الكتاب: المجتنى من دعاء المجتبى
المؤلف: السيد ابن طاووس
الجزء:
الوفاة: ٦٦٤
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: صفاء الدين البصري
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

بسم الله الرحمن الرحيم
1

المجتنى
من الدعاء المجتبى
تأليف
السيد رضي الدين علي بن موسى بن طاوس
المتوفى سنة 664 ه‍
تحقيق
صفاء الدين البصري
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أزهر القلوب بدعائه، وأينع براعم الايمان بندائه، وأوسق ثمار
العقيدة بمناجاته، وهدانا بما انزل من صحفه ورسالاته، فدعانا في محكم كتابه
لدعائه، وجعله مفتاح الباب بينه وبين عبيده وإمائه، وأفضل صلواته وسلامه على
رسوله الكريم، أشرف من دعاه واصطفاه من خلائقه وبرياته، محمد بن عبد الله
- صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين المنتجبين - وبعد:
فإن من أوفر نعم الله تعالى على عباده، وكبير لطفه في خلقه، أن من عليهم
بالدعاء، وأجاز لهم ان يتكلموا معه ويناجوه، وجعل الدعاء وسيلة مقدسة يتقرب بها
العبد الفقير إلى ربه الغني، فتسمو بذلك روحه إلى مدارج الكمال، وتنعتق من كل
ألوان العبودية لغير الله تعالى مصدر الكمال المطلق، ومنبع الفيض، وتتحرر من
العلائق الدنيوية الرذيلة، فيسأل العبد ربه - في ساعات مقدسة، ولحظات شريفة -
مخلصا له ومتوجها بقلبه كشف لأوائه، وتفريج غمه، وتنفيس كربته، وجلاء
همه.
فهل هذه نعمة قليلة؟! وأي عطاء أجزل من هذا، وأي نعمة أقر لعين
الانسان الضعيف في وجوده من هذه النعمة، فقد ورد عن رسول الله - صلى الله عليه
وآله - أن " أفضل العبادة الدعاء، فإذا أذن الله للعبد بالدعاء فتح له باب الرحمة،
5

إنه لن يهلك مع الدعاء أحد " (1).
ومن وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن - عليهما السلام - قال:
" اعلم أن الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة قد أذن لدعائك، وتكفل
لإجابتك، وأمرك أن تسأله فيعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من
يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه.. ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه
بما أذن فيه من مسألته - فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت
شآبيب رحمته، فلا يقنطنك إبطاء إجابته، فإن العطية على قدر النية. وربما
أخرت عنك الإجابة، ليكون ذلك أعظم لاجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل.
وربما سألت الشئ فلا تؤتاه، وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا، أو صرف عنك لما
هو خير لك، فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته، فلتكن مسألتك فيما يبقى
لك جماله، ونفى عنك وباله، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له " (2).
ولقد بلغ حب الله تعالى للدعاء حدا أنه أمر نبيه موسى بن عمران - عليه
السلام، أن يطلب منه في دعائه كل شئ، حتى ملح طعامه، فقد ورد في الحديث
أنه تعالى قال لموسى - عليه السلام -: " يا موسى، سلني كل ما تحتاج إليه، حتى علف شاتك، وملح عجينك " (3).
وورد عن الإمام الصادق - عليه السلام -: " عليكم بالدعاء، فإنكم لا تقربون
بمثله، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، فإن صاحب الصغار هو صاحب
الكبار " (4) إلى غير ذلك من النصوص الواردة عن أهل بيت الخصوص - عليهم
السلام.

(1) تنبيه الخواطر: 463.
(2) نهج البلاغة، لصبحي الصالح: 398.
(3) بحار الأنوار 93: 303.
(4) الكافي 2: 467، بحار الأنوار 93: 303.
6

الامر الذي دعانا إلى اصطفاء هذا الكتاب القيم - على صغر حجمه، فإنه
جليل في مضامينه، غني بما فيه من منصوص وطرائف وقصص - بعد أن كان مهملا
مليئا بالأخطاء والاسقام، فشاء الله تعالى أن يمدنا بعونه، ويعيننا على اخراج هذا
الأثر النفيس محققا مدققا بهذه الهيئة الفنية الجميلة، والحلة القشيبة، فله الشكر
وله الحمد، ونسأله تعالى أن يوفقنا لاحياء المزيد من هذه النفائس الخطية، والدرر
العلمية، وإن يتقبل كل ذلك منا خلصا لوجهه الكريم، وينفعنا به يوم حشرنا
ومعادنا، إنه سميع مجيب، والله من وراء القصد.
7

ترجمة المؤلف
9

ولادته:
ولد السيد بن طاوس (1) - رحمه الله - قبل ظهر يوم الخميس، منتصف محرم سنة
589 ه‍ في مدينة الحلة (2). التي عرفت بحركتها العلمية، ومدرستها الفقهية،
التي تخرج منها أعاظم فقهاء الطائفة، وكبار أساطين العلم، الذين أخذوا بزمام

(1) هو السيد علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد - هو الملقب
بطاوس، لقب بذلك لأنه كان مليح الصورة، وقدماه غير منايبة لحسن صورته، يكنى أبا عبد الله،
وكان نقيب سورا (بحار الأنوار 107: 44) - بن إسحاق بن الحسن بن محمد بن سليمان بن داود - هو
صاحب عمل النصف من رجب المشهور - بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
- صلوات الله وسلامه عليهما - (بحار الأنوار (الاحجازات) 107: 37). وقد ذكرت ترجمة
السيد بن طاوس في معظم كتب الرجال، مثل: الإجازات، المطبوع في بحار الأنوار 107: 44،
الحوادث الجامعة: 356، عمدة الطالب: 190، أمل الآمل 2: 205، بحار الأنوار 1: 13، مجمع
البحرين (مادة طوس) 4: 83، لؤلؤة البحرين: 235، نقد الرجال: 244، هداية المحدثين:
306، جامع الرواة 1: 603، جامع المقال: 142، منتهى المقال: 225، التعليقة للوحيد
البهبهاني: 239، مقابس الأنوار: 16، روضات الجنات 4: 325، مستدرك الوسائل 3: 467،
هدية العارفين 5: 710، تنقيح المقال 2: 310 رقم 8529، الكنى والألقاب 1: 327، هدية
الأحباب: 70، سفينة البحار 2: 96، أعيان الشيعة 8: 358، معجم رجال الحديث 12: 188،
الاعلام 5: 26، معجم المؤلفين 7: 248، الأنوار الساطعة في المائة السابعة: 116، السيد علي بن
طاوس (بحث للشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمي)، موارد الاتحاف في نقباء الاشراف
1: 107، البابليات لليعقوبي 1: 65 وغيرها من كتب الرجال، إضافة إلى ما كتبه زميلنا الفاضل
حامد الخفاف في مقدمته لكتاب فتح الأبواب، بتحقيقه.
(2) كشف المحجة: 4، بحار الأنوار 107: 45.
11

المرجعية، والزعامة الدينية، والريادة العلمية مدة تقارب الثلاثة قرون.
فكان لهذه المدرسة - وبفعل التأثير الاجتماعي والبيئوي - الأثر الايجابي البير
في نفس السيد ابن طاوس، انعكس فيما بعد على سلوكه ونشأته العلمية الشريفة.
ناهيك عما كان لأسرته (1) الكريمة من فضل ومكانة اجتماعية، ورصيد علمي ثر،
و..

(1) كان لهذه الأسرة من الشرف والسؤدد ما لم يكن لغيرهم، فهي أسرة جليلة عريقة ذات أصالة ومكانة
اجتماعية سامية، جادت على المجتمع والطائفة الامامية بالكثير من رجالات الفكر، كانوا نجوما
لامعة في سماء الفضيلة والعلوم،. وليس هنا موضع ذكر جميع هؤلاء، إنما نلمح إلى أفراد عائلته
الخاصة الخاصة، تيمنا وتبركا:
أولا: أبوه السيد الشريف أبو إبراهيم موسى بن جعفر.. بن طاوس، كان من الرواة
المحدثين، كتب رواياته في أوراق وأدراج، ولم يرتبها في كتاب إلى أن توفي، فجمعها ولده رضي
الدين في أربعة مجلدات، وسماه " فرحة الناظر وبهجة الخاطر، مما رواه والدي موسى بن جعفر ".
روى عنه ولده السيد علي، وروى عنه جماعة، منهم: علي بن محمد المدائني، والحسين بن رطبة.
توفي في المائة السابعة، ودفن في الغري.
ثانيا: أمه هي بنت الشيخ ورام بن أبي الفوارس المالكي الأشتري، المتوفى سنة 605 ه‍.
ثالثا: إخوته ثلاثة، هم:
1 - السيد عز الدين الحسن بن موسى بن طاوس، توفي 654 ه‍.
2 - السيد شرف الدين أبو الفضائل محمد بن موسى بن طاوس، استشهد عند احتلال التتار
بغداد في سنة 656 ه‍.
3 - السيد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن موسى ين طاوس، من مشايخ العلامة الحلي، وابن
داود - صاحب الرجال - كان عالما فاضلا، له تصانيف عديدة في علوم الرجال والدراية والتفسير،
منها: " حل الاشكال " و " بشرى المحققين " و " شواهد القران " و " بناء المقالة الفاطمية " وغيرها
من الآثار المهمة، قال عنه ابن داود في كتابه " الرجال ": رباني وعلمني وأحسن إلي. توفي بعد أخيه
السيد رضي الدين علي بتسع سنين، أي في سنة 673 ه‍.
رابعا: زوجته هي زهراء خاتون بنت الوزير ناصر بن مهدي، تزوجها بعد هجرته إلى مشهد
الإمام الكاظم - عليه السلام - والذي أوجب فيما بعد طول استيطانه في بغداد.
خامسا: أولاده اثنان هما:
1 - النقيب جلال الدين محمد بن علي بن طاوس، ولد في الثلاثاء المصادف 9 محرم سنة
643 ه‍ في مدينة الحلة، وقد كتب والده " كشف المحجة " وصية إليه وهو صغير في سنة 649 ه‍،
وقد تولى النقابة بعد وفاة والده سنة 664 ه‍، وبقي نقيبا إلى أن توفى في سنة 680 ه‍.
2 - النقيب رضي الدين علي بن علي بن طاوس، سمي والده، ولد في يوم الجمعة 8 محرم سنة
647 في النجف الأشرف 7 يروي عن والده، وله كتاب " زوائد الفوائد " ولي النقابة بعد وفاة
أخيه محمد في سنة 680 ه‍، وتوفى بعد سنة 704 ه‍،
3 - شرف الاشراف، وصفها والدها في كتابه " الأمان من أخطار الاسفار والأزمان "
ب‍ " الحافظة الكاتبة " وقال عنها في " سعد السعود " ابنتي الحافظة لكتاب الله المجيد، شرف
الاشراف، حفظته وعمرها اثنا عشرة سنة.
4 - فاطمة، قال السيد أيضا في كتابه " سعد السعود ": فيما نذكره من مصحف معظم تام
أربعة أجزاء وقفته على ابنتي الحافظة للقرآن الكريم " فاطمة " حفظته وعمرها دون تسع سنين.
ويظهر مما ذكره السيد نفسه - قدس الله نفسه - في آخر رسالة المواساة والمضايقة أنه كانت لديه
في عام 661 ه‍ أربع بنات، حيث قال: " انتهى قراءة هذا الكتاب ليلة الأربعاء ثامن عشر ربيع
الاخر سنة إحدى وستين وستمائة، والقارئ له ولدي محمد - حفظه الله - وعلى القراءة ولدي وأخوه
علي وأربع أخواته وبنت خالي. (انظر: رسالة المواسعة والمضايقة " المنشورة في مجلة تراثنا العدد
7، 8 ": 354، الأمان من أخطار الاسفار والأزمان: 116، سعد السعود: 26، 27، كشف
المحجة: 4، 111، عمدة الطالب: 190، لؤلؤة البحرين: 238، الأنوار الساطعة: 13، 164،
185، رجال ابن داود: 46، الإجازات المطبوع في البحار 107، 39، مقدمة فتح الأبواب: 16 -
21).
12

وقد ذكر السيد بن طاوس نفسه شيئا يسيرا عن تاريخ حياته ونشأته العلمية
ودراسته، فقال:
" أول ما نشأت بين جدي ورام ووالدي.. وتعلمت الخط والعربية، وقرأت
علم الشريعة المحمدية.. وقرأت كتبا في أصول الدين.. واشتغلت بعلم الفقه،
وقد سبقني جماعة إلى التعليم بعدة سنين، فحفظت في نحو سنة ما كان عندهم
وفضلت عليهم.. وابتدأت بحفظ الجمل والعقود.. وكان الذين سبقوني
ما لأحدهم إلا الكتاب الذي يشتغل فيه، وكان لي عدة كتب في الفقه من كتب
13

جدي ورام، انتقلت إلي من والدتي - رضي الله عنها - بأسباب شرعية في
حياتها،. فصرت أطالع باليل كل شئ يقرأ فيه الجماعة الذين تقدموني بالسنتين،
وأنظر كل ما قاله مصنف عندي، وأعرف ما بينهم من الخلاف على عادة المصنفين،
وإذا حضرت مع التلامذة بالنهار أعرف ما لا يعرفون، وأناظرهم.. وفرغت من
الجمل والعقود، وقرأت النهاية، فلما فرغت من الجزء الأول منها استظهرت على
العلم بالفقه حتى كتب شيخي محمد بن نما خطه لي على الجزء الأول - وهو عندي
الآن.. فقرأت الجزء الثاني من النهاية أيضا ومن كتاب المبسوط، وقد استغنيت
عن القراءة بالكلية.. وقرأت بعد ذلك كتبا لجماعة بغير شرح، بل للرواية
المرضية.. وسمعت ما يطول ذكر تفصيله (1) ".
ثم هاجر السيد - قدس الله نفسه الزكية - إلى بغداد، ولم تذكر المصادر
التأريخية سنة هجرته هذه بشكل دقيق، ولكن يمكن القول بأن ذلك كان في حدود
سنة 625 ه‍ تقريبا، لان المصادر تذكر أنه أقام في بغداد نحوا من خمس عشرة سنة،
ثم عاد بعدها إلى مدينة الحلة في أواخر عهد المستنصر المتوفي سنة 640 ه‍ (2).
وقد كان السيد - قدس الله نفسه - خلال هذه الفترة التي قضاها في بغداد ذا
مكانة اجتماعية عالية، وشخصية وجيهة ومرموقة، سواء على صعيد علاقاته
بالمجتمع العلمي المتمثل حينذاك بعلماء النظامية والمستنصرية ومناظراته معهم، أو
على مستوى صلاته بالنظام القائم على الرغم من عدم انشغاله بالشأن السياسي في
تلك الفترة (3).
وكان له مع الخليفة المستنصر من متانة الصلة وقوة العلاقة ما يعتبر في طليعة ما

(1) انظر: كشف المحجة: 109، 129 - 130 السيد علي آل طاوس: 4.
(2) كشف المحجة: 115، بحار الأنوار 107: 45.
(3) انظر: كشف المحجة: 115، بحار الأنوار 107: 45.
14

حفل به تأريخه في بغداد، وكان من أول مظاهرها إنعام الخليفة عليه بدار سكناه، ثم
أصبحت لرضي الدين من الدالة ما يسمح له بالسعي لدى المستنصر في تعيين
الرواتب للمحتاجين (1)، وما يدفع المستنصر إلى مفاتحته في تسليم الوزارة له، ولعل
حب المستنصر - كأبيه - للعلويين، وعطفه عليهم، واهتمامه بشؤونهم هو السبب في
هذه العلاقة الأكيدة القوية، وفي تدعيمها واستمرارها طول تلك السنين (2).
وقد ذكر السيد ابن طاوس - رحمه الله - في مؤلفاته محاولات المستنصر في إقناعه
بقبول منصب الافتاء تارة (3)، ونقابة الطالبين أخرى (4)، إلى أن وصل الامر
بالمستنصر أن عرض الوزارة على السيد فرفضها، مبررا ذلك بقوله له:
" إن كان المراد بوزارتي على عادة الوزراء يمشون أمورهم بكل مذهب، وكل
سبب، سواء كان ذلك موافقا لرضا الله - جل جلاله - ورضا سيد الأنبياء والمرسلين،
أو مخالفا لهما في الآراء، فإنك من أدخلته في الوزارة بهذه القاعدة قام بما جرت عليه
العوائد الفاسدة، وإن أردت العمل في ذلك بكتاب الله - جل جلاله - وسنة رسوله
- صلى الله عليه وآله - فهذا أمر لا يحتمله من في دارك ولا مماليكك ولا خدمك ولا
حشمك، ولا ملوك الأطراف، ويقال لك إذا سلكت سبيل العدل والانصاف
والزهد: إن هذا علي بن طاوس علوي حسني، ما أراد بهذه الأمور إلا أن يعرف
أهل الدهور أن الخلافة لو كانت إليهم كانوا على هذه القاعدة من السيرة، وأن في
ذلك ردا على الخلفاء من سلفك، وطعنا عليهم (5) ".
ثم عاد بعد ذلك إلى الحلة، فبقي هناك مدة من الزمن، ثم انتقل بعدها إلى

(1) فرج المهموم: 126.
(2) السيد علي آل طاوس: 7.
(3) كشف المحجة: 111.
(4) كشف المحجة: 112.
(5) انظر: كشف المحجة: 114.
15

النجف الأشرف، فبقي فيها ثلاث سنوات، ثم بعدها إلى كربلاء، حيث كان
ينوي الإقامة فيها ثلاث سنين أيضا، ثم عاد إلى بغداد سنة 652 ه‍، وأقام بها إلى
حين احتلال المغول لها، فشارك الناس محنتهم، وذاق آلام تلك الفتنة المروعة،
وأهوال ذلك الهجوم البربري الكاسر، وفي ذلك يقول - هو بنفسه -:
تم احتلال بغداد من قبل التتر في يوم الاثنين 18 محرم سنة 656 ه‍، وبتنا
ليلة هائلة من المخاوف الدنيوية، فسلمنا الله - جل جلاله - من تلك الأهوال (1).
وفي سنة 661 ه‍ ولي السيد ابن طاوس نقابة الطالبيين، وجلس على مرتبة
خضراء، وفي ذلك يقول الشاعر علي بن حمزة مهنئا:
فهذا علي نجل موسى بن جعفر * شبيه علي نجل موسى بن جعفر
فذاك بدست للإمامة أخضر * وهذا بدست للنقابة أخضر
لان المأمون العباسي لما عهد إلى الإمام الرضا - عليه السلام - ألبسه لباس
الخضرة، وأجلسه على وسادتين عظيمتين في الخضرة، وأمر الناس بلبس الخضرة (2).
واستمرت ولاية النقابة إلى حين وفاته، وكانت مدتها ثلاث سنين وأحد عشر
شهرا (3).
مشايخه:
تلمذ السيد ابن طاوس - قدس سره - على كثير من أعاظم فقهاء الطائفة الإمامية
الحقة، ونهل من معين علمهم الرقراق، منهم:
1 - الشيخ أسعد بن عبد القهار الأصفهاني.

(1) انظر: كشف المحجة: 115 - 118، الاقبال: 586، فرج المهموم: 147، السيد علي آل
طاوس: 10، فتح الأبواب (المقدمة): 12 - 15.
(2) الكنى والألقاب 1: 328.
(3) بحار الأنوار 107: 45.
16

2 - بدر بن يعقوب القمري الأعجمي.
3 - الحسين بن أحمد السوراوي.
4 - سديد الدين سالم بن محفوظ بن عزيزة السوراوي، قرأ عليه التبصرة وبعض
المنهاج.
5 - والده: أبو إبراهيم موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن طاوس.
6 - تاج الدين الحسن بن علي الدربي، يروي عنه صحيح مسلم.
7 - كمال الدين حيدر بن محمد بن زيد بن محمد بن عبد الله الحسني.
8 - شمس الدين فخار بن معد الموسوي.
9 - نجيب الدين محمد السوراوي (يحيى بن محمد).
10 - أبو عبد الله محب الدين محمد بن محمود المعروف بابن النجار البغدادي.
11 - أبو الحسن علي بن يحيى بن علي الحافظ الحناط (الخياط).
12 - أبو حامد محيي الدين محمد بن عبد الله بن زهرة الحسيني الحلي.
13 - الشيخ محمد بن نما.
14 - صفي الدين محمد بن معد الموسوي.
تلامذته والرواة عنه:
وقد تخرج على يديه أيضا كثير من الفقهاء والمجتهدين وأساطين علماء الدين،
ومن أبرزهم:
1 - إبراهيم بن محمد بن أحمد بن صالح القسيني.
2 - أحمد بن محمد العلوي.
3 - جعفر بن محمد بن أحمد بن صالح القسيني.
4 - جعفر بن نما الحلي.
5 - الحسن بن داود الحلي.
17

6 - الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي، المشهور بلقب " العلامة " على الاطلاق.
7 - السيد عبد الكريم بن أحمد بن طاوس.
8 - السيد علي بن علي بن طاوس، صاحب كتاب " زوائد الفوائد "، ابن
المترجم له.
9 - علي بن عيسى الأربلي.
10 - علي بن محمد بن أحمد بن صالح القسيني.
11 - محمد بن أحمد بن صالح القسيني.
12 - محمد بن بشير.
13 - الشيخ محمد بن صالح.
14 - السيد محمد بن علي بن طاوس، ابن المترجم له أيضا.
15 - السيد محمد بن الموسوي.
16 - جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي.
17 - يوسف بن علي بن المطهر - والد العلامة الحلي.
أقوال العلماء فيه:
لقد أطراه جمع غفير من العلماء، وأثنى عليه كبار الفقهاء والمجتهدين، فقال
العلامة الحلي في مبحث الاستخارة من كتابه " منهاج الصلاح ": السيد السند
رضي الدين علي بن موسى بن طاوس، وكان أعبد من رأيناه من أهل زمانه (1).
كما قال فيه بعض إجازاته: وكان رضي الدين علي صاحب كرامات، حكى
لي بعضها، وروى لي والدي البعض الاخر (2).

