الكتاب: المسائل الجارودية
المؤلف: الشيخ المفيد
الجزء:
الوفاة: ٤١٣
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: الشيخ محمد كاظم مدير شانجي
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٤ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: طبعت بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد

المسائل الجارودية
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد بن نعمان ابن المعلم
أبي عبد الله العكبري البغدادي
(336 - 413 ه‍)
تحقيق
الشيخ محمد كاظم مدير شانجي
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الجارودية فرقة من الزيدية نسبوا إلى رئيس منهم من أهل خراسان يقال له
أبو الجارود، زياد بن منذر (1).
والزيدية هم القائلون بإمامة زيد بن علي بن الحسين عليه السلام الذي
خرج عام 121 ه‍ في الكوفة (2) على هشام بن عبد الملك، عاشر الخلفاء الأموية
(105 - 125 ط)، فقتل بالكناسة (3) قرب الكوفة فدفنه أصحابه ليلا، وأخفوا
موضع قبره، فاطلع أمير الكوفة يوسف بن عمرو الثقفي على ذلك، فأخرجه
وصلبه عاريا، (4) وفر ابنه يحيى وجملة من خواصه إلى خراسان، وخرج في أيام الوليد
بن يزيد في جوزجان سنة 125 ه‍ وقتل في المعركة (5).
وأوصى إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام
الملقب بالنفس الزكية (6).

(1) مجمع البحرين.
(2) تاريخ اليعقوبي، مروج الذهب للمسعودي، وقد ذهب مؤلفه في كتابه الآخر، التنبيه والأشراف
إلى أن ظهور زيد بن علي بالكوفة سنة 122 ه‍ ونقله في مروج الذهب قولا، ونقل الطبري القولين
بلا ترجيح.
(3) بضم الكاف، محلة بالكوفة (مراصد الاطلاع)
(4) وقد بسط الطبري في تاريخه (ج 5 / 482، سبب خروجه ومقتله في زهاء خمسة وعشرين صفحة
(5) مروج الذهب.
(6) راجع مقدمة ابن خلدون ترجمة الأستاذ، 1 / 383.
3

وخرج محمد بالمدينة عام 145 ه‍ أيام المنصور، ثاني الخلفاء العباسيين،
فأرسل المنصور إلى قتاله عيسى بن موسى، فقاتلوا محمدا بالمدينة حتى قتل، وقد
كان تفرق أخوة محمد وولده في البلدان يدعون إلى إمامته، فكان فيمن توجه، ابنه
علي بن محمد إلى مصر، فقتل بها، وسار عبد الله إلى خراسان فهرب لما طلب إلى
السند، فقتل هناك، وسار ابنه الحسن إلى اليمن فحبس فمات في الحبس، وسار
أخوه موسى إلى الجزيرة، ومضى أخوه يحيى إلى الري وطبرستان. ومضى أخوه
إدريس بن عبد الله إلى المغرب فأجابه خلق من الناس فبعث المنصور من اغتاله
فيما احتوى عليه من مدن المغرب، وقام ولده إدريس بن إدريس بن عبد الله بن
الحسن بن الحسن عليه السلام مقامه، فعرف البلد بهم، فقيل بلد إدريس بن
إدريس...
ومضى إبراهيم أخوه إلى البصرة وظهر بها (1) فأجابه أهل فارس والأهواز
وغيرهما من الأمصار في عساكر كثيرة من الزيدية وجماعة ممن يذهب إلى قول
البغداديين من المعتزلة وغيرهم (2)، ومعه عيسى بن زيد بن الحسن بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فسير إليه المنصور عيسى بن موسى وسعيد
بن مسلم في العساكر، فحارب حتى قتل في الموضع المعروف بباخمرى، وذلك على
ستة عشر فرسخا من الكوفة من أرض الطف. وقتل معه من الزيدية من شيعته
أربعمائة رجل وقيل خمسمائة (3).
ولم يخمد نائرة القتال من الزيدية بقتل محمد وإبراهيم ابني عبد الله، فخرج
جماعة من الزيدية بعدهما وأكثرهم من ولد الحسن بن علي عليه السلام، وقد عد
أبو الحسن الأشعري في مقالاته خمسة وعشرين نفرا من العلويين الذين خرجوا

(1) وكان خروجه في أول رمضان، وخروجه من البصرة أول ذي القعدة (تاريخ اليعقوبي، 113 / 3).
(2) وقد كان أحصى ديوانه فكانوا ستين ألفا (تاريخ اليعقوبي).
(3) مروج الذهب 2 / 238، طبعة المطبعة البهية بالقاهرة سنة 1346 ه‍.
4

على الخلفاء العباسيين في بلاد شتى وقتلوا جميعا (1).
قال المسعودي: وكان المنصور (136 إلى 158 ه‍) قبض على عبد الله بن
الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام وكثير من أهل بيته وذلك في سنة أربع
وأربعين ومائة في منصرفه من الحج فحملوا من المدينة إلى الربذة من جادة العراق
وكان ممن حمل مع عبد الله بن الحسن، إبراهيم بن الحسن بن الحسن، وأبو بكر
بن الحسن بن الحسن، وعلي الحبر، وأخوه العباس، و عبد الله بن الحسن بن
الحسن، والحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن، ومعهم محمد بن عبد الله بن
عمرو بن عثمان بن عفان أخو عبد الله بن الحسن بن الحسن لأمه فاطمة ابنة
الحسين بن علي، وجدتهما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
فجرد المنصور بالربذة محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فضربه ألف
سوط، وسأله عن ابني أخيه محمد وإبراهيم فأنكر أن يعرف مكانهما، فسألت جدته
العثماني في ذلك الوقت وارتحل المنصور عن الربذة وهو في قبة، وأوهن القوم بالجهد
فحملوا على المحامل المكشفة، فمر بهم المنصور في قبته على الحمارة، فصاح به
عبد الله بن الحسن يا أبا جعفر ما هكذا فعلنا بكم يوم بدر، فصيرهم إلى الكوفة،
وحبسوا في سرداب تحت الأرض لا يفرقون بين ضياء النهار وسواد الليل، وخلى
منهم سليمان و عبد الله ابني داود بن الحسن بن الحسن وموسى بن عبد الله بن
الحسن، والحسن بن جعفر، وحبس الآخرين ممن ذكرنا حتى ماتوا وذلك على
شاطئ الفرات من قنطرة الكوفة، ومواضعهم بالكوفة تزار في هذا الوقت وهو سنة
اثنتين وثلاثين وثلائمائة، وكان قد هدم عليهم الموضع، وكانوا يتوضؤن في
مواضعهم فاشتدت عليهم الرائحة، فاحتال بعض مواليهم حتى أدخل عليهم
شيئا من الغالية، فكانوا يدفعون بشمها تلك الروائح المنتنة، وكان الورم في
أقدامهم، فلا يزال يرتفع حتى يبلغ الفؤاد فيموت صاحبه.

(1) راجع ترجمة مقالات الاسلاميين، ص 48.
5

وذكر أنهم لما حبسوا في هذا الموضع أشكل عليهم أوقات الصلاة، فجزؤوا
القرآن خمسة أجزاء، فكانوا يصلون الصلاة على فراغ كل واحد منهم من حزبه (*)،
وكان عدد من بقي منهم خمسة، فمات إسماعيل بن الحسن فترك عندهم فجيف،
فصعق داود بن الحسن فمات، وأتي برأس إبراهيم بن عبد الله فوجه به المنصور مع
الربيع إليهم فوضع الرأس بين أيديهم و عبد الله يصلي، فقال له إدريس أخوه
أسرع في صلاتك يا أبا محمد، فالتفت إليه وأخذ الرأس فوضعه في حجره، وقال
له أهلا وسهلا يا أبا القاسم، والله لقد كنت من الذين قال الله عز وجل فيهم:
الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن
يوصل " إلى آخر الآية، فقال له الربيع كيف أبو القاسم في نفسه، قال كما قال
الشاعر:
فتى كان يحميه من الذل سيفه ويكفيه أن يأتي الذنوب اجتنابها
ثم التفت إلى الربيع فقال: قل لصاحبك قد مضى من بؤسنا أيام ومن
نعيمك أيام، والملتقى، القيامة. قال الربيع: فما رأيت المنصور قط أشد انكسارا
منه في الوقت الذي بلغته الرسالة... (1).
لم تخمد نائرة القتال بقتل محمد وإبراهيم وعشيرتهما، فخرج جماعة من
الزيدية، وأكثرهم من بني الحسن بن علي (ع) على العباسيين، وقد عد أبو
الحسن الأشعري في مقالاته خمسة وعشرين نفرا من العلويين الذين خرجوا على
الخلفاء العباسيين في بلاد مختلفة وقتلوا جميعا (2).

