الكتاب: الغارات
المؤلف: إبراهيم بن محمد الثقفي
الجزء: ٢
الوفاة: ٢٨٣
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: طبع على طريقة أوفست في مطابع بهمن

سلسله انتشارات انجمن آثار ملى 115
چاپ دوم
الغارات
لأبي إسحاق إبراهيم محمد الثقفي الكوفي (ره)
المتوفى سنة 283
المجلد الثاني
بتحقيق السيد جلال الدين المحدث
372

بسم الله الرحمن الرحيم
خبر عبد الله بن عامر (1) الحضرمي بالبصرة (2)
عن عمرو بن محصن (3) أن معاوية بن أبي سفيان لما أصاب محمد به أبي بكر

1 - كذا في شرح النهج والبحار أيضا لكن عبر عنه الطبري في تاريخه في جميع موارد
ذكره بقوله: (عبد الله بن عمرو بن الحضرمي) وهكذا ذكره ابن الأثير في كامل التواريخ في جميع
موارد ذكره، وعنون القصة بقوله: (ذكر إرسال معاوية عبد الله به الحضرمي إلى البصرة).
2 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 348، س 23):
في شرح كلام لأمير المؤمنين علي عليه السلام أورده الرضي - رضي الله عنه - في باب المختار
من الخطب من نهج البلاغة وهو: (ولقد كنا مع رسول الله (ص) نقتل آباءنا وأبناءنا
وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما ومضيا على اللقم وصبرا على مضض
الألم وجدا في جهاد العدو، ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين،
يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا، فلما
رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقيا جرانه ومتبوءا
أوطانه، ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضر للإيمان عود، وأيم الله
لتحتلبنها دما ولتتبعنها ندما) ما نصه:
(هذا الكلام قاله أمير المؤمنين عليه السلام في قصة ابن الحضرمي حيث قدم البصرة من
قبل معاوية واستنهض أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه إلى البصرة فتقاعدوا. قال أبو إسحاق
إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات: (حدثنا محمد بن
يوسف قال: حدثنا الحسن به علي الزعفراني [قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي] عن
محمد بن عبد الله بن عثمان عن ابن أبي سيف عن يزيد به حارثة الأزدي عن عمرو بن محصن
(الحديث) وقال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن (ص 676،
س 5): (قال ابن أبي الحديد نقلا من كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي
ووجدته في أصل كتابه أيضا، روى بإسناده عن عمرو بن محصن أن معاوية (فذكر
الحديث ملخصا) وقال الطبري في تاريخه عند ذكره وقائع سنة ثمان وثلاثين (ج 6،
ص 63 من الطبعة الأولى بمصر) ما نصه: (وفي هذه السنة وجه معاوية بعد مقتل محمد بن
أبي بكر عبد الله بن عمرو بن الحضرمي إلى البصرة للدعاء إلى الاقرار بحكم عمرو بن العاص
فيه، وفيها قتل أعين بن ضبيعة المجاشعي وكان علي [رض] وجهه لإخراج ابن الحضرمي من
البصرة) فقال: (ذكر الخبر عن أمر ابن الحضرمي وزياد وأعين وسبب قتل من قتل منهم -
حدثني عمر بن شبة قال: حدثني علي بن محمد قال: حدثنا أبو الذيال عن أبي نعامة قال:
لما قتل محمد بن أبي بكر بمصر خرج ابن عباس من البصرة إلى علي [رض] بالكوفة واستخلف
زيادا وقدم ابن - الحضرمي من قبل معاوية فنزل في بني تميم (فذكر القصة مختصرة بإسقاط
بعض الفقرات منها). وقال ابن الأثير في كامل التواريخ عند ذكره حوادث
سنة 38 (ص 143 من الجزء الثالث من طبعة مصر سنة ألف وثلاثمائة وثلاث)
تحت عنوان (ذكر إرسال معاوية عبد الله بن الحضرمي إلى البصرة) ما نصه: (في هذه السنة
بعد مقتل محمد بن أبي بكر واستيلاء عمرو بن العاص على مصر سير معاوية عبد الله بن الحضرمي
إلى البصرة وقال له: إن جل أهلها يرون رأينا في عثمان وقد قتلوا في الطلب بدمه فهم لذلك
حنقون، يودون أن يأتيهم من يجمعهم وينهض بهم في الطلب بثأرهم ودم إمامهم، فانزل في مضر
وتودد الأزد فإنهم كلهم معك، ودع ربيعة فلن ينحرف عنك أحد سواهم لأنهم كلهم ترابية
فاحذرهم، فسار ابن الحضرمي حتى قدم البصرة وكان ابن عباس قد خرج إلى علي بالكوفة
واستخلف زياد بن أبيه على البصرة، فلما وصل ابن الحضرمي إلى البصرة نزل في بني تميم
(القصة باختصار أيضا كالطبري)) فكل ما نشير إليه في القصة من التاريخين فهو من
هذين الموضعين.
3 - لم نجد في كتب الرجال رجلا بهذا العنوان إلا من ذكره الشيخ (ره) في
رجاله في أصحاب أمير المؤمنين بهذه العبارة: (عمرو بن محصن يكنى أبا أحيحة أصيب
بصفين وهو الذي جهز أمير المؤمنين عليه السلام بمائة ألف درهم في مسيره إلى الجمل) إلا أن
الترجمة لا تنطبق على ما نحن فيه فإن غارة ابن الحضرمي قد كانت بعد وقعة صفين كما هو
صريح عبارة المتن فيما يأتي من قوله: (قال عمرو بن محصن: وكنت معه [أي مع ابن -
الحضرمي] حين خرج) مضافا إلى أن الرجل بناء على ذلك قد كان من أصحاب معاوية فتدبر.
وأما كلمة محصن ففي القاموس: (ورجل محصن كمكرم) وفيه أيضا:
(المحصن كمنبر القفل والزبيل وابن وحوح صحابي) وفي تنقيح المقال للمامقاني:
(محصن بالميم المضمومة والحاء المهملة الساكنة والصاد المهملة المكسورة والنون وفي
بعض النسخ ياء مثناة تحتية بين الصاد والنون) لكن في توضيح الاشتباه للساروي:
(عمرو بن محصن بالحاء والصاد المهملتين كمنبر يكنى أبا أحيحة (إلى آخر ما قال)).
373

بمصر وظهر عليها دعا عبد الله بن عامر الحضرمي فقال له: سر إلى البصرة فإن جل
374

أهلها يرون رأينا في عثمان ويعظمون قتله وقد قتلوا في الطلب بدمه وهم موتورون (1)
حنقون (2) لما أصابهم، ودوا لو يجدون من يدعوهم ويجمعهم وينهض بهم في الطلب بدم
عثمان، واحذر ربيعة وانزل في مضر وتودد الأزد، فإن الأزد كلهم جميعا معك إلا
قليلا منهم فإنهم [إن شاء الله] غير مخالفيك، واحذر من تقدم عليه. (3)

1 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (موترون) ففي الصحاح: (الموتور
الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه: وتره يتره وترا وترة) وفي مجمع البحرين:
(والموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه أي صاحب الوتر الطالب بالثأر ويقال:
وتره يتره وترا وترة، ومنه حديث الأئمة عليهم السلام: بكم يدرك الله ترة كل مؤمن يطلب
بها، وفي الحديث: إن رسول الله (ص) وتر الأقربين والأبعدين في الله أي قطعهم وأبعدهم
عنه في الله). أقول: ومن ذلك ما ورد في الزيارات في حق سيد الشهداء أبي عبد الله
الحسين (ع) بعنوان (الوتر الموتور) وفي أساس البلاغة: (وترت الرجل قتلت
حميمه فأفردته منه).
2 - في الصحاح: (الحنق الغيظ والجمع حناق مثل جبل وجبال، وقد حنق عليه
بالكسر اغتاظ فهو حنق، وأحنقه غيره فهو محنق وقالت:
ما كان ضرك لو مننت وربما * من الفتى وهو المغيظ المحنق).
3 - هذه الفقرة في الأصل فقط.
375

فقال له عبد الله بن عامر: أنا سهمك (1) في كنانتك، وأنا من قد جربت وعدو
أهل حربك وظهيرك على قتلة عثمان فوجهني إليهم متى شئت، فقال له: اخرج غدا
إن شاء الله، فودعه وخرج من عنده. (2)
فلما كان الليل جلس معاوية وأصحابه يتحدثون فقال لهم معاوية:
في أي منزل ينزل القمر الليلة؟ فقالوا: بسعد الذابح (3) فكره معاوية ذلك
وأرسل إليه أن: لا تبرح حتى يأتيك رسولي، فأقام.
ورأى معاوية أن يكتب إلى عمرو بن العاص، وكان عامله يومئذ على مصر
يستطلع رأيه في ذلك فكتب إليه (4):
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص:
- وقد كان يسمى بأمير المؤمنين بعد صفين وبعد تحكيم الحكمين - سلام عليك،
أما بعد، فإني قد رأيت رأيا هممت بإمضائه ولم يخذلني عنه إلا استطلاع رأيك،
فإن توافقني أحمد الله وأمضه، وإن تخالفني فأستجير بالله (5) وأستهديه، إني نظرت في

1 - في شرح النهج: (سهم)
2 - في الأصل: (فودعه وأخذ بيده من عنده وكأنه كان في الأصل: (وخرج من عنده)
3 - في الصحاح: (وسعد الذابح منزل من منازل القمر وهما كوكبان نيران بينهما
مقدار ذراع، وفي نحر واحد منهما نجم صغير قريب منه كأنه يذبحه فسمي ذابحا) وفي -
القاموس: (وسعود النجوم عشرة سعد بلع وسعد الأخبية وسعد الذابح وسعد السعود،
وهذه الأربعة من منازل القمر، وسعد ناشرة وسعد الملك وسعد البهام وسعد الهمام وسعد البارع
وسعد مطر، وهذه الستة ليست من المنازل كل منها كوكبان بينهما في المنظر نحو ذراع) وشرح
الزبيدي العبارة في تاج العروس وقال في شرح (سعد الذابح) ما نصه: (قال ابن -
كناسة: هو كوكبان متقاربان سمي أحدهما ذابحا لأن معه كوكبا صغيرا غامضا يكاد يلزق به
فكأنه مكب عليه يذبحه، والذابح أنور منه قليلا) وفي الاشتقاق لابن دريد ما يقرب
مما في القاموس (أنظر ص 57).
4 - نقل الكتاب وجوابه أحمد زكي صفوت في جمهرة رسائل العرب عن شرح النهج
لابن أبي الحديد وهو قد نقلهما عن الغارات (أنظر ج 1، ص 572 - 573).
5 - في شرح النهج: (أستخير الله).
376

أمر أهل البصرة فوجدت عظم (1) أهلها لنا وليا ولعلي وشيعته عدوا، وقد أوقع
بهم على الوقعة التي علمت، فأحقاد تلك الدماء ثابتة في صدورهم لا تبرح
ولا تريم (2)، وقد علمت أن قتلنا ابن أبي بكر [ووقعتنا بأهل مصر قد] أطفأت نيران
أصحاب علي في الآفاق، ورفعت رؤوس أشياعنا أينما كانوا من البلاد. وقد بلغ من
كان بالبصرة على مثل رأينا من ذلك ما بلغ الناس، وليس أحد ممن يرى رأينا أكثر
عددا ولا أضر خلافا على علي من أولئك، فقد رأيت أن أبعث إليهم عبد الله بن عامر
الحضرمي فينزل في مضر، ويتودد الأزد، ويحذر ربيعة وينعى (3) دم عثمان بن عفان
ويذكرهم وقعة علي بهم التي أهلكت صالحي إخوانهم وآبائهم وأبنائهم فقد رجوت
عند ذلك أن يفسدوا على علي وشيعته ذلك الفرج (4) من الأرض، ومتى يؤتوا (5) من
خلفهم وأمامهم يضل سعيهم ويبطل كيدهم، فهذا رأيي فما رأيك؟ فلا تحبس رسولي إلا
قدر مضي الساعة التي ينتظر فيها جواب كتابي هذا، أرشدنا الله وإياك، والسلام عليك
ورحمة الله وبركاته.
فكتب عمرو بن العاص إلى معاوية:
أما بعد، فقد بلغني كتابك، فقرأته وفهمت رأيك الذي رأيته فعجبت له
وقلت: إن الذي ألقاه في روعك وجعله في نفسك هو الثائر لابن عفان والطالب
بدمه، وإنه لم يك منك ولا منا منذ نهضنا في هذه الحروب ونادينا أهلها ولا رأى
الناس (6) رأيا أضر على عدوك ولا أسر لوليك من هذا الأمر الذي ألهمته فأمض

1 - في شرح النهج: (معظم).
2 - كذا في شرح النهج، لكن في الأصل: (لا تزيد) يقال: (رام مكانه زال عنه وفارقه،
وعن الشئ تباعد عنه، وبالمكان أقام وثبت).
3 - في شرح النهج: (يبتغى).
4 - الفرج هنا بمعنى الثغر ففي النهاية: (في حديث عمر: قدم رجل من بعض الفروج
يعني الثغور، واحدها فرج).
5 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (يوثروا).
6 - العبارة كذا في الأصل وفي شرح النهج، فيكون نصب (رأيا) على الاشتغال،
فكأن الأصل قد كان هكذا: (لم يكن منا رأي ولا رأي الناس رأيا).
377

رأيك مسددا فقد وجهت الصليب الأريب الناصح غير الظنين، والسلام.
فلما جاءه كتاب عمرو، دعا ابن الحضرمي - [وقد كان ظن حين تركه معاوية
أياما لا يأمره بالشخوص أن معاوية قد رجع عن إشخاصه إلى ذلك الوجه (1)] فقال له:
يا ابن الحضرمي سر على بركة الله إلى أهل البصرة فانزل في مضر، واحذر ربيعة
وتودد الأزد، وانع عثمان بن عفان وذكرهم الوقعة التي أهلكتهم، ومن لمن سمع
وأطاع دنيا لا تفنى وأثرة (2) لا يفقدها حتى يفقدنا أو نفقده. فودعه، ثم خرج من
عنده وقد دفع إليه كتابا وأمره إذا قدم أن يقرأه على الناس.
قال عمرو بن محصن: وكنت معه حين خرج. قال: فلما خرجنا فسرنا ما شاء
الله أن نسير، سنح لنا ظبي أعضب (3) عن شمائلنا. قال: فنظرت إليه فوالله لرأيت
الكراهية في وجهه، ثم مضينا حتى نزلنا البصرة في بني تميم، فسمع بقدومنا أهل -
البصرة فجاءنا كل من يرى رأي عثمان بن عفان، فاجتمع إلينا رؤوس أهلها فحمد
الله ابن عامر الحضرمي وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد أيها الناس فإن عثمان إمامكم إمام الهدى قتله علي بن أبي طالب
ظلما فطلبتم بدمه وقاتلتم من قتله، فجزاكم الله من أهل مصر خيرا، وقد أصيب منكم

1 - ما بين المعقوفتين من شرح النهج.
2 - في النهاية: (فيه: قال للأنصار: إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا، الأثرة
بفتح الهمزة والثاء الاسم من: آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى أراد أنه، يستأثر عليكم فيفضل غيركم
في نصيبه من الفئ) وفي القاموس: (الأثر كعجز وكتف رجل يستأثر على أصحابه
أي يختار لنفسه أشياء حسنة، والاسم الأثرة محركة، والأثرة بالضم وبالكسر وكالحسنى،
وأثر على أصحابه كفرح فعل ذلك، والأثرة بالضم المكرمة المتوارثة كالمأثرة [بفتح الثاء]
والمأثرة [بضمها]، والأثرة البقية من العلم تؤثر كالأثرة [محركة] والإثارة [كسحابة]).
3 - في المصباح المنير: (عضبت الشاة عضبا من باب تعب انكسر قرنها، وبعضهم
يزيد: الداخل، وعضبت الشاة والناقة عضبا أيضا إذا شق أذنها فالذكر أعضب والأنثى عضباء
مثل أحمر وحمراء ويعدى بالألف فيقال: أعضبتها وكانت ناقة النبي (ص) تلقب العضباء
لنجابتها لا لشق أذنها).
378

الملأ الأخيار وقد جاءكم الله بإخوان لكم، لهم بأس شديد يتقى، وعدد لا يحصى (1)
فلقوا عدوكم الذين قتلوكم فبلغوا الغاية التي أرادوا صابرين، فرجعوا وقد نالوا ما
طلبوا، فمالؤوهم وساعدوهم وتذكروا ثأركم تشفوا (2) صدوركم من عدوكم.
فقام إليه الضحاك بن عبد الله الهلالي (3) فقال: قبح الله ما جئتنا به ودعوتنا
إليه جئتنا والله بمثل ما جاء به صاحباك طلحة والزبير، أتيانا وقد بايعنا عليا عليه السلام
واجتمعنا له وكلمتنا واحدة ونحن على سبيل مستقيم فدعوانا إلى الفرقة وقاما فينا
بزخرف القول، حتى ضربنا بعضنا ببعض عدوانا وظلما، فاقتتلنا على ذلك، وأيم الله
ما سلمنا من عظيم وبال ذلك ونحن الآن مجتمعون على بيعة هذا العبد الصالح
الذي قد أقال العثرة وعفا من المسئ وأخذ بيعة غائبنا وشاهدنا، أفتأمرنا الآن أن
نختلع (4) أسيافنا من أغمادها ثم يضرب بعضنا بعضا (5) ليكون معاوية أميرا وتكون له
وزيرا، ونعدل بهذا الأمر عن علي عليه السلام؟! والله ليوم من أيام علي عليه السلام مع
النبي صلى الله عليه وآله خير من بلاء معاوية وآل معاوية لو بقوا في الدنيا ما الدنيا باقية.
فقام عبد الله بن خازم السلمي (6) فقال للضحاك: اسكت فلست بأهل أن

1 - في الأصل: (عدد الحصى).
2 - في شرح النهج لابن أبي الحديد: (لتشفوا).
3 - لم نجد له ترجمة في كتب الرجال ويستفاد مما نقله الطبري عند ذكره
أحداث سنة أربعين في سبب شخوص ابن عباس إلى مكة وتركه العراق أنه
كان من بني أخوال ابن عباس ونص عبارته (أنظر ج 6 من الطبعة الأولى بمصر ص 22)
هكذا: (ثم دعا ابن عباس أخواله بني هلال بن عامر فجاءه الضحاك بن عبد الله وعبد الله بن
رزين بن أبي عمرو الهلاليان ثم اجتمعت معه قيس كلها فحمل مالا (إلى آخر ما قال)
والعجب من ابن الأثير فإنه عبر عن الرجل عند ذكره القصة بعنوان (الضحاك بن قيس الهلالي).
4 - في الكامل: (أن ننتضى).
5 - في الأصل: (ثم نضرب بعضنا ببعض).
6 - في تقريب التهذيب: (عبد الله بن خازم بمعجمتين السلمى أبو صالح نزل
البصرة وولي إمرة خراسان وقتل بها بعد قتل مصعب بن الزبير سنة إحدى وسبعين يقال:
إنه الذي روى عنه الدشتكي، قال: رأيت رجلا بخراسان عليه عمامة سوداء يقول: كسانيها
رسول الله (ص) أخرجه د ت س / د ت س).
وفي الإصابة لابن حجر العسقلاني: (عبد الله بن خازم بالمعجمتين بن أسماء بن
الصلت بن حبيب بن حارثة.... أبو صالح الأمير المشهور يقال: له صحبة وذكره الحاكم
فيمن نزل خراسان من الصحابة وفي ثبوت ذلك نظر، وقد قال أبو نعيم: زعم بعض المتأخرين
أن له إدراكا ولا حقيقة لذلك (إلى أن قال) كان عبد الله بن خازم من أشجع الناس، وولي
خراسان عشر سنين (إلى أن قال) وقال المبرد في الكامل من قول الفرزدق:
عضت سيوف تميم حين أعضها * رأس ابن عجلى فأضحى رأسه شذبا
ابن عجلى هو عبد الله بن خازم وعجلى أمه وكانت سوداء وكان هو أسود وهو أحد
غربال العرب وسأل المهلب عن رجل يقدمه في الشجاعة فقيل له: فأين ابن الزبير وابن
خازم؟! فقال: إنما سألت عن الإنس ولم أسأل عن الجن فقال:
إنه كان يوما عند عبيد الله بن زياد وعنده جرذ أبيض فقال: يا أبا صالح هل رأيت مثل
هذا؟ ودفعه له، فنضا عبد الله وفزع واصفر، فقال عبيد الله، أبو صالح يعصي السلطان،
ويطيع الشيطان، ويقبض على الثعبان، ويمشي إلى الأسد، ويلقى الرماح بوجهه ثم يجزع
من جرذ؟! أشهد أن الله على كل شئ قدير).
وقال ابن عساكر في تاريخه (ج 7، ص 376 - 378): (عبد الله بن
خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب بن حارثة أبو صالح السلمي أمير خراسان أصله من -
البصرة شجاع مشهور ويقال: إن له صحبة (إلى أن قال) قال الدارقطني وابن سعيد:
خازم بالخاء والزاي المعجمتين، وكان من أشجع الناس في زمانه، ولي خراسان عشر سنين
وافتتح الطبسين ثم ثار به أهل خراسان فقتله ثلاثة منهم بحير الصريمي ووكيع بن الدورقية
ويقال: إنهم لم يقتلوه إلا في قدر ما تنحر جزور ويكشط عنها جلدها ثم تجزئ عشرة أجزاء
(إلى آخر ترجمته المبسوطة) وفي أسد الغابة لابن الأثير: (عبد الله بن خازم بن
أسماء.... أبو صالح السلمي أمير خراسان شجاع مشهور وبطل مذكور، روى عنه سعيد بن
الأزرق وسعيد بن عثمان قيل: له صحبة، وفتح سرخس وكان أميرا على خراسان أيام فتنة ابن الزبير وأول ما وليها سنة أربع وستين بعد موت يزيد بن معاوية وابنه معاوية، وجرى له فيها حروب
كثيرة حتى تم أمره بها، وقد استقصينا أخباره في كتاب الكامل في التاريخ، وقتل سنة إحدى
وسبعين بخراسان في الفتنة).
379

تتكلم في أمر العامة ثم أقبل على ابن الحضرمي فقال: نحن يدك وأنصارك، والقول
380

ما قلت، وقد فهمنا ما ذكرت فادعنا إلى أي شئ شئت (1)، فقال له الضحاك بن عبد الله (2):
يا ابن السوداء والله لا يعز من نصرت ولا يذل من خذلت، فتشاتما.
والضحاك هذا (3) هو الذي يقول:
يا أيهذا السائلي عن نسبي * بين ثقيف وهلال منصبي
أمي أسماء وضحاك أبي * وسيط مني المجد من معتبي (4)
وهو القائل في بني العباس:
ما ولدت من ناقة لفحل * بجبل (5) نعلمه وسهل
كستة من بطن أم الفضل * أكرم بها من كهلة وكهل
عم النبي المصطفى ذي الفضل * وخاتم الأبناء (6) بعد الرسل
فقام عبد الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي ثم التيمي (7) فقال: عباد الله إنا

1 - في شرح النهج: (فادعنا أنى شئت).
2 - في شرح النهج: (فقال الضحاك لابن خازم).
3 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 349): (قال صاحب كتاب
الغارات: والضحاك هذا (إلى آخر ما قال).
4 - المصراع الأخير في الأصل فقط.
5 - في شرح النهج: (في جبل).
6 - في الأصل وفي الطبعة القديمة من شرح النهج: (الأنبياء).
7 - في شرح النهج: (التميمي) فكأن المراد به من قال ابن عبد البر في حقه:
(عبد الرحمن بن أبي عميرة وقال الوليد بن مسلم: عبد الرحمن بن عمرة أو عميرة المزني،
وقيل: عبد الرحمن بن أبي عمير المزني، وقيل: عبد الرحمن بن عمير أو عميرة القرشي،
حديثه مضطرب لا يثبت في الصحابة وهو شامي روى عن ربيعة بن يزيد عنه أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول: وذكر معاوية: اللهم اجعله هاديا مهديا واهده واهد به،
ومنهم من يوقف حديثه هذا ولا يعرفه ولا يصح مرفوعا عندهم، وروى عنه أيضا القاسم
أبو عبد الرحمن مرفوعا: لا عدوي ولا هام ولا صفر، وروى عنه علي بن زيد مرسلا عن النبي
صلى الله عليه وآله في فضل قريش وحديثه منقطع الإسناد مرسل لا يثبت أحاديثه ولا تصح
صحبته) وذكر ابن الأثير في أسد الغابة نحوه. وذكره ابن حجر في الإصابة
فقال: (عبد الرحمن بن أبي عميرة وقيل: ابن عميرة بالتصغير بغير أداة كنية وقيل: ابن عمير
مثله بلا هاء، ويقال: فيه القرشي قال أبو حاتم وابن السكن: له صحبة (إلى أن قال بعد ما
نقل أحاديثه): وهذه الأحاديث وإن كان لا يخلو إسناد منها من مقال فمجموعها يثبت لعبد -
الرحمن الصحبة فعجب من قول ابن عبد البر: حديثه منقطع الإسناد مرسل لا تثبت أحاديثه
ولا تصح صحبته (إلى آخر ما قال)) وقال ابن سعد في الطبقات فيمن نزل الشام
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله (أنظر الجزء الثاني من المجلد السابع من طبعة
أوربا، ص 135)،
(عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني وكان من أصحاب رسول الله (ص) نزل الشام
وهو الذي روى في معاوية ما روى من حديث الوليد بن مسلم: حدثنا شيخ من أهل دمشق
قال: حدثنا يونس بن ميسرة بن جليس قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني يقول:
سمعت رسول الله (ص) يقول: يكون في بيت المقدس بيعة هدى (إلى آخر ما قال)).
هذا، ويؤيد الاحتمال المذكور قيامه وكلامه بقوله: (إنا لم ندعكم إلى
الاختلاف) وكذا قوله: (ولكنا إنما ندعوكم) وقوله: (اسمعوا لهذا الكتاب الذي
يقرأ عليكم) وهو كتاب معاوية وذلك أنه يستفاد منها كونه شاميا قد قدم مع ابن الحضرمي
والله أعلم.
381

لم ندعكم إلى الاختلاف والفرقة، ولا نريد أن تقتتلوا ولا أن تتنابذوا، ولكنا إنما
ندعوكم إلى أن تجمعوا كلمتكم وتوازروا إخوانكم الذين هم على رأيكم، وأن تلموا
382

شعثكم (1) وتصلحوا ذات بينكم فمهلا مهلا - رحمكم الله - اسمعوا (2) لهذا الكتاب
الذي (3) يقرأ عليكم، ففضوا كتاب معاوية وإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه
كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين من أهل البصرة، سلام عليكم، أما بعد فإن سفك
الدماء بغير حلها وقتل النفس (4) التي حرم الله قتلها هلاك موبق وخسران مبين
لا يقبل الله ممن سفكها صرفا ولا عدلا (5) وقد رأيتم - رحمكم الله - آثار ابن عفان
وسيرته وحبه للعافية (6) ومعدلته وسده للثغور، وإعطاءه بالحقوق (7) وإنصافه للمظلوم
وحبه الضعيف حتى وثب الواثبون عليه وتظاهر عليه الظالمون فقتلوه مسلما محرما
ظمآن صائما، لم يسفك فيهم دما ولم يقتل منهم أحدا، ولا يطلبونه بضربة سيف
ولا سوط، وإنما ندعوكم أيها المسلمون إلى الطلب بدمه وإلى قتال من قتله، فإنا

1 - في مجمع البحرين في (لم) ما نصه: (لممت شعثه لما من باب قتل =
أصلحت من حاله ما تشتت وتشعت، ومنه الدعاء: اللهم ألمم به شعثنا) وقال في (شعث):
(الشعث بالتحريك انتشار الأمر يقال: لم الله شعثك أي جمع أمرك المنتشر، وفي الدعاء:
تلم به شعثي أي تجمع به ما تفرق من أمري، ولم الله شعثكم جمع أمركم).
2 - هو من قولهم: (سمع له أي أصغى إليه) ففي مجمع البحرين (سمعت الشئ
وسمعت له سمعا = أي أصغيت وتسمعت إليه).
3 - في شرح النهج: (استمعوا لهذا الكتاب وأطيعوا الذي).
4 - في شرح النهج: (وقتل النفوس).
5 - في النهاية: (فيه: لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، قد تكررت هاتان اللفظتان
في الحديث، فالصرف التوبة وقيل: النافلة، والعدل الفدية وقيل: الفريضة) وفي مجمع -
البحرين (قوله تعالى: لا يستطيعون صرفا ولا نصرا، أي حيلة ولا نصرة، ويقال: لا يستطيعون
أن يصرفوا عن أنفسهم عذاب الله ولا انتصارا من الله، والصرف التوبة يقال: لا يقبل منه
صرف ولا عدل أي توبة وفدية، أو نافلة وفريضة).
6 - في الأصل: (للعاقبة) (بالقاف).
7 - في شرح النهج: (في الحقوق).
383

وإياكم على أمر هدى واضح وسبيل مستقيم، إنكم إن جامعتمونا طفئت النائرة،
واجتمعت الكلمة، واستقام أمر هذه الأمة، وأقر الظالمون المتوثبون الذين قتلوا
إمامهم بغير حق فأخذوا بجرائرهم وما قدمت أيديهم، إن لكم [علي] أن أعمل فيكم
بالكتاب وأن أعطيكم في السنة عطاءين، ولا أحتمل [فضلا (2)] من فيئكم عنكم أبدا فنازعوا (3)
إلى ما تدعون إليه - رحمكم الله - وقد بعثت إليكم رجلا من الناصحين (4) وكان من
أمناء خليفتكم المظلوم ابن عفان وعماله وأعوانه على الهدى والحق - جعلنا الله
وإياكم ممن يجيب إلى الحق ويعرفه، وينكر الباطل ويجحده - والسلام عليكم
ورحمة الله.
فلما قرأ عليهم الكتاب قال عظماؤهم (5): سمعنا وأطعنا (6).
عن أبي منقر الشيباني (7) قال: [قال الأحنف بن قيس لما قرأ عليهم
الكتاب: أما أنا فلا ناقة لي في هذا ولا جمل (8) واعتزل أمرهم ذلك.
وقال عمرو بن مرجوم (9) من عبد القيس: أيها الناس الزموا طاعتكم، ولا تنكثوا

1 - هذه الكلمة أضفناها لاقتضاء المقام إياها.
2 - في شرح النهج فقط.
3 - في شرح النهج: (فسارعوا).
4 - في شرح النهج: (من الصالحين).
5 - في شرح النهج: (معظمهم).
6 - نقل المكتوب أحمد زكي صفوت في جمهرة رسائل العرب عن شرح النهج لابن -
أبي الحديد (ج 1، ص 574 - 575).
7 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 350، س 19):
(قال: وروى محمد بن عبد الله بن عثمان عن علي أبي زهير عن أبي منقر الشيباني قال:
قال الأحنف (الحديث)).
8 - من الأمثال المعروفة، قال الميداني في مجمع الأمثال: (لا ناقتي في هذا
ولا جملي، أصل المثل للحارث بن عباد حين قتل جساس بن مرة كليبا وهاجت الحرب بين
الفريقين وكان الحارث اعتزلهما، قال الراعي:
وما هجرتك حتى قلت معلنة * لا ناقة لي في هذا ولا جملي
يضرب عند التبرء من الظلم والإساءة وذكروا (إلى آخر ما قال).
9 - تأتي ترجمته مبسوطة في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 44).
384

بيعتكم فتقع بكم واقعة وتصيبكم قارعة ولا تكن لكم بعدها بقية، ألا إني قد نصحت
لكم ولكن لا تحبون الناصحين (1).
حدثنا ثعلبة بن عباد (2) أن الذي كان سدد لمعاوية رأيه في إرسال ابن -
الحضرمي كتاب كتبه إليه صحار بن عباس العبدي (3) وهو ممن كان يرى رأي عثمان
ويخالف قومه في حبهم عليا عليه السلام ونصرتهم (4) إياه.
قال: فكتب إلى معاوية:
أما بعد فقد بلغنا وقعتك بأهل مصر الذين بغوا على إمامهم وقتلوا خليفتهم
ظلما (5) وبغيا، فقرت بذلك العيون وشفيت بذلك النفوس وثلجت (6) أفئدة أقوام كانوا

1 - ذيل آية 79 سورة الأعراف وصدرها: (فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة
ربي ونصحت).
2 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 350، س 22): (قال إبراهيم
بن هلال: وروى محمد بن عبد الله عن ابن أبي سيف عن الأسود بن قيس عن ثعلبة بن عباد أن الذي
(الحديث)) وفي تقريب التهذيب: (ثعلبة بن عباد بكسر المهملة وتخفيف الموحدة
العبدي البصري مقبول من الرابعة / عخ عم) وفي تهذيب التهذيب: (ثعلبة بن عباد العبدي
البصري روى عن أبيه وسمرة بن جندب، روى: عنه الأسود بن قيس أخرجوا له حديثا في صلاة
الكسوف. قلت: ذكره ابن المديني في المجاهيل الذين يروي عنهم الأسود بن قيس وأما
الترمذي فصحح حديثه وذكره ابن حبان الثقات وقال ابن حزم: مجهول، وتبعه ابن القطان
وكذا نقل ابن المواق عن العجلي).
3 - في الأصل، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد، وفي الكامل لابن الأثير
(عباس بن صحار العبدي) والصحيح ما أثبتناه ففي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم
الرازي: (صحار بن صخر العبدي ويقال: صحار بن عباس بصري له صحبة أبو عبد الرحمن،
روى عنه ابنه عبد الرحمن، سمعت أبي يقول ذلك).
أقول: تأتي ترجمته على سبيل التفصيل في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 45).
4 - في الأصل: (فقرهم) والظاهر أنه محرف عن (نصرهم) والتصحيح من شرح النهج.
5 - في شرح النهج: (طمعا).
6 - في شرح النهج: (بردت) ففي النهاية: (في حديث عمر حتى أتاه الثلج واليقين
يقال: ثلجت نفسي بالأمر تثلج ثلجا وثلجت تثلج ثلوجا إذا اطمأنت إليه وسكنت وثبت فيها
ووثقت به ومنه حديث ابن ذي يزن: وثلج صدرك) وفي مجمع البحرين: (في الحديث: من
لعن قاتل الحسين (ع) عند شرب الماء حشره الله ثلج الفؤاد أي مطمئن القلب من قولهم:
ثلجت نفسي بالأمر ثلوجا من باب قعد وتعب أي اطمأنت وسكنت ومثله قوله (ع): من نفس
عن مؤمن كربة خرج من قبره وهو ثلج الفؤاد). وفي أساس البلاغة: (ثلج فواده وهو مثلوج
الفؤاد قال كعب بن لؤي:
لئن كنت مثلوج الفؤاد لقد بدا * لجمع لؤي منك ذلة ذي غمض
(إلى أن قال)
وثلجت فؤاده بالخير فثلج، وثلجت نفسه بكذا بردت وسرت (إلى آخر ما قال)
385

لقتل عثمان كارهين، ولعدوه مفارقين، ولكم موالين، وبك راضين، فإن رأيت أن تبعث إلينا
أميرا طيبا زاكيا (1) ذا عفاف ودين يدعو لي الطلب بدم عثمان فعلت، فإني لا إخال
الناس إلا مجمعين (2) عليك فإن ابن عباس غائب عن الناس (3)، والسلام.
فلما قرأ معاوية كتابه قال: لا عزمت رأيا سوى ما كتب به إلي هذا، وكتب
إليه جوابه:
أما بعد فقد قرأت (4) كتابك فعرفت نصيحتك، وقبلت مشورتك، فرحمك (5)
الله وسددك - أثبت - هداك الله رأيك الرشيد، فكأنك بالرجل الذي سألت
قد أتاك، وكأنك بالجيش قد أطل عليك، فسررت وحييت (6) وقبلت (7)، والسلام.

1 - في شرح النهج: (ذكيا).
2 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (مجتمعين).
3 - في شرح النهج: (عن المصر) فليعلم أن أحمد زكي صفوت قد نقل الكتاب
وجوابه في جمهرة رسائل العرب (ص 575 - 576) عن شرح النهج لابن أبي الحديد.
4 - في الأصل: (رأيت).
5 - في شرح النهج: (رحمك).
6 - في الأصل: (حببت) (من حبب ببائين).
7 - في الأصل فقط.
386

قال (1): لما نزل ابن الحضرمي ببني تميم أرسل إلى الرؤوس فأتوه، فقال
لهم: أجيبوني إلى الحق وانصروني على هذا الأمر وإن الأمير بالبصرة يومئذ
زياد به عبيد (2) قد استخلفه عبد الله بن عباس وقدم على علي عليه السلام إلى الكوفة يعزيه
عن محمد (3) بن أبي بكر قال: فقال إليه صحار (4) فقال: إي والذي له أسعى وإياه أخشى
لننصرنك بأسيافنا وأيدينا.
وقام المثنى بن مخربة (5) العبدي فقال: لا، والذي لا إله إلا هو لئن لم ترجع
إلى مكانك الذي أقبلت منه لنأخذنك (6) بأسيافنا وأيدينا ونبالنا وأسنة رماحنا،

- 1 قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 350، س 31):
(قال إبراهيم: وحدثنا محمد بن عبد الله، قال: حدثني علي بن أبي سيف، عن أبي زهير، قال:
لما نزل ابن الحضرمي في بني تميم (القصة).
2 - في الكامل: (زياد بن أبيه).
3 - في الأصل: (على محمد).
4 - في الأصل وفي شرح النهج: (ابن صخار) (بالخاء المعجمة هنا وفيما سبق) وفي
الكامل لابن الأثير: (ابن صحار) (بالحاء المهملة في الموضعين) والصحيح (صحار) من دون
كلمة (ابن) قبله ونص عبارة الكامل هكذا: (وكان عباس بن صحار العبدي مخالفا لقومه في -
حب علي) ومن ثم قال أحمد زكي صفوت بعد نقل الكلمة في الجمهرة: (في الأصل صخار
بالخاء المعجمة وهو تصحيف).
5 - في القاموس: (مخربة بن عدي كمرحلة ومخربة كمحدثة مدرك بن حوط الصحابي
وكذلك أسماء بنت مخربة، وسلامة بن مخربة بن جندل والمثنى بن مخربة العبدي)
وترجمه الزبيدي بقوله: (رفيق سليمان بن صرد خرج مع التوابين في ثلاث مائة من
أهل البصرة) وقال ابن الأثير في الكامل: (المثنى بن مخربة بضم الميم وفتح الخاء
المعجمة وكسر الراء المشددة وآخره باء موحدة).
أقول: الرجل من وجوه التوابين قد خرج مع سليمان بن صرد وأقرانه لكنه لم يستشهد
فرجع إلى البصرة بعد شهادة التوابين فلما خرج المختار بايع له سرا ووجهه المختار إلى البصرة
ليدعوا لشيعة هناك إلى الخروج معه وخرج معه وتفصيل خروجه ومواقفه في تأريخ الطبري في
أحداث سنة ست وستين فراجع إن شئت.
6 - في شرح النهج والكامل لابن الأثير: (لنجاهدنك).
387

أنحن ندع ابن عم نبينا وسيد المسلمين وندخل في طاعة حزب من الأحزاب طاغ؟!
والله لا يكون ذلك أبدا حتى نسير كتيبة إلى كتيبة ونفلق الهام بالسيوف.
قال: فأقبل ابن الحضرمي على صبرة (1) بن شيمان الأزدي فقال: يا صبرة
أنت رأس قومك وعظيم من عظماء العرب وأحد الطلبة بدم عثمان، رأينا رأيك ورأيك

1 - في القاموس: (وسموا صابرا وصبرة بكسر الباء [أي وبفتح الصاد]) وقال
الزبيدي في شرحه: (منهم عامر بن صبرة الصحابي) وفي كتاب صفين لنصر بن مزاحم
(ص 131 من طبعة مصر سنة 1365 ه‍): (وأجاب الناس إلى المسير ونشطوا وخفوا [أي
دعوة ابن عباس أهل البصرة إلى صفين] فاستعمل ابن عباس على البصرة أبا الأسود الدئلي
وخرج حتى قدم على علي (ع) ومعه رؤوس الأخماس، خالد بن المعمر السدوسي على بكر بن
وائل، وعمرو بن مرجوم العبدي على عبد القيس، وصبرة بن شيمان الأزدي على الأزد،
والأحنف بن قيس على تميم وضبة والرباب، وشريك بن الأعور الحارثي على أهل العالية، فقدموا
على علي عليه السلام بالنخيلة) وقال ابن دريد في الاشتقاق عند ذكره قبائل زهران بن
كعب (ص 511): (ومن رجالهم صبرة بن شيمان بن عكيف بن كيوم كان رئيس الأزد
يوم الجمل وهو الذي أجار زيادا، وكيوم من: كأم الفرس الحجر يكومها إذا نزا عليها، و
عكيف أما من قولهم عكفت الطير حول القتيل، إذا حامت عليه، والعاكف الذي لا يبرح مكانه،
ومنه الاعتكاف في المساجد) وفي الإصابة لابن حجر في القسم الثالث من حرف الشين:
(شيمان كالذي قبله [يعني شيبان] إلا أن بدل الموحدة الميم وهو ابن عكيف بن كلثوم
بن عبد الأزدي ثم الحداني له إدراك، وكان ولده صبرة رأس الأزد يوم الجمل مع
عائشة وله ذكر في ذلك ذكره ابن الكلبي وتبعه أبو عبيد وقال: إن صبرة قتل حينئذ وفيه نظر
لأن ابن دريد ذكر في الاشتقاق أنه أجار زيادا يوم الجمل، والمبرد في الكامل ذكر أنه وفد
على معاوية فقال له: يا أمير المؤمنين، في قصة ذكرها، وهذا يدل على أنه عاش بعد الجمل
(ز) ونص القصة التي ذكرها المبرد هذه: (قال محمد بن يزيد المبرد: حدثت
أن صبرة بن شيمان الحداني دخل على معاوية والوفود عنده فتكلموا فقام صبرة فقال: يا أمير -
المؤمنين إنا حي فعال ولسنا بحي مقال، ونحن فأدنى فعالنا عند أحسن مقالهم، فقال: صدقت).
وذكر ابن سعد في الطبقات في ترجمة عبد الله بن عامر عند ذكره الطبقة
الأولى من أهل المدينة من التابعين (ج 5 من طبعة مصر): (ثم بعث [أي عبد الله بن عامر]
صبرة بن شيمان الأزدي إلى هراة فافتتح رساتيقها ولم يقدر على المدينة).
388

رأينا، وبلاء القوم عندك في نفسك وعشيرتك ما قد ذقت ورأيت، فانصرني وكن من
دوني، فقال له: إن أنت أتيت (1) فنزلت في داري نصرتك ومنعتك، فقال: إن أمير المؤمنين
معاوية أمرني أن أنزل في قومه من مضر، فقال: اتبع ما أمرك به، وانصرف من عنده.
وأقبل الناس إلى ابن الحضرمي فكثر تبعه ففزع لذلك زياد وهاله وهو في
دار الإمارة فبعث إلى الحضين بن المنذر (2) ومالك بن مسمع (3) فدعاهما فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال: أما بعد فإنكم أنصار أمير المؤمنين وشيعته وثقته وقد جاءكم هذا الرجل
بما قد بلغكم فأجيروني حتى يأتيني أمر أمير المؤمنين ورأيه، فأما مالك بن مسمع
فقال: هذا أمر لي فيه نظر فأرجع إلى من ورائي وأنظر وأستشير في ذلك وألقاك (4)، وأما
الحضين بن المنذر فقال: نعم، نحن فاعلون ولن نخذلك ولن نسلمك، فلم ير زياد من
القوم ما يطمئن إليه (5).

1 - في شرح النهج: (إن أنت أتيتني).
2 - في كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي: (حضين بن المنذر
أبو ساسان الرقاشي وهو ابن المنذر بن الحارث بن وعلة، روى عن عثمان وعلي ومجاشع -
بن مسعود والمهاجرين قنفذ بصري، روى عنه الحسن وعبد الله الداناج وعبد العزيز بن معمر
وعلي بن سويد بن منجوف، سمعت أبي يقول ذلك).
أقول يأتي شرح حاله بوجه أبسط من ذلك في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 46).
3 - هذا الرجل لم أجد له ذكرا في كتب الرجال لكن قال الطبري في هذا الموضع:
(وقال مالك وكان رأيه مائلا إلى بني أمية وكان مروان لجأ إليه يوم الجمل) ونحوه
في الكامل. ويستفاد من عباراتهما في غير هذا المورد أيضا أنه كان مواليا لبني أمية حتى أنه كان
يأمر الناس بعد وقعة الطف بتجديد البيعة ليزيد بن معاوية فراجع إن شئت.
4 - في كامل التواريخ والطبري: (هذا أمر لي فيه شركاء أستشير وأنظر).
5 - في الطبري والكامل مكان الفقرة: (فلما رأى زياد تثاقل مالك خاف أن تختلف
عليه ربيعة فأرسل إلى نافع أن أشر علي، فأشار عليه نافع بصبرة بن شيمان الحداني، فأرسل
إليه زياد (إلى آخر ما قال)).
389

فبعث إلى صبرة بن شيمان الأزدي فقال: يا ابن شيمان أنت سيد قومك وأحد -
عظماء هذا المصر فإن يكن فيه أحد هو أعظم أهله فأنت (1) أفلا تجيرني وتمنعي؟
وتمنع بيت مال المسلمين؟ - فإنما أنا أمين عليه، فقال: بلى، أنت تحملت
حتى تنزل في داري منعتك، فقال له: إني فاعل فحمله ثم ارتحل ليلا (2) حتى نزل
دار صبرة بن شيمان، وكتب إلى عبد الله بن عباس (3) ولم يكن معاوية ادعى زيادا بعد
لأنه إنما ادعاه بعد وفاة علي عليه السلام:
للأمير (4) عبد الله بن عباس من زياد به عبيد:
سلام عليك أما بعد فإن عبد الله بن عامر الحضرمي أقبل من قبل معاوية
حتى نزل في بني تميم ونعى ابن عفان ودعا إلى الحرب فبايعه جل أهل البصرة
فلما رأيت ذلك استجرت بالأزد (5) بصبرة بن شيمان وقومه لنفسي ولبيت مال المسلمين،
فرحلت من قصر الإمارة فنزلت فيهم وإن الأزد معي، وشيعة أمير المؤمنين من
سائر (6) القبائل تختلف إلي وشيعة عثمان تختلف إلى ابن الحضرمي، والقصر خال
منا ومنهم، فارفع ذلك إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه ويعجل علي بالذي يرى (7)
أن يكون فيه منه، والسلام (8).
قال: فرفع ذلك ابن عباس إلى علي عليه السلام فشاع في الناس بالكوفة ما كان

1 - في شرح النهج: (فأنت ذاك).
2 - في الطبري مكان العبارة بعد كلمة (المسلمين): (فإنه فيئكم وأنا أمين أمير المؤمنين -؟
قال: بلى إن حملته إلي ونزلت داري قال: إني حامله فحمله).
3 - في الطبري: (ثم كتب زياد إلى علي أن ابن الحضرمي (إلى آخر الكتاب).
4 - في شرح النهج: (للأمين).
5 - يقال: (استجاره من فلان سأله أن يجيره منه ويعيذه قال الله تعالى: وإن أحد
من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه، وبفلان استغاث به واستعان).
6 - في شرح النهج: (من فرسان).
7 - في شرح النهج: (واعجل إلي بالذي ترى).
8 - في شرح النهج: (والسلام عليك ورحمة الله وبركاته).
أقول: نقل أحمد زكي صفوت الكتاب في جمهرة رسائل العرب عن شرح
النهج لابن أبي الحديد وتاريخ الطبري (أنظر ص 577).
390

من ذلك، وكانت بنو تميم وقيس ومن يرى رأي عثمان قد أمروا ابن الحضرمي أن
يسير إلى قصر الإمارة حين خلاه زياد، فلما تهيأ لذلك ودعا له أصحابه ركبت الأزد
وبعثت إليه وإليهم: إنا والله لا ندعكم تأتون القصر، فتنزلون به من لا نرضى ومن
نحن له كارهون حتى يأتي رجل لنا ولكم رضى، فأبى أصحاب ابن الحضرمي إلا
أن يسيروا إلى القصر وأبت الأزد إلا أن يمنعوهم، فركب الأحنف فقال لأصحاب
ابن الحضرمي: إنكم والله ما أنتم بأحق بقصر الإمارة من القوم، وما لكم أن تؤمروا
عليهم من يكرهونه فانصرفوا عنهم، ففعلوا، ثم جاء إلى الأزد فقال: إنه لم يكن ما
تكرهون ولن يؤتى إلا ما تحبون فانصرفوا - رحمكم الله - ففعلوا.
وعن الكلبي (1) [أن ابن الحضرمي لما أتى البصرة ودخلها نزل في بني تميم
في دار سنبيل ودعا بني تميم وأخلاط مضر فقال زياد لأبي الأسود الدئلي (2): أما ترى
ما صغى أهل البصرة إلى معاوية وما في الأزد لي مطمع، فقال: إن كنت تركتهم
لم ينصروك وإن أصبحت فيهم منعوك، فخرج زياد من ليلته (3)] وأتى الأزد ونزل على صبرة
ابن شيمان فأجاره فبات ليلته فلما أصبح قال له صبرة: يا زياد ليس حسنا بنا أن تقوم
فينا مختفيا أكثر من يومك هذا، فاتخذ (4) له منبرا وسريرا في مسجد الحدان وجعل
له شرطا وصلى بهم الجمعة في مسجد الحدان (5).

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 351، س 24):
(قال إبراهيم: وحدثنا محمد بن عبد الله [عن] ابن أبي سيف عن الكلبي أن ابن -
الحضرمي (الحديث)).
2 - أبو الأسود الدئلي هو أعرف من أن تذكر له ترجمة هنا فمن أرادها فليطلبها
من مواردها.
3 - ما بين المعقوفتين قد سقط من الأصل وأضفناه من شرح النهج.
4 - في شرح النهج: (فأعد).
5 - في القاموس: (وبنو حدان بن قريع ككتان بطن من تميم منهم أوس الحداني
الشاعر وبالضم الحسن بن حدان المحدث، وذو حدان بن شراحيل وابن شمس وسعيد بن
حدان التابعي وحدان بن عبد شمس) وفي الاشتقاق لابن دريد عند ذكره قبائل
زهران بن كعب (ص 510): (فمن بني غالب بن عثمان الحدان، وحدان فعلان من الحد،
فمن بني حدان بنو حاود ولهم خطة بالبصرة) وفي معجم البلدان: (حدان بالضم
إحدى محال البصرة القديمة يقال لها: بنو حدان سميت باسم قبيلة وهو حدان بن شمس بن
عمرو بن غنم بن غالب بن عثمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله -
بن مالك بن نصر بن الأزد وسكنها جماعة من أهل العلم ونسبوا إليها (إلى آخر ما قال))
وفي الصحاح: (وحدان بالضم حي من العرب) وفي لسان العرب: (وحدان حي
من الأزد وقال ابن دريد: الحدان حي من الأزد فأدخل عليه اللام، الأزهري: حدان قبيلة
باليمن وبنو حدان بالضم من بني سعد) وفي الأنساب للسمعاني: (الحداني بضم الحاء
وتشديد الدال المهملة وفي آخره نون بعد الألف، هذه النسبة إلى حدان وهم الأزد،
وعامتهم بصريون، وهم حدان بن شمس بن عمرو بن غنم بن غالب بن عثمان بن نصر بن الأزد
(إلى آخر ما قال)).
391

وغلب ابن الحضرمي على ما يليه من البصرة وجباها، واجتمعت الأزد على
زياد فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
يا معشر الأزد أنتم (1) كنتم أعدائي فأصبحتم أوليائي وأولى الناس بي وإني لو كنت
في بني تميم وابن الحضرمي فيكم نازلا لم أطمع فيه أبدا وأنتم دونه، فلا يطمع ابن
الحضرمي في وأنتم دوني، وليس ابن آكلة الأكباد في بقية الأحزاب وأولياء الشيطان
بأدنى إلى الغلبة من أمير المؤمنين على في المهاجرين والأنصار وقد أصبحت فيكم
مضمونا وأمانة مؤداة وقد رأينا وقعتكم يوم الجمل فاصبروا مع الحق كصبركم مع
الباطل، فإنكم لا تحمدون إلا على النجدة، ولا تعذرون على الجبن.
فقام شيمان أبو صبرة ولم يكن شهد يوم الجمل وكان غائبا فقال:

1 - في شرح النهج: (إنكم).
392

يا معشر الأزد ما أبقت عواقب الجمل عليكم إلا سوء الذكر (1) وقد كنتم أمس على
علي عليه السلام فكونوا اليوم له، واعلموا أن سلمكم (2) جاركم ذل وخذلكم (3) إياه عار، وأنتم
حي مضماركم الصبر وعاقبتكم الوفاء (4)، فإن سار القوم بصاحبهم فسيروا بصاحبكم، وإن
استمدوا معاوية فاستمدوا عليا، وإن وادعوكم فوادعوهم.
ثم قام صبرة بن شيمان فقال: يا معشر الأزد إنا قلنا يوم الجمل: نمنع
مصرنا، ونطيع أمنا (5)، وننصر (6) خليفتنا المظلوم، فأنعمنا القتال (7) وأقمنا بعد انهزام
الناس حتى قتل منا من لا خير فينا بعده، وهذا زياد جاركم اليوم والجار
مضمون ولسنا نخاف من علي عليه السلام ما نخاف من معاوية، فهبوا لنا أنفسكم وامنعوا
جاركم أو فأبلغوه مأمنه (8) فقالت الأزد: إنما نحن لكم تبع فأجيروه، فضحك زياد
وقال: يا صبرة أتخشون ألا تقوموا لبني تميم؟ فقال صبرة: إن جاؤونا بالأحنف
جئناهم بأبي صبرة، وإن جاؤونا بالحتات (9) جئتهم أنا، وإن كان فيهم شباب ففينا

1 - في الأصل: (ما تعرفون من عواقب الجمل إلا ذل الجنى ونفذ القتيل).
2 - في شرح النهج: (إسلامكم له).
3 - في شرح النهج: (خذلانكم).
4 - في الأصل: (الوقار).
5 - في الأصل: (إمامنا).
6 - في شرح النهج: (نطلب دم).
7 - في شرح النهج: (فجددنا في القتال).
8 - في الأصل: (وإلا منعناه منه) والمتن مأخوذ من قوله تعالى: (وإن أحد من -
المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه).
9 - قال الزبيدي في تاج العروس في شرح قول صاحب القاموس:
(حتات كغراب قطيعة بالبصرة وابن عمرو وابن يزيد لا زيد المجاشعي ووهم الجوهري
صحابيان) ما نصه: (حتات لقب واسمه بشر وفي الإصابة: الحتات بالضم هو ابن زيد بن علقمة بن
جرى بن سفيان بن مجاشع بن دارم التميمي الدارمي المجاشعي، ذكره ابن إسحاق وابن -
الكلبي وابن هشام فيمن وفد من بني تميم على النبي (ص) ووجدت في هامش لسان العرب
ما نصه: وأورد الجوهري بيت الفرزدق في ترجمة فرع وقال: الحتات بشر بن عامر بن
علقمة فليراجع).
393

شباب كثير فقال زياد: إنما كنت مازحا (1).
فلما رأت بنو تميم
أن الأزد قد قاموا دون زياد [بعثت إليهم: أخرجوا
صاحبكم ونحن نخرج صاحبنا فأي الأميرين غلب، علي أو معاوية دخلنا في طاعته ولا
نهلك عامتنا، فبعث إليهم أبو صبرة: إنما كان هذا يرجى عندنا قبل أن نجيره،
ولعمري ما قتل زياد (2)] وإخراجه (3) إلا سواءا، وإنكم لتعلمون إنا لم نجره إلا تكرما،
فالهوا عن هذا.
عن أبي الكنود (4) أن شبث بن ربعي (5) قال لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين ابعث

1 - ذكر الطبري هذه القصة هكذا (ج 6، ص 64): (وخرج زياد حتى أتى
الحدان ونزل في دار صبرة وحول بيت المال والمنبر فوضعه في مسجد الحدان، وتحول مع زياد
خمسون رجلا منهم أبو أبي حاضر، وكان زياد يصلي الجمعة في مسجد الحدان ويطعم الطعام،
فقال زياد لجابر بن وهب الراسبي: يا أبا محمد إني لا أرى ابن الحضرمي يكف ولا أراه إلا سيقاتلكم
ولا أدري ما عند أصحابك؟ فأمرهم وانظر ما عندهم، فلما زياد جلس في المسجد واجتمع
الناس إليه فقال جابر: يا معشر الأزد تميم تزعم أنهم هم الناس وأنهم أصبر منكم عند البأس،
وقد بلغني أنهم يريدون أن يسيروا إليكم حتى يأخذوا جاركم ويخرجوه من المصر قسرا،
فكيف أنتم إذا فعلوا ذلك وقد آجرتموه وبيت مال المسلمين؟ - فقال صبرة بن شيمان وكان
مفخما: إن جاء الأحنف جئت، وإن جاء الحتات جئت، وإن جاء شبان ففينا شبان فكان
زياد يقول: إنني استضحكت ونهضت وما كدت مكيدة قط كنت إلى الفضيحة بها أقرب مني
للفضيحة يومئذ لما غلبني من الضحك).
وذكر ابن الأثير في الكامل (ج 3، ص 144) القصة نحو ما ذكره الطبري.
2 - ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ونقلناه من شرح النهج.
3 - في الأصل: (خلعه).
4 - قال الأردبيلي (ره) في جامع الرواة والمامقاني (ره) في تنقيح -
المقال: (أبو الكنود الوائلي عده الشيخ (ره) كذلك في باب الكنى من أصحاب أمير -
المؤمنين عليه السلام).
أقول: قد وقع الرجل في سند نصر بن مزاحم في كتاب صفين في موارد كثيرة
وقد روى عنه في تلك الموارد الحارث بن حصيرة وكذا الحال في أسانيد الطبري في غير
مورد لكن الأردبيلي والمامقاني - رحمهما الله - نقلا أيضا عن رجال الشيخ (ره) من أصحاب
علي (ع) عبد الرحمن بن عبيد [مصغرا أو مكبرا] ابن الكنود، والمظنون قويا أنه متحد مع أبي -
الكنود الوائلي السابق الذكر فليتحقق، وسيجئ الكلام عليه أيضا في غارة سفيان بن عوف الغامدي.
5 - في تقريب التهذيب: (شبث بفتح أو له والموحدة ثم مثلثة ابن ربعي التميمي
اليربوعي أبو عبد القدوس الكوفي مخضرم كان مؤذن سجاح ثم أسلم ثم كان ممن أعان على عثمان
ثم صحب عليا ثم صار من الخوارج عليه ثم تاب فحضر قتل الحسين، ثم كان ممن طلب بدم
الحسين مع المختار، ثم ولي شرطة الكوفة، ثم حضر قتل المختار، ومات بالكوفة في حدود
الثمانين / دس) وخاض المامقاني (ره) وغيره من علمائنا في ترجمته فمن أرادها فليراجع.
394

إلى هذا الحي من تميم فادعهم إلى طاعتك ولزوم بيعتك، ولا تسلط عليهم أزد عمان
البعداء البغضاء فإن واحدا من قومك خير لك من عشرة من غيرهم، فقال له مخنف
بن سليم الأزدي (1): إن البعيد البغيض من عصى الله وخالف أمير المؤمنين وهم قومك،
وإن الحبيب القريب من أطاع الله ونصر أمير المؤمنين وهم قومي، وأحدهم خير
لأمير المؤمنين من عشرة من قومك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: مه، تناهوا
أيها الناس وليردعكم الإسلام ووقاره عن التباغي والتهاذي، ولتجتمع كلمتكم،
والزموا دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره، وكلمة الاخلاص التي هي قوام الدين،
وحجة الله على الكافرين، واذكروا إذ كنتم قليلا مشركين متفرقين متباغضين فألف
بينكم بالإسلام فكثرتم واجتمعتم وتحاببتم، فلا تفرقوا بعد إذ اجتمعتم، ولا تباغضوا
بعد إذ تحاببتم (2)، فإذا انفصل الناس وكانت بينهم الثائرة فتداعوا (3) إلى العشائر

1 - في تقريب التهذيب: (مخنف بكسر أوله وبنون ابن سليم بن الحارث بن
عوف الأزدي الغامدي صحابي نزل الكوفة وكانت معه راية الأزد بصفين واستشهد بعين الوردة
سنة أربع وستين / 4).
أقول: الرجل مذكور في كتب الشيعة أيضا.
2 - هذه الفقرات مأخوذة من قول الله تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء
فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، الآية،
(آية 103 من سورة آل عمران).
3 - في شرح النهج والبحار: (وإذ رأيتم الناس بينهم النائرة وقد تداعوا).
395

والقبائل فاقصدوا لهامهم ووجوههم بالسيوف، حتى يفزعوا إلى الله وكتابه وسنة نبيه،
فأما تلك الحمية (1) من خطوات (2) الشيطان فانتهوا عنها لا أبا لكم تفلحوا وتنجحوا.
ثم إنه عليه السلام دعا أعين بن ضبيعة المجاشعي (3) فقال: يا أعين ما بلغك أن قومك
وثبوا على عاملي مع ابن الحضرمي بالبصرة يدعون إلى فراقي وشقاقي ويساعدون
الضلال الفاسقين (4) علي؟! فقال: لا تستأ (5) يا أمير المؤمنين ولا يكن ما تكره،
ابعثني إليهم فأنا لك زعيم بطاعتهم وتفريق جماعتهم ونفي ابن الحضرمي من البصرة

1 - في الأصل بعد لفظة الحمية: (متى تكون في المسلمين).
2 - في شرح النهج: (من خطرات الشياطين).
3 - قال الساروي في توضيح الاشتباه: (أعين بفتح الهمزة وسكون العين
المهملة وفتح الياء المثناة التحتانية بن ضبيعة بضم الضاد المعجمة كجهينة) وقال المامقاني (ره)
في تنقيح المقال: (أعين بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وفتح الياء المثناة
التحتانية والنون ابن ضبيعة بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة
التحتانية وفتح العين المهملة بعدها هاء وزان جهينة تصغير ضبعة حيوان معروف سمي به جمع
من الرجال الدارمي [قال ابن الأثير في اللباب: الدارمي بفتح الدال وسكون الألف وكسر -
الراء وبعدها ميم، هذه النسبة إلى دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم بطن كبير
من تميم ينسب إليه خلق كثير من العلماء والشعراء والفرسان] المجاشعي بضم الميم
وفتح الجيم ثم الألف والشين المعجمة المكسورة ثم العين ثم الياء نسبة إلى مجاشع بن
دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم لم أقف فيه إلا على عد الشيخ (ره)
إياه في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ويمكن استفادة حسن حاله
بل وثاقته من إرسال أمير المؤمنين إياه إلى البصرة ليقاتل عبد الله الحضرمي الذي أرسله معاوية
ليتملك له البصرة فإن إرسال أمير المؤمنين الرجل يكشف عن كونه محل وثوقه واطمينانه،
ثم إنه قد قتل هو غيلة سنة ثمان وثلاثين، فأرسل أمير المؤمنين (ع) جارية بن قدامة التميمي
السعدي ففرق جمع ابن الحضرمي وأحرق عليه الدار التي تحصن فيها فاحترق فيها).
4 - في شرح النهج: (القاسطين).
5 - في شرح النهج: (لا تسأ) يقال: (ساءه فاستأى، فهو مطاوع ساء).
396

أو قتله، فاخرج الساعة، فخرج من عنده ومضى حتى قدم (1) البصرة (2).
ثم دخل على زياد وهو بالأزد (3) مقيم فرحب به وأجلسه إلى جانبه فأخبره
بما قال له علي عليه السلام وبما رد عليه، وما [الذي عليه] رأيه فقال: فوالله إنه ليكلمه
وإذا بكتاب من أمير المؤمنين عليه السلام إلى زياد فيه (4):
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى
زياد بن عبيد، سلام عليك، أما بعد، فإني قد بعثت أعين بن ضبيعة ليفرق قومه عن
ابن الحضرمي، فارقب ما يكون منه، فإن فعل وبلغ من ذلك ما يظن به وكان
في ذلك تفريق تلك الأوباش فهو ما نحب، وإن ترامت الأمور بالقوم (5) إلى الشقاق

1 - في شرح النهج (دخل).
2 - قال ابن أبي الحديد بعد نقل قول الثقفي (فخرج من عنده ومضى
حتى قدم البصرة): (هذه رواية ابن هلال صاحب كتاب الغارات وروى
الواقدي أن عليا عليه السلام استنفر بني تميم أياما لينهض منهم إلى البصرة من يكفيه أمر -
ابن الحضرمي ويرد عادية بني تميم الذين أجاروه بها فلم يجبه أحد فخطبهم وقال: أليس
من العجب أن تنصرني الأزد وتخذلني مضر؟! وأعجب من ذلك تقاعد تميم الكوفة بي وخلاف
تميم البصرة علي، وأن أستنجد بطائفة منها تشخص إلى إخوانها فتدعوهم إلى الرشاد، فإن أجابت
وإلا فالمنابذة والحرب، فكأني أخاطب صما بكما لا يفقهون حوارا ولا يجيبون نداءا، كل هذا
جنبا عن البأس وحبا للحياة، ولقد كنا مع رسول الله (ص) نقتل آباءنا وأبناءنا (إلى آخر
الخطبة المذكورة في النهج ونقلناها في ص 373) قال: فقام إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي
فقال: أنا إن شاء الله أكفيك يا أمير المؤمنين هذا الخطب، وأتكفل لك بقتل ابن الحضرمي
أو إخراجه عن البصرة فأمره بالتهيؤ للشخوص فشخص حتى قدم البصرة.
قال إبراهيم بن هلال: فلما قدمها دخل على زياد (إلى آخر ما في المتن)).
وقال المجلسي (ره) في أثناء ذكر القصة بعد نقل قول أمير المؤمنين (ع): (تفلحوا
وتنجحوا) ما نصه: (ثم قال ابن أبي الحديد: وروى الواقدي (فنقل الرواية إلى آخرها
ثم قال:) رجعنا إلى رواية الثقفي قال إبراهيم: فلما قدمها) (أنظر ج 8، ص 676).
3 - في البحار: (وهو بالأهواز) وهو تصحيف قطعا.
4 - نقله صاحب جمهرة رسائل العرب عن شرح ابن أبي الحديد والطبري (ص 588).
5 - في الطبري والأصل: (وإن ترقت الأمور بهم).
397

والعصيان فانهض بمن (1) أطاعك إلى من عصاك، فجاهدهم فإن ظفرت فهو ما ظننت،
وإلا فطاولهم وماطلهم ثم تسمع بهم وأبصر (2) فكأن كتائب المسلمين قد أظلت (3)
عليك (4) فقتل الله المفسدين الظالمين (5) ونصر المؤمنين المحقين، والسلام.
فلما قرأه زياد، أقرأه أعين بن ضبيعة، فقال له أعين: إني لأرجو ا أن نكفي (6)
هذا الأمر إن شاء الله، ثم خرج من عنده فأتى رحله فجمع إليه رجالا من قومه
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
يا قوم على م (7) تقتلون أنفسكم وتهريقون (8) دماءكم على الباطل مع السفهاء

1 - في شرح النهج: (فانبذ من).
2 - كذا في الأصل والطبري ويحتمل أن الصحيح: (أسمع بهم وأبصر) كما في قول الله
تعالى: (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا (آية 38 سورة مريم) ففي مجمع البحرين قوله تعالى:
أسمع بهم وأبصر أي ما أسمعهم وأبصرهم) وعلى أي حال المراد بالكلمتين أن يكون زياد على
التيقظ والحذر وعدم الغفلة من ابن الحضرمي وأتباعه.
3 - كذا في الأصل والبحار لكن في شرح النهج (أطلت) بالطاء المهملة أي أشرفت.
4 - في الطبري: فكأن جنود الله قد أظلتك).
5 - في الطبري: (تقتل الظالمين).
6 - في شرح النهج والبحار: (يكفي).
7 - في شرح النهج والبحار: (على ماذا).
8 - في الصحاح: (هراق الماء يهريقه بفتح الهاء هراقة أي صبه وأصله: أراق
يريق إراقة، وأصل أراق أريق، وأصل يريق يريق وأصل يريق ياريق وإنما قالوا: أنا أهريقه
وهم لا يقولون: أنا أريقه لاستثقالهم الهمزتين وقد زال ذلك بعد الابدال وفيه لغة أخرى:
أهرق الماء يهرقه إهراقا على أفعل يفعل، قال سيبويه: قد أبدلوا من الهمزة الهاء ثم الزمت
فصارت كأنها من نفس الحرف ثم أدخلت الألف بعد على الهاء وتركت الهاء عوضا من حذفهم
حركة العين لأن أصل أهرق أريق، وفيه لغة ثالثة: أهراق يهريق إهرياقا فهو مهريق
والشئ مهراق ومهراق أيضا بالتحريك وهو شاذ، ونظيره أسطاع يسطيع اسطياعا بفتح الألف
في الماضي وضم الياء في المستقبل لغة في أطاع يطيع فجعلوا السين عوضا من ذهاب حركة عين
الفعل ما ذكرناه عن الأخفش في باب العين وكذلك حكم الهاء عندي وفي الحديث
أهريق دمه وتقدير يهريق بفتح الهاء يهفعل وتقدير مهراق بالتحريك مهفعل، وأما تقدير يهريق
بالتسكين فلا يمكن أن ينطق به لأن الهاء والفاء جميعا ساكنان وكذلك تقدير مهراق وحكى بعضهم
مطر مهرورق).
أقول: ذكر مثل ذلك الفيومي في المصباح المنير وسائر اللغويين
في كتبهم واستشهدوا له بقول امرء القيس في أوائل معلقته:
(وإن شفائي عبرة مهراقة * فهل عند رسم دارس من معول)
ومنه ما ورد في الحديث: سئل الصادق (ع) عن رجل معه إناءان وقع في أحدهما
قذر لا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غير هما قال: يهريقهما جميعا ويتيمم (أنظر -
الوسائل، باب وجوب التيمم على من معه ماء نجس أو مشتبه بالنجس، ص 184 من ج 1 من
طبعة أمير بهادر).
398

الأشرار؟! وإني والله ما جئتكم حتى عبيت إليكم الجنود، فإن تنيبوا إلى الحق
يقبل منكم ويكف عنكم، وإن أبيتم فهو والله استئصالكم وبواركم.
فقالوا: بل نسمع ونطيع، فقال: انهضوا الآن على بركة الله، فنهض بهم إلى
جماعة ابن الحضرمي (1)، فخرجوا إليه مع ابن الحضرمي فصافوه وواقفهم عامة يومه (2)
يناشدهم الله ويقول: يا قوم لا تنكثوا بيعتكم، ولا تخالفوا إمامكم، ولا تجعلوا
على أنفسكم سبيلا، فقد رأيتم وجربتم كيف صنع الله بكم عند نكثكم بيعتكم
وخلافكم فكفوا عنه ولم يكن بينه وبينهم قتال وهم في ذلك يشتمونه وينالون منه
فانصرف عنهم وهو منهم منتصف.
فلما أوى (3) إلى رحله تبعه عشرة نفر يظن (4) أنهم خوارج فضربوه (5) بأسيافهم

1 - في الأصل: (إلى جماعة القوم).
2 - في الأصل: (عامة يومهم).
3 - في المصباح المنير: (آوى إلى منزله يأوى من باب ضرب أويا = أقام، وربما
عدى بنفسه فقيل: آوى منزله، والمأوى بفتح الواو لكل حيوان سكنه وسمع مأوى الإبل
بالكسر شاذا ولا نظير له في المعتل وبالفتح على القياس، ومأوى الغنم مراحها الذي تأوي إليه
ليلا، وآويت زيدا بالمد في التعدي، ومنهم من يجعله مما يستعمل لازما ومتعديا فيقول: أويته
وزان ضربته، ومنهم من يستعمل الرباعي لازما أيضا، ورده جماعة).
4 - في شرح النهج: (يظن الناس أنهم خوارج) وفي الطبري: (ودخل عليه قوم
فقتلوه) وفي الكامل: (فدخل عليه قوم قيل: إنهم من الخوارج، وقيل: وضعهم ابن الحضرمي
على قتله، وكان معهم فقتلوه غيلة).
5 - في الأصل: (فنعكوه).
399

وهو على فراشه، ولا يظن أن الذي كان يكون، فخرج يشتد عريانا فلحقوه في الطريق
فقتلوه، فأراد زياد أن يناهض ابن الحضرمي حين قتل أعين بجماعة من معه من الأزد
وغيرهم من شيعة علي عليه السلام فأرسلت بنو تميم إلى الأزد: والله ما عرضنا لجاركم إذ
أجرتموه ولا لمال هو له ولا لأحد ليس على رأينا، فما تريدون إلى حربنا وإلى
جارنا؟ - فكأن الأزد عند ذلك كرهت قتالهم.
فكتب زياد إلى علي عليه السلام:
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد يا أمير المؤمنين فإن أعين بن ضبيعة قدم علينا
من قبلك بجد ومناصحة وصدق ويقين فجمع إليه من أطاعه من عشيرته فحثهم
على الطاعة والجماعة، وحذرهم الفرقة والخلاف، ثم نهض بمن أقبل معه إلى
من أدبر عنه فواقفهم عامة النهار، فهال أهل الضلال مقدمه (1) وتصدع عن ابن -
الحضرمي كثير ممن كان معه يريد نصرته فكان كذلك حتى أمسى فأتى رحله فبيته
نفر من أهل هذه (2) الخارجة المارقة فأصيب - رحمه الله - فأردت أن أناهض ابن -
الحضرمي (3) عند ذلك فحدث أمر قد أمرت صاحب كتابي هذا أن يذكره لأمير المؤمنين،

1 - في شرح النهج: (فهال أهل الخلاف تقدمه) وفي الطبري: (فهالهم ذلك).
2 - في شرح النهج: (من هذه).
3 - في الأصل: (فبادرت مناهضته).
400

وقد رأيت إن رأى أمير المؤمنين أن يبعث (1) إليهم جارية بن قدامة فإنه نافذ البصيرة
مطاع في العشيرة شديد على عدو أمير المؤمنين، فإن يقدم يفرق بينهم بإذن الله،
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (2).
فلما جاء الكتاب وقرأه علي عليه السلام دعا جارية بن قدامة (3) فقال: يا ابن قدامة

1 - في شرح النهج: (وقد رأيت إن رأى أمير المؤمنين ما رأيت أن يبعث).
2 - نقل الكتاب أحمد زكي صفوت في جمهرة رسائل العرب عن شرح النهج لابن -
أبي الحديد وعن تاريخ الطبري (أنظر ص 579).
3 - في تقريب التهذيب: (جارية بن قدامة [بضم القاف وتخفيف الدال المهملة]
التميمي السعدي صحابي على الصحيح مات في ولاية يزيد / عس) فقال في الإصابة ضمن
ترجمته: (قال أبو عمرو: كان من أصحاب علي في حروبه وهو الذي حرق عبد الله بن الحضرمي
في دار سنبيل بالبصرة لأن معاوية بعث ابن الحضرمي ليأخذ له البصرة، فوجه علي إليه أعين بن
ضبيعة فقتل، فوجه جارية بن قدامة فحاصر ابن الحضرمي ثم حرق عليه) وفي الاشتقاق لابن
دريد عند ذكره رجال بني سعد بن زيد مناة بن تميم (ص 253): (ومنهم جارية قدامة كان
شيعيا وكان من أصحاب علي (ع) وهو الذي تولى إحراق عبد الله بن عامر الحضرمي) وقال
عبد السلام محمد هارون في تعليقته على الاشتقاق في ذيل العبارة: (قال أبو أحمد
العسكري: جارية بن قدامة تميمي شريف يكنى أبا أيوب وأبا يزيد، وكان يقال له: المحرق
لأنه أحرق ابن الحضرمي بالبصرة، وكان ابن الحضرمي وجه به معاوية إلى البصرة ينعى قتل
عثمان ويستنفر أهل البصرة على قتال علي - كرم الله وجهه -، فوجه علي - رضي الله عنه -
جارية بن قدامة إليه فتحصن منه ابن الحضرمي بدار تعرف ب‍ (دارسنبيل) فأضرم جارية الدار عليه
فاحترقت بمن فيها، وكان جارية شجاعا فاتكا).
وفي أسد الغابة: (جارية بن قدامة التميمي السعدي (إلى أن قال) وكان من أصحاب
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وشهد معه حروبه، وهو الذي حصر عبد الله بن الحضرمي
بالبصرة في دار ابن سنبيل وحرقها عليه، وكان معاوية أرسله إلى البصرة ليأخذها له فنزل ابن -
الحضرمي في بني تميم وكان زياد بالبصرة أميرا فكتب إلى علي [رض] فأرسل علي إليه أعين بن ضبيعة
المجاشعي فقتل غيلة فبعث علي بعده جارية بن قدامة فأحرق على ابن الحضرمي الدار التي سكنها،
أخرجه الثلاثة):
أقول نقل ابن عبد البر ترجمته في الاستيعاب وأورد فيها قريبا مما نقلناه عن أسد -
الغابة وسيأتي ذكره أيضا في قصة غارة بسر بن أبي أرطاة.
وليعلم أن علماءنا أيضا قد تصدوا لترجمته في كتبهم وعدوه من الصحابة تارة ومن أصحاب
أمير المؤمنين (ع) أخرى.
401

تمنع الأزد عاملي وبيت مالي وتشاقني مضر وتنابذني، وبنا ابتدأها الله بالكرامة،
وعرفها الهدى، وتدعو (1) إلى المعشر الذين حادوا الله ورسوله، وأرادوا إطفاء
نور الله حتى علت كلمة الله وهلك الكافرون (2) قال: يا أمير المؤمنين ابعثني إليهم
واستعن بالله عليهم، قال: قد بعثتك إليهم واستعنت بالله عليهم.
قال كعب بن قعين (3): فخرجت مع جارية من الكوفة إلى البصرة في خمسين
رجلا من بني تميم ما كان فيهم يماني غيري وكنت شديد التشيع، قال: فقلت
لجارية: إن شئت سرت (4) معك، وإن شئت ملت إلى قومي؟ فقال: بل سر معي وأنزل
منزلي، فوالله لوددت أن الطير والبهائم تنصرني عليهم فضلا عن الإنس.
وعن كعب بن قعين أن عليا عليه السلام كتب مع جارية بن قدامة كتابا فقال:
اقرأه على أصحابك قال: فمضينا معه فلما دخلنا البصرة بدأ بزياد فرحب به وأجلسه
إلى جانبه، وناجاه ساعة وساءله، ثم خرج فكان أفضل ما أوصاه به أن قال: احذر
على نفسك واتق أن تلقى ما لقي صاحبك القادم قبلك، وخرج جارية من عنده فقام
في الأزد، فقال: - جزاكم الله من حي خيرا - ما أعظم عناءكم وأحسن بلاءكم،
وأطوعكم لأميركم، وقد عرفتم الحق إذ ضيعه من أنكره، ودعوتم إلى الهدى
إذ تركه من لم يعرفه، ثم قرأ عليهم وعلى من كان معه من شيعة علي عليه السلام [وغيرهم]

1 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (وتداعوا).
2 - في البحار: (علت كلمته عليهم وأهلك الكافرين).
3 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 353، س 19): (قال
إبراهيم: فحدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثني ابن أبي سيف عن سليمان بن أبي راشد عن كعب بن قعين قال: خرجت (القصة)) وقال المجلسي (ره) في ثامن البحار (في باب ما جرى
من الفتن من غارات أصحاب معاوية ص 676، س 34): (فروى إبراهيم بإسناده عن
كعب بن قعين قال: خرجت (الخبر)).
4 - في شرح النهج والبحار: (كنت)
402

كتاب علي فإذا فيه:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرأ عليه كتابي هذا من ساكني البصرة
من المؤمنين والمسلمين: سلام عليكم، أما بعد فإن الله حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة
قبل البينة، ولا يأخذ المذنب عند أول وهلة، ولكنه يقبل التوبة ويستديم الأناة
ويرضى بالإنابة (2) ليكون أعظم للحجة وأبلغ في المعذرة، وقد كان من شقاق جلكم (3)
أيها الناس ما استحققتم أن تعاقبوا عليه فعفوت عن مجرمكم، ورفعت السيف عن مدبركم،
وقبلت من مقبلكم، وأخذت بيعتكم، فإن تفوا ببيعتي، وتقبلوا نصيحتي، وتستقيموا
على طاعتي أعمل فيكم بالكتاب [والسنة] وقصد الحق وأقم (4) فيكم سبيل الهدى، فوالله
ما أعلم أن واليا بعد محمد صلى الله عليه وآله أعلم بذلك مني [ولا أعمل (5)]، أقول قولي هذا صادقا غير
ذام لمن مضى ولا منتقصا لأعمالهم، فإن خطت (6) بكم الأهواء المردية وسفه الرأي الجائر
إلى منابذتي تريدون خلافي، فها أنا ذا قربت جيادي ورحلت ركابي، وأيم الله لئن
ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل عندها إلا كلعقة

1 - نقل الشريف الرضي - رضي الله عنه - مختارا من هذا الكتاب في باب المختار
من كتب أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة ونص عبارته فيه هكذا (ج 4، ص 2 من شرح النهج
لابن أبي الحديد): (ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل البصرة: وقد كان من انتشار حبلكم وشقاقكم
ما لم تغبوا عنه، فعفوت عن مجرمكم ورفعت السيف عن مدبركم، وقبلت من مقبلكم، فإن خطت
بكم الأمور المردية وسفه الآراء الجائرة إلى منابذتي وخلافي فها أنا ذا قد قربت جيادي ورحلت
ركابي، ولئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلا كلعقة
لاعق، مع أني عارف لذي الطاعة منكم فضله ولذي النصيحة حقه غير متجاوز متهما إلى بري
ولا ناكثا إلى وفي).
2 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (يقبل التوبة ويستديم الإنابة):
3 - في البحار: (حبلكم).
4 - في البحار: (وأقيم).
5 - زيد من شرح النهج.
6 - قال ابن أبي الحديد: (هو من خطأ فلان يخطو خطوة وهو مقدار ما بين
القدمين فهذا لازم فإن عديته قلت: أخطيت فلانا وخطوت به، وههنا قد عداه بالباء).
403

لاعق (1)، وإني لظان أن لا تجعلوا إن شاء الله على أنفسكم سبيلا (2) وقد قدمت هذا الكتاب
حجة عليكم، ولن أكتب إليكم من بعده كتابا إن أنتم استغششتم نصيحتي ونابذتم رسولي
حتى أكون أنا الشاخص نحوكم إن شاء الله، والسلام (3).
فلما قرأ الكتاب على الناس قام صبرة بن شيمان فقال: سمعنا وأطعنا،
ونحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب، ولمن سالم أمير المؤمنين سلم، إن كفيت يا جارية
قومك بقومك فذاك، وإن أحببت أن ننصرك نصرناك، وقام وجوه الناس فتكلموا بمثل
ذلك، فلم يأذن لأحد منهم أن يسير معه ومضى نحو بني تميم.
فقام زياد في الأزد فقال:
يا معشر الأزدان هؤلاء كانوا أمس سلما فأصبحوا اليوم حربا، وإنكم كنتم
حربا فأصبحتم اليوم سلما، وإني والله ما اخترتكم إلا على التجربة ولا أقمت فيكم
إلا على التأمل (4)، فما رضيتم أن آجرتموني حتى نصبتم لي منبرا وسريرا، وجعلتم
لي شرطا وأعوانا، ومناديا وجمعة، فما فقدت بحضرتكم شيئا إلا هذا الدرهم لا أجيبه،
فإن لم أجبه اليوم أجبه غدا إن شاء الله، واعلموا أن حربكم اليوم معاوية أيسر عليكم
في الدين والدنيا من حربكم أمس عليا، وقد قدم عليكم جارية بن قدامة وإنما أرسله
علي عليه السلام ليصدع أمر قومه والله ما هو بالأمير المطاع ولا بالمغلوب المستغيث (5)، ولو
أدرك أمله في قومه لرجع إلى أمير المؤمنين أو لكان لي تبعا، وأنتم الهامة العظمى
والجمرة الحامية فقدموه إلى قومه فإن اضطر إلى نصركم فسيروا إليه إن رأيتم ذلك (6).
فقام أبو صبرة بن شيمان فقال:

1 - قال ابن أبي الحديد: (قوله: كلعقة لاعق، مثل يضرب للشئ الحقير التافه،
ويروى بضم اللام وهي ما تأخذه الملعقة).
2 - في الأصل: (مع أني عارف أن لا تجعلوا عليكم سببا).
3 - نقل أحمد زكي صفوت الكتاب في جمهرة رسائل العرب عن شرح
ابن أبي الحديد ونهج البلاغة (أنظر ج 1، ص 580 - 581).
4 - في شرح النهج: (الأمل).
5 - في الأصل فقط.
6 - في الأصل: (إلا أن تروا غير ذلك).
404

يا زياد إني والله لو شهدت قومي يوم الجمل رجوت أن لا يقاتلوا عليا وقد
مضى الأمر بما فيه، وهو يوم بيوم وأمر بأمر، والله إلى الجزاء بالإحسان أسرع
منه إلى الجزاء بالسيئ، والتوبة مع الحق والعفو مع الندم، ولو كانت هذه فتنة لدعونا
القوم إلى إبطال الدماء واستئناف الأمور ولكنها جماعة دماؤها حرام وجروحها
قصاص، ونحن معك فقدم هواك نحب [لك ما أحببت.
فعجب زياد من كلامه وقال: ما أظن في الناس مثل هذا. (1)]
ثم قام صبرة ابنه فقال:
إنا والله ما أصبنا بمصيبة في دين ولا دنيا كما أصبنا أمس يوم الجمل، وإنا
لنرجو اليوم أن نمحص ذلك بطاعة الله وطاعة أمير المؤمنين، وأما أنت يا زياد فوالله
ما أدركت أملك فينا ولا أدركنا أملنا فيك دون ردك إلى دارك، ونحن رادوك إليها
غدا إن شاء الله تعالى، فإذا فعلنا فلا يكن أحد أولى بك منا فإنك إن لم تفعل تأت
ما لا يشبهك (2) وإنا والله نخاف من حرب علي في الآخرة ما لا نخاف (3) من حرب معاوية
في الدنيا، فقدم هواك وأخر هوانا، فنحن معك وطوعك.
ثم قام جيفر العماني (4) وكان لسان القوم فقال:

1 - ما بين المعقوفتين في الأصل فقط.
2 - في شرح النهج: (فإنك إن لا تفعل لم تأت ما يشبهك).
3 - في شرح النهج: (ما لا نخافه).
4 - في الأصل: (ثم حيفر الحمامتي) وفي شرح النهج: (خنفر الحماني)
(ج 1، ص 354). ففي الاستيعاب: (جيفر بن الجلندي العماني، كان رئيس أهل عمان
هو وأخوه عبد بن الجلندي، أسلما على يد عمرو بن العاص حين بعثه النبي (ص) إلى ناحية
عمان، ولم يقدما على النبي (ص) ولم يرياه، وكان إسلامهما بعد خيبر) وفي أسد الغابة:
(جيفر بن الجلندي بن المستكبر بن الحراز بن عبد العزى بن معولة بن عثمان بن عمرو بن
غنم بن غالب بن عثمان بن نصر بن زهران الأزدي العماني كان رئيس أهل عمان (فذكر مثل
كلام ابن عبد البر وزاد عليه) أخرجه أبو عمر، وأبو موسى). وفي الإصابة في القسم
الثالث: (جيفر بوزن جعفر لكن بدل العين تحتانية ابن الجلندي الأزدي ملك عمان ذكره
أبو عمر مختصرا، وقال العسكري: لم ير النبي هو ولا أخوه وقد تقدم ذكر أبيه، وروى
ابن سعد من طريق عمرو بن شعيب عن مولى لعمرو بن العاص قال: سمعت عمرو بن العاص
يقول: أسلمت عند النجاشي فذكر قصة هجرته. قال: وبعثني رسول الله إلى جيفر وعبيد ابني -
الجلندي وكانا بعمان وكان الملك منهما جيفرا وكانا من الأزد فذكر قصة إسلامهما وأنهما
خليا بينه وبين الصدقة، فلم يزل بعمان حتى مات النبي (ص) وروى عبدان بإسناد صحيح
إلى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أن رسول الله (ص) بعث عمرو بن العاص إلى
جيفر وعباد ابني الجلندي أميري عمان فمضى عمرو إليهما، فأسلما وأسلم معهما بشر كثير
ووضع الجزية على من لم يسلم.
قلت: لا منافاة بين هذا وبين ما تقدم من الارسال إلى الجلندي ولا مانع من أن
يكون الجلندي قد شاخ وفوض الأمر لولديه والله أعلم) ويشير به إلى ما ذكره قبيل ذلك
في ترجمة أبيهما من أن رسول الله (ص) قد بعث عمرو بن العاص إليه. وفي القاموس:
(جيفر بن الجلندي ملك عمان أسلم هو وأخوه عبد الله على يد عمرو بن العاص لما وجهه
رسول الله (ص) إليهما وهما على عمان) وزاد عليه الزبيدي قوله: (ولا رؤية لهما).
وفي تنقيح المقال: (جيفر بن الجلندي الأزدي العماني رئيس أهل عمان عده ابن عبد البر
وأبو موسى من الصحابة وهو مبني على صدق الصحابي على من أدرك زمانه (ص) ولم يصل إليه
ضرورة أن الرجل أسلم وهو على عمان بعد خيبر ولم يره (ص)) وفي قلائد الجمان
للقلقشندي (ص 92): (ومن أزد عمان ابنا الجلندي ملك عمان كتب إليهما
النبي (ص) يدعوهما إلى الإسلام كتابا فيه بعد البسملة: من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبيد
ابني الجلندي (إلى أن قال) فلما وصل عمرو عمان اجتمع بعبيد ثم ناجى جيفر فأسلما جميعا
وكان من كلام جيفر (إلى آخر ما قال)) وقال السمعاني في الأنساب: (العماني
بضم العين المهملة وتخفيف الميم وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى عمان وهي من بلاد
البحر أسفل البصرة والمنتسب إليها من القدماء جيفر بن الجلندي العماني، كان رئيس أهل
عمان هو وأخوه عبد أسلما على يدي عمرو بن العاص حين بعثه النبي (ص) [إليها] ولم يريا
النبي (ص) هو ولا أخوه، وكان إسلامهما بعد خيبر) وقال الذهبي في تجريد أسماء
الصحابة: (جيفر بن الجلندي الأزدي رئيس أهل عمان، أسلم ولا رؤية له (س ب)) ويريد
بالحرفين أن صاحب الترجمة مذكور في الاستيعاب وكتاب أبي موسى المديني.
405

أيها الأمير إنك لو رضيت منا بما ترضى به من غيرنا لم نرض ذلك [ولو رضينا لك
406

قد خناك لأن لنا عقدا مقدما وحمدا مذكورا (1)] سربنا إلى القوم إن شئت، وأيم الله
ما لقينا يوما قط إلا اكتفينا بعفونا دون جهدنا إلا ما كان أمس.
فلما أصبحوا أشارت الأزد إلى جارية أن: سر بمن معك، ومضت الأزد بزياد
حتى أدخلوه دار الإمارة، وأما جارية فإنه كلم قومه وصاح فيهم فلم يجيبوه (2)
وخرج إليه منهم أوباش فناوشوه بعد أن شتموه وأسمعوه، فأرسل إلى زياد والأزد
يستصرخهم ويأمرهم أن يسيروا إليه، فسارت الأزد بزياد حتى أدخلوه دار الإمارة، ثم
ساروا إلى ابن الحضرمي وخرج إليهم ابن الحضرمي وعلى خيله عبد الله بن خازم السلمي (3)
فاقتتلوا ساعة فأقبل شريك بن الأعور الحارثي (4) وكان من شيعة علي عليه السلام وصديقا
لجارية بن قدامة (5) فقال: ألا أقاتل معك عدوك؟ فقال: بلى.
قال: فما لبثت بنو تميم أن هزموهم واضطر وهم إلى دار سنبيل (6) السعدي

1 - ما بين المعقوفتين في الأصل فقط.
2 - المتن هنا كان مشوشا فلفقناه من عبارة الأصل وشرح النهج، فتفطن.
3 - قد مرت ترجمته في تعليقاتنا على الكتاب وذكرنا هناك أيضا ما له ربط بالمقام
(أنظر ص 211).
4 - تأتي ترجمته في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 47).
5 - في الأصل: (وكان صديقا لجارية على رأي علي عليه السلام).
6 - قال ابن منظور في لسان العرب: (ابن سنبل [كزبرج] رجل بصري
أحرق جارية بن قدامة وهو من أصحاب علي خمسين رجلا من أهل البصرة في داره، ويقال:
ابن صنبل وسنذكره في الصاد) وقال في فصل الصاد ما نصه: (الصنبل الخبيث المنكر
وصنبل اسم قال مهلهل:
لما توقل في الكراع هجينهم * هلهلت أثأر مالكا وصنبلا
وابن صنبل [كزبرج] رجل من أهل البصرة أحرق جارية بن قدامة وهو من أصحاب
علي عليه السلام خمسين رجلا من أهل البصرة في داره) وفي تاج العروس: (ابن سنبل
بالكسر ويقال بالصاد أيضا رجل بصري أحرق جارية بن قدامة وهو من أصحاب علي -
رضي الله تعالى عنه - خمسين رجلا من أهل البصرة في داره) وذكر في فصل الصاد أيضا
هذه العبارة، فمن أرادها فليراجع الكتاب المشار إليه.
407

فحصروهم ذلك اليوم إلى العشي في دار ابن الحضرمي وكان ابن خازم معه فجاءت أمه
[وهي سوداء حبشية اسمها] عجلى فنادته فأشرف عليها، فقالت: يا بني انزل إلي، فأبى،
فكشفت رأسها وأبدت قناعها وسألته النزول، فقالت: والله لئن لم تنزل لا تعرين (1) وأهوت
بيدها إلى ثيابها، فلما رأى ذلك نزل فذهبت به (2)، وأحاط جارية [وزياد (3)] بالدار
وقال جارية: علي بالنار فقالت الأزد: لسنا من الحريق بالنار في شئ وهم قومك
وأنت أعلم، فحرق جارية الدار عليهم، فهلك ابن الحضرمي في سبعين رجلا أحدهم
عبد الرحمن بن [عمير بن (4)] عثمان القرشي ثم التيمي، وسمي جارية منذ ذلك اليوم:
محرقا، فلما أحرق ابن الحضرمي [وسارت الأزد بزياد حتى أوطنوه قصر الإمارة
ومعه بيت المال (5)] قالت له (6): هل بقي علينا من جوارك شئ؟ - قال: لا، قالوا: فبرئنا
من جوارك؟ - قال: نعم، فانصرفوا عنه إلى ديارهم، واستقام لزياد البصرة، وارتحل
ببيت المال حتى رجع إلى القصر.

1 - في شرح النهج: (والله لتنزلن أو لا تعرين).
2 - في الكامل لابن الأثير (ج 3، ص 145): (وأقبل شريك بن الأعور الحارثي
فصار مع جارية فانهزم ابن الحضرمي فتحصن بقصر سنبيل ومعه ابن خازم فأتته أمه عجلى وكانت
حبشية فأمرته بالنزول، فأبى، فقالت: والله لتنزلن أو لأنزعن ثيابي فنزل ونجا، وأحرق جارية
القصر بمن فيه، فهلك ابن الحضرمي وسبعون رجلا معه وعاد زياد إلى القصر، وكان قصر سنبيل
لفارس قديما وصار لسنبيل السعدي، وحوله خندق، وكان فيمن احترق دراع بن بدر أخو حارثة
بن بدر فقال عمرو بن العرندس:
رددنا زيادا إلى داره * وجار تميم دخانا ذهب
لحى الله قوما شووا جارهم * ولم يدفعوا عنه حرا للهب
ثم ذكر أربعة أبيات لجرير سننقلها عن الطبري إن شاء الله تعالى.
3 - زيد من شرح النهج والبحار.
4 - في شرح النهج فقط.
5 - ما بين المعقوفتين في شرح النهج والبحار.
6 - في الأصل: (قالت الأزد لزياد).
408

وقال أبو العرندس العوذي (1) في زياد وتحريق ابن الحضرمي:
رددنا زيادا إلى داره * وجار تميم ينادي الشجب
لحا الله قوما شووا جارهم * وللشاء بالدرهمين الشصب (2)
[ينادى الحباق (3) وحمانها (4) * وقد حرقوا رأسه فالتهب (5)]

1 - في شرح النهج: (ابن العرندس الأزدي وفي تأريخ الطبري: (عمرو بن العرندس
العودي) وفي الكامل: (عمرو بن العرندس) قال ابن الأثير في اللباب: (العوذي بفتح العين
وسكون الواو وفي آخرها ذال معجمة، هذه النسبة إلى عوذ بن سود بن الحجر بن عمران بن
عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بطن من الأزد ينسب إليه كثير منهم أبو عبد الله همام بن يحيى بن
دينار الأزدي العوذي (إلى آخر ما قال).
2 - نقل المصراع ابن أبي الحديد في شرح النهج هكذا: (لعمري لبئس الشواء
الشصب).
3 - في القاموس: (الحباق [بالحاء المهملة والباء الموحدة] ككتاب أو غراب
أبو بطن من تميم) وفي تاج العروس في شرحه: (وعلى الأولى اقتصر ابن دريد
وهو لقب له قال أبو العرندس العوذي من بني عوذ بن سود:
ينادى الحباق وحمانها * وقد شيطوا رأسه فالتهب
وقال ابن دريد في الاشتقاق عند عده رجال بني سعد بن زيد مناة بن تميم
(ص 252): (وأما ربيعة بن كعب بن سعد فيلقبون الحباق بكسر الحاء، والحبق الضرط،
قال أبو العرندس الأزدي:
ينادى الحباق وحمانها * وقد حرقوا رأسه فالتهب
يعني ابن الحضرمي حيث أحرق في بني تميم) وقال ابن أبي الحديد بعد -
الأبيات: (الحباق لقب قوم بني تميم):
4 - قال ابن دريد في الاشتقاق عند عده قبائل بني سعد بن زيد مناة بن تميم
(ص 246): (ومن قبائلهم بنو حمان واسمه عبد العزى وإنما سمي حمانا لسواده كأنه
فعلان من الأحم، وقال قوم: إنما سمي حمانا لأنه يحمم شفتيه أي يسودهما) وفي اللباب
لابن الأثير: (الحماني بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم وفى آخرها نون، هذه النسبة
إلى حمان وهي قبيلة من تميم وهو حمان بن عبد العزى بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن
تميم نزلوا الكوفة (إلى آخر ما قال)) وفي القاموس: (حمان بالكسر حي من تميم)
وشرحه الزبيدي بقوله: (هو حمان بن عبد العزى بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن -
تميم (إلى آخر ما قال)):
5 - في شرح النهج (وقد شيطوا رأسه باللهب) وفي الطبري مكان: (شيطوا)
(سمطوا) ثم إن الطبري زاد على الأبيات أبياتا وهي:
ونحن أناس لنا عادة * نحامي عن الجار أن يغتصب
حميناه إذ حل أبياتنا * ولا يمنع الجار إلا الحسب
ولم يعرفوا حرمة للجوار * إذ أعظم الجار قوم نجب
كفعلهم قبلنا بالزبير * عشية إذ بزه يستلب
وقال جرير بن عطية الخطفى:
غدرتم بالزبير فما وفيتم * وفاء الأزد إذ منعوا زيادا
فأصبح جارهم بنجاة عز * وجار مجاشع أمسى رمادا
فلو عاقدت حبل أبي سعيد * لذاد القوم ما حمل النجادا
وأدنى الخيل من رهج المنايا * وأغشاها الأسنة والصعادا
(انتهى كلام الطبري).
409

عن محمد بن قيس (1) عن ظبيان بن عمارة (2) قال: دعاني زياد فكتب معي إلى علي عليه السلام:
أما بعد فإن جارية بن قدامة العبد الصالح قدم من عندك فناهض جمع ابن -

1 - المظنون أن المراد بمحمد بن قيس المذكور هنا هو إما الهمداني المرهبي أو
اليشكري البصري ففي تقريب التهذيب: (محمد بن قيس المرهبي الكوفي مقبول
من الرابعة / عس) وأيضا فيه: (محمد بن قيس اليشكري البصري أبو سليمان مقبول
من الثالثة / تمييز).
2 - في الطبقات لابن سعد عند ذكره الطبقة الأولى من أهل الكوفة ممن روى
عن علي بن أبي طالب عليه السلام (ج 6 من طبعة أوربا: ص 160):
(ظبيان بن عمارة روى عن علي (ن) قال: أخبرنا محمد بن عبيد قال: حدثني سويد بن
نجيح أبو قطبة عن ظبيان بن عمارة قال: أتى عليا ناس من عكل برجل وامرأة وجدوهما
في لحاف وعندهما شراب وريحان فقال علي: خبيثان مخبثان، قال: فجلدهما دون الحد (ن).
وفي الجرح والتعديل: (ظبيان بن عمارة روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه،
روى عنه سويد بن نجيح أبو قطبة، سمعت أبي يقول ذلك) وفي ميزان الاعتدال:
(ظبيان بن عمارة الكوفي عن علي، وعنه أبو قطبة قال الأزدي: لا يقوم حديثه) وفي
لسان الميزان بعد نقل عبارة الميزان: (وذكره ابن حبان في الثقات ولم يذكر فيه
ابن أبي حاتم جرحا) وفي جامع الرواة وتنقيح المقال نقلا عن رجال الشيخ (ره):
(ظبيان بن عمارة التميمي من أصحاب علي عليه السلام) وفي كتاب صفين لنصر بن
مزاحم (ص 172 من طبعة القاهرة سنة 1365 بتحقيق عبد السلام محمد هارون): (وبكر
عليهم [أي على أهل الشأم] الأشتر فقتل منهم عبد الله بن المنذر التنوخي، قتله ظبيان بن عمارة
التميمي وما هو يومئذ إلا فتى حديث السن وإن كان الشامي لفارس أهل الشام) ونقل -
الطبري نحوه في تأريخه (أنظر ج 5، ص 239) وقال نصر أيضا في كتاب
صفين (ص 192): (نصر - عن عمر بن سعد عن رجل من آل خارجة بن الصلت أن
ظبيان بن عمارة التميمي جعل يومئذ يقاتل وهو يقول:
ما لك يا ظبيان من بقاء * في ساكني الأرض بغير ماء
لا، وإله الأرض والسماء * فاضرب وجوه الغدر الأعداء
بالسيف عند حمس الوغاء * حتى يجيبوك إلى السواء
قال: فضربنا والله حتى خلونا وإياه) ونقل الطبري أيضا نحوه في تاريخه (أنظر
ج 5، ص 240).
أقول: الرجل من وجوه التوابين الذين قاموا بطلب ثأر الحسين عليه السلام وله مواقف
حسنة في ذلك، فمن أرادها فليراجع المفصلات كتأريخ الطبري وغيره.
410

الحضرمي بمن نصره وأعانه من الأزد ففضه واضطره إلى دار من دور البصرة في
عدد كثير من أصحابه فلم يخرج حتى حكم الله بينهما، فقتل ابن الحضرمي
وأصحابه، منهم من أحرق بالنار، ومنهم من ألقي عليه الجدار، ومنهم من هدم عليه
411

البيت من أعلاه، ومنهم من قتل بالسيف [وسلم منهم نفر أنابوا وتابوا فصفح عنهم (1)]
وبعدا لمن عصى وغوى، والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته (2).
[(3) فلما وصل كتاب زياد قرأه علي عليه السلام على الناس فسر بذلك وسر أصحابه
وأثنى على جارية وعلى الأزد وذم البصرة فقال: إنها أول القرى خرابا، إما غرقا
وإما حرقا حتى يبقى مسجدها كجؤجؤ سفينة، ثم قال لظبيان (4): أين منزلك منها؟
- فقلت: مكان كذا، فقال: عليك بضواحيها، عليك بضواحيها].
انقضى خبر ابن الحضرمي.

1 - ما بين المعقوفتين أضيف من شرح النهج والبحار
2 - نقل الكتاب أحمد زكي صفوت في الجمهرة عن شرح النهج الحديدي
(ص 581).
3 - فليعلم أن ذيل هذه القصة أعني قوله: (فلما وصل) إلى قوله: (عليك بضواحيها)
لم يذكر في الأصل وإنما ألحقناه لنقل ابن أبي الحديد إياه في شرح النهج وكذا المجلسي
(ره) في ثامن البحار عن الغارات، مضافا إلى أن سياق الكلام يقتضيه، وكيف كان فذيل الكلام
أعني قوله (ع) في ذم البصرة وقد مر سابقا ضمن ما ذكر في الكتاب تحت عنوان
(كلام من كلامه عليه السلام) (أنظر ص 191) يومي إلى كونه ساقطا، مضافا إلى ما ذكر من
أن نقل المصنف (ره) قوله - عليه السلام - في فضل الكوفة يستلزم عادة وجود ذم البصرة هنا
حتى يكون مقدمة لنقله، فتفطن إنه دقيق.
4 - كذا وسياق الكلام يقتضي كونه هكذا: (ثم قال لي) أو (ثم قال لي: يا
ظبيان) فإنه الذي يروي الحديث.
أقول: قال السيد الرضي - رضي الله عنه - في باب المختار من الخطب
من نهج البلاغة: (من كلام له عليه السلام في ذم أهل البصرة: كنتم جند المرأة وأتباع -
البهيمة، رغا فأجبتم، وعقر فهربتم، أخلاقكم دقاق، وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وماؤكم زعاق،
والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه، كأني بمسجدكم
كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها، وغرق من في ضمنها (إلى
آخر ما قال).
412

قول علي عليه السلام في الكوفة
قال: أخبرنا هارون بن خارجة (1) قال قال لي جعفر بن محمد عليهما السلام (2):
كم بين منزلك ومسجد الكوفة؟ - فأخبرته: فقال: ما بقي ملك مقرب ولا نبي
مرسل ولا عبد صالح إلا وقد صلى فيه، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله
مر به ليلة أسري به
فاستأذن فيه، فصلى فيه ركعتين، والصلاة الفريضة فيه ألف صلاة، والنافلة خمسمائة
صلاة، والجلوس فيه من غير تلاوة القرآن عبادة، فآته ولو زحفا.
عن حبة العرني (3) وميثم التمار (4) قالا: (5) جاء رجل إلى علي عليه السلام (6) فقال: يا -

1 - في تنقيح المقال: (هارون بن خارجة الصيرفي مولى أبو الحسن الكوفي،
عده الشيخ (ره) في رجاله من أصحاب الصادق (ع)) فخاض في ترجمته المبسوطة ونقل
عن النجاشي (ره) توثيقه.
2 - نقله المجلسي (ره) في المجلد الثامن عشر من البحار في كتاب الصلاة
في باب فضل المساجد وآدابها (ص 130، س 15) قائلا بعده: (بيان - الزحف مشى -
الصبي بإسته، في التهذيب في رواية أخرى وأن الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر
لعبادة، ولو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبوا) وقال في المجلد الثاني والعشرين وهو
مجلد المزار في باب فضل الكوفة ومسجدها الأعظم (ص 88، س 7) نقلا عن
أمالي الصدوق (ره): (محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن جعفر، عن محمد بن القاسم -
النهمي، عن محمد بن عبد الوهاب، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن توبة بن الخليل،
عن محمد بن الحسن، عن هارون بن خارجة، قال قال لي الصادق (ع): كم بين منزلك
(الحديث) قائلا بعده: (في أمالي ابن الشيخ عن الغضائري عن الصدوق مثله (إلى آخر
ما قال) ونقله المحدث النوري (ره) في المستدرك في كتاب الصلاة في (باب تأكد
استحباب قصد المسجد الأعظم بالكوفة) (ج 1، ص 233).
3 و 4 - تأتي ترجمتهما مبسوطة في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 48).
5 - نقله المجلسي (ره) تارة في كتاب الصلاة من البحار عن الغارات
وأخرى في كتاب المزار منه (ص 88) عن المزار الكبير لمحمد بن المشهدي (ره)
والغارات، ونقله المحدث النوري (ره) في كتاب الصلاة من المستدرك (ج 1،
ص 235) عن الغارات والمزار لابن المشهدي وأوردا بعد نقلهما إياه بيانا له ونذكر
كلامهما بعبارتهما في تعليقات آخر الكتاب مع زيادات إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 49).
6 - في المزار: (أتى رجل عليا (ع)).
413

أمير المؤمنين إني قد تزودت زادا وابتعت راحلة وقضيت شأني (1) يعني حوائجي فأرتحل (2)
إلى بيت المقدس (3) فقال له: كل زادك وبع راحلتك (4) وعليك بهذا المسجد يعني مسجد
الكوفة فإنه أحد المساجد الأربعة، ركعتان فيه تعدل عشرا (5) فيما سواه من المساجد،
[و] البركة منه على اثني عشر (6) ميلا من حيث ما أتيت (7)، وقد ترك من أسه ألف ذراع،
وفي زاويته (8) فار التنور، وعند الأسطوانة الخامسة صلى إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد
صلى فيه ألف نبي وألف وصي، وفيه عصا موسى (9) وشجرة يقطين، وفيه هلك يغوث

1 - كذا في الأصل والمستدرك وصلاة البحار وبعض النسخ المصححة المخطوطة
من مزار البحار لكن في النسخة المطبوعة وبعض النسخ المخطوطة من مزار البحار: (بتاتى)
ففي القاموس: (البتات الزاد والجهاز ومتاع البيت).
2 - كذا في الأصل والمستدرك لكن في البحار: (وأنطلق).
3 - في مجمع البحرين: (وبيت المقدس يشدد ويخفف) وفي القاموس:
(بيت المقدس كمجلس وكمعظم) وفي التاج في شرحه: (والنسبة إليه مقدسي
ومقدسي) وفي محيط المحيط للبستاني: (وبيت المقدس والبيت المقدس حرم القدس
الشريف، والنسبة إليه مقدسي ومقدسي، والعامة تقول لمن زاره أو زار قبر المسيح: مقدسي
بضم الميم والدال، وتجمعه على مقادسة).
4 - في المزار الكبير: (انطلق فبع راحلتك وكل زادك).
5 - في المزار الكبير: (تعدلان كثيرا).
6 - في المزار الكبير: (على رأس اثني عشر).
7 - في المزار الكبير: (من حيث ما جئته).
8 - في المزار الكبير: (ومن زاويته) وهو المناسب لسياق الكلام.
9 - في المزار الكبير: (بعد قوله: عصا موسى): (وخاتم سليمان).
414

ويعوق، وهو الفاروق، ومنه سير جبل الأهواز، وفيه مصلى نوح عليه السلام، ويحشر
منه يوم القيامة سبعون ألفا لا عليهم حساب ولا عذاب (1)، ووسطه على (2) روضة من رياض -
الجنة، وفيه ثلاث أعين يزهرن [أنبتت بالضغث (3)] تذهب الرجس وتطهر المؤمنين،
عين من لبن، وعين من دهن، وعين من ماء، جانبه الأيمن ذكر وجانبه الأيسر مكر،
ولو علم (4) الناس ما فيه لأتوه ولو حبوا (5).

1 - من قوله: (وفيه هلك) (إلى هنا) قد أخر في المزار الكبير.
2 - (على) غير موجود في المزار الكبير.
3 - في المزار الكبير: (انبثت من ضغث).
4 - كذا في المزار الكبير لكن في الأصل والبحار والمستدرك وسائر المآخذ: (يعلم).
5 - نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج عند ذكره جملة من غريب
كلامه عليه السلام مما نقله أرباب الكتب المصنفة في غريب الحديث عنه
عليه السلام بهذه العبارة (ج 4، ص 363):
(ومنها قوله عليه السلام وهو يذكر مسجد الكوفة:
في زاويته فار التنور، وفيه هلك يغوث ويعوق، وهو الفاروق، ومنه يستتر [كذا
والصحيح: يسير] جبل الأهواز، ووسطه على روضة من رياض الجنة، وفيه ثلاث أعين أنبتت
بالضغث، تذهب الرجس، وتطهر المؤمنين، عين من لبن، وعين من دهن، وعين من ماء،
جانبه الأيمن ذكر، وفي جانبه الأيسر مكر، ولو يعلم الناس ما فيه من الفضل لأتوه ولو حبوا.
قال ابن قتيبة: قوله: (أنبتت بالضغث) أحسبه الضغث الذي ضرب به أيوب
أهله، والعين التي ظهرت لما ركض الماء برجله قال: والباء في (بالضغث) زائدة تقديره
أنبتت الضغث كقوله تعالى، تنبت بالدهن، وكقوله: يشرب بها عباد الله.
وأما قوله: (في جانبه الأيمن ذكر) فإنه يعني الصلاة، (وفي جانبه
الأيسر مكر) أراه أراد به المكر به حتى قتل عليه السلام في مسجد الكوفة).
قال ياقوت في معجم البلدان عند بحثه عن الكوفة وما يتعلق بها ما نصه:
(وأما مسجدها فقد رويت فيه فضائل كثيرة، روى حبة العرني قال:
كنت جالسا عند علي عليه السلام فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين هذه راحلتي وزادي
أريد هذا البيت يعني بيت المقدس فقال عليه السلام: كل زادك وبع راحلتك وعليك بهذا
المسجد يعني مسجد الكوفة، فإنه أحد المساجد الأربعة، ركعتان فيه تعدلان عشرا فيما سواه
من المساجد، والبركة منه إلى اثني عشر ميلا من حيث ما أتيته، وهي نازلة من كذا ألف
ذراع، وفي زاويته فار التنور، وعند الأسطوانة الخامسة صلى إبراهيم عليه السلام، وقد صلى
فيه ألف نبي وألف وصي، وفيه عصا موسى وشجرة يقطين، وفيه هلك يغوث ويعوق، وهو
الفاروق، وفيه مسير لجبل الأهواز، وفيه مصلى نوح عليه السلام، ويحشر منه يوم القيامة
سبعون ألفا ليس عليهم حساب، ووسطه على روضة من رياض الجنة، وفيه ثلاث أعين من الجنة
تذهب الرجس وتطهر المؤمنين، لو يعلم الناس ما فيه من الفضل لأتوه حبوا).
415

غارة الضحاك بن قيس
ولقيه حجر بن عدي وهزيمته
عن جندب الأزدي عن أبيه (1) قال (2): أول غارة كانت بالعراق غارة الضحاك بن
قيس على أهل العراق، وكانت بعد ما حكم الحكمان وقبل قتل أهل النهر (3) وذلك أن

1 - قد تقدمت ترجمته (أنظر ص 289).
2 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج في شرح خطبة لأمير المؤمنين (ع) صدرها:
(أيها الناس المجتمعة أبدانهم) (ج 1، ص 153، س 15): (وهذه الخطبة خطب بها
أمير المؤمنين عليه السلام في غارة الضحاك بن قيس ونحن نقص ههنا قصتها، روى إبراهيم -
بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات قال: كانت غارة الضحاك بن
قيس (القصة)) وقال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن من
غارات أصحاب معاوية (ص 674، س 18): (روى ابن أبي الحديد من كتاب الغارات
لإبراهيم بن محمد الثقفي كما رأيته في أصل كتابه: روى بإسناده عن جندب
الأزدي عن أبيه قال: أول غارة كانت (القصة)) (لكن مع تلخيص وإسقاط لبعض الفقرات).
3 - في شرح النهج والبحار: (قبل قتال النهروان).
416

معاوية لما بلغه أن عليا عليه السلام بعد تحكيم الحكمين (1) تحمل (2) إليه مقبلا فهاله أمره
فخرج من دمشق معسكرا وبعث إلى كور الشام فصاح فيها: أن عليا قد سار إليكم
وكتب إليهم نسخة واحدة فقرئت على الناس:
أما بعد فإنا كنا قد كتبنا بيننا وبين علي كتابا وشرطنا فيه شروطا، وحكمنا
رجلين يحكمان علينا وعليه بحكم الكتاب لا يعدوانه، وجعلنا عهد الله وميثاقه على
من نكث العهد ولم يمض الحكم، وإن حكمي الذي كنت حكمته أثبتني، وإن
حكمه خلعه، وقد أقبل إليكم ظالما ومن نكث فإنما ينكث على نفسه (3) تجهزوا للحرب
بأحسن الجهاز، وأعدوا لها آلة القتال (4) وأقبلوا خفافا وثقالا وكسالى ونشاطا يسرنا
الله وإياكم لصالح الأعمال.
فاجتمع إليه الناس من كل كورة وأرادوا المسير إلى صفين فاستشارهم وقال:
إن عليا قد خرج إليكم من الكوفة وعهد العاهد به أنه فارق النخيلة.
فقال له حبيب بن مسلمة (5): فإني أرى أن نخرج حتى ننزل منزلنا الذي كنا
فيه فإنه منزل مبارك قد متعنا الله به وأعطانا من عدونا فيه النصف، وقال له عمرو بن
العاص: إني أرى لك أن تسير بالجنود حتى توغلها في سلطانهم من أرض الجزيرة فإن

1 - في شرح النهج والبحار: (بعد واقعة الحكمين).
2 - في الصحاح: (تحملوا واحتملوا بمعنى أي ارتحلوا) وفي لسان العرب:
(احتمل القوم وتحملوا = ذهبوا وارتحلوا). وفي محيط المحيط للبستاني: (تحمل
القوم ارتحلوا أو وضعوا أحمالهم على الإبل يريدون الرحيل ومنه قول امرئ القيس:
كأني غداة البين يوم تحملوا * لدى سمرات الحي ناقف حنظل).
3 - مأخوذ من قول الله تعالى في سورة الفتح (آية 10): (إن الذين يبايعونك (الآية)).
4 - في الأصل والبحار: (وأعدوا القتال).
5 - في تقريب التهذيب: (حبيب بن مسلمة بن مالك بن وهب القرشي الفهري
المكي نزيل الشام، وكان يسمى حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم مجاهدا، مختلف في صحبته
والراجح ثبوتها لكنه كان صغيرا، وله ذكر في الصحيح في حديث ابن عمر مع معاوية، مات
بأرمينية كان أميرا عليها لمعاوية سنة اثنتين وأربعين / د ق).
417

ذلك أقوى لجندك وأذل لأهل حربك، فقال معاوية: والله إني لأعرف أن الرأي
الذي تقول، ولكن الناس لا يطيقون ذلك، قال عمرو: إنها أرض رفيعة (1) فقال معاوية
والله إن جهد الناس أن يبلغوا منزلهم الذي كانوا به يعني صفين فمكثوا يجيلون
الرأي يومين أو ثلاثة حتى قدمت عليهم عيونهم أن عليا أختلف عليه أصحابه ففارقته
منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة وأنه قد رجع عنكم إليهم، فكثر سرور الناس بانصرافه (2)
عنهم، وما ألقى الله من الخلاف بينهم.
فلم يزل معاوية معسكرا في مكانه منتظرا لما يكون من علي وأصحابه وهل يقبل
علي بالناس أم لا؟ فما برح معاوية حتى جاءه الخبر أن عليا قد قتل تلك الخوارج
وأراد بعد قتلهم أن يقبل إليه بالناس وأنهم استنظروه ودافعوه، فسر بذلك هو ومن
قبله من الناس.
عن عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري (3) قال: (4) جاءنا كتاب عمارة بن عقبة بن أبي معيط (5)

1 - في شرح النهج: (رفيقة) من (ر ف ق).
2 - في شرح النهج والبحار: (فكبر الناس سرورا لانصرافه).
3 - كذا في الأصل وشرح النهج والبحار لكنا لم نجد له ذكرا في مظانه من الكتب،
ومن المحتمل قويا أن تكون كلمة (الرحمن) مبدلة من كلمة (الله) ففي الإصابة:
(عبد الله بن مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذاقة بن بدر الفزاري وقال ابن مسعدة بن مسعود -
بن قيس: هكذا نسبه ابن عبد البر وكذا قال ابن حبان في الصحابة: عبد الله بن مسعدة بن مسعود
الفزاري صاحب الجيوش، لم يزد في ترجمته على ذلك، والأول نقله الطبري عن ابن
إسحاق ويقال: كان ابن مسعدة صاحب الجيوش قيل له ذلك لأنه كان يؤمر على الجيوش
في غزو الروم أيام معاوية وهو من صغار الصحابة ذكره البغوي وغيره في الصحابة (إلى
أن قال) وقال محمد بن الحكم الأنصاري عن عوانة قال: حدثني خديج خصي لمعاوية
قال: قال لي معاوية: ادع لي عبد الله بن مسعدة الفزاري، فدعوته وكان آدم شديد الأدمة،
فقال: دونك هذه الجارية لجارية رومية بيض بها ولدك وكان عبد الله في سبي بني فزارة فوهبه
النبي (ص) لابنته فاطمة (ع) فأعتقته وكان صغيرا فتربى عندها، ثم كان عند علي (ع) ثم كان
بعد ذلك عند معاوية وصار أشد الناس على علي، ثم كان على جند دمشق بعد الحرة وبقي
إلى خلافة مروان (إلى آخر ما قال)) وهو الذي وجهه معاوية سنة تسع وثلاثين ليأخذ
الصدقات فبلغ ذلك عليا (ع) فوجه المسيب بن نجبة الفزاري فأخرجه، وبقي إلى زمن يزيد
فوجهه مع ابن عضاه الأشعري لقتال عبد الله بن الزبير فراجع تأريخ الطبري وغيره، فتدبر
في سائر وقائعه التي تؤيد ما ذكرناه.
4 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 154، س 1):
(قال [أي الثقفي]: وروى ابن أبي سيف عن زيد بن يزيد بن جابر عن عبد الرحمن بن
مسعدة الفزاري، قال: جاءنا (القصة)) وقال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب
ما جرى من الفتن (ص 674، س 26): (وعن عبد الرحمن بن مسعدة قال: جاءنا (القصة)).
5 - قال ابن عبد البر في الاستيعاب: (عمارة بن عقبة بن أبي معيط، واسم
أبي معيط أبان بن أبي عمرو، واسم أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف،
وكان عمارة والوليد وخالد بنو عقبة بن أبي معيط من مسلمة الفتح).
418

من الكوفة (1) ونحن معسكرون مع معاوية نتخوف أن يفرغ علي من خارجته (2) ثم يقبل
إلينا ونحن نقول: إن أقبل إلينا كان أفضل المكان الذي نستقبله به مكاننا الذي لقيناه فيه
العام الماضي (3) وكان في كتاب عمارة:
أما بعد فإن عليا خرج عليه علية (4) أصحابه ونساكهم فخرج عليهم (5) فقتلهم

1 - في شرح النهج: (وكان بالكوفة مقيما).
2 - في شرح النهج: (من الخوارج).
3 - في الأصل: (العام الأقضى).
4 - في شرح النهج: (قراء أصحابه) ففي الصحاح: (فلان من علية الناس وهو
جمع رجل علي أي شريف رفيع مثل صبي وصبية) وفي القاموس: (علية الناس وعليهم
مكسورين جلتهم) وفي تاج العروس: (أي أشرافهم، وعلية جمع علي كصبية وصبي
أي شريف رفيع كما في الصحاح) وفي لسان العرب: (ورجل علي أي شريف وجمعه
علية، يقال: فلان من علية الناس أي من أشرافهم وجلتهم لا من سفلتهم، أبدلوا من الواو وياءا
لضعف حجز اللام الساكنة، ومثله صبي وصبية وهو جمع رجل علي أي شريف رفيع،
وفلان من علية [أي بتشديد اللام والياء] قومه وعليهم وعليهم [بكسر العين وضمها] أي
في الشرف والكثرة قال ابن بري: ويقال: رجل علي أي صلب قال الشاعر:
وكل علي قص أسفل ذيله * فشمر عن ساق وأوظفة عجر
ويقال: فرس علي (إلى آخر ما قال)) وفي هامش الكتاب: (قوله: من علية
قومه إلى آخره هو بتشديد اللام والياء في الأصل المعتمد وحرره ا ه‍) وفي مجمع البحرين:
(العلية بالكسر وتضم الغرفة وفي حديث الفضيل: أما تشتهي أن تكون من علية الإخوان؟ -
أي من أشرافهم، يقال: فلان من علية الناس أي رفيع شريف، وفيه: قلت: ومن هم؟ -
قال: الراغبون في قضاء حوائج الإخوان) وفي معيار اللغة: (وفلان من علية الناس
أي أجلتهم وأشرافهم كعليهم كجسم جمع علي كصبية وصبي).
5 - في شرح النهج: (إليهم).
419

وقد فسد عليه جنده وأهل مصره ووقعت بينهم العداوة وتفرقوا أشد الفرقة، فأحببت
إعلامك لتحمد الله (1)، والسلام.
قال: فقرأه معاوية علي وعلى أخيه (2) وعلى أبي الأعور السلمي ثم نظر إلى
أخيه عتبة وإلى الوليد بن عقبة وقال للوليد: لقد رضي أخوك أن يكون لنا عينا، قال:
فضحك الوليد وقال: إن في ذلك أيضا لنفعا.
وبلغني أن الوليد بن عقبة قال لأخيه عمارة بن عقبة بن أبي معيط [يحرضه (3)]:
فإن يك ظني بابن أمي صادقا * عمارة لا يطلب بذ حل ولا وتر (4)

1 - في الأصل: (والحمد لله).
2 - في شرح النهج: (قال عبد الرحمن بن مسعدة: قرأه معاوية على وجه أخيه عتبة
وعلى الوليد بن عقبة).
3 - أضيف من شرح النهج.
4 - كانت الأبيات في الأصل مشوشة جدا فصححناها من الطبري وشرح النهج.
وسيأتي توضيح لهذه الأبيات في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 50).
420

يبيت وأوتار ابن عفان عنده * مخيمة بين الخورنق والقصر
تمشى (1) رخي البال مستشزر القوى * كأنك لم تشعر بقتل أبي عمرو
قال: فعند ذلك دعا معاوية الضحاك بن قيس الفهري (2) وقال له: سر حتى تمر
بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت، فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر
عليه، وإن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليهما (3)، وإذا أصبحت في بلدة فأمس في
أخرى، ولا تقيمن لخيل بلغك أنها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها، فسرحه فيما بين -

1 - هو مضارع مخاطب من باب التفعل من (م ش ى) حذفت من أوله إحدى التائين
جوازا كما هو القياس ومنه قول الله تعالى: (تنزل الملائكة) في سورة القدر أي تتنزل.
2 - في تقريب التهذيب: (ضحاك بن قيس بن خالد بن وهب الفهري أبو أنيس
الأمير المشهور صحابي صغير قتل في وقعة مرج راهط سنة أربع وستين / س) وقال ابن -
عبد البر في الاستيعاب في ترجمته: (كان على شرطة معاوية ثم صار عاملا له على
الكوفة بعد زياد، ولاه عليها معاوية سنة ثلاث وخمسين وعزله سنة سبع، وولى مكانه عبد الرحمن -
بن أم الحكم وضمه إلى الشام وكان معه حتى مات، فصلى عليه وقام بخلافته حتى قدم
يزيد بن معاوية، فكان مع يزيد وابنه معاوية إلى أن ماتا ووثب مروان على بعض الشام
فبويع له، فبايع الضحاك بن قيس أكثر أهل الشام لابن الزبير ودعا له، فاقتتلوا وقتل الضحاك بن
قيس وذلك بمرج راهط) وقال ابن الأثير في أسد الغابة: (وكان على شرطة
معاوية وله في الحروب معه بلاء عظيم، وسيره معاوية على جيش فعبر على جسر منبج وصار
إلى الرقة ومضى منها فأغار على سواد العراق وأقام بهيت ثم عاد ثم استعمله معاوية على -
الكوفة بعد زياد سنة ثلاث وخمسين، وعزله سنة سبع وخمسين، ولما توفي معاوية صلى
الضحاك عليه وضبط البلد حتى قدم يزيد بن معاوية فكان مع يزيد وابنه معاوية إلى أن ماتا،
فبايع الضحاك بدمشق لعبد الله بن الزبير وغلب مروان بن الحكم على بعض الشام فقاتله
الضحاك بمرج راهط عند دمشق، فقتل الضحاك بالمرج وقتل معه كثير من قيس عيلان، وكان
قتله منتصف ذي الحجة سنة أربع وستين).
أقول: ترجمته مذكورة مفصلة في كتب العامة وتصدى لترجمته من علمائنا
المامقاني (ره) أيضا في تنقيح المقال فمن أراد البسط فليراجعه فإن فيه كفاية للمكتفي.
3 - في الأصل: (فإن قدرت على مسلحة أو خيل له عابرين في سبيل فأغر عليهما).
421

ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف جريدة خيل (1) قال:
فأقبل الضحاك يأخذ الأموال ويقتل من لقي من الأعراب حتى مر بالثعلبية (2)
فأغار خيله على الحاج (3) فأخذ أمتعتهم، ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي (4)
وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة (5)

1 - (جريدة خيل) في الأصل فقط، ففي الصحاح: (ويقال: جريدة من خيل
للجماعة جردت من سائرها لوجه) وفي القاموس: (الجريدة خيل لا رجالة فيها كالجرد)
وفي لسان العرب: (وخيل جريدة لا رجالة فيها، ويقال: ندب القائل جريدة من الخيل
إذا لم ينهض معهم راجلا (إلى آخر ما قال)) وفي معيار اللغة: (وجرادة كسلالة
وجريدة كسفينة فرسان لا رجالة فيهم).
2 - في مراصد الاطلاع: (الثعلبية منسوب بفتح أو له من منازل طريق مكة قد كانت
قرية فخربت وهي مشهورة).
3 - في محيط المحيط للبستاني: (الحاج الذي حج البيت الحرام، ويأتي
الحاج اسم جمع بمعنى الحجاج وعليه قول النحاة: قدم الحاج حتى المشاة).
4 - في تنقيح المقال: (عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي هو ابن أخي عبد الله -
بن مسعود قتله الضحاك من قبل معاوية في طريق الحاج، وقتل معه أناسا من أصحابه، فصعد
أمير المؤمنين عليه السلام المنبر وقال: يا أهل الكوفة اخرجوا إلى العبد الصالح عمرو بن
عميس وإلى جيوش لكم كذا في البحار عن كتاب الغارات، وأقول: نعتبره ثقة
لوصفه (ع) إياه بالصالح).
5 - في الأصل: (وبلغ القطقطانة) قال الجوهري: (القطقطانة بالضم موضع)
وقال ياقوت في معجم البلدان: (القطقطانة بالضم ثم السكون ثم قاف أخرى مضمومة
وطاء أخرى وبعد الألف نون وهاء، ورواه الأزهري بالفتح موضع قرب الكوفة من جهة
البرية بالطف، به كان سجن النعمان بن المنذر، وقال أبو عبيد الله الكوفي: القطقطانة بالطف
بينها وبين الرهيمة مغربا نيف وعشرون ميلا إذا خرجت من القادسية تريد الشام، ومنه إلى قصر
مقاتل ثم القريات ثم السماوة، ومن أراد خرج من القطقطانة إلى عين التمر ثم ينحط حتى يقرب
من الفيوم إلى هيت).
422

وقتل معه ناسا من أصحابه.
قال أبو روق (1): فحدثني أبي أنه سمع عليا عليه السلام (2) وقد خرج إلى الناس وهو
يقول على المنبر: يا أهل الكوفة اخرجوا إلى العبد الصالح عمرو بن عميس وإلى جيوش
لكم قد أصيب منها طرف، اخرجوا فقاتلوا عدوكم وامنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين.
قال: فردوا عليه ردا ضعيفا ورأى منهم عجزا وفشلا فقال:
والله لوددت أن لي بكل مائة (3) منكم رجلا منهم، ويحكم اخرجوا معي ثم
فروا عني إن بدا لكم (4)، فوالله ما أكره لقاء ربي على نيتي وبصيرتي وفي ذلك روح لي
عظيم وفرج من مناجاتكم (5) ومقاساتكم ومداراتكم مثل ما تدارى البكار العمدة والثياب

1 - في تقريب التهذيب في باب الكنى: (أبو روق الهمداني هو عطية بن
الحارث) وفي باب الأسماء منه: (عطية بن الحارث أبو روق بفتح الراء وسكون الواو
بعدها قاف الهمداني الكوفي صاحب التفسير صدوق من الخامسة / د س ق) وفي توضيح -
الاشتباه للساروي: (عطية بفتح المهملة وتشديد الياء المثناة التحتانية اسم جماعة منهم
ابن الحارث أبو روق بفتح الراء المهملة وسكون الواو وبعدها قاف الهمداني تابعي).
أقول: الرجل من رواة الشيعة وترجمته مذكورة في كتبهم كالخلاصة ورجال ابن داود
وجامع الرواة وغيرها، فراجع إن شئت.
2 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 154، س 27):
(قال [الثقفي]: فروى إبراهيم بن مبارك البجلي عن أبيه عن بكر بن عيسى عن أبي روق
قال: حدثني أبي قال: سمعت عليا عليه السلام (الحديث)) ونقله المجلسي (ره) في ثامن البحار
في باب ما جرى من الفتن (ص 674، س 33) بحذف السند وبهذه العبارة: (فصعد أمير المؤمنين (ع)
المنبر وقال: يا أهل الكوفة (الخطبة).
3 - في شرح النهج: (بكل ثمانية) ولعله تصحيف (مائة).
4 - في شرح النهج والبحار: (ما بدا لكم).
5 - كذا في الأصل والبحار وشرح النهج وأظن أنها محرفة عن (مداجاتكم)
ففي الصحاح: (المداجاة المداراة يقال: داجيته إذا داريته كأنك ساترته العداوة وقال:
كل يداجي على البغضاء صاحبه * ولن أعالنهم إلا بما علنوا
وذكر أبو عمرو أن المداجاة أيضا المنع بين الشدة والإرخاء) وفي لسان العرب:
(وداجى الرجل ساتره بالعداوة وأخفاها عنه فكأنه أتاه في الظلمة، وداجاه أيضا عاشره
وجامله، التهذيب: ويقال: داجيت فلانا إذا ماسحته على ما في قلبه، وجاملته، والمداجاة
المطاولة، وداجيته أي داريته وكأنك ساترته العداوة وقال قعنب بن أم صاحب:
كل يداجي على البغضاء صاحبه * ولن أعالنهم إلا بما علنوا
وذكر أبو عمرو أن المداجاة أيضا المنع بين الشدة والإرخاء). وفي أساس
البلاغة: (فلان يداجيك = يساترك العداوة). وفي القاموس وتاج العروس أيضا
نظائر ما ذكر.
423

المتهترة (1) كلما خيطت من جانب تهتك على صاحبها من جانب آخر (2) ثم نزل.

1 - (المتهترة من هتره أي مزقه، وبدلها في النهج: (المتداعية).
2 - الفقرات الأخيرة من قوله عليه السلام (مداراتكم) إلى (من جانب آخر) صدر خطبة
أوردها الرضي - رضي الله عنه - في نهج، البلاغة في باب المختار من الخطب تحت
عنوان (من كلام له عليه السلام في ذم أصحابه) ونص عبارته هكذا (أنظر شرح النهج لابن -
أبي الحديد، ج 2 ص 38): (كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة والثياب المتداعية
كلما حيصت من جانب تهتكت من آخر) ثم أتبع كلامه عليه السلام بما سيجيئ عن قريب
في الكتاب في غارة النعمان بن بشير.
أقول: كأن الرضي - رضي الله عنه - لفق ما اختاره في النهج من خطبتين له
عليه السلام في ذم أصحابه فأخذ صدر مختاره من كلامه الذي قاله في غارة الضحاك بن قيس
وذيله من قوله: (المنسر من مناسر أهل الشام) الذي قاله في غارة النعمان بن بشير كما يأتي
في ص 451 فتفطن.
وقال ابن أبي الحديد في شرحه: (البكار جمع بكر وهو الفتى من الإبل،
والعمدة التي قد انشدخت أسنمتها من داخل وظاهرها صحيح وذلك لكثرة ركوبها،
والثياب المتداعية الأسمال التي قد أخلقت وإنما سميت متداعية لأن بعضها يتخرق فيدعو
بعضها إلى مثل حاله، وحيصت = خيطت والحوص الخياطة، وتهتكت = تخرقت)
ونقل المجلسي (ره) الخطبة في ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن (ص 685)
عن نهج البلاغة قائلا بعدها: (إيضاح: البكار بالكسر جمع بكر بالفتح وهو الفتى من -
الإبل، والعمدة بكسر الميم من العمد الورم والدبر وقيل: التي كسرها ثقل حملها،
وقيل: التي قد انشدخت أسنمتها من داخل وظاهرها صحيح (إلى آخر ما قال).
424

فخرج يمشي حتى بلغ الغريين (1) ثم دعا حجر بن عدي (2) الكندي من خيله
فعقد له ثم راية على أربعة آلاف ثم سرحه (3).

1 - في مراصد الاطلاع: (الغريان تثنية الغري طربالان وهما بناءان كالصومعتين كانا
بظهر الكوفة قرب القبر الذي يقال له: قبر علي - رضي الله عنه - ويروى فيه حكايات مشهورة).
2 - قال الشيخ الحر محمد بن الحسن الحر العاملي - قدس الله سره -
في رسالته في تحقيق أحوال الصحابة (ص 52) ما نصه:
(حجر بن عدي الكندي وكان من الأبدال من أصحاب علي عليه السلام ذكره في الخلاصة،
وذكره أيضا في أصحاب الحسن عليه السلام، وفي القاموس: أنه صحابي وفي رجال
الكشي: روى أن الحسين (ع) كتب إلى معاوية كتابا من جملته: أولست القاتل حجر بن عدي
أخا كندة والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في الله
لومة لائم (انتهى).
ورأيت بخط الشهيد (ره): زرت قبور الشهداء بعذراء من غوطة دمشق وهم
حجر بن عدي الكندي حامل راية رسول الله صلى الله عليه وآله، وابنه همام، وقبيصة بن
صنيعة العبسي، وصيفي، وشريك بن شداد ومحرز وكرام ثم ذكر الشهيد ما أنشده خادمهم
وما أجابه به وقال صاحب القاموس: حجر بن ربيعة وحجر بن عدي وحجر بن -
النعمان وحجر بن زيد صحابيون (انتهى)) وفي توضيح الاشتباه للساروي:
(حجر بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بن عدي بالمهملتين كغني من أصحاب علي عليه السلام
من اليمن وكان من الأبدال (إلى آخر ما قال).
أقول: ستأتي في تعليقات آخر الكتاب ترجمته على سبيل التفصيل إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 51).
3 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج بعد هذه الجملة: (وروى
محمد بن يعقوب الكليني قال: استصرخ أمير المؤمنين عليه السلام الناس عقيب غارة الضحاك بن
قيس الفهري على أطراف أعماله فتقاعدوا عنه فخطبهم فقال: ما عزت دعوة من دعاكم ولا استراح
قلب من قاساكم (الفصل إلى آخره) ومراده من الفصل خطبته - عليه السلام - التي قد أوردها
السيد (ره) في النهج وصدرها: أيها الناس المجتمعة أبدانهم).
425

فخرج حتى مر بالسماوة (1) وهي أرض كلب فلقي بها امرء القيس بن عدي بن
أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلبي أصهار الحسين (2) بن علي بن أبي طالب عليهم السلام
فكانوا أدلاءه على طريقه وعلى المياه (3) فلم يزل مغذا في أثر الضحاك حتى لقيه بناحية
تدمر (4) فواقفه (5) فاقتتلوا ساعة فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا وقتل من
أصحاب حجر رجلان، عبد الرحمن وعبد الله الغامدي، وحجز الليل بينهم فمضى
الضحاك فلما أصبحوا لم يجدوا له ولأصحابه أثرا، وكان الضحاك يقول بعد (6):
أنا الضحاك بن قيس * أنا أبو أنيس * أنا قاتل عمرو بن عميس
عن مسعر بن كدام (7) قال: قال علي عليه السلام: لوددت أن لي بأهل الكوفة أو قال:

1 - في مراصد الاطلاع: (السماوة بفتح أوله وبعد الألف واو بادية بين الكوفة
والشام أرض مستوية لا حجر فيها وماءة بالبادية، وقيل: السماوة ماءة لكلب).
2 - يأتي توضيح وتفسير لمعنى الصهر والأصهار في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 52).
3 - في الأصل: (وعدوه على المياه).
4 - في معجم البلدان: (تدمر بالفتح ثم السكون وضم الميم مدينة قديمة مشهورة
في برية الشام، بينها وبين حلب خمسة أيام (إلى آخر كلامه الطويل الذيل).
5 - في شرح النهج والبحار: (فواقعه).
6 - في الأصل:
(أنا الضحاك وأنا أبو أنيس * وقاتل عمرو وهو ابن عميس)
7 - في تقريب التهذيب: (مسعر بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح المهملة ابن -
كدام بكسر أوله وتخفيف ثانيه ابن ظهير الهلالي أبو سلمة الكوفي ثقة ثبت فاضل من السابعة،
مات سنة ثلاث أو خمس وخمسين ومائة / ع) وقد ورد الرجل في بعض أسناد الكافي.
أقول: روايته عن علي (ع) مرسلة لبعد طبقته عن زمانه عليه السلام وقد مرت ترجمته
في ص 109 أيضا.
426

بأصحابي ألفا من بني فراس (1).

1 - قد وردت هذه الفقرة في خطبة له (ع) وأوردها الرضي (ره) في
نهج البلاغة في باب المختار من الخطب (أنظر شرح النهج الحديدي ج 1، ص 110)
ونص عبارته: (أما والله لوددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم) وقال -
المجلسي (ره) بعد نقلها في ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن (ص 684، س 2)
عن النهج أن الفقرة في بشارة المصطفى: (والله لوددت أن لي بكل عشرة منكم رجلا من بني -
فراس بن غنم صرف الدينار).
وقال ابن أبي الحديد في شرح الفقرة: (وبنو فراس بن غنم بن خزيمة بن
مدركة بن الياس بن مضر وهم بنو فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة حي مشهور بالشجاعة
منهم علقمة بن فراس وهو جذل الطعان، ومنهم ربيعة بن مكدم بن حدثان بن جذيمة بن علقمة بن
فراس الشجاع المشهور حامي الظعن حيا وميتا ولم يحم الحريم وهو ميت أحد غيره.
عرض له فرسان من بني سليم ومعه ظعائن من أهله يحميهم وحده فطاعنهم فرماه نبيشة بن
حبيب بسهم أصاب قلبه فنصب رمحه في الأرض واعتمد عليه وهو ثابت في سرجه لم يزل ولم يمل
وأشار إلى الظعائن بالرواح، فسرن حتى بلغن بيوت الحي وبنو سليم قيام إزاءه لا يقدمون عليه
ويظنونه حيا حتى قال قائل منهم: إني لا أراه إلا ميتا ولو كان حيا لتحرك، إنه والله لماثل راتب
على هيئة واحدة لا يرفع يده ولا يحرك رأسه، فلم يقدم أحد منهم على الدنو منه حتى رموا فرسه
بسهم فشب من تحته [أي رفع يديه] فوقع وهو ميت وفاتتهم الظعائن وقال الشاعر:
لا يبعدن ربيعة بن مكدم * وسقى الغوادي قبره بذنوب
نفرت قلوصى من حجارة حرة * بنيت على طلق اليدين وهوب
لا تنفري يا ناق منه فإنه * شريب خمر مسعر لحروب
لولا السفار وبعد خرق مهمة * لتركتها تجثو على العرقوب
نعم الفتى أدنى نبيشة بزد * يوم اللقاء نبيشة بن حبيب)
وقال في أواخر شرحه للخطبة (ص 115، س 19)
(وقال القطب الراوندي: بنو فراس بن غنم هم الروم، وليس بجيد والصحيح ما ذكرناه)
وقال ابن ميثم (ره) في شرح النهج (ص 132 من الطبعة الأولى): (بنو فراس حي من
تغلب أبوهم غنم بفتح الغين وسكون النون وهم غنم بن تغلب بن وائل، وإنما خص هذا البطن
لشهرتهم بالشجاعة والحمية وسرعة إجابة الداعي).
427

عن زيد بن وهب (1) قال: كتب عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه إلى علي أمير المؤمنين

1 - قد مرت ترجمته في ص 34، أما الحديث فنقله ابن أبي الحديد في شرح -
النهج (ج 1، ص 155، س 4) قائلا: (قال [أي الثقفي] وكتب في أثر هذه الوقعة
عقيل بن أبي طالب إلى أخيه أمير المؤمنين عليه السلام (الحديث) وقال المجلسي (ره)
في ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن (ص 673، س 1) (وقال ابن أبي الحديد:
كتب عقيل بن أبي طالب (الحديث).
وقال ابن قتيبة الدينوري في كتاب الإمامة والسياسة تحت عنوان:
(خروج علي من المدينة) (ج 1، ص 55) من الطبعة الأولى بمصر في مطبعة مصطفى
البابي الحلبي وأولاده سنة 1356):
(قال: وذكروا أن عليا تردد بالمدينة أربعة أشهر ينتظر جواب معاوية وقد كان كتب
إليه كتابا بعد كتاب يمنيه ويعده أولا ثم كتابا يخوفه ويتواعده، فحبس معاوية جواب كتابه
ثلاثة أشهر ثم أتاه جوابه على غير ما يحب، فلما أتاه ذلك شخص من المدينة في تسعمائة
راكب من وجوه المهاجرين والأنصار من أهل السوابق مع رسول الله (ص) ومعهم بشر
كثير من أخلاط الناس، واستخلف على المدينة قثم بن عباس وكان له فضل وعقل، وأمره
أن يشخص إليه من أحب الشخوص ولا يحمل أحدا على ما يكره، فخف الناس إلى علي بعده،
ومضى معه من ولده الحسن والحسين ومحمد.
فلما كان في بعض الطريق أتاه كتاب أخيه عقيل بن أبي طالب فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد يا أخي - كلاك الله (فذكر المكتوب وجوابه إلى آخر البيتين،
أنظر ص 55 - 57) وقال أبو الفرج الإصبهاني في الأغاني (ج 15 من طبعة الساسي
(ص 43 - 44) ما نصه: (حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثني عبد الله بن محمد
قال: حدثني جعفر بن بشير قال: حدثني صالح بن يزيد الخراساني عن أبي مخنف عن سليمان
بن أبي راشد عن أبي الكنود عبد الرحمن بن عبيد، قال: كتب عقيل بن أبي طالب إلى أخيه علي
بن أبي طالب عليه السلام: أما بعد فإن الله جارك من كل سوء وعاصمك من كل مكروه (فنقل
المكتوب (إلى آخر البيتين)) وأشار إلى هذا الكتاب أيضا فيما سبق بعد أن نقل البيت الأول
من البيتين المذكورين في آخر الكتاب في المجلد الثاني ضمن قصة تحت عنوان (أخبار ابن
ميادة ونسبه) (ص 91) بهذه العبارة (والبيت الثالث [وهو البيت الأول من البيتين الواردين
في المكتوب] لشاعر من شعراء الجاهلية وتمثل به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
في رسالة كتب بها إلى أخيه عقيل بن أبي طالب فنقله ابن ميادة نقلا). وذكره أيضا أحمد زكي
صفوت وجوابه عن علي عليه السلام في جمهرة رسائل العرب نقلا عن الكتب
المشار إليها غير البحار (أنظر ج 1، ص 595 - 600).
428

حين بلغه خذلان أهل الكوفة وعصيانهم إياه (1): بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله
علي أمير المؤمنين من عقيل بن أبي طالب: سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي
لا إله إلا هو أما بعد فإن الله حارسك (2) من كل سوء، وعاصمك من كل مكروه
وعلى كل حال، إني خرجت إلى مكة معتمرا فلقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح (3)
في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء فعرفت المنكر في وجوههم فقلت لهم: إلى
أين يا أبناء الشانئين؟ أبمعاوية تلحقون؟ عداوة والله منكم قديما غير مستنكرة تريدون
بها إطفاء نور الله وتبديل أمره؟ فأسمعني القوم وأسمعتهم. فلما قدمت مكة سمعت

1 - في شرح النهج والبحار: (تقاعدهم به).
2 - في الأصل والأغاني والبحار: (جارك وفي الإمامة والسياسة: (جائرك).
3 - يستفاد من جواب أمير المؤمنين الآتي أن عبارة (مقبلا من قديد) قد سقطت هنا
من النسخ.
429

أهلها يتحدثون أن الضحاك بن قيس أغار على الحيرة فاحتمل من أموالهم (1) ما شاء
ثم انكفأ راجعا سالما فأف لحياة في دهر جرأ عليك الضحاك، وما الضحاك؟!
فقع بقرقر (2) وقد توهمت حيث بلغني ذلك أن شيعتك وأنصارك خذلوك فاكتب إلي
يا بن أمي برأيك، فإن كنت الموت تريد تحملت إليك ببني أخيك وولد أبيك فعشنا
معك ما عشت ومتنا معك إذا مت، فوالله ما أحب أن أبقي في الدنيا بعدك فواقا (3)، و
واقسم بالأعز الأجل (4) إن عيشا نعيشه بعدك في الحياة لغير هنئ ولامرئ
ولا نجيع والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فأجابه علي عليه السلام:

1 - في شرح النهج والبحار: (من أموالها) وفي الأغاني: (من أموال أهلها)
وفي الإمامة والسياسة: (أغار على الحيرة واليمامة فأصاب ما شاء من أموالهما).
2 - كذا في الأصل وشرح النهج والبحار لكن في الأغاني: (وهل هو إلا فقع قرقرة)
أقول: هو مثل من أمثال العرب يتمثل به للذليل ويقال له: هو أذل من فقع بقرقرة لأنه لا يمتنع
على من اجتناه أو لأنه يوطأ بالأرجل وسيأتي شرحه وتحقيقه في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 53).
3 - في المصباح المنير: (الفواق بضم الميم وفتحها الزمان الذي بين الحلبتين
وقال ابن فارس: فواق الناقة رجوع اللبن في ضرعها بعد الحلب) وفي الصحاح:
(الفواق ما بين الحلبتين من الوقت لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب
يقال: ما أقام عنده إلا فواقا، وفي الحديث: العيادة قدر فواق ناقة) وفي مجمع البحرين:
(الفواق كغراب ما بين الحلبتين من الوقت لأنها تحلب وتترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر
ثم تحلب، أو ما بين فتح يدك وقبضها على الضرع ومنه الحديث: من كتبه الله سعيدا وإن
لم يبق من الدنيا إلا كفواق ناقة ختم له بالسعادة. ومثله في حديث الأشتر لعلي (ع) وقد
قال له يوم صفين: أنظرني فواق ناقة أي أخرني هذا المقدار) وقريب منه في النهاية
والقاموس وسائر كتب اللغة.
4 - كذا في الأصل وشرح النهج والبحار لكن في الأغاني: (فاقسم بالله الأعز -
الأجل) وفي الإمامة والسياسة: (فوالله الأعز الأجل).
430

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عقيل بن أبي طالب:
سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد كلانا الله وإياك كلاءة
من يخشاه بالغيب إنه حميد مجيد. فقد وصل إلي كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد -
الأزدي (1) تذكر فيه أنك لقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح مقبلا من قديد (2) في نحو
من أربعين شابا (3) من أبناء الطلقاء متوجهين إلى المغرب (4) وإن ابن أبي سرح طالما كاد
الله ورسوله وكتابه وصد عن سبيله وبغاها عوجا، فدع ابن أبي سرح ودع عنك
قريشا، وخلهم وتركاضهم في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، ألا وإن العرب قد اجتمعت
على حرب أخيك اليوم اجتماعها (5) على حرب النبي صلى الله عليه وآله قبل اليوم، فأصبحوا قد جهلوا
حقه وجحدوا فضله، وبادوه العداوة، ونصبوا له الحرب، وجهدوا عليه كل الجهد،
وجروا عليه؟ جيش الأحزاب. اللهم فاجز قريشا عني الجوازي فقد قطعت رحمي
وتظاهرت علي، ودفعتني عن حقي، وسلبتني سلطان ابن أمي، وسلمت ذلك إلى من
ليس مثلي في قرابتي من الرسول وسابقتي في الإسلام، أن يدعي مدع ما لا أعرفه
ولا أظن الله يعرفه، والحمد لله على كل حال.
وأما ما ذكرت من غارة الضحاك على أهل الحيرة فهو أقل وأذل من أن يلم بها
أو يدنو منها ولكنه [قد كان] أقبل في جريدة خيل فأخذ على السماوة حتى مر بواقصة (7)

1 - في الإصابة: (عبد الرحمن بن عبد وقيل: ابن عبيد وقيل: ابن أبي عبد الله -
الأزدي أبو راشد مشهور بكنيته (إلى آخر ما قال)) فيحتمل تطبيقه على هذا الرجل.
2 - في مراصد الاطلاع: (قديد تصغير قد اسم موضع قرب مكة).
3 - في شرح النهج والبحار: (فارسا).
4 - في شرح النهج والبحار أيضا: (إلى جهة المغرب).
5 - كذا في الأصل والبحار والإمامة والسياسة لكن في الأغاني وشرح النهج:
(قد أجمعت على حرب أخيك اليوم إجماعها).
6 - في شرح النهج والبحار: (إليه).
7 - في مراصد الاطلاع: (واقصة بكسر القاف والصاد مهملة موضعان منزل
في طريق مكة بعد الفرعاء نحو مكة، وقيل: العقبة لبني شهاب من طيئ ويقال لها واقصة
الحرون وهي دون زبالة بمرحلتين، وواقصة أيضا ماء لبني كعب، وواقصة أيضا بأرض اليمامة
قيل: هي ماء في طرف الكرمة وهي مدفع ذي مرخ).
431

وشراف (1) والقطقطانة (2) فما والى ذلك الصقع، فوجهت إليه جندا كثيفا من المسلمين (3) فلما
بلغه ذلك فر هاربا فلحقوه ببعض الطريق وقد أمعن، وكان ذلك حين طفلت الشمس
للإياب، فتناوشوا القتال قليلا كلا ولا، فلم يصبر لوقع المشرفية وولى هاربا، وقتل
من أصحابه تسعة عشر رجلا ونجا جريضا بعد ما أخذ منه بالمخنق [ولم يبق منه غير
الرمق] فلأيا بلأي ما نجا.

1 - في مراصد الاطلاع: (شراف بفتح أوله وآخره فاء وئانيه مخفف [مبني
على الكسر] ما بين واقصة والفرعاء فيها ثلاثة آبار كبار، وقلب كثيرة طيبة) وفي القاموس:
(شراف كقطام موضع أو ماءة لبني أسد أو جبل عال أو يصرف ككتاب ممنوعا) وقال الزبيدي
في شرح العبارة ضمن ما قال: (الموضع المشار إليه بين واقصة وفرعاء وبناؤه على الكسر
هو قول الأصمعي، وأجراه غيره مجرى ما لا ينصرف من الأسماء).
2 - قد تقدم تفسيرها (أنظر ص 422).
3 - قال الرضي (ره) في باب المختار من الكتب من نهج البلاغة (أنظر
ج 4 من شرح النهج لابن أبي الحديد، ص 55 - 56): (ومن كتاب له عليه السلام إلى
أخيه عقيل بن أبي طالب في ذكر جيش أنفذه إلى بعض الأعداء وهو جواب كتاب كتبه إليه
عقيل: فسرحت إليه جيشا كثيفا من المسلمين (فذكر مختارا من الكتاب بتقديم وتأخير
واختلاف في بعض الفقرات وزيادة في بعض الموارد فنورده هنا بعبارته وهو:) فلما بلغه ذلك
شمر هاربا ونكص نادما، فلحقوه ببعض الطريق وقد طفلت الشمس للإياب فاقتتلوا شيئا
كلا ولا، فما كان إلا كموقف ساعة حتى نجا جريضا بعد ما أخذ منه بالمخنق ولم يبق منه غير
الرمق فلايأ بلأي مانجا، فدع عنك قريشا وتركاضهم في الضلال وتجوالهم في الشقاق
وجماحهم في التيه فإنهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله
قبلي، فجزت قريشا عني الجوازي، فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن أمي، وأما ما
سألت عنه من رأيي في القتال فإن رأيي قتال المحلين حتى ألقى الله، لا يزيدني كثرة الناس
حولي عزة، ولا تفرقهم عني وحشة، ولا تحسبن ابن أبيك ولو أسلمه الناس متضرعا متخشعا،
ولا مقرا للضيم واهنا، ولا سلس الزمام للقائد، ولا وطيئ الظهر للراكب المقتعد، ولكنه
كما قال أخو بني سليم: فإن تسأليني (إلى آخر البيتين)).
وقال العلامة المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن (ص 673)
بعد نقل كتاب عقيل إلى أمير المؤمنين (ع) ونقل جواب أمير المؤمنين (ع) إليه ما نصه:
(أقول: روى السيد - رضي الله عنه - في النهج بعض هذا الكتاب هكذا: فسرحت
إليه جيشا (فبعد أن نقل ما اختاره السيد (ره) إلى آخر البيتين قال):
بيان - قوله: فقع بقرقر لعله خبر أن، وقوله ما الضحاك، معترضة، وقال
الجوهري: الفقع ضرب من الكمأة وكذلك الفقع بالكسر، ويشبه به الرجل الذليل،
فيقال: هو فقع قرقر، لأن الدواب تنجله بأرجلها قال النابغة يهجو النعمان بن المنذر:
حدثوني بني الشقيقة ما يمنع فقعا بقرقر أن يزولا
وقال: القرقر القاع الأملس والفواق بالفتح والضم ما بين الحلبتين من الوقت،
والتركاض والتجوال بفتح التاء فيهما مبالغتان في الركض والجولان والركض
تحريك الرجل، وركضت الفرس برجلي حثثته ليعدو ثم كثر حتى قيل: ركض الفرس إذا
عدا، والواو فيهما يشبه أن يكون بمعنى مع، ويحتمل العاطفة، واستعار لفظ الجماح
باعتبار كثرة خلافهم للحق وحركاتهم في تيه الجهل والخروج عن طريق العدل، من قولهم: جمح
الفرس إذا اعتز راكبه وغلبه، ويحتمل أن يكون من جمح بمعنى أسرع كما ذكره الجوهري،
وقوله (ع): فجزت قريشا عني الجوازي، جمع جازية أي جزت قريشا عني بما صنعت
كل خصلة من نكبة أو شدة أو مصيبة أي جعل الله هذه الدواهي كلها جزاء قريش بما صنعت.
وقال ابن أبي الحديد: سلطان ابن أمي، يعني به الخلافة، وابن أمه رسول -
الله صلى الله عليه وآله لأنهما ابنا فاطمة بنت عمرو بن عمران بن مخزوم أم عبد الله وأبي طالب،
ولم يقل: سلطان ابن أبي، لأن غير أبي طالب من الأعمام يشركه في النسبة إلى عبد المطلب،
وقال الراوندي: يعني نفسه لأنه ابن أم نفسه، ولا يخفى ما فيه، وقيل: لأن فاطمة
بنت أسد كانت تربي رسول الله (ص) حين كفله أبو طالب فهي كالأم له، ويحتمل أن يكون -
المراد: سلطان أخي، مجازا ومبالغة في تأكد الأخوة التي جرت بينه وبين النبي (ص)
وإشارة إلى حديث المنزلة وقوله تعالى حكاية عن هارون: يا ابن أم إن القوم استضعفوني،
وقد مر بعض ما يؤيد هذا الوجه، وواقصة موضع بطريق الكوفة واسم مواضع أخرى،
وشراف كقطام موضع، أو ماء لبني أسد، أو جبل عال، وكغراب ماء، والقطاقط
والقطقط والقطقطانة بضمها موضع الآصرة [كذا] بالكوفة كانت سجن النعمان بن المنذر،
فما والى ذلك أي قاربه، ويقال: أمعن الفرس أي تباعد في عدوه، وقال الجوهري:
تطفيل الشمس ميلها للغروب والطفل بالتحريك بعد العصر إذا طفلت الشمس للغروب،
والإياب الرجوع أي الرجوع إلى ما كانت عليه في الليلة التي قبلها وقال الجوهري:
آبت الشمس لغة في غابت، وتفسير الراوندي بالزوال بعيد وقال الجوهري: المناوشة
في القتال وذلك إذا تدانى الفريقان، والتناوش التناول، قوله (ع): شيئا كلا ولا
قال ابن أبي الحديد: أي شيئا قليلا كلا شئ، وموضع كلا ولا نصب لأنه صفة شيئا
وهي كلمة يقال لما يستقصر جدا، والمعروف عند أهل اللغة كلا وذا قال ابن هانئ المغربي:
وأسرع في العين من لحظة * وأقصر في السمع من لا وذا
وفي شعر الكميت كلا وذا، وقد رويت في نهج البلاغة كذلك إلا أن في أكثر النسخ
كلا ولا، ومن الناس من يرويها: كلا ولات، وهي حرف أجرى مجرى ليس
ولا يجيئ إلا مع حين إلا أن يحذف في شعر ومن الرواة من يرويها: كلا ولأي، ولأي فعل
معناه أبطأ، وقال ابن ميثم: قوله: كلا ولا، تشبيه بالقليل السريع الفناء وذلك لأن
لا ولا لفظان قصيران قليلان في المسموع واستشهد بقول ابن هانئ.
أقول: ويحتمل أن يكون المعنى شيئا كلا شئ وليس بلا شئ أو يكون العطف
للتأكيد، والموقف هنا مصدر، والمشرفية بالفتح سيوف نسبت إلى مشارف، وهي
قرى من أرض العرب، وفي النهاية: الجرض بالتحريك أن تبلغ الروح الحلق والإنسان
جريض وفي الصحاح: الجرض بالتحريك الريق يغص به يقال: جرض بريقه يجرض
مثال كبر يكبر وهو أن يبتلع ريقه على هم وحزن بالجهد، والجريض الغصة ومات فلان
جريضا أي مغموما، وقال: خنقه وأخنقه وخنقه وموضعه من العنق مخنق يقال: بلغ منه
المخنق وأخذت بمخنقه وخناقه أي حلقه وقال ابن ميثم: لايا مصدر والعامل محذوف
وما مصدرية في موضع الفاعل والتقدير فلايا لايا نجاؤه أي عسر وأبطأ وقوله: بلاي كلايا
لايا أي مقرونا بلاي أي شدة بعد شدة وقال الكيدري: ما زائدة وتقدير الكلام فنجا
لايا أي صاحب لأي أي في حال كونه صاحب جهد ومشقة متلبسة بمثلها أي نجا في حال تضاعف
الشدائد وقال الراوندي: نصب لايا على الظرف، وتفيد ما الزائدة في الكلام إبهاما
أي بعد شدة وإبطاء نجا، وقوله (ع): قتال المحلين أي البغاة، قال الجوهري:
أحل أي خرج إلى الحل أو من ميثاق كان عليه ومنه قول زهير: وكم بالقنان من محل ومحرم
وقال: أسلمه أي خذله، قوله (ع): ولا مقرا للضيم، أي راضيا بالظلم صابرا عليه،
والسلس السهل اللين المنقاد، ولا وطيئ الظهر أي متهيئا للركوب، ومقتعد البعير
راكبه، والصليب الشديد).
أقول: في شرح ابن ميثم (ره) ما يقرب مما في هذا البيان.
432

وأما ما سألتني أن أكتب إليك برأيي فيما أنا فيه فإن رأيي جهاد المحلين حتى
ألقى الله، لا يزيدني كثرة الناس معي عزة، ولا تفرقهم عني وحشة، لأني محق
والله مع الحق، ووالله ما أكره الموت على الحق، وما الخير كله بعد الموت إلا لمن
كان محقا.
433

وأما ما عرضت به علي من مسيرك إلي ببنيك وبني أبيك، فلا حاجة لي في ذلك
فأقم راشدا محمودا، فوالله ما أحب أن تهلكوا معي إن هلكت، ولا تحسبن ابن أمك
434

ولو أسلمه الناس متخشعا ولا متضرعا [ولا مقرا للضيم واهنا، ولا سلس الزمام للقائد
ولا وطئ الظهر للراكب المقتعد (1)] إني لكما قال (2) أخو بني سليم:
فإن تسأليني كيف أنت فإنني * صبور على ريب الزمان صليب
يعز علي أن ترى بي كآبة * فيشمت عاد أو يساء حبيب

1 - هذه الفقرات في النهج فقط وأما قوله: (وطئ الظهر للراكب) فهو كناية
هنا عن الذليل كما قد يكنى به عن الشريف ففي لسان العرب: (رجل وطئ الخلق
على المثل، ورجل موطأ الأكناف إذا كان سهلا دمثا كريما ينزل به الأضياف فيقريهم)
وفي القاموس: (رجل موطأ الأكناف كمعظم سهل دمث كريم مضياف).
2 - في النهج: (ولكنه) وفي شرح النهج والبحار: (إنه لكما قال) وفي الإمامة
والسياسة: (وأنا كما قال) وفي الأغاني: (ولكن أقول).
435

عن محمد بن مخنف قال: (1) إني لأسمع الضحاك بن قيس [بعد ذلك بزمان]

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 155، س 34):
(قال إبراهيم بن هلال الثقفي: وذكر محمد بن مخنف أنه سمع الضحاك بعد ذلك
بزمان يخطب على منبر الكوفة وقد كان بلغه أن قوما من أهلها يشتمون عثمان ويبرؤون منه
قال: فسمعته وهو يقول: بلغني (الحديث)) وأما محمد بن مخنف ففي تنقيح -
المقال: (محمد بن مخنف بن سليم ليس له ذكر في كتب الرجال لأصحابنا ولم يذكر في
أصحاب علي عليه السلام وإنما ذكر العامة أخاه أبا رملة عامر بن مخنف ولم أقف لهما على
رواية، نعم روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين بسنده عن محمد بن مخنف أنه قال: دخلت
مع أبي على علي عليه السلام مقدمه من البصرة وهو عام بلغت الحلم فإذا بين يديه رجال
(إلى آخر ما قال)).
أقول: الرواية مذكورة في أوائل كتاب صفين لنصر (ص 10 من طبعة القاهرة سنة
1365 ه‍ ق) ومراده - قدس سره - في عبارته من (أخاه أبا رملة) وهو عامر ففي -
ميزان الاعتدال: (عامر أبو رملة شيخ لابن عون فيه جهالة له عن مخنف بن سليم عن -
النبي (ص): يا أيها الناس على كل بيت في كل عام أضحية وعتيرة قال عبد الحق إسناده ضعيف
وصدقه ابن القطان لجهالة عامر رواه عنه ابن عون) وقال في ترجمة محمد نفسه: (محمد
بن مخنف روى عن علي - رضي الله عنه - عام بلغت الحلم) وفي تقريب التهذيب:
(عامر أبو رملة شيخ لابن عون لا يعرف من الثالثة / 4) وفي الإصابة في ترجمة أبيهما:
(مخنف بن سليم بن الحارث بن عوف بن ثعلبة بن عامر بن ذهل بن مازن بن ذبيان بن
ثعلبة الأزدي الغامدي قال ابن الكلبي: هو من الأزد بالكوفة والبصرة، ومن ولده
أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم، قال: له صحبة وحديثه في كتب السنن
الأربعة من طريق عبد الله بن عون عن عامر أبي رملة عن مخنف بن سليم قال: كنا وقوفا مع
رسول الله (ص) بعرفات فقال: يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحاة
وعتيرة (إلى آخر الحديث وآخر ما قال) فيظهر من العبارات السابقة أن محمد بن مخنف
الذي نحن في ترجمته وأخاه أبا رملة وأخاهما سعيدا جد لوط بن يحيى أبي مخنف المشهور
وأخاهم عبد الله بن مخنف الذي يأتي شرح حاله في غارة النعمان بن بشير (أنظر ص 450)
أولاد مخنف بن سليم الصحابي المذكور الذي كان عامل علي (ع) على أرض الفرات وما يليه
وهو الذي ولاه (ع) إصبهان ويأتي تفصيله في محله من تعليقاتنا على الكتاب إن شاء الله تعالى.
436

على منبر الكوفة يخطبنا وهو يقول: أنا ابن قيس، وأنا أبو أنيس، وأنا قاتل عمرو بن
عميس، قال: وكان الذي ظاهره على ذلك (1) أنه أخبر أن رجالا من الكوفة يظهرون
شتم عثمان والبراءة منه قال: فسمعته وهو يقول: بلغني أن رجالا منكم ضلالا
يشتمون أئمة الهدى ويعيبون أسلافنا الصالحين، أما والذي ليس له ند ولا شريك
لئن لم تنتهوا عما بلغني عنكم لأضعن فيكم سيف زياد ثم لا تجدونني ضعيف السورة
ولا كليل الشفرة، أما والله إني لصاحبكم الذي أغرت على بلادكم، فكنت أول من -
غزاها في الإسلام، فسرت ما بين الثعلبية وشاطئ الفرات (2) أعاقب من شئت وأعفو عمن
شئت، لقد ذعرت (3) المخبئات (4) في خدورهن، وإن كانت المرأة ليبكي ابنها فلا ترهبه ولا تسكته
إلا بذكر اسمي، فاتقوا الله يا أهل العراق واعلموا أني أنا الضحاك بن قيس (5).
فقام إليه عبد الرحمن بن عبيد (6) فقال: صدق الأمير وأحسن القول ما أعرفنا
والله بما ذكرت...! ولقد أتيناك (7) بغربي تدمر فوجدناك شجاعا صبورا مجربا، ثم جلس

1 - كذا في الأصل صريحا فالمراد أنه (وكان الذي حمله على ذلك ودعاه إليه).
2 - في شرح النهج: (وشرب من ماء الثعلبية ومن ماء الفرات).
3 - في المصباح المنير: (ذعرته ذعرا من باب نفع أفزعته، والذعر بالضم
اسم منه، وامرأة ذعور تذعر من الريبة).
4 - في شرح النهج: (المخدرات) ففي النهاية: (المخبأة الجارية التي في خدرها
لم تزوج بعد لأن صيانتها أبلغ ممن قد تزوجت) وفي لسان العرب: (واختبأت استترت،
وجارية مخبأة أي مستترة، وقال الليث: امرأة مخبأة وهي المعصر قبل أن تزوج، وقيل:
المخبأة من الجواري هي المخدرة التي لا بروز لها، وفي حديث أبي أمامة: لم أر كاليوم
ولا جلد مخبأة المخبأة، الجارية التي في خدرها لم تزوج بعد لأن صيانتها أبلغ ممن قد تزوجت،
وامرأة خبأة مثل همزة تلزم بيتها وتستتر (إلى آخر ما قال)).
5 - في شرح النهج بعدها: (أنا أبو أنيس، أنا قاتل عمرو بن عميس).
6 - يحتمل أن يكون المراد منه عبد الرحمن بن عبيد أبا الكنود الراوي المتقدم ترجمته
في ص 394.
7 - في شرح النهج: (لقيناك).
437

فقال: أيفتخر (1) علينا بما صنع في بلادنا أول ما قدم؟! وأيم الله لأذكرنه أبغض مواطنه
تلك إليه. قال: فسكت الضحاك قليلا [فكأنه خزي واستحيا (2)] ثم قال: نعم كان
ذلك اليوم بأخرة (3) بكلام ثقيل ثم نزل.
فقلت لعبد الرحمن بن عبيد [أو قيل له]: لقد اجترأت حين تذكره ذلك اليوم (4)
وتخبره أنك كنت فيمن لقيه، فقال: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا (5).
قال: وحدثني ابن أخي محمد بن مخنف عن أبيه عن عمه قال: قال الضحاك لعبد - الرحمن بن مخنف (6) [حين قدم الكوفة]: لقد رأيت منكم بغربي تدمر رجلا ما كنت
أرى في الناس مثله رجلا، حمل علينا فما كذب (7) حتى ضرب الكتيبة التي أنا فيها،
فلما ذهب ليولي حملت عليه فطعنته في قمته (8) فوقع ثم قام فلم يضره شيئا فذهب،

1 - في شرح النهج: (أيفخر).
2 - في شرح النهج فقط.
3 - في المصباح المنير: (الآخرة وزان قصبة بمعنى الأخير يقال: جاء بأخرة
أي أخيرا) وفي الصحاح: (جاء فلان بأخرة بفتح الخاء، وما عرفته إلا بأخرة أي أخيرا).
4 - في شرح النهج: (هذا اليوم).
5 - صدر آية 51 من سورة التوبة.
6 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 156، س 9): (قال:
وسأل الضحاك عبد الرحمن بن مخنف (القصة) ومن المحتمل أن يكون (مخنف) هنا
وفيما يأتي مصحف (عبيد) ومحرفا عنه لما ذكر آنفا، أو أن يكون لفظة (عبيد) فيما مر
من الموردين محرفة عن كلمة (مخنف) وهو ابن مخنف بن سليم أبو حكيم الأزدي الغامدي
عامل علي (ع) على بعض نواحي الكوفة كما يأتي قصته في غارة النعمان بن بشير لأن القصة
واحدة والرجل واحد كما أن المتن يشهد لذلك.
7 - في الصحاح: (يقال: حمل فلان فما كذب بالتشديد أي ما جبن، وحمل ثم كذب
أي لم يصدق الحملة قال الشاعر:
ليث يعثر يصطاد الرجال إذا * ما الليث كذب عن أقرانه صدقا)
وفي القاموس: (حمل فما كذب تكذيبا ما جبن، وما كذب أن فعل كذا ما لبث).
8 - في الصحاح: (القمة أعلى الرأس وأعلى كل شئ).
438

ثم لم يلبث أن حمل علينا في الكتيبة التي أنا فيها فصرع رجلا ثم ذهب لينصرف فحملت
عليه فضربته على رأسه بالسيف فخيل إلي أن سيفي قد ثبت في عظم رأسه قال: فضربني،
فوالله ما صنع سيفه شيئا ثم ذهب، فظننت أنه لن يعود، فوالله ما راعني إلا وقد عصب
رأسه بعمامة ثم أقبل نحونا، فقلت: ثكلتك أمك أما نهتك الأوليان (1) عن الإقدام
علينا؟ قال: وما تنهياني وأنا أحتسب هذا في سبيل الله؟! قال: ثم حمل علينا فطعنني وطعنته
فحمل أصحابه علينا فانفصلنا (2) وحال الليل بيننا. فقال له عبد الرحمن بن مخنف:
هذا يوم شهده هذا يعني ربيعة بن ناجد (3) وهو فارس الحي وما أظنه هذا الرجل

1 - في شرح النهج: (الأولتان).
2 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (فاقتتلنا).
3 - في توضيح الاشتباه للساروي: (ربيعة بفتح الراء المهملة ابن ناجذ
بالنون والجيم والذال المعجمة كما قاله في الخلاصة).
أقول: نص عبارة العلامة (ره) في الخلاصة في آخر القسم الأول بعد ذكر الكنى
تحت عنوان (ومن أوليائه [أي أمير المؤمنين عليه السلام] ربيعة بن ناجذ بالنون والجيم
والذال المعجمة الأزدي) وهو منقول من رجال البرقي إلا أن الاسمين في رجال البرقي
لم يذكرا بالضبط الصريح وقال المامقاني (ره) في تنقيح المقال: (ربيعة بن
ناجد الأسدي الأزدي عربي كوفي قاله الشيخ (ره) في باب أصحاب أمير المؤمنين (ع) من
رجاله وظاهره كونه إماميا وهو صريح ما حكاه في خاتمة القسم الأول من الخلاصة عن البرقي
من عده من أولياء أمير المؤمنين (ع)، وناجد بالنون والألف والجيم المكسورة والدال المهملة).
أقول: الصحيح في ضبط اسم (ناجد) ما قاله المامقاني (ره) قال الزبيدي في
تاج العروس في فصل النون من باب الدال المهملة: (ربيعة بن ناجد روى أبوه عن علي).
أقول: كأن كلمة (أبوه) في كلامه محرفة عن (ابنه) أو جرت على قلم الزبيدي اشتباها
فإن الراوي عن علي (ع) هو ربيعة كما يأتي في الكتاب (أنظر باب محبي علي (ع) ومبغضيه)
وقال الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال: ([ص ق] ربيعة بن ناجد بجيم ثم
مهملة الأزدي كوفي عن علي وعنه أبو صادق الأزدي فقط، له عندهما حديثان) ويريد بقوله:
(عندهما) النسائي في كتاب خصائص علي (ع) وابن ماجة في سننه فإن (ص ق) رمزان
لهما وفي تقريب التهذيب: (ربيعة بن ناجد الأزدي الكوفي يقال: هو أخو أبي صادق
الراوي عنه ثقة من الثانية / س ق) ويريد بقوله: (س ق) أخرج حديثه النسائي وابن -
ماجة. وقال في تهذيب التهذيب: (ربيعة بن ناجد الأزدي ويقال أيضا الأسدي الكوفي
روى عن علي وابن مسعود وعبادة بن الصامت - رضي الله عنهم -، وعنه أبو صادق الأزدي
يقال: إنه أخوه ذكره ابن حبان في الثقات، له في ابن ماجة حديث واحد في الأمر بإقامة الحد.
وفي الخصائص آخر في فضل علي. قلت: وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة وقرأت بخط
الذهبي: لا يكاد يعرف) وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: (ربيعة بن ناجد [ق]
عن علي لا يكاد يعرف، وعنه أبو صادق بخبر منكر فيه: علي أخي ووارثي).
أقول: فليتأمل فيما قال الذهبي فإن بالتأمل فيه يستفاد وجه تضعيفه له.
439

يخفى عليه فقال له: أتعرفه؟ قال نعم، قال: من هو؟ قال: أنا، قال: فأرني الضربة
التي برأسك. قال: فأراه فإذا هي ضربة قد برت العظم منكرة. فقال له: ما رأيك
اليوم فينا؟ أهو كرأيك يومئذ؟ - قال: رأيي اليوم رأي الجماعة، قال: فما عليكم
اليوم من بأس، أنتم آمنون ما لم تظهروا خلافا، ولكن العجب كيف نجوت من
زياد؟ لم يقتلك فيمن قتل؟ أولم يسيرك فيمن سير؟ قال: أما التسيير فقد سيرني،
وأما القتل فقد عافانا الله منه.
فقال الضحاك (1): والله لقد أصابني في ذلك الطريق عطش شديد ضل جملنا
الذي كان عليه الماء فعطشنا وخفقت برأسي خفقتين لنعاس أصابني فتركت الطريق
فانتبهت وليس معي إلا نفر [يسير (2)] من أصحابي ليس فيهم أحد معه ماء فبعثت
رجلا منهم في جانب يلتمس (3) الماء ولا أنيس إذ رأيت (4) جادة فلزمتها فسمعت قائلا يقول:

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 156، س 19): (قال
إبراهيم الثقفي: وأصاب الضحاك في هربه من حجر عطش شديد (القصة).
2 - في شرح النهج فقط.
3 - في شرح النهج: (فبعث رجالا منهم يلتمسون).
4 - في شرح النهج: (قال: فرأيت).
440

دعاني الهوى فازددت شوقا وربما * دعاني الهوى من ساعة فأجيب
وأرقني بعد المنام وربما * أرقت لساري الهم حين يؤوب
فإن أك قد أحببتكم ورأيتكم * فإني بدارا (1) عامر لغريب
قال: فأشرف علي الرجل فقلت: يا عبد الله اسقني ماء فقال: لا والله حتى
تعطيني ثمنه، قال: قلت: وما ثمنه؟ - قال: دينك، قلت: أما ترى عليك من الحق
أن تقري الضيف فتسقيه وتطعمه وتكرمه؟! قال: ربما فعلنا وربما بخلنا، قال: قلت:
والله ما أراك فعلت خيرا قط، اسقني، قال: ما أطيق، قلت: إني أحسن إليك وأكسوك
قال: لا والله ما أنقصك شربة (2) من مائة دينار، فقلت له: ويحك اسقني، فقال: ويحك
أعطني قال: قلت: لا والله ما هي معي ولكنك تسقيني ثم تنطلق معي أعطيكها، قال:
لا والله، قال: قلت: اسقني ثم أرهنك (3) فرسي حتى أوفيكها، قال: نعم، فخرج
بين يدي واتبعته فأشرفنا على أخبية وناس على ماء فقال لي: مكانك حتى آتيك،

1 - في جميع الموارد المعتد بها التي ذكرت فيها الكلمة بالألف ومع ذلك قال
محمد أبو الفضل إبراهيم وهو مصحح الطبعة الحديثة من شرح النهج لابن أبي الحديد في
ذيل الصفحة شارحا للبيت ومفسرا للكلمة (ص 123 من الجزء الأول): (دارى واد لبني عامر).
ونص عبارة القاموس هكذا: (ودارا بلد بين نصيبين وماردين بناها دارا بن دارا الملك،
وقلعة بطبرستان، وواد بديار بني عامر، وناحية بالبحرين ويمد) وقال ياقوت في
معجم البلدان ضمن ما ذكر تحت عنوان (دارا): (ودارا واد في ديار بني عامر...
قال حميد بن ثور:
وقائلة زور مغب وأن يرى * بحلية أو ذات الخمار عجيب
بلى فاذكرا عام انتجعنا وأهلنا * مدافع دارا والجناب خصيب
ليالي أبصار الغواني وسمعها * إلي وإذ ريحي لهن جنوب
وإذ ما يقول الناس: شئ مهون * علينا وإذ غصن الشباب رطيب
زور، يريد نفسه، مغب، لا عهد له بالزيارة).
2 - في شرح النهج: (والله لا أنقص شربة).
3 - في شرح النهج: (وأرهنك).
441

فقلت: لا، بل أجيئ معك إلى الناس، قال: فساءه حيث رأيت الناس والماء، فذهب
يشتد حتى دخل بيتا ثم جاء بماء في إناء فقال: اشرب، فقلت: لا حاجة لي فيه، ثم
دنوت من القوم فقلت: اسقوني ماءا، فقال شيخ لابنته: اسقيه، فقامت ابنته وقال:
ما رأيت امرأة أجمل منها فجاءتني بماء ولبن، فقال الرجل: نجيتك من العطش
وتذهب بحقي؟! والله لا أفارقك حتى أستوفي منك حقي، قال:: فقلت: اجلس حتى
أوفيك، فجلس، فنزلت فأخذت الماء واللبن من يد الفتاة، فشربته. ثم اجتمع إلي
أهل الماء فقلت لهم: هذا ألام الناس، فعل لي كذا وكذا، وهذا الشيخ خير منه وأسدى
استسقيته فلم يكلفني شيئا (1) وأمر ابنته فسقتني، ثم هذا يلزمني بمائة دينار (2)،
فشتموه ووقعوا به (3) ولم يكن بأسرع من أن لحقني قوم من أصحابي فسلموا علي
بالإمرة فارتاب الرجل والله وجزع فذهب يريد (4) أن يقوم، فقلت له: والله لا تبرح حتى
أوفيك (5) المائة فأخذ فرسي وجلس لا يدري ما أريد به، فلما كثرت أصحابي (6) عندي
سرحت إلى ثقلي فأتيت به ثم أمرت بالرجل فجلد مائة جلدة، ودعوت الشيخ وابنته
فأمرت لهما بمائة دينار وكسوتهما، وكسوت أهل الماء ثوبا ثوبا فحرمته، فقال
أهل الماء: كان أيها الأمير أهلا لذلك، وكنت أيها الأمير لما أتيت به من خير أهلا (7).
فلما رجعت إلى معاوية فحدثته فعجب وقال: لقد لقيت في سفرك هذا عجبا (8).

