الكتاب: الهداية الكبرى
المؤلف: الحسين بن حمدان الخصيبي
الجزء:
الوفاة: ٣٣٤
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الرابعة
سنة الطبع: ١٤١١ - ١٩٩١ م
المطبعة: مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
الناشر: مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

الهداية الكبرى
1

الهداية الكبرى
تأليف
أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي
المتوفى سنة 334 هجرية
مؤسسة البلاغ
للطباعة والنشر والتوزيع
بيروت - لبنان
3

كافة الحقوق محفوظة ومسجلة
الطبعة الرابعة
1411 ه‍ - 1991 م
مؤسسة البلاغ
لبنان - بيروت - المشرفية - بناية المقداد -
صرب: 7952 - هاتف: 835550 - 835820
4

بسم الله الرحمن الرحيم
لمحات عن الكتاب والمؤلف
من هو الحسين بن حمدان الخصيبي الجنبلائي أو الجنبلاني؟
كنيته أبو عبد الله، واسمه الحسين بن حمدان الخصيبي، وفاته في ربيع
الأول سنة 358 ه‍، وفي رواية أخرى كانت وفاته في حلب، يوم الأربعاء
لأربع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة 334 ه‍، وشهد وفاته بعض
تلامذته ومريديه، منهم أبو محمد القيس البديعي، وأبو محمد الحسن بن
محمد الاعزازي، وأبو الحسن محمد بن علي الجلي، ودفن في حلب، وذكر
له ولد يدعى أبا الهيثم السري، وابنة تدعى سرية، والفرق بين الروايتين
إثنا عشر عاما، ونرجح هذه الرواية لأنها وردت في آثار تلامذته ونسبه.
في الخلاصة: الحضيني، بالحاء المهملة، والضاد المعجمة، والنون
قبل ياء النسبة، وعند ابن داوود، الخصيبي، بالخاء المعجمة، والصاد
المهملة، والباء قبل ياء النسبة، نسبة إلى جده خصيب، أو اسم المنطقة التي
ولد فيها، وأما الجنبلائي نسبة إلى جنبلاء بالهمزة، بلدة بين واسط
والكوفة، وينسب إليه أيضا جنبلاني بالنون قبل ياء النسبة، كما ينسب إلى
صنعاء، صنعاني.
أقوال المؤرخين المعاصرين له كثيرة بين متحامل عليه وحاقد، وبين
محب ومخلص، وبين ملتزم في الصمت، منهم النجاشي، وابن الغضائري،
وصاحب الخلاصة من المتحاملين عليه.
وفي الفهرست لابن النديم، الحسين بن حمدان الخصيبي الجنبلائي،
يكنى أبا عبد الله، روى عنه التلعكبري وسمع منه في داره بالكوفة سنة
334 ه‍، وله إجازة.
5

وفي لسان الميزان، الحسين بن حمدان بن خصيب الخصيبي، أحد
المصنفين في فقه الامامية، روى عنه أبو العباس بن عقدة وأثنى عليه وأطراه
وامتدحه، كان يوم سيف الدولة بن حمدان في حلب، وفي أعيان الشيعة
للعلامة الكبير المجتهد، والمؤرخ والأديب والكاتب الامامي السيد محسن
الأمين العاملي (طيب الله ثراه) ترجمة للخصيبي مفادها امتداحه والثناء عليه،
وعلى أنه من علماء الإمامية وكل ما نسب إليه من معاصريه وغيرهم لا أصل
له ولا صحة، وإنما كان طاهر السريرة والجيب، وصحيح العقيدة، كما أن
السيد الأمين (رحمه الله وقدس سره) أورد في كتابه أعيان الشيعة أقوال
العلماء فيه ورد على المتحاملين عليه ردا جميلا، كابن الغضائري والنجاشي
وصاحب الخلاصة، ويقول السيد الأمين العاملي (قدس سره)، لو صح ما
زعموا وما ذهبوا إليه ونسبوه له لما كان الأمير سيف الدولة المعروف والمشهور
بصحة عقيدته الاسلامية وولائه لعترة الطاهرة وآل البيت (سلام الله
عليهم) صلى عليه وأئتم به.
وفي رواية التلعكبري على أنه أجيز منه لما عرف عنه من الوثاقة
والصدق بين خواص عصره، وأما من المعاصرين، فالمرحوم والمغفور له
عضو المجمع العلمي في دمشق، والكاتب الشهير، والفيلسوف العظيم،
والحكيم العاقل، والشيخ الوقور الملتزم الصادق قولا وعملا وسلوكية، قال
فيه والكلام لي والمعنى له، على أن العلماء والمؤرخين ذهبوا فيه مذاهب شتى
بين متحامل حاقد ومبغض كاسح، وبين مغال مفرط مسرف مبالغ، وبين
معتدل عاقل، وخلاصة القول: كان من علماء آل محمد والامامية وهو في
هذه الشهادة يتفق مع السيد الأمين العاملي (قدس سره).
مؤلفاته كثيرة، ذكر السيد المجتهد محسن الأمين العاملي مؤلفات
الخصيبي وأورد أسماء من أتوا على ذكرها ومحص تلك الآراء والأقوال المتعددة
في دقة وأمانة فصح له منها عشرة كتب، وهي الاخوان، المسائل، تاريخ
الأئمة، الرسالة، أسماء النبي، أسماء الأئمة، المائدة، الهداية الكبرى التي
6