* جزئه ظ.
(1) مروج الذهب، 2 / 242.
(2) راجع ترجمة مقالات الاسلاميين، ص 48، ومقاتل الطالبين " وفيها أحوالهم وكيفية خروجهم
ومقاتلهم.
6

الأسر الزيدية
دولة الزيدية في المغرب:
بعد مقتل محمد بن عبد الله في المدينة، فر أخوه إدريس بن عبد الله من
المدينة إلى بلاد المغرب، فأرسل المنصور شخصا إلى المغرب فقتله غيلة، وذلك
لبعد المغرب عن مقر الخلافة، فلا يمكن إرسال الجيوش إليه، ولكن بقتله لم
تخمد نائرة الفتنة في المغرب، فقام بعده ابنه إدريس بن إدريس وبنى مدينة
فاس، وأسس دولة الأدارسة في بلاد المغرب التي بقي من سنة 169 ه‍ إلى
375 ه‍. وإن كان مذهبهم قد تحول من الزيدية إلى مذهب أهل السنة.
دولتهم في طبرستان:
وفي سنة 250 ه‍ قام الحسن بن زيد العلوي المعروف بالداعي الكبير
في طبرستان، وحارب أمير آمل من قبل آل طاهر فتغلب على آمل، وبعد وقايع
دموية تغلب الداعي على سارية مركز الحكومة واستولى أيضا على ساير بلاد
ديلم وطبرستان وجرجان، وبعده قام محمد بن زيد العلوي مقامه حتى عام
287 ه‍ ففيه أرسل الأمير إسماعيل الساماني أحد قواده إلى حرب العلوي وكان
أفراد عسكر العلوي بالغة على عشرين ألف نفر، فغلبوا أولا على عسكر
السامانية ولكن توسل عسكر السامانية إلى حيلة فانعكس الأمر، فأثخن محمد
بن زيد في المعركة، وقتل بعد أيام، ودفن جثمانه في جرجان، (شوال 287 ه‍)
واستولى السامانيون موقتا على بلاد ديلم، حتى قام الناصر الكبير، الحسن بن
7

علي الأطروشي في سنة 301 ه‍ في جيلان فأرسل دعاته إلى بلاد ديلم، فنهض
في مقابله محمد الصعلوك، الوالي من قبل السامانيين بهذا الصقع، فغلب عليه
الداعي وتصرف آمل واستولى على ساير بلاد مازندران، وفي أواخر عمره انعزل
عن السياسة وقام بأعباء الدعوة، فألف كتبا في الفقه والمذهب، حتى توفي سنة
304 ه‍.
فقام مقامه صهره محمد بن القاسم، المشتهر بالداعي الصغير، حتى قتل
في الحرب مع أسفار بن شيرويه على يد قائد حبش أسفار، مرداويج بن زيار،
فانقرضت دولة الزيدية من طبرستان، (316 ه‍) (1).
. وقد عد ابن النديم من تأليفات الداعي الصغير: كتاب الطهارة، كتاب
الأذان والإقامة، كتاب الصلاة كتاب، أصول الزكاة، كتاب الصيام، كتاب
المناسك، كتاب السير، كتاب الإيمان، كتاب الرهن، كتاب بيع أمهات الأولاد،
كتاب القسامة، كتاب الشفعة، كتاب الغصب، كتاب الحدود، ثم قال هذه من
تأليفاته التي رأيناها، واعتقد بعض بأن تأليفاته بلغت على مائة كتاب (2).
الأئمة الرسية في اليمن:
قد أسس الإمام يحيى الهادي الرسي (وهو من أحفاد ترجمان الدين، قاسم
ابن إبراهيم. الطباطبا المتوفى سنة 246 ه‍ المدير للإمامة في زمن المأمون العباسي)
دولة زيدية سنة 280 ه‍ في سعداء (الصعدة) من بلاد شمال اليمن، واستولى
أحفاده غالبا على صنعاء حتى عام 426 ه‍، فغلب عليهم الصليحيون (3)
المنتمون إلى الإسماعيلية على صنعاء إلى أن خرج المنصور، عبد الله بن حمزة العلوي
(المتولد سنة 561 والمتوفى 614 ه‍) فاسترد صنعاء منهم سنة 594 ه‍، وبقي

(1) تاريخ ابن اسفنديار، جنبش زيدية در إيران، طبقات سلاطين اسلام، ص 114.
(2) فهرست ابن النديم.
(3) مدة ملكهم عل اليمن من 439 إلى 1047 ه‍.
8

الأئمة الرسية إلى أوائل 685 ه‍، تعاقب على كرسي الحكم خلال هذه المدة 17
أو 19 ملكا (2)، فغلب عليهم فرع من قرابة بعيدة نسبهم مشكوك فيه، إلى أن
ظهرت دولة حديثة من أحفاد الأئمة الرسية بصنعاء حوالي سنة ألف من الهجرة،
فاشتهروا بأئمة صنعاء، أولهم أبو القاسم، المنصور بن محمد بن علي بن محمد،
وقد عد المستشرق زامباور خمسة عشر أميرا منهم حتى استولى العثمانيون على اليمن
(سنة 923 إلى 1045 ه‍) فأخرجهم أئمة اليمن وبقيت اليمن تحت سلطتهم إلى
أن استرد العثمانيون صنعاء منهم عام 1289 ه‍.
ولكن لم يتمكنوا لسلب السلطة الروحية للأئمة الزيدية على اليمنيين.
فثار المتوكل على الله، يحيى بن حميد في 1322 ه‍ وأعلن استقلاله بصعده
(السعداء) وبايعه العلماء واجتمعت إليه الوفود من بلاد شتى، وقد صاول حميد
الدين، الأتراك، وحاصر صنعاء وغيرها من المراكز التي كانوا يحتلونها، فانهزم
الأتراك وبقي النزال جوالة بين قوات الترك واليمنيين، فصنعاء تارة بيد الأتراك،
وأخرى بيد حميد الدين، إلى أن انهزمت الدولة العثمانية فاستصوب الوالي، دخول
حميد الدين إلى صنعاء، فاستقبله العلماء والأعيان ورجال الدولة، ولما استقرت
الأمور مد يده إلى أطراف اليمن وتهامة وولي العمال والقضاة في البلاد، وأمن
السبل وأخمد الثورات اللاتي قام بها رجال القبائل، وقبض على البلاد.
ولما تأسست الجامعة العربية (المتشكلة من مصر وسوريا) انضمت المملكة
المتوكلية إليها، ثم قبلت اليمن في سنة 1367 ه‍ عضوا في هيئة الأمم المتحدة،
وفي سنة 1367 قتل حميد الدين في بلد قرب صنعاء واستولى على عرشه، عبد الله
الوزير وتلقب بالإمام الناصر لدين الله، والحال أن أحمد أكبر انجال حميد الدين
كان ولي عهد المملكة من ناحية أبيه حميد الدين، فخرج وحارب الوزير ففتح

(1) باختلاف بين كتاب العالم الاسلامي، عمر رضا كحالة، 2 / 142 وبين كتاب سلسله هاي
اسلامي برسورث، ص 119.
9

صنعاء وأخذ الثار للإمام والده يحيى حميد الدين، واعترفت دول الجامعة العربية
بأحمد ملكا على اليمن.
وفي سنة 1962 م توفي الإمام أحمد وقام مقامه ابنه الإمام محمد، ولكن
ثارت جملة من قواد الجيش المنتمين إلى عبد الناصر رئيس جمهورية مصر عليه
وأسقطوا الملكية في اليمن وأعلنوا بالجمهورية بقيادة عبد الله السلال، ولكن الإمام
محمد البدر قاومهم بمساعدة دولتي السعوية والأردنية واستوثقوا بجبال اليمن
واشتدت المعارك الدموية بينهم وبين الجمهوريين الموالين لمصر والاتحاد السوفيتي،
حتى أن عبد الناصر أرسل جيشا من مصر متشكلا من أربعين ألف جندي لحماية
الجمهوريين (1963 م).
فبقيت نائرة النزال مشتعلة في اليمن إلى أن وقعت الحرب الثالث بين العرب
وإسرائيل في سنة 1967 م فأخرج عبد الناصر جيوشه من اليمن، وتوافق الفريقان
بإخماد النار موقتا، ولكن بعد شهور تجددت الحروب بين أتباع الإمام والدولة
الجمهورية، ففي أواسط عام 1969 م تسلط الجمهوريون على مراكز القوى
للإمام فأعلن الطرفان ختام القتال. فالزيدية في اليمن إلى اليوم لا يزالون بلا
إمام مسيطر قائم بالسيف، وانحصر سلطة الأئمة الزيدية وبتعبير أصح:
العلماء، بالقيادة المذهبية والشؤون الدينية فقط (1).
قال نشوان الحميري (2) " افترقت الزيدية ثلاث فرق: بتربة وحريرية
وجارودية. فقالت البترية إن عليا عليه السلام كان أفضل الناس بعد رسول الله
صلى الله عليه وآله وأولاهم بالإمامة، وأن بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ، لأن