1 - في شرح النهج: (فلم يكلمني).
2 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (بمائة ألف دينار).
3 - في شرح النهج: (فشتمه أهل الحي ووقعوا به) فالباء بمعنى في.
4 - في الأصل: (فذهب وأراد).
5 - يقال: (وفى فلانا حقه توفية وأوفاه حقه إيفاء = أعطاه إياه وافيا تاما).
6 - في شرح النهج: (كثر جندي).
7 - في شرح النهج: (رأيت) فكأنه تقليد في التعبير للآية: (لما أنزلت إلى
من خير).
8 - مقتبس من قول الله تعالى: (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) (ذيل آية 62
من سورة الكهف).
تكملة - قال ابن أبي الحديد هنا أي بعد قوله: (لقد رأيت في سفرك هذا عجبا):
(ويذكر أهل النسب أن قيسا أبا الضحاك بن قيس كان يبيع عسب الفحول في الجاهلية)
وقال محمد أبو الفضل إبراهيم مصحح الطبعة الجديدة من شرح النهج في ذيل الصفحة
(العسب هنا ماء الفحل).
أقول: قد تقدم في الكتاب في مجاراة معاوية وأصحابه الذين منهم الضحاك بن
قيس مع عقيل بن أبي طالب ما يؤيد ذلك ويصححه (أنظر ص 65).
442

قول علي - عليه السلام - في قتله (1)
عن أبي حمزة (2) عن أبيه قال: سمعت عليا عليه السلام يقول:

1 - قد تقدم في موارد من الكتاب إخباره عليه السلام عن قتله منها في خطبته (ع)
بعد وقعة النهروان (ص 7، س 4) ومنها في باب دخوله (ع) الكوفة (ص 30، س 6)
ومنها في باب سيرته (ع) في نفسه (ص 108، س 4).
2 - كذا في الأصل صريحا، ومن المحتمل أن تكون الكنية أبا جمرة بالجيم لا بالحاء
المهملة ففي باب الكنى من تقريب التهذيب: (أبو جمرة الضبعي اسمه نصر بن عمران)
وفي باب الأسماء منه: (نصر بن عمران بن عصام الضبعي بضم المعجمة وفتح
الموحدة بعدها مهملة أبو جمرة بالجيم البصري نزيل خراسان مشهور بكنيته ثقة ثبت من الثالثة
مات سنة ثمان وعشرين [ومائة] / ع) وفي تهذيب التهذيب في ترجمته: (روى
عن أبيه وابن عباس وابن عمر (إلى آخر ما قال)) أو أن تكون الكنية كما في المتن
أبا حمزة بالحاء المهملة والزاي ويكون المراد منه أبا حمزة القصاب عمران بن أبي عطاء
ففي تقريب التهذيب: (عمران بن أبي عطاء الأسدي مولاهم أبو حمزة القصاب [بياع
القصب] الواسطي صدوق له أوهام من الرابعة / ى م) وفي تهذيب التهذيب في
ترجمته: (روى عن أبيه وابن عباس وأنس ومحمد بن الحنفية (إلى آخر ما قال) وصرح
فيه في ترجمته وترجمة نصر بن عمران بأن أبا عوانة روى عنهما ونص عبارته في ترجمة نصر
هكذا: (وقال الآجري عن أبي داود: روى أبو عوانة عن أبي حمزة القصاب ستين حديثا،
وروى عن أبي جمرة الضبعي حديثا واحدا) وفي القاموس: (وأبو جمرة الضبعي
نصر بن عمران) وفي تاج العروس: (اسمه نصر بن عمران بن عاصم عن ابن عباس وعنه
شعبة وهو من ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وولده عمران بن أبي جمرة روى عن حماد بن زيد، وأخوه
علقمة بن أبي جمرة عن أبيه كذا في التكملة).
أقول: من أراد التحقيق أكثر مما ذكرناه فليخض فيه فإن المقام لا يسع أكثر من ذلك.
443

بالله لتخضبن هذه من دم هذا يعني لحيته من رأسه (1).
قال مازن (2): رأيت عليا عليه السلام أخذ بلحيته وهو يقول:
والله ليخضبنها من فوقها بدم فما يحبس أشقاكم (3).
عن ثعلبة بن يزيد الحماني (4) قال: شهدت لعلي عليه السلام خطبة فجئت إلى أبي

1 - لم نجد الرواية في شرح النهج والبحار منقولة عن الغارات.
2 - في جامع الرواة وتنقيح المقال نقلا عن رجال الشيخ (ره): أن (مازن بن حنظلة
من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام).
3 - لم أجد الرواية في مظانها من الكتب نقلا عن الغارات ولا يخفى أن ضمير (أشقاكم)
بصيغة الخطاب لا يناسب كلامه عليه السلام فلعله مصحف ومحرف والصحيح: (أشقاها) فتدبر.
4 - في تقريب التهذيب: (ثعلبة بن يزيد الحماني بكسر المهملة وتشديد الميم
كوفي صدوق شيعي من الثالثة / عس) (يريد به مسند علي للنسائي). وفي تهذيب التهذيب:
(ثعلبة بن يزيد الحماني الكوفي روى عن علي (إلى أن قال) وقال ابن حبان: وكان على
شرطة علي وكان غاليا في التشيع لا يحتج بأخباره إذا انفرد به عن علي، كذا حكاه عنه ابن الجوزي
وقد ذكره في الثقات بروايته عن علي وبرواية حبيب بن أبي ثابت عنه فينظر) وفي ميزان -
الاعتدال: (ثعلبة بن يزيد الحماني صاحب شرطة علي شيعي غال، قال البخاري: في
حديثه نظر روى قال النبي صل الله عليه وآله لعلي: إن الأمة ستغدر بك، وعنه حبيب بن أبي -
ثابت لا يتابع عليه، وقال النسائي ثقة، وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا).
444

فقلت: أسمعت من هذا خطبة آنفا ليستقتلن (1)؟ قال: وما ذاك؟ - قال: سمعته يقول:
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذا يعني لحيته من رأسه، قال:
سمعت ذلك (2).
غارة النعمان بن بشير الأنصاري (3)
على عين التمر (4) ومالك بن كعب الأرحبي (5)
عن محمد به يوسف بن ثابت (6) أن النعمان بن بشير قدم هو وأبو هريرة (7) على

1 - كذا ولعله إشارة إلى أنه عليه السلام كان يطلب موته ويتمنى كونه مقتولا.
2 - لم نجد الحديث في مظانه من شرح النهج والبحار.
3 - في تقريب التهذيب: (النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي له
ولأبويه صحبة ثم سكن الشام ثم ولي إمرة الكوفة ثم قتل بحمص سنة خمس وستين وله أربع
وستون سنة) وفي تنقيح المقال ضمن ترجمته: (وفي شرح النهج لابن أبي الحديد:
أنه كان النعمان بن بشير الأنصاري منحرفا عنه أي عن علي عليه السلام وعدوا له وخاض الدماء
مع معاوية خوضا، وكان من أمراء يزيد ابنه حتى قتل وهو على حاله) ونقل عن البحار عن شرح
ابن أبي الحديد عن كتاب الغارات هذه القصة فراجع إن شئت.
4 - في مراصد الاطلاع: (عين التمر بلدة في طرف البادية على غربي الفرات،
وحولها قريات منها شفاثا وتعرف ببلد العين وأكثر نخلها القصب. ويحمل منها إلى ساير الأماكن).
5 - تقدمت ترجمته (أنظر ص 292).
6 - في تقريب التهذيب: (محمد بن يوسف بن ثابت بن قيس يأتي في يوسف
بن محمد بن ثابت) وقال هناك: (يوسف بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس) بفتح
المعجمة وتشديد الميم مقبول من السابعة وقد قيل فيه: محمد بن يوسف / دس) والظاهر
أن الرواية مرسلة.
7 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج في شرح خطبة له (ع) أولها: (منيت
بمن لا يطيع إذا أمرت) (ج 1، ص 213): (هذا الكلام خطب به أمير المؤمنين (ع) في
غارة النعمان بن بشير الأنصاري على عين التمر ذكر صاحب الغارات أن النعمان بن بشير
(القصة)) وقال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن (ص
675، س 3): وقال ابن أبي الحديد أيضا: ذكر صاحب كتاب الغارات أن النعمان
بن بشير (القصة).
445

علي عليه السلام من عند معاوية بعد أبي مسلم الخولاني (1) يسألانه أن يدفع قتلة عثمان
إلى معاوية ليقتلهم (2) بعثمان لعل الحرب أن تطفأ ويصطلح الناس، وإنما أراد معاوية (3)
أن يرجع مثل النعمان وأبي هريرة من عند علي عليه السلام إلى الناس وهم لمعاوية عاذرون
ولعلي لائمون وقد علم معاوية أن عليا عليه السلام لا يدفع قتلة عثمان إليه فأراد أن يكون
هذان يشهدان له عند أهل الشام بذلك وأن يظهر عذره، فقال لهما: ائتيا عليا
فناشداه (4) الله وسلاه بالله لما دفع إلينا قتلة عثمان فإنه قد آواهم ومنعهم،، ثم لا حرب
بيننا وبينه، فإن أبى فكونوا شهداء الله عليه وأقبلا إلى (5) الناس فأعلماهم ذلك، فأتياه
فدخلا عليه فقال له أبو هريرة: يا أبا حسن إن الله قد جعل لك في الإسلام فضلا وشرفا،
أنت ابن عم محمد رسول الله صلى الله عليه وآله (6) وقد بعثنا إليك ابن عمك معاوية يسألك أمرا تهدأ به
هذه الحرب ويصلح الله به ذات البين أن تدفع إليه قتلة عثمان ابن عمه، فيقتلهم به،
ثم يجمع الله به أمرك وأمره ويصلح الله بينكم، وتسلم هذه الأمة من الفتنة والفرقة،
ثم تكلم النعمان بنحو من هذا.

1 - في تقريب التهذيب: (أبو مسلم الخولاني الزاهد الشامي اسمه عبد الله بن
ثوب بضم الواو بعدها موحدة وقيل باشباع الواو، وقيل: ابن أثوب وزن أحمر ويقال:
ابن عوف أو ابن مشكم، ويقال: اسمه يعقوب بن عوف ثقة عابد من الثانية رحل إلى النبي (ص)
ولم يدركه وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية / م 4).
2 - في شرح النهج والبحار: (ليقيدهم).
3 - في الأصل: (وإنما أراد ذلك معاوية).
4 - في شرح النهج: (فأنشداه).
5 - في شرح النهج: (على).
6 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (فأنت ابن عم محمد (ص) سيد المسلمين).
446

فقال عليه السلام لهما: دعا الكلام في هذا.
حدثني عنك يا نعمان أنت أهدى قومك سبيلا [يعني الأنصار]؟ - قال: لا،
فقال: كل قومك قد اتبعني إلا شذاذا منهم ثلاثة أو أربعة، أفتكون أنت من الشذاذ؟!
فقال النعمان: أصلحك الله، إنما جئت لأكون معك وألزمك، وقد كان معاوية سألني
أن أؤدي هذا الكلام وقد كنت رجوت أن يكون لي موقف أجتمع فيه معك وطمعت
أن يجري الله تعالى بينكما صلحا، فإذا كان غير ذلك رأيك فأنا ملازمك وكائن معك.
وأما أبو هريرة فلحق بالشام فأتى معاوية وخبره الخبر فأمره أن يخبر الناس
ففعل، وأما النعمان فأقام بعده أشهرا ثم خرج فارا من علي عليه السلام حتى إذا مر بعين
التمر أخذه مالك بن كعب الأرحبي وكان عامل علي عليه السلام عليها فأراد حبسه وقال له:
ما مر بك ههنا (2): قال: إنما أنا رسول بلغت رسالة صاحبي ثم انصرفت، فحبسه، ثم
قال: كما أنت حتى أكتب إلى علي فيك، فناشده وعظم عليه أن يكتب إلى علي عليه السلام
فيه، وقد كان قال لعلي عليه السلام: إنما جئت لأقيم، فأرسل النعمان إلى قرظة بن كعب
الأنصاري (3) وهو بجانب (4) عين التمر يجبي خراجها لعلي عليه السلام فجاء مسرعا حتى
[وصل إلى] مالك بن كعب فقال له: خل سبيل هذا الرجل (5) - يرحمك الله - فقال له:
يا قرظة إتق الله ولا تتكلم في هذا فإن هذا لو كان من عباد الأنصار ونساكهم ما هرب
من أمير المؤمنين إلى أمير المنافقين، فلم يزل (6) يقسم عليه حتى خلى سبيله، فقال له:
يا هذا لك الأمان اليوم والليلة وغدا ثم قال: والله لئن أدركتك بعدها لأضربن عنقك

1 - في شرح النهج: (شهرا).
2 - في شرح النهج: (بيننا).
3 - قد مرت ترجمته المبسوطة في تعليقاتنا على الكتاب (ص 339).
4 - في شرح النهج: (كاتب) وأظنه محرفا عن (بجانب).
5 - في شرح النهج: (خل سبيل ابن عمي).
6 - في شرح النهج: (فلم يزل به).
447

فخرج مسرعا لا يلوي على شئ (1) وذهبت به راحلته فلم يدر أين يتسكع (2) من الأرض،
وأصبح ثلاثا لا يدري أين هو؟!
قال النعمان: والله ما علمت أين أنا حتى سمعت قائلة تقول وهي تطحن:
شربت مع الجوزاء كأسا روية * وأخرى مع الشعرى (3) إذا ما استقلت
معتقة كانت قريش تصونها * فلما استحلوا قتل عثمان حلت
فعلمت أني عند حي من أصحاب معاوية وإذا الماء لبني القين (4) فعلمت عند ذلك

1 - كذا في شرح النهج وهو الصحيح لكن في الأصل: (لا يأوى إلى شئ) ففي
المصباح المنير: (مر لا يلوي على أحد أي لا يقف ولا ينتظر) وفي النهاية: (في
حديث أبي قتادة: فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد أي لا يلتفت ولا يعطف عليه) وفي
أساس البلاغة: (مر لا يلوي على أحد لا يقيم عليه ولا ينتظره قال:
فلوت خيله عليه وهابوا * ليث غاب مقنعا في الحديد)
وفي مجمع البحرين: (قوله تعالى: ولا تلوون على أحد أي لا يقف أحد لأحد ولا ينتظره،
يقال: لوى عليه إذا عرج فأقام) والآية في سورة آل عمران وهي: (إذ تصعدون ولا تلوون على
أحد والرسول يدعوكم في أخراكم (الآية 153)
2 - قال الجوهري: (سكع الرجل مثل صقع يقال: ما أدري أين سكع وأين
تسكع، والتسكع التمادي في الباطل ومنه قول الشاعر: ألا إنه في غمرة يتسكع) وفي
القاموس: (سكع كمنع وفرح مشى مشيا متعسفا لا يدري أين يأخذ من بلاد الله كتسكع،
ورجل ساكع وسكع غريب، وما أدري أين سكع أين ذهب، وما يدري أين يسكع من
أرض الله أين يأخذ، والمسكعة كمحدثة المضلة من الأرضين لا يهتدى فيها لوجه الأمر، وتسكع
تمادى في الباطل).
3 - في الصحاح: (الشعرى الكوكب الذي يطلع بعد الجوزاء وطلوعه في شدة
الحر، وهما الشعريان الشعرى العبور التي في الجوزاء والشعرى الغميصاء التي في الذراع،
تزعم العرب أنهما أختا سهيل).
4 - في القاموس: (بلقين أصله بنو القين) وقال الزبيدي في شرحه:
(و [بلقين] بفتح فسكون حي من بني أسد كما قالوا بلحرث وبلهجيم و [أصله بنو القين]
(ويقال لبني القين من بني أسد بلقين كما قالوا بلحارث وبلهجيم وهو من شواذ التخفيف).
448

أني قد انتهيت إلى مأمني.
ثم انتهى حتى قدم على معاوية فخبره بما كان ولقي، ثم لم يزل مع معاوية
مناصحا مجالدا لعلي (1) ويتتبع قتلة عثمان حتى غزا الضحاك بن قيس أرض العراق
ثم انصرف إلى معاوية وقد كان معاوية قال قبل ذلك بشهرين أو ثلاثة: أما من رجل
أبعث معه بجريدة خيل حتى يغير على شاطئ الفرات فإن الله يرعب بها أهل العراق،
فقال له النعمان: ابعثني فإن لي في قتالهم نية وهوى، وكان النعمان عثمانيا، قال:
فانتدب على اسم الله، فانتدب، وندب معه ألفي رجل، وأوصاه أن يتجنب المدن والجماعات،
وأن لا يغير إلا على مسلحة، وأن يعجل بالرجوع، فأقبل النعمان بن بشير حتى دنا
من عين التمرد وكان بها مالك بن كعب الأرحبي الذي جرى له معه ما ذكرناه، وكان
معه بها ألف رجل وقد أذن لهم فرجعوا إلى الكوفة، فلم يك بقي معه إلا مائة أو نحوها.
فكتب مالك إلى علي عليه السلام:
أما بعد فإن النعمان بن بشير قد نزل بي في جمع كثيف فرما أنت ترى (2) - سددك
الله تعالى وثبتك - والسلام.

1 - في الأصل: (مجاهدا لعلي) وفي شرح النهج: (لم يجاهد عليا) ففي -
الصحاح: (المجالدة المبالطة، وتجالد القوم بالسيوف واجتلدوا) (وقال في بلط:)
(والمبالطة المضاربة بالسيوف، وتبالطوا أي تجالدوا).
ثم لا يخفى أن المجلسي (ره) قال في ثامن البحار (ص 675، س 7):
(فأقام النعمان، ولحق أبو هريرة بالشام وفر النعمان بعد أشهر منه - عليه السلام - إلى الشام
فأخذه في الطريق مالك بن كعب الأرحبي وكان عامل علي (ع) بعين التمر فتضرع واستشفع
حتى خلى سبيله وقدم على معاوية وخبره بما لقيه ولم يزل معه).
أقول: عبارته هذه تلخيص ما ذكر في المتن من القضايا، وهذا دأبه (ره) وديدنه
فيما يورده من القصص والتواريخ وذلك كان كتابه قد وضع لنقل الأحاديث والأخبار والآثار
المروية عن الأئمة الأطهار عليهم السلام.
2 - في شرح النهج: (فر رأيك).
449

عن عبد الرحمن بن مخنف قال: كان مخنف بن سليم (1) على الصدقة لعلي عليه السلام
فكان على أرض الفرات إلى أرض بكر بن وائل وما يليهم، وكان قد بعث مالك بن كعب
الأرحبي على العين، فأقبل النعمان بن بشير في ألف رجل حتى أغار على العين
فاستعان (2) مالك بن كعب مخنف بن سليم وكان معه ناس كثير كانوا متفرقين.
قال عبد الله بن مخنف:
فندب معي أبي مخنف خمسين رجلا، ولم يوافه يومئذ غيرهم، فبعثني عليهم
فانتهيت إلى مالك بن كعب وهو في مائة والنعمان وأصحابه قاهرون لمالك، فانتهينا
إليه مع الماء، فلما رأوني ظنوا أن ورائي جيشا فانحازوا، فالتقيناهم فقاتلناهم
وحجز الليل بيننا وبينهم وهم يظنون أن لنا مددا فانصرفوا، فقتل من أصحاب مالك
بن كعب عبد الرحمن بن حرم الغامدي، وضرب مسلم بن عمرو الأزدي (3) على قمته (4)

1 - في تقريب التهذيب: (مخنف بكسر أوله وبنون ابن سليم بن الحارث بن
عوف الأزدي الغامدي صحابي نزل الكوفة وكان معه راية الأزد بصفين واستشهد بعين الوردة
سنة أربع وستين / 4) وفي توضيح الاشتباه: (مخنف بكسر الميم وسكون الخاء
ابن سليم بضم السين الأزدي عربي كوفي وفي الجامع أن عليا (ع) ولاه إصفهان).
أقول: الرجل من أصحاب علي عليه السلام وقد ذكر علماؤنا في كتبهم ترجمته
بما يدل على عظم قدره وجلالة شأنه، وعده جماعة من علماء العامة من الصحابة كما صرح
به في عبارة التقريب، فراجع.
2 - في الأصل: (فاستحاش) وصححت بقرينة المقام.
3 - في الأصل: (مسلم بن عمر) (بلا واو) وهو في الميزان واللسان كذلك لكن
في سائر كتب الرجال مع واو في آخر الكلمة حتى تقرأ بفتح العين وسكون الميم فقال
ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل: (مسلم بن عمرو أبو عازب روى
عن النعمان بن بشير، روى عنه جابر، وروى أبو نعيم عن الحارث بن زياد قال: دخلت على
أبي عازب في مرضه، سمعت أبي يقول ذلك) وفي ميزان الاعتدال ولسان الميزان:
(مسلم بن عمر أبو عازب ما روى عنه سوى جابر الجعفي، قال البخاري: لا يتابع عليه،
الثوري عن جابر عن أبي عازب عن النعمان بن بشير أن رسول الله (ص) قال: كل شئ
خطأ إلا السيف، ولكل خطأ أرش. قلت: وجابر لا شئ ولعل الخبر موقوف) وزاد
في اللسان: (وفي مصنف عبد الرزاق عن الثوري عن جابر الجعفي) وفي تقريب -
التهذيب: (أبو عازب الكوفي، اسمه مسلم بن عمرو أو ابن أراك مستور، من الرابعة / ق)
وفي تهذيب التهذيب: (أبو عازب كوفي اسمه مسلم بن عمرو وقيل: ابن أراك
روى عن النعمان بن بشير وقيل: عن أبي سعيد وعنه جابر الجعفي والحارث بن زياد).
4 - في الأصل: (على قبته) يقال: (القمة أعلى الرأس وأعلى كل شئ).
450

فكسر، وانصرف النعمان.
فبلغ الخبر عليا عليه السلام فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (1):
يا أهل الكوفة المنسر من مناسر أهل الشام (2) إذا أظل (3) عليكم أغلقتم أبوابكم

1 - لما كان ابن أبي الحديد لم يذكر هذه الرواية عند نقله القصة أحببنا أن نذكرها
هنا من تأريخ الطبري فإنه قال في حوادث سنة تسع وثلاثين بعد ذكره القصة برواية علي بن
محمد عن عوانة قريبا مما في المتن ما نصه (ج 6، ص 77 من الطبعة الأولى بمصر):
(حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي قال: حدثنا أبي قال: حدثني سليمان
عن عبد الله قال: حدثني عبد الله بن أبي معاوية عن عمرو بن حسان عن شيخ من بني فزارة قال:
بعث معاوية النعمان بن بشير في ألفين فأتوا عين التمر فأغاروا عليها وبها عامل لعلي يقال له:
ابن فلان الأرحبي في ثلاث مائة فكتب إلى علي يستمده فأمر الناس أن ينهضوا إليه فتثاقلوا
فصعد المنبر فانتهيت إليه وقد سبقني بالتشهد وهو يقول:
يا أهل الكوفة كلما سمعتم بمنسر من مناسر أهل الشام أظلكم انجحر كل امرئ منكم في
بيته وأغلق بابه انجحار الضب في جحره والضبع في وجارها، المغرور من غررتموه، ولمن
فاز بكم بالسهم الأخيب، لا أحرار عند النداء ولا إخوان ثقة عند النجاء، إنا لله وإنا إليه
راجعون، ماذا منيت به منكم، عمي لا تبصرون، وبكم لا تنطقون، وصم لا تسمعون، إنا لله وإنا
إليه راجعون).
ونقل الجزري في الكامل نحوه بتفاوت يسير وتلخيص كما هو دأبه.
2 - أورد السيد الرضي (ره) قطعة من هذه الخطبة في باب المختار من
خطبه عليه السلام في نهج البلاغة تحت عنوان (ومن كلام له (ع) في ذم أصحابه): (كم
أداريكم (إلى أن قال) كلما أطل عليكم منسر من مناسر أهل الشام أغلق كل رجل منكم بابه
وانجحر انجحار الضبة في جحرها والضبع في وجارها، الذليل والله من نصرتموه، ومن رمى
بكم فقد رمى بأفوق ناصل). وقطعة أخرى أيضا في الباب المذكور تحت عنوان (من
كلام له (ع)): (ولئن أمهل الله الظالم (إلى أن قال): يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث
واثنتين صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا
إخوان ثقة عند البلاء (أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد ج 2 ص 38 و ص 183).
أقول: سيأتي بعض فقرات هذه الخطبة في الكتاب في غارة سفيان بن عوف الغامدي أيضا.
3 - كذا في الأصل بالظاء المعجمة ففي المصباح المنير: (وأظل الشئ إظلالا
إذا أقبل أو قرب، وأظل أشرف) وفيه [في كتاب الطاء المهملة:] (وأطل الرجل
على الشئ مثل أشرف عليه وزنا ومعنى) وزاد عليه في مجمع البحرين: (ومنه
الحديث: المشرق مطل على المغرب) وأورده السيد (ره) في نهج البلاغة (بالطاء
المهملة) فقال ابن أبي الحديد في شرحه: (وأطل عليكم أي أشرف، وروى أظل
(بالظاء المعجمة) والمعنى واحد) ونقله المجلسي (ره) في ثامن البحار عن النهج
بالظاء المعجمة وقال في بيانه (ج 8، ص 685): (وأظل عليكم أي أقبل إليكم ودنا منكم،
وفي بعض النسخ بالمهملة أي أشرف).
451

وانجحرتم في بيوتكم انجحار الضبة في جحرها (1) والضبع في وجارها، الذليل والله

1 - في لسان العرب: (وأجحره فانجحر = أدخله الجحر فدخله، وأجحرته
أي ألجأته إلى أن دخل جحره، وجحر الضب دخل جحره، وأجحره إلى كذا ألجأه)
وقال ابن أبي الحديد في شرحه: (انجحر = استتر في بيته، أجحرت الضب إذا
ألجأته إلى جحره فانجحر، والضبة أنثى الضباب وأنما أوقع التشبية على الضبة مبالغة في
وصفهم بالجبن والفرار لأن الأنثى أجبن وأذل من الذكر) فما ضبطه عبد السلام محمد
هارون هذه العبارة في كتاب صفين بالحاء المهملة والجيم المعجمة: (احتجرتم
احتجار الضباب) فليس بصحيح إلا بتجشم فان (احتجر) (بتقديم الحاء على الجيم)
بمعنى أنه اتخذ حجرة، والحجرة بالضم بمعنى الغرفة والقبر وحظيرة الإبل، فتدبر.
452

من نصرتموه، ومن رمى بكم رمى بأفوق ناصل (1)، أف لكم لقد لقيت منكم ترحا، ويحكم
يوما أناجيكم ويوما أناديكم، فلا أجاب عند النداء، ولا إخوان صدق عند اللقاء، أنا
والله منيت بكم (2)، صم لا تسمعون، بكم لا تنطقون، عمي لا تبصرون، فالحمد لله رب
العالمين، ويحكم اخرجوا (3) إلى أخيكم مالك بن كعب فإن النعمان بن بشير قد نزل به
في جمع من أهل الشام ليس بالكثير فانهضوا إلى إخوانكم لعل الله يقطع بكم من
الظالمين (4) طرفا، ثم نزل.
فلم يخرجوا، فأرسل إلى وجوههم وكبرائهم فأمرهم أن ينهضوا ويحثوا الناس على
المسير، فلم يصنعوا شيئا (5) فقام عدي بن حاتم فتكلم.

1 - قال ابن أبي الحديد: (السهم الأفوق الناصل = المكسور الفوق، المنزوع
النصل، والفوق موضع الوتر من السهم، يقال: نصل السيف إذا خرج منه النصل فهو ناصل،
وهذا مثل يضرب لمن استنجد من لا ينجده). وقال أبو هلال العسكري في جمهرة
الأمثال: (قولهم: رميته فأفوق ناصل أي رددته بغير حظ تام، والأفوق = السهم المنكسر
الفوق، والناصل الساقط النصل).
2 - في نهج البلاغة (منيت منكم بثلاث واثنتين (إلى آخر ما فيه)).
3 - نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج هذه الخطبة بهذه العبارة (ج
1، ص 214): (فوصل الكتاب إلى علي (ع) فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
اخرجوا هداكم الله إلى مالك بن كعب أخيكم فإن النعمان بن بشير قد نزل به في جمع من
أهل الشام ليس بالكثير، فانهضوا إلى إخوانكم لعل الله يقطع بكم من الكافرين طرفا، ثم نزل)
أما المجلسي (ره) فنقلها في ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن (ص 675،
س 10) عن شرح النهج لابن الحديد كملا كما في المتن فيستفاد من ذلك وجودها كملا
في نسخة شرح النهج التي كانت عند المجلسي (ره) وسقوط قسمة منها من النسخ التي بأيدينا
والله العالم.
4 - في شرح النهج والبحار: (من الكافرين).
5 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 214، س 4) بعد
عبارة (فلم يصنعوا شيئا) ما نصه:
(واجتمع منهم نفر يسير نحو ثلاثمائة أو دونها فقام عليه السلام فقال: ألا إني منيت
بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت، لا أبالكم ما تنتظرون بنصركم ربكم؟ أما دين يجمعكم
ولا حمية تحمشكم؟! أقوم فيكم مستصرخا وأناديكم متغوثا، فلا تسمعون لي قولا ولا تطيعون لي أمرا
حتى تكشف الأمور عن عواقب المساءة، فما يدرك بكم ثار ولا يبلغ بكم مرام، دعوتكم إلى نصر
إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأسر، وتثاقلتم تثاقل النضو الأدبر، ثم خرج إلي منكم
جنيد متذائب [ضعيف] كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون.
ثم نزل فدخل منزله فقام عدي بن حاتم فتكلم (الحديث) وقال المجلسي (ره)
في ثامن البحار (ص 675، س 3): (وقال ابن أبي الحديد أيضا: ذكر
صاحب الغارات أن النعمان بن بشير قدم (إلى أن قال) واجتمع منهم نفر يسير نحو
ثلاثمائة فارس أو دونها (فذكر القصة إلى آخرها كما نقلناها عن شرح النهج). فليعلم
أنا قد قلنا فيما تقدم (ص 297): (أن قول ابن أبي الحديد في شرحه لما أورده الرضي (ره)
من قول أمير المؤمنين عليه السلام: منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، [هذا الكلام خطب به
أمير المؤمنين عليه السلام في غارة النعمان بن بشير على عين التمر] كلام صادر عن اشتباه
وذكرنا وجه اشتباهه فراجع، وإنما أوقعه في ذلك الاشتباه كون مالك بن كعب الأرحبي
مذكورا في القصتين كلتيهما وتشابههما في بعض الفقرات، فتفطن.
453

قال بكر بن عيسى: فحدثني سعد بن مجاهد الطائي (1) عن المحل (2) بن خليفة

1 - كذا في المتن وهو الصحيح وذلك أن كتب الرجال قد وصفته بأنه أبو مجاهد
ولم تصرح بأنه ابن مجاهد إلا أن الرجل قد وقع في أسانيد تاريخ الطبري بعنواني (سعد بن
مجاهد) و (سعد أبو مجاهد) ولا منافاة إذ قد يكون الرجل ذا ابن يسمى باسم جده ونظيره
كثير ففي تقريب التهذيب: (سعد أبو مجاهد الطائي الكوفي لا بأس به من السادسة / ح
د ت ق) وفي تهذيب التهذيب: (أبو مجاهد الطائي الكوفي روى عن محل بن
خليفة (إلى أن قال) وحكى أبو القاسم الطبري أن أحمد بن حنبل قال: لا بأس به، وقال وكيع:
حدثنا سعدان عن سعد أبي مجاهد الطائي وكان ثقة) وفي الخلاصة للخزرجي: (سعد
الطائي أبو مجاهد الكوفي عن محل بن خليفة وعنه إسرائيل والأعمش وثقه ابن حبان).
بقي هنا شئ وهو أن الشيخ (ره) عد في رجاله من أصحاب الصادق (ع) سعد بن
يزيد الطائي أبا مجاهد مولاهم الكوفي، ومن البعيد انطباقه على ما نحن فيه فإن محل بن خليفة
الذي يروي أبو مجاهد الطائي عنه من أصحاب أمير المؤمنين فلا يمكن رواية من ذكره الشيخ (ره)
عنه لبعد ما بينهما من الفصل من حيث الطبقة.
2 - في الأصل: (الضحاك بن خليفة) لكنك قد عرفت مما نقلناه آنفا أن سعدا يروي
عن محل بن خليفة كما صرح به علماء الرجال في ترجمته ففي تقريب التهذيب: (محل
بضم أوله وكسر ثانيه وتشديد اللام ابن خليفة الطائي الكوفي ثقة من الرابعة / خ د س ق)
وفي تهذيب التهذيب: (محل بن خليفة الطائي الكوفي روى عن جده عدي بن حاتم
(إلى أن قال) روى عنه سعد أبو مجاهد الطائي (إلى أن قال) قال ابن معين وأبو حاتم
والنسائي: ثقة، زاد أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات (إلى آخر ما قال)) وفي
تنقيح المقال نقلا عن رجال الشيخ (ره) في أصحاب أمير المؤمنين (ع): (المحل بن
خليفة يروي خبر عدي بن حاتم حين قدم على علي أمير المؤمنين عليه السلام) لكن لا يخفى
أن رجلا من الرواة مسمى بضحاك بن خليفة قد وقع في أسانيد الطبري في غير مورد فتدبر.
454

قال: لما دخل علي عليه السلام منزله قام عدي بن حاتم فقال: هذا والله الخذلان القبيح،
هذا والله الخذلان غير الجميل، ما على هذا بايعنا أمير المؤمنين ثم دخل على أمير -
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إن معي ألف رجل من طئ
لا يعصونني فإن شئت أن أسير بهم سرت؟ - قال: ما كنت لأعرض قبيلة واحدة من
قبائل العرب للناس ولكن اخرج إلى النخيلة فعسكر بهم، فخرج فعسكر، وفرض
علي عليه السلام سبعمائة لكل رجل (1) [فاجتمع إليه ألف فارس عدا طيئا أصحاب عدي
بن حاتم (2)] فسار بهم على شاطئ الفرات فأغار في أداني الشام، ثم أقبل (3).

1 - في شرح النهج والبحار: (لكل رجل منهم سبعمائة).
2 - في الأصل بدل ما بين المعقوفتين: (فوافوا سبعمائة).
3 - من قوله: (فسار بهم) إلى هنا في الأصل فقط.
455

عن عبد الله بن حوزة الأزدي (1) قال: كنت مع مالك بن كعب حين نزل بنا
النعمان بن بشير وهو في ألفين وما نحن إلا مائة فقال لنا: قاتلوهم في القرية واجعلوا
الجدر في ظهوركم ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (2) واعلموا أن الله تعالى ينصر
العشرة على المائة، والمائة على الألف، والقليل على الكثير مما يفعل الله ذلك. ثم
قال: إن أقرب من ههنا إلينا من شيعة علي عليه السلام وأنصاره وعماله قرظة بن كعب
ومخنف بن سليم فاركض إليهما وأعلمهما حالنا وقل لهما: فلينصرانا بما استطاعا فأقبلت
أركض وقد تركته وأصحابه وإنهم ليترامون بالنبل، فمررت بقرظة بن كعب فاستغثته (3)
فقال: إنما أنا صاحب خراج وما معي أحد أغيثه به (4) فمضيت حتى أتيت مخنف بن -
سليم فأخبرته الخبر، فسرح معي عبد الرحمن بن مخنف في خمسين رجلا وقاتلهم
مالك بن كعب وأصحابه إلى العصر فأتيناه وقد كسر هو وأصحابه جفون سيوفهم
واستسلموا للموت (5) فلو أبطأنا عنهم هلكوا، فما هو إلا أن رآنا أهل الشام قد أقبلنا
عليهم أخذوا ينكصون عنهم ويرتفعون، ورآنا مالك وأصحابه فشدوا عليهم حتى
دفعوهم عن القرية [واستعرضناهم] فصرعنا منهم رجالا ثلاثة وارتفع القوم عنا،
وظنوا أن وراءنا مددا، ولو ظنوا أنه ليس غيرنا لأقبلوا علينا وأهلكونا، وحال
بيننا وبينهم الليل [فانصرفوا إلى أرضهم (6)].
وكتب مالك بن كعب إلى علي عليه السلام:

1 - في الأصل: (عن عبد الله بن جوزة الأزدي) ولم نجد له ذكرا في كتب الرجال
ومن المحتمل أن تكون كلمة (جوزة) محرفة عن (حوالة) وعلى ذلك ينطبق الرجل
على من مرت ترجمته (أنظر ص 270):
2 - من آية 105 من سورة البقرة.
3 - في شرح النهج والبحار: (فاستصرخته).
4 - في شرح النهج: (وليس عندي من أعينه به).
5 - في شرح النهج والبحار: (واستقبلوا الموت).
6 - لم يذكر في الأصل.
456

أما بعد فقد نزل بنا النعمان بن بشير في جمع من أهل الشام كالظاهر علينا
وكان عظم أصحابي متفرقين وكنا للذي كان منهم آمنين فخرجنا إليهم رجالا مصلتين
فقاتلناهم حتى المساء واستصرخنا مخنف بن سليم فبعث إلينا رجالا من شيعة أمير -
المؤمنين علي عليه السلام وولده عند المساء فنعم الفتى ونعم الأنصار كانوا، فحملنا على عدونا
وشددنا عليهم فأنزل الله علينا نصره وهزم عدوه وأعز جنده، والحمد لله رب العالمين،
والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
قال: لما ورد الكتاب على علي عليه السلام قرأه على أهل الكوفة فحمد الله وأثنى
عليه ثم نظر إلى جلسائه فقال: الحمد لله، وندم أكثرهم (1).
عن أبي الطفيل (2) قال علي عليه السلام: يا أهل الكوفة دخلت إليكم وليس لي سوط
إلا الدرة فرفعتموني إلى السوط، ثم رفعتموني إلى الحجارة أو قال: الحديد،
ألبسكم الله شيعا وأذاق بعضكم بأس بعض (3)، فمن فاز بكم فقد فاز بالقدح الأخيب (4).

1 - في شرح النهج: (هذا بحمد الله، وذم أكثركم).
2 - في باب الكنى من تقريب التهذيب: (أبو الطفيل هو عامر بن واثلة).
وفي باب الأسماء منه: (عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي أبو الطفيل
وربما سمى عمرا ولد عام أحد ورأى النبي (ص) وروى عن أبي بكر فمن بعده، وعمر إلى أن
مات سنة عشر ومائة على الصحيح، وهو آخر من مات من الصحابة، قاله مسلم وغيره / ع) أي
روى عنه أصحاب الأصول الست جميعا.
أقول: هذا الرجل من رواة الشيعة ورجالهم وقد تصدى لذكر ترجمته علماء الفريقين
في تراجمهم فراجع إن شئت.
3 - مأخوذ من قول الله تعالى: (أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض) (من آية
65 سورة الأنعام).
4 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن (ص 675،
س 30).
457

عن زيد بن علي بن أبي طالب (1) قال: قال علي عليه السلام (2):
أيها الناس إني دعوتكم إلى الحق فتوليتم عني، وضربتكم بالدرة
فأعييتموني، أما إنه سيليكم بعدي ولاة لا يرضون منكم بهذا (3) حتى يعذبوكم
بالسياط وبالحديد، فأما أنا فلا أعذبكم بهما، إنه من عذب الناس في الدنيا عذبه
الله في الآخرة، وآية ذلك أن يأتيكم صاحب اليمن حتى يحل بين أظهركم فيأخذ
العمال وعمال العمال رجل يقال له: يوسف بن عمرو يأتيكم (4) عند ذلك رجل منا
أهل البيت فانصروه فإنه داع إلى الحق.
[قال: وكان الناس يتحدثون أن ذلك الرجل هو زيد عليه السلام (5)].
عن أبي صالح الحنفي (6) قال: رأيت عليا عليه السلام يخطب وقد وضع المصحف على
رأسه حتى رأيت الورق يتقعقع على رأسه قال: فقال: اللهم قد منعوني ما فيه فأعطني
ما فيه، اللهم قد أبغضتهم وأبغضوني، ومللتهم وملوني، وحملوني على غير خلقي وطبيعتي،

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 214، س 24):
(وروى محمد بن فرات الجرمي عن زيد بن علي (الحديث) وقال المجلسي (ره) في
ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن (ص 675، س 35): (وروى محمد بن فرات
الجرمي عن زيد بن علي (الحديث).
2 - في شرح النهج والبحار بزيادة (في هذه الخطبة) هنا.
3 - في شرح النهج والبحار: (بذلك).
4 - في شرح النهج والبحار: (يقوم).
5 - ما بين المعقوفتين زيد من شرح النهج والبحار.
6 - في تقريب التهذيب (في باب الكنى): (أبو صالح الحنفي هو عبد الرحمن
بن قيس) وفي باب الأسماء منه: (عبد الرحمن بن قيس أبو صالح الحنفي الكوفي
ثقة من الثالثة قيل: إن روايته عن حذيفة مرسلة / س م د) وفي تهذيب التهذيب:
(عبد الرحمن بن قيس أبو صالح الحنفي روى عن أبيه وعن أخيه طليق وعن علي وحذيفة
(إلى أن قال) قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: أبو صالح الحنفي ثقة، وذكره ابن حبان
في الثقات (إلى آخر ما قال).
458

وأخلاق لم تكن تعرف لي، اللهم فأبدلني بهم خيرا منهم (1)، وأبدلهم بي شرا مني،
اللهم مث (2) قلوبهم كما يماث الملح في الماء (3).
عن سعد بن إبراهيم (4) قال: سمعت ابن أبي رافع قال: رأيت عليا عليه السلام
قد ازدحموا عليه حتى أدموا رجله فقال: اللهم قد كرهتهم وكرهوني، فأرحني منهم
وأرحهم مني.
أمر دومة الجندل (5)
وقصة ابن العشبة
ذكر من حديث عبد الرحمن بن جندب عن أبيه أن (6) أهل دومة الجندل من

1 - نقل السيد الرضي (ره) هذه القطعة وبعض الفقرات السابقة في نهج
البلاغة ضمن خطبة له (ع) تحت عنوان (ومن خطبة له (ع) وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء
أصحاب معاوية على البلاد (أنظر النهج الحديدي، ج 1، ص 110).
2 - كذا في النهج لكن في الأصل والبحار: (أمث) قال ابن الأثير في النهاية:
(في حديث ابن أبي أسيد: فلما فرغ من الطعام أماثته فسقته إياه هكذا روى: أماثته، والمعروف:
ماثته يقال: مثت الشئ أميثه وأموثه فانماث إذا دفته في الماء، ومنه حديث علي (ع):
اللهم مث [بضم الميم وكسرها] قلوبهم كما يماث الملح في الماء) قوله: (دفته) من قولهم:
داف الدواء يدوفه دوفا في الماء أي أذابه).
3 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن (ص 675،
س 31).
4 - نقله المجلسي (ره) هكذا في ثامن البحار في الباب المذكور (ص 675، س 34).
5 - في معجم البلدان: (دومة الجندل بضم أوله وفتحه وقد أنكر ابن دريد
الفتح وعده من أغلاط المحدثين وقد جاء في حديث الواقدي (دوماء الجندل) وعدها ابن الفقيه
من أعمال المدينة سميت بدوم بن إسماعيل بن إبراهيم (إلى آخر ما قال).
6 - قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن (ص 679،
س 30) ضمن روايات ينقلها عن الغارات ما نصه: (وعن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه أن
أهل دومة الجندل من كلب (الحديث)).
459

كلب لم يكونوا في طاعة علي عليه السلام ولا معاوية وقالوا: نكون على حالنا حتى يجتمع
الناس على إمام قال: فذكرهم معاوية مرة فبعث إليهم مسلم بن عقبة (1) فسألهم

1 - في الإصابة (في القسم الثالث): (مسلم بن عقبة [بضم العين وسكون القاف
قبل الباء الموحدة على ما هو المشهور] ابن رباح... المري أبو عقبة الأمير من قبل يزيد
بن معاوية على الجيش الذين غزوا المدينة يوم الحرة ذكره ابن عساكر وقال: أدرك النبي (ص)
وشهد صفين مع معاوية وكان على الرجالة وعمدته في إدراكه أنه استند إلى ما أخرجه
محمد بن سعد في الطبقات عن الواقدي بأسانيده قال: لما بلغ يزيد بن معاوية أن أهل المدينة
أخرجوا عامله من المدينة وخلعوه وجه إليهم عسكرا أمر عليهم مسلم بن عقبة المري وهو يومئذ
شيخ ابن بضع وتسعين سنة وهذا يدل على أنه كان في العهد النبوي كهلا وقد أفحش مسلم
القول والفعل بأهل المدينة وأسرف في قتل الكبير والصغير حتى سموه مسرفا، وأباح المدينة
ثلاثة أيام لذلك والعسكر ينهبون ويقتلون ويفجرون، ثم رفع القتل وبايع من بقي على أنهم
عبيد ليزيد بن معاوية، وتوجه بالعسكر إلى مكة ليحارب ابن الزبير لتخلفه عن البيعة ليزيد فعوجل
بالموت فمات بالطريق وذاك سنة ثلاث وستين - لعنه الله - (إلى أن قال) والقصة معروفة في
التواريخ) وقال ابن دريد في الاشتقاق (ص 287): (فمن قبائل مرة بن عوف
مسلم بن عقبة الذي اعترض أهل المدينة فقتلهم يوم الحرة في طاعة يزيد بن معاوية) وقال
المحدث القمي (ره) في سفينة البحار: (مسرف بن عقبة اسمه مسلم سمى مسرفا
لإسرافه في إهراق دماء أهل المدينة في واقعة الحرة قال ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة
في واقعة الحرة بعد أن ذكر قتل جماعة صبرا ما لفظه: فبلغ عدة قتلى الحرة يومئذ من قريش
والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس ألفا وسبعمائة، وسائرهم من الناس عشرة آلاف سوى
النساء والصبيان (إلى أن قال) وقال ابن أبي الحديد في ذكر بسر بن أرطاة وما
فعل بالحجاز: وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا وحرق قوما بالنار ثم قال:
وكان مسلم بن عقبة ليزيد وما عمل بالمدينة في وقعة الحرة كما كان بسر لمعاوية وما عمل في
الحجاز واليمن، من أشبه أباه فما ظلم.
نبني كما كانت أوائلنا * تبني ونفعل مثل ما فعلوا
انتهى، إلى آخر ما قال
وقال المسعودي في مروج الذهب عند ذكره وقعة الحرة: فسير يزيد
إليهم بالجيوش من أهل الشام عليهم مسلم بن عقبة المري الذي أخاف المدينة ونهبها وقتل
أهلها وبايعه أهلها على أنهم عبيد ليزيد وسماها فتنة وقد سماها رسول الله طيبة وقال: من أخاف المدينة
أخافه الله فسمي مسلم هذا - لعنه الله - بمجرم ومسرف لما كان من فعله (إلى آخر ما قال).
460

الصدقة وحاصرهم فبلغ ذلك عليا عليه السلام وامرئ القيس بن عدي أصهاره (1) فبعث إلى
مالك بن كعب فقال: استعمل على عين التمر رجلا وأقبل إلي، فولاها عبد الرحمن
بن عبد الله بن كعب الأرحبي (2) وأقبل إلى علي عليه السلام فسرحه في ألف فارس فما شعر
مسلم بن عقبة إلا ومالك بن كعب إلى جنبه نازلا فتواقفا (3) قليلا ثم إن الناس
اقتتلوا وطاردوا (4) يومهم ذلك إلى الليل لم يستفز بعضهم من بعض شيئا (5) حتى إذا
كان من الغد صلى مسلم بأصحابه ثم انصرف، وأقام (6) مالك بن كعب في (7) دومة الجندل
يدعوهم إلى الصلح عشرا، فلم يفعلوا فرجع إلى علي عليه السلام.

1 - قد تقدم فيما سبق من التعليقات منا (ص 426) أن البحث عن ذلك يأتي في تعليقات
آخر الكتاب إن شاء الله تعالى تحت رقم 52.
2 - في تنقيح المقال: (عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي عده الشيخ (ره) في
رجاله من أصحاب الحسين - عليه السلام - وأقول: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب
الأرحبي نسبة إلى أرحب بطن من همدان كما مر في بكر بن عمرو الهمداني (إلى أن قال)
ولازم الحسين - عليه السلام - حتى نال شرفي الشهادة وتسليم الإمام عليه السلام عليه في
زيارتي الناحية والرجبية رضوان الله تعالى عليه).
أقول: هو ابن أخي مالك بن كعب الذي كان عامل أمير المؤمنين علي - عليه السلام -
على عين التمر وقد سبق ذكره (أنظر ص 445).
3 - يقال: (تواقفوا في القتال تواقفا = وقف بعضهم مع بعض).
4 - في الأصل: (وطردوا) ولم يذكر في البحار والتصحيح بقرينة السياق.
5 - هذه الفقرة غير موجودة في البحار.
6 - كذا في الأصل لكن في البحار: (قام).
7 - في الأصل: (إلى).
461

ومن حديث ابن المثنى الكلبي (1) أن عليا عليه السلام بعث إلى الجلاس بن عمير (3)

1 - كذا في الأصل لكن الظاهر أن كلمة (ابن) مصحفة عن كلمة (أبي) والمراد به
(الشرق بن القطامي) ففي الفهرست لابن النديم: (الشرق بن القطامي يكنى أبا
المثنى الكلبي واسمه الوليد بن الحضين أحد النسابين الرواة للأخبار والأنساب والدواوين
ومن خط اليوسفي: وكان كذابا، روى عن الأصمعي أنه قال: حدثني بعض الرواة قال:
قلت للشرقي: ما كانت العرب تقرأ في صلاته؟ (إلى آخر ما قال)) وفي ميزان الاعتدال:
(شرقي بن القطامي له نحو عشرة أحاديث فيها مناكير (إلى أن قال) قال إبراهيم الحربي:
شرقي كوفي تكلم فيه وكان صاحب سمر، وقال الساجي: ضعيف له حديث واحد ليس بالقائم
قال الخطيب: كان عالما بالنسب وافر الأدب، ضم المنصور إليه المهدي ليأخذ من أدبه
والشرقي لقب واسمه الوليد بن حصين كذلك ذكره البخاري) وفي لسان الميزان بعد
نقل عبارة الميزان: (وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم: ليس بالقوي ليس
عنده كثير حديث قال في الفهرست: اسمه الوليد بن حصين قرأت بخط اليوسفي كان كذابا
ويكنى أبا المثنى).
أقول: لما كان بعض الكلمات في هذه القصة مشوشة غير مقروءة بل مغلوطة ولم أجد
القصة فيما عندي من الكتب غير كامل التواريخ لابن الأثير وكان بينه وبين ما في المتن اختلاف
في بعض الكلمات ومفاد بعض الفقرات أوردت القصة بعبارته هنا وهي:
(بعث معاوية زهير بن مكحول العامري من عامر الاحدار إلى السماوة وأمره أن يأخذ
صدقات الناس وبلغ ذلك عليا - (ع) - فبعث ثلاثة نفر جعفر بن عبد الله الأشجعي وعروة
بن العشبة والجلاس بن عمير الكلبيين ليصدقوا من في طاعته من كلب وبكر بن وائل، فوافوا
زهيرا فاقتتلوا فانهزم أصحاب علي وقتل جعفر بن عبد الله، ولحق ابن العشبة بعلي فعنفه
وعلاه بالدرة فغضب ولحق بمعاوية، وكان زهير قد حمل ابن العشبة على فرس فلذلك اتهمه،
وأما الجلاس فإنه مر براع فأخذ جبته وأعطاه جبة خز، فأدركته الخيل فقالوا: أين أخذوا
هؤلاء الترابيون؟ - فأشار إليهم أخذوا ههنا ثم أقبل إلى الكوفة).
2 - قال الفيروزآبادي: (الجلاس كغراب ابن عمرو) وقال الزبيدي في
شرحه: (هو ابن عمرو الكندي يروي زيد بن هلال بن قطبة الكندي عنه إن صح): وقال
الذهبي في ميزان الاعتدال: (جلاس بن عمرو [أو عمير] عن ابن عمر، وعنه
أبو جناب ويقال: جلاس بن محمد، قال البخاري: لا يصح حديثه) وقال ابن الأثير في أسد
الغابة: (الجلاس بن عمرو الكندي روى حديثه زيد بن هلال بن قطبة الكندي عن أبيه عن
جلاس بن عمرو الكندي قال: وفدت في نفر من قومي بني كندة على النبي (ص) فلما أردنا
الرجوع إلى بلاد قومنا قلنا: يا نبي الله أوصنا قال: إن لكل ساع غاية، وغاية ابن آدم الموت،
فعليكم بذكر الله فإنه يسهلكم ويرغبكم في الآخرة، أخرجه أبو موسى بإسناده وقال: علي بن قرين
وهو راوي الحديث ضعيف) وقال ابن حجر في الإصابة: (جلاس بن عمرو الكندي
... روى البغوي من طريق علي بن قرين عن يزيد بن هلال عن أبيه هلال بن قطبة سمعت
جلاس بن عمرو قال (فذكر نحوه إلى أن قال) وعلي بن قرين ضعيف جدا ومن فوقه لا يعرفون).
462

وعمرو بن مالك بن العشبة (1) الكلبيين وجعفر بن عبد الله الأشجعي فبعثهم إلى رجل
يقال له: زهير بن مكحول بن كلب من بني عامر وقد أقبل يصدق (2) الناس [في]
السماوة فاقتتلوا قتالا شديدا ثم إن زهير بن مكحول هزم خيل علي عليه السلام فاقتتلوا
ورفعوا الجلاس بن عمير في إبل كلب (3) فيها رعاة لهم فعرفوه فسقوه من اللبن وسرحوه.
وأما عمرو بن العشبة فقدم على علي هو والأشجعي وكان قد قال عليه السلام: إذا

1 - قد عرفت أن مكانه في الكامل (عروة بن العشبة) ولم أعرفهما.
2 - قال الطريحي (ره): (وفي حديث الزكاة: لا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا
أن يشاء المصدق بكسر الدال هو عامل الزكاة الذي يستوفيها من أهلها، وعن أبي عبيدة:
إلا ما يشاء المصدق بفتح الدال وتشديدها وهو الذي يعطي صدقة ما شيته، وخالفه عامة الرواة
فقالوا: بالكسر والتشديد، والمصدق بتشديد الصاد والدال من يعطي الصدقة وأصله المتصدق
فغيرت الكلمة بالقلب والادغام وبها جاء التنزيل).
أقول: هو مأخوذ من نهاية ابن الأثير بعبارته. وقال الفيومي: (تصدقت
بكذا إذا أعطيته صدقة والفاعل متصدق ومنهم من يخفف بالبدل والادغام فيقول: مصدق، قال
ابن قتيبة: ومما تضعه العامة غير موضعه قولهم: هو يتصدق إذا سأل، وذلك غلط إنما المتصدق
المعطي، وفي التنزيل: وتصدق علينا، وأما المصدق بتخفيف الصاد فهو الذي يأخذ صدقات
النعم). وقد تقدم ما يتعلق بالكلمة في ص 126.
3 - هذه الفقرة كذا في الأصل.
463

اجتمعتم فعليكم عمرو بن العشبة، فلما رأى علي عمرا قال: انهزمت؟! وعلا رأسه
بالدرة فسكت، فلما خرج لحق بمعاوية، وبعث علي عليه السلام إلى داره فهدمها.
وقال عمرو بن العشبة:
لو كنت فينا يوم لاقانا العدى * جاشت إليك النفس والأحشاء
غارة سفيان بن عوف الغامدي (1) على الأنبار
و
لقيه أشرس بن حسان البكري وسعيد بن قيس
عن عبد الله بن يزيد [بن] المغفل (2) أن أبا الكنود (3) حدثه عن سفيان بن عوف

1 - في الإصابة: (سفيان بن عوف الأسلمي أو الغامدي... يأتي في مالك بن
وهب وروى الحاكم عن مصعب الزبيري قال: وسفيان بن عوف الغامدي صحب النبي (ص)
وكان له بأس ونجدة وسخاء وهو الذي أغار على هيت والأنبار في أيام علي فقتل وسبى وإياه
عنى علي بن أبي طالب في خطبته حيث قال فيها: وإن أخا غامد قد أغار على هيت والأنبار
وقتل حسان بن حسان يعني عامل علي واستعمل معاوية سفيان بن عوف على الصوائف وكان
يعظمه (إلى آخر ما قال) وقال ابن أبي الحديد في شرح خطبة أوردها السيد
الرضي (ره) في أوايل باب المختار من الخطب من نهج البلاغة صدرها (أما
بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة (إلى أن قال عليه السلام) وهذا أخو غامد قد وردت
خيله الأنبار (إلى آخر الخطبة) ما نصه (ج 1، ص 141): (هذه الخطبة من مشاهير
خطبه - عليه السلام - قد ذكرها كثير من الناس ورواه أبو العباس المبرد
في أول الكامل وأسقط من هذه الرواية ألفاظا وزاد فيها ألفاظا وقال في أولها: إنه انتهى
إلى علي (ع) أن خيلا وردت الأنبار لمعاوية فقتلوا عاملا له يقال له: حسان بن حسان فخرج
مغضبا يجر رداءه حتى أتى النخيلة واتبعه الناس فرقى رباوة من الأرض فحمد الله وأثنى عليه
وصلى على نبيه ثم قال: أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة (الخطبة) وساق الكلام
في شرح ألفاظ الخطبة حتى قال: فأما أخو غامد الذي وردت خيله الأنبار فهو
سفيان بن عوف بن المغفل الغامدي وغامد قبيلة من اليمن وهي من الأزد أزد شنوءة
واسم غامد عمر بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر
ابن الأزد، وسمي غامدا لأنه كان بين قومه شر فأصلحه وتغمدهم بذلك روى إبراهيم بن
محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات عن أبي الكنود قال: حدثني
سفيان بن عوف الغامدي قال: دعاني معاوية (الحديث) وقال المجلسي (ره) في ثامن
البحار في باب ما جرى من الفتن (ص 679، س 34: (وبإسناده [يعني الثقفي]
عن أبي الكنود عن سفيان بن عوف الغامدي قال: دعاني معاوية (الحديث).
فليعلم أن هذه الخطبة قد نقلها الجاحظ في البيان والتبيين عند ذكره خطبا
عن أمير المؤمنين عليه السلام (أنظر ص 39 - 42 من ج 2 من طبعة المطبعة الرحمانية بمصر
سنة 1351 ه‍ بتحقيق حسن السندوسي وشرحه) والكليني (ره) في الكافي في باب فضل
الجهاد من كتاب الجهاد (ج 3 مرآة العقول، ص 366 - 367) والصدوق (ره) في
معاني الأخبار تحت عنوان (باب معاني الألفاظ التي ذكرها أمير المؤمنين (ع) في خطبته
بالنخيلة حين بلغه قتل حسان عامله بالأنبار) (أنظر ص 309 - 312 من طبعة مكتبة الصدوق).
وأبو الفرج الإصبهاني في الأغاني تحت عنوان (ذكر الخبر في مقتل ابني عبيد الله بن العباس)
(أنظر ص 43 من طبعة الساسي من الجزء الخامس عشر) ونقلها أحمد زكي صفوت في جمهرة
خطب العرب من بعض الكتب المشار إليها (النهج، وشرح النهج لابن أبي الحديد، والبيان
والتبيين، والأغاني) (أنظر ص 239 - 242 من الجزء الأول).
ثم لا يخفى أنا لم نشر من موارد الاختلاف في الكتب المذكور فيها
الحديث إلا إلى قليل خوف الإطناب فمن أراد الوقوف على الموارد فليراجع الكتب المشار إليها.
أقول: يظهر من بعض كتب الرجال واللغة أن (المغفل) هنا بضم الميم وفتح الغين
المعجمة وفتح الفاء المشددة.
2 - قال الطبري: ضمن ذكره حوادث سنة ثلاث وثمانين في وقعة هزيمة عبد الرحمن
بن محمد بن الأشعث بدير الجماجم (ج 8، ص 24) ما نصه: (ودخل أهل الشام
العسكر فكبروا فصعد إليه عبد الله بن يزيد بن المغفل الأزدي وكانت مليكة ابنة أخيه امرأة
عبد الرحمن (القصة)).
أقول: الظاهر أن عبد الله هذا هو ابن يزيد بن المغفل الأزدي السابق الذكر في قصة
الخريت بن راشد الناجي (أنظر ص 348) ومن المحتمل أيضا أن يكون هو ابن عم سفيان بن عوف.
3 - في تقريب التهذيب: (أبو الكنود الأزدي الكوفي هو عبد الله بن عامر
أو ابن عمران أو ابن عويمر وقيل: ابن سعيد وقيل: عمر بن حبشي مقبول من الثانية / ق)
وفي الإصابة مثله إلا أن فيه (عمرو بن حبشي) (بالواو بعد كلمة عمر).
أقول: قد مر الكلام عليه أيضا فيما سبق (أنظر ص 394).
464

الغامدي قال: دعاني معاوية فقال: إني باعثك في جيش كثيف [ذي أداة وجلادة (1)]

1 - في شرح النهج فقط.
465

فالزم لي جانب الفرات حتى تمر بهيت (1) فتقطعها، فإن وجدت بها جندا فأغر عليهم
وإلا فامض حتى تغير على الأنبار (2)، فإن لم تجد بها جندا فامض حتى تغير على المدائن (3)
ثم أقبل إلي، واتق أن تقرب الكوفة، واعلم أنك إن أغرت على [أهل] الأنبار وأهل
المدائن فكأنك أغرت على الكوفة، إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترهب قلوبهم (4)
وتجرئ (5) كل من كان له فينا هوى [منهم] ويرى فراقهم، وتدعو إلينا كل من كان

1 - في مراصد الاطلاع: (هيت بالكسر وآخره تاء مثناة سميت باسم بانيها وهو
هيت البندي ويقال البلندي بلدة على الفرات فوق الأنبار ذات نخل كثير وخيرات واسعة على
جهة البرية في غربي الفرات، وبها قبر عبد الله بن المبارك).
2 - في المراصد أيضا: (الأنبار مدينة على الفرات غربي بغداد كانت الفرس
تسميها فيروز سابور أول من عمرها سابور ذو الأكتاف سميت بذلك لأنه كان يجمع بها أنابير -
الحنطة والشعير وأقام بها أبو العباس السفاح إلى أن مات وجدد بها قصورا وأبنية) وقال
ياقوت في معجم البلدان: (وقيل: إنما سمي الأنبار لأن بخت نصر لما حارب العرب
الذين لا خلاق لهم حبس الأسراء فيه وقال أبو القاسم: الأنبار حد بابل سميت به لأنه كان
يجمع بها أنابير الحنطة والشعير وألقت والتبن، وكانت الأكاسرة ترزق أصحابها منها وكان
يقال لها: الأهراء، فلما دخلتها العرب عربتها فقالت: الأنبار. وقال الأزهري: الأنبار أهراء
الطعام واحدها نبر ويجمع على أنابير جمع الجمع وسمي الهرى نبرأ لأن الطعام إذا صب
في موضعه انتبرأى ارتفع ومنه سمي المنبر لارتفاعه، وقال ابن السكيت: النبر دويبة أصغر من
القراد يلسع فيحبط موضع لسعها أي يرم والجمع الأنبار (إلى آخر ما قال)). وقال
الفيروزآبادي: (الأنبار بيت التاجر ينضد فيه المتاع، الواحد نبر بالكسر، وبلد بالعراق
قديم) وشرحه الزبيدي بقوله: (على شاطئ الفرات في غربي بغداد بينهما عشرة
فراسخ قالوا: وليس في الكلام اسم مفرد على مثال الجمع غير الأنبار والأبواء والأبلاء،
فإنما يجئ في أسماء المواضع لأن شواذها كثيرة، وما سوى هذه فإنما يأتي جمعا أو صفة
كقولهم: قدر أعشار وثوب أخلاق ونحو ذلك).
3 - في شرح النهج: (حتى توغل في المدائن).
4 - في شرح النهج: (ترعب).
5 - في شرح النهج: (وتفرح).
466

يخاف الدوائر، وخرب كل ما مررت به [من القرى (1)]، واقتل كل من لقيت ممن
ليس هو على رأيك (2)، واحرب (3) الأموال، فإنه (4) شبيه بالقتل وهو أوجع للقلوب.
قال: فخرجت من عنده فعسكرت وقام معاوية في الناس [خطيبا (5)] فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد أيها الناس فانتدبوا مع سفيان بن عوف فإنه وجه عظيم فيه أجر عظيم
سريعة فيه أوبتكم إن شاء الله، ثم نزل.
قال: فوالله الذي لا إله إلا هو ما مرت بي ثلاثة حتى خرجت في ستة آلاف
ثم لزمت شاطئ الفرات فأغذذت (6) السير حتى أمر (7) بهيت فبلغهم أني قد غشيتهم
فقطعوا الفرات فمررت بها وما بها عريب (8) كأنها لم تحلل قط، فوطئتها حتى مررت
بصندوداء (9) فتنافروا فلم ألق بها أحدا فمضيت (10) حتى أفتتح الأنبار وقد انذروا بي،
فخرج إلى صاحب المسلحة فوقف لي فلم أقدم عليه حتى أخذت غلمانا من أهل القرية
فقلت لهم: خبروني كم بالأنبار من أصحاب علي عليه السلام؟ قالوا: عدة رجال المسلحة
خمسمائة، ولكنهم قد تبددوا ورجعوا إلى الكوفة ولا ندري الذي يكون فيها، قد يكون
مائتي رجل.

1 - في شرح النهج فقط.
2 - في شرح النهج: (على مثل رأيك).
3 - هو من قولهم: (حربه (كنصر) = أخذ ماله وتركه بلا شئ).
4 - في شرح النهج: (فإن حرب الأموال).
5 - في شرح النهج: (فخطبهم).
6 - في الأصل: (فأغريت) وفي البحار: (فأسرعت) ففي الصحاح: (الأغذاذ
في السير الإسراع).
7 - في البحار: (فمررت).
8 - في الصحاح: (وما بالدار عريب أي ما بها من أحد).
9 - في مراصد الاطلاع: (صندوداء قرية كانت في غربي الفرات فوق الأنبار
(إلى آخر ما قال).
10 - في الأصل وشرح النهج: (فأمضى).
467

قال: فنزلت فكتبت أصحابي كتائب ثم أخذت أبعثهم إليه كتيبة بعد كتيبة
فيقاتلونهم والله ويصبرون لهم ويطاردونهم في الأزقة فلما رأيت ذلك أنزلت إليهم
نحوا من مائتين ثم أتبعتهم الخيل فلما مشت إليهم الرجال (1) وحملت عليهم الخيل
فلم يكن إلا قليلا حتى تفرقوا، وقتل صاحبهم في رجال من أصحابه وأتيناه (2) في نيف
وثلاثين رجلا فحملنا ما كان في الأنبار من أموال أهلها، ثم انصرفت.
فوالله ما غزوت غزوة أسلم (3) ولا أقر للعيون ولا أسر للنفوس منها، وبلغني
والله أنها أفزعت الناس، فلما أتيت معاوية فحدثته الحديث على وجهه قال: كنت
والله عند ظني بك لا تنزل في بلد من بلداني إلا قضيت فيه مثل ما يقضى فيه أميره
وإن أحببت توليته وليتك، وأنت أمين أينما كنت من سلطاني، وليس لأحد من خلق
الله عليك أمر دوني (4).
قال: فوالله ما لبثنا إلا يسيرا حتى رأيت رجال أهل العراق يأتوننا على الإبل
هرابا من قبل (5) علي (6)

1 - الرجال هنا جمع الراجل وهو من ليس له ظهر يركبه بخلاف الفارس.
2 - كذا في البحار لكن في الأصل: (فابناه) والعبارة في شرح النهج هكذا: (وقتل
صاحبهم في نحو من ثلاثين رجلا) فكأنها كلمة معناها (عددناه) أو (حسبناه) أو (تركناه)
وكأن نسخة ابن أبي الحديد أيضا كانت مشوشة كنسختنا فأخذ من الجملتين مفهومهما وجعله
جملة واحدة، ويحتمل بعيدا أن يكون المعنى: (وأتينا الأنبار بعد قتلهم في نيف وثلاثين رجلا
لحمل ما فيه من الأموال) وذلك لأن القتال وإن كان في أزقة البلد إلا أن معظم الجيش كان
في خارج البلد. والتذكير في الضمير باعتبار المكان كما أن التأنيث باعتبار البقعة.
3 - في شرح النهج: (غزاة كانت أسلم).
4 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (لا تنزل في بلد من بلداني إلا قضيت ما يقضي
فيه أميره إلا الذي توليته إياه إن أحببت ذلك فأنت أمين أينما كنت من سلطاني) أما البحار
فالعبارة غير موجودة فيه.
5 - في شرح النهج: (من عسكر).
6 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج بعد قوله (من عسكر علي (ع)) ما نصه:
(قال إبراهيم: كان اسم عامل علي (ع) على مسلحة الأنبار أشرس بن حسان البكري).
468

وعن جندب بن عفيف (1) قال: والله إني لفي جند الأنبار مع أشرس بن حسان
البكري (2) إذ صبحنا سفيان بن عوف كتائب تلمع الأبصار منها فهالونا والله وعلمنا
إذ رأيناهم أنه ليس لنا بهم طاقة ولا يد فخرج إليهم صاحبنا وقد تفرقنا فلم يلقهم نصفنا (3)
وأيم الله لقد قاتلناهم فأحسنا قتالهم والله حتى كرهونا (4)، ثم نزل صاحبنا وهو يتلو
قوله تعالى: فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا (5) ثم قال لنا: من
كان لا يريد لقاء الله ولا يطيب نفسا بالموت فليخرج عن القرية ما دمنا نقاتلهم، فإن
قتالنا إياهم شاغل لهم عن طلب هارب، ومن أراد ما عند الله فما عند الله خير للأبرار

1 - كذا صريحا في الأصل والبحار لكن في شرح النهج: (حبيب بن عفيف)
ففي الإصابة: (جندب بن عفيف الأزدي... يأتي ذكره في جندب بن كعب) لكنه
لم يذكر في (جندب بن كعب) شيئا مما يتعلق به، فكأنه كان قد أراد أن ينقل ما ذكره ابن -
الأثير في أسد الغابة في ترجمة جندب بن كعب بهذه العبارة: (وقيل لابن عمر: إن المختار
قد اتخذ كرسيا يطيف به أصحابه يستسقون به ويستنصرون فقال: أين بعض جنادبة الأزد عنه
وهم جندب بن زهير من بني ذيبان، وجندب الخير بن عبد الله، وجندب بن كعب، وجندب
بن عفيف، أخرجه الثلاثة) لكن قال ابن دريد في الاشتقاق عند ذكره رجال بني -
نصر بن الأزد (ص 495): (وجنادبة الأزد جندب بن زهير، وجندب بن كعب من بني
والبة، وجندب الخير بن عبد الله، وجندب بن كعب من بني ظبيان).
2 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: (ج 1، ص 145، س 7):
(وروى إبراهيم عن عبد الله بن قيس عن حبيب بن عفيف قال: كنت مع أشرس بن حسان البكري
(الخبر) وقال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن (ص
680، س 9): (وعن جندب بن عفيف قال: والله إني (الحديث) فليعلم أن صاحب
الغارات والطبري قد ذكرا أن اسم صاحب المسلحة المقتول بالأنبار كان أشرس
وقد نقل المبرد في الكامل والصدوق (ره) في معاني الأخبار والشريف
الرضي (ره) في نهج البلاغة وأبو الفرج الإصبهاني في الأغاني أن اسمه كان
كاسم أبيه حسان وسنشير إلى ذلك فيما يأتي أيضا.
3 - في البحار: (فصفنا).
4 - في البحار: (ثم إنهم والله هزمونا).
5 - ذيل آية 23 سورة الأحزاب.
469

ثم نزل في ثلاثين رجلا قال: فهممت والله بالنزول معه ثم إن نفسي أبت، واستقدم
هو وأصحابه فقاتلوا حتى قتلوا - رحمهم الله - فلما قتلوا أقبلنا منهزمين.
عن محمد بن مخنف (1) أن سفيان بن عوف لما أغار على الأنبار قدم علج من أهلها
على علي عليه السلام فأخبره الخبر فصعد المنبر فقال: أيها الناس إن أخاكم البكري
قد أصيب بالأنبار وهو معتز لا يخاف (2) ما كان، فاختار ما عند الله على الدنيا فانتدبوا
إليهم حتى تلاقوهم فإن أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم (3) عن العراق أبدا ما بقوا، ثم سكت
عنهم رجاء أن يجيبوه أو يتكلموا، أو يتكلم متكلم منهم بخير [فلم ينبس أحد منهم
بكلمة (4)] فلما رأى صمتهم على ما في أنفسهم نزل فخرج يمشي راجلا حتى أتى
النخيلة [والناس يمشون خلفه حتى أحاط به قوم من أشرافهم (5)] فقالوا: إرجع
يا أمير المؤمنين نحن نكفيك، فقال: ما تكفونني ولا تكفون أنفسكم فلم يزالوا به حتى
صرفوه إلى منزله، فرجع وهو واجم كئيب.
ودعا سعيد بن قيس (6) الهمداني (7) فبعثه من النخيلة بثمانية آلاف وذلك أنه أخبر

1 - قد تقدم شرح حاله (أنظر ص 436).
2 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (مغتر لا يخال) وفي البحار: (وهو
معتز لا يظن) و (لا يخال) في المعنى نظير (لا يظن).
3 - يقال: أنكله أي دفعه.
4 - ما بين المعقوفتين في شرح النهج فقط.
5 - ما بين المعقوفتين في شرح النهج فقط.
6 - في الأصل والبحار: (سعيد بن مسلم) وهو ينافي ما سبق في عنوان الباب.
7 - في تنقيح المقال: (سعيد بن قيس الهمداني عده الشيخ (ره) في رجاله من
أصحاب أمير المؤمنين (ع) وفي نسخة أخرى معتمدة أيضا: سعد بن قيس، والموجود في جملة
من كتب الرجال الأول، ومنها عبارة الفضل بن شاذان التي قدمنا نقلها تحت عنوان (التابعين)
من الفائدة الثانية عشر من المقدمة وقد عده فيها من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم مات على
ما ببالي بعد عام الصلح بزمن يسير ولم يشهد يوم الطف وكان سيد همدان وعظيمها والمطاع
فيها، له مواقف مشهورة بصفين يعرفها الناظر في كتب المغازي والتاريخ، وقد مدحه أمير المؤمنين
(ع) مرارا بما لا أذكر منه تفصيلا (إلى أن قال) ومما يدل أيضا على وثاقته وعدالته أن أمير المؤمنين
(ع) أمره على ثمانية آلاف وسيره لرد غارة سفيان بن عوف بن المغفل الغامدي على الأنبار
(إلى آخر ما قال).
470

أن القوم جاؤوا في جمع كثيف (1) فقال له: إني قد بعثتك في ثمانية آلاف فاتبع هذا
الجيش حتى تخرجه من أرض العراق فخرج على شاطئ الفرات في طلبه حتى إذا
بلغ عانات (2) سرح أمامه هانئ بن الخطاب الهمداني (3) فاتبع آثارهم حتى إذا
بلغ أداني أرض قنسرين (4) وقد فاتوه ثم انصرف (5).

1 - في الأصل: (كثير).
2 - في مراصد الاطلاع: (عانات قرى بالفرات وجزائر وهي آلوس وسالوس
وناووس).
3 - قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين بعد ذكر مقتل عبيد الله بن عمر
(ص 335): (واختلفوا في قاتل عبيد الله فقالت همدان: قتله هانئ بن الخطاب، وقالت:
حضرموت: قتله مالك بن عمرو السبيعي، وقالت بكر بن وائل: قتله محرز بن الصحصح (إلى
آخر ما قال)) وذكر الطبري في حوادث سنة سبع وثلاثين نحوه (أنظر ص 20 من ج 6) وهو
مذكور في مواضع أخرى أيضا من تاريخ الطبري إلا أنه وصف في بعض تلك الموارد بنسبة: (الأرحبي).
4 - في مراصد الاطلاع: (قنسرين بكسر أوله وفتح ثانيه وتشديده وقد كسره قوم
ثم سين مهملة مدينة بينها وبين حلب مرحلة كانت عامرة آهلة فلما غلب الروم على حلب في سنة
إحدى وخمسين وثلاثمائة خاف أهل قنسرين وجلوا عنها وتفرقوا في البلاد ولم يبق بها إلا خان
تنزله القوافل).
5 - قال الطبري ضمن ذكره أحداث السنة التاسعة والثلاثين: (رجع
الحديث إلى الحديث عوانة) قال: ووجه معاوية في هذه السنة سفيان بن عوف في ستة آلاف رجل،
وأمره أن يأتي هيت فيقطعها وأن يغير عليها ثم يمضي حتى يأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها،
فسار حتى أتى هيت [فلم يجد بها أحدا، ثم أتى الأنبار] وبها مسلحة لعلي (ع) تكون خمسمائة
رجل وقد تفرقوا فلم يبق منهم إلا مائة فقاتلهم فصبر لهم أصحاب علي مع قلتهم ثم حملت
عليهم الخيل والرجالة فقتلوا صاحب المسلحة وهو أشرس بن حسان البكري في ثلاثين رجلا
واحتملوا ما كان فيها من أموال أهلها ورجعوا إلى معاوية، وبلغ الخبر عليا فخرج حتى أتى
النخيلة فقال له الناس: نحن نكفيك، فقال: ما تكفونني ولا أنفسكم، وسرح سعيد بن قيس
في أثر القوم، فخرج في طلبهم حتى جاز هيت فلم يلحقهم فرجع).
وقال ابن الأثير في كامل التواريخ ضمن ذكره وقائع سنة تسع وثلاثين
تحت عنوان (ذكر سرايا أهل الشام إلى بلاد أمير المؤمنين عليه السلام)
ما نصه: (ووجه معاوية في هذه السنة أيضا سفيان بن عوف في ستة آلاف رجل وأمره أن يأتي
هيت فلم يجد بها أحدا ثم أتى الأنبار وفيها مسلحة لعلي تكون خمسمائة رجل وقد تفرقوا ولم يبق
منهم إلا مائتا رجل، وكان سبب تفرقهم أنه كان عليهم كميل بن زياد فبلغه أن قوما بقرقيسياء يريدون
الغارة على هيت فسار إليهم بغير أمر علي فأتى أصحاب سفيان وكميل غائب عنها فأغضب ذلك عليا
على كميل فكتب إليه ينكر ذلك عليه وطمع سفيان في أصحاب علي لقلتهم، فقاتلهم فصبر أصحاب
علي ثم قتل صاحبهم وهو أشرس بن حسان البكري وثلاثون رجلا، واحتملوا ما في الأنبار من
أموال أهلها ورجعوا إلى معاوية، وبلغ الخبر عليا فأرسل في طلبهم فلم يدركوا) (ج 3، ص 150).
471

قال: فلبث علي عليه السلام ترى فيه الكآبة والحزن حتى قدم عليه سعيد بن قيس
فكتب كتابا وكان في تلك الأيام عليلا فلم يطق على القيام (1) في الناس بكل ما أراد
من القول فجلس بباب السدة (2) التي تصل إلى المسجد ومعه الحسن والحسين عليهما السلام

1 - كذا في الأصل والبحار لكن في شرح النهج: (فلم يقو على القيام) يقال:
(طاق الشئ يطوقه طوقا وطاقة وإطاقة وأطاق عليه إطاقة أي قوى عليه وقدر).
2 - في مجمع البحرين: (السدة بالضم والتشديد كالصفة أو كالسقيفة فوق باب
الدار ليقيها من المطر وقيل: هي الباب نفسه وقيل: هي الساحة بين يديه (إلى أن قال) وفي
الخبر: لا يصلى في سدة المسجد أي الظلال التي حوله، والسدي هو نسبة لإسماعيل السدي
المشهور قال الجوهري لأنه كان يبيع المقانع والخمر في سدة مسجد الكوفة وهي ما يبقى من
الطاق المسدود، وجمع السدة سدد مثل غرفة وغرف وفي ميزان الاعتدال المعتبر عندهم:
إسماعيل السدي شيعي صدوق لا بأس به وكان يشتم أبا بكر وعمر وهو السدي الكبير والصغير ابن
مروان) وفي النهاية (فيه: أنه قيل له: هذا علي وفاطمة قائمين بالسدة فأذن لهما، السدة
كالظلة على الباب لتقي الباب من المطر، وقيل: هي الباب نفسه، وقيل: هي الساحة بين يديه
ومنه حديث واردي الحوض: هم الذين لا تفتح لهم السدد ولا ينكحون المنعمات أي لا تفتح
لهم الأبواب، وحديث أبي الدرداء أنه أتى باب معاوية فلم يأذن له فقال: من يغش سدد
السلطان يقم ويقعد، وحديث المغيرة: إنه كان لا يصلي في سدة المسجد الجامع يوم الجمعة مع
الإمام، وفي رواية إنه كان يصلي يعني الظلال التي حوله وبذلك سمي إسماعيل السدي لأنه كان
يبيع الخمر في سدة مسجد الكوفة) فمن أراد التفصيل فليراجع لسان العرب وتاج العروس
وغيرهما.
472

وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب فدعا سعدا (1) مولاه فدفع الكتاب إليه فأمره أن يقرأه

1 - في تنقيح المقال: (سعد مولاه، عده الشيخ (ره) في رجاله في باب أصحاب
علي (ع) وظاهره رجوع ضمير (مولاه) إلى أمير المؤمنين (ع) وهو صريح العلامة (ره)
في آخر القسم الأول من الخلاصة حيث عد من خواص أمير المؤمنين جمعا منهم: سعد
مولى علي (ع) فما في رجال الميرزا الكبير من قوله: (سعد مولاه (ع) ل) لا وجه له لأن
(ل) علامة أصحاب رسول الله (ص) من رجال الشيخ وليس في نسختين من رجال الشيخ
(ره) في باب أصحاب رسول الله (ص) ذكر من الرجل وبالجملة فلم أقف في الرجل إلا
على كونه منادي أمير المؤمنين (ع) في الناس لما يريده وأنه (ع) دفع له خطبة كتبها
في الحث على الجهاد ليقرأها على الناس وكان (ع) حينئذ عليلا فقرأها سعد عليهم
وعلي (ع) وبنوه وبنو أخيه عند باب المسجد يسمعونه، ويمكن استفادة حسن حاله من ذلك).
وأيضا فيه: (سعد بن الحارث الخزاعي مولى أمير المؤمنين (ع) له إدراك لصحبة النبي (ص)
وكان على شرطة أمير المؤمنين (ع) بالكوفة وولاه على آذربيجان وانضم بعده إلى الحسن (ع)
ثم إلى الحسين (ع) وخرج معه إلى مكة ثم إلى كربلاء وتقدم يوم العاشوراء أمامه وقاتل حتى
قتل رضوان الله عليه، وشهادته برهان عدالته مضافا إلى كون تولية أمير المؤمنين (ع) إياه تعديلا
له زاد على شرفه وحشره مع مواليه).
أقول: المظنون أن المراد بالعنوانين رجل واحد.
473

على الناس فقام سعد بحيث يسمع علي قراءته وما يرد عليه الناس (1) ثم قرأ الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي إلى من قرأ عليه كتابي من المسلمين،
سلام عليكم، أما بعد فالحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين، ولا شريك لله
الأحد القيوم، وصلوات الله على محمد والسلام عليه في العالمين.
أما بعد فإني قد عاتبتكم في رشدكم حتى سئمت، أرجعتموني (2) بالهزء من قولكم
حتى برمت، هزء من القول لا يعاديه (3) وخطل لا يعز أهله، ولو وجدت بدا من
خطابكم والعتاب إليكم ما فعلت، وهذا كتابي يقرأ عليكم فردوا خيرا وافعلوه، وما
أظن أن تفعلوا، فالله (4) المستعان.
أيها الناس إن الجهاد باب من أبواب الجنة (5) [فتحه الله لخاصة أوليائه وهو
لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة (6)] فمن (7) ترك الجهاد (8) في الله ألبسه الله ثوب (*)

1 - قال ابن أبي الحديد بعد هذه العبارة ما نصه (ج 1، ص 145،
س 24):
(ثم قرأ هذه الخطبة التي نحن في شرحها وذكر أن القائم إليه العارض نفسه عليه
جندب بن عفيف الأزدي هو وابن أخ له: عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف ثم أمر الحارث
الأعور الهمداني).
2 - في البحار: (راجعتموني).
3 - كذا في الأصل والبحار ولم أتحقق معناها.
4 - في البحار: (والله).
5 - قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 680، س 25) بعد هذه العبارة (إلى آخر ما مر وسيأتي بروايات مختلفة ثم قال فقام
إليه رجل).
6 - قد علم مما ذكرنا أن ابن أبي الحديد والمجلسي (ره) لم يذكرا الخطبة واكتفيا
بالإشارة إلى ما في النهج وغيره من الكتب فنحن لا نقابل المتن بما رواه السيد (ره) في النهج
أو غيره في غيره لئلا يفضي إلى الإطناب، نعم قد نشير إلى شئ من الاختلاف.
7 - في الأصل: (من).
8 - في النهج: (تركه رغبة عنه).
474

ذلة (1) وشمله البلاء وضرب على قلبه بالشبهات (2) وديث بالصغار [والقماءة واديل الحق
منه بتضييع الجهاد (3)] وسيم الخسف ومنع النصف، الأواني قد دعوتكم إلى جهاد
عدوكم (4) ليلا ونهارا وسرا وجهرا (5) وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله
ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم [وثقل عليكم قولي فعصيتم
واتخذتموه وراءكم ظهريا (6)] حتى شنت عليكم الغارات في بلادكم [وملكت عليكم
الأوطان (7)] وهذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار فقتل بها أشرس بن حسان (8) فأزال

1 - في النهج: (ثوب الذل).
2 - في النهج، (بالإسهاب) وفي الكافي: (بالإسداد).
3 - أضيف من النهج والكافي وغيرهما.
4 - في النهج وكامل المبرد والكافي: (إلى قتال [أو حرب] هؤلاء القوم).
5 - في غير الأصل: (إعلانا).
6 - ما بين المعقوفتين في الأصل وكامل المبرد فقط.
7 - في النهج والكافي فقط.
8 - كذا في الأصل هنا وفي عنوان الباب لكن في شرح النهج الحديدي بعد نقل اسم الرجل
بعنوان (حسان بن حسان) عن النهج وكامل المبرد: (قال إبراهيم [صاحب الغارات] كان اسم
عامل علي (ع) على مسلحة الأنبار أشرس وهكذا نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار عن كتاب
الغارات لكن في النهج والكافي وكامل المبرد ومعاني الأخبار للصدوق في باب معاني ألفاظ
ذكرها أمير المؤمنين (ع) في خطبته بالنخيلة: (حسان بن حسان) قال المامقاني (ره)
في تنقيح المقال: (حسان بن حسان البكري هو عامل أمير المؤمنين (ع) على الأنبار
قتله سفيان بن عوف الغامدي في غارته من قبل معاوية على الأنبار مع جميع من معه).
قال المبرد في الكامل: (وقوله: وقتلوا حسان بن حسان، من أخذ حسانا من
الحسن صرفه لأن وزنه فعال فالنون منه في موضع الدال من حماد، ومن أخذه من الحس
لم يصرفه لأنه حينئذ فعلان فلا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة لأنه ليست له فعلى فهو
بمنزلة سعدان وسرحان). وقال الجوهري في الصحاح ما نصه: (وحسان اسم رجل
إن جعلته فعالا من الحسن أجريته، وإن جعلته فعلان من الحس وهو القتل أو الحس بالشئ
لم تجره، وتصغير فعال حسيسين وتصغير فعلان حسيسان) وقال ابن منظور في
لسان العرب بعد نقل ما ذكره الجوهري: (قال ابن سيدة، وقد ذكرنا أنه من الحس
[بكسر الحاء] أو من الحس [بفتحها] وذكر بعض النحويين أنه فعال من الحسن قال:
وليس بشئ) وقال الزبيدي في تاج العروس في فصل الحاء من باب النون بعد
نقل الخلاف في المأخذ: (وقد ذكره المصنف (ره) في حسس وذكره الجوهري هنا وصوب
ابن سيدة أنه فعلان من الحس (ثم نقل عن الجوهري تصغيره على مبنى كل من المأخدين
كما نقلناه).
475

مسالحكم عن مواضعها (1) وقتل منكم رجالا صالحين (2) وقد بلغني أن الرجل من أعدائكم
كان يدخل بيت المرأة المسلمة والمعاهدة (3) فينتزع خلخالها من ساقها، ورعثها من
أذنها (4) فلا تمتنع منه (5)، ثم انصرفوا وافرين لم يكلم منهم رجل كلما (6) فلو أن امرءا
[مسلما] مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما بل كان عندي به جديرا، فيا عجبا عجبا (7)
والله يميت القلب ويجلب الهم ويسعر الأحزان (8) من اجتماع هؤلاء (9) على باطلهم
وتفرقكم عن حقكم فقبحا لكم وترحا لقد صيرتم أنفسكم غرضا يرمى (10)، يغار عليكم
ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون، ويقضى إليكم فلا تأنفون،
قد ندبتكم إلى جهاد عدوكم في الصيف فقلتم: هذه حمارة القيظ، أمهلنا حتى ينسلخ

1 - في النهج والكافي: (وأزال خيلكم عن مسالحها).
2 - في كامل المبرد ومعاني الأخبار: (ورجالا منهم كثيرا ونساءا)
3 - في غير الأصل: (يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة).
4 - في الأصل: (وعهدها ورعاثها)، وفي الكامل ومعاني الأخبار: (فينتزع أحجالهما
ورعثهما)، وفي النهج والكافي: (حجلها وقلبها وقلائدها ورعثها).
5 - في النهج والكافي: (ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام).
6 - في النهج والكافي: (ما نال رجلا منهم كلم، ولا أريق لهم دم).
7 - في كامل المبرد: (فيا عجبا كل العجب).
8 - في كامل المبرد: (ويشغل الفهم ويكثر الأحزان).
9 - في كامل المبرد ومعاني الأخبار: (من تظاهر هؤلاء القوم).
10 - في النهج: (حتى صرتم غرضا يرمى) وفي الكامل: (حتى أصبحتم غرضا ترمون
ولا ترمون) أما معاني الأخبار فالعبارة غير موجودة فيه.
476

عنا الحر، [وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر، أمهلنا
ينسلخ عنا البرد (1)] فكل هذا فرارا من الحر والصر (2) [فإذا كنتم من الحر والبرد
تفرون (3)] فأنتم والله من حر السيوف أفر، لا والذي نفس ابن أبي طالب بيده [عن]
السيف تحيدون (4) فحتى متى؟! وإلى متى؟! يا أشباه الرجال ولا رجال ويا طغام الأحلام
أحلام الأطفال وعقول ربات الحجال، الله يعلم لقد سئمت الحياة بين أظهركم ولوددت أن
الله يقبضني إلى رحمته من بينكم وليتني لم أركم ولم أعرفكم معرفة والله جرت ندما
وأعقبت سدما أو غرتم يعلم الله صدري غيظا وجرعتموني جرع (5) التهمام أنفاسا وأفسدتم
علي رأيي وخرصي (6) بالعصيان والخذلان حتى قالت قريش وغيرها: إن ابن أبي طالب
رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم؟! وهل كان منهم: رجل أشد مقاساة
وتجربة ولا أطول لها مراسا مني فوالله لقد نهضت فيها (7) وما بلغت العشرين فها أنا ذا
قد زرفت (8) على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع (9).
فقام إليه رجل من الأزد يقال له: حبيب (10) بن عفيف آخذا بيد ابن أخ له يقال

1 - ما بين المعقوفتين غير موجود في الأصل.
2 - كذا في الأصل والكامل لكن في النهج: (القر) وكلتا النسختين صحيحتان من
جهة المعنى.
3 - ما بين المعقوفتين سقط من الأصل وزيد من سائر الكتب.
4 - هذه الفقرة في الأصل فقط فصورناها كما كانت.
5 - في النهج: (نغب).
6 - كلمتا (وخرصى) في الأصل فقط.
7 - في الأصل: (ولقد نهضت إلى العرب).
8 - في الكامل والمعاني: (ولقد نيفت اليوم).
9 - في الكامل والمعاني بعد الفقرة: (يقولها ثلاثا).
10 - قال ابن أبي الحديد: (وذكر [أي صاحب الغارات] أن القائم إليه العارض
نفسه عليه جندب بن عفيف الأزدي هو وابن أخ له يقال له: عبد الرحمن بن عبد الله بن
عفيف) والحال أن الأصل (حبيب) وكذا نقله المجلسي (ره) عن الغارات في ثامن البحار
(ص 680، س 26). وفي منهاج البراعة للشارح الخوئي قدس سره (ج 1،
ص 422 من الطبعة الأولى): (قال إبراهيم في كتاب الغارات: إن القائم إليه
والعارض [نفسه] عليه جندب بن عفيف الأزدي هو وابن أخ له يقال له: عبد الرحمن بن عبد الله
بن عفيف والله أعلم بحقائق الوقائع).
أقول: نقل ابن أبي الحديد الرواية عن حبيب بن عفيف وجعل القائم إليه جندب بن
عفيف ولكن في الأصل عكسه فتدبر وتفطن.
477

له: عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف فأقبل يمشي حتى استقبل أمير المؤمنين عليه السلام بباب
السدة ثم جثا على ركبتيه وقال: يا أمير المؤمنين ها أنا ذا لا أملك إلا نفسي وأخي (1)
فمرنا بأمرك فوالله لننفذن له ولو حال دون ذلك شوك الهراس وجمر الغضا (2) حتى ننفذ
أمرك أو نموت دونه، فدعا لهما بخير وقال لهما: أين تبلغان مما نريد (3)؟

1 - في الكامل بإضافة: (كما قال الله تعالى: رب إني) وفي معاني الأخبار: (كما
قال الله تعالى حكاية عن موسى: رب إني). وكأن التعبير بتلك العبارة نظرا إلى ما في القرآن
المجيد من قول كليم الله (ع): قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي (من آية 25 سورة
المائدة) وإلا فليقل: إلا نفسي وابن أخي لكن بناء على ما في الكامل للمبرد: (فقام إليه رجل
ومعه أخوه [الرجل وأخوه يعرفان بابني عفيف من الأنصار] الكلام محمول على حقيقته.
2 - كذا في الأصل والبحار لكن في الكامل والمعاني: (لننتهين إليه ولو حال بيننا
وبينه جمر الغضا وشوك القتاد).
3 - كذا في الأصل والبحار لكن في الكامل والمعاني: (أين تقعان مما أريد؟).
فليعلم أن المجلسي (ره) قال في ثامن البحار عند نقله قصة غارة سفيان
بن عوف عن كتاب الغارات في باب ما جرى من الفتن (ص 680) بعد نقل قول أمير -
المؤمنين عليه السلام: (أيها الناس إن الجهاد باب من أبواب الجنة) ما نص عبارته: (إلى
آخر ما مر وسيأتي بروايات مختلفة) وكأنه يشير بما مر إلى ما ذكره في.... وبما سيأتي إلى
ما نقله عن النهج والكافي (في ص 682 - 683) وأورد بيانا لبعض فقرات الخطبة عن شرح ابن
ميثم والكامل للمبرد، وإلى ما نقله عن معاني الأخبار في ص 699، ولما كان الخوض في نقل
موارد ذكرها والإشارة إلى اختلاف الألفاظ والكلمات وكذا إلى الزيادة والنقيصة فيها هنا
يفضي إلى طول لا يسعه المقام أحببنا أن نورده في تعليقات آخر الكتاب.
(أنظر التعليقة رقم 54).
478

ثم أمر الحارث الأعور الهمداني (1) فنادى في الناس: أين من يشري (2) نفسه
لربه، ويبيع دنياه بآخرته، أصبحوا غدا بالرحبة إن شاء الله، ولا يحضرنا إلا صادق
النية في المسير معنا والجهاد لعدونا، فأصبح بالرحبة نحو من ثلاثمائة (3) فلما
عرضهم قال: لو كانوا ألفا كان لي فيهم رأي قال: وأتاه قوم يعتذرون وتخلف آخرون
فقال: وجاء المعذرون (4) وتخلف المكذبون قال: ومكث أمير المؤمنين أياما باديا حزنه
شديد الكآبة ثم إنه نادى في الناس فاجتمعوا، فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال:
أما بعد أيها الناس فوالله لأهل مصركم في الأمصار أكثر من الأنصار في
العرب (5) وما كانوا يوم أعطوا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يمنعوه ومن معه من المهاجرين حتى
يبلغ رسالات ربه إلا قبيلتين (6) صغير (7) مولدهما وما هما بأقدم العرب (8) ميلادا ولا بأكثرهم
عددا فلما آووا النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه ونصروا الله ودينه رمتهم العرب عن قوس واحدة (9)

1 - أشرنا فيما تقدم (ص 112) أن ترجمته تأتي في تعليقات آخر الكتاب فراجع.
2 - في الأصل وشرح النهج: (يشترى).
3 - في شرح النهج: (فأصبح وليس في الرحبة إلا دون ثلاثمائة).
4 - صدر آية 90 من سورة التوبة.
5 - قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن (ص 680،
س 32) بعد نقل القصة عن الغارات إلى قوله (ع): (أكثر من الأنصار في العرب) ما
نصه: (وساق [أي الثقفي] الحديث إلى آخر ما سيأتي برواية ابن الشيخ في مجالسه)
ويريد (ره) بقوله: (بما سيأتي) ما ذكره في ذلك الباب (ص 700) نقلا عن أما لي ابن -
الشيخ ما يتضمن القصة وأورد بيانا لبعض فقرات الحديث ونشير إلى بعضها فيما يأتي إن شاء الله.
6 - قال المجلسي (ره): (المراد بالقبيلتين الأوس والخزرج).
7 - في شرح النهج: (قريبا).
8 - في الأصل: بأقرب العرب).
9 - قال الزمخشري في أساس البلاغة: (ومن المجاز: رمونا عن قوس واحدة)
وفي محيط المحيط للبستاني وأقرب الموارد للشرتوني: (ورموهم عن قوس
واحد، مثل في الاتفاق) وفي الصحاح: (القوس يذكر ويؤنث، فمن أنث قال في
تصغيرها: قويسة، ومن ذكره قال: قويس).
479

وتحالفت عليهم اليهود (1) وغزتهم اليهود (2) والقبائل قبيلة بعد قبيلة فتجردوا لنصرة -
دين الله (3) وقطعوا ما بينهم وبين العرب من الحبائل وما بينهم وبين اليهود من العهود (4)، ونصبوا لأهل نجد (5) وتهامة وأهل مكة واليمامة وأهل الحزن والسهل [وأقاموا (6)]
قناة الدين، وتصبروا (7) تحت أحلاس (8) الجلاد حتى دانت لرسول الله صلى الله عليه وآله العرب
ورأى فيهم قرة العين قبل أن يقبضه الله إليه، فأنتم في الناس أكثر من أولئك في أهل
ذلك الزمان (9) من العرب.

1 - في الأصل: (العرب واليهود).
2 - في الأصل فقط.
3 - في الأصل: (لدين الله) وفي البحار: (للدين) والمتن موافق لشرح النهج.
قال المجلسي (ره): (قال الجوهري: (تجرد للأمر أي جد فيه).
4 - كذا في الأصل والبحار وفي شرح النهج، (من الحلف).
5 - في الصحاح والقاموس: (نصبت لفلان نصبا إذا عاديته) وفي مجمع -
البحرين: (النصب المعاداة يقال: نصبت لفلان نصبا إذا عاديته) وفي أقرب الموارد:
(نصب لفلان عاداه، ونصب له الحرب وضعها، قال الراغب: وإن لم تذكر الحرب جاز).
6 - في شرح النهج فقط.
7 - في شرح النهج: (وصبروا).
8 - في الأصل: (تحت خماش) وفي شرح النهج: (تحت حماس) وقال المجلسي (ره)
في ثامن البحار (ص 700: س 31): (وتصبروا تحت أحلاس الجلاد، أي صبروا صبرا شديدا
على ملازمة القتال، في النهاية: كونوا أحلاس بيوتكم أي الزموها، وفيه: نحن أحلاس
الخيل يريدون لزومهم ظهورها، واستحلسنا الخوف أي لم نفارقه، وفي بعض النسخ:
تحت حماس الجلاد [بالحاء والسين المهملتين] في القاموس: حمس كفرح اشتد وصلب
في الدين والقتال: والحمس الأمكنة الصلبة، والأحمس الشجاع كالحميس، والحمس الصوت).
أقول: أما ما في الأصل من عبارة (خماش الجلاد) (بالخاء والشين المعجمتين) يقال:
خمش وجهه أو غيره خمشا وخموشا خدشه ولطمه، وخمش فلانا ضربه وقطع عضوا منه).
9 - في شرح النهج: (ذلك الزمان في العرب) وفي الأصل: (في أهل الزمان
من العرب).
480

فقام إليه رجل آدم طوال (1) فقال: ما أنت بمحمد ولا نحن بأولئك الذين ذكرت،
فلا تكلفنا ما لا طاقة لنا به، فقال له علي عليه السلام: أحسن سمعا تحسن إجابة (2) ثكلتكم
الثواكل ما تزيدونني (3) إلا غما، هل أخبرتكم أني محمد صلى الله عليه وآله وأنكم الأنصار (4)؟
إنما ضربت لكم مثلا وإنما أرجو أن تأسوا (5) بهم.
ثم قام رجل آخر فقال: ما أحوج أمير المؤمنين [اليوم (6)] ومن معه (7) إلى
أصحاب النهروان ثم تكلم الناس من كل ناحية ولغطوا (8)، فقام رجل فنادى (9) بأعلى
صوته: استبان فقد الأشتر على أهل العراق، وأشهد أن لو كان حيا لقل اللغط ولعلم
كل امرئ ما يقول، فقال عليه السلام لهم: هبلتكم الهوابل (10) لأنا أوجب عليكم حقا من
الأشتر وهل للأشتر عليكم من الحق إلا حق المسلم على المسلم؟! فغضب، ونزل.
فقام حجر بن عدي الكندي وسعيد بن قيس الهمداني فقالا:
لا يسؤك الله يا أمير المؤمنين، مرنا بأمرك نتبعه فوالله ما نعظم جزعا على أموالنا
إن نفدت، ولا على عشائرنا إن قتلت (11) في طاعتك، فقال لهم: تجهزوا للمسير إلى عدونا.

1 - قال المجلسي (ره): (الأدم من الناس الأسمر، والطوال بالضم الطويل).
2 - مأخوذ من المثل السائر المعروف (أساء سمعا فأساء جابة [أو] ساء سمعا
فأساء جابة) المذكور في مجمع الأمثال وغيره، وسيذكر المثل في آخر الكتاب ضمن قصة
(قدوم أبي بكرة على علي عليه السلام بالبصرة) ونتعرض له هناك على سبيل التفصيل إن شاء الله تعالى.
3 - في الأصل والبحار: (تزيدوني).
4 - في البحار: (أني مثل محمد وأنكم مثل أنصاره).
5 - في شرح النهج: (أن تتأسوا) (بإثبات تاء المضارعة).
6 - زيد من شرح النهج لابن أبي الحديد.
7 - في شرح النهج: (وأصحابه).
8 - قال المجلسي (ره): (اللغط الصوت والجلبة، يقال: لغط القوم لغطا ولغاطا
صوتوا).
9 - في شرح النهج والبحار: (فقال).
10 - قال المجلسي (ره): (هبلته أمه = ثكلت).
11 - في البحار: (أن تفرق ولا على عشائرنا أن تقتل).
481

فلما دخل منزله ودخل عليه وجوه أصحابه قال لهم: أشيروا علي برجل صليب
ناصح يحشر الناس من السواد، فقال له سعيد بن قيس الهمداني: يا أمير المؤمنين أشير
عليك بالناصح الأريب الشجاع الصليب معقل بن قيس التميمي، قال: نعم، ثم
دعاه فوجهه فسار، فلم يقدم حتى أصيب أمير المؤمنين عليه السلام (1)
عن أبي مسلم قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: لولا بقية المسلمين لهلكتم (2) عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي (3) أن عليا عليه السلام خطبهم بعد هذا الكلام

1 - نقله ابن أبي الحديد عن الغارات في شرح النهج (ج 1، ص 144 - 146) وقال المجلسي (ره) ضمن نقله القصة عن الغارات في ثامن البحار في باب سائر
ما جرى من الفتن (ص 680، س 32) بعد قوله: (فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد أيها الناس فوالله لأهل مصركم في الأمصار أكثر من الأنصار في العرب) ما لفظه:
(وساق [أي صاحب الغارات] الحديث إلى آخر ما سيأتي برواية ابن الشيخ في مجالسه
عن ربيع بن ناجذ) فقال في الباب المذكور (ص 700، س 14): (في مجالس ابن الشيخ
عن المفيد عن الكاتب عن الزعفراني عن الثقفي عن محمد بن إسماعيل عن زيد بن المعدل
عن يحيى بن صالح الطيالسي عن إسماعيل بن زياد عن ربيعة بن ناجد قال: لما وجه معاوية
[وذكر القصة ثم قال] أمر مناديه في الناس فاجتمعوا فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى
على رسول الله ثم قال: أما بعد أيها الناس (الخطبة).
أقول: الحديث موجود في الجزء السادس من أمالي ابن الشيخ (ره) المطبوع
بطهران (أنظر ص 109) وسيجئ في أواخر الكتاب في أواخر قصة غارة بسر بن أبي أرطاة
نظير ذيل هذه الخطبة أعني قوله (ع) لسعيد بن قيس وأقرانه: تجهزوا، إلى آخر القصة، ونشير
هناك أيضا بما يتعلق بالمقام إن شاء الله تعالى.
2 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن (ص 680،
س 32).
3 - في تقريب التهذيب: (إسماعيل بن رجاء بن ربيعة الزبيدي بضم الزاي
أبو إسحاق الكوفي ثقة، تكلم فيه الأزدي بلا حجة، من الخامسة / م 4).
482

فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه (1): أيها الناس المجتمعة أبدانهم المتفرقة أهواؤهم ما عز من دعاكم ولا استراح
من قاساكم، كلامكم يوهن (2) الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم (3)، إن
قلت لكم: سيروا إليهم في الحر، قلتم: أمهلنا ينسلخ عنا الحر، وإن قلت لكم:
سيروا في الشتاء، قلتم: [أمهلنا] حتى ينسلخ عنا البرد، فعل (4) ذي الدين
المطول، من فاز بكم فاز (5) بالسهم الأخيب، أصبحت لا أصدق قولكم، ولا أطمع في
نصركم، فرق الله بيني وبينكم - أي دار بعد داركم تمنعون؟! ومع أي إمام بعدي
تقاتلون؟! أما إنكم ستلقون بعدي أثرة يتخذها عليكم الضلال سنة، [و (6)] فقرا
يدخل بيوتكم، وسيفا قاطعا (7)، وتتمنون عند ذلك أنكم رأيتموني وقاتلتم معي وقتلتم
دوني وكأن قد (8).
عن الأعمش عن ابن عطية قال: قال لهم علي عليه السلام:

1 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن (ص 680،
س 33): وسيجئ ذيل الخطبة برواية جندب بن عبد الله الوائلي عن قريب إن شاء الله تعالى.
أقول: أورد الشريف الرضي (ره) هذه الخطبة في النهج بتقديم وتأخير وزيادة
ونقيصة (أنظر شرح النهج الحديد، ج 1 ص 152) ونقلها المجلسي (ره) عن النهج في
ثامن البحار في الباب المشار إليه (ص 683) ونقلها أيضا عن مجالس ابن الشيخ بإسناده عن
جندب بن عبد الله الأزدي (أنظر ص 696) والرواية مذكورة في أمالي ابن الشيخ في الجزء
السابع (ص 113 من طبعة إيران).
2 - في النهج: (يوهى).
3 - في النهج: (الأعداء).
4 - في النهج: (دفاع).
5 - في النهج: (فقد فاز والله).
6 - حرف العطف زيدت بقرنية ما سيأتي في رواية جندب بن عبد الله (أنظر ص 492).
7 - في الأصل والبحار: (فقر) و (سيف قاطع).
8 - قال المجلسي (ره) في توضيح الفقرة: (وكان قد، هذا من قبيل الاكتفاء أي
وكأن قد وقع هذا الأمر عن قريب).
483

إن بالكوفة مساجد مباركة ومساجد ملعونة، فأما المباركة فإن منها مسجد
غني وهو مسجد مبارك، والله إن قبلته لقاسطة، ولقد أسسه رجل مؤمن، وإنه
لفي سرة (1) الأرض، وإن بقعته لطيبة، ولا تذهب الليالي والأيام حتى تنفجر فيه
عين (2) وحتى تكون على جنبيه جنتان وأهله (3) ملعونون، وهو مسلوب منهم، ومسجد
جعفي مسجد مبارك وربما اجتمع فيه أناس من الغيب يصلون فيه (4) ومسجد ابن -
ظفر (5) مسجد مبارك والله إن أطباقه لصخرة (6) خضراء ما بعث الله من نبي إلا فيها
تمثال وجهه وهو مسجد السهلة، ومسجد الحمراء وهو مسجد يونس بن متى عليه السلام
ولتنفجرن فيه عين تظهر على السبخة وما حوله (7). وأما المساجد الملعونة فمسجد
الأشعث بن قيس، ومسجد جرير بن عبد الله البجلي، ومسجد ثقيف، ومسجد سماك
بني على قبر فرعون من الفراعنة (8).

1 - في الأصل: (صرة) وكذا في البحار نقلا عن الغارات لكن فيه نقلا عن أمالي -
ابن الشيخ (ره) كما في المتن.
2 - في البحار نقلا عن التهذيب: (عينان) ونقلا عن الأمالي: (عيون).
3 - المراد بقوله (ع): (وأهله ملعونون) قبيلة غني، وقد مرت في أوائل الكتاب
شرح حالهم (أنظر ص 18 - 22).
4 - في أمالي ابن الشيخ: (ناس من العرب من أوليائنا فيصلون فيه).
5 - في الأمالي: (بني ظفر).
6 - في الأمالي: (والله إن فيه).
7 - في الأمالي: (وما حولها).
8 - نقله المجلسي (ره) عن الغارات في البحار تارة في المجلد الثامن عشر
في كتاب الصلاة في باب فضل المساجد (ص 130، س 32) قائلا بعده: (بيان - روى
مثله في التهذيب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر - عليه السلام - وفيه: حتى تنفجر فيه
عينان وتكون عليه جنتان، وهو أظهر ولعله إشارة إلى ما في سورة الرحمن، والظاهر أنه
المسجد الكبير المعروف الآن بمسجد الكوفة لاشتراك أكثر الفضائل كما سيأتي، ويحتمل
أن يكون غيره كما يظهر من بعض الأخبار، ومسجد الحمراء لعله الموضع المعروف الآن
بقبر يونس عليه السلام). وأخرى في المجلد الثاني والعشرين في باب فضل مسجد
السهلة وسائر المساجد بالكوفة (ص 102، س 11) عن مجالس ابن الشيخ عن المفيد عن
الكاتب عن الزعفراني عن الثقفي عن إسماعيل بن صبيح عن يحيى بن مساور عن علي بن حزور
عن الهيثم بن عوف عن خالد بن عرعرة قال: سمعت عليا (الحديث) قائلا بعده: (كتاب -
الغارات بإسناده عن الأعمش عن ابن عطية عنه (ع) مثله بيان - هذا الخبر يدل على اتحاد
مسجد بني ظفر ومسجد السهلة، ويمكن أن يكون في الخبر السابق زيدت الواو من النساخ
أو يكون العطف للتفسير، وفي المزار الكبير ومسجد سهيل وهو مسجد مبارك والظاهر
أن مسجد الحمراء هو المعروف الآن بمسجد يونس وقبره (ع)، ولم نجد في خبر كونه (ع)
مدفونا هناك) ومراده من الخبر السابق ما رواه قبيل ذلك عن الخصال بإسناده
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) (الحديث)) ونقله المحدث النوري (ره)
في المستدرك في كتاب الصلاة في باب ما يستحب الصلاة فيه من مساجد الكوفة
(ج 1، ص 232).
أقول: نقله الكليني - رضوان الله عليه - أيضا في الكافي في كتاب الصلاة
في باب مساجد الكوفة بهذا الإسناد (ج 3، ص 182 مرآة العقول): (علي بن إبراهيم عن
أبيه عن عمرو بن عثمان عن محمد بن عذافر عن أبي حمزة أو عن محمد بن مسلم عن أبي -
جعفر (ع) قال: إن بالكوفة مساجد ملعونة (الحديث)).
ونقله الشيخ الحر العاملي (ره) في الوسائل في كتاب الصلاة في باب ما
يستحب الصلاة فيه من مساجد الكوفة وما يكره فيها منها (ج 1 طبعة أمير بهادر، ص 310)
بهذا الإسناد: (محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن
محمد بن عذافر عن أبي حمزة أو عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: إن بالكوفة
(الحديث)، ورواه الصدوق في الخصال عن محمد بن الحسن عن أحمد بن إدريس
عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن هاشم عن عمرو بن عثمان، ورواه الشيخ [في التهذيب]
بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن إبراهيم بن هاشم إلا أنه ترك قوله: (عن أبي -
حمزة)، ورواه الطوسي في المجالس عن أبيه عن المفيد عن علي بن محمد الكاتب عن
الحسن بن علي الزعفراني عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن إسماعيل بن صبيح عن
يحيى بن مساور عن علي بن حزور عن الهيثم بن عوف عن خالد بن عرعرة عن علي (ع)
نحوه) فعلم أن الشيخ الحر (ره) لم ينقله في الوسائل عن الغارات فمن ثم استدركه المحدث
النوري (ره) عليه في كتابه (مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل) كما أشرنا إلى مورد نقله.
484

فكانت غارة معاوية في أداني الكوفة (1).

1 - كذا كانت العبارة في الأصل فكأنها تعريض بمعاوية وذلك لأن الحديث يكشف
عن عظمة الكوفة وفضلها فكأن المصنف (ره) يقول: إن الكوفة التي هي بهذه العظمة كان
معاوية قد جعلها موردا لغاراته وعرضة لتجاوزاته، فتدبر.
485

عن بكر بن عيسى أنهم لما أغاروا بالسواد قام علي عليه السلام فخطب إليهم
فقال: أيها الناس ما هذا؟! فوالله إن كان ليدفع عن القرية بالسبعة نفر من المؤمنين
تكون فيها (1).
عن ثعلبة بن يزيد الحماني (2) أنه قال:
بينما أنا في السوق إذ سمعت مناديا ينادي: الصلاة جامعة، فجئت أهرول
والناس يهرعون، فدخلت [الرحبة (3)] فإذا علي عليه السلام على منبر من طين مجصص
وهو غضبان قد بلغه أن ناسا قد أغاروا بالسواد فسمعته يقول:
أما ورب السماء والأرض، ثم رب السماء والأرض، إنه لعهد النبي صلى، الله عليه وآله
[إلي] أن الأمة ستغدر بي (4).

1 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن (ص
680، س 37).
2 - قد مرت ترجمة الرجل (أنظر ص 444).
3 - في البحار فقط:
4 - نقله المجلسي (ره) في المجلد الثامن من البحار في باب سائر ما جرى
من الفتن (ص 681، س 1).
أقول: قال الناقد البصير والعالم الخبير محمد بن علي بن شهرآشوب - قدس الله
روحه ونور ضريحه - في كتاب المناقب تحت عنوان (فصل في ظالميه ومقاتليه) فيما قال
(ص 15 من الجزء الخامس من طبعة طهران سنة 1316 أو ص 121 من المجلد الثالث من
طبعة بمبئي سنة 1313): (تاريخ بغداد وكتاب إبراهيم الثقفي روى عمرو بن الوليد
الكرابيسي بإسناده عن أبي إدريس عن علي عليه السلام قال: عهد إلي النبي أن الأمة ستغدر بك،
وفي حديث سلمان قال عليه السلام لعلي: إن الأمة ستغدر بك فاصبر لغدرها).
وقال ابن الشيخ (ره) في مجالسه في الجزء السابع عشر (ص 303 من الطبعة
الحجرية بطهران سنة 1313، أو ص 90 من الجزء الثاني من طبعة النجف سنة 1384)
ما نصه:
(أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا علي بن محمد بن مخلد الجعفي الدهان
بالكوفة قال: حدثني عمار بن سعيد الجعفي وهو جده لأمه قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي بهلول
قال: حدثنا صالح بن أبي الأسود عن أبي الجارود عن حكيم بن جبير عن سالم الجعفي [قال:]
قال علي - صلوات الله عليه - وهو في الرحبة جالس: انتدبوا وهو على المسير من السواد،
فانتدبوا نحوا من مائة، فقال: ورب السماء ورب الأرض لقد حدثني خليلي رسول الله (ص) أن
الأمة ستغدر بي من بعده عهدا معهودا وقضاءا مقضيا وقد خاب من افترى.
أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا مسدد بن يعقوب بن إسحاق بن زياد العلوي
البصري قاضي تنيس قال: حدثنا إسحاق بن يسار النصيبي قال: حدثني أبو نعيم الفضل بن
دكين قال حدثنا فطر بن خليفة قال أخبرني حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت ثعلبة بن يزيد الحماني
قال: سمعت عليا - صلوات الله عليه قال: والله إنه لعهد عهده إلي النبي الأمي أن
الأمة ستغدر بك بعدي) ونقل الذهبي في ميزان الاعتدال عن البخاري تضعيف ثعلبة بن يزيد الحماني لروايته عن علي (ع) قول النبي (ص) له: (إن الأمة ستغدر
بك) كما نقلناه في ترجمة ثعلبة (أنظر ص 444).
486

عن المسيب بن نجبة الفزاري (1) أنه قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: إني

1 - في تنقيح المقال: (مسيب بن نجبة الفزاري الكوفي، عده الشيخ (ره) في
رجاله تارة بهذا العنوان من أصحاب علي - عليه السلام -، وأخرى من غير لقب من أصحاب
الحسن - عليه السلام -، وقد عده في رواية الكشي عن الفضل بن شاذان المزبور نقلها تحت
عنوان (التابعين) من الفائدة الثانية عشرة من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم، وعن
تقريب ابن حجر: مسيب بن نجبة بفتح النون والجيم والباء الموحدة الكوفي مخضرم
من الثانية مقبول قتل سنة خمس وستين انتهى.
وأقول: قد سمعت في ترجمة سليمان بن صرد نقل ابن الأثير أنه كان من التوابين
قتلوا بعد الحسين - عليه السلام - سنة خمس وستين حيث كانوا يطالبون بثأر الحسين (ع)
وقال المحدث القمي (ره) في سفينة البحار: (إن أحد التوابين قتل مع سليمان
بن صرد بعين الوردة سنة خمس وستين، وقد ذكرنا مقتله في نفس المهموم).
487

قد خشيت أن يدال هؤلاء القوم عليكم (1) بطاعتهم إمامهم ومعصيتكم إمامكم، وبأدائهم
الأمانة وخيانتكم، وبصلاحهم في أرضهم وفسادكم في أرضكم، وباجتماعهم على باطلهم
وتفرقكم عن حقكم، حتى تطول دولتهم وحتى لا يدعوا (2) لله محرما إلا استحلوه
حتى لا يبقى بيت وبر ولا بيت مدر إلا دخله جورهم وظلمهم حتى يقوم الباكيان،
باك يبكي لدينه، وباك يبكي لدنياه، وحتى لا يكون منكم إلا نافعا لهم أو غير
ضاربهم، وحتى يكون نصرة (3) أحدكم منهم كنصرة العبد من سيده، إذا شهده أطاعه،

1 - فليعلم أنه قد نقل علم الهدى (ره) في الشافي (ص 203 من الطبعة القديمة)
وشيخ الطائفة (ره) في تلخيص الشافي (ص 48 من الجزء الثالث من طبعة النجف)
وكذا المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب النوادر (ص 727، س 18) لكنه نقلا
عن ابن أبي الحديد عن شيخه أبي القاسم البلخي بإسنادهم (عن المسيب بن نجبة أنه قال: بينا
علي (ع) يخطب إذ قام أعرابي فصاح: وامظلمتاه فاستدناه علي (ع) فلما دنا قال: إنما لك
مظلمة واحدة وأنا قد ظلمت عدد المدر والوبر) وبما أنهم رووه عن إبراهيم الثقفي في جملة
الروايات التي؟ رووها عنه (ع) في تظلمه فعلى ذلك من المحتمل أن تكون الرواية هنا ساقطة
من الكتاب بقرينة ما قبلها كما أشرنا إليه، أو أنهم رووه عن الثقفي (ره) لكن من غير كتاب
الغارات فتفطن.
2 - أورد الرضي - رضي الله عنه - في نهج البلاغة في باب المختار من الخطب
تحت عنوان (من كلام له (ع)) (أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد، ج 1، ص 186):
(والله لا يزالون حتى لا يدعوا لله محرما إلا استحلوه، ولا عقدا إلا حلوه، وحتى لا يبقى
بيت مدر ولا وبر (الخطبة إلى آخرها).
3 - في الأصل: (زجرة) والمظنون أن الكلمة محرفة عن (نصرة) بقرينة ما سيأتي.
488

وإذا غاب عنه سبه (1)، فإن أتاكم الله بالعافية فاقبلوا، وإن ابتلاكم فاصبروا، فإن
العاقبة للمتقين (2).
عن يحيى بن صالح (3) عن أصحابه أن عليا عليه السلام ندب الناس عندما أغاروا على
نواحي السواد فانتدب لذلك شرطة الخميس فبعث إليهم قيس بن سعد بن عبادة
الأنصاري ثم وجههم فساروا حتى وردوا تخوم الشام (4).
وكتب علي عليه السلام إلى معاوية (5):
إنك زعمت أن الذي دعاك إلى ما فعلت الطلب بدم عثمان فما أبعد قولك من
فعلك..! ويحك وما ذنب أهل الذمة في قتل ابن عفان؟ وبأي شئ تستحل أخذ
فيئ المسلمين؟! فانزع ولا تفعل، واحذر عاقبة البغي والجور، وإنما مثلي ومثلك كما
قال بلعاء (6) لدريد بن الصمة (7):

1 - قد تقدم في أول الكتاب في خطبته - عليه السلام - هذه العبارة: (لا يزالون بكم
حتى لا يتركون في مصركم إلا تابعا لهم أو غير ضار، ولا يزال بلاؤهم بكم حتى لا يكون
انتصار أحدكم منهم إلا مثل انتصار العبد من ربه، إذا رآه أطاعه وإذا توارى عنه شتمه (أنظر
ص 10 - 11).
2 - ذيل آية 49 سورة هود (بتغيير صيغة (اصبر) إلى الجمع) وأخذ أبو فراس
الحمداني في ميميته الموسومة بالشافية مضمون قوله:
(للمتقين من الدنيا عواقبها * وإن تعجل فيها الظالم الآثم)
من هذه اللطيفة القرآنية.
أما الحديث فنقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 681، س 4).
3 - قد مرت ترجمة الرجل فيما تقدم بعنوان (أبي زكريا يحيى بن صالح) (أنظر ص 114).
4 و 5 - نقلهما المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 681، س 8 - 9).
6 - في الأصل والبحار: (بلقاء) (بالقاف) ففي الاشتقاق لأبي بكر محمد
بن الحسن بن دريد عند عده قبائل بني كنانة بن خزيمة بن مدركة (ص 171): (ومن
رجالهم بلعاء بن قيس، كان رئيسا في الجاهلية وكان أبرص فقيل له: ما هذا البياض؟ - فقال:
سيف الله حلاه. واشتقاق بلعاء من قولهم: بئر بلعاء، واسعة، وقد مر تفسير بلعاء في الجمهرة)
وقال في الجمهرة (ج 1، ص 315): (وبلعاء بن قيس الكناني اسم رجل من سادات
العرب). وقال تلميذه أبو القاسم الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي في المؤتلف
والمختلف (ص 150):
(بلعاء بن قيس الكناني وأخوه جثامة بن قيس بن عبد الله بن يعمر وهو الشداخ بن
عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة، وأمهما الحبناء بنت
وائلة بن كعب بن أحمر بن الحارث بن عبد مناة ويقال: هي جدة بلعاء وجثامة، وكان بلعاء
رأس بني كنانة في أكثر حروبهم ومغازيهم، وكان كثير الغارات على العرب، وهو شاعر محسن
وقد قال في كل فن أشعارا جيادا (إلى آخر ما قال) وقال ابن حزم (علي بن أحمد
بن سعيد) الأندلسي في جمهرة أنساب العرب عند عده رجال بني كنانة بن خزيمة
(ص 181،): (ومن بني الشداخ بلعاء بن قيس بن عبد الله بن الشداخ، وكان فارسا شاعرا
سيدا أبرص وهو القائل إذ ذكر أنه أبرص: سيف الله حلاه، وأخواه جثامة بن قيس والمحجل
بن قيس (إلى آخر ما قال)) وقال أبو الفرج الإصبهاني في الأغاني عند ذكره خبر حروب
الفجار (ج 19 طبعة الساسي، ص 77):
(ثم كان اليوم الثاني من الفجار الثاني وهي يوم سمطة... وكان القوم جميعا متساندين على
كل قبيلة سيدهم، فكان على بني هاشم وبني المطلب ولفهم الزبير بن عبد المطلب ومعهم النبي،
(إلى أن قال) وعلى بني بكر بلعاء بن قيس ومات في تلك الأيام وكان جثامة بن قيس أخوه
مكانه (إلى آخر ما قال) وقال ابن قتيبة في المعارف عند عده المبتلين بالبرص من
ذوي العاهات (ص 580 من الطبعة الثانية بمصر): (بلعاء بن قيس كان أبرص وكان يقول: سيف
الله جلاه) وفي بعض التعليقات لديوان الحماسة لأبي تمام في شرح قوله في أوائل
باب الحماسة: (قال بلعاء بن قيس الكناني) ما نصه: (هو من بني كنانة ولم يوجد له في كتب
الأدب ترجمة تفي بمكانته من الشعر، وشهد حرب الفجار الثاني وكان على بني بكر ومات في تلك
الأيام وقام جثامة بن قيس أخوه مكانه) وله ترجمة وذكر في كتاب المحبر وأيام
العرب وغيرهما فراجع إن شئت.
7 - قال ابن دريد في الاشتقاق عند ذكره رجال هوازن وجشم (ص 292):
(ومن قبائل بني جشم بنو عزية (إلى أن قال) فمن بني غزية دريد بن الصمة بن جداعة
بن غزية (إلى أن قال) وكان دريد فارس غطفان وقتل أخوه عبد الله فقتل به ذؤاب بن أسماء بن
زيد بن قارب فقال دريد:
قتلت بعبد الله خير لداته * ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب
الصمة الرجل الشجاع وربما جعلوه من أسماء الأسد وأصله المضاء والتصميم (إلى
آخر ما قال) وفي المؤتلف والمختلف لتلميذه الآمدي في باب الدال (ص
163): (دريد بن الصمة بن الحارث بن معاوية بن جداعة بن غزية بن جشم بن معاوية بن
بكر بن هوازن الفارس المشهور والشاعر المذكور).
أقول: ترجمته موجودة في غالب كتب الأدب والتراجم فراجع.
489

مهلا دريد عن التسرع إنني * ماضي الجنان بمن تسرع مولع
490

مهلا دريد عن السفاهة إنني * ماض على رغم العداة سميدع
مهلا دريد لا تكن لاقيتني * يوما دريد فكل هذا يصنع
وإذا أهانك معشر أكرمهم * فتكون حيث ترى الهوان وتسمع (1)
فأجابه معاوية:
أما بعد فإن الله أدخلني في أمر عزلك عنه نائيا عن الحق فنلت منه أفضل أملي
فأنا الخليفة المجموع عليه، ولم تصب [في] مثلي ومثلك، إنما مثلي ومثلك كما قال بلعاء
حين صولح على دم أخيه ثم نكث فعنفه قومه فأنشأ يقول:
ألا آذنتنا من تدللها ملس * وقالت: أما بيني وبينك [من] بلس
وقالت ألا تسعى فتدرك ما مضى * وما أهلك الحانون في القدح والضرس
أتأمرني سعد وليث وجندع * ولست براض بالدنية والوكس

1 - في نهج السعادة للشيخ محمد باقر المحمودي في الجزء الثاني من باب
الكتب (ص 307): (من كتاب له (ع) قال الثقفي (ره): وعن يحيى بن صالح عن أصحابه
(فذكر الحديث إلى قوله: (وتسمع) وأشار في آخر الحديث إلى أنه أخذه من ثامن
البحار ص 681 نقلا عن الغارات).
491

يقولون: خذ عقلا وصالح عشيرة * فما يأمروني بالهموم إذا أمسى (1)
قال جندب بن عبد الله الوائلي (2): كان علي عليه السلام يقول: أما إنكم ستلقون
بعدي ثلاثا، ذلا شاملا، وسيفا قاتلا، وأثرة يتخذها الظالمون عليكم سنة،
فستذكروني عند تلك الحالات فتمنون لو رأيتموني ونصرتموني وأهرقتم دماءكم دون

1 - هذه الأشعار لم نعثر على مورد نقلها غير البحار كما أشرنا إليه (ج 8، ص 681)
إلا أن البحتري نقل في حماسته بيتا منها وزاد عليه بيتا آخر ونص عبارته في باب ما قيل في
مجاملة الأعداء وترك كشفهم عما في قلوبهم (ص 14):
(وقال بلعاء بن قيس الكناني:
يقولون: خذ عقلا وصالح عشيرة * فما يأمروني بالهموم إذا أمسى
فأقسمت لا أنفك حتى أزورهم * بقب كأمثال المجوعة الغبس)
أما البيتان الأولان فلم نتمكن من تصحيحهما وتحقيق معناهما، وأما البيتان الأخيران
فمعناهما واضح، وأما قوله: (جندع) ففي الاشتقاق لابن دريد عند ذكره أسماء رجال
بني كنانة بن خزيمة (ص 170 - 173): (ومنهم بنو جندع بن ليث يقال: جندع وجندع
[بفتح الدال وضمها] واحد الجنادع (إلى أن قال) ومن رجال بني ليث الشداخ [وهو
جد بلعاء وقد تقدم] ومن رجال بني سعد بن ليث أبو الطفيل (إلى آخر ما قال) فيستفاد
من عبارته أن سعدا وجندعا وأباهما (ليثا) من بني أعمام بلعاء بن قيس.
أقول: نقل القصة والأبيات المؤرخ المعروف لسان الملك محمد تقي
المستوفي الشهير ب‍ (سبهر) في المجلد الثالث من الكتاب الثاني من ناسخ
التواريخ وهو في أحوال أمير المؤمنين عليه السلام (ص 648 من الطبعة الأولى بطهران)
ولما كان (ره) لم يذكر مأخذ نقله والمظنون أنه أخذها من البحار أعرضنا عن الإشارة إلى مواضع
الاختلاف.
2 - من المحتمل أن يكون هذا متحدا مع جندب بن عبد الله الأزدي بقرينة رواية ابن -
الشيخ (ره) هذه الرواية في أماليه بإسناده عن جندب بن عبد الله الأزدي مع زيارة في صدرها
(أنظر ص 696 من ثامن البحار، س 33). والحديث مذكور في أمالي ابن الشيخ (ص 113
من طبعة إيران).
492

دمي، فلا يبعد الله إلا من ظلم (1).
وكان جندب بعد ذلك إذا رأى شيئا يكرهه قال: لا يبعد الله إلا من ظلم (2).
عن جندب بن عبد الله الأزدي (3) أن عليا عليه السلام استنفرهم أياما فلم ينفروا فقام

1 - قد تقدم مضمون هذا الحديث في ذيل خطبته (ع) برواية إسماعيل بن رجاء الزبيدي
(أنظر ص 483).
2 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن (ص 681،
س 16) وقد ذكرنا قبيل ذلك بلا فاصلة أن المجلسي (ره) قد نقل الحديث أيضا في ثامن البحار
عن أمالي ابن الشيخ (ره) بزيادة.
3 - نقل المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن (ص 674،
س 26) ما أورده السيد الرضي (ره) في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين (ع) في باب
المختار من الخطب تحت عنوان (من خطبة له عليه السلام في استنفار الناس إلى أهل الشام)
صدرها: (أف لكم) موردا بعده بيانا لبعض فقراتها، وسنشير إلى بعض ما يقتضيه المقام منها
عن قريب إن شاء الله تعالى وقال فيه: (روى أنه (ع) خطب بهذه الخطبة بعد فراغه من
أمر الخوارج (إلى أن قال): ضرب بالمشرفية، إلى آخر الفصل انتهى.
أقول: سيأتي تمام القول برواية المفيد)
وقال فيه أيضا في ذلك الباب: (جا [يريد به مجالس المفيد] - الكاتب عن
الزعفراني عن الثقفي عن محمد بن إسماعيل عن زيد بن المعدل عن يحيى بن صالح عن
الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن جندب بن عبد الله الأزدي قال: سمعت أمير المؤمنين (ع)
يقول لأصحابه وقد استنفرهم أياما إلى الجهاد فلم ينفروا: أيها الناس إني قد استنفرتكم
(فساق الحديث كما في المتن قائلا بعده): (كتاب الغارات بإسناده عن جندب مثله)
(ص 702، س 22).
أقول: الخطبة موجودة في مجالس المفيد في المجلس الثامن عشر (في ص 87 من
طبعة النجف سنة 1351 ه‍) ونص عبارته هكذا (قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن
حبيش الكاتب قال: حدثنا الحسن بن علي الزعفراني قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي
قال: حدثنا محمد بن إسماعيل (إلى آخر الحديث نحوا مما مر سندا ومتنا)) ونقله
المجلسي (ره) أيضا في ثامن البحار في الباب المشار إليه (ص 697) باختلاف وتفاوت
عن بشارة المصطفى للطبري والاحتجاج للطبرسي.
493

في الناس فقال:
أما بعد أيها الناس فإني قد استنفرتكم فلم تنفروا (1)، ونصحت لكم فلم تقبلوا،
فأنتم شهود كغياب، وصم ذوو أسماع، أتلو عليكم الحكمة، وأعظكم بالموعظة
الحسنة، وأحثكم على جهاد عدوكم الباغين، فما آتي علي آخر منطقي حتى أراكم
متفرقين أيادي سبا، فإذا أنا كففت عنكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين (2) تضربون
الأمثال، وتتناشدون الأشعار، وتسألون عن الأخبار، قد نسيتم الاستعداد للحرب،
وشغلتم قلوبكم بالأباطيل، تربت أيديكم اغزوا القوم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي
قوم قط في عقر ديارهم إلا ذلوا، وأيم الله ما أراكم تفعلون حتى يفعلوا، ولوددت
أني لقيتهم على نيتي وبصيرتي فاسترحت من مقاساتكم، فما أنتم إلا كابل جمة

1 - قال المصنف (ره) في أوائل كتابه هذا في باب استنفاره عليه السلام الناس بعد نقل
روايات وخطب عنه عليه السلام بهذا المضمون: حدثنا بهذا الكلام عن قول أمير المؤمنين (ع)
غير واحد من العلماء كتبناه في غير هذا الموضع) (أنظر ص 41).
أقول: كأن مراده - قدس سره - من (مما كتبه في غير هذا الموضع) ما أورده هنا
لتقارب ما في المقامين وتشابه الخطب في الموردين.
2 - قال المجلسي (ره): (الحلق بفتح الحاء وكسرها وفتح اللام جمع حلقة
وقال الجوهري: (العزة الفرقة من الناس، والهاء عوض من الياء والجمع عزى على فعل
وعزون وعزون أيضا بالضم ومنه قوله تعالى: عن اليمين وعن الشمال عزين، قال الأصمعي:
يقال: في الدار عزون أي أصناف من الناس).
فليعلم أن قسمة معظمة من هذه الخطبة مذكورة في خطبة في نهج البلاغة في باب المختار
من الخطب ذكرها السيد (ره) فيه تحت هذا العنوان: (ومن خطبة له عليه السلام في استنفار
الناس إلى أهل الشام، وصدرها: (أف لكم لقد سئمت عتابكم أرضيتم بالحياة الدنيا من
الآخرة عوضا؟.!، الخطبة (أنظر ج 1 من شرح النهج لابن أبي الحديد ص 177 - 178)
وأيضا قسمة أخرى منها أوردها السيد (ره) في ذلك الباب تحت عنوان (ومن كلام
له (ع) صدره: (ولئن أمهل الله الظالم) (أنظر ج 2 من شرح النهج، ص 183).
أما مقابلة القسمتين المشار إليهما مع ما في المتن من الخطبة وذكر ما بينها من اختلاف
الكلمات والفقرات فأعرضنا عن ذلك لئلا يفضي الأمر إلى الإطناب فمن أراد المقابلة فليتصد لها.
494

ضل (1) راعيها كلما ضمت من جانب انتشرت من جانب آخر، والله لكأني بكم
لوقد حمس الوغا وأحم (2) البأس قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس وانفراج
المرأة عن قبلها.
فقام إليه الأشعث؟ بن قيس فقال له: يا أمير المؤمنين فهلا فعلت كما فعل ابن عفان (3)
فقال له علي عليه السلام: يا عرف النار (4) ويلك إن فعل ابن عفان لمخزاة على من لا دين
له ولا حجة معه، فكيف وأنا على بينة من ربي والحق في يدي، والله إن امرءا يمكن
عدوه من نفسه يخذع لحمه (5) ويهشم عظمه ويفري جلده ويسفك دمه لضعيف
ما ضمت عليه جوانح صدره، أنت فكن كذلك (6) إن أحببت، فأما أنا فدون أن أعطي

1 - كذا صريحا وهو صحيح بلا تكلف وكذا في مجالس المفيد، وأما الكلمة فقد كانت
في نسخة المجلسي (ره)، (أضل) فقال في بيانه: أضل راعيها، في بعض النسخ: ضل،
في الصحاح قال ابن السكيت: أضللت بعيري إذا ذهب منك، وضللت المسجد والدار إذا
لم تعرف موضعهما، وفي الحديث لعلي: أضل الله، يريد أضل عنه أي أخفي عليه).
2 - قال المجلسي (ره): (قال الجوهري: حم الشئ وأحم قدر، وأحمه أمر أي
أهمه، وأحم خروجنا أي دنا، وفي سائر الروايات: وحمى الباس).
3 - كذا في أمالي المفيد والبحار لكن في الأصل: (قال له الأشعث بن قيس:
فلو كان فعل ابن عفان تفعل؟).
4 - قال المجلسي (ره): (قوله (ع): يا عرف النار، لعله (ع) شبهه بعرف الديك
لكونه رأسا فيما يوجب دخول النار، أو المعنى أنك من القوم الذين يتبادرون دخول النار
من غير روية كقوله تعالى: والمرسلات عرفا.
5 - قال المجلسي (ره): (قال في القاموس: خذع اللحم وما لا صلابة فيه كمنع
خرزه وقطعه في مواضع).
6 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 178، س 21):
(فأما قوله (ع): أنت فكن ذاك، فإنه إنما خاطب من يمكن عدوه من نفسه كائنا من كان غير معين
ولا مخصص ولكن الرواية وردت بأنه (ع) خاطب بذلك الأشعث بن قيس فإنه روى أنه قال له عليه السلام
وهو يخطب ويلوم الناس على تثبيطهم وتقاعدهم: هلا فعلت فعل ابن عفان؟ - فقال له: إن
فعل ابن عفان لمخزاة على من لا دين له ولا وثيقة معه أن امرءا أمكن عدوه من نفسه يهشم عظمه
ويفرى جلده لضعيف رأيه مأفون عقله أنت فكن ذاك إن أحببت، فأما أنا فدون أن أعطي ذاك
ضرب بالمشرفية، الفصل، ويمكن أن تكون الرواية صحيحة والخطاب عام لكل من أمكن
من نفسه فلا منافاة بينهما، وقد نظمت هذه الألفاظ في أبيات كتبتها إلى صاحب لي في ضمن
مكتوب اقتضاها وهي:
إن امرءا أمكن من نفسه * عدوه يخدع آدابه
لا يدفع الضيم ولا ينكر الذل ولا يحصن جلبابه
لفائل الرأي ضعيف القوي * قد صرم الخذلان أسبابه
أنت فكن ذاك فإني امرؤ * لا يرهب الخطب إذا نابه
إن قال دهر لم يطع أو شجا * له فم أدرد أنيابه
أو سامه الخسف أبى وانتضى * دون مرام الخسف قرضا به
أحزز غضبان شديد السطا * يقدر أن يترك مارا به
(انتهى ما كنا بصدد نقله من كلام ابن أبي الحديد)
495

ذلك ضرب بالمشرفي يطير منه فراش الهام، وتطيح منه الأكف والمعاصم، ويفعل الله
بعد ما يشاء (2).
فقام أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال:
أيها الناس إن أمير المؤمنين قد أسمع من كانت له أذن واعية وقلب حفيظ
إن الله قد قد أكرمكم بكرامة لم تقبلوها حق قبولها، إنه ترك بين أظهركم ابن عم -
نبيكم، وسيد المسلمين من بعده، يفقهكم في الدين، ويدعوكم إلى جهاد المحلين،
فكأنكم صم لا تسمعون، أو على قلوبكم غلف مطبوع عليها، فأنتم لا تعقلون،
أفلا تستحيون؟!
عباد الله [أليس] إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس قد شمل البلاء وشاع

1 - في الأصل: (ويفعل الله ما يشاء من بعد ذلك بما أحب).
2 - كذا في البحار وأمالي المفيد لكن في الأصل: (فلا تستجيبون).
496

في البلاد فذو حق (1) محروم وملطوم وجهه وموطئ (2) بطنه وملقى بالعراء تسفي
عليه الأعاصير لا يكنه من الحر والقر وصهر الشمس (3) والضح (4) إلا الأثواب
الهامدة (5) وبيوت الشعر البالية، حتى حباكم (6) الله بأمير المؤمنين عليه السلام فصدع بالحق
ونشر العدل وعمل بما في الكتاب، يا قوم فاشكروا نعمة الله عليكم، ولا تولوا
مدبرين، ولا تكونوا كالذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون (7) اشحذوا السيوف،

1 - كذا في البحار وأمالي المفيد لكن في الأصل: (فذو حظ).
2 - في الأمالي: (موطوء) فالمتن من قولهم، وطأه برجله توطئة داسه) كما أن
مجرده أيضا بهذا المعنى.
3 - قال المجلسي (ره): (قال في القاموس: (صهرته الشمس كمنع صحرته،
والشئ أذابه، والصهر بالفتح الحار، واصطهر وأصهار تلألأ ظهره من حر الشمس).
4 - كذا في الأمالي والبحار لكن في الأصل: (والضحى) قال المجلسي (ره):
(قال في القاموس: الضح بالكسر الشمس وضوؤها والبراز من الأرض وما أصابته
الشمس) وفي النهاية لابن الأثير: (في حديث أبي خيثمة: يكون رسول الله (ص)
في الضح والريح وأنا في الظل أي يكون بارزا لحر الشمس وهبوب الرياح، والضح
بالكسر ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض وهو كالقمراء للقمر هكذا هو أصل الحديث
ومعناه، وذكره الهروي فقال: أراد كثرة الخيل والجيش يقال: جاء فلان بالضح والريح أي
بما طلعت عليه الشمس وهبت عليه الريح يعنون المال الكثير هكذا فسره الهروي والأول أشبه بهذا
الحديث، ومن الأول الحديث: لا يقعدن أحدكم بين الضح والظل فإنه مقعد الشيطان أي يكون
نصفه في الشمس ونصفه في الظل، وحديث عياش بن أبي ربيعة: لما هاجر أقسمت أمه بالله لا يظللها
ظل ولا تزال في الضح والريح حتى يرجع إليها، ومن الثاني الحديث الآخر: لو مات كعب
عن الضح والريح لورثه الزبير أراد أنه لو مات عما طلعت عليه الشمس وجرت عليه الريح
كنى بهما عن كثرة المال فكان النبي (ص) قد آخى بين الزبير وبين كعب بن مالك ويروى
عن الضيح والريح وسيجيئ).
5 - قال المجلسي (ره) (قال في القاموس: الهمود الموت وتقطع الثوب
من طول الطي، والهامد البالي المسود المتغير).
6 - في البحار والأمالي: (جاءكم) والمتن من قولهم: (حبا فلان فلانا كذا
وبكذا = أعطاء، وحباه عن كذا = منعه).
7 - آية 21 سورة الأنفال.
497

واستعدوا لجهاد عدوكم، فإذا دعيتم فأجيبوا، وإذا أمرتم فاسمعوا وأطيعوا، وما
قلتم فليكن ما أضمرتم عليه تكونوا بذلك من الصادقين (1).
عن عباد بن عبد الله الأسدي (2) قال: كنت جالسا يوم الجمعة وعلي عليه السلام -
يخطب على منبر من آجر وابن صوحان جالس فجاء الأشعث فجعل يتخطى الناس
فقال: يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على وجهك (3) فغضب. فقال ابن صوحان:
ليبين (4) اليوم من أمر العرب ما كان يخفى، فقال علي عليه السلام:
من يعذرني (5) من هؤلاء (6) الضياطرة يقيل أحدهم يتقلب على حشاياه (7)، ويهجر

1 - كذا في البحار أيضا لكن في الأمالي: (وما أمرتم فكونوا بذلك من الصادقين).
2 - قد مر صدر الرواية مسندا مع ترجمة عباد بن عبد الله الأسدي (أنظر ص 101 - 102).
3 - قال المجلسي (ره): (قال الجرزي: في حديث علي قيل له: غلبتنا عليك هذه
الحمراء يعنون العجم والروم، والعرب تسمي الموالي الحمراء).
4 - في البحار: (ليتبين) من باب التفعل وفي سفينة البحار (ليبين) من باب
التفعيل كما في المتن.
5 - قال الجزري في النهاية: (فيه: فاستعذر رسول الله (ص) من عبد الله بن
أبي فقال وهو على المنبر: من يعذرني من رجل قد بلغني عنه كذا وكذا؟ فقال سعد: أنا أعذرك
منه أي من يقوم بعذري إن كان كافأته على سوء صنيعه فلا يلومني، ومنه حديث أبي الدرداء:
من يعذرني من معاوية أنا أخبره عن رسول الله وهو يخبرني عن رأيه؟! ومنه حديث علي: من
يعذرني من هؤلاء الضياطرة؟).
وقال ابن دريد في الاشتقاق عند عده رجال خزاعة (ص 469): (ومنهم
بنو ضاطر اشتقاقه من قوم ضياطر وهو الضخم الذي لا منفعة فيه ولا غناء والجمع ضياطر
وضياطرون).
6 - في الأصل: (هذه).
7 - قال المجلسي (ره): (قال الجزري: في حديث علي: من يعذرني من
هؤلاء الضياطرة يتخلف أحدهم يتقلب على حشاياه، الضياطرة هم الضخام الذين لا غناء عندهم،
الوالد ضيطار والياء زائدة، والحشايا الفرش واحدها حشية بالتشديد انتهى.
أقول: يهجر على التفعيل بمعنى السير في الهاجرة قال في النهاية: منه حديث
زيد بن عروة هل مهجر كمن قال؟! أي هل من سار في الهاجرة كمن نام في القائلة).
498

قوم لذكر الله؟! فيأمرني أن أطردهم فأكون من الظالمين؟ والذي فلق الحبة وبرأ
النسمة لقد سمعت محمدا صلى الله عليه وآله يقول:
ليضربنكم (1) والله على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا.
قال مغيرة (2): كان علي عليه السلام أميل (3) إلى الموالي وألطف بهم، وكان عمر أشد
تباعدا منهم (4).

1 - المراد من ضمير الجمع في قوله (ع): (ليضربنكم) هو الموالي
المشار إليهم بلفظة (الحمراء) المذكورة في صدر الحديث.
2 - المراد منه مغيرة الضبي الذي أسلفنا ترجمته (أنظر ص 45).
3 - كذا في البحار لكن في الأصل: (أرب) وأظن أن كلمتي: (أرب إلى)
محرفتان عن (أحدب على) قال الجزري في النهاية: (وفي حديث علي - رضي الله
عنه - يصف أبا بكر: وأحدبهم على المسلمين أي أعطفهم وأشفقهم يقال: حدب عليه يحدب
إذا عطف) وفي مجمع البحرين للطريحي (ره): (حدب عليه إذا عطف، وأحدبهم على
المسلمين أي أعطفهم وأشفقهم).
4 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي وأمير
المؤمنين عليهما السلام (ص 733، س 37). ونقل الحديث ابن أبي الحديد في
شرح النهج في موضعين فتارة عند ذكره جملة من غريب كلامه عليه السلام
مما نقله أرباب الكتب المصنفة في غريب الحديث عنه (ع) بهذه العبارة (ج
4، ص 361):
(ومنها أن الأشعث قال له وهو على المنبر غلبتنا عليك هذه الحمراء فقال عليه السلام:
من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يتخلف أحدهم يتقلب على فراشه وحشاياه كالعير ويهجر هؤلاء
للذكر أأطردهم؟! إني إن طردتهم لمن الظالمين والله لقد سمعته يقول: والله ليضربنكم على
الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا. قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله في
كتابه: الحمراء العجم والموالي، سموا بذلك لأن الغالب على ألوان العرب السمرة،
والغالب على ألوان العجم البياض والحمرة، والضياطرة الضخام الذين لا نفع عندهم
ولا غناء، واحدهم ضيطار) وأخرى في الحكم المنثورة التي ألحقها بما اختاره
السيد - رضي الله عنه - في نهج البلاغة تحت رقم (رنب) (أنظر ص 544)
بهذه العبارة:
(جاء الأشعث إليه وهو على المنبر فجعل يتخطى رقاب الناس حتى قرب منه ثم قال:
يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على قربك يعني العجم فركض المنبر برجله حتى قال
صعصعة بن صوحان: ما لنا وللأشعث؟! ليقولن أمير المؤمنين عليه السلام اليوم في العرب قولا
لا يزال يذكر، أفتأمرونني أن أطردهم؟! ما كنت لا طردهم فأكون من الجاهلين أما والذي فلق
الحبة وبرأ النسمة ليضربنكم على الدين عودا كما ضربمتموهم عليه بدءا).
أقول: نص عبارة أبي عبيد في غريب الحديث (ج 3، ص 474) هكذا:
(وفي حديثه عليه السلام حين أتاه الأشعث بن قيس وهو على المنبر فقال: غلبتنا عليك
هذه الحمراء فقال علي: من يعذرني من هؤلاء الضياطرة؟! يتخلف أحدهم يتقلب على حشاياه
وهؤلاء يهجرون إلي، إن طردتهم إني إذا لمن الظالمين، والله لقد سمعته يقول: ليضربنكم على
الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا.
قوله: الحمراء يعني العجم والموالي، سموا بذلك لأن الغالب على ألوان العرب
السمرة والأدمة، والغالب على ألوان العجم البياض والحمرة، وهكذا كقول الناس إن أردت أن
تذكر بني آدم فقلت: أحمرهم وأسودهم، فأحمرهم كل من غلب عليه البياض، وأسودهم من
غلبت عليه الأدمة، وأما الضياطرة فهم الضخام الذين لا غناء عندهم ولا نفع، واحدهم ضيطار).
أقول: لما كان الحديث دالا على مدح الموالي وكان يقتضي البحث عنه كما هو حقه
ولم يكن المقام يسع ذلك جعلنا البحث عنه موكولا إلى تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 55)
499

عن النعمان بن سعد (1) قال: رأيت عليا عليه السلام على المنبر يقول: أين الثمودي؟ -
فطلع الأشعث، فأخذ كفا من الحصى وجهه فأدماه وانجفل (2) وانجفل الناس

1 - قد مرت ترجمته فيما تقدم (أنظر ص 113).
2 - في النهاية: (فيه: لما قدم رسول الله (ص) المدينة انجفل الناس قبله أي
ذهبوا مسرعين نحوه يقال: جفل وأجفل وانجفل) وفي المصباح المنير: (وأجفل القوم
وانجفلوا وتجفلوا وجفلوا جفلا من باب قتل إذا أسرعوا الهرب).
500

معه ويقول: ترحا لهذا الوجه، ترحا لهذا الوجه (1).
عن يحيى بن سعيد (2) عن أبيه (3) قال: خطب علي عليه السلام فقال:
إنما أهلك الناس خصلتان هما أهلكتا من كان قبلكم وهما مهلكتان من
يكون بعدهم، أمل ينسي الآخرة، وهوى يضل عن السبيل، ثم نزل (4).
عن الأصبغ بن نباتة (5) قال: خطب علي عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه وذكر
النبي فصلى عليه ثم قال:
أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله الذي بطاعته ينفع أولياءه، وبمعصيته يضر
أعداءه، وإنه ليس لهالك هلك من معذرة في تعمد ضلالة حسبها هدى ولا ترك
حق حسبه ضلالة، وإن أحق ما يتعاهد الراعي من رعيته أن يتعاهدهم بالذي لله
عليهم في وظائف دينهم، وإنما علينا أن نأمركم بما أمركم الله به، وأن ننهاكم عما
نهاكم الله عنه، وأن نقيم أمر الله في قريب الناس وبعيدهم، لا نبالي فيمن جاء الحق
عليه، وقد علمت أن أقواما يتمنون في دينهم الأماني ويقولون: نحن نصلي مع -
المصلين، ونجاهد مع المجاهدين، ونمتحن الهجرة (6)، ونقتل العدو، وكل ذلك

(1) نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي وأمير -
المؤمنين (ص 733، س 35) قائلا بعده: (بيان - الترح ضد الفرح والهلاك والانقطاع).
2 - قد تقدم ترجمة الراوي وهو أبو حيان التيمي في تعليقاتنا على أوائل الكتاب
(أنظر ص 45 - 46).
3 - في تقريب التهذيب: (سعيد بن حيان التيمي الكوفي والد يحيى، وثقه
العجلي من الثالثة / د ت) وفي تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن علي، وعنه
ابنه أبو حيان التيمي) وفيه أيضا في ترجمة ابنه: (روى عن أبيه).
4 - نقله المجلسي (ره) في المجلد الخامس عشر من البحار في الجزء
الثالث في باب الحرص وطول الأمل (ص 107، س 4).
5 - الرجل غني عن الترجمة - رضي الله عنه وأرضاه، وحشره مع مولاه عليه السلام.
6 - كذا، فكأن في هذا التعبير إشارة إلى قوله تعالى: (امتحنوهن) فلعل الصحيح:
(بالهجرة).
501

يفعله أقوام.
ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، الصلاة لها وقت فرضه رسول الله صلى الله عليه وآله
لا تصلح إلا به، فوقت صلاة الفجر حين يزايل المرء ليله، ويحرم على الصائم طعامه
وشرابه، ووقت صلاة الظهر إذا كان القيظ، حين يكون ظلك مثلك، وإذا كان
الشتاء، حين تزول الشس من الفلك، وذلك حين تكون على حاجبك الأيمن مع
شروط الله في الركوع والسجود، ووقت العصر [تصلي (1)] والشمس بيضاء نقية
قدر ما يسلك الرجل على الجمل الثقيل فرسخين قبل غروبها، ووقت المغرب إذا
غربت الشمس وأفطر الصائم، ووقت صلاة العشاء الآخرة حين يسق الليل وتذهب
حمرة الأفق إلى ثلث الليل، فمن نام عند ذلك فلا أنام الله عينه، فهذه مواقيت الصلاة،
إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا (2).
ويقول الرجل: هاجرت، ولم يهاجر، إنما المهاجرون الذين يهجرون
السيئات ولم يأتوا بها.

1 - هذه الكلمة في المجلد الثامن عشر من البحار ومستدرك الوسائل فقط.
2 - ذيل آية 103 من سورة النساء قال المجلسي (ره) بعد نقل الحديث في المجلد
الثامن عشر (جزء 2، ص 51): (بيان - يدل على استحباب تأخير الظهر عند شدة -
الحر كما مر، ويمكن حمله على التقية أيضا، [قوله (ع):] حين تكون على حاجبك
الأيمن أي عند استقبال نقطة الجنوب أو القبلة فإن قبلتهم قريبة منها، [قوله (ع):] قدر ما
يسلك الرجل أي بقي ربع اليوم تقريبا فإنهم جعلوا ثمانية فراسخ لمسير الجمل بياض اليوم
وهذا قريب من زيادة الفيئ قامة أي سبعة أقدام إذ في أواسط المعمورة في أول الحمل والميزان
عند استواء الليل والنهار يزيد الفيئ سبعة أقدام في ثلاث ساعات ودقائق، ويزيد وينقص في
سائر الفصول، ولا يبعد حمل هذا أيضا على التقية لجريان عادة الخلفاء قبله (ع) على التأخير
أكثر من ذلك فلم يمكنه (ع) تغيير عادتهم أكثر من هذا. [قوله (ع):] حين يسق الليل
مأخوذ من قوله تعالى: والليل وما وسق، أي وما جمع وما ضم مما كان منتشرا بالنهار في تصرفه،
وذلك أن الليل إذا أقبل آوى كل شئ إلى مأواه، وقيل: أي وما طرد من الكواكب فإنها
تظهر بالليل وتخفى بالنهار، وأضاف ذلك إلى الليل لأن ظهورها فيه مطرد).
502

ويقول الرجل: جاهدت، ولم يجاهد، إنما الجهاد اجتناب المحارم ومجاهدة
العدو، وقد يقاتل أقوام فيحسنون القتال ولا يريدون إلا الذكر والأجر، وإن
الرجل ليقاتل بطبعه من الشجاعة فيحمي من يعرف ومن لا يعرف، ويجبن بطبيعته
من الجبن فيسلم أباه وأمه إلي العدو، وإنما المثال (1) حتف من الحتوف، وكل
امرئ على ما قاتل عليه وإن الكلب ليقاتل دون أهله.
والصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب.
والزكاة التي فرضها النبي صلى، الله عليه وآله طيبة بها نفسك لا تسنوا (2) عليها سنيها،
فافهموا ما توعظون، فإن الحريب (3) من حرب دينه والسعيد من وعظ بغيره، ألا
وقد وعظتكم فنصحتكم، ولا حجة لكم على الله أقول قولي هذا وأستغفر الله لي
ولكم (4).

1 - كذا في الأصل وفي سائر الموارد التي نقل الحديث فيها والمظنون أن الكلمة
محرفة عن (القتال).
2 - لعل الكلمة من قولهم: (أسنى القوم أي لبثوا سنة في موضع).
3 - في النهاية: (في حديث الحديبية: وإلا تركناهم محروبين أي مسلوبين
منهوبين، الحرب بالتحريك نهب مال الإنسان وتركه لا شئ) وفي المصباح المنير: (حرب
حربا من باب تعب أخذ جميع ماله فهو حريب، وحرب بالبناء للمفعول كذلك فهو محروب).
4 - نقله المجلسي (ره) تارة كملا من أول الحديث إلى آخره وهو في المجلد
الخامس عشر من البحار من الجزء الثاني في (باب ترك العجب والاعتراف بالتقصير) (ص 177،
س 21)، وأخرى مقطعا وهو بهذا الترتيب فمن قوله (ع): (إنه ليس لهالك (إلى قوله) حسبه
ضلالة) في ثالث البحار في (باب من رفع عنه القلم) (ص 84، س 31)، ومن قوله (ع):
(إن أحق ما يتعاهد الراعي (إلى قوله) فيمن جاء الحق عليه) في سابع البحار في (باب
حق الإمام على الرعية) (ص 413، س 16)، ومن قوله (ع): (الصلاة لها وقت (إلى قوله) كتابا
موقوتا) في المجلد الثامن عشر من البحار في كتاب الصلاة في (باب الحث على
المحافظة على الصلوات) (ص 51، س 28)، (ومن قوله (ع): (هاجرت (إلى قوله)
ولم يأتوا بها) في المجلد الحادي والعشرين في (باب وجوب الهجرة) (ص 117، س 33)،
ومن قوله (ع): (يقول الرجل: جاهدت (إلى قوله) ليقاتل دون أهله) في المجلد الحادي
والعشرين أيضا في (باب أحكام الجهاد) (ص 102، س 34)، ومن قوله (ع): (الصيام
اجتناب المحارم (إلى قوله) من الطعام والشراب) في المجلد العشرين في كتاب الصيام في
(باب آداب الصائم) (ص 76، س 6). ونقل المحدث النوري (ره) الجزء المتعلق بالصلاة
أعني من قوله (ع): (الصلاة لها وقت (إلى قوله) كتابا موقوتا) في المستدرك في كتاب
الصلاة (في باب أوقات الصلوات) (ج 1، ص 187، س 28).
503

غارة يزيد بن شجرة الرهاوي (1) على أهل مكة
ولقيه معقل بن قيس الرياحي رحمة الله عليه
عن جابر بن عمرو بن قعين (2) قال:
دعا معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي فقال: إني مسر إليك سرا فلا تطلعن
على سري أحدا حتى تخرج من أرض الشام (3) كلها، إني باعثك إلى أهل الله وإلى
حرم الله وأهلي (4) وعشيرتي وبيضتي التي انفلقت عني، وإليها رجل ممن (5) قتل

1 - قال أبو عمر وخليفة بن الخياط في كتاب الطبقات عند ذكره رجال
بني مذحج (ص 171): (ومن الرهاء بن منبه بن حرب بن علة بن جلد بن مالك بن أدد
يزيد بن شجرة من ساكني الكوفة استشهد ببلاد الروم وهو أمير على جيش سنة ثمان وخمسين).
أقول: سيأتي شرح حاله على سبيل التفصيل في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 56).
2 - كذا في الأصل لكن في البحار: (وعن عمرو بن قعين).
أقول: لم أجد بهذا العنوان أحدا في كتب الرجال ولعله هو: (جابر عن عمرو بن
قعين) وأما جابر فلم نتمكن من تعيينه.
3 - في البحار: (من أهل الشام).
4 - كذا في البحار لكن في الأصل: (وأهله).
5 - في البحار: (وفيها جل من).
504

عثمان وسفك دمه، و [في ذلك] شفاء لنا ولك وقربة إلى الله وزلفى (1)، فسر على
بركة الله حتى تنزل مكة فإنك الآن تلاقي الناس هناك بالموسم، فادع الناس إلى
طاعتنا واتباعنا، فإن أجابوك فاكفف عنهم واقبل منهم، وإن أدبروا عنك فنابذهم
وناجزهم، ولا تقاتلهم حتى تبلغهم أني قد أمرتك أن تبلغ عني، فإنهم (2) الأصل
والعشيرة، وإني لاستبقائهم محب ولاستئصالهم كاره، ثم صل بالناس وتول
أمر الموسم.
فقال له يزيد بن شجرة الرهاوي:
إني لا أسير لك في هذا الوجه حتى تسمع مقالتي وتشفعني (3) بحاجتي. قال:
فإن ذلك لك، فقل ما بدا لك، فقال:
الحمد لله أهل الحمد، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأن محمدا عبده
ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أما بعد فإنك وجهتني إلى قوم الله ومجمع الصالحين، فإن رضيت
أن أسير إليهم فأعمل فيهم برأيي وبما أرجو أن يجمعك الله وإياهم به، سرت إليهم،
وإن كان لا يرضيك عني إلا الغشم (4) وتجريد السيف وإخافة البرئ ورد العذر
فلست بصاحب ما هناك، فاطلب لهذا الأمر امرءا غيري، فقال له: سر راشدا، لقد

1 - هذه الفقرة غير مذكورة في البحار.
2 - كذا في الأصل والبحار، ولعل الصحيح: (إنهم).
3 - في الصحاح: (استشفعته إلى فلان أي سألته أن يشفع لي إليه، وشفعت إليه
في فلان فشفعني فيه تشفيعا) وفي القاموس: (شفعته فيه تشفيعا حين شفع كمنع شفاعة
قبلت شفاعته، واستشفعه إلينا سأله أن يشفع) وفي لسان العرب: (الشفاعة كلام الشفيع
للملك في حاجة يسألها لغيره، وشفع إليه في معنى طلب إليه، والشافع الطالب لغيره يتشفع به
إلى المطلوب، يقال: تشفعت بفلان إلى فلان فشفعني فيه (إلى أن قال) واستشفعته إلى فلان
أي سألته أن يشفع لي إليه، وتشفعت إليه في فلان فشفعني فيه تشفيعا).
4 - في الصحاح: (الغشم الظلم، والحرب غشوم لأنها تنال غير الجاني) وفي
القاموس: (الغشم الظلم) وقال الزبيدي في شرحه: (ومما يستدرك عليه: رجل
غاشم وغشام وغشوم يخبط الناس ويأخذ كل ما قدر عليه).
505

رضيت برأيك وسيرتك، وكان رجلا ناسكا يتأله، وكان عثمانيا وكان ممن شهد
مع معاوية صفين، فخرج من دمشق مسرعا وشيعه رؤساء أهلها فأخذوا يدعون الله
بحسن الصحابة ويقولون: أين تريد؟ فيقول: ما أسرع ما تعلمون ذلك إن شاء الله،
فلما أخذوا ما يقبلون عنه قال: سبحان الله...! خلق الإنسان من عجل (1) كأنكم
قد علمتم إن شاء الله ثم مضى فقال:
اللهم إن كنت قد قضيت أن يكون بين هذا الجيش الذي وجهت فيه وبين
أهل حرمك الذي وجهت إليه قتال فاكفنيه، فإني لست أعظم قتال من شرك في قتل
عثمان خليفتك المظلوم ولا قتال من خذله ولا دخل في طاعته وانتهك حرمته (2) ولكني
أعظم القتال في حرمك الذي حرمت (3).
فخرج يسير وقدم أمامه الحارث بن نمير التنوخي (4) على مقدمته فأقبلوا

1 - صدر آية 37 من سورة الأنبياء.
2 - هاتان الفقرتان: (ولا دخل في طاعته وانتهك حرمته) في الأصل فقط.
3 - أي حرمته كأنه إشارة إلى قوله تعالى: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير -
ذي زرع عند بيتك المحرم، الآية، (آية 37 من سورة إبراهيم).
4 - قال ابن عساكر في تاريخ الشام (ج 2، ص 459): (الحارث بن
النمير التنوخي من فرسان أهل الشام، وجهه معاوية على خيل وأمره أن ينفذ إلى الجزيرة
ويأتيه بمن وجده فيها على طاعة علي رضي الله عنه) وقال ابن الأثير في كامل التواريخ
عند ذكره حوادث سنة 39 تحت عنوان (ذكر غارة الحارث بن نمير التنوخي) ما نصه
(ص 152 من ج 3): (ولما قدم يزيد بن شجرة على معاوية وجه الحارث بن نمير التنوخي
إلى الجزيرة ليأتيه بمن كان في طاعة علي فأخذ من أهل دارا سبعة نفر من بني تغلب وكان
جماعة من بني تغلب قد فارقوا عليا إلى معاوية فسألوه في إطلاق أصحابهم فلم يفعل واعتزلوه
أيضا، وكتب معاوية إلى علي ليفاديه بمن أسر معقل بن قيس من أصحاب يزيد بن شجرة
فسيرهم علي إلى معاوية وأطلق معاوية هؤلاء).
أقول: سيجيئ في آخر القصة ذكر مفاداة معاوية عليا عليه السلام هؤلاء الأسارى.
أما تنوخ ففي الأنساب للسمعاني: (التنوخي بفتح التاء المنقوطة من فوقها
باثنتين وضم النون المخففة وفي آخرها الخاء المعجمة، هذه النسبة إلى تنوخ، وهو اسم لعدة
قبائل اجتمعوا قديما بالبحرين وتحالفوا على التوازر والتناصر وأقاموا هناك فسموا تنوخا،
والتنوخ الإقامة) وفي القاموس: (تنخ بالمكان تنوخا كتنخ [مشددا] أقام ومنه تنوخ
قبيلة لأنهم اجتمعوا فأقاموا في مواضعهم ووهم الجوهري فذكره في نوخ) وفي تاج -
العروس: (تنوخ كصبور ومن شدد فقد أخطأ).
506

حتى مروا بوادي القرى (1) ثم أخذوا على الجحفة (2) ثم مضوا حتى قدموا مكة في عشر
ذي الحجة.
عن عباس بن سعد الأنصاري (3) قال:
لما سمع قثم بن عباس بن عبد المطلب بدنوهم منه قبل أن يفصلوا من الجحفة
وكان عاملا لعلي عليه السلام على مكة فقام في أهل مكة وذلك في سنة تسع وثلاثين
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد فقد وجه إليكم جند من الشام عظيم قد أظلكم، فإن كنتم على

1 - قال ياقوت في معجم البلدان: (وادي القرى واد بين الشام والمدينة
وهو بين تيماء وخيبر فيه قرى كثيرة وبها سمي وادي القرى، قال أبو المنذر: سمي وادي -
القرى لأن الوادي من أوله إلى آخره قرى منظومة وكانت من أعمال البلاد، وآثار القرى
إلى الآن بها ظاهرة إلا أنها في وقتنا هذا كلها خراب ومياهها جارية تتدفق ضائعة لا ينتفع بها
أحد (إلى آخر ما قال)).
2 - وأيضا في معجم البلدان: (الجحفة بالضم ثم السكون والفاء كانت قرية
كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل وهي ميقات أهل مصر والشام
إن لم يمروا على المدينة فإن مروا بالمدينة فميقاتهم ذو الحليفة وكان اسمها مهيعة وإنما سميت
الجحفة لأن السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام وهي الآن خراب، وبينها وبين
ساحل الجار نحو ثلاث مراحل، وبينها وبين أقرن موضع من البحر ستة أميال، وبينها وبين
المدينة ست مراحل، وبينها وبين غدير خم ميلان (إلى آخر ما قال)) وأيضا فيه:
(الجار مدينة على ساحل بحر القلزم (إلى آخر ما قال).
3 - تقدمت ترجمته في تعليقاتنا (أنظر ص 206).
507

طاعتكم وبيعتكم فانهضوا إليهم معي حتى أناجزهم، وإن كنتم غير فاعلين فبينوا
لي ما في أنفسكم ولا تغروني فإن الغرور حتف يضل معه الرأي ويصرع معه الرائي
ويصرع به الريب (1) فسكت القوم مليا لا يتكلمون، فقال: قد بينتم لي ما في أنفسكم،
فذهب لينزل. فقام شيبة بن عثمان (2) فقال له: - رحمك الله - أيها الأمير لا يقبح فينا
رأيك ولا يسؤو بنا ظنك (3) ونحن على طاعتنا وبيعتنا، وأنت أميرنا وابن عم خليفتنا،
فإن تدعنا نجبك، وإن تأمرنا نطعك فيما أطقنا ونقدر عليه، فقرب دوابه وحمل
متاعه، وأراد التنحي من مكة.
عن عباس بن سهل بن سعد قال:
قدم أبو سعيد الخدري فسأل عن قثم وكان له ودا وصفيا، فقيل: قد قدم
دوابه وحمل متاعه يريد أن يتنحى عن مكة، فجاء فسلم عليه ثم قال له: ما أردت؟ -

1 - قوله: (فإن الغرور) إلى قوله: (الريب) في الأصل فقط، ولم أتمكن من تصحيحه
فصورته كما وجدته.
2 - في تقريب التهذيب: (شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري الحجبي المكي
من مسلمة الفتح وله صحبة وأحاديث، مات سنة تسع وخمسين / خ د ق) وفي الإصابة
في ترجمته: (وروى ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: أسلم العباس وشيبة
ولم يهاجرا، أقام العباس على سقايته وشيبة على حجابته، وقال يعقوب بن سفيان: أقام شيبة للناس
الحج سنة تسع وثلاثين. قال خليفة: وكان السبب في ذلك أن عليا بعث قثم بن العباس
ليقيم للناس الحج، وبعث معاوية يزيد بن شجرة فتنازعا، فسعى بينهما أبو سعيد الخدري وغيره
فاصطلحا على أن يقيم الحج شيبة بن عثمان ويصلي بالناس) أما الحجبي فهو بفتح الحاء
المهملة والجيم والباء الموحدة المكسورة ففي تاج العروس: (الحجبيون محركة بنو شيبة
لتوليهم حجابة البيت الشريف) وفي اللباب لابن الأثير: (الحجبي بفتح الحاء المهملة
والجيم وكسر الباء الموحدة، هذه النسبة إلى حجابة بيت الله المحرم، وهم جماعة من عبد الدار
وإليهم حجابة الكعبة ومفتاحها، والنسبة إليها حجبي).
أقول: سيأتي له ذكر في الكتاب عن قريب (ص 511) وفي غارة بسر أيضا.
3 - هو من قولهم: سؤت به ظنا أي ظننت به السوء).
508

قال له: قد حدث هذا الذي بلغك وليس معي جند أمتنع به فرأيت أن أعتزل
عن مكة، فإن يأتني جند أقاتل بهم وإلا كنت قد تنحيت بدمي، قال له: إني لم أخرج من
المدينة حتى قدم علينا حاج أهل العراق وتجارهم يخبرون أن الناس بالكوفة قد ندبوا
إليك مع معقل بن قيس الرياحي. قال: هيهات هيهات يا أبا سعيد، إلى ذلك ما يعيش
أولادنا (1) فقال له أبو سعيد: رحمك الله فما عذرك عند ابن عمك؟ وما عذرك عند العرب
إن انهزمت قبل أن تطعن وتضرب؟ - فقال: يا أبا سعيد (2) إنك لا تهزم عدوك ولا تمنع
حريمك بالمواعيد والأماني، اقرأ كتاب صاحبي، فقرأه أبو سعيد فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى قثم بن العباس،
سلام عليك، أما بعد فإن عيني بالمغرب كتب إلي يخبرني أنه قد وجه إلى الموسم (3)
ناس من العرب من العمي القلوب الصم الأسماع البكم الأبصار الذين يلبسون الحق
بالباطل، ويطيعون المخلوقين في معصية الخالق، ويجلبون الدنيا بالدين، ويتمنون
على الله جواز الأبرار، وأنه لا يفوز بالخير إلا عامله، ولا يجزى بالسيئ إلا فاعله،
وقد وجهت إليكم جمعا من المسلمين ذوي بسالة ونجدة مع الحسيب الصليب الورع
التقي معقل بن قيس الرياحي وقد أمرته باتباعهم وقص آثارهم حتى ينفيهم من
أرض الحجاز فقم على ما في يديك مما إليك مقام الصليب الحازم المانع سلطانه الناصح
للأمة، ولا يبلغني عنك وهن ولا خور وما تعتذر منه، ووطن نفسك على الصبر في
البأساء والضراء، ولا تكونن فشلا ولا طائشا ولا رعديدا (4) والسلام.
فلما قرأ أبو سعيد الكتاب قال قثم: ما ينفعني من هذا الكتاب وقد سمعت بأن
قد سبقت خيلهم خيله وهل يأتي جيشه حتى ينقضي أمر الموسم كله؟! فقال له أبو سعيد:
إنك إن أجهدت نفسك في مناصحة إمامك فرأى ذلك لك وعرف ذلك الناس، فخرجت

1 - في الأصل: (ما عيش أولادها) وقال المجلسي (ره): (قوله: إلى ذلك
ما يعيش أولادنا، هذا استبطاء للجيش أي يأتي المدد بعد أن قتلنا وأولادنا).
2 - (باسعيد) مخفف وأصله: (أبا سعيد) وهو كثير الوقوع في كلام العرب.
3 - في الأصل: (إلى المغرب).
4 - في الصحاح: (الرعديد الجبان).
509

من اللائمة (1) وقضيت الذي عليك من الحق فإن القوم قد قدموا وأنت في الحرم،
والحرم حرم الله الذي جعله [آمنا] وقد كنا في الجاهلية قبل الإسلام نعظم الحرم،
فاليوم أحق أن نفعل ذلك.
فأقام قثم وجاء يزيد بن شجرة الرهاوي حتى دخل مكة ثم أمر مناديا فنادى
في الناس: ألا إن الناس آمنون كلهم إلا من عرض لنا في عملنا وسلطاننا، وذلك قبل
التروية بيوم، فلما كان ذلك مشت قريش والأنصار ومن شهد الموسم من الصحابة
وصلحاء الناس فيما بينهما وسألتهما أن يصطلحا، فكلاهما سره ذلك الصلح، فأما
قثم فإنه لم يثق بأهل مكة ولا رأى أنهم يناصحونه، وأما يزيد فكان رجلا متنسكا
وكان يكره أن يكون منه في الحرم شر.
عن عمرو بن محصن (2) قال: قام يزيد بن شجرة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد يا أهل الحرم ومن حضره فإني وجهت إليكم لأصلي بكم وأجمع (3)
وآمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، فقد رأيت والي هذه البلدة كره ما جئنا له والصلاة
معنا ونحن للصلاة معه كارهون، فإن شاء اعتزلنا الصلاة بالناس واعتزلها وتركنا أهل
مكة يختارون لأنفسهم من أحبوا حتى يصلي بهم، فإن أبى فأنا آبي، وآبي والذي
لا إله غيره لو شئت لصليت بالناس وأخذته حتى أرده إلى الشام وما معه ومن يمنعه
ولكني والله ما أحب أن أستحل حرمة هذا البلد الحرام.
قال: ثم إن يزيد بن شجرة أقبل حتى أتى أبا سعيد الخدري فقال: رحمك الله
الق هذا الرجل فقل له: لا رب لغيرك اعتزل الصلاة بالناس واعتزلها ودع أهل مكة
يختارون لأنفسهم من أحبوا، فوالله لو أشاء لبعثتك وإياهم ولكن والله ما يحملني

1 - اللائمة هنا مصدر بمعنى اللوم.
2 - قد تقدم ذكر الرجل في الكتاب (أنظر ص 373 و ص 378) لكنا لم نظفر بترجمته.
3 - في المصباح المنير: (جمع الناس بالتشديد إذا شهدوا الجمعة كما يقال:
عيدوا إذا شهدوا العيد) وفي الصحاح: (جمع القوم تجميعا أي شهدوا الجمعة وقضوا
الصلاة فيها).
510

على ما تسمع إلا رضوان الله والتماسه واحترام الحرم، فإن ذلك أقرب للتقوى وخير
في العاقبة.
قال له أبو سعيد:
ما رأيت رجلا من أهل المغرب أصوب مقالا ولا أحسن رأيا منك.
فانطلق أبو سعيد إلى قثم فقال: ألا ترى ما أحسن ما صنع الله لك؟! [وذكر له ذلك،
فاعتزلا الصلاة واختار الناس شيبة بن عثمان فصلى بهم، فلما قضى الناس حجهم
رجع يزيد إلى الشام وأقبلت خيل علي عليه السلام فأخبروا بعود أهل الشام فتبعوهم
وعليهم معقل بن قيس فأدركوهم وقد رحلوا عن وادي القرى فظفروا بنفر منهم
وأخذوهم أسارى وأخذوا ما معهم ورجعوا إلى أمير المؤمنين، ففادى بهم أسارى كانت
له عليه السلام عند معاوية (1)].
قال: قال أمير المؤمنين لأهل الكوفة (2): ما أرى هؤلاء القوم يعني أهل الشام
إلا ظاهرين عليكم قالوا: تعلم بماذا يا أمير المؤمنين؟ - قال: أرى أمورهم قد علت،
وأرى نيرانكم قد خبت، وأراهم جادين، وأراكم وانين، وأراهم مجتمعين، وأراكم
متفرقين، وأراهم لصاحبهم طائعين، وأراكم لي عاصين، وأيم الله لئن ظهروا عليكم لتجدنهم

1 - ما بين المعقوفتين زيد من البحار، وكانت عبارة المتن هنا غير مرتبطة بما بعدها
في نسختنا وذلك أن ما بعد العبارة هو: (هذا الرجل ينتقصني عند أهل الشام) وأنت خبير
بعدم الارتباط بينهما ومن ثم قال مستنسخ الكتاب في الهامش: (هنا احتمال السقط)
ولما كانت عبارة البحار هنا كاملة مرتبطة بما بعدها أتممنا العبارة من هناك ورفعنا نقصها بذلك.
2 - قال المفيد (ره) في الارشاد ضمن نقل كلمات عن أمير المؤمنين عليه السلام
تحت عنوان (ومن كلامه (ع) في استنفار القوم على الجهاد واستبطائهم نصرته) ما نصه
(ص 164 من طبعة تبريز سنة 1308): (ومن كلامه عليه السلام أيضا في هذا المعنى بعد
حمد الله والثناء عليه: (ما أظن هؤلاء القوم إلا ظاهرين عليكم (فساق الكلام إلى آخر ما في
المتن باختلاف يسير في بعض الكلمات) ونقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب
سائر ما جرى من الفتن عن الارشاد (ص 701، س 12) مع بيان له.
511

أرباب سوء لكم من بعدي، كأني أنظر إليهم قد شاركوكم في بلادكم وحملوا إلى بلادهم
فيئكم، وكأني أنظر إليكم يكش بعضكم على بعض كشيش الضباب لا تمنعون حقا
ولا تمنعون لله حرمة (1) وكأني أنظر إليهم يقتلون قراءكم، وكأني بهم يحرمونكم
ويحجبونكم، ويدنون أهل الشام دونكم، فإذا رأيتم الحرمان والأثرة ووقع
السيف تندمتم وتحزنتم على تفريطكم في جهادكم وتذكرتم ما فيه من الحفظ (2) حين
لا ينفعكم التذكار (3).