نحن في صددها، الروضة، أقوال أصحاب الرسول وأخبارهم (1).
يوجد الآن من أتباعه في إيران وحدها مليون ونصف يسكنون ضواحي
المدن الآتية وهي: كرمنشاه، وكرند، وذهاب، وزنجان، وقزوين، وفي
العاصمة طهران وضواحيها، هذا ما قاله الأمين العاملي نقلا عن السيد محمد
باقر حجازي صاحب جريدة وظيفة، وفي قناعتي الخاصة، أحسن ما نقل
عنه، أو تحدث به عنه حتى الآن هو الفيلسوف الأمير حسن بن مكزون
السنجاري الفيلسوف والعلامة والمؤرخ والفقيه والقائد والمحدث والراوي
والمحقق والمدقق معا واللغوي والمتبحر والرباني في علوم آل محمد ومعارفهم
وحبه لهم وإخلاصه وقد ورد هذا الحديث عنه في مخطوطته الشعرية أي ديوانه
الكبير وهو المرجع الأول والأخير والمعول عليه والمعتمد في كل ما يتعلق
بشؤون وأحوال الطائفة المنتمية أي الشيخ أبي عبد الله الحسن بن حمدان
الخصيبي وقد شرحه وبسطه وأزال غموضه العلامة الكبير المغفور له الشيخ
سليمان الاحمد تغمد الله ثراه وأخرجه حلة قشيبة إلى المكتبة العربية ومحبي
الفيلسوف وأنصاره والديوان في رأيي صورة صادقة أمينة ومنتسخة عن عقائد
الطائفة في كل النواحي قولا وعملا وسيرة والتزاما وأرى شخصيا أن ديوان
المكزون المخطوطة موسوعة ودائرة معارف المكزون الفيلسوف الرباني لم يمتدح
أميرا أو واليا أو مسؤولا على خلاف غيره ومعاصريه من الشعراء ولكنه امتدح
آل حمدان أتباع الخصيبي عقيدة وولاء وسيرة ويرى مدحه لهم فرضا لازما
وواجبا محتما لا أثر للمصلحة فيه ولا دافع ماديا أو وجاهة أو صورة نفعية وإنما
أملاه عليه الواجب الولائي والعلاقة الروحية التي هي الحبل المتين وقطب
الرحى وهو لما يراه أيضا ويعتقده لكونه تنتمي طائفته الخصيبية إلى العترة

(1) كتاب أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين العاملي، ج 4، صفحة 345، رقم
4117 من الطبعة القديمة.
7

الطاهرة والشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء بيت النبوة ومعدن
النور وميزان الحق وحجج الله على البرايا وألسنة الصدق والدعاة إلى الله
وسبل النجاة وأبواب رحمته والوسائل إليه دنيويا وأخرويا واجتماعيا وفكريا
أسمعه إذ يقول معلنا ويصرح مبينا ويجهر موضحا عقيدته الصادقة وإيمانه
الراسخ العميق للخاص والعام في أسلوب شعري رصين وعاطفة صادقة
ووفاء واخلاص لأسياده وأساتذته وأصحاب طريقته في أكثر من موضع في
مخطوطته الشعرية ورسالته النثرية وأدعيته المشهورة والتي لا تختلف لفظا ومعنى
وفكرا عن أدعية الأئمة كالسجادية وغيرها من الأدعية قال بهم آمرا وناهيا على
صيغة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في أسلوب قرآني رصين.
واقطع أخا الجهل وصل كل فتى * شب على دين الغرام واكتهل
من آل حمدان الذين في الهوى * بصدقهم يضرب في الناس المثل
خزان أسرار الغرام ملجا العشاق * من أهل الشقاق والجدل
قوم أقاموا سنن الحب الذي * جاءت به من عند لمياء الرسل
تلوا زبور حكمها كما أتى * ورتلوا فرقانها كما نزل
أولئك القوم الذين صدقوا الحب * وفازوا بالوصال المتصل
آووا إلى كهف سليمى فجنوا * من نحلها الزاكي بها أزكى العسل
وعن سبيل قصدها ما عدلوا * ولا أجابوا دعوة لمن عزل
فهو في العرض الشعري يبدو في القمة فكرة وأسلوبا وعاطفة وتعبيرا
صادقا وتصويرا رائعا على خلاف غيره من المتاجرين حينا والمنافقين حينا آخر
وتقديري أن الطائفة الخصيبية هي الفرقة المؤمنة الموالية للعترة الطاهرة أصولا
وفروعا ومجازا وحقيقة وقولا وعملا فهم أي أهل طريقته تحت راية لا إله إلا
الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والايمان بالخط الامامي وما
هم عليه من التزام صحيح ورؤية سليمة وعلى أنهم رتلوا القرآن كما نزل
وآمنوا به وصدقوا باحكامه ونهجوا على سنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)
واقتفوا هدي آل بيته (سلام الله عليهم) وما مالوا ولا زاغوا عن الحق ولا
8