(1) نقل عنه في المستدرك 3: 469.
(2) أمل الآمل 2: 207.
18

وقال أيضا: إن السيد رضي الدين كان أزهد أهل زمانه (1).
وقال السيد التفريشي:.. من أجلاء هذه الطائفة وثقاتها، جليل القدر،
عظيم المنزلة، كثير الحفظ، نقي الكلام، حاله في العبادة والزهد أشهر من أن
يذكر، له كتب حسنة (2).
وقال ابن عنبه: رضي الدين أبو القاسم علي السيد الزاهد، صاحب
الكرامات، نقيب النقباء بالعراق (3).
وأثنى عليه الحر العاملي قائلا: حاله في العلم والفضل والزهد والعبادة والثقة
والفقه والجلالة والورع أشهر من أن يذكر، وكان أيضا شاعرا أديبا منشئا بليغا (4).
وذكره العلامة المجلسي فقال: السيد النقيب الثقة الزاهد، جمال
العارفين (5).
وأطراه الشيخ أسد الله الدزفولي فقال: السيد السند، المعظم المعتمد، العالم
العابد الزاهد، الطيب الطاهر، مالك أزمة المناقب والمفاخر، صاحب الدعوات
والمقامات، والمكاشفات والكرامات، مظهر الفيض السني، واللطف الجلي، أبو
القاسم رضي الدين علي - بوأه الله تحت ظله العرشي، وأنزل عليه بركاته كل غداة
وعشي، وله كتب كثيرة (6).
وقال العلامة النوري الطبرسي: السيد الاجل الأكمل الأسعد الأورع
الأزهد، صاحب الكرامات الباهرة، رضي الدين أبو القاسم وأبو الحسن علي بن

(1) أمل الآمل 2: 207.
(2) نقد الرجال: 244.
(3) عمدة الطالب: 190.
(4) أمل الآمل 2: 205 / 622.
(5) بحار الأنوار 1: 113.
(6) مقابس الأنوار: 12.
19

سعد الدين موسى بن جعفر آل طاوس، الذي ما اتفقت كلمة الأصحاب - على
اختلاف مشاربهم وطريقتهم - على صدور الكرامات عن أحد ممن تقدمه أو تأخر
عنه غيره (1).
وقال أيضا في موضع آخر: وكان - رحمه الله - من عظماء المعظمين لشعائر الله
تعالى، لا يذكر في أحد تصانيفه الاسم المبارك إلا ويعقبه بقوله جل جلاله (2).
وذكره الشيخ عباس القمي فقال: ابن طاوس يطلق غالبا على رضي الدين
أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاوس الحسني الحسيني، السيد الاجل
الأورع الأزهد، قدوة العارفين.. وكان - رحمه الله - مجمع الكمالات السامية
حتى الشعر والأدب والانشاء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (3).
وقال فيه عمر رضا كحالة: فقيه، محدث، مؤرخ، أديب، مشارك في بعض
العلوم (4).
مؤلفاته وآثاره العلمية:
كان السيد ابن طاوس - قدس سره - متظلعا في شتى الميادين العلمية، متبحرا
فيها،.. فصنف المؤلفات المتنوعة والمختلفة النافعة، وكان أكثرها في مجال الأدعية
والاحراز والاستخارات - كما سيمر عليك قريبا -. وقد ذكر أصحاب تراجم الرجال
للسيد - قدس الله نفسه - ما يقرب الخمسين كتابا ورسالة، نكتفي بإيراد أسمائها
مرتبة على حروف الألف باء:
1 - الإبانة في معرفة أسماء كتب الخزانة.

(1) مستدرك الوسائل 3: 367.
(2) مستدرك الوسائل 3: 469.
(3) الكنى والألقاب 1: 327، 328.
(4) معجم المؤلفين 7: 248.
20

2 - الإجازات لكشف طرق المفازات فيما يخصني من الإجازات.
3 - الاسرار المودعة في ساعات الليل والنهار.
4 - أسرار الصلاة.
5 - الاصطفاء في تأريخ الملوك والخلفاء.
6 - إغاثة الداعي وإعانة الساعي.
7 - إقبال الأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة.
8 - الأمان من أخطار الاسفار والأزمان.
9 - الأنوار الباهرة.
10 - البهجة لثمرة المهجة.
11 - التحصيل من التذييل.
12 - التحصين في أسرار ما زاد على كتاب اليقين.
13 - التراجم فيما نذكره عن الحاكم.
14 - التعريف للمولد الشريف.
15 - التمام لمهام شهر الصيام.
16 - التوفيق للوفاء بعد التفريق في دار الفناء.
17 - جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع.
18 - الدروع الواقية من الاخطار.
19 - ربيع الألباب.
20 - روح الاسرار.
21 - ري الظمآن من مروي محمد بن عبد الله بن سليمان.
22 - زهرة الربيع في أدعية الأسابيع.
23 - السعادات بالعبادات.
24 - سعد السعود.
21

25 - شفاء العقول من داء الفضول.
26 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف.
27 - طرف من الانباء والمناقب.
28 - غياث سلطان الورى لسكان الثرى.
29 - فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب.
30 - فتح الجواب الباهر.
31 - فرج المهموم في معرفة الحلال والحرام من علم النجوم.
32 - فرحة الناظر وبهجة الخواطر.
33 - فلاح السائل ونجاح المسائل.
34 - القبس الواضح من كتاب الجليس الصالح.
35 - الكرامات.
36 - كشف المحجة لثمرة المهجة.
37 - لباب المسرة من كتاب " مزار " ابن أبي قرة.
38 - المجتنى من الدعاء المجتبى - والذي بين يديك.
39 - محاسبة النفس.
40 - المختار من أخبار أبي عمرو الزاهد.
41 - مسلك المحتاج إلى مناسك الحاج.
42 - مصباح الزائر ونجاح المسافر.
43 - مضمار السبق في ميدان الصدق.
44 - الملاحم والفتن.
45 - اللهوف (الملهوف) في قتلى الطفوف.
46 - المنتقى.
47 - مهج الدعوات ومنهج العنايات.
22

48 - المواسعة والمضايقة.
49 - اليقين باختصاص مولانا أمير المؤمنين علي - عليه السلام - بإمرة المؤمنين.
وهذا المقدار لا يعني جميع ما كتبه السيد - قدس الله نفسه - وصنفه، بل هو قليل
من كثير، وغيض من فيض، لأنه - رحمه الله - ذكر بنفسه أن هناك مختصرات ورسائل
لا تخطر في باله عند ذكره لمصنفاته ومؤلفاته في كتاب الإجازات، حيث قال:
وجمعت وصنفت مختصرات كثيرة ما هي الآن على خاطري، وإنشاءات من
المكاتبات والرسائل والخطب ما لو جمعه غيري كان عدة مجلدات، ومذاكرات
في المجالس في جواب المسائل بجوابات وإشارات، وبمواعظ شافيات، ما لو صنفها
سامعوها كانت ما يعلمه الله - جل جلاله - من مجلدات (1).
شعره:
ذكر الشهيد الأول الشيخ شمس الدين محمد بن مكي العاملي - قدس الله
نفسه الزكية - قال: كتبت من خط رضي الدين بن طاوس - قدس الله روحهما -:
خبت نار العلى بعد اشتعال * ونادى الخير حي على الزوال
عدمنا الجود إلا في الأماني * وإلا في الدفاتر والأمالي
فياليت الدفاتر كن قوما * فأثرى الناس من كرم الخصال
ولو أني جعلت أمير جيش * لما حاربت إلا بالسؤال
لان الناس ينهزمون منه * وقد ثبتوا لأطراف العوالي (2)
وقال الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمي - بعد نقله البيت الأول من هذه
القطعة -: ثم ذكر خمسة أبيات من الشعر، ولم يثبت أنها له (3). من غير أن يذكر

(1) الإجازات (بحار الأنوار) 107: 42، فتح الأبواب (المقدمة): 35.
(2) بحار الأنوار 107: 34، الكنى والألقاب 1: 328.
(3) السيد علي آل طاوس: 12.
23

لتشكيكه هذا سببا.
ووصف الشيخ الحر العاملي - رحمه الله - شخصيته العلمية والأدبية - كما
تقدم - بأنه: كان أيضا شاعرا أديبا منشئا بليغا (1). من دون أن يذكر له شعرا.
مكتبته: لقد كان للسيد علي بن طاوس - رحمه الله - مكتبة عظيمة جمعت النوادر من
ذخائر الكتب ونفائس الآثار، وكان هذا كله يشكل ثروة علمية وحضارية
ضخمة، حيث لم تقتصر خزانة كتبه - قدس سره - على صنف معين أو جانب ما من
العلوم، وإنما كانت بمثابة كنز جامع لكتب التفسير والحديث والدعوات والأنساب
والطب والنجوم واللغة والشعر والرمل والطلسمات والعوذ والتاريخ وغيرها، وقد بلغت
في سنة 650 ه‍، عند تأليفه كتاب " الإقبال " ألفا وخمسمائة مجلد (2).
وكان - رضوان الله عليه - كثير الاهتمام فيها والشغف بها، حتى أنه وضع
فهرسا لها أسماه: " الإبانة في معرفة أسماء كتب الخزانة " وهو من الكتب المفقودة
اليوم - مع مزيد الأسف - كما وضع لها فهرسا آخر أسماه: " سعد السعود " فهرس فيه
كتب خزانته بتسجيل مختارات مما ضمته تلك الكتب من معلومات وفوائد، وقد طبع
الموجود منه وهو الأول من أجزائه - وقد اختص بالكتب السماوية وعلوم القرآن - ولا
ندري هل فقد الباقي منه أو أن المؤلف لم يتمه؟.
وفي أواخر أيام حياته وقف هذه الخزانة على ذكور أولاده وذكور أولادهم
وطبقات ذكرها بعد نفادهم، ثم انقطعت عنا أخبارها بعد وفاة صاحبها، فلم نعد
نقرأ لها ذكرا أو نسمع لها اسما فيما روى الرواة، وألف المؤلفون (3).

(1) أمل الآمل 2: 205.
(2) انظر: الذريعة 1: 58 و 12: 182.
(3) انظر: السيد علي آل طاوس: 19، فتح الأبواب (المقدمة): 30.
24

هذا وقد كان السيد كثير العناية والتوجه - من بين ما حوته خزانته، وحتى
تصانيفه - بكتب الأدعية والأوراد والاحراز،. ويبرز الاهتمام بالجانب الدعائي جليا واضحا فيما ألفه وصنفه السيد ابن طاوس، حتى بدا كأنه الصفة الغالبة
لمصنفاته، ولعل السبب في ذلك يعود إلى امتناعه عن التصنيف في علمي الفقه
والكلام إلا نادرا، لشدة ورعه وتحفظه، حتى أنه لم يشتغل بالفقه إلا مدة يسيرة
إيمانا منه بأن ما حصل عليه يكفيه عما في أيدي الناس، وأن ما اشتغل فيه بعد تلك
المدة لم يكن " إلا لحسن الصحبة والانس والتفريغ فيما لا ضرورة إليه " (1).
وها هو السيد - قدس الله نفسه الزكية - يحدثنا عن هذا الجانب فيقول: واعلم
أنه إنما اقتصرت على تأليف كتاب " غياث سلطان الورى لسكان الثرى " من كتب الفقه في قضاء الصلوات عن الأموات، وما صنفت غير ذلك من الفقه وتقرير
المسائل والجوابات، لأني كنت قد رأيت مصلحتي، ومعاذي في دنياي وآخرتي في
التفرغ عن الفتوى في الأحكام الشرعية، لأجل ما وجدت من الاختلاف في الرواية
بين فقهاء أصحابنا في التكاليف الفعلية، وسمعت كلام الله - جل جلاله - يقول
عن أعز موجود عليه من الخلائق محمد - صلى الله عليه وآله -: " ولو تقول علينا
بعض الأقاويل * لاخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من
أحد عنه حاجزين " (2) فلو صنفت كتابا في الفقه يعمل بعدي عليه، كان ذلك
نقضا لتورعي عن الفتوى، ودخولا تحت حظر الآية المشار إليها، لأنه - جل جلاله -
إذا كان هذا تهديده للرسول العزيز الأعظم لو تقول عليه، فكيف يكون حالي إذا
تقولت عليه - جل جلاله - وأفتيت أو صنفت خطأ أو غلطا يوم حضوري بين يديه.
واعلم أنني إنما تركت التصنيف في علم الكلام - إلا مقدمة كتبتها ارتجالا في

(1) انظر: كشف المحجة: 127، فتح الأبواب (المقدمة): 31.
(2) الحاقة: 44 - 47.
25

الأصول سميتها " شفاء العقول من داء الفضول " - لأني رأيت طريق المعرفة به
بعيدة على أهل الاسلام، وأن الله - جل جلاله - ورسوله وخاصته - صلى الله عليه
وآله - والأنبياء قبله قد قنعوا من الأمم بدون ذلك التطويل، ورضوا بما لابد منه من
الدليل، فسرت وراءهم على ذلك السبيل، وعرفت أن هذه المقالات يحتاج إليها من
يلي المناظرات والمجادلات، وفيما صنفه الناس مثل هذه الألفاظ غنية عن أن أخاطر
بالدخول معهم على ذلك الباب، وهو شئ حدث بعد صاحب النبوة - عليه أفضل
السلام - وبعد خاصته وصحابته (1).
كتب الأدعية عند أصحابنا:
لقد كان اهتمام الشريعة الاسلامية بالدعاء كثيرا جدا، بل أكثر من كل
شئ، لذلك نراها خصصت لكل آن من آنات الليل والنهار، ولكل يوم من أيام
الأسابيع أو الشهور أو السنين أو العمر أدعية خاصة، وجعلت لكل حال من أحوال
الانسان ولكل فعل يريد القيام به، بل لجميع مطالبه الدنيوية أو الأخروية،
ولكافة أعماله العادية أو العبادية أو المعاملية وظائف من الدعاء والذكر، كما
أنه وضعت لاستجابة الدعاء ولأجل وقوعه مؤثرا مجموعة شرائط وآداب، لا يترك
الدعاء أثره في نفس الداعي، من نورانية في القلب، وتهذيب للنفس إلا بمراعاة
تلك الشرائط والآداب..
لذلك نرى أئمة أهل البيت - عليهم السلام - أولوا الدعاء عناية خاصة حتى
ملأوا به فراغا كبيرا في المجتمع والأمة الاسلامية - على صعيد التربية والتهذيب
الخلقي - وعلى هذا المنوال نسج الأعاظم من علماء الطائفة الإمامية، فبدأوا بتدوين
الأدعية من أئمة أهل البيت - عليهم السلام - لسان القرآن الناطق، وترجمان

(1) انظر: الإجازات المطبوع في بحار الأنوار 107: 42، فتح الأبواب (المقدمة): 32.
26

وحيه..
وقد أورد العلامة المحقق الشيخ آغا بزرك الطهراني - قدس الله نفسه الزكية -
في موسوعته العلمية الضخمة: " الذريعة إلى تصانيف الشيعة " فصلا ممتعا في تاريخ
تدوين الدعاء عند أصحابنا الإمامية ومدى اهتمامهم به، آثرنا أن نذكر منه ما
ارتأيناه نافعا ومفيدا، تعميما للفائدة.
قال - قدس الله روحه -:
كان بدء هذا الاهتمام من لدن عصر النبي وبعده في أعصار الأئمة - عليهم
السلام - وانتهى إلى أيام الغيبة الصغرى، وفي طيلة تلك المدة قيض الله تعالى لطفا منه
على عباده وإنفاذا لمراده جميعا كثيرا من الأخيار البررة، المعبر عنهم في كتابه بالقرى
الظاهرة، فأخذوا من معادن العلوم النبوية دررها وجواهرها، وقيدوها بغاية
الاحتياط في كتبهم وأصولهم المصححة التي كانوا يكتبونها غالبا من إملاء أئمتهم
بمحضرهم صونا عن التغيير والتبديل، كما ورد في الحديث المعتبر الذي رواه المشايخ
العظام بمسانيدهم العالية عن أبي الوضاح، وقد أورده السيد رضي الدين علي بن
طاوس في " مهج الدعوات " عند ذكره لدعاء الجوشن الصغير الذي هو من الأدعية
المنسوبة إلى الامام أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم - عليه السلام -.. (فروى
أبو الوضاح محمد بن عبد الله بن زيد النهشلي عن أبيه عبد الله بن زيد الذي كان من
أصحاب الإمام الكاظم - عليه السلام - قال عبد الله بن زيد: إنه كان جماعة من
خاصة أبي الحسن الكاظم - عليه السلام - من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه
ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال، فإذا نطق بكلمة أو أفتى في نازلة
أثبت القوم ما سمعوه منه في ذلك. قال عبد الله: فسمعناه وهو يقول في دعائه) إلى
آخر ما كتبوه عنه من دعاء الجوشن الصغير المشار إليه.
وبالجملة: إن أصحاب الأئمة - عليهم السلام - قد بذلوا جهدهم في حفظ تلك
الأحاديث المشتملة على بيان الوظائف والآداب وفي ضبط ألفاظ الأدعية المأثورة
27

عنهم وإدراجها في أصولهم وكتبهم التي ضاعت علينا منها عدة وافرة، وضاعت
تراجم مؤلفيها عن أئمة الرجال.. كان جلها باقيا بعينها إلى أواسط القرن
الخامس، كما صرح به ياقوت في " معجم البلدان " في مادة بين السورين فذكر أن
بين السورين في كرخ بغداد من أحسن محلها وأعمارها، قال: وبها كانت خزانة
الكتب التي وقفها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة ابن عضد
الدولة، ولم في الدنيا أحسن كتبا منها، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة
وأصولهم المحررة، واحترقت فيما أحرق من محال الكرخ عند ورود طغرل بيك أول
ملوك السلجوقية إلى بغداد في (سنة) 447.
أقول ومن المظنون كون جملة من كتب هذه المكتبة الموقوفة للشيعة والمؤسسة لهم
في حلتهم كرخ بغداد هي الأصول الدعائية التي رواها القدماء من أصحاب الأئمة
عنهم، وقد صرح أئمة الرجال في ترجمة كل واحد منهم بثبوت الكتاب له معبرا عنه
بكتاب الأدعية، وذاكرا لطريق روايتهم لهذا الكتاب عن مؤلفه.
بالجملة: هذه الأصول الدعائية التي كانت في مكتبة شاپور بالعناوين العامة
أو الخاصة كافتها صارت طعمة للنار - كما شرحه ياقوت - لكنا ما افتقدنا منها شيئا
إلا أعيانها الشخصية الموجودة في الخارج المرتبة على الهيئة الخاصة. وأما محتوياتها
من الأدعية والأذكار والزيارات فقد وصلت إلينا بعين ما كان مندرجا في تلك
الأصول.. وذلك لان قبل تاريخ الاحراق بسنين كثيرة قد الف جمع من الأعاظم
الاعلام كتبا في الأدعية والأعمال والزيارات، واستخرجوا جميع ما في كتبهم من
تلك الأصول الدعائية. وهذه الكتب المؤلفة عن تلك الأصول قبل التحريق موجودة
بعينها حتى اليوم مثل " كتاب الدعاء " للشيخ الكليني المتوفي (سنة) 329، و
" كامل الزيارة " لابن قولويه المتوفي (سنة) 360، و " كتاب الدعاء والمزار "
للشيخ الصدوق المتوفي (سنة) 381، و " كتاب المزار " للشيخ المفيد المتوفي (سنة)
413، وكتاب " روضة العابدين " للكراجكي المتوفي (سنة) 499، الذي ألفه لولده
28

موسى، وقد نقل عنه الشيخ شمس الدين محمد الجبعي جد الشيخ البهائي، ونقل
المجلسي عن خط الجبعي في البحار.. ونقل هذا الكتاب أيضا عن الشيخ تقي
الدين إبراهيم الكفعمي المتوفي (سنة) 905 أخ الشيخ شمس الدين الجبعي، وعده
هو من مآخذ كتابه " البلد الأمين ". فيظهر أن روضة العابدين كان موجودا عند
هذين الأخوين إلى القرن العاشر. وحكى لي العالم الثقة الشيخ محمد جواد بن
الشيخ موسى بن الشيخ حسين محفوظ العاملي الساكن بهرمل في أيام توقفه
بالكاظمية حدود (سنة) 1329، أنه رأى نسخة من روضة العابدين في الشام عند
حسن اللحام الساكن في محلة الخراب، قال: وهو كتاب كبير استعرته من مالكه
مدة، وفيه أعمال السنة مفصلا، وقد طابقته مع ما ينقل عنه الكفعمي في " البلد
الأمين " فكانا متوافقين.
أقول: على موجب هذه الأوصاف هو عديل مصباح المتهجد لشيخ الطائفة
قيض الله تعالى بعض أهل الخير على التفتيش على النسخة وتحصيلها ونشرها
ومن الكتب الدعائية المأخوذة من تلك الأصول القديمة قبل احتراق مكتبة
شاپور هو " مصباح المتهجد " لشيخ الطائفة الطوسي المتوفي (سنة) 460، فإنه بعد
وروده إلى العراق في (سنة) 408 استخرج من الأصول القديمة التي كانت تحت يده
بمكتبة شاپور ومكتبة أستاذه الشريف المرتضى أحاديث الاحكام فألف " تهذيب الأحكام
". وألف " الاستبصار فيما اختلف من الاخبار ".. وألف أيضا
" مصباح المتهجد " في الأدعية والأعمال، واستخرج فيه من تلك الأصول مقدار ما
يتحمله العباد والمتهجدين من الأدعية والأعمال.
ولما استثقله بعض، اختصره الشيخ بنفسه وسماه: " مختصر المصباح " وهما
موجودان في مكتبة " الصدر " ومكتبة " الشيخ هادي كشف الغطاء " و " المشكاة "
وغيرهما، ويقال لهما: المصباح الكبير والمصباح الصغير. وقد اختصر المصباح أيضا
العلامة الحلي وسماه " منهاج الصلاح " وأضاف إليه الباب الحادي عشر، وقد طبع
29