1 - أورد الشريف الرضي (ره) في نهج البلاغة في باب المختار من -
الخطب تحت عنوان (من كلام له (ع)) هاتين الفقرتين هكذا (أنظر شرح النهج لابن -
أبي الحديد ج 2، ص 256): (وكأني أنظر إليكم تكشون كشيش الضباب لا تأخذون حقا
ولا تمنعون ضيما) وقال ابن الأثير في النهاية: (فيه: كانت حية تخرج من الكعبة
لا يدنو منها أحد إلا كشت وفتحت فاها، كشيش الأفعى صوت جلدها إذا تحركت، وقد كشت
تكش وليس صوت فمها فإن ذلك فحيحها، ومنه حديث علي: كأني أنظر إليكم تكشون كشيش
الضباب، وحكى الجوهري: إذا بلغ الذكر من الإبل الهدير فأوله الكشيش وقد كش يكش).
2 - كذا في الأصل لكن في إرشاد المفيد مكانه: (من الخفض والعافية) وهو
الأنسب.
3 - نقل المجلسي (ره) هذه القصة بتمامها في ثامن البحار في باب سائر
ما جرى من الفتن (ص 681 - 682) ونقل ابن الأثير في كامل التواريخ تحت -
عنوان (ذكر سرايا أهل الشام إلى بلاد أمير المؤمنين عليه السلام) في وقائع
سنة تسع وثلاثين هذه القصة هكذا (ج 3، ص 151 من الطبعة الأولى):
(وفي هذه السنة دعا معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي وهو من أصحابه فقال له: إني
أريد أن أوجهك إلى مكة لتقيم للناس الحج وتأخذ لي البيعة بمكة وتنفي عنها عامل علي،
فأجابه إلى ذلك وسار إلى مكة في ثلاثة آلاف فارس، وبها قثم بن العباس عامل علي فلما
سمع به قثم خطب أهل مكة وأعلمهم بمسير الشاميين ودعاهم إلى حربهم فلم يجيبوه بشئ
وأجابه شبية بن عثمان العبدري بالسمع والطاعة، فعزم قثم على مفارقة مكة واللحاق ببعض
شعابها ومكاتبة أمير المؤمنين بالخبر، فإن أمده بالجيوش قاتل الشاميين، فنهاه أبو سعيد الخدري،
عن مفارقة مكة وقال له: أقم، فإن رأيت منهم القتال وبك قوة فاعمل برأيك، وإلا فالمسير
عنها أمامك، فأقام، وقدم الشاميون فلم يعرضوا لقتال أحد، وأرسل قثم إلى أمير المؤمنين
يخبره، فسير جيشا فيهم الريان بن ضمرة بن هوذة بن علي الحنفي وأبو الطفيل أول ذي الحجة
وكان قدوم ابن شجرة قبل التروية بيومين فنادى في الناس: أنتم آمنون إلا من قاتلنا ونازعنا،
واستدعى أبا سعيد الخدري وقال له: إني لا أريد الالحاد في الحرم ولو شئت لفعلت لما فيه
أميركم من الضعف فقل له: يعتزل الصلاة بالناس وأعتزلها أنا ويختار الناس رجلا يصلي
بهم، فقال أبو سعيد لقثم ذلك فاعتزل الصلاة واختار الناس شيبة بن عثمان فصلى بهم وحج بهم،
فلما قضى الناس حجهم رجع يزيد إلى الشام وأقبل خيل علي (ع) فأخبروا بعود أهل الشام
فتبعوهم وعليهم معقل بن قيس فأدركوهم وقد رحلوا عن وادى القرى فظفروا بنفر منهم
فأخذوهم أسارى وأخذوا ما معهم ورجعوا بهم إلى أمير المؤمنين، ففادى بهم أسارى كانت له
عند معاوية).
وأما الطبري فنقلها في حوادث السنة المشار إليها ملخصة وذكر اختلاف
الروايات فيها فمن أرادها فليراجع (ج 6، ص 79 من الطبعة الأولى بمصر).
512

[فيمن انتقص عليا (ع) وعاداه (1)]
منهم
عمرو بن العاص
[قال: بلغ عليا عليه السلام أن ابن العاص (2)] ينتقصه عند أهل الشام فصعد المنبر
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا عجبا (3) لا ينقضي لابن النابغة (4) يزعم لأهل الشام

1 - هذا العنوان منا، أضفناه لاقتضاء المقام إياه وقد مر (في ص 511، س 17) أن هنا
في الأصل سقطا.
2 - ما بين المعقوفتين كان ساقطا من النسخة أيضا فألحقناه بالمتن لتصريح المجلسي (ره)
بنقله كذلك عن الغارات كما يأتي الإشارة إلى موضعه في آخر الحديث.
3 - في البحار: (يا عجبا عجبا).
4 - قال المجلسي (ره) في بيانه لهذه الفقرة: (نبغ الشئ = ظهر قال بعض
الشارحين: سميت أم عمرو النابغة لشهرتها بالفجور وتظاهرها به وسيأتي وصف نسبه لعنه الله) وقال بعيد ذلك (ص 573): (قال ابن أبي الحديد: ذكر الزمخشري في كتاب
ربيع الأبرار قال: كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمة لرجل من عنزة فسبيت فاشتراها عبد الله
بن جذعان التيمي بمكة فكانت بغيا ثم أعتقها فوقع عليها أبو لهب بن عبد المطلب وأمية بن خلف
الجمحي وهشام بن المغيرة المخزومي وأبو سفيان بن حرب والعاص بن وائل السهمي في
طهر واحد فولدت عمرا فادعاه كلهم فحكمت أمه فيه فقالت: هو من العاص بن وائل وذلك
لأن العاص بن وائل كان ينفق عليها كثيرا، قالوا: وكان أشبه بأبي سفيان. قال: وروى
أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب الأنساب أن عمرا اختصم فيه يوم ولادته رجلان
أبو سفيان بن حرب والعاص بن وائل فقيل: لتحكم أمه فقالت أمه: من العاص بن وائل فقال
أبو سفيان أما إني لا أشك أني وضعته في رحم أمه، فأبت إلا العاص فقيل لها: أبو سفيان أشرف نسبا
فقالت: إن العاص بن وائل كثيرا لنفقة وأبو سفيان شحيح، ففي ذلك يقول حسان بن ثابت لعمرو
ابن العاص حيث هجاه مكافئا له عن هجاء رسول الله صلى الله عليه وآله:
أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت * لنا فيك منه بينات الدلائل
ففاخر به عما فخرت فلا تكن * تفاخر بالعاص الهجين بن وائل
وإن التي في ذاك يا عمرو حكمت * فقالت رجاءا عند ذاك لنائل
من العاص عمرو تخبر الناس كلما * تجمعت الأقوام عند المحافل
(انتهى ما أردنا نقله)
أقول: هذه المنقولات عن ابن أبي الحديد موجودة في شرح النهج له (أنظر ج 2،
ص 100 - 101) في شرح قوله (ع): (عجبا لابن النابغة، إلى آخر كلامه (ع)) وإلى ذلك
أشار عقيل فيما تقدم من الكتاب (ص 64) بقوله: (هذا الذي اختصم فيه ستة نفر فغلب
عليه جزارها).
513

أن في دعابة، وأني أمرء تلعابة، [أعافس وأمارس] إنه والله يعلم لقد قال كذبا
ونزغ (1) آثما، أما يشغله عن ذلك ذكر الموت وخوف الله والحساب؟! أما وشر القول

1 - في الاحتجاج والنهج: (ونطق) ففي النهاية: (يقال: نزغ الشيطان
بينهم ينزغ نزغا أي أفسد وأغرى، ونزغه بكلمة سوء أي رماه بها وطعن فيه).
514

الكذب، إنه ليقول فيكذب، و [يعد فيخلف (1)] ويسأل فيلحف، ويسأل فيبخل،
وينقض العهد ويقطع الإل (2) فإذا كان عند البأس فزاجر (3) وآمر ما لم تأخذ السيوف
مآخذها (4) من الهام، فإذا كان ذلك فأكبر (5) مكيدته أن يمر قط (6) ويمنح استه (7)، قبحه
الله وترحه (8).

1 - أضيف من نهج البلاغة والاحتجاج.
2 - قال المجلسي (ره) (الإل بالكسر العهد والقرابة والحلف والجار ذكره
الفيروزآبادي والمراد بقطع الال هنا قطع الرحم أو تضييع الحليف).
3 - في النهج والاحتجاج: (فأي زاجر) وهو الأنسب للمقام.
4 - قال المجلسي (ره): (المآخذ، على لفظ الجمع، وفي بعض النسخ على المفرد).
5 - في الأصل: (أكثر) (بالثاء المثلثة) لكن في النهج والاحتجاج كما في المتن،
وفي أمالي ابن الشيخ (ره): (فأعظم) فقال المجلسي (ره): (أكبر بالباء الموحدة
وهو أظهر مما في بعض النسخ من المثلثة).
6 - كذا في الأصل ولم تذكر في غيره ولم أتحقق معناها.
7 - كذا في الأصل لكن العبارة في النهج هكذا (أن يمنح القرم سبته) وأظن عبارة -
المتن محرفة عما في نهج البلاغة فقال ابن أبي الحديد في شرحه والمجلسي في بيانه:
(السبة الاست) وزاد المجلسي (ره) (أي العجز أو حلقة الدبر، والمراد بإعطاء القرم سبته
ما ذكره أرباب السير ويضرب به المثل من كشفه سوأته شاغرا برجليه لما لقيه أمير المؤمنين (ع)
في بعض أيام صفين وقد اختلطت الصفوف واشتعل نار الحرب فحمل عليه السلام عليه فألقى
نفسه عن فرسه رافعا رجليه كاشفا عورته فانصرف عنه لافتا وجهه، وفي ذلك قال أبو فراس:
ولا خير في دفع الأذى بمذلة * كما ردها يوما بسوأته عمرو)
أقول: القصة مشهورة مذكورة على سبيل التفصيل في غالب كتب السير والتواريخ
والأدب فمن أراد البسط فليراجعها.
8 - قال المجلسي (ره) بعد نقله في ثامن البحار في باب ما جرى بينه
وبين عمرو بن العاص عن الاحتجاج للطبرسي (ره) ونهج البلاغة بعبارة
واحدة وعن الأمالي لابن الشيخ باختلاف في بعض الفقرات ما نصه (ص 571،
س 23 - 24): (كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي قال: بلغ عليا عليه السلام
أن ابن العاص ينتقصه عند أهل الشام فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا عجبا عجبا
لا ينقضى لابن النابغة يزعم لأهل الشام (إلى آخر الكلام وجمع بين الروايتين) والكلام في
شرح النهج الحديدي في المجلد الثاني مع ذيل له قد نقلناه فيما سبق.
أقول: نقله الطبرسي في الاحتجاج عند ذكره احتجاجات أمير المؤمنين (ع)
تحت عنوان (وقال عليه السلام في عمرو جوابا عما قال فيه) (أنظر ص 91 من الطبعة الحجرية
بطهران سنة 1302) وأما الأمالي فانظر الجزء الخامس (ص 82 من الطبعة الحجرية بطهران
سنة 1313).
515

ومنهم
المغيرة بن شعبة
عن علي بن النعمان (1) قال: قال علي عليه السلام:
لئن ملكت لأرمينه بأحجاره (2) يعني المغيرة، وكان ينتقص عليا عليه السلام (3).
عن جندب بن عبد الله قال: ذكر المغيرة بن شعبة عند علي عليه السلام وجده مع

1 - كأن المراد به أبو الحسن علي بن النعمان الأعلم النخعي المعروف عند الشيعة بالوثاقة
والجلالة وكان من أصحاب الرضا عليه السلام فعلى هذا تكون الرواية مرسلة.
2 - في البحار: (بالحجارة) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1،
ص 360، س 19): (قال أبو جعفر: وكان المغيرة بن شعبة يلعن عليا عليه السلام لعنا صريحا
على منبر الكوفة وكان بلغه عن علي عليه السلام في أيام عمر أنه قال: لئن رأيت المغيرة لأرجمنه
بأحجاره يعني واقعة الزنا بالمرأة التي شهد عليه فيها أبو بكرة ونكل زياد عن الشهادة فكان
يبغضه لذلك ولغيره من أحوال اجتمعت في نفسه).
أقول: قصة زنا المغيرة من القصص المشهورة والقضايا المعروفة بين الفريقين، وأشار
إليه كل من تعرض لترجمته بحيث صار هذا الأمر من مطاعن الخليفة عمر بن الخطاب حين لم يجر
عليه الحد فمن أراد الاطلاع عليها فليراجع مظانها.
3 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي (ص)
وأمير المؤمنين عليه السلام (ص 734، س 19).
516

معاوية فقال: وما المغيرة إنما كان إسلامه لفجرة (1) وغدرة لمطمئنين إليه (2) [من قومه
فتك بهم] وركبها منهم فهرب فأتى النبي صلى الله عليه وآله كالعائذ بالإسلام، والله ما رأى
أحد عليه منذ ادعى الإسلام خضوعا ولا خشوعا، ألا وإنه كان من ثقيف فراعنة
قبل يوم القيامة يجانبون الحق، ويسعرون نيران الحرب ويوازرون الظالمين، ألا إن
ثقيفا قوم غدر، لا يوفون بعهد يبغضون العرب كأنهم ليسوا منهم، ولرب صالح قد كان
فيهم، منهم عروة بن مسعود، وأبو عبيد بن مسعود المستشهد بقس الناطف (3) على شاطئ
الفرات [وإن الصالح في ثقيف لغريب (4)].

1 - في الأصل والبحار: (سبب إسلامه لفجرة) والمتن موافق لشرح النهج وسيأتي
شرح فجرته وغدرته في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 57).
2 - في الأصل: (من مطمئنين إليه) وفي شرح النهج مكانه: (غدرها بنفر).
3 - قال الفيروزآبادي: (قس الناطف موضع قرب الكوفة) وقال الزبيدي
في شرح العبارة: (على شاطئ الفرات كانت عنده وقعة بين الفرس وبين المسلمين وذلك
في خلافة سيدنا عمر - رضي الله تعالى عنه - قتل فيه أبو عبيد بن مسعود الثقفي).
أقول: كانت الوقعة في السنة الثالثة عشر من الهجرة وتفصيلها مذكور في تأريخ -
الطبري والكامل لابن الأثير وغيرهما.
ثم لا يخفى أن أبا عبيد هذا هو والد المختار فقال ابن نما (ره) في رسالة ذوب النضار
وهي في شرح بوار الفجار على يد المختار (بناء على ما نقل المجلسي (ره) في عاشر البحار
في ص 283): (فتزوج أبو عبيد دومة بنت وهب بن عمر بن معتب (إلى أن قال) وولدت
لأبي عبيد المختار (إلى أن قال): وكان مولده في عام الهجرة وحضر مع أبيه وقعة قس الناطف
وهو ابن ثلاث عشر سنة وكان ينفلت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمه (إلى آخر ما قال).
4 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 363، س 30):
(وروى صاحب كتاب الغارات عن أبي صادق عن جندب بن عبد الله قال: ذكر المغيرة
(الحديث) ونقله المجلسي (ره) عن شرح النهج في ثامن البحار في باب ذكر
أصحاب النبي وأمير المؤمنين (ص 728، س 31) ورواه تارة أخرى عن كتاب الغارات
عن جندب بن عبد الله في الباب المذكور (ص 734، س 20).
وقال المحدث القمي (ره) في سفينة البحار في (ث ق ف) ما نصه (ج 1،
ص 132): (العلوي: ألا إن ثقيفا قوم غدر (الحديث إلى آخره)).
517

ومنهم
الوليد بن عقبة
وهو الذي سماه الله في كتابه فاسقا (1) وهو أحد الصبية الذين بشرهم النبي
صلى، الله عليه وآله بالنار (2) وقال شعرا يرد على النبي صلى الله عليه وآله قوله حيث قال في علي عليه السلام: إن

1 - قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي (ص 728،
س 34) نقلا عن شرح النهج الحديدي: (قال شيخنا أبو القاسم البلخي: من المعلوم أن
الوليد بن عقبة كان يبغض عليا ويشتمه، وأنه الذي لاحاه في حياة رسول الله ونابذه وقال له:
أنا أثبت منك جنانا وأحد سنانا فقال له علي (ع): اسكت يا فاسق فأنزل الله تعالى فيهما:
أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون، فكان لا يعرف في حياة رسول الله إلا بالوليد الفاسق،
وسماه الله في آية أخرى فاسقا وهو قوله تعالى: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا، وكان يبغض
رسول الله (ص)، وأبوه عقبة بن أبي معيط هو العدو الأزرق بمكة وكان يؤذي رسول الله (ص)).
أقول: عبارة المجلسي (ره) تلخيص مما ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج على
سبيل التفصيل (أنظر ص 364).
2 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 364، س 11): (قال
الشيخ أبو القاسم: وهو أحد الصبية الذين قال أبوه عقبة فيهم وقد قدم ليضرب عنقه،
من للصبية يا محمد؟ - فقال: النار، اضربوا عنقه.
وقال: وللوليد شعر يقصد فيه الرد على رسول الله (ص) حيث قال: إن تولوها
عليا تجدوه هاديا مهديا قال: وذلك أن عليا (ع) لما قتل قصد بنوه أن يخفوا قبره خوفا
من بني أمية أن يحدثوا في قبره حدثا فأوهموا الناس في موضع قبره تلك الليلة وهي ليلة
دفنه إيهامات مختلفة، فشدوا على جمل تابوتا موثقا بالحبال يفوح منه روائح الكافور وأخرجوه
من الكوفة سواد الليل صحبة ثقاتهم يوهمون أنهم يحملونه إلى المدينة فيدفنونه عند فاطمة
عليها السلام، وأخرجوا بغلا وعليه جنازة مغطاة يوهمون أنهم يدفنونه بالحيرة وحفروا حفائر
عدة، منها بالمسجد، ومنها برحبة القصر قصر الإمارة، ومنها في حجرة من دور آل جعدة بن
هبيرة المخزومي، ومنها في أصل دار عبد الله بن يزيد القسري بحذاء باب الوراقين مما يلي
قبلة المسجد، ومنها في الكناسة، ومنها في الثوية فعمي على الناس موضع قبره، ولم يعلم
مدفنه على الحقيقة إلا بنوه والخواص المخلصون من أصحابه فإنهم خرجوا به عليه السلام
وقت السحر في الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان فدفنوه على النجف بالموضع
المعروف بالغري بوصاة منه عليه السلام إليهم في ذلك وعهد كان عهد به إليهم
وعمي موضع قبره على الناس، واختلفت الأراجيف في صبيحة ذلك اليوم اختلافا شديدا
وافترقت الأقوال في موضع قبره الشريف وتشعبت، وادعى قوم أن جماعة من
طئ وقعوا على جمل في تلك الليلة وقد أضله أصحابه ببلادهم وعليه صندوق فظنوا فيه مالا
فلما رأوا ما فيه خافوا أن يطلبوا به فدفنوا الصندوق بما فيه ونحروا البعير وأكلوها، وشاع
ذلك في بني أمية وشيعتهم واعتقدوه حقا، فقال الوليد بن عقبة من أبيات يذكره عليه السلام فيها:
فإن يك قد ضل البعير بحمله * فما كان مهديا ولا كان هاديا).
أقول: للعلامة الحلي - قدس سره - رسالة في تعيين موضع قبر أمير المؤمنين -
عليه السلام - ولكونها مربوطة بالمقام نوردها في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 58)
518

تولوه تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم فقال:
فإن يك قد ضل البعير بحمله * فلم يك مهديا ولا كان هاديا
فهو من مبغضي علي عليه السلام وأعدائه وأعداء النبي صلى الله عليه وآله لأن أباه قتله
النبي صلى الله عليه وآله بيد علي صبرا يوم بدر بالصفراء (1).
عن مغيرة النبي قال: مر ناس بالحسن بن علي عليهما السلام وهم يريدون عيادة

1 - قال في مراصد الاطلاع: (الصفراء بالتأنيث وادي الصفراء من ناحية
المدينة واد كثير النخل والزرع في طريق الحاج بينه وبين بدر مرحلة وماؤه عيون كلها
وماؤه يجري إلى ينبع ورضوي غربيها).
أما الحديث فنقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي
وأمير المؤمنين (ص 734، ص 23).
519

الوليد بن عقبة وهو في علة شديدة فأتاه الحسن عليه السلام معهم عائدا، فقال للحسن:
أتوب إلى الله مما كان بيني وبين جميع الناس إلا ما كان بيني وبين أبيك يقول: أي (1)
لا أتوب منه (2).
عن زر بن حبيش قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة إنه لعهد إلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا
منافق (3).
عن حبة العرني عن علي عليه السلام قال: إن الله أخذ ميثاق كل مؤمن على حبي،
وأخذ ميثاق كل منافق على بغضي، فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني، ولو صببت
الدنيا على المنافق ما أحبني (4).

1 - في شرح النهج بعد (أبيك): (فإني لا أتوب منه).
2 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي وأمير المؤمنين
(ص 734، س 25) وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 364، س 26):
(وروى الشيخ أبو القاسم البلخي أيضا عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة الضبي قال:
مرناس (الحديث).
3 و 4 - نقلهما المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب النوادر (ص 740،
س 22، و 23) وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 364، س 30):
(وقد اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب فيها عند المحدثين على أن النبي (ص) قال له:
لا يبغضك إلا منافق، ولا يحبك إلا مؤمن. قال: وروى حبة العرني عن علي (ع) أنه قال:
إن الله عز وجل أخذ ميثاق (الحديث)) وقال المجلسي (ره) في تاسع البحار في باب
حبه وبغضه وإن حبه إيمان وبغضه كفر ونفاق (ص 412، س 23): (: قال ابن أبي -
الحديد في المجلد الثامن من شرح نهج البلاغة: في الخبر الصحيح المتفق عليه
أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، وحسبك بهذا الخبر ففيه وحده كفاية وقال في
موضع آخر: قال شيخنا أبو القاسم البلخي: قد اتفقت الأخبار الصحيحة (إلى آخر ما
ذكرناه وهو قد نقله في شرح النهج عن شيخه المذكور فراجع إن شئت)).
520

فيمن فارق عليا عليه السلام
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من فارقني فقد فارق الله، ومن فارق
عليا فقد فارقني (1).
وكان ممن فارق عليا عليه السلام من أصحابه ولحق بمعاوية يزيد بن حجية (2)، ووائل
بن حجر الحضرمي (3)، ومصقلة بن هبيرة الشيباني، (4) والقعقاع بن شور، وطارق بن
عبد الله، والنجاشي الشاعر [وغيرهم (5)].
وكان أصحابه لما نزل بقلوبهم من الفتنة والبلاء والركون إلى الدنيا يغدرون
ويختانون مال الخراج ويهربون إلى معاوية.
عن الأعمش قال: كان علي عليه السلام يوليهم الولايات والأعمال فيأخذون [الأموال]
ويهربون إلى معاوية.

1 - قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب حكم من حارب عليا (ع)
- ص 460، س 19): (كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي بإسناده عن أبي ذر -
رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): من فارقني (الحديث)).
وقال أيضا (ره) لكن في تاسع البحار في باب أنه مع الحق والحق
معه (ص 366، س 27): (قال ابن شهرآشوب (ره) في المناقب: (أبو ذر وابن عمر
قال النبي (ص): من فارق عليا فقد فارقني ومن فارقني فقد فارق الله) وقال فيه أيضا نقلا عن
أما لي ابن الشيخ بإسناده عن مجاهد أن نبي الله قال: من فارقني فقد فارق الله، ومن فارق
عليا فقد فارقني (أنظر ص 367، س 1) إلى غير ذلك من موارد ذكره في كتب الأخبار المعتبرة.
2 - قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي وأمير المؤمنين
(ص 734، س 27): (قال إبراهيم: ولحق بمعاوية يزيد بن حجية (إلى ما سيأتي من
قول صعصعة) إنك بالمؤمنين لرؤف رحيم) وستأتي ترجمته عند ذكر قصته عن قريب (ص 525).
3 - ستأتي ترجمته في غارة بسر بن أبي أرطاة مفصلة.
4 - قد تقدم ذكره وشرح حاله في قصة بني ناجية
.
5 - زيد بقرينة ما يأتي ممن لم يذكر اسمه هنا.
521

منهم
المنذر بن الجارود العبدي (1)
قال: كان علي عليه السلام ولي المنذر بن الجارود فارسا فاحتاز مالا من الخراج، قال:
كان المال أربع مائة ألف درهم، فحبسه علي عليه السلام فشفع فيه صعصعة بن صوحان إلى
علي عليه السلام وقام بأمره وخلصه.
فقال الأعور الشني يذكر بلاء صعصعة في أمره (2):

في الإصابة في القسم الثاني من حرف الميم: (المنذر بن الجارود واسمه
بشرو بن عمرو بن حبيش بن المعلى بن زيد بن حارثة بن معاوية العبدي، أمه أمامة بنت النعمان
قال ابن عساكر: ولد في عهد النبي ولأبيه صحبة وقتل شهيدا في عهد عمر، وأمر علي (ع)
المنذر على إصطخر وقال يعقوب بن سفيان: وكان شهد الجمل مع علي، وولاه عبيد الله بن
زياد في إمرة يزيد بن معاوية الهند، فمات هناك في آخر سنة إحدى وستين أو في أول سنة
اثنتين ذكر ذلك ابن سعد وذكر أنه عاش ستين سنة. وقال خليفة: ولاه ابن زياد السند
سنة اثنتين وستين فمات بها والله أعلم).
أقول: نص عبارة ابن سعد في الطبقات في موضعين، (المجلد الخامس
ص 561، والمجلد السابع، ص 87) في ترجمة أبيه الجارود: (وكان ولده [أي ولد الجارود]
أشرافا، كان المنذر بن الجارود سيدا جوادا ولاه علي بن أبي طالب (ع) إصطخر فلم يأته أحد
إلا وصله، ثم ولاه عبيد الله بن زياد ثغر الهند فمات هناك سنة إحدى وستين أو أول سنة اثنتين
وستين وهو يومئذ ابن ستين سنة) وفي تنقيح المقال: (المنذر بن الجارود العبدي
من عبد القيس استعمله علي عليه السلام على بعض النواحي فخان في بعض ما ولاه من أعماله
فكتب له علي (ع) كتابا ذمه فيه وأبلغ في ذمه ومدح أباه الجارود بالصلاح وحسن الطريقة،
وكان أبوه وفد على النبي (ص) في عبد القيس ومسكنهم يومئذ بالبحرين، فأكرمه رسول الله (ص)
وإياهم، وأسلم الجارود وحسن إسلامه، وروى عنه أحاديث) وقال ابن قتيبة في المعارف
في ترجمة أبيه الجارود العبدي (ص 339 من الطبعة الثانية مصر سنة 1388):
(وابنه المنذر بن الجارود ولي لإصطخر لعلي بن أبي طالب).
2 - لم يذكر المجلسي (ره) هذه العبارة والبيتين في البحار (أنظر ج 8، س 734).
قال ابن قتيبة في الشعر والشعراء (ص 534 من طبعة بيروت):
(الأعور الشني هو بشر بن منقذ من عبد القيس وكان شاعرا محسنا وله ابنان شاعران أيضا
يقال لهما: جهم وجهيم، وكان المنذر بن الجارود والي إصطخر لعلي بن أبي طالب
- رضي الله عنه - فاقتطع منها أربع مائة ألف درهم فحبسه علي حتى ضمنها عنه صعصعة بن
صوحان فخلى عنه، فقال الأعور الشني:
ألا سألت بني الجارود أي فتى * عند الشفاعة والباب ابن صوحانا
هل كان إلا كأم أرضعت ولدا * عقت فلم تجز بالإحسان إحسانا
لا تأمنن امرءا خان امرءا أبدا * إن من الناس ذا وجهين خوانا
ويستجاد له قوله:
لقد علمت (فذكر اثني عشر بيتا ثم قال) وكان يكنى أبا منقذ ويهاجي بني عصر
ولهم يقول:
وإن تنظروا شزرا إلي فإنني * أنا الأعور الشني قيد الأوابد)
أما البيتان فذكرهما غيره أيضا فقال ابن عساكر في تاريخه في ترجمة
صعصعة (ج 6 ص 426): (ومن كلام صعصعة:
هلا سألت بني الجارود أي فتى * عند الشفاعة والباب ابن صوحانا
كنا وكانوا كأم أرضعت ولدا * عقت ولم تجز بالإحسان إحسانا)
وقال ابن حجر في الإصابة في ترجمة صعصعة أيضا:
(وأنشد له [أي لصعصعة] المرزباني:
هلا سألت بني الجارود أي فتى * عند الشفاعة والبان ابن صوحانا
كنا وكانوا كأم أرضعت ولدا * عق ولم نجز بالإحسان إحسانا)
وقال السيد محسن العاملي (ره) في أعيان الشيعة في ترجمة صعصعة
(ج 36 ص 289):
(ومن شعر صعصعة قوله: هلا سألت (فذكر البيتين كما نقله ابن عساكر)) مع أنه
قال في ترجمة بشر بن منقذ العبدي الشني (ص 38 من الجزء الرابع عشر المتحد مع المجلد
الخامس عشر) ما نصه:
(وفي الطليعة: ولى علي عليه السلام المنذر بن الجارود إصطخر فاقتطع منها مائة
ألف، فحبسه (ع) فضمنها صعصعة بن صوحان العبدي فقال الشني: ألا سألت (فذكر الأبيات
الثلاثة التي ذكرها ابن قتيبة في الشعر والشعراء كما نقلناها عنه) ومراده (ره) بالطليعة
(الطليعة من شعراء الشيعة من القدماء والمتأخرين) للشيخ الفاضل الشيخ محمد
السماوي - رحمه الله تعالى (أنظر الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 14، ص 180).
قد علم مما ذكره ابن قتيبة أن البيتين كما في المتن للأعور الشني لا لصعصعة
نفسه كما ذكره ابن عساكر وابن حجر والسيد محسن العاملي في أحد قوليه.
أقول: ستأتي ترجمة الأعور الشني مبسوطة في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 59).
522

سائل سراة بني الجارود أي فتى * عند الشفاعة والباب ابن صوحانا
ما كان إلا كأم أرضعت ولدا * عقت فلم تجز بالإحسان إحسانا
وكان [صعصعة من مناصحيه عليه السلام
523

قال الأسود بن قيس: جاء] علي بن أبي طالب عليه السلام عائدا صعصعة فدخل عليه
فقال له: يا صعصعة لا تجعلن عيادتي إليك أبهة على قومك. فقال: لا والله يا أمير المؤمنين
ولكن نعمة وشكرا. فقال له علي عليه السلام: إن كنت لما علمت لخفيف المؤونة عظيم
المعونة، فقال صعصعة: وأنت والله يا أمير المؤمنين إنك ما علمت بكتاب الله لعليم، وإن
الله في صدرك لعظيم، وإنك بالمؤمنين لرؤف رحيم (2).

1 - ما بين المعقوفتين أضيف من البحار.
2 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي (ص)
وأمير المؤمنين عليه السلام (ص 734، س 30).
أقول: ستأتي نظائر لهذا الحديث مع ترجمة صعصعة بن صوحان في تعليقات آخر -
الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 60).
524

قصة يزيد بن حجية (1)
ومنهم يزيد بن حجية عن أبي الصلت التيمي (2) قال: قام زياد بن خصفة
التيمي (3) إلى علي عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إن بعثتني في أثر يزيد بن حجية
رددته إليك.
وكان يزيد بن حجية قد استعمله علي (4) عليه السلام على الري ودستبي (5) فكسر

1 - قال الفيروزآبادي في (ح ج و): (وأبو حجية كسمية أجلح بن عبد الله بن
حجية محدث، وحجية بن عدي تابعي) فيستفاد من العبارة أن العرب كانت تسمى بلفظة (حجية)
وقال المامقاني في ترجمة أجلح المذكور: (وحجية بضم الحاء المهملة وفتح الجيم
وتشديد الياء المفتوحة (فذكر ما نقلناه عن القاموس فقال وضبطه نصر في محكى معجمه
بفتح أوله كغنية إلا أن بعض أساطين أهل اللغة ضبطه بضم ففتح فتشديد). فيظن أن اسم أبي -
يزيد هذا على زنة سمية وهكذا وقع ذكره مشكولا في كتاب صفين لنصر بن مزاحم والطبري
وشرح النهج وغيرها.
2 - قد مرت الإشارة إليه في تعليقاتنا على الكتاب (أنظر ص 339).
3 - تقدمت ترجمته في تعليقاتنا على الكتاب (أنظر ص 336).
4 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 365، س 3): (ذكر
إبراهيم بن هلال صاحب كتاب الغارات فيمن فارق عليا عليه السلام والتحق بمعاوية
يزيد بن حجية التيمي من بني تيم بن ثعلبة بن بكر بن وائل وكان (ع) قد استعمله (الحديث)
وقال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع)
(ص 734، س 33): (ومنهم [أي وممن فارق عليا (ع)] يزيد بن حجية.
أقول: وذكر [يعني صاحب الغارات] أحواله وأحوال جماعة من الفارين
الخاذلين أوردنا أحوالهم برواية ابن أبي الحديد عنه وعن غيره).
أقول: يريد (ره) بقوله: (أوردنا) ما ذكره في الباب المشار إليه (ص 728، س 37)
وقد نقل هناك عبارة ابن أبي الحديد بتلخيص، فراجع إن شئت.
5 - في مراصد الاطلاع: (دستبي بالفتح ثم السكون وفتح التاء المثناة من فوق
والباء الموحدة المكسورة كورة كبيرة كانت مشتركة بين الري وهمدان (إلى آخر ما قال)).
525

الخراج (1) واحتجن المال (2) لنفسه. فحبسه علي وجعل معه مولى له يقال له: سعد (3)
فقرب يزيد ركائبه وسعد نائم فلحق بمعاوية وقال في ذلك شعرا:
وخادعت سعدا وارتمت بي ركائبي * إلى الشام واخترت الذي هو أفضل
وغادرت سعدا نائما في غيابة (4) * وسعد غلام مستهل (5) مضلل
ثم خرج حتى أتى الرقة وكذلك كان يصنع الناس، من أراد معاوية (6) يبدأ
بالرقة (7) حتى يستأذن معاوية في القدوم عليه، وكانت الرقة وقرقيسياء والرها
وحران من حيز معاوية، وعليهم الضحاك بن قيس، وكانت هيت وعانات ونصيبين

1 - كذا في الأصل وفي شرح النهج من طبعة إيران أما طبعات مصر ففيها: (فكسر
الخوارج) وفي البحار: (فكثر الخراج) ومن المحتمل أن تكون (كسر) محرفة عن (كنز).
2 - في البحار: (واحتجبه) ففي النهاية: (فيه: ما أقطعك العقيق لتحتجنه أي
تتملكه دون الناس، والاحتجان جمع الشئ وضمه إليك وهو افتعال من الحجن ومنه
حديث ابن ذي يزن: واحتجناه دون غيرنا).
3 - تقدمت الإشارة إليه (أنظر ص 473).
4 - في الطبعة الحديثة من شرح النهج: (عباءة).
5 - في شرح النهج: (مستهام).
6 - في شرح النهج: (وكذلك كان يصنع من يفارق عليا (ع)).
7 - قد مر ما يشرح الرقة وقرقيسياء والرهاء وحران (في ص 322) وهيت
(في ص 466) وعانات (في ص 325) وأما نصيبين ففي مراصد الاطلاع:
(نصيبين بالفتح ثم الكسر ثم باء (إلى أن قال) مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة
القوافل من موصل إلى الشام وبينها وبين سنجار تسعة فراسخ (إلى أن قال) ونصيبين
أيضا مدينة على شاطئ الفرات كبيرة تعرف بنصيبين الروم، بينها وبين آمد أربعة
أيام (إلى آخر ما قال) ودارا مقصود بلد بالجزيرة في لحف جبل ماردين بينها وبين
نصيبين من بلاد الجزيرة، وآمد بكسر الميم بلد قديم حصين ركين مبنى بالحجارة السود
على نشز، ودجلة محيطة بأكثره مستديرة به كالهلال (إلى آخر ما قال)، وسنجار بالكسر
ثم السكون ثم جيم وآخره راء مدينة مشهورة من نواحي الجزيرة في لحف جبل بينها وبين
موصل ثلاثة أيام).
526

ودارا وآمد وسنجار من حيز علي عليه السلام وعليها الأشتر قبل أن يهلك، وكانا يقتتلان
في كل شهر.
وقال يزيد بن حجية وهو بالرقة (1) وقد بلغه قول زياد بن خصفة لعلي عليه السلام:
إن بعثتني في أثره رددته إليك، فقال في ذلك:
أبلغ زيادا أنني قد كفيته * أموري وخليت الذي هو عاتبه (2)
وباب سديد دونه (3) قد فتحته * عليك وقد ضاقت عليه (4) مذاهبه
هبلت أما ترجو عتابي (5) ومشهدي * إذ الخصم لم يوجد له من يحاربه (6)
فأقسم لولا أن أمك أمنا * وأنت موال ما انفلت (7) أعاتبه
وأقسم لو أدركتني ما رددتني * كلانا قد اصطفت إليه جلاببه
وقال أيضا:
يا هند قومك أسلموك فسلمي * واستبدلي وطنا من الأوطان (*)

1 - في شرح النهج هنا زيادة وهي (يهجو عليا عليه السلام:
يا طول ليلى بالرقات لم أنم * من غير عشق صبت نفسي ولا سقم
لكن لذكر أمور جمة طرقت * أخشى على الأصل منها زلة القدم
أخشى عليا عليهم أن يكون لهم * مثل العقور الذي عفى على أرم
وبعد ذلك ما لا نذكره) وقال بعده:
(قال إبراهيم بن هلال: وقد كان زياد بن خصفة التيمي قال لعلي (ع) يوم هرب
يزيد بن حجية: ابعثني يا أمير المؤمنين في أثره أرده إليك، فبلغ قوله يزيد بن حجية فقال
في ذلك: أبلغ (الأشعار)).
2 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (غالبه).
3 - في شرح النهج: (وباب شديد موثق).
4 - وفيه: (وقد أعيت عليك).
5 - أيضا فيه: (غنائي).
6 - وفيه: (من يجاذبه).
7 - وفيه: (وإنك مولى ما طفقت).
527

أرضا مقدسة وقوما فيهم * أهل التفقه تابعو الفرقان
أحببت أهل الشام لما جئتهم * وبكيت من جزع على عثمان
وقال أيضا شعرا يذم فيه عليا ويخبره أنه من أعدائه، لعنه الله، فبلغ ذلك عليا
عليه السلام فدعا عليه وقال لأصحابه: ارفعوا أيديكم فادعوا عليه، فدعا عليه علي عليه السلام
وأمن أصحابه.
قال أبو الصلت التيمي: فقال علي عليه السلام: اللهم إن يزيد بن حجية هرب
بمال المسلمين، ولحق بالقوم الفاسقين (1) فاكفنا مكره وكيده واجزه جزاء الظالمين.
قال: ورفع القوم أيديهم يؤمنون وفيهم عفاق (2) بن شرحبيل بن أبي رهم التيمي
[وكان عدوا لله ممن كان (3) شهد على حجر بن عدي بعد حتى قتل، فقال
عفاق: على من يدعو القوم؟ - فقيل: على يزيد بن حجية، قال: تربت أيديكم (4)
أعلى أشرافنا تدعون؟! فدنوا إليه فضربوه حتى كاد يهلك.
ووثب زياد بن خصفة فقال: دعوا لي ابن عمي، وكان من مناصحي علي عليه السلام
فقال علي عليه السلام: دعوا للرجل ابن عمه، فتركه الناس، فأخذ زياد بيده فأخرجه
من المسجد فأخذ (5) وهو يمشي معه يمسح التراب عن وجهه وعفاق يقول: لا والله
لا أحبكم ما سعيت ومشيت، والله لا أحبكم ما اختلف الدرة والجرة (6) وزياد يقول:

1 - في الأصل: (الظالمين).
2 - قال الزبيدي في تاج العروس في مادة (عفق) ما نصه: (وككتاب
عفاق بن شرحبيل بن أبي رهم التيمي له ذكر في حروب علي - رضي الله عنه.)
3 - في شرح النهج: (وكان في المسجد عفاق بن شرحبيل بن أبي رهم التميمي
شيخا كبيرا وكان يعد ممن).
4 - في الأصل: (وبكم البدن).
5 - في شرح النهج: (وجعل) وكلاهما من أفعال المقاربة بمعنى الشروع في الفعل.
6 - في الأصل: (ما اختلفت درة وجرة) قال ابن دريد في الاشتقاق عند
ذكره قبائل بني سليط (ص 231): (والجرة ما يجتره البعير من كرشه ثم يرده، ومثل
من أمثالهم: ما اختلفت الجرة والدرة). وقال الزمخشري في مستقصى الأمثال:
(لا أفعل ذلك ما اختلفت الدرة والجرة، لأن هذه تعلو وتلك تسفل) وقال الميداني
في مجمع الأمثال: (لا أفعل كذا ما اختلفت الدرة والجرة، وذلك أن الدرة تسفل
والجرة تعلو فهما مختلفان) وقال ابن منظور في لسان العرب: (والجرة جرة البعير
حين يجترها فيقرضها ثم يكظمها، الجوهري: الجرة بالكسر ما يخرجه البعير للاجترار
واجتر البعير من الجرة وكل ذي كرش يجتر وفي الحديث: أنه خطب على ناقته وهي تقصع
بجرتها، الجرة ما يخرجه البعير من بطنه ليمضغه ثم يبلعه، والقصع شدة المضغ، وفي
حديث أم معبد: فضرب ظهر الشاة فاجترت ودرت، ومنه حديث عمر: لا يصلح هذا الأمر
إلا لمن لا يحنق على جرته أي لا يحقد على رعيته، فضرب الجرة لذلك مثلا، ابن سيدة:
والجرة ما يفيض به البعير من كرشه فيأكله ثانية وقد اجترت الناقة والشاة وأجرت عن -
اللحياني، وفلان لا يحنق على جرته أي لا يكتم سرا وهو مثل بذلك، ولا أفعله ما اختلفت
الدرة والجرة وما خالفت درة جرة، واختلافهما أن الدرة تسفل إلى الرجلين والجرة
تعلو إلى الرأس، وروى ابن الأعرابي أن الحجاج سأل رجلا قدم من الحجاز عن المطر
فقال: تتابعت علينا الأسمية حتى منعت السفار وتظالمت المعزى واجتلبت الجرة بالدرة،
اجتلاب الدرة بالجرة أن المواشي تتملأ ثم تبرك أو تربض فلا تزال تجتر إلى حين الحلب)
وقال في مادة (درر) ما نصه: (در اللبن والدمع ونحوهما يدر (بكسر الدال)
ويدر (بضمها) درا ودرورا وكذلك الناقة إذا حلبت فأقبل منها على الحالب شئ كثير
قيل: درت، والدرة بالكسر كثرة اللبن وسيلانه (إلى أن قال) والاسم الدرة والدرة
(بالكسر والفتح) يقال: لا آتيك ما اختلفت الدرة والجرة، واختلافهما أن الدرة تسفل
والجرة تعلو).
528

ذاك أضر لك ذاك شر لك (1).
فقال له زياد بعد ذلك (2):
دعوت عفاقا للهدى فاستغشني * وولي فريا قوله وهو مغضب

1 - في الأصل: (أشر).
2 - في شرح النهج: (وقال زياد يذكر ضرب الناس عفاقا).
529

ولولا دفاعي عن عفاق ومشهدي * هوت بعفاق عوض عنقاء مغرب (1)
أنبئه أن الهدى في اتباعنا * فيأبى فيضريه المراء فيشغب (2)
فإن لا يشايعنا (3) عفاق فإننا * على الحق ما غنى الحمام المطرب
سيغني الإله عن عفاق وسعيه * إذا بعثت للناس جأواء (4) تحرب
قبائل من حي معد ومثلها * يمانية لا تنثنى حين تندب
لهم عدد مثل التراب وطاعة * تود وبأس في الوغى لا يؤنب
فقال له عفاق: لو كنت شاعرا لأجبتك ولكني أخبرك عن ثلاث خصال كن
منكم والله ما أرى أن تصيبوا بعدهن شيئا مما يسركم.
أما واحدة فإنكم سرتم إلى أهل الشام حتى إذا دخلتم عليهم بلادهم

1 - في الصحاح: (العنقاء الداهية يقال: حلقت به عنقاء مغرب وطارت به العنقاء،
وأصل العنقاء طائر عظيم معروف الاسم مجهول الجسم) وفي لسان العرب: (والعنقاء
طائر ضخم ليس بالعقاب، وقيل: العنقاء المغرب كلمة لا أصل لها يقال: إنها طائر عظيم
لا ترى إلا في الدهور ثم كثر ذلك حتى سموا الداهية عنقاء مغربا ومغربة قال:
ولولا سليمان الخليفة حلقت * به من يد الحجاج عنقاء مغرب
وقيل: سميت عنقاء لأنه كان في عنقها بياض كالطوق وقال كراع: العنقاء فيما
يزعمون طائر يكون عند مغرب الشمس، وقال الزجاج: العنقاء المغرب طائر لم يره أحد،
وقيل في قوله تعالى؟ طيرا أبابيل، هي عنقاء مغربة أبو عبيد: من أمثال العرب: طارت بهم
العنقاء المغرب ولم يفسره، قال ابن الكلبي: كان لأهل الرس نبي يقال له حنظلة بن صفوان
وكان بأرضهم جبل يقال له دمخ (إلى آخر القصة الطويلة المذكورة في مجمع الأمثال للميداني
في ذيل مثل: طارت بهم العنقاء).
2 - قوله: (فيضريه المراء فيشغب) أي يغريه مراء القوم على الشغب فيشغب فإن
من معاني الاضراء الاغراء والمراد هنا ذلك المعنى.
3 - في الأصل: (لا تشايعنا) فعلى ذلك فالخطاب لعفاق و (عفاق) المذكور
في البيت يكون منادى قد حذف حرف نداءه.
4 - (الجأواء) كلمة توصف بها الكتيبة من الجيش فيقال: (كتيبة جأواء أي كدراء
اللون في حمرة وهو لون صدء الحديد).
530

قاتلتموهم، فلما ظن القوم أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف، فسخروا بكم فردوكم
عنهم، فلا والله لا تدخلونها بمثل ذلك الحد والجد والعدد الذي دخلتموها أبدا.
وأما الثانية فإنكم بعثتم حكما وبعث القوم حكما، فأما حكمكم فخلعكم،
وأما حكمهم فأثبتهم، فرجع صاحبهم يدعى أمير المؤمنين، [ورجعتم] متلاعنين
متباغضين، فوالله لا يزال القوم في علاء ولا زلتم منهم في سفال.
وأما الثالثة فإنه خالفكم قراؤكم وفرسانكم فعدوتم عليهم فذبحتموهم
بأيديكم، فلا والله لا زلتم بعدها متضعضعين.
ثم قال: لفرسة أحدهم ثم مضى فسبه أصحابه (1).
وكان يمر عليهم بعد فيقول: اللهم إني منهم برئ ولابن عفان ولي.
قال: فيقول التيمي أبو عبد الله بن وال (2): اللهم إني لعلي ولي ومن ابن عفان
برئ (3) ومنك يا عفاق.
قال: فأخذ لا يقلع، فدعوا رجلا منهم له سجاعة [كسجاعة الكهان] فقالوا:
ويحك، أما تكفينا بسجعك وخطبتك هذا؟ قال كفيتم، قال: فمر عفاق عليهم فقال
مثل ما كان يقول ولم يمهله (4) أن قال له، اللهم اقتل عفاقا فإنه أسر نفاقا، وأظهر
شقاقا، وبين فراقا، وتلون أخلاقا، فقال عفاق: ويحكم، من سلط هذا علي؟ قال:

1 - من قوله: (ثم قال) إلى هنا في الأصل فقط ولم نجد له معنى محصلا، اللهم
إلا أن يقال: (لفرسة) مصحفة عن (لفراسة) ويكون التقدير: (وذلك لفراسة أحدهم)
ويكون المراد من (أحدهم) عمرو بن العاص وتقرأ الفراسة بكسر الفاء حتى يكون من
قبيل ما ورد في الحديث: (اتقوا فراسة المؤمن) فتدبر.
2 - كذا في الأصل لكن الظاهر أن تكون العبارة هكذا: (قال: قال التيمي أبو الصلت
فيقول عبد الله بن وأل) وذلك بقرينة ما مر من روايته هكذا عن قريب (أنظر ص 525 و 528)
وأما عبد الله بن وأل التيمي فقد مرت ترجمته (أنظر ص 339).
3 - عبارة شرح النهج من دون ذكر سند هكذا: (فيقولون: اللهم إنا لعلي أولياء،
ومن ابن عفان براء).
4 - في الأصل: (ولم يناظره).
531

الله بعثني إليك وسلطني عليك لأقطع لسانك، وأنصل سنانك، وأطرد سلطانك (1) قال:
فلم يك يمر عليهم بعد، إنما يمر على بني مزينة (2).
ومنهم
الهجنع عبد الله بن عبد الرحمن
قال: كان عبد الله بن عبد الرحمن بن مسعود بن أوس بن أويس (3) بن مغيث الثقفي
شهد مع علي عليه السلام صفين، وكان في أول أمره مع معاوية ثم صار إلى علي ثم رجع
بعد إلى معاوية ثم سماه علي عليه السلام الهجنع، والهجنع الطويل.
ومنهم
القعقاع بن شور (4)
قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد (5) عن [أبي] إسحاق الشيباني (6) قال: قال

1 - في شرح النهج: (شيطانك).
2 - في الأصل: (على بني منية).
3 - في شرح النهج: (أوس بن إدريس بن معتب) أما البحار فلم يذكرهم.
أما الحديث فنقله ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 366، س 14)
ونقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي وأمير المؤمنين تارة عن ابن -
أبي الحديد (ص 729، س 4). باختصار، وأخرى عن كتاب الغارات بتفصيل (ص 734، س 34).
4 - تأتي ترجمته في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 61)
5 - قد مرت ترجمته في تعليقاتنا على الكتاب (أنظر ص 44).
6 - قال ابن سعد في الطبقات في الطبقة الرابعة من أهل الكوفة (ج 6
من طبعة أوربا، ص 241): (أبو إسحاق الشيباني واسمه سليمان بن أبي سليمان مولى
لهم قال محمد بن عمر: توفي سنة تسع وعشرين ومائة، وقال غيره: توفي لسنتين خلتا من
خلافة أبي جعفر) وفي تقريب التهذيب في باب الكنى: (أبو إسحاق الشيباني
سليمان بن أبي سليمان) وفي باب الأسماء منه: (سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق
الشيباني الكوفي ثقة من الخامسة، مات في حدود الأربعين [ومائة] / ع) وفي تهذيب -
التهذيب في ترجمة جرير بن عبد الحميد: (إنه روى عن أبي إسحاق الشيباني)
وعلى هذا تكون الرواية مرسلة لعدم إدراك أبي إسحاق أمير المؤمنين عليه السلام، فتدبر.
532

علي عليه السلام: تسألوني المال؟! وقد استعملت القعقاع بن شور على كسكر (1) فأصدق
امرأة بمائة ألف [درهم]، وأيم الله لو كان كفوا ما أصدقها ذلك (2).
ومنهم
النجاشي الشاعر (3)
فكان شاعر علي عليه السلام بصفين فشرب الخمر بالكوفة فحده أمير المؤمنين عليه السلام
فغضب ولحق بمعاوية وهجا عليا عليه السلام.
عن عوانة (4) قال: خرج النجاشي في أول يوم من رمضان فمر بأبي سمال

1 - في مراصد الاطلاع: (كسكر بالفتح ثم السكون وكاف أخرى وراء: كورة
واسعة، وقصبتها واسط القصب التي بين الكوفة والبصرة).
2 - نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 366، س 17) والمجلسي (ره)
في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي وأمير المؤمنين (ص 734، س 35).
3 - تأتي ترجمة النجاشي هذا في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 62).
4 - في لسان الميزان: (عوانة بن الحكم بن عوانة بن عياض الأخباري المشهور
الكوفي يقال: إن أباه كان عبدا خياطا وأمه أمة وهو كثير الرواية عن التابعين قل أن روى
حديثا مسندا وأكثر المدائني عنه، وقد روى عن عبد الله بن المعتز عن الحسن بن عليل العنزي
عن عوانة بن الحكم أنه كان عثمانيا فكان يضع الأخبار لبني أمية مات سنة ثمان وخمسين
ومائة) وفي الفهرست لابن النديم: (عوانة بن الحكم بن عياض بن وزير بن عبد -
الحارث الكلبي ويكنى أبا الحكم من علماء الكوفيين، راوية للأخبار عالم بالشعر والنسب،
وكان فصيحا ضريرا، قال عوانة فيما يروي عنه هشام بن الكلبي قال: خطبنا عتبة بن النهاس
العجلي (إلى أن قال) توفي عوانة في سنة سبع وأربعين ومائة، وله من الكتب كتاب التاريخ،
كتاب سيرة معاوية وبني أمية، ويقال: إن هذا الكتاب لمنجاب بن الحارث والصحيح أنه لعوانة).
أما الحديث فقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 366، س 20):
(حدث ابن الكلبي عن عوانة قال: خرج النجاشي (الحديث)) ونقله المجلسي (ره) في
ثامن البحار تارة في باب نوادر الاحتجاج على معاوية (ص 583، س 31) بهذه العبارة:
(كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي رفعه قال: إن النجاشي الشاعر شرب الخمر
(الحديث إلى آخره بتمامه لكن بتغيير لبعض الفقرات وإسقاط بعضها) وأخرى في باب ذكر
أصحاب النبي وأمير المؤمنين عن شرح النهج نقلا عن كتاب الغارات إلى قوله:
(فلما جنه الليل همس هو والنجاشي إلى معاوية) (ص 729، س 4) ونقله المحدث -
النوري (ره) في مستدرك الوسائل في كتاب الحدود والتعزيرات في باب حكم من شرب
الخمر في شهر رمضان (ج 3، س 234) بهذه العبارة: (إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب
الغارات عن عوانة قال: خرج النجاشي (وساق الحديث إلى قوله:) ثم أنشأ يقول)
وأشار إلى باقيه بقوله: (الخبر).
533

الأسدي (1) وهو قاعد بفناء داره فقال له: أين تريد؟. قال: أريد الكناسة. قال:

1 - قال الآمدي في المؤتلف والمختلف فيمن يقال له أبو سمال (ص 202):
(منهم أبو سمال الأسدي وكان شريفا واسمه سمعان بن هبيرة بن مساحق بن بحير بن عمير بن
أسامة بن نصر بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد كان شاعرا قال يرثي ابنه سمالا:
كأني وسمالا من الدهر لم نعش * جميعا وريب الدهر للمرء كارب
يعيرني الأقوام بالصبر بعده * وليس لصدع في فؤادي شائب
وله في كتاب بني أسد أشعار حسان مما تنخلته).
وفي الإصابة في باب الكنى في القسم الثالث من حرف السين: (أبو السمال
الأسدي تقدم في سمعان بن هبيرة) وفي باب الأسماء منه أيضا في القسم الثالث
من حرف السين: (سمعان بن هبيرة..... الأسدي أبو السمال آخره لام والميم مشددة
الشاعر له إدراك ونزل الكوفة قال أبو حاتم السجستاني في المعمرين: حدثنا مشيختنا أن
سمعان بن هبيرة هو أبو السمال الأسدي عاش مائة وسبعا وستين سنة (إلى أن قال) وقال
مغيرة بن مقسم: كان أبو السمال لا يغلق باب داره وكان له مناد ينادي: من ليس له خطة
فمنزله على أبي السمال، قال: فبلغ ذلك عثمان فاتخذ دارا لأضيافه وقال المرزباني في
معجمه: هو الذي شرب في رمضان مع النجاشي الحارثي فأقام [علي - رضي الله عنه -]
الحد على النجاشي، وهرب أبو السمال وأنشد له في ذلك شعرا قاله).
أقول: قد اشتبه الأمر على الذهبي في المشتبه حيث قال (ص 369):
(وأبو سمال الأسدي شاعر كان في الردة مع طليحة وآخرون لا يعرفون كأبي سمال الذي
حده علي - رضي الله عنه - في الخمر حدين) وذلك أنه قد حكم بتغاير أبي سمال الأسدي
الشاعر الذي كان مع طليحة وأبي سمال الأسدي الذي شرب الخمر والحال أنه هو هو
وأنهما واحد، مضافا إلى أن الذي حده أمير المؤمنين علي (ع) هو النجاشي لا أبو السمال
فإنه هرب كما هو صريح المتن والإصابة وغيرهما، ووقع في مثل الاشتباه الفيروزآبادي
في القاموس حيث قال: (وأبو السمال شاعر أسدي وآخر حده علي - رضي الله تعالى
عنه - في الخمر) ووقع في مثله الزبيدي حيث قال في ترجمة الرجل الأول: (كان
في الردة مع طليحة وهو سمعان بن هبيرة بن مساحق بن بجير بن عمير) وقال في ترجمة
الثاني (حده علي (ر ض) حدين واسمه النجاشي شاعر مشهور له أخبار وأشعار بصفين
وغيرها).
534

هل لك في رؤس وأليات قد وضعت في التنور من أول الليل فأصبحت قد أينعت وتهرأت؟
قال: ويحك في أول يوم من رمضان؟! قال: دعنا مما لا نعرف (1) قال: ثم مه؟ قال:
ثم أسقيك من شراب كالورس يطيب النفس (2) ويجري في العرق ويزيد في الطرق
يهضم الطعام ويسهل للفدم (3 الكلام. فنزل فتغديا ثم أتاه بنبيذ فشرباه فلما كان
من آخر النهار علت أصواتهما ولهما جار يتشيع من أصحاب علي عليه السلام، فأتى عليا
عليه السلام فأخبره بقصتهما، فأرسل إليهما قوما فأحاطوا بالدار، فأما أبو سمال فوثب
إلى دور بني أسد فأفلت، وأما النجاشي فأتي به عليا عليه السلام فلما أصبح أقامه في

1 - في شرح النهج: (مما لا يعرف).
2 - في الأصل: (يجري في النفس).
3 - في الصحاح: (يقال: فدمت على فيه بالفدام فدما إذا غطيت، ومنه رجل فدم
أي عيى ثقيل بين الفدامة والفدومة).
535

سراويل فضربه ثمانين ثم زاده عشرين سوطا فقال: يا أمير المؤمنين [أما الحد فقد
عرفته] فما هذه العلاوة التي لا تعرف؟ قال: لجرأتك على ربك وإفطارك في شهر
رمضان (1). ثم أقامه في سراويله للناس فجعل الصبيان يصيحون به: خرى النجاشي،
فجعل يقول: كلا والله إنها يمانية [وكاؤها شعر (2)] ومر به هند بن عاصم السلولي (3)
فطرح عليه مطرفا (4) ثم جعل الناس يمرون به فيطرحون عليه المطارف حتى اجتمعت

1 - قال الشيخ الحر العاملي (ره) في وسائل الشيعة في كتاب الحدود
في باب حكم من شرب الخمر في شهر رمضان (ج 3 من طبعة أمير بهادر، ص 445):
(محمد بن يعقوب عن أبي علي الأشعري عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر
رفعه عن أبي مريم قال: أتي أمير المؤمنين بالنجاشي الشاعر قد شرب الخمر في شهر رمضان
فضربه ثمانين ثم حبسه ليلة ثم دعا به من الغد فضربه عشرين فقال له: يا أمير المؤمنين هذا
ضربتني ثمانين في شرب الخمر وهذه العشرون ما هي؟ - فقال: هذا لتجرئك على شرب
الخمر في شهر رمضان. ورواه الشيخ بإسناده عن أبي علي الأشعري، ورواه الصدوق
بإسناده عن عمرو بن شمر) فالرواية موجودة في الكافي والتهذيب والفقيه كما نقلها
عن الكتب صاحب الوسائل. وقال المجلسي (ره) في مرآة العقول في شرح الخبر
(ج 4، ص 174): (قال في التحرير: لو شرب المسكر في رمضان أو في موضع شريف
أقيم عليه الحد وأدب بعد ذلك بما يراه الإمام).
2 - كذا في شرح النهج وقال المحدث النوري (ره) بعد نقل الحديث
من كتاب الغارات في المستدرك (ج 3، ص 234) في هامش قوله: (إنها يمانية)
ما نصه: (وكاؤها شعر، في شرح النهج). وقال محمد أبو الفضل إبراهيم في تعليقته على الطبعة
الحديثة من شرح النهج مشيرا إلى هذه العبارة ما نصه (ج 4، ص 88): (كذا في -
الأصول).
3 - كأن المراد به ابن عاصم بن ضمرة السلولي المتقدم شرح حاله (أنظر ص 117)
وكلمة (هند) يسمى بها المرأة والرجل ففي القاموس: (هند بالكسر اسم امرأة ج
أهند وأهناد وهنود، ورجل وبنو هند بطن).
4 - في النهاية: (وفيه: رأيت على أبي هريرة مطرف خز، المطرف بكسر -
الميم وفتحها وضمها الثوب الذي في طرفيه علمان والميم زائدة وقد تكرر في الحديث)
وفي المصباح المنير: (والمطرف ثوب من خزله أعلام ويقال: ثوب مربع
من خز، وأطرفته اطرافا جعلت في طرفيه علمين فهو مطرف، وربما جعل اسما برأسه غير جار
على فعله وكسرت الميم تشبيها بالآلة، والجمع مطارف).
536

عليه مطارف كثيرة ثم أنشأ يقول (1):
إذا الله حيا (2) صالحا من عباده * تقيا فحيا الله هند بن عاصم
وكل سلولي إذا ما دعوته * سريع إلى داعي العلى والمكارم
ثم لحق بمعاوية وهجا عليا عليه السلام فقال:
ألا من مبلغ عني عليا * بأني قد أمنت فلا أخاف (3)
عمدت لمستقر الحق لما * رأيت قضية فيها اختلاف (4)
عن أبي الزناد (5) قال: دخل النجاشي على معاوية وقد أذن معاوية للناس
عامة فقال لحاجبه: ادع النجاشي، قال: والنجاشي بين يديه ولكن اقتحمته عينه،

1 - نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج بعد البيتين بيتين آخرين وهما:
(هم البيض أقداما وديباج أوجه * جلوها إذا اسودت وجوه الملائم
ولا يأكل الكلب السروق نعالهم * ولا يبتغى المخ الذي في الجماجم)
2 - في القاموس: (التحية السلام وحياه تحية، والبقاء والملك، وحياك الله
أبقاك أو ملكك).
3 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (فإني قد أخذت على رواف).
4 - في شرح النهج: (رأيت أموركم فيها اختلاف).
5 - كذا في الأصل لكن في شرح النهج (ابن أبي الزناد) ونص عبارته (ج 1،
ص 367، س 3) هكذا: (روى عبد الملك بن القريب الأصمعي عن ابن أبي الزناد قال:
دخل النجاشي على معاوية (القصة)) وستأتي ترجمة أبي الزناد في تعليقات آخر الكتاب إن -
شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 63).
537

فقال: ها أنا ذا النجاشي بين يديك يا أمير المؤمنين، إن الرجال ليست بأجسامها
إنما لك من الرجل أصغراه (1) قلبه ولسانه، قال: ويحك أنت القائل (2):
ونجى ابن حرب سابح ذو علالة * أجش هزيم والرماح دوان
إذا قلت: أطراف الرماح تنوشه * مرته له الساقان والقدمان (3)

1 - في معاني الأخبار: (كمال الرجل بست خصال، بأصغريه وأكبريه وهيئتيه، فأما
أصغراه فقلبه ولسانه (الحديث) وفي هذا المعنى قصص وحكايات وأشعار كثيرة.
2 - هذان البيتان من قصيدة للنجاشي يهجو بها معاوية في وقعة صفين فقال نصر بن
مزاحم في كتابه في وقعة صفين (ص 601 من طبعة القاهرة سنة 1365):
(نصر عن عمرو بن شمر عن إسماعيل السدي قال: حدثني نويرة بن خالد الحارثي
أن ابن عمه النجاشي قال في وقعة صفين رواه نصر قال: رواه أيضا عن عمر بن سعد بإسناده:
(ونجى ابن حرب سابح ذو علالة * أجش هزيم والرماح دوان)
(سليم الشظا عبل الشوى شنج النسا * أقب الخشا مستطلع الرديان)
(إذا قلت أطراف العوالي ينلنه * مرته به الساقان والقدمان).
(إلى آخر القصيدة وهي على ما في الكتاب واحد وثلاثون بيتا)
أقول: الأشعار مذكورة في كتاب الخيل لأبي عبيدة (ص 162) وفي حماسة ابن -
الشجري (ص 33) مع زيادة أربعة أبيات قبلها على ما صرح به في حاشية كتاب نصر وقال
ابن قتيبة في الشعر والشعراء في ترجمة النجاشي: (وهو القائل في معاوية:
ونجى ابن حرب (البيت) فلما بلغ الشعر ومعاوية رفع ثندؤتيه وقال: لقد علم -
الناس أن الخيل لا تجري بمثلي فكيف قال هذا؟!).
3 - قال أبو الفرج الإصبهاني في الأغاني تحت عنوان (في عبد الرحمن ونسبه)
(ج 12، ص 76): (أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني المدائني
عن شيخ من أهل مكة قال: عرض معاوية على عبد الرحمن بن الحكم خيله فمر به فرس فقال له:
كيف تراه؟ - فقال له: هذا سابح ثم عرض عليه آخر فقال: هذا ذو علالة، ثم مر به آخر
فقال: وهذا أجش هزيم، فقال له معاوية: قد علمت ما أردت، إنما عرضت بقول
النجاشي في:
ونجى ابن حرب سابح ذو علالة * أجش هزيم والرماح دوان
سليم الشظا عبل الشوى شنج النسا * كسيد الغضا باق على النسلان
اخرج عني فلا تساكني في بلد، فلقى عبد الرحمن أخاه مروان فشكى إليه معاوية وقال له
عبد الرحمن: حتى متى نستذل ونضام؟! فقال له مروان: هذا عملك بنفسك فأنشأ يقول:
أتقطر آفاق السماء لنا دما * إذا قلت: هذا الطرف أجرد سابح
فحتى متى لا نرفع الطرف ذلة * وحتى متى تعيا عليك المنادح
فدخل مروان على معاوية فقال له مروان: حتى متى هذا الاستخفاف بأبي العاص؟! أما
والله إنك لتعلم قول النبي (ص) فينا، ولقلما بقي من الأجل، فضحك معاوية وقال: لقد
عفوت لك عنه يا أبا عبد الملك والله أعلم بالصواب).
538

ثم ضرب بيده إلى ثديه وقال: ويحك إنما مثلي لا تعدو به الخيل، فقال:
[يا أمير المؤمنين] إني لم أقل هذا لك إنما قلته لعتبة بن أبي سفيان.
ولما حد علي عليه السلام النجاشي غضب لذلك من كان مع علي [من اليمانية]
وكان أخصهم به طارق بن عبد الله بن كعب بن أسامة النهدي فدخل على أمير المؤمنين
عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين ما كنا نرى أن أهل المعصية والطاعة وأهل الفرقة والجماعة
عند ولاة العدل ومعادن الفضل سيان في الجزاء، حتى رأيت ما كان من صنيعك بأخي
الحارث، فأوغرت صدورنا، وشتت أمورنا، وحملتنا على الجادة التي كنا نرى أن
سبيل من ركبها النار. فقال علي عليه السلام: إنها لكبيرة إلا على الخاشعين (1). يا أخا
بني نهد (2) وهل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة [من حرم الله فأقمنا عليه
حدا كان كفارته] إن الله تعالى يقول: ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا
اعدلوا هو أقرب للتقوى (3).
قال: فخرج طارق من عند علي وهو مظهر بعذره قابل له. فلقيه الأشتر النخعي
- رحمه الله - فقال له: يا طارق أنت القائل لأمير المؤمنين: إنك أوغرت صدورنا

1 - ذيل آية 45 من سورة البقرة.
2 - في شرح النهج: (يا أخا نهد).
3 - من آية 8 من سورة المائدة.
539

وشتت أمورنا؟ - قال طارق: نعم، أنا قائلها. قال له الأشتر: والله ما ذاك كما قلت،
وإن صدورنا له لسامعة، وإن أمورنا له لجامعة. قال: فغضب طارق وقال: ستعلم
يا أشتر أنه غير ما قلت، فلما جنه الليل همس هو والنجاشي [إلى معاوية، فلما
قدما عليه دخل آذنه فأخبره بقدومهما وعنده] وجوه أهل الشام منهم عمرو بن
مرة الجهني (2) وعمرو بن صيفي (3) وغيرهما. قال: فدخلا عليه، فلما نظر معاوية إليه (4)
قال: مرحبا بالمورق غصنه، المعرق أصله (5)، المسود غير المسود، في أرومة لا ترام ومحل
يقصر عنه الرامي، من رجل كانت منه هفوة ونبوة باتباعه صاحب الفتنة ورأس الضلالة
والشبهة التي اغترز في ركاب الفتنة حتى استوى على رحلها (6) ثم أوجف في عشوة
ظلمتها وتيه ضلالتها، واتبعه رجرجة (7) من الناس وهنون (8) من الحثالة، أما والله ما لهم
أفئدة (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (9).
فقام طارق فقال: يا معاوية إني متكلم فلا يسخطك أول دون آخر ثم قال

1 - ما بين المعقوفتين غير موجود في الأصل وأضفناه من شرح النهج.
2 - في تقريب التهذيب: (عمرو بن مرة الجهني أبو طلحة أو أبو مريم صحابي
مات بالشام في خلافة معاوية / ت).
3 - لم أجد ذكره في كتب التراجم، وأما صيفي فهو من أعلام العرب ففي تاج -
العروس: (وصيفي اسم رجل وهو صيفي بن أكثم بن صيفي وأبوه من حكماء العرب)
وفي تنقيح المقال: (صيفي بالصاد المهملة المفتوحة والياء المثناة من تحت الساكنة
والفاء والياء) وصرح بمثله الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال.
4 - في شرح النهج: (إلى طارق).
5 - في الأصل: (صحبه).
6 - كذا بالحاء المهملة في جميع موارد ذكرها صريحا.
7 - في النهاية: (في حديث الحسن وذكر يزيد بن المهلب فقال: نصب قصبا
علق عليها خرقا فاتبعه رجرجة من الناس، أراد رذالة الناس ورعاء هم الذين لا عقول لهم).
8 - في شرح النهج: (واشابة) ومعنى الاشابة أخلاط الناس.
9 - آية 24 سورة محمد (ص).
540

وهو متكئ على سيفه: إن المحمود على كل حال رب علا فوق عباده فهم منه بمنظر
ومسمع، بعث فيهم رسولا منهم لم يكن يتلو من قبله كتابا ولا يخطه بيمينه إذا
لارتاب المبطلون (1) فعليه السلام من رسول كان بالمؤمنين [برا] رحيما.
أما بعد فإنا (2) كنا نوضع [فيما أوضعنا فيه بين يدي إمام تقي عادل (3)] في
رجال (4) من أصحاب رسول الله صلى، الله عليه وآله أتقياء مرشدين، ما زالوا منارا للهدى ومعلما (5)
للدين خلفا عن سلف مهتدين (6) أهل دين لا دنيا، وأهل الآخرة كل الخير فيهم،
واتبعهم من الناس ملوك وأقيال (7) وأهل بيوتات وشرف، ليسوا بناكثين ولا قاسطين،
فلم تك رغبة من رغب عنهم وعن صحبتهم (1) إلا لمرارة الحق حيث جرعوها، ولو عورته
حيث سلكوها، وغلبت عليهم دنيا مؤثرة وهوي متبع وكان أمر الله قدرا مقدورا (9)

1 - مأخوذ من آية 48 سورة العنكبوت وهي: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب
ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون).
2 - كذا في البحار لكن في الأصل: (فإذا) وفي شرح النهج: (فإنما).
3 - ما بين المعقوفتين في شرح النهج فقط.
4 - في شرح النهج: (مع رجال).
5 - في شرح النهج: (معالم) وهو الأنسب.
6 - في الأصل والبحار: (سلفا لخلف مهتدين، وخلفا لسلف مهتدين).
7 - في الأصل: (وسوق أقيال)، ففي النهاية: (فيه: أنه كتب إلى الأقيال
العباهلة، جمع قيل وهو أحد ملوك حمير دون الملك الأعظم ويروى بالواو وقد تقدم
ومنه الحديث: إلى قيل ذي رعين أي ملكها وهي قبيلة من اليمن تنسب إلى ذي رعين
وهو من أذواء اليمن وملوكها) وقال في ق و ل ما نصه: (فيه: إنه كتب لوائل بن
حجر: إلى الأقوال العباهلة وفي رواية: الأقيال، الأقوال جمع قيل وهو الملك النافذ
القول والأمر، وأصله قيول فيعل من القول فحذفت عينه ومثله أموات في جمع ميت مخفف
ميت، وأما أقيال فمحمول على لفظ قيل كما قالوا: أرياح في جمع ريح والسائغ المقيس:
الأرواح) أقول: قد ورد ذكره بهذا المعنى في معاني الأخبار (ج 2، باب 132).
8 - في شرح النهج: (عنهم عن صحبتهم).
9 - ذيل آية 38 سورة الأحزاب.
541

[وقد فارق الإسلام قبلنا جبلة بن الأيهم فرارا من الضيم وأنفا من الذلة (1)] فلا تفخرن
يا معاوية أن قد شددنا إليك الرحال وأوضعنا نحوك الركاب، فتعلم وتنكر (2)
[أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولجميع المسلمين] (3).
ثم التفت إلى النجاشي وقال: ليس بعشك فادرجي (4) فشق على معاوية ذلك
[وغضب ولكنه أمسك] فقال: يا عبد الله ما أردنا أن نوردك مشرع ظماء، ولا أن نصدرك
عن مكرع رواء (5) ولكن القول قد يجري ألمعيه (6) إلى غير الذي ينطوي عليه من
الفعل، ثم أجلسه معه على سريره ودعا له بمقطعات وبرود فصبها (7) عليه ثم أقبل
عليه بوجهه يحدثه حتى قام.
فلما قام طارق خرج وخرج معه عمرو بن مرة وعمرو بن صيفي الجهنيان

1 - ما بين المعقوفتين في شرح النهج فقط.
2 - أي تعرف بعضنا وتنكر بعضنا وتتجاهل عنه كما كان الأمر في دخولهما عليه كذلك.
3 - ما بين المعقوفتين في شرح النهج فقط.
4 - قال أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال: (قولهم: ليس بعشك فادرجي، أي ليس مما ينبغي لك فزل عنه، والعش ما يكون في الشجر والجمع عششة وقد
عشش الطائر، والدرجان والدرج المشي بتقارب خطو وضعف مشي، والوكر ما كان
في حائط أو جبل، والأدجى للنعام، والأفحوص للقطاة، وهما على وجه الأرض، والعرزال
للحية، والوجار للضبع والثعلب، والمكو للضب والعرين والعريسة للأسد) (أنظر
ص 197 ج 2 من طبعة القاهرة) وقال الزمخشري في مستقصى الأمثال: (ليس
بعشك فادرجي، يضرب لمن يدعي أمرا ليس من شأنه أي ليس بمباءتك فاخرج منه).
أقول: المباءة بمعنى المنزل وقال الميداني في مجمع الأمثال: (ليس هذا
بعشك فادرجي، أي ليس هذا من الأمر الذي لك فيه حق فدعه، يقال: درج أي مشى
ومضى، يضرب لمن يرفع نفسه فوق قدره).
5 - في شرح النهج: (إنا لم نرد بما قلناه أن نوردك مشرع ظمأ، ولا أن نصدرك
عن مكرع ري).
6 - في شرح النهج: (بصاحبه).
7 - في شرح النهج: (يضعها).
542

فأقبلا عليه يلومانه في خطبته إياه وفيما عرض لمعاوية (1).
فقال طارق لهما: والله ما قمت [بما سمعتماه] حتى خيل لي أن بطن الأرض
أحب إلي (2) من ظهرها عند إظهاره (3) ما أظهر من البغي والعيب والنقص لأصحاب
محمد صلى الله عليه وآله ولمن هو خير منه في العاجلة والآجلة [وما زهت به نفسه وملكه عجبه وعاب
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستنقصهم (4)] ولقد قمت مقاما عنده أوجب الله علي فيه أن
لا أقول إلا حقا، وأي خير فيمن لا ينظر ما يصير إليه غدا؟! وأنشأ يتمثل بشعر
لبيد بن عطارد التميمي (5).
لا تكونوا على الخطيب مع الدهر - فإني فيما مضى لخطيب
أصدع الناس في المحافل بالخطبة يعيعى بها الخطيب الأريب
وإذا قالت الملوك من الحاسم * للداء؟ قيل: ذاك الطبيب
غير أني إذ قمت كار بني * الكربة (6) لا يستطيعها المكروب
وكذاك الفجور (7) يصرعه * البغي وفي الناس مخطئ ومصيب
وخطيب النبي أقول بالحق * وما في مقاله عرقوب (8)

1 - في شرح النهج: (وما واجه به معاوية).
2 - في شرح النهج: خير لي).
3 - في شرح النهج: (عند سماعي).
4 - ما بين المعقوفتين في شرح النهج فقط.
5 - يستفاد من قول الشاعر: (وخطيب النبي) في البيت السادس أنه من شعراء النبي
الأكرم صلى الله عليه وآله لكني لم أظفر بما يصحح هذا الأمر نعم هو ممن وفد على -
النبي (ص)، ومن ثم عده العلماء من الصحابة كما تقدمت الإشارة إليه (أنظر ص 119).
6 - في الأصل: (كابرني الكرب).
7 - الفجور بفتح الفاء على زنة صبور المنبعث في المعاصي، والزاني والزانية).
8 - في لسان العرب: (ومن أمثالهم في خلف الوعد: مواعيد عرقوب، وعرقوب
اسم رجل من العمالقة قيل: هو عرقوب بن معبد، كان أكذب أهل زمانه ضربت به العرب
المثل في الخلف فقالوا: مواعيد عرقوب، وذلك أنه أتاه أخ له يسأله شيئا فقال له عرقوب:
إذا أطلعت هذه النخلة فلك طلعها، فلما أطلعت أتاه للعدة فقال له: دعها حتى تصير بلحا،
فلما أبلحت قال: دعها حتى تصير زهوا، فلما أبسرت قال: دعها تصير رطبا، فلما
أرطبت قال: دعها حتى تصير تمرا، فلما أتمرت عمد إليها عرقوب من الليل فجذها ولم يعط
أخاه منه شيئا، فصارت مثلا في إخلاف الوعد وفيه يقول الأشجعي:
وعدت وكان الخلف منك سجية * مواعيد عرقوب أخاه بيترب
بالتاء وهي باليمامة، ويروى بيثرب وهي المدينة نفسها، والأول أصح، وبه فسر قول -
كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا * وما مواعيدها إلا الأباطيل).
543

إن من جرب الأمور من الناس * وقد ينفع الفتى التجريب
لحقيق (1) بأن يكون هواه * وتقاه فيما إليه يؤوب
فبلغ عليا عليه السلام مقالة طارق وما قال لمعاوية فقال: لو قتل أخو بني نهد يومئذ
لقتل شهيدا.
وزعم بعض الناس أن طارق بن عبد الله رجع إلى علي عليه السلام ومعه النجاشي.
وعمل معاوية في إطراء طارق وتعظيم أمره حتى تسلل (2) ما كان في نفسه.
وطارق فيما بلغنا هو القائل (3):
هل الدهر إلا ليلة وصباحها * وإلا طلوع الشمس ثم رواحها
يقرب ما ينأى ويبعد ما دنا * إلى أجل يفضي إليه انسراحها
ويسعى الفتى فيها وليس بمدرك * هواه سوى ما ضر نفسا طماحها

1 - قوله: (لحقيق) خبر لقوله: (أن) في البيت السابق.
2 - أي ذهب وزال متدرجا أي شيئا فشيئا بحيث لم يتفطن له أحد من قولهم: (تسلل
من الزحام أي انطلق في استخفاء).
3 - هذه الأبيات لم أظفر بوجودها في غير هذا الكتاب وكانت فيه مشوشة مضطربة
من جهة اللفظ والوزن والمعنى، فصححت ما استطعت منها بفكري الفاتر ونظري القاصر وبقي
بعضها كما كان، فصورته كما وجدته، فمن ظفر بها في مورد صحيحة فليصححها من هناك.
544

ومن يسع منا في هوى النفس يلقها * سريعا إلى الغي المقيم جماحها
وعاذلة قامت تلوم مدلة * علي فلم يرجع قتيلا (1) صياحها
وتزعم أن اللوم منها نصيحة * وحرم في الدنيا علي انتصاحها
إذا كان أمر العاذلات ملامة * فأولى أمور العاذلات اطراحها
وقد حنكتني السن واشتد حنكتي * وجانبني لهو الغواني وراحها
وقد كنت ذا نفس تراح إلى الصبي * فأضحت إلى غير التصابي ارتياحها
وإني لمن قوم بني المجد فيهم * بيوتا فأمست ما تنال براحها
مطاعيم في القحط الجديب زمانهم * إذا أقوت الأنواء هاجت رياحها
وأخلف ايماض البروق وعطلت * بها الشول واستولت وقل فصاحها
وقر قرار الأرض أما ملوكهم * وساداتهم ما بل عشبا نصاحها
وبلغنا أن معاوية قال لهيثم بن الأسود أبي العريان (2) وكان عثمانيا، وكانت
امرأته علوية تحب عليا عليه السلام وتكتب بأخبار معاوية في أعنة الخيل فتدفعها إلى
عسكر علي بصفين فيدفعونها إليه فقال معاوية [بعد التحكيم (3)]: يا هيثم أهل العراق

1 - هكذا كان الأصل صريحا ويحتمل أن الأصل قد كان (فلم ينجع فتيلا) وذلك
أنه يقال: (ما أغني عنك فتيلا أي شيئا بقدر الفتيل).
2 - في تقريب التهذيب: (الهيثم بن الأسود المذحجي بفتح الميم والمهملة
بينهما معجمة ثم جيم أبو العريان بضم المهملة وسكون الراء بعدها تحتانية الكوفي شاعر
صدوق رمي بالنصب من الثالثة مات بعد الثمانين أخرج حديثه البخاري) وفي تهذيب -
التهذيب: (أدرك عليا وروى عن معاوية وعبد الله بن عمرو، وعنه ابنه العريان وعمرو بن
حريث وطارق بن شهاب والأعمش (إلى أن قال) وقال المرزباني في معجمه: (هو أحد -
الشعراء وكان عثمانيا منحرفا وهو أحد من شهد على حجر بن عدي) وفي الإصابة:
(الهيثم بن الأسود بن قيس بن معاوية بن سفيان النخعي يكنى أبا العريان (إلى أن قال) قال
ابن الكلبي: كان من رجال مذحج وقتل أبوه يوم القادسية (إلى آخر ما قال).
3 - زيدت الكلمة من شرح النهج.
545

كانوا أنصح لعلي أم أهل [الشام] لي؟ - فقال: أهل العراق قبل أن يضربوا بالبلاء
كانوا أنصح لصاحبهم من أهل الشام. قال: ولم ذلك؟ قال: لأن القوم ناصحوا عليا
عليه السلام على الدين، وناصحك أهل الشام على الدنيا، وأهل الدين أصبر وهم أهل
بصيرة وبصر (1) وأهل الدنيا أهل بأس وطمع، ثم والله ما لبث أهل العراق أن نبذوا الدين
وراء ظهورهم ونظروا إلى الدنيا في يدك فما أصابها منهم إلا الذي لحق بك.
قال معاوية: فما منع الأشعث بن قيس أن يقدم علينا ويطلب ما قبلنا؟ قال:
أكرم نفسه أن يكون رأسا في العار وذنبا في الطمع (2). قال: هل كانت امرأتك تكتب
بالأخبار إلى علي في أعنة الخيل فتباع؟ - قال: نعم، فغضب الهيثم وقد كان معاوية
يمنيه كثيرا ويعده بالصلة فقال (3):
وتالله ولولا الله لا شئ غيره * وإني على أمر من الحق مهتدي
لغير قلبي ما سمعت وإنه * ليملأ صدري بعض هذا التهدد
ولكنني راجعت نفسا شحيحة * على دينها ليست بذات تردد
فأوردتها من منهل الحق منهلا * وكان ورود الحق أفضل مورد
وعدت عدات يا بن حرب كأنها * لما كنت أرجو من وفائك في يدي
فلم تك في دار الإقامة واصلا * ولا أنت عند الظن أنجزت موعدي
فلو كان لي بالغيب علم لردني * مقالك دعني إن حظك في غد

1 - في الأصل: (نصر) ولم تذكر الكلمة في غيره.
2 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 368، س 2): (وقال
معاوية للهيثم بن أبي الأسود أبي العريان وكان عثمانيا (فساق الحديث إلى قوله: ذنبا في
الطمع) وقال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب نوادر الاحتجاج على معاوية
(ص 585، س 1): (كتاب الغارات لإبراهيم الثقفي قال: بلغنا أن معاوية (الحديث
لكن إلى قوله: قال: نعم).
3 - هذه الأبيات لم أجدها في غير هذا الكتاب، ولما كانت النسخة مغلوطة ملحونة
فصححناها بما أدى إليه فكرنا وأفضى إليه نظرنا، فإن وجدت في موضع فلتصحح من هناك.
546

عن محارب بن ساعدة الأيادي (1) قال: كنت عند معاوية بن أبي سفيان وعنده أهل
الشام ليس فيهم غيرهم إذ قال: يا أهل الشام قد عرفتم حبي لكم وسيرتي فيكم وقد بلغكم
صنيع علي بالعراق وتسويته بين الشريف وبين من لا يعرف قدره، فقال رجل منهم: لا يهد
الله ركنك، ولا يهيض جناحك (2)، ولا يعد مك ولدك، ولا يرينا فقدك (3). قال: فما تقولون

1 - في القاموس: (وإياد (ككتاب) حي من معد) وفي شرحه من تاج -
العروس: (وهم اليوم باليمن) قال ابن دريد: هما إيادان، إياد بن نزار، وإياد بن
سود بن الحجر بن عمار بن عمرو قال أبو داود الإيادي:
في فتو حسن أو جههم * من إياد بن نزار بن مضر)
وقال ابن الأثير في اللباب: (الأيادي بكسر الألف وفتح الياء المنقوطة باثنتين
من تحت وفي آخرها الدال المهملة، هذه النسبة إلى إياد بن نزار بن معد بن عدنان) أما
محارب بن ساعدة فلم أجده مذكورا في كتب الرجال ولم أعرف منه إلا أنه مشترك في
اسم الأب والنسبة مع قس بن ساعدة الأيادي الحكيم المشهور الذي قال الفيروزآبادي
في القاموس في حقه: (وقس بن ساعدة الأيادي بالضم بليغ حكيم ومنه الحديث: يرحم الله
قسا إني لأرجو يوم القيامة أن يبعث أمة وحده) وفي تاج العروس في شرح العبارة:
(وإياد هو ابن نزار بن معد ونص الحديث لما قدم وفد إياد على رسول الله (ص) قال:
أيكم يعرف قسأ؟ - قالوا: كلنا نعرفه، قال: فما فعل؟ - قالوا: مات، قال: يرحم الله
قسا (الحديث)).
أما الحديث فنقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب نوادر الاحتجاج
على معاوية (ص 585، س 7) قائلا بعده: (بيان - قال الجوهري: نتقت -
الغرب من البئر أي جذبته، ونتقت المرأة أي كثر ولدها، وفي القاموس: الناتق الفائق
والرافع والباسط، ومن الزناد الواري، ومن النوق التي تسرع الحمل، ومن الخيل
الذي ينفض راكبه (انتهى) والأكثر مناسب كما يظهر بعد التأمل، والخرير صوت الماء،
وتداعى القوم اجتمعوا، ورزت السماء صوتت من المطر، وكأن المهطول بمعنى
الهاطل أي المطر المتتابع أو الضعيف الدائم، والأريب العاقل، وأرب الدهر اشتد).
2 - هذه الفقرة غير موجودة في البحار ففي النهاية: (نقلا عن غريب الحديث
للهروي): (في حديث عائشة: لما توفي رسول الله (ص) قالت: والله لو نزل بالجبال
الراسيات ما نزل بي لهاضها أي كسرها، والهيض الكسر بعد الجبر وهو أشد ما يكون
من الكسر وقد هاضه الأمر يهيضه، ومنه حديث أبي بكر: والنسابة يهيضه حينا وحينا
يصدعه، أي يكسره مرة ويشقه أخرى ومنه حديثه الآخر قيل له: خفض عليك فإن
هذا يهيضك، ومنه حديث عمر بن عبد العزيز: اللهم قد هاضني فهضه).
3 - هذه الفقرات الدعائية كلها في الأصل والبحار بصيغة المضارع صريحا.
547

في أبي تراب؟ - قال: فقال كل رجل منهم ما أراد، ومعاوية ساكت وعنده عمرو بن
العاص ومروان بن الحكم فتذاكرا عليا عليه السلام بغير الحق.
فوثب رجل من آخر المجلس من أهل الكوفة [وكان قد] دخل مع القوم
فقال: يا معاوية تسأل أقواما في طغيانهم يعمهون (1) اختاروا الدنيا على الآخرة والله
لو سألتهم عن السنة ما أقاموها (2) فكيف يعرفون عليا وفضله؟! أقبل علي أخبرك ثم
لا تقدر أن تنكر أنت ولا من عن يمينك يعني عمرا (3):
هو والله الرفيع جاره، الطويل عماده، دمر الله به الفساد، وأبار (4) به الشرك،
ووضع به الشيطان وأولياءه، وضعضع به الجور، وأظهر به العدل، وأنطق (5) زعيم
الدين، وأطاب المورد، وأضحى (6) الداجي، وانتصر به المظلوم، وهدم به بنيان النفاق
وانتقم به من الظالمين، وأعز به المسلمين، العلم المرفوع، والكهف للعواذ،
ربيع الروح، وكنف (7) المستطيل، ولي الهارب (8)، كريح رحمة أثارت سحابا متفرقا
بعضها إلى بعض حتى التحم واستحكم فاستغلظ فاستوى ثم تجاوبت نواتقه، وتلألأت

1 - مقتبس من أواخر آيات منها آية 15 سورة البقرة.
2 - أي ما أظهروها وبينوها كما هو ينبغي لأنهم لا يعرفونها، وقوله (فكيف يعرفون
عليا) يوضحه أي أنهم لا يعرفون السنة الواضحة البينة فكيف يعرفون عليا ومقامه الأعلى الشامخ؟!
3 - لا يخفى عليك أن هذه القصة قد ذكرت في الأصل والبحار فقط، وبينهما أيضا
اختلاف في تقديم بعض الفقرات على بعض وغير ذلك، فراعينا الأصل واكتفينا بنقل بيان
المجلسي (ره) بعد ذكره القصة كما مر (أنظر ص 547).
4 - في الأصل والبحار: (بار) يقال: أباره الله أي أهلكه وأباده بالدال أيضا بمعناه.
5 - في الأصل والبحار: (نطق).
6 - كذا صريحا في الأصل والبحار ولم يستعمل متعديا.
7 - في الأصل: (كنيف) ولا يوجد في غيره.
8 - من قوله: (ربيع الروح) إلى هنا في الأصل فقط.
548

بوارقه، واسترعد خرير مائه فأسقى وأروى عطشانه، وتداعت جنانه، واستقلت به أركانه
واستكثرت (1) وابله، ودام رذاذه (2) وتتابع مهطوله، فرويت البلاد واخضرت وأزهرت،
ذلك علي بن أبي طالب، سيد العرب، إمام الأمة وأفضلها وأعلمها وأجملها (3) وأحكمها،
أوضح للناس سيرة الهدى بعد السعي في الردى، فهو والله إذا اشتبهت الأمور، وهاب
الجسور، واحمرت الحدق، وانبعث القلق، وأبرقت البواتر استربط عند ذلك جأشه، وعرف
بأسه ولاذ به الجبان الهلوع: فنفس كربته وحمى حمايته، عند الخيول النكراء
والداهية الدهياء (4) مستغن برأيه عن مشورة ذوي الألباب برأي صليب وحلم أريب
مجيب للصواب مصيب، فأمسكت (5) القول جميعا. وأمر معاوية بإخراجه، فأخرج،
وهو يقول: قد (6) جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا (7).
قال: وكان معاوية تعجبه الفصاحة ويصغي للمتكلم حتى يفرغ من كلامه.
ومنهم
عقيل بن أبي طالب
ذكر الشيخ عن أبي عمرو بن العلاء (8) أن عقيل بن أبي طالب لما قدم على

1 - كذا صريحا بتاء التأنيث في الأصل والبحار، فالتأنيث نظرا إلى المعنى وهو الأمطار.
2 - في البحار: (رزازه) (بالزاي المعجمة أخت الراء) والصحيح أنها بالذال
المعجمة قال المتنبي: (مطر المنايا وابلا ورذاذا) وهي بالفتح بمعنى المطر الضعيف.
3 - كذا في الأصل والبحار ويحتمل قويا كون الكلمة (أكملها) فإنه أنسب للمقام.
4 - هذه العبارة أي من قوله: (عند الخيول) إلى هنا في الأصل فقط وهي مشوشة.
5 - كذا في البحار لكن في الأصل: (فأسكت) (من الاسكات).
6 - كذا في الأصل والبحار وأظن أن (قد) محرفة عن كلمتي (وقل) وهما
صدر الآية.
7 - آية 81 من سورة الإسراء. فليعلم أن عبارة الرجل الكوفي المروية في الأصل
والبحار لما كانت مشوشة وكانت غير موجودة في غير هما لم نتمكن من تصحيح جميع الفقرات، فتفطن.
8 - في تقريب التهذيب: (أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان المازني
النحوي القاري اسمه زبان أو العريان أو يحيى أو جزء بفتح الجيم ثم زاي ثم همزة والأول
أشهر والثاني أصح عند الصولي، ثقة من علماء العربية من الخامسة مات سنة أربع وخمسين
ومائة وهو ابن ست وثمانين سنة / خت قدفق) وفي الخلاصة للخزرجي: (أبو عمرو - بن العلاء بن عمار المازني النحوي البصري أمير القراء السبعة وأحد الأئمة عن أنس وأبي -
رجاء وابن سيرين وجماعة، وعنه حماد بن زيد وشعبة وطائفة. وثقه ابن معين وغيره. وقال
أبو عمرو الشيباني: ما رأينا مثله. وقال ابن مجاهد: كان مقدما في عصره عالما بالقراءة
قدوة في العلم متمسكا بالأثر حسن الاختيار، قال الأصمعي: مات سنة أربع وخمسين ومائة)
وقال المحدث القمي (ره) في الكنى والألقاب: (أبو عمرو بن العلاء المازني
البصري قيل: إن كنيته اسمه وقيل: اسمه زبان بن العلاء أحد القراء السبعة، كان أعلم -
الناس بالقرآن الكريم والعربية والشعر وهو في النحو في الطبقة الرابعة بل الثالثة لأن
أمير المؤمنين (ع) كان مبتكر النحو، وعلمه أبا الأسود الدئلي وأخذ من أبي الأسود ولداه
عطاء وأبو الحارث وصيمون الأقرن ويحيى بن يعمر وأخذ منهم عبد الله بن إسحاق الحضرمي
وعيسى بن عمر الثقفي وأبو عمرو بن العلاء المازني، وكان أبو عمرو المذكور من أشراف
العرب ووجوهها مدحه الفرزدق وغيره، وكان أعلم الناس بالقراءات والعربية وأيام العرب،
وكانت دفاتره إلى السقف ثم تنسك فأحرقها، وكان له شغف بالرواية وجمع علوم العرب
وأشعارهم، وعامة أخباره عن أعراب أدركوا الجاهلية، وعنه أخذ أبو زيد الأنصاري وأبو عبيدة
والأصمعي وأكثر نحاة ذلك العصر (إلى أن قال) مات سنة 154 = قند، ودفن بالكوفة)
وذكر في سفينة البحار مثله.
أقول: الخوض في ترجمته يفضي إلى طول بل يقتضي تأليف رسالة مبسوطة بل كتاب
كبير فمن أرادها فليراجع المفصلات.
549

علي عليه السلام بالكوفة يسترفده عرض عليه عطاءه، فقال: إنما أريد أن تعطيني من بيت -
المال (1) فقال: تقيم إلى يوم الجمعة فأقام، فلما صلى أمير المؤمنين عليه السلام الجمعة قال
لعقيل: ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين؟ - قال: بئس الرجل ذاك، قال: فأنت تأمرني
أن أخون هؤلاء وأعطيك. فلما خرج من عنده أتى (2) معاوية فأمر له [يوم قدومه] بمائة ألف درهم وقال له: يا أبا يزيد أنا خير لك أم علي؟ - قال عقيل: وجدت عليا

1 - كذا في البحار وشرح النهج لكن في الأصل: (من بيت مال المسلمين).
2 - في شرح النهج والبحار: (شخص) وهو بمعنى (أتى).
550

أنظر لنفسه منه لي، ووجدتك أنظر لي منك لنفسك (1).
قال: وذكر أبو عمرو: أن معاوية قال لعقيل: إن فيكم يا بني هاشم لخصلة
لا تعجبني، قال: وما تلك الخصلة؟ - قال: اللين. قال: وما ذلك اللين؟ قال: هوما أقول
لك. قال: أجل، يا معاوية إن فينا للينا في غير ضعف، وعزا في غير عنف (2) فإن
لينكم يا ابن صخر غدر وسلمكم كفر، فقال معاوية: ما أردنا كل هذا بايزيد (3).
فقال عقيل:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * وما علم الإنسان إلا ليعلما (4)

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، س 368، س 8): (ومن
المفارقين لعلي عليه السلام أخوه عقيل بن أبي طالب قدم على أمير المؤمنين بالكوفة (الحديث))
وحذا حذوه العلامة المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي
وأمير المؤمنين في إسقاط سند الحديث ونقله مثله (ص 729، س 9).
أقول: قد تقدم نظير الحديث في باب سيرته (ع) في المال (أنظر ص 64 - 65).
2 - في الأصل: (من غيروهن).
3 - في شرح النهج الحديدي (ج 1، ص 368، س 12) وكذا في ثامن -
البحار في باب ذكر أصحاب النبي (ص) وأمير المؤمنين (ص 729، س 12): (وقال
معاوية لعقيل إن فيكم يا بني هاشم للينا قال: أجل، إن فينا لينا من غير ضعف وعزا من غير
عنف، وإن لينكم يا معاوية غدر وسلمكم كفر فقال معاوية: ولا كل هذا يا أبا يزيد).
4 - قال الجوهري: (وقولهم: إن العصا قرعت لذي الحلم، أي إن الحليم
إذا نبه انتبه، وأصله أن حكما من حكام العرب عاش حتى اهتر فقال لابنته: إذا أنكرت
من فهمي شيئا عند الحكم فاقرعي لي المجن بالعصا لأرتدع قال المتلمس: لذي الحلم
قبل اليوم (البيت)). وقال الفيروزآبادي: (وإن العصا قرعت لذي الحلم أي
إن الحليم إذا نبه انتبه، وأول من قرعت له العصا عامر بن الظرب، أو قيس بن خالد، أو
عمرو بن حممة، أو عمرو بن مالك، لما طعن عامر في السن أو بلغ ثلاث مائة سنة أنكر
من عقله شيئا فقال لبنيه: إذا رأيتموني خرجت من كلامي وأخذت في غيره فاقرعوا لي
المجن بالعصا) وفي لسان العرب: (الأصمعي يقال: العصا قرعت لذي الحلم أي
إذا نبه انتبه ومعنى قول الحارث بن وعلة الذهلي:
وزعمتم أن لا حلوم لنا * إن العصا قرعت لذي الحلم
قال ثعلب: المعنى أنكم زعمتم أنا قد أخطأنا فقد أخطأ العلماء قبلنا، وقيل:
معنى ذلك أي إن الحليم إذا نبه انتبه وأصله أن حكما (فذكر نحو ما ذكره الجوهري إلى
قوله (لارتدع) وقال): وهذا الحكم هو عمرو بن حممة الدوسي قضى بين العرب ثلاث
مائة سنة فلما كبر ألزموه السابع من ولده يقرع العصا إذا غلط في حكومته قال المتلمس:
لذي الحلم (البيت).
أقول: من أراد التفصيل في هذا المثل فليراجع تاج العروس للزبيدي
أو مجمع الأمثال للميداني فإن فيهما ما يكتفي به المكتفي.
551

إن السفاهة طيش من خلائقكم * لا قدس الله أخلاق الملاعين (1)
فأراد معاوية أن يقطع كلامه فقال: ما معنى هذه الكلمة (طه)؟ فقال عقيل:
نحن أهله وعلينا نزل، لا على أبيك ولا على أهل بيتك، طه بالعبرانية يا رجل.
وذكر عن أبي عمرو أن الوليد (2) قال لعقيل: يا أبا يزيد غلبك أخوك على
الثروة قال: نعم وسبقني وإياك إلى الجنة، قال: أما والله إن شدقيه لمضمومان من
دم عثمان قال: وما أنت وقريش؟ والله ما أنت فينا إلا كنطيح التيس، فغضب الوليد
من قوله وقال: والله لو أن أهل الأرض اشتركوا في قتله لأرهقوا صعودا (3) وإن أخاك
لأشد هذه الأمة عذابا. فقال عقيل: صه (4) والله إنا لنرغب بعبد من عبيده عن صحبة

1 - في البحار: (الملاعينا) وأما ابن أبي الحديد فلم يذكر البيتين وما بعدهما.
2 - في شرح النهج لابن أبي الحديد (ج 1، ص 368، س 13): (وقال
الوليد بن عقبة لعقيل (الحديث) ونقله المجلسي (ره) باختصار يخل بالمقصود
في ثامن البحار في باب أصحاب النبي وعلي (ص 729، س 15).
3 - كذا في شرح النهج وهو مأخوذ من قوله تعالى: (سأرهقه صعودا، آية 17
سورة المدثر) لكن في الأصل: (لوردوا صعودا).
4 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (مه).
552

أبيك عقبة بن أبي معيط.
وذكر أبو عمرو بن العلاء قال: قال معاوية يوما وعنده عمرو بن العاص (1) وقد أقبل
عقيل: لأضحكنك من عقيل. فلما سلم قال له معاوية: مرحبا برجل عمه أبو لهب.
فقال له عقيل: أهلا برجل عمته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد (2) وهي عمة
معاوية وهي أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب. قال معاوية: يا أبا يزيد ما ظنك
بأبي لهب؟ قال: يا معاوية إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمتك
حمالة الحطب، أفناكح في النار خير أم منكوح؟ - قال: كلاهما سواء شر والله (3)
ومنهم
حنظلة الكاتب
عن مغيرة الضبي قال: خرج عدي بن حاتم وجرير بن عبد الله البجلي
وحنظلة الكاتب من الكوفة إلى قرقيسياء قالوا: لا نقيم (4) ببلدة يعاب فيها عثمان.

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 368، س 17): (وقال
معاوية يوما (الحديث)) ونقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب
النبي وعلي نحوه (أنظر ص 729، س 15).
2 - إشارة إلى قول الله تعالى في سورة اللهب: (وامرأته حمالة الحطب إلى آخرها).
3 - في شرح النهج: (كلاهما شر والله) وفي البحار: (كلاهما شر سواء والله).
4 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 368، س 20):
(وممن فارقه (ع) حنظلة الكاتب خرج هو وجرير بن عبد الله البجلي من الكوفة إلى قرقيسياء
وقالا: لا نقيم (الحديث)) واكتفى المجلسي (ره) في ثامن البحار من القصة
بقوله (ره): (وممن فارقه حنظلة الكاتب ووائل بن حجر الحضرمي) (ج 8، س 729، س 18).
أقول: الظاهر أن ما في شرح النهج هو الصحيح وأن اسم عدي بن حاتم في المتن
من سهو القلم أو إضافات بعض النساخ لأن إخلاصه لعلي (ع) وحبه له وصحبته معه في أيام
حياته ومشاركته له (ع) في حروبه وصحبته بعده لابنه الحسن (ع) ينافي خروجه من الكوفة
ومفارقته له (ع) ويؤيده عبارة ابن الأثير في ذيل ترجمته في أسد الغابة: (إنه توفي
سنة سبع وستين وقيل سنة تسع وستين وله مائة وعشرون سنة، قيل، مات بالكوفة أيام
المختار وقيل: مات بقرقيسياء، والأول أصح أخرجه الثلاثة).
553

ولحق بمعاوية من أصحاب علي عليه السلام ابن العشبة (1) ووائل بن حجر الحضرمي،
وخبره في قصة بسر بن أبي أرطاة لعنه الله (2).
عن بكر بن عيسى قال (3): لما بلغ معاوية تفرق أصحاب علي عليه السلام وتخاذلهم و
تركهم إياه، وأنه بلغ من أمرهم يندبهم إلى السواد فيأبون أرسل بسر بن أبي -
أرطاة إلى المدينة في جيش من أهل الشام، فسار حتى قدمهم فدعى الناس إلى البيعة
فأجابوه وحرق بها دورا من دور الأنصار وغيرهم من شيعة علي ثم سار إلى مكة
ثم توجه إلى اليمن لا يمر بقوم يرى أن لهم لعلي رأيا إلا قتلهم واستباح أموالهم،
وبلغ ذلك عليا عليه السلام فقام وخطب وحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر
مسير بسر بن أبي أرطاة لعنه الله إلى اليمن، وذكر تخاذل أصحابه وتركهم الحق والبلية
التي دخلت عليهم وقال:
لو تطيعوني في الحق كما يطيع عدوكم صاحبهم في الباطل ما ظهروا عليكم.
وقد كان الناس كرهوا عليا ودخلهم الشك والفتنة وركنوا إلى الدنيا وقل
مناصحوه، فكان أهل البصرة على خلافه والبغض له، وجل أهل الكوفة وقراؤهم، وأهل
الشام وقريش كلها.
عن أبي فاختة (4) مولى أم هانئ (5) قال: كنت عند علي عليه السلام قاعدا (6) فأتاه)

1 - تقدم البحث عن (ابن العشبة) ولحوقه بمعاوية (أنظر ص 464).
2 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 268، س 21):
(وممن فارقه (ع) وائل بن حجر الحضرمي وخبره مذكور في قصة بسر بن أبي أرطاة).
3 - هذا الحديث إلى قوله (ع): (ما ظهروا عليكم) في الأصل فقط لكنه لا يناسب -
المقام فإن الباب منعقد لذكر من فارق عليا عليه السلام، بل إحالة خبر وائل على قصة بسر
تنافيه كما هو ظاهر، ولعل عدم ذكر ابن أبي الحديد والمجلسي إياه قد كان لهذا السبب
ولهذه العلة، ويمكن أن يكون ذكر الحديث هنا لتشويش النسخة واختلاط بعض أجزاء
الكتاب ببعض آخر منه والله العالم.
4 - في شرح النهج والبحار: (عن أبي ناجية).
5 - قال ابن حجر في تقريب التهذيب في حرف الفاء من باب الكنى ما نصه:
(أبو فاختة هو سعيد بن علاقة) وقال في ترجمته: (سعيد بن علاقة الهاشمي مولاهم
أبو فاختة الكوفي مشهور بكنيته ثقة من الثالثة في حدود السبعين وقيل: بعد ذلك
بكثير / ت ق) وقال عبد الوهاب عبد اللطيف في تعليقته على الكتاب: (علاقة
بكسر ففتح فسكون ففتح كما في المغنى).
أقول: هذا الرجل من رجال الشيعة ففي تنقيح المقال: (أبو فاختة مولى -
بني هاشم عده الشيخ (ره) كذلك في كنى باب أصحاب أمير المؤمنين (ع) من رجاله وعده
العلامة (ره) في الخلاصة في خواصه (ع) من مضر واسمه سعيد، وفي اسم والد سعيد
اضطراب في كلماتهم فسماه النجاشي بحمران وقد مرت عبارته في الحسين بن ثوير بن أبي -
فاختة المتضمنة لقوله: الحسين بن ثور بن أبي فاختة سعيد بن حمران مولى أم هانئ بنت
أبي طالب، وجعله الشيخ (ره) في رجاله: جمهان كما مر في سعيد بن جمهان، ومر في
سعيد بن علاقة تسمية النجاشي إياه في ترجمة ثوير بعلاقة فلاحظ التراجم المذكورة يتضح لك
ما نبهنا عليه).
6 - الكلمة في الأصل فقط.
554

رجل عليه ثياب السفر (1) فقال: يا أمير المؤمنين إني أتيتك من بلد ما تركت به لك
محبا (2) قال: من أين أتيت؟ قال: من البصرة، قال: أما لو أنهم يستطيعون (3) أن يحبوني
لأحبوني، إني وشيعتي في ميثاق الله لا يزاد فينا رجل ولا ينقص إلى يوم القيامة (4).

1 - في شرح النهج والبحار: (عليه زي السفر).
2 - في شرح النهج والبحار: (من بلدة ما رأيت لك بها محبا).
3 - في شرح النهج: (أما إنهم لو يستطيعون) وفي البحار: (أما إنهم لو استطاعوا).
4 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 368، س 28):
(قال [أي صاحب الغارات]: وقد روى يونس بن أرقم عن يزيد بن أرقم عن أبي -
ناجية مولى أم هانئ قال: كنت عند علي (الحديث)) وقال المجلسي (ره) في
ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي وأمير المؤمنين (ص 729، س 19): (و
روى صاحب كتاب الغارات بإسناده عن أبي ناجية قال: كنت عند علي (الحديث).
أقول: قد علمت مما نقلناه عن التقريب والتنقيح أن كنية الراوي أبو فاختة بالفاء
والخاء، لا بالنون والجيم، فما فيهما [أي شرح النهج والبحار] من تحريفات النساخ أو
من طغيان القلم والاشتباه، فتحقق.
555

وكان من عبادهم مطرف (1) بن عبد الله بن الشخير (2) وكان يبغض عليا ويخذل عنه (3).
عن ابن (4) سيرين (5) قال: دخل عمار بن ياسر على ابن مسعود أو أبي مسعود (6) وعنده

1 - في الأصل: (مطرق) (بالقاف في آخر الكلمة) وهو غلط قطعا.
2 - كأن إلى هذه العبارة ناظر قول ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1،
ص 368: س 24): (قال صاحب كتاب الغارات: وكان مطرف عابدا ناسكا)
فهو مأخوذ بالمعنى قال الزبيدي في تاج العروس فيما قال في شرح قول صاحب -
القاموس: (وطرف تطريفا قاتل حول العسكر لأنه يحمل على طرف منهم، وبه سمي الرجل
مطرفا (إلى أن قال) ومطرف بن عبد الله بن الشخير تابعي) ما نصه: (ومطرف المذكور
هو ابن عبد الله بن الشخير بن عوف بن كعب العامري الحرشي أبو عبد الله البصري تابعي ثقة
عابد فاضل يقال: ولد في حياة رسول الله (ص) يروي عن أبيه وأبي هريرة ومات عمرو هو
ابن عشرين سنة، روى عنه قتادة وأبو التياح، مات بعد طاعون الجارف سنة تسع وستين،
وقيل: سبع وثمانين، وكان أكبر من الحسن بعشرين سنة، كذا في الثقات لابن حبان
وفي أسماء رجال الصحيح: مات سنة خمس وتسعين فانظره) وقال ابن حجر في
تقريب التهذيب: (مطرف بضم أوله وفتح ثانية وتشديد الراء المكسورة ابن عبد الله بن
الشخير بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة المكسورة بعدها تحتانية ثم راء العامري
الحرشي بمهملتين مفتوحتين ثم معجمة أبو عبد الله البصري ثقة عابد فاضل من الثانية مات سنة
خمس وتسعين / ع).
أقول: يريد برمز (ع) أن حديثه مما أخرجه جميع أصحاب الأصول الست وقال
الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال: (هو أحد السادة التابعين عن أبيه
وعثمان وعلي وأبي ذر وجماعة، وعنه أخوه أبو العلاء ويزيد الرشك وابن واسع وطائفة
قال ابن سعد: ثقة له فضل وورع وعقل وأدب ومن كلامه: عقول الناس على قدر
زمانهم، فضل العلم أحب إلى من فضل العبادة، وخير دينكم الورع، قال عمرو بن علي:
مات سنة خمس وتسعين) والتفصيل يطلب من المفصلات.
3 - قال الفيومي في المصباح المنير: (خذلته وخذلت عنه من باب قتل
والاسم الخذلان، إذا تركت نصرته وإعانته وتأخرت عنه).
4 - في الأصل: (أبى) بخلاف شرح النهج، وأما البحار فلم أجد الحديث فيه.
5 - في تقريب التهذيب (في باب الكنى): (ابن سيرين، هو محمد) وقال
في ترجمته: (محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة البصري ثقة ثبت عابد
كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى من الثالثة، مات سنة عشر ومائة، أخرج حديثه أصحاب
الأصول الست جميعهم).
6 - كذا بالترديد في أصل الكتاب، أما ابن أبي الحديد فقد اكتفى بكلمتي (أبي -
مسعود).
556

ابن الشخير (1) فذكر عليا عليه السلام بما لا يجوز أن يذكر به (2) فقال له عمار: يا فاسق إنك
لههنا (3) فقال أبو مسعود: أنشدك الله وأذكرك الله يا أبا اليقطان (4) في ضيفي (5).
قال: كان أبو مسعود الجريري (6) يقول: كان ثلاثة من أهل البصرة يتواصلون

1 - المراد به مطرف بن عبد الله لا أبوه عبد الله بن الشخير وذلك أن الكنية مشتركة
بينه وبين أبيه ففي باب الكنى من تقريب التهذيب: (ابن الشخير هو مطرف بن
عبد الله وأبوه) وذلك بقرينة ما مر من ذكر مطرف وكونه ممن يبغض أمير المؤمنين عليه السلام.
2 - كذا في شرح النهج وأما في الأصل ففيه: (فذكر أمر علي عليه السلام).
3 - في الأصل: (إلا أراك ههنا).
4 - (أبو اليقظان) كنية عمار بن ياسر رضي الله عنه وهو غني عن الترجمة.
5 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 368، س 24): (وقد روى هشام بن حسام عن ابن سيرين أن عمار بن ياسر دخل على أبي مسعود وعنده
ابن الشخير (الحديث)).
6 - في تقريب التهذيب في باب الكنى: (أبو مسعود الجريري بالجيم مصغرا
هو سعيد بن أياس) وقد قال في موضعه من الأسماء: (سعيد بن أياس الجريري
بضم الجيم أبو مسعود البصري ثقة من الخامسة اختلط قبل موته بثلاث سنين مات سنة أربع
وأربعين [ومائة] أخرج حديثه أصحاب الأصول الست) وقال في تهذيب التهذيب
في ترجمته: (روى عن أبي الطفيل وأبي عثمان النهدي وعبد الرحمن بن أبي بكرة
وأبي نضرة العبدي وأبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير (إلى آخر ما قال)).
أقول: أبو العلاء يزيد المذكور هو أخو مطرف المذكور في المتن.
557

على بغض علي بن أبي طالب عليه السلام وهم (1) مطرف بن عبد الله بن الشخير، والعلاء
بن زياد (2)، وعبد الله بن شقيق (3).
قال أبو غسان البصري (4): بنى عبيد الله بن زياد - لعنه الله - مساجد بالبصرة
تقوم على بغض علي عليه السلام والوقيعة فيه، مسجد بني عدي، ومسجد بني مجاشع،
ومسجد كان في العلافين على فرضة البصرة (5)، ومسجد في الأزد (6).
قال: وكان بالكوفة (7) من فقهائها أهل عداوة له وبغض قد خذلوا عنه وخرجوا

1 - في الأصل: (منهم).
2 - في تقريب التهذيب: (العلاء بن زياد بن مطر العدوي أبو نصر البصري
أحد العباد ثقة من الرابعة مات سنة أربع وتسعين / خت مد س ق) وقال في تهذيب -
التهذيب: (أنه يروي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير).
3 - في تقريب التهذيب: (عبد الله بن شقيق العقيلي بالضم بصري ثقة فيه نصب،
من الثالثة مات سنة ثمان ومائة) وصرح في تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال
بأنه ممن روى عنه سعيد بن أياس الجريري، وأنه كان عثمانيا يبغض عليا، وقال أيضا في
تهذيب التهذيب: (وقال أحمد بن حنبل ثقة وكان يحمل على علي).
أما الحديث فنقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي
وعلي (ص 729، س 18) وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج) ج 1، ص 368،
س 22): (وروى صاحب كتاب الغارات عن إسماعيل بن حكيم عن أبي مسعود الجريري
قال: كان (الحديث).
4 - كذا في الأصل والبحار والطبعة الحديثة بمصر من شرح النهج
ولكن في الطبعة القديمة بمصر وفي طبعة إيران: (أبو غسان البصري كداد)
لكنه بهذا العنوان غير مذكور في كتب الرجال نعم قال في تقريب التهذيب: (يحيى -
بن كثير بن درهم العنبري مولاهم البصري أبو غسان ثقة من التاسعة مات سنة ست ومائتين / ع).
5 - في الأصل: (فرضة بالبصرة) وفي البحار: (على وجه البصرة).
6 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي وأمير المؤمنين
(729، س 21) وابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 368، س 31).
7 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 369، س 18):
(قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي ووجدته في كتاب الغارات لإبراهيم بن هلال الثقفي:
كان بالكوفة (العبارة)) ونقل المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب -
النبي وعلي عليهما الصلاة والسلام (ص 729، س 2) هذه العبارة بعينها عن شرح النهج.
558

من طاعته [مع غلبة التشيع على الكوفة (1)] فمنهم مرة الهمداني، ومسروق بن -
الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وشريح بن الحارث القاضي،
وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري، واسمه عامر بن عبد الله بن قيس، وعبد الله بن قيس
قد هرب إلى مكة يخذل الناس عنه، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعبد الله بن عكيم (2)،

1 - ما بين المعقوفتين زيد من شرح النهج والبحار.
2 - فليعلم أن المصنف (ره) ذكر هنا اسم عبد الله بن عكيم ولم يذكر فيما بعد
شيئا يكشف عن بغضه لأمير المؤمنين عليه السلام كما فعله في أقرانه حتى يكون دليلا على ذلك
المدعى ومعنونا بهذا العنوان، وهكذا الحال في قيس بن أبي حازم وسهم بن طريف لكن
ابن أبي الحديد قد ذكر في شرح النهج بعد ذكر أسمائهم أمورا تدل على بغضهم
لعلي (ع) وعلى أنهم من أعدائه فأحببنا أن نورد هنا ما أورده ابن أبي الحديد في شرح -
النهج في حقهم ونشير إلى شئ آخر مما ذكره غيره في حقهم وذلك تتميما للفائدة وتعميما
للعائدة فنقول:
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج بعد نقله عن الثقفي ما ذكره في -
الغارات في حق أبي عبد الرحمن السلمي القاري كما يأتي عن قريب في الكتاب
ذكره ما نصه (ج 1، ص 370، س 20):
(وكان عبد الله بن عكيم عثمانيا وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى علويا فروى موسى
الجهني عن ابنة عبد الله بن عكيم قالت: تحدثا يوما فسمعت أبي يقول لعبد الرحمن: أما
إن صاحبك لو صبر لأتاه الناس) وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: (عبد الله بن
عكيم بالتصغير الجهني أبو معبد الكوفي مخضرم من الثانية وقد سمع كتاب النبي (ص) إلى
جهينة مات في إمرة الحجاج / م 4) وقال في تهذيب التهذيب فيما قال في ترجمته:
(وقال موسى الجهني عن أبيه عبد الله بن عكيم: كان أبي يحب عثمان وكان عبد الرحمن بن
أبي ليلى يحب عليا وكانا متواخيين فما سمعتهما إلا أن أبي قال مرة لعبد الرحمن: لو أن
صاحبك صبر أتاه الناس).
559

وقيس بن أبي حازم (1) وسهم بن طريف (2)، [والزهري (3)] والشعبي بعد هؤلاء (4).

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج وهو يذكر المنحرفين عن
علي (ع): (وكان قيس بن أبي حازم يبغض عليا عليه السلام، روى وكيع عن إسماعيل بن
أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: أتيت عليا عليه السلام ليكلم لي عثمان في حاجة فأبى
فأبغضته.
(قلت: وشيوخنا المتكلمون يسقطون روايته عن النبي (ص): إنكم لترون ربكم
كما ترون القمر في ليلة البدر ويقولون: إنه كان يبغض عليا عليه السلام وكان فاسقا، ونقلوا
عنه أنه قال: سمعت عليا (ع) يخطب على المنبر ويقول: انفروا إلى بقية الأحزاب، فدخل
بغضه في قلبي).
أقول: قد مر في ص 41 ما يتعلق بالمقام فراجع. وقال ابن حجر في تقريب -
التهذيب: (قيس بن أبي حازم البجلي أبو عبد الله الكوفي ثقة من الثانية مخضرم ويقال:
له رؤية وهو الذي يقال: إنه اجتمع له أن يروي عن العشرة مات بعد التسعين أو قبلها وقد
جاوز المائة وتغير / ع) وقال في تهذيب التهذيب فيما قال في ترجمته:
(وقالوا: كان يحمل على علي والمشهور عنه أنه كان يقدم عثمان ولذلك تجنب كثير من
قدماء الكوفيين الرواية عنه).
2 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج عند ذكره المنحرفين عن أمير المؤمنين
عليه السلام ما نصه (ج 1، ص 370، س 22): (وكان سهم بن طريف عثمانيا وكان علي بن ربيعة علويا فضرب أمير الكوفة على الناس
بعثا وضرب على سهم بن طريف معهم فقال سهم لعلي بن ربيعة: اذهب إلى الأمير فكلمه في
أمري ليعفيني فأتى علي بن ربيعة الأمير فقال: أصلحك الله، إن سهما أعمى فاعفه، قال:
قد أعفيته، فلما التقيا قال: قد أخبرت الأمير أنك أعمى، وإنما عنيت عمي القلب).
3 - قد سقط من الأصل ويأتي ما يدل على كونه ساقطا من هنا.
4 - كذا في الأصل ومعناه ظاهر.
فليعلم أن المجلسي (ره) قد أورد في البحار أسماء هؤلاء مع إشارة مختصرة
إلى شرح حال بعضهم وقال بعده:
(أقول: قد بسط الكلام في كتاب الغارات في عد هؤلاء الأشقياء وبيان أحوالهم
(راجع ثامن البحار، باب ذكر أصحاب النبي وعلي، ص 729، س 33)).
560

عن فطر بن خليفة (1) قال: سمعت مرة (2) يقول: لأن يكون علي جملا يستقي
عليه أهله خير له مما كان عليه.
وكان مرة يقول (3): أما علي فسبقنا بحسناته، وابتلينا (4) نحن (5) بسيئاته.

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 369، س 19):
(وروى أبو نعيم الفضل بن دكين عن فطر بن خليفة (الحديث) وفي تقريب -
التهذيب: (فطر بن خليفة المخزومي مولاهم أبو بكر الحناط بالمهملة والنون صدوق رمي
بالتشيع من الخامسة، مات بعد سنة خمسين ومائة / خ 4).
أقول: هذا الرجل من رواة الشيعة وترجمته مذكورة في كتبهم فمن أرادها فليطلبها منها.
2 - في تقريب التهذيب: (مرة بن شراحيل الهمداني بسكون الميم أبو إسماعيل
الكوفي هو الذي يقال له: مرة الطيب ثقة عابد من الثانية مات سنة ست وسبعين وقيل:
بعد ذلك / ع) وقال المامقاني (ره) في تنقيح المقال: (مرة الهمداني عده الشيخ (ره)
في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين (ع) وحاله غير مذكور في كتبنا وقال ابن أبي الحديد
في شرح النهج: قال شيخنا أبو جعفر، فنقل عبارته المتقدمة الإشارة إليها (إلى أن قال)
فمنهم مرة الهمداني ثم نقل عنه أشياء ردية وسيأتي في (مسروق) عن ابن أبي الحديد رواية
أنه من الثلاثة الذين لا يؤمنون على علي بن أبي طالب مسروق ومرة وشريح).
3 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 369، س 21):
(وروى إسماعيل بن بهرام عن إسماعيل بن محمد عن عمرو بن مرة قال: قيل لمرة
الهمداني: كيف تخلفت عن علي؟ فقال: سبقنا بحسناته وابتلانا بسيئاته قال إبراهيم بن
بهرام وقد روينا عنه أنه قال: أشد فحشا من هذا ولكنا نتورع عن ذكره. وروى الفضل -
بن دكين عن الحسن بن صالح قال: لم يصل أبو صادق على مرة الهمداني قال الفضل بن
دكين: وسمعت أن أبا صادق قال في أيام حياة مرة: والله لا يظلني وإياه سقف بيت أبدا،
قال: ولما مات لم يحضره عمرو بن شرحبيل قال: لا أحضره لشئ كان في قلبه على علي بن
أبي طالب قال إبراهيم بن هلال: فحدثنا المسعودي عن عبد الله بن نمير بهذا الحديث
قال: ثم كان عبد الله بن نمير يقول: وكذلك أنا والله لو مات رجل في قلبه شئ على علي
عليه السلام لم أحضره ولم أصل عليه) وقال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب
ذكر أصحاب النبي وعلي ضمن ذكره معادي علي (ع) ومبغضيه نقلا عن شرح النهج عن
أبي جعفر الإسكافي وكتاب الغارات (ص 729، س 33): (فمنهم مرة الهمداني
فروى أنه قيل لمرة: كيف (الحديث)).
4 - في البحار: (وأثقلنا) وهو الأنسب للمقام.
5 - (نحن) في الأصل فقط وسياق الكلام يأبى وجوده فإنه يقتضي أن يقرأ (ابتلينا)
بصيغة المجهول حتى يكون ضمير المتكلم نائب الفاعل ويكون (نحن) تأكيدا له بناء على
ما هو الأصل من تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل، اللهم إلا أن يقرأ (سبقنا) أيضا بصيغة -
المجهول وهو خلاف الظاهر.
561

ومنهم
[الأسود بن يزيد ومسروق بن الأجدع]
عن يحيى بن سلمة بن كهيل (1) عن أبيه قال: كان الأسود (2) ومسروق (3) يمشيان

1 - في تقريب التهذيب: (يحيى بن سلمة بن كهيل بالتصغير الحضرمي
أبو جعفر الكوفي متروك وكان شيعيا من التاسعة مات سنة تسع وسبعين وقيل: قبلها / ت)
وفي تهذيب التهذيب: (روى عن أبيه وإسماعيل بن خالد (إلى أن قال) وقال
العجلي: ضعيف الحديث وكان يغلو في التشيع (إلى آخر ما قال)) وقال الخزرجي
في خلاصته: (يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه وعنه ابنه إسماعيل ضعفه ابن معين قال
مطين: مات سنة اثنتين وتسعين ومائة) وأما أبوه ففي تقريب التهذيب: (سلمة -
بن كهيل الحضرمي أبو يحيى الكوفي ثقة من الرابعة / ع) وفي تهذيب التهذيب:
(سلمة بن كهيل بن حصين الحضرمي التنعي أبو يحيى الكوفي (إلى أن قال) روى عنه ابناه
يحيى ومحمد ابنا سلمة (إلى أن قال) وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت على تشيعه
(إلى آخر ما قال).
أقول: سلمة بن كهيل من رواة الشيعة ومذكور في كتبهم فعده الشيخ (ره) في رجاله
من أصحاب الصادق عليه السلام بهذا العنوان: (سلمة بن كهيل بن الحصين أبو يحيى
الحضرمي الكوفي تابعي) والظاهر أن كونه تابعيا لإدراكه بعض الصحابة كما قال في
تهذيب لتهذيب: (قال ابن المديني في العلل: لم يلق سلمة أحدا من الصحابة إلا جندبا
وأبا جحيفة) فمن أراد بسط المقال في ترجمته فليراجع مظانها.
2 - تأتي ترجمته في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
3 - تأتي ترجمته في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 64).
562

إلى عائشة فيقعان عندها في علي عليه السلام فأما الأسود فمات على ذلك، وأما مسروق
فلم يمت حتى صلى على علي في زوايا بيته (1).
وعن يحيى أيضا [عن أبيه] قال: دخلت أنا وزبيد الإيامي (2) على قمير (3) امرأة مسروق بعد

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج عند عده مبغضي أمير المؤمنين عليه السلام
(ج 1، ص 369، س 27): (ومنهم الأسود بن يزيد ومسروق بن الأجدع روى سلمة بن
كهيل أنهما كانا يمشيان إلى بعض أزواج رسول الله (ص) فيقعان في علي عليه السلام، فأما
الأسود فمات على ذلك، وأما مسروق فلم يمت حتى كان لا يصلي لله تعالى صلاة إلا صلى بعدها
على علي بن أبي طالب (ع) لحديث سمعه من عائشة في فضله، وروى أبو نعيم الفضل بن دكين
عن عبد السلام بن حرب عن ليث بن أبي سليم قال: كان مسروق يقول: كان علي كحاطب
ليل، قال: فلم يمت مسروق حتى رجع رأيه هذا).
2 - في شرح النهج: (اليمامي) وهو تصحيف قال الزبيدي في تاج العروس
في شرح عبارة القاموس: (وبنو أيام ككذاب بطن) ما نصه: (هكذا في النسخ
وهو غلط والصواب ككتاب كما ضبطه غير واحد من الأئمة ومنهم زبيد بن الحارث)
(إلى أن قال) وأبو عبد الرحمن زبيد بن الحارث الكوفي من أتباع التابعين (إلى أن قال)
والعلاء بن عبد الكريم الإياميان منسوبان إلى الإيام بالكسر ويقال أيضا يام بحذف الألف
واللام وهي قبيلة من همدان وهو يام بن أصبى بن رافع بن مالك بن جشم بن حاشد بن
جشم بن خيوان بن نوف بن حمدان محدثان) وقال في (يام) في شرح عبارة
صاحب القاموس: (ويام قبيلة باليمن): (ويام ابن أصبى قبيلة من اليمن من همدان
والنسبة إليهم يامي وربما زيد في أوله همزة مكسورة فيقولون: الإيامي) وقال ابن الأثير
في اللباب: (الإيامي بكسر الألف وفتح الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، هذه النسبة إلى
إيام ويقال: يام أيضا بغير ألف والمشهور بهذه النسبة أبو عبد الرحمن زبيد بن الحارث
الإيامي كوفي توفي سنة اثنتين وعشرين ومائة قلت: لم يذكر يام من أي القبائل هو، فبقي
كأنه مجهول، وهو بطن من همدان وهو يام بن أصبى (إلى آخر ما مر في كلام الزبيدي))
وقال في (اليامي): (اليامي بفتح الياء وبعد الألف ميم، هذه النسبة إلى يام (فنقل النسبة
مثل ما مر وذكر) من المنسوبين إليه أبو عبد الرحمن زبيد بن الحارث بن عبد الكريم اليامي
الكوفي) وفي تقريب التهذيب: (زبيد بموحدة مصغرا ابن الحارث أبو عبد الله بن
عبد الكريم بن عمرو بن كعب اليامي بالتحتانية أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة ثبت عابد من -
السادسة مات سنة اثنتين وعشرين [ومائة] أو بعدها أخرج حديثه جميع أصحاب الأصول
الست) وفي تهذيب التهذيب بعد كلمة (اليامي): (ويقال: الإيامي أبو عبد الرحمن
ويقال: أبو عبد الله الكوفي (إلى أن قال) وقال يعقوب بن سفيان ثقة ثقة خيار إلا أنه كان
يميل إلى التشيع (إلى أن قال) وقال محمد بن طلحة بن مصرف: ما كان بالكوفة
ابن أب وأخ أشد مجانبا من طلحة بن مصرف وزبيد اليامي، كان طلحة عثمانيا، وكان زبيد
علويا).
3 - قال الفيروزآبادي في القاموس: (قمير بنت عمر وكأمير امرأة مسروق -
بن الأجدع) وقال ابن حجر في تقريب التهذيب في باب النساء: (قمير بفتح
أولها بنت عمرو الكوفية زوج مسروق من الثالثة / د) وفي تهذيب التهذيب: (قمير
بنت عمرو الكوفية امرأة مسروق بن الأجدع روت عن زوجها وعائشة أم المؤمنين، وعنها
الشعبي ومحمد بن سيرين والمقدام بن شريح بن هانئ وعبد الله بن شبرمة قال العجلي:
تابعية ثقة لها عند أبي داود حديثها عن عائشة في المستحاضة وعند النسائي حكاية عن مسروق)
وقال فيه أيضا في ترجمة زوجها مسروق: (وروت عنه امرأته قمير بنت عمرو
وقال الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في القسم الأول من كتاب
النساء: (قمير بالفتح بنت عمرو امرأة مسروق عن زوجها وعنها الشعبي).
563

موته فحدثتنا قالت: كان مسروق والأسود بن يزيد يفرطان في سب علي عليه السلام
فما مات مسروق حتى ما يصلي لله صلاة في بيته إلا ويصلي فيها على علي - رضي الله
عنه - قلت (1): ولم ذلك؟ - قالت: لشئ (2) سمعه من عائشة ترويه عن النبي صلى الله عليه وآله فيمن

1 - في شرح النهج: (فسألناها).
2 - في الأصل وشرح النهج: (شئ).
564

أصاب الخوارج. قالت: وأما الأسود فمضى على شأنه (1).
ومنهم
[أبو بردة (2) بن أبي موسى الأشعري (3)]
عن عبد الرحمن بن جندب (4) قال: قال أبو بردة لزياد: أشهد أن حجر بن عدي
قد كفر بالله كفرة صلعاء (5) قال [عبد الرحمن (6)]: يعني بذلك كفرة علي بن أبي طالب

1 - نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 369، س 21) قائلا
بعده: (وروى أبو نعيم عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق قال: ثلاثة لا يؤمنون على
علي بن أبي طالب مسروق ومرة وشريح، وروى أن الشعبي رابعهم، وروى عن هيثم عن مجالد
عن الشعبي أن مسروقا ندم على إبطائه عن علي بن أبي طالب عليه السلام) وقال المجلسي (ره)
في ثامن البحار (ص 729، س 34) نقلا عن ابن أبي الحديد: (وروى أن
مسروقا رجع عن ذلك).
2 - قال المامقاني (ره) في تنقيح المقال: (بردة بضم الباء الموحدة وسكون -
الراء المهملة وفتح الدال المهملة بعدها هاء).
3 - قد تقدم في العنوان أن اسمه: (عامر بن عبد الله بن قيس) وهو مذكور بهذا
الاسم والعنوان في الكتب الرجالية وغيرها.
4 - قد مرت ترجمته في تعليقاتنا على الكتاب (أنظر ص 302).
5 - في شرح النهج: (أصلع) قال المحدث القمي (ره) في سفينة البحار،
والكنى والألقاب في ترجمة أبي بردة عامر المذكور: (هو أحد من سعى في
قتل حجر بن عدي الكندي وأمره زياد بن أبيه ليكتب شهادته على حجر بما رآه فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى لله رب العالمين شهد أن
حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة ولعن الخليفة ودعا إلى الحرب والفتنة وجمع
إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية وكفر بالله كفرة صليعاء).
وقال في هامش السفينة: (صليعاء كحميراء الشنيعة البارزة المكشوفة) وزاد في الكنى
والألقاب: (وفي رواية أخرى عن عبد الرحمن بن جندب كفر كفرة الأصلع قال عبد الرحمن:
إنما عنى بذلك نسبة الكفر إلى علي (ع) لأنه كان أصلع).
أقول: قال الفيروزآبادي: (الصليعاء كالحميراء السوأة البارزة المكشوفة)
وقال الزبيدي: (الصلعاء أيضا بهذا المعنى).
6 - في شرح النهج فقط.
565

لأنه كان أصلع.
قال: رأيت أبا بردة بن أبي موسى يقول لأبي العادية الجهني (1) قاتل عمار بن

1 - قال المامقاني (ره) في باب الباء من فصل الكنى: (أبو بردة بن أبي موسى
الأشعري لم يعرف اسمه وأهمله الأكثر وتعرض له ابن أبي الحديد حيث قال: ومن المبغضين
القالين لأمير المؤمنين أبو بردة (فنقل كلام ابن أبي الحديد إلى قوله: لا تمسك النار أبدا،
ثم قال) انتهى كلام ابن أبي الحديد ولا يخفى عليك أن وصف ابن أبي الحديد
أبا العادية بالجهني سهو من قلمه فإن الجهني نسبة إلى جهينة أبي قبيلة من قضاعة، وأبو العادية
فزاري منسوب إلى فزارة أبي حي من غطفان، والزيارة الغديرية الطويلة المروية عن مولانا
العسكري (ع) نص فيما قلناه حيث قال: وعمار يجاهد وينادي بين الصفين (إلى أن قال):
فاعترضه أبو العادية الفزاري فقتله فعلى أبي العادية لعنة الله ولعنة ملائكته ورسله أجمعين).
أقول: هذه الزيارة معروفة مذكورة في كتب الزيارات (راجع مزار البحار ص 76 - 79)
وأما ما ذكره من نسبة السهو إلى ابن أبي الحديد وكون نسبة قاتل عمار إلى فزارة صحيحة
فلعله في محله فذكر نصر بن مزاحم في كتاب صفين عند ذكره مقتل عمار ما نصه (ص 387
من الطبعة الأولى بمصر سنة 1365): (وحمل عليه [أي على عمار] ابن جون السكوني
[أو السكسكي] وأبو العادية الفزاري، فأما أبو العادية فطعنه، وأما ابن جون فإنه احتز رأسه)
ونقل المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب شهادة عمار عن اختصاص المفيد ما نصه
(ص 525، س 26): (وحمل عليه [أي على عمار] ابن جوين السكسكي وأبو العادية
الفزاري فأما أبو العادية فطعنه، وأما ابن جوين فاحتز رأسه) وقال ابن عبد البر في -
الاستيعاب في ترجمة عمار: (وروى الشعبي عن الأحنف بن قيس في خبر صفين قال:
ثم حمل عمار فحمل عليه ابن جون السكسكي وأبو العادية الفزاري، فأما أبو العادية فطعنه
وأما ابن جون فاحتز رأسه) وقال الجزري في أسد الغابة في ترجمة عمار: (وقد
اختلف في قاتله فقيل: قتله أبو العادية المزني، وقيل: الجهني طعنه فسقط فلما وقع أكب
عليه آخر فاحتز رأسه فأقبلا يختصمان كل منهما يقول: أنا قتلته، فقال عمرو بن العاص: والله
لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة، وقيل: حمل عليه عقبة بن عامر الجهني وعمرو -
بن حارث الخولاني وشريك بن سلمة المرادي فقتلوه).
فمن أراد التحقيق فليخض فيه
وليراجع مظانه فإن المقام لا يسع أكثر من ذلك.
566

ياسر: أنت قتلت عمارا؟ - قال: نعم، قال: ابسط يدك، فقبلها ثم قال: لا تمسك
النار أبدا (1).
ومنهم
أبو عبد الرحمن السلمي [القاري (2)]
عن عطاء بن السائب (3) قال: قال رجل لأبي عبد الرحمن السلمي أنشدك بالله
تخبرني (4) فلما أكد عليه قال: بالله هل أبغضت عليا إلا يوم قسم المال في أهل الكوفة

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 370، س 11):
(قال: وقد روى عبد الرحمن المسعودي عن أبي عياش المنتوف قال: رأيت أبا بردة قال
لأبي العادية الجهني (الحديث) وزاد عليه هذا الحديث: (وروى أبو نعيم عن
هشام بن المغيرة عن الغضبان بن يزيد قال: رأيت أبا بردة قال لأبي العادية قاتل -
عمار بن ياسر: مرحبا بأخي، ههنا، فأجلسه إلى جانبه).
2 - في تقريب التهذيب في باب الكنى: (أبو عبد الرحمن السلمي اسمه
عبد الله بن حبيب) وفي باب الأسماء منه: (عبد الله بن حبيب بن ربيعة بفتح الموحدة وتشديد
الياء أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي المقرئ مشهور بكنيته ولأبيه صحبة ثقة ثبت من الثانية
مات بعد السبعين / ع) يريد بالرمز أنه ممن أخرج حديثه أصحاب الأصول الست.
3 - في تقريب التهذيب: (عطاء بن السائب أبو محمد ويقال أبو السائب الثقفي
الكوفي صدوق اختلط من الخامسة مات سنة ست وثلاثين [ومائة] / خ 4).
أقول: وقع الرجل في أسانيد رواياتنا أيضا فراجع جامع الرواة للأردبيلي وتنقيح -
المقال.
4 - في شرح النهج: (إن سألتك لتخبرني؟).
567

فلم يصبك ولا أهل بيتك منه شئ (1)؟ - قال: أما إذا أنشدتني بالله فلقد كان ذلك (2).
عن سعد بن عبيدة (3) قال: كان بين حيان وبين أبي عبد الرحمن السلمي شئ
في أمر علي عليه السلام فأقبل أبو عبد الرحمن على حيان فقال: هل تدري ما جرأ صاحبك
على الدماء؟ يعني عليا عليه السلام قال: وما جرأه لا أبا لغيرك؟ - قال: حدثنا أن النبي صلى الله عليه وآله

1 - في شرح النهج: (فلم يصلك ولا أهل بيتك منه بشئ؟).
2 - في شرح النهج: (فلقد كان كذلك) أما الحديث فنقله ابن أبي الحديد
في شرح النهج (ج 1، ص 370، س 14) عن الغارات، ونقله المجلسي (ره)
في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي وأمير المؤمنين (ص 734، س 37).
3 - في الأصل: (سعيد بن عبدة) قال ابن سعد في الطبقات في الطبقة الثانية
من أهل الكوفة (ج 6 من طبعة أوربا ص 208): (سعد بن عبيدة السلمي، روى
عنه الأعمش وحصين، وتوفي في ولاية عمر بن هبيرة على الكوفة وكان ثقة كثير الحديث)
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: (سعد بن عبيدة أبو حمزة ختن أبي عبد الرحمن
السلمي، روى عن ابن عمر، وأبي عبد الرحمن السلمي، روى عنه منصور والأعمش وعلقمة -
بن مرثد وفطر بن خليفة، سمعت أبي يقول ذلك. حدثنا عبد الرحمن قال: ذكره أبي
عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: سعد بن عبيدة ثقة. سمعت أبي يقول:
سعد بن عبيدة يكتب حديثه وكان يرى رأي الخوارج ثم تركه). وفي تقريب التهذيب:
(سعد بن عبيدة السلمي أبو حمزة الكوفي ثقة من الثالثة مات في ولاية عمر بن هبيرة على -
العراق / ع). وفي تهذيب التهذيب في ترجمته: (روى عن أبي عبد الرحمن
السلمي وكان ختنه على ابنته (إلى آخر ما قال). وفي الخلاصة للخزرجي:
(سعد بن عبيدة بالضم السلمي أبو حمزة الكوفي، زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي، عن
ابن عمر والأحنف بن قيس، وعنه السدي ومنصور. وثقه النسائي، مات في ولاية عمرو بن
هبيرة). وأما الحديث فنقله ابن أبي الحديد في شرح النهج: (قال [أي -
صاحب الغارات] وروى أبو عمر الضرير عن أبي عوانة قال: كان بين عبد الرحمن بن
عطية وبين أبي عبد الرحمن (الحديث) والظاهر أن عبارة (عبد الرحمن بن عطية) اشتباه
منه بقرينة ما يأتي فيما نقله في هذا الحديث من قوله: (فأقبل على حيان) (أنظر ج 1
ص 370، س 17).
568

قال لأصحاب بدر: اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم، أو كلاما (1) هذا معناه (2).
وكان بالحجاز [من مبغضيه] أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير،
وزيد بن ثابت، وقبيصة بن ذؤيب، وعروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب.
وكانت قريش كلها على خلافه مع بني أمية (3)
فذكر ابن عائشة التيمي (4) قال: حدثنا أبو زيد القروي (5) عن أبي إبراهيم

1 - في الأصل: (كلام).
2 - نقل ابن أبي الحديد هنا روايات أخرى لم ينسبها إلى الغارات فراجع (ج 1،
ص 370).
3 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 371، س 16):
(قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي: كان أهل البصرة كلهم يبغضونه، وكثير من أهل الكوفة،
وكثير من أهل المدينة، وأما أهل مكة فكلهم كانوا يبغضونه قاطبة، وكانت قريش كلها على
خلافه، وكان جمهور الخلق مع بني أمية عليه) ونقل المجلسي (ره) في ثامن البحار
في باب ذكر أصحاب النبي وأمير المؤمنين (ص 730، س 8) ملخص ما نقله ابن أبي الحديد
عن شيخه الإسكافي فراجع إن شئت.
4 - في باب الكنى من تقريب التهذيب: (ابن عائشة هو عبيد الله بن محمد بن
حفص (وفي باب الأسماء منه: (عبيد الله بن محمد بن عائشة اسم جده حفص بن
عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر التيمي، وقيل له: ابن عائشة، والعائشي، نسبة إلى عائشة
بنت طلحة لأنه من ذريتها، ثقة جواد رمي بالقدر ولم يثبت، من كبار العاشرة مات سنة ثمان
وعشرين ومائتين / د ت س) ونقل الخزرجي ترجمته في خلاصته أبسط من ذلك
فراجع إن شئت.
5 - لم أجد رجلا بهذا العنوان في كتب الرجال ومن المحتمل أن يكون
(القروي) مصحف (الهروي) ففي تقريب التهذيب: (سعيد بن الربيع العامري
الحرشي بفتح المهملة والراء بعدها معجمة أبو زيد الهروي البصري ثقة من صغار التاسعة وهو
أقدم شيخ للبخاري وفاة، مات سنة إحدى عشرة ومائتين / خ م ت س).
569

بن عثمان (1) عن فراس (2) عن الشعبي عن شريح بن هانئ قال (3): قال علي عليه السلام:
اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي، وأصغوا إنائي (4)، وصغروا عظيم منزلتي،

1 - كذا في الأصل ولم نجده أيضا في مظانه من كتب الرجال ومن المحتمل
أن تكون كلمة (أبي) زائدة ففي تقريب التهذيب: (إبراهيم بن عثمان العبسي بالموحدة
أبو شيبة الكوفي قاضي واسط، مشهور بكنيته متروك الحديث من السابعة مات سنة تسع وستين / ت ق).
2 - في تقريب التهذيب: (فراس بكسر أوله وبمهملة ابن يحيى الهمداني
الخار في بمعجمة وفاء أبو يحيى الكوفي المكتب صدوق ربما وهم من السادسة مات سنة تسع
وعشرين ومائة / ع). وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته: (روى عن الشعبي
ونقل عن العجلي أنه من أصحاب الشعبي).
3 - في تقريب التهذيب: (شريح بن هانئ بن يزيد الحارثي المذحجي
أبو المقدام الكوفي مخضرم ثقة، قتل مع ابن أبي بكرة بسجستان / بخ م 4). وفي تهذيب -
التهذيب في ترجمته: (أدرك النبي (ص) ولم يره وروى عن أبيه وعمر وعلي (إلى
أن قال) وعنه الشعبي (إلى أن قال) ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة
وقال: كان من أصحاب علي وشهد معه المشاهد وكان ثقة وله أحاديث، وقتل بسجستان
مع عبيد الله بن أبي بكرة (إلى أن قال) وقال ابن البرقي: كان على شرطة علي -
رضي الله عنه - وذكره مسلم في المخضرمين).
أقول: له في باب الذبح من التهذيب للشيخ الطوسي (ره) حديث عن علي (ع)
كما أشار إليه الأردبيلي (ره) في جامع الرواة، أما الحديث فقال ابن أبي الحديد في
شرح النهج (ج 1، ص 371، س 19): (وروى الشعبي عن شريح بن هانئ قال
قال علي (الحديث) قائلا بعده: (وروى جابر عن أبي الطفيل قال: سمعت عليا
عليه السلام يقول: اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي وغصبوني حقي
وأجمعوا على منازعتي أمرا كنت أولى به ثم قالوا: إن من الحق أن تأخذه، ومن الحق
أن تتركه).
أقول: نقلهما الشريف الرضي (ره) في نهج البلاغة (أنظر شرح النهج الحديدي ج 2، ص 495، و ج 3، ص 36) واعتذر من نقله مكررا في الموضع الثاني
بقوله: (وقد مضى هذا الكلام في أثناء خطبة متقدمة إلا أني ذكرته ههنا لاختلاف الروايتين)
ونص عبارة آخر الحديث في الموضع الثاني هكذا: (وقالوا: ألا إن في الحق أن
تأخذه وفي الحق أن تمنعه، فاصبر مغموما أو مت متأسفا).
ثم إن: هذا المضمون قد ورد في موارد كثيرة من كتب الأخبار فمن أراد فليلاحظ.
أقول: قد مر ما يتعلق بالحديث في (ص 308 و 309) فراجع.
4 - قال ابن الأثير في النهاية: (في حديث الهرة إنه كان يصغى له الإناء أي
يميله ليسهل عليها الشرب منه.
أقول: هذا هو المعنى الحقيقي للكلمة وأما معناها المجازي فهو ما قال الزمخشري
في أساس البلاغة: (ومن المجاز: فلان يصغى إناء فلان إذا نقصه ووقع فيه، وأصغى
حقه نقصه قال:
فإن ابن أخت القوم مصغى إناؤه * إذا لم يمارس خاله باب جلد
وقال الكميت:
فإن تصغ تكفأه العداة إناءنا * وتسمع لنا أقوال أعدائنا تخل)
وقال الميداني في مجمع الأمثال: (ما أصغيت لك إناءا ولا أصفرت لك فناءا،
أي ما تعرضت لأمر تكرهه يعني لم آخذ إبلك فيبقى إناؤك مكبوبا لا تجد لبنا تحلبه فيه، ويبقى
فناؤك خاليا لا تجد بعيرا يبرك فيه وذكر عن علي عليه السلام أنه قال: اللهم إني
أستعديك على قريش فإنهم أصغوا إنائي وصغروا عظيم منزلتي).
570

وأجمعوا على منازعتي.
وعن المسيب بن نجبة الفزاري (1) عن علي عليه السلام قال: من وجدتموه من
بني أمية فغطوا على صماخه وهو في ماء حتى يدخل الماء في فيه (2).
عن المسور بن مخرمة (3) قال: لقي عمر بن الخطاب عبد الرحمن بن عوف فقال:

1 - قد مرت ترجمته في ص 487.
2 - نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 371، س 22).
3 - في تقريب التهذيب: (المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف -
بن زهرة الزهري أبو عبد الرحمن له ولأبيه صحبة مات سنة أربع وستين / ع) وفي تهذيب
الأسماء للنووي: (المسور بن مخرمة الصحابي هو بكسر الميم وإسكان السين وفتح -
الواو هو أبو عبد الرحمن وقيل: أبو عثمان المسور بن مخرمة بن نوفل (إلى أن قال)
ولد بمكة قبل الهجرة بسنتين وكان من فقهاء الصحابة وأهل الدين ولم يزل مع خاله عبد الرحمن -
بن عوف في أمر الشورى وأقام بالمدينة إلى أن قتل عثمان ثم سار إلى مكة فلم يزل بها حتى
توفي معاوية وأقام مع ابن الزبير بمكة فقتل في حصار ابن الزبير أصابه حجر المنجنيق وهو
يصلي في الحجر فقتله مستهل شهر ربيع الأول سنة أربع وستين وقيل: سنة ثلاث وسبعين
ودفن بالحجون وصلى عليه ابن الزبير (إلى آخر ما قال)). وفي سفينة البحار:
(مسور كمنبر ربن مخرمة بفتح الميم والراء وسكون الخاء المعجمة الزهري [بضم الزاي
وسكون الهاء] كان رسول أمير المؤمنين (ع) إلى معاوية كما في كتب الرجال ويظهر من
خبر أمالي ابن الشيخ أنه كان عثمانيا وكان مع مروان بن الحكم وابن الزبير وغيرهما
وكان لخلافة علي (ع) كارها (أنظر المجلد الثامن، الباب الرابع والثلاثين (ص 396)
ابن شهرآشوب في المناقب عن الليث بن سعد بإسناده أن رجلا نذر أن يدهن بقارورة رجلي
أفضل قريش فسأل عن ذلك فقيل: إن مخرمة أعلم الناس اليوم بأنساب قريش فاسأله عن ذلك
فأتاه وسأله وقد خرف وعنده ابنه المسور فمد الشيخ رجليه وقال: ادهنها فقال المسور
ابنه للرجل: لا تفعل أيها الرجل فإن الشيخ قد خرف وإنما ذهب إلى ما كان في الجاهلية
وأرسله إلى الحسن والحسين عليهما السلام وقال: ادهن بها أرجلهما فهما أفضل الناس
وأكرمهم اليوم وقال ابن نما: ناحت على الحسين (ع) الجن وكان نفر من أصحاب -
النبي منهم المسور بن مخرمة يستمعون النوح ويبكون (إلى آخر ما قال) فمن أراد التفصيل
فليراجع المفصلات.
571

أليس كنا نقرأ (1): قاتلوهم في آخر الأمر كما قاتلتموهم في أول الأمر؟ قال: [بلى]
ذلك إذا كان الأمراء بني أمية والوزراء بني مخزوم (2).
عن أبي البختري (3) قال: قدم على علي عليه السلام رجل من مكة فقال له علي عليه السلام:

1 - في شرح النهج: (ألم نكن نقرأ من جملة القرآن).
2 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 371، س 23):
(وروى عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال: لقى (الحديث).
3 - في تقريب التهذيب في باب الكنى: (أبو البختري بفتح الموحدة والمثناة
بينهما معجمة ساكنة سعيد بن فيروز) وفي باب الأسماء منه: (سعيد بن فيروز أبو البختري
ابن أبي عمران الطائي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فيه تشيع قليل، كثير الارسال من الثالثة مات
سنة ثلاث وثمانين / ع). وفي تهذيب التهذيب في ترجمته المبسوطة: (وأرسل
عن عمر، وعلي (إلى أن قال) قال عبد الله بن شعيب عن ابن معين: أبو البختري الطائي اسمه
سعيد وهو ثبت ولم يسمع من علي شيئا (إلى أن قال) وذكره ابن حبان في الثقات فقال:
سعيد بن فيروز ويقال سعيد بن عمران وقيل غير ذلك).
أقول: الرجل مذكور في كتب تراجم الشيعة ومعدود من أصحاب أمير المؤمنين (ع)
وعده البرقي (ره) من خواصه (ع) وأنت خبير بأن كونه من أصحاب أمير المؤمنين وخواصه (ع)
ينافي ما نقله ابن حجر في التهذيب (إنه لم يسمع من علي شيئا) فتدبر وتفطن.
572

كيف تركت قريشا والناس؟ - قال: تركت قريشا يلعبون بالأكرة (1) بين الصفا
والمروة. فقال: والله لوددت أن النفس إلى [أن] يدل الله قريشا ويجزيها قبلها
قتلت يعني نفسه (2).
عن عبد الله بن الزبير قال: سمعت علي بن الحسين (3) يقول: ما بمكة ولا بالمدينة
عشرون رجلا يحبنا (4).

1 - في القاموس: (الأكرة لغية في الكرة) وفي مجمع البحرين: (الكرة
بالضم التي يلعب بها الصبيان مع الصولجان واللام محذوفة عوض عنها الهاء قيل: أفصح
من الأكرة والجمع كرات ومنه قول بعضهم:
دنياك ميدان وأنت بظهرها * كرة وأسباب القضاء صوالج)
2 - هذه الرواية لم أجدها بعد الفحص عن مظانها فصورتها كما كانت في الأصل.
3 - في الأصل: (عمر بن الحسين) والتصحيح من شرح النهج.
4 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 371، س 26):
(وروى أبو عمرو النهدي قال: سمعت علي بن الحسين يقول: (الحديث) ونقله -
المجلسي (ره) عن شرح النهج كما فيه تارة في ثامن البحار في باب أصحاب النبي
وعلي (ص 730، س 9) وأخرى في المجلد الحادي عشر في باب ذكر أحوال أهل زمان
علي بن الحسين عليهما السلام (ص 42، س 2) وليعلم أن من المحتمل أن يكون عبد الله بن
الزبير هنا من المعدودين من مبغضي علي (ع) ممن كان بمكة فاشتبه الأمر على الناسخ فجعله
راويا وإلا فمن البعيد أن يروي ابن الزبير هذه الرواية عن السجاد (ع)، فتدبر.
573

ومنهم
قبيصة بن ذؤيب (1)
من عمران بن [أبي] كثير (2) قال: قدمت الشام فلقيت قبيصة بن ذؤيب فإذا هو قد جاء
برجل من أهل العراق فأدخله على عبد الملك بن مروان (3) فحدثه عن أبيه عن المغيرة
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الخليفة لا يناشد، فكسى وحبى وأعطى قال: فقدمت
المدينة. فلقيت سعيد بن المسيب في مسجد رسول الله (ص) فقلت: يا أبا محمد إن
قبيصة بن ذؤيب جاء برجل من أهل العراق فأدخله على عبد الملك بن مروان فحدثه

1 - في تقريب التهذيب: (قبيصة بفتح أوله وكسر الموحدة بن ذؤيب بالمعجمة
مصغرا ابن حلحلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة الخزاعي أبو سعيد أو أبو إسحاق المدني
نزيل دمشق من أولاد الصحابة وله رؤية، مات سنة بضع وثمانين، أخرج حديثه جميع أصحاب
الأصول الست).
2 - في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي: (عمران بن أبي كثير
سمع سعيد بن المسيب وقبيصة بن ذؤيب سمع منه محمد بن إسحاق (سمعت أبي يقول ذلك).
وفي ميزان الاعتدال: (عمران بن أبي كثير عن سعيد بن المسيب لا يعرف). وفي
لسان الميزان بعد نقل ما في الميزان ما نصه: (وذكره ابن حبان في الثقات وقال: روى
عنه محمد بن إسحاق). وقال البخاري في التاريخ الكبير: (عمران بن أبي كثير
سمع سعيد بن المسيب وقبيصة بن ذؤيب سمع منه محمد بن إسحاق، مرسل).
3 - وذلك لأن قبيصة كان من مقربي عبد الملك قال ابن سعد في الطبقات في ترجمته
(ج 7، ص 447 من طبعة مصر): (وكان على خاتم عبد الملك بن مروان وهو أدخل
الزهري على عبد الملك بن مروان ففرض له ووصله وصار من أصحابه) وفي تهذيب -
التهذيب في ترجمته: (قال ابن سعد: كان على خاتم عبد الملك وكان آثر الناس
عنده وكان البريد إليه) وفي تهذيب الأسماء للنووي: (وقال محمد بن سعد:
سمع قبيصة بن ذؤيب من عثمان بن عفان وكان آثر الناس عند عبد الملك بن مروان وكان
على خاتمه، وكان البريد إليه، وكان يقرأ الكتب إذا وردت ثم يدخلها إلى عبد الملك
فيخبره بما فيها).
574

عن أبيه عن المغيرة بن شعبة أن النبي (ص) قال: الخليفة لا يناشد، فرفع سعيد
يديه فضرب بها على الأخرى فقال: قاتل الله قبيصة كيف باع دينه بدنيا فانية..!؟ والله
ما من امرأة من خزاعة قعيدة في بيتها إلا وقد حفظت قول عمرو بن [سالم] الخزاعي
لرسول الله (ص) (1).
لا هم إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه إلا تلدا
أفيناشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يناشد الخليفة؟! قاتل الله قبيصة كيف باع دينه
بدنيا فانية!؟.
ومنهم
عروة بن الزبير

1 - قال ابن عبد البر في الاستيعاب: (عمرو بن سالم بن كلثوم الخزاعي
حجازي روى حديثه المكيون حيث خرج مستنصرا من مكة إلى المدينة حتى أدرك رسول الله
(ص) فأنشأ يقول:
يا رب إني ناشد محمدا * حلف أبيه وأبينا ألا تلدا
إن قريشا أخلفتك الموعدا * ونقضوا ميثاقك المؤكدا
(فنقل الأرجوزة إلى آخرها وقال)
فقال رسول الله (ص): لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب).
وقال ابن دريد في الاشتقاق عند عده رجال خزاعة (ص 475): (ومنهم
عمرو بن سالم ابن حصيرة، الذي يقول للنبي (ص) يوم فتح مكة:
لا هم إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه ألا تلدا).
أقول: نقل ابن هشام أيضا في السيرة (ج 2، ص 394 من الطبعة الثانية بمصر)
قصة استنصار عمرو بن سالم رسول الله (ص).
2 - قال المحدث القمي (ره) في سفينة البحار: (عد ابن أبي الحديد عروة بن
الزبير من المنحرفين عن علي عليه السلام) وفي تنقيح المقال: (عروة بن الزبير هو
من أعداء أمير المؤمنين وشديد البغض له والسب له والكذب عليه على ما ذكره ابن أبي -
الحديد في مواضع من شرح النهج وفي البحار أنه عاش حتى أدرك [الوليد بن] عبد الملك -
بن مروان).
أقول: حيث إن قصة إدراكه الوليد بن عبد الملك عجيبة أوردها ههنا ولو كانت
خارجة عن المقصود وذلك أن المجلسي (ره) نقل عن أمالي ابن الشيخ (ره) بإسناده
عن عامر بن حفص (أنظر ج 11 من البحار ص 33): (قال: قدم عروة بن الزبير
على الوليد بن عبد الملك ومعه محمد بن عروة فدخل محمد دار الدواب فضربته دابته فخر
ميتا، ووقعت في رجل عروة الأكلة ولم تدع وركه تلك الليلة فقال له الوليد: اقطعها،
فقال: لا، فترقت إلى ساقه فقال له: اقطعها وإلا أفسدت عليك جسدك فقطعها بالمنشار
وهو شيخ كبير لم يمسكه أحد وقال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، وقدم على الوليد تلك
السنة قوم بني عبس فيهم رجل ضرير فسأله عن عينيه وسبب ذهابهما فقال: يا أمير المؤمنين
بت ليلة في بطن واد ولا أعلم عبسيا يزيد حاله على حالي فطرقنا سيل فذهب ما كان لي من
أهل وولد ومال غير بعير وصبي مولود وكان البعير صعبا فند فوضعت الصبي واتبعت
البعير فلم أجاوز إلا قليلا حتى سمعت صيحة ابني فرجعت إليه ورأس الذئب في بطنه يأكله،
ولحقت البعير لأحتبسه فنفحني برجله في وجهي فحطمه وذهب بعيني، فأصبحت لا مال ولا أهل
ولا ولد ولا بصر، فقال الوليد: انطلقوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم
منه بلاء).
وشخص عروة إلى المدينة فأتته قريش والأنصار فقال له عيسى بن طلحة بن عبيد الله:
أبشر يا أبا عبد الله فقد صنع الله بك خيرا والله ما بك حاجة إلى المشي فقال: ما أحسن
ما صنع الله بي، وهب لي سبعة بنين فمتعني بهم ما شاء ثم أخذ واحدا وترك ستة، ووهب
لي ستة جوارح متعني بهن ما شاء ثم أخذ واحدة وترك خمسا يدين ورجلا وسمعا وبصرا،
ثم قال: إلهي لئن كنت أخذت لقد أبقيت، وإن كنت ابتليت لقد عافيت).
575

عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه (1) قال: كان عروة (2) إذا ذكر عليا نال

1 - في تقريب التهذيب: (يحيى بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبو عروة
المدني ثقة من السادسة / خ م د) وفي تهذيب التهذيب: (روى عن أبيه) وفي -
الخلاصة للخزرجي: (يحيى بن عروة بن الزبير الأسدي عن أبيه، وعنه الزهري ومحمد بن
عمرو بن علقمة وثقة النسائي).
2 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 371، س 2):
(وقد روى من طرق كثيرة أن عروة بن الزبير كان يقول: لم يكن أحد من أصحاب
رسول الله (ص) يزهو إلا علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد وروى عاصم بن أبي عامر
البجلي عن يحيى بن عروة قال: كان أبي إذا ذكر عليا (الحديث).
576

منه (1) ويقول: يا بني والله ما أحجم الناس عنه إلا كان يخالف أمرا نهي عنه (2) ولقد بعث
إليه أسامة بن زيد (3) أن ابعث إلي بعطائي فوالله لتعلم أنك لو كنت في فم أسد لدخلت
معك فكتب إليه: إن هذا المال لمن جاهد عليه ولكن هذا مالي بالمدينة فأصب منه
ما شئت (4).
ومنهم
الزهري (5)
عن محمد بن شيبة (6) قال: شهدت مسجد المدينة فإذا الزهري وعروة بن الزبير

1 - هو من قولهم: (نال من عرض فلان = سبه) وفي النهاية: (فيه: أن رجلا
كان ينال من الصحابة - رضي الله عنهم - يعني الوقيعة فيهم يقال منه: نال ينال نيلا إذا أصاب
فهو نائل).
2 - في شرح النهج: (وقال لي مرة: يا بني والله ما أحجم الناس عنه إلا
طلبا للدنيا) وهذا هو الصحيح والمناسب للمقام والمتن مشوش.
3 - قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي (ص)
وعلي (ع) (ص 730، س 2): (وقال [أي ابن أبي الحديد أو صاحب الغارات وذلك لتقدم
ذكر كليهما]: بعث أسامة بن زيد (الحديث)).
4 - في شرح النهج بعده: قال يحيى: فكنت أعجب من وصفه إياه بما وصفه
به ومن عيبه له وانحرافه عنه).
5 - فليعلم أن الزهري بضم الزاي وسكون الهاء ممن وقع الاختلاف
في كونه من أعداء أمير المؤمنين أو محبيه بل وقع الاختلاف أيضا من أن المراد به في مقام
البحث هل هو رجل واحد أو رجلان يطلق هذه النسبة إلى كليهما وذهب إلى كل جماعة
وذلك أن المستفاد من الروايات المنقولة من هذا الرجل يختلف باختلاف الأفهام فكل فريق
ذهب إلى ما أدى إليه نظره فيها ولا يسع المقام البحث عن ذلك فمن أراد البسط في ذلك
فليراجع سفينة البحار للمحدث القمي (ره) وتنقيح المقال للمحقق المامقاني (ره)
فإن فيهما كفاية للمكتفي.
6 - في تقريب التهذيب: (محمد بن شيبة بن نعامة الضبي الكوفي مقبول
من السابعة / م) وفي تهذيب التهذيب: (روى عن أبي إسحاق السبيعي وعمرو بن
مرة وعلقمة بن مرثد وزبيد اليامي وثابت بن عبيد، روى عنه مسعر وهشيم وخارجة بن
مصعب وأبو معاوية وفضيل بن عياض وجرير بن عبد الحميد ومحمد بن عيينة، ذكره
ابن حبان في الثقات قلت: وقال ابن القطان: لا يعرف حاله، وقال أبو عوانة في
صحيحه: يقال: إنه يكنى أبا نعامة).
577

قد جلسا فذكرا عليا فنالا منه فبلغ ذلك علي بن الحسين عليهما السلام فجاء حتى وقف عليهما
فقال: أما أنت يا عروة فإن أبي حاكم أباك [إلى الله (1)] فحكم الله لأبي على أبيك،
وأما أنت يا زهري فلو كنت أنا وأنت بمكة لأريتك كن (2) أبيك (3).

1 - زيد من شرح النهج.
2 - في الأصل: (كرانيك) وفي البحار (كرامتك) وفي شرح النهج في الطبعة الحديثة
(كير أبيك) وفي الطبعة القديمة: (بيت أبيك) وفي طبعة إيران: (كثير أبيك) والصحيح:
(كن أبيك) والكن بمعنى البيت ففي النهاية: (في حديث الاستسقاء: فلما رأى سرعتهم
إلى الكن ضحك، الكن ما يرد الحر والبرد من الأبنية والمساكن وقد كننته أكنه كنا والاسم
الكن، وصرح الفيروزآبادي أيضا بأن الكن بمعنى البيت وعليه ينطبق ما في الطبعة الأولى
بمصر من شرح النهج من كون النسخة: (بيت أبيك) ومع دلك من المحتمل ضعيفا أن يكون ما
في الطبعة الحديثة بمصر صحيحا على أن يكون المراد به إشارة إلى رداءة شغل أبيه من كونه
حدادا فإن الكير في اللغة بمعنى الزق الذي ينفخ به النار لكن هذا الاحتمال لا يذهب إليه
إلا بعد ثبوت أن أباه كان حدادا ولم يثبت فراجع كتب التراجم.
3 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 370، س 34):
(وكان الزهري من المنحرفين عنه (ع) وروى جرير بن عبد الحميد عن محمد بن شيبة قال:
شهدت مسجد المدينة (الحديث)) ونقله المجلسي (ره) في المجلد الحادي عشر من
البحار في باب أحوال أهل زمان علي بن الحسين عليهما السلام (ص 41 - 42، س 37)
ولخصه في المجلد الثامن في باب ذكر أصحاب النبي وأمير المؤمنين (ص 730، س 3)
بقوله: (ثم ذكر رواية تدل على أن عروة بن الزبير والزهري كانا ينالان من علي فنهاهما
عنه علي بن الحسين).
578

ومنهم
سعيد بن المسيب (1)
عن أبي داود الهمداني (2) قال (3): شهدت سعيد بن المسيب وأقبل عمر بن علي -

1 - هذا الرجل أيضا ممن وقع الاختلاف في تشيعه وتسننه وميدان البحث في هذا
الرجل أوسع منه في سابقه فمن أراد الاطلاع فليراجع سفينة البحار وتنقيح المقال ولا سيما
الأخير فإن المامقاني (ره) قد أطال، البحث عن ذلك بما لا مزيد عليه.
2 - في لسان الميزان في باب الكنى من المتفرقات: (أبو داود الأعمى
اسمه نفيع بن الحارث الهمداني الكوفي القاص عن عمران بن حصين وعنه الأعمش وشريك)
وفي ميزان الاعتدال: (نفيع بن الحارث أبو داود النخعي الكوفي القاص الهمداني
الأعمى (إلى أن قال) قال العقيلي: كان يغلو في الرفض) وفي تهذيب التهذيب: (نفيع
ابن الحارث أبو داود الأعمى الهمداني الدارمي ويقال: السبيعي الكوفي القاص، ويقال
اسمه نافع (إلى أن قال) وقال شريك: دخلت على أبي داود الأعمى فجعل يقول: سمعت
سعيدا وسمعت ابن عمر وسمعت ابن عباس ثم أعادها في ذلك المجلس فجعل حديث ذا لذا
وحديث ذا لذا (إلى أن قال) وقال العقيلي: كان ممن يغلو في الرفض وقال ابن عدي: هو
في جملة الغالية بالكوفة (إلى آخر ما قال) وفي التقريب في ترجمته: (إنه من لخامسة).
3 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 370، س 28):
(وجبهه عمر بن علي (ع) في وجهه بكلام شديد، روى عبد الرحمن بن الأسود عن أبي داود الهمداني
قال: شهدت سعيد بن المسيب (الحديث) ونقله المجلسي (ره) تارة في المجلد
الحادي عشر من البحار في باب أحوال أهل زمان علي بن الحسين عليهما السلام (ص 41،
س 29) عن شرح النهج وأخرى في المجلد الثامن منه في باب ذكر أصحاب النبي (ص)
وأمير المؤمنين عليه السلام (ص 730، س 4) عن الغارات.
579

ابن أبي طالب عليهما السلام فقال له سعيد: يا ابن أخي ما أراك تكثر غشيان مسجد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم كما يفعل إخوتك وبنو عمك (1)؟ - فقال عمر: يا ابن المسيب أكلما دخلت فأجيئ
فأشهدك؟ فقال سعيد: ما أحب أن تغضب، سمعت والدك (2) عليا يقول: والله إن لي
من الله مقاما لهو خير لبني عبد المطلب مما على الأرض من شئ. فقال عمر: سمعت
والدي (3) يقول: ما كلمة حكمة في قلب منافق فيخرج من الدنيا حتى يتكلم بها
[فقال سعيد: يا ابن أخي جعلتني منافقا؟ (4)] قال: ذلك ما أقول لك قال: ثم انصرف.
وكان أهل الشام أعداء الله وكتابه ورسوله وأهل بيته أجلافا (5) جفاة غواة أعوان
الظالمين وأولياء الشيطان الرجيم.
عن ميسرة (6) قال: قال علي عليه السلام: قاتلوا أهل الشام مع كل إمام بعدي (7).