(1) لخصناها من: معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الاسلامي للأستاذ زيمباور،
ص 188، طبقات سلاطين إسلام لاستانلي لين بول، ترجمة عباس إقبال، العالم الاسلامي عمر
رضا كحالة 2 / 142، سلسله هاي اسلامي برسورث، ترجمة فريلون بلزأي، كيتاثناسى تحت
عنون اليمن الشمالي، دائرة المعارف الاسلامية، مادة زيدية.
(2) تنقيح المقال 3 / 85.
10

عليا عليه السلام سلم لهما ذلك، بمنزلة رجل كان له حق على رجل فتركه له،
ووقفت في أمر عثمان، وشهدت بالكفر على من حارب عليا، وسموا البترية، لأنهم
نسبوا إلى كثير النوى، وكان المغيرة بن سعيد يلقب بالأبتر.
وقالت الجريرية إن عليا كان الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأن
بيعة أبي بكر وعمر كانت خطأ لا يستحق عليه اسم الكفر، ولا اسم الفسوق، وأن
الأمة قد تركت الأصلح، وبرئت من عثمان سبب أحداثه، وشهدت عليه وعلى
من حارب عليا بالكفر.
وقالت الجارودية: إن رسول الله صلى الله عليه وآله نص على علي عليه
السلام بالإشارة والوصف، دون التسمية والتعيين، وأنه أشار إليه ووصفه
بالصفات التي لم توجد إلا فيه، وأن الأمة ضلت وكفرت بصرفها الأمر إلى غيره،
وأن رسول الله صلى الله عليه وآله نص على الحسن والحسين عليهما السلام بمثل
نصه على علي، ثم إن الإمام بعد هؤلاء الثلاثة ليس بمنصوص عليه، ولكن
الإمامة شورى بين الأفاضل من ولد الحسن والحسين، فمن شهر منهم سيفه ودعا
إلى سبيل ربه وباين الظالمين، وكان صحيح النسب من هذين البطنين، وكان عالما
زاهدا شجاعا، فهو الإمام (1).
وافترقت الجارودية في نوع آخر ثلاث فرق:
أ - فرقة زعمت أن محمد بن عبد الله النفس الزكية بن الحسن بن الحسن بن
علي بن أبي طالب لم يمت ولا يموت، حتى يملأ الأرض عدلا، وأنه القائم
المهدي المنتظر عندهم، وكان محمد بن عبد الله خرج على المنصور فقتل بالمدينة.
ب - وفرقة زعمت أن محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب، حي لم يمت ولا يموت، حتى يملأ الأرض عدلا، وأنه
المهدي المنتظر عندهم، وكان محمد بن القاسم هذا خرج على المعتصم بالطالقان

(1) الحور العين، ص 155.
11

فأسره المعتصم، فلم يدر بعد ذلك كيف كان خبره.
ج - وفرقة زعمت أن يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب حي لم يمت، وأنه القائم المنتظر عندهم، ولا يموت
حتى يملأ الأرض عدلا، وكان يحيى بن عمر هذا خرج على المستعين، فقتل
بالكوفة. هذه رواية أبي القاسم البلخي عن الزيدية، وليس باليمن من فرق
الزيدية غير الجارودية، وهم بصنعاء وصعدة وما يليهما " (1).
وقريب من هذا ما قاله سعد بن عبد الله الأشعري (2).
قال الشهرستاني (3):
الزيدية أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام،
ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة عليها السلام، ولم يجوزوا ثبوت إمامة في غيرهم،
إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة يكون
إماما واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين. وعن هذا
قالت طائفة منهم بإمامة محمد وإبراهيم الإمامين ابني عبد الله بن الحسن بن
الحسن، اللذين خرجا في أيام المنصور، وقتلا على ذلك، وجوزوا خروج إمامين
في قطرين يستجمعان هذه الخصال، ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة.
وزيد بن علي لما كان مذهبه هذا المذهب أراد أن يحصل الأصول والفروع
حتى يتحلى بالعلم، فتتلمذ في الأصول لواصل بن عطاء الغزال، رأس المعتزلة
مع اعتقاد واصل بأن جده علي بن أبي طالب في حروبه التي جرت بينه وبين
أصحاب الجمل وأصحاب الشام ما كان على يقين من الصواب، وأن أحد
الفريقين منهما كان على الخطأ لا بعينه، فاقتبس منه الاعتزال، وصارت أصحابه
كلها معتزلة.

(1) الحور العين / لم 155.
(2) في كتاب المقالات والفرق، ص 18، الطبعة المصححة للدكتور محمد جواد مشكور.
(3) الملل والنحل في هامش الفصل 1 / 207.
12

وكان من مذهبه جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل، فقال كان علي بن
أبي طالب أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها
وقاعدة دينية راعوها. وكذلك يجوز أن يكون المفضول إماما والأفضل قائم
فيرجع إليه في الأحكام، ويحكم بحكمه في القضايا. ولما سمعت شيعة الكوفة
هذه المقالة منه وعرفوا أنه لا يتبرأ عن الشيخين رفضوه، حتى أتى قدره عليه،
فسميت رافضة.
وجرت بينه وبين أخيه محمد الباقر مناظرة لا من هذا الوجه، بل من حيث
كان يتلمذ لواصل بن عطاء ويقتبس العلم ممن يجوز الخطأ على جده في قتال
الناكثين، والقاسطين، ومن يتكلم في القدر على غير ما ذهب إليه أهل البيت،
ومن حيث أنه كان يشترط الخروج شرطا في كون الإمام إماما. قال له يوما على
قضية مذهبك والدك ليس بإمام، فإنه لم يخرج قط ولا تعرض للخروج.
قال أبو الحسن الأشعري إن الزيدية افترقت ستة فرق:
1 - الجارودية.
2 - سليمانية أصحاب سليمان بن جرير.
3 - البترية أتباع حسن بن صالح بن حي وكثير النواء.
4 - نعيمية أتباع نعيم بن اليمان.
5 - فرقة لم يسمها الأشعري.
6 - اليعقوبية.
قال المسعودي (1): إن الزيدية كانت في عصرهم ثمانية فرق: أولها الفرقة
المعروفة بالجارودية وهم أصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر العبدي، وذهبوا إلى
أن الإمامة مقصورة في ولد الحسن والحسين دون غيرهما ثم الفرقة الثانية المعروفة
بالمرئية، ثم الفرقة الثالثة المعروفة بالأبرقية، ثم الفرقة الرابعة المعروفة باليعقوبية

(1) مروج الذهب 2 / 183.
13

وهم أصحاب يعقوب بن علي الكوفي، ثم الفرقة الخامسة المعروفة بالعقبية ثم
الفرقة السادسة المعروفة بالأبترية وهم أصحاب كثير الأبتر والحسن بن صالح بن
حي، ثم الفرقة السابعة المعروفة بالجريرية وهم أصحاب سليمان بن جرير، ثم
الفرقة الثامنة المعروفة باليمانية وهم أصحاب محمد بن يمان الكوفي، وقد زاد هؤلاء
في المذاهب وفرعوا مذاهب عل ما سلف من أصولهم (1).
وقال مؤلفو دائرة المعارف الاسلامية: يحصى من الزيدية ما تبلغ ثماني
فرق: من فرقة أبي الجارود الذي جمع بين الأعمال الحربية وبين القول بتأليه
الأئمة، إلى فرقة مسلمة بن كهيل الذي اقتصر في تمسكه بمذهب الزيدية على
مجرد الميل إلى الشيعة وكانت الحاذ شبيهه بذلك في المذهب الاعتقادي للزيدية،
وهم لم يصبحوا جماعة متحدة إلا بعد أن تولى قيادتهم الروحية رجال من العلويين
الذين كانوا يدعون الإمامة، وإذا نحن اعتمدنا على ما لدينا حتى الآن من
معلومات وثيقة وجدنا أنه لا يستحق هذا الوصف من العلويين إلا رجلان: أولهما
الحسن بن زيد الذي أسس منذ حوالي سنة 250 دولة زيدية جنوب بحر الخزر،
وثانيهما القاسم الرمي وهو ابن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم
بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (المتوفى سنة 246 ه‍) وعلى حين أنه
لا توجد من مؤلفات الحسن بن زيد إلا شواهد غير مباشرة فإن مؤلفات القاسم
الذي لم يوفق على أية حال في ميدان السياسة قد بقيت. ومذهب الزيدية الذي
وضعه القاسم ووسعه وفصله من جاء بعده، هو المذهب الزيدي الوحيد الذي
بقي إلى اليوم، مذهب ينحو فيما يتعلق بالقول في ذات الله منحى الاعتزال، وهو
فيما يتعلق بالمسائل الأخلاقية مخالف للمرجئة ويحيل إلى ذلك طابعا من التشدد في
الدين يرفض التصوف، ولذلك فالطرق الصوفية ممنوعة في الدولة الزيدية الحالية.

