فعل الكافر وتزعم المجبرة ان الله تعالى يكلف العبد ما لا يطيقه ويامره بما لا يقدر عليه ولا يتأتى منه
ويثيبه ويعاقبه على ما لم يفعله والايمان والكفر فعلان لله تعالى ونعتقد ان القدرة التي أعطاها الله تعالى
للعبد هي قدرة على الايمان والكفر وانه يفعل بهما أيهما شاء باختياره ولا يصح ان يفعلهما معا في حال واحدة
لتضادهما فقد حصل من هذا ان الذي امره الله بالايمان ونهاه عن الكفر قادر على ما امره به ونهاه عنه و
صح انه سبحانه لا يكلف العبد الا ما يستطيعه وتزعم المجبرة ان القدرة التي أعطاها الله عز وجل للعبد لا تصلح إلا لشئ
واحد أما للايمان وأما للكفر وان قدرة الايمان تضاد قدرة الكفر ولا يصح اجتماعهما معا فالذي معه قدرة الايمان
40

قد كلف ترك الكفر وهو غير قادر عليه والذي معه قدرة الكفر قد كلف فعل الايمان ولا قدرة معه عليه فحصل من
هذا تكليف ما لا يطاق والزام ما لا يستطاع تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ونعتقد ان القدرة على الفعل توجد قبله
وان الفعل يوجد بعدها فالمأمور بالايمان قادر عليه غير فاعل له وإنما أمر بمعدوم ليوجده وهو يقع ويحصل
ثاني وقت القدرة كما قدمناه وكذلك المنتهى عن الكفر إنما نهى وهو قادر على أن يفعل كفرا يقع منه في ثاني حال
قدرته فإن كان كافرا وقت قدرته فكفره ذلك إنما صح منه بقدرة أخرى تقدمته وتزعم المجبرة ان القدرة على
الفعل توجد هي والفعل معا ولا يتأخر الفعل عنها فالمأمور بالايمان ومعه قدرة عليه إنما أمر بموجود والمنتهى
عن الكفر ومعه قدرة عليه إنما نهى عن موجود فكأنه قيل للمؤمن افعل ما قد فعلت والموجود المفعول لا يفعل
وقيل للكافر لا تفعل ما قد فعلت وما قد فعل ووجد لا يصلح الامتناع منه وهذا تخبيط محكم ونعتقد ان القدرة
غير موجبة للمقدور ولا حامله عليه وان القادر مخير بين ان يفعل الشئ أو ضده بدلا منه (وتزعم
المجبرة) ان القدرة موجبة للمقدور حامله عليه ولا يصح وجودها إلا والمقدور معها ونعتقد ان
المقدور الكائن بالقدرة هو فعل للعبد في الحقيقة سواء كان طاعة أو معصية أو مباحا وان العبد محدث
الفعل وموجده وتزعم المجبرة ان جميع المقدورات فعل الله تعالى وهو المحدث لسائر الافعال في الحقيقة
ولا محدث سواه ويقولون ان معنى قولنا ان العبد فعل انما هو اكتسب فإذا سئلوا عن حقيقة الكسب لم
يتحصل منهم فيه فائدة تعقل وتعتقد ان الله تعالى لا يريد من العباد إلا الطاعة وانه مريد لما أمر به كاره لما
نهى عنه وتزعم المجبرة ان الله تعالى يريد من قوم الطاعة ويريد من آخرين معصيته وانه قد يأمر الكافر بالايمان
ولا يريده منه فقد امره بما لا يريد ونهى عما أراد ونعتقد ان الله تعالى إذا أراد شيئا فهو كان يحبه ويرضاه
وإذا كره شيئا فإنه لا يحبه ولا يرضاه وتزعم المجبرة ان الله عز وجل قد يريد شيئا ويشاؤه ولا يحبه ولا يرضاه
وانه قد يكره شيئا ويحبه ويرضاه وهذه مناقضة لا تخفى على عاقل وكل ما ذهبنا إليه في الافعال بما وصفناه
وعددناه فالمعتزلة توافقنا عليه وتخالفنا المجبرة فيه وكل من قال الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا
يعذبهم على ما لم يفعلوا فهو من أهل العدل ومن خالف في ذلك فهو من أهل الجور والجبر (فصل)
41

من القول في أن الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون الذي يدل على أن الله تعالى لا يفعل ذلك انا وجدنا قد قبحه في عقولنا
لا لعلة من نهى أو غيره بل جعل العقول شاهدة بأنه قبيح لنفسه وما كان قبيحا لنفسه لا للنهي عنه فلن يجوز ان يفعله فاعل
إلا وقد خرج من كونه حكيما ولو جاز ان يكلفنا سبحانه وتعالى ما لا نطيق لجاز ان يكلف الأعمى النظر والأخرس النطق
والزمن العدو ولجاز ان يكلف السيد منا عبده ذلك ويعاقبه على ما لا يقدر عليه وهذا كله واضح البطلان
(فعلم) انه لا يكلف أحدا من عباده إلا ما يطيقه ويستطيعه (فإن قالوا) ان تكليف ما لا يطاق قبيح و
هو حسن من خالقنا لأن الخلق خلقه والامر امره ولا يسال عما يفعل وهم يسئلون قيل لهم فأجيزوا عليه الاخبار
بالكذب وقولنا ان ذلك قبيح بيننا حسن من خالقنا لأن الخلق خلقه والامر امره ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فإن
اعتقدوا ذلك وجب ان لا يثقوا بشئ مما تضمنه القرآن من الاخبار وان امتنعوا منه طولبوا بعلة الامتناع
فمهما قالوه في قبح الاخبار بالكذب من قول قيل لهم قد قبح تكليف ما لا يطاق مثله فاما ما يشهد من القرآن بان
الله تعالى لا يكلف ما لا يطاق فقوله سبحانه * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * وقوله عز وجل * (لا يكلف الله نفسا
إلا ما آتاها) * (فصل) من القول في أن القدرة على الايمان هي قدرة على الكفر مما يدل على ذلك ان الكافر
مأمور بالايمان فلو كانت قدرة الايمان ليست معه كان قد كلف ما لا يطيقه وقد تقدم القول في فساد هذا وإذا
كانت معه فلا يجوز أن تكون غير قدرة الكفر الحاصلة له لما في ذلك من اجتماع الضدين فعلم أنها قدرة واحدة تصلح
للضدين على أن يفعل بها ما يتعلق به اختيار المكلف منها فإن قالوا إذا كانت قدرته على الضدين فيجب ان يفعلهما
معا قيل لهم لا يجب ذلك لأن القدرة غير موجبة للفعل والقادر بها مخير غير مجبر (فإن قالوا) فجوزوا ان
يختارهما فيفعلهما قيل لهم هذا غير صحيح ولا جائز لأن الاختيار هو ان يختار أحدهما على الأخر فيفعله بدلا منه
ولا يصح ذلك فيهما معا وبعد فهما ضدان وكل واحد منهما ترك لصاحبه فلا يصح ان يوجدا في حال واحد
معا وقد أجمع المسلمون على أن الله تعالى يقدر على أن يبقي العبد على حاله ويغنيه ويحييه ويميته ولا يجوز ان يفعل
ذلك أجمع في وقت واحد فإن قيل فإذا كان الله تعالى قد اعطى العبد قدرة تصلح للكفر فقد أراد الكفر منه (قلنا)
ليس الامر كذلك لأن الله سبحانه انما أعطاه القدرة ليطيع بها مختارا فلو كانت لا تصلح الا للطاعة لكان في فعلها
42

مضطرا ومثل القدرة كمثل السيف الذي يعطيه السيد لعبده ليقتل به أعدائه وهو يصلح ان يقتل به أولياءه وكالدراهم
التي تصلح ان تنفق في الطاعة والمعصية ويدفع إلى من ينفقها في الطاعة فيعصي وينفقها في المعصية والقدرة معنى تحل
القادر يصح به الفعل وهي القوة وهي أيضا الاستطاعة (فصل) من القول في أن القدرة على الفعل توجد
قبله الدليل على أن القدرة متقدمة في الوجود للفعل انها انما يحتاج إليها ليحدث بها الفعل ويخرج بها من
العدم إلى الوجود فمتى وجدت والفعل موجود وجدت في حال الاستغناء عنه (ومما يدل) على تقدمها انها
لو كانت مع الفعل كان الكافر غير قادر على الايمان لأنه لو قدر عليه لكان موجودا منه على هذا المذهب فكان يكون
مؤمنا في حال كفره وهذا فاسد ولو لم يكن قادرا على الايمان لما حسن ان يؤمر به ويعاقب على تركه لما قدمناه من قبح
تكليف ما لا يطاق وبطلانه وقد قال أصحابنا مؤكدين القول بتقدم القدرة على الفعل فيمن كان في يده شئ
فألقاه ان استطاعة الالقاء لا تخلو من حالتين أما ان تأتيه والشئ في يده أو تأتيه وهو خارج عن يده فإن كانت
تأتيه والشئ في يده فقد صح تقدم على الالقاء وهو الذي قلنا وإن كانت تأتيه والشئ خارج عن يده ملقى عنها فقد
أتت في حال الغنى عنها وفي ذلك أيضا انه قد قدر على أن يلقى ما ليس في يده وهذا محال وليس بين كون الشئ في يده
وكونه خارجا عنها واسطة ومنزلة ثالثة وقد قال أهل العلم أيضا لو كانت القدرة والفعل يوجدان معا ولا يصح غير
هذا لم تكن القدرة المؤثرة فيه بأولى من أن يكون هو المؤثر فيها وقالوا ولو كان لا يصح وجود القدرة حتى يوجد
الفعل كما لا يصح وجود الفعل حتى توجد القدرة لكان لا يصح ان يوجدا (حدثني شيخي) رحمه الله ان متكلمين
أحدهما عدلي والاخر جبري كانا كثيرا ما يتكلمان في هذه المسألة وان الجبري اتى منزل العدلي فدق عليه الباب
فقال العدلي من ذا قال انا فلان قال له العدلي ادخل قال له الجبري افتح لي حتى ادخل قال العدلي ادخل حتى افتح
فأنكر هذا عليه وقال له لا يصح دخولي حتى يتقدم الفتح فوافقه على قوله في القدرة والفعل واعلمه بذلك وجوب
تقدمها عليه فانتقل الجبري عن مذهبه وصار إلى الحق (فصل) من القول في أن القدرة غير موجبة للفعل
الدليل على انها غير موجبة ما قدمناه من أنها قدرة على الضدين فلو كانت موجبة لأوجبتهما فادى ذلك
إلى المحال وكون المكلف حاضرا ومسافرا في حال ومتحركا ساكنا في حال ولو كانت القدرة أيضا موجبة لكان القادر
43

بها مضطرا ويخرج من كونه مختارا والمضطر لا معنى لتوجه الامر والنهى إليه ولا يحسن ثوابه وعقابه على أمر هو مضطر
فيه (فصل) من القول في أن الله تعالى لم يخلق أفعال العباد وانها فعل لهم على سبيل الاحداث والايجاد
من الدليل على أنه سبحانه لم يفعلها ان فيها قبايح من كفر وفسق وظلم وكذب وليس بحكيم من فعل القبائح ولا
يجوز من الحكيم أيضا ان يخلق سب نفسه وشتمه وسوء الثناء عليه ثم نحن نعلم أن من فعل شيئا اشتق له اسم
من فعله كما يقال في من فعل الحركة انه متحرك ومن فعل السكون انه ساكن ومن فعل الضرب ضارب ومن فعل
القتل قاتل فلو كان الله تعالى هو الفاعل لأفعالنا والخالق لها دوننا لوجب ان يسمى بها جل الله عز وجل عن ذلك
وتعالى والذي يدل على انها فعل لنا دون غيرنا وقوعها بحسب تصورنا وارادتنا وانتفاء المنفى منها بحسب كراهتنا
وانتظام ما ينتظم منها بحسب مبلغ علومنا واختلالها بقدر اختلالاتنا فلو كانت فعلا لغيرنا لم يكن الامر مقصودا
على ما ذكرنا ونحن قد نفرق ضرورة بين حركة نحدثها في بعض جوارحنا وبين الرعشة إذا حدثت في عضو منا
ونرى وقوع أحد الحركتين عن قصد ووقوع الأخرى بخلاف ذلك فلسنا نشك في أن إحديهما حادثة منا
وفعل في الحقيقة لنا وهي الكائنة عن قصدنا (وشئ آخر) وهو ان الله تعالى خلق فينا الشيب والهرم والصحة
والسقم ولم يأمرنا بشئ من ذلك ولا نهانا عنه ولا مدح الشاب على شبيبته ولا ذم الشيخ لشيخوخته عدلا منه سبحانه
في حكمه فلو كانت الطاعات والمعاصي أيضا من فعله وخلقه لجرت مجرى ذلك وقبح ان يأمرنا بطاعة أو ينهانا
عن معصية ولم يصح على شئ من ذلك مدح ولا ذم ولا ثواب ولا عقاب وهذا واضح لمن عقل (فصل)
من القول إن الله تعالى لا يريد من خلقه الا الطاعة وانه كاره للمعاصي كلها وأما الذي يدل على أنه سبحانه لا
يريد المعاصي والقبائح ولا يجوز ان يشاء شيئا منها وانه كاره لها ساخط لجميعها فهو وانه تعالى نهى عنها والنهى
إنما يكون نهيا بكراهة الناهي للفعل المنهى عنه الا ترى ان أحدنا لا يجوز ان ينهى إلا عما يكرهه فلو كان النهى في
كونه نهيا غير مفتقرة إلى الكراهية لم يجب ما ذكرناه لأنه لا فرق بين قول أحدنا لغيره لا يفعل كذا وكذا ناهيا له و
بين قوله انا كاره له كما لا فرق بين قوله افعل أمرا له وبين قوله انا مريد منك ان تفعل وإذا كان سبحانه كارها
لجميع المعاصي والقبائح من حيث كان ناهيا عنها استحال ان يكون مريدا لها لاستحالة ان يكون مريدا كارها
44

لأمر واحد على وجه واحد ويدل على ذلك أيضا انه لو كان مريدا للقبيح لوجب ان يكون على صفة نقص وذم إن كان
مريدا بلا إرادة وإن كان مريدا بإرادة وجب ان يكون فاعلا للقبيح لأن إرادة القبيح قبيحة ولا يكون كذلك كما
في الشاهد كما لا خلاف في قبح الظلم من أحدنا وقد دل السمع من ذلك على مثل ما دل عليه العقل قال الله عز وجل
* (وما الله يريد ظلما للعباد) * وفي موضع آخر * (وما الله يريد ظلما للعالمين) * وقال تعالى * (كل ذلك كان سيئه عند ربك
مكروها) * وقال تعالى * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * ونعلم أن الكفر أعظم العسر وقال تعالى * (وما خلقت
الجن والإنس إلا ليعبدون) * فإذا كان خلقهم للعبادة فلا يجوز ان يريد منهم غيرها وقال * (ولا يرضى لعباده
الكفر وتشكروا يرضه لكم) * (فصل) وقد سئل أهل العدل المجبرة عن مسألة الزموهم بها ما لم يجدوا
فيه حيلة وذلك انهم قالوا لهم أخبرونا عن رجل نكح إحدى المحرمات عليه بأحد المساجد المعظمة في نهار شهر
رمضان وهو عالم غير جاهل أتقولون ان الله تعالى أراد منه هذا الفعل على هذه الصفة قالت المجبرة بل
الله اراده قال لهم أهل العدل أخبرونا عن إبليس اللعين هل أراد ذلك أم كرهه قالت المجبرة بلى هذا إنما
يريده إبليس ويؤثره قال لهم أهل العدل فاخبرونا لو حضر النبي صلى الله عليه وآله وعلم بذلك أكان يريده أم يكرهه
قالت المجبرة بل يكرهه ولا يريده قال لهم أهل العدل فقد لزمكم على هذا ان تثنوا على إبليس اللعين وتقولوا
انه محمود لموافقته ارادته لإرادة الله عز وجل وهذا ما ليس فيه حيلة لكم مع تمسككم بمذهبكم وقد كنت
أوردت هذه المسألة في مجلس بعض الرؤساء مستطرفا له بها وعند جمع من الناس فقال رجل ممن كان
في المجلس يميل إلى الجبر إن كان هذه المسألة لا حيلة للمجبرة فيها فعليكم أنتم أيضا مسألة لهم أخرى لا خلاص
لكم مما يلزمكم منها (فقلت) وما هي قال يقال لكم إذا كان الله تعالى لا يشاء المعصية وإبليس يشاؤها ثم
وقعت معصية من المعاصي فقد لزم من هذا أن تكون مشيئة إبليس غلبت مشيئة رب العالمين فقلت له
إنما تصح الغلبة عند الضعف وعدم القدرة ولو كنا نقول إن الله تعالى لا يقدر ان يجبر العبد على الطاعة و
يضطره إليها ويحيل بينه وبين المعصية بالقسر والالجاء إلى غيرها لزمنا ما ذكرت وإلا بخلاف ذلك وعندنا
ان الله تعالى يقدر ان يجبر عباده ويضطرهم ويحيل بينهم وبين ما اختاروه فليس يلزمنا ما ذكرتم من الغلبة
45

وقد ابان الله تعالى ذلك فقال * (ولو شاء الله لجعل الناس امه واحدة) * وقال تعالى * (ولو شئنا لآتينا كلا هديها) * و
إنما لم يفعل ذلك لما فيه من الخروج عن سنن التكليف وبطلان استحقاق العباد للمدح والذم فتأمل ما ذكرت تجده صحيحا
فلم يأت بحرف بعد هذا (فصل) اعلم أيدك الله تعالى ان جناية المجبرة على الاسلام كثيرة وبليتها على الأمة عظيمة بحملها
المعاصي على الله تعالى وقولها انه لا يكون إلا ما اراده تعالى وانه لا قدرة للكافر على الخلاص من كفره ولا سبيل للفاسق
إلى ترك فسقه وان الله تعالى قضى بالمعاصي على قوم وخلقهم لها وفعلها فيهم ليعاقبهم عليها وقضى بالطاعات على قوم
وخلقهم لها وفعلها فيهم ليثيبهم عليها وهذا الاعتقاد القبيح يسقط عن المكلف الحرص على فعل الطاعة والاجتهاد و
الاجتناب عن المعصية لأنه يرى أن اجتهاده لا ينفع وحرصه لا يغني بل لا اجتهاد في الحقيقة ولا حرص لأنه مفعول فيه
غير فاعل وموجد فيه غير موجد ومخلوق لشئ لا محيد له عنه ومسبوق لأمر لا انفصال له منه فأي خوف مع هذا يقع
وأي وعيد معه ينفع نعوذ بالله مما يقولون ونبرأ إليه مما يعتقدون وانشدت لبعض أهل العدل (شعر) (سالت المخنث عن فعله) (علام تخنث يا ماذق) (فقال ابتلاني بدائي العضال) (واسلمني القدر السابق)
(ولمت الزناة على فعلهم) (فقالوا بهذا قضى الخالق) (وقلت لاكل مال اليتيم) (الؤما وأنت امرؤ فاسق) (فقال
ولجلج في قوله) (اكلت واطعمني الرازق) (وكل بخيل على ربه) (وما فيهم أحد صادق) (فصل)
اعلم أيدك الله تعالى قد يعبر عن نفى الفعل بنفي الاستطاعة توسعا ومجازا فيقال لمن يعلم أنه لا يفعل شيئا لثقله
على قلبه ونفور طبعه منه انك لا تستطيعه وإن كان في الحقيقة مستطيعا له ويقول أحدنا لمن يعلم أنه يبغضه انك
لا تستطيع ان تنظر إلي والمعنى ان ذلك يثقل عليك ويقال للمريض الذي يجهده الصوم انك لا تستطيع الصيام و
هو في الحقيقة يستطيعه ولكن بمشقة تدخل عليه وثقل يناله وعلى هذا المعنى يتأول قول الله جل اسمه فيما حكاه عن
العالم الذي تبعه موسى عليه السلام حيث قال له موسى * (هل اتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع
معي صبرا) * المعنى فيه انك لا تصبر ولا يخف عليك وانه يثقل على طبيعتك فعبر عن نفي الصبر بنفي الاستطاعة وإلا
فهو قادر مستطيع ويدل على ذلك قول موسى عليه السلام في جوابه * (له ستجدني إن شاء الله صابرا) * ولم يقل إن شاء الله
مستطيعا ومن حق الجواب ان يطابق السؤال فدل جوابه على أن الاستطاعة المذكورة في الابتداء هي عبارة عن
46

الفعل نفسه مجازا كما ذكرنا وقد يستعمل الناس هذا كثيرا وانشده (شعر) (ارى شهوات لست أستطيع تركها)
(واحذر ان واقعتها ضرر الاثم) فلا النفس تنهاني وتبصر رشدها) (واكره اتيان العقاب على علم) و
لسنا نشك في أن الشاعر عنى بقوله لست أستطيع تركها ان تركها يثقل عليه ولا يلائم ما يدعوه إليه طبعه وانه لم ينف الاستطاعة
في الحقيقة عن نفسه ولو كان أراد نفيها لم يكن معنى لقوله واحذر ان واقعتها ضرر الاثم وقوله واكره اتيان
العقاب على علم وعلى هذا المعنى أيضا يتأول قول الله عز وجل * (وما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) *
وهو انهم لاستثقالهم استماع آيات الله تعالى وكراهتهم تأملها وتدبرها جروا مجرى من لا يستطيع السمع كما يقال
لمن عهد منه العناد واستثقال استماع الحجج والبينات ما يستطيع استماع الحق وما يطيق ان يذكر له قال الأعشى
شعر (ودع هريرة ان الركب مرتحل) (وهل تطيق وداعا أيها الرجل) ونحن نعلم أنه قادر على الوداع وإنما نفى قدرته عليه من حيث الكراهية والاستثقال ومعنى قوله وما كانوا يبصرون ان ابصارهم لم تكن نافعة لهم
ولا مجدية عليهم نفعا لاعراضهم عن تأمل آيات الله عز وجل وتفهمها فلما انتفت عنهم منفعة الابصار جاز ان
ينفي عنهم الابصار نفسه كما يقال عن المعرض عن الحق العادل عن تأمله ما لك لا تسمع ولا تعقل وقد تأول الشريف
المرتضى رحمه الله هذه الآية على وجه آخر وهو ان يكون ما في قوله ما يستطيعون السمع ليست للنفي بل تجري مجرى
قولهم لا واصلتك ما لاح نجم لا أقيمن على مودتك ما طلعت شمس قال الله تعالى * (يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون
السمع وما كانوا يبصرون) * ويكون المعنى اتصال عذابهم ودوامه ما كانوا احياء (مسالة) وقد سالت المجبرة
عن معنى قول الله تعالى * (صم بكم عمى فهم لا يبصرون) * وظنوا ان لهم في هذه الآية حجة يتشبثون بها (والجواب)
ان ظاهر هذه الآية يقتضي ان المنافقين كانوا بهذه الصفات ومعلوم من حالهم انهم كانوا بخلافها ولا شئ
أدل على فساد التعلق بظاهرها من أن يعلم أن العيان بخلافه فوجب ضرورة صرف الآية عن ظاهرها إلى ما يقتضيه
الصواب من تأويلها والمراد بها انهم لما لم ينتفعوا بهذه الحواس والآلات فيما خلقت له وانعم عليهم بها لأجله
صاروا كأنهم قد سلبوها وحرموها وهذا مستعمل في الشاهد يقول أحدنا لغيره وقد بين له الشئ وبالغ في
ايضاحه وهو غير متأمل بوروده انك أصم واعمى فلا تستطيع كذا تسمع على قلبك وربما تجاوز ذلك فقال له
47

انك ميت لا تفهم ولا تعقل قال الله تعالى * (انك لا تسمع الموتى) * وفي هذا المعنى قال الشاعر (لقد أسمعت لو ناديت
حيا) (ولكن لا حياة لمن تنادي) (شبهه للمجبرة) وقد احتجت في تصحيح قولها ان الله تعالى
خلق طائفة من خلقه ليعذبهم بقوله سبحانه * (ولقد ذرأنا كثيرا من الجن والإنس) * قالت فبين انه خلقهم لمجرد العذاب
في النار لا في غيره نقض عليهم يقال لهم حمل هذه الآية على ظاهرها مناف للعدل والحكمة ومباين لما وصف نفسه
به من الرأفة والرحمة ومناقض لقوله عز وجل * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * ولقوله تعالى * (انا أرسلناك شاهدا
ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكره وأصيلا) * الفتح ولقوله سبحانه * (ليذكروا فابى
أكثر الناس إلا كفورا) * الفرقان ولقوله جل اسمه * (أنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) * الحديد ولقوله تبارك وتعالى
* (هو الذي انزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور) * الحديد فالواجب ردها إلى ما يلائم هذه الآيات المحكمات
ويوافق الحجج العقلية والبينات والوجه في ذلك ان يكون المراد بقوله ولقد ذرأنا لجهنم العاقبة فكأنه قال
ولقد ذرأناهم والمعلوم عندنا ان مصيرهم وحال امرهم وعاقبة حالهم دخول جهنم بسوء اختيارهم قال الله
عز وجل * (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) * القصص والمراد به ان ذلك يكون عاقبة امرهم لانهم ما التقطوه
إلا ليسروا به وكقوله سبحانه * (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها) * الانعام والمراد ان امرهم بينهم
يؤول إلى هذه وعاقبتهم تنتهي إليه لا لأن الله عز وجل جعلهم فيها ليعصوا ويمكروا وقوله إنما نملي لهم ليزدادوا
اثما وإنما أخبر بذلك عن عاقبتهم وهذا ظاهر في اللغة مستعمل بين أهلها قال الشاعر (الشعر أم سماك فلا تجزعي
) (فللموت وما تلد الوالدة) وقال آخر (فللموت تغذو الوالدات سخالها) (كما لخراب الدور تبنى المساكن)
وهي لا تغذو أولادها للموت ولا تبني المساكن لخرابها وإنما تبنى لعمارتها وسكناها وتغذى السخال لمنفعتها
ونموها ولكن لما كانت العاقبة تؤول إلى الموت والخراب جاز ان يقال ذلك (ومثله قول
الأخر) أموالنا لذوي الميراث نجمعها * ودورنا لخراب الدهر نبنيها * والمعنى في هذا كله واحد والمقصود
به العاقبة وفيما ذكرناه كفاية (مسالة) لهم أخرى وقد احتجوا لمذهبهم بقول الله تعالى * (لا ينفعكم نصح
ان أردت ان انصح لكم إن كان الله يريد ان يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون) * هود وقالوا ظاهر هذه الآية تدل على
48

ان نصح النبي صلى الله عليه وآله لا ينفع الكفار الذين أراد الله بهم الكفر والغواية وهذا خلاف مذهبكم نقض عليهم
(يقال لهم) ان الغواية هنا الخيبة وحرمان الثواب قال الشاعر * فمن يلق خيرا يحمد الناس امره * ومن يغو لا
يعدم على الغي لائمه * فكأنه قال ولا ينفعكم نصحي ان كنتم مصرين على الكفر الذي يريد الله معه ان يحرمكم الثواب ويخيبكم
منه (وأيضا) فقد سمى الله تعالى العقاب غيا قال * (فسوف يلقون غيا) * مريم فيكون المعنى على هذا الوجه إن كان الله يريد ان يعاقبكم
بسوء أعمالكم وكفركم فليس ينفعكم نصحي الا بان تفعلوا وتتوبوا (وما قيل) ان الآية تشهد بصحة هذا وان القوم استعجلوا
عقاب الله تعالى * (فقالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله ان
شاء وما أنتم بمعجزين ولا ينفعكم نصحي ان أردت ان انصح لكم إن كان الله يريد ان يغويكم هو ربكم واليه ترجعون) * سوره هود (ووجه
آخر) في الآية وهو انه قد كان في قوم نوح طائفة بقوا بالجبر فنبههم بهذا القول على فساد مذاهبهم وقال لهم على طريق
الانكار عليهم والتعجب من قولهم إن كان القول كما تقولون من أن الله يفعل فيكم الكفر والفساد فما ينفعكم نصحي فلا
تطلبوا منى نصحا وأنتم على قولكم لا تنتفعون به (فصل) في معرفة القدرية اعلم انا وجدنا كل فرقة تعرف
باسم أو تنعت بنعت فهى ترتضيه ولا تنكره سواء كان مشتقا من فعل فعلته أو قول قالته أو من اسم مقدم لها
تبعته ولم نجد في أسماء الفرق كلها اسما ينكره أصحابه ويتبرأ منه أهله ولا يعترف أحد به إلا القدرية فأهل
العدل يقولون لأهل الجبر أنتم القدرية واهل الجبر يقولون لأهل العدل أنتم القدرية وإنما تبرا الجميع من هذا
الاسم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن القدرية وأخبر انهم مجوس الأمة والاخبار بذلك مشتهرة فمنها
ما حدثني به أبو القاسم هبة الله ان إبراهيم ابن عمر الصواف بمصر قال حدثنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي قال
حدثنا عباس ابن محمد الدورسي قال حدثنا عثمان ابن زفر قال حدثنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة القدرية فإن مرضوا فلا تعودوهم وان
ماتوا فلا تشهدوهم وان لقيتموهم في طريق فألجؤهم إلى ضيقه وهذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله دلالة
لنا على المعرفة بالقدرية وتمييز لهم من بين الأمة لانهم لم ينعتهم بالمجوسية (إلا لموضع المشابهة بينهم وبين المجوس في المقال والاعتقاد وقد علمنا بغير شك ولا ارتياب ان من قول المجوس) ان الله تعالى فاعل لجميع ما سر ولذ و
أبهج ومالت إليه الأنفس واشتهته الطباع كائنا ما كان حتى أنه فاعل الملاهي والأغاني وكلما دخل في هذا
49

الباب وهذا مذهب المجبرة بغير خلاف ويقول المجوس ان الله تعالى محمود على فعل الخير وهو لا يقدر على ضده وان
إبليس مذموم على فعل الشر ولا يقدر على ضده وهذا بعينه يضاهي قول المجبرة ان المؤمن محمود على الايمان و
هو لا يقدر على ضده وان الكافر مذموم على الكفر ولا يقدر على ضده وتذهب المجوس إلى القول بتكليف ما لا يطاق
وهو رأيها الذي تدين به في الاعتقاد ولهم في السنة يوم يأخذون فيه بقرة قد زينوها فيربطون يديها و
رجليها أوثق رباط ثم يقربونها إلى سفح الجبل ويضربونها لتصعد فإذا رأوا ان قد تعذر عليها ذلك
قتلوها ويسمون هذا اليوم عيد الباقور وهذا هو مذهب المجبرة في القول بتكليف ما لا يستطاع فهم مجوس
هذه الأمة وقدريتها بما اقتضاه هذا البيان (وقد قالت العدلية) للمجبرة ان من أدل دليل على
انكم القدرية قولكم ان جميع أفعال العباد بقدر من الله عز وجل وانه الذي قدر على المؤمن ان يكون مؤمنا
وعلى الكافر ان يكون كافرا وانه لا يكون شئ إلا أن يقدره الله تعالى (قالت المجبرة) بل أنتم أحق بهذا لأنكم
نفيتم القدر وجحدتموه وأنكرتم ان يكون الله سبحانه قدر لعباده ما اكتسبوه (قالت العدلية)
قد غلطتم فيما ذكرتموه وجرتم فيما قضيتموه لأن الشئ يجب ان ينسب إلى من أثبته واوجبه لا إلى من نفاه وسلبه
ويضاف إلى من أقر به وأعتقده لا إلى من أنكره وجحده فتأملوا قولنا تعلموا انكم القدرية دوننا (فصل)
وقد ظنت المعتزلة ان الشيعة هم المرجئة لقولهم انا نرجو من الله تعالى العفو عن المؤمن إذا ارتكب معصية ومات
قبل ان تقع منه التوبة وهذا غلط منهم في التسمية لأن المرجئة اسم مشتق من الارجاء وهو التأخير يقال لمن
اخر أمرا أرجأت الامر يا رجل فأنت مرجئ قال الله * (ارجه وأخاه) * الأعراف أي اخره وقال تعالى * (وآخرون مرجون لأمر الله) * التوبة يعنى
مؤخرون إلى مشيته (وأما الرجاء) فإنما يقال منه رجوت فانا راج فيجب أن تكون الشيعة راجية لا مرجئة والمرجئة هم
الذين أخروا الأعمال ولم يعتقدوها من فرائض الايمان وقد لعنهم النبي عليه السلام فيما وردت به الاخبار
(حدثنا) القاضي أبو الحسن محمد ابن علي بن محمد بن صخر الأزدي البصري بمصر سنه ست وعشرين وأربعمائة
قراءة منه علينا قال أخبرنا أبو القاسم عمر بن محمد بن يوسف قال حدثنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني ببغداد
سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة قال حدثنا داود بن سليمان العادي قال حدثنا علي بن موسى الرضا قال حدثنا أبي
50

الحسين بن علي قال حدثني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله صنفان من
أمتي ليس لهم في الآخرة نصيب المرجئة والقدرية (فصل) واعلم أن المعتزلة لها من الأغلاط القبيحة والزلات الفضيحة
ما يكثر تعداده وقد صنف ابن الراوندي كتاب فضائحهم فاورد جملا من اعتقاداتهم وآراء شيوخهم مما ينافر العقول
ويضاد شريعة الرسول صلى الله عليه وآله وقد وردت الاخبار بذمهم من أهل البيت ولعنهم جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
فقال لعن الله المعتزلة أرادت ان توحد فألحدت ورامت ان ترفع التشبيه فأثبتت فمن أقبح ما تعتقده المعتزلة وتضاهي فيه
قول الملحدة قولهم إن الأشياء كلها كانت قبل حدوثها أشياء ثم لم يقنعهم ذلك حتى قالوا إن الجواهر في حال عدمها
جواهر وان الاعراض قبل ان توجد كانت اعراضا حتى أن السواد عندهم قد كان في عدمه سوادا وكذلك الحركة قد كانت قبل
وجودها حركة وسائر الاعراض يقولون فيها هذا المقال ويزعمون ان جميع ذلك في العدم ذوات كما هو في الوجود
ذوات وهذا انكار لفعل الفاعل ومضاهاة لمقال الملحدين وقد اطلقوا هذا القول اطلاقا فقالوا ان الجواهر
والاعراض ليست بفاعلها وفسروا ذلك فقالوا أردنا ان الجوهرة لم يكن جوهرا بفاعله ولا كان العرض أيضا بفاعله
وانهما على ما هما عليه من ذلك لنفوسهما قبل وجودهما ولا بجاعل جعلها وهذا تصريح غير تلويح وقد قال لهم شيوخنا وعلماؤنا
فإذا كانت الذوات في عدمها ذواتا والجواهر والاعراض قبل وجودها جواهر واعراضا فما الذي صنع الصانع قالت
المعتزلة أوجد هذه الذوات قال أهل الحق لهم ما معنى قولكم أوجدها وأنتم ترون انها لم تكن أشياء به ولا ذواتا بفعله
ولا جواهر ولا اعراضا أيضا بصنعته قالت المعتزلة معنى قولنا انه أوجدها انه فعل لها صفة الوجود قال أصحابنا
فإذن ما فعلها ولا تعلقت قدرته بها وانما المفعول المقدور هو الصفة دونها فاخبرونا الان ما هذه الصفة
لنفهمها وهل هي نفس الجوهر ونفس العرض فهما اللذان فعلا فكانا جوهرا وعرضا بفاعلهما وان قلتم انها شئ آخر
غيرها فهل هي شئ أم ليست بشئ واعلموا انكم ان قلتم انها شئ لزمكم أن تكون في عدمها أيضا شيئا وان قلتم انها ليست
بشئ نفيتم ان يكون الله تعالى فعل شيئا قالت المعتزلة هي أمر معقول ولم تزد على ذلك واتت فيه بنظير ما اتى أصحاب الكسب في
المخلوق وجميع المعتزلة على هذا القول إلا أبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي فإنه يرى أن الأشياء قد كانت كلها في
عدمها أشياء ولم تكن جواهر ولا اعراضا ولا ذواتا وإنما جعلت كذلك بفاعلها ولم تكن أشياء بفاعلها فقد تبين
51

لك رأى المعتزلة في هذا (فصل) من الكلام في الأصلح وقد اشتهر عن المعتزلة انها من أهل العدل وذلك لقولها
ان الله تعالى لا يكلف العبد إلا ما يستطيع ولها مع ذلك قول تنسب الله عز وجل فيه إلى الامر القبيح وتضاد به ما أوجبه
الدليل من وصفه بالحسن الجميل وهو ما ذهب إليه الجبائي وابنه عبد السلام ومن وافقها وهم اليوم أكثر المعتزلة من أن
الله تعالى وإن كان عدلا كريما فإنه لا يفعل بخلقه الأصلح ولا يتفضل عليهم بالأنفع وانه يقتصر بهم من النفع والصلاح
على نهاية غيرها أفضل منها وأصلح مع حاجتهم إلى ما يمنعهم إياه من الصلاح أو فقرهم إلى المنافع التي حرمهم إياها
من الانعام والاحسان وهو قادر على ما يحتاجون إليه ومع ذلك هو غني عن منعه عالم بحسن بذله وفعله والعباد يتضرعون
إليه في التفضل عليهم به فلا يرحم تضرعهم ويسألونه المنة بفعله فلا يجيبهم ويرجونه منه فيخيب رجاءهم ويتمنون من
فعله فلا يهب لهم مناهم تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا والذي نذهب في ذلك إليه مما وافقنا البلخي فيه هو ان الله
سبحانه متفضل على جميع خلقه بنهاية مصالحهم متطول عليهم بغاية منافعهم لا يسألونه صلاحا إلا أعطاهم ولا يلتمسون
منه ما يعلم أنه لهم أنفع إلا فعله بهم ولا يمنعهم إلا مما يضرهم ولا يصدهم إلا عما يفسدهم ولا يحول بينهم وبين شئ
يصلحهم وانه لا يقضي عليهم بشئ يسرهم أو يسوؤهم الا وهو خير لهم وأصلح مما صرفه عنهم والذي يدل على ذلك هو ما ثبت
من أن الله تعالى عالم بقبح القبيح وغنى عن فعله لا يجبر على الحسن ولا يحتاج إلى منعه وانه مستحق للوصف بغاية الجود ومنفي
عنه البخل والتقصير خلق الخلق لمنافعهم واخترعهم لمصالحهم فلو منعهم صلاحا لناقض ذلك الغرض في خلقهم ولم يكن
مانعا نفعا هو قادر عليه عالم بحسنه إلا لحاجة إليه أو للبخل به أو الافتقار في صنعه وذلك كله منفي عن الله سبحانه ومما
يدل على صحة ما ذهبنا إليه انا وجدنا الحكيم إذا كان آمرا بطاعته فلن يجوز ان يمنع المأمور ما به يصل إليها إذا كان قادرا
على أن يعطيه إياه وكان بذله له لا يضره ولا يخرجه من استحقاق الوصف بالحكمة ومنعه لا ينفعه وكذلك إذا كان له عدو
يدعوه إلى موالاته ويحب رجوعه إلى طاعته فلن يجوز ان يعامله من الغلظة أو اللين إلا مما يعلم
أنه أنجع فيما يريده
منه وادعى له إلى ترك ما هو فيه من عداوته والرجوع إلى ولايته فإن عرض له امران من الشدة والغلظة أو الملاطفة
والملاينة يعلم أن أحدهما ادعى لعدوه إلى المراجعة والإنابة والآخر دون ذلك ففعل الدون وترك ان يفعل الأصلح
الادعاء وكلاهما في قدرته عليهما سواء ولا يضره بذلهما ولا ينفعه منعهما كان عند الحكماء جميعا مذموما خارجا من
52

استحقاق الوصف بالجود والحكمة فلما كان هذا فيما بينا على ما وصفنا وكان الله تعالى قادرا حكيما جوادا
عالما بمواضع حاجة عباده آمرا لهم بطاعته وترك عداوته والرجوع إلى ولايته لا يضره الاعطاء ولا
يلحق به صفة الذم ولا ينفعه المنع ولا يزيد في ملكه علمنا أنه لا يفعل بعباده إلا ما كان أصلح بحالهم
في دينهم وأدعاها إلى طاعته صحة كان أو سقما لذة كان أو ألما آمنوا أو كفروا أطاعوا أم
عصوا قال الله تعالى لرسوله عليه السلام * (قولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) * طه هذا حين علم أن الدعاء على جهة
اللين أصلح له ثم قال في موضع آخر * (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك أخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) *
الانعام حين كانت الشدة والغلظة أصلح في دعائهم إلى التضرع والخشوع لديهم واعلم أن الأصلح إذا فعل بالعبد لا
يضطره إلى ايجاد الفعل وإنما هو تيسر في ايجاده ومعونة عليه كما أن القدرة لا تضطر العبد إلى ايجاد الفعل
وإنما هي تمكين منه وازاحة للعلة فيه فمن نسب الله تعالى إلى أنه تعالى لا يفعل بمن كلفه الا الأصلح فقد جعله بخيلا
ومقتصدا ومن نسبه إلى أن لا يعطى من كلفه الطاعة القدرة عليها فقد جعله ظالما جائرا تعالى الله عن ذلك
علوا كبيرا فإن قال قائل إذا كان قد فعل بجميع خلقه الأصلح فقد ساوى بين وليه وعدوه ومن ساوى
بينهما فغير حكيم في فعله قلنا إنما التسوية بينهما ان يثيبهما جميعا أو يمدحهما أو يفعل بهما جميعا ما يشتهيانه
ويلذهما وليس التسوية بينهما ان يفعل لهما ما يكون ادعى إلى طاعته وازجر عن معصيته الا ترى ان رجلا
لو كان له عبدان قد اطاعه أحدهما وعصاه الأخر فقصد إلى الذي اطاعه فمدحه وأعطاه ليزداد بذلك رغبته
في طاعته ويرغب عبيده في فعلها وقصد إلى الأخر فشتمه وعاقبه على ذنبه الذي ارتكبه ليزجره عن معصيته ويصير
إلى طاعته وينزجر غيره أيضا عن مثل فعله لكان قد فعل بكل واحد منهما ما هو أصلح له ولم يجز ان يقال مع ذلك أنه
قد ساوى بينهما وقد أمر الله تعالى عبديه المؤمن والكافر بالطاعة ونهاهما جميعا عن المعصية وأقدرهما على
ما كلفهما وأزاح عللهما ولا يقال مع ذلك أنه قد ساوى بينهما إلا أن يراد بالمساواة انه قد عدل فيهما ولم يظلم
أحدهما فذلك صحيح فإن قال إذا أوجبتم ان يفعل بعباده كل ما فيه صلاحهم في دينهم وفي أداء ما كلفهم
فقد أوجبتم ان لما عنده مما فيه صلاحهم غاية ونهاية قلنا لسنا نقول ذلك بل نقول لا غاية لما عند الله
تعالى مما فيه صلاح العباد ولا نهاية له ولا نفاد وان في سلطانه وقدرته أمثالا لما فعله بهم مما فيه صلاحهم و
53

لكنه إنما يأتيهم من ذلك في كل وقت بقدر حاجتهم وما يعلم أنه الأصلح لهم فإن قال فإذا كان الذي فعل
بهم مما تقولون انه الأصلح لهم أمثال فقد وجب إذا جمعت لهم تلك الأمثال أن تكون أصلح لهم من الواحد قلنا
لهم ليس يجب ذلك ومما يدل على أن القول ما قلناه أنه يكون صلاح المريض مقدارا من الدواء ولذلك المقدار
من الدواء أمثال لو جمعت كلها له لصار تضررا عليه ولقتلته وكذلك الجائع قد يكون مقدار من الطعام فيه صلاحه
ولذلك المقدار امثله لو ضمت فاكلها لعادت عليه ضررا ولأمرضته وكذلك قد يكون معنى هو صلاح العبد في دينه
وله أمثال لو جمعت له لم يكن فيها صلاحه بل كان فيها ضرره وفساده وقد جاءت الاخبار عن آل محمد صلوات الله عليهم
بان الله لا يفعل بعبده إلا أصلح الأشياء له اخبرني شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه
قال اخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن عده من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن
يحيى بن إبراهيم عن عاصم بن عبيد عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال الصبر والرضا
عن الله رأس طاعة الله ومن صبر ورضى عن الله بما قضى عليه فيما أحب أو كره هو خير له وقد ظن من لا معرفة له
انا لما قلنا إن الله تعالى يفعل بعباده الأصلح لهم انه يلزمنا على ذلك ان يكون ما يفعله باهل النار من العذاب
أصلح لهم وقد رأيت من أصحابنا من يلتزم ذلك ويقول قد أخبر الله تعالى عن أهل النار انهم لو ردوا لعادوا
لما نهوا عنه قال ولو ردوا وعادوا لاستحقوا من العذاب أكثر مما يفعل بهم في النار فالاقتصار بهم على ما هم فيه
أصلح لهم وهذا غير صحيح والأصلح إنما هو التيسير إلى فعل الطاعة وتسهيل الطريق التي هي تناولها وهذا لا يكون
إلا في حال التكليف دون غيرها فاما الآية فإنما تضمنت تكذيب أهل النار فيما قالوه لان الله تعالى أخبر عنهم فقال
* (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) * الانعام فقال الله تعالى مكذبا
لهم * (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون) * الانعام (فصل) من الكلام
في الترك وقد اختار عبد السلام الجبائي لنفسه قولا قبيحا ضاهى فيه قول المجبرة ان الله تعالى يعذب العبد على ما
لم يحدثه وزاد عليهم زيادة بأنه قال إنه يعذب العبد من غير فعل فعله ولا شئ اكتسبه وذلك لأنه يقول إن ترك
الطاعة التي افترضها الله تعالى وأوجبها يجوز ان لا يكون فعلا ثم يعذب الله تعالى العبد لأنه ترك وان لم يكن ترك
54

شيئا لا فعلا ولا كسبا وهذا قول انفرد به ورأى استحدثه ثم تبعه معظم المعتزلة عليه من بعده والذي يدل على أن
الله تعالى لا يعذب العبد الا على فعل فعله انا رأينا العذاب إنما يستحقه من يستحق الذم واللوم ورأينا في الشاهد
انا لا نستحسن ذم أحد إلا وقد استقبحنا حالا حصل المذموم عليها متى ارتفعت من اوهامنا ارتفع استحساننا
لذمه ومتى حصلت حسن ذمه حتى أنه متى خفي امره فلم يعلم على أي حال هو لم يستحسن حمده ولا ذمه إلا بتعليقه
بحال ما حصل عليها نستحسنها في عقولنا أو نستقبحها فنقول إن كان على كذا حسن حمده وقبح ذمه وإن كان على كذا
حسن ذمه وقبح حمده وكذلك من انتهى إلى آخر أوقات الظهر حتى تيقن انه لم يبق من وقته إلا مقدار أربع ركعات
من أخف ما يجزي وهو قادر ممكن ذاكر للواجب عليه من الصلاة فلم يصل فإن العقول لا تمتنع من استقباح حال
هذا الانسان على أي هيئة حصل عليها من اضطجاع أو قعود أو قيام أو مشي أو غير ذلك من الهيئات التي تصح
معها الصلاة وقد علمنا أن الاستقباح يتعلق بمستقبح فقد وجب ان يكون هناك قبيح وإذا كان هذا الاستقباح
إنما يوجد عند وجود إحدى تلك الهيئات ويعدم بعدمها لأنها متى عدمت كان مصليا وجب أن تكون هي
القبيح الذي تعلق به الاستقباح ولذلك ثبت حسن ذمه في عقولنا عند حصول هذا الاستقباح ووجود
هذه الهيئة وإلا لم يحسن وإذا ثبت ان لهذه الهيئة حسن ذمه ثم استدللنا بدلائل حدوث هذه الهيئات
ان هذه الهيئة حادثة من فعله صح بذلك انه لا يحسن ذم الانسان على فعله وكذلك سبيل سائر المستحقين للذم
انهم لا يستحقون الا وقد جروا مجرى هذا التارك للصلاة وإذا كان الذم لا يحسن إلا لما قلنا وجب ان يكون
العقاب لا يحسن الا له وذلك بين لمن تأمله فإن اعترضه معترض في هذا وقال ما تنكرون ان يكون الانسان
يستحق الذم لأنه لم يفعل ما وجب عليه إذا كان قد يحسن من العقلاء فيما بيننا إذا لاموا انسانا فقيل لهم لم لمتموه
ان يقولوا لأنه لم يفعل ما وجب عليه ويقتصروا على هذا القدر في استحقاق الذم قلنا انا لسنا نمنع من أن يكون
الانسان يعبر عن الشئ ويريد غيره مما يتعلق به مجازا واستعارة أو لعادة جارية أو لدلالة قائمة فيعبر في حال
بعبارة نفي والمراد بها اثبات ضد المنفى الا ترى انا نقول للانسان أنت قادر على أن لا تمضى مع فلان وعلى
ان لا تقوم معه وانا أريد منك ان لا تصحبه ولا تمشي معه والقدرة عندنا وعند مخالفينا إنما هي قدرة على أن
55

يفعل الشئ ليس على أن لا يفعل فقولنا أنت قادر على أن لا تمشي معه إنما نريد انه قادر على أن يفعل ضد الشئ
وما لا يقع المشي معه وكذلك في الإرادة وإذا كان هذا كما وصفنا لم يجز لعاقل ان يقتصر في هذا الباب على ما يطلقه
الناس من عباراتهم ويدع التأمل للمعنى الذي تعلق به الذم في العقول وأيضا فانا نعلم أنهم كما يقولون لمن
لم يصل أسأت إذ لم تصل فكذلك يقولون له أسأت في تركك الصلاة وتشاغلك عنها بما لا يجدى عليك في
دين ولا دنيا وفرطت وضيعت وظلمت زيدا إذ منعته حقه الذي له عليك وفعلت ما لا يحل ولا يحمد فيعلقون
الذم في ظاهر القول بأفعال وقد علمنا أنهم لم يقصدوا من الذم بأحد القولين إلا إلى ما يقصدونه بالآخر وفي
أحد القولين الافصاح عن فعل عقلوه فوجب ان يكون هو المقصود بالقول الأخر وهو الفعل المعقول الذي
هو الترك (فصل) واعلم أن الفاعل المحدث لا يخلو من اخذ أو ترك وهما فعلان متضادان فهو
لا يعرب من الافعال في تعاقب الأضداد ولا يقال إن الله سبحانه لا يخلو من اخذ أو ترك لأنه يصح ان يخلو من
الافعال وليس هو بمحل للاعراض ولا لتعاقب الأضداد والترك في الحقيقة يختص بالمحدثين ولا يوصف الله تعالى
به إلا على المجاز والاتساع ولا يصح ان يقال إن لم يزل تاركا في الحقيقة لأن ذلك يوجب انه لم يزل خاليا من الا
فعال والقول الصحيح انه كان قبل خلقه ليس بفاعل ولا تارك متقدما لجميع الافعال فافهم ما ذكرناه
(فصل) مما ورد في ذكر الظلم روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام
أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله اوحى الله تعالى إلى نبي من أنبيائه ابن آدم اذكرني عند غضبك
أذكرك عند غضبي فلا أمحقك فيمن أمحق فإذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك فإن انتصاري خير من انتصارك
لنفسك واعلم أن الخلق الحسن يذيب السيئة كما تذيب الشمس الجليد وان الخلق السئ يفسد العمل كما يفسد
الخل العسل وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال من ولي شيئا من أمور أمتي فحسنت سريرته
لهم رزقه الله تعالى الهيبة في قلوبهم ومن بسط كفه لهم بالمعروف رزق المحبة منهم ومن كف يده عن أموالهم
وقى الله عز وجل ماله ومن اخذ للمظلوم من الظالم كان معي في الجنة مصاحبا ومن كثر عفوه مد في عمره ومن
عم عدله نصر على عدوه ومن خرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة آنسة الله عز وجل بغير أنيس واعانه بغير مال
56

وروى أن في التوراة مكتوبا من يظلم يخرب بيته ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل * (وتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) *
النمل وقد قيل إذا ظلمت من دونك عاقبك من فوقك وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ان تعالى يمهل الظالم يقول حتى أهملني ثم
إذا اخذه اخذه اخذة رابية وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله تعالى حمد نفسه عند هلاك الظالمين فقال * (فقطع دابر الذين ظلموا
والحمد لله رب العالمين) * الانعام ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنما يسعى
في مضرته ونفعك وليس جزاء من سرك ان تسوءه ومن سل سيف البغي قتل به ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها
ومن هتك حجاب أخيه هتكت عورات بيته بئس زاد إلى المعاد العدوان على العباد أسد حطوم خير من سلطان ظلوم
وسلطان ظلوم خير من فتن تدوم أذكر عند الظلم عدل الله فيك وعند القدرة قدرة الله عليك (قال المتنبي)
* واظلم خلق الله من بات حاسدا * لمن بات في نعمائه يتقلب * (فصل) قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه ما رأيت
ظلما أشبه بمظلوم من الحاسد نفس دائم وقلب هائم وحزن لازم وقال عليه السلام الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له
إليه بخيل بما لا يملكه وقال عليه السلام الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وقال عليه السلام الحسد آفة الدين وحسب
الحاسد ما يلقى وقال عليه السلام لا مروءة لكذوب ولا راحة لحسود يكفيك من الحاسد انه يغتم وقت سرورك وقال عليه السلام الحسد
لا يجلب إلا مضرة وغيظا يوهن قلبك ويمرض جسمك وشر ما استشعر قلب المرء الحسد تغنم ونق قلبك من الغل
تسلم وقال عليه السلام الحسود سريع الوثبة بطئ العطفة الحسود مغموم واللئيم مذموم وقال عليه السلام لا غنى مع فجور ولا راحة لحسود
ولا مودة لملوك وقال لقمان لابنه إياك والحسد فان يتبين فيك ولا يتبين فيمن تحسده وقال آخر ليس في خلال الشر خلة
هي اعدل من الحسد لأنه يقتل الحاسد قبل ان يصير إلى المحسود وقال آخر إذا مطر التحاسد نبت التفاسد و
قال آخر كل الناس أقدر ان ارضيهم إلا الحاسد فإنه لا يرضيه إلا زوال نعمتي أنشدت للشريف الرضي أبي الحسن
محمد الموسوي (شعر) * لو كنت احسد ما تجاوز خاطري * حسد النجوم على بقاء السرمد * لا تغبطن
على ترادف نعمة * شخصا تبيت له المنون بمرصد * إذ ليس بعد بلوغه آماله * افضى إلى عدم كان لم يوجد *
(فصل) * لا تخضعن لمترف متكبر * إن كان ذا مال وأنت عديما * واصبر على مضض الزمان وعيبه *
حتى يساعد أو تموت كريما * فلأن يموت المرء غير مذمم * خير له من أن يعيش ذميما * غيره في الياس عز واتباع *
مطامع الآمال ذل * وطلاب ما لم يقض صعب * وهو في المقدور سهل * (غيره وهو ضمرة التميمي) * وللموت
57

خير للفتى من علاقة * من العار يرميه بها كل قائل * وأنشدني الشريف أبو الحسن علي ابن عبد الله بن حمزة
قال أنشدني أبو طاهر الخوارزمي للقاضي الجرجاني يقولون * لي فيك انقباض وإنما راو رجلا عن موقف الذل
أحجما * إذا قيل هذا مورد قلت قد ارى * ولكن نفس الحر تحتمل الظما * وما كل برق لاح لي يستفزني * ولا كل من
لاقيت ارضاه منعما * ولو أن أهل العلم صانوه صانهم * ولو عظموه في النفوس تعظما * ولكنهم قد دنسوه
وعرضوا * محياه للأطماع حتى تجهما * ولم ابتذل في خدمة العلم مهجتي * لأخدم من لاقيت الا لأخدما *
اغرسه عزا واجنيه ذله * إذا فاتباع الجهل قد كان أجرما * (وانشدت لعبد المحسن الصوري) * كد كد العبد
ان أحببت ان تحسب حرا * واقطع الآمال من جود بني آدم طرا * لا تقل ذا مكسب يزري ففضل الناس ازرى *
(فصل) في الصبر روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال الصبر ستر من الكروب وعون
على الخطوب وقال صلى الله عليه وآله بالصبر يتوقع الفرج ومن يدمن قرع الباب يلج وقال عليه واله السلام
الصبر صبران صبر عند البلاء وأفضل منه الصبر عند المحارم ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام الصبر
مطية لا تكبو والقناعة سيف لا ينبو من كنوز الايمان الصبر على المصائب الصبر جنة من الفاقة اطرح عنك
الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين من صبر ساعة حمد ساعات الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد
ولا ايمان لمن لا صبر له أفضل العبادة الصبر والصمت وانتظار الفرج الصبر على ثلاثة أوجه صبر على المصيبة
وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية من ركب مراكب الصبر اهتدى إلى ميدان النصر من جعل الصبر له واليا
لم يلف بحادث مباليا وقال عليه السلام للأشعث بن قيس يعزيه ان صبرت صبر الأكارم والا سلوت سلو البهائم
وقال بعض الحكماء انك لن تنال القليل مما تحب الا بالصبر على الكثير مما تكره وقال آخر أفضل العدة الصبر على الشدة وقال
آخر بالصبر على مرارة العاجل ترجي حلاوة الاجل وقال آخر الصبر كاسمه وثمرته ثمرته لبعض اصبر لدهر نال منك فهكذا
مضت الدهور فرح وحزن مرة لا الحزن دام ولا السرور كتب رجل إلى أخيه الصبر مجنة المؤمن وسرور الموقن وعزيمة
المتوكل وسبب درك الحاجة وإنما يوفى الصابرون أجورهم بغير حساب * قال ديك الجن من كان يبغي الذل في دهره *
فليطلع الناس على فقره * للفتى ان عضه دهره * معول أكرم من صبره * وكان يقال العافية عشرة اجزاء
فتسعة منها في الصبر والعاشر في التفرد عن الناس لبعضهم * إما ترى ان الصبر أجمل للفتى * إذا ضاق أمر لم يجد عنه
58

مخرجا * فما صفت الدنيا لصاحب نعمة * ولا اشتد أمر قط إلا تفرجا * (وقيل) ان الأدب هو الصبر على الغصة
حتى تدرك الفرصة (لاخر) * ولما امتطيت صروف الزمان * وأسلمت للدهر طوعا قيادي * تزودت
صبرا لو عثائه * وزاد أخي للصبر من خير زاد * ولم يضع الصبر قدر امرئ * وهل يضيع الترب اثر النجاد * (فصل)
اخبرني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن صخر قال حدثنا أبو شجاع فارس بن موسى العرضي بالبصرة قال حدثنا أحمد بن محمد
قال حدثنا أحمد بن محمد بن شيبة الكوفي ببغداد قال حدثنا أبو نعيم محمد بن يحيى الطوسي السراج قال حدثنا محمد بن خالد
الدمشقي قال حدثنا سعيد بن محمد بن عبد الرحمن بن خارجة الرقي قال قال معاوية بن العضلة كنت في الوفد الذين
وجههم عمر بن الخطاب وفتحنا مدينة حلوان وطلبنا المشركين في الشعب فلم نقدر عليهم فحضرت الصلاة فانتهيت إلى ماء
فنزلت عن فرسي واخذت بعنانه ثم توضأت وأذنت فقلت الله أكبر الله أكبر فأجابني شئ من الجبل وهو يقول كبرت كبيرا
بكبيرا ففزعت لذلك فزعا شديدا ونظرت يمينا وشمالا فلم أر شيئا فقلت اشهد ان لا اله إلا الله فأجابني وهو يقول
الان حين أخلصت فقلت اشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال نبي بعث فقلت حي على الصلاة فقال فريضة افترضت
فقلت حي على الفلاح فقال قد أفلح من أجابها واستجاب لها فقلت قد قامت الصلاة فقال البقاء لامة محمد صلى الله عليه وآله
وعلى رأسها تقوم الساعة فلما فرغت من اذاني ناديت بأعلى صوتي حتى أسمعت ما بين لابتي الجبل فقلت انسي أم جني قال
فاطلع رأسه من كهف الجبل فقال ما انا بجني ولكني انسي فقلت له من أنت يرحمك الله قال انا ذريب بن ثملا من
حواري عيسى بن مريم عليه السلام اشهد ان صاحبكم نبي وهو الذي بشر به عيسى بن مريم عليه السلام ولقد أردت الوصول إليه فحالت
بيني وبينه فارس وكسرى وأصحابه ثم ادخل رأسه في كهف الجبل فركبت دابتي ولحقت بالناس وسعد بن أبي وقاص أميرنا
فأخبرته بالخبر فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب فجاء كتاب عمر يقول الحق الرجل فركب سعد وركبت معه حتى انتهينا إلى الجبل
فلم نترك كهفا ولا شعبا ولا واديا إلا التمسناه فلم نقدر عليه وحضرت الصلاة فلما فرغت من صلاتي ناديت
بأعلى صوتي يا صاحب الصوت الحسن والوجه الجميل قد سمعنا منك كلاما حسنا فأخبرنا من أنت يرحمك الله أقررت
بالله تعالى ووحدانيته قال فاطلع رأسه من كهف الجبل فإذا شيخ أبيض الرأس واللحية له هامة كأنها رحى فقال
السلام عليكم ورحمه الله قلت وعليك السلام ورحمه الله من أنت يرحمك الله قال انا ذريب بن ثملا وصي العبد
الصالح عيسى بن مريم عليه السلام كان سئل ربه لي البقاء إلى نزوله من السماء وقراري في هذا الجبل وانا موصيكم سددوا
59

وقاربوا وإياكم وخصالا تظهر في أمة محمد صلى الله عليه وآله فإن ظهرت فالهرب الهرب ليقوم أحدكم على نار جهنم
حتى تطفا عنه خير له من البقاء في ذلك الزمان قال معاوية بن الفضلة قلت له يرحمك الله أخبرنا بهذه الخصال لنعرف
ذهاب دنيانا واقبال آخرتنا قال نعم إذا استغنى رجالكم برجالكم واستغنت نساؤكم بنسائكم وانتسبتم إلى غير مناسبكم
وتوليتم إلى غير مواليكم ولم يرحم كبيركم صغيركم ولم يوقر صغيركم لكبيركم وكثر طعامكم فلم تروه إلا غلاء أسعاركم
وصارت خلافتكم في صبيانكم وركن علماؤكم إلى ولاتكم فأحلوا الحرام وحرموا الحلال وافتوهم بما يشتهون
واتخذوا القرآن الحانا ومزامير في أصواتهم ومنعتم حقوق الله من أموالكم ولعن آخر امتكم أولها وزوقتم المساجد
وطولتم المنابر وحليتم المصاحف بالذهب والفضة وركب نساؤكم السروج وصار مستشار أموركم نساءكم و
خصيانكم وأطاع الرجل امرأته وجفى وعق والديه وضرب شاب والدته وقطع كل ذي رحم رحمه وبخلتم بما في أيديكم
وصارت أموالكم عند شراركم وكنزتم الذهب والفضة وشربتم الخمر ولعبتم بالميسر وضربتم بالكبر ومنعتم الزكاة و
رأيتموها مغرما والخيانة مغنما وقتل البرئ لتتعظ العامة بقتله واختلست قلوبكم فلم يقدر أحد منكم يأمر با
لمعروف ولا ينهى عن المنكر وقحط المطر فصار قيضا والولد غيظا واخذتم العطاء فصار في السقاط وكثر أولاد
الخبيثة يعنى الزنا وطففت المكيال وكلب عليكم عدوكم وضربتم بالذلة وضربتم بالمذلة وصرتم أشقياء وقلت الصدقة حتى يطوف
الرجل من الحول إلى الحول ما يعطى عشرة دراهم وكثر الفجور وغارت العيون فعندها نادوا فلا جواب لهم يعنى
دعوا فلم يستجب لهم شرح قوله (فصل) اعلم أيدك الله تعالى ان قوله في هذا الخبر ولعن آخر امتكم أولها مما يظن الناصبي
ان فيه طعنا علينا لما نحن عليه من ذم المعتدلين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك ظن فاسد
لأنا انما نلعن من ثبت عندنا ظلمه وقد لعن الله تعالى الظالمين فقال * (إلا لعنه الله على الظالمين) * هود وأخبر النبي صلى الله عليه وآله
بان من أصحابه من يغير بعده ويبدل ويغوى ويفتن ويضل ويظلم ويستحق العقاب الأليم والخلود في الجحيم
فمما رووا عنه في ذلك قوله عليه السلام لأصحابه لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا
في حجر ضب لاتبعتموهم فقالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن اذن وقوله صلى الله عليه وآله وقد ذكرت عنده فتنة
الدجال لا فاني لفتنة بعضكم أخوف منى لفتنة الدجال وقوله صلى الله عليه وآله لأصحابه انكم محشورون إلى الله يوم القيامة حفاة
عراة وانه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك
60

انهم لا يزالون مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم وقوله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع لأصحابه إلا لأخبرنكم ترتدون بعدي كفارا يضرب
بعضكم رقاب بعض إلا اني قد شهدت وغبتم وقوله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفى فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم
يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى وقوله صلى الله عليه وآله تكون لأصحابي بعدي زلة يعمل بها قوم يكبهم الله عز وجل في النار على مناخرهم
وحدثني من طريق العامة أبو محمد عبد الله بن عثمان بن حماس بمدينة الرملة قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن محبوب
قال حدثنا أبو العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني قال حدثنا كثير بن عبيد أبو الحسن الحذاء قال حدثنا محمد بن
حمير عن مسلمة بن علي عن عمر بن ذرة عن قلابة الحرمي عن أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة الجراح عن عمر بن الخطاب
قال اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بلحيتي وانا اعرف الحزن في وجهه فقال يا عمر انا لله وانا إليه راجعون اتاني جبرائيل آنفا فقال
انا لله وانا إليه راجعون فقلت أجل فانا لله وانا إليه راجعون فمم ذاك يا جبرئيل قال إن أمتك مفتنة بعدك بقليل
من الدهر غير كثير فقلت فتنة كفر أو فتنة ضلالة قال كل سيكون فقلت فمن أين ذلك وانا تارك فيهم كتاب الله قال بكتاب الله
يضلون وأول ذلك من قبل أمرائهم وقرائهم يمنع الامراء الحقوق فيسئل الناس حقوقهم فلا يعطونها فيفتتنوا
ويقتلوا يتبع القراء هؤلاء الامراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون فقلت يا جبرائيل فبم يسلم من يسلم منهم قال با
لكف والصبر ان أعطوا الذي لهم اخذوه وان منعوهم تركوه فهذا بعض ما ورد من الاخبار في أنه قد كان بعد رسول الله
صلى الله عليه وآله من ضل وأضل وظلم وغشم ووجب لعنه والبراءة منه من فعله فاما الوجه في اللعن الذي يجب ان يحمل عليه ما
تضمنه الخبر الذي أوردناه من قوله صلى الله عليه وآله ولعن آخر امتكم أولها فهو ما استحله الظالمون المبغضون لأمير المؤمنين عليه السلام
من لعنه والمجاهرة بسبه وذمه فلسنا نشك في أنه قد تبرأت منه الخوارج ولعنه معاوية ومن بعده من بني أمية على
المنابر وتقرب أكثر الناس إلى ولاة الجور بذمه ونشأ أولادهم على سماع البراءة منه وسبه حدثني القاضي أبو الحسن أسد بن
إبراهيم بن كليب السلمي الحراني رحمة الله عليه بمدينة الرملة من نقل العامة قال اخبرني أبو حفص حمر بن علي العتكي
الخطيب قال حدثني أحمد بن محمد بن سليمان الجوهري قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن السبري قال حدثنا هشام بن محمد
بن السائب عن أبيه عن عبد الرحمن بن السائب عن أبيه قال جمعنا زياد في الرحبة فملا منا الرحبة والقصر وحملنا على
شتم علي بن أبي طالب والبراءة منه والناس في أمر عظيم قال أبي فهومت برأسي هويمة فإذا شئ اهدب أهدل ذو مشفر
طويل مد إلي من السماء إلى الأرض ففزعت وقلت من أنت قال انا النقاد ذو الرقبة أرسلني ربي إلى صاحب هذا القصر
61

فانتبهت فحدثت أصحابي فقالوا أنت مجنون فما برحنا ان خرج الاذن فقال انصرفوا فإن الأمير قد شغل وإذا الفالج
قد ضربه قال فانشا عبد الرحمن يقول * ما كان منتهيا عما أراد بنا * حتى تناوله النقاد ذو الرقبة * فاسقط
الشق منه حربة ثبتت * كما تناول ظلما صاحب الرحبة * وحدثني السلمي قال اخبرني العتكي قال أخبرنا محمد بن الحسين
الخزاعي الهمداني فيما قرأت عليه ان محمود بن مثوبة الواسطي حدثهم قال حدثنا القاسم بن عيسى قال حدثنا رحمة بن مصعب
بن الباهلي قال حدثنا قرة بن خالد عن أبي رجاء العطاردي قال لا تسبوا هذا الرجل يعني عليا عليه السلام فإن رجلا
سبه فرماه الله بكوكبين في عينيه وحدثني السلمي أيضا قال اخبرني العتكي قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن صالح الرازي وراق
أبي ذرعة الرازي بمكة سنة ست وثلاثمائة قال حدثنا أبو ذرعة الرازي قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الملك
قال حدثني ابن أبي فديك قال حدثني عبد الرحمن ابن عبد الله بن أبي نعيم عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال كنت
مستندا إلى المقصورة وخالد بن عبد الملك على المنبر يخطب وهو يؤذي عليا عليه السلام في خطبته فذهب بي النعاس
فرأيت القبر قد انفرج فاطلع منه مطلع فقال آذيت رسول الله لعنك الله وحدثني أيضا السلمي قال اخبرني العتكي
قال أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب البغدادي ويعرف بابن نساوران بأنطاكية قال حدثني أبو سعيد
الحسن بن عثمان بن زياد الخلال التستري بتستر قال حدثني أحمد بن حماد الطهري قال حدثنا عبد الرزاق بن معمر عن الزبيري
عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال إن الله تبارك وتعالى حبس قطر المطر عن بني إسرائيل بسوء رأيهم في أنبيائهم و
انه حابس قطر المطر عن هذه الأمة ببغضهم علي بن أبي طالب عليه السلام وحدثني السلمي قال اخبرني العتكي قال حدثني أبو عبد الله أحمد
بن جعفر الجوهري قال حدثنا أحمد بن علي المروزي قال حدثنا الحسن بن شعيب قال حدثنا خلف بن أبي هارون العبدي
قال كنت جالسا عند عبد الله بن عمر فاتى رافع بن الأزرق فقال والله اني لأبغض عليا فرفع ابن عمر رأسه فقال
أبغضك الله أتبغض ويحك رجلا سابقة من سوابقه خير من الدنيا بما فيها فقد بان بما ذكرناه ورويناه ان
آخر هذه الأمة لعن أولها وان متأخرها سب سابقها فاللعن متوجه في الخبر المتقدم إلى مبغضي أمير المؤمنين
عليه السلام والقادحين فيه وحدثنا الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي بمكة في المسجد
الحرام محاذي المستجار سنة اثنتي عشرة وأربعمائة قال اخبرني أبو محمد بن أحمد بن الحسين الشامي من كتابه قال حدثني
أحمد بن زياد القطان في دكانه بدار القطن قال حدثنا يحيى بن أبي طالب قال حدثنا عمرو بن عبد الغفار قال حدثنا الأعمش عن
62

أبي صالح عن أبي هريرة قال كنت عند النبي صلى الله عليه وآله إذ اقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وآله أتدري من هذا قلت هذا علي بن أبي طالب فقال النبي صلى الله عليه وآله هذا
البحر الزاخر هذا الشمس الطالعة أسخى من الفرات كفا واوسع من الدنيا قلبا فمن أبغضه فعليه لعنة الله وحدثنا الشيخ
الفقيه ابن شاذان رحمه الله قال حدثنا سهل بن أحمد عن أحمد بن عبد الله الديباجي رحمه الله قال حدثنا محمد بن محمد بن محمد بن
الأشعث بمصر قال حدثنا موسى بن إسماعيل عن أبيه قال حدثني موسى بن جعفر عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه
عن الحسين بن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله دخلت الجنة فرأيت على بابها مكتوبا بالذهب لا اله إلا الله محمد حبيب الله
علي بن أبي طالب ولي الله فاطمة آية الله الحسن والحسين صفوتا الله على مبغضيهم لعنة الله وحدثنا ابن شاذان أيضا
قال حدثني أبو حفص عمر بن إبراهيم أحمد بن كثير المقري المعروف بالكناني قال حدثني عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي
قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثنا عبد الملك بن عمير قال حدثنا سالم البزاز قال حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
خير هذه الأمة من بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فمن قال غير هذا فعليه لعنة الله ومما حدثنا
به الشيخ الفقيه أبو الحسن بن شاذان رحمه الله قال حدثني أبي رضي الله عنه قال حدثنا ابن الوليد محمد بن الحسن قال حدثنا الصفار
محمد بن الحسين قال حدثنا محمد بن زياد عن مفضل بن عمر عن يونس بن يعقوب رضي الله عنه قال سمعت الصادق جعفر بن
محمد عليهما السلام يقول ملعون ملعون كل بدن لا يصاب في كل أربعين يوما قلت ملعون قال ملعون فلما رأى عظم ذلك
علي قال إلي يا يونس ان من البلية الخدشة واللطمة والعثرة والنكبة والفقر وانقطاع الشسع وأشباه ذلك يا يونس
ان المؤمن أكرم على الله تعالى من أن يمر عليه أربعون يوما لا يمحص فيها من ذنوبه ولو بغم يصيبه لا يدري ما وجهه وان
أحدكم ليضع الدراهم بين يديه فيراها فيجدها ناقصة فيغتم بذلك فيجدها سواء فيكون ذلك حطا لبعض ذنوبه
يا يونس ملعون ملعون من آذى جاره ملعون ملعون رجل يبدأه اخوه بالصلح فلم يصالحه ملعون ملعون
حامل للقرآن مصر على شرب الخمر ملعون ملعون عالم يؤم سلطانا جائرا معينا له على جوره ملعون ملعون مبغض
علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه ما أبغضه حتى أبغض رسول الله صلى الله عليه وآله ومن أبغض رسول الله صلى الله عليه وآله لعنه الله تعالى في الدنيا والآخرة ملعون
ملعون من رمى مؤمنا بكفر ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمه وسعيدة سعيدة
امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه وتطيعه في جميع أحواله يا يونس قال جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ملعون ملعون من يظلم بعدي
فاطمة ابنتي ويغصبها حقها ويقتلها ثم قال يا فاطمة البشرى فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك و
63

شيعتك فتشفعين يا فاطمة لو أن كل نبي بعثه الله وكل ملك قربه شفعوا في كل مبغض لك غاصب لك ما
أخرجه الله من النار ابدا ملعون ملعون قاطع رحمه ملعون ملعون مصدق بسحر ملعون ملعون من قال
الايمان قول بلا عمل ملعون ملعون من وهب الله له مالا فلم يتصدق منه بشئ إما سمعت ان النبي صلى الله عليه وآله قال
صدقة درهم أفضل من صلاة عشر ليال ملعون ملعون من ضرب والده أو والدته ملعون ملعون من عق والديه
ملعون ملعون من لم يوقر المسجد أتدري يا يونس لم عظم الله تعالى حق المساجد وانزل هذه الآية * (وان المساجد لله
فلا تدعوا مع الله أحدا) * كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم أشركوا بالله تعالى فامر الله سبحانه نبيه ان يوحد الله
تعالى فيها ويعبده رسالة كتبتها أحد الاخوان وسميتها بالقول المبين عن وجوب مسح الرجلين بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد رسوله خاتم النبيين وآله الطاهرين سالت يا أخي أيدك الله
تعالى في أن اورد لك من القول في مسح الرجلين ما يتبين لك به وجوبه وصحة مذهبنا فيه وصوابه وانا أجيبك
إلى ما سالت وأورد مختصرا نطلب به ما طلبت بعون الله وتوفيقه (اعلم) ان فرض الرجلين عندنا
في الوضوء هو المسح دون الغسل ومن غسل فلم يؤد الفرض وقد وافقنا على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين كابن
عباس رحمه الله وعكرمة وانس وأبي العالية والشعبي وغيرهم (ودليلنا) على أن فرضهما المسح قول الله تعالى * (يا أيها
الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * النساء
فتضمنت الآية جملتين صرح فيهما بحكمين بدأ في الجملة الأولى بغسل الوجوه ثم عطفت الأيدي عليها فوجب لها
من الحكم بحقيقة العطف مثل حكمها ثم بدأ في الجملة الثانية بمسح الرؤوس ثم عطف الأرجل عليها فوجب ان يكون لها
من الحكم بحقيقة العطف مثل حكمها حسبما اقتضاه العطف في الجملة التي قبلها ولو جاز ان يخالف في الجملة الثانية
بين حكم الرؤوس والأرجل المعطوفة عليها لجاز ان يخالف في الجملة الأولى بين حكم الوجوه والأيدي المعطوفة عليها
فلما كان هذا غير جائز كان الأخر مثله فعلم وجوب حمل كل عضو معطوف في جملة على ما قبله وفيه كفاية لمن
تأمله فإن قال قائل انا نجد أكثر القراء يقرؤون الآية بنصب الأرجل فيكون الأرجل في قراءتهم معطوفة على الأيدي
وذلك موجب للغسل قيل له أما الذين قرأوه بالنصب من السبعة فليسوا بأكثر من الذين قرأوا بالجر بل هم مساوين
64

لهم في العدد وذلك أن ابن كثير وأبا عمرو وأبا بكر وحمزة عن عاصم قرأوا أرجلكم بالجر ونافعا وابن عامر والكسائي
وحفصا عن عاصم قرأوا وأرجلكم بالنصب وقد ذكر العلماء بالعربية ان العطف من حقه ان يكون على أقرب
مذكور دون ابعده هذا هو الأصل وما سواه عندهم تعسف وانصراف عن حقيقة الكلام إلى التجوز من غير
ضرورة تلجئ إلى ذلك وفيه ايقاع للبس وربما صرف المعنى عن مراد القائل الا ترى ان رئيسا لو اقبل على صاحب له
فقال له أكرم زيدا وعمرا واضرب بكرا وخالدا كان الواجب على الصاحب ان يميز بين الجملتين من الكلام ويعلم انه ابتداء
في كل واحدة منهما ابتداء عطف باقي الجملة عليه دون غيره وان بكرا في الجملة الثانية معطوف على خالد كما أن عمرا في
الجملة الأولى معطوف على زيد ولو ذهب هذا المأمور إلى أن بكرا معطوف على عمرو لكان قد انصرف عن الحقيقة
ومفهوم الكلام في ظاهره وتعسف تعسفا صرف به الامر عن مراد الامر به فأداه ذلك إلى اكرام من أمر بضربه
(ووجه آخر) وهو ان القراءة بنصب الأرجل غير موجبة أن تكون معطوفة على الأيدي بل تكون معطوفة على الرؤوس
في المعنى دون اللفظ لأن موضع الرؤوس نصب لوقوع الفعل الذي هو المسح وإنما انجرت بعارض وهو الباء و
العطف على الموضع دون اللفظ جائز مستعمل في لغة العرب الا تراهم يقولون مررت بزيد وعمرا ولست بقائم
ولا قاعدا قال الشاعر * معاوي اننا بشر فاسحج * فلسنا بالجبال ولا الحديدا * والنصب في هذه الأمثلة
كلها إنما هو العطف على الموضع دون اللفظ فيكون على هذا من قرا الآية بنصب الأرجل كمن قراها بجرها وهي في
القرآن جميعا معطوفة على الرؤوس التي هي أقرب إليها في الذكر من الأيدي ويخرج ذلك عن طريق التعسف ويجب
المسح بهما جميعا والحمد لله (وشئ آخر) وهو ان حمل الأرجل في النصب على أن تكون معطوفة على الرؤوس أولي
من حملها على أن تكون معطوفة على الأيدي وذلك أن الآية قد قرئت بالجر والنصب معا والجر موجب للمسح لأنه عطف
على الرؤوس فمن جعل النصب إنما هو لعطف الأرجل على الأيدي أوجب الغسل وأبطل حكم القراءة بالجر الموجب للمسح
ومن جعل النصب إنما هو لعطف الأرجل على موضع الرؤوس أوجب المسح الذي أوجبه الجر فكان مستعملا للقرائتين
جميعا غير مبطل لشئ منهما ومن استعملهما فهو أسعد ممن استعمل أحدهما (فإن قيل) ما أنكرتم ان يكون استعمال
القرائتين انما هو بغسل الرجلين وهو أحوط في الدين وذلك أن الغسل يأتي على المسح ويزيد عليه فالمسح داخل
فيه فمن غسل فكانما مسح وغسل وليس كذلك من مسح لأن الغسل غير داخل في المسح (قلنا) هذا غير صحيح لأن الغسل
65

والمسح فعلان كل واحد منهما غير الأخر وليس بداخل فيه ولا قائم مقامه في معناه الذي يقتضيه ويتبين ذلك ان
الماسح كأنه قيل له اقتصر فيما تتناوله من الماء على ما يندى به العضو الممسوح والغاسل كأن انما قيل له لا تقتصر على هذا القدر
بل تتناول من الماء ما يسيل ويجري على العضو المغسول فقد تبين ان لكل واحد من الفعلين كيفية يتميز بها عن الأخر
ولولا ذلك لكان من غسل رأسه فقد اتى على مسحه ومن اغتسل للجمعة فقد اتى على وضوئه هذا مع اجماع أهل اللغة والشرع
على أن المسح لا يسمى غسلا والغسل لا يسمى مسحا (فإن قيل) لم زعمتم ذلك وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن معنى
قوله سبحانه * (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) * انه غسل سوقها وأعناقها فسمي الغسل مسحا (قلنا) ليس هذا مجمعا عليه
في تفسير هذه الآية وقد ذهب قوم إلى أنه أراد المسح بعينه وقال أبو عبيدة والفراء وغيرهما انه أراد بالمسح الضرب وبعد فإن من
قال إنه أراد بالمسح الغسل لا يخالف في أن تسمية الغسل مسحا مجاز واستعارة وليس هو على الحقيقة ولا يجوز لنا ان نصرف
كلام الله تعالى عن حقائق ظاهرة إلا بحجة صارفة (فإن قال) ما تنكرون من أن يكون جر الأرجل في القراءة إنما هو
لأجل المجاورة لا للنسق فإن العرب قد تعرب الاسم باعراب ما جاوره كقولهم حجر ضب خرب فجروا خربا لمجاورته لضب
وإن كان في الحقيقة صفة للحجر لا للضب فتكون كذلك الأرجل إنما جرت لمجاورتها في الذكر لمجرور وهو الرؤوس قال امروء
القيس * كان ثبيرا في عرانين وبله * كبير أناس في بجاد مزمل * فجر مزملا لمجاورته لبجاد وإن كان من صفات الكبير
لا من صفات البجاد فتكون الأرجل على هذا مغسولة وإن كانت مجرورة (قلنا) هذا باطل من وجوه أولها
اتفاق أهل العربية على أن الاعراب بالمجاورة شاذ نادر ولا يقاس عليه وانما ورد مسموعا في مواضع لا يتعداها
إلى غيرها وما هذا سبيل فلا يجوز حمل القرآن عليه من غير ضرورة يلجا إليه وثانيها ان المجاورة لا يكون معها حرف عطف
وهذا ما ليس فيه بين العلماء خلاف وفي وجود واو العطف في قوله تعالى وأرجلكم دلالة على بطلان دخول المجاورة فيه
وصحة العطف وثالثها ان الاعراب بالجوار انما يكون بحيث ترتفع الشبهة عن الكلام ولا يعترض اللبس في معناه الا ترى ان الشبهة
زائلة والعلم حاصل في قولهم حجر ضب خرب بان خربا صفة للحجر دون الضب وكذلك ما أنشد في قوله مزمل وان من صفات
الكبير دون البجاد وليس هكذا الآية لأن الأرجل يصح ان يكون فرضها المسح كما يصح ان يكون الغسل فاللبس مع المجاورة
فيها قائم والعلم بالمراد منها مرتفع فبان بما ذكرناه ان الجر فيها ليس هو بالمجاورة والحمد لله فان قيل كيف ادعيتم
ان المجاورة لا تجوز مع واو العطف وقد قال الله عز وجل * (يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق) * ثم قال
66

وحور عين فخفضهن بالمجاورة لأنهن يطفن ولا يطاف بهن قلنا أول ما في هذا ان القراء لم يجمعوا على جر
حور عين بل أكثر السبعة يرى أن الصواب فيها الرفع وهم نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي عمرو وابن عامر وإنما
قراها بالجر حمزة والكسائي وفي رواية المفضل عن عاصم وقد حكى عن أبي عبيدة انه كان ينصب فيقرا وحورا
عينا ثم إن للجر فيها وجها صحيحا غير المجاورة وهو انه لما تقدم قوله تعالى * (أولئك المقربون في جنات النعيم) * الواقعة
عطف بحور عين على جنات النعيم فكأنه قال هم في جنات النعيم وفي مقارنة أو معاشرة حور عين وحذف
المضاف وهذا وجه حسن وقد ذكره أبو علي الفارسي في كتاب الحجة في القرآن واقتصر عليه دون ما سواه
ولو كان للجر وبالمجاورة فيه وجه لذكره (فإن قيل) ما أنكرتم من أن تكون القراءة بالجر موجبة للمسح إلا أنه
متعلق بالخفين لا بالرجلين وأن تكون القراءة بالنصب موجبة للغسل المتعلق بالرجلين بأعيانهما فيكون
للآية قراءتان مفيدة لكلا الامرين (قلنا) أنكرنا ذلك لأنه انصراف عن ظاهر القرآن والتلاوة إلى التجوز و
الاستعارة من غير أن تدعو إليه ضرورة ولا أوجبته دلالة ذلك خطا لا محالة والظاهر يتضمن ذكر الأرجل
بأعيانها فوجب ان يكون المسح متعلقا بها دون غيرها كما أنه يتضمن ذكر الرؤوس وكان الواجب المسح بها
أنفسها دون اغيارها ولا خلاف في أن الخفاف لا يعبر عنها بالأرجل كما أن العمائم لا يعبر عنها بالرؤوس ولا
البراقع بالوجوه فوجب ان يكون الغرض متعلقا بنفس المذكور دون غيره على جميع الوجوه ولو شاع سوى
ذلك في الأرجل حتى تكون هي المذكورة والمراد من سواها لشاع نظيره في الوجوه والرؤوس ولجاز أيضا ان يكون
قوله سبحانه * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ان يقتلوا أو يصلبوا أو
تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) * المائدة محمولا على غير الابعاض المذكورة ولا خلاف في أن هذه الآية دالة بظاهرها
على قطع الأيدي والأرجل بأعيانها وانه لا يجوز ان يتصرف عن دليل التلاوة وظاهرها فكذلك آية الطهارة لأنها
مثلها (فإن قيل) ان عطف الأرجل على الأيدي أولي من عطفها على الرؤوس لأجل ان الأرجل محدودة كاليدين
وعطف المحدود على المحدود أشبه بترتيب الكلام (قلنا) لو كان ذلك صحيحا لم يجز عطف الأيدي وهي محدودة (ذكر عضوا مغسولا غير محدود وهو الوجه وعطف عليه من الأيدي بمحدود مغسول ثم ذكر عضوا على الوجوه وهي غير محدودة)
في وجود ذلك وصحة اتفاق الوجوه والأيدي في الحكم مع اختلافهما في التحديد دلالة على صحة عطف الأرجل على
الرؤوس واتفاقهما في الحكم وان اختلفا في التحديد على أن هذا أشبه بترتيب الكلام مما ذكره الخصم لأن الله تعالى ذكر
67

عضوا ممسوحا غير محدود وهو الرأس وعطفه عليه من الأرجل بممسوح محدود فتقابلت الجملتان من حيث عطف
فيهما مغسول محدود على مغسول وغير محدود وممسوح محدود على ممسوح غير محدود فاما من ذهب إلى التخيير وقال انا مخير
في أن امسح الرجلين وأغسلهما لأن القراءتين تدل على الامرين كليهما مثل الحسن البصري والجبائي ومحمد بن جرير الطبري ومن
وافقهم فيسقط قولهم بما قدمناه من أن القراءتين لا يصح ان تدلا إلا على المسح وانه لا حجة لمن ذهب إلى الغسل وإذا
وجب المسح بطل التخيير وقد احتج الخصوم لمذهبهم من طريق القياس فقالوا ان الأرجل عضو يجب فيه الدية امرنا بايصال
الماء إليه (فوجب ان يكون مغسولا كاليدين وهذا احتجاج باطل وقياس فاسد لأن الرأس عضو يجب فيه الدية وقد امرنا بايصال الماء إليه) وهو مع ذلك ممسوح ولو تركنا والقياس لكان لنا منه حجة هي أولي من حجتهم وهي ان الأرجل عضو من
أعضاء الطهارة الصغرى يسقط حكمه في التيمم فوجب ان يكون فرضه المسح دليله الرأس فإن قالوا هذا ينتقض عليكم
بالجنب لان غسل جميع بدنه وأعضائه يسقط في التيمم وفرضه مع ذلك الغسل وقد احترزنا
من هذا بقولنا ان الأرجل عضو من أعضاء الطهارة الصغرى فلا يلزمنا بالجنب نقض على هذا فإن قال قائل
فما تصنعون في الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه توضأ فغسل وجهه وذراعيه ثم مسح رأسه وغسل رجليه وقال
هذا وضوء الأنبياء من قبلي هذا الذي لا تقبل الصلاة إلا به قيل هذا الخبر الذي ذكرته مختلط من وجهين رواهما
أصحابك أحدهما ان النبي صلى الله عليه وآله توضأ مرة مرة وقال هذا الذي لا يقبل الله صلاة إلا به ولم يأت في الخبر كيفية الوضوء
والاخر ان النبي صلى الله عليه وآله غسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ومسح رأسه وغسل رجليه إلى الكعبين فقال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء
من قبلي ولم يقل لم يقبل الله صلاة إلا به فخلطت روايتك أحد الخبرين بالآخر لبعدك من معرفة الأثر
وبعد فلو كانت الرواية على ما اوردته لم يكن لك فيها حجة لأن الخبر إذا خالف ما دل عليه القرآن وجب اطراحه
والمصير إلى القرآن دونه ولو سلمنا لك باللفظ الذي تذكره بعينه كان لنا ان نقول إن النبي صلى الله عليه وآله مسح رجليه في
وضوئه ثم غسلهما بعد المسح لتنظيف أو تبريد أو نحو ذلك مما ليس هو داخلا في الوضوء فذكر الراوي الغسل ولم يذكر
المسح الذي كان قبله أما لأنه لم يشعر به لعدم تأمله أو لنسيان اعترضه أو لظنه ان المسح لا حكم له وان الحكم
للغسل الذي بعده أو لغير ذلك من الأسباب وليس هذا بمحال فإن قال فقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أنه قال ويل للأعقاب من النار فلو كان ترك غسل العقب في الوضوء جائزا لما توعد على ترك غسله قلنا ليس
في هذا الخبر ذكر مسح ولا غسل فيتعلق به ولا فيه أيضا ذكر وضوء فنورده لنحتج به وليس فيه أكثر من قوله ويل للأعقاب
68

من النار فإن قال قد روى أنه رآها تلوح فقال ويل للأعقاب من النار قيل له وليس لك في هذا أيضا حجة ولا
فيه ذكر لوضوء في طهارة وبعد فقد يجوز ان يكون رأي قوما غسلوا أرجلهم في الوضوء عوضا عن مسحها
ورأى اعقابهم يلوح عليها الماء فقال ويل للأعقاب من النار ويجوز أيضا ان يكون رأي قوما اغتسلوا من جنابة
ولم يغمس الماء جميع أرجلهم ولاحت اعقابهم بغير ماء فقال ويل للأعقاب من النار ويمكن أيضا ان يكون ذلك في
الوضوء لقوم من طغام العرب مخصوصين كانوا يمشون حفاة فتشقق اعقابهم فيداوونها بالبول على قديم
عادتهم ثم يتوضؤون ولا يغسلون أرجلهم قبل الوضوء من آثار النجس فتوعدهم النبي صلى الله عليه وآله بما قال وكل هذا في حيز
الامكان ثم يقال له وقد قابل ما رويت اخبار هي أصح وأثبت في النظر والمصير إليها أولي لموافقة ظاهرها لكتاب
الله تعالى فمنها ان النبي صلى الله عليه وآله قام بحيث يراه أصحابه ثم توضأ فغسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه ورجليه
ومنها ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال للناس في الرحبة الا أدلكم على وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا بلى فدعا بعقب
فيه ماء فغسل وجهه وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه وقال هذا وضوء من لم يحدث حدثا فإن قال الخصم
ما مراده بقوله وضوء من لم يحدث حدثا وهل هذا إلا دليل على أنه قد كان على وضوء قبله قيل له مراده بذلك
انه الوضوء الصحيح الذي كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وليس هو وضوء من غير واحدث في الشريعة ما ليس منها
ويدل على صحة هذا التأويل وفساد ما توهمه الخصم انه قصد ان يريهم فرضا يعولون عليه ويقتدون به فيه
ولو كان على وضوء قبل ذلك لكان لم يعلمهم الفرض الذي هم أحوج إليه ومن ذلك ما روى عن أمير المؤمنين عليه السلام
من قوله ما نزل القرآن إلا بالمسح ولا يجوز ان يكون أراد بذلك إلا مسح الرجلين لأن مسح الرؤوس لا خلاف فيه
ومنه قول ابن عباس رحمه الله نزل القرآن بغسلين ومسحين ومن ذلك اجماع آل محمد عليهم السلام على مسح الرجلين
دون غسلهما وهم الأئمة والقدوة في الدين لا يفارقون كتاب الله عز وجل إلى يوم القيامة وفيما أوردناه كفاية و
الحمد لله (سؤال) فإن قال قائل فلم ذهبتم في مسح الرأس والرجلين إلى التبعيض (جواب) قيل له لما دل عليه
من ذلك كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله إما دليل مسح بعض الرأس فقول الله تعالى وامسحوا برؤوسكم فادخل
الباء التي هي علامة التبعيض وهي التي تدخل على الكلام مع استغنائه في إفادة المعنى عنها فتكون زائدة لأنه لو
قال وامسحوا رؤوسكم لكان الكلام صحيحا ووجب مسح جميع الرأس فلما دخلت الباء التي يفتقر الفعل في تعديته
69

إليها أفادت التبعيض واما دليل مسح بعض الأرجل فعطفها على الرؤوس والمعطوف يجب ان
يشارك المعطوف عليه في حكمه وأما شاهد ذلك من السنة فما روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله توضأ ومسح بناصيته
ولم يمسح الكل ومن الحجة على وجوب التبعيض في مسح الرؤوس والأرجل اجماع أهل البيت عليهم السلام على ذلك وروايتهم
إياه عن رسول الله جدهم صلى الله عليه وآله وهم أخبر بمذهبه (سؤال) فان قال قائل ما الكعبان عندكم اللذان تمسحون عليهما
(جواب) قيل له العظمان النابتان في ظهر القدمين عند عقد الشراك وقد وافقنا على ذلك محمد بن الحسن دون
من سواه دليلنا ما رواه أبان بن عثمان عن ميسر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال الا احكي لك وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ثم
انتهى إلى أن قال فمسح رأسه وقدميه ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال ذكرت فأوجزت وقد علمت انا لا نقبل إلا
ما أدركناه بابصارنا أو سمعناه باذاننا أو ذقناه بأفواهنا أو شممناه بأنوفنا أو لمسناه ببشرتنا فقال الصادق
عليه السلام ذكرت الحواس الخمس وهي لا تنفع في الاستنباط إلا بدليل كما لا يقطع الظلمة بغير مصباح قال شيخنا
المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رضي الله عنه ان الصادق عليه السلام أراد ان الحواس بغير عقل لا توصل
إلى معرفة الغائبات وان الذي أراه من حدوث الصورة معقول بنا العلم به على محسوس واعلم أيدك الله تعالى
ان الأجسام إذا لم تخل من الصور التي قد ثبت حدوثها فهى محدثة مثلها (فصل
في ذكر مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ووصف شئ من فضله)
روي نقلة الاخبار وحملة الآثار من الخاص والعام ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال انا سيد ولد
آدم وانا سيد البشر وقال أمير المؤمنين عليه السلام ما برء الله لنسمة خيرا من محمد صلى الله عليه وآله وجاء في
الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال نقلت من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة نكاحا لا سفاحا وروى عن الصادق جعفر بن محمد
عليهما السلام أنه قال نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام ويقول اني قد حرمت النار
على صلب أنزلك وبطن حملك وثدي أرضعك وروي ان نوره صلى الله عليه وآله كان يلوح في جبهة آدم عليه السلام
وان الله سبحانه اعلم بحاله وبين امره وعهد إليه ان لا يقرب حواء إلا وهما طاهران لأجل انتقال ذلك النور
إلى ولده وان يجعل عهدا باقيا في عقبه يأخذه كل أب منهم على ابنه ممن يظهر نور رسول الله صلى الله عليه وآله في وجهه
بان لا يتزوج إلا بأطهر نساء أهل وقته حراسة لهذا النور ان لا ينتقل إلا درجات الشرف ومنازل الطهارة
70

من الدنس فلم يزل نوره منتقلا فيهم ظاهرا بين أعينهم يدركه الناس بالمشاهدة ويرون خلو الوالد منه
إذا انتقل إلى ولده رؤية حاسة وهو يزداد بالانتقال بيانا ويتضاعف بالموارثة برهانا إلى أن انتهى إلى
عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف رضوان الله عليهم فعظم في وجهه وأضاء في غرته
وعلمت بحاله الأحبار وأخبرت بأمره الكهان وذاع خبره في البلاد حتى روى أن أحبار يهود الشام كانت
عندهم جبة مغموسة في دم يحيى بن زكريا عليهم السلام وكانوا قد وجدوا في كتبهم ان إذا رأيتم الجبة بيضاء والدم
يقطر فاعلموا ان أبا النبي محمد المصطفى قد ولد فلما رأوا ذلك من حالها وتحققوا ولادة عبد الله بن عبد المطلب عمدوا
بأجمعهم إلى الحرم ليغتالوه ويغتنموا الظفر به فيقتلوه فصرف الله سبحانه كيدهم وردهم خائبين إلى بلادهم وكانوا
إذا سئلوا عنه قيل لهم تركناه نورا يتلألأ في قريش تلألؤ القمر فيقول الأحبار ليس ذلك النور لعبد الله إنما هو
لولده محمد صلى الله عليه وآله ثم ترجع في كفرها وعنادها فإذا تأملت الحال وأفاقت للاستدلال قالت هو هو ورب موسى و
قيل إن الكهنة اجتمعت فقالت نحن نتخوف لتزايد نور عبد الله ان يغلب كهانتنا وروي ان نساء قريش افتتن
به وكن يتعرضن به في طريقه حتى لقي منهن ما لقي يوسف عليه السلام من امرأة العزيز وهو لا يلوي عليهن ويقول لهن
ليس لي سبيل إلى كلامكن حتى ورد في الحديث ان الجواري الابكار كن يقفن في طريقه وإذا رمن كلامه تصورت
الملائكة لهن في صورة مفزعة يصدونهن عنه فيرجعن مذعورات فزعات ثم إن وهب بن عبد مناف لما رأى عظم امره
وجلالة قدره اجتهد في تزويجه آمنه ابنته وراسل في ذلك عبد المطلب رضوان الله عليه فزوجه بها ونقل الله تعالى نور
نبيه صلى الله عليه وآله إليها فحملت به في ليلة الجمعة لتسع خلون من ذي الحجة ليلة عرفة وقيل بل في أيام التشريق وذلك بمنى عند الجمرة
الوسطى وكانت منزل عبد الله بن عبد المطلب فروي عنها من الآيات التي شاهدتها ليلة حملها به وعند ولادتها ما
يطول ذكره فكان مما قالت إنه اتاني المخاض وانا وحدي فلما وضعته صلى الله عليه وآله رايته ساجدا قد رفع إصبعه
إلى السماء كالمبتهل المتضرع ثم غشتني سحابة غيبته عن عيني وسمعت منها كلاما ثم أعيد إلي وهو مدرج في ثوب صوف
أشد بياضا من الثلج وتحته حريرة خضراء وولد صلى الله عليه وآله طاهرا مطهرا فكان من دلائل ولادته خمود نيران المجوس وتزعزع
أسرة الملوك وكلام كثير من الدواب وسقوط الأوثان من البيت الحرام وروي عن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال كنت في تلك الليلة
في البيت الحرام ارم منه شيئا فلما انتصف الليل رايته قد اهوى من جميع جوانبه مائلا كالساجد إلى ناحية المقام ثم استوى
71

قائما وسمعت منه تكبيرا عجبا يقول الله أكبر رب محمد المصطفى الان قد طهرني ربي من أنجاس المشركين وأرجاس الجاهلية
فحرت من ذلك حتى ظننت اني نائم ثم إن عبد المطلب اتي آمنة رضوان الله عليها فسألها عن حالها فأخبرته بولادتها
والآيات التي رأتها فقال لها أريني المولود فقالت لا سبيل لاحد إلى رؤيته حتى تمضي ثلاثة أيام فعند ذلك جرد سيفه
ليقتل نفسه فقالت هو في ذلك البيت ادخل ان أحببت ان تراه فلما دخل عبد المطلب تراءى له رجل وقال إليك
يا عبد المطلب لا سبيل لك إلى رؤيته حتى تنقطع عنه زيارة الملائكة وكانت ولادته صلى الله عليه وآله يوم الجمعة
عند طلوع الفجر في اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل بمكة في شعب أبي طالب رضوان الله عليه وهذا اليوم
الذي ولد فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عظيم الشرف جليل القدر ولم يزل آل محمد عليهم السلام
يعظمونه ويرعون حرمته ويتطوعون بصيامه والصدقة فيه وروى أن من صامه كتب الله له صيام سنة و
لما صار له صلى الله عليه وآله شهران توفي أبوه عبد الله بن عبد المطلب رضوان الله عليه عند أخواله بالمدينة وكذلك ماتت
امه رحمة الله عليها وهو طفل وروي ان الله تعالى أيتم نبيه صلى الله عليه وآله لئلا تجري عليه رئاسة لاحد من الناس وشرف
الله تعالى حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية برضاعه وخصها بتربيته وكانت ذات عقل وفضل فروت من آياته
ما يبهر عقول السامعين وأغناها الله ببركته في الدنيا والدين وكان لا يرضع إلا من ثديها اليمين قال
ابن عباس رضي الله عنه الهم العدل حتى في رضاعه لأنه علم أن له شريكا فناصفه عدلا منه صلى الله عليه وآله قالت حليمة فكان ثديي
اليمين لرسول الله واليسار لولدي ضميرة وكان ولدي لا يشرب حتى يراه قد شرب قالت ولم أر قط ما يرى للأطفال
طهارة ونظافة وإنما كان له وقت واحد ثم لا يعود إلى وقته من الغد وما كان شئ أبغض إليه من أن يرى
جسده مكشوفا فكنت إذا كشفته يصيح حتى استر عليه وروى عنها انها قالت سمعته لما تمت له سنة يتكلم بكلام
لم اسمع أحسن منه سمعته يقول قدوس قدوس نامت العيون والرحمن لا تأخذه سنة ولا نوم ولقد ناولتني
امرأة كف تمر من صدقة فناولته منه وهو ابن ثلاث سنين فرده علي وقال يا أمة الله لا تأكلي الصدقة فقد عظمت
نعمتك وكثر خيرك فاني لا آكل الصدقة قالت فوالله ما قبلتها بعد ذلك من أحد من العالمين وكان بنو
سعيد يرون البركات بمقامه معهم وسكناه بينهم حتى أنهم كانوا إذا عرض لدوابهم بؤس اتوا بها إليه ليمسها بيده
فيزول ما بها وتعود إلى أحسن حالها ولم يزل كذلك الا ان ردته حليمة إلى أهله فاشتمل عليه جده عبد المطلب
72