أجابوا إلا دعوة الصدق ولا ساروا وراء دعوة اللائم العزول المفتري ويرى
على أنهم قطفوا ثمار الدعوة وجنوا محصولها الزاكي المعنوي من نبعه ونهلوه
مصبه دونما وساطة وهو في كل تعابيره الصريحة منها وغير الصريحة يسلك
مسلك الحب الصادق والوفاء والاخلاص لشيخ الطائفة مسلما له الانقياد
وطائعا له في كل الأصول الكلامية والمسائل الفقهية كما غلب على حسه وعقله
ونفسه وتحققه وتأكده من صحة ما كان عليه شيخه الحسن بن حمدان حتى إنه
يرى لا رأي إلا رأيه إيمانا منه واعتقادا على أنه ما خرج عن رأي الأئمة
المعصومين في كل ما كتب وما قال ونشر بين خواصه وعوامه ومحبيه ومواليه
والمقربين إليه قولا وعملا ومنهجية ويستمر على غرار ما عهدناه به وما عرفناه
عنه في الحديث عنهم مطنبا حينا وموجزا حينا آخر دونما ملل أو ضجر أو
تعسف أو خروج عن المألوف قال في القصيدة نفسها السابقة. والمدح كلها
مصبوب على آل حمدان وموجه إليهم:
أهل الوفا والصدق إخوان الصفا * كواكب الركبان أقمار الحلل
دراهم للعاشقين قبلة * وترب مغناها محل للقبل
وقد حوت علما وحلما وتقى * في طي أمن وانخلاع وجذل
فأنزل بها إن جزت زوار الحمى * يا سائق العير دع حث الإبل
والثم ثرى من لي بان الثمه * نيابة عن الشفاه بالمقل
فهو في الصورة والمعبرة والتصوير المؤثر يجلهم ويعظمهم كعادته
ويرفعهم منزلة عالية ويسبغ عليهم صبغة القداسة ويطبعهم بطابع الهدى
والتقى والهداية فمعهدهم في نظره يختلف عن غيره من المعاهد ودارهم تختلف
عن غيرها من الدور فهو يصرخ بعنف بالواقفين على الاطلال والآثار ويحثهم
على الالتزام بالجواهر والحقائق التي هي الغاية في الأصل والحقيقة في الاسلام
إنهم في عقيدته حينا وقناعته حينا آخر إخوان صدق وصفاء وكواكب ركبان
وأقمار منازل وعلى أن دارهم للموحدين والسالكين قبلة وتراب مغناها مكان
طاهر للتقبيل واللثم كمشاهد الأئمة (سلام الله عليهم) في بلاد الرافدين
9