(1) كما أن مقارنة أسماء الفرق في مقالات الاسلاميين للأشعري ومروج الذهب للمسعودي معلنة
بمذاب غير ما عدها المسعودي.
14

وأما فيما يتعلق بمسائل العبادات فإن مذهب الزيدية هذا يشترك مع بقية
الشيعة في مميزات معينة انفردوا بها بوصفهم فرقة من فرق. من ذلك قولهم في
الأذان: حي على خير العمل، والتكبير خمس مرات في صلاة الجنازة، رفض
المسح على الخفين، ورفض الصلاة خلف الفاجر، وعدم أكل ذبايح غير
المسلمين، وهم فيما يتعلق بأحكام الزواج يحرمون الزواج من غيرهم، ولا يجوزون
على كل حال زواج المتعة. وهنا نجد أفرادا من الزيدية يوافقون أفرادا من أهل
السنة في مخالفة أفراد آخرين من الزيدية ومن أهل السنة بحيث أصبح مذهب
الزيدية في الفقه بمثابة مذهب خامس إلى جانب المذاهب الأربعة.
وقد صور لنا أبو الحسن عبد الله بن مفتاق الزيدي ذلك تصويرا واضحا
ملموسا بأن جعل اسم كتابه (المنتزع المختار من الغيث المدرار) (1).
ولا بد بطبيعة الحال أن تكون الآراء قد اتحدت في الدولة الزيدية الحالية
اتحادا كبيرا.
أبو الجارود، مؤسس مذهب الجارودية:
قد سبق أن الجارودية فرقة من الزيدية، منسوبة إلى مؤسسة أبي الجارود،
ونقلنا من نشوان الحميري: أن الزيدية الموجودين هم الذين ينتسبون إلى
الجارودية، ولم يبق ساير فرق الزيدية.
وسترى أن أبا الجارود غير معتمد بل مطعون عند أهل السنة والشيعة.
مع أن كثيرا من المسائل الاعتقادية مستندة إلى أقوال النبي وأصحابه بالإسناد،
وكذلك فقه الزيدية، حيثما كان أكثر مسائله مأخوذة من فقه الأحناف، وفقههم
مستندة في الأكثر إلى الأحاديث الواردة عن النبي (ص) بالرواية. فإذا لم يكن
إمام المذهب ثقة عند الفريقين فكيف يمكن الاستناد إلى قوله وروايته في

(1) الجزء الأول، طبعة القاهرة 1328 ه‍.
15

المسائل الاعتقادية والفقهية.
ونحن الآن ننقل كلام أئمة علم الرجال من الفريقين في الرجل، ولمقال
عدم التطويل نكتفي بما ذكر في الكتب الأربعة الرجالية (من مصادر علم
الرجال عند الإمامية) وما نقله ابن حجر العسقلاني عن أئمة الجرح والتعديل
من أهل السنة، في تهذيب التهذيب.
قال الكشي (1):
حكي أن أبا الجارود سمي سرحوبا، وتنسب إليه السرحوبية من الزيدية،
سماه بذلك أبو جعفر عليه السلام وذكر أن سرحوبا اسم شيطان أعمى يسكن
البحر، وكان أبو الجارود مكفوفا أعمى، أعمى القلب.
ثم حكى عن أبي نصر (2) قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فمرت بنا
جارية معها قمقم فقلبته، فقال أبو عبد الله عليه السلام إن الله عز وجل قد قلب
قلب أبي الجارود كما قلبت هذه الجارية هذا القمقم، فما ذنبي.
وعن أبي أسامة، قال قال لي أبو عبد الله: ما فعل أبو الجارود، أما والله لا
يموت إلا تائها.
وعن أبي بصير قال: ذكر أبو عبد الله عليه السلام كثير النوا وسالم بن أبي
حفصة وأبا الجارود، فقال: كذابون، مكذبون، كفار، عليهم لعنة الله. قال
قلت جعلت فداك كذابون قد عرفتهم فما معنى مكذبون، قال: كذابون يأتونا
فيخبرون أنهم يصدقونا، وليس كذلك، ويسمعون حديثنا ويكذبون به.
عن أبي سليمان الحمال قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي
الجارود بمنى في فسطاطه، رافعا صوته: يا أبا الجارود، كان والله أبي إمام أهل
الأرض حيث مات لا يجهله إلا ضال، ثم رأيته في العام المقبل قال له مثل ذلك،
قال فلقيت أبا الجارود بعد ذلك بالكوفة، فقلت له: أليس قد سمعت ما قال أبو

(1) رجال الكشي، ص 150، طبعة بمبي.
(2) أبي بصير.
16

عبد الله عليه السلام مرتين. قال: إنما يعني أباه علي بن أبي طالب عليه السلام.
قال الشيخ في رجاله ضمن أصحاب الباقر عليه السلام (1):
زياد بن المنذر، أبو الجارود الهمداني الحوفي الكوفي، تابعي، زيدي
أعمى، إليه تنسب الجارودية منهم.
وذكره أيضا في أصحاب أبي عبد الله، جعفر بن محمد الصادق قال:
زياد بن المنذر، أبو الجارود الهمداني الحارفي، الحوفي، مولاهم، كوفي،
وقال في الفهرست (2): زياد بن المنذر يكنى أبا الجارود، زيدي المذهب، وإليه
تنسب الزيدية الجارودية، له أصل، وله كتاب التفسير عن أبي جعفر الباقر عليه
السلام. أخبرنا به الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان. وأخبرنا
بالتفسير: أحمد بن عبدون.
وكان ضعيفا، وخرج أيام أبي السرايا معه فأصابه جراحة.
وقال النجاشي (3):
أبو الجارود الهمداني الخارقي الأعمى، أخبرنا ابن عبدون. عن محمد
ابن سنان: قال قال لي أبو الجارود: ولدت أعمى، ما رأيت الدنيا قط.
كوفي كان من أصحاب أبي جعفر، وروى عن أبي عبد الله عليهما السلام،
وتغير لما خرج زيد رضي الله عنه. وقال أبو العباس بن نوح: هو ثقفي، سمع
عطية، وروى عن أبي جعفر، وروى عنه مروان بن معاوية وعلي بن هاشم بن
البريد، يتكلمون فيه، قاله البخاري.
له كتاب تفسير القرآن رواه عن أبي جعفر عليه السلام. أخبرنا به عدة من
أصحابنا الخ.

(1) رجال الشيخ، ص 122، طبعة النجف.
(2) الفهرست، ص 72، طبعة النجف.
(3) رجال النجاشي، ص 170، طبعة مؤسسة النشر الاسلامي بقم.
17

وقال ابن حجر العسقلاني (1):
زياد بن المنذر الهمداني ويقال النهدي، ويقال الثقفي، أبو الجارود الأعمى
الكوفي روى عن عطية العوفي، وأبي الجحاف داود بن أبي عوف، وأبي الزبير،
والأصبغ بن نباتة، وأبي بردة بن أبي موسى، وأبي جعفر الباقر، و عبد الله بن الحسن
ابن الحسن، والحسن البصري، ونافع بن الحارث، وهو نفيع أبو داود الأعمى،
وغيرهم.
وعنه مروان بن معاوية الفزاري ويونس بن بكير، وعلي بن هاشم بن
البريد، وعمار بن محمد ابن أخت سفيان، ومحمد بن بكر الرساني، ومحمد بن
سنان العوفي وغيرهم.
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: متروك الحديث، وضعفه جدا، وقال معاوية
ابن صالح عن يحيى بن معين،: كذاب عدو الله، ليس يسوي فلسا، وقال
الدوري عن يحيى: كذاب وقال الآجري عن أبي داود: كذاب، سمعت يحيى
يقوله. وقال البخاري يتكلمون فيه. وقال النسائي متروك. وقال في موضع
آخر: ليس بثقة. وقال أبو حاتم ضعيف، وقال يزيد بن زريع لأبي عوانة: لا
تحدث عن أبي الجارود، فإنه أخذ كتابه فأحرقه. قال أبو حاتم بن حبان: كان
رافضيا يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ويروي في
فضائل أهل البيت رضي الله عنهم أشياء ما لها وصول، لا يحل كتب حديثه، وقال
ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة وعامة ما يرويه في فضائل أهل البيت، وهو
من المعدودين من أهل الكوفة الغالين، وأحاديثه عن من يروي عنه فيها نظر.
وقال النوبختي في مقالات الشيعة: والجارودية منهم أصحاب أبي الجارود،
زياد بن المنذر.
روى له الترمذي حديثا واحدا في إطعام الجائع. قلت: قال يحيى بن يحيى

(1) تهذيب التهذيب ج / 3 / 386 الطبعة الأولى بمطبعة دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد.
18