يحبوه التحف ويمنحه الطرف ويعد قريشا به ويخبرهم بما يكون من حاله إلى أن دنت وفاته فوضعه في حجر أبي طالب
وأوصاه به وامره بحياطته ورعايته وعرفه ما يكون من امره ثم توفى عبد المطلب رضوان الله عليه في شهر ربيع الأول وللنبي صلى الله عليه وآله
ثماني سنين من عمره فكفله أبو طالب أحسن كفالة ولم يكن له يومئذ ولد وكانت امرأته فاطمة بنت أسد
بن هاشم المعروفة بسودة الفاضلة فتولت معه تربيته واحسنا جميعا حياطته ورعايته واتخذاه
لأنفسهما ولدا ولم يؤثرا في المحبة عليه أحدا وقد شغفا بواضح دلالته وذهلا من ظاهر حجته و
الكهان مع ذلك يخبرونه بشأنه ويتعجبون من جلي برهانه ويبشرون أبا طالب بأمره وبانه سيكفل
ولدا له من ظهره ثم نشأ صلى الله عليه وآله نشوءا يحير أهل عصره يحضر مشاهد قريش كلها غير السجود للأصنام والعبادة
لها وشرب الخمر ونظم الشعر وافتعال الكذب والاشتغال باللعب إلى أن أظهر الله امره وأعلى قدره وجعل كلمة
الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا (فصل في ذكر شئ من معجزات رسول الله
صلى الله عليه وآله وباهر آياته) فمن ذلك أنه دعا شجرة فجاءت تخد الأرض ثم أشار إليها
فرجعت ومن ذلك أنه مسح شطري ضرع العناق وهما ملتصقان لا لبن فيهما فدر وحلب منه لبن كثير هذا في هجرته
إلى المدينة وذلك مشتهر قد أتت به الاخبار وقيل فيه الاشعار ومن ذلك رمي الحصى في وجوه الأعداء يوم بدر
فنالهم في عيونهم ما نالهم وكانت في الحال هزيمتهم وانزل الله سبحانه * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) * الأنفال وفعل مثل ذلك يوم حنين وقال شاهت الوجوه فانهزم المشركون بأسرهم ومن ذلك اخباره عن العير التي
جاءت من الشام وحال القوم وافعالهم وما معهم من متاعهم وكثير من كلامهم ومن ذلك كلام الذئب
والجر أيضا معروف ومن ذلك الميضاة التي وضع فيها يده وفيها شئ يسير من الماء فشرب منه خلق كثير
وتوضأوا منه ومن ذلك ان ناقة ضلت من صاحبها في بعض أسفاره فقال المنافقون لو كان نبيا لعلم
أين الناقة فبلغه ذلك فقال الغيب لا يعلمه إلا الله انطلق يا فلان لصاحب الناقة فان ناقتك بمكان
كذا قد تعلق زمامها بالشجرة فوجدها كما قال صلى الله عليه وآله ومن ذلك أنه أقام بتبوك فنفدت أزوادهم فأمرهم
عليه السلام فجمعوا ما بقي منها ثم أمر بانطاع فبسطت وقال من كان عنده فضل زاد فليأتنا به فكان
الرجل يأتي بالمد الدقيق والسويق والقليل من الخبز فيوضع كل صنف على حدة فكان جميع ذلك قليلا ثم
73

توضأ وصلى ودعا بالبركة فيه فكثر ذلك حتى فاض من الأنطاع ثم نادى الناس ان هلموا فاقبل الناس
فحملوا من كل شئ حتى ملئوا كل جراب ومزود ومن ذلك أنه نزل بالحديبية فإذا ببئرها لا ماء فيها فشكا
الناس ذلك إليه صلى الله عليه وآله فاخرج سهما من كنانته فدفعه إلى البراء بن عازب فنزل في البئر فغرز السهم فاقبل الماء
من عيون البئر حتى ملئوا كل ما معهم وسقوا ركائبهم ومن ذلك أنه كان في سفر فاستيقظ
من نومه فقال مع من وضوء فقال أبو قتادة معي في ميضاة فاتاه به فتوضأ وفضلت في الميضاة فضلة
فقال صلى الله عليه وآله احتفظ بها يا أبا قتادة فسيكون لها شأن فلما حمى النهار واشتد العطش بالناس فابتدروا
إلى النبي صلى الله عليه وآله يقولون الماء الماء فدعا النبي صلى الله عليه وآله بقدحه ثم قال هلم الميضاة يا أبا قتادة فاخذها ودعا فيها
وقال أسكب فسكب في القدح وابتدر الناس الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كلكم يشرب إن شاء الله تعالى
فكان أبو قتادة يسكب ورسول الله يسقي حتى شرب الناس أجمعون ثم قال النبي صلى الله عليه وآله لأبي قتادة اشرب فقال
لا بل اشرب أنت يا رسول الله فقال اشرب فإن ساقي القوم آخرهم يشرب فشرب أبو قتادة ثم شرب رسول الله
وانتهى القوم رواء ومن ذلك أنه اتى بشاة فاخذ باذنها بين إصبعيه ثم خلاها فصار لها وسم وكانت
تولد والأثر في أولادها ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال أصاب الناس يوم الخندق
كربة ضربوا فيها بمعاولهم حتى انكسرت فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وآله فدعا بماء فصبه عليها فصارت كثيبا
ومن ذلك ان أعرابيا باع شيئا من أبي جهل فمطله فاتى قريشا فقال اعدوني على أبي الحكم فقد لوى بحقي فأشاروا
إلى النبي صلى الله عليه وآله وقالوا ائت هذا الرجل فاستعدني عليه وهم يهزؤون بالأعرابي ويريدون ان يغروا أبا جهل برسول الله
صلى الله عليه وآله فاتى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا عبد الله أعدني على عمرو بن هشام فقد مطلني حقي
قال نعم فمضى معه النبي صلى الله عليه وآله فضرب على أبي جهل بابه فخرج إليه متغيرا فقال ما حاجتك فقال اعط هذا
الرجل حقه قال نعم الساعة فأعطاه فجاء الرجل إلى قريش فقال جزاكم الله خيرا انطلق معي الرجل الذي دللتموني
عليه فاخذ لي حقي وجاء أبو جهل فقالوا أعطيت الأعرابي حقه قال نعم قالوا إنما أردنا ان نغريك بمحمد صلى الله عليه وآله قال
ما هو إلا أن دق بابي وسمعت كلامه فما تمالكت ان خرجت إليه وخلفه مثل الفالج فاتح فاه فكانما يريدني
فقال اعطه حقه فلو قلت لا لأبتلع رأسي ومن ذلك ان أبا جهل جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله ومعه حجر يريد ان يرميه به
74

إذا سجد فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وآله رفع أبو جهل يده فيبست على الحجر فرجع فقالوا له أجبنت قال لا ولكن رأيت
بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه وهذا الحديث مشهور وفيه يقول أبو طالب رضوان الله عليه
* أفيقوا بني غالب وانتهوا * عن الغي في بعض ذا المنطق * وإلا فاني إذا خائف * بواثق في داركم تلتقي *
تكون لعابركم عبرة * ورب المغارب والمشرق * كما ذاق من كان من قبلكم * ثمود وعاد فمن ذا بقى *
غداة أتتهم بها صرصر * وناقة ذي العرش إذ تستقي * فحل عليهم بها سخطه * من الله في ضربه الأزرق *
غداه بعيص بعرقوبها * حسام من الهند ذو رونق * واعجب من ذاك في امركم * عجائب في الحجر الملصق *
يكف الذي قام من جبنه * إلى الصابر الصادق المتقى * فأيبسه الله في كفه * على رغم ذي الخائن الأحمق *
وهذا مما يستدل به على صحيح ايمان أبي طالب عليه السلام بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله لما تضمنه قوله من اقراره بالله سبحانه واعترافه
بآياته وبالمعجز الذي بان لنبيه واخباره عنه بأنه صابر صادق متقي ومن ذلك ان امرأة سلام بن مسكين
أتت بشاة قد سمتها إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال لها ما هذا فقالت ألطفتك بها وكان مع النبي صلى الله عليه وآله بشر بن البراء بن
المعروف فتناول النبي صلى الله عليه وآله من الذراع (وتناول بشر فاما النبي صلى الله عليه وآله فإنه لاكها ثم لفظها وقال إن هذه الذراع) تكلمني وتزعم انها مسمومة وأما بشر فلاك البضعة ليبلعها فمات
منها فأرسل النبي صلى الله عليه وآله إلى المراة فأقرت فقال ما دعاك إلى هذا قالت قتلت زوجي واشراف قومي فقلت إن كان ملكا
قتلته وإن كان نبيا فسيطلعه الله على ذلك ومن ذلك ان صفوان بن أمية وعمرو بن وهب الجعفي قالا من
لنا بمحمد صلى الله عليه وآله فقال عمرو بن وهب لولا دين على لخرجت إلى محمد حتى اقتله فقال صفوان علي دينك ونفقة عيالك
ان قتلته فخرج حتى قدم المدينة فدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أنعم صباحا أبيت اللعن فقال النبي صلى الله عليه وآله قد
ابدلنا الله لها خيرا منها قال إن عهدك بها حديث قال أجل ثم أكرمنا الله بالنبوة ثم قال يا عمرو ما جاء بك
قال ابني أسير عندكم قال لا ولكنك جلست مع صفوان ثم قص عليه الذي قال فقال عمرو والله ما حضرنا
أحد وما اتاك بهذا إلا الذي يأتيك باخبار السماء وانا اشهد ان لا اله إلا الله وانك رسول الله
ومن ذلك ان المدينة أجدبت فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فرفع يديه إلى السماء وقال
اللهم إني سألتك فأعطيتني ودعوتك فأجبتني اللهم اسقنا غيثا مريا مريعا عاجلا غير رايث نافعا
غير بايث نافعا غير ضار فمطر الناس للوقت وسالت الأودية وامتلأ كل شئ فدامت جمعة فاتى رجل
75

فقال يا رسول الله غرقنا وانقطعت السير في أسواقنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله حوالينا ولا علينا
فانجاب السحاب عن المدينة وكان فيما حولها حتى حصلت السماء فوقها والسحاب ذلك فقال كل واحد منهم
في نفسه آمنت إذا مضيت ان يأتي أحد غيري فيشعر بي فاجتمعوا بأسرهم لاتفاق ما في نفوسهم ولما أزعجهم
من التعجب لاستماع ما حيرهم وأذهلهم فوقفوا إلى الصباح فلما انصرفوا اجتمعوا أيضا وافتضح بعضهم عند بعض
وجددوا العهد بينهم ثم عادوا حتى فعلوا ذلك عدة دفعات تطلعا إلى سماع القرآن مع ما هم عليه من الاصرار
على العناد وأما تعجب الجن منه فقولها * (انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) * سورة الجن
(فصل من البيان عن اعجاز القرآن) فمن ذلك عجز بلغاء العرب عن الاتيان بمثله في فصاحته
ونظمه مع علمهم بان النبي صلى الله عليه وآله قد جعله علما على صدقه وسماعهم للتحدي فيه على أن يأتوا بسورة من مثله هذا
مع اجتهادهم في دفع ما اتى به صلى الله عليه وآله وتوفر دواعيهم إلى ابطال امره وفل جمعه واستفراغ مقدورهم
في أذيته وتعذيب أصحابه وطرد المؤمنين به ثم ما فعلوه بعد ذلك من بذل النفوس والأموال في حربه والحرص على اهلاكه
مع علمهم بان ذلك لا يشهد بكذبة ولا فيه ابطال الحجة ولا يقوم مقام معارضته فيما جعله دلالة على صدقه وتحداهم
على الاتيان بمثله وقد كانوا قوما فصحاء حكماء عقلاء خصماء لا يصبرون على التقريع ولا يتغاضون عن التعجيز وعاداتهم
معروفة في الشرع إلى الافتخار وتحدي بعضهم لبعض بالخطب والاشعار وفي انصرافهم عن المعارضة دلالة على انها
كانت متعذرة عليهم وفي التجائهم إلى الحروب الشاقة دونها بيان انها الأيسر عندهم وأي عاقل يطلب أمرا بما فيه
هلاك حاله والتغرير بنفسه وهو يقدر على كلام يقوله يغنيه بذلك وينال به امله ومراده فلا يفعله هذا ما
لا يتصور في العقل ولا يثبت في الوهم وفي عجزهم الذي ذكرناه حجة في بيان معجز القرآن وفي صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وآله
ومن ذلك ما يتضمنه من اخبار الدهور الماضية وأحوال القرون الخالية وانباء الأمم الغابرة ووصف الديار الداثرة
وقصص الأنبياء المتقدمين وشرح احكام أهل الكتابين مما لا يقدر عليه إلا من اختص بهم وانقطع إلى الاطلاع في كتبهم
وسافر في لقاء علمائهم وصحب رؤساءهم ولما كان نبينا صلى الله عليه وآله معلوم المولد والدار والمنشأ والقرار لا تخفي
أحواله ولا تستتر أفعاله لم يلف قط قبل بعثته مدارسا لكتاب ولا رئي مخالطا لأهل الكتاب ولم يزل معروفا
بالانفراد عنهم غير مختص بأحد منهم ولا سافر لاتباع عالم سرا ولا جهرا ولا احتال في نيل ذلك أولا ولا آخرا علم أنه لم يأخذ
76

ذلك إلا عن رب العالمين دون الخلائق أجمعين وثبت صدقه وحجته واعجاز القرآن الوارد على يده وكان قول الله عز وجل
* (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الامر وما كنت من الشاهدين) * سورة القصص وقوله عز وجل * (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا و
لكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما اتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون) * سورة القصص يعضد ما ذكرناه ويشهد بصحة ما
وصفناه ومن ذلك أيضا ما ثبت فيه من الاخبار بالكائنات كونها واعلام ما في القلوب وضمائرها كقوله
سبحانه في اليهود من أهل خيبر * (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون لن يضروكم
إلا اذى وان يقاتلوكم يولوكم الادبار ثم لا ينصرون) * سورة آل عمران وكان الامر في هزيمتهم وخذلانهم كما قال سبحانه وقال
في قصة بدر تشجيعا للمسلمين واخبارا لهم عن عاقبة امرهم وأمر المشركين * (سيهزم الجمع ويولون الدبر) * سورة القمر وكان
ذلك يقينا كما قال سبحانه * (وقال فيهم الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون
عليهم حسرة ثم يغلبون) * سورة الأنفال فكان الظفر قريبا كما قال سبحانه وقال عز اسمه * (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم
وأرضا لم تطئوها) * يعني العراق وفارس فكان الامر كما قال سبحانه وقال عز وجل * (ألم غلبت الروم في أدنى الأرض
وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون
بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم) * سورة الروم فأخبر الله تعالى عن ظفرهم بغلبهم وغلبتهم له وحدد
زمان ذلك وحصره فكان الامر فيه حسب ما قال سبحانه وقال عز وجل * (يا أيها الذين هادوا ان زعمتم انكم
أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين ولا يتمنونه ابدا بما قدمت أيديهم والله
عليم بالظالمين) * سورة الجمعة فقطع على بغيهم واعلم أنهم لا يتمنون الموت فلم يقدر أحد منهم على دفعه ولا أظهر
تمنيه كان الامر في ذلك موافقا لما قال سبحانه * (ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول) * سورة المجادلة فأخبر عن
ضمائرهم بما في سرائرهم قبل ان يبدو على ألسنتهم وكان الامر كما قال سبحانه وقال في أبي لهب وهو
حي متوقع منه الايمان والبصيرة والاسلام * (تبت يدا أبي لهب وتب) * سورة المسد فمات على كفره ولم يصر إلى الاسلام
وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله * (انا كفيناك المستهزئين) * سورة الحجر وكلهم يومئذ حي عزيز في قومه فاهلكهم الله أجمعين
وكفاه امرهم على ما أخبر به وأمثال ذلك كثيرة يطول بها الكتاب وقد ذكرها أهل العلم وهذا طرف منها
يدل على معجزة القرآن وصدق من اتى به عليه السلام دليل على حدوث العالم الذي يدلنا على ذلك انا
77

نرى أجساما لا تخلو من الحوادث المتعاقبة عليها ولا يتصور في العقل انها كانت خالية منها وهذا
يوضح انها محدثة مثلها لشهادة العقل بان ما لم يوجد عاريا من المحدث فإنه يجب ان يكون مثله محدثا
وهذه الحوادث هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون والألوان والروائح والطعوم ونحو ذلك من صفات
الأجسام التي تدل على انها أشياء غير الجسم من نراه من تعاقبها عليه وهو موجود مع كل أحد منها وهذا
يقين أيضا على حدوثها لأن الضدين المتعاقبين لا يجوز ان يكونا مجتمعين والجسم ولا يتصور اجتماعهما العقل
وإنما وجد أحدهما وعدم الأخر فالذي طرا ووجد هو المحدث لأنه كائن بعد ان لم يكن والذي انعدم أيضا
محدث لأنه لو كان غير محدث لم يجز ان ينعدم ولأنه مثله أيضا نراه قد تجدد وحدث والذي يشهد بان الأجسام
لم تخل من هذه الحوادث بداية العقول وأوائل العلوم إذ كان لا يتصور فيها وجود الجسم مع عدم هذه الأمور
ولو جاز ان يخلو الجسم منها فيما مضى لجاز ان يخلو منها الان وفيما يستقبل من الزمان والذي يدل على أن حكم
الجسم كحكمها في الحدوث ان المحدث هو الذي لوجوده أول والقديم هو المتقدم على كل محدث وليس لوجوده أول فلو
كان الجسم قديما لكان موجودا قبل الحوادث كلها خاليا منها وفيما قدمناه من استحالة خلوه منها دلالة على أنه
محدث مثلها والحمد لله (فصل في الاشعار المأثورة عن أبي طالب بن عبد المطلب
رضوان الله عليهما التي يستدل بها على صحة ايمانه) من ذلك قوله في قصيدته اللامية
* لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد * وأحببته حب الحبيب المواصل * وجدت بنفسي دونه وحميته *
ودارات عنه بالذرا والكلاكل * فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها * وشيئا لمن عاداه زين المحافل *
حليما رشيدا حازما غير طائش * يوالي اله الخلق ليس بما حل * فأيده رب العباد بنصره *
وأظهر دينا حقه غير باطل * لقد علموا ان ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعني بقيل الا باطل *
(ومن قطعة له ميمية) * ترجون ان نسخي بقتل محمد * ولم نختضب سمر العوالي من الدم *
كذبتم وبيت الله حتى تعرفوا * جماجم تلقى بالحطيم وزمزم * وتقطع أرحام وتنسى حليله *
حليلا ويغشى محرما بعد محرم * وينهض قوم في الحديد إليكم * يذودون عن احسابهم كل محرم *
على ما اتى من بغيكم وضلالكم * وغشيانكم في امرنا كل ماتم * بظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى *
78

وأمر اتى من عند ذي العرش مبرم * فلا تحسبونا مسلميه ومثله * إذا كان في قوم فليس بمسلم *
(وقوله أيضا) أخلتم بانا مسلمون محمدا * ولما تقاذف دونه بالمراجم *
أمينا حبيبا في البلاد مسوما * بخاتم رب قاهر للجراثم * يرى الناس برهانا عليه وهيبة *
وما جاهل في فعله مثل عالم * نبي اتاه الوحي من عند ربه * فمن قال لا يقرع بها سن نادم *
تطيف به جرثومة هاشمية * يذبون عنه كل باغ وظالم * (وقوله أيضا)
إلا ابلغا عني على ذات بينها * لؤيا وخصا من لؤي بني كعب * ألم تعلموا انا وجدنا محمدا *
نبيا كموسى خط في أول الكتب * وان عليه في العباد محبة * ولا سن فيمن خصه الله بالحب *
(وقوله أيضا يحض أخاه حمزة بن عبد المطلب رحمة الله عليهما على
اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله ونصرته) فصبرا أبا يعلي على دين أحمد *
وكن مظهرا للدين وفقت صابرا * وحط من اتى بالدين من عند ربه *
بصدق وحق لا تكن حمز كافرا * فقد سرني إذ قلت انك مؤمن * فكن لرسول الله في الله ناصرا *
وباد قريشا بالذي قد أتيته * جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا * (وقوله لابنه جعفر
وقد امره بالصلاة مع النبي صلى اله عليه واله وقال يا بني صل جناح ابن عمك
فلما اجابه قال) ان عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والكرب * والله لا اخذل
النبي * ولا يخذله من بني ذوي حسب * لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي *
(وقوله أيضا) زعمت قريش ان أحمد ساحر * كذبوا ورب الراقصات الحرم *
ما زلت اعرفه بصدق حديثه * وهو الأمين على الخرائب والحرم * بهتوه لا سعدوا بقطر بعدها * و
مضت مقالتهم تسير إلى الأمم (وقال في الاقرار بالتوحيد) مليك الناس ليس له شريك *
هو الوهاب والمبدي المعيد * ومن فوق السماء له بحق * ومن تحت السماء له عبيد * (و
قال أيضا) يا شاهد الله علي فاشهد * آمنت بالواحد رب أحمد * من ضل في الدين فاني مهتدي *
وهذا كله دليل واضح على ايمانه رضوان الله عليه بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وآله ومن الحديث الوارد بصحة ايمانه
79

ما اخبرني به شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن علي المعروف بابن الواسطي رضي الله عنه قال اخبرني أبو محمد هارون
بن موسى التلعكبري قال حدثني أبو علي بن همام قال حدثنا أبو الحسن علي بن محمد القمي الأشعري قال حدثني منجح الخادم
مولى بعض الطاهرية بطوس قال حدثني أبان بن محمد قال كتبت إلى الإمام الرضا علي بن موسى عليه السلام جعلت فداك
قد شككت في ايمان أبي طالب قال فكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فمن يتبع غير سبيل
المؤمنين نوله ما تولى انك ان لم تقر بايمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار وباسناده عن أبان بن محمد عن
يونس بن نباته عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال يا يونس ما يقول الناس في ايمان أبي طالب قلت جعلت فداك يقولون هو في
ضحضاح من نار يغلي منها أم رأسه فقال كذب أعداء الله ان أبا طالب من رفقاء النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ومن ذلك ما حدثنا به الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن
علي بن الحسن بن شاذان القمي رضي الله عنه قال حدثني القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان بن عبد الله النصيبي
في داره قال حدثنا جعفر بن محمد العلوي قال حدثنا عبيد الله بن أحمد قال حدثنا محمد بن زياد قال حدثنا
مفضل بن عمر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام انه كان
جالسا في الرحبة والناس حوله فقام إليه رجل فقال له يا أمير المؤمنين انك بالمكان الذي أنزلك الله وأبوك
معذب في النار فقال له مه فض الله فاك والذي بعث محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه
الأرض لشفعه الله أبي معذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار والذي بعث محمدا بالحق ان نور أبي طالب يوم
القيامة ليطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار نور محمد ونور فاطمة ونور الحسن والحسين ونور ولده من الأئمة ان نوره
من نورنا خلقه الله من قبل خلق آدم بألفي عام ومن ذلك ما حدثني به الحسن بن محمد بن علي الصيرفي البغدادي قراءة
علي من طريق نقل العامة قال حدثني أبو القاسم منصور بن جعفر بن ملاعب قراءه علي قال حدثنا أبو عيسى محمد بن
داود بن جندل الحلبي قال أخبرنا علي بن حرب قال حدثنا زيد بن الجناب قال أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن إسحاق بن
عبد الله عن العباس انه سئل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ما ترجو لأبي طالب فقال كل خير أرجو من ربي عز وجل
وحدثني أبو الحسن طاهر بن موسى بن جعفر الحسيني قال حدثنا أبو القاسم ميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا مزاحم بن عبد
الوارث البصري قال حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد العزيز بن الرحمن بن أيوب الجوهري قال حدثنا العباس بن علي قال
80

حدثنا علي بن عبد الله الجرشي قال حدثنا جعفر بن عبد الواحد بن جعفر قال قال لنا العباس بن الفضل عن إسحاق
بن عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس قال سمعت أبي يقول سمعت المهاجر مولى نوفل اليماني يقول سمعت أبا
رافع يقول سمعت أبا طالب بن عبد المطلب يقول حدثني محمد صلى الله عليه وآله ان ربه بعثه بصلة الرحم وان يعبد الله
وحده ولا يعبد معه غيره ومحمد عندي الصادق الأمين (فصل من اخبار عبد المطلب رضي الله عنه)
واخبرني شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن علي الواسطي رضي الله عنه قال اخبرني أبو محمد هارون بن
موسى التلعكبري قال اخبرني محمد بن همام وأحمد بن هوذة جميعا عن أبي محمد الحسن بن محمد بن جمهور القمي
قال حدثنا أبي عن الحسن بن محبوب الزراد عن عبد الرحمن بن الحجاج عن هارون بن خارجة عن
أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال لما ظهرت الحبشة باليمن وجه يكسوم
ملك الحبشة بقائدين من قواده يقال لأحدهما أبرهة والاخر ارباط في عشرة من الفيلة كل
فيل في عشرة آلاف لهدم بيت الله الحرام فلما صاروا ببعض الطريق وقع بأسهم بينهم واختلفوا فقتل
أبرهة ارباط واستولى على الحبش فلما قارب مكة طرد أصحابه عيرا لعبد المطلب بن هاشم فصار عبد
المطلب إلى أبرهة وكان ترجمان أبرهة والمستولي عليه ابن داية لعبد المطلب فقال الترجمان
لإبرهة هذا سيد العرب وديانها فاجله وأعظمه ثم قال لكاتبه سله ما حاجته فسئله فقال إن أصحاب
الملك طردوا لي نعما فامر بردها ثم اقبل على الترجمان فقال قل له عجبا لقوم سودوك ورأسوك عليهم حيث
تسألني في عير لك وقد جئت لأهدم شرفك ومجدك ولو سألتني الرجوع عنه لفعلت فقال أيها الملك
ان هذه العير لي وانا ربها فسألتك اطلاقها وان لهذه البيت ربا يدفع عنها قال فاني غاد لهدمها
حتى انظر ماذا يفعل فلما انصرف عبد المطلب حل أبرهة بجيشه فإذا هاتف يهتف في السحر الأكبر يا أهل مكة
اتاكم أهل عكة بجحفل جرار يملاه لاندار ملأ الجفار فعليهم لعنة الجبار فانشا عبد المطلب يقول
أيها الداعي لقد أسمعتني * كلما قلت وما بي من صمم * ان للبيت لربا مانعا * من يرده بآثام
يصطلم * رامه تبع في اجناده * حمير والحي من آل ارم * هلكت بالبغي فيهم جرهم * بعد
طسم وجديس وجثم * وكذاك الامر فيمن كاده * ليس أمر الله بالامر الأمم * نحن آل الله فيما قد خلا *
81

لم يزل لله فينا حجة * ذاك على عهد أبرهم * نعرف الله وفينا شيمة * صلة الرحم ونوفي بالذمم *
يزل لله فينا حجه يدفع الله بها عنها النقم * ولنا في كل دور كرة * نعرف الدين وطورا في العجم *
فإذا ما بلغ الدور إلى * منتهى الوقت اتى الطين قدم * بكتاب فصلت آياته * فيه تبيان أحاديث الأمم *
فلما أصبح عبد المطلب جمع بنيه وأرسل الحرث ابنه الأكبر إلى أعلى جبل أبي قبيس فقال انظر يا بني ماذا يأتيك من قبل
البحر فرجع فلم ير شيئا فأرسل واحدا بعد آخر من ولده فلم يأته أحد منهم عن البحر بخبر فدعا ولده عبد الله وانه لغلام
حين أيفع وعليه ذؤابه تضرب إلى عجزه فقال له اذهب فداك أبي وأمي فاعل أبا قبيس وانظر ماذا ترى
يجئ من البحر فنزل مسرعا فقال يا سيد النادي رأيت سحابا من قبل البحر مقبلا يسفل تارة ويرتفع أخرى
ان قلت غيما قلته وان قلت جهاما خلته يرتفع تارة وينحدر أخرى فنادى عبد المطلب يا معشر قريش
ادخلوا منازلكم فقد اتاكم الله بالنصر من عنده فأقبلت الطير الأبابيل في منقار كل طير حجر وفي رجليه حجران
فكان الطائر الواحد يقتل ثلاثة من أصحاب أبرهة كان يلقي الحجر في قمة رأس الرجل فيخرج من دبره وقد قص الله
تبارك وتعالى نبأهم فقال سبحانه * (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم
طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول) * السجيل الصلب من الحجارة والعصف ورق
الزرع ومأكول يعنى كأنه قد اخذ ما فيه من الحب فاكل وبقي لا حب فيه وقيل إن الحجارة كانت إذا وقعت على رؤوسهم
وخرجت من ادبارهم بقيت أجوافهم فارغة خالية حتى يكون الجسم كقشر الحنظلة وباسناده عن ابن جمهور رحمه الله
قال حدثني أبي قال حدثني علي بن حرب بن محمد بن علي بن حيان بن مازن الطائي قال حدثني عمر بن بكر عن أحمد
بن القاسم عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما ظفر سيف بن ذي يزن واسمه النعمان بن
قيس بالحبشة وذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وآله بسنتين اتته وفود العرب واشرافها وشعراؤها تهنيه
وتمدحه وتذكر ما كان من حسن بلائه وطلبه بثار قومه فاتاه فيمن اتاه وفد قريش وفيهم عبد المطلب
بن هاشم وأمية بن عبد شمس وعبد الله بن جدعان وخويلد بن أسد بن عبد العزى في أناس من وجوه
قريش فقدموا عليه صنعا فإذا هو في رأس غمدان وهو الذي ذكره أمية بن الصلت في قصيدته حيث تقول
اشرب هنيئا عليك التاج * مرتفعا في رأس غمدان * دارا منك محلالا * فدخل الاذن فأخبره بمكانهم فاذن
82

لهم فدنا عبد المطلب فاستاذنه في الكلام فقال إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد اذنا لك فقال عبد
المطلب ان الله قد أحلك أيها الملك محلا رفيعا صعبا منيعا شامخا باذخا أنبتك منبتا طابت أرومته
وعزت جرثومته وثبت أصله وسبق فرعه أكرم موطن وأطيب معدن وأنت أبيت اللعن ملك العرب وربيعها
الذي حضت به ورأس العرب الذي إليه تنقاد وعمودها الذي عليه العماد ومعقلها الذي يلجا إليه العباد
سلفك خير سلف وأنت لنا منهم خير خلف فلم يخمل من هم سلفه ولن يهلك من أنت خلفه نحن أيها
الملك أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا إليك الذي أبهجنا لكشف الكرب الذي فدحنا فنحن وفد التهنئة
لا وفد المرزئة فقال سيف وأيهم أنت أيها المتكلم قال انا عبد المطلب بن هاشم قال ابن أختنا قال نعم قال
أدن فدنا ثم اقبل عليه وعلى القوم فقال مرحبا واهلا وناقة ورحلا ومستناخا سهلا وملكا نحلا يعني
يعطي عطاء جزيلا قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم فأنتم أهل الليل والنهار ولكم الكرامة
ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم ثم نهضوا إلى دار الضيافة والوفود وأقاموا بها شهرا لا يصلون إليه ولا يؤذن
لهم في الانصراف ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب اني مفوض إليك من سر علمي ما لو يكون
غيرك لم أبح به ولكني رايتك معدنه فأطلعتك عنه طلعة فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه فإن
الله بالغ امره اني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اخترناه لأنفسنا واحتجبناه دون غيرنا خبرا عظيما وخطرا
جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة وللناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة قال عبد المطلب
مثلك أيها الملك سر وبر فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر قال إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة كانت
له الإمامة ولكم به الدعامة إلى يوم القيامة قال عبد المطلب أبيت اللعن لقد أبت بخير ما آب به وافد لولا
هيبة الملك واجلاله لسألته من بشارته إياي ما ازداد به سرورا قال ابن ذي يزن هذا حينه الذي
يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد يموت أبوه وامه ويكفله جده وعمه قد ولدناه مرارا والله باعثه جهارا و
جاعل له منا أنصارا يعز بهم أولياؤه ويذل بهم أعداؤه يضرب بهم الناس عن عرض ويستبيح به
كرائم الأرض يكسر الأوثان ويخمد النيران ويعبد الرحمان ويدحر الشيطان قوله فصل وحكمه عدل يأمر
بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله قال عبد المطلب أيها الملك عز جدك وعلا كعبك ودام
83

ملكك وطال عمرك فهل الملك ساري بافصاح فقد أوضح لي بعض الايضاح فقال ابن ذي يزن والبيت ذي الحجب
والعلامات على النصب انك يا عبد المطلب لجده غير الكذب فخر عبد المطلب ساجدا فقال ارفع رأسك وثلج صدرك
وعلا امرك فهل أحسست شيئا مما ذكرت لك فقال أيها الملك كان لي ولد وكنت به معجبا وعليه شفيقا
فزوجته كريمة من كرائم قومي آمنة بنت وهب بن عبد مناف فجاءت بغلام وسميته محمدا صلى الله عليه وآله مات أبوه و
امه فكفلته انا وعمه بين كتفيه شامة وكل ما ذكرت من علامة قال ابن ذي يزن ان الذي قلت لك كلما
قلت فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود فإنهم أعداء له ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا واطو ما
قلت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فاني لست آمن ان تدخلهم النفاسة من أن تكون لك الرئاسة
فيطلبوا لك الغوائل وينصبوا لك الحبائل وهم فاعلون لو أنبئهم ولولا أني اعلم أن الموت مجتاحي قبل
مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير يثرب دار ملكي فاني أجد في الكتاب الناطق والعلم الباسق
ان يثرب استحكام امره وأهل نصره وموضع قبره ولولا أني أقيه الآفات واحذر عليه العاهات
لأعلنت على حداثة سنه امره ولأوطئنا سنان العرب عقبه لكني صارف ذلك إليك عن
غير تقصير لمن معك فعليه مني التحية والسلام الدائم ثم أمر لكل واحد منهم بعشرة أعبد وعشرة
إماء وبمائة من الإبل وخمس من البرود وخمسة أرطال من الذهب وعشرة أرطال فضة و
كرش مملوء عنبرا وأمر لعبد المطلب بعشرة اضعاف ذلك وقال إذا حال الحول فاتني فمات ابن ذي
يزن قبل ان يحول الحول فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول يا معشر قريش لا يغبطني رجل منكم
بجزيل عطاء الملك وان كثر فإنه إلى نفاد ولكن ليغبطني مما يبقى لي ولعقبي من بعدي ذكره
وفخره وشرفه فإذا قيل له وما ذلك قال سيعلم ما أقول ولو بعد حين وفي ذلك يقول أمية
بن عبد شمس * جلبنا النصح تحمله المطايا * على أكوار اجمال ونوق * مغلغلة مراقعها تعالى *
إلى صنعاء من فج عميق * ترم بنا ابن ذي يزن ومعرى * ذوات بطونها أم الطريق * و
ترعى عن مخايله بروقا * مواصلة الوميض إلى بروق * فلما وافقت صنعاء حلت * بدار
الملك والحسب العريق * وروى أنه قيل لأكثم بن صيفي وكان حكيم العرب انك لاعلم أهل
84

زمانك وأحكمهم وأعقلهم وأحلمهم فقال وكيف لا أكون كذلك وقد جالست أبا طالب بن عبد المطلب
دهره وهاشما دهره وعبد مناف دهره وقصيا دهره وكل هؤلاء سادات ابنا سادات فتخلقت
باخلاقهم وتعلمت من حلمهم واقتفيت سؤددهم واتبعت آثارهم وكان أكثم بن صيفي من المعمرين
(خبر) ربيعة بن نصر اللخمي ملك اليمن ورؤياه التي تأولها سطيح وشق ذكر الرواة من أهل العلم
ان ربيعة بن نصر رأى رؤيا هالته وفظع بها فلما رآها بعث في أهل مملكته فلم يدع كاهنا ولا
ساحرا ولا قائضا ولا منجما إلا احضره إليه فلما جمعهم قال لهم اني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت
بها فاخبروني بتأويلها قالوا اقصصها علينا لنخبرك بتأويلها قال إني ان أخبرتكم بها لم اطمئن إلى
خبركم عن تأويلها انه لا يعرف تأويلها الا من يعرفها قبل ان اخبره بها فلما قال لهم ذلك قال رجل
من القوم إن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق فإنه ليس أحد اعلم منهما فهما يخبرانك بما
سئلت فلما قيل له ذلك بعث إليهما فقدم عليه سطيح قبل شق ولم يكن مثلهما من الكهان فلما قدم
عليه سطيح دعاه فقال له يا سطيح اني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فأخبرني بها فإنك ان أصبتها
أصبت تأويلها قال افعل رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فرفعت بأرض تهامة فأكلت منها كل ذات جمجمة قال
له الملك ما أخطأت شيئا يا سطيح فما عندك في تأويلها فقال احلف بما بين الحرمين من حبش
ليهبطن أرضكم الحبش فلتملكن ما بين اثنين إلى جرش قال له الملك وأبيك يا سطيح ان هذا لغائظ موجع
فمتى هو كائن يا سطيح أفي زماني أم بعده قال لا بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين يمضين من
السنين ثم يقبلون بها أجمعون ويخرجون منها هاربين قال الملك من ذا الذي يلي ذلك من قبلهم
واخراجهم قال يليه ارم ذي يزن يخرج عليهم من عدن فلا يترك منهم أحدا باليمن قال أفيدوم
ذلك من سلطانه أو ينقطع قال بل ينقطع قال ومن يقطعه قال نبي زكي يأتيه الوحي من قبل
العلي قال وممن هذا النبي قال من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه إلى
آخر الدهر قال وهل للدهر يا سطيح من آخر قال نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون ويسعد فيه
المحسنون ويشقى فيه المسيئون قال أحق ما تخبرنا يا سطيح قال نعم والشفق والليل إذا اتسق ما أنبأتك به لحق
85

فلما فرغ قدم عليه شق فدعاه فقال له يا شق اني رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فأخبرني عنها
فإنك ان أصبتها أصبت تأويلها كما قال السطيح وقد كتمه ما قال السطيح لينظر أيتفقان أم يختلفان قال
نعم رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة واكمة فأكلت منها كل ذات نسمة قال له الملك ما أخطأت
منها فما عندك في تأويلها قال احلف بما بين الحرمين من انسان لينزلن أرضكم الحبشان فليغلبن على كل
طفلة البنان وليملكن ما بين اثنين إلى نجران فقال له الملك وأبيك ان هذا لنا لغائظ موجع فمتى كاين
أفي زماني أم بعده قال بعده بزمان ثم يستنقذكم منهم عظيم الشأن ويذيقهم أشد الهوان قال ومن هذا
العظيم الشأن قال غلام ليس بدني ولا مدني يخرج من بيت ذي يزن قال فهل يدوم سلطانه أو
ينقطع قال بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل بين أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه
يوم الفصل قال وما يوم الفصل قال يسمع منها الاحياء والأموات ويجمع الناس للميقات يكون فيه
لمن اتقى الفوز والخيرات قال أحق ما تقول يا شق قال اي ورب السماء والأرض وما بينهما من رفع وخفض
ان ما أنبأتك لحق ما فيه امض (دليل في تثبيت الصانع) حكى عن إبراهيم النظام قال الدليل على
ذلك انا رأينا أشياء متضادة من شأنها التنافي والتباين والتفاسد مجموعة وهي الحرارة والبرودة
والرطوبة واليبوسة المجتمعة في كل حيوان وفي أكثر سائر الأجسام فعلمنا ان جامعها قسرها على
الاجتماع ولولا ذلك لتباينت وتفاسدت قال ولو جاز ان تجتمع المتضادات المتنافرات وتتقاوم
من غير جامع جمعها لجاز ان يجتمع الماء والنار ويتقاوما من ذاتهما بغير جامع مدبر مقيم يقيمهما
وهذا محال لا يتوهم قال وفي اجتماعهما دليل على حدوثها لأنها لا يجوز عليها الانفراد فإذا كانت
لا توجد إلا مجتمعة وبطل ان توجد كذلك إلا بجامع جمعها صح انه قبلها وانها لم توجد إلا حين ابتدعها
مجتمعة ولو وجدت قبل ذلك لم توجد إلا على أحد وجهين أما ان يكون كل واحد منهما منفردا وهذا
محال أو تكون مجتمعة لا جامع لها وهذا أيضا محال فقد صح انها ابتدعت وان الذي جمعها كان موجودا
قبلها لم يزل (مسألة) على نفاة الحقائق هم الذين يقولون المذاهب باطلة كلها وانه لا حق بشئ
منها فيقال لهم أخبرونا عن مذهبكم هذا أحق هو أم باطل فإن قالوا هو حق قيل لهم فقد ناقضتم
86

وأوجبتم ان في المذاهب حقا (من حيث نفيتم ذلك وان قالوا ليس مذهبنا حقا وهو باطل وقيل لهم فإذا بطل قولكم انه لا حق في شئ من المذاهب فقد صح ان فيها حقا) (مسألة) على مبطلي النظر وحجج العقل يقال لهم أبنظر أفسدتم النظر أم
بالحواس أم بالخبر وبعقل أفسدتم حجة العقل أم بغير عقل فإن قلتم أفسدنا النظر بنظر فقد ناقضتم ورجعتم
إلى ما اعبتم وصححتم النظر من حيث رمتم افساده وان قلتم بالحواس قلنا حواسنا كحواسكم وعلوم الحواس
لا يختلف فيها فما بالنا لا نعلم من ذلك ما علمتم وان قلتم بخبر فبأي شئ فصلتم بين هذا الخبر وبين ضده
من الاخبار إلا بالعقل والنظر فإن قلبتم السؤال فقالوا أبنظر صححتم النظر أم بحس أم بخبر وبعقل أوجبتم حجة
العقل أم بغير عقل أو قلتم بالحواس علمنا ذلك قلنا لكم حواسنا كحواسكم وعلوم الحواس ليس فيها اختلاف فما بالنا
لا نعلم من صحة أمر النظر والعقل ما علمتم وان قلتم بالخبر جعلتم الخبر عيارا على العقل وليس هذا قولكم وان
قلتم عرفنا صحة النظر والعقل جاز لنا ان نزعم انا عرفنا صحة الخبر بالخبر (فالجواب) ان يقال لهم انا عرفنا صحة
النظر والعقل بالنظر والعقل وليس يصح لكم مثل ذلك في الخبر لأنكم ان كنتم عرفتم صحة الخبر نفسه فيجب ان يكون كل
من طرقه الخبر علم صحته حتى لا يوجد الخلف فيه ولسنا نجد ذلك وان قلتم علمنا صحة الخبر بخبر آخر فهذا يؤديكم إلى ما
لا يتناهى فإن قالوا فأنتم إذا عرفتم صحة النظر والعقل بنظر وعقل فقد وجب ان يؤديكم هذا أيضا إلى ما لا يتناهى
قيل لهم انا لا نزعم انا عرفنا صحة النظر والعقل بنظر وعقل غيرهما بل نعرف صحتهما بها وذلك انا نعرف بهما ان كل
نظر لزم صاحبه السنن والترتيب ولم يمل به هواه ولا الفه وعصبيته فهو صحيح وكل علم بني على ما في بداية العقول
فغير فاسد فيكون هذا النظر نفسه داخلا فيما شهد بصحته إن كان حكمه ذلك (فصل ما
جاء في الحديث في العقل) اخبرني شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن علي المعروف
بابن الواسطي رضي عنه قال اخبرني أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري قال اخبرني أبو جعفر محمد بن يعقوب
الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن الإمام الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد
عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا
إلى حسن عقله فإنما يجازى بعقله وباسناده عن الكليني عن أحمد بن محمد عن بعض من رفعه إلى أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تباهوا به حتى تنظروا
عقله وباسناده عن الكليني عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران عن بعض رجاله عن أبي عبد الله
87

عليه السلام أنه قال العقل دليل المؤمن (فصل من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه
في العقل) لا عدة أنفع من العقل ولا عدو أضر من الجهل زينة الرجل عقله من صحب جاهلا نقص من
عقله التثبت رأس العقل والحدة رأس الحمق غضب الجاهل في قوله وغضب العاقل في فعله الأدب صورة العقل
فحسن عقلك كيف شئت العقول مواهب والآداب مكاسب فساد الأخلاق معاشرة السفهاء وصلاح
الأخلاق معاشرة العقلاء قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل والعاقل من وعظته التجارب رسولك ترجمان عقلك
لا تاوي من لا عقل له فيكثر ضررك ظن الرجل قطعة من عقله من ترك الاستماع من ذوي العقول مات عقله
من جانب هواه صح عقله من أعجب برايه ضل ومن استغنى بعقله زل ومن تكبر على الناس ذل اعجاب المرء بنفسه
دليل على ضعف عقله من لم يكن أكثر ما فيه عقله كان بأكثر ما فيه قتله لا جمال أزين من العقل عجبا للعاقل كيف
ينظر إلى شهوة يعقبه النظر إليها حسرة همة العقل ترك الذنوب واصلاح العيوب الجمال في اللسان والكمال في العقل
لا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثماني عشرة سنة فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه ليس على العاقل اعتراض
المقادير انما عليه وضع الشئ في حقه العقول أئمة الأفكار والأفكار أئمة القلوب والقلوب أئمة الحواس والحواس أئمة
الأعضاء (فصل من الاستدلال على صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله)
اعلم أيدك الله ان المتمحلين من الكفار في ابطال نبوة نبينا عليه وعلى آله السلام قد أداهم الحرص في الانكار إلى وجوب
الاذعان والاقرار وساقهم الخبر والقضاء إلى لزوم التسليم والرضا فلا خلاص لهم من ثبوت الحجة عليهم وهم
راغمون ولا محيص لهم من وجوب تصديقه وهم صاغرون وذاك انهم لم يجدوا طريقا يسلكونها في انكار حقه
من النبوة والدفع لما اتى به من الرسالة إلا بان أقروا له ببلوغه من كل درجة في الفضل منيفة ومرتبة في الكمال
والعقل شريفة ما قد قصر عنه جميع خلق الله وبدون ذلك تجب له الرياسة والتقدم على الكافة ولا يجوز ان
يتوجه إليه الظنة والتهمة لمنافاتها لما أقروا به في موجب العقل والحكم وبيان ذلك انهم إذا سمعوا القرآن الوارد
على يده الذي قد جعله علما على صدقه ورأوا قصور العرب عن معارضته وعجزهم عن الاتيان بمثله قالوا إنه
كان قد فاق جميع البلغاء في البلاغة وزاد على سائر الفصحاء في الفصاحة قصر مساواته في ذلك الناس
كافة ففضلوه بهذا على الخلق أجمعين وقدموه على العالمين فإذا تأملوا ما في القرآن من اخبار الماضين و
88

الذاكرين وأعاجيب السالفين وذكر شرائع الأنبياء المتقدمين قالوا قد كان اعرف عباد الله باخبار الناس
واعلمهم بجميع ما حدث وكان في سالف الأزمان قد أحاط بنبأ الغابرين وحفظ جميع علوم الماضين ففضلوه
بهذه الرتبة على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين فإذا رأوا ما تضمنه القرآن من عجيب الفقه
والدين وبديع عبادات المكلفين وترتيب الفرائض وانتظامها وحدود الشريعة واحكامها قالوا قد كان
احكم أهل زمانه وأفضلهم وابصرهم بأنواع الحكم واعلمهم ولم يكن خلق في ذلك يساويه ولا بشر
يدانيه ففضلوه بذلك أيضا على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين فإذا علموا ما في القرآن من
الاخبار بالغائبات وتقديم الاعلام بمستقبل الكائنات وسمعوا ما تواترت به الاخبار من انبائه لكثير
من الناس بما في نفوسهم واظهاره في الأوقات لمغيب مستورهم قالوا قد كان اعرف الناس باحكام النجوم
وابصرهم بما تدل عليه في مستأنف الأمور وان لم يظهر معرفته بها لامته ونهاهم عن الاطلاع
فيها لينتظم له حال نبوته وانه كان معولا عليها مستندا في أموره إليها له قولا يخرم واخباره بالشئ
لا يختلف يعلم الحوادث والضمائر ويطلع على الخبايا والسرائر ولا يخفى عنه أوقات المساعد والمناجين
ولم يكن أحد يعثره في ذلك ففضلوه بهذا أيضا على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين فإذا
قيل لهم فما تقولون في المأثور من معجزاته والمنقول من جرائحه وآياته الخارقة للعادة التي أقام بها
الحجة قال المسلمون منهم لذلك المتعاطون لاخراج معناه كان اعرف الناس بخواص الموجودات واسرار طبائع
الحيوان والحوادث فيظهر من ذلك للناس ما يتحير له من رآه لقصوره عن ادراك سببه ومعناه
ففضلوه بهذا أيضا على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين وقد سمعنا في بعض الأحاديث
ان أحد السحرة قال لموسى عليه السلام ان هذه العصا من طبعها ان تسعى إذا ألقيت وتتشكل حيوانا إذا
رميت وخاصية لها بسبب فيها فقال له موسى على نبينا وآله وعليه السلام فخذها أنت وارمها قالوا فاخذها الساحر
ورماها فما تغيرت عن حالها فاخذها موسى ورماها فصارت حية تسعى فقال الساحر ليس السر في
العصا وإنما السر فيمن ألقاها آمنت باله موسى افترى لو اخذ أحد المشركين الحصا الذي سبح في كف رسول
الله صلى الله عليه وآله فتركه في يده كان يسبح أيضا فيها أم ترى أحدهم لو أشار بيده إلى الشجرة التي
89

أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وآله فاتت لكانت تأتيه أيضا إذا أوما إليها وان هذه الأشياء تفعل بالطبع كما
يفعل حجر المغناطيس في الحديد الجذب كلا والحمد لله ما يتصور هذا عاقل فإذ نظر وأحسن تمام النظر أمر رسول الله
صلى الله عليه وآله وانتظام مراده الذي قصده وانه نشأ بين قوم يتجاذبون العز والمنعة ويتنافسون في التقدمة و
الرفعة ويانفون من العار والشنعة ولا يعطون لاحد امره ولا طاعة فلم يزل بهم حتى قادهم إلى امره وساقهم
إلى طاعته واستعبدهم بما لم يكونوا عرفوه وامرهم بهجران ما ألفوه إلى أن صاروا يبذلون أنفسهم دون
نفسه ويسلمون لقوله ويأتمون لامره من غير أن كان له ملك خافوه ولا مال املوه تفتح له البلاد واذعن
له ملوك العباد ونفذ امره في الأنفس والأموال والحلائل والأولاد قالوا إنما تم له ذلك لأنه فاق العالمين
بكمال عقله وحسن تدبيره ورأيه ولم يكن ذلك في أحد غيره ففضلوه بهذا أيضا على الخلق أجمعين وأوجبوا له
التقدم على العالمين فإذا سمعوا المشتهر من عدله ونصفته وحسن سيرته في أمته ورعيته وانه كان لا
يكلف أحدا شيئا في ماله وإذا حصلت المغانم فرقها في أمته وقنع من عيشه بدون كفايته هذا مع سخاوته وكرمه و
ايثاره على نفسه ووفائه بوعده وصدق لهجته واشتهاره منذ كان بأمانته وشريف طريقته وحسن عفوه و
مسامحته وجميل صبره وحلمه قالوا كان أزهد الناس وأعلاهم قدرا في العدل والانصاف ولا طريق إلى انكار
احاطته بالفضائل الكرام والمناقب العظام ففضلوه في جميع هذه الأمور على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على
العالمين فإذا قيل لهم فهذه العلوم العظيمة متى ادركها وفي أي زمان جمعها وتلقطها وأي قلب يعيها ويحفظها
وهل رأى قط بشر يحيط بجميع الفضائل ويتقدم العالمين كافة في سائر المناقب ويكون أوحد الخلق في كمال العقل
والتمييز وثاقب الرأي والتدبير مع نزاهة النفس وصفائها وجلالتها وشرفها وزهدها وفضلها وجودها وبذلها
قالوا كانت له سعادات فلكية وعطايا نجومية فاق بها على جميع البرية قيل لهم فمن يكون بهذا الوصف العظيم
والمحل الجليل كيف يستجيز عاقل مخالفته أو يسوغ له مباينته وبمن يقتدي أفضل منه ومتى يكون مصيبا في الانصراف
عنه بل كيف لا يرضى بعقل أعقل ويأخذ العلم من اعلم الناس ويقتبس الحكمة من احكم الناس وما الفرق بينكم في قولكم
ان هذه العطايا التي حصلت له إنما كانت فلكية ونجومية وبيننا إذا قلنا إلهية ربانية وبعد فكيف يستجيز من
يكون بهذا العقل الكامل والفضل الشامل والورع الظاهر والزهد الباهر والشرف العريق واللسان الصدوق ان يكذب
90

على خالق السماوات والأرضين فيقول للناس انا رسول رب العالمين ويدعى هذا المقام الجليل ويكون الامر بخلاف ما
يقول وكيف تلائم صفاته التي سلمتموها لهذه الحال التي ادعيتموها فدعوا المناقضة والمكابرة واثبتوا على
ما أقررتم به في المناظرة فكلامكم لازم لكم وقولكم حجة لكم عليكم قد أقررتم بالحق وأنتم راغمون والتجأتم إلى
ما هربتم منه وأنتم صاغرون واعلموا ان من باين المسعود كان منحوسا ومن خالف العاقل العالم كان
جاهلا غبيا ومن كذب الصادق كان هو في الحقيقة كاذبا والحمد لله مقيم الحجة على من أنكرها وموضح
الحجة لمن آثرها (فصل مما في التوراة يتضمن البشارة بنبينا صلى الله عليه وآله
وبأمته المؤمنين به) في التوراة مكتوب إذا جاءت الأمة الأخيرة تتبع راكب البعير يسبحون الرب
تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد فليفرح بنو إسرائيل ويسيروا إلى صهون ولتطمئن قلوبهم لأن الله اصطفى
منهم في الأيام الأخيرة أمما جديدة يسبحون الله بأصوات عالية بأيديهم ذات شفرتين فينتقمون لله من الأمم
الكافرة في جميع أقطار الأرض فمن ترى راكب البعير غير رسول الله صلى الله عليه وآله والأمم الأخيرة المسبحة تسبيحا جديدا
غير أمته ومن الذين اتوا وفي أيديهم السيوف غير ناصريه والمتبعين لدعوته وفي التوراة أيضا مكتوب في
السفر الخامس الرب ظهر فتجلى على سنين وأشرف على جبل ساعير وأشرف من جبل فاران واتى من ربوات
القدس من يمينه نار شريعة لهم وجبال فاران جبال مكة وظهور الرب إنما هو ظهور امره (فصل
في الإنجيل وفي الإنجيل اليوم) مكتوب ابن البشر ذاهب والفا قليظ اتى من بعده وهو
الذي يجلي لكم الاسرار ويعيش لكم كل شئ وهو يشهد له كما شهدت له فاني انا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم با
لتأويل ومن قول شعيا النبي عليه السلام قال لي اله إسرائيل أقم على المنظرة فانظر ماذا ترى فإذا رأيت راكبين
يسيران أضاءت لهما الأرض أحدهما على حمار والاخر على جمل فقال ويل لبابل ويل لبابل كل صنم بها
يكسر ويضرب به الأرض ومن قول يوشع النبي عليه السلام رأيت راكبين يسيران أضاءت لهما الأرض أحدهما
على حمار والاخر على جمل فراكب الحمار عيسى عليه السلام وراكب الجمل محمد صلى الله عليه وآله ومن قول دانيال النبي عليه السلام
جاء الله بالبيان من جبل فاران وامتلأت السماوات والأرض من تسبيح محمد وأمته وقال أيضا يأتينا
كتاب جديد بعد خراب بيت المقدس فما الكتاب الجديد إلا القرآن ومن قول داود عليه السلام اللهم ابعث إلينا مقيم السنة بعد
91

الفترة فمن أقامها غير رسول الله صلى الله عليه وآله ومن ذلك تأويل دانيال لرؤيا بخت نصر ملك بابل حيث قال
رأيت في المنام صنما رأسه من ذهب وصدره وذراعاه من فضة وبطنه وفخذاه من نحاس وركبتاه
وساقاه من حديد وفيه خلط قليل من فخار ثم رأيت بعد ذلك حجرا انقطع من جبل عظيم بغير يد انسان
فضرب ذلك الصنم الذي فيه الصور الكثيرة فكسره ثم جعله مثل الرماد في يوم ريح ثم عظم الحجر بعد ذلك
حتى رأيت الأرض قد امتلأت منه فقال له دانيال أما الصنم الذي فيه الصور الكثيرة فهم الملوك الذين
مضوا في سائر الأحقاب والذين يكونون على مر الأيام وأما الحجر الذي يجئ في آخر الزمان خاتم الأنبياء وأما
امتلاء الأرض منه فهم الذين يتبعونه ويؤمنون به (فصل من اخبار الوافدين على
رسول الله صلى الله عليه وآله للاسلام وما راوه قبل قدومهم من الآيات والاعلام
وما شاهدوه من أحوال الأصنام) فمن ذلك خبر أهبان بن انس الأسلمي روي أن ذئبا
شد على غنم لأهبان بن انس فاخذ منها شاة فصاح به فخلاها ثم نطق الذئب فقال أهبان سبحان الله
ذئب يتكلم فقال الذئب أعجب من كلامي ان محمدا يدعو الناس إلى التوحيد بيثرب ولا يجاب فساق
أهبان غنمه واتى إلى المدينة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بما رآه فقال خذ هذه غنمي طعمة لأصحابك فقال أمسك
عليك غنمك فقال لا والله لا أسرح بها ابدا بعد يومي هذا فقال اللهم بارك عليه وبارك له في طعمته
فاخذها أهل المدينة فلم يبق في المدينة بيت إلا اناله منها (وخبر) ذباب ذكروا انه كان لسعد
العشيرة صنم يقال له فراص وكانوا يعظمونه وكان سادنه رجل من انس الله بن (سعد العشيرة يقال له ابن وقشة فحدث رجل من بني انس الله) يقال له ذباب بن الحرث
ابن عمرو قال كان لابن وقشة وبي من الجن يخبر بما يكون فاتاه ذات يوم فأخبره قال فنظر إلى وقال يا ذباب
اسمع العجب العجاب بعث أحمد بالكتاب * يدعو بمكة لا يجاب * قال فقلت ما هذا الذي تقول قال ما أدري
هكذا قيل لي قال فلم يكن إلا قليل حتى سمعنا بخروج النبي صلى الله عليه وآله فقام ذباب إلى الصنم فحطمه ثم اتى النبي صلى الله عليه وآله
فأسلم على يده وقال بعد اسلامه تبعت رسول الله إذ جاء بالهدى * وخلفت فراصا بأرض
هوان * شددت عليه شدة فتركته * كأن لم يكن والدهر ذو حدثان * ولما رأيت الله أظهر
دينه * أجبت رسول الله حين دعاني * فمن مبلغ سعد العشيرة انني * شربت الذي يبقى باخر فان *
92

(وخبر زمل بن عمرو العذري روي أنه كان لبني عذرة صنم يقال له حمام وكانوا يعظمونه وكان
في بني هند بن حزام وكان سادنه رجل منهم يقال له طارق وكانوا يعقرون عنده العقائر قال زمل بن عمرو
العذري فلما ظهر النبي صلى الله عليه وآله سمعنا منه صوتا وهو يقول يا بني هند بن حزام ظهر الحق واودى حمام ودفع
الشرك بالاسلام قال ففزعنا لذلك وهالنا فمكثنا أياما ثم سمعنا صوتا آخر وهو يقول يا طارق بعث
النبي الصادق بوحي ناطق صدع صادع بأرض تهامة لناصريه السلامة ولخاذليه الندامة هذا الوداع
مني إلى يوم القيامة ثم وقع الصنم لوجهه قال زمل فخرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وآله ومعي نفر من قومي فأخبرناه
بما سمعناه فقال ذلك كلام مؤمن من الجن ثم قال يا معشر العرب اني رسول الله إلى الأنام كافة أدعوكم إلى عبادة
الله وحده واني رسوله وعبده وان تحجوا البيت وتصوموا شهرا من اثني عشر شهرا وهو شهر رمضان
فمن أجابني فله الجنة نزلا وثوابا ومن عصاني كانت له النار منقلبا وعقابا قال فأسلمنا وعقد لي لواء وكتب
لي كتابا فقال زمل عند ذلك * إليك رسول الله أعلمت نصها * أكلفها حزنا وفوزا من الزمل * لأنصر خير
الناس نصرا مؤزرا * واعقد حبلا من حبالك في حبلي * واشهد ان الله لا شئ غيره * أدين له ما أثقلت
قدمي ونعلي * (خبر عمرو بن مرة الجهني) ذكروا ان عمرو بن مرة كان يحدث فيقول خرجت حاجا
في الجاهلية في جماعة من قومي فرأيت في منامي وانا في الطريق كان نورا قد سطع من الكعبة حتى أضاء إلى نخل
يثرب وجبلي جهينة الأشعر والاجرد وسمعت في النوم قائلا يقول تقشعت الظلماء وسطع الضياء
وبعث خاتم الأنبياء ثم أضاء إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن وسمعته يقول اقبل
حق فسطع ودمغ باطل فانقمع فانتبهت فزعا وقلت لأصحابي والله ليحدثن بمكة في هذا الحي من قريش
حدث ثم أخبرتهم بما رأيت فلما انصرفنا إلى بلادنا جاءنا مخبر بخبر ان رجلا من قريش يقال له احمد وقد
بعث وكان لنا صنم فكنت انا الذي أسدنه فشددت عليه فكسرته وخرجت حتى قدمت عليه مكة
فأخبرته فقال يا عمرو بن مرة انا النبي المرسل إلى العباد كافة ادعوهم إلى الاسلام وآمرهم بحفظ الدماء
وصلة الأرحام وعبادة الرحمان ورفض الأوثان وحج البيت وصوم شهر رمضان فمن أصاب فله
الجنة ومن عصى فله النار فامن بالله يا عمرو بن مرة تأمن يوم القيامة من النار فقلت اشهد ان
93

لا اله إلا الله وانك رسول الله آمنت بما جئت به من حلال وحرام وان ارغم ذلك كثيرا من الأقوام
وأنشأت أقول شهدت بان الله حق وانني * لآلهة الاحجار أول تارك * وشمرت عن ساق
الازار مهاجرا * إليك أجوب الوعث بعد الدكاذك * لأصحاب خير نفسا ووالدا * رسول
مليك الناس فوق الحبائك * قلت يا رسول الله ابعثني إلى قومي لعل الله تبارك وتعالى يمن
عليهم كما من علي بك فبعثني فقال عليك بالرفق والقول السديد ولا تك فظا ولا غليظا ولا مستكبرا ولا
حسودا فاتيت قومي فقلت يا بني رفاعة بل يا معشر جهينة اني رسول رسول الله إليكم أدعوكم إلى الجنة
وأحذركم النار يا معشر جهينة ان الله وله الحمد قد جعلكم خيار من أنتم منه وبغض إليكم في جاهليتكم ما
حببت إلى غيركم من العرب الذين كانوا يجمعون بين الأختين ويخلف الرجل منهم على امرأة أبيه واغارت
في الشهر الحرام فأجيبوا هذا الذي من لؤي أتانا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة وسارعوا في امره يكن بذلك لكم
عنده فضيلة قال فأجابوني الا رجل منهم فإنه قام فقال يا عمرو بن مرة أمر الله عيشك أتأمرنا برفض
آلهتنا وتفريق جماعتنا ومخالفة دين آبائنا ومن مضى من أوائلنا إلى ما يدعوك إليه هذا المضري من أهل
تهامة لا ولا حبا ولا كرامة ثم أنشأ يقول إن ابن مرة قد اتى بمقالة * ليست مقالة من يريد صلاحا *
اني لأحسب قوله وفعاله * يوما وان طال الزمان ذباحا * أتسفه الأشياخ ممن قد مضى * من
رام ذلك لا أصاب فلاحا * فقال له عمرو الكذاب مني أو منك أمر الله عيشه وأبكم لسانه وأكمه انسانه
قال عمرو فوالله لقد عمى وما مات حتى سقط فوه وكان لا يقدر على الكلام ولا يبصر شيئا وافتقر و
احتاج (وخبر ركانة) وفيه من الآية كان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن
عبد مناف أشد قريش وأقواهم فخلا يوما برسول الله صلى الله عليه وآله في شعاب مكة فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله
يا ركانة الا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه فقال له ركانة اني اعلم الذي تقول حقا لأتبعتك
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أفرأيت ان صرعتك أتعلم ان ما أقول حق قال نعم قال فقم حتى أصارعك
فقام ركانة إليه فلما بطش به رسول الله صلى الله عليه وآله اضجعه لا يملك من نفسه شيئا فقال ركانة وقد عجب
من ذلك عد يا محمد فعاد فصرعه رسول الله صلى الله عليه وآله دفعه أخرى فاستعظم ذلك وقال يا محمد ان
94

ذا العجب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله واعجب من ذلك ان شئت ان أريكه ان اتقيت الله واتبعت أمري
قال ما هو قال ادعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني قال فادعها فدعاها فأقبلت حتى وقفت بين يدي
رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال لها ارجعي إلى مكانك فرجعت حتى وقفت فذهب ركانة إلى قومه فقال يا بني عبد
مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض فوالله ما رأيت اسحر منه قط ثم اخبرهم بالذي رأى والذي صنع
(وخبر أبي تميمة الهجيمي) قال ابن تميمة وفدت على رسول الله صلى الله عليه وآله فوجدته قاعدا في حلقة
فقلت أيكم رسول الله فلا أدري أشار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال انا رسول الله أو أشار إلى بعض
القوم فقالوا هذا رسول الله وإذا عليه بردة حمراء تتناثر هدبها على قدميه فقلت إلى ما تدعو يا رسول الله قال أدعوك
إلى الذي إذا كنت بأرض أو فلاة فأضللت راحلتك فدعوته أجابك وأدعوك إلى الذي إذا استنت أرضك
أو أجدبت فدعوته أجابك قال قلت وأبيك لنعم الرب هذا فأسلمت وقلت يا رسول الله علمني مما علمك الله
تبارك وتعالى فقال النبي صلى الله عليه وآله اتق الله لا تحقرن شيئا من المعروف ولو أن تلقى أخاك ووجهك
مبسوط إليه وإياك واسبال الازار من المخابلة قال الله تبارك وتعالى * (ان الله لا يحب كل مختال فخور) * سورة لقمان ولا تسبن
أحدا وان أمر سبك بأمر لا يعلم فيك فلا تسبه بأمر تعلمه فيه فيكون لك الاجر وعليه الوزر (وخبر أهيب)
بن سماع وروى أن النبي صلى الله عليه وآله كان يوما جالسا في نفر من أصحابه وقد صلى الغداة فإذ اقبل اعرابي على ناقة
له حتى وقف بباب المسجد فأناخها ثم عقلها ودخل المسجد يتخطى الناس والناس يوسعون له وإذا هو رجل مديد
القامة عظيم الهامة معتجر بعمامة فلما مثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله أسفر عن لثامه ثم هم ان يتكلم فارتج
حتى اعترضه ذلك ثلاث مرات فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله وقد ركبه الزمع لها عنه بالحديث ليذهب عنه بعض الذي
اصابه وقد كسا الله نبيه جلالة وهيبة فلما انس وفرح روعه قال له النبي صلى الله عليه وآله قل لله ما أنت قائل
فانشا يقول رب يوم يعي الألد المداري شره حاضر يروع الرجالا * قمته فانجلى ولو قام فيه مسجل الجن أطاق المقالا *
جئت بالاقتدار في ذات نفسي * انني اقهر الرفا والكلالا * فانثنت حدتي وفلت ثباتي * والهدى يقهر
العمى والضلالا * لم أضق بالكلام ذرعا ولكن * شدة البغى يستجير الحبالا * قال فاستوى رسول الله
صلى الله عليه وآله جالسا وكان متكئا فقال أنت أهيب بن سماع ولم يره قط قبل وقته ذاك فقال انا أهيب بن سماع
95

الأبي الدفاع القوي المناع قال أنت الذي ذهب جل قومك بالغارات ولم ينفضوا رؤوسهم من الهفوات إلا منذ أشهر
وسنوات قال انا ذاك قال أفتذكر الأزمة التي أصابت قومك احرنجم لها الذبح واخلف نوا المريخ وأمشعت السماء
وانقطعت الأنواء واحترقت الغمة وخفت البرية حتى أن الضيف لينزل بقومك وما في الغنم عرق ولا غرر
فترصدون الضب المكنون فتصيدونه وكأنك قلت في طريقك إلي لتسألني عن جل ذلك وعن حرجه ألا
ولا حرج على مضطر ومن كرم الأخلاق بر الضيف قال فقال لا والله لا اطلب اثرا بعد عين لكأنك كنت
معي في طريقي أو شريكي في أمري اشهد لا اله إلا الله وانك محمد رسول الله ثم قال يا رسول الله زدني شرحا
وبيانا ازدد بك ايمانا فقال له النبي صلى الله عليه وآله أتذكر إذ أتيت صنمك في الظهيرة فعرت له العشيرة قال نعم بأبي أنت وأمي
يا رسول الله ان الحرث بن أبي ضرار المصطلقي جمع لك جموعا ليدهمك بالمدينة واستعان بي على حربك وكان لي صنم
يقال له راقب فرقبت خلوته وقممت ساحته ثم نفضت التراب عن رأسه ثم عترت له عتيرة فاني لأستخيره
في أمري وأستشيره في حربك إذ سمعت منه صوتا هائلا فوليت عنه هاربا وهو يقول كلاما في معنى كلامه
الأول قال فلما كان من غد ركبت ناقتي ولبست لامتي وتكبدت الطريق حتى اتيتك فأنر لي سراجك و
أوضح لي منهاجك قال قال له النبي صلى الله عليه وآله قل لا اله إلا الله وحده لا شريك له واني محمد عبده ورسوله فقالها
غير مستنكف واسلم وحسن اسلامه ووقر حب الاسلام في قلبه فقال النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام خذ بيده فعلمه القرآن فأقام عند النبي صلى الله عليه وآله فلما أحذق شيئا من القرآن قال يا نبي الله ان
الحرث بن أبي ضرار المصطلقي قد جمع لك جموعا ليدهمك بالمدينة فلو وجهت معي قوما بسرية نشن عليهم الغارة
فوجه النبي صلى الله عليه وآله ومعه أمير المؤمنين عليه السلام وجماعة من المسلمين فظفروا بهم واستاقوا ابلهم وماشيتهم
وأهيب الذي يقول في اسلامه جبت الفلاة على حرف مبادرة * خطارة تصل الارقال بالخبب *
لا تشتكي لم لا جابت جوانبه * وما تأتي لابن السير والتعب * خطرفتها والثريا النجم واقفة * كأنها
قطف ملاح من العنب * أو كالجمان زهى في صدر جارية * ممطرة بنظام الدر والذهب * سارت
ثلاثا فوافت بعد ثالثة ذات المناهل ارض النخل والكرب * فيها النبي الذي لاحت حقائقه * في معشر
يستقوا في ذروة الحسب * حلو الشمائل ميمون نقيبته * محض الضرائب حياد عن الكذب * لا ينثني
96

وسعير الحرب مضرمة * تحش بالنبل والأرماح والقضب * والحرب حامية والهام راسية * و
الموت يختطف الأرواح من كثب * هناك تخبو إذا ما رأس اخمصه * سماحها لعظيم الهول والرهب *
داخت رقاب الورى من هول رؤيته * إذا بدا لهم في الموكب اللجب (فصل من كلام
سيدنا رسول الله صلى اله عليه واله) أما بعد فإن أصدق
الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة التقوى * وخير الملل ملة إبراهيم * وخير السنن سنة محمد صلى الله عليه وآله *
وأشرف الحديث ذكر الله * وأحسن القصص هذا القرآن * وخير الأمور عوامها * وشر الأمور
محدثاتها * واهدى الهدى هدي الأنبياء * وأشرف الموت قتل الشهداء * واعمى العمى ضلالة
بعد الهدى * وخير العمل ما نفع * وخير الهدى ما اتبع * واليد العليا خير من اليد السفلى * وما
قل وكفى خير مما كثر وإلهي * وشر المعذرة عند حضرة الموت * وشر الندامة ندامة يوم القيامة *
ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا نزرا * ولا يذكر الله إلا هجرا * ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب *
وخير الغنى غنى النفس * وخير الزاد التقوى * ورأس الحكمة مخافة الله * وخير ما القي في القلب
اليقين * والارتياب من الكفر * والنياحة من عمل الجاهلية * والغلول من جمر جهنم * و
السكر من النار * والشعر من إبليس * والخمر جماعة الاثم * والنساء حبائل الشيطان * والشباب
شعبة من الجنون * وشر الكسب كسب الربا * وشر المال اكل مال اليتيم * والسعيد من وعظ بغيره *
والشقي من شقي في بطن امه * وإنما بصير أحدكم إلى موضع أذرع * والامر إلى آخره وملاك الامر خواتمه * وشر
الروايات روايات الكذب * وكل ما هو آت قريب * وسباب المؤمن فسوق * وقتاله كفر *
واكل لحمه من معصية الله * وحرمة ماله كحرمة دمه * ومن يتال على الله يكذبه * ومن يستغفر الله
يغفر له * ومن يتبع المستمع يستمع الله به * ومن يعف يعف الله عنه * ومن يكظم الغيظ يأجره
الله * ومن يصبر على الرزية يعوضه الله * ومن يصم يضاعف الله اجره * ومن يعص الله يعذبه * و
(من كلامه صلى الله عليه وآله) قوله انكم في زمان من ترك عشر ما أمر به
هلك وسيأتي على الناس زمان من عمل بعشر ما أمر به نجي (ومن كلامه عليه السلام)
97

قوله استحيوا من الله حق الحياء قيل له يا رسول الله انا لنستحيي فقال ليس كذلك من استحيي من الله حق الحياء
فليحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينه الحياة
الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحيا وقال عليه السلام حب الدنيا رأس كل خطيئة و
قال إنكم لا تنالون ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون ولا تبلغون ما تأملون إلا بترك ما تشتهون
(فصل من البيان والسؤال) ان سئل سائل عن أول ما فرض الله عليك فقل
النظر المؤدي إلى معرفته فإن قال لم زعمت ذلك فقل لأنه سبحانه قد أوجب معرفته ولا سبيل إلى معرفته الا
بالنظر في الأدلة المؤدية إليها فإن قال فإذا كانت المعرفة بالله عز وجل لا تدرك إلا بالنظر فقد حصل المقلد غير عارف
بالله فقل هو ذاك فإن قال فيجب ان يكون جميع المقلدين في النار فقل ان العاقل المستطيع إذا أهمل
النظر والاعتبار واقتصر على تقليد الناس فقد خالف الله تعالى وانصرف عن امره ومراده ولم يكفه تقليده في
أداء فرضه واستحق العقاب على مخالفته وتفريطه غير انا نرجو العفو عمن قلد الحق والتفضيل عليه ولا نرجوه
لمن قلد المبطل ولا نعتقده فيه وكل مكلف يلزمه من النظر بحسب طاقته ونهاية ادراكه وفطنته فاما المقصر
الضعيف الذي ليس له استنباط صحيح فإنه يجزيه التمسك في الجملة بظاهر ما عليه المسلمون فإن قال كيف يكون
التقليد قبيحا من العقلاء المميزين وقد قلد الناس رسول الله صلى الله عليه وآله فيما أخبر به عن رب
العالمين ورضي بذلك عنهم ولم يكلفهم ما تدعون فقل معاذ الله ان نقول ذلك أو نذهب إليه
ورسول الله صلى الله عليه وآله لم يرض من الناس التقليد دون الاعتبار وما دعاهم الا إلى الاستدلال ونبههم
عليه بآيات القرآن من قوله سبحانه وتعالى * (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من
شئ) * الأعراف وقوله * (ان في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لايات لاولى الألباب) * آل عمران وقوله * (وفي
الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون) * الذاريات وقوله * (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت والى السماء
كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الأرض كيف سطحت) * الغاشية ونحن نعلم أنه ما أراد بذلك إلا نظر
الاعتبار فلو كان عليه السلام انما دعى الناس إلى التقليد ولم يرد منهم الاستدلال لم يكن معنى لنزول هذه
الآيات ولو أراد ان يصدقوه ويقبلوا قوله تقليدا بغير تأمل واعتبار لم يحتج إلى أن يكون على يده ما ظهر
98

من الآيات والمعجزات فاما قبول قوله صلى الله عليه وآله بعد قيام الدلالة على صدقه فهو تسليم وليس بتقليد
وكذلك قبولنا لما أتت به أئمتنا عليهم السلام ورجوعنا إلى فتاويهم في شريعة الاسلام فإن قال
فابن لنا ما التقليد في الحقيقة وما التسليم ليقع الفرق والبيان فقل التقليد هو قبول قول من لم يثبت
صدقه وهذا معنى التقليد لا يكون إلا عن بينة وحجة (فصل من كلام جعفر بن محمد
الصادق عليه السلام مما حفظ عنه في وجوب المعرفة بالله عز وجل وبدينه)
قوله وجدت علم الناس في أربع أحدها ان تعرف ربك والثاني ان تعرف ما صنع بك والثالث ان تعرف
ما أراد منك والرابع ان تعرف ما يخرجك عن دينك قال شيخنا المفيد رحمه الله هذه أقسام تحيط با
لمفروض من المعارف لأنه أول ما يجب على العبد معرفة ربه جل جلاله فإذا علم أن له الها وجب ان يعرف
صنعه وإذا عرف صنعه عرف نعمته فإذا عرف نعمته وجب عليه شكره فإذا أراد تأدية شكره وجب عليه معرفة مراده
ليطيعه بفعله وإذا وجب عليه طاعته وجب عليه معرفة ما يخرجه من دينه ليتجنبه فتخلص له به طاعة
ربه وشكر انعامه أنشد في بعض أهل هذا العصر لنفسه * وألزم من الدين ما قام الدليل به * فإن
أكثر دين الناس تقليد * فكلما وافق التقليد مختلق * زور وان كثرت فيه الأسانيد * وكل
ما نقل الآحاد من خبر * مخالف لكتاب الله مردود * (فصل آخر السؤال و
البيان) ان سئل سائل فقال ما أول نعمة الله تعالى عليك فقل خلقه إياي حيا لينفعني فإن ولم زعمت أن
خلقه إياك حيا أول النعم فقل لأنه خلقني لنفعي ولا طريق لنيل النفع إلا بالحياة التي يصح معها الادراك
فإن قال ما النعمة فقل هي المنفعة إذا كان فاعلها قاصدا لها فإن قال المنفعة فقل هي اللذة الحسنة
أو ما يؤدي إليها فان قال لم شرطت أن تكون اللذة حسنة فقل لأن من اللذات لا يكون حسنا فإن قال
لم قلت أو ما يؤدي إليها فقل لأن كثيرا من المنافع لا يتوصل إليها إلا بالمشاق كشرب الدواء الكريه والفصد
ونحو ذلك من الأمور المؤدية إلى السلامة واللذات فتكون هذه المشاق منافع لما يؤدي إليه في عاقبة الحال
ولذلك قلنا إن التكليف نعمة حسنة لان به ينال مستحق النعيم الدائم واللذات فان قال فما كمال نعم
الله تعالى فقل ان نعمه تتجدد علينا في كل حال ولا يستطاع لها الاحصاء فإن قال فما تقولون في شكر
99

المنعم فقل هو واجب فإن قال فمن أين عرفت وجوبه فقل من العقل وشهادته وواضح حجته ودلالته و
وجوب شكر المنعم على نعمته مما يتفق العقول عليه ولا تختلف فيه فإن قال فهل أحد من الخلق يكافئ
نعم الله تعالى بشكر أو يوفي حقها بعمل فقل لا يستطيع أحد من العباد من قبل ان الشئ إنما يكون كفوا لغيره
إذا سد مسده وناب منابه وقابله في قدره وماثله في وزنه وقد علمنا أنه ليس شئ من أفعال الخلق تسد مسد
نعم الله عليهم لاستحالة الوصف لله تعالى بالانتفاع أو تعلق الحوائج به إلى المجازاة وفساد مقال من زعم أن
الخلق يحيطون علما بغاية الانعام من الله تعالى عليهم والافضال فيتمكنون من مقابلتها بالشكر على
الاستيفاء للواجب والاتمام فيعلم بهذا تقصير العباد من مكافئات نعم الله تعالى عليهم ولو بذلوا في الشكر و
الطاعات غاية المستطاع وحصل ثوابهم في الآخرة تفضيلا من الله تعالى عليهم واحسانا إليهم وانما سميناه
استحقاقا في بعض الكلام لأنه وعد به على الطاعات وهو الموجب له على نفسه بصادق وعده وان لم يتناول شرط
الاستحقاق على الأعمال وهذا خلاف ما ذهبت إليه المعتزلة إلا أبو القاسم البلخي فإنه يوافق في هذا المقال
وقد تناصرت به مع قيام الأدلة العقلية عليه الاخبار اخبرني شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان
الحارثي رضوان الله عليه اجازة قال اخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني
عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن داود بن كثير عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي
جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله قال الله تعالى لا يتكلوا العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي فإنهم لولا اجمعوا
واتعبوا أنفسهم وأعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون
من كرامتي والنعيم في جناني ورفيع الدرجات العلى في جواري ولكن برحمتي فليثقوا وفضلي فليرجوا والى حسن
الظن بي فليطمئنوا فإن رحمتي عند ذلك تدركهم وبمني أبلغهم رضواني ومغفرتي والبسهم عفوي
فاني انا الله الرحمن الرحيم بذلك تسميت اخبرني شيخنا المفيد رحمه الله قال اخبرني أبو الحسن أحمد بن الوليد
عن أبيه عن محمد بن الحسن الصفار عن علي بن محمد القاشاني عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن سليمان
بن الخالد المنقري عن سفيان بن عيينة عن حميد بن زياد عن عطاء بن يسار عن أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام قال يوقف العبد بين يدي الله تعالى فيقول قيسوا بين نعمي عليه وبين عمله فستغرق النعم
100

العمل فيقول هبوا له النعم وقيسوا بين الخير والشر منه فإن استوى العملان اذهب الله الشر بالخير وادخله الجنة وإن كان
له فضل أعطاه الله بفضله وإن كان عليه فضل وهو من أهل التقوى لم يشرك بالله تعالى واتقى الشرك به فهو
من أهل المغفرة يغفر الله له برحمته ويتفضل عليه بعفوه واخبرني أيضا شيخنا المفيد رحمه الله قال اخبرني أبو القاسم
جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن سعد بن خلف عن
أبي الحسن عليه السلام أنه قال عليك بالجد ولا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله وطاعته فإن الله تعالى
لا يعبد حق عبادته (شبهة للبراهمة في النبوة) اعتلت البراهمة في ابطال الرسالة بان قالت
ليس يخلو أمر الرسول من حالين أما ان يأتي ما يدل عليه العقل أو بخلافه فإن اتى بما في العقل كان من كمل عقله
غنيا عنه لأن الذي يأتيه به مستقر عنده موجود في عقله وان اتى بخلاف ما في العقل فالواجب رد ما يأتيه به
لان الله تعالى إنما خلق العقول للعباد ليستحسنوا بها ما استحسنت ويقروا بما أقرت وينكروا ما أنكرت
(نقض) يقال لهم ان الرسول لا يأتي ابدا بما يخالف العقل غير أن الأمور في العقول على ثلاثة أقسام واجب وممتنع و
جائز فالواجب في العقل يأتي السمع بايجابه تأكيدا له عند من علمه وتنبيها عليه لمن لم يعلمه والجائز هو الذي يمكن
في العقل حسنه تارة وقبحه تارة كانتفاع الانسان بما يتملكه غيره فإنه يجوز ان يكون حسنا إذا اذن له فيه مالكه و
قبيحا إذا لم يأذن له وكل واحد من القسمين جائز في العقل ولا طريق إلى القطع على أحدهما إلا بالسمع ومن الا
مور التي لا يصل العقل إليها أيضا فيها إلى القطع على العلم بأدوية الاعلال ومواضعها وطبائعها وخواصها ومقاديرها
التي يحتاج إليه منها أو أوزانها فهذا مما لا سبيل للعقل فيه إلى حقيقة العلم وليس يمكن امتحان كل ما في البر والبحر ولا
تحسن التجربة والسير لما فيها من الخطر المستقبح في العقل فعلم أن هذا مما لا غناء فيه عن طارق السمع وبعد فإن
شكر المنعم عندنا وعند البراهمة مما هو واجب في العقل وليس في وجوبه ووجوب تعظيم مبدي النعمة بينا خلاف
وشكر الله تعالى وتعظيمه أوجب ما يلزمنا العظيم أياديه لدينا واحسانه إلينا ولسنا نعلم بمبلغ عقولنا أي نوع يريده من
تعظيمنا له وشكرنا هذا مع الممكن من لطفه يكون في نوع من ذلك لا يعلمه إلا خالقنا (ثم) يقال للبراهمة أيضا
لو لم يكن في العقل القسم الجائز الذي ذكرناه وكانت الأشياء في العقول لا تخلو من واجب وممتنع دون ما بيناه
لم يستغن مع هذا التسليم عن المرسلين لانهم ينبهون على طرق الاستدلال المسترشدين ويحركون الخواطر
101

بالتذكار إلى سنن التأمل والاعتبار وهذا أمر يدل عليه ما نشاهده من أحوال العقلاء وافتقارهم إلى من يفتح
لهم باب الاستدلال أولا وفي بعض ما أوردناه بيان عن غلط البراهمة فيما اعتمدت ونقض لشبهتها التي ذكرت والحمد لله
(مختصر من الكلام على اليهود في انكارهم جواز النسخ في الشرع) اعلم أن اليهود
طائفتان إحداهما تدعي ان نسخ الشرع لا يجوز في العقل والاخرى تجيز ذلك عقلا وتزعم ان المنع منه ورد به السمع فاما
المدعون على العقل الشهادة بقبح النسخ فإنهم زعموا ان النسخ هو البداء قالوا والبداء لا يجوز على الله تعالى فيقال لهم
لم زعمتم ان النسخ هو البداء فإن قالوا للمتعارف بين العقلاء ان الامر بالشئ إذا نهى عنه بعد امره وقد بدا له فيه و
كذا إذا نهى عن الشئ ثم أمر به من بعد نهيه قيل لهم ما تنكرون من أن يكون على هذا قسمين أحدهما ان يأمر الامر بالشئ
في وقت وإذا فعل وجاز وقت فعله نهى عنه من بعد فيكون في الحقيقة إنما نهى عن مثله وهذا هو النسخ بعينه
وكذلك القول في الامر بالشئ بعد النهي عنه والقسم الأخر ان يأمر بفعل الشئ في وقت فإذا اتى ذلك الوقت نهى عنه فيه
بعينه قبل ان يفعل ويكون هذا هو البداء دون القسم الأول ويحصل الفرق بين البداء والنسخ ويتضح ان دعواكم
فيهما انهما واحد لم تصح فإن قالوا إن العبادة إذا تعلقت على المكلف بأمر نهي فالحكمة اقتضتها فمتى تغيرت العبادة
دلت على تغيير الحكمة والحكمة لا يجوز تغييرها قيل لهم قالا قلتم ان العبادة إذا ألزمت المكلف فالحكمة اقتضتها المصلحة
من مصالح المكلف أوجبتها فإذا تغيرت العبادة دلت على أن الحكمة اقتضت ذلك لتغير المصالح (والمصلحة يجوز تغييرها فإن قالوا انا لا نعلم العقل تغيير) قيل لهم وكذلك لا تعرفون
بالعقل المصالح ثم يقال لهم ما السبب في أن نقل الله تعالى الانسان من كونه شابا إلى أن صيره شيخا وأفقره ثم أغناه وأماته بعد
ان أحياه وكيف أصحه ثم أسقمه واوجده ثم اعدمه فكيف تغيرت الحكمة في جميع ما عددنا وما أنكرتم من أن يكون هذا
كله بداء أي اختلاف في المصالح يكون أوضح من هذا وأما المدعون من اليهود ان ابطال النسخ علم بالسمع دون
العقل فإنهم ادعوا في ذلك على موسى عليه السلام أنه قال إن شريعته دائمة لا تنسخ والذي يدل على بطلان دعواهم هذه
ظهور المعجزات على من اتى بالنسخ ولو كان خبرهم حقا لم يصح اتيان ذي معجز بنسخ وهذه المعجزات يعلم أنها قد كانت
بمثل ما تعلم له اليهود ومعجزات موسى عليه السلام من غير فرق (فصل في ذكر البداء) اعلم أيدك الله تعالى
ان أصحابنا دون المتكلمين يقولون بالبداء ولهم في نصرة القول به كلام ومعهم فيه آثار وقد استشنع ذلك
منهم مخالفوهم وشنع عليهم به مناظروهم وإنما استشنعوه لظنهم انه يؤدي إلى القول بان الله تعالى علم في
102

البداء ما لم يكن يعلم وإذا قدر الناصر للبداء على الاحتراز من هذا الموضع فقد أحسن ولم تبق عليه أكثر من اطلاق
اللفظ وقد قلنا إن ذلك قد ورد به السمع وقد اتفق لي فيه كلام مع أحد المعتزلة بمصر انا أحكيه لتقف عليه
(حكاية مجلس في البداء) كنت سئلت معتزليا حضرت معه مجلسا فيه قوم من أهل العلم
فقلت له لم أنكرت القول بالبداء وزعمت أنه لا يجوز على الله تعالى فقال لأنه يقتضي ظهور أمر الله سبحانه كان
عنه مستورا وفي هذا انه قد تجدد له العلم بما لم يكن به عالما فقلت له ابن لنا من أين علمت أنه يوجب ذلك وتقتضيه
ليسع الكلام معك فيه فقال هذا هو معنى البداء والتعارف يقضي بيننا ولسنا نشك ان البداء هو الظهور ولا
يبدو للامر إلا لظهور شئ مجدد من علم أو ظن لم يكن معه من قبل (وبيان ذلك) ان طبيبا لو وصف
لعليل ان يشرب في وقته شراب الورد حتى إذا اخذ العليل القدح بيده ليشرب ما امره به قال له الطبيب في الحال صبه
ولا تشربه وعليك بشرب النيلوفر بدله فلسنا نشك في أن الطبيب قد استدرك الامر (وظهر له من حال العليل ما لم يكن عالما به من قبل فغير عليه الامر) لما تجدد له من العلم
ولولا ذلك لم يكن معنى لهذا الخلاف فقلت له هذا مما في الشاهد وهو من البداء فيجوز عندك ان يكون في البداء
قسم غير هذا فقال لا اعلم في الشاهد غير هذا القسم ولا ارى انه يجوز في البداء قسم غيره ولا يعلم فقلت له ما
تقول في رجل له عبد أراد ان يختبر حاله وطاعته من معصيته ونشاطه من كسله فقال له في يوم شديد
البرد سر لوقتك هذا إلى مدينة كذا لتقبض مالا لي بها فاحسن العبد لسيده الطاعة وقدم المبادرة ولم يحتج
بحجة فلما رأى سيده مسارعته وعرف شهامته ونهضته شكره على ذلك وقال له أقم على حالك فقد عرفت
انك موضع للصنيعة وأهل للتعويل عليك في الأمور العظيمة أيجوز عندك هذا وان جاز فهل هو
داخل في البداء أم لا فقال هذا مستعمل ورأينا مثله في الشاهد وقد بدا فيه للسيد وليس هو قسما
ثانيا بل هو بعينه الأول هو الذي لا يجوز على الله عز وجل فقلت له لم زعمت لأنه القسم الأول فقال
لان في الأول قد استفاد الطبيب علما بحال المريض له يكن بها عالما كما أن في الثاني قد استفاد
السيد علما بحال العبد لم يكن بها عالما فهما عندي سواء فقلت له لم جعلت الجمع بينهما من حيث ذكرت
أولي من التفرقة بينهما من حيث كان أحدهما مريدا لاتمام قبل ان يبدو له فيه فينهى عنه
وهو الطبيب والاخر غير مريد لاتمامه على كل وجه وهو سيد العبد بل كيف لم تفرق بينهما من حيث إن
103

الطبيب لم يجز قط ان يقع منه اختلاف الامر إلا لتجدد علم له لم يكن وسيد العبد يجوز ان يقع
منه النهي بعد الامر من غير أن يتجدد له علم ويكون عالما بنهضته في الحالين ومسارعته إلى ما أحب و
إنما امره بذلك ليعلم الحاضرون حسن طاعته ومبادرته إلى ما امره وانه ممن يجب اصطفاؤه
والاحسان إليه والتعويل في الأمور عليه قال فإذا سلمت لك الفرق بينهما فما تنكر ان يكون دالا
على أن مثالك الذي أتيت به غير داخل في البداء قلت أنكرت ذلك من قبل البداء هو عندنا جميعا
نهي الامر عما أمر به قبل وقوعه في وقته وإذا كان هذا هو الحد المراعي فهو موجود في مثالنا وقد
أجمع العقلاء أيضا على أن السيد فيه قد بدا له فيما أمر به عبده قال فإذا دخل القسمان في البداء فما
الذي تجيز على الله تعالى منهما فقلت أقربهما إلى قصة إبراهيم الخليل عليه السلام وأشبههما لما أمر الله تعالى في المنام
بذبح ولده إسماعيل عليه السلام فلما سارع المأمور راضيا بالمقدور وأسلما جميعا صابرين وتله
للجبين نهاه الله عن الذبح بعد متقدم الامر وأحسن الثناء عليهما وضاعف لهما الاجر وهذا
نظير ما مثلت من أمر السيد وعبده وهو النهي عن المأمور به قبل وقوع فعله قال فمن سلم لك ان
إبراهيم عليه السلام مأمور بذلك من قبل الله سبحانه قلت سلمه لي من يقر بان منامات الأنبياء عليه السلام
صادقه ويعترف بأنها وحي الله في الحقيقة وسلمه لي من يؤمن بالقرآن ويصدق ما فيه من الاخبار
وقد تضمن الخبر عن إسماعيل أنه قال لأبيه عليهما السلام يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء من
الصابرين وقول الله تعالى لإبراهيم قد صدقت الرؤيا وثناؤه عليه حيث قال (كذلك نجزي المحسنين وليس بمحسن من) امتثل غير أمر الله تعالى
في ذبح ولده وهذا واضح لمن انصف من نفسه قال فاني لا اسمي هذا بداء فقلت له ما المانع لك
من ذلك أتوجه الحجة عليك به أم مخالفته للمثال المتقدم ذكره فقال يمنعني من أن اسميه البداء
ان البداء لا يكشف الا عن متجدد علم لمن بدا له وظهوره له بعد ستره وليس في قصة إبراهيم وإسماعيل
عليهم السلام ما يكشف عن تجدد علم الله سبحانه ولا يجوز ذلك عليه فلهذا قلت إنه ليس ببداء فقلت
له هذا خلاف لما سلمته لنا من قبل وأقررت به من أن سيد العبد يجوز ان يأمره بما ذكرناه ثم يمنعه
مما امره به وينهاه مع علمه بأنه يطيعه في الحالين لغرضه في كشف امره للحاضرين ثم يقال لك ما تنكر من اطلاق
104

اللفظ بالبداء في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لأنها كشفت لهما عن علم متجدد ظهر لهما كان ظنهما سواه
وهو إزالة هذا التكليف بعد تعلقه والنهى عن الذبح بعد الامر به قال أفتقول ان الله تعالى أراد الذبح
لما أمر به أم لم يرده واعلم انك ان قلت إنه لم يرده دخلت في مذاهب المجبرة لقولك ان الله تعالى أمر بما لا يريده
وكذلك ان قلت إنه اراده دخلت في مذهبهم أيضا من حيث إنه نهى عما اراده فما خلاصك من هذا فقلت
له هذه شبهة يقرب امرها والجواب عنها لازم لنا جميعا لتصديقنا بالقصة واقرارنا بها وجوابي فيها ان
الذبح في الحقيقة هو تفرقة الأجزاء ثم قد تسمى الافعال التي في مقدمات الذبح مثل القصد والاضجاع
واخذ الشفرة ووضعها على الحلق ونحو ذلك ذبحا مجازا واتساعا ونظير هذا ان الحاج في الحقيقة
هو زائر بيت الله تعالى على منهاج ما قررته الشريعة من الاحرام والطواف والسعي وقد يقال لمن شرع
في حوائجه لسفره في حجة من قبل ان يتوجه إليه انه حاج اتساعا ومجازا (فأقول) ان مراد الله تعالى
فيما أمر به لخليله إبراهيم عليه السلام من ذبح ولده انما كان مقدمات الذبح من الاعتقاد أولا
والقصد ثم الاضطجاع للذبح ترك الشفرة على الحلق وهذه الأفعال الشاقة ليس بعدها
غير الاتمام بتفرقة اجزاء الحلق وعبر عن ذلك بلفظ الذبح ليصح من إبراهيم عليه السلام الاعتقاد
له والصبر على المضض فيه الذي يستحق جزيل الثواب عليه ولو فسر له في الامر المراد على التعيين لما
صح منه الاعتقاد للذبح ولا كان ما أمر به شاقا يستحق عليه الثناء والمدح وعظيم الاجر (الذي)
نهى الله تعالى عنه هو الذبح في الحقيقة وهو الذي لم يبق غيره ولم تتعلق الإرادة قط به فقد صح بهذا
ان الله تعالى لم يأمر بما لا يريد ولا نهى عما أراد والحمد لله قال الخصم فقد انتهى قولك إلى أن الذي أمر به غير الذي
نهى عنه وليس هذا هو البداء فقلت أما في ابتداء الامر فما ظن إبراهيم عليه السلام إلا أن المراد هو الحقيقة وكذلك
كان ظن ولده إسماعيل عليه السلام فلما انكشف بالنهي لهما ما علماه مما كان ظنهما سواه كان ظاهره بداء لمشابهته
لحال من يأمر بالشئ وينهى عنه بعينه في وقته وليستسلمه على ظاهر الامر دون باطنه فلم يرد على ما ذكرت شيئا
وهذا الذي اتفق لي من الكلام في البداء والحمد لله (مسألة) فان قال قائل ما تقولون في الذبيح
ومن كان من ولدي إبراهيم صلى الله عليه أكان إسماعيل أم إسحاق عليهما السلام قلنا الذبيح عندنا هو إسماعيل وبهذا يشهد
105

ظاهر القرآن والخبر المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله إما القرآن فإن الله تعالى قال حكاية عن إبراهيم عليه السلام * (رب هب لي
من الصالحين) * الصافات فأخبر عن سؤاله في الولد قال الله تعالى * (فبشرناه بغلام حليم) * الصافات ثم أخبر عن حال هذا الغلام فقال
فلما بلغ معه السعي * (قال يا بني انى ارى في المنام اني أذبحك) * الصافات فوصف قصة الذبح المختصة بهذا الغلام إلى
قوله * (انا كذلك نجزى المحسنين) * الصافات ثم قال بعد ذلك * (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) * الصافات فاعلمنا ان
إسحاق إنما اتاه بعد الولد الأول الذي أجيبت فيه دعوته ورأى في المنام انه يذبحه وهذا يدل على أنه غير إسحاق
وليس غيره ممن ينسب هذا إليه إلا إسماعيل عليه السلام وأما الخبر المأثور فقول رسول الله صلى الله عليه وآله انا ابن الذبيحين
يعنى إسماعيل وعبد الله بن عبد المطلب ولو كان الذبيح إسحاق لما صح هذا الخبر على ظاهره لأنه ليس هو ابنه وهو ابن إسماعيل عليه السلام
(فصل) جاء في الحديث ان الله تعالى بعث إلى عبد المطلب في منامه ملكا فقال له يا عبد المطلب احفر
زمزم قال وما زمزم قال تراث أبيك آدم عليه السلام وجدك الأقدم عند الفرث والدم عند الغراب الأعصم وان
عبد المطلب رأى ذلك في منامه ثلاث ليال متواليات وأصبح اليوم الرابع فقعد عند البيت الحرام فبينا هو
قاعد إذا بقرة قد أفلتت من بعض الجزارين في أعلا الأبطح من وثاقها حتى جاءت إلى موضع زمزم فوقفت هناك
فجزرت مكانها وسقط غراب أعصم على الفرث والدم والاعصم هو الذي إحدى رجليه بيضاء فقال عبد المطلب
هذا تأويل رؤياي فحفرها في موضعها فصعب عليه الحفر فقال اللهم ان لك على نذرا ان أتقرب ببعض ولدي
ان انبطت الماء فلما نبع الماء عزم على أن يقرب بعض ولده فجاء بنو مخزوم وسائر قريش فقالوا له أقرع بين ولدك
فخرجت القرعة على عبد الله فقال بنو مخزوم له افد ولدك بمالك فاقرع بينه وبين عشرة من الإبل فخرجت القرعة
على عبد الله فجعلها عشرين وقرع بينه وبينها فخرجت القرعة على عبد الله فما زال كذلك حتى صارت الإبل مائة و
في حديث آخر انها بلغت ألفا وهي دية الملوك فعند ذلك وقعت القرعة على الإبل فقربها فجعلها هديا اخبرني
شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله رضي الله عنه قال اخبرني أبو محمد بن هارون بن موسى قال اخبرني محمد بن همام
عن أبي محمد الحسن بن جمهور قال حدثني أبي قال حدثني الحسن بن محبوب عن علي بن رباب عن مالك بن عطية قال لما حفر عبد
المطلب بن هاشم زمزم وانبط منها الماء اخرج منها غزالين من ذهب وسيوفا وأدراعا فجعل الغزالين زينة
للكعبة واخذ السيوف والدروع وقال هذه وديعة كان أودعها مضاض الجرهمي بن الحرث بن عمرو بن مضاض
106