والكوفة والبقيع وغيرها من العتبات المقدسة كطوس وسواها وفي كل موطئ
قدم مروا به أو أقاموا على ترابه ويرى أن هذه المشاهد الطاهرة والعتبات
المقدسة قد أشيد عليها دور العلم والحكمة وأقيم عليها الحوزات الدينية التي
حفظت الاسلام والشريعة السمحة وأحكامها وهذا الرأي الصحيح هو رأي
الامامية الفرقة الناجية صاحبة الحق وهذا ما نوه عنه وأشار إليه العلامة
المعتزلي ابن أبي الحديد في قصائده العلويات لشهرتها أعرضنا عنها وسأوضح
للقارئ الكريم قناعتي في الموضوع الذي أثير حول طائفة الشيخ الذي نحن
في صدده والحديث عنه وما التبس في القديم والحديث على الآخرين من
شبهات لا تعطي دليلا قطعيا لا من قريب ولا من بعيد فالناقل عنهم والحامل
عليهم إما لعصبية عمياء أو كراهية ممقوتة أو لجهل مركب منبوذ من أصحاب
الأقلام المأجورة وأرباب الدعوات الباطلة الذين هم في هذا النهج عملاء
للصهيونية وخدم للامبريالية وهم ليسوا من المسلمين وهؤلاء الفريق من
الناس معروفون قديما وحديثا على أنهم تجار منافع وسماسرة مصالح يميلون مع
كل ناعق كما قال الإمام علي (عليه السلام) في هذا المجال وسواه. ونعود إلى
الموضوع نفسه بعد هذا الاستطراد البلاغي حيث تراه دائما يشيد بهم ويثني
عليهم ويطريهم قال:
1 - حتى انتهيت بأصحابي إلى حرم * حماته سادة من آل حمدان
2 - قوم أقاموا حدود الله واعتصموا * بحبله من طغاة الإنس والجان
3 - واستأنسوا بالدجى النار التي ظهرت * بطور سيناء من أجبال فاران
4 - لم ينسهم عهدها تبديل معهدها * كلا ولم ينسهم عن حبها ثان
وهذه الصورة الصادقة تراها واحدة في كل قصائده لا لبس فيها ولا
غموض ولا تعقيد وهذا ناجم عن مواقفه الصادقة والايجابية لمحبيه وأساتذته
ويرى القارئ الكريم معي والناقد المنصف أيضا لا يخرج في مدحه هذا عن
مدح الكميت ودعبل والفرزدق وأبي فراس الحمداني شعراء آل البيت ومحبيهم
تعبيرا وتصويرا وعاطفة وعلى غرار ابن الرومي وأبي تمام الطائي والسيد
10

الحميري مرة أخرى لشهرة شعرهم في هذا الموضوع أعرضنا عنه ولسهولة
تداوله والحصول عليه وهذا المدح في رأيه لا يزيدهم منزلة أو يرفعهم درجة
بل يرى على العكس المادح لهم يزداد منزلة وقيمة ورفعة لأنهم أسمى من
المدح والقول والنظم ويتابع رحلته الشعرية هذه بحرارة الايمان معبرا عنهم
أحسن تعبير وبعيدا عن الابتذال والتكلف والتصنع على خلاف غيره من
المادحين والناظمين قال:
وفوا العلوة بالميثاق واتحدوا * على الحفاظ وجافوا كل خوان
هم الجبال الرواسي في علوهم * وأنجم الليل تهدي كل حيران
سعوا فلم ترهم عين الجهول بهم * الا كما نظرت من شخص كيوان
صلى الاله على أرواحهم وكسا * أشباحهم حللا من روض رضوان
فهم في عقيدته كالجبال الرواسي سموا ورفعة، وكأنجم الليل هداية
وارشادا، وقد اختفوا عن أعين الجهلة والمبغضين، وحق له أن يقول ذلك،
لأنهم لا يرون عقيدة الا عقيدة آل البيت ولا إسلاما إلا إسلامهم، وهم في
قناعته كما قلنا فوق مدح المادحين، واطناب المطنبين، واسهاب المسهبين،
وهم أي محبوا آل البيت أسمى وأرفع وأعلى بكثير وكثير مما يقول، لأنهم
صورة منتسخة عنهم كسلمان، وأبي ذر، وعمار وغيرهم مما يضيق بنا
الحديث عنهم في هذه المقدمة، ويكرر مدحه لهم معرضا بغيرهم لترك
الصورة، والتزام الحقيقة والتمسك بالعروة الوثقى، وترك السراب الباطل،
وهذا كثير عنده قال:
ويل إلى الخيف عن الخوف إلى * ظل اللوى والبلد الأمين
حمى به آل الخصيبي عصمة الخائف من زمانه الخؤون
بنو الوفا والصدق اخوان الصفا * قوم وفود الحجر والحجون
أميال بيت الله أعلام الهدى * الطاردون الشك باليقين
فهو يرى الخصيبي وأتباعه الميامين على أنهم ملاذ الخائف من زمانه
11