النيسابوري: يضع الحديث، حكاه الحكم في التاريخ. وقال ابن عبد البر:
اتفقوا على أنه ضعيف الحديث منكره، ونسبه بعضهم إلى الكذب. قلت: وفي
الثقات لابن حبان: زياد بن المنذر، روى عن نافع بن الحارث، وعنه يونس بن
بكير، فهو غفل عنه ابن حبان، وذكره البخاري في فصل من مات من الخمسين
ومائة إلى الستين.
* * *
19

عملنا في تصحيح النسخة
استفدنا في تصحيح هذه الرسالة من ثلاث نسخ مخطوطة، ومن النسخة
المطبوعة، نذكر ذيلا مختصات كل واحدة منها:
1 - نسخة مكتبة آية الله المرعشي في قم المحروسة، وهي ضمن مجموعة
مضبوطة تحت رقم 243، وكتابة النسخة قديمة جدا، وعليها كتابة التملك
المؤرخة: محرم 888 ه‍. وجعلناها الأساس، وعبرنا عنها بالأصل (1).
2 - نسخة ثانية في مكتبة آية الله المرعشي، ضمن مجموعة برقم 78، ونرمز
عنها ب‍ (عش).
3 - نسخة مكتبة مجلس الشورى الاسلامي، ضمن كتب أهداها إمام
جمعة خوي، مضبوطة برقم 8 ونعبر عنها ب‍ نسخة المجلس، ونرمز عنها ب‍ (مج).
4 - النسخة المطبوعة في النجف الأشرف ضمن مجموعة من مؤلفات
شيخنا المفيد، ونرمز عنه ب‍ (ط). اي المطبوعة وفيها سقط وأخطاء غير مطبعية
ولكن في كثير من الموارد تؤيد إحدى النسخ التي استفدنا عنها.
* * *

(1) وذلك في موارد كان المذكور في بعض النسخ، أصح، فجعلناها في النص، وأثبتنا ما في الأصل،
ذيلا.
20

الصفحة الأولى من نسخة الأساس
21

الصفحة الأولى من نسخة الأساس
22

الصفحة الأولى من نسخة الأساس
23

الصفحة الأولى من نسخة الأساس
24

المسائل الجارودية
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله، العكبري، البغدادي
(336 - 413 ه‍)
25

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلواته على خيرته من خلقه محمد وآله
الطاهرين.
(أما بعد، فقد) (1) اتفقت الشيعة العلوية من الإمامية والزيدية
الجارودية (2) على أن الإمامة كانت عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله لأمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأنها كانت للحسن بن علي عليهما
السلام من بعده وللحسين بن علي بعد أخيه عليهما السلام وأنها من بعد
الحسين من (3) ولد فاطمة عليها (4) السلام لا تخرج (5) منهم إلى غيرهم ولا
يستحقها سواهم ولا تصلح إلا لهم فهم أهلها دون من عداهم حتى يرث
الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، ثم أختلف هذان الفريقان بعد

(1) ليست بي الأصل ولا في عش ومج.
(2) الجارودية أصحاب أبي الجارود فقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله نص على علي بن
أبي طالب عليه السلام بالوصف لون التسمية والناس قصروا حيث لم يتعرفوا الوصف ولم
يطلبوا الموصوف ولهذا نصبوا أبا بكر باختيارهم، وأيضا هم خالفوا إمامة زيد بن علي ولم
يعتقدوا بهذا الاعتقاد.
(3) ط: في.
(4) عليهم السلام (ط).
(5) مج، ط: لا يخرج.
27

الذي ذكرناه من اتفاقهم على ما وصفناه.
فقالت الإمامية إن الإمامة بعد الحسين عليه السلام في ولده لصلبه
خاصة دون ولد أخيه الحسن عليه السلام وغيره من إخوته وبني عمه وساير
الناس وأنها لا تصلح إلا لولد الحسين عليه السلام ولا يستحقها غيرهم ولا
تخرج عنهم إلى غيرهم ممن عداهم حتى تقوم (1) الساعة.
وقالت الزيدية الجارودية (2) إنها بعد الحسين عليه السلام في ولد الحسن
والحسين عليهما السلام دون غيرهم من ولد أمير المؤمنين عليه السلام وساير
بني هاشم وكافة الناس، وحصروها في ولد أمير المؤمنين عليه السلام (من
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وأنكروا قول الإمامية في اختصاص
ولد الحسين عليه السلام) (3) بها دون ولد الحسن عليه السلام وخالفوهم في
حصرها فيهم حسب ما ذكرناه.

(1) عش: يقوم.
(2) عش، ط: الزيدية والجارودية.
(3) ليست في المطبوعة.
28

باب (1) مسائل الجارودية للإمامية (2)
فيما حكيناه عنهم من الاختلاف الذي شرحناه
وأجوبة الإمامية فيه
فمما سألت الجارودية عنه الإمامية أن قالوا لهم: كيف صارت الإمامة
في ولد الحسين عليه السلام دون ولد الحسن عليه السلام وهما جميعا إمامان
على ما تقرر بيننا من الاتفاق؟
قالت الإمامية: ليس اجتماع الحسن والحسين عليهما السلام
واستحقاقهما (3) لها بموجب استحقاق ولدهما لها ولا مانعا من اختصاص ولد
الحسين عليه السلام بها دون ولد الحسن عليه السلام كما أن ثبوت الإمامة
في أمير المؤمنين عليه السلام واستحقاقه لها بعد الرسول عليه السلام (4) دون
من سواه من بني هاشم وعامة قريش وكافة الناس لا يوجب استحقاق جميع
ولده ولا يمنع من اختصاص الحسن والحسين عليهما السلام بها دون إخوتهما
من ولد أمير المؤمنين عليه السلام وغيرهم من الناس وبالمعنى الذي اختص

(1) ليس في المطبوعة.
(2) ليست في المطبوعة.
(3) ط: واستحقاقها.
(4) تمام النسخ: ع وفي ط (ص).
29

الحسن والحسين عليهما السلام من جملة ولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه (1)
بالإمامة دون إخوتهما منه اختصت بولد الحسين عليه السلام دون غيرهم من
بني عمهم وكافة الأنام.
قالت الجارودية: فإن الحسن والحسين عليهما السلام إنما اختصا
بالإمامة دون إخوتهما من ولد أمير المؤمنين عليه السلام في المعاني التي يستحق
بها الإمامة من العلم والورع والبصيرة بالتدبير والسياسة وكيت وكيت (2) مما
لا بد من حوز الأئمة له من الفضل (3) ولولا ذلك لما جوزناها في الحسن
والحسين عليهما السلام دونهم (4).
قالت الإمامية: فقد سقط الآن تعجبكم من اختصاص ولد
الحسين عليه السلام بالإمامة مع كونها في أخيه الحسن عليه السلام مثله كما
سقط تعجب المخالف لنا جميعا من القول باختصاص الحسن والحسين
بالإمامة (5) دون إخوتهما مع كون أبيهم (6) أمير المؤمنين عليه السلام إماما (7)
قبلهم ومستحقا للإمامة دون من سواه وصار ما استبعد من هذا الباب قريبا
ونحن نقول لكم في اختصاص ولد الحسين بالإمامة مثل ما قلتم في
اختصاصه وأخيه عليهما السلام دون إخوتهم ونحتج بذلك مثل حجتكم
فنقول (8) إن ولد الحسين عليه السلام إنما اختصوا بالإمامة لفضلهم على كل

(1) ليست في المطبوعة.
(2) ط: (كذا وكذا).
(3) عش، مج: من الفضل. وفي ط: بالفضل.
(4) مج: دون غيرهم.
(5) مج: لإمامته.
(6) ط: جميعهم من ولد.
(7) ط: وإماما.
(8) مج: فيقول.
30

من عداهم من بني عمهم وغيرهم في المعاني التي يستحق بها الإمامة من
العلم والورع والبصيرة بالتدبير والسياسة وكيت وكيت (1) مما لا بد من حوز الأئمة
له من الفضل لولا ذلك لجوزناها في غير ولد الحسين عليه السلام وما قصرناها فيهم.
قالت الجارودية: هذا (2) دعوى منكم يا معشر الإمامية بلا بينة فدلوا
على صحتها بحجة وإلا فأنتم متحكمون.
قالت لهم الإمامية (3): فما علونا طريقكم في الاحتجاج ولا خالفنا
سبيلكم في الكلام بل تجرينا (4) حكاية ألفاظكم وأوردنا (5) فيها معانيكم
بعينها على التحقيق.
فإن كنتم فيما اعتمدتموه (6) من اختصاص الحسن والحسين عليهما
السلام بالإمامة واستحقاقهما لها دون إخوتهما على دعوى لا يثبت لها بينة
فكفاكم بذلك عارا عند أهل النظر ومثله شهدتم على أنفسكم بالتقصير.
وإن كنتم على حجة أولكم في مقالكم (7) دليل فإنا مثلكم في ذلك.
وإلا فقولوا نسمع غير ما ذكرتموه (8).
قالت الجارودية: أنتم توافقونا يا معشر الإمامية على ما ادعيناه من
فضل الحسن والحسين عليهما السلام على جميع أخويهما (9) فيما عددناه