والحارث الذي يقول كأن لم يكن بين الجحون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر * بلى نحن كنا أهلها فأبادنا *
صروف الليالي والجدود العواثر * ويمنعنا من كل فج نريده * اقب كسرحان الان بات ضامر * وكل
لجوج في الجراء طمره * كعجزاء فتحاء الجناحين كاسر * والقصيدة طويلة فحسدته قريش بذلك فقالوا
نحن شركاؤك فيها فقال هذه فضيلة نبئت بها دونكم رأيتها في منامي ثلاث ليال تباعا فقالوا فحاكمنا
إلى من شئت من حكام العرب فخرجوا إلى الشام يريدون أحد كهانها وعلمائها فأصابهم عطش شديد
فأوصى بعضهم إلى بعض فبينا هم على تلك الحال إذ بركت ناقة عبد المطلب فنبع الماء من بين أخفافها فشربوا
وتزودوا وقالوا يا عبد المطلب ان الذي سقاك في هذه الأودية القفر هو الذي سقاك بمكة فرجعوا
وسلموا له هذه المأثرة (بيان عن قول النصارى ومسألة عليهم لا جواب
لهم عنها) اعلم أنهم يزعمون أن المسيح عليه السلام مجموع شيئين لاهوت وناسوت يعنون با
للاهوت الله سبحانه وتعالى عما يقولون وبالناسوت الانسان وهو جسم المسيح ان هذين الشيئين اتحدا
فصارا مسيحا ومعنى قولهم اتحدا اي صارا شيئا واحدا في الحقيقة وهو المسيح فيقال لهم أنتم مجمعون
معنا على أن الاله قديم وان الجسم محدث وقد زعمتم انهما صارا واحدا فما حال هذا الواحد أهو قديم
أم محدث فإن قالوا هو قديم قيل لهم فقد صار المحدث قديما لأنه من مجموع شيئين أحدهما محدث وان
قالوا هو محدث قيل لهم فقد صار القديم محدثا لأنه من مجموع شيئين أحدهما قديم وهذا ما لا حيلة لهم فيه
وليس يتسع لهم ان يقولوا بعضه قديم وبعضه محدث لأن هذا ليس باتحاد في الحقيقة ولا ان يقولوا هو قديم
محدث لتناقض ذلك واستحال ولان يقولوا ليس هو قديم ولا محدث فظاهر فساد ذلك أيضا وبطلانه وهذا
كاف في ابطال الالحاد الذي ادعوه وقد سألهم بعض المتكلمين فقال إذا كنتم تعبدون المسيح والمسيح اله وانسان
فقد عبدتم الانسان وعبادة الانسان كفر بغير اختلاف (مسألة أخرى عليهم) قال لهم إذا كان المسيح
عندكم مجموع من شيئين اله وانسان فاخبرونا عن القتل والضرب والصلب ما ذا وقع أتقولون انه وقع بهما أم بأحدهما
فان قالوا بهما قيل لهم ففي هذا ان الاله ضرب وصلب وقتل ودفن وهي فضيحة لا ينتهى إليها ذو عقل وان قالوا بل
وقع ذلك على أحدهما وهو الناسوت لأن اللاهوت لا يجوز هذا عليه قيل لهم فإذا قد صح مذهب المسلمين
107

في أنهم ما قتلوا المسيح ولا صلبوه لأن المسيح عندكم ليس هو الناسوت بانفراده وانما هو مجموع شيئين
لم يظفر اليهود إلا بأحدهما الذي هو المسيح (مسألة أخرى عليهم) يقال لهم أيجوز ان يكون جسم متحرك
وشخص آكل شارب تحله الاعراض الحادثات وتناله الآلام والآفات قديما فإن قالوا أيجوز ذلك لم يأمنوا ان
يكون ناسوتا قديما وان قالوا لا يجوز ذلك قيل لهم فالمسيح عليه السلام كانت فيه هذه الصفات معلومات مرئيات
فإن أنكروا ذلك كابروا وقبح معهم الكلام وان أقروا به وقالوا قد كان على هذه الصفات قيل لهم فقد صح حدوثه
وبطل قدمه وحصلتم عابدين لبشر مخلوق مربوب فإن قالوا إنما رأينا ناسوته المحدث ولم نر لاهوته القديم قيل
لهم أوليس من مذهبكم انهما اتحدا وصارا شيئا واحدا فإذا قالوا نعم قيل لهم فيجب ان يكون من رأى أحدهما فقد
رآهما وان لم يكن الامر كذلك فما اتحدا (فصل آخر من قولهم وكلام عليهم) هم يذهبون إلى أن إلههم
من ثلاثة أقانيم والأقنوم عندهم هو الجوهر يعنون الأصل فالثلاثة الجواهر عندهم اله واحد ويسمون هذه الثلاثة
الأب والابن والروح فيقال لهم إذا جاز ان يكون عندكم ثلاثة أقانيم الها واحدا فلم لا يجوز ان يكون ثلاثة آلهة
اقنوما واحدا ويكون ثلاثة فاعلين جوهرا واحدا فيما ابطلوا به هذا بطل قولهم سواء (فصل من قولهم)
وقد احتجوا فقالوا وجدنا من له ابن أشرف وأفضل ممن لا ابن له ومن لا ابن له ناقص قالوا وكذلك وجدنا من لا
حياة له ميت والروح هي الحياة فوجب ان تصف إلهنا بالشرف والكمال ووجود الحياة فيقال لهم فقولوا إن له بنين
عدة فإن ذلك أكثر لشرفه واسنى لمنزلته بل قولوا ان له نسلا وان جدا لأن من له ابن أجل ممن ليس له الابن
فقط وإذا أوجبتم الروح التي زعمتم انها الحياة لئلا يكون ميتا فاوجبوا له علما لئلا يكون جاهلا وقدره لئلا يكون عاجزا قولوا
أيضا ان له عينين ليكون ناظرا وجميع الحواس ليكون مدركا فإن قالوا إن كان له ما ذكرتم لما اتحد بالناسوت
فصار مسيحا قيل لهم بل يجب ان يكون له فيما لم يزل ولا كان ناقصا (فصل من الألفاظ التي
يقرون ان المسيح عليه السلام قالها وهي دالة على بطلان مذهبهم فيه) قوله
في الإنجيل لا يكون الرسول أعظم ممن أرسله وقوله من آمن بي وآمن بالذي أرسلني وقوله يا إلهي قد علموا انك
أنت الله وحدك لا شريك لك وانك أنت الله الخالق وانك أنت أرسلت المسيح عيسى ليبلغ رسالتك وان
نعبدك وحدك لا شريك لك وقال له الحواريون أين تذهب وتدعنا فقال اذهب إلى إلهي والهكم فاسئله ان يبعث
108

إليكم البرقليط فإنه الذي يذكركم الحق ولا يتكلم إلا بأمره وإذا جاءكم فهو يشهد لي ويبين لكم أمري وزعموا أن
الشيطان جرب المسيح واراه ملكوت الأرض وقال له هذا كله لي فاسجد سجدة واحدة أعطيكه وأسلطك عليه
فقال له أعزب عني فان الله امرني ان لا اسجد لغيره وقال الحواريون الان علمنا أن الله بعثك فرفع عينه إلى السماء
فقال رب قد بلغت رسالتك وإنما جنة الخلد لمن علم انك وحدك وانك أرسلت المسيح من عندك وقد امرتهم
يا إلهي بالذي أمرتني به علموا انك أرسلتني فكيف ابتغي لك من الناس ولا ابتغي للناس منك (فصل)
فإن قالوا هذا كله انما قاله المسيح من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته قيل لهم وما يدريكم ذلك وبعد فهل هو
صادق فيما قال أم كاذب فإن قالوا كاذب أعظموا الفرية وقيل لهم وما يؤمنكم ان يكون جميع ما قاله لكم كذب
أو كيف يتحد الاله الصادق بالانسان الكاذب وان قالوا إنه لم يقل إلا حقا قيل لهم فأي حجة بقيت في
أيديكم مما أقررتم بان المسيح قاله وصدق فيه وهل هو إلا دال على ما يقول المسلمون وقد احتجوا بان في
الإنجيل امضى إلى أبي فيقال لهم في هذا انه قد شارككم بهذا اللفظ في النبوة فإن وجب ان يكون ابنه فالجميع
أبناؤه على أنه لفظ يحتمل التأويل ويكون معناه ربي وربكم وإلهي والهكم في هذا المختصر من الكلام عليهم
كفايد والحمد لله (رسالة كتبتها إلي أحد الاخوان وسميتها بالبيان
عن جمل اعتقاد أهل الايمان) بسم الله الرحمن الرحيم
سئلت يا اخى أسعدك الله بالطافه وأيدك باحسانه واسعافه ان أثبت لك جملا من اعتقاد الشيعة
المؤمنين وأصولا في المذهب يكون عليها بناء المسترشدين لتذاكر نفسك بها وتجعلها عدة لطالبها وانا
اختصر لك القول وأجمله وأقرب الذكر وأسهله وأورده على سنن الفتيا في المقالة من غير حجة ولا دلالة وما
توفيقي إلا بالله (اعلم) ان الواجب على المكلف ان يعتقد حدوث العالم باسره وانه لم يكن شيئا قبل وجوده
ويعتقد ان الله هو محدث جميعه من أجسامه واعراضه إلا أفعال العباد الواقعة منهم فإنهم محدثوها دونه
سبحانه ويعتقد ان الله تعالى قديم وحده لا قديم سواه وانه موجود لم يزل وباق لا يزال وانه شئ لا كالأشياء
لا يشبه الموجودات ولا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات وان له صفات يستحقها لنفسه لا لمعان غيره وهي كونه
حيا عالما قادرا قديما باقيا لا يجوز خروجه عن هذه الصفات إلى ضدها يعلم الكائنات قبل كونها ولا يخفى عليه
109

شئ منها وان له صفات أفعال لا يصح اضافتها إليه في الحقيقة إلا بعد فعله وهي ما وصف به نفسه من أنه خالق
ورازق ومعط وراحم ومالك ومتكلم ونحو ذلك وان له صفات مجازات وهي ما وصف به نفسه من أنه يريد
ويكره ويرضى ويغضب فارادته لفعل هي الفعل المراد بعينه وارادته لفعل غيره هي امره بذلك الفعل وليس تسميتها
بالإرادة حقيقة وانما هو على مجاز اللغة وغضبه هو وجود عقابه ورضاه هو وجود ثوابه وانه لا يفتقر
إلى مكان ولا يدرك بشئ من الحواس وانه منزه من القبائح لا يظلم العباد وإن كان قادرا على الظلم لأنه
عالم بقبحه غني عن فعله قوله صدق ووعده حق لا يكلف خلقه ما لا يستطاع ولا يحرمهم صلاحا لهم فيه
الانتفاع ولا يأمر بما لا يريد ولا ينهى عما يريد وانه خلق الخلق لمصلحتهم وكلفهم لأجل منازل منفعتهم و
أزاح في التكليف عللهم وفعل أصلح الأشياء بهم وانه أقدرهم قبل التكليف وأوجدهم العقل والتمييز
وان القدرة تصلح ان يفعل بها الشئ وضده بدلا منه وان الحق الذي تجب معرفته تدرك بشيئين وهما
العقل والسمع وان التكليف العقلي لا ينفك من التكليف السمعي وان الله تعالى قد أوجد للناس في كل زمان
مسمعا من أنبيائه وحججه بينه وبين الخلق ينبههم على طريق الاستدلال في العقليات ويفقههم
على ما لا يعلمون الا به من السمعيات وان جميع حجج الله تعالى محيطون علما بجميع ما يفتقر إليهم فيه العباد وانهم
معصومون من الخطا والزلل عصمة اختيار وان الله فضلهم على خلقه وجعلهم خلفاء القائمين بحقه
وانه أظهر على أيديهم المعجزات تصديقا لهم فيما ادعوه من الانباء والاخبار وانهم مع ذلك بأجمعهم عباد
مخلوقون وبشر مكلفون يأكلون ويشربون ويتناسلون ويحيون باحيائه ويموتون بإماتته تجوز
عليهم الآلام المعترضات فمنهم من قتل ومنهم من مات لا يقدرون على خلق ولا رزق ولا يعلمون الغيب الا
ما اعلمهم اله الخلق وان أقوالهم صدق وجميع ما اتوا به حق وان أفضل الأنبياء اولي العزم وهم خمسة
نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم وأن محمدا صلى الله عليه وآله بن عبد الله أفضل
الأنبياء أجمعين وخير الأولين والآخرين وانه خاتم النبيين وان آباءه من آدم عليه السلام إلى عبد الله بن عبد المطلب
رضوان الله عليهم كانوا جميعا مؤمنين موحدين لله تعالى عارفين وكذلك كان أبو طالب بن عبد
المطلب رضوان الله عليه ويعتقد ان الله سبحانه شرف نبينا محمد صلى الله عليه وآله بباهر الآيات
110

وقاهر المعجزات فسبح في كفه الحصا ونبع من بين أصابعه الماء وغير ذلك مما قد تضمنته الانباء واجمع على
صحته العلماء واتى بالقرآن المبين الذي بهر به السامعين وعجز عن الاتيان بمثله سائر الملحدين وان
القرآن كلام رب العالمين وانه محدث ليس بقديم ويجب ان يعتقد ان جميع ما فيه من الآيات
الذي يتضمن ظاهرها تشبيه الله تعالى بخلقه وانه يجبرهم على طاعته أو معصيته أو يضل بعضهم
عن طريق هدايته فإن ذلك كله لا يجوز حمله على ظاهرها وان له تأويلا يلائم ما تشهد العقول
به مما قدمنا ذكره في صفات الله تعالى وصفات أنبيائه فإن عرف المكلف تأويل هذه الآيات
فحسن وإلا اجزاه ان يعتقد في الجملة انها متشابهات وان لها تأويلا ملائما تشهد بما تشهد به العقول
والآيات المحكمات وفي القرآن المحكم والمتشابه والحقيقة والمجاز والناسخ والمنسوخ والخاص والعام
ويجب عليه ان يقر بملائكة الله أجمعين وان منهم جبرئيل وميكائيل وانهما من الملائكة الكرام
كالأنبياء بين الأنام وان جبرئيل عليه السلام هو الروح الأمين الذي نزل بالقرآن على قلب محمد خاتم
النبيين وهو الذي كان يأتيه بالوحي من رب العالمين ويجب الاقرار بان شريعة الاسلام التي اتى
بها محمد عليه السلام ناسخة لما خالفها من شرائع الأنبياء المتقدمين وانه يجب التمسك بها والعمل بما
تضمنته من فرائضها وان ذلك دين الله الثابت الباقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لا حلال
إلا ما أحلت ولا حرام إلا ما حرمت ولا فرض إلا ما فرضت ولا عبادة الا ما أوجبت وان من ينصرف
عن الاسلام وتمسك بغيره كافر ضال مخلد في النار ولو بذل من الاجتهاد في العبادة غاية المستطاع
وان من أظهر الاقرار بالشهادتين كان مسلما ومن صدق بقلبه ولم يشك في فرض اتى به محمد صلى الله عليه وآله
كان مؤمنا ومن الشرائط الواجبة للايمان العمل بالفرائض اللازمة فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم
مؤمن وقول الله تعالى ان الدين عند الله الاسلام إنما أراد به الاسلام الصحيح التام الذي يكون المسلم فيه
عارفا مؤمنا عالما بالواجبات طائعا ويجب ان يعتقد ان حجج الله تعالى بعد رسوله الذين هم خلفاؤه
وحفظة شرعه أئمة أمته اثنا عشر أهل بيته أو لهم اخوه وابن عمه وصهره بعل فاطمة الزهراء ابنته ووصيه
على أمته علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ثم الحسن بن علي الزكي ثم الحسين بن علي الشهيد ثم علي بن الحسين زين
111

العابدين ثم محمد بن علي باقر العلوم ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم
محمد بن علي التقي ثم علي بن محمد المنتجب ثم الحسن بن علي الهادي ثم الخلف الصالح بن الحسن المهدي صلوات الله
عليهم أجمعين لا امامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا لهم عليهم السلام ولا يجوز الاقتداء في الدين إلا بهم ولا اخذ معالم
الدين إلا عنهم وانهم في كمال العلم والعصمة من الآثام نظير الأنبياء عليهم السلام وانهم أفضل خلق الله
بعد رسوله عليه السلام وان إمامتهم منصوص عليها من قبل الله على اليقين والبيان وانه سبحانه أظهر على
أيديهم الآيات واعلمهم كثيرا من الغائبات والأمور المستقبلات ولم يعطهم من ذلك إلا ما قارن
وجها يعمله من اللطف والصلاح وليسوا عارفين بجميع الضمائر والغائبات على الدوام ولا يحيطون العلم
بكل ما علمه الله تعالى والآيات التي تظهر على أيديهم هي فعل الله دونهم أكرمهم بها ولا صنع لهم فيها وانهم
بشر محدثون وعباد مصنوعون لا يخلقون ولا يرزقون ويأكلون ويشربون وتكون لهم الأزواج
وتنالهم الآلام والاعلال ويستضامون ويخافون فيتقون وان منهم من قتل ومنهم من قبض
وان امام هذا الزمان هو المهدي ابن الحسن الهادي وانه الحجة على العالمين وخاتم الأئمة الطاهرين
لا امامة لاحد بعد إمامته ولا دولة بعد دولته وانه غائب عن رعيته غيبة اضطرار وخوف من
أهل الضلال وللمعلوم عند الله تعالى في ذلك الصلاح ويجوز ان يعرف نفسه في زمن الغيبة لبعض
الناس وان الله عز وجل سيظهره وقت مشيئته ويجعل له الأعوان والأصحاب فيمهد الدين به ويطهر الأرض
على يديه ويهلك أهل الضلال ويقيم عمود الاسلام ويصير الدين كله لله وان الله عز وجل يظهر على يديه
عند ظهوره الاعلام وتأتيه المعجزات بخرق العادات ويحيى له بعض الأموات فإذا أقام في الناس المدة المعلومة
عند الله سبحانه قبضه إليه ثم لا يمتد بعده الزمان ولا تتصل الأيام حتى تكون شرائط الساعة وإماتة
من بقي من الناس ثم يكون المعاد بعد ذلك ويعتقد ان أفضل الأئمة عليهم السلام أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب وانه لا يجوز ان يسمى بأمير المؤمنين أحد سواه وان بقية الأئمة صلوات اله عليهم يقال لهم
الأئمة والخلفاء والأوصياء والحجج وانهم كانوا في الحقيقة امراء المؤمنين فإنهم لم يمنعوا من هذا الاسم
لأجل معناه لأنه حاصل لهم على الاستحقاق وإنما منعوا من لفظه حشمة لأمير المؤمنين عليه السلام و
112

ان أفضل الأئمة بعد أمير المؤمنين ولده الحسن ثم الحسين وأفضل الباقين بعد الحسين امام الزمان المهدي
صلى الله عليه وآله ثم بقية الأئمة بعده على ما جاء به الأثر وثبت في النظر وان المهدي عليه السلام هو الذي
قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله انه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر
فيه رجل من ولدي يواطئ اسمه اسمي يملاها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا فاسمه يواطئ اسم رسول
الله صلى الله عليه وآله وكنيته تواطئ كنيته غير أن النهي قد ورد عن اللفظ فلا يجوز ان يتجاوز في القول المهدي
والمنتظر والقائم بالحق والخلف الصالح وامام الزمان وحجة الله على الخلق ويجب ان يعتقد ان الله فرض
معرفة الأئمة عليهم السلام بأجمعهم وطاعتهم وموالاتهم والاقتداء بهم والبراءة من أعدائهم وظالميهم
ومخالفيهم والمتعلين على مقاماتهم والمدعين لمنازلهم وأشياعهم واتباعهم وجميع المتفقهين لغير
الأئمة صلوات الله عليه وانه لا يتم الايمان إلا بموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه وان أعداء الأئمة
عليهم السلام كفار ملحدون في النار وان اظهروا الاسلام فمن عرف الله ورسوله والأئمة الاثني عشر
وتولاهم وتبرأ من أعدائهم فهو مؤمن ومن انكرهم أو شك فيهم أو أنكر أحدهم أو شك فيه أو تولى
أعدائهم أو أحد أعدائهم فهو ضال هالك بل كافر لا ينفعه عمل ولا اجتهاد ولا تقبل له طاعة ولا يصح له
حسنات ويعتقد ان الله يزيد وينقص إذا شاء في الأرزاق والآجال وانه لم يرزق العبد إلا ما كان
حلالا طيبا ويعتقد ان باب التوبة مفتوح لمن طلبها وهي الندم على ما مضى من المعصية والعزم على
ترك المعاودة إلى مثلها وان التوبة ماحية لما قبلها من المعصية التي تاب العبد منها وتجوز التوبة
من زلة إذا كان التائب منها مقيما على زلة غيرها لا تشبهها ويكون له الاجر على التوبة وعليه وزر ما
هو مقيم عليه من الزلة وان الله يقبل التوبة بفضله وكرمه وليس ذلك لوجوب قبولها في العقل
قبل الوعد وإنما علم بالسمع دون غيره ويجب ان يعتقد ان الله سبحانه يميت العباد ويحييهم بعد
الممات ليوم المعاد وان المحاسبة حق والقصاص وكذلك الجنة والنار والعقاب وان مرتكبي المعاصي من
العارفين بالله ورسوله والأئمة الطاهرين المعتقدين لتحريمها مع ارتكابها المسوفين التوبة منها
عصاة فساق وان ذلك لا يسلبهم اسم الايمان كما لم يسلبهم اسم الاسلام وانهم يستحقون العقاب
113

على معاصيهم والثواب على معرفتهم بالله تعالى ورسوله والأئمة من بعده صلوات الله عليهم وما بعد
ذلك من طاعتهم وامرهم مردود إلى خالقهم وان عفا عنهم فبفضله ورحمته وان عاقبهم فبعدله وحكمته
قال الله سبحانه * (وآخرون مرجون لأمر الله أما يعذبهم وأما يتوب عليهم) * التوبة وان عقوبة هؤلاء العصاة إذا شاءها
الله تعالى لا تكون مؤبدة ولها آخر يكون بعده دخولهم الجنة وليسوا من جملة من توجه إليهم الوعيد بالتخليد والعفو من
الله تعالى يرجى برجاء العصاة المؤمنين وقد غلطت المعتزلة فسمت من يرجو العفو مرجئا وإنما يجب ان يسمى راجيا و
لا طريق إلى القطع على العفو وإنما هو الرجاء والتجوير فقط ويعتقد ان لرسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة من بعده عليهم السلام
شفاعة مقبولة يوم القيامة ترجى للمؤمنين من مرتكبي الآثام ولا يجوز ان يقطع الانسان على أنه مشفوع فيه على
كل حال ولا سبيل له إلى العلم بحقيقة هذه الحال وإنما يجب ان يكون المؤمن واقفا بين الخوف والرجاء ويعتقد ان
المؤمنين الذين مضوا من الدنيا وهم غير عاصين يؤمر بهم يوم القيامة إلى الجنة بغير حساب وان جميع الكفار و
المشركين ومن لم تصح له الأصول من المؤمنين يؤمر بهم يوم القيامة إلى الجحيم بغير حساب وإنما يحاسب من خلط عملا
صالحا وآخر سيئا وهم العارفون العصاة وان أنبياء الله تعالى وحججه عليهم السلام هم في القيامة المسؤولون للحساب بإذن الله تعالى
وان حجة أهل كل زمان يتولى أمر رعيته الذين كانوا في وقته وان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة الاثني عشر
من بعده عليهم السلام هم أصحاب الأعراف الذين لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار الا من انكرهم وانكروه وان
رسول الله صلى الله عليه وآله يحاسب أهل وقته وعصره وكذلك كل امام بعده وان المهدي عليه السلام هو المواقف لأهل زمانه والمسائل
للذين في وقته وان الموازين التي توضع في القيامة هي إقامة العدل في الحساب والانصاف في الحكم والمجازاة وليست
في الحقيقة موازين بكفات وخيوط كما تظن العوام (وان الصراط المستقيم في الدنيا دين محمد وآل محمد عليهم السلام وهو في الآخرة طريق الجنان) وان الأطفال والمجانين والبله من الناس يتفضل عليهم في
القيامة بان تكمل عقولهم ويدخلون الجنان وان نعيم أهل الجنة متصل ابدا بغير نفاد وان عذاب المشركين والكفار
متصل في النار بغير نفاد ويجب ان تؤخذ معالم الدين في زمان الغيبة من أدلة العقل وكتاب الله عز وجل والأخبار المتواترة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن الأئمة عليهم السلام وما أجمعت عليه الطائفة الإمامية واجماعها حجة فاما عند ظهور الإمام
عليه السلام فإنه المفزع عند المشكلات وهو المنبه على العقليات والمعرف بالسمعيات كما كان النبي صلى الله عليه وآله ولا يجوز استخراج الاحكام
في السمعيات بقياس ولا اجتهاد فاما العقليات فيدخلها القياس والاجتهاد ويجب على العاقل مع هذا كله إلا يقنع
114

بالتقليد في الاعتقاد وان يسلك طريق التأمل والاعتبار ولا يكون نظره لنفسه في دينه أقل من نظره لنفسه في
دنياه فإنه في أمور الدنيا يحتاط ويحترز ويفكر ويتأمل ويعتبر بذهنه ويستدل بعقله فيجب ان يكون في أمر
دينه على اضعاف هذه الحال فالغرر في أمر الدين أعظم من الغرر في أمر الدنيا فيجب ان لا يعتقد في العقليات إلا ما يصح عنده
حقه ولا يسلم في السمعيات إلا لمن ثبت له صدقه نسئل الله حسن التوفيق برحمته وإلا يحرمنا ثواب المجتهدين في طاعته
قد أثبت لك يا أخي أيدك الله ما سئلت واقتصرت وما أطلت والذي ذكرت أصل لما تركت والحمد لله وصلواته على
سيدنا محمد رسوله وآله وسلم (فصل في ذكر مولد أمير المؤمنين صلى الله عليه)
روى المحدثون وسطر المصنفون ان أبا طالب بن عبد المطلب بن هاشم وامرأته فاطمة بنت أسد بن هاشم رضوان
الله عليهما لما كفلا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله استبشرا بغرته واستسعدا بطلعته واتخذاه ولدا لأنهما
لم يكونا رزقا من الولد أحدا ثم إنه نشأ عليه السلام أشرف نشوء وأحسنه وأفضله وأيمنه فرأى فاطمة ورغبتها في طلب الولد
وقربانها وقتا بعد وقت فقال لها يا امه اجعلي قربانك لوجه الله تعالى خالصا ولا تشركي معه أحدا فإنه يرضاه
منك ويتقبله ويعطيك طلبتك ويعجله فامتثلت فاطمة امره وقبلت قوله وقربت قربانا مضاعفا وجعلته
لله تعالى خالصا وسألته ان يرزقها ولدا صالحا ذكرا فأجاب الله عز وجل دعاها وبلغها مناها ورزقها
من الأولاد خمسة عقيلا ثم طالبا ثم جعفرا ثم عليا ثم أختهم فاخته المعروفة بام هاني فمما جاء من حديثها قبل ان
ترزق أولادها انها جلست يوما تتحدث مع عجائز العرب والفواطم من قريش منهن فاطمة ابنة عمرو بن عابد بن
عمران بن مخزوم جدة رسول الله صلى الله عليه وآله لأبيه وفاطمة ابنه زائدة بن الأصم وهي أم خديجة بنت خويلد وفاطمة
ابنه عبد الله رزام وفاطمة ابنه الحارث بن عكرشة وتمام الفواطم التي انتمى إليهن رسول الله صلى الله عليه وآله
فاطمة أم قصي وهي ابنه نضر فإنهن لجلوس إذ اقبل رسول الله بنوره الباهر وسعده الظاهر وقد
تبعه بعض الكهان ينظر إليه ويطيل فراسته فيه إلى أن اتى إليهن فسألهن عنه فقلن هذا محمد ذو
الشرف الباذخ والفضل الشامخ فأخبرهن الكاهن بما يعلمه من رفيع قدره وبشرهن بما سيكون
من مستقبل امره وانه سيبعث نبيا وينال منالا عليا وقال إن التي تكفله منكن في صغره سيكفل لها
ولدا يكون عنصره من عنصره يختصه بسره وبصحبته ويحبوه بمصافاته واخوته فقالت له فاطمة ابنه أسد
115

رضوان الله عليها انا التي كفلته وانا زوجة عمه الذي يرجوه ويؤمله فقال إن كنت صادقة فستلدين
غلاما علاما مطواعا لربه هماما اسمه على ثلاثة أحرف يلي هذا النبي في جميع أموره وينصره في قليله وكثيره حتى
يكون سيفه على أعدائه وبابه لأوليائه يفرج عن وجهه الكربات ويجلو عنه حندس الظلمات تهاب صولته أطفال
المهاد وترتعد من خيفته الفرائض عن الجلال له في فضائل شريفة ومناقب معروفة وصلة منيعة ومنزلة رفيعة
يهاجر إلى النبي في طاعته ويجاهد بنفسه في نصرته وهو وصيه الداقن له في حجرته قالت أم علي عليه السلام جعلت أفكر في
قول الكاهن فلما كان الليل رأيت في منامي كان جبال الشام قد أقبلت تدب وعليها جلابيب الحديد وهي تصيح
من صدورها بصوت مهول فأسرعت نحوها جبال مكة واجابتها بمثل صياحها وأهول وهي تصيح كالشرد المحمر (المحمر الناقة يلبوس في بطنها ولد فلا تخرج حتى تموشق الشرد البعير النافر)
وأبو قبيس ينتفض كالفرس ونصال تسقط عن يمينه وشماله والناس يلتقطون ذلك فلقطت معهم أربعة
أسياف وبيضة حديدة مذهبة فأول ما دخلت مكة سقط منها سيف في ماء فغمر وطار الثاني في
الجو واستمر وسقط الثالث إلى الأرض فانكسر وبقي الرابع في يدي مسلولا فبينا انا به أصول إذ صار السيف شبلا
فتبينته فصار ليثا مهولا فخرج عن يدي ومر نحو الجبال يجوب بلاطحها ويخرق صلادحها والناس منه مشفقون
ومن خوفه حذرون إذ اتى محمد صلى الله عليه وآله فقبض على رقبته فانقاد له كالظبية الألوف فانتبهت وقد راعني الزمع
والفزع فالتمست المفسرين فطلبت القائفين والمخبرين فوجدت كاهنا زجر لي بحالي واخبرني منامي وقال لي أنت
تلدين أربعة أولاد ذكور وبنتا بعدهم وان أحد البنين يغرق والاخر يقتل في الحرب والاخر يموت ويبقى له
عقب والرابع يكون إماما للخلق صاحب سيف وحق ذا فضل وبراعة يطيع النبي المبعوث أحسن طاعة فقالت فاطمة
فلم أزل مفكرة في ذلك ورزقت بني الثلاثة عقيلا وطالبا وجعفرا ثم حملت بعلي عليه السلام في عشر ذي الحجة فلما كان
الشهر الذي ولده فيه وكان شهر رمضان رأيت في منامي كان عمود حديد قد انتزع من أم رأسي ثم سطع في الهواء حتى بلغ
السماء ثم رد إلي فقلت ما هذا فقيل لي هذا قاتل أهل الكفر وصاحب ميثاق النصر بأسه شديد يفزع من خيفته
وهو معونه الله لنبيه وتأييده على عدوه قالت فولدت عليا عليه السلام وجاء في الحديث انها دخلت الكعبة على
ما جرت به عادتها فصادف دخولها وقت ولادتها فولدت أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله داخلها وكان
ذلك في النصف من شهر رمضان ولرسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثون سنة على الكمال فتضاعف ابتهاجه به وتمام مسرته
116

وامرها ان تجعل مهده جانب فراشه وكان يلى أكثر تربيته ويراعيه في نومه ويقظته ويحمله على صدره وكتفه ويحبوه بالطافه
وتحفه ويقول هذا أخي وسيفي وناصري ووصيي فلما تزوج النبي صلى الله عليه وآله خديجة عليه السلام اخبرها بوجده بعلي ومحبته فكانت
تستزيده فتزينه وتحليه وتلبسه وترسله مع ولائدها ويحمله خدمها فيقول الناس هذا أخو محمد وأحب الخلق إليه
وقرة عين خديجة ومن اشتملت السعادة عليه وكانت الطاف خديجة تطرق منزل أبي طالب ليلا ونهارا وصباحا
ومساء ثم إن قريشا اصابتها أزمة مهلكة وسنة مجدبة منهكة وكان أبو طالب رضي الله عنه ذا مال يسير وعيال كثيرة فأصابه ما
أصاب قريشا من العدم والإضاقة والجهد والفاقة فعند ذلك دعى رسول الله صلى الله عليه وآله عمه العباس فقال له يا أبا الفضل ان
أخاك أبا طالب كثير العيال مختل الحال ضعيف النهضة والغرمة وقد ناله ما نزل بالناس من هذه الأزمة وذوو الأرحام
أحق بالرفد واولى من حمل محمل الكل في ساعة الجهد فانطلق بنا إليه لنعينه على ما هو عليه فلنحمل عنه بعض اثقاله وتخفف
عنه من عياله يأخذ كل واحد منا واحدا من بنيه يسهل عليه بذلك بعض ما هو فيه فقال له العباس نعم ما رأيت و
الصواب فيما أتيت هذا والله الفضل الكريم والوصل الرحيم فلقيا أبا طالب فصبراه ولفضل آبائه ذكراه
وقالا انا نريد ان نحمل عنك بعض العيال فادفع إلينا من أولادك من يخف عنك به الأثقال قال أبو طالب إذا تركتما
لي عقيلا وطالبا فافعلا ما شئتما فاخذ العباس جعفرا واخذ رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام فانتجبه لنفسه واصطفاه
لمهم امره وعول عليه سره وجهره وهو مسارع لمرضاته موفق السداد في جميع حالاته وكان رسول الله صلى الله عليه وآله
في ابتداء طروق الوحي إليه كلما هتف به هاتف أو سمع من حوله رجفة راجف أو رأى رؤيا أو سمع كلاما يخبر
بذلك خديجة وعليا عليهما السلام ويستسرهما هذه الحال فكانت خديجة تثبته وتصبره وكان علي يهنيه ويبشره
ويقول له والله يا ابن العم ما كذب عبد المطلب فيك ولقد صدقت الكهان فيما نسبته إليك ولم يزل كذلك إلى أن أمر صلى الله عليه وآله
بالتبليغ فكان أول من آمن به من النساء خديجة ومن الذكور أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعمره يومئذ عشر سنين
(ومما عملته لبعض الاخوان كتاب الاعلام بحقيقة اسلام أمير المؤمنين عليه السلام)
وبه نستعين بسم الرحمن الرحيم الحمد لله ذي الجود والاكرام الهادي إلى شريعة
الاسلام وصلاته على خيرته من جميع الأنام سيدنا محمد رسوله وأهل بيته المطهرة من الآثام وسلام من
الله على أول السابقين اسلاما وايمانا وأخلص المصدقين اقرارا واذعانا وانصح الناصرين سرا واعلانا
117

وأوضح العالمين حجة وبرهانا الذي كان سبقه إلى الدخول في الاسلام وكونه بعد الرسول الحجة على الأنام
مشابها لخلق آدم عليه السلام في وجود الخليفة قبل المستخلف عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
ذي الفضائل والمناقب ولعنه الله على باغضيه ومنكري فضله وحاسديه هذا (مختصر جمعت لاخواني)
فيه من الكلام في اسلام أمير المؤمنين عليه السلام ما يجب الانتهاء إليه والاعتماد في المسألة عليه (فصل
يجب ان يقدم القول بان أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله وسلم أسلم)
اعلموا أيدكم الله ان المخالفين لشدة عداوتهم لأمير المؤمنين ألقوا بشبهة تموهوا بها على المستضعفين
وجعلوا لها طريقا يسلكها من يروم نفي الاسلام عن أمير المؤمنين عليه السلام وذلك انهم قالوا إنما يصح الاسلام
ممن كان كافرا فاما من لم يك قط ذا كفر ولا ضلال فلا يجوز ان يقال إنه أسلم وإذا كان علي بن أبي طالب عليه السلام لم يكفر قط
فلا يصح القول بأنه أسلم وهذا ملعنة من النصاب لا تخفي على اولي الألباب يتشبثون بها إلى القدح في أمير المؤمنين عليه السلام
والراحة من أن يسمعوا القول بأنه أسلم قبل سائر الناس وقد تعدتهم هذه الشبهة فصارت في مستضعفي الشيعة
ومن لا خبرة له بالنظر والأدلة حتى اني رأيت جماعة منهم يقولون هذا المقال ويستعظمون القول بان أمير المؤمنين عليه السلام
أسلم أتم استعظام وقد نبهتهم على أن هذه الشبهة مدسوسة عليهم وان أعداءهم القوها بينهم فمنهم من قبل ما
أقول ومنهم من أصر على ما يقول وقد كنت اجتمعت بأحد الناصرين لهذه الشبهة من الشيعة فقلت له أتقول ان أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام مسلم فقال لا يسعني غير ذلك فقلت له أفتقول أنه يكون مسلما من لم يسلم فقال إن قلت بأنه أسلم
لزمني الاقرار بأنه قبل اسلامه لم يكن مسلما ولكني أقول إنه ولد مسلما مؤمنا فقلت هذا كقولك انه ولد حيا وقادرا
وهو يؤديك إلى أن الله تعالى خلق فيه الاسلام والايمان كما خلق فيه القدرة والحياة ويدخل بك في مذهب أهل الجبر
ويبطل عليك القول بفضيلة أمير المؤمنين عليه السلام في الاسلام وما يستحق عليه من الاجر فاختر لنفسك أما القول بان اسلامه
وايمانه فعل الله سبحانه وانه ولد مسلما ومؤمنا وان ساقك إلى ما ذكرناه وأما القول بان الله تعالى أوجده حيا قادرا
ثم آتاه عقلا وكلفه بعد هذا فأطاع وفعل ما أمر به بما يستحق جزيل الاجر على فعله فاسلامه وايمانه من أفعاله الواقعة
بحسب قصده وايثاره وان أداك في وجوده قبل فعله إلى ما وصفناه فحيره هذا الكلام ولم يجد فيه حيلة من جواب ومما
يجب ان يكلم به في هذه المسألة أهل الخلاف ان يقال لهم لم زعمتم انه لم يسلم إلا من كان كافرا فإن قالوا لأن من صح منه
118

وقوع الاسلام فهو قبله عار منه وإذا عرى منه كان على ضده وضده الكفر قيل لهم لم زعمتم انه إذا عرى منه كان على ضده
وما أنكرتم من أن يخلو منهما فلا يكون على أحدهما فإن قالوا إن ترك الدخول في الاسلام هو ضده لأنه لا يصح اجتماع الترك والدخول
فمتى كان تاركا كان كافرا لأن معه الضد قيل لهم إنما يلزم ما ذكرتم متى وجدت شريعة الاسلام ولزم العمل بها وعلم العبد
وجوبها عليه بعد وجودها عليه فاما إذا لم يكن نزل به الوحي ولا لزم المكلف منها أمر ولا نهي فالزامكم الكفر
جهل وغي فإن قالوا قد سمعناكم تقولون ان الوحي لما نزل على النبي صلى الله عليه وآله بتبليغ الاسلام دعا إليه أمير
المؤمنين عليه السلام فلم يجبه عند الدعاء وقال له أجلني الليلة وتعدون هذا له فضيلة وفيه انه قد ترك الدخول في الاسلام
بعد وجوده قلنا هو كذلك لكنه قبل علمه بوجوبه وهذه المدة التي سئل فيها الانظار هي زمان مهلة النظر التي أباحها الله
تعالى للمستدل ولو مات فيها العبد قبل ان يعتقد الحق لم يكن على غلط وهكذا رأيناكم تفسرون قول إبراهيم عليه السلام * (لما رأى كوكبا
قال هذا ربي فلما افل قال لا أحب الآفلين) * الانعام إلى تمام قصته عليه السلام وقوله * (انني برئ مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر
السماوات والأرض حنيفا وما انا من المشركين) * الانعام وتقولون ان هذا منه كان استدلالا وهي في زمان مهلة النظر التي
وقع منه عقيبها العلم بالحق فإن قالوا فما تقولون في أمير المؤمنين عليه السلام قبل الاسلام وهل كان على شئ من
الاعتقادات قيل لهم الذي نقول فيه انه كان في صغره عاقلا مميزا وكان في الاعتقاد على مثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله
قبل الاسلام من استعماله عقله والمعرفة بالله تعالى وحده وان ذلك حصل له من تنبيه الرسول صلى الله عليه وآله وتحريك خاطره إليه
وحصل للرسول من الطاف الله تعالى التي حركت خواطره إلى الاسلام والاعتبار ولم يكن منهما من سجد لوثن ولا دان بشرع
متقدم فاما الأمور الشرعية فلم تكن حاصلة لهما فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله لزم أمير المؤمنين عليه السلام
الاقرار به والتصديق له واخذ المشروع منه وانما قال له أجلني الليلة ليعتبر فيقع له العلم واليقين مع اعتقاد
التصديق لرسول رب العالمين فلما ثبت له ذلك أقر بالشهادتين مجددا للاقرار بالله سبحانه وشاهدا ببعثه
رسول الله صلى الله عليه وآله فإن قالوا فأنتم تقولون ان رسول الله صلى الله عليه وآله أسلم وهذا أعظم من الأول قيل لهم ان العظيم في العقول هو الانصراف من هذا القول فإن لم تفهموا فيه
حجة العقل فما تصنعون في دليل السمع وقد قال الله عز وجل لنبيه عليه السلام * (قل انني امرت ان أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين) * الانعام
وقوله سبحانه * (قل ان هدى الله هو الهدى وامرنا لنسلم لرب العالمين) * الانعام وقوله * (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني
وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد) * آل عمران
119

ونظير ذلك كثير في القرآن فكيف يصح هذا الاسلام من الرسول ولم يكن قط كافرا وهل بعد هذا البيان شك
يعترض عاقلا ثم يقال لهم إذا كان لا يسلم إلا من كان كافرا فما تقولون في اسلام إبراهيم الخليل عليه السلام ولم يكن
قط كافرا ولا عبد وثنا حيث قال له ربه * (أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب
يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * البقرة فقد تبين لكم أيها الاخوان ثبتكم الله على الايمان ما تضمنه
هذا الفصل من البيان عن صحة اسلام أمير المؤمنين عليه السلام وانا أتكلم بعد هذا على النصاب الذين قالوا إنه عليه السلام قد أسلم
ولكن أيكن السابق الأول وزعمهم ان المتقدم على جميع الناس أبو بكر (فصل من البيان عن أن أمير المؤمنين عليه السلام
أول بشر سبق إلى الاسلام بعد خديجة عليها السلام) اعلموا ان أهل النصب والخلاف قد حملتهم العصبية والعناد
على أن ادعوا تقدم اسلام أبي بكر على سائر الناس وإذا هم عرجوا عن طريق المكابرة واطلعوا في السير الظاهرة والأخبار المتواترة
والآثار المتظافرة والاشعار السائرة وأقوال أمير المؤمنين عليه السلام الظاهرة وجدوا جميع ذلك ناطقا بخلاف ما يزعمون شاهدا
بكذبهم فيما يدعون قاضيا بان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسبق إلى الاسلام وانه لم
يتقدمه بشر من الأمة بأسرها غير خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث يوم الاثنين وفيه أسلمت خديجة
وان أمير المؤمنين عليه السلام أسلم يوم الثلاثاء وروي أصحاب الحديث عن مجاهد عن ابن عباس قال كان علي عليه السلام يألف النبي صلى الله عليه وآله فاتاه
فوجده وخديجة يصليان قال ابن عباس وعلي يومئذ ابن عشر حجج فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا قال يا علي هذا
دين الله الذي ارتضاه لنفسه وبعث به رسله ادعو إلى الله وحده لا شريك له فقال علي عليه السلام هذا شئ لم اسمع به
قال صدقت يا علي فمكث علي تلك الليلة مفكرا فلما أصبح اتى النبي صلى الله عليه وآله فقال له لم أزل البارحة مفكرا فيما قلت لي فعرفت
الحق والصدق في قولك وانا اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وانك رسول الله واخبرني شيخنا المفيد
أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه اجازه قال اخبرني أبو الجيش المظفر بن محمد البلخي قال أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي البلخ قال
حدثني أبو الحسن أحمد بن القاسم البرقي قال حدثني أسد بن عبيدة عن يحيى بن عفيف عن أبيه قال كنت جالسا مع العباس بن
عبد المطلب رضي الله عنه بمكة قبل ان يظهر أمر النبي صلى الله عليه وآله فجاء شاب فنظر إلى السماء حين تحلقت الشمس ثم استقبل الكعبة فقام
يصلي ثم جاء غلام فقام عن يمينه ثم جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمراة ثم رفع الشاب فرفعا
ثم سجد الشاب فسجدا فقلت يا عباس أمر عظيم فقال العباس أمر عظيم أتدري من هذا الشاب هذا محمد بن عبد الله بن عبد
120

المطلب ابن أخي أتدري من هذا الغلام هذا علي بن أبي طالب ابن أخي أتدري من هذه المراة هذه خديجة ابنة خويلد
ان ابن أخي هذا حدثني ان ربه رب السماوات والأرض امره بهذا الدين الذي هو عليه ولا والله ما على ظهر الأرض على هذا
الدين غير هؤلاء الثلاثة وحدثني الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن شاذان القمي رضي الله عنه بمكة في المسجد
الحرام قال حدثني أحمد بن محمد بن عمران قال حدثنا الحسن بن محمد العلوي قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال حدثنا
عبد الرزاق قال حدثنا معمر بن يحيى بن أبي كثير عن أبيه قال اخبرني أبو هريرة العبدي قال حدثني جابر بن عبد الله قال
قال رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن طالب عليه السلام أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأصحهم دينا وأكثرهم يقينا وأكملهم حلما وأسمحهم
كفا وأشجعهم قلبا وهو الامام والخليفة بعدي وجاء في الحديث عن أبي ذر رحمه الله أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول
علي أول من آمن بي وصدقني وعن انس بن مالك أنه قال قال النبي صلى الله عليه وآله ان أول هذه الأمة ورودا علي أولها اسلاما
وان علي بن أبي طالب عليه السلام أولها اسلاما فقال له سلمان رضي الله عنه قبل أبي بكر وعمر فقال قبل أبي بكر وعمر وعن انس بن مالك أيضا أنه قال
بعث النبي صلى الله عليه وآله يوم الاثنين وأسلمت خديجة في آخر ذلك اليوم واسلم علي عليه السلام يوم الثلاثاء
وعن أبي ذر وسلمان جميعا قالا اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد علي عليه السلام فقال إلا أن هذا أول من آمن بي وهذا أول من يصافحني
يوم القيامة وهذا الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل وهذا يعسوب الدين والمال يعسوب
الظالمين وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام إما ترضين يا فاطمة اني زوجتك اقدمهم سلما
وأكثرهم علما وأفضلهم حلما وفي رواية أخرى زوجتك أقدم المسلمين سلما وأكثرهم علما وأفضلهم حلما وعن عكرمة
عن ابن عباس قال كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام أربع مناقب لم يسبقه إليها عربي كان أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وكان صاحب
رايته في كل زحف وانهزم الناس يوم المهراس وثبت وغسله وادخله قبره والأخبار الواردة في هذا المعنى كثيرة فاما المحفوظ
من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك واحتجاجه به في جملة ما له من المناقب فمنه ما حدثني به القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم
السلمي الحراني رحمه الله قال حدثني الخطيب العتكي أبو حفص عمر بن علي قال أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم البغدادي ويعرف بابن ذوران
قال حدثنا الخضرمي ويعرف بمطين قال حدثنا سعيد بن وهب بن شيبان وعبد الرحمن بن جبلة قالا حدثنا نوح بن قيس الطلاحي
عن سليمان بن غالب عن معادة بنت الرحمن العدوية قالت سمعت عليا عليه السلام على منبر البصرة وهو يقول انا الصديق
الأكبر وانا الفاروق بين الحق والباطل أسلمت قبل ان يسلم أبو بكر وآمنت قبل ان يؤمن وجاء عنه عليه السلام أنه قال
121

اللهم لا اعرف ان أحدا من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيها وجرى بينه وبين عثمان كلام فقال له عثمان وعمر خير منك فقال
له كذبت بل انا خير منك ومنهما عبدت الله قبلهما وبعدهما وقد تضمن ذكر تقدم ايمانه كثير من اشعاره الواردة في
اخباره حدثني القاضي السلمي قال اخبرني الخطيب العتكي قال حدثني أبو العباس أحمد بن يحيى الفتات قال حدثنا أبو بكر محمد بن
يعقوب الدينوري (قال حدثنا محمد بن عبد الله البلوي الأنصاري قال حدثنا عمارة بن زيد) قال حدثنا بكير بن حارثة عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن مالك عن جابر بن عبد الله قال سمعت
عليا عليه السلام ينشد ورسول الله صلى الله عليه وآله يسمع (شعر) انا أخو المصطفى لا شك في نسبي * معه ربيت وسبطاه
هما ولدي * جدي وجد رسول الله منفرد * وفاطم زوجتي لا قول ذي فند * صدقته وجميع الناس كان بهم *
من الضلالة والاشراك ذي والنكد * فالحمد لله حمدا لا شريك له * البر بالعبد والباقي بلا أمد *
قال وتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال صدقت يا علي ولدي منه احتجاجه صلى الله عليه وآله على معاوية في جواب كتابه من الشام إليه
وقد رام معاوية الافتخار فيه فقال أمير المؤمنين عليه السلام أعلي يفتخر ابن آكلة الأكباد ثم قال لعبيد الله بن أبي رافع اكتب
محمد النبي أخي وصنوي * وحمزة سيد الشهداء عمي * وجعفر الذي يضحى ويمسي * يطير مع الملائك ابن أمي *
وبنت محمد سكني وعرسي * مناط لحمها بدمي ولحمي * وسبطا أحمد ابناي منها * فأيكم له سهم كسهمي *
سبقتكم إلى الاسلام طرا * غلاما ما بلغت أوان حلمي * وأوجب لي الولاء معا عليكم * خليلي يوم روح غدير خم *
فكان صلى الله عليه وآله يحتج بتقدم اسلامه على الكافة ويفتخر به في جملة مناقبه على الأمة ويذكره بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله
دفعة بعد دفعة وبعد رسول الله صلى الله عليه وآله بين الصحابة فما أنكر ذلك قط عليه الرسول صلى الله عليه وآله وكيف ينكره عليه وهو الشاهد
له بذلك ولا قال له أحد من الناس لا تحتج بهذا الكلام فإن أبا بكر هو الذي أسلم قبل جميع الأنام بل يذعن لقوله عليه السلام
الناس ويعلمون صدقه من غير اختلاف ويقولون فيه كما قد قال عليه السلام فمن ذلك قول أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب
(شعر) ما كنت احسب هذا الامر منتقل * عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن * أليس أول من صلى لقبلتهم * واعرف الناس بالآثار والسنن *
من فيه ما فيهم من كل صالحة * وليس في القوم ما فيه من الحسن * وجرير بن عبد الله البجلي يقول فيه مثل ذلك أيضا
وقيس بن سعد بن عبادة له فيه أقوال كثيرة وغيرهم ممن شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسمع منه الاخبار بتقديم اسلامه و
الحال أشهر عند أهل العلم من أن يستتر وأظهر بين أهل النقل من أن تكتم غير أن الناصبة قد غلبها الهوى على التقوى
فاثرت الضلال على الهدى وقد احتج النصاب في تقديم اسلام أبي بكر بقول حسان * إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة * فاذكر أخاك
122

أبا بكر بما فعلا * خير البرية اتقاها واعدلها * بعد النبي وأوفاها بما حملا * الصاحب الثاني المحمود مشهده * و
أول الناس منهم صدق الرسلا * واحتجاجهم بقول حسان يدل على عمي القلوب وصدا الألباب أو على تعمد التلبيس على ضعفاء
الناس وإلا فلو اعتمدوا الانصاف علموا ان حسان بن ثابت هو الذي تضمن شعره الاقرار لأمير المؤمنين عليه السلام
بالإمامة والرئاسة على الأنام لما مدحه بذلك يوم الغدير بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله على رؤوس الاشهاد بعد ان استأذن
الرسول صلى الله عليه وآله فاذن له فقال * يناديهم يوم الغدير نبيهم * نجم واسمع بالرسول مناديا * يقول فمن مولاكم ونبيكم *
فقالوا ولم يبدو هناك التعاميا * إلهك مولانا وأنت نبينا * ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا * فقال لهم قم يا علي فإنني *
رضيتك من بعدي إماما وهاديا * فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا * هناك دعا اللهم وال وليه *
وكن للذي عادى عليا معاديا * فصوبه النبي صلى الله عليه وآله في هذا المقال وقال له لا تزال يا حسان مؤيدا ما نصرتنا
بلسانك فكيف سمعت الناصبة تلك الأبيات (التي رويت لها من قول حسان ولم تسمع عنه هذه الأبيات) التي قد سارت بها الركبان بل كيف تثبت لها بما ذكرته من شعره ان
أبا بكر سبق الناس إلى الاسلام ولم تثبت بما ذكرناه من شعره أيضا ان أمير المؤمنين عليه السلام لجميع الناس امام وكيف
احتجت ببعض قوله وصدقته فيه ولم تر الاحتجاج بالبعض الأخر وكذبته فيه أوليس إذا قالت إنه كذب فيما قاله
في علي عليه السلام في هذه الأبيات أمكن ان يقال لها بل كذب فيما حكيتموه عنه من تلك الأبيات وان قالت إن حسانا
شاعر النبي صلى الله عليه وآله ولسنا نكذبه (لكن نقول إنه كذب) في الشعر الذي رويتموه قيل لها فإن قال لكم قائل مثل هذا الكلام وانه كذب عليه
في الشعر الذي ذكرتموه ما يكون الانفصال واعلم انا لم نقل ذلك لهم إلا لنعلمهم لأنه لا حجة في أيديهم وانه لا فرق بين
قولهم وقول من قلبه عليهم ولسنا ننفي عن حسان الكذب ولا رأينا فيه بحسن وذلك أنه فارق الايمان وانحاز
إلى جملة أعداء أمير المؤمنين عليه السلام وحصل من عصبة عثمان فهو عندنا من أهل الضلال فإن قال قائل
كيف تجيزون ذلك عليه بعد ما مدحه به الرسول صلى الله عليه وآله في يوم غدير خم وأثنى عليه قلنا إن مدحه وثناءه عليه
مشروطا ولم يكن مطلقا وذلك أنه قال ما تزال مؤيدا ما نصرتنا بلسانك وهذا يدل على أنه متى انصرف عن
النصرة زال عنه التأييد واستحقاق المدحة وقد انصرف عنها بطعونه على أمير المؤمنين عليه السلام وانصبابه في شعب
عدوه وقعوده في جملة من قعد عن نصرته في حرب البصرة ويشبه ما قال فيه النبي عليه السلام قول الله تعالى في ذكر أزواج
نبيه ونسائه * (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن) * الأحزاب فعلق ذلك بشرط وجود التقوى فإذا عدمت كن كمن
123

سواهن بل تكن أسوأ حالا من غيرهن واعلم أيدك الله تعالى انه قد روى المخالفون عن أسماء بنت أبي بكر انها قالت
لما أسلم أبي جاء إلى منزله فما قام حتى أسلمنا وأسلمت عائشة وهي صغيرة وروايتهم هذه دليل على تأخر اسلامه وذلك أن
مولد عائشة معروف وزمانها معلوم ولدت البعثة بخمس سنين وكان لها وقت الهجرة ثمان
سنين وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله بعد الهجرة بسنة ولها يومئذ تسع سنين وأقامت معه تسعا وكان لها يوم قبض
عليه السلام ثمان عشرة سنة فإذا كانت يوم اسلام أبيها صغيرة فأقل ما يكون عمرها في ذلك الوقت سنتين وهذا يدل
على أن أباها أسلم بعد البعثة بسبع سنين فهو مقدار الزمان الذي أتت الاخبار بان أمير المؤمنين عليه السلام كان يصلي فيه مع
رسول الله صلى الله عليه وآله والناس في بهم الضلال وسنذكر طرفا مما ورد في ذلك من الاخبار فإذا كان الناس سوى أمير المؤمنين
إنما أجابوا إلى الاسلام بعد سبع سنين من مبعث النبي فليس يستحيل ان يكون أبو بكر أحد المستجيبين في هذه السنة
وليس ذلك بموجب ان يكون أولهم لأنه قد تناصرت الاخبار بتقديم اسلام جعفر بن أبي طالب عليه بل على غيره من
الناس سوى أمير المؤمنين عليه السلام حدثني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الأزدي قال حدثنا عمر بن محمد بن سيف
بالبصرة سنة سبع وستين وثلاثمائة قال حدثنا محمد بن أحمد بن سليمان قال حدثنا محمد بن صفر بن صلصال بن الدلهمش بن جهل
بن جندل قال حدثني أبو صفو بن صلصال بن الدلهمس قال كنت انصر النبي صلى الله عليه وآله مع أبي طالب قبل اسلامي فاني يوما لجالس
بالقرب من منزل أبي طالب في شدة القيض إذ خرج أبو طالب إلى شبيها بالملهوف فقال لي يا أبا الغضنفر هل رأيت هذين الغلامين
العلامين يعني النبي صلى الله عليه وآله وعليا عليه السلام فقلت ما رايتهما مذ جلست فقال قم بنا في الطلب فلست آمن قريشا أن تكون
لقتالهما قال فمضينا حتى خرجنا من أبيات مكة ثم صرنا إلى جبل من جبالها فاسترقيناه قلة فإذا النبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام
عن يمينه وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان قال فقال أبو طالب لجعفر ابنه صل جناح ابن عمك فقام إلى
جنب علي فأحس بهما النبي صلى الله عليه وآله فتقدمهما واقبلوا على امرهم حتى فرغوا مما كانوا فيه ثم اقبلوا نحونا فرأيت السرور يتردد في وجه
أبي طالب ثم انبعث يقول إن عليا وجعفرا ثقتي * عند مهم الأمور والكرب * لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي
لأمي من بينهم وأبي * والله لا يخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب * وقد أتت الاخبار بان
زيد بن حارثة تقدم أبا بكر في الاسلام بل قد روي أن أبا بكر لم يسلم حتى أسلم قبله جماعة من الناس وروي سالم بن أبي الجعد
عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أنه قال لأبيه سعد كان أبو بكر أولكم اسلاما قال لا قد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلا واما
124

الأخبار الواردة بان أمير المؤمنين عليه السلام صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله سبع سنين والناس كلهم كانوا ضالين فمنها
ما اخبرني به شيخنا المفيد أبو عبد الله رضي الله عنه قال اخبرني أبو حفص عمر بن محمد الصيرفي قال حدثنا محمد بن أبي الثلج عن أحمد
بن القاسم البرقي عن أبي صالح سهل بن صالح وكان قد جاوز مائة سنة قال سمعت أبا المعمر عباد بن عبد الصمد قال سمعت
انس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله صلت الملائكة علي وعلى علي عليه السلام سبع سنين وذلك أنه لم
يرفع إلى السماء شهادة ان لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله إلا مني ومن علي عليه السلام ومنه ما روى عن أبي
أيوب أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين لأنا كنا نصلي ليس معنا أحد غيرنا
وما رواه أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الملائكة صلت علي وعلى علي سبع سنين قبل ان يسلم بشر
وما رواه عباد بن يزيد قال سمعت عليا عليه السلام يقول لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله سبع حجج ما يصلي معه غيري
إلا خديجة بنت خويلد ولقد رأيتني ادخل معه الوادي فلا نمر بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله وانا
أسمعه وما روى عليه السلام من قوله انا عبد الله وانا أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وانا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي
إلا كذاب مفتر صليت قبلهم سبع سنين وما رواه أبو رافع قال قال صلى الله عليه وآله بعثت أول يوم الاثنين وصلت خديجة
آخر يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء من الغداة مستخفيا قبل ان يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله أحد سبع سنين (فصل
في اسلامه عليه السلام كان عن بصيرة واستدلال) اعلم أنه لما توجهت الحجة
على المخالفين بتقدم اسلام أمير المؤمنين عليه السلام على سائر المكلفين قالوا وما الفضيلة في اسلام طفل لم يلحق بدرجة
العقلاء البالغين وأي تكليف يتعين عليه يستحق بفعله الاجر من رب العالمين وهل كان القاء الاسلام إليه إلا
على سبيل التوقيف والتلقين الذي يفعله أحدنا مع ولده لينشأ عليه ويصير له من الألفين وخطا هؤلاء القوم
لا يخفى للمتأملين وضلالهم عن الحق واضح للمنصفين وذلك أن الحال التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وآله في ابتداء
امره من كتمان ما هو عليه وستره وصلاته مختفيا في شعاب مكة للمخافة التي كان فيها والتقية منتظرا لاذن الله
تعالى له في الاعلان والاظهار فيبدى حينئذ امره على تدريج يا من معه أسباب المضار يقضي إلى أن يلقى ذلك إلى الأطفال و
الصبيان الذين لا عقول لهم يصح معها الكتمان والذين من عادتهم الاخبار بما علموه والاعلان فإذا علمنا وهذه صورة
الحال ان النبي صلى الله عليه وآله قد خص في ابتدائها بالوقوف على سر أحد الأطفال تحققنا ان ذلك الطفل مميز بصحة العقل والكمال
125

وليس يستحيل حصول العقل والتمييز لابن عشر سنين ولا تجويزه ذلك في الأمور المستبعدة عند العارفين والمنكر
لذلك إنما يعول على الغالب في المشاهدات والعقل لا يمنع من وجود ما ذكرناه في نادر الأوقات بل لا يمنع من أن
يجعل الله تعالى ذلك آية يخرق بها العادات وقد أخبر الله سبحانه عن نبيين من أنبيائه عليهم السلام بما هو أعجب من هذا وهما
عيسى ويحيى فقال حاكيا كلام عيسى عليه السلام للناس في المهد اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وقال في يحيى يا يحيى عليه السلام خذ
الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا فإن قال الخصوم ان هذين نبيان يصح ان يكون لهما الآيات والمعجزات قلنا فما المانع من أن
يكمل الله تعالى عقل طفل في زمن نبينا عليه السلام ويمنحه صحة التمييز والاستدلال ويخصه بالتكليف دون جميع الأطفال
ويكون ذلك آية لنبيه صلى الله عليه وآله وكرامة له في أخص الناس به ولوجه آخر من الصلاح يختص بعلمه وليكون مع هذا كله
ابانه لوليه الذي هو حجته ووصي نبيه صلى الله عليه وآله فما المحيل لما ذكرناه والمانع من كونه كذلك أوليس قد روى أن الشاهد الذي
شهد من أهلها في قميص يوسف عليه السلام كان طفلا في المهد له سنتان وليس بنبي وبعد فقد أوجدكم الله تعالى عيانا من أحد
أئمتنا عليهم السلام ما هو أكثر مما أنكرتموه من هذه الحال وهو أبو جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلام وشهادة المأمون له لما
عزم على تقريبه ومصاهرته وهو ابن تسع سنين بالعقل والعلم والكمال واتفاقهم معه على أن يعقدوا له مجلسا
للامتحان وسؤالهم يحيى بن أكثم القاضي في أن يتولى لهم ذلك وبذلهم له الأموال وما جرى له من عجيب الكمال في السؤال والجواب
حتى عجز يحيى ووقف في يديه واذعن بالاستفادة منه والرجوع فيما لا يعلمه إليه وهذا أمر قد شاركتمونا في نقله واتفق
أصحاب الحديثين على حمله ولسنا نشك ان هذا العلم والفضل والفهم لم يحصل لأبي جعفر عليه السلام إلا من أحد وجهين
أما الالهام فهو إذن معجز بان به من الأنام وأما عن تلقين وتعليم وكم كان عمره وقت تلقينه ذلك وهو في وقت
المناظرة ابن تسع سنين وقيل ثماني سنين أوليس هذه أعجوبة قد نقلتموها وأقررتم بها وسألتموها فاخبرونا كيف
أقررتم لولد أمير المؤمنين عليه السلام في زمن المأمون بكمال العقل والعلم وحسن المعرفة والفهم وهو ابن تسع سنين وأنكرتم
ان يصح لأمير المؤمنين صلوات الله عليه عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله كمال العقل والتكليف وله عشر سنين فإن قالوا
نحن لا نعترف لأبي جعفر عليه السلام بهذا كانت السير قاضيه بيننا وبينهم شاهدة للمحق منا ثم يقال لهم ان لم يكن الامر
كما ذكرناه من كمال عقل أمير المؤمنين عليه السلام وقت دعاء النبي صلى الله عليه وآله له إلى الاسلام وهو في حال سر لامره وكتمان وخوف
من الشرك والضلال أليس يكون قد غرر بنفسه فيما ألقاه إليه وفعل ما يشهد العقل بقبحه وخطا المقدم عليه حاشا
126

الرسول الله صلى الله عليه وآله مما ينسبونه إليه والذي ذكرناه في أمير المؤمنين عليه السلام أوضح من أن يشتبه الامر فيه أليس هو القائل لرسول الله
صلى الله عليه وآله انني لم أزل البارحة مفكرا فيما قلت لي فعرفت الحق والصدق في قولك وانا اشهد ان لا اله الله وحده لا شريك له
وانك رسول الله فوقع منه الاقرار بالشهادة بعد فكر ليلة كاملة فكيف تصح من طفل كما زعمتم غير عاقل ان يفكر في صحة
النبوة ليلة كاملة حتى حصل له العلم بصدق المخبر بها بعد طول الروية وهل بعد هذا لبس يعترض عاقلا الا هجر العصبية و
قد روى أعجب منه عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال إن النبي صلى الله عليه وآله عرض على علي عليه السلام الاسلام فقال له علي عليه السلام انظرني الليلة فقال له النبي صلى الله عليه وآله هي
أمانة في عنقك لا تخبر بها أحدا فلينظر الغافلون إلى هذا الكلام الواقع منهما عليهما السلام وسؤال أمير المؤمنين عليه السلام له في التأجيل و
الانظار هذا وهو الذي كفله ورباه ولم يزل طائعا له في جميع ما يأمره ويؤثره ويراه فلما اتاه الامر الذي رأى أن الاقدام على الاقرار به
من غير علم ويقين قبيح سأله التأجيل ثم قول النبي صلى الله عليه وآله له انها أمانة في عنقك لا تخبر بها أحدا مما تشهد العقول بأسرها
انه لا يقال إلا لمميز يكون عقله كاملا ويزيد هذه الحال أيضا بيانا انه لما أسلم عليه السلام كان يخرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى شعاب
مكة فمرة يصلي معه ومرة أخرى يرصد له حتى روى أن كل واحد منهما كان إذا صلى صاحبه حرسه ووقف يرصد له فهل
يصح ان يختص بهذا الامر من لا عقل له لا ولكن قد يخفى صحته عمن لا عقل له والعجب أن مخالفينا يدفعون ان يكون اسلام
أمير المؤمنين عليه السلام وهو ابن عشر سنين له فضيلة ورسول الله صلى الله عليه وآله لم يدفع ذلك بل كان يعده له من أول الفضائل
ويخبر به إذا مدحه وأثنى عليه في المحافل والعجب انهم ينكرون علينا الاحتجاج بتقدم اسلامه وهو صلى الله عليه وآله كان يحتج
بذلك بين الصحابة ولا ينكره أحد عليه ولا يقول له وما في هذا لك من الفضل وانما أسلمت وأنت طفل ليس لك عقل
(فصل في البلوغ) وأما ما ظن الخصوم من أن البلوغ إلى درجة التكليف هو الاحتلام و
قولهم إن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن بلغ وقت اسلامه مبلغ المحتلمين فلا يكون من المكلفين فظن غير صحيح
ولو كان الامر كما زعموه لكان كل من بلغ الحلم مكلفا ونحن نعلم فساد ذلك لوجود بالغين من البله والمجانين
غبر مكلفين والواجب الذي ليس عنه محيد ان يقال إن وجود العقل في الانسان وصحة التمييز منه والإدراك شرط في
وجوب تكليف العقليات من النظر والاستدلال ومعرفة ما لا يسع جهله من الأمور الواجبات واعتقاد الحق باسره
وادراك الصواب وشرط أيضا في صحة تعلق العبادات السمعيات وإن كان أكثرها يسقط عمن لم يبلغ الاحتلام ولا
يعلم سقوطه إلا من جهة السمع الوارد دون ما سواه ولم يكن للمشروع كله حاصلا في ابتداء البعثة ولا اتى الوحي وقت
127

اسلام أمير المؤمنين عليه السلام لجميع العبادات السمعية فيعلم ما هو لازم لمن لم يبلغ مما هو غير لازم له فاما التكليف
الواجب في العقول فلا يجوز ان يسقط عمن له عقل وتحصيل فحصول العقل إذ هو بلوغ حد التكليف وقد بينا ان أمير المؤمنين عليه السلام
كان كامل العقل وهو ابن عشر سنين فلزمته المعرفة بالله تعالى والرسول وبجميع ما يوجب معرفة العقول للمعتزل ولزمه من التعبد
المسموع قارن وجها من المصلحة له في المعلوم وهذا كاف لذوي التحصيل وقد أوردت في هذا الكتاب من القول في اسلام
أمير المؤمنين عليه السلام ما فيه منفعة للمؤمنين وحجة على المخالفين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين
وآله الطيبين الطاهرين (فصل من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وحكمه) قال
أمير المؤمنين * لا شرف أعلا من الاسلام * ولا كرم أعز من التقوى * ولا معقل أحرز من الورع *
ولا شفيع انجح من التوبة * من ضاق صدره لم يصبر على أداء حق * من كسل لم يؤد حق الله * من عظم أوامر الله أجاب سؤاله *
من تنزه عن حرمات الله سارع إليه عفو الله * من تواضع قلبه لله لم يسام بدنه طاعة الله * الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر *
ليس مع قطيعة الرحم نماء ولا مع الفجور غنى * عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر * تصفية العمل خير من العمل عند الخوف
يحسن العمل * رأس الدين صحة اليقين * أفضل ما لقيت الله به نصيحة من قلب وتوبة من ذنب * إياكم والجدال فإنه
يورث الشك في دين الله * بضاعة الآخرة كاسدة فاستكثر منها في أوان كسادها * اليوم عمل ولا حساب
وغدا حساب ولا عمل * ودخول الجنة رخيص * ودخول النار غال * التقي سابق إلى كل خير * من غرس أشجار التقى جنى ثمار
الهدى * الكريم من أكرم عن ذل النار وجهه ضاحك * معترف بذنبه أفضل من باك مدل على ربه * من عرف عيب نفسه اشتغل
عن عيب غيره * من نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره * ومن نظر في عيوب الناس ورضاها لنفسه فذلك الأحمق بعينه *
كفاك أدبك لنفسك ما كرهته لغيرك * اتعظ بغيرك ولا تكن متعظا بك * لا خير في لذة تعقب ندامة * تمام الاخلاص
تجنب المعاصي * من أحب المكارم اجتنب المحارم * جهل المرء بعيوبه من أعظم ذنوبه * من أحبك نهاك ومن أبغضك
أغراك * ومن أساء استوحش * من عاب عيب ومن شتم أجيب * أدوا الأمانة ولو إلى قاتل الأنبياء * الرغبة مفتاح
العطب والتعب مطية النصب * الشر داع إلى التقحم في الذنوب * من تورط في الأمور غير ناظر في العواقب * فقد تعرض لمدرجات
النوائب * من اتى ذميا وتواضع له ليصيب من دنياه شيئا ذهب ثلثا دينه * من لزم الاستقامة لزمته السلامة * حدثنا الشيخ
المفيد أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي رضي الله عنه بمكة في المسجد الحرام قال حدثني أبو الفرج المعافي بن زكريا
128

قال حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج قال حدثنا الحسن بن محمد بن بهرام قال حدثنا يوسف بن موسى القطان قال حدثنا جرير عن
ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لو أن الغياض أقلام والبحر مداد والجن حساب والانس كتاب ما احصوا
فضائل علي بن أبي طالب وانشدت بيتين لابن وكيع الشاعر في أمير المؤمنين صلوات الله عليه هذه الأبيات
* قالوا علي لماذا لست تمدحه * فقلت أصبحت في ذا الفعل معذورا * صرفت مدحي إلى من نور مدحته *
يعده الناس اسرافا وتكثيرا * ولم أطق مدح من فاتت فضائله * قدر المدائح منظوما ومنثورا *
ومن جواد قريضي ان بعثت به * في مدحه من علاه عاد محسورا * أأزعم الغيث يحيى الأرض وابله *
أم أزعم البدر قد عم الورى نورا * ما زلت ذاك وذا بالوصف منهية * ولا أتيت بفضل كان مستورا * متى صرفت إليه الشعر امدحه *
شهرت من وصفه ما كان مشهورا * وطلت أتعب فيمن ليس يرفعه * مدحي وانشر فضلا كان منشورا * سارت ماثره بالفضل ظاهرة *
فما ترى لمديح فيه تأثيرا * وأصبح الوصف منه لاستفاضته * كاللفظ كرر في الاسماع تكريرا * يعد جهدي تقصيرا بمدحته *
ولست ارضى بجهد عد تقصيرا * وأظنه بني على قول المتنبي * وتركت مدحي للوصي تعمدا * إذ كان نورا مستقلا كاملا *
وإذا استقل الشئ قام بنفسه * وارى صفات الشمس تذهب باطلا * وفي هذا المعنى لأبي نؤاس في الرضا عليه السلام
قيل لي لم تركت مدح ابن موسى * والخصال التي تجمعن فيه * قلت لا اهتدي لمدح امام * كان جبريل خادما لأبيه *
ولبعضهم لا يبلغن مدح النبي وآله * قوم إذا ما بالمدائح فاهوا * رجل يقول إذا تكلم قال لي * جبريل اخبرني بذاك الله *
ومن مديح ما وجدته لابن الرومي لي أحمدان لدنياي وآخرتي * ولي عليان فانظر من أعدت ولي * من خاتم الملك في الدنيا بخنصره *
ومن على كتفيه خاتم الرسل * تعلقت راحتي منهم بأربعة * ان عشت أو مت للتأميل والأمل * منهم باثنين ما استسمحت يسمح لي *
كما باثنين ما استشفعت يشفع لي * فللشفاعة حسبي أحمد وعلي وللمعيشة حسبي احمد وعلي (فصل في فضل اقتناء الكتب)
قال بعض الحكماء الكتب أصداف الحكم تنشق عنه جواهر الشيم وقيل لاخر ما بلغ من شهوتك للكتب ورغبتك في قراءتها فقال
إذا نشطت فهي لذتي وإذا اغتممت فهي سلوتي وقال آخر ما ورثت الأسلاف للاخلاف كنوزا أفضل من الكتب ولا حلت
الاباء الأبناء حليا أجمل من الأدب وليم آخر على انفاذ المال في الكتب وترك الولد بغير عقل فقال اني اعتقد لهم كتب علوم
تخلص أرواحهم لاعقد أموال تنعم أشباحهم وقيل لاخر فلان مات وما خلف لولده إلا كتبا فقال لقد خلف لهم ماثر لا تعفوها
الأيام وترك لهم موارث لا تنفدها الأعوام وقال بعض المصنفين في فضل الكتب واقتنائها اعلم أن الكتاب قيد على الناس
129

علم الدين واخبار الأولين مع خفة محمله وصغر جثته صامت ما اسكته بليغ ما استنطقته ومن لك بمسامر
لا يبتديك في حال شغلك ولا يدعك في أوقات نشاطك ولا يحوجك إلى التجمل له والتذمم منه ومن لك
بزائر ان شئت جعل زيارته غبا ووروده حبا وان شئت لزمك لزوم ظلك فكان منك مكان بعضك والكتاب
هو الذي إذا نظرت فيه أطال امتاعك وشحذ طباعك وبسط لسانك وجود بيانك وفخم الفاظك وعمر صدرك و
منحك صداقة الملوك وتعظيم العوام وعرفت به في شهر ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر قال والكتاب هو الذي يطيعك
بالليل كطاعته بالنهار ويطيعك في السفر كطاعته في الحضر لا يقصر عنك بنوم ولا يعتريه ملال وهو المعلم الذي
ان افتقرت إليه لم يحقرك وان قطعت عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة وان عدلت عنه لم يدع طاعتك
وان هب ريح أعدائك لم ينقلب عليك ومتى كنت منه متعلقا بسبب ومعتصما بحبل لم يضيرك معه وحشة
الوحدة إلى الجليس السوء ولو لم يكن من فضله عليك واحسانه إليك الا منعه لك من الجلوس على بابك والنظر إلى المارة بك
مع ما في ذلك من التعرض للحقوق في فضول النظر وملابسة صغار الناس وحضور الفاظهم الساقطة واخلاقهم الردية لكان
في ذلك السلامة يوم القيامة ونعم الجليس وقال في هذا المعنى والكتاب نعم الذخر والقعدة ونعم الجليس والعقدة ونعم السيرة
والنزهة ونعم الشغل والحرفة ونعم الأنيس ساعة الوحدة ونعم المعرفة ببلاد الغربة ونعم القرين والدخيل ونعم الوزير والزميل
والكتاب وعاء ملئ علما وظرف حشي ظرفا واناء شحن مزاحا وجدا ان شئت كان أبين من سحبان وائل وان شئت كان أعيا من بأقل وان شئت ضحكت
من نوادره وان شئت عجبت من غرائب فوائده وان شئت الهتك نوادره وان شئت أشجتك مواعظه وبعد فمتى رأيت
بستانا يحمل في ردن وروضته ينقلب في حجر ينطق عن الموتى ويترجم كلام الاحياء ومن لك بمؤنس لا ينطق إلا بما تهوى
آمن من في الأرض واكتم للسر من صاحب السر وقال لا اعلم أجارا أبر ولا خليطا انصف ولا رفيقا أطوع ولا معلما اخضع ولا صاحبا أظهر كفاية وأقل جناية ولا أقل ملالا وإبراما وخلافا وجزافا ولا أقل غيبة ولا ابعد من مراي
ولا اترك لشغب ولا أزهد في جدل ولا اكف عن قتال من كتاب ولا اعلم قرينا ولا أحسن موافاة ولا أعجل مكافاة ولا
احصر معرفة ولا أخف مؤنة ولا شجرا أطول عمرا ولا أطيب ثمرا ولا أقرب مجنى ولا أسرع ادراكا ولا أوجد في كل أوان
من كتاب وانشد بعضهم وإذا الهموم تضيقتك ولم تجد * أحدا ومل فؤادك الاصحابا * فاعمد إلى الكتب التي قد
ضمنت * أوراقها الأشعارا والآدابا * فهي التي تنفي الهموم ولم تجد * أحدا له أدب يمل كتابا (فصل) حكى شيخنا
130

المفيد رضي الله عنه في بعض كتبه قال قد الزم الناصبة الفضل بن شاذان رحمه الله فقهاء العامة قولهم في الميراث
ان يكون نصيب بني العم أكثر من نصيب الولد واضطرهم إلى الاعتراف بذلك فقال لهم أخبروني عن رجل
توفى وخلف ثلاثين ألف درهم وخلف ثماني وعشرين بنتا وابنا واحدا كيف تقتسمون الميراث فقالوا
نعطي الولد الذكر الفي درهم ونعطي كل بنت ألف درهم فيكون للبنات ثمانية وعشرون ألف درهم على عددهم
ويحصل الذكر ألفا درهم فيكون له ما قسمه الله عز وجل واوجبه في كتابه من قوله وللذكر مثل حظ الأنثيين
قال لهم فما تقولون لو كان موضع الابن ابن عم كيف تقسم الفريضة فقالوا نعطي ابن العم عشرة آلاف
درهم ونعطي البنات كلهن عشرين ألف درهم فقال لهم الفضل بن شاذان رحمه الله فقد صار ابن العم أوفر
حظا من الابن للصلب والابن مسمى في التنزيل متقربا بنفسه وبنو العم لا تسميه لهم وإنما يتقربون بأبيهم و
أبوهم يتقرب بجده والجد يتقرب بأبيه وهذا نقض للشريعة قال شيخنا المفيد رضي الله عنه وإنما لزمت هذه
الشناعة فقهاء العامة خاصة لقولهم بان من عدا الزوج والزوجة والأبوين يرثون مع الولد على خلاف
مسطور الكتاب والسنة وإنما أعطوا ابن العم عشرة آلاف درهم في هذه الفريضة من حيث تعلقوا بقوله
تعالى فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك فلما بقي الثلث اعطوه لابن العم فلحقتهم الشناعة
المخرجة لهم من الدين ونجت الشيعة من ذلك والحمد لله ووجدت في أمالي شيخنا المفيد رضي الله عنه
ان أبا الحسن علي بن ميثم رضي الله عنه دخل على الحسن بن سهل والى جانبه ملحد قد عظمه الناس وحوله فقال
له قد رأيت عجبا قال وما هو قال رأيت سفينة تعبر الناس من جانب إلى جانب بغير ملاح ولا ناصر قال
فقال له الملحد ان هذا أصلحك الله لمجنون قال وكيف قال لأنه يذكر عن خشب جماد لا حيلة له ولا قوة
ولا حياة فيه ولا عقل انه يعبر الناس ويفعل فعل الانسان كيف يصح هذا فقال له أبو الحسن فأيما أعجب هذا
أو هذا الماء الذي يجري على وجه الأرض يمنة ويسرة بلا روح ولا حيلة ولا قوى وهذا النبات الذي يخرج من
الأرض والمطر الذي ينزل من السماء كيف يصح ما تزعمه من أن لا مدبر له كله وأنت تنكر أن تكون سفينة
تتحرك بلا مدبر وتعبر الناس بلا ملاح قال فبهت الملحد (فصل أجبت به بعض الاخوان
عن ثلاث آيات من القرآن) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الموفق للسداد
131

وصلواته على حججه في العباد مولانا محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين هذه ثلاث آيات من القرآن
سئل عنها بعض أهل الايمان أوضحت معانيها وما يتعلق به المخالفون منها
وأجبت عن ذلك بما اقتضاه الصواب على سبيل الاختصار دون الاطناب
الآية الأولى قول الله عز وجل * (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة
قال رب لو شئت لأهلكتهم من قبل وإياي أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا ان هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء و
تهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين) * الأعراف المواضع المسؤول عنها من هذه الآية التي يتعلق بها
المخالفون منها ثلاث مواضع أحدها قول موسى عليه السلام أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا فيقولون كيف خفى على نبي الله انه
لا يجوز في العدل والحكمة اخذ العبد بجرم غيره الثاني ان هي إلا فتنتك فزعمت المجبرة ان في هذا دلالة على أن الله تعالى
يفتن العباد الفتنة التي هي الاضلال الثالث قوله تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء قالوا وهذا بيان انه سبحانه يفعل في طائفة
من عباده الضلال ويحرمهم الايمان ويخص أخرى بالهدى ويجنبها الضلال (الجواب) أما قول موسى عليه السلام أتهلكنا
بما فعل السفهاء منا ففيه وجهان أحدهما ان الهلاك هنا هو الموت قال الله تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد يعنى مات فكان
موسى عليه السلام قال على سبيل السؤال اتميتنا مع هؤلاء السفهاء وليس الموت الذي سئل عنه عقوبة بل على ما جوزه
من اتفاق حضور المنية كما اتفق هلاك العالمين في طوفان نوح عليه السلام إلا من حملت السفينة فكانت هلاك الكفار
منهم عقوبة لهم وهلاك الأطفال والبهائم ومن لا تكليف عليه معهم لحضور آجالهم وقامت الباء في قوله تعالى بما
فعل السفهاء مقام مع لأنهما جميعا من حروف الخفض والوجه الثاني ان يكون قوله أتهلكنا بما فعل السفهاء منا
خرج منه على وجه الاستبعاد لذلك والنفي والانكار كما يقول أخذنا للحاكم أتراك تظلمني في فعلك أو تجور علي في حكمك
وهو لا يريد سؤاله بل يقصد نفي الظلم والجور عنه واستبعاد وقوعهما منه قال جرير أعبدا حل في شعبي غريبا *
ألوما لا أبا لك واغترابا * يريد ان لا يجتمع هذان وأما قوله إن هي إلا فتنتك تكن الفتنة على ضروب في
الكلام وهي في هذا المكان بمعنى المحنة والاختبار قال الله تعالى وفتناك فتونا يعنى اختبرناك اختبارا وكانه
قال إن هي إلا فتنتك التي امتحنت بها خلقك واختبرتهم في التكليف لتثبت من اهتدى بها وتعاقب من ضل عندها
وأما قوله تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء فإنه ذكر في هذه الآية وفي نظائرها انه يضل قوما ويهدي آخرين مجملا للقول في
132

ذلك من غير تفسير وكشف في آيات اخر عمن يشاء ان يضلهم ومن يريد ان يهديهم وميزهم ووصف بعضهم من
بعض وبينهم فقال في الضلال ويضل الله الظالمين وقال * (وما يضل به إلا القوم الفاسقين فأخبر انه لا يشاء ان
يضل إلا من سبقت منه الجناية واقترف الإساءة وقال في الهدى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من
اتبع رضوانه سبل السلام) * المائدة وقال * (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) * التغابن فأوضح بهذه الآيات المفسرة عما ذكره في تلك
الآيات المجملة فاما هذا الضلال منه والهدي فهو يحتمل وجوها منها ان يكون الاضلال العقاب والهدى
الثواب وجاز ذلك في الكلام لأن الجزاء عندهم على الشئ يسمى باسم ذلك الشئ على طريق الاتساع
وله نظائر في القرآن ومنها ان يضل العصاة عن الألطاف في الدنيا التي وعد بها أهل الايمان ومنها
للتسمية فقد يقال أكذبني فلان إذا سماني كاذبا وأضلني إذا سماني ضالا قال الشاعر وطائفة قد
أكفروني بحبكم * وطائفة قالوا مسئ ومجرم * (الآية الثانية) قوله سبحانه * (واكتب لنا في
هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة انا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل
شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة وهم بآياتنا يؤمنون) * الأعراف المواضع المسؤول
عنها من هذه الآية الذي يسئل عنه من معانيها قوله انا هدنا إليك وما في معناه في اللغة وقوله عذابي
أصيب به من أشاء فهو مما يتشبث به المجبرة وقوله ورحمتي وسعت كل شئ فقد قال بعض الملحدة إذا كانت رحمته
وسعت كل شئ فكيف لم تسع الكافر الذي لم يرحمه (الجواب) أما قوله هدنا إليك فمعناه تبنا إليك وأما قوله عذابي
أصيب به من أشاء فالكلام فيه كالكلام في الضلال والهدى وقد تقدم من الكلام في ذلك ما يستدل به على أنه تعالى
لا يشاء ان يعذب إلا من عصى وأما قوله ورحمتي وسعت كل شئ ففيه وجهان أحدهما ان نعمه سبحانه في الدنيا قد
شملت الخلائق ووسعت العباد وسيكتبها في الآخرة للذين يتقون ويكونون على ما نعته من الصفات والوجه
الأخر ان أراد بقوله وسعت كل شئ ان رحمته تسع الخلائق لو دخلوها ولا تقصر عنهم لو عملوا لها غير أنه لا
يكتبها الا لمن اتقى وفعل الحسنى (الآية الثالثة) قول الله تعالى * (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه
133

مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع
عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه أولئك هم المفلحون) * الأعراف
(المواضع المسؤول عنها من هذه الآية منها) قوله تعالى النبي الأمي فقد ظن قوم انه أراد بذلك عدم علمه بالخط
(ومنها) قوله تعالى ويضع عنهم إصرهم ما هذا الاصر والأغلال التي كانت عليهم (ومنها) قوله فالذين آمنوا به
وعزروه ونصروه فقد تأول قوم ذلك في أبي بكر وعمر وعثمان (ومنها) النور الذي كان معه عليه السلام ما هو ليقع
العلم به (الجواب) أما قوله سبحانه الأمي فإنما نسبه إلى أم القرى وهي مكة قال الله تعالى لتنذر أم القرى ومن حولها
واهلها هم الأميون قال الله تعالى * (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم) * الجمعة وهذا كاف في ابطال ما ظنوه (وأما الاصر)
ههنا هو الثقل والأثقال التي كانت عليهم والأغلال يحتمل أن تكون الذنوب التي اقترفوها في حال الكفر والضلال فأخبر الله
سبحانه ان يضعها عنهم إذا آمنوا به (وبرسوله عليه وعلى آله السلام وأما قوله فالذين آمنوا) به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه أولئك هم المفلحون فهو مدح لمن كان على هذه
الصفات وليس فيه تسمية لاحد يزول معها الاشكال ولا على ما أدعاه المخالفون في ذلك دليل اجماع ومن سير الاخبار واطلع في
صحيح السير والآثار علم أن أبا بكر وعمر وعثمان معرون من هذه الصفات وهذا باب يتسع فيه الكلام والواجب مطالبة من ادعى ان هذه
الآية فيهم بدليل على دعواه يصح بمثله الاحتجاج (فاما الآية نفسها) فلا تدل على ذلك واولى الأشياء ان يكون المدح
فيها للذين حصل الاتفاق على استحقاقهم ما تضمنته من الصفات ممن لا ريب في صحيح ايمانهم وعالى نصرتهم وجهادهم من أهل البيت
عليهم السلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وحمزة بن المطلب وعبيدة بن الحرث بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب ومن الصحابة الأخيار والنجباء
الاطهار زيد بن حارثة وخباب وعمار بن ياسر وسعد بن معاذ والمقداد وسلمان وأبو ذر وأبو أيوب الأنصاري وأبو الهيثم بن
التيهان وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبا حنيف سهل وعثمان ومن في طبقتهم أهل الايمان رحمة الله عليهم أجمعين (وأما
النور) الذي انزل معه فهو القرآن ولم يسم بذلك لأن فيه أجساما من الضياء لكن لما يتضمنه من الحجج والبيان الذي يستنار به في شريعة
الاسلام وقد سماه الله تعالى نورا في موضع آخر فقال * (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) * المائدة وقال أيضا انا * (أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) * المائدة ولم يرد ان
فيها أجساما من الضياء وانما أراد ما ذكرنا فهذا مختصر من الكلام في معاني هذه الآيات والحمد لله الموفق للصواب وصلى الله على خيرته
من خلقه محمد رسوله وآله ووجدت في بعض الأناجيل مكتوبا ان المسيح عليه السلام قال وحقا أقول لست الشارب مما لفظته الكروم حتى
اشرب ذلك غدا في الملكوت وفي هذا على النصارى حجتان (أحدهما) ان المسيح عليه السلام كان لا يشرب الخمر وهو خلاف ما رووه
134

عنه من قوله في لحم الخنزير والخمر هذا لحمي فكلوه وهذا دمي فاشربوه (والحجة الأخرى) ان في الجنة شربا وإذا كان فيها شرب
كان فيها اكل وليست تذهب النصارى إلى هذا فاما روايتهم عنه عليه السلام أنه قال هذا لحمي فكلوه وهذا دمي فاشربوه فإنه يحتمل وجها
من التأويل ويكون معناه التهديد وإن كان بلفظ الامر كما يقول أحدنا لمن يتهدده اعمل ما شئت وهو لا يريد امره ويقوى
هذا التأويل ما تضمنه الخبر عن قوله هذا لحمي وهذا دمي ونحن نعلم أن لحمه ودمه محرمان فيصح بما ذكرناه من أن المراد بالخبر التهديد
واعلم انا لم نتأول هذا الخبر توقفا عن رده وانا لنعلم انهم متهمون فيما يروون وإنما تأولناه تصرفا في النظر وإقامة الحجة على الخصم
فاما ما في القرآن من التهديد الذي هو بلفظ الامر فمواضع أحدها قول الله سبحانه لإبليس * (اجلب عليهم بخيلك ورجلك و
شاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) * الاسراء وقوله تعالى * (اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير) * فصلت
مسألة ان سئل سائل عن قول الله تعالى في موضع من ذكر موسى عليه السلام * (وان الق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان
ولى مدبرا ولم يعقب) * النمل وعن قوله في موضع آخر * (فالقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) * الشعراء وقال ما معنى هذا الاختلاف في وصف العصى
وقد أخبر في إحدى الآيتين انها كانت كالجان والجان الحية الصغيرة وذكر في الآية الأخرى انها ثعبان مبين والثعبان الحية العظيمة
فكيف تكون في حال واحدة بهاتين الصفتين المتباينتين (جواب) قلنا قد أجيب عن هذا السؤال بان موسى لما القى العصى
جعلها الله تعالى على صفة الجان في سرعة حركتها وقوتها وكثرة نشاطها وعلى صفة الثعبان في عظم خلقها وهول منظرها وكبر جسمها
فاجتمع فيه الوصفان لها فليس تشبيها لها بالجان في إحدى الآيتين بموجب ان يكون تشبيهه في جميع صفاته ولا تشبيهه لها بالثعبان
في الآية الأخرى بدليل على انها تماثله في سائر حالاته وعلى هذا الجواب لا تباين في الآيتين بحمد الله ومنه ووجه آخر وقد أجيب
عن ذلك بجواب آخر وهو ان الآيتين ليستا خبرا عن حال واحدة بل لكل واحدة منهما حال منفردة فالحال التي كانت العصا فيها
كأنها جان كانت في ابتداء النبوة وقبل مصير موسى عليه السلام إلى فرعون مؤديا للرسالة والحال التي صارت العصا فيها ثعبانا
كانت عند لقائه وابلاغه الرسالة وعلى هذا تدل التلاوة ولم يبق في المسألة شبهه والمنة لله (فصل)
وروى في الحديث ان فضال بن الحسن بن فضال الكوفي مر بابي حنيفة وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقه حديثه فقال
فضال لصاحب كان معه والله لا أبرح حتى اخجل أبا حنيفة فقال له صاحبه ان أبا حنيفة من قد علمت حاله وظهرت حجته فقال فضال
مه هل رأيت حجته علت على المؤمن ثم دنا منه فسلم عليه وقال يا أبا حنيفة يرحمك الله ان لي أخا يقول إن خير الناس بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام وانا أقول أبو بكر وبعده عمر فما تقول أنت يرحمك الله فأطرق
135

أبو حنيفة مليا ثم رفع رأسه فقال كفى بمكانهما من رسول الله صلى الله عليه وآله كرما وفخرا إما علمت انهما ضجيعاه فأي حجة أوضح
لك من هذا فقال له فضال اني قد قلت لاخى هذا فقال والله لأن كان الموضع لرسول الله صلى الله عليه وآله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما وإن كان لهما فوهبا
لرسول الله صلى الله عليه وآله لقد أساءا وما أحسنا في ارتجاعهما هبتهما ونكثهما عهدهما فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال لم يكن خاصة ولكنهما
نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحق ابنتيهما فقال فضال قد قلت له ذلك فقال أنت تعلم أن النبي صلى الله عليه وآله مات عن تسع فنظرنا
فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك
وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة ابنته تمنع الميراث فصاح أبو حنيفة يا قوم
نحوه عني فإنه رافضي (فصل) حدثني الحسين بن محمد بن علي الصيرفي قال حدثني القاضي
أبو بكر محمد بن عمر المعروف بالجعابي قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن سليمان بن محبوب قال حدثنا أحمد بن عيسى الحربي
قال حدثنا إسماعيل بن يحيى عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وآله ليلة بدر قائما يصلي ويبكي
ويستعبر ويخشع ويخضع كاستطعام المسكين ويقول اللهم انجز لي ما وعدتني ويخر ساجدا ويخشع سجوده
ويكثر التضرع فأوحى الله تعالى إليه قد أنجزنا وعدك وأيدناك بابن عمك علي ومصارعهم علي يديه وكفيناك المستهزئين
به فعلينا فتوكل وعليه فاعتمد فانا خير من توكلت عليه وهو أفضل من اعتمد عليه وحدثني القاضي أبو الحسن أسد بن
إبراهيم السلمي الحراني نزيل بغداد قال اخبرني أبو حفص عمر بن علي العتكي الخطيب قال قرأت على الحسن بن أحمد البالسي حدثكم
أبو أمية محمد بن إبراهيم قال حدثنا أبو عاصم النبيل عن أبي الجراح عن جابر بن صبيح عن أم سرحيل عن أم عطية ان رسول الله
صلى الله عليه وآله بعث عليا عليه السلام في سرية قال فرأيته رافعا يده يقول اللهم لا تمتني حتى تريني عليا وباسناده عن العتكي قال
حدثني سعيد بن محمد قال أخبرنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال حدثنا عباد بن يعقوب قال حدثنا علي بن عابس عن الحارث
بن حميرة عن القاسم بن جندب قال سمعت رجلا من خثعم يقول سمعت أسماء بنت عميس قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله
يشير وهو يقول أشرق ثبير اللهم إني أسئلك بما سئلك به أخي موسى ان تشرح لي صدري وان تيسر لي من أمري
وان تحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي وان تجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي اشدد به ازري وأشركه في أمري
كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا وباسناده أيضا عن العتكي قال اخبرني محمد بن صفوة قال حدثني الحسن
بن علي العلوي قال حدثني أحمد بن العلاء قال حدثنا صباح بن يحيى المري قال حدثني خالد بن يزيد عن أبي جعفر محمد بن علي
136

عن أبيه عن الحسين بن علي عن أبيه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الأحزاب اللهم انك أخذت مني
عبيدة بن الحرث يوم بدر وحمزة عبد المطلب يوم أحد وهذا أخي علي بن طالب رب لا تذرني فردا وأنت
خير الوارثين (فصل) روى في الحديث انه لما أتت الأحزاب وحاصرت المدينة وأقامت عليها بضعا و
عشرين ليلة طاف المشركون بالخندق فلم يكن منهم من تقدم عليه غير عمرو بن عبد ود فإنه ضرب فرسه
فعبر به عرضه وحصل في حيز المدينة فاخذ يرتجز في ممره ومجيئه على رسول الله صلى الله عليه وآله وينادى بالبراز ولا يجيبه
أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه وهم مطيفون به أيكم يبرز إلى عمرو اضمن له على الله الجنة فلم يجبه منهم أحد
هيبة لعمرو واستعظاما لامره فقام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له اجلس ونادى أصحابه دفعه أخرى فلم يقم
منهم أحد والقوم ناكسوا رؤوسهم فقام علي بن أبي طالب عليه السلام فأمره بالجلوس ونادى الثالثة فلما لم يجبه أحد
سواه استدناه وعممه بيده وامره بالبروز إلى عدوه فتقدم إليه ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول برز الايمان
كله إلى الشرك كله وكان عمرو حينئذ يرتجز ويقول ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز * ووقفت
إذ جبن الشجاع موقف الخصم المناجز * اني كذلك لم أزل متسرعا نحو الهزاهز * ان الشجاعة في الفتي والجود
من كرم الغرائز * فتقدم إليه أمير المؤمنين صلى الله عليه وهو يقول لا تعجلن فقد اتاك مجيب صوتك
غير عاجز * ذو نية وبصيرة والصدق منجى كل فائز * اني لأرجو ان تقوم عليك نائحة الجنائز *
من طعنة نجلاء يبقى ذكرها بين الهزاهز * ثم جادله فما كان بأسرع من أن صرعه أمير المؤمنين وجلس
على صدره فلما هم ان يذبحه وهو يكبر الله ويحمده قال له عمرو يا علي قد جلست مني مجلسا عظيما فإذا قتلتني
فلا تسلبني حلتي فقال له أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله هي أهون علي من ذلك وذبحه واتى برأسه وهو
يتبختر في مشيته فقال عمر الا ترى يا رسول الله إلى علي كيف يتيه في مشيته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله انها مشية
لا يمقتها الله في هذا المقام ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وآله (إلى أمير المؤمنين عليه السلام فتلقاه ومسح الغبار عن عينيه فرمى الرأس بين يديه فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله) ما منعك من سلبه قال يا رسول الله خفت
ان يلقاني بعورته فقال له النبي صلى الله عليه وآله ابشر يا علي فلو وزن اليوم عملك بعمل جميع أمة محمد صلى الله عليه وآله لرجح عملك على عملهم
وذلك أنه لم يبق بيت من المشركين إلا وقد دخله ذل من قتل عمرو ولم يبق بيت من المسلمين الا وقد دخله عز
بقتل عمرو فانشا أمير المؤمنين يقول نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت رب محمد بصواب *
137