الخؤون، وانهم أهل صدق ووفاء واخوان مودة وصدق، وهم الذين يزورون
الحجر والحجون، وهم أميال بيته وقواعده وعمده، لما هم عليه من صدق
الولاية والعقيدة التي هي الذخيرة ليوم العرض، وهو في قوله هذا ومدحه لهم
صادق التعبير والعاطفة ومتأجج الأحاسيس والمشاعر لأنه يرى سلوكيته هذه
تجاههم حياة له ونجاة وفوزا في الدنيا والآخرة، وهذا صحيح إذا ما التزم
السالك وصدق في التزامه وثبت، وهو يهب فوق هذا وسواه كدعوة صارخة
على الذين وقفوا عند الجدار، وسماع النعيق، وعدم سماع نداء الحق ودعوة
الصدق، التي عليها أهل البيت وشيعتهم الفائزين، وأتباعهم المؤمنين في
القديم والحديث، ونظرته هذه في الواقع قد يراها الآخرون مغايرة لما هم
عليه، ومباينة لما هم فيه، وكيف لا يكون ذلك وهو الذي يرى في أهل
البيت المثل الاعلى والأسوة الحسنة، والقدوة الطيبة في كل القيم، والمثل،
والأخلاق، والآداب، والفضائل، والمناقب، كما أنه يرى على أن العبادات
الاسلامية والحدود الخمس، وما يتفرع عنها من أصول وفروع، مضمونها
ومحتواها سعادة المؤمن، ولا تأخذ الشكل الصحيح والسليم والكمال الروحي
الا بهم، أي بأئمته الطاهرين المطهرين والمعصومين (سلام الله عليهم)، وهذا
صحيح من الوجهة العقلية والمنطقية، والشرعية، لأنهم أئمة عدل كما يقول
دعبل الخزاعي:
أئمة عدل يقتدى بفعالهم * وتؤمن منهم زلة العثرات
وأئمة تقى كما يقول الفرزدق:
ان عد أهل الأرض كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده في موضوع مناقب علي (عليه
السلام) ما معناه، على أن العبادات من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج،
وجهاد، تسمو وتعلو بعلي (عليه السلام) وتزدان به وتسمو، كما الخلافة والامرة
أيضا لا تزيده أو ترفعه، بل هي تزداد رفعة وسموا ومنزلة به على خلاف
12

غيره من الصحابة، بينما غيره لا وزن له ولا قيمة الا بما يعمل ويمارس من
سلوكية وسيرة حسنة، ولهذا وغيره اتخذ من جاء بعده وحتى الآن كعبة له
ومنارة وملاذا في العلم، والفكر، والزهد، والحكمة، والورع،
والشجاعة، والجرأة، والاقدام، والجود والسخاء، والبذل، والعطاء،
والايثار، والفداء، والتضحية، وغيرها من الصفات الذاتية التي كان يتسم
بها بغض النظر عن هويات الأشخاص، والعباقرة، والمفكرين والجهابذة،
وقادة الرأي، ولذلك يرى المكزون، كما يرى غيره من معاصريه كالشريف
الرضي في مقدمة النهج يجمع جميع المتناقضات في شخصيته الانسانية،
والاسلامية، والعربية، وعلى هذا الرأي جميع أهل التحقيق، والفضل،
والعلم، والنقل. ولذلك يرى المكزون على أن آل الخصيبي من لم يسلك ما
سلكوه أو يعتقد ما اعتقدوه فلا قيمة له ولا وزن، لأنه يعرف هؤلاء على نهج
أهل البيت وهديهم، وذهب على أن الذين لم يسلكوا يؤمنوا أو يعتقدوا
بهم لم يقبل الله منهم عملا، ولم يفلحوا أو ينجحوا.
وهو في صورة هذه يعبر تعبيرا إسلاميا محضا ويشير دائما إلى اخلاصه
لهم، والتزامه بهم لأنه يرى في بني طريقته التي هي في رأيه زبدة فكر آل
محمد (صلوات الله وسلامه عليهم)، ويرى المكزون ان العبادات من جميع
النواحي تبقى صورية وشكلية ان لم يهجر، أو يكف، أو يرتدع عن
المحارم، والمنكرات، والخبائث، والفواحش تمشيا مع روح الشريعة
الاسلامية السمحة قائلا:
لم أقض في حبكم حجي ولا تفثي * ان لم أرح هاجرا للفسق والرفث
وعليه فالخصيبيون في نظره هم خاصة العترة الطاهرة، ويرى ان
أتباعه، أي أتباع الحسين بن حمدان الخصيبي، إماميون مؤمنون بامامة الأئمة
من علي المرتضى (عليه السلام) إلى الحجة (عليه السلام) صاحب العصر
والزمان، ويرون أنه لا معنى لعمل شرعي أخروي أو دنيوي ما لم يكن
مضمونه ومحتواه مشروطا بولاية الأئمة والايمان بهم، وعلى انهم بهم يحاسب
13