1 - في شرح النهج: (بنو أعمامك) وهو الأنسب والأصوب.
2 و 3 - في شرح النهج: (أباك) و (أبي) وهذان الموردان أيضا من الدلائل على
ما ذكرنا سابقا من أن ابن أبي الحديد كان يتصرف في الروايات وينقلها بالمعنى وكان يختار
الكلمات التي هي أوضح وأدل على المعنى.
4 - ما بين المعقوفتين في شرح النهج فقط.
5 - في الأصل: (أجلاف).
6 - ميسرة هذا هو أحد رجلين، إما ميسرة بن يعقوب أو ميسرة بن أبي صالح وفي
تهذيب التهذيب: (ميسرة بن يعقوب أبو جميلة الطهوي الكوفي صاحب راية علي، روى
عن علي وعثمان والحسن بن علي، وعنه ابنه عبد الله وعطاء بن السائب (إلى آخر ما قال) وقال
أيضا فيه بعده بلا فصل: (ميسرة أبو صالح مولى كندة كوفي روى عن علي بن أبي -
طالب وسويد بن غفلة وعنه عطاء بن السائب (إلى آخر ما قال) ونقل عن ابن حبان توثيقهما.
وعد الشيخ (ره) في رجاله رجلا بعنوان (ميسرة مولى كندة من أصحاب علي (ع)) ومن
المحتمل أن يكون ميسرة أبو جميلة متحدا مع أبي صالح لاتحاد الراوي والمروى عنه، فتدبر.
7 - نقله المجلسي (ره) في البحار في موضعين تارة في باب أحكام الجهاد
(ج 21، ص 102، س 37) وأخرى في المجلد الثامن في باب ذكر أصحاب النبي وأمير -
المؤمنين (ص 734، س 36).
580

ومنهم
عمر بن ثابت (1)
قال: حدثنا الواقدي (2) أن عمر بن ثابت الذي روى عن أبي أيوب الأنصاري حديث
(ستة أيام من شوال) كان يركب ويدور في القرى بالشام فإذا دخل قرية جمع
أهلها ثم يقول: أيها الناس إن علي بن أبي طالب كان رجلا منافقا أراد أن ينخس

1 - في تقريب التهذيب تحت عنوان (من اسمه عمرو) ما نصه:
(عمرو بن ثابت عن أبي أيوب صوابه عمر بضم أوله) وقال فيمن اسمه عمر بضم العين ما نصه:
(عمر بن ثابت الأنصاري الخزرجي المدني ثقة من الثالثة أخطأ من عده في الصحابة / م (4))
وفي تهذيب التهذيب في ترجمته: (روى عن أبي أيوب الأنصاري حديث صوم
ستة [أيام من] شوال (إلى آخر ما قال)) وفي تنقيح المقال في ترجمته: وليس
عمر بن ثابت مذكورا في كتب الرجال نعم نقل ابن أبي الحديد أنه كان من أعداء علي عليه السلام
ومبغضيه وروى أنه كان يركب (فساق الحديث ثم قال) فلا اعتماد على روايته أصلا، ومنها روايته
عن أبي أيوب الأنصاري حديث ستة [أيام] من شوال).
2 - في تقريب التهذيب في باب الأنساب: (الواقدي محمد بن عمر) وفي
باب الأسماء منه: (محمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي المدني القاضي نزيل بغداد
متروك مع سعة علمه، من التاسعة مات سنة سبع ومائتين وله ثمان وستون / ق).
أقول: الواقدي أشهر من أن يحتاج إلى الترجمة، وترجمته مذكورة على وجه البسط
والتفصيل في أكثر كتب التراجم إلا أنا نذكر هنا ما قاله ابن النديم في الفهرست
وهو: (أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي مولى الأسلميين من سهم بني أسلم، وكان يتشيع،
حسن المذهب يلزم التقية، وهو الذي روى أن عليا عليه السلام كان من معجزات النبي صلى الله
عليه وآله كالعصا لموسى عليه السلام وإحياء الموتى لعيسى بن مريم عليه السلام وغير ذلك من
الأخبار، وكان من أهل المدينة، انتقل إلى بغداد وولي القضاء بها للمأمون بعسكر المهدي،
عالما بالمغازي والسير والفتوح واختلاف الناس في الحديث والفقه والأحكام والأخبار.
قال محمد بن إسحاق: قرأت بخط عتيق قال: خلف الواقدي بعد وفاته ستمائة
قمطر كتابا كل قمطر منها حمل رجلين، وكان له غلامان مملوكان يكتبان الليل والنهار، وقبل ذلك
بيع له كتب بألفي دينار قال محمد بن سعد كاتبه: أخبرني أبو عبد الله الواقدي أنه ولد
سنة ثلاثين ومائة، ومات عشية يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة سبع
ومائتين وله ثمان وسبعون سنة ودفن في مقابر الخيزران وصلى عليه محمد بن سماعة وله من
الكتب كتاب التاريخ والمغازي (إلى آخر ما قال)).
581

برسول الله (1) صلى الله عليه وآله ليلة العقبة فالعنوه. قال: فيلعنه أهل تلك القرية ثم يسير إلى
القرية الأخرى فيأمرهم بمثل ذلك. [وكان في أيام معاوية (2)].
ومنهم
مكحول (3)
عن الحسن بن الحر (4) قال: لقيت مكحولا فإذا هو مطبوع يعني مملوء

1 - قال الزمخشري في الأساس: (نخس الدابة ومنه النخاس، ونخسوا بفلان =
نخسوا دابته وطردوه قال:
الناخسين بمروان بذي خشب * والمقحمين على عثمان في الدار
أي نخسوا به من خلفه حتى سيروه في البلاد) وقال الفيومي في المصباح المنير: (نخست
الدابة نخسا من باب قتل = طعنته بعود أو غيره فهاج).
2 - هذه العبارة في شرح النهج فقط. أما الحديث فقال ابن أبي الحديد في
شرح النهج (ج 1، ص 371، س 7): (وكان زيد بن ثابت عثمانيا شديدا في ذلك وكان
عمر بن ثابت عثمانيا من أعداء علي عليه السلام ومبغضيه، وعمر بن ثابت هو الذي روى عن
أبي أيوب الأنصاري حديث ستة أيام من شوال، روى عن عمر أنه كان يركب (الحديث)) ونقله
المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب أصحاب النبي وعلي (ص 734، س 37).
3 - في تقريب التهذيب: (مكحول الشامي أبو عبد الله ثقة فقيه كثير الارسال
مشهور من الخامسة مات سنة بضع عشرة ومائة / م (4)).
أقول: ترجمته مذكورة مبسوطة في كتب العامة فمن أرادها فليراجعها وقال
المامقاني (ره) في تنقيح المقال: (مكحول غير مذكور في كتب رجالنا وإنما عده
أبو موسى من الصحابة واصفا له بمولى رسول الله، وذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج أنه
من المبغضين لأمير المؤمنين، وروى عن زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر قال: لقيت
(الحديث).
4 - في تقريب التهذيب: (الحسن بن الحر بن الحكم الجعفي أو النخعي الكوفي
أبو محمد نزيل دمشق من الخامسة مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة / قدس).
582

بغضا لعلي بن أبي طالب عليه السلام فلم أزل به حتى لان وسكن (1).
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة (2) قال: سمعت عليا عليه السلام وهو يقول: ما لقي أحد
من الناس ما لقيت، ثم بكى (3).

1 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي وعلي
(ص 735، س 2) وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 371، س 11) (وكان مكحول من المبغضين له عليه السلام روى زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر قال:
لقيت (فساق الحديث إلى آخره وقال) وروى المحدثون عن حماد بن زيد أنه قال:
أرى أن أصحاب علي أشد حبا له من أصحاب العجل لعجلهم، وهذا كلام شنيع، وروى عن
شبابة بن سوار: أنه ذكر عنده ولد علي عليه السلام وطلبهم الخلافة فقال: والله لا يصلون
إليها أبدا، والله ما استقامت لعلي ولا فرح بها يوما ما فكيف تصير إلى ولده؟! هيهات، هيهات،
لا والله لا يذوق طعم الخلافة من رضي بقتل عثمان).
2 - في تقريب التهذيب: (عبد الرحمن بن أبي بكرة نفيع [بالتصغير] بن الحارث
الثقفي ثقة من الثانية مات سنة ست وتسعين / ع) أي أخرج حديثه أصحاب الأصول الست.
وفي القاموس: (البكرة خشبة مستديرة في وسطها محز يستقى عليها أو المحالة السريعة
ويحرك (إلى أن قال) وأبو بكرة نفيع بن الحارث أو مسروح الصحابي تدلى يوم الطائف
من الحصن ببكرة فكناه صلى الله عليه وآله أبا بكرة) وفي تهذيب التهذيب: (روى
عن أبيه وعلي وعبد الله بن عمرو بن الأسود بن سريع (إلى آخر ما قال).
3 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 371، س 18):
(وروى عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: سمعت عليا (الحديث)
ونقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي وعلي (ص 735،
س 8) وأيضا في ذلك المجلد لكن في باب سائر ما جرى من الفتن (ص 682،
س 22).
583

قال: حدثنا فرات بن أحنف (1) قال: إن عليا عليه السلام خطب الناس فقال:
يا معشر الناس أنا أنف الهدى وعيناه وأشار بيده إلى وجهه، يا معشر الناس لا تستوحشوا
في طريق الهدى لقلة أهله (2) فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير وجوعها
طويل والله المستعان، يا معشر الناس إنما يجمع الناس الرضا والسخط، ألا وإنما

1 - قال ابن حجر في لسان الميزان: (فرات بن أحنف عن أبيه ضعفه النسائي
وغيره وهو من غلاة الشيعة وقال ابن نمير: كان من أولئك الذين يقولون: علي في السحاب،
حدث عنه عبد الواحد بن زياد انتهى وقال أبو حاتم الرازي: كوفي صالح الحديث،
وقال العجلي: ثقة، وقال عباس عن يحيى: ثقة، وقال أبو داود: ضعيف تكلم فيه سفيان وذكره
ابن شاهين في الثقات، وذكره ابن حبان في الضعفاء فقال: كان غاليا في التشيع لا تحل
الرواية عنه ولا الاحتجاج به).
أقول: هذا الرجل من غلاة الشيعة وضعفاء رواتهم فمن أراد الوقوف على ترجمته
بأكثر مما ذكر فليراجع تنقيح المقال وجامع الرواة ونظائرهما فإن المقام لا يسع البحث عن
ترجمته المبسوطة.
2 - نقل السيد الرضي - رضي الله عنه - قسمة من هذه الخطبة في باب الخطب من
نهج البلاغة بهذا العنوان (ج 2 شرح النهج الحديدي ص 589): (ومن كلام له عليه السلام:
أيها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير
وجوعها طويل، أيها الناس إنما يجمع الناس الرضا والسخط، وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد
فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا فقال سبحانه: فعقروها فأصبحوا نادمين).
584

عقر ناقة ثمود رجل واحد فأصابهم العذاب بنياتهم في عقرها (1) قال الله تعالى: فنادى
صاحبهم فتعاطى فعقر (2). فقال لهم نبي الله عن قول الله: ناقة الله وسقياها، فكذبوه
فعقروها (3). يا معشر الناس ألا فمن سأل (4) عن قاتلي فزعم أنه مؤمن فقد قتلني، [يا معشر
الناس من سلك الطريق ورد الماء (5)] يا معشر الناس ألا أخبركم بحاجبي الضلالة؟
تبدو مخازيها في آخر الزمان (6).
عن أبي عقيل (7) عن علي عليه السلام قال: اختلفت النصارى على كذا وكذا، واختلفت
اليهود على كذا وكذا، ولا أراكم أيتها الأمة إلا ستختلفون كما اختلفوا، وتزيدون
عليهم فرقة، ألا وإن الفرق كلها ضالة إلا أنا ومن اتبعني (8).
عن حبيش بن المعتمر (9) قال: دخلت على علي عليه السلام في صحن مسجد الكوفة فقلت:

1 - في البحار: (برضاهم بعقرها) وفي الأصل: (ببياتهم في عقرها) والصحيح ما
أثبتناه في المتن لروايات كثيرة واردة بعبارات مختلفة والمعنى فيها واحد وهو أن المرء يثاب
على قدر نيته وفي بعض الروايات على قدر هواه كما في نهج البلاغة (أهوى أخيك معنا؟)
وتدور الأعمال على النيات، وهو واضح.
2 - آية 29 من سورة القمر.
3 - قال الله تعالى في سورة الشمس: (كذبت ثمود بطغويها * إذا نبعث أشقاها *
فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها * فكذبوه فعقروها * فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها).
4 - كذا في الأصل لكن في البحار: (سأل) فسأل هنا بمعنى سأل كما صرحت به
في كتب اللغة.
5 - ما بين المعقوفتين زيد من البحار فإنه موجود فيه.
6 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب النوادر (ص 740،
س 24).
7 - لم نتمكن من تعيينه ويمكن أن ينطبق على من ذكره ابن أبي حاتم في
الجرح والتعديل بهذه العبارة: (أبو عقيل مولى لبني زريق، سمع عائشة، روى عنه
أبو بكر بن عثمان، سمعت أبي يقول ذلك).
8 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب النوادر (ص 740، س 29).
9 - كذا في الأصل وفي أمالي المفيد (في المجلس السابع والعشرين)، لكن
في المجلس التاسع والثلاثين منه (حبش من دون ياء) ففي تنقيح المقال: (حبش بن
المغيرة عده الشيخ (ره) في رجاله من أصحاب علي (ع) وظاهره كونه إماميا إلا أن حاله
مجهول وحبش بالحاء المهملة المفتوحة والباء الموحدة كذلك والشين المعجمة وفي
بعض النسخ: (المعتمر) بدل (المغيرة) وفي جامع الرواة: (حبش بن المغيرة
[المعتمر خ] (ى جخ) أي في نسخة بدل المغيرة (المعتمر) وذكره الشيخ في رجاله
من أصحاب علي (ع)).
585

كيف أمسيت يا أمير المؤمنين؟ قال: أمسيت محبا لمحبنا ومبغضا لمبغضنا فأمسى محبنا
مغتبطا بحبنا برحمة من الله ينتظرها، وأمسى عدونا يؤسس بنيانه على شفا جرف هار فكأن
ذلك الشفا قد أنهار به في نار جهنم، (1) وكأن أبواب الجنة قد فتحت لأهلها، فهنيئا
لأهل الرحمة رحمتهم، والتعس لأهل النار، ومن سره أن يعلم أمحبنا أو مبغضنا
فليمتحن قلبه بحبنا، إنه ليس عبد يحبنا إلا من خيره الله على حبنا (2) وليس من عبد
يبغضنا إلا من خيره على بغضنا، نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء، وأنا
وصي الأوصياء، وأنا من حزب الله وحزب رسوله، والفئة الظالمة حزب الشيطان
والشيطان منهم (3).
عن الحسن بن علي قال: سمعت عليا عليه السلام (4) يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
يرد علي أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي هكذا - وقرن بين السبابتين - ليس

1 - مأخوذ من آية 109 من سورة التوبة وهي: (أفمن أسس بنيانه على تقوى
من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم (الآية).
2 - في رواية المفيد في المجلس التاسع والثلاثين من أماليه بدل هذه
الفقرات هكذا: (يا حبيش من سره أن يعلم أمحب لنا أم مبغض فليمتحن قلبه، فإن كان يحب
ولينا فليس بمبغض لنا، وإن كان يبغض ولينا فليس بمحب لنا، إن الله تعالى أخذ ميثاقا
لمحبنا بمودتنا فكتب في الذكر اسم مبغضنا، نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء).
3 - نقله المجلسي (ره) في سابع البحار في باب ثواب حب الأئمة ونصرهم
(ص 375، س 17) وسيأتي له شرح ونظائر في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 65).
4 - كذا في الأصل لكن في البحار: (عن الحسن بن علي عن أبيه عليه السلام)
فكأن نسخته كانت كذلك أو غير العبارة لاستنباطه أن الراوي هو الحسن المجتبى عليه السلام.
586

بينهما فصل (1).
عن أبي الجحاف (2) عن رجل قد سماه قال: دخلوا على علي عليه السلام وهو في
الرحبة وهو على سرير قصير (3) قال: ما جاء بكم؟ قالوا: حبك وحديثك يا أمير المؤمنين،
قال: والله؟ قالوا: والله، قال: أما أنه من أحبني رآني حيث يحب أن يراني، ومن
أبغضني رآني حيث يبغض أن يراني. ثم قال: ما عبد الله أحد قبلي مع نبيه، إن
أبا طالب هجم علي وعلى النبي صلى الله عليه وآله وأنا وهو ساجدان ثم قال: أفعلتموها؟ ثم
قال لي: انصره انصره، فأخذ يحثني على نصرته وعلى معونته (4).

1 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب النوادر (ص 740، س 30).
2 - في تقريب التهذيب في باب الكنى: (أبو الجحاف بفتح الجيم وتثقيل
المهملة وآخره فاء اسمه داود) وقد ذكرنا ترجمته المذكورة في باب الأسماء منه فيما سبق
(أنظر ص 285) وقال الساروي في توضيح الاشتباه: (داود بن أبي عوف
بفتح المهملة وسكون الواو، أبو الجحاف بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء
المهملة المشددة البرجمي بضم الموحدة والجيم، الكوفي) فما ذكره المامقاني (ره)
في تنقيح المقال بقوله: (داود بن أبي عوف أبو الجحاف البرجمي الكوفي (إلى أن
قال) والحجاف بالحاء المهملة المفتوحة ثم الجيم المشددة والألف والفاء وزان
شداد وقد ضبطوه بذلك في باب الكنى، وزعم بعضهم أنه بالجيم ثم الحاء فإن صح كان لغة
في تقديم الجيم، والحجاف في الأصل بائع الحجف وهي الترس من جلود بلا خشب يسمى
به كثيرا) لا مورد له، ومما يؤكد صحة ما ذكرناه قول الفيروزآبادي: (الجحاف كشداد
محلة بنيسابور، وأبو الجحاف رؤبة بن الحجاج) فإنه صريح في أن الجحاف أيضا من
أسماء الرجال.
3 - في شرح النهج: (وهو على حصير خلق).
4 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب النوادر (ص 740، س 31)
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: (ج 1، ص 371، س 28): (وروى
أبو غسان النهدي قال: دخل قوم من الشيعة على علي (ع) في الرحبة وهو على حصير خلق
(فساق الحديث قريبا مما في المتن إلى أن قال) ثم قال [أي أبو طالب] لي وأنا غلام:
ويحك انصر ابن عمك، ويحك لا تخذله، وجعل يحثني على مؤازرته ومكانفته، فقال له
رسول الله: أفلا تصلي أنت معنا يا عم؟ فقال: لا أفعل يا ابن أخي لا تعلوني استي ثم
انصرف).
أقول: ذيل هذا الحديث الذي نقله ابن أبي الحديد غير موجود في كتب
الشيعة فكأنه من مفتريات العامة على شيخ الأباطح أبي طالب كافل رسول الله (ص) هتكا
لحرمته وحطا لكرامته ومنزلته نعوذ بالله من عمى القلب.
587

عن حبة (1) عن علي عليه السلام قال: لو صمت الدهر كله وقمت الليل كله وقتلت
بين الركن والمقام بعثك الله مع هواك بالغا ما بلغ، إن في جنة ففي جنة، وإن في
نار ففي نار (2).
وعنه عليه السلام: من أحبنا أهل البيت فليستعد عدة للبلاء (3).
وقال عليه السلام: يهلك في محب مفرط ومبغض مفتر (4).

1 - قد مرت الإشارة إلى ترجمته فيما سبق (أنظر ص 413).
2 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب النوادر (ص 740، س 33)
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 371، س 33): (وروى
جعفر بن الأحمر عن مسلم الأعور عن حبة العرني قال: قال علي (ع): من أحبني كان معي
أما إنك لو صمت الدهر (الحديث)).
3 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب النوادر (ص 740، س 34)
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 371، س 35): (وروى
جابر الجعفي عن علي (ع) أنه قال: من أحبنا (الحديث).
أقول: بناء على ما ذكره يكون رواية الجعفي عنه (ع) مرسلا.
4 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب النوادر (ص 740، س 35)
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 372، س 1): (وروى أبو الأحوص
عن أبي حيان عن علي (ع): يهلك في رجلان محب غال ومبغض قال).
أقول: نقله الرضي - رضي الله عنه - في باب المختار من الحكم من نهج البلاغة
بهذه العبارة: (هلك في رجلان محب غال ومبغض قال (ج 4 من شرح النهج الحديدي
ص 291)) ونقل السيد (ره) أيضا في النهج في باب المختار من الخطب ضمن
كلام له (ع) ما نصه: (سيهلك في صنفان، محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق،
ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس في حالا النمط الأوسط (ج 2
شرح النهج الحديدي، ص 306).
588

وقال عليه السلام: يهلك في ثلاثة، وينجو في ثلاثة، يهلك اللاعن والمستمع
المقر، والحامل للوزر، وهو الملك المترف يتقرب إليه بلعني، ويبرأ عنده من
ديني، وينتقص عنده حسبي، وإنما حسبي حسب النبي صلى الله عليه وآله، وديني دينه،
وينجو في ثلاثة، المحب الموالي، والمعادي من عاداني، والمحب من أحبني،
فإذا أحبني عبد أحب محبي وأبغض مبغضي وشايعني، فليمتحن الرجل قلبه، إن
الله لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه، فيحب بهذا ويبغض بهذا، فمن اشرب قلبه
حب غيرنا فألب علينا فليعلم أن الله عدوه وجبريل وميكال والله عدو للكافرين (1).
عن ربيعة بن ناجد (2) عن علي عليه السلام قال: دعاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي:
يا علي إن فيك من عيسى مثلا (3)، أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته
النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليست له (4).

1 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب النوادر (ص 740، س 35)
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 372، س 2): (وروى حماد بن
صالح عن أيوب عن كهمس عن علي قال: يهلك في ثلاثة (فنقل الحديث باختلاف يسير
في ذيله).
2 - قد مرت ترجمته في تعليقاتنا على الكتاب (أنظر ص 439).
3 - في شرح النهج: (لشبها) لكنه مخالف لما نقله في موضع آخر (ج 2، ص 308،
س 29) وهو: (وقد روى المحدثون أن رسول الله (ص) قال له (ع): فيك مثل من
عيسى بن مريم أبغضته اليهود فبهتت أمه، وأحبته النصارى فرفعته فوق قدره) ونقل أيضا
قبله رواية أخرى في هذا المعنى.
4 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب النوادر (ص 741، س 2)
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 372، س 6): (روى أبو صادق
عن ربيعة بن ناجد عن علي (ع) قال قال لي رسول الله (ص): إن فيك لشبها (الحديث)).
فليعلم أن المجلسي (ره) قد نقل هذه الروايات أعني رواية أبي غسان النهدي
ورواية جابر الجعفي ورواية أبي الأحوص ورواية حماد بن صالح ورواية أبي صادق أيضا
نقلا عن ابن أبي الحديد بعبارته في ثامن البحار قبيل ذلك (أنظر باب النوادر
ص 737).
589

وقال علي عليه السلام: إنه يهلك في محب مطر يقرظني بما ليس في، ومبغض مفتر
يحمله شنآني على أن يبهتني (1)، ألا وإني لست نبيا وألا يوحى إلي ولكني أعمل بكتاب
الله ما استطعت، فما أمرتكم به من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وفيما
كرهتم، وما أمرتكم به أو غيري من معصية الله فلا طاعة في المعصية، الطاعة في المعروف،
الطاعة في المعروف، ثلاثا (2).
عن محمد بن الحنفية قال: من أحبنا نفعه الله بحبنا ولو كان أسيرا بالديلم (3).

1 - في النهاية وتاج العروس: (في حديث علي - رضي الله عنه - يهلك في
رجلان، محب مفرط يقرظني بما ليس في، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني) وفي -
القاموس: (التقريظ مدح الإنسان وهو حي بحق أو باطل).
2 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب النوادر (ص 741، س 3).
3 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 372، س 5):
(وروى محمد بن الصلت عن محمد بن الحنفية قال: من أحبنا (الحديث) أما البحار
فلم أجد الحديث في مظانه منه لكن في المجلد السابع (ص 374، س 5):
(ب - [يريد به قرب الإسناد للحميري] ابن سعد عن الأزدي قال: قال أبو عبد الله ع):
من أحبنا نفعه الله بذلك ولو كان أسيرا في يد الديلم، ومن أحبنا لغير الله فإن الله يفعل به
ما يشاء (الحديث)).
590

مسير بسر بن أبي أرطاة (1) وغارته على المسلمين
وأهل الذمة وأخذه الأموال ورجوعه إلى الشام

1 - قال المؤرخ الشهير أبو محمد أحمد بن أعثم الكوفي المتوفى سنة 314
في كتاب الفتوح تحت عنوان (خبر أهل اليمن وتحريك شيعة عثمان بن عفان بها
وخلافهم على علي بن أبي طالب) (ج 4، ص 53) ما نصه: (قال: وتحركت شيعة
عثمان بن عفان وخالفوا عليا - رضي الله عنه - وأظهروا البراءة منه قال: وباليمن يومئذ
عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب من قبل علي بن أبي طالب وكان مقيما بصنعاء فأرسل إلى
جماعة من هؤلاء الذين خالفوا عليا فدعاهم ثم قال: يا هؤلاء ما هذا الذي أنتم فيه من السعي
في الفساد؟ وما أنتم والطلب بدم عثمان؟ وإنما أنتم قوم رعية وقد كنتم قبل اليوم لازمين
بيوتكم فلما سمعتم بذكر هذه الغارات رفعتم رؤوسكم وخالفتم علينا. قال: فقالوا: يا أمير
إنا لم نزل نرى مجاهدة من سعى على أمير المؤمنين عثمان بن عفان قال: وأمر عبيد الله بن
العباس بحبس رجال منهم فحبسوا، وبلغ ذلك قوما من أهل اليمن ممن كان يرى مخالفة علي
رضي الله عنه فكتبوا إلى عبيد الله بن عباس أن: خل سبيل من في سجنك من إخواننا، وإلا فلا طاعة
لك ولا لصاحبك علينا، قال: فأبى عبيد الله أن يخلي سبيلهم. قال: فاستعصى أهل اليمن
ومنعوا زكاة أموالهم وأظهروا العصيان، وكتب عبيد الله بن عباس بذلك إلى علي وأخبره
بما هم فيه أهل صنعاء من الخلاف والعصيان، فدعا على بيزيد بن أنس الأرحبي فقال: ألا ترى
إلى صنع قومك باليمن ومخالفتهم علي وعلى عاملي؟! فقال يزيد بن أنس: والله يا
أمير المؤمنين إن ظني بقومي لحسن في طاعتك، وإن شئت سرت إليهم بنفسي، وإن شئت كتبت
إليهم ونظرت ما يكون من جوابهم، فإن رجعوا إلى طاعتك وإلا سرت إليهم فكفيتك أمرهم
إن شاء الله، فقال علي: أكتب إليهم.
قال: ثم كتب علي رضي الله عنه:
أما بعد فقد بلغني جرمكم وشقاقكم واعتراضكم على عاملي بعد الطاعة والبيعة فاتقوا -
الله وارجعوا إلى ما كنتم عليه فإني أصفح عن جاهلكم وأحفظ قاصيكم وأقوم فيكم بالقسط،
وإن لم تفعلوا فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد.
قال: ثم بعث بكتابه هذا إليهم مع رجل من همذان يقال له: الحر بن نوف بن عبيد.
قال: فأقبل الهمذاني بالكتاب إلى أهل اليمن ثم صار إلى مدينة من مدنهم يقال لها
الجند، وأهل الجند قد كتبوا إلى معاوية وسألوه أن يوجه إليهم بأمير من قبله. قال:
فقدم عليهم رسول على فأقرأهم الكتاب ثم قال: اعلموا أن أمير المؤمنين عليا أراد يوجه
إليكم يزيد بن أنس في الخيل والرجال، ثم إنه لم يحب أن يعجل عليكم فاتقوا الله ربكم
ولا تفسدوا في أرضكم ولا تقاتلوا إمامكم قال: فتكلم قوم من كبرائهم فقالوا: يا هذا إنا
قد سمعنا كلامك فاذهب إلى علي رضي الله عنه فليبعث إلينا من شاء فإنا على بيعة أمير المؤمنين
عثمان بن عفان.
قال: ثم كتبوا إلى معاوية:
أما بعد يا أمير المؤمنين فالعجل العجل وجه إلينا من قبلك لنبايعك على يديه، وإلا كتبنا
إلى علي فاعتذرنا إليه مما كان منا والسلام.
خبر بسر بن [أبي] أرطاة الفهري
وما قتل من شيعة علي بن أبي طالب بأرض اليمن.
قال (فعندها دعا معاوية بسر بن أبي أرطاة الفهري وهو أحد فراعنة الشام
فعقد له عقدا وضم إليه أربعة آلاف رجل من نجبة رجال أهل الشام (القصة إلى آخرها)).
أقول (لولا خوف الإطالة لذكرت جميع كلماته هنا فإن فيها فوائد كما قد علم
مما نقلناه فمن أراد الاطلاع عليها فليراجع الكتاب (ج 4، ص 55 - 72).
ثم ليعلم أن بسرا قد ارتكب في مسيره هذا جنايات عظيمة ذكرها
أرباب التراجم والسير وكلهم اتفقوا على أنه ارتكب أمورا عظاما شنيعة وسنذكر ترجمته
في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 66).
591

عن أبي روق قال: كان الذي هاج معاوية (2) على تسريح بسر بن أبي أرطاة إلى

1 - تقدمت ترجمته (أنظر ص 423).
2 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج في شرح خطبة له عليه السلام التي
صدرها الرضي (ره) بقوله: (وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد
وقدم عليه عاملاه على اليمن وهما عبيد الله بن عباس وسعيد بن نمران لما غلب عليهما بسر بن
أبي أرطاة فقام (ع) على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد ومخالفتهم له في الرأي
فقال: ما هي إلا الكوفة (الخطبة، أنظر ص 116 ج 1 من شرح النهج): (فأما
خبر بسر بن أرطاة العامري من بني عامر لؤي بن غالب وبعث معاوية له ليغير على أعمال
أمير المؤمنين وما عمله من سفك الدماء وأخذ الأموال فقد ذكر أرباب السير أن الذي هاج
معاوية (القصة) وقال المجلسي (ره) في ثامن البحار في صدر باب سائري ما جرى
من الفتن من غارات أصحاب معاوية على أعماله عليه السلام (ص 669، س 33): (قال
عبد الحميد بن أبي الحديد: إن قوما بصنعاء كانوا من شيعة عثمان (فذكر القصة ملخصة مختصرة
قائلا بعدها في (ص 670، س 37).
أقول: وذكر الثقفي في كتاب الغارات مفصل القصص التي أوردناها
مجملة).
592

الحجاز واليمن أن قوما بصنعاء كانوا من شيعة عثمان يعظمون قتله لم يكن لهم نظام
ولا رأس فبايعوا لعلي عليه السلام على ما في أنفسهم، وعامل علي عليه السلام يومئذ على صنعاء
عبيد الله بن العباس، وعامله على الجند (1) سعيد بن نمران (2)، فلما اختلف الناس على علي

1 - في مراصد الاطلاع ((الجند بالتحريك ولاية باليمن، واليمن ثلاث ولايات
الجند ومخاليفها، وصنعاء ومخاليفها، وحضرموت ومخاليفها، والجند مدينة منها).
2 - في القاموس: (وسموا نمران بالكسر) ففي لسان الميزان: (سعيد بن
نمران عن أبي بكر الصديق وشهد اليرموك وكتب لعلي - رضي الله عنه - مجهول) وذكر
ابن حجر في الإصابة (في القسم الثالث) نحوه وزاد أشياء منها قوله: (ابن
أبي خيثمة عن سليمان بن أبي سيج: أراد مصعب أن يوليه القضاء فمنعه أخوه وكتب إليه أنه
من أصحاب علي) وفي تنقيح المقال: (سعيد بن نمران الهمداني الناعطي عده ابن
عبد البر من الصحابة كان كاتب أمير المؤمنين عليه السلام وهو من أصحاب حجر بن عدي الكندي
أرسله زياد فيمن أرسله إلى معاوية ليقتله فشفع فيه حمران بن مالك الهمداني فأطلقه، وفيه دلالة
على تشيعه وحسن حاله بل يمكن الحكم بعدالته بالنظر إلى ما ذكروه من كونه عامل علي (ع)
على الجند من أرض اليمن ثار به أهل اليمن عند غارة بسر بن أرطاة على الجند وصنعاء فأخرجوه
ولما قدم على أمير المؤمنين عاتبه على ترك القتال فزعم أنه قاتل لكن عبيد الله بن العباس وهو
عامله على صنعاء خذله وقال: إنا لا طاقة لنا بقتال القوم).
593

عليه السلام بالعراق وقتل محمد بن أبي بكر بمصر وكثرت غارات أهل الشام تكلموا ودعوا
إلى الطلب بدم عثمان [ومنعوا الصدقات وأظهروا الخلاف (1)] فبلغ ذلك عبيد الله بن
العباس فأرسل إلى ناس من وجوههم فقال: ما هذا الذي بلغني عنكم؟ - قالوا: إنا
لم نزل ننكر قتل عثمان ونرى مجاهدة من سعى عليه، فحبسهم، فكتبوا إلى من بالجند
من أصحابهم فثاروا بسعيد بن نمران فأخرجوه من الجند وأظهروا أمرهم وخرج
إليهم من كان بصنعاء، وانضم إليهم كل من كان على رأيهم، ولحق بهم قوم لم يكونوا
على رأيهم إرادة أن يمنعوا الصدقة.
فذكر من حديث أبي روق قال: والتقى عبيد الله وسعيد بن نمران ومعهما شيعة علي فقال ابن عباس لابن نمران:
والله لقد اجتمع هؤلاء وإنهم لنا لمقاربون ولئن قاتلناهم لا نعلم على من تكون الدائرة
فهلم فلنكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام بخبرهم وعددهم وبمنزلهم الذي هم به فكتبا
إلى علي عليه السلام:
أما بعد، فإنا نخبر أمير المؤمنين أن شيعة عثمان وثبوا بنا وأظهروا أن
معاوية قد شيد أمره (2) واتسق له أكثر الناس وإنا سرنا إليهم بشيعة أمير المؤمنين ومن
كان على طاعته وإن ذلك أحمشهم وألبهم فتعبوا لنا وتداعوا علينا من كل أوب،
ونصرهم علينا من لم يكن له رأي فيهم ممن سعى إلينا إرادة أن يمنع حق الله المفروض
عليه، وقد كانوا لا يمنعون حقا عليهم ولا يؤخذ منهم إلا الحق [فاستحوذ عليهم]
الشيطان فنحن في خير وهم منك في قفزة وليس يمنعنا من مناجزتهم إلا انتظار الأمر
من مولانا أمير المؤمنين أدام الله عزه وأيده وقضى بالأقدار الصالحة في جميع أموره
والسلام.

1 - في البحار فقط، وسره ما أشار إليه من تلخيصه القصة واختصاره إياها، وذلك أنه
يشير بالفقرتين إلى فقرات أسقطها فيما بعد من القصة.
2 - في الأصل: (قد اشتد أمره).
594

فلما وصل كتابهما ساء عليا عليه السلام وأغضبه فكتب إليهما:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبيد الله بن العباس وسعيد بن نمران، سلام
عليكما (1) فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإنه أتاني كتابكما
تذكران فيه خروج هذه الخارجة وتعظمان من شأنها صغيرا، وتكثران من
عددها قليلا، وقد علمت أن نخب أفئدتكما (2) وصغر أنفسكما وشتات رأيكما وسوء -
تدبيركما هو الذي أفسد عليكما من لم يكن عنكما نائما (3) وجرأ عليكما من كان عن
لقائكما جبانا، فإذا قدم رسولي عليكما فامضيا إلى القوم حتى تقرءا عليهم كتابي
إليهم وتدعواهم إلى حظهم وتقوى ربهم، فإن أجابوا حمدنا الله وقبلنا منهم (4)، وإن
حاربوا استعنا عليهم بالله ونبذناهم (5) على سواء إن الله لا يحب الخائنين والسلام عليكما.
عن الكلبي (6) أن عليا عليه السلام قال ليزيد بن قيس الأرحبي: ألا ترى إلى
ما صنع (7) قومك؟ فقال: إن ظني يا أمير المؤمنين بقومي لحسن في طاعتك فإن شئت
خرجت إليهم فكفيتهم، وإن شئت فكتبت إليهم فتنظر ما يجيبونك، فكتب إليهم
علي عليه السلام:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من شاق وغدر من
أهل الجند وصنعاء، أما بعد فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو الذي لا يعقب

1 - في شرح النهج والبحار: (سلام الله عليكما).
2 - قال المجلسي (ره) في بيان له للحديث (ص 670، س 31): (في
النهاية: فيه: بئس العون على الدين قلب نخيب وبطن رغيب، النخيب الجبان الذي
لا فؤاد له، وقيل: الفاسد العقل).
3 - في شرح النهج والبحار: (من لم يكن عليكما فاسدا).
4 - في شرح النهج والبحار: (قبلناهم).
5 - في شرح النهج والبحار: (ونابذناهم).
6 - في شرح النهج: (قالوا) والضمير يرجع إلى أصحاب السير المذكورة في صدر
القصة في كلام ابن أبي الحديد نفسه.
7 - كذا في شرح النهج لكن في الأصل: (لما صنع).
595

له حكم (1) ولا يرد له قضاء ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين، وقد بلغني تحزبكم (2)
وشقاقكم وإعراضكم عن دينكم وتوثبكم بعد الطاعة وإعطاء البيعة والألفة فسألت أهل
الحجى والدين الخالص والورع الصادق واللب الراجح عن بدء مخرجكم (3) وما نويتم
به وما أحمشكم (4) له فحدثت عن ذلك بما لم أر لكم في شئ منه عذرا مبينا ولا مقالا جميلا،
ولا حجة ظاهرة، فإذا أتاكم رسولي فتفرقوا وانصرفوا إلى رحالكم أعف عنكم واتقوا
الله وارجعوا إلى الطاعة أصفح عن جاهلكم وأحفظ عن قاصيكم (5) وأقوم (6) فيكم بالقسط
وأعمل فيكم بكتاب الله، وإن أبيتم ولم تفعلوا فاستعدوا لقدوم جيش (7) جم الفرسان عريض (8)
الأركان، يقصد لمن طغى وعصى فتطحنوا طحنا كطحن الرحى، فمن أحسن (9) فلنفسه
ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد (10) ألا فلا يحمد حامد إلا ربه، ولا يلم لائم إلا نفسه،
والسلام عليكم.

1 - قال المجلسي (ره): (قوله: لا يعقب له حكم، تضمين لقوله تعالى: لا معقب
لحكمه، وقال البيضاوي: أي لا راد له وحقيقته الذي يعقب الشئ بالإبطال ومنه قيل لصاحب
الحق معقب لأنه يقفو غريمه للاقتضاء (انتهى).
2 - في شرح النهج: (تجرؤكم) يقال: (تحزبوا أي صاروا أحزابا وتجمعوا).
3 - في شرح النهج: (محرككم).
4 - قال المجلسي (ره): (أحمشت الرجل = أغضبته).
5 - في الأصل وشرح النهج: (أحفظ قاصيكم) قال المجلسي (ره): (قوله (ع)
وأحفظ عن قاصيكم أي أذب وأدفع عن حريم من بعد وغاب. قال في القاموس: المحافظة
الذب عن المحارم، والحفيظة الحمية والغضب وقال: قصا عنه بعد وهو قصي وقاص).
6 - كذا مرفوعا في الأصل والبحار ولم يذكر في شرح النهج.
7 - في الأصل: (لقدوم القوم (معرفا باللام).
8 - في شرح النهج والبحار: (عظيم).
9 - في الأصل: (ألا أنه من أحسن).
10 - قال الله تعالى: (من عمل صالحا فلنفسه (إلى آخر آية 46 من سورة فصلت).
596

[ووجه الكتاب مع رجل من همدان (1)] فقدم رسول علي عليه السلام بالكتاب
فلم يجيبوه إلى حين (2). فقال لهم: إني تركت أمير المؤمنين يريد أن يوجه إليكم
يزيد بن قيس في جيش كثيف فلم يمنعه إلا انتظار ما يأتيه من قبلكم، فشاع ذلك في شيعة
عثمان فقالوا: نحن سامعون مطيعون إن عزل عنا هذين الرجلين عبيد الله وسعيدا.
قال: فرجع الرسول من عندهم (3) إلى علي عليه السلام فأخبره خبر القوم.
وجاء على بقية ذلك (4) أن معاوية قد سرح بسر بن أبي أرطاة لعنه الله.
قال عبد الله بن عاصم (5) حدثت: أن تلك العصابة حين بلغهم أن عليا يوجه إليهم
يزيد بن قيس بعثوا إلى معاوية يخبرونه وكتبوا إليه كتابا فيه:
معاوي إلا تسرع السير نحونا * نبايع عليا أو يزيد اليمانيا (6)

1 - ما بين المعقوفتين زيد من شرح النهج والبحار.
2 - صحفت الكلمة في شرح النهج والبحار فبدلت بلفظة (بخير).
3 - في الأصل: (عندهما) فكأنه إشارة إلى عبيد الله وسعيد أو إلى أهل الجند
وأهل صنعاء.
4 - إشارة إلى اختلاف الروايات وأن ما يذكر بعد ذلك ليس في رواية الكلبي.
5 - في تقريب التهذيب: (عبد الله بن عاصم الحماني بكسر المهملة وتشديد -
الميم أبو سعيد البصري صدوق من التاسعة. ق).
أقول: الرجل من رجال الشيعة وله روايات في كتبنا (راجع جامع الرواة
وتنقيح المقال).
6 - المراد بقولهم (يزيد اليمانيا) يزيد بن قيس الأرحبي وذلك أن أرحب قبيلة من
همدان وهمدان من قبائل اليمن ففي القاموس: (وبنو رحب محركة بطن من همدان،
وأرحب قبيلة منهم أو فحل أو مكان، ومنه النجائب الأرحبيات) وقال في (همد):
(وهمدان قبيلة باليمن) ففي تاج العروس في شرحه: (همدان بفتح فسكون قبيلة باليمن
من حمير (إلى آخر ما قال)) ومما يصحح المدعى ويشهد له ما مر في رواية الكلبي أن
عليا (ع) قال ليزيد بن قيس الأرحبي عند سماعه ما حدث باليمن من خروج اليمانية: (ألا ترى
إلى ما صنع قومك) ويريد (ع) به ما صنع أهل الجند وصنعاء.
وأما قوله (اليمانيا) ففي تاج العروس: ([وهو يمني] على القياس [و
يماني] بتشديد الياء نقله سيبويه عن بعضهم وأنشد لامية بن خلف الهذلي:
يمانيا يظل يشد كيرا * وينفخ دائبا لهب الشواظ
قال شيخنا رحمه الله تعالى: والأكثر على منع التشديد مع ثبوت الألف لأنه جمع بين
العوض والمعوض، وأجاب عنه الشيخ ابن مالك بأنه قد يكون نسبة منسوب (ويمان) مخففة و
هو من نادر النسب وألفه عوض عن الياء ولا يدل على ما يدل عليه الياء إذ ليس حكم العقيب
أن يدل على ما يدل عليه عقيبه دائما، وقوم يمانية ويمانون مثل ثمانية وثمانون، وامرأة يمانية أيضا).
597

فلما قدم الكتاب إلى معاوية دعا بسر بن أبي أرطاة [وكان قاسي القلب، سفاكا
للدماء، لا رأفة عنده ولا رحمة (1)] فوجهه إلى اليمن وأمره أن يأخذ طريق الحجاز
والمدينة ومكة [حتى ينتهي إلى اليمن] وقال له: لا تنزل على بلد أهله على طاعة علي
إلا بسطت عليهم لسانك حتى يروا أنهم لا نجاة (2) لهم [منك] وأنك محيط بهم، ثم
اكفف عنهم وادعهم إلى البيعة لي، فمن أبى فاقتله، واقتل شيعة علي حيث كانوا.
ومن وجه آخر (3) عن يزيد بن جابر الأزدي (4) قال: سمعت عبد الرحمن بن

1 - ما بين المعقوفتين غير موجود في الأصل لكنه موجود في شرح النهج والبحار.
2 - في الأصل: (لا نجال) وفى شرح النهج: (لا نجاء) وفى الفتوح بن أعثم الكوفي
(ج 4، ص 56، س 5): (حتى يظنوا أنك محيط بهم ولا نجاة لهم منك).
3 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 117، س 12):
(وروى إبراهيم بن هلال الثقفي في كتاب الغارات عن يزيد بن جابر الأزدي
قال: سمعت عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري يحدث (الحديث)) فكأنه يريد بهذه العبارة
أن هذه الرواية ذكرها صاحب الغارات فإنه روى الروايات السابقة عن أرباب السير وصرح
به بلفظة (قالوا) وقال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 670، س 12): (وفي رواية أخرى: بعث بسرا في ثلاثة آلاف (الحديث)
وهو أيضا إشارة إلى ما ذكرنا من تحول النقل واختصاصه بصاحب الغارات فإنه (ره) نقل
الروايات السابقة عن ابن أبي الحديد.
4 - لم نجد بهذا العنوان أحدا في مظانه لكن في لسان الميزان: (يزيد بن جابر
عن أبي هريرة، وعنه مكحول حديثه في الكامل في ترجمة محمد بن القاسم الأسدي (إلى آخر
ما قال)).
598

مسعدة الفزاري (1) يحدث في خلافة عبد الملك بن مروان قال: لما دخلت سنة أربعين
تحدث الناس بالشام أن عليا عليه السلام يستنفر الناس بالعراق فلا ينفرون معه، وتذاكروا
أن قد اختلفت أهواؤهم ووقعت الفرقة بينهم. قال: فقمت في نفر من أهل الشام إلى
الوليد بن عقبة فقلنا له: إن الناس لا يشكون في اختلاف الناس على علي بالعراق،
فادخل إلى صاحبك فمره فليس بنا إليهم قبل أن يجتمعوا بعد تفرقهم أو يصلح لصاحبهم
منهم ما قد فسد عليه من أمرهم. قال: فقال: بلى لقد قاولته على ذلك وراجعته وعاتبته
حتى لقد برم بي واستثقل طلعتي، وأيم الله على ذلك ما أدع أن أبلغه ما مشيتم به إلي.
فدخل عليه فخبره بمجيئنا إليه ومقالتنا له، فأذن لنا، فدخلنا عليه فقال:
ما هذا الخبر الذي جاءني به عنكم الوليد؟ فقلنا: هذا خبر في الناس سائر، فشمر
للحرب، وناهض الأعداء، واهتبل الفرصة، واغتنم الغرة، فإنك لا تدري متى تقدر من
عدوك على مثل حالهم التي هم عليها، وأن تسير إلى عدوك أعزلك من أن يسيروا
إليك، واعلم والله أنه لولا تفرق الناس عن صاحبك لقد نهض إليك، فقال لنا:
ما أستغني عن رأيكم ومشورتكم ومتى أحتج إلى ذلك منكم أدعكم، إن هؤلاء الذين
تذكرون تفرقهم على صاحبهم واختلاف أهوائهم لم يبلغ ذلك عندي بهم أن أكون
أطمع في استئصالهم واجتياحهم إلى أن أسير إليهم مخاطرا بجندي لا أدري علي تكون
الدائرة أم لي؟ فإياكم واستبطائي فإني آخذ بهم في وجه هو أرفق بكم وأبلغ في
هلاكهم قد شننت عليهم الغارات في كل جانب، فخيلي مرة بالجزيرة ومرة بالحجاز
وقد فتح الله فيما بين ذلك مصر، فأعز بفتحها ولينا وأذل به عدونا، فأشراف أهل
العراق لما يرون من حسن صنيع الله لنا يأتوننا على قلائصهم (2) في كل يوم، وهذا
مما يزيدكم الله به وينقصهم، ويقويكم ويضعفهم، ويعزكم ويذلهم، فاصبروا
ولا تعجلوا، فإني لو رأيت فرصتي لاهتبلتها.

1 - قد مر الكلام عليه في تعليقاتنا على الكتاب (أنظر ص 418).
2 - في المصباح المنير: (القلوص من الإبل بمنزلة الجارية من النساء وهي
الشابة، والجمع قلص بضمتين، وقلاص بالكسر، وقلائص).
599

فخرجنا من عنده ونحن نعرف الفضل فيما ذكر فجلسنا ناحية وبعث معاوية
عند مخرجنا من عنده إلى بسر بن أبي أرطاة من بني عامر بن لؤي فبعثه في ثلاثة آلاف
وقال: سر حتى تمر بالمدينة فاطرد الناس وأخف من مررت به، وانهب أموال كل من
أصبت له مالا ممن لم يكن يدخل في طاعتنا، فإذا دخلت المدينة فأرهم أنك تريد
أنفسهم وأخبرهم أنه لا براءة لهم عندك ولا عذر حتى إذا ظنوا أنك موقع بهم فاكفف
عنهم ثم سر حتى تدخل مكة ولا تعرض فيها لأحد، وأرهب الناس فيما بين المدينة
ومكة، واجعلهم شردات (1) حتى تأتي صنعاء والجند (2) فإن لنا بهما شيعة وقد جاءني
كتابهم.
فخرج بسر بن أبي أرطاة في ذلك البعث حتى أتى دير مران (3) فعرضهم (4) فسقط
منهم أربعمائة ومضي في ألفين وستمائة، فقال الوليد بن عقبة: أرينا معاوية برأينا أن

1 - في الأصل: (سروات) (بالسين والراء المهملتين بعدهما واو) وفي
شرح النهج: (شرودات) فقال المجلسي (ره): (قوله: شردات، لم يذكر في اللغة
هذا الجمع، والشرد التفريق، وفي بعض النسخ: سروات، جمع سراة الطريق أي
وسطه كناية عن جعلها خرابا خالية عن أهلها).
أقول: على ما ذكره قدس سره الأولى أن يقال: هو كناية عن جعلهم غير قارين
في أوطانهم وفارين في السبل إلى غيرها فكأن معاوية يريد: اجعلهم عابري سبل وسالكي
طرق، أي أزعجهم عن ديارهم وشردهم عن أوطانهم حتى يتخذوا سبلا ويسلكوا طرقا إلى غيرها
لكي يتخلصوا من الشر المتوجه إليهم والبلاء النازل بهم، وينجوا من الخطر الذي يقصدهم.
2 - قال المجلسي (ره): (قال في القاموس: الجند بالتحريك بلد باليمن).
3 - في مراصد الاطلاع: (دير مران بضم أوله تثنية مر بالقرب من دمشق على
تل مشرف على مزارع الزعفران، ودير مران أيضا على الجبل المشرف على كفر طاب قرب
المعرة، به قبر عمر بن عبد العزيز مشهور يزار به).
4 - في المصباح المنير: (عرضت الجند أمررتهم ونظرت إليهم لتعرفهم) وفي
أقرب الموارد: (عرض الجند عرض عين أمرهم عليه ونظر حالهم يعني أمرهم على بصره
ليعرف من غاب منهم ومن حضر).
600

يسير إلى الكوفة فبعث الجيش إلى المدينة فمثلنا ومثله كما قال الأول: أريها السها
وتريني القمر (1) فبلغ ذلك معاوية فغضب عليه وقال: والله لقد هممت بمساءة (2) هذا الأحمق
الذي لا يحسن التدبير ولا يدري سياسة الأمور ثم إنه كف عنه (3).

1 - في الصحاح: (السها كوكب خفي في بنات نعش الكبرى والناس يمتحنون
به أبصارهم، وفي المثل: أريها السها وتريني القمر) قال الزمخشري في المستقصى:
(أريها السها وتريني القمر هو كوكب صغير خفي في نجوم بنات نعش وأصله أن رجلا
كان يكلم امرأة بالخفي الغامض من الكلام وهي تكلمه بالواضح البين، فضرب السها والقمر
مثلا لكلامه وكلامها، يضرب لمن اقترح على صاحبه شيئا فأجابه بخلاف مراده قال:
شكونا إليه خراب السواد * فحرم فينا لحوم البقر
فكنا كما قال من قبلنا: * أريها السها وتريني القمر)
وقال أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال: (قولهم: أريها السها
وتريني القمر، المثل لابن العز وكان عظيم الذكر فإذا واقع امرأة لم تملك عقلها، فأنكرت
امرأة ذلك وقالت: سأجرب ذلك، فلما واقعها قال لها: أترين السهى؟ وهو كوكب
صغير في بنات نعش قالت: هاهوذا، وأشارت إلى القمر، فضحك وقال: أريها السهى
وتريني القمر.
فلما كان أيام الحجاج شكى إليه خراب السواد فحرم لحوم البقر فقال بعض الشعراء:
شكونا إليه (إلى آخر البيتين)) وفي مجمع البحرين: (فيه ذكر السهى بالقصر
وضم السين وهو كوكب صغير قريب من النجم الأوسط من الأنجم الثلاثة من بنات نعش
ويسمى أسلم، والعرب تسميه السهى، والناس يمتحنون به أبصارهم) وفي أقرب الموارد:
(السها والسهى بالألف والياء كوكب (إلى آخر ما قال).
2 - كذا في شرح النهج وفي الأصل: (بإسناده) ولعلها كانت في الأصل: (بإساءة).
3 - قال ابن أبي الحديد هنا: (قلت: الوليد كان لشدة بغضه عليا عليه السلام
القديم التالد لا يرى الأناة في حربه ولا يستصلح الغارات على أطراف بلاده ولا يشفى غيظه
ولا يبرد حزازات قبله إلا باستئصاله نفسه بالجيوش وتسييرها إلى دار ملكه وسرير خلافته
وهي الكوفة وأن يكون معاوية بنفسه هو الذي يسير بالجيوش إليه ليكون ذلك أبلغ في
هلاك علي عليه السلام واجتثاث أصل سلطانه، ومعاوية كان يرى غير هذا الرأي ويعلم أن السير
بالجيش للقاء علي (ع) خطر عظيم فاقتضت المصلحة عنده وما يغلب على ظنه من حسن التدبير
أن يثبت بمركزه بالشام في جمهور جيشه، ويسرب الغارات على أعمال علي (ع) وبلاده فتجوس
خلال الديار وتضعفها فإذا أضعفها بيضة ملك علي (ع) لأن ضعف الأطراف يوجب
ضعف البيضة وإذا أضعفت البيضة كان على بلوغ إرادته والمسير حينئذ إن استصوب المسير أقدر.
ولا يلام الوليد على ما نفسه فإن عليا عليه السلام قتل أباه عقبة بن أبي معيط صبرا
يوم بدر، وسمي الفاسق بعد ذلك في القرآن لنزاع وقع بينه وبينه، ثم جلده الحد
في خلافة عثمان، وعزله عن الكوفة وكان عاملها، وببعض هذا عند العرب أرباب الدين
والتقى تستحل المحارم وتستباح الدماء ولا تبقى مراقبة في شفاء الغيظ لدين ولا لعقاب ولا
لثواب فكيف الوليد المشتمل على الفسوق والفجور مجاهرا بذلك؟! وكان من المؤلفة قلوبهم،
مطعونا في دينه، مرميا بالإلحاد والزندقة).
أقول: قد تقدم في باب (من انتقص عليا عليه السلام وعاداه) ترجمته وأنه كان من
أعداء النبي وأمير المؤمنين عليهما السلام) (أنظر ص 518 و 519).
601

ثم سار بسر بن أبي أرطاة (1) [بمن تخلف معه من جيشه (2)] وكانوا إذا وردوا ماء
أخذوا إبل أهل ذلك الماء فركبوها (3) وقادوا خيولهم حتى يردوا الماء الآخر فيردون
تلك الإبل فيركبون إبل هؤلاء (4) فلم يزل يصنع ذلك حتى قرب من المدينة.
[قال: وقد روي أن قضاعة استقبلتهم ينحرون لهم الجزر حتى دخلوا المدينة (5)].
وعامل علي عليه السلام على المدينة يومئذ أبو أيوب الأنصاري فخرج عنها هاربا
ودخل بسر المدينة فخطب الناس وشتمهم وتهددهم يومئذ وتوعدهم وقال: شاهت
الوجوه، إن الله ضرب مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا (الآية) (6) وقد

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 118، س 11):
(قال إبراهيم بن هلال: روى عوانة عن الكلبي ولوط بن يحيى أن بسرا سار (الحديث).
2 - في شرح النهج فقط.
3 - في الأصل: (أخذوا إبلهم فركبها أصحابه).
4 - في الأصل: (فيردون الأول بالأول فيركبون إبلهم).
5 - ما بين المعقوفتين في شرح النهج فقط.
6 - مأخوذ من آية 112 سورة النحل.
602

أوقع الله ذلك المثل بحكم وجعلكم أهله، كان بلدكم مهاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنزله
وفيه قبره ومنازل الخلفاء من بعده، فلم تشكروا نعمة ربكم ولم ترعوا حق أئمتكم (1)
وقتل خليفة الله بين أظهركم فكنتم بين قاتل وخاذل وشامت ومتربص، إن كانت
للمؤمنين قلتم: ألم نكن معكم، وإن كان للكافرين نصيب قلتم: ألم نستحوذ عليكم
ونمنعكم من المؤمنين (2) ثم شتم الأنصار فقال: يا معاشر اليهود وأبناء العبيد بني زريق (3)
وبني النجار وبني سالم وبني عبد الأشهل (4) أما والله لأوقعن بكم وقعة تشفي غليل
صدور المؤمنين وآل عثمان، أما والله لأدعنكم أحاديث كالأمم السالفة، فتهددهم
حتى خاف الناس أن يوقع بهم ففزعوا إلى حويطب بن عبد العزى (5) ويقال: إنه زوج
أمه فصعد إليه المنبر فناشده وقال: عشيرتك وأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وليسوا بقتلة
عثمان فلم يزل به حتى سكن فدعا الناس إلى بيعة معاوية فبايعوا، ونزل بسر فأحرق
دورا، أحرق دار (6) زرارة بن جرول أحد بني عمرو بن عوف (7)، ودار رفاعة بن رافع

1 - في شرح النهج: (حق نبيكم).
3 - مأخوذ من قول الله تعالى: (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله
قالوا: ألم نكن معكم الآية (وهي آية 141 من سورة النساء).
3 - في الأصل: (بني ذبيان).
4 - في الأصل: (بني زريق).
5 - في الإصابة: (حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود العامري أبو محمد
أو أبو الأصبغ أسلم عام الفتح وشهد حنينا وكان من المؤلفة، وجدد أنصاب الحرم في عهد
عمر (إلى أن قال) ثم قدم حويطب المدينة فنزلها إلى أن مات وباع داره بمكة من معاوية
بأربعين ألف دينار فاستكثرها بعض الناس فقال حويطب: وما هي لمن عنده خمس من -
العيال؟! (إلى آخر ما قال).
أقول: ترجمته موجودة في طبقات ابن سعد وخليفة بن الخياط وغيرهما.
6 - في شرح النهج: (فأحرق دورا كثيرا منها دار).
7 - في شرح النهج: (حرون) ففي الاشتقاق عند ذكره بطون الأوس ورجالها:
(ومن بني عزيز بن مالك جرول بن مالك بن عمرو بن عزيز، وابنه زرارة بن جرول الذي
هدم داره بسر بن أرطاة وداره بالمدينة وكان فيمن وثب على عثمان) وفي الإصابة في
ترجمة أبيه: (جرول ويقال: جرو، بن مالك بن عمرو بن عزيز بن مالك بن عوف بن
عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري، ذكره ابن الكلبي، وأن بسر بن أبي أرطاة
هدم دار ولده زرارة بن جرول بالمدينة لما غزاها من قبل معاوية في أواخر خلافة علي -
رضي الله عنه - لأنه كان ممن أعان على عثمان) (أنظر ص 440).
603

الزرقي (1)، ودار أبي أيوب الأنصاري (2) وفقد جابر بن عبد الله فقال: ما لي لا أرى جابرا
يا بني سلمة؟ - (3) لا أمان لكم عندي أو تأتوني بجابر (4) بن عبد الله الأنصاري فعاذ جابر

1 - في تنقيح المقال: (رفاعة بن رافع الخزرجي الزرقي عده الشيخ (ره)
أي رجاله تارة من أصحاب رسول الله (ص) وأخرى بإضافة (الأنصاري) إليه من أصحاب
علي (ع) وعده الثلاثة من الصحابة يكنى أبا معاذ، شهد بدرا والخندق والمشاهد كلها
وبيعة الرضوان، وشهد مع أمير المؤمنين (ع) الجمل وصفين، وله في الجمل خطبة وكلام
مذكور في كتب السير، ويظهر مما نقله ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي في كتابه
نقض كتب العثمانية لأبي عثمان الجاحظ أنه من عرفاء الشيعة وعلمائهم والمعروفين منهم
بالتمسك بدين الحق كعمار وأبي أيوب وابن التيهان قال: قال أبو جعفر: اجتمعت الصحابة
في مسجد رسول الله (ص) بعد قتل عثمان للنظر في أمر الإمامة فأشار عليهم أبو الهيثم بن التيهان
ورفاعة بن رافع ومالك بن العجلان وأبو أيوب الأنصاري وعمار بن ياسر بعلي عليه السلام
وذكروا فضله وسابقته وجهاده وقرابته فأجابهم الناس إليه، فقام كل واحد منهم خطيبا يذكر
فضل علي (ع) فمنهم من فضله على أهل عصره خاصة، ومنهم من فضله على المسلمين كافة، ثم
بويع).
2 - هو صاحب منزل رسول الله (ص) المستغنى عن الترجمة.
3 - قال ابن الأثير في اللباب: (السلمي بفتح السين واللام وفي آخرها
ميم، هذه النسبة إلى سلمة بكسر اللام بطن من الأنصار وهو سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن
ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج كذلك ينسب النحويون بفتح اللام والمحدثون يكسرونه
ينسب إليها كثير من الصحابة فمن بعدهم، منهم عبد الله بن عمرو بن حرام السلمي وابنه
جابر بن عبد الله (إلى آخر ما قال)) وذكر النووي في تهذيب الأسماء في ترجمة جابر
ما يقرب من هذا المعنى وصرح بأنه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بالراء ابن عمرو بن
سواد بن سلمة بكسر اللام ابن سعد (إلى آخر ما قال) وأما شرح حاله فهو كسابقه مستغن
عن البيان.
4 - في الأصل: (أو يأتيني جابر) فليعلم أن الطبري ذكر قصة غارة بسر
مختصرة في وقائع سنة أربعين وقال بالنسبة إلى هذا الجزء من القصة ما نصه: (ثم بايع
أهل المدينة وأرسل إلى بني سلمة فقال: والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني
بجابر بن عبد الله فانطلق جابر إلى أم سلمة زوج النبي (ص) فقال لها: ماذا ترين؟ إني قد
خشيت أن أقتل وهذه بيعة ضلالة؟ قالت: أرى أن تبايع فإني قد أمرت ابني عمر أن يبايع
وأمرت ختني عبد الله بن زمعة أن يبايع، فأتاه جابر فبايعه وهدم دورا بالمدينة ثم مضى) ونقل
ابن الأثير في الكامل نحوه وقال في آخر القصة: (سلمة بكسر اللام بطن من الأنصار).
604

بأم سلمة - رضي الله عنها - فأرسلت إلى بسر بن [أبي] أرطاة، فقال: لا أؤمنه حتى يبايع،
فقالت له أم سلمة: اذهب: فبايع وقالت لابنها عمر (1): اذهب، فبايع، فذهبا فبايعا.

1 - في الأصل: (لابنها المحمير) ففي الاستيعاب: (عمر بن أبي سلمة بن عبد
الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي ربيب رسول الله (ص)
أمه أم سلمة المخزومية أم المؤمنين يكنى أبا حفص، ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض
الحبشة وقيل: إنه كان يوم قبض رسول الله (ص) ابن تسع سنين، وشهد مع علي رضي الله
عنه الجمل، واستعمله علي (رض) على فارس وبحرين، وتوفي بالمدينة في خلافة عبد الملك -
بن مروان سنة ثلاث وثمانين، حفظ عن رسول الله (ص) وروى عنه أحاديث، وروى عنه
سعيد بن المسيب وأبو أمامة بن سهل بن حنيف وعروة بن الزبير) وفي تنقيح المقال
بعد نقله (ره) أن الشيخ الطوسي (ره) عده في رجاله تارة من أصحاب رسول الله (ص)
وأخرى من أصحاب أمير المؤمنين (ع) ونقل ما ورد عن غيرهما: (روى السيد
الرضي (ره) في نهج البلاغة أن عليا (ع) عزله عن البحرين وولى النعمان بن عجلان الزرقي
مكانه وكتب له معه: أما بعد فإني قد وليت النعمان بن الزرقي على البحرين ونزعت يدك
بلا ذم لك ولا تثريب عليك، فلقد أحسنت الولاية وأديت الأمانة، فأقبل غير ظنين ولا ملوم ولا
متهم ولا مأثوم، فقد أردت المسير إلى الظلمة أهل الشام وأحببت أن تشهد معي فإنك ممن
أستظهر به على جهاد العدو وإقامة عمود الدين إن شاء الله تعالى. وعده الثلاثة أعني ابن -
عبد البر وأبا نعيم وابن مندة أيضا من الصحابة ووصفوه بالقرشي المخزومي ربيب رسول الله
(إلى آخر ما قال)).
605

عن وهب بن كيسان (1) قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: بعث معاوية بسر بن
أبي أرطاة إلى المدينة ليبايع أهلها على راياتهم وقبائلهم فجاءته بنو سلمة فقال: أفيهم
جابر؟ - قالوا: لا، قال: فليرجعوا فإني لست مبايعهم حتى يحضر جابر، قال:
فأتاني قومي فقالوا: ننشدك الله لما انطلقت معنا، فبايعت، فحقنت دمك ودماء قومك
فإن لم تفعل ذلك قتلت مقاتلينا وسبيت ذريتنا، قال: فاستنظرتهم الليل (2) فأتيت
أم سلمة زوجة النبي فأخبرتها الخبر، فقالت: يا بني (3) انطلق فبايع [احقن دمك
ودماء قومك فإني قد أمرت ابن أخي أن يذهب فيبايع (4)] وأني لأعلم أنها بيعة ضلالة.
قال: فأقام بسر أياما (5) ثم قال لهم: إني قد عفوت عنكم و [إن (6)] لم تكونوا
لذلك بأهل، ما قوم قتل إمامهم بين ظهرانيهم (7) بأهل أن يكف عنهم العذاب، ولئن

1 - في تقريب التهذيب: (وهب بن كيسان القرشي مولاهم أبو نعيم المدني
المعلم ثقة من كبار الرابعة مات سنة سبع وعشرين، أخرج حديثه جميع أصحاب الأصول الست)
وصرح في تهذيب التهذيب في ترجمته بأنه (روى عن جابر).
أما الحديث فقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 118، س 27):
(قال إبراهيم: وروى الوليد بن كثير عن وهب بن كيسان قال: سمعت جابر بن عبد الله
الأنصاري يقول: لما خفت بسرا وتواريت عنه قال لقومي: لا أمان لكم عندي حتى يحضر
جابر (الحديث).
2 - في شرح النهج: (فاستنظرتهم الليل فلما أمسيت دخلت على أم سلمة).
3 - هذا التعبير نظرا إلى أن أزواج النبي (ص) أمهات المؤمنين بنص القرآن المجيد
ففي سورة الأحزاب: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) والتصغير
للتحبب والتحنن والاستعطاف والتكريم.
4 - ما بين المعقوفتين من شرح النهج.
5 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 118، س 31):
(قال إبراهيم: فأقام بسر بالمدينة أياما (الحديث)).
6 - في شرح النهج فقط.
7 - في القاموس: (هو بين ظهرهم وبين ظهرانيهم ولا تكسر النون وبين أظهرهم
أي وسطهم وفي معظمهم) وفي تاج العروس: (كل ما كان في وسط شئ ومعظمه
فهو بين ظهريه وظهرانيه وروى الأزهري عن الفراء: فلان بين ظهرينا وظهرانينا وأظهرنا
بمعنى واحد قال: ولا يجوز بين ظهرانينا بكسر النون) وفي النهاية: (وفيه: فأقاموا
بين ظهرانيهم وبين أظهرهم، قد تكررت هذه اللفظة في الحديث، والمراد بها أنهم أقاموا
بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد لهم، وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيدا ومعناه أن
ظهرا منهم قدامه وظهرا منهم وراءه فهو مكنوف من جانبيه ومن جوانبه إذا قيل: بين
أظهرهم، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا) وفي مجمع البحرين بعد
ذكره: (ويقال: هو بين ظهريهم وظهرانيهم، بفتح النون ولا تقل: بين ظهرانيهم
بكسر النون، قاله الجوهري).
606

نالكم العفو مني في الدتيا فإني لأرجو أن لا تنالكم رحمة الله في الآخرة، وقد استخلفت
عليكم أبا هريرة فإياكم وخلافه، ثم خرج إلى مكة (1).
عن الوليد بن هشام (2) قال (3): بعث بسر بن أبي أرطاة أحد بني عامر بن لؤي لقتل
من كان على رأي علي بن أبي طالب عليه السلام فأقبل من الشام حتى قدم المدينة فصعد
منبر النبي صلى الله عليه وآله فقال: [يا أهل المدينة] أخضبتم لحاكم وقتلم [عثمان] مخضوبا (4)
والله لا أدع في المسجد مخضوبا (5) إلا قتلته ثم قال لأصحابه: خذوا بأبواب المسجد

1 - فليعلم أن المجلسي (ره) قد اختصر ولخص كل ما ذكره صاحب الغارات
بعد قوله: (فخرج بسر بن أرطاة في ذلك البعث حتى أتى دير مران) إلى قوله هذا (ثم
خرج إلى مكة) في هذه العبارة: (فسار بسر حتى أتى المدينة وصعد المنبر
وهددهم وأوعدهم، وبعد الشفاعة أخذ منهم البيعة لمعاوية، وجعل عليها أبا هريرة وأحرق
دورا كثيرة وخرج إلى مكة (أنظر ج 8، ص 670، س 15)).
2 - لم نتمكن من تعيينه وتطبيقه على واحد من الموسومين بهذا الاسم ممن ذكر
في كتب الرجال، فراجع لعلك تظفر بما يطمئن إليه البال.
3 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 118، ص 33).
(قال إبراهيم: وروى الوليد بن هشام قال: أقبل بسر فدخل المدينة فصعد منبر الرسول (ص)
ثم قال: يا أهل المدينة خضبتم لحاكم وقتلتم عثمان مخضوبا؟ والله لا أدع في المسجد
مخضوبا إلا قتلته (الحديث)).
4 و 5 - في الأصل في الموضعين: (خاضبا) والمتن موافق لما في شرح النهج.
607

وهو يريد أن يستعرضهم (1) فقام إليه عبد الله بن الزبير وأبو قيس رجل من بني عامر بن
لؤي فطلبا إليه حتى كف عنهم وخرج من المدينة فأتى مكة فلما قرب منها هرب قثم بن
العباس وكان عامل (2) علي عليه السلام ودخل بسر مكة فشتمهم وأنبهم ثم خرج من مكة
واستعمل عليها شيبة بن عثمان الحجبي (3).
عن الكلبي (4) أن بسرا لما خرج من المدينة إلى مكة فقتل في طريقه رجالا
وأخذ أموالا وبلغ أهل مكة خبره فتنحى عنها عامة أهلها وتراضى الناس بشيبة بن -
عثمان أميرا لما خرج قثم بن العباس عنها، فخرج إلى بسر قوم من قريش فتلقوه
فشتمهم ثم قال: أما والله لو تركت ورأيي فيكم لما خليت فيكم روحا تمشي (5) على الأرض
فقالوا: ننشدك الله في أهلك (6) وعشيرتك (7) فسكت، ثم دخل فطاف بالبيت وصلى ركعتين ثم
خطبهم فقال:
الحمد لله الذي أعز دعوتنا، وجمع ألفتنا، وأذل عدونا بالقتل والتشريد،

1 - في القاموس: (استعرضهم = قتلهم ولم يسأل عن حال أحد) وفي الصحاح:
(يقال للخارجي: إنه يستعرض الناس أي يقتلهم ولا يسأل عن مسلم ولا غيره) وفي النهاية:
(وفيه: فاستعرضهم الخوارج أي قتلوهم من أي وجه أمكنهم ولا يبالون من قتلوا ومنه
حديث الحسن: إنه كان لا يتأثم من قتل الحروري المستعرض هو الذي يعترض الناس يقتلهم)
وفي لسان العرب: (وفي حديث الحسن: إنه كان لا يتأثم من قتل الحروري المستعرض
هو الذي يعترض الناس يقتلهم، واستعرض الخوارج الناس لم يبالوا من قتلوه مسلما أو
كافرا من أي وجه أمكنهم، وقيل: استعرضوهم أي قتلوا من قدروا عليه وظفروا به).
2 - في الأصل: (والي علي).
3 - تقدمت ترجمته في تعليقاتنا (أنظر ص 508).
4 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 119، س 3):
(قال إبراهيم: وقد روى عوانة عن الكلبي أن بسرا (الحديث)).
5 - في شرح النهج: (لتركتكم وما فيكم روح تمشي).
6 - في الأصل: (بأهلك).
7 - في شرح النهج: (عترتك).
608

هذا ابن أبي طالب بناحية العراق في ضنك وضيق، قد ابتلاه الله بخطيئته، وأسلمه
بجريرته، فتفرق عنه أصحابه ناقمين عليه وولى الأمر معاوية الطالب بدم عثمان
فبايعوا ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا، فبايعوا، وفقد (1) سعيد بن العاص (2) فطلبه فلم يجده
وأقام أياما ثم خطبهم فقال:
يا أهل مكة إني قد صفحت عنكم فإياكم والخلاف، فوالله لئن فعلتم لأقصدن
منكم إلى التي تبير الأصل، وتحرب المال، وتخرب الديار.
وخرج بسر إلى الطائف فلقيه المغيرة بن شعبة فسأله.
وبلغني من غير هذا [الوجه (3)] أن المغيرة بن شعبة كتب إلى بسر حين خرج
من مكة متوجها إلى الطائف:
أما بعد فقد بلغني مسيرك إلى الحجاز، ونزولك مكة، وشدتك على المريب،
وعفوك عن المسئ، وإكرامك لأولي النهى، فحمدت رأيك في ذلك، فدم على صالح ما
أنت (4) عليه، فإن الله لن يزيد بالخير [أهله (5)] إلا خيرا، جعلنا الله وإياك (6) من الأمرين
بالمعروف، والقاصدين إلى الحق، والذاكرين الله كثيرا.

1 - في الطبعة الحديثة من شرح النهج: (وتفقد).
2 - في تنقيح المقال: (سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص القرشي الأموي
عده ابن عبد البر وابن مندة وأبو نعيم من الصحابة وفي أسد الغابة إنه من أشراف قريش
وأجوادهم وفصحائهم وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان، واستعمله عثمان على الكوفة
بعد الوليد بن عقبة بن أبي معيط (إلى أن قال) ولما قتل عثمان لزم بيته واعتزل الفتنة فلم يشهد
الجمل ولا صفين، فلما استقل الأمر لمعاوية أتاه وله مع معاوية كلام طويل عاتبه معاوية على
تخلفه عنه في حروبه فاعتذر هو فقبل معاوية عذره ثم ولاه المدينة (إلى آخر ما قال)).
أقول كأن تفقد بسر لسعيد كان لتخلفه عن معاوية ولزومه بيته.
3 - التصحيح بقرينة ما مر من تعبير المصنف به في مثل المقام.
4 - في شرح النهج: (كنت).
5 - في شرح النهج فقط.
6 - في الأصل: (وإياكم).
609

ثم لقيه بسر فقال (1): يا مغيرة إني أريد أن أستعرض قومك؟ قال المغيرة:
إني أعيذك بالله من ذلك، إنه لم يزل يبلغنا منذ خرجت شدتك على عدو أمير المؤمنين
عثمان فكنت بذلك محمود الرأي، فإذا كنت على عدوك ووليك سواءا أثمت ربك (2)
وتغري بك عدوك.
ووجه رجلا من قريش إلى تبالة (3) وبها قوم من شيعة علي عليه السلام وأمره بقتلهم
فأخذهم وكلهم فيهم فقيل له: هؤلاء قومك فكف عنهم حتى نأتيك بكتاب من بسر
بأمانهم فخرج منيع (4) الباهلي إلى الطائف واستشفع إلى بسر فيهم وتحمل بقوم
من الطائف عليه فكلموه فيهم وسألوه الكتاب بإطلاقهم فأنعم لهم (5) ومطلهم بالكتاب
حتى ظن أنهم قد قتلوا، وأن كتابه لا يصل إليهم حتى يقتلوا، فكتب إليهم، فأتى
منيع منزله وقد كان نزل على امرأة بالطائف ورحله عندها فلم يجدها في منزلها فتوطأ
على ناقته بردائه وركب فسار يوم الجمعة وليلة السبت لم ينزل عن راحلته قط فأتاهم
ضحوة وقد أخرج القوم ليقتلوا [واستبطئ كتاب بسر فيهم] فقدم رجل منهم فضربه
رجل من أهل الشام فانقطع سيفه فقال الشاميون بعضهم لبعض: شمسوا سيوفكم
حتى تلين، فهزوها، فتبصر منيع بريق السيوف فلوح بثوبه (6) فقال القوم: هذا

1 - هذه القسمة أي من قوله: (ثم لقيه بسر) إلى قوله: (وتغري بك عدوك)
في الأصل فقط.
2 - في الأصل: (ثمت بربك).
3 - في مراصد الاطلاع: (تبالة بالفتح موضع ببلاد اليمن)
4 - لم نجد رجلا بهذا العنوان في كتب الرجال ومن المحتمل أن يكون المراد
به منيع بن رقاد [أو زياد] المستشهد مع سيد الشهداء (ع) المعدود من أصحابه في رجال
الشيخ (ره) فانظر تنقيح المقال وجامع الرواة.
5 - في شرح النهج: (فوعدهم) ففي المصباح المنير: (أنعمت له بالألف
قلت له: نعم) وفي الصحاح: (أنعم له قال له: نعم).
6 - في شرح النهج: (فألمع بثوبه) وفي الصحاح: (لوح بثوبه لمع به).
وفي القاموس: (ألاح بسيفه لمع به كلوح به).
610

راكب عنده خبر فكفوا وقام به بعيره (1) فنزل عنه وجاء يشتد على رجليه فدفع الكتاب
إليهم، وكان الرجل المقدم الذي ضرب بالسيف فانقطع السيف أخاه وأمر بتخليتهم.
عن سنان بن أبي سنان (2) أن أهل مكة لما بلغهم ما صنع بسر خافوا وهربوا
وخرج ابنا عبيد الله سليمان وداود وأمهما جويرية (3) أم حكيم ابنة خالد بن قارظ
الكنانية وهم حلفاء بني زهرة وهما غلامان مع أهل مكة فأضلوهما عند بئر ميمون (4)
وميمون هذا ابن الحضرمي أخو العلاء بن الحضرمي (5) وهجم عليهما بسر فأخذهما (*)

1 - في الصحاح: (قامت الدابة = وقفت من الكلال) ونظيره في سائر معاجم اللغة.
2 - في تقريب التهذيب: (سنان بن أبي سنان الدئلي [نسبة إلى الدئل] المدني
ثقة من الثالثة مات سنة خمس ومائة وله اثنتان وثمانون سنة / خ م ت س) وقال ابن -
أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 119، س 22): (قال إبراهيم: وروى
علي بن مجاهد عن ابن إسحاق أن أهل مكة (الحديث)).
أقول: لم أهتد إلى سند ابن أبي الحديد سبيلا وكيف نسبه إلى إبراهيم الثقفي
صاحب الغارات، فتدبر.
3 - فليعلم أن في اسم أم ابني عبيد الله وفي كنيتها واسم أبيها وجدها اختلافا
فمن أراد التحقيق فليراجع مظانه وإنما اكتفينا بما كان في النسخة.
4 - في القاموس: (الميمون نهر والذكر و [ابن خالد] الحضرمي وتضاف
إليه بئر بمكة) ولما كان ما ذكره الزبيدي في شرحه مأخوذا من معجم البلدان لياقوت الحموي
أحببت أن أنقل كلام ياقوت هنا فأقول: في معجم البلدان: (بئر ميمون بمكة منسوبة إلى
ميمون بن خالد بن عامر الحضرمي كذا وجدته بخط الحافظ أبي الفضل بن ناصر على ظهر
كتاب، ووجدت في موضع آخر: إن ميمون صاحب البئر هو أخو العلاء بن الحضرمي
والي البحرين، حفرها بأعلى مكة في الجاهلية، وعندها قبر أبي جعفر المنصور، وكان ميمون
حليفا لحرب بن أمية بن عبد شمس واسم الحضرمي عبد الله بن عماد قال الشاعر:
تأمل خليلي هل ترى قصر صالح * وهل تعرف الأطلال من شعب واضح
إلى بئر ميمون إلى العيرة التي * بها ازدحم الحجاج بين الأباطح)
5 - قال النووي في تهذيب الأسماء: (العلاء بن الحضرمي الصحابي -
رضي الله عنه - واسم الحضرمي عبد الله بن عباد بن أكبر بن ربيعة بن مالك بن عويف بن
مالك بن الخزرج بن أياد بن صدى بن زيد بن مقنع بن حضرموت الحضرمي حليف بني أمية
ويقال في أبيه: عبد الله بن عماد، ويقال غير ذلك، ولاه النبي (ص) البحرين وتوفي النبي (ص)
وهو عليها، فأقره أبو بكر ثم عمر - رضي الله عنهما - وتوفي سنة أربع عشرة، وقيل: سنة
إحدى وعشرين واليا عليها.
قيل: كان مجاب الدعوة، وأنه خاض البحر بكلمات قالهن، وكان له أثر عظيم في
قتال أهل الردة عند البحرين (إلى آخر ما قال)).
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: (العلاء بن الحضرمي ويقال: اسم الحضرمي
عبد الله بن عماد، ويقال: عبد الله بن عمار، ويقال عبد الله بن الضمار، ويقال: عبد الله بن
عميرة أو عبيدة بن مالك (فخاض في ترجمته إلى أن قال) وكان يقال: إن العلاء بن
الحضرمي - رضي الله عنه - كان مجاب الدعوة، وأنه خاض البحر بكلمات قالها ودعا بها
وذلك مشهور عنه، وكان له أخ يقال له: ميمون الحضرمي وهو صاحب البير التي تعرف
ببير ميمون وكان حفرها في الجاهلية) وقال ابن الأثير في أسد الغابة فيما قال في
ترجمته المبسوطة: (يقال: إن العلاء كان مجاب الدعوة وأنه خاض البحر بكلمات
قالها ودعا بها، ولما قاتل أهل الردة بالبحرين كان له في قتالهم أثر كبير وقد ذكرناه في -
الكامل في التاريخ وذلك مشهور عنه وكان له أخ يقال له ميمون بن الحضرمي وهو
صاحب البئر التي بأعلى مكة المعروفة ببئر ميمون حفرها في الجاهلية). وقال
ابن حجر في الإصابة في ترجمته فيما قال: وكان يقال: إنه مجاب الدعوة وخاض
البحر بكلمات قالها، وذلك مشهور في كتب الفتوح).
611

فذبحهما فقالت أمهما (1):

1 - قال المجلسي (ره) في عاشر البحار في باب أصحاب زمان الحسن بن
علي عليه السلام (ص 130، س 20) نقلا عن مجالس المفيد وابن الشيخ: (المفيد عن الكاتب
عن الزعفراني عن الثقفي عن جعفر بن محمد الوراق عن عبد الله بن الأزرق عن أبي الجحاف
عن معاوية بن ثعلبة قال: لما استوسق الأمر لمعاوية بن أبي سفيان أنفذ بسر بن أرطاة إلى الحجاز
في طلب شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وكان على مكة عبيد الله بن عباس بن
عبد المطلب فطلبه فلم يقدر عليه فأخبر أن له ولدين صبيين فبحث عنهما فوجدهما فأخذهما
وأخرجهما من الموضع الذي كانا فيه ولهما ذؤابتان فأمر بذبحهما فذبحا، وبلغ أمهما الخبر
فكادت نفسه تخرج ثم أنشأت تقول: ها من أحس (الأبيات إلا أنه لم يذكر البيت الثاني كما
أنه لم يذكر في الأصل أيضا) ثم ذكر بعد الأشعار ما يأتي في آخر الكتاب ونشير إليه
هناك إن شاء الله تعالى.
أقول: هذه الأبيات مشهورة مذكورة في كتب الأدب والسير والتواريخ باختلاف
في عدد الأبيات وبعض الكلمات فمن أرادها فليراجعها.
ثم إن الحديث في مجالس المفيد في المجلس السادس والثلاثين (ص 180)
وفي أمالي ابن الشيخ (في الجزء الثالث ص 47).
وقال ابن أبي الحديد بعد الأبيات ما نصه: (وقد روى أن اسمهما أي اسم
ابني عبيد الله قثم وعبد الرحمن، وروى أنهما ضلا في أخوالهما من بني كنانة، وروى أن بسرا
إنما قتلهما باليمن، وأنهما ذبحا على درج صنعاء) وسيأتي التصريح بذلك في المتن أيضا.
612

ها من أحس بنيي (1) الذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف (2)
ها من أحس بنيي الذين هما * سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختطف
ها من أحس بنيي الذين هما * مخ العظام فمخي اليوم مزدهف
نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا * من قتلهم ومن الإفك الذي اقترفوا
أنحى على ودجي ابني مرهفة * مشحوذة وكذاك الإثم يقترف
من ذل والهة حرى مسلبة * على صبيين ضلا إذ مضى السلف

1 - كذا في الأصل وفي أساس البلاغة ولسان العرب والبحار على نسخة وصدر البيت
في الأخير هكذا: (يا من رأى لي بنيي اللذين هما) لكن في شرح النهج والأغاني
والكامل لابن الأثير والبحار وغيرها: (بابني) هنا وفي غيره من الأبيات وصرح
الزبيدي في تاج العروس بأن البيت لفروة بنت أبان.
2 - قال المجلسي (ره) بعد نقل الأبيات في بيان له ما نصه: (ها حرف تنبيه
وقال الجوهري: الشظية الفلقة من العصا ونحوها، والجمع الشظايا، يقال: تشظى
الشئ إذا تطاير شظاياه، وقال: كالدرتين تشظى عنهما الصدف).
613

قال (1): ولما دخل بسر الطائف وكلمه المغيرة قال له: صدقتني ونصحتني، فبات
فيها ثم خرج منها، وخرج المغيرة فشيعه ساعة ثم ودعه وانصرف عنه،
فخرج حتى مر ببني كنانة وفيهم ابنا عبيد الله بن العباس عبد الرحمن وقثم
وأمهما جويرية بنت قارظ (2) الكنانية وقارظ من حلفاء بني زهرة، وكان عبيد الله
قد جعل ابنيه عند رجل من بني كنانة فلما انتهى بسر إليهما أراد أن يقتلهما فلما
رأى ذلك الكناني دخل بيته وأخذ السيف وخرج إليه فقال له بسر: ثكلتك
أمك والله ما كنا أردنا قتلك فلم عرضت نفسك للقتل؟ - قال: نعم أقتل (3) دون جاري
أعذر لي عند الله والناس، ثم شد عليهم بالسيف حاسرا وهو يقول:
آليت لا يمنع حافات الدار * ولا يموت مصلتا دون الجار
إلا فتى أروع غير غدار
فضارب بسيفه حتى قتل، وقدم الغلامين فقتلهما (4)، فخرج نسوة من بني كنانة

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 119، س 34):
(وروى عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن أبيه أن بسرا لما دخل الطائف (الحديث).
2 - قد مر في الرواية السابقة أن جويرية هي بنت خالد بن قارظ فلعلها هنا منسوبة
إلى جدها، وقارظ هذا هو الذي عرفه ابن حجر في الإصابة بقوله: (قارظ بن
عتبة بن خالد حليف بني زهرة تزوج عبد الرحمن بن عوف ابنته (إلى آخر ما قال)).
ثم ليعلم أن في اسم أم ابني عبيد الله المقتولين بيد بسر اختلافا يستفاد ذلك من عبارة
ابن الأثير في الكامل عند ذكره القصة ونص عبارته هكذا: (وكانت أم ابني عبيد الله أم الحكم
جويرية بنت خويلد بن قارظ، وقيل. عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان) واكتفى بالثاني
ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة عبد الله بن عبد المدان، وصرح ابن عساكر في
تأريخه بأن ابن الكلبي قال: (من قال: إن أمهما عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان فقد
أخطأ لأن عائشة لم تلد إلا العباس والعالية) وذهب إلى كل من القولين جماعة من أهل -
السير والأنساب والتواريخ.
3 - أي لأن أقتل وذلك أن النحاة صرحوا بأن المضارع في مثل المورد منصوب
بأن مقدرة حتى يؤول بالمصدر ويكون المصدر مبتدء.
4 - في شرح النهج: (ثم قدم الغلامان فقتلا).
614

فقالت امرأة منهن: هذه الرجال تقتلها فعلام تقتل الولدان (1)؟ والله ما كانوا يقتلون
في الجاهلية ولا في الإسلام، والله إن سلطانا لا يشتد إلا بقتل الضرع (2) الضعيف
والمدرهم (3) الكبير ورفع الرحمة وقطع (4) الأرحام لسلطان سؤ فقال بسر: والله لهممت

1 - في شرح النهج: (فما بال الولدان؟).
2 - في شرح النهج: (الزرع) ففي المصباح المنير: (ضرع له يضرع بفتحتين
ضرعا ذل وخضع فهو ضارع، وضرع ضرعا من باب تعب لغة، وأضرعته الحمى أوهنته،
وضرع ضرعا وزان شرف شرفا ضعف، فهو ضرع تسمية بالمصدر).
3 - في شرح النهج: (الشيخ الكبير) ففي الصحاح: (شيخ مدرهم أي مسن
وقد ادرهم ادرهماما أي سقط من الكبر وقال:
أنا القلاخ في بغائي مقسما * أقسمت لا أسأم حتى يسأما * ويدرهم هرما وأهرما)
وفي القاموس: (شيخ مدرهم كمشمعل ساقط كبرا، وادرهم بصره أظلم وكبر سنه)
وفي لسان العرب: (المدرهم الساقط من الكبر وقيل: هو الكبير السن أيا كان، وقد ادرهم
يدرهم ادرهماما أي سقط من الكبر وقال القلاخ: أنا القلاخ (إلى قوله) وأهرما،
وادرهم بصره أظلم).
4 - كذا في شرح النهج، وفي الأصل: (حفو) وهو بمعنى المنع والإعطاء، ضد.
فليعلم أن الطبري قد نقل في تاريخه عند ذكره حوادث سنة أربعين
قصة بسر بن أبي أرطاة تحت عنوان: (توجيه معاوية بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة
آلاف من المقاتلة إلى الحجاز) وهكذا نقلهما ابن الأثير في كامل التواريخ عند
ذكره وقائع السنة المذكورة تحت عنوان: (ذكر سرية بسر بن أبي أرطاة إلى الحجاز
واليمن) لكنهما اكتفيا بذكرها بعنوان الاختصار ولما كانت الإشارة إلى اختلاف العبارات
والكلمات تفضي إلى الإطناب لم نشر إلى اختلافها وها أنا أذكر قصة قتل بسر ابني -
عبيد الله بن عباس هنا عن الكامل وهي: (وأخذ ابنين لعبيد الله بن عباس صغيرين هما
عبد الرحمن وقثم فقتلهما، وكانا عند رجل من كنانة بالبادية فلما أراد قتلهما، قال له الكناني:
لم تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ - فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما فقتله وقتلهما بعده، وقيل:
إن الكناني أخذ سيفه وقاتل عن الغلامين وهو يقول:
الليث من يمنع حافات الدار * ولا يزال مصلتا دون الجار
فقاتل حتى قتل، وأخذ الغلامين فذبحهما، فخرج نسوة من بني كنانة فقالت امرأة منهن:
يا هذا قتلت الرجال فعلام تقتل هذين؟ والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية والإسلام، والله
يا ابن أبي أرطاة إن سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير ونزع الرحمة
وعقوق الأرحام لسلطان سوء (إلى أن قال) وكانت أم ابني عبيد الله أم الحكم جويرية بنت
خويلد بن قارظ وقيل: عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان فلما قتل ولداها ولهت عليهما
فكانت لا تعقل ولا تصغي ولا تزال تنشدهما في المواسم وتقول: يا من أحس (الأبيات)
وهي أبيات مشهورة فلما سمع أمير المؤمنين بقتلهما جزع جزعا شديدا ودعا على بسر (إلى
آخر ما قال)) وإنما اخترنا النقل من الكامل لكون ما فيه من القصة أبسط
وأطول مما في تأريخ الطبري.
615

أن أضع فيكن السيف، قالت: والله إنه لأحب إلي إن فعلته، وقالت جويرية
أبياتها.
ها من أحس بنيي الذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف
التي كتبناها، ويقال: إنه ذبحهما على درج (1) صنعاء، لا رحم الله بسرا.
عن الكناني (2) قال: وخرج بسر من الطائف فأتى نجران (3) فقتل عبد الله

1 - قال الفيروزآبادي: (الدرج بالتحريك الطريق) فكأن بسرا قتلهما في أثناء
سيره إلى اليمن في الطريق، وذلك أنه لم يذكر في كتب الأمكنة والبقاع مكان باسم (درج
صنعاء) حتى يحمل اللفظ على ذلك المكان ويراد به ذلك المعنى.
2 - قال ابن حجر في لسان الميزان في باب الكنى: (الكناني محمد بن عبد الله)
وعد في باب الأسماء رجلين بعنوان (محمد بن عبد الله الكناني) يروي أحدهما عن عطاء
والآخر عن معاوية مرسلا واحتمل اتحادهما فراجع وتحقق لعلك تظفر بانطباقه على ما
في الكتاب، ومن المحتمل أن تكون الكلمة محرفة عن (الكلبي) ومصحفة بقرينة سائر الموارد.
أما الحديث فنقله ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 120،
س 8) قائلا: (قال إبراهيم: وخرج بسر من الطائف (الحديث)).
3 - في مراصد الاطلاع: (نجران بالفتح ثم السكون وآخره نون وهو في عدة
مواضع منها نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة (إلى آخر ما قال)).
616

الأصغر بن عبد المدان (1) وكان يقال له: عبد الحجر، وابنه مالكا، وقال بعضهم: إنه
لم يقتل عبد الله وقتل مالكا ورجلا آخر من بني عبد المدان، فبكاهما شاعر قريش فقال:
ولولا أن تعنفني قريش * بكيت على بني عبد المدان
لهم أبوان قد علمت معد * على أبنائهم متفضلان
وبلغنا أن عبد الله بن عبد المدان كان صهرا لعبيد الله بن العباس فأخذه بسر وقتله،
ودعا ابنه مالكا وكان أدنى لأبيه (2) في الشرف، وكان يدعى لمالك باليمن فضرب عنقه،
ثم جمعهم وقام فيهم يتهدد أهل نجران فقال: يا معاشر النصارى وإخوان القرود أما
والله لئن بلغني عنكم ما أكره لأعودن عليكم بالتي تقطع النسل، وتهلك الحرث،
وتخرب الديار فمهلا مهلا، وسار (3) حتى أتى أرحب (4) فقتل أبا كرب (5) وكان يتشيع،

1 - تأتي ترجمته في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة رقم 67).
2 - في الأصل: (اذنا بابيه) فلعل الكلمة ما أثبتناه على أن يكون من قولهم:
دنى له كما يقال: دنا منه ودنا إليه، ويحتمل أن يكون الصحيح: (أربى على أبيه في
الشرف) أي زاد عليه وفاقه في الشرف.
3 - في شرح النهج: (وتهددهم طويلا ثم سار).
4 - في مراصد الاطلاع: (أرحب بالفتح ثم السكون وحاء مهملة مفتوحة وباء
موحدة أفعل من الرحب مخلاف باليمن، سمى بقبيلة كبيرة من همدان، وقيل: بلد باليمن
على ساحل البحر بينه وبين ظفار نحو عشرة فراسخ).
5 - في القاموس: (أبو كرب اليماني ككتف من التبابعة) وفي تاج العروس
في شرحه: (هو أسعد بن مالك الحميري من ملوك حمير أحد التبابعة) وفي تأريخ -
الطبري في قصة قتل عثمان ودفنه (أنظر وقائع سنة خمس وثلاثين): (ودعا
عثمان بالمصحف يقرأ فيه والحسن عنده فقال: إن أباك الآن لفي أمر عظيم فأقسمت عليك
لما خرجت، وأمر عثمان أبا كرب رجلا من همدان وآخر من الأنصار أن يقوما على باب
بيت المال (القصة)) وقال في موضع آخر من القصة بإسناده عن مجالد بن سعيد الهمداني
عن يسار بن أبي كرب عن أبيه وكان أبو كرب عاملا على بيت مال عثمان قال: دفن عثمان
بين المغرب والعتمة ولم يشهد جنازته إلا مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة
(القصة)) فلعل المراد بأبي كرب المذكور في المتن هذا الرجل المذكور في تأريخ -
الطبري، فتدبر.
617

ويقال: إنه كان سيد من بالبادية من همدان فقدمه وقتله قتلا ذريعا، وأتى صنعاء
وقد خرج عنها عبيد الله بن العباس وسعيد بن نمران، وقد استخلف عبيد الله عليها عمرو
ابن أراكة بن عبد [الله بن] الحارث بن حبيب الثقفي (1) فمنع بسرا من دخول صنعاء

1 - في الاستيعاب: (عمرو بن أراكة الثقفي سمع النبي (ص) ينهى عن المثلة
ويأمر بالصدقة، يعد في البصريين) وفي أسد الغابة: (عمرو بن أراكة وقيل ابن أبي -
أراكة سكن البصرة قال محمد بن إسماعيل البخاري: عمرو بن أراكة سكن البصرة وروى
عن النبي (ص) روى الحسن البصري أن عمرو بن أراكة كان جالسا مع زياد على سريره
فأتى بشاهد أراه مال في شهادته فقال له زياد: والله لأقطعن لسانك فقال عمرو: سمعت
رسول الله (ص) ينهى عن المثلة ويأمر بالصدقة، أخرجه الثلاثة) وفي الإصابة لابن -
حجر قريبا منه. وفي المؤتلف والمختلف للآمدي في ترجمة أبيه ما نصه
(ص 67): (أراكة بن عبد الله بن سفيان بن الحارث بن حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط بن
جشم بن ثقيف شاعر محسن وهو القائل يخاطب ابنه عبد الله لما قتل بسر بن أرطاة ابنه الآخر
عمرا، وكان عمرو على اليمن لعبيد الله بن العباس رضي الله عنهما:
لعمري لقد أردى ابن أرطاة فارسا * بصنعاء كالليث الهزبر أبى أجر
فقلت لعبد الله إذ حن باكيا * بدمع على الخدين منهمر يجري
تأمل فإن كان البكاء رد هالكا * على أحد فاجهد بكاك على عمرو
ولا تبك ميتا بعد ميت أجنه * علي وعباس وآل أبي بكر)
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 120) بعد قوله:
(وشبانا) [كما سيأتي في المتن عن قريب]: (قال إبراهيم: وهذه الأبيات المشهورة
لعبد بن أراكة الثقفي يرثي بها ابنه عمرا.
لعمري لقد أردى ابن أرطاة فارسا (فنقل الأبيات إلا البيت الثاني) إلا أنه ذكر
(تعز) بدل (تأمل)، و (أحبه) بدل (أجنه).
618

وقاتله فقتله بسر ودخل صنعاء فقتل فيها قوما وأتاه وفد مأرب فقتلهم فلم ينج منهم إلا
رجل واحد رجع إلى قومه فقال لهم: أنعي قتلانا * شيوخا وشبانا.
وبلغني من حديث عبد الملك بن نوفل (1) عن أبيه (2) أن بسرا لما صمد صمد عبيد الله
ابن العباس بصنعاء فأقبل نحوهم فاجتمعت شيعة عثمان فأقبلوا نحو صنعاء.
وذكر عن أبي الوداك (3) قال: كنت عند علي عليه السلام حين قدم عليه سعيد بن -
نمران الكوفة فعتب عليه وعلى عبيد الله أن لا يكونا قاتلا بسرا فقال سعيد: والله قاتلت
ولكن ابن عباس خذلني وأبى أن يقاتل، ولقد خلوت به حين دنا منا بسر فقلت: إن
ابن عمك لا يرضى مني ولا منك إلا بالجد في قتالهم، وما نعذر، قال: لا والله ما لنا بهم
طاقة ولا يدان، فقمت في الناس وحمدت الله وأثنيت عليه ثم قلت: يا أهل اليمن من كان

1 - في تقريب التهذيب: (عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة
العامري عامر قريش مدني يكنى أبا نوفل مقبول من الثالثة / د س ت) وفي تهذيب التهذيب
في ترجمته: (روى عن أبيه وعنه أبو مخنف لوط بن يحيى وأبو إسماعيل الأزدي صاحب
فتوح الشام وابن عيينة (إلى آخر ما قال)).
2 - في تقريب التهذيب: (نوفل بن مساحق بن مخرمة القرشي العامري المدني
القاضي ثقة من الثالثة مات بعد التسعين / د) وفي تهذيب التهذيب: (نوفل بن
مساحق بن عبد الله الأكبر بن مخرمة بن عبد العزى (إلى أن قال) أبو مساحق المدني القاضي
روى عن أبيه وعمر وسعيد بن زيد وعثمان بن حنيف وأم سلمة، وعنه ابنه عبد الملك
(إلى أن قال) كان نوفل من أشراف قريش وكانت له ناحية من الوليد، وكان الوليد
يطير الحمام فأدخل نوفلا عليه وقال له: خصصتك بهذا المدخل، فقال: بل خسستني
إنما هذه عورة، فغضب عليه وسيره إلى المدينة، وكان يلي المساعي ولا يرفع إلى الأمراء
منها شيئا يقسمها ويطعمها (إلى آخر ما قال)).
3 - قد تقدمت ترجمته في تعليقاتنا على أوائل الكتاب (أنظر ص 24) وذكرنا هناك
أنه روى عنه نمير بن وعلة أما الحديث فنقله ابن أبي الحديد في شرح النهج
(ج 1، ص 120، س 18): بهذه العبارة: (قال: وروى نمير بن وعلة عن أبي -
الوداك قال: كنت (الحديث)).
619

في طاعتنا وعلى بيعة أمير المؤمنين (1) فإلي إلي فأجابني منهم عصابة فاستقدمت بهم
فقاتلت قتالا ضعيفا وتفرق الناس عني وانصرفت ووجهت إلى صاحبي فحذرته موجدة
صاحبه عليه وأمرته أن يتمسك بالحصن ويبعث إلى صاحبنا ويسأله المدد فإنه أجمل
بنا وأعذر لنا، فقال: لا طاقة لنا بمن جاءنا، وأخاف تلك.
وزحف إليهم بسر فاستقبلهم سعيد بن نمران فحملوا عليه فقاتل قتالا كلا ولا ثم
انصرف هو وأصحابه إلى عبيد الله وحضر صنعاء ثم خرج منها حتى لقي أهل جيشان (2)
وهم شيعة لعلي عليه السلام فقاتلهم وهزمهم وقتلهم قتلا ذريعا وتحصنوا منه ثم إنه رجع
إلى صنعاء.
عن الوليد بن هشام قال: خرج بسر من مكة (3) واستعمل عليها شيبة بن عثمان

1 - كذا في شرح النهج ولكن في الأصل: (أميرنا).
2 - كذا في الطبعة الحديثة من شرح النهج لكن في الطبعة القديمة بمصر: (حبسان)
(بالحاء المهملة والباء الموحدة والسين المهملة؟) وفي الأصل: (خيشار) (بالخاء
المعجمة والياء المثناة من تحت والشين المعجمة وآخره راء مهملة) ففي مراصد
الاطلاع: (جيشان بالفتح ثم السكون والشين المعجمة وألف ونون مخلاف جيشان
باليمن (إلى آخر ما قال)).
3 - قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن (ص 670،
س 35) بعد نقل القصص التي مر ذكرها عن ابن أبي الحديد مجملة:
(أقول: وذكر الثقفي في كتاب الغارات مفصل القصص التي أوردناها مجملة
وروى عن الوليد بن هشام قال: خرج بسر من مكة (القصة)) وقال ابن أبي الحديد
في شرح النهج (ج 1، ص 120، س 23): (ثم رجع إلى صنعاء فقتل بها مائة شيخ
من أبناء فارس لأن ابني عبيد الله بن عباس كانا مستترين في بيت امرأة من أبنائهم تعرف بابنة
بزرج).
أقول: قد سقط فيما بين أيدينا من نسخ ابن أبي الحديد صدر الحديث فكأن الناسخ
قد نظر إلى جملة: (ثم رجع إلى صنعاء) في ذيل الرواية السابقة فذهل عن بصره صدر -
الحديث وأثبته من قوله: (فقتل بها مائة شيخ) لتوهمه تطبيق جملة: (ثم رجع إلى
صنعاء) على قوله: (على درج صنعاء).
620

ثم مضى يريد اليمن فلما جاوز مكة رجع قثم بن العباس إلى مكة فغلب عليها، وكان
بسر إذا قرب من منزل تقدم رجل من أصحابه حتى يأتي أهل الماء فيسلم فيقول:
ما تقولون في هذا المقتول بالأمس عثمان؟ - قال: إن قالوا: قتل مظلوما لم يعرض
لهم (1)، وإن قالوا: كان مستوجبا للقتل قال: ضعوا السلاح فيهم، فلم يزل على ذلك حتى دخل
صنعاء، فهرب منه عبيد الله بن العباس وكان واليا لعلي عليه السلام عليها، واستخلف عمرو (2)
ابن أراكة فأخذه بسر فضرب عنقه، وأخذ ابني عبيد الله فذبحهما على درج صنعاء، وذبح
في آثار هما مائة شيخ من أبناء فارس، وذلك أن الغلامين كانا في منزل أم النعمان
بنت بزرج امرأة من الأبناء.
مسير جارية بن قدامة
رحمة الله عليه
حدثنا محمد قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا إبراهيم، عن محمد بن عبد الله (3) عن
الوليد بن الحارث (4)، عن أبي سفيان (5) عن عبد الواحد، (6) عن الضحاك (7) وعوانة (8) عن

1 - في المصباح المنير وغيره: (ما عرضت له بسوء أي ما تعرضت، وقيل:
ما صرت له عرضة بالوقيعة فيه، والفعل من باب ضرب، ومن باب تعب لغة).
2 - في البحار: (عمر) من دون واو وقد مرت ترجمته آنفا. (أنظر ص 618).
3 - هو محمد بن عبد الله بن عثمان المتكرر ذكره فيما سبق.
4 - في جامع الرواة وتنقيح المقال نقلا عن رجال الشيخ (ره): (الوليد -
بن الحارث الكوفي من أصحاب الصادق (ع)).
6 و 5 - هذان الرجلان لم نتمكن من تعيينهما لكثرة المسمين بهذين الاسمين.
7 - الظاهر أن المراد به ابن مزاحم المتقدم ذكره فيما سبق (أنظر ص 47).
8 - قد تقدمت ترجمته في تعليقاتنا على الكتاب (أنظر ص 533).
621

الكلبي (1) ولوط بن يحيى الأزدي (2) أن ابن قيس بن زرارة (3) الشاذي (4) فخذ من همدان

1 - مرت الإشارة إليه في تعليقاتنا (أنظر ص 205).
2 - في الصحاح: (وأبو مخنف بالكسر كنية لوط بن يحيى رجل من نقلة السير)
وفي القاموس: (ومخنف كمنبر وأبو مخنف لوط بن يحيى أخباري شيعي تالف متروك)
وفي الفهرست لابن النديم: (أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم
الأزدي، وكان مخنف بن سليم من أصحاب علي عليه السلام وروى عن النبي صلى الله عليه وآله
وتوفي وله من الكتب كتاب الردة (إلى أن قال) قرأت بخط أحمد بن الحارث الخزاز
قالت العلماء: أبو مخنف بأمر العراق وأخبارها وفتوحها يزيد على غيره، والمدائني
بأمر خراسان والهند وفارس، والواقدي بالحجاز والسيرة، وقد اشتركوا في فتوح الشام)
وفي ميزان الاعتدال: (لوط بن يحيى أبو مخنف أخباري تالف لا يوثق به، تركه
أبو حاتم وغيره، وقال الدارقطني: ضعيف وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال
مرة: ليس بشئ وقال ابن عدي: شيعي محترق صاحب أخبارهم. قلت: روى عن
الصعق بن زهير وجابر الجعفي ومجالد، روى عنه المدائني وعبد الرحمن بن مغراء، مات
قبل السبعين ومائة) وفي لسان الميزان بعد نقله عبارة الميزان: (وقال أبو عبيد
الآجري: سألت أبا حاتم عنه فنفض يده وقال: أحد يسأل عن هذا؟! وذكره العقيلي
في الضعفاء) وفي الفهرست للشيخ (ره): (لوط بن يحيى يكنى أبا مخنف من أصحاب
أمير المؤمنين (ع) ومن أصحاب الحسن والحسين عليهما السلام على ما زعم الكشي، والصحيح
أن أباه كان من أصحاب علي عليه السلام وهو لم يلقه، له كتب كثيرة في السير (إلى أن قال)
أخبرنا بها أحمد بن عبدون والحسين بن عبيد الله جميعا عن أبي بكر الدوري عن القاضي
أبي بكر أحمد بن كامل عن محمد بن موسى بن حماد عن ابن أبي السرى محمد قال: أخبرنا هشام بن
محمد الكلبي عنه (إلى آخر ما قال)) وفي الكنى والألقاب للمحدث القمي (ره):
(أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة
ووجههم كما عن النجاشي وتوفي في سنة 175 يروي عن الصادق عليه السلام ويروي عنه
هشام الكلبي، وجده مخنف بن سليم صحابي شهد الجمل في أصحاب علي (ع) حاملا راية -
الأزد فاستشهد في تلك الواقعة سنة 36، وكان أبو مخنف من أعاظم مؤرخي الشيعة، ومع
اشتهار تشيعه اعتمد عليه علماء السنة في النقل عنه كالطبري وابن الأثير وغيرهما (إلى آخر
ما قال).
3 - كذا في الأصل لكن في البحار: (ابن قيس) فقط، ومن المحتمل أن تكون لفظة
(ابن) الثانية زائدة من النساخ سهوا وتكون (زرارة) بدلا عن (ابن قيس) بقرينة الرواية الآتية.
4 - هذه النسبة لم أظفر بذكرها في مظانها من الكتب ولعلها مصحفة عن (الشاكري)
وهو كما في الاشتقاق لابن دريد واللباب لابن الأثير وتاج العروس وغيرها
نسبة إلى شاكر قبيلة من اليمن وبطن من همدان.
622

قدم على علي (1) عليه السلام فأخبره بخروج بسر فندب علي عليه السلام الناس فتثاقلوا عنه فقال:
أتريدون أن أخرج بنفسي في كتيبة تتبع كتيبة في الفيافي والجبال؟! ذهب والله منكم
أولوا النهى والفضل الذين كانوا يدعون فيجيبون، ويؤمرون فيطيعون، لقد هممت أن
أخرج عنكم فلا أطلب بنصركم ما اختلف الجديدان.
فقام جارية بن قدامة فقال: أنا أكفيكهم يا أمير المؤمنين فقال: أنت لعمري
لميمون النقيبة (2) حسن النية صالح العشيرة، وندب معه ألفين وقال بعضهم: ألفا، وأمره
أن يأتي البصرة فيضم إليه مثلهم، فشخص جارية وخرج معه يشيعه فلما ودعه قال:

1 - قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 671، س 5): (وبإسناده [أي صاحب الغارات] عن الكلبي ولوط بن يحيى أن
ابن قيس قدم على علي (ع) وأخبره (الحديث)) وقال ابن أبي الحديد في شرح - النهج (ج 1، ص 120، س 24): (وقال الكلبي وأبو مخنف فندب علي (ع) أصحابه
لبعث سرية في أثر بسر فتثاقلوا وأجابه جارية بن قدامة السعدي فبعثه في ألفين، فشخص إلى
البصرة ثم أخذ طريق الحجاز حتى قدم اليمن (إلى آخر ما قال)) وأنت خبير بأن ابن -
أبي الحديد قد لخص الرواية التي نقلها صاحب الغارات، ونقل المجلسي (ره) هذا
التلخيص أيضا قبيل نقله (ره) الرواية عن الغارات بإسقاط السند (أنظر ص 670، س 19)
وسنشير إلى عبارة الطبري وابن الأثير في هذه القصة فيما بعد إن شاء الله.
2 - قال المجلسي (ره) في بيانه للحديث: (قال الجوهري: النقيبة النفس
يقال: فلان ميمون النقيبة إذا كان مبارك النفس، قال ابن السكيت: إذا كان ميمون الأمر
ينجح فيما حاول ويظفر، وقال تغلب: إذا كان ميمون المشورة (انتهى).
623

إتق الله الذي إليه تصير، ولا تحتقر مسلما ولا معاهدا، ولا تغصبن مالا ولا ولدا
ولا دابة وإن حفيت وترجلت، وصل الصلاة لوقتها.
فقدم جارية البصرة فضم إليه مثل الذي معه ثم أخذ طريق الحجاز حتى قدم
اليمن، لم يغصب أحدا ولم يقتل أحدا إلا قوما ارتدوا باليمن فقتلهم وحرقهم وسأل
عن طريق بسر فقالوا: أخذ على بلاد بني تميم فقال: أخذ في ديار قوم يمنعون أنفسهم،
فانصرف جارية فأقام بجرش (1).
حدثنا محمد قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا إبراهيم قال: ومن حديث
الكوفيين عن نمير بن وعلة عن أبي وداك (2) الشاذي (3) قال: قدم زرارة بن قيس
الشاذي فخبر عليا عليه السلام بالعدة (4) التي خرج فيها بسر فصعد المنبر فحمد الله وأثني
عليه ثم قال:
أما بعد أيها الناس فإن أول فرقتكم وبدء نقصكم ذهاب أولي النهى وأهل -
الرأي منكم الذين كانوا يلقون فيصدقون، ويقولون فيعدلون، ويدعون فيجيبون،
وأنا والله قد دعوتكم عودا وبدءا وسرا وجهارا وفي الليل والنهار والغدو والآصال فما -
يزيدكم دعائي إلا فرارا وإدبارا، أما تنفعكم العظة والدعاء إلى الهدى والحكمة

1 - في شرح النهج والبحار: (بحرس) فقال الفيروزآبادي: (جرش
كزفر مخلاف باليمن) وقال ياقوت في معجم البلدان: (جرش بالضم ثم الفتح
وشين معجمة من مخاليف اليمن من جهة مكة (إلى أن قال) وقيل: إن جرش مدينة عظيمة
باليمن وولاية واسعة (إلى آخر ما قال)).
2 - قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 671، س 11): (قال إبراهيم: ومن حديث الكوفيين عن نمير بن وعلة عن أبي وداك
قال: قدم زرارة بن قيس فخبر عليا (الحديث)).
3 - كذا في الأصل والمظنون أنها زائدة من النساخ اشتباها.)
4 - في البحار: (بالقدمة).
624

وإني لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم ولكني والله لا أصلحكم بإفساد نفسي (1) ولكن
أمهلوني قليلا فكأنكم والله بامرئ قد جاءكم يحرمكم ويعذبكم فيعذبه الله كما
يعذبكم، إن من ذل المسلمين وهلاك الدين أن ابن أبي سفيان يدعو الأراذل
والأشرار فيجاب، وأدعوكم وأنتم الأفضلون الأخيار فتراوغون (2) وتدافعون، ما هذا
بفعل المتقين، إن بسر بن أبي أرطاة وجه إلى الحجاز وما بسر؟! لعنه الله لينتدب إليه
منكم عصابة حتى تردوه عن شنته (3) فإنما خرج في ست مائة أو يزيدون.
قال: فسكت (4) الناس مليا لا ينطقون، فقال: ما لكم أمخرسون أنتم لا تتكلمون؟
فذكر عن الحارث بن حصيرة (5) عن مسافر بن عفيف (6) قال: قام أبو بردة بن عوف الأزدي (7)

1 - أورد السيد الرضي (ره) في نهج البلاغة ضمن خطبة صدرها (كم -
أداريكم) هذه العبارة هكذا: (وإني لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم ولكني والله
لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي (أنظر شرح النهج الحديدي ج 2، ص 38)).
وهذه الفقرة رواها المفيد في أماليه في المجلس الثالث والعشرين (بإسناده عن علي بن مهزيار
عن ابن أبي عمير عن هشام رفعه إلى أبي عبد الله (ع) قال: كان أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب (ع) يقول للناس بالكوفة: أتروني لا أعلم ما يصلحكم؟ بلى، ولكني أكره أن أصلحكم
بفساد نفسي).
2 - قال المجلسي (ره) في بيانه: (يقال: راغ الثعلب روغا وروغانا = ذهب
يمنة ويسرة في سرعة وخديعة).
3 - في البحار: (عن سننه).
4 - في الأصل: (فأسكت).
5 - تقدمت ترجمته في أوائل الكتاب (أنظر ص 21).
6 - هذا الرجل لم أجده في مظانه من كتب الرجال وكتب الأخبار والسير.
7 - لم نجد ترجمته في كتب الرجال لكن يستفاد سوء حاله مما نقله نصر بن مزاحم
في أوائل كتاب صفين من قوله لعلي عليه السلام معترضا عليه عند خطبته المعروفة في أول
قدومه من البصرة إلى الكوفة (ص 7 من طبعة القاهرة سنة 1365): (فقام إليه أبو بردة بن
عوف الأزدي وكان ممن تخلف عنه فقال: يا أمير المؤمنين أرأيت القتلى حول عائشة والزبير
وطلحة بم قتلوا؟ - قال: قتلوا شيعتي وعمالي (إلى أن قال عليه السلام) فقتلتهم بهم أفي -
شك أنت من ذلك؟ - قال: قد كنت في شك فأما الآن فقد عرفت واستبان لي خطأ القوم
وأنك أنت المهدى المصيب) ونقل ابن أعثم الكوفي في الفتوح (ج 2،
ص 348) نظيره. وفي كتاب صفين أيضا أنه ممن أنبهم أمير المؤمنين (ع) لتخلفهم عنه
(أنظر ص 11) ونظيره أيضا في ص 297 منه فراجع. وقال الطبري في تأريخه عند ذكره
وقائع سنة إحدى وستين (ج 6، ص 264): (قال أبو مخنف: ثم إن عبيد الله بن زياد نصب
رأس الحسين (ع) بالكوفة فجعل يدار به بالكوفة ثم دعا زحر بن قيس فسرح معه برأس الحسين
ورؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية وكان مع زحر أبو بردة بن عوف الأزدي وطارق بن أبي
ظبيان الأزدي (إلى آخر ما قال)).
625

فقال (1): إن سرت يا أمير المؤمنين سرنا معك فقال: اللهم ما لكم؟! لا سددتم لمقال -
الرشد، أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج؟! إنما يخرج في مثل هذا رجل ممن ترضون
من فرسانكم وشجعانكم، ولا ينبغي لي أن أدع الجند والمصر وبيت المال وجباية الأرض

1 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 671، س 18) وقال السيد الرضي (ره) في نهج البلاغة في باب المختار
من الخطب: (ومن كلام له عليه السلام وقد جمع الناس وحضهم على الجهاد فسكتوا مليا
فقال (ع): (ما بالكم أمخرسون أنتم؟ - فقال قوم منهم: يا أمير المؤمنين إن سرت سرنا
معك فقال (ع): (ما بالكم لا سددتم لرشد ولا هديتم لقصد) فذكر الكلام قريبا مما في المتن
بزيادة في آخره وهي قوله (ع) بعد كلمة (شمال): (طعانين عيابين حيادين رواغين إنه
لا غناء في كثرة عددكم مع قلة اجتماع قلوبكم لقد حملتكم على الطريق الواضح التي لا يهلك
عليها إلا هالك، من استقام فإلى الجنة، ومن زل فإلى النار) (أنظر شرح النهج الحديدي
ج 2، ص 259).
وقال ابن أبي الحديد في شرحه: (وهذا كلام قاله أمير المؤمنين عليه السلام
في بعض غارات أهل الشام على أطراف أعماله بالعراق بعد انقضاء أمر صفين والنهروان وقد
ذكرنا سببه وواقعته فيما تقدم).
أقول: (قول ابن أبي الحديد: (على أطراف أعماله بالعراق) كأنه سهو منه فإن الغارة
قد كانت على اليمن.
626

والقضاء بين المسلمين والنظر في حقوق الناس ثم أخرج في كتيبة أتبع أخرى في
الفلوات وشعف (1) الجبال هذا والله الرأي السوء، والله لولا رجائي عند لقائهم لوقدحم
لي لقاؤهم لقربت ركابي ثم لشخصت عنكم فلا أطلبكم ما اختلف جنوب وشمال، فوالله
إن [في] فراقكم لراحة للنفس والبدن.
فقام إليه جارية بن قدامة السعدي - رحمه الله - فقال: يا أمير المؤمنين لا أعدمنا
الله نفسك، ولا أرانا الله فراقك، أنا لهؤلاء القوم فسرحني إليهم، قال: فتجهز فإنك
ما علمت ميمون النقيبة، وقام إليه وهب بن مسعود الخثعمي (2) فقال: أنا أنتدب إليهم
يا أمير المؤمنين؟ - قال: فانتدب بارك الله فيك ونزل.
فدعا جارية بن قدامة فأمره أن يسير إلى البصرة فخرج منها في ألفين وندب مع
الخثعمي من الكوفة ألفين فقال لهما: اخرجا في طلب بسر بن أبي أرطاة حتى تلحقاه
فأينما لحقتماه فناجزاه فإذا التقيتما فجارية بن قدامة على الناس، فخرجا في طلب
بسر فخرج وهب بن مسعود من الكوفة ومضى جارية إلى البصرة فخرج من أرض -
البصرة فالتقيا بأرض الحجاز فذهبا في طلب بسر.
وعن الحارث بن حصيرة، عن عبد الرحمن بن عبيد (3) قال (4):

1 - في الصحاح: (الشعفة بالتحريك رأس الجبل والجمع شعف وشعوف وشعاف
وشعفات وهي رؤوس الجبال).
2 - قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين ضمن ذكره مقاتلة خثاعمة الشام خثاعمة
العراق (ص 290 من الطبعة الأولى بمصر): (ثم برز [أي رجل من خثعم الشام]
فنادى رجل لرجل يا أهل العراق، فغضب رأس خثعم من أهل الشام فقال: اللهم قيض له
وهب بن مسعود رجلا من خثعم من أهل الكوفة وقد كانوا يعرفونه في الجاهلية، لم يبارزه
رجل قط إلا قتله، فخرج إليه وهب بن مسعود فحمل على الشامي فقتله (إلى آخر القصة))
وفي تاريخ الطبري في وقائع سنة أربعين: (وبلغ عليا خبر بسر فوجه جارية بن
قدامة في ألفين، ووهب بن مسعود في ألفين (إلى آخر ما قال)).
3 - هذا الرجل هو أبو الكنود الذي تقدمت ترجمته مفصلة وهو الذي يروي عنه
الحارث بن حصيرة كثيرا (أنظر ص 394).
4 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 671، س 25).
627

لما بلغ عليا عليه السلام دخول بسر أرض الحجاز وقتله ابني عبيد الله بن العباس
وقتله عبد الله بن عبد المدان ومالك بن عبد الله بعثني بكتاب في أثر جارية بن قدامة
قبل أن يبلغه أن بسرا ظهر على صنعاء وأخرج عبيد الله منها وابن نمران، فخرجت
بالكتاب حتى لحقت بن جارية ففضه فإذا فيه.
أما بعد فإني بعثتك في وجهك الذي وجهت له، وقد أوصيتك بتقوى الله، وتقوى
ربنا جماع (1) كل خير ورأس كل أمر، وتركت أن أسمي لك الأشياء بأعيانها و
إني (2) أفسرها حتى تعرفها، سر على بركة الله حتى تلقي عدوك، ولا تحتقرن من
خلق الله أحدا: ولا تسخرن (3) بعيرا ولا حمارا وإن ترجلت وحفيت، ولا تستأثرن
علي أهل المياه بمياههم، ولا تشربن من مياههم إلا بطيب أنفسهم، ولا تسب (4) مسلما
ولا مسلمة، ولا تظلم معاهدا ولا معاهدة، وصل الصلاة لوقتها، واذكر الله بالليل
والنهار، واحملوا راجلكم، وتآسوا على ذات أيديكم (5)، وأغذ (6) السير حتى تلحق
بعدوك، فتجليهم عن بلاد اليمن وتردهم صاغرين إن شاء الله، والسلام عليك ورحمة
الله وبركاته.

1 - في الصحاح: (جماع الشئ بالكسر جمعه يقال: جماع الخباء الأخبية لأن
الجماع ما جمع عددا، يقال: الخمر جماع الإثم وقدر جماع أيضا للعظيمة) وفي النهاية:
(فيه: حدثني بكلمة تكون جماعا فقال: إتق الله فيما تعلم، الجماع ما جمع عددا أي كلمة
تجمع كلمات، ومنه الحديث: الخمر جماع الإثم أي مجمعه ومظنته) وفي المصباح -
المنير: (جماع الإثم بالكسر والتخفيف جمعه).
2 - كذا في الأصل والبحار، ومع ذلك يحتمل أن تكون كلمة (إني) محرفة عن
كلمة (أن) الناصبة وتكون جملة (أن أفسرها) معطوفة على جملة: (أن اسمي) فتدبر.
3 - قال المجلسي (ره): (سخره تسخيرا = كلفه عملا بلا أجرة وكذلك تسخره).
وفي المصباح المنير: (السخرة وزان غرفة ما سخرت من خادم أو دابة بلا أجر ولا ثمن
والسخرى بالضم بمعناه، وسخرته في العمل بالتثقيل استعملته مجانا).
4 - هو من قولهم: (سبى العدو يسبيه سبيا وسباء يائي = أسره).
5 - أي تعاونوا بما في أيديكم.
6 - قال المجلسي (ره): (الاغذاد في السير = الاسراع).
628

قصة
وائل بن حجر الحضرمي (1)
عن الضحاك وعوانة عن الكلبي (2) أن وائل بن حجر كتب إلى بسر أن نصف
حضرموت شيعة عثمان فاقدم فليس بها أحد يمنعك، فخرج بسر إلى حضرموت فلما
قرب منها تلقاه [وائل بن] حجر بحملان وكسوة، وقال له وائل: ما تريد أن تصنع
بأهل حضرموت؟ قال: أريد أن أقتل ربعهم قال له وائل: [إن كنت تريد ذلك] فاقتل
عبد الله بن ثوابة فاستنسر (3) وهو آمن للقتل (4) فقتله، وبلغ بسرا مسير جارية وأنه أخذ

1 - تقدم عند ذكر المصنف (ره) من فارق عليا (ع) الإشارة إلى هذه القصة
(أنظر ص 521 و 554).
أقول: قد نقلنا هناك عن ابن أبي الحديد عبارة تدل على أن خبره يذكر في قصة بسر والحال
أنه لم يذكر في قصة بسر خبره، فراجع إن شئت، أما الرجل ففي تقريب التهذيب:
(وائل بن حجر بضم المهملة وسكون الجيم ابن سعد بن مسروق الحضرمي صحابي جليل،
وكان من ملوك اليمن ثم سكن الكوفة، مات في ولاية معاوية / د م (4)).
أقول: ترجمته مذكورة في كتب الرجال من الفريقين.
2 - لم أجد الرواية في مظانها من البحار وشرح النهج.
3 - كذا في الأصل، فكأنه يريد بقوله: استنسر، أنه جاوز حده وتعدى طوره وطغى
ففي الصحاح: (استنسر البغاث إذا صار كالنسر وفي المثل: إن البغاث بأرضنا تستنسر
أي إن الضعيف يصير قويا).
4 - نظيره ما يأتي عن قريب (أنظر ص 631، س 6): (وكان للقتل
آمنا) ويستفاد من التعبيرين أنه اصطلاح في مثل المورد ويؤيده ما ورد في الشعر قال
الكراجكي (ره) في أوائل كنز الفوائد في فصل عقده تحت عنوان (ذكر الموت)
(أنظر ص 17 - 18 من النسخة المطبوعة): (قال الشاعر:
فكم من صحيح بات للموت آمنا * أتته المنايا رقدة بعد ما هجع
فلم يستطع إذ جاءه الموت بغتة * فرارا ولا منه بحيلة انتفع
فأصبح تبكيه النساء مكفنا * ولا يسمع الداعي إذا صوته رفع
وقرب من لحد فصار مقيله * وفارق ما قد كان بالأمس قد جمع)
أقول: إنما نقلنا الأبيات والحال أن مورد الاستشهاد في البيت الأول فقط للطافتها
وعلو مضمونها، جعلنا الله ممن اعتبر فأصبح وأمسى وهو من الدنيا على حذر.
629

طريق الحجاز، فخرج بسر من اليمن فانحدر إلى اليمامة.
وأما من ذكر عن فضيل بن خديج (1) قال (2): كان وائل بن حجر عند علي عليه السلام
بالكوفة وكان يرى رأي عثمان، فقال لعلي عليه السلام: إن رأيت أن تأذن لي بالخروج
إلى بلادي وأصلح مالي هناك، ثم لا ألبث إلا قليلا إن شاء الله حتى أرجع إليك.
فأذن له علي عليه السلام وظن أن ذلك مثل ما ذكره. فخرج إلى بلاد قومه وكان
قيلا من أقيالهم (3) عظيم الشأن فيهم، وكان الناس بها أحزابا وشيعا، فشيعة ترى
رأي عثمان وأخرى ترى رأي علي عليه السلام، فكان وائل بن حجر هناك حتى دخل بسر
صنعاء.
فكتب إليه: أما بعد فإن شيعة عثمان ببلادنا شطر أهلها فاقدم علينا فإنه ليس
بحضرموت أحد يردك عنها ولا ينصب لك (4) فيها، فأقبل إليها بسر بمن معه حتى

1 - مرت ترجمته (أنظر ص 71) وهو واقع أيضا في كتاب صفين في طريق نصر -
بن مزاحم.
2 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 671، س 31).
3 - قال الجوهري: (القيل ملك من ملوك حمير دون الملك الأعظم، وأصله
قيل بالتشديد كأنه الذي له قول أي ينفذ قوله والجمع أقوال وأقيال أيضا، ومن جمعه
على أقيال لم يجعل الواحد منه مشددا) وقد مر في ص 541 ماله ربط بالمقام.
4 - في أقرب الموارد: (نصب لفلان = عاداه (إلى أن قال) ونصب له
الحرب = وضعها، قال الراغب: وإن لم تذكر الحرب جاز).
630

دخلها فزعم أن وائلا استقبل بسر بن أبي أرطاة بشنوءة (1) فأعطاه عشرة آلاف، وأنه
كلمه في حضرموت فقال له: ما تريد؟ قال: أريد أن أقتل ربع حضرموت قال: إن كنت
تريد أن تقتل ربع حضرموت فاقتل عبد الله بن ثوابة، إنه لرجل فيهم وكان (2) من المقاولة (3)
العظام وكان له عدوا في رأيه مخالفا، فجاءه بسر حتى أحاط بحصنه، وهو حصن
مما كان الحبش بنته أول ما قدمت، وكان بناءا معجبا لم ير في ذلك الزمان مثله،
فدعاه إليه فنزل، وكان للقتل آمنا، فلما نزل أتاه فقال: اضربوا عنقه، قال له:
أتريد قتلي؟ - قال: نعم، قال: فدعني أتوضأ وأصلي ركعتين، قال: افعل ما أحببت،
فاغتسل وتوضأ ولبس ثيابا بيضا (4) وصلى ركعتين ثم قدم ليقتله فقال: اللهم إنك عالم
بأمري، فقدم فضرب عنقه وأخذ ماله وأخذ له مائة وخمسين عينا وكان له أخت وكان
ذلك المال بينهما، وكان لها منه الثلث، فلما قتل وأخذ ماله قالت أخته: من بقي
القتيل ويبكع الدية (5) أي ويعطي الدية، وهذه لغتهم، فبلغ قولها معاوية فرد عليها
ثلث المال.
وبلغ عليا عليه السلام مظاهرة وائل بن حجر شيعة عثمان على شيعته ومكاتبته بسرا
فحبس ولديه عنده.

1 - في مراصد الاطلاع: (شنوءة بالفتح ثم الضم وواو ساكنة ثم همزة مفتوحة
وهاء مخلاف باليمن ينسب إلى قبائل من الأزد، وقيل: أرض باليمن يطأها محجة مكة
إلى عرفة).
2 - في الأصل: (عبد الله بن ثوابة لرجل فيهم كان).
3 - في القاموس: (المقول كمنبر اللسان والملك أو من ملوك حمير يقول ما شاء
فينفذ كالقيل وأصله قيل كفيعل جمعه أقوال وأقيال ومقاول ومقاولة) قال الزبيدي في -
التاج ضمن شرحه للكلام: (دخلت الهاء فيه [أي في المقاولة] على حد دخولها في -
القشاعمة).
4 - في الأصل: (ولبس ثيابه بيضاء).
5 - هذه العبارة صورتها كما في المتن ولم أتحقق معناها ولم أجدها في غير هذا الكتاب
حتى أصححها بمعونتها حتى أن المجلسي (ره) مع نقله القصة كما أشرنا إليه في صدر القصة
لم يذكرها ونص عبارته: (فقدم فضرب عنقه وأخذ ماله وبلغ عليا (ع) مظاهرة وائل).
631

عن عبد الرحمن بن عبيد (1) أن جارية بن قدامة أغذ السير (2) في طلب بسر بن -
أبي أرطاة ما يلتفت إلى مدينة مر بها ولا أهل حصن ولا يعرج (3) على شئ إلا أن
يرمل (4) بعض أصحابه من الزاد فيأمر أصحابه بمواساته، أو يسقط بعير رجل أو تحفى
دابته (5) فيأمر أصحابه فيعقبونه (6). قال: فمضى حتى انتهى إلى بلاد اليمن فهربت شيعة -
عثمان فلحقوا بالجبال واتبعتهم عند ذلك شيعة علي عليه السلام وتداعت عليهم (7) من كل
جانب وأصابوا منهم، وخرج جارية في أثر القوم وترك المدائن أن يدخلها ومضى نحو
بسر فمضى بسر من حضرموت حين بلغه أن الجيش قد أقبل وأخذ طريقا على الجوف (8)
وترك الطريق الذي أقبل منه، وبلغ ذلك جارية فاتبعه حتى أخرجه من اليمن

1 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 672، س 1) وابن أبي الحديد أورد مضمونه ملخصا وجعله جزء حديث آخر
(أنظر ج 1، ص 120، س 26) ونقله أيضا عنه المجلسي (ره) في الباب المذكور
(ص 670، س 21) أما الراوي فهو أبو الكنود المتقدم ذكره (أنظر؟ ص 394).
2 - في القاموس: (أغذ السير وفيه = أسرح) وفي الصحاح: (الاغذاذ في -
السير الاسراع).
3 - في الأصل: (يعرض) ففي المصباح المنير: (ما عرجت على الشئ
بالتثقيل أي ما وقفت عنده) وفي الصحاح: (التعريج على الشئ الإقامة عليه، يقال:
عرج فلان على المنزل إذا حبس مطيته عليه وأقام، وكذلك التعرج).
4 - قال الجوهري: (يقال: أرمل القوم إذا نفد زادهم، وعام أرمل أي قليل
المطر، وسنة رملاء أي قليل المطر) وقال الفيروزآبادي: (أرملوا = نفد زادهم وأرملوه)
وفي المصباح المنير: (أرمل الرجل بالألف إذا نفد زاده وافتقر فهو مرمل).
5 - قال الجوهري: (حفى الفرس انسجح حافره، وأحفى الرجل إذا حفيت دابته).
6 - قال المجلسي (ره) نقلا عن القاموس: (أعقب زيد عمروا = ركبا بالنوبة).
7 - في القاموس: (تداعى العدو أقبل، وتداعوا عليهم تجمعوا) وفي -
المصباح المنير: (تداعى الناس على فلان تألبوا عليه).
8 - ذكر ياقوت في معجم البلدان مواضع تحت عنوان (الجوف) فراجعه.
632

كلها، وواقعه في أرض الحجاز، فلما فعل ذلك به أقام بجرش نحوا من شهر حتى
استراح وأراح أصحابه.
قدوم عبيد الله بن العباس وسعيد بن نمران
على علي عليه السلام بالكوفة
عن عبد الرحمن بن نعيم (1) عن أشياخ من قومه أن عليا عليه السلام كان كثيرا ما يقول
في خطبته (2):
أيها الناس إن الدنيا قد أدبرت وآذنت أهلها بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت
وآذنت باطلاع، ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا، ألا وإن السبق (3) الجنة والغاية

1 - في لسان الميزان: (عبد الرحمن بن نعيم بن قريش [كان في عصر الدارقطني]
وقال في المؤتلف والمختلف: إن له أحاديث غرائب (انتهى) وقال: قال:
سألت عنه فقال: كوفي لا أعرفه إلا في حديث واحد عن ابن عمر، روى عنه طلحة بن
مصرف).
أقول: لم أفهم معنى محصلا لقوله: (كان في عصر الدارقطني) فإن طلحة بن مصرف
الذي روى عنه من الخامسة وقد مات سنة اثنتي عشرة ومائة كما في التقريب والتهذيب والحال
أن الدارقطني قد توفي سنة خمس وثمانين بعد ثلاثمائة فكيف التوفيق؟ فتدبر، ثم إن النجاشي
قد ذكر رجلا باسم عبد الرحمن بن نعيم الصحاف الكوفي مولى بني أسد من أصحاب الصادق (ع)
(في ترجمة أخيه الحسين بن نعيم) فيمكن انطباقه أيضا على ما نحن فيه فراجع.
2 - نقله المجلسي (ره) في المجلد السابع عشر من البحار في باب مواعظ
أمير المؤمنين وخطبه وحكمه (ص 126، س 10).
أقول: نقل السيد الرضي (ره) قسمة معظمة من هذه الخطبة في باب المختار من الخطب
(أنظر ج 1 من شرح النهج الحديدي ص 146).
3 - في الأصل: (السباق) وفي البحار: (السبق) وفي النهج: (السبقة).
633

النار (1)، ألا وإنكم في أيام مهل من ورائه أجل يحثه عجل، فمن عمل في أيام مهله
قبل حضور أجله نفعه عمله ولم يضره أمله، ألا وإن الأمل يسهي القلب ويكذب
الوعد ويكثر الغفلة ويورث الحسرة، فاعزبوا عن الدنيا كأشد ما أنتم عن شئ

1 - قال الرضي - رضي الله عنه - في ذيل الخطبة ما نصه:
(وأقول: إنه لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا ويضطر إلى عمل
الآخرة لكان هذا الكلام، وكفى به قاطعا لعلائق الآمال وقادحا زناد الاتعاظ والازدجار،
ومن أعجبه قوله عليه السلام: (ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق والسبقة الجنة
والغاية النار) فإن فيه مع فخامة اللفظ وعظم قدر المعنى وصادق التمثيل وواقع التشبيه سرا
عجيبا ومعنى لطيفا وهو قوله عليه السلام: (والسبقة الجنة والغاية النار) فخالف بين اللفظين
لاختلاف المعنيين المفسرين ولم يقل: السبقة النار، كما قال: السبقة الجنة، لأن الاستباق إنما
يكون إلى أمر محبوب وغرض مطلوب وهذه صفة الجنة وليس هذا المعنى موجودا في النار
نعوذ بالله منها فلم يجز أن يقول: والسبقة النار بل قال: والغاية النار لأن الغاية قد ينتهى
إليها من لا يسره الانتهاء إليها ومن يسره ذلك فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا فهي في
هذا الموضع كالمصير والمال قال الله تعالى: قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار، ولا يجوز
في هذا الموضع أن يقال: فإن سبقتكم بسكون الباء إلى النار، فتأمل ذلك فباطنه عجيب وغوره
بعيد لطيف وكذلك أكثر كلامه عليه السلام، وفي بعض النسخ وقد جاء في رواية أخرى:
والسبقة الجنة بضم السين والسبقة عندهم اسم لما يجعل للسابق إذا سبق من مال أو عرض
والمعنيان متقاربان لأن ذلك لا يكون جزاءا على فعل الأمر المذموم وإنما يكون جزاءا على
فعل الأمر المحمود) وقال المفيد - رضوان الله عليه - في الارشاد في باب عقده
لنقل مختصر من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ضمن ترجمته: (ومن كلامه عليه السلام
في التزهيد في الدنيا والترغيب في أعمال الآخرة ما اشتهر بين العلماء وحفظه ذوو الفهم
والحكماء: أما بعد أيها الناس فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع (الخطبة لكن باختلاف
في بعض الفقرات وزيادة ونقيصة) (أنظر ص 176 - 177 من طبعة تبريز سنة 1308)
ونقلها المجلسي (ره) في المجلد السابع عشر في باب مواعظ أمير المؤمنين
من البحار عن الارشاد (أنظر ص 110، س 9).
634

تعزبون، فإنها غرور وصاحبها منها في غطاء معنى (1) وافزعوا إلى قوام دينكم بإقامة
الصلاة لوقتها، وأداء الزكاة لحلها، والتضرع إلى الله والخشوع له، وصلة الرحم،
وخوف المعاد، وإعطاء السائل، وإكرام الضيف، وتعلموا القرآن واعملوا به، واصدقوا
الحديث وآثروه، وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم، وأدوا الأمانة إذا ائتمنتم، وارغبوا في
ثواب الله وخافوا عقابه، فإني لم أر كالجنة نام طالبها ولم أر كالنار نام هاربها، فتزودوا
في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا من النار، واعملوا بالخير تجزوا بالخير
يوم يفوز أهل الخير بالخير.
عن القاسم بن الوليد (2) أن عبيد الله بن العباس وسعيد بن نمران قدما على
علي عليه السلام وكان عبيد الله عامله على صنعاء، وسعيد بن نمران عامله على الجند،
خرجا هاربين من بسر بن أبي أرطاة وأصاب ابني عبيد الله بن العباس لم يدركا الحنث (3)
فقتلهما.
قال: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يجلس كل يوم في موضع من المسجد الأعظم
يسبح فيه بعد الغداة إلى طلوع الشمس، فلما طلعت الشمس نهض إلى المنبر فضرب
بإصبعيه (4) على راحته وهو يقول:

1 - كذا في الأصل والبحار، وأظن أن الصحيح: (مغطى) بصيغة المفعول من غطا
الشئ تغطية، فيكون وصف غطاء بالمغطى للمبالغة من قبيل (يوم أيوم) و (ليل أليل).
2 - هذا الرجل لم أجده بهذا العنوان بين أصحاب أمير المؤمنين (ع) في كتب الرجال
نعم قد ذكر في كتب الفريقين (القاسم بن الوليد الكوفي) من الطبقة السابعة وعد في كتب
الشيعة من أصحاب الصادق (ع) فيكون الحديث مرسلا لبعد طبقته وعدم إدراكه أمير المؤمنين (ع).
أما الحديث فنقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 672، س 15).
3 - في النهاية: (من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث أي لم يبلغوا
مبلغ الرجال ويجري عليهم القلم فيكتب عليهم الحنث وهو الإثم وقال الجوهري: (بلغ
الغلام الحنث أي المعصية والطاعة).
4 - في الأصل: (إصبعيه).
أقول: قد روى الرضي (ره) هذه الخطبة في نهج البلاغة كما أشرنا إلى ذلك في
صدر قصة غارة بسر ونقلنا عبارة السيد عند ذكره الخطبة هناك إلا أن السيد (ره) قد جمع بين
عبارتي الحديثين وأسقط بعض فقراتهما وزاد عليهما أشياء قد أشرنا إليها في موارد مما سبق.
635

ما هي إلا الكوفة أقبضها وأبسطها.
لعمر أبيك الخير يا عمرو إنني * علي وضر من ذا الاناء قليل
ومن حديث بعضهم أنه قال: لو لم تكوني إلا أنت تهب أعاصيرك فقبحك
الله. ثم رجع إلى الحديث ثم قال: أيها الناس ألا إن بسرا قد اطلع اليمن وهذا
عبيد الله بن عباس وسعيد بن نمران قدما علي هاربين، ولا أرى هؤلاء القوم إلا ظاهرين
عليكم لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، وطاعتهم لإمامهم ومعصيتكم
لإمامكم، وبأدائهم الأمانة إلا صاحبهم وخيانتكم إياي، إني وليت فلانا فخان وغدر،
واحتمل فيئ المسلمين إلى معاوية (1)، ووليت فلانا فخان وغدر وفعل مثله، فصرت
لا أئتمنكم على علاقة سوط، وإن ندبتكم إلى عدوكم في الصيف قلتم: أمهلنا ينسلخ
الحر عنا، وإن ندبتكم في الشتاء قلتم: أمهلنا ينسلخ القر عنا، اللهم إني قد
مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو
شر لهم مني، اللهم مث قلوبهم ميث الملح في الماء، ثم نزل (2).
عن عبد الله بن الحارث بن سليمان (3) عن أبيه قال: قال علي عليه السلام: لا أرى
هؤلاء القوم (4) إلا ظاهرين عليكم بتفرقكم عن حقكم واجتماعهم على باطلهم * وإن
الإمام ليس يساق شعره وأنه يخطئ ويصيب * (5) فإذا كان عليكم إمام يعدل في

1 - في البحار: (إلى مكة).
2 - نقل ابن كثير في البداية والنهاية (ج 7، ص 325) تحت عنوان
(مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه) قريبا مما في المتن وزاد في آخره
(قال: فما صلى الجمعة الأخرى حتى قتل - رضي الله عنه وأرضاه).
3 - هذا الرجل لم أجده بهذا العنوان في مظانه وكذا أباه المروى عنه.
4 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 672، س 23).
5 - ما بين الكوكبين لم يذكر في البحار، وأما قوله (ع): (ليس يساق
شعره) فهو مثل أو جار مجراه والمراد منه: أنه مثلكم وليس له جهة مائزة غير خصائص -
الإمامة فيكون شبيها بقول الله تعالى لنبيه (ص) في مثل المورد: (قل إنما أنا بشر مثلكم
(الآية)) ونظيره كلامه عليه السلام في عهده للأشتر النخعي (ج 4 شرح النهج
لابن أبي الحديد): (وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور وليست
على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب).
636

الرعية، ويقسم بالسوية، فاسمعوا له وأطيعوا، فإن الناس لا يصلحكم إلا
إمام بر أو فاجر، فإن كان برا فللراعي والرعية، وإن كان فاجرا عبد المؤمن
ربه فيها وعمل فيها الفاجر إلى أجله، وإنكم ستعرضون بعدي على سبي والبراءة
مني فمن سبني فهو في حل من سبي، ولا تتبرأوا مني، فإن ديني الإسلام.
عن أبي عبد الرحمن السلمي (1) أن الناس تلاقوا وتلاوموا (2) ومشت الشيعة
بعضها إلى بعض، ولقي أشراف الناس بعضهم بعضا فدخلوا على علي عليه السلام فقالوا:
يا أمير المؤمنين اختر منا رجلا ثم ابعث معه إلى هذا الرجل جندا حتى يكفيك
أمره، ومرنا بأمرك فيما سوى ذلك فإنك لن ترى منا شيئا تكرهه ما صحبتنا. قال عليه السلام:
فإني قد بعثت رجلا إلى هذا الرجل لا يرجع أبدا حتى يقتل أحدهما صاحبه أو ينفيه،
ولكن استقيموا لي فيما آمركم به وأدعوكم إليه من غزو الشام وأهله.
فقام إليه سعيد بن قيس الهمداني فقال: يا أمير المؤمنين والله لو أمرتنا بالمسير
إلى قسطنطينية (3) ورومية مشاة حفاة على غير عطاء ولا قوة ما خالفتك أنا ولا رجل
من قومي، قال: فصدقتم جزاكم الله خيرا.
ثم قام زياد بن خصفة ووعلة بن مخدوع (4) فقالا: نحن شيعتك يا أمير المؤمنين

1 - هذا الرجل قد تقدم ذكره عند ذكر المصنف (ره) من كان يبغض
عليا (ع) فراجع إن شئت (ص 567).
2 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 672، س 26).
3 - في مراصد الاطلاع: (قسطنطينية ويقال: قسطنطينة بإسقاط ياء النسبة
كان اسمها بزنطية فنزلها قسطنطين الأكبر وبنى عليها سورا وسماها باسمه وصارت دار ملك -
الروم إلى الآن واسمها اصطنبول (إلى آخر ما قال)).
4 - كذا في الأصل والبحار ولم نجد له ذكرا في مظانه من كتب الفريقين نعم
قد ذكر الطبري في تأريخه في حوادث سنة 36 عند ذكره بعث أمير المؤمنين ابنه الحسن (ع)
وعمار بن ياسر من ذي قار إلى الكوفة رواية وقع ذكر الرجل فيها وها نحن نوردها بعبارته:
(روى بإسناده عن أبي ليلى قال: خرج إلى علي اثنا عشر ألف رجل وهم أسباع، على قريش
وكنانة وأسد وتميم والرباب ومزينة معقل بن يسار الرياحي، وسبع قيس عليهم سعد بن
مسعود الثقفي وسبع بكر بن وائل وتغلب عليهم وعلة بن مخدوج [أو محدوج] الذهلي،
وسبع مذحج والأشعريين عليهم حجر بن عدي، وسبع بجيلة وأنمار وخثعم والأزد عليهم
مخنف بن سليم الأزدي).
637

التي لا نعصيك ولا نخالفك فقال: أجل أنتم كذلك، فتجهزوا إلى غزو الشام (1)، فقال
الناس: سمعا وطاعة، قال: فأشيروا علي برجل يحشر الناس من السواد ومن القرى
ومن محشرهم (2). فقال سعيد بن قيس: أما والله أشير عليك بفارس العرب الناصح
الشديد على عدوك. قال له: من؟ قال: معقل بن قيس الرياحي. قال: أجل،
فدعاه فسرحه في حشر الناس من السواد إلى الكوفة فلم يقدم حتى أصيب أمير المؤمنين
صلوات الله عليه وسلامه.
رجع إلى حديث جارية بن قدامة وبسر قال:
ولما قدم جارية أقام بجرش شهرا فاستراح وأراح أصحابه (3) وسأل عن بسر بن -
أبي أرطاة فقيل: إنه بمكة فسار نحوه، ووثب الناس ببسر [في طريقه] حين انصرف
لسوء سيرته واجتنبه الناس بمياه الطريق وفر الناس عنه لغشمه وظلمه، وأقبل
جارية حتى دخل مكة وخرج بسر منها يمضي قبل اليمامة فقام جارية على منبر
مكة فقال: يا أهل مكة ما رأيكم ومع من أنتم؟ قالوا: كان رأينا معكم وكانت بيعتنا لكم،

1 - قد تقدم نظير ذيل القصة في قصة غارة سفيان بن عوف الغامدي وذكرنا هناك
أن القصة تأتي هنا (أنظر ص 482).
2 - كذا في الأصل والظاهر أنه (محشد) (بالدال) والمراد مجتمع الناس.
3 - هذه العبارة قد مرت فيما سبق ضمن رواية عبد الرحمن بن عبيد (أنظر ص 633)
والعبارة تتمتها وتكرارها هنا لإيجاد الربط المنقطع بإيراد ما وقع بينهما من سائر الأحاديث
ونقلها المجلسي (ره) كملا بغير انفصال بين الصدر والذيل (أنظر ص 672، س 1 من
ج 8 من البحار) ونقل الأحاديث المتوسطة بين الصدر والذيل بعد نقله تمام القصة كما أشرنا
إلى الموارد نقلها.
638

فجاء هؤلاء القوم فدخلوا علينا فلم نستطع منهم ولم نقم لهم وكانت بيعتكم قبلهم
ولكنهم قهرونا، قال: إنما مثلكم مثل الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا،
وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: إنا معكم إنما نحن مستهزؤن (1)، قوموا فبايعوا،
قالوا: لمن نبايع رحمك الله وقد هلك أمير المؤمنين علي - رحمة الله عليه - ولا ندري ما صنع
الناس بعد؟ قال: وما عسى أن يصنعوا إلا أن يبايعوا الحسن بن علي، قوموا فبايعوا
ثم اجتمعت عليه شيعة علي عليه السلام فبايعوا.
وخرج منها فجاء ودخل المدينة وقد اصطلحوا على أبي هريرة يصلي بالناس
فلما بلغهم مجئ جارية توارى أبو هريرة وجاء جارية حتى دخل المدينة فصعد
منبرها فحمد الله وأثنى عليه وذكر رسول الله فصلى عليه ثم قال:
أيها الناس إن عليا - رحمه الله - يوم ولد توفاه الله ويوم يبعث حيا كان
عبدا من عباد الله الصالحين عاش بقدر ومات بأجل فلا يهنأ الشامتين هلك سيد المسلمين
وأفضل المهاجرين وابن عم النبي صلى الله عليه وآله أما والذي لا إله إلا هو لو أعلم الشامت منكم
لتقربت إلى الله عز وجل بسفك دمه وتعجيله إلى النار، قوموا فبايعوا الحسن بن -
علي، فقام الناس فبايعوا، وأقام يومه ذلك ثم غدا منها منصرفا إلى الكوفة وغدا
أبو هريرة يصلي بالناس ورجع بسر فأخذ على طريق السماوة حتى أتى الشام فقدم
على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين أحمد الله فإني سرت في هذا الجيش أقتل عدوك ذاهبا
وراجعا (2) لم ينكب رجل (3) منهم نكبة فقال معاوية: الله فعل ذلك لا أنت وكان الذي

1 - آية 14 سورة البقرة.
2 - في شرح النهج والبحار: (وجائيا) ولا يخفى أن المجلسي (ره) نقل
قدوم بسر على معاوية عن شرح النهج لابن أبي الحديد في ثامن البحار في باب
سائر ما جرى من الفتن (ص 670، س 25) وهو في شرح النهج (ج 1، ص 120،
س 35).
أقول: قال ابن أبي الحديد في آخر القصة كلاما ينبغي أن يذكر هنا وهو:
(قلت: كان مسلم بن عقبة ليزيد وما عمل بالمدينة في وقعة الحرة كما كان بسر لمعاوية وما
عمل في الحجاز واليمن: ومن أشبه أباه فما ظلم.
نبني كما كانت أوائلنا * تبني ونفعل مثل ما فعلوا)
3 - في الأصل: (رجلا).
639

قتل بسر في وجهه ذاهبا وراجعا ثلاثين ألفا، وحرق قوما بالنار وقال الشاعر وهو
ابن مفرغ (1):
إلى حيث سار المرء بسر بجيشه * فقتل بسر ما استطاع وحرقا
قال: ولما قدم جارية بن قدامة الجرش بلغه بها قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
- صلوات الله عليه وسلامه - فقدم مكة فقال: بايعتم معاوية؟ قالوا: أكرهنا، قال جارية:
أخاف أن تكونوا من الذين قال الله فيهم: وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، الآية ثم
خرج حتى أتى المدينة فقال: * أني لا أعلم أن فيكم أمير المؤمنين ولو أعرفه لبدأت به (2) *
فبايعوا الحسن بن علي عليه السلام.
وقد كان علي عليه السلام دعا قبل موته على بسر بن أبي أرطاة - لعنه الله - فيما بلغنا
فقال: اللهم إن بسرا باع دينه بدنياه (3) وانتهك محارمك وكانت مخلوق فاجر
آثر عنده مما عندك، اللهم فلا تمته حتى تسلبه عقله، فما لبث بعد وفاة علي عليه السلام
إلا يسيرا حتى وسوس [وذهب عقله (4)].

1 - سيأتي البيت وترجمة ابن مفرغ بعيد ذلك إن شاء الله.
2 - ما بين الكوكبين في الأصل فقط وفيه بدل (أمير المؤمنين): (بأمير المؤمنين)
بالباء في أوله.
3 - في شرح النهج والبحار: (بالدنيا).
4 - كذا في شرح النهج والبحار ولم يذكر في الأصل.
فليعلم أن مضامين أمثال هذا الحديث تدل على أن بسرا قد بقي بعد أمير المؤمنين
عليه السلام، وكتب السير والقصص والتراجم والتواريخ كلها أيضا ناطقة بذلك إلا ما في
كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي فإنه صرح فيه بما ينافيه ونص عبارته هكذا (ج 4،
ص 69 - 70): (قال: فخرج جارية من العراق يريد مكة وبلغ ذلك بسر بن أبي أرطاة
فخرج عن بلاد اليمن وصار إلى أرض اليمامة فأخذ عليهم بيعة معاوية وأشخص معه جماعة
من أهل الشام يريد الشام وقد قتل بأرض اليمن وغيرها نيفا عن ثلاثين ألف من شيعة علي بن
أبي طالب، وبلغ ذلك عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب فخرج في طلبه في زهاء ألف رجل
من نجبة فرسان اليمن فلحقه قبل أن يدخل الشام فواقعه فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة وقتله
فيمن قتل وأحرقه بالنار، وانهزم أصحابه هزيمة قبيحة حتى صاروا إلى معاوية فخبروه الخبر.
قال: وخرج جارية بن قدامة من العراق يقتل الخيل قتلا وهو يرجو أن يدرك بسر -
بن [أبي] أرطاة حتى إذا صار في بعض الطريق بلغه ما قد نزل ببسر فحمد الله على ذلك).
وهذا قول عجيب ونقل غريب جدا ولم أره في غيره من الكتب، وينافيه أيضا ما يأتي
في آخر الغارات من اجتماعه يوما مع عبيد الله بن العباس بعد صلح الحسن عليه السلام
وما جرى بينهما من الكلام إلى غير ذلك مما يدل على ما ادعيناه ومن ثم قال بعض الفضلاء
في هامش بعض النسخ من الفتوح معترضا على هذا المطلب: (اشتبه المؤلف
في قوله: إن بسرا مات بهذه الوقعة وإنما ذلك وهم منه).
وذكر المسعودي في مروج الذهب أن حارثة بن قدامة قتل ابن أخي بسرو نص
عبارته (ج 3، ص 31 من الطبعة المحققة بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد):
(وقد كان بسر بن أبي أرطاة العامري - عامر بن لؤي بن غالب - قتل بالمدينة وبين -
المسجدين خلقا كثيرا من خزاعة وغيره، وكذلك بالجرف قتل بها خلقا كثيرا من رجال
همدان وقتل بصنعاء خلقا [كثيرا] من الأبناء، ولم يبلغه أحد أنه يمالئ عليا أو يهواه
إلا قتله، ونما إليه خبر حارثة بن قدامة السعدي فهرب وظفر حارثة بابن أخي بسر مع أربعين
من أهل بيته فقتلهم).
ثم لا يخفى أن أجمع كتاب لقصة غارة بسر بن أبي أرطاة كتاب الغارات
هذا، وذلك أن القصة ذكرها اليعقوبي في تاريخه (ص 173 - 175 من الجزء الثاني
من طبعة النجف 1358) والمسعودي في مروج الذهب (ج 3، ص 30 - 31
من الطبعة المحققة بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد) وابن عساكر في تاريخه
(ج 3، ص 222 - 224) وأما الطبري وابن الأثير فأشرنا إلى موضع نقلهما القصة
فيما سبق وكذا أشرنا إلى موضع نقل ابن أعثم إياها في الفتوح إلى غير ذلك من
أرباب السير والتواريخ ولكن لم يذكرها أحد منهم مبسوطة ومفصلة كما ذكرها الثقفي
فهي في هذا الكتاب أكثر بسطا وأوفر تفصيلا.
640

عن علي بن محمد بن أبي سيف قال: قال علي عليه السلام: اللهم العن معاوية وعمرا
641

وبسرا، أما يخاف هؤلاء المعاد؟ (1) فاختلط بسر بعد ذلك فكان يهذي ويدعوا بالسيف
فاتخذ له سيف من خشب فإذا دعا بالسيف أعطي السيف الخشب فيضرب به حتى
يغشى عليه فإذا أفاق طلبه فيدفع إليه فيصنع به مثل ذلك حتى مات لا رحمه الله.
وفي حديث آخر:
أنه ذكر عنده عليه السلام بسر فقال: اللهم العن بسرا وعمرا [ومعاوية] اللهم ليحل
عليهم غضبك، ولتنزل بهم نقمتك وليصبهم بأسك ورجزك الذي لا ترده عن القوم
المجرمين، قال: فلم يزل بسر إلا قليلا حتى وسوس وذلك بعد صلح الحسن بن علي
معاوية، فكان يهذي فيقول: أعطوني السيف أقتل به حتى جعل له سيف من عيدان
وكانوا يدنون به إلى المرفقة فلا يزال يضربها حتى يغشى عليه فما زال كذلك حتى
مات لا رحمه الله (2).

1 - في الأصل (إنا نخاف هؤلاء المعاد).
2 - أخذ ابن أبي الحديد مضامين هذه الأحاديث الثلاثة وجعلها رواية واحدة ونص
عبارته هكذا (ج 1، ص 121، س 15): (قال: ودعا علي (ع) على بسر فقال:
اللهم إن بسرا باع دينه بالدنيا وانتهك محارمك وكانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده مما عندك،
اللهم فلا تمته حتى تسلبه عقله ولا توجب له رحمتك ولا ساعة من نهار اللهم العن بسرا
وعمرا ومعاوية وليحل عليهم غضبك ولتنزل بهم نقمتك وليصبهم بأسك ورجزك الذي
لا ترده عن القوم المجرمين فلم يلبث بسر بعد ذلك إلا يسيرا حتى وسوس وذهب عقله فكان
يهذي بالسيف ويقول: أعطوني سيفا به لا يزال يردد ذلك حتى اتخذ له سيف من
خشب وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتى يغشى عليه فلبث كذلك إلى أن مات)
ونقل المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن عين عبارته
(راجع ص 670، س 27).
642

قال: وأقبل جارية (1) حتى دخل على الحسن بن علي عليهما السلام فضرب على يده
فبايعه وعزاه وقال: ما يجلسك؟ سرير حمك الله، سر بنا إلى عدوك قبل أن يسار إليك،
فقال: لو كان الناس كلهم مثلك سرت بهم * (2) ولم يحمل علي الرأي شطرهم أو عشرهم *
قال: وكان بسر مضى حتى مر بأرض اليمامة فنزل بالماء ولم يكن أهل اليمامة
دخلوا في طاعة أحد بعد عثمان وكانوا معتزلين أمر الناس مع القاسم بن وبرة أميرهم
الذي ولي عليهم، فلما مر بهم بسر وأراد مواقعتهم أتى ابن مجاعة بن مرارة فقال له:
دع قومي لا تعرض لهم، اخرج بي إلى معاوية حتى أصالحه على قومي، فأخذه معه
وذهب به إلى معاوية فصالحه وكاتبه عن قومه (3).

1 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن
(ص 672، س 13) 2 - ما بين الكوكبين أي من هنا إلى: (عشرهم) في المتن فقط ولم نحصل معناه.
3 - نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج باختلاف وتلخيص ونص عبارته
(ج 1، ص 120، س 33): (وصحبه إلى معاوية ليبايعه على الطاعة ابن مجاعة رئيس
اليمامة فلما وصل بسر إلى معاوية قال: يا أمير المؤمنين هذا ابن مجاعة قد أتيتك به فاقتله،
فقال معاوية: تركته لم تقتله ثم جئتني به فقلت: اقتله، لا لعمري لا أقتله، ثم بايعه ووصله
وأعاده إلى قومه).
ثم ليعلم أن الموجود في الأصل وشرح النهج (ابن مجاعة بن مرارة)
والمذكور في كتب التراجم هو مجاعة من دون لفظة (ابن) في أوله ففي القاموس:
(مجاعة (بلا لام) بن مرارة الحنفي الصحابي) وشرحه الزبيدي بقوله: (ومرارة بن
سلمى اليمامي له ولأبيه وفادة ولجماعة حديث في سنده مجاهيل وقال ابن العديم في
تاريخ حلب: وقيل: إنه من التابعين) وفي تقريب التهذيب: (مجاعة بضم أوله
وتشديد الجيم ابن مرارة بتخفيف الراء الحنفي اليمامي صحابي له حديث وعاش إلى خلافة
معاوية / د) وفي الإصابة في القسم الأول: (مجاعة بن مرارة (فساق نسبه إلى أن
قال) كان من رؤساء بني حنيفة وأسلم ووفد (إلى أن قال) وكان بليغا حكيما ومن حكمه
أنه قال لأبي بكر الصديق: إذا كان الرأي عند من لا يقبل منه، والسلاح عند من لا يقاتل
به، والمال عند من لا ينفقه ضاعت الأمور (إلى أن قال) وذكر المرزباني أنه عاش إلى
خلافة معاوية (إلى آخر ما قال)) وفي الاشتقاق لابن دريد عند ذكره رجال بني حنيفة
(ص 348): (ومنهم مجاعة بن مرارة ومجاعة من المجع والمجيع التمر واللبن يقال:
تمجع القوم إذا أكلوا التمر واللبن) وفي طبقات خليفة بن الخياط (ص 152):
(ومن بني حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل مجاعة بن مرارة بن سلمى بن زيد
ابن عبيد بن ثعلبة من بني يربوع بن ثعلبة بن الدئل بن حنيفة من ساكني اليمامة روى عن
النبي (ص)) وفي تنقيح المقال للمامقاني (ره) (مجاعة بن مرارة الحنفي اليمامي عده
جماعة منهم الثلاثة من الصحابة وحاله مجهول) وصرح ابن عبد البر في الاستيعاب وابن
الأثير في أسد الغابة وابن حجر في الإصابة بأن رسول الله (ص) قد أقطع مجاعة أرضا
باليمامة وكتب له في ذلك كتابا (فمن أراد التفصيل في ذلك فليراجع الكتب المشار إليها
وغيرها من المفصلات).
أقول: فعلى ما ذكرا ما كلمة (ابن) زائدة من النساخ، وا أنه كان له ابن وهو الذي
صالح معاوية وأهمل ذكره أصحاب التراجم.
643

: ثم إن معاوية لما أقبل على الحسن بن علي عليهما السلام وصالحه عبيد الله بن العباس
بمسكن (1) ودخل في طاعة معاوية فأكرمه معاوية وأدناه وأوفى له بصلحه وما ضمن له من
المال (2) فلما قدم معاوية النخيلة فبايعه الحسن وبسر صاحب مقدمته في ذلك كله حتى

1 - في القاموس: (مسكن كمسجد موضع بالكوفة).
2 - إشارة إلى ما ذكره المؤرخون وأرباب التراجم والسير من أن عبيد الله بن العباس
صالح معاوية على ما وعده من المال فقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 4،
ص 15) عند ذكره كيفية صلح الحسن (ع) (فأما معاوية فإنه وافى حتى نزل قرية يقال لها
الحيوضة بمسكن وأقبل عبيد الله بن العباس حتى نزل بإزائه فلما كان من غد وجه معاوية بخيل
إلى عبيد الله فيمن معه فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم فلما كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله
ابن العباس أن الحسن قد راسلني في الصلح وهو مسلم الأمر إلي فإن دخلت في طاعتي الآن
كنت متبوعا وإلا دخلت وأنت تابع ولك إن أجبتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم أعجل لك
في هذا الوقت نصفها وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر فأقبل عبيد الله إليه ليلا فدخل عسكر
معاوية فوفى له بما وعده وأصبح الناس ينتظرون عبيد الله أن يخرج فيصلي بهم فلم يخرج حتى
أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه (إلى آخر ما قال) ونقله المجلسي (ره) في عاشر البحار
عن شرح النهج (ص 112، س 10) ونقل أيضا هناك عن بشارة المصطفى للطبري
ما يقرب من ذلك (أنظر ص 111، س 14).
644

انتهى إلى النخيلة (1) فلما بايعه الحسن تفرغ معاوية لاستعمال العمال، فبعث المغيرة
ابن شعبة على الكوفة وكان قدم عليه بعد ذلك باثني عشر ليلة من الطائف، وبعث
عتبة بن أبي سفيان على البصرة (2) فقام إليه عبد الله بن عامر (3) وقال: يا أمير المؤمنين إن

1 - في مراصد الاطلاع: (النخيلة تصغير نخلة موضع قرب الكوفة على سمت
الشام).
2 - قال الطبري عند ذكره أحداث سنة إحدى وأربعين (ج 6، ص 98):
(حدثني أبو زيد قال: حدثنا علي قال: أراد معاوية توجيه عتبة بن أبي سفيان على البصرة
فكلمه ابن عامر وقال: إن لي بها أموالا وودائع فإن لم توجهني عليها ذهبت فولاه البصرة
فقدمها في آخر سنة إحدى وأربعين).
3 - قال ابن سعد في الطبقات عند ذكره الطبقة الأولى من أهل المدينة
من التابعين (ج 5 من طبعة أوربا، ص 30): (عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن -
حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ويكنى أبا عبد الرحمن وأمه دجاجة بنت أسماء
بن الصلت (إلى أن قال) قالوا: لما ولي عثمان بن عفان الخلافة أقر أبا موسى الأشعري على
البصرة أربع سنين كما أوصى به عمر في الأشعري أن يقر أربع سنين ثم عزله عثمان وولى
البصرة ابن خاله عبد الله بن عامر بن كريز.... وهو ابن خمس وعشرين سنة (وخاض في
ترجمته إلى أن قال) ولما خرج ابن عامر عن البصرة بعث على إليها عثمان بن حنيف الأنصاري
فلم يزل بها حتى قدم عليه طلحة والزبير وعائشة ولم يزل عبد الله بن عامر مع معاوية بالشام
ولم يسمع له بذكر في صفين ولكن معاوية لما بايعه الحسن بن علي ولى بسر بن أبي أرطاة
البصرة ثم عزله فقال له ابن عامر: إن لي بها ودائع عند قوم فإن لم تولني البصرة ذهبت فولاه
البصرة ثلاث سنين، ومات ابن عامر قبل معاوية بسنة فقال معاوية: يرحم الله أبا عبد الرحمن بمن
نفاخر؟! وبمن نباهي؟!).
وفي الإصابة: (عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن مناف
القرشي العبشمي ابن خال عثمان بن عفان (إلى أن قال) وكان عبد الله جوادا شجاعا ميمونا ولاه
عثمان البصرة بعد أبي موسى الأشعري سنة تسع وعشرين وضم إليه فارس بعد عثمان بن أبي العاص
فافتتح خراسان كلها وأطراف فارس وسجستان وكرمان وغيرها حتى بلغ أعمال غزة وفي إمارته
قتل يزد جرد آخر ملوك فارس وأحرم ابن عامر من نيسابور شكرا لله تعالى وقدم على عثمان فلامه
على تغريره بالنسك وقدم بأموال عظيمة ففرقها في قريش والأنصار وهو أول من اتخذ الحياض
بعرفة وأجرى إليها العين، وقتل عثمان وهو على البصرة فسار بما كان عنده من الأموال إلى
مكة فوافى طلحة والزبير فرجع بهم إلى البصرة فشهد معهم وقعة الجمل ولم يحضر صفين وولاه
معاوية البصرة ثلاث سنين بعد اجتماع الناس عليه ثم صرفه عنها فأقام بالمدينة ومات سنة سبع
أو ثمان وخمسين وأوصى إلى عبد الله بن الزبير، وأخباره في الجود كثيرة وليست له رواية في
الكتب الستة (إلى آخر ما قال)).
645

عثمان هلك وأنا عامل البصرة عزلني علي فجعلت ما لي ودائع عند الناس، فإن أنت
لم تولني البصرة ذهب ما لي الذي في أيدي الناس، فولاه عند ذلك البصرة، فخرج
إليها، وسرح معاوية [معه] بسر بن أبي أرطاة في جيش فأقبل حتى دخل البصرة فصعد
المنبر فقال:
الحمد لله الذي أصلح أمر الأمة وجمع الكلمة وأدرك لنا بثأرنا، وكفانا مؤنة
عدونا، ألا إن الناس آمنون، ليس في صدورنا على أحد ضغينة ولا نأخذ أحدا بأخيه.
ثم إن بسرا صعد درجتين من المنبر ثم نادى بأعلى صوته: ألا إن ذمة الله
بريئة ممن لم يخرج فيبايع، ألا إن الله طلب بدم عثمان، فقتل قاتليه ورد الأمر
إلى أهله فأقبل الناس يبايعون من كل مكان.
وقد كان زياد عاملا لعلي عليه السلام على فارس وقد كان فيما بلغنا أن معاوية كتب
إليه في عهد علي عليه السلام يدعوه ويهدده، فكتب إليه زياد فيما ذكر بعض البصريين.
646

وكان كتاب معاوية:
أما بعد فقد بلغني كتابك وأيم الله لئن بقيت لك لأكافئنك.
وكان كتاب زياد بن عبيد إلى معاوية بن أبي سفيان:

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج نقلا عن كتاب صفين لنصر بن
مزاحم (ج 2، ص 280، س 30): (قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد عن الأعمش
قال: كتب معاوية إلى زياد بن سمية وكان عاملا لعلي (ع) على بعض فارس كتابا كان وعيدا وتهددا
فقال زياد: ويلي على معاوية كهف المنافقين وبقية الأحزاب يتهددني ويتوعدني وبيني وبينه
ابن عم محمد معه سبعون ألفا سيوفهم على عواتقهم يطيعونه في جميع ما يأمرهم به لا يلتفت رجل منهم
وراءه حتى يموت، أما والله لو ظفر ثم خلص إلي ليجدنني أحمر ضرابا بالسيف. قال نصر:
أحمر أي مولى، فلما ادعاه معاوية عاد عربيا منافيا [أي منسوبا إلى عبد مناف]).
أقول: ما نقله ابن أبي الحديد عن كتاب نصر فهو مذكور بأدنى تفاوت في كتاب
صفين (أنظر ص 416 - 417 من الطبعة الأولى بالقاهرة سنة 1365). ونقله المجلسي (ره)
في ثامن البحار في باب جمل ما وقع بصفين (ص 497، س 5) وأورد بيانا لمعنى
أحمر وقد نقلناه في تعليقاتنا فيما سبق ونقله الطبري في تاريخه في حوادث سنة 41
(ص 97 من ج 6) بإسناده عن الشعبي: (قال: كتب معاوية حين قتل علي (ع) إلى زياد
يتهدده فقام خطيبا فقال: العجب من ابن آكلة الأكباد وكهف النفاق ورئيس الأحزاب كتب
إلي يتهددني وبيني وبينه ابنا عم رسول الله (ص) يعني ابن عباس والحسن بن علي في تسعين
ألفا واضعي سيوفهم على عواتقهم لا ينثنون لئن خلص إلي الأمر ليجدنني أحمر ضرابا بالسيف)
وقال اليعقوبي في تاريخه (ج 2، ص 194 من طبعة النجف سنة 1358):
(وكان زياد بن عبيد عامل علي بن أبي طالب (ع) على فارس فلما صار الأمر إلى معاوية كتب إليه
يتوعده ويتهدده فقام زياد خطيبا فقال: إن ابن آكلة الأكباد وكهف النفاق وبقية الأحزاب
كتب يتوعدني ويتهددني وبيني وبينه ابنا بنت رسول الله في تسعين ألفا واضعي قبائع سيوفهم تحت
أذقانهم لا يلتفت أحدهم حتى يموت، أما والله لئن وصل إلي ليجدني أحمز ضرابا بالسيف)
وقال مصحح الكتاب والمعلق عليه في ذيل الصفحة: الأحمز بالحاء ثم الميم والزاء
المعجمة = الشديد) وفي الفتوح لابن أعثم الكوفي تحت عنوان: (ذكر زياد بن أبيه
حين كان مع علي بن أبي طالب وكيف ادعاه معاوية بعد ذلك وزعم أنه أخوه) (ج 4، ص 171)
بعد أن ذكر كتابا لمعاوية إلى زياد ما نصه: (قال فلما انتهى الكتاب إلى زياد بن أبيه قام
في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن من أعجب العجب أن ابن آكلة
الأكباد أوعدني وبيني وبينه ابن عم رسول الله (ص) والمهاجرون والأنصار واضعو سيوفهم على
عواتقهم لا يريدون إلا الله تبارك وتعالى، أما والله لو كتب إلى أمير المؤمنين يأذن لي فيه لوجدني
ابن آكلة الأكباد بحيث يسوؤه).
أقول: مضافا إلى أن مضمون الكتاب يومي إلى أن إرسال معاوية إياه إلى زياد كان في
حياة أمير المؤمنين علي عليه السلام يدل عليه صريحا ما ذكره اليعقوبي بعد خطبة زياد بهذه
العبارة:
(قال: وبلغ عليا ما كتب به معاوية إلى زياد فكتب إليه علي - رضي الله عنه - أما
بعد فإني وليتك ما أنت فيه، وأنا أراك له أهلا، وأنك لن تضبط ما أنت فيه إلا بالصبر فاستعن
بالله وتوكل عليه وكن من خديعة معاوية على حذر، والسلام).
ونظيره ما أورده الرضي (ره) في نهج البلاغة في باب المختار من كتبه (ع)
بهذه العبارة: (ومن كتاب له (ع) إلى زياد بن أبيه وقد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد
خديعته باستلحاقه) (أنظر شرح النهج الحديدي (ج 4، ص 66) وسنذكر في تعليقات
آخر الكتاب قصة استلحاق معاوية زياد بن أبيه (أنظر التعليقة رقم 68).
647

أما بعد فقد بلغني كتابك يا بن بقية الأحزاب، وابن عمود النفاق، ويا بن آكلة
الأكباد، أتهددني وبيني وبينك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله في سبعين ألفا، قواطع
سيوفهم، وأيم الله لئن رميت ذلك مني لتجدني أحمر ضرابا بالسيف.
ورجع إلى الحديث:
ولما بلغ زيادا قدوم عبد الله بن عامر أميرا أقبل إلى قلعة بفارس فنزلها وهي
اليوم تدعى قلعة زياد (1) ووثب بسر على بني زياد عبيد الله وسالم ومحمد فأوقفهم فخرج
عمهم أبو بكرة من البصرة حتى قدم على معاوية فقال له: يا معاوية (2) ما جاء بأبي بكرة
إلا أمر أخيه زياد.