فضربته وتركته متجدلا * كالنسر فوق دكادك وروابي * وعففت عن أثوابه ولو انني * كنت المقطر بزني أثوابي *
لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الأحزاب * ولما قتل علي صلوات الله عليه عمرا سمع مناديا ينادي ولا
يرى شخصه قتل علي عمرا قصم على ظهرا ابرم على أمرا ووقعت الجفلة بالمشركين فانهزموا أجمعين وتفرقت الأحزاب خائفين مرعوبين فروى
عن جابر رحمه الله أنه قال ما شبهت قتل علي عمرا إلا بما قصة الله تعالى في أمر داود عليه السلام وجالوت حيث يقول فهزموهم
بإذن الله تعالى وقتل داود جالوت (فصل من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وحكمه)
العفاف زينة الفقر * الشكر زينة الغنى * الصبر زينه البلاء * التواضع زينة الحسب * الفصاحة زينة الكلام *
العدل زينة الامارة * السكينة زينة العبادة * الحفظ زينة الرواية * خفض الجناح زينة العلم * حسن الأدب زينة
العقل * بسط الوجه زينة الحلم * الايثار زينة الزهد * بذل المجهود زينة المعروف * الخشوع زينة الصلاة *
ترك ما لا يعنى زينة الورع * جاء في الحديث عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم
أجمعين ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال أعبد الناس من أقام الفرائض * وازهد الناس من اجتنب المحارم *
وأسخى الناس من أدي زكاة ماله * واتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه * واعدل الناس من رضي للناس ما يرضى لنفسه * وكره لهم ما يكره لنفسه *
وأكيس الناس من كان أشد ذكرا للموت * وأغبط الناس من كان في التراب في امن من العقاب يرجو الثواب * و
أغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال * وأعظم الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل للدنيا عنده خطرا * و
اعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه * وأشجع الناس من غلب هواه * واكثر الناس قيمة أكثرهم علما * وأقل الناس قيمة
أقلهم علما * وأقل الناس لذة الحسود * وأقل الناس راحة البخيل * وأبخل الناس من بخل بما افترض الله عز وجل
عليه * واولى الناس بالحق اعلمهم به * وأقل الناس حرمة الفاسق * وأقل الناس وفاء الملوك * وأفقر الناس الطمع *
واغنى الناس من لم يكن للحرص أسيرا * وأكرم الناس اتقاهم * وأعظم الناس قدرا من ترك المراء وإن كان محقا * و
أقل الناس مروءة من كان كاذبا * وأمقت الناس المتكبر * وأشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب * واسعد الناس
من خالط كرام الناس * واعقل الناس أشدهم تهمة للناس * واولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة * وأبغى
الناس من قتل غير قاتله * أو ضرب غير ضاربه * واولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة * وأحق الناس بالذنب المغتاب *
وأذل الناس من أهان الناس * واحزم الناس أكظمهم للغيظ * وأصلح الناس أصلحهم للناس * وخير الناس من انتفع به الناس *
138

وروى أن هذه الأبيات لأمير المؤمنين عليه السلام اتخذتكم درعا حصينا لتدفعوا * سهام العدي عني فكنتم نصالها *
فإن أنتم لم تحفظوا لمودتي * ذماما فكونوا لا عليها ولا لها * قفوا موقف المعذور عني بجانب * وخلوا نبالي للعدا
ونبالها * وانشدني الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن أحمد الموسوي * كنا نعظم بالآمال بعضكم * ثم انقضت فتساوى
عندنا الناس * لم تفضلونا بشئ غير واحدة * هي الرجاء فسوى بيننا الياس * وانشد لإبراهيم بن العباس كتبه إلى محمد بن
عبد الملك * أخي بيني وبين الدهر صاحب أينا غلبا * صديقي ما استقام فإن * نبا دهر على نبا * وثبت
على الزمان به * فعاد به وقد وثبا * ولو عاد الزمان لنا * لطار به أخا حدبا * وله أيضا فيه * كنت أخي
باخاء الزمان فلما * جفا بنا صرت حربا وعوانا * كنت أذم إليك الزمان * فأصبحت فيك أذم الزمانا * فكنت
أعدك للنائبات * فأصبحت اطلب منك الأمانا * وله أيضا فيه * قدرت فلم تضرر عدوا بقدرة * وسمت
به اخوانك الذل والرغما * وكنت مليا بالتي قد يعافها * من الناس من يا أبا الدنية والوفا (مسألة) امرأة
جامعها ستة نفر في يوم واحد فوجب على أحدهم القتل وعلى الثاني الرجم وعلى الثالث الجلد وعلى الرابع نصف الجلد
وعلى الخامس التعزير ولم يجب على السادس شئ (الجواب) كان أحدهم ذميا فوجب عليه القتل وكان الأخر
محصنا مسلما فوجب عليه الرجم وكان الأخر بكرا فوجب عليه الجلد وكان الأخر عبدا فعليه نصف الجلد وكان الأخر صبيا
فعليه التعزير وكان الأخر زوجا فليس عليه شئ (مسألة أخرى) رجل له جارية يملك جميعها ليس لأحد معه
فيها نصيب لا يحل له جماعها حتى يجامعها رجل غيره (جواب) هذا كان زوجا لهذه الجارية ثم ابتاعها من سيدها وقد كان
طلقها تطليقين فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره (مسألة أخرى) امرأة ولدت على فراش بعلها ببغداد فلحق
نسبه برجل ببصرة فلزمه دون صاحب الفراش من غير أن يكون شاهد المراة أو عرفها أو عقد عليها أو وطأها
حلالا أو حراما (جواب) هذه امرأة بكر وقعت عليها ثيب في حال قد قامت فيها من جماع زوجها فحولت
نطفة الرجل إلى فرجها فحملت منه ومضى على ذلك تسعة أشهر فتزوجت البكر في آخر التاسع برجل ودخلت عليه في
ليلة العقد فولدت على فراشه ولدا تاما فأنكر الزوج ذلك وقررها على صنعها فاعترفت بما ذكرناه وأقرت الفاعلة
أيضا فلحق المولود بصاحب النطفة على ما حكم به الحسن بن علي عليهم السلام في اثر مذكور (فصل في الوعظ والزهد)
قيل لبعضهم كيف حالك قال كيف حال من يفنى ببقائه ويسقم بسلامته ويؤتى من مأمنه وقيل لبعض حكماء
139

العرب من أنعم الناس عيشا فقال من تحلي بالعفاف ورضى الكفاف وتجاوز ما يخاف إلى ما لا يخاف قيل فمن اعلمهم
فقال من صمت فاذكر ونظر فاعتبر ووعظ فازدجر وروى أن الله تعالى يقول يا ابن آدم في كل يوم يؤتى رزقك وأنت
تحزن وينقص عمرك وأنت لا تحزن تطلب ما يطغيك وعندك ما يكفيك وقيل أغبط الناس من اقتصد فقنع ومن
قنع فك رقبته من عبودية الدنيا وذل المطامع وقيل الفقير من طمع والغنى من قنع وقيل من كان له من نفسه واعظ
كان عليه من الله حافظ وقيل لا يزال العبد بخير ما دام له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همه ووعظ رجل فقال عباد الله
الحذر الحذر فوالله لقد سر حتى كأنه قد غفر ولقد امهل حتى كأنه قد أهمل وقيل العجب لمن يغفل وهو يعلم أنه لا يغفل
عنه ولمن يهنئه عيشه وهو لا يعلم إلى ماذا يصير امره وقيل إن للباقي بالفاني معتبر وللآخر بالأول مزدجر فالسعيد لا
يركن إلى الخدع ولا يغتر بالطمع قال آخر كيف اذخر عملي ولست أدري متى يحل أجلي أم كيف تشد حاجتي إلى الدنيا وليست
بداري أم كيف أجمع وفي غيرها قراري أم كيف لا أمهد لرجعتي قبل انصراف مدتي وقال عمر بن الخطاب لأبي ذر الغفاري رحمه الله عظني قال له ارض بالقوت وخف الفوت واجعل صومك الدنيا وفطرك الموت وقال آخر عجبا لمن تكتحل عينه برقاد والموت
ضجيعها على وساد وقال آخر نظرنا فوجدنا الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله وقال آخر عجبي لمن يحتمي من
الطيبات مخافة الداء ولا يحتمي من الذنوب مخافة النار وقيل كيف يصفو عيش من هو مسؤول عما عليه مأخوذ بما
لديه محاسب على ما وصل إليه وقال آخر عجبا لمن يقصر عن الواضحة وقد يعمل بالفاضحة وقيل إذا زللت فارجع وإذا
أذنبت فاقلع وإذا أسأت فاندم وإذا ائتمنت فاكتم وقال المسيح عليه السلام تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل ولا
تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بعمل وقال عليه السلام إذا عملت الحسنة فاله عنها فإنها عند من لا يضيعها وإذا عملت
السيئة فاجعلها نصب عينيك وقيل لحكيم لم تدمن امساك العصا ولست بكبير ولا مريض قال لاعلم اني مسافر وقيل
من أحسن عبادة الله في مشيته لقاه الله الحكمة في بلوغه أشده وذلك قوله سبحانه * (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما
وكذلك نجزي المحسنين) * سورة يوسف ولا باس ان يعذل المقصر المقصر قال بعضهم لا يمنعكم معاشر السامعين سوء ما تعلمون منا ان
تقبلوا أحسن ما تسمعون منا قال الخليل بن أحمد اعمل بعلمي ولا تنظر إلى عملي ولا يضرك تقصيري نعوذ بالله ان يكون
ما علمنا حجة علينا لا لنا انظر أخي لنفسك ولا تكن ممن جمع علم العلماء وطرائف الحكماء وجرى في العمل مجرى السفهاء
حدثني الحسين بن محمد بن علي الصيرفي قال حدثني أبو بكر محمد بن علي الجعاني قال حدثنا أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر العلوي
140

قال حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله للمسلم على أخيه ثلاثون حقا لا براءة
له منها إلا بالأداء العفو يغفر زلته ويرحم عبرته ويستر عورته ويقيل عثرته ويقبل معذرته ويرد غيبته و
يديم نصيحته ويحفظ خلته ويرعى ذمته ويعود مرضته ويشهد ميتته ويجيب دعوته ويقبل هديته ويكافي
صلته ويشكر نعمته ويحسن نصرته ويحفظ حليلته ويقضي حاجته ويشفع مسئلته ويسمت عطسته ويرشد
ضالته ويرد سلامه ويطيب كلامه ويبر انعامه ويصدق أقسامه ويوالي وليه ويعادي عدوه وينصره ظالما
ومظلوما فاما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه وأما نصرته مظلوما فيعينه على اخذ حقه ولا يسلمه ولا يخذله و
يحب له من الخير ما يحب لنفسه ويكره له من الشر ما يكره لنفسه ثم قال عليه السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إن أحدكم
ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيام فيقضى له وعليه قال وحدثني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن
صخر الأزدي قال حدثنا أبو زيد عمرو بن أحمد العسكري بالبصرة قال حدثنا أبو أيوب قال حدثنا أحمد بن الحجاج قال
حدثنا ثوبان بن إبراهيم عن مالك بن مسلم عن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعرض اعمال
الناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن الا من كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال
اتركوا هذين حتى يصطلحا (مسألة فقهية) لأبي النجا (شعر) أتعرف من قد باع من مهر امه *
أباه فوفاها بحق صداقها * وكانت قديما أشهدت كل من رأت * بان أباه قد أبت طلاقها (الجواب)
إذا أنت عقدت المسائل ملغزا * أتتك جوابات تحل وثاقها * تزوج عبد حرة أنجبت فتى * وصادفه قول
ابان فراقها * فانكحها مولاه من بعد رغبة * لما قد رأى منها واسنى صداقها * فوكلت ابن العبد في قبض
مهرها * وأفلس مولاه وابدى عتاقها * فباع الوكيل العبد بالحكم إذ رأى * هوى امه في بيعها وارتفاقها *
(تفسير الجواب) هذه امرأة حرة فتزوجت عبدا فولدت منه ابنا ثم طلقها العبد فانكحها مولاه
بصداق مسمى فوكلت ابنها من العبد بقبض مهرها وفلس المولى فقضى لها بالعبد في واجبها فوكلت ابنها في بيعه
لاستيفاء صداقها (فصل في ذكر مجلس جرى لي بتلبيس) حضرت في سنة ثماني عشرة
وأربعمائة مجلسا فيه جماعة ممن يحب استماع الكلام ومطلع نفسه فيه إلى السؤال فسألني أحدهم فقال كيف يصح لكم
القول بالقول والاعتقاد بان الله تعالى لا يجوز عليه الظلم مع قولكم انه سبحانه يعذب الكافر في يوم القيامة بنار الأبد
141

عذابا متصلا غير منقطع وما وجه الحكمة والعدل في ذلك وقد علمنا أن هذا الكافر وقع منه كفره في مدة
متناهية وأوقات محصورة وهي مبلغ عمره الذي هو مائة سنة في المثل وأقل واكثر فكيف جاز في العدل عذابه
أكثر من زمان كفره والا زعمتم ان عذابه متناهي كعمره ليستمر لكم القول بالعدل وتزول مناقضتكم لما
تنفون عن الله تعالى من الظلم (الجواب) فقلت له سئلت فافهم الجواب اعلم أن الحكمة لما اقتضت الخلق و
التكليف وجب ان يرغب العبد فيما امره به من الايمان بغاية الترغيب ويزجره عما نهى عنه من الكفر بغاية التخويف
والترهيب ليكون ذلك ادعى له إلى فعل المأمور به وازجر له عن ارتكاب المنهى عنه وليس غاية الترغيب إلا الوعد
بالنعيم الدائم المقيم ولا يكون غاية التخويف والترهيب إلا التوعيد بالعذاب الخالد الأليم وخلف الخبر كذب والكذب
لا يجوز على الحكيم فبان بهذا الوجه ان تخليد الكافر في العذاب الدائم ليس بخارج عن الحكمة ولا القول به مناقض
للأدلة فقال صاحب المجلس قد أتيت في جوابك بالصحيح الواضح غير انا نظن بقية في السؤال تطلع نفوسنا إلى أن
نسمع عنها الجواب وهي ان الحال قد أفضت إلى ما ينفرد منه العقل وهو ان عذاب أوقات غير محصورة يكون
مستحقا على ذنوب مدة متناهية محصورة فقلت له أجل ان الحال أفضت إلى أن الهالك على كفره يعذب بعذاب
تقدير زمانه اضعاف زمان عمره وهذا هو السؤال بعينه وفي مراعاة ما أجبت به عنه بيان ان العقل لا يشهد به
ولا ينفرد منه على انني آتي بزيادة في الجواب مقنعة في هذا الباب (فأقول) ان المعاصي تتعاظم في نفوسنا
قدر نعم المعصى بها ولذلك عظم عقوق الولد لوالده لعظم احسان الوالد عليه وجلت جناية العبد على سيده
لجليل انعام السيد عليه فلما كانت نعم الله تعالى أعظم قدرا وأجل اثرا من أن توفى بشكر أو تحصى بحصر وهي
في الغاية في الانعام الموافق لمصالح الأنفس والأجسام كان المستحق على الكفر به وجحده احسانه ونعمه هو غاية
الآلام وغايتها هو الخلود في النار فقال رجل ينتمي إلى الفقه كان حاضرا قد أجاب صاحبنا الشافعي عن هذه
المسألة بجوابين هما أجلي وأبين مما ذكرت قال له السائل وما هما قال أما أحدهما فهو ان الله سبحانه كما ينعم
في القيامة على من وقعت منه الطاعة في مدة متناهية بنعيم لا آخر له ولا غاية وجب قياسا على ذلك ان يعذب
من وقعت منه المعصية في زمان محصور متناه بعذاب دائم غير منقص ولا متناه قال والجواب الأخر انه خلد
الكفار في النار لعلمه انهم لو بقوا ابدا لكانوا كفارا فاستحسن السائل هذين الجوابين منه استحسانا مفرطا أما
142

لمغايظتي بذلك أو لمطابقتهما ركاكة فهمه فقال صاحب المجلس ما تقول في هذين الجوابين فقلت اعفني
عن الكلام فقد مضى في هذه المسألة ما فيه كفاية فاقسم علي وناشدني فقلت ان المعهود من الشافعي والمحفوظ منه
كلامه في الفقه وقياسه في الشرع فأما أصول العبادات والكلام في العقليات فلم تكن من صناعته ولو كانت له في ذلك
بضاعة لاشتهرت إذ لم يكن خامل الذكر فمن نسب إليه الكلام فيما لا يعلمه على طريق القياس والجواب فقد سبه من أن
فساد هذين الجوابين لا يكاد يخفى عمن له أدنى تحصيل أما الأول منهما وهو مماثلته بين إدامة الثواب والعقاب
فإنه خطا في العقل والقياس وذلك أن مبتدى النعم المتصلة في تقدير زمان أكثر من زمان الطاعة ان لم يكن ما يفعله
مستحقا كان تفضلا ولا يقال للمتفضل المحسن لم تفضلت وأحسنت ولا للجواد المنعم لم جدت وأنعمت وليس كذلك المعذب
على المعصية في تقدير زمان زائد على زمانها لأن ذلك ان لم يكن مستحقا كان ظلما تعالى الله عن الظلم فالمطالبة
بعلة المماثلة بين الموضعين لازمة والمسألة مع هذا الجواب عما يوجب التخليد قائمة والعقلاء مجمعون على أن من اعطى
زيدا على فعله أكثر من مقدار اجره فليس له قياسا على ذلك ان يعاقب عمرا على ذنبه باضعاف ما يجب في جرمه واما جوابه
الثاني فهو وإن كان قد ذكره بعض الناس لاحق بالأول في السقوط لأنه لو كان تعذيب الله عز وجل للكافر بعذاب الأبد (إنما هو لأنه علم منه انه لو بقي ابدا كان كافرا لكان انما عذابه على تقدير كفر لم يفعله)
وهذا هو الظلم في الحقيقة الذي يجب تنزيه الله تعالى عنه لأن العبد لا يفعل الكفر إلا مدة محصورة وقد اقتضى هذا
الجواب ان تعذيبه الزائد على مدة كفره هو عذاب على ما لم يفعله ولو جاز ذلك لجاز ان يبتدئ خلقا ثم يعذبه من غير أن يبقيه
ويقدره ويكلفه إذا علم منه إذا انه لو أبقاه واقدره وكلفه كان كافرا جاحدا لأنعمه وقد أجمع أهل العدل على أن ذلك لا يجوز منه سبحانه
وهو كالأول بعينه في العذاب للعلم بالكفر قبل وجوده لا على ما فعله واحدثه وقبحها يشهد العقل به ويدل عليه تعالى الله
عن إضافة القبيح إليه فعلم أنه لا يعتبر في الجواب عن هذا السؤال بما اورده هذا الحاكي عن الشافعي وان المصير إلى ما قدمناه من
الجواب عنه أولي والحمد لله فلما سمع المتفقة طعني فيما اورده وقولي ان الشافعي ليس من أهل العلم بهذه الصناعة ولا له
فيها بضاعة ظهرت امارات الغضب في وجهه وتعذر عليه نصره ما جاء به كما تعذر عليه وعلى غيره ممن حضر القدح فيما
كنت أجبت به فتعمد لقطع ما كنا فيه بحديث ابتداه لا يليق بالمجلس ولا يقتضيه فبينا نحن كذلك إذ حضر رجل كانوا
يصفونه بالمعرفة وينسبونه إلى الاصطلاح بالفلسفة فلما استقر به المجلس حكوا له السؤال وبعض ما جرى فيه من الكلام
فقال الرجل هذا سؤال يلزم الكلام فيه ويجب على من أقر بالشريعة طلب جواب عنه صحيح يعتمد عليه ثم سألوني الرجوع إلى الكلام
143

والإعادة لما سلف لي من الجواب ليسمع ذلك الرجل الحاضر فقلت له الا سئلتم الفقيه إعادة ما كان اورده لعله ان
يرضي هذا الشيخ إذا سمعه وعنيت بالفقيه الحاكي عن الشافعي قالوا قد تبين لنا فساد ما كان أجاب به ولا حاجة بنا
إلى اشغال الزمان بإعادته قلت فانا مجيبكم إلى الكلام وسالك غير الطريقة الأولى في الجواب لعل ذلك ان يكون أسرع
لزوال اللبس وأقرب إلى سكون النفس ان وجدت منكم مع الاستماع حسن انصاف قالوا نحن مستمعون لك غير جاحدين لحق
يظهر في كلامك فقلت كان السؤال عن وجه العدل والحكمة في تعذيب الله عز وجل لمن مات وهو كافر بالعذاب الدائم الذي
تقدير زمانه لا ينحصر وقد كان وقع من العبد كفره في مبلغ عمره المتناهي المنحصر والجواب عن ذلك ان العذاب المجازى به على
المعصية كائنة ما كانت لا كلام بيننا في استحقاقه وإنما الكلام في اتصاله وانقطاعه فلا يخلو المعتبر في ذلك ان يكون هو الزمان
الذي وقعت المعصية فيه ومقداره وتناهيه والمعصية في نفسها وعظمها من صغرها فلو كانت مدة هي المعتبرة وكان يجب
تناهي العذاب لأجل تناهيها في نفسها لوجب ان يكون تقدير زمان العقاب عليها بحسبها وقدرها حتى لا يتجاوزها ولا يزيد
عليها وهذا حكم يقضي الشاهد بخلافه ويجمع العقلاء على فساده فكم قد رأينا فيما بيننا معصية وقعت في مدة قصيرة
كان المستحق من العقاب عليها يحتاج إلى اضعاف تلك المدة ورأينا معصيتين تماثل في القدر زمانهما واختلف زمان
العقاب المستحق عليهما كعبد شتم سيده فاستحق من الأدب على ذلك اضعاف ما يستحقه إذا شتم عبدا مثله وإن كان زمان
الشتمين متماثلا فالمستحق عليهما من الأدب والعقاب يقع في زمان غير مماثل ولو لم يكن في هذا حجة إلا ما نشاهده من
هجران الوالد أياما كثيرة لولده على فعل وقع في ساعة واحدة منه مع تصويب كافة العقلاء للوالد في فعله بل لو لم يكن فيه إلا
جواز حبس السيد فيما بيننا لعبده زمانا طويلا على خطيئته وكذلك الإمام العادل لمن يرى من رعيته لكان فيه كفاية في
وضوح الدلالة وليس يدفع الشاهد الا مكابر معاند فعلم مما ذكرناه انه لا يعتبر فيما يستحق على المعصية بقدر زمانها ولا
يجب ان يماثل وقت الجزاء عليها لوقتها ووجب ان يكون المرجع إليها نفسها فبعظمها يعظم المستحق عليها سواء طال الزمان
أو قصر اتصل أم انقطع وجد فكان محققا أو عدم فكان مقدرا والحمد لله فلما سمع القوم مني هذا الكلام وتأملوا
ما تضمنه من الافصاح والبيان وتمثيلي بالمتعارف من الشاهد والعيان لم يسعهم غير الاقرار للحق والاذعان والتسليم
في جواب السؤال لما أوجبه الدليل والبرهان والحمد لله الموفق للصواب وصلواته على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين
(زيادة في المسألة) وقد احتج من نصر الجواب الثاني المنسوب إلى الشافعي بقول الله تعالى * (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) * الانعام
144

وجعل ذلك دلالة على أنه عذبهم بعذاب الأبد لعلمه بذلك من حالهم وليس في هذه الآية دلالة على ما ظن
وإنما هي مبنية على باطن امرهم ومكذب لهم فيما يكون في القيامة من قولهم وما قبل الآية تتضمن وصف ذلك من حالهم وهو قوله تعالى سبحانه * (إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) * الانعام فقال الله سبحانه
* (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون) * الانعام هذا لما تمنوا الرجوع إلى دار التكليف و
ليس فيه اخبار بأنه عذبهم لما علمه منهم ان لو أعادهم حسبنا الله ونعم الوكيل (فصل) روي أن امرأة العزيز وقفت
على الطريق فمرت بها المواكب حتى مر يوسف عليه السلام فقال الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكا بطاعته والحمد لله الذي جعل الملوك عبيدا
بمعصيته وذكروا ان المتمناة ابنة النعمان بن المنذر دخلت على بعض ملوك الوقت فقالت انا كنا ملوك هذا البلد يجبى إلينا
خرجها ويطيعنا أهلها فصاح بنا صائح الدهر فشق عصانا وفرق ملانا وقد اتيتك في هذا اليوم أسئلك ما أستعين به على صعوبة
الوقت فبكى الملك وأمر لها بجائزة حسنة فلما اخذتها أقبلت بوجهها عليه فقالت اني محييتك بتحية كنا نحي بها فاصغي إليها فقالت
شكرتك يد افتقرت بعد غني ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر وأصاب الله بمعروفك مواضعه وقلدك المنن في أعناق
الرجال ولا أزال الله عن عبد نعمه إلا جعلك السبب لردها عليه والسلام فقال اكتبوها في ديوان الحكمة وروي ان أمير المؤمنين
مر على المدائن فلما رأى آثار كسرى وقرب خرابها قال رجل ممن معه * جرت الرياح على رسوم ديارهم * فكأنهم كانوا على ميعاد * فقال
أمير المؤمنين عليه السلام * (أفلا قلت كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمه كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما
آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) * الدخان (فصل من المقدمات في صناعة الكلام)
اعلم أن المعدوم عندنا ليس بشئ ولا يكون الشئ إلا موجودا فإن قال لك قائل ما الشئ فقل هو الموجود فإن قال ما الموجود
فقل هو الثابت العين في الوجود فإن قال ما المعدوم فقل هو ما خرج بانتفائه عن كونه شيئا فإن قالوا ما القديم فقل ما
ليس لوجوده أول فان قال ما المحدث فقل هو الذي لوجوده أول فإن قال ما الجسم فقل هو ذو الطول والعرض والعمق فان قال
ما الجوهر فقل هو أصغر ما تألفت منه الأجسام فإن قال ما العرض فقل هو العارض في المحل بغير بقاء واعلم أن الاعراض عندنا
لا تبقى وإنما تتجدد حالا بعد حال ولا يوجد العرض عندنا إلا وقتا واحدا والموجود وقتا واحد ليس بباق ولا يوجد شئ
من الاعراض الا في محل فإن قال ما الباقي فقل هو المستمر الوجود فإن أحببت فقل هو ما وجد وقتين فما زاد فإن قال ما
الفاني فقل هو ما انعدمت عينه بعد وجوده وقد كان يجوز ان لا ينعدم فإن قال ما الاجتماع فقل هو محاسن جواهر الأجسام فإن
145

قالا ما الافتراق فقل هو مباينتها فإن قال ما الحركة فقل هي ما فرغ به التحرك مكانا وشغل مكانا فإن قال ما السكون
فقل هو لبث الجوهر في مكان وقتين فما زاد واعلم أن الجوهر إذا لم يكن في مكان فهو ليس بمتحرك ولا ساكن فإن قال
لك ما المكان فقل هو ما أحاط بالمتمكن فمكان الجوهر ستة أمثاله تحيط به من جميع جهاته وصفحة العالم العليا هي
مكان للعالم ولا مكان لها ولا يقال في الحقيقة انها متحركة ولا ساكنة وكذلك المستفتح الوجود من الجواهر عندنا وعند أكثر
أهل النظر انه ليس بمتحرك ولا ساكن فإن قال لك ما الحي فقل من صح كونه قادرا فان قال ما القادر فقل هو من صح منه الفعل
فإن قال ما العالم فقل هو من كان فعله محكما منتظما فان قال ما المريد فقل هو عند التحقيق من قطع على أحد الامرين
المعترضين فإن قال أتقولون ان الله تعالى مريد فقل أما على الحقيقة فلا يجوز ذلك عليه وأما على المجاز فقد يوصف به اتساعا
في الألفاظ وقد وصف نفسه سبحانه بأنه مريد كما وصف نفسه بأنه غضبان وراض ومحب وكاره وهذه كلها صفات
مجازات فإن قال فما الفائدة في قولكم ان الله تعالى مريد فقل هي حصول العلم للسامع بأنه سبحانه في أفعاله وأوامره منزه
عن صفة الساهي والعابث فإن قال فما ارادته فقل الجواب عن هذا السؤال على قسمين أحدهما ارادته لما يفعله وهي
الفعل المراد نفسه والاخر ارادته لما يفعله غيره وهي امره بذلك الفعل فإن قال فما غضبه فقل وجود عقابه فإن قال فما
رضاه فقل وجود ثوابه فإن قال فما محبته فقل هي على قسمين أحدهما ان يحب المؤمن بمعنى يحسن إليه ويثيبه والاخر
انه يحبب الطاعة بمعنى يأمر بها فإن قال فما كراهته فقل هي بالضد من ذلك فان قال ما المتكلم فقل هو من فعل كلاما فإن
قال ما الكلام فقل هو الأصوات المنتظمة انتظاما يدل على معان فإن قال ما الخبر فقل هو ما أمكن فيه الصدق والكذب
فإن قال ما الصدق فقل هو الاخبار عن الشئ بما هو به فإن قال ما الكذب فقل هو الاخبار عن الشئ بخلاف ما هو به
فإن قال ما الحق فقل ما هو عقد معتقده البرهان فإن قال ما الباطل فقل هو ما خذل معتقده البيان فإن قال ما الصحيح
فقل هو الحق بعينه فإن قال ما الفاسد فقل هو الباطل بعينه فإن قال ما العقل فقل هو عرض يحل الحي يفرق بين الحسن
والقبح ويصح بوجوده عليه التكليف فإن قال ما الحسن فقل هو ما كان للعقول ملائما فإن قال ما القبح فقل هو ما كان
لها منافرا فإن قال ما العلم فقل هو اعتقاد الشئ على ما هو به مع سكون النفس إلى المعتقد فإن قال ما الجهل فقل هو اعتقاد
الشئ على خلاف ما هو عليه فإن قال ما المعرفة فقل هي العلم بعينه فإن قال ما النظر فقل هو استعمال العقل في الوصول إلى معرفة
الغائب باعتبار دلالة الحاضر فإن قال ما الدليل فقل هو المعتبر في ادراك ما طلبت النفس ادراكه فإن قال ما الحجة فقل هي الدليل بعينه
146

فإن قال ما الشبهة فقل هي ما عرض للنفس عند انصرافها عن طريق الحق من باطل تخيلته حقا (فصل من كلام
أمير المؤمنين صلوات الله عليه في ذكر العلم) قال أمير المؤمنين عليه السلام قيمة كل امرئ ما يحسن والناس أبناء ما يحسنون
العلم وراثة مستفادة * رأس العلم الرفق وآفته الخرق * الجاهل صغير وإن كان شيخا * والعالم كبير وإن كان حدثا *
الأدب يغني من الحسب * من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار * العلم في الصغر كالنقش في الحجر * زلة العالم
كانكسار السفينة تغرق وتغرق * الآداب تلقيح الافهام ونتائج الأذهان * فإذا استوضحت فاعزم *
لو سكت من لا يعلم سقط الاختلاف * من جالس العلماء وقر * ومن خالط الأنذال حقر * لا تحقرن عبدا آتاه الله
علما فإن الله تعالى لم يحقره حين آتاه إياه * المودة أشبك الأنساب * والعلم أشرف الأحساب * لا كنز أنفع من العلم *
ولا قرين سوء شر من الجهل * العلم خير من المال لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال * والعلم يزكو على الانفاق
والمال ينفذ بالنفقة * العلم حاكم والمال محكوم عليه * عليكم بطلب العلم طلبه فريضة وهو صله بين
الاخوان ودال على المروءة وتحفه في المجالس وصاحب في السفر وانس في الغربة * ومن عرفت الحكمة لم يصبر على الازدياد
منها * الشريف من شرفه علمه (فصل من كلامه عليه السلام في ذكر الحلم وحسن الخلق)
الحلم سجية فاضلة * أول عوض الحليم من حلمه ان الناس انصاره على الجاهل * من حلم عن عدوه ظفر به * شدة
الغضب تغير المنطق * وتقطع مادة الحجة وتفرق الفهم * لا نسب أنفع من الحلم ولا حسب أنفع من الأدب * ولا نصب
أوجع من الغضب * حسن الخلق يبلغ درجة الصائم القائم * حسن الخلق خير رفيق * رب عزيز اذله خلقه وذليل اعزه
خلقه * من لانت كلمته وجبت محبته * التواضع يكسبك السلامة * زينة الشريف التواضع * حسن الأدب ينوب عن الحسب *
(تأويل آية) ان سئل سائل عن قوله سبحانه * (حتى إذا جاء امرنا وفار التنور وقلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك
إلا من سبق عليه القول منهم ومن آمن وما آمن معه إلا قليل) * هود (الجواب) أما التنور فقد ذكر في معناه وجوه أحدها ان يكون
المراد به ان النور برز والضوء ظهر واتت امارات دخول النهار وتقضي الليل وهذا التأويل يروى عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه
وثانيها ان يكون معنى ذلك واشتد غضب الله تعالى عليهم وحل وقوع نقمته بهم فذكر التنور مثلا لحصول العذاب كما تقول العرب
قد حمى الوطيس إذا اشتدت الحرب وعظم الخطب وقد قارب القوم إذا اشتدت حربهم وثالثها ان يكون أراد بالتنور وجه الأرض
وان الماء نبع وظهر على وجهها وقد روي هذا عن ابن عباس قال والعرب تسمى وجه الأرض تنورا ورابعها ان يكون هو التنور
147

المعهود للخبز وكان في دار نوح عليه السلام فجعل فوران الماء منه علما له عليه السلام على نزول العذاب فاما قوله ومن كل
زوجين اثنين فقد قيل من كل ذكر وأنثى اثنين وكل واحد من الذكر والأنثى زوج وقال آخرون من كل ضربين اثنين وقيل أيضا
من كل لونين اثنين ومعنى من سبق إليه القول أي أخبر الله تعالى بعذابه وحلول الهلاك به والله أعلم بمراده (فصل التوراة
في ذكر الفلك) قال الله تعالى لنوح عليه السلام فاصطنع أنت فلكا من خشب الصنوبر واصنع الفلك أدوارا واطله
من داخل وخارج بقار واجعل طول الفلك ثلاثمائة ذراع وعرضه خمسين ذراعا وارتفاعه ثلاثين ذراعا واصطنع في
الفلك كوا واصطنع بابه من جنبه واجعل الفلك أثلاثا الأسفل والأوسط والأعلى وسأرسل الطوفان على الأرض
ليفسد كل شئ فيه روح من تحت السماء وكل ما في الأرض وأوثقك بميثاقي وادخل الفلك أنت وامرأتك وبنوك و
نساء بنيك معك ومن كل شئ من اللحم فادخل اثنين اثنين معك (رسالة كتبتها إلي بعض
الاخوان تتضمن كلاما في وجوب الإمامة) بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي الفضل والاحسان الهادي إلى الحق بواضح البرهان وصلواته على سيدنا محمد نبيه المبعوث
للبيان وعلى آله الطاهرين أئمة الأزمان قد وقفت أيها الأخ الفاضل أدام الله لك التأييد وأوصلك بالتوفيق
والتسديد من رغبتك في الاستدلال وحرصك على دفع شبه أهل الضلال على ما أوجب على حسن مساعدتك
واجابتك عما تلتمسه عند مسائلتك لما بيننا لما بينا من الايمان وما يتعين من ذلك على الاخوان قال رسول الله صلى الله عليه وآله
المؤمنون اخوه تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم وقد
فهمت السؤال الذي أرسلت وانا أجيب عنه بما يحضرني حسبما طلبت إن شاء الله تعالى وبه أستعين (السؤال) ذكرت
أيدك الله ان أحد المخالفين قال إذا كان الله تعالى قد قال * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * الانعام وكانت الأمة مجتمعة
على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بلغ الرسالة إلى الكافة وادى فيها الأمانة وبين لجميع الأمة فما الحاجة بعد ذلك إلى امام
(الجواب) فأقول والله الموفق للصواب ان الكتاب وإن كان الله تعالى لم يفرط فيه من شئ فإن الأمة
لم تستغن به عن تفسير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعانيه وتنبيهه لمراد الله تعالى فيه ولا علمت بسماع تلاوته جميع احكام الله تعالى
في شريعته بل مفتقرة إلى النبي صلى الله عليه وآله في الايضاح والبيان معتمدة عليه في السؤال عن معاني القرآن وهو
نبيها مؤيد معصوم كامل العلوم يرشد ضالها ويعلم جاهلها ويجيب سائلها وينبه غافلها ويزيل الاختلاف
148

من بينها ويفقهها على معالم دينها بقول متفق وأمر متسق وقد علم أن الآتين من أمته بعده مكلفون من شرعه نظير ما
كأنه من كان في وقته فوجب في العدل والحكمة إزاحة علل كل زمان لمن يقوم فيه ذلك المقام يفزع إليه
في النازلات ويعول عليه عند المشكلات تكون النفس ساكنة إلى طهارته وعصمته واثقه بكمال علمه ووفادته
وليس ما تضمنه السؤال من أن النبي عليه واله السلام قد بلغ الكافة وبين للأمة بقادح في هذا الاستدلال
لأنه عليه السلام بين لهم شرعه على الحد الذي أمر به فعين لهم على بعضه بالمشافهة ودلهم منه على الجملة الباقية
بالإشارة إلى من خصه الله تعالى بعلمها واستحفظه إياها وجعله الخليفة على الأمة بعده في تبليغها حسبما تقتضيه
مصالحها في تكليفها في اخبار تواترت على ألسنتها منها قوله انا مدينة العلم وعلي بابها فكان ما خصه به
من تفصيل ما أجمل لهم بحسب ما كلفه من التبليغ دونهم على أنه لو ماثلهم في جميع التكليف لم يلزم اشتراكهم
في الإبانة على التفصيل وإنما الواجب عموم المكلفين بالتمليك من الأدلة التي بها تثبت الحجة وتدرك المحجة والامام عندنا
أحد الدليلين على الحق من الشريعة فإذا أودعه الذي استخلفه عليهم تفصيل كثير مما أجمل ونص على عينه ومكن
منه فقد أزاح عللهم ولم يخرج ذلك عن القول بأنه بلغهم وبين لهم ولا دفع ما قدمناه من وجوب الحاجة إلى امام يرجعون
إليه فيما كلفهم ووجه آخر لو فرضنا ان النبي صلى الله عليه وآله قد شمل جميع الأمة بالإبانة على سبيل التفصيل والجملة ولم يخص
أحدا منهم ولا اخفى شيئا عنهم لم تسقط مع ذلك الإمامة ولا جاز خلو زمان من حجة لأن النبي صلى الله عليه وآله علم أهل عصره
وبين لمن كان في وقته ودهره وكانت أحوالهم مختلفة وأسباب اختلافها معهودة معروفة فمنهم الذكي الرشيد
والبطئ البليد والمحب للعلم مع شغله بدنياه والمنقطع إلى العمل والزهد دون ما سواه والمتوفر على العلم المواظب عليه
والمتضجر منه الزاهد فيه والمجتهد في الحفظ مع كثرة نسيانه والمعتمد يعتبر ما يسعه ايمانه هذا مع عدم العصمة عنهم وجواز
الغلط منهم ولذلك حصل الاختلاف بينهم وتضادت رواياتهم ووقع في الحيرة العظمى من عول في دينه عليهم ولم يكن
الله سبحانه الرحيم بخلقه ليلجئ عباده بعد نبيه صلى الله عليه وآله إلى غير حفظه لما استودعوه ولا منفقين فيما رووه ونقلوه ولسنا نجد
علما على يد بعضهم يستدل به على أمانتهم وصدقهم ولا عصمة لهم يؤمن معها من تحريفهم أو غلطهم هذا مع
ما نعلم من عدمهم أكثر النصوص في الاحكام والتجائهم بعدمها إلى الاجتهاد والقياس والاخذ في الدين بالظن و
الرأي الموقع بينهم الاختلاف والمانع من الاتفاق والائتلاف فعلمنا ان الله سبحانه قد أزاح علل المكلفين بعد
149

رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين بالأئمة الراشدين الهداة المعصومين الذين أمر الله تعالى بالرد إليهم والتعويل
عليهم فقال عز من قائل * (ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * النساء وقال النبي
صلى الله عليه وآله اني مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ووجه آخر ولو قدرنا ان الأمة
قد سمعت جميع علوم الشريعة فوعت وأحاطت بتفاصيل احكامها وحفظت واتفقت فيما روت ونقلت وسقطت
معرة الاختلاف عنها واستقر الاتفاق منها لم يغن ذلك عن الأئمة ولا جاز عدمهم على ما يقتضيه العدل والحكمة لأن
الأمة على كل حال يجوز عليها الشك والنسيان ويمكن منها الجحد والكتمان وعلى ذلك حجج يجدها من أنعم
الاستدلال لولا الغرض في ترك الإطالة لأوردنا طرفا منها في هذا الجواب وللمسؤول ان يبني جوابه على أصله المستقر
عنده على قوله إلى أن ينقل الكلام إليه فتكون المنازعة فيه وإذا جاز على الأمة ما ذكرناه لم يكن حفظها واتفاقها
الذي قدرناه بمؤمن من وقوع ما هو جائز عليها وحصول ما هو متوهم منها وفي جواز ذلك مع عدم الأئمة جواز
سقوط الحجة عن الأمة إذ لا معقل يدرك منه الصواب يكن حافظا للشرع والكتاب وفي هذا أوضح البيان عن وجوب
الحاجة إلى الامام في كل زمان وجه آخر ولو أضفنا إلى ما فرضناه وقدرنا وجوده وتوهمناه من سماع الأمة لجميع تفاصيل
الاحكام وايرادها في النفل لها على اتفاق ونظام نفي جواز الشك والنسيان عنها وإحالة الجحد والكتمان منها لم يغن ذلك
عن امام لها في كل زمان حسبما يشهد به الدليل العقلي والبرهان وذلك انا وجدنا اختلاف طبائع الناس وشهواتهم
وتباين هممهم وارادتهم وميل جميعهم في الجملة إلى الرياسة ومحبتهم لنفوذ الامر ووجوب الطاعة ورغبتهم في
حرز الأموال وتطلعهم إلى نيل الآمال وارتكاب أكثرهم للمقبحات وتسرعهم إلى ما يقدرون عليه من الشهوات
مع وكيد تحاسدهم وشديد تظالمهم لا ينكره إلا من دفع الضرورات وانكر المشاهدات يقضي ذلك
في العقول عند ذوي التحصيل بان صلاح أحوالهم وانتظام أمورهم وحراسة أنفسهم وأموالهم لا يتم بوجود
رئيس لهم ومتقدم عليهم يكون مسددا فيما يمضيه من تدبيرهم موفقا للصواب فيما يراه لهم وعليهم يقيم بهيبته
عوجهم ويرد بيده أودهم ويجمع برايه متشتتهم ويقهر بتمكنه معاندهم ويمنع القوي من الضعيف ويسوسهم
بالسوط والسيف وفي عدم الرئيس وعلى ما ذكرناه فساد أحوالهم وانقطاع نظامهم وحصول الهرج منهم ووجود
الحيرة والفتنة بينهم التي هي سبب تلافهم وهلاك أنفسهم وهذا أمر يعلم العقلاء صحته ممن أقر بالشرع
150

وجحده قال الأفوه الأودي وكان جاهليا لا يصلح الناس فوضى لا مراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا وإذا كان الله تعالى
إنما خلق خلقه لنفعهم وأحياهم لصلاحهم ومراشدهم فإنه في عدله وحكمته ورأفته ورحمته لم يخلهم
في كل زمان من رئيس يكون لهم وامام في الدين والدنيا عليهم ووجه آخر ولو رفعنا الدليل العقلي الذي
أوردناه مع تسليم ما ذكرناه وقدمناه لم يدفع ذلك وجوب الحاجة إلى الامام ولا جاز معه ان تعدمه الأنام لأن
الأمة مجمعة على أن في الشريعة احكاما تفتقر إلى من ينفذها وحدودا على الجناة تحتاج إلى من يتولاها وهي مقرة بان
الله تعالى ما جعل ذلك لها وانه لا يسع ولا يجوز اهمالها وتركها فوجب ان يكون للناس امام في كل زمان ينفذ
الاحكام ويقيم حدود شريعة الاسلام حافظا للبيضة من الكفار دافعا عن المسلمين أسباب الأذى والمضار يسير فيهم
بالهدى والصواب لا يتعدى ما يوجبه العقل والكتاب والحمد لله قد أوردت لك أيها الأخ الفاضل أدام الله توفيقك
ما حضرني من وجوه الأجوبة عن هذا السؤال وفي بعضه كفاية وبيان لمن أراد الاستدلال والحمد الله وصلواته على سيدنا
محمد رسوله وآله وسلامه وحسبي الله ونعم الوكيل (فصل من الحديث) حدثنا الشيخ أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي
بن شاذان القمي قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن عباس قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا الحسن بن محمد بن
عبد الله بن محمد بن العباس الرازي قال حدثني علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى عن أبيه جعفر عن أبيه محمد عن
أبيه علي عن أبيه الحسين عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من مات وليس له امام
من ولدي مات ميتة الجاهلية يؤخذ بما عمل في الجاهلية والاسلام وقال حدثني أبو المرجا محمد بن علي بن طالب البلدي
قال حدثنا أبو القاسم عبد الواحد بن الله بن يونس الموصلي (عن أبي علي محمد بن همام بن سهل عن عبد الله بن جعفر الحميري عن الحسن بن علي بن فضال عن محمد بن أبي عمير عن) أبي علي الخراساني عن عبد الكريم بن عبد الله عن مسلمة بن
عطا عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام قال خرج الحسين بن علي صلوات الله عليهما ذات يوم على أصحابه فقال بعد
الحمد لله جل وعز والصلاة على محمد رسوله صلى الله عليه وآله يا أيها الناس ان الله والله ما خلق العباد إلا ليعرفوه
فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه فقال له رجل بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما معرفة الله
قال معرفة أهل كل زمان امامهم الذي يجب عليهم طاعته اعلم أنه لما كانت معرفة الله وطاعته لا ينفعان من لا يعرف
الامام (ومعرفة الامام وطاعته لا ينفعان إلا بعد معرفة الله صح ان يقال إن معرفه هي معرفة الامام وطاعته ولما كانت أيضا المعارف الدينية العقلية
والسمعية تحصل من جهة الامام وكان الامام آمرا بذلك وداعيا إليه صح القول إن معرفة الامام وطاعته هي معرفة الله سبحانه
151

كما نقول في المعرفة بالرسول صلى الله عليه وآله وطاعته انها معرفة بالله سبحانه قال الله عز وجل من يطع الرسول فقد
أطاع الله وما تضمنه قول الحسين عليه السلام من تقدم المعرفة على العبادة غاية في البيان والتنبيه (وجاء في الحديث
عن طريق العامة) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال من مات وليس في عنقه بيعة الامام
أوليس في عنقه عهد الامام مات ميتة جاهلية وروى كثير مهم انه عليه السلام قال من مات وهو لا يعرف امام زمانه مات ميتة
جاهلية وهذان الخبران يطابقان المعنى في قول الله تعالى * (يوم ندعو كل أناس بامامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن
كتابهم ولا يظلمون فتيلا) * الاسراء فان قال الخصوم ان الامام ههنا هو الكتاب قيل لهم هذا انصراف عن ظاهر القرآن بغير حجة توجب
ذلك ولا برهان لان ظاهر التلاوة يفيدان الامام في الحقيقة هو المقدم في الفعل والمطاع في الأمر والنهي وليس
يوصف بهذا الكتاب إلا أن يكون على سبيل الاتساع والمجاز والمصير إلى الظاهر من حقيقة الكلام أولي إلا أن يدعو إلى
الانصراف عنه والاضطرار وأيضا فإن أحد الخبرين يتضمن ذكر البيعة والعهد للامام ونحن نعلم أنه لا بيعة للكتاب في أعناق
الناس ولا معنى لأن يكون له عهد في الرقاب نعلم أن قولكم في الامام انه الكتاب غير صواب فان قالوا ما تنكرون ان يكون الامام
المذكور في الآية هو الرسول عليه السلام قيل لهم ان الرسول عليه السلام قد فارق الأمة بالوفاة وفي أحد الخبرين انه امام الزمان
وهذا يقتضى انه حي ناطق موجود في الزمان فاما من مضى بالوفاة فليس يقال امام إلا على معنى وصفنا للكتاب بأنه امام
ولو أن الامر كما ذكرناه لكان إبراهيم الخليل عليه السلام امام زماننا لأننا عاملون بشرعه متعبدون بدينه وهذا فاسد
إلا على الاستعارة والمجاز وظاهر قول النبي صلى الله عليه وآله من مات وهو لا يعرف إما زمانه يدل على أن لكل زمان إماما في
الحقيقة يصح ان يتوجه منه الامر ويلزم له الاتباع وهذا واضح لمن طلب الصواب ومن ذلك ما أجمع عليه أهل الاسلام
من قول النبي عليه الصلاة والسلام اني مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما
لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فأخبر انه قد ترك في الناس من عترته من لا يفارق الكتاب وجوده وحكمه وانه لا يزال وجودهم
مقرونا بوجوده وفي هذا دليل على أن الزمان لا يخلو من امام ومنه ما اشتهر بين الرواة من قوله في كل خلف من أمتي عدل
من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وان أئمتكم وفودكم إلى الله فانظروا من توفدون في دينكم
(فصل) حديث عن الإمام الرضا حدثنا الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي قال حدثنا أبي قال حدثنا أحمد بن محمد
بن صالح قال حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا أيوب بن نوح قال قال الرضا عليه السلام سبعة أشياء بغير سبعة أشياء من الاستهزاء من استغفر
152

بلسانه ولم يندم قلبه فقد استهزأ بنفسه ومن سئل الله التوفيق ولم يجتهد فقد استهزأ بنفسه ومن استحزم ولم يحذر
فقد استهزأ بنفسه ومن سئل الله الجنة ولم يصبر على الشدائد فقد استهزأ بنفسه من تعوذ بالله من النار ولم
يترك شهوات الدنيا فقد استهزأ بنفسه ومن ذكر الله ولم يستبق إلى لقائه فقد استهزأ بنفسه (مسألة)
امرأة لها بعل صحيح البعولة أمكنت نفسها من رجل كامل العقل رضي الدين فوطأها من غير حرج في ذلك عليها والبعل
المتقدم ذكره كاره لهذا الامر كراهة الطباع راض به من جهة التسليم للشريعة رضا الاختيار (جواب) هذه
امرأة نعي إليها زوجها فاعتدت وتزوجت رجلا مسلما فوطأها بالنكاح الشرعي حيث لا حرج عليها في ذلك لعدم علمها
ببقاء زوجها ثم بلغ زوجها الأول ما فعلته فكرهه من جهة الطباع ورضي به من جهة التسليم لشرع الاسلام فهي
حلال للثاني وإن كانت في عقد الأول إلى أن يحصل لها وللعاقد عليها علم ببقاء زوجها الذي نعي إليها وهذا الجواب
ليس فيه بين الأمة اختلاف (مسألة أخرى) رجلان كانا يمشيان فسقط على أحدهما جدار فقتله
فحرمت على الأخر في هذه الحال زوجته (جواب) هذا رجل زوج عبده ابنته وخرجا يمشيان فسقط على
المولى الجدار فقتله فصار للعبد بذلك ميراثا للبنت فحرمت عليه في الحال لملكها له وعلى هذا الاتفاق (مسألة
أخرى) رجل غاب عن زوجته ثلاثة أيام فكتبت إليه الزوجة ان قد تزوجت بعدك وانا محتاجة إلى نفقة فانفذ إلي
ما أنفقه على نفسي وزوجي فوجب لها ذلك عليه ولم يكن له منه مخرج (جواب) هذه مسألة في معنى التي قبلها
وهي امرأة زوجها أبوها عبدا له وأعطاه مالا واذن له في السفر والتجارة بالمال فخرج العبد قبل ان يدخل بالجارية
فلما صار على يومين من بلده مات سيده فصار ميراثا لابنته التي زوجه بها مولاه فحرمت بذلك عليه وحلت للأزواج
في الحال إذ كان لا عدة عليها فتزوجت رجلا ورضيت به وأنفذت إلى عبدها بان يحمل إليها من تركة أبيها التي في يده ما
تصرفه فيما تشاء فوجب ذلك عليه وليس في هذا أيضا اختلاف (حدثني) الشريف أبو الحسن طاهر بن موسى بن جعفر
الحسني بمصر في شوال سنة سبع وأربعمائة قال أخبرنا أبو القاسم عبد الوهاب بن أحمد بن حسن الخلال اجازة قال حدثنا
أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد العرابي اجازة قال حدثنا الطهراني أبو الحسن وحدثني محمد بن عبيد قال حدثني أبو عبد الله
الحسين بن أبي بكر قال حدثنا أبو الفضل قال حدثنا أبو علي بن الحسن التمار قال حدثنا أبو سعيد كلاهما عن أبي سعيد
واللفظ لمحمد قال حدثنا الطهراني قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثني معمر قال حدثني الزهري قال أشخصني هشام بن عبد الملك
153

من ارض الحجاز إلى الشام زائرا له فسرت فلما أتيت الأرض البلقاء رأيت حبلا اسود وعليه مكتوب أحرفا لم اعلم ما هي فعجبت
من ذلك ثم دخلت عمان قصبة البلقاء فسالت عن رجل يقرا ما على القبور والجبال فأرشدت إلى شيخ كبير فعرفته ما رأيت فقال
اطلب شيئا اركبه لأخرج معك فحملته معي على راحلتي وخرجنا إلى الجبل ومعي محبرة وبياض فلما قراه قال لي ما أعجب ما عليه بالعبرانية
فنقلته بالعربية فإذا هو باسمك اللهم جاء الحق من ربك بلسان عربي مبين لا اله إلا الله محمد رسول الله وعلي ولي الله صلى الله
عليهما وكتب موسى بن عمران بيده قال وحدثني الحسين بن محمد بن علي الصيرفي البغدادي وكان مشتهرا بالعناد لآل محمد عليهم السلام
والمخالفة لهم قال حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن محمد التميمي المعروف بالجعابي سنة ثلاثمائة وخمسين قال حدثنا محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث قال حدثنا أحمد بن يزيد بن سليمان
قال حدثنا إسماعيل بن ابان قال حدثنا أبو مريم عن عطا عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الله ربي ولا امارة
لي معه وانا رسول ربي ولا امارة معي وعلي ولي من كنت وليه ولا امارة معه وسمعت من هذا الراوي المخالف
عدة فضائل لآل محمد عليهم السلام سخره الله لنقلها فرواها راغما حجة عليه بها قد ذكرت في هذا الكتاب طرفا منها وحدثني
أبو الحسن علي بن أحمد اللغوي المعروف بابن زكار بميافارقين في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة قال دخلت على أبي الحسن علي بن
السلماني رحمه الله في مرضته التي توفي فيها فسألته عن حاله فقال ألحقتني غشية أغمي علي فيها فرأيت مولاي أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب صلوات الله عليه قد اخذ بيدي وأنشأ يقول طوفان آل محمد في الأرض غرق جهلها * وسفينتهم حمل
للذي طلب النجاة واهلها * فاقبض بكفك عروة لا تخش منها فصلها وحدثني الشريف أبو عبد الله محمد بن عبد الله
بن الحسين بن طاهر الحسيني قال حدثني أبي عن أبي الحسن أحمد بن محبوب قال سمعت أبا جعفر الطبري يقول حدثنا
هناد بن السري قال رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في المنام فقال لي يا هناد قلت لبيك يا
أمير المؤمنين قال أنشدني قول الكميت * ويوم الدوح دوح غدير خم * ابان لنا الولاية لو أطيعا * ولكن الرجال
تبايعوها * فلم أر مثلها أمرا شنيعا * قال فأنشدته فقال لي خذ إليك يا هناد فقلت هات يا سيدي فقال عليه السلام
ولم أر مثل ذاك اليوم يوما * ولم أر مثله حقا أضيعا * وكثيرا ما أذكر قول شاعر آل محمد عليهم السلام ورحمة الله عليه
(شعر) جعلوك رابعهم أبا حسن * ظلموك حق السبق والصهر * والى الخلافة سابقوك وما * سبقوك في
أحد ولا بدر * (دليل من القرآن يدل على امامة أمير المؤمنين عليه السلام) قال الله عز وجل
* (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * المائدة فقوله سبحانه وليكم المراد به
154

الأولى بكم والأحق بتدبيركم والقيم بأموركم ومن تجب طاعته عليكم وهذا هو معنى الامام بقوله تعالى الذين يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون المراد به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لأنه كان قد تصدق بخاتمه
وهو راكع في الصلاة فتقدير الآية إنما المدبر لكم والمتولي لأموركم والذي تجب طاعته عليكم الله ورسوله
وعلي بن أبي طالب وهذا نص من القرآن على امامة أمير المؤمنين صلوات الله عليه على الأنام فإن قال لنا المخالفون
دلوا أولا على أن قوله وليكم المراد به ما ذكرتم قلنا أما كون لفظة ولي مفيدة لما ذكرناه فظاهر ليس فيه اشكال الا ترون
الناس يقولون هذا اولي المراة يريدون انه المالك لتدبير امرها في انكاحها والعقد عليها ويصفون عصبة المقتول
بأنهم أولياء الدم من حيث كانوا مستحقي المطالبة بالدم ويقولون ان السلطان ولي أمر الرعية أجمعين وفي من رشحه
بخلافته عليهم انه ولي عهد المسلمين ومن حيث كان إلى الولي النظر والتدبير قال الكميت * ونعم ولي الأمر بعد وليه *
ومنتجع التقوى ونعم المؤدب * وفي الجملة ان كل من كان واليا الامر ومتحققا بتدبيره فهو وليه واولى به هذا
هو المعروف في اللغة والشرع معا فيثبت به ما ذكرناه فإن قال المخالفون قد سلمنا لكم ان لفظة وليكم تحتمل ما ذكرتم
ولكنها قد تحتمل أيضا سواه ويجوز ان يكون المراد بها الموالاة في الدين كقوله سبحانه * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء
بعض) * التوبة قلنا لهم ان هذه الآية التي ذكرتموها عامة في سائر المؤمنين والآية التي احتججنا بها لا يصح ان يكون مراد الله
تعالى فيها بقوله والذين آمنوا إلا البعض دون الجميع وذلك أنه ميز فيها من اراده من المؤمنين بصفة الزكاة في حال الركوع
وجعله وليا للجميع وأنتم فلا تخالفون في أن هذه الصفة خاصة في بعض المؤمنين فوجب ان يكون قوله والذين آمنوا
خاصا كذلك لأنها صفة لهم بظاهر التنزيل ولو أراد بقوله والذين آمنوا العموم بجميع المؤمنين لكان الانسان
وليا لنفسه وهذا لا معنى له وقوله في الآية إنما شاهد بصحة التخصيص ونفي المثبت عمن سوى المذكورين
(وهي كقول القائل إنما صديقك من نصحك فقد نفي بقوله إنما صحة الصداقة عمن لم ينصح وثبوت ما ذكرناه من التخصيص
في قوله * (والذين آمنوا) * يعلم أن المراد بالولي هو المدبر للكافة والامام القدوة ولو كان المراد مجرد الموالاة في الدين
لبطل هذا التخصيص ووجه آخر في الجواب ان الله تعالى ذكر في الآية التي احتججنا بها أمرا بدا فيه بنفسه ثم ثنى برسوله
ثم ثلث بمن ذكره من المؤمنين فوجب ان لا يصرف قوله وليكم إلا إلى من هو مستحق لله
ولرسوله صلى الله عليه وآله وإذا كان كذلك فالذين آمنوا المذكورون في الآية) يستحقون
نظير ذلك بعينه وفي هذا دليل على أن المراد تولى التدبير ولزوم الطاعة والامر والنهي في الجماعة فان قال الخصوم
فإذا ثبت لكم ان مراده سبحانه في الآية التي احتججتم بها من قوله والذين آمنوا هو بعض الأئمة دون جميعها وسلم لكم أيضا ان
معنى قوله وليكم فيها هو معنى الإمامة على الصفة التي تذكرونها فما الدليل على أن أمير المؤمنين عليه السلام هو المراد في الآية
والمقصود بها فيها قلنا الدليل على ذلك نقل أصحاب الحديث من الفريقين انها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام
وانه الذي تصدق بخاتمه على السائل وهو راكع دون العالمين ولم يخالف في ذلك إلا من نشأ من متكلمي ذي المتكلمين
155

وليس الانكار يقوم مقام الاقرار ولا مجرد النفي بقادح في الاثبات وإذا اتفق على رواية شئ يجمع أهل النقل كان
ذلك حجة على من له تمييز وعقل فإن قالوا كيف يصح في ذلك الاتفاق وقد روى أن الآية نزلت في عبد الله بن سلام قلنا
يصح لنا ذلك من حيث إن هذه رواية واحدة واخبار الآحاد لا تزيل الاتفاق الحاصل من جملة الاخبار والقول الشاذ
لا يقدح في الاجماع على أن الذي روى بأنها نزلت في عبد الله بن سلام قد تصفحت عليه الحال واشتبهت القصة بشهادة
نقاد الاخبار وذلك أنه لما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه قالت اليهود والله لا جالسناك ولا كلمناك ولنقطعن ولايتنا
منك ومن أصحابك ولا نصرناك فشكا ذلك إلى رسول الله فأنزل الله تعالى * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا
الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) * المائدة
فخرج النبي صلى الله عليه وآله إلى المسجد فقال هل سال سائل فأعطاه أحدا شيئا قالوا نعم يا رسول الله رجل كان في المسجد يسئل فأعطاه
علي عليه السلام خاتمه وهو راكع فقال النبي صلى الله عليه وآله الله أكبر ان الله تعالى قد انزل فيه قرآنا وتلا عليهم الآيتين ثم دعا عبد الله
بن سلام وأصحابه فقال لهم قد عوضكم الله من اليهود أولياء وتلا عليهم الآيتين فظن بعضهم من أهل الغفلة انها
من أجل ذلك نزلت في عبد الله بن سلام ومن رجع إلى كتب التفاسير ونقل أصحاب الحديث علم أن الامر على ما وصفناه والكاف
والميم في قوله سبحانه وليكم خطاب لجميع الأمة حاضرهم وغائبهم وموجودهم ومن سيوجد منهم وهو كقوله كتب عليكم
الصيام وانما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله بن سلام وأصحابه وتلا عليهم الآيتين ليبشرهم بدخولهم في جملة من
يكون وليهم الله ورسوله وأمير المؤمنين فان قالوا إن الآية تضمنت ذكر الجميع بقوله والذين آمنوا فكيف يصح لكم انها
في واحد قلنا لهم قد يعبر بلفظ الجمع تعظيما لشأنه ولا ينكر ذلك في اللغة بل يستعمله أهلها وقد قال الله عز وجل * (انا أرسلنا نوحا
إلى قومه) * وقال تعالى * (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) * الحجر وقد علمنا أن الله ارسل نوحا وحده وانه نزل الذكر وحافظه
ونظير ذلك كثير فإن قالوا ما أنكرتم يكون المراد بقوله والذين آمنوا الجميع ويكون المعنى فيه انهم المؤمنون الذين يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم في اتيانها خاشعون متواضعون لا يمنون ولا يتكبرون ويكون هذا معنى قوله راكعون دون
ما ذهبتم إليه من أن يؤتى الزكاة في حال ركوعه قلنا هذا غير صحيح لأن الركوع لا يفهم في اللغة والشرع معا إلا أنه التطأطؤ
المخصوص دون التواضع والخضوع وإنما يوصف الخاضع بأنه راكع على سبيل المجاز والتشبيه قال الخليل بن أحمد صاحب كتاب العين
كل من ينكب لوجهه فمس ركبته الأرض أو لا تمسها راكع وانشد للبيد أخبر اخبار القرون التي مضت أدب كأني
156

كلما قمت راكع فإن قالوا فما تنكرون ان يكون قوله ويؤتون الزكاة وصفا لهم باتيانهم وقوله وهم راكعون ليس المراد انهم
أعطوها في حال ركوعهم وإنما معناه ان الركوع من شأنهم وعادتهم فوصفهم به وان كانوا يفعلونه في غير وقت اعطاء الزكاة
قلنا أنكرنا ذلك من حيث هو خروج عن ظاهر الكلام المفيد ان الزكاة كانت في حال ركوع الصلاة ولا طريق إلى الانصراف عن الظاهر
مع الاختيار ومثل ذلك قولهم فلان يغشى اخوانه وهو راكب وظاهر هذا يدل على أنه راكب في حال غشيانه اخوانه وان الزمان في
الامرين واحد (وشئ آخر) وهو انا متى قلنا إن الزكاة لم تكن في حال الركوع أدي الكلام إلى التكرار لأنه وصفهم باقام الصلاة
فإذا وصفهم بعد ذلك بأنهم راكعون وهو يريد يصلون تكرر الوصف بالصلاة لأن الركوع داخل في قوله يقيمون الصلاة فإن
قالوا إن أمير المؤمنين علي عليه السلام لم يكن يلزمه عندكم قط زكاة لأنه لم يكن من ذوي اليسار قلنا لسنا نقطع على أن الزكاة لم تجب قط عليه
وربما ملك أدنى مقادير النصاب واتى وقت الزكاة وهو في يديه وليس يقال لمن ملك مائتي درهم انه موسر لا سيما إذا
اتفق له وجوب الزكاة منها وقتا واحدا وقد يجوز أيضا أن تكون هذه الزكاة نافلة وان لم تكن عليه واجبة ولا مانع من أن يسمى
النفل من الصدقة زكاة لأنه متناول للفرض منها في كونه اعطاء يستحق عليه النمو في الحسنات والزيادة في المثوبات فإن كان لفظ
الزكاة عندكم مشتركا في النافلة من الصدقة والفريضة فقد توجه على الظاهر جوابنا وإن كان عندكم ان المستفاد من ظاهر الفظ
الزكاة إنما هو المفترض منها دون ما سواه كنا ممن صرفنا عن الظاهر ورود الاخبار المجمع عليها بان الآية نزلت في أمير المؤمنين
عليه السلام مع أنه لم تلزمه قط فريضة الزكاة فلابد من حمل ذلك على زكاة النافلة وإلا خصصنا الاخبار فان قالوا فكيف ساغ
لأمير المؤمنين عليه السلام الصدقة في حال الصلاة أوليس ذلك ابطالا لها واشتغالا عنها بغيرها قلنا أقرب ما في هذا انا غير
عالمين ان جميع الأفعال المنهى عنها اليوم في الصلاة كانت محظورة كلها في تلك الحال فيجوز ان يكون هذا قبل ورود
حظر هذه الأسباب وقد قيل إن الكلام قد كان مباحا في الصلاة ونهى عنه بعد ذلك ولو لم يكن الامر كذلك لم يلزم ما ذكرتموه
في السؤال لأن الذي فعله أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن شاغلا عن القيام بحدود الصلاة بل جاز ان يكون أشار إلى
السائل إشارة خفية لا يقطع بمثلها الصلاة فهم منها مراده واخذ الخاتم من يده فكيف تنكرون هذا وأنتم ترون
اتفاق الفقهاء على أن يسير العمل في الصلاة لا يقطعها على حال والذي يدل على أنه عليه السلام لم يشتغل بالاعطاء عن استيفاء
شرائط الصلاة نزول المدح له في القرآن والإضافة إلى المدح تقديمه وليا للأنام فإن قالوا فإذا ثبت انه بهذه الآية امام
للخلق فما أنكرتم ان يكون المراد استحقاقه لذلك بعد عثمان قلنا أنكرنا ذلك من قبل ان كل من ثبت له الإمامة بها يوجبها بعد
157

رسول الله في كل حال ولا يخص بذلك حالا دون حال وانكرنا ذلك من قبل ان الله تعالى ولينا ورسوله صلى الله عليه وآله
في كل حال وقد عطف ذكر أمير المؤمنين على اسم رسول الله عليهم السلام فوجب ان يستحق ذلك أيضا في كل
حال كما استحقه الرسول عليه السلام من غير انفصال ولولا قيام الدلالة على أنه ليس في وقت رسول الله صلى الله غليه واله
قدوة للخلق سواه ولا امام لكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يتسحق هذا المقام مذ نزلت الآية وما اتصل
بحياته الزمان وهذا يدل على أنه يستحق ذلك بعده تاليا له من غير فاصلة بولاية غيره ولا اهمال والحمد لله الهادي
إلى الحق بواضح البرهان (فصل) من مستطرفات مسائل الفقه في الانسان (مسألة) اثنان تزوج
كل واحد منهما أم الأخر فرزقا منهما ولدين ما قرابة بين الولدين (جواب) كل واحد منهما عم الأخر لأنه أخو
أبيه من امه (مسألة) اثنان تزوج كل واحد منهما بنت الأخر فرزقا منهما ولدين ما قرابة بين الولدين
(جواب) ان كل واحد منهما خال الأخر لأنه أخو امه وهو أيضا ابن أخته (مسألة) اثنان تزوج كل
واحد منهما أخت الأخر ورزقا منهما ولدين ما قرابة بين الولدين (جواب) ان كل واحد منهما ابن عمة الأخر
وابن خاله (مسألة) رجلان تزوج كل واحد منهما جدة الأخر لأبيه فرزقا منهما ولدين ما قرابة ما بين
الولدين وبين الرجلين وما قرابة بين الولدين (جواب) ان كل واحد من الولدين عم الرجل المتزوج
أم أبيه لأن الرجل ابن جدته لأبيه والولد أخو أبيه من امه وكل واحد من الولدين ابن أخي صاحبه وعم أبيه
(مسألة) رجلان تزوج كل واحد منهما جدة الأخر لامه فرزقا منهما ولدين ما قرابة ما بين الولدين
والرجلين وما قرابة ما بين الولدين (جواب) ان كل واحد من الولدين خال الرجل المتزوج أم امه لان الرجل
ابن جدته لأمه والولد أخو امه من أمها وكل واحد من الولدين ابن أخت صاحبه وخال أبيه انشدنا الشريف
الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي رحمه الله * قد آن ان يسمعك الصوت * أنائم قلبك أم ميت *
يا باني البيت على غيره * امامك المنزل والبيت * وانما الدنيا على طولها * ثنية مطلعها الموت *
(وله أيضا) إذا مضى يوم على هدنة * وأنت في شك من النائبات * فعاجل الفرصة قبل الردى *
وبادر الليلة قبل البيات * واسبق وفي حبلك انشوطة * كذا ضغط الليالي بيد الحادثات * (لغيره)
أشح على ملكي وأحميه دائبا * وسوف برغم الانف اخرج عن ملكي * فما لي لا أبكي لنفسي وهلكها * إذا
158

كنت قد وطنت نفسي على الهلك * فإن كنت لا أدري متى انا ميت * فلست من الموت المنغص في شك * و
موضع قبري ان أكن قد جهلته * فلي خبره بالعرض والطول والسمك * كأني ارى نفسي وحولي جماعة * يلقنني بعض
وبعضهم يبكي * وذكروا ان أحد الأئمة صلوات الله عليهم استدعاه السلطان في ذلك الزمان وأظن أن
الامام كان محمد بن علي الرضا عليهم السلام وان المستدعي كان المتوكل قالوا فلما دخل إليه وجده في قبة مزينة في وسط
بستان وبيده كأس فيها خمر فقربه وهم ان يناوله الكاس فامتنع الإمام عليه السلام فقال انا أهل بيت ما خامرت
لحومنا ودماءنا ساعة قط قال فقال له أنشدني شعرا فانشده الإمام عليه السلام * باتوا على قلل الاجبال
تحرسهم * غلب الرجال فلم تمنعهم القلل * واستنزلوا بعد عز من معاقلهم * فاسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا *
ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا * أين الأسرة والتيجان والحلل * أين الوجوه التي كانت محجبة * من دونها
تضرب الأستار والكلل * فافصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود تنتقل * قد طال ما
اكلوا دهرا وما شربوا * فأصبحوا بعد طول الاكل قد اكلوا * قال فضرب المتوكل بالكاس من الأرض وتنغص
عيشه في ذلك اليوم لمحمود ابن الحسن الوراق * مضى أمسك الماضي شهيدا معدلا * وأعقبه يوما ما عليك شهيد *
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة * افتن باحسان وأنت حميد * فيومك ان أعقبته عاد نفعه * عليك وماضي
الأمس ليس يعود * ولا ترج فعل الخير يوما إلى غد * لعل غدا يأتي وأنت فقيد
(وله أيضا) * أعارك ماله
لتقوم فيه * بطاعته وتعرف فضل حقه * فلم تشكر نعمته ولكن * قويت على معاصيه برزقه * تبارزه بها
ابدا وعودا * وتستخفي بها عن كل خلقه * (وله أيضا) * يا ناظرا يرنو بعيني راقد * ومشاهد للامر غير مشاهد *
منيت نفسك ضله وأبحتها * طرق الرجاء وهن غير قواصد * تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي * درك
الجنان وفوز ما للعابد * ونسيت ان الله اخرج آدما * منها إلى الدنيا بذنب واحد * ولأبي العتاهية إسماعيل
الجرار * قنع النفس بالكفاف وإلا * طلبت منك فوق ما يكفيها * ليس فيما مضى ولا في الذي * لم يأت
من لذة لمستحليها * انما أنت طول عمرك ما عمرت * والساعة التي أنت فيها (وله أيضا في الدنيا)
* يا خاطب الدنيا إلى نفسها * تنح عن خطبتها تسلم * ان التي تخطب غراره * قريبة العرس من المأتم * (المسيح يخاطب الدنيا) قال
الشيخ أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي رضي الله عنه حدثني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الأزدي البصري
159

عن النجري باسناده رفعه إلى أبي شهاب قال بلغني ان عيسى بن مريم عليه السلام قال للدنيا يا امرأة كم لك من زوج
قالت كثير قال فكلهم طلقك فقالت لا بل كلهم قتلت قال أهؤلاء الباقون لا يعتبرون باخوانهم الماضين كيف
تورد بينهم المهالك واحدا واحدا فيكونوا منك على حذر قالت لا وانشد لبعضهم في الدنيا * مزمومة بالهم
مخطومة * سم زعاق در اخلافها * ولم تزل تقتل الأفها * أف لقتالة الأفها (فصل) من كلام سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وآله في الدنيا قال عليه السلام انا زعيم بثلاث لمن أكب على الدنيا بفقر لا غناء له
وبشغل لا فراغ له وبهم وحزن لا انقطاع له وقال عليه السلام كونوا في الدنيا أضيافا واتخذوا المساجد
بيوتا وعودوا قلوبكم الرقة وأكثروا التفكر والبكاء ولا تختلفن بكم الأهواء تبنون ما لا تسكنون وتجمعون
ما لا تأكلون وتأملون ما لا تدركون (فصل) من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في هذا المعنى
من أصبح حزينا على الدنيا فقد أصبح ساخطا على ربه تعالى ومن كانت الدنيا أكبر همه طال شقاؤه وغمه الدنيا
لمن تركها والآخرة لمن طلبها الزاهد في الدنيا كلما ازدادت له تحليا ازداد عنها تخليا إذا طلبت شيئا من الدنيا
فزوى عنك فاذكر ما خصك الله به من دينك وصرفه عن غيرك فإن ذلك أحرى ان تستحق نفسك بما فاتك ومن
بديع كلام أمير المؤمنين عليه السلام الذي حفظ عنه ان رجلا قطع عليه خطبته وقال له صف لنا الدنيا فقال أولها
عناء وآخرها بلاء حلالها حساب وحرامها عقاب من صح فيها امن ومن مرض فيها ندم ومن استغنى فيها فتن
ومن افتقر فيها حزن ومن سعاها فاتته ومن قعد عنها اتته ومن نظر إليها ألهته ومن تهاون بها نصرته
ثم عاد إلى مكانه من خطبته صلوات الله عليه وهذه أعلى الرتب درجة في حضور الخاطب (فصل) من
الكلام في تثبيت امامة صاحب الزمان المهدي ابن الحسن وامامة آبائه عليه وعليهم السلام اعلم أيدك الله
ان الدليل على صحة إمامته صلوات الله عليه وآله واثبات غيبته ظاهر لمن نظره قاطع لعذر من اعتبره بين تأمله
قريب لمن تناوله وهو مبني على أصلين يشهد العقل بهما ويدل عليهما أحدهما وجوب وجود الامام في كل زمان
والاخر كونه معصوما من السهو والخطأ والنسيان فإذا علم المتأمل صحة هذين الأصلين وثبتا عنده بواضح الدليل ثبت له عقيبهما صحة الإمامة والغيبة لمن ذكرناه صلوات الله عليه ولم يحتج إلى تكرار رواية ولا تطويل وذاك
للظاهر المعلوم الذي لا لبس فيه من حال من يدعى لهم الإمامة اليوم سوى من أشرنا إليه وتعريهم أجمعين
160

عن استحقاق العصمة ومماثلتهم في جواز الخطا عليهم لسائر الأمة فعلم بذلك صحة امامة صاحبنا صلوات الله
عليه وثبت لعدم ظهور غيبته حسبما ذهبنا إليه ولو أنه الامام دون العالمين لبطل ما شهد به العقل من صحة
الأصلين وبطلانهما يستحيل مع قيام الدليل وهذه حجة بعيدة عن المعارضات سالمة من دخول الشبهات سهلة
المرام قريبة من الافهام وبها يستمر لك الاستدلال على نظام في ثبيت امامة جميع ساداتنا عليهم السلام لأن وجوب الإمامة
وثبوت العصمة لرئيس الأمة مع ما علمناه من تعري الكافة من هذه الخصلة سائق إلى الاقرار بامامة الاثني
عشر صلوات الله عليهم ومانع للعاقل من الانصراف عنهم والشك فيهم ولم يبق بعدها أكثر من ايراد الدليل على صحة ما ذكرناه
من الأصلين وقد وجب انحسام مادة الخلاف ممن له عقل وانصاف دليل على وجوب الإمامة (أما) الدليل على أنه
لابد للناس من امام في كل زمان فمختصره انا نعلم علما ليس للشك فيه مجال ان وجود الرئيس في الرعية المطاع
ذي الهيبة مقوما ومثقفا ومذكرا وموقفا اردع لها من القبيح وادعى إلى فعل الجميل واكف لأيدي الظالمين
واحرس لا نفس الرادعين ووجود الهرج بينهم ووقع الفتن منهم والعلم بما ذكرناه في ذلك مبني على الضرورات
والتنبيه عليه مع ظهوره يغنى عن الإطالة والزيادات وقد اتقن الكلام في هذه المسألة مشايخنا رضي الله
عنهم ولم يدعوا للخصوم شبهة تستغرب منهم (دليل) على وجوب العصمة وأما الدليل على وجوب عصمة الامام
فهو ان علة الحاجة إليه ان يكون لطفا للرعية في الصلاح ليصدها عن ارتكاب القبائح والفساد ويردها إلى فعل الواجب
والسداد حسبما تقدم به الذكر في وجوب الحاجة إليه في كل عصر وهذا يقتضي ان لا تكون علة الحاجة موجودة فيه
فإنه متى جاز منه القبيح وفعل غير الجميل كان فقيرا محتاجا إلى وجود امام متقدم عليه ويمنعه مما هو جائز منه ويأخذ على
يديه ويكون الكلام في إمامته كالكلام فيه حتى يؤدى ذلك إلى المحال من وجود أئمة لا يتناهون أو إلى الواجب
من وجود امام معصوم فعلم أن علة الحاجة إليه غير موجودة فيه والحمد لله (دليل) آخر على ثبوت عصمة الامام
وما يعلم به ثبوت العصمة للأئمة ان الامام قدوة في الدنيا والدين واتباعه مفترض من رب العالمين فوجب ان لا يجوز الخطا
والزلل عليه وإلا كان الله تعالى قد أمر باتباع من يعصيه ولولا استحقاقه العصمة لكان إذا ارتكب المعصية يتضاد
مع التكليف على الأمة وتصير الطاعة منها معصية والمعصية طاعة وذلك انها مأمورة باتباعه والاقتداء به فمتى
اتبعته في المعصية امتثالا للمأمور من الاقتداء كانت من حيث الطاعة عاصية لله سبحانه ومتى خالفته
161

ولم تقتد به طلبا لطاعة الله تعالى كانت أيضا عاصية لمخالفتها لمن امرت بالاقتداء به واتباعه وفي استحالة جميع
ذلك دلالة على عصمته وليس لاحد أن يقول إن الاقتداء بالامام واجب على الرعية فيما علمت صوابه فيه لأن
هذا القول يخرجها من أن تكون مقتدية به إذ كانت إنما عرفت الصواب بغيره لا بقوله وبفعله فهي إذا علمت بما
عمل لمعرفتها بصوابه فيه إنما وافقته في الحقيقة ولم تعتد به وتتبعه ولو جاز ان يكون إماما لها في شئ عرفت
صوابه بغيره لكانت اليهود أئمة للأمة في الاقرار بموسى عليه السلام لموافقتها لهم في العلم بصحة نبوته وهذا
يدل العاقل على أن القدوة المتبع هو من عرف الحق به وبقوله وفعله فقد بان به واتضح ثبوت الأصلين من
وجوب الإمامة والعصمة وبثبوتهما قد انتظم لنا ما قدمناه من الدليل وفي ذلك كفاية وغنى عن التطويل
والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد رسوله وآله الطاهرين (حدثني) القاضي أبو الحسن أسد بن
إبراهيم السلمي الحراني قال اخبرني أبو جعفر عمر بن علي العتكي قال اخبرني أحمد بن محمد بن صفوة قال حدثني الحسن
بن علي بن محمد العلوي قال حدثني الحسن بن حمزة النوفلي قال اخبرني عمي عن أبيه عن جده قال اخبرني الحسن ابن
علي قال أخبرتني فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله عنه صلى الله عليه وآله قال اخبرني جبرائيل عن كاتبي على أنهما لم يكتبا على
علي ذنبا مذ صحباه وحدثني السلمي عن العتكي قال حدثني سعيد بن محمد الحضرمي قال حدثنا الحسن بن محمد بن
عبد الرحمن الصدفي قال حدثني محمد بن عبد الرحمن قال حدثنا أحمد بن إبراهيم العوفي عن أحمد بن أبي الحكم
البراجمي عن شريك بن عبد الله عن أبي الوفا عن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه عمار قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله
يقول إن حافظي علي ليفتخران على سائر الحفظة بكونهما مع علي عليه السلام ذلك انهما لم يصعدا إلى الله
عز وجل بشئ منه فيسخطه (فصل) من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وحكمه قال علي عليه السلام لم يمت
من ترك أفعالا يقتدى بها من الخير من نشر حكمه ذكر بها موت الأبرار راحة لأنفسهم وموت الفجار راحة
للعالم من كتم علما فكأنه جاهل الجواد من بذل ما يضن بمثله من كرم أصله حسن فعله وجاء في الحديث عن الإمام الصادق
عليه السلام أنه قال تكلم أمير المؤمنين صلوات الله عليه بأربع وعشرين كلمة قيمة كل كلمة منها وزن السماوات
والأرض قال رحم الله امرءا سمع فوعى ودعى إلى رشاد فدنا واخذ بحجزة هاد فنجا راقب ربه وخاف
ذنبه قدم خالصا وعمل صالحا اكتسب مذخورا واجتنب محظورا رمى غرضا واخذ عوضا كابر هواه وكذب مناه
162

حذر املا ورتب عملا جعل الصبر رغبة حياته والتقى عدة وفاته يظهر دون ما يكتم ويكتفي بأقل مما يعلم لزم
الطريقة الغراء والمحجة البيضاء اغتنم المهل وبادر الاجل وتزود من العمل ومن كلام أمير المؤمنين
عليه السلام من ازرى بنفسه من استشعر الطمع من اهوى إلى متفاوت الأمور خذلته الرغبة * أشرف الغنى ترك المنى *
من ترك الشهوات كان حرا * الحرص مفتاح التعب * وداع إلى التقحم في الذنوب * والشره جامع لمساوئ
العيوب * الحرص علامة الفقر * من اطلق طرفه كثر أسفه * قلما تصدقك الأمنية * رب طمع كاذب * وأمل
خائب * من لجا إلى الرجاء سقطت كرامته * همة الزاهد مخالفة الهوى * والسلو عن الشهوات ما هدم الدين مثل
البدع * ولا أفسد الرجال مثل الطمع * إياك والأماني فإنها بضائع النوكي * لن يكمل العبد حقيقة الايمان حتى
يؤثر دينه على شهوته * ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه * من تيقن ان الله سبحانه يراه وهو يعمل بمعاصيه فقد
جعله أهون الناظرين * وجاء في الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما آمن بالقرآن من استحل محارمه
(اخبرني) شيخنا المفيد رضي الله عنه ونقلت من خطه قال حدثني أبو حفص عمر بن محمد بن علي المعروف بابن الزيات
قال حدثنا علي بن مهرويه القزويني قال حدثنا داود بن سليمان الغازي قال حدثنا الرضا علي بن موسى قال حدثني أبي موسى
بن جعفر قال حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال حدثني أبي محمد بن علي الباقر قال حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين
قال حدثني أبي الحسين بن علي الشهيد قال حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال حدثني رسول الله صلى
الله عليه وآله الطاهرين قال يقول الله عز وجل يا ابن آدم ما أنصفتني أتحبب إليك بالنعم وتبغض إلي بالمعاصي خيري إليك
نازل وشرك إلي صاعد وفي كل يوم يأتيني عنك ملك كريم بعمل غير صالح يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك
وأنت لا تدري من الموصوف لسارعت إلى مقته (و) اخبرني شيخنا المفيد رضي الله عنه قال حدثنا جعفر بن محمد بن قولويه قال حدثنا أبي وأخي علي قالا حدثنا سعد بن عبد الله بن يعقوب عن يزيد عن محمد بن زياد عن جعفر بن قرط عن أبي
عبد الله عليه السلام قال من وعظه الله بخير فقبل بالبشرى فله البشرى ومن لم يقبل فالنار له أحرى (و) اخبرني شيخنا أيضا عن جعفر بن
محمد بن قولويه قال حدثني جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه عن الحسين بن خالد عن النوفلي عن السكوني عن
أبي عبد الله عليه السلام قال حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال من أيقن انه يفارق
الأحباب ويسكن التراب ويواجه بالحساب ويستغني عما خلف ويفتقر إلى ما قدم كان حريا بقصر الأمل وطول
163

العمل (فصل) من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله جاء في الحديث عن الرسول عليه واله السلام أنه قال من
أراد ان يكون أعز الناس فليتق الله عز وجل وقال من خاف الله سخت نفسه عن الدنيا ومن رضي من الدنيا بما يكفيه كان أيسر ما
فيها يكفيه وقال الدنيا خضرة حلوة والله مستعملكم فيها فانظروا كيف تعملون وقال من ترك معصية الله مخافة من الله
ارضاه الله يوم القيامة ومن مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الايمان وقال دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإنك
لن تجد فقد شئ تركته لله عز وجل وقال باب التوبة مفتوح لمن أرادها فتوبوا إلى الله توبة نصوحا وقال بادروا
بعمل الخير قبل ان تشتغلوا عنه واحذروا الذنوب فإن العبد يذنب الذنب فيحبس عنه الرزق (حدثني) الشيخ أبو المرجا
محمد بن علي بن أبي طالب البلدي بالقاهرة قال حدثنا أستاذي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني رحمه الله عن
أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي عن شيوخه الأربعة عن الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان الأحول
عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر الإمام الباقر عليه السلام قال قال جدي رسول الله صلى الله عليه وآله أيها الناس حلالي
حلال إلى يوم القيامة وحرامي حرام إلى يوم القيامة إلا وقد بينها الله عز وجل في الكتاب وبينتهما لكم في سيرتي وسنتي وبينهما
شبهات من الشيطان وبدع بعدي من تركها صلح له أمر دينه وصلحت له مروءته وعرضه ومن تلبس بها ووقع فيها
واتبعها كان كمن رعى غنما قرب الحمى ومن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه إلى أن يرعاها في الحمى إلا وان لكل
ملك حمى إلا وحمى الله عز وجل محارمه فتوقوا حمى الله ومحارمه إلا وان اذى المؤمن من أعظم سبب سلب الايمان الا
ومن أحب في الله جل وعز وابغض في الله واعطى في الله ومنع في الله فهو من أصفياء المؤمنين عند الله تبارك وتعالى
إلا وان المؤمنين إذا تحابا في الله جل وعز وتصافيا في الله كانا كالجسد الواحد إذا اشتكى أحدهما من جسده موضعا وجد
الأخر ألم ذلك الموضع قصة وقعت للمؤلف ومن عجيب ما رأيت واتفق لي انني توجهت يوما لبعض اشغالي وذلك بالقاهرة في شهر ربيع
الأخر سنة ست وعشرين وأربعمائة فصحبني في الطريق رجل كنت اعرفه بطلب العلم وكتب الحديث فمررنا في بعض
الأسواق بغلام حدث فنظر إليه صاحبي نظرا استربت منه ثم انقطع مني ومال إليه وحادثه فالتفت انتظارا له فرأيته
يضاحكه فلما لحق بي عذلته على ذلك وقلت له لا يليق هذا بك فما كان بأسرع من أن وجدنا بين أرجلنا في الأرض
ورقة مرمية فرفعتها لئلا يكون فيها اسم الله تعالى فوجدتها قديمة فيها خط دقيق قد اندرس بعضه وكانها مقطوعة
من كتاب فتأملتها فإذا فيها حديث ذهب أوله وهذا نسخته قال إني أخوك في الاسلام ووزيرك في الايمان وقد
164

رايتك على أمر لم يسعني ان اسكت فيه عنك ولست اقبل فيه العذر منك قال وما هو حتى ارجع منه وأتوب إلى الله تعالى
منه قال رايتك تضاحك حدثا غرا جاهلا بأمور الله وما يجب من حدود الله وأنت رجل قد رفع الله قدرك بما تطلب
من العلم وانما أنت بمنزلة رجل من الصديقين لأنك تقول حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل
عن الله تعالى فيسمعه الناس منك فيكتبونه عنك ويتخذونه دينا يعولون عليه وحكما ينتهون إليه وإنما أنهاك ان
تعود لمثل الذي كنت عليه فاني أخاف عليك غضب من يأخذ العارفين قبل الجاهلين ويعذب فساق حملة القرآن قبل
الكافرين فما رأيت حالا أعجب من حالنا ولا عظة أبلغ مما اتفق لنا ولما وقف عليه صاحبي اضطرب لها اضطرابا بان
فيها اثر لطف الله تعالى لنا وحدثني بعد ذلك أنه انزجر عن تفريطات كانت تقع منه في الدين والدنيا والحمد لله
(سؤال) عن آية ان سئل سائل عن قول الله عز وجل * (وإذا أردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق
عليها القول فدمرناها تدميرا) * الاسراء فقال أخبروني ما معنى هذا الاهلاك الذي يريده الله تعالى وكيف قدم إرادة اهلاكهم
على امره لهم ومتى يستمر مع القول بالعدل ان يريد اهلاك قوم قبل ان يأمرهم فيعصوا وما معنى قوله امرنا مترفيها
ففسقوا فيها ففي هذا على من لم يفهم معناه شبهة والله لا يأمر إلا بالعدل (الجواب) قيل له في هذه الآية
وجوه (أحدها) ان من الاهلاك ما يكون حسنا وهو ان يكون مستحقا أو امتحانا وإنما يكون قبيحا إذا كان ظلما
أو عبثا وقد ثبت لنا بالدليل الواضح عدل الله تعالى وحكمته وانه لا يريد الظلم ولا يقع منه العبث فعلمنا انه لم يريد الا الاهلاك
الحسن وأما قوله امرنا مترفيها فالمأمور هنا محذوف وهو الطاعة وتقدير الكلام امرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا
وخالفوا ويجري هذا مجرى قول القائل امرتك فعصيتني فحذف ذكر ما امره به لفهم السامع له وهذا معروف من كلام
العرب والأمثلة فيه كثيرة وأما مترفوها فهم الذين يعملون في الدنيا في غير طاعة الله تبارك وتعالى وأما تقدم إرادة
الاهلاك على الامر فيحتمل ان يكون ذلك بعد أمر متقدم لم يذكر استحق المأمورون بمخالفتهم له العذاب فلما أراد
الله تعالى اهلاكهم اعذر إليهم بأمر ثان على وجه التكرير والتأكيد في إقامة الحجة على العاصين قبل وقوع الاهلاك لمستحق
المذكور ويوافق هذا التأويل قوله تعالى * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * الاسراء (الوجه الثاني) ان يكون الإرادة
في الآية مجازا وتنبيها على المعلوم من حال القوم وعاقبتهم وانهم متى امروا ففسقوا فاهلكوا ويجرى ذلك مجرى
قولهم إذا أراد التاجر ان يفتقر اتته النوائب من كل جانب وتوجه نحوه الخسران من كل مكان وإذا أراد العليل ان
165

يموت خلط في اكله ومعلوم ان ليس منهما من يريد ذلك وإنما حسن الكلام به لما علم من عاقبة امرهما وهذا من أحد أقسام
الفصاحة في كلام العرب وهو جواب صحيح في الآية (الوجه الثالث) ان يحمل الكلام في الآية على التقديم و
التأخير ويكون تلخيصه إذا امرنا مترفي قرية بالطاعة فعصوا واستحقوا العقاب أردنا اهلاكهم والتقديم والتأخير أيضا
مستعمل في كلام العرب وهو وجه حسن ويشهد به من القرآن قول الله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم) * المائدة ونحن نعلم أن الطهارة للصلاة إنما تجب أن تكون قبل القيام إلى الصلاة فاما من قرء امرنا بالتشديد فإنه
لاغناء به عن أجوبتنا (فصل) من أمالي شيخنا المفيد رحمه الله روى أنه لما سار المأمون إلى خراسان كان معه الإمام الرضا
علي بن موسى عليه السلام فبينا هما يتسايران إذ قال له المأمون يا أبا الحسن اني فكرت في شئ فسنح لي الفكر
الصواب فيه فكرت في امرنا وامركم ونسبنا ونسبكم فوجدت الفضيلة فيه واحدة ورأيت اختلاف شيعتنا في ذلك
محمولا على الهوى والعصبية فقال له أبو الحسن الرضا عليه السلام ان لهذا الكلام جوابا ان شئت ذكرته لك وان شئت
أمسكت فقال له المأمون لم أقله إلا لاعلم ما عندك فيه قال الرضا عليه السلام أنشدك الله يا أمير المؤمنين
لو أن الله تعالى بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وآله فخرج علينا من وراء اكمة من هذه الآكام فخطب إليك ابنتك لكنت مزوجه
إياها فقال يا سبحان الله وهل أحد يرغب عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له الرضا عليه السلام افتراه كان يحل
له ان يخطب ابنتي قال فسكت المأمون هنيئة ثم قال أنتم والله أمس برسول الله صلى الله عليه وآله رحما (وروى)
انه لما حج الرشيد ونزل في المدينة اجتمع إليه بنو هاشم وبقايا المهاجرين والانصار ووجوه الناس وكان
في الناس الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فقال لهم الرشيد قوموا بنا إلى زيارة رسول الله صلى
الله عليه وآله ثم نهض معتمدا على يد أبي الحسن موسى بن جعفر صلوات الله عليهما حتى انتهى إلى قبر رسول الله صلى
الله عليه وآله فوقف عليه فقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا ابن عم افتخارا بذلك على قبائل العرب
الذين حضروا معه واستطالة عليهم بالنسب قال فنزع أبو الحسن موسى عليه السلام يده من يده وقال السلام
عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبه قال فتغير وجه الرشيد ثم قال يا أبا الحسن ان هذا لهو الفخر (حدثني)
القاضي السلمي أسد بن إبراهيم قال اخبرني العتكي عمر بن علي قال حدثني محمد بن إسحاق البغدادي قال حدثنا
الكديمي قال حدثنا بشر بن مهران قال حدثنا شريك ابن شبيب عن عروة عن المستطيل بن حصين قال خطب
166

عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ابنته فاعتل عليه بصغرها وقال اني أعددتها لابن أخي جعفر فقال عمر
اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله كل حسب ونسب فمنقطع يوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي وكل بني
أنثى عصبهم لأبيهم ما خلا بني فاطمة فاني انا أبوهم وانا عصبتهم خبر يحيى بن يعمر مع الحجاج قال الشعبي كنت
بواسط وكان يوم اضحى فحضرت صلاة العيد مع الحجاج فخطب خطبة بليغة فلما انصرف جائني رسوله فاتيته
فوجدته جالسا مستوفزا قال يا شعبي هذا يوم اضحى وقد أردت ان اضحى فيه برجل من أهل العراق وأحببت ان
تسمع قوله فتعلم اني قد أصبت الرأي فيما افعل به فقلت أيها الأمير لو ترى ان تستن بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله
وتضحي بما أمر ان يضحى به وتفعل مثل فعله وتدع ما أردت ان تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره
فقال يا شعبي انك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه لكذبه على الله وعلى رسوله وادخاله الشبهة في الاسلام قلت
أفيرى الأمير ان يعفني من ذلك قال لابد منه ثم أمر بنطع فبسط وبالسياف فاحضر وقال احضروا الشيخ فاتوه به
فإذا هو يحيى بن يعمر فاغتممت غما شديدا فقلت في نفسي وأي شئ يقوله يحيى مما يوجب قتله فقال له الحجاج أنت
تزعم انك زعيم أهل العراق قال يحيى انا فقيه من فقهاء أهل العراق قال فمن أي فقهك زعمت أن الحسن والحسين
عليهما السلام من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما انا زاعم ذلك بل انا قائل بحق قال وباي حق قلته قال
بكتاب الله عز وجل فنظر إلى الحجاج وقال اسمع ما يقول فان هذا مما لم أكن سمعته عنه أتعرف أنت في كتاب الله
عز وجل ان الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله صلى الله عليه وآله فجعلت أفكر في ذلك فلم أجد في
القرآن شيئا يدل على ذلك وفكر الحجاج مليا ثم قال ليحيى لعلك تريد قول الله عز وجل * (فمن حاجك من بعد
ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله
على الكاذبين) * آل عمران وان رسول الله صلى الله عليه وآله خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام
قال الشعبي فكانما اهدى إلى قلبي سرورا وقلت في نفسي قد خلص يحيى وكان الحجاج حافظا للقرآن فقال له يحيى و
الله انها لحجة في ذلك بليغة ولكن ليس منها احتج لما قلت فاصفر وجه الحجاج واطرق مليا ثم رفع رأسه إلى يحيى
وقال إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة آلاف درهم وان لم تأت بها فانا في حل من دمك قال
نعم قال الشعبي فغمني قوله فقلت إما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه
167

ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه فإن جاءه بعد هذا بشئ لم آمن ان يدخل عليه فيه من القول ما يبطل به حجته لئلا
يدعي انه قد علم ما جهله هو فقال يحيى للحجاج قول الله عز وجل * (ومن ذريته داود وسليمان) * الانعام من عنى بذلك
قال الحجاج إبراهيم قال فداود وسليمان من ذريته قال نعم قال يحيى ومن نص الله عليه بعد هذا انه من ذريته
فقرا الحجاج * (وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين) * قال يحيى ومن قال * (وزكريا ويحيى وعيسى) *
قال يحيى ومن أين كان عيسى من ذريه إبراهيم عليه السلام ولا أب له قال من قبل امه مريم قال يحيى فمن أقرب مريم من إبراهيم
أم فاطمة من محمد صلى الله عليه وآله وعيسى من إبراهيم عليه السلام أم الحسن والحسين عليهما السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله قال الشعبي فكانما القمه حجرا فقال اطلقوه قبحه الله وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله له فيها
ثم اقبل علي فقال قد كان رأيك صوابا ولكنا أبيناه ودعا بجزور فنحروه وقام فدعا بالطعام فاكل واكلنا
معه وما تكلم بكلمة حتى انصرفنا ولم يزل مما احتج به يحيى بن يعمر واجما (فصل) من القول في القضاء والقدر
(سؤال) ان قال قائل ما قولكم فيهما وما معناهما عندكم وحقيقتهما وهل أفعال العباد عندكم بقضاء الله
وقدره أم لا وما معنى الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال حاكيا عن ربه جل وعز من لم يرض
بقضائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ ربا سوائي وما روي عنه عليه السلام من أنه أوجب الايمان بالقدر خيره وشره
وأخبر ان الايمان لا يتم إلا به وما معنى قول المسلمين ان الواجب الرضا بما قضاه الله وقدره أبينوا لنا عن حقيقة ذلك
ليحصل لنا العلم به (الجواب) قلنا الواجب من هذه المسألة أولا ان نذكر معاني القضاء والقدر ثم
نبين ما يصح ان يتعلق بأفعال العباد من ذلك وما لا يتعلق ونجيب عن الخبر المروي عن رسول الله صلى
الله عليه وآله في ذلك بما يلائم الحق أما القضاء فعلى أقسام (منها) ما يكون بمعنى الاعلام كقول الله تعالى
* (وقضينا إليه ذلك الامر ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) * الحجر اي أعلمناه وقوله سبحانه * (وقضينا إلى بني إسرائيل
في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين) * الاسراء اي أعلمناهم بذلك ويكون القضاء أيضا بمعنى الحكم والالزام كقوله جل اسمه
* (وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه) * الاسراء أي حكم بذلك في التكليف على خلقه وألزمهم به فاما القدر فيكون بمعنى
الكتاب والاخبار كما قال جل وعلا * (إلا امرأته قدرنا انها لمن الغابرين) * الحجر يعنى كتبنا وأخبرنا ويكون القدر أيضا
بمعنى التبيين لمقادير الأشياء وتفاصيلها والاعلام باختلاف أحوالها ويكون القدر ترك الأشياء في التدبير
168

على نظام ووضعها في الحكمة مواضعها من غير زيادة فيها ولا نقصان كما قال تعالى * (وقدر فيها أقواتها) * فصلت فاما
أفعال العباد فيصح ان نقول فيها ان الله تعالى قضى بالطاعة منها على معنى انه حكم بها والزمها عباده وأوجبها وهذا هو
الزام أمر وليس بإلجاء ولا جبر ونقول أيضا انه سبحانه قدر أفعال العباد بمعنى انه بين لهم مقاديرها من حسنها وقبحها
ومباحها وحظرها وفرضها ونفلها فاما القول بأنه قضاها على معنى انه خلقها فغير صحيح لأنه لو خلق الطاعة والمعصية
لسقط اللوم عن العاصي بموجب العدل ولم يكن معنى لإثابة الطائع في حجة ولا عقل ونقول في أفعال الله تعالى انها
كلها بقدر يريد انها لا تفاوت فيها ولا خلل وانها بموجب الحكمة ملتئمة وعلى نسق الصواب منتظمة فاما الخبر المروي عن
النبي صلى الله عليه وآله من قوله حكاية عن الله سبحانه من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ ربا سوائي فهو واضح
المعنى للعاقل وهذا القضاء من الله تعالى هو مما يبتلى به العبد من اعلاله وأسقامه وعوارضه وآلامه وفقره بعد الغنى
وما يمتحنه من فقد الأعزاء والأقرباء كل ذلك من قضاء الله الذي يجب الرضا به والصبر عليه وهو مما يفعله الله سبحانه بعبده
للحكمة التي تقتضيه وما يعلمه الله عز وجل من الصلاح الذي لعبده فيه وكيف يقضي الله على العبد بالمعصية وهي من
الباطل الذي يعاقب عليه وقد قال الله عز من قائل * (والله يقضي بالحق) * غافر وكذلك القول في الخبر المروي عن النبي صلى
الله عليه وآله من ايجابه الايمان بالقضاء والقدر خيره وشره فالخير من القضاء والقدر هو ما مالت إليه الطباع والتذت به الحواس
والشر بالضد من ذلك على ما تقدم به البيان وسمي شرا لما على النفس في تحمله من المشاق وهو أيضا مما أجمع المسلمون عليه
من الرضا بقضاء الله والتسليم لقدره ولو كان الظلم والغضب والكفر بالله عز وجل من قضاء الله وقدره لوجب الرضا
به وترك انكاره فلما رأينا العقلاء ينكرونه ولا يرضونه ويعيبون على من رضي به ويذمونه علمنا أنه ليس من قضاء
الله سبحانه (اخبرني) شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه اجازة قال حدثنا محمد بن عمر
الحافظ املاء قال حدثنا أبو القاسم إسحاق بن جعفر العلوي قال حدثني أبي جعفر بن محمد بن علي عن سليمان بن محمد
القرشي عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه عن جده عليهم السلام قال دخل رجل من أهل العراق
على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فقال أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء الله وقدره
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام أجل يا شيخ فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم واديا الا بقضاء من الله وقدر فقال الشيخ عند الله احتسب
عنائي يا أمير المؤمنين فقال مهلا يا شيخ لعلك تظن قضاء حتما وقدرا لازما لو كان ذلك به لبطل الثواب والعقاب
169