المصباح الكبير أخيرا.. في (سنة) 1338 وعلى هامشه ترجمته بالفارسية للمحدث
الشيخ عباس القمي، وفي أوله مقدمة المباشر والساعي السيد الفاضل علم الهدى بن
شمس الدين بن المير أحمد النقوي الكابلي.
نعم قد بقيت عدة من أعيان تلك الأصول القديمة التي كانت نسخها في غير
مكتبة شاپور وسلمت عن الحريق، فكانت إلى أوائل القرن الثامن، وحصلت نسخها
عند السيد جمال السالكين رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن محمد الطاوسي
الحسيني الحلي.. كما يظهر ذلك من النقل عنها في أثناء تصانيفه، وقد ذكر في
الفصل الثاني والأربعين والمائة من كتابه " كشف المحجة " الذي ألفه (سنة) 649
بعد ترغيب ولده إلى تعلم العلوم: (أنه هيأ الله جل جلاله لك على يدي كتبا كثيرة
- إلى قوله بعد ذكر كتب التفسير - وهيأ الله جل جلاله عندي عدة مجلدات في
الدعوات أكثر من ستين مجلدا).
ثم بعد هذه السنة حصلت عنده عدة كتب أخرى فقال في أواخر كتابه " مهج
الدعوات " الذي فرغ منه يوم الجمعة (سابع جمادي الأولى سنة 662 ه‍) - يعني قبل
وفاته بسنتين تقريبا -: (هذا آخر ما وقع في الخاطر - إلى قوله - ولو أردنا إثبات
أضعافه وكلما عرفناه كنا خرجنا عما قصدناه، فإن في خزانة كتبنا في هذه الأوقات
أكثر من سبعين مجلدا في الدعوات).
أقول: وأما سائر كتبه فقد نقلنا عن مجموعة الشهيد.. أنه جرى ملكه على
ألف وخمسمائة كتاب في سنة تأليفه للاقبال، وهي سنة 650، والله أعلم بما زيد
عليها من الكتب من هذا التاريخ إلى وفاته (سنة) 664 في طول أربعة عشر عاما.
هذه النيف والسبعين مجلدا من كتب الدعوات التي كانت عند السيد رضي
الدين ابن طاوس في (سنة) 662 جلها بل كلها كانت من تصانيف المتقدمين على
الشيخ الطوسي الذي توفي (سنة) 460، لان الشيخ منتجب الدين جمع تراجم
المتأخرين عن الشيخ الطوسي إلى ما يقرب من مائة وخمسين سنة، وذكر تصانيفهم،
30

ولا نجد في تصانيفهم من كتب الدعاء إلا قليلا، وذلك لان علماء الشيعة بعد شيخ
الطائفة إلى قرب مائة سنة كانوا يكتفون بتصانيف الشيخ ولا يتجاسرون بتأليف في
قبال تأليفاته، أو فتوى مخالفا لفتواه، حتى أن الشيخ ابن إدريس كان يعبر عنهم
بالمقلدة. بل الظاهر من كلمات السيد ابن طاوس في أثناء تصانيفه أن كتب الدعاء
التي كانت عنده كان أكثرها من الأصول القديمة بذكر تواريخ بعضها وبوصف كثير
منها بأنها نسخة الأصل أو نسخة عتيقة، وبذكر محالها في المستنصرية أو غيرها،
وبذكر أنها قرئت على المصنف، أو على غيره، أو أن عليه خط فلان، وغير ذلك من
الكلمات الصريحة جمعها في أن الكتب الموجودة عنده كانت مصححة معتمدة لديه،
مروية له عن مشايخه الاعلام، والكتاب الذي وجده ولم يكن له طريق الرواية إلى
مؤلفه يصرح عند النقل عنه بأنه إنما ينقل عنه اعتمادا على التسامح في أدلة السنن
وصدق البلوغ.
وبعد ملاحظة هذه الكلمات والتصريحات يطمئن كل أحد بأن جميع ما يذكره
السيد في تصانيفه من الأدعية والزيارات مرويات له معتمدة عليه في عمل نفسه ولا
سيما بعد ما يرى منه في المقامات من تصريحه بأنه: (لما لم أجد في الروايات دعاءا
مناسبا لهذا المقام فأنشات من نفسي دعاءا مناسبا له) ثم يذكر ما أنشأه من نفسه
بعد هذا التصريح، فتبين من ذلك فساد ما تخيل من أن أكثر أدعية ابن طاوس من
منشآت نفسه، وظهر أنه ليس من منشآت نفسه إلا ما صرح فيه بذلك.
لما نظر السيد ابن طاوس إلى ما عمله جده الأمي (1) شيخ الطائفة الطوسي
وسماه " مصباح المتهجد " في الأدعية والأعمال فرأى أنه مختصر في الغاية وخال من
كثير من الأدعية والأعمال المروية عن الأئمة - عليهم السلام - المدرجة في تلك
الكتب الكثيرة التي جمعها، فرأى أن يؤلف كتابا كبيرا يشتمل على كثير من هذه

(1) أي: جده لامه.
31

الأدعية والأعمال ويجعله من تتمات كتاب جده، وكان شروعه فيه بعد (سنة)
935، فإنه روى في أول مجلداته وهو " فلاح السائل " عن شيخه أسعد بن عبد القاهر
في هذا التأريخ، وذكر في أول " فلاح السائل " بعد ذكر " مصباح المتهجد " لجده
الأمي أنه يريد تتميمه في عشرة مجلدات يسميها " مهمات المتعبد وتتمات مصباح
المتهجد " وذكر أن " فلاح السائل " أول التتمات، وهو في مجلدين في أعمال اليوم
والليلة، والمجلد الثالث " زهرة الربيع في أدعية الأسابيع "، والرابع " جمال الأسبوع "
المرتب على تسعة وأربعين فصلا، ومن الفصل العاشر إلى آخر الكتاب كله فيما
يتعلق بيوم الجمعة، والفصول الأوائل فيما يتعلق بسائر الأيام.
وذكر ذلك في أول المجلد الخامس منها وهو " الدروع الواقية من الاخطار فيما
يعمل كل شهر على التكرار " ومنها " الإقبال " في أعمال السنة في ثلاثة مجلدات،
مجلد لشهر رمضان خاصة سماه " مضمار السبق واللحاق " ومجلدان لسائر الأشهر
الأحد عشر، ومنها " أسرار الصلاة ".. ومنها " الاسرار المودعة في ساعات الليل
والنهار " وقد يقال له " الاسرار في ساعات الليل والنهار " أو " أسرار الدعوات " ومر
بعنوان " أدعية الساعات " كما في بعض التعبيرات، ومنها " أمان الاخطار فيما
يعمل في الاسفار " ومنها " مهج الدعوات ومنهج العنايات في الاحراز والأدعية
والأعواذ " وقد طبع مرتين، ومنها " المجتنى من الدعاء المجتبى " المطبوع أيضا
مكررا، ومنها " مسالك المحتاج إلى الله في مناسك الحاج " ومنها " فتح الأبواب في
الاستخارات " ومنها " مصباح الزائر الكبير " و " مصباح الزائر الصغير ".
وبالجملة: هذه سبعة عشر مجلدا كلها في الدعوات والأذكار والأعمال
استخرجها من الكتب التي كانت عنده وفقد أكثرها بعده مثل " مدينة العلم "
للصدوق الذي ينقل عنه في " فلاح السائل " وفي إجازاته المسطورة في آخر البحار، وله
تصانيف اخر ذكرها في الإجازة المذكورة، ومما لم يذكر في الإجازة " ري الظمآن "
من مروي محمد بن عبد الله سليمان، و " فرحة الناظر " في روايات والده موسى بن
32

جعفر، وطبع منها أخيرا كتاب " الفتن والملاحم " وكتاب " فرج المهموم " وكتاب
" الطرف " وكتاب " اليقين " وكتاب " سعد السعود " وطبع قبل ذلك كتاب
" الاقبال " و " جمال الأسبوع " و " محاسبة الملائكة الكرام " و " المجتنى " و " مهج
الدعوات " وكتاب " الملهوف " و " كشف المحجة " وهو وصيته لولديه محمد وعلي
وإجازته لهما ولأختهما وإرشادهم إلى طريق السير والسلوك على ما ارتضاه الشارع
لهم، والمقيدة في الكتب والأصول الواصلة إلى السيد، وهو الذي أدرجه في تصانيفه
المذكورة التي جلها تتميم مصباح المتهجد ولولا إدراجه إياه في تصانيفه لضاع جميعه
عنا، حيث أشرنا إلى أنه فقد بعده تلك الكتب غالبا، ولم يبق منها في عصرنا أثر.
بالجملة: يكفي لكل مؤمن مريد للوصول إلى قرب ربه التوصل بطريق ارتضاه
الشارع منه وأثبته ابن طاوس في كتبه.
ثم إن جمعا من العلماء المتأخرين عن السيد علي بن طاوس قد ألحقوا بما دونه
السيد ابن طاوس في تصانيفه كثيرا من الأدعية والأعمال المنسوبة أيضا إلى الأئمة
- عليهم السلام - التي كانت مدرجة في الكتب القديمة الدعائية التي لم تصل عند
السيد ابن طاوس، وقد حفظت من الحرق والغرق والأرضة والسوس حتى وصلت
إليهم، فأدرجوا تلك الأدعية في تصانيفهم الدعائية،
منهم: الشيخ السعيد محمد بن مكي الشهيد في (سنة) 786.
ومنهم: الشيخ جمال السالكين مؤلف كتاب " المزار " الموجود، وهو أبو
العباس أحمد بن فهد الحلي مؤلف " عدة الداعي " وكتاب " التحصين في صفات
العارفين " المتوفى (سنة) 841.
ومنهم: الشيخ تقي الدين إبراهيم الكفعمي المتوفى (سنة) 905 فإنه ألف
" جنة الأمان الواقية " و " البلد الأمين " و " محاسبة النفس " وفي كلها الأدعية
والأذكار المأثورة عن الأئمة، وصرح في أول الجنة بأنه جمعه من كتب معتمد على
صحتها، مأمور بالتمسك بعروتها. وعد في " الجنة " و " البلد " من مصادرهما نيفا
33

ومائتين كتابا ينقل عنها في متن الكاتبين وحواشيهما، وكثير منها من كتب
الدعائية القديمة، منها: " روضة العابدين " للكراجكي المتوفى (سنة) 449..
ومنهم: الشيخ البهائي المتوفى (سنة) 1031 مؤلف " مفتاح الفلاح " وترجمته
للخوانساري.
ومنهم: المحدث الفيض المتوفى (سنة) 1091 مؤلف " خلاصة الأذكار ".
ومنهم: المجلسي المتوفى (سنة) 1111، وهو الذي جمع فأوعى، فألف
بالعربية في مجلدات البحار، وبالفارسية " زاد المعاد " و " تحفة الزائر " و " مقياس
المصابيح " و " ربيع الأسابيع " ومفاتيح الغيب " في الاستخارات، ولكثير منها
تراجم بالتركية والهندية الگجراتية والأردوية.
وقد الفت من لدن عصر الصفوية كتب كثيرة في الأدعية إنما أشرنا إلى بعض
مشاهيرها نموذجا (1).
وفاته ومدفنه: كانت وفاته - قدس الله نفسه - يوم الاثنين خامس ذي القعدة سنة 664 ه‍ في مدينة بغداد.
أما محل دفنه، فقد اختلفت الأقوال فيه، غير أن صاحب الحدائق - الشيخ
يوسف البحراني - ذهب إلى أن قبره - قدس سره - غير معروف الآن (2).
وعلق السيد محمد صادق بحر العلوم - في هامش اللؤلؤة - على هذا الكلام من
صاحب الحدائق، قائلا: في الحلة اليوم مزار معروف بمقربة من بناية سجن الحلة
المركزي الحالي، يعرف عند أهالي الحلة ب‍ " قبر رضي الدين علي بن موسى بن

(1) انظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة 8: 173 - 180.
(2) انظر: لؤلؤة البحرين: 241.
34

جعفر بن طاوس " يزوره الناس ويتبركون به.. قال سيدنا العلامة الحجة السيد
حسن الصدر الكاظمي - رحمه الله - في خاتمة كتابه " تحية أهل القبور بما هو مأثور " ما
نصه:
.. وأعجب من ذلك، خفاء قبر السيد جمال الدين علي بن طاوس - صاحب
الأقبل - مات ببغداد لما كان نقيب الاشراف بها ولم يعلم قبره، والذي يعرف
بالحلة بقبر السيد علي بن طاوس في البستان هو قبر ابنه السيد علي بن السيد علي
المذكور، فإنه يشترك معه في الاسم واللقب (1).
وذكر العلامة النوري الطبرسي أن: في الحلة في خارج المدينة قبة عالية في
بستان نسب إليه، ويزار قبره ويتبرك فيها، ولا يخفى بعده لو كان الوفاة ببغداد،
والله العالم (2).
وفيما تقدم من هذه العبارات إيهام كبير وشكوك في مسألة وجود قبر للسيد أو
لا، لكن السيد ابن طاوس نفسه ذكر في كتابه " فلاح السائل " أنه اختار موضع
قبره في جوار مرقد جده الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - وبهذا
يمكن دفع كل هذا الايهام والسكوك، حيث قال:
وقد كنت مضيت بنفسي وأشرت إلى من حفر لي قبرا، كما اخترته في جوار
جدي ومولاي علي بن أبي طالب - عليه السلام - متضيفا ومستجيرا ووافدا وسائلا
واملا، متوسلا بكل ما يتوسل به أحد من الخلائق إليه، وجعلته تحت قدمي والدي
- رضوان الله عليهما - لأني وجدت الله - جل جلاله - يأمرني بخفض الجناح لهما
ويوصيني بالاحسان إليهما، فأردت أن يكون رأسي مهما بقيت في القبور تحت
قدميهما (3).

(1) لؤلؤة البحرين (الهامش): 241.
(2) مستدرك الوسائل 3: 472.
(3) فلاح السائل: 73.
35

ومما يعضد كون هذا المكان هو قبر السيد - قدس سره -: ما ذكره الفوطي في
كتابه " الحوادث الجامعة " حيث قال: وفيها (1) توفي السيد النقيب الطاهر رضي
الدين علي بن طاوس، وحمل إلى مشهد جده علي بن أبي طالب - عليه السلام - قيل:
كان عمره نحو ثلاث وسبعين سنة (2).
وكما هو معروف، فإن ابن الفوطي هو أفضل من أرخ لحوادث القرن السابع
الهجري، باعتبار معاصرته لتلك الفترة، لذلك فإن قوله مقدم على قول غيره في
خصوص هذه المسألة (3) - والله العالم.
النسخ الخطية المعتمدة:
اعتمدت في تحقيقي لهذا الكتاب على نسختين خطيتين معتبرتين، إضافة إلى
النسخة الحجرية المطبوعة. وكنت - إضافة إلى ذلك - في المواضع المشكلة والغامضة
أرجع إلى نسخ أخرى لم أعتمدها في عملي هذا، وإنما استعنت بها تعضيدا لما
أجريته من تصحيح وتقويم على نص الكتاب، فكانت النسختان المعتمدتان كما
يلي:
1 - النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة الآستانة الرضوية المقدسة في مدينة
مشهد، برقم 13118 (مع كتاب مهج الدعوات)، وهي ناقصة الاخر قليلا،
مجهولة الناسخ، مكتوبة بخط النسخ، في 22 شوال سنة 1062 ه‍. تقع في 27
ورقة، كل صفحة 17 سطرا، بحجم 8 / 23 * 5 / 12 سم. وقد رمزنا لها في الهامش
بالحرف " م ".

(1) أي: في حوادث سنة 664 ه‍.
(2) انظر: الحوادث الجامعة: 356.
(3) انظر: فتح الأبواب (المقدمة): 37.
36

2 - النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة الآستانة الرضوية المقدسة
أيضا، برقم 3267، مجهولة التاريخ والناسخ، وهي بخط النسخ، تقع في
31 ورقة، كل صفحة 14 سطرا، بحجم 24 * 15 سم. وقد رمزنا لها في الهامش
بالحرف " ن ".
منهجنا في التحقيق:
لقد كان عملي في هذا الكتاب مقسما على عدة مراحل،
كالتالي:
1 - تقطيع النص وتوزيع فقراته بحسب اقتضاء مواقع الجمل
والعبارات.
2 - مقابلته مع النسخ الخطية المشار إليها، وتثبيت الاختلافات
معها.
3 - تخريج الآيات القرانية الكريمة، وبعض الأحاديث الشريفة، والروايات
الوارد ذكرها في الكتاب، وما لم يتيسر لنا تخريجه تركناه لسبب عدم وجود مصادره
التي يذكر ابن طاوس - رحمه الله - أنه نقلها منها. كما أشرنا عند ذكر المصنف اسم
كتاب ينقل عنه تعرف صاحب الذريعة - رحمه الله - له إن كان من كتب الشيعة،
وإن كان من مصنفات العامة ذكرنا تعريفا له من كتبهم، تعميما للفائدة.
4 - تفسير الألفاظ المشكلة من المعاجم اللغوية المعتبرة كمجمع البحرين
وغيره، مع ترجمة الأماكن والبلدان الوارد ذكرها في الكتاب.
5 - تقويم متن الكتاب وضبط نصه، مع ملاحظة الاختلافات الواردة في
النسخ الانفة الذكر والإشارة إلى بعضها في الهامش عند اقتضاء دلك.
6 - تنزيل هامشه مستفيدا من كل ما أنجز في المراحل المتقدمة، وصياغة
الكتاب بهذا الشكل الفني بخط واضح وجلي.
37

ختاما، أسأل الله تعالى أن يتقبل منا هذا المجهود العلمي المتواضع، ويجعله
ذخرا لنا يوم حشره ومعاده، إنه ولي النعم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
صفاء الدين البصري
شوال المكرم 1412 ه‍
مشهد المقدسة
38

نماذج
من النسخ الخطية المعتمدة
39

صورة الصفحة الأولى من النسخة الخطية " م "
41

صورة الصفحة الأخيرة من النسخة الخطية " م "
42

صورة الصفحة الأولى من النسخة الخطية " ن "
43

صورة الصفحة الأخيرة من النسخة الخطية " ن "
44

المجتنى
من الدعاء المجتبى
تأليف
السيد رضي الدين علي بن موسى بن طاوس
المتوفى سنة 664 ه‍
تحقيق
صفاء الدين البصري
45

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين
يقول مولانا السعيد المرحوم، شرف آل الرسول، النقيب الطاهر المعظم، أوحد
الدهر، وفريد العصر، الزاهد العابد، ذو الفضائل الجمة، والماثر الجميلة، رضي
الدين، ركن الاسلام والمسلمين، أبو القاسم علي بن موسى، بن
جعفر، بن محمد، بن محمد الطاوس العلوي الفاطمي " قدس الله روحه، وأسكن
الرحمة رخامه وضريحه ":
أحمد الله جل جلاله بحسب ما يهديني إليه، ويقويني عليه، وأشهد أن لا اله
إلا الله، شهادة تقربني إليه، وتؤمنني (1) في الدنيا وعند القدوم إليه، وأشهد أن
محمدا جدي، عبده ورسوله، وأعز الخلائق عليه، وأنه أحق بما أسند إليه، في تعيينه
لمن يقوم مقامه فيه، ويحفظه ويؤديه، وبعد:
فإني وجدت دعوات لطيفة، ومهمات شريفة، وقد سميتها ب‍ " المجتنى من
الدعاء المجتبى "، وجعلت أولها ما نقلته من الجزء الرابع من كتاب " دفع الهموم
والأحزان، وقمع الغموم والأشجان " (2) تأليف: أحمد بن داود النعماني رحمه الله.

(1) " ن ": وتؤمني.
(2) نقل عنه في " مهج الدعوات " أيضا، وصرح في بعض تصانيفه (المجتنى هذا) بأنه رأى في الجزء
الرابع من " دفع الهموم " بعض أدعية رفع الأعداء، فيظهر منه أنه في عدة أجزاء، والكفعمي نقل
عنه في مصباحه " الجنة الواقية " بما اعتماده عليه.. ويقال له " رفع الهموم " - بالراء المهملة
أيضا، والظاهر أنه بالدال. انظر: الذريعة 8: 233.
47

قال: وشكى رجل إلى الحسن بن علي صلوات الله عليهما جارا يؤذيه، فقال له
الحسن عليه السلام: (إذا صليت المغرب * فصل ركعتين، ثم قل:
يا شديد المحال، يا عزيز أذللت بعزتك جميع خلقك (1)، أكفني
شر فلان بما شئت.
قال: ففعل الرجل ذلك، فلما كان في جوف الليل سمع الصراخ (2)، وقيل:
فلان قد مات الليلة (3).
ومن الكتاب المذكور، والمهمات المذكورة:
قال جابر بن عبد الله: دعا النبي صلى الله عليه وآله على الأحزاب (4) يوم
الاثنين ويوم الثلاثاء، واستجيب له يوم الأربعاء بين الظهر والعصر، فعرف
السرور في وجهه، قال جابر: فما نزل بي أمر غائط (5) وتوجهت في تلك الساعة، إلا
عرفت الإجابة.
ومنه: قال النبي صلى الله عليه وآله: (من كانت له حاجة فليطلبها في

(1) " ن ": ما خلقت.
(2) في بعض النسخ: الصرخة، وفي بعضها الاخر: الصياح.
(3) أورده الزمخشري في " ربيع الأبرار " 2: 223 بتفاوت طفيف، وسيأتي النقل عنه.
(4) يوم الأحزاب: يوم اجتماع قبائل العرب على قتال رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو يوم الخندق،
فالأحزاب عبارة عن القبائل المجتمعة لحرب رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانت قريش قد أقبلت
في عشرة آلاف من الأحابيش ومن كنانة وأهل تهامة، وقائدهم أبو سفيان، وغطفان في ألف،
وهوازن في بني قريضة والنضير. مجمع البحرين 1: 499 (حزب).
(5) الغيظ: أشد غضب، وهو الحرارة التي يجدها الانسان من فوران دم قلبه. المفردات للراغب
الأصفهاني: 368 (غيظ).
48

العشاء، فإنه لم يعطها أحد من الأمم قبلكم) يعني: العشاء الآخرة.
ومن الكتاب المشار إليه:
قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهمه (1) أمر أو كربه (2) أو
بلغه من المشركين بأس، قبض يده، ثم قال: (تضايقي تنفرجي) ثم استقبل القبلة
ورفع يده فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم إياك نعبد وإياك نستعين، اللهم كف (3) بأس الذين كفروا
فإنك أشد بأسا وأشد تنكيلا.
فوالله، ما يبسطها حتى يأتيه الفرج.
وفي رواية أخرى: فما يخفض يديه المباركتين حتى ينزل الله تعالى النصر.
ومنه: إذا فزعت من سلطان و (4) غيره، فقل:
حسبي الله، لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب العرش
العظيم.
فإنك لا ترى في وجهه قترا ولا ذلة.
ومنه: إذا دخلت على سلطان تخافه، فقل:
الله الله ربي، الله ربي، الله ربي، لا أشرك به شيئا.
تقوله مرارا، فإنه لا يصل إليك مكروه.