1 - قال الطبري ضمن رواية الشعبي التي نقلناها آنفا: (فلم يزل زياد
بفارس واليا حتى صالح الحسن (ع) معاوية وقدم معاوية الكوفة فتحصن زياد من القلعة التي
يقال لها قلعة زياد).
2 - في شرح النهج: (فقال له معاوية).
648

فقال: ومن حديث آخر (1).
لما دخل على معاوية قال: السلام عليك يا أمير الفاسقين ولا رحمة الله وبركاته
اتق الله يا معاوية واعلم أنك في كل يوم يزول عنك وليلة تأتي عليك لا تزداد من
الدنيا إلا بعدا ومن الآخرة إلا قربا، وعلى أثرك طالب لا تفوته قد نصب لك علما
لا تجوزه، فما أسرع ما تبلغ العلم، وما أوشك ما يلحقك الطالب (2)، إن ما نحن وأنت
فيه زائل وإن الذي نحن إليه صائرون باق (3) إن خير وإن شر (4) فنسأل الله الخير ونعوذ
به من الشر، ثم إنه جلس ساعة لا يتكلم فقال له: يا أبا بكرة أزيارتنا أشخصتك
أم حاجة حدثت لك قبلنا؟ قال: لا والله لا أقول باطلا ولكنها حاجة بدت لي قبلك
قال: فهات حاجتك فما أحب إلينا مما سرك (5) قال: أريد أن تؤمن أخي زيادا، قال:

1 - نقل الطبري في تاريخه بإسناده عن بسر بن عبيد الله قال: خرج
أبو بكرة إلى معاوية بالكوفة فقال له معاوية: يا أبا بكرة أزائرا جئت أم دعتك إلينا حاجة؟ -
قال: لا أقول باطلا ما أتيت إلا في حاجة قال: تشفع يا أبا بكرة ونرى لك بذلك فضلا
وأنت لذلك أهل فما هو؟ - قال: تؤمن أخي زيادا وتكتب إلى بسر بتخلية ولده وبترك
التعرض له فقال: وأما بنو زياد فنكتب لك فيهم ما سألت، وأما زياد ففي يده مال للمسلمين
فإذا أداه فلا سبيل لنا عليه قال: يا أمير المؤمنين أن يكن عنده شئ فليس يحبسه عنك إن شاء الله.
فكتب معاوية لأبي بكرة إلى بسر: ألا يتعرض لأحد من ولد زياد فقال معاوية لأبي بكرة:
أتعهد إلينا عهدا يا أبا بكرة؟ - قال: نعم، أعهد إليك أن تنظر لنفسك ورعيتك وتعمل صالحا
فإنك قد تقلدت عظيما خلافة الله في خلقه فاتق الله فإن لك غاية لا تعدوها ومن وراءك طالب
حثيث فأوشك أن تبلغ المدى فيلحق الطالب فتصير إلى من يسألك عما كنت فيه وهو أعلم
به منك وإنما هي محاسبة وتوقيف فلا تؤثرن على رضى الله عز وجل شيئا).
أقول: نقل ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة معاوية بن أبي -
سفيان تحت عنوان (خروج طائفة من الخوارج عليه) ما يقرب من ذلك (أنظر ج 8، ص 22).
2 - في الأصل: (فما أسرع ما تبلغن العلم، وما أوشك ما تلحقن الطالب).
3 - في الأصل: (ذاهب).
4 - مأخوذ من النبوي المشهور: (الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخير
وإن شرا فشر) وقد ذكر النحاة في إعرابه وجوها وأطالوا البحث فيها فراجع.
5 - في الأصل: (منا سرك).
649

هو آمن على نفسه ولكن في يده مال فارس، وذلك فئ المسلمين وليس له مترك،
إذ لا ينبغي لحق المسلمين أن يترك عند قريب ولا بعيد. قال أبو بكرة: أنه لا يطلب
صلحك، ويزعم أنه يدفع ما كان في يده من حقوق المسلمين، ويزعم أنه لا يستحل
أموالهم، قال: وكم هذا المال؟ - قال: خمسة آلاف، قال: فقد أمنته ورضيت بهذا منه،
قال: فاكتب إلى بسر فليخل سبيل بني أخي فإنه قد حبسهم فكتب إليه:
أما بعد فإن أبا بكرة أتاني والتمس لأخيه الأمان على ما أحدث والصلح على
ما في يديه، فخل سبيل بني أخيه حين يقدم عليك، والسلام.
حدثنا محمد قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا إبراهيم قال: فأما [محمد بن] عبد الله
ابن عثمان (1) فحدثنا قال: حدثنا الوليد بن هشام (2): أن بسرا أقبل بشرقي بلاد العرب
حتى عبر البحر إلى فارس فأراد زيادا فتحصن منه، وقد قتل علي بن أبي طالب عليه السلام
فانحدر إلى البصرة فدخلها فقام على المنبر فذكر عليا فقال: أنشدكم بالله أتعلمون
أن عليا كان كافرا منافقا؟ فسكت الناس، فرد عليهم القول، وقال: ألا ترون
أناشدكم؟!
فقام أبو بكرة فقال: أما إذ ناشدتنا (3) فلا نعلم أنه كان كافرا ولا منافقا، فأمر به

1 - في الأصل: (عبيد الله بن عثمان) ومن المظنون قويا أن الرجل هو محمد بن
عبد الله (عبد الله بن محمد) الثقفي الذي سبق ذكره وروى عنه المصنف (ره) في غير مورد
(أنظر ص 70 و 251 و 621) وروى ابن أبي الحديد أيضا في شرح النهج كثيرا
ما عن إبراهيم الثقفي عن عبد الله بن محمد بن عثمان أو محمد بن عبد الله بن عثمان وقد تعرضنا
لها في طي كلماتنا السابقة في تعليقاتنا هذه.
2 - لا يوجد رجل بهذا العنوان في الطبقة الثانية أو الثالثة في كتب السير والرجال
حتى ينطبق هذا الراوي عليه ويكون مصداقا للعنوان، نعم ذكروا في الطبقة السادسة أو السابعة
أشخاصا يسمون بهذا الاسم ويعنونون بهذا العنوان وعليه فتكون الرواية مرسلة والله العالم.
3 - في الأصل: (تشددتنا) والمظنون أن الأصل كان: (نشدتنا).
650

فطوي حتى كادوا أن يقتلوه، فوثب بنو السيد من بني ضبة (1) فاستنقذوه من أيديهم (2).
وكتب بسر إلى زياد أن اقدم علي وإلا قتلت ولدك، فكتب إليه زياد: أني

1 - قال الزبيدي في تاج العروس: (وبنو السيد بطن من ضبة واسمه
مازن بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة منهم الفضل بن محمد بن يعلى وهو ضعيف الحديث)
وقال ابن دريد في الاشتقاق تحت عنوان (قبائل بني ضبة ورجالهم) ما نصه: (ومن
قبائلهم بنو السيد بن مالك واشتقاق السيد وهو اسم من أسماء الذئب وهو المسن منها
في قول بعضهم وجمعه سيدان).
أقول: قد علم من كلام ابن دريد أن (السيد) بكسر السين قال في القاموس:
(السيد بالكسر الأسد والذئب كالسيدانة) وفى الصحاح: (وبنو السيد من بني ضبة).
2 - قال الطبري عند ذكره حوادث سنة إحدى وأربعين (ج 6 ص 96):
(حدثني عمر قال: حدثني علي بن محمد قال: خطب بسر على منبر البصرة فشتم
عليا عليه السلام ثم قال: نشدت الله رجلا علم أني صادق إلا صدقني أو كاذب إلا كذبني،
قال، فقال أبو بكرة: اللهم إنا لا نعلمك إلا كاذبا، قال: فأمر به فخنق، قال:
فقام أبو لؤلؤة الضبي فرمى بنفسه عليه فمنعه، فأقطعه أبو بكرة بعد ذلك مائة جريب قال: وقيل
لأبي بكرة: ما أردت إلى ما صنعت؟ - قال: أيناشدنا بالله ثم لا نصدقه) ونقل ابن -
الأثير في الكامل نحو ذلك وقال ابن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح (ج 4،
ص 168) تحت عنوان: (ذكر خبر أهل البصرة وما كان من خلافهم) ما نصه:
(قال: وبلغ أهل البصرة ما كان من بيعة الحسن لمعاوية فشغبوا وقالوا: لا نرضى أن
يصير الأمر إلى معاوية ثم وثب رجل منهم يقال له حمران بن أبان فتغلب على البصرة فأخذها
ودعا للحسين بن علي، وبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن أبي أرطاة وهو أخو بسر فضم
إليه جيشا ووجه به إلى البصرة فأقبل عمرو في جيشه ذلك يريد البصرة وتفرق أهل الشغب فلزموا
منازلهم ودخل عمرو بن أبي أرطاة البصرة مغضبا وأقبل حتى نزل دار الإمارة فلما كان من الغد
دخل المسجد الأعظم ثم صعد المنبر ثم إنه شتم علي بن أبي طالب وولده ثم قال: يا أهل
البصرة نشدت الله رجلا علم أني صادق إلا صدقني أو كاذب إلا كذبني قال: فوثب إليه رجل
يكنى أبا بكرة فقال له: كذبت يا عدو الله قد كان علي بن أبي طالب خيرا منك ومن صاحبك
الذي ولاك علينا فقال عمرو بن أبي أرطاة: خذوه، فبادرت إليه الجلاوزة فوثب رجل
من بني ضبة فألقى نفسه عليه ثم خلصه الناس وغيبوه فلم يقدر عليه.
وأقام عمرو بن أبي أرطاة بالبصرة ستة أشهر ثم عزله معاوية وولى مكانه عبد الله بن عامر
بن كريز وهو ابن خال عثمان بن عفان فأقام بها أشهرا يسيرة ثم عزله معاوية وولى مكانه
زياد بن أبيه).
651

لا أقدم والله لا أمكنك من نفسي ولو قتلت ولدي صبية لا ذنب لهم فأبعد لا والله (1).
وركب أبو بكرة على برذون له وأتى الكوفة وبها معاوية فدخل عليه وقال:
يا معاوية أعلى هذا بايعناك على أن تقتل الأطفال؟ قال: فما ذلك يا أبا بكرة؟ قال:
هذا بسر يريد أن يقتل بني زياد، فكتب إلى بسر: لا تقتل بني زياد ولا تعرض لهم،
فرجع أبو بكرة فلما سار (2) بالمربد (3) نفق (4) برذونه وكان سار في ذهابه ومجيئه ثلاثة (5)
أيام، فرفع أبو بكرة كتاب معاوية إلى بسر وقد أمر بسر بخشب فنصب لهم ولم يصلبوا
بعد، فكف عنهم (6).

1 - هذه الفقرة كذا في الأصل ولم أتمكن من تصحيحها.
2 - كذا بالسين من السير والظاهر: (صار) أي وصل إلى مربد.
3 - في القاموس: (المربد كمنبر المحبس وموضع بالبصرة) وفي مراصد
الاطلاع: (المربد بالكسر ثم السكون وفتح الباء الموحدة ودال مهملة وهو كل موضع
حبست فيه الإبل وبه سمي مربد البصرة وهو محلة من أشهر محالها (إلى أن قال) ومربد
البصرة اليوم كالبلدة المنفردة عنها وبينهما ثلاثة أميال كانت متصلة بها فخرب ما بينهما فصارت
منفردة في وسط البرية).
4 - في المصباح المنير: (نفقت الدابة نفوقا من باب قعد ماتت).
5 - كذا في الأصل لكن في الطبري: (سبعة أيام) وهو الصحيح.
6 - قال الطبري في تاريخه عند ذكره أحداث سنة إحدى وأربعين
(ج 6، ص 96): (وفي هذه السنة غلب حمران بن أبان على البصرة فوجه إليه معاوية بسرا
وأمره بقتل بني زياد (إلى أن قال) فحدثني مسلمة بن محارب قال: أخذ بعض بني زياد فحبسهم
وزياد يومئذ بفارس كان علي (ع) بعثه إليها إلى أكراد خرجوا بها فظفر بهم زياد وأقام بإصطخر قال:
فركب أبو بكر إلى معاوية وهو بالكوفة فاستأجل بسرا فأجله أسبوعا ذاهبا وراجعا فسار سبعة
أيام فقتل تحته دابتين فكلمه، فكتب معاوية بالكف عنهم قال: وحدثني بعض علمائنا:
أن أبا بكرة أقبل في اليوم السابع وقد طلعت الشمس وأخرج بسر بني زياد ينتظر بهم غروب
الشمس ليقتلهم إذا وجبت، فاجتمع الناس لذلك وأعينهم طامحة ينتظرون أبا بكرة إذ رفع لهم
على نجيب أو برذون يكده ويجهده فقام عليه فنزل عنه وألاح بثوبه وكبر وكبر الناس فأقبل يسعى
على رجليه حتى أدرك بسرا قبل أن يقتلهم فدفع إليه كتاب معاوية فأطلقهم (إلى أن قال)
فأخذ بسر بني زياد الأكابر منهم فحبسهم عبد الرحمن وعبيد الله وعبادا وكتب إلى زياد:
لتقدمن على أمير المؤمنين أو لأقتلن بنيك، فكتب إليه زياد: لست بارحا من مكاني الذي
أنا به حتى يحكم الله بيني وبين صاحبك، فإن قتلت من في يديك من ولدي فالمصير إلى الله
سبحانه ومن ورائنا و ورائكم الحساب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فهم بقتلهم
فأتاه أبو بكرة فقال: أخذت ولدي وولد أخي غلمانا بلا ذنب وقد صالح الحسن معاوية على
أمان أصحاب علي حيث كانوا فليس لك على هؤلاء ولا على أبيهم سبيل قال: إن على أخيك
أموالا قد أخذها فامتنع من أدائها قال: ما عليه شئ فاكفف عن بني أخي حتى آتيك بكتاب
من معاوية بتخليتهم فأجله أياما قال له: إن أتيتني بكتاب معاوية بتخليتهم وإلا قتلتهم أو يقبل
زياد إلى أمير المؤمنين قال: فأتى أبو بكرة معاوية فكلمه في زياد وبنيه وكتب معاوية إلى
بسر بالكف عنهم وتخلية سبيلهم فخلاهم (إلى أن قال بعد حديث نقلناه فيما سبق) حدثني
أحمد قال: حدثنا علي عن سلمة بن عثمان قال: كتب بسر إلى زياد لئن لم تقدم لأصلبن بنيك
فكتب إليه: إن تفعل فأهل ذاك أنت، إنما بعث بك ابن آكلة الأكباد فركب أبو بكرة إلى معاوية
فقال: يا معاوية إن الناس لم يعطوك بيعتهم على قتل الأطفال قال: وما ذاك يا أبا بكرة؟ -
قال: بسر يريد أن يقتل أولاد زياد فكتب معاوية إلى بسر: أن خل من بيدك من ولد زياد).
أقول: نقل ابن الأثير في الكامل نحو ما نقلناه عن الطبري.
652

قال: وأقبل بسر يتتبع (1) كل من كان له بلاء مع علي عليه السلام أو كان من
أصحابه وكل من أبطأ عن البيعة، فأقبل يحرق دورهم ويخربها وينهب أموالهم.

1 - في المصباح المنير: (تتبعت أحواله = تطلبتها شيئا بعد شئ في مهلة).
653

ففي مسير بسر وقتله وحرقه يقول يزيد بن ربيعة بن مفرغ (1) حيث يقول (2):
تعلق من أسماء ما قد تعلقا * ومثل الذي لاقى من الشوق أرقا (3)

1 - في معيار اللغة: (وسموا مفرغا كمحدث) وفي الصحاح: (يزيد بن
مفرغ بكسر الراء شاعر من حمير) وفي القاموس: (يزيد بن ربيعة بن مفرغ كمحدث
شاعر جده راهن على أن يشرب عسا من لبن ففرغه شربا) وقال الزبيدي في تاج العروس
في شرح عبارة صاحب القاموس: (قال ابن الكلبي في نسب حمير: هو يزيد
بن زياد بن ربيعة بن مفرغ وكان حليفا لآل خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية قال: وله
اليوم عقب بالبصرة وهكذا قرأته في أنساب أبي عبيد أيضا) وقال ابن دريد في الاشتقاق
عند ذكره نسب حمير: (ومنهم يزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرغ الشاعر الذي هجا آل -
زياد وكان حليفا لآل خالد بن أسيد القرشيين وله عقب بالبصرة، ومفرغ مفعل من الفراغ أو من
الافراغ من قولهم فرغت من عملي وأفرغت ما في الإناء).
أقول: ترجمته مذكورة مبسوطة في الأغاني لأبي الفرج الإصبهاني ووفيات الأعيان
لابن خلكان وسائر الكتب المفصلة فمن أرادها فليراجعها.
2 - هذه الأبيات قد نقلت في كثير من كتب الأدب لكن باختلاف في العدد والترتيب
والكلمات فهي في الأغاني (ج 17، ص 69 من طبعة بولاق) ومعجم البلدان تحت
عنوان (مسرقان) (ج 8، ص 52 من الطبعة الأولى بمصر) وشرح النهج لابن أبي -
الحديد (ج 1، ص 121) ومعجم ما استعجم للبكري (ج 4، ص 1225 - 1226)
تحت عنوان (مسرقان) إلى غيرها من الكتب.
3 - قال أبو الفرج في الأغاني في ترجمة ابن مفرغ تحت عنوان (أخبار
ابن مفرغ ونسبه) (ص 69 من ج 17 من طبعة بولاق):
(أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال:
كان ابن مفرغ يهوى أناهيد بنت الأعنق وكان الأعنق دهقانا من الأهواز له ما بين الأهواز وسرق
ومناذر والسوس وكان لها أخوات يقال لهن: أسماء والحمانة وأخرى قد سقط اسمها عن
دماذ فكان يذكر هن جميعا في شعره فمن ذلك قوله في صاحبته أناهيد من أبيات:
سيرى أناهيد بالعيرين آمنة * قد سلم الله من قوم لهم طبع
وفي أسماء أختها يقول:
تعلق من أسماء ما قد تعلقا (فذكر ستة من الأبيات) وفي معجم البلدان مكان (الشوق):
(الوجد) وفي الأغاني (الحب).
654

فقصرك من أسماء بين وإنها * إذا ذكرت هاجت فؤادا مشوقا (1)
سقى هزم الارعاد منبجس الكلى * منازلها من مسرقان فسرقا (2)
إلى الشرف الأعلى إلى رامهرمز * إلى قريات الشيح؟ من نهر أربقا (3)
إلى دشت بارين إلى الشط كله * إلى مجمع السلان من بطن دورقا (4)

1 - لم يذكر البيت في شرح النهج، وأما في معجم البلدان والأغاني:
(وحسبك من أسماء نأى) وأيضا فيهما مكان: (مشوقا): (معلقا).
2 - في معجم ما استعجم: (سقى هزم الاكفاف منبجس العرى * منازلنا) وفي
شرح النهج: (منبعج الكلى) وفي معجم البلدان: (منبجس العرى) وفي الأصل والأغاني
مكان (مسرقان): (مسرقات) ففي معجم البلدان: (مسرقان بالفتح ثم السكون والراء
مضمومة وقاف وآخره نون هو نهر بخوزستان عليه عدة قرى وبلدان ونخل يسقي ذلك كله
ومبدأه من تستر (إلى أن قال) يزيد بن مفرغ يذكره: تعلق من أسماء (وذكر من الأبيات
المذكورة خمسة ثم قال) وله أيضا:
عرفت بمسرقان فجانبيه * رسوما للحمامة قد بلينا
ليالي عيشنا جذل بهيج * نسر به ونأتي ما هوينا)
وفيه أيضا: (سرق بضم أوله وفتح ثانيه وتشديده وآخره قاف لفظة عجمية وهي
إحدى كور الأهواز نهر عليه بلاد حفره أردشير بن بهمن بن اسفنديار القديم ومدينتها دورق).
3 - في الأغاني مكان (الشرف الأعلى): (الكونج الأعلى) وبدل (نهر أربقا):
(فوق سفسقا) وفى معجم البلدان: (رامهرمز مدينة مشهورة بنواحي خوزستان)
وأيضا فيه: (أربق بالفتح ثم السكون وباء مفتوحة موحدة وقد تضم وقاف ويقال بالكاف
مكان القاف من نواحي رامهرمز من نواحي خوزستان).
4 - هذا البيت في معجم البلدان والأغاني هكذا:
(فتستر لا زالت خصيبا جنابها * إلى مدفع السلان من بطن دورقا)
ففي معجم البلدان: (دشت بارين مدينة من أعمال فارس لها رستاق ولكن لا بها
بساتين ولا نهر وشربهم من مياه رديئة (إلى آخر ما قال)). وفيه أيضا: (السلان بضم
أوله وتشديد ثانيه وهو فعلان من السل والنون زائدة قال الليث: السلان الأودية وفي الصحاح:
السال المسيل الضيق في الوادي وجمعه سلان مثل حائر وحوران (إلى آخر ما قال)
وفيه أيضا: (دورق بفتح أوله وسكون ثانيه وراء بعدها قاف بلد بخوزستان وهو قصبة
كورة سرق يقال لها: دورق الفرس (إلى آخر ما قال)).
655

فرام بني سرح عشيبا جنابه (1) * فدجلة أسقاها السحاب المطبقا (2)
إلى حيث ترقى من دجيل سفينة * إلى مجمع النهرين حيث تفرقا (3)
إلى حيث سار المرء بسر بجيشه * فقتل بسر ما استطاع وحرقا (4)
خيال لبنت الفارسي يشوقني * على النار تسقيني شرابا مروقا (5)
قال: واجتمع إلى معاوية بالنخيلة أشياعه ومن كان يهوى هواه فأتاه أبو بكرة
من البصرة، وأتاه أبو هريرة من الحجاز، والمغيرة بن شعبة من الطائف، وعبد الله بن
قيس الأشعري من مكة.
قال: لما قدم معاوية النخيلة أتاه أبو موسى وعليه جبة سوداء وبرنس أسود
ومعه عصا سوداء.
عن محمد بن عبد الله بن قارب (6) قال: إني عند معاوية لجالس (7) إذ جاء أبو موسى

1 - في معجم ما استعجم (بدل المصراع): (ودارش لا زالت عشيبا جنابها).
2 - هذا البيت في معجم البلدان هكذا:
(إلى حيث يرفا من دجيل سفينة * ودجلة أسقاها سحابا مطبقا)
3 - هذا البيت لم يذكر إلا في هذا الكتاب وشرح النهج إلا أن مصراعه الأول جعل
في معجم البلدان مصراعا للبيت السابق الذي أشرنا إليه.
4 - هذا البيت في الأصل وشرح النهج فقط.
5 - لم يذكر البيت في معجم البلدان وشرح النهج لكن ذكر في الأغاني هكذا:
(بلاد بنات الفارسية إنها * سقتنا على لوح شرابا معتقا).
6 - لم نجد الرجل مذكورا بهذا العنوان في كتب الرجال نعم قال ابن حجر في - الإصابة في ترجمة أبيه (عبد الله بن قارب الثقفي) ما نصه: (قال ابن أبي حاتم: روى
عمر بن ذر عن محمد بن عبد الله بن قارب عن أبيه أنه كان صديقا لعمر فارتفع إليه في جارية
اشتراها وأسقطت سقطا من البائع).
7 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي (ص)
وأمير المؤمنين (ع) (ص 735، س 2).
656

فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين قال: وعليك السلام، فلما تولى قال: والله لا يلي
هذا على اثنين حتى يموت.
وكان أبو بكرة لما قدم علي عليه السلام البصرة لقي الحسن بن أبي الحسن (2) وهو
متوجه نحو علي عليه السلام، فقال: إلى أين؟ - قال: إلى علي عليه السلام: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ستكون بعدي فتنة النائم فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من
النائم، فلزمت بيتي.
فلما كان بعد ذلك لقيت جارية بن عبد الله وأبا سعيد فقالا (3): أين كنت أمس؟
فحدثتهما بما قال أبو بكرة فقالا: لعن الله أبا بكرة، أساء سمعا فأساء جابة (4) إنما

1 - في الأصل والبحار. (على علي).
2 - في تقريب التهذيب: (الحسن بن أبي الحسن البصري واسم أبيه يسار
بالتحتانية والمهملة الأنصاري مولاهم ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرا ويدلس،
قال البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم فيتجوز ويقول: حدثنا وخطبنا يعني
قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة، هو رأس أهل الطبقة الثالثة، مات سنة عشر ومائة وقد
قارب التسعين / ع).
أقول: قد علم أن المراد الحسن البصري المشهور المترجم حاله في كتب الفريقين
فمن أراد ترجمته المبسوطة فليراجع الكتب المبسوطة.
3 - في الأصل والبحار: (قالوا) وكذا بضمير الجمع في: (حدثتهم).
4 - قد سقطت الفقرة من البحار وهي من الأمثال السائرة قال الزمخشري في -
المستقصى في باب الهمزة مع السين (ج 1، ص 153): (أساء سمعا فأساء جابة
أي إجابة كالطاعة بمعنى الإطاعة والطاقة بمعنى الإطاقة، ضرب لمن لم يحسن سمع مقالك فما
أصاب في جوابه) وقال الميداني في مجمع الأمثال (ص 287 من طبعة إيران):
(أساء سمعا فأساء جابة، ويروى: ساء سمعا فأساء جابة، وساء في هذا الموضع تعمل
عمل بئس نحو قوله تعالى: ساء مثلا القوم (الآية)، ونصب (سمعا) على التمييز،
وأساء سمعا نصب على المفعول به تقول: أسأت القول وأسأت العمل، وقوله:
فأساء جابة هي بمعنى إجابة يقال: أجاب إجابة وجابة وجوابا وجيبة، ومثل الجابة في موضع
الإجابة الطاعة والطاقة والغارة والعارة، قال المفضل: هذه خمسة أحرف جاءت هكذا.
قلت: وكلها أسماء وضعت موضع المصادر، قال المفضل: إن أول من قال ذلك سهيل -
بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي، وكان تزوج صفية بنت أبي جهل بن هشام فولدت له أنس بن
سهيل فخرج معه ذات يوم وقد خرج وجهه فوقفا بحرور مكة فأقبل الأخنس بن شريق الثقفي
فقال: من هذا؟ قال: سهيل ابني، قال الأخنس: حياك الله يا فتى، قال: لا، والله
ما أمي في البيت، انطلقت إلى أم حنظلة تطحن دقيقا، فقال أبوه: أساء سمعا فأساء جابة،
فأرسلها مثلا، فلما رجعا قال أبوه: فضحني ابنك اليوم عند الأخنس قال: كذا وكذا،
فقالت الأم: إنما ابني صبي، قال سهيل: أشبه أمر وبعض بزه، فأرسلها مثلا).
أقول: قد مرت الإشارة إليه منا فيما سبق (أنظر ص 481).
657

قال النبي صلى الله عليه وآله لأبي موسى: تكون بعدي فتنة أنت فيها نائم خير منك قاعد (1)، وأنت
فيها قاعد خير منك ساع (2).
قال: لما دخل معاوية الكوفة (3) دخل أبو هريرة المسجد فكان يحدث ويقول:

1 - أي وأنت قاعد، وأنت ساع، فحذف من كل من الجملتين المبتدأ.
أقول: يأتي كلام منا حول هذا الحديث في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(أنظر التعليقة 68)
2 - تقدم آنفا تحت رقم 1.
3 - نقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي وأمير المؤمنين
عليهما الصلاة والسلام (ص 735، س 5) والشيخ الحر العاملي (ره) في إثبات الهداة
بالنصوص والمعجزات (ج 3، ص 631).
أقول: قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 360، س 11)
ما نصه: (روى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عمر بن عبد الغفار أن أبا هريرة
لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة ويجلس الناس إليه فجاء شاب
من الكوفة فجلس إليه فقال: يا أبا هريرة أنشدك الله أسمعت من رسول الله (ص) يقول
لعلي بن أبي طالب: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ فقال: اللهم نعم، قال: فأشهد
بالله لقد واليت عدوه وعاديت وليه ثم قام عنه) ونقله عنه المجلسي (ره) في تاسع -
البحار في باب أخبار الغدير (ص 223، س 22).
658

قال رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال أبو القاسم، وقال خليلي، فجاءه شاب من الأنصار يتخطى
الناس حتى دنا منه فقال: يا أبا هريرة حديث أسألك عنه فإن كنت سمعته من النبي
صلى الله عليه وآله وسلم فحدثنيه، أنشدك بالله سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول لعلي: من كنت مولاه فعلي
مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال أبو هريرة، نعم، والذي لا إله إلا
هو لسمعته من النبي صلى الله عليه وآله يقول لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه، فقال له الفتى: لقد والله واليت عدوه وعاديت وليه، فتناول بعض
الناس الشاب بالحصى، وخرج أبو هريرة فلم يعد إلى المسجد حتى خرج من الكوفة (1).

1 - قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في شرح قول أمير المؤمنين
عليه السلام (أما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تبرأوا مني فإني
ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة) فيما قال (ج 1، ص 358).
(ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي - رحمه الله تعالى - وكان من المتحققين
بموالاة علي عليه السلام والمبالغين في تفضيله وإن كان القول بالتفضيل عاما شائعا
في البغداديين من أصحابنا كافة إلا أن أبا جعفر أشدهم في ذلك قولا وأخلصهم فيه اعتقادا:
أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار
قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على
ذلك جعلا يرغب في مثله فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة - بن شعبة.
(فخاض في بيان المدعي وخلط كلامه بكلامه إلى أن قال)
ثم نعود إلى حكاية كلام شيخنا أبي جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى
قال أبو جعفر: وروى الأعمش قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام -
الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب
صلعته مرارا، وقال: يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق
نفسي بالنار؟ والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن لكل نبي حرما، وإن حرمي
بالمدينة ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
وأشهد بالله أن عليا أحدث فيها.
فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة.
قلت: أما قوله (ما بين عير إلى ثور) فالظاهر أنه غلط من الراوي
لأن ثورا بمكة وهو جبل يقال له: ثور أطحل، وفيه الغار الذي دخله النبي صلى الله عليه وآله
وأبو بكر، وإنما قيل: أطحل، لأن أطحل بن عبد مناف بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر
بن نزار بن معد بن عدنان كان يسكنه، وقيل: اسم الجبل أطحل فأضيف ثور إليه وهو ثور
ابن عبد مناف، والصواب ما بين عير إلى أحد.
وأما قول أبي هريرة (فإن عليا أحدث في المدينة) فحاش لله، كان علي
عليه السلام أتقى لله من ذلك، والله لقد نصر عثمان نصرا لو كان المحصور جعفر بن أبي طالب
لم يبذل له إلا مثله.
قال أبو جعفر: وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي الرواية،
ضربه عمر بالدرة وقال: قد أكثرت من الرواية، وأحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله
صلى الله عليه وآله، وروى سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم التيمي قال: كانوا
لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار، وروى أبو أسامة عن الأعمش
قال: كان إبراهيم صحيح الحديث فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه، فأتيته يوما
بأحاديث من حديث أبي صالح عن أبي هريرة فقال: دعني من أبي هريرة، إنهم كانوا يتركون
كثيرا من حديثه.
وقد روى عن علي عليه السلام أنه قال: ألا إن أكذب الناس أو قال: أكذب الأحياء
على رسول الله صلى الله عليه وآله أبو هريرة الدوسي.
وروى أبو يوسف قال: قلت لأبي حنيفة: الخبر يجيئ عن رسول الله (ص)
يخالف قياسنا ما تصنع به؟ - قال: إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي، فقلت:
ما تقول في رواية أبي بكر وعمر؟ - فقال: ناهيك بهما، فقلت: علي وعثمان؟ - قال:
كذلك، فلما رآني أعد الصحابة قال: والصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا، ثم عد منهم
659

وأما خبر زياد فإنه لحق معاوية فأتم له صلحه ثم انصرف بعد أن ادعاه معاوية (1)
وألحقه بأبي سفيان ثم ولاه بعد المغيرة بن شعبة الكوفة.

1 - ستأتي قصة استلحاق معاوية زيادا في تعليقات آخر الكتاب إن شاء الله (أنظر التعليقة رقم 69).
أبا هريرة وأنس بن مالك. وروى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن
عمر بن عبد الغفار أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة
ويجلس الناس إليه، فجاء شاب من الكوفة فجلس إليه فقال: يا أبا هريرة أنشدك الله أسمعت
من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ -
فقال: اللهم نعم، قال: فأشهد بالله لقد واليت عدوه وعاديت وليه، ثم قام عنه.
وروت الرواة أن أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان في الطريق ويلعب معهم، وكان
يخطب وهو أمير المدينة فيقول: الحمد لله الذي جعل الدين قياما وأبا هريرة إماما، يضحك
الناس بذلك، وكان يمشي وهو أمير المدينة في السوق فإذا انتهى إلى رجل يمشي أمامه
ضرب برجليه الأرض ويقول: الطريق الطريق، قد جاء الأمير، يعني نفسه.
قلت: قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب المعارف في ترجمة أبي هريرة وقوله
فيه حجة لأنه غير متهم عليه).
660

ثم أقام بسر بالبصرة إلى أن استوفى أموال عبد الله بن عامر وأقبل إلى معاوية
واجتمع ذات يوم هو وعبيد الله بن العباس عند معاوية (1) بعد صلح الحسن عليه السلام فقال
ابن عباس لمعاوية: أنت أمرت هذا القاطع البعيد الرحم القليل الرحم بقتل ابني؟ -

1 - قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن (ص 672،
س 32): (قال [أي إبراهيم الثقفي في الغارات] أنه اجتمع ذات يوم بسر وعبيد الله بن -
العباس عند معاوية (الحديث)) وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1،
ص 121، س 9): (وروى أبو الحسن المدائني قال: اجتمع عبيد الله بن العباس وبسر بن
أرطاة يوما عند معاوية (الحديث باختلاف يسير)) وقال المفيد (ره) في أماليه في
المجلس السادس والثلاثين (ص 180 من طبعة النجف): (قال: أخبرني أبو الحسن
علي بن محمد الكاتب قال: أخبرنا الحسن بن عبد الكريم الزعفراني قال: حدثنا أبو إسحاق
إبراهيم بن محمد الثقفي قال: حدثنا جعفر بن محمد الوراق قال: حدثنا عبد الله بن
الأزرق الشيباني قال: حدثنا أبو الجحاف عن معاوية بن ثعلبة قال: لما استوسق الأمر لمعاوية
أنفذ فسير بن أرطاة إلى الحجاز (إلى أن قال):
قال: ثم اجتمع عبيد الله بن العباس من بعد وبسر بن أرطاة عند معاوية فقال معاوية لعبيد الله:
أتعرف هذا الشيخ قاتل الصبيين؟ - فقال بسر: نعم، أنا قاتلهما فمه؟ - فقال عبيد الله: لو أن
لي سيفا، قال بسر: فهاك سيفي، وأومأ بيده إلى سيفه فزبره معاوية وانتهره وقال: أف لك من -
شيخ ما أحمقك؟! تعمد إلى رجل قد قتلت ابنيه تعطيه سيفك كأنك لا تعرف أكباد بني هاشم
والله لو دفعته إليه لبدأ بك وثنى بي، فقال عبيد الله: بلى والله كنت أبدأ بك ثم أثني به).
أقول: قد أشرنا فيما سبق عند نقلنا صدر القصة هناك إلى ذلك (أنظر ص 613).
ثم إن الحديث مذكور أيضا في أمالي ابن الشيخ في الجزء الثالث نحو ما في مجالس
المفيد (ص 47 من طبعة طهران).
661

فقال معاوية: ما أمرته بذلك ولا هويت (1) فغضب بسر ورمى بسيفه وقال: قلدتني هذا
السيف وقلت: اخبط به (2) الناس حتى إذا بلغت ما بلغت قلت: ما هويت ولا أمرت، فقال
معاوية: خذ سيفك، فلعمري إنك لعاجز حين تلقي سيفك بين يدي رجل من بني -
عبد مناف وقد قتلت ابنيه أمس، فقال عبيد الله بن عباس (3): أتراني كنت قاتله بهما؟ -

1 - في الأصل والبحار: (هونت) وفي شرح النهج: (أحببت) والصحيح ما في
المتن ففي المصباح المنير: (الهوى مقصورا مصدر هويت من باب تعب إذا أحببته
وعلقت به).
أقول: ومن ذلك قول ابن أبي الحديد في عينيته المعروفة:
(ورأيت دين الاعتزال وإنني * أهوى لأجلك كل من يتشيع)
أي أحب كل متشيع لكونه شيعة لك.
2 - في القاموس: (خبط القوم بسيفه جلدهم) وفي تاج العروس: (وهو
مجاز من خبط الشجر كما في الأساس).
3 - في شرح النهج هكذا: (فقال له عبيد الله: أتحسبني يا معاوية قاتلا بسرا بأحد ابني؟!
هو أحقر وألام من ذلك ولكني والله لا أرى لي مقنعا ولا أدرك ثارا إلا أن أصيب بهما يزيد وعبد الله،
فتبسم معاوية وقال: وما ذنب معاوية وابني معاوية؟ والله ما علمت، ولا أمرت ولا رضيت،
ولا هويت. واحتملها منه لشرفه وسؤدده).
662

فقال ابن لعبيد الله: ما كنا نقتل بهما إلا يزيد وعبد الله ابني معاوية، فضحك معاوية وقال:
وما ذنب يزيد وعبد الله؟ -
قال: عبيد الله أصغر من أخيه عبد الله.
تم كتاب الغارات على حذف الزيادات وتكرارات (1).
والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين (2).
انتهى النصف الآخر من كتاب الغارات
لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي الكوفي
رضي الله عنه
وبتمامه تم الكتاب
وتليه التعليقات
إن شاء الله تعالى

1 - كذا في الأصل منكرة، وقد تقدم البحث عن ذلك والتحقيق فيه في مقدمتنا على
الكتاب، فراجعها إن شئت.
2 - هذا آخر ما في النسخة بنص عبارة كاتبها.
وبما فاتنا ذكر مطالب كانت حرية بالذكر في مواضعها استدركناها في تعليقات آخر -
الكتاب (أنظر التعليقة رقم 70).
663

التعليقات
وهي سبعون تعليقة
665

بسم الله الرحمن الرحيم
التعليقة 1
(ص 1)
أبو علي الحسين بن إبراهيم بن عبد الله بن منصور
قال الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه
القمي الملقب بالصدوق - رضي الله عنه - في كمال الدين في باب غيبة موسى عليه السلام
(أنظر ص 154 من طبعة مكتبة الصدوق بطهران سنة 1390):
(وحدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق المكتب رضي الله عنه، قال:
حدثنا الحسين بن إبراهيم بن عبد الله بن منصور، قال: حدثنا محمد بن هارون
الهاشمي، قال: حدثنا أحمد بن عيسى، قال: حدثنا أبو الحسين أحمد بن سليمان
الرهاوي، قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية، عن أبيه
محمد، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المهدي
منا أهل البيت يصلح الله له أمره في ليلة، وفي رواية أخرى: يصلحه الله في ليلة).
قال الوحيد البهبهاني قدس سره في تعليقاته على منهج المقال ما نصه:
(محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قد أكثر الصدوق (ره) من الرواية
عنه مترضيا مترحما ومنه يظهر حسن حاله بل جلالة شأنه، ويحتمل أن يكون
666

من مشايخه (ره) وسيجيئ عن المفيد (ره) عند ذكر طريق الصدوق إلى أحمد بن
محمد بن سعيد أنه روى عن الحسين بن روح (رض) ما ينبئ عن كونه مقبولا عندهم،
هذا والظاهر أن كنيته أبو العباس ويلقب بالمكتب على ما يظهر من غيبة -
الصدوق (ره)) وقال الناقد البصير أبو علي محمد بن إسماعيل رحمه الله في
منتهى المقال بعد نقله عبارة الوحيد عن تعليقاته: (أقول: جزم جده (ره) في
حواشي النقد بأنه من مشايخه (ره)) وقال المحقق الحاج الشيخ عبد الله
المامقاني (ره) في تنقيح المقال بعد نقله عبارة الوحيد (ره): (وعليه فالرجل
من الحسان وجزم جده المجلسي الأول في حواشي النقد بأنه من مشايخ الصدوق (ره)
بل ذلك مما تحقق عندي أيضا وعليه فيجري عليه حكم الثقة ويكون
حديثه صحيحا لما مر في المقدمة من غنى مشايخ الإجازة من التنصيص عليهم
بالتوثيق مضافا إلى رضيلة الصدوق (ره) عنه فيما رواه عنه في العلل من أنه كان
عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح فسأل الحسين بن روح رجل: كيف سلط الله
على الحسين عليه السلام قاتله وهو عدو الله والحسين ولي الله؟ (ثم قال في آخر الحديث)
قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق - رضي الله عنه - فعدت إلى الحسين بن روح - قدس الله
روحه - من الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا بالأمس من عند نفسه
فابتدأني فقال: يا محمد بن إبراهيم لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أو أهوى
بالريح في مكان سحيق (1) أحب إلي من أن أقول في دين الله تعالى برأيي ومن عند نفسي
بل ذلك من الأصل ومسموع من الحجة).
أقول: لما كان الحديث المشار إليه في كلام المحقق المامقاني (ره) دالا على
جلالة الرجل فإنه صريح في أن محمدا المذكور كان من خصيصي أبي القاسم الحسين بن
روح (ره) وكان ممن يتردد إلى منزله ومعروفا عنده، والتدبر في مضمونه يدل
الناظر على هذا الأمر فلذا نشير إلى موضعه، رواه الصدوق (ره) في علل الشرائع
في (باب العلة التي من أجلها لم يجعل الله عز وجل الأنبياء والأئمة عليهم السلام في جميع

1 - اقتباس من آية 31 سورة الحج.
667

أحوالهم غالبين) واكتفى به (أنظر ص 91 من طبعة طهران سنة 1311) ونقله
أيضا في كمال الدين في باب ذكر التوقيعات الواردة عن القائم عليه السلام (أنظر
ص 278 - 279 من طبعة طهران سنة 1310) ولولا أن المقام لا يسع ذكر الحديث
لذكرته هنا لكثرة فائدته والحق أن الرجل من أجلاء المحدثين المعتنى بهم حتى
أن الصدوق (ره) نقل عنه في كمال الدين فقط أحاديث تبلغ زهاء أربعين موردا
فإذا رواية مثله عن الحسين بن إبراهيم بن عبد الله بن منصور يدرج الرجل
في عداد الحسان المعتبرين لو لم يدخله في الثقات إذ من المعلوم أن مثله
لا يروي إلا عمن هو معروف عنده ومقبول لديه بحيث قد كان يعبأ بقوله ويعتني
بنقله وهذا المقدار كاف في إثبات اعتباره.
وقال الشيخ آقا بزرگ الطهراني (ره) في نوابغ الرواة من طبقات
أعلام الشيعة (ص 228):
(محمد بن إبراهيم بن إسحاق أبو العباس المكتب الطالقاني من مشايخ الصدوق
القمي لقبه في كمال الدين بالمكتب وكناه فيه وفي الأبواب الثلاثة من الخصال
بأبي العباس الطالقاني وكذا في الأمالي، وفي الخصال أنه يروي عن محمد بن جرير
الطبري الإمامي صاحب كتاب المستر شد في الإمامة الحديث الموجود بعينه في المستر شد
(إلى آخر ما قال من كلامه المبسوط)).
وأما محمد بن هارون الهاشمي الذي روى عنه الحسين بن إبراهيم في
رواية كمال الدين فقال الشيخ آقا بزرگ في نوابغ الرواة من الطبقات ما نصه:
(محمد بن هارون الهاشمي يروي عنه الحسين بن إبراهيم الذي هو من مشايخ
أبي العباس أحمد بن علي بن نوح السيرافي ذكره النجاشي في الطبقة الأولى
في عبد الله الحر الجعفي (إلى آخر ما قال)).
ومنه يظهر أيضا أن الحسين بن إبراهيم الذي نحن بصدد ترجمته هو من مشايخ
أحمد بن علي بن نوح السيرافي فمن أراد التحقيق في ذلك فليخض فيه فإن المقام
لا يسع أكثر من ذلك.
668

التعليقة 2
(ص 2)
أبو محمد الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني
قال ابن حجر في لسان الميزان في ترجمة مصنف الكتاب إبراهيم
الثقفي (ره): (روى عنه أحمد بن علي (1) الإصبهاني والحسين بن علي بن محمد الزعفراني
ومحمد بن الرطال وآخرون).
أقول: قوله: (والحسين بن علي بن محمد الزعفراني) اشتباه وغلط والصحيح:
(والحسن بن علي أبو محمد الزعفراني) وإنما صححنا العبارة لما في جامع الرواة
فإن فيه: (إبراهيم بن محمد الثقفي روى أبو محمد الحسن بن علي الزعفراني عنه
عن أبي عبد الله عليه السلام في التهذيب في باب فضل الغسل للزيارة أي زيارة أبي عبد الله
الحسين بن علي عليهما السلام وفي تهذيب التهذيب في ترجمة أبي نعيم الفضل بن
دكين الذي هو من مشايخ الثقفي مصنف الكتاب: (روى عنه الحسن الزعفراني)
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: (في ترجمة إبراهيم بن محمد الآمدي الخواص):
(روى عن الحسن الزعفراني حديثا باطلا).
أقول: الحسن الزعفراني قد وقع كثيرا ما في طرق روايات نقلت عن أبي -
إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي (ره) بحيث يفضي الخوض في استقصاء موارد
نقله إلى الإطناب الممل ويكفي في إثبات هذا المدعي الرجوع إلى أمالي ابن -
الشيخ (ره) فإنه (ره) قال في الجزء الثالث منه (ص 43 من طبعة إيران سنة 1313)
ما نصه: (وعنه عن شيخه أبي علي الحسن بن محمد الطوسي (ره) عن الشيخ السعيد
الوالد - رضي الله عنه - قال: أخبرنا محمد بن محمد [ويريد به المفيد (ره)] قال:
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب [ويريد به ابن حبيش المتقدم ذكره في طرق

1 - الصحيح: (أحمد بن علوية) كما تقدم في المقدمة.
669

الشيخ الطوسي (ره) إلى الثقفي (ره)] قال: أخبرني الحسن بن علي بن عبد الكريم
الزعفراني قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي قال: أخبرنا إسماعيل -
بن أبان عن عمرو بن شمر (إلى آخر السند)) ونقل في الكتاب عنه أحاديث
لعلها تبلغ زهاء خمسين موردا. وكذا نقل الشيخ الأجل المفيد (ره) في مجالسه
روايات كثيرة في طرقها الزعفراني المذكور منها ما في المجلس الخامس
والثلاثين (ص 173) ونص عبارة السند هناك هكذا: (قال: أخبرني أبو الحسن
علي بن محمد الكاتب [وهو ابن حبيش] قال: أخبرني الحسن بن علي بن عبد الكريم
الزعفراني قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي قال: أخبرنا إسماعيل -
بن أبان عن عمرو بن شمر (إلى آخر السند)). ولخص المجلسي (ره) في ثامن -
البحار في باب بيعة أمير المؤمنين وما جرى بعدها (ص 413) كما هو دأبه في ذكر
الأسانيد روما للاختصار كما صرح به في مقدمة البحار هذا السند المذكور المشار -
إليه في الكتابين بقوله: (جاما - المفيد عن الكاتب عن الزعفراني عن الثقفي عن
إسماعيل بن أبان عن عمرو بن شمر (إلى آخر السند) وجرى على ذلك عند نقله
نظائر السند والتعبير عن الحسن المذكور بالزعفراني في جميع مجلدات البحار
فاتضح مما ذكرنا أن قوله عند بيان ما اصطلح عليه في تلخيص أسامي الرواة
والتعبير عنهم بما هو مختصر بهذه العبارة (أنظر الفصل الرابع من فصول مقدمة
البحار (ص 22، س 8): (الزعفراني هو أبو جعفر محمد بن علي بن عبد الكريم)
وهو اشتباه من النساخ وتحريف منهم أو سهو من قلمه الشريف فكأنه كان يريد:
(الزعفراني هو أبو محمد الحسن بن علي بن عبد الكريم).
تكملة - يظهر من كتب التراجم أن في رواة هذه الطبقة رجلا آخر مسمى
بالحسين مصغرا ابن علي الزعفراني ففي نوابغ الرواة للشيخ آقا بزرگ
الطهراني (ص 116):
(الحسين بن علي الزعفراني أبو عبد الله من مشايخ أبي القاسم جعفر بن
قولويه المتوفى 369 ذكر في كامل الزيارات بأنه حدثه بالري) وفي معجم رجال
670

الحديث للزعيم الروحاني الإمام الخوئي (ج 6، ص 157): (الحسين بن علي
الزعفراني من مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه حدثه بالري روى عن يحيى بن
سليمان، كامل الزيارات، الباب الرابع عشر في حب رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن
والحسين عليهما السلام، الحديث الحادي عشر) أنظر كامل الزيارات ص 52 ولا يحتمل الاتحاد
لاختلاف كنيتيهما والراوي والمروي عنهما لكن الظاهر أنهما كانا أخوين.
التعليقة 3
(ص 3)
قيس بن قهد الصحابي
وحفيده
أبو مريم عبد الغفار بن القاسم الأنصاري
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: (قيس بن قهد الأنصاري من بني مالك بن
النجار هو قيس بن قهد بن قيس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار
قال مصعب الزبيري: هو جد يحيى بن سعيد الأنصاري [الخزرجي] قال:
ولم يكن قيس بن قهد بالمحمود في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قال ابن أبي خيثمة:
هذا وهم من أبي عبيد الله وإنما جد يحيى بن سعيد قيس بن عمرو، وقال: قيس بن
قهد هو جد أبي مريم عبد الغفار بن القاسم الأنصاري الكوفي. قال أبو عمرو:
هو كمال قال ابن أبي خيثمة وقد غلط فيه مصعب وكلهم خطأه في قوله هذا) وقال
ابن الأثير في أسد الغابة بعد ذكره هذا الكلام: (وقال الأمير أبو نصر:
وأما قهد بالقاف فهو قيس بن قهد له صحبة روى عنه قيس بن أبي حازم وابنه
سليم بن قيس شهد بدرا وما بعدها، توفي في خلافة عثمان). وقال ابن حجر في
الإصابة: (قيس بن قهد بالقاف الأنصاري تقدم ذكره في قيس بن عمرو، قال
671

أبو نصر بن ماكولا: له صحبة وروى عنه قيس بن أبي حازم وابنه سليم بن قيس،
شهد بدرا، وقال ابن أبي خيثمة: زعم مصعب الزبيري أنه جد يحيى بن سعيد
وأخطأ في ذلك فإنما هو جد أبي مريم عبد الغفار بن قاسم الأنصاري (إلى آخر
ما قال)) وفي المشتبه للذهبي وفي تبصير المنتبه للعسقلاني (ص 1085):
(فهد جماعة، وبقاف قيس بن قهد له صحبة روى عنه قيس بن أبي حازم) وقال
الطريحي في مجمع البحرين في كتاب الدال في باب ما أوله القاف: (قيس بن
قهد بالفتح فالسكون والدال المهملة رجل من رواة الحديث).
وأما أبو مريم الأنصاري عبد الغفار بن القاسم المذكور فهو من ثقات
رواة الشيعة كما مرت الإشارة إليه في موضعه من ذيل السند وذكره أيضا
علماء العامة في كتبهم فقال الذهبي في ميزان الاعتدال: (عبد الغفار بن القاسم
أبو مريم الأنصاري رافضي ليس بثقة، قال علي بن المديني: كان يضع الحديث
ويقال: كان من رؤوس الشيعة، وروى عباس عن يحيى: ليس بشئ، وقال
البخاري: عبد الغفار بن القاسم بن قيس بن قهد ليس بالقوي عندهم، أحمد بن صالح
حدثنا الحسين بن الحسن الفزاري، حدثنا عبد الغفار بن القاسم حدثني عدي
بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: حدثني بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
علي مولى من كنت مولاه، أبو داود: سمعت شعبة: سمعت سماكا الحنفي يقول
لأبي مريم في شئ ذكره: كذبت والله، أبو داود: حدثنا عبد الواحد بن زياد: سمعت
أبا مريم يروي عن الحكم عن مجاهد في قوله تعالى: لرادك إلى معاد [آية 85
سورة القصص] قال: يرد محمدا صلى الله عليه وآله إلى الدنيا حتى يرى عمل أمته، قال عبد الواحد
فقلت له: كذبت، قال: إتق الله تكذبني؟ - قال أبو داود: وأنا أشهد أن أبا مريم
كذاب لأني قد لقيته وسمعت منه واسمه عبد الغفار بن القاسم، وقال أحمد بن حنبل:
كان أبو عبيدة إذا حدثنا عن أبي مريم يصيح الناس يقولون: لا نريده. قال أحمد:
كان أبو مريم يحدث ببلايا في عثمان. وقال أبو حاتم والنسائي وغيرهما: متروك
الحديث قلت: بقي إلى قريب الستين ومائة فإن عفان أدركه وأبى أن يأخذ عنه.
672

حدث عن نافع وعطاء بن أبي رباح وجماعة وكان ذا اعتناء بالعلم والرجال وقد أخذ
عنه شعبة ولما تبين له أنه ليس بثقة تركه) وفي لسان الميزان بعد أن نقل ما في
ميزان الاعتدال في حقه ما نصه: (وقال الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: كان يضع
الحديث، وقال شعبة: لم أر أحفظ منه، قال أبو داود: وغلط في أمره شعبة. وقال
الدارقطني: متروك وهو شيخ شعبة أثنى عليه شعبة وخفي على شعبة أمره فبقي بعد
شعبة فخلط. قلت: فهذا يصرح بأنه تأخر بعد الستين لأن شعبة مات بعدها.
وذكره الساجي والعقيلي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء وقال ابن -
عدي: سمعت ابن عقدة يثني على أبي مريم ويطريه وتجاوز الحد في مدحه حتى
قال: لو ظهر على أبي مريم ما اجتمع الناس إلى شعبة، قال: وأنما مال إليه ابن عقدة
هذا الميل لإفراطه في التشيع).
أقول: من أراد البسط في ترجمته فليراجع المفصلات من كتب الفريقين فإن
المقام لا يسع أكثر من ذلك وفيما نقلناه كفاية للمكتفي إن شاء الله تعالى.
التعليقة 4
(ص 4)
أبو مريم زربن حبيش الأسدي الكوفي
في تقريب التهذيب: (زر بكسر أوله وتشديد الراء ابن حبيش بمهملة
وموحدة ومعجمة مصغرا ابن حباشة بضم المهملة بعدها موحدة ثم معجمة الأسدي
الكوفي أبو مريم ثقة جليل مخضرم مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وثمانين وهو
ابن مائة وسبع وعشرين سنة / ع) وفي تهذيب التهذيب في ترجمته المبسوطة:
(روى عن علي عليه السلام وروى عنه المنهال بن عمرو) وفيها أيضا: (وقال عاصم: كان
أبو وائل عثمانيا وكان زر علويا وكان مصلا هما في مسجد واحد وكان
673

أبو وائل معظما لزر) وفي تذكره الحفاظ للذهبي (ص 57): (زر بن حبيش
الإمام القدوة أبو مريم الأسدي الكوفي عاش مائة وعشرين سنة وحدث عن
عمر وأبي وعبد الله وعلي وحذيفة، وعنه عاصم بن بهدلة وقرأ عليه القرآن وأثنى عليه
وقال: كان زر من أعرب الناس كان ابن مسعود يسأله عن العربية وروى عنه أيضا
عبدة بن أبي لبابة وابن أبي خالد وعدي بن ثابت وأبو إسحاق الشيباني والأعمش
وعدة، مات سنة اثنتين وثمانين رحمه الله تعالى).
وفي تهذيب الأسماء للنووي (ج 1، ص 196): (زربن حبيش بكسر
الزاي مذكور في المهذب في كتاب السير في مسائل الأمان هو أبو مريم وقيل:
أبو مطرف زربن حبيش بضم الحاء المهملة ابن حباشة بضمها أيضا ابن أوس.... بن -
أسد بن خزيمة الأسدي الكوفي التابعي الكبير المخضرم أدرك الجاهلية وسمع
عمر وعثمان وعليا وابن مسعود وآخرين من كبار الصحابة، روى عنه جماعات من
التابعين منهم الشعبي والنخعي وعدي بن ثابت واتفقوا على توثيقه وجلالته توفي
سنة اثنتين وثمانين وهو ابن مائة وعشرين سنة، وقيل: مائة وثنتين وعشرين سنة،
وقيل: مائة وسبع وعشرين سنة).
وفي الاستيعاب: (زر بن حبيش بن حباشة (إلى أن قال) وهو من جلة
التابعين من كبار أصحاب ابن مسعود أدرك أبا بكر وعمر، وروى عن عمر وعلي
رضي الله عنهم، وروى عنه الشعبي وإبراهيم النخعي وكان عالما بالقرآن قارئا فاضلا
(إلى أن قال) روى أبو بكر بن عياش عن عاصم بن بهدلة قال: كان زربن حبيش أكبر
من أبي وائل فكانا إذا جلسا جميعا لم يحدث أبو وائل مع زر (إلى آخر ما قال)).
أقول: ترجمته مذكورة في كتب الفريقين فمن أراد البسط فليراجع ومضى
أيضا في أواخر الكتاب أنه من محبي أمير المؤمنين علي عليه السلام.
674

التعليقة 5
(ص 6)
تحقيق حول كلمتي (أما بعد)
قال الطريحي في مجمع البحرين: (وقد تكرر في كلام الفصحاء: أما
بعد، وهي كلمة تسمى فصل الخطاب، يستعملها المتكلم إذا أراد الانتقال من كلام إلى
آخر، قيل: أول من تكلم بها داود عليه السلام، وإليه الإشارة بقوله تعالى: وآتيناه الحكمة
وفصل الخطاب، يعني أما بعد، وقيل: أراد بفصل الخطاب البينة على المدعي واليمين
على المنكر، وقيل: أول من قالها علي عليه السلام لأنها أول ما عرفت من كلامه وخطبه،
وقيل: قس بن ساعدة الإيادي حكيم العرب لقوله:
لقد علم الحي اليمانون أنني * إذا قلت: أما بعد، أني خطيبها
أي خطيب أما بعد، ومعناها مهما يكن من شئ بعد كذا فكذا). وفي
لسان العرب: وقولهم في الخطابة أما بعد إنما يريدون بعد دعائي لك فإذا قلت:
أما بعد فإنك لا تضيفه إلى شئ ولكنك تجعلها غاية نقيضا لقبل، وفي حديث
زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وآله خطبهم فقال: أما بعد تقدير الكلام أما بعد حمدا لله
فكذا وكذا، وزعموا أن داود عليه السلام أول من قالها، ويقال: هي فصل الخطاب ولذلك
قال عز وجل: وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب، وزعم ثعلب أن أول من قالها كعب
بن لؤي).
وفي محيط المحيط للمعلم بطرس البستاني: (وقولهم: أما بعد، أي بعد
دعائي لك، أو بعد البسملة والحمد له والتصلية، ويقال له فصل الخطاب، لأنه يفصل
بين الكلامين، وقيل: أول من قاله داود، وقيل: كعب بن لؤي، وقيل: قس بن
ساعدة الإيادي).
وفي تاج العروس: ([وأما بعد] فقد كان كذا [أي] إنما يريدون إما
675

[بعد دعائي لك] فإذا قلت: أما بعد فإنك لا تصنيفه إلى شئ ولكنك تجعله غاية
نقيضا لقبل، وفي حديث زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وآله خطبهم فقال: أما بعد تقدير
الكلام أما بعد حمدا لله [وأول من قاله داود عليه السلام] كذا في أوليات ابن عساكر ونقله
غير واحد من الأئمة وقالوا: أخرجه ابن أبي حاتم والديلمي، عن أبي موسى
الأشعري مرفوعا، ويقال: هي فصل الخطاب ولذلك قال عز وجل: وآتيناه الحكمة
وفصل الخطاب [أو كعب بن لؤي] زعمه ثعلب وفي الوسائل إلى معرفة الأوائل: أول
من قال (أما بعد) داود عليه السلام لحديث أبي موسى الأشعري مرفوعا، وقيل: يعقوب
عليه السلام لأثر في أفراد الدارقطني، وقيل: قس بن ساعدة كما للكلبي، وقيل:
يعرب بن قحطان، وقيل: كعب بن لؤي) وفي معيار اللغة: (وأما بعد أي بعد دعائي
وحمدي وثنائي لك).
التعليقة 6
(ص 13)
خطبة أمير المؤمنين (ع) من البحار وشرح النهج
قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب سائر ما جرى من الفتن من
غارات أصحاب معاوية على أعمال علي (ع) (ص 693) ما نصه:
(في نهج البلاغة، أما بعد أيها الناس فأنا فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترئ
عليها أحد غيري بعد أن ماج غيهبها واشتد كلبها فاسألوني قبل أن تفقدوني فوالذي
نفسي بيده لا تسألونني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل
مائة ألا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ومناخ ركابها ومحط رحالها، ومن يقتل من
أهلها قتلا ومن يموت منهم موتا، ولو قد فقدتموني ونزلت كرائه الأمور وحوازب
الخطوب لأطرق كثير من السائلين وفشل كثير من المسؤولين وذلك إذا قلصت حربكم
وشمرت عن ساق وضاقت الدنيا عليكم ضيقا تستطيلون أيام البلاء عليكم حتى
676

يفتح الله لبقية الأبرار منكم، ألا إن الفتن إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت نبهت،
ينكرن مقبلات ويعرفن مدبرات، يحمن حوم الرياح، يصبن بلدا ويخطئن بلدا،
ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية فإنها فتنة عمياء مظلمة عمت خطتها
وخصت بليتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها، وأيم الله
لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء بعدي كالناب الضروس تعذم بفيها وتخبط بيدها
وتزبن برجلها وتمنع درها، لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعا لهم أو غير
ضائر بهم ولا يزال بلاؤهم عنكم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا مثل انتصار
العبد من ربه والصاحب من مستصحبه، ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية وقطعا
جاهلية ليس فيها منار هدى ولا علم يرى، نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها
بدعاة ثم يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم بمن يسومهم خسفا ويسوقهم عنفا،
ويسقيهم بكأس مصبرة، لا يعطيهم إلا السيف ولا يحلسهم إلا الخوف فعند ذلك تود
قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاما واحدا ولو قدر جزر جزور لأقبل منهم ما
أطلب اليوم بعضه فلا يعطونني.
إيضاح - قال ابن أبي الحديد:
هذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السيرة وهي متداولة منقولة مستفيضة
خطب بها علي عليه السلام بعد انقضاء أمر النهروان وفيها ألفاظ لم يوردها الرضي رحمه الله
ثم ذكر بعض الألفاظ المتروكة.
منها قوله عليه السلام: ولم يكن ليجترئ عليها غيري، ولو لم أك فيكم ما قوتل أهل -
الجمل والنهروان وأيم الله لولا أن تنكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم بما قضى الله عز وجل
على لسان نبيكم لمن قاتلهم مبصرا لضلالتهم عارفا للهدى الذي نحن عليه، سلوني
قبل أن تفقدوني فإني ميت عن قريب أو مقتول بل قتلا ما ينتظر أشقاها أن يخضب
هذه بدم هذه، وضرب بيده على لحيته.
ومنها في ذكر بني أمية:
يظهر أهل باطلها على أهل حقها حتى تملأ الأرض ظلما وعدوانا وبدعا
677

إلى أن يضع الله عز وجل جبروتها ويكسر عمدها وينزع أوتادها، ألا وإنكم مدركوها
فانصروا قوما كانوا أصحاب رايات بدر وحنين توجروا، ولا تمالؤوا عليهم عدوهم
فتصرعكم البلية ويحل بكم النقمة.
ومنها: ألا مثل انتصار العبد من مولاه إذا رآه أطاعه، وإذا توارى عنه شتمه،
وأيم الله لو فرقوكم تحت كل حجر لجمعكم الله لشر يوم لهم.
ومنها: فانظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم
فليفرجن الله الفتنة برجل منا أهل البيت، بأبي ابن خيرة الإماء لا يعطيهم إلا السيف
هرجا هرجا موضوعا على عاتقه ثمانية أشهر حتى تقول قريش: لو كان هذا من
ولد فاطمة لرحمنا، يغريه الله بيني أمية حتى يجعلهم حطاما ورفاتا، ملعونين
أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا، سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله
تبديلا.
ثم قال:
فإن قيل: فمن هذا الرجل الموعود به؟ - قيل: أما الإمامية فيزعمون أنه
إمامهم الثاني عشر وأنه ابن أمة اسمها نرجس، وأما أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي
يولد في مستقبل الزمان لأم ولد وليس بموجود الآن.
فإن قيل: فمن يكون من بني أمية في ذلك الوقت موجودا حتى ينتقم منهم؟
قيل: أما الإمامية فتقول بالرجعة ويزعمون أنه سيعاد قوم بأعيانهم من
بني أمية وغيرهم إذا ظهر إمامهم المنتظر وأنه يقطع أيدي أقوام وأرجلهم ويسمل
عيون بعضهم ويصلب قوما آخرين وينتقم من أعداء آل محمد عليهم السلام المتقدمين والمتأخرين،
وأما أصحابنا فيزعمون أنه سيخلق الله تعالى في آخر الزمان رجلا من ولد فاطمة
عليها السلام يستولي على السفياني وأشياعه من بني أمية.
ثم قال:
فإن قيل: لماذا خص أهل الجمل وأهل النهروان بالذكر ولم يذكر صفين؟
قيل: لأن الشبهة كانت في أهل الجمل وأهل النهروان ظاهرة الالتباس وأما
678

أهل الجمل لحسن ظنهم بطلحة والزبير وكون عائشة زوجة الرسول صلى الله عليه وآله معهم
وأما أهل النهروان فكانوا أهل قرآن وعبادة واجتهاد وعزوف عن الدنيا وهم كانوا
قراء العراق وزهادها، وأما معاوية فكان فاسقا مشهورا بقلة الدين والانحراف
عن الإسلام وكذلك ناصره ومظاهره على أمره عمرو بن العاص ومن اتبعهما من طغام
أهل الشام وأجلافهم وجهال الأعراب فلم يكن أمرهم خافيا في جواز قتالهم ومحاربتهم
(انتهى)).
أقول: ما نقله المجلسي (ره) تلخيص من كلام ابن أبي الحديد وإلا
فكلامه أبسط من ذلك فمن أراد البسط فليراجع شرح النهج لابن أبي الحديد.
ثم لا يخفى أن لابن أبي الحديد في شرح الخطبة كلاما آخر يعجبني
نقله هناك وهو قوله (ج 2، ص 175):
(واعلم أنه عليه السلام قد أقسم في هذا الفصل بالله الذي نفسه بيده أنهم لا يسألونه
عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة إلا أخبرهم به وأنه ما صح من طائفة من الناس
تهتدي بها مائة وتضل بها مائة إلا وهو مخبر لهم إن سألوه برعاتها وقائدها وسائقها
ومواضع نزول ركابها وخيولها ومن يقتل منها قتلا ومن يموت منها موتا، وهذه
الدعوى ليست منه عليه السلام ادعاء الربوبية ولا ادعاء النبوة ولكنه كان يقول: إن
رسول الله صلى الله عليه وآله أخبره بذلك ولقد امتحنا أخباره فوجدناه موافقا فاستدللنا بذلك
على صدق الدعوى المذكورة كإخباره عن الضربة التي تضرب في رأسه فتخضب لحيته،
وإخباره عن قتل الحسين ابنه عليهما السلام، وما قاله في كربلا حيث مر بها، وإخباره بملك
معاوية الأمر من بعده، وإخباره عن الحجاج وعن يوسف بن عمر، وما أخبر به من
أمر الخوارج بالنهروان، وما قدمه إلى أصحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم وصلب من
يصلب، وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وإخباره بعدة الجيش الوارد
من الكوفة لما شخص عليه السلام إلى البصرة لحرب أهلها، وإخباره عن عبد الله بن الزبير،
وقوله فيه: خب صب يروم أمرا ولا يدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا وهو
بعد مصلوب قريش، وكإخباره عن هلاك البصرة بالغرق، وهلاكها تارة أخرى بالزنج،
679

وهو الذي صحفه قوم فقالوا: بالريح، وكإخباره عن ظهور الرايات السود من
خراسان، وتنصيصه على قوم من أهلها يعرفون ببني رزيق بتقديم المهملة وهم آل
مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين وولده وإسحاق بن إبراهيم وكانوا هم وسلفهم دعاة
الدولة العباسية، وكإخباره عن الأئمة الذين ظهروا من ولده بطبرستان كالناصر
والداعي وغيرهما في قوله عليه السلام: وإن لآل محمد بالطالقان لكنزا سيظهره الله إذا شاء،
دعاؤه حق يقوم بإذن الله فيدعو إلى دين الله، وكإخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة،
وقوله: أنه يقتل عند أحجار الزيت، وكقوله: عن أخيه إبراهيم المقتول بباخمرى
يقتل بعد أن يظهر، ويقهر بعد أن يقهر، وقوله فيه أيضا: يأتيه سهم غرب يكون
فيه منيته فيا بؤسا للرامي شلت يده ووهن عضده، وكإخباره عن قتلى وج وقوله فيهم:
هم خير أهل الأرض، وكإخباره عن المملكة العلوية بالغرب، وتصريحه بذكر كتامة
وهم الذين نصروا أبا عبد الله الداعي المعلم، وكقوله وهو يشير إلى أبي عبد الله المهدي
وهو أولهم ثم يظهر صاحب القيروان الغض النض ذو النسب المحض المنتخب من
سلالة ذي البداء المسجى بالرداء وكان عبيد الله المهدي أبيض مترفا مشربا بحمرة
رخص البدن تار الأطراف، وذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمد عليهما السلام وهو
المسجى بالرداء لأن أباه أبا عبد الله جعفرا سجاه بردائه لما مات، وأدخل إليه
وجوه الشيعة يشاهدونه ليعلموا موته وتزول عنهم الشبهة في أمره، وكإخباره
عن بني بويه وقوله فيهم: ويخرج من ديلمان بنو الصياد، إشارة إليهم وكان أبوهم
صياد السمك يصيد منه بيده ما يتقوت هو وعياله بثمنه، فأخرج الله تعالى من ولده
لصلبه ملوكا ثلاثة ونشر ذريتهم حتى ضربت الأمثال بملكهم، وكقوله عليه السلام فيهم: ثم
يستشري أمرهم حتى يملكوا الزوراء ويخلعوا الخلفاء، فقال له قائل: فكم مدتهم
يا أمير المؤمنين؟ - فقال: مائة أو تزيد قليلا، وكقوله فيهم: والمترف بن الأجذم
يقتله ابن عمه على دجلة، وهو إشارة إلى عز الدولة بختيار بن معز الدولة أبي الحسين،
وكان معز الدولة أقطع اليد قطعت يده النكوص في الحرب وكان ابنه عز الدولة
بختيار مترفا صاحب لهو وطرب، وقتله عضد الدولة فناخسرو ابن عمه بقصر الجص
680

على دجلة في الحرب وسلبه ملكه، فأما خلعهم للخلفاء فإن معز الدولة خلع المستكفي
ورتب عوضه المطيع، وبهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة خلع الطائع ورتب عوضه
القادر، وكانت مدة ملكهم كما أخبر به عليه السلام، وكإخباره عليه السلام لعبد الله بن العباس
رحمه الله تعالى عن انتقال الأمر إلى أولاده فإن علي بن عبد الله لما ولد أخرجه أبوه
عبد الله إلى علي عليه السلام فأخذه وتفل في فيه وحنكه بتمرة قد لاكها، ودفعه إليه وقال:
خذ إليك أبا الأملاك، هكذا الرواية الصحيحة وهي التي ذكرها أبو العباس
المبرد في كتاب الكامل وليست الرواية التي يذكر فيها العدد بصحيحة ولا منقولة
من كتاب معتمد عليه، وكم له من الإخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى مما لو أردنا
استقصاءه لكرسنا له كراريس كثيرة وكتب السير تشتمل عليها مشروحة.
فإن قلت: لماذا غلا الناس في أمير المؤمنين عليه السلام فادعوا فيه الإلهية لإخباره
عن الغيوب التي شاهدوا صدقها عيانا ولم يغلوا في رسول الله صلى الله عليه وآله فيدعوا له الإلهية
وإخباره عن الغيوب الصادقة قد سمعوها وعلموها يقينا وهو كان أولى بذلك لأنه الأصل
المتبوع ومعجزاته أعظم وإخباره عن الغيوب أكثر؟
قلت: إن الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وشاهدوا معجزاته وسمعوا أخباره
عن الغيوب الصادقة عيانا كانوا أشد آراء وأعظم أحلاما وأوفر عقولا من تلك الطائفة
الضعيفة العقول السخيفة الأحلام الذين رأوا أمير المؤمنين عليه السلام في آخر أيامه
كعبد الله ابن سبأ وأصحابه فإنهم كانوا من ركاكة البصائر وضعفها على حال مشهورة
فلا عجب عن مثلهم أن تستخفهم المعجزات فيعتقدوا في صاحبها أن الجوهر الإلهي قد حله
لاعتقادهم أنه لا يصح من البشر هذا إلا بالحلول.
وقد قيل: إن جماعة من هؤلاء كانوا من نسل النصارى واليهود وقد كانوا
سمعوا من آبائهم وسلفهم القول بالحلول في أنبيائهم ورؤسائهم فاعتقدوا فيه عليه السلام مثل
ذلك، ويجوز أن يكون أصل هذه المقالة من قوم ملحدين أرادوا إدخال الالحاد في
دين الإسلام فذهبوا إلى ذلك، ولو كانوا في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله لقالوا فيه مثل هذه
المقالة إضلالا لأهل الإسلام وقصدا لإيقاع الشبهة في قلوبهم ولم يكن في الصحابة مثل
681

هؤلاء ولكن قد كان فيهم منافقون وزنادقة ولم يهتدوا إلى هذه الفتنة ولا خطر لهم مثل
هذه المكيدة.
ومما ينقدح لي في الفرق بين هؤلاء القوم وبين العرب الذين عاصروا رسول الله
صلى الله عليه وآله أن هؤلاء من العراق وساكني الكوفة، وطينة العراق ما زالت تنبت أرباب
الأهواء وأصحاب النحل العجيبة والمذاهب البديعة، وأهل هذا الإقليم أهل بصر وتدقيق
ونظر وبحث عن الآراء والعقائد وشبه معترضة في المذاهب وقد كان منهم في أيام الأكاسرة
مثل ماني وديصان ومزدك وغيرهم، وليست طينة الحجاز هذه الطينة، ولا أذهان أهل
الحجاز هذه الأذهان، والغالب على أهل الحجاز الجفاء والعجرفية وخشونة الطبع،
ومن سكن المدن منهم كأهل مكة والمدينة والطائف فطباعهم قريبة من طباع أهل
البادية بالمجاورة ولم يكن فيهم من قبل حكيم ولا فيلسوف ولا صاحب نظر وجدل
ولا موقع شبهة ولا مبتدع نحلة ولهذا نجد مقالة الغلاة طارئة وناشئة من حيث سكن
علي عليه السلام بالعراق والكوفة لا في أيام مقامه بالمدينة وهي أكثر عمره فهذا ما لاح لي
من الفرق بين الرجلين في المعنى المقدم ذكره).
قال العالم الخريت الخبير والناقد النحرير البصير الحاج السيد حبيب الله
الهاشمي العلوي الآذربيجاني الخوئي - قدس الله تربته وأعلى في أعلى عليين
رتبته - في منهاج البراعة بعد أن شرح ما اختاره السيد الرضي - رضي الله عنه - في
نهج البلاغة من هذه الخطبة تحت عنوان (ومن خطبة له عليه السلام وهي الثانية والتسعون من
المختار في باب الخطب خطب بها بعد انقضاء أمر النهروان وهي من خطبه المشهورة
رواها غير واحد حسبما تطلع عليه في ضمن فصلين ما نصه (أنظر المجلد الثالث من
الطبعة الأولى ص 146 - 147):
(تكملة - إعلم أن هذه الخطبة الشريفة ملتقطة من خطبة طويلة أوردها في البحار
بزيادة واختلاف كثير لما أورده السيد (ره) في الكتاب أحببت أن أورد تمامها توضيحا
للمرام وغيرة على ما أسقطه السيد (ره) اختصارا أو اقتصارا من عقائل الكلام فأقول:
روى المحدث العلامة المجلسي (ره) من كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد
682

الثقفي عن إسماعيل بن أبان عن عبد الغفار بن القاسم عن المنصور بن عمر زر بن
حبيش، وعن أحمد بن عمران: بن محمد بن أبي ليلى عن أبيه عن ابن أبي ليلى عن
المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش قال: خطب علي عليه السلام بالنهروان فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال:
أما بعد أنا فقأت عين الفتنة لم يكن أحد ليجترئ عليها غيري (فساق الخطبة
إلى آخرها وهو هذه الفقرة من كتاب الله تعالى: ولن تجد لسنة الله تبديلا) ثم قال:
بيان - ورواه في البحار أيضا من كتاب سليم بن قيس الهلالي نحو ما
رواه من كتاب الغارات مع زيادات كثيرة في آخره ولا حاجة لنا إلى إيرادها وإنما المهم
تفسير بعض الألفاظ الغريبة في تلك الرواية فأقول:
الجلل بالضم جمع جلي وزان ربي وهو الأمر العظيم ومزوجا في النسخة بالزاء
المعجمة والظاهر أنه تصحيف والصحيح مروجا من: راج الريح اختلطت ولا يدرى
من أين تجئ، ويمكن تصحيحه بجعله من: زاج بينهم يزوج زوجا إذا أفسد بينهم وحرش،
وكلح كلوحا تكشر في عبوس كتكلح، ودهر كالح شديد، وطان الرجل البيت
والسطح يطينه من باب باع طلاه بالطين، وطينه بالتثقيل مبالغة وتكثير والمطينة
فاعل منه، وفي رواية سليم بن قيس بدلها مطبقة. وجماع الناس كرمان أخلاطهم
من قبائل شتى، ومن كل شئ مجتمع أصله وكل ما تجمع وانضم بعضه إلى
بعض، ولبد بالمكان من باب نصر وفرح لبدا ولبودا أقام ولزق. وقوله عليه السلام:
بأبي ابن خيرة الإماء، إشارة إلى أيام زمان الغائب المنتظر - عجل الله فرجه وسهل
مخرجه - وهرجا هرجا منصوبان على المصدر قال في القاموس: هرج الناس يهرجون
وقعوا في فتنة واختلاط وقتل. وفي رواية سليم بن قيس حتى يقولوا: ما هذا من
قريش لو كان هذا من قريش ومن ولد فاطمة رحمنا.
وغرى بالشئ غرى من باب
تعب أولع به من حيث لا يحمله عليه حامل، وأغريته به إغراءا).
أقول: إنما نقلنا هذا الكلام لما فيه من الفوائد لأهل النظر والتحقيق.
683

التعليقة 7
(ص 23)
تحقيق
حول قوله عليه السلام في غني وباهلة
نقل المجلسي (ره) هذا الحديث مضافا إلى ما أشرنا إلى مورد نقله في ص 22
في سادس البحار في باب قريش وسائر القبائل (ص 747، س 4) عن أمالي ابن -
الشيخ (ره) هكذا: (المفيد عن علي بن محمد الكاتب عن الحسن بن علي الزعفراني
عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن يوسف بن كليب (فذكر السند والحديث بهذه
الزيادة: (لآخذن غنيا أخذة تضرط باهلة) قائلا بعده: (بيان - تضرط باهلة
لعله كناية عن شدة الخوف كما هو المعروف أي تخاف من تلك الأخذة قبيلة
باهلة، ويمكن أن يقرأ (باهله) بإضافة الأهل إلى الضمير، ويقال: بهرج دمه أي
أبطله).
أقول: الحديث موجود في أواخر الجزء الرابع من الأمالي (أنظر ص 72
من طبعة إيران) ونقله أيضا في ثامن البحار في باب علة عدم تغيير أمير المؤمنين
عليه السلام بعض البدع عن مجالس المفيد (ص 704، س 33) بهذا السند: (الكاتب
عن الزعفراني عن الثقفي عن يوسف بن كليب عن معاوية بن هشام عن الصباح
ابن يحيى المنقري [كذا والصحيح المزني] عن الحارث بن حصيرة قال حدثني
جماعة من أصحاب أمير المؤمنين (فذكر الحديث) قائلا بعده: (بيان - البهرج
الباطل وبهرجه أي جعل دمه هدرا).
أقول: الحديث موجود في المجلس الأربعين من مجالس المفيد المطبوع بالنجف
(ص 200 - 201) إلا أن فيه بدل كلمة: (يضرط) لفظة (يفرط) بالفاء وقال
684

أيضا في المجلد التاسع من البحار في باب علمه وأن النبي صلى الله عليه وآله علمه ألف
باب نقلا عن بصائر الدرجات للصفار (ص 458، س 34): (ابن يزيد عن إبراهيم
ابن محمد النوفلي عن الحسين بن المختار عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال قال أمير المؤمنين عليه السلام: عندي صحيفة من رسول الله صلى الله عليه وآله بخاتمه فيها سبعون
قبيلة بهرجة ليس لها في الإسلام نصيب منهم غني وباهلة وقال: يا معشر غني وباهلة
أعيدوا علي عطاياكم حتى أشهد لكم عند المقام المحمود أنكم لا تحبوني ولا أحبكم
أبدا، وقال: لآخذن غنيا أخذة تضطرب منها باهلة وقال: أخذ في بيت المال مال
من مهور البغايا فقال: اقسموه بين غني وباهلة. بيان - قال الفيروزآبادي: البهرج
الباطل والردي والمباح، والبهرجة أن تعدل بالشئ عن الجادة القاصدة إلى غيرها).
ونقل المجلسي (ره) في المجلد الثالث عشر من البحار في باب سير القائم -
عجل الله فرجه - وأخلاقه عن غيبة النعماني حديثا عن أبي عبد الله عليه السلام فيه أن
غنيا وباهلة من الطوائف التي تحارب القائم عليه السلام عند ظهوره (أنظر ص 193
من طبعة أمين الضرب).
قال المحدث القمي الحاج الشيخ عباس (ره) في الكنى والألقاب ضمن
ترجمة ابن قتيبة أبي محمد عبد الله بن مسلم بن عمر والباهلي الدينوري
المروزي الكاتب ما نصه:
(الباهلي نسبة إلى باهلة وكانت العرب تستنكف من الانتساب إلى هذه القبيلة
حتى قال الشاعر:
وما ينفع الأصل من هاشم * إذا كانت النفس من باهلة
وقال الآخر:
ولو قيل للكلب يا باهلي * عوى الكلب من لؤم هذا النسب
وروى الخطيب في تاريخ بغداد عن سعيد بن سلم بن قتيبة قال:
خرجت حاجا ومعي قباب وكنائس فدخلت البادية فتقدمت القباب والكنائس
على حمير لي فمررت بأعرابي محتب على باب خيمة له وإذا هو يرمق القباب
685

والكنائس فسلمت عليه فقال: لمن هذه القباب والكنائس؟ - قال: قلت: لرجل
من باهلة، قال: تالله ما أظن الله يعطي الباهلي كل هذا، قال: فلما رأيت إزراءه
بالباهلية دنوت منه فقلت: يا أعرابي أتحب أن تكون لك هذه القباب والكنائس
وأنت رجل من باهلة؟ - فقال: لاها الله، قال: فقلت: أتحب أن تكون أمير المؤمنين
وأنت رجل من باهلة؟ - قال: لاها الله، قال: قلت: أتحب أن تكون من أهل -
الجنة وأنت رجل من باهلة؟ - قال: بشرط، قال: قلت: وما ذاك الشرط؟ -
قال: لا يعلم أهل الجنة أني باهلي، قال: ومعي صرة دراهم، قال: فرميت بها
إليه فأخذها وقال: لقد وافقت مني حاجة قال: قلت له لما أن ضمها إليه: أنا رجل
من باهلة، قال: فرمى بها إلي وقال: لا حاجة لي فيها، قال: فقلت: خذها إليك
يا مسكين فقد ذكرت من نفسك الحاجة، فقال: لا أحب أن ألقى الله وللباهلي
عندي يد، قال: فقدمت فدخلت على المأمون فحدثته بحديث الأعرابي فضحك حتى
استلقى على قفاه وقال لي: يا أبا محمد ما أصبرك..!؟ وأجازني بمائة ألف.
أقول: روى عن كتاب الغارات عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: ادعوا
لي غنيا وباهلة وحيا آخر قد سماهم فليأخذوا عطاياهم فوالذي فلق الحبة وبرأ
النسمة ما لهم في الإسلام نصيب وإني لشاهد لهم في منزلي عند الحوض وعند المقام
المحمود أنهم أعدائي في الدنيا والآخرة، الخبر).
أقول: القصة مذكورة بعينها في تاريخ بغداد في ترجمة أبي محمد سعيد بن سلم
ابن قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحصين بن ربيعة بن خالد بن أسيد الخير بن قضاعي
بن هلال بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس بن
عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الباهلي (أنظر ج 9، ص 74).
686

التعليقة 8
(ص 23)
نصر بن مزاحم المنقري
في ميزان الاعتدال: (نصر بن مزاحم الكوفي عن قيس بن الربيع وطبقته
رافضي جلد تركوه مات سنة اثنتي عشرة ومائتين حدث عنه نوح بن حبيب وأبو سعيد
الأشج وجماعة قال العقيلي: شيعي في حديثه اضطراب وخطأ كثير وقال أبو خيثمة:
كان كذابا وقال أبو حاتم: واهي الحديث متروك وقال الدارقطني: ضعيف، قلت:
وروى أيضا عن شعبة) وفي لسان الميزان: (زاد على عبارته): (وذكره ابن حبان
في الثقات فقال: يروي عن الثوري وعنه إبراهيم بن يوسف المدلجي من أهل خراسان
وقال العجلي: كان رافضيا غاليا (إلى آخر ما قال)). وفي الفهرست لابن النديم
في الفن الأول من المقالة الثالثة: (نصر بن مزاحم أبو الفضل من طبقة أبي مخنف
من بني منقر وكان عطارا ومزاحم بن سيار المنقري وتوفي وله من الكتب كتاب -
الغارات، كتاب صفين، كتاب الجمل، كتاب مقتل حجر بن عدي، كتاب مقتل الحسين
ابن علي عليهما السلام) وقال النجاشي: (نصر بن مزاحم المنقري العطار أبو المفضل كوفي
مستقيم الطريقة صالح الأمر غير أنه يروي عن الضعفاء كتبه حسان منها كتاب
الجمل (إلى أن قال بعد عد كتبه وذكر طرقه إليها) فأما طريقنا إليه من جهة القميين
فإنه أخبرنا علي بن أحمد قال: حدثنا محمد بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي -
علي البرقي قال: حدثنا أبو سمينة عنه بكتابه).
أقول: المراد بأبي سمينة هو محمد بن إسماعيل مولى قريش كما مر ذكره وترجمته
موجودة في كتب الفريقين إلا أن الصحاح الست خالية عن روايته وفي الكافي في باب
ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة روايته عن عمر بن سعد).
687

التعليقة 9
(ص 35)
كلام لابن أبي الحديد حول فقرات من كلامه عليه السلام
حيث إن هذا الجزء من ذلك الكلام الشريف مذكور في نهج البلاغة تحت
عنوان (ومن كلامه له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال ويذم فيه أصحابه
في التحكيم) أحببت أن أذكر الجزء المشار إليه هنا وهو: (استعد والمسير إلى قوم
حيارى عن الحق لا يبصرونه، وموزعين بالجور لا يعدلون به، جفاة عن الكتاب، نكب
عن الطريق، ما أنتم بوثيقة يعلق بها، ولا زوافر عز يعتصم إليها، لبئس حشاش نار الحرب
أنتم).
قال ابن أبي الحديد في شرحه (ج 2، ص 304 - 305): (أمرهم بالاستعداد للمسير
إلى حرب أهل الشام وذكر أنهم موزعون بالجور أي ملهمون قال تعالى: رب أوزعني
أن أشكر نعمتك أي ألهمني، أوزعته بكذا وهو موزع به والاسم والمصدر جميعا الوزع
بالفتح، واستوزعت إليه تعالى شكره فأوزعني أي استلهمته فألهمني، ولا يعدلون
عنه لا يتركونه إلى غيره وروى: لا يعدلون به أي لا يعدلون بالجور شيئا آخر أي
لا يرضون إلا بالظلم ولا يختارون عليهما غيرهما، قوله: جفاة عن الكتاب جمع جاف
وهو النابي عن الشئ أي قد نبوا عن الكتاب لا يلائمهم ولا يناسبونه تقول: جفا السرج
عن ظهر الفرس إذا نبا وارتفع وأجفيته أنا، ويجوز أن يريد أنهم أعراب جفاة أي
أجلاف لا أفهام لهم، قوله: نكب عن الطريق أي عادلون جمع ناكب من نكب ينكب
عن السبيل بضم الكاف نكوبا) وقال المجلسي (ره) في شرح تلك الفقرات بعد
نقل جميع ذلك الكلام في ثامن البحار في باب قتال الخوارج (ص 607، س 24):
(قوله (ع): موزعين بالجور قال الجوهري أوزعته بالشئ أغريته به،
لا يعدلون عنه أي لا يتركونه إلى غيره، والجفاء البعد عن الشئ ونكب عن الطريق
ينكب نكوبا عدل). وفي النهاية: (الجفاء البعد عن الشئ يقال: جفاه إذا بعد عنه
688

وأجفاه إذا أبعده ومنه الحديث: اقرؤوا القرآن ولا تجفوا عنه أي تعاهدوه ولا تبعدوا
عن تلاوته، والحديث الآخر غير الجافي عنه ولا الغالي فيه، والجفاء أيضا ترك
الصلة والبر ومنه الحديث: البذاء من الجفاء، البذاء بالذال المعجمة الفطش من القول
والحديث الآخر: من بدا جفا بالدال المهملة خرج البادية أي من سكن البادية غلظ طبعه
لقلة مخالطة الناس، والجفاء غلظ الطبع).
التعليقة 10
(ص 36)
شرح حول بعض فقرات الخطبة
ونقلها عن تاريخ الطبري
قوله عليه السلام: (ما أنتم إلا أسود الشرى وثعالب رواغة حين تدعون) وفي شرح
النهج: (حين البأس إنما يريد عليه السلام به أن مثلكم مثل من يدعي في الرخاء أنه
من آساد غاب الوغى ومن فرسان يوم الهيجاء فإذا حان القتال فتحيدون عن الحرب
وتروغون عنها روغان الثعلب) فيكون الكلام نظير ما قاله فيهم في كلام آخر:
(كلامكم يوهي الصم الصلاب وفعلكم يطمع فيكم الأعداء تقولون في المجالس كيت
وكيت فإذا جاء القتال قلتم حيدى حياد) وإنما شبه فرارهم عن الزحف بروغان الثعلب
كتشبيههم بالثعالب لكون الثعلب معروفا بالخدعة والاحتيال، ففي القاموس: (راغ
الرجل والثعلب روغا وروغانا مال وحاد عن الشئ والاسم كسحاب وكشداد الثعلب)
وفي الأساس: (هو ثعلب رواغ وهم ثعالب رواغة وهو يروغ روغان الثعلب، ومن
المجاز: فلان يروغ عن الحق وطريق زائغ رائغ وما لي أراك زائغا عن المنهج رائغا
عن الحق الأبلج؟! ولا يقال: راغ عن كذا إلا إذا كان عدوله عنه في خفية، وأراغت
العقاب الصيد إذا ذهب الصيد هكذا وهكذا وهي تتبعه) وفي مجمع البحرين: (قوله
تعالى: فراغ إلى آلهتهم أي مال إليهم في خفاء ولا يكون الروغ إلا كذلك، ومثله
689

قوله: فراغ عليهم ضربا باليمين وقيل: أقبل، وراغ الثعلب من باب قال يروغ روغا
وروغانا ذهب يمنة ويسرة في سرعة خديعة فهو لا يستقر في جهة والرواغ بالفتح اسم
منه) وفي تاج العروس بعد قول صاحب القاموس: (والرواغ كشداد الثعلب):
(ومنه قول معاوية لعبد الله بن الزبير: إنما أنت ثعلب رواغ كلما خرجت من جحر
انجحرت في جحر) وفيه أيضا: (وفي المثل أروغ من ثعلب، قال طرفة بن العبد لعمرو بن
هند يلوم أصحابه في خذلانهم:
كل خليل كنت خاللته * لا ترك الله له واضحه
كلهم أروغ من ثعلب * ما أشبه الليلة بالبارحه
(إلى آخر ما قال)
قال الميداني في مجمع الأمثال أروغ من ثعالة ومن ذنب الثعلب قال طرفة
(فذكر البيتين كما نقلناهما عن التاج) فاتضح وجه هذا التشبيه كما يرتضيه النبيه،
والحمد لله رب العالمين.
قال ابن أبي الحديد في شرحه: (قوله: ولا زوافر عز جمع زافرة وزافرة
الرجل أنصاره وعشيرته، ويجوز أن يكون زوافر عز أي حوامل عز [من] زفرت
الجمل أزفره زفرا أي حملته) وقال في موضع آخر: أي في شرح ما نقلنا من عبارة -
النهج قبيل ذلك: (والزوافر العشيرة والأنصار يقال: هم زافرتهم عند السلطان للذين
يقومون بأمرهم عنده، وقوله: يعتصم إليها أي بها فأناب (إلى) مناب الباء كقول طرفة:
وإن تلتق الحي الجميع تلاقني * إلى ذروة البيت الرفيع المصمد).
وقال أيضا: (حشاش النار ما تحش به أي توقد قال الشاعر:
أفي أن أحش الحرب فيمن يهشها * ألام وفي أن لا أقر المخازيا
وروي حشاش بالفتح كالشياع وهو الحطب الذي يلقى في النار قبل الجزل،
وروي حشاش بضم الحاء وتشديد الشين جمع حاش وهو الموقد للنار): (وتنتقص
أطرافكم فلا تمتعضون) وقال أيضا: (أي فلا تأنفون ولا تغيظون).
أقول: لما كان ما نقله الطبري في تاريخه موافقا لما ذكره المصنف (ره)
690

في الأبواب الثلاثة (باب قدوم علي إلى الكوفة، ودخوله الكوفة، واستنفاره عليه السلام
الناس) أحببت أن أنقل كلامه هنا حتى يكون بين يدي القارئين فنقول:
قال الطبري في تاريخه ضمن ذكره وقائع سنة سبع وثلاثين ما نصه:
(ج 6 من الطبعة الأولى، ص 51 - 52).
(قال أبو مخنف عن نمير بن وعلة الساعي عن أبي درداء (1) قال: كان علي لما
فرغ من أهل النهروان حمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله قد أحسن بكم وأعز نصركم
فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم، قالوا: يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا وكلت سيوفنا
ونصلت أسنة رماحنا وعاد أكثرها قصدا فارجع بنا إلى مصرنا فلنستعد بأحسن عدتنا،
ولعل أمير المؤمنين يزيد في عدتنا عدة من هلك منا فإنه أوفى لنا على عدونا،
وكان الذي تولى ذلك الكلام الأشعث بن قيس، فأقبل حتى نزل النخيلة فأمر -
الناس أن يلزموا عسكرهم، ويوطنوا على الجهاد أنفسهم وأن يقلوا زيارة نسائهم و
أبنائهم حتى يسيروا إلى عدوهم، فأقاموا فيه أياما ثم تسللوا من معسكرهم، فدخلوا
إلا رجالا من وجوه الناس قليلا وترك العسكر خاليا فلما رأى ذلك دخل الكوفة
وانكسر عليه رأيه في المسير.
قال أبو مخنف عمن ذكره عن زيد بن وهب أن عليا قال للناس وهو
أول كلام قال لهم بعد النهر:
أيها الناس استعدوا للمسير إلى عدو في جهاده القربة إلى الله ودرك الوسيلة
عنده، حيارى في الحق، جفاة عن الكتاب نكب عن الدين، يعمهون في الطغيان
ويعكسون في غمرة الضلال، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل،
وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا وكفى بالله نصيرا.
قال: فلا هم نفروا ولا تيسروا فتركهم أياما حتى إذا أيس من أن يفعلوا دعا
رؤساءهم ووجوههم، فسألهم عن رأيهم وما الذي ينظرهم فمنهم المعتل ومنهم المكره
وأقلهم من نشط.
فقام فيهم خطيبا فقال:

1 - كذا والصحيح: (أبى وداك) كما مر في ص 23 و 29 وغيرهما.
691

عباد الله ما لكم إذا أمرتكم أن تنفروا اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا
من الآخرة وبالذل والهوان من العز؟! أو كلما ندبتكم إلى الجهاد دارت أعينكم
كأنكم من الموت في سكرة، وكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون، وكأن
أبصاركم كمه فأنتم لا تبصرون لله أنتم ما أنتم..! إلا أسود الشرى في الدعة وثعالب رواغة
حين تدعون إلى البأس، ما أنتم لي بثقة لي بثقة سجيس الليالي، ما أنتم بركب يصال بكم
ولا ذوي عز يعتصم إليه، لعمر الله لبئس حشاش الحرب أنتم، إنكم تكادون ولا تكيدون
ويتنقص أطرافكم ولا تتحاشون، ولا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون، إن أخا -
الحرب اليقظان ذو عقل، وبات لذل من وادع، وغلب المتجادلون والمغلوب مقهور
ومسلوب.
ثم قال:
أما بعد فإن لي عليكم حقا، وإن لكم علي حقا، فأما حقكم علي
فالنصيحة لكم ما صحبتكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيما لا تجهلوا،
وتأديبكم كي تعلموا، وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصح لي في المغيب
والمشهد، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم، فإن يرد الله بكم خيرا
تنتزعوا عما أكره، وتراجعوا إلى ما أحب تنالوا ما تطلبون وتدركوا ما تأملون.
وكان غير أبي مخنف يقول: كانت الوقعة بين علي وأهل النهر سنة
ثمان وثلاثين، وهذا القول عليه أكثر أهل السير).
التعليقة 11
(ص 49)
في شرح قوله (ع): (هذا جناي وخياره فيه)
قال ابن الأثير في النهاية نقلا عن غريب الحديث للهروي: (وفي حديث
علي - رضي الله عنه -:
هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه
692

هذا مثل أول من قاله عمرو ابن أخت جذيمة الأبرش كان يجني الكمأة
مع أصحابه له فكانوا إذا وجدوا خيار الكمأة أكلوها، وإذا وجدها عمرو جعلها
في كمه حتى يأتي بها خاله وقال هذه الكلمة فصارت مثلا.
وأراد علي - رضي الله عنه - بقولها أنه لم يتلطخ بشئ من فئ المسلمين
بل وضعه مواضعه).
وقال السيوطي في الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الأثير:
(وقال علي:
هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه
أراد أني لم أستأثر بشئ من فئ المسلمين وأصل هذا المثل أن جذيمة أرسل
عمرو ابن أخته مع جماعة يجنون له الكمأة فكانوا إذا وجدوا جيدة أكلوها
ولم يفعل ذلك عمرو فجاءه خاله فقال ذلك)
قال الميداني في مجمع الأمثال: (هذا جناي وخياره فيه، الجنى المجني
ويروي: هذا جناي وهجانه فيه، والهجان البيض وهو أحسن البياض وأعتقه،
يقال: جمل هجان وناقة هجان، وأول من تكلم بهذا المثل عمرو بن عدي ابن أخت
جذيمة وذلك أن جذيمة خرج مبتديا بأهله وولده في سنة مكلئة وضربت له
أبنية زهر وروضة فأقبل ولده يجتنون الكمأة فإذا أصاب بعضهم كمأة جيدة
أكلها وإذا أصابها عمرو خبأها في حجزته، فأقبلوا يتعادون إلى جذيمة وعمرو يقول
وهو صغير:
هذا جناي وهجانه فيه * إذ كل جان يده إلى فيه
فضمه جذيمة إليه والتزمه وسر بقوله وفعله وأمر أن يصاغ له طوق فكان
أول عربي طوق وكان يقال له: عمرو ذو الطوق وهو الذي قيل فيه المثل المشهور:
كبر عمرو عن الطوق، وقد مر ذكره قبل.
وتقدير المثل: هذا ما أجتنيه، ولم آخذ لنفسي خير ما فيه، إذ كل جان
يده إلى فيه، يأكله).
693

التعليقة 12
(ص 67)
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي: (عبد الله بن جعفر بن
أبي طالب الهاشمي أبو جعفر روى عن النبي صلى الله عليه وآله، روى عنه ابناه (إلى آخر ما قال))
وفي الاستيعاب: (عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القرشي الهاشمي يكنى أبا جعفر
ولدته أمه أسماء بنت عميس بأرض الحبشة وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض -
الحبشة وقدم مع أبيه المدينة وحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وروى عنه (إلى أن قال)
وكان عبد الله بن جعفر كريما جوادا ظريفا خليقا عفيفا سخيا يسمى بحر الجود
ويقال: إنه لم يكن في الإسلام أسخى منه (إلى آخر ما قال)) وفي تهذيب -
التهذيب في ترجمته: (روى ابن عساكر في تاريخه عن عبد الملك بن مروان قال:
سمعت أبي قال: سمعت معاوية يقول: رجل بني هاشم عبد الله بن جعفر وهو أهل لكل
شرف لا والله ما سابقه أحد إلى شرف إلا وسبقه) وفي سفينة البحار: (عبد الله بن
جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان جليلا قليل الرواية، يروي عنه سليم بن
قيس وأمه أسماء بنت عميس وزوجته زينب بنت عمه أمير المؤمنين، وفضائله كثيرة
مشهورة روي أن النبي صلى الله عليه وآله مر به وهو يصنع شيئا من طين من لعب الصبيان
فقال صلى الله عليه وآله له: ما تصنع بهذا؟ - قال: أبيعه، قال: ما تصنع بثمنه؟ - قال: أشتري
رطبا فآكله فقال له النبي صلى الله عليه وآله: اللهم بارك له في صفقة يمينه فكان يقال: ما اشترى
شيئا قط إلا ربح فيه فصار أمره إلى أن يمثل به فقالوا: عبد الله بن جعفر الجواد،
وكان أهل المدينة يتداينون بعضهم من بعض إلى أن يأتي عطاء عبد الله بن جعفر
(إلى أن قال) ما حكي عن جود عبد الله بن جعفر فهو أكثر من أن يذكر وبه
يضرب المثل قال صاحب نسمة السحر: سمي عبد الله بن جعفر ولده معاوية لأنه
جاء البشير بولادته من إحدى جواريه وكان بالشام عند معاوية فبلغه ذلك فاستدعى
694

عبد الله وقال: سمه باسمي ولك مائة ألف درهم ففعل لحاجته وأعطاه معاوية المال
فوهبه عبد الله للذي بشره به (إلى آخر ما مر من ترجمته المشتملة على فضائله الجمة)
وقال ابن الأثير عند ذكره مقتل الحسين في سنة إحدى وستين من تاريخه
الكامل ما نصه: (ولما بلغ عبد الله بن جعفر قتل ابنيه مع الحسين (ع) دخل عليه بعض
مواليه يعزيه والناس يعزونه فقال مولاه: هذا ما لقيناه من الحسين فحذفه ابن جعفر
بنعله وقال: يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا؟! والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه
حتى أقتل معه والله إنه لمما يسخي بنفسي عنهما ويهون علي المصاب بهما أنهما
أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه ثم قال: إن لم تكن آست
الحسين يدي فقد آساه ولدي) ونقل السيد علي خان في الدرجات الرفيعة
عن المدائني نحوه وزاد في آخره: (ثم أقبل على جلسائه فقال: الحمد لله، عز
علي مصرع الحسين، أن لا أكن واسيت حسينا بيدي فقد واساه ولداي) وسمي مولاه
القائل: هذا ما لقينا من الحسين بأبي السلاسل (أنظر ترجمته المبسوطة ص 168
- 184)) وفي تنقيح المقال في ترجمته عن الخصال للصدوق (ره) بإسناده
عن أبي عبد الله عليه السلام: (قال: إن رجلا مر بعثمان بن عفان وهو قاعد على باب
المسجد فسأله فأمر له بخمسة دراهم فقال له الرجل: أرشدني فقال: دونك الفتية
الذين ترى، وأومى بيده إلى ناحية المسجد وفيها الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر
عليهم السلام فمضى الرجل نحوهم حتى سلم عليهم وسألهم فقال له الحسن عليه السلام: يا هذا
إن المسألة لا تحل إلا في إحدى ثلاثة، دم مفجع، أو دين مفزع، أو فقر مدقع،
ففي أيها تسأل؟ - فقال: في واحدة من هذه الثلاثة، فأمر له الحسن عليه السلام بخمسين
دينارا، وأمر له الحسين عليه السلام بتسعة وأربعين دينارا، وأمر له عبد الله بثمان
وأربعين دينارا، فانصرف الرجل ومر بعثمان فقال له: ما صنعت؟ - قال: مررت
بك فسألتك فأمرت لي بما أمرت فلم تسألني فيما أسال وإن صاحب الوفرة قال لي:
فيم تسأل؟ - ثم ذكر السؤال والجواب (إلى أن قال) فقال عثمان: فمن لك بمثل
أولئك؟! فطموا العلم وحازوا الخير والحكمة) وفي كتب كثيرة منها الدرجات
695

الرفيعة في ترجمة عبد الله بن جعفر: (خرج الحسنان عليهما السلام وعبد الله بن جعفر
رضي الله عنه وأبو حبة الأنصاري من مكة إلى المدينة فأصابهم مطر فرجعوا إلى
خباء أعرابي فأقاموا عنده ثلاثا حتى سكنت السماء وذبح لهم فلما ارتحلوا قال له
عبد الله: إن قدمت المدينة فاسأل عنا، فاحتاج الأعرابي بعد السنين فقال امرأته:
لو أتيت المدينة فلقيت أولئك الفتيان فقال: قد نسيت أسماءهم فقالت: سل عن ابن -
الطيار فأتاه فقال: الق سيدنا الحسن فلقيه فأمر له بمائة ناقة بفحولها ورعاتها،
ثم أتى الحسين عليه السلام فقال: كفانا أبو محمد مؤونة الإبل، فأمر له بألف شاة، ثم أتى
عبد الله - رضي الله عنه - فقال: كفاني أخواي الإبل والشاة، فأمر له بمائة ألف
درهم، ثم أتى أبا حبة فقال: والله ما عندي مثل ما أعطوك ولكن جئني بإبلك
فأوقرها لك تمرا فلم يزل اليسار في أعقاب الأعرابي).
أقول: ذكر علي بن عيسى الإربلي (ره) هذه القصة في كشف الغمة
بنحو آخر ونص عبارته عند ذكره جود الحسن عليه السلام ما نصه (ص 167 من الطبعة
القديمة أي سنة 1294 بطهران):
(ومنها ما رواه أبو الحسن المدائني قال: خرج الحسن والحسين وعبد الله بن
جعفر عليهم السلام حجاجا ففاتهم أثقالهم فجاعوا وعطشوا، فمروا بعجوز في خباء لها فقالوا:
هل من شراب؟ - فقالت: نعم فأناخوا بها وليس لها إلا شويهة في كسر الخيمة
فقالت: احلبوها وامتذقوا لبنها، ففعلوا ذلك، وقالوا لها: هل من طعام؟ - قالت:
لا إلا هذه الشاة فليذبحنها أحدكم حتى أهيئ لكم شيئا تأكلون فقام إليها أحدهم
فذبحها وكشطها ثم هيأت لهم طعاما فأكلوا ثم أقاموا حتى أبردوا فلما ارتحلوا
قالوا لها: نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فإذا رجعنا سالمين فألمي بنا فإنا
صانعون إليك خيرا، ثم ارتحلوا، وأقبل زوجها وأخبرته عن القوم والشاة فغضب
الرجل فقال: ويحك تذبحين شاتي لأقوام لا تعرفينهم ثم تقولين: نفر من قريش؟!
ثم بعد مدة ألجأتهما الحاجة إلى دخول المدينة فدخلاها وجعلا ينقلان البعر ويبيعانه
ويعيشان منه، فمرت العجوز في بعض سكك المدينة فإذا الحسن عليه السلام على باب داره
696

جالس فعرف العجوز وهي له منكرة فبعث غلامه فردها وقال لها: يا أمة الله تعرفينني؟
- فقالت: لا، قال: أنا ضيفك يوم كذا وكذا، فقالت العجوز: بأبي أنت وأمي
فأمر الحسن عليه السلام فاشتري لها من شاء الصدقة ألف شاة وأمر لها بألف دينار، وبعث بها
مع غلامه إلى أخيه الحسين عليه السلام فقال: بكم وصلك أخي الحسن؟ - فقالت: بألف -
شاة وألف دينار، فأمر لها بمثل ذلك، ثم بعث بها مع غلامه إلى عبد الله بن جعفر،
فقال: بكم وصلك الحسن والحسين عليهما السلام؟ - فقالت بألفي دينار وألفي شاة فأمر لها عبد الله
بألفي شاة وألفي دينار وقال: لو بدأت بي لأتعبتهما فرجعت العجوز إلى زوجها بذلك.
قلت: هذه القصة مشهورة وفي دواوين جودهم مسطورة وعنهم عليهم السلام مأثورة،
وكنت نقلتها على غير هذه الرواية وأنه كان معهم رجل آخر من أهل المدينة
وأنها أتت عبد الله بن جعفر فقال: ابدأ بسيدي الحسن والحسين فأتت الحسن فأمر لها
بمائة بعير وأعطاها الحسين ألف شاة فعادت إلى عبد الله فسألها فأخبرته فقال: كفاني
سيداي أمر الإبل والشاة وأمر لها بمائة ألف درهم وقصدت المدني الذي كان معهم
فقال لها: أنا لا أجاري أولئك الأجواد في مدى ولا أبلغ عشر عشيرهم في الندى ولكن
أعطيك شيئا من دقيق وزبيب فأخذت وانصرفت).
وفي تاريخ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن جعفر (ج 7، ص 335):
(خرج حسين بن علي وعبد الله بن جعفر وسعيد بن العاص في حج أو عمرة
فلما قفلوا اشتاقوا إلى المدينة فركبوا صدور رواحلهم بأبدانهم وخلفوا أثقالهم وكان
ذلك في الشتاء فلما بلغوا المنجنين قرب الليل أصابهم مطر واشتد عليهم البرد فاحتاجوا
إلى مبيت وكن فنظروا إلى نار تلوح لهم عن ناحية من الطريق فأموها فإذا هي نار
لإنسان من مزينة فسألوه المبيت والقرى فأنزلهم وأدخلهم خباءه وحجز بينهم وبين
امرأته وصبيانه بكساء ثم قام إلى شاة فذبحها وسلخها ثم قربها إليهم وأضرم لهم
نارا عظيمة فباتوا عليها، فدخل على امرأته وهو يظن أنهم قد ناموا فقالت له: ويحك
ما صنعت بأصبيتك فجعتهم بشويهتهم لم يكن لهم غيرها يصيبون من لبنها لقوم مروا بك
كسحابة فرغت ما فيها ثم استقلت لا خير عندهم، فقال لها: ويحك والله لقد رأيت أوجها
697

صباحا لا تسلمهم إلا إلى خير فباتوا عنده، فلما أصبحوا أرادوا المضي فقالوا: يا
أخا مزينة هل عندك من صحيفة ودواة؟ - قال: لا والله هذا شئ ما اتخذته قط فكتبوا
أسماءهم بخرقة بحممة ثم قالوا: احتفظ بها، قال: فأكنها المزني وأيس من خيرهم
فلبث بذلك ما شاء الله ثم إنه نزل قوم من أهل المدينة قريبا منه فذهب إليهم بالخرقة
فقال لهم: تعرفون هؤلاء بأبي أنتم؟ - قالوا: ويلك من أين لك هؤلاء؟ - فأخبرهم
بقصتهم فقالوا له: انطلق معنا فانطلق المزني مع المدنيين حتى قدم المدينة فغدا
إلى سعيد وهو أمير المدينة يومئذ فلما رآه رحب به وقال: أنت المزني؟ - قال:
نعم، قال: هل جئت واحدا من صاحبي؟ - قال: لا، قال: يا كعب اذهب فأعطه ألف شاة
ورعاتها، فلما خرج به كعب قال له: إن الأمير قد أمر لك بما قد سمعت فإن شئت اشترينا
لك وإن شئت أعطيناك الثمن بأغلى القيمة؟ - قال: لا بل الثمن أحب إلي فأعطاه الثمن
ثم صار إلى حسين، فلما رآه رحب به ثم قال: أمزنيا؟ - قال: نعم بأبي أنت وأمي
فقال له: هل جئت واحدا من صاحبي؟ - قال: نعم سعيدا، قال: فما صنع بك؟ - قال:
أعطاني ألف شاة ورعاتها، فقال لقيمه: اذهب فأعطه ألف شاة ورعاتها وزده عشرة
آلاف درهم ثم قال له: إن شئت ثمن الألف وإن شئت اشتريناه لك؟ فاختار الثمن،
ثم ذهب إلى عبد الله بن جعفر فقال له: مرحبا أمزنيا؟ - قال: نعم بأبي أنت وأمي،
قال: هل جئت أحدا من صاحبي فأخبره بسعيد وبالحسين وبما أعطياه فقال عبد الله
لخازنه: اذهب وأعطه ألف شاة ورعاتها وسجل له ببيع أرض كذا لأرض فيها عين
عظيمة الخطر تغل مالا كثيرا فكان المزنيون الذين يسكنون الحلح مياسير إلى
زمن بعيد لأجل ذلك.
وخرج عبد الله بن جعفر حاجا فلما كان ببعض الطريق تقدم ثقله على راحلة
له فانتهى إلى أعرابية جالسة على باب الخيمة فنزل عن راحلته ينتظر أصحابه فلما
رأته قد نزل قامت إليه فقالت: إلي بوأك الله مساكن الأبرار فأعجب بمنطقها فتحول
إلى باب الخيمة فألقت له وسادة من أدم فجلس عليها ثم قامت إلى عنيزة في قعر الخيمة
فما شعر حتى قدمت منها عضوا فجعل ينهش وأقبل أصحابه فلما رأوه نزلوا فأتتهم
698

بالذي بقي عندها من العنز فطعموا وأخرجوا سفرهم فقال عبد الله: ما بنا إلى طعامكم
حاجة سائر اليوم فلما أراد أن يرتحل دعا مولاه الذي كان يلي نفقته فقال: هل
معك من نفقتنا شئ؟ - قال: نعم، قال: كم هو؟ - قال: ألف دينار، قال: أعطها
خمسمائة واحتبس لنفقتك باقيها، فدفع المال إليها فأبت أن تقبل، فلم يزل عبد الله
يكلمها وهي تقول: إلي والله أكره عذل بعلي فطلب إليها عبد الله حتى قبلت فودعها
وارتحل هو وأصحابه فلم يلبث أن استقبله أعرابي يسوق إبلا له فقال عبد الله: ما أراه
إلا المحذور فلو انطلق بعضكم فعلم لنا علمه ثم لحقنا، فانطلق بعض أصحابه راجعا
متنكرا حتى نزل قريبا منه فلما أبصرت المرأة الأعرابي مقبلا قامت إليه تتفداه
وتقول: بأبي أنت وأمي:
توسمته لما رأيت مهابة * عليه فقلت المرء من آل هاشم
وإلا فمن آل المرار فإنهم * ملوك ملوك من ملوك أعاظم
فقمت إلى عنز بقية أعنز * لأذبحها فعل امرء غير نادم
فعوضني منها غناء ولم يكن * يساوي لحيم العنز خمس دراهم
بخمس مئين من دنانير عوضت * من العنز ما جادت به كف آدمي
ثم أظهرت الدنانير له وقصت عليه القصة فقال: بئس لعمر الله معقل الأضياف
كنت، أبعت معروفك بما أرى من الأحجار؟! قالت: إني والله قد كرهت ذلك
وخفت العذل، قال: وهذه لم تخافي العار وخفت العذل؟! كيف أخذ الركب فأشارت
له إلى الطريق قال: وهذا يعني الرجل الذي أرسله عبد الله؟ فقال: أسرجي لي فرسي
قالت: تصنع ماذا؟ - قال: ألحق القوم فإن سلموا إلي معروفي وإلا حاربتهم قالت:
أنشدك الله أن تفعل فتسوءهم فأقبل عليها ضربا وقال: ركنت إلى إمحاق المعروف،
فركب فرسه وأخذ رمحه، فجعل الرجل صاحب عبد الله يسير معه ويقول له: ما أراك
تدرك القوم فقال: والله لآتينهم لو بلغوا كذا وكذا فلما رأى الرجل أنه غير منته
قال: على رسلك أدرك لك القوم وأخبرهم خبرك، فتقدم الرجل فأخبر ابن جعفر
وقص عليه القصة فقال عبد الله: قد كانت المرأة حذرة من الشؤم ثم لحقهم الأعرابي
699

فسلم عليه ابن جعفر وأخبره بحسن صنيع المرأة فقال: والله ما رأيت ذلك بتمامه
فلم يزل يكلمه ويسأله والأعرابي يأبى إلا رد الدراهم، فلما رأى عبد الله منه الجد
قال له: أنظر في أمرك وما نحب أن يرجع إلينا شئ قد أمضيناه فتنحى الأعرابي من
بين يديه فصلى ركعتين ثم قام فركب فرسه وأخرج قوسه ونبله، فقال له عبد الله:
ما هاتان الركعتان؟ - قال: استخرت فيهما ربي عز وجل في محاربتكم فقال: على ما عزم
لك من ذلك؟ - قال، عزم لي رشدا أو ترجعون أحجاركم وتسلمون لنا معروفنا؟ - فقال
عبد الله: نفعل، فأمر بالدنانير فقبضت فولى الأعرابي منصرفا، فقال له عبد الله:
ألا نزودك طعاما؟ - فقال: الحي قريب، فهل من حاجة؟ - قال: نعم، قال: وما هي؟ -
قال: المرأة [لا] تحرها بسوء فعلك، فاستضحك الأعرابي وولى منصرفا.
ثم إن عبد الله حكى ليزيد تلك القصة فقال يزيد: ما سمعت بأعجب من هذا).
وقال أيضا (في ص 333):
(وكان الحسين يقول: علمنا ابن جعفر السخاء).
وفيها أيضا:
(وعاتبه بعض أصحابه على السخاء فقال: يا هؤلاء إني عودت الله عادة وعودني
عادة وإني أخاف أن قطعتها قطعني).
أقول: قصص جود عبد الله بن جعفر وكرمه وسخائه أكثر من أن تحصى، والكتب
الموضوعة لذكر الأجواد والكرماء والأسخياء قد كفتنا مؤونة الخوض فيها وإنما ذكرنا
شيئا منها هنا لنتبرك بذكرها في هذه التعليقات.
التعليقة 13
(ص 68) تحقيق حول كلمة (ينبع)
في النهاية: (ينبع بفتح الياء وسكون النون وضم الباء الموحدة قرية كبيرة
700

بها حصن على سبع مراحل من المدينة من جهة البحر) وفي مجمع البحرين بعد
ذكر مثله: (قيل: إنه لما قسم رسول الله الفئ أصاب علي عليه السلام أرضا فاحتفر عينا
فخرج منها ماء ينبع في الماء كهيئة عنق البعير فسماها عين ينبع) قال المجلسي (ره)
في الجزء الأول من أجزاء المجلد الخامس عشر (ص 44) بعد نقل شطر من كلمات
اللغويين: (وهو من أوقاف أمير المؤمنين عليه السلام أجرى عينه كما يظهر من الأخبار)
وقال في المجلد التاسع (ص 515) نقلا عن المناقب: (وأخرج عليه السلام ماء عين بينبع
جعلها للحجيج وهو باق إلى يومنا هذا) وفي القاموس: (وينبع كينصر حصن له عيون
ونخيل وزروع بطريق حاج مصر) قال الزبيدي ضمن ما قال في شرحه: (قلت: وهو
الآن صقع كبير بين الحرمين الشريفين، وأما العيون فإنه لم يبق منها إلا الآثار)
وفي الأساس: (وقد نبع ينبع (بفتح الباء) وينبع (بضمها) ومنه نقل اسم (ينبع) لكثرة
ينابيعها سمعت الشريف سلمة بن عياش الينبعي: كانت له مائة وسبعون عينا فوارة
وكان عينه ينبوع).
وقال ياقوت في معجم البلدان بعد ضبط ينبع ما نصه:
(قال عرام بن الأصبغ السلمي: هي عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة
إلى البحر على ليلة من رضوى من المدينة على سبع مراحل وهي لبني حسن بن علي
وكان يسكنها الأنصار وجهينة وليث، وفيها عيون عذاب غزيرة وواديها يليل وبها
منبر وهي قرية غناء وواديها يصب في غيقة. وقال غيره: ينبع حصن به نخيل وماء
وزروع وبها وقوف لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يتولاها ولده. وقال ابن -
دريد: ينبع بين مكة والمدينة. وقال غيره: ينبع من أرض تهامة غزاها النبي صلى الله عليه وآله
فلم يلق كيدا وهي قريبة من طريق الحاج الشامي أخذ اسمه من الفعل المضارع
لكثرة ينابيعها، وقال الشريف بن سلمة بن عياش الينبعي: عددت بها مائة وسبعين عينا
(إلى آخر ما قال)).
701

التعليقة 14
(ص 70)
أبو إسحاق السبيعي الهمداني
في تقريب التهذيب: (عمرو بن عبد الله الهمداني أبو إسحاق السبيعي بفتح -
المهملة وكسر الموحدة مكثر ثقة عابد من الثالثة اختلط بآخره مات سنة تسع وعشرين
ومائة، وقيل: قبل ذلك / ع) وفي تهذيب التهذيب في ترجمته: (روى عن علي
بن أبي طالب (إلى أن قال) وقال أبو إسحاق الجوزجاني، كان قوم من أهل الكوفة
لا تحمد مذاهبهم يعني التشيع هم رؤوس محدثي الكوفة مثل أبي إسحاق والأعمش
ومنصور وزبيد وغيرهم من أقرانه احتملهم الناس على صدق ألسنتهم في الحديث
ووقفوا عندما أرسلوا لما خافوا أن لا تكون مخارجها صحيحة، فأما أبو إسحاق فروى
عن قوم لا يعرفون ولم ينتشر عنهم عند أهل العلم إلا ما حكى أبو إسحاق عنهم فإذا
روى تلك الأشياء عنهم كان التوقيف في ذلك عندي الصواب) وفي وفيات الأعيان
لابن خلكان (ج 1 من طبعة بولاق ص 485): (أبو إسحاق عمرو بن عبد الله بن
علي بن أحمد بن محمد ابن السبيعي الهمداني الكوفي من أعيان التابعين رأى عليا
وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وروى عنه الأعمش
وشعبة والثوري وغيرهم رضي الله عنهم، وكان كثير الرواية ولد لثلاث سنين
بقين من خلافة عثمان، وتوفي سنة سبع وعشرين وقيل ثمان وعشرين وقيل:
تسع وعشرين ومائة وقال يحيى بن معين والمدائني: مات سنة اثنتين وثلاثين
ومائة والله أعلم.
والسبيعي بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة
من تحتها وبعدها عين مهملة، هذه النسبة إلى سبيع وهو بطن من همدان وتقدم
الكلام على همدان وكان أبو إسحاق المذكور يقول: رفعني أبي حتى رأيت علي بن
أبي طالب رضي الله عنه يخطب وهو أبيض الرأس واللحية) أقول: تقدم هذا
702

الحديث في الكتاب في باب سيرة علي عليه السلام في نفسه (ص 99) عن علي بن عابس
عن أبي إسحاق قال: رفعني (الحديث) وزاد في آخره: (عريض ما بين المنكبين).
وقال ابن الأثير في اللباب: (السبيعي بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة
وبعدها ياء معجمة باثنتين من تحتها ساكنة وفي آخرها عين مهملة، هذه النسبة إلى
سبيع وهو بطن من همدان (إلى أن قال) والمشهور بهذه النسبة جماعة منهم أبو إسحاق
عمرو بن عبد الله بن علي السبيعي ولد سنة تسع وعشرين في خلافة عثمان رأى عليا وابن -
عباس والبراء بن عازب وغيرهم من الصحابة روى عنه الأعمش ومنصور والثوري مات
سنة سبع وعشرين ومائة) قال الفيروزآبادي في القاموس: في مادة (سبع):
(وكأمير السبيع بن سبع أبو بطن من همدان منهم الإمام أبو إسحاق عمر [و] بن
عبد الله، ومحلة بالكوفة منسوبة إليهم أيضا) وفي الاشتقاق لابن دريد عند ذكره
ولد مالك بن زيد بن كهلان ((ص 427): (ومن بطونهم بنو سبع وبنو السبيع
وبنو حوث، والسبيع مثل المسبوع سواء وهو الذي قد أكل السبع غنمه وهو
المسبع أيضا ولهم جبانة السبيع بالكوفة منهم أبو إسحاق الفقيه الذي يقال له
السبيعي) ونقل المامقاني (ره) في تنقيح المقال عن البحار في باب أحوال
السجاد عليه السلام رواية عن الإختصاص للمفيد (ره) تدل على وثاقته وجلالته بما لا مزيد
عليه فراجع.
التعليقة 15
(ص 87)
سويد بن غفلة
في تقريب التهذيب: (سويد بن غفلة بفتح المعجمة والفاء أبو أمية
الجعفي مخضرم من كبار التابعين قدم المدينة يوم دفن النبي صلى الله عليه وآله وكان مسلما
في حياته ثم نزل الكوفة ومات سنة ثمانين وله مائة وثلاثون سنة / ع) وفي
تهذيب التهذيب في ترجمته: (روى عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي
703

(إلى آخر ما قال)) ونظيره في الخلاصة للخزرجي، وفي جامع الرواة
نقلا عن رجال البرقي (ره): (أنه عد سويد بن غفلة الجعفي في الأولياء من أصحاب
علي عليه السلام (فأشار إلى موارد نقل رواياته)) وقال ابن داود في رجاله: (سويد
ابن عفلة بالعين المهملة والفاء المفتوحتين من أصحاب علي والحسن عليهما السلام ذكره
الشيخ في رجاله وكذا العقيقي من الأولياء) وقال الساروي في توضيح -
الاشتباه: (سويد بن عفلة بالعين والفاء المفتوحتين وضبطها بعضهم بالمعجمة وهو
الأكثر ونقل عن التقريب: سويد بن غفلة بفتح المعجمة والفاء قال البرقي: إنه
من أولياء أمير المؤمنين عليه السلام) وقال الطريحي (ره) في مجمع البحرين:
(سويد بن غفلة بالغين المعجمة من رواة الحديث وشهد مع علي عليه السلام في صفين
وتزوج وهو ابن مائة سنة وستة عشر سنة فافتضها وكان يختلف إليها وقد أتت
عليه سبع وعشرون ومائة سنة سكن الكوفة ومات في زمن الحجاج) وقال
المامقاني (ره) في تنقيح المقال: (سويد بن غفلة، المشهور أن غفلة بالغين
المعجمة والفاء نص على ذلك جمع منهم صاحبا المنهج ومجمع البحرين، قيل: وهو
المضبوط في كتب الرجال للشيخ (ره) بخط ابن طاووس ورجال البرقي، وقال ابن -
داود. سويد بن عفلة بالعين المهملة والفاء المفتوحتين، وكافة الضابطين من العامة
والخاصة على خلافه فإنهم بين مغفل لضبط غفلة كالعلامة وبين ناص على كونه
بالغين المعجمة (إلى أن قال) وقد وثقه الذهبي في مختصره حيث قال: (ولد
عام الفيل أو بعده بعامين وأسلم وقد شاخ فقدم المدينة وقد فرغوا من دفن المصطفى صلى الله عليه وآله
(إلى أن قال) وكان ثقة نبيلا عابدا زاهدا قانعا باليسير كبير الشأن - رحمه الله -
يكنى أبا أمية (إلى أن قال) وقال المقدسي: سويد غفلة بن عوسجة بن عامر
الجعفي العراقي أدرك زمان النبي صلى الله عليه وآله، ولد عام الفيل، سمع علي بن أبي طالب عليه السلام،
روى عنه الشعبي وغيره، قال عمرو بن علي: مات سويد بن غفلة سنة اثنتين وثمانين
وهو ابن عشر ومائة سنة (انتهى) وقال المير الداماد (ره): إنه من أولياء أمير المؤمنين
عليه السلام وخلص أصحابه ومن أصحاب أبي محمد الحسن عليه السلام، وعده العلامة في الخلاصة
704

في العبارة المتقدم نقلها في الفائدة الثانية عشر نقلا عن البرقي من أولياء أمير المؤمنين
عليه السلام، وعده ابن عبد البر وأبو مندة وأبو نعيم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وعده
الشيخ (ره) في رجاله تارة من أصحاب أمير المؤمنين وأخرى من أصحاب الحسن)
أقول: نقلت كلامه بتغيير يسير في الترتيب لا في الألفاظ. وقال المحدث القمي (ره)
في سفينة البحار: (قال الفضل بن شاذان: قد أجمع أهل الآثار على أنه [أي سويد
ابن غفلة] كان كثير الغلط (إلى أن قال بعد الخوض في ترجمته) قلت: وهو الذي
أتى بحروف المعجم من بدنه ثلاثا في محضر عبد الملك بن مروان) وفي الاشتقاق
لابن دريد عند ذكره قبائل جعفى (ص 408): (ومن رجالهم سويد بن غفلة
ابن عوسجة الفقيه أدرك النبي صلى الله عليه وآله ورحل إليه فقدم المدينة وقد قبض عليه السلام وصحب
أبا بكر وعمر وعثمان وعليا - رضوان الله عليهم - واشتقاق (غفلة) من قولهم:
غفلت الشئ إذا سترت عنه وناقة غفل لا آثار بها، وصحراء غفل لا علم بها)
وقال ابن سعد في الطبقات عند ذكره الطبقة الأولى من أهل الكوفة ممن روى
عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مسعود وغيرهم ما نصه (ص 45، ج 6 من طبعة
أوربا): (سويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر..... بن جعفي بن سعد العشيرة من
مذحج أدرك النبي صلى الله عليه وآله ووفد عليه فوجده وقد قبض فصحب أبا بكر وعمر وعثمان
وعليا، وشهد مع علي صفين، وسمع من عبد الله بن مسعود ولم يسمع من عثمان
شيئا وكان يكنى أبا أمية (إلى أن قال) أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا
حنش بن الحارث، عن علي بن مدرك: أن سويد بن غفلة كان يؤذن بالهاجرة
فسمعه الحجاج وهو بالدير فقال: ايتوني بهذا المؤذن فأتى سويد بن غفلة فقال:
ما حملك على الصلاة بالهاجرة؟ - فقال: صليتها مع أبي بكر وعمر فقال: لا تؤذن
لقومك ولا تؤمهم، وكان أبو بكر بن عياش يروي هذا الحديث أيضا عن أبي حصين
عن سويد ويزيد فيه (وعثمان) قال: فقال الحجاج: اطرحوه عن الأذان وعن
الأم) (إلى أن قال) أخبرنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ليث عن خيثمة قال:
أوصى سويد بن غفلة قال: إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدا ولا تقربوا قبري جصا
705

ولا آجرا ولا عودا، ولا تصحبني امرأة، ولا تكفنوني إلا في ثوبي.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: توفي سويد بن غفلة بالكوفة سنة إحدى أو اثنتين
وثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان، قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: مات سويد
بن غفلة وهو ابن مائة وثمان وعشرين سنة).
التعليقة 16
(ص 88)
حول دلالة الرواية على زهده (ع)
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 181، س 30) ما نصه:
(وروى عمران بن مسلمة عن سويد بن علقمة قال: دخلت على علي عليه السلام
بالكوفة فإذا بين يديه قعب لبن أجد ريحه من شدة حموضته (الحديث) ونقله
المجلسي (ره) عنه في تاسع البحار في باب جوامع مكارم أخلاقه عليه السلام
(ص 540، س 24) أقول: وإن لم يذكر ابن أبي الحديد هنا مأخذ نقل الحديث
إلا أن سياق نقله الأحاديث مرتبة من جهة الأسانيد والمتون كما في المتن دليل
على أنه مأخوذ من كتاب الغارات فتفطن.
قال أخطب خطباء خوارزم أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي الحنفي
في كتابه (المناقب) في الفصل العاشر الذي في بيان زهده [أي أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام] في الدنيا (ص 67 - 68 من طبعة النجف سنة 1385:)
(أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي،
أخبرني القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ، أخبرني والدي
أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرني أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر بن
أبي نصر الدابروي بمرو، حدثني موسى بن يوسف، حدثني الحسين بن عيسى بن
ميسرة، حدثني عبد الرحمن بن مغرا، حدثني أبو سعيد البقال، عن عمران بن مسلم،
عن سويد بن غفلة قال:
706

دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام القصر فوجدته جالسا وبين يديه صحفة
فيها لبن حازر أجد ريحه من شدة حموضته وفي يديه رغيف أرى آثار قشار الشعير
في وجهه وهو يكسره بيده أحيانا فإذا أعيى عليه كسره بركبته وطرحه في اللبن
فقال: ادن فأصب من طعامنا هذا، فقلت: إني صائم فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: من منعه الصيام من طعام يشتهيه كان حقا على الله أن يطعمه من طعام الجنة
ويسقيه من شرابها، قال: فقلت لجاريته وهي قائمة بقرب منه: ويحك يا فضة
ألا تتقين الله في هذا الشيخ؟! ألا تنخلون له طعاما مما أرى فيه من النخالة؟! فقالت:
لقد تقدم إلينا أن لا ننخل له طعاما، قال لي: ما قلت لها؟ - فأخبرته فقال: بأبي وأمي
من لم ينخل له طعام، ولم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه الله عز وجل.
قال المصنف (رض): الحازر اللبن الحامض جدا، وفي المثل: عدى القارص
فحرز أي جاوز القارص حده، فحذف المفعول، يضرب في تفاقم الأمر لأن القارص
بحذاء اللسان والحازر فوقه، قال العجاج:
يا عمر بن معمر لا منتظر * بعد الذي عدى القروص فحزر * من أمر قوم خالفوا هذا البشر
أراد حروريا جاوز قدره).
قال العالم الخريت الخبير والناقد النحرير البصير علي بن عيسى الإربلي قدس -
الله روحه ونور ضريحه في كشف الغمة في معرفة الأئمة عند ذكره زهد أمير المؤمنين
علي عليه السلام في الدنيا تحت عنوان (وصف زهده في الدنيا) بعد نقل الحديث من
مناقب الخوارزمي كما نقلناه ما نصه (أنظر ص 47 من طبعة طهران سنة 1294):
(أنظر هداك الله وإيانا إلى شدة زهده وقناعته فإن إيراده الحديث وقوله عليه السلام
من منع نفسه من طعام يشتهيه، دليل على رضاه بطعامه وكونه عنده طعاما مشتهى
يرغب فيه من يراه، وما ذاك لأنه عليه السلام لا يهتدي إلى الأطعمة المتخيرة والألوان
المعجبة ولكنه اقتدى برسول الله صلى الله عليه وآله ووطن نفسه الشريفة على الصبر على جشوبة
المأكل وخشونة الملبس رجاء ما عند الله وتأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله فصار ذلك له ملكة
وطبيعة، ومن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل).
707

التعليقة 17
(ص 95)
شرح حول بعض كلمات الحديث
في النهاية: (وفيه أن جاريتين جاءتا تشتدان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي
فأخذتا بركبتيه ففرع بينهما أي حجز وفرق يقال: فرع وفرع، يفرع ويفرع ومنه
حديث ابن عباس: اختصم عنده بنو أبي لهب فقام يفرع بينهم، وحديث علقمة: كان
يفرع بين الغنم أي يفرق وذكره الهروي في القاف قال أبو موسى: وهو من هفواته)
وفي لسان العرب: (فرع بين القوم يفرع فرعا [كمنع يمنع منعا] حجز وأصلح، وفي
الحديث أن جاريتين جاءتا تشتدان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي فأخذتا بركبتيه
ففرع بينهما أي حجز وفرق ويقال منه فرع يفرع [تفريعا] أيضا وفرع بين القوم
وفرق بمعنى واحد، وفي الحديث عن أبي الطفيل قال: كنت عند ابن عباس
فجاء بنو أبي لهب يختصمون في شئ بينهم فاقتتلوا عنده في البيت فقام يفرع
بينهم أي يحجز بينهم، وفي حديث علقمة: كان يفرع بين الغنم أي يفرق
قال ابن الأثير: وذكره الهروي في القاف وقال: قال أبو موسى: وهو من هفواته)
وفي القاموس ومعيار اللغة: (المفارع الذين يكفون بين الناس، الواحد كمنبر)
وفي تاج العروس: (يكفون أي يصلحون يقال، رجل مفرع من قوم مفارع [أي
كمنابر]).
وأما قوله (ع): (صدقني سن بكره) فقال أبو عبيد القاسم بن سلام
الهروي في غريب الحديث تحت عنوان (أحاديث علي بن أبي طالب - رضي الله
عنه - (ج 3، ص 361):
(قال أبو عبيد: في حديثه عليه السلام أن رجلا أتاه وعليه ثوب من قهز
فقال: إن بني فلان ضربوا بني فلان بالكناسة فقال علي: صدقني سن بكره.
708

قال الأصمعي وغيره: هذا مثل تضربه العرب للرجل يأتي بالخبر على وجهه يصدق
فيه، ويقال: إن أصل هذا أن الرجل ربما باع بعيره فيسأله المشتري عن سنه فيكذبه
فعرض رجل بكرا له فصدق في سنة فقال الآخر: صدقني سن بكره، فصار مثلا لمن
أخبر بصدق. وقوله: (ثوب من قهز) يقال: هي ثياب بيض أحسبها يخالطها الحرير
قال أبو عبيد (يعني به نفسه): ولا أرى هذه الكلمة عربية (فخاض في بيان مدعاه)).
وقال الزمخشري في الفائق في (ق ه‍ ز) (عن علي - رضي الله تعالى عنه - فذكر
مثل ما نقله الهروي ثم قال: (القهز ضرب من الثياب يتخذ صوف كالمرعزي ربما
خالطه الحرير صدقه علي - رضي الله تعالى عنه - وهو مثل يضرب لمن يأتي بالخبر
على وجهه وأصله مذكور في مستقصى الأمثال) وقال في مستقصى الأمثال في حرف
الصاد مع الدال (ج 2، ص 140): (صدقني سن بكره أي في سنه فحذف الجار وأوصل
الفعل كقولهم: صدقت الحديث وأصله أن رجلا ساوم رجلا ببعير وسأله عن سنه
فزعم أنه بازل فبينما هما كذلك نفر فدعاه: هدع هدع، فسكن، وهي كلمة تسكن
بها صغار الإبل فقال المشتري ذلك، يريد أنه صدق في سنه الآن لما دعاه بتلك الكلمة
وقد كان كاذبا).
وقال في أساس البلاغة: (صدقته الحديث وفي مثل: صدقني سن بكره)
وقال الدميري في حياة الحيوان (في ب ك ر): (وفي حديث علي عليه السلام:
صدقني سن بكره، وهو مثل تضربه العرب للصادق في خبره ويقوله الإنسان على نفسه
وإن كان ضارا له، وأصله أن رجلا ساوم رجلا في بكر يشتريه فسأل صاحبه عن سنه
فأخبره بالحق فقال المشتري: صدقني سن بكره) وقال ابن الأثير في النهاية
في ص د ق: (وفي حديث علي - رضي الله عنه -: صدقني سن بكره، هذا مثل
يضرب للصادق في خبره وقد تقدم في حرف السين) وقال في حرف السين: (وفي
حديث علي: صدقني سن بكره، هذا مثل يضرب للصادق في خبره ويقوله الإنسان
على نفسه وإن كان ضارا له، وأصله أن رجلا ساوم رجلا في بكر ليشتريه فسأل
صاحبه عن سنه فأخبره بالحق، فقال المشتري: صدقني سن بكره) وقال في
709

(قهز) ما نصه: (في حديث علي: أن رجلا أتاه وعليه ثوب من قهز: القهز بالكسر
ثياب بيض يخالطها حرير وليست بعربية محضة وقال الزمخشري: القهز والقهز [أي
بالفتح والكسر] ضرب من الثياب يتخذ من صوف كالمرعزي، وربما خالطه الحرير).
وقال الميداني في مجمع الأمثال (ص 350 من طبعة إيران):
(صدقني سن بكره، البكرة الفتي من الإبل ويقال: صدقته الحديث وفي
الحديث، يضرب مثلا في الصدق وأصله أن رجلا ساوم رجلا في بكر فقال: ما سنه؟ -
فقال صاحبه: بازل ثم نفر البكر فقال له صاحبه: هدع هدع، وهذه لفظة تسكن
بها الصغار من الإبل فلما سمع المشتري هذه الكلمة قال: صدقني سن بكره، ونصب
سن على معنى عرفني سن، ويجوز أن يقال: أراد صدقني خبر سن ثم حذف المضاف،
ويروى: صدقني سن، بالرفع، جعل الصدق للسن توسعا.
قال أبو عبيد: وهذا المثل يروى عن علي عليه السلام:
أنه أتي فقيل له: إن بني فلان وبني فلان اقتتلوا فغلب بنو فلان، فأنكر
ذلك، ثم أتاه آت فقال: بل غلب بنو فلان القبيلة الأخرى فقال علي عليه السلام: صدقني
سن بكره.
وقال أبو عمرو: دخل الأحنف على معاوية بعد ما مضى علي عليه السلام فعاتبه
معاوية وقال له: أما إني لم أنس ولم أجهل اعتزالك يوم الجمل ببني سعد ونزولك
بهم سفوان وقريش تذبح بناحية البصرة ذبح الحيران، ولم أنس طلبك إلى ابن أبي -
طالب أن يدخلك في الحكومة لتزيل عني أمرا جعله الله لي وقضاه، ولم أنس تحضيضك
بني تميم يوم صفين على نصرة علي كل يبكته، قال: فخرج الأحنف من عنده
فقيل له: ما صنع بك؟ وما قال لك؟ - قال: صدقني سن بكره، أي خبرني بما في نفسه
وما انطوت عليه ضلوعه).
وقال أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال (ص 130 من طبعة بمبئي):
(قولهم: صدقني سن بكره، متعد إلى مفعولين، يضرب مثلا للرجل يكذب
صاحبه في الأمر فيدل بعض أحواله على الصدق، وأصله أن رجلا ساوم رجلا ببعير
710

وسأل عن سنه فأخبره أنه بكر ففر عنه فوجده هرما فقال: صدقني سن بكره،
والبكر الفتي من الإبل بمنزلة الفتى من الناس والجمع أبكار، والأنثى بكرة
والجمع بكرات) وفي الصحاح: (الصدق خلاف الكذب وقد صدق في الحديث
ويقال: صدقه الحديث وفي المثل: صدقني سن بكره، وذلك أنه لما نفر قال له:
هدع، وهي كلمة تسكن بها صغار الإبل إذا نفرت، وصدقوهم القتال) وقد قال
فيما سبق: (هدع بكسر الهاء وفتح الدال وتسكين العين كلمة تسكن بها
صغار الإبل إذا نفرت) وفي القاموس: (صدقني سن بكره، في ه‍ د ع) وقال
في ه‍ د ع: (هدع بكسر الهاء ساكنة العين وبسكون الدال مكسورة العين كلمة
تسكن بها صغار الإبل عن نفارها) فقال الزبيدي في تاج العروس: (هكذا في
سائر النسخ الموجودة ولم يذكر فيها ذلك وإنما تعرض له (في ب ك ر) فكأنه سها
وقلد ما في العباب فإنه أحاله على هدع ولكن إحالة العباب صحيحة وإحالة المصنف
غير صحيحة) وأما قول صاحب القاموس في ب ك ر فهو: (وصدقني سن
بكره، برفع سن ونصبه، أي خبرني بما في نفسه وما انطوت عليه ضلوعه، وأصله
أن رجلا ساوم في بكر [بفتح فسكون] فقال: ما سنه؟ - فقال: بازل، ثم نفر
البكر فقال صاحبه له: هدع هدع، وهذه لفظة يسكن بها الصغار [من ولد الناقة]
فلما سمعه المشتري قال: صدقني سن بكره، ونصبه على معنى عرفني أو إرادة خبر
سن أو في سن فحذف المضاف أو الجار، ورفعه على أنه جعل الصدق للسن توسعا).
وقال الزبيدي في تاج العروس: (قولهم هذا من الأمثال المشهورة) وقال
في شرح كلمة (هدع): (قال الليث: ولا يقال ذلك لجلتها ولا لمسانها قال: وزعموا
أن رجلا ساوم رجلا ببكر على أن يشتريه منه فقال له البائع: هذا جمل بازل
أريد بيعه ببكر فقال له المشتري: هذا بكر فقال له البائع: هو مسن فبينما هما
كذلك إذ نفر البكر فقال صاحب البكر يسكن نفاره: هدع هدع، فقال المشتري
صدقني سن بكره، وإنما يقال: هدع للبكر ليسكن). وفي لسان العرب:
(وفي المثل: صدقني سن بكره، وأصله أن رجلا أراد بيع بكر له فقال للمشتري:
711

إنه جمل فقال المشتري: بل هو بكر فبينما هما كذلك اذند البكر فصاح به صاحبه:
هدع، وهذه كلمة يسكن بها صغار الإبل إذا نفرت، وقيل: يسكن بها البكارة
خاصة فقال المشتري: صدقني سن بكره، وفي حديث علي - رضي الله عنه -:
صدقني سن بكره، وهو مثل يضرب للصادق في خبره).
وفي معيار اللغة: (صدق في الحديث كنصر وفي المثل: صدقني سن بكره. من
الباب المذكور برفع سن ونصبها، أي خبرني ما في نفسه وما انطوت عليه ضلوعه، والبكر
بالموحدة والكاف والراء المهملة كفلس ولد الناقة أو الفتي من الإبل وأصله أن رجلا
ساوم في بكر فقال: ما سنه؟ - فقال: بازل، ثم نفر البكر فقال له صاحبه: هدع، هدع،
بكسر الهاء وفتح الدال وسكون العين المهملة فيهما، وهي كلمة تسكن بها صغار الإبل،
فلما سمعه المشتري قال: صدقني سن بكره، ونصبها على معنى عرفني [بتشديد الراء]
أو إرادة خبر سن أو في سن، فحذف المضاف أو الجار، ورفعها على أنه جعل الصدق
للسن توسعا) وفي محيط المحيط للبستاني: (قال أبو عبيدة: البكر من الإبل
بمنزلة الفتى من الناس والبكرة بمنزلة الفتاة، وصدقني سن بكره برفع سن ونصبه
أي خبرني بما في نفسه وما انطوت عليه ضلوعه، قيل: أصله أن رجلا ساوم في بكر
فقال له: ما سنه؟ - فقال صاحبه: بازل فنفر [بتشديد الفاء الثانية] المساوم البكر فقال
صاحبه له: هدع هدع، وهذه لفظة تسكن بها الصغار فلما سمعه المشتري قال: صدقني
سن بكره، ونصبه على معنى عرفني [بتشديد الراء] أو معنى صدقني خبر سن بكره
فحذف المضاف كما في قولهم: صديقك من صدقك لا من صدقك، ورفعه على أنه جعل
الصدق للسن مجازا).
ثم إن الخوارزمي قال في المناقب في باب بيان زهده عليه السلام في الدنيا (ص 69
من طبعة النجف) ما نصه: (أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد
العاصمي الخوارزمي، أخبرني القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ،
أخبرني والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرني أبو عبد الله، حدثني
أبو العباس عن يحيى، حدثني القاسم بن مالك، عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين
712

قال: إن أفضل ثوب رأيته على علي عليه السلام القميص من قهر وبردين قطريين.
قال [أبو] العباس: كل ثوب يضرب إلى السواد من ثياب اليمن يسمى قطريا.
قال - رضي الله -: (القهر ضرب من الثياب يتخذ من صوف، هكذا ذكره
في ديوان الأدب والمهذب وقال الغوري: القهر بكسر القاف وهو ثياب بيض،
وقطر بلد تنسب إليه البرود، وقال أبو النجم: وهبطوا السنة بجنبي قطرا).
التعليقة 18
(ص 106)
نقل حديث فيه زيادات على حديث المتن
عن المناقب للخوارزمي
قال الخوارزمي في الفصل العاشر من كتاب المناقب ما نصه:
(ص 70 من طبعة النجف سنة 1385 ه‍ ق)
(أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي،
أخبرني القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ، أخبرني والدي أبو بكر
أحمد بن الحسين البيهقي أخبرني أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسين
القاضي قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد، حدثني
محمد بن عبيد، حدثني المختار وهو ابن نافع عن أبي مطر قال:
خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي: إرفع إزارك فإنه أبقى لثوبك
وأنقى لك وخذ من رأسك إن كنت مسلما، فمشيت خلفه وهو متزر بإزار
ومرتد برداء ومعه الدرة كأنه أعرابي بدوي فقلت: من هذا؟ - فقال لي رجل
أراك غريبا بهذا البلد؟ قلت: أجل، رجل من أهل البصرة، قال: هذا علي أمير المؤمنين
فسار حتى انتهى إلى دار أبي معيط وهو سوق الإبل فقال: بيعوا ولا تحلفوا فإن
اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة، ثم أتى أصحاب التمر فإذا خادمة تبكي فقال:
713

ما يبكيك؟ قالت: باعني هذا الرجل تمرا بدرهم فرده مولاي وأبى البائع أن يقبله،
فقال له: خذ تمرك وأعطها درهما فإنها خادمة ليس لها أمر، فدفعه البائع، فقلت:
أتدري من هذا؟ - قال: لا، قلت: هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، فصب تمره
وأعطاها درهمها وقال له: يا مولاي أحب أن ترضى عني، قال: ما أرضاني عنك..!
إذا وفيت الناس حقوقهم.
ثم مر مجتازا بأصحاب التمر فقال: يا أصحاب التمر أطعموا المساكين
فيربو كسبكم.
ثم مر مجتازا ومعه المسلمون حتى أتى أصحاب السمك فقال: لا يباع في
سوقنا طافي.
ثم أتى دار فرات وهو سوق الكرابيس فقال [لرجل]: يا شيخ أحسن بيعي في قميص
بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر منه شيئا، ثم أتى آخر فلما عرفه لم يشتر منه
شيئا، فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ولبسه ما بين الرسغين إلى
الكعبين فقال حين لبسه: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس
وأواري به عورتي، فقيل له: يا أمير المؤمنين هذا شئ ترويه عن نفسك أو شئ سمعته
عن رسول الله صلى الله عليه وآله؟ - قال: بل شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله يقوله عند الكسوة،
فجاء أبو الغلام صاحب الثوب فقيل له: يا فلان قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين
قميصا بثلاثة دراهم، قال لابنه: أفلا أخذت منه درهمين، فأخذ أبوه درهما وجاء به
إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو جالس على باب الرحبة ومعه المسلمون فقال: أمسك
هذا الدرهم يا أمير المؤمنين، فقال: ما شأن هذا الدرهم؟ - قال: كان ثمن القميص
درهمين، قال: باعني برضاي وأخذه برضاه).
714

التعليقة 19
(ص 110)
أبو سعيد دينار التيمي الملقب بعقيصا
وصفه ابن سعد في الطبقات بصفة (بياع الكرابيس) (أنظر ص 27 من جلد 3
من طبعة بيروت) ولنذكر عبارته بالنسبة إلى تمام الحديث وسنده وهي: (قال: أخبرنا
عمرو بن عاصم قال: أخبرنا همام بن يحيى عن محمد بن جحادة قال: حدثني أبو سعيد
بياع الكرابيس أن عليا كان يأتي السوق في الأيام فيسلم عليهم فإذا رأوه قالوا:
بوذا شكنب آمذ، قيل له: أنهم يقولون: إنك ضخم البطن فقال: إن أعلاه علم
وأسفله طعام) وقال أيضا (في المجلد السادس من طبعة أوربا، ص 167): (أبو سعيد
الثوري وهو عقيصا روى عن علي عليه السلام قال: أخبرنا محمد بن عبيد قال: حدثنا
عبيدة عن أبي سعيد الثوري قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: التاجر فاجر إلا من
أخذ الحق وأعطاه) وقال الفيروزآبادي في القاموس: (عقيصى مقصورا لقب
أبي سعيد التيمي التابعي) وقال في تاج العروس: (اسم أبي سعيد دينار وهو مشهور).
قال الذهبي في ميزان الاعتدال: (عقيصا أبو سعيد التيمي، عن علي
يقال: اسمه دينار شيعي تركه الدارقطني وقال الجوزجاني: غير ثقة، وروى عنه
الأعمش، والحارث بن حصيرة، وقال ابن معين: رشيد الهجري سيئ المذهب،
وعقيصا شر منه) وقال في حرف الدال منه: (دينار أبو سعيد عقيصا، عن علي
يعد في موالي بني تيم قال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: متروك
الحديث، وقال السعدي: غير ثقة) وفي لسان الميزان: (دينار أبو سعيد عقيصا،
عن علي - رضي الله عنه - يعد في موالي بني تيم، قال النسائي: ليس بالقوي، وقال
الدارقطني: متروك الحديث، وقال السعدي: غير ثقة (انتهى) وقال النسائي
فيما نقله ابن عدي: ليس بثقة، وقال البخاري: يتكلمون فيه، وقال ابن عدي:
ليس له رواية يعتمد عليها عن الصحابة وإنما له قصص يحكيها وهو كوفي من جملة
715

شيعتهم، وقال ابن معين: ليس بشئ، شر من رشيد الهجري وحبة العرني
وأصبغ بن نباتة، وذكره ابن حبان في الثقات في عقيصا، فقال: صاحب الكرابيسي
روى عن علي وعمار وعنه محمد بن جحادة وقد أخرج له الحاكم في المستدرك وقال:
ثقة مأمون ولم يتعقبه المؤلف في تلخيص المستدرك، وقال أبو حاتم: هو لين وهو
أحب إلي من أصبغ بن نباتة) وقال في باب الكنى منه: (أبو سعيد عقيصا، قال
الجوز جاني: غير ثقة وقد ذكر في حرف العين (انتهى) وقد ذكره أيضا في الدال
لابن عدي سماه في الكامل دينارا).
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي: (دينار أبو سعيد عقيصا
كوفي تيمي روى عن علي - رضي الله عنه - روى عنه الأعمش ومحمد بن جحادة وفطر
ومحمد بن بشر سمعت أبي يقول ذلك، حدثنا عبد الرحمن قال: سألت أبي عنه فقال:
هو لين وهو أحب إلي من أصبغ بن نباتة، حدثنا عبد الرحمن قال: قرئ على
العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: أبو سعيد عقيصا ليس بشئ
شر من رشيد الهجري وحبة العرني وأصبغ بن نباتة) إلى غير ذلك من كتب العامة.
أما كتب الشيعة ففي كتاب صفين لنصر بن مزاحم (ص 303 من طبعة
القاهرة سنة 1365 ه‍): (وقتل المسيب بن خداش من تيم الرباب ودينار عقيصا
مولاه) وقال عبد السلام محمد هارون في هامش الكتاب: (عقيصا لقب لدينار والبصريون
يوجبون الإضافة في مثل هذا والكوفيون يجيزون الاتباع والقطع إلى النصب وإلى
الرفع) وأيضا في كتاب نصر بن مزاحم (ص 161): (نصر بن عبد العزيز بن -
سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال أبو سعيد التيمي المعروف بعقيصا قال: كنا مع علي
في مسيره إلى الشام حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد (إلى آخر
حديث ماء الدير)) وفي رجال البرقي عند ذكره أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام: (أبو سعيد عقيصان من بني تيم الله بن ثعلبة (أنظر ص 5 من النسخة المطبوعة
بتحقيقنا)) وفي توضيح الاشتباه للساروي: (عقيصا بفتح العين وكسر القاف
وبعد الياء صاد مهملة مقصورا أبو سعيد من خواص علي عليه السلام وفي الخلاصة:
716

أبو سعيد عقيصان بزيادة النون، قال ابن داود: عقيصان بضم العين ثم القاف والأصح
الأول) وفي تنقيح المقال: (دينار يكنى أبا سعيد ولقبه عقيصا وإنما لقب
بذلك لشعر قاله، هذا كلام الشيخ (ره) في باب أصحاب علي عليه السلام من رجاله وقال
في باب أصحاب الحسين عليه السلام: عقيصا يكنى أبا سعيد وظاهره كونه إماميا ويكشف
عن ذلك أيضا روايته في مناقب علي عليه السلام التي رواها الصدوق (ره) في أماليه بسنده
إلى سعد بن علاقة عن أبي سعيد عقيصا عن الحسين عن أبيه عن الرسول صلى الله عليه وآله أنه
قال: يا علي أنت أخي وأنا أخوك، أنا المصطفى للنبوة وأنت المصطفى للإمامة، وأنا
صاحب التنزيل وأنت صاحب التأويل، وأنا أنت أبوا هذه الأمة، أنت وصيي
وخليفتي ووزيري ووارثي وأبو ولدي، شيعتك شيعتي، الحديث (إلى أن قال) ثم
إن في آخر القسم الأول من الخلاصة عن البرقي أن من أصحاب علي عليه السلام من
ربيعة أبو سعيد عقيصان بفتح العين والقاف قبل الياء المنقطة تحتها نقطتين والصاد
المهملة والنون من بني تيم الله بن ثعلبة (انتهى) لكن الموجود في أكثر النسخ
الرجالية من رجال الشيخ في البابين وغيره: عقيصا وهو الأصح لما في التاج من
قولهما: وعقيصا مقصورا لقب أبي سعيد دينار التيمي التابعي مشهور (انتهى)
وحكي عن الخرائج والجرائح التنصيص عليه) وقال في جامع الرواة: إن في الكافي
في باب المياه المنهي عنها في كتاب الأشربة رواية عنه بهذا السند: (محمد بن سنان عن
أبي الجارود عن أبي سعيد عقيصا التيمي قال: مررت بالحسن والحسين عليهما السلام)
إلى غير ذلك ويؤيد المدعا أن أبا الصلت التيمي الراوي عن أبي سعيد المذكور
في المتن يروي عن أشياخ بني تيم ففي كتاب صفين لنصر بن مزاحم أيضا (ص 326):
(نصر عن عمر قال: حدثني الصلت بن يزيد بن أبي الصلت التيمي قال: سمعت
أشياخ الحي من بني تيم الله ثعلبة يقولون (الحديث)) والظاهر أن (الصلت
ابن يزيد) في هذا السند من طغيان قلم النساخ والله العالم بحقيقة الأمر فانقدح
من هذه العبارات أن (العقيلي) محرفة من (عقيصى) واللام من الإضافات بعد
التحريف عملا بالقياس للزوم المطابقة بين الصفة والموصوف كما هو ظاهر لمن تدبر.
717

التعليقة 20
(ص 111 - 112)
الحارث الأعور الهمداني
قال ابن سعد في الطبقات عند ذكره الطبقة الأولى من الكوفيين
الذين رووا عن علي بن أبي طالب عليه السلام وعبد الله بن مسعود (ص 116 ج 6 من طبعة
أوربا): (الحارث الأعور بن عبد الله بن كعب بن أسد بن خالد بن حوت واسمه
عبد الله بن سبع بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد بن خيران بن
نوف بن همدان وحوت هو أخو السبيع رهط أبي إسحاق السبيعي وقد روى الحارث
عن علي وعبد الله بن مسعود وكان له قول سوء وهو ضعيف في روايته قال: أخبرنا
مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا المنذر بن ثعلبة قال: حدثنا علباء بن أحمر أن علي بن
أبي طالب خطب الناس فقال: من يشتري علما بدرهم، فاشترى الحارث الأعور صحفا
بدرهم ثم جاء بها عليا فكتب له علما كثيرا. ثم إن عليا خطب الناس بعد فقال:
يا أهل الكوفة غلبكم نصف رجل. قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا
شريك، عن جابر، عن عامر قال: لقد رأيت الحسن والحسين يسألان الحارث الأعور
عن حديث علي. وقد روى جرير عن مغيرة، عن الشعبي قال: حدثني الحارث
الأعور وكان كذوبا. قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا زهير عن أبي -
إسحاق قال: كان يقال: ليس بالكوفة أحد أعلم بفريضة من عبيدة والحارث الأعور.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق أنه كان
يصلي خلف الحارث الأعور وكان إمام قومه وكان يصلي على جنائزهم فكان يسلم إذا
صلى على الجنازة عن يمينه مرة واحدة.
قال: أخبرنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث الأعور أنه
أوصى أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد الأنصاري (إلى أن قال) قال: أخبرنا وكيع بن
الجراح عن سفيان عن أبي إسحاق قال: شهدت جنازة الحارث فاستل من قبل رجليه -
718

قال محمد بن عمرو غيره: وكانت وفاة الحارث الأعور بالكوفة أيام عبد الله بن الزبير
وكان عبد الله بن يزيد الأنصاري الخطمي عاملا يومئذ لعبد الله بن الزبير على
الكوفة).
وفي تقريب التهذيب: (الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني بسكون -
الميم الحوتي بضم المهملة وبالمثناة فوق الكوفي أبو زهير صاحب علي كذبه الشعبي
في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف وليس له عند النسائي سوى حديثين، مات
في خلافة ابن الزبير / 4) وقال عبد الوهاب عبد اللطيف في ذيل قول ابن حجر:
(في حديثه ضعف) ما نصه: (الحارث الأعور ويقال: الخارفي نسبة إلى بطن
من همدان ويقال: الحوتي نسبة إلى الحوت بضم الحاء بطن من همدان أيضا وكان
الحارث فقيها فرضيا ويفضل عليا على أبي بكر متشيعا غاليا، والعلة عند من رده
التشيع وقد وثقه ابن معين والنسائي وأحمد بن صالح وابن أبي داود وغيرهم
وتكلم فيه الثوري وابن المديني وأبو زرعة وابن عدي والدار قطني وأبو سعد
وأبو حاتم وغيرهم، ومن جرحه أما لتشيعه وأما لغير ذلك غير مفسر لجرحه
والصحيح عند أرباب الصناعة أن التشيع وحده ليس بجرح في الرواية والمدار
على الظن بصدق الراوي أو كذبه، والجرح الذي لم يفسر لا يقبل، ولذا حمل قول
من كذبه على الكذب في الرأي والعقيدة، ولذا قال الذهبي: والجمهور على توهينه
مع روايتهم لحديثه في الأبواب، قال: والظاهر أن الشعبي يكذب حكاياته لا في
الحديث وقد بسطت القول فيه في التكملة في تواريخ العلماء والنقلة وهو ذيل
لكتابي المختصر في علم رجال الأثر). انتهى كلامه ولقد أجاد وأنصف.
وفي تهذيب التهذيب في ترجمته: (روى عنه أبو إسحاق السبيعي)
وقال الخزرجي في خلاصته: (الحارث بن عبد الله الهمداني الحوتي بضم المهملة
وبالمثناة أبو زهير الكوفي الأعور أحد كبار الشيعة عن علي وابن مسعود وعنه
الشعبي وعمرو بن مرة وأبو إسحاق، سمع منه أربعة أحاديث (إلى آخر ما قال))
وفي الفهرست للشيخ الطوسي (ره) في ترجمة عمرو بن ميمون عند ذكر طريقه إلى
719

كتاب المسائل التي أخبر بها أمير المؤمنين اليهودي: (عن أبي إسحاق السبيعي عن
الحارث الهمداني عن أمير المؤمنين) وفي جامع الرواة في ترجمته: (أبو إسحاق
السبيعي عن الحارث الأعور عن أمير المؤمنين عليه السلام في التهذيب في باب اختيار
الأزواج، وفي الكافي في باب جوامع التوحيد، وفي باب حب الدنيا، وفي باب
فضل نساء قريش).
أقول: الرجل عند الشيعة من أولياء أمير المؤمنين وخواصه وهو المخاطب
بقول أمير المؤمنين: (يا حار همدان من يمت يرني) ولا يسع المقام نقل عبارات علمائهم
في حقه فإنها تستلزم تأليف رسالة مستقلة فمن أراد ترجمته فليراجع المفصلات.
التعليقة 21
(ص 121)
الحسن بن صالح بن حي
في تقريب التهذيب: (الحسن بن حي هو ابن صالح يأتي) وقال هناك:
(الحسن بن صالح بن حي وهو حيان بن شفي بضم المعجمة والفاء مصغرا الهمداني
بسكون الميم الثوري ثقة فقيه عابد رمي بالتشيع من السابعة، مات سنة تسع وتسعين
[ومائة] وكان مولده سنة مائة / بخ م 4) وفي تهذيب التهذيب في ترجمته المبسوطة:
(روى عنه أبو نعيم (إلى أن قال) قال أبو نعيم: حدثنا الحسن بن صالح وما كان
دون الثوري في الورع والفقه وقال ابن أبي الحسين: سمعت أبا غسان يقول:
الحسن بن صالح خير من شريك، من هنا إلى خراسان، وقال ابن نمير: كان أبو نعيم
يقول: ما رأيت أحدا إلا وقد غلط في شئ غير الحسن بن صالح، وقال أبو نعيم أيضا:
كتبت عن ثمانمائة محدث فما رأيت أفضل من الحسن بن صالح (إلى أن قال) وقال
ابن سعد: كان ناسكا عابدا فقيها حجة صحيح الحديث كثيره وكان متشيعا
(إلى أن قال) وقال الساجي: الحسن بن صالح صدوق وكان يتشيع، وكان وكيع
يحدث عنه ويقدمه، وكان يحيى بن سعيد يقول: ليس في السكة مثله (إلى أن قال)
720

حكي عن يحيى بن معين أنه قال: هو ثقة ثقة (إلى أن قال) وقال أبو غسان:
مالك بن إسماعيل النهدي: عجبت لأقوام قدموا سفيان الثوري على الحسن).
وقال ابن النديم في فهرسته: (الحسن بن صالح بن حي، ولد سنة مائة
ومات متخفيا سنة ثمان وستين ومائة، وكان من كبار الشيعة الزيدية وعظمائهم
وعلمائهم وكان فقيها متكلما وله من الكتب كتاب التوحيد، كتاب إمامة ولد -
علي من فاطمة، كتاب الجامع في الفقه، وللحسن أخوان، أحدهما علي بن صالح
والآخر صالح بن صالح، هؤلاء على مذهب أخيهم الحسن، وكان علي متكلما.
قال محمد بن إسحاق: أكثر علماء المحدثين زيدية وكذلك قوم من الفقهاء
المحدثين مثل سفيان بن عيينة وسفيان الثوري وجلة المحدثين).
وفي تنقيح المقال: (الحسن بن حي، نقل في جامع الرواة رواية الحسن بن
محبوب عنه عن أبي عبد الله في باب دية الجراحات والشجاج من الفقيه ونقل رواية
ابن محبوب تلك بعينها عن الحسن بن صالح، واستصوب كون من روى عنه ابن محبوب
هو الحسن بن صالح الثوري الآتي إن شاء الله. وأقول: لا يخفى عليك أن كتاب
الحسن هذا لم يروه عنه غير ابن محبوب وهو يروي تارة عن الحسن بن حي كما
في باب أن الكافر لا يرث المسلم والمسلم يرث الكافر من الكافي والفقيه، وأخرى عن
الحسن بن صالح كما في ثبوت القتل بالإقرار منهما، وثالثة عن الحسن بن صالح
الثوري كما في باب دية الجراحات والشجاج، وبالجملة فاتحاد الحسن بن حي
والحسن بن صالح بن حي والحسن الثوري مما لا ينبغي الشبهة فيه)
721

التعليقة 22
(ص 125)
تخاصم علي (ع) مع النصراني
عند شريح قاضية بالكوفة
قال ابن عساكر في تاريخه في ترجمة شريح القاضي (ج 6، ص 306):
روى البيهقي والحافظ عن الشعبي قال:
خرج علي - رضي الله عنه - إلى السوق فإذا هو بنصراني يبيع درعا فعرف
علي الدرع فقال له: هذه درعي، بيني وبينك قاضي المسلمين، وكان علي استقضى
شريحا فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلس القضاء وأجلس عليا في مجلسه
وجلس شريح قدامه إلى جانب النصراني فقال علي: أما يا شريح لو كان خصمي
مسلما لقعدت معه مجلس الخصم ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم
يقول: لا تصافحوهم ولا تبدؤوهم بالسلام ولا تعودوا مرضاهم ولا تصلوا عليهم وألجئوهم
إلى مضايق الطريق وصغروهم كما صغرهم الله، اقض بيني وبينه يا شريح، فقال:
ما تقول يا أمير المؤمنين؟ - فقال علي: هذه درعي ذهبت مني منذ زمان فقال شريح:
ما تقول يا نصراني؟ - فقال: ما أكذب أمير المؤمنين، الدرع درعي، فقال شريح:
ما أرى أن تخرج من يده فهل لك بينة؟ - فقال علي: صدق شريح، فقال النصراني:
أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين يجئ إلى قاضيه، وقاضيه يقضي
عليه هي والله يا أمير المؤمنين درعك، اتبعتك مع الجيش وقد زالت عن جملك الأورق
فأخذتها فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم،
فقال علي: أما إذا أسلمت فهي لك وحمله على فرس عتيق.
قال الشعبي: لقد رأيته يقاتل المشركين.
وفي رواية: أنه فرض له ألفين وقتل معه يوم صفين.
722

وفي رواية: أن المخاصم كان يهوديا، وأن شريحا لما طلب البينة جاءه
بابنه الحسن وغلامه قنبر فقال شريح: زدني شاهدا مكان الحسن، فقال: أترد شهادة
الحسن؟ - فقال: لا، ولكني حفظت أنك قلت: لا تجوز شهادة الولد لوالده، فقال
علي: الحق بنا نقيا).
التعليقة 23:
(ص 130)
تحقيق حول كلامه (ع) لمصدقه
أي عامل الصدقة وآخذها
قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب كتب أمير المؤمنين عليه السلام ووصاياه
إلى عماله (ص 641 - 642) بعد ما نقل عن نهج البلاغة وصية له عليه السلام صدرها
السيد الرضي (ره) بهذه العبارة (من وصية له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على
الصدقات، وإنما ذكرنا هنا جملا منها ليعلم بها أنه عليه السلام كان يقيم عماد الحق ويشرع
أمثلة العدل في صغير الأمور وكبيرها ودقيقها وجليلها) وبعد إيراد بيان لتفسير
مشكلاتها وتوضيح معضلاتها: (أقول: أخرجته من الكافي في كتاب أحواله بتغيير ما.
رواه في كتاب الغارات عن يحيى بن صالح عن الوليد بن عمرو عن عبد الرحمن
ابن سليمان عن جعفر بن محمد قال: بعث علي عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها
فقال: عليك يا عبد الله بتقوى الله، ولا تؤثرن دنياك على آخرتك، وكن حافظا لما
ائتمنتك عليه راعيا لحق الله حتى تأتي نادي بني فلان فإذا قدمت عليهم فانزل
بفنائهم من غير أن تخالط أبياتهم (ثم ساق الحديث نحوا مما مر في الكتاب إلى
قوله عليه السلام): إلا كان معنا في الرفيق الأعلى).
وقال أيضا في كتاب الزكاة من البحار وهو المجلد العشرون في باب
أدب المصدق بعد نقل الوصية المشار إليها عن نهج البلاغة ما نصه (أنظر ص 24):
(كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي عن يحيى بن صالح الجريري قال:
723

أخبرنا أبو العباس الوليد بن عمرو وكان ثقة عن عبد الرحمن بن سليمان عن جعفر -
ابن محمد قال: بعث علي عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال: يا عبد الله عليك
بتقوى الله (وساق الحديث نحو ما مر بأدنى تغيير)).
أقول: الوصية موجودة في نهج البلاغة في باب المختار من كتبه عليه السلام وشرحه
ابن أبي الحديد على سبيل التفصيل فإن شئت فراجع شرح النهج له (ج 3، 434).
ثم إن قول المجلسي (ره): (أخرجته من الكافي في كتاب أحواله بتغيير ما) إحالة
على المجلد الثالث فإنه (ره) أورد في ذلك المجلد في (باب جوامع مكارم أخلاقه وآدابه
وسننه وعدله وحسن سياسته) الحديث المشار إليه نقلا عن الكافي مع بيان مختصر
لبعض فقراته ثم قال: (أقول: رواه في نهج البلاغة بتغيير وأوردته في كتاب الفتن)
(أنظر ص 537 - 538).
ثم إن في الكافي ذيلا للحديث وهو هكذا:
(قال: ثم بكى أبو عبد الله عليه السلام ثم قال: يا بريد لا والله ما بقيت لله حرمة
إلا انتهكت ولا عمل بكتاب الله وسنة نبيه في هذا العالم ولا أقيم في هذا الخلق حد منذ
قبض الله أمير المؤمنين عليه السلام ولا عمل بشئ من الحق إلى يوم الناس هذا ثم قال:
أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويرد الله
الحق إلى أهله، ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه صلى الله عليه وآله فأبشروا ثم أبشروا ثم
أبشروا، فوالله ما الحق إلا في أيديكم).
والحديث مذكور في الكافي في كتاب الزكاة في باب أدب المصدق بهذا
السند (علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن بريد بن معاوية
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى
باديتها (الحديث)) (أنظر مرآة العقول، ج 3، ص 192).
ونقله المحدث النوري (ره) في المستدرك في كتاب الزكاة في باب ما
يستحب للمصدق والعامل استعماله من الآداب (ج 1، ص 516، س 4).
724

التعليقة 24
(ص 131)
أبو معاوية عمار بن معاوية الدهني
قال البخاري في التاريخ الكبير (ج 7، ص 28): (عمار بن معاوية أبو معاوية
الدهني، ودهن قبيلة من بجيلة الكوفي سمع أبا الطفيل وسعيد بن جبير روى عنه
ابن عيينة، قال وكيع: عن سفيان عن عمار بن معاوية، وقال أحمد بن يونس عن زهير
عن عمار بن أبي معاوية وتابعه يعلى عن الأجلح عن عمار بن أبي معاوية، وقال أبو صخر -
حميد وأبو مودود: عمار أبو معاوية وابنه معاوية بن عمار وقال نعيم: عن ابن المبارك
عن عنبسة بن سعيد عن عمار بن أبي معاوية).
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (ج 6، ص 390):
(عمار الدهني وهو عمار بن أبي معاوية أبو معاوية البجلي وهي قبيلة من
بجيلة كوفي، روي عن سعيد بن جبير، روي عنه الأجلح وسفيان الثوري وزهير
ابن معاوية وعنبسة بن سعيد قاضي الري وأبو صخر حميد بن زياد، وأبو مودود،
سمعت أبي يقول ذلك. قال أبو محمد: وروي عنه سفيان بن عيينة حدثنا عبد الرحمن
أخبرنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال: سمعت أبي يقول: عمار بن
أبي معاوية هو عمار الدهني وهو ثقة، حدثنا عبد الرحمن قال: ذكره أبي عن إسحاق
ابن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: عمار الدهني ثقة. حدثنا عبد الرحمن
قال: سألت أبي عن عمار الدهني فقال: ثقة).
وفي تقريب التهذيب: (عمار بن معاوية الدهني بضم أوله وسكون الهاء
بعدها نون أبو معاوية البجلي الكوفي صدوق يتشيع، من الخامسة / م 4) وفي تهذيب -
التهذيب في ترجمته: (روي عن سالم بن أبي الجعد وأبي جعفر الباقر (إلى أن قال)
وعنه ابنه معاوية وشعبة والسفيانان (إلى أن قال) وقال ابن المديني عن سفيان: قطع
بشر بن مروان عرقوبيه في التشيع (إلى آخر ما قال)) وفي اللباب: (الدهني
725

بضم الدال المهملة وسكون الهاء وفي آخرها نون، هذه النسبة إلى دهن بن معاوية
ابن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار وهو بطن من بجيلة منهم عمار بن معاوية الدهني
(إلى آخر ما قال)).
أقول: الرجل مذكور في كتب تراجم الشيعة ورواياتهم بعناوين متعددة
فتارة بعنوان (عمار بن خباب) وأخرى بعنوان (عمار بن معاوية) وثالثة بعنوان
(عمار الدهني) والمراد بالعناوين رجل واحد وهو أبو (معاوية بن عمار) المعروف بين
رواة الشيعة ففي تنقيح المقال عن المقدسي: (عمار بن أبي معاوية ويقال: ابن -
معاوية ويقال: ابن خباب، ويقال: ابن صالح الدهني البجلي الكوفي مولى الحكم
بن عقيل (انتهى)) وذكر في جامع الرواة رواية سفيان بن عيينة عنه عن علي بن
الحسين عليهما السلام في الكافي في باب الشكر.
التعليقة 25
(ص 134)
تحقيق حول قوله عليه السلام: ألا تراني كيسا مكيسا
قال ابن الأثير في النهاية: (وفي حديث علي: أنه بني سجنا وسماه
المخيس وقال: بنيت بعد نافع مخيسا * بابا حصينا وأمينا كيسا
نافع اسم حبس كان له من قصب هرب منه طائفة من المحبسين فبنى هذا من
مدر وسماه المخيس وتفتح ياؤه وتكسر يقال: خاس الشئ يخيس إذا فسد وتغير،
والتخييس التذليل، والإنسان يخيس في الحبس أي يذل ويهان والمخيس بالفتح
موضع التخييس وبالكسر فاعله، ومنه الحديث إن رجلا سار معه على جمل قد نوقه
وخيسه أي راضه وذلله بالركوب، وفي حديث معاوية إنه كتب إلى الحسين بن
علي: إني لم أكسك ولم أخسك أي لم أذلك، ولم أهنك أو لم أخلفك وعدا).
وقال الجوهري: (خيسه تخييسا أي ذلله ومنه المخيس وهو اسم سجن
726