والامر والنهي والزجر وسقط معنى الوعيد ولم يكن على مسئ لأئمة ولا لمحسن محمده ولكان المحسن أولي باللائمة من المذنب
والمذنب أولي بالاحسان من المحسن تلك مقالة عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الأمة ومجوسها يا شيخ
ان الله كلف تخييرا ونهى تحذيرا واعطى بالقليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يخلق السماوات والأرض
وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (و) جاء في الحديث رواية أخرى ان الرجل
قال له فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام الامر بالطاعة والنهى المعصية والتمكين من
فعل الحسنة وترك السيئة والمعونة على القربة إليه والخذلان لمن عصاه والوعد والوعيد والترغيب و
الترهيب كل ذلك قضاء الله في أفعالنا وقدره لأعمالنا فاما غير ذلك فلا تظنه فإن الظن به محبط للأعمال
فقال الرجل فرجت عنى يا أمير المؤمنين وأنشأ يقول * أنت الامام الذي نرجو بطاعته * النجاة من
الرحمن غفرانا * أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربك عنا فيه احسانا * فليس معذرة في
فعل فاحشة * قد كنت راكبها فسقا وعصيانا * لا لا ولا قائلا ناهيه أوقعه * فيها عبدت إذا يا
قوم شيطانا * ولا أحب ولا شاء الفسوق ولا * قتل الولي له ظلما وعدوانا * (وذكر) ان الحجاج ابن
يوسف الثقفي كتب إلى الحسن البصري والى واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وعامر الشعبي فقال لهم أخبروني
بقولكم في القضاء والقدر فكتب إليه الحسن البصري ما اعرف فيه إلا ما قاله علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه قال
يا ابن آدم أزعمت ان الذي نهاك دهاك وإنما دهاك أسفلك وأعلاك وربك برئ من ذاك وكتب إليه
واصل عطاء ما اعرف فيه إلا ما قاله علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه قال ما تحمد الله عليه فإنه هو منه وما تستغفر
الله عنه فهو منك وكتب إليه عمرو بن عبيد ما اعرف فيه إلا ما قاله علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه قال
(إن كان الرزق في الأصل محتوما فالوازر القصاص مظلوم وكتب إليه عامر الشعبي لا اعرف فيه إلا ما قاله علي بن أبي طالب عليه السلام) من وسع عليك الطريق لم يأخذ عليك المضيق فلما قرا الحجاج أجوبتهم قال قاتلهم الله لقد اخذوها من
عين صافية (وجاء) في الحديث ان الحسن بن الحسن البصري كتب إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب
عليهما السلام من الحسن البصري إلى الحسن بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما بعد فإنكم معاشر بني هاشم
الفلك الجارية في اللجج الغامرة ومصابيح الدجى واعلام الهدى والأئمة القادة الذين من اتبعهم نجا والسفينة التي
يؤول إليها المؤمنون وينجو فيها المتمسكون قد كثر يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله عندنا الكلام في القدر واختلافنا
170

في الاستطاعة فتعلمنا ما نرى عليه رأيك ورأي آبائك فإنكم ذرية بعضها من بعض من علم الله علمتم وهو الشاهد عليكم
وأنتم شهداء على الناس والسلام فاجابه الحسن بن علي صلوات الله عليهما من الحسن بن علي إلى الحسن البصري أما بعد فقد
انتهى إلي كتابك عند حيرتك وحيرة من زعمت من امتنا وكيف ترجعون إلينا وأنتم بالقول دون العمل واعلم أنه لولا ما تناهى
إلي من حيرتك وحيرة الأمة قبلك لأمسكت عن الجواب ولكني الناصح ابن الناصح الأمين والذي انا عليه انه من لم يؤمن بالقدر
خيره وشره فقد كفر ومن حمل المعاصي على الله عز وجل فقد فجر ان الله تعالى لا يطاع باكراه ولا يعصى بغلبة ولم يهمل العباد
سدى من المملكة ولكنه عز وجل المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه أقدرهم فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن الله عز وجل لهم صادا
ولا عنها مانعا وائتمروا بالمعصية فشاء سبحانه ان يمن عليهم فيحول بينهم وبينها فعل وان لم يفعل فليس هو حملهم
عليها اجبارا ولا ألزمهم بها اكراها بل احتجاجه جل ذكره عليهم ان عرفهم وجعل لهم السبيل إلى فعل ما دعاهم إليه وترك ما
نهاهم عنه ولله الحجة البالغة والسلام (وروى) محمد بن سنان عن داود بن كثير الرقي ان أبا حنيفة قال لابن أبي
ليلى مر بنا إلى موسى بن جعفر عليهما السلام لنسأله عن أفاعيل العباد وذلك في حياة جعفر الصادق عليه السلام وموسى يومئذ
غلام فلما صار إليه سلما عليه ثم قالا له أخبرنا عن أفاعيل العباد ممن هي فقال لهما إن كانت أفاعيل العباد من الله دون
خلقه فالله أعلا وأعز واعدل من أن يعذب عبيده على فعل نفسه وإن كانت من الله ومن خلقه فالله أعلى وأعز من أن يعذب
عبيده على فعل قد شاركهم فيه وإن كانت
أفاعيل العباد من العباد فإن عذب فبعدله وان غفر فهو أهل التقوى وأهل المغفرة ثم أنشأ يقول * لم تخل أفعالنا اللاتي
نذم بها * إحدى ثلاث معان حين نأتيها * إما تفرد بارينا بصنعتها * فيسقط الذم عنا حين ننشيها * أو كان يشركنا
فيها فيلحقه * ما سوف يلحقنا من لائم فيها * أو لم يكن لإلهي في جنايتها * ذنب فما الذنب الا ذنب جانيها * (كلام الصادق لزرارة) ومما حفظ
عن الصادق عليه السلام في ذلك قوله لزرارة بن أعين يا زرارة أعطيك جملة في القضاء والقدر قال له زرارة نعم جعلت
فداك قال إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق سئلهم عما عهد إليهم ولم يسئلهم عما قضى عليهم (فصل) من كلام أمير
المؤمنين عليه السلام وآدابه وحكمه * لا رأي لمن انفرد برايه * ما عطب من استشار من شاور ذوي الألباب * دل على الصواب
النصح لمن قبله * رأى الشيخ أحب إلي من حيلة الشاب * رب واثق خجل اللجاجة * تسلب الرأي الطمأنينة قبل الحزم
التدبير قبل العمل يؤمنك الندم * من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطا * من تحرى القصد خفت عليه المؤن * من
171

كابد الأمور عطب * لولا التجارب عميت المذاهب * في التجارب علم مستأنف * في التواني والعجز أنتجت الهلكة * احذر
العاقل إذا أغضبته * والكريم إذا هنته * والنذل إذا أكرمته * والجاهل إذا صاحبته * من كف عنك شره فاصنع به ما
سره * من آمنت من اذيته فارغب في اخوته * (فصل) الكلام في الغيبة وسببها ان قال قائل ما السبب الموجب لغيبة
صاحب الزمان عليه وعلى آبائه أفضل السلام قيل له لا يسئل عن هذا السؤال إلا من قد اعطى صحة وجود الامام وسلم
ما نذكره من غيبته من الأنام لأن النظر في سبب الغيبة فرع عن كونها فلا يجوز ان يسئل عن سببها من يقول إنها
لم تكن وكذلك الغيبة نفسها فرع عن صحة الوجود إذ كان لا يصح غيبة من ليس بموجود فمن جحد وجود الامام (فلا يصح كلامه في ما بعد ذلك من هذه الأحوال فقد بان انه لا بد من تسليم الوجود والإمامة) و
الغيبة أما تسليم دين واعتقاد ليكشف السائل عن السبب الموجب للاستتار وأما ان يكون تسليم نظر واحتجاج لينظر
السائل عن السبب إن كان كلامنا في الفرع ملائما للأصل وانه مستمر عليه من غير أن يضاده وينافيه فإن قال السائل
انا أسلم لك ما ذكرتموه من الأصل لا نظر إن كان ينتظم معه جوابكم عن الفرع فما السبب الان في غيبة الإمام عليه السلام
فقيل له أول ما نقوله في هذا انه ليس يلزمنا معرفة هذا السبب ولا يتعين علينا الكشف عنه ولا يضرنا عدم العلم
به والواجب علينا اللازم لنا هو ان نعتقد ان الامام الوافر المعصوم الكامل العلوم لا يفعل إلا ما هو موافق للصواب
وان لم نعلم الأغراض في أفعاله والأسباب فسواء ظهر أو استتر قام أو قعد كل ذلك يلزمه فرضه دوننا ويتعين عليه فعل
الواجب فيه سؤلنا وليس يلزمنا علم جميع ما علم كما لا يلزمنا فعل جميع ما فعل وتمسكنا بالأصل من تصويبه في كل
فعل يغنينا في المعتقد عن العلم بأسباب ما فعل فإن عرفنا أسباب أفعاله كان حسنا وان لم نعلمها لم يقدح ذلك في
مذهبنا كما أنه قد ثبت عندنا وعند مخالفينا إصابة رسول الله صلى الله عليه وآله في جمع أقواله وافعاله والتسليم
له والرضا بما يأتي منه وان لم نعرف سببه ولو قيل لنا لم قاتل المشركين على كثرتهم يوم بدر وهو في ثلاثمائة من
أصحابه وثلاثة عشر أكثرهم رجاله ومنهم من لا سلاح معه ورجع عام الحديبية عن اتمام العمرة وهو في العدة القوية ومن
معه من المسلمين ثلاثة آلاف وستمائة واعطى سهيل بن عمرو جميع مناه ودخل تحت حكمه ورضاه من محو بسم الله الرحمن الرحيم
من الكتاب ومحو اسمه من النبوة واجابته إلى أن يدفع عن المشركين ثلث ثمار المدينة وان يرد إليهم من اتاه ليسلم على يده منهم
مع ما في هذا من المشقة العظيمة والمخالفة في الظاهر للشريعة لما ألزمنا الجواب عن ذلك أكثر من أنه اعرف بالمصلحة من
الأمة وانه لا يفعل هذا إلا لضرورة يختص بعلمها ملجئة أو مصلحة تقتضيه تكون له معلومة وهو الوافر الكامل الذي
172

لا يفرط فيما أمر به وليس عدم علمنا بأسباب فعله ضارا لنا ولا قادحا فيما نحن عليه من اعتقادنا واصلنا فكذلك قولنا
في سبب غيبة امامنا وصاحب عصرنا وزماننا صلوات الله عليه ويشبه هذا أيضا من أصول الشريعة عن السبب في ايلام
الأطفال وخلق الهوام والمسمومات من الحشائش والأحجار ونحو ذلك مما لا يحيط أحد بمعرفة معناه ولا يعلم السبب
الذي اقتضاه فإن الواجب علينا ان نرد ذلك إلى أصله ونقول ان جميعه فعل من ثبت الدليل على حكمته وعدله وتنزهه
عن العيب في شئ من فعله وليس عدم علمنا بأسباب هذه الأفعال مع اعتقادنا في الجملة انها مطابقة للحكمة والصلاح
بضار لنا ولا قادح في صحة أصولنا لأنا لم نكلف أكثر من العلم بالأصل وفي هذا كفاية لمن كان له عقل وهكذا أيضا يجري الامر
في الجواب ان توجه إلينا السؤال عن سبب قعود أمير المؤمنين عليه السلام عن محاربة أبي بكر وعمر وعثمان ولم يقعد عن محاربة
من بعدهم من الفرق الثلاث والأصل في هذا كله واحد وما ذكرناه فيه كاف للمسترشد فإن قال السائل لنا جميع ما ذكرته من
أفعال الله عز وجل فلا شبهه في أنه اعرف بالمصالح فيها وان الخلق لا يعلمون جميع منافعهم ولا يهتدون إليها وأما النبي
صلى الله عليه وآله وما جرى من امره في عام الحديبية فإنه علم المصلحة في ذلك بالوحي من الله سبحانه فمن أين لامامكم علم المصلحة في ذلك
وهو لا يوحى إليه قيل له إن كان امامنا عليه السلام إماما فهو معهود إليه قد نص له على جميع ما يجب تعويله عليه واخذ دلك وأمثاله عن
آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله ولنا أيضا مذهب في الالهام وعندنا ان الإمام عليه السلام يصح ان يلهم من المصالح و
الاحكام ما يكون هو المخصوص به دون الأنام ثم انا نتبرع بعد ما ذكرناه بذكر السبب الذي تقدم فيه السؤال وإن كان
غير لازم لنا في الجواب فنقول ان السبب في غيبة الإمام عليه السلام إخافة الظالمين له وطلبهم سفك دمه واعلام الله
انه متى أبدى شخصه لهم قتلوه ومتى قدروا عليه أهلكوه فحصل ممنوعا من التصرف فيما جعل إليه من شرع الاسلام وهذه الأمور التي
هي مردودة إليه ومعول في تدبيرها عليه فإنما يلزمه القيام بها بشرط وجود التمكن والقدرة وعدم المنع والحيلولة
وإزالة المخافة على النفس والمهجة فمتى لم يكن ذلك فالتقية واجبة والغيبة عند الأسباب الملجئة إليها لازمة لأن
التحرز من المضار واجب عقلا وسمعا وقد استتر النبي صلى الله عليه وآله في غار حراء ولم يكن لذلك سبب غير المخافة
من الأعداء فإن قال السائل ان استتار النبي عليه السلام كان مقدارا يسيرا لم يمتد به الزمان وغيبة صاحبكم قد تطاولت
بها الأعوام قيل له ليس القصر والطول في الزمان يفرق في هذا المكان لأن الغيبتين جميعا سببهما واحد وهما المخافة
من الأعداء فهما في الحكم سواء وإنما قصر زمان إحداها لقصر مدة المخافة فيها وطول زمان الأخرى لطول زمان
173

المخافة فيها ولو ضادت إحداهما الحكمة وأبطلت الاحتجاج لكانت كذلك الأخرى فإن قال فالأظهر ابداء شخصه وأقام
الحجة على مخالفيه وان أدي ذلك إلى قتله قيل لهم ان الحجة في تثبيت إمامته قائمة في الأمة والدلالة على إمامته موجودة
ممكنة والنصوص من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن الأئمة غيبته مأثورة متصلة فلم يبق بعد ذلك أكثر من مطالبة الخصم
لنا بظهوره ليقتل فهذا غير جائز وقد قال الله سبحانه * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * البقرة وقال موسى عليه السلام * (ففررت منكم لما خفتكم) * الشعراء
فان قال السائل ان في ظهوره تأكيدا لإقامة الحجة وكشفا لما يعترض أكثر الناس في امره من الشبهة فالأوجب ظهوره
وان قتل لهذه العلة قيل له قد قلنا في النهي عن التغرير بالنفس ما فيه كفاية ونحن نأتي بعد ذلك بزيادة فنقول انه ليس
كلما نرى فيه تأكيدا لإقامة الحجة فإن فعله واجب ما لم يكن فيه لطف ومصلحة الا ترى ان قائلا لو قال لم لم يعاجل الله
تعالى العصاة بالعقاب والنقمة ويظهر آياته للناس في كل يوم وليلة حتى يكون ذلك آكد في اقامته عليهم الحجة أليس كان جوابنا
له مثل ما أجبنا في ظهور صاحب الغيبة من أن ذلك لا يلزم ما لم يفارق وجها معلوما من المصلحة وعندنا ان
الله سبحانه لم يمنعه من الظهور وان قتل إلا وقد علم مصلحة المكلفين مقصورة على كونه إماما لهم بعينه وان لا
يقوم غيره فيها مقامه فلذلك امره بالاستتار المدة التي علم أنه متى ظهر فيها قتله الفجار فإن قال الخصم هلا أظهره
الله تعالى وأرسل معه ملائكة تبيد كل من اراده بسوء وتهلك من قصده بمكروه قيل له قد سئلت الملحدة عن مثل
هذا السؤال في ارسال الأنبياء عليهم السلام فقالوا لم لم يبعث الله تعالى معهم من الاملاك من يصد عنهم كل سوء
يقصدهم به العباد فكان الجواب لهم ان المصالح ليست واقعة بحسب تقدير الخلائق فيقال لهم لم لم يكن صلاحا والا
فعلى الله تعالى وصنع وإنما هي بحسب المعلوم عند الله عز وجل وبعد فإن اصطلام الله تعالى للعاصين ومعاجلته
باهلاك سائر الظالمين قاطع لنظام التكليف وربما اقتضى ذلك عموم الجماعة بالهلاك كما كان في الأمم السالفة
في الزمان وهو أيضا مانع للقادرين من النظر في زمان الغيبة المؤدي إلى المعرفة والاجابة فقد يصح ان يكون فيهم
ومنهم في هذه المدة من ينظر فيعرف الحق ويعتقده أو يكون فيهم معاندون مقرون قد علم الله سبحانه انهم ان بقوا
كان من نسلهم ذرية صالحة فلا يجوز ان يحرمها الوجود باعدامهم في مقتضى الحكمة وليس العاصون في كل
زمان هذا حكمهم وربما علم ضد ذلك منهم فاقتضت الحكمة اهلاكهم كما كان في زمن نوح عليه السلام حيث قال * (رب
لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) * نوح فإن قال السائل
174

ان آباءه عليهم السلام قد كانوا أيضا في زمان مخافة وأوقات صعبة فلم لم يستتروا كما استتروا وما الفرق بينهم وبينه في هذا الامر
قيل له ان خوف امامنا عليه السلام أعظم من خوف آبائه واكثر والسبب في ذلك أنه لم يرو عن أحد من آبائه عليهم السلام انه
يقوم بالسيف ويكسر تيجان الملوك ولا يبقى لاحد دولة سواه ويجعل الدين كله لله فكان الخوف المتوجه إليه
بحسب ما يعتقد من ذلك فيه وتطلعت نفوس الأعداء إليه وتتبعت الملوك اخباره الدالة عليه ولم ينسب إلى آبائه
عليهم السلام شئ من هذه الأحوال فهذا فرق واضح بين المخافتين وبيان فان قال قائل فمن أين لكم ان السبب
في الغيبة هو المخافة قيل له قد علم أولا انما ذكرناه من الجائز الممكن الذي ليس لأحد فيه مطعن وفي كونه
ممكنا كفاية من اثبات الحجة لنا واسقاط السؤال عنا ثم انا نقول بعد ذلك ان من اطلع في الاخبار وسير السير
والآثار علم أن مخافة صاحبنا عليه السلام كانت مذ وقت مخافة أبيه عليه السلام بل كان الخوف عليه قبل
ذلك في حال حمله وولادته ومن ذا الذي خفي عنه من أهل العلم ما فعله سلطان ذلك الزمان مع أبيه وتتبعه
لاخباره وطرحه العيون عليه انتظارا لما يكون من امره وخوفا مما روت الشيعة أنه يكون من نسله إلى أن اخفى الله
تعالى الحمل بالامام عليه السلام وستر أبوه صلوات الله عليه ولادته إلا عمن اختصه من الناس ثم كان بعد موت أبيه
وخروجه للصلاة ومضى عمه جعفر ساعيا به لى المعتمد ما كان حتى هجم على داره واخذ ما كان بها من أثاثه ورحله
واعتقل جميع نسائه واهله وسئل امه عنه فلم تعترف به وأودعها عند قاضي الوقت المعروف بابن أبي الشوارب
ولم يزل الميراث معزولا سنتين ثم ما كان بعد ذلك من الأمور المشهورة التي يعرفها من اطلع في الاخبار
المأثورة وهذه كلها من أسباب المخاوف التي نشأت بنشوء الرجل الخائف ثم بترادف الزمان لعظم ذكره على لسان
المؤالف والمخالف ومع ذلك فإن النصوص قد نطقت بذكر مخافته كما تضمنت نعت استتاره وغيبته منها
ما هو مجمل ومنها ما هو مفصل فرو عن أمير المؤمنين عليه السلام انه ذكر المهدي صلوات الله عليه فقال
صاحب هذا الامر هو الشريد الطريد الفريد الوحيد وقال صلوات الله عليه على المنبر اللهم انك لا تخلي الأرض
من حجة لك على خلقك ظاهرا موجودا أو خائفا مغمورا كي لا تبطل حججك وبيناتك ومن ذلك قول الإمام
الصادق عليه السلام وقد ذكر عنده المهدي صلوات الله عليه فقال إن للغلام غيبة قبل ان يقوم فقال له
زرارة ولم قال يخاف على نفسه وقول أبيه الباقر عليه السلام في صاحب هذا الامر أربع سنن من أربعة أنبياء سنة
175

من موسى وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة من محمد صلى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء فاما
موسى فخائف يترقب وأما عيسى فيقال مات ويقال لم يمت وأما يوسف فالغيبة عن أهله بحيث لا يعرفهم ولا يعرفونه وأما محمد
صلى الله عليه وآله فالسيف وفيما أوردناه مقنع والحمد لله (فصل) من مسائل الفقه المستطرفة (مسألة)
امرأة طلقها زوجها ومضت في عدتها حتى قاربت النصف فلما انتهت إلى ذلك وجب عليها استئناف العدة من
أولها من غير أن تكون أخلت فيما مضى بشئ من حدودها (الجواب) هذه جارية لم تبلغ المحيض ومثلها في السن من تحيض طلقها زوجها فوجبت العدة بالشهور عليها فلما مضت في عدتها قريب الشهر ونصف حاضت فوجب عليها
الغاء ما مضى واستئناف العدة بالحيض وفي هذا الجواب من العامة خلاف ووفاق (مسألة) امرأة طلقها زوجها
فوجبت عليها العدة أياما معلومة فعمد انسان إلى طاعة الله تعالى ففعلها فوجب على المراة عند فعل الطاعة من
العدة في الأيام مثل ما كان لزمها (الجواب) هذه امرأة طلقها زوج كان لها فحاضت حيضتين في شهر واحد
فلما كان قبل تقضي الشهر بيوم أو يومين قبل ان تطهر من الحيضة الثانية أعتقها مولاها فوجب عليها عدة الحرة
ثلاثة قروء فلم تستوف ذلك حتى كملت ثلاثة أشهر وفي هذا الجواب خلاف من بعض العامة أيضا (مسألة أخرى)
رجل تزوج امرأة على مهر غير موزون ولا مكيل ولا ممسوح ولا هو جسم ولا جوهر ولا شئ من الأموال والعروض
فتم نكاحه بذلك وكان مصيبا (جواب) هذا العاقد على سورة أو آية من كتاب الله تعالى والشيعة مجمعة على هذا
وبعض العامة يوافق فيه (مسألة) امرأة أجنبية من رجل قالت قولا حل له به فرجها من غير مهر ولا اجر ولا
عقد أكثر مما تقدم منها من القول (جواب) هذه المراة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله فنزل القرآن
بقصتها وتحليلها له وتحريم ذلك على غيره وجعلها الله سبحانه خالصة له من دون المؤمنين وليس في هذا الجواب
خلاف بين المسلمين (مسألة) امرأة عدتها ساعة من الزمان (جواب) هذه امرأة حامل فولدت
بعد ساعة من الطلاق والقول في ذلك أيضا اجماع (مسألة أخرى) تزوج رجل امرأة على ألف درهم ثم
طلقها فوجب له عليها الف وخمسمائة درهم (جواب) هذه المراة قبضت من زوجها جميع مهرها وهو ألف درهم
ثم أشهدت على نفسها بعد قبضها له انه صدقه عليه فلما عرف الرجل ذلك طلقها قبل ان يدخل بها فوجب عليها
الألف درهم بالصدقة وخمسمائة درهم نصف ما فرضه لها من الصداق وهذا أيضا جواب عليه الاتفاق (فصل)
176

من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله في ذكر النساء * إياك ومشاورة النساء إلا من جربت بكمال عقلها فإن رأيهن
يجر إلى الأفن وعزمهن إلى وهن وقصر عليهن أجنحتهن فهو خير لهن وليس خروجهن باشد عليك من دخول من لا
يوثق به عليهن وان استطعت ان لا يعرفن غيرك فافعل لا تملك المراة امرها ما يجاوز نفسها فإن ذلك أنعم
لبالها وبالك وإنما المراة ريحانة وليست بقهرمانة ولا تطعها ان تشفع لغيرها ولا تطيلن الخلوة مع النساء
فيمللنك وتملهن واستبق من نفسك بقية وإياك والتغاير في غير موضع غيره فإن ذلك يدعو الصحيحة
إلى السقم وان رأيت منهن ريبة فعجل النكير وأقل الغضب عليهن الا في عيب أو ذنب وقال لا تطلعوا النساء على
حال ولا تأمنوهن على مال ولا تثقوا بهن في الفعال فإنهن لا عهد لهن عند عامدهن ولا ورع لهن
عند حاجتهن ولا دين لهن عند شهوتهن يحفظن الشر وينسين الخير فالطفوا لهن على كل حال لعلهن
يحسن الفعال (فصل) مما روى عن المتقدمين في ذكر النساء قيل لسقراط ما تقول في النساء
فقال ما استرعين شيئا قط إلا ضاع ولا قدرن على شئ وكففن عنه وقيل له كيف يجوز ان تذم النساء ولولا
هن لم تكن أنت ولا أمثالك من الحكماء فقال إنما مثل المراة كمثل النخلة ذات السلا ان دخل يد الانسان فيه عقرة وحملها
الرطب الجني وقيل له عجبا لك كيف تصبر عن النساء وطيبهن فقال هن كعسل أديف فيه سم قاتل فمن اكله استلذ به ساعة
اكله وفيه هلاكه إلى الأبد (و) نظر بعض الحكماء إلى امرأة معلقة في شجرة فوقف تحتها يبكي فقال له بعض تلامذته
أيها الحكيم تبكى لهذه اليائسة فقال والله ما بكائي رحمه منى لها قيل له فمم بكاؤك قال أسفا منى كيف لا ارى كل
الشجر يحمل من هذا الثمر (و) قال ديوجانس لبعض تلامذته وقد نظر إلى امرأة حسناء متبرجة في طريقه تنحوا عن
هذا الفخ الذي قد نصب نفسه لهلاك الخلق (و) قيل لسقراط لم لا تتزوج فقال إن كان ولا بد فعلى الصفة التي
أصفها لكم قالوا صف فلم يترك شيئا من السماجة والقباحة إلا وصفة فقيل له أيها الحكيم لقد ناقضت أولي الألباب
في صفتك فقال ألستم تعلمون انه شر فشر صغير خير من شر كبير ونظر آخر إلى امرأة تحمل نارا فقال الحامل شر من
المحمول ونظر إلى امرأة تعلم الكتابة فقال أفعى يزداد سما وبني رجل دارا وكتب على بابها لا يدخلها شئ من الشر فقيل له
فامرأتك من أين تدخل ونظر بعض الحكماء إلى تلميذ له ينظر إلى امرأة حسناء فقال له احذر ان تصليك وتقيدك بشركها
فتهلك فقال التلميذ إنما انظر إلى آثار حكمة الصانع فيها فقال له انظر إلى آثار حكم الصانع فيما لا تشتهيه نفسك
177

أسلم لك (فصل من ذكر المرضى والعيادة) قال رسول الله صلى الله عليه وآله الحمى تذهب خطايا بني
آدم كما يذهب الكير خبث الحديد وقال الصادق عليه السلام ساعات الأوجاع يذهبن بساعات الخطايا وقال عليه السلام
ان العبد إذا مرض فان في مرضه اوحى الله تعالى إلى كاتب الشمال لا تكتب على عبدي خطيئة ما دام في حبسي ووثاقي
إلى أن اطلقه وأوحى إلى كاتب اليمين ان اجعل انين عبدي حسنات (وروى) ان نبيا من الأنبياء مر برجل قد جهده
البلاء فقال يا رب إما ترحم هذا مما به فأوحى الله إليه كيف ارحمه مما به ارحمه (وروى) لما نزلت هذه الآية * (ليس بأمانيكم
ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به) * سورة النساء فقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله يا رسول الله جاءت قاصمة الظهر فقال عليه السلام
كلا إما تحزن إما تمرض إما تصيبك اللاواء والهموم قال بلى قال فذلك مما يجزي به (وروى) جابر بن عبد الله الأنصاري ان رسول
الله صلى الله عليه وآله قال عايد المريض يخوض في البركة فإذا جلس انغمس فيها وقال عليه السلام إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الاجل فإن
ذلك لا يرد شيئا وهو يطبب النفس أنشد لبعضهم * حق العيادة يوم بين يومين * وجلسة لك مثل الطرف بالعين * لا
تبر من مريضا في مسائله * يكفيك من ذاك تسأله بحرفين (فصل من خطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله في ذكر الموت
والوعظ) يا أيها الناس كان الموت على غيركم كتب * وكان الحق على غيركم وجب * وكان الذي يشيع من الأموات
سفر عن قليل إلينا راجعون * نبوئهم أجداثهم ونأكل تراثهم * كانا مخلدون بعدهم * قد نسينا كل واعظة وامنا
كل جائحة * طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب غيره * وأنفق ما اكتسب في غير معصية ورحم أهل الضعف والمسكنة وخالط
أهل الفقه والحكمة * طوبى لمن أذل نفسه وحسنت خليقته وصلحت سريرته * وعزل عن غيره شره وانفق الفضل من
ماله وامسك الفضل من قوله * ووسعته السنة ولم يدعها إلى البدعة * (فصل مما روي في القبور
والدفائن) وجد على قبر مكتوبا قهرنا الأعداء وبنينا الحصون والدفائن واقتصرنا على ما ترون ووجد على
آخر مكتوبا الدنيا فانية والآخرة باقية والناظر إلينا لاحق بنا ذكروا انهم رأوا على قبر أبي نؤاس هذه الأبيات وهن
لأبي العتاهية * وعظتك أجداث صمت ونعتك أزمنة خفت * وتكلمت عن أعين تبلى وعن صور سبت * وأرتك
قبرك في القبور وأنت حي لم تمت (وروى) انس بن مالك قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال كان تحت الجدار
الذي ذكره الله تعالى في كتابه فقال * (وكان تحته كنز لهما) * الكهف لوح من ذهب مكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم عجبا لمن أيقن
بالموت كيف يفرح وعجبا لمن أيقن بالقدر كيف يحزن وعجبا لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن قلبه
178

إليها لا اله إلا الله (وروى) عن ابن عباس رحمه الله في حديث ذكر فيه اتيان رجل جهني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
واسلامه على يده وانهم تحدثوا يوما في ذكر القبور والجهني حاضر فحدثهم ان جهينة بن القوصان اخبره أشياخه ان
سنة نزلت بهم اكلوا فيها ذخائرهم فخرجوا من شدة الأزل وهم جماعة في طلب النبات فجنهم الليل فآووا إلى مغار و
كانت البلاد مسبعة وهم لا يعلمون قال فحدثني رجل منهم يقال له مالك قال رأينا في الغار أشبالا فخرجنا هاربين حتى
دخلنا وهدة من وهاد الأرض بعد تباعدنا من ذلك الموضع فأصبنا على باب الوهدة حجرا مطبقا فتعاونا
عليه حتى قلبناه فإذا رجل قاعد عليه جبه صوف وفي يده خاتم عليه مكتوب انا حنظلة بن صفوان رسول الله وعند
رأسه كتاب في صحيفة نحاس فيه بعثني الله إلى حمير وهمدان والعزيز من أهل اليمن بشيرا ونذيرا فكذبوني وقتلوني
فأعادوا الصخرة إلى ما كانت عليه في موضعها (وروى) الأصبغ بن نباته في حديث رجل من حضرموت اتى إلى
أمير المؤمنين عليه السلام في أيام أبي بكر فأسلم على يده قال فسئله أمير المؤمنين عليه السلام يوما ونحن مجتمعون للحديث فقال أعالم أنت بحضر
موت فقال الرجل ان جهلتها لم اعلم شيئا قال أفتعرف موضع الأحقاف قال كأنك تسئل عن قبر هود النبي عليه السلام
قال لله درك ما أخطأت قال نعم خرجت في عنفوان شيبتي في غلمة من الحي ونحن نريد ان قبره لبعد صوته فينا
وكثرة من يذكره فسرنا في بلاد الأحقاف أياما وفينا رجل قد عرف الموضع حتى انتهى بنا ذلك الرجل إلى كهف فدخلنا وامعنا
فيه طويلا فانتهينا إلى حجرين قد أطبق أحدهما فوق الأخر وبينهما خلل يدخل الرجل النحيف فتحارفت فدخلت فرأيت رجلا
على سرير شديد الأدمة طويل الوجه كث اللحية قد يبس فإذا مسست شيئا من جسده أصبته صلبا لم يتغير ورأيت عند
رأسه كتابا بالعبرانية فيه مكتوب انا هود النبي آمنت بالله وأشفقت على عاد بكفرها وما كان لأمر الله من مرد فقال
لنا أمير المؤمنين عليه السلام وكذلك سمعت من أبي القاسم صلى الله عليه وآله وسلم (وروى) عبد الرحمن بن زياد الإفريقي
قال خرجت بإفريقة مع عم لي إلى مزروع لنا قال فحفرنا موضعا فأصبنا ترابا هشا فطمعنا فيه فحفرنا عامة يومنا حتى انتهينا
إلى بيت كهيئة الأزج فإذا فيه شيخ مسجى وإذا عند رأسه كتابه فقراتها فإذا هي انا حسان بن سنان الأوزاعي رسول
شعيب النبي صلى الله عليه وآله إلى أهل هذه البلاد دعوتهم إلى الايمان بالله فكذبوني وحبسوني في هذا الحفير إلى أن يبعثني الله
فأخاصمهم إليه يوم القيامة سالم الأعرج مولى بني زريق قال حفرنا بئرا في دور بني زريق فرأينا اثر حفر قديم فعلمنا انه حفر
قديم مستأثر فحفرنا فأفضينا إلى صخرة عظيمة فقلبناها فإذا تحتها رجل قاعد كأنه يتكلم فإذا هو لا يشبه الأموات
179

فأصبنا فوق رأسه كتابة فيها انا قادم بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن هربت بدين الحق من اي يتملك الكافر وانا
اشهد ان الله حق ووعده حق لا أشرك به شيئا ولا اتخذ من دونه وليا (و) عبد الله بن موهب قال أصاب بعض عمال
معاوية محفرا بمصر احتفره بعض أهلها لحاجتهم فافضى بهم ذلك إلى مخضب عظيم مطبق فظنوه مالا فبعث العامل إليه
أمناءه ليحضروا ما فيه فلما فتحوا أصابوا شابا عليه جبة صوف وكساء صوف وخف إلى نصف ساقه وأصابوا عند رأسه كتابا
بالعبرانية انا حبيب بن نوباجر صاحب رسول الله موسى بن عمران عليه السلام من أحب ان يأخذ بالناموس الأكبر فليخالف بني إسرائيل
فإنهم قد تواكلوا الحكم وعملوا بالهوى وباعوا الرضا وتركوا المنهاج الذي اخذ عليه ميثاقهم عبد الله بن
موهب عن بعض أشياخه ان مسجد الرملة لما حفر أساسه في دار معاوية بن أبي سفيان انتهى بهم الحفر إلى صخرة فقلعوها
فإذا تحتها شاب دهين الرأس موفر الشعر قائم مستقبل القبلة فكلموه فلم يكلمهم فكتب بذلك إلى معاوية قال فخرجنا بالكتاب
في خمسة فاتينا معاوية فأخبرناه بذلك ودفعنا إليه الكتاب فامر ان ترد الصخرة إلى حالها وان يعيدوه على حاله كما كان (و)
حدثهم غير واحد انه لما اجرى معاوية بن أبي سفيان القناة التي في أحد أمر بقبور الشهداء فنبشت فضرب رجل بمعولة
فأصاب ابهام حمزة رضي الله عنه فانحبس الدم من ابهامه فاخرج رطبا يتثنى واخرج عبد الله بن عمرو بن الجموح وكانا قتلا
يوم أحد وهما رطبان ينستون بعد أربعين سنه فدفنا في قبر واحد وكان عمرو بن الجموح اعرج فقال أبو سعيد الخدري
انه لشئ لا آمر بعده بمعروف ولا انهى عن منكر وذكروا ان الوليد بن عبد الملك احتاج إلى رصاص أيام بني مسجد دمشق
فقيل له ان في الأردن منارة فيها رصاص فابعث إليها فبعث إليها فلما أخذوا في حفرها ضرب رجل بمعوله فأصاب رجلا
في سفط وناوله المعول فسال دمه فسئل عنه فقيل هذا طالوت الملك فتركه ولم يخرجه (و) ذكروا ان سليمان بن عبد الملك
مر بوادي القرى فامر بحفر يحفر فيه ففعلوا فانتهى فيه إلى صخرة فاستخرجت فإذا تحتها رجل عليه قميصان واضع يده
على رأسه فجذبت يده فمج مكانها دم ثم تركت فرجعت إلى مكانها فرقا الدم وإذا معه كتاب فيه انا الحرث بن شعيب الغساني
رسول شعيب إلى أهل مدين فكذبوني وقتلوني (مسألة من عويض الفقه لأبي النجا محمد بن
المظفر) ذكروا ان أبا النجا سئل عن معنى هذين البيتين * أتعرف خالا أحرز المال كله * ففاز به من دون عم وما
غصب * وما الخال عم الميت حين تنعته * ولكنه أدنى واولى إذا نسب (فأجاب) تفهم جوابا تستفد بافتهامه * غرائب علم طارف حين تكتسب * هو ابن أخيه من أبيه وخاله * لام فخذ قولا يفهم ذا الأدب * وذلك لما زوجت أم امه
180

أخاه يقينا من أبيه إذا انتسب * فجاءته بابن فهو لا شك خاله * لام وسنخ القوم وابن أخ لأب * (السنخ بالكسر للاصر وعن السن نسبته) فاحرز ارث العم * من دون عمه * كذلك يقضي ذو التفقه والأدب (تفسير) الجواب هذا رجل تزوج اخوه لأبيه جدته أم امه فجاءت
بابن فهو خاله لامه وهو ابن أخيه لأبيه فلما مات عن عمه وهذا الخال كان أولي بالميراث من العم لأنه ابن أخ وفيه
قول آخر فيقال رجل تزوج امرأة وزوج ابنه من أمها فجاءت كل واحدة منهما بابن فابن الكبرى هو خال ابن الصغرى و
هو ابن أخيه لأبيه وقد روى أن مثل هذا اتفق في أيام عبد الملك بن مروان وانه دخل إليه رجل من أهل الشام فقال له
يا أمير المؤمنين اني تزوجت امرأة وزوجت ابني أمها ولا غنى بنا عن رفدك فقال له عبد الملك ان أخبرتني ما قرابة
ما بين أولادكما إذا ولدتما فعلت قال يا أمير المؤمنين هذا حميد بن بجدل قد قلدته سيفك ووليته ما وراء بابك
فاسئله عنها فإن أصاب لزمني الحرمان وان أخطأ اتسع لي العذر فدعا بالبجدلي فسئله عنها فقال يا أمير المؤمنين انك
ما قدمتني على العلم بالانساب ولكن على الطعن بالرماح ثم قيل له الجواب وهو ان أحدهما عم الأخر والاخر خاله (مسألة)
تزوج زيد امرأة وزوج ابنه عمرا ابنتها فرزقا منهما ولدين ما قرابة ما بين الولدين (الجواب) ان ولد زيد من المراة
هو عم ولد عمرو من بنتها وخاله أيضا لأنه أخو أبيه من أبيه وأخو امه من امه والاخر ابن أخيه وابن أخته (جواب
مسألة) أخرى تزوج زيد امرأة وزوج ابنه عمرا أختها فرزقا منهما ولدين فما قرابة ما بين الولدين (جواب مسألة)
ان ابن زيد عم ابن عمرو وابن خالته وابن عمرو ابن أخته وابن خالته (فصل) حدثني أبو سعيد أحمد بن محمد بن
أحمد الماليني الهروي بالرملة في شوال سنة عشرة وأربعمائة قال أخبرنا أبو عمرو إسماعيل بن مجيد املاء قال حدثنا علي بن الحسن
بن الجنيد الرازي قال حدثنا المعافا بن سليمان قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا محمد بن حجارة ان ابان حدثه
قال حدثني انس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يدعو في اثر الصلاة فيقول اللهم إني أعوذ بك
من علم لا ينفع وقلب يخشع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع (واخبرني) شيخي
أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن علي الواسطي رضي الله عنه قال اخبرني أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري
قال اخبرني أبو علي محمد بن همام بن سهيل قال حدثنا (جعفر بن محمد بن مالك قال حدثنا) محمد بن الحسن الزيات قال حدثنا حسن بن محبوب عن علي بن أبي
حمزة عن أبي بصير قال قال أبو جعفر عليه السلام كان من دعاء أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلهي كفى بي عزا ان
أكون لك عبدا وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا إلهي أنت لي كما أحب وفقني لما تحب تم الجزء الأول من كتاب كنز الفوائد
181

الجزء الثاني من كتاب كنز الفوائد بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين (الأدلة على أن الصانع واحد) وبعد من الأدلة على أن صانع
العالم واحد أما الذي يعتمده أكثر المتكلمين فدليل التمانع وهو انه لو كان لصانع العالم ثان لوجب ان يكون قديما وإذا
كان كذلك ماثله وإذا ماثله صح ان يريد أحدهما ضد ما يريده الأخر فيقع بينهما التمانع كإرادة أحدهما ان يحرك جسما في وقت و
أراد الأخر ان يسكنه فيه وإذا صح ذلك لم يخل الامر من ثلاث خصال أما ان يصح وقوع مراديهما من غير تضاد ولا تمانع
بينهما فيكون الجسم في وقت واحد ساكنا ومتحركا وهذا محال وأما ان لا يصح وقوعهما ولا شئ منهما فهذا هو التمانع
المبطل لوقوع مراديهما وهو دليل على ضعفهما وأما ان يقع مراد أحدهما دون الأخر فهو دليل على أن من لم يقع مراده
ممنوع ضعيف خارج من أن يكون قديما لأن من صفات القديم ان يكون قادرا لنفسه لا يتعذر عليه فعل ارادته فان قيل
لم قلتم انه إن كان معه ثان يصح ان يريد ضد مراده قلنا لأن من حق القادر ان يصح منه الشئ وضده لا سيما إذا كان
قادرا لنفسه فإذا كانا قادرين لأنفسهما صح ما ذكر بينهما فإن قيل إن التمانع لا يقع منهما لأنهما عالمان فكل واحد منهما
يعلم أن مراد صاحبه حكمة فلا يريد ضده قلنا انما الكلام مبني على صحة ذلك دون كونه فإن لم يكن واحد منهما يريد ان
يمنع صاحبه فكونه قادرا يعطي انه ممكن منه وان لم يفعل وتصح ارادته له ولا تستحيل منه ويحصل من ذلك تقدير التمانع
بينهما وجوازه فإن قيل لم ذكرتم انهما إذا لم يقع مرادهما جميعا ان ذلك لضعفهما قلنا لتساوي مقدورهما و
عند تساويه لا يكون فعل أحدهما أحق بالوجود من فعل الأخر وفي ذلك ابطال افعالهما وهو معنى قول الله عز وجل
* (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * الأنبياء فان قيل فلم قلتم ان وجود مراد أحدهما دليل على ضعف الأخر قلنا لما في ذلك من
رجحانه في قدرته على صاحبه فلو لا انه أقدر منه لما وقع مراده دونه وهذا يوضح عن ضعف من لم يقع مراده (دليل آخر)
وقد احتج أصحابنا بدليل التمانع على وجه آخر فقالوا انهما لو كانا اثنين كان لا يخلو أحدهما من أن يكون يقدر على أن يكتم
صاحبه شيئا أو لا يقدر على ذلك فإن كان يقدر فصاحبه يجوز عليه الجهل ومن جاز عليه الجهل فليس باله قديم
وإن كان لا يقدر فهو نفسه عاجز والعاجز ليس باله قديم (دليل آخر) ومما يدل على أن صانع العالم واحد انه لو كان
معه ثان كان لا يخلو امرهما في فعلهما للعالم من أحد وجهين إما ان يكون كل واحد منهما فعل جميعه حتى يكون الذي فعله
182

أحدهما هو الذي فعله صاحبه أو يكون كل واحد منهما انفرد ببعض منه وفي الوجه الأول ايجاب فعل واحد من فاعلين وهذا
يبطل في فصل وفي الوجه الثاني ايجاب تميز فعل كل واحد منهما عن فعل الأخر لأن القادر الحكيم إذا فعل فعلا حسنا لم
يجز إلا ليجعله دالا عليه وموسوما ومميزا عن فعل غيره لا سيما إذا كان داعيا إلى شكر نعمته وموجبا لمعرفته ولا طريق
لاحد إلى معرفته الا بفعله فلما لم يكن فعل ما شاهدناه من السماء والأرض وغيرهما مما يدل على أن بعضه لواحد وبعضه
لاخر وإنما يدل على أن له فاعلا فقط علمنا أن الفاعل له واحد وهو الله تعالى ذكره فإن قيل فانا نجد العالم على قسمين جواهر
واعراض وكل واحد من الجنسين مميز عن الأخر فالا دل هذا على الصانعين قلنا لو كان صانع الجواهر غير صانع الاعراض
لكنا محتاجين بل عاجزين لأن أحدهما لا يقدر ان يفعله بانفراده وهو يفتقر إلى صاحبه لاستحالة وجود الجوهر بغير عرض
والعرض بغير جوهر إلا ما انفرد به قوم من إرادة القديم وفناء العالم (دليل آخر) وهو ان العالم لو كان صانعه اثنين
لكانا غيرين وحقيقة الغيرين هما اللذان يجوز وجود أحدهما وعدم الأخر أما من الزمان أو المكان أو على وجه من الوجوه
أو كان يجوز ذلك ولسنا نجد أحدا من ذوي العقول الصحيحة السليمة التي لم تعترضها الشبهة الحادثة تعرف غيرين
إلا وهو يعرف انها هكذا ولا يعلم شيئين هكذا الا وهو يعلم أنهما غيران وهذا يمنع من أن يكون صانع العالم اثنين
لما في ذلك من جواز عدم أحدهما ومن جاز عدمه فليس بقديم وفي بطلان قدم أحدهما دليل على أنه داخل في جملة المحدثين وان
صانع العالم هو الواحد القديم ومن خالفنا في حد الغيرين فليوجد لنا شيئين متفقين على وجودهما ليس هذا حكمهما
(دليل آخر) وقد اعتمد البلخي دليلا مفردا على أن صانع العالم واحد لم يحتج ان يذكر فيه تقدير وجود الاثنين فقال
الذي يدل على ذلك انا وجدنا العالم محدثا ولابد له من محدث ووجدنا من تجاوز القول بان المحدث له واحد فزعم أن
اثنين لا نجد فرقا بينه وبين من زعم أنه ثلاثة وكذلك لا نجد فرقا بينه وبين من زعم أنه أربعة وكل عدة تجاوزت
الواحد لا يقدر القائل بها على فرق بينه وبين من زاد فيها ولا نجد حجة توجب قوله دون قول خصمه فيها فلما فسد
قول كل من ادعى الزيادة على الواحد وليس مع أحدهم رجحان بحجته وتكافأت أقوالهم في دعوى الزيادة دل على أن الصانع
واحد لا أكثر من ذلك ولأن الدليل ثبت على وجود الصانع ولم يثبت على ما يزيد على واحد ثم عارض نفسه فقال
إذا قال قائل انكم قد تجدون دارا مبنية يدل بناؤها على أن لها بانيا ثم لا يجدون فرقا بين من زاد على واحد فقال إن
بانيها اثنان وبين من قال ثلاثة وكذلك في كل عدة حتى لا يتميز بعض الأقوال على بعض حجة أفتقطعون على أن صانع
183

الدار زاد رجحان بحجته وتكافت أقوالهم في دعوى الزيادة دل على أن الصانع واحد لا أكثر من ذلك لان الدليل ثبت على وجود الصانع
ولم يثبت على ما يزيد على واحد ثم عارض نفسه فقال إذا قال قائل انكم قد تجدون دارا مبنية يدل بناؤها على أن لها بانيا ثم
لا يجدون فرقا بين من زاد على واحد فقال إن بانيها اثنان وبين من قال ثلاثة وكذلك كل عدة حتى لا يتميز بعض الأقوال على بعض
حجة أفتقطعون على أن صانع إلى الدار واحد وانفصل عن هذه المعارضة بان قال إن المثبت للدار صانعا واحدا أو صانعين
فقد نجد فرقا بينه وبين من زاد عليه ودليلا على قوله دون قول من خالفه وذلك أن صناع الدار يجوز ان يشاهدهم من شاهدها
ويجوز ان يرد الخبر إليه بعددهم ممن شاهدهم يبنونها وليس كذلك صانع العالم وهذا فرق واضح بين الموضعين و
لوضوحه يعلم بطلان مذهب الثنوية على اختلافهم والنصارى في التثليث ومن جرى مجراهم والحمد لله (وروى)
عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله قال إن الله رفع درجة اللسان فانطقه بتوحيده من بين الجوارح (فصل من كلام
رسول الله صلى الله عليه وآله في الخصال من واحد إلى عشرة) وروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال خصلة من لزمها
اطاعته الدنيا والآخرة وربح الفوز في الجنة قيل ما هي يا رسول الله قال التقوى من أراد ان يكون أعز الناس فليتق الله
عز وجل ثم تلا * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * الطلاق (وقال المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين آجل قد بقى لا يدري ما الله قاض فيه) وقال صلى الله عليه وآله ومن وقى شر ثلاث
فقد وقى الشر كله لقلقه وقبقبه وذبذبه فلقلقة لسانه وقبقبه بطنه وذبذبه فرجه وقال صلى الله عليه وآله أربع
خصال من الشقاء جمود العين وقساوة القلب والإصرار على الذنب والحرص على الدنيا وقال صلى الله عليه وآله خمس لا يجتمعن
إلا في مؤمن حقا يوجب الله له بهن الجنة النور في القلب والفقه في الاسلام والورع في الدين والمودة في الناس و
حسن السمت في الوجه (وقال) صلى الله عليه وآله اضمنوا لي ستا من أنفسكم اضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا
إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا ابصاركم وكفوا أيديكم (وقال) صلى الله عليه وآله أوصاني ربي
بسبع أوصاني بالاخلاص في السر والعلانية وان اعفو عمن ظلمني وأعطي من حرمني واصل من قطعني وأن يكون
صمتي فكرا ونظري عبرا وحفظ عنه صلى الله عليه وآله ثمان قال الا أخبركم بأشبهكم بي خلقا قالوا بلى يا رسول
الله قال أحسنكم خلقا وأعظمكم حلما وأبركم بقرابته وأشدكم حبا لاخوانه في دينه وأصبركم على الحق وأكظمكم للغيظ و
أحسنكم عفوا وأشدكم من نفسه انصافا (وقال) صلى الله عليه وآله الكبائر تسع أعظمهن الاشراك بالله عز وجل وقتل
النفس المؤمنة واكل الربا واكل مال اليتيم وقذف المحصنة والفرار من الزحف وعقوق الوالدين واستحلال البيت الحرام
184

والسحر فمن لقي الله عز وجل وهو برئ منهن كان معي في جنة مصاريعها من ذهب (وقال) صلى الله عليه وآله الايمان في عشرة المعرفة
والطاعة والعلم والعمل والورع والاجتهاد والصبر واليقين والرضا والتسليم فأيها فقد صاحبه بطل نظامه (فصل)
من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام والنصوص عليه من رسول الله صلى الله عليه وآله من جملة ما رواه لنا الشيخ الفقيه أبو الحسن
محمد بن أحمد بن شاذان القمي رحمه الله بمكة في المسجد الحرام قال حدثني نوح ابن أحمد بن أيمن رحمه الله قال حدثنا إبراهيم ابن أحمد ابن
أبي حصين قال حدثني جدي قال حدثني يحيى بن عبد الحميد قال حدثني قيس بن الربيع قال حدثني سليمان الأعمش عن
جعفر بن محمد قال حدثني أبي قال حدثني علي بن الحسين عن أبيه قال حدثني أبي أمير المؤمنين علي عليه السلام قال قال لي رسول
الله صلى الله عليه وآله يا علي أنت أمير المؤمنين وامام المتقين يا علي أنت سيد الوصيين ووارث علم النبيين وخير الصديقين
وأفضل السابقين يا علي أنت زوج سيدة نساء العالمين وخليفة خير المرسلين يا علي أنت مولى المؤمنين والحجة بعدي
على الناس أجمعين استوجب الجنة من تولاك واستوجب دخول النار من عاداك يا علي والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على
جميع البرية لو أن عبدا عبد الله تعالى الف عام ما قبل الله ذلك منه إلا بولايتك وولاية الأئمة من ولدك وان ولايتك لا
تقبل إلا بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمة من ولدك بذلك اخبرني جبرئيل عليه السلام فمن شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر (وحدثنا) الشيخ أبو الحسن بن شاذان قال حدثني أبو الحسن علي بن أحمد بن متويه المقري قال
حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا علي بن عثمان قال حدثنا محمد بن فرات عن محمد بن علي عن أبيه عن الحسين بن علي أبيه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب خليفة الله وخليفتي وحجة الله وحجتي وباب الله وبابي وصفي الله وصفيي وحبيب
الله وحبيبي وخليل الله وخليلي وسيف الله وسيفي وهو أخي وصاحبي ووزيري ووصيي محبه محبي ومبغضه مبغضي
ووليه وليي وعدوه عدوي وزوجته ابنتي وولده ولدي وحربه حربي وقوله قولي وامره أمري وهو سيد الوصيين
وخير أمتي (وحدثنا) الشيخ أبو الحسن بن شاذان قال حدثني خال أمي أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله قال حدثنا
علي بن الحسين قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه قال حدثني أحمد بن محمد قال حدثني محمد بن الفضيل عن ثابت بن أبي صفية
عن أبي حمزة قال حدثني علي بن الحسين عن أبيه قال حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله ان الله فرض عليكم طاعتي ونهاكم عن معصيتي وأوجب عليكم اتباع أمري وفرض عليكم من طاعته طاعة
علي بن أبي طالب بعدي وكما فرض عليكم من طاعتي ونهاكم عن معصيته كما نهاكم عن معصيتي وجعله أخي ووزيري
185

ووصيي ووارثي هو مني وانا منه حبه ايمان وبغضه كفر محبه محبي ومبغضه مبغضي وهو مولى من انا مولاه وانا مولى
كل مسلم ومسلمة وانا وهو أبوا هذه الأمة (فصل) من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وآدابه في فضل الصمت وكف
اللسان من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه من كثر كلامه كثر خطؤه ومن كثر خطؤه قل حياؤه ومن قل
حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار إذا فاتك الأدب فالزم الصمت العافية
عشرة اجزاء تسعة منها في الصمت الا عن ذكر الله عز وجل كم من نظرة جلبت حسرة وكم من كلمة سلبت نعمة من
غلب لسانه امره قومه المرء يعثر برجله فيبرأ ويعثر بلسانه فيقطع رأسه ولسانه احفظ لسانك فإن الكلمة أسيرة في
وثاق الرجل فإن اطلقها صار أسيرا في وثاقها عاقبة الكذب شر عاقبته خير القول الصدق وفي الصدق السلامة
والسلامة مع الاستقامة لا حافظ احفظ من الصمت إياكم والنمائم فإنها تورث الضغائن هانت عليه نفسه من
أمر عليه لسانه الصمت نور ان الله عز وجل جعل صورة المراة في وجهها وصورة الرجل في منطقه (مختصر
التذكرة بأصول الفقه) استخرجته لبعض الاخوان
من كتاب شيخنا المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه
وقدس سره
بسم الرحمن الرحيم
الحمد لله أهل الحمد ومستحقه وصلاته على خيرته المصطفين من خلقه سيدنا محمد رسوله الدال بآياته على
صدقه وعلى أهل بيته الأئمة القائمين من بعده بحقه سئلت أدام الله عزك ان أثبت لك جملا من القول في أصول
الفقه مختصره ليكون لك تذكره بالمعتقد في ذلك متيسرة وانا أسير إلى محبوبك وانتهى إلى مرادك ومطلوبك بعون الله و
حسن توفيقه اعلم أن أصول أحكام الشريعة ثلاثة أشياء كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وأقوال
الأئمة الطاهرين من بعده صلوات الله عليهم وسلامه والطرق الموصلة إلى علم المشروع في هذه الأصول ثلاثة أحدها
العقل وهو سبيل إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الاخبار والثاني اللسان وهو السبيل إلى المعرفة بمعاني الكلام و
ثالثها الاخبار وهي السبيل إلى اثبات أعيان الأصول من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة عليهم السلام والاخبار الموصلة
إلى العلم بما ذكرناه ثلاثة اخبار خبر متواتر وخبر واحد معه قرينة تشهد بصدقه وخبر مرسل في الاسناد يعمل به أهل الحق
186

على الاتفاق ومعاني القرآن على ضربين ظاهر وباطن والظاهر هو المطابق لخاص العبارة عنه تحقيقا على عادات أهل
اللسان كقوله سبحانه * (ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) * فالعقلاء العارفون باللسان
يفهمون من ظاهر هذا اللفظ المراد والباطن هو ما خرج عن خاص العبارة وحقيقتها إلى وجوه الاتساع فيحتاج العاقل
في معرفة المراد من ذلك إلى الأدلة الزائدة على ظاهر الألفاظ كقوله سبحانه * (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * فالصلاة في
ظاهر اللفظ هي الدعاء حسب المعهود بين أهل اللغة وهي في الحقيقة لا يصح منها القيام والزكاة هي النمو عندهم
بلا خلاف ولا يصح أيضا فيها الاتيان وليس المراد في الآية ظاهرها وإنما هو أمر مشروع فالصلاة المأمور بها فيها هي
أفعال مخصوصة مشتملة على قيام وركوع وسجود وجلوس والزكاة المأمور فيها هي اخراج مقدار من المال على وجه
أيضا مخصوص وليس يفهم هذا من ظاهر القول فهو الباطن المقصود وأنواع أصول معاني القرآن أربعة أحدها
الامر وما أستعير له لفظة وثانيها النهي وما استعمل فيه أيضا لفظه وثالثها الخبر مع ما يستوعبه لفظه ورابعها التقرير وما وقع عليه
لفظه وللامر صورة محققة في اللسان يتميز بها عن غيره في الكلام وهي قولك افعل اذن ورد مرسلا على الاطلاق وإن كانت
هذه اللفظة تستعمل في غير الامر على سبيل الاتساع والمجاز كالسؤال والإباحة والخلق والمسخ والتهديد والامر المطلق
يقتضي الوجوب ولا يعلم أنه ندب الا بدليل وإذا علق الامر بوقت وجب الفعل في أول الوقت وكذلك اطلاقه يقتضي المبادرة
بالفعل والتعجيل ولا يجب ذلك أكثر من مرة واحدة ما لم يشهد بوجوب التكرار الدليل فإن تكرر الامر وجب تكرار الفعل ما
لم تثبت حجة بان المراد بتكراره التأكيد فاما الأمران إذا عطف أحدهما على الأخر فالواجب ان يراعي فيهما الاتفاق في الصورة
والاختلاف فإن اتفقا دل ذلك على التأكيد وان اختلفا كان لهما حكمان والقول في الخبرين إذا تساويا في الصورة
كالقول في الامرين وامتثال الامر مجز لصاحبه ومسقط عنه فرض ما كان وجب من الفعل عليه وإذا ورد لفظ
الامر معاقبا لذكر الحظر أفاد الإباحة دون الايجاب كقول الله تعالى * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) * الجمعة
بعد قوله * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا ذكر الله) * الجمعة وإذا ورد الامر بفعل أشياء على طريق التخيير
كوروده في كفارة اليمين فكل واحد من تلك الأشياء واجب بشرط اختيار المأمور وليست واجبة على الاجتماع ولا بالاطلاق وما لا يتم الفعل إلا به فهو واجب كوجوب الفعل المأمور به وكذلك الامر بالمسبب دليل على وجوب فعل
السبب والامر بالمراد دليل على وجوب فعل الإرادة وليس الامر بالشئ هو بنفسه نهي عن ضده ولكنه يدل على النهي عنه
187

بحسب دلالته على حظره وباستحالة اجتماع الفعل وتركه يقتضي صحة النهي العقلي عن ضد ما أمر به وإذا ورد الامر بلفظ
المذكر مثل قوله يا أيها الذين آمنوا ويا أيها المؤمنون والمسلمون وشبهة فهو متوجه بظاهره إلى الرجال دون النساء
ولا يدخل تحته بشئ من الإناث إلا بدليل سواه فاما تغليب المذكر على المؤنث فإنما يكون بعد جمعهما بلفظهما على التصريح ثم يعبر
عنهما من بعده بلفظ المذكر ومتى لم يجر للمؤنث ذكر بما يخصه من اللفظ فليس يقع العلم عند ورود لفظ المذكر بان فيه
تغليبا إلا أن يثبت ان المتكلم قصد الإناث والذكور معا بدليل فاما الناس فكلمة تعم الذكور والإناث (واما القوم فكلمة تعم الذكور بدل الإناث) وإذا ورد الامر
مقيدا بصفد يخص بها بعض المكلفين فهو مقصور على ذي الصفة غير متعدية إلى غيره الا بدليل كقوله تعالى * (يا أيها المدثر
قم فانذر) * المدثر وإذا ورد بصفة تتعدى المذكور إلى غيره من المكلفين كان متوجها إلى سائرهم على العموم إلا ما خصه الدليل
كقوله جل وعز * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * الطلاق والامر بالشئ لا يكون إلا قبله لاستحالة تعلق الامر
بالموجود والامر متوجه إلى الطفل بشرط البلوغ وكذلك الامر للمعدوم بشرط وجوده وعقله الخطاب ويصح أيضا توجه الامر
إلى من يعلم من حاله انه يعجز في المستقبل عما أمر به (أو يحال بينه وبينه أو يختر من دونه لما يجوز في ذلك من مصلحة المأمور في اعتقاده فعل ما أمر به) واللطف له في استحقاقه الثواب على نيته وامكان استصلاح
غيره من المكلفين بأمره فاما خطاب المعدوم والجمادات والأموات فمحال والامر أمر بعينه ونفسه فاما النهى فله صورة
في اللسان محققه يتميز بها عن غيره وهي قولك لا تفعل إذا ورد مطلقا والنهى في الحقيقة لا يكون منك إلا لمن
دونك كالأمر والنهى موجب للترك المستدام ما لم يكن شرط يخصه بحال أو زمان فاما الخبر فهو ما أمكن فيه الصدق
والكذب وله صيغة مبنية يتفصل بها مما يخالفه في معناه وقد يستعار صيغته فيما ليس بخبر كما يستعار غيرها من صيغ
الحقائق فيما سواه على وجه الاتساع والمجاز قال الله عز وجل * (ومن دخله كان آمنا) * هو من الآية آل عمران فهو لفظ بصيغة الخبر والمراد به
الامر بان يؤمن من دخله والعام في معنى الكلام ما أفاد لفظه اثنين فما زاد والخاص ما أفاد واحدا دون ما سواه
لأن أصل الخصوص التوحيد واصل العموم الاجتماع وقد يعبر عن كل واحد منها بلفظ الأخر تشبها وتجوزا قال الله
تعالى * (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) * الحجر فعبر عن نفسه سبحانه وهو واحد بلفظ الجمع وقال سبحانه * (الذين قال لهم
الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا ونعم الوكيل) * آل عمران وكان سبب نزول هذه
الآية ان رجلا قال لأمير المؤمنين عليه السلام قبل وقعة أحد ان أبا سفيان قد جمع لكم الجموع فقال أمير المؤمنين عليه السلام
حسبنا الله ونعم الوكيل فاما اللفظ الخاص المعبر به عن العام فهو كقوله عز وجل * (والملك على ارجائها) * الحاقة وإنما أراد به الملائكة
188

وقوله * (يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم) * الانفطار يريد يا أيها الناس وكل لفظ أفاد من الجمع ما دون استيعاب الجنس
فهو عام في الحقيقة خاص بالإضافة كقوله عز وجل * (فتحنا عليهم أبواب كل شئ) * الانعام ولم يفتح أبواب الجنات ولا أبواب النار و
قوله * (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) * البقرة وإنما أراد بعض الجبال وكقول القائل جاءنا فلان بكل عجيبة والامثال في ذلك كثيرة
وهو كله عام في اللفظ خاص مقصور عن الاستيعاب فاما العموم المستوعب للجنس فهو ما أفاد من القول نهاية ما دخل
تحته وصح للعبارة عنه في اللسان قال الله عز وجل * (والله بكل شئ عليم) * وقال سبحانه * (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك
ذو الجلال والاكرام) * الرحمن فاما الألفاظ المنسوبة إلى الاشتراك فهى على انحاء فمنها ما هو مبني لمعنى سائغ في أنواع مختلفات كاسم
شئ على التنكير فهو وإن كان في اللغة موضوعا للموجود دون المعدوم فهو يعم الجواهر والأجسام والاعراض غير أن لكل
ما شمله مما عددناه أسماء على التفصيل مبينات يخص كل اسم منها نوعه دون ما سواه ومنها رجل وانسان وبهيمه ونحو ذلك
فإنه يقع على كل اسم من هذه الأسماء على أنواع في الصور والهيئات وهو موضوع في الأصل لمعنى يعم ويشمل جميع ما في معناه
ومن الألفاظ المشتركه ضرب آخر وهو قولهم عين ووقوع هذه اللفظة على جارحة البصر وعين الماء والذهب وجيد الأشياء
وصاحب الخير وميل الميزان وغير ذلك فهذه اللفظة بمجردها غير مبنيه لشئ مما عددناه وإنما هي بعض المبنى وتمامه وجود
الإضافة أو ما يقوم مقامها من الصفة المخصوصة وإذا ورد اللفظ وكان مخصوصا بدليل فهو على العموم فيما بقي تحته مما عدا المخصوص
ويقال انه عام على المجاز لأنه منقول عما بني له من الاستيعاب إلى ما دونه من المخصوص وحقيقة المجاز هي وضع اللفظ
على غير ما بني له في اللسان فلذلك قلنا إنه مجاز وإذا ورد لفظان عامان كل واحد منهما يرفع حكم صاحبه ولم يعرف المتقدم
منهما من المتأخر فيقال ان أحدهما منسوخ والاخر ناسخ وجب فيهما الوقف ولم يجز القضاء بأحدهما على الأخر إلا أن يحضر
دليل وذلك كقوله سبحانه * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج) * البقرة
وهذا عموم في جميع الأزواج المختلفات بعد الوفاة وقوله * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن
أربعة أشهر وعشرا) * البقرة وهذا أيضا عام وحكمهما متنافيان فلو لا ان العلم قد أحاط بتقديم إحديهما فوجب القضاء بالمتأخرة الثانية
منهما لكان الصواب هو الوقف دون الحكم بشئ منهما وكذلك إذا ورد حكمان في قضية واحدة أحدهما خاص والاخر عام ولم
يعرف المتقدم من المتأخر منهما ولم يمكن الجمع بينهما وجب التوقف فيهما مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا
نكاح إلا بولي والرواية عنه من قوله ليس للولي مع البنت أمر وهذا يخص الأول وفي الامكان ان يقضي عليه في الأول
189

في كل واحد منهما يجوز ان يكون الناسخ للاخر فيعدلنا عنهما جميعا لعدم الدلالة القاضي منهما وصرنا إلى ظاهر قوله
عز وجل * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * النساء وقوله وانكحوا الأيامى منكم في اباحه النكاح بغير اشتراط ولى على الاطلاق وإذا ورد
لفظ في حكم وكان معه لفظ خاص في ذلك الحكم بعينه وجب القضاء بالخاص وهذا مثل الأول ومثاله قول الله عز وجل
* (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فإنهم غير ملومين) * المؤمنون وهذا عام في ارتفاع اللوم على وطئ الا
زواج على كل حال والخصوص قوله سبحانه * (ويسألونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن
حتى يطهرن) * البقرة فلو قضينا بعموم الآية ارتفع حكم آية المحيض باسره وإذا قضينا بما في الثانية من الخصوص لم يرتفع حكم الأولى
العام من كل الوجوه فوجب القضاء باية التخصيص منهما ليصح العمل على ما بيناه بهما وإذا سبق التخصيص اللفظ العام أو ورد
مقارنا له فلا يجوز القول بأنه ناسخ لحكمه لأن العموم لم يثبت فيستقر له حكم وإنما خرج إلى الوجود مخصوصا فأوجبه في حكم الخصوص
والنسخ إنما هو رفع موجود لو ترك لأوجب حكما في المستقبل والذي يخص اللفظ العام لا يخرج منه شيئا دخل تحته وإنما يدل
الدليل على أن التجوز لم يرد من المعنى ما بني له الاسم وإنما أراد غيره وقصد إلى وضعه على غير ما بني له في الأصل وليس يخص العموم
الا دليل العقل والقرآن والسنة الثابتة فاما القياس والرأي فإنهما عندنا في الشريعة ساقطان لا يثمران علما ولا يخصان عاما ولا
يعمان خاصا ولا يدلان على حقيقة ولا يجوز تخصيص العام بخبر الواحد لأنه لا يوجب علما ولا عملا وإنما يخصه من الاخبار ما انقطع
العذر لصحته عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أحد الأئمة عليهم السلام وليس يصح في النظر دعوى العموم بذكر الفعل
وإنما يصح ذلك في الكلام المبني والصور منه المخصوصة فمن تعلق بعموم الفعل فقد خالف العقول وذلك أنه إذا روي أن
النبي صلى الله عليه وآله أحرم لم يجب الحكم بذلك على أنه أحرم بكل نوع من أنواع الحج من افراد وقران وتمتع وإنما
يصح الاحرام بنوع منها واحد وإذا ثبت الخبر عنه عليه السلام أنه قال لا ينكح المحرم وجب عموم حظر النكاح على جميع المحرمين
مع اختلافهم فيما احرموا به من افراد وقران وتمتع أو عمرة منقولة وفحوى الخطاب هو ما فهم منه المعنى وان لم يكن نصا
صريحا فيه بمعقول عادة أهل اللسان في ذلك كقوله الله عز وجل * (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما) * الاسراء فقد فهم من هذه الجملة
ما تضمنته نصا صريحا وما دل عليه بعرف أهل اللسان من الزجر عن الاستخفاف بالوالدين الزائد على قول
القائل لهما أف وما تعاظم عن انتهارهما من القول وما أشبه ذلك من الفعل وان لم يكن النص تضمن ذلك على
التفصيل والتصريح وكقولهم لأمر يخص لا تبخس فلانا من حقه حبة واحدة وما يدل ذلك عليه بحسب العرف بينهم
190

والعادة من النهى عن جميع البخس الزائد على الحبة والأمثله في ذلك كثيرة فاما دليل الخطاب فهو ان الحكم إذا علق ببعض
صفات المسمى في الذكر دل ذلك على أن ما خالفه في الصفة مما هو داخل تحت الاسم بخلاف ذلك الحكم إلا أن يقوم
دليل على وفاقه فيه كقول النبي صلى الله عليه وآله في سائمة الإبل الزكاة فتخصيصه السائمة بالزكاة دليل على أن
العاملة ليس فيها زكاة ويجوز تأخير بما ان المراد من القول المجمل إذا كان في ذلك لطف للعباد وليس ذلك من المحال
وقد أمر الله قوم موسى ان يذبحوا بقرة وكان مراده أن تكون على صفة مخصوصة ولم يقع البيان مع قوله إن الله
يأمركم ان تذبحوا بقرة بل تأخر عن ذلك وانكشف لهم عند السؤال بحسب ما اقتضاه لهم الصلاح وليس ينافي
تأخير البيان القول بان الامر على الفور والبدار وذلك أن تأخير البيان عن الامر الموقت بمستقبل من الزمان
إما بمجرد لفظ يفيد ذلك أو قرينة من برهان هو غير الامر المطلق العرى من القرائن الذي ظن أنه يقتضي الفور
والبدار ولا يجوز تأخير بيان العموم لأن العموم موجب بمجردة الاستيعاب فمتى اطلقه الحكيم ومراده التخصيص
ولم يبين ذلك فقد اتى بالغاز وليس هذا كتأخير بيان المجمل من الكلام وبينهما فرق والأسماء النكرة موضوعة
في أصل اللغة للجنس دون التعيين فإذا ورد الامر بفعل يتعلق بنكرة وجب ايقاعه على ما يستحق بمعناه سمة الجنس
سوى ما زاد عليه فمن ذلك ما يفيد أقل ما يدخل تحت الجنس كقول القائل لغيره تصدق بدرهم فامتثال هذا
الامر ان يتصدق بدرهم كائنا ما كان من الدراهم وليس النهي بالنكرة كالأمر بها لأن الامر ههنا يقتضي التخصيص
والنهي يقتضي العموم راو قال النبي صلى الله عليه وآله لاحد أصحابه لا تدخرن درهما ولا دينارا لاقتضى ذلك ان لا
يدخر منهما شيئا ولو قال له تصدق بدرهم ودينار لأفاد ذلك ان يتصدق بهما ولم يلزمه ان يتجاوزهما وليس
القول بان الامر بالنكرة يقتضي ان يفعل أي واحد كان من الجنسين بمفسد ما تقدم من القول في تأخير البيان
عن قوم موسى عليه السلام كما امروا بذبح بقرة بلفظ التنكير لأن حالهم يقتضي ان مع الامر لهم بذبحها قد كانت لهم قرينة
اقتضت التوقف والسؤال في سؤالهم ذلك على ذلك ولو تعرى الامر من القرينة لكان مجرد وروده بالتنكير
يقتضي الامتثال في أي واحد كان من الجنسين ومن هذا الباب ان يرد الامر (بلفظ التثنية والتنكير كقوله اعط فلانا درهمين فالواجب الامتثال في أي درهمين كانا على معنى ما تقدم من القول ومنه ان يرد الامر) بلفظ الجمع المنكر كقوله تصدق
بدراهم فليس يفيد ذلك أكثر من أقل العموم وهو ثلاث ما لم يقع التبيين واعلم أن العموم على ثلاثة اضرب فضرب هو
أصل الجمع المفيد لاثنين فما زاد وذلك لا يكون إلا فيما اختصت عبارة الاثنين به في العدد فهو عموم من حيث الجمع
191

والضرب الثاني ما عبر عنه بلفظ الجمع المنكر كقولك دراهم ودنانير فذلك لا يصح في أقل من ثلاثة والضرب الثالث
ما حصل فيه علامة الاستيعاب من التعريف بالألف واللام وبمن الموضوعة للشرط والجزاء فمتى قال لعبده عظم العلماء
فقد وجب عليه تعظيم جميعهم وإذا قال من دخل داري أكرمته وجب عليه اكرام جميع الداخلين داره والأسماء الظاهرة
ما استغنت في حقائقها عن مقدمة لها والمكنية ما يصح الابتداء بها وحكم الكناية في العموم والخصوص حكم ما
تقدمها والكناية والعطف والاستثناء إذا اعقب جملا فهو راجع إلى جميعها إلا أن يكون هناك دليل يقصرها
على شئ منها وما ورد عن الله سبحانه وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن الأئمة الراشدين عليهم السلام من بعده
على سبب أو كان جوابا عن سؤال فإنه يكون محكوما له بصورة لفظة دون القصر له على السبب المخرج له عن حكم ظاهره
وليس وروده على الأسباب بمناف لحمله على حقيقته في الخطاب في عقل أو عرف ولا لسان وإنما يجب صرفه عن ظاهره
لقيام دلالة تمنع من ذلك من التضاد في الحقيقة والمجاز والحقائق والمجازات إنما هي في الألفاظ والعبارات دون المعاني المطلوبات
والحقيقة من الكلام ما يطابق المعنى الموضوع له في أصل اللسان والمجاز منه ما عبر به من غير معناه في الأصل
تشبيها واستعارة لغرض من الأغراض وعلى وجه الايجاز والاختصار ووصف الكلام بالظاهر وتعلق الحكم به انما
يقصد به إلى الحقيقة منه والحكم بالاستعارة فيه إنما يراد به المجاز وكذلك القول في التأويل والباطن إنما يقصد به
إلى العبارة عن مجاز القول واستعارته حسبما ذكرناه والحكم على الكلام بأنه حقيقة أو مجاز لا يجوز إلا بدليل يوجب اليقين
ولا يسلك فيه طريق الظنون والعلم بذلك من وجهين أحدهما الاجماع من أهل اللسان والاخر الدليل المثمر للبيان
فاما اطلاق بعض أهل اللغة أو بعض أهل الاسلام ممن ليس بحجة في المقال والفعال فإنه لا يعتمد في اثبات حقيقة
الكلام فمتى التبس اللفظ فلم يقم دليل على حقيقة فيه أو مجاز فيه وجب الوقف لعدم البرهان وليس بمصيب من ادعى
ان جميع القرآن على المجاز وظاهر اللغة يكذبه ودلائل العقول والعادات تشهد بان جمهوره على حقيقة كلام أهل
اللسان ولا بمصيب أيضا من زعم أنه لا يدخله المجاز وقد خصمه في ذلك قوله سبحانه * (فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقض) * الكهف
وغيره من الآيات والواجب ان يقال إن منه حقيقة ومنه مجاز فاما القول في الحظر والإباحة فهو ان العقول لا
مجال لها في العلم بإباحة ما يجوز ورود السمع فيها بإباحته ولا بحظر ما يجوز وروده فيها بحظره ولكن العقل لم
ينفك قط من السمع بإباحته وحظره ولو احكى الله تعالى العقلاء حالا واحدة من سمع لكان قد اضطرهم إلى موافقة ما
192

يقبح في عقولهم من استباحة ما لا سبيل لهم إلى العلم بإباحته من حظره وإلجائهم إلى الحيرة التي لا تليق بحكمته وليس
عندنا القياس والرأي مجال في استخراج الأحكام الشرعية ولا يعرف من جهتها شئ من الصواب ومن اعتمدهما
في المشروعات فهو على الضلال والعقول تجوز نسخ الكتاب بالكتاب والسنة بالسنة والكتاب بالسنة والسنة بالكتاب غير أن
السمع ورد بان الله تعالى لا ينسخ كلامه بغير كلامه بقوله * (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) * البقرة فعلمنا انه لا
ينسخ الكتاب بالسنة وأخبرنا ما سوى ذلك مما ذكرناه الحجة في الاخبار ما أوجبه العلم من جهة النظر فيها بصحة مخبرها
ونفي الشك فيه والارتياب وكل خبر لا يوصل بالاعتبار إلى صحة مخبره فليس بحجة في الدين ولا يلزم به عمل على حال
والاخبار التي يجب العلم بالنظر فيها على ضربين أحدهما التواتر المستحيل وروده بالكذب من غير تواطؤ على ذلك أو
ما يقوم مقامه في الاتفاق والثاني خبر واحد يقترن إليه ما يقوم مقام المتواتر في البرهان على صحة مخبره وارتفاع
الباطل منه والفساد والتواتر الذي وصفناه هو ما جاءت به الجماعات البالغة في الكثرة والانتشار إلى حد قد
منعت العادة من اجتماعهم على الكذب بالاتفاق كما يتفق الاثنان ان يتواردا بالارجاف وهذا حد يعرفه كل من
عرف العادات وقد يجوز ان ترد جماعة دون من ذكرناه في العدد بخبر يعرف من شاهدهم بروايتهم ومخارج
كلامهم وما يبدو في ظاهر وجوههم ويبين من قصورهم انهم لم يتواطئوا لتعذر التعارف بينهم والتشاور
فيكون العلم بما ذكرناه من حالهم دليلا على صدقهم ورافعا للاشكال في خبرهم وان لم يكونوا في الكثرة على ما قدمناه
فاما خبر الواحد القاطع للعذر فهو الذي يقترن إليه دليل يقضي بالناظر فيه إلى العلم بصحة مخبره وربما كان الدليل
حجة من عقل وربما كان شاهدا من عرف وربما كان اجماعا بغير خلف فمتى خلا خبر واحد من دلالة يقطع بها على
صحة مخبره فإنه كما قدمناه ليس بحجة ولا موجب علما ولا عملا على كل وجه وليس في اجماع الأمة حجة من حيث كان اجماعا
ولكن من حيث كان فيها الامام المعصوم فإذا ثبت انها كلها على قول فلا شبهة في أن ذلك القول قول المعصوم إذ لو
لم يكن كذلك كان الخبر عنها بأنها مجمعة باطلا فإنما تصح الحجة باجماعها لهذا الوجه والحكم باستصحاب الحال واجب لأن
حكم الحال ثابت باليقين وما ثبت فلن يجوز الانتقال عنه إلا بواضح الدليل والاخبار إذا اختلفت في الألفاظ فلن
يصح حمل جميعها على الحقيقة من الكلام إذا أريد الجمع بينهما على الوفاق وإنما يصح حمل بعضها على الحقيقة وبعضها على المجاز (حتى لا يقدح ذلك في اسقاط بعضها على الحقيقة وبعضها على المجاز)
فلابد من صحة أحد البعضين وفساد الأخر أو فساد الجميع اللهم إلا أن يكون الاختلاف فيها يدل على النسخ فذلك
193

لا يكون إلا في اخبار النبي صلى الله عليه وآله دون اخبار الأئمة عليهم السلام فإنهم ليس لهم تبديل شئ من العبادات
ولا نسخ وقد أثبت لك أيدك الله جهل ما سألت في اثباته وأوردته مجردا من حججه ودلالته ليكون تذكره لك بالمعتقد كما ذكرت
ولم اتعد فيه مضمون كتاب شيخنا المفيد رحمه الله حسبما طلبت والحمد لله أهل الجود والافضال وصلاته على
سيدنا محمد رسوله المنقذ بهدايته من الضلال وعلى آله الطاهرين اولي الرفعة والجلال (فصل) من عيون
الحكم ونكت من جواهر الكلام من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله استرشدوا العقل ترشدوا * ولا تعصوه فتندموا *
قوام المرء عقله * ولا دين لمن لا عقل له * سيد الأعمال في الدارين العقل * لكل شئ دعامة ودعامة المؤمن
عقله * فبقدر عقله تكون عبادته لربه * اغد عالما أو متعلما أو مستمعا أو محدثا * ولا تكن الخامس
فتهلك * نصر الله امرءا سمع منا حديثا * فأداه كما سمع * فرب مبلغ أوعى من سامع * العلم أكثر من أن
يحصى * فخذ من كل شئ أحسنه * إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته * فإن كان خيرا فأسرع إليه * وإن كان شرا
فانته عنه * صل من قطعك وأحسن إلى من أساء إليك * وقل الحق ولو على نفسك * اعتبروا فقد خلت
المثلات فيمن كان قبلكم * كن لليتيم كالأب الرحيم * واعلم انك تزرع كل ما تحصد * أذكر الله عند همك
إذا هممت * وعند لسانك إذا حكمت * وعند يدك إذا قسمت * ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام
عليكم بالدرايات لا بالروايات * همة السفهاء الرواية * وهمة العلماء الدراية * تزاوروا وتذاكروا والحديث
إلا تفعلوا يدرس * أشد الناس بلاء وأعظمهم عناء من بلي بلسان مطلق وقلب مطبق فهو لا يحمد ان
سكت ولا يحسن ان نطق * إياكم وسقطات الاسترسال فإنها لا تستقال تعز عن الشئ * إذا منعته لقلته
ما صحبك إذا أعطيته * من لم يعرف لوم ظفر الأيام لم يحترس من سطوات الدهر * ولم يتحفظ من فلتأت
الزلل * ولم يتعاظمه ذنب وان عظم * وسئل عن الحرص ما هو فقال هو طلب القليل بإضاعة الكثير * وقال
العاقل يستريح في وحدته إلى عقله * والجاهل يتوحش من نفسه * لأن صديق كل انسان عقله * وعدوه جهله
العقول ذخائر والأعمال كنوز النفوس اشكال فما تشاء كل منها اتفق والناس إلى اشكالهم أميل ومن كلام
الحسين عليه السلام قوله يوما لابن عباس يا ابن عباس لا تكلمن فيما لا يعنيك فإنني أخاف عليك فيه
الوزر * ولا تكلمن فيما يعنيك حتى ترى للكلام موضعا * فرب متكلم قد تكلم بالحق فعيب * ولا تمارين
194

حليما ولا سفيها * فإن الحليم يقليك والسفيه يردي بك * يريدك ولا تقولن في أخيك المؤمن إذا توارى عنك
الأمثال ما تحب أن يقول فيك إذا تواريت عنه * واعمل عمل رجل يعلم أنه مأخوذ بالاجرام * مجزي بالاحسان
والسلام وبلغه عليه السلام كلام نافع بن جير في معاوية قوله إنه كان يسكته الحلم * وينطقه العلم فقال عليه السلام
بل كان ينطقه البطر ويسكته الحصر (وعن) كلام الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قوله الملوك حكام الناس *
والعلماء حكام على الملوك * وقوله أحسنوا النظر فيما لا يسعكم جهله * وانصحوا لأنفسكم * وجاهدوا
في طلب معرفة ما لا عذر لكم في جهله * فإن لدين الله اركانا لا ينفع من جهلها شدة اجتهاده في طلب ظاهر
عبادته * ولا يضر من عرفها فدان به حسن اقتصاره * ولا سبيل لاحد إلى ذلك الا بعون الله من عز وجل
وقوله ما كل من نوى شيئا قدر عليه * ولا كل من قدر على شئ وفق له * ولا كل من وفق اصابه له
فإذا اجتمعتا النية والقدرة والتوفيق والإصابة * فهنالك تمت السعادة * وقوله في الحث على التوبة تأخير
التوبة اغترار * وطول التسويف حيرة * والاعتلال على الله هلكة * والإصرار على الذنب امن به لمكر الله * (ولا
يا من لمكر الله إلا القوم الخاسرون) * الأعراف من كلام الأئمة عليهم السلام (ومما) ورد عن غير الأئمة عليهم السلام قول بعض علماء العرب * العقل أمير
والعلم له نصير * والحلم له وزير * وقول بعض حكماء الهند * العقل حاكم امين والعلم له قرين * والحلم له خدين
وقول بعض حكماء الفرس العقل ملك الجوارح * والعلم له أخ صالح * والحلم له أليف ناصح * وقول بعض حكماء
الروم العقل مدبر آمر * والعلم له معاضد ناصر * والحلم له منجد مؤازر * في كتاب كليلة ودمنة * من غلب
عقله هواه نال مناه وأعطي رضاه * وفي كتاب بلوهر الهندي * من اشتد في الدنيا زهده استراح * وطلع سعده
وفي كتاب السير وسيف البدي * من عرف نفسه لم يحقر جنسه * كتاب الرحمة لهرمس * القناعة امنع عز والاستعانة
بالله احصن حرز * وفي كتاب الأساس لبطليموس * العقل الأصل وقوام الأشياء بالفضل والعدل * في كتاب الجواهر * التواضع شرف * وقد استوجب الصفح من تاب واعترف * في كتاب التجنيس لأرسطاطاليس * الطبع أغلب والعادة
ادرب * في كتاب اللطف لإفلاطون * نقل الطبع عسير الانتزاع * في كتاب الأقسام لصبره الفلكي * العمر قصير * والدهر
لأهله تبصير * كتاب الاختيار لإبقراط * التجارب ايضاح وفيها إفادة وصلاح * كتاب الإبانة لعمرو بن بحر * من
خشع ارتفع * وعرف بما دنا ما سمع * كتاب المعارف للكندي * ادراك السداد بالجد والاجتهاد * (وروي)
195

الصولي عن بعضهم أنه قال لولا العقول المضيئة وخلائقها الرضية لما كان التفاضل بين الحيوان ولما فرق بين
البهيمة والانسان وقال اقليمون * من عدم التدبير يكون التدمير * وقال آخر * من لم يقدم الامتحان قبل الثقة والثقة
قبل الانس أثمرت مودته ندما (قال) بوزرجمهر * إذا انجز رجل وعده من معروفه * أحرز مع فضيلة الجود شرف
الصدق * وقال بطليموس * من قبل عطيتك فقد أعانك على البر والكرم * قال ذوبقراط * إذا أمكنك الرجل من أن
تصنع معروفك عنده فيده عندك مثل يدك عنده * وإذا أصابك من هم نزل به أو خوف تدفعه عنه فلم تبذل
دمك دونه فقد قصرت بحسبك عنده * ولو أن أهل البخل لم يدخل عليهم إلا سوء ظنهم بالله لكان ذلك عظيما
قال كسرى انوشروان * الملك بالدين يبقى والدين بالملك يقوى * شدة الغضب تغير المنطق وتقطع
مادة الحجة * (و) قال أرسطاطاليس * من اتخذ الصمت جنة وقى من شر ما تأتى به الألسن * (و) قال الكلام
مملوك ما لم ينطق به صاحبه * فإذا نطق به صاحبه خرج عن ملكه * (و) قال اقليمون * غنيمة السكوت أكبر من غنيمة الكلام
وندامة الكلام أكبر ندامة السكوت * (و) قال دوفس * الصمت أنفع من الكلام في أكثر المواضع * والكلام
أنفع من الصمت في أقل المواضع * (و) قال أفلاطون * ضبط اللسان ملك * واطلاقه في غير موضعه هلك * (و)
قال * من علم أن كلامه يتصفح عليه فليتصفحه على نفسه قبل ان يتصفحه عليه غيره * (و) قال آخر * البطنة تذهب
بالفطنة * وكثرة الصمت مفسدة المنطق * (و) قال آخر * إذا علمت فلا تفكر في كثرة من دونك من الجهال و
لكن أذكر من فوقك من العلماء (أبو حنيفة مع الإمام الصادق) (فصل) ذكروا ان أبا حنيفة اكل طعاما مع الإمام الصادق جعفر بن محمد
عليهم السلام فلما رفع الصادق عليه السلام يده من اكله قال الحمد لله رب العالمين اللهم هذا منك ومن رسولك
صلى الله عليه وآله فقال أبو حنيفة أبا عبد الله أجعلت مع الله شريكا فقال له ويلك فإن الله تعالى يقول في
كتابه * (وما نقموا الا ان أغناهم الله ورسوله من فضله) * التوبة ويقول في موضع آخر * (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله
ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله) * النساء فقال أبو حنيفة والله لكأني ما قرأتهما (قط من كتاب الله ولا سمعتهما إلا في هذا الوقت فقال أبو عبد الله عليه السلام بلى قد قرأتهما) و
سمعتهما ولكن الله تعالى انزل فيك وفي اشباهك أم على قلوب أقفالها وقال * (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا
يكسبون) * المطففين حديث الإمام الصادق (اخبرني) الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسين بن شاذان القمي رضي الله عنه
قال اخبرني خالي أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم بن هاشم
196

عن أبيه عن محمد ابن أبي عمير عن جعفر بن البختري قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول بلية الناس عظيمة ان دعوناهم
لم يجيبونا وان تركناهم لم يهتدوا بغيرنا (فصل) من الاستدلال على أن الله تعالى ليس بجسم اعلم أن الخلاف في هذه
المسألة بيننا وبين المجسمة على قسمين أحدهما في المعنى والاخر في اللفظ فاما الكلام في المعنى فهو يختص بالذين يزعمون أنه
جسم على صفات الأجسام ويشابهها في بعض الصفات وأما الكلام في اللفظ فهو يختص بالذين يقولون إنه جسم لا كالاجسام
ولا يشابهها بصفة من الصفات فاما الذي يدل على بطلان مقال الذين يزعمون أنه جسم لا كالاجسام فهو ان الأجسام (قد ثبت حدوثها فلو كان صانعها تعالى جسما مثلها لوجب ان يكون محدثا ويبين ذلك ان حقيقة الجسم هي ان يكون طويلا عريضا عميقا فلو كان صانع الأجسام جسما)
لكانت هذه حقيقته لأن الحقيقة لا تختلف وسوى فيها الشاهد والغائب وحقيقة الجسم موجبة الابعاد ومعطية فيها
المساحة والنهايات وانه مجتمع من ابعاض مختص ببعض الجهات وذلك شاهد فيه بحلول الاعراض لأن المجتمع لا غناء له
عن الاجتماع والكائن من جهة دون غيرها لا يعري من الأكوان فهذه كلها دلائل الحدوث فلو كان صانع الأجسام على هذه
الصفات أو على بعضها لكان محدثا ولو جاز كونه عليها وهو قديم لكانت الأجسام كلها قديمة أو في ثبوت الأدلة على
حدوث الأجسام وقدم محدثها دلالة واضحة على أنه ليس بجسم سبحانه وتعالى دليل ثان (وشئ آخر) وهو ان صانع الأجسام
واحد في الحقيقة حسبما شهدت به الأدلة فلو كان جسما لخرج عن كونه واحدا لأن الجسم
مجتمع من ابعاض واجزاء دليل ثالث (وشئ آخر) وهو انه لو كان جسما لوجب كونه قادرا بقدرة لبطلان كون الجسم قادرا
لنفسه ولو كان كذلك لاستحال حدوث الأجسام منه إذ لا يصح من القادر بقدره ان يفعل الجسم في محل قدرته
متداولا في غيره مسببا أو متولدا (دليل رابع) وهو انه لو كان جسما في الحقيقة وقد صح منه فعل الأجسام لصح من كل
جسم حي قادر ان يفعل الأجسام فلما علمنا يقينا استحالة فعل الأجسام للأجسام علمنا أن فاعل الأجسام ليس بجسم على كل
حال فقد بان لك بطلان مقال الذين يزعمون أن الله تعالى جسم على صفة الأجسام وحقيقتها وكما علمت أنه لا يجوز
ان يشبهها في جميع صفاتها فكذلك تعلم أنه لا يجوز مشابهته لها في بعضها لأن كل صفد من صفات الأجسام المختصة
بها دالة على حدوثها فلو أشبهها في شئ منها دل ذلك الشئ على أنه محدث مثلها وبمثل هذا يعلم أيضا انه ليس بجوهر
لأن الجوهر متحيز في جهة غير عارض الاعراض الدالة على حدثه فاما قولهم انا لم نر فاعلا للأجسام غير جسم فلما كان الله
تعالى فاعلا وجب ان يكون جسما فقول فاسد لأن الفاعل لم يكن فاعلا لكونه جسما ولا كل صفة رأينا الفاعل في
الشاهد عليها يجب ان يكون الفاعل في الغائب على نظيرها الا ترى انا لم نر في الشاهد فاعلا إلا مؤلفا لحما
197

ودما ناقصا محتاجا ولا يصح ان يكون الفاعل في الغائب هكذا والوجه في الاستدلال بالشاهد على الغائب إنما
هو بالحقائق دون ما سواها وليس حقيقة الفاعل ان يكون جسما ولو كان كذلك لكان كل جسم فاعلا وكل فاعل جسما
كما أن الحركة لما كان حقيقتها أن تكون زوالا كان كل زوال حركة وكل حركة زوال فهذا هو الأصل الثابت
الذي يجب ان يتماثل فيه الشاهد والغائب فيجب ان يتأمله ويعتمد عليه فالفائدة كثيرة فيه وأما الذي يدل على
بطلان مقال الذين يدعون ان الله تعالى جسم لا كالاجسام فهو ان حقيقة الجسم قد ذكرناها فمتى قال القائل انه
جسم أوجب الحقيقة بعينها فان قال لا كالاجسام نفي ما أوجب فكان قد ناقض فإن قالوا هذا لازم لكم في قولكم انه
شئ لا كالأشياء قيل لهم ليس الامر كما ذكرتم لأن قولنا شئ يستفاد منه الاثبات والمثبتات مختلفات من أجسام وجواهر
واعراض فإذا قلنا شئ لا كالأشياء أثبتنا معلوما مخبرا عنه ونفينا المماثلة بينه وبين سائر المثبتات ولم ننف حقيقة
الشئ التي هي الاثبات وقول الله تعالى ليس كمثله شئ يدل على ما ذكرنا وقولنا جسم يستفاد منه حنس مخصوص من
الموجودات دون ما سواه وإذا قلنا جسم لا كالاجسام أثبتنا جسما ثم نفيناه وهذا هو التناقض الذي ذكرناه واعلم أن
التسمية إنما يحسن اجراؤها على المسمى متى ثبت له معناها فإن لم يثبت ذلك لم يصح اجراؤها إلا على جهة التقليب
وبطل ان يصح فيه معنى الجسم على التحقيق وفسد قول من زعم أنه جسم ولم يصح ان يسميه بهذا الاسم
وليس لاحد ان يسمى الله عز وجل بما لم يسم به نفسه ولم يثبت دليل على جواز تسميته به فاما من زعم أنه
جسم لأنه قائم بنفسه وان هذا حد الجسم عنده وحقيقته فغير مصيب في قوله واللغة تشهد بخطئه وذلك
انا وجدنا أهل اللسان يقولون هذا إذا زاد عليه في طوله وعرضه وعمقه فلو لا ان حقيقة الجسم عندهم
هي ان يكون طويلا عريضا عميقا لم يكن الامر كما ذكرناه فان قال القائل أليس قد اشتهر عن أحد متكلميكم
وهو هشام بن الحكم انه كان يقول إن معبوده جسم على صفة الأجسام فكيف خالفتموه في ذلك بل كيف
لم تتبرأوا منه وهو على هذا المقال قلنا أما هشام بن الحكم رحمة الله عليه قد اشتهر عنه الخبر بأنه كان
ينصر التجسيم ويقول إن الله تعالى جسم لا كالاجسام ولم يصح عنه ما قرنوه به من القول بأنه مماثل لها ويدل على
ذلك انا رأينا خصومه يلزمونه على قوله بان فاعل الأجسام جسم ان يكون طويلا عريضا عميقا فلو كان يرى أنه مماثل
للأجسام لم يكن معنى لهذا الالزام فاما مخالفتنا لهذا (المقام فهو اتباع لما ثبت من الحق بواضح البرهان) وانصراف عنه وأما موالاتنا هشاما رحمه الله فهي لما
198

شاع عنه واستفاض منه من تركه للقول بالجسم الذي كان ينصره ورجوعه عنه واقراره بخطئه فيه وتوبته
منه وذلك حين قصد الامام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام إلى المدينة فحجبه وقيل له
انه قد آلى ان لا يوصلك ما دمت قائلا بالجسم فقال والله ما قلت به إلا لاني ظننت انه وفاق لقول
امامي فاما إذا أنكره علي فإنني تائب إلى الله منه فأوصله الإمام عليه السلام إليه ودعا له بخير (و)
حفظ عن الصادق عليه السلام أنه قال لهشام ان الله تعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ وكلما وقع في الوهم
فهو بخلافه (و) روى عنه أيضا أنه قال سبحان من لا يعلم أحد كيف هو الا هو ليس كمثله شئ وهو السميع
البصير لا يحد ويحس ولا تدركه الابصار ولا يحيط به شئ ولا هو جسم ولا صورة ولا بذي تخطيط
ولا تحديد (اخبرني) شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الواسطي رحمه الله قال اخبرني أبو محمد
التلعكبري عن أبي جعفر الكليني عن محمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن حمزة ابن محمد قال له كتبت إلى
أبي الحسن عليه السلام أسئله عن القول بالجسم والصورة فكتب إلي سبحان من ليس كمثله شئ لا جسم ولا
صورة أنشدني عمار بن محمد الطبراني رحمه الله * لزينبا الرأس عيني إن كان جسما فما ينفك من عرض أو جوهر
فبذي الأقطار موجود وكان متصلا بالشئ فهو به أو كان منفصلا فالكل محدود لا تطلبن
إلى التكييف من سبب ان السبيل إلى التكييف مسدود * واستمسك الحبل حبل العقل تحظ به * فالعقل حبل إلى باريك ممدود * (نسخة كتاب معاوية بن أبي سفيان إلى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام أما بعد فإن الهوى يضل من اتبعه والحرص يتعب الطالب المحروم و
أحمد العاقبتين ما هدى إلى سبيل الرشاد ومن العجب العجيب ذام مادح وزاهد راغب ومتوكل حريص
كلاما ضربته لك مثلا لتدبر حكمته بجميع الفهم ومباينه الهوى ومناصحة النفس فلعمري يا ابن أبي طالب
لولا الرحم التي عطفتني عليك والسابقة لك التي سلفت لقد كان اختطفتك بعض عقبان أهل
الشام فيصعد بك في الهواء ثم قذفك على دكادك شوامخ الابصار فألفيت كسحيق الفهر
على حسن الصلابة لا يجد الذر فيك مرتعا ولقد عزمت عزمة من لا يعطفه رقة الانذار ان لم
تباين ما قربت به أملك وطال له طلبك ولأوردنك موردا تستمر الندامة ان فسخ لك في الحياة
199