(1) أي: أقلقه وأحزنه. مجمع البحرين 4: 437 (همم).
(2) الكربة - بالضم -: الغم الذي يأخذ بالنفس، وكذلك الكرب. مجمع البحرين: 4: 28 (كرب).
(3) كففته كفا: منعته فكف. مجمع البحرين 4: 55 (كفف).
(4) " م ": أو.
49

ومنه: للسلطان تقول (1) في وجهه إذا رآك - مما قد جرب.
أطفأت غضبك يا فلان بلا إله إلا الله.
ومنه: قال نوبة العنبري: أكرهني يوسف بن عمر على العمل فهربت، فلما
رجعت حبسني حتى لم يبق في رأسي شعرة سوداء، فأتاني ات في منامي، عليه
ثياب بياض (2)، فقال: أيا نوبة، قد أطالوا حبسك؟ قلت: أجل، قال: قل:
أسال الله العفو والعافية، والمعافاة في الدنيا والآخرة.
ثلاثا، وهو من الدعاء المستجاب الذي لا يشك فيه، يدعى به في الشدائد
والحبوس، ويقترن الفرج به، قال: فلما استيقظت فكتبت ما قال، قم توضأت
وصليت ما شاء الله، وجعلت ادعو حتى صليت صلاة الصبح، فجاء حرسي فقال:
أين نوبة العنبري؟ فحملني في قيودي وأدخلني عليه وأنا أتكلم بهن، فلما رآني أمر
بإطلاقي، قال نوبة: فعلمتهن (3) رجلا في السجن، فقال: لم ادع إلى عذاب قط
فقلتهن الا خلي عني، فجئ بي يوما إلى العذاب فجعلت أتذكرهن فلا أذكرهن
حتى جلدت مائة سوط، فذكرتهن حينئذ ودعوت بهن فخلي عني (4).

(1) " م ": تقوله.
(2) " م ": بيض.
(3) في بعض النسخ: فعلمته.
(4) انظر: بحار الأنوار 95: 196، نقلا عن البلد الأمين: 523، وأورد السيد نفسه " قدس الله نفسه "
في كتابه " مهج الدعوات " ص 142، دعاءا لطيفا عن مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام، في
الفرج من الحبس والضيق، قال: روي أن رجلا كان محبوسا بالشام مدة طويلة مضيقا عليه، فرأى
في منامه كأن الزهراء صلوات الله عليها أتته فقالت له: أدع بهذا الدعاء! فتعلمه ودعا به فتخلص
ورجع إلى منزله، وهو:
اللهم بحق العرش ومن علاه، وبحق الوحي ومن أوحاه، وبحق النبي ومن نباه، وبحق
البيت ومن بناه، يا سامع كل صوت، يا جامع كل فوت، يا بارئ النفوس بعد
الموت، صل على محمد وأهل بيته، وآتنا وجميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض
ومغاربها فرجا من عندك عاجلا بشهادة ان لا إله الا الله، وأن محمدا عبدك ورسولك صلى
الله عليه وآله، وعلى ذريته الطيبين الطاهرين وسلم.
50

ومنه: للعدو تقوله (1) في وجهه فلا يقدر على ضرك.
" كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز " (2).
ومنه: للسلطان إذا خفته:
" وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون " (3)
فإنه لا يضرك.
ومنه: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (من ظلم وأقام ظالمه على ظلمه لا
يرجع عنه، فليفض (4) الماء على نفسه، ويسبغ (5) الوضوء ويصلي ركعتين، ثم
يقول:
اللهم إن فلان بن فلان ظلمني،، واعتدى علي، ونصب لي،
وأمضني (6) وارمضني (7)، وأذلني وأخلقني (8)، اللهم فكله

(1) " ن ": تقول له.
(2) المجادلة: 21.
(3) الزمر: 61.
(4) افض على رأسك الماء، أي صبه وشيعه عليه. مجمع البحرين 3: 443 (فيض).
(5) إسباغ الوضوء: إتمامه وإكماله، وذلك في وجهين: إتمامه على ما فرض الله تعالى، وإكماله على ما
سنه رسول الله صلى الله عليه وآله.
ومنه: اسبغوا الوضوء - بفتح الهمزة -، أي: أبلغوه مواضعه، وأوفوا كل عضو حقه. مجمع البحرين
2: 328 (سبغ).
(6) يقال: مضني الجرح مضا، وأمضني إمضاضا: إذا أوجعني، ومضه الشئ مضا: بلغ من قلبه
الحزن به. والمضض: وجع المصيبة. مجمع البحرين 4: 209 (مضض).
(7) يقال: أرمضته فرمض، أي: أخرقته الرمضاء، وهي شدة حر الشمس. المفردات للراغب
الأصفهاني: 203 (رمض).
(8) خلق الثوب - بالضم -: إذا بلي، وأخلق الثوب مثله. مجمع البحرين 2: 694 (خلق).
51

إلى نفسه، وهد ركنه، وعجل جائحته (1)، واسلبه نعمتك عنده،
واقطع رزقه، وابتر (2) عمره، وامح أثره، وسلط عليه عدوه، وخذه
من مأمنه كما ظلمني واعتدى علي ونصب لي، وأمض وأرمض
وأذل وأخلق.
فإنه لا يمهل.
ومنه: وروي: من كان بينه وبين رجل ظلامة فقال وهو متوجه إلى القبلة:
اللهم إني أستعديك (3) (4) على فلان بن فلان فأعدني (5)، فإنك
أشد بأسا وأشد تنكيلا.
ثلاث مرات، أعداه (6) الله عز وجل.
ومنه: من دعاء يعقوب ويوسف، علمه جبرئيل عليه السلام وهو في
الجب (7).
اللهم يا لطيفا فوق كل لطيف، الطف بي في جميع أحوالي
كما أحب وأرضى في دنياي وآخرتي.

(1) الجائحة: الآفة التي تهلك الثمار وتستأصلها. وكل مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة جائحة، يقال:
جاحت الآفة المال تجوحه جوحا: أهلكته. مجمع البحرين 1: 424 (جوح).
(2) أي: اقطع.
(3) استعديت الأمير على الظالم: طلبت منه النصرة، فأعداني عليه: أعانني ونصرني، فالاستعداء:
طلب التقوية والنصرة. المصباح المنير: 397 (عدا).
(4) " م ": أستعيذ بك.
(5) " م ": فأعذني.
(6) " م ": أعاذه.
(7) الجب - بالضم - ركية لم تطو، فإذا طويت فهي بئر. وجب يوسف عليه السلام على اثني عشر
ميلا من طبرية. مجمع البحرين 1: 337 (جبب).
52

ومنه: رأى رجل النبي صلى الله عليه وآله، فسأله أن يعلمه دعاء الفرج، فقال:
(قل:
يا من لا يستحيى من مسألته، ولا يرتجى العفو إلا من قبله،
أشكو إليك ما لا يخفى عليك، وأسألك ما لا يعظم عليك، صل
على محمد وآل محمد.
وادع بما شئت، ينجح الله طلبتك) فقال: يا رسول الله، لي وحدي؟ فقال:
(لك ولكل من دعا به إن شاء الله تعالى).
ومنه: وروي: من كانت له حاجة، فليصم الأربعاء والخميس والجمعة،
فإذا كان يوم الجمعة تطهر وراح إلى المسجد وتصدق بصدقة - قلت أو كثرت -
بالرغيف إلى ما دون ذلك، وما كثر أو قل، فإذا صلى الجمعة قال:
اللهم إني أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم، الذي لا
إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، الذي لا إله
إلا هو، الحي القيوم، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، الذي ملأت
عظمته السماوات والأرض، وأسألك باسمك بسم الله الرحمن
الرحيم، الذي لا إله إلا هو، الذي عنت له الوجوه، وخشعت له
الابصار، ووجلت له القلوب من خشيته، أن تصلي على محمد
وآل محمد، وأن تقضي حاجتي في كذا وكذا.
وكان يقول (1): لا تعلموها سفهاءكم (2) فيدعون بها فيستجاب لهم.
ويقال: لا تدعوا بها على مأثم ولا على قطيعة رحم.

(1) " م ": يقال.
(2) السفيه: المبذر، وهو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة، أو ينخدع في المعاملة. وفسر
53

ومنه: وروي: أن من أسبغ الوضوء وصلى ركعتين ودعا بهذا الدعاء، استجيب
له ما سأل من كشف كرب و (1) غير ذلك.
يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالا لما يريد، أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي لا يضام، ونورك الذي ملأ
أركان عرشك، أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تكفيني
كذا وكذا، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني.
ومنه: إذا أردت أن يحجب الله عنك بصر من تخافه وتتقي جانبه، فقل:
يا رب العالمين، إياك نعبد وإياك نستعين، أسألك
باسمك العظيم الذي تجليت به لموسى على الجبل فجعلته
دكا " وخر موسى صعقا " (2) أن تطمس عني بصر من أخشاه،
وتمسك عني لسانه، وتختم على قلبه، وتحبس يده، وتقعده
من رجله، إنك على كل شئ قدير.
ومنه: دعاء، ذكر صاحب التأريخ أنه دعا به المسلمون، فجازوا به في البحر كان
يتعذر جوازه.
يا أرحم الراحمين، يا كريم يا حليم، يا أحد يا صمد، يا
حي، يا محيي الموتى، يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت يا ربنا.
دعاء آخر، ذكر صاحب التأريخ أن راهبا سمع الملائكة تدعوا به للمسلمين

السفيه أيضا بمن يستطيل على من دونه، ويخضع لمن فوقه. ولو فسر بالذي لا يبالي بما قال، ولا
ما قيل فيه، لم يكن بعيدا. والسفه ضد الحلم. مجمع البحرين 2: 384، 385 (سفه).
(1) " م ": أو.
(2) الأعراف: 143.
54

فأسلم، وكان المسلمون يحاربون في البحر.
اللهم أنت الرحمن الرحيم، لا إله غيرك، والبديع الذي
ليس قبلك شئ، والدائم غير الغافل، والحي القيوم الذي لا
يموت، وخالق ما يرى وما لا يرى، وكل يوم أنت في شأن،
وعلمت اللهم كل شئ بغير تعليم.
ومن كتاب بعض سير الأئمة عليهم السلام بإسناده، قال: كان علي بن
الحسن المقري قد اذاه رجل جندي من أصحاب إسحاق بن عمران، قال: فدعوت الله
عليه بدعاء الاستيصال فقلنا: وما دعاء الاستيصال؟ قال: قل
اللهم غمه (1) بالشر غما، ولمه (2) بالشر لما، وطمه (3)
بالشر طما، وقمه (4) بالشر قما، وأطرقه (5) بليلة لا أخت لها،
وساعة لا منجى له منها.
قال: فغضب على الجندي بعد إيام إسحاق بن عمران، فأمر به فضرب عنقه،
فقلنا لعلي بن الحسن المقري: هذا الجندي الذي دعوت عليه قد قتل؟ فقال:
الحمد لله رب العالمين.
ووجدت في هذا الكتاب المذكور لفظ دعاء مولانا الصادق عليه السلام على
داود بن علي، الذي هلك بدعائه لفظا فيه زيادة في حال سجوده، وهو:

(1) الغمة - بالضم - الكربة، يقال: غمه الشئ من باب قتل: غطاه، ومنه قيل للحزن غم، لأنه
يغطي السرور والحلم، مجمع البحرين 3: 332، 333 (غمم).
(2) الملمة: النازلة من نوازل الدهر، والملمات: الشدائد. مجمع البحرين 4: 143 (لمم).
(3) يقال: طم البئر طما: ملاها حتى استوت مع الأرض.
مجمع البحرين 3: 62 (طمم).
(4) قم البيت قما: كنسه. مجمع البحرين 3: 55 (قمم).
(5) الطرق: الدق والضرب مجمع البحرين 3: 45 (طرق).
55

يا ذا القوة القوية، والقدم الأزلية، ويا ذا المحال (1) الشديد،
والنصر العتيد (2)، ويا ذا العزة التي كل خلق لها ذليل، خذ داود
أخذ عزيز مقتدر، وأفجأه مفاجأة مليك منتصر.
فإذا بالصياح قد علا في دار داود بن علي، وإذا به قد مات (3)
دعوة لبني إسرائيل وقد هجم عليه من جيوش الأعداء ما لا طاقة لهم به،
فدعوا بهذه الدعوات، فقتل عدوهم في ليلة واحدة.
اللهم أنت القادر على كل شئ، والقاهر لكل شئ، ومن

(1) شديد المحال: أي شديد العقوبة والنكال، ويقال: المكر والكيد، ويقال: القوة والشدة.
المفردات للراغب: 464، مجمع البحرين 4: 176 (محل).
(2) العتيد: الحاضر المهيأ. مجمع البحرين 3: 115 (عتد).
(3) روى العلامة المجلسي في البحار نقلا عن الطبرسي في إعلام الورى: 270، أن داود بن علي بن
عبد الله بن العباس قتل المعلى بن خنيس مولى جعفر بن محمد عليه السلام، وأخذ ماله، فدخل عليه
جعفر وهو يجر رداءه، فقال له: قتلت مولاي وأخذت مالي؟ أما علمت أن الرجل ينام على الثكل
ولا ينام على الحرب!! أما والله لأدعون الله عليك، فقال له داود: تهددني بدعائك؟ - كالمستهزئ
بقوله - فرجع أبو عبد الله عليه السلام إلى داره، فلم يزل ليله كله قائما وقاعدا حتى إذا كان السحر،
سمع وهو يقول في مناجاته: " يا ذا القوة القوية، ويا ذا المحال الشديدة، ويا ذا العزة التي كل خلق لها
ذليل، أكفني هذا الطاغية، وانتقم لي منه " فما كان إلا ساعة حتى ارتفعت الأصوات
بالصياح، وقيل: قد مات داود بن علي الساعة.
وروى في موضع آخر منه نقلا عن الكشي في رجاله: 323 - 324، أنه لما قتل داود بن علي
المعلى بن خنيس لم يزل أبو عبد الله عليه السلام ليله ساجدا وقائما، قال: فسمعته في آخر الليل وهو
ساجد يقول: " اللهم إني أسألك، بقوتك القوية، ومحالك الشديد، وبعزتك التي جل خلقك لها
ذليل، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تأخذه الساعة الساعة " قال: فوالله ما رفع رأسه
من سجوده حتى سمعنا الصائحة فقالوا: مات داود بن علي! فقال أبو عبد الله عليه السلام: إني
دعوت الله عليه بدعوة بعث الله إليه ملكا فضرب رأسه بمزربة انشقت مثانته. انظر: الارشاد للمفيد:
256، كشف الغمة 2: 39، بحار الأنوار 95: 221، 225.
56

إليه الملجأ في كل شئ، قد سمعت ما قد أشغلنا هذا الكافر
الساحر، وإن كنا قليلين في أنفسنا فبك نقوى، فقونا على
القوم الظالمين، واكفنا العدو المبين.
نقله من " تأريخ محمد بن موسى الخوارزمي " عتيق، ربما كان نقله من زمن
المستعين الملك (1).
ووجدت في كتاب " المعرب عن سيرة ملك المغرب " (2): أن عقبة بن عامر كان
رجلا مستجاب الدعوة، صالحا، وكان أمير الجيش الذي افتتح أفريقية (3) في زمن
عثمان، وأنه الذي سخر (4) القيروان (5)، وكان موضعها أجمة (6) تأوي إليها

(1) ذكره ابن النديم في فهرسته: 383، ولم أر له ذكرا في مكان آخر.
(2) المعرب عن سيرة ملوك أهل المغرب، مجلد، فرغ منه مؤلفه بالموصل سنة 579 ه‍، ذكره ابن
خلكان. انظر: كشف الظنون 2: 1739.
(3) أفريقية: اسم لبلاد واسعة ومملكة كبيرة قبالة جزيرة صقلية، وينتهي آخرها إلى قبالة جزيرة
الأندلس. معجم البلدان 1: 228.
(4) في بقية النسخ: أخبره.
(5) القيروان: هي في اللغة: القافلة: يقال: إن القافلة نزلت بذلك المكان وبنيت المدينة في موضعها،
فسميت باسمها، وهو اسم للجيش أيضا، وقيل: إنها - بفتح الراء -: الجيش، وبضمها: القافلة.
كانت مدينة عظيمة بأفريقية، فلما ملكها العرب انتقل أهلها عنها ولم يبق فيها غير الصعاليك.
حصرها عمرو بن العاص على يد عقبة بن نافع القرشي. مراصد الاطلاع 3: 1139.
وقال صاحب معجم ما استعجم: مدينة معروفة كان معاوية بن خديج قد اختط القيروان
بموضع يقال له اليوم: القرن، فنهض إليه عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري لما ولاه عمرو بن
العاص أفريقية، فلم تعجبه، فركب الناس إلى موضع القيروان اليوم، وكان واديا كثير الأشجار،
غيضة، مأوى للوحوش والحيات، فوقف عليه، وقال: يا أهل الوادي، إنا حالون إن شاء الله،
فأظعنوا - يقول ذلك ثلاث مرات - قال: فما رأينا حجرا ولا مدرا إلا تخرج من تحته حية أو دابة،
حتى هبطن بطن الوادي، ثم قال: أنزلوا باسم الله، وأمر بقطع شجره وحرقه، واختط في ذلك
الموضع، وذلك في سنة خمسين، وأقام به ثلاث سنين، ثم جعل يغزو ويفتح البلاد حتى بلغ سوس
القصوى، وقتل شهيدا سنة ثلاث وستين، وكان مستجاب الدعوة. معجم ما استعجم 3: 1105. (6) الأجمة: الشجر الملتف. المصباح المنير: 6 (أجم).
57

السباع، ولم يكن بذلك الصقع (1) أوفق لاختطاط مدينة من تلك الأجمة،
فأزمع (2) على قطعها والبناء فيها، فذكر له أن بها سباعا ما (3) تفارق عرينها إلا بعد
حرب، فربما افترست أحدا من المسلمين؟ فقال عقبة: لا تعرضوا، فغدا أكفيكم
أمرها إن شاء الله، فجاء إليها ليلا فصلى عندها، ثم دعا، فلما أسحر نادى بأعلى
صوته.
" سلام على ما بهذه الأجمة من السباع والوحوش، أما
بعد فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، وإننا معاشر (4)
المسلمين نازلون بهذه الأجمة، ومتخذوها دارا، فليأذن كل
حيوان فيها بخروج إن شاء الله ".
فلما أصبح نظر الناس إلى السباع تخرج من الأجمة جموعا، والوحوش
أسرابا (5)، معها أولادها إلى أن لم يبق فيها شئ.
ورويت من " أمالي الشيخ المفيد " " رضوان الله عليه " مجلس يوم السبت لثمان
خلون من شهر رمضان، بإسناده إلى إسحاق بن الفضل الهاشمي، قال:
كان من دعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
اللهم إني أعوذ بك أن أعادي لك وليا، أو أوالي لك عدوا،

(1) الصقع: الناحية من البلاد والجهة أيضا والمحلة. المصباح المنير: 345 (صقع).
(2) أي: عزم.
(3) " م ": لم.
(4) " م ": معشر.
(5) السرب: الجماعة من النساء والبقر والشاة والقطا والوحش، والجمع: أسراب. المصباح المنير: 272 (سرب).
58

أو أرضى لك سخطا أبدا، اللهم من صليت عليه فصلاتنا (1) عليه،
ومن لعنته فلعنتنا عليه، اللهم من كان في مونه فرج (2) لنا
ولجميع المسلمين فأرحنا منه، وأبدلنا (3) به من هو خير لنا منه،
حتى ترينا من علم الإجابة ما نتعرفه منك في أدياننا
ومعايشنا، يا أرحم الراحمين (4).
ومن كتاب " المستغيثين " (5) تأليف: خلف بن عبد الملك بن مسعود،
بإسناده، أن رجلا حمل إلى السجن، فمر على حائط عليه مكتوب:
يا وليي في نعمتي، ويا صاحبي في وحدتي، ويا عدتي في
كربتي.
فدهى بها وكررها، فخلي سبيله، فعاد إلى ذلك الحائط، فلم ير عليه شيئا
مكتوبا.
ومنه: دعاء من أحوجه الفقر إلى خدمة السلطان، فدعى بها فأغناه الله تعالى.
اللهم باسمك الذي تكرم به من أحببت من أوليائك، وتلهمه
الرفيع من أصفيائك، أسألك أن تأتينا برزق من لدنك تقطع به
علائق السلطان من قلوبنا، وقلوب أصحابنا هؤلاء عن الشيطان،

(1) في المصدر: فصلواتنا.
(2) في المصدر: فرح.
(3) " م " والمصدر: وأبدل لنا.
(4) الأمالي، للشيخ المفيد: 165 الحديث 6.
(5) كتاب المستغيثين بالله، لخلف بن عبد الملك بن مسعود، ينقل عنه السيد رضي الدين علي بن طاوس
في " المجتنى " بعض الأدعية، وكذا ينقل عنه الكفعمي في " الجنة الواقية " وعده من ماخذ " البلد
الأمين " أيضا. الذريعة 21: 12.
59

فأنت الحنان المنان، قديم الاحسان، يا كريم.
فأغناهم الله من فضله في الحال.
ومنه: دعاء علمه إنسان من هاتف وهو ضال، فاهتدى:
بسم الله ذي الشأن، العظيم البرهان، الشديد السلطان، كل
يوم هو في شأن، ما شاء الله كان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومنه: أن رجلا كان مأسورا عشر سنين، فرأى في منامه من عليه هذا الدعاء،
فدعى به، فخلصه الله تعالى بقدرته القاهرة، وهو:
تحصنت بالحي الذي لا يموت، ورميت كل من أرادني بسوء
بلا حول ولا قوة إلا بالله، وأصبحت في جوار الله الذي لا يرام ولا
يستباح وحمى الله الكريم وذمته التي لا تخفر (1)، واستمسكت
بالعروة الوثقى، وتوكلت على الله ربي ورب السماوات والأرض، لا إله
إلا هو، واتخذته وليا، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم
الوكيل.
ومنه: أن شخصا حبسه بنو أمية، فرأى عيسى عليه السلام، فعلمه هذه
الكلمات، ففرج الله عنه في (2) يومه.
لا إله إلا الله الملك الحق المبين.
ومنه: دعاء علمه النبي صلى الله عليه وآله لفضة جارية فاطمة عليها السلام،
فاستجيب لها:

(1) يقال: أخفرت الرجل وخفرت الرجل: إذا نقضت عهده وغدرت به، فالهمزة للسلب والإزالة، أي: أزالت خفارته. مجمع البحرين 1: 668 (خفر).
(2) " ح " باقي.
60