(1) ط: وكذا وكذا.
(2) ط: هذه.
(3) ط: قالت الإمامية.
(4) ظ: تحرينا.
(5) ط: أوردنا. عش، مج: وأردنا.
(6) الأصل، عش: اعتمدوه.
(7) ط: مقالاتكم.
(8) ط: ما ذكرناه.
(9) إخوتهما.
31

ووصفناه ونحن نخالفكم فيما تفردتم (1) به من فضل ولد الحسين عليه السلام
على بني عمهم في ذلك فلا (2) حاجة بنا إلى دليل على مقالتنا فيه.
قالت الإمامية: وأي نفع لكم في وفاقنا إياكم (3) على شئ (4) لا حجة
لنا جميعا عليه والدعوى فيه عرية (5) من برهان على صحته، وخصومنا جميعا
يعيرونا بالاقتصار فيه على الدعاوي (6) المجردة من البيان، ويحكمون (7) علينا
من أجل ذلك بالعجز (8) عن الاحتجاج والتقليد في الاعتقاد اللهم إلا أن
تزعموا (9) أن الدعاوي مغنية عن البرهان فيلزمكم ما ذكرناه من الدعوى
لولد الحسين عليه السلام وتسقط مطالبتكم بالبرهان.
قالت الجارودية: إنما اقتصرنا في فضل الحسن والحسين عليهما السلام
على إخوتهما فيما عددناه على الحكم المجرد من البيان لظهور ذلك عند
العلماء، وإلا فمن ذا يخفى عليه فضل الحسن بن علي عليهما السلام على
محمد بن الحنفية وفضل الحسين عليه السلام على جعفر وعثمان والعباس؟
قالت الإمامية: فاقنعوا (10) منا بمثل هذا المقال فيما اختصصنا به من
الاعتقاد في ولد الحسين عليه السلام وظهور فضلهم على بني عمهم عند

(1) ط: تقرر.
(2) ط: ولا.
(3) ط: سكم.
(4) ط: على شئ لا شئ و.
(5) ط: عارية.
(6) ط: الدعوى.
(7) مج: يحكمون.
(8) ط: للعجز.
(9) ط: يزعموا.
(10) عش، الأصل: فاقتنعوا.
32

العلماء، وإلا فمن يخفى عليه فضل زين العابدين علي بن الحسين السجاد
عليه السلام على الحسن بن الحسن وعبد الله بن الحسن؟ وفضل الباقر محمد
ابن علي عليهما السلام على محمد بن عبد الله بن الحسن وإبراهيم بن عبد الله
ابن الحسن؟
فهل معكم شئ أكثر من الدعوى؟ (1).
قالت الجارودية: تفضيلكم من سميتموه من ولد الحسين على (من
عددتموه من) (2) ولد الحسن صادر عن هوى وعصبية، وإلا فهاتوا عليه
برهانا (3).
قالت الإمامية: قد عرفناكم إننا ننزل (4) على حكمكم في النظر، ولا
نتجاوز (5) طريقكم (6) في الاحتجاج (7) ولا نحدث شيئا يخالف معتمدكم في
الكلام.
فإن كنا على عصبية وهوى فأنتم قدوتنا فيه (8) والكيسانية وساير أهل
الخلاف لنا جميعا تحكمون (9) علينا في تفضيل الحسن والحسين عليهما السلام
على إخوتهما بمثل ما حكمتم به علينا من العصبية والضلال تحكم (10) علينا

(1) ط: من دعوى.
(2) ليست في المطبوعة.
(3) ط: برهان.
(4) مج: ينزل.
(5) ط: وإلا نتجاوز.
(6) عش: طريقتكم.
(7) ط: والاحتجاج.
(8) ط: فيهما.
(9) ط، مج: يحكمون.
(10) ط: منكم.
33

جميعا في تفضيل الحسن والحسين على عبد الله بن عمر بن الخطاب وأسامة بن
زيد و عبد الله بن العباس بالعصبية والهوى والتقليد والضلال، فبأي شئ
تتفضلون (1) منه فهو فضلنا منكم على البيان؟
قالت الجارودية: فإنا نقول: إن الإمامة في الحسن والحسين عليهما
السلام بالنص من رسول الله صلى الله عليه وآله ولو وجدنا على إخوتهما نصا
لما اختصصناهما بها (2) دونهم.
قالت الإمامية: هذا كالأول - وفيه بطلان توهم من اعتمد ولد
الحسن (3) عليه السلام على حصولها في أبيهم من قبل - فإن القول في
اختصاص ولد الحسين عليه السلام بالإمامة لوجود (4) النص من الرسول (5)
وأمير المؤمنين أو الحسن أو الحسين عليهم السلام (6) على ولد الحسن (7) لما
حصرنا (8) الإمامة في ولد الحسين عليه السلام.
قالت الجارودية: ما نعرف هذه النصوص التي تدعونها ولا يصح (9)
عندنا ولا تثبت (10) فدلوا على حقكم فيها.
قالت الإمامية: هذا هو قول الكيسانية لنا جميعا في إمامة الحسن

(1) ط: تفضلون. والصحيح: تنفصلون منه فهو فصلنا.
(2) ط: به.
(3) مج، ط: الحسين.
(4) عش: بوجود.
(5) ط: الرسول الأعظم.
(6) ط: والحسن والحسين.
(7) عش، ط: الحسين.
(8) ط: وإلا لما حصرنا.
(9) ط: تدعون بها فلا تصح.
(10) لا تثبت.
34

والحسين عليهما السلام وتعلقنا بالنص عليهما (1) وقول المعتزلة والمرجئة
والحشوية والخوارج وحكمهم على بطلان دعوانا في ذلك وأنها غير ثابتة ولا
صادقة ومطالبتهم لنا بالحجة عليها.
فماذا يكون جوابنا لهم دنونا على وجه نعتمده (2)، وإلا فنحن جميعا (3)
على ضلال!
قالت الجارودية: فقد ورد الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال
ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا يعني الحسن والحسين عليهما السلام وهذا
نص صريح.
قالت الإمامية: وقد ورد الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
إن الله (تعالى (4)) اختارني نبيا واختار عليا لي وصيا واختار الحسن والحسين
وتسعة من أولاد الحسين أوصياء إلى أن يقوم (5) الساعة في أمثال هذا الحديث
في لفظه ومعناه.
ووردت الأخبار بقصة اللوح الذي أهبطه الله على نبيه صلى الله عليه
وآله فدفعه إلى فاطمة عليها السلام فيه أسماء الأئمة من ولد الحسين عليا
السلام والنص على إمامتهم إلى آخرهم بصريح المقال.
قالت الجارودية: هذه خرافات وأخبار موضوعات، وإلا فدلوا على
صحتها ببرهان.

(1) ط: عدمها.
(2) ل: نعتمد منه.
(3) ط: جميعنا.
(4) ليست في المطبوعة.
(5) ط: تقوم.
35

قالت الإمامية: هكذا تقول (1) لنا جميعا (2) الكيسانية في الخبر الذي
أثبتناه في النص على الحسن والحسين عليهما السلام وتقول (3) لنا الناصبة
بأسرهم فيه يحكمون بأنه (4) خرافة وموضوع فبأي شئ انفصل (5) بيننا
وبينهم فهو فصل لنا منكم بغير إشكال.
قالت الجارودية: كيف يثبت أخباركم في النص على ولد الحسين عليه
السلام وهي غير معروفة عند ولد الحسن عليه السلام؟ اللهم إلا أن تحكموا
عليهم من دعوى الإمامة لأنفسهم بالعناد!
قالت الإمامية: لسنا نقطع على أن المدعين الإمامة (6) من ولد الحسن
عليه السلام كانوا عارفين بالنصوص على غيرهم من الأئمة فسلكوا في
خلافها طريق العناد، ولا نحكم أيضا عليهم فيما ادعوه من ذلك بالضلال
الموجب للتأويل (7) بخبر العفو عنهم في ذلك ونرجوا (8) لهم فيه الغفران، فلا
يمتنع أن يكون ما هم فيه لنصرة الدين وما نالهم به القتل والآلام مكفرا
لزللهم في دعوى الإمامة ومثمرا لهم كثيرا من الثواب ومن أصحابنا من يقطع
بالجنة لجميع ولد فاطمة عليها السلام فهو يحكم لهم بالتوبة قبل خروجهم
من الدنيا فيما بينهم وبين الله عز وجل وإن لم يظهر ذلك للعباد.