بل أظنك قبل ذلك من الهالكين وبئس الرأي رأي يورد أهله إلى المهالك ويمنيهم العطب إلى حين
لات مناص وقد قذف بالحق على الباطل وظهر أمر الله وهم كارهون ولله الحجة البالغة والمنة
الظاهرة والسلام (جواب أمير المؤمنين صلوات عليه وسلامه)
من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد أتانا
كتابك بتنويق المقال وضرب الأمثال وانتحال الأعمال تصف الحكمة ولست من أهلها وتذكر التقوى
وأنت على ضدها قد اتبعت هواك فحاد بك عن طريق الحجة والحج بك عن سواء السبيل فأنت تسحب أذيال
لذات الفتن وتحيط في زهرة الدنيا كأنك لست توقن بأوبة البعث ولا برجعة المنقلب
قد عقدت التاج ولبست الخز وافترشت الديباج سنة هرقلية وملكا فارسيا ثم لم يقنعك ذلك
حتى يبلغني انك تعقد الامر من بعدك لغيرك فيهلك دونك فتحاسب دونه ولعمري لئن فعلت
ذلك فما ورثت الضلالة عن كلالة وانك لابن من كان يبغي على أهل الدين ويحسد المسلمين و
ذكرت رحما عطفتك علي فاقسم بالله الأعز الاجل ان لو نازعك هذا الامر في حياتك من أنت تمهده له بعد
وفاتك لقطعت حبله وابنت أسبابه وأما تهديدك لي بالمشارب الوبية والموارد المهلكة فانا عبد الله
علي بن أبي طالب أبرز إلى صفحتك كلا ورب البيت ما أنت بابي عذر عند القتال ولا عند مناطحة
الأبطال وكاني بك لو شهدت الحرب وقد قامت على ساق وكشرت عن منظر كريه والأرواح تختطف اختطاف
البازي زغب القطا لصرت كالمولهة الحيرانة تضربها العبرة بالصدمة لا تعرف أعلى الوادي من أسفله فدع
عنك ما لست من أهله فإن وقع الحسام غير تشقيق الكلام فكم عسكر قد شهدته وقرن نازلته اصطكاك قريش
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله إذ أنت وأبوك وهو أعلى من كمالي تبع وأنت اليوم تهددني فاقسم
بالله ان لو تبدي الأيام عن صفحتك لنشب فيك مخلب ليث هصور لا يفوته فريسة بالمراوغة كيف و
انى لك بذلك وأنت قعيدة بنت البكر المخدرة (المجدوة) يفزعها صوت الرعد وانا علي بن أبي طالب الذي لا أهدد
بالقتال ولا أخوف بالنزال فإن شئت يا معاوية فأبرز والسلام فلما وصل هذا الجواب إلى معاوية ابن أبي سفيان جمع
جماعة من أصحابه وفيهم عمرو بن العاص فقراه عليهم فقال له عمرو وقد أنصفك الرجل كم رجل أحسن في الله قد قتل
200

بينكما أبرز إليه فقال له أبا عبد الله أخطأت استك الحفرة انا أبرز إليه مع علمي انه ما برز إليه أحد قط إلا
وقتله لا والله ولكني سأبرزك إليه (نسخة كتاب آخر) من معاوية بن أبي سفيان إلى أمير المؤمنين
عليه السلام أما بعد فانا لو علمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض وان كنا قد
غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا منها ما نرم به ما مضى ونصلح ما بقى وقد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمني
لك طاعة فأبيت ذلك علي وانا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو
ولا تخاف من الفناء إلا ما أخاف وقد والله رقت الأجناد وذهبت الرجال ونحن جميعا بنو عبد مناف
ليس لبعضنا فضل على بعض يستذل به عز ولا يسترق به حد والسلام (جواب أمير المؤمنين صلوات
الله عليه) من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد اتاني كتابك
تذكر انك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض وانا وإياك نلتمس غاية لم نبلغها
بعد وأما طلبك إلي الشام فاني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس وأما استواؤنا في الخوف والرجاء فلست
بأمضى على الشك مني على اليقين ولا أهل الشام على الدنيا بأحرص من أهل العراق على الآخرة وأما قولك
انا بنو عبد مناف فكذلك نحن لكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كابي طالب و
لا الطليق كالمهاجر ولا المبطل كالمحق وفي أيدينا فضل النبوة التي قتلنا بها العزيز وبعنا بها الحر والسلام
(مسألة فقهية) وقائلة اوصى الغداة فإنني * ارى الموت قد حطت لديك ركائبه * فقلت
وقد راع الفؤاد مقالها * وضاقت به خوف الحمام مذاهبه * لك الثمن ان حلت وفاتي فريضة * وسائر
ما يبقى فصنوك صاحبه * (جوابها) تفهم فإن الفهم أكرم ملبس * لمن شرفت أخلاقه ومذاهبه *
حليلة هذا أمها زوجة ابنه * كذا لكم الألغاز جم عجائبه * فابن ابنه صنو لزوجته ومن * عزي بغريب
العلم تعلو مراتبه * فميراثها ثمن وللصنو ما بقي * كذلك يقضي من توالت مناقبه * (تفسير) هذا رجل
تزوج امرأة وزوج ابنه من أمها فولدت أم امرأته من ابنه ابنا ثم مات ابن الرجل وبقى وليس له ممن
يرثه إذا مات غير زوجته وأخيها من أمها الذي هو ابن ابنه الميت وقد تقدم ذكر هذه المسألة على
غير هذا الباب في الجزء الأول (مسألة أخرى منظومة) قد تقدم ذكرها نثرا بابن
201

رميت صنو أخي فعمى * يقول إذا رآني جاء عمى * ولا فينا بحمد الله أنثى * ولا ذكر تدرع ثوب اثم * ولا فينا
مجوسي جهول * يحل لابن أم وطء أم * فبين عن مسائلنا امتنانا * فأنت امامنا في كل علم * (الجواب) إلا يا سائلا
اضحى بعمى * على المفراض خذ عني بفهم * أخوك لامك الصنو المداني * لام أبيك زوج غير وهم * فابن
أخيك منها غير شك * أخ لأبيك تدعوه لام * فذاك إذا رآك يقول عمي * وأنت إذا اتاك تقول عمي *
(تفسير) هذان رجلان قال أحدهما للاخر يا عمي انا عمك والسبب في ذلك هو الوجه الذي عملت عليه
هذه الأبيات ان أخاه لأمه تزوج جدته أم أبيه فجاءت بابن فهو عم الابن لامه والابن عمه لامه (وجواب)
ثان فيها وهو ان رجلين تزوج كل واحد منهما أم الأخر فجاءت كل واحدة منهما بابن فكل واحد من الابنين عم
الأخر (حدثني) الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن شاذان القمي قال حدثنا الفقيه محمد بن
علي بن بابويه رحمه الله قال اخبرني أبي قال حدثني سعد بن عبد الله قال حدثني أيوب بن نوح قال حدثني الرضا
عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول صلى الله عليه وآله خمسة لا تطفى نيرانهم ولا تموت أبدانهم
رجل أشرك ورجل عق والديه ورجل سعى بأخيه إلى السلطان فقتله ورجل قتل نفسا بغير نفس ورجل أذنب
وحمل ذنبه على الله عز وجل (منام) ذكر ان شيخنا المفيد رحمه الله أبا عبد الله محمد بن محمد بن النعمان
رضي الله عنه رآه واملاه على أصحابه بلغنا ان شيخنا المفيد رحمه الله قال رأيت في النوم كأني قد اجتزت
في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير فقلت ما هذا قيل لي هذه حلقة فيها رجل يقص فقلت
من هو فقالوا عمر بن الخطاب فتقدمت ففرقت الناس ودخلت الحلقة فإذا برجل يتكلم على الناس بشئ
لم أحصله فقطعت عليه فقلت أيها الشيخ اخبرني ما وجه الدلالة على ما يدعي من فضل صاحبك عتيق بن أبي
قحافة من قول الله تعالى ثاني اثنين إذ هما في الغار فقال وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه
الآية في ستة مواضع أولها ان الله تعالى ذكر نبيه صلى الله عليه وآله وذكر أبا بكر معه فجعله ثانية فقال ثاني اثنين الثاني
انه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد تأليفا بينهما فقال إذ هما في الغار الثالث انه إضافة إليه بذكر الصحبة
ليجمع بينهما فيما يقتضي الرتبة فقال إذ يقول لصاحبه الرابع انه أخبر عن شفقة النبي عليه ورفقه به لموضعه
عنده فقال لا تحزن الخامس اعلامه انه اخبره ان الله تعالى معهما على حد سواء ناصرا لهما ودافعا عنهما
202

فقال إن الله معنا السادس انه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر لأن الرسول صلى الله عليه وآله لم تفارقه السكينة قط
فقال فأنزل الله سكينته عليه فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار لا يمكنك ولا غيرك الظفر
فيها قال المفيد رحمه الله فقلت له قد حررت كلامك واستقصيت البيان فيه واتيت بما لا يقدر أحد من الخلق ان
يزيد في الاحتجاج لصاحبك عليه غير اني بعون الله وتوفيقه سأجعل ما أتيت به كرماد اشتدت به الريح في
يوم عاصف وأما قولك ان الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وجعل أبا بكر ثانيه فليس في ذلك فضيلة لأنه
اخبار عن عدد ولعمري انهما كانا اثنين ونحن نعلم ضرورة ان مؤمنا وكافرا اثنان كما نعلم أن مؤمنا ومؤمنا
اثنان فليس لك في ذكر العدد طائل تعتمده وأما قولك وصفهما بالاجتماع في المكان فإنه كالأول لأن
المكان يجتمع فيه المؤمنون والكفار كما يجتمع العدد للمؤمنين والكفار وأيضا فإن مسجد النبي صلى الله عليه وآله أشرف
من الغار وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار وفي ذلك قوله تعالى * (فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن
اليمين وعن الشمال عزين) * المعارج وأيضا فان سفينة نوح عليه السلام قد جمعت النبي والشيطان والبهيمة فبان لك ان الاجتماع
في المكان لا يدل على ما ادعيت من الفضل فبطل فضلان وأما قولك انه إضافة إليه بذكر الصحبة
فإنه أضعف من الفضلين الأولين لأن الصحبة أيضا تجمع المؤمن والكافر والدليل على ذلك قول الله
عز وجل * (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) * الكهف وأيضا
فان اسم الصحبة تكون من العاقل والبهيمة والدليل على ذلك من كلام العرب انهم جعلوا الحمار صاحبا فقالوا
* ان الحمار مع الحمار مطية * فإذا خلوت به فبئس الصاحب * وقد سموا الجماد مع الحي أيضا صاحبا فقال
الشاعر * زرت هندا وذاك بعد اجتناب * ومعي صاحب كتوم اللسان * يعنى السيف فإذا كان اسم الصحبة
يقع بين المؤمن والكافر وبين العاقل والبهيمة وبين الحيوان والجماد فلا حجة لصاحبك فيها وأما قولك
أنه قال له لا تحزن فإن ذلك وبال عليه ومنقصة له ودليل على خطئه لان قوله لا تحزن نهي وصورة
النهي قول القائل لا تفعل فلا يخلو الحزن الواقع من أبي بكر من أن يكون طاعة أو معصية فإن كان طاعة
فالنبي لا ينهي عن الطاعات بل يأمر بها ويدعو إليها وإن كان معصية فقد صح وقوعها منه وتوجه النهي إليه عنها
وشهدت الآيات به ولم يرد دليل على امتثاله للنهي وانزجاره واما قولك أنه قال إن الله معنا فإن النبي صلى الله عليه وآله
203

اعلمه ان الله معه خاصة وعبر عن نفسه بلفظ الجمع فقال * (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) * وقد قيل إن
أبا بكر قال يا رسول الله ان حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه فقال له النبي صلى الله عليه وآله ان الله معنا أي معي
ومع أخي علي بن أبي طالب عليه واله وأما قولك ان السكينة نزلت على أبي بكر فإنه كفر لأن الذي نزلت السكينة عليه هو الذي
أيده الله تعالى بجنوده كذا يشهد ظاهر القرآن في قوله * (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) * التوبة فلو كان
أبو بكر هو صاحب السكينة لكان هو صاحب الجنود وفي هذا اخراج النبي صلى الله عليه وآله من النبوة على أن هذا الموضع
لو كتمته على صاحبك لكان خيرا له لأن الله تعالى انزل السكينة على النبي صلى الله عليه وآله في موضعين وكان معه قوم مؤمنون
فشركوه فيها فقال في أحدهما * (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها) * التوبة وقال في
الموضع الأخر * (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمه التقوى) * الفتح ولما كان في الغار خصه
وحده بالسكينة وقال فأنزل الله سكينته عليه فلو كان معه مؤمن لشركه في السكينة كما شركه من كان معه
من المؤمنين فدل اخراجه من السكينة على خروجه من الايمان والحمد الله قال الشيخ المفيد رحمه الله فلم يحر عمر بن الخطاب
جوابا وتفرق الناس واستيقظت (فصل) من السؤال يتعلق بهذا المقام فإن قيل إذا كان ما تضمنه هذا
المقام صحيحا عندكم في الاحتجاج وحزن أبي بكر معصية بدليل توجه النهي له عنه حسبما شهد به القرآن فقد
نهى الله تعالى نبيه عليه وآله السلام عن مثل ذلك فقال * (لا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون) * النحل ونهى
أم موسى عليه السلام من الحزن أيضا فقال * (لا تخافي ولا تحزني) * القصص فهل كان ذلك لأن نبيه صلى الله عليه وآله
عصى في حزنه فنهاه وكذلك أم موسى عليه السلام أم تقولون ان بين ما ذكرناه وبين حزن أبي بكر في الغار
فرقا فاذكروه ليحصل به البيان (الجواب) قيل له قد أجاب شيخنا المفيد رضي الله عنه عن هذه
المسألة بما أوضح به الفرق وأزاح العلة ونحن نورد مختصرا من القول فيها يكون فيه بيان وكفاية
فنقول ان المعارضة بحزن النبي صلى الله عليه وآله ساقطة لأنه عندنا معصوم من الزلات مأمون
منه جميع المعاصي والخطيئات فوجب ان يحمل قول الله تعالى له ولا تحزن عليهم على أجمل الوجوه والأقسام
وأحسن المعاني في الكلام من تخفيف الهم عنه وتسهيل صعوبة الامر عليه رفقا به واكراما واجلالا واعظاما له ولم
يكن أبو بكر عندنا وعند خصومنا معصوما فيؤمن منه وقوع الخطا ولا امارة أيضا تدعو إلى أن يكون
204

الظن به حسننا بل الدلالة حاصلة على فساد طويته وشله وحيرته ذلك أنه مع رسول الله صلى عليه واله وفي حوزته بحيث
اختار الله تعالى ستر نبيه وحفظ مهجته هذا وقد كان يخبر عليه السلام بخبر من أسلم على يده بان الله سينصره على
عدوه ومعانده وانه وعده اعلاء كلمته واظهار شريعته وهذا يوجب الثقة بالسلامة وعدم الحزن و
المخافة ثم ما ظهر له من الآيات الموجبة لسكون النفس وإزالة المخافة من نسج العنكبوت على باب الغار
وتبيض الطائر هناك في الحال وقول النبي صلى الله عليه وآله لما رأى من عدم ثقته بالله تعالى حزنه وكثرة هلعه
وجزعه ان دخلوا من ههنا وأشار إلى جانب الغار فانخرق وظهر له منه البحر وببعض هذا يأنس المستوحش وبنظره
يطمئن الخائف فلم يسكن أبو بكر إلى شئ من ذلك وظهر منه الحزن والقلق ما دل على شكه في كل ما سمع و
شاهد ولا شبهة بعد هذا البيان تعترض في قبح حزنه ولا شك في أنه عاص لله سبحانه وان النهي إليه
كاشف عن حاله وأما حزن أم موسى عليه السلام فمفارق أيضا لحزنه لان أحدا لا يشك في أن خوفها
وحزنها إنما كان شفقة منها على ولدها لما امرت بالقائه في اليم ويجوز ان يكون لم تعلم في الحال بأنه
سيسلم ويعود إليها على أفضل ما تؤمل فلحقها ما يلحق الوالدة على ولدها من الخوف والحزن لمفارقته
فلما قال لها لا تخافي وتحزني انا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين اطمانت عند ذلك وسكنت
تصديقا للقول وثقة بالوعد وأبو بكر فقد سمع مثل ما سمعت ورأى أكثر مما رأت ولم يثق قلبه ولا سكنت
نفسه فوضح الفرق بين حزنها وحزنه على أن ظاهر الآية تشهد بان الله تعالى أمر أم موسى عليه السلام ان تلقى
ولدها في اليم وسكن قلبها عقيب الامر في قوله سبحانه * (وأوحينا إلى أم موسى ان ارضعيه فإذا خفت عليه
فالقيه في اليم فلا تخافي ولا تحزني انا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) * القصص فالخوف والحزن اللذان ورد
ظاهر النهي عنهما يصح ان لا يكون وقعا منها لأن تسكين النفس بالسلامة إشارة بحسن العاقبة عقيب
الامر بالالقاء يؤمن من وقوع الهم والحزن جميعا وأما حزن أبي بكر فقد وقع وأجمعت الأمة على أنه حزن
وليس من فعل كمن لم يفعل فلا نقض بهما من كل وجه (فصل اخر وسؤال) فان قال قائل ما جوابكم
لمن يقول إن العمدة في تفضيل أبي بكر هي مفارقته لأهله ووطنه وولده وعشيرته ومشاركته لرسول الله صلى
الله عليه وآله في هجرته وبذل نفسه والخروج معه دون غيره من جميع أهله وأصحابه حتى روى أن من
205

حسن دفاعه عن النبي صلى الله عليه وآله انه رأى في الغار ثقبا فيه حية فسده بعقبه وقاية للنبي صلى الله عليه وآله بنفسه
فنهشته الحية في رجله فما كلامكم على ذلك فانا لا نرى سبيلا إلى دفعه (الجواب) فانا نقول لهذا الرجل
ان عمدتك هذه واهية وجميعها دعا وكاذبة وذاك ان خروج أبي بكر مع النبي عليه السلام وان لم يدفع
فإنه لا ينفعك فيما اعتمدت ولا يصح لصاحبك فيه فضل ما لم يثبت انه كان منه عن خالص نية للمطاوعة وقصد
طلب لوجه الله عز وجل ورغبة في المثوبة على الهجرة والاجر ويظهر صحة ذلك ويتضح الحجة فيه فان الامر
عندنا بخلاف ما تذهبون إليه ولسنا نسلم لكم ان اجتماعهما كان عن مواعدة ولا اتفاقهما في الخروج و
كان عن متقدم موافقة ولا رغب رسول الله صلى الله عليه وآله قط في الانس به عند الصحبة وله
عليه السلام من ملائكة الله وتأييدها وما في الانس به غنى وكفاية وانما كان سبب اجتماعهما ان رسول
الله صلى الله عليه وآله لما خرج من منزله مختفيا حسبما امره الله تعالى وكان ذلك ليلا مضى إلى منزل
أم هاني أخت أمير المؤمنين فأقام عندها إلى وجه السحر ثم خرج في ذلك الوقت يطلب الغار فلقى أبا بكر
في طريقه فعلم بحاله وقد كان في ذلك الوقت من جملة من أظهر الايمان به فاقتضى صحيح الرأي ان يأخذه
النبي صلى الله عليه وآله احتياطا في ستر امره واحترازا من أن يخبر بحاله ولو لم يأخذه معه لم يا من المضرة من جهته فاما
الحية التي بلى بها في الغار فلم يرد دليلا على أنه قصد الدفاع عن النبي صلى الله عليه وآله ولا في ظاهر الحال أكثر من أن الحية نهشته
والأظهر بحاله ان يكون ذلك عقوبة له على معصيته الواقعة منه في الغار لحزنه فقد بان لك ان المخالف
إذا اعتمد في تفضيل أبي بكر على ما ذكرت فإنه قد اعتمد على دعا ولا يسلمه ند خصمه بل يعتقد خلافه في جميع ما يزعمه و
(مبيت علي عليه السلام في فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ليله الهجرة) اعلم أن الذي فدى رسول الله صلى الله عليه وآله بنفسه وجاد دونه بمهجته وفعل ما لا يسمح أحد بفعله مما تعجبت منه ملائكة
الله في سمائه هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه والسلام وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما تعاقد
المشركون على مبايتته وأجمعوا على قتله امره الله سبحانه بالخروج من ليلته لم ير أحد أسرع إلى طاعته و
اصبر على الشدائد في مرضاته عن مرضاته من أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه إليه واعلمه الخبر الذي
وقف بالوحي عليه وان القوم قد اجمعوا امرهم على أن يهجموا عليه في حجرته ويقتلوه على فراشه وان الله سبحانه
امره بالخروج إلى يثرب وقال له يا علي إذا صليت العشاء الآخرة فاضطجع على فراشي وتلف ببردتي
206

ليظن المشركون إذا رأوك اني لم اخرج فلا يجدون في طلبي فاقامه مقاما مهولا وكلفه تكليفا عظيما لم
يصبر على مثله إلا إسماعيل عليه السلام لما قال له أبوه الخليل صلى الله عليه * (يا بني انى ارى في المنام انى أذبحك
فانظر ماذا ترى) * وقول إسماعيل له * (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * الصافات بل حال أمير المؤمنين عليه السلام
أعظم وتكليفه أشق وأصعب لأن إسماعيل عليه السلام أسلم لهلاك يناله بيد أبيه وأمير المؤمنين عليه السلام أسلم لهلاك
يناله بيد أعدائه فاجابه صلى الله عليهما إلى مراده وسارع إلى ايثاره بنفس طيبة ونية صادقة واضطجع على
فراشه ولا يشك إلا أنه مقتول في ليلته قد فداه بنفسه وجاد دونه بمهجته وفي مبيته على الفراش انزل الله تعالى
على نبيه و * (من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) * البقرة فأين هذا من حزن أبي بكر
وفرقه وخوفه وقلقه وتوجه النهي إليه وتعريه من السكينة التي خص الله سبحانه بها رسول الله صلى الله عليه وآله
أترى لو قيل له وهو على ما يدعى له من صحة العقيدة في الاسلام أتحب لو كنت البائت على فراش
رسول الله صلى الله عليه وآله والواقي له بنفسه والذي انزل فيه * (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله) * ولم
تكن حزنت في الغار وتوجه إليك النهي عن النبي صلى الله عليه وآله حتى نزلت السكينة عليه دونك لم يشرك فيها بينك
أكان يقول لا حاجة بي إلى فضيلة الفراش أم يقول بودي ذلك ولسنا نشك انه لو قيل لأمير المؤمنين عليه السلام
أتحب لو كنت بدلا من نومك على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وحصول فضيلته لك ونزول
القرآن بمدحك بمكان أبي بكر في الغار وقد وقع الحزن منك وتوجه النهى إليك ونزلت السكينة
على رسول الله صلى الله عليه وآله دونك وفاز بفضيلة المواساة بالنوم على الفراش غيرك لقال أعوذ بالله من ذلك
والفرق بين الحالين مرئي للعميان وقد روى الثقات عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال لما بات علي
عليه السلام على الفراش اوحى الله تعالى إلى ملكين من ملائكته لم يكن في الملائكة أشد ائتلافا ومؤاخاة
منهما فقال اني مميت أحدكما فاختارا قال فتدافعا الموت بينهما وآثر كل واحد منهما البقاء فأوحى الله تعالى
إليهما أين أنتما عن عبدي هذا الراضي بالموت البائت على فراش ابن عمه يقيه الردى بنفسه أما اني قد
علمت من سريرته ان تلف نفسه أحب إليه من أن تؤخذ شعرة من شعر ابن عمه انزلا إليه فاحفظاه وأكلاه
إلى الصبح فلم تزل عين المشركين تلحظه والملائكة الكرام تحفظه إلى أن كان وقت الصبح وهجم المشركون
207

عليه للقتل فالقى الله تعالى في قلوبهم لما اراده من حياته ان يوقظوه من نومه فقالوا ننبهه ليرى انا
ظفرنا به قبل قتله فلما فعلوا ذلك وثب إليهم أمير المؤمنين عليه السلام وفي يده سيفه فولوا عنه هاربين فقال لهم
أمير المؤمنين عليه السلام دخلتم وانا نائم فادخلوا وانا منتبه فقالوا لا حاجة لنا فيك يا ابن أبي طالب
(فصل) من روايات ابن شاذان رحمه الله حدثنا الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي
بن الحسن بن شاذان رضي الله عنه بمكة في المسجد الحرام قال حدثني محمد بن سعيد المعروف
بالدهقان رحمه الله قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن منصور قال
حدثنا أحمد بن عيسى العلوي قال حدثنا حسين بن علوان عن أبي خلد عن زيد ابن علي عن أبيه
عن جده الحسين بن علي عن أمير المؤمنين علي عليهم السلام قال دخلت على النبي صلى الله عليه وآله
وهو في بعض حجراته فاستاذنت عليه فاذن لي فلما دخلت قال لي يا علي إما علمت أن بيتي بيتك
فما لك تستأذن علي قال فقلت يا رسول الله (أحببت ان افعل ذلك قال يا علي) أحببت ما أحب الله واخذت بآداب الله فقال يا علي إما
علمت أنك أخي إما علمت أنه أبى خالقي ورازقي ان يكون لي سر دونك يا علي أنت وصيي من بعدي
وأنت المظلوم المضطهد بعدي يا علي الثابت عليك كالمقيم معي ومفارقك مفارقي يا علي كذب
من زعم أنه يحبني ويبغضك لان الله تعالى خلقني وإياك من نور واحد (وحدثنا) الشيخ أبو الحسن
محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن شاذان قال حدثني أحمد بن محمد بن محمد رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن جعفر
قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا زياد ابن المنذر قال حدثني
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء بعدي
أفضل من علي بن أبي طالب عليه السلام وانه امام أمتي وأميرها وانه لوصيي وخليفتي عليها من اقتدى به
بعدي اهتدى ومن اهتدى بغيره ضل وغوى اني انا النبي المصطفى ما أنطق بفضل علي بن أبي طالب
عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى نزل به الروح المجتبى عن الذي له ما في السماوات وما في الأرض
وما بينهما وما تحت الثرى (وحدثنا) الشيخ أبو الحسن بن شاذان قال حدثنا محمد بن محمد
بن مرة رحمه الله قال حدثنا الحسن بن علي العاصمي قال حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب
208

قال حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي قال حدثنا سعد بن طريف عن الأصبغ قال سئل سلمان
الفارسي رحمه الله عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول عليكم بعلي بن أبي طالب فإنه مولاكم
فأحبوه وكبيركم فاتبعوه وعالمكم فأكرموه وقائدكم إلى الجنة فعزروه وإذا دعاكم فأجيبوه وإذا امركم
فأطيعوه وأحبوه لحبي واكرموه لكرامتي ما قلت لكم في علي عليه السلام إلا ما امرني به ربي (مسألة) سألني رجل
من أهل الخلاف فقال انا نراكم معشر الشيعة تكثرون القول بان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أفضل من
أبي بكر وعمر وعثمان وتناظرون على ذلك وترددون هذا الكلام واطلاق هذا اللفظ منكم يضاد مذهبكم
ويناقض معتقدكم ولستم تعلمون ان التفضيل بين الشيئين لا يكون إلا وقد شمل الفضل لهما ثم زاد في الفضل
أحدهما على صاحبه وان ذلك لا يجوز مع تعري أحدهما من خلال الفضل على كل حال لم جهلتم ذلك من معنى
الكلام فإن زعمتم ان لأبي بكر وعمر وعثمان قسطا من الفضل يشملهم به يصح به القول إن أمير المؤمنين عليه السلام
أفضلهم تركتم مذهبكم وخالفتم سلفكم وان مضيتم على أصلكم ونفيتم عنهم جميع خلال الفضل على ما عهد من
قولكم لم يصح القول بان أمير المؤمنين عليه السلام أفضل منهم (الجواب) فقلت له ليس في اطلاق القول بان
أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان ما يوجب على قائله ما ذكرتم في السؤال والشيعة اعرف
من خصومهم بمواقع الألفاظ ومعاني الكلام وذلك أن التفضيل وإن كان كما وصفت يكون بين
الشيئين إذا اشتركا في الفضل وزاد أحدهما على الأخر فيه فقد يصح أيضا فيهما إذا اختص بجميع الفضل
أحدهما وعرى الأخر منه ويكون معنى قول القائل هذا أفضل من هذا انه الفاضل دونه وان
الأخر لا فضل له وليس في هذا خروج عن لسان العرب ولا مخالفة لكلامها وكتاب الله تعالى يشهد به
وان اشعار المتقدمين يتضمنه قال الله جل اسمه * (أصحاب الجنة يؤمئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) * الفرقان يعني انهم
خير من أصحاب النار وقد علم أن أصحاب النار أصحاب شر ولا خير فيهم ووصف النار في آية أخرى فقال
* (بل كذبوا بالساعة واعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رايتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا
وزفيرا) * إلى قوله تعالى * (وادعوا ثبورا) * الفرقان ثم قال * (قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم
جزاء ومصيرا) * الفرقان فذكر سبحانه ان الجنة وما أعد فيها خير من النار ونحن نعلم أنه لا خير في النار وقال
209

تعالى في آية أخرى * (قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير) * الحج وقال
* (وهو أهون عليه) * الروم والمعنى في ذلك هين لأن شيئا لا يكون أهون على الله من شئ فكذلك قولنا
هذا أفضل يكون المراد به هذا الفاضل وليس بعد ايراد هذه الآيات لبس في السؤال يعترض
العاقل وقد قال حسان بن ثابت في رجل هجا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله من المشركين
* هجوت محمدا برا تقيا * وعند الله في ذلك الجزاء * أتهجوه ولست له بكفؤ * فشركما لخيركما
الفداء * وقد علمنا أنه لا شر في النبي عليه السلام ولا خير فيمن هجاه وقال غيره من الجاهلية * خالي
بنو انس وخال سراتهم * أوس فأيهما أدق والام * يريد فأيهما الدقيق واللئيم * وليس المعنى فيه
ان الدقة واللؤم قد اشتملا عليهما ثم زاد أحدهما على صاحبه فيهما وعلى هذا المعنى فسر عثمان بن
الجني قول المتنبي * أعق خليلتيه الصفيين لأئمة * وانهما لم يشتركا في العقوق * ثم زاد أحدهما على الأخر
صاحبه فيه مع كونهما خليلين صفيين وانما المراد ان الذي يستحيل منهما عن الصفا فيصير
عاقا لأئمة والشواهد في ذلك كثيرة وفيما اوردته منها كفاية في ابطال ما ألزمت ودلالة على أن
الشيعة في قولها ان أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان لم تناقض لها مذهبا
ولا خالفت معتقدا وان المراد بذلك انه الفاضل دونهم والمختص بهذا الوصف عنهم فتأمل ذلك
تجده صحيحا والحمد لله على أن من الشيعة من امتنع من اطلاق هذا المقال عند تحقيق الكلام
ويقول في الجملة انه عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل الناس فسؤالك ساقط عنه إذ كان لا
يلفظ بما ذكرته إلا على المجاز فلما سمع السائل الجواب اعترف بأنه الصواب ولم يزد حرفا في هذا الباب
والحمد لله وصلاته على خيرته من خلقه سيدنا محمد رسوله وآله الطيبين الطاهرين وسلامه و
بركاته (فصل) في الرؤيا في المنام وجدت لشيخنا المفيد رضي الله عنه في بعض كتبه ان
الكلام باب رؤيا المنامات عزيز وتهاون أهل النظر به شديد والبلية بذلك عظيمة وصدق
القول فيه أصل جليل والرؤيا في المنام تكون من أربع جهات أحدها حديث النفس بالشئ و
الفكر فيه حتى يحصل كالمنطبع في النفس فيخيل إلى النائم ذلك بعينه واشكاله ونتائجه وهذا معروف
210

بالاعتبار الجهة الثانية من الطبائع وما يكون من قهر بعضها لبعض فيضطرب له المزاج ويتخيل
لصاحبه ما يلائم ذلك الطبع الغالب من مأكول ومشروب ومرئي وملبوس ومبهج ومزعج وقد نرى تأثير
الطبع الغالب في اليقظة والشاهد حتى أن من غلب عليه الصفراء يصعب عليه الصعود إلى المكان العالي
يتخيل له من وقوعه منه ويناله من الهلع والزمع ما لا ينال غيره ومن غلبت عليه السوداء يتخيل له انه قد
صعد في الهواء وناجته الملائكة ويظن صحة ذلك حتى أنه ربما اعتقد في نفسه النبوة وان الوحي يأتيه
من السماء وما أشبه ذلك والجهة الثالثة الطاف من الله عز وجل لبعض خلقه من تنبيه وتيسير و
اعذار وانذر فيلقى في روعه ما ينتج له تخيلات أمور تدعوه إلى الطاعة والشكر على النعمة ومن تزجره
عن المعصية وتخوفه الآخرة ويحصل بها مصلحة وزيادة فائدة وفكر يحدث له معرفة والجهة الرابعة
أسباب من الشيطان ووسوسة يفعلها للانسان ويذكره بها أمورا تحزنه وأسبابا تغمه وتطمعه فيما
لا يناله أو يدعوه إلى ارتكاب محظور يكون فيه عطبة أو تخيل شبهة في دينه يكون منها هلاكه وذلك مختص
بمن عدم التوفيق لعصيانه وكثرة تفريطه طاعات الله سبحانه ولن ينجو من باطل المنامات وأحلامها
إلا الأنبياء والأئمة عليهم السلام ومن رسخ في العلم من الصالحين وقد كان شيخي رضي الله عنه قال لي ان كل
من كثر علمه واتسع فهمه قلت مناماته فان رأى مع ذلك مناما وكان جسمه من العوارض سليما فلا
يكون منامه إلا حقا يريد بسلامة الجسم عدم الأمراض المهيجة للطباع وغلبة بعضها على ما تقدم به البيان
والسكران أيضا لا يصح له منام وكذلك الممتلئ من الطعام لأنه كالسكران ولذلك قيل إن المنامات قلما
يصح في ليالي شهر رمضان فاما منامات الأنبياء صلوات الله عليهم فلا تكون إلا صادقه وهي وحي
في الحقيقة ومنامات الأئمة عليهم السلام جارية مجرى الوحي وان لم تسم وحيا ولا تكون قط إلا حقا وصدقا وإذا
صح منام المؤمن لأنه من قبل الله تعالى كما ذكرناه وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال رؤيا المؤمن
جزء من سبعة وسبعين جزءا من النبوة (وروى) عن علي عليه السلام قال رؤيا المؤمن تجري مجرى كلام تكلم
به الرب عنده فاما وسوسة شياطين الجن فقد ورد السمع بذكرها قال الله تعالى * (من شر الوسواس الخناس
الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) * الناس وقال * (وان الشياطين ليوحون إلى أوليائهم
211

ليجادلوكم) * الانعام وقال * (شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) * الانعام وما ورد السمع به
فلا طريق إلى دفعه فاما كيفية وسوسة الجني للانسي فهو ان الجن أجسام رقاق لطاف فيصح ان يتوصل
أحدهم برقة جسمه ولطافته إلى غاية سمع الانسان ونهايته فيوقر فيه كلاما يلبس عليه إذا سمعه ويشبه
عليه بخواطره لأنه لا يرد عليه ورود المحسوسات من ظاهر جوارحه ويصح ان يفعل هذا بالنائم واليقظان
جميعا وليس هو في العقل مستحيلا (وروى) جابر بن عبد الله أنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وآله
يخطب إذ قام إليه رجل فقال يا رسول الله اني رأيت كان رأسي قد قطع وهو يتدحرج وانا اتبعه فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله لا تحدث بلعب الشيطان بك ثم قال إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدثن به أحدا
وأما رؤية الانسان للنبي صلى الله عليه وآله أو لاحد الأئمة عليهم السلام في المنام فإن ذلك عندي على ثلاثة أقسام
قسم اقطع على صحته وقسم اقطع (على بطلانه وقسم أجوز فيه الصحة والبطلان فلا اقطع فيه على حال فاما الذي اقطع على صحته) فهو كل منام رأى فيه النبي صلى الله عليه وآله أو أحد الأئمة عليهم السلام وهو فاعل
لطاعة أو آمر بها وناه عن معصية أو مبين لقبحها وقائل لحق أو داع إليه أو زاجر عن باطل أو ذام لما
هو عليه وأما الذي اقطع على بطلانه فهو كل ما كان على ضد ذلك لعلمنا ان النبي والامام عليهما السلام
صاحبا حق وصاحب الحق بعيد عن الباطل وأما الذي أجوز فيه الصحة والبطلان فهو المنام الذي
يرى فيه النبي أو الامام عليهم السلام وليس هو آمرا ولا ناهيا ولا على حال يختص بالديانات مثل ان يراه
راكبا أو ماشيا أو جالسا ونحو ذلك فاما الخبر الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله من رآني فقد رآني
فإن الشيطان لا يتشبه بي فإنه إذا كان المراد به المنام يحمل على التخصيص دون ان يكون في حال ويكون
المراد به القسم الأول من الثلاثة أقسام لأن الشيطان لا يتشبه بالنبي صلى الله عليه وآله في شئ من الحق والطاعات
وأما ما روى عنه صلى الله عليه وآله من قوله من رآني نائما فكانما رآني يقظانا فإنه يحتمل وجهين أحدهما ان يكون
المراد به رؤية المنام ويكون خاصا كالخبر الأول على القسم الذي قدمناه والثاني ان يكون أراد به
رؤية اليقظة دون المنام ويكون قوله نائما حالا للنبي صلى الله عليه وآله وليست حالا لمن رآه فكأنه قال من رآني وانا
نائم فكانما رآني وانا منتبه والفائدة في هذا المقام ان يعلمهم بأنه يدرك في الحالتين ادراكا واحدا فيمنعهم
ذلك إذا حضروا عنده وهو نائم ان يفيضوا فيما لا يحسن ان يذكروه بحضرته وهو منتبه وقد روى
212

عنه صلى الله عليه وآله انه غفا ثم قام يصلي من غير تجديد الوضوء فسئل عن ذلك فقال اني لست كأحدكم تنام عيناي
ولا ينام قلبي وجميع هذه الروايات اخبار آحاد فإن سلمت فعلى هذا المنهاج وقد كان شيخي رحمه
الله يقول إذا جاز من بشر ان يدعي في اليقظة انه اله كفرعون ومن جرى مجراه مع قله حيلة البشر وزوال
اللبس في اليقظة فما المانع من أن يدعي إبليس عند النائم بوسوسته له انه نبي مع تمكن إبليس بما لا يتمكن
منه البشر وكثرة اللبس المعترض في المنام ومما يوضح لك ان من المنامات التي يتخيل للانسان انه قد رأى
فيها رسول الله والأئمة صلوات الله عليهم منها ما هو حق ومنها ما هو باطل انك ترى الشيعي يقول رأيت
في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يأمرني بالاقتداء به دون غيره ويعلمني
انه خليفته من بعده وان أبا بكر وعمر وعثمان ظالموه وأعداؤه وينهاني عن موالاتهم ويأمرني بالبرائة
منهم ونحو ذلك مما يختص بمذهب الشيعة ثم ترى الناصبي يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في النوم ومعه
أبو بكر وعمر وعثمان وهو يأمرني بمحبتهم وينهاني عن بغضهم ويعلمني انهم أصحابه في الدنيا والآخرة
وانهم ومعه في الجنة ونحو ذلك مما يختص بمذهب الناصبة فتعلم لا محالة ان أحد المنامين حق والاخر
باطل فأولى الأشياء ان يكون الحق منهما ما ثبت بالدليل في اليقظة على صحة ما تضمنه والباطل ما أوضحت
الحجة عن فساده وبطلانه وليس يمكن للشيعي أن يقول للناصبي انك كذبت في قولك انك رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه يقدر أن يقول له مثل هذا بعينه وقد شاهدنا ناصبيا تشيع وأخبرنا في حال تشيعه بأنه
يرى منامات بالضد مما كان يراه في حال نصبه فبان بذلك ان أحد المنامين باطل وانه من نتيجة
حديث النفس أو من وسوسة إبليس ونحو ذلك وان المنام الصحيح هو لطف من الله تعالى بعيده على
المعنى المتقدم وصفه وقولنا في المنام الصحيح ان الانسان إذا رأى في نومه النبي صلى الله عليه وآله إنما معناه انه كان
قد رآه وليس المراد به التحقيق في اتصال شعاع بصره بجسد النبي وأي بصر يدرك به حال نومه
وإنما هي معان تصورت في نفسه تخيل له فيها أمر لطف الله تعالى له به قام مقام العلم وليس هذا بمناف
للخبر الذي روي من قوله من رآني فقد رآني لأن معناه فكانما رآني وليس بغلط في هذا المكان
إلا عند من ليس له من عقله اعتبار (تأويل) آية ان سئل سائل عن قول الله عز وجل * (وجعلنا نومكم
213

سباتا) * النبأ فقال إذا كان السبات هو النوم فكأنه قال وجعلنا نومكم نوما فما الفائدة في هذا (الجواب) قلنا
في هذه الآية وجوه منها ان السبات أحد أقسام النوم وهو النوم الممتد الطويل ولهذا يقال فيمن كثر نومه انه مسبوت
وبه سبات ولا يقال ذلك في كل نائم والوجه في الامتنان علينا بان جعل نومنا ممتدا طويلا ظاهر وهو لما
لنا في ذلك من المنفعة بالراحة لأن التهويم والنوم الغرار لا يكسبنا شيئا من الراحة بل يصحبهما في الأكثر
الانزعاج والقلق والهموم التي تقلل النوم ورخاء البال وفراغ القلب يكون معهما كثرته وامتداده
ومنها ان يكون المراد بذلك انا جعلنا نومكم سباتا ليس بموت لأن النائم قد يفقد من علومه وقصوده
وأحواله فيسمى النوم بالسبت للفراغ الذي كان فيه ولأن الله تعالى أمر بني إسرائيل بالاستراحة من الأعمال
وقد قيل إن أصل السبات التمدد ويقال سبتت المراة شعرها إذا حلته من العقص ومنها ان يكون المراد بالسبت
القطع فيكون نومنا قطعا لأعمالنا ومتصرفاتنا وهو راجع إلى معنى الراحة (فصل) مما روى عن
لقمان من حكمته ووصيته لابنه يا بني أقم الصلاة فإنما مثلها في دين الله كمثل عمود فسطاط فإن العمود إذا استقام
نفعت الاطناب والأوتاد والظلال وان لم يستقم لم ينفع وتد ولا طنب ولا ظلال أي بني صاحب العلماء
وجالسهم وزرهم في بيوتهم لعلك ان تشبههم فتكون منهم اعلم يا بني اني ذقت الصبر وأنواع المر فلم أر أمر
من الفقر فإن افتقرت يوما فاجعل فقرك بينك وبين الله ولا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم ثم سل في
الناس هل من أحد دعا الله فلم يجبه أو سئله فلم يعطه يا بني ثق بالله عز وجل ثم سل في الناس هل من أحد
وثق بالله فلم ينجه يا بني توكل على الله ثم سل في الناس من ذا الذي توكل على الله فلم يكفه يا بني أحسن الظن بالله
ثم سل في الناس من ذا الذي أحسن الظن بالله فلم يكن عند حسن ظنه به يا بني من يرد رضوان الله يسخط
نفسه كثيرا ومن لا يسخط نفسه لا يرض ربه ومن لا يكظم غيظه يشمت عدوه يا بني تعلم الحكمة تشرف
فإن الحكمة تدل على الدين وتشرف العبد على الحر وترفع المسكين على الغني وتقدم الصغير على الكبير وتجلس
المسكين مجالس الملوك وتزيد الشريف شرفا والسيد سؤددا والغنى مجدا وكيف يظن ابن ادم ان يتهيأ
له أمر دينه ومعيشته بغير حكمة ولن يهيئ الله عز وجل أمر الدنيا والآخرة إلا بالحكمة ومثل الحكمة بغير طاعة
مثل الجسد بلا نفس (أو مثل الصعيد بلا ماء ولا صلاح للجسد بلا نفس) ولا للصعيد بغير ماء ولا للحكمة بغير طاعة (أحاديث عن أبي ذر الغفاري) (اخبرني) الشريف أبو منصور أحمد
214

بن حمزة الحسيني العريضي بالرملة وأبو العباس أحمد بن إسماعيل بن عنان بحلب وأبو المرجا محمد بن علي بن طالب
البلدي بالقاهرة رحمهم الله قالوا جميعا أخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن المطلب الشيباني
الكوفي قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمار الثقفي قال حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار قال
حدثنا موسى بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال حدثنا عبد المهيمن
ابن عباس الأنصاري الساعدي عن أبيه العباس بن سهل عن أبيه سهل بن سعيد قال بينا أبو ذر
قاعد مع جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكنت يومئذ فيهم إذ طلع علينا علي بن أبي طالب عليه السلام فرماه أبو ذر
بنظره ثم اقبل على القوم بوجهه فقال من لكم برجل محبته تساقط الذنوب عن محبيه كما يساقط الريح العاصف
الهشيم من الورق عن الشجر سمعت نبيكم صلى الله عليه وآله (يقول ذلك له قالوا من هو يا أبا ذر قال
هو الرجل المقبل إليكم بوجهه ابن عم نبيكم يحتاج أصحاب محمد صلى الله عليه وآله إليه ولا يحتاج إليهم
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله) يقول علي باب علمي ومبين لامتي ما أرسلت به من بعدي حبه
ايمان وبغضه نفاق والنظر إليه برأفة ومودة عبادة وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله نبيكم يقول مثل أهل
بيتي في أمتي مثل سفينة نوح عليه السلام من ركبها نجي ومن رغب عنها هلك ومثل باب حطة في بني إسرائيل من
دخله كان آمنا مؤمنا ومن تركه كفر ثم إن عليا عليه السلام جاء فوقف فسلم ثم قال يا أبا ذر من عمل لاخرته
كفاه الله أمر دنياه وآخرته ومن أحسن فيما بينه وبين الله كفاه الله الذي بينه وبين عباده ومن أحسن
سريرته أحسن الله علانيته ان لقمان الحكيم قال لابنه وهو يعظه يا بني من ذا الذي ابتغى الله عز
وجل فلم يجده ومن ذا الذي لجا إلى الله فلم يدافع عنه امن ذا الذي توكل على الله فلم يكفه ثم مضى
يعنى عليا عليه السلام فقال أبو ذر رحمه الله والذي نفس أبي ذر بيده ما من أمة ائتمت أو قال اتبعت
رجلا وفيهم من هو اعلم بالله ودينه منه إلا ذهب امرهم سفالا (مسألة في المواريث)
اخوان لأب وام ورث أحدهما المال كله ولم يرث الأخر شيئا وليس بينهما خلاف في أصله (الجواب)
كان الميت ابن أحدهما فورثه الأب خاصة دون أخيه الذي هو عم الميت (مسألة أخرى) اخوان
لأب وام ورثا ميراثا كان لأحدهما ثلاثة أرباع المال وللآخر الربع (جواب) الموروث امرأة تركت
ابني عمها أحدهما زوجها فورث منها النصف بحق زوجته وورث مع أخيه نصف الباقي وهو الربع
من جميع المال (مسألة أخرى) رجل وابنه ورثا مالا فكان بينهما نصفان بالسوية (جواب) هذا رجل
215

تزوج بابنة عمة فماتت وخلفته وأباه الذي هو عمها فكان له بحق الزوجية النصف ولعمها الذي هو
أبو زوجها النصف الآخر (قضية) مستطرفة لأمير المؤمنين عليه السلام لم يسبقه إليها أحد من الناس
روى أن رجلين جلسا للغداء فاخرج أحدهما خمسة أرغفة واخرج الأخر ثلاثة أرغفة فعبر بهما في الحال
رجل ثالث فعزما عليه فنزل فاكل معهما حتى استوفوا جميع ذلك فلما أراد الانصراف دفع إليهما فضته
وقال هذه لكما عوض مما اكلت من طعامكما فوزناها فصادفاها ثمانية دراهم فقال صاحب الخمسة
الأرغفة لي منها خمسة ولك ثلاثة بحساب ما كان لنا وقال الآخر بل هي مقسومة نصفين بيننا وتشاحا
فارتفعا إلى شريح القاضي في أيام أمير المؤمنين عليه السلام فعرفاه امرهما فحار في قضيتهما ولم يدر ما يحكم
به بينهما فحملهما إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقصا قصتهما فاستطرف امرهما وقال إن هذا أمر فيه دناءة
والخصومة فيه غير جميلة فعليكما بالصلح فهو أجمل بكما فقال صاحب الثلاثة أرغفة لست ارضى إلا
بمر الحق وواجب الحكم فقال أمير المؤمنين عليه السلام فإذا أبيت الصلح ولم ترد إلا القضاء فلك درهم
واحد ولرفيقك سبعة دراهم فقال وقد عجب هو وجميع من حضر يا أمير المؤمنين بين لي وجه ذلك
لاكون على بصيرة من أمري فقال انا أعلمك ألم يكن جميع ما لكما ثمانية أرغفة اكل كل واحد منكما بحساب
الثلث رغيفين وثلثين قال بلى قال فقد حصل لكل واحد منكم ثمانية أثلاث فصاحب الخمسة الأرغفة
له خمسة عشر ثلثا اكل منها ثمانية بقي له سبعة وأنت لك ثلاثة أرغفة وهي تسعة أثلاث اكلت منها ثمانية
بقي لك ثلث واحد فلصاحبك سبعة دراهم ولك درهم واحد فانصرفا على بينة من امرهما (شبهات للملاحدة مسألة)
للملحدة قال الملحدون إذا كان الله جوادا رحيما ولم يخلق خلقه إلا لنفعهم وليس له حاجة إلى عذابهم
فهلا خلقهم كلهم في الجنة وابتدأهم بالنعمة وخلدهم في دائم اللذة وأراحهم من الدنيا ومشاقها وصعوبة
التكليف منها (جواب) يقال لهم ان الجود والرحمة لا يكونان فيما يخرج عن الحكمة وربنا سبحانه لم يخلق
خلقه إلا لنفعهم والمنفعة بنيل النعيم يكون على قسمين تفضل واستحقاق ومنزلة الاستحقاق أعلى وأجل وأشرف من منزلة
التفضل فلو ابتدا الله تعالى خلقه في جنات النعيم لكان قد اقتصر بهم على منزلة التفضل التي هي أدون
المنزلتين وفي ذلك أنه قد حرم الاستحقاق من علم من حاله انه ان كلفه أطاع فاستحق الثواب واقطعه
216

عن الأصلح له واقتصر به على نعيم غيره أفضل منه وذلك لا يقع من عالم حكيم جواد غير بخيل فوجب
في الحكمة خلقهم في الدنيا وعمومهم بالتكليف الذي فيه التعريض للامر الجليل ليستحق الطائعون
ما سبق لهم في المعلوم وليس يقع المخالفة بعد التبيين والتعريف وازاحة العلة في التكليف إلا من
جان على نفسه غير ناظر في عاقبة امره (وجواب ثان) ويقال لهم لو خلق الله تعالى خلقه في الجنة لم
يخل امرهم من حالين أما ان يبيحهم الجهل به وكفر نعمته فليس بحكيم من أباح ذلك وأما ان يأمرهم
بمعرفته وشكر نعمته والحكمة توجب ذلك فلا بد عند الامر بالشئ من النهي عن ضده ثم لابد من ترغيب
فيما يأمر به ووعد جميل على فعله وترهيب فيما نهى عنه ووعيد على فعله وإذا وجب الأمر والنهي والترغيب
والترهيب والوعد والوعيد فقد حصلت حالهم كحالهم في الدنيا ووجب ان يكون للوعيد انجاز
فينتقلوا إلى دار الجزاء فقد انتهى الامر إلى ما فعله سبحانه مما لا يقتضي الحكمة غيره فان قالوا أليس
الطائعون لابد من مصيرهم إلى الجنة فالا كانت حالهم في الابتداء كحالهم في الثواب والجزاء من
حصول المعرفة والشكر قلنا لهم بين الوقتين فرق وذلك انهم إذا صاروا إلى الجنة بعد كونهم في
الدنيا فقد تقدم لهم الأمر والنهي وذاقوا البؤس والآلام وعرفوا قدر النعمة وشاهدوا وقوع
العقاب والثواب بأهلها فكان ذلك يقوم لهم في الترغيب في المعرفة والشكر والانزجار عن
تركهما مقام الأمر والنهي والوعد والوعيد ولو ابتدأهم في الجنة لم يكونوا امروا ولا نهوا ولا
وعدوا ولا توعدوا ولا فعل بهم ما يقوم مقام ذلك فكانوا بمنزلة من أبيح له الجهل والكفر تعالى الله
عن ذلك علوا كبيرا ولا يجوز ان يخلق فيهم المعرفة به ابتداء لأن الغائب لا يعرف بالضرورة
إلا أن يحضر كما أن الحاضر لا يعلم بالاستدلال إلا أن يغيب ولو جاز ان يخلقهم فيعرفون الغائب من غير استدلال
لجاز ان يقدرهم على ذلك وهذا محال ولا يجوز أيضا ان يخلق الشكر فيهم لأنه لو خلقه لهم لم يكونوا
هم الشاكرين بل يكون هو الشاكر لنفسه لأن الشاكر من فعل الشكر لا من فعل فيه كما أن الظالم من
فعل الظلم لا من فعل فيه (مسألة أخرى للملاحدة) قال الملحدون كيف يجوز
من الحكيم الرحيم ان يخلق خلقا ثم يكلفهم وهو يعلم أنهم يعصون فيصيرون إلى العذاب الأليم و
217

يبقون فيه مخلدين وهو لو لم يخلقهم لم يكن ذلك أو خلقهم ولم يكلفهم لم يقع الكفر منهم (الجواب)
قيل لو وجب ان يكون الخلق والتبليغ قبيحا ولا يكون حكمه ذلك لو لم يكن ما استحق أحد العذاب
والخلود في النار لكان لا شئ أوضع ولا أضر من العقل لأن الانسان متى لم يكن عاقلا لم يلحقه
لوم في شئ يكون منه ولم يلزمه عقاب ولا أدب على زلل يصدر عنه ومتى كان عاقلا لحقه ذلك
أجمع ومستحقه والأمم كلها ملحدها وموحدها مجمعة على اعتقاد شرف العقل وفضيلته وعلو منزلته
وسقوط ضده ونقصه فإن قالوا إن العقل ليس يدعو إلى شئ مما يوجب اللوم ولا يحمل عليه ولا
يدخل فيه بل هو ناه عن القبيح زاجر عنه ولو شاء العاقل لم يرتكب القبيح وبعد ففي العقل منافع
وهي عز العلم وشرف المعرفة وعظم موضع اللذة قيل لهم وكذلك الخلق والتبليغ والتكليف ليس بداع
إلى شئ من القبيح ولا حامل على الكفر ولا مدخل فيما يوجب العقاب والخلود في النار بل هو تاه
عن ذلك زاجرا عنه ولو شاء المكلف لم يكفر بل أطاع فاستحق بطاعته الخلود في نعيم الجنان كما استحق
غيره ممن أطاع وبعد ففي التكليف تعريض لأجل منازل النعيم وهي منزلة الاستحقاق وفيه
فعل ما تقتضيه الحكمة والصلاح وشئ آخر وهو ان التعريض لنيل الثواب الدائم والامر بمعرفة
المنعم وشكره وترك الجور والظلم والسفه حسن من العقل كما أن التعريض للعطب والامر بالجور
والسفه قبيح فاسد في العقل فلو كانت معصية المأمور ومصيره لسوء اختياره إلى استحقاق العذاب
وعلم العالم بما يصير إليه من العطب والهلاك يقلب التعريض للخير والامر بالحسن فيجعله قبيحا فاسدا
لكان طاعة المأمور ومصيره بحسن اختياره إلى استحقاق المدح من العقلاء وعلم الامر بما يصير
إليه المأمور من السلامة واستحقاق المدح يقلب التعريض للعطب والامر به فيجعله حسنا وهذا
لا يقوله أحد ولو كان الامر بالخير والتمكين منه والدعاء إليه والتيسير له والاعذار والانذار لا يكون
تعريضا للخير إلا إذا علم أن المأمور يقبل فيسلم لكان الامر بالفساد والشر والدعاء إليه والحث عليه
لا يكون تعريضا للمكروه والعطب والضرر إلا إذا علم أن المأمور يقبل فيعطب فلما كان هذا
عند جمهور أهل العلم والعقل اسائة واضرارا وتعريضا للمكروه سواء علم أن المأمور يقبل
218

فيعطب أو يخالف فيسلم كان الأول تعريضا للخير واحسانا إلى العبد سواء علم من حاله انه
يقبل فيسلم أو يخالف فيعطب وهذا باب يجب ان يتأيد فيه المتأمل ويكرر فيه الاطلاع فإنه يعلم
الحق فيه ان لم يكن معه هوى يضل عنه والحمد لله (فصل) في ذكر سؤال ورد إلي من السائل
وجوابي عنه في صحة العبادة بالحج بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الهادي
إلى الرشاد العالم بمصالح العباد ذي الحكمة البالغة والنعمة السابغة وصلواته على من أزاح به العلل
وأوضح منار السبل سيد الأولين والآخرين محمد خاتم النبيين وعلى آله الأئمة الطاهرين سئلت
أيدك الله عن الحج ومناسكه وصحة الامر وأسباب ذلك وعلله ورغبت في اختصار جواب يكشف
لك حقيقة الصواب تعول عليه في الاعتقاد وتحسم به مواد الفساد وتعده للخصوم عند
السؤال وتدفع به تعجب أهل الكفر والضلال وقد أوردت من ذلك ما اقتضاه الامكان
لضيق الزمان وعلي ترادف الاشغال وهو مقنع في معناه لمن تدبره وفهم فحواه إن شاء الله
اعلم أن اختلاف العبادات مبني على العلوم عند الله تعالى من مصالح العباد وليس للمكلفين طريق
للعلم بتفاصيل هذه المصالح ولا فرض الله سبحانه عليهم ذلك ولو فرضه لنصب لهم دليلا على
العلم به فالذي يجب اعتقاده هو ان المكلف الامر عدل حكيم لا يقع منه الخلل ولا يكلف العبث
ولا يرسل إلى خلقه من يجوز منه الكذب والامر باللعب فإذا ثبت هذا الأصل لزم امتثال أوامر
الحكيم الواردة على يد الصادق الأمين والاعتقاد ان ايراده منها إنما هو طاعته في العمل بها
وانه لم يأمر بها دون غيرها إلا لعلمه بمصالح خلقه فيها وتعريضه لهم بتكليفها إلى منزلة الاستحقاق
ونفاستها ليثبت من اطاعه فيها بالنعيم الدائم عليها وليس جهل العبد بمعرفة هذه المصالح على
تفاصيلها مفسدا لما عمله من حكمة الامر بها وصدق المؤدي عنه لها كما أنه ليس عدم علمنا بعلل
تباين الناس في أفعالهم وأسباب اختلاف ما مع الصناع من آلاتهم موجبا علينا القطع على لعبهم
وعبثهم واعتقاد جهلهم ونقصهم فهذا أصل الكلام فيما خار الله تعالى وأمر عليه والمدار في الحجاج
والنظر ومن اتقنه استعان به في مسائل اخر وقد سئل أحد الملاحدة مولانا جعفر بن محمد الصادق
219

صلوات الله عليه عن الطواف بالبيت الحرام فأجابني بما نقله عنه الخاص والعام اخبرني به الشيخ الفقيه
أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن الشاذان القمي رضي الله عنه عن خال امه أبي القاسم جعفر
بن محمد بن قولويه رحمه الله عن محمد بن يعقوب الكليني عن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن العباس
بن عمران الفقيمي ان ابن أبي العوجاء وابن طالوت الأعمى وابن المقفع في نفر من الزنادقة
كانوا مجتمعين بالموسم في المسجد الحرام وأبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فيه إذ ذاك يفتي
الناس ويفسر لهم القرآن ويجيب عن المسائل بالحجج والبينات فقال القوم لابن أبي العوجاء هل لك في
تغليط هذا الجالس وسؤاله عما يفضحه عند هؤلاء المحيطين به فقد ترى فتنة الناس به وهو
علامة زمانه فقال لهم ابن أبي العوجاء نعم ثم تقدم ففرق الناس ثم قال يا أبا عبد الله ان المجالس
أمانات ولا بد لكل من به سعال ان يسعل فتأذن في السؤال فقال أبو عبد الله عليه السلام سل ان
شئت فقال ابن أبي العوجاء إلى كم تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر وتعبدون هذا
البيت المرفوع بالطوب والمدر وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر من فكر في هذا وقدر علم أنه
فعل غير حكيم ولا ذي نظر فقل فإنك رأس هذا الامر وسنامه وأبوك اسه ونظامه فقال له
الصادق عليه السلام ان من أضله الله واعمى قلبه استوخم الحق فلن يستعذبه وصار الشيطان
وليه وحزبه يورده مناهل الهلكة وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في اتيانه فحثهم
على تعظيمه وزيارته وجعله قبلة للمصلين فهو شعبه من رضوانه وطريق تؤدي إلى غفرانه
منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال خلقه قبل دحو الأرض بألفي عام فأحق من أطيع
فيما أمر وانتهى عما زجر الله عز وجل المنشئ للأرواح والصور فقال له ابن أبي العوجاء ذكرت
أبا عبد الله فأحلت على غائب فقال الصادق صلوات الله عليه كيف يكون يا ويلك غائبا من
هو مع خلقه شاهد واليهم أقرب من حبل الوريد يسمع كلامهم ويعلم اسرارهم لا يخلو منه مكان
ولا يشغل به مكان ولا يكون من مكان أقرب من مكان يشهد له بذلك آثاره ويدل عليه أفعاله
والذي بعثه بالآيات المحكمة والبراهين الواضحة محمد عليه السلام جاءنا بهذه العبادة فإن شككت في شئ من
220

امره فاسال عنه أوضحه لك قال فأبلس بن أبي العوجاء ولم يدر ما يقول فانصرف من بين يديه فقال
لأصحابه سألتكم ان تلتمسوا خمرة فألقيتموني على جمرة فقالوا له اسكت فوالله لقد فضحتنا بحيرتك
وانقطاعك وما رأينا أحقر منك اليوم في مجلسه فقال إلي تقولون هذا انه ابن من حلق رؤوس
من ترون واومى بيده إلى أهل الموسم وفي هذا الخبر كفاية لمن تدبره وغنى في هذه المسألة لمن
تصوره واعلم أنه لا فرق في العقول بين ان ترد العبادة بصلاة فيها ركوع وسجود وقيام
وقعود وبين ان ترد بطواف وسعي وهرولة ومشي ونحو ذلك من أسباب الخشوع وافعال
الخضوع ولا فرق أيضا بين ورودها باغتسال وصيام وبين ورودها بحلق الرأس والاحرام
بل لا فرق بين المشي إلى مواضع العبادة والسجود على التكرار وبين السعي بين الصفا والمروة
ورمي الجمار كل ذلك على حد واحد في التجويز وطريق مستمر في امكان ما يرد به التكليف ولسنا
نجد أهل ملة ولا ذوي نحلة إلا ولهم عبادات من هذا الجنس وان اختلفت في الوصف وبعد
فقد نرى العدو الشديد في بعض الأحيان يكون من التعظيم والاجلال وذاك ان ذا المنزلة
الكبيرة والرتبة الجليلة إذا رآه من دونه توجه نحوه مسرعا وعدا إليه مهرولا لائذا به مقبلا
لديه فيكون فيما فعله قد عظمه وفضله وسواء سعيت إلى من تريد تعظيمه فتذللت بين يديه و
خضعت له أو سعيت حيث امرك فتذللت به وخضعت عنده لا يختلف ذلك في احكام العقول
ولا يتعجب منه وينكره إلا من فقد التحصيل وألف ترك التمييز على أن منكر هذه العبادة والمتعجب
منها إذا لم يقر بعبادة غيرها يجانسها لا يقدر على انكار ما نشاهده من العقلاء في بعض الأحيان
من الافعال المضاهية لأفعال المجان وهم فيها مصيبون وللمصلحة قاصدون مثل رجل خصيف
لبيب حكيم لا يحسن منه العدو الشديد رأى طفلا يكاد يهوى إلى بئر فعدى املا في وجه لتخليصه و
هرول غاية قدرته لانقاذه فحسن ذلك منه وان لم تجر به عادته وكان مشكورا عليه لصواب غرضه
فيه ورجل دخل الماء في اذنه فأجتهد في اخراجه بان وقف على إحدى رجليه وامال رأسه إلى ناحيتها و
قفز عدة دفعات عليها ليخرج الماء من اذنه ويامن ما يخشاه من ضرره فلا ينقصه ذلك من فضله
221

ولا يزيله عن رتبته وعقله بل يكون فيما فعله حكيما وبدفع المضرة عنه عليما وكالقاضي الذي دخلت
ذبابة في ثوبه وحصلت بينه وبين جسمه وهو بين شهوده وفي مجلس قضائه وحكمه فأزجرته
بأذيتها وأقلقته بثقلها واخذ يتحرك لها أنواع الحركة ويتلوى منها إلى كل جهة ويكثر من توقفه
واضطرابه ويطيل تطلعه في ثيابه والناس يشاهدون أفعاله ولا يعرفون فلما دام امرها
وطال لبثها حسن منه النهوض عن مجلسه والخلو لازالتها بنفسه فالجاهل من سارع إلى سوء
الظن به وقدم على استنقاصه في فعله والعاقل الذي يعلم أن أمرا قد دهمه وشيئا الجاه إلى ما ظهر
منه واضطره ونحو هذا من الأفعال العجيبة والأحوال الطريفة الذي يتفق لذوي العقول السليمة
والآراء الصحيحة فيقع منهم أكثر مما ذكرت وفوق ما وصفت ويكون الواجب تصويبهم فيه
وان لم يعلم الأسباب الداعية لهم إليه ولقد اضطررت يوما إلى الحضور مع قوم من المتصوفين
فلما ضمنا المجلس أخذوا فيما جرت به عادتهم من الغناء والرقص فاعتزلتهم إلى إحدى الجهات
وانضاف إلى رجل من أهل الفضل والديانات فتحادثنا ذم الصوفية على ما يصنعون وفساد
أغراضهم فيما يتأولوه وقبح ما يفعلون من الحركة والقيام وما يدخلون على أنفسهم في الرقص
من الآلام فكان الرجل لقولي مصوبا وللقوم في فعلهم مخطئا ولم نزل كذلك إلى أن غنى
مغني القوم هذه الأبيات * وما أم مكحول المدامع ترتعي * ترى الانس وحشا وهي تأنس بالوحش *
غدت فارتعت ثم انثنت لرضاعه * فلم تلف شيئا من قوائمه الخمش * فطافت بذاك القاع ولهى
فصادفت * سباع الفلا ينهشنه أيما نهش * بأوجع مني يوم ظلت أنامل * تودعني بالدر من
شبك النقش * فلما سمع صاحبي نهض مسرعا مبادرا ففعل من القفز والرقص والبكاء واللطم
وما يزيد على ما فعله من قبله ممن كان يخطئه ويستجهله واخذ يستعيد من الشعر ما لا يحسن
استعادته ولا جرت عادتهم بالطرب على مثله وهو قوله * فطافت بذاك القاع ولهى *
فصادفت سباع الفلا ينهشنه أيما نهش * ويفعل بنفسه ما حكيت ولا يسئل من غير هذا البيت حتى بلغ
من نفسه المجهود ووقع كالمغشى عليه من الموت فحيرني ما رأيت من حاله واخذت أفكر في أفعاله
222

المضاد لما سمعت من أقواله فلما افاق من غشيته لم أملك الصبر دون سؤاله من امره
وسبب صنعه بنفسه مع تجهيله من قبل لفاعله وعن وجه استعادته من الشعر ما لم تجر عادتهم
باستعادة مثله فقال لي لست اجهل ما ذكرت ولي عذر واضح فيما صنعت أعلمك ان أبي كان كاتبا
وكان بي برا وعلى شفيقا فسخط السلطان عليه فقتله فخرجت إلى الصحراء لشدة ما لحقني من الحزن
عليه فوجدته ملقى والكلاب ينهشون لحمه فلما سمعت المغني يقول فطافت بذاك القاع
ولهى * فصادفت سباع الفلا ينهشنه أيما نهش ذكرت ما لحق أبي وتصور شخصه بين عيني
وتجدد حزنه علي ففعلت الذي رأيت بنفسي فندمت حين اذن على سوء ظني به وتغممت عما
لحقه واتعظت بقصته وعلمت ان الله تعالى لطف لي بمشاهدة هذه الحال والوقوف
عليهم لتكون لي دلالة على الصواب في هذه المسألة وأشباهها وانه محرم على كل عاقل لبيب ان
يعجل بتجهيل من ثبت عنده عقله وبان له فضله إذا ظهر منه فعل لم يعرف فيه سببه ولا
علم مراده منه وغرضه وورود مثل هذه الأمور من العقلاء كثير وهي حجة على من أظهر التعجب مما
ورد به الشرع من التكليف وجعل عدم علمه بأسباب ذلك دلالة على فساد تعقله الضعيف على أن
الاخبار قد نقلت عن الأئمة عليهم السلام بذكر أسباب لهذه العبادات تسمى عللا على
المجاز والاتساع وجمع في ذلك علي بن حاتم القزويني رحمه الله كتابا سماه كتاب العلل وانا
أذكر طرفا مما رواه في الحج ومناسكه وأسبابه وعلله قال إن الحج هو الوفادة إلى الله عز وجل
وفيه منافع كثيرة للدنيا والآخرة من الرغبة إلى الله تعالى والرهبة منه والتوبة إليه من معاصيه
وطلب الثواب على تحمل المشاق فيما يرضيه ومنفعة أهل الشرق والغرب ومن في البر والبحر
من تاجر وجالب ومشتر وبائع ونحو ذلك من الفوائد قال الله تعالى * (ليشهدوا منافع لهم) *
والتلبية هي جواب نداء إبراهيم عليه السلام لما اذن في الناس بالحج وروى أن أمير المؤمنين
عليه السلام سئل عن الوقوف بالحل يعنى الوقوف بالعرفات ولو لم يكن في الحرم فقال لأن الكعبة
بيته والحرم داره فلما قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرعون إليه قيل له فالمشعر الحرام
223

لم صار في الحرم قال لأنه لما اذن لهم في الدخول وقفهم بالباب الثاني فلما طال تضرعهم به
اذن لهم بتقريب قربانهم فلما قضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت حجابا بينه
وبينهم اذن لهم بالزيارة على الطهارة قيل له فلم حرم الله الصيام أيام التشريق قال لأن القوم
زاروا الله تعالى وهم في ضيافته ولا يجوز لمضيف ان يصوم أضيافه قيل فالتعلق بأستار
الكعبة لأي معنى هو قال مثله مثل رجل له عبد جنى جناية وذنبا فهو متعلق بثوبه ويتضرع
إليه ويخضع له ان يتجاوز له عن ذنبه وروى أن الاشعار إنما هو لتحريم ظهر البدنة وان
تقليدها إنما هو ليعرفها صاحبها وقال في حد الحرم ان آدم عليه السلام لما اهبط من الجنة شكا
إلى الله تعالى الوحشة فأنزل عليه ياقوتة حمراء فوضعها في موضع البيت وكان يطوف
بها فكان يبلغ ضوءها موضع الاعلام يعنى أطراف الحرم وحده وذكر في علة الطواف
ان الله تعالى لما قال للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة وقالت أتجعل فيها من يفسد فيها
ويسفك الدماء واعلموا انهم قد أذنبوا لاذوا بالعرش واستغفروا الله سبعة آلاف عام قال
فبنى الله عز وجل لآدم عليه السلام بيتا بحذاء العرش وامره بالطواف حوله سبعة أشواط
لكل الف سنة طافتها الملائكة شوط واحد (وروى) في السعي بين الصفا والمروة ان إبراهيم عليه السلام
لما خلف إسماعيل وامه بمكة ومضى عطش الصبي فخرجت امه حتى قامت على الصفا وكان بينه
وبين المروة شجر فقالت هل بالوادي من أنيس فلم يجبها أحد فمضت حتى انتهت إلى المروة فقالت
هل بالوادي من أنيس فلم تجب ثم رجعت إلى الصفا ففعلت ذلك سبع مرات فجعل الله تعالى
ذلك سنة من بعده وروى عن الصادق عليه السلام انه كان يقول ما من بقعة أحب إلى الله تعالى
من المسعى لأنه يذل فيه كل جبار وقال إن علة رمي الجمرات ان إبراهيم عليه السلام تراءى له إبليس
عندها فأمره جبرائيل برميه بسبع حصيات وان يكبر مع كل حصاه ففعل وجرت بذلك السنة
فهذا بعض ما ذكر في علل الحج قد اوردته مما رواه علي بن حاتم القزويني وجمعه واعلم أيدك
الله ان هذه العلل المسطورة ليست بعلل موجبة وإنما منها ما هو على طريق التقريب كالتشبيه
224

والتمثيل ومنها ما وقع في الابتداء فاقتضت المصلحة عند الله سبحانه ان يكون مستمرا جاريا
فصار المبتدأ سببا لما بعده وكالعلة له والذي يدل على انها ليست بعلل موجبة ما نعلمه من أنه قد كان
يجوز نسخ هذه العبادة وورود الشرع بغيرها فلو كانت عن علة أوجبتها لم يكن يجوز نسخها بغيرها
وهذا واضح والحمد لله ولي كل نعمة وصلواته على سيدنا محمد نبيه وآله وسلم تسليما (فصل) من
كلام أمير المؤمنين عليه السلام * الفكرة مرآة صافية * والاعتبار منذر ناصح * من تفكر اعتبر * ومن
اعتبر اعتزل * ومن اعتزل سلم * العجب ممن خاف العقاب فلم يكف * ورجا الثواب فلم يعمل *
الاعتبار يقود إلى الرشاد * كل قول ليس لله فيه ذكر فلغو * وكل صمت ليس فيه فكر فسهو * وكل
نظر ليس فيه اعتبار فلهو * (فصل) حدثني القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم السلمي الحراني
قال اخبرني أبو حفص عمر بن علي العتكي قال حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الحنبلي قال حدثنا أحمد بن
حازم بن عروة قال حدثنا جعفر بن عون عن عمر بن موسى البربري عن أبيه عن عطية العوفي عن أبي
سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يبغض عليا إلا فاسق أو منافق أو صاحب بدايع (واخبرني)
شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه قال حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي الحافظ
قال حدثنا محمد بن سهل بن الحسن قال حدثنا أحمد بن عمر الدهقان قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا إسماعيل
بن مسلم قال حدثنا الأعمش عن عدي بن ثابت عن رزين بن حبيش قال رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام على المنبر وهو يقول والذي فلق الحبة وبرا النسمة انه لعهد النبي صلى الله عليه وآله إلي انه
لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق (واخبرني شيخنا المفيد) رضي الله عنه قال اخبرني أبو عبد الله
محمد بن عمر المرزباني قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا عبيد الله بن عمر
القواريري قال حدثنا جعفر بن سليمان قال حدثنا النضر بن حميد عن أبي الجارود عن الحارث الهمداني
قال رأيت عليا عليه السلام جاء حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال قضى قضاء الله عز وجل على
لسان النبي الأمي صلى الله عليه وآله إنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق وقد خاب من افترى
(دليل) النص بخبر الغدير على امامة أمير المؤمنين عليه السلام (اعلم) انه مما يدل على أنه المنصوص بالإمامة
225

عليه ما نقله الخاص والعام من أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من حجة الوداع نزل بغدير خم ولم يكن منزلا ثم أمر
مناديه فنادى في الناس بالاجتماع فلما اجتمعوا خطبهم ثم قررهم على ما جعله الله تعالى له عليهم من فرض طاعته
وتصرفهم بين امره ونهيه بقوله الست أولي بكم منكم بأنفسكم فلما أجابوه بالاعتراف وأعلنوا بالاقرار
رفع بيد أمير المؤمنين عليه السلام وقال عاطفا على التقرير الذي تقدم به الكلام فمن كنت مولاه فهذا علي
مولاة اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فجعل لأمير
المؤمنين عليه السلام من الولاء في أعناق الأمة مثل ما جعل الله له عليهم مما اخذ به اقرارهم لأن لفظة مولى
يفيد ما تقدم من التقرير من ذكر الأولى فوجب ان يريد بالكلام الثاني ما قررهم عليه في الأول وأن يكون المعنى
فيهما واحدا حسبما يقتضيه استعمال أهل اللغة وعرفهم في خطابهم وهذا يوجب ان يكون أمير المؤمنين عليه السلام
أولي بهم من أنفسهم ولا يكون أولي بهم إلا وطاعته فرض عليهم وامره ونهيه نافذ فيهم وهذه رتبة
الامام في الأنام قد وجبت بالنص لأمير المؤمنين عليه السلام واعلم أيدك انك تسئل في هذا الدليل عن أربعة
مواضع أحدها ان يقال لك ما حجتك على صحة الخبر في نفسه فانا نرى من يبطله وثانيها ان يقال لك ما
الحجة على أن لفظه مولى يحتمل أولي وانها أحد أقسامها وثالثها إذا ثبت انها أحد محتملاتها فما الحجة على أن
المراد بها في الخبر الأولى دون ما سوى ذلك من أقسامها ورابعها ما الحجة على أن الأولى هو الامام
ومن أين يستفاد ذلك في الكلام (الجواب) عن السؤال الأول أما الحجة على صحة خبر الغدير فما يطالب
بها إلا متعنت لظهوره وانتشاره وحصول العلم لكل من سمع الاخبار به ولا فرق بين من قال ما الحجة على
صحة خبر الغدير وهذه حالة وبين من قال ما الحجة على أن النبي صلى الله عليه وآله حج حجة الوداع لأن ظهور الجميع وعموم
العلم به بمنزلة واحدة وبعد فقد اختص هذا الخبر بما لم يشركه فيه سائر الأخبار فمن ذلك ان الشيعة
نقلته وتواترت به وقد نقله أصحاب السير نقل المتواترين به يحمله خلف عن سلف وضمنه جميعهم
الكتب بغير اسناد معين كما فعلوا في ايراد الوقائع الظاهرة والحوادث الكائنة التي لا يحتاج في
العلم بها إلى سماع الأسانيد المتصلة الا ترى إلى وقعة بدر وحنين وحرب الجمل وصفين كيف
لا يفتقر في العلم بصحة شئ من ذلك إلى سماع اسناد ولا اعتبار أسماء الرجال لظهوره المغنى
226

وانتشاره الكافي ونقل الناس له قرنا بعد قرن بغير اسناد معين حتى عمت المعرفة به واشترك الكل
في ذكره وقد جرى خبر يوم الغدير هذا المجرى واختلط في الذكر والنقل بما وصفنا فلا حجة في صحته
أوضح من هذا ومن ذلك أنه قد ورد أيضا بالأسانيد المتصلة ورواه أصحاب الحديثين من الخاصة
والعامة من طرق في الروايات كثيرة فقد اجتمع فيه الحالان وحصل له البيان ومن ذلك ان كافة
العلماء قد تلقوه بالقبول وتناولوه بالتسليم فمن شيعي يحتج به في صحة النص بالإمامة ومن ناصبي يتأوله
ويجعله دليلا على فضيلة ومنزلة جليلة ولم نر للمخالفين قولا مجردا في ابطاله ولا وجدناهم قبل تأويله
قد قدموا كلاما في دفعه وانكاره فيكون جاريا مجرى تأويل اخباره المشتبهة ورواياتها بعد الإبانة عن
بطلانها وفسادها بل ابتدأوا بتأويله ابتداء من لا يجد حيلة في دفعه وتوفره على تخريج الوجوه له
لتوفر من قد لزمه الاقرار به وقد كان انكاره أروح لهم لو قدروا عليه وجحده أسهل عليهم لو وجدوا
سبيلا إليه فاما ما يحكى عن أبي داود السجستاني من انكاره له وعن الجاحظ من طعنه في كتاب العثمانية
فيه فليس بقادح في الاجماع الحاصل على صحته لأن القول الشاذ لو اثر في الاجماع وكذلك الرأي المستحدث
لو أبطل مقدم الاتفاق لم يصح الاحتجاج بالاجماع ولا يثبت التعويل على اتفاق على أن السجستاني
قد تنصل من نفي الخبر فاما الجاحظ فطريقته المشتهرة في تصنيفاته المختلفة وأقواله المتضادة
المتناقضة وتأليفاته القبيحة في اللعب والخلاعة وأنواع السخف والمجانة الذي لا يرتضيه لنفسه ذو عقل وديانة
يمنع من الالتفات إلى ما يحكيه وتوجب التهمة له فيما ينفرد به ويأتيه وأما الخوارج الذين هم أعظم الناس
عداوة لأمير المؤمنين عليه السلام فليس يحكى عنهم صادق دفعا للخبر والظاهر من حالهم حملهم له على وجه من التفضيل
ولم يزل القوم يقرون لأمير المؤمنين عليه السلام بالفضائل ويسلمون له المناقب وقد كانوا انصاره وبعض
أعوانه وإنما دخلت الشبهة عليهم بعد الحكمين فزعموا أنه خرج عن جميع ما كان يستحقه من الفضائل
بالتحكيم وقد قال شاعرهم * كان علي قبل تحكيمه * جلدة بين العين والحاجب * ولو لم يكن الخبر كالشمس
وضوحا لم يحتج به أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى حيث قال للقوم في ذلك المقام أنشدكم الله هل
فيكم أحد اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فقال من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
227

غيري قالوا اللهم لا فاقر القوم به ولم ينكروه واعترفوا بصحته ولم يجحدوه فإن قال قائل فما باله لم
يذكر في حال احتجاجه به تقرير رسول الله صلى الله عليه وآله للناس على أنه أولي بهم منهم بأنفسهم ولم اقتصر على
ما ذكره وهو لا ينفع في الاستدلال عندكم ما لم يثبت التقرير المتقدم وما جوابكم لمن قال إن المقدمة
لم تصح وليس لها أصل وقد سمعنا هذا الخبر ورد في بعض الروايات وهو عار منها فما قولكم فيها
قيل له ان خلو مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام من ذكر المقدمة لا يدل على نفيها أو الشك في صحتها لأنه قررهم
من بعض الخبر على ما يقتضي الاقرار بجميعه اختصارا في كلامه وغنى بمعرفتهم بالحال عن ايراده على كماله
وهذه عادة الناس فيما يقرون به وقد قررهم عليه السلام في ذلك المقام بخبر الطائر فقال أفيكم رجل قال له
رسول الله صلى الله عليه وآله ابعث إلى بأحب خلقك يأكل معي غيري ولم يذكر هذا الطائر وكذلك لما قررهم
بقول النبي عليه السلام حيث ندبه لفتح خيبر وذكر لهم بعض الكلام دون جميعه اتكالا منه على ظهوره بينهم
واشتهاره فاما المتواترون بالخبر فلم يوردوه إلا على كماله ولا سطروه في كتبهم الا بالتقرير الذي
في أوله وكذلك رواه معظم أصحاب الحديث الذاكرين الأسانيد وإن كان منهم آحاد قد اغفلوا ذكر المقدمة
فيحتمل ان يكون ذلك تعويلا منهم على العلم بالخبر فذكروا بعضه لأنه عندهم مشتهر فإن الأصحاب
كثيرا ما يقولون فلان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله خبر كذا ويذكرون بعض لفظ الخبر اختصارا وفي الجملة فا
الآحاد المتفردون بنقل بعضه لا يعارض بهم المتواترين الناقلين لجمعيه على كماله (الجواب) عن السؤال
الثاني وأما الحجة على أن لفظة مولى يحتمل أولي وانها أحد أقسامها فليس يطالب بها أيضا منصف كان
له أدنى الاطلاع في اللغة وبعض الاختلاط بأهلها لأن ذلك مستفيض بينهم غير مختلف فيه عندهم
وجميعهم يطلقون القول فيمن كان أولي بشئ انه مولاه وانا أوضح لك أقسام مولى في اللسان لتعلمها
على بيان اعلم أن لفظة مولى في اللغة تحتمل عشرة أقسام أولها الأولى وهو الأصل الذي يرجع
إليه جميع الأقسام قال الله تعالى * (فاليوم لا يؤخذ منكم فديه ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم
وبئس المصير) * يريد سبحانه هي أولي بكم على ما جاء في التفسير وذكره أهل اللغة وقد فسره على هذا الوجه
أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه المعروف بالمجاز في القرآن ومنزلته في العلم بالعربية معروفة وقد
228

استسار على صحة تأويله ببيت لبيد * قعدت كلا الفرخين تحسب انه * مولى المخافة خلفها وامامها *
يريد أولي المخافة ولم ينكر على أبي عبيدة أحد من أهل اللغة وثانيها مالك الرق قال الله سبحانه * (ضرب
الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه) * النحل يريد مالكه واشتهار هذا القسم يغنى
الإطالة فيه وثالثها المعتق ورابعها المعتق وذلك أيضا مشهور معلوم وخامسها ابن العم
قال الشاعر * مهلا بني عمنا مهلا موالينا * لا تنشروا بيننا ما كان مدفونا * وسادسها الناصر قال
الله عز وجل * (ذلك بان الله مولى الذين آمنوا وان الكافرون لا مولى لهم) * سورة محمد يريد لا ناصر لهم وسابعها
المستولي لضمان الجريزة ويجوز الميراث قال الله عز وجل * (ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان
والأقربون والذين عقدت ايمانكم فاتوهم نصيبهم ان الله كان على كل شئ شهيدا) * النساء وقد أجمع المفسرون
على أن المراد بالموالي ههنا من كان أملك بالميراث واولى بحيازته قال الأخطل * فأصبحت مولاها
من الناس بعده * وأحرى قريش ان تهاب وتحمدا * وثامنها الحليف وتاسعها الجار وهذان
القسمان أيضا معروفان وعاشرها الامام السيد المطاع وسيأتي في الجواب عن السؤال الرابع
إن شاء الله تعالى فقد اتضح لك بهذا البيان ما يحتمله لفظة مولى من الأقسام وان أولي أحد محتملاتها
معاني الكلام بل هي الأصل واليها يرجع معنى كل قسم لأن مالك الرق لما كان أولي بتدبير
عبده من غيره كان لذلك مولاه والمعتق لما كان أولي بمعتقه في تحمله لجريرته والصق به من غيره
كان مولاه وابن العم لما كان أولي بالميراث ممن هو ابعد منه في نسبه واولى أيضا من الأجنبي
بنصرة ابن عمه كان مولى والناصر لما اختص بالنصرة وصار بها أولي كان لذلك مولى وإذا
تأملت بقية الأقسام وجدتها جارية هذا المجرى وعائدة بمعناها إلى الأولى وهذا يشهد
بفساد قول من زعم أنه متى أريد بمولى أولي كان ذلك مجازا وكيف يكون مجازا وكل قسم من
أقسام مولى عائد إلى معنى الأولى وقد قال الفراء في كتاب معاني القرآن ان الولي والمولى في كلام
العرب واحد (الجواب عن السؤال الثالث) فاما الحجة على أن المراد بلفظة مولى
في خبر الغدير الأولى فهي ان من عادة أهل اللسان في خطابهم إذا أوردوا جملة مصرحة و
229

عطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم به التصريح ولغيره فإنهم لا يريدون بالمحتمل إلا ما صرحوا به من الخطاب
المتقدم مثال ذلك ان رجلا لو اقبل على جماعة فقال ألستم تعرفون عبدي فلانا الحبشي ثم وصف
لهم أحد عبيده وميزه عنهم بنعت يخصه صرح به فإذا قالوا بلى قال لهم عاطفا على ما تقدم فاشهدوا
ان عبدي حر لوجه الله عز وجل فإنه لا يجوز ان يريد بذلك إلا العبد الذي سماه وصرح بوصفه دون
ما سواه ويجري هذا مجرى قوله فاشهدوا ان عبدي حر لوجه الله عز وجل ولو أراد غيره
من عبيده لكان ملغزا مبين في كلامه وإذا كان الامر كما وصفنا وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يزل
مجتهدا في البيان غير مقصر فيه من الامكان وكان قد اتى في أول كلامه يوم الغدير بأمر صرح به
وقرر أمته عليه وهو انه أولي بهم بأنفسهم على المعنى الذي قال الله تعالى في كتابه * (النبي أولي بالمؤمنين
من أنفسهم) * الأحزاب ثم عطف على ذلك بعد ما ظهر من اعترافهم بقوله فمن كنت مولاه فعلي هذا مولاه
وكانت مولاه يحتمل ما صرح به في مقدمه كلامه ويحتمل غيره لم يجز ان يريد إلا ما صرح به في كلامه
الذي قدمه واخذ اقرار أمته به دون سائر أقسام مولى وكان هذا قائما مقام قوله فمن كنت
أولي به من نفسه فعلي أولي به من نفسه وحاشى الله ان لا يكون الرسول صلى الله عليه وآله أراد هذا بعينه (ووجه)
آخر وهو ان قول النبي صلى الله عليه وآله فمن كنت مولاه فعلى مولاه لا يخلو من حالين أما ان يكون أراد بمولى
ما تقدم به التقرير من الأولى أو يكون أراد قسما غير ذلك من أحد محتملات مولى فإن كان أراد
الأول فهو ما ذهبنا إليه واعتمدنا عليه وإن كان أراد وجها غير قدمه من أحد محتملات مولى
فقد خاطب الناس بخطاب يحتمل خلاف مراده ولم يكشف لهم فيه عن قصده ولا في العقل دليل عليه
يغني عن التصريح بمعنى ما نحال إليه وهذا لا يجيزه رسول الله صلى الله عليه وآله إلا جاهل لا عقل له
(الجواب) عن السؤال الرابع وأما الحجة على أن لفظة أولي يفيد معنى الإمامة والرئاسة
على الأمة فهو انا نجد أهل اللغة لا يصفون بهذه اللفظة إلا من كان يملك تدبير ما وصف بأنه
أولي به وتصريفه وينفذ فيه امره ونهيه الا تراهم يقولون إن السلطان أولي بإقامة الحدود
من الرعية والمولى أولي بعبده والزوج أولي بامرأته وولد الميت أولي بميراثه من جميع أقاربه
230

وقصدهم بذلك ما ذكرناه دون غيره وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله سبحانه * (النبي
أولي بالمؤمنين من أنفسهم) * انه أولي بتدبيرهم والقيام بأمورهم من حيث وجبت طاعته عليهم
وليس يشك أحد من العقلاء في أن من كان أولي بتدبير الخلق وامرهم ونهيهم من كل أحد منهم
فهو الامام المفترض الطاعة عليهم (ووجه أحسن) ومما يوضح ان النبي صلى الله عليه وآله أراد
ان يوجب لأمير المؤمنين عليه السلام بذلك منزلة الرئاسة والإمامة والتقدم على الكافة فيما يقتضيه
فرض الطاعة انه قررهم بلفظ أولي على أمر يستحقه عليهم من معناها ويستوجبه من مقتضاها
وقد ثبت انه يستحق في كونه أولي بالخلق من أنفسهم انه الرئيس عليهم والنافذ الامر فيهم والذي
طاعته مفترضة على جميعهم فوجب ان يستحق أمير المؤمنين عليه السلام مثل ذلك بعينه لأنه جعل
له منه مثل ما هو واجب له فكأنه قال من كنت أولي به من نفسه في كذا فعلي أولي به من نفسه فيه
(ووجه آخر) وهو انا إذا اعتبرنا ما يحتمله لفظة مولى من الأقسام لم نر فيها ما يصح ان يكون
من أراد النبي صلى الله عليه وآله إلا ما اقتضاه الإمامة والرئاسة على الأنام وذلك أن أمير المؤمنين عليه السلام لم
يكن مالكا لرق كل من ملك رسول الله صلى الله عليه وآله رقه ولا معتقا لكل من أعتقه فيصح ان يكون أحد هذين
القسمين المراد ولا يصح ان يريد المعتق لاستحالة هذا القسم فيهما على كل حال ولا يجوز ان يريد ابن
العم والناصر فيكون قد جمع الناس في ذلك المقام ويقول لهم من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه أو من
كنت ناصره فعلي ناصره لعلمهم ضرورة لذلك قبل هذا المقام ومن ذا الذي يشك في أن كل
من كان رسول الله صلى الله عليه وآله ابن عمه فان عليا عليه السلام ابن عمه ومن ذا الذي لم يعلم أن المسلمين كلهم أنصار
من نصره النبي صلى الله عليه وآله فلا معنى لتخصيص أمير المؤمنين عليه السلام بذلك دون غيره ولا يجوز ان يريد ضمان
الجرائر واستحقاق الميراث للاتفاق على أن ذلك لم يكن واجبا في شئ من الأزمان وكذلك لا يجوز
ان يريد الحليف لأن عليا عليه السلام لم يكن حليفا لجميع حلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يصح أيضا ان يريد
من كنت جاره فعلي جاره لأن ذلك لا فائدة فيه وليس هو أيضا صحيحا في كل حال فإذا بطل ان يكون
مراده صلى الله عليه وآله شيئا من هذه الأقسام لم يبق إلا أن يكون قصده ما كان حاصلا له من تدبير الأنام
231

وفرض الطاعة على الخاص والعام وهذه هي رتبة الامام وفيما ذكرناه كفاية لذي الافهام
(فصل وزيادة) فاما الذين ادعوا ان رسول الله صلى الله عليه وآله إنما قصد بما قاله في أمير المؤمنين عليه السلام
يوم الغدير ان يؤكد ولاءه في الدين ويوجب نصرته على المسلمين وان ذلك على معنى قوله سبحانه
* (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * التوبة وان الذي أوردناه من البيان على أن لفظة مولى
يجب ان يطابق معنى ما تقدم من التقرير في الكلام وانه لا يسوغ حملها على غير ما يقتضي الإمامة من الأقسام
يدل على بطلان ما ادعوه في هذا الباب ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام بخامل الذكر فيحتاج ان يقف
في ذلك المقام ويؤكد ولاءه على الناس بل قد كان مشهورا وفضائله ومناقبه وظهور علو
رتبته وجلالته قاطعا للعذر في العلم بحاله عند الخاص والعام على أن من ذهب في تأويل الخبر إلى
معنى الولاء في الدين والنصرة فقوله داخل في قول من حمله على الإمامة والرئاسة لأن امام
العالمين يجب موالاته في الدين ويتعين نصرته على كافة المسلمين وليس من حمله على الموالاة في
الدين والنصرة يدخل في قوله ما ذهبنا إليه من وجوب الإمامة فكان المصير إلى قولنا أولي
وأما الذين غلطوا فقالوا ان السبب في ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم الغدير إنما هو كلام جرى
بين أمير المؤمنين وزيد بن حارثة فقال علي عليه السلام لزيد تقول هذا وانا مولاك فقال له زيد لست
مولاي إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وآله فوقف يوم الغدير فقال من كنت مولاه فعلي مولاه انكارا على
زيد واعلاما له ان عليا مولاه فإنهم فضحهم العلم بان زيدا قتل مع جعفر بن أبي طالب عليه السلام
في ارض مؤتة من بلاد الشام قبل يوم غدير خم بمدة طويلة من الزمان وغدير خم إنما كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله
بنحو ثمانين يوما وما حملهم على هذه الدعوى الا عدم معرفتهم بالسير والاخبار ولما رأت الناصبة
غلطها في هذه الدعوى رجعت عنها وزعمت أن الكلام كان بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين أسامة
بن زيد والذي قدمناه من الحجج يبطل ما زعموه ويكذبهم فيما ادعوه ويبطله أيضا ما نقله الفريقان
من أن عمر بن الخطاب قام في يوم الغدير فقال بخ بخ لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن
ومؤمنة ثم مدح حسان بن ثابت في الحال بالشعر المتضمن رئاسته وامامته على الأنام وتصويب
232

النبي صلى الله عليه وآله في ذلك ثم احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام به يوم الشورى فلو كان ما أدعاه المنتحلون حقا
لم يكن لاحتجاجه عليهم به معنى وكان لهم ان يقولوا اي فضل لك بهذا علينا وإنما سببه كذا وكذا
وقد احتج به أمير المؤمنين عليه السلام دفعات واعتده في مناقبه الشراف وكتب يفتخر به في جملة افتخاره
إلى معاوية بن أبي سفيان في قوله * وأوجب لي الولاء معا عليكم * خليلي يوم دوح غدير خم * وهذا
الامر لا لبس فيه وأما الذين اعتمدوا على أن خبر الغدير لو كان موجبا للامامة لأوجبها لأمير
المؤمنين عليه السلام في كل حال إذ لم يخصصها النبي صلى الله عليه وآله بحال دون حال وقولهم إنه كان يجب ان يكون مستحقا لذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فإنهم جهلوا معنى الاستخلاف والعادة
المعهودة في هذا الباب وجوابنا ان نقول لهم قد أوضحنا الحجة على أن النبي صلى الله عليه وآله استخلف عليا
عليه السلام في ذلك المقام والعادة جارية فيمن يستخلف ان يخصص له الاستحقاق في الحال
والتصرف بعد الحال الا ترون ان الامام إذا نص على حال له يقوم بالامر بعده ان الامر يجري في استحقاقه
وتصرفه على ما ذكرناه ولو قلنا إن أمير المؤمنين عليه السلام يستحق بهذا النص التصرف والامر والنهي في
جميع الأوقات على العموم والاستيعاب إلا ما استثناه الدليل وقد استثنت الأدلة في زمان
حياة رسول الله صلى الله عليه وآله الذي لا يجوز ان يكون فيه متصرف في الأمة امره ولا آمر ناه لهم سواه لكان
هذا أيضا من صحيح الجواب فإن قال الخصم إذا جاز ان تخصصوا بذلك زمانا دون زمان فما
أنكرتم ان يكون انما يستحقها بعد عثمان قلنا له انا أنكرنا ذلك من قبل ان القائلين بأنه استحقها بعد
عثمان مجمعون على انها لم تحصل له في ذلك الوقت بيوم الغدير ولا بغيره من وجوه النص عليه
وإنما حصلت له بالاختيار وكل من أوجب له الإمامة بالنص أوجبها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من غير
تراخ في الزمان والحمد لله (حدثني) القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم السلمي الحراني
رحمه الله قال اخبرني أبو حفص عمر بن علي العتكي قال حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الحنبلي قال حدثنا
حسين بن الحكم قال حدثنا حسن بن حسين قال حدثنا أبو داود الطهوي عن عبد الاعلى الثعلبي عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قام علي عليه السلام خطيبا في الرحبة وهو يقول أنشد الله امرءا شهد رسول الله صلى الله عليه وآله
آخذا يدي ورفعهما إلى السماء وهو يقول يا معشر المسلمين الست أولي بكم من أنفسكم فلما قالوا بلى قال فمن
233

كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله
إلا قام فشهد بها فقام بضعة عشر بدريا فشهدوا بها وكتم أقوام فدعا عليهم فمنهم برص ومنهم من
عمى ومنهم من نزلت به بلية في الدنيا فعرفوا بذلك حتى فارقوا الدنيا ومما حفظ عن قيس بن سعد بن
عبادة انه كان يقول فهو وبين يدي أمير المؤمنين صلوات الله عليه بصفين ومعه الراية في قطعة له
أولها قلت لما بغى العدو علينا * حسبنا ربنا ونعم الوكيل * حسبنا ربنا الذي فتح البصرة * بالأمس
والحديث يطول * وعلي امامنا وامام * لسوانا اتى به التنزيل * يوم قال النبي من كنت مولاه * فهذا
مولاه خطب جليل * إنما قاله النبي على الأمة * حتم ما فيه قال وقيل * (فصل) من الوصايا
المهمة والاقرارات العريضة إذ اوصى رجل باخراج شئ من ماله ولم يسم كان الواجب اخراج السدس مما
خلفه قال الله تبارك وتعالى * (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم
خلقنا النطفة علقه فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا
آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) * المؤمنون فخلق الله سبحانه الانسان من ستة أشياء فالشئ واحد من ستة وهو
السدس وإذا اوصى باخراج جزء من ماله ولم يسم وجب اخراج سبع ماله قال الله تعالى * (لها سبعة أبواب لكل باب
منهم جزء مقسوم) * الحجر فالجزء واحد من سبعة وهو السبع وإذا اوصى بسهم من ماله ولم يسم فالواجب اخراج
الثمن قال الله تعالى * (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين
وفي سبيل الله وابن السبيل) * التوبة وهم ثمانية أصناف لكل صنف منهم سهم من الصدقات فالسهم واحد من
ثمانية وهو الثمن وإذا اوصى باخراج مال كثير ولم يسم وجب ان تخرج من ماله ثمانون درهما قال الله
تعالى * (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) * وكانت ثمانين موطنا فإذا قال كل عبد لي قديم في ملكي فهو حر لوجه
الله تعالى فالواجب ان يعتق كل عبد في ملكه ستة أشهر فما زاد قال الله سبحانه * (والقمر قدرناه منازل
حتى عاد كالعرجون القديم) * يس وهو الذي مضى عليه ستة أشهر فإذا اوصى إلى رجل بدراهم فقال اعط
زيدا نصفها وعمرا ثلثها وبكرا ربعها فالواجب ان يعطي زيدا وعمرا ما سماه لهما ويدفع ما بقي لبكر
وإذا قال له عندي كذا دراهم ولم يبين فقد أقر بعشرة دراهم على ما يقتضيه اللسان فإن قال كذا
234

درهما فعشرون درهما فإن قال كذا وكذا درهم فعشر عشر درهم فإن قال كذا وكذا درهما فأحد عشر درهما فإن قال كذا وكذا درهما فاحد وعشرون درهما فإن قال كذا وكذا وكذا
درهما فمائة وأحد عشر درهما فإن كان عارفا بالعربية وقال له عندي مائة درهم غير ثلاثة
دراهم بنصب غير فله سبعة وتسعون درهما لأنه استثنى من المائة ثلاثة فإن قال له عندي مائة
غير ثلاثة برفع غير فهي مائة كاملة وإنما وصفها بأنها غير ثلاثة فان قال له مائة غير ثلاثة غير درهم
ونصب غير فيهما جميعا فقد أقر بثمانية وتسعين درهما لأنه استثنى من المائة ثلاثة فبقي سبعة وتسعون
فلما استثنى مما استثناه درهما علم أن المستثنى من المائة درهمان فكان الذي اعترف ثمانية وتسعين
فإن قال له عندي مائة غير ثلاثة غير درهم فنصب غير الأولى وخفض الثانية فقد أقر بسبعة وتسعين
درهما لأنه لما نصب غير الأولى كان قد استثنى من المائة ثلاثة فلما خفض غير الثانية كان قد وصف
الثلاثة بأنها غير درهم فالاستثناء على حاله والمال سبعة وتسعون درهما وكذلك لو قال له عندي
مائة غير ثلاثة غير درهم بنصب غير الأولى ورفع غير الثانية فإن له عنده سبعة وتسعون درهما لأنه
استثنى من المائة ثلاثة لما نصب غيرا ثم وصف المائة بأنها غير درهم لما رفع غير الأخرى فإن هو
ادخل الواو في الكلام عاطفا بها كان استثناء معطوفا على استثناء والجميع يسقط من الأصل
المذكور كقوله له عندي مائة غير خمسة وغير سبعة فالخمسة والسبعة يسقطان من المائة فيكون
له عنده ثمانية وثمانون درهما فافهم ذلك (مسألة ذكرها شيخنا المفيد رضي الله عنه)
في كتاب الاشراف رجل اجتمع عليه عشرون غسلا فرض وسنة ومستحب اجزاه عن جميعها
غسل واحد (جواب) هذا رجل احتلم وأجنب نفسه بانزال الماء وجامع في الفرج وغسل
ميتا ومس آخر بعد برده بالموت قبل تغسيله ودخل المدينة لزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وأراد زيارة الأئمة
عليهم السلام هناك وأدرك فجر يوم العيد وكان يوم جمعة وأراد قضاء غسل عرفة وعزم على صلاة
الحاجة وأراد ان يقضي صلاة الكسوف وكان عليه في يوم بعينه صلاة ركعتين بغسل وأراد
التوبة من كبيرة على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وأراد صلاة الاستخارة وحضرت صلاة الاستسقاء و
نظر إلى مصلوب وقتل وزغة وقصد إلى المباهلة وأهرق عليه ماء غالب النجاسة
235