الله سبحانه، وبهم يثيب كما هو معروف ومشهور لدى الامامية لشهرته،
ولشهرته أعرضنا عنه ولم نأت على ذكره أو إيراده هنا، وعليه فالشيعة
العلويون الذين يسكنون في سوريا في كل مدنه وقراه، وخصيصا في الساحل
الغربي من القطر هم من أتباعه والملتزمين به وعلى طريقه لأنه لم يخرج في
اعتقادهم عن الشريعة الاسلامية السمحة ككل وعن مذهب الإمام جعفر
الصادق (عليه السلام) بخاصة، والشيخ أبو عبد الله شيخهم الروحي عاش
في كنف الدولة الاسلامية الحمدانية الشيعية المؤمنة في القرن الرابع الهجري
على وجه التحديد، وهذا الأمير المؤمن سيف الدولة ابن حمدان أجمعت عليه
كلمة المؤرخين على أنه هو الأمير المشهور بعقيدته الصادقة وحب آل البيت
(عليهم السلام)، والباحث لدى معاصريه من الشعراء والأدباء والفلاسفة،
والكتاب، والمؤرخين، وفي طليعتهم الشاعر أبي الطيب المتنبي الذي امتدح
الأمير في خيرة شعره وأدبه، لأنه رأى فيه الأمير العربي والمسلم الذي يمثل
روح الاسلام والعروبة على حدود الرسوم، كما رأى المكزون في قومه
الخصيبيين الروح نفسها، والصورة ذاتها، ومن هنا وجد الحسين بن حمدان
غايته في هذا الأمير المؤمن الصادق للشجرة الطيبة آل محمد (عليهم السلام)،
كما أنه في القرن الرابع الهجري هو الذي أعطى العروبة هذا البعد الصحيح
وهذا الفكر الواضح، وتلك الرؤية الصادقة الصحيحة المتمثلة في شريعة
الاسلام، وسيرة العترة الطاهرة، اعتقادا، وممارسة، وتطبيقا.
ونعود إلى موضوع الهداية الكبرى، فهي من الوجهة التاريخية، تراثية
إسلامية، ومن الوجهة العقائدية فهي إسلامية الأصول والفروع، تدور
موضوعاتها عن المعصومين الأربعة عشر بدءا من الرسول الكريم (صلى الله
عليه وآله) وابنته الزهراء البتول الطاهرة المعصومة (عليها السلام) والأئمة
الاثني عشر بدءا من علي المرتضى إلى الإمام الحجة صاحب العصر
والزمان، وهي تتحدث على غرار وشاكلة الكتب الامامية المعتمدة عند الإمامية
كالبحار، وعيون المعجزات، وغيرها من الكتب كالحديث عن
14

مناقب وفضائل ومعاجز الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، بشكل
يكاد العقل ألا يصدق هذه المعجزات، ولكن الباحث الاسلامي
والدارس الملتزم يرى صحة هذه المعاجز الخارقة أمرا صحيحا،
ولكن المشكك لا يستبعد عنه أن يشك في أصل الشريعة
الاسلامية، القرآن الكريم مثلا، فالمسألة مسالة إيمان وعقيدة، وسيرة
عطرة، لا مسالة جدل عقيم، ونقاش حاد لا جدوى فيه ولا نفع، وأهل
البيت (سلام الله عليهم) من تتبع سيرتهم، وتقصى أخبارهم لدى المؤالف
والمخالف، والموالي وغير الموالي يجدهم ويرى في سيرتهم العطرة صفحة
مشرقة ناصعة في جبين التاريخ والانسانية جميعا، كما أنه يرى في ذكرهم
وعملهم مثلا أعلى لغيرهم من عظماء التاريخ، وقادة الرأي، وجهابذة
الفكر، وفلاسفة الحكمة، وحكماء الحقيقة، ويرى فيهم أيضا ثورة عارمة
في الحياة والممات على الظالمين، والمستكبرين، والمنافقين، والغادرين،
والتجار، والمروجين في كل عصر وزمان، ولذلك اتخذهم الناس جميعا
مرجعا لهم في كل معضلاتهم أمورهم الثقافية، والعسكرية، والاقتصادية،
والسياسية، والأدبية، والعلمية، والأخلاقية، والسلوكية، وهذه الصفات
الذاتية أمور مسلم بها وبديهية أيضا، إذن فلا غرر بعد هذا وذاك ألا تشكك
في مضمون الهداية من معاجز خارقة لهم ومناقب رائعة، وفضائل عظيمة،
لان شرف العلم بشرف المعلوم، وعليه أقول أن العبادات الخمس من
صلاة، وزكاة، وصوم، وحج، وجهاد، تشرف غيرهم، بينما هذه
العبادات تزداد بهم سموا، وعلوا، ومنزلة، ودرجة، وكذلك الخلافة،
والامارة، والإمامة ان صح التعبير، زينت غيرهم، ورفعت سواهم، بينما
هم، أي آل البيت (سلام الله عليهم) لم تزدهم رفعة، ودرجة، ومنزلة، بل
هي ازدانت بهم وارتفعت، وهذا ما قاله الإمام أحمد بن حنبل في فضائلهم
(عليهم السلام).
إن الباحث الاجتماعي المنصف يرى هذا الاعتراف صحيحا دونما
15