كان بالعراق أي موضع التذليل وقال:
أما تراني كيسا مكيسا * بنيت بعد نافع مخيسا
وكل سجن مخيس ومخيس أيضا قال الفرزدق:
فلم يبق إلا داخر في مخيس * ومنجحر في غير أرضك في جحر).
قال ابن منظور في لسان العرب: (وفي الحديث أن رجلا سار معه على
جمل قد نوقه وخيسه أي راضه وذلله بالركوب، وفي حديث معاوية: إنه كتب
إلى الحسين بن علي رضوان الله عليه: إني لم أكسك ولم أخسك أي لم أذلك
ولم أهنك ولم أخلفك وعدا ومنه وهو سجن كان بالعراق، قال ابن سيدة:
والمخيس السجن لأنه يخيس المحبوسين وهو موضع التذليل وبه سمي سجن الحجاج
مخيسا، وقيل: هو سجن بالكوفة بناه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله
عليه، وفي حديث علي: إنه بنى حبسا وسماه المخيس وقال:
أما تراني كيسا مكيسا * بنيت بعد نافع مخيسا * بابا كبيرا وأمينا كيسا
نافع سجن بالكوفة وكان غير مستوثق البناء وكان من قصب فكان المحبوسون
يهربون منه وقيل: إنه نقب وأفلت منه المحبسون فهدمه علي رضي الله عنه وبني
المخيس لهم من مدر وكل سجن مخيس ومخيس أيضا).
وقال الفيروزآبادي في القاموس: (والمخيس كمعظم ومحدث السجن
وسجن بناه علي - رضي الله عنه - وكان أولا جعله من قصب وسماه نافعا فنقبه
اللصوص فقال:
أما تراني كيسا مكيسا * بنيت بعد نافع مخيسا
بابا حصينا وأمينا كيسا
وقال الزبيدي في تاج العروس بعد شرحه بنظير ما مر نقله عن سائر
اللغويين: قال شيخنا تبعا للبدر: (وهذا ينافي ما سيأتي له في (ود ق) أنه لم يثبت
عنه أنه قال شعرا إلى آخره فتأمل. قلت: ويمكن أن يجاب: أن هذا رجز ولا يعد
من الشعر عند جماعة، وقد تقدم البحث في ذلك في (ر ج ز) فراجعه).
727

التعليقة 26
(ص 156)
نقل الخطبة برواية نصر بن مزاحم
ذكر نصر بن مزاحم في كتاب صفين الخطبة المذكورة في المتن باختلاف يسير في
بعض الكلمات أحببت أن أذكرها هنا لكثرة فوائدها وهذا نص تعبيره (ص 7 طبعة
إيران، و ص 13 طبعة مصر): (حدثنا نصر عن أبي عبد الله سيف بن عمر عن الوليد
ابن عبد الله عن أبي طيبة عن أبيه قال: أتم علي الصلاة يوم دخل الكوفة فلما كانت
الجمعة وحضرت الصلاة صلى بهم وخطب خطبة.
نصر - قال أبو عبد الله عن سليمان بن المغيرة عن علي بن الحسين خطبة
علي بن أبي طالب في الجمعة بالكوفة والمدينة أن:
الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من الضلالة، من يهد الله
فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن
محمدا عبده ورسوله، انتجبه لأمره واختصه بالنبوة، أكرم خلقه عليه، وأحبهم إليه
فبلغ رسالة ربه ونصح لأمته وأدى الذي عليه، وأوصيكم بتقوى الله فإن تقوى الله
خير ما تواصى به عباد الله، وأقربه لرضوان الله، وخيره في عواقب الأمور عند الله،
وبتقوى الله أمرتم، وللإحسان والطاعة خلقتم، فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه
فإنه حذر بأسا شديدا، واخشوا الله خشية ليست بتعذير، واعملوا في غير رياء ولا -
سمعة، فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل له، ومن عمل لله خالصا تولى الله
أجره، وأشفقوا من عذاب الله فإنه لم يخلقكم عبثا، ولم يترك شيئا من أمركم سدي،
قد سمى آثاركم، وعلم أعمالكم، وكتب آجالكم، فلا تغتروا بالدنيا فإنها غرارة
بأهلها، مغرور من اغتر بها، وإلى فناء ما هي، إن الآخرة هي دار الحيوان لو كانوا
يعلمون، أسأل الله منازل الشهداء، ومرافقة الأنبياء، ومعيشة السعداء، فإنما نحن
به وله. ثم إن عليا عليه السلام أقام بالكوفة واستعمل العمال).
728

التعليقة 27
(ص 171)
أقوال العلماء حول الحديث وعظمته
قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق رضي الله عنه
في كتاب التوحيد في باب التوحيد ونفي التشبيه (أنظر الحديث الثالث):
(حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن
أبي عبد الله الكوفي وأحمد بن يحيى بن زكريا القطان عن بكر بن عبد الله بن حبيب
عن تميم بن بهلول عن أبيه عن أبي معاوية عن الحسين بن عبد الرحمن عن أبيه عن
أبي عبد الله عن أبيه عن جده عليهم السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام استنهض الناس في حرب
معاوية في المرة الثانية فلما حشد الناس قام خطيبا فقال الحمد الله (الحديث باختلاف
يسير في آخره ثم قال):
وحدثنا بهذه الخطبة أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ قال: حدثنا محمد بن العباس
ابن بسام قال: حدثني أبو زيد سعيد بن محمد البصري قال: حدثتني عمرة بنت أوس
قالت: حدثني جدي الحصين بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي عبد الله جعفر بن محمد
عن أبيه عن جده عليهم السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب بهذه الخطبة لما استنهض
الناس في حرب معاوية في المرة الثانية).
وقال الكليني - قدس الله روحه ونور ضريحه - في باب جوامع التوحيد
من أصول الكافي (ج 1 مرآة العقول، ص 91 - 93): (محمد بن أبي عبد الله ومحمد
ابن يحيى جميعا رفعاه إلى أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام استنهض الناس
في حرب معاوية في المرة الثانية فلما حشد الناس قام خطيبا فقال: الحمد لله الواحد
الأحد الصمد (وبعد أن نقل الخطبة إلى آخرها قال): وهذه الخطبة من مشهورات
خطبه عليه السلام حتى لقد ابتذلها العامة وهي كافية لمن طلب علم التوحيد إذا تدبرها
وفهم ما فيها، فلو اجتمعت ألسنة الجن * فيها لسان نبي على أن يبينوا
729

التوحيد بمثل ما أتى به بأبي وأمي عليه السلام ما قدروا عليه، ولولا إبانته عليه السلام ما علم
الناس كيف يسلكون سبيل التوحيد، ألا ترون إلى قوله: (لا من شئ كان، ولا من
شئ خلق ما كان) فنفى بقوله عليه السلام: (لا من شئ كان) معنى الحدوث،
وكيف أوقع على ما أحدثه صفة الخلق والاختراع بلا أصل ولا مثال، نفيا لقول من
قال: (إن الأشياء كلها محدثة بعضها من بعض) وإبطالا لقول الثنوية الذين زعموا
(أنه لا يحدث شيئا إلا من أصل ولا يدبر إلا باحتذاء مثال) فدفع عليه السلام بقوله:
(لا من شئ خلق ما كان)، جميع حجج الثنوية وشبههم لأن أكثر ما يعتمد
الثنوية في حدوث العالم أن يقولوا: لا يخلو من أن يكون الخالق خلق الأشياء من شئ
أو لا من شئ، فقولهم: من شئ، خطأ، وقولهم: من لا شئ، مناقضة وإحالة، لأن
من يوجب شيئا ولا شئ ينفيه فأخرج أمير المؤمنين عليه السلام هذه اللفظة على أبلغ
الألفاظ وأصحها فقال عليه السلام: لا من شئ خلق ما كان، فنفى (من) إذ كانت توجب
شيئا، ونفى (الشئ) إذ كان كل شئ مخلوقا محدثا لا من أصل أحدثه الخالق
كما قالت الثنوية: إنه خلق من أصل قديم فلا يكون تدبير إلا باحتذاء مثال.
ثم قوله عليه السلام: (ليست له صفة تنال ولا حد تضرب له فيه الأمثال، كل دون
صفاته تحبير اللغات) فنفي عليه السلام أقاويل المشبهة حين شبهوه بالسبيكة والبلورة وغير -
ذلك من أقاويلهم من الطول والاستواء، وقولهم: متى لم تعقد القلوب منه على كيفية
ولم ترجع إلى إثبات هيئة لم تعقل شيئا فلم تثبت صانعا، ففسر أمير المؤمنين عليه السلام
أنه واحد بلا كيفية، وأن القلوب تعرفه بلا تصوير ولا إحاطة.
ثم قوله عليه السلام: (لا يبلغه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن فتعالى الذي ليس
له وقت معدود ولا أجل ممدود ولا نعت محدود).
ثم قوله عليه السلام (لم يحلل في الأشياء فيقال: هو فيها كائن ولم ينأ عنها،
فيقال: هو منها بائن) فنفى عليه السلام بهاتين الكلمتين صفة الأعراض والأجسام
لأن من صفة الأجسام التباعد والمباينة، ومن صفة الأعراض الكون في الأجسام
بالحلول على غير مماسة، ومباينة الأجسام على تراخي المسافة.
730

ثم قال عليه السلام: (لكن أحاط بها علمه وأتقنها صنعه) أي هو في الأشياء
بالإحاطة والتدبير وعلى غير الملامسة).
وقال الحكيم الشهير المولى صدرا الشيرازي - رحمه الله تعالى - في شرحه
على أصول الكافي بعد ذكر الخطبة وتفسير لغاتها ما نصه (ص 339):
(إعلم أن هذه الخطبة من خطب أمير المؤمنين وسيد الموحدين وإمام الحكماء
الإلهيين والعلماء الراسخين وقدوة الأولياء الواصلين والعرفاء الشامخين وأعلم
الخلائق بالله وتوحيده ما خلا خاتم النبيين صلوات الله عليهما وآلهما الهادين المهديين
مشتملة على مباحث شريفة إلهية ومعارف نفيسة ربانية ومسائل عويصة حكمية
ومطالب علية عقلية لم يوجد مثلها في زبر الأولين والآخرين ولم يسمح بنظيرها
عقول الحكماء السابقين واللاحقين مع قطع النظر عن جودة الألفاظ والعبارات وفصاحة
البيان والاستعارات التي فاق بها على مصاقع البلغاء وأعاظم الأدباء وفحول الخطباء،
وإذ هي واقعة على ترتيب طبيعي فلنعقد لبيانها وشرحها عدة فصول).
فخاض في شرحها ببيان مبسوط مستوفى في عشرين فصلا (راجع ص 339 - 354)
ثم قال (ص 352): (ولما وصف عليه السلام ربه بهذه المحامد الشريفة والتماجيد العظيمة
والتوحيدات القدسية والصفات الأحدية والنعوت الصمدية التي لم يسبقه إليها
بمثلها أحد ولا يلحق شأوه حامد لأنه قدوة الموحدين وإمام العارفين أراد أن ينبه
عليها تنويها بشأنها وابتهاجا وتبجحا بالذات المعروف بها فقال: بذلك أصف ربي
فلا إله إلا الله من عظيم ما أعظمه...! ومن جليل ما أجله..! ومن عزيز ما أعزه...!
وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
قال الشيخ الجليل عمدة المحدثين ثقة الإسلام والمسلمين صاحب كتاب الكافي
- عظم الله قدره وضاعف أجره -: وهذه الخطبة من مشهورات خطبه (الخطبة)).
أقول: إن الخطبة لما كانت في الكافي فكل من شرح الكتاب شرحها مضافا
إلى أن الخطبة منقولة في كتاب التوحيد للصدوق (ره) فكل من شرح الكتاب
المذكور شرحها فلها شروح كثيرة وشرحها المولى محسن الفيض (ره) في الوافي
731

(أنظر باب جوامع التوحيد ص 67 - 68 من الطبعة الثانية من المجلدة
الأولى) والعلامة المجلسي (ه) في المجلد الثاني من البحار في باب جوامع -
التوحيد (ص 191 - 192) فمن ثم لا نخوض في تفسير لغاتها وتوضيح مشكلاتها
لكن نشير إلى بعض المهمات التي تفيد الناظرين في الكتاب إن شاء الله تعالى.
ثم لا يخفى أن هذه الخطبة بناء على رواية الكليني (ره) والصدوق (ره)
أوردها أمير المؤمنين عليه السلام في استنهاض الناس للجهاد وحثهم وتحريضهم على القتال
لكن مضامينها تأبي عن ذلك ولا تساعد هذه النسبة بوجه من الوجوه لعدم ذكر كلمة
فيها مربوطة بالجهاد فضلا عن وجود فقرة دالة عليه لكنها بناء على ما ذكره
صاحب الغارات من (أنه عليه السلام قد أجاب بها عن قول سائل سأله عن صفة الرب)
أوفق للمقام وأنسب للمرام وبها تحصل مطابقة تامة بين السؤال والجواب، وهذا
ظاهر لمن تدبر.
التعليقة 28
(ص 171)
أقوال العلماء حول كلمة (قدرة) أو (بقدرة)
قال المحدث النوري (ره) في خاتمة المستدرك في ترجمة الحكيم المتأله
الفاضل محمد بن إبراهيم الشيرازي الشهير بملا صدرا (ره) ما نصه (ج 3، ص 422
- 424):
(ومن تصانيفه شرح أصول الكافي (إلى أن قال) وفيه منه أوهام عجيبة بل في كتاب
التوحيد منه وهم لم يسبقه إلى مثله أحد ولم يلحقه أحد، ففي أول باب جوامع التوحيد:
(محمد بن أبي عبد الله ومحمد بن يحيى جميعا رفعا إلى أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين
عليه السلام استنهض الناس في حرب معاوية في المرة الثانية فلما حشر (ظ: حشد)
الناس قام خطيبا فقال:
الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد الذي لا من شئ كان ولا من شئ
732

خلق ما كان، قدرة بان بها من الأشياء وبانت الأشياء منه، فليست له صفة تنال
ولا حد يضرب فيه الأمثال (الخطبة).
والمضبوط فيما رأينا من النسخ الصحيحة وعليه مبنى شروح الكافي من غيره
(القدرة) بالقاف بمعناها المعروف المناسب في المقام:
قال تلميذه في الوافي في البيان:
(ولا من شئ خلق ما كان، تحقيق لمعنى الابداع الذي هو تأييس الآيس
من الليس المطلق لا من مادة ولا بمدة، وهذا في كل الوجود أو على ما هو التحقيق
عند العارفين، وإن كان في الكائنات تكوين من موادها المخلوقة إبداعا لا من شئ
عند الجماهير، قدرة منصوب على التمييز أو بنزع الخافض يعني ولكن خلق الأشياء
قدرة أو بقدرة، أو مرفوع أي له قدرة، أو هو قدرة فإن صفته عين ذاته (انتهى)).
وقال الحكيم المتأله الميرزا رفيع الدين النائيني في شرحه:
(وقوله عليه السلام: قدرة بان بها من الأشياء: أي له قدرة بان بهذه القدرة
من الأشياء فلا يحتاج أن يكون الصدور والحدوث عنه في مادة بأن يؤثر في مادة
فينقلها من حالة إلى حالة كغيره سبحانه، فإن التأثير من غيره لا يكون إلا في
مادة بل إيجادا لا من شئ بأمر كن، وبانت الأشياء منه سبحانه بعجزها عن التأثير
لا في مادة فليست له صفة تنال).
وقال المولى محمد صالح الطبرسي في شرحه:
ولا من شئ خلق ما كان، قدرة، الظاهر أن كان تامة بمعنى وجد، وقدرة
بالنصب على التميز أو بنزع الخافض وإن كان شاذا في مثله، وفي بعض نسخ هذا
الكتاب وفي كتاب التوحيد للصدوق: بقدرة، وهو يؤيد الثاني، أي لم يخلق
ما وجد من الممكنات بقدرته الكاملة من مثال سابق يكون أصلا له ودليلا عليه
لا من مادة أزلية كما زعمت الفلاسفة من أن الأجسام لها أصل أزلي هي المادة،
بل هو المخترع للمكنات بما فيها من المقادير والأشكال والنهايات: والمخترع للمخلوقات بما لها من الهيئات والآجال والغايات بمحض القدرة على وفق الإرادة
733

والحكمة، ويحتمل أن يقرأ: قدرة، بالرفع على الابتداء، أي له قدرة بان بها،
أي بتلك القدرة الكاملة التي لا يتأبى منها شئ من الأشياء، وبانت الأشياء منه لتحقق
تلك القدرة له لا لغيره (انتهى).
وقال العلامة المجلسي (ره) في مرآة العقول:
قوله عليه السلام قدرة، أي له قدرة أو هو عين القدرة بناء على عينية الصفات،
وقيل: نصب على التمييز أو على أنها منزوع الخافض أي ولكن خلق الأشياء قدرة
أو بقدرة وفي التوحيد: قدرته، فهو مبتدء وبان بها خبره أو خبره كافية فكانت
جملة استينافية فكأن سائلا سأل وقال: كيف خلق لا من شئ؟ فأجاب بأن قدرته
كافية.
إلى غير ذلك من كلماتهم التي يشبه بعضها بعضا في شرح الفقرة المذكورة
واتفاقهم على كون الكلمة (قدرة) بالقاف.
وأما المولى المذكور فقرأها: فدرة، بالفاء وهي كما في القاموس وغيره قطعة
من اللحم ومن الليل ومن الجبل، ولم يقنع بذلك حتى جعلها أصلا ورتب عليه ما
لا ربط له بالفقرة المذكورة فقال بعد مدح الخطبة وتوصيفها بما هي أهلها:
فلنعقد لبيانها وشرحها عدة فصول (إلى أن قال):
الفصل الثالث في نفي التركيب عنه تعالى:
قوله عليه السلام: ما كان قدرة بان بها من الأشياء وبانت الأشياء منه يعني أنه
بسيط الذات أحدي الحقيقة، بذاته يمتاز عن الأشياء وتمتاز الأشياء عنه بذواتها
لا ببعض من الذات وإنما يقع الامتياز بفصل ذاتي بين الأمور التي كان اشتراكها
بالذات أو بأمر مقوم للذات كالإنسان والفرس فإنهما لما اشتركا في أمر ذاتي
كالحيوانية فلا بد أن يفترقا أيضا بأمر ذاتي وبعض من الذات سواء كان محسوسا
أو معقولا، ففي الإنسان بعض به امتاز عن الفرس وبان منه وهو معنى الناطقية، وكذا
الفرس بان من الإنسان ببعض منه كالصاهلية أو بسلب النطق كالعجم، والخط
الطويل والخط الصغير مثلا تقع البينونة بينهما بعد اشتراكهما في طبيعة الخطية
734

بقطعة من الخط بان بها الطويل من القصير وبان القصير من الطويل بوجودها في
أحدهما وعدمها في الآخر فعبر عن الفصل المميز للشئ عما عداه من الأشياء بالفدرة
وهي القطعة تمثيلا وتشبيها لمطلق الفصل الذاتي سواء كان في المعاني والمعقولات أو في
الصور والمحسوسات وسواء كان في المقادير أو في غيرها بالقطعة من الشئ المتكمم التي
تقع بها البينونة والاختلاف بينه وبين متكمم آخر من جنسه، فالباري جل اسمه إذ
ليس في ذاته تركيب بوجه من الوجوه سواء كان عقليا أو خارجيا، ولا أيضا موصوف
بالتقدير والكمية فليس امتيازه عن الأشياء وامتياز الأشياء عنه إلا بنفس ذاته
المقدسة، وليس كمثله شئ بوجه من الوجوه (انتهى).
وأنت خبير بأن (ما) موصولة وجملة (ما كان) متعلقة ب‍ (خلق) و (لا)
نافية كما عليه بناء كلامه ويكون ابتداء الجملة، ويصير قوله عليه السلام: خلق، بلا -
متعلق، ثم إن استعمال هذه الكلمة الغريبة الوحشية الغير المعهودة في كلماتهم
عليهم السلام خصوصا في هذه الخطبة البليغة التي صرح بأنها في أعلى درجة الفصاحة
ما لا يخفى.
مع أن في التعبير عن الفصل المميز بقطعة من اللحم من البرودة والبشاعة
ما لا يحصى، بل على ما فسره فاللازم أن يكون الكلام هكذا: ما كان له فدرة،
أي فصل يميزه عما عداه، وعلى ما ذكره في آخر كلامه من أن امتيازه عن الأشياء
وامتيازها عنه تعالى بنفس ذاته المقدسة فالمناسب حينئذ أن يكون (ما كان) متعلقا
بالسابق ويكون (الفدرة) خبرا للمحذوف أي تعالى فدرة بان بها من الأشياء وبانت
الأشياء منه، وهذا أحسن من نفيها عنه كما لا يخفى).
735

التعليقة 29
(ص 178)
الإشارة إلى موارد نقل الحديث
قال المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب ذكر أصحاب النبي (ص) وأمير -
المؤمنين (ع) (ص 733، س 26): (كتاب الغارات عن أبي عمر والكندي قال: كنا
(فساق الحديث إلى قوله: فقام إليه ابن الكواء)) فقال: (فسأله عن مسائل أوردناها
في محالها) وقال المحدث النوري (ره) في نفس الرحمن في فضائل سلمان
في أوائل الباب الخامس الذي في غزارة علمه وحكمته: (وعن كتاب الغارات للشيخ
الثقة الجليل إبراهيم بن محمد الثقفي مرسلا عن أبي عمرو الكندي قال: كنا ذات
يوم عند علي عليه السلام فوافق الناس منه طيب نفس ومزاح (فساق الحديث إلى هنا
أي إلى قوله: فسألوني ثم قال:) الخبر، ورواه القرماني في كتاب أخبار الدول إلا
أنه لتأسيه بسلفه ممن حرف الكلم عن مواضعه ساق الخبر إلى قوله: قلنا: فحدثنا،
وحذف آخره مما يتعلق بفضله عليه السلام) وأشار إلى ذلك أيضا في أوائل الباب الثاني: (ونقل
في البحار عن كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي في حديث طويل يأتي
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لما سألوه عن سلمان الفارسي، من لكم بمثل لقمان؟!
ذلك امرء منا وإلينا أهل البيت. ورواه الصدوق في الأمالي بسند يأتي والقرماني
من العامة في أخبار الدول مع اختلاف سنشير إليه).
أقول: نقله أيضا ابن عساكر في تاريخه في ترجمة ابن الكواء (ج 7،
ص 300) ونص عبارته:
(وأخرج الحافظ عن النزال بن سبرة الهلالي قال: وافقنا من علي بن أبي -
طالب ذات يوم طيب نفس ومزاح فقلنا له: حدثنا عن نفسك فقال: قد نهي الله عن
التزكية، فقلنا: أن الله يقول: وأما بنعمة ربك فحدث، قال: كنت امرء أبتدئ
فأعطي وأسكت فأبتدي وإن تحت الجوانح مني لعلما جما، سلوني، فقام ابن الكواء
736

فقال له: ما السماء ذات الحبك؟ (فساق الحديث إلى آخره قريبا مما في المتن)).
وقال أيضا هناك لكن قبل ما نقلناه (ص 299) (وروى الحافظ عن علي بن
ربيعة أن ابن الكواء سأل عليا: ما الذاريات ذروا؟ - قال: الريح، قال: فما
الحاملات وقرا؟ قال: السحاب، قال: فما الجاريات يسرا؟ قال: السفن، قال: فما
المقسمات أمرا؟ قال: الملائكة، قال: ما هذه اللطمة في القمر؟ قال: قال الله عز وجل:
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة، يا ابن -
الكواء أما والله ما العلم أردت ولكنك أردت العنت، فكيف بقولك ثكلتك أمك
لو تعنت؟، يا ابن الكواء من رب الناس؟ قال: الله، قال: فمن مولى الناس؟ قال:
الله، قال: كذبت، الله مولى الذين آمنوا وإن الكافرين لا مولى لهم).
التعليقة 30
(ص 178)
ابن الكواء عبد الله بن أوفى
قال ابن النديم في الفهرست في الفن الأول من المقالة الثالثة:
(ابن الكواء واسمه عبد الله بن عمرو من بني يشكر كان ناسبا عالما وكان من
الشيعة من أصحاب علي عليه السلام قال [أي اليزيدي] واحتجوا بأن ابن الكواء كان
ناسبا بقول مسكين الدارمي:
هلم إلى بني الكواء تقضوا * بحكمهم بأنساب الرجال)
وقال ابن دريد في الاشتقاق عند ذكره بني يشكر من بكر بن وائل
(ص 340):
(ومنهم عبد الله بن عمرو وهو الذي يقال له: ابن الكواء وكان خارجيا
وكان كثير المسألة لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان يسأله تعنتا) وقال
ابن قتيبة في المعارف تحت عنوان (النسابون وأصحاب الأخبار) ما نصه:
(ومنهم ابن الكواء الناسب وهو عبد الله بن عمرو من بني يشكر، وكان ناسبا
737

عالما كبيرا وفيه يقول مسكين الدارمي:
هلم إلى بني الكواء تقضوا * بحكمهم بأنساب الرجال
وقيل لأبيه (الكواء) لأنه كوى في الجاهلية):
وقال الفيروزآبادي: (الكواء كشداد الخبيث الشتام، وأبو الكواء من
كناهم) وفي تاج العروس: وإنما قيل للخبيث الشتام: الكواء، لأنه يكوي
الناس بلسانه كيا، وابن الكواء تابعي روى عن علي رضي الله تعالى عنه).
وقال ابن عساكر في تاريخه (ج 7، ص 297): (عبد الله بن أوفى ويقال:
عبد الله بن عمرو بن النعمان بن ظالم بن مالك أبو الكواء اليشكري المعروف بابن الكواء
سمع عليا ومعاوية (فخاض في ترجمته على سبيل البسط والتفصيل)) وفي ثامن البحار في باب
قتال الخوارج (ص 600، س 25): (قال [أي ابن أبي الحديد في شرح النهج]:
وروى أنس بن عياض المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام أن عليا عليه السلام
كان يوما يؤم الناس وهو يجهر بالقراءة فجهر ابن الكواء من خلفه: ولقد أوحى
إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين، فلما
جهر ابن الكواء من خلفه بها سكت علي عليه السلام فلما أنهاها ابن الكواء عاد علي
عليه السلام فأتم قراءته، فلما شرع علي عليه السلام في القراءة أعاد ابن الكواء الجهر
بتلك الآية فسكت علي عليه السلام، فلم يزالا كذلك، يسكت هذا ويقرأ ذاك، مرارا، حتى
قرأ علي عليه السلام: فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون، فسكت ابن -
الكواء وعاد علي عليه السلام إلى قراءته) وأيضا في ثامن البحار في باب ما جرى بينه
عليه السلام وبين ابن الكواء (ص 620، س 44) نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم القمي (ره):
كان علي بن أبي طالب عليه السلام يصلي وابن الكواء خلفه وأمير المؤمنين عليه السلام
يقرأ فقال ابن الكواء (فذكر نحوا مما نقله عن ابن أبي الحديد)) وأشار المحدث
القمي (ره) في الكنى والألقاب إلى ذلك وأشار في سفينة البحار إليه وإلى موارد
أسئلته عن علي عليه السلام وقال ابن سعد في الطبقات في ترجمة طلحة بن عبيد الله،
ج 3 من طبعة بيروت، ص 224: (قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن طلحة بن يحيى
738

قال: أخبرني أبو حبيبة قال: جاء عمران بن طلحة إلى علي فقال: تعال ههنا يا ابن -
أخي فأجلسه على طنفسته فقال: والله إني لأرجو أن أكون أنا وأبو هذا ممن
قال الله: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين، فقال له ابن -
الكواء: الله أعدل من ذلك فقام إليه بدرته فضربه وقال: أنت لا أم لك وأصحابك
تنكرون هذا؟) وفي المجلد الثامن منه في ترجمة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله
(ص 25): (أخبرنا عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا عطاء بن السائب،
عن أبيه، عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما زوجه فاطمة بعث معها بخملة ووسادة -
أدم حشوها ليف ورحائين وسقاء وجرتين قال: فقال علي لفاطمة ذات يوم: والله
لقد سنوت حتى قد اشتكيت صدري وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه،
فقالت: وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما جاء
بك يا بنية؟ - قالت: جئت لا سلم عليك واستحيت أن تسأله ورجعت، فقال: ما
فعلت؟ - قالت: استحييت أن أسأله فأتياه جميعا فقال علي: والله يا رسول الله لقد
سنوت حتى اشتكيت صدري وقالت فاطمة: قد طحنت حتى مجلت يداي وقد أتى
الله بسبي وسعة فأخدمنا قال: والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم
لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم، فرجعا فأتاهما النبي صلى الله عليه وآله
وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطيا رؤوسهما تكشفت أقدامها، وإذا غطيا أقدامهما
تكشفت رؤوسهما فثارا، فقال: مكانكما ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ - فقالا:
بلى، فقال: كلمات علمنيهن جبرئيل تسبحان في دبر كل صلاة عشرا، وتحمدان
عشرا، وتكبران عشرا، وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا
ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، قال: فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله
فقال له ابن الكواء: ولا ليلة صفين؟ - فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق ولا ليلة
صفين).
739

التعليقة 31
(ص 182) تحقيق حول حديث ذي القرنين
نقل الصدوق (ره) في كمال الدين في الباب الثامن والثلاثين تحت
عنوان (ما روي من حديث ذي القرنين) أحاديث منها ما رواه بإسناده عن الأصبغ -
بن نباتة قال: قام ابن الكواء إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
وهو على المنبر فقال له: يا أمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين نبيا كان أو ملكا؟
وأخبرني عن قرنيه أذهبا كان أو فضة؟ - فقال له عليه السلام: لم يكن نبيا ولا ملكا
ولا كان قرناه من ذهب ولا فضة ولكنه كان عبدا أحب الله فأحبه الله ونصح لله
فنصحه الله، وإنما سمي ذا القرنين لأنه دعا قومه فضربوه على قرنه فغاب عنهم
حينا ثم عاد إليهم فضرب على قرنه الآخر، وفيكم مثله) ونقله ابن عساكر في
تاريخه (ج 7، ص 300) بهذه العبارة: (فقال ابن الكواء لعلي: أفرأيت
ذا القرنين نبيا كان أم ملكا؟ - قال: لم يكن واحدا منهما ولكنه كان عبدا صالحا
أحب الله فأحبه، وناصح الله فنصحه، ودعا قومه إلى الهدى فضربوه على قرنه فانطلق
فمكث ما شاء الله أن يمكث، فدعاهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الآخر فسمي
ذا القرنين ولم يكن له قرنان كقرني الثور) وفي المجلد الخامس من البحار
(ص 160) نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي بصير عن أبي -
عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله تعالى: يسألونك عن ذي القرنين قل
سأتلو عليكم منه ذكرا قال: إن ذا القرنين بعثه الله تعالى إلى قومه فضرب على
قرنه الأيمن فأماته الله خمسمائة عام ثم بعثه إليهم بعد ذلك فملكه مشارق الأرض
ومغاربها من حيث تطلع الشمس إلى حيث تغرب فهو قوله: حتى إذا بلغ مغرب
الشمس وجدها تغرب في عين حمئة (إلى أن قال) وسئل أمير المؤمنين (ع) عن
ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا؟ - فقال: لا نبيا ولا ملكا بل عبدا أحب الله فأحبه
740

الله ونصح لله فنصح له فبعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه الأيمن فغاب عنهم ما
شاء الله أن يغيب، ثم بعثه الله الثانية فضربوه على قرنه الأيسر فغاب عنهم ما شاء الله
أن يغيب، ثم بعثه الله الثالثة فمكن الله له في الأرض، وفيكم مثله يعني نفسه، فبلغ
مغرب الشمس فوجدها تغرب في عين حمئة). وقال محمد بن علي بن شهرآشوب
قدس الله سره في كتاب المناقب في فصل في أنه الشاهد والشهيد وذو القرنين
(ص 63 جزء 3 من طبعة بمبئي سنة 1313): (أبو عبيد في غريب الحديث: إن
النبي صلى الله عليه وآله قال لأمير المؤمنين: إن لك بيتا في الجنة وإنك لذو قرنيها، سويد
ابن غفلة وأبو الطفيل قالا: قال أمير المؤمنين: إن ذا القرنين كان ملكا عادلا
فأحبه الله وناصح الله فنصحه الله، أمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه بالسيف،
فغاب عنهم ما شاء الله، ثم رجع إليهم فدعاهم إلى الله فضربوه على قرنه الآخر بالسيف
فذلك قرناه، وفيكم مثله يعني نفسه، لأنه ضرب على رأسه ضربتين، إحداهما يوم الخندق،
والثانية ضربة ابن ملجم).
أقول: نقله أبو النضر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي
العياشي (ره) في تفسيره في تفسير آية: ويسألونك عن ذي القرنين وأحمد بن أبي طالب
الطبرسي (ره) في كتاب الاحتجاج وغيرهما في غيرهما فلا نطيل الكلام بذكر
أسامي ناقليه وأسامي كتبهم بل نخوض في بيان معناه بما ذكره وفسره به
أهل الفن والخبرة فنقول:
قال أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي المتوفى سنة 224 في كتابه
غريب الحديث (ج 3، ص 78 - 79) ما نصه:
(قال أبو عبيد: في حديث النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام: إن لك بيتا
في الجنة وإنك لذو قرنيها.
قال أبو عبيد: قد كان بعض أهل العلم يتأول هذا الحديث أنه ذو قرني الجنة
يريد طرفيها، وإنما يأول ذلك لذكره الجنة في أول الحديث، وأما أنا فلا أحسبه
أراد ذلك والله أعلم ولكنه أراد أنك ذو قرني هذه الأمة، فأضمر الأمة وإن كان
741

لم يذكرها، وهذا سائر كثير في القرآن وفي كلام العرب وأشعارها أن يكنوا عن الاسم،
من ذلك قول الله تعالى: ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من
دابة [سورة 35، آية 45] وفي موضع آخر: ما ترك عليها من دابة [سورة 16،
آية 61] فمعناه عند الناس الأرض وهو لم يذكرها، وكذلك قوله تعالى: إني
أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب [سورة 38 آية 32] يفسرون
أنه أراد الشمس فأضمرها، وقد يقول القائل: ما بها أعلم من فلان، يعني القرية
والمدينة والبلدة ونحو ذلك، وقال حاتم طئ [الطويل]:
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
أراد النفس فأضمرها.
وإنما اخترت هذا التفسير على الأول لحديث عن علي نفسه هو عندي
مفسر له ولنا وذلك أنه ذكر ذا القرنين فقال:
دعا قومه إلى عبادة الله فضربوه على قرنيه ضربتين، وفيكم مثله، فنرى أنه أراد
بقوله هذا نفسه يعني أني أدعو إلى الحق حتى أضرب على رأسي ضربتين يكون
فيهما قتلي).
وقال الزمخشري في الفائق في قرن (ج 2، ص 327):
(قال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي رضي الله تعالى عنه: إن لك بيتا في الجنة وإنك لذو قرنيها،
الضمير للأمة وتفسيره فيما يروى عن علي رضي الله تعالى عنه أنه ذكر ذا القرنين
فقال: دعا قومه إلى عبادة الله فضربوه على قرنيه ضربتين، وفيكم مثله، يعني نفسه
الطاهرة لأنه ضرب على رأسه ضربتين، إحداهما يوم الخندق، والثانية ضربة
ابن ملجم).
وقال ابن الأثير في النهاية في (ق ر ن) ما نصه:
(س ه‍): وفيه: أنه قال لعلي: إن لك بيتا في الجنة وإنك ذو قرنيها، أي
طرفي الجنة وجانبيها، قال أبو عبيد: وأنا أحسب أنه أراد أنه ذو قرني الأمة فأضمر،
742

وقيل: أراد الحسن والحسين [وفي الهروي] ومنه حديث علي وذكر قصة ذي -
القرنين ثم قال: وفيكم مثله فيرى أنه إنما عنى نفسه لأنه ضرب على رأسه ضربتين
إحداهما يوم الخندق، والأخرى ضربة ابن ملجم).
وقال ابن منظور في لسان العرب (في قرن) ما نصه:
(وقوله صلى الله عليه [وآله] وسلم لعلي: إن لك بيتا في الجنة وإنك
لذو قرنيها أي طرفيها، قال أبو عبيد: ولا أحسبه أراد (فنقل كلامه بتلخيص يسير وزاد
عليه بعد قوله: (يكون فيهما قتلي) قوله هذا): (لأنه ضرب على رأسه ضربتين
إحداهما يوم الخندق، والأخرى ضربة ابن ملجم).
وقال الزبيدي في تاج العروس مازجا كلامه بكلام صاحب القاموس:
((ذو القرنين) المذكور في التنزيل هو (إسكندر الرومي) نقله ابن هشام
في سيرته واستبعده السهيلي وجعلهما اثنين، وفي معجم ياقوت: هو ابن الفيلسوف قتل
كثيرا من الملوك وقهرهم ووطئ البلدان إلى أقصى الصين، وقد أوسع الكلام فيه
الحافظ في كتاب التدوير والتربيع ونقل كلامه الثعالبي في ثمار القلوب، وجزم
طائفة بأنه من الأذواء من التبابعة من ملوك حمير ملوك اليمن واسمه الصعب بن
الحرث الرائس وذو المنار هو ابن ذي القرنين نقله شيخنا. قلت: وقيل اسمه مرزبان
ابن مروية وقال ابن هشام: مرزبي بن مروية، وقيل: هرمس، وقيل، هرديس، قال ابن -
الجواني في المقدمة: وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ذو القرنين عبد الله
بن الضحاك بن معد بن عدنان (إلى آخره) واختلفوا في سبب تلقيبه فقيل: (لأنه
لما دعاهم إلى الله عز وجل ضربوه على قرنه فمات فأحياه الله تعالى ثم دعاهم فضربوه
على قرنه الآخر فمات ثم أحياه الله تعالى) وهذا غريب والذي نقله غير واحد أنه
ضرب على رأسه ضربتين ويقال: إنه لما دعا قومه إلى العبادة قرنوه أي ضربوه على
قرني رأسه، وفي سياق المصنف رحمه الله تعالى تطويل مخل (أو لأنه بلغ قطري
الأرض) مشرقها ومغربها نقله السمعاني (أو لضفيرتين له) والعرب تسمي
الخصلة من الشعر قرنا حكاه الإمام السهيلي، أو لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس
743

أو كان له قرنان صغيران تواريهما العمامة نقلهما السمعاني، أو لأنه رأى في المنام
أنه أخذ بقرني الشمس فكان تأويله أنه بلغ المشرق والمغرب حكاه السهيلي، أو
لانقراض قرنين في زمانه، أو كان لتاجه قرنان، أو لكرم أبيه وأمه أي كريم الطرفين
نقله شيخنا، وقيل غير ذلك. قال: وأما ذو القرنين صاحب أرسطو فهو غير هذا كما بسطه
في العناية، وقيل كان في عهد إبراهيم عليه السلام وهو صاحب الخضر لما طلب عين الحياة
قاله السهيلي في التاريخ، ولقد أجاد القائل في التورية: كم لامني فيك ذو القرنين
يا خضر، وفي الحديث: لا أدري أذو القرنين نبيا كان أم لا.
(إلى أن قال)
(و) ذو القرنين لقب (علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه) ورضي عنه
(لقوله صلى الله عليه وآله: إن لك في الجنة بيتا، ويروى كنزا، وإنك لذو قرنيها، أي ذو طرفي
الجنة وملكها الأعظم تسلك ملك جميع الجنة كما سلك ذو القرنين جميع الأرض)
واستضعف أبو عبيد هذا التفسير (أو ذو قرني الأمة فأضمرت وإن لم يتقدم ذكرها)
كقوله تعالى: حتى توارت بالحجاب أراد الشمس ولا ذكر لها قال أبو عبيد: وأنا
أختار هذا التفسير الأخير على الأول لحديث يروى عن علي رضي الله تعالى عنه
وذلك أنه ذكر ذا القرنين فقال: دعا قومه إلى عبادة الله تعالى فضربوه على قرنه
ضربتين وفيكم مثله فنرى أنه أراد نفسه يعني أدعو إلى الحق حتى يضرب رأسي
ضربتين يكون فيهما قتلي (أو ذو جبليها للحسن والحسين) رضي الله تعالى عنهما،
روي ذلك عن ثعلب (أو ذو شجتين في قرني رأسه إحداهما من عمرو بن عبد ود) يوم
الخندق (والثانية من ابن ملجم لعنه الله) وهذا أصح ما قيل وهو تتمة من قول أبي -
عبيد المتقدم ذكره).
قال العالم المتضلع البارع أبو الكمال السيد أحمد عاصم - حشره الله مع
من يتولاه - في الاوقيانوس البسيط في ترجمة القاموس المحيط بعد ذكره
معنى قول النبي - صلى الله عليه وآله - في حق علي عليه السلام ما محصله:
(يقول المترجم: إن تحت هذا المعنى أسرارا كثيرة علية تقرب قوله الآخر
744

المسلم الصدور عنه: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) ما كل ما يعلم يقال،
وأيضا قال النبي صلى الله عليه وآله - له - كرم الله وجهه -: أنا وأنت أبوا هذه الأمة، فبناءا
على ذلك يطلق على علي المرتضى على سبيل الحقيقة وبيان الصدق إنه آدم الأولياء
وهارون الأصفياء وذو القرنين الأتقياء).
أقول: هذا المطلب مما أطلعني عليه الفقيه الجليل والنبيه النبيل الحاج
ميرزا يحيى إمام الجمعة الخوئي - قدس الله تربته - وكان يعجبه الكلام غاية
الاعجاب وكان كلما ذكره يبتهج به نهاية الابتهاج.
أما الخوض في تعيين ذي القرنين والبحث عن وجه تسميته فتكلم عليهما
الطريحي (ره) في مجمع البحرين في (ق ر ن) والمجلسي (ره) في خامس البحار في
ترجمة ذي القرنين وغيرهما من العلماء في كتب التفاسير والسير فمن أراد البسط
والتفصيل فيهما فليراجعها فإن المقام لا يسع أكثر من ذلك.
التعليقة 32
(ص 205)
(محمد بن السائب الكلبي، وابنه هشام بن محمد)
في تقريب التهذيب في باب الأنساب: (الكلبي محمد بن السائب) وفي ترجمته:
(محمد بن السائب بن بشر الكلبي أبو النضر الكوفي النسابة المفسر متهم بالكذب
ورمي بالرفض من السادسة مات سنة ست وأربعين [ومائة] / ت فق) وفي تهذيب
التهذيب في ترجمته: (روى عنه أبو عوانة (إلى أن قال) وقال الدوري عن يحيى
ابن يعلى المحاربي قال: قيل لزائدة: ثلاثة لا تروي عنهم، ابن أبي ليلى، وجابر
الجعفي، والكلبي؟ - قال: أما ابن أبي ليلى فلست أذكره، وأما جابر فكان والله
كذابا يؤمن بالرجعة، وأما الكلبي وكنت أختلف إليه فسمعته يقول: مرضت مرضة
فنسيت ما كنت أحفظ فأتيت آل محمد فتفلوا في في فحفظت ما كنت نسيته، فتركته،
وقال الأصمعي عن أبي عوانة: سمعت الكلبي يتكلم بشئ من تكلم به كفر فسألته
745

عنه فجحده (إلى أن قال) وقال الساجي: متروك الحديث وكان ضعيفا جدا لفرطه
في التشيع وقد اتفق ثقات أهل النقل على ذمه وترك الرواية عنه في الأحكام والفروع)
وفي ميزان الاعتدال أيضا نظائر لما في التهذيب.
وأما ابنه هشام
فقال المحدث القمي (ره) في الكنى والألقاب: (الكلبي النسابة ويقال
له: ابن الكلبي أيضا أبو المنذر هشام بن أبي النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي
الكوفي كان من أعلم الناس بعلم الأنساب وقد أخذ بعض الأنساب عن أبيه أبي -
النضر محمد بن السائب الذي كان من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام، وأخذ أبو النضر
نسب قريش عن أبي صالح عن عقيل بن أبي طالب (ره)، قال ابن قتيبة: وكان جده
بشر وبنوه السائب وعبيد وعبد الرحمن شهدوا الجمل وصفين مع علي بن أبي طالب
عليه السلام وقتل السائب مع مصعب بن الزبير، وشهد محمد بن السائب الكلبي الجماجم
مع ابن الأشعث، وكان نسابا عالما بالتفسير، وتوفي بالكوفة سنة 126 (قمو) انتهى.
أقول: قال أبو الحسن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأشعري والكاتب الچلبي:
إن علم الأنساب علم عظيم النفع جليل القدر أشار الكتاب العظيم في آية: وجعلناكم
شعوبا وقبائل لتعارفوا، إلى تفهمه وقد صنف الناس في هذا الفن كتبا مختصرة
ومطولة ومجملة ومفصلة، واجتهدوا غاية الاجتهاد وبحثوا عن الآباء والأجداد امتثالا
للحديث النبوي المنقول: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم
منساة للأجل، محببة في الأهل، مثراة في المال، والذي فتح هذا الباب وضبط علم -
الأنساب هو الإمام النسابة هشام بن محمد بن السائب الكلبي وله في هذا العلم خمسة
كتب، المنزلة، والجمهرة، والوجيز، والفريد، والملوكي كتبه لجعفر البرمكي
ثم اقتفى أثره جماعة. قلت: نشأ أبو المنذر هشام الكلبي بالكوفة وكان عالما بأخبار -
العرب وأيامها ومثالبها ووقائعها، وأخذ عن أبيه، وكان أبوه محمد من علماء الكوفة
عالما بالتفسير والأخبار وأيام الناس معدودا بين المفسرين والنسابين توفي
ولم يخلف إلا كتابا في تفسير القرآن، وأما ابنه هشام فخلف نحو مائة كتاب.
746

وعن ابن النديم قال: إن سليمان بن علي (هو عم السفاح والمنصور) أقدم محمد بن
السائب من الكوفة إلى البصرة وأجلسه في داره فجعل يملي على الناس القرآن حتى بلغ
إلى آية في سورة براءة ففسرها على خلاف ما يعرف فقالوا: لا نكتب هذا التفسير
فقال: والله لا أمليت حرفا حتى يكتب تفسير هذه الآية على ما أنزله الله، فرفع ذلك إلى
سليمان بن علي فقال: اكتبوا ما يقول ودعوا ما سوى ذلك (انتهى) وعن السمعاني
أنه قال في ترجمة محمد بن السائب: إنه صاحب التفسير كان من أهل الكوفة
قائلا بالرجعة، وابنه هشام ذا نسب عال وفي التشيع غال. وفي الرجال الكبير:
هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر الناسب العالم المشهور بالفضل والعلم العارف -
بالأيام كان مختصا بمذهبنا قال: اعتللت علة عظيمة نسيت علمي فجئت إلى جعفر
ابن محمد عليه السلام فسقاني العلم في كأس فعاد إلي علمي، وكان أبو عبد الله عليه السلام يقربه
ويدنيه وينشطه (صه) قلت: حكى السمعاني وغيره عن قوة حفظه أنه حفظ القرآن
في ثلاثة أيام وأنا أقول: لا بدع في ذلك فإن من سقاه الصادق عليه السلام العلم في كأس
يحفظ القرآن في أقل من ثلاثة أيام، توفي سنة 206 أو 204 (إلى آخر ما قال)).
التعليقة 33
(ص 206)
محمد بن أبي حذيفة القرشي العبشمي
قال في جامع الرواة: (محمد بن أبي حذيفة مشكور في الخلاصة وكان عامل -
علي عليه السلام على مصر وفي رجال الكشي بعد ما تقدم في محمد بن أبي بكر: أخبرني
بعض رواة العامة عن محمد بن إسحاق قال: حدثني رجل من أهل الشام قال: كان
محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مع علي بن أبي طالب ومن أنصاره ومن أشياعه
وكان ابن خال معاوية وكان رجلا من خيار المسلمين فلما توفي علي أخذه معاوية
وأراد قتله (إلى آخر القصة وسننقلها عن قريب إن شاء الله تعالى)).
وفي كتاب نصر بن مزاحم المنقري في وقعة صفين (ص 42):
747

(فلما دخل عليه [أي عمرو بن العاص على معاوية] قال: يا أبا عبد الله طرقتنا
في ليلتنا هذه ثلاثة أخبار ليس منها ورد ولا صدر قال: وما ذاك؟ قال: ذاك أن محمد
ابن أبي حذيفة قد كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه وهو من آفات هذا الدين)
وقال أيضا بعيد ذلك (ص 49) وكلا الموردين من النسخة المطبوعة بمصر سنة 1365
قمرية بتحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون): (قال نصر: محمد بن عبيد الله عن
الجرجاني قال، لما بات عمرو عند معاوية وأصبح أعطاه مصر طعمة له وكتب له بها
كتابا وقال: ما ترى؟ قال: أمض الرأي الأول فبعث مالك بن هبيرة الكندي في
طلب محمد بن أبي حذيفة فأدركه فقتله).
أقول: بين ما نقله الكشي ونصر بن مزاحم تباين وتعارض لا يمكن التوفيق
بينهما بوجه، فمن أراد التحقيق في ذلك فليخض فيه بنفسه.
قال ابن الأثير في أسد الغابة: (محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن
عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي كنيته أبو القاسم ولد بأرض الحبشة على
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأمه سهلة بنت سهيل بن عمرو العامرية وهو ابن خال معاوية
ابن أبي سفيان، ولما قتل أبوه أبو حذيفة أخذ عثمان بن عفان محمدا إليه فكفله إلى
أن كبر ثم صار إلى مصر فصار من أشد الناس تأليبا على عثمان. قال أبو نعيم:
هو أحد من دخل على عثمان حين حوصر فقتل، وأخذ محمد بجبل الخليل جبل لبنان
فقتل. قال خليفة: ولاه علي بن أبي طالب على مصر ثم عزله واستعمل قيس بن
سعد بن عبادة ثم عزله والصحيح أن محمدا كان بمصر لما قتل عثمان وهو الذي ألب
أهل مصر على عثمان حتى ساروا إليه فلما ساروا إليه كان عبد الله بن سعد أمير مصر لعثمان
قد سار عنها واستخلف عليها خليفة له فثار محمد على الوالي بمصر لعبد الله فأخرجه
واستولى على مصر فلما قتل عثمان أرسل علي إلى مصر قيس بن سعد أميرا وعزل
محمدا. ولما استولى معاوية على مصر أخذ محمدا في الرهن فحبسه فهرب من السجن
فظفر به رشدين مولى معاوية فقتله)
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (ص 233 من طبعة الهند:)
748

(محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي
العبشمي أبو القاسم ولد بأرض الحبشة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، أمه سهلة بنت
سهيل بن عمرو العامرية. قال خليفة بن خياط: ولى علي بن أبي طالب - رضي الله
عنه - مصر محمد بن أبي حذيفة ثم عزله وولى قيس بن سعد بن عبادة ثم عزله وولى الأشتر
مالك بن الحارث النخعي فمات قبل أن يصل إليها، فولى محمد بن أبي بكر فقتل بها وغلب
عمرو بن العاص على مصر.
وكان محمد بن أبي حذيفة أشد الناس تأليبا على عثمان، وكذلك كان عمرو بن -
العاص مذ عزله عن مصر يعمل حيله في التأليب والطعن على عثمان، وكان عثمان قد كفل
محمد بن أبي حذيفة بعد موت أبيه أبي حذيفة، ولم يزل في كفالته ونفقته سنين، فلما قاموا
على عثمان كان محمد بن أبي حذيفة أحد من أعان عليه وألب وحرض أهل مصر،
فلما قتل عثمان هرب إلى الشام فوجده رشدين مولى معاوية فقتله، وقال أهل النسب:
انقرض ولد أبي حذيفة وولد أبيه عتبة إلا من قبل الوليد بن عتبة فإن منهم طائفة
بالشام، قال الواقدي: كان محمد بن الحنفية ومحمد بن أبي حذيفة ومحمد بن الأشعث
يكنون أبا القاسم).
وقال في ترجمة عبد الله بن سعد بن أبي سرح (ص 382):
(حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا الدولابي،
حدثنا أبو بكر الوجيهي عن أبيه عن صالح بن الوجيه قال: وفي سنة خمس وعشرين
انتقضت الإسكندرية فافتتحها عمرو بن العاص وقتل المقاتلة وسبى الذرية فأمر عثمان
برد السبي الذين سبوا من القرى إلى مواضعهم للعهد الذي كان لهم ولم يصح عنده
نقضهم، وعزل عمرو بن العاص وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان ذلك بدأ
الشر بين عثمان وعمرو بن العاص، وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فافتتح إفريقية
من مصر سنة سبع وعشرين وغزا منها الأساود من أرض النوبة سنة إحدى وثلاثين
وهو هادنهم الهدنة الباقية إلى اليوم، وغزا الصواري من أرض الروم سنة أربع
وثلاثين، ثم قدم على عثمان واستخلف على مصر السائب بن هشام بن عمرو العامري
749

فانتزا عليه محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة فخلع السائب وتأمر على مصر، ورجع
عبد الله بن سعد من وفادته فمنعه ابن أبي حذيفة من دخول الفسطاط فمضى إلى عسقلان
فأقام بها حتى قتل عثمان).
وقال المامقاني (ره) في تنقيح المقال:
(محمد بن أبي حذيفة القرشي العبشمي عده جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
وقالوا: إنه ولد بالحبشة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، ولما قتل أبوه أبو حذيفة أخذه عثمان
ابن عفان فكفله إلى أن كبر، ثم صار إلى مصر فصار من أشد الناس تأليبا على عثمان.
وعن أبي نعيم: أنه أحد من دخل على عثمان حين حوصر فقتل. وقال خليفة: إن
علي بن أبي طالب ولاه على مصر ثم عزله. والصحيح عند أهل السير أن محمدا عند
قتل عثمان كان بمصر وهو الذي ألب أهل مصر على عثمان حتى صاروا إليه، فلما
صاروا إليه كان عبد الله بن أبي سرح أمير مصر لعثمان وقد سار عنها واستخلف عليها
خليفة له فثار محمد على الوالي بمصر لعبد الله فاستخرجه واستولى على مصر، فلما قتل
عثمان أرسل علي عليه السلام إلى مصر قيس بن سعد أميرا وعزل محمدا، ولما استولى
معاوية على مصر أخذ محمدا في الرهن وحبسه فهرب من السجن فظفر به رشدين مولى
معاوية فقتله.
هذا ما ذكره علماء العامة في ترجمة الرجل.
وأما أصحابنا فقد عد الشيخ (ره) في رجاله محمد بن أبي حذيفة من أصحاب
أمير المؤمنين عليه السلام وزاد على ذلك قوله: وكان عامله على مصر، انتهى.
وفي التحرير الطاووسي والقسم الأول من الخلاصة: إنه مشكور. وفي
رجال ابن داود: محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة المذكور عده الشيخ (ره) في
رجاله من أصحاب علي عليه السلام وقال: كان عامله على مصر وقال الكشي (ره): كان
من أنصاره عليه السلام مات في سجن معاوية على البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام وسبه
ولم يفعل وقابله بالعظائم ولم تأخذه في الله لومة لائم. انتهى. وقال الكشي بعد عنوانه
ما لفظه: أخبرني بعض رواة العامة عن محمد بن إسحاق قال حدثني رجل من أهل
750

الشام قال: كان محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مع علي بن أبي طالب عليه السلام
ومن أنصاره وأشياعه، وكان ابن خال معاوية وكان رجلا من خيار المسلمين فلما
توفي علي عليه السلام أخذه معاوية وأراد قتله فحبسه في السجن دهرا ثم قال معاوية ذات
يوم: ألا نرسل إلى هذا السفيه محمد بن أبي حذيفة فنبكته ونخبره بضلالته ونأمره
أن يقوم فيسب عليا عليه السلام؟ قالوا: نعم. قال: فبعث إليه معاوية وأخرجه من السجن
فقال له معاوية: يا محمد بن [أبي] حذيفة ألم يأن لك أن تبصر ما كنت عليه من
الضلالة بنصرتك علي بن أبي طالب الكذاب؟ ألم تعلم أن عثمان قتل مظلوما، وأن
عائشة وطلحة والزبير خرجوا يطلبون بدمه، وأن عليا هو الذي دس في قتله ونحن
اليوم نطلب بدمه؟ قال محمد بن أبي حذيفة: إنك لتعلم أني أمس القوم بك رحما وأعرفهم
بك؟ قال: أجل. قال فوالله الذي لا إله غيره ما أعلم أحدا شرك في دم عثمان وألب
الناس عليه غيرك لما استعملك ومن كان مثلك فسأله المهاجرون والأنصار أن يعز لك
فأبى ففعلوا به ما بلغك، ووالله ما أحد اشترك في قتله بدءا وأخيرا إلا طلحة والزبير
وعائشة فهم الذين شهدوا عليه بالعظيمة وألبوا عليه الناس وشركهم في ذلك عبد الرحمن
ابن عوف وابن مسعود وعمار والأنصار جميعا. قال: قد كان ذلك. قال: فوالله إني
لأشهد أنك مذ عرفتك في الجاهلية والإسلام لعلى خلق واحد، ما زاد فيك الإسلام
قليلا ولا كثيرا، وإن علامة ذاك فيك لبينة تلومني على حب علي عليه السلام، خرج
مع علي عليه السلام كل صوام قوام مهاجري وأنصاري، وخرج معك أبناء المنافقين
والطلقاء والعتقاء خدعتهم عن دينهم وخدعوك عن دنياك، والله ما خفي عليك ما صنعت،
وما خفي عليهم ما صنعوا، إذ أحلوا أنفسهم لسخط الله في طاعتك، والله لا أزال أحب
عليا عليه السلام لله ولرسوله وأبغضك في الله ورسوله أبدا ما بقيت. قال معاوية: وإني
أراك على ضلالك بعد، ردوه، فردوه وهو يقرأ في السجن: رب السجن أحب
إلى مما يدعونني إليه. فمات في السجن.
ونقل ابن أبي الحديد عن كتاب الغارات: أنه هرب من السجن فأرى
معاوية أنه كره انفلاته وكان يحب أن ينجو فقال لأهل الشام: من يطلبه؟ فابتدر
751

إليه رجل من خثعم لطلبه وكان عثمانيا فأصابه في غار فاستخرجه وكره أن يصير
به إلى معاوية فيخلي سبيله فضرب عنقه. وقد مرت في ترجمة محمد بن أبي بكر روايته
أعني الكشي عن أبي عبد الله عليه السلام مدحه، كما مرت في أواخر الترجمة روايته عن
أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: المحامدة تأبى أن يعصى الله عز وجل. وعد منهم
محمد بن أبي حذيفة وقد نبهنا على أن ذلك منه عليه السلام تعديل لهم فيجري هنا
ما أسبقناه هناك من ضعف عده في الحسان كما صدر من الفاضلين المجلسي والجزائري
هناك وهنا أيضا، وتبعهما في المقامين في البلغة، وإني لا أشك في وثاقته).
التعليقة 34
(ص 265) الأحنف بن قيس
هو الضحاك بن قيس التميمي ففي تاريخ ابن عساكر (ج 7، ص 10):
(الضحاك بن قيس بن معاوية بن حصين وهو مقاعس ابن عبادة بن النزال بن
مرة بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم أبو بحر
التميمي، أدرك عصر النبي صلى الله عليه وآله ولم يره وروى عن عمر بن الخطاب
وعثمان وعلي والعباس وابن مسعود وأبي ذر الغفاري - رضي الله عنهم - وروى عنه
الحسن البصري وعروة بن الزبير وغيرهما وشهد صفين مع علي أميرا، وقدم
دمشق ورأى بها أبا ذر وقدم على معاوية في خلافته أيضا وهو المعروف بالأحنف
وكان سيد أهل البصرة (إلى أن ذكر قصة تشتمل على مسألة كانت بين هشام بن
عبد الملك وخالد بن صفوان وأنه سأل عن خالد وقال: أخبرني عن الأحنف (إلى أن
قال): أنا أذكر أيامه السالفة. (فذكر يوم خراسان ثم قال):
وهذا أول يوم من أيامه، واليوم الثاني:
أن عليا ظهر على أهل البصرة يوم الجمل فأتاه الأشتر وأهل الكوفة بعد ما
اطمأن به المنزل وأنجز في القتل فقالوا: أعطنا، إن كنا قاتلنا أهل البصرة حين
752

قاتلناهم وهم مؤمنون فقد ركبنا حوبا كبيرا، وإن كنا قاتلناهم كفارا وظهرنا
عليهم عنوة فقد حلت لنا غنيمة أموالهم وسبي ذراريهم، وذلك حكم الله وحكم
نبيه في الكفار إذا ظهر عليهم، فقال علي: إنه لا حاجة بكم أن تهيجوا حرب
إخوانكم، وسار سل إلى رجل منهم فإنه سيطلع رأيهم وحجتهم فيما قلتم، فأرسل
إلى الأحنف في رهط فأخبرهم بما قال أهل الكوفة، فلم ينطق أحد غير الأحنف
فإنه قال: يا أمير المؤمنين لماذا أرسلت إلينا؟ فوالله إن الجواب عنا لعندك، ولا -
نتبع الحق إلا بك، ولا علمنا العلم إلا منك، فقال: أحببت أن يكون الجواب
عنكم منكم، ليكون أثبت للحجة، وأقطع للتهمة، فقل، فقال: إنهم قد أخطأوا
وخالفوا كتاب الله وسنة نبيهم صلى الله عليه وآله، إنما كان السبي والغنيمة على الكفار الذين
دارهم دار كفر، والكفر لهم جامع ولذراريهم، ولسنا كذلك، وإنما دارنا دار -
إيمان ينادى فيها بالتوحيد وشهادة الحق وأقام الصلاة، وإنما بغت طائفة
أسماؤهم معلومة أسماء أهل البغي، والثانية حجتنا أنا لم نستجمع على ذلك البغي
فإنه قد كان من أنصارك من أثبتهم بصيرة في حقك، وأعظمهم غناء عنك طائفة من أهل -
البصرة فأتي أولئك يجهل حقه ونسي قرابته، إن هذا الذي أتاك به الأشتر وأصحابه
قول متعلمة أهل الكوفة، وأيم الله لئن تعرضوا لها لنكرهن عاقبتها، ولا تكون
الآخرة كالأولى، فقال علي: ما قلت إلا ما نعرف، فهل من شئ تخصون به
إخوانكم بما قاسوا من الحرب؟ قال: نعم أعطياتنا في بيت المال ولم نكن لنصرفها
في عذلك عنا، فقد صنا عنها أنفسنا في هذا العام فاقسمها فيهم، فدعاهم علي
فأخبرهم بحجج القوم وبما قالوا وبموافقتهم إياه ثم قسم المال بينهم خمسمائة لكل رجل،
فهذا اليوم الثاني من أيام الأحنف (إلى آخر ترجمته المبسوطة جدا، أنظر ص 10 - 24)).
وقال المحدث القمي (ره) في سفينة البحار:
(الأحنف بن قيس كنيته أبو بحر واسمه الضحاك من أعاظم أهل البصرة
أحد السادات الطلس وهم الأحنف وابن الزبير وقيس بن سعد وشريح القاضي،
وهو الذي يضرب به المثل في الحلم ويقال: أحلم من الأحنف، وله في ذلك أخبار
753

مأثورة، وحكي من جلالته أنه إذا دخل المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة لا تبقى
حبوة إلا حلت إعظاما له. وعن أسد الغابة: أنه كان أحد الحكماء الدهاة العقلاء
(انتهى) توفي سنة 67 = سز بالكوفة وشيعه مصعب بن الزبير ودفن بالثوية وتقدم
في ثوى وسيأتي في صعصع شكايته إلى صعصعة وجعا في بطنه وجواب صعصعة إياه وهو
خبر شريف فراجعه.
قب: [يريد مناقب ابن شهرآشوب] بعث الأحنف إلى أمير المؤمنين عليه السلام
في وقعة الجمل إن شئت أتيتك في مأتي فارس فكنت معك، وإن شئت اعتزلت ببني سعد
فكففت عنك ستة آلاف سيف فاختار عليه السلام اعتزاله (إلى أن قال) كش [يريد رجال
الكشي] روي أن الأحنف بن قيس وفد إلى معاوية وحارثة بن قدامة والحباب بن
يزيد فقال معاوية للأحنف: أنت الساعي على أمير المؤمنين عثمان وخاذل أم المؤمنين
عائشة والوارد الماء على علي بصفين؟ فقال: يا أمير المؤمنين من ذاك ما أعرف ومنه
ما أنكر أما أمير المؤمنين فأنتم معشر قريش حضرتموه بالمدنية والدار منا عنه
نازحة وقد حضره المهاجرون، والأنصار بمعزل وكنتم بين خاذل وقاتل، وأما
عائشة فإني خذلتها في طول باع ورحب سرب وذلك أني لم أجد في كتاب الله إلا
أن تقر في بيتها، وأما ورودي الماء بصفين فإني وردت حين أردت أن تقطع رقابنا
عطشا، فقام معاوية وتفرق الناس ثم أمر معاوية للأحنف بخمسين ألف درهم ولأصحابه
بصلة. فقال للأحنف حين ودعه: حاجتك؟ - قال: تدر على الناس عطياتهم
وأرزاقهم، وإن سألت المدد أتاك منا رجال سليمة الطاعة شديدة النكاية.
وقيل: إنه كان يرى رأي العلوية، ووصل الحباب بثلاثين ألف درهم وكان
يرى رأي الأموية فصار الحباب إلى معاوية وقال: يا أمير المؤمنين تعطي الأحنف
ورأيه رأيه خمسين ألف درهم وتعطيني ورأيي رأيي ثلاثين ألف درهم؟! فقال:
يا حباب إني اشتريت بها دينه، فقال الحباب: يا أمير المؤمنين تشتري مني أيضا ديني
فأتمها له وألحقه بالأحنف، فلم يأت على الحباب أسبوع حتى مات ورد المال بعينه
إلى معاوية (إلى أن قال):
754

بيان - طول باعه كناية عن الاقتدار والشوكة، والرحب بالضم السعة، والسرب
الطريق أي إني لم أخذ لها وهي محتاجة إلى الانتصار بل خذلتها وهي في طول باع
ورحب سرب أي في مندوحة وفسحة عن القتال وتجهيز الجيش بأن تقر في بيتها موقرة
مكرمة رخية البال لأنها لم تكن مأمورة بالمسير إلى البصرة وتجهيز الجيش ومقاتلة
علي بن أبي طالب (إلى أن قال) وفي خبر آخر: أن حارثة أيضا قال: اشتر مني ديني
يا معاوية وقد تقدم في حرث (إلى آخر ما قال)).
وأما ما أشار إليه من قصة شكاية وجع له في بطنه إلى عمه صعصعة فهو هكذا
(ج 2، ص 32):
(قال الأحنف: شكوت إلى عمي صعصعة وجعا في بطني فنحرني ثم قال: يا
ابن أخي إذا نزل بك شئ فلا تشكه إلى أحد مثلك فإن الناس رجلان صديق يسوءه
وعدو يسره، والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه
ولكن إلى من ابتلاك به فهو قادر أن يفرج عنك، يا بن أخي إحدى عيني هاتين ما
ابصر بها سهلا ولا جبلا منذ أربعين سنة وما اطلع على ذلك امرأتي ولا أحد من
أهلي (والقصة مذكورة في البحار ج 9، ص 638).
ثم قال: صعصعة عم الأحنف ليس بابن صوحان بل هو صعصعة بن معاوية
كما في مروج الذهب للمسعودي).
أقول: وفي آخر ترجمة الأحنف من رجال الكشي (ص 92 من طبعة
جامعة مشهد) ما نصه:
(وروت بعض العامة عن الحسن البصري قال: حدثني الأحنف أن عليا عليه السلام
كان يأذن لبني هاشم وكان يأذن لي معهم، قال: فلما كتب إليه معاوية إن كنت
تريد الصلح فامح عنك اسم الخلافة فاستشار بني هاشم فقال له رجل منهم: انزح
هذا الاسم نزحه الله، قالوا: فإن كفار قريش لما كان بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبينهم
ما كان كتب: هذا ما قضى عليه محمد رسول الله أهل مكة، كرهوا ذلك وقالوا:
لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك أن تطوف بالبيت قال: فكيف إذا؟ قالوا: اكتب:
755

هذا ما قاضي عليه محمد بن عبد الله وأهل مكة، فرضي.
فقلت لذلك الرجل. كلمة فيها غلظة، وقلت لعلي: أيها الرجل والله ما لك
ما قال رسول الله إنا ما حابيناك في بيعتنا، ولو نعلم أحدا في الأرض اليوم أحق بهذا
الأمر منك لبايعناه ولقاتلناك معه أقسم بالله إن محوت عنك هذا الاسم الذي دعوت
الناس إليه وبايعتهم عليه لا يرجع إليك أبدا).
التعليقة 35
(ص 287)
مقتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنه
قال الدميري في حياة الحيوان تحت عنوان (الحمار) ما نصه:
وذكر ابن خلكان وغيره أن علي بن أبي طالب عليه السلام ولى محمد بن أبي بكر
الصديق مصر فدخلها سنة سبع وثلاثين وأقام بها إلى أن بعث معاوية بن أبي سفيان
عمرو بن العاص في جيوش أهل الشام ومعه معاوية بن حديج بحاء مهملة مضمومة ودال
مهملة مفتوحة وبالجيم في آخره كذا ضبطه ابن السمعاني في الأنساب وابن
عبد البر وبن قتيبة وغيرهم، ووقع في كثير من نسخ تاريخ ابن خلكان: معاوية بن
خديج بخاء معجمة ودال مكسورة وآخره جيم وهو غلط والصواب ما تقدم
وأصحابه أي أصحاب معاوية بن حديج فاقتتلوا وانهزم محمد بن أبي بكر واختبأ في
بيت مجنونة فمر أصحاب معاوية بن حديج بالمجنونة وهي قاعدة على الطريق
وكان لها أخ في الجيش فقالت: أتريد قتل أخي؟ - قال، لا ما أقتله، قالت: فهذا
محمد بن أبي بكر داخل بيتي فأمر معاوية أصحابه فدخلوا إليه وربطوه بالحبال وجروه
على الأرض وأتوا به معاوية فقال له محمد: احفظني لأبي بكر فقال له: قتلت من قومي
في قضية عثمان ثمانين رجلا وأتركك وأنت صاحبه؟!، لا والله، فقتله في صفر سنة
ثمان وثلاثين، وأمر معاوية أن يجر في الطريق ويمر به على دار عمرو بن العاص
لما يعلم من كراهته لقتله وأمر به أن يحرق بالنار في جيفة حمار.
756

وقال غيره: بل وضعه حيا في جيفة حمار وأحرقه بالنار. وكان سبب ذلك
دعوة أخته عائشة عليه لما أدخل يده في هودجها يوم وقعة الجمل وهي لا تعرفه
فظنته أجنبيا فقالت: من هذا الذي يتعرض لحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ أحرقه الله
بالنار، فقال: يا أختاه قولي: بنار الدنيا، فقالت: بنار الدنيا، وقد تقدم هذا في باب -
الجيم في الكلام على لفظ الجمل ودفن في الموضع الذي قتل فيه، فلما كان بعد سنة
من دفنه أتى غلامه وحفر قبره فلم يجد فيه سوى الرأس، فأخرجه ودفنه في المسجد
تحت المنارة، ويقال: إن الرأس في القبلة.
قال: وكانت عائشة قد أنفذت أخاها عبد الرحمن إلى عمرو بن العاص في شأن
محمد فاعتذر بأن الأمر لمعاوية بن حديج ولما قتل ووصل خبره إلى المدينة مع مولاه
سالم ومعه قميصه ودخل به داره اجتمع رجال ونساء فأمرت أم حبيبة بنت أبي سفيان
زوج النبي صلى الله عليه وآله بكبش فشوي وبعثت به إلى عائشة وقالت: هكذا قد شوي أخوك
فلم تأكل عائشة بعد ذلك شواء حتى ماتت، وقالت هند بنت شمر الحضرمية:
رأيت نائلة امرأة عثمان بن عفان تقبل رجل معاوية بن حديج وتقول: بك أدركت
ثأري، ولما سمعت أمه أسماء بنت عميس بقتله كظمت الغيظ حتى شخبت ثديا هادما.
ووجد عليه علي بن أبي طالب عليه السلام وجدا عظيما وقال: كان لي ربيبا وكنت
أعده ولدا ولبني أخا، وذلك لأن عليا عليه السلام قد تزوج أمه أسماء بنت عميس بعد
وفاة الصديق ورباه كما تقدم).
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب ضمن ترجمة محمد بن أبي بكر:
(كان في حجر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إذ تزوج أمه أسماء -
بنت عميس وكان على الرجالة يوم الجمل وشهد معه صفين ثم ولاه مصر فقتل بها،
قتله معاوية بن حديج صبرا، وذلك في سنة ثمان وثلاثين.
ومن خبره أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ولى في هذه السنة مالك
ابن الحارث الأشتر النخعي مصر فمات بالقلزم قبل أن يصل إليها، سم في زبد
757

وعسل قدم بين يديه فأكل منه فمات فولى علي محمد بن أبي بكر فسار إليه عمرو بن
العاص فاقتتلوا فانهزم محمد بن أبي بكر فدخل في خربة فيها حمار ميت فدخل في
جوفه فأحرق في جوف الحمار، وقيل: بل قتله معاوية بن حديج في المعركة ثم أحرق
في جوف الحمار بعد ويقال: إنه أتي به عمرو بن العاص فقتله صبرا، روى شعبة وابن
عيينة عن عمرو بن دينار قال: أتي عمرو بن العاص بمحمد أبي بكر أسيرا فقال: هل
معك عهد؟ هل معك عقد من أحد؟ - قال: لا، فأمر به فقتل.
وكان علي بن أبي طالب يثني على محمد بن أبي بكر ويفضله لأنه كانت له
عبادة واجتهاد، وكان ممن حضر قتل عثمان (إلى آخر ما قال)).
وقال ابن حجر في الإصابة ضمن ترجمته:
(وشهد محمد مع علي الجمل وصفين ثم أرسله إلى مصر أميرا فدخلها في
شهر رمضان سنة سبع وثلاثين فولي عمارتها لعلي ثم جهز معاوية عمرو بن العاص
في عسكر إلى مصر فقاتلهم محمد وانهزم ثم قتل في صفر سنة ثمان، حكاه ابن يونس
وقال: إنه اختفى لما انهزم في بيت امرأة فأخذ من بيتها فقتل، وقال ابن عبد البر:
كان علي يثني عليه ويفضله وكانت له عبادة واجتهاد ولما بلغ عائشة قتله حزنت
عليه جدا وتولت تربية ولده القاسم فنشأ في حجرها فكان من أفضل أهل زمانه)).
وقال ابن الأثير في أسد الغابة ضمن ترجمته:
(تزوج علي بأمه أسماء بنت عميس بعد وفاة أبي بكر وكان أبو بكر
تزوجها بعد قتل جعفر بن أبي طالب وكان ربيبه في حجره وشهد مع علي الجمل
وكان على الرجالة وشهد معه صفين ثم ولاه مصر فقتل بها، وكان ممن حصر
عثمان بن عفان ودخل عليه ليقتله فقال له عثمان: لو رآك أبوك لساءه فعلك فتركه
وخرج، ولما ولي مصر سار إليه عمرو بن العاص فاقتتلوا، فانهزم محمد ودخل خربة فأخرج
منها وقتل وأحرق في جوف حمار ميت. قيل: قتله معاوية بن حديج السكوني،
وقيل: قتله عمرو بن العاص صبرا. ولما بلغ عائشة قتله اشتد عليها وقالت: كنت
أعده ولدا وأخا، ومذ أحرق لم تأكل عائشة لحما مشويا، وكان له فضل وعبادة
758

وكان علي يثني عليه وهو أخو عبد الله بن جعفر لأمه وأخو يحيى بن علي لأمه،
أخرجه الثلاثة).
التعليقة 36
(ص 288)
كثير النواء
قال الزبيدي في تاج العروس: (والنواء كشداد من يبيع نوى التمر،
واشتهر به جماعة من المحدثين كعلي بن محمد بن الفضل النواء، روى عنه أبو القاسم
السهمي) وقال السمعاني في الأنساب: (والنواء بفتح النون وتشديد الواو،
هذه النسبة إلى بيع النواة وجرت عادة أهل المدينة أنهم يبيعون النواة ويعلفون
بها، والمشهور بهذه النسبة كثير النواء مولى تيم الله، وكنيته أبو إسماعيل، يروي
عن عطية، روى عنه الكوفيون).
وقال ابن الأثير في اللباب: (النواء بفتح النون والواو المشددة وبعدها
ألف، هذه النسبة إلى بيع النوى، وأهل المدينة يبيعونه ويعلفونه جمالهم، والمشهور
بهذه النسبة كثير النواء أبو إسماعيل، يروي عن عطية، وروى عنه الكوفيون).
وقال المامقاني (ره) في تنقيح المقال: (كثير النواء بفتح النون والواو
المشددة والألف والهمزة نسبة إلى بيع النواة كما ستسمع نطق الرواية بذلك، وقد
جرت عادة أهل المدينة بل جملة من البلاد ببيع النوى المبتل الرطب لأجل علف -
المواشي الإبل والمعز وهو متعارف إلى الآن في المدينة المشرفة وأغلب البلاد التي
يكثر فيها التمر، وقد كان المتعارف في النجف الأشرف سابقا شراءها لأجل الاحراق
في كورة تبيض الصفر، وعن السمعاني أن المشهور بهذه النسبة هو مولى تيم الله،
وكنيته أبو إسماعيل روى عنه الكوفيون.
وكيف كان فقد عده الشيخ (ره) في رجاله تارة من أصحاب الباقر عليه السلام
759

بقوله: كثير النواء بتري، وأخرى من أصحاب الصادق عليه السلام بقوله: كثير بن
قاروند أبو إسماعيل النواء الكوفي انتهى، وظاهره اتحاده مع كثير بن قاروند
المتقدم الذي أبدل ابن داود القاف فيه بالكاف، وفي رجال البرقي أنه من أصحاب
الصادق عليه السلام عامي، وفي القسم الثاني من الخلاصة: كثير النواء بتري قاله
الشيخ الطوسي والكشي - رحمهما الله - وقال البرقي: إنه عامي المذهب (انتهى)
وضعفه في الوجيزة وغيرها أيضا)
وقال الكشي (ره) في رجاله تحت عنوان (ما ورد في أم خالد وكثير النواء
وأبي المقدام) ما نصه: (علي بن الحسن قال: حدثني العباس بن عامر وجعفر بن محمد
عن أبان بن عثمان عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الحكم بن
عتيبة، وسلمة، وكثيرا النواء وأبا المقدام والتمار يعني سالما أضلوا كثيرا ممن
ضل من هؤلاء، وأنهم ممن قال الله عز وجل [فيهم]: ومن الناس من يقول آمنا
بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين، علي بن محمد قال: حدثني أحمد بن محمد عن علي بن.
الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي قال: قال: أبو عبد الله عليه السلام: اللهم
إني إليك من كثير النواء برئ في الدنيا والآخرة. (إلى أن قال) وروي عن محمد
ابن يحيى قال: قلت لكثير النواء: ما أشد استخفافك بأبي جعفر عليه السلام؟ قال: لأني
سمعت منه شيئا لا أحبه أبدا، سمعته يقول: إن الأرض السبع تفتح بمحمد وعترته)
وأيضا في تنقيح المقال في ترجمة كثير المذكور: وروى في الخرائج
عن جابر قال: كنا عند الباقر عليه السلام نحوا من خمسين رجلا إذ دخل عليه كثير
النواء وكان من المغيرية فسلم وجلس ثم قال: إن المغيرة بن عمران عندنا
بالكوفة يزعم أن معك ملكا يعرفك الكافر من المؤمن وشيعتك من أعدائك، قال:
ما حرفتك؟ - قال: أبيع الحنطة، قال: كذبت، قال: وربما أبيع الشعير، قال: ليس
كما قلت بل تبيع النوى، قال: من أخبرك بهذا؟ - قال: الملك الذي يعرفني شيعتي
من عدوي، لست تموت إلا تائها. قال جابر الجعفي: فلما انصرفنا إلى الكوفة ذهبت
في جماعة نسأل عنه فدللنا على عجوز فقالت: مات تائها منذ ثلاثة أيام.
760

بيان - يطلب تقسير المغيرية من مقياس الهداية، والتائه الذاهب العقل،
ويحتمل أن يراد به المتحير في الدين، قاله الفاضل المجلسي قدس سره. وروي في
الخرائج أن كثيرا النواء لما خرج من عند أبي جعفر عليه السلام قال: ما هو إلا خبيث -
الولادة قال: وسمع الكلام هذا جماعة من أهل الكوفة. قالوا: ذهبنا نسأل عن كثير
فمضينا إلى الحي الذي هو فيهم، فدللنا على عجوز صالحة فقلنا لها: نسألك عن
أبي إسماعيل، قالت: كثير؟ - فقلنا: نعم، قالت: تريدون أن تزوجوه؟ - قلنا: نعم،
قالت: لا تفعلوا، فإن أمه قد وضعته في ذلك البيت رابع أربعة من الزنا، وأشارت
إلى بيت من بيوت الدار.
وروى في السرائر عن أبان بن تغلب عن محمد بن علي عن حنان بن سدير
قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام أنا وجماعة (وساق نحو الحديث المذكور إلا أن
فيه) قال: إن سألتم عنه وجدتموه لغية ثم ذكروا حديث العجوز التي أتى عليها ستون
سنة فقالت: ولد في ذلك البيت، ولدته أمه سادس ستة من الزنا.
ثم إنه قد روى الكشي فيه روايات (فخاض في نقل الروايات وتكميل الترجمة
بما أحب ذكره، فمن أراد ما قال فليراجع تنقيح المقال)).
وقال المحدث القمي (ره) في سفينة البحار (ج 2، ص 470):
(كثير النواء بفتح النون والواو المشددة بتري عامي وورد فيه وفي الحكم
ابن عتيبة وسلمة وأبي المقدام وسالم التمار أنهم أضلوا كثيرا ممن ضل من هؤلاء
وأنهم ممن قال الله عز وجل: ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم
بمؤمنين. في سر [يعني السرائر] أنه لغية ولدته أمه سادس ستة من الزنا،
قال ابن إدريس ينسب البترية من الزيدية إليه لأنه كان أبتر اليد يالج 208 روى
أنه جاء كثير النواء فبايع زيد بن علي ثم رجع فاستقال فأقاله ثم قال (أي زيد):
للحرب أقوام لها خلقوا * وللتجارة والسلطان أقوام
خير البرية من أمسى تجار؟ ه * تقوى الإله وضرب يجتلي الهام
يايا 50 كان كثير النواء من المغيرية وأخبره الباقر عليه السلام: أنه
761

يموت تائها فمات كذلك 71، وأخبر عليه السلام عنه أنه خبيث الولادة فسئل عن ذلك
فكان كذلك).
أقول: قال المجلسي (ره) في عاشر البحار بعد نقل حديث الخرائج
ما نصه:
(بيان - المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي الذي ادعى أن الإمامة
بعد محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام لمحمد بن عبد الله بن الحسن وزعم أنه حي لم يمت،
وقال الشيخ والكشي: إن كثيرا كان من البترية، وقال البرقي: إنه كان عاميا
والظاهر أن المراد بالتائه الذاهب العقل، ويحتمل أن يكون المراد به المتحير في الدين).
وأراد المحدث القمي (ره) بقوله: وورد فيه وفي الحكم (إلى آخره) رواية
نقلها الكشي (ره) في رجاله والعياشي (ره) في تفسيره عن الباقر عليه السلام فمن أرادها
فليراجع الكتابين أو تنقيح المقال للمامقاني (ره) فإنه أوردها في التنقيح في ترجمة
كثير النواء.
ولنشر إلى شئ من كتب رجال العامة فإنهم أيضا ذكروا الرجل
في كتبهم.
قال الذهبي في ميزان الاعتدال:
(كثير بن إسماعيل النواء أبو إسماعيل، عن عطية العوفي وغيره، وعنه
ابن فضيل وجماعة شيعي جلد، ضعفه أبو حاتم والنسائي، وقال ابن عدي: مفرط
في التشيع وقال السعدي: زائغ. منصور بن أبي الأسود حدثنا كثير النواء
عن عبد الله بن مليل سمعت عليا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لكل نبي سبعة
نجباء... الحديث. أبو عقيل يحيى بن المتوكل حدثنا كثير النواء عن إبراهيم
ابن الحسن عن أبيه عن جده مرفوعا قال: يكون بعدي قوم من أمتي يسمون
الرافضة يرفضون الإسلام).
قال ابن حجر في تقريب التهذيب: (كثير بن إسماعيل أو ابن نافع النواء
بالتشديد أبو إسماعيل التميمي [كذا والظاهر: التيمي] الكوفي ضعيف من
762

السادسة / ت (أي أخرج حديثه الترمذي)) وقال أيضا: (كثير بن قاروند بقاف
ونون ساكنة قبلها واو مفتوحة كوفي نزل البصرة أبو إسماعيل مقبول من السابعة / س
(أي أخرج حديثه النسائي)).
وقال في تهذيب التهذيب: (كثير بن إسماعيل ويقال: ابن نافع النواء
أبو إسماعيل التيمي مولى بني تيم الله الكوفي روى عن أبي جعفر وعطية العوفي
وأبي إدريس المرهبي وجميع بن عمير ومحمد بن بشر الهمداني وفاطمة بنت علي بن
أبي طالب وجماعة. وعنه فطر بن خليفة ويزيد بن عبد العزيز بن سياه والمسعودي
وقيس بن الربيع وأبو شهاب عبد ربه بن نافع وأبو عقيل يحيى بن المتوكل وشريك
وابن عيينة وعلي بن عابس وعلي بن هاشم بن البريد وعمر بن شبيب المسلي وغيرهم.
قال أبو حاتم: ضعيف الحديث بابه سعد بن طريف، وقال الجوز جاني: زائغ وقال
النسائي: ضعيف، وقال في موضع آخر: فيه نظر، وقال ابن عدي: كان غاليا في
التشيع مفرطا فيه، وذكره ابن حبان في الثقات. قلت: وقال العجلي: لا بأس
به وروى عن محمد بن بشر العبدي أنه قال: لم يمت كثير النواء حتى رجع عن
التشيع. وسيأتي له ذكر في ابن قاروند). وقال في ابن قاروند ما نصه: (كثير
ابن قاروند كوفي سكن البصرة روى عن سالم بن عبد الله ابن عمر، وعدي بن ثابت،
وعون بن أبي جحيفة، وأبي جعفر وعطية، وعنه يزيد بن ذريع ويوسف بن خالد السمتي
والفضيل بن سليمان والنضر بن شميل: ذكره ابن حبان في الثقات. روى له
النسائي حديثا واحدا في صلاة السفر قلت: ذكر ابن حبان أنه يكنى أبا إسماعيل.
وقال الخطيب: كثير أبو إسماعيل الذي روى عن إبراهيم بن الحسن هو
كثير النواء وهو كثير بن قاروند، كذا قال وقال ابن القطان: لا يعرف حاله.
وأورد ابن عدي في ترجمة فضيل بن سليمان من طريق فضيل عن كثير عن عون بن
أبي جحيفة عن أبيه: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما زلنا نصلي ركعتين ركعتين حتى
رجعنا، فقال: لم يروه عن كثير إلا فضيل، وكثير غزير الحديث).
763

وقال الشهرستاني في كتاب الملل والنحل عند ذكره طوائف الزيدية:
(الصالحية أصحاب الحسن بن صالح بن حي، والبترية أصحاب كثير
النواء الأبتر).
أقول: قال الفيروزآبادي في (ب ت ر) من القاموس عند ذكره معاني (الأبتر)
:
(والأبتر لقب المغيرة بن سعد، والبترية من الزيدية بالضم تنسب إليه).
وقال الطريحي (ره) في مجمع البحرين في مادة (ب ت ر):
(والبترية بضم الموحدة فالسكون فرق من الزيدية، قيل: نسبوا إلى المغيرة
بن سعد ولقبه الأبتر، وقيل: البترية هم أصحاب كثير النواء [و] الحسن بن أبي صالح
وسالم بن أبي حفصة والحكم ابن عيينة وسلمة بن كهيل وأبي المقدام ثابت بن، الحداد،
وهم الذين دعوا إلى ولاية علي عليه السلام فخلطوها بولاية أبي بكر وعمر، ويثبتون لهم الإمامة
ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة، ويرون الخروج مع ولد علي عليه السلام).
التعليقة 37
(ص 299)
كتاب علي عليه السلام
إلى عبد الله بن عباس بعبارة النهج
قال الشريف الرضي - رضي الله عنه - في كتابه نهج البلاغة في باب المختار
من كتب أمير المؤمنين عليه السلام ما نصه:
(ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس بعد مقتل محمد بن أبي بكر:
أما بعد فإن مصر افتتحت، ومحمد بن أبي بكر - رحمه الله - قد استشهد،
فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا وعاملا كادحا وسيفا قاطعا وركنا دافعا، وقد كنت حثثت
الناس على لحاقه وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة ودعوتهم سرا وجهرا وعودا وبدءا،
فمنهم الآتي كارها، ومنهم المعتل كاذبا، ومنهم القاعد خاذلا، أسأل الله تعالى أن
764

يجعل لي منهم فرجا عاجلا، فوالله لولا طمعي عند لقائي عدوي في الشهادة وتوطيني
نفسي على المنية لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا ولا التقي بهم أبدا).
قال ابن أبي الحديد في شرح الكتاب ما نصه (ج 4، ص 54 - 55): (أنظر إلى الفصاحة كيف تعطي هذا الرجل قيادها وتملكه زمامها، واعجب
لهذه الألفاظ المنصوبة يتلو بعضها بعضا كيف تواتيه وتطاوعه سلسة سهلة تتدفق
من غير تعسف ولا تكلف حتى انتهى إلى آخر الفصل فقال: يوما واحدا، ولا التقى
بهم أبدا.
وأنت وغيرك من الفصحاء إذا شرعوا في كتاب أو خطبة جاءت القرائن والفواصل
تارة مرفوعة، وتارة مجرورة، وتارة منصوبة، فإن أرادوا قسرها بإعراب واحد
ظهر منها في التكلف أثر بين وعلامة واضحة، وهذا الصنف من البيان أحد أنواع
الاعجاز في القرآن، ذكره عبد القاهر قال: أنظر إلى سورة النساء وبعدها سورة
المائدة، الأولى منصوبة الفواصل، والثانية ليس فيها منصوب أصلا، ولو مزجت إحدى
السورتين بالأخرى لم تمتزجا وظهر أثر التركيب والتأليف بينهما، ثم إن فواصل
كل واحدة منهما تنساق سياقة بمقتضى البيان الطبيعي لا الصناعة التكلفية.
ثم انظر إلى الصفات والموصوفات في هذا الفصل كيف قال: (ولدا ناصحا،
وعاملا كادحا، وسيفا قاطعا، وركنا دافعا) لو قال: ولدا كادحا وعاملا ناصحا وكذلك
ما بعده لما كان صوابا ولا في الموقع واقعا فسبحان الله من منح هذا الرجل هذه المزايا
النفيسة والخصائص الشريفة؟! أن يكون غلام من أبناء عرب مكة ينشأ بين أهله لم يخالط
الحكماء وخرج أعرف بالحكمة ودقائق العلوم الإلهية من أفلاطون وأرسطو،
ولم يعاشر أرباب الحكم الخلقية والآداب النفسانية لأن قريشا لم يكن أحد منهم
مشهورا بمثل ذلك وخرج أعرف بهذا الباب من سقراط، ولم يرب بين الشجعان
لأن أهل مكة كانوا ذوي تجارة ولم يكونوا ذوي حرب وخرج أشجع من كل بشر
مشى على الأرض، قيل لخلف الأحمر: أيما أشجع؟ عنبسة وبسطام أم علي بن - أبي طالب؟ - فقال: إنما يذكر عنبسة وبسطام مع البشر والناس، لامع من يرتفع عن
765

هذه الطبقة، فقيل له: فعلى كل حال؟ - قال: والله لو صاح في وجوههما لماتا قبل
أن يحمل عليهما: وخرج أفصح من سحبان وقس ولم تكن قريش بأفصح العرب،
كان غيرها أفصح منها، قالوا: أفصح العرب جرهم وإن لم تكن لهم نباهة، وخرج
أزهد الناس في الدنيا وأعفهم مع أن قريشا ذوو حرص ومحبة للدنيا، ولا غر وفيمن
كان محمد صلى الله عليه وآله مربيه ومخرجه، والعناية الإلهية تمده وترفده أن يكون منه ما كان.
ثم قال:
يقال: احتسب ولده، إذا مات كبيرا، وافترط ولده، إذا مات صغيرا. قوله:
فمنهم الآتي، قسم جنده أقساما فمنهم من أجابه وخرج كارها للخروج كما قال
تعالى: كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، ومنهم من قعد واعتل بعلة كاذبة
كما قال تعالى: يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة أن يريدون إلا فرارا، ومنهم
من تأخر وصرح بالقعود والخذلان كما قال تعالى: فرح المخلفون بمقعدهم خلاف
رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والمعنى أن حاله كانت
مناسبة لحال النبي صلى الله عليه وآله، ومن تذكر وتدبر أحوالهما وسيرتهما وما جرى لهما
إلى أن قبضا علم تحقيق ذلك.
ثم أقسم أنه لولا طمعه في الشهادة لما أقام مع أهل العراق ولا صحبهم.
فإن قلت: فهلا خرج إلى معاوية وحده من غير جيش إن كان يريد الشهادة؟
قلت: ذلك لا يجوز لأنه إلقاء النفس إلى التهلكة، وللشهادة شروط متى
فقدت فقدت، فلا يجوز أن تحمل إحدى الحالتين على الأخرى).
766

التعليقة 38
(ص 308)
كلام لابن أبي الحديد في شرح
كلام له عليه السلام قد تقدم في الكتاب
قال الشريف الرضي - رضي الله عنه - في باب الخطب من نهج البلاغة
(ص 495 من ج 2 شرح النهج لابن أبي الحديد): (ومن خطبة له عليه السلام.
الحمد لله الذي لا تواري عنه سماء سماءا ولا أرض أرضا (منها) وقد قال قائل:
إنك على هذا الأمر يا ابن أبي طالب لحريص فقلت: بل أنتم والله لأحرص وأبعد،
وأنا أخص وأقرب، وإنما طلبت حقا لي وأنتم تحولون بيني وبينه وتضربون وجهي دونه،
فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين هب كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به، اللهم
إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي،
وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي، ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه، وفي الحق
أن تتركه).
قال ابن أبي الحديد في شرحه:
(هذا من خطبة يذكر فيها عليه السلام ما جرى يوم الشورى بعد مقتل عمر، والذي
قال له، إنك على هذا الأمر لحريص، سعد بن أبي وقاص مع روايته فيه: (أنت
مني بمنزلة هارون من موسى) وهذا عجيب، فقال لهم: بل أنتم والله أحرص وأبعد،
الكلام المذكور وقد رواه الناس كافة. وقالت الإمامية:
هذا الكلام المذكور يوم السقيفة، والذي قال له: إنك على هذا الأمر
لحريص، أبو عبيدة بن الجراح، والرواية الأولى أظهر وأشهر، وروي (فلما قرعته)
أي صدمته بها، وروي هب لا يدري ما يجيبني كما تقول: استيقظ وانتبه كأنه
كان غافلا ذاهلا عن الحجة فهب لما ذكرتها. أستعديك أطلب أن تعديني عليهم
767

وأن تنتصف لي منهم. قطعوا رحمي، لم يرعوا قربه من رسول الله صلى الله عليه وآله. وصغروا
عظيم منزلتي يقفوا مع النصوص الواردة فيه. وأجمعوا على منازعتي أمرا
هو لي أي بالأفضلية أي أنا أحق به منهم، هكذا ينبغي أن يتأول كلامه، وكذلك
قوله: إنما أطلب حقا لي وأنتم تحولون بيني وبينه وتضربون وجهي دونه. قال ثم:
قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تتركه قال: لم يقتصروا على
أخذ حقي ساكتين عن الدعوى ولكنهم أخذوه وادعوا أن الحق لهم وأنه يجب
علي أن أترك المنازعة فيه، فليتهم أخذوه معترفين بأنه حقي فكانت المصيبة به
أخف وأهون.
واعلم أنه قد تواترت الأخبار عنه عليه السلام بنحو من هذا القول
نحو قوله: ما زلت مظلوما منذ قبض الله رسوله حتى يوم الناس هذا. وقوله:
اللهم اجز قريشا فإنها منعتني حقي وغصبتني أمري. وقوله: فجزى قريشا عني
الجوازي فإنهم ظلموني حقي، واغتصبوني سلطان ابن أمي. وقوله وقد سمع
صارخا ينادي: أنا مظلوم، فقال: هلم فلنصرخ معا فإني ما زلت مظلوما. وقوله:
وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى. وقوله: أرى تراثي نهبا.
وقوله: أصغيا بانائنا، وحملا الناس على رقابنا. وقوله: إن لنا حقا إن نعطه نأخذه
وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى. وقوله: ما زلت مستأثرا علي
مذعوفا عما أستحقه وأستوجبه.
وأصحابنا يحملون ذلك كله على ادعائه الأمر بالأفضلية والأحقية وهو
الحق والصواب فإن حمله على الاستحقاق بالنص تكفير أو تفسيق لوجوه المهاجرين
والأنصار ولكن الإمامية والزيدية حملوا هذه الأقوال على ظواهرها وارتكبوا
بها مركبا صعبا. ولعمري إن هذه الألفاظ موهمة مغلبة على الظن ما يقوله القوم
لكن تصفح الأقوال يبطل ذلك الظن ويدرأ ذلك الوهم فوجب أن يجري مجرى الآيات
المتشابهات الموهمة ما لا يجوز على الباري فإنه لا نعمل بها ولا نعول على ظواهرها
لأنا لما تصفحنا أدلة العقول اقتضت العدول عن ظاهر اللفظ وأن تحمل على التأويلات
768

المذكورة في الكتب.
وحدثني يحيى بن سعيد بن علي الحنبلي المعروف بابن عالية من ساكني -
قطفتا (1) بالجانب الغربي من بغداد وأحد الشهود المعدلين بها، قال: كنت حاضرا عند -
الفخر إسماعيل بن علي الفقيه الحنبلي المعروف بغلام بن المنى وكان الفخر إسماعيل
ابن علي هذا مقدم الحنابلة ببغداد في الفقه والخلاف ويشتغل بشئ من علم المنطق
وكان حلو العبارة وقد رأيته أنا وحضرت عنده وسمعت كلامه وتوفي سنة عشرة
وستمائة، قال ابن عالية: ونحن عنده نتحدث إذ دخل شخص من الحنابلة قد كان
له دين على بعض أهل الكوفة فانحدر إليه يطالبه به واتفق أن حضرت زيارة يوم الغدير
والحنبلي المذكور بالكوفة وهذه الزيارة هي اليوم الثامن عشر من ذي الحجة
ويجتمع بمشهد أمير المؤمنين عليه السلام من الخلائق جموع عظيمة تتجاوز حد الاحصاء،
قال ابن عالية: فجعل الشيخ الفخر يسائل ذلك الشخص: ما فعلت؟ ما رأيت؟ هل
وصل مالك إليك؟ هل بقي لك منه بقية عند غريمك؟ وذلك الشخص يجاوبه حتى
قال له: يا سيدي لو شاهدت يوم الزيارة يوم الغدير وما يجري عند قبر علي بن أبي طالب
من الفضائح والأقوال الشنيعة وسب الصحابة جهارا بأصوات مرتفعة من غير -
مراقبة ولا خيفة.!
فقال إسماعيل: أي ذنب لهم؟ والله ما جرأهم على ذلك ولا فتح لهم هذا الباب
إلا صاحب ذلك القبر، فقال ذلك الشخص: ومن صاحب القبر؟ قال: علي بن أبي طالب
عليه السلام، قال: يا سيدي هو الذي سن لهم ذلك وعلمهم إياه وطرقهم إليه؟ قال:
نعم والله، قال: يا سيدي فإن كان محقا فما لنا نتولى فلانا وفلانا؟! وإن كان

1 - قال ياقوت في معجم البلدان: (قطفتا بالفتح ثم الضم والفاء ساكنة وتاء
مثناة من فوق والقصر كلمة عجمية لا أصل لها في العربية في علمي، وهي محلة كبيرة ذات -
أسواق بالجانب الغربي من بغداد مجاورة لمقبرة الدير التي فيها قبر الشيخ معروف الكرخي (رض)
بينها وبين دجلة أقل من ميل، وهي مشرفة على نهر عيسى إلا أن العمارة بها متصلة إلى دجلة
بينهما القرية محلة معروفة، وينسب إليها جماعة منهم أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن
يعقوب بن قفرجل الوزان القطفتي سمع جده من أمه أبا بكر بن قفرجل وأبا حفص بن شاهين
(إلى آخر ما قال)).
769

مبطلا فما لنا نتولاه؟! ينبغي أن نبرأ إما منه أو منهما؟
قال ابن عالية: فقام إسماعيل مسرعا فلبس نعليه، وقال: لعن الله إسماعيل الفاعل
ابن الفاعل إن كان يعرف جواب هذا المسألة، فدخل دار حرمه وقمنا نحن وانصرفنا،
التعليقة 39
(ص 300)
ما يتعلق بخبر بني ناجية
قال المجلسي رحمه الله تعالى في ثامن البحار في باب ما جرى من الفتن من
غارات أصحاب معاوية (ص 677) نقلا عن نهج البلاغة: (من كلام له عليه السلام
لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية وكان قد ابتاع سبي بني ناجية من
عامل أمير المؤمنين وأعتقه فلما طالبه بالمال خاس به وهرب إلى الشام:
قبح الله مصقلة فعل فعل السادة وفر فرار العبيد، فما أنطق مادحه حتى أسكته
ولا صدق واصفه حتى بكته، ولو أقام لأخذنا ميسوره وانتظرنا له وفوره).
بيان - أقول: قد مضى (1) هذا الكلام ومضت قصته في أبواب أحوال الخوارج.
وقال الشراح: بنو ناجية ينسبون أنفسهم إلى قريش وقريش تدفعهم
عنه وينسبونهم إلى ناجية وهي أمهم وقد عدوا من المبغضين لعلي عليه السلام، واختلفت
الرواية في سبيهم ففي بعضها أنه لما انقضى أمر الجمل دخل أهل البصرة في الطاعة
غير بني ناجية فبعث إليهم علي عليه السلام رجلا من الصحابة في خيل ليقاتلهم، فأتاهم
وقال لهم: ما لكم عسكرتم وقد دخل في الطاعة غيركم؟ - فافترقوا ثلاث فرق، فرقة
قالوا: كنا نصارى فأسلمنا ونبايع، فأمرهم فاعتزلوا، وفرقة قالوا: كنا نصارى
فلم نسلم وخرجنا مع القوم الذين كانوا خرجوا، قهرونا فأخرجونا كرها فخرجنا معهم
فهزموا فنحن ندخل فيما دخل الناس فيه ونعطيكم الجزية كما أعطيناهم، فقال:

1 - المراد بما مضى ما ذكره في باب سائر ما جرى بينه وبين الخوارج سوى وقعة
النهروان بعد نقل كلام أمير المؤمنين (ع) عن نهج البلاغة بعين ما نقله هنا، أنظر ج 8، ص 615.
770

اعتزلوا، فاعتزلوا، وفرقة قالوا: كنا نصارى فأسلمنا ولم يعجبنا الإسلام، فرجعنا،
فنعطيكم الجزية كالنصارى فقال لهم: توبوا وارجعوا إلى الإسلام فأبوا، فقاتل
مقاتلتهم وسبى ذراريهم فقدم بهم على أمير المؤمنين عليه السلام، وفي بعضها أن الأمير
من قبل علي عليه السلام كان معقل بن قيس ولما انقضى أمر الحرب لم يقتل من المرتدين
من بني ناجية إلا رجلا واحدا ورجع الباقون إلى الإسلام واسترق من النصارى
منهم الذين ساعدوا في الحرب وشهروا السيف على جيش الإمام ثم أقبل بالأسارى
حتى مر على مصقلة بن هبيرة الشيباني وهو عامل لعلي عليه السلام على أردشير خره
وهم خمسمائة إنسان فبكت إليه النساء والصبيان وتصايح الرجال وسألوه أن يشتريهم
ويعتقهم، فابتاعهم بخمسمائة ألف درهم، فأرسل إليه أمير المؤمنين أبا حرة الحنفي
ليأخذ منه المال فأدى إليه مأتي ألف درهم وعجز عن الباقي فهرب إلى معاوية، فقيل
له عليه السلام: أردد الأسارى في الرق فقال: ليس ذلك في القضاء بحق، قد عتقوا
إذ أعتقهم الذي اشتراهم وصار مالي دينا عليه.
أقول: فعلى الرواية الأولى كانوا من المرتدين عن الإسلام ولا يجوز سبي
ذراريهم عندنا وعند الجمهور أيضا إلا أن أبا حنيفة قال بجواز استرقاق المرأة
المرتدة إذا لحقت بدار الحرب، وأيضا ما فيها من أنه قدم بالأسارى إلى علي عليه السلام
يخالف المشهور من اشتراء مصقلة عن عرض الطريق وقد قال بعض الأصحاب بجواز
سبي البغاة إلا أن الظاهر أنه مع إظهار الكفر والارتداد لا يبقى حكم البغي، والصحيح
ما في الرواية الثانية من أن الأسارى كانت من النصارى).
أقول: فخاض في بيان لغات كلام نقله عن النهج فمن أراده فليراجع البحار.
وممن خاض من شراح نهج البلاغة في بيان نسب بني ناجية ابن أبي الحديد
في شرح كلامه عليه السلام في حق مصقلة بن هبيرة (شرح النهج ج 1، ص 262) وكذا
في جمع الروايتين المتعارضتين المشار إليهما في كلام المجلسي رحمه الله تعالى (أنظر
ص 272 من الجزء الأول).
وقال العالم الجليل الحاج ميرزا حبيب الله الخوئي - قدس الله تربته -
771

في منهاج البراعة في شرح الكلام المذكور (ج 2، ص 63): (وأما قصة بني ناجية
وسبب هرب مصقلة فعلى ما ذكره في البحار وشرح المعتزلي من كتاب الغارات
لإبراهيم بن محمد الثقفي بتلخيص منا هو أن الخريت بن راشد الناجي أحد -
بني ناجية قد شهد مع علي صفين ثم استهواه الشيطان، فنقل القصة بطولها مع
تلخيص لها كما صرح به فمن أراد فليراجع المنهاج (ج 2، ص 63 - 66 من الطبعة الأولى).
وفي الاشتقاق لابن دريد عند ذكره سامة بن لؤي (ص 109):
(فمن بني سامة الخريت بن راشد وهو الذي خرج على علي بن أبي طالب
صلوات الله عليه ناحية أسياف البحر فبعث إليه علي رضي الله عنه معقل بن قيس
الرياحي فقتله وهزم أصحابه، ولهم حديث، والخريت = الدليل الحاذق، واشتقاقه
من خرت الإبرة أي أنه من حذاقته يدخل في خرت الإبرة، أي يدخل في ثقبها)
وقال أبو الفرج الإصبهاني في الأغاني في ترجمة علي بن الجهم ما نصه:
(ص 99 - 100 من ج 9 من طبعة ساسي)
(هو علي بن الجهم بن بدر بن الجهم بن مسعود بن أسيد بن أذينة بن كراز
ابن كعب بن مالك بن عيينة بن جابر بن عبد البيت بن الحارث بن سامة بن لؤي بن
غالب، هكذا يدعون وقريش تدفعهم عن النسب وتسميهم بني ناجية ينسبون إلى
أمهم ناجية وهي امرأة سامة بن لؤي وكان سامة فيما يقال خرج إلى ناحية البحرين
مغاضبا لأخيه كعب بن لؤي في مماظة كانت بينهما فطأطأت ناقته رأسها إلى الأرض
لتأخذ شيئا من العشب فعلق بمشفرها أفعى فعطفته على قتبها فحكته به فدب الأفعى
على القتب حتى نهش ساق سامة فقتله فقال أخوه يرثيه:
عين جودي لسامة بن لؤي * علقت ساق سامة العلاقة
رب كأس هرقتها ابن لؤي * حذر الموت لم تكن مهراقة
وقال من يدفع بني سامة من نسابي قريش: (وكانت معه امرأته ناجية) فلما
مات تزوجت رجلا من أهل البحرين فولدت منه الحارث وما أبوه وهو صغير
فلما ترعرع طمعت أمه في أن تلحقه بقريش فأخبرته أنه ابن سامة فرحل من أهل -
772

البحرين إلى عمه كعب وأخبره أنه ابن أخيه فعرف كعب أمه وظنه صادقا في دعواه
ومكث عنده مدة حتى قدم مكة ركب من أهل البحرين فرأوا الحارث فسلموا عليه
وحادثوه ساعة فسألهم عنه كعب بن لؤي ومن أين يعرفونه؟ فقالوا له: هذا ابن رجل
من أهل بلدنا يقال له: فلان وشرحوا له خبره فنفاه كعب ونفى أمه فرجعا إلى البحرين
فكانا هناك، وتزوج الحارث وأعقب هذا العقب، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
عمي سامة لم يعقب.
وكان بنو ناجية ارتدوا عن الإسلام ولما ولي علي بن أبي طالب رضي الله عنه
الخلافة دعاهم إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأقام الباقون على الردة فسباهم واسترقهم
فاشتراهم مصقلة بن هبيرة منه وأدى ثلث ثمنهم وأشهد بالباقي على نفسه ثم أعتقهم
وهرب من تحت ليله إلى معاوية فصاروا أحرارا ولزمه الثمن فشعث علي بن أبي طالب
شيئا من داره، وقيل: بل هدمها فلم يدخل مصقلة الكوفة حتى قتل علي بن أبي طالب
رضي الله عنه.
وزعم ابن الكلبي أن سامة بن لؤي ولد غالب بن سامة وأمه ناجية ثم هلك
سامة فخلف عليها ابنه الحارث بن سامة ثم هلك ابن سامة ولم يعقبا وأن قوما من
بني ناجية بن جرم بن أبان بن علاف ادعوا أنهم بنو سامة بن لؤي وأن أمهم
ناجية هذه ونسبوها هذا النسب وانتموا إلى الحارث بن سامة وهم الذين باعهم علي
ابن أبي طالب إلى مصقلة قال: ودليل ذلك وأن هؤلاء بنو ناجية بنت جرم قول علقمة
الخصي التميمي أحد بني ربيعة بن مالك:
زعمتم أن ناجي بنت جرم * عجوز بعد ما بلى السنام
فإن كانت كذاك فألبسوها * فإن الحلي للأنثى تمام
وهذا أيضا قول الهيثم بن عدي فأما الزبير بن بكار فإنه أدخلهم في قريش
وقال: هم قريش العازبة وإنما سموا (العازبة) لأنهم عزبوا عن قومهم فنسبوا إلى
أمهم ناجية بنت جرم بن أبان وهو علاف وهو أول من اتخذ الرجال العلافية
فنسبت إليه، واسم ناجية ليلى، وإنما سميت ناجية لأنها سارت في مفازة معه فعطشت
773

فاستسقته ماءا فقال لها: الماء بين يديك وهو يريها السراب حتى جاءت الماء فشربت
وسميت ناجية، وللزبير في إدخالهم في قريش مذهب وهو مخالفة فعل أمير المؤمنين
علي رضي الله عنه وميله إليهم لإجماعهم على بغضه رضي الله عنه حسب المشهور المأثور
من مذهب الزبير في ذلك).
ونقل ابن أبي الحديد كل هذه الكلمات في شرح النهج عن الأغاني.
أقول: لابن أبي الحديد في هذه المسألة أي استرقاق بني ناجية واعتاقهم تحقيق
ينبغي أن يراجع إليها فإنه لا يخلو عن فائدة ولولا خوف الإطناب لنقلناه فراجع
إن شئت شرح النهج (ج 1، ص 271، 272 من الطبعة الأولى بمصر).
التعليقة 40
(ص 339)
عبد الله بن وأل التيمي
هذا الرجل غير مذكور في كتب الرجال إلا أنه من وجوه التوابين الذين
قاموا بطلب ثأر الحسين عليه السلام بعد وقعة الطف قال الطبري في تأريخه عند ذكره
أحداث السنة الرابعة والستين (ج 7، ص 47 من الطبعة الأولى بمصر):
(قال أبو جعفر: وفي هذه السنة تحركت الشيعة بالكوفة واتعدوا الاجتماع
بالنخيلة في سنة 65 للمسير إلى أهل الشام للطلب بدم الحسين بن علي وتكاتبوا في ذلك.
قال هشام بن محمد: حدثنا أبو مخنف قال: حدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف
ابن الأحمر الأزدي قال: لما قتل الحسين بن علي ورجع ابن زياد من معسكره
بالنخيلة فدخل الكوفة تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم ورأت أنها قد أخطأت خطاءا
كبيرا بدعائهم الحسين إلى النصرة وتركهم إجابته ومقتله إلى جانبهم لم ينصروه
ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله إلا بقتل من قتله أو القتل فيه ففزعوا
بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة، إلى سليمان بن صرد الخزاعي وكانت له
صحبة مع النبي صلى الله عليه وآله، وإلى المسيب بن نجبة الفزاري وكان من أصحاب علي
774

وخيارهم، وإلى عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وإلى عبد الله بن وأل التيمي، وإلى
رفاعة بن شداد البجلي ثم إن هؤلاء النفر الخمسة اجتمعوا في منزل سليمان بن
صرد وكانوا من خيار أصحاب علي (فساق القضية بطولها) وقال أيضا بعد مقتل
هؤلاء الخمسة (ص 80) قال هشام: قال أبو مخنف عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر
عن أدهم بن محرز الباهلي: أنه أتى عبد الملك بن مروان ببشارة الفتح قال: فصعد
المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الله قد أهلك من رؤوس أهل العراق
ملقح فتنة ورأس ضلالة سليمان بن صرد، ألا وإن السيوف تركت رأس المسيب بن
نجبة خذاريف، ألا وقد قتل الله من رؤوسهم رأسين عظيمين ضالين مضلين عبد الله بن
سعد أخا الأزد وعبد الله بن وأل أخا بكر بن وائل فلم يبق بعد هؤلاء أحد عنده دفاع
ولا امتناع).
أقول قد تعرض لذكر الرجل وكونه من رؤساء الشيعة بالكوفة كل
من تعرض لذكر التوابين فمنهم المجلسي (ره) في عاشر البحار (ص 284 - 288).
وغيره في غيره، ومن تدبر في أحوال الرجل ظهر له ما يدل على جلالته فراجع.
التعليقة 41
(ص 339)
قرظة بن كعب الأنصاري
في القاموس: (قرظة بن كعب محركة صحابي) وقال الزبيدي في
شرحه: (جد عمرو وهو من الأنصار - رضي الله عنه - كما في العباب، والذي في
المعجم لابن فهد: قرظة بن كعب بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي من فضلاء الصحابة
شهد أحدا وولي الكوفة لعلي وقد شهد فتح الري زمن عمر) وفي تقريب التهذيب:
(قرظة بمعجمة وفتحات بن كعب بن ثعلبة الأنصاري صحابي شهد الفتوح بالعراق،
ومات في حدود الخمسين على الصحيح / س ق) وفي توضيح الاشتباه للساروي:
(قرظة بالقاف والراء والظاء المعجمة محركة بن كعب الأنصاري).
775

وقال الشيخ الحر العاملي (ره) في رسالته في معرفة الصحابة: (قرظة
ابن كعب الأنصاري عده الشيخ الطوسي (ره) في رجاله من أصحاب علي عليه السلام،
وذكره أيضا في أصحاب الحسين عليه السلام، وفي تقريب ابن حجر: قرظة بمعجمة وفتحات
ابن كعب بن ثعلبة الأنصاري صحابي وفي مختصر الذهبي: وقد ولي الكوفة لعلي
عليه السلام وسيأتي في الكنى أن عليا عليه السلام دفع يوم خروجه إلى صفين راية الأنصار
إلى قرظة بن كعب).
وفي تنقيح المقال للمامقاني (ره): (قرظة بن كعب عده الشيخ (ره)
تارة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وأخرى بضم الأنصاري من أصحاب الحسين عليه السلام،
وثالثة في باب الكنى من باب أصحاب علي عليه السلام عند تعداد الذين دفع إليهم الرايات
يوم خروجه من الكوفة إلى صفين بقوله: ودفع راية الأنصار إلى قرظة بن كعب
(انتهى) وأقول: أولا: إن قرظة هذا قد أثبته الشيخ (ره) في المواضع الثلاثة بالطاء
المهملة وهو سهو منه أو من الناسخ وإنما هو بالظاء المعجمة كما نص على ذلك ابن حجر
حيث قال: قرظة بمعجمة وفتحات ثلاث ابن كعب بن ثعلبة الأنصاري صحابي (انتهى)
وقد وجدناه بالمعجمة في كتب السير والتواريخ في ترجمة ابنه عمرو، وكذا في زيارة
الناحية المقدسة فإهمال الطاء اشتباه جزما. وثانيا: إن غرض الشيخ (ره) بكون
الرجل من أصحاب الحسين عليه السلام هو كونه من أصحابه في زمان إمامته لا في وقعة
الطف ضرورة وفاة الرجل في سنة إحدى وخمسين على ما نص على ذلك نصر بن
مزاحم المنقري وغيره من أهل السير، ووقعة الطف في سنة الستين، نعم ابنه عمرو
من شهداء الطف كما مر في ترجمته وكيف كان فالرجل كان من أصحاب النبي
وشهد أحدا وما بعده ثم كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ونزل الكوفة وأدرك
حروبه الثلاثة وأعطاه الأمير عليه السلام راية الأنصار في صفين، وولاه أمير المؤمنين عليه السلام
فارس، وفي تسليم أمير المؤمنين الراية إليه بصفين دلالة على عدالته، وكذا في تأميره
إياه على فارس. وقال في أسد الغابة: إنه توفي في خلافة علي عليه السلام في داره بالكوفة
وصلى عليه علي عليه السلام وقيل: بل توفي في أول إمارة المغيرة بن شعبة على الكوفة
776

أول أيام معاوية، والأول أصح وهو أول من نيح عليه بالكوفة).
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب:
(قرظة بن كعب بن ثعلبة بن عمرو بن كعب بن الأطنابة الأنصاري الخزرجي من
بني الحارث بن الخزرج حليف بني عبد الأشهل يكنى أبا عمر وشهد أحدا وما بعدها
من المشاهد ثم فتح الله على يديه الري في زمن عمر - رضي الله عنه - سنة ثلاث
وعشرين وهو أحد العشرة الذين وجههم عمر - رضي الله عنه - إلى الكوفة من الأنصار
وكان فاضلا، ولاه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على الكوفة فلما خرج علي
إلى صفين حمله معه وولاها أبا مسعود البدري. وروى زكريا بن أبي زائدة عن
ابن إسحاق عن عامر بن سعد قال: دخلت على أبي مسعود الأنصاري وقرظة بن كعب
وثابت بن زيد وهم في عرس لهم وجوار يتغنين فقلت: أتسمعون هذا وأنتم أصحاب
محمد صلى الله عليه وآله؟! فقالوا، إنه قد رخص لنا في الغناء في العرس والبكاء على الميت من غير نوح.
شهد قرظة بن كعب مع علي - رضي الله عنه - مشاهده كلها، وتوفي في خلافته
في دار ابتناها بالكوفة، وصلى عليه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وقيل: بل توفي
في إمارة المغيرة بن شعبة بالكوفة في صدر أيام معاوية،
والأول أصح إن شاء الله تعالى).
وقال ابن حجر في الإصابة: (قرظة بفتحتين وظاء مشالة بن كعب بن ثعلبة
ابن عمر وبن كعب بن الأطنابة مالك الأنصاري الخزرجي ويقال (إلى آخر ترجمته
المبسوطة فمن أرادها فليراجع الإصابة)).
التعليقة 42
ص 342
شرح حول كلمة (السواد)
قال الطريحي (ره) في مجمع البحرين: (سواد الكوفة نخيلها وأشجارها،
ومثله سواد العراق، سمي بذلك لكثرة أشجاره وزرعه، وحد طولا من حديثة -
777

الموصل إلى عبادان، وعرضا من العذيب إلى حلوان، وهو الذي فتح على عهد
عمر، وهو أطول من العراق بخمسة وثلاثين فرسخا، كذا نقلا عن المغرب).
وقال ياقوت في معجم البلدان: (السواد موضعان أحدهما نواحي قرب البلقاء
سميت بذلك لسواد حجارتها فيما أحسب والثاني يراد به رستاق العراق وضياعها التي افتتحها
المسلمون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل
والأشجار لأنه حين تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر كانوا إذا خرجوا
من أرضهم ظهرت لهم خضرة الزرع والأشجار فيسمونه سوادا كما إذا رأيت شيئا
من بعد قلت: ما ذلك السواد؟ وهم يسمون الأخضر سوادا والسواد أخضر... كما
قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب وكان أسود.. فقال:
وأنا الأخضر من يعرفني * أخضر الجلدة من نسل العرب
فسموه سوادا لخضرته بالزروع والأشجار...
وحد السواد من حديثة الموصل طولا إلى عبادان، ومن العذيب بالقادسية
إلى حلوان عرضا، فيكون طوله مائة وستين فرسخا.
وأما العراق في العرف فطوله يقصر عن طول السواد وعرضه مستوعب لعرض -
السواد لأن أول العراق في شرقي دجله العلث على حد طسوج بزرجسابور وهي
قرية تناوح حربي موقوفة على العلوية وفي غربي دجلة حربي ثم تمتد إلى آخر
أعمال البصرة من جزيرة عبادان، وكانت تعرف بميان روذان (معناه بين الأنهر) وهي
من كورة بهمن أردشير فيكون طوله مائة وخمسة وعشرين فرسخا يقصر عن طول
السواد بخمسة وثلاثين فرسخا وعرضه كالسواد ثمانون فرسخا.
(إلى أن قال)
وقال الأصمعي: السواد سوادان، سواد البصرة دستميسان والأهواز وفارس،
وسواد الكوفة كسكر إلى الزاب وحلوان إلى القادسية.. وقال أبو معشر:
إن الكلدانيين هم الذين كانوا ينزلون بابل في الزمن الأول، ويقال: إن
أول من سكنها وعمرها نوح عليه السلام حين نزلها عقيب الطوفان طلبا للرفاء فأقام بها
778

وتناسلوا فيها وكثروا من بعد نوح وملكوا عليهم ملوكا وابتنوا بها المدائن واتصلت
مساكنهم بدجلة والفرات إلى أن بلغوا من دجلة إلى أسفل كسكر، ومن الفرات
إلى ما وراء الكوفة، وموضعهم هذا هو الذي يقال له: السواد، وكانت ملوكهم تنزل
بابل وكان الكلدانيون جنودهم فلم تزل مملكتهم قائمة إلى أن قتل دارا وهو
آخر ملوكهم، ثم قتل منهم خلق كثير فذلوا وانقطع ملكهم، وقد ذكرت بابل
في موضعها.
وقال يزيد بن عمر الفارسي:
كانت ملوك فارس تعد السواد اثنى عشر استانا وتحسبه ستين طسوجا وتفسير
الاستان إجارة، وترجمة الطسوج ناحية، وكان الملك منهم إذا عنى بناحية من
الأرض عمرها وسماها باسمه وكانوا ينزلون السواد لما جمع الله في أرضه من
مرافق الخيرات وما يوجد فيها من غضارة العيش وخصب المحل وطيب المستقر
وسعة ميرها من أطعمتها وأوديتها وعطرها ولطيف صناعتها.. وكانوا يشبهون
السواد بالقلب وسائر الدنيا بالبدن ولذلك سموه (دل ايرانشهر أي قلب
ايرانشهر) وايرانشهر الإقليم المتوسط بجميع الأقاليم.
قال: وإنما شبهوه بذلك لأن الآراء تشعبت عن أهله بصحة الفكر والروية
كما تتشعب عن القلب بدقائق العلوم ولطائف الآداب والأحكام.
فأما من حولها فأهلها يستعملون أطرافهم بمباشرة العلاج وخصب بلاد
ايرانشهر بسهولة لا عوائق فيها ولا شواهق تشيبها ولا مفاوز موحشة ولا براري منقطعة
عن تواصل العمارة والأنهار المطردة من رساتيقها وبين قراها مع قلة جبالها
وآكامها وتكاثف عمارتها وكثرة أنواع غلاتها وثمارها والتفات أشجارها وعذوبة
مائها وصفاء هوائها وطيب تربتها مع اعتدال طينتها وتوسط مزاجها وكثرة أجناس
الطير والصيد في ظلال شجرها من طائر بجناح وماش على ظلف وسابح في بحر
قد أمنت مما تخافه البلدان من غارات الأعداء وبوائق المخالفين مع ما خصت به
من الرافدين، دجلة والفرات، إذ قد اكتنفاها لا ينقطعان شتاءا ولا صيفا على بعد
779

منافعهما في غيرها فإنه لا ينتفع منهما بكثيرة فائدة حتى يدخلاها فتسير مياههما
في جنباتها وتنبطح في رساتيقها فيأخذون صفوه هنيئا ويرسلون كدره وآجنه إلى
البحر لأنهما يشتغلان عن جميع الأراضي التي يمران بها ولا ينتفع بهما في غير
السواد إلا بالدوالي والدواليب بمشقة وعناء...
وكانت غلات السواد (إلى آخر ما فيه من المطالب المفيدة والفوائد النفيسة،
ولولا خوف الإطالة لأوردت جميعه هنا فمن أراده فليطلبه من هناك)).
وقال نصر بن مزاحم في أوائل كتاب صفين (ص 17 - 18 من النسخة
المطبوعة بالقاهرة سنة 1365):
(نصر: عبد الله بن كردم بن مرثد قال:
لما قدم علي عليه السلام حشر أهل السواد فلما اجتمعوا أذن لهم فلما رأى كثرتهم
قال: إني لا أطيق كلامكم ولا أفقه عنكم، فأسندوا أمركم إلى أرضاكم في أنفسكم،
وأعمه نصيحة لكم. قالوا: نرسا، ما رضي فقد رضيناه وما سخط فقد سخطناه.
فتقدم فجلس إليه فقال: أخبرني عن ملوك أرض فارس، كم كانوا؟ - قال: كانت
ملوكهم في هذه المملكة الآخرة اثنين وثلاثين ملكا. قال: فكيف كانت سيرتهم؟
قال: ما زالت سيرتهم في عظم أمرهم واحدة، حتى ملكنا كسرى بن هرمز، فاستأثر
بالمال والأعمال وخالف أولينا وأخرب الذي للناس وعمر الذي له واستخف
بالناس، فأوغر نفوس فارس حتى ثاروا عليه فقتلوه، فأرملت نساؤه ويتم أولاده.
فقال: يا نرسا،
إن الله عز وجل خلق الخلق بالحق، ولا يرضى من أحد إلا بالحق، وفي
سلطان الله تذكرة مما خول الله، وإنها لا تقوم مملكة إلا بتدبير، ولا بد من
إمارة، ولا يزال أمرنا متماسكا ما لم يشتم آخرنا أولنا، فإذا خالف آخرنا أولنا
وأفسدوا، هلكوا وأهلكوا.
ثم أمر عليهم أمراءهم).
قال عبد السلام محمد هارون وهو الذي علق على الكتاب وحققه وشرحه
780

في ذيل قوله: (اثنين وثلاثين ملكا) ما نصه:
(جعلهم المسعودي في التنبيه والأشراف 87).
وقال أيضا نصر بن مزاحم في كتاب صفين (ص 161 - 162):
(نصر: عبد العزيز بن سياه، عن حبيب بن أبي ثابت، قال أبو سعيد التيمي
المعروف بعقيصا، قال:
كنا مع علي في مسيره إلى الشام حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب
هذا السواد - قال: عطش الناس واحتاجوا إلى الماء، فانطلق بنا علي حتى أتى بنا
على صخرة ضرس من الأرض كأنها ربضة عنز، فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماء،
فشرب الناس منه وارتووا. قال: ثم أمرنا فأكفأناها عليه.
قال: وسار الناس حتى إذا مضينا قليلا قال علي: منكم أحد يعلم مكان
هذا الماء الذي شربتم منه؟ - قالوا: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فانطلقوا إليه، قال:
فانطلق منا رجال ركبانا ومشاة فاقتصصنا الطريق [إليه] حتى أتينا إلى المكان الذي
نرى أنه فيه، قال: فطلبناها فلم نقدر على شئ حتى إذا عيل علينا أطلقنا إلى دير
قريب منا فسألناهم. أين الماء الذي هو عندكم؟ - قالوا: ما قربنا ماء. قالوا:
بلى، إنا شربنا منه، قالوا: أنتم شربتم منه؟! قلنا: نعم.
قال صاحب الدير: ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء، وما استخرجه إلا نبي
أو وصي نبي)،
أقول: هذه المعجزة معروفة قد روتها حملة الأخبار وذكرتها نقلة الآثار،
ونقلتها العلماء ونظمتها الشعراء وأشرنا إلى شئ من موارد نقلها في بعض مثالب -
النواصب في نقض بعض فضائح الروافض المعروف بكتاب النقض (أنظر ص 241 -
244) وكذا في جلاء الأذهان وجلاء الأحزان المعروف بتفسير گازر (أنظر ج 7،
ص 170 - 171).
781

التعليقة 43
(ص 348)
معقل بن قيس الرياحي
في تنقيح المقال: (معقل [بفتح الميم وسكون العين وكسر القاف] ابن
قيس عده الشيخ (ره) في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وأقول: هو معقل
بن قيس الرياحي التميمي من ولد رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة
ابن تميم قال ابن أبي الحديد: كان معقل بن قيس من رجال الكوفة وأبطالها
وله رياسة وقدم، أوفده عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب مع الهرمزان بفتح تستر
وكان من شيعة علي عليه السلام ووجهه إلى بني ناجية فقتل منهم وسبى وحارب المستورد
ابن علفة الخارجي من تيم الرباب فقتل كل منهما صاحبه بدجلة (انتهى) وأقول:
ما أشار إليه من توجيهه إلى بني ناجية يظهر منه عليه السلام ثقته به وأنه من خواصه
وخلص شيعته وذلك أنه لما خرج الخريت بن راشد الناجي بالأهواز ومعه بنو ناجية
وأهل البلد والعلوج وخلق كثير من الأكراد أرسله علي عليه السلام إليه في ألفين وكتب
إلى عبد الله بن العباس وهو واليه على البصرة: أما بعد فابعث (فنقل الكتاب المذكور
في المتن وقال: ذكر ذلك ابن هلال الثقفي في كتاب الغارات).
ولا يخفى أن تأمير أمير المؤمنين عليه السلام إياه على الجيش وتفويض حرب -
أعدائه إليه يدل على اعتقاد عدالته وعدم صدور الخيانة منه، وإذا كان عليه السلام يأمر
ابن عباس أن يمده برجل معروف بالصلاح فأولى له أن لا يرسل إلا معروفا بذلك،
وذكر في الكتاب المذكور أن عليا لما أراد الرجعة إلى صفين بعد غارة الغامدي
على الأنبار قال لوجوه أصحابه: أشيروا علي برجل صليب ناصح يحشر الناس
من السواد فقال له سعيد بن قيس: يا أمير المؤمنين أشير عليك بالناصح الأريب
الشجاع الصليب معقل بن قيس التميمي قال: نعم ثم دعاه فوجهه إلى ذلك وأنفذه
782

إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له وأوصاه بوصية ذكرها في نهج البلاغة.
ولا يخفى أن تقريره سعيدا بنصحه وإنفاذه إياه مقدمة له في ثلاثة آلاف دليل
على ما قلناه من وثاقته.
بقي هنا شئ وهو ما أشير إليه من حربه للمستورد الخارجي أحد بني سعد -
بن زيد مناة وكان ناسكا مجتهدا وذلك أن المستورد كان ممن نجا من سيف علي
يوم نخيلة وفي النهروان وترأس على الخوارج في أيام علي فخرج بعد مدة
على المغيرة بن شعبة وهو والي الكوفة فبارزه معقل هذا فاختلفا بضربتين فخر
كل منهما ميتا، ذكر ذلك أبو العباس المبرد في الكامل. ومن هذا ظهر أنه
لم يدرك زمان سيد الشهداء عليه السلام ضرورة أن ولاية المغيرة كانت في حياة الحسن عليه السلام
ومعاوية فلا وجه لما اختلج ببعض الأذهان من التوقف في أمر الرجل لعدم حضوره
وقعة الطف مع أن هذا الإشكال سيال في جمع كثير وقد أجبنا عنه في مقدمة الكتاب
مستوفي فلاحظ)
وقال ابن دريد في الاشتقاق عند عده رجال بطون تيم بن عبد مناف
(ص 186): (ومن رجالهم هلال ومستورد ابنا علفة، وهلال قتل رستم رأس الأعاجم
يوم القادسية، وكان المستورد من رجالهم، وكانت له نجدة، ولقي معقل بن قيس
الرياحي، وكان معقل على شرطة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقتل
كل واحد منهما صاحبه، وأخته [أي المستورد] قطام وهي التي تزوجت ابن ملجم
(لعنه الله - واشترطت عليه أن يقتل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -).
وقال المحدث القمي (ره) في سفينة البحار: (معقل بن قيس التميمي
كان عامل علي عليه السلام، ولما وجه معاوية سفيان بن عوف الغامدي إلى الأنبار للغارة
فأراد أمير المؤمنين عليه السلام أن يرسل إلى العدو رجلا كافيا قال لأصحابه: أشيروا علي
برجل صليب ناصح يحشر الناس من السواد فقال سعيد بن قيس: عليك يا أمير المؤمنين
بالناصح الأريب الشجاع الصليب معقل بن قيس التميمي قال: نعم ثم دعاه فوجهه
وسار ولم يعد حتى أصيب أمير المؤمنين صلوات الله عليه (أنظر ج 8 من البحار، باب
783

74، ص 700) وهو الذي قاتل الخوارج وقتل الخريت الناجي (أنظر ج 8 من البحار،
باب 57، ص 617).
أقول: تقدم التصريح بما نقله هذا المحدث في هذا الكتاب نفسه (ص 482 و 638)
فلا حاجة إلى الإطناب في ترجمته، نعم بقي شئ وهو أن نصر بن مزاحم ذكر في
كتابه وقعة صفين في موارد كثيرة الرجل ويستفاد من جميع هذه الموارد أنه كان
من شيعة أمير المؤمنين الخلصين ورجلا شجاعا كافيا صليبا حتى أن أمير المؤمنين
أمره على الجيش في موارد من وقعة صفين فراجع إن شئت.
التعليقة 44
(ص 384)
عمرو بن مرجوم العصري
قال الفيروزآبادي في (رجم) بالجيم: (ومرجوم العصري من أشراف
عبد القيس) وشرحه الزبيدي بقوله: (في الجاهلية واسمه عامر بن مر بن عبد -
قيس بن شهاب وقال أبو عبيد في أنسابه: إنه من بني لكيز ثم من بني جذيمة بن
عوف وكان المتلمس قد مدح مرجوما. قلت: وهو من بني عصر بن عوف بن عمرو بن
عوف بن جذيمة المذكور وقد أسقط المدائني وابن الكلبي جذيمة بين عوفين قال
الحافظ: وولده عمرو بن مرجوم الذي ساق يوم الجمل في أربعة آلاف فصار مع
علي - رضي الله تعالى عنه - وقد تقدم له ذكر في (ع ص ر)) وقال في (ع ص ر) في شرح
هذا القول: (وبنو عصر محركة قبيلة من عبد القيس منهم المرجوم العصري) من
القاموس ما نصه: ([المرجوم] بالجيم واسمه عامر بن مر بن عبد قيس بن شهاب
وكان من أشراف عبد القيس في الجاهلية قاله الحافظ وقال ابن الكلبي:
وكان المتلمس قد مدح مرجوما. قلت: وابنه عمرو بن مرجوم أحد الأشراف ساق
يوم الجمل في أربعة آلاف فصار مع علي - رضي الله عنه - وفي معجم الصحابة
لابن فهد: عمرو بن المرجوم العبدي قدم في وفد عبد القيس قاله ابن سعد، واسم أبيه
784

عبد قيس بن عمرو، فانظر هذا مع كلام الحافظ. وفي أنساب ابن الكلبي: أن عمرو بن
مرجوم هذا من بني جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة
ابن لكيز بن أفصى بن عبد القيس) ونص عبارة ابن حجر في الإصابة هذا (عمرو
ابن المرجوم العبدي قال ابن سعد: قدم في وفد عبد القيس. قلت: وقد تقدم ذكره
في عمرو بن عبد قيس، وذكر الخطيب في المؤتلف أنه نقل من ديوان المسيب بن علس
صنفه ثعلب النحوي أن المسيب مدح مرجوما (بالجيم) بن عبد مر بن قيس بن
شهاب بن رباح بن عبد الله بن زياد بن عصر وكان من أشراف عبد القيس ورؤسائها
في الجاهلية وكان ابنه عمرو بن مرجوم سيدا شريفا في الإسلام وهو الذي جاء يوم -
الجمل في أربعة آلاف فصار مع علي ولم يقف الخطيب على ما نقله ابن سعد من
وفادته وإسلامه) وقد قال فيما سبق: (عمرو بن عبد قيس القيسي الضبي ابن -
أخت أشج عبد القيس وزوج ابنته ذكره ابن سعد وأنه أسلم قبل الهجرة وقد تقدم
خبره في ذلك في ترجمة صحار بن العباس في الصاد المهملة ويقال: إنه الذي يقال له
عمرو بن المرجوم)
أقول: من أراد خبره المشار إليه المذكور في ترجمة صحار بن العباس
فليراجع الترجمة المذكورة
وفي الاشتقاق لابن دريد تحت عنوان (أسماء بني ربيعة وقبائلهم) (ص 333):
(ومنهم مرجوم واسمه شهاب بن عبد القيس وإنما سمي مرجوما لأنه نافر رجلا إلى
النعمان فقال له النعمان: قد رجمتك بالشرف فسمي مرجوما) وقال عبد السلام
محمد هارون في هامشه: (في المحكم لابن سيده: مرجوم لقب رجل من العرب
كان سيدا ففاخر رجلا من قومه إلى بعض ملوك الحيرة فقال له: لقد رجمتك بالشرف
فسمي مرجوما قال لبيد:
وقبيل من لكيز شاهد * رهط مرجوم ورهط ابن المعل
ورواية من رواه بالحاء خطأ وأراد ابن المعلى وهو جد الجارود بن بشير
ابن عمرو بن المعلى) وقال ابن الأثير في اللباب: (العصري بفتح العين والصاد
785

في آخرها راء، هذه النسبة إلى عصر وهو بطن من عبد القيس وهو عصر بن عوف بن
عمرو بن عوف بن جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن
لكيز بن أفصى بن عبد القيس ينسب إليه كثير، منهم المنذر بن عائذ بن الحارث
المعروف بالأشج العصري، روى عن النبي صلى الله عليه وآله، وروى عنه عبد الرحمن بن
أبي بكرة).
أقول: ذكر ابن الأثير في أسد الغابة ترجمة المنذر بن عائذ والد
عمرو بن المرجوم فمن أراد أن يلاحظها فليراجع الكتاب المذكور فإن المقام
لا يسع أكثر من ذلك وإنما أطنبنا الكلام هنا لخفاء ترجمة الرجل على أكثر الناس.
التعليقة 45
(ص 385)
صحار بن العباس العبدي
في الطبقات لابن سعد عند ذكره من نزل البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ما نصه (ج 7 من طبعة أوربا، ص 61): (صحار بن العباس العبدي من بني مرة بن ظفر بن الديل ويكنى أبا عبد الرحمن
وكان في وفد عبد القيس (ن) قال: أخبرنا سعيد بن سليمان قال: حدثنا ملازم بن
عمرو قال: حدثنا سراج بن عقبة عن عمته خلدة بنت طلق قالت: قال لنا أبي: جلسنا
عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء صحار بن عبد القيس فقال: يا رسول الله ما ترى في شراب
نصنعه من ثمارنا؟ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وآله حتى سأله ثلاث مرات، قال: فصلى بنا
فلما قضى الصلاة قال: من السائل عن المسكر؟ تسألني عن المسكر لا تشربه ولا تسقه
أخاك فوالذي نفس محمد بيده ما شربه رجل قط ابتغاء لذة سكر فيسقيه الخمر
يوم القيامة قال: وكان صحار فيمن طلب بدم عثمان (ن))
وفي الاشتقاق لابن دريد تحت عنوان (أسماء بني ربيعة وقبائلهم) (ص 333):
(ومنهم صحار بن عياش كان ممن وفد على النبي (ص) وكان عثماني الرأي مخالفا
786

لقومه، والصحار عرق الحمى في عقبها) وفي القاموس: (وصحار كغراب عرق الخيل
أو حماها ورجل من عبد القيس) وفي الصحاح: (وصحار بالضم اسم رجل من عبد القيس
وفي الإصابة: (صحار بن العباس ويقال بتحتانية وشين معجمة ويقال: عابس حكاهما
أبو نعيم ويقال: ابن صخر بن شراحيل بن منقذ بن عمرو بن مرة العبدي، قال البخاري:
له صحبة، وقال ابن السكن: له صحبة، حديثه في البصريين، وكان يكنى أبا عبد الرحمن
بابنه، وقال ابن حبان: صحار بن صخر ويقال له: صحار بن العباس له صحبة سكن
البصرة ومات بها (إلى أن قال) ولصحار أخبار حسان وكان بليغا مفوها (إلى أن قال)
وقال الرشاطي: ذكر أبو عبيدة أن معاوية قال لصحار: يا أزرق قال: القطامي أزرق،
قال، يا أحمر قال، الذهب أحمر قال، ما هذه البلاغة فيكم؟ - قال: شئ يختلج في
صدورنا فنقذفه كما يقذف البحر بزبده، قال: فما البلاغة؟ - قال: أن تقول فلا تبطئ
وتصيب فلا تخطئ. وقال محمد بن إسحاق بن النديم في الفهرست (إلى أن قال) وقال
الرشاطي: كان ممن طلب بدم عثمان إلى آخر ما قال (وفيه رواية مفصلة في وفوده
على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإسلامه) وفيه أيضا: وبعثه الحكم بن عمرو الثعلبي بشيرا بفتح
مكران فسأله عمر عنها فقال: سهلها جبل وماؤها وشل وتمرها دقل وعدوها بطل
فقال: لا يغزوها جيش ما غربت شمس أو طلعت) وسنورد هذه القصة عن الطبري
برواية مفصلة.) وذكر الجاحظ في كتابي الحيوان والبيان أن صحار بن عباس كان بليغا
سجاعا ونقل عنه ما يدل على ذلك، وقال ابن قتيبة في المعارف: (صحار بن العباس
العبدي وفد على النبي صلى الله عليه وآله وأسلم وكان من أخطب الناس وأبينهم وكان أحمر
أزرق وقال له معاوية يوما يا: أزرق، قال البازي أزرق، قال: يا أحمر، قال: الذهب أحمر،
وكان عثمانيا وكانت عبد القيس تتشيع فخالفها، وهو جد جعفر بن زيد، وكان
خيرا فاضلا مجتهدا عابدا. وقد روى صحار عن النبي صلى الله عليه وآله حديثين أو ثلاثة).
وقال أيضا فيه عند ذكره أنساب العرب: (وأما أنمار فمنهم عصر رهط
الأشج العبدي، ومنهم ظفر رهط صحار العبدي) وفي أسد الغابة: (صحار بن
787

عياش وقيل: عباس وقيل: صحار بن صخر بن شراحيل بن منقذ بن حارثة من بني -
ظفر بن الديل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس العبدي الديلي،
روى عنه ابناه عبد الرحمن وجعفر ومنصور بن أبي منصور (إلى آخر ما قال)).
وفي الاستيعاب: (صحار العبدي وهو صحار بن صخر ويقال: صحار بن عباس بن
شراحيل العبدي من عبد القيس يكنى أبا عبد الرحمن له صحبة ورواية، يعد في أهل
البصرة وكان بليغا لسنا مطبوع البلاغة مشهورا بذلك (إلى آخر ما قال)).
وقال ابن النديم في الفهرست: (صحار العبدي وكان خارجيا وهو صحار بن
العباس أحد النسابين والخطباء في أيام معاوية بن أبي سفيان وله مع دغفل أخبار،
وكان صحار عثمانيا من عبد القيس، روى عن النبي صلى الله عليه وآله حديثين
أو ثلاثة وله من الكتب كتاب الأمثال).
وقال الطبري في تاريخه فيما قال في حوادث سنة ثلاث وعشرين تحت عنوان
(فتح مكران) ما نصه:
(وكتب الحكم إلى عمر بالفتح وكتب بالأخماس مع صحار العبدي واستأمره
في الفيلة فقدم صحار على عمر بالخبر والمغانم، فسأله عمر عن مكران وكان لا يأتيه
أحد إلا ساءه عن الوجه الذي يجيئ منه، فقال: يا أمير المؤمنين أرض سهلها
جبل، وماؤها وشل، وثمرها دقل، وعدوها بطل، وخيرها قليل وشرها طويل،
والكثير بها قليل والقليل بها ضائع، وما وراءها شر منها، فقال عمر: أسجاع أنت
أم مخبر؟ - قال: لا، بل مخبر، قال: لا والله لا يغزوها جيش لي ما أطعت، وكتب
إلى الحكم بن عمرو وإلى سهيل: أن لا يجوزن مكران أحد من جنود كما (إلى
آخر ما قال)). وفي البيان والتبيين للجاحظ في باب البلاغة (ص 94 من الطبعة
الثانية بمصر سنة 1351 ه‍ ق):
(وشأن عبد القيس عجيب وذلك أنهم بعد محاربة إياد تفرقوا فرقتين ففرقة
وقعت بعمان وشق عمان وفيهم خطباء العرب، وفرقة وقعت إلى البحرين وشق بحرين
وهم من أشعر قبيلة في العرب ولم يكونوا كذلك حين كانوا في سرة البادية وفي
788

معدن الفصاحة، وهذا عجب، ومن خطبائهم المشهورين صعصعة بن صوحان وزيد بن
صوحان وسيحان بن صوحان، ومنهم صحار بن عياش وصحار من شيعة عثمان،
وبنو صوحان من شيعة علي).
التعليقة 46
(ص 389)
الحضين بن المنذر الرقاشي
في تقريب التهذيب: (حضين بضاد معجمة مصغرا ابن المنذر بن الحارث
الرقاشي بتخفيف القاف وبالمعجمة أبو ساسان بمهملتين وهو لقب وكنيته أبو محمد
كان من أمراء علي بصفين وهو ثقة من الثانية مات على رأس المائة / م) وفي
توضيح الاشتباه: (الحضين بالحاء المهملة المضمومة والضاد المعجمة كزببر وقال
في الخلاصة: بالصاد المهملة - ولعله تصحيف - ابن المنذر أبو ساسان الرقاشي بفتح
الراء المهملة نسبة إلى رقاش كقطام اسم امرأة ينسبون إليها، وهو اسم صاحب راية علي
عليه السلام، وروى أنه لم يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام إلا سبعة منهم أبو ساسان.
وفي تنقيح المقال بعد أن ذكر اسم الرجل بالصاد المهملة وخاض في ترجمته
قال ما نصه: (ثم لا يخفى عليك أنا إنما عنونا الرجل بالصاد المهملة تبعا للشيخ
وغيره من أصحابنا وإلا فلا شك في أن ابن المنذر المكني بأبي ساسان هو الحضين
بالضاد المعجمة وقد أثبته المؤلفون في السير بالضاد ونقل عن حواشي صحيح البخاري
أنه ليس في الرواة حضين بالضاد المعجمة إلا الحضين بن المنذر أبو ساسان الرقاشي
ويروي عن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه ورضي عنه (انتهى)).
وفي المؤتلف والمختلف للآمدي (ص 120): (ومنهم الحضين بالضاد معجمة
وهو الحضين بن المنذر أحد بني عمرو بن شيبان بن ذهل قال أبو اليقظان: هو هذيل بن
المنذر بن الحارث بن وعلة بن المجالد بن يثربي بن زبان بن الحارث بن مالك بن
شيبان بن ذهل أحد بني رقاش شاعر فارس وهو القائل لابنه غياظ:
789

وسميت غياظا ولست بغائظ * عدوا ولكن الصديق تغيظ عدوك مسرور وذو الود بالذي * يرى منك من غيظ عليك كظيظ
وله في كتاب بني ذهل بن ثعلبة مقطعات حسان، وكانت معه راية علي بن -
أبي طالب - رضي الله عنه - يوم صفين، دفعها إليه وهو ابن تسع عشرة سنة وفيه
قال الشاعر:
لمن راية سوداء يخفق ظلها * إذا قيل: قدمها حضين، تقدما
ويوردها للطعن حتى يزيرها * حياض المنايا تقطر الموت والدما)
وفي كتاب صفين لنصر بن مزاحم (ص 325):
(نصر - عن عمرو بن شمر قال: أقبل الحضين بن المنذر وهو يومئذ غلام يزحف
برايته، قال السدي: وكانت حمراء فأعجب عليا زحفه وثباته فقال:
لمن راية حمراء يخفق ظلها * إذا قيل: قدمها حضين، تقدما
فيدنو بها في الصف حتى يديرها * حمام المنايا تقطر الموت والدما
تراه إذا ما كان يوم عظيمة * أبي فيه إلا عزة وتكرما
جزى الله قوما صابروا في لقائهم * لدى البأس حرا ما أعف وأكرما
وأحزم صبرا حين تدعى إلى الوغى * إذا كان أصوات الكماة تغمغما
ربيعة أعني إنهم أهل نجدة * وبأس إذا لاقوا خميسا عرمرما
وقد صبرت عك ولخم وحمير * لمذحج حتى لم يفارق دم دما
ونادت جذام يا لمذحج ويلكم * جزى الله شرا أينا كان أظلما
أما تتقون الله في حرماتكم * وما قرب الرحمن منا وعظما
أذقنا ابن حرب طعننا وضرابنا * بأسيافنا حتى تولى وأحجما
وفر ينادي الزبرقان وظالما * ونادى كلاعا والكريب وأنعما
وعمرا وسفيانا وجهما ومالكا * وحوشب والغاوي شريحا وأظلما
وكرز بن تيهان وعمرو بن جحدر * وصباحا القيني يدعو وأسلما
نصر - عن عمر قال: حدثني الصلت بن يزيد بن أبي الصلت التيمي قال:
790

سمعت أشياخ الحي من بني تيم الله بن ثعلبة يقولون: كانت راية ربيعة كوفيتها
وبصريتها مع خالد بن معمر من أهل البصرة قال: وسمعتهم يقولون: إن خالد بن
المعمر وسعيد بن ثور السدوسي اصطلحا أن يوليا راية بكر بن وائل من أهل البصرة
الحضين بن المنذر قالوا: وتنافسا في الراية قالا: هذا فتى له حسب ونجعلها له حتى
نرى من رأينا.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج في شرح كلام لأمير المؤمنين عليه السلام
أورده السيد الرضي - رضي الله عنه - في باب المختار من الخطب تحت عنوان:
(من كلام له عليه السلام كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين):
(معاشر المسلمين استشعروا الخشية (الكلام)) (ج 1، ص 495):
(قال نصر: وحدثنا عمرو قال: حدثني يزيد بن أبي الصلت التيمي قال:
سمعت أشياخ الحي من بني تيم بن ثعلبة يقولون، كانت راية ربيعة كلها كوفيتها
وبصريتها مع خالد بن معمر السدوسي من ربيعة البصرة ثم نافسه في الراية شقيق
ابن ثور من بكر بن وائل من أهل الكوفة فاصطلحا على أن يوليا الراية لحضين بن
المنذر الرقاشي وهو من أهل البصرة أيضا وقالوا: هذا فتى له حسب نعطيه الراية
إلى أن نرى رأينا، وكان الحضين يومئذ شابا حدث السن، قال نصر: حدثنا
عمرو بن شمر قال: أقبل الحضين بن المنذر يومئذ وهو غلام يزحف براية ربيعة
وكانت حمراء فأعجب عليا عليه السلام زحفه وثباته فقال: فذكر الأبيات السابقة كلها
ثم قال: قلت: هكذا روى نصر بن مزاحم، وسائر الرواة رووا له عليه السلام الأبيات
الستة الأولى ورووا باقي الأبيات من قوله: (وقد صبرت عك) للحضين بن المنذر
صاحب الراية).
وقال الطبري في تاريخه في حوادث سنة سبع وثلاثين (ج 6، ص 20):
(قال أبو مخنف: حدثني ابن أخي غياث بن لقيط البكري: أن عليا حيث
انتهى إلى ربيعة تنادت ربيعة بينها فقالوا: إن أصيب علي فيكم وقد لجأ إلى رايتكم
791

افتضحتم وقال لهم شقيق بن ثور: يا معشر ربيعة لا عذر لكم في العرب إن وصل إلى
علي فيكم وفيكم رجل حي، وإن منعتموه فمجد الحياة اكتسبتموه، فقاتلوا قتالا
شديدا حين جاءهم علي لم يكونوا قاتلوا مثله، ففي ذلك قال علي:
لمن راية سوداء يخفق ظلها * إذا قيل: قدمها حضين، تقدما
يقدمها في الموت حتى يزيرها * حياض المنايا تقطر الموت والدما
أذقنا ابن حرب طعننا وضرابنا * بأسيافنا حتى تولى وأحجما
جزى الله قوما صابروا في لقائهم * لدى الموت قوما ما أعف وأكرما
وأطيب أخبارا وأكرم شيمة * إذا كان أصوات الرجال تغمغما
ربيعة أعني إنهم أهل نجدة * وبأس إذا لاقوا خميسا عرمرما)
وقال ابن الأثير في كامل التواريخ في أحداث سنة سبع وثلاثين:
(ج 3 ص 118، من الطبعة الأولى)
(فلما وصل [علي عليه السلام] إلى ربيعة نادى بصوت عال كغير المكترث لما فيه
الناس: لمن هذه الرايات -؟ - قالوا: رايات ربيعة، قال: بل رايات عصم الله أهلها،
فصبرهم وثبت أقدامهم، وقال للحضين بن المنذر: يا فتى ألا تدني رأيتك هذه ذراعا؟
قال: بلى والله وعشرة أذرع، فأدناها حتى قال: حسبك مكانك، ولما انتهى علي
إلى ربيعة تنادوا بينهم: يا ربيعة إن أصيب فيكم أمير المؤمنين وفيكم رجل حي
افتضحتم في العرب، فقاتلوا قتالا شديدا ما قاتلوا مثله فلذلك قال علي: لمن راية سوداء،
(الأبيات الستة التي نقلناها عن تاريخ الطبري، وقال في آخر القصة):
(الحضين بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة)
وفي الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام:
لنا الراية السوداء يخفق ظلها * إذا قيل: قدمها حضين تقدما
فيوردها في الصف حتى يزيرها * حياض المنايا تقطر الموت والدما
تراه إذا ما كان يوم كريهة * أبى فيه إلا عزة وتكرما
وأجمل صبرا حين يدعى إلى الوغى * إذا كان أصوات الرجال تغمغما
792

وقد صبرت عك ولخم وحمير * لمذحج حتى أورثوها تندما
ونادت جذام يا لمذحج ويحكم * جزى الله شرا أينا كان أظلما
أما تتقون الله في حرماتنا * وما قرب الرحمن منا وعظما
جزى الله قوما قاتلوا في لقائهم * لدى الموت قدما أعز وأكرما
ربيعة أعني إنهم أهل نجدة * وبأس إذا لاقوا خميسا عرمرما
أذقنا ابن هند طعننا وضرابنا * وأسيافنا حتى تولى وأحجما
وولى ينادي زبرقان بن ظالم * وذا كلع يدعو كريبا وأنعما
وعمرا ونعمانا وبسرا ومالكا * وحوشب والداعي معاوي وأظلما
وكرز بن نبهان وابني محرق * وحرثا وقينيا عبيدا وسلما
وقال الميبدي في شرح الديوان (ص 416 من النسخة المطبوعة):
(حضين بضم الحاء وفتح الضاد أبو ساسان بن المنذر من قبيلة ربيعة).
التعليقة 47
(ص 407)
شريك بن الأعور الحارثي
في تنقيح المقال: (شريك بن الأعور الحارثي الهمداني من خواص
أمير المؤمنين عليه السلام شهد معه الجمل وصفين وكان رداء لجارية بن قدامة السعدي
في محاربة ابن الحضرمي بالبصرة ولمعقل بن قيس الرياحي في محاربة الخوارج
بالكوفة وهو في ثلاثة آلاف مقاتل من أهل البصرة أشخصه زياد من البصرة معه لما
قدم الكوفة فنزل دار هانئ بن عروة وفيها مسلم بن عقيل فمرض أو تمارض ليعوده
ابن زياد وقال لمسلم: إنه عائدي وإني لمطاوله الحديث فاخرج إليه فاقتله والآية
بيني وبينك أن أقول: اسقوني ماء فأجابه مسلم إلى ذلك ولم يفعل لأنه حيل بينه
وبين ذلك بقضاء الله، قاله ابن شهرآشوب ولكنه وصف شريكا بالهمداني، وقال
أبو الفرج في المقاتل: شريك بن الأعور كان كريما على ابن زياد وكان شديد
793

التشيع مرض وهو في دار هانئ بن عروة فقال لمسلم: إن هذا الفاجر عائدي فاقتله
ثم اقعد في القصر فليس أحد يحول بينك وبينه وإذا أنا برئت من وجعي سرت إلى
البصرة وكفيتك أمرها فلما لم يقتله مسلم قال له شريك: لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا
كافرا غادرا (انتهى ملخصا) وفي ذلك كله دلالة على قوة إيمانه وصلابة يقينه مضافا
إلى تصريح أبي الفرج بشدة تشيعه وأدل منه على ذلك ما جرى بينه وبين معاوية عام -
الصلح وهو ما ذكره كثير من أصحابنا منهم ابن شهرآشوب حيث روى عن أبان بن
الأحمر أن شريك بن الأعور دخل على معاوية فقال له: والله إنك لشريك وليس لله
شريك، وإنك لابن الأعور والبصير خير من الأعور، وإنك لدميم والجيد خير من
الدميم، فكيف سدت قومك؟! قال: إنك لمعاوية وما معاوية إلا كلبة عوت واستعوت،
وإنك لابن صخر، والسهل خير من الصخر، وإنك لابن حرب، والسلم خير من
الحرب، وإنك لابن أمية وما أمية إلا أمة صغرت فاستصغرت، فكيف صرت
أمير المؤمنين؟! فغضب معاوية وخرج شريك وهو يقول:
أيشتمني معاوية بن صخر * وسيفي صارم ومعي لساني
وحولي من ذوي يمن ليوث * ضراغمة تهش إلى الطعان
فلا تبسط علينا يا بن هند * لسانك إن بلغت ذرى الأماني
وإن تك للشقاء لنا أميرا * فإنا لا نقر على الهوان
وإن تك من أمية في ذراها * فإنا في ذرى عبد المدان)
فخاض في تذييل للترجمة فمن أراده فليطلبه من هناك.
التعليقة 48
(ص 413)
حبة العرني وميثم التمار
في تقريب التهذيب: (حبة بفتح أوله ثم موحدة ثقيلة من جوين بجيم
مصغرا العرني بضم المهملة وفتح الراء بعدها نون أبو قدامة الكوفي صدوق له أغلاط
794

وكان غاليا في التشيع من الثانية وأخطأ من زعم أن له صحبة، مات سنة ست وقيل: تسع وسبعين / عس). وفي الطبقات لابن سعد (ج 6 من طبعة أوربا،
ص 123): (حبة بن جوين العرني من بجيلة روى عن علي وعبد الله، وتوفي
سنة ست وسبعين في أول خلافة عبد الملك بن مروان وله أحاديث وهو ضعيف).
وفي الجرح والتعديل: (حبة العرني وهو ابن جوين من بجيلة يكنى أبا قدامة،
روى عن علي وابن مسعود، روى عنه سلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة ومسلم
الأعور سمعت أبي يقول ذلك، حدثنا عبد الرحمن قال: قرأ على العباس بن محمد
الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: حبة العرني ليس بشئ). وفي الطبقات
لابن الخياط (ص 344): (حبة بن الجوين بن علي بن نهم بن مالك بن غانم بن
مالك بن هوازن بن عرينة بن يزيد بن قيس وهو مالك بن عبقر بن أنمار بن أراش بن
عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة هي أمهم
نسبوا إليها، مات في أول مقدم الحجاج العراق) وفي الاشتقاق لابن دريد
عند ذكره قبائل بجيلة ورجالها (ص 518): (ومن رجالهم: حبة بن جوين بن
علي بن نهم، كان من أصحاب علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - وشهد مشاهده).
وفي لسان الميزان في المتفرقات (ج 6، ص 524): (حبة بن جوين العرني
أبو قدامة الكوفي) وفي الخلاصة للخزرجي: (حبة بفتح أوله والموحدة بن
جوين العرني بضم المهملة الأولى أبو قدامة الكوفي عن علي، وعنه سلمة بن كهيل
والحكم بن عتيبة قال العجلي: ثقة، قال ابن سعد: مات سنة ست وسبعين).
وفي توضيح الاشتباه للساروي: (حبة بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء
الموحدة بن جوين بالجيم مصغرا العرني بضم العين المهملة وفتح الراء المهملة
وبعدها نون، أبو قدامة بالقاف المضمومة الكوفي).
أقول: حبة هذا من مشاهير أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام وتصدى
لترجمته علماء الفريقين إلا من في قلبه مرض أعاذنا الله من عمى القلب.
795

وأما ميثم التمار
قال ابن حجر في الإصابة: (ميثم التمار الأسدي.. نزل الكوفة، وله بها
ذرية ذكره المؤيد بن النعمان الرافضي في مناقب علي رضي الله عنه، وقال: كان
ميثم التمار عبدا لامرأة من بني أسد فاشتراه علي منها وأعتقه وقال له: ما اسمك؟
قال: سالم، قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله إن اسمك الذي سماك به أبواك في العجم
ميثم قال: صدق الله ورسوله وأمير المؤمنين والله إنه لاسمي قال: فارجع إلى اسمك
الذي سماك به رسول الله صلى الله عليه وآله ودع سالما فرجع ميثم واكتنى بأبي سالم فقال له علي
ذات يوم: إنك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة فإذا جاء اليوم الثالث ابتدر
منخراك وفوك دما فتخضب لحيتك وتصلب على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة،
وأنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهرة، وامض حتى أريك النخلة التي تصلب
على جذعها، فأراه إياها، وكان ميثم يأتيها فيصلي عندها ويقول: بوركت من
نخلة لك خلقت، ولي غذيت، فلم يزل يتعاهدها حتى قطعت، ثم كان يلقى عمرو بن
حريث فيقول له: إني مجاورك فأحسن جواري فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار
ابن مسعود أو دار ابن حكيم؟ وهو لا يعلم ما يريد، ثم حج في السنة التي قتل
فيها فدخل على أم سلمة أم المؤمنين فقالت له: من أنت؟ قال: أنا ميثم فقالت:
والله لربما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكرك ويوصي بك عليا، فسألها عن الحسين
فقالت: هو في حائط له فقال: أخبريه أني قد أحببت السلام عليه فلم أجده، ونحن
ملتقون عند رب العرش إن شاء الله تعالى، فدعت أم سلمة بطيب فطيبت لحيته
فقالت له: أما إنها ستخضب بدم، فقدم الكوفة فأخذه عبيد الله بن زياد، فأدخل عليه
فقيل له: هذا كان آثر الناس عند علي قال: ويحكم هذا الأعجمي؟! فقيل له:
نعم، فقال له: أين ربك؟ قال: بالمرصاد للظلمة وأنت منهم، قال: إنك على أعجميتك
لتبلغ الذي تريد؟ أخبرني ما الذي أخبرك صاحبك أني فاعل بك؟ قال: أخبرني
أنك تصلبني عاشر عشرة، وأنا أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهرة، قال: لنخالفنه
796

قال: كيف تخالفه؟ والله ما أخبرني إلا عن النبي صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله، ولقد
عرفت الموضع الذي أصلب فيه، وأني أول خلق الله ألجم في الإسلام، فحبسه وحبس
معه المختار بن أبي عبيد، فقال ميثم للمختار: إنك ستفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين
فتقتل هذا الذي يريد أن يقتلك، فلما أراد عبيد الله أن يقتل المختار وصل بريد
من يزيد يأمره بتخلية سبيله فخلاه، وأمر بميثم أن يصلب فلما رفع على الخشبة
عند باب عمرو بن حريث قال عمرو: قد كان والله يقول لي: إني مجاورك، فجعل
ميثم يحدث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، قال: ألجموه
فكان أول من ألجم في الإسلام، فلما كان اليوم الثالث من صلبه طعن بالحربة فكبر،
ثم انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دما، وكان ذلك قبل مقدم الحسين العراق
بعشرة أيام).
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1، ص 210)
وروى إبراهيم في كتاب الغارات عن أحمد بن الحسن الميثمي قال: كان ميثم
التمار مولى علي بن أبي طالب عليه السلام عبدا لامرأة من بني أسد فاشتراه علي عليه السلام
منها وأعتقه وقال له: ما اسمك؟ فقال: سالم. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني
أن اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم، فقال: صدق الله ورسوله وصدقت
يا أمير المؤمنين فهو والله اسمي. قال: فارجع إلى اسمك ودع سالما فنحن نكنيك
به فكناه أبا سالم.
قال: وقد كان أطلعه علي عليه السلام على علم كثير وأسرار خفية من أسرار
الوصية فكان ميثم يحدث ببعض ذلك فيشك فيه قوم من أهل الكوفة وينسبون
عليا عليه السلام في ذلك إلى المخرفة والإيهام والتدليس حتى قال له يوما بمحضر
من خلق كثير من أصحابه وفيهم الشاك والمخلص: يا ميثم إنك تؤخذ بعدي
وتصلب فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك دما حتى يخضب لحيتك فإذا
كان اليوم الثالث طعنت بحربة يقضى عليك فانتظر ذلك، والموضع الذي تصلب
فيه على باب دار عمرو بن حريث إنك لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من
797

المطهرة يعني الأرض ولأرينك النخلة التي تصلب على جذعها. ثم أراه إياها
بعد ذلك بيومين. وكان ميثم يأتيها فيصلي عندها ويقول: بوركت من نخلة لك
خلقت ولي نبت، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل علي عليه السلام حتى قطعت فكان يرصد جذعها
ويتعاهده ويتردد إليه ويبصره، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إني مجاورك
فأحسن جواري فلا يعلم عمرو ما يريد فيقول له: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود
أم دار ابن حكيم؟
قال: وحج في السنة التي قتل فيها فدخل على أم سلمة - رضي الله عنها -
فقالت له: من أنت؟ قال: عراقي. فاستنسبته فذكر لها أنه مولى علي بن أبي طالب.
فقالت: أنت هيثم؟ قال: بل أنا ميثم. فقالت: سبحان الله، والله لربما سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله يوصي بك عليا في جوف الليل. فسألها عن الحسين بن علي، فقالت: هو في
حائط له. قال: أخبريه أني قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند رب العالمين
إن شاء الله ولا أقدر اليوم على لقائه وأريد الرجوع. فدعت فطيبت لحيته،
فقال لها: أما إنها ستخضب بدم. فقالت: من أنبأك هذا؟ - قال: أنبأني سيدي.
فبكت أم سلمة وقالت له: إنه ليس بسيدك وحدك، وهو سيدي وسيد المسلمين.
ثم ودعته فقدم الكوفة فأخذ وأدخل على عبيد الله بن زياد وقيل له: هذا كان من
آثر الناس عند أبي تراب. قال: ويحكم هذا الأعجمي؟ قالوا: نعم. فقال له
عبيد الله: أين ربك؟ قال: بالمرصاد. قال: قد بلغني اختصاص أبي تراب لك؟ -
قال: قد كان بعض ذلك، فما تريد؟ - قال: وأنه ليقال: إنه قد أخبرك بما سيلقاك؟
قال: نعم إنه أخبرني. قال: ما الذي أخبرك أني صانع بك؟ - قال: أخبرني أنك
تصلبني عاشر عشرة وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة. قال: لأخالفنه.
قال: ويحك كيف تخالفه إنما أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبر رسول الله عن
جبرائيل وأخبر جبرائيل عن الله، فكيف تخالف هؤلاء؟ أما والله لقد عرفت الموضع
الذي أصلب فيه أين هو من الكوفة، وإني لأول خلق الله ألجم في الإسلام بلجام
798

كما يلجم الخيل. فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد الثقفي فقال ميثم للمختار
وهما في حبس ابن زياد: إنك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين عليه السلام فتقتل هذا
الجبار الذي نحن في حبسه وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخديه.
فلما دعا عبيد الله بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية
إلى عبيد الله بن زياد يأمره بتخلية سبيله، وذاك إن أخته كانت تحت عبد الله بن عمر بن
الخطاب فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد فشفع فأمضى شفاعته وكتب بتخلية
سبيل المختار على البريد فوافي البريد وقد أخرج ليضرب عنقه فأطلق. وأما ميثم
فأخرج بعده ليصلب وقال عبيد الله: لأمضين حكم أبي تراب فيه. فلقيه رجل فقال له:
ما كان أغناك عن هذا يا ميثم. فتبسم وقال: لها خلقت ولي غذيت. فلما رفع
على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث فقال عمرو: لقد كان يقول
لي: إني مجاورك. فكان يأمر جاريته كل عشية أن تكنس تحت خشبته وترشه
وتجمر بالمجمر تحته، فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم ومخازي بني أمية
وهو مصلوب على الخشبة. فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد. فقال: ألجموه.
فألجم فكان أول خلق الله ألجم في الإسلام.
فلما كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دما فلما كان في اليوم الثالث
طعن بحربة فمات وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين عليه السلام العراق بعشرة أيام.
قال إبراهيم: وحدثني إبراهيم بن العباس النهدي قال: حدثني [ابن] مبارك
البجلي عن أبي بكر بن عياش قال: حدثني المجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر
الحارثي قال: كنت عند زياد وقد أتي برشيد الهجري وكان من خواص أصحاب
علي عليه السلام فقال له زياد: ما قال خليلك لك إنا فاعلون بك؟ - قال: تقطعون يدي
ورجلي وتصلبونني. فقال زياد: أما والله لأكذبن حديثه خلوا سبيله فلما أراد
أن يخرج قال: ردوه لا نجد شيئا أصلح مما قال لك صاحبك. إنك لا تزال تبغي
لنا سوءا إن بقيت. اقطعوا يديه ورجليه فقطعوا يديه ورجليه وهو يتكلم، فقال:
اصلبوه خنقا في عنقه. فقال رشيد: قد بقي لي عندكم شئ ما أراكم فعلتموه. فقال
799

زياد: اقطعوا لسانه. فلما أخرجوا لسانه ليقطع قال: نفسوا عني أتكلم كلمة واحدة.
فنفسوا عنه فقال: هذا والله تصديق خبر أمير المؤمنين، أخبرني بقطع لساني. فقطعوا
لسانه وصلبوه.
التعليقة 49
(ص 414) حول حديث فضل مسجد الكوفة
قال العلامة المجلسي (ره) في مزار البحار (وهو المجلد الثاني والعشرون)
في باب فضل الكوفة ومسجدها الأعظم وأعماله (ص 87 - 88):
(قال مؤلف المزار الكبير: أخبرني السيد الأجل عبد الحميد بن
التقي عن عبد الله بن أسامة الحسيني في ذي القعدة من سنة ثمانين وخمسمائة قراءة
عليه بحلة الجامعين قال: أخبرنا الشيخ أبو الفرج أحمد القرشي عن أبي الغنائم محمد بن
علي الحسن [كذا] العلوي عن أبي تمام عبد الله بن أحمد الأنصاري عن عبيد الله بن
كثير العامري عن محمد بن إسماعيل الأحمسي عن محمد بن فضيل الضبي عن محمد بن
سوقة عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن الأسود عن عبد الله بن مسعود قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بن مسعود لما أسري بي إلى السماء الدنيا أريت مسجد كوفان
فقلت: يا جبرئيل ما هذا؟ - قال: مسجد مبارك كثير الخير والبركة اختاره الله
لأهله وهو يشفع لهم يوم القيامة (وذكر الحديث بطوله في مسجد الكوفة).
وبالإسناد عن علي بن عبد الرحمن بن أبي السري، عن محمد بن عبد الله
الحضرمي، عن العلاء بن سعيد الكندي، عن طلحة بن عيسى، عن الفضل بن ميمون
البجلي، عن القاسم بن الوليد الهمداني، عن حبة العرني وميثم الكناني قالا:
أتى رجل عليا عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني تزودت زادا (فنقل الحديث
إلى قوله: ولو علم الناس ما فيه من الفضل لأتوه، فقال:) حدثنا محمد بن الحسين
النخاس قال: ولو حبوا. كتاب الغارات عن حبة وميثم مثله).
800

(وفي النسخة المطبوعة في تبريز بعد قوله عليه السلام: (ولو حبوا) ما نصه: (كتاب الغارات،
رفعه عن حبة وميثم مثله) (أنظر ص 190) وفي طبعة أمين الضرب (ج 22، ص 88) بعد
قوله عليه السلام: (ولو حبوا): (كتاب الغارات) واكتفي به وأسقط عبارة (عن حبة
وميثم مثله) وطبعة تبريز صحيحة وذلك لأن العبارة مضافا إلى أن سياق الكلام
يقتضيها موجودة في النسخ المخطوطة المصححة، فراجع إن شئت).
وقال المحدث النوري (ره) في مستدرك الوسائل في باب استحباب
اختيار الإقامة في مسجد الكوفة (ج 1، ص 235):
(إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات عن حبة العرني وميثم التمار
(الحديث إلى قوله ولو حبوا) ثم قال: الشيخ محمد بن المشهدي في المزار
بإسناده المتقدم عن علي بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن العلاء بن
سعيد الكندي عن طلحة بن عيسى عن الفضل بن ميمون البجلي عن القاسم بن الوليد
الهمداني عن حبة العرني وميثم الكناني وذكرا مثله بأدنى تغيير، وفيه بعد
قوله: عصا موسى: (وخاتم سليمان)، وبعد قوله: عين من لبن: (انبثت من ضغث
تذهب) وقال في الهامش: (لعل في قوله: يزهرن) تصحيفا والصواب: يظهرن).
ونقله المجلسي (ره) أيضا في المجلد الثامن عشر من البحار في كتاب
الصلاة في باب فضل المساجد (ص 130، س 19) قائلا بعده:
(بيان - فيما سواه أي من المساجد المباركة كمسجد الأقصى ومسجد
السهلة فلا ينافي الألف، أو الاختلاف باعتبار اختلاف الصلوات والمصلين، ولعل
التخصيص بالألف لكونهم من أعاظم الأنبياء والأوصياء، أو هم الأوصياء الذين
صلوا فيه ظاهرا بحيث اطلع عليه الناس وشاهدوهم، وأما سائرهم فصلوا فيه كما
صلى فيه نبينا صلى الله عليه وآله وعليهم، ولعل المراد بكون عصا موسى (ع)
فيه كونها مدفونة فيه في الأزمان السالفة حتى وصل إلى أئمتنا عليهم السلام لئلا ينافي
الأخبار التي مضت في كتاب الإمامة أنها عندهم عليهم السلام مع سائر آثار الأنبياء،
ويحتمل أن تكون مودعة هناك وهي تحت أيديهم كلما أرادوا أخذوها، وأما
801

شجرة يقطين فيمكن أن يكون هناك منبتها إذ يظهر من بعض الأخبار أنه خرج
من الفرات، وتسيير جبل الأهواز لم أره في غير هذا الخبر. قوله (ع): ويحشر
منه أي من جنبه يعني الغري كما صرح به في غيره، والظاهر أن الأعين يظهرن
في زمن القائم - عجل الله فرجه - وكون جانبه الأيسر مكرا، لأن فيه كانت منازل
الخلفاء والظلمة كما قال الصدوق (ره) في الفقيه يعني منازل الشياطين وقال
في النهاية: الحبو أن يمشي على يديه وركبتيه أو استه).
أقول: مفاد الحديث مشهور معروف بين حملة الأخبار ونقلة الآثار عن
الأئمة الأطهار عليهم السلام، فلنشر إلى بعض موارده فمنها ما نقله الكليني - (رض) -
في كتاب الكافي في باب فضل المسجد الأعظم بالكوفة وفضل الصلاة فيه بقوله
(ج 3 مرآة العقول، ص 183):
(عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن أبي يوسف يعقوب بن عبد الله من ولد
أبي فاطمة عن إسماعيل بن زيد مولى عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو في مسجد الكوفة فقال: السلام عليك
يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فقال: جعلت فداك إني أردت المسجد
الأقصى فأردت أن أسلم عليك وأودعك فقال له: وأي شئ أردت بذلك؟ فقال:
الفضل جعلت فداك، قال: فبع راحلتك وكل زادك وصل في هذا المسجد فإن
الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة والنافلة عمرة مبرورة، والبركة فيه على
اثني عشر ميلا يمينه يمن ويساره مكر، وفي وسطه عين من دهن وعين من لبن
وعين من ماء شراب للمؤمنين، وعين من ماء طهور للمؤمنين، منه سارت سفينة
نوح وكان فيه نسر ويغوث ويعوق، وصلى فيه سبعون نبيا وسبعون وصيا أنا
أحدهم وقال بيده في صدره، ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج
إلا أجابه الله وفرج عنه كربته).
فقال المجلسي (ره) في شرحه: قوله (ع): ويساره مكر، لعله كان
في ميسرته بيوت الخلفاء الجائرين وغيرهم من الظالمين وقيل: المراد به البصرة
802

ولا يخفى بعده. قوله (ع): في وسطه عين أي مكنون ويظهر في زمن القائم
عليه السلام، أو المراد سيكون، ويحتمل أن يكون أجساما لطيفة تنتفع بها المؤمنون
في أجسادهم المثالية ولا تظهر لحسنا. قوله (ع): وكان فيه نسر، يدل على
أن هذه الأصنام كانت في زمن نوح عليه السلام كما ذكره المفسرون وذكروا أنه لما
كان زمن الطوفان طمها الطوفان فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي
العرب والغرض من ذكر ذلك بيان قدم المسجد إذ لا يصير كونها فيه علة لشرفه
ولعل التخصيص بالسبعين ذكر لأعاظمهم أو لمن صلى فيه ظاهرا بحيث اطلع
عليه الناس).
وقال أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي - رضوان الله عليه -
في كتاب كامل الزيارات في الباب الثامن في فضل الصلاة في مسجد الكوفة
(ص 32 من النسخة المطبوعة): (حدثني أبي - رحمه الله - عن سعد بن عبد الله
عن أحمد بن محمد بن عيسى قال: حدثني أبو يوسف يعقوب بن عبد الله من ولد أبي فاطمة
(إلى آخر الحديث المذكور عن الكافي سندا ومتنا)) ونقلا أيضا أحاديث أخر تفيد
هذا المعنى. وقال الصدوق (ره) في من لا يحضره الفقيه: في باب فضل المساجد:
(وقال أبو بصير: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نعم المسجد مسجد الكوفة صلى فيه
ألف بني وألف وصي، ومنه فار التنور وفيه مخرت السفينة، ميمنته رضوان الله،
ووسطه روضة من رياض الجنة، وميسرته مكر يعني منازل الشياطين).
وقال في ثواب الأعمال في باب ثواب الصلاة في مسجد الكوفة: (حدثني
محمد بن الحسن - رضي الله عنه - قال: حدثني أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن
أبي عبد الله الرازي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سمعته يقول: نعم المسجد (إلى قوله مكر) ثم قال: فقلت لأبي: ما المعنى بقوله:
مكر؟ - قال: يعني منازل الشيطان).
وقال المحدث النوري (ره) في مستدرك الوسائل في باب تأكد استحباب
قصد المسجد الأعظم بالكوفة (ج 1، ص 234): (جامع الأخبار: عن أبي بصير
803

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: نعم المسجد، الحديث نحو ما مر عن من لا يحضره -
الفقيه وثواب الأعمال فقال: قلت: بأبي أنت ما معنى ما تقول: مكر؟ - قال: يعني
منازل السلطان).
ثم إن المجلسي (ره) في مجلد صلاة البحار ومجلد المزار منه والمحدث
النوري (ره) في المستدرك في أبواب أحكام المساجد قد نقلا أحاديث في هذا المعنى
عن العياشي والكشي وجامع الأخبار وأمالي المفيد وعيون الأخبار والمزار الكبير
وغيرها من الكتب المعتبرة فراجع أن شئت.
تكملة - قال القزويني في آثار البلاد عند ذكره الكوفة (ص 250
من طبعة بيروت):
(ولمسجدها فضائل كثيرة منها ما روى حبة العرني قال:
كنت جالسا عند علي فجاءه رجل فقال: هذا زادي وهذه راحلتي أريد زيارة
بيت المقدس فقال له: كل زادك وبع راحلتك وعليك بهذا المسجد، يريد مسجد
الكوفة، ففي زاويته فار التنور، وعند الأسطوانة الخامسة صلى إبراهيم، وفيه
عصا موسى، وشجرة اليقطين، ومصلى نوح عليه السلام ووسطه على روضة من رياض
الجنة، وفيه ثلاث أعين من الجنة، لو علم الناس ما فيه من الفضل لأتوه حبوا).
أقول: وذكر بعده فضل مسجد السهلة نقلا عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله
جعفر الصادق عليه السلام فمن أراده فليراجع الكتاب.
التعليقة 50
(ص 420)
تحقيق حول أشعار الوليد بن عقبة لأخيه عمارة
لما كان غرض المصنف - رضوان الله عليه - متعلقا في نقل أشعار الوليد بالإشارة
إلى تحريضه على القيام بطلب دم عثمان اكتفى بالأبيات الثلاثة وإلا لكان يلزم عليه
أن يذكر البيت الرابع أيضا وهو:
804

ألا إن خير الناس بعد ثلاثة * قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
وذلك أن ابن أبي الحديد قال ضمن نقل القصة هنا من شرح النهج ما نصه:
(وروى أبو جعفر الطبري قال: كان عمارة مقيما بالكوفة بعد قتل عثمان
لم يهجه علي عليه السلام ولم يذعره، وكان يكتب إلى معاوية بالأخبار سرا، ومن شعر
الوليد لأخيه عمارة يحرضه (فبعد أن نقل الأبيات الأربعة المذكورة قال:) قال:
فأجابه الفضل بن العباس بن عبد المطلب:
أتطلب ثأرا لست منه ولا له * وما لابن ذكوان الصفوري والوتر
كما افتخرت بنت الحمار بأمها * وتنسى أباها إذ تسامي أولوا الفخر
ألا إن خير الناس بعد نبيهم * وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر
وأول من صلى وصنو نبيه * وأول من أردى الغواة لدى بدر
أما معنى قوله: (وما لابن ذكوان الصفوري) فإن الوليد هو ابن عقبة بن
أبي معيط بن أبي عمرو واسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس، وقد ذكر جماعة من
النسابين أن ذكوان كان مولى لأمية بن عبد شمس فتبناه وكناه أبا عمرو، فبنوه
موال وليسو من بني أمية لصلبه، والصفوري منسوب إلى صفورية قرية من قرى
الروم. قال إبراهيم بن هلال الثقفي: فعند ذلك (القصة)).
أقول: نقل الطبري الأبيات بعد ذكر قتل عثمان بن عفان تحت عنوان
(ذكر ما رثي به من الأشعار) وهناك بعد قوله (وأول من صلى (إلى آخره))
هذان البيتان:
فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمكم * لكانوا له من ظلمه حاضري النصر
كفى ذاك عيبا أن يشيروا بقتله * وأن يسلموه للأحابيش من مصر
ونقل ابن الأثير الأبيات في الكامل بعد ذكر (مقتل عثمان) كما نقله
الطبري ثم قال: (قوله: (وأين ابن ذكوان) فإن الوليد بن عقبة بن أبي معيط
ابن أبي عمرو واسمه ذكوان ابن أمية بن عبد شمس ويذكر جماعة من النسابين أن
ذكوان مولى لأمية فتبناه وكناه أبا عمرو ويعني أنك مولى ولست من بني أمية
805

حتى تكون ممن يطلب بثأر عثمان) (فبين ما نقله ابن أبي الحديد وما نقله الطبري
وابن الأثير اختلاف في العدد والترتيب والألفاظ).
وليعلم أيضا أن الصحيح ما نقلناه في البيت الرابع من أبيات الوليد (قتيل
التجيبي) لا: (قتيل التجوبي) وذلك لما صرح به ابن منظور في لسان العرب بقوله:
(وتجوب قبيلة من حمير حلفاء لمراد منهم ابن ملجم لعنه الله، قال الكميت:
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة * قتيل التجوبي الذي جاء من مصر
هذا قول الجوهري قال ابن بري (1) البيت للوليد بن عقبة وليس للكميت
كما ذكر وصواب إنشاده: قتيل التجيبي الذي جاء من مصر، وإنما غلطه في ذلك
أنه ظن أن الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان - رضوان الله عليهم - فظن أنه في علي
- رضي الله عنه - فقال: (التجوبي) بالواو وإنما الثلاثة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله
- وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - لأن الوليد رثى بهذا الشعر عثمان بن عفان
- رضي الله عنه - وقاتله كنانة بن بشر التجيبي، وأما قاتل علي - رضي الله عنه - فهو التجوبي ورأيت في حاشية ما مثاله: أنشد أبو عبيد البكري - رحمه الله - في كتابه
فصل المقال في شرح كتاب الأمثال: هذا البيت الذي هو: (ألا إن خير الناس بعد
ثلاثة) لنائلة بنت الفرافصة بن الأحوص الكلبية زوج عثمان - رضي الله عنه -
ترثيه وبعده:
وما لي لا أبكي وتبكي قرابتي * وقد حجبت عنا فضول أبي عمرو)
وصرح المسعودي أيضا في مروج الذهب بأن البيتين لنائلة زوجة عثمان
ونص عبارته فيه بعد ذكر مقتل عثمان: (وفي مقتله تقول زوجته نائلة بنت الفرافصة:
(ألا إن خير الناس (إلى آخر البيتين) إلا أنه نقل مكان: (حجبت): وقد غيبوا)
وأبو عمرو أشهر كنيتي عثمان كما قال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمته: (يكنى
أبا عبد الله وأبا عمرو كنيتان مشهورتان له، وأبو عمرو أشهرهما).
أقول: إنما أطنبنا الكلام هنا لكثير فائدته وعظيم عائدته.