(فصل في ذكر هيئة العالم) اعلم أن الأرض على هيئة الكرة والهواء يحيط بها من
كل جهة والأفلاك تحيط بالجميع إحاطة استدارة وهي طبقات بعضها يحيط ببعض فمنها سبعة
تختص بالنيرين والكواكب الخمسة تسمى المتحيرة والسيارة فالنيران هما الشمس والقمر والخمسة
هي زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد ولكل واحد منهما فلك يختص به من هذه السبعة
ففلك زحل أعلاها وفلك القمر أقر بها من الأرض وأدناها وفلك الشمس في وسطها وتحت
فلك زحل فيما بينه وبين فلك الشمس فلكان فلك المشترى ثم فلك المريخ وفوق القمر فيما بينه وبين
الشمس فلكان فلك عطارد ثم فلك الزهرة ويحيط بهذه الأفلاك السبعة فلك الكواكب الثابتة
وهي جميع ما يرى في السماء غير ما ذكرنا ثم الفلك المحيط الأعظم المحرك جميع هذه الأفلاك ثم السماوات
السبع يحيط بالافلاك وهي مساكن الاملاك ومن رفعه الله تعالى إلى سمائه من أنبيائه وحججه عليهم
السلام وللجميع نهاية والكل على شكل الكرة ومركزها الأرض ومركز الأرض نقطة في وسطها جميع
اجزاء الأرض معتمدة عليها وهي مركز العالم كلها في الحقيقة ومن نهاية الأجسام الذي هو محيط الكرة
إلى مركز الأرض متساو من كل جهة وقد قيل إن العامر من الأرض هو ربع الكرة والناس مستقرون
على هذا الربع من كل جهة وإن كان بعضهم منخفضا عن بعض بالإضافة فكل منهم الأرض تحته و
السماء فوقه وهو يرى أن ارضه التي هو عليها هي المستقيمة في الاعتدال دون غيرها وكل ما
فارق السماء من أي جهة كان منها وذهب إلى الأرض فهو نازل إليها وكل ما فارق الأرض من
اي جهة كان وذهب إلى السماء فهو صاعد إليها ولذلك لا تتحرك الأرض إلى إحدى الجهات لأنها
كيف ما تحركت تكون صاعدة إلى السماء والأرض كالخردلة أو أصغر بالإضافة إلى عظم سعة الفلك
والأفلاك لها حركات مختلفة لكن محركها مع ذلك الفلك المحيط بها حركة واحدة يدور بها حول المركز
في اليوم والليلة دورة واحدة والانسان في أي موضع كان من الأرض يرى نصف الفلك وقيل إنه
يرى أكثر من النصف وهذا يبين انه لا تأثير لقدر الأرض وإذا طلعت الشمس بضيائها على جهة
من الأرض كان ذلك نهارا لتلك الجهة وإذا غربت من جهة من الأرض كان الليل في تلك الجهة وهو
236

ظل الأرض وليس النهار عاما ولا الليل أيضا عاما وهي تطلع على قوم قبل قوم وتغرب عن قوم قبل قوم والجهة التي تطلع الشمس
والكواكب منها هي المشرق وريحها يقال له الصبا والجهة التي تغرب منها هي المغرب ويقال لريحها الدبور
وإذا توجه القائم إلى جهة المشرق كانت الجهة التي عن يمينه الجنوب وريحها تسمى باسمها والجهة التي
عن شماله الشمال وريحها تسمى باسمها وكل ريح أتت بين جهتين فهى نكباء وتسمى أيضا النعامي
والمسكون من الأرض هو المائل إلى جهة الشمال والربع الذي إلى جهة الجنوب غير مسكون
ويقال انه ليس به حيوان ومنه يأتي النيل ولذلك لا يصل أحد إلى مبتداه وبقية الأرض غطاها الماء
المالح وهو البحر الأعظم الذي أطرافه يقال له بحر المحيط ومن هذا البحر خليجان داخلان إلى الربع العامر
يتقاربان فنهاية أحدهما الغرماء ونهاية الأخر القلزم وبينهما من المسافة قدر (فصل) من الكلام
ان الله تعالى لا يجوز ان يكون له مكان (اعلم) أيدك الله ان المكان عندنا هو ما أحاط بالمتمكن فلما
كان الله تعالى لا يجوز ذلك عليه لأنه يقتضي حصره وتناهيه علم أنه لا يجوز ان يكون في مكان ومن
خالفنا في حد المكان قال إنه ما تمكن عليه وتصرف فيه وهذا لا يجوز أيضا على الله تعالى لأن المتمكن
معتمد ومماس أيضا لمكانه والاعتماد والمماسة من صفات المحدثين والله تعالى قديم فعلم أنه لا يكون
في مكان وذو المكان أيضا قد حصل له حيز فصار في جهة دون جهة ولا يكون كذلك إلا جسم أو بعض
جسم وقد ثبت ان الله تعالى ليس بجسم ولا بعض جسم فعلم بطلان المكان ثم إنه لو كان له مكان لم يخل
مكانه من حالين أما ان يكون قديما أو محدثا ولا يصح ان يكون قديما لمشاركته لله تعالى في القدم
وقد ثبت انه لا قديم الا هو وحده ولو كان المكان محدثا لكان الله سبحانه قبل احداثه له لا يخلو
من قسمين أما ان يكون محتاجا إلى المكان أو مستغنيا عنه ولا يجوز ان يكون لم يزل محتاجا إليه لما في ذلك
من صفة النقص الذي لا يكون للقديم وإن كان غنيا عنه قبل وجوده فلا يجوز ان يحتاج
إليه بعد ذلك لأن حاجته تخرجه عن قدمه وتشابه بينه وبين خلقه فوجب نفي المكان
عنه فإن قيل أليس من قولكم ان الله تعالى بكل مكان قلنا بلى ومعنى ذلك أنه عالم بكل مكان
وبما فيه حافظ له وهذا معروف في اللغة يقول القائل لصاحبه اعلم اني معك حيث كنت واني لا
237

أغيب عنك ويريد اي لا اجهل ما تعمله ولا يخفي علي شئ منه ويقال ان الرجل في صلاته وفي بناء داره و
ليس المراد انه متمكن أو حال فيها وإنما يريدون انه يفعلها ويدبرها فإن قيل وليس في القرآن ان له عرشا
وكرسيا قلنا هو كذلك والعرش المذكور في القرآن على وجهين أحدهما تفسير قوله سبحانه * (الرحمن على
العرش استوى) * وقد قال أهل العلم في ذلك ان العرش هنا هو الملك واستواؤه عليه هو استيلاؤه
عليه بالقدرة والسلطان واستشهدوا في ذلك بشواهد منها قول الشاعر في ذكر العرش * وانه
الملك إذا ما بنو مروان ثلث عروشهم * وأودوا كما أودت اياد وحمير * ومنها قول الأخر
في ذكر الاستواء وانه الاستيلاء * إذا ما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر *
يريد بذلك الاستيلاء والقدرة عليهم والتمكن لهم بالقهر لهم والاخر تفسير قوله سبحانه * (ويحمل عرش
ربك فوقهم يومئذ ثمانية) * الحاقة فقد قال العلماء في ذلك ان هذا العرش بنية خلقها الله تعالى في سمائه
وأمر الملائكة بحملها لا ليكون عليها تعالى الله عز وجل عن ذلك ولكن لما رآه من الصلاح في تعبدهم بحملها
وتعظيمها كما أنه سبحانه تعبد بني آدم بتعظيم الكعبة في الطواف حولها وقال إنها بيته لا ليسكنها
تعالى الله عن ذلك فاما الكرسي فالذي نذهب إليه فيه انه العلم روى ذلك عن العالم الإمام الصادق
جعفر بن محمد عليهما السلام قال وسع كرسيه السماوات والأرض يعنى علمه وقد روى أيضا في
التفسير من طريق العامة عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم ومعنى الكلام دال عليه
وأول الآية تقتضيه لأن الله تعالى أخبر عن علم فقال * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون
بشئ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض) * البقرة فوصل ذكر الكرسي بذكر العلم على
طريق الوصف له والإبانة عنه فكان كقوله في موضع آخر * (ربنا وسعت شئ علما ورحمة) * فإن
قيل فما معنى رفعكم أيديكم نحو السماء في الدعاء وما معنى قوله سبحانه * (إليه يصعد الكلم الطيب
والعمل الصالح يرفعه) * فاطر قلنا الجواب عن ذلك انا إنما رفعنا أيدينا نسترزق من السماء لقوله الله
تعالى * (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * الذاريات وإنما جاز ان يقال إن الأعمال تصعد إلى الله تعالى لأن
الملائكة الكرام حفظة الأعمال مسكنهم السماء وأيضا لأن السماء أشرف في الخلقة من الأرض
238

فلذلك تعرض الأعمال فيها على الله سبحانه وبالتوجه إليها دعى الله تعالى وكل ذلك اتساع في
الكلام وليس فيه ما يوجب ان يكون الله سبحانه على الحقيقة في السماء ونحن نرى المسلمين يقولون للحجاج
هؤلاء زوار الله وإنما هم زوار بيت الله فإن قيل فأين الله تعالى فالجواب انه لا يستفهم باين الا
عن مكان والله تعالى لا يوصف بالمكان فان قيل فكيف هو فالجواب ان كيف استفهام عن حال
والله تعالى لا تناله الأحوال والذي ساق إليه الدليل هو العلم بوجوده سبحانه وانه لا شبية له جاء في
الحديث ان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يقول إذا سبح الله تعالى ومجده سبحان من إذا تناهت
العقول في وصفه كانت حائرة عن درك السبيل إليه وتبارك من إذا غرقت الفطن في تكييفه لم
يكن لها طريق إليه غير إليه غير الدلالة عليه (فصل في ذكر العلم) واهله ووصف شرفه
وفضله والحث عليه والأدب فيه قال الله عز وجل * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * فاطر وقال
سبحانه * (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) * الزمر وقال رسول الله صلى الله عليه وآله
طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وقال العلم علمان علم في القلب فذلك العلم النافع و
علم في اللسان فذلك حجة على العباد وقال العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان وقال
أربع تلزم كل ذي حجي من أمتي قيل وما هن يا رسول الله فقال استماع العلم وحفظه والعمل به ونشره
وقال العلم خزائن ومفتاحها السؤال فاسئلوا يرحمكم الله فإنه يؤجر فيه أربعة السائل والمجيب و
المستمع والمحب لهم وقال من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وقال إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه
من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فاسئلوا فافتوا
بغير علم فضلوا وأضلوا وقال من أزاد في العلم رشدا فلم يزدد في الدنيا زهدا لم يزدد
من الله إلا بعدا وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام تعلموا العلم فإن تعليمه حسنه
وطلبه عبادة والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه علم الحلال
والحرام وسبل منازل الجنة والأنيس في الوحشة والصاحب الغربة والمحدث في الخلوة و
الدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزينة عند الأخلاء يرفع الله به أقواما
239

فيجعلهم للخير قادة وأئمة يقتفى آثارهم ويقتدى بفعالهم وينتهى إلى رأيهم ترغب الملائكة
في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم ويستغفر كل رطب ويابس لأن العلم حياة القلوب ومصابيح الابصار
من الظلم وقوة الأبدان من الضعف ويبلغ بالعباد منازل الأخيار والدرجات العلى وبه توصل
الأرحام ويعرف الحلال من الحرام وهو امام العمل والعمل تابع له يلهمه الله أنفس السعداء ويحرمه
الأشقياء وقال الكلمة من الحكمة يسمع بها الرجل فيقول أو يعمل بها خير من عبادة سنة وقال لو
تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم ولا تكونوا جبابرة العلماء فلما فلا تقوم علمكم بجهلكم
وقال شكر العالم على علمه ان يبذله لمن يستحقه وقال لا راحة في العيش إلا لعالم ناطق أو مستمع
واع وقال عد عالما أو متعلما ولا تكن الثالث فتعطب وقال إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم
رضا بما يصنع وقال لو أن حملة العلم حملوه بحقه لأحبهم الله وملائكته وأهل طاعته من خلقه
ولكنهم حملوه لطلب الدنيا فمقتهم الله وهانوا على الناس وقال العلوم أربعة الفقه للأديان و
الطب للأبدان والنحو للسان والنجوم لمعرفة الأزمان وقال الباقر عليه السلام عالم ينتفع بعلمه أفضل من
سبعين الف عابد وقال من افتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من
عمل بفتياه وقال الصادق عليه السلام تفقهوا في دين الله ولا تكونوا اعرابا فان من لم يتفقه في دين الله
لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا وقال العامل على غير بصيره كالسائر على غير الطريق لا
تزيده سرعة السير الا بعدا وقيل لبعض الحكماء أيحسن بالشيخ التعلم فقال إن كان الجهالة تقبح منه
فإن التعلم يحسن منه وقيل له متى يحسن به التعلم فقال ما حسنت به الحياة وقيل لبزرجمهر العلم أفضل
أم المال فقال العلم قيل له فما بالنا نرى العلماء على أبواب الأغنياء ولا نكاد نرى الأغنياء على أبواب
العلماء فقال ذلك لمعرفة العلماء منفعة المال وجهل الأغنياء بفضل
العلم لبعضهم * العلم زين وتشريف لصاحبه * فاطلب هديت فنون العلم والأدب * لا خير
فيمن له أصل بلا أدب * حتى يكون على ما زانه حربا * كم من حسيب أخي عي وطمطمة * فدم لدي
القوم معروف إذا انتسبا * وخامل مقرف الاباء ذي أدب * نال المعالي به والمال والنشبا
240

المقرف الذي تكون أمة كريمة وأبوه غير كريم * يا طالب العلم نعم الشئ تطلبه * لا تعدلن به ورقا ولا ذهبا *
فالعلم ذخر وكنز لا يعادله * نعم القرين إذ ما عاقلا صحبا * قال الزجاجي الهجين الذي أبوه
كريما وامه غير كريمة والفلنفس الذي يكون أبوه وامه غير كريمين وقد تقدم ذكر المقرف وحدثوا
عن ابن جريح أنه قال خرجت في السحر فإذا ورقة تضربها الرياح فأخذتها فلما أضاء الصبح نظرت
إليها فإذا فيها * كن معسرا ان شئت أو موسرا * لابد في الدنيا من الهم * وكلما زادك من نعمة *
زاد الذي زادك في الغم * اني رأيت الناس في دهرنا * لا يطلبون العلم للعلم * الا مباراة
لأصحابه * وعدة للظلم والغشم * قال ابن جريح فوالله لقد منعتني هذه الأبيات من أشياء
كثيرة (مسألة) ان سئل سائل فقال ما وجه التكرار في سورة الكافرون وإعادة النفي فيها في جملة بعد
جملة وقد كان يغنى كون ذلك مرة واحدة (الجواب) قد أجاب الناس عن هذه المسألة بعده أجوبة ونحن
نورد منها أحسنها وأكثرها فائدة وأحسنها ما تضمن المعاني المختلفة حتى يكون المستفاد من النفي في الجملة
الأولى غير المستفاد من النفي في الجملة الثانية وبهذا يبطل التكرار ويبقى للسائل بقية في السؤال
فاعرب ما يجاب به فيها ان لفظة أعبد تصلح في الكلام لشيئين مختلفين أحدهما ان يكون بمعنى أذل
واخضع واخشع وهذا من العبادة وهو مستعمل معهود لا يفتقر فيه إلى دليل وثانيهما ان يكون أعبد
بمعنى اجحد وهو من العبود الذي هو الجحود وأهل اللغة يعرفون ذلك يقول القائل عبدني فلان حقي
يريد جحدني حقي قال الشاعر * فلو سالت قريشا من يؤمهم ما ميلوا * ذاك عن قومي ولا عبدوا * يعنى ولا جحدوا وعلى
هذا المعنى ما روى عن أحد الأئمة صلوات الله عليهم في تفسير قوله تعالى * (قل إن كان للرحمن ولد فانا
أول العابدين) * الزخرف وان معناه فانا أول الجاحدين وذلك أن الدليل قد اتضح على أن من كان له ولد
لا يكون إلا محدثا والمحدث لا يكون الها فقول الله عز وجل في الجملة الأولى * (لا أعبد ما تعبدون
ولا أنتم عابدون ما أعبد) * انما معناه لا أذل ولا اخضع لأصنامكم التي تفعلون هذا لها ولا أنتم فاعلوه
أيضا لإلهي الذي انا فاعله له وقوله جل اسمه في الجملة الثانية * (ولا انا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون
ما أعبد) * إنما معناه ولا انا جاحد لله تعالى الذي جحدتموه ولا أنتم جاحدون للأصنام التي انا جاحدها
241

فقد تضمنت الجملتان فائدتين مختلفتين وبان انتظام الكلام بغير تكرار (جواب آخر) وهو ان يكون المراد
بلفظه أعبد في الجملة الأولى الزمان الحاضر فكأنه قال لا أعبد الان ما تعبدون ولا أنتم عابدون
الان ما أعبد ويكون المراد بها في الجملة الثانية الزمان المستقبل فكأنه قال ولا انا عابد في المستقبل
ما عبدتم ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد فلفظة أعبد على هذا الجواب وإن كانت في الجملتين بمعنى
واحد وهو العبادة فقد اختلفت بما يراد بها من الزمان المختلف ولا شك في أن لفظة افعل تصلح للزمانين
الحاضر والمستقبل وفي هذين الجوابين غنى وكفاية والحمد لله (واعلم) انه يجب ان يكون السؤال على هذا
مختصا بخطاب من المعلوم من حاله انه لا يؤمن وقد ذكر انها نزلت في أبي جهل والمستهزئين وهم العاص بن
وائل والوليد بن المغيرة والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث وعدي بن قيس ولم يؤمن منهم أحد
فإن قال فما فما معنى قوله في السورة * (لكم دينكم ولي دين) * وظاهر هذا الكلام يقتضي اباحتهم المقام على أديانهم
قلنا إن ظاهر الكلام وإن كان ظاهر الإباحة فإن المراد به الوعيد والمبالغة في الزجر والتهديد كما قال
تعالى * (اعملوا ما شئتم) * وقال * (اجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم
الشيطان إلا غرورا) * وقد قيل أيضا ان المعنى فيه لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني فحذف
الجزاء من اللفظ لدلالة الكلام عليه وقيل إن الجزاء نفسه يسمى دينا قال الشاعر * إذا ما لقونا لقيناهم *
ودناهم مثلما يقرضونا * أرادوا جزيناهم فيكون المعنى في قوله * (لكم دينكم ولي دين) * أي لكم جزاؤكم ولي
جزائي (مسألة) فإن قال السائل فما وجه التكرار في سورة الرحمن واعادته مع كل آية * (فبأي آلاء
ربكما تكذبان) * (الجواب) قلنا إنما حسن هذا التكرار للتقرير بالنعم المختلفي وتعديدها نعمة
بعد نعمة أنعم بها قرر عليها ووبخ على التكذيب بها كما يقول الرجل لغيره ألم أحسن إليك بان خولتك المال
ألم أحسن إليك بان امنتك من المكاره ألم أحسن إليك بان فعلت كذا وكذا فيحسن منه التكرار لاختلاف
ما قرر به وهذا كثير في الكلام مستعمل بين الناس وهذا الجواب عن وجه التكرار في سورة والمرسلات
في قوله * (فويل يومئذ للمكذبين) * فإن قيل إذا كان الذي حسن التكرار في سورة الرحمن ما عدده من الآلاء
فقد عدد في جملة ذلك ما ليس بنعمة وهو قوله * (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) * وقوله
242

تعالى * (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن) * فكيف يحسن أن يقول بعد
هذا * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) * قلنا الوجه في ذلك ان فعل العقاب وان لم يكن نعمة فذكره ووصفه
والانذار به من أكبر النعم لأن في ذلك زجرا عما يستحق به العقاب وبعثا على ما يستوجب به الثواب و
إنما أشار تعالى بقوله * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) * بعد ذكر
جهنم والعذاب فيها إلى انعامه بذكر
وصفها والانذار بها و
التخويف منها ولا شك
في أن هذا كله من
من النعم التي
يجب الاعتراف بها والشكر عليها
(البرهان على صحة طول عمر الامام صاحب الزمان) ومما عملته كتاب البرهان على صحة طول عمر الامام صاحب الزمان
عليه وعلى آبائه أفضل السلام وبيان
جواز تطاول الأعمار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما هدى وصلوته على من اصطفى سيدنا محمد رسوله المجتبى وآله الأئمة
الهدى ذكرت يا أخي أيدك الله انك رأيت جماعة من المخالفين يعتمدون في انكار وجود صاحب الزمان صلى الله
عليه على ما يقتضيه تاريخ مولده إلى اليوم من تطاول عمره على القدر المعهود ويقولون إذا كان مولده
عندكم في سنة خمس وخمسين ومأتين فله إلى سنتنا هذه وهي سنة سبع وعشرين وأربعمائة مائتان
واثنتان وسبعون سنة ولسنا نرى الأعمار تتناهى إلى أكثر من مائة وعشرين سنة بل لا نرى أحدا
243

يلحق عمره هذا القدر اليوم ويزعمون ان هذه الزيادة على المائة والعشرين دلالة على بطلان مما نذهب إليه
وسئلت في ايراد كلام عليهم يوهي عمدتهم ويبطل شبهتهم ويكون أصلا في يدك يتمسك به المستند إليك
وانا مجيبك إلى ما سئلت وأبلغك منها ما طلبت بعون الله وحسن توفيقه (اعلم) أولا انه إذا وجبت
الإمامة ووضحت الأدلة على اختصاصها بأئمتنا الاثني عشر عليهم السلام دون جميع الأمة فلا منصرف
على القول بطول عمر امامنا وصاحب زماننا صلى الله عليه لأن الزمان لا يخلو من امام وقد مضى آباء
صاحب الزمان عليهم السلام بلا خلاف ولم يبق من يستحق الإمامة سواه فإن لم يكن عمره ممتدا من وقت أبيه إلى أن يظهره
الله سبحانه حصل الزمان خاليا من امام وهذا دليل مبني على ما قدمناه وبعد ذلك فإنه لا يصلح ان
يكلمك في طول عمره عليه السلام من لا يقر بشريعته فاما من أقر بها وانكر جواز تراخي الأعمار وطولها فان
القرآن يخصمه بما تضمنه من الخبر عن طول عمر نوح عليه السلام قال الله تعالى * (فلبث فيهم الف سنة إلا خمسين
عاما) * العنكبوت ولا طريق إلى الانصراف عن ظاهر القرآن إلا ببرهان وقد أجمع المسلمون على بقاء الخضر عليه السلام من
قبل زمان موسى عليه السلام إلى الان وان حياته متصلة إلى آخر الزمان وما أجمع عليه المسلمون
فلا سبيل إلى دفعه بحال من الأحوال فإن قال لك الخصم هذان نبيان ويجوز ان يكون طول اعمارهما معجزا
لهما وكرامة يميزان بها عن الأنام ولا يصح ان يكون هذا المعجز والاكرام للأنبياء عليهم السلام فقل له
يفسد هذا عليك بما استقر عليه الاتفاق من بقاء إبليس اللعين من عهد آدم عليه السلام
وقبل ذاك إلى الان وانه سيبقى إلى الوقت المعلوم كما نطق به القرآن وليس ذلك معجزا له ولا على
سبيل الاكرام وإذ اشترك الولي والعدو في طول العمر علم أن السبب في ذلك غير ما ذكرت وانه لمصلحة
لا يعلمها إلا الله تعالى دون العباد فإن أنكر الخصم إبليس وبقاءه خرج عن ظاهر الشريعة ودفع اجماع
الأمة وان تأول ذلك طولب على صحة تأويله بالحجة ولو سلمت له طول العمر معجزا للمعمر واكراما ولم يذكر
له إبليس وطول عمره على ممر الأزمان كان لك ان تقول ان حكم الامام عندنا كحكم النبي صلى الله عليه وآله في الاحتجاج و
جواز ظهور المعجز والاكرام بما يتميز به عن الأنام فليس بمنكر ان يطيل الله تعالى عمره على سبيل المعجز والاكرام
(واعلم) أيدك ان المخالفين لك في جواز امتداد الأعمار ممن يقر بالاسلام لا يكلمونك إلا
244

بكلام مستعار فمنهم من ينطق بلسان الفلاسفة فيقول ان طول العمر من المستحيل في العقول الذي
يثبت على جوازه دليل ومنهم من ينطق بلسان المنجمين فيقول ان الكواكب لا تعطي أحدا من العمر أكثر
من مائة وعشرين سنة ولهم هذيان طويل ومنهم من ينطق بلسان الأطباء وأصحاب الطبائع
فيقول ان العمر الطبيعي هو مائة وعشرون سنة فإذا انتهى الحي إليها فقد بلغ غاية ما يمكن فيه صحته
الطباع وسلامتها وليس بعد بلوغ غاية السلامة الا ضدها وليس على يد أحد منهم إلا الدعوى ولا
يستند الا إلى العصبية والهوى فإذا عضهم الحجاج رجعوا أجمعين إلى الشاهد المعتاد فقالوا انا
لم نر أحدا تجاوز في العمر إلى هذا القدر ولا طريق لنا إلى اثبات ما لم نر وهذا الذي جرت به العادة
والعادة أصح دلالة وجميعهم خارجون عن حكم الملة مخالفون لما اتفقت عليه الأمة ولما سلف أيضا
من الشرائع المتقدمة لأن أهل الملل كلها متفقون على جواز امتداد الأعمار وطولها وقد تضمنت
التوراة من الاخبار بذلك ما ليس بينهم فيه تنازع ومنها ان آدم عليه السلام عاش تسعمائة وثلاثين سنة
وعاش شيث عليه السلام تسعمائة واثنتي عشرة سنة وعاش انوش تسعمائة وخمسا وستين سنة وعاش
قينان تسعمائة سنة وعشر سنين وعاش مهلائيل ثمانمائة وخمسا وتسعين سنة وعاش برد
تسعمائة واثنين وستين سنة وعاش أخنوخ وهو إدريس عليه السلام تسعمائة وخمسا وستين سنة وعاش متوشلح
تسعمائة وتسعا وستين سنة وعاش ملك سبعمائة وسبعا وستين سنة وعاش نوح تسعمائة وخمسين
سنة وعاش سام ستمائة سنة وعاش ارفخشاد أربعمائة وثماني وتسعين سنة وعاش شالخ أربع
مائة وثلاثا وتسعين سنة وعاش غابر ثمانمائة وسبعين سنة وعاش فالخ مأتين وتسعا وتسعين سنة
وعاش ارغو مأتين وستين سنة وعاش باحور مائة وستا وأربعين سنة وعاش تارخ مأتين و
ثمانين سنة وعاش إبراهيم عليه السلام مائة وخمسا وسبعين سنة وعاش إسماعيل عليه السلام مائة وسبعا وثلاثين سنة
وعاش إسحاق عليه السلام مائة وثمانين سنة فهذا ما تضمنته التوراة مما ليس بين اليهود والنصارى اختلاف و
قد تضمنت نظيره شريعة الاسلام ولم نجد أحدا من علماء المسلمين يخالفه أو يعتقد فيه البطلان بل
اجمعوا من جواز طول الأعمار على ما ذكرناه والمستدل يعلم جواز ذلك في العقل إذا أنعم الاستدلال
245

والاخبار قد تناصرت في قوم عمروا في قريب الزمان سوف أذكر جماعة منهم ليتأكد البيان وليس
مع المنازعة لنا بعد ذلك من ذي بصيرة وعرفان فإن قال قائل ان الأعمار قد كانت تتطاول في
سالف الدهر ثم تناقصت عصرا بعد عصر حتى انتهت إلى ما نراه مما لا يجوز اليوم سواه قيل له ان العاقل
يعلم أن الزمان لا تأثير له في الأعمار وان زيادتها ونقصانها من فعل قادر مختار يغيرها في الأوقات
بحسب مما يراه من الصلاح ولسنا ننكر ان الله سبحانه قد اجرى العادة اليوم بأقدار متقاربة في الأعمار
يخالف ما كان في متقدم الزمان غير أن هذا لا يحيل طول عمر بعض الناس إذا كان ممكنا من القادر
المعطي للأعمار وقد ذكرنا ان الاخبار قد أتت بذكر المعمرين كانوا في قريب الزمان فلا طريق إلى دفع
ما ذكرناه مع هذا الايضاح واما الذين استعاروا كلام الفلاسفة من المخالفين لنا في هذه المسألة
وقولهم في العمر من المستحيل في العقول فإنهم لم يعولوا في العلم بذلك على ضرورة يشاركهم العقلاء
فيها وإذا عدموا الضرورة فلا بد من حجة عقلية يطالبون بايرادها ولا حجة معهم ينطقون بها
ولا عمدة لهم أكثر من الهوى والرجوع إلى ما يشاهد ويرى والهوى مضله والانكار لما لم يشاهد مزلة
وليس من موحد ولا ملحد إلا وهو يثبت ما لا يرى ويقر بما لم يشاهد فالموحد يقر بالله تعالى والملائكة
وطول اعمارها ولم نر شيئا منها ما تعترف بالحق أيضا والملحدة قد تقر بوجود جواهر بسيطة لا تجوز
عليها الرؤية وتدعى أيضا وجود عقل تغيير كليين لم نرهما ولا رأت الجبرويين فضلا عنها وكل فرقة تدعي
وجود أشياء لم تر فمن زعم أنه لا يثبت الا ما شاهد ورأى فقد أفسد على نفسه من مذهبه وهؤلاء
يتكلمون في العمر ولا يدرون ما هو والعمر هو اتصال كون الحي المحدود حيا فهذا الاتصال إنما
يكون بدوام الحياة والحياة فعل الله تعالى فليس يستحيل منه ادامتها وكل ما جاز ان يفعله الله تعالى
من طول العمر فإنه يجوز ان يفعل مثله في دوام الصحة والقوة وعدم الضعف والهرم وأما الذين
استعاروا كلام المنجمين من المنازعين لنا في جواز طول العمر فإنهم يعتمدون الظنون دون اليقين
والعقلاء يعلمون ان أصول المنجمين في الاحكام لا يثبت بالنظر والدليل وبينهم من التجارب فيها
والاختلاف ما لا يخفى على المتأمل اني قد وجدت في كتاب أحد علمائهم وهو الكتاب المعروف
246

بابا حكاية لابن هبلي ذكرها عن معلمهم المقدم وأستاذهم المفضل الذي يعولون في الاحكام
ويستندون إلى كلامه وما يدعيه وهو المعروف بما شاء الله انا موردها ففيها أكبر حجة عليهم في هذه
المسألة التي خالفونا فيها قال ما شاء الله الباب الأعظم من الهيلاج الذي يدل على العمر الكثير فإنه يكون
المولود في مثلثه إلى مثلثه وطالعه ثبوت أحد الكوكبين العلويين زحل والمشتري وصاحب الطالع
الكذخذاة فإن كان المولود ليليا والهيلاج القمر فإن كان فوق الشمس في برج أنثى وإن كان نهاريا
فيكون الشمس في برج ذكر فإنه حينئذ يدل على بقاء المولود بإذن الله تعالى حتى يتحول القران عن مثلثه إلى
أخرى وذلك مائتان وأربعون سنة فاما في الزمن الأول فإن مثل هذه الدلالة كانت تدل على بقائه حتى
يعود القران إلى مكانه وذلك بعد تسعمائة وخمسين سنة والله أعلم فما يقولون في كلام عالمهم ما
شاء الله وقد أوضح بتخصيصه في الدلالة الزمن الأول بتسعمائة وخمسين سنة ان مراده بالمأتين و
الأربعين من هذا الزمان وهو شاهد لنا على هؤلاء المعاندين المنكرين للحق الواضح البرهان
وأما الذين اعتمدوا بكلام الأطباء وأصحاب الطبائع من قولهم إن غاية العمر الطبيعية مائة وعشرون
سنة فإنهم لم يعتمدوا على حجة ولا تشبثوا بشبهة وليس في أيديهم أكثر من دعواهم تبين لك
بطلان مقالتهم ان الطبائع اعراض والاعراض لا يصح منها في الحقيقة أفعال وإنما يفعل القادر
المختار والطبائع أيضا فعل الله تعالى وهو الذي ارتكبها في الانسان فكلما جاز منه ان يجعلها كلها صحيحة
معتدلة مدة من الزمان فهو قادر على أن يجعلها كذلك اضعاف تلك المدة فيطول عمر الانسان وليس
يستحيل ذلك في عقل ذي بصيرة وعرفان وأما المتعمدون في ذلك على العادات فإنه لا حجة في أيديهم
من قبل ان العادات قد تختلف باختلاف الأوقات وباختلاف الناس أيضا والأصقاع وقد سمعت
من جماعة من الناس ان بلاد السند من البلاد التي تطول فيها الأعمار ورأيت بالرملة في جمادي الآخرة
من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة شريفا من أهل السند يعرف بابي القاسم عيسى بن علي العمري من ولد
عمر بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وسألته عن ذلك فقال لي هو صحيح وذكر ان الهرم عندهم
قليل وحدثني ان ببلاد السند عندهم رجلا شريفا عمريا وهو أمير من أمرائهم انه عاش مذ ان فارقه
247

مائة وستين سنة قال وهذا الشريف هو العباس بن علي بن عمر بن أحمد بن حمزة بن جعفر بن محمد
بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام وليس يشك العاقل في أن العادات بيد الله تعالى
وانه يصح منه تغييرها على التدريج واما خرقها وقد تناثرت الاخبار القاطعة للاعذار بحال
المعمرين الذين كانوا فيما بعد وقرب من الزمان وروى حديثهم واشعارهم ومبلغ أعمارهم
واخبارهم أصحاب السير والآثار حتى جرى ذلك مجرى ما تعلق من الحوادث في الأزمان
والوقائع واخبار البلدان واشترك في العلم به العلماء وحصل المنكر له كالمنكر لما سواه مما تواترت
به الاخبار وقبح في مثله الانكار ولو اقتصر المستدل في جواز طول العمر على هذا الوجه لأغناه
من الإطالة والاكثار (اخبار المعمرين * فمن المعمرين الخضر عليه السلام) المتصل بقاؤه إلى آخر الزمان ومما جاء
من حديثه ان آدم عليه السلام لما حضره الموت جمع بنيه فقال يا بني ان الله تبارك وتعالى منزل على أهل الأرض
عذابا فيكن جسدي معكم في المغارة حتى إذا هبطتم فابعثوا بي فادفنوني بأرض الشام فكان جسده
معهم فلما بعث الله نوحا عليه السلام ضم ذلك الجسد وأرسل الله تعالى الطوفان على الأرض فغرقت الأرض
زمانا فجاء نوح عليه السلام حتى نزل ببابل واوصى بنيه الثلاثة وهم سام ويافث وحام ان يذهبوا بجسده
إلى المكان الذي امرهم ان يدفنوه فيه فقالوا الأرض موحشة لا أنيس بها ولا نهتدي الطريق
ولكن نكف حتى يا من الناس ويكثروا وتأنس البلاد وتجف فقال لهم ان آدم عليه السلام قد دعا الله تعالى
ان يطيل عمر الذي يدفنه إلى يوم القيامة فظل جسد آدم عليه السلام حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه
وانجز الله تعالى ما وعده والى ما شاء الله ان يحيي وهذا حديث قد رواه مشائخ الدين وثقات
المؤمنين المسلمين ولقمان بن عاد الكبير أطول الناس عمرا بعد الخضر عليه السلام وذلك أنه عاش الف
وخمسمائة سنة ويقال انه عاش عمر سبعة أنسر وانه كان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها
ما عاش فإذا مات اخذ آخر فرباه حتى كان آخرها لبد وكان أطولها عمرا فقيل طال الأبد على لبد
ولما رأى هلاكه قال يا لبد أهلكتني نفسك وفيه يقول الأعشى * لنفسك ان تختار سبعة أنسر * إذا ما
مضى نسر خلوت إلى نسر * فعمر حتى خال ان نسوره * خلود وهل تبقى النفوس على الدهر * وقال
248

لأدناهن إذ حل ريشه هلكت وأهلكت ابن عاد * وما تدري وهو الذي اراده القائل بقوله اخنى
عليه الذي اخنى على لبد ومنهم ربيع بن ضبع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عبس بن قرادة
عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة وأدرك النبي صلى الله عليه وآله ولم يسلم وهو الذي يقول وقد جاوز المائتين
* إلا أبلغ بني بني ربيع * وأشرار البنين لكم فداء * باني قد كبرت ودق عظمي * فلا يشغلكم عني
النساء * وان كنائني لنساء صدق * ولا إلى بني ولا أساؤوا * إذا كان الشتاء فادفنوني * فإن
الشيخ يهدمه الشتاء * وأما حين يذهب كل قر * فسر بال خفيف أو رداء * إذا عاش الفتى مأتين
عاما * فقد ذهب اللذاذة والفتاء * وهو القائل * أصبح مني الشباب قد حسرا * ان ينأ عني
فقد ثوى عصرا الأبيات * (ومنهم) المستوغر بن ربيعة بن كعب عاش ثلاثمائة سنة وثلاثا و
ثلاثين سنة وهو الذي يقول * ولقد سئمت من الحياة وطولها * وعمرت من بعد السنين مئينا
ماه * أتت من بعدها مائتان * لي وعمرت من بعد الشهور سنينا (ومنهم) أكثم بن صيفي
الأسدي التميمي وكان حكيما مقدما ولم تكن العرب تفضل عليه أحدا عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين
وهو الذي يقول * وان امرؤ قد عاش تسعين حجة * إلى مائة يسام العيش جاهل * خلت مائتان
بعد عشر وفازها * وذلك من عد الليالي قلائل * وكان ممن أدرك الاسلام وآمن بالنبي صلى الله عليه وآله ومات
قبل ان يراه وله أحاديث كثيرة وحكم مأثورة فما روى من حديثه انه لما سمع برسول الله صلى الله عليه وآله بعث إليه بابنه
وأوصاه بوصية حسنة وكتب معه كتابا يقول فيه بسمك اللهم من العبد إلى العبد فانا بلغنا ما بلغك فقد
أتانا عنك خبر لا ندري ما أصله فإن كنت أريت فأرنا وان كنت علمت فعلمنا واشركنا في كنزك والسلام
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وآله بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أكثم بن
صيفي احمد الله إليك ان الله امرني ان أقول لا اله إلا الله أقولها وآمر الناس بها الخلق خلق الله والامر
كله لله خلقهم وأماتهم وهو ينشرهم وإليه المصير آذنتكم بآداب المرسلين ولتسئلن عن النبأ العظيم
ولتعلمن نبأه بعد حين فلما وصل كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله إليه جمع بني تميم ووعظهم وحثهم على المسير معه إليه
وعرفهم وجوب ذلك عليهم فلم يجيبوه وعند ذلك سار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وحده ولم يتبعه غير بنيه
249

وبني بنيه فمات قبل ان يصل إليه وهو أكثم بن صيفي بن رياح بن الحرث بن مجاشر بن شريف جروة بن أسد بن
عمرو بن تميم بن مرة (ومنهم) صيفي بن رياح بن أكثم المذكور عاش مائتي سنة وسبعين سنة ولا
ينكر من عقله شئ وزعم بعض الرواة انه ذو الحلم الذي قال له المتلمس اليشكري * لذي الحلم قبل
اليوم ما تقرع العصا * وما علم الانسان لا يعلما (ومنهم) صبيرة بن سعيد بن سهم بن عمرو عاش مائتي
سنة وعشرين سنة ولم يشب قط وأدرك الاسلام ولم يسلم روي أبو حاتم والرياشي عن العتبي عن
أبيه قال مات صبيرة السهمي وله ماتا سنة وعشرون سنة وكان اسود الشعر صحيح الأسنان
فرثاه ابن عمه قيس ابن عدي فقال * من يا من الحدثان بعد صبيرة السهمي ماتا * سبقت منيته المشيب
وكان ميتته افتلانا * فتزودوا لا تهلكوا من بين أهلكم خفاتا (ومنهم) دريد بن زيد بن نهد القضاعي
عاش أربعمائة سنة وستا وخمسين سنة فلما حضره الموت قال * القى على الدهر رجلا ويدا والدهر ما
أصلح يوما أفسدا * يفسد ما أصلحه اليوم غدا (وقال أيضا) يا رب نهب صالح حويته * واليوم يكفي
لدريد بيته * ورب قرن بطل أرديته * ورب عبل خشن لديته * لو كان للدهر بلى أبليته * أو كان قرني واحدا كفيته (ومنهم) دريد بن الصمة الحبشي
عاش دهرا طويلا وسقط حاجباه على عينيه وقيل إنه لم يتجاوز مائتي سنة وأدرك الاسلام فلم يسلم
وشهد يوم حنين مع هوازن وقتل بها وهو القائل لما كبر فإن يك رأسي كالنعامة نسله * يطيف
في الولدان أحدث كالف * رهينة قعر البيت كل عشية * كأني ارقى أو أصوب في المهد * فمن بعد فضل
من شباب وقوة * وشعر أثيت حالك اللون مسود (ومنهم) عمرو بن حممة الدوسي عاش أربعمائة
سنة وهو الذي يقول * كبرت فطال العمر حتى كأنني * سليم أفاع لليله غير مودع * فما الموت أفناني
ولكن تتابعت * علي سنون من مصيف ومربع * ثلاث مائين قد مررن كواملا * وها انا هذا أرتجي
مر أربع * فأصبحت مثل النسر حل جناحه * إذا هم تطيارا يقال له قع * قال أبو روق حدثنا الوباشي
عن عمرو بن بكير عن الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي قال كنا عند ابن عباس في قبة زمزم وهو يفتي
الناس فقام إليه رجل فقال له لقد أفتيت أهل الفتوى فأنت أهل الشعر قال قل قال ما معنى قول الشاعر
لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا * وما علم الانسان الا ليعلما * فقال ذاك عمرو بن حممة الدوسي
250

قضا على العرب ثلاثمائة سنة فلما الزموه وقد رأى السادس أو السابع من ولد ولده قال إن
فؤادي بضعة منى فربما تغير علي اليوم والليلة مرارا وأمثل ما أكون فيهما في صدر النهار فإذا
رأيتني قد تغيرت فاقرع العصا فكان إذا رأى منه تغيرا قرع العصا فيراجعه فهمه فقال الملتمس
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وما علم الانسان الا ليعلما (ومنهم) زهير بن جناب
بن عبد الله بن كنانة بن عوف القضاعي عاش أربعمائة سنة وعشرين سنة وكان
سيدا مخلصا شريفا في قومه ويقال انه كانت له عشر خصال لم يجتمعن في غيره عن أهل زمانه كان سيد قومه
وخطيبهم وشاعرهم وحكيمهم ووافدهم إلى الملوك وطبيبهم والطب في ذلك الوقت شرف وكاهن
قومه وفارسهم وله البيت فيهم وله العدد منهم (ومنهم) الحرث بن مضاض الجرهمي أخو إسماعيل
عليه السلام من ولد جرهم الأكبر وجرهم بن قحطان بن عابر بن شالح بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام
عاش أربعمائة سنة وهو القائل * كان لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر *
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي والجدود العواثر وهي قصيدة طويلة قد رواها
الناس (ومنهم) عامر بن الطرب العدواني عاش مائتي سنة وكان من حكماء العرب وفيه
يقول ذو الإصبع العدواني * ومنا حكم يقضي فلا ينقض ما يقضي (ومنهم) الحرث بن كعب
المذحجي عاش مائة وستين سنة وله وصيه حسنة لقومه وكان على شريعة المسيح عليه السلام وهو القائل
* اكلت شبابي فأمضيته * وأمضيت من بعد دهر دهورا * ثلاثة أهلين جاورتهم فبادوا * وأصبحت شيخا ضعيفا كبيرا * قليل الطعام عسير القيام * قد ترك الدهر خطوى قصيرا * أبيت أراعي نجوم السماء * اقلب أمري بطونا ظهورا (ومنهم) الأفوه بن مالك الأودي
عاش مائتين وثلاثين سنة وله وصية لقومه وقصيدته المشهورة عنه المعروفة * فينا معاشر
لن يبنوا لقومهم * وان بني قومهم ما أفسدوا وأعادوا * لا يرشدون ولن يرعوا لمرشدهم *
فالجهل منهم معا وألفي ميعاد * اضحوا كفيل ابن عتر في عشيرته * إذ أهلكت بالذي سدى له عادوا
* بعده كقدار حين تابعه * على الغواية أقوام فقد بادوا * والبيت لا يبتني إلا له عمد * ولا عماد
إذا لم ترس أوتاد * وان تجمع أوتاد وأعمدة * وساكن بلغوا الامر الذي كادوا * لا يصلح
251

الناس فوضى لا سراة لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا * إذا تولى سراة القوم امرهم * نمى على ذاك
أمر القوم فازدادوا * يلقى الأمور باهل الرأي ما صلحت * فإن تولت فبالأشرار تنقاد * امارة
الغي ان تلقى الجميع لدى * الابرام للامر والأوتاب أكتاد * كيف الرشاد إذا ما كنت في نفر *
لهم عن الرشد أغلال وأقياد * أعطوا غواتهم جهلا مقادتهم * فكلهم في حبال الغي منقاد * حان
الرحيل إلى قوم وان بعدوا * فيهم صلاح لمرتاد وارشاد * فسوف اجعل بعد الأرض دونكم *
وان دنت رحم منكم وميلاد * ان النجاة إذا ما كنت ذا بصر * من أحبه الغنى ابعاد فابعاد * وروى في قوله
اضحوا كفيل بن عتر في عشيرته * انهم كانوا وقد عادوا * وانهم خرجوا إلى البيت الحرام ليستسقوا لقومهم *
وكانوا قيل ولقمان ومريد وعارق فهم نزلوا على رجل من جرهم فاشتغلوا عنده باللهو والطرب عن
الاستسقاء فما أفاقوا من لهوهم إلا وقد رفع الله تعالى على قومهم سحابه سوداء فهبت عليهم الريح
العقيم فأهلكتهم وان قيلا ضربه الصر فقتله ولحق بهم وان الثلاثة الباقين مروا فكان أطولهم عمرا
لقمان بن عاد صاحب النسور وقد تقدم ذكره (ومن المعمرين) نضر بن دهمان بن سليم بن أشجع
عاش مائة وتسعين سنه وعاوده شبابه وسواد شعره وصحة عقله بعد ما مضى ذلك وفيه يقول
العباس ابن مرداس السلمي لنضر بن دهمان الهنيدة عاشها وتسعين حولا ثم قوم فانصاتا وعاد
سواد الرأس بعد بياضه
وراجعه شرخ الشباب الذي فاتا * وراجع عقلا بعد ما فات عقله
ولكنه من بعد ذاك له ماتا * أتت جلب الخيل من ارض حمير * غرابيب دهما حالكات وكمتاتا (و
منهم) أمية بن الأسكر الليثي ذكر انه عاش دهرا طويلا حتى خرف فمر به غلام كان يرعى غنمه وهو
يحثوا التراب على رأسه من الكبر فوقف ينظر إليه فلما افاق أمية بصر بالغلام قائما ينظر إليه فانشا
يقول * أصبحت لهوا لراعي الضان أعجبه * ماذا يريبك مني راعي الضان * انعق بضانك في نجم
تحقره * من الأباطح واحبسها بحدان * انعق بضانك اني قد رعيتهم * بيض الوجوه بني عم
واخوان * ابني أمية إلا تحضرا كبري * فإن عيشكما والموت سيان * إذ نركب الفرس الأخرى
ثلاثتنا * وإذ حديثكما والعيش مثلان (وروى) ان عمر بن الخطاب أخبر بخبر أمية فسئل عن ابنيه
252

فقيل له ان أحدهما بالبصرة والاخر بالكوفة فامر بان يكتب فيهما بان يردا إلى أبيهما وقال أمية يذكر ابنه كلابا
وكان غائبا عنه * تركت أباك مرعشة يداه * وأمك ما يسيغ لها شرابا * إذا هتفت حمامة بطن واد *
على ابكائها ذكرا كلابا * نمسح مهده شفقا عليه * ونجنبه أباعرنا الصعابا (ومنهم) جعثم
بن عوف بن خديجة عاش مائتين وخمسين سنة وقال * حتى متى جعثم في الاحياء * ليس بذي
أيد ولا غناء * هيهات ما للموت من دواء (ومنهم) أماناة بن قيس بن الحارث بن شيبان
الكندي عاش مائة وستين سنة فقال فيه رجل من كندة * الا ليتني عمرت يا أم خالد * بعمري أماناة بن قيس
بن شيباني * لقد عاش حتى قيل ليس بميت * فافنى فئاما من كهول وشبان * فحلت به من
بعد حرس وحفته * دويهية حلت بنصر بن دهمان * فاضحي كان لم تغن بالأمس في الناس ساعة * رهين
صريح في سباسيب كتان (ومنهم) أوس بن ربيعة ابن كعب بن أمية الأسلمي عاش مائتي
سنة وأربع عشرة سنة وهو الذي يقول * لقد عمرت حتى مل أهلي * ثوائي عندهم وسئمت عمري *
وحق لمن اتى مأتين عاما * عليه وأربع من بعد عشر * يمل من الثواء وصبح يوم * يعادية
وليل بعد يسر * فابلى جدتي وتركت شلوا * وبحت بما تجن ضمير صدري (ومنهم)
كعب بن الرداد بن هلال بن كعب عاش ثلاثمائة سنة حتى مل من حياته فقال ذلك * لقد ملني
الأدنى وابغض رؤيتي * وأبنائي إلا يحب كلامي * على الراحتين مرة وعلى العصا * أكون
مليا ما أقل عظامي * فيا ليتني قد سخت في الأرض قامة * وليت طعامي كان فيه حمامي
(ومنهم) انس بن نواس ابن مالك ابن حبيش بن ربيعة عاش دهرا طويلا ونبتت أسنانه
بعد ما سقطت فقال * أصبحت من بعد البزول رباعيا * وكيف الرباعي بعد ما شق بازله * ويوشك ان يلقى بنينا وان يعد * إلى جذع نيكل أخاكم ثواكله * إذا ما ثغرنا مرتين تقطعت *
حبال الصبى وانبت منها وسائله (ومنهم) ثعلبة بن عبد بن كعب بن عبد الأشهل عاش
مائتي سنة وثلاثا وثلاثين سنة وهو جد الضحاك وهو القائل لما عمره * لقد صاحبت أقواما
فامسوا * خفاة لا يجاب لهم دعاء * وقوما بعدهم قد نادموني * فامسى موحشا منهم قناء *
253

مضوا قصد السبيل وخلفوني * فطال علي بعدهم الثواء * فأصبحت الغداة رهين قبر *
واخلفني من الموت الرجاء (ومنهم) بحر بن الحارث بن امرئ القيس الكلبي عاش مائة و
خمسين سنة وأدرك الاسلام فلم يسلم وهو القائل * من عاش خمسين عاما قبلها مائة * من
السنين واضحى بعد ينتظر * وصار في البيت مثل الحلس مطرحا * لا يستشار ولا يعطى و
لا يذر * مل المعاش ومل الأقربون له * طول الحياة وشر العيشة الكبر (ومن المعمرين)
ذو جدن الحميري وكان ملكا روى أنه عاش ثلاثمائة سنة وهو القائل * لكل جنب واقع مضطجع *
والموت لا ينفع منه الجزع اليوم * تجزون بأعمالكم * وكل امرئ يحصد ما قد زرع * لو كان
شيئا سفلتا حتفه * أفلت منه في الجبال الصدع * له سماء وله ارضه * يرفع من شاء ومن
شاء وضع (ومن المعمرين) قس بن ساعدة الأيادي رحمه الله عاش دهرا طويلا فروى أنه
عاش ستمائة سنة وروى أقل من ذلك وكان من عقلاء العرب وحكمائهم وهو أول
من كتب من فلان بن فلان إلى فلان وهو ممن وحد الله تعالى وآمن به وأقر بعدله وحكمته
وانه خلق العباد وينشرهم بعد الممات وهو أول من قال أما بعد وأول من خطب بعصا وفيه
يقول الأعشى قيس بن ثعلبة * واحكم من قس واجري من الذي * بذي الفيل خفان أصبح
خادرا * ويقول الحطيئة * وأقول من قس وامضى إذا مضى * من الريح ان مس النفوس نكالها *
وقس الذي يقول * هل الغيث معطي الامن عند نزوله * بحال مسئ في الأمور ومحسن *
وما قد تولى وهو فات ذاهب * فهل ينفعني ليتني ولو انني * وكذلك يقول لبيد * واخلف
قسا ليتني ولو انني * وأعني على لقمان حكم التدبر * وكان قس أحسن الناس في زمانه عبادة
وأفصحهم خطابة وأبلغهم عظة وكان كثيرا ما يذكر رسول الله صلى الله عليه وآله ويبشر الناس به وآمن
به قبل مبعثه وكان النبي صلى الله عليه وآله يستعلم اخباره ويستعيد من الناس مواعظه ويترحم عليه ويقول إن قسا أمة
وحده (خبر) قس وما قاله بسوق عكاظ حدثني القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم السلمي
الحراني بمدينة الرملة في سنة عشرة وأربعمائة قال حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن موسى بن إبراهيم
254

الباب سيري الحنظلي قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد من ولد عمر بن الخطاب عن جعفر بن محمد
عن محمد بن حسان عن محمد ابن الحجاج اللخمي عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال لما
قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وآله قال أيكم يعرف قس بن ساعدة الأيادي قالوا كلنا
نعرفه يا رسول الله قال لست أنساه بعكاظ على جمل احمر يخطب الناس وهو يقول أيها الناس اجتمعوا
فإذا اجتمعتم فاسمعوا فإذا سمعتم فعوا فإذا وعيتم فقولوا فإذا قلتم فاصدقوا من عاش مات
ومن مات فات وكل ما هو آت آت في السماء لخبرا وان في الأرض لعبرا مهاد موضوع وسقف مرفوع
ونجوم تمور وبحار لا تغور أقسم قس بالله قسما حقا لا كاذبا فيه ولا آثما إن كان في الأرض
رضا ليكونن سخط ان لله دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه مالي ارى الناس يذهبون
فلا يرجعون ارضوا بالإقامة فاقاموا أم تركوا فناموا ثم قال صلى الله عليه وآله أيكم يروي شعره فانشدوه * في الذاهبين
الأولين من القرون لنا بصائر * لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر * ورأيت قومي نحوها يسعى
الأصاغر والأكابر * لا يرجع الماضي ولا يبقى من الباقين غابر * أيقنت اني لا محالة حيث صار
القوم صائر * وروى أن رجلا حدث رسول الله صلى الله عليه وآله فقال في حديثه خرجت في طلب بعير لي ضل فوجدته
في ظل شجرة ينهش من ورقها فدنوت منه فزممته واستويت على كوره ثم اقتحمت واديا فإذا
انا بعين خرارة وروضة مدهامة وشجرة عادية وإذا انا بقس قائما يصلي بين قبرين اتخذ له بينهما
مسجدا قال فلما انفتل من صلاته قلت له ما هذان القبران فقال هذان قبرا اخوان كانا لي يعبدان الله عز
وجل معي في هذا المكان فانا أعبد الله بينهما إلى أن الحق بهما قال ثم التفت إلى القبرين فجعل يبكي وهو
يقول * خليلي هبا طال ما قد رقدتكما * أجدكما أم تقضيان كراكما * ارى خللا في العظم والجلد منكما * كان
الذي يسقي العقار سقاكما * ألم تعلما اني بسمعان مفرد * وما لي بسمعان حبيب سواكما * مقيم
على قبريكما لست بارحا * طوال الليالي أو يجيب صداكما * فلو جعلت نفس لنفس فدائها * لجدت
بنفسي ان أكون فداكما * قال فقلت له فلم لا تلحق بقومك فتكون معهم في خيرهم وشرهم فقال ثكلتك
أمك إما علمت أن ولد إسماعيل تركوا دين أبيهم واتبعوا الأضداد وعظموا الأنداد قلت وما هذه
255

الصلاة التي لا تعرفها العرب أصليها لاله السماء فقلت وللسماء اله غير اللات والعزى فأمتعظ
وامتقع لونه وقال إليك عني يا أخا اياد ان للسماء الها هو الذي خلقها وبالكواكب زينها وبالقمر المنير أشرقها
أظلم ليلها واضحى نهارها وسوف تعمهم من هذه الرحمة واومى بيده نحو مكة وبالكواكب برجل أبلج من ولد
لؤي بن غالب يقال له محمد صلى اله عليه واله يدعو إلى كلمة الاخلاص ما أظن اني أدركه ولو أدركت أيامه لصفقت بكفي
على كفه ولسعيت معه حيث يسعى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله رحم الله أخي قسا يحشر يوم القيامة أمة
وحده (خبر آخر) عن قس يذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام من بعده أخبرنا القاضي أبو الحسن
علي بن محمد السباط البغدادي قال حدثني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن أيوب البغدادي الجوهري الحافظ
قال حدثنا أبو جعفر محمد بن لاحق بن سابق قال حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال حدثني أبي عن الشرقي
بن القطامي عن تميم بن وهلة المري قال حدثني الجارود بن المنذر العبدي وكان نصرانيا فأسلم عام
الحديبية وحسن اسلامه وكان قارئا للكتب عالما بتأويلها على وجه الدهر وسالف العصر بصيرا بالفلسفة
والطب ذا رأي أصيل ووجه جميل أنشأ يحدثنا في أيام عمر بن الخطاب قال وفدت على رسول الله صلى الله عليه وآله في رجال
من عبد القيس ذوي أحلام وأسنان وفصاحة وبيان وحجة وبرهان فلما بصروا به صلى الله عليه وآله راعهم منظره
ومحضره عن بيانهم واعتراهم الرعداء في أبدانهم فقال زعيم القوم لي دونك من أممت بنا أممه فما نستطيع
ان نكلمه فاستقدمت دونهم إليه فوقفت بين يديه فقلت سلام عليك يا رسول بابي أنت و
أمي ثم أنشأت أقول * يا نبي الهدى أتتك رجال * قطعت قرددا وآلا فالا * جابت البيد والمهامه
حتى * غالها من طوى السري ما غالا * قطعت دونك الصحاصح تهوى * لا تعد الكلال فيك
كلالا * كل دهياء يقصر الطرف عنها * أرقلتها قلاصنا ارقالا * وطوتها العتاق تجمح فيها *
بكماة مثل النجوم تلألأ * ثم لما رأتك أحسن مرأى * أفحمت عنك هيبة وجلالا * تتقى شر باس
يوم عصيب هائل * أوجل القلوب وهالا * ونداء لمحشرنا الناس طرا * وحسابا لمن تمادى ضلالا * نحو نور من الاله وبرهان * وبر ونعمة لن تنالا * وأمان منه لدى الحشر والنشر * إذ الخلق لا يطيق
السؤالا * فلك الحوض والشفاعة والكوثر * والفضل إذ ينص السؤالا * خصك الله
يا ابن آمته الخير * إذا ما بكت سجال سجالا * أنبأ الأولون باسمك فيها * وبأسماء بعده تتلألأ *
256

قال فاقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله بصفحة وجهه المبارك شمت منه ضياء لامعا ساطعا كوميض
البرق فقال يا جارود لقد تأخر بك وبقومك الموعد وقد كنت وعدته قبل عامي ذلك ان افد إليه
بقومي فلم آته وأتيته في عام الحديبية فقلت يا رسول الله بنفسي أنت ما كان ابطائي عنك إلا جلة
قومي ابطأوا عن إجابتي حتى ساقها الله إليك لما أرادها به من الخير لديك وأما من تأخر عنه فحظه فات
منك فتلك أعظم حوبة وأكبر عقوبة ولو كانوا ممن رآك لما تخلفوا عنك وكان عنده رجل لا اعرفه قلت ومن هو قالوا هو سلمان الفارسي ذو البرهان
العظيم والشأن القديم فقال سلمان وكيف عرفته أخا عبد القيس من قبل اتيانه فأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وآله
وهو يتلألأ ويشرق وجهه نورا وسرورا فقلت يا رسول الله ان قسا كان ينتظر زمانك ويتوكف أبانك
ويهتف باسمك وأبيك وأمك وبأسماء لست أصيبها معك ولا أراها فيمن اتبعك قال سلمان فأخبرنا فأنشأت
أحدثهم ورسول الله صلى الله عليه وآله يسمع والقوم سامعون واعون قلت يا رسول الله لقد شهدت قسا وقد
خرج من ناد من أندية اياد إلى صحصح ذي قتاد وسمر وعتاد وهو مشتمل بنجاد فوقف في أضحيان ليل كالشمس
رافعا إلى السماء وجهه وإصبعه فدنوت منه فسمعته يقول اللهم رب هذا السبعة الا رقعة والأرضين
الممرعة وبمحمد والثلاثة المحامدة معه والعليين الأربعة وسبطيه التبعة الا رفعة والسري الألمعة و
سمي الكليم الضرعة والحسن ذي الرفعة أولئك النقباء الشفعة والطريق المهيعة درسه الإنجيل وحفظه التنزيل على عدد
النقباء من بني إسرائيل محاة الأضاليل نفاة الأباطيل الصادقوا القيل عليهم تقوم الساعة وبهم تنال
الشفاعة ولهم من الله فرض الطاعة ثم قال اللهم ليتني مدركهم ولو بعد لأي من عمري ومحياي ثم أنشأ
يقول * متى انا قبل الموت للحق مدرك * وإن كان لي من بعد هاتيك مهلك * وان غالني الدهر
الحرون بغوله * فقد غال من قبلي ومن بعد يوشك * فلا غرو اني سالك مسلك الأولى * وشيكا
ومن ذا للردى ليس يسلك * ثم آب يكفكف دمعه ويرن رنين البكرة قد بريت ببراة وهو يقول * أقسم
قس قسما ليس به مكتتما * لو عاش الفي عمر لم يلق منها سئاما * حتى يلاقي أحمدا والنقباء الحكماء * هم أوصياء أحمد
أكرم من تحت السما * يعمى العباد عنهم وهم جلاء للعمى * لست بناس ذكرهم * حتى أجل الرخما * ثم قلت
يا رسول الله انبئني أنبأك الله بخبر عن هذه الأسماء التي لم نشهدها وأشهدنا قس ذكرها فقال رسول الله
257

صلى الله عليه وآله يا جارود ليلة اسرى بي إلى السماء اوحى الله عز وجل إلي ان سل من أرسلنا قبلك من رسلنا
على ما بعثوا فقلت لهم على ما بعثتم فقالوا على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما ثم اوحى إلي ان التفت
عن يمين العرش فالتفت فإذا علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى
بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي عليهم السلام في ضحضاح من
نور يصلون فقال لي الرب تعالى هؤلاء الحجج لأوليائي وهذا المنتقم من أعدائي قال الجارود فقال لي سلمان
يا جارود هؤلاء المذكورون في التوراة والإنجيل والزبور فانصرفت بقومي وانا أقول * اتيتك
يا ابن آمنة الرسولا * لكي بك اهتدي النهج السبيلا * فقلت فكان قولك قول حق * وصدق ما
بدا لك ان تقولا * وبصرت العمى من عبد شمس * وكل كان في عمه ضليلا * و
أنبأناك عن قس الأيادي * مقالا فيك ظلت به جديلا * وأسماء عمت عنا فالت * إلى علم و
كنت به جهولا (فصل) من الكلام في هذا الخبر (اعلم) أيدك الله تعالى انك تسئل في هذا
الخبر عن ثلاثة مواضع (أحدها) ان يقال لك كان الأنبياء المرسلون عليهم السلام قبل رسول الله صلى الله عليه وآله
قد ماتوا فكيف يصح سؤالهم في السماء (وثانيها) ان يقال لك ما معنى قولهم إنهم بعثوا على نبوته وولاية علي والأئمة من ولده عليهم السلام (وثالثها) يقال لك كيف يصح ان يكون الأئمة الاثني
عشر عليهم السلام في تلك الحال في السماء ونحن نعلم ضرورة خلاف هذا لأن أمير المؤمنين عليه السلام كان في ذلك
الوقت بمكة في الأرض ولم يدع قط ولا ادعى له أحد انه صعد إلى السماء فاما الأئمة من ولده فلم يكن
وجد أحد منهم بعد ولا ولد فما معنى ذلك إن كان الخبر حقا فهذه مسائل صحيحة ويجب ان يكون معك
لها أجوبة معدة (وأما الجواب) عن السؤال الأول فهو انا لا نشك في موت الأنبياء عليهم السلام غير أن
الخبر قد ورد بان الله تعالى يرفعهم بعد مماتهم إلى سمائه وانهم يكونون فيها احياء متنعمين إلى يوم القيامة
ليس ذلك بمستحيل في قدرة الله تعالى وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال انا أكرم عند الله من أن يدعني في الأرض
أكثر من ثلاث وهكذا عندنا حكم الأئمة عليهم السلام قال النبي صلى الله عليه وآله لو مات نبي بالمشرق ومات وصيه بالمغرب لجمع الله
بينهما وليس زيارتنا لمشاهدهم على أنهم بها ولكن لشرف المواضع فكانت غيبة الأجسام فيها ولعباده
أيضا ندبنا إليها فيصح على هذا ان يكون النبي صلى الله عليه وآله رأى الأنبياء عليهم السلام في السماء فسألهم
258

كما امره الله وبعد فقد قال الله تعالى * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم) * آل عمران فإذا
كان المؤمنون الذين قتلوا في سبيل الله تعالى بهذا الوصف فكيف ينكر ان الأنبياء عليهم السلام بعد موتهم احياء منعمين
في السماء وقد اتصلت الاخبار من طريق الخاص والعام بتصحيح هذا واجمع الرواة على أن النبي صلى الله عليه وآله لما خطب
بفرض الصلاة ليلة المعراج وهو في السماء قال له موسى عليه السلام ان أمتك لا تطيق وان راجع إلى الله تعالى دفعه
بعد أخرى وما حصل عليه الاتفاق فلم يبق فيه كذب واما الجواب عن السؤال الثاني فهو ان يكون الأنبياء عليهم السلام قد اعلموا
بأنه سيبعث نبيا يكون خاتمهم وناسخا بشرعه شرائعهم واعلموا انه اجلهم وأفضلهم وانه سيكون له أوصياء
من بعده حفظة لشرعه وحملة لدينه وحجج على أمته فوجب على الأنبياء عليه السلام التصديق بما أخبروا به والاقرار بجميعه
(اخبرني) الشريف يحيى بن أحمد بن إبراهيم بن طباطبا الحسني قال حدثني أبو القاسم عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي
عن أبي علي بن همام عن عبد الله بن جعفر الحميري عن عبد الله بن محمد عن محمد بن أحمد عن يونس بن يعقوب
عن عبد الاعلى ابن أعين قال سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول ما تنبأ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وتفضيلنا
على من سوانا وان الأمة مجمعة على أن الأنبياء عليهم السلام قد بشروا بنبينا صلى الله عليه وآله ونبهوا على امره ولا يصح منهم ذاك إلا
وقد اعلمهم الله تعالى به فصدقوا وآمنوا بالمخبر به وكذلك قد روت الشيعة بأنهم قد بشروا بالأئمة أوصياء رسول
الله صلى الله عليه وآله (وأما الجواب عن السؤال الثالث) فهو انه يجوز ان يكون الله تعالى أحدث لرسوله صلى الله عليه وآله
في الحال صورا كصور الأئمة عليهم السلام ليراهم أجمعين على كمالهم فيكون كمن شاهد اشخاصهم برؤيته مثالهم ويشكر الله
تعالى على ما منحه من تفضيلهم واجلالهم وهذا في العقول من الممكن المقدور ويجوز أيضا ان يكون الله تعالى خلق
على صورهم ملائكة في سمائه يسبحونه ويقدسونه لتراهم ملائكته الذين قد اعلمهم بأنهم يكونون في ارضه حججا له على
خلقه فتتأكد عندهم منازلهم وتكون رؤيتهم تذكارا لهم بهم وبما سيكون من امرهم (وقد جاء في الحديث)
ان رسول الله صلى الله عليه وآله رأى في السماء لما عرج به ملكا على صورة أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه وهذا
خبر قد اتفق أصحاب الحديث على نقله حدثني به من طريق العامة الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد ابن أحمد بن الحسن
بن شاذان القمي ونقلته من كتابه المعروف بايضاح دقائق النواصب وقرائته عليه بمكة في المسجد الحرام سنة
اثنتي عشرة وأربعمائة قال حدثنا أبو القاسم جعفر بن مسرور اللجام قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا
259

أحمد بن علوية المعروف بابن الأسود الكاتب الأصبهاني قال حدثني إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله
بن صالح قال حدثني جرير بن عبد الحميد عن مجاهد عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول لما أسري بي إلى السماء ما مررت بملا من الملائكة إلا سألوني عن علي بن أبي طالب عليه السلام حتى ظننت ان اسم علي عليه السلام أشهر في السماء
من اسمي فلما بلغت السماء الرابعة نظرت إلى ملك الموت عليه السلام فقال يا محمد ما خلق الله خلقا إلا اقبض روحه
بيدي ما خلا أنت وعلي فإن الله جل جلاله يقبض أرواحكما بقدرته فلما صرت تحت العرش نظرت فإذا انا
بعلي بن أبي طالب واقفا تحت عرش ربي فقلت يا علي سبقتني فقال لي جبرائيل عليه السلام يا محمد من هذا الذي يكلمك
قلت هذا أخي علي بن أبي طالب عليه السلام قال لي يا محمد ليس هذا عليا ولكنه ملك من ملائكة الرحمن خلقه الله تعالى على
صورة علي بن أبي طالب فنحن الملائكة المقربون كلما اشتقنا إلى وجه علي بن أبي طالب زرنا هذا الملك
لكرامة علي بن أبي طالب على الله سبحانه فيصح على هذا الوجه ان يكون الذين رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله ملائكة على صور الأئمة عليهم السلام وجميع ذلك داخل في باب التجويز والامكان والحمد لله نرجع إلى ذكر
المعمرين (وقد روى) ان منهم سلمان الفارسي رحمة الله عليه وانه عاش مائتين من السنين (وروى)
وان منهم عمرو بن العاص وانه عاش في الجاهلية والاسلام مأتي سنة وانه قال حين أحس الموت * مضت مائتا
حول لعمرو وبعدها * رمته المنايا بالسهام القواصة * فمات وما حي وان طال عمره * على مر أيام
السنين بخالد (ومنهم) أمد بن لبد عاش ثلاثمائة وستين سنة وروى أن معاوية بن أبي
سفيان قال إني أحب ان القى رجلا قد أتت عليه سن وقد رأى الناس يخبرنا عما رأى فقيل له
هذا رجل بحضرموت فأرسل إليه فاتاه فقال ما اسمك فقال أمد قال ابن من قال ابن لبد قال ما اتى
عليك من السنين قال ستون وثلاثمائة سنة قال كذبت ثم تشاغل عنه معاوية ثم اقبل إليه بعد ذلك فقال ما اسمك قال أمد قال ابن من قال ابن لبد قال ما اتى عليك من السنين قال ستون وثلاثمائة قال أخبرنا عما رأيت من الأزمان الماضية إلى زماننا هذا من
ذاك قال يا أمير المؤمنين وكيف تسأل من يكذب قال إني ما كذبتك ولكن أحببت اعلم كيف عقلك قال يوم
شبيه يوم وليلة شبيهه بليلة يموت ميت ويولد مولود ولولا من يموت لم تسعهم الأرض ولولا
من يولد لم يبق أحد على وجه الأرض قال فأخبرني هل رأيت هاشما قال نعم رأيت رجلا طوالا حسن
الوجه يقال إن بين عينية بركة أو غرة بركة قال فهل رأيت أمية قال نعم رأيت رجلا قصيرا أعمى يقال
260

ان في وجه أشرا وشؤما قال فهل رأيت محمدا قال من محمد قال رسول الله صلى الله عليه وآله قال ويحك أفلا فخمته كما فخمه
الله فقلت رسول الله صلى الله عليه وآله قال فأخبرني ما كانت صناعتك قال كنت رجلا تاجرا قال فما بلغت
في تجارتك قال كنت لا استر عيبا ولا أرد ربحا قال معاوية سلني قال أسألك ان تدخلني الجنة قال ليس ذاك
بيدي ولا أقدر عليه قال فأسألك ان ترد علي شبابي قال ليس ذلك بيدي ولا أقدر عليه قال فلا ارى عندك شيئا من أمر الدنيا ولا من أمر الآخرة فردني من حيث جئت بي
قال أما هذا فنعم ثم اقبل معاوية على جلسائه فقال لقد أصبح هذا زاهدا فيما أنتم فيه راغبون (ومن المعمرين)
عبيد بن شريد الجرهمي عاش ثلاثمائة سنة ولحق أيضا أيام معاوية بن أبي سفيان فروى أنه قدم عليه يوما إلى
الشام فقال معاوية اخبرني أعجب ما رأيت قال نعم انتهيت إلى قوم يدفنون ميتا فلما فرغوا منه اغرورقت
عيناي وتمثلت بهذه الأبيات * يا قلب انك في أسماء مغرور * فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير * قد
بحت بالحب ما تخفيه من أحد * حتى جرت بك اطلاقا محاضير * ما بت فاصبر فما تدرى أعاجلها *
خير لنفسك إما فيه تأخير * فاستقدر الله خيرا وارضين به * فبينما العسر إذ دارت مياسير *
وبينما المرء في الاحياء مغتبط * إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير * حتى كأن لم يكن إلا تذكره *
والدهر أيتما حال دهارير * يبكي الغريب عليه ليس يعرفه * وذو قرابته في الحي مسرور * وذاك
آخر عهد من أخيك إذا * ما الميت ضمنه اللحد الخناسير * يعنى بالخناسير الحفارين فقال لي رجل
منهم هل تدري من قال هذه الأبيات قلت لا قال هو الذي دفناه (ومن المعمرين العوام)
ابن المنذر الطائي عاش دهرا طويلا في الجاهلية وبقى إلى أن أدرك خلافة عمر بن عبد العزيز فادخل
عليه وقد اختلفت ترقوتاه وسقط حاجباه فقيل له ما أدركت فقال * والله ما أدري أدركت أمة * على
عهد ذي القرنين أم كنت أقدما * متى تنزعوا عنى اللباس تبينوا * أجاجي يكسين لحما ولا دما *
(ومن المعمرين أيضا) تميم بن ثعلبة بن عطاية الربعي عاش مائتي سنة ومعدي كرب الحميري من آل
ذي رعين عاش مائتين وخمسين سنة وجعفر قرط الجهني عاش ثلاثمائة سنة وأدرك الاسلام
واسلم وعوف بن كنانة الكلبي عاش ثلاثمائة سنة وهبل بن عبد الله بن كنانة الكلبي عاش ستمائة
وسبعين سنة وحصين بن عتبان الزبيدي عاش مائتين وخمسين سنة وشربة بن عبد الله
261

الجعفي من سعد العشيرة عاش ثلاثمائة سنة وربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين
سنة وأدرك الاسلام فأسلم وكان شاعرا وسيف بن وهب الطائي عاش مائتي سنة وعدوان
بن عمرو بن قيس عاش مائتين وخمسين سنة وكف بصره وعاش ابن يزيد الجعفي خمس ومائة سنة وأدرك
الاسلام وعاش مرداس بن خصيم بن زيد العشيرة مائتين وستا وثلاثين سنة وعاش عمرو بن ربيعة
اللخمي ثلاثمائة وأربعين سنة (فهذا طرف من ذكر المعمرين) ومختصر مما رواه أصحاب الأثر
وعلماء المصنفين قد اوردته لك زيادة على ما تقدم واثباتا للحجة على من يفهم وإذا جاز ان يعمر الله تعالى
جماعة من خلقه من أنبيائه عليهم السلام وأوليائه والمشركين له ويمدهم بصحة الأجساد وثبوت العقل والرأي فما الذي
ينكر من طول عمر صاحب الزمان عليه السلام وهو حجة الله تعالى على العباد وخاتم الأوصياء من ذرية رسوله الله صلوات
الله عليه وعلى آله والموعود بالبقاء حتى يكون على يده هلاك جميع الأعداء ويصير الدين كله لله لولا أن خصومنا
ظالمون معاندون للحق ومكابرون وقد ذاع بين كثير من الخصوم ما يروى ويقال اليوم من حال المعمر
(أبي الدنيا المغربي) المعروف بالأشبح وانه باق من عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
إلى الان وانه مقيم من ديار المغرب في ارض طنجة ورؤية الناس له في هذه الديار وقد عبر متوجها إلى الحج
والزيارة وروايتهم عنه حديثه وقصته وأحاديث سمعها من أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه
وقوله إنه كان ركابيا بين يديه ورواية الشيعة انه يبقى إلى أن يظهر صاحب الزمان صلى الله عليه وآله
وكذلك حال المعمر (الأخر) المشرقي ووجوده بمدينة من ارض المشرق يقال لها سهرورد إلى الان
ورأينا جماعة راوه وحدثوا حديثه وانه أيضا كان خادما لأمير المؤمنين صلوات الله عليه والشيعة تقول
انهما يجتمعان عند ظهور الإمام المهدي عليه وعلى آبائه أفضل السلام (خبر) المعمر المغربي
وهو علي ابن عثمان بن الخطاب البلوي حدثني الشريف أبو الحسن طاهر بن موسى بن جعفر الحسني
بمصر في شوال سنة سبع وأربعمائة قال أخبرنا الشريف أبو القاسم ميمون ابن حمزة الحسني قال رأيت
المعمر المغربي وقد اتى به إلى الشريف أبي عبد الله محمد بن إسماعيل سنة عشر وثلاثمائة وادخل إلى داره
ومن معه وهم خمسة رجال وأغلقت الدار وازدحم الناس وحرصت في الوصول إلى الباب فما قدرت
262

لكثرة الزحام فرأيت بعض غلمان الشريف أبي عبد الله محمد بن إسماعيل وهما قنبر وفرح فعرفتهما اني
أشتهي أنظره فقالا لي در إلى باب الحمام بحيث لا يدري بك فصرت إليه ففتحا لي سرا ودخلت وأغلق الباب
وحصلت في مسلخ الحمام وإذا قد فرش له ليدخل الحمام فجلست يسيرا فإذا به قد دخل رجل نحيف الجسم
ربع من الرجال خفيف العارضين آدم اللون إلى القصر أقرب ما هو اسود الشعر يقدر الانسان ان له نحوا
من أربعين سنة وفي صدغه اثر كأنه ضربة فلما تمكن من الجلوس والنفر معه وأراد خلع ثيابه قلت ما هذه
الضربة قال أردت ان أناول مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام السوط يوم النهروان فنفض
الفرس رأسه فضربني اللجام وكان مخا فشجني فقلت له أدخلت هذه البلدة قديما قال نعم وكان موضع
جامعكم الفلاني مبقلة وفيها قبر فقلت هؤلاء أصحابك فقال ولدي وولد ولدي ثم دخل
الحمام فجلست حتى خرج ولبس ثيابه فرأيت عنفقته قد ابيضت فقلت له كان بها صباغ قال لا ولكن
إذا جعت ابيضت وشبعت إذا اسودت فقلت قم ادخل الدار حتى تأكل فدخل الباب (وروى)
الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام انه
حج في تلك السنة وفيها حج نصر القشوري صاحب المقتدر قال فدخلت مدينه الرسول صلى الله عليه وآله فأصبت
بها قافلة البصريين وفيها أبو بكر محمد بن علي المادراني ومعه رجل من أهل المغرب يذكر انه رأى أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله فازدحم عليه الناس وجعلوا يتمسحون به فكادوا يقتلونه قال فامر عمي أبو القاسم
طاهر بن يحيى فتيانه وغلمانه ان يفرجوا عنه ففعلوا ودخلوا به إلى دار ابن أبي سهل اللطفي وكان طاهر
يسكنها واذن للناس فدخلوا وكان معه خمسة رجال ذكر انهم أولاده وأولاد أولاده فيهم شيخ له
نيف وثمانون سنة فسألناه عنه فقال هذا ابني واثنان لكل واحد منهما ستون سنة أو خمسون
سنة واخوته ست عشرة سنة فقال هذا ابني ولم يكن معه أصغر منه وكان إذا رايته قلت ابن ثلاثين
أو أربعين سنة اسود الرأس واللحية شاب نحيف الجسم آدم ربع القامة خفيف العارضين هو إلى
القصر أقرب واسمه علي بن عثمان بن الخطاب بن مزيد فمما سمعت من حديثه الذي حدث الناس به أنه قال خرجت
من بلدي انا وأبي وعمي نريد الوفود على رسول الله صلى الله عليه وآله وكنا مشاه في قافلة فانقطعنا
263

عن الناس واشتد بنا العطش وعدمنا الماء وزاد بابي وعمي الضعف فأقعدتهما إلى جانب شجرة ومضيت
التمس لهما ماء فوجدت عينا حسنة وفيها ماء صاف في غاية البرد والطيبة فشربت حتى ارتويت ثم
نهضت لاتي بابي وعمي إلى العين فوجدت أحدهما قد مات وتركته بحاله واخذت الأخر ومضيت به في
طلب العين فاجتهدت ان أراها فلم أرها ولا عرفت موضعها وزاد العطش به فمات فحرصت في امره حتى
واريته وعدت إلى الأخر فواريته أيضا وسرت وحدي إلى أن انتهيت إلى الطريق ولحقت بالناس ودخلنا
المدينة وكان دخولي إليها في اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله فرأيت الناس منصرفين
في دفنه فكانت أعظم الحسرات دخلت قلبي ورآني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فحدثته حديثي
فأخذني فكنت يتيمه فأقمت معه مدة خلافة أبي بكر وعمر ابن الخطاب وعثمان وأيام خلافته حتى قتله عبد الرحمن
بن ملجم بالكوفة قال ولما حوصر عثمان بن عفان في داره دعاني ودفع إلى كتابا ونجيبا وأمرني بالخروج
إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وكان علي عليه السلام غائبا بينبع في ضياعه وأمواله فأخذت الكتاب وركبت
النجيب وسرت حتى إذا كنت بموضع يقال له جنان بن أبي عيابة سمعت قرآنا فإذا هو أمير المؤمنين عليه السلام يقرا
* (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وانكم إلينا لا ترجعون) * قال فلما نظر إلي قال أبا الدنيا ما وراءك قلت هذا كتاب
عثمان فقراه فإذا فيه * فإن كنت ماكولا فكن خير آكلي * والا فأدركني ولما أمزق * فلما قراه قال سر سر
فدخلنا المدينة ساعة قتل عثمان فمال أمير المؤمنين إلى حديقة بني النجار وعلم الناس مكانه فجاؤوا إليه
ركضا وقد كانوا عازمين على أن يبايعوا طلحة فلما نظروا إليه ارفضوا عن طلحة ارفضاض الغنم يشد
عليها السبع فبايعه طلحة والزبير ثم تتابع المهاجرون والانصار يبايعونه فأقمت معه أخدمه
وحضرت معه صفين أو قال النهروان فكنت عن يمينه إذ سقط السوط من يده فانكببت لاخذه وارفعه
إليه وكان لجام دابته لمخا فشجني هذه الشجة فدعاني أمير المؤمنين عليه السلام فتفل فيها واخذ حفنة
من تراب فتركها عليها فوالله ما وجدت ألما ولا وجعا ثم أقمت معه حتى قتل صلوات الله عليه وصحبت الحسن
عليه السلام حتى ضرب بالساباط وحمل إلى المدائن ولم أزل معه بالمدينة حتى مات عليه السلام مسموما سمته جعدة
بنت الأشعث بن قيس الكندي لعنها الله ثم خرجت مع الحسين صلى الله عليه وآله بكربلاء وقتل عليه السلام
264

فهربت بديني وانا مقيم بالمغرب انتظر خروج المهدي وعيسى بن مريم صلى الله عليهما قال الشريف
أبو محمد الحسن بن محمد الحسني ومما رأيت من هذا الشيخ علي ابن عثمان وهو إذ ذاك في دار عمي طاهر
بن يحيى وهو يحدث بأحاديثه وبدء خروجه إذ نظرت إلى عنفقته فرأيتها قد احمرت ثم ابيضت فجعلت انظر إلى ذلك لا نلم يكن في لحيته ولا رأسه ولا عنفقته بياض فنظر إلي انظر إليه فقال ما ترون
ان هذا يصيبني إذا جعت فإذا شبعت رجعت إلى سوادها فدعا عمي بطعام فاخرج من داره ثلاث موائد فوضعت
بين يديه وكنت انا ممن جلس معه عليها وجلس عمي معه وكان يأكل ويلقمه فاكل اكل شاب وعمي يحلف عليه وانا
انظر إلى عنفقته تسود حتى عادت إلى سوادها وشبع (حدثني) القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم
السلمي الحراني وأبو عبد الله الحسين بن محمد الصيرفي البغدادي قالا جميعا أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد
المعروف بالمفيد لقراءتي عليه بحرجرايا وقال الصيرفي سمعت منه املاء سنة خمس وستين وثلاثمائة أنه قال
حدثنا علي بن عثمان بن الخطاب بن عبد الله بن عوام البلوي من مدينة بالمغرب يقال لها مزيدة يعرف
بابي الدنيا الأشبح المعمر قال سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول كلمة الحق ضالة المؤمن
حيث وجدها فهو أحق بها (وقال) حدثنا الأشبح قال سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول احبب حبيبك هونا ما عسى ان يكون بغيضك يوما وابغض بغيضك هونا ما عسى ان يكون
حبيبك يوما ما (وقال) حدثنا الأشبح قال سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول قال النبي صلى الله عليه وآله
طوبى لمن رآني أو رأى من رأى أو رأى من رأى من رآني (وقال) حدثنا الأشبح قال سمعت
عليا عليه السلام يقول إنه عهد إلى النبي الأمي صلى الله عليه وآله انه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك
الا منافق (وقال) حدثنا الأشبح قال سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول قال النبي صلى الله عليه وآله في الزنا
ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فاما اللواتي في الدنيا فيذهب بنور الوجه ويقطع
الرزق ويسرع الفناء وأما اللواتي في الآخرة فغضب الرب جل وعز وسوء الحساب والدخول في
النار (وقال) حدثنا الأشبح قال سمعت علي بن أبي طالب يقول سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول من كذب
علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار (وقال حدثنا الأشبح قال سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول لما نزلت وتعيها اذن واعية قال النبي صلى الله عليه وآله سئلت الله عز وجل ان يجعلها اذنك يا علي) وقال حدثنا الأشبح قال سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول
قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تتخذوا قبري مسجدا ولا تتخذوا قبوركم مساجد ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي
265

حيث كنتم فإن صلواتكم تبلغني وتسليمكم يبلغني صلى الله عليه وآله (وقال) حدثنا الأشبح
قال سمعت علي بن طالب يقول ما رمدت ولا صدعت منذ يوم دفع إلي رسول الله صلى الله عليه وآله
الراية يوم يوم خبير (وقال) حدثنا الأشبح قال سمعت عليا عليه السلام يقول من جلس في مجلسه ينتظر
الصلاة فهو في صلاة وصلت عليه الملائكة وصلواتهم عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه (وقال) حدثنا
الأشبح قال سمعت عليا عليه السلام يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يحجبه ولا يحجزه من قراءة القرآن إلا الجنابة
(وقال) حدثنا الأشبح سمعت عليا عليه السلام يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول الحرب خدعة (و)
قال حدثنا الأشبح قال سمعت عليا عليه السلام يقول قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في الدين قبل الوصية وأنتم
تقرأون من بعد وصية توصون بها أو دين أو أعيان بني الام يتوارثون دون بني العلات
يرث الرجل أخاه لأبيه وامه دون أخيه لأبيه وقال أبو بكر المعروف بالمفيد رأيت اثر الشجة في وجهه
وقال أخبرت أمير المؤمنين عليه السلام بحديثي وقصتي في سفري وموت أبي وعمي وعين الماء التي شربت
منها وحدي فقال عليه السلام هذه عين لم يشرب أحد إلا عمر عمرا طويلا فابشر فإنك تعمر ما كتن لتجدها
بعد شريك منها قال أبو بكر وسالت عن الأشبح أقواما من أهل البلدة فقالوا هو مشهور عندنا
بطول العمر يحدثنا بذلك الأبناء عن آبائهم عن أجدادهم وقوله في أنه لقي علي بن أبي طالب عليه السلام
معلوم عندهم متداول بينهم فاما الأحاديث التي رواها عن الأشبح أبو محمد الحسن بن محمد الحسيني
مما لم يروه أبو بكر محمد بن أحمد الجرحراي فهي قال الشريف أبو محمد حدثني علي بن عثمان المعمر الأشبح
قال حدثني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من أحب أهل اليمن فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني قال وحدثني أمير المؤمنين عليه السلام قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله انا وأنت يا علي أبوا
هذا الخلق فمن عقنا فعليه لعنة الله امن يا علي فقلت آمين يا رسول الله وقال يا علي انا وأنت أجيرا هذا الخلق فمن منعنا اجرنا فعليه لعنة الله امن يا علي فقلت امين يا رسول الله فقال يا علي انا وأنت موليا
هذا الخلق فمن جحدنا ولائنا وانكرنا حقنا فعليه لعنة الله امن يا علي فقلت آمين يا رسول الله
آخر اخبار المعمر المغربي (حديث المعمر المشرقي) هذا رجل مقيم ببلاد العجم من ارض الجبل يذكر
انه رأى أمير المؤمنين عليه السلام ويعرفه الناس بذلك على مر السنين والأعوام ويقول إنه لحقه مثل ما
لحق المغربي الشجة في وجهه وانه صحب أمير المؤمنين عليه السلام وخد مه وحدثني جماعة مختلفوا المذاهب
266

بحديثه وانهم راوه وسمعوا كلامه منهم أبو العباس أحمد بن نوح بن محمد الحنبلي الشافعي حدثني بمدينة
الرملة في سنة إحدى عشرة وأربعمائة قال كنت متوجها إلى العراق للنفقة فعبرت بمدينة يقال لها شهرورد
من اعمال الجبل قريبة من زنجان وذاك في سنة خمسين أربعمائة فقيل لي ان ههنا شيخا يزعم أنه لقى أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فلو صرت إليه ورايته لكان ذلك فائدة عظيمة قال فدخلنا عليه فإذا هو في
بيته يعمل النوار وإذا هو شيخ نحيف الجسم مدور اللحية كبيرها وله ولد صغير ولد له منذ سنة فقيل له ان
هؤلاء القوم من أهل العلم متوجهون إلى العراق يحبون ان يسمعوا من الشيخ ما قد لقي من أمير المؤمنين
عليه السلام فقال نعم كان السبب في لقائي له اني كنت قائما في موضع من المواضع فإذا انا بفارس مجتاز
فرفعت رأسي فجعل الفارس يمر يده على رأسي ويدعو لي فلما ان عبر أخبرت بأنه علي بن أبي طالب عليه السلام
فهرولت حتى لحقته وصاحبته وذكر انه كان معه في تكريت وموضع من العراق يقال له تل فلان بعد ذلك وكان
بين يديه يخدمه إلى أن قبض عليه السلام فخدم أولاده قال لي أحمد بن نوح رأيت جماعة من أهل البلد ذكروا
ذلك عنه وقالوا انا سمعنا آباءنا يخبرونا عن أجدادنا بحال هذا الرجل وانه على هذه الصفة وكان قد
مضى فأقام بالأهواز ثم انتقل عنها لأذية الديلم له وهو مقيم بشهر ورد وحدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد
بن أحمد القمي رحمه الله ان جماعة حدثوه بأنهم رأوا هذا المعمر وشاهدوه وسمعوا ذلك عنه وحدثني
بحديثه أيضا قوم من أهل شهرورد وصفوا لي صفته وقالوا هو يعمل الزنانير وفي بعض ما ذكرناه في هذا
الباب كفاية والحمد وصلوته على سيدنا محمد رسوله وآله (فصل في الكلام في الآجال)
ان سأل سائل فقال ما حقيقة الآجال فقيل له ان الآجال هي الأوقات فاجل الحياة وقتها وأجل الموت
وقته الذي يوجد فيه وكذلك الاجل في الدين إنما هو وقت وجوبه ويقال للانسان أجل لهذا الامر اجلا
معناه أجل لحدوثه وكونه وقتا فإن قال السائل فتقولون ان الآجال محتومة لا يجوز تقديمها ولا
تأخيرها أم تجيزون ان يقدمها الله تعالى ويؤخرها قيل له الذي نقوله ان الله قادر على تأخير أجل الموت
بالزيادة في مدة الحياة وعلى تقديمه بالنقصان منها فإن قال كيف يصح لكم القول بالتقديم والتأخير
وما معناه والأجل عندكم هو الوقت فأي وقت حضر موت الانسان فذلك اجله قيل له المعنى في ذلك ان
267

الوقت الذي أمات الله تعالى العبد فيه قد كان قادرا على أن لا يميته فيه بل يبقيه بدلا من ذلك ويحييه فيكون
هذا هو تأخير اجله والزيادة في عمره والوقت الذي أحياه الله تعالى فيه كان قادرا على أن يميته بدلا من ذلك فيه
ولا يحييه فيكون هذا هو تقديم اجله والنقص من عمره وجميع ذلك في العقل غير مستحيل وهو المعنى الذي
ذهبنا إليه فإن قال فإذا علم سبحانه انه يحيي عبده هذا مائة سنة حسبما تقتضيه عنده المصلحة فكيف يصح
مع ذلك ان يزيد في هذا المبلغ أو ينقص قلنا يصح ان يعلم أن المصلحة تقتضي ان يكون عمره مائة سنة ما لم
يفعل شيئا معينا فمتى فعله اقتضت المصلحة ان يزيده على المائة عشرين سنة أو ينقصه منها عشرين وهذا أيضا غير مستحيل فإن قال أفليس
الله تعالى عالما بان العبد سيفعل ما تتغير المصلحة عند فعله أو لا يفعله قلنا بلى ان الله تعالى عالم به وبكل
كائن قبل كونه وبما لا يكون ان لو كان كيف يكون حاله فإن قال فإذا كانت حاله معلومة له فقد حصل عمره
معلوما فلا معنى للزيادة والنقص ههنا قلنا إنما ذلك على وجه التقدير الذي قد كان ممكنا غير مستحيل
وان هذا الممكن لو كان كيف كانت تكون الحال من تأخير في الاجل وتقديم وقد أخبر الله تعالى عن قوم نوح عليه السلام
بأنهم لو امنوا لا زال عنهم العذاب وأمدهم بالأموال والأولاد واخرهم إلى أجل مسمى فقال حكاية عن نوح عليه السلام
* (يا قوم استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم
جنات ويجعل لكم أنهارا) * نوح هذا ومع علمه سبحانه وعلم نوح انهم لا يستغفرون ولا يتوبون وانهم بأسرهم
يغرقون وقال عز وجل * (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) * الأعراف ولا يكون
ذلك الا وهم احياء وإنما عني أهل القرى التي أهلكها فأخبر انهم لو آمنوا لأحياهم وانعم عليهم وهو يعلم أنهم
لا يؤمنون وانه سيهلكهم وقد قال النبي صلى الله عليه وآله ان صلة الرحم تزيد في العمر فأخبر عليه السلام ان عمر العبد يكون مقدرا معلوما
عند الله تعالى وان هو وصل رحمه زاد الله تعالى في عمره والله تعالى عالم بان هذا العبد ان
لم يصل رحمه مات في وقت كذا وان هو وصلها عاش إلى وقت كذا وهو مع هذا كله عالم بما يكون منه
وهل يصله أم لا يصله قال الله عز وجل * (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) * فاطر فإن قال السائل
فما تقولون في المقتول لو لم يقتل أكان يجوز ان يبقى حيا أو كان منيته غير هذا أم لا قيل له كل ذلك جائز
وجوازه على قسمين أحدهما بمعنى انا نشك فيه لعدم دليل القطع على حقيقته بما يكون منه والثاني بمعنى ان
268

الله يقدر على ذلك كله ولا يستحيل منه فهو عندنا لو لم يقتل جاز ان يبقى حيا وجاز ان يموت في الحال
من غير قتل ومهما كان من ذلك فهو معلوم قبل كونه تعالى ولو كان الظالم إنما يقتل المظلوم لأن
اجله قد حضر ولأن حضور اجله حمله على قتله لم يكن ملوما ولا ظالما بل كان يكون محمولا على ذلك مضطرا وقد ضرب
في معنى هذا الرجل مثل فقيل لو كان كل مقتول لو لم يقتل لمات في ذلك الوقت لا محاله ولم يعش لحظة واحدة
لكان من قصد إلى أغنام رجل فذبحها عن آخرها لا يجوز ان يلومه صاحبها ولا يغرمه بثمنها بل كان يجب
ان يشكره على ذبحها لأنه لو لم يذبحها لماتت كلها أفكان لا ينتفع بشئ منها وفي صحة توجه اللوم إليه دلالة
على أنه لو لم يذبحها لجاز ان تبقى كلها حية أو يبقى بعضها والله عالم بحقيقة امرها فإن قال أفتقولون
ان المقتول مات بأجله أم تقولون ان قاتله قطع عليه اجله قلنا قد ذكرناه ان حقيقة الاجل هو الوقت و
أجل الشئ وقته وإذا كان هذا هو الأصل فالوقت الذي قتل فيه هو أجل موته كما أنه هو وقت موته وقد ذكرنا
قول الله تعالى في قوم نوح عليه السلام انهم لو آمنوا لأبقاهم إلى أجل مسمى فلما لم يؤمنوا أهلكوا قبل ذلك الاجل و
ليس هذا بمانع من أن نقول بأنهم قد هلكوا بآجالهم نريد وقت حضور اهلاكهم فإن قال فما معنى قوله سبحانه
* (ان أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون) * وقوله * (فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) * الأعراف
قلنا المراد بذلك الاجل الذي علم الله تعالى انهم يميتهم فيه والحمد لله (فصل) واعلم انا نذهب إلى أن الله
تعالى إذا علم من حال عبد من عبيده انه ان أبقاه آمن من كفره أو تاب من معاصيه وفسقه فإن الواجب
في حكمته عز وجل ان يبقيه ولا يحرمه فإن كان قد فعل به ذلك مرة فتاب واقلع ثم عاد في معاصيه
ونكث وعلم منه بعد ذلك أنه ان أبقاه تاب أيضا وأحسن فإن تبقيته لأجل التوبة غير واجبة لأن ذلك
لو وجب دائما لم يكن للتكليف اجر وادى إلى الخروج من الحكمة والعبث تعالى الله عن كل صفة نقص
(مساله فقهية) ذكرها شيخنا أبو عبد الله المفيد رضوان الله عليه امرأة ورثت أربعة أزواج
واحدا بعد واحد فصار لها نصف أموالهم جميعا وللعصبة النصف الباقي (جواب) هذه امراه
تزوجها أربع اخوه واحدا بعد واحد وورث بعضهم بعضا وكان جميع مالهم ثمانية عشر دينارا
للواحد منهم ثمانية دنانير وللآخر منهم ستة دنانير وللآخر ثلاثة دنانير وللآخر دينار واحد فتزوجها
269

الذي له ثمانية دنانير ومات عنها فصار لها الربع مما ترك وهو ديناران وصار ما بقي بين الاخوة الثلاثة لكل
واحد منهم ديناران فصار لصاحب الستة ثمانية دنانير ولصاحب الثلاثة خمسة ولصاحب الدينار ثلاثة ثم تزوجها صاحب
الثمانية ومات عنها فورثت منه بحق الربع دينارين وصار ما بقي وهو ستة دنانير (بين أخوية لكل
واحد منهما ثلاثة دنانير فصار للذي له خمسة دنانير ثمانية دنانير وللذي له ثلاثة ستة ثم تزوجها صاحب
الثمانية ومات عنها فورثت منه بحق الربع دينارين وصار ما بقي لأخيه وهي ستة دنانير) فحصل له بهذه
الستة مع الستة الأولى اثنا عشر دينارا ثم تزوجها وهو الباقي من الاخوة وله اثنا عشر دينارا ومات عنها
فورثت الربع ثلاثة دنانير فصار جميع ما ورثته عنهم تسعة دنانير لأنها ورثت من الأول دينارين ومن الثاني
دينارين ومن الثالث دينارين ومن الرابع ثلاثة دنانير فذلك تسعة وهي نصف ما كانوا يملكونه والباقي
للعصبة كما قلنا (خبر ضرار بن ضمرة عند دخوله على معاوية) (أخبرنا أبو المرجا) محمد بن علي بن طالب البلدي قال اخبرني أبو المفضل محمد بن عبد الله
بن محمد بن المطلب الشيباني الكوفي قال حدثني منصور بن الحسن بن أبي جلة بأنطاكية قال حدثنا محمد بن
زكريا بن دينار قال حدثنا العباس بن بكار عن عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي عن محمد بن السائب عن
أبي صالح مولى أم هاني قال دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية بن أبي سفيان يوما فقال له يا ضرار صف لي
عليا عليه السلام قال أو تعفيني من ذلك قال لا أعفيك قال إذ لا بد فإنه كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول
فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة عن لسانه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس
بالليل وظلمته كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما قصر
ومن الطعام ما جشب كان والله معنا كأحدنا يدنينا إذا اتيناه ويجيبنا إذا سألناه وكان مع دنوه لنا وقربه
منا لا نكلمه هيبة له فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ النظيم يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوي في
باطله ولا ييأس الضعيف من عدله اشهد بالله لرايته في بعض مواقفه وقد ارخى الليل سدوله وغارت نجومه
متماثلا في محرابه قابضا بلحيته يتململ تململ السليم ويبكى بكاء الحزين وكاني أسمعه وهو يقول يا دنيا يا دنيا
أبي تعرضت أم إلى تشوقت هيهات هيهات غري غيري لا حان حينك قد ابنتك قدسك ثلاثا عمرك قصير و
خيرك حقير وخطرك كبير آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق فوكفت دموع معاوية على لحيته
وجعل يستقبلها بكمه واختنق القوم جميعا بالبكاء وقال هكذا كان أبو الحسن يرحمه الله فكيف وجدك
عليه يا ضرار فقال وجد أم واحد ذبح واحدها في حجرها فهي لا يرقى دمعها ولا يسكن حزنها فقال
270