(1) مج: يقول.
(2) في الأصل: جمعا.
(3) مج: يقول.
(4) عش، ط أنه.
(5) عش: يفصل.
(6) عش: للإمامة. ط: بالإمامة.
(7) في الأصل وساير النسخ: التأويل.
(8) في الأصل ومج: يرجوا.
36

(فصل) (1):
وبعد (2) فإن مقالتكم لنا في هذا الباب كمقال الناصبة لنا جميعا فيما
ذهبنا إليه في النص على أمير المؤمنين عليه السلام وذلك أنهم قالوا لنا: كيف
يثبت أخباركم في ذلك وهي غير معروفة عند أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة
والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن والمهاجرين بأسرهم والأنصار (3) والتابعين
لهم بإحسان، اللهم إلا أن تحكموا على الخلفاء الراشدين بالعناد والخروج
عن الإيمان وتضللوا (4) الصحابة من المهاجرين والأنصار وتفسقوا
التابعين (5) بإحسان وتشهدوا على الجماعة بالردة عن الاسلام، وهذا من
أفحش المقال.
قالت الجارودية: ما يمنع من الحكم على من خالف الحق بالضلال
وإن كانوا صحابة وتابعين للأصحاب (6) إذ الواجب (7) المرور مع البرهان دون
التقليد للرجال.
قالت الإمامية: فارضوا منا بمثل ما رضيتموه لأنفسكم في هذا
الباب، فإنا قوم مع الحجة والبرهان، ولسنا ندفع خطأ جماعة من ولد أمير

(1) ليس في المطبوعة.
(2) ط: (ثم) بد ل (وبعد).
(3) ليست كلمة بأسرهم والأنصار في (عش) و (ط).
(4) ط: تضالوا.
(5) مج: التابعة.
(6) ط: للصحابة.
(7) ط: إذا الواجب.
37

المؤمنين عليه السلام ولا نمنع (1) من جواز السهو عليهم والشبهات (2) ولا
يجب بذلك من مذهبنا علينا الحجة ولا يلزمنا به من عقد بإفساد (3) هذا مع ما
بيناه لكم من قولنا في القوم وأوضحنا عن معناه ما لا تمكننا (4) وإياكم مثله
في المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام ومن اتبعهم من الصحابة (5) في
الضلال وهو عند جميع الناصبة بدع في المقال يقارب الردة عن الاسلام
والشناعة به علينا جميعا عند الجمهور أعظم من الشناعة بقولنا في ولد
الحسن (6) عليه السلام وغيرهم وغيرهم ممن ادعى الإمامة من بني هاشم وسائر
الناس.
قالت الجارودية: ما ندري ما تقولون، إلا أن الحكم منكم بخطأ ولد
فاطمة عليها السلام فيما ادعوه من الإمامة التي يوجبونها (7) لغيرهم منهم يدل
على عصبية منكم عليهم وعداوة لها (8) وعناد.
قالت الإمامية: س الأمر كما تدعون، وقد بينا لكم عن عقدنا فيهم
ومودتنا لهم وإشفاقنا عليهم ورجائنا فيهم بما لا نحيل (9) الحق فيه على
العقلاء.
وبعد، فما الفصل بينكم وبين الناصبة إذا قالوا قد بانت لنا عداوتكم

(1) ط: يمنع.
(2) والاشتباه.
(3) ولعل الصحيح: ولا يلزمنا به من عقدنا فساد.
(4) ط: ما لا يمكننا.
(5) ليست في المطبوعة.
(6) مج: في الحسن.
(7) ط وعش: توجبونها.
(8) ط: لهم.
(9) عش: لا يحيل. ولعل الصحيح: يختل.
38

لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وعصبيتكم (1) عليهم (2) وبغضكم
لهم وبغضكم لحقهم عليكم (3) وطعنكم بذلك في الاسلام.
مع ما بأن من قولكم في حصر الإمامة في ولد فاطمة عليها السلام
من العداوة لبني عم الرسول صلى الله عليه وآله من الخلفاء، وتضليلكم جميع
من ادعى الإمامة من ولد جعفر بن أبي طالب عليه السلام (وولد محمد بن
علي بن أبي طالب) (4) عليه السلام، وتجريدكم الطعن على جعفر بن محمد
عليهما السلام في تأخره عن نصرة عمه زيد، وعلى موسى بن جعفر وقد ظهر
دعاؤه (5) إلى نفسه حتى حبسه هارون إلى أن مات، وعلى الرضا علي بن
موسى عليهما السلام وقد ولي العهد من قبل المأمون وأنكر على أخيه زيد بن
موسى الخروج على السلطان.
وظهرت عداوتكم أيضا لكل إمام من ولد أمير المؤمنين عليه السلام
لتضليلكم (6) لهم في الاعتقاد.
فقولوا في هذا الباب ما شئتم وتخلفوا مما اعتمدتموه في الحجاج من
الشناعات.
قالت الجارودية: فإن لنا حجة في اختصاص الحسن والحسين عليهما
السلام وولدهما بالإمامة دون غيرهم من ولد أمير المؤمنين عليه السلام وسائر
بني هاشم وكافة الناس وهي قول النبي صلى الله عليه وآله: إني مخلف فيكم

(1) ط: وطعنكم.
(2) عش: عليه.
(3) ط: لحقوقهم.
(4) ليست في نسخة المجلس.
(5) ط: وقد ظهر إدعائه.
(6) ط: لفضلكم.
39

ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن (1) يفترقا
حتى يردا علي الحوض.
قالت الإمامية: هذا الخبر بأن يكون حجة لمن جعل الإمامة في جميع بني
هاشم أولى من أن يكون حجة لمن جعلها في ولد فاطمة عليها السلام لأن
جميع بني هاشم عترة النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته بلا اختلاف، وإلا
فإن اقترحتم فيه الحكم على أنه مصروف إلى ولد فاطمة عليها السلام اقترح
خصومكم من الإمامية الحكم به (2) على أنه من ولد فاطمة في ولد الحسين
بعده وبعد أخيه الحسن عليه السلام.
فلا تجدون (3) منه فصلا.
قالت الجارودية: فإن العترة في اللغة هم اللباب (4) والخاصة، من
ذلك قيل: عترة (5) المسك، يراد به خاصته (6) وذلك موجب لكون عترة النبي
صلى الله عليه وآله ورثته دون غي هم من بني هاشم (7).
قالت الإمامية: أجل عترة النبي صلى الله عليه وآله، خاصته ولبابه
كما استشهد تم به في المسك، لكنه ليس اللباب والخاصة هم الذرية دون
الأخوة والعمومة وبني العم، ولو كان الأمر على ما ذكرتموه خرج أمير المؤمنين
عليه السلام من العترة، وهو سيد الأئمة وأفضلها، لخروجه من جملة الذرية،

(1) مج: إن.
(2) مج، ط: الحكم على.
(3) في بعض النسخ: يجدون.
(4) مج: الباب.
(5) ط: عتره. مج: غير.
(6) ط: خاصة.
(7) العترة، عترة الرجل: أخص أقاربه وعترة النبي صلى الله عليه وآله: بنو عبد المطلب. وقيل
أهل بيته الأقربون وهم أولاد. وعلي وأولاد النهاية ابن الأثير. ج 3.
40

وهذا باطل بالاتفاق.
قالت الجارودية: فهذا (1) يلزم الإمامية فيجب (2) أن يكون (3) العباس
وولده وعبد شمس وولده داخلين في جملة العترة التي خلفها النبي صلى الله
عليه وآله في أمته (4) إذا كانت العترة تتعدى الورثة إلى غيرها من الأهل، وهذا
نقض (5) مذهب الشيعة.
قالت الإمامية: هذا يلزمنا (6) لو تعلقنا في الإمامة باسم العترة كما
تعلقت الزيدية، لكنا لا نعتمد على ذلك (7) ولا نجعله أصلا لنا (8) في الحجة
وكيف (9) يوجه علينا ما ظننتموه لولا التحريف في الأحكام.
قالت الجارودية: فهب إنكم لم تعتمدوا في تخصيص ولد الحسين عليه
السلام بالإمامة على قول النبي صلى الله عليه وآله إني مخلف فيكم (10) الكتاب
والعترة كما اعتمدنا نحن ذلك في تخصيص ولد فاطمة عليها السلام بها، ألستم
تثبتون هذا الخبر وتجعلونه حجة لكم في الإمامة من وجه من الوجوه؟
فما الذي يمنع من قول (11) خصومكم إنه يوجب الإمامة (12) في جميع بني

(1) مج، ط: لهذا.
(2) ط: ويحب.
(3) ط: حينئذ أن يكون.
(4) ط: في أمته وقومه.
(5) ط: ينقض.
(6) ط: يلزم هنا.
(7) عش، مج، ط: لا نعتمد ذلك.
(8) ط: أصلنا.
(9) تمام النسخ: فكيف.
(10) ط: الثقلين.
(11) مج: قوله.
(12) مج، ط: الإمامية.
41