1 - هو أبو محمد عبد الله بن بري صاحب الحواشي على الصحاح في مجلدات.
806

أما قوله: (بذحل ولا وتر) ففي الصحاح: (الوتر بالكسر الفرد، والوتر
بالفتح الذحل، هذه لغة أهل العالية وأما أهل الحجاز فبا لضد منهم وأما تميم فبالكسر فيهما
(إلى أن قال) والموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه: وتره يتره وترا وترة)
وفي مجمع البحرين: (الوتر بالكسر الفرد، وبالفتح الذحل أعني الثار
(إلى أن قال) والأوتار جمع وتر بالكسر وهي الجناية ومنه طلبوا الأوتار، وفي حديث
علي عليه السلام: وأدركت أوتار ما طلبوا، والوتيرة طلب الثار، والموتور الذي قتل له قتيل
فلم يدرك بدمه ومنه الحديث: أنا الموتور أي صاحب الوتر الطالب بالثار)
وفي النهاية في (و ت ر): (الوتر الجناية التي يجنيها الرجل على
غيره من قتل أو نهب أو سبي، (إلى أن قال) ومنه حديث محمد بن مسلمة: أنا الموتور الثائر أي صاحب الوتر الطالب بالثار، والموتور المفعول (إلى أن قال) ومنه حديث
(على يصف أبا بكر: فأدركت أوتار ما طلبوا (إلى آخر ما قال)).
وأما قوله: (مخيمة بين الخورنق والقصر).
ففي كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي: (الخورنق بفتح أوله وثانيه
وراء ساكنة ونون مفتوحة وآخره قاف، قرأت في كتاب النوادر الممتعة لأبي الفتح
ابن جني: أخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد عن أبي عبد الله محمد بن العباس
اليزيدي قال: قال الأصمعي: سألت الخليل بن أحمد عن الخورنق فقال: ينبغي أن
يكون مشتقا من الخرنق الصغير من الأرانب قال الأصمعي: ولم يصنع شيئا إنما
هو من الخورنقاه بضم الخاء وسكون الواو وفتح الراء وسكون النون والقاف يعني
موضع الأكل والشرب بالفارسية فعربته العرب فقالت: الخورنق ردته إلى وزن
السفرجل، قال ابن جني: ولم يؤت الخليل من قبل الصنعة لأنه أجاب على أن
الخورنق كلمة عربية ولو كان عربيا لوجب أن تكون الواو فيه زائدة كما ذكر لأن
الواو لا تجيئ أصلا في ذوات الخمسة على هذا الحد فجرى مجرى الواو كذلك
وإنما أتي من قبل السماع، ولو تحقق ما تحققه الأصمعي لما صرف الكلمة أنى؟
وسيبويه إحدى حسناته (إلى أن قال بعد ذكر موضعين بهذا الاسم):
807

أما الخورنق الذي ذكرته العرب في أشعارها وضربت به الأمثال في
أخبارها فليس بأحد هذين إنما هو موضع بالكوفة.... والذي عليه أهل الأثر والأخبار
أن الخورنق قصر كان بظهر الحيرة وقد اختلفوا في بانيه (إلى آخر ما قال)).
وأما القصر ففي معجم البلدان أيضا:
(المراد بالقصر البناء المشيد العالي المشرف مشتق [من القصر بمعنى] الحبس
والمنع (إلى أن قال) وقصر أبي الخصيب بظاهر الكوفة قريب من السدير بينه وبين
السدير ديارات الأساقف وهو أحد المتنزهات يشرف على النجف (إلى أن قال)
وفي قصر أبي الخصيب يقول بعضهم:
يا دار غير رسمها * مر الشمال مع الجنوب
بين الخورنق والسدير * فبطن قصر أبي الخصيب
فالدير فالنجف الأشم * جبال أرباب الصليب)
وأبو عمرو كما مر عن الاستيعاب أشهر كنيتي عثمان بن عفان فتبين أن الوليد بن -
عقبة يعاتب أخاه عمارة لسكونه وقعوده وعدم قيامه بطلب ثأر عثمان الخليفة المقتول
فيكون معنى الأشعار هكذا:
إن أخي عمارة ليس ممن يطلب بدم عثمان والحال أنه مقيم بالكوفة التي بين
الخورنق والقصر بين قتلة عثمان فارغا باله فكأنه لا يدري أن الخليفة قد قتل
فمحصل الأبيات أنه يعير أخاه ويحرضه على لحوقه بمعاوية والقيام معه بطلب دمه
فهو نظير قول ليلى بنت طريف الثعلبية في أبيات لها:
أيا شجر الخابور مالك مورقا * كأنك لم تجزع على ابن طريف
أقول: قد مر في ص 806 أن بعض هذه الأبيات مما رثت به نائلة بنت الفرافصة
عثمان زوجها.
808

التعليقة 51
(ص 425)
حجر بن عدي الكندي
قال ابن سعد في الطبقات في الطبقة الأولى من أهل الكوفة ممن روى عن
علي بن أبي طالب عليه السلام (ج 6 ص 151 طبعة أوربا، و ج 6، ص 217 من طبعة بيروت):
(حجر بن عدي بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث
ابن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندي، وهو حجر الخير
وأبوه عدي الأدبر طعن موليا فسمي الأدبر، وكان حجر بن عدي جاهليا إسلاميا
قال: وذكر بعض رواة العلم أنه وفد إلى النبي (ص) مع أخيه هانئ بن عدي،
وشهد حجر القادسية، وهو الذي افتتح مرج عذرى وكان في ألفين وخمسمائة من
العطاء، وكان من أصحاب علي بن أبي طالب، وشهد معه الجمل وصفين، فلما قدم
زياد بن أبي سفيان واليا على الكوفة دعا بحجر بن عدي فقال: تعلم أني أعرفك،
وقد كنت أنا وإياك على ما قد علمت، يعني من حب علي بن أبي طالب، وأنه قد
جاء غير ذلك وأني أنشدك الله أن تقطر لي من دمك قطرة فأستفرغه كله أملك عليك
لسانك وليسعك منزلك، وهذا سريري فهو مجلسك وحوائجك مقضية لدي فاكفني
نفسك فإني أعرف عجلتك فأنشدك الله يا أبا عبد الرحمن في نفسك، وإياك وهذه السفلة
هؤلاء أن يستزلوك عن رأيك فإنك لو هنت علي أو استخففت بحقك لم أخصك بهذا من
نفسي. فقال حجر: قد فهمت ثم انصرف إلى منزله فأتاه إخوانه من الشيعة فقالوا:
ما قال لك الأمير؟ قال: قال لي: كذا وكذا. قالوا: ما نصح لك، فأقام وفيه بعض
الاعتراض، وكانت الشيعة يختلفون إليه ويقولون: إنك شيخنا وأحق الناس بإنكار
هذا الأمر، وكان إذا جاء إلى المسجد مشوا معه، فأرسل إليه عمرو بن حريث وهو
يومئذ خليفة زياد على الكوفة وزياد بالبصرة: أبا عبد الرحمن ما هذه الجماعة وقد
809

أعطيت الأمير من نفسك ما قد علمت؟ فقال للرسول: تنكرون ما أنتم فيه؟! إليك، وراءك
أوسع لك.
فكتب عمرو بن حريث بذلك إلى زياد وكتب إليه: إن كانت لك حاجة
بالكوفة فالعجل، فأغذ زياد السير حتى قدم الكوفة، فأرسل إلى عدي بن حاتم
وجرير بن عبد الله البجلي، وخالد بن عرفطة العذري حليف بني زهرة، وإلى عدة
من أشراف أهل الكوفة فأرسلهم إلى حجر بن عدي ليعذر إليه وينهاه عن هذه الجماعة
وأن يكف لسانه عما يتكلم به، فأتوه فلم يجبهم إلى شئ ولم يكلم أحدا منهم،
وجعل يقول: يا غلام اعلف البكر. قال وبكر في ناحية الدار فقال له عدي بن حاتم:
أمجنون أنت؟ أكلمك بما أكلمك به وأنت تقول: يا غلام اعلف البكر؟. فقال عدي
لأصحابه: ما كنت أظن هذا البائس بلغ به الضعف كل ما أرى، فنهض القوم عنه
وأتوا زيادا فأخبروه ببعض وخزنوا بعضا وحسنوا أمره، وسألوا زيادا الرفق به،
فقال: لست إذا لأبي سفيان، فأرسل إليه الشرط والبخارية فقاتلهم بمن معه ثم انفضوا
عنه وأتي به زياد وبأصحابه فقال له: ويلك مالك؟ فقال: إني على بيعتي لمعاوية
لا أقيلها ولا أستقيلها، فجمع زياد سبعين من وجوه أهل الكوفة فقال: اكتبوا شهادتكم
على حجر وأصحابه، ففعلوا. ثم وفدهم على معاوية وبعث بحجر وأصحابه إليه،
وبلغ عائشة الخبر فبعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي إلى معاوية تسأله
أن يخلي سبيلهم، فقال عبد الرحمن بن عثمان الثقفي: يا أمير المؤمنين جدادها
جدادها لا تعن بعد العام أبرا. فقال معاوية: لا أحب أن أراهم ولكن اعرضوا علي
كتاب زياد فقرئ عليه الكتاب وجاء الشهود فشهدوا، فقال معاوية بن أبي سفيان:
أخرجوهم إلى عذرى فاقتلوهم هنالك، قال: فحملوا إليها، فقال حجر: ما هذه
القرية؟ قالوا: عذراء، قال: الحمد لله، أما والله إني لأول مسلم نبح كلابها في
سبيل الله ثم أتى بي اليوم إليها مصفودا، ودفع كل رجل منهم إلى رجل من أهل
الشام ليقتله، ودفع حجر إلى رجل من حمير فقدمه ليقتله فقال: يا هؤلاء دعوني
أصلي ركعتين، فتركوه فتوضأ وصلى ركعتين فطول فيهما، فقيل له: طولت، أجزعت؟
810

فانصرف فقال: ما توضأت قط إلا صليت، وما صليت صلاة قط أخف من هذه، ولئن
جزعت لقد رأيت سيفا مشهورا وكفنا منشورا، وقبرا محفورا، وكانت عشائرهم جاءوا
بالأكفان وحفروا لهم القبور، ويقال: بل معاوية الذي حفر لهم القبور وبعث إليهم
بالأكفان وقال حجر: اللهم إنا نستعديك على أمتنا فإن أهل العراق شهدوا علينا، وإن
أهل الشام قتلونا، قال: وقيل لحجر: مد عنقك فقال: إن ذاك لدم، ما كنت لأعين
عليه فقدم فضربت عنقه، وكان معاوية قد بعث رجلا من بني سلامان بن سعد يقال
له: هدبة بن فياض، فقتلهم، وكان أعور فنظر إليه رجل منهم من خثعم فقال: إن صدقت
الطير قتل نصفنا ونجا نصفنا، قال: فلما قتل سبعة أردف معاوية برسول بعافيتهم
جميعا فقتل سبعة ونجا ستة أو قتل ستة ونجا سبعة قال: وكانوا ثلاثة عشر رجلا
وقدم عبد الرحمن بن الحارث بن هشام على معاوية برسالة عائشة وقد قتلوا فقال: يا
أمير المؤمنين أين عزب عنك حلم أبي سفيان؟ فقال: غيبة مثلك عني من قومي،
وقد كانت هند بنت زيد بن مخربة الأنصارية، وكانت شيعية قالت حين سير
بحجر إلى معاوية:
ترفع أيها القمر المنير * ترفع هل ترى حجرا يسير
يسير إلى معاوية بن حرب * ليقتله كما زعم الخبير
تجبرت الجبابر بعد حجر * وطاب لها الخورنق والسدير
وأصبحت البلاد له محولا * كأن لم يحيها يوما مطير
ألا يا حجر حجر بني عدي * تلقتك السلامة والسرور
أخاف عليك ما أردى عديا * وشيخا في دمشق له زئير
فإن تهلك فكل عميد قوم * إلى هلك من الدنيا يصير
قال: أخبرنا حماد بن مسعدة، عن ابن عون، عن محمد قال: لما أتي بحجر فأمر بقتله
قال: ادفنوني في ثيابي فإني أبعث مخاصما (ن). قال: أخبرنا يحيى بن عباد، قال: حدثنا
يونس بن أبي إسحاق، قال: حدثنا عمير بن قميم، قال حدثني غلام لحجر بن عدي
الكندي قال: قلت لحجر: إني رأيت ابنك دخل الخلاء ولم يتوضأ قال: ناولني
811

الصحيفة من الكوة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما سمعت علي بن أبي طالب
يذكر أن الطهور نصف الإيمان، وكان ثقة معروفا ولم يرو عن غير علي شيئا (ن)).
وفي الإصابة في القسم الأول: (حجر بضم أوله وسكون الجيم ابن عدي بن
معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين الكندي المعروف بحجر
ابن الأدبر حجر الخير وذكر ابن سعد ومصعب الزبيري فيما رواه الحاكم عنه أنه
وفد على النبي صلى الله عليه وآله هو وأخوه هانئ بن عدي، وأن حجر بن عدي شهد القادسية
وأنه شهد بعد ذلك الجمل وصفين وصحب عليا فكان من شيعته، وقتل بمرج عذراء
بأمر معاوية، وكان حجر هو الذي افتتحها فقدر أن قتل بها.
وقد ذكر ابن الكلبي جميع ذلك، وذكره يعقوب بن سفيان في أمراء علي
يوم صفين، وروى ابن السكن وغيره من طريق إبراهيم بن الأشتر عن أبيه: أنه
شهد هو وحجر بن الأدبر موت أبي ذر بالربذة، وأما البخاري وابن أبي حاتم
عن أبيه وخليفة بن خياط وابن حبان فذكروه في التابعين (إلى أن قال) وروى
أحمد في الزهد، والحاكم في المستدرك من طريق ابن سيرين قال: أطال زياد الخطبة
فقال حجر: الصلاة، فمضى في خطبته فحصبه حجر والناس، فنزل زياد فكتب إلى
معاوية [فكتب معاوية إليه] أن سرح به إلي فلما قدم قال: السلام عليك يا
أمير المؤمنين فقال: أو أمير المؤمنين أنا؟ قال: نعم، فأمر بقتله، فقال: لا تطلقوا عني
حديدا ولا تغسلوا عني دما فإني لاق معاوية بالجادة وإني مخاصم. وروى
الروياني والطبراني والحاكم من طريق أبي إسحاق قال: رأيت حجر بن عدي
وهو يقول: ألا إني على بيعتي لا أقيلها ولا أستقيلها، وروى ابن أبي الدنيا والحاكم
وعمر بن شبة من طريق ابن عون عن نافع قال: لما انطلق بحجر بن عدي كان
ابن عمر يتخبر عنه فأخبر بقتله وهو بالسوق فأطلق حبوته وولى وهو يبكي.
وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه عن أبي الأسود قال: دخل معاوية على عائشة
فعاتبته في قتل حجر وأصحابه وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يقتل بعدي
أناس يغضب الله لهم وأهل السماء، في سنده انقطاع. وروى إبراهيم بن الجنيد في
812

كتاب الأولياء بسند منقطع: أن حجر بن عدي أصابته جنابة فقال للموكل به:
أعطني شرابي أتطهر به ولا تعطني غدا شيئا فقال: أخاف أن تموت عطشا فيقتلني
معاوية. قال فدعا الله فانسكبت له سحابة بالماء فأخذ منها الذي احتاج إليه فقال له
أصحابه: ادع الله أن يخلصنا فقال: اللهم خر لنا قال: فقتل هو وطائفة منهم.
قال خليفة وأبو عبيد وغير واحد: قتل سنة إحدى وخمسين. وقال يعقوب بن
إبراهيم بن سعد: كان قتله سنة ثلاث وخمسين. قال ابن الكلبي: وكان لحجر بن
عدي ولدان عبد الله وعبد الرحمن قتلا مع المختار لما غلب عليه مصعب وهرب ابن -
عمهما معاذ بن هانئ بن عدي إلى الشام، وابن عمهم هانئ بن الجعد بن عدي
كان من أشراف الكوفة).
وفي أسد الغابة: (حجر بن عدي بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية
الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة
الكندي وهو المعروف بحجر الخير، وهو ابن الأدبر وإنما قيل لأبيه: عدي
الأدبر لأنه طعن على أليته موليا فسمي الأدبر، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم
هو وأخوه هانئ، وشهد القادسية، وكان من فضلاء الصحابة، وكان على كندة
بصفين وعلى الميسرة يوم النهروان، وشهد الجمل أيضا مع علي، وكان من أعيان
أصحابه، ولما ولي زياد العراق وأظهر من الغلظة وسوء السيرة ما أظهر خلعه
حجر ولم يخلع معاوية، وتابعه جماعة من شيعة علي رضي الله عنه، وحصبه يوما في
تأخير الصلاة هو وأصحابه، فكتب فيه زياد إلى معاوية فأمره أن يبعث به وبأصحابه
إليه فبعث بهم مع وائل بن حجر الحضرمي ومعه جماعة، فلما أشرف على مرج
عذراء قال: إني لأول المسلمين كبر في نواحيها، فأنزل هو وأصحابه عذراء وهي
قرية عند دمشق فأمر معاوية بقتلهم فشفع أصحابه في بعضهم فشفعهم، ثم قتل حجر
وستة معه وأطلق ستة، ولما أرادوا قتله صلى ركعتين ثم قال: لولا أن تظنوا بي
غير الذي بي لأطلتهما، وقال: لا تنزعوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما فإني
لاق معاوية على الجادة، ولما بلغ فعل زياد بحجر إلى عائشة بعثت عبد الرحمن بن
813

الحارث بن هشام إلى معاوية تقول: الله الله في حجر وأصحابه، فوجده عبد الرحمن
قد قتل فقال لمعاوية: أين عزب عنك حلم أبي سفيان في حجر وأصحابه؟ ألا حبستهم
في السجون وعرضتهم للطاعون؟ قال: حين غاب عني مثلك من قومي، قال: والله
لا تعد لك العرب حلما بعدها ولا رأيا، قتلت قوما بعث بهم أسارى من المسلمين؟!
قال: فما أصنع؟ كتب إلي زياد فيهم يشدد أمرهم ويذكر أنهم سيفتقون فتقا
لا يرقع، ولما قدم معاوية المدينة دخل على عائشة رضي الله عنها فكان أول ما قالت له
في قتل حجر في كلام طويل، فقال معاوية: دعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا،
قال نافع: كان ابن عمر في السوق فنعي إليه حجر فأطلق حبوته وقام وقد غلبه
النحيب، وسئل محمد بن سيرين عن الركعتين عند القتل فقال: صلاهما خبيب وحجر
وهما فاضلان، وكان الحسن البصري يعظم قتل حجر وأصحابه، ولما بلغ الربيع بن
زياد الحارثي وكان عاملا لمعاوية على خراسان قتل حجر دعا الله عز وجل وقال:
اللهم إن كان للربيع عندك خير فاقبضه إليك وعجل، فلم يبرح من مجلسه حتى
مات. وكان حجر في ألفين وخمسمائة من العطاء، وكان قتله سنة إحدى وخمسين،
وقبره مشهور بعذراء، وكان مجاب الدعوة، أخرجه أبو عمرو وأبو موسى).
وأورد في الاستيعاب قريبا مما ذكر.
وقال ابن عساكر في المجلد الرابع من تاريخه (ص 84):
(حجر (بضم الحاء المهملة وسكون الجيم ويجوز ضمها قاله ابن ماكولا) ابن عدي
الأدبر بن معاوية بن جبلة بن عدي يتصل نسبه بكهلان بن سبأ وسمي أبوه الأدبر لأنه طعن
رجلا وهو هارب مول فسمي بالأدبر، وحجر هذا هو الكندي من أهل الكوفة
وفد على النبي صلى الله عليه وآله وكان مع الجيش الذي فتح الشام، وشهد صفين مع علي بن
أبي طالب، وقتل بعذراء (1) من قرى دمشق و [هنا] مسجد قبره بها معروف (أقول: ذلك المسجد

1 - في معجم البلدان: (عذراء بالفتح ثم السكون والمد وهو في الأصل الرملة
التي لم توطأ، والدرة العذراء التي لم تثقب، وهي قرية بغوطة دمشق من إقليم خولان معروفة،
وإليها ينسب مرج وإذا انحدرت من ثنية العقاب وأشرفت على الغوطة وتأملت على يسارك
رأيتها أول قرية تلي الجبل، وبها منارة، وبها قتل حجر بن عدي الكندي، وبها
قبره وقيل: هو الذي فتحها (إلى آخر ما قال)).
814

والقبر لم يزالا معروفين إلى الآن) إلى أن قال: وكتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة:
إني قد احتجت إلى مال فأمدني بالمال، فجهز المغيرة إليه عيرا تحمل مالا
فلما فصلت العير بلغ حجرا وأصحابه فجاء حتى أخذ بالقطار فحبس العير وقال:
والله لا تذهب حتى تعطي كل ذي حق حقه فبلغ المغيرة ذلك فقال شباب ثقيف:
ائذن لنا حتى نأتيك برأسه الساعة فقال: لا والله ما كنت لأقتل حجرا أبدا، فبلغ
ذلك معاوية فعزله واستعمل زيادا (فكان من أمر زياد معه ما كان حتى أرسله إلى
معاوية فقتله هو وأصحابه في مرج عذراء من أرض الشام وقبره في مسجدها معروف إلى
اليوم، وقد قدمنا خبر مقتله في ترجمة أرقم بن عبد الله الكندي في أواخر المجلد
الثاني بما أغنانا عن إعادته هنا، والقصة طويلة فليراجعها من أحب الاطلاع عليها)
إلى أن قال:
وروي أيضا أن عليا - رضي الله عنه - قال: يا أهل الكوفة سيقتل فيكم
سبعة نفر هم من خياركم بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود. ورواه البيهقي أيضا
والطبري، ولما قتل اجتمع شيعته فقال بعضهم: أسأل الله أن يجعل قتله على أيدينا
فقال بعضهم: مه، إن القتل كفارة ولكننا نسأله تعالى أن يميته على فراشه، وقال
معاوية: ما قتلت أحدا إلا وأنا أعرف فيم قتلته ما خلا حجرا فإني لا أعرف بأي
ذنب قتلته، وكان قتله له سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة ثلاث وخمسين (إلى آخر
ما قال)).
التعليقة 52
(ص 426)
تحقيق حول كلمة (الأصهار)
في المصباح المنير: (الصهر جمعه أصهار قال الخليل: الصهر أهل بيت -
المرأة، قال: ومن العرب من يجعل الأحماء والأختان جميعا أصهارا، وقال الأزهري:
الصهر يشتمل على قرابات النساء ذوي المحارم وذوات المحارم كالأبوين والإخوة
815

وأولادهم والأعمام والأخوال والخالات فهؤلاء أصهار زوج المرأة، ومن كان من قبل
الزوج من ذوي قرابته المحارم فهم أصهار المرأة أيضا. وقال ابن السكيت: كل من
كان من قبل الزوج من أبيه أو أخيه أو عمه فهم الأحماء، ومن كان من قبل المرأة
فهم الأختان ويجمع الصنفين الأصهار، وصاهرت إليهم إذا تزوجت منهم).
ووجه كونهم أصهار الحسين ما ذكره علماء التراجم والسير في كتبهم.
قال ابن حجر في الإصابة: (امرؤ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب
ابن عليم... الكلبي، وروى عن أمالي ثعلب بإسناده عن عوف بن خارجة قال: إني
والله لعند عمر في خلافته إذ أقبل رجل أمعر يتخطى رقاب الناس حتى قام بين يدي
عمر فحياه بتحية الخلافة فقال: من أنت؟ - قال امرؤ نصراني وأنا امرؤ القيس بن
عدي الكلبي فلم يعرفه عمر فقال له رجل: هذا صاحب بكر بن وائل الذي أغار عليهم
في الجاهلية قال: فما تريد؟ - قال: أريد الإسلام فعرضه عليه فقبله ثم دعا له برمح
فعقد له على من أسلم من قضاعة فأدبر الشيخ واللواء يهتز على رأسه قال عوف:
ما رأيت رجلا لم يصل صلاة أمر على جماعة من المسلمين قبله، قال: ونهض علي وابناه
حتى أدركه فقال له: أنا علي بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وهذان ابناي من
ابنته وقد رغبنا في صهرك فأنكحنا، قال: قد أنكحتك يا علي المحياة ابنة امرئ القيس،
وأنكحتك يا حسن سلمى بنت امرئ القيس، وأنكحتك يا حسين الرباب بنت
امرئ القيس قال: وهي أم سكينة وفيها يقول الحسين:
لعمرك إنني لأحب دارا * تحل بها سكينة والرباب
وهي التي أقامت على قبر الحسين حولا ثم أنشد.
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما *
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر).
أقول: نقل أبو الفرج الإصبهاني في كتاب الأغاني تحت عنوان (ذكر
الحسين ونسبه) (ج 14، ص 163 - 164) ما نقله صاحب الإصابة باختلاف يسير.
816

ثم ليعلم أن نظير قوله: (أصهار الحسين) ما نقل في إعلام الورى وسيرة
ابن هشام وغيرهما من أن النبي صلى الله عليه وآله سبى الرجال والنساء والذراري والنعم
والشاء فلما بلغ الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوج جويرية بنت الحارث قالوا:
أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق).
وقال ابن عساكر في تاريخه (ج 6، ص 315) في ترجمة شريح القاضي
ما نصه: (وأما قول زينب لشريح: (هذه ختنك) فقد تكلم في هذا قوم من الفقهاء
واللغويين، وحاجة الفقهاء إلى معرفة ذلك بينة إذ قد يوصي المرء لأصهار فلان وأختانه،
وقد يحلف لا يكلم أصهار فلان وأختانه، فقال قوم: الأختان من قبل الرجل، والأصهار،
من قبل المرأة، وذهب قوم في هذا إلى التداخل والاشتراك، وهذا أصح المذهبين عندي،
وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه -:
محمد النبي أخي وصهري * أحب الناس كلهم اليا
والنبي صلى الله عليه وآله أبو زوجته ويدلك على هذا قولهم: قد أصهر فلان إلى فلان
وبين القوم مصاهرة وصهر، فجرى مجرى النسب والمصاهرة في إجرائهما على الطرفين
والعبارتين بهما على الجهتين، وقد قال الله عز وجل: وهو الذي خلق من الماء بشرا
فجعله نسبا وصهرا، وقد جاء عن أهل التأويل في قول الله تعالى: والله جعل لكم من
أنفسكم أزواجا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، أقوال، قال بعضهم: هم الأصهار،
وقال بعضهم: هم الأختان، وظاهر هذا العمل على اختلاف المعنيين بحسب ما ذهب إليه
من قدمنا الحكاية عنه وجائز أن يكون عبر باللفظين عن معنى واحد).
التعليقة 53
(ص 430)
حول قولهم: (فقع بقرقر)
في أساس البلاغة للزمخشري: (ويقال: إنك لأذل من فقع القاع).
وفي النهاية لابن الأثير: (وفي حديث عاتكة قالت لابن جرموز: يا ابن فقع
817

القردد، القردد، الفقع ضرب من أردء الكمأة، والقردد أرض مرتفعة إلى جنب وهدة).
وفي لسان العرب: (الفقع والفقع بالفتح وبالكسر الأبيض الرخو من الكمأة
وهو أردؤها قال الراعي:
بلاد يبز الفقع فيها قناعه * كما ابيض شيخ من رفاعة أجلح
وجمع الفقع بالفتح فقعة مثل جبء وجبأة، وجمع الفقع بالكسر فقعة أيضا
مثل قرد وقردة، وفي حديث عاتكة (فنقل كلام ابن الأثير كما نقلناه) وقال أبو حنيفة:
الفقع يطلع من الأرض فيظهر أبيض وهو ردئ، والجيد ما حفر عنه واستخرج (إلى
أن قال) ويشبه به الرجل الذليل فيقال: هو فقع قرقر ويقال أيضا: أذل من فقع
بقرقر لأن الدواب تنجله بأرجلها، قال النابغة يهجو النعمان بن المنذر:
حدثوني بني الشقيقة ما يمنع فقعا بقرقر أن يزولا
(إلى آخر ما قال).
وقال الزمخشري في مستقصى الأمثال (ج 1، ص 134): (أذل من فقع بقاع،
هو الكمأة البيضاء، ومنه حمام فقيع أي أبيض، والأنثى فقيعة، وذله أنه لا يمتنع على
من اجتناه، وقيل: إنه يداس دائما بالأرجل، وقيل: إنه لا أصل له ولا أغصان،
قال الكميت (الكامل):
هل أنت إلا الفقع فقع القاع للحجل النوافر.
[وأيضا من أمثالهم]
أذل من فقع بقرقر، هو الأرض المستوية السهلة، قال أبو جندب الهذلي:
(الطويل)
فلا تحسبوا جاري لدى ظل مرخة * ولا تحسبوه فقع قاع بقرقر
وقال آخر (البسيط):
لن يستطيع امتناعا فقع قرقرة * بين الطريقة بالبيد الأماليس).
قال الفيروزآبادي: (الفقع ويكسر البيضاء الرخوة من الكمأة ج كعنبة
ويقال للذليل: هو أذل من فقع بقرقرة لأنه لا يمتنع على من اجتناه، أو لأنه
818

يوطأ بالأرجل).
وقال أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال: (وأذل من فقع بقرقرة،
والفقع ضرب من الكمأة أبيض، يظهر على وجه الأرض فيوطأ، والكمأة السوداء
تستتر في الأرض، وقيل: حمام فقيع لبياضه، ويقال للذي لا أصل له: فقع، لأن
الفقع لا أصول له أي لا عروق)،
وقال الميداني في مجمع الأمثال: (أذل من فقع بقرقرة لأنه لا يمتنع
على من اجتناه ويقال: لا، بل لأنه يوطأ بالأرجل، والفقع الكمأة البيضاء، والجمع
فقعة مثل جبء وجبئة، ويقال: حمام فقيع إذا كان أبيض، ويشبه الرجل الذليل
بالفقع فيقال: هو فقع قرقر، لأن الدواب تنجله بأرجلها، قال النابغة يهجو النعمان
ابن المنذر:
حدثوني بني الشقيقة ما يمنع فقعا بقرقر أن يزولا
لأن الفقعة لا أصول لها ولا أغصان، ويقال: فلان فقعة القاع كما يقال في
مولد الأمثال لمن كان كذلك: هو كشوث الشجر لأن الكشوث نبت يتعلق بأغصان
الشجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض، قال الشاعر:
هو الكشوث فلا أصل ولا ورق * ولا نسيم ولا ظل ولا ثمر)
أقول: نقل المجلسي (ره) في ثامن البحار (ص 673) في بيان له (ره)
لبعض فقرات كتاب عقيل (رض) إلى أمير المؤمنين؟ عليه السلام عبارة الجوهري عن الصحاح
في معنى هذه الفقرة كما نقلناها عنه في مورده (أنظر ص 433).
التعليقة 54
(ص 478)
إشارة إلى موارد نقل الخطبة الجهادية
فليعلم أن هذه الخطبة من الخطب المشهورة المعروفة جدا فقال المجلسي (ره)
819

في ثامن البحار ص 682 بعد نقلها عن النهج: (نقلها الكليني (ره) في الكافي عن أحمد
ابن محمد بن سعيد عن جعفر بن عبد الله العلوي وأحمد بن محمد الكوفي عن علي بن العباس
عن إسماعيل بن إسحاق جميعا عن فرج بن قرة عن مسعدة بن صدقة عن ابن أبي ليلى
عن أبي عبد الرحمن السلمي عنه عليه السلام مثله بيان - قال ابن ميثم وغيره: هذه
الخطبة مشهورة ذكرها أبو العباس المبرد وغيره والسبب المشهور أنه ورد
عليه علج من الأنبار فأخبره أن سفيان بن عوف الغامدي قد ورد في خيل معاوية
إلى الأنبار وقتل عامله حسان بن حسان البكري فصعد عليه السلام المنبر وخطب الناس
وقال: إن أخاكم البكري (إلى آخر ما تقدم ذكره في الكتاب الحاضر).
وقال المحقق البارع الجامع الحاج ميرزا حبيب الله الخوئي قدس الله سره
في منهاج البراعة (ج 1 من الطبعة الأولى، (ص 415) في حق الخطبة:
(وهذه من مشاهير خطبه وصدرها مروية في الوسائل من الكافي عن أحمد بن
محمد بن سعيد (إلى آخر ما مر من السند) ورواها المبرد في أوائل الكامل والعلامة
المجلسي (ره) في البحار من معاني الأخبار للصدوق بزيادة ونقصان (إلى آخر ما
قال) وقال أيضا (ص 417): إعلم أن الخطبة الشريفة مما خطب بها في أواخر عمره
الشريف وذلك بعد ما انقضي وقعة صفين واستولى معاوية على البلاد وأكثر القتل
والغارة في الأطراف وأمر سفيان بن عوف الغامدي بالمسير إلى الأنبار وقتل أهلها
وتفصيله هو ما رواه الشارح المعتزلي من كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي
عن أبي الكنود قال: حدثني سفيان بن عوف الغامدي (الحديث)) وقال أيضا
(ص 421): (قد أشرنا سابقا إلى أن هذه الخطبة من خطبة المشهورة وأنها مما
رواها جماعة من العامة والخاصة، ولما كانت رواية الصدوق (ره) مخالفة لرواية السيد
- رضي الله عنه - في بعض فقراتها أحببنا إيرادها بسند الصدوق أيضا ازديادا للبصيرة
فأقول: روى في البحار والوسائل من كتاب معاني الأخبار للصدوق (ره) عن محمد بن
إبراهيم بن إسحاق الطالقاني عن عبد العزيز بن يحيى الجلودي عن هشام بن علي
ومحمد بن زكريا الجوهري عن ابن عائشة بإسناد ذكره أن عليا عليه السلام انتهى إليه
820

أن خيلا لمعاوية ورد الأنبار (الحديث)).
أقول: لما كان الاختلاف في كلمات الخطبة وفقراتها في الكتب المشار إليها
كثيرا بحيث لا يسع المقام استقصاءه والإشارة إلى جميعها اكتفينا بذكر بعضها، وأيضا
لم نتعرض لتفسير الكلمات المشكلة والفقرات المحتاجة إلى البيان اكتفاءا بما في الشروح
المشار إليها من شرحها بما لا مزيد عليه فمن أراد فليراجع، وأما موارد نقل الرواية ففي
الكافي (أنظر أوائل كتاب الجهاد ج 3 مرآة العقول ص 366 - 367) وفي معاني الأخبار
(أنظر ص 89 من الطبعة الأولى سنة 1310 بطهران أو ص 309 - 312 من طبعة مكتبة
الصدوق سنة 1379) وفي الوسائل وقد نقله عن الكافي والفقيه والتهذيب (ص 416
من ج 2 من طبعة أمير بهادر) أما البحار فقد أشرنا إلى موارد نقل الخطبة فيه إلا
مورد نقلها عن معاني الأخبار فهو في المجلد الثامن في باب سائر ما جرى من غارات -
أصحاب معاوية (ص 699 - 700).
التعليقة 55
ص 500
توضيح حول كلمة (الموالي)
قال العالم البصير والناقد الخبير الحاج الشيخ عباس القمي (ره) في
سفينة البحار في (و ل ى) (ج 2، ص 692): (بيان مدح الموالي أي الأعاجم
وأنهم المراد من قوله تعالى. وأن تتولوا [يا معشر العرب] يستبدل قوما غيركم يعني
الموالي وأنهم خيرا منهم، معاني الأخبار عن ماجيلويه بالإسناد قال: قال رجل
لأبي عبد الله عليه السلام: أن الناس يقولون: من لم يكن عربيا صلبا أو مولى
صريحا فهو سفلي فقال: وأي شئ المولى الصريح؟ - فقال له الرجل: من ملك
أبواه، قال: ولم قالوا هذا؟ - قال: لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مولى القوم من أنفسهم،
فقال: سبحان الله..! أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أنا مولى من لا مولى له،
أنا مولى كل مسلم عربيها وعجميها، فمن والى رسول الله صلى الله عليه وآله أليس يكون
821

من نفس رسول الله؟! ثم قال: أيهما أشرف؟ من كان من نفس رسول الله صلى الله عليه وآله أو
من كان من نفس أعرابي حلف بائل على عقبيه؟ ثم قال: من دخل في الإسلام رغبة
خير ممن دخل رهبة ودخل المنافقون رهبة والموالي دخلوا رغبة، وعن علي بن
جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: إنما شيعتنا المعادن والأشراف
وأهل البيوتات ومن مولده طيب قال علي بن جعفر: فسألته عن تفسير ذلك فقال:
المعادن من قريش، والأشراف من العرب، وأهل البيوتات من الموالي، ومن مولده
طيب من أهل السواد، قال المجلسي (ره): بيان - أهل السواد أهل العراق لأن
أصلهم كانوا من العجم ثم اختلط العرب بهم بعد بناء الكوفة فلا يعدون من العرب
ولا من العجم. وعن تفسير العياشي عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
عن هذه الآية: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على
الكافرين؟ قال عليه السلام: الموالي، وقال المجلسي (ره): الموالي العجم ففي كتاب الغارات
عن عباد بن عبد الله الأسدي (فنقل الحديث مع بيان المجلسي (ره) الذي
قدمنا نقله)).
أقول: ما نقله (ره) موجود في الجزء الأول من المجلد الخامس عشر من -
البحار في باب أصناف الناس في الإيمان (ص 45 - 48). وفيه زيادات تدل على
ما ذكره فراجع إن شئت.
قال الفضل بن شاذان تغمده الله بغفرانه وألبسه حلل رحمته ورضوانه في كتاب
الايضاح مخاطبا لإخوانه من المسلمين من أهل السنة والجماعة ما نصه (ص 280 - 286):
(ثم رويتم على عمر أنه نهى أن يتزوج العجم في العرب وقال: لأمنعن
فروجهن إلا من الأكفاء، وقد زوج رسول الله صلى الله عليه وآله العربيات من الموالي وقد
قال الله تبارك وتعالى: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل
لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب
من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن
يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين فكل ما أحله الله وأمر به
822

فهو من الإيمان، فرويتم على عمر أنه نهى عما أحله الله وقد قال الله تعالى: حرمت
عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخوانكم وعماتكم (إلى قوله) وأحل لكم ما وراء
ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين، فأحل الله ما وراء ذلك مما سماه
أنه حرمة فاعترضتم أمره فنهيتم الناس عما أحل الله ثم نسبتموه إلى عمر فقلتم:
هي سنة عمر وما سنه عمر فهو حق وإن خالف قول الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله
فصرتم تفرقون بين العرب والموالي بلا كتاب وسنة، وقلتم: إن عمر قال: تزوجوا
فيهم ولا تزوجوهم، فصيرتم الموالي بمنزلة أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين
يحل لنا أن نتزوج فيهم ولا يتهيأ لنا أن نزوجهم، ونسبتم ذلك إلى عمر فأي وقيعة
أشد من وقيعتكم على عمر وما تروون عليه؟!).
قال المفيد (ره) في الاختصاص (ص 341 من طبعة مكتبة الصدوق):
(بلغنا أن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله
ذات يوم فعظموه وقد موه وصدروه إجلالا لحقه وإعظاما لشيبته واختصاصه
بالمصطفى صلى الله عليه وآله فدخل عمر فنظر إليه فقال: من هذا العجمي المتصدر فيما بين العرب؟!
فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فخطب فقال: إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا
مثل أسنان المشط لا فضل للعربي على العجمي ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى،
سلمان بحر لا ينزف وكنز لا ينفد، سلمان منا أهل البيت، سلسال يمنح الحكمة
ويؤتى البرهان).
قال الكليني (ره) في الكافي في آخر باب النوادر من كتاب المعيشة
(ج 3 مرآة العقول، ص 441):
(أحمد بن محمد العاصمي عن محمد بن أحمد النهدي عن محمد بن علي عن شريف بن
سابق عن الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتت الموالي أمير المؤمنين عليه السلام
فقالوا: تشكو إليك هؤلاء العرب أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعطينا معهم العطايا بالسوية،
وزوج سلمان وبلالا وصهيبا وأبوا علينا هؤلاء، وقالوا: لا نفعل، فذهب إليهم
أمير المؤمنين عليه السلام فكلمهم فيهم، فصاح الأعاريب: أبينا ذلك يا أبا الحسن أبينا
ذلك، فخرج وهو مغضب يجر رداءه وهو يقول: يا معشر الموالي إن هؤلاء قد
823

صيروكم بمنزلة اليهود والنصارى، يتزوجون إليكم ولا يزوجونكم، ولا يعطونكم
مثل ما يأخذون، فاتجروا بارك الله لكم فإني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
الرزق عشرة أجزاء تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها).
نقله المجلسي (ره) في تاسع البحار في باب أحوال سائر أصحابه (ص 638
من طبعة أمين الضرب) ولم يورد له بيانا لكنه قال في مرآة العقول في شرح الحديث
ما نصه: (وقال المطرزي في المغرب: إن الموالي بمعنى العتقاء لما كانت غير عرب
في الأكثر غلبت على العجم حتى قالوا: الموالي أكفاء بعضها لبعض والعرب أكفاء
بعضها لبعض، وقال عبد الملك في الحسن البصري: أمولى هو أم عربي؟ فاستعملوهما
استعمال الاسمين المتقابلين (انتهى).
وقال سليم بن قيس الهلالي في كتابه ضمن كتاب كتبه معاوية إلى
زياد بن سمية ما نصه (ص 102 - 104 من طبعة النجف):
(وانظر إلى الموالي ومن أسلم من الأعاجم فخذهم بسنة عمر بن الخطاب
فإن في ذلك خزيهم وذلهم، أن تنكح العرب فيهم ولا ينكحونهم، وأن ترثهم العرب
ولا يرثونهم، وأن تقصر بهم في عطائهم وأرزاقهم، وأن يقدموا في المغازي يصلحون
الطريق ويقطعون الشجر، ولا يؤم أحد منهم العرب في صلاة، ولا يتقدم أحد
منهم في الصف الأول إذا حضرت العرب إلا أن يتموا الصف، ولا تول أحدا
منهم ثغرا من ثغور المسلمين ولا مصرا من أمصارهم، ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين
ولا أحكامهم فإن هذه سنة عمر فيهم وسيرته - جزاه الله عن أمة محمد وعن بني أمية
خاصة أفضل الجزاء - (إلى أن قال) فإذا جاءك كتابي هذا فأذل العجم وأهنهم،
وأقصهم، ولا تستعن بأحد منهم، ولا تقض لهم حاجة (إلى آخر ما قال)).
ونقله المجلسي (ره) في ثامن البحار في باب نوادر الاحتجاج على معاوية
(ص 580 - 581). ونقل المحدث النوري (ره) في كتاب نفس الرحمن في أحوال
سلمان بعض هذه الأحاديث مع أحاديث كثيرة أخرى في فضائل العجم وإنما همنا
ههنا شرح قول المصنف (ره): (قال مغيرة: كان علي عليه السلام أميل إلى الموالي
824

وألطف بهم، وكان عمر أشد تباعدا منهم) لا ذكر فضائل العجم وإلا لذكرنا
شيئا كثيرا.
قال المجلسي (ره) في المجلد الحادي عشر من البحار في باب تاريخ أحوال
سيد الساجدين علي بن الحسين عليهما السلام (ص 6، س 5):
د - [أي العدد القوية لدفع المخاوف اليومية للشيخ الفقيه رضي الدين
علي بن يوسف بن المطهر الحلي (ره)] قال أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري
ليس التاريخي:
لما ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بن الخطاب بيع النساء وأن يجعل
الرجال عبيدا، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أكرموا كريم
كل قوم، فقال عمر: قد سمعته يقول: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وإن خالفكم،
فقال له أمير المؤمنين: هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلام ورغبوا في الإسلام ولا بد
أن يكون لهم فيهم ذرية وأنا أشهد الله وأشهدكم أني قد أعتقت نصيبي منهم
لوجه الله تعالى، فقال جميع بني هاشم: قد وهبنا حقنا أيضا لك، فقال: اللهم اشهد
أني قد أعتقت ما وهبوا لي لوجه الله، فقال المهاجرون والأنصار: وقد وهبنا حقنا
لك يا أخا رسول الله، فقال: اللهم اشهد أنهم قد وهبوا لي حقهم وقبلته، وأشهدك أني
قد أعتقتهم لوجهك، فقال عمر: لم نقضت علي عزمي في الأعاجم وما الذي رغبك عن رأيي
فيهم؟ - فأعاد عليه ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله في إكرام الكرماء، فقال عمر: قد وهبت لله
ولك يا أبا الحسن ما يخصني وسائر ما لم يوهب لك، فقال أمير المؤمنين: اللهم اشهد
على ما قالوه وعلى عتقي إياهم، فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء فقال
أمير المؤمنين: هن لا يكرهن على ذلك ولكن يخيرن، ما اخترنه عمل به، فأشار
جماعة إلى شهربانويه بنت كسرى فخيرت وخوطبت من وراء الحجاب والجمع حضور
فقيل لها: من تختارين من خطابك؟ وهل أنت ممن تريدين بعلا؟ - فسكتت،
فقال أمير المؤمنين: قد أرادت وبقي الاختيار، فقال عمر: وما علمك بإرادتها البعل؟ -
فقال أمير المؤمنين: إن رسول الله كان إذا أتته كريمة قوم لا ولي لها وقد خطبت
825

يأمر أن يقال لها: أنت راضية بالبعل؟ فإن استحيت وسكتت جعلت أذنها صماتها
وأمر بتزويجها، وإن قالت: لا، لم يكره على ما تختاره، وإن شهربانويه أريت
الخطاب فأومأت بيدها واختارت الحسين بن علي عليهما السلام، فأعيد القول عليها في التخيير
فأشارت بيدها وقالت: هذا، إن كنت مخيرة، وجعلت أمير المؤمنين وليها وتكلم
حذيفة بالخطبة، فقال أمير المؤمنين: ما اسمك؟ - فقالت: شاه زنان بنت كسرى،
قال أمير المؤمنين: أنت شهربانويه وأختك مرواريد بنت كسرى؟ - قالت:
آريه (1)).
وقال (ره) أيضا في المجلد الحادي والعشرين من البحار في باب كيفية
قسمة الغنائم (ص 107، س 3):
(ومحمد بن جرير الطبري غير التاريخي قال: لما ورد سبي الفرس (الحديث)).
وقال المحدث النوري (ره) في مستدرك الوسائل في باب أنه يكفي في
استئذان البكر سكوتها من كتاب النكاح (ج 2، ص 563) ما نصه.
البحار نقلا عن العدد القوية لأخي العلامة عن محمد بن جرير الطبري
الشيعي قال: لما ورد سبي الفرس إلى المدينة (الحديث)).
أقول: الحديث موجود في دلائل الإمامة لمحمد بن جرير بن رستم الطبري (ره)
في أحوال أبي محمد علي بن الحسين عليهما السلام تحت عنوان (خبر أمه والسبب في تزويجها)
بهذا السند (ص 81 - 82 من طبعة النجف):
(أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون قال: حدثني أبي قال: حدثني أبو الحسين
محمد بن أحمد بن محمد بن مخزوم المقرئ مولى بني هاشم قال: حدثنا عبيد بن كثير بن
عبد الواحد العامري التمار بالكوفة قال: حدثنا يحيى بن الحسن بن فرات قال:
حدثنا عمرو بن أبي المقدام عن سلمة بن كهيل عن المسيب بن نجبة قال: لما ورد سبي
الفرس (فذكر الحديث إلا أن فيه زيادات منها بعد قوله (وأن يجعل الرجال
عبيدا) هذه العبارة: (للعرب وأن يرسم عليهم أن يحملوا العليل والضعيف

1 - كلمة فارسية بمعنى (نعم) وأضيفت الهاء في آخرها للتعريب.
826

والشيخ الكبير في الطواف على ظهورهم حول الكعبة) ومنها في آخر الحديث بعد
قوله: (وقال علي لها: ما اسمك؟ قالت: شاه زنان) هذه العبارة: (فقال: نه، شاه زنان نيست
مگر دختر محمد، وهي سيده النساء وأنت شهربانويه) وخيرات أختها مرواريد، فاختارت
الحسن بن علي).
وقال ابن ابن شهرآشوب في المناقب في باب إمامة أبي عبد الله الحسين (ع)
(الجزء الرابع من طبعة بمبئي، ص 67):
(لما ورد بسبي الفرس إلى المدينة أراد عمر أن يبيع النساء وأن يجعل الرجال
عبيد العرب وعزم على أن يحمل العليل والضعيف والشيخ الكبير في الطواف وحول
البيت على ظهورهم (الحديث قريبا مما في دلائل الإمامة)).
ونقله المجلسي (ره) في المجلد العاشر من البحار في باب عدد وأولاد الحسين
ابن علي عليهما السلام (ص 277).
قال المفيد (ره) في مجالسه (ص 95 من طبعة النجف سنة 1351):
(حدثني أبو الحسن علي بن بلال المهلبي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن
راشد الإصفهاني قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي قال: حدثنا علي بن عبد الله بن
عثمان قال: حدثني علي بن سيف عن علي بن أبي حباب عن ربيعة وعمارة وغيرهما
أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مشوا إليه عند تفرق
الناس عنه وفرار كثير منهم إلى معاوية طلبا لما في يديه من الدنيا فقالوا له: يا
أمير المؤمنين أعط هذه الأموال وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي
والعجم ومن يخاف خلافه عليك من الناس وفراره إلى معاوية فقال لهم أمير المؤمنين
عليه السلام: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟! لا والله لا أفعل ما طلعت شمس
ولاح في السماء نجم (الحديث)).
وقال الطبري في المسترشد (ص 142 من طبعة النجف):
(ومما نقموا عليه [أي على عمر] ما أحدث في الفروج وقوله: لا امتعن
فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء فمضت السنة بذلك إلى اليوم وجرى الحكم
827

بالحكمية والعصبية، والكتاب ينطق بخلاف ذلك والسنة جاءت بإجماع الأمة على
أن رسول الله عمل في ذلك بخلاف ما عمله الثاني وسنه).
وفي كتاب الاستغاثة (ص 53 - 54 من طبعة النجف):
(ومن بدعه (أي عمر) في النكاح أن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل المسلمين أكفاءا
بعضهم لبعض في النكاح من غير أن يميز في ذلك قرشيا ولا عربيا ولا عجميا ولا
مولى وقال فيما نقل عنه بإجماع: من جاءكم خاطبا ترضون دينه وأمانته فزوجوه،
إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، وقال في حجة الوداع: المؤمنون
إخوة تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد واحدة على من سواهم، وقوله
هذا صلى الله عليه وآله وسلم موافق لقول الله تعالى: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم،
ولم يميز الله ورسوله (ص) بين المؤمنين في حال من الأحوال بوجه من الوجوه وسبب
من الأسباب فميزهم عمر فأطلق تزويج قريش في سائر العرب والعجم، وتزويج العرب
في سائر العجم، ومنع العرب من التزويج في قريش، ومنع العجم من التزويج
في العرب، فأنزل العرب في قريش منزلة اليهود والنصارى، وأنزل العجم في سائر العرب
كذلك إذ أطلق الله تعالى للمسلمين التزويج في أهل الكتاب ولم يطلق تزويج أهل
الكتاب في المسلمين وقد زوج رسول الله صلى الله عليه وآله ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب
من المقداد بن الأسود الكندي وكان مولى لبني كندة ثم قال صلى الله عليه وآله: أتعلمون
لم زوجت ضباعة بنت عمي من المقداد؟ - قالوا: لا، قال صلى الله عليه وآله: ليتضع النكاح فيناله
كل مسلم ولتعلموا أن أكرمكم عند الله أتقاكم، فمن يرغب بعد هذا عن فعل الرسول
فقد رغب عن سنة الرسول، وقال صلى الله عليه وآله: من رغب عن سنتي فليس مني. وقيل
لأمير المؤمنين عليه السلام: أيجوز تزويج الموالي بالعربيات؟ - فقال: تتكافأ دماؤكم
ولا تتكافأ فروجكم.؟!).
وقال المجلسي (ره) في ثامن البحار (ص 302 من طبعة أمين الضرب):
(روي أن عمر أطلق تزويج قريش في سائر العرب والعجم، وتزويج العرب
في سائر العجم، ومنع العرب من التزويج في قريش، ومنع العجم من التزويج في العرب،
828

فأنزل العرب مع قريش والعجم مع العرب منزلة اليهود والنصارى، إذ أطلق تعالى
التزويج في أهل الكتاب (فساق الكلام نحو ما نقلناه من الاستغاثة حرفا بحرف)).
وقال المبرد في الكامل (ص 53 من الجزء الثاني المطبوعة بمصر سنة
1339 و ص 116 - 117 من ج 2 من تهذيب الكامل للسباعي بيومي):
(وتزعم الرواة أن ما أنفت منه جلة الموالي هذا البيت يعني قول جرير:
(بيعوا الموالي واستحيوا من العرب) لأنه حطهم ووضعهم ورأى أن الإساءة إليهم
غير محسوبة عيبا، ومثل ذلك قول المنتجع لرجل من الأشراف: ما علمت ولدك؟ -
قال: الفرائض، قال: ذلك علم الموالي لا أبا لك علمهم الرجز فإنه يهرث أشداقهم،
ومن ذلك قول الشعبي ومر بقوم من الموالي يتذاكرون النحو فقال: لئن أصلحتموه
إنكم لأول من أفسده، ومن ذلك قول عنترة:
فما وجدونا بالفروق أشابة * ولا كشفا ولا دعينا مواليا
ومن ذلك قول الآخر:
يسموننا الأعراب والعرب اسمنا * وأسماؤهم فينا رقاب المزاود
يريد: أسماؤهم عندنا الحمراء، وقول العرب: ما يخفى ذلك على الأسود
والأحمر يريد العربي والعجمي، وقال المختار لإبراهيم بن الأشتر يوم خازر وهو
اليوم الذي قتل فيه عبيد الله بن زياد: أن عامة جندك هؤلاء الحمراء وأن الحرب
إن ضرستهم هربوا، فاحمل العرب على متون الخيل، وأرجل الحمراء أمامهم.
ومن ذلك قول الأشعث بن قيس لعلي بن أبي طالب رحمه الله وأتاه يتخطى
رقاب الناس وعلي على المنبر فقال: يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على قربك،
قال: فركض علي المنبر برجله فقال صعصعة بن صوحان العبدي: ما لنا ولهذا يعني
الأشعث ليقولن أمير المؤمنين اليوم في العرب قولا لا يزال يذكر، فقال علي: من
يعذرني من هذه الضياطرة يتمرغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمار، ويهجر قوم
للذكر، فيأمرني أن أطردهم، ما كنت لأطردهم فأكون من الجاهلين، والذي فلق
الحبة وبرأ النسمة ليضربنكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا.
829

قوله: الضياطرة واحدهم ضيطر وضيطار وهو الأحمر العضل الفاحش قال
خداش بن زهير:
وتركب خيل لا هوادة بينها * وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر)
أقول: مما يقضى منه العجب أن المبرد جعل الضياطرة في كلام أمير المؤمنين
عليه السلام صفة للموالي والحال أن سياق كلامه عليه السلام يأباه لظهوره بل صراحته
في أنه عليه السلام جعلها صفة للعرب الشاكين له عليه السلام من الموالي، ويدل عليه أيضا
صدر الكلام وهو قول صعصعة: (ليقولن اليوم في العرب) وذيله وهو (ليضربنكم
(إلى آخره)).
وأعجب من ذلك عدم تفطن سيد بن علي المرصفي بهذا الاشتباه في
شرحه الموسوم ب‍ (رغبة الآمل من كتاب الكامل) فليتدبر أهل النظر فيه
كما هو حقه وليقض فيه بما أدى إليه نظره الصائب الخالي عن الأغراض.
قال المرصفي في شرحه المذكور (ج 4، ص 194):
قوله: (يريد: أسماؤهم عندنا الحمراء) على سبيل الكناية والعرب تلقب
الموالي وسائر العجم من الفرس والروم ومن صاقبهم بالحمراء لغلبة البياض على ألوانهم،
والمزاود جمع المزادة وهي الظرف الذي يحمل فيه الماء يفأم بجلد ثالث بين الجلدين
ليتسع سميت بذلك لمكان الزيادة، وعن أبي منصور: المزادة مفعلة من الزاد
يتزود فيها الماء) وفي الصحاح ولسان العرب: (والعرب تلقب العجم برقاب
المزاود لأنهم حمر) وفي أساس البلاغة: (ومن أنتم يا رقاب المزاود؟! يا عجم
لحمرتهم وأنشد الأصمعي:
يسموننا الأعراب والعرب اسمنا * وأسماؤهم فينا رقاب المزاود)
وفي تاج العروس: (ومن المجاز قولهم: من أنتم يا رقاب المزاود أي
يا عجم، والعرب تلقب العجم برقاب المزاود لأنهم حمر) وفي محيط المحيط:
(والعرب تسمي العجم رقاب المزاود لأنهم حمر الألوان).
أقول: لا يسع المقام البحث عن هذا الموضوع أكثر من ذلك فإن علماء -
830

الإسلام - جزاهم الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء - قد خاضوا في تنقيح هذا المبحث
في مواضعه من كتب اللغة والكلام والفقه وغيرها وإنما أشرنا إلى قليل من كثير.
التعليقة 56
(ص 504)
يزيد بن شجرة الرهاوي
4 - قال ابن الأثير في الكامل بعد ذكره قصة مسير يزيد بن شجرة إلى مكة:
(الرهاوي منسوب إلى الرهاء قبيلة من العرب وقد ضبطه عبد الغني بن سعيد
بفتح الراء قبيلة مشهورة، وأما المدينة فبضم الراء).
أقول: هذا على خلاف المشهور فقال الجوهري: (رهاء بالضم حي من
مذحج، والرهاوي منسوب إليه).
وقال ياقوت في معجم البلدان: (الرهاء بضم أوله والمد والقصر مدينة
بالجزيرة بين الموصل والشام بينهما ستة فراسخ سميت باسم الذي استحدثها وهو
الرهاء بن البلندي بن مالك بن دعر (إلى أن قال) والنسبة إليها رهاوي وكذلك
النسبة إلى رهاء قبيلة من مذحج).
وقال ابن منظور في لسان العرب: (والرها بلد بالجزيرة ينسب إليه
ورق المصاحف والنسبة إليها رهاوي، وبنور هاء بالضم قبيلة من مذحج، والنسبة
إليهم رهاوي).
وقال ابن دريد في الاشتقاق ص 405: (ومن قبائل مذحج بنو رهاء ممدود
بطن وهو فعال من قولهم: عيش رآه أي ناعم ساكن ويقولون: أره على نفسك أي:
إرفق بها).
وقال ابن الأثير في اللباب: (الرهاوي بفتح الراء والهاء وبعد الألف واو،
هذه النسبة إلى رهاء وهو بطن من مذحج ينسب إليه جماعة من الصحابة وغيرهم
831

(إلى آخر ما قال)) وقال أيضا: (الرهاوي بضم الراء وفتح الهاء وفي آخرها
واو، هذه النسبة إلى الرها وهي مدينة من بلاد الجزيرة ينسب إليها كثير من
العلماء (فخاض في سرد أسمائهم)).
وقال الفيروزآبادي: (ورهاء كسماء حي من مذحج منهم مالك بن مرارة،
ويزيد بن شجرة الصحابيان وعميرة بن عبد المؤمن الرهاويون وكهدى بلد منه يزيد
ابن أبي أنيسة ويزيد بن سنان والحافظ عبد القادر الرهاويون).
وقال الزبيدي في تاج العروس في شرح عبارة القاموس: (قال الحافظ: قرأت بخط الإمام رضي الدين الشاطبي على حاشية كتاب
ابن السمعاني في ترجمه الرهاوي بالفتح: قيده جماعة بالضم ولم أر أحدا ذكره بالفتح
إلا عبد الغني بن سعيد، قلت: وقد انفرد به وإياه تبع المصنف ولم أر أحدا من أئمة
اللغة تابعه فإن الجوهري ضبطه بالضم وكذلك ابن دريد والكلبي وغيرهم ثم اختلف
في نسبه فقيل: هو الرهاء بن منبه بن حرب بن عبد الله بن خالد بن مالك ومالك جماع
مذحج وقيل: هو رهاء بن يزيد بن حرب بن عبد الله، وهذا قول ابن الأثير يجتمع
مع النخع في خالد (إلى آخر ما قال)).
قال ابن حجر في الإصابة: (يزيد بن شجرة بن أبي شجرة الرهاوي مختلف
في صحبته (إلى أن قال): وكان من رها وكان معاوية يستعمله على الجيوش (إلى أن
قال) وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الشام مع بعض الصحابة وقال:
مات سنة ثمان وخمسين في أواخر خلافة معاوية وفيها أرخه الواقدي وأبو عبيد
وخليفة وقال: كان معاوية أمره على مكة سنة تسع وثلاثين فنازع قثم بن العباس
وكان عليها من قبل على فسفر بينهما أبو سعيد فاصطلحا على أن شيبة الحجبي يقيم
للناس الحج تلك السنة، وذكر المفضل العلائي نحوه).
832

التعليقة 57
(ص 517)
غدرة المغيرة بن شعبة وفجرته
قال الطبري في تاريخه عند ذكره حوادث السنة السادسة من الهجرة
في قصة عمرة النبي صلى الله عليه وآله التي صده المشركون فيها عن البيت وهي قصة الحديبية
(ج 1، ص 1537 من طبعة أوربا) ضمن كلام جرى بين المغيرة بن شعبة وعروة بن مسعود
بن معتب ما نصه: (فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ - قالوا: المغيرة بن شعبة قال:
أي غدر ألست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة بن شعبة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم
وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال
فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه (إلى آخر ما قال)).
وذكر ابن الأثير في كامل التواريخ هذه القصة هكذا (ج 2، ص 76):
(فقال [أي عروة]: من هذا؟ - قال النبي صلى الله عليه وآله: هذا ابن أخيك المغيرة
فقال: أي غدر وهل غسلت سوأتك بالأمس؟ وكان المغيرة قد قتل ثلاثة عشر رجلا من
بني مالك وهرب فتهايج الحيان بنو مالك رهط المقتولين والأحلاف رهط المغيرة،
فودى عروة للمقتولين ثلاث عشر دية وأصلح ذلك الأمر (إلى آخر ما قال)).
وقال ابن هشام في السيرة عند ذكره أمر الحديبية (ج 2، من طبعة مصر سنة
1375 ه‍ ق، ص 313) مشيرا إلى القصة:
(فقال له عروة: من هذا يا محمد؟ - قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قال: أي
غدر وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس؟ قال ابن هشام: أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة
بن شعبة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف فتهايج الحيان من
ثقيف بنو مالك رهط المقتولين والأحلاف رهط المغيرة فودى عروة المقتولين ثلاث
عشرة دية وأصلح ذلك الأمر).
وقال المجلسي (ره) في سادس البحار عند ذكره غزوة الحديبية في ذيل
رواية نقلها عن الكافي وفيها (ص 565، س 14): (فقال: اسكت حتى تأخذ [خ ل:
833

حتى نأخذ] من محمد ولثا فأرسلوا إليه عروة بن مسعود وقد كان جاء إلى قريش في القوم
الذين أصابهم المغيرة بن شعبة وكان خرج معهم من الطائف وكانوا تجارا فقتلهم وجاء
بأموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأبى رسول الله أن يقبلها وقال: هذا غدر ولا حاجة لنا فيه
(إلى أن قال) فقال: من هذا يا محمد؟ - فقال هذا ابن أخيك المغيرة فقال: يا غدر والله
ما جئت إلا في غسل سلحتك (الحديث)).
فقال المجلسي (ره) في بيانه للحديث: (الولث العهد بين القوم من غير
قصد أو يكون غير مؤكد. قوله: (وقد كان جاء) كانت هذه القصة على ما
ذكره الواقدي أنه ذهب المغيرة مع ثلاثة عشر رجلا من بني مالك إلى مقوقس
سلطان الإسكندرية وفضل مقوقس بني مالك على المغيرة في العطاء فلما رجعوا وكانوا
في الطريق شرب بنو مالك ذات ليلة خمرا وسكروا فقتلهم المغيرة حسدا وأخذ أموالهم
وأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم، فقبل صلى الله عليه وآله إسلامه ولم يقبل من ماله شيئا ولم يأخذ منه
الخمس لغدره (إلى أن قال) قوله: إلا في غسل سلحتك قال في المغرب: السلح التغوط).
أقول: نص عبارة الواقدي في كتابه المغازي تحت عنوان (غزوة الحديبية)
(ج 2، ص 595) هكذا:
(فلما أكثر عليه غضب عروة فقال: ليت شعري من أنت، يا محمد من هذا الذي
أرى من بين أصحابك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قال:
وأنت بذلك يا غدر؟ والله ما غسلت عنك عذرتك إلا بعلابط أمس لقد أورثتنا العداوة
من ثقيف إلى آخر الدهر، يا محمد أتدري كيف صنع هذا؟ إنه خرج في ركب من
قومه فلما كانوا بيننا (1) وناموا فطرقهم فقتلهم وأخذ حرائبهم وفر منهم، وكان المغيرة
خرج مع نفر من بني مالك بن حطيط بن جشم بن قسي والمغيرة أحد الأحلام ومع
المغيرة حليفان له يقال لأحدهما: دمون رجل من كندة والآخر الشريد وإنما كان
اسمه عمرو فلما صنع المغيرة بأصحابه ما صنع شرده فسمي الشريد، وخرجوا إلى
المقوقس صاحب الإسكندرية فجاء بني مالك وآثرهم على المغيرة فأقبلوا راجعين

1 - كذا في الأصل لكن الكلمة محرفة عن (بيسان) وهي اسم موضع كما يأتي.
834

حتى إذا كانوا ببيسان (1) شربوا خمرا فكف المغيرة عن بعض الشراب وأمسك نفسه وشربت
بنو مالك حتى سكروا، فوثب عليهم المغيرة فقتلهم وكانوا ثلاثة عشر رجلا، فلما
قتلهم ونظر إليهم دمون تغيب عنهم وظن أن المغيرة إنما حمله على قتلهم السكر
فجعل المغيرة يطلب دمون ويصيح به فلم يأت ويقلب القتلى فلا يراه فبكى، فلما رأى
ذلك دمون خرج إليه فقال المغيرة: ما غيبك؟ - قال: خشيت أن تقتلني أن تقتلني كما قتلت
القوم، فقال المغيرة: إنما قتلت بني مالك بما صنع بهم المقوقس، قال: وأخذ المغيرة
أمتعتهم وأموالهم ولحق بالنبي صلى الله عليه وآله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا أخمسه، هذا غدر،
وذلك حين أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبرهم، وأسلم المغيرة، وأقبل الشريد فقدم مكة فأخبر
أبا سفيان بن حرب بما صنع المغيرة ببني مالك فبعث أبو سفيان معاوية بن أبي سفيان
إلى عروة بن مسعود يخبره الخبر.
(وهو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب)
فقال معاوية: خرجت حتى إذا كنت بنعمان (2) قلت في نفسي: أين أسلك،
ذا عفار (3) فهي أبعد وأسهل، وإن سلكت ذا العلق (4) فهي أغلظ وأقرب، فسلكت
ذا عفار فطرقت عروة بن مسعود بن عمرو المالكي، فوالله ما كلمته منذ عشر سنين
والليلة أكلمه.
قال: فخرجنا إلى مسعود فناداه عروة فقال: من هذا؟ - فقال: عروة، فأقبل

1 - في معجم البلدان: (بيسان بالفتح ثم السكون وسين مهملة ونون (إلى
أن قال) وبيسان أيضا موضع معروف بأرض اليمامة (إلى آخر ما قال)).
2 - في معجم البلدان: (نعمان بالفتح ثم السكون وآخره نون واد يصب إلى
ودان بلد غزاه النبي (ص) وهو بين مكة والطائف، وقيل: واد لهذيل على ليلتين من عرفات
... وقال الأصمعي: نعمان واد يسكنه بنو عمرو بن الحارث بن تميم (إلى آخر ما قال)).
3 - في معجم البلدان: (عفار بالفتح وآخره راء موضع بين مكة والطائف
(إلى آخر ما قال) وأما (ذا عفار) فلم أجده مذكورا في معجم البلدان، وأما غيره فلم أراجعه.
4 - في معجم البلدان: (علق بالتحريك وآخره قاف وذو علق جبل معروف
في أعلاه هضبة سوداء (إلى آخر ما قال)).
835

مسعود إلينا وهو يقول: أطرقت عراهيه (1) أم طرقت بداهية؟ بل طرقت بداهية،
أقتل ركبهم ركبنا أم قتل ركبنا ركبهم؟ لو قتل ركبنا ركبهم ما طرقني عروة بن مسعود
،
فقال عروة: أصبت، قتل ركبي ركبك، يا مسعود انظر ما أنت فاعل؟ - فقال مسعود: إني عالم
بحدة بني مالك وسرعتهم إلى الحرب فهبني صمتا قال: فانصرفنا عنه فلما أصبح غدا مسعود
فقال: بني مالك إنه قد كان أمر المغيرة بن شعبة أنه قتل إخوانكم بني مالك
فأطيعوني وخذوا الدية، اقبلوا من بني عمكم وقومكم، قالوا: لا يكون ذلك
أبدا والله لا تقرك الأحلاف أبدا حين تقبلها قال: أطيعوني واقبلوا ما قلت لكم
فوالله لكأني بكنانة بن عبد ياليل قد أقبل تضرب درعه روحتي رجليه لا يعانق رجلا
إلا صرعه (إلى أن قال) فبرز مسعود بن عمرو فقال: يا عروة بن مسعود أخرج
إلي، فخرج إليه، فلما التقا بين الصفين قال: عليك ثلاث عشرة دية فإن المغيرة
قد قتل ثلاثة عشر رجلا فاحمل بدياتهم، قال عروة: حملت بها، هي علي قال: فاصطلح
الناس، قال الأعشى أخو بني بكر بن وائل:
تحمل عروة الأحلاف لما * رأى أمرا تضيق به الصدور
ثلاث مئين عادية وألفا * كذلك يفعل الجلد الصبور

1 - قال ابن الأثير في النهاية: (س) في حديث عروة بن مسعود قال: والله
ما كلمت مسعود بن عمرو منذ عشر سنين والليلة أكلمه..! فخرج فناداه فقال: من هذا؟ -
فقال: عروة، فأقبل مسعود وهو يقول: أطرقت عراهيه أم طرقت بداهية؟
قال الخطابي: هذا حرف مشكل وقد كتبت فيه إلى الأزهري وكان من جوابه: أنه
لم يجده في كلام العرب والصواب عنده (عتاهية) وهي الغفلة والدهش، أي: أطرقت
غفلة بلا روية أو دهشا؟
قال الخطابي: وقد لاح لي في هذا شئ وهو أن تكون الكلمة مركبة من اسمين؟
ظاهر ومكنى وأبدل فيهما حرفا، وأصلها أما من العراء وهو وجه الأرض، وأما من العرا
مقصورا وهو الناحية كأنه قال: أطرقت عرائي أي فنائي زائرا وضيفا أم أصابتك داهية فجئت
مستغيثا؟ فالهاء الأولى من عراهية مبدلة من الهمزة، والثانية هاء السكت زيدت لبيان الحركة.
وقال الزمخشري: يحتمل أن تكون بالزاي مصدر عزه يعزه فهو عزه إذا لم يكن له أرب
في الطرق فيكون معناه: أطرقت بلا أرب وحاجة أم أصابتك داهية أحوجتك إلى الاستغاثة).
836

التعليقة 58
(ص 519)
رسالة
الدلائل البرهانية في تصحيح الحضرة الغروية
للعلامة (1)
جمال الدين أبي منصور الحسن بن المطهر الحلي
قدس الله تربته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مظهر الحق ومبديه، ومدحض الباطل ومدجيه (2)،
ومسدد الصواب ومسديه، ومشيد بنائه ومعليه، وصلواته على
سيدنا محمد المصطفى وعلى آله المقتفين هديه فيما يذر ويبديه.
أما بعد
فإني وقفت على كتاب (3) السيد النقيب الحسيب فريد عصره ووحيد دهره
غياث الملة والحق والدين أبي المظفر عبد الكريم بن أحمد بن طاووس الحسيني
قدس الله نفسه وطيب رمسه المتضمن للأدلة القاطعة على موضع مضجع (4) مولانا
أمير المؤمنين علي بن أبي (1) طالب عليه السلام فاخترت منه معظمه بحذف أسانيده ومكرراته

1 - أنظر الذريعة ج 8: ص 248 - 249.
2 - كذا في النسخ المطبوعة من فرحة الغري لكن في الأصل: (مزجية) بالزاي المعجمة
وفي نسخ مخطوطة عندي من الفرحة: (مرجية) بالراء المهملة.
3 - يريد به (فرحة الغري بصرحة القرى) وقد طبع ثلاث مرات في إيران والعراق.
4 - كذا في الأصل وفي جميع ما رأيته من نسخ فرحة الغري، ولو قيل: (على موضع
قبره) أو (على موضع دفنه) أو (على مضجعه) من دون إضافة (موضع) إليه لكان أولى.
837

وسميته (الدلائل البرهانية في تصحيح الحضرة الغروية) على ساكنها الصلاة
والسلام، وقد رتبت الكتاب على مقدمتين وخمسة عشر بابا.
أما المقدمة الأولى
ففي الدليل على أنه عليه السلام في الغري حسب ما يوجبه النظر.
الذي يدل على ذلك إطباق المنتمين إلى ولاء أهل البيت عليهم السلام ويروون
ذلك خلفا عن سلف وهم ممن يستحيل حصرهم أو يتطرق عليهم المواطأة، وهذه قضية
التواتر المفيد للعلم، وأن ذلك ثبت عندهم حسب ما دلهم عليه الأئمة الطاهرون
الذين هم العمدة في الأحكام الشرعية والأمور الدينية، ومهما قال مخالفنا في هذه
المقالة من ثبوت معجزات النبي صلى الله عليه وآله وأنها معلومة فهو جوابنا في هذا الموضع
حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.
ولا يقال: لو كان الأمر كما تقولون لحصل العلم لنا كما حصل لكم.
لأنا نقول: لا خلاف بيننا وبينكم أنه عليه السلام دفن سرا وحينئذ أهل بيته
أعلم بسره من غيرهم، والتواتر الذي حصل لنا منهم ومما دلوا عليه وأشاروا ببنان -
البيان إليه، ولو كان الأمر كما يزعم مخالفنا لتطرق إليهم اللوم من وجه آخر
وذلك أنه إذا كان عنده أنه عليه السلام مدفون في قصر الإمارة، أو في رحبة مسجد الكوفة،
أو في البقيع، أو في كوخ زادوه (1) كان يتعين أن يزوره فيها أو في واحد منها، ومن
المعلوم أن هذه الأقاويل ليست لواحد فكان كل قائل بواحد منها يزوره من ذلك
الموضع كما يزور معروفا الكرخي والجنيد وسريا السقطي والشبلي، وأيضا
لا شك أن عترته وشيعته متفقون مجمعون على أن هذا الموضع قبره عليه السلام لا يرتابون
فيه أصلا، ويرون عنده آثارا تدل على صدق قولهم وهي كالحجة على المنكر.

1 - كذا في الأصل لكن في فرحة الغري من طبعة النجف: (بكرخ اروه) وفي طبعة
تبريز: (بكرخ زاروه) وفي ذيل طبعة النجف: (كذا بالأصل ولعله [بكرخ الراذان] أو
(بجوخ الراذان) كما يأتي في الكتاب) وسيأتي صورة أخرى للفظة نقلا عن المنتظم لابن الجوزي.
838

وأعجب الأشياء أنه لو وقف إنسان على قبر مجهول وقال: هذا قبر أبي رجع
فيه إليه، ويقول أهل بيته المعصومون: إن هذا قبر والدنا ولا يقبل منهم؟! ويكون
الأجانب الأباعد المناوون أعلم به؟! إن هذا من غريب القول، فأهله وأعيان خواصه أولى
بالمعرفة وأدرى وهو أوضح، والأئمة المعصومون عليهم السلام لو أشاروا إلى قبر أجنبي
لقلدوا فيه وكيف لا!؟ وهم الأئمة والأولاد فلهم أرجحية من جهتين.
وهذا القدر كاف فإن ما قل ودل أولى مما كثر فمل.
أما المقدمة الثانية
ففي السبب الموجب لإخفاء قبره عليه السلام.
قد تحقق وعلم ما كان قد جرى لأمير المؤمنين عليه السلام من الوقائع العظيمة
الموجبة للشحناء، والعداوة الشديدة والبغضاء، والحق مر وذلك في أيام النبي صلى الله عليه وآله
ومن حيث قتل عثمان يوم الغدير سنة خمس وثلاثين أولها الجمل وثانيها صفين
وثالثها النهروان وأدى ذلك إلى خروج أهل النهروان عليه وتدينهم بمحاربته
وبغضه وسبه وقتل من ينتمي إليه كما جرى لعبد الله بن خباب بن الأرت وزوجته
وهؤلاء يعلمونه تدينا حتى أنهم سبوا عثمان من جهة تغييره في السنين الست من ولايته
فاقتضى ذلك عندهم سبه وسب علي عليه السلام لتحكيمه، وعذره في ذلك عذر النبي صلى الله عليه وآله
في يوم قريظة، فقتله عبد الرحمن بن عمرو بن يحيى بن عمرو بن ملجم لعنه الله والقصة
مشهورة، ولما أحضر ليقتل قال عبد الله بن جعفر الطيار (1)،: دعوني أشفي بعض ما في
نفسي عليه، فدفع إليه فأمر بمسمار فأحمي بالنار ثم كحله به فجعل ابن ملجم
- لعنه الله - يقول: تبارك الخالق الإنسان من علق، يا ابن أخي إنك لتكحل بمرود

1 - نص عبارة فرحة الغري هنا (ص 10 طبعة النجف، س 3، و ص 5، س 16 من
النسخة الحجرية المطبوعة بطهران سنة 1311): (ولما أحضر ليقتل قال الثقفي في كتاب مقتل -
أمير المؤمنين عليه السلام ونقلته من نسخة عتيقة تاريخها خمس وخمسين وثلاث مائة وذلك على
أحد القولين أن عبد الله بن جعفر قال) وتكلمنا عليه في مقدمة الكتاب فراجع إن شئت.
839

مض (1) ثم أمر بقطع يديه ورجليه فقطعتا، ولم يتكلم، ثم أمر بقطع لسانه فجزع فقال
له بعض الناس: يا عدو الله كحلت عيناك بالنار وقطعت يداك ورجلاك فلم تجزع
وجزعت من قطع لسانك؟! فقال له: يا جاهل أما والله ما جزعت لقطع لساني ولكني
أكره أن أعيش في الدنيا فواقا لا أذكر الله فيه فلما قطع لسانه أحرق بالنار، فمن
هذه حاله وحال أمثاله في التدين بذلك كيف لا يخفى قبره حذار نبشه حتى أنه
لما جئ بابن ملجم - لعنه الله - إلى الحسن عليه السلام قال له: إني أريد أن أسارك
بكلمة فأبى الحسن عليه السلام وقال: إنك تريد أن تعض أذني، فقال ابن ملجم - لعنه الله
وعذبه عذابا أليما إلى يوم القيامة -: والله لو أمكنني منها لأخذتها من صماخها.
فإذا كان هذا فعاله في الحال التي هو عليها مترقبا للقتل وحقده إلى هذه الغاية
فكيف يكون من هو مخلى الرابطة؟..!
فهذه حال الخوارج الذين يقضون بذلك حق أنفسهم فكيف يكون حال
أصحاب معاوية وبني أمية - لعنهم الله - والملك لهم والدولة بيدهم؟.
ويدل على الأول ما ذكر عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة
فقال: قال أبو جعفر الإسكافي: إن معاوية - لعنه الله - بذل لسمرة بن جندب مائة
ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب: ومن الناس من
يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى
سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وأن الآية
الثانية نزلت في ابن ملجم الملعون وهي: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله

1 - كذا في الأصل لكن في فرحة الغري: (بملمول مض) ومن ثم قال المجلسي (ره)
بعد نقل الحديث من فرحة الغري في تاسع البحار في باب ما وقع بعد شهادته (ص 678):
بيان - قال الجوهري: الملمول الميل الذي يكتحل به، وقال: كحله بملمول مض أي
حار) وفي القاموس: (المرود الميل) وفي النهاية لابن الأثير: (وفي حديث ما عز: كما
يدخل المرود في المكحلة، المرود بكسر الميم الميل الذي يكتحل به، والميم زائدة) وفي
محيط المحيط للبستاني: (المرود الميل يكتحل به قيل له ذلك لأنه يدور في المكحلة مرة
وفي العين أخرى).
840

فلم يقبل فبذل له مائتي ألف، فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف، فلم يقبل، فبذل له
أربعمائة ألف، فقبل.
ويدل على الثاني ما روي (1) أن صاحب شرطة الحجاج حفر حفيرا في الرحبة
فاستخرج منه شيخا أبيض اللحية والرأس وقال: هذا علي بن أبي طالب، وكتب إلى
الحجاج بذلك، فكتب إليه الحجاج كذبت، أعد الرجل مكانه فإن الحسن حمل
أباه لما خرج إلى المدينة، وهذا غير صحيح منه لأن نبش الميت لا يجوز فكيف
يفعل ما لا يجوز؟! وهذا كاف في بطلان قوله ولو ترجح في خاطره أنه هو لأظهر
المخبيات فلا اعتبار به ولا بما ورد من أمثاله أنه في قصر الإمارة، ولا أنه في الرحبة
فيما يلي أبواب كندة، ولا أنه بالبقيع، ولا أنه بالخيف، ولا أنه بمشهد كوخ زاروه (2)
قريبا من النعمانية، ولا أن طيئا نبشوه فتوهموه مالا، لأنها أقوال مبنية على
الرجم بالغيب، والذي بنى مشهد الكوخ الحاجب شباشي مولى شرف الدولة بن
عضد الدولة (3).

1 - نص عبارة فرحة الغري هنا هكذا: (ويدل على الثاني ما ذكره الثقفي في الكتاب
المذكور قال: حدثنا إسماعيل بن أبان الأزدي قال: حدثنا عتاب بن كريم التميمي قال:
حدثنا الحارث بن حصيرة قال: حفر صاحب شرطة الحجاج حفيرة في الرحبة) وتكلمنا على
ذلك في مقدمة الكتاب فراجع إن شئت.
2 - كذا صريحا في الأصل وفي عدة نسخ مخطوطة عندي من كتاب فرحة الغري ويستفاد
مما ذكره ابن الجوزي في المنتظم أن العبارة: (بكوخ ودربه) وهي بقرب واسط ويأتي
كلامه عن قريب.
3 - نص عبارة فرحة العزى هنا (أنظر ص 13 طبعة النجف و ص 6 طبعة إيران) (والذي
بنى مشهد الكرخ شباشي الحاجب مولى شرف الدولة أبي الفوارس بن عضد الدولة، وبني قنطرة
الياسرية، ووقف دباهى على مارستان، وسد شق الخالص، وحفر ذنابة دجيل، وساق الماء إلى
موسى بن جعفر عليهما السلام).
قال ابن الجوزي في المنتظم عند ذكر من توفي في سنة 408 ما نصه:
(ج 7: ص 288 - 289)
(شباشي الحاجب يكنى أبا طاهر المشطب مولى شرف الدولة أبي الفوارس بن
عضد الدولة، لقبه بهاء الدولة أبو نصر بالسعيد ذي العضدين، ولقبه أبو الهيجاء بختكين
الجرجاني بالمناصح، وأشرف بينهما في مراعاة أمور الأتراك ببغداد.
وكان السعيد كثير الصدقة فائض المعروف حتى أن أهل بغداد إذا رأوا من لبس قميصا
جديدا قالوا: رحم الله السعيد، لأنه كان يكسو اليتامى والضعفاء.
وهو الذي بنى قنطرة الخندق والياسرية والزياتين ووقف جبايتها على المارستان وكان
ارتفاعها أربعين كرا وألف دينار، ووقف على الجسر خان النرسي بالكرخ ووقف عليه اربحي
بالقفص، وسد بثق الخالص، وحفر ذنابة دجيل، وساق الماء منها إلى مقابر قريش، وعمل
المشهد بكوخ ودربه بقرب واسط، وحفر المصانع عنده وفى طريقه وله آبار كثيرة بطريق مكة.
وكان الاسبهسالارية قد أخرجوا يوم العيد الجنائب بمراكب الذهب وأظهروا الزينة
فقال له بعض أصحابه: لو كان لناشئ أظهرناه. فقال له: إلا أنه ليس في جنائبهم قنطرة -
الياسرية والخندق.
توفي في شوال هذه السنة، ودفن في مقبرة الإمام أحمد بن حنبل في تربة معروفة به،
ووصى أن لا يبنى عليه فخالفوه وبنو اقبة فسقطت، واتفق بعد تسعين سنة حمل ميت إلى المقبرة
فتبعه النساء فتقدمتهن عجوز إلى تربة السعيد فلطمت، ووافقتها النساء وعدن إلى بيوتهن، فانتبهت
العجوز من منامها مذعورة وقالت: رأيت تركيا بيده دبوس وقد خرج من التربة فأراد أن
يضربني وقال: أتيت من البعد إلى تربتي فلطمت وصويحباتك فيها، أبيني وبينك قرابة؟! فلقد
آذيتموني.
فسألوا عن التربة فإذا هي تربة السعيد فتجنبها النساء بعد ذلك).
أقول: ذكر ابن كثير في البداية والنهاية عند ذكره من توفي في
سنة 408 ما يقرب من ذلك (ج 12، ص 6) وانظر أيضا تلخيص مجمع الآداب في معجم
الألقاب لابن الفوطي لقبي (المشطب) و (مناصح الدولة).
841

قال هشام بن الكلبي قال: إني أدركت بني أود وهم يعلمون أبناءهم
وحرمهم سب علي بن أبي طالب عليه السلام وفيهم رجل دخل على الحجاج فكلمه بكلام
فأغلظ عليه الحجاج في الجواب فقال: لا تقل هذا أيها الأمير فما لقريش ولا لثقيف
منقبة يعتدون بها إلا ونحن نعتد بمثلها، قال: وما مناقبكم؟ - قال: ما ينقص
عثمان ولا يذكر بسوء في نادينا قط، قال: هذه منقبة. قال: ولا رؤي منا خارجي
842

قط، قال: منقبة. قال: وما شهد منا مع أبي تراب مشاهده إلا رجل فأسقطه ذلك
عندنا، قال: منقبة: قال: وما أراد رجل منا قط أن يتزوج امرأة إلا سأل عنها:
هل تحب أبا تراب أو تذكره بخير؟ فإن قيل: إنها تفعل اجتنبها، قال: منقبة.
قال: ولا ولد فينا ذكر فسمي عليا ولا حسنا حسينا، ولا ولدت فينا جارية فسميت
فاطمة، قال: منقبة. قال: ونذرت امرأة منا إن قتل الحسين أن تنحر عشر جزور
فلما قتل وفت بنذرها. قال: منقبة. قال: ودعي رجل منا إلى البراءة من علي
ولعنه، فقال: نعم وأزيدكم حسنا وحسينا، قال، منقبة والله.
وقد كان معاوية لعنه الله يسب عليا ويتتبع أصحابه مثل ميثم التمار وعمرو
ابن الحمق وجويرية بن مسهر وقيس بن سعد ورشيد الهجري ويقنت بسبه في الصلاة
ويسب ابن عباس وقيس بن سعد والحسن والحسين عليهما السلام ولم ينكر ذلك عليه أحد.
وكان خالد بن عبد الله القسري - لعنه الله - يقول على المنبر: العنوا علي بن
أبي طالب فإنه لص بن لص (بضم اللام) فقام إليه أعرابي فقال: والله ما أعلم من أي
شئ أعجب؟ من سبك علي بن أبي طالب؟! أم من معرفتك بالعربية؟! (1)
قال الكراجكي: مسجد الذكر بمصر معروف في موضع يعرف بسوق وردان
وإنما سمي مسجد الذكر لأن الخطيب سها يوم الجمعة عن سب علي على المنبر
فلما وصل إلى موضع المسجد المذكور ذكر أنه لم يسبه فوقف وسبه هناك قضاءا
لما نسيه، فبني الموضع وسمي بذلك.
فاقتضى ذلك أن أوصى بدفنه عليه السلام سرا خوفا من بني أمية وأعوانهم والخوارج
وأمثالهم فربما لو نبشوه مع علمهم بمكانه حمل ذلك بني هاشم على المحاربة والمشاقة
التي أغضى عنها عليه السلام في حال حياته فكيف لا يوصي بترك ما فيه مادة النزاع
بعد وفاته؟!
وقد كان في إخفاء قبره عدة فوائد غير معلومة لنا بالتفصيل وقد عرفت قصة
الحسن عليه السلام في دفنه بالبقيع حيث أوصى بذلك إن جرى نزاع في دفنه عند جده

1 - وذلك لأن المشهور أن (اللص) بكسر اللام والضم لغة فيه كما صرح به الغويون.
843

طلبا لقطع مواد الشر، فلما علم أهل بيته أنه متى ظهر وعرف لم يتوجه إليه إلا
التعظيم والتبجيل وإثابة الزائرين أظهروه ودلوا عليه،
الباب الأول
فيما ورد عن رسول الله (ص)
رأيت كتابا عن الحسن بن الحسين بن طحال المقدادي قال: وروى الخلف عن
السلف عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي عليه السلام: يا علي إن الله عرض
مودتنا أهل البيت علي السماوات والأرض فأول من أجاب منها السماء السابعة
فزينها بالعرش والكرسي، ثم السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم سماء الدنيا
فزينها بالنجوم، ثم أرض الحجاز (1) فشرفها بالبيت الحرام، ثم أرض الشام فشرفها
ببيت المقدس، ثم أرض طيبة فشرفها بقبري، ثم أرض كوفان فشرفها بقبرك يا علي
فقال: أقبر بكوفان العراق؟ - فقال له: نعم تقبر بظاهرها؟ تلا بين الغريين والذكوات
البيض (2)، يقتلك أشقى هذه الأمة عبد الرحمن بن ملجم أدنى أهل النيران لعنه الله
فوالذي بعثني بالحق نبيا ما عاقر ناقة صالح بأعظم عقابا منه، يا علي ينصرك من
العراق مائة ألف سيف.

1 - قال المجلسي (ره) في سابع البحار في باب (ما أقر من الجمادات بولايتهم
عليهم السلام) بعد نقل مثله عن مناقب ابن المغازلي ما نصه (أقول: هذه الأخبار وأمثالها
من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم ولا بد في مثلها من التسليم
وتأويلها إليهم، ويمكن أن يقال (فخاض في بيان له طويل، فمن أراده فليراجع سابع البحار،
ص 419 - 420).
2 - قال المجلسي (ره) في مزار البحار في بيان له (ص 38): (الذكوة في اللغة
الجمرة الملتهبة فيمكن أن يكون المراد بالذكوات التلال الصغيرة المحيطة بقبره عليه السلام
شبها لضيائها وتوقدها عند شروق الشمس عليها لما فيها من الدراري المضيئة بالجمرة الملتهبة،
ولا يبعد أن يكون تصحيف (دكاوات) جمع دكاء وهو التل الصغير، وفي بعض النسخ (الركوات)
بالراء المهملة فيحتمل أن يكون المراد بها غدرانا وحياضا كانت حوله) وفي النسخة المطبوعة
من فرحة الغري بالنجف (ص 51): (تكررت الذكوات واحتملها المجلسي جمع ذكاة
بمعنى الجمرة، واحتملها أيضا دكاوات جمع دكاء وكلاهما بعيد، والذي يقرب (ذكوات)
تصحيف (ربوات) كما في الخطوط القديمة).
844

الباب الثاني
فيما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك
روى محمد بن علي الحسني في كتاب فضل الكوفة قال:
اشترى أمير المؤمنين عليه السلام ما بين الخورنق إلى الحيرة إلى الكوفة، وفي
رواية أخرى: ما بين النجف إلى الحيرة إلى الكوفة من الدهاقين بأربعين ألف درهم
وأشهد على شرائه، فقيل له في ذلك؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: كوفان يرد
أولها علي آخرها (1)، يحشر من ظهرها سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فاشتهيت
أن يحشروا من ملكي.
أقول: هذا الحديث فيه إيناس بما نحن بصدده وذلك أن في ذكره ظهر الكوفة
إشارة إلى ما خرج عن الخندق لأنه اشترى ما خرج عن الكوفة الممصرة ليدفن في ملكه
ويدفن الناس عنده، وكيف يدفن بالجامع، ولا يجوز؟ أو بالقصر وهو عمارة الظلمة؟!
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:
لما أصيب أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن والحسين عليهما السلام:
غسلاني وكفناني وحنطاني واحملاني على سريري واحملا مؤخره تكفيان
مقدمه فإنكما تنتهيان إلى قبر محفور ولحد ملحود ولبن موضوع فألحداني
وأشرجا علي اللبن وارفعا لبنة مما عند رأسي وانظرا ما تسمعان، فأخذ اللبنة من عند
الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن فإذا ليس في القبر شئ وإذا هاتف يقول: أمير المؤمنين
كان عبدا صالحا فألحقه الله بنبيه وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء حتى لو أن
نبيا مات في الشرق ومات وصيه في الغرب الحق الوصي بالنبي.

1 - قال المجلسي (ره) بعد نقل الحديث في مزار البحار عن كامل الزيارات (ص 36):
(بيان - يرد أولها على آخرها بالتشديد على بناء المجهول كناية عن انتظامها وعمارتها، أو
إشارة إلى الرجعة فإن أوائل هذه الأمة الذين دفنوا فيها يردون إلى أواخرهم وهم القائم (ع)
وأصحابه، أو بالتخفيف على بناء المعلوم بهذا المعنى الأخير، ويحتمل على التقديرين أن
يكون كناية عن خرابها وحدوث الفتن فيها).
845

وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام أمر ابنه الحسن أن يحفر له أربع قبور، في المسجد
وفي الرحبة وفي الغري وفي دار جعدة بن هبيرة، وإنما أراد بهذا إخفاء قبره.
أقول: وهذا الكلام كان سرا وإلا لو ظهر ذلك لطلبوه منها والوجه ما
ذكرته أولا.
وعن أبي عبد الله الجدلي قال:
استنفر علي عليه السلام لقتال معاوية - لعنه الله - وقال: يا بني إني ميت من
ليلتي هذه، فإذا مت فغسلني وكفني وحنطني بحنوط جدك صلى الله عليه وآله وسلم
وضعني على
سريري ولا يقربن أحد مقدم السرير فإنكم تكفونه، فإذا حمل المقدم فاحملوا المؤخر
فإذا وضع المقدم فضعوا المؤخر، ثم صل علي فكبر سبعا فإنها لا تحل لأحد
من بعدي إلا لرجل من ولدي يخرج في آخر الزمان يقيم اعوجاج، الحق، فإذا
صليت فخط حول سريري ثم احفر لي قبرا في موضعه إلى منتهى كذا وكذا، ثم
شق لحدا فإنك تقع على ساجة منقورة ادخرها لي أبي نوح عليه السلام فضعني في الساجة
ثم ضع علي سبع لبنات ثم أرقب هنيئة ثم انظر فإنك لن تراني في لحدي.
وعن أم كلثوم بنت علي عليه السلام (وساقت الخبر كما ذكرنا ثم قالت): فأخذ
الحسن عليه السلام المعول فضرب ضربة فانشق القبر عن ضريح فإذا هو بساجة مكتوب
عليها بالسريانية (هذا قبر قبره نوح النبي عليه السلام لعلي (ع) وصي محمد صلى الله عليه وآله قبل
الطوفان بسبع مائة عام (قالت: فانشق القبر فلا أدري اندس أبي في القبر أم أسري به إلى
السماء، وسمعت ناطقا يقول: أحسن الله لكم العزاء في سيدكم وحجة الله على خلقه.
الباب الثالث
فيما ورد في ذلك عن الحسن والحسين عليهما السلام
روي أنه لما حضرت أمير المؤمنين عليه السلام الوفاة قال للحسن والحسين عليهما السلام:
إذا أنا مت فاحملاني على سريري ثم أخرجاني واحملا مؤخر السرير فإنكما تكفيان
مقدمه ثم ائتيا بي الغريين فإنكما ستريان صخرة بيضاء فاحتفرا فيها فإنكما ستجدان
846

فيها ساجة فادفناني فيها، فلما فعلا ما أمرهما ووجدا الساجة مكتوبا فيها: (هذا
ما ادخر نوح عليه السلام لعلي بن أبي طالب عليه السلام) فدفناه فيها وانصرفنا ونحن مسرورون
بإكرام الله - تعالى - لأمير المؤمنين عليه السلام، فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة
عليه، فأخبرناهم بما جرى فقالوا: نحب أن نعاين من أمرها ما عاينتم. فقلنا لهم:
إن الموضع قد عفي أثره لوصية منه عليه السلام، فمضوا وعادوا وقالوا: إنهم احتفروا
فلم يروا شيئا.
وأخبرني الوزير السعيد خاتم العلماء نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي
- طيب الله مضجعه - عن والده يرفعه إلى أبي مطر قال: لما ضرب ابن ملجم لعنه الله
أمير المؤمنين عليه السلام قال له الحسن عليه السلام: أقتله؟ قال: لا ولكن احبسه فإذا مت
فاقتلوه. فإذا مت فادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي هود وصالح.
وعن أبي طالب قال: سألت الحسن عليه السلام: أين دفنتم أمير المؤمنين؟ - قال:
على شفير الجرف ومررنا به ليلا على مسجد الأشعث وقال: ادفنوني في قبر أخي هود.
وعن الحسين الخلال عن جده قال: قلت للحسن عليه السلام: أين دفنتم أمير المؤمنين؟ -
قال: خرجنا به ليلا حتى مررنا به على مسجد الأشعث حتى خرجنا به إلى الظهر
فدفناه بجنب الغري.
الباب الرابع
فيما ورد عن زين العابدين عليه السلام
أخبرني الوزير رئيس المحققين نصير الدين محمد عن أبيه يرفعه إلى جابر بن
يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: مضى أبي إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام بالمجاز
وهو من ناحية الكوفة فوقف عليه ثم بكى وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين
ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا أمين الله في أرضه وحجته على عباده، أشهد أنك
جاهدت في الله حق جهاده وعملت بكتابه واتبعت سنن نبيه حتى دعاك الله إلى جواره وقبضك إليه باختياره، وألزم أعداءك الحجة مع ما لك من الحجج البالغة على جميع خلقه.
اللهم فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك راضية بقضائك، مولعة بذكرك ودعائك، محبة
847

لصفوة أوليائك، محبوبة في أرضك وسمائك، صابرة على نزول بلائك، شاكرة لفواضل
نعمائك، ذاكرة لسوابغ آلائك، مشتاقة إلى فرحة لقائك، متزودة التقوى ليوم
جزائك، مستنة بسنن أوليائك، مفارقة لأخلاق أعدائك، مشغولة عن الدنيا
بحمدك وثنائك.
ثم وضع خده على القبر وقال: اللهم إن قلوب المخبتين إليك والهة، وسبل
الراغبين إليك شارعة، وأعلام القاصدين إليك واضحة، وأفئدة العارفين إليك فازعة،
وأصوات الداعين إليك صاعدة، وأبواب الإجابة لهم مفتحة، ودعوة من ناجاك
مستجابة، وتوبة من أناب إليك مقبولة، وعبرة من بكى من خوفك مرحومة،
والإغاثة لمن استغاث بك مبذولة، وعداتك لعبادك منجزة، وزلل من استقالك مقالة،
وأعمال العاملين لديك محفوظة، وأرزاقك إلى الخلائق من لدنك نازلة، وعوائد المزيد
إليهم واصلة، وذنوب المستغفرين مغفورة، وحوائج خلقك عندك مقضية، وجوائز
السائلين عندك موفرة، وعوائد المزيد متواترة، وموائد المستطعمين معدة، ومناهل
الظماء مترعة. اللهم فاستجب دعائي، واقبل ثنائي، واجمع بيني وبين أوليائي، بحق
محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين آبائي، إنك ولي نعمائي ومنتهى مناي، وغاية
رجائي في منقلبي ومثواي.
قال الباقر عليه السلام: ما قاله أحد من شيعتنا عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام أو عند أحد
من الأئمة عليهم السلام إلا رفع في درج من نور وطبع عليه بطابع محمد صلى الله عليه وآله حتى يسلم
إلى القائم عليه السلام فيتلقى صاحبه بالبشرى والتحية والكرامة إن شاء الله تعالى.
وروي عن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال: حدثني أبي عن أبيه عن أبي جعفر
عليهم السلام قال: زار أبي علي بن الحسين عليه السلام وذكر زيارته هذه لأمير المؤمنين.
وعن جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر عليه السلام قال: كان أبي قد اتخذ منزله
من بعد قتل أبيه الحسين عليه السلام بيتا من شعر وأقام بالبادية فلبث بها عدة سنين كراهية
لمخالطة الناس وملابستهم، وكان يصير من البادية إلى العراق زائرا لأبيه وجده عليهما السلام
ولا يشعر أحد بذلك، وذكر تلك الزيارة المتقدمة أيضا.
848

أقول: إذا كان الزائر علويا فاطميا جاز أن يقول: آبائي، وإلا فليقل:
ساداتي، ولم يرو عن الطوسي هذه اللفظة في مصباحه.
وذكر الحسن بن الحسين بن طحال المقدادي - رضي الله عنه -: إن زين العابدين
عليه السلام ورد إلى الكوفة ودخل مسجدها وبه أبو حمزة الثمالي - وكان من زهاد
الكوفة ومشايخها - فصلى ركعتين. قال أبو حمزة: فما سمعت أطيب من لهجته فدنوت
منه لأسمع ما يقول، فسمعته يقول: إلهي إن كان قد عصيتك فإني قد أطعتك في أحب
الأشياء إليك الاقرار بوحدانيتك، منا منك علي، لامنا مني عليك. والدعاء معروف،
ثم نهض، فقلت: يا ابن رسول الله ما أقدمك إلينا؟ - قال: ما رأيت، ولو علم الناس ما فيه
من الفضل لأتوه ولو حبوا، هل لك أن تزور معي قبر جدي علي بن أبي طالب عليه السلام؟ -
قلت: أجل، فسرنا حتى أتينا الغريين وهي بقعة بيضاء تلمع نورا فنزل ومرغ
خديه عليها، وقال: هذا قبر جدي علي عليه السلام. ثم زاره بزيارة أولها: (السلام
على اسم الله الرضي ونور وجهه المضي) ثم ودعه ومضى إلى المدينة، ورجعت أنا
إلى الكوفة.
الباب الخامس
فيما ورد عن محمد الباقر عليه السلام
أخبرني والدي عن الفقيه محمد بن نما عن الفقيه محمد بن إدريس يرفعه إلى أبي بصير
قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قبر أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنه دفن مع أبيه نوح
عليه السلام في قبره. قلت: جعلت فداك من تولى دفنه؟ - قال: رسول الله صلى الله عليه وآله
مع الكرام الكاتبين.
وعن عبد الرحيم القصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قبر أمير المؤمنين عليه السلام
فقال: مدفون في قبر نوح. قلت: ومن نوح؟ - قال: نوح النبي عليه السلام. قلت:
وكيف صار هكذا؟ - فقال: إن أمير المؤمنين عليه السلام صديق هيأ الله له مضجعه في
مضجع صديق، يا عبد الرحيم إن النبي صلى الله عليه وآله أخبرنا بموته وبموضع قبره.
849

وأخبرني الفقيه نجم الدين أبو القاسم جعفر بن سعيد - قدس الله روحه -
يرفعه إلى جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام: أين دفن أمير المؤمنين
عليه السلام؟ - قال: دفن بناحية الغريين قبل طلوع الفجر، ودخل قبره الحسن
والحسين ومحمد بنو علي وعبد الله بن جعفر عليهم السلام.
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وعن حبيب السجستاني
عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قالا: مضى أمير المؤمنين عليه السلام وهو ابن خمس وستين
سنة أربعين، ودفن بالغري.
أقول: من رجال هذه الرواية عبد الصمد بن أحمد بن أبي الجيش، وأبو الفرج
ابن الجوزي، وعبد الله بن أحمد بن الخشاب وكلهم حنابلة.
الباب السادس
فيما ورد عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
من طريق العامة والخاصة
وروي عن عبد الله بن عبيد قال: رأيت جعفر بن محمد وعبد الله بن الحسن بالغري
عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام فأذن عبد الله وأقام الصلاة وصلى مع جعفر (ع)، وسمعت
جعفرا يقول: هذا قبر أمير المؤمنين عليه السلام.
وعن صفوان الجمال (1) قال: حملت جعفر بن محمد عليهما السلام فلما انتهيت إلى النجف قال:
يا صفوان: تياسر حتى نجوز الحيرة فنأتي القائم (2). قال: فبلغت الموضع الذي وصف لي

1 - سند الحديث في فرحة الغري هكذا: (وذكر الثقفي في مقتل أمير المؤمنين
ما صورته: حدثنا محمد قال: حدثني الحسن وقد تقدم ذكرهما [كما فيما عندي من النسخ
المخطوطة] قال: حدثني إبراهيم يعني الثقفي المصنف قال: حدثنا إبراهيم بن يحيى الثوري
قال: حدثنا صفوان بن مهران الجمال) ونقله المجلسي (ره) في مزار البحار في باب موضع
قبره عن فرحة الغري (ص 40). وقد تكلمنا على ذلك في مقدمة الكتاب فراجع إن شئت.
2 - قال المجلسي (ره) في مزار البحار في بيان له لمثل الحديث (ص 38): (القائم
كأنه بناء أو أسطوانة بقرب الطريق) وفي آخر هذا الباب من فرحة الغري: (وسأل ابن
مسكان الصادق عليه السلام عن القائم المائل في طريق الغريين فقال: نعم لما جازوا بسرير
أمير المؤمنين عليه السلام انحنى أسفا وحزنا على أمير المؤمنين عليه السلام).
850

فنزل فتوضأ ثم تقدم هو وعبد الله بن الحسن فصليا عند قبر فلما فرغا قلت: جعلت
فداك أي موضع هذا القبر؟ - قال هذا قبر علي بن أبي طالب عليه السلام وهو القبر
الذي يأتيه الناس هناك.
وعن أبي الفرج السندي قال: كنت مع أبي عبد الله بن محمد عليهما السلام حين
قدم إلى حيرة فقال ليلة: أسرجوا لي البغلة، فركب وأنا معه حتى انتهينا إلى
الظهر، فنزل وصلى ركعتين ثم تنحى فصلى ركعتين ثم تنحى وصلى ركعتين،
فقلت: جعلت فداك أني رأيتك صليت في ثلاث مواضع؟ - فقال: أما الأول فموضع
قبر أمير المؤمنين، والثاني موضع رأس الحسين، والثالث موضع منبر القائم عليه السلام.
أقول: هذه الروايات من طريق الجمهور.
وقد روي عن أبان بن تغلب قال: كنت مع الصادق عليه السلام فمر بظهر الكوفة
فنزل وصلى ركعتين ثم سار قليلا فنزل فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا فصلى ركعتين
ثم قال: هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام. قلت: جعلت فداك، الموضعين الذين
صليت فيهما؟ - قال: موضع رأس الحسين، وموضع منبر القائم عليه السلام.
وأخبرني الوزير خاتم العلماء نصير الدين محمد بن محمد الطوسي عن والده
عن فضل الله الراوندي يرفعه عن مبارك الخباز قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: أسرج
البغل والحمار وهو بالحيرة، فركب وركبت حتى دخل الجرف ثم نزل فصلى
ركعتين ثم تقدم قليلا فصلى ركعتين ثم سار قليلا فنزل وصلى ركعتين فسألته
عن ذلك فقال: الركعتين الأولتين موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام، والركعتين
الثانيتين موضع رأس الحسين عليه السلام، والركعتين الثالثتين موضع منبر القائم عليه السلام (1).
وعن المعلى بن خنيس قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام بالحيرة فقال:

1 - قال المجلسي (ره) في مزار البحار بعد نقل الحديث عن فرحة الغري (ص 45):
(بيان - قال الفيروزآبادي: الجرف بالضم ما تجرفته السيول وأكلته من الأرض) وفي معجم - البلدان: (الجرف موضع بالحيرة كانت به منازل المنذر).
851

افرشوا لي في الصحراء، ففعل ذلك. ثم قال: يا معلى، قلت: لبيك، قال: ما ترى
النجوم ما أحسنها؟ - إنها أمان لأهل السماء فإذا ذهبت جاء أهل السماء ما يوعدون،
ونحن أمان لأهل الأرض فإذا ذهبنا جاء أهل الأرض ما يوعدون. قل لهم: يسرجوا
البغل والحمار ثم قال: اركب البغل؟ قال: فركبت وركب الحمار، وقال: أمامك،
فجئنا الغريين فقال: هما هما؟ قلت: نعم. قال: خذ يسرة. فمضينا حتى انتهينا إلى
موضع فقال لي: انزل: ونزل، وقال: هذا قبر أمير المؤمنين عليه السلام فصلى وصليت.
وعن صفوان الجمال قال: كنت أنا وعامر بن عبد الله عند أبي عبد الله عليه السلام
قال: فقال له عامر: إن الناس يزعمون أن أمير المؤمنين دفن بالرحبة. قال:
كذبوا. قال: فأين دفن؟ - قال: بالغري بين ذكوات بيض.
وعن زيد بن طلحة قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام وهو بالحيرة: أما تريد ما
وعدتك؟ - قال: قلت بلى، يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام. قال: فركب
وركب ابنه إسماعيل وأنا حتى إذا جاز الثوية (1) وكان بين الحيرة والنجف عند
ذكوات بيض نزل ونزل إسماعيل ونزلت، فصلى وصلى إسماعيل وصليت، فقال
لإسماعيل: قم فسلم على جدك الحسين عليه السلام، فقلت: جعلت فداك أليس الحسين
بكربلاء؟ - فقال: نعم ولكن لما حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب
أمير المؤمنين عليه السلام.
وعن عمر بن عبد الله النهدي عن أبيه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقام
وركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الغري فصلى فأتى موضعا فصلى ثم قال
لإسماعيل: قم فصل عند رأس أبيك الحسين عليه السلام. قلت: أليس قد ذهب برأسه إلى
الشام؟ - قال: بلى ولكن فلان هو مولى لنا سرقه وجاء به فدفنه ههنا.

1 - قال الجزري في النهاية: (فيه ذكر الثوية هي بضم الثاء وفتح الواو وتشديد الياء
ويقال: بفتح الثاء وكسر الواو موضع بالكوفة، به قبر أبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة)
وفي معجم البلدان: (ذكر العلماء أنها كانت سجنا للنعمان بن المنذر كان يحبس بها
من أراد قتله فكان يقال لمن حبس بها: ثوى أي أقام فسميت الثوية بذلك (إلى آخر ما قال).
852

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قبر علي عليه السلام في الغري ما بين صدر نوح ومفرق
رأسه مما يلي القبلة.
وعن الصادق عليه السلام قال: أربع مواضع أو مواقع أو بقاع ضجت إلى الله تعالى
أيام الطوفان، البيت المعمور فرفعه الله تعالى، والغري، وكربلاء، وطوس.
وعنه عليه السلام قال: لما كنت بالحيرة عند أبي العباس كنت آتي قبر أمير المؤمنين
عليه السلام ليلا وهو بناحية بجنب الحيرة (1) إلى جانب غري النعمان فأصلي عنده
صلاة الليل وأنصرف قبل الفجر.
وعن المفضل بن عمر الجعفي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له:
إني أشتاق إلى الغري. قال: فما شوقك إليه؟ - فقلت: إني أحب أن أزور
أمير المؤمنين عليه السلام. فقال: هل تعرف فضل زيارته؟ - فقلت: لا يا ابن رسول الله
إلا أن تعرفني. قال: فإذا أردت زيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام فاعلم أنك زائر
عظام آدم وبدن نوح وجسم علي بن أبي طالب عليهم السلام. فقلت إن آدم عليه السلام هبط
بسر نديب وزعموا أن عظامه في بيت الله الحرام فكيف صارت عظامه بالكوفة؟ - قال:
إن الله تعالى أوحى إلى نوح (ع) وهو في السفينة أن يطوف بالبيت أسبوعا فطاف، ثم
نزل في الماء إلى ركبتيه فاستخرج تابوتا فيه عظام آدم عليه السلام فحمله في جوف السفينة
حتى طاف ما شاء الله أن يطوف ثم ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها ففيها قال الله
- تبارك وتعالى - للأرض: ابلعي ماءك، فبلعت ماءها من مسجد الكوفة كما بدأ
الماء منه وتفرق من كان مع نوح في السفينة، فأخذ نوح التابوت فدفنه في الغري وهو
قطعة من الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى تكليما، وقدس عليه عيسى تقديسا،
واتخذ عليه إبراهيم خليلا واتخذ محمدا صلى الله عليه وآله عليه حبيبا، وجعله للنبيين مسكنا،
والله ما سكن فيه بعد أبويه الطيبين آدم ونوح أكرم من أمير المؤمنين عليه السلام فإذا

1 - كذا في الأصل لكن في نسخ فرحة الغري: (بناحية نجف الحيرة) (أنظر ص 28
من الطبعة الحجرية بإيران، س 17، و س 58 من طبعة النجف، س 12) وكذا في النسخ
التي رأيتها.
853

زرت جانب النجف فزر عظام آدم وبدن نوح وجسم علي بن أبي طالب عليهم السلام فإنك
زائر الآباء الأولين ومحمدا خاتم النبيين وعليا سيد الوصيين، فإن زائره تفتح له
أبواب السماء عند دعوته، فلا تكن عن الخير نواما.
وعن يونس القصري قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فقال:
بئس ما صنعت، لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك، ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة،
ويزوره الأنبياء والمؤمنون. قلت: جعلت فداك ما علمت ذلك. قال: فاعلم أن
أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من الأئمة كلهم وله ثواب أعمالهم، وعلى قدر
أعمالهم فضلوا.
عن الحسين بن إسماعيل الصيرفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
من زار أمير المؤمنين عليه السلام ماشيا كتب الله له بكل خطوة حجة وعمرة، فإذا
رجع ماشيا كتب الله له بكل خطوة حجتين وعمرتين.
وعن الصادق عليه السلام: من زار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عارفا
بحقه كتب له بكل خطوة حجة مقبولة وعمرة مبرورة، والله ما يطعم الله النار قدما
تغبرت في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ماشيا كان أو راكبا.
يا ابن ماردا كتب هذا الحديث بماء الذهب (1).
هذا الخبر وأمثاله وإن لم يذكر فيه موضع القبر فقوله: (تغبرت قدماه في
زيارته) يدل على علمهم بحاله وموضعه.
وعن أبي عامر البناني واعظ أهل الحجاز قال: أتيت أبا عبد الله جعفر بن
محمد عليه السلام فقلت له: يا ابن رسول الله ما لمن زار قبر أمير المؤمنين عليه السلام وعمر (2) تربته؟ -

1 - قال المجلسي (ره) في مزار البحار في باب (فضل زيارته (ع) عنده) بعد نقل
الحديث (ص 44): (بيان - لعل الكتابة بماء الذهب كناية عن الاعتناء بشأنه والاهتمام
في العمل به، ولا يبعد القول بظاهره فيدل على رجحان كتابة الأخبار مطلقا، أو الأخبار النادرة
المشتملة على الفضائل الغريبة بماء الذهب، والله يعلم).
2 - في الأصل هنا وفي الموارد الآتية (عمد) بالدال المهملة لكن في جميع ما رأيت من نسخ
الفرحة مخطوطة كانت أو مطبوعة بالراء المهملة وهو الصحيح بقرينة ما يومي إليه بعض الروايات.
854

قال: يا أبا عامر حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال له:
والله لتقتلن بأرض العراق وتدفن بها. قلت: يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمرها
وتعاهدها؟ - قال: إن الله تعالى جعل قبرك وقبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة وعرصة
من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحن إليكم،
وتحتمل المذلة والأذى فيكم، فيعمرون قبوركم تقربا منهم إلى الله تعالى ومودة
منهم لرسوله. أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، الواردون حوضي، وهم زواري
غدا في الجنة. يا علي من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود
على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل له ذلك ثواب سبعين حجة بعد حجة -
الإسلام، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر وبشر
أوليائك ومحبيك من النعيم وقرة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر
على قلب بشر، ولكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير
الزانية بزنائها، أولئك شرار أمتي، لا أنا لهم الله شفاعتي، ولا يردون حوضي.
وعن عبد الرحمن بن كثير نحوه.
وعن عمر بن عبد الله النهدي عن أبيه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال:
يا عبد الله أتأتون قبر أبي حسين عليه السلام كل سنة؟ - قلت: بلى جعلت فداك. قال:
تأتونه كل جمعة؟ - قلت: لا، قال: أتأتونه كل شهر؟ - قلت: لا. قال: ما أجفاكم؟!
إن زيارته تعدل حجة وعمرة، وزيارة أبيه عليه السلام تعدل حجتين وعمرتين.
وعن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أحب لك ولكل مؤمن
أن يتختم بخمسة خواتيم: بالياقوت وهو أفخرها، وبالعقيق وهو أخلصها لله ولنا،
وبالفيروزج وهو نزهة الناظر والحديد الصيني وما أحب التختم به ولا أكره
لبسه عند لقاء أهل الشر ليطفئ شرهم وأحب اتخاذه فإنه يرد المردة من الجن
وما يظهره الله - عز وجل - بالذكوات البيض بالغريين. قلت: وما فيه من الفضل؟ -
قال: من تختم به ونظر إليه كتب الله له بكل نظرة زورة أجرها أجر النبيين
والصالحين، ولولا رحمة الله لشيعتنا لبلغ الفص منه ما لا يوجد بالثمن ولكن الله
855

رخصه عليهم ليتختم به غنيم وفقيرهم.
وعن هشام بن سالم قال: حدثني صفوان الجمال قال: لما وافيت مع جعفر
الصادق عليه السلام الكوفة يريد المنصور قال لي: يا صفوان أنخ الراحلة فهذا قبر جدي
أمير المؤمنين عليه السلام فأنختها ثم نزل فاغتسل وغير ثوبه وتحفى وقال لي: افعل ما
أفعل. ثم أخذ نحو الذكوات وقال لي: قصر خطاك وألق ذقنك الأرض فإنه يكتب
لك بكل خطوة مائة ألف حسنة، ويمحي عنك مائة ألف سيئة، ويرفع لك مائة ألف
درجة، ويقضي لك مائة ألف حاجة، ويكتب لك ثواب كل صديق وشهيد مات أو قتل.
ثم مشى ومشيت معه وعلينا السكينة والوقار نسبح ونقدس ونهلل إلى أن بلغنا
الذكوات فوقف ونظر يمنة ويسرة وخط بعكازته وقال: اطلب، فطلبت فإذا أثر -
القبر في الخط ثم أرسل دموعه على خده وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، وقال:
السلام عليك أيها الوصي البر التقي، إلى آخرها. ثم قام وصلى، ثم قال: يا صفوان
من زار أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الزيارة وصلى بهذه الصلاة رجع إلى أهله مغفورا له
وكتب له مثل ثواب كل من زار من الملائكة كل ليلة سبعون قبيلة. قلت كم القبيلة؟
قال: مائة ألف ثم خرج من عنده القهقري وهو يقول: يا جداه يا سيداه لا جعله الله
آخر العهد منك، ورزقني العود إليك، والمقام في حرمك، والكون معك، ومع
الأبرار من ولدك، صلى الله عليك وعلى الملائكة المحدقين بك. قلت: يا سيدي أتأذن
لي أن أخبر أصحابنا من أهل الكوفة به فقال: نعم، وأعطاني دراهم فأصلحت القبر.
وعن صفوان عن الصادق عليه السلام قال: سار وأنا معه في القادسية حتى أشرف على
النجف فقال: هذا هو الجبل الذي اعتصم به ابن نوح عليه السلام فقال: سآوي إلى جبل يعصمني
من الماء فأوحى الله إليه: أيعتصم بك أحد مني فغار (1) في الأرض وتقطع إلى الشام.
ثم قال عليه السلام: اعدل بنا. ففعلت، فلم يزل سائرا حتى أتى الغري فوقف على القبر
فساق السلام من آدم على نبي نبي عليهم السلام وأنا أسوق السلام معه حتى وصل إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله ثم خر على القبر فسلم عليه وعلا نحيبه، ثم قام فصلى أربع ركعات

1 - كذا في الأصل وفيما رأيت من النسخ المخطوطة وأما النسخ المطبوعة ففيها: (فسار).
856

(وفي خبر آخر ست ركعات) ودعوت وصليت معه وقلت: ما هذا القبر؟ قال: هذا
قبر جدي علي عليه السلام.
الباب السابع
فيما ورد عن موسى بن جعفر عليهما السلام
ذكر أبو علي بن همام في الأنوار أن موسى بن جعفر عليه السلام أحد الأئمة
الذين دلوا على مشهده، وأشار به إلى هذا الموضع الذي هو الآن.
وعن الحسن بن الجهم قال: ذكرت لأبي الحسن عليه السلام أني أزور أمير المؤمنين
عليه السلام في الغري قريبا من الذكوات البيض والثنية أمامه فذلك قبر أمير المؤمنين
عليه السلام وأنا آتيه كثيرا، ومن أصحابنا من لا يرى ذلك ويقول: هو في المسجد،
وبعضهم يقول: هو في القصر، فأرد عليهم فأينا أصوب؟ - قال: أنت أصوب منهم، إن الله
موفق من يشاء فاحمده عليه.
الباب الثامن
فيما ورد عن مولانا علي بن موسى الرضا عليهما السلام
أخبرني الوزير السعيد نصير الدين - قدس الله روحه - يرفعه إلى أبي شعيب
الخراساني قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: أيما أفضل؟ زيارة قبر أمير المؤمنين
عليه السلام أو زيارة قبر الحسين عليه السلام؟ - قال: إن الحسين عليه السلام قتل مكروبا فحق
على الله - جل ذكره - أن لا يأتيه مكروب إلا فرج الله كربه، وفضل زيارة قبر أمير -
المؤمنين على زيارة قبر الحسين كفضل أمير المؤمنين عليه السلام على الحسين عليه السلام، ثم
قال لي: أين تسكن؟ - قلت: الكوفة. قال: إن مسجد الكوفة بيت نوح عليه السلام
لو دخله رجل مائة مرة لكتب الله له مائة مغفرة لأن فيه إجابة دعوة نوح عليه السلام
حيث قال: رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا.
قال: فقلت له: من المعني بوالديه؟ قال: آدم وحواء عليهما السلام.
قال المصنف - قدس الله روحه -: وإنما لم يزر الرضا عليه السلام مولانا
857

أمير المؤمنين عليه السلام لأنه لما طلبه المأمون من خراسان توجه من المدينة إلى البصرة
ولم يصل الكوفة ومنها توجه إلى الأهواز (1) ثم إلى قم ودخلها وتلقاه أهلها وتخاصموا
فيمن يكون ضيفه منهم، فذكر أن الناقة مأمورة فما زالت حتى نزلت على باب وصاحب
ذلك الباب رأي في منامه أن الرضا يكون ضيفه في غد فما بقي إلا يسير حتى صار ذلك
الموضع مقاما عظيما شامخا وهو اليوم مدرسة معروفة. ووصل إلى مرو، وعاد إلى
سناباد فثوى بها، ولم ير الكوفة أصلا فلذلك لم يزره عليه السلام.
وذكر ابن همام في الأنوار أنه أمر شيعته بزيارته ودل على أنه بالغريين
بظاهر الكوفة.
وأخبرني الشيخ المقتدى نجيب الدين يحيى بن سعيد يرفعه إلى أحمد بن أبي نصر
قال: كنا عند الرضا عليه السلام والمجلس غاص بأهله فتذاكروا يوم الغدير، فأنكر
بعض الناس فقال الرضا عليه السلام: حدثني أبي عن أبيه عليهم السلام قال: إن يوم الغدير
في السماء أشهر منه في الأرض، إن لله في الفردوس الأعلى قصرا لبنة منه من فضة
ولبنة من ذهب، فيه مائة ألف قبة من ياقوتة حمراء، ومائة ألف خيمة من ياقوت أخضر،
ترابه المسك والعنبر، فيه أربعة أنهار، نهر، نهر من خمر ونهر من ماء ونهر من لبن
ونهر من عسل، حواليه أشجار جميع الفواكه، وعليه طيور أبدانها من لؤلؤ وأجنحتها
من ياقوت، تصوت بألوان الأصوات، إذا كان يوم الغدير ورد إلى ذلك القصر أهل -
السماوات يسبحون لله ويهللونه فتطاير تلك الطيور فتقع في الماء وتمرغ إلى ذلك
المسك والعنبر، فإذا اجتمعت الملائكة طارت فنفض ذلك عليهم وإنهم في ذلك اليوم
ليتهادون نثار فاطمة عليها السلام فإذا كان آخر اليوم نودوا: انصرفوا إلى مراتبكم فقد أمنتم
الخطأ والزلل إلى قابل مثل هذا اليوم تكرمة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي.
ثم قال: يا ابن أبي نصر أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين عليه السلام
فإن الله يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة، ويعتق من النار

1 - في الأصل: (ومنها توجه بالأهواز) وفي نسخ الفرحة: (ومنها توجه على
طريق الكوفة إلى بغداد).
858

ضعف ما أعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف درهم لإخوانك
العارفين وأفضل على إخوانك في هذا اليوم، وسر فيه كل مؤمن ومؤمنة.
ثم قال: يا أهل الكوفة لقد أعطيتم خيرا كثيرا وأنتم لممن امتحن الله قلبه للإيمان
مستذلون مقهورون ممتحنون، ليصب البلاء عليكم صبا ثم يكشفه كاشف الكرب
العظيم. والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل
يوم عشر مرات. ولولا التطويل لذكرت في فضل هذا اليوم ما لا يحصى.
قال المصنف (ره): وإنما ذكر أهل الكوفة ترغيبا لهم في الزيارة ولو لم يكن [القبر] ظاهرا مشهورا لما أمرهم بالزيارة ولم يظهر ولا يعرف إلا في هذا الموضع.
الباب التاسع
فيما ورد عن محمد الجواد عليه السلام
ذكر أبو علي بن همام في كتاب الأنوار أن مولانا محمد بن علي عليه السلام أحد
الأئمة الذين دلوا على مشهده وأشار إلى هذا الموضع الذي يزار الآن. ومات أبو علي
المذكور سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ومولده سنة ثمان وخمسين ومائتين (1).

1 - نص عبارة فرحة الغري هنا هذا (ص 91 من طبعة النجف أوص 47 من طبعة طهران):
(ذكر أبو علي ابن همام في كتاب الأنوار أن مولانا محمد بن علي عليه السلام أحد
الأئمة الذين دلوا على مشهده، وأشار إلى هذا الموضع الذي يزار الآن.
وكان هذا أبو علي محمد بن أبي بكر بن همام بن سهيل الكاتب الإسكافي شيخ أصحابنا
ومتقدمهم، له منزلة عظيمة كثير الحديث، وذكره النجاشي وأثنى عليه ثم قال: له من
الكتب كتاب الأنوار في تاريخ الأئمة عليهم السلام.
وأخبرني الفقيه المفيد محمد بن علي بن جهم الحلي الربعي عن السيد الفقيه فخار بن
معد الموسوي عن عبد الحميد بن التقي النسابة الجليل عن السيد أبي الرضا فضل الله بن
علي بن عبيد الله الحسني الجعفري عن ذي الفقار بن معبد أبي الصمصام المروزي عن أحمد بن
علي بن أحمد النجاشي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى الجراح الجندي قال:
حدثنا أبو علي بن همام بكتاب الأنوار المذكور، مات يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت
من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وكان مولده يوم الاثنين لست خلون من
ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائتين).
859

الباب العاشر
فيما ورد عن علي بن محمد عليهما السلام
روي عن أبي الحسن الثالث عليه السلام قال: تقول: السلام عليك يا ولي الله أنت
أول مظلوم ومن غصب حقه، إلى آخر الزيارة.
وروي عن الحسن بن علي العسكري عن أبيه عليهما السلام أنه (ع) زار بها
يوم الغدير في السنة التي أشخصه فيها المعتصم وهي: السلام على رسول الله خاتم النبيين،
إلى آخرها.
الباب الحادي عشر
فيما ورد عن الحسن العسكري عليه السلام
ذكر أبو علي بن همام في كتاب الأنوار أن مولانا الحسن بن علي أحد
الأئمة الذين دلوا على قبره ومشهده، وأشار إلى هذا الموضع الذي يزار الآن كما
قدمناه آنفا.
الباب الثاني عشر
فيما ورد عن زيد بن علي عليه السلام
عن أبي قرة قال: انطلقت أنا وزيد بن علي نحو الجبانة فصلى ليلا طويلا
ثم قال: يا أبا قرة أتدري أي موضع هذا؟ - قال: قلت: لا. قال: نحن قرب قبر
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، يا أبا قرة نحن في روضة من رياض الجنة.
وعن أبي حمزة الثمالي قال: كنت أزور علي بن الحسين عليه السلام في كل سنة
مرة في وقت الحج فأتيته سنة وإذا على فخذه صبي فقام الصبي فوقع على عتبة الباب
فانشج رأسه فوثب إليه علي بن الحسين عليه السلام مهر ولا فجعل ينشف دمه بثوبه ويقول
له: يا بني أعيذك بالله أن تكون المصلوب في الكناسة! قلت: بأبي أنت وأمي أي
كناسة؟ - قال: كناسة الكوفة. قلت: جعلت فداك ويكون ذلك؟ - قال: إي والله
860

إن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة مقتولا مدفونا منبوشا
مسلوبا مسحوبا مصلوبا في الكناسة ثم ينزل فيحرق ويدق ويذرى في البر.
قلت: جعلت فداك وما اسم هذا الغلام؟ - قال: زيد. ثم دمعت عيناه، ثم قال:
ألا أحدثك بحديث ابني هذا، بينما أنا ليلة ساجد وراكع ذهب بي النوم
فرأيت كأني في الجنة، وكأن رسول الله وعليا وفاطمة والحسن والحسين
- صلوات الله عليهم أجمعين - قد زوجوني جارية من الحور العين فواقعتها واغتسلت
عند سدرة المنتهى ووليت وهاتف يهتف بي: ليهنك زيد، ليهنك زيد، ليهنك زيد.
فاستيقظت فأصبت جنابة فقمت فتطهرت وصليت صلاة الفجر فدق الباب وقيل لي:
على الباب رجل يطلبك. فخرجت فإذا أنا برجل معه جارية ملفوف كمها على يده
مخمرة بخمار فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أريد علي بن الحسين. فقلت: أنا علي بن
الحسين. قال: أنا رسول المختار بن أبي عبيد الثقفي وهو يقرئك السلام ويقول:
وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستمائة دينار وهذه ستمائة دينار فاستعن
بها على دهرك. ودفع إلي كتابا. فأدخلت الرجل والجارية وكتبت له جواب -
كتابه، وقلت للجارية: ما اسمك؟ - قالت: حوراء. فهيؤوها لي وبت بها عروسا
فعلقت بهذا الغلام فسميته زيدا، وهو هذا، وسري ما قلت لك.
قال أبو حمزة: فما لبثت إلا برهة حتى رأيت زيدا بالكوفة في دار معاوية بن
إسحاق فسلمت عليه. ثم قلت: جعلت فداك ما أقدمك هذا البلد؟ - قال: الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر. فكنت أختلف إليه فجئته ليلة النصف من شعبان
فسلمت عليه وجلست عنده. فقال: يا أبا حمزة تقوم حتى تزور قبر أمير المؤمنين
علي عليه السلام؟ - قلت: نعم جعلت فداك.
ثم ساق أبو حمزة الحديث حتى قال:
أتينا الذكوات البيض فقال: هذا قبر علي بن أبي طالب عليه السلام ثم رجعنا
فكان من أمره ما كان. فوالله لقد رأيته مقتولا مدفونا منبوشا مسلوبا مسحوبا مصلوبا
بالكناسة ثم أحرق ودق وذري في الهواء.
861

الباب الثالث عشر
فيما ورد عن المنصور وعن الرشيد وعمن زاره من الخلفاء
وجدت بخط الشريف الفاضل أبي يعلى الجعفري ما صورته:
قال أحمد بن محمد بن سهل: كنت عند الحسن بن يحيى فجاءه أحمد بن عيسى بن
يحيى ابن أخيه فقال له: تعرف في حديث قبر علي عليه السلام غير حديث صفوان الجمال؟ فقال:
نعم، أخبرني مولي لنا عن مولي لبني العباس قال: قال لي أبو جعفر المنصور: خذ معولا
وزنبيلا وامض معي. قال: فأخذتهما وذهبت معه ليلا حتى ورد الغري وإذا بقبر فقال: احفر، فحفرت حتى بلغت اللحد فقلت: هذا لحد قد ظهر، فقال: طم، ويلك هذا
قبر علي عليه السلام إنما أردت أن أعلم هذا، لأن المنصور سمع بذلك عن أهل بيته عليهم السلام
فأراد أن يعرف الحال وقد اتضحت له.
أخبرني الشيخ المقتدي نجيب الدين يحيى بن سعيد يرفعه إلى عبد الله بن
حازم قال: خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة وهو يتصيد فصرنا إلى ناحية الغريين
والثوية فرأينا ظباءا فأرسلنا عليها الصقور والكلاب، فحاولتها ساعة ثم لجأت الظباء
إلى أكمة فوقفت عليها فرجعت الصقور ناحية من الأكمة ورجعت الكلاب فتعجب
الرشيد. ثم إن الظباء هبطت من الأكمة فسقطت الصقور والكلاب فرجعت
الظباء إلى الأكمة فتراجعت عنها الكلاب والصقور، ففعلت ذلك ثلاثا، فقال هارون:
اركضوا فمن لقيتموه فآتوني به فأتيناه بشيخ من بني أسد فقال له الرشيد: ما هذه
الأكمة؟ قال: إن جعلت لي الأمان أخبرتك، فأعطاه الأمان، قال: حدثني أبي عن
آبائه أن هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب عليه السلام جعله الله حرما لا يأوي إليه
شئ إلا أمن.
فنزل هارون فتوضأ وصلى عند الأكمة وتمرغ عليها وجعل يبكي ثم انصرفنا.
وعن ياسر قال: قال لي الرشيد ليلة ونحن بالكوفة: يا ياسر قل لعيسى بن
جعفر: يركب، فركبا وركبت معهما حتى صرنا إلى الغريين فأما عيسى فطرح
862

نفسه فنام، وأما الرشيد فجاء إلى أكمة فصلى عندها ودعا وبكى وتمرغ على الأكمة
ثم قال: يا ابن العم أنا والله أعرف فضلك وسابقتك، وبك والله جلست مجلسي الذي
أنا فيه، وأنت أنت ولكن ولدك يؤذونني ويخرجون علي، ثم يقوم فيصلي ويدعو
ويبكي حتى إذا كان وقت السحر قال: يا ياسر أقم عيسى فأقمته فقال: يا عيسى
قم فصل عند قبر ابن عمك، قال له: وأي بني عمومتي هذا؟ - قال: هذا قبر علي بن أبي طالب عليه السلام. فتوضأ عيسى وصلى فلم يزالا كذلك حتى بان الفجر فركبنا
ورجعنا إلى الكوفة.
فقال ياسر: يا أمير المؤمنين أتفعل هذا بقبر علي وتحبس ولده؟.! فقال:
ويلك إنهم يؤذونني ويحوجونني إلى ما أفعل بهم. أنظر إلى من في الحبس [وأحصهم]،
فأحصينا من في الحبس منهم ببغداد وبالرقة، فكانوا مقدار خمسين رجلا فقال: ادفع
إلى كل واحد منهم ألف درهم وثلاثة أثواب وأطلقهم.
قال ياسر: ففعلت ذلك، فما لي عند الله حسنة أكبرها منها.
وقد زاره الخليفة المقتفي مرارا، وكذلك الخليفة المستنصر وعمل الضريح
الشريف وبالغ فيه، وكذلك الخليفة المستعصم وفرق الأموال الجليلة عنده، والحال
في ذلك أظهر من أن يخفى.
وذكر ابن طحال أن الرشيد بنى عليه بنيانا بآجر أبيض أصغر من هذا
الضريح [الذي هو] اليوم من كل جانب بذراع، وأمر أن يبنى عليه قبة فبنيت من
طين أحمر وطرح على رأسها جرة خضراء هي في الخزانة إلى اليوم والسلام.
الباب الرابع عشر
فيما روى عن جماعة من أعيان العلماء
اعلم أنه لما كان القصد بدفنه عليه السلام سرا ستر الحال عن غير أهله قل
العارفون به من الأجانب، وإن عرف بعضهم فاستناد معرفته إليهم وقد قال كان كثير من
العلماء: لا يدري موضع قبره تحقيقا، لجهالتهم، ومن لا يدري لا ينازع من يقول:
863

إني (1) أدري، فليس خصما حينئذ. وأما مدعي العلم فقدمنا جوابه ولما كان هذا الأمر
خفيا لا جرم أنه كثر اختصاص الخواص به.
وقد أخبرني المقرئ عبد الصمد بن أحمد الحنبلي عن الحافظ أبي الفرج بن
الجوزي يرفعه إلى هشام بن محمد الكلبي قال: قال لي أبو بكر بن عياش: سألت أبا حصين
وعاصم بن بهدلة والأعمش وغيرهم فقلت: أخبركم أحد أنه صلى على علي عليه السلام
أو شهد دفنه؟ - قالوا: لا، فسألت أباك محمد بن السائب فقال: اخرج به ليلا وخرج
الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية عليهم السلام وعبد الله بن جعفر (رض) وعدة من أهل بيته
فدفن في ظهر الكوفة. فقلت لأبيك: لم فعل به ذلك؟ - قال: مخافة أن تنبشه
الخوارج وغيرهم.
وذكر عبد الحميد بن أبي الحديد في كتاب شرح نهج البلاغة حكاية حسنة (2) قال: حدثني يحيى بن سعيد الحنبلي المعروف بابن عالية قال: كنت عند الفخر
إسماعيل وكان مقدم الحنابلة ببغداد في الفقه والخلاف والمنطق. قال ابن عالية:
ونحن عنده نتحدث إذ دخل شخص من الحنابلة كان له دين على بعض أهل الكوفة
فانحدر إليه يطالبه به فاتفق أن حضرت زيارة يوم الغدير والحنبلي المذكور بالكوفة
فاجتمع بالمشهد من الخلائق جموع تتجاوز حد الحصر والعد قال ابن عالية: فجعل
الفخر يسأل ذلك الشخص ما فعلت؟ وما رأيت؟ فقال: يا سيدي لو شاهدت يوم الزيارة
ويم الغدير وما يجري عند قبر علي بن أبي طالب من الفضائح والأقوال الشنيعة
وسب الصحابة جهارا بأصوات مرتفعة. فقال إسماعيل: أي ذنب لهم؟ والله ماجر أهم
على ذلك وما فتح لهم هذا الباب إلا صاحب ذلك القبر.
فقال له ذلك الشخص: ومن صاحب ذلك القبر يا سيدي -؟ فقال: علي بن
أبي طالب عليه السلام. قال: يا سيدي هو الذي سن لهم ذلك وعلمهم إياه وطرقهم
إليه؟ - قال: نعم والله. فقال: يا سيدي إن كان محقا فما لنا نتولى فلانا وفلانا؟ وإن كان مبطلا فما لنا نتولاه؟ فيجب أن نتبرأ منه أو منهما.

1 - هذا نظير قول أبي عبد الله جعفر الصادق (ع): (ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم).
2 - قد تقدمت هذه الحكاية نقلا عن شرح النهج لابن أبي الحديد (أنظر ص 769).
864

قال ابن عالية فقام الفخر إسماعيل مسرعا فلبس نعليه وقال: لعن الله إسماعيل
الفاعل بن الفاعل إن كان يعرف جواب هذه المسألة، ودخل داره وقمنا نحن فانصرفنا.
والغرض من إيراد هذه الحكاية أن هذا شيخ الحنابلة ذكر أنه صاحب هذا
القبر الذي نحن بصدد تقريره ولم يقل: إنه في غيره ولم ينكر عليه قوله.
وذكر أحمد بن أعثم الكوفي [في الفتوح]: أنه دفن ليلا في الغري.
وقال أبو الفرج بن الجوزي في المنتظم: قال: أنبأنا شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي
قال: سمعت أبا الغنائم بن النرسي (1) يقول: ما لنا بالكوفة أحد من أهل السنة

1 - قد نقل السيد عبد الكريم بن طاووس (ره) في فرحة الغري شيئا
من عبارة المنتظم فلننقل هنا نص عبارته لكثرة فائدته وهي في الجزء
التاسع عند ذكره من توفي في سنة عشر وخمسمائة (ص 189):
(محمد بن علي بن ميمون بن محمد أبو الغنائم النرسي ويعرف بأبي الكوفي
لأنه كان جيد القراءة في زمان الصبوة فلقبوه بأبي، ولد في شوال سنة أربع وعشرين، وسمع
الكثير، وأول سماعه سنة سبع وثمانين وكتب وسافر ولقي أبا عبد الله العلوي، وكان هذا
العلوي يعرف الحديث وكان صالحا، سمع ببيت المقدس وحلب ودمشق والرملة، ثم قدم
بغداد فسمع البرمكي والجوهري والتنوخي والطبري والعشاري وغيرهم، وكان يورق
للناس بالأجرة، وقرأ القرآن بالقراءات وأقرأ وصنف، وكان ذا فهم ثقة، ختم به علم الحديث ببلده.
أنبأنا شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي قال:
سمعت أبا الغنائم ابن النرسي يقول: ما بالكوفة أحد من أهل السنة والحديث إلا أبيا،
وكان يقول: توفي بالكوفة ثلاثمائة وثلاثة عشر من الصحابة لا يتبين قبر أحد منهم إلا
قبر علي عليه السلام، وقال: جاء جعفر بن محمد ومحمد بن علي بن الحسين فزارا الموضع
من قبر أمير المؤمنين علي ولم يكن إذ ذاك القبر، وما كان إلا الأرض حتى جاء محمد بن
زيد الداعي وأظهر القبر.
وقال شيخنا ابن ناصر: ما رأيت مثل أبي الغنائم في ثقته وحفظه وكان يعرف
حديثه بحيث لا يمكن أحدا أن يدخل في حديثه ما ليس منه، وكان من قوام الليل، ومرض
ببغداد وانحدر وأدركه أجله بحلة ابن مزيد يوم السبت سادس عشر شعبان فحمل إلى الكوفة).
أقول: ترجمه الذهبي في تذكرة الحفاظ (ص 1260) وفي العبر (ج 4، ص 22)،
وصاحب النجوم الزاهرة (ج 5، ص 212)، والسيوطي في طبقات الحفاظ (ص 458)،
وابن العماد في شذرات الذهب (ج 4، ص 29).
865

والحديث إلا أنا، وكان يقول: توفي في الكوفة ثلاثمائة وثلاثة عشر من الصحابة
لا يدرى أين قبر أحد منهم إلا قبر علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقال: جاء جعفر الصادق وأبوه محمد بن علي عليهم السلام فزارا الموضع من قبر
أمير المؤمنين علي عليه السلام ولم يكن إذ ذاك القبر، وما كان إلا الأرض حتى جاء
محمد بن زيد الداعي (1) فأظهر القبر، وهذا محمد ملك بعد أخيه الحسن وهو الذي
بنى المشهد الشريف الغروي أيام المعتضد، وقتل في أيام وقعة أصحاب السلطان
وقبره بجرجان. ملك طبرستان عشرين سنة.
وقال ابن طحال: إن عضد الدولة تولى عمارته وأرسل الأموال العظيمة.
وذكر إبراهيم بن علي الدينوري في كتاب نهاية الطلب وغاية السؤل
في مناقب آل الرسول:
وقد اختلفت الروايات في قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام والصحيح أنه في الموضع
الشريف الذي على النجف الآن ويقصد ويزار، وما ظهر لذلك من الآيات والآثار
والكرامات فأكثر من أن تحصى، وقد أجمع الناس عليه على اختلاف مذاهبهم
وتباين أقوالهم، ولقد كنت في النجف ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي الحجة سنة سبع

1 - قال السيد (ره) في فرحة الغري بعد ذكر هذا الكلام ما نصه:
(أقول: وهذا محمد بن زيد بن الحسن بن محمد تقدم بطبرستان بن إسماعيل جالب
الحجارة بن الحسن دفين الحاجز بن زيد الجواد بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب
عليه السلام، ملك بعد أخيه الحسن الذي قد قدمنا ذكره، ومدحه أبو مقاتل الضرير بالأبيات
المشهورة النونية التي آخرها
حسنات ليس فيها سيئات * مدحة الداعي اكتبا يا كاتبان
وهو بنى المشهد الشريف الغروي أيام المعتضد، وقتل في وقعة أصحاب السلطان، وقبره
بجرجان، كذا ذكره في الشجرة. وقال الزيدي: إنه ملك طبرستان عشرين سنة وقال: زرت
قبره سنة 422).
أقول: هذا السيد معروف جدا وترجمته المبسوطة مذكورة في تاريخ طبرستان لابن -
اسفنديار (ص 94 - 96) وعمدة الطالب والفصول الفخرية وسائر كتب الأنساب والتواريخ
المفصلة المتضمنة لذكر ترجمة أمثاله فراجع إن شئت.
866

وتسعين وخمس مائة ونحن متوجهون نحو الكوفة بعد أن فارقنا الحاج بأرض
النجف وكانت ليلة مضحية كالنهار وكان ثلث الليل فظهر نور دخل القمر
في ضمنه ولم يبق له أثر فتأملت في سبب ذلك وإذا على قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام
عمود من النور يكون عرضه في رأي العين نحو ذراع وطوله نحو عشرين ذراعا وقد
نزل من السماء وبقي على ذلك حدود ساعتين ثم ما زال يتلاشى على القبة حتى
اختفى عني وعاد نور القمر كما كان، فكلمت جنديا كان إلى جانبي فوجدته
قد ثقل لسانه وارتعش فلم أزل به حتى عاد إلى ما كان عليه وأخبرني أنه شاهد
مثل ذلك.
قال: وهذا باب متسع لو ذهبنا إلى جميع ما قيل فيه ضاق الوقت عنه وظهر
العجز عن الحصر فليس ذلك بموقوف على أحد دون آخر فإن هذه الأشياء الخارقة
لم تزل تظهر هناك مع طول الزمان، ومن تدبر ذلك وجده مشاهدة وإخبارا، ومن
أحق بذلك منه عليه السلام وأولى وهو الذي اشترى الآخرة بطلاق الأولى، وفيما
أظهرنا الله عليه من خصائصه كفاية لمن كان له نظر ودراية، والله الموفق لمن كان له
قلت وأراد الهداية. وهذا آخر كلامه.
يقول عبد الرحمن بن محمد بن العتائقي - عفا الله عنه - (1): وأنا كنت جالسا

1 - قال المحدث القمي (ره) في سفينة البحار والكنى والألقاب:
(ابن العتائقي هو الشيخ العالم الفاضل المحقق المدقق الفقيه المتبحر كمال الدين
عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن العتائقي الحلي الإمامي، كان من علماء المائة الثامنة
معاصرا للشيخ الشهيد وبعض تلامذة العلامة - رحمهم الله تعالى -، له مصنفات كثيرة في العلوم
رأيت جملة منها في الخزانة المباركة الغروية، وله شرح على نهج البلاغة قال الأفندي (ره)
في رياض العلماء: وله ميل إلى الحكمة والتصوف لكن قد أخذ أصل شرحه من شرح
ابن ميثم، وكان تاريخ فراغه من تصنيف المجلد الثالث من شرحه على النهج شعبان سنة ثمانين
وسبعمائة).
أقول: ليست هذه الحكاية مذكورة في فرحة الغري فهي مما أضافه العلامة (ره)
إلى تلخيصه بمناسبة المقام وهذا المعنى مما يدل على أن هذه الرسالة للعلامة - أعلى الله
مقامه - إذ قد عرفت أن ابن العتائقي المذكور من علماء القرن الثامن والسيد عبد الكريم بن
طاووس المؤلف للفرحة قد توفي في سنة ثلاث وتسعين وستمائة كما في ترجمته (ره) في رجال
ابن داود (ره) فيكون ابن العتائقي المذكور في زمان تلخيص العلامة (ره) لكتاب السيد (ره)
من أصاغر الطلبة وقد صادف أن شاهد هذه الواقعة حين زيارته (ره) لمشهد الغري ونقلها للعلامة (ره)
فأدرجها في الرسالة.
ومما يؤيد هذا المدعى تعبير العلامة (ره) عنه بقوله: (يقول عبد الرحمن بن محمد بن
العتائقي عفى الله عنه) فإن هذا التعبير الساذج البسيط منه - رحمه الله - من القرائن القوية
على أن ناقلها لم يكن عنده بمنزلة رفيعة فهو من قبيل نقل الأكابر عن الأصاغر وهو كثير.
ولولا أن العلماء - رحمهم الله - قد نسبوا الرسالة إلى العلامة (ره) لقلت: إنها لابن -
العتائقي (ره) لظهور العبارة في ذلك.
ثم لا يخفى أن المجلسي (ره) نقل هذه القصة في تاسع البحار في باب ما ظهر عند الضريح
المقدس من المعجزات والكرامات (685) ويظهر من كيفية نقله (ره) أنها مأخوذة
من فرحة الغري وعلى ما حققناه لا يستقيم ذلك بل لا يمكن فليتحقق الأمر حق التحقيق حتى
يتبين الحال فيه إن شاء الله تعالى.
867

في حسن الأدب مقابل باب الحضرة المقدسة فجاء رجلان يريد أحدهما يحلف الآخر
بباب الحضرة الشريفة فقال له: والساعة لا بد لك أن تحلفني وأنت تعلم أني مظلوم
وأنك ليس لك قبلي شئ، وأنك تفعل ذلك بي عنادا، قال له: لا بد من ذلك، فقال:
اللهم بحق صاحب هذا الضريح من كان المعتدي على الآخر منا يغمى ويموت في
الحال، وحلفه، فلما فرغ من اليمين غشي على الذي حلفه فحمل إلى بيته فمات في الحال.
وقال في كتاب الوصية (1) لمحمد بن علي الشلمغاني: أنه عليه السلام دفن بظهر الكوفة
وقد كان فيما أوصى إلى ولده الحسن عليه السلام أن يحفر حيث تقف الجنازة فإنك تجد
خشبة محفورة، كان نوح عليه السلام حفرها له فيدفنه فيها.
وذكر ياقوت الحموي - وكان من أعيان الجمهور - في ترجمة الغريين في
معجم البلدان:
والغريان طربالان وهما بناءان كالصومعتين كانتا في ظهر الكوفة قرب قبر -
علي بن أبي طالب عليه السلام.

1 - نص عبارة الفرحة هنا هكذا (ص 58 طبعة إيران و ص 112 من الطبعة الثانية
بالنجف): (قال صاحب الوصية محمد بن علي الشلمغاني).
868

وذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: أن قبره عليه السلام بالغري، وما
يدعيه أصحاب الحديث من الاختلاف في قبره وأنه حمل إلى المدينة، أو أنه دفن في
رحبة، الجامع، أو عند باب قصر الإمارة (1) باطل كله لا حقيقة له، وأولاده أعرف بقبره،
وهذا القبر [هو] الذي زاره بنوه لما قدموا العراق كالباقر والصادق عليهما السلام وغيرهما.
قال الشيخ ابن عليان الخازن: وجد بخط محمد بن السري المعروف بابن النرسي:
كانت زيارة عضد الدولة للمشهدين الشريفين المقدسين المنورين الغروي والحائري
في شهر جمادى الأولى من سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وزار مشهد الحسين عليه السلام
لبضع بقين من جمادى وتصدق وأعطى الناس على اختلاف طبقاتهم، وجعل في الصندوق
دراهم ففرقت على العلويين فأصاب كل واحد منهم اثنان وثلاثون درهما، وكان
عددهم ألفين ومائتي اسم، ووهب العوام والمجاورين عشرة آلاف درهم، وفرق على
أهل المشهد من الدقيق والتمر مائة ألف رطل، ومن الثياب خمسمائة قطعة، وأعطى الناظر
عليهم ألف درهم وخرج وتوجه إلى الكوفة لخمس بقين من جمادى المذكور ودخلها
وتوجه إلى المشهد الشريف ثاني يوم وروده وزار الحرم الشريف وطرح في الصندوق
دراهم فأصاب كل واحد منهم أحدا وعشرين درهما، وكان عدد العلويين ألف اسم
وسبع مائة اسم، وفرق على المجاورين خمسمائة ألف درهم وعلى القراء والفقهاء ثلاثة
آلاف درهم.
وتوفي عضد الدولة فناخسرو - رحمه الله - سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة.
وأخبرني والدي عن السيد فخار بن معد عن محمد بن علي بن شهرآشوب في كتاب
المناقب قال: قال الغزالي: ذهب الناس إلى أن عليا عليه السلام دفن في النجف وأنهم حملوه

1 - في فرحة الغري هنا هذه العبارة أيضا (ص 58 من طبعة إيران، و ص 112 من الطبعة
الجديدة بالعراق): (أو ند البعير الذي حمل عليه فأخذته الأعراب).
2 - كذا في النسخ المخطوطة التي عندي من فرحة الغري لكن في الأصل والنسخ
المطبوعة من الفرحة: (الفقراء).
869

على ناقة فسارت حتى انتهت إلى موضع قبره فبركت فضربت حتى تنهض فلم تنهض
فدفنوه فيه.
ولو أخذنا في ذكر من زاره وعمره لأطلنا. ولقد أحسن الصاحب عطا ملك بن
الجويني صاحب ديوان الدولة الايلخانية - رضي الله عنه - حيث عمل الرباط به،
وكان وضع أساسه في سنة سبعين وستمائة، وابتداء حفر القناة إليه سنة اثنتين وسبعين
وستمائة، وأجرى الماء في النجف سنة ست وسبعين وستمائة، وقد كان سنجر
ابن ملك شاه اجتهد في ذلك من قبل فلم يتفق له.
الباب الخامس عشر
في بعض ما ظهر عند الضريح المقدس من الكرامات
مما هو كالبرهان على المنكر
عن أبي الحسن علي بن الحسن بن الحجاج قال: كنا جلوسا في مجلس ابن
عمي أبي عبد الله محمد بن عمران بن الحجاج وفيه جماعة من أهل الكوفة من المشايخ
فبينا هم يتحدثون إذ حضر المجلس إسماعيل بن عيسى العباسي فلما نظرت الجماعة
إليه أحجمت عما كانت فيه وأطال إسماعيل الجلوس فلما نظر إليهم قال لأصحابنا:
أعزكم الله لعلي قطعت عليكم حديثكم بمجيئي؟ - فقال أبو الحسن علي بن يحيى
السليماني وكان شيخ الجماعة: لا والله أعزك الله. فقال يا أصحابنا: اعلموا أن الله
مسائلي عما أقول لكم وما أعتقده من المذهب حتى حلف بعتق كل جارية له ومملوك
وحبس دوابه أنه ما يعتقد إلا ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والسادة
من الأئمة - صلوات الله عليهم - وعدهم واحدا فانبسطت الجماعة ثم قال:
رجعنا يوم جمعة من الجامع مع عمي داود فلما كان قبل دخول منزله قال: أينما كنتم قبل الغروب من الشمس فصيروا إلي وكان جمرة بني هاشم فصرنا إليه آخر
النهار فقال: صيحوا بفلان وفلان من الفعلة فجاؤوا برجلين ومعهما آلتهما والتفت
إلينا فقال: اجتمعوا كلكم فاركبوا وخذوا معكم الجمل يعني غلاما كان له أسود، وكان
لو حمل هذا الغلام على سكر دجلة لسكرها من شدته وبأسه، وامضوا إلى هذا القبر
870

الذي قد افتتن به الناس ويقولون: إنه قبر علي عليه السلام حتى تنبشوه وتجيئوني بأقصى
ما فيه، فمضينا إلى الموضع وقلنا: دونكم وما أمر به. فحفر الحفارون وهم يقولون:
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، حتى نزلوا خمسة أذرع، فلما بلغوا الصلابة
قالوا: لا يقوى بنقره منا أحد، فأنزلوا الحبشي فأخذ المنقار فضرب ضربة سمعنا
لها طنينا شديدا في البرية، ثم ضرب ثانية فسمعنا طنينا أشد، ثم ضرب الثالثة
فسمعنا طنينا أشد مما تقدم، ثم صاح الغلام صيحة فقمنا فأشرفنا عليه فسألناه
فلم يجبنا وهو يستغيث فشدوه وأخرجوه بالحبل فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى
مرفقه دم وهو يستغيث، ولا يكلمنا فحملناه على بغل ورجعنا طائرين ولم يزل لحم
الغلام ينشر من عضده وجنبه وسائر شقه الأيمن حتى انتهينا إلى عمي. فقال: أي
شئ (1) وراءكم؟ فقلنا: ما ترى. وحدثنا بالصورة فالتفت إلى القبلة وتاب مما هو
عليه ورجع عن مذهبه وتولى وتبرأ، وركب إلى علي بن مصعب وسأله أن يعمل
على القبر صندوقا ولم يخبره بشئ مما جرى ووجه بمن طم القبر، وعمل الصندوق
عليه، ومات الغلام الأسود من وقته.
قال أبو الحسن بن حجاج: رأينا هذا الصندوق وكان لطيفا. وذلك قبل أن
يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد
ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام المعروف بالداعي الخارج بطبرستان.
نقلته من خط الشيخ الطوسي (ره).
وقال الفقيه صفي الدين ابن معد: قد رأيت هذا الحديث بخط أبي يعلى
محمد بن حمزة الجعفري صهر الشيخ المفيد والجالس بعد وفاته مجلسه.
وعن أبي الحسن محمد بن أحمد الجواليقي قال: أخبرني أبي قال: أخبرني جدي
أبو أمي محمد بن علي بن دحيم قال: مضيت أنا ووالدي وعمي حسين وأنا صبي في سنة
اثنتين (2) وستين ومائتين بالليل ومعنا جماعة متخفين إلى الغري لزيارة قبر مولانا

1 - في جميع ما رأيت من نسخ فرحة الغري مخطوطة كانت أو مطبوعة: (أيش)
وهو بمعناه.
2 - في نسخ الفرحة بدل: (اثنتين): (نيف)
871

أمير المؤمنين عليه السلام فلما جئنا إلى القبر وكان يومئذ قبر حوله حجارة سود ولا بناء
عنده، وليس في طريقه غير قائم الغري فبينا نحن عنده، بعضنا يصلي وبعضنا يقرأ وبعضنا
يزور إذ نحن بأسد يقبل نحونا فلما قرب منا مقدار رمح قال بعضنا لبعض: ابعدوا
عن القبر حتى ننظر ما يريد فابعدنا عنه وجاء الأسد إلى القبر وجعل يتمرغ ذراعيه
على القبر، فمضى رجل منا فشاهده وعاد فأعلمنا فزال الرعب عنا وجئنا بأجمعنا
حتى شاهدناه يمرغ ذراعيه على القبر وفيه جرح فلم يزل يمرغه ساعة ثم انزاح عن
القبر ومضى، فعدنا لما كنا عليه.
ومن محاسن القصص ما قرأته بخط والدي قال: سمعت شهاب الدين بندار بن
ملك دار القمي يقول: حدثني كمال الدين شرف المعالي بن عنان (غياث خ ل) (1)
القمي قال:
دخلت إلى حضرة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فزرته وتحولت إلى موضع
المسألة ودعوت ثم قمت فعلق مسمار من الضريح المقدس في قبائي فمزقه فقلت
مخاطبا لأمير المؤمنين عليه السلام: ما أعرف عوض هذا إلا منك، وكان إلى جانبي رجل
رأيه غير رأيي فقال مستهزئا: ما يعطيك عوضه إلا قباء ورديا، فانفصلنا من الزيارة
وجئنا إلى الحلة وكان جمال الدين قشتمر الناصري - رحمه الله - قد هيأ لشخص يريد
أن ينفذه إلى بغداد يقال له (ابن مايست) قباءا وقلنسوة وأمر له بهما فخرج الخادم
على لسان قشتمر وقال: هاتوا كمال الدين القمي المذكور. فأخذ بيدي ودخل إلى
الخزانة وخلع علي قباء ملكيا ورديا، فخرجت ودخلت حتى أسلم على قشتمر و
أشكر له فنظر إلي نظرا عرفت الكراهية في وجهه، والتفت إلى الخادم مغضبا وقال:
طلبت فلانا يعني ابن مايست. فقال الخادم: إنما قلت: كمال الدين القمي وشهد
الجماعة الذين كانوا جلوسا عنده أنه أمر بإحضار كمال الدين القمي.
فقلت: أيها الأمير أنت ما خلعت علي هذه الخلعة إنما خلعها علي
أمير المؤمنين عليه السلام، فالتمس مني الحكاية فحكيتها له، فخر ساجدا وقال: الحمد لله

1 - عبارة النسخ هنا مشوشة فليتحقق من الخارج.
872

كيف كانت الخلعة على يدي.
وروى ذلك محمد بن شرفشاه الحسيني عن شهاب الدين بندار أيضا.
وعن حسين بن عبد الكريم الغروي قال: وفد إلى المشهد الشريف الغروي
رجل أعمى من أهل تكريت وكان قد عمي على كبر وعيناه ناتئتان على خده وكان يقعد
عن المسألة ويخاطب الجناب الأشرف بخطاب غير حسن مثل: كيف يليق بي أجئ
وأمشي أعمى ويشتفي بك من لا يحبك، وأشباهه، وكنت أهم بالإنكار عليه ثم أصفح عنه،
فبينما أنا في بعض الأيام قد فتحت الخزانة إذ سمعت صيحة عظيمة فخرجت ألتمس
الخبر فقيل لي: هيهنا أعمى قد رد بصره، فإذا هو ذلك الأعمى بعينه، وعيناه كأحسن
ما يكون، فشكرت الله على ذلك.
وعن الحسين بن عبد الكريم الغروي قال: كان بالحلة ايلغازي أميرا وكان
قد أنفذ سرية إلى العرب فلما رجعت السرية نزلوا حول سور المشهد الشريف
الغروي - على الحال به أفضل الصلاة والسلام - قال الشيخ حسين: فخرجت بعد
رحيلهم إلى ذلك الموضع الذي كانوا فيه نزولا لأمر عرض لي فوجدت كلابي سربوش
ملقاة في الرمل فأخذتهما فلما صارا في يدي ندمت وقلت: تعلقت ذمتي بما ليس فيه
راحة، فلما كان بعد مدة اتفق إنه مات بالمشهد امرأة علوية فصلينا عليها وخرجت
معها إلى المقبرة وإذا برجل تركي قائم يفتش موضعا لقيت الكلابين فقلت لأصحابي:
هذا التركي يفتش على كلابي سربوش وهما معي في جيبي وجئت أنا وأصحابي وقلنا
له: على ما تفتش؟ قال: أفتش كلابين ضاعتا مني منذ سنة، قلنا: سبحان الله! يضيع
منك منذ سنة وتطلبهما اليوم؟ - قال: نعم أعلم أني لما دخلت السرية ضاعتا فلما
وصلنا إلى خندق الكوفة ذكرتهما فقلت: يا علي هما في ضمانك لأنهما في حرمك
وأنا أعلم أنهما لا يصيبهما شئ. فقلت له: الآن ما حفظ الله عليك شيئا غيرهما
ثم ناولته إياهما.
وعن الشيخ حسن بن حسين بن طحال المقدادي قال: أخبرني أبي عن أبيه
عن جده أنه أتاه رجل مليح الصورة نقي الأثواب دفع إليه دينارين وقال له:
873

أغلق علي القبة وذرني، فأخذهما منه وأغلق باب القبة ونام، فرأى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام في منامه وهو يقول: اقعد أخرجه عني فإنه نصراني. فنهض
علي بن طحال وأخذ حبلا فوضعه في عنق الرجل وقال له: اخرج تخدعني بالدينارين
وأنت نصراني؟ - قال: لست بنصراني قال: بلى إن أمير المؤمنين عليه السلام أتاني في المنام
وأخبرني أنك نصراني وقال لي: أخرجه. فقال: امدد يدك وأسلم، وقال: ما علم أحد
بخروجي من الشام، ولا عرفني أحد من أهل العراق، ثم حسن إسلامه.
وحكى أيضا أن عمران بن شاهين من أهل العراق عصى على عضد الدولة فطلبه
طلبا شديدا فهرب منه إلى المشهد متخفيا فرأى أمير المؤمنين عليه السلام ليلة في منامه
وهو يقول: يا عمران إن في غد يأتي فناخسرو إلى ههنا فيخرجون كل من كان
في هذا المكان فتقف أنت ههنا وأشار إلى زاوية من زوايا القبة فإنهم لا يرونك
فسيدخل ويزور ويصلي ويبتهل في الدعاء والقسم بمحمد صلى الله عليه وآله أن يظفر بك، فادن
منه وقل له: أيها الملك من هذا الذي قد ألححت بالقسم بمحمد وآله أن يظفرك
به؟ - فسيقول: رجل عصاني ونازعني في سلطاني. فقل له: ما لمن يظفرك به؟ -
فيقول: إن حتم علي بالعفو عنه لعفوت عنه فأعلمه بنفسك فإنك تجد منه ما تريد، فكان
كما قال: فقال له: أنا عمران. قال: من أوقفك هنا؟ - قال هذا مولانا قال لي في منامي:
غدا يحضر فناخسرو إلى ههنا، وأعاد عليه القول، فقال له: بحقه قال لك فناخسرو؟ -
فقلت: إي وحقه، فقال عضد الدولة: ما عرف أحد أن اسمي فناخسرو إلا أمي
والقابلة وأنا. ثم خلع عليه الوزارة وطلع بين يديه إلى الكوفة، وكان عمران قد
نذر عليه أنه متى عفا عنه عضد الدولة أتى إلى زيارة أمير المؤمنين حافيا حاسرا، فلما
جنه الليل خرج من الكوفة وحده.
فرأى جدي علي بن طحال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في منامه يقول له:
افتح لوليي عمران بن شاهين فقعد وفتح الباب وإذا بالشيخ قد أقبل فلما وصل قال
له: بسم الله يا مولانا. فقال: ومن أنا؟ - قال: عمران بن شاهين. قال: لست بعمران
ابن شاهين. فقال: بلى إن أمير المؤمنين عليه السلام أتاني في منامي وقال لي: أقعد افتح
874

لوليي عمران بن شاهين الباب. قال له: بحقه هو قال لك؟ - قال: إي وحقه هو
قال لي. فوقع على العتبة يقبلها وأحاله على ضامن السمك بستين دينارا وكانت له
زواريق تعمل في الماء في صيد السمك.
أقول: وبنى الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين الغروي
والحائري على مشرفهما السلام (1).
وفي سنة إحدى وخمسمائة بيع الخبز بالمشهد الشريف كل رطل بقيراط
وبقي أربعين يوما فمضى القوام من الضر على وجوههم إلى القرى، وكان من القوام
رجل يقال له أبو البقاء بن شويته (2) وكان له من العمر مائة وعشر سنين، فلم يبق من القوام
سواه فأضربه به الحال فقالت له زوجته وبناته: هلكنا، امض كما مضى القوام فلعل الله
يفتح بشئ، فعزم على المضي فدخل القبة الشريفة وزار وصلى وجلس عند رأسه
الكريم وقال: يا أمير المؤمنين لي في خدمتك مائة سنة ما فارقتك وما رأيت
الحلة ولا رأيت السكون وقد أضربي وبأطفالي من الجوع أمر عظيم، وها أنا
مفارقك ويعز علي فراقك، أستودعك الله هذا فراق بيني وبينك. ثم خرج ومضى
مع المكارية يريد الوقف وسوراء وفي صحبته وهبان السلمي وأبو كروان فلما وصلوا
إلى أبي هبيش نزلوا ونام أبو البقاء فرأى في منامه أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقول:
يا أبا البقاء فارقتني بعد طول هذه المدة؟..! عد إلى حيث كنت. فانتبه باكيا فقيل:
ما يبكيك؟ فقص عليهم المنام ورجع، فحيث رأته زوجته وبناته صرخن في وجهه
فقص عليهن القصة وأخذ مفتاح القبة من الخازن بن شهريار القمي وقعد على عادته
ففي اليوم الثالث أقبل رجل وبين كتفيه مخلاة وأخرج منها ثيابا ولبسها ودخل إلى
القبة الشريفة وزار وصلى ودفع إلي خفيفا (3) وقال: آتنا بطعام نتغذى. فمضى
أبو البقاء وأتى بخبز ولبن وتمر، فقال له: ما يؤكل لي هذا، امض به إلى أولادك
يأكلوه، وخذ هذا الدينار واشتر لنا دجاجا وخبزا، ففعلت ذلك فلما صلى الظهرين

1 - هذان الرواقان موجودان الآن ويعرف كل منهما برواق عمران.
2 - كذا في الأصل لكن في البحار وفي جميع ما رأيت من نسخ فرحة الغري: (سويقة).
3 - في البحار (ص 682، س 17) مكانه: (دينارا).
875

أتى إلى داري فأحضرت الطعام وأكلنا وقال لي: آتني بأوزان الذهب. فطلع
أبو البقاء إلى زيد بن واقصة وهو صائغ على باب دار التقي بن أسامة العلوي النسابة
فأخذ منه الصينية وفيها أوزانها كلها فجمع الرجل جميع الأوزان فوضعها في الكفة
وأخرج كيسا مملوءا ذهبا وترك منه بحذاء الأوزان وصبه في حجر القيم ونهض
وشد ما تخلف وأخذ مداسه، فقال له القيم: يا سيدي ما أصنع بهذا؟ - قال: هو لك،
الذي قال لك: ارجع إلى حيث كنت قال لي: أعطه حذاء الأوزان التي يأتي بها،
فوقع القيم مغشيا عليه ومضى الرجل وقام القيم فزوج بناته وعمر داره وحسنت حاله.
وقال: إن في سنة خمس وسبعين وخمسمائة كان الأمير مجاهد الدين
سنقر قد وقع بينه وبين بني خفاجة شئ فما كان أحد منهم يأتي المشهد ولا غيره
إلا وله طليعة، فأتى فارسان فدخل أحدهما المشهد وبقي الآخر طليعة فطلع سنقر
من مطلع الرهيمي وأتى مع السور فلما بصربه الفارس نادى: جاءت العجم. فأفلت
ومنعوا الآخر أن يخرج من الباب واقتحموا وراءه فدخل راكبا ثم نزل من فرسه
قدام باب السلام ومضت الفرس ودخلت دار ابن عبد الحميد ودخل البدوي إلى الضريح
الشريف فقال سنقر: آتوني به فجاءت المماليك يجذبونه من على الضريح الشريف
وقد لزم البدوي برمانة الضريح وهو يقول: يا أبا الحسن أنت عربي وأنا عربي و
عادة العرب الدخول وقد دخلت عليك يا أبا الحسن دخليك دخيلك وهم يفكون أصابعه
عن الرمانة وهو يقول: لا تخفر ذمامك. فأخذوه ومضوا به فأراد أن يقتله فقطع على
نفسه مأتي دينار وفرسا فكفله ابن بطن الحق ومضى ليأتي المال والفرس، فلما كان
الليل وأنا نائم مع والدي محمد بن طحال بالحضرة وإذا بالباب يطرق ففتح الباب وإذا
أبو البقاء والبدوي معه وعليه جبة حمراء وعمامة زرقاء ومملوك على رأسه منشفة مكورة
فدخلوا القبة الشريفة حين فتحت ووقفوا قدام الشباك وقال: يا أمير المؤمنين
عبدك سنقر يسلم عليك ويقول لك: إلى الله وإليك المعذرة والتوبة وهذا دخيلك، هذا
كفارة ما صنعت. فقال له والدي: ما سبب هذا؟ - قال: إنه رأى أمير المؤمنين عليه السلام
في منامه وبيده حربة وهو يقول: والله لئن لم تخل سبيل دخيلي لأنزعن نفسك
876

على هذه الحربة وقد خلع عليه وأرسله ومعه خمسة عشر رطلا فضة بعيني رأيتها
وهي سروج وكيزان ورؤوس أعلام وصفائح فضة فعملت ثلاث طاسات على الضريح
الشريف - صلوات الله على مشرفه.
وأما البدوي ابن بطن الحق فرأى أمير المؤمنين عليه السلام في منامه في البرية
وهو يقول: ارجع إلى سنقر فقد خلى سبيل الذي كان أخذه فرجع إلى المشهد
الشريف واجتمع بالأمير المطلق.
هذا رأيته سنة خمس وسبعين وخمسمائة.
وقال في سنة أربع وثمانين وخمسمائة في شهر رمضان المبارك كان يأتون
مشايخ زيدية من الكوفة كل ليلة يزورون وكان فيهم رجل يقال له عباس
الأمعص وكانت تلك الليلة نوبة الخدمة علي فجاؤوا على العادة وطرقوا الباب ففتحته
لهم وفتحت باب القبة الشريفة وبيد عباس سيف، فقال لي: أين أطرح هذا السيف؟ -
فقلت له: اطرحه في هذه الزاوية. وكان شريكي في الخدمة شيخ كبير يقال له
بقاء بن عنقود فوضعه ودخلت فأشعلت لهم شمعة وحركت القناديل وزاروا وصلوا
وطلعوا، وطلب عباس السيف فلم يجده فسألني عنه فقلت له: مكانه. فقال: ما هو
ههنا فطلبه ما وجده، وعادتنا أن لا نخلي أحدا ينام بالحضرة سوى أصحاب النوبة،
فلما يئس منه دخل وقعد عند الرأس وقال: يا أمير المؤمنين أنا وليك عباس
واليوم لي خمسون سنة أزورك في كل ليلة من رجب وشعبان وشهر رمضان والسيف
الذي معي عارية وحقك إن لم ترده علي إن رجعت ما زرتك أبدا، وهذا فراق
بيني وبينك أبدا، ومضى، فأصبحت وأخبرت السيد النقيب السعيد شمس الدين
علي بن المختار فضجر علي وقال: ألم أنهكم أن ينام أحد بالمشهد سواكم؟ فأحضرت
الختمة الشريفة وأقسمت بها أنني فتشت المواضع وقلبت الحصر وما تركت أحدا
عندنا، فوجد من ذلك أمرا عظيما وصعب عليه، فلما كان بعد ثلاث ليال وإذا
أصواتهم بالتكبير والتهليل فقمت وفتحت لهم على جاري عادتي وإذا بعباس الأمعص
والسيف معه فقال: يا حسن هذا السيف فالزمه فقلت: أخبرني خبره، قال: رأيت
877

مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في منامي وقد أتى إلي وقال: يا عباس لا تغضب، امض
إلى دار فلان بن فلان اصعد الغرفة التي فيها التبن، خذ السيف، وبحياتي عليك
لا تفضحه ولا تعلم به أحدا. ومضيت إلى النقيب المذكور فأعلمته بذلك فطلع في
السحر إلى الحضرة وأخذ السيف منه وحكى له ذلك، فقال له: لا أعطيك السيف
حتى تعلمني من كان أخذه. فقال له عباس: يا سيدي يقول لي جدك: بحياتي عليك
لا تفضحه ولا تعلم به أحدا. ولم يعلمه ومات ولم يعلم أحدا من الأخذ السيف.
وهذه الحكاية أخبرنا بمعناها المذكور القاضي العالم الفاضل المدرس عفيف -
الدين ربيع بن محمد الكوفي (1) عن القاضي الزاهد علي بن بدر الهمداني عن عباس
المذكور يوم الثلاثاء خامس عشر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وستمائة.