معاوية لكن هؤلاء لو فقدوني لما قالوا ولا جدوا بي شيئا من هذا ثم التفت إلى أصحابه فقال بالله لو
اجتمعتم بأسركم هل كنتم تؤدون عني ما أداه هذا الغلام عن صاحبه فيقال أنه قال عمرو بن العاص
الصحابة على قدر الصاحب تروى هذه الأبيات عن أمير المؤمنين عليه السلام * إذا كنت تعلم أن الفراق * فراق
الحياة قريب قريب * وان المعد جهاز الرحيل * ليوم الرحيل مصيب مصيب * وان المقدم
ما يفوت * على ما يفوت معيب معيب * وأنت على ذاك لا ترعوي * فامرك عندي عجيب عجيب *
(وقال) أمير المؤمنين عليه السلام ما زالت نعمة عن قوم ولا غضارة عيش إلا بذنوب اجترحوها ان الله ليس
بظلام للعبيد (بلغنا) ان من كلام الله تعالى الذي أنزله على بني إسرائيل اني انا الله لا اله إلا انا ذو
مفقر الزناة وتارك تاركي الصلاة عراة (وقال) رسول الله صلى الله عليه وآله أحسنوا مجاورة النعم لا تملوها ولا تنفروها
فإنها قل ما نفرت من قوم فعادت إليهم (وقال) عليه الصلاة والسلام من قال قبح الله الدنيا قالت
الدنيا قبح الله أعصانا للرب (و) قال عليه السلام من عف عن محارم الله كان عابدا ومن رضي بقسم
الله كان غنيا ومن أحسن مجاورة من جاوره كان مسلما ومن صاحب الناس بالذي يحب ان
يصاحبوه كان عدلا (وقال) عليه السلام من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشفق
من النار رجع عن المحرمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ومن ارتقب الموت سارع
في الخيرات (فصل
مما جاء في الخصال) قال رجل لاحد الزهاد أوصيني فقال أوصيك بخصلة واحدة ان الليل
والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ولقى حكيم حكيما فقال له عظني واوجز قال عليك بخصلتين لا يراك الله
حيث نهاك ولا يفقدك من حيث امرك قال زدني قال ما أجد للحالين ثالثة قال حكيم الفرس ثلاث
خصال لا ينبغي للعاقل ان يضيعهن بل يجب ان يحث عليهن نفسه وأقاربه ومن اطاعه * عمل
يتزوده لمعاده * وعلم طب يذب به عن جسده * وصناعة يستعين بها في معاشه * وقال
بعض الحكماء أربع خصال يمتن القلب ترادف الذنب على الذنب وملاحات الأحمق وكثرة مثاقبه
النساء والجلوس مع الموتى قيل له ومن الموتى قال كل عبد مترف فهو ميت وكل من لا يعمل فهو ميت (و)
271

قال ابن عباس رحمة الله عليه خمس خصال تورث خمسة أشياء ما فشت الفاحشة في قوم قط إلا اخذهم
الله بالموت وما طفف قوم الميزان الا اخذهم بالسنين وما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم
وما جار قوم في الحكم إلا كان القتل بينهم وما منع قوم الزكاة الا سلط الله عليهم عدوهم (وقال)
لقمان الحكيم لابنه في وصيته يا بني أحثك على ست خصال ليس منها خصلة الا وهي تقربك إلى رضوان
الله عز وجل وتباعدك من سخطه الأولى ان تعبد الله ولا تشرك به شيئا والثانية الرضا بقضاء الله فيما
أحببت أو كرهت والثالثة ان تحب في الله وتبغض في الله والرابعة تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم
ما تكره لنفسك والخامسة تكظم الغيظ وتحسن إلى من أساء إليك والسادسة ترك الهوى ومخالفة الردى
(وقال) بعضهم ذو المرؤة الكاملة من اجتمع فيه سبع خصال إذا ذكر ذكر وإذا اعطى شكر وإذا ابتلى صبر
وإذا عصى غفر وإذا أحسن استبشر وإذا أساء استغفر وإذا وعد انجز ويسر (وقال) بعض الحكماء
تحصن بثمان من ثمان بالعدل في المنطق من ملالة الجلساء وبالرؤية في القول من الخطا وبحسن
اللفظ من البذاء وبالانصاف من الاعتداء وبلين الكف من الجفاء وبالتودد من ضغائن الأعداء
وبالمقاربة من الاستطالة وبالتوسط في الأمور من لطخ العيوب (وروى) ان تسع خصال
من الفضل والكمال وهن داعية إلى المحبة مع ما فيها من القربة والمثوبة الجود على المحتاج والمعونة
للمستعين وحسن التفقد للجيران وطلاقة الوجه للاخوان ورعاية الغائب فيمن يخلف وأداء الأمانة
إلى المؤتمن واعطاء الحق في المعاملة وحسن الخلق عند المعاشرة والعفو عند المقدرة (واوصى)
أفلاطون أحد أصحابه بعشر خصال قال لا تقبل الرئاسة على أهل مدينتك البتة ولا تتهاون بالامر
الصغير إذ كان يقبل النماء ولا تلاح رجلا غضبانا فإنك تقلقه باللجاج ولا تجمع في منزلك نفسين
يتنازعان في الغلبة ولا تفرح بسقطة غيرك فإنك لا تدري متى يحدث الزمان بك ولا تنتفخ في وقت
الظفر فإنك لا تدري كيف يدور عليك الزمان ولا تهزل بخطا غيرك فإن المنطق لا تملكة وألق الخطا
من الناس بنوع الصواب الذي في جوهرك ولا تبذلن مودتك لصديقك دفعة واحدة وصير
الحق ابدا امامك تسلم دهرك ولا تزال حرا (تأويل آية) ان سأل سائل عن
272

تأويل قوله عز وجل * (وجاؤا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله
المستعان على ما تصفون) * يوسف فقال كيف يصح وصف الدم بأنه كذب والكذب من صفات الأقوال لا من صفات الأجسام
وما معنى قول يعقوب عليه السلام فصبر جميل وكيف وصفه بذلك ونحن نعلم أن صبره لا يكون إلا جميلا (الجواب) قيل له
أما كذب فمعناه في هذا الموضع مكذوب فيه وعليه مثل قولهم هذا ماء سكب وشراب صب يريدون مسكوبا
ومصبوبا وكقولهم رجل صوم وامرأة نوح والمعنى صائم ونائحة قال الشاعر * فظل جيادهم نوحا عليهم * مقلدة
أعنتها صفوفا * أراد نائحة عليهم ويقولون أيضا ما لفلان معقول يريدون عقلا قال الشاعر
* حتى إذا لم يتركوا لعظامه * لحما ولا لفؤاده معقولا * وقد قال الفراء وغيره يجوز في النحو بدم
كذبا بالنصب على المصدر وتقدير الكلام كذبوا كذبا وانما كان دما مكذوبا فيه لأن اخوه يوسف عليه السلام ذبحوا
سخلة ولطخوا قميص يوسف بدمها وجاؤا أباهم بالقميص وادعوا اكل الذئب له فقال لهم يعقوب عليه السلام
يا بني لقد كان هذا الذئب رفيقا حين اكل ابني ولم يخرق قميصه وعند ذلك قالوا بل قتله اللصوص
فقال كيف قتلوه وتركوا قميصه وهم إلى قميصه أحوج منهم إلى قتله وقد قيل إنه كان في قميص يوسف ثلاث آيات
إحداهن حين جاؤوا إليه بدم كذب فتبينه أبوه على أن الذئب لو اكله لخرق قميصه والثانية حين قد قميصه
من دبر والثالثة حين القي على وجه أبيه فارتد بصيرا وأما وصف الصبر بأنه جميل فلأن الصبر قد يكون
جميلا وغير جميل وإنما يكون جميلا إذا قصد به وجه الله تعالى فلما كان في هذا الموضع واقعا على الوجه المحمود وصح وصفه
بالجميل وقد قيل إنه أراد صبرا لا شكوى فيه ولا جزع معه ولو لم يصفه بذلك لظن مصاحبة الشكوى
والجزع له وقد قال أهل العربية ان ارتفاع الصبر هاهنا إنما هو لأن المعنى فشأني صبر جميل والذي
اعتقده صبر جميل وقد أنشدوا * شكا إلي جملي طول السرى * يا جملي ليس إلى المشتكى * صبر جميل فكلانا
مبتلى * معناه فليكن منك صبر جميل وقد روي أن في قراءة أبي فصبرا جميلا بالنصب وذلك يكون
على الاغراء والمعنى فاصبري يا نفس صبرا جميلا قال ذو الرمة إلا إنما مي فصبرا بلية * وقد يبتلى الحر
الكريم فيصبر (تأويل خبر) ان سأل سائل فقال ما معنى الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إن الله تعالى
خلق آدم عليه السلام على صورته وليس ظاهر هذا الخبر يقتضي التشبيه له تعالى بخلقه فإن لم يكن على ظاهره فما تأويله
273

(الجواب) قلنا أحد الأجوبة عن هذا أن تكون الهاء عائدة إلى الله سبحانه والمعنى انه خلقه على
الصورة التي اختارها وقد يضاف الشئ إلى مختاره ومنها أن تكون الهاء عائدة إلى آدم عليه السلام ويكون المراد ان الله
تعالى خلقه على صورته التي شوهد عليها لم ينتقل إليها عن غيرها كتنقل أولاده الذين يكون أحدهم
نطفة ثم علقة ثم مضغة ويخلق خلقا من بعد خلق ويولد طفلا صغيرا ثم يصير غلاما ثم شابا ثم كهلا
ولم يكن آدم عليه السلام كذلك بل خلق على صورته التي مات عليها ومنها ما رواه الزهري عن الحسن قال مر النبي
صلى الله عليه وآله برجل من الأنصار وهو يضرب وجه غلام له ويقول قبح الله وجهك ووجه من تشبهه
فقال له النبي صلى الله عليه وآله بئسما قلت إن الله خلق آدم على صورته يعنى صورة المضروب وهذه أجوبة صحيحة والحمد لله
(فصل من الاستدلال على صحة النص بالإمامة) على أمير المؤمنين
عليه السلام من قول النبي صلى الله عليه وآله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي اعلم أيدك الله تعالى
ان مما يدل على أن أمير المؤمنين عليه السلام المنصوص بالإمامة عليه ما نقله جميع الأمة وتلقاه بالقبول
الخاصة والعامة من قول النبي صلى الله عليه وآله له عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي
فأوجب له جميع منازل هارون من موسى عليهما السلام إلا ما خصه العرف من الاخوة واستثناه هو عليه السلام
من النبوة وذلك موجب له الخلافة والإمامة وكاشف عن استحقاقه على الكافة فضل الطاعة واعلم
انك تسئل في هذا الدليل عن خمسة مواضع أولها ان يقال لك ما حجتك على صحة الخبر في نفسه وما
الذي يدفع به انكار من أنكره وثانيها ان يقال لك إذا ثبت الخبر فما الحجة على أن المراد بمنزلة هارون
من موسى عليه السلام المذكورة فيه عموم ما يستحقه منه سوى ما ذكرتموه وما أنكرتم ان يكون منزلة واحدة و
هي التفضيل المزيل لارجاف المنافقين في قولهم إن رسول الله صلى الله عليه وآله قاله لما اخلفه في غزاة تبوك وثالثها
ان يقال لك إذا ثبت العموم فمن اي وجه استنبطت من ذلك النص بالإمامة ووجوب الخلافة لأمير المؤمنين
عليه السلام ورابعها ان يقال لك إذا ثبت له به الخلافة فما الحجة على أنه أراد استحقاقه لها بعده وما
أنكرتم ان يكون قصده انه خليفته في حياته فقط كما أن هارون إنما خلف موسى في حياته فقط
وخامسها ان يقال لك إذا ثبت له بذلك الخلافة بعده فما الحجة على أنه أراد بذلك الفور فيكون خليفته الذي
274

يليه دون التراخي فيكون خليفته بعد عثمان (الجواب) عن السؤال الأول أما الحجة على صحة هذا الخبر
في نفسه فهي الحجة على صحة خبر الغدير بعينه لمماثلته له في الظهور والانتشار وتواتر الشيعة به تواترا
يقطع الاعذار ورواية أكثر أصحاب حديث العامة له في الصحيح عندهم من مسند الاخبار وتلقي
الكافة له مع ذلك بالتسليم والاقرار فمن شيعي يحتج به وناصبي يتأوله وليس بينهما دافع له ومن
قبل ذلك فاحتجاج أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الشورى وغيره حيث لم ينكره أحد ممن سمعه وكل هذا قد
سلف ذكره في خبر الغدير فلا حاجة إلى اعادته وهو أوضح حجة على ثبوت الخبر وصحته (الجواب)
عن السؤال الثاني وأما الحجة على أنه أراد بقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى جميع منازله منه على
العموم وان عبر عن ذلك بلفظ التوحيد إلا ما استثناه العرف والقول فهو انا وجدنا الناس في
هذا الخبر على فرقتين لا ثالث لهما أحدهما يذهب إلى أن المراد به منزلة واحدة على التحقيق وتدعي ان
السبب في ذلك ما روى في غزاة تبوك وهي نفر يسير والفرقة الأخرى تذهب إلى عموم القول لجميع
المنازل إلا ما خصصه الدليل وهو قول الشيعة واكثر الخصوم إنما أنكر هؤلاء المخالفون المعترفون
بان الخبر يقتضي العموم ان يكون موجبا لخلافة أمير المؤمنين بعد الرسول عليهما السلام من حيث لم يثبت
عندهم ان هارون لو بقي بعد موسى عليهما السلام كان خليفة له ولم يهتدوا في الخبر إلى دليل على أنه
أراد الاستخلاف من بعده وإن كان منهم من قد علم ذلك ولكن جذبه الهوى فاصر على الانكار و
عاند وإذا لم يكن في الخبر غير هذين القولين فلا شك في أنه متى فسد قول من ادعى فيه الخصوص
علم صحة قول من ذهب إلى العموم والذي يدل على فساد قول من قصره على منزلة واحدة وجود
الاستثناء الظاهر فيه الذي لا يصح ايراده إلا والمستثنى منه أكثر من واحد لأن الاستثناء هو اخراج
بعض من جملة لو لم يستثن لدخل فيها والخصلة الواحدة لا يصح هذا فيها الا ترى لا يحسن ان
يقال رأيت زيدا إلا عمرا ويحسن ان يقال رأيت القوم الا عمرو فعلم بهذا فساد مقال من قصر الخبر
على منزلة واحدة فاما ما تعلقوا به من أن السبب في ذلك ما جرى في غزاة تبوك فغير صحيح لأنا عالمون
بصحة الخبر ولسنا نعلم صحة ما ذكروه كعلمنا بالخبر فلا طريق لنا إلى تخصيص المعلوم بما ليس بمعلوم
275

على أن الروايات قد اتصلت واشتهرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله بأنه قال لأمير المؤمنين
عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى في مواقف عدة وأماكن كثيرة وأوقات متفرقة فيجوز ان يكون
غزاة تبوك أحدها ولكنه لا سبيل لنا إلى قصره عليها وان كنا متى خصصناه بها لم يكن منا ما ظنه المخالف من أن
الخبر دال على فضيلة المحبة فقط لا يستحيل أن تكون هي السبب فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله قولا يقتضيه ويتضمن
أشياء معداة ويزيد عليه فيكون بما قاله قد اعلم المرجفين انه ما قلاه وان منزلته عنده في المحبة والفضل وعلو
القدر والخلافة له في حياته وبعد وفاته نظير منزلة هارون من موسى عليه السلام وهذا مستمر غير مستحيل وأما ما ورد
الخبر بلفظ التوحيد في قوله منزلة هارون من موسى ولم يقل منازل هارون فقد جرت العادة بمثل ذلك من
ايراد القول مضمنا ذكر منزلة والمراد عدة منازل فيقولون منزلة فلان من الأمير كمنزلة فلان
وهم يشيرون إلى عدة أحوال من منازل مختلفة وأسباب ولا يكادون يقولون منازل فلان من
الأمير كمنازل فلان وإنما استعملوا لفظ التوحيد في هذا المكان من حيث اعتقدوا ان
المنازل الكثيرة والرتب المختلفة قد حصل جميع ذلك له كالمنزلة الواحدة التي هي جملة وان تفرعت
إلى أشياء عدة فعبروا عنها بلفظ التوحيد اتساعا لهذه العلة (الجواب) عن السؤال الثالث و
أما الوجه الذي علم منه دلالة الخبر على الخلافة والحجة في أنه نص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة
فهو ان منازل هارون من موسى عليهما السلام معروفة وقد حصل عليها الاجماع ونطق ببعضها القرآن
فمنها انه كان أخاه بالولادة وكان أحب الخلق إليه وأفضلهم لديه وكان شريكه في النبوة والرسالة
وكان عضده الذي شد الله تعالى به إزره قال الله جل اسمه * (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد
به ازري وأشركه في أمري) * طه وكان خليفته على قومه عند غيبته قال الله تعالى * (وقال موسى لأخيه هارون
اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) * الأعراف فلما قال النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام أنت مني بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي علمنا أنه أراد جميع ما كان لهارون من موسى من المنازل إلا ما أخرجه
الاستثناء من النبوة وأخرجه أيضا العرف من اخوة الولادة واتضحت الحجة في أن أمير المؤمنين عليه السلام
أحب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأفضلهم عنده وانه عضده الذي شد الله به إزره ووزيره في امره
276

وخليفته في أمته وهذا بين لمن تدبره (الجواب) عن السؤال الرابع اعلم أن الكلام في هذا السؤال
هو معظم ما يدور بينك وبين المخالفين إذا استدللت بهذا الخبر وفي احكام هذا الجواب عنه حسم
مادة ما يوردونه عليك من العتب والشغب لانهم ابدا يقولون إذا ثبت لكم بهذا الخبر الاستخلاف
فما الدليل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله أراد به استخلاف أمير المؤمنين عليه السلام في حياته وبعد مماته دون ان يكون
مراده قصر هذا الامر على أيام حياته فقط ويقولون هذا أشبه لأن خلافة هارون لموسى عليهما السلام
لم تكن إلا في حياة موسى ولو أراد بذلك النص على خلافته له من بعده لقال أنت مني بمنزلة يوشع من
موسى لأن خلافة موسى عليه السلام من بعده كانت ليوشع دون غيره فعن هذا جوابان أحدهما في قوله أنت
مني بمنزلة هارون من موسى فوائد لا يحصل مثلها لو قال أنت مني بمنزلة يوشع من موسى وقال إنه
يدل على أن أمير المؤمنين عليه السلام أعلى الناس قدرا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وانه تاليه في الفضل والعلم كما أن هارون
من موسى عليه السلام وكان خليفته في حياته إذا غاب ولو بقي بعد موسى لكان أحق بخلافته من يوشع فجمع رسول
الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام بقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى هذه الخصال فهو أعلى الناس قدرا ومحلا
وهو تاليه في العلم والفضل وخليفته في حياته ولما بقي بعده كان أحق الناس بخلافته ولو قال له أنت
مني بمنزلة يوشع من موسى لم يعطه من جميع ما ذكرناه إلا الخلافة من بعده فقط ولم يبق بعد هذا
أكثر من أن نبين ان هارون لو بقي بعد موسى كان أحق بالخلافة من يوشع والذي يدل على ذلك أنه قد
ثبت خلافته له في حال حياته بقوله تعالى * (وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح) * وفي ثبوتها له في
حال حياته وجوب حصولها له لو بقي بعد وفاته لأن خروجها عنه في حال من الأحوال مع بقائه حط له
عن رتبة عالية كان عليها وصرف له عن ولايته عظيمة فوض إليه الامر فيها وذلك يقتضي الضعة منه وغاية
التنفير عنه لأنه خلافة النبوة ليست كالخلافة على قرية ومدينة وإنما هي النيابة عن النبي عليه السلام في جميع
ما كان يتولاه من أمر الأمة والقيام مقامة في اصلاح أمور الكافة من تعليمهم وتهذيبهم ووعظهم وتأديبهم
وزجرهم وتخويفهم وتوقيفهم وتعريفهم وهذا يقتضي التدين بفرض طاعته وغاية التبجيل والتعظيم له فمتى
حط عن هذه المرتبة بعد كونه عليها وانزل عن درجة الخلافة التي رقي إليها زال ما كان له في النفوس من
277

التبجيل والتعظيم وفي ذلك ما ذكرناه من غاية التنفير ومن ذا الذي تكون نفسه ساكنه إلى قبول وعظ خليفته يعلم أو
يجوز انه سينحط عن رتبة الخلافة إلى أن يصير رعية ويهبط من درجة الإمامة إلى أن يحصل من أحد الأمة
كسكونها إلى من لا يجوز ذلك عليه بل كيف يصح من التابعين غاية التبجيل والتعظيم لمن يعلمون من حاله أو يجوزون
ذلك من امره انه سيتأخر بعد مقامه ويصير تابعا لمن كان من اتباعه ومتعلما ممن كان يعلمه ومقتديا بمن
كان يقتدى به حتى يسقط ما كان يلزم الناس من فرض طاعته ويصير هو وهم طائعين لمن كان من جملة
المطيعين له ومن دفع ان يكون الخروج من هذه المنزلة منفرا كمن دفع ان يكون القباحة في الخلق والذمامة
المفرطة في الصور منفرا وقد أجمع معنا خصومنا من المعتزلة على أن الله تعالى يجنب أولياءه وأنبياءه عليهم السلام جميع
هذا فبان بما ذكرنا ان منزلة هارون من خلافة موسى عليه السلام منزلة لا يجوز خروجه عنها ما دام حيا وانه لو بقي بعد موسى
لكان أحق بها من يوشع واولى وفي ذلك دليل على أن أمير المؤمنين عليه السلام يستحقها من رسول الله صلى الله عليه وآله
في حياته وبعد وفاته لبقائه بعده وليس موت هارون في حياة موسى عليهما السلام بمانع لأمير
المؤمنين عليه السلام مما هو مستحقه ببقائه الا ترى ان رجلا لو قال لوكيل له اجر على عبدي الرومي في كل
يوم جرابة وفي كل شهر صلة ثم قال له بعد ذلك ان منزلة عبدي الحبشي عندي كمنزله ذلك الرومي فاجره مجراه واجعل له
من الجاري والصلة نظير ما جعلت له ثم مات الرومي فمعلوم ان موته لا يقطع جراية الباقي ولا يحرمه صلته هذا
ما لا يدفعه أحد ولا ينكره فإن قال الخصم فيلزمك على هذه الطريقة ان تقولوا ان طاعة أمير المؤمنين عليه السلام
كانت مفترضة على الأمة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله قيل له كذلك نقول ولكن بشرط غيبته واما عند حضور النبي
صلى الله عليه وآله فإنه لا يجوز أن تكون الطاعة واجبة الا له وهذا حكم الخليفة في المتعارف والعادة (الجواب
الثاني) عن هذا السؤال ان النبي صلى الله عليه وآله قد أوضح مراده في كلامه لمن فهم وأبان عن قصده من قوله لمن علم وذلك أنه
اتى بجملة أوجب منها لأمير المؤمنين عليه السلام ما اراده واستثنى منها ما لم يرده وعلق ذلك بوقت نفى عنه فيه ما نفى
فوجب ان يكون هذا أوجب له فيه ما أوجب ولا يجوز ان يتضمن الكلام استثناء ويكون مقيدا بوقت إلا وهو وقت المنفى
منه والموجب مثال ذلك قول القائل قام القوم الا زيدا اليوم فلا يجوز ان يكون اليوم إلا وقتا للحالين ففيه قام القوم
وفيه بعينه لم يقم زيد ولولا أن الامر كما ذكرناه لم يحسن الاستثناء وذكر الوقت وقد قال النبي صلى الله عليه وآله بعد ما أوجبه لأمير المؤمنين
278

من منازل هارون من موسى عليهما السلام إلا أنه لا نبي بعدي فعلمنا ان جميع ما أثبته له مما استحقه هارون من موسى في حياته و
هو مثبت له من بعده لأنه الوقت الذي قرنه بالاستثناء ولو كان الامر على ما ذكره الخصم من أنه أراد بذلك أيام حياته لقال
أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي معي أو لا نبي في حياتي وفي نفيه لما يرده بعده دليل على أنه قد أثبت له ما اراده
بعده والحمد لله فإن قال الخصم ما تنكرون من أن يكون مراده صلى الله عليه وآله بقوله إلا أنه لا نبي بعدي إنما هو بعد كوني نبيا وذلك
يقتضي حال الحياة قلنا أنكرنا ذلك من قبل ان لفظه بعد إذا خرجت مخرج قول النبي صلى الله عليه وآله أوجبت بالعرف والعادة
حال الوفاة التي هي بهد حال الحياة دون ان يوجب حالا في الحياة الا ترى إلى قوله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام
تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين وقوله ستغدر بك الأمة من بعدي وقوله ستفرق كلمتكم
من بعدي وقوله إلا لا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض كل ذلك يفيد بعد وفاتي ولذلك
قول القائل فلان وصيي من بعدي والقائم مقامي من بعدي فإن المعنى فيه بعد موتى وهذا يبطل ما ظنه الخصم
على أنه لو سلم له ما أدعاه وبلغ منه مناه لم يخرج عن الحق الذي قصدناه لأن نفي النبوة بعده ينتظم بعد كونه نبيا
في حياته وبعد وفاته والى آخر الأبد وما ثبت لأمير المؤمنين عليه السلام في متضمن اللفظ من المنازل التي لم تنتف بنفي
النبوة يجب ان يثبت له في سائر أحوال النفي حتى يكون خليفته في حياته في كل حال غاب فيها عن أمته وخليفته من بعده
ما دامت حياته صلى الله عليه وآله وهذا واضح لمن تأمله (الجواب) عن السؤال الخامس وأما الحجة على أن الخلافة الواجبة
لأمير المؤمنين عليه السلام بنص رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا الخبر تجب له بعده بغير فصل دون ان يكون المراد بذلك
وجوبها له بعد عثمان فهي واضحة من وجوه (أحدها) انا قد بينا استحقاقه للخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
بهذا الخبر وانه القائم بعده مقام هارون لو بقي بعد موسى عليهما السلام وأقمنا الدليل على أن هارون لو بقي لكان
خليفة لموسى من بعده يليه بغير فصل فعلمنا ان أمير المؤمنين عليه السلام كذلك وانه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله
الذي يليه من بعده بغير فصل (والوجه الثاني) ان قول النبي صلى الله عليه وآله في الخبر الا انه لا نبي بعدي قد أفاد انه
الخليفة بعده بما قدمنا بيانه وقد علمنا أن نفيه للنبوة بعده لا يتخصص بزمان دون زمان بل يعم جميع
الأوقات والأحوال فيجب ان يكون الثابت لأمير المؤمنين عليه السلام في الخبر عاما بعده في جميع الأوقات
غير مخصص بحال دون حال فهو الخليفة من بعده على الفور وما اتصل ببقائه الزمان وقد تقدم هذا
279

القول على البيان وإنما أعدناه لأنه جواب عن هذا السؤال (الوجه الثالث) ان الناس في امامة أمير
المؤمنين عليه السلام طائفتان فاحداهما تقول ان الخلافة إنما وجبت له بعد عثمان باختيار الأمة له ولم تجب
له بهذا الخبر ولا بغيره من الاخبار وان النص عليه المتضمن كونه خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن في حال من
الأحوال (والطائفة الأخرى) تقول ان الإمامة لا تجب لاحد إلا بالنص دون الاختيار وان هذا الخبر
من جملة النصوص عن أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وانه أول خلفائه ومتقدم أوصيائه وتدبيره
يلي تدبيره وامامته بعد وفاته بغير فصل بينه وبينه وليس من الأمة من يذهب إلى غير هذين القولين وفي
ثبوت الخبر وضوح ما تضمنه من النص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة واستحقاقه لذلك بعد رسول الله
صلى الله عليه وآله دلالة على بطلان مقال من ذهب إلى الاختيار فلم يبق اذن الا قول أصحاب النص الذين يعتقدون انه الخليفة
بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بغير فرق وهذا مغن لمن كان له عقل والحمد لله (فصل)
من الحديث المسند في نقل العامة الشاهد بان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأمير المؤمنين عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون
من موسى في أوقات عدة وأحوال مختلفة غير المذكور في غزاة تبوك حدثني القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم
بن كليب السلمي الحراني بمدينة الرملة في سنة عشر وأربعمائة قال اخبرني الخطيب أبو حفص عمر بن علي بن الحسن العتكي
قال قرأت على محمد بن إبراهيم السمرقندي حدثكم محمد بن عبد الله بن حكيم قال حدثنا سفيان بن بشر الأسدي
قال حدثنا علي بن هاشم عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع ان النبي صلى الله عليه وآله
جمع بني عبد المطلب في الشعب وهم يومئذ أربعون رجلا قال فجعل لهم علي عليه السلام فخذا من شاة ثم ثرد لهم ثريده وصب
عليها المرق وترك عليها اللحم وقدمها فأكلوا منها حتى شبعوا ثم سقى عسا واحدا فشربوا كلهم منه حتى
رووا فقال أبو لهب والله ان منا لنفرا يأكل الرجل منهم الجفنة فما تكاد تشبعه ويشرب
الفرق وما يرويه وان هذا الرجل دعانا في جمعنا على رجل شاة وعس من لبن فشبعنا وروينا منها ان هذا لهو لسحر
المبين ثم دعاهم فقال إن الله عز وجل امرني ان أنذر عشيرتي الأقربين ورهطي المخلصين وان الله تعالى لم يبعث
نبيا الا جعل له من أهله أخا ووارثا ووزيرا ووصيا وخليفة في أهله فأيكم يبايعني على أنه أخي ووزيري ووارثي
دون أهلي ويكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فسكت القوم فأعاد الكلام عليهم ثلاث مرات
280

وقال والله ليقومن قائمكم أو يكون في غيركم ثم لتندمن قال فقام علي عليه السلام وهم ينظرون كلهم إليه
فبايعه واجابه إلى ما دعاه فقال له أدن مني فدنا منه فقال افتح فاك ففتح فاه فمج فيه من ريقه وتفل بين
كتفيه وتفل بين قدميه فقال أبو لهب لبئس ما حبوت به ابن عمك إذ جاءك فملأت فاه بزاقا فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله ملئ حكمة وعلما وفهما فقال لأبي طالب ليهنئك ان تدخل اليوم في دين ابن أخيك و
قد جعل ابنك مقدما عليك وحدثني القاضي السلمي رحمه الله قال اخبرني أبو حفص العتكي قال حدثني سعيد بن
محمد الحافظ قال اخبرني أبو حصين محمد بن الحسين الكوفي في قراءة قال حدثنا عبادة بن زياد الأزدي قال
حدثنا كادح بن جعفر العابد عن عبد الله بن لهيعة عن أبي عبد الرحمن بن زياد الإفريقي عن مسلم بن يسار
عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال لما قدم علي عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله بفتح خيبر قال رسول الله
صلى الله عليه وآله لولا أن تقول فيك طائفة من أمتي ما قالت النصاري في المسيح بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملا
إلا أخذوا التراب من تحت قدميك ومن فضل طهورك فاستشفوا به وليكن حسبك أن تكون مني
وانا منك ترثني وارثك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وانك تبرئ ذمتي وتقاتل
على سنتي وأنك غدا في الآخرة أقرب الناس مني وانك أول من يرد علي الحوض وانك على الحوض خليفتي
وانك أول من يكسى معي وانك أول داخل الجنة من أمتي وان شيعتك على منابر من نور مبيضه وجوههم
حولي اشفع لهم ويكونون غدا في الجنة جيراني وان حربك حربي وسلمك سلمي وان سريرتك سريرتي
وعلانيتك علانيتي وان ولدك ولدي وانك منجز عداتي وانك على الحوض وليس أحد من الأمة
يعدلك عندي وان الحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك وان الايمان خالط لحمك و
دمك كما خالط لحمي ودمي وانه لا يرد علي الحوض مبغض لك ولك مغيب محب لك غدا عني حتى يرد علي
الحوض معك يا علي فخر علي عليه السلام ساجدا ثم قال الحمد لله الذي من علي بالاسلام وعلمني القرآن
وحببني إلى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين احسانا منه إلي وفضلا منه علي فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله يا علي لولا أنت لم يعرف المؤمنون من بعدي وحدثني القاضي السلمي قال اخبرني العتكي قال اخبرني محمد
بن أحمد بن صفوة المصيصي قال حدثنا الحسن بن علي العلوي قال حدثنا الحسن بن حمزة النوفلي قال
281

حدثنا سليمان بن جعفر الهاشمي قال حدثنا جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه السلام
قال آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بين أصحابه فقلت يا رسول الله آخيت أصحابك وتركتني فردا لا أخ لي فقال
إنما اخرتك لنفسي أنت أخي في الدنيا والآخرة وأنت مني بمنزلة هارون من موسى فقمت وانا أبكي من الجذل
والسرور فأنشأت أقول * أقيك بنفسي أيها المصطفى الذي * هدينا به الرحمن من عمة الجهل *
ونفديك حوباتي وما قدر مهجتي * لمن انتمى معه الفرع والأصل * ومن جده جدي ومن عمه أبي *
ومن أهله ابني ومن بنته أهلي * ومن ضمني إذ كنت طفلا ويافعا * وانعشني بالبر والعل والنهل *
ومن حين آخا بين من كان حاضرا * دعاني فآخاني وبين من فضلي * لك الخير اني ما حييت لشاكر *
لاحسان ما أوليت يا خاتم الرسل * وحدثني أيضا القاضي أبو الحسن السلمي رحمه الله قال حدثنا أبو
بكر محمد بن أحمد الحنظلي الباب سيري بواسط قال حدثني عبد الله بن أحمد بن عامر قال حدثنا أبو العباس
محمد بن يونس قال حدثنا أحمد بن مغا قال حدثنا الأردبيلي قال حدثنا محمد بن يعقوب ومعاذ بن
حكيم عن عبد الرزاق بن همام عن معمر عن الزهري عن عوف بن مالك المازني عن ابن عباس قال رأيت
أبا ذر الغفاري متعلقا بحلقة ببيت الله الحرام وهو يقول يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني
انباته باسمي انا جندب الربذي أبو ذر الغفاري اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في العام الماضي وهو
آخذ بهذه الحلقة وهو يقول يا أيها الناس لو صمتم تكونوا كالأوتار وصليتم حتى تكونوا كالحنايا ودعوتم حتى تقطعوا إربا
إربا ثم بغضتم علي بن أبي طالب عليه السلام أكبكم الله في النار قم يا أبا الحسن فضع خمسك في خمسي يعني كفك في كفي
فإن الله اختارني وإياك من شجرة انا أصلها وأنت فرعها فمن قطع فرعها أكبه الله على وجهه في النار
علي سيد المسلمين وامام المتقين يقتل الناكثين والمارقين والجاحدين علي مني بمنزلة هارون من
موسى إلا أنه لا نبي بعدي وحدثنا الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن شاذان القمي رضي الله عنه بمكة
في المسجد الحرام سنة اثنتي عشرة وأربعمائة قال حدثنا القاضي المعافي بن زكريا الجريري املاء من حفظه
قال حدثنا محمد بن مزيد قال حدثنا أبو كريب محمد بن العلا قال حدثنا إسماعيل بن صبيح قال حدثنا أبو أويس
282

قال حدثنا محمد بن المكندر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلام إما ترضى أن تكون مني بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ولو كان لكنه ومما رواه السلمي أيضا وكتبه عن الحنظلي الباب سيري
قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا محمد بن سلمى الباغيدي قال حدثنا جعفر بن عمر الأيلي قال حدثنا
أربعة ابن أبي ذويب وإبراهيم بن سعد ويزيد بن عياض الليثي ومالك بن انس قالوا حدثنا الزهري
عن سعيد بن المسيب أنه قال سعد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي بن أبي طالب عليه السلام حين خرج إلى غزاة
تبوك ان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي قال نعم وقد
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي هذه المقالة في غزاته هذه غير مرة والاخبار المروية في هذا المعنى كثيرة
في نقل الخاصة والعامة وفيما اوردته كفاية والله أعلم والحمد لله (فصل من آداب أمير
المؤمنين صلوات الله عليه وحكمه) المرء حيث يجعل نفسه * من دخل مداخل السوء اتهم *
من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن * من أكثر من شئ عرف به * من مزح استخف به *
من اقتحم البحر غرق * المزاح يورث العداوة * من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده
قدر * ما ضاع امرؤ عرف قدره * اعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا كان أم وضيعا * من تعدى الحق
ضاق مذهبه * من جهل شيئا عاداه * أسوء الناس حالا من لم يثق بأحد لسوء ظنه * ولم يثق به أحد
لسوء فعله * لا دليل انصح من استماع الحق * من نظف ثوبه قل همه * الكريم يلين إذا استعطف
واللئيم يقسوا إذا لوطف * حسن الاعتراف يهدم الإقتراف * اخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته *
أحسن إذا أحببت يحسن إليك * إذا جحد الاحسان حسن الامتنان * العفو يفسد من اللئيم بقدر اصلاحه
من الكريم * من بالغ في الخصومة اثم * ومن قصر عنها خصم * لا تظهر العداوة لمن لا سلطان لك عليه
(فصل) قال شيخنا المفيد رحمه الله أحد عشر شيئا من الميتة التي تقع عليها الذكاة حلال وهي الشعر و
الوبر والصوف والريش والسن والعظم والظلف والقرن والبيض واللبن والأنفحة وعشرة أشياء
من الحي الذي تقع عليه الذكاة حرام وهي الفرث والدم والقضيب والأنثيين والحيا والرحم والطحال
والأشاجع وذات العروق قال ويكره اكل الكليتين لقربهما من مجرى البول وليس اكلها حراما
283

(فصل) املى علي شيخي رحمه الله ان في الرأس والجسد أربع فرايض وعشر سنن ففريضتان في الرأس وهما غسل
الوجه في الوضوء والمسح بالرأس وفريضتان في الجسد وهما غسل اليدين ومسح الرجلين وأما السنن
فهي سنن إبراهيم الخليل عليه السلام وهي الحنيفية خمس منها في الرأس وهي فرق الشعر لمن كان على رأسه شعر وقص
الشارب والسواك والمضمضة والاستنشاق وخمس منها في الجسد وهي الختان وقص الأظافير ونتف
الإبطين وحلق العانة والاستنجاء (قضية) لأمير المؤمنين عليه السلام روى أن امرأة علقت بغلام
فراودته عن نفسه فامتنع عليها فقالت والله لئن لم تفعل لأفضحنك فلم يفعل فأخذت بيضة فألقت بياضها
على ثوبها وتعلقت به واستغاثت بأمير المؤمنين عليه السلام وقالت يا أمير المؤمنين ان هذا الغلام كابرني
على نفسي وقد أصاب مني وهذا ماؤة على ثوبي فسئله أمير المؤمنين عليه السلام فبكى وقال والله يا أمير المؤمنين لقد
كذبت وما فعلت شيئا مما ذكرت فوعظها أمير المؤمنين عليه السلام فقالت والله لقد فعل وهذا ماؤه
فقال أمير المؤمنين علي بقنبر فجئ به فقال له مر من يغلي ماء حتى تشتد حرارته وصر به إلي فلما اتى بالماء الحار
أمر ان يلقي على ثوبها فالقى فانسلق بياض البيض وظهر امره فامر رجلين من المسلمين ان يطعماه ويلفظاه
ليقع العلم اليقين به ففعلا فرأيا بيضا فخلى الغلام وأمر بالمراة فأوجعها أدبا (مسألة) في المني و
نجاسته ووجوب غسل الثوب ان سئل سائل فقال ما الحكم عندكم في المني فهل هو طاهر أم نجس قيل له
المني نجس يجب غسل ما أصاب الثوب منه وإن كان قليلا ولا تجوز الصلاة في ثوب فيه شئ منه سواء
كان رطبا أو يابسا فإن قال ما الدليل على ذلك قيل له نقل الشيعة بأسرهم على كثرتهم واستحالة التواطؤ
على ذلك منهم والخبر يتواتر بنقل بعضهم وقد روى جميعهم ما ذكرناه عن سلفهم عن أئمتهم عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله جدهم
وفي هذا الدليل غنى عن غيره وبعد ذلك فقد نستدل بما روى عمار بن ياسر رحمه الله أنه قال رآني رسول
الله صلى الله عليه وآله وانا اغسل من ثوبي موضعا فقال لي ما تصنع يا عمار فقلت يا رسول الله نخمت نخامة فكرهت أن تكون
في ثوبي فغسلتها فقال لي يا عمار وهل نخامتك ودموع عينيك وما في أدواتك إلا سواء إنما يغسل
الثوب من البول الغائط أو المني ووجوب غسل الثوب منه لان رسول الله صلى الله عليه وآله أضاف الطاهر إلى الطاهر والنجس
إلى النجس فلو كان المني طاهرا لا يغسل الثوب منه لإضافة إلى ما ميزه بالطهارة ولم يخلطه بما قد علم منه النجاسة
284

التي أوجب غسل الثوب منها في الشريعة فإن قال السائل خبركم هذا الذي رويتموه عن عمار غير سالم لأنه قد عارضه
خبر عائشة وقولها ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي وانا أفرك الجنابة من ثوبه وفي صلاة النبي صلى الله عليه وآله
بها وهي في ثوبه دلالة على طهارتها قيل له هذا غير صحيح لما روى من أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان له بردان معزولان
للصلاة لا يلبسهما إلا فيها وكان يحث أمته على النظافة ويامرهم بها وان من المحفوظ عنه في ذلك قوله إن الله
يبغض الرجل القاذورة قيل وما القاذورة يا رسول الله قال الذي يتوقف به جليسه ومن يكون هذا قوله وامره
لا يجلس والمني في ثوبه فضلا عن أن يصلي وهو فيه وليس يشك العاقل في أن المني لو لم يكن من الأنجاس المفترض
اماطتها لكان من الأوساخ التي يجب التنزه عنها وفيما صح عندنا من اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وآله في النظافة وكثرة
استعماله للطيب على ما أتت به الرواية دال على بطلان خبر عائشة وشئ آخر وهو ان عمارا رحمه الله قد اجتمعت
الأمة على صحة ايمانه واتفقت على تزكيته وعائشة قد اختلف فيها وفي ايمانها ولم يحصل الاتفاق على تزكيتها
فالأخذ بما رواه عمار رضي الله عنه أولي وشئ آخر وهو ان خبر عمار يحظر الصلاة في ثوب فيه مني أو يغسل وخبر
عائشة يبيح ذلك والمصير إلى الحاظر من الخبرين أولي وأحوط في الدين وشئ آخر وهو ان عمارا رضي الله عنه حفظ قولا عن
رسول الله عليه الله عليه وآله رواه وعائشة لم تحفظ في هذا قولا وإنما أخبرت عن فعلها وقد يجوز ان يكون توهمت ان في ثوبه جنابة
أو رأت شيئا شبهته بها هذا مع تسليمنا لخبرها فروت بحسب ظنها ثم يقال للخصم إذا كانت الجنابة عندك طاهرة
يجوز الصلاة فلم فركتها عائشة واجتهدت في قلعها والا تركتها كما تركها عندكم رسول الله صلى الله عليه وآله وصلى فيها فإن قال
السائل إذا كان المني نجسا فكيف خلق الله تعالى منه الطاهرين من الأنبياء المصطفين والعباد الصالحين قيل له
هذا السؤال عائد على سائله وهو ان يقال له إذا كان المني طاهرا فكيف خلق الله تعالى منه النجسين من الفراعنة
والشياطين والكفار والمشركين وبعد فالمني جسم ونجاسته عرض والاعراض تنتقل وقد رأينا نجسا صار
طاهرا وطاهرا عاد نجسا ولو قال للخصم قائل إذا كان الدم نجسا فكيف جعله الله تعالى قوام جسم المؤمن وصحة
كونه حيا وإذا كانت العذرة نجسة فكيف حملها المؤمن واستقرت في جسمه والسؤال عن هذه المواضع ساقط
لا معنى له (فصل) جاء في الحديث ان قوما اتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا له الست رسولا من الله تعالى
قال لهم بلى قالوا له وهذا القرآن الذي أتيت به كلام الله تعالى قال نعم قالوا فأخبرنا عن قوله * (انكم وما تعبدون
285

من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) * إذا كان معبودهم معهم في النار فقد عبدوا المسيح عليه السلام أفتقول انه
في النار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله انزل القرآن علي بكلام العرب والمتعارف في لغتها وعند العرب
ان ما لا يعقل ومن لمن يعقل والذي يصلح لهما جميعا فان كنتم من العرب فأنتم تعلمون هذا قال الله تعالى * (انكم
وما تعبدون) * يريد الأصنام التي عبدوها وهي لا تعقل والمسيح عليه السلام لا يدخل في جملتها لأنه يعقل ولو قال إنكم
ومن تعبدون لدخل المسيح عليه السلام في الجملة فقال القوم صدقت يا رسول الله وفي الخبر دليل على أن
رسول الله صلى الله عليه وآله كان يحاج ويناظر ويعارض ويفصل ويوضح الجواب لسائله ويثبت الحجة على خصمه ولا يدعو
إلى التقليد بل يوضح التقليد بإقامة الدليل فإن قال قائل إذا كان الذين عبدوا الأصنام في النار لشركهم
وكفرهم فلأي وجه تكون الأصنام في النار معهم وهي لم تكفر ولا يصح ان يعذب أيضا ما ليس بحي قلنا إن المراد
بذلك ان يرى العابدون لها انها لم تغن عنهم شيئا وانها بحيث هم لا تدفع عن أنفسها لو كانت حية قادرة
ولا عنهم وعلى هذا المعنى يتأول قوله سبحانه * (وقودها الناس والحجارة) * وانها الحجارة التي عبدوها وهي
الأصنام قال الله تعالى حكاية عن أهل النار لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون (سؤال
عن آيات) ان سئل سائل فقال ما معنى قول الله تبارك وتعالى * (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود
وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأتي لا تكلم نفس الا باذنه) * هود وقوله تعالى في موضع آخر * (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن
لهم فيعتذرون) * المرسلات وقال في موضع آخر * (فاقبل بعضهم على بعض يتسائلون) * الصافات والطور وظاهر هذه الآيات مختلف لأن بعضها
ينبئ عن أن النطق لا يقع منهم في ذلك اليوم ولا يؤذن لهم فيه وبعضها ينبئ عن خلافه فالجواب انه تعالى إنما
أراد بما نفا نفي النطق المسموع المقبول الذي يكون لهم فيه حجة أو عذر ولم ينف النطق الذي ليست هذه حاله
ويجري هذا مجرى قولهم خرس فلان عن حجته ومرادهم بذلك انه لم يأت بحجة ينتفع بها وإن كان قد تكلم كلاما
كثير وقولهم حضرنا فلانا يناظر فلم يقل شيئا والمراد انه لم يأت بكلام سديد وقول صحيح وإن كان قد قال
قولا غزيرا فاطلقوا اللفظ في الكلام والمراد ما ذكرناه وقد قال الشاعر (شعر)
أعمى إذا ما جارتي خرجت * حتى يواري جارتي الخدر * ويصم عما كان بينهما * سمعي ويأتي غيره وقر *
وهذا التأويل في نفي القول لا يمنع من وقوع التسائل والتلاوم بينهم الذي ليس لهم فيه حجة ولا يثمر فائدة فاما
286

قوله سبحانه وتعالى * (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) * فالتأويل الحسن ان يحمل يؤذن لهم على معنى انه لا يسمع منهم
ولا يقبل عذرهم والعلة في امتناع قبول عذرهم هي ما قدمنا من أنهم لا يعتذرون بعذر صحيح ولا يأتون
بقول مصيب (سؤال آخر) فإن قال فقد قال الله تعالى في موضع من كتابه * (وقفوهم انهم مسؤولون) * الصافات
فأوجب السؤال وقال في موضع آخر * (فاليوم لا يسئل عن ذنبه انس ولا جان) * الرحمن فنفى السؤال وظاهره متناقض
واختلاف (فالجواب) ان السؤال الذي أوجبه سبحانه وهو سؤال المطالبة بالواجبات وتضييع
المفروضات والسؤال الذي نفاه عز وجل هو سؤال الاستعلام والمعنى في ذلك ان الله تعالى علم جميع
ما فعلوه ولا يخفى عليه شئ مما اتوه فلا حاجة إلى السؤال عن ذنبهم ولا حاجة للملائكة
أيضا إلى السؤال عن المذنب منهم لأن الله تعالى يجعل لهم سيماء يعرفون به وذلك قوله عز وجل * (يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ
بالنواصي والاقدام) * الرحمن (فصل) مما ورد في ذكر النصف روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال التودد إلى الناس نصف
العقل وحسن السؤال نصف العلم والتقدير في النفقة نصف العيش (و) جاء في خبر آخر عنه عليه السلام التقدير نصف
المعيشة (و) روى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال الهم نصف الهرم والسلامة نصف الغنيمة (و) قال بعض
الحكماء الخوف نصف الموت (و) قال آخر المخافة شطر المنية (و) قيل الراحة نصف السلامة وحسن الطلب نصف
العلم والتودد نصف الحزم وحسن التدبير نصف الكسب (و) قال بعض الحكماء نصف رأيك مع أخيك
يريد بذلك وجوب المشاورة ليجتمع الرأي (و) قيل إذا بان منك أخوك بان شطرك وإذا اعتل خليلك
فقد اعتل نصفك وانشد * لسان الفتى نصف ونصف فؤاده * فلم يبق الا صورة اللحم والدم * وكتب أبو العتاهية
إلى أحمد بن يوسف * لئن عدت بعد اليوم اني لظالم * سأصرف نفسي حيث تبقي المكارم * متى ينجح
الغادي إليك بحاجة * ونصفك محجوب ونصفك نائم * ولما اتهم قتيبة بن مسلم أبا مجلد قال له أبو مجلد أيها الأمير
تثبت فإن التثبت نصف العفو (و) قيل السفر نصف العذاب وقال سعيد بن أبي عمرويه لأن يكون
لي نصف وجه ونصف لسان على ما فيهما من قبح المنظر وعجب المخبر أحب إلي من أن أكون ذا وجهين ولسانين
وذا قولين مختلفين (و) لبعضهم بسطت لساني ثم أوثقت نصفه * فنصف لساني في امتداحك مطلق *
فان أنت لم تنجز عداتي تركتني * وباقي لسان الشكر بالياس موثق * ووجد مكتوبا على قبر
287

* يا قبر أنت سلبتني ألفا * قدمته وتركتني خلفا * واخذت نصف الروح من جسدي * فقبرته وتركتني نصفا *
(وقيل) إذا اتخذت جارية فعليك بالبيضاء فإن البياض نصف الحسن لابن عيينة
* ان دنيا هي التي بسحر العين سافرة * سرقوها نصف اسمها هي دنيا وآخرة * لابن المعتز في جارية له
* يا دهر كيف شققت نفسا * فخلست منها النصف خلسا * وتركت نصفا للأسى * جعل البقاء عليه نحسا *
سقيا لوجه حبيبة أودعتها كنفا ورمسا * وانشد لذي الرمة * وان امرءا في بلده نصف قلبه * ونصف
بأخرى انه لصبور (فصل) من الأدب روى عن بعض الأدباء أنه قال لابنه اقتن
من مكارم الأخلاق خمسا وارفض ستا واطلب العز بسبع واحرص على ثمان فإن فزت بتسع بلغت المدى
وان أحرزت عشرا أحرزت الآخرة والدنيا فاما الخمس المقتناة فخفض الجانب وبذل المعروف و
اعطاء النصفة من نفسك وتجنب الأذى وتوقى الذم وأما الست المرفوضة فطاعة الهوى
وارتكاب البغي وسلوك التطاول وقساوة القلب وفظاظة القول وكثرة التهاون وأما
السبع التي ينال بها العز فاداء الأمانة وكتمان السر وتأليف المجانب وحفظ الاخاء وإقالة العثرة
والسعي في حوائج الناس والصفح عند الاعتذار وأما الثمان التي تحرص عليها فتعظيم أهل الفضل
وسلوك طرق الكرم والمواساة في ملك اليد وحفظ النعم بالشكر واكتساب الاجر بالصبر والاغضاء
عن زلل الصديق واحتمال النوائب وترك الامتنان بالاحسان وأما التسع التي تبلغ بها المدى
فالامر بالمعروف * والنهي عن المنكر * وحرز اللسان عن سقوط الكلام * وغض الطرف * وصدق
النية * والرحمة لأهل البلاء * والموالاة على الدين * والمسامحة في الأمور * والرضا بالمقسوم * وأما
العشرة الكاملة التي تنال بها الدنيا والآخرة * فالزهد فيما بقى * والاستعداد لما يأتي * وكثرة آل
على ما فات * وادمان الاستغفار * واستشعار التقوى * وخشوع القلب * وكثرة الذكر لله تعالى *
والرضا بأفعال الله سبحانه * وملازمة الصدق * والعمل بما ينجي (فصل) ذكر الغنى والفقر قال
رسول الله صلى الله عليه وآله ليس الغنى في كثره العرض وإنما الغنى غنى النفس وقال صلى الله عليه وآله ثلاث خصال من صفة
أولياء الله تعالى الثقة بالله في كل شئ * والغنى به عن كل شئ * والافتقار إليه في كل شئ (و) قال
288

الا أخبركم بأشقى الأشقياء قالوا بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة
نعوذ بالله من ذلك (و) قال أمير المؤمنين عليه السلام الفقر يخرس الفطن عن حجته * والمقل غريب في بلده و
من فتح على نفسه بابا من المسألة فتح الله عليه بابا من الفقر وقال عليه السلام العفاف زينة الفقر * والشكر زينة
الغنى * وقال من كساه الغنى ثوبه * خفى عن العيون عيبه * وقال من أبدى إلى الناس ضره * فقد فضح نفسه * وخير
الغنى ترك السؤال * وشر الفقر لزوم الخضوع * وقال استغن بالله عمن شئت تكن نظيره * واحتج إلى من شئت تكن أسيره *
وأفضل على من شئت تكن أميره * وقال لا ملك اذهب للفاقة من الرضا بالقنوع * وروى أن الماء صب على صخرة فوجد عليها مكتوبا
إنما يتبين الفقر والغنى بعد العرض على الله عز وجل وقال رجل للصادق عليه السلام عظني فقال لا تحدث نفسك
بفقر ولا بطول عمر (وقيل) ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه (وقيل) الفقير من طمع والغني من قنع
وانشد لأمير المؤمنين عليه السلام * ادفع الدنيا بما اندفعت * واقطع الدنيا بما انقطعت
* يطلب المرء الغنى عبثا * والغنى في النفس لو قنعت
* ومن قطعة لأبي ذؤيب * والنفس راغبة إذا رغبتها
* وإذا ترد إلى قليل تقنع * لمحمود الوراق
* (أراك يزيدك الاثراء حرصا * على الدنيا كأنك لا تموت
* فهل لك غاية ان صرت يوما * إليها قلت حسبي قد غنيت
* تظل على الغنى ابدا فقيرا * تخاف فوات شئ لا يفوت
* واغنى منك ذو طمرين * راض من الدنيا ببلغة ما يفوت
* وله أيضا
* يا عائب الفقر الا تزدجر * عيب الغنى أكبر لو تعتبر
* من شرف الفقر ومن فضله * على الغنى ان صح منك النظر
* انك تعصى لتنال الغنى * ولست تعصى الله ان تفتقر *)
لغيره * ارى أناسا بأدنى الدين قد قنعوا * ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
* فاستغن بالله عن دنيا الملوك كما * استغنى الملوك بدنياهم عن الدين
(فصل) في الكلام في الأرزاق اعلم أن الرزق في الحقيقة
هو التمليك واصل التمليك من الله تعالى وهو الرازق للعباد وقد جعل بحكمته وعلمه من مصالح بريته أرزاقهم على
قسمين أحدهما ما يوصله إليهم من غير سعي يكون منهم ولا اكتساب ولا تحمل شئ من المشاق كالمواريث ونحوها
من الأمور المتيسرات والاخر مشترط بحركة العبد وسعيه واجتهاده وحرصه فمن سعى ناله ومن قعد فاته وقد
أمر الله تعالى بالاكتساب والطلب فقال تعالى * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) * الجمعة
وقال * (ان الذين تدعون من دون لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه) * العنكبوت فلا يجوز مخالفة
أمر الله تعالى وترك التكسب والطلب وليس ذلك بمضاد للتوكل على الله تعالى لأن له التعرض ومنه الطلب وقد
اجرى العادة بان لا يؤتى هذا القسم من الرزق الا بعد الحركة والطلب ومثل ذلك كثير في أفعاله تعالى
التي قد اجرى العادة بان لا يفعلها إلا بعد فعل يقع من العباد قبلها كالولد بعد الوطئ والنبات بعد الزرع
والسقي وليس المجتهد في كل وقت مرزوقا وذلك لأن العطاء والمنع والزيادة في الرزق والنقص منوط
289

كله بالمصالح المعلوم عند الله تعالى وإنما يحسن من العاقل ان يسئل الله تعالى في الرزق بشرط ان لا يكون
له مفسدا قال الله تعالى * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة
ومعارج عليها يظهرون) * الزخرف وكل شئ رزقه الله تعالى للعبد فقد اباحه التصرف قال الله تعالى * (يا أيها الذين
آمنوا انفقوا مما رزقناكم) * البقرة وقال * (كلوا من طيبات ما رزقناكم) * البقرة وقال * (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة
ويؤتوا الزكاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل ان يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال) * وما رزقه الله
وأباح التصرف فيه فإنه لا يعاقب عليه فاما المغتصبات فليست بارزاق لغاصبيها ولا ملكهم الله تعالى إياها
وإنما تسمى ارزاقا لهم على المجاز من حيث إنها من الأشياء التي خلقها الله تعالى ليفتدى بها والدليل على أن
الله تعالى لم يرزقهم ما اغتصبوه اخباره بأنهم ظالمون فيه وانه يعاقبهم عليه قال الله تعالى * (الذين يأكلون أموال
اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) * النساء وامره سبحانه بقطع يد السارق في قوله تعالى
* (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) * المائدة ولو كان الغاصب قد اخذ ما رزقه
الله تعالى على الحقيقة لكان المطالب له برد ما اخذه ظالما له ولم يجز في العدل ان يعاقب عليه في الدنيا و
الآخرة بل كان يكون ممدوحا على تصرفه فيه وانفاقه له كما مدح الله تعالى من أنفقه من حله فقال * (إنما المؤمنون
الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون
الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) * الأنفال
فجعل انفاق الرزق من صفات المؤمنين فلما لم يكن للغاصبين انفاق ما اغتصبوه وكانوا مذمومين عليه
معاقبين على تصرفهم فيه دل ذلك على أن الله تعالى لم يرزقهم إياه في الحقيقة وإذا لم يكن رزقا للغاصب
فهو رزق للمغصوب منه وان حيل بينه وبينه (فصل) مما روى في الأرزاق روى عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله
أنه قال أكثروا الاستغفار فإنه يجلب الرزق وقال عليه السلام من رضي باليسير من الرزق رضي الله عنه
باليسير من العمل (وروى) ان الله تعالى اوحى إلى عيسى بن مريم عليه السلام ليحذر الذي يستبطئني في الرزق ان اغضب
فافتح عليه بابا من الدنيا (وقال) أمير المؤمنين عليه السلام الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن لم
تأته اتاك (وروى) عن أحد الأئمة عليهم السلام أنه قال في الرزق المقسوم بالحركة ان من طلبه من غير حله فوصل
290

إليه حوسب من حله وبقي عليه وزره فالواجب لا يطلب إلا من الوجه المباح دون المحظور (وروى)
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال من حسنت نيته زيد في رزقه (واعلم) ان الدليل على جواز الزيادة في الأرزاق
هو الدليل على جواز الزيادة في الأعمار لأن الله تعالى إذا زاد في عمر عبده وجب ان يرزقه ما يتغذى به ذكروا
ان إبراهيم بن هرمة انقطع إلى جعفر بن سليمان الهاشمي فكان يجرى له رزقا فقطعه فكتب إليه ابن هرمة
* ان الذي شق فمي ضامن للرزق حتى يتوفاني حرمتني خيرا قليلا فما ان زادني مالك حرماني * فرد
إليه رزقه وأحسن إليه وانشد لبعضهم * التمس الأرزاق عند الذي * ما دونه ان سيل من حاجب *
من يبغض التارك تسأله * جودا ومن يرضي عن الطالب * ومن إذا قال جرى قوله * بغير توقيع
إلى كاتب (وروى عن) الصادق عليه السلام قال ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم رجل جلس عن طلب الرزق
ثم يقول اللهم ارزقني يقول الله تعالى له ألم اجعل لك طريقا إلى الطلب ورجل له امرأة سوء يقول
اللهم خلصني منها يقول الله تعالى أليس قد جعلت امرها بيدك ورجل سلم ماله إلى رجل ولم يشهد عليه به
فجحده إياه فهو يدعو عليه فيقول الله تعالى قد امرت بالاشهاد فلم تفعل لابن وكيع التنيسي * لا تحيلن على
سعدك في الرزق ونحسك وإذا أغفلك الدهر فذكره بنفسك لا تعجل بلزوم البيت وما قبل
رمسك إنما يحمد حسن الرزق من جده حسك (وروى) في بعض الكتب ان الله تعالى يقول يا ابن آدم
حرك يدك ابسط لك في الرزق * وأطعني فيما آمرك فما اعلمني بما يصلحك (وقيل) لبعض لو تعرضت لفلان
لوصلك فقال ما تلهفت لشئ من أمر الدنيا منذ حفظت هذه الأربع آيات من كتاب الله تعالى عز وجل
قوله * (ما يفتح الله للناس من رحمه فلا ممسك لها) * سورة فاطر وقوله تعالى * (وان يردك بخير فلا راد لفضله) * يونس وقوله سبحانه * (وما من دابه
في الأرض إلا على الله رزقها) * هود وقوله جل اسمه * (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * الذاريات فروى أن صلة الرجل الذي
قيل له لو تعرضت له أتت إلى منزله من غير طلب وانشد لابن الأصبغ * لو كان في صخرة في الأرض راسبه * صماء
مملومة لمس نواحيها * رزق لنفس براها الله لانغلقت * عنه فادت إليه كل فيها * أو كان بين
طباق السبع مطلبها * لسهل الله في المرقى مراقيها * حتى يلاقى الذي في اللوح خط له * ان هي اتته وإلا سوف
يأتيها (وروى) عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال ما من مؤمن إلا وله باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه
291

فإذا مات بكيا عليه وذلك قول الله تعالى * (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) * (فصل مما ذكر في تأويل قول الله عز وجل * (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) * الدخان (اعلم) ان
هذه الآية نزلت في قوم فرعون الذين أهلكهم الله عز وجل وأورث أرضهم ونعمهم غيرهم وفيها
وجوه من التأويل أحدها ما ورد به الخبر الذي قدمناه عن رسول الله صلى الله عليه وآله من ذكر البابين الذين لكل
مؤمن يصعد من أحدهما عمله وينزل من الأخر رزقه وانهما يبكيان عليه بعد موته ومعنى البكاء هاهنا الاخبار
عن الاختلال بعده كما يقال بكى منزل فلان بعده قال مزاحم العقيلي * بكت دارهم من اجلهم فتهلكت *
دموعي فأي الجازعين ألوم * أمستعبرا يبكي من الهون والبلى * وآخر يبكي شجوه ويهيم * فإذا لم يكن
لها ولا للقوم الذين أخبر الله تعالى ببوارهم مقام صالح في الأرض ولا عمل كريم يرفع إلى السماء جاز ان يقال
فما بكت عليهم السماء والأرض وقد روى عن ابن عباس رحمه الله انه قيل له وقد سئل عن هذه الآية أو تبكي
السماء والأرض على أحد فقال نعم مصلاه في الأرض ومصعد عمله في السماء والوجه الثاني من
التأويل ان يكون تعالى أراد المبالغة في وصف القوم الذين أهلكهم بصغر القدر وسقوط المنزلة
لأن العرب إذا أخبرت من عظم المصاب بالهالك قالت كسفت لفقده الشمس واظلم القمر وبكاه الليل و
النهار والسماء والأرض يريدون بذلك المبالغة وعظم الامر وشمول المصيبة قال جرير يرثي عمر بن
عبد العزيز * الشمس طالعة ليست بكاسفة * تبكي عليك نجوم الليل والقمرا * وفي انتصاب النجوم والقمر
في هذا البيت ثلاثة وجوه أحدها انه أراد ان الشمس طالعة وليست مع طلوعها كاسفة نجوم الليل
والقمر عظم الرزية قد سلبها ضوءها فلم يناف طلوعها ظهور الكواكب الوجه الثاني ان يكون
انتصابها على معنى قوله لا أكلمك الأبد وطول المسند وما جرى مجرى ذلك فكأنه أخبر بان الشمس تبكيه
ما طلعت النجوم وما ظهر القمر والوجه الثالث ان يكون نجوم الليل والقمر باكيين الشمس على هذا المفقود
فبكتهن أي غلبتهن بالبكاء كما يقال باكاني عند الله فبكيته وكاثرني فكثرته اي فضلت عليه وغلبته
والوجه الثالث من التأويل ان يكون الله تعالى أراد بقوله فما بكت عليهم السماء والأرض أهل السماء وأهل
الأرض وحذف أهل كما قال عز وجل واسئل القرية وكما قال حين تضع الحرب أوزارها وإنما أراد أصحاب الحرب ويجري ذلك
مجرى قولهم السخاء سخاء حاتم قال الشاعر * قليل عيبه والعيب جم * ولكن للغنى رب غفور * يريد ولكن الغنى غنى رب غفور
292

والوجه الرابع من التأويل ان يكون معنى الآية الاخبار عن انه لا أحد اخذ بثأرهم ولا أحد انتصر لهم لأن
العرب كانت لا تبكي على قتيل إلا بعد الاخذ بثاره فكنى بهذا اللفظ عن فقد الانتصار والاخذ بالثار
على مذهب القوم الذين خوطبوا بالقرآن والوجه الخامس من التأويل ان يكون البكاء المذكور في الآية
كناية عن المطر والسقيا لأن العرب تشبه المطر بالبكاء ويكون معنى الآية ان السماء لم تسق قبورهم ولم تجد
بقطرها عليهم على مذهب العرب المعهود بينهم لانهم كانوا يستسقون السحائب لقبور من فقدوه
من اعزائهم يتعشبون الزهر والرياض لمواقع حفرهم قال النابغة * فلا زال قبر بين بينا وجاشم
عليه من الوسمي طل ووابل * فينبت حوذانا وعوفا منورا * سأتبعه من خير ما قال قائل * وكانوا
يجرون هذا الدعاء مجرى الاسترحام ومسألة الله تعالى لهم الرضوان والفعل إذا أضيف إلى السماء
وإن كان لا تجوز اضافته إلى الأرض فقد يصح عطف الأرض على السماء بان يقدر فعل يصح نسبته
إليها والعرب تفعل مثل هذا قال الشاعر * يا ليت زوجك قد غدا * متقلدا سيفا ورمحا *
بعطف الرمح على السيف وإن كان التقلد لا يجوز فيه لكنه أراد حاملا رمحا ومثل هذا يقدر
في الآية فيقال انه تعالى أراد ان السماء لم تسق قبورهم وان الأرض لم تعشب عليها وكل هذا كناية
عن حرمانهم رحمة الله عز وجل وربما شبه الشعراء النبات بضحك الأرض كما شبهوا المطر
ببكاء السماء وفي ذلك يقول أبو تمام حبيب ابن أوس * ان السماء إذا لم تبك مقلتها * لم تضحك الأرض
عن شئ من الخضر * والزهر لا تنجلي ابصاره ابدا * الا إذا رمدت من كثرة المطر (ذكر مجلس)
جرى في القياس مع رجل من فقهاء العامة اجتمعت معه بدار العلم في القاهرة سئلني هذا الرجل
بمحضر جماعة من أهل العلم فقال ما تقول في القياس وهل تستجيزه في مذهبك أم ترى انه غير
جائز فقلت له القياس قياسان قياس في العقليات وقياس في السمعيات فاما القياس في العقليات
فجائز صحيح وأما القياس في السمعيات فباطل مستحيل قال فهل يتفق حدهما أم يختلف قلت الواجب ان
يكون حدهما واحدا غير مختلف قال فما هو قلت القياس هو اثبات حكم المقيس عليه في المقيس هذا
هو الحد الشامل لكل قياس وله بعد هذا شرائط لابد منها ولا يقاس شئ على شئ إلا بعلة تجتمع
293

بينهما قال فإذا كان الحد شاملا للقياسين فلا فرق إذا بين القياس الذي أجزته والقياس الذي أحلته
قلت بل بينهما فروق وان شملهما الحد قال وما هي قلت منها ان علة القياس في العقليات موجبة ومؤثرة تأثير الايجاب وليست علة القياس في السمعيات عند
من يستعمله كذلك بل يقولون هي تابعة للدواعي والمصالح المتعلقة بالاختيار ومنها ان العلة في
القياس في العقليات لا تكون إلا معلومة وهي عندهم في السمعيات مظنونة غير معلومة ومنها
انها في العقليات لا تكون إلا شيئا واحدا وهي في السمعيات قد تكون مجموع أشياء فهذه بعض
الفروق بين القياسين وان شملهما حد واحد قال فما الذي يدل على أن القياس في السمعيات لا يجوز
قلت الدليل على ذلك ان الشريعة موضوعة على حسب مصالح العباد التي لا يعلمها إلا الله تعالى عز وجل
ولذلك اختلف حكمها في المتفق الصور واتفق في المختلف وورد الحظر لشئ والإباحة لمثله بل ورد
الحكم في الامر العظيم صغيرا وفي الصغير بالإضافة إليه عظيما واختلف ذلك كل الاختلاف الخارج
عن مقتضى القياس وإذا كان هذا سبيل المشروعات علم أنه لا طريق إلى معرفة شئ من احكامها
إلا من قبل المطلع على السرائر العالم بمصالح العباد وانه ليس للقائسين فيه مجال فقال أحد الحاضرين
فمثل لنا بعض ما أشرت إليه من هذا الاختلاف المبائن للقياس قلت هو عند الفقهاء أظهر من أن
يحتاج إلى مثال ولكني اورد منه طرفا لموضع السؤال فمنه ان الله عز وجل أوجب الغسل
من المني ولم يوجبه من البول والغائط وليس هو بأنجس منهما واكثر العامة يروون انه طاهر و
الزم الحائض قضاء ما تركته من الصيام وأسقط عنها قضاء ما تركته من الصلاة وهي أوكد من الصيام
وفرض في الزكاة ان يخرج من الأربعين شاة شاة ولم يفرض في الثمانين شاتين بل فرضهما
بعد كمال المائة والعشرين وهذا خارج عن القياس ونهانا عن التحريش بين بهيمتين وأباحنا
اطلاق البهيمة على ما هو أضعف منها في الصيد وجعل للرجل ان يطأ من الإماء ما ملكته يمينه
ولم يجعل للمراة تمكن من نفسها من ملكته يمينها وأوجب الحد على رمي غيره بفجور واسقطه
عن من رمى بالكفر وهو أعظم من الفجور وأوجب قتل القاتل بشهادة رجلين وحظر جلد
الزاني الذي يشهد بالزنا عليه إلا أن يشهد بذلك أربعة شهود وهذا كله
294

خارج عن سنن القياس وقد ذكروا عن ربيعة بن عبد الرحمن أنه قال سئلت سعيد بن المسيب فقلت
كم في إصبع المراة قال عشر من الإبل قلت كم في إصبعين قال عشرون قلت كم في ثلاث قال ثلاثون قلت كم
في أربع قال عشرون قلت حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها فقال سعيد اعرابي أنت قلت
بل عالم مثبت أو جاهل متعلم قال هي السنة يا ابن أخ ونحو ذلك مما لو ذهبت إلى استقصائه لطال الخطاب
وفيما اوردته كفاية لذوي الألباب قال السائل فإذا كان القياس عندك في الفروع العقلية صحيحا ولم يكن
في الضرورات التي هي أصولها مستمرا ولا صحيحا فما تنكر ان يكون كذلك الحكم في السمعيات فيكون القياس
في فروعها المسكوت عنها صحيحا وان لم يكن في أصولها المنطوق بها مستمرا ولا صحيحا فقلت أنكرت
ذلك من قبل ان المتعبدات السمعية وضعت على خلاف القياس مما ذكرناه فوجب ان يكون ما تفرع
عنها جاريا مجراها ولسنا نجد أصول المعقولات التي هي الضرورات موضوعة على خلاف القياس وإنما
امتنع القياس فيها لأنها أصول لا أصول لها فوضح الفرق بينهما ومما يبين لك ذلك أيضا انه قد كان
من الجائز ان نتعبد بخلاف ما أتت به أصول الشرعيات وليس بجائز ان يتعبد بخلاف أصول
العقليات التي هي الضرورات فلا طريق إلى الجمع بينهما قال فما تنكر على من زعم أن الله تعالى فرق لنا بين
الأصول في السمعيات وفروعها فنص لنا على الأصول وعرفنا بها وامرنا بقياس الفروع عليها ضربا من
التعبد والتكليف ليستحق عليه الأجر والثواب قلت هذا مما لا يصح ان يكلفه الله تعالى للعباد لأن القياس
لابد فيه من استخراج علة يحمل بها الفروع على الأصل ليماثل بينهما في الحكم والأحكام الشرعية لو كانت مما
توجبه العلل لم يجز في المشروعات النسخ وفي جواز ذلك في العقل دلالة على انها لا تثبت بالعلل
وقد قدمنا القول بان علل القائسين مظنونة والظنون غير موصلة إلى اثبات ما تعلق بمصالح الخلق
ولا مؤدية إلى العلم بمراد الله تعالى من الحكم ولو فرضنا جواز تكليف العباد القياس في السمعيات لم يكن بد من
ورود السمع بذلك إما في القرآن أو في صحيح الاخبار وفي خلو السمع من تعلق التكليف به دلالة على أن
الله تعالى لم يكلفه خلقه قال فانا نجد ذلك في آيات القرآن وصحيح الاخبار قال الله عز وجل * (واعتبروا يا أولي الابصار) * الحشر
فأوجب الاعتبار وهو الاستدلال والقياس وقال * (فجزائه مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل
295

منكم) * المائدة فأوجب بالمماثلة المقايسة وروى أن النبي صلى الله على واله لما ارسل معاذا إلى اليمن قال له بماذا تقضي قال
بكتاب الله قال فإن لم تجد في كتاب الله قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله قال إن لم تجد في سنة رسول الله قال اجتهد رأيي فقال صلى الله عليه وآله الحمد لله الذي
وفق رسول رسول الله لما يرضاه الله ورسوله (وروى) عن الحسن بن علي عليهما السلام انه سئل فقيل
له بماذا كان يحكم أمير المؤمنين عليه السلام قال بكتاب الله فإن لم يجد فسنة رسول الله صلى الله عليه وآله فإن لم يجد رجم فأصاب
وهذا كله دليل على صحة القياس والاخذ بالاجتهاد والظن والرأي فقلت له أما قول عز
وجل * (فاعتبروا يا أولي الابصار) * فليس فيه حجة لك على موضع الخلاف لأن الله تعالى ذكر أمر اليهود وجنايتهم
على أنفسهم في تخريب بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ما يستدل به على حق رسول الله صلى الله عليه وآله وان الله تعالى أمده
بالتوفيق ونصره وخذل عدوه وأمر الناس باعتبار ذلك ليزدادوا بصيرة في الايمان وليس هذا
بقياس في المشروعات ولا فيه أمر بالتعويل على الظنون في استنباط الاحكام وأما قوله سبحانه * (فجزاء
مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) * فليس فيه ان العدلين يحكمان في جزاء الصيد بالقياس و
انما تعبد الله سبحانه عباده بانفاذ الحكم في الجزاء عند حكم العدلين بما علماه من نص الله تعالى ولو كان حكمهما
قياسا لكانا إذا حكما في جزاء النعامة بالبدنة قاسا مع وجود النص بذلك فيجب ان يتأمل هذا وأما الخبران
اللذان أوردتهما فهما من اخبار الآحاد التي لا يثبت بهما الأصول المعلومة في العبادات على أن رواة
خبر معاذ مجهولون وهم في لفظه أيضا مختلفون ومنهم من روى أنه لما قال اجتهد رأيي قال له عليه السلام لا أحب إلى
اكتب إليك ولو سلمنا صيغة الخبر على ما ذكرت لاحتمل ان يكون معنى قوله اجتهد رأيي اني اجتهد حتى
أجد حكم الله تعالى في الحادثة من الكتاب أو السنة وأما ما رويته عن الحسن عليه السلام من حكم أمير المؤمنين صلوات
الله عليه ففيه تصحيف ممن رواه والخبر المعروف أنه قال فإن لم يجد في السنة شئ زجر فأصاب يعني
بذلك القرعة بالسهام وهو مأخوذ من الزجر والفأل والقرعة عندنا من الاحكام المنصوص عليها
وليست بداخلة في باب القياس فقد تبين انه لا حجة لك فيما اوردته من الآيات والاخبار فقال
الحاضرين إذا لم يثبت للقائسين نص في ايجاب القياس فكذلك ليس لمن نفاه نص في نفيه من
قرآن ولا اخبار فقد تساويا في هذه الحال فقلت له قد قدمت من الدليل العقلي على فساد القياس
296

في الشرعيات وما يستغني به متأمله عن ايراد ما سواه ثم إن الامر بخلاف ما ظننت وقد تناصرت
الأدلة بحظر القياس من القرآن وثابت الاخبار قال الله عز وجل * (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك
هم الكافرون) * المائدة ولسنا نشك في أن الحكم بالقياس حكم بغير التنزيل وقال سبحانه * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب
هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) * النحل ومستخرج الحكم في الحادثة بالقياس لا يصح له ان
يضيفه إلى الله ولا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا لم يصح اضافته إليهما فإنما هو مضاف إلى القائس
دون غيره وهو المحلل والمحرم في الشرع بقول من عنده وكذب وصفة بلسانه فقال سبحانه * (ولا تقف
ما ليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * الاسراء ونحن نعلم أن القائس معول
على الظن دون العلم والظن مناف للعلم الا ترى انهما لا يجتمعان في الشئ الواحد وهذا من
القرآن كاف في افساد القياس وأما المروي في ذلك من الاخبار فمنه قول رسول الله صلى الله عليه وآله
ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقه اعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم
فيحرمون الحلال ويحللون الحرام وقول أمير المؤمنين عليه السلام إياكم والقياس في الاحكام فإنه أول
من قاس إبليس وقال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام إياكم وتقحم المهالك باتباع الهوى والمقاييس قد جعل الله
تعالى للقرآن أهلا أغناكم عن جميع الخلائق لا علم إلا ما امروا به قال الله تعالى * (فاسألوا أهل الذكر ان
كنتم لا تعلمون) * إيانا عني وجميع أهل البيت عليهم السلام افتوا بتحريم القياس (وروى) عن سلمان الفارسي
رحمه الله أنه قال ما هلكت أمة حتى قاست في دينها (وكان ابن مسعود) يقول هلك القائسون
وفي هذا القدر من الاخبار غنى عن الإطالة والاكثار (وقد روى هشام بن عروة)
عن أبيه قال إن أمر بني إسرائيل لم يزل معتدلا حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم فقالوا فيهم بالرأي
فأضلوهم قال ابن عيينة فما زال أمر الناس مستقيما حتى نشأ فيهم ربيعة الرائي بالمدينة وأبو حنيفة
بالكوفة وعثمان النبي بالبصرة وافتوا الناس وفتنوهم فنظرنا فإذا هم أولاد سبايا الأمم فحار الخصم
والحاضرون مما أوردت ولم يأت أحد منهم بحرف زائد على ما ذكرت والحمد لله (ذكر مجلس)
جرى لشيخنا المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله عليه مع بعض الخصوم في قولهم
297

ان كل مجتهد مصيب (قال) شيخنا المفيد رضي الله عنه كنت أقبلت في مجلس على جماعة من متفقهة العامة
فقلت لهم ان أصلكم الذي تعتمدون عليه في تسويغ الاختلاف (يحظر عليكم المناظرة ويمنعكم من الفحص والمباحثة واجتماعكم على المناظرة يناقض أصولكم في الاجتهاد وتسويغ الاختلاف) فاما ان تكونوا مع حكم أصولكم فيجب ان
ترفعوا النظر من بينكم وتلزموا الصمت وأما ان تختاروا المناظرة وتؤثروها على المتاركة فيجب ان تهجروا
القول بالاجتهاد وتتركوا مذاهبكم في الرأي وجواز الاختلاف ولابد من ذلك ما أنصفتم وعرفتم
طريق الاستدلال فقال أحد القوم لم زعمت أن الامر كما وصفت ومن أين وجب ذلك قال شيخنا
رضي الله عنه فقلت له على البيان عن ذلك والبرهان عليه حتى لا نحمل على أحد من العقلاء أليس من
قولكم ان الله تعالى سوغ خلقه الاختلاف في الاحكام المتوسعة عليهم ودفع الحرج عنهم رحمة منه لهم ورفقا
بهم وان لو ألزمهم الاتفاق في الاحكام وحظر عليهم الاختلاف لكان مضيقا عليهم معنتا لهم والله
يتعالى عن ذلك حتى أكدتم هذا المقال بما رويتموه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال اختلاف أمتي رحمة وحملتم معنى هذا
الكلام على وفاق ما ذهبتم إليه في تسويغ الاختلاف قال بلى فما الذي يلزمنا على هذا القول قال
شيخنا رحمه الله قلت له فخبرني الان عن موضع المناظرة أليس انما هو التماس الموافقة ودعاء الخصم بالحجة
الواضحة إلى الانتقال إلى موضع الحجة وتتغير له عن الإقامة على ضد ما عليه البرهان قال لا ليس هذا موضوع
المناظرة وإنما موضوعها لإقامة الحجة والإبانة عن رجحان المقالة فقط قال الشيخ فقلت له وما الغرض في إقامة الحجة والبرهان على الرجحان وما الذي يجرانه إلى ذلك والمعنى الملتمس
به أهو تبعيد الخصم من موضع الرجحان والتنفير له عن المقالة بايضاح حجتها أم الدعوة إليها بذلك
واللطف في الاجتذاب إليها به فإن قلت إن الفرض للمحتج التبعيد عن قوله بايضاح الحجة عليه والتنفير
عنه بإقامة الدلالة على صوابه قلت قولا يرغب عنه كل عاقل ولا يحتاج معه لتهافته إلى كسره وان قلت إن
الموضح عن مذهبه بالبرهان داع إليه بذلك والدال عليه بالحجج البينات يجتذب بها إلى اعتقاده ضرب
بهذا القول وهو الحق الذي لا شبهته فيه إلى ما أردناه من أن موضوع المناظرة إنما هو للموافقة ورفع
الاختلاف والمنازعة وإذا كان ذلك كذلك فلو حصل الغرض في المناظرة وما اجرى بها عليه لارتفعت الرحمة
وسقطت التوسعة وعدم الرفق من الله تعالى بعباده ووجب في صفة العنت والتضييق وذلك ضلال
من قائله فلابد على أصلكم في الاختلاف من تحريم النظر والحجاج وإلا فمتى صح ذلك وكان أولي من تركه فقد
298

بطل قولكم في الاجتهاد وهذا ما لا شبهه فيه على عاقل فاعترض رجل آخر في ناحية المجلس فقال ليس الغرض
في المناظرة الدعوة إلى الاتفاق وإنما الغرض فيها إقامة الغرض من الاجتهاد فقال له الشيخ رضي الله عنه هذا
الكلام كلام صاحبك هذا بعينه في معناه وأنتما جميعا حائدان عن التحقيق والصواب وذلك أنه لابد
في فرض الاجتهاد من غرض ولا بد لفعل النظر من معقول فإن كان الغرض في أداء الفرض بالاجتهاد
البيان عن موضع الرجحان فهو الدعاء في المعقول إلى الوفاق والايناس بالحجة إلى المقال وإن كان الغرض
فيه التعمية والألغاز فذلك محال لوجود المناظر مجتهدا في البيان والتحسين لمقاله بالترجيح له على
قول خصمه في الصواب وإن كان معقول فعل النظر ومفهوم غرض صاحبه الذب عن نحلته والتنفير
عن خلافها والتحسين لها والتقبيح لضدها والترجيح لها على غيرها وكنا نعلم ضرورة ان فاعل ذلك
لا يفعله للتبعيد من قوله وإنما يفعله للتقريب منه والدعاء إليه فقد ثبت بما قلناه ولو كان الدال
على قوله الموضح بالحجج عن صوابه المجتهد في تحسينه وتشييده غير قاصد بذلك إلى الدعاء إليه ولا
مزيد للاتفاق عليه لكان المقبح للمذهب الكاشف عن عواره الموضح عن ضعفه ووهنه داعيا بذلك
إلى اعتقاده ومرغبا به إلى المصير إليه ولو كان كذلك لكان الزام الشئ مدحا له والمدح له ذما له
والترغيب في الشئ ترهيبا عنه والترهيب عن الشئ ترغيبا فيه والامر به نهيا عنه والنهي عنه أمرا به
والتحذير منه ايناسا به وهذا ما لا يذهب إليه سليم فبطل بذلك ما توهمتموه ووضح ما ذكرناه في تناقض
نحلتهم على ما بيناه والله نسئل التوفيق (قال) شيخنا رضي الله عنه ثم عدلت إلى صاحب المجلس فقلت له لو سلم
هؤلاء القوم من المناقضة التي ذكرناها ولن يسلموا ابدا منها بما بيناه لما سلموا من الخلاف على الله
فيما أمر به والرد للنص في كتابه والخروج عن مفهوم احكامه بما ذهبوا إليه من حسن الاختلاف وجوازه في
الاحكام قال الله عز وجل * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جائهم البينات وأولئك لهم عذاب
عظيم) * آل عمران فنهى الله تعالى نهيا عاما ظاهرا وحذر منه وزجر عنه وتوعد على فعله بالعقاب وهذا مناف لجواز عن الاختلاف
وقال سبحانه * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * آل عمران فنهى عن التفرق وأمر الكافة بالاجتماع وهذا في ابطال قول
مسوغ الاختلاف وقال سبحانه * (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) * هود فاستثنى المرحومين من المختلفين
299

ودل على أن المختلفين قد خرجوا بالاختلاف عن الرحمة لاختصاص من خرج عن صفتهم بالرحمة ولولا
ذلك لما كان لاستثناء المرحومين من المختلفين معنى يعقل وهذا بين لمن تأمله قال صاحب
المجلس ارى هذا الكلام كله يتوجه على من قال إن كل مجتهد مصيب فما تقول فيمن قال إن الحق
في واحد ولم يسوغ الاختلاف (قال) الشيخ رضي الله عنه فقلت له القائل بان الحق في واحد وإن كان مصيبا
فيما قال على هذا المعنى خاصة فإنه يلزمه المناقضة بقوله ان المخطئ للحق معفو غير مؤاخذ بخطئه
فيه واعتماده في ذلك على أنه لو أوخذ به للحقه العنت والتضييق فقد صار بهذا القول إلى معنى قول
الأولين فيما عليهم من المناقضة ولزمهم من اجله ترك المباحثة والمكالمة وإن كان القائلون
بإصابة المجتهدين الحق يزيدون عليه في المناقضة وتهافت المقالة بقول الواحد لخصمه قد أخطأت
الحكم مع شهادته له بصوابه فيما فعله مما به أخطأ الحكم عنده فهو شاهد بصوابه وخطئه في الإصابة
معترف له ومقر بأنه مصيب في خلافه مأجور على مباينته وهذه مقاله تدعو إلى ترك اعتقادها
بنفسها وتكشف عن قبح باطنها بظاهرها وبالله التوفيق ذكروا ان هذا الكلام جرى في مجلس الشيخ
أبي الفتح عبيد الله بن فارس قبل ان يتولى الوزارة (مسألة) ان سئل سائل فقال ما معنى
قول رسول الله صلى الله عليه وآله اختلاف أمتي رحمة (الجواب) قيل له المراد بذلك اختلاف الواردين من المدن
المتفرقة على رسول الله صلى الله عليه وآله في وقته وعلى وصيه القائم مقامه من بعده ليسألوا عن معالم دينهم و
يستفتوا فيما لبس عليهم فذلك رحمة لهم إذ يعودون إلى قومهم فينذرونهم قال الله سبحانه * (فلو لا نفر
من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * التوبة وليس المراد بذلك
اختلاف الأمة في اعتقادها وتباينها في دينها وتضاد أقوالها وافعالها ولو كان هذا الاختلاف لها رحمة لكان
اتفاقها لو اتفقت سخطا عليها ونقمة وقد تضمن القرآن من الامر بالاتفاق والائتلاف والنهي عن التباين
والاختلاف ما فيه بيان شاف (فصل من الاستدلال بهذه الآية على
صحة الإمامة والعصمة) قال الله عز وجل * (فلو لا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا
في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * التوبة فحث سبحانه وتعالى على طلب العلم ورغب
300

فيه وأوجب على من به نهضة ان يلتمسه ويسارع إليه وهذا لازم في وقت رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده
ولا يصح ان يتخصص به زمان دون غيره لأن التكليف قائم لازم والشرع شامل دائم وقد علمنا ومن خالفنا
ان النافرين للتفقه في الدين أيام النبي صلى الله عليه وآله كانوا إذا وردوا عليه أرشدهم إلى الحق بعينه وهداهم
إلى قول واحد من شرعه ودينه فرجعوا إلى قومهم متفقين وعلى شئ واحد مجتمعين لا يختلفون في تأويل
آية ولا في حكم فريضة حلالهم واحد وحرامهم واحد وعلمهم واحد ودينهم واحد فثبتت بهم الحجة ويتضح للمسترشدين
المحجة وينال الطالب بغيته ويدرك المستفيد فائدته والناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله مكلفون من شرعه بما
كلفه من كان في وقته فوجب في عدل الله وحكمته وفضله ورحمته ان يزيح علل بريته ويقيم لهم
في كل زمان عالما أمينا حافظا مأمونا لا تختلف أقواله ولا يتضاد أفعاله وتثق النفوس بكماله ومعرفته
وتسكن إلى طهارته وعصمته ليكون النفير إليه والتعويل في الهداية عليه ولولا ذلك لكان الله
تعالى قد أمر بالنفير إلى المختلفين وسؤل المتباينين المتضادين والتعويل على المرجحين الظانين الذين
يحار بينهم المستجير ويضل المسترشد ويشك الضعيف وهذا عنت في التكليف تعالى الله عن ذلك علوا
كبيرا (سؤال) في الغيبة يتعلق بما ذكرناه ان قال قائل إذا كانت علل المكلفين في الشريعة لا تنزاح
إلا بحافظ للأحكام ينصب لهم مميز بالعصمة والكمال منهم يقصده المسترشدون ويعول
على قوله السائلون وكان الإمام عليه السلام اليوم على قولكم غائبا لا يوصل إليه ومستترا عن الأمة لا يقدر عليه
فعلل المكلفين اذن غير مزاحه في الشرع ووجود الحافظ لم يغن لكونه بحيث لا يقدر عليه الخلق فإلى من حينئذ
يفزع الراغبون ومن يقصد الطالبون وعلى قول من يعول السائلون ومن الذي ينفر إليه المسترشدون
(الجواب) قلنا إن الله سبحانه قد أزاح علل المكلفين في هذا العصر كما أزاح علل الأمم السابقة
من قبل الذين بعث فيهم أنبياءه فكذبوهم وأخافوهم وشردوهم وظفروا بكثير منهم فقتلوهم ولم يرسلهم
الله تعالى إليهم إلا ليقيموا احكامه بينهم وينفذ أوامره فيهم ويعلموا جاهلهم وينبهوا غافلهم ويجيبوا
سائلهم وينفر إليهم الراغب ويقتبس منهم الطالب فحال بينهم وذلك الظالمون ومنعهم مما بعثوا
له الأفكون وقطعوهم عن الابلاغ وحرموا أنفسهم الهداية منهم والانذار فكانوا في قتلهم أنبيائهم
301

كمن قصد إلى نفسه واعمى بصره عن النظر إلى سبيل النجاة ووقر سمعه عن استماع ما فيه هداه ثم
قال لا حجة لله علي ولا هداية منه وصلت إلى يقول الله عز وجل * (ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين و
هديناه النجدين) * البلد فلله الحجة البالغة على الناس ولو شاء لمنعهم من الضلال منع اضطرار ولأخرجهم
بالجبر عن سنن التكليف والاختيار تعالى الله الحكيم فيما قضى الحليم عمن عصاه والذي اقتضاه العدل و
الحكمة في هذا الزمان من نصب الإمام للأنام فقد أزاح الله سبحانه العلة فيه واوجده ودل عليه بحجة
العقل الشاهدة في الجملة بأنه لابد من امام كامل معصوم في كل عصر وبحجج النصوص على التعيين المأثورة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله رب العالمين وعن الأئمة من أهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين في التعريف
بصاحب هذا الزمان عليه السلام بنعته ونسبه الذين يتميز بهما عن الأنام ولكن الظالمين سلكوا سنن من كان
قبلهم في قصدهم لاهلاك هداتهم وحرصهم على اطفاء نور مصابيحهم فقصدوا قصده فأخافوه
وانطوت نياتهم على قتله متى وجدوه فأمره الله تعالى بالاستتار لما علمه من مباينة حاله لحال كل نبي وامام
ابدا شخصه فقتلهم الناس إذا كانت مصلحة الأمة بعد آبائه صلوات الله عليهم مقصورة على كونه إماما
لهم وان غيره لا يقوم مقامه في مصلحتهم وسقط عنهم فرض التصدي للسائلين لعدم الامن والتمكن فكانت
الحجة لله تعالى على الظالمين الذين أوجدوا سبيل الهداية وأرشدوا إليها فمنعوا أنفسهم سلوكها
وآثروا الضلالة عليها فكانوا كمن شد عينه عن النظر إلى مصالحه وسد سمعه عن استماع مناصحته ثم قال
لو شاء الله لهداني الله سبحانه فيمن ماثلت أحوالهم لحاله * (واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى
على الهدى) * فصلت تعالى الله ذو الكلمة العليا والحجة المثلى ولسنا مع ذلك نقطع على أن الإمام عليه السلام لا يعرفه
أحد ولا يصل إليه بل قد يجوز ان يجتمع به طائفة من أوليائه تستتر حتما مراجعها به وتخفيه فاما الذي يجب
ان يفعله اليوم المسترشدون ويعول عليه المستفيدون فهو الرجوع إلى الفقهاء من شيعة الأئمة عليهم السلام
وسؤالهم في الحادثات عن الاحكام والاخذ بفتاويهم في الحلال والحرام فهم الوسائط بين الرعية
وصاحب الزمان عليه السلام والمستودعون احكام شريعة الاسلام ولم يكن الله تعالى يبيح لحجته صلى الله عليه
الاستتار الا وقد أوجد للأمة من فقه آبائه عليهم السلام ما تنقطع به الاعذار وليس الرجوع إليهم كا
302

لرجوع إلى القائسين ولا التعويل عليهم بمماثل للتعويل على المستحسنين المفتين في الشريعة وبالظن و
الترجيح وإنما هو رجوع إلى ما استودعوه من النصوص مفيدة للعلم واليقين وتعويل على ما استحفظوه
من الآثار المنقولة من فتاوى الصادقين التي فيها علم ما يلتمسه الطالبون وفيه ما يقتبسه السائلون ومن
اخذ من هذا المعدن فقد اخذ من الامام صلوات الله عليه لأنها علومه وأقوال آبائه صلوات الله وسلامه
عليهم وكثيرا ما يقول لنا المخالفون عند سماعهم منا هذا الكلام إذا كنتم قد وجدتم السبيل إلى علم ما تحتاجونه
من الفتاوي في الاحكام المحفوظة عن الأئمة المتقدمين عليهم السلام فقد استغنيتم بذلك عن امام الزمان
وهذا قول غير صحيح لأن هذه الآثار والنصوص في الاحكام موجوده مع من لا يستحيل منه الغلط والنسيان
ومسموعة بنقل من يجوز عليه الترك والكتمان وإذا جاز ذلك عليهم لم يؤمن وقوعه منهم إلا بوجود معصوم
يكون من ورائهم شاهد لأحوالهم عالم باخبارهم ان غلطوا هداهم أو نسوا ذكرهم أو كتموا علم
الحق منه دونهم وامام الزمان عليه السلام وإن كان مستترا عنهم بحيث لا يعرفون شخصه فهو موجود
بينهم يشاهد أحوالهم ويعلم اخبارهم فلو انصرفوا عن النقل أو ضلوا عن الحق لما وسعته التقية ولا
ظهره الله سبحانه ومنع منه إلى أن يبين الحق وتثبت الحجة على الخلق ولو لزمنا القول بالاستغناء عن
الامام فيما وجدنا الطريق إلى علمه من غير جهته للزم مخالفينا القول بالاستغناء عن النبي صلى الله عليه وآله في
جميع ما أداه مما علم بالعقول قبل أدائه وفي اطلاق القول بذلك خروج عن الاسلام واحكامه
وقد ورد في جواب هذا السؤال ما فيه بلاغ للمسترشدين وهداية والحمد لله (تأويل آية)
ان سئل سائل فقال ما عندكم في تأويل قول الله سبحانه * (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا
يزالون مختلفين الا من رحم ربك) * ولذلك خلقهم وظاهر هذه الآية يقتضي انه لم يشأ ان يكون الناس أمة واحدة متفقين على الهدى والمعرفة وما معنى قوله ولذلك خلقهم وظاهره يقتضى خلقهم للاختلاف ولو كان
عنى به الرحمة لقال ولتلك خلقهم لأن الرحمة مؤنثة ولفظة ذلك لا يكنى بها إلا من مذكر وأما الرحمة
فانا لا نعرفها إلا رقة القلب والشفقة وهذا لا يجوز على الله سبحانه (الجواب) أما قوله تعالى * (ولو شاء ربك
لجعل الناس أمة واحدة) * فإنما عنى به المشيئة التي يقارنها الالجاء والاضطرار ولم يعن بها المشيئة
التي تكون معها على حكم الاختيار ومراده سبحانه في الآية ان يخبرنا عن قدرته وان الخلق لا يعصونه
303

على سبيل الغلبة له وانه قادر على الجائهم واكراههم على ما اراده منهم فاما لفظة ذلك في الآية فحملها
على الرحمة أولي من حملها على الاختلاف لدليل العقل وشهادة اللفظ فاما دليل العقل فمن حيث
علمنا أنه عز وجل كره الاختلاف في الدين ونهى عنه وتوعد عليه ولا يجوز ان يخلقهم لأمر يكرهه
ويشاء منهم ما نهى عنه وحظره وأما شهادة اللفظ فلان الرحمة أقرب إلى هذه الكناية من الاختلاف
وحمل اللفظ على أقرب المذكورين إليها أولي في لسان العرب من حمله على الابعد وأما قول السائل
ان الرحمة مؤنثة ولفظة ذلك لا يكنى بها إلا مذكر ففاسد لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي وإذا كنى عنها بلفظ
التذكير كانت الكناية على المعنى لأن معنى الرحمة هو الانعام والتفضل وقد قال الله سبحانه * (هذا رحمة من
ربي) * ولم يقل هذه وإنما أراد هذا فضل من ربي قال امرؤ القيس برهرهه روده رخصه كخربوه
عوبه البانه المنفطر فقال المنفطر ولم يقل المنفطرة لأنه عنى إلى الغصن فذكره وقال آخر * قامت
تبكيه على قبره من لي من بعدك يا عامر * تركتني في الدار ذا غربة * قد ضاع من ليس له ناصر * فقال
ذا غربة ولم يقل ذات غربه لأنه عنى شخصا ذا غربه والمراد بالاختلاف المذكور في الآية انما هو الاختلاف في
الدين والذهاب عن الحق فيه بالهوى والشبهة وقد ذكر بعضهم في قوله مختلفين وجها غريبا وهو ان
يكون معناه ان خلف هؤلاء الكافرين يخلف سلفهم في الكفر لأنه سواء قولك خلف بعضهم بعضا و
قولك اختلفوا كما أنه سواء قولك قتل بعضهم بعضا وقولك اقتتلوا ومنه قولهم لا افعل كذا وكذا ما
اختلف العصران والجديدان أي جاء كل منهما بعد الأخر وأما الرحمة فليست رقة القلب و
الشفقة لكنها فعل النعم والاحسان يدل على ذلك ان من أحسن إلى غيره وانعم عليه يوصف بأنه رحيم
وان لم تعلم منه رقة قلبه عليه وشفقته بل وصفهم بالرحمة من لا يعهدون منه رقة القلب أقوى
من وصفهم الرقيق القلب بذلك لأن مشقة النعمة والاحسان على من لا رقة عنده أكثر منها على الرقيق
القلب وقد علمنا أن من رق عليه أو امتنع من الافضال والاحسان لم يوصف بالرحمة وإذا أنعم وصف
بها فوجب ان يكون معناها ما ذكرناه وقد يجوز ان يكون معنى الرحمة في الأصل الرقة والشفقة ثم انتقل
بالتعارف إلى ما بلغ هذا آخر ما وجدنا من كتاب كنز الفوائد املاء الشيخ الفقيه أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي رحمه الله
وما توفيقي الا بالله لما كانت هذه الدرة الفريدة والجوهرة الخريدة مجموعة عن خطابها مخفية
من طلابها وهي كاسمها كنز مخزونة ومملوءة من اللألي مكنونة لم تسمح الأيام بنسختها
لأهل العلم والفضل إلى أن عثرت بنسختي وكانتا رغم جودها مغلوطتين ووجدت نسخة
أخرى منفردة فتصديت لتصحيحها بقدر وسع ما أردت ان أتصرف فيها بالحدس وظني ان
أهل العلم لو رأوا النسختين اعذروني عند اطلاعهم على أغلاطها وارجو من مكارم
أخلاقهم ان يقبلوا عذري ويمنوا علي بتصحيحها ويجيبوا إلي بطلب المغفرة لي ولجميع
المؤمنين والمؤمنات الأقل الأحقر المذنب خادم علماء العاملين محمد حسين بن محمد رضا التبريزي عفا عنهما وعن المؤمنين والمؤمنات ويرحم الله عبدا قال يا رب العالمين آمين
304