هاشم أو (1) قريش على اختلافهم في هذا الباب، إذ (2) كانت العترة عندكم
تفيد الذرية وغيرها من الآل؟
قالت الإمامية: نحن وإن احتججنا بقول النبي صلى الله عليه وآله:
إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام
ومن بعده من الأئمة عليهم السلام فإنا نرجع فيه إلى معناه المعلوم بالاعتبار
وهو أن عترة الرجل كبار أهله وأجلهم وخاصتهم في الفضل ولبابهم.
وقد ثبت عندنا بأدلة من غير هذا الخبر فضل أمير المؤمنين عليه السلام
في وقته على سائر أهل بيت النبي عليهم السلام وكذلك فضل الحسن
والحسين عليهما السلام من بعده وفضل الأئمة من ولد الحسين عليه السلام
على غيرهم من كافة الناس، فوجب لذلك أن يكون المخلفون فينا من جملة
الرسول صلى الله عليه وآله هم، دون (3) من سواهم على ما ذكرناه، وأنهم
العترة للنبي صلى الله عليه وآله من جملة أهله لما بيناه.
ووجه آخر: وهو أن لفظ الخبر في ذكر العترة عموم مخصوص بما اقترن
إليه من البيان من قوله عليه السلام: " إنهم لا يفارقون الكتاب " وذلك
موجب لعصمتهم من الآثام ومانع من تعلق السهو بهم والنسيان، إذ لو وقع
منهم عصيان أو سهو في الأحكام لفارقوا به القرآن فيما ضمنه البرهان.
وإذا (4) ثبتت (5) عصمة أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من ولده
بواضح البيان ثبت أنهم المرادون بالعترة من ذكر الاستخلاف.

(1) مج: و.
(2) ط، مج: إذ لو.
(3) ط: دون.
(4) ط: فإذا.
(5) مج، ط: ثبت.
42

وهذا خلاف مذهب الجارودية في الأئمة ولو انتحلوه لنا (1) في أصولهم
من دفع الخصوم (2) إلى أن هيئ (3) طريق العلم بما ذكرناه من العصمة
والفضل على الأنام.
(فصل آخر)
فإن قال قائل: قد وضح عندي قصور الزيدية عن الاحتجاج
لصحة مقالهم وبان وثبتت (4) الحجة عليهم فيما عارضتموهم به من الكلام
غير أني لم أجدكم رددتم (5) عليهم من الدعوى التي بها ظهر عجزهم (6) عن
الحجاج (7).
فهل ترجعون في إثبات الحق بما انفردتم به منهم إلى دليل يختص به
مذهبكم على البيان أم تقتصرون (8) على الدعوى التي لا حجة فيها عند
أحد من العقلاء فتشاركوهم (9) في العجز والحكم عليهم بالخطأ في الرأي
والاعتقاد؟.

(1) مج: له.
(2) الخصوص.
(3) مج: إلى ما هي طريق وفي نسخة الأصل: إلى أن هي، والظاهر أنه غلط فصححناها من
المطبوعة.
(4) ط: ثبت.
(5) عش: زدتم.
(6) ط: عجزها.
(7) ط: عن الاحتجاج.
(8) مج: يقتصرون.
(9) ط: فشاركتموهم.
43

قيل له: لسنا نقتصر (1) فيما ذهبنا إليه من إمامة أئمتنا عليهم السلام
على ما لجأ إليه مخالفونا في مذاهبهم (2) الذي أفسدناه بالحجاج، وبينا (3) عن
تعري قولهم فيه من البرهان بل نعتمد أدلة في صوابه لا يمكن الطعن فيها
مع الإنصاف.
فإن قال: ثبتوا (4) لي موضع الحجة على ما تذهبون إليه في الإمامة
وحصرها في ولد الحسين عليه السلام بعده وبعد أخيه وأبيهما أمير المؤمنين
عليه السلام (5) بعده بما يباين (6) حجة الزيدية الراجعة إلى محض الدعاوي
العرية من البيان؟
. قيل له: الكلام في أعيان الأئمة عليهم السلام فرع على أصول في
صفاتهم الواجبة لهم بصحيح الاعتبار، فمتى لم تستقر هذه الأصول لم يمكن
القول في فروعها من التعيين على ما ذكرناه.
فمن (7) ذلك: وجوب وجود إمام في كل زمان.
لما يجب من اللطف للعباد، وحس التدبير لهم والاستصلاح (8)
لحصول العلم بأن الخلق يكونون أبدا عند وجود الرئيس العادل أكثر صلاحا
منهم وأقل فسادا عند الانتشار وعدم السلطان.

(1) نقتص.
(2) مج، ط: في مذهبهم.
(3) عش: بيناه.
(4) عش، ط: أثبتوا.
(5) عش، مج، ط: بدون كلمة (بعده).
(6) ط نتباين.
(7) ط: ومن.
(8) ط: الاستطلاع.
44

ومنها (1): أن الإمام معصوم من العصيان مأمون عليه (2) السهو
والنسيان.
لفساد الخلق بسياسة من يقارف الآثام (3)، ويسهو عن الحق في
الأحكام، ويضل عن الصواب وحاجة (4) من هذه صفته إلى رئيس يكون من
ورائه لينبهه عند الغفلة ويقومه عند الاعوجاج.
ومنها: أنه يجب أن يكون عالما بجميع ما يحتاج (5) إليه الأمة في
الأحكام.
وإلا، لحقه العجز فيها واحتاج (6) إلى مسدد له وإمام.
ومنها: وجوب فضلة على كافة رعيته في الدين عند الله.
لتقدمه (7) على جماعتهم في التعظيم الديني (قولا وفعلا بلا ارتياب،
واستحالة وجوب التقدم في التعظيم الديني) (8) لمن غيره أفضل منه عند الله،
كما يستحيل إيصال أعظم الثواب إلى من غيره أفضل عملا منه عند الله
تعالى.
وإذا ثبتت (9) هذه الأصول وجب إبانة الإمام من رعيته بالنص على

(1) في الأصل ومج: وبها.
(2) عليه من.
(3) في بعض النسخ: يتعارف الأيام.
(4) الأصل وعش و ط: خاصة.
(5) عش: تحتاج.
(6) ط: احتجاج.
(7) مج: لمقدمة.
(8) ليس في نسختي: مج و ط.
(9) مج: ثبت.
45

عينه والعلم المعجز الخارق للعادات، إذ لا طريق إلى المعرفة بمن يجتمع (1)
له هذه الصفات إلا بنص الصادق عن الله تعالى، أو المعجز (2) على ما
ذكرناه.
كما أنه لا طريق إلى المعرفة بالنبوة (3) والرسالة الواردة عن الله جل اسمه
إلا بنص نبي تقدم (4)، أو معجز باهر للعقول حسب ما وصفناه.
وإذا وجب النص على أعيان الأئمة عليهم السلام ولم نجد ذلك في
أحد بعد النبي صلى الله عليه وآله على الدعوى أو البيان إلا في أمير المؤمنين
والحسن والحسين والأئمة من ولده عليهم السلام ثبت (5) أنهم الأئمة بشاهد
العقل وإيجابه لصحة الأصول المقررة على ما قدمناه.
(فصل)
فإن قال قائل من أهل الخلاف: إن النصوص التي يروونها الإمامية
موضوعة والأخبار بها آحاد، وإلا فليذكروا طرقها أو يدلوا على صحتها بما
يزيل الشك فيها والارتياب.
قيل له: ليس يضر الإمامية في مذهبها الذي وصفناه عدم التواتر في
أخبار النصوص على أئمتهم عليهم السلام، ولا يمنع من الحجة لهم بها
كونها أخبار آحاد لما اقترن إليها من الدلائل العقلية فيما سميناه وشرحناه من

(1) ط: تجتمع.
(2) مج: العجز.
(3) مج: النبوة.
(4) مج: يقدم. ط ب‍ مقدم.
(5) ط: فثبتت.
46

وجوب الإمامة وصفات الأئمة عليهم السلام بدلالة أنها لو كانت باطلة على
ما تتوهم (1) الخصوم لبطل بذلك (2) دلائل العقول الموجبة لورود النصوص
على الأئمة بما بيناه، وعدم ذلك في سوى من ذكرناه من أئمتنا عليهم السلام
بالاتفاق والظاهر الذي لا يوجد اختلاف وهذا بين - بحمد الله ومنه - لمن
كان له عقل يدرك به الأشياء.
وهو (3) طرف من جملة قد بسطتها في غي هذا الكتاب من كتبي
وأمالي (4) في الإمامة واستقصيت فيها الكلام.
والله المحمود وهو المستعان وصلى الله على سيدنا محمد بن عبد الله سيد
البشر وعلى أخيه علي بن أبي طالب الطاهر المطهر وعلى ذريته الأبرار الصفوة
من عزته الغرر وسلم (5).
* * *

(1) عش، مج: يتوهم.
(2) ط: ذلك.
(3) ط: وهذا.
(4) ط: بالأمالي.
(5) عش: مسلم كثيرا كثيرا.
47