1 - قال كمال الدين أبو الفضل عبد الرزاق المعروف بابن الفوطي
الشيباني الحنبلي في تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب (ج، ص 478):
(عفيف الدين أبو محمد ربيع بن محمد بن أبي منصور الكوفي القاضي الحنفي، كان
من القضاة العلماء الادياء، شهد عند أقضى القضاة نظام الدين عبد المنعم البندنيجي، وولي
تدريس العصمتية، وكان أديبا فاضلا عالما بالكلام والأصول، وأنشدني ما كتبه إلى الصاحب
أصيل الدين الحسن بن نصير الدين لما أخرج من دار المدرسة المغيثية سنة ثمان وثمانين وستمائة:
إنا مدحناك لا من أجل حاجتنا * لكن لفضلك إن الفضل ممدوح
وباب حاجتنا أن سده قدر * فعندنا لك باب العز مفتوح
ولي إذا نلتها أو لم أنل أمل * على فنائك ملقى الرحل مطروح
وأي حكميك في أمري حكمت به * قلبي به طيب.....
وقال المحقق الفقيد الدكتور مصطفى جواد (ره) في تعليقته ما نصه:
(جاء ذكره [أي عفيف الدين ربيع المذكور] في الحوادث سنة 671 ه‍ ففيها تكاملت
عمارة المدرسة العصمتية نسبة إلى ذات العصمة شاه لبني بنت عبد الخالق بن ملكشاه بن أيوب
الأيوبية زوجة أبي بكر أحمد بن المستعصم بالله ولي العهد أولا، ثم زوجة الصاحب علاء الدين
عطا ملك الجويني ثانية، فقد جعل عفيف الدين ربيع هذا مدرسا للحنفية فيها، ثم ناب في
فضاء بغداد مضافا إلى التدريس، وعزل عن القضاء (سنة 689 ه‍) وذكر له مؤلف كشف -
الظنون شرحا لكتاب المقصور والممدود تأليف إبراهيم بن يحيى اليزيدي المتوفى سنة
(225 ه‍) قال: شرحه عفيف الدين ربيع بن محمد بن أحمد الكوفي المتوفى سنة اثنتين
وثمانين وستمائة (كذا) وقد وهم في تاريخ وفاته لأنه بقي إلى ما بعد سنة (688 ه‍)
كما سيأتي في ترجمته وغيرها، وفي خزانة كتب ينى جامع باستانبول نسخة من كتاب (شرح
بيان كتاب سيبويه والمفصل) كتبت سنة (696 ه‍) وبآخرها خط المؤلف وقد صورتها الإدارة
الثقافية بالجامعة العربية (فهرست المخطوطات ج 1، ص 482) وذكره السيوطي في بغية
الوعاة ص 347 وقال: له شرح لمقصورة ابن دريد خطه عليها في جمادى الأولى سنة 682 ه‍).
وقال أيضا: (العصمتية التي ذكرنا آنفا تاريخ افتتاحها، وكانت مجاورة لمشهد عبيد الله
العلوي المعروف اليوم بأبي رابعة بالأعظمية).
وقال أيضا: (المغيثية منسوبة إلى مغيث الدين محمود بن محمد بن ملك شاه السلطان
السلجوقي المتوفى (سنة 525 ه‍) وتسمى أحيانا (الغياثية) نسبة إلى مسعود بن ملك شاه السلطان
السلجوقي (المتوفى سنة 547 ه‍) فهو أخو محمود، وكانت هذه المدرسة على شاطئ دجلة، ومن
المعلوم أنها كانت للحنفية لأن بني سلجوق كانوا على هذا المذهب، والأخبار تؤيد ذلك).
878

قصة
قال: وفي سنة سبع وثمانين وخمسمائة كانت نوبتي أنا وشيخ يقال له صباح بن
حوبا، فمضى إلى داره وبقيت وحدي وعندي رجل يقال له: أبو الغنائم بن كدونا
وقد أغلقت الحضرة الشريفة - صلوات الله على صاحبها - وقع في مسامعي صوت أجد
أبواب القبة فارتعت لذلك وقمت وفتحت الباب الأول ودخلت إلى باب الوداع فلمست
الأقفال فوجدتها على ما هي والأغلاق كذلك ومشيت على الأبواب أجمع فوجدتها
بحالها وكنت أقول: والله لو وجدت أحدا للزمته، فلما رجعت طالعا وصلت إلى
الشباك الشريف وإذا برجل ظهر الضريح أحققه في ضوء القناديل فحين رأيته أخذتني
القعقعة والرعدة العظيمة وربا لساني في فمي إلى أن صعد إلى سقف حلقي فلزمت
بكلتا يدي عمود الشباك وألصقت منكبي الأيمن في ركنه وغاب وجدي عني ساعة
وإذا همهمة الرجل ومشيه على فرش الصحن بالقبة وتحريك الختمة الشريفة بالزاوية
من القبة، وبعد ساعة رد روعي وسكن قلبي فنظرت فلم أره فرجعت حتى أطلع
فوجدت الباب المقابل باب الحضرة قد فتح منه بقدر شبر فرجعت إلى باب الوداع
وفتحت الأقفال والأغلاق، ودخلت وأغلقته من داخل. فهذا ما رأيته وشاهدته.
قصة أخرى
وقال أيضا: إن رجلا يقال له: أبو جعفر الكناسي سأله رجل أن يدفع إليه
بضاعة فلما ألح عليه أخرج ستين دينارا وقال له: أشهد لي أمير المؤمنين بذلك.
فأشهده عليه بالقبض والتسليم، ففعل ذلك، فلما قبض المبلغ بقي ثلاثة سنين ما أعطاه
879

شيئا وكان بالمشهد رجل ذو صلاح يقال له: مفرح فرأى في المنام كان الرجل الذي
قبض المبلغ قد مات وقد جاؤوا به على جاري العادة ليدخلونه على الحضرة الشريفة
فلما وصلوا إلى الباب طلع أمير المؤمنين عليه السلام إلى العتبة وقال: لا يدخل هذا إلينا
ولا يصلي أحد عليه فتقدم ولد له يقال له: يحيى، فقال يا أمير المؤمنين وليك.
قال: صدقت ولكن أشهدني عليه لأبي جعفر الكناسي بمال ما أوصله إليه. فأصبح
ابن مفرح فأخبرنا بذلك فدعينا أبا جعفر فقلنا له: أي شئ لك عند فلان؟ - قال:
ما لي عنده شئ فقلنا له: ويلك شاهدك إمام. قال: ومن شاهدي؟ فقلنا له:
أمير المؤمنين عليه السلام. فوقع على وجهه يبكي فأرسلنا إلى الرجل الذي قبض المال
فقلنا له: أنت هالك فأخبرناه بالمنام فبكى ومضى فأحضر أربعين دينارا فسلمها إلى
أبي جعفر وأعطاه الباقي. قصة أخرى
وحكى علي بن مظفر النجار قال، كان لي حصة في ضيعة فقبضت غصبا فدخلت
إلى أمير المؤمنين عليه السلام شاكيا وقلت: يا أمير المؤمنين إن ردت هذه الحصة علي
عملت هذا المجلس من مالي، فردت الحصة عليه فغفل مدة فرأى أمير المؤمنين عليه السلام
في منامه وهو قائم في زاوية القبة الشريفة وقد قبض على يده وطلع حتى وقف على
باب الوداع البراني وأشار إلى المجلس وقال: يا علي يوفون بالنذر. فقلت: حبا
وكرامة يا أمير المؤمنين. وأصبح فاشتغل في صورة ما كانت في الأصل عمله.
والحمد لله رب العالمين
[صورة خط كاتب النسخة]
قد وفقت بكتابة هذه النسخة الشريفة
الموسومة بالدلائل البرهانية في تصحيح الحضرة الغروية
في يوم الاثنين
غرة شهر ذي القعدة سنة 1019
أنا العبد الجاني الفقير الحقير ميرزا محمد بن المغفور المبرور
إلى ربه القدير محمد نظير عفي عني وعن والدي في اليوم الأخير
880

تكملة
إذا أحطت خبرا بذلك فاعلم أن الشيعة الإمامية الاثني عشرية متفقون على
ما أفصحت عنه الرسالة وذلك وإن كان من الوضوح بمكان إلا أنه ينبغي أن نؤيد
المدعى ونؤكده بقول المجلسي (ره) وبما صرح به صاحب عمدة الطالب فنقول:
قال العلامة المجلسي - قدس الله روحه ونور صريحه - في تاسع البحار
في آخر (باب ما ظهر عند الضريح المقدس من المعجزات والكرامات)
وهو آخر المجلد التاسع (ص 686 من طبعة أمين الضرب) ما نصه:
تذنيب - إعلم أنه كان في بعض الأزمان بين المخالفين اختلاف في موضع قبره
الشريف فذهب جماعة من المخالفين إلى أنه عليه السلام دفن في رحبة مسجد الكوفة، وقيل:
إنه دفن في قصر الإمارة، وقيل: أخرجه ابنه الحسن وحمله معه إلى المدينة ودفنه
بالبقيع، وكان بعض جهلة الشيعة يزورونه بمشهد في الكرخ.
وقد أجمعت الشيعة على أنه عليه السلام مدفون بالغري في الموضع المعروف عند
الخاص والعام وهو عندهم من المتواترت رووه خلفا عن سلف إلى أئمة الدين
- صلوات الله عليهم أجمعين - وكان السبب في هذا الاختلاف إخفاء قبره خوفا
من الخوارج والمنافقين، وكان لا يعرف ذلك إلا خاص الخاص من الشيعة إلى أن
ورد الصادق عليه السلام الحيرة في زمن السفاح فأظهره لشيعته، ومن هذا اليوم إلى الآن
يزوره كافة الشيعة في هذا المكان وقد كتب السيد عبد الكريم بن أحمد بن طاووس (ره)
كتابا في تعيين موضع قبره عليه السلام ورد أقوال المخالفين وسماه (فرحة الغري)
وذكر فيه أخبارا متواترة فرقناها على الأبواب.
وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (1):
(قال أبو الفرج الإصفهاني: حدثني أحمد بن عيسى عن الحسين بن نصر عن
زيد بن المعدل (2) عن يحيى بن شعيب عن أبي مخنف عن فضيل بن حديج عن الأسود

1 - راجع شرح ابن أبي الحديد ج 2 ص 45.
2 - في شرح النهج: (ابن مليك المعدل).
881

الكندي والأجلح قالا: توفي علي عليه السلام وهو ابن أربع وستين سنة في عام أربعين
من الهجرة ليلة الأحد لإحدى وعشرين ليلة مضت من شهر رمضان، وولي غسله ابنه
الحسن وعبد الله بن العباس، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، وصلى عليه
ابنه الحسن وكبر عليه خمس تكبيرات ودفن في الرحبة مما يلي أبواب كندة
عند صلاة الصبح، هذه رواية أبي مخنف.
قال أبو الفرج (1): وحدثني أحمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن العلوي عن
يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن الحسن بن علي الخلال عن جده قال: قلت
للحسين بن علي (2) عليه السلام: أين دفنتم أمير المؤمنين عليه السلام؟ - قال: خرجنا به ليلا من
منزله حتى مررنا به على منزل الأشعث حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغري.
قلت: وهذه الرواية هي الحق وعليها العمل، وقد قلنا فيما تقدم أن أبناء -
الناس أعرف بقبور آبائهم من غيرهم من الأجانب، وهذا القبر الذي بالغري هو
الذي كان بنو علي يزورونه قديما وحديثا ويقولون: هذا قبر أبينا لا يشك في ذلك
أحد من الشيعة ولا من غيرهم أعني بني علي من ظهر الحسن والحسين وغيرهما
من سلالته المتقدمين منهم والمتأخرين ما زاروا ولا وقفوا إلا على هذا القبر بعينه.
وقد روى أبو الفرج علي بن عبد الرحمن الجوزي عن أبي الغنائم قال:
مات بالكوفة ثلاثمائة صحابي ليس قبر أحد منهم معروفا إلا قبر أمير المؤمنين
عليه السلام وهو هذا القبر الذي تزوره الناس الآن، جاء جعفر بن محمد وأبوه محمد بن
علي بن الحسين عليهم السلام إليه فزاراه ولم يكن إذ ذاك قبر ظاهر وإنما كان به سرح -
عضاه حتى جاء محمد بن زيد الداعي صاحب الديلم فأظهر القبة (انتهى كلامه).
وسيأتي تمام القول في ذلك في كتاب المزار).
فقال (ره) في كتاب المزار من البحار وهو المجلد الثاني والعشرون
في باب موضع قبره صلوات الله عليه (ص 41) ما نصه:
(تذنيب - اعلم أنه كان اختلاف بين الناس سابقا في موضع قبر أمير المؤمنين

1 - راجع مقاتل الطالبيين ص 41 من طبعة القاهرة سنة 1368.
2 - في مقاتل الطالبيين: (للحسن بن علي).
882

عليه السلام، فبعضهم كانوا يقولون: إنه دفن في بيته، وبعضهم يقولون: إنه دفن في
رحبة المسجد، وبعضهم كانوا يقولون: إنه دفن في كرخ بغداد (1) لكن اتفقت الشيعة سلفا
وخلفا نقلا عن أئمتهم صلوات الله عليهم أنه صلوات الله عليه لم يدفن إلا في الغري
في الموضع المعروف الآن، والأخبار في ذلك متواترة، وقد كتب السيد [عبد الكريم] بن طاووس رضي الله عنه في ذلك كتابا سماه (فرحة الغري) ونقل الأخبار والقصص
الكثيرة الدالة على المذهب المنصور، وقد قدمنا بعض القول في ذلك في أبواب شهادته
صلوات الله عليه، والأمر أوضح من أن يحتاج إلى البيان).
(إلى أن قال)
(تتميم - قال الديلمي (ره) في إرشاد القلوب:
وأما الدليل الواضح والبرهان اللائح على أن قبره الشريف - صلوات الله عليه - موجود بالغري فمن وجوه:
الأول - تواتر الإمامية الاثني عشرية يرويه خلف عن سلف.
الثاني - إجماع الشيعة والإجماع حجة.
الثالث - ما حصل عنده من الأسرار والآيات وظهور المعجزات كقيام الزمن
ورد بصر الأعمى وغيرها فمنها (فخاض في نقل ذلك).
وقال النسابة الشهير جمال الدين أحمد بن عنبة (رض) في عمدة الطالب
في أنساب آل أبي طالب بعد ذكر مقتل أمير المؤمنين علي عليه السلام ما نصه:
(وقد اختلف الناس في موضع قبره والصحيح أنه في الموضع المشهور الذي
يزار فيه اليوم فقد روي أن عبد الله بن جعفر سئل: أين دفنتم أمير المؤمنين؟ -
قال: خرجنا به حتى إذا كنا بظهر النجف دفناه هناك.

1 - يريد به ما عبر عنه في كلامه السابق (بمشهد في الكرخ) فكأن المراد بهما ما
مر ذكره في الرسالة بعبارة (كوخ زارده) (أنظر ص 838) أو (كوخ ودربه) كما مر
(أنظر ص 842).
883

وقد ثبت أن زين العابدين وجعفرا الصادق وابنه موسى عليهم السلام زاروه في هذا
المكان، ولم يزل القبر مستورا لا يعرفه إلا خواص أولاده ومن يثقون به بوصية
كانت منه عليه السلام لما علمه ممن دولة بني أمية من بعده واعتقادهم في عداوته وما ينتهون
إليه فيه من قبح الفعال والمقال بما تمكنوا من ذلك، فلم يزل قبره عليه السلام مخفيا حتى
كان زمن الرشيد هارون بن محمد بن عبد الله العباسي فإنه خرج ذات يوم إلى ظاهر الكوفة
يتصيد وهناك حمر وحشية وغزلان فكان كلما ألقي الصقور والكلاب عليها لجأت
إلى كثيب رمل هناك فترجع عنها الصقور والكلاب فتعجب الرشيد من ذلك ورجع
إلى الكوفة وطلب من له علم بذلك فأخبره بعض شيوخ الكوفة أنه قبر أمير المؤمنين
علي عليه السلام.
فيحكى أنه خرج ليلا إلى هناك ومعه علي بن عيسى الهاشمي وأبعد أصحابه
عنه وقام يصلي عند الكثيب ويبكي ويقول: والله يا ابن عم إني لأعرف حقك
ولا أنكر فضلك ولكن ولدك يخرجون علي ويقصدون قتلي وسلب ملكي إلى أن قرب
الفجر وعلي بن عيسى نائم فلما قرب الفجر أيقظه هارون وقال: قم فصل عند قبر -
ابن عمك قال: وأي ابن عم هو؟ - قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقام
علي بن عيسى فتوضأ وصلى وزار القبر.
ثم إن هارون أمر فبني عليه قبة وأخذ الناس في زيارته والدفن لموتاهم
حوله إلى أن كان زمن عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي فعمره عمارة عظيمة
وأخرج على ذلك أموالا جزيلة وعين له أوقافا.
ولم تزل عمارته باقية إلى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وكان قد ستر الحيطان
يخشب الساج المنقوش فاحترقت تلك العمارة وجددت عمارة المشهد على ما هي عليه
الآن وقد بقي من عمارة عضد الدولة قليل وقبور آل بويه هناك ظاهرة مشهورة
لم تحترق).
أقول: كانت وفاة جمال الدين أحمد بن عنبة في سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.
884

التعليقة 59
(ص 524)
الأعور الشني
(بشر بن منقذ)
قال الفيروزآبادي في القاموس: (شن بن أفصى أبو حي والمثل المشهور
في ط ب ق، منهم الأعور الشني) وشرحه الزبيدي بقوله: (شن بن أفصى بن عبد القيس
ابن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد ربيعة بن نزار (أبو حي والمثل المشهور) وافق شن طبقة، تقدم مفصلا (في ط ب ق) (1) قال الجوهري و (منهم الأعور الشني)

1 - إشارة إلى ما ذكره الفيروزآبادي في (ط ب ق) بهذه العبارة:
(وطبقة امرأة عاقلة تزوج بها رجل عاقل، ومنه: وافق شن طبقة، أوهم قوم كان لهم
وعاء أدم فتشنن فجعلوا له طبقا فوافقه، أو قبيلة من إياد كانت لا تطاق، فأوقعت بها شن فانتصفت
منها فأصابت فيها).
وقال الزبيدي في شرح الوجه الأول من الوجوه المحتملة ما نصه: (ولهما قصة ذكرها الصاغاني في العباب قال: قال الشرقي بن القطامي:
كان رجل من دهاة العرب وعقلائهم يقال له: شن فقال: والله لأطوفن حتى أجد امرأة
مثلي فأتزوجها، فبينما هو في بعض مسيره إذ رافقه رجل في الطريق فسأله شن: أتحملني أم
أحملك؟ - فقال له الرجل: يا جاهل أنا راكب وأنت راكب فكيف أحملك أو تحملني؟! فسكت
عنه شن وسار حتى إذا قربا من القرية إذا هما بزرع قد استحصد فقال شن: أترى هذا الزرع
أكل أم لا؟! فقال له الرجل: يا جاهل ترى نبتا مستحصدا، فتقول أكل أم لا؟..! فسكت عنه
شن، حتى إذا دخلا القرية لقيتهما جنازة فقال شن: أترى صاحب هذا النعش حيا أو ميتا؟
فقال له الرجل: ما رأيت أجهل منك ترى جنازة تسأل عنها: أميت صاحبها أم حي؟ فسكت
عنه شن، فأراد مفارقته، فأبى ذلك الرجل أن يتركه حتى يسير به إلى منزله فمضى معه وكان
للرجل بنت يقال لها: طبقة، فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه فأخبرها بمرافقته إياه وشكا
إليها جهله وحدثها بحديثه، فقالت: يا أبت ما هذا بجاهل، أما قوله: أتحملني أم أحملك؟
فأراد: أتحدثني أم أحدثك؟ حتى نقطع طريقنا، وأما قوله: أترى هذا الزرع أكل
أم لا؟ فإنما أراد: هل باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا، وأما قوله في الجنازة، فأراد:
هل ترك عقبا يحيى بهم ذكره أم لا؟
فخرج الرجل فقعد مع شن فحادثه ساعة ثم قال: أتحب أن أفسر لك ما سألتني عنه؟ -
قال: نعم، ففسره، فقال شن: ما هذا من كلامك فأخبرني عن صاحبه، فقال: ابنة لي، فخطبها
إليه وزوجها له وحملها إلى أهله، ومنه قوله: وافق شن طبقة، وكذا: صادف شن طبقة).
ومن أراد شرح الوجهين الأخيرين فليراجع تاج العروس.
885

الشاعر وهو أبو منقذ بشر بن منقذ كان مع علي - رضي الله تعالى عنه - يوم الجمل).
وقال الجوهري في الصحاح: (وشن حي من عبد القيس وهو شن بن أفصى بن
عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، منهم الأعور الشني
وفي المثل وافق شن طبقة). وفي لسان العرب: (وشن قبيلة وفي المثل: وافق شن
طبقة، وفي الصحاح: وشن حي من عبد القيس ومنهم الأعور الشني قال ابن السكيت:
هو شن بن أفصى بن عبد القيس (إلى آخر ما في الصحاح).
وقال السمعاني في الأنساب: (الشني بفتح الشين المعجمة وكسر النون
المشددة هذه النسبة إلى شن وهو بطن من عبد القيس وهو شن بن أفصى بن دعمي بن جديلة
ابن أسد بن ربيعة بن نزار، ذكره ابن ماكولا، والمشهور بهذه النسبة الصلت (إلى
أن قال) والأعور الشني الشاعر وهو أبو منقذ بشر بن منقذ كان مع علي يوم
الجمل) وقال الآمدي في المؤتلف والمختلف فيمن يقال له الأعور (ص 45):
(منهم الأعور الشني وهو بشر بن منقذ ويكنى أبا منقذ أحد بني شن بن أفصى بن
عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، شاعر خبيث. وكان
مع علي رضي الله عنه يوم الجمل وهو القائل:
فمن ير صفينا غداة تلاقيا * يقل جبلا جيلان ينتطحان
قتلنا وأفنينا وما كل ما ترى * بكف المذري تأكل الرحيان
بكت عين من يبكي ابن فعلان بعدما * نفي ورق الفرقان كل مكان
وهو القائل في قصيدة جيدة:
886

إذا ما المرء قصر ثم مرت * عليه الأربعون عن الرجال
ولم يلحق بصالحهم فدعه * فليس بلاحق أخرى الليالي
وهو القائل:
إن تنظروا شزرا إلي فإنني * أنا الأعور الشني قيد الأوابد)
وفي سمط اللئالي لأبي عبيد البكري الأونبي (ص 826):
(وأنشد أبو علي للأعور الشني:
لقد علمت عميرة أن جاري * إذا ضن المثمر من عيالي
هذا الأعور اسمه بشر بن منقذ بن عبد القيس، وشن منهم، شاعر إسلامي مجيد
وله ابنان شاعران أيضا يقال لهما جهم [وجهيم] (إلى آخر ما قال).
أقول: نقل البحتري قطعات من أشعاره في حماسته (أنظر صفحات 71،
103، 144، 171، 179، 235).
التعليقة 60
(ص 524)
صعصعة بن صوحان العبدي
قال ابن دريد في الاشتقاق عند عده رجال بني ربيعة بن نزار ما نصه:
(ص 329)
(ومن رجالهم صعصعة وزيد وسيحان بنو صوحان بن حجر بن الحارث بن
الهجرس، وسيحان فعلان من السيح من: ساح الماء يسيح سيحا، والجمع السيوح
وثوب مسيح مخطط، وصوحان فعلان من قولهم سوح البقل إذا اصفر ويبس،
والصواح قالوا: عرق الخيل خاصة، والصعصعة من قولهم: تصعصع القوم إذا تفرقوا،
والهجرس الصغير من ولد الثعالب والجمع هجارس، وكانت لبني صوحان صحبة
لعلي بن أبي طالب عليه السلام وخطابة، وقتل زيد يوم الجمل).
وقال الكشي (ره) في رجاله: (صعصعة بن صوحان:
محمد بن مسعود قال: حدثني أبو جعفر حمدان بن أحمد قال: حدثني معاوية بن
887

حكيم عن أحمد بن أبي نصر قال: كنت عند أبي الحسن الثاني عليه السلام قال: ولا أعلم إلا
قام ونفض الفراش بيده ثم قال لي: يا أحمد إن أمير المؤمنين عليه السلام عاد صعصعة بن صوحان
في مرضه فقال: يا صعصعة لا تتخذ عيادتي لك أبهة على قومك، قال: فلما قال أمير -
المؤمنين لصعصعة هذه المقالة قال صعصعة: بلى والله أعدها منة من الله علي وفضلا
قال: فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: إن كنت ما علمتك لخفيف المؤونة حسن المعونة، قال:
فقال صعصعة: وأنت والله يا أمير المؤمنين ما علمتك إلا بالله عليما، وبالمؤمنين
رؤوفا رحيما.
محمد بن مسعود قال: حدثني علي بن محمد قال: حدثني محمد بن أحمد بن يحيى
عن العباس بن معروف عن أبي محمد الحجال عن داود بن أبي يزيد قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام: ما كان مع أمير المؤمنين عليه السلام من يعرف حقه إلا صعصعة وأصحابه.
محمد بن مسعود قال: حدثني أبو الحسن علي بن أبي علي الخزاعي قال:
حدثنا محمد بن علي بن خالد العطار قال: حدثني عمرو بن عبد الغفار عن أبي بكر بن
عياش عن عاصم بن أبي النجود عمن شهد ذلك أن معاوية حين قدم الكوفة دخل
عليه رجال من أصحاب علي عليه السلام، وكان الحسن عليه السلام قد أخذ الأمان لرجال منهم
مسمين بأسمائهم وأسماء آبائهم وكان فيهم صعصعة، فلما دخل عليه صعصعة قال
معاوية لصعصعة: أما والله إني كنت لأبغض أن تدخل في أماني، قال: وأنا والله أبغض
أن أسميك بهذا الاسم، ثم سلم، عليه بالخلافة، قال: فقال معاوية: إن كنت صادقا
فاصعد المنبر فالعن عليا، قال: فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس
أتيتكم من عند رجل قدم شره وأخر خيره، وإنه أمرني أن ألعن عليا فالعنوه
لعنه الله، فضج أهل المسجد بآمين، فلما رجع إليه فأخبره بما قال، قال: لا والله ما
عنيت غيري، ارجع حتى تسميه باسمه، فرجع وصعد المنبر ثم قال: أيها الناس
إن أمير المؤمنين أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب فالعنوا من لعن علي بن أبي طالب،
قال: فضجوا بآمين، قال: فلما خبر معاوية قال: والله ما عنى غيري، أخرجوه
لا يساكنني في بلد، فأخرجوه.
888

وقال (ره) أيضا في ترجمة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ما نصه:
(وجدت بخط جبرئيل بن أحمد الفاريابي: حدثني محمد بن عبد الله بن مهران
قال: أخبرني أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام أنا وصفوان
ابن يحيى ومحمد بن سنان وأظنه قال: عبد الله بن المغيرة أو عبد الله بن جندب وهو
بصري قال: فجلسنا عنده ساعة ثم قمنا، فقال لي: أما أنت يا أحمد فاجلس، فجلست،
فأقبل يحدثني فأسأله فيجيبني حتى ذهب عامة الليل، فلما أردت الانصراف قال لي:
يا أحمد تنصرف أو تبيت؟ - قلت: جعلت فداك ذلك إليك إن أمرت بالانصراف انصرفت
وإن أمرت بالقيام أقمت، قال: أقم فهذا الحرس وقد هدأ الناس وناموا، فقام وانصرف،
فلما ظننت أنه قد دخل خررت لله ساجدا فقلت: الحمد لله حجة الله ووارث علم -
النبيين أنس بي من بين إخواني وحببني فأنا في سجدتي وشكري فما علمت إلا
وقد رفسني برجله ثم قمت فأخذ بيدي فغمزها ثم قال: يا أحمد إن أمير المؤمنين عليه السلام
عاد صعصعة بن صوحان في مرضه فلما قام من عنده قال له: يا صعصعة لا تفتخرن على
إخوانك بعيادتي إياك، واتق الله، ثم انصرف عني.
محمد بن الحسن البراثي وعثمان بن حامد الكشيان قالا: حدثنا محمد بن يزداد،
قال: حدثنا أبو زكريا عن إسماعيل بن مهران: قال محمد بن يزداد: وحدثنا الحسن
ابن علي بن النعمان عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال:
كنت عند الرضا عليه السلام فأمسيت عنده قال: فقلت: أنصرف؟ - فقال لي:
لا تنصرف فقد أمسيت، قال: فأقمت عنده، قال: فقال لجاريته: هاتي مضربتي ووسادتي
فافرشي لأحمد في ذلك البيت، قال: فلما صيرت في البيت دخلني شئ فجعل يخطر
ببالي: من مثلي؟ في بيت ولي الله وعلى مهاده؟..!
فناداني: يا أحمد إن أمير المؤمنين عليه السلام عاد صعصعة بن صوحان فقال: يا صعصعة
لا تجعل عيادتي إياك فخرا علي قومك. وتواضع لله يرفعك الله).
وقال النجاشي في رجاله: (صعصعة بن صوحان العبدي روى عهد مالك بن
الحارث الأشتر، قال ابن نوح (إلى آخر ما نقلناه عن البحار عن النجاشي، أنظر ص 261).
889

وقال الحميري في قرب الإسناد (ص 167 من الطبعة الحجرية بطهران
سنة 1370):
(أحمد بن محمد بن عيسى قال: قال البزنطي: بعث إلى الرضا عليه السلام بحمار له فجئت
إلى صرنا فمكثت عامة الليل معه ثم أتيت بعشاء ثم قال: افرشوا له. ثم أتيت
بوسادة طبرية ومرادع وكساء قياصري وملحفة مروي فلما أصبت من العشاء قال
لي: ما تريد أن تنام؟ قلت: بلى، جعلت فداك. فطرح علي الملحفة والكساء ثم قال:
بيتك الله في عافية، وكنا على سطح فلما نزل من عندي قلت في نفسي: قد نلت من
هذا الرجل كرامة ما نالها أحد قط، فإذا هاتف يهتف بي: يا أحمد، ولم أعرف
الصوت حتى جاءني مولى له فقال: أجب مولاي. فنزلت فإذا هو مقبل إلي فقال:
كفك، فناولته كفي، فعصرها، ثم قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام أتى صعصعة بن
صوحان عائدا له فلما أراد أن يقوم من عنده قال: يا صعصعة بن صوحان لا تفتخر
بعيادتي إياك، وانظر لنفسك فكأن الأمر قد وصل إليك ولا يلهينك الأمل، أستودعك الله
وأقرأ عليك السلام كثيرا).
أقول: نقله المجلسي (ه) في المجلد الثاني عشر من بحار الأنوار في باب أحوال
أصحاب الرضا عليه السلام وأهل زمانه (ص 79 - 80) قائلا بعده: (عيون أخبار الرضا:
ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى مثله. بيان: قال الفيروزآبادي: ثوب مردوع.
مزعفر ورادع ومردع كمعظم فيه أثر طيب).
ثم إن ما ذكره المجلسي (ره) من أن الحديث موجود في عيون الأخبار
فليس في محله فإن المذكور في حديث عيون الأخبار أن أمير المؤمنين عليه السلام قد عاد
زيد بن صوحان ونص عبارة حديث عيون أخبار الرضا عليه السلام في الباب السادس والأربعين
منه وهو (باب دلالة الرضا عليه السلام) هكذا: (إن أمير المؤمنين عليه السلام أتى زيد بن صوحان
في مرضه الذي يعوده (الحديث).
وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه - في نهج البلاغة تحت عنوان (ومن كلامه
عليه السلام المتضمن ألفاظا من الغريب يحتاج إلى تفسير) ما نصه: (وفي حديثه عليه السلام:
هذا الخطيب الشحشح، قال: يريد الماهر بالخطبة الماضي فيها، وكل ماض في كلام
890

أو سير فهو شحشح، والشحيح في غير هذا الموضع هو البخيل الممسك).
قال ابن أبي الحديد في شرحه ما نصه (ج 4، ص 355):
(قد جاء الشحشح بمعنى الغيور، والشحشح بمعنى الشجاع، والشحشح بمعنى
المواظب على الشئ الملازم له، والشحشح الحادي، ومثله الشحشحان، وهذه الكلمة قالها
علي عليه السلام لصعصعة بن صوحان العبدي - رحمه الله - وكفى صعصعة بها فخرا أن يكون
مثل علي عليه السلام يثني عليه بالمهارة وفصاحة اللسان، وكان صعصعة من أفصح
الناس، ذكر ذلك شيخنا أبو عثمان الجاحظ) وصرح الزبيدي في التاج بمثله.
وقال العلامة الحلي - أعلى الله مقامه - في القسم الأول من الخلاصة:
(صعصعة بالصاد المهملة المفتوحة قبل العين المهملة وبعدها الصاد ثم العين
المهملتان والهاء ابن صوحان بضم الصاد المهملة وإسكان الواو، عظيم القدر من أصحاب
أمير المؤمنين عليه السلام، روي عن الصادق عليه السلام قال: ما كان مع أمير المؤمنين من يعرف حقه
إلا صعصعة وأصحابه).
وقال ابن سعد في الطبقات عند ذكره الطبقة الأولى من أهل الكوفة ممن
روى عن علي بن أبي طالب عليه السلام (ج 6 من طبعة أوربا، ص 154) ما نصه:
(صعصعة بن صوحان بن حجر بن الحارث بن الهجرس بن صبرة بن حدرجان
ابن عساس بن ليث بن حداد بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمرو بن وديعة بن أفصى بن
عبد القيس من ربيعة، وكان صعصعة أخا زيد بن صوحان لأبيه وأمه، وكان صعصعة
يكنى أبا طلحة، وكان من أصحاب الخطط بالكوفة، وكان خطيبا، وكان من أصحاب
علي بن أبي طالب، وشهد معه الجمل هو وأخواه زيد وسيحان ابنا صوحان، وكان
سيحان الخطيب قبل صعصعة وكانت الراية يوم الجمل في يده فقتل، فأخذها زيد، فقتل،
فأخذها صعصعة وقد روى صعصعة عن علي بن أبي طالب قال: قلت لعلي: انهنا عما
نهانا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله، وروى صعصعة أيضا عن عبد الله بن عباس، وتوفي صعصعة
بالكوفة في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وكان ثقة قليل الحديث).
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي:
891

(صعصعة بن صوحان العبدي، روى عن علي رضي الله عنه، روى عنه أبو إسحاق
الهمداني ومالك بن عمير، سمعت أبي يقول ذلك).
وقال ابن حجر في الإصابة في القسم الثالث (ج 2، ص 200):
(صعصعة بن صوحان العبدي... تقدم ذكر أخويه سيحان وزيد، قال أبو عمر:
كان مسلما في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يره. قلت: وله رواية عن عثمان وعلي
وشهد صفين مع علي، وكان خطيبا فصيحا، وله مع معاوية مواقف، وقال الشعبي:
كنت أتعلم منه الخطب.
وروى عنه أيضا أبو إسحاق السبيعي والمنهال بن عمرو وعبد الله بن بريدة
وغيرهم، مات بالكوفة في خلافة معاوية، وقيل: بعدها.
وذكر العلائي في أخبار زياد بن المغيرة: نفي صعصعة بأمر معاوية من
الكوفة إلى الجزيرة أو إلى البحرين وقيل: إلى جزيرة ابن كافان فمات بها، وأنشد
له المرزباني:
هلا سألت بني الجارود أي فتى * عند الشفاعة والبان ابن صوحانا
كنا وكانوا كأم أرضعت ولدا * عق ولم نجز بالإحسان إحسانا)
وقال أبو الفرج الإصبهاني في مقاتل الطالبيين عند ذكره مقتل أمير المؤمنين
علي عليه السلام (ص 14 من طبعة طهران سنة 1307):
(قال أبو مخنف: وحدثني معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل أن صعصعة بن
صوحان استأذن على أمير المؤمنين علي عليه السلام وأتاه عائدا فلم يكن له عليه إذن فقال
صعصعة للآذن: قل له: يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيا وميتا فوالله لقد كان الله في
صدرك عظيما، ولقد كنت بذات الله عليما، فأبلغه الإذن مقالة صعصعة فقال له
أمير المؤمنين عليه السلام: قل له: وأنت يرحمك الله فلقد كنت خفيف المؤونة كثير المعونة).
وقال العلامة المجلسي (ره) في سابع البحار في (باب أنهم عليهم السلام آيات الله
وبيناته وكتابه) (ص 43، س 4): (كنز - محمد بن العباس عن أحمد بن محمد النوفلي
عن محمد بن حماد الشاشي عن الحسين بن أسد عن علي بن إسماعيل الميثمي عن عباس
892

الصائغ عن ابن طريف عن ابن نباتة:
قال: خرجنا مع أمير المؤمنين عليه السلام حتى انتهينا إلى صعصعة بن صوحان
فإذا هو على فراشه فلما رأى عليا عليه السلام خف له فقال له علي عليه السلام: لا تتخذن
زيارتنا إياك فخرا على قومك، قال: لا، يا أمير المؤمنين ولكن ذخرا وأجرا، فقال له:
والله ما كنت [علمتك] إلا خفيف المؤونة كثير المعونة، فقال صعصعة: وأنت والله
يا أمير المؤمنين ما علمتك إلا أنك بالله لعليم، وإن الله في عينك لعظيم، وإنك
في كتاب الله لعلي حكيم، وإنك بالمؤمنين رؤوف رحيم).
أقول: ينبغي أن تعلم يا أخي وفقك الله للسداد وهداك وإيانا إلى طريق -
الرشاد أن المراد بكلمة (كنز) ليس كتاب كنز الفوائد للكراجكي (ره) بل المراد
به كتاب (كنز جامع الفوائد) وهو مختصر من كتاب (تأويل الآيات الظاهرة في فضائل
العترة الطاهرة) للسيد شرف الدين علي الحسيني الأسترآبادي (ره) الذي عرف
المجلسي (ره) في الفصل الأول من مقدمة البحار عند ذكره مآخذ البحار المؤلف والمؤلف
بهذه العبارة (ج 1، ص 7): (وكتاب تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة
للسيد الفاضل العلامة الزكي شرف الدين علي الحسيني الأسترآبادي المتوطن
في الغري مؤلف كتاب (الغروية في شرح الجعفرية) تلميذ الشيخ الأجل نور الدين
علي بن عبد العالي الكركي، وأكثره من تفسير الشيخ الجليل محمد بن العباس بن
علي بن مروان بن الماهيار، وذكر النجاشي بعد توثيقه: أن له كتاب ما نزل من القرآن
في أهل البيت، وكان معاصرا للكليني، و (كتاب كنز جامع الفوائد) وهو مختصر من
كتاب تأويل الآيات، له أو لبعض من تأخر عنه، ورأيت في بعض نسخه ما يدل على
أن مؤلفه الشيخ علي بن سيف بن منصور).
وقال (ره) في الفصل الثاني من فصول المقدمة وهو في بيان الوثوق على
الكتب المذكورة في الفصل الأول مشيرا إلى الكتابين بقوله (ص 13، س 6):
(وكتاب تأويل الآيات وكتاب كنز جامع الفوائد رأيت جمعا من المتأخرين
رووا عنهما، ومؤلفهما في غاية الفضل والديانة).
893

أقول: عندي من كتاب تأويل الآيات المذكور نسختان أنقل عبارة
مؤلفه بنصها حتى يطمئن إليه الناظر في الكتاب وهي:
(سورة الزخرف وما فيها من الآيات في الأئمة الهداة منها قوله تعالى: وإنه في أم
الكتاب لدينا لعلي حكيم، اعلم أن الضمير في (إنه) يعود إلى علي عليه السلام لما يأتي في التأويل
وإن لم تجد له ذكرا وجاء ذلك كثيرا في القرآن وغيره ويسمى ذلك التفاتا مثل
قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) وقوله تعالى: (حتى
توارت بالحجاب) ومن التأويل ما رواه الحسن بن الحسن الديلمي (ره) بإسناده
عن رجاله إلى حماد السندي عن أبي عبد الله عليه السلام وقد سأله سائل عن قول الله
عز وجل: وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم؟ - قال: هو أمير المؤمنين عليه السلام ويؤيده
ما رواه محمد بن العباس (ره) عن أحمد بن إدريس عن عبد الله بن محمد عن عيسى عن موسى بن
القاسم عن محمد بن علي بن جعفر قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: قال أبي عليه السلام وقد
تلا هذه الآية وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم قال: هو علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقال أيضا:
حدثنا أحمد بن محمد النوفلي عن محمد بن حماد الشاسي عن الحسين بن
أسد الطفاري عن علي بن إسماعيل الميثمي عن عباس الصائغ عن سعد الإسكاف
عن الأصبغ بن نباتة قال: خرجنا مع أمير المؤمنين عليه السلام حتى انتهينا إلى صعصعة بن
صوحان (الحديث) وقال أيضا: حدثنا أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى
عن إبراهيم بن هاشم عن علي بن سعيد عن واصل بن سليمان عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: لما صرع زيد بن صوحان يوم الجمل جاء أمير المؤمنين عليه السلام
حتى جلس عند رأسه فقال: رحمك الله يا زيد قد كنت خفيف المؤونة عظيم المعونة،
فرفع زيد رأسه إليه فقال: وأنت جزاك الله خيرا يا أمير المؤمنين فوالله ما علمتك
إلا بالله عليما وفي أم الكتاب عليا حكيما والله في صدرك عظيما. وجاء في دعاء يوم
الغدير: وأشهد أنه الإمام الهادي الرشيد أمير المؤمنين الذي ذكرته في كتابك فإنك
قلت: وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم).
894

أقول: نقل المجلسي (ره) بعد نقل الحديث الذي أشرنا إلى نقله في سابع
البحار الحديث الثاني وعبارة الزيارة من (كنز جامع الفوائد) المشار إليه.
فليعلم أن هذا الكتاب نفيس جدا ممتع يليق أن يطبع ويستفاد منه إلا
أن العالم المتبحر الجليل الشيخ محمد تقي الإصفهاني رحمه الله تعالى قد صنف كتابا
فارسيا بهذا الاسم وقد طبع، فلما راجعته وجدته ترجمة لذلك الكتاب الشريف فكأنه
قد نسي أن يذكر في أول الكتاب أو في آخره أن كتابه ترجمة من كتاب آخر قد
صنف بمئات قبل ولادته، فمن رأى الكتابين وتدبر فيه تيقن أن هذا الآمر ليس مما
قد يتفق أن يكون من باب التوارد بمعنى أن كل واحد قد قال مقاله وألف تأليفه
من دون أن يأخذ أحدهما من الآخر إلا أن ما سبق إلى فكر كل واحد منهما
معنى واحد بل علم بالقطع واليقين أن المؤلف اللاحق قد وضع الكتاب السابق
بين يديه ونقل ما فيه حتى ما في المقدمة وذكر سبب التأليف وغير هما نعم كأنه
أضاف إلى آخره أحاديث في فضل أمير المؤمنين عليه السلام وهو لا ربط له بأصل الغرض من
التأليف، ولولا أن الخوض في إثبات ذلك ونقل عبارتي الكتابين في مقدمتيهما ووجه
تسميتهما كتابيهما والورود في بيان كل منهما إلى مقصده يفضي إلى طول لخضت فيه
إلا أن العاقل يكفيه الإشارة.
إذا أحطت خبرا بذلك فلا بأس بنقل عبارته الفارسية التي ذكرها في تأويل الآية
المشار إليها وهي هذه:
(سوره زخرف وآنچه در آنست از آياتي كه در شأن أئمه صلوات الله عليهم
نازل گرديده:
از جمله آيات خداوند عز وجل: وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم.
بدان بدرستيكه بنابر آنچه از أخبار مستفاد ميشود ضمير (إنه) در أين آية
راجع بسوى أمير المؤمنين عليه السلام است ودليل براين مطلب حديثي است كه از حماد
سندى روايت شده كه گفت:
شخصي سؤال كرد از امام جعفر صادق عليه السلام از تفسير قول خداى تعالى:
895

وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم، فرمودند: مقصود أمير المؤمنين عليه السلام است.
ومؤيد أين تأويل حديثي است كه از امام ثامن علي بن موسى الرضا عليه السلام
روايت شده كه آن حضرت فرمودند: پدرم امام موسى كاظم عليه السلام أين آية را تلاوت
فرمود: وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم، بعد از آن فرمود: مقصود علي بن
أبي طالب عليه السلام است.
ودر حديث ديگر از أصبغ بن نباته (ره) روايت شده كه گفت:
روزى با مولاي خود أمير المؤمنين عليه السلام بمنزل صعصعة بن صوحان رفتيم
در حالتي كه أو در بستر خود خوابيده بود چون چشم صعصعه بر جمال أمير المؤمنين عليه السلام
افتاد از جاى برخاست واظهار بهبودى نمود ومرض أو سبك گرديد پس آن جناب
باو فرمود: أي صعصعه زيارت كردن ما را برأي خود مايه فخر وافتخار بر قوم خود
مشمار، صعصعه عرض كرد: نه يا أمير المؤمنين ليكن آنرا ذخيرة وأجر ميشمارم
برأي خود، پس أمير المؤمنين فرمود: بخدا قسم كه من گمان نداشتم در حق تو
مگر خفت مؤونت وكثرت معونت را، صعصعه عرض كرد: يا أمير المؤمنين
بخدا قسم كه من اعتقاد ندارم در حق تو مگر أين را كه عالم هستى بخدا، وبدرستى
كه خداى تعالى در نظر تو عظيم است، وبدرستى كه تو در كتاب خدا على حكيم
هستى يعنى خداى تعالى در حق تو فرموده: انه لدينا لعلي حكيم، وبدرستى كه
تو نسبت بمؤمنان رؤوف ورحيم هستى.
ودر حديث ديگر عبد الله بن سنان از حضرت أبي عبد الله عليه السلام روايت نموده
كه آن جناب فرمودند:
زماني كه زيد بن صوحان در جنگ جمل بزمين افتاد أمير المؤمنين عليه السلام بسوى
أو روانه گرديد تا آنكه به بالين سرش نشست پس به أو فرمود: يا زيد خدا ترا
رحمت كند، بتحقيق كه بودى تو خفيف المؤونة وكثير المعونة، چون زيد آواز آن
حضرت را شنيد سر خود را بلند نمود وبجانب آن حضرت نظر افكند وعرض كرد:
يا أمير المؤمنين خدا ترا جزاى خير دهد بخدا قسم كه من عالم نبودم ترا مگر آنكه
896

عالم هستى بخداى تعالى، ودر كتاب خدا ناميده شدى علي حكيم، وبدرستى كه خدا
در سينه تو عظيم وبزرگ است).
وقال اليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب المعروف بابن واضح الأخباري
في تاريخه عند ذكره ما كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عماله (ج 2،
ص 179 - 180): (وكتب إلى المنذر بن الجارود وهو على إصطخر:
أما بعد فإن صلاح أبيك غرني منك فإذا أنت لا تدع انقيادا لهواك، أزرى ذلك
بك، بلغني أنك تدع عملك كثيرا وتخرج لاهيا متنزها، تطلب الصيد وتلعب بالكلاب،
وأقسم لئن كان حقا لنثيبنك فعلك، وجاهل أهلك خير منك، فأقبل إلي حين تنظر
في كتابي والسلام.
فأقبل، فعزله وأغرمه ثلاثين ألفا ثم تركها لصعصعة بن صوحان بعد أن أحلفه
عليها فحلف وذلك أن عليا عليه السلام دخل على صعصعة يعوده فلما رآه علي قال:
إنك ما علمت حسن المعونة خفيف المؤونة، فقال صعصعة: وأنت والله يا أمير المؤمنين
عليم، وإن الله في صدرك عظيم، فقال له علي: لا تجعلها أبهة على قومك إن عادك إمامك،
قال: لا، يا أمير المؤمنين ولكنه من من الله علي أن عادني.... أهل البيت
وابن عم رسول رب العالمين:
قال غياث: فقال له صعصعة: يا أمير المؤمنين هذه ابنة الجارود تعصر عينيها
كل يوم لحبسك أخاها المنذر فأخرجه وأنا أضمن ما عليه من أعطيات ربيعة فقال
له علي: ولم تضمنها وزعم لنا أنه لم يأخذها؟ فليحلف ونخرجه، فقال له صعصعة:
أراه والله سيحلف، قال: وأنا والله أظن ذلك.
وقال علي: أما إنه نظار في عطفيه، مختال في برديه، تفال في شراكيه،
فليحلف بعد أو ليدع، فحلف فخلى سبيله).
وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه - في نهج البلاغة في باب المختار
من الكتب (أنظر ج 4 من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ص 230) ما نصه:
897

(ومن كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود العبدي وقد كان استعمله على
بعض النواحي فخان الأمانة في بعض ما ولاه من أعماله:
أما بعد فإن صلاح أبيك غرني منك، وظننت أنك تتبع هديه وتسلك سبيله
فإذا أنت فيما رقي إلي عنك لا تدع لهواك انقيادا ولا تبقى لآخرتك عتادا، تعمر
دنياك بخرب آخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك، ولئن كان ما بلغني عنك حقا
لجمل أهلك وشسع نعلك خير منك وممن بصفتك، فليس بأهل أن يسد به ثغر، أو
ينفذ به أمر، أو يعلى له قدر، أو يشرك في أمانة، أو يؤمن على جباية، فأقبل إلي
حين يصل إليك كتابي هذا إن شاء الله.
قال الرضي - رحمه الله تعالى -
المنذر هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام:
إنه لنظار في عطفيه، مختال في برديه، تفال في شراكيه).
وقال ابن أبي الحديد في شرحه:
(هو المنذر بن الجارود واسم الجارود بشر بن خنيس بن المعلى وهو الحارث
ابن زيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة بن عوف بن أنمار بن عمرو بن
وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة
ابن نزار بن معد بن عدنان. بيتهم بيت الشرف في عبد القيس، وإنما سمي الجارود
لبيت قاله بعض الشعراء فيه في آخره: (كما جرد الجارود بكر بن وائل).
(إلى أن قال)
فأما الكلمات التي ذكرها الرضي عنه عليه السلام في أمر المنذر فهي دالة على أنه
نسبه إلى التيه والعجب فقال: نظار في عطفيه، أي جانبيه ينظر تارة هكذا وتارة
هكذا، ينظر لنفسه ويستحسن هيأته ولبسته وينظر: هل عنده نقص في ذلك أو عيب؟
فيستدرك بإزالته كما يفعل أرباب الزهو ومن يدعي لنفسه الحسن والملاحة.
قال: مختال في برديه يمشي الخيلاء عجبا، قال محمد بن واسع لابن له وقد
898

رآه يختال في برد له: ادن، فدنا، فقال له: من أين جاءتك هذه الخيلاء؟! ويلك،
أما أمك [فهي] أمة ابتعتها بمائتي درهم، وأما أبوك فلا أكثر الله في الناس أمثاله،
قوله: تفال في شراكيه، الشراك السير الذي يكون في النعل على ظهر القدم،
والتفل بالسكون مصدر تفل أي بصق، والتفل محركا البصاق نفسه.
وإنما يفعله المعجب والتائه في شراكيه ليذهب عنهما الغبار والوسخ يتفل
فيهما ويمسحهما ليعودا كالجديدين).
أقول: قد خاض ابن أبي الحديد في شرح الكتاب فمن أراده فليطلبه من كتابه.
التعليقة 61
(ص 532)
القعقاع بن شور
القعقاع بفتح القاف على زنة صلصال بن شور بالشين المعجمة وسكون الواو
وفي آخره راء مهملة ففي القاموس: (والقعقاع بن شور تابعي يضرب به المثل في
حسن المجاورة) وفي الصحاح ولسان العرب: (والقعقاع بن شور رجل من بني عمرو
ابن شيبان بن ذهل بن ثعلبة) وفي تاج العروس: (هو السخي المعروف الذي
كان جليس معاوية).
وفي مجمع الأمثال: (لا يشقى بقعقاع جليس، يقال: هذا القعقاع بن
عمرو، والصحيح قعقاع بن شور وهو ممن جرى مجرى كعب بن مامة في حسن المجاورة
فضرب به المثل، وكان إذا جاوره رجل أو جالسه فعرفه بالقصد إليه جعل له نصيبا
من ماله وأعانه على عدوه وشفع له في حاجته وغدا إليه بعد ذلك شاكرا له فقال
فيه الشاعر:
وكنت جليس قعقاع بن شور * ولا يشقى بقعقاع جليس)
وقال ابن دريد في الاشتقاق عند ذكره رجال بني ثعلبة بن عكابة ما نصه:
(ص 351)
(ومن رجالهم القعقاع بن شور الذي يقول فيه الشاعر:
899

وكنت جليس قعقاع بن شور * ولا يشقى بقعقاع جليس
وشور مصدر شرت البعير أشوره شورا والموضع مشوار إذا أجرى البعير المشور،
وشرت الخشبة أشورها شورا إذا قطعتها بالميشار بلغة من قال بالياء).
وفي المعارف لابن قتيبة عند ذكره بكر بن وائل (ص 99 من الطبعة الثانية بمصر
سنة 1388): (ومن عمرو بن شيبان القعقاع بن شور الذي يقول فيه الشاعر:
وكنت جليس قعقاع بن شور * ولا يشقى بقعقاع جليس)
وقال المبرد في الكامل (ج 1 ص 120): (وكان القعقاع بن شور أحد
بني عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل إذا
جالسه جليس فعرفه بالقصد إليه جعل له نصيبا في ماله، وأعانه على عدوه، وشفع له في
حاجته، وغدا إليه بعد المجالسة شاكرا له حتى شهر بذلك وفيه يقول القائل:
وكنت جليس قعقاع بن شور * ولا يشقى بقعقاع جليس
ضحوك السن إن أمروا بخير * وعند السوء مطراق عبوس
وحدثني التوزي أن رجلا جالس قوما من بني مخزوم بن يقظة بن مرة بن
كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة فأساؤوا عشرته وسعوا به
إلى معاوية فقال:
شقيت بكم وكنت لكم جليسا * فلست جليس قعقاع بن شور
ومن جهل أبو جهل أخوكم * غزا بدرا بمجمرة وتور)
وفي ميزان الاعتدال: (القعقاع بن شور قال أبو حاتم: ضعيف الحديث).
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: (قعقاع بن شور روى عن... حدثنا
عبد الرحمن قال: سألت أبي عنه وقلت: إن البخاري أدخل اسمه فيمن يسمى القعقاع؟
فقال: لا يعلم للقعقاع بن شور رواية، والذي يحدث يقال له: عبد الملك ابن أخي -
القعقاع بن شور).
وقال ابن الخياط في الطبقات: (ومن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان
القعقاع بن شور بن نعمان بن غفال بن حارثة بن عباد بن امرئ القيس بن عمرو بن
900

شيبان بن ذهل).
أقول: الرجل مذكور في غالب كتب الأدب وغيرها.
التعليقة 62
(ص 533)
النجاشي الشاعر
قال ابن دريد في الاشتقاق وهو يذكر رجال سعد العشيرة (ص 400): (ومنهم بنو الحماس وقد مر، منهم النجاشي الشاعر واسمه قيس بن عمرو،
وأخوه خديج كان شاعرا، والنجاشي اسم ملك الحبشة فإن جعلته عربيا فهو من
النجش والنجش كشف الشئ وبحثك عنه ورجل منجش ونجاش إذا كان يكشف
عن أمور الناس) وقال الفيروزآبادي: (والنجاشي بتشديد الياء وبتخفيفها
أفصح، وتكسر نونها أو هو أفصح أصحمة ملك الحبشة والنجاشي الحارثي راجز).
ومن أراد شرح العبارة فليراجع تاج العروس. وقال ابن حجر في الإصابة (في القسم الثالث):
(النجاشي الشاعر الحارثي اسمه قيس بن عمرو بن مالك بن معاوية بن
خديج بن حماس بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب يكنى أبا الحارث وأبا محاسن
وله إدراك، وكان في عسكر علي بصفين، ووفد على عمر بن الخطاب، ولازم علي بن
أبي طالب وكان يمدحه فجلده في الخمر ففر إلى معاوية (إلى أن قال):
وترجمه ابن العديم في تاريخ حلب في حرف النون فقال: نجاشي بن
الحارث بن كعب الحارثي، ذكر أبو أحمد العسكري في ربيع الآداب: أن
النجاشي الشاعر مر بأبي سماك الأسدي في رمضان فدعاه إلى الشرف فأجابه فبلغ عليا
فهرب أبو سماك وأخذ النجاشي فجلده علي فطرح عليه هند بن عاصم نفسه، ورمى عليه
جماعة من وجوه الكوفة أربعين مطرفا، وجعل بعضهم، يقول: هذا من قدر الله، فقال النجاشي:
ضربوني ثم قالوا: قدر * قدر الله لهم شر القدر
ثم هرب إلى الشام.
901

وقال المرزباني: النجاشي قدم على عهد عمر في جماعة من قومه وكان
مع علي في حروبه يناضل عنه أهل الشام، وذكر أن عليا جلده ثمانين ثم زاده
عشرين، فقال له: ما هذه العلاوة؟ فقال: لجرأتك على الله في شهر رمضان وصبياننا
صيام، فهرب إلى معاوية وهجا عليا.
(إلى أن قال)
وقال ابن قتيبة في المعارف: كان النجاشي رقيق الدين، فذكر القصة
في شرب الخمر في رمضان وإنما قيل له النجاشي لأنه كان يشبه لون الحبشة، وحكى
ابن الكلبي أن جماعة من بني الحارث وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: من هؤلاء
الذين كأنهم من الهند؟!).
أقول: قوله (قال ابن قتيبة في المعارف) اشتباه وسهو منه وذلك أن القصة
غير مذكورة فيه بل هي مذكورة في كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة ونص
عبارته فيه بالنسبة إلى القصة هذه (ص 246 - 247 من طبعة بيروت):
(النجاشي الحارثي هو قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب
وكان فاسقا رقيق الإسلام، وخرج في شهر رمضان على فرس له بالكوفة يريد الكناسة
فمر بأبي سمال الأسدي فوقف عليه فقال: هل لك في رؤوس حملان في كرش في
تنور من أول الليل إلى آخره قد أينعت وتهرأت؟ - فقال له: ويحك، أفي شهر
رمضان تقول هذا؟ - قال: ما شهر رمضان وشوال إلا واحد، قال: فما تسقيني عليها؟ -
قال: شرابا كالورس، يطيب النفس، ويجري في العرق، ويكثر الطرق، ويشد
العظام، ويسهل للفدم الكلام، فثنى رجله فنزل فأكلا وشربا فلما أخذ فيهما الشراب
تفاخرا، فعلت أصواتهما، فسمع ذلك جار لهما فأتى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -
فأخبره، فبعث في طلبهما، فأما أبو سمال فشق الخص ونفذ إلى جيرانه فهرب،
فأخذ النجاشي فأتي به علي بن أبي طالب فقال له: ويحك ولداننا صيام وأنت
مفطر؟! فضربه ثمانين سوطا وزاده عشرين سوطا فقال له: ما هذه العلاوة يا أبا الحسن؟ -
فقال: هذه لجرأتك على الله في شهر رمضان ثم وقفه للناس ليروه في تبان فهجا أهل -
الكوفة فقال:
902

إذا سقى الله قوما صوب غادية * فلا سقى الله أهل الكوفة المطرا
التاركين على طهر نساءهم * والناكحين بشطي دجلة البقرا
والسارقين إذا ما جن ليلهم * والطالبين إذا ما أصبحوا السورا
وقال:
ضربوني ثم قالوا: قدر * قدر الله لهم شر القدر
(إلى آخر ما قال)
وقال الوزير أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأونبي في
سمط اللئالي: (ج 2، ص 890)
(وأنشد أبو علي (2: 260 - 256) للنجاشي:
إذا حية أعيا الرقاة دواؤها * بعثنا لها تحت الظلام ابن ملجم
النجاشي هو قيس بن عمرو بن مالك أحد بني الحارث بن كعب، قال الطبري:
نسب إلى أمه وكانت من الحبشة، وكان النجاشي من أشراف العرب إلا أنه كان فاسقا
وهو الذي أتي به علي وهو سكران في شهر رمضان، فضربه ثمانين، وزاد عشرين،
فقال: ما هذه العلاوة يا أبا حسن؟ - قال: لجرأتك على الله وشربك في رمضان، ولأن
ولداننا صيام وأنت مفطر، ووقفه للناس في تبان، فلذلك قال هذا الشعر وهجا
أهل الكوفة فقال:
إذا سقى الله أرضا صوب غادية * فلا سقى الله أهل الكوفة المطرا
التاركين على طهر نساءهم * والناكحين بشطي (1) دجلة البقرا
والسارقين إذا ما جن ليلهم * والدارسين إذا ما أصبحوا السورا)
وقال عبد القادر بن عمر البغدادي في خزانة الأدب بعد ذكر اسمه في قصة:
(ج 4 ص 76 من طبعة القاهرة بتحقيق عبد السلام محمد هارون سنة 1389)
(والنجاشي اسمه قيس بن عمرو من رهط الحارث بن كعب، وكان فيما روي
ضعيف الدين، ذكر أنه شرب الخمر في رمضان، وثبت عند علي عليه السلام، فجلده
مائة سوط، فلما رآه قد زاد على الثمانين صاح به: ما هذه العلاوة يا أبا الحسن؟

1 - في معجم البلدان: (والنائكين بشاطئ).
903

فقال علي رضي الله عنه: لجرأتك على الله في رمضان).
وقال ياقوت في معجم البلدان في (الكوفة) بعد أن وصفها بما وصف:
(وقال سفيان بن عيينة: خذوا المناسك عن أهل مكة، وخذوا القراءة عن
أهل المدينة، وخذوا الحلال والحرام عن أهل الكوفة.
ومع ما قدمنا من صفاتها الحميدة فلن تخلوا الحسناء من ذام، قال النجاشي
يهجو أهلها فذكر الأشعار الثلاثة وزاد عليها هذا البيت:
(ألق العداوة والبغضاء بينهم * حتى يكونوا لمن عاداهم جزرا).
فليعلم أن النجاشي هذا قد ورد ذكره في تاريخ الطبري وكتاب صفين
لنصر بن مزاحم ونظائر هما وفي كتب اللغة والأدب، والخوض في ذكر أسمائها يفضى
إلى طول لا يسعه المقام.
وعده ابن شهرآشوب في معالم العلماء تحت عنوان (الشعراء المادحين
لأهل البيت) من الصحابة والتابعين، وفي الذريعة إلى تصانيف الشيعة (ج 9: 1173):
(ديوان النجاشي أو شعره، عده ابن شهرآشوب في المعالم (ص 139) من شعراء أهل -
البيت في التابعين).
التعليقة 63
(ص 537)
أبو الزناد
عبد الله بن ذكوان
قال البخاري في تاريخه الكبير: (عبد الله بن ذكوان أبو الزناد، قال
علي عن ابن عيينة: كان كنيته أبو عبد الرحمن، كان يحدث عن أبي الزناد المديني
مولى آل عثمان، سمع أبا سلمة والأعرج، روى عنه مالك وعبد الله بن أبي بكر
والأعمش والثوري وابنه عبد الرحمن.
قال يحيى بن بكير: مات في رمضان سنة إحدى وثلاثين، القرشي نسبه الأويسي
904

محمد بن عبادة حدثنا يعقوب بن محمد عن الدراوردي: رأيت أبا الزناد وهو مولي بنت
شيبة بن ربيعة).
وقال ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل: (عبد الله بن ذكوان
أبو الزناد روى عن أنس، مرسل، وعن عبد الله بن جعفر وأبي سلمة بن عبد الرحمن
والأعرج، روى عنه مالك والثوري وابن عيينة وابنه عبد الرحمن سمعت أبي يقول
ذلك. أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا حرب بن إسماعيل [الكرماني] فيما كتب إلى
قال: قال أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل: كان [سفيان] يسمى أبا الزناد أمير المؤمنين
في الحديث، قال أحمد: وهو فوق العلاء بن عبد الرحمن وفوق سهيل بن أبي صالح
وفوق محمد بن عمرو. أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا عبد الله بن أحمد [بن حنبل] فيما كتب
إلى قال: قال أبي: أبو الزناد ثقة.
[ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: أبو الزناد
ثقة]. أخبرنا عبد الرحمن قال سألت أبي عن أبي الزناد، فقال: ثقة صالح الحديث.
أخبرنا عبد الرحمن قال: سئل أبي عن أبي الزناد فقال: ثقة فقيه، صاحب سنة وهو
ممن تقوم به الحجة إذا روى عنه الثقات. أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا محمد بن أحمد
ابن البراء قال: قال علي بن المديني: لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم من
ابن شهاب ويحيى بن سعيد الأنصاري وأبي الزناد وبكير بن الأشج. أخبرنا عبد الرحمن
قال أخبرنا [علي] بن الحسن الهسنجاني أخبرنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم قال:
أخبرنا الليث بن سعد عن عبد ربه يعني ابن سعيد قال: رأيت أبا الزناد دخل مسجد
النبي صلى الله عليه وآله ومعه من الأتباع [مثل] ما مع السلطان، فبين سائل عن فريضة، وبين
سائل عن الحساب، وبين سائل عن الحديث، وبين سائل عن معضلة).
وفي تقريب التهذيب في باب الكنى: (أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان). وقال في ترجمته: عبد الله بن ذكوان القرشي أبو عبد الرحمن المدني المعروف بأبي -
الزناد ثقة فقيه من الخامسة مات سنة ثلاثين ومائة وقيل: بعدها / ع) وأيضا في باب -
الكنى منه (ابن أبي الزناد هو عبد الرحمن) وفي ترجمته: (عبد الرحمن بن أبي الزناد
905

عبد الله بن ذكوان المدني مولى قريش صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيها
من السابعة، ولي خراج المدينة فحمد، مات سنة أربع وسبعين [ومائة] وله أربع وسبعون سنة / خت م 4).
وقال ابن قتيبة في المعارف تحت عنوان (التابعون ومن بعدهم)
(ص 204 من طبعة مصر سنة 1353 ه‍).
(أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة وكانت رملة
تحت عثمان بن عفان، وكان أبو الزناد يكنى أبا عبد الرحمن فغلب عليه أبو الزناد
وحدثني سهل بن محمد عن الأصمعي عن أبي الزناد أنه قال: أصلنا من همدان، وكان
عمر بن عبد العزيز ولاه خراج العراق مع عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن -
الخطاب، ومات أبو الزناد فجأة في مغتسله في شهر رمضان سنة ثلاثين ومائة، وهو ابن
ست وستين سنة.
وابنه عبد الرحمن بن أبي الزناد يكنى أبا محمد ولي خراج المدينة وقدم
بغداد ومات بها سنة أربع وسبعين ومائة وهو ابن أربع وسبعين سنة.
وأخوه أبو القاسم بن أبي الزناد قد روي عنه، وابنه محمد بن عبد الرحمن كان
بينه وبين أبيه في السن سبع عشرة سنة، وفي الوفاة إحدى وعشرون سنة، وكان قد لقي
رجال أبيه ولم يحدث عنهم حتى مات أبوه، ومات ببغداد أيضا ودفن هو وأبوه ببغداد
في مقابر باب التبن).
وفي تاج العروس: (أبو الزناد [بكسر الزاي] من أتباع التابعين، والزناد اسم).
التعليقة 64
(ص 563)
الأسود بن يزيد ومسروق بن الأجدع
في تقريب التهذيب: (الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمرو وأو
أبو عبد الرحمن مخضرم ثقة مكثر فقيه، من الثانية مات سنة أربع أو خمس
906

وسبعين [كذا والظاهر: خمسين، كما يأتي عن الخزرجي] / ع).
وقال الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في تعليقاته على الكتاب:
(النخعي نسبة إلى قبيلة من مذحج بفتح النون والخاء كما في اللباب).
وفي الخلاصة للخزرجي: (الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمرو
أو أبو عبد الرحمن الكوفي مخضرم فقيه، عن أبي مسعود وعائشة وأبي موسى وطائفة
وعنه إبراهيم النخعي وابنه عبد الرحمن وأبو إسحاق وعمار بن عمير وطائفة، وثقه
ابن معين والناس [كذا] قال إبراهيم: كان يختم في كل ليلتين، وروي أنه حج
ثمانين حجة، توفي سنة أربع أو خمس وخمسين).
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: (الأسود بن يزيد بن قيس النخعي
أدرك النبي صلى الله عليه وآله مسلما ولم يره. روى شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود
قال: قضى فينا معاذ بن جبل باليمن ورسول الله صلى الله عليه وآله حي في رجل ترك ابنته وأخته
فأعطى الابنة النصف، وأعطى الأخت النصف، وروى شعبة أيضا عن أشعث بن
أبي الشعثاء عن الأسود بن يزيد مثله، ولم يقل: ورسول الله حي، والأسود بن يزيد
هذا هو صاحب ابن مسعود أدرك الجاهلية وهو معدود في كبار التابعين من الكوفيين
روى عن أبي بكر وعمر، وكان فاضلا عابدا سكن الكوفة).
وقال ابن الأثير في أسد الغابة: (الأسود بن يزيد بن قيس بن عبد الله بن
مالك بن علقمة بن سلامان بن كهل بن بكر بن عوف بن النخع النخعي، أدرك النبي صلى الله عليه وآله
مسلما ولم يره، روي عنه أنه قال: قضى فينا معاذ في اليمن ورسول الله صلى الله عليه وآله حي
في رجل ترك ابنته وأخته فأعطى الابنة النصف والأخت النصف، والأسود هذا هو
صاحب ابن مسعود وهو أخو عبد الرحمن بن يزيد وابن أخي علقمة بن قيس، وكان
أكبر من علقمة، وهو خال إبراهيم بن يزيد، أمه مليكة بنت يزيد النخعي، روى
عن عمر وابن مسعود وعائشة، وهو من فقهاء الكوفة وأعيانهم، توفي سنة خمس
وأربعين، أخرجه أبو عمر وأبو موسى).
وأما مسروق ففي تقريب التهذيب: (مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني
907

الوادعي أبو عائشة الكوفي، ثقة فقيه عابد مخضرم من الثانية، مات سنة اثنتين
ويقال: سنة ثلاث وستين / ع) أي أخرج حديثه أصحاب الأصول الست.
وفي الخلاصة للخزرجي: (مسروق بن الأجدع الهمداني أبو عائشة الكوفي
الإمام القدوة، عن أبي بكر وعمر وعلي ومعاذ وطائفة، وعنه زوجته قمير وأبو وائل
والشعبي وخلق، وأرسل عنه مكحول، قال ابن معين: ثقة لا يسأل عن مثله قال
ابن سعد: توفي سنة ثلاث وستين).
وقال محمود عبد الوهاب الفائد في تعليقته على الكتاب في وجه تسميته:
(قال أبو سعيد السمعاني: سمي مسروقا لأنه سرقه إنسان في صغره ثم وجد،
وغير عمر اسم أبيه إلى عبد الرحمن فأثبت في الديوان مسروق بن عبد الرحمن).
وقال النووي في تهذيب الأسماء: (مسروق التابعي هو أبو عائشة مسروق
ابن الأجدع بالجيم ودال مهملة بن مالك بن أمية بن عبد الله الهمداني الكوفي
المخضرم (إلى أن قال) واتفقوا على جلالته وتوثيقه وفضيلته وإمامته، قال الشعبي:
ما علمت أحدا كان أطلب للعلم من مسروق، وقال مرة: ما ولدت همدانية مثل -
مسروق، وقال علي بن المديني: لا أقدم على مسروق أحدا من أصحاب ابن مسعود،
وصلى خلف أبي بكر ولقى عمر وعليا ولم يرو عن عثمان شيئا، وقال أبو داود: كان
أبو مسروق أفرس فارس باليمن وهو ابن أخت عمرو بن معدي كرب وقال عمر بن
الخطاب لمسروق: ما اسمك؟ قال: مسروق بن الأجدع فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله
يقول: الأجدع شيطان، أنت مسروق بن عبد الرحمن قال الشعبي: فرأيته في
الديوان مسروق بن عبد الرحمن (إلى آخر ما قال).
وفي تهذيب التهذيب في ترجمته المبسوطة: (قال وكيع وغيره:
لم يتخلف مسروق عن حروب علي وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من عباد
أهل الكوفة ولاه زياد على السلسلة ومات بها سنة اثنتين أو ثلاث وستين).
وقال الزبيدي في تاج العروس في شرح قول صاحب القاموس: (مسروق
ابن الأجدع تابعي): (هو أبو عائشة بن مالك الهمداني كبير، والأجدع اسمه
908

عبد الرحمن من أهل الكوفة رأى مسروق أبا بكر وعمر، وروى عن عبد الله وعائشة.
وكان من عباد أهل الكوفة روى عنه أهلها ولاه زياد على السلسلة ومات
بها سنة ثلاث وستين، روى عنه الشعبي والنخعي، قاله ابن حبان).
وقال المامقاني (ره) في تنقيح المقال: (مسروق بن الأجدع بن مالك
الهمداني الكوفي عنونه في جامع الأصول وكناه بأبي عائشة وقال: أسلم قبل وفاة -
النبي وأدرك الصدر الأول من الصحابة كأبي بكر وعمرو عثمان وعلي وابن مسعود
ولم يرو عن عثمان شيئا، وكان أحد الأعلام والفقهاء، وهو ابن أخت عمرو بن معدي -
كرب، وكانت عائشة تبنت مسروقا فسمى ابنته عائشة وكني بها، وشهد مع
علي عليه السلام حرب الخوارج، روى عنه الشعبي وإبراهيم النخعي وأبو وائل شقيق،
ومات بالكوفة سنة أربع وستين وقيل: اثنتين وستين (انتهى) لم أتحقق حاله وإن
كان شهوده مع أمير المؤمنين حرب الخوارج ربما يوجب حسن حاله والله العالم).
أقول: قد عنون المامقاني (ره) لمسروق بن الأجدع عنوانين لتوهمه تعددهما
وأن مسروق بن الأجدع الذي هو أحد الزهاد الثمانية وكان عشارا لمعاوية غير مسروق
بن الأجدع الهمداني الكوفي الذي كان مع أمير المؤمنين في حرب الخوارج لكن
التأمل فيما ذكره أصحاب التراجم يفضي إلى القطع باتحادهما، ورواية الفضل بن
شاذان التي رواها الكشي في رجاله بعنوان (الزهاد الثمانية) لا تنافي كونه مع
أمير المؤمنين في حرب الخوارج وسائر حروبه كما مر ذكره وهذا نص عبارة
الفضل: (سئل أبو محمد الفضل بن شاذان عن الزهاد الثمانية فقال: الربيع بن خثيم
وهرم بن حيان وأويس القرني وعامر بن عبد قيس وكانوا مع علي عليه السلام ومن
أصحابه وكانوا زهادا أتقياء، وأما أبو مسلم فإنه كان فاجرا مرائيا (إلى أن قال)
وأما مسروق فإنه كان عشارا لمعاوية ومات في عمله ذلك بموضع أسفل من واسط
على دجلة يقال له الرصافة وقبره هناك (الحديث)).
أقول: إنما أطنبنا الكلام في ترجمة الرجل لكثرة فائدته واختلاف
الروايات فيه.
909

التعليقة 65
(ص 586)
حول حديث:
(نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء)
قال المجلسي (ره) في سابع البحار في باب (ثواب حب الأئمة ونصرهم)
(ص 375، س 7): (أما لي ابن الشيخ - المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن ابن عيسى عن صفوان بن يحيى عن يعقوب بن شعيب عن صالح بن ميثم
التمار - رحمه الله - قال: وجدت في كتاب ميثم - رضي الله عنه - يقول: تمسينا
ليلة عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: ليس من عبد امتحن الله
قلبه بالإيمان إلا أصبح يجد مودتنا على قلبه، ولا أصبح عبد سخط الله عليه إلا يجد
بغضنا على قلبه، فأصبحنا نفرح بحب المحب لنا ونعرف بغض المبغض لنا، وأصبح
محبنا مغتبطا بحبنا برحمة من الله ينتظرها كل يوم، وأصبح مبغضنا يؤسس بنيانه
على شفا جرف هار فكأن ذلك الشفا قد انهار به في نار جهنم، وكأن أبواب -
الرحمة قد فتحت لأصحاب أهل الرحمة فهنيئا لأصحاب الرحمة رحمتهم، وتعسا لأصحاب
النار مثواهم، إن عبدا لن يقصر في حبنا لخير جعله الله في قلبه، ولن يحبنا من
يحب مبغضنا، إن ذلك لا يجتمع في قلب واحد ما جعل الله لرجل من قلبين، يحب
بهذا قوما ويحب بالآخر عدوهم، والذي يحبنا فهو يخلص حبنا كما يخلص الذهب
لا غش فيه، نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء، وأنا وصي الأوصياء وأنا حزب
الله ورسوله، والفئة الباغية حزب الشيطان، فمن أحب أن يعلم حاله في حبنا
فليمتحن قلبه، فإن وجد فيه حب من ألب علينا فليعلم أن الله عدوه وجبرئيل وميكائيل
والله عدو الكافرين.
كنز الفوائد للكراجكي (ره) - محمد بن عياش بإسناده عن أبي الجارود
910

عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه مثله.
كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي بإسناده عن حبيش بن المعتمر
عنه (ع) مثله.
إيضاح - قوله: (وأفراطنا) قال الفيروزآبادي: فرط سبق وتقدم، وولدا
ماتوا له صغارا، وإليه رسوله قدمه وأرسله، والقوم تقدمهم إلى الورد لإصلاح
الحوض والدلاء، والفرط الاسم من الافراط، والعلم المستقيم يهتدى به، وبالتحريك
المتقدم إلى الماء للواحد والجمع وما تقدمك من أجر أو عمل، وما لم يدرك من الولد
(انتهى).
أقول: فيحتمل أن يكون المراد أولاد الأنبياء أو الشفيع المتقدم منا في
الآخرة يشفع للأنبياء كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنا فرطكم على الحوض، أو الإمام
المقتدى منا هو مقتدى الأنبياء قوله: ألب علينا بتشديد اللام أي جمع علينا الناس
وحرضهم على الإضرار بنا، قال الفيروزآبادي: ألب إليه القوم أتوه من كل جانب
وجمع واجتمع وأسرع وعاد، والألب بالفتح التدبير على العدو من حيث لا يعلم،
والطرد الشديد وهم عليه ألب، وإلب واحد مجتمعون عليه بالظلم والعداوة،
والتأليب التحريض والإفساد).
وقد قال (ره) أيضا قبيل ذلك بعد نقل حديث عن مجالس المفيد
ومجالس ابن الشيخ وفي آخره: (ص 474): (قال الحارث الأعور: دخلت على
علي بن أبي طالب فقال: ما جاء بك يا أعور؟ قال: قلت: حبك يا أمير المؤمنين،
قال: الله؟ قلت: الله، فناشدني ثلاثا ثم قال: أما إنه ليس عبد من عباد الله ممن
امتحن الله قلبه بالإيمان إلا وهو يجد مودتنا على قلبه فهو يحبنا، وليس عبد من عباد الله
ممن سخط الله عليه إلا وهو يجد بغضنا على قلبه فهو يبغضنا، فأصبح محبنا ينتظر
الرحمة فكأن أبواب الرحمة قد فتحت له، وأصبح مبغضنا على شفا جرف هار فانهار به
في نار جهنم فهنيئا لأهل الرحمة رحمتهم، وتعسا لأهل النار مثواهم.
بشارة المصطفى للطبري الحسن بن الحسين بن بابويه عن شيخ الطائفة
911

عن المفيد مثله. كشف الغمة للإربلي من كفاية الطالب بإسناده عن السبيعي مثله.
بيان - قال الجوهري: التعس الهلاك وأصله الكبت وهو ضد الانتعاش يقال:
تعسا لفلان أي ألزمه الله هلاكا، وقال الطبرسي - رحمه الله -: التعس الانحطاط والعثار
والإزلال والإدحاض بمعنى وهو العثار الذي لا يستقال صاحبه، وإذا سقط الساقط
فأريد به الانتعاش والاستقامة قيل: لعا له، وإذا لم يرد ذلك قيل: تعسا له (انتهى).
أقول: قوله: مثواهم منصوب على الظرفية أي في مثواهم، أو بنزع الخافض
أي لمثواهم).
وقال أيضا في بيان لهذه العبارة في ذلك المجلد: (فتعسا لأهل النار مثواهم)
(أنظر ص 409، س 16): (مثواهم أي في مثواهم أو بدل اشتمال لأهل النار) وقال
أيضا في تاسع البحار بعد نقل حديث عن أمالي ابن الشيخ بإسناده (عن حبة العرني:
قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، حزبنا حزب الله
والفئة الباغية حزب الشيطان، من ساوى بيننا وبين عدونا فليس منا.
بيان - الفرط بالتحريك الذي يتقدم الواردة ومنه قيل للطفل إذا مات: أنه
فرط، فالمعنى أن أولادنا أولاد الأنبياء، أو المعنى أن من يموت منا يتقدم الأنبياء
ويسبقهم إلى المراتب العالية كما قال النبي صلى الله عليه وآله: أنا فرطكم على
الحوض).
وقال أيضا في المجلد الخامس عشر من البحار في الجزء الأول في باب
فضائل الشيعة: (ص 112، س 10): (جا [يريد به مجالس المفيد] عن ابن قولويه
عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن ابن فضال عن عاصم بن حميد عن الثمالي.
عن حبيش بن المعتمر قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وهو في الرحبة متكئا فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته كيف
أصبحت؟ قال: فرفع رأسه ورد علي وقال: أصبحت محبا لمحبنا مبغضا لمن يبغضنا،
إن محبنا ينتظر الروح والفرج في كل يوم وليلة وإن مبغضنا بنى بناءا فأسس
912

بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، يا أبا المعتمر إن محبنا لا يستطيع
أن يبغضنا قال: ومبغضنا لا يستطيع أن يحبنا، إن الله تبارك وتعالى جبل قلوب العباد
على حبنا، وخذل من يبغضنا فلن يستطيع محبنا بغضنا، ولن يستطيع مبغضنا حبنا
ولن يجتمع حبنا وحب عدونا في قلب أحد، ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه،
يحب بهذا قوما ويحب بالآخر أعداءهم.
توضيح - قال الراغب: شفا البئر والنهر طرفه ويضرب به المثل في القرب من
الهلكة قال تعالى: شفا جرف هار وقال: يقال للمكان الذي يأكله السيل فيجرفه
أي يذهب به جرف ويقال: هار البناء يهور إذا سقط نحو انهار قال تعالى: على
شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم وقرئ هار ويقال: بئر هار وهار وهائر، و
منهار، ويقال: انهار فلان إذا سقط من مكان عال، ورجل هار وهائر ضعيف في أمره
تشبيها بالبئر الهائر، ما جعل الله لرجل من قلبين.
الخبر يدل على أن المراد بعدم القلبين عدم أمرين متضادين في إنسان
واحد كالإيمان والكفر وحب رجل وبغضه أو ما يستلزم بغضه.
قال في المجمع في سياق معاني الآية: وقيل: هو رد على المنافقين والمعنى
ليس لأحد قلبان يؤمن بأحدهما ويكفر بالآخر ثم قال: وقيل: يتصل بما قبله والمعنى
أنه لا يمكن الجمع بين اتباعين متضادين، بين اتباع الوحي والقرآن واتباع أهل
الكفر والطغيان فكنى عن ذلك بذكر القلبين لأن الاتباع يصدر عن الاعتقاد،
والاعتقاد من أفعال القلوب فكما لا يجتمع قلبان في جوف واحد لا يجتمع اعتقادان
متضادان في قلب واحد، وقال أبو عبد الله عليه السلام: ما جعل الله لرجل قلبين يحب بهذا
قوما ويحب بهذا أعداءه.
أقول: وسيأتي تمام القول فيه في باب القلب إن شاء الله تعالى).
913

التعليقة 66
(ص 592)
بسر بن أبي أرطاة العامري
قال ابن الأثير في أسد الغابة: (بسر هو بضم الباء وسكون السين ابن
أرطاة وقيل: ابن أبي أرطاة - واسمه عمرو بن عويمر (إلى أن قال) قال أبو عمر:
كان يحيى بن معين يقول: لا تصح له صحبة، وكان يقول: هو رجل سوء وذلك
لما ركبه في الإسلام من الأمور العظام، منها ما نقله أهل الأخبار وأهل الحديث
أيضا من ذبحه عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وهما صغيران
بين يدي أمهما وكان معاوية سيره إلى الحجاز واليمن ليقتل شيعة علي ويأخذ
البيعة له فسار إلى المدينة ففعل بها أفعالا شنيعة، وسار إلى اليمن وكان الأمير
على اليمن عبيد الله بن العباس عاملا لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فهرب
عبيد الله فنزلها بسر، ففعل فيها هذا، وقيل: إنه قتلهما بالمدينة والأول أكثر قال:
وقال الدارقطني: بسر بن أرطاة له صحبة ولم تكن له استقامة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ولما قتل ابني عبيد الله أصاب أمهما عائشة بنت المدان من ذلك حزن عظيم فأنشات
تقول:
ها من أحس بنيي اللذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف
الأبيات، وهي مشهورة ثم وسوست فكانت تقف في الموسم تنشد هذا الشعر ثم
تهيم على وجهها، ذكر هذا ابن الأنباري والمبرد والطبري وابن الكلبي، ودخل
المدينة فهرب منه كثير من أهلها منهم جابر بن عبد الله وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما
وقتل فيها كثيرا وأغار على همدان باليمن وسبى نساءهم فكن أول مسلمات سبين
في الإسلام، وهدم بالمدينة دورا وقد ذكرت الحادثة في التواريخ فلا حاجة إلى الإطالة
بذكرها (إلى أن قال) وكان قد خرف في آخر عمره) فالأولى أن نشير هنا إلى جملة
من الكتب التي فيها ترجمته أو نبذة من أموره الشنيعة وأفعاله القبيحة فمنها الكامل
914

للمبرد (ج 2 من طبعة مصر سنة 1339 ه‍ ق، ص 256 - 257)، ومنها شرح الكامل
للمرصفي (ج 8، ص 156 - 159)، ومنها ميزان الاعتدال (ج 1، ص 309)، ومنها
مروج الذهب للمسعودي (ج 2، ص 66 من طبعة مصر سنة 1346) ومنها تاريخ
ابن عساكر (ج 4، ص 220 - 225) ومنها الاستيعاب في ترجمته تحت عنوان
(بسر) (ص 64 - 67 من ج 1 من الطبعة الثانية بحيدرآباد سنة 1336)، ومنها
الإصابة لابن حجر في القسم الأول من حرف الباء، ومنها تاريخ بغداد (ج 1،
ص 210 - 211)، ومنها تاريخ ابن الوردي (ج 1، ص 218 من طبعة النجف)
ومنها الأغاني لأبي الفرج الإصبهاني (ج 15، ص 44 - 48 من طبعة بولاق)، ومنها
البداية والنهاية لابن كثير (ج 7، ص 321 - 322) إلى غير ذلك من الكتب التي
أشرنا إليها فيما تقدم في أثناء القصة من تعليقاتنا.
التعليقة 67
(ص 617)
عبد الله بن عبد المدان
في القاموس: (المدان كسحاب صنم) وقال الزبيدي في شرحه: (وبه
سمي عبد المدان وهو أبو قبيلة من بني الحارث منهم علي بن الربيع بن عبد الله بن
عبد المدان الحارثي المداني ولي صنعاء أيام السفاح.
وعبد المدان اسمه عمرو، وعبد الله ابنه هذا كان يسمي عبد الحجر، له
وفادة فسماه النبي صلى الله عليه وآله عبد الله).
وقال ابن دريد في الاشتقاق تحت عنوان: (رجال سعد العشيرة) فيما
قال (ص 398): (ومن رجالهم عبد المدان وعبد الحجر بن عبد المدان ولابن الكلبي
في المدان خبر ليس هذا موضعه وهو البيت وقد وفد علي النبي صلى الله عليه وآله وأحسب أن
المدان صنم (إلى أن قال) فمن رجالهم الربيع بن عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان
قتله بسر بن أبي أرطاة بعثه معاوية إلى اليمن وله حديث).
915

وقال عبد السلام محمد هارون: (صوابه: (فمن رجالهم الربيع بن زياد
وعبيد الله (إلى آخره) وقال أيضا: اشتبه الأمر على ابن دريد في نسبته القتل إلى الربيع
المذكور فإن الذي قتله بسر في قول ابن الكلبي هو عبد الله بن عبد المدان الوافد على
رسول الله صلى الله عليه وآله وكان اسمه عبد الحجر فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله وقتل بسر
أيضا ابنه مالكا).
وقال أيضا ابن دريد في الاشتقاق بعيد ما نقلناه: (وبنو عبد المدان أحد
بيوتات العرب الثلاثة وهم بيت زرارة بن عدس في بني تميم، وبيت حذيفة بن بدر
في فزارة، وبيت عبد المدان في بني الحارث).
وفي الإصابة: (عبد الله بن عبد المدان واسمه عمرو بن الديان واسمه يزيد
ابن قطن بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث الحارثي، قال ابن حبان:
له صحبة، وقال ابن سعد والطبري: وفد على النبي صلى الله عليه وآله وقال ابن الكلبي:
كان اسمه عبد الحجر فغيره النبي صلى الله عليه وآله وذكر وثيمة: أنه قام في قومه بعد النبي
صلى الله عليه وآله فنهاهم عن الردة ويقال: إنه عاش إلى خلافة علي فقتله بسر بن
أبي أرطاة لما غزا اليمن من قبل معاوية، وذكره المرزباني وقال: كان هو وابنه
مالك بن عبد الله صديقين لعبد الله بن جعفر وكان عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب
لما صاهر عبد الله على ابنته واستعانه على اليمن لما أمره علي عليه السلام عليها، ولما بلغه
مسير بسر بن أرطاة من قبل معاوية إلى اليمن خرج عنها عبيد الله واستخلف صهره
هذا، فقدم بسر فقتل عبد الله وابنه مالكا وولدي عبيد الله بن العباس ابني أخت مالك،
فلما بلغ ذلك عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال يرثيهم من أبيات يقول فيها:
ولولا أن تعنفني قريش * بكيت على بني عبد المدان
فإنهم أشد الناس فجعا * وكلهم لبيت المجد بان
لهم أبوان قد علمت يمان * على آبائهم متقدمان
وكذا ذكر ابن الكلبي أن بسرا قتل مالكا وأباه عبد الله).
916

ثم ذكر رجلا آخر بهذا الاسم وقال ما نصه: (عبد الله بن عبد المدان أخو الذي قبله وكان الأكبر، فرق بينهما ابن الكلبي
وقال في هذا: كان شاعرا رئيسا وسيأتي له ذكر في قيس، أسلم بنو الحارث فأوفدهم
خالد بن الوليد ومنهم قيس بن الحصين ويزيد بن عبد المدان وعبد الله بن عبد المدان
(إلى أن قال) وذكرها ابن إسحاق في المغازي بغير هذا السياق كما سيأتي في ترجمة
يزيد بن عبد المدان).
وقال هناك ضمن قصة طويلة: (وزاد الواقدي فيهم أي في الوافدين على.
النبي صلى الله عليه وآله عبد الله بن عبد المدان).
وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب بعد ذكر نسبه ووفوده على النبي (ص):
(وكانت ابنته عائشة عند عبيد الله بن العباس وهي التي قتل ولديها بسر بن أرطاة).
وفي أسد الغابة في ترجمته: (قتله بسر بن أبي أرطاة لما سيره معاوية إلى
الحجاز واليمن ليقتل شيعة علي وكان عبيد الله بن العباس أميرا لعلي عليه السلام على
اليمن وهو زوج ابنة عبد الله فقتله (أخرجه أبو عمرو)).
أقول: القصة معروفة مذكورة في غير ما أشرنا إليه من الكتب أيضا إلا أن
المقام لا يسع أكثر من ذلك فمن أراد البسط في ذلك فليراجع مظانه.
ثم لا يخفى أن قول ابن حجر في الإصابة نقلا عن الكلبي: (وكان الأكبر
وفرق بينهما ابن الكلبي) يدل على أن المذكور في المتن وهو الذي قتله بسر كان
هو عبد الله بن عبد المدان الأخ الأصغر كما صرح به في المتن.
التعليقة 68
(ص 658)
كلمة
حول حديث (تكون بعدي فتنة....)
قال الطبري عند ذكره أحداث سنة 36 تحت عنوان: (ذكر الخبر عن مسير
917

علي بن أبي طالب نحو البصرة) ما نصه (ص 187 ج 5 من الطبعة الأولى بمصر):
(ولما قدم محمد ومحمد علي الكوفة وأتيا أبا موسى بكتاب أمير المؤمنين وقاما في الناس
بأمره فلم يجابا إلى شئ فلما أمسوا دخل ناس من أهل الحجى على أبي موسى فقالوا:
ما ترى في الخروج؟ فقال: كان الرأي بالأمس ليس باليوم إن الذي تهاونتم به فيما
مضى هو الذي جر عليكم ما ترون وما بقي إنما هما أمران القعود سبيل الآخرة
والخروج سبيل الدنيا، فاختاروا، فلم ينفر إليه أحد فغضب الرجلان وأغلظا
لأبي موسى فقال أبو موسى: والله إن بيعة عثمان - رضي الله عنه - لفي عنقي وعنق
صاحبكما فإن لم يكن بد من قتال لا نقاتل أحدا حتى نفرغ من قتله عثمان حيث
كانوا، فانطلقا إلى علي فوافياه بذي قار وأخبراه الخبر وقد خرج مع الأشتر وقد
كان يعجل إلى الكوفة فقال علي: يا اشتر أنت صاحبنا في أبي موسى والمعترض في
كل شئ اذهب أنت وعبد الله بن عباس فأصلح ما أفسدت. فخرج عبد الله بن عباس ومعه
الأشتر فقدما الكوفة وكلما أبا موسى واستعانا عليه بأناس من الكوفة فقال للكوفيين:
أنا صاحبكم يوم الجرعة، وأنا صاحبكم اليوم، فجمع الناس فخطبهم وقال:
يا أيها الناس إن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله عز وجل
وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ممن لم يصحبه، وإن لكم علينا حقا فأنا مؤديه، إليكم، كان
الرأي ألا تستخفوا بسلطان الله عز وجل ولا تجترئوا على الله عز وجل، وكان
الرأي الثاني أن تأخذوا من قدم عليكم من المدينة فتردوهم إليها حتى يجتمعوا
وهم أعلم بمن تصلح له الإمامة منكم، ولا تكلفوا الدخول في هذا فأما إذ كان ما كان
فإنها فتنة صماء، النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان فيها خير من القاعد، والقاعد
خير من القائم، والقائم خير من الراكب، فكونوا جرثومة من جراثيم العرب
فأغمدوا السيوف وانصلوا الأسنة واقطعوا الأوتار وآووا المظلوم والمضطهد حتى
يلتئم هذا الأمر وتنجلي هذه الفتنة.
كتب إلى السرى
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا: ولما رجع ابن عباس إلى علي بالخبر
918

دعا الحسن بن علي فأرسله فأرسل معه عمار بن ياسر فقال له: انطلق فأصلح ما
أفسدت. فأقبلا حتى دخلا المسجد فكان أول من أتاهما مسروق بن الأجدع فسلم
عليهما وأقبل على عمار فقال: يا أبا اليقظان علام قتلتم عثمان - رضي الله عنه -؟
قال: على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا. فقال: والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولئن
صبرتم لكان خيرا للصابرين. فخرج أبو موسى فلقي الحسن فضمه إليه وأقبل على
عمار فقال: يا أبا اليقظان أعدوت فيمن عدا على أمير المؤمنين فأحللت نفسك مع
الفجار؟ فقال: لم أفعل ولم تسؤني، وقطع عليهما الحسن فأقبل على أبي -
موسى فقال: يا أبا موسى لم تثبط الناس عنا؟ فوالله ما أردنا إلا الاصلاح ولا مثل
أمير المؤمنين يخاف على شئ. فقال: صدقت بأبي أنت وأمي ولكن المستشار مؤتمن
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم
خير من الماشي، والماشي خير من الراكب. وقد جعلنا الله عز وجل إخوانا وحرم
علينا أموالنا ودماءنا وقال: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، وقال عز وجل: ومن يقتل مؤمنا
متعمدا فجزاؤه جهنم (الآية) فغضب عمار وساءه وقام وقال: يا أيها الذين إنما
قال له خاصة: أنت فيها قاعدا خير منك قائما. وقام رجل من بني تميم فقال لعمار:
اسكت أيها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا! وثار زيد بن صوحان
وطبقته وثار الناس وجعل أبو موسى يكفكف الناس ثم انطلق حتى أتى المنبر
وسكن الناس وأقبل زيد على حمار حتى وقف بباب المسجد ومعه الكتابان من عائشة
- رضي الله عنها - إليه وإلى أهل الكوفة وقد كان طلب كتاب العامة فضمه إلى
كتابه فأقبل بهما ومعه كتاب الخاصة وكتاب العامة: أما بعد فثبطوا أيها الناس
واجلسوا في بيوتكم إلا عن قتلة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فلما فرغ من
الكتاب قال: أمرت بأمر وأمرنا بأمر، أمرت أن تقر في بيتها وأمرنا أن نقاتل حتى
لا تكون فتنة، فأمرتنا بما أمرت به وركبت ما أمرنا به، فقام إليه شبث بن ربعي فقال:
يا عماني، وزيد من عبد القيس عمان وليس من أهل البحرين، سرقت بجلولاء فقطعك الله
919

وعصيت أم المؤمنين فقتلك الله، ما أمرت إلا بما أمر الله عز وجل به بالإصلاح بين
الناس فقلت: ورب الكعبة، وتهاوي الناس، وقام أبو موسى فقال: أيها الناس أطيعوني
تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوى إليكم المظلوم، ويأمن فيكم الخائف، إنا أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أعلم بما سمعنا، إن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت بينت، وإن
هذه الفتنة باقرة كداء البطن تجري بها الشمال والجنوب والصبا والدبور فتسكن
أحيانا فلا يدرى من أين تؤتى، تذر الحليم كابن أمس، شيموا سيوفكم وقصدوا
رماحكم وأرسلوا سهامكم واقطعوا أوتاركم والزموا بيوتكم، خلوا قريشا إذا أبوا
إلا الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم بالإمرة ترتق فتقها وتشعب صدعها، فإن فعلت فلا نفسها سعت، وإن أبت فعلى أنفسها منت، سمنها تهريق في أديمها،
استنصحوني ولا تستغشوني وأطيعوني يسلم لكم دينكم ودنياكم، ويشقى بحر هذه
الفتنة من جناها. فقام زيد فشال يده المقطوعة فقال: يا عبد الله بن قيس رد الفرات
عن دراجه أردده من حيث يجئ حتى يعود كما بدأ فان قدرت على ذلك فستقدر
على ما تريد، فدع عنك ما لست مدركه ثم قرأ: آلم * أحسب الناس أن يتركوا
(إلى آخر الآيتين) سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد المسلمين وانفروا إليه أجمعين
تصيبوا الحق. فقام القعقاع بن عمرو فقال: إني لكم ناصح وعليكم شفيق أحب أن
ترشدوا، ولأقولن لكم قولا هو الحق، أما ما قال الأمير فهو الأمر لو أن إليه سبيلا،
وأما ما قال زيد فزيد في هذا الأمر فلا تستنصحوه فإنه لا ينتزع أحد من الفتنة طعن
فيها وجرى إليها، والقول الذي هو القول: إنه لا بد من إمارة تنظم الناس وتزع
الظالم وتعز المظلوم، وهذا علي يلي بما ولي وقد أنصف في الدعاء وإنما يدعو إلى الاصلاح
فانفروا وكونوا من هذا الأمر بمرأى ومسمع. وقال سيحان: أيها الناس إنه لا بد
لهذا الأمر وهؤلاء الناس من وال يدفع الظالم ويعز المظلوم ويجمع الناس وهذا
واليكم يدعوكم لينظر فيما بينه وبين صاحبيه وهو المأمون على الأمة الفقيه في
الدين، فمن نهض إليه فإنا سائرون معه، ولأن عمار بعد نزوته الأولى فلما فرغ
سيحان من خطبته تكلم عمار فقال: هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله يستنفركم إلى
920

زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى طلحة والزبير وإني أشهد أنها زوجته في الدنيا والآخرة،
فانظروا ثم انظروا في الحق فقاتلوا معه. فقال رجل: يا أبا اليقظان لهو مع من شهدت
له بالجنة على من لم تشهد له، فقال الحسن: اكفف عنا يا عمار فإن للإصلاح أهلا
(إلى أن قال:) وفيما ذكر نصر بن مزاحم العطار عن عمر بن سعد عن أسد بن عبد الله
عمن أدرك من أهل العلم إن عبد خير الخيواني قام إلى أبي موسي فقال: يا أبا موسى
هل كان هذان الرجلان يعني طلحة والزبير ممن بايع عليا؟ - قال: نعم، قال: هل
أحدث حدثا يحل به نقض بيعته؟ قال: لا أدري، قال: لا دريت فإنا تاركوك حتى
تدري، يا أبا موسى هل تعلم أحدا خارجا من هذه الفتنة التي تزعم أنها هي فتنة،
إنما بقي أربع فرق، علي بظهر الكوفة، وطلحة والزبير بالبصرة، ومعاوية بالشام،
وفرقة أخرى بالحجاز لا يجبى بها فيئ ولا يقاتل بها عدو. فقال له أبو موسى:
أولئك خير الناس وهي فتنة. فقال له عبد خير: يا أبا موسى غلب عليك غشك.
قال: وقد كان الأشتر قام إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين إني قد بعثت إلى
أهل الكوفة رجلا قبل هذين فلم أره أحكم شيئا ولا قدر عليه وهذان أخلق من
بعثت أن ينشب بهم الأمر على ما تحب ولست أدري ما يكون فإن رأيت أكرمك الله
يا أمير المؤمنين أن تبعثني في أثرهم فإن أهل المصر أحسن شئ لي طاعة وإن قدمت
عليهم رجوت أن لا يخالفني منهم أحد. فقال له علي: الحق بهم. فأقبل الأشتر
حتى دخل الكوفة وقد اجتمع الناس في المسجد الأعظم فجعل لا يمر بقبيلة يرى
فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلا دعاهم ويقول: اتبعوني إلى القصر، فانتهى إلى
القصر في جماعة من الناس، فاقتحم القصر فدخله وأبو موسى قائم في المسجد يخطب
الناس ويثبطهم، يقول: أيها الناس إن هذه فتنة عمياء صماء تطأ خطامها،
النائم فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي،
والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من الراكب، إنها فتنة باقرة
كداء البطن أتتكم من قبل مأمنكم تدع الحليم فيها حيران كابن أمس، إنا معاشر
أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم أعلم بالفتنة، إنها إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت أسفرت، وعمار
921

يخاطبه والحسن يقول له: اعتزل عملنا لا أم لك وتنح عن منبرنا. وقال له عمار:
أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال أبو موسى: هذه يدي بما قلت. فقال له
عمار: إنما قال لك رسول الله صلى الله عليه وآله هذا خاصة فقال: أنت فيها قاعدا خير منك قائما.
ثم قال عمار: غلب الله من غالبه وجاحده.
قال نصر بن مزاحم: حدثنا عمر بن سعد قال حدثني رجل عن نعيم عن
أبي مريم الثقفي قال: والله إني لفي المسجد يومئذ وعمار يخاطب أبا موسى ويقول
له ذلك القول إذ خرج علينا غلمان لأبي موسى يشتدون، ينادون: يا أبا موسى هذا
الأشتر قد دخل القصر فضربنا وأخرجنا، فنزل أبو موسى فدخل القصر فصاح به الأشتر:
اخرج من قصرنا لا أم لك، أخرج الله نفسك فوالله إنك لمن المنافقين قديما. قال:
أجلني هذه العشية فقال: هي لك ولا تبيتن في القصر الليلة ودخل الناس ينتهبون
متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر وأخرجهم من القصر وقال: إني قد أخرجته فكف
الناس عنه).
وقال ابن كثير في البداية والنهاية عند ذكره وقائع سنة ست وثلاثين
من الهجرة تحت عنوان (ابتداء وقعة الجمل) فيما قال ما نصه (ج 7،
ص 235 - 236):
(وأقام علي بذي قار ينتظر جواب ما كتب به مع محمد بن أبي بكر وصاحبه
محمد بن جعفر وكانا قد قدما بكتابه على أبي موسى وقاما في الناس بأمره فلم يجابا
في شئ فلما أمسوا دخل أناس من ذوي الحجى على أبي موسى يعرضون عليه
الطاعة لعلي فقال: كان هذا بالأمس فغضب محمد ومحمد فقالا له قولا غليظا، فقال لهما:
والله إن بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما، فإن لم يكن بد من قتال فلا نقاتل
أحدا حتى نفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا ومن كانوا، فانطلقا إلى علي فأخبراه
الخبر وهو بذي قار فقال للأشتر: أنت صاحب أبي موسى والمعرض في كل شئ
فاذهب أنت وابن عباس فأصلح ما أفسدت، فخرجا وقدما الكوفة وكلما أبا موسى
واستعانا عليه بنفر من الكوفة فقام في الناس فقال:
922

أيها الناس إن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله الذين صحبوه أعلم بالله ورسوله ممن
لم يصحبه، وإن لكم علينا حقا وأنا مؤد إليكم نصيحة، كان الرأي أن لا تستخفوا
بسلطان الله وأن لا تجترئوا على أمره، وهذه فتنة، النائم فيها خير من اليقظان،
واليقظان خير من القاعد، والقاعد خير من القائم، والقائم خير من الراكب،
والراكب خير من الساعي، فأغمدوا السيوف، وانصلوا الأسنة، واقطعوا الأوتار،
وآووا المضطهد والمظلوم [حتى] يلتئم هذا الأمر وتنجلي هذه الفتنة.
فرجع ابن عباس والأشتر إلى علي فأخبره الخبر، فأرسل الحسن وعمار بن
ياسر وقال لعمار: انطلق فأصلح ما أفسدت، فانطلقا حتى دخلا المسجد، فكان أول
من سلم عليهما مسروق بن الأجدع فقال لعمار: على ما قتلتم عثمان؟ فقال: على
شتم أعراضنا وضرب أبشارنا، فقال: والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولو صبرتم لكان
خيرا للصابرين.
قال: فخرج أبو موسى فلقي الحسن بن علي (ع) فضمه إليه فقال لعمار:
يا أبا اليقظان أعدوت على أمير المؤمنين عثمان قتلته؟ فقال: لم أفعل ولم يسؤني ذلك،
فقطع عليهما الحسن بن علي فقال لأبي موسى: لم تثبط الناس عنا؟ فوالله ما أردنا
إلا الاصلاح، ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شئ، فقال: صدقت بأبي [أنت]
وأمي ولكن المستشار مؤتمن، سمعت من النبي صلى الله عليه وآله يقول: إنها ستكون فتنة،
القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراكب، وقد
جعلنا الله إخوانا وحرم علينا دماءنا وأموالنا. فغضب عمار وسبه وقال: يا أيها الناس
إنما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وحده: أنت فيها قاعدا خير منك قائما. فغضب رجل
من بني تميم لأبي موسى ونال من عمار، وثار آخرون وجعل أبو موسى يكفكف الناس
وكثر اللغط وارتفعت الأصوات وقال أبو موسى: أيها الناس أطيعوني وكونوا
خير قوم من خير أمم العرب يأوي إليهم المظلوم ويأمن فيهم الخائف، وإن
الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت تبينت، ثم أمر الناس بكف أيديهم ولزوم
بيوتهم. فقام زيد بن صوحان فقال: أيها الناس سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد -
923

المسلمين سيروا إليه أجمعون، فقام القعقاع بن عمرو وفقال: إن الحق ما قاله الأمير ولكن
لا بد للناس من أمير يردع الظالم ويعدي المظلوم وينتظم به شمل الناس، وأمير المؤمنين
علي يلي بما ولي وقد أنصف بالدعاء وإنما يريد الاصلاح فانفروا إليه. وقام عبد خير
فقال: الناس أربع فرق، علي بمن معه في ظاهر الكوفة، وطلحة والزبير بالبصرة، ومعاوية
بالشام، وفرقة بالحجاز لا تقاتل ولا عناء بها. فقال أبو موسى: أولئك خير الفرق،
وهذه فتنة. ثم تراسل الناس في الكلام ثم قام عمار والحسن بن علي في الناس
على المنبر يدعوان الناس إلى النفير إلى أمير المؤمنين فإنه إنما يريد الاصلاح
بين الناس. وسمع عمار رجلا يسب عائشة فقال: اسكت مقبوحا منبوحا والله إنها
لزوجة رسول الله صلى الله عليه وآله في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتطيعونه
أو إياها، رواه البخاري. وقام حجر بن عدي فقال: أيها الناس سيروا إلى أمير المؤمنين
انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن
كنتم تعلمون. وجعل الناس كلما قام رجل فحرض الناس على النفير يثبطهم
أبو موسى من فوق المنبر وعمار والحسن معه على المنبر حتى قال له الحسن بن
علي: ويحك اعتزلنا لا أم لك ودع منبرنا. ويقال: إن عليا بعث الأشتر فعزل
أبا موسى عن الكوفة وأخرجه من قصر الإمارة من تلك الليلة (إلى آخر ما قال).
أقول: قد عقد ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة رسول الله
صلى الله عليه وآله بابا بعنوان (ذكر إخباره صلى الله عليه وآله وسلم عن الفتن الواقعة
في آخر أيام عثمان بن عفان وفي خلافة علي بن أبي طالب) وأورد فيه أحاديث
بأسانيد مختلفة في هذا المعنى (أنظر ج 6، ص 208 - 215) وهذه الأحاديث مذكورة
في مسند أحمد بن حنبل، وسنن أبي داود، وصحيح مسلم، والمناقب، وسنن الترمذي
وغيرها من كتب الأحاديث إلا أن المقام لا يسع أكثر من ذلك.
924

التعليقة 69
(ص 660)
قصة استلحاق معاوية زيادا
قال الرضي - رضوان الله عليه - في نهج البلاغة في باب المختار من
كتبه عليه السلام (أنظر شرح النهج الحديدي ج 4، ص 66) ما نصه:
(ومن كتاب له عليه السلام إلى زياد بن أبيه وقد بلغه أن معاوية كتب
إليه يريد خديعته باستلحاقه:
(وقد عرفت أن معاوية كتب إليك يستزل لبك، ويستفل غربك، فاحذره
فإنما هو الشيطان يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ليقتحم
غفلته ويستلب غرته، وقد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلتة من
حديث النفس، ونزعة من نزعات الشيطان لا يثبت بها نسب، ولا يستحق بها إرث
والمتعلق بها كالواغل المدفع والنوط المذبذب).
فلما قرأ زياد الكتاب قال: شهد بها ورب الكعبة، ولم تزل في نفسه حتى
ادعاه معاوية).
وقال ابن أبي الحديد في شرحه بعد تفسير جملاته ما لفظه:
(فأما زياد فهو زياد بن عبيد فمن الناس من يقول عبيد بن فلان وينسبه
إلى ثقيف، والأكثرون يقولون: إن عبيدا كان عبدا وإنه بقي إلى أيام زياد فابتاعه
وأعتقه، وسنذكر ما ورد في ذلك. ونسبة زياد لغير أبيه لخمول أبيه والدعوة التي
استلحق بها، فقيل تارة: زياد بن سمية وهي أمه، وكانت أمة للحارث بن كلدة بن
عمرو بن علاج الثقفي طبيب العرب وكانت تحت عبيد، وقيل تارة: زياد بن أبيه،
وقيل تارة: زياد بن أمه، ولما استلحق قال له أكثر الناس: زياد بن أبي سفيان،
لأن الناس مع الملوك الذين هم مظنة الرهبة والرغبة، وليس أتباع الدين بالنسبة
925

إلى أتباع الملوك إلا كالقطرة في البحر المحيط. فأما ما كان يدعى به قبل الاستلحاق
فزياد بن عبيد ولا يشك في ذلك أحد.
وروى أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب عن هشام بن محمد بن
السائب الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس: أن عمر بعث زيادا في إصلاح
فساد واقع باليمن فلما رجع من وجهه خطب عند عمر خطبة لم يسمع مثلها وأبو سفيان
حاضر وعلي عليه السلام وعمرو بن العاص، فقال عمرو بن العاص: لله أبو هذا الغلام لو كان
قرشيا لساق العرب بعصاه، فقال أبو سفيان: إنه لقرشي وإني لأعرف الذي وضعه
في رحم أمه. فقال علي عليه السلام: ومن هو؟ قال: أنا. فقال: مهلا يا أبا أسفيان.
فقال أبو سفيان:
أما والله لولا خوف شخص * يراني يا علي من الأعادي
لأظهر أمره صخر بن حرب * ولم يخف المقالة في زياد
وقد طالت مجاملتي ثقيفا * وتركي فيهم ثمر الفؤاد
عنى بقوله: (لولا خوف شخص) عمر بن الخطاب.
وروى أحمد بن يحيى البلاذري قال: تكلم زياد وهو غلام حدث بحضرة
عمر كلاما أعجب الحاضرين فقال عمرو بن العاص: لله أبوه لو كان قرشيا لساق العرب
بعصاه، فقال أبو سفيان: أما والله إنه لقرشي ولو عرفته لعرفت أنه خير من أهلك،
فقال: ومن أبوه؟ - قال: أنا والله وضعته في رحم أمه. فقال: فهلا تستلحقه؟ -
قال: أخاف هذا العير الجالس أن يخرق علي إهابي.
وروى محمد بن عمر الواقدي قال: قال أبو سفيان وهو جالس عند عمر
وعلي هناك وقد تكلم زياد فأحسن: أبت المناقب إلا أن تظهر في شمائل زياد فقال
علي عليه السلام: من أي بني عبد مناف هو؟ - قال: ابني. قال: كيف؟ - قال: أتيت
أمه في الجاهلية سفاحا، فقال علي عليه السلام: مه يا أبا سفيان فإن عمر إلى المساءة
سريع. قال: فعرف زياد ما دار بينهما فكانت في نفسه.
وروى علي بن محمد المدائني قال: لما كان زمن علي عليه السلام ولى زيادا
926

فارس أو بعض أعمال فارس فضبطها ضبطا صالحا، وجبا خراجها وحماها، وعرف ذلك
معاوية فكتب إليه:
أما بعد فإنه غرتك قلاع تأوي إليها ليلا كما تأوي الطير إلى وكرها،
وأيم الله لولا انتظاري بك ما الله أعلم به لكان لك مني ما قال العبد الصالح:
فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم (الآية) وكتب في أسفل الكتاب شعرا من جملته:
تنسى أباك وقد شالت نعامته * إذ يخطب الناس والوالي لهم عمر
فلما ورد الكتاب على زياد قام فخطب الناس وقال: العجب من ابن آكلة -
الأكباد ورأس النفاق يهددني وبيني وبينه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وزوج سيدة
نساء العالمين، وأبو السبطين، وصاحب الولاية والمنزلة والإخاء في مائة ألف من
المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان. أما والله لو تخطى هؤلاء أجمعين إلي
لوجدني أحمر محبا ضرابا بالسيف. ثم كتب إلى علي عليه السلام، وبعث بكتاب -
معاوية في كتابه.
فكتب إليه علي عليه السلام وبعث بكتابه:
أما بعد، فإني قد وليتك ما وليتك وأنا أراك لذلك أهلا، وإنه كانت من
أبي سفيان فلتة في أيام عمر من أماني التيه وكذب النفس لم تستوجب بها ميراثا
ولم تستحق بها نسبا، وإن معاوية كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه ومن
خلفه وعن يمينه وعن شماله، فاحذره، ثم احذره، ثم احذره، والسلام.
وروى أبو جعفر محمد بن حبيب قال: كان علي عليه السلام قد ولى زيادا
قطعة من أعمال فارس واصطنعه لنفسه، فلما قتل علي عليه السلام بقي زياد في عمله، وخاف
معاوية جانبه وعلم صعوبة ناحيته وأشفق من ممالاته الحسن بن علي عليه السلام،
فكتب إليه.
من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عبيد أما بعد فإنك عبد
قد كفرت النعمة واستدعيت النقمة، ولقد كان الشكر أولى بك من الكفر، وإن
الشجرة لتضرب بعرقها وتتفرع من أصلها، إنك لا أم لك بل لا أب لك قد هلكت
927

وأهلكت، وظننت أنك تخرج من قبضتي، ولا ينالك سلطاني؟ هيهات ما كل ذي -
لب يصيب رأيه، ولا كل ذي رأي ينصح في مشورته، أمس عبد واليوم أمير؟..! خطة
ما ارتقاها مثلك يا ابن سمية، وإذا أتاك كتابي هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة
وأسرع الإجابة فإنك إن تفعل فدمك حقنت ونفسك تداركت، وإلا اختطفتك بأضعف
ريش، ونلتك بأهون سعي، وأقسم قسما مبرورا أن لا أوتي بك إلا في زمارة، تمشي
حافيا من أرض فارس إلى الشام حتى أقيمك في السوق وأبيعك عبدا وأردك إلى
حيث كنت فيه وخرجت منه، والسلام.
فلما ورد الكتاب على زياد غضب غضبا شديدا، وجمع الناس وصعد المنبر
فحمد الله ثم قال:
ابن آكلة الأكباد، وقاتلة أسد الله، ومظهر الخلاف، ومسر النفاق، ورئيس -
الأحزاب، ومن أنفق ماله في إطفاء نور الله كتب إلي يرعد ويبرق عن سحابة جفل
لا ماء فيها، وعما قليل تصيرها الرياح قزعا، والذي يدلني على ضعفه تهدده قبل
القدرة أفمن إشفاق علي تنذر وتعذر كلا ولكن ذهب إلى غير مذهب، وقعقع لمن روى
بين صواعق تهامة، كيف أرهبه؟ وبيني وبينه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وابن ابن
عمه في مائة ألف من المهاجرين والأنصار، والله لو أذن لي فيه أو ندبني إليه لأرينه
الكواكب نهارا ولأسعطنه ماء الخردل دونه، الكلام اليوم والجمع غدا، والمشورة
بعد ذلك إن شاء الله، ثم نزل، وكتب إلى معاوية.
أما بعد فقد وصل إلي كتابك يا معاوية وفهمت ما فيه فوجدتك كالغريق
يغطيه الموج فيتشبث بالطحلب، ويتعلق بأرجل الضفادع طمعا في الحياة، إنما
يكفر النعم ويستدعي النقم من حاد الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا، فأما سبك
لي فلولا حلم ينهاني عنك وخوفي أن ادعى سفيها لاثرت لك مخازي لا يغسلها الماء،
وأما تعييرك لي بسمية فان كنت ابن سمية فأنت ابن جماعة، وأما زعمك أنك
تختطفني بأضعف ريش وتتناولني بأهون سعي فهل رأيت بازيا يفزعه صغير القنابر؟!
أم هل سمعت بذئب أكله خروف؟! فامض الان لطيتك واجتهد جهدك فلست أنزل إلا بحيث
928

تكره، ولا أجتهد إلا فيما يسوءك، وستعلم أينا الخاضع لصاحبه: الطالع إليه. والسلام.
فلما ورد كتاب زياد على معاوية غمه وأحزنه، وبعث إلى المغيرة بن شعبة
فخلا به وقال: يا مغيرة إني أريد مشاورتك في أمر أهمني فانصحني فيه وأشر علي
برأي المجتهد، وكن لي أكن لك، فقد خصصتك بسري وآثرتك على ولدي، قال
المغيرة: فما ذاك؟ والله لتجدني في طاعتك أمضى من الماء في الحدود من ذي الرونق
في كف البطل الشجاع، قال: يا مغيرة إن زيادا قد أقام بفارس يكش لنا كشيش -
الأفاعي، وهو رجل ثاقب الرأي ماضي العزيمة جوال الفكر مصيب إذا رمى، وقد
خفت منه الآن ما كنت آمنه إذ كان صاحبه حيا، وأخشى ممالاته حسنا فكيف
السبيل إليه؟ وما الحيلة في إصلاح رأيه؟ - قال المغيرة: أنا له إن لم أمت، إن زيادا
رجل يحب الشرف والذكر وصعود المنابر فلو لاطفته المسألة وألنت له الكتاب
لكان لك أميل وبك أوثق، فاكتب إليه وأنا الرسول.
فكتب معاوية إليه:
من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان:
أما بعد فإن المرء ربما طرحه الهوى في مطارح العطب وإنك للمرء
المضروب به المثل قاطع الرحم وواصل العدو، وحملك سوء ظنك بي وبغضك لي على أن
عققت قرابتي وقطعت رحمي وبتت نسبي وحرمتي حتى كأنك لست أخي وليس صخر بن
حرب أباك وأبي، وشتان ما بيني وبينك أطلب بدم ابن أبي العاص وأنت تقاتلني،
ولكن أدركك عرق الرخاوة من قبل النساء، فكنت
كتاركة بيضها بالعراء * وملحفة بيض أخرى جناحا
وقد رأيت أن أعطف عليك ولا أؤاخذك بسوء سعيك وأن أصل رحمك،
وأبتغي الثواب في أمرك. فاعلم أبا المغيرة أنك لو خضت البحر في طاعة القوم
فتضرب بالسيف حتى ينقطع متنه لما ازددت منهم إلا بعدا فإن بني عبد شمس
أبغض إلى بني بني هاشم من الشفرة إلى الثور الصريع وقد أوثق للذبح. فارجع رحمك الله
إلى أصلك واتصل بقومك ولا تكن كالموصول يطير بريش غيره، فقد أصبحت ضال -
929

النسب، ولعمري ما فعل بك ذلك إلا اللجاج، فدعه عنك فقد أصبحت على بينة من
أمرك ووضوح من حجتك، فإن أحببت جانبي ووثقت بي فإمرة بإمرة، وإن كرهت
جانبي ولم تثق بقولي ففعل جميل لا علي ولا لي، والسلام.
فرحل المغيرة بالكتاب حتى قدم فارس فلما رآه زياد قربه وأدناه ولطف به
فدفع إليه الكتاب فجعل يتأمله ويضحك. فلما فرغ من قراءته وضعه تحت قدمه.
ثم قال: حسبك يا مغيرة فإني أطلع على ما في ضميرك وقد قدمت من سفرة بعيدة
فقم وأرح ركابك. قال: أجل فدع عنك اللجاج يرحمك الله وارجع إلى قومك وصل
أخاك وانظر لنفسك ولا تقطع رحمك. قال زياد: إني رجل صاحب أناة ولي في أمري
روية فلا تعجل علي ولا تبدأني بشئ حتى أبدأك، ثم جمع الناس بعد يومين أو
ثلاثة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم، وارغبوا إلى الله في دوام العافية لكم
فقد نظرت في أمور الناس منذ قتل عثمان وفكرت فيهم فوجدتهم كالأضاحي في كل
عيد يذبحون، ولقد أفنى هذان اليومان يوم الجمل وصفين ما ينيف على مائة ألف
كلهم يزعم أنه طالب حق وتابع إمام وعلى بصيرة من أمره، فإن كان الأمر هكذا
فالقاتل والمقتول في الجنة، كلا ليس كذلك ولكن أشكل الأمر والتبس على القوم،
وإني لخائف أن يرجع الأمر كما بدأ فكيف لامرء بسلامة دينه...! وقد نظرت في
أمر الناس فوجدت أحمد العاقبتين العافية، وسأعمل في أموركم ما تحمدون عاقبته ومغبته،
فقد حمدت طاعتكم إن شاء الله ثم نزل.
وكتب جواب الكتاب: أما بعد فقد وصل كتابك يا معاوية مع المغيرة بن
شعبة وفهمت ما فيه، فالحمد لله الذي عرفك الحق وردك إلى الصلة، ولست ممن
يجهل معروفا ولا يغفل حسبا، ولو أردت أن أجيبك بما أوجبته الحجة واحتمله
الجواب لطال الكتاب وكثر الخطاب ولكنك إن كتبت كتابك هذا عن عقد صحيح
ونية حسنة وأردت بذلك برا فستزرع في قلبي مودة وقبولا، وإن كنت إنما أردت
مكيدة ومكرا وفساد نية فإن النفس تأبى ما فيه العطب، ولقد قمت يوم قرأت
930

كتابك مقاما يعبأ به الخطيب المدره، فتركت من حضر لا أهل ورد ولا صدر
كالمتحيرين بمهمه ضل بهم الدليل وأنا على أمثال ذلك قدير.
وكتب في أسفل الكتاب:
إذا معشري لم ينصفوني وجدتني * أدافع عني الضيم ما دمت باقيا
وكم معشر أعيت قناتي عليهم * فلاموا وألفوني لدى العزم ماضيا
وهم به ضاقت صدور فرجته * وكنت بطبي للرجال مداويا
أدافع بالحلم الجهول مكيدة * وأخفي له تحت العضاه الدواهيا
فإن تدن مني أدن منك وإن تبن * تجدني إذا لم تدن مني نائيا
فأعطاه معاوية جميع ما سأله وكتب إليه بخط يده ما وثق به فدخل إليه الشام
فقربه وأدناه، وأقره على ولايته ثم استعمله على العراق.
وروى علي بن محمد المدائني قال: لما أراد معاوية استلحاق زياد وقد قدم
عليه الشام جمع الناس وصعد المنبر وأصعد زيادا معه فأجلسه بين يديه على المرقاة
التي تحت مرقاته وحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس إني قد عرفت نسبنا أهل البيت في زياد فمن كان عنده شهادة
فليقم بها، فقام ناس فشهدوا أنه ابن أبي سفيان وأنهم سمعوا ما أقربه قبل موته، فقام
أبو مريم السلولي فكان خمارا في الجاهلية فقال: أشهد يا أمير المؤمنين أن
أبا سفيان قدم علينا بالطائف فأتاني فاشتريت له لحما وخمرا وطعاما، فلما أكل
قال: يا أبا مريم أصب لي بغيا فخرجت فأتيت بسمية فقلت لها: إن أبا سفيان
ممن قد عرفت شرفه وجوده وقد أمرني أن أصيب له بغيا فهل لك؟ فقالت: نعم
يجئ الآن عبيد بغنمه وكان راعيا فإذا تعشى ووضع رأسه أتيته، فرجعت إلى
أبي سفيان فأعلمته فلم تلبث أن جاءت تجر ذيلها فدخلت معه فلم تزل عنده حتى
أصبحت فقلت له لما انصرفت: كيف رأيت صاحبتك؟ قال: خير صاحبة لولا ذفر
في إبطيها، فقال زياد من فوق المنبر: يا أبا مريم لا تشتم أمهات الرجال، فتشتم أمك،
فلما انقضى كلام معاوية ومناشدته قام زياد وأنصت الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
931

أيها الناس إن معاوية والشهود قد قالوا ما سمعتم، ولست أدري حق هذا
من باطله وهو والشهود أعلم بما قالوا وإنما عبيد أب مبرور ووال مشكور،
ثم نزل.
وروى شيخنا أبو عثمان: أن زيادا مر وهو والي البصرة بأبي العريان
العدوي وكان شيخا مكفوفا ذا لسن وعارضة شديدة. فقال أبو العريان: ما هذه
الجلبة؟ - قالوا: زياد بن أبي سفيان. قال: والله ما ترك أبو سفيان إلا يزيد ومعاوية
وعتبة وعنبسة وحنظلة ومحمدا فمن أين جاء زياد؟! فبلغ الكلام زيادا وقال له قائل:
لو سددت عنك فهم هذا الكلب، فأرسل إليه بمائتي دينار. فقال له رسول زياد: إن ابن - عمك زيادا الأمير قد أرسل إليك مائتي دينار لتنفقها، فقال: وصلته رحم إي والله
ابن عمي حقا، ثم مر به زياد من الغد في موكبه فوقف عليه فسلم وبكى أبو العريان
فقيل له: ما يبكيك؟ قال: عرفت صوت أبي سفيان في صوت زياد فبلغ ذلك معاوية
فكتب إلى أبي العريان:
ما البثتك الدنانير التي بعثت * أن لونتك أبا العريان ألوانا
أمسى إليك زياد في أرومته * نكرا فأصبح ما أنكرت عرفانا
لله در زياد لو تعجلها * كانت له دون ما يخشاه قربانا
فلما قرأ كتاب معاوية على أبي العريان قال: اكتب جوابه يا غلام:
أحدث لنا صلة تحيا النفوس بها * قد كدت يا ابن أبي سفيان تنسانا
أما زياد فقد صحت مناسبه * عندي فلا أبتغي في الحق بهتانا
من يسد خيرا يصبه حين يفعله * أو يسد شرا يصبه حيثما كانا
وروى أبو عثمان أيضا قال: كتب زياد إلى معاوية ليستأذنه في الحج فكتب
إليه أني قد أذنت لك واستعملتك على الموسم وأجزتك بألف ألف درهم. فبينا هو
يتجهز إذ بلغ ذلك أبا بكرة أخاه وكان مصارما له منذ لجلج في الشهادة على المغيرة
ابن شعبة أيام عمر لا يكلمه، قد لزمته أيمان عظيمة أن لا يكلمه أبدا، فأقبل أبو بكرة
يدخل القصر يريد زيادا فبصر به الحاجب فأسرع إلى زياد قائلا: أيها الأمير هذا
932

أخوك أبو بكرة قد دخل القصر قال: ويحك أنت رأيته؟ - قال: ها هوذا قد طلع
وفي حجر زياد بني يلاعبه وجاء أبو بكرة حتى وقف عليه فقال للغلام: كيف أنت
يا غلام؟ إن أباك ركب في الإسلام عظيما زنى أمه وانتفى من أبيه ولا والله ما علمت
سمية رأت أبا سفيان قط، ثم أبوك يريد أن يركب ما هو أعظم من ذلك يوافي الموسم
غدا ويوافي أم حبيبة بنت أبي سفيان وهي من أمهات المؤمنين فإن جاء أن يستأذن
عليها فأذنت له فأعظم بها فرية على رسول الله صلى الله عليه وآله ومصيبة، وإن هي منعته فأعظم بها
على أبيك فضيحة، ثم انصرف. فقال: جزاك الله يا أخي عن النصيحة خيرا ساخطا
كنت أو راضيا، ثم كتب إلى معاوية: إني قد اعتللت عن الموسم فليوجه إليه
أمير المؤمنين من أحب، فوجه عتبة بن أبي سفيان.
وأما أبو عمر بن عبد البر فإنه قال في كتاب الاستيعاب:
لما ادعي معاوية زيادا في سنة أربع وأربعين وألحقه به أخا زوج ابنته من ابنه
محمد بن زياد ليؤكد بذلك صحة الاستلحاق، وكان أبو بكرة أخا زياد لأمه، أمهما
جميعا سمية فحلف أن لا يكلم زيادا أبدا، وقال: هذا زنى أمه وانتفى من أبيه ولا والله
ما علمت سمية رأت أبا سفيان قط، ويله ما يصنع بأم حبيبة أيريد أن يراها؟ فإن حجبته
فضحته، وإن رآها فيا لها مصيبة تهتك من رسول الله صلى الله عليه وآله حرمة عظيمة.
وحج زياد مع معاوية ودخل المدينة فأراد الدخول على أم حبيبة ثم ذكر
قول أبي بكرة فانصرف عن ذلك، وقيل: إن أم حبيبة حجبته ولم تأذن له في الدخول
عليها، وقيل: إنه حج ولم يرد المدينة من أجل قول أبي بكرة، وأنه قال: جزى الله
أبا بكرة خيرا فما يدع النصيحة في حال علي).
أقول: قال ابن خلكان في وفيات الأعيان في ترجمة يزيد بن مفرغ:
(قلت: وقد تكرر في هذه الترجمة حديث زياد وبنيه وسمية وأبي سفيان
ومعاوية وهذه الأشعار التي قالها يزيد بن مفرغ فيهم، ومن لا يعرف هذه الأسباب
قد يتشوف إلى الاطلاع عليها فنورد منها شيئا مختصرا فأقول).
فخاض في ترجمة زياد وبنيه على سبيل التفصيل ونقلنا كلامه مع طوله
933

في تعليقاتنا على كتاب الايضاح للفضل بن شاذان (ره) لكثرة فائدته، فمن أراده فليراجع
الوفيات ج 2، ص 388 من طبعة بولاق، أو الايضاح (ص 544 - 555).
التعليقة 70
(ص 663)
استدراك لما فات
قول المصنف (ره) في ص 7، س 4:
(إني ميت أو مقتول (إلى آخره)).
وقلنا في ذيله: (تأتي هذه القطعة من الرواية في موردين آخرين من الكتاب)
وأشرنا إلى مورديهما لكنا غفلنا عن أن نشير إلى قول المصنف (ره) في مورد آخر
أيضا من الكتاب (ص 443 - 445) فإنه (ره) عقد هنالك لقوله عليه السلام في قتله بابا وأورد
فيه أحاديث قريبة مما رواه هنا.
قول المصنف (ره) في ص 23، س 6:
(إن علي بن أبي طالب لما فرغ من حرب الخوارج قام في الناس بالنهروان خطيبا).
قال ابن كثير في (البداية والنهاية) عند ذكره مسير أمير المؤمنين
علي - رضي الله عنه - إلى الخوارج (ج 7، ص 306):
(قال الهيثم بن عدي في كتابه الذي جمعه في الخوارج وهو من أحسن ما صنف
في ذلك قال: وذكر عيسى بن دأب قال:
لما انصرف علي - رضي الله عنه - من النهروان قام في الناس خطيبا فقال
بعد حمد لله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله:
أما بعد فإن الله قد أعز نصركم فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم
(فذكر الخطبة كما في المتن وقال) فبايعهم وأقبل بالناس حتى نزل النخيلة وأمرهم
934

أن يلزموا معسكرهم (إلى آخر ما في ص 29 من المتن) وقال: فأقاموا معه أياما
متمسكين برأيه وقوله ثم تسللوا حتى لم يبق منهم أحد إلا رؤوس أصحابه فقام
علي فيهم خطيبا فقال: الحمد لله (فذكر خطبة طويلة في ذيلها: (أما بعد فإن الدنيا
قد أدبرت وآذنت بوداع) إلى آخر ما في المتن، أنظر ص 633).
وقال في آخرها: (وهذه خطبة بليغة نافعة جامعة للخير ناهية عن الشر
وقد روي لها شواهد من وجوه أخر متصلة، ولله الحمد والمنة).
أقول: قد أورد ابن كثير هذا في المجلد السابع من تاريخه (البداية والنهاية)
في أحوال أمير المؤمنين علي عليه السلام أكثر أحاديث كتاب الغارات هذا وقصصه، وفاتنا
أن نشير في ذيل الأحاديث والقصص إلى مواردها لعدم علمنا بذلك إذ ذاك، فعلى الطالب
أن يراجعه فإنه في أغلب الموارد كالنسخة الثانية للمتن.
قول المصنف (ره) في ص 54، س 5:
(قال: قدم عقيل على علي عليه السلام (إلى أن قال): هذا ابن المراقة (إلى أن
قال) حمامة جدتك وكانت بغية).
وقلنا في ذيل الصفحة: (لم أتحقق معنى ابن المراقة).
فنقول:
قال ابن الشيخ (ره) في أماليه في المجلد الثاني في مجلس يوم الجمعة
الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة سبع وخمسين وأربعمائة (ص 89 من الطبعة
القديمة الحجرية بطهران سنة 1313، و ص 334 من طبعة النجف سنة 1384:
(وعنه [أي عن أبيه أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
- رضي الله عنه -] قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن
سعيد الهمداني قال: حدثنا أحمد بن القاسم أبو جعفر الأكفاني من أصل كتابه
قال: حدثنا عباد بن يعقوب قال: حدثنا أبو معاذ زياد بن رستم بياع الأدم عن
[عبد] الصمد عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال:
935

قلت: يا أبا عبد الله حدثنا حديث عقيل قال: نعم، جاء عقيل إليكم بالكوفة
وكان علي عليه السلام جالسا في صحن المسجد وعليه قميص سنبلاني قال: فسأله فقال:
أكتب لك إلى ينبع؟ قال: ليس غير هذا؟ - قال: لا، فبينما هو كذلك إذ أقبل
الحسن عليه السلام فقال عليه السلام: اشتر لعمك ثوبين، فاشترى له، قال: يا بن أخي ما هذا؟ -
قال: هذه كسوة أمير المؤمنين ثم أقبل حتى انتهى إلى علي عليه السلام فجلس، فجعل
يضرب يده على الثوبين ويقول: ما ألين هذا الثوب يا أبا يزيد...! قال: يا حسن
أخد عمك قال: والله لا أملك درهما ولا دينارا، قال: فاكسه بعض ثيابك، قال
عقيل: يا أمير المؤمنين ائذن لي إلى معاوية: قال: في حل محلل، فانطلق نحوه،
وبلغ ذلك معاوية فقال: اركبوا أفره دوابكم والبسوا من أحسن ثيابكم، فإن عقيلا
قد أقبل نحوكم وأبرز معاوية سريره، فلما انتهى إليه عقيل قال معاوية: مرحبا
بك يا أبا يزيد، ما نزع بك؟ - قال: طلب الدنيا من مظانها، قال: وفقت وأصبت،
قد أمرنا لك بمائة ألف، فأعطاه المائة الألف.
ثم قال: أخبرني عن العسكرين الذين مررت بهما قبل، عسكري وعسكر -
علي، قال: في الجماعة أخبرك أو في الوحدة؟ - قال: لا، بل في الجماعة، قال: مررت
على عسكر علي فإذا ليل كليل النبي ونهار كنهار النبي إلا أن رسول الله صلى الله عليه وآله
ليس فيهم، ومررت على عسكرك فإذا أول من استقبلني أبو الأعور وطائفة من
المنافقين والمنفرين برسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن أبا سفيان ليس فيهم، فكف عنه حتى
إذا ذهب الناس قال له. يا أبا يزيد أيش (1) صنعت بي؟..! قال: ألم أقل لك: في الجماعة
أو في الوحدة، فأبيت علي؟! قال: أما الآن فاشفني من عدوي، قال: ذلك عند الرحيل.
فلما كان من الغد شد غرائره ورواحله وأقبل نحو معاوية وقد جمع معاوية
حوله فلما انتهى إليه قال: من ذا عن يمينك؟ - قال عمرو بن العاص، فتضاحك ثم قال
[هذا الذي اختصم فيه ستة نفر فغلب عليه جزارها، فمن الآخر؟ - قال: الضحاك

1 - في معجم الوسيط: (أيش منحوت من (أي شئ) بمعناه وقد تكلمت به العرب).
936

بن قيس الفهري، فتضاحك ثم قال (1):] لقد علمت قريش أنه لم يكن أخصى لتيوسها
من أبيه، ثم قال: من هذا؟ - قال: هذا أبو موسى، فتضاحك ثم قال: لقد علمت قريش
بالمدينة أنه لم يكن بها امرأة أطيب ريحا من قب أمه.
ثم قال: أخبرني عن نفسي يا أبا يزيد قال: تعرف حمامة؟ ثم سار. فألقي
في خلد معاوية قال: أم من أمهاتي لست أعرفها، فدعا بنسابين من أهل الشام فقال:
أخبراني من أم من أمهاتي يقال لها: حمامة لست أعرفها، فقالا: نسألك بالله لا تسألنا
عنه اليوم، قال: أخبراني أو لأضربن أعناقكما، ولكما الأمان، قالا: فإن حمامة جدة -
أبي سفيان السابعة، وكانت بغيا وكان لها بيت تؤتى فيه.
قال جعفر بن محمد عليهما السلام: كان عقيل من أنسب الناس).
وقال المجلسي (ره) بعد نقله في تاسع البحار (في باب إخوان أمير المؤمنين
وعشائره صلوات الله عليه) (ص 626 من طبعة أمين الضرب) من أمالي ابن الشيخ (ره)
ما نصه:
(بيان - أخديته أي أعطيته، والقب بالكسر العظم الناتئ بين الأليتين).
ثم قال المجلسي (ره): (أقول: قال عبد الحميد بن أبي الحديد: رووا أن عقيلا -
رحمه الله - قدم على أمير المؤمنين عليه السلام فوجده جالسا في صحن المسجد بالكوفة فقال:
السلام عليك يا أمير المؤمنين (فنقل حديث الغارات من دون نسبة إلى الكتاب، وكذا
حديث الغارات المذكور في ص 549، وزاد عليهما أشياء، فمن أراد التفصيل في ترجمة
عقيل فليراجع الباب المشار إليه من المجلد التاسع).
وقال (ره) أيضا في ثامن البحار في باب (ما ورد في... معاوية وعمرو بن
العاص) (ص 566) ما نصه:
(قال مؤلف إلزام النواصب والعلامة - رحمه الله - في كشف الحق: روى
أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي في كتاب المثالب: كان معاوية لعمارة بن

1 - أضيف ما بين المعقوفتين لوجوده في الغارات وسائر الكتب.
937

الوليد المخزومي ولمسافرين أبي عمرو ولأبي سفيان ولرجل آخر سماه، وكانت
هند أمه من المعلمات وكان أحب الرجال إليها السودان، وكانت إذا ولدت أسود
دفنته، وكانت حمامة إحدى جدات معاوية لها راية في ذي المجاز (إلى آخر
ما قال)).
وقال المحدث القمي (ره) في الكنى والألقاب
في ترجمة أبي موسى الأشعري فيما قال:
(أقول: الذي يظهر من تاريخ أحوال أبي موسى أنه كان لغير رشده ويشهد
لذلك تعبير معاوية عنه بدعي الأشعريين، وفي الخبر الوارد في ورود عقيل على معاوية
وسؤاله عن الجماعة الذين كانوا حوله: قال لمعاوية: من ذا عن يمينك؟ قال: عمرو بن
العاص فتضاحك، ثم قال: لقد علمت قريش أنه لم يكن أخصى لتيوسها من أبيه.
ثم قال: من هذا؟ قال أبو موسى، فتضاحك ثم قال: لقد علمت قريش بالمدينة أنه
لم يكن بها امرأة أطيب ريحا من قب أمه.
وفي خبر آخر أو مجلس آخر:
لما سأل عقيل معاوية: من هذا الذي عن يمينك؟ فأجاب بأنه عمرو بن العاص
قال عقيل: هذا الذي اختصم فيه ستة نفر فغلب عليه جزارها، فمن الآخر؟ قال:
أبو موسى الأشعري قال: هذا ابن المراقة.
قلت: الظاهر أن المراد من (المراقة) كثرة النتن فإن المرق كما في
القاموس الاهاب المنتن ولعلها لدفع النتن كانت تستعمل الطيب وتحمله معها
كما يحكى نظير ذلك عن ابن زياد.
ويحتمل أن يكون (المراغة) بالغين المعجمة كما قال ذلك عبد الملك بن
مروان لجرير الشاعر لما سمع قوله في أبيات هجا بها الأخطل التغلبي الشاعر:
938

إن الذي حرم المكارم تغلبا * جعل النبوة والخلافة فينا
مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم * يا خزر تغلب من أب كأبينا
هذا ابن عمي في دمشق خليفة * لو شئت ساقكم إلي قطينا
[قطينا أي خدما] قال: فلما بلغ عبد الملك بن مروان قوله قال: ما زاد ابن -
المراغة علي أن جعلني شرطيا، أما إنه لو قال: (لو شاء ساقكم إلي قطينا) لسقتهم
إليه كما قال.
قوله: (جعل الخلافة والنبوة فينا) إنما قال ذلك لأن جريرا تميمي
النسب، وتميم ترجع إلى مضر بن نزار بن عدنان جد رسول الله صلى الله عليه وآله).
أقول: يؤيد ما قاله ما في رواية ابن الشيخ (ره) كما نقلناها والتدبر فيما ذكره
أهل اللغة ففي القاموس وتاج العروس: (المراغة (كسحابة) متمرغ الدابة كالمراغ
(أي موضع تمرغها) وفي صفة الجنة: مراغ دوابها المسك، وقال أبو النجم يصف ناقة:
يجفلها كل سنام مجفل * لأيا بلأي في المراغ المسهل
(و) قال ابن عباد: المراغة (الأتان لا تمنع الفحولة) وعبارة الليث: لا تمتنع
من الفحول (و) المراغة (أم جرير) الشاعر (لقبتها الفرزدق لا الأخطل، ووهم
الجوهري أي مراغة للرجال) أي يتمرغ عليها الرجال (أو لقبت لأن أمه ولدت
في مراغة الإبل وهذا قول الغوري وقال ابن دريد: فأما قول الفرزدق لجرير: يا بن
المراغة، فإنما يعيره ببني كليب لأنهم أصحاب حمير، وقال ابن عباد: وقيل: هي
شرب الناقة التي أرسلها جرير فجعل لها قسما من الماء ولأهل الماء قسمين قال
الفرزدق يهجو جريرا:
يا ابن المراغة أين خالك إنني * خالي حبيش ذو الفعال الأفضل
وقال الجوهري: المراغة أم جرير لقبها به الأخطل حيث يقول:
وابن المراغة حابس أعياره * قذف الغريبة ما تذوق ملالا
أراد أمه كانت مراغة للرجال، ويروى رمي الغريبة، ونقل الصاغاني هذا القول
في التكملة ثم قال: والذي قاله الجوهري حزر وقياس والقول ما قالت حذام).
939

قول المصنف (ره) في ص 83، س 3:
(عن هارون بن مسلم البجلي عن أبيه قال: أعطى علي عليه السلام).
وقلنا في ذيله: (من المحتمل أن يكون (البجلي) محرف (العجلي)
وذكرنا ترجمته عن التقريب والتهذيب ووصفه في الأول منهما بقوله: (إنه من
التاسعة) وأنت خبير بأنه لا يمكن روايته حينئذ بواسطة أبيه عن علي عليه السلام لبعد
الطبقة).
لكن ذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل رجلا بهذا العنوان: (مسلم
العجلي روى عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وسمرة بن جندب، روى عنه
ابنه هارون بن مسلم (صاحب الحناء) سمعت أبي يقول ذلك ويقول: قلت لأبي الظفر
عبد السلام بن مطهر: مسلم العجلي لقي عليا - رضي الله عنه؟ - قال: كذا يقولون،
قال أبو محمد: كان البخاري جعلهما اسمين، مسلم العجلي عن علي على حدة، ومسلم
العجلي عن سمرة على حدة، فقال أبي: هما واحد وجعل راوية أحدهما عنه سليمان
فقال أبي: هو هارون بن مسلم).
وقال البخاري في تاريخه الكبير (ص 275 من ج 7):
(مسلم بن هرمز عن علي روى عنه ابنه هارون) وقال أيضا في ص 269:
(مسلم العجلي سمع سمرة روى عنه ابنه سليمان وأصله كوفي):
وقيل في هامشه: (قال ابن أبي حاتم: مسلم العجلي روى عن علي بن
أبي طالب (إلى آخر ما نقلناه ثم قال).
أقول: ليس عندنا في الأصلين إلا واحد روى عن سمرة وحده نعم سيأتي
في باب الهاء: مسلم بن هرمز وننظر فيه) وقال أيضا في ذيل قول البخاري: مر
قريبا قول أبي حاتم: إن سليمان خطأ والصواب هارون وأراه وهم في ذلك فقد تقدم
في باب سليمان (سليمان بن مسلم أبو المعلى العجلي سمع أباه أصله كوفي سمع منه
موسى حدثني عمرو بن علي حدثني سليمان بن مسلم أبو المعلى العجلي أخو هارون
940

رأى الشعبي وابن أشوع يقضيان) وقد ذكره ابن أبي حاتم فقال: سليمان بن مسلم
أبو المعلى الخزاعي العجلي كوفي الأصل بصري الدار وهو أخو هارون بن مسلم
روى عن الشعبي وابن أشوع، وروى عن أبيه عن سمرة بن جندب (إلى آخر
ما قال)).
فعلى ما ذكرنا يكون قول ابن حجر في تقريب التهذيب: (إنه من التاسعة)
صادرا عن اشتباه ولا يبقى مجال للشك في صحة سند الكتاب.
قول المصنف (ره) في ص 99، س 2:
(وأخبرنا إبراهيم بن ميمون).
وقد قلنا في تعليقاتنا:
(الظاهر وقوع السقط في السند لعدم إمكان رواية الثقفي عنه بلا واسطة).
وقلنا أيضا:
(من المحتمل قويا أن نسبة إبراهيم هنا إلى الجد).
ووقفنا بعد ما كتبنا هذه التعليقة على رواية نقلها المفيد (ره) وغيره
عن الثقفي عن إبراهيم بن محمد بن ميمون فعلى ذلك يتعين الاحتمال ويرتفع الابهام
والإجمال.
قول المصنف (ره) في ص 102، س 3:
(قال شريك بن سرير عن أبيه هو حكيم بن صميت قال: رأيت (الحديث).
وقلنا في ذيله ما قلنا ثم تفطنا بعد بما ينبغي أن ننبه عليه هنا وهو:
من المحتمل أن يكون السند مستقيما باحتمال تحريف وحذف فعليه يكون الطريق
هكذا: (شريك بن سدير عن أبيه عن جده وهو حكيم بن صهيب) فقال النجاشي (ره)
(حنان بن سدير بن حكيم بن صهيب أبو الفضل الصيرفي كوفي روى عن أبي عبد الله
941

وأبي الحسن عليهما السلام، له كتاب في صفة الجنة والنار) وذكر الشيخ (ره) في
الفهرست نحوه، فعليه يكون (شريك) الواقع في السند أخا لحنان وإن أهمل ذكره
في كتب الرجال.
ثم إن ابن سعد قال في الطبقات عند ذكره صفة علي بن أبي طالب عليه السلام
في المجلد الثالث من طبعة أوربا (ص 16) ما نصه:
(أخبرنا الفضل بن دكين قال، حدثنا شريك عن جابر عن عامر قال: كان
علي يطردنا من الرحبة ونحن صبيان أبيض الرأس واللحية، فيمكن أن ينطبق شريك
هذا على من هو مذكور في الطريق والله العالم بحقيقة الأمر.
قول المصنف (ره) في ص 106، س 8:
(ثم لبس القميص ومد يده في ردنه فإذا هو يفضل عن أصابعه).
قال علي بن عيسى الإربلي - قدس الله روحه ونور ضريحه - في كشف
الغمة عند وصفه زهد علي (ع) في الدنيا (ص 47 - 48 من الطبعة الأولى): (ونقلت من كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد: قال أمير المؤمنين عليه السلام
وقد أمر بكنس بيت المال ورشه فقال: يا صفراء غري غيري، يا بيضاء غري غيري،
ثم تمثل شعرا.
هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه
ومنه قال ابن الأعرابي: إن عليا دخل السوق وهو أمير المؤمنين فاشترى
قميصا بثلاثة دراهم ونصف فلبسه في السوق فطال أصابعه فقال للخياط: قصه، قال:
فقصه، وقال الخياط: أخوصه يا أمير المؤمنين؟ - قال: لا، ومشى والدرة على كتفه
وهو يقول:
شرعك ما بلغك المحل * شرعك ما بلغك المحل
الخوص الخياطة، وشرعك = حسبك أي كفاك).
وقال الزمخشري في مستقصى الأمثال، (شرعك ما بلغك المحل أي حسبك
942

ما أوصلك إلى الغرض المطلوب).
وقال في الفائق: (شرعك ما بلغك المحلا، أي حسبك، وأشرعني كذا
أي أحسبني، وكأن معناه الكفاية الظاهرة المكشوفة من: شرع الدين شرعا، إذا
أظهره وبينه).
وفي معيار اللغة: (وفي حديث علي عليه السلام: شرعك ما بلغك المحل
بالفتح، أي حسبك من الزاد ما بلغك مقصدك وكفاك، يضرب في التبلغ والاكتفاء
باليسير).
وفي الصحاح والقاموس واللسان: (وفي المثل: شرعك ما بلغك المحل
أي حسبك وكافيك من الزاد ما بلغك مقصدك، يضرب في التبلغ باليسير) وفي تاج -
العروس: (هو مصراع بيت والرواية: شرعك ما بلغك المحلا) وفي النهاية:
(وفي حديث علي: شرعك ما بلغك المحلا، أي حسبك وكافيك وهو مثل يضرب في
التبلغ باليسير ومنه حديث ابن مغفل سأله غزوان عما حرم من الشراب فعرفه قال:
فقلت: شرعي أي حسبي).
وفي مجمع الأمثال للميداني: (شرعك ما بلغك المحل أي حسبك من
الزاد ما بلغك مقصدك ومنه قول الراجز:
من شاء أن يكثر أو يقلا * يكفيه ما بلغه المحلا)
قول المصنف (ره) في ص 107، س 1:
(أخبرنا يوسف بن بهلول السعدي قال: حدثنا شريك (إلى قوله): وقد
خاب من افترى):
قال ابن كثير في البداية والنهاية (ج 6، ص 218) تحت عنوان إخباره
صلى الله عليه وآله بمقتل علي بن أبي طالب عليه السلام فكان كما أخبر) ما نصه:
(قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شريك عن عثمان بن المغيرة عن زيد بن
943

وهب قال: جاء رأس الخوارج إلى علي فقال له: اتق الله فإنك ميت، فقال: لا،
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ولكن مقتول من ضربة على هذه تخضب هذه، وأشار
بيده إلى لحيته عهد معهود وقضاء مقضي وقد خاب من افترى).
ثم ذكر روايات أخرى تدل على هذا المعنى.
قول المصنف (ره) في ص 148، س 1:
(حدثني الثقة عن كميل بن زياد (إلى قوله): إن هذه القلوب أوعية فخيرها
أوعاها (الحديث)).
قال ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة كميل بن زياد (ج 9،
ص 46) ما نصه:
(كميل بن زياد بن نهيك بن خيثم النخعي الكوفي روى عن عمر وعثمان
وعلي وابن مسعود وأبي هريرة وشهد مع علي صفين وكان شجاعا فاتكا وزاهدا
عابدا قتله الحجاج في هذه السنة (سنة 82) وقد عاش مائة سنة قتله صبرا بين يديه،
وإنما نقم عليه لأنه طلب من عثمان بن عفان القصاص من لطمة لطمها إياه فلما أمكنه
عثمان من نفسه عفا عنه فقال له الحجاج: أو مثلك يسأله من أمير المؤمنين القصاص؟!
ثم أمر فضربت عنقه. قالوا: وذكر الحجاج عليا في غضون ذلك (1) فنال منه وصلى
عليه كميل فقال له الحجاج: والله لأبعثن إليك من يبغض عليا أكثر مما تحبه
أنت، فأرسل إليه ابن أدهم وكان من أهل حمص ويقال: أبا الجهم بن كنانة فضرب عنقه.
وقد روى عن كميل جماعة كثيرة من التابعين وله الأثر المشهور عن علي بن
أبي طالب الذي أوله: (القلوب أوعية فخيرها أوعاها) وهو طويل قد رواه جماعة
من الحفاظ الثقات، وفيه مواعظ وكلام حسن، رضي الله عن قائله).

1 - في الأصل: (غبون) والتصحيح قياسي ففي محيط المحيط للبستاني:
(الغضن [كفلس وأسد] كل تجعد وتثن في ثوب أو جلد أو درع (ج) غضون، وفي غضون
ذلك أي في أثناء ذلك أو أوساطه وطياته) وفي المعجم الوسيط مثله.
944

قول المصنف (ره) في ص 191، س 1:
(حدثنا أبو حمزة بينما على ذات يوم (الحديث).
وقلنا في شرحه: (في الأصل: أبو حيرة لكن في البحار أبو حمزة...).
فنقول: الصحيح: (أبو حبرة) ففي القاموس: حبرة كعنبة أبو حبرة تابعي)
وقال الزبيدي في شرحه: (هو شيحة بن عبد الله بن قيس الضبعي من أصحاب علي
- رضي الله عنه - روى عنه أهل البصرة شبل بن عزرة وغيره، ذكره ابن حبان).
وفي الطبقات لابن سعد عند ذكره الطبقة الثانية من أهل البصرة في الجزء
الأول من المجلد السابع (ص 159 من طبعة أوربا، و ص 219 من المجلد السابع من طبعة
بيروت): (أبو حبرة الضبعي واسمه شيحة بن عبد الله، روى عن علي بن أبي طالب عليه السلام
وكان قليل الحديث).
وفي الاكمال لابن ماكولا (ج 5، ص 231): (الضبعي بضاد معجمة
مضمومة وباء مفتوحة وعين مهملة نسبة إلى ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن
صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن
أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان منهم أبو حبرة شيحة بن عبد الله الضبعي
سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه روى عنه المثنى بن سعيد).
وفي أنساب السمعاني مثله.
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ج 4، ص 379):
(شيحة بن عبد الله أبو حبرة الضبعي روى عن علي وابن عباس، روى عنه شبيل
ابن عزرة وجعفر بن سليمان وأم جعفر بن سليمان وأخت أبي حبرة، سمعت
أبي يقول ذلك).
وفي المعارف لابن قتيبة (ص 467 من الطبعة الثانية بمصر):
(أبو حبرة هو شيحة بن عبد الله بن قيس من ضبيعة بن ربيعة بن نزار وكان من
أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومات بالبصرة هرما ولا عقب له).
وفي المشتبه للذهبي (ص 132): (وحبرة باسم البرد حبرة بن لخم وأبو حبرة
945

عن علي) (و ص 373): شيحة بشين عن علي - رضي الله عنه -).
وفي تبصير المنتبه لابن حجر (ص 237): (حبرة بالكسر ثم الفتح باسم البرد
حبرة بن لخم وأبو حبرة شيحة بن عبد الله عن علي) (وفي ص 697): (وشيحة بالشين
المعجمة والياء والحاء المهملة أبو حبرة روى عن علي).
وفي تهذيب التهذيب له: (شيحة الضبعي بكسر أوله ثم ياء مثناة من تحت
ثم حاء مهملة أبو حبرة بمهملة ثم موحدة مشهور بكنيته يأتي في الكنى)
أقول: لكنه فاته ذكره في الكنى فراجع إن شئت.
قول المصنف (ره) في ص 443، س 2:
(عن أبي حمزة عن أبيه (إلى آخر الباب)).
وقلنا في ص 444: (لم نجد الرواية في شرح النهج والبحار) وفاتتنا الإشارة
إلى أن الشيخ الحر العاملي (ره) نقلها في إثبات الهداة (المجلد الخامس، ص 20)
لكنا أشرنا إلى نقله (ره) إياها في ذيل ص 14 فراجع.
قول المصنف (ره) في ص 520، س 4:
(عن زر بن حبيش قال: سمعت (إلى قوله) ولا يبغضك إلا منافق).
قال ابن كثير في البداية والنهاية (ج 7، ص 354) تحت عنوان (ذكر
شئ من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -):
(قال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زربن
حبيش قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي
إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق.
ورواه أحمد عن ابن عمير ووكيع عن الأعمش، وكذلك رواه أبو معاوية ومحمد بن
فضيل وعبد الله بن داود الحربي وعبيد الله بن موسى ومحاضر بن المورع ويحيى بن
عيسى الرملي عن الأعمش به، وأخرجه مسلم في صحيحه عن [سعد] ورواه غسان
ابن حسان عن شعبة عن عدي بن ثابت عن علي فذكره. وقد روي من غير وجه
946

عن علي، وهذا الذي أوردناه هو الصحيح من ذلك والله أعلم).
قول المصنف (ره) في ص 558: س 6:
(وكان بالكوفة من فقهائها) وعد نفرا على سبيل الاجمال أولا ثم خاض في
تراجمهم، وشرح حالهم فأورد في حق كل منهم ما يتعلق به إلا نفرا يسيرا.
وأشرنا إلى ما يتعلق بهم في تعليقاتنا (أنظر ص 559 وما بعدها) وفاتنا ما يتعلق
بشريح وأبي وائل وهو ما قاله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة بهذه العبارة
(أنظر ج 1، ص 370، س 1):
(وروى الأعمش عن إبراهيم التميمي قال: قال علي عليه السلام لشريح وقد قضى
قضية نقم عليه أمرها: والله لأنفينك إلى ما نيقيا شهرين تقضي بين اليهود.
قال: ثم قتل علي عليه السلام ومضى دهر فلما قام المختار بن أبي عبيد قال لشريح:
ما قال لك أمير المؤمنين يوم كذا؟ - قال: إنه قال لي كذا، قال: فلا والله لا تقعد حتى
تخرج إلى ما نيقيا تقضي بين اليهود، فسيره إليها، فقضى بين اليهود شهرين).
وقال أيضا بلا فاصلة:
(ومنهم أبو وائل شقيق بن سلمة كان عثمانيا يقع في علي عليه السلام ويقال:
إنه كان يرى رأي الخوارج ولم يختلف في أنه خرج معهم وأنه عاد إلى علي عليه السلام
منيبا مقلعا، روى خلف بن خليفة قال أبو وائل: خرجنا أربعة آلاف فخرج إلينا
علي فما زال يكلمنا حتى رجع منا ألفان. وروى صاحب كتاب الغارات عن عثمان
ابن أبي شيبة عن الفضل بن دكين عن سفيان الثوري قال: سمعت أبا وائل يقول:
شهدت صفين وبئس صفين كانت، قال: وقد روى أبو بكر بن عياش عن عاصم بن
أبي النجود قال: كان أبو وائل عثمانيا وكان زربن حبيش علويا).
قول المصنف (ره) في ص 571، س 4:
(عن المسور بن مخرمة قال: لقى عمر بن الخطاب (إلى قوله) والوزراء بني مخزوم).
هذه الرواية نقلها السيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى: (وجاهدوا في الله
حق جهاده) (ج 4، ص 371) بهذه العبارة: (أخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن
947

عوف قال قال لي عمر: ألسنا كنا نقرأ فيما نقرأ: وجاهدوا في الله حق جهاده في آخر
الزمان كما جاهدتم في أوله؟ - قلت: بلى، فمتى هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا
كانت بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء. وأخرجه البيهقي في الدلائل عن المسور
ابن مخرمة قال قال عمر لعبد الرحمن بن عوف فذكره). ونقلها ابن كثير في البداية
والنهاية (ج 6، ص 215) في باب ذكر إخباره صلى الله عليه وآله وسلم عن الفتن الواقعة في آخر
أيام عثمان وفي خلافة علي بن أبي طالب بهذه العبارة: (وقال عبد الرزاق أخبرنا
ابن عيينة أخبرني عمرو بن دينار عن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر
لعبد الرحمن بن عوف: أما علمت أنا كنا نقرأ: وجاهدوا في الله حق جهاده في آخر
الزمان كما جاهدتم في أوله؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: فمتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ -
قال: إذا كان بنو أمية الأمراء، وبنو المغيرة الوزراء، ذكره البيهقي ههنا).
قول المصنف (ره) في ص 589، س 8:
(عن ربيعة بن ناجد: عن علي عليه السلام قال: دعاني النبي (الحديث)).
قال ابن كثير في البداية والنهاية (ج 7، ص 355) تحت عنوان (باب
ذكر شئ من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه):
وروى غير واحد عن الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن
علي قال: دعاني رسول الله (الحديث إلى قوله) فيما أحببتم وكرهتم).
تمت التعليقات
والحمد لله رب العالمين
وكان الفراغ منها يوم الثلاثاء منتصف شهر محرم الحرام
من السنة الخامسة والتسعين بعد ألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية.
(8 بهمن 1353)
مير جلال الدين الحسيني الأرموي
المحدث
948

لفت نظر
نذكر هنا فائدتين
وإن لم تكونا من مستدركات هذا الكتاب
الأولى - تتعلق بكتاب الايضاح للشيخ الأجل الأقدم أبي محمد الفضل بن شاذان
النيسابوري تغمده الله بغفرانه وألبسه حلل رحمته ورضوانه وذلك أن الكتاب المذكور
قد طبع ونشر ضمن (نشريات جامعة طهران) سنة 1392 ه‍ ق، وكنت أنا المتصدي
لتحقيق الكتاب وتصحيحه والتعليق عليه والتقدمة له ففاتني ذكر فائدة جليلة
مهمة كان ينبغي أن تذكر في مقدمة ذلك الكتاب، وكان سبب الفوات عدم
اطلاعي عليها حين اشتغالي بتحرير المقدمة فاطلعت عليها بعد طبع الكتاب
ونشره فأحببت أن أذكرها هنا لينتفع بها أولوا الألباب فإنها مما يتهالك عليه أهل
الفن وهي:
قال كمال الدين أبو الفضل عبد الرزاق بن تاج الدين أحمد المعروف بابن
الفوطي الشيباني الحنبلي المتولد سنة 642 والمتوفى سنة 723 ه‍ ق في كتابه
النفيس (تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب) في القسم الأول من الجزء
الرابع (ص 609) تحت رقم (888) ما نصه:
(علم الدين الفضل بن شاذان بن الخليل النيسابوري الفقيه، كان من الفقهاء
العلماء، وله كتاب الايضاح في الإمامة).
فقال المحقق الفاضل الفقيد الدكتور مصطفى جواد (ره) في تعليقه على الكتاب
بالنسبة إلى المؤلف ما نصه:
(ذكره أبو عمرو محمد بن عمر الكشي في رجاله ص 333 والنجاشي وأبو علي
وغيرهم، كان من كبار طائفة الإمامية وأعيان متكلميهم، أدرك الإمام علي بن موسى
949

الرضا ومن بعده، وتوفي سنة 260).
وقال بالنسبة إلى الكتاب ما نصه:
([هذا الكتاب] في الرد على سائر الفرق، ذكره الفاضل الشيخ آغا بزرك
الطهراني في (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) ج 2 ص 490 وقد رأى منه نسخا
عدة أوله: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض).
أقول: يؤخذ من عبارة ابن الفوطي أن الفضل بن شاذان (ره) قد كان ملقبا
بلقب (علم الدين)، وأن الايضاح قد كان من أشهر مؤلفاته.
ويقرب من هذه الفائدة ما ذكره الشيخ الحر العاملي - نور الله مرقده -
في الفائدة الثانية من فوائد خاتمة كتابه (هداية الأمة إلى أحكام الأئمة) فإنه
قال فيه بعد ذكره الكتب التي صنفت في زمان ظهور الأئمة عليهم السلام أو في زمان الغيبة
الصغرى فيما قال ما نصه:
(تتمة - قد وصلت إلينا أيضا كتب كثيرة قد ألفت وجمعت في زمانهم عليهم السلام
نذكرها هنا، وهي ثلاثة أقسام:
الأول - ما هو عندنا معتمد ثابت ولم ننقل منه لقلة ما فيه من نصوص الأحكام
الفرعية النظرية، فمنها الصحيفة الكاملة عن مولانا علي بن الحسين عليهم السلام فقد كتبها
الباقر عليه السلام وأخوه زيد بخطهما وقوبلت، وأسانيدها مشهورة.
(إلى أن قال بعد عده كتبا)
(ومنها رسالة الفضل بن شاذان في الرجعة، ومنها رسالة أبي غالب الزراري
(إلى آخر ما قال)).
ويستفاد منها أن كتاب الايضاح المذكور قد كان موجودا عنده.
لا يقال: لا ينطبق رسالة الرجعة على كتاب الايضاح.
فإنه يقال: التعبير عن الايضاح برسالة الرجعة لاشتماله على إثبات الرجعة
والاستدلال على إمكانها وذكر واقعات تدل عليها (أنظر ص 381 - 431 من النسخة
950

المطبوعة المشار إليها فيما سبق).
الثانية - ما يتعلق بكتاب (الفردوس) لعلاء الملك الحسيني المرعشي الشوشتري
ولما كان الكتاب باللغة الفارسية ينبغي أن نخوض في بيان الاستدراك بهذه اللغة
فنقول:
چون در سال گذشته كتاب فردوس تأليف علاء الملك حسيني شوشتري مرعشى (ره)
بوسيله (انجمن آثار ملى) وبتصدى نگارنده بتصحيح وتنقيح آن طبع ونشر شد نگارنده
نسبت بكلمه (استالف) كه در صفحه 108 آن كتاب ضمن مندرجات رقعه أي در طي
أين عبارت: (بسير استالف شتافتم) بكار رفته است بكلمه (كذا) كه مشعر بعدم
اطلاع بر معنى كلمه است اظهار تردد نموده است بعد از چاپ معلوم شد كه كلمه
صحيح، وتردد بي مورد است اينك بعد از تمثل باين بيت:
خوشتر آن باشد كه سر دلبران * گفته آيد در حديث ديگران
دليل مدعا را در اينجا درج ميكنم.
عارف معروف حاج زين العابدين شيروانى (ره) در حدائق السياحة گفته:
(ص 109)
(استالف - بكسر همزه وسكون سين مهمله، وي در هشت فرسخي دار الملك كابل
وسمت شمال وي واقع است وطرف غربي وي كوه عظيم گرفته وساير اطرافش
واسع است، جائى بغايت دلگشا ومحلى بهجت فزاست، آبش گوارنده وهوايش
فرخنده، از إقليم چهارم، أكثر فواكه سرد سيريش ممتاز، على الخصوص شفتالوا وامرود
وبه بامتياز است، قرب پانصد باب خانه در اوست، وچند پاره قريه معتبره مضافات اوست،
باغات بسيار دارد وسير گاه أهل كابل است، فصل بهار رشگ گلستان كشمير وقندهار
است، وخلقش حنفي مذهب وبغايت متعصب وبى ادبند، اما هم كيشان ومسافران را
دوست دارند).
نا گفته نماند كه أين استدراك اگر چه مانند استدراك أول مهم ولازم -
951

الذكر نبود زيرا چندان أهميتي در نظر أهل فضل وكمال ندارد تا در چنين موردى
استدراك شود ليكن چون نگارنده نظر بتقصيري كه در تتبع كرده ودر نتيجه اظهار تردد
در امرى نموده بود كه جاي تردد نيست هر موقع كه أين مطلب را ميديد وبلكه
از خاطرش ميگذشت پيش خود منفعل وخجلت زده بود كه چرا مسامحه كرده ودچار
چنين اظهار تردد بيمورد گرديده است از أين روى از زعماى علم وأدب وعلماى
دين ومذهب با تمثل باين بيت:
(در محضر شيخ ارنفسى سرد بر آمد * معذور بداريد كه دل در خفقان است)
معذرت خواسته تعليقات خود را خاتمه ميدهد.
اميد آنكه ايشان نيز نظر بكرم وبزرگوارى كه دارند خرده نگيرند وأين
معذرت را بپذيرند كيف لا، والعذر عند كرام الناس مقبول
والسلام على من اتبع الهدى.
مير جلال الدين حسيني ارموى
محدث
952

تنبيه
لا يخفى على أرباب الفضل إنا بعد ما فرغنا من طبع الكتاب عثرنا على كتاب
(أنساب الأشراف) للمؤرخ النسابة الشهير أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري
المطبوع بتحقيق الفاضل المعاصر الشيخ محمد باقر المحمودي - دام تأييده - فوجدنا
ما ذكر فيه تحت عنوان: (قبسات من ترجمة أمير المؤمنين وغرر مناقبه) (أنظر
ص 89 إلى ص 509 وهي آخر الكتاب) منطبقا في أكثر موارد رواياته وقصصه
التاريخية على كتاب الغارات الحاضر، وبما أن مؤلفه قد كان معاصرا للثقفي (فإنه
توفي سنة 279) كان بعض أسانيد كتابه متحدا مع أسانيد كتاب الغارات إلا أنه
يروي بعض الأحاديث بواسطة واحدة عن مشايخ الثقفي وكيف كان، إنا نتأسف
على أن الكتاب لم يكن مطبوعا حين اشتغالنا بطبع الغارات لكي نستعين به على
تصحيحه وكان علينا أن نلفت نظر القارئين إلى هذه النكتة حتى لا يفوتهم الانتفاع
به أيضا فإنه كالنسخة الثانية لكتابنا ولا سيما ما ذكره تحت عنوان (أمر الغارات
بين علي ومعاوية) إلى آخر الكتاب، جزى الله مصححه عن الإسلام وأهله خير الجزاء.
953