يا واحدا ليس كمثله أحد، تميت كل أحد، وتفني كل أحد، وأنت واحد لا تأخذك سنة ولا نوم.
ومنه: دعاء رواه مولانا الحسن بن علي عليهما السلام: أن مولانا كان إذا
أحزنه أمر، خلا في بيت ودعا به، وهو:
يا كهيعص، يا نور يا قدوس، يا خبير يا الله، يا رحمن - رددها
ثلاثا - اغفر لي الذنوب التي تحل النقم، واغفر لي الذنوب التي
تغير النعم، واغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، واغفر لي
الذنوب التي تنزل البلاء، واغفر لي الذنوب التي تعجل الفناء،
واغفر لي الذنوب التي تديل (1) الأعداء، واغفر لي الذنوب التي
تقطع الرجاء، واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء، واغفر لي
الذنوب التي تمسك غيث السماء، واغفر لي الذنوب التي تظلم
الهواء، واغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء.
ثم تدعو بما تريد.
ووجدت في كتاب " المستغيثين بالله جل جلاله " أيضا، عن رجل من
الأنصار، أنه لقيه لص (2)، فأراد أخذه، فسأله أن يصلي أربع ركعات فتركه،
فصلاها، وسجد، فقال في سجوده:
يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالا لما يريد، أسألك
بعزتك التي لا ترام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ

(1) الأدلة: النصرة والغلبة، يقال: أديل لنا على أعدائنا، أي انصرنا عليهم وكانت الدولة لنا. مجمع
التحرين 2: 7 (دول).
(2) اللص: السارق - بكسر اللام وضمها لغة - والجمع لصوص. المصباح المنير: 553.
61

أركان عرشك، أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني.
وكرر هذا الدعاء ثلاث مرات، فإذا رجل قد أقبل وبيده حربة (1)، فقتل
اللص، وقال له: أنا ملك من السماء الرابعة، فان من يصنع (2) كما صنعت
استجيب له، مكروبا كان أو غير مكروب.
ومن الكتاب، عن زيد بن حارثة أنه أراد لص قتله، فقال له: دعني أصلي
ركعتين؟ فخلاه، فلما فرغ قال:
يا أرحم الراحمين فسمع اللص قائلا يقول: لا تقتله، فعاد وقال: يا
أرحم الراحمين، فسمع أيضا قائلا يقول: لا تقتله، فقال مرة ثالثة، يا أرحم
الراحمين، فإذا بفارس في يده حربة في رأسها شعلة من نار، فقتل بها اللص، ثم
قال: لما قلت: يا أرحم الراحمين كنت في السماء السابعة، فلما قلت ثانية
كنت في السماء الدنيا، فلما قلت مرة ثالثة يا أرحم الراحمين أتيتك (3).
ومنه: دعاء علمه جبرئيل عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله أيضا لكل

(1) الحربة هي كالرمح. المصباح المنير: 127 (حرب).
(2) " م " " ن ": صنع.
(3) انظر: الاستيعاب بهامش الإصابة 1: 548 - 549، واللفظ فيه: عن الليث بن سعد، قال: بلغني
أن زيد بن حارثة اكترى من رجل بغلا من الطائف اشترط عليه المكري أن ينزله حيث شاء، قال:
فمال به إلى خربة، فقال له: انزل فنزل فإذا في الخربة قتلى كثيرة، قال: فلما أراد أن يقتله قال له:
دعني أصلي ركعتين، قال: صل فقد صلى قبلك هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئا، قال: فلما
صليت أتاني ليقتلني، قال: فقلت: " يا ارحم الراحمين "، قال: فسمع صوتا: لا تقتله! فهاب
ذلك، فخرج يطلب فلم يجد شيئا، فرجع إلي فناديت " يا أرحم الراحمين " - فعل ذلك ثلاثا - فإذا أنا
بفارس على فرس في يده حربة حديد في رأسها شعله من نار، فطعنه بها فأنفذه من ظهره، فوقع ميتا،
ثم قال لي: لما دعوت المرة الأولى " يا ارحم الراحمين " كنت في السماء السابعة، فلما دعوت المرة
الثانية " يا ارحم الراحمين " كنت في السماء الدنيا، فلما دعوت في المرة الثالثة " يا أرحم الراحمين " أتيتك.
62

حاجة:
يا نور السماوات والأرض، ويا قيوم السماوات والأرض، ويا
عماد السماوات والأرض، ويا زين السماوات والأرض، ويا جمال
السماوات والأرض، ويا بديع السماوات والأرض، ويا ذا الجلال
والاكرام، ويا غوث المستغيثين، ومنتهى رغبة العائذين،
ومنفس المكروبين، ومفرج المغمومين، وصريخ
المستصرخين، ومجيب دعوة المضطرين، وكاشف كل سوء، يا إله العالمين.
ومنه: دعاء يعقوب لولده، باسناده، قال عليه السلام: مكث يعقوب عليه
السلام يدعو لولده عشرين سنة حتى علموا دعوات، فدعى يعقوب لهم بها، فتاب الله
عليهم وهي: يا رجاء المؤمنين لا تقطع رجائي، يا غياث المؤمنين
أغثني، يا مانع المؤمنين امنعني، يا محب التوابين تب علينا.
ومنه: دعاء علمه ملك الموت ليعقوب عليه السلام، فدعى به، فجاءه قميص
يوسف عليه السلام، وهو:
يا ذا المعروف الذي لا ينقطع معروفه أبدا، ولا يحصيه
أحد غيره.
ومنه: دعاء دعا به من خان أمانته و (1) أنفقها، فلما دعا به أعطاه الله عوضها،
فأداه عنها في الحال، وهو:
يا ساد الهواء بالسماء، ويا حابس الأرض على الماء، ويا

(1) " ح ": أو.
63

واحدا قبل كل أحد، أد عني أمانتي.
فسمع قائلا يقول: خذ هذه فأدها عن أمانتك.
ومنه: دعاء ذكر راويه أن النبي صلى الله عليه علمه إياه في المنام، فدعى
به، ففرج الله تعالى كربه، وهو:
اللهم لمن أدعو إذا لم أدعك فيجيبني، اللهم إلى من أتضرع
إذا لم أتضرع إليك فيرحمني، اللهم إلى من أستغيث إذا لم
أستغث بك فيغيثني.
قال: فانتبهت، فدعوت بذلك، ففرج الله عني.
ومنه: دعاء ذكرت امرأة أن النبي صلى الله عليه وآله علمها إياه في المنام،
وهو: يا من فلق البحر لموسى ونجاه وبني إسرائيل من فرعون، أسألك
بما فلقت به البحر لموسى ونجيته وبني إسرائيل من فرعون لما نجيتني
من همي.
ومنه: دعاء دعى به سلمان عليه السلام على قفل فانفتح:
اللهم بنورك اهتديت، وبفضلك استغنيت، وبنعمتك أصبحت
وأمسيت، هذه ذنوبي بين يديك، أستغفرك منها وأتوب إليك.
ومنه: دعاء رواه الليث بن سعد عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام،
استجيب له في الحال، وهو:
يا الله، يا الله، يا الله - حتى انقطع نفسه - يا رحمن، يا رحمن،
يا رحمن - حتى انقطع نفسه - يا رحيم، يا رحيم، يا رحيم - حتى انقطع
نفسه - يا أرحم الراحمين - حتى انقطع نفسه - ثم سأل حاجته، فحضرت في الحال.
64

ومنه: دعاء رواه الزهري أن علي بن الحسين عليهما السلام دعا له به عند
مرضه، فقضى حوائجه، وهو:
اللهم أن ابن شهاب قد فزع إلي بالوسيلة إليك، بآبائي فيها
بالاخلاص من ابائي وأمهاتي الا جدت عليه بما قد أمل ببركة
دعائي، واسكب له من الرزق، وارفع له من القدر، وغيره ما
يصيره لقنا (1) لما علمته من العلم.
قال الزهري: فوالذي نفسي بيده، ما اعتللت (2)، ولا مر بي ضيق ولا بؤس
مذ دعا (بهذا الدعاء) (3).
إخلاص في التوكل:
اقتضى بلوغ المراد عن رجل من الصحابة سمع الله تعالى يقول: " وفي السماء
رزقكم وما توعدون " (4) فقال: والله لأصدقن ربي، ولأثقن إليه، فأحس ببابه
بعيرا عليه حمل، فأخذه وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعرفه الحال،
فقال: (هذا بعير عليه طعام، اقتطعه لك جبرئيل من عير (5) فلان اليهودي بطريق
الشام لما صدقت ربك عز وجل).

(1) لقن الشئ وتلقنه: فهمه. المصباح المنير: 558 (لقن).
(2) اعتل، إذا مرض. المصباح المنير: 426.
(3) " م ": بهذه الدعوات.
(4) الذاريات: 22.
(5) العير - بالكسر - الإبل تحمل الميرة، ثم غلب كل قافلة وسهم. المصباح المنير: 440.
65

إخلاص في التوكل أيضا:
اقتضى بلوغ عن مولانا الصادق عليه السلام، رواه شقيق، قال ما معناه:
إنه ضاق عليه فذكر أن الصادق عليه السلام قال: (من عرصت له حاجة إلى
مخلوق، فليبدأ فيها بالله عز وجل) قال: فدخلت المسجد، فصليت ركعتين، فلما
قعدت للتشهد افرغ علي النوم، قال: فرأيت في منامي أنه قيل لي: " يا شقيق، يدل
العباد على الله تعالى ثم تنساه؟! " فاستيقظت وأقمت في المسجد حتى صليت
العشاء الآخرة، وحضر في داره فوجد قد جاءه من بعض أصدقائه ما كفاه وأغناه.
ومنه: دعاء وكرامة لإبراهيم بن أدهم، وهو:
يا رب قد علمت ما كان كمي، وذلك لجهلي وخطيئتي، فإن
عاقبتني عليه فإنا أهل لذلك، وقد عرفت حاجتي فاقضها
برحمتك.
فقضى حاجته في الحال.
ومنه: دعاء سمعه مربوط من هاتف، فقاله، فخلص من كتافه، وهو:
يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا تصفه الواصفون،
ولا تأخذه سنة ولا نوم، اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا، يا
غياث المستغيثين، يا أرحم الراحمين.
ثم كرر هذا الدعاء، فخلصه الله برحمته.
وقال بعض رواة الحديث: إنه وقع في مثل ذلك، فدعى به، فخلص من
الكتاف.
ومنه: دعاء دعا به رجل وهو في مركب، فسقط في البحر، فنجاه الله تعالى
وأعاده إلى المركب، وهو:
66

يا حي، يا (1) لا إله الا أنت.
ثلاث مرات، فسمع أهل المركب مناديا ينادي: " لبيك لبيك، نعم الرب
ناديت " ثم اختطف من البحر حتى وضع في المركب.
ومنه: دعاء في قضاء الدين.
عن المفضل بن فضالة، كان قد ركبه دين، فكان (2) يدعو ويلح (3) في
الدعاء، ويقول (4):
يا ذا الجلال والاكرام، بحرمة وجهك الكريم، اقض عني
ديني.
فرأى في المنام من يقول له: " كم تلح (5) بحرمة وجه الله الكريم، اذهب إلى
موضع كذا وكذا فخذ منه مقدار دينك ولا تزد " ففعل، وقضى بذلك دينه.
ومنه: دعاء استجيب لصاحبه كما سال:
اللهم إني أسألك صحة في تقوى، وطول عمر في حسن
عمل، ورزقا واسعا لا تعذبني عليه.
ومنه دعاء الطائر - وأظنه في اخر هذا الكتاب، لكن يمكن أن يكون في هذه
الرواية زيادة - وهو: اللهم إني أسألك يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون،

(1) ليست في " م " " ن ".
(2) " م ": وكان.
(3) " ح ": ويلج.
(4) " م ": فيقول.
(5) " ح ": تلج.
67

ولا تصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث ولا الدهور (1)، تعلم
مثاقيل الجبال، ومكائيل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق (2)
الأشجار، وعدد ما يظلم عليه الليل ويشرق عليه النهار، ولا
يواري منه سماء سماءا، ولا أرض أرضا، ولا جبل إلا ويعلم ما في
وعره (3)، ولا بحر إلا ويعلم ما في قعره، اللهم إني أسألك أن
تجعل خير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك فيه، إنك
على كل شئ قدير، اللهم ومن عاداني فعاده، ومن كادني
فكده، ومن بغى علي بهلكة فأهلكه، ومن نصب لي فخذه،
واطف عني نار من شب لي ناره، واكفني هم من أدخل علي
همه، وأدخلني في درعك الحصينة، واسترني بسترك الواقي، يا
من كفاني كل شئ، اكفني ما أهمني من أمر الدنيا
والآخرة، وصدق قولي وفعلي بالتحقيق، يا شفيق يا رفيق فرج
عني المضيق، ولا تحملني ما لا أطيق، أنت إلهي الحق
الحقيق، يا مشرق البرهان، ويا قوي الأركان، ويا من رحمته
في كل مكان، وفي هذا المكان، يا من لا يخلو منه مكان،
احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام،
اللهم إنه قد تيقن قلبي أن لا إله الا أنت، وأن لا أهلك وأنت
معي، يا رجائي فارحمني بقدرتك علي، يا عظيما يرجى لكل

(1) " م " زيادة: ولا تخشى عليه الدوائر ولا الدهور.
(2) " م ": أوراق.
(3) الوغر من الأرض ضد السهل. مجمع البحرين 4: 522 (وعر).
68

عظيم، يا عليم، (يا حكيم) (1)، يا حليم، أنت بحاجتي
عليم، وعلى خلاصي قدير، وهو عليك يسير، فامنن علي
بقضائها، يا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين، ويا أسرع
الحاسبين، ويا رب العالمين، إنك على كل شئ قدير.
ومنه: كان بعض الزهاد يعرف بحبيب، إذا أراد الدعاء قال: افتح جونة (2)
المسك - يعني المصحف الشريف - وهات الدرياق (3) المجرب - يعني: الدعاء -
ويدعو، فيستجاب له.
ومنه: دعاء عن مولانا الحسن بن علي عليهما السلام، أنه رأى النبي صلى
الله عليه وآله يعلمه في النوم فجاءه ما طلبه، وهو:
اللهم إني أسألك من كل أمر ضعفت عنه حيلتي، أن
تعطيني منه ما لم تنته إليه رغبتي، ولم يخطر ببالي، ولم
يجر على لساني، وأن تعطيني من اليقين ما يحجزني عن أن
أسال أحدا من العالمين، أنك على كل شئ قدير.
ومنه: دعاء من بعض الكتب المنزلة:
أين أجدك، بل أين لا أجدك، أنت لي رب قريب، وأنت
لي غوث مجيب، أنزل عليك إذا نزلت، وأرحل إليك إذا رحلت، رب إني قد أجبتك فأجبني، واسمع ندائي في نداء المصوتين.

(1) ليست في " م " " ن ".
(2) الجونة - بالضم -: جونة العطار، وهي سفط مغشى بجلد، ظرف لطيب العطارة. مجمع البحرين
1: 433 (جون).
(3) الدرياق لغة في الترياق: دواء السموم، فارسي معرب. مجمع البحرين 2: 30 (دريق).
69

فقضيت حاجته في الحال.
ومنه: دعاء صاحب السمكة التي أخذها منه شرطي، فدعى الله تعالى
فقال:
رب هذا عدل منك، خلقتني وخلقته، وجعلته قويا
وجعلتني ضعيفا، ثم سلطته علي، فلا أنت منعته من
ظلمي، ولا أنت جعلتني قويا فامتنع من ظلمه، فأسألك
بالذي خلقته وخلقتني، وجعلته قويا وجعلتني ضعيفا، أن
تجعله عبرة لخلقك.
أو نحو ما قال، (فأخذته للشرطي) (1) الاكلة (2) في يده اليمنى التي أخذ بها
السمكة فقطعها، فصعد إلى عضو آخر فقطعه، فصعدت إلى عضو آخر، فأراد
قطعه (3) فخرج هاربا، فرأى في منامه: لأي شئ تقطع أعضاءك؟! أردد السمكة
على صاحبها، فأعادها، فزالت الاكلة عنه، ووهب صاحب السمكة مالا.
ومنه: بإسناده، قال: أحاط الروم بعكا (4) وآيس أهلها من السلامة، فسمعت امرأة تقول لاخرى:
أما ترين ما نحن فيه؟ فقالت الأخرى: فأين الله؟ فانصرفت الروم عنهم.
ومنه: أن الروم أحاطت بأقريطش (5)، فقال لهم رجل صالح منهم: ادخلوا

(1) " م ": فأخذت الشرطي.
(2) الاكلة: داء في العضو يأتكل منه. القاموس المحيط 3: 329 (أكل).
(3) " م ": فأراد أن يقطعه.
(4) عكا: اسم موضع غير عكة التي على ساحل البحر. مراصد الاطلاع 2: 952، معجم البلدان
4: 141.
(5) أقريطش: جزيرة في بحر المغرب يقابلها من أفريقية لوبيا، وهي كبيرة، فيها مدن وقرى. مراصد
الاطلاع 1: 104، معجم البلدان 1: 236.
70

بعض ربطكم (1)، وتوبوا وفرقوا بين الأمهات وأولادها، واستغيثوا إلى الله، ففعلوا
وعجوا (2) عجة شديدة، وبكى الشيخ وبكوا، وفعلوا ذلك ثلاث مرات، فأوقع الله
في قلوب الروم، فهربوا وتركوهم.
ومنه: دعاء دعي به على فرس ميت فعاش، وهو: أقسمت عليك أيها العلة بعزة عزة الله، وبعظمة عظمة الله،
وبجلال جلال الله، وبقدرة قدرة الله، وبسلطان سلطان الله،
وبلا اله الا الله، وبما جرى به القلم من عند الله، وبلا حول
ولا قوة الا بالله، الا انصرفت!
فوثب الفرس سالما.
. منه دعاء دعي به على امرأة فعميت:
اللهم إني أسألك باسمك الذي لا إله إلا هو، بسم الله
الرحمن الرحيم، الحي القيوم، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، و
أسألك باسمك الذي لا إله إلا هو، ملأ السماوات والأرض، الذي
عنت له الوجوه، وخشعت له الأصوات، ووجلت منه القلوب من
خشيتك.
ثم دعا عليها بالعماء فعميت.
ومنه: دعاء للرزق وغيره:

(1) رباط الخيل: مرابطها، والمرابطة، أن يربط كل من الفريقين خيلا لهم في ثغره وكل معد لصاحبه،
فسمي المقام في ثغر رباطا. والرباط: الملازمة والمواظبة على الامر، وملازمة ثغر العدو. مجمع
البحرين 2: 132 (ربط).
(2) عج عجا وعجيجا: رفع صوته بالتلبية. مجمع البحرين 3: 124 (عجج).
71

اللهم إن ذنوبي لم يبق لها إلا رجاء عفوك، وقد قدمت الة
الحرمان بين يدي، فأنا أسالك ما لا أستحقه، وأدعوك ما لا
أستوجبه، وأتضرع إليك بما لا أستاهله، ولم يخف عليك حالي،
وإن خفي على الناس كنه معرفة أمري، اللهم إن كان رزقي في
السماء فأهبطه، وإن كان في الأرض فأظهره، وإن كان بعيدا
فقربه، وإن كان قريبا فيسره، وإن كان قليلا فكثره، وبارك لي
فيه.
فاستجاب الله تعالى له فيما سأله.
فصل:
في دعاء يزيل مرض الخنازير، رويناه في كتاب " الدعاء " (1) للحسين بن
سعيد، بإسناده إلى الرضا عليه السلام قال: خرج بجارية لنا خنازير في عنقها، فأتاني آت وقال: قل لها، فلتقل:
يا رؤوف يا رحيم، يا رب، يا سيدي - وتكرره - فقالته، فذهب عنها.
قال: وقال: هذا دعاء دعا به جعفر بن سليمان.
ومنه دعاء على من ائتمن فخان، وقابل الاحسان بالكفران: اللهم إني وجدت في كتابك الصادق أنك مدحت إبراهيم
خليلك عليه السلام لما جادلك عن الكافرين في قولك جل
جلالك: " يجادلنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أواه منيب " (2)

(1) لم أجد له ذكرا في الذريعة.
(2) هود: 74.
72

ووجدتك قد منعت محمدا نبيك سيد المرسلين أن يجادلك في
الخائنين الاثمين، فقلت له جل جلالك: " ولا تجادل عن الذين
يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما " (1) فعرفت (عند
ذلك) (2) أن الخيانة واشتمال (3) النفاق أعظم عندك من إظهار الكفر
والشقاق، ووجدتك تقول: " ومن (عاقب بمثل ما عوقب به ثم) (4) بغي
عليه لينصرنه الله " (5) ووجدتك تقول: " ولا يحيق المكر السيئ إلا
باهله " (6) ووجدتك تقول: " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه " (7)
ووجدتك قد فرقت بين ذوي الأرحام بالآثام، فعاديت قابيل لما
عصاك، وواليت هابيل لما والاك، وهما من أب واحد وأم واحدة،
وغرقت ولد نوح لما عصاك، ونصرت أباه لما طلب رضاك، وأردت
من آدم أن يعادي ولده قابيل لما أخرجته من (8) حماك، ومن نوح
أن يعادي ولده ولا يشفع له في الخلاص من الهلاك.
اللهم وإنك سترت عني سوء سريرة فلان حتى اغتررت
بعلانيته، ووثقت إلى أمانته وصحبته، وزكيته بما ظهر لي

(1) النساء: 107.
(2) " م ": بذلك.
(3) " م " " ن ": واستعمال.
(4) ساقط من الأصل.
(5) الحج: 60.
(6) فاطر: 43.
(7) الفتح: 10.
(8) " م ": عن.
73

خلاف تزكيته، وقد كنت أوصيت إليه بأولادي ليكون أمينا
لهم في اتباع مرادي، وقد خانني في نفس ما أوصيت إليه،
ووثقت به منه، ودخل تحت لفظ الخائن الذي منعت رسولك
محمدا من المجادلة عنه.
اللهم فلا تجادلني عن الانتصاف منه، اللهم وقد بغى علي
في حال سكوني إليه، فأسألك إنجاز الوعد لمن بغي عليه، وقد
مكر بي فيما لو كنت حاضرا ما أقدم عليه، وجعلك دوني في
المراقبة فيما بلغ حاله إليه، وإن كنت تعلم يا إلهي أنه كان قد
حلف أنه معي على الصفاء والوفاء، ونكث الايمان التي شهدت
بها عليه.
اللهم وإن كنت تعلم ما بأيدينا من الحجة في العكس، وإننا
أخرنا ذلك بحسب ما هديتنا إليه، ولو أمرتنا بهذه الوصلة
وارتضيتها لنا إننا كنا ندعو فيها إليك، ونرغب أهلها في الاقبال
عليك، ونحثهم على الصلوات والعبادات والصدقات، ونفع أهل
الضرورات، ومصلحة الاحياء منهم والأموات، وإن (هذا فلان) (1)
قد اجتمع معهم في ظاهر العادات، على خلاف هذه الإرادات،
وإنه وإياهم متفقون على مجرد اللذات، واتباع الشهوات، ومنع
الزكوات، وإهمال قضاء الديون الواجبات عن الأموات،
ومضيعون أعمارهم وما يقدرون عليه في الندامات، فنحن