مواربة، أو اشكال، أو التباس، والجاحد لهذا والناكر له سمته العربية
وأرباب العربية ناصبيا، ورحم الله الشاعر العربي الكبير المتنبي، حيث
التقط هذا المعنى عندما امتدح أحد العلويين الاشراف قائلا:
وأبهر آيات التهامي أنه * أبوك وأجدى ما لكم من مناقب
إذا علوي لم يكن مثل طاهر * فما هو إلا حجة للنواصب
نعم وألف نعم هو أبهر آيات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
ورحم الله أيضا أبا علي شوقيا حيث كرر المعنى نفسه قائلا:
أما الامام فالأعز الهادي * حامي عرين الحق والجهاد
العمران يا خذان عنه * والقرآن نسختان منه
أصل النبي المصطفى ودينه * من بعده وشرعه
وصفحتاه مقبلا ومدبرا * وفي الوغى وحين يرقى المنبرا
والحجر الأول في البناء * وأقرب الصحب بلا استثناء
وجامع الآيات وهي شتى * وشدة القضاء باب الافتا
والكلام يطول في هذا الموضوع ويحتاج إلى مجلدات ومجلدات، ولعل
وعسى أن نوفق مستقبلا للكشف عن هذا الكنز المغمور، والإزاحة عن هذا
الستار المحجوب لدى عامة المسلمين، لان الهوى والعصبية قتلت علماء
السوء احياءا وأمواتا وباعوا دينهم بدنياهم، هذه لمحة مختصرة عن الهداية،
ونبذة متواضعة عنها.
وخلاصة القول، ان العلويين هم مسلمون، إماميون، جعفريون،
يعتمدون أصول الشريعة الاسلامية عقيدة لهم ويطبقون أحكامها وفقا لمذهب
الامام السادس أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) قولا وعملا،
وسلوكية، وسيرة، ولا يرون بديلا عن الاسلام على الرغم من التعذيب،
والتنكيل، التشريد، والذبح والقتل، بدءا من العصر الأموي ومرورا
بالعباسي وانتهاءا بالعثماني البائد، لا لسبب إلا لأنهم رفضوا الولاء كلية
16

لائمة الجور، والضلال، والفساد وأسوة بأئمتهم وقدوة بهم على مر العصور
والأزمنة (1)، ومن هنا انهالت عليهم التهم الباطلة، والافتراءات الكاذبة،
وألصقوا بهم ما لا يليق بنا هنا في هذه المقدمة ان نذكره، أو نأتي على ذكره
ترفعا واباءا منا، وحرصا على وحدة الكلمة ورأب الصدع، وضرب الفتنة
ودفنها، ولم يسلموا من أذى الحكام الظالمين إلا في ظل الدولة الحمدانية في
حلب الشهباء في القرن الرابع الهجري، لانسانية هذه الأسرة وأخلاقيتها
العظيمة، وسيرتها العطرة، ونبلها العربي، وتسامحها الاسلامي، فهم إذن
مسلمون، موحدون، يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
وبمحمد، (صلى الله عليه وآله) نبيا ورسولا، وبالقرآن دستورا ومنهجا صالحا
لكل عصر، ومكان، وزمان، ويقيمون الصلاة إلى ذلك سبيلا وهم
يتعبدون فقهيا واحكاما على مذهب الإمام الصادق (عليه السلام) والذي
اعترف به مؤخرا من قبل شيخ الأزهر الشريف محمود شلتوت سابقا ولا زال
معمولا به حتى الآن في مصر، وما نسب إليهم من ارتكاب الموبقات،
وإباحة المحرمات، والكفر، والالحاد، فكله باطل ولا أساس له من الصحة
وعار عن الحقيقة أولا وأخيرا، ويفتقر هذا الزعم إلى دليل قطعي ويحتاج إلى
برهان موضوعي، وإنما واقعهم الصحيح وما هم عليه يفند هذه المزاعم
المفتعلة، والأراجيف المختلقة من قبل المغرضين والحاقدين، وإنما كانت هذه
الأقوال وتلك المقالات مجرد أهواء، وعواطف، وميول، ورغبات من
الآخرين لا تمت إلى أصول الاسلام وفروعه باي حقيقة أو موضوعية، وما
أكثر هذا الضرب من الأقوال في أذهان العامة والهوى دائر لا علاج له،
والعصبية مرض فكري موروث لا مناص منه ولا مفر الا من رحم ربي وحكم
عقله وترك هواه، ورفض موروثاته، وما أقل هؤلاء قديما وحديثا وكان
المسالة لديهم أمر مستساغ وطبيعي، يعطون الايمان لمن يريدون، ويلصقون
التكفير لمن يشاؤون.