(1) " ح ": فلانا.
74

داعون عليهم لما قد فوضنا فيه إليك، لتقدم منه ما تشاء، وتؤخر ما
تشاء، وتوكلنا عليك، فانصر اللهم أقرب الفريقين إليك، واجعل
من عقوبة الجترئين (1) عليك، المهونين (2) في المنافسة فيما
يزلف لديك، تخليصهم من هذه التبعات، بتعجيل الممات
والآفات، وتعثيرهم في سائر الحركات والسكنات، وقطعهم عن
استحقاق العقوبات، وعن الاستخفاف بما يجب لك ولرسولك من
الحرمات، تقتلهم بسيف نحوسهم، وذهاب نفوسهم، وتفريق ما
اجتمعوا عليه من مخالفتك، ومفارقة إرادتك ومراقبتك، وحل
بينهم وبين إتلاف نعمتك في معصيتك، وأسلبها منهم، وارفع
حلمك عنهم، واجعلهم عظة تردع غيرهم عن اتباع اثارهم،
وخلصهم عن (3) آصارهم (4)، وصن مقدس حضرتك في شريف
بيوتك من جرأتهم عليك، واجعل ذلك رحمة لهم، وتخفيفا من
عقوباتهم عند قدومهم عليك، فأنت تعلم يا إلهي أنك جعلت
لي قدرة على الانتصاف منهم، بكثير من طرق الامكان، ولكنني
ما امن أن يدخل في انتصافي خلل في (5) الزيادة والنقصان، وإن
الانتصاف لي بيد عدلك وحلمك (6) وفضلك، أنا امن من خطر

(1) في بعض النسخ: المتجرئين.
(2) في بعض النسخ: المتهونين.
(3) " م ": من.
(4) الاصر: الذنب. مجمع البحرين 1: 78 (أصر).
(5) في بعض النسخ: من.
(6) " م ": وحكمك.
75

عواقبه، وواثق بكمال مطالبه.
اللهم وقد رأيت في الحديث أن من أحسن إلى أحد أو نصره،
فقابل إحسانه بالكفران، ونصره بالخذلان، إنك تستجيب دعاءه
عليه، وقد حضرت إحساني إلى من أحسنت منهم إليه، ونصرتي
له فيما احتاجوا مني إليه.
اللهم فأرني تصديق الحديث المنقول، واجعل ذلك آية لك،
ومعجزة للمبلغ الرسول.
اللهم فإنك (1) تعلم أن من جملة إحساني إليه بستري عليه
الان، ما حدثني به الفقيه محمد بن نماء، عن جده وما أخبرني
به والدي عن جده، وما ذكره مهنأ العلوي، عن شهادة جدي
ورام على جده، وأنت يا إلهي قادر على تعثيره في سره وجهره،
وصيانتي على الاستجارة، في هتك ستره وإظهار سره، وكشف
أمره، يا أقدر القادرين، وأقوى الناصرين.
فصل:
ورأيت في كتاب: " العبر " (2) تأليف: عبد الله بن محمد بن علي حاجب (3)
النعمان، قال:

(1) " م ": وانك.
(2) عده الشيخ إبراهيم الكفعمي من مآخذ كتابه " الأمين " الذي ألفه في سنة 868 ه‍. انظر
الذريعة 15: 211.
(3) في بعض النسخ: صاحب.
76

ولقد حدثني قاضي (1) القضاة الماوردي بحكاية عجيبة، وصدقها ابن الهدهد
وابن الصقر فراشا سلار الملقب بجلال الدولة ابن بابويه ملك البصرة قبل بغداد،
وكان المعروف بكبوش (2) قد وزر له واستولى عليه (3)، فقبض على رجل من ثقات
البصرة، وصادره واستأصله وخلاه كالميت، وكان يدعو عليه، فلما كان في بعض
الأيام ركب بكبوش (4) في مركب عظيم، فصادف الرجل فسبه، فقال له الرجل:
الله بيني وبينك، والله لأرمينك بسهام الليل، فأمر بالايقاع به فضرب حتى ترك
ميتا، وقال له: سهام الليل هذه سهام النهار وقد أصابتك، فلما كان بعد ثلاثة
أيام من ذلك قبض جلال الدولة على بكبوش (5)، واجلس (6) في حجرة على حصير،
ووكل به من يسئ إليه، فدخل الفراشون لكنس الحجرة وشيل (الحصر التي) (7)
تحته، فوجدوا رقعة فأخذها الفراشون وسلموها إلى ابن الهدهد فراش سلار، فقال:
من طرحها؟ فقالوا: ما دخل أحد ولا خرج، فقرأت، فإذا فيها شعر:
سهام الليل لا تخطئ ولكن * لها أمد وللأمد انقضاء
أتهزأ بالدعاء وتزدريه * تأمل فيك ما صنع الدعاء (8)
فأخبر جلال الدولة بحاله، وشرح له القصة جميعها (9)، فأمر الفراشين بضرب
فكه حتى تقع أسنانه، ففعل به ذلك وعذب بكل نوع حتى هلك في النكبة.

(1) " م ": أقضى.
(2) " م ": بكنوش.
(3) " ن ": على أمره.
(4) " م ": بكنوش.
(5) " م ": بكنوش.
(6) " م ": فأجلس.
(7) " م ": الحصير الذي.
(8) انظر: ربيع الأبرار، للزمخشري 2: 249.
(9) " ن ": جمعا.
77

فصل:
يتضمن دعاءا على عدو.
إذا كان للانسان عدو داخل تحت تهديد الآيات، ومستحق للنقمات،
فليقل: اللهم إنك قلت في كتابك الكريم في وصف المستحقين للعذاب
الأليم: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا
أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من
الأرض " (1) اللهم وإن فلانا قد سعى في الأرض بالفساد، وقد منعنا
من إقامة الحد عليه، المانع له من ظلم نفسه وظلم العباد، ومن
تطهيره قبل يوم المعاد، اللهم وأنت أحق بإقامة الحد عليه،
فعجل له ما يستحقه بالفساد الذي قد أصر عليه، اللهم وقلت:
" ومن (عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى) (2) عليه لينصرنه الله " (3) وقلت:
" ولا يحيق المكر السئ الا باهله " (4) وقلت " فمن نكث فإنما ينكث
على نفسه " (5)، اللهم وقد اجتمعت في فلان مثل هذه الصفات،
وقد أحاط به حكم هذه الآيات، وعجل الاذن في فصل حكمها

(1) المائدة: 33.
(2) أضفاه من الآية.
(3) الحج: 60.
(4) فاطر: 43.
(5) الفتح: 10.
78

وقضائها، وإبرامها (1) وإمضائها، بقوتك القاهرة، وقدرتك الباهرة،
واجعله عبرة في الدنيا والآخرة.
فصل:
وإذا أردت دعاءا للمريض، فقل:
اللهم إنك قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل: " وما
أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " (2) اللهم فصل (3)
على محمد وآل محمد، واجعل هذا المرض من الكثير الذي تعفو
عنه، وتبرئ منه، أسكن أيها الوجع وارتحل الساعة عن هذا
العبد الضعيف، سكنتك ورحلتك بالذي له ما في الليل
والنهار، وهو السميع العليم.
فإن عوفي المريض بمرة واحدة وإلا كررها حتى يبرأ، فإنها مجربة مع اليقين،
برحمة أرحم الراحمين.
دعاء يدعى به على إبليس: اللهم إن إبليس عبد من عبيدك يراني من حيث لا أراه،
وأنت تراه من حيث لا يراك، وأنت أقوى على أمره كله، وهو لا
يقوى على شئ من أمرك، اللهم فأنا أستعين بك عليه يا رب،

(1) أبرمت إبراما، أي: أحكمته فأبرم. مجمع البحرين 1: 192 (برم).
(2) الشورى: 30.
(3) " م ": صل.
79

فإني لا طاقة لي به، ولا حول ولا قوة لي عليه إلا بك يا رب، اللهم
إن أرادني فأرده، وإن كادني فكده، واكفني شره، واجعل كيده
في نحره، واكفني برحمتك يا ارحم الراحمين، وصلى الله على
محمد وآله الطاهرين.
للنجاة من الشدائد:
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من لحقته شدة أو نكبة أو
ضيق فقال ثلاثين مرة أستغفر الله ربي (1) وأتوب إليه، لا يبرح إلا وقد فرج
الله عنه).
قال راوي الحديث: وهذا خبر صحيح، وقد جرب.
ووجدت فيما رويته عن محمد بن النجار في المجلد الأول الذي سميته:
" كتاب التحصيل " في ترجمة إبراهيم بن محمد بن علي من أهل شيراز، بإسناده،
قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله في النوم، فقلت: يا رسول الله، علمني شيئا
تحيي به قلبي؟ قال: فعلمني هذه الكلمات:

(1) ليست في " م " " ن ".
(2) قال في الذريعة: كتاب كبير في عدة أجزاء للسيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن طاوس
الحسني الحلي.. ذكره السيد نفسه في كتابه " المجتنى " وعده الشيخ تقي الدين القعمي من
مآخذ كتابه " البلد الأمين "، وينقل عنه في مصباحه الموسوم ب‍ " الجنة الواقية " فالظاهر من النقل
عنه في هذه الكتب أنه من كتب الدعاء، لكنه يظهر من موضعين من كتابه " الإقبال " أن فيه
التراجم. قال في " الاقبال " - في عمل النصف من شعبان -: رويناه في الجزء الثاني من كتاب
" التحصيل " في ترجمة أحمد بن المبارك بن منصور بإسناده. وعند ذكر ابن خالويه راوي مناجاة
شعبان، قال: وقد ذكرناه في الجزء الثالث من " التحصيل ".
انظر: الذريعة 3: 396.
80

يا حي يا قيوم، يا لا إله إلا أنت، أسألك أن تحيي قلبي،
اللهم صل على محمد وآل محمد.
قال: فقلت ذلك ثلاثة أيام (1)، فأحيا الله تعالى به قلبي.
ورأيت في المجلد الثاني من " ربيع الأبرار " للزمخشري من كتاب الدعاء:
وذكر عند السلام بن أبي مطيع الرجل تصيبه البلوى فيدعو، فتبطئ عنه
الإجابة، فقال: بلغني أن الله تعالى يقول: كيف أرحمه من شئ به أرحمه (2).
ومن الكتاب المذكور، قال: شكى رجل إلى الحسن عليه السلام مظلمة، فقال
عليه السلام: (إذا صليت ركعتين بعد المغرب (وسلمت) (3) فاسجد وقل: يا شديد القوى، يا شديد المحال، يا عزيز أذللت بعزتك جميع
من خلقت، صل على محمد وآل محمد، واكفني مؤنة فلان
بما شئت.
فلم يرع إلا بالواعية (4) في الليل، فسأل عنها، فقيل: مات فلان فجأة.
ومن الكتاب المذكور، عن علي عليه السلام يرفعه: (دعاء أطفال ذريتي
مستجاب ما لم يقارفوا (5) الذنوب (6)).

(1) في النسخة الحجرية: ثلاث مرات.
(2) ربيع الأبرار 2: 211.
(3) أضفناه من المصدر.
(4) الواعية: الصراخ على الميت. مجمع البحرين 4: 524 (وعي).
(5) الاقتراف: الاكتساب، وقارف الذنب وغيره: إذا داناه ولاصقه. مجمع البحرين 3: 491، 492
(قرف).
(6) ربيع الأبرار 2: 249، وكذا في البحار نقلا عن صحيفة الرضا عليه السلام ص 12. واللفظ فيه:
عن الرضا عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: دعاء أطفال أمتي
مستجاب ما لم يقارفوا الذنوب. بحار الأنوار 93: 357.
81

فصل:
تسبيح ودعاء مجرب، لمن يريد أن يرى في منامه مكانه من الجنة، إن كان من
أهلها، وجدناه (بإسناد متصل) (1) في كتاب عندنا الان - لطيف جلده، كاغذ
قالبه، أقل من الثمن، فيه نحو ثلاثة كراريس - عن أبي الزاهرية، قال:
صليت العتمة في مسجد بيت المقدس، ثم استندت إلى عمود من عمد
المسجد، فأغفلتني السدنة (2) - يعني الخدم: خدم المسجد - فلم ينبهوني، وغلقت
الأبواب، فلم أنتبه إلا بخفق أجنحة الملائكة (3) وقد ملأ المسجد، فقال الذي يليني منهم: آدمي؟ قلت: نعم، ثم أخبرته بعذري، فقال: لا بأس عليك،
فسمعت قائلا يقول من الشق الأيمن:
سبحان الدائم القائم، سبحانه القائم الدائم، سبحان الله
وبحمده، سبحان الملك القدوس، سبحان ربي (رب) (4) الملائكة
والروح، سبحان العلي الاعلى، سبحانه وتعالى.
ثم قال قائل من الشق الآخر مثل ذلك، فقلت للذي يليني منهم: بالذي
طوقكم بما أرى من العبادة، من القائل من الشق الأيمن؟ قال: جبرئيل، قلت: فمن القائل من الشق الأيسر؟ قال: جبرئيل، قلت: بالذي قواكم لما أرى من
العبادة، ما لمن قال مثل مقالتكم؟ قال: من قال مثل مقالتنا في السنة كل يوم مرة

(1) في النسخة الحجرية: بإسناده متصلا.
(2) السادن - بكسر الدال -: خادم الكعبة، والسدانة - بالكسر -: الخدمة. مجمع البحرين 2: 356 (سدن).
(3) خفق الطائر: إذا طار، وخفقانه: اضطراب جناحيه. مجمع البحرين 1: 673 (خفق). (4) أضفناه لاستقامة المعنى.
82

لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة.
قال أبو الزاهرية: فلما أصبحت، قلت: لعلي لا أبقى سنة، فجلست فقلتها
ثلاثمائة وستين مرة، فرأيت مقعدي من (1) الجنة.
قال الجويني: حججت فلقيت الربيع بن الصبيح فأخبرته، فلما كان من
العام المقبل لقيته بمكة، فقال لي: جزاك الله خيرا يا أبا الصلت، أما إني قد قلت
الكلام الذي أمرتني به فرأيت مقعدي من الجنة. وقال أبو الصلت: وأنا فقد رأيت
خيرا كثيرا.
ورأيت في المجلد السابع من " تذييل محمد بن النجار على تاريخ الخطيب " (2) في
ترجمة أبي إسحاق الفيروزآبادي، له مما يصلح للمناجاة شعرا: لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا * وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقد مددت يدي والضر مشتمل * إليك يا خير من مدت إليه يد
فلا تردنها يا رب خائبة * فبحر جودك يروي كل من يرد
ورأيت هذه الأبيات في ترجمة سفيان بن بدران أنها لأبي العتاهية، وفيها
زيادة بيت بعد قوله: وقلت يا عدتي، وهو:
أشكو إليك أمورا أنت تعلمها * ما لي على حملها صبر ولا جلد

(1) في النسخة الحجرية: في.
(2) ذكر هذا الكتاب له كل من أتباعه وزملائه: ياقوت الحموي في الارشاد: 104، والكعبي في فوات
الوفيات: 264، والصفدي في الوافي بالوفيات 5: 10 بعنوان: تاريخ لمدينة السلام وأخبار فضلائها
الاعلام، ومن وردها من علماء الأنام، وبها ذيل على تاريخ الخطيب البغدادي.
83

قال في المناجاة شعرا:
لما رأيت الندا قد فاض زاخره (1) * ومنهل الجود يروي كل من يرد
مدت إليه يد مني على خجل * إلى ندا خير من مدت إليه يد
وقلت يا راحمي قبل السؤال له * ماذا تقول لمن ناداك يا أحد
لا تجبهني برد بعد ما بسطت * يدي إليك أياد ما لها عدد
دعاء فاضل مروي عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام، من
كتاب " كنوز النجاح " (2) للطبرسي، وهو دعاء كفاية الولاء، وفيه قصة طويلة،
قال:

(1) الزاخر: الشرف العالي. مجمع البحرين 2: 272 (زخر).
(2) قال في الذريعة: إنه للمحدث الفقيه ثقة الاسلام أبي الفضل علي بن الشيخ رضي الدين أبي نصر
الحسن - صاحب " مكارم الأخلاق " - ابن أمين الاسلام الفقيه المفسر - صاحب " مجمع البيان " -
الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، حكى أنه ينقل عنه الكفعمي في مصباحه
هكذا، واحتمل في الروضات اتحاده مع الشيخ تاج الدين علي بن الحسن بن علي الطبرسي،
الذي نسب إليه الكفعمي في بعض مجاميعه " شرح مبادئ الأصول " تصنيف العلامة. أقول: انه
تبع في الاحتمال صاحب الرياض، ولا ينبغي الالتفات إليه، لان أمين الاسلام المفسر وابنه
صاحب " المكارم " وحفيده صاحب " مشكاة الأنوار " كانوا في المائة السادسة، والعلامة وشارح
مبادئه من المائة الثامنة، وينقل شيخنا النوري في " دار السلام " عن " كنوز النجاح " دعاء الجامع،
ودعاء " اللهم عظم البلاء "، فيظهر وجوده عنده، وقال سيدنا أبو محمد الحسن صدر الدين ان
" كنوز النجاح " لجده الشيخ أبي علي صاحب " مجمع البيان "، وليس لأبي الفضل الا كتاب
" مشكاة الأنوار في تميم مكارم الأخلاق "، ثم وجدت صدق كلامه في " المهج " حيث إن السيد
علي بن طاوس ينقل عنه في " المهج " مصرحا فيه بأنه تأليف الفقيه أبي علي الفضل بن الحسن
الطبرسي رضي الله عنه. الذريعة 18: 175.
وقال العلامة النوري في المستدرك 3: 373: " كنوز النجاح " للشيخ الشهيد أمين الاسلام..
الطبرسي العالم المفسر الجليل، صاحب " مجمع البيان "، وقد نقل عن هذا الكتاب ونسبه إليه
رضي الدين علي بن طاوس في " جمال الأسبوع " و " مهج الدعوات " و " أمان الاخطار "، والشيخ
إبراهيم الكفعمي في " الجنة " المعروفة بالمصباح وحواشيها.
84

لما دخل على هارون الرشيد وقد كان هم به سوءا، فلما رآه وثب إليه وعانقه
ووصله وغلفه (1) بيده وخلع (2) عله، فلما تولى قال الفضل بن الربيع: يا أمير
المؤمنين، أردت أن تضربه وتعاقبه فخلعت عليه وأجزته؟ فقال: يا فضل، إني
أبلغت عنه شيئا عظيما فرأيته عند الله مكينا (3)، انك مضيت لتجيئني به فرأيت
أقواما قد احدقوا بداري بأيديهم حراب قد أغرزوها في أصل الدار، يقولون: ان
آذيت ابن رسول الله خسفنا بك، وان أحسنت إليه انصرفنا عنك، قال الفضل:
فتبعته عليه السلام: (دعاء جدي علي بن أبي طالب عليه السلام، كان إذا دعا به ما برز إلى
عسكر الا هزمه، ولا إلى فارس الا قهره، وهو دعاء كفاية البلاء) قلت: وما هو؟ قال عليه السلام:
اللهم بك أساور (4)، وبك أجادل، وبك أصول، وبك انتصر،
وبك أموت، وبك أحيى، أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري
إليك، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم إنك خلقتني

(1) يقال: غلف لحيته بالغالية (ضرب من الطيب): إذا لطخها بها. مجمع البحرين 3: 324 (غلف).
(2) الخلعة: ما يعطيه الانسان غيره من الثياب منحة. مجمع البحرين 1: 683 (خلع).
(3) المكين: خاص المنزلة. مجمع البحرين 4: 221 (مكن).
(4) المساورة: هي المواثبة، يساور انسانا: إذا تناول رأسه، ومعناه: المغالبة. المصباح المنير: 294،
295.
85

ورزقتني وسررتني وسترتني من بين العباد بلطفك، وخولتني، إذا هربت
رددتني، وإذا عثرت أقلتني، وإذا مرضت شفيتني، وإذا دعوتك
أجبتني، سيدي ارض عني فقد أرضيتني.
دعاء مروي عن مولانا علي بن موسى الرضا عليه السلام من كتاب " كنوز
النجاح " أيضا، رواه أبو جعفر بن بابويه، عن مشائخه رحمة الله عليهم، قال:
كان علي بن موسى الرضا عليه السلام بمدينة مرو (1) ومعه ثلاثمائة وستون
رجلا من شيعته من بلاد شتى، فأخبر المأمون بأن الرضا عليه السلام يتأهب للخروج
ويدعو الناس لذلك، فأمر المأمون بطرد أصحابه عن بابه، فاغتم الرضا لذلك وحزن، فاغتسل وقال لابن الصلت: (اصعد السطح فانظر ماذا تبين من القوم، حتى أصلي
أنا ركعتين) فصلى ركعتين ورفع يده في القنوت، وقال:
اللهم يا ذا القدرة الجامعة، والرحمة، الواسعة، والمنن
المتتابعة، والآلاء المتوالية، والايادي الجميلة، والمواهب
الجزيلة، يا من لا يوصف بتمثيل، ولا يمثل بنظير، ولا يغلب
بظهير، يا من خلق فرزق، وألهم فأنطق، وابدع فشرع، وعلا
فارتفع، وقدر فأحسن، وصور فأتقن، واحتج فأبلغ، وأنعم
فأسبغ، وأعطى فأجزل، ومنح فأفضل، يا من سما في العز
ففات (2) خواطف الابصار، ودنا في اللطف فجاز هواجس الأفكار،
يا من تفرد بالملك فلا ند له في ملكوت سلطانه، وتوحد (في

(1) مرو: أشهر مدن خراسان وقصبتها. معجم البلدان 5: 112.
(2) في النسخة الحجرية: ففاق.
86

كبريائه) (1) فلا ضد له في جبروت شأنه، يا من حارت في
كبرياء هيبته دقائق لطائف الأوهام، وانحسرت دون إدراك
عظمته لطائف أبصار الأنام، يا عالم خطرات قلوب العالمين،
وشاهد لحظات أبصار الناظرين، يا من عنت الوجوه لهيبته،
وخضعت الرقاب لعظمته وجلاله، ووجلت القلوب من خيفته،
وارتعدت الفرائص من فرقه، يا بدئ، يا بديع، يا قوي يا
منيع، يا علي يا رفيع، صل على من شرفت الصلاة بالصلاة عليه،
وانتقم لي ممن ظلمني واستخف بي، وطرد الشيعة عن بابي،
وأذقه مرارة الذل والهوان كما أذاقنيها، واجعله طريد الأرجاس،
وشريد الأنجاس.
قال: فلما فرغ الرضا عليه السلام من دعائه هذا اجتمعت الغوغاء على باب
المأمون، وطرد عن البلد.
ومن ذلك دعاء بناء المدينة حولك من كتاب " كنوز النجاح " أيضا، عن
(الصادق عليه السلام) (2): تنتصب قائما أو ساجدا وأنت طاهر، وتقول:
اللهم إني أحتجب (3) إليك بنور وجهك الكريم، الجليل القديم،
الرفيع العظيم، العلي الرحيم، القائم بالقسط، لا إله إلا أنت
العزيز الحكيم، وبمحمد وآله صلواتك عليه وعليهم، وبأولي
العزم من المرسلين صلواتك ورحمتك عليهم أجمعين،

(1) في بعض النسخ: بالكبرياء.
(2) " ح " " ن ": الصادقين عليهم السلام.
(3) في بعض النسخ: احتجبت.
87

وبملائكتك المقربين رضوانك عليهم أجمعين، وببيتك
المعمور، وبالسبع المثاني والقرآن العظيم، وبكل من يكرم عليك
من جميع خلقك أجمعين، لانفس أهل بيت نبيك محمد صلواتك
عليه وعليهم، ولأديانهم، ولجميع ما ملكتهم، وتتفضل به
عليهم، ولأنفسنا، ولأدياننا ولجميع ما ملكتنا، وتتفضل به
علينا من شرور جميع ما قضيت وقدرت وخلقت، ومن شرور جميع
ما تقضي وتقدر وتخلق ما أحييتنا، وبعد وفاتنا " بسم الله
الرحمن الرحيم * قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن
له كفوا أحد " (1) كذلك الله ربنا عن فوقهم وفوقنا.
ثم تقرأ: " قل هو الله أحد " هكذا - ثلاث مرات - كذلك أيضا، وتقول عن
أيمانهم وعن أيماننا، ثم تقرأ: " قل هو الله أحد " ثلاث مرات كذلك أيضا،
وتقول: عن أمامهم وعن أمامنا، ثم تقرأ: " قل هو الله أحد " ثلاث مرات كذلك
أيضا وتقول:
عن حواليهم وعن حوالينا عصمة وحصنا وحرزا لهم ولنا من
كل سوء مسنا، وضر ومكروه، ومخوف ومحذور وشقاء ما عشنا
وبعد مماتنا، بقدرة ربنا، إنه على كل شئ قدير، ولكل شئ
حفيظ، وصلى الله على محمد وآله أجمعين.
فصل:
في زيادة السعادة بقراءة " قل هو الله أحد " رأيناه في كتاب: " العمليات

(1) الاخلاص: 1 - 4.
88

الموصلة إلى رب الأرضين والسماوات " (1) تأليف: أبي الفضل يوسف بن محمد بن
أحمد المعروف بابن الخوارزمي، قال:
حدثنا الشيخ الامام برهان الدين البلخي رحمه الله، إملاءا بالمسجد الجامع
بدمشق، سنة ست وثلاثين وخمسمائة، قال: حدثنا الامام الأستاذ أبو محمد
القطواني رحمه الله بسمر قند، قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسين بن خلف
الكاشغري، قدم علينا بسمرقند (2)، قال: حدثنا أبو منصور أحمد بن محمد التميمي
بغزنة (3)، قال حدثنا أبو سهل محمد بن محمد بن الأشعث الأنصاري، قال حدثنا
طلحة بن شريح بن عبد الكريم التميمي، وأبو يعقوب يوسف بن علي بن إبراهيم بن
بحير، ومحمد بن فارس الطالقانيون، قالوا: أخبرنا أبو الفضل جعفر بن محمد بن
محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال:
حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن
عبد الله بن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (كنت أخشى العذاب بالليل والنهار حتى جاءني جبرئيل بسورة " قل هو الله
أحد " فعلمت أن الله لا يعذب أمتي بعد نزولها، فإنها نسبة الله عز وجل، فمن
تعاهد قراءتها بعد كل صلاة تناثر البر من السماء على مفرق رأسه، ونزلت عليه
السكينة، لها دوي حول العرش حتى ينظر الله عز وجل إلى قارئها، فيغفر الله له

(1) ينقل عنه الكفعمي في " الجنة الواقية " وعده من مآخذ " البلد الأمين " أيضا. الذريعة 15: 348.
(2) سمرقند - ويقال لها بالعربية - سمران: بلد معروف مشهور، قيل: إنه من أبنية ذي القرنين بما
وراء النهر. معجم البلدان 3: 246.
(3) غزنه - بفتح أوله، وسكون ثانية، ثم نون، هكذا يقولون، والصحيح عند العلماء: غزنين، ويعربونها
فيقولون: جزنة، ويقال لمجموعها: زابلستان، وغزنة قصبتها - وهي مدينة عظيمة وولاية واسعة في
طرف خراسان، وهي الحد بين خراسان والهند.
مراصد الاطلاع 2: 993.
89

مغفرة لا يعذبه بعدها، ثم لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله إياه، ويجعله في كلائه،
وله من يوم يقرؤها إلى يوم القيامة خير الدنيا والآخرة، ويصيب الفوز والمنزلة
والرفعة، ويوسع عليه في الرزق، ويمد له في العمر، ويكفى من أموره كلها، ولا
يذوق سكرات الموت، وينجو من عذاب القبر، ولا يخاف أموره إذا خاف العباد،
ولا يفزع إذا فزعوا، فإذا وافى الجمع أتوه بنجيبة (1) خلقت من درة بيضاء فيركبها،
فتمر به حتى يقف بين يدي الله عز وجل، فينظر الله إليه بالرحمة، ويكرمه بالجنة
يتبوأ منها حيث يشاء.
فطوبى لقارئها، فإنه ما من أحد يقرؤها إلا وكل الله عز وجل به مائة ألف
ملك يحفظونه من بين يديه، ومن خلفه، ويستغفرون له، ويكتبون له الحسنات إلى
يوم يموت، ويغرس له بكل حرف نخلة، على كل نخلة مائة ألف ألف شمراخ (2)،
على كل شمراخ عدد رمل عالج (3) بسرا (4)، كل بسرة مثل قلة من قلال هجر (5)،
يضئ نورها ما بين السماء والأرض، والنخلة من ذهب أحمر، والبسرة من درة
حمراء، ووكل الله تعالى به ألف ملك يبنون له المدائن والقصور، ويمشي على الأرض
وهي تفرح به، ويموت مغفورا له، وإذا قام بين يدي الله عز وجل قال له: أبشر قرير

(1) النجيب: الفاضل من كل حيوان، والنجيب من الإبل: القوي الخفيف السريع. مجمع البحرين
4: 268، 269 (نجب).
(2) الشمراخ - بالكسر - والشمروخ - بضم -: العثكال، وهو ما يكون فيه الرطب، والجمع: شماريخ.
مجمع البحرين 2: 541 (شمرخ).
(3) عالج: رمال بين قيد والقريات، ينزلها بعض طئ، متصلة بالثعلبية. مراصد الاطلاع 2: 911.
(4) البسر: ثمر النخل قبل أن يرطب. مجمع البحرين 1: 198 (بسر).
(5) هجر: مدينة هي قاعدة البحرين، وربما قيل، الهجر - بالألف واللام -، وقيل: ناحية البحرين
كلها هجر، قيل: قصبتها: الصفا، وبينها وبين اليمامة عشرة أيام، وقيل: إن هجر التي ينسب
إليها القلال، قرية كانت من قرى المدينة تعمل بها وخربت.
مراصد الاطلاع 3: 1452.
90

العين بما لك عندي من الكرامة، فتعجب الملائكة لقربة من الله عز وجل.
وإن قراءة هذه السورة براءة من النار، ومن قرأها شهد له سبعون الف الف
ملك، ويقول الله تعالى: ملائكتي، انظروا ماذا يريد عبدي، وهو أعلم بحاجته،
ومن أحب قراءتها كتبه الله تعالى من الفائزين القانتين.
فإذا كان يوم القيامة قالت الملائكة: يا ربنا، عبدك هذا كان يحب نسبتك،
فيقول: لا يبقين منكم ملك إلا شيعه إلى الجنة، فيزفونه إليها كما تزف العروس
إلى بيت زوجها.
فإذا دخل الجنة ونظرت الملائكة إلى درجاته وقصوره يقولون: ما لهذا العبد أرفع
منزلا من الذين كانوا معه، فيقول الله عز وجل: أرسلت أنبياء وأنزلت معهم كتبي
وبينت لهم ما انا صانع لمن آمن بي من الكرامة وأنا معذب من كذبني، وكل من
أطاعني يصل إلى (1) جنتي، وليس كل من دخل إلى (2) جنتي يصل إلى هذه
الكرامة، أنا أجازي كلا على قدر عمله من الثواب، إلا أصحاب سورة الاخلاص،
فإنهم كانوا يحبون قراءتها آناء الليل والنهار، فلذلك فضلتهم على سائر أهل الجنة.
فمن مات على حبها يقول الله تعالى: من يقدر على أن يجازي عبدي، أنا الملئ
أنا أجازيه، فيقول: عبدي ادخل جنتي، فإذا دخلها يقول: الحمد لله الذي صدقنا
وعده، طوبى لمن أحب قراءتها، فمن قرأها كل يوم ثلاث مرات يقول الله تعالى:
عبدي، وفقت وأصبت ما أردت، هذه جنتي فأدخلها لترى ما أعددت لك فيها
من الكرامة والنعم بقراءتك " قل هو الله أحد " فيدخل فيرى الف الف
قهرمان (3) على الف الف مدينة، كل مدينة كما بين المشرق والمغرب، فيها قصور

(1) ليست في " م ".
(2) ليست في " م ".
(3) القهرمان: الذي إليه الحكم بالأمور كالخازن والوكيل الحافظ لما تحت يده، والقائم بأمور الرجل،
بلغة الفرس.
مجمع البحرين 3: 556 (قهرم).
91

وحدائق فارغبوا في قراءتها، فإنه ما من مؤمن يقرؤها في كل يوم عشر مرات إلا وقد
استوجب رضوان الله الأكبر، وكان من الذين قال الله تعالى فيهم: " فأولئك مع
الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين.. " (1) الآية.
ومن قرأها عشرين مرة، فله ثواب سبعمائة رجل أهريقت (2) دماؤهم في سبيل
الله، وبورك عليه وعلى أهله وولده وماله.
ومن قرأها ثلاثين مرة، بني له ثلاثون الف قصر في الجنة.
ومن قرأها أربعين مرة، جاور النبي صلى الله عليه وآله في الجنة.
ومن قرأها خمسين مرة، غفر الله له ذنبه خمسين سنة.
ومن قرأها مائة مرة، كتب الله له عبادة مائة سنة.
ومن قرأها مائتي مرة، فكأنما أعتق مائتي رقبة.
ومن قرأها أربعمائة مرة، كان له أجر أربعمائة شهيد.
ومن قرأها خمسمائة مرة، غفر الله له ولوالديه.
ومن قرأها الف مرة، فقد أدى بذله إلى الله تعالى وقد صار عتيقا من النار.
اعلموا أن خير الدنيا والآخرة بقراءتها، ولا يتعاهد قراءتها إلا السعداء، ولا
يأبى قراءتها إلا الأشقياء.
فصل:
فيما نذكره من العوذة التي ذكرها جبرئيل عليه السلام لتعويذ الحسن والحسين
عليهما السلام من العين، رأيناها في كتاب " الأدعية المروية من الحضرة

(1) النساء: 69.
(2) في بعض النسخ: أهرقت.
92

النبوية " (1) جمع: أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن مظفر السمعاني.
قال: أخبرنا أبو سهل مكرم بن محمد بن بصر الجوزي، وأبو بكر محمد بن شجاع
بن محمد اللفتواني بإصبهان، قال: أخبرنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم الحافظ،
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الجرجاني، أخبرنا محمد بن محمد بن عبد الله،
حدثنا عبد الله بن محمد بن إبراهيم الصنعاني الكسوري، حدثنا عبد ربه بن عبد
الله بن عبد ربه العبدي البصري، عن أبي رجاء، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن
الحرث، عن علي عليه السلام: أن جبرئيل عليه السلام اتى النبي صلى الله عليه
وآله فوافقه مغتما، فقال: (يا محمد، ما هذا الغم الذي أراه في وجهك؟ قال:
الحسن والحسين اصابتهما عين، فقال: يا محمد، صدق العين، فإن العين حق، ثم
قال: أفلا عوذتهما بهذه الكلمات؟ قال: وما هن يا جبرئيل؟ فقال: قل:
اللهم يا ذا السلطان العظيم، والمن القديم، والوجه الكريم،
يا ذا الكلمات التامات، والدعوات المستجابات، عاف الحسن
والحسين من أنفس الجن وأعين الانس.
فقالها النبي صلى الله عليه وآله، فقاما يلعبان بين يديه، فقال النبي صلى الله
عليه وآله لأصحابه: (عوذوا نساءكم وأولادكم بهذا التعويذ (2)، فإنه لا يعوذ
المتعوذون بمثله) (3).
فصل:
فيما نذكره، مما إذا قاله الانسان عند تجديد النعم أمن من النقم، رأيناه في

(1) عدها الشيخ إبراهيم الكفعمي من مآخذ كتابه " البلد الأمين " كما في آخره، وينقل عنه فيه ولم
يذكر مؤلفها. الذريعة 1: 400.
(2) " م " " ن ": التعوذ.
(3) انظر: بحار الأنوار 95: 132.
93

كتاب السمعاني - الذي ذكرناه - فقال:
أخبرنا أبو بكر بن الفرج الحصودي بمرو، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين
البيهقي، أخبرنا أبو الحسين بن بشران المعدل ببغداد، حدثنا أبو حفص عمرو بن
بشران عم والدي، حدثنا أبو إبراهيم بن عبد الله البحري، حدثنا سعيد بن محمد
الخرمي، حدثنا عمرو بن يونس، حدثنا عيسى بن عون بن حفص بن قرابضة، عن
عبد الملك بن زرارة الأنصاري، عن انس بن مالك، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل ولا
مال ولا ولد، فيقول: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله فلا يرى فيه آفة إلا (1) الموت).
فصل:
فيما نذكره من الدعاء الذي يسمى دعاء الطير الأبيض الرومي، رأيناه في
كتاب كان لأخي السعيد الرضي محمد بن محمد الآوي الأعجمي - قدس الله روحه -
بما هذا لفظه:
حدث (2) كهيل بن مسعود الزاهد الطرسوسي، انه سمع رجلا كان أسيرا
ببلاد الروم ثلاثين سنة في أضيق حبس وأشد عذاب، فنذر ان خلصه الله من ضيق
ذلك الحبس وشدة عذابه، ان يحج من سنته راجلا من منزله، فرأى في ليلة من لياليه
طيرا ابيض قد وقع على شرف (3) ذلك الحبس، يدعو بهذا الدعاء بلسان فصيح،
ففهمه وأثبته، ودعى به من ليلته وثانيها وثالثها، فبعث الله العزيز - عز اسمه - ملكا

(1) " م " " ن ": دون.
(2) " ن ": حدثنا.
(3) الشرف: العلو والمكان العالي، وشرفة القصر تجمع على شرف، كغرفة وغرف. مجمع البحرين
2: 500، 501 (شرف).
94

من الملائكة، فاحتمله من حبسه، ورده إلى منزله، فحج من منزله، ووفى بنذره،
ودعى بهذا الدعاء في طواف الكعبة، فسمعه رجل فتعلق به، فقال: يا عبد الله، من
أين استدركت هذا الدعاء؟ قال: حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله
عليه وآله: ان هذا دعاء طير ابيض رومي بقسطنطينة (1) ببلاد الروم، وانه دعاء
الفرج، فقال: إني سمعته من ذلك الطير - وقص عليه القصة.
والدعاء هذا:
اللهم إني أسألك يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه
الظنون، ولا تصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث، ولا تغشى
عليه الدهور، وأنت تعلم مثاقيل الجبال، ومكائيل البحار،
وعدد قطرات الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وما أظلم عليه الليل
وما أشرق عليه النهار، ولا يواري عنك سماء سماءا، ولا ارض أرضا،
ولا جبال ما في وعورها، ولا بحار ما في قعورها، أنت الذي سجد لك
سواد الليل، ونور النهار، وشعاع الشمس، وضوء القمر، ودوي الماء،
وحفيف (2) الشجر، أنت الذي نجيت نوحا من الغرق، وعفوت عن
داود ذنبه، وكشفت عن أيوب ضره، ونفست (3) عن يونس كربته

(1) قسطنطينة - ويقال: قسطنطينية -: كان اسمها: بزنطية فنزلها قسطنطين الأكبر وبنى عليها سورا
وسماها باسمه، وصارت دار ملك الروم إلى الآن واسمها: اصطنبول.
مراصد الاطلاع 3: 1092.
(2) أي: دوي ورقه.
(3) نفست عنه تنفيسا، أي: رفهت، يقال: نفس الله عنه كربته، أي: فرجها، والأصل في
التنفيس: التفريج، كأنه مأخوذ من قولهم: أنت في نفس من امرك، اي: في سعة، والذي
يفرج عنه كأنه في سعة من امره بحذف الكروب عنه. مجمع البحرين 4: 351 (نفس).
95

في بطن الحوت، ورددت موسى من البحر على أمه، وصرفت عن
يوسف السوء والفحشاء، وأنت الذي فلقت البحر لبني إسرائيل
حين ضربه موسى بعصاه فانفلق، فكان كل فرق كالطود العظيم،
حتى مشى عليه وشيعته، وأنت الذي صرفت قلوب سحرة فرعون
إلى الايمان بنبوة موسى، حتى قالوا: " آمنا برب العالمين رب موسى
وهارون " (1) وأنت الذي جعلت النار بردا وسلاما على إبراهيم:
" وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين " (2) يا شفيق، يا رفيق، يا جاري
اللزيق (3)، يا ركني الوثيق، يا مولاي بالتحقيق، صل على محمد
وآل محمد، وخلصني من كرب المضيق، ولا تجعلني أعالج ما لا
أطيق، أنت منقذ الغرقى، ومنجي الهلكى، وجليس كل غريب،
وأنيس كل وحيد، ومغيث كل مستغيث، صل على محمد وآل
محمد، وفرج عني، الساعة الساعة الساعة، فلا صبر لي على
حلمك، يا لا إله إلا أنت، ليس كمثلك شئ، وأنت على كل شئ
قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فصل:
فيما نذكره من الدعاء المعروف ب‍ " دعاء الشيخ " رأيناه في الكتاب الذي
أشرنا إليه، للرضي الآوي - رضوان الله عليه - بهذا اللفظ:

(1) الشعراء: 47، 48.
(2) الأنبياء: 70.
(3) " ن ": اللصيق.
96

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم إن نضرة (1) شبابي قد مضت، وزهرته قد انقضت،. منافعه
ومحاسنه قد تولت، وأرى النقص في قواي باديا، وبدني مختلفا
واهيا، وحرصي متزايدا ناميا، وقلبي عما يعنيه ساهيا لاهيا،
ورسول المنايا على أشباهي ونظرائي في السن رائحا وغاديا، وما
زلت أعد من نفسي توبة لم أوف بها، وأخرها حطام أمنية لم
أبلغها، ولم أنقع صداي (2) بمشاربها، حتى ساء العمل، ودنى
الاجل، واشتد الوجل، وضاقت السبل، وانقطعت الحيل، وخاب
الرجاء والأمل، إلا منك وحدك لا شريك لك، فلم يبق لي - يا رب -
قوة استظهر بها، ولا مدة متراخية أتمكن عليها، ولا أعامل
صالحة أرجع إليها، ولا ثقة مستحكمة اعتمد عليها، إنما
كنت آكل هنيئا، وألبس ثوب عافيتك مليا، وأتقلب في
نعمتك سويا، ثم اقصر في حقك، واعرض عن ذكرك، واخل بما
يجب علي من حمدك وشكرك، وأتشاغل بلذاتي وشهواتي عن أمرك
ونهيك، حتى أبلت الأيام جدتي (3) وطراوتي، وأقامتني على شفا
حفرتي، ومصارع منيتي، فأراني - يا رب العزة - بادي العورة،

(1) النضرة: الحسن والرونق. مجمع البحرين 4: 327 (نضر).
(2) أي: لم ارو عطشي.
(3) أي: حسني ونضرتي.
97

ظاهر الخلة (1)، شديد الحسرة بين (2) الإضاعة، منقطع الحجة،
قليل الحيلة، كاذب الظن، خائب الأمنية، إلا أن تتداركني منك
رحمة.
اللهم وكل ما أوليتنيه من هدى وصواب فعن غير استحقاق
مني، ولا استيجاب، ولم أكن لشئ منه بأهل، وإنما كان عن
طول (3) منك وفضل، وقد كنت تقابل - يا رب - كفراني بالنعم كثيرا
وأنا ساه، وإساءتي بالاحسان قديما وانا لاه، وأحوج ما كان عبدك
الضعيف الملهوف إلى عطفك وعظيم عفوك وصفحك حين تنبه
على رشده، واستيقظ من سنته، وأفاق من سكرته، وخرج من
ضباب غفلته، وسراب غرته، ومن طخياء (4) جهله، والتجاج (5)
ظلمته، وقد سقط في يده، ووقف على سوء عمله، واقتراب
أجله، وانقطاع، حيلته، وقد بقي معي - يا رب الأرباب، وسيد
السادات - بمنك، وأن كثرت الذنوب، وظهرت العيوب، وسابغ من
نعمك جليل، وظن بكرمك جميل، أدين بالاخلاص في توحيدك،
ومحبة نبيك، ومولاة وليك، ومعاداة عدوك، ولي مع هذا رجاء
وتأميل، لا يعترض دونه يأس ولا قنوط، ويقين لا يشوبه شك

(1) الخلة والفقر والقتر والعيلة والحاجة كلها نظائر. مجمع البحرين 2: 696 (خلل).
(2) أي: واضح.
(3) الطوال والطائل: هو الفضل والقدرة والغنى والسعة: مجمع البحرين 3: 76 (طول).
(4) أي: ظلمة جهله.
(5) التج الامر: إذا اختلط وعظم. مجمع البحرين 4: 110 (لحج).
98

ولا تفريط، وكل ذلك منك وبك وما ذاك الخير - يا إلهي - إلا بيدك،
ولا يوصل إليه بمعونتك وقدرتك، ولا ينال إلا بمشيئتك، وإرادتك،
ولا يلتمس إلا بتوفيقك وتسديدك، فإن تعاقب - يا ذا الجلال
والاكرام - عبدك الخاطئ العاصي، وتنتقم منه وتأخذه بما اعتدى
وظلم، وعصى وأجرم فلا جور عليه، وإن تعف عنه وترحمه
وتتجاوز عما تعلم كعادتك الحسنة عنده (1)، فطالما أحسنت
إليه.
اللهم وكل ما قصرت فيه، أو أضعته من عمل صالح يقرب
إليك ويزلف عندك، فإنما هو نقص من درجتي، وحط من
منزلتي، وارتباط، لحسرتي وغرتي، وليس بديعا (2) - يا غفور يا
رحيم - أن يذنب العبد اللئيم، فيعفو عنه المولى الكريم، وإذا
فكرت - يا إلهي - في أنك أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين،
وأنك عزيز المراحم، وهاب المواهب كرما وجودا في قولك: " يا
عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر
الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم " (3) وما أشبهها من الآيات التي لا
يقع فيها نسخ ولا يلحقها خلف ولا تحويل ولا تأويل، وفي
تألفك العصاة البغاة والمستكبرين (4) العتاة الطغاة

(1) في النسخة الحجرية: عندنا.
(2) " ن " بعيدا.
(3) الزمر: 53.
(4) " م " " ن " زيادة: من.
99

المستنكفين، وعرضك الخلود في الجنان عليهم، وإنذارك إياهم،
وإعذارك إليهم، مع حاجتهم إليك، واستغناك عنهم، قوي املي،
واشتد ظهري، وسكن روعي، واتصل أنسي، حتى كان الخاطئ
المذنب العاصي المجرم غيري، أو كأن معي أمانا وبراءة منك،
لحسن ظني ويقيني بك - يا إلهي - وأطمعني - يا رب - ما (1) لم أشرك
بك شيئا، ولم الحد في آية من آياتك، ولم اكذب ببينة من
بيناتك في إجرائي يوما في جملة من حقوق صفوة لك أهلتهم
لقبول شفاعتهم، واختصصهم بوجوب ولايتهم، وإسعاف
طلبتهم، إذ جعلتني من أهل مودتهم ومحبتهم، فأقع في
جمهورهم، وأنجو بنجاتهم من عذابك وأليم عقابك، وإن كنت
- اللهم - أسقط جاها في نفسي، وأخلق وجها، وأخس منزلة وقدرا
من أن أتصدى لثوابك، وأستشرف لحسن جزائك مع ما
قدمته (2) يداي عندك.
اللهم والامر الذي لا قرار لي معه ولا هدو لي دونه، وأعلم
يقينا أنه لا محيد له، ولابد من الخروج منه، ولا ينفعني هوادة
ولا قرابة من أحد عنده تبعات ومظالم وجنايات هي بيني وبين
خلقك، ساقني القضاء والقدر إليها، وبعثني الشقاء والبلاء

(1) في بعض النسخ: أني.
(2) في النسخة الحجرية: قدمت.
100

عليها، وقد كان سبق علمك بكونها مني قبل أن تخلقني من غير
إجبار ولا إكراه، لأنك - يا إلهي - بأن تمن وتنعم أولى منك بأن
تجور وتظلم، فأنا بها مرتهن، وبمكروهها وسوئها ممتحن، قد
كثر خوفي ووجلي منها، وارتياعي وقلقي من أجلها، لعلمي بأنهم
إذا رأوا أحوال يوم القيامة وأهوالها، وأغلال جهنم
وأنكالها، وتأملوا بها مناقشة الحساب على الذرة والخردلة،
وترجح موازين القسط بالنقصان والزيادة، وخروج الصكاك
بالجنة والنار، ولم يجدوا إلى حسنة يعملونها سبيلا، ولا إلى (1)
سيئة يخافونها محيصا، ابتدروني بسوء المطالبة، وضيق
المحاكمة، فعل الفقير المحتاج، الشديد الاضرار إلى اليسير،
الحقير من الأعمال، فأخذوا - يا رب - من حسناتي الضئيلة القليلة،
وحملوني من سيئاتهم الثقيلة الوبيلة، وأنت بما كسبت يداي عني
معرض، ولفعلي مبغض، يا رب فمن يغيثني هناك إن لم تغثني،
ومن يجيرني إن لم تجرني، ومن ينقذني منهم إن لم تنقذني،
وبماذا أدفع خصمي وقد كل لساني، وقل بياني، وضعف برهاني،
وخف ميزاني " يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه *
لكل امرئ منهم يومئذ شان يغنيه " (2) إن لم ترضهم عني، وإذا عم
الخلائق - يا رب، عدلك، فما لدائي دواء إلا فضلك، لا أرى

(1) " م " " ن ": عن.
(2) عبس: 34 - 37.
101

المؤمل الا إليك، والمعول إلا عليك، ولا مذهب لي عنك،
ولابد لي منك، وأين مفر العبد الآبق (1) عند الحقائق إلا إلى
مولاه؟!
اللهم وها أنا ذا بين يديك، معترف بذنوبي، مقر بإساءتي،
ماقت لنفسي، شانئ لفعلي، قد جنيت عظيما، وأسأت قديما،
ولك الحجة البالغة، والسلطان والقدرة، وقد أمرت المسرفين من
عبادك بالدعاء، وعممتهم بالتطول والنعماء، والتفضل
والآلاء، وتضمنت الإجابة كرما وجودا، ووعدك مقرون بالنجح
والوفاء، فأوعدت الوعيد الشديد على القنوط من رحمتك، واليأس
من روحك ومغفرتك، وكنت أنت في هذه أعظم منة عليهم،
وأتم نعمة لديهم، ولولا ثقتي بوفائك، وعلمي بأنك لا تخلف
وعدك (2)، ولا تنكث عهدك، لكنت بشدة إسرافي على نفسي من
القانطين، وبطول معصيتي من الآيسين (3) المنقطعين، يا أرحم
الراحمين، وأسالك يا رب، يا كريم العفو، يا حسن التجاوز، يا
واسع المغفرة، يا ذا الجلال ولاكرام، والمن والانعام، يا من
يجزي بالاحسان إحسانا، وبالسيئات غفرانا، فليس كمثلك شئ
وأنت السميع البصير (4)، فأسألك بأسمائك الحسنى كلها، وبكل

(1) أبق العبد إباقا: إذا هرب من سيده من غير خوف ولا كد عمل. مجمع البحرين 1: 25 (أبق).
(2) " ع " " ن ": الميعاد.
(3) " م " " ن ": اليائسين.
(4) في بعض النسخ: العليم.
102

اسم هو لك دعاك به أحد من أوليائك، وأهل طاعتك، فاستجبت
له، وأعطيته سوله، واستأثرت به في علم الغيب عندك،
فخزنته وكننته، وباسمك الأعظم، الاجل الأكرم، وبحقك
على نفسك، وبحقك على خلقك، وبحق كل ذي حق عليك، أن
تصلي على محمد وآل محمد، الطيبين الطاهرين، الذين أذهبت
عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا، وجعلتهم كباب حطة في
الحجة، وأمانا من الدمار والهلكة لهذه الأمة صلاة تجمع لهم
بها خير الدنيا والآخرة، وتصرف عنهم شرهما وشر ما فيهما،
وأن تهب لي حقك، فإنه لا ينقصك ولا يضرك، وترضي عني
خلقك، فإنه لا يعجزك ولا يعوزك، وأن تتوب - يا رب - علي توبة
نصوحا، وأن توفقني فيها لعبادتك، وتستعملني بطاعتك، وطاعة
رسولك، وطاعة من أوجبت طاعته، وافترضت ولايته،
وتندمني على ذنوبي ندما تمحو به خطيئتي يوم الدين، وتلحقني
بالتوابين الأوابين المستغفرين بالاسحار، العائذين اللائذين بك
من النار، حتى لا أعود بعدها في ذنب وخطيئة، ولا أفتر من اجتهاد
وعبادة، ولا أزول عن سمع وطاعة، وأن تدخلني في رحمتك،
وتتغمدني بمغفرتك، وبمد علي سترك، وتلهمني ذكرك
وشكوك، ولا تؤمنني مكرك، وترزقني حج بيتك الحرام،
والجهاد في سبيلك، وتقتل بي أعداءك وأعداء رسولك صلى الله
عليه آله، وأن ترضى مني بالقليل واليسير من الأعمال، وتهب
لي الكثير من الأوزار، ولا تقفني مواقف الخزي والعار،
103

والمقت والشنار، والذل والصغار، إنك جواد كريم.
وأعوذ بك اللهم من سخطك، وأستجير بك من غضبك
واستدراجك وبأسك، واليم عقابك وعذابك وأخذك، ومن حجب
دعائي عنك، وقطع رجائي منك، ومنعي رأفتك وتحننك، وحملي
على المر من حقك، وتكليفي ما لا أطيقه من عدلك وقسطك، ومن
ذنوبي التي لا أرجو لغفرانها وسترها غيرك، وسيئاتي التي لا أعد
لتبديلها حسنات إلا عفوك وجميل صفحك، يا أهل التقوى وأهل
المغفرة، والحمد لله رب العالمين، أولا وآخرا، على ما
أكرمني (1) به من التوفيق لدعائه، وعظيم الرغبة في ثوابه،
وهداني إلى الاعتراف بحقه، والثقة بكرامته وجوده، واليقين
بوعده ووعيده، وصلى الله على السيد (2) المصطفى محمد وآله
الطاهرين.
للأمان وتمام الاحسان:
وجدتها في كتاب: " الوسائل إلى المسائل " (3) تأليف: المعين أحمد بن علي بن

(1) " م " " ن ": أكرمتني.
(2) " ن ": سيدنا.
(3) قال في الذريعة: " الوسائل إلى المسائل " في الأدعية والأعمال والأذكار،. كما ينقل عنه ابن
طاوس في " الاقبال " والكفعمي في " البلد الأمين "، ولكنه في " المصباح " عبر عنه - (أي عن
مؤلفه) - بالمعين علي بن أحمد، فلعل كلمة " أحمد بن " سقط عن نسخة " المصباح ". وهذا غير أدعية
الوسائل إلى المسائل المروية عن الجواد عليه السلام، الذي عبر عنه الكفعمي أيضا عند ذكره للكتب
المأخوذة منها كتابه " البلد الأمين " بقوله: " الوسائل إلى المسائل " للجواد عليه السلام، وذكره بعد
ذكره لكتاب " الوسائل إلى المسائل " للمعين أحمد بن علي المذكور. انظر: الذريعة 25: 69.
104

أحمد بن حسين بن محمد بن القاسم، فقال ما هذا لفظه: بلغنا ان رجلا كان بينه وبين
بعض المتسلطين عداوة شديدة، حتى خافه على نفسه، وآيس معه من حياته، وتحير
في امره، فرأى ذات ليلة في منامه كأن قائلا يقول: عليك بقراءة سورة " ألم تر
كيف " في إحدى ركعتي الفجر، وكان يقرؤها كما أمره، فكفاه الله شر عدوه في
مدة يسيرة، وأقر عينه بهلاك عدوه.
قال: ولم يترك قراءة هذه السورة في إحدى ركعتي الفجر إلى أن مات.
فصل:
في صلاة لمن يريد أن يرضي الله جل جلاله خصماءه وجدناها في كتاب " الوسائل
إلى المسائل " الذي قدمنا ذكره، فقال ما هذا لفظه:
بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال: (من أراد أن يرضي الله جل
جلاله خصماءه عنه، فليصل أربع ركعات من ليل أو نهار، يقرأ في أول ركعة فاتحة
الكتاب مرة، و " قل هو الله أحد " خمسا وعشرين مرة، وفي الثانية " فاتحة
الكتاب " مرة، و " قل هو الله أحد " خمسين مرة، وفي الثالثة " فاتحة الكتاب " مرة،
و " قل هو الله أحد " خمسا وسبعين مرة، وفي الركعة الرابعة " فاتحة الكتاب " مرة،
و " قل هو الله أحد " مائة مرة، فلو كانت خصماءه بعدد الرمل لأرضاهم الله بسعة
فضله ورأفته، ويمر هذا المصلي إلى الجنة كالبرق الخاطف بغير حساب، مع
أول زمرة يدخلون الجنة).
فصل:
في صلاة الحوائج بغير صيام.
من كتاب " الوسائل إلى المسائل " الذي أشرنا إليه، فقال: صلاة الصادق عليه
وعلى آبائه السلام، قال الصادق: (عليكم بسورة الانعام، فإن فيها اسم الله تعالى في
105

سبعين موضعا، فمن كانت له حاجة، فليصل أربع ركعات بفاتحة الكتاب وسورة
الانعام، وليقل إذا فرغ منها:
يا كريم يا كريم، يا عظيم يا عظيم، يا أعظم من كل عظيم،
يا سميع الدعاء، يا من لا تغيره الأيام والليالي، صل على محمد
وآل محمد، وارحم ضعفي وفقري وفاقتي ومسكنتي، فإنك
أعلم بها مني، وأنت اعلم بحاجتي، يا من رحم الشيخ يعقوب
حتى رد عليه يوسف وأقر عينه، يا من رحم أيوب بعد طول
بلائه، يا من رحم محمدا صلى الله عليه وآله، ومن اليتم
آواه، ونصره على جبابرة قريش وطواغيتها وأمكنه منهم، يا
مغيث يا مغيث.
فوالذي نفسي بيده، لو دعوت بها بعد ما تصلي هذه الصلاة بهذه السورة ثم
سألت الله تعالى جميع حوائجك لقضاها لك إن شاء الله تعالى.
فصل:
في صلاة عند نزول المطر.
ووجدت في كتاب " الوسائل " المقدم ذكره، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا رأيتم المطر فصلوا عند ذلك ركعتين،
فمن فعل ذلك بحسن نية وخشوع وتمام من الركوع والسجود، كتب الله له بكل
قطرة من ذلك المطر عشر حسنات).
وفي رواية أخرى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: انظر ألا تمطر
السماء ليلا ونهارا إلا صليت ركعتين، فإنك تعطى عشر حسنات بعدد كل قطرة
نزلت من السماء تلك الساعة، وكل ورقة أنبتت تلك القطرة).
106

ومن كتاب " الوسائل " المذكور.
في طول العمر، والنصر على العدو (1)، والأمان من ميتة السوء، ما روي عن
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: سمعت (2) رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول (3) من سره أن ينسئ (4) الله في عمره وينصره على عدوه ويقيه ميتة
السوء، فليقل حين يمسي وحين يصبح - ثلاث مرات:
سبحان الله ملء الميزان، ومنتهى الحلم (5)، ومبلغ الرضا،
وزنة العرش.
فصل:
في صلاة على النبي صلى الله عليه وآله، كانت أمانا لمن ذكرها، ومعها كرامة
وآية لمن ابتدأها.
ووجدت في كتاب " الوسائل إلى المسائل " قال:
جاءوا برجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فشهدوا أنه سرق ناقة لهم، فأمر
النبي صلى الله عليه وآله أن يقطع، فولى الرجل وهو يقول:
اللهم صل على محمد وآل محمد حتى لا يبقى من صلاتك
شئ، وارحم محمد وال محمد حتى لا يبقى من رحمتك
شئ، وبارك على محمد وآل محمد حتى لا يبقى من البركات

(1) " م " الأعداء.
(2) " ح ": قال.
(3) ليست في " ح ".
(4) النساء: التأخير، يقال: نسأت الشئ: إذا أخرته. مجمع البحرين 4: 300 (نسأ).
(5) " م " وبعض النسخ الأخرى: العلم.
107

شئ، وسلم على محمد وآل محمد حتى لا يبقى من السلام
شئ.
فتكلمت الناقة وقالت: يا محمد، إنه برئ من سرقتي، فقال النبي صلى الله
عليه وآله: (من يأتيني بالرجل؟) فابتدره سبعون رجلا من أهل بدر، فجاءوا به إلى
رحل النبي صلى الله عليه وآله، فقال: (يا هذا، ما قلت آنفا؟) قال: قلت:
اللهم صلى على محمد وآل محمد حتى لا يبقى من صلاتك
شئ، وارحم محمد وآل محمد حتى لا يبقى من رحمتك
شئ، وبالك على محمد وآل محمد حتى لا يبقى من البركات
شئ، وسلم على محمد وآل محمد حتى لا يبقى من السلام
شئ.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآل: (لذلك نظرت إلى ملائكة الله تعالى يخرقون
سكك المدينة، حتى كادوا يحولون بيني وبينك) (1).
قال النبي صلى الله عليه وآله: (لتردن على الصراط ووجهك أضوأ من القمر

(1) انظر: بحار الأنوار 95: 190، واللفظ فيه: عن ابن عمر قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله
عليه وآله، إذ دخل أعرابي على ناقة حمراء، فسلم ثم قعد، فقال بعضهم: إن الناقة التي تحت
الاعرابي سرقها: قال: أقم بينة، فقالت الناقة التي تحت الاعرابي: والذي بعثك بالكرامة يا رسول
الله، إن هذا ما سرقني ولا ملكني أحد يواه! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أعرابي، ما
الذي قلت حتى أنطقها الله بعذرك؟ قال: قلت:
اللهم إنك لست باله استحدثناك، ولا معك إله أعانك على خلقنا، ولا معك رب
فيشركك في ربوبيتك، أنت ربنا كما تقول، وفوق ما يقول القائلون،
أسالك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تبرأني ببرأتي.
فقال النبي صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالكرامة يا اعرابي، لقد رأيت الملائكة يكتبون
مقالتك، ألا ومن نزل به مثل ما نزل بك، فليقل مثل مقالتك، وليكثر الصلاة علي.
108

ليلة البدر).
فصل:
يتضمن حديثا ودعاءا شريفا.
رأيت في المجلد الثالث من " تاريخ ابن الأثير " في حديث ردة أهل البحرين - ما
هذا لفظه:
وكان مع المسلمين راهب من أهل هجر، فأسلم، فقيل له: ما حملك على
الاسلام؟ قال: ثلاثة أشياء: خشيت أن يمسخني الله بعدها فيض الرمال، وتمهيد
أثباج (1) البحار، ودعاء سمعته (في عسكرهم) (2) في الهواء سحرا:
اللهم أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك، والبديع (ليس
كمثلك) (3) شئ، والدائم غير الغافل، والحي الذي لا يموت،
وخالق ما يرى وما لا يرى، وكل يوم أنت في شأن، علمت كل
شئ بغير تعليم (4).
فعلمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة الا وهم على حق، فكان أصحاب النبي
صلى الله عليه وآله يسمعون هذا منه بعد (5).

(1) الأثباج جمع ثبج، وهو معظم الشئ وعواليه. مجمع البحرين 1: 307 (ثبج).
(2) أضفناه من المصدر.
(3) في المصدر: فليس قبلك، وفي " ن ": ليس مثلك.
(4) في المصدر: تعلم.
(5) الكامل من التأريخ، لابن الأثير 2: 228.
109

فصل:
ومن كتاب " نثر اللئالئ " جمع: السعيد علي بن فضل الله الحسني الراوندي،
من نسخة عتيقة عليها خطه في قضاء الدين (1)، قال:
جاء رجل إلى عيسى بن مريم عليه السلام يشكو دينا عليه، فقال: (أدع بهذا
الدعاء) (2):
اللهم يا فارج الهم، ومنفس الغم، ومذهب الأحزان،
ومجيب دعوة المضطرين، يا رحمن الدنيا ورحيمهما،
أنت رحماني ورحمن كل شئ، فأرني رحمة تغنيني بها
عن رحمة من سواك، وتقضي بها عني الدين.
فلو كان ملء الأرض عليك ذهبا لأداه الله عز وجل عنك.
فصل:
في دعاء مجرب في سعة الرزق.
رأيناه في " تاريخ " الفاضل الأوحد في علومه علي بن أنجب المعروف بابن
الساعي (3)، فيما يختص بسنة إحدى وعشرين وستمائة، رواه عن أحمد بن محمد

(1) " ن ": الديون.
(2) " ح " " ن ": قل.
(3) قال الذهبي: الامام المؤرخ البارع تاج الدين أبو طالب علي بن انجب بن عثمان بن عبد الله
البغدادي، خازن كتب المستنصرية، وصاحب التصانيف، صحب ابن النجار، وسمع من جماعة،
وذيل على " الكامل " لابن الأثير، وعمل تأريخا لشعراء زمانه.. وتأريخ الوزراء، وتأريخ نساء
الخلفاء، وسيرة الخليفة الناصر، وغير ذلك.. وعمر واشتهر اسمه، وعاش اثنين وثمانين سنة،
ومات في رمضان سنة أربع وسبعين وستمائة، وما هو من أحلاس الحديث، بل عدداه في
الأخباريين، وقد طول الظهير الكازروني في ترجمته، وسرد تصانيفه وهي كثيرة، وذكر أنه لبس من
السهروردي. تذكرة الحافظ 4: 1469.
110

القادسي الضرير، فقال:
حدثني انه وصل بغداد فقيرا في حال سيئة لا يملك شيئا من حطام الدنيا،
فبقي على ذلك مدة، فضاق ذرعا بما هو فيه، فالهم دعاءا، فكان (1) يدعو به
ويواظب عليه، فيسر الله له الرزق، وسهلت أسبابه.
وذكر أنه صار ذا ثروة ويسار، وتجمل وعقار، قال: فسألته عن الدعاء فقال:
اللهم يا سبب من لا سبب له، يا سبب كل ذي سبب، يا
مسبب الأسباب من غير سبب، صل على محمد وآل محمد،
وأغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، يا حي يا
قيوم صل على محمد وآل محمد، وتب علي يا كريم، واغفر لي
يا حليم، وتقبل مني، واسمع دعائي، ولا تعرض عني، فإني
عبدك وابن عبدك وابن أمتك، فقير بين يديك، سائلك ببابك،
واقف بفنائك، أرجو منك وأطلب ما عندك، وأستفتح من خزائنك،
سبحانك أنت الله العظيم الحليم الجواد الكريم، جد علي من فضلك،
وتكرم من رحمتك، وتب علي يا سيدي توبة نصوحا، فإني
أستغفرك وأتوب إليك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(والحمد لله رب العالمين) (2)، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله
الطاهرين، وسلم كثيرا، برحمتك يا ارحم الراحمين.

(1) " م ": كان.
(2) ليست في " م " " ن ".
111