(1) راجع مقاتل الطالبيين للمؤرخ أبي الفرج الأصفهاني.
17

وهذه الفتاوى التي ألصقت بهم من قبل الآخرين في أيامنا هذه، والتي
هدفها التمزيق، والتفرقة، وخدمة الاستعمار والامبريالية، والصهيونية،
فهي ليست في صالح الاسلام والمسلمين أبدا، وقد حدثت لهم هذه الضجة
المفتعلة في أيام الاستعمار الفرنسي البغيض، وما يعرف بالانتداب المكذوب
على غرار هذه الصيحة الموهومة في الوقت الراهن، ولكن علماءهم كعادتهم
انبروا بشدة وعنف للرد على هذه وتلك بقول صريح للعالم الاسلامي للحقيقة
والتاريخ، والاسلام، وهذه صورة الجواب من قبل علماءهم آنئذ في تلك
الفترة المريرة والمؤلمة، والتي نشرت في حينها في مجلة المرشد العربي لمنشئها
الشريف عبد الله آل علوي الحسني ابن المغفور له الأمير الشريف حسن بن
فضل باشا أمير ظفار، مطبعة الارشاد، اللاذقية، عام 1357 ه‍،
1938 م، وهذه هي فتوى السادة العلماء لهم نسوقها إلى المنصف الكريم
الحر حرفيا، أمانة ووفاء منا:
(إن الدين عند الله الاسلام) (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل
منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة
سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا
أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون) القرآن الكريم.
قرأنا هذا البهتان المفترى على العلويين طائفة أهل التوحيد ونحن
نرفض هذا البهتان أيا كان مصدره، ونرد عليه بان صفوة عقيدتنا ما جاء في
كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم
حميد، (بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم
يولد، ولم يكن له كفؤا أحد)، وان مذهبنا في الاسلام هو مذهب الإمام جعفر
الصادق (عليه السلام) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) سالكين بذلك ما
أمرنا به خاتم النبيين سيدنا محمد بن عبد الله رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) حيث يقول: " إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا
بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى
18

الأرض، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا
كيف تخلفوني فيهما ".
هذه عقيدتنا نحن العلويين، أهل التوحيد، وفي هذا كفاية لقوم
يعقلون.
مفتي العلويين في قضاء صهيون يوسف غزال، المحامي عبد الرحمن
بركات، قاضي طرطوس علي حمدان، صالح إبراهيم ناصر، عيد ديب
الخير، كامل صالح ديب، يوسف حمدان عباس، مفتي العلويين في قضاء
جبلة علي عبد الحميد، الفقير لله تعالى صالح ناصر الحكيم، حسن حيدر،
قاضي المحكمة المذهبية في قضاء مصياف محمد حامد، في 9 جمادي الآخرة
1357 ه‍.
وهذه صورة أخرى عن فتوى الرؤساء الروحيين في صافيتا المنشورة في
جريدة النهار أنقلها حرفيا أمانة وحقيقة لله، وللتاريخ وللانصاف.
طالعنا في جريدتكم الغراء المؤرخ في 31 تموز سنة 1938 عدد
1448، مقالة لمراسلكم في اللاذقية تحت عنوان هل العليون مسلمون
تتضمن المفتريات الكافرة التي نسبها المحامي إبراهيم عثمان لعقائد العلويين
وتكفيره لهم بادعائه وزعمه أنهم ليسوا بمسلمين ينكرون - والعياذ بالله وناقل
الكفر ليس بكافر - شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله،
وأنتم تدينون بدين غريب يقوم على فكرة التثليث، وتنكرون فكرة التوحيد.
لذلك فقد اجتمعنا نحن الرؤساء الروحيين في قضاء صافيتا، وأصدرنا
الفتوى الآتية راجين نشرها بنفس الصحيفة التي نشرتم بها كلمة المراسل
عملا بقانون المطبوعات، إن تصريحات المحامي الموما إليه هي محض الكفر
الصريح، وان المسلمين العلويين باجماعهم المطلق يستنكرونها أشد
الاستنكار، ويبرأون منها ومن مثيريها إلى الله ورسوله (صلى الله عليه
[وآله] وسلم)، يعلنون في الدنيا والآخرة إنهم على شهادة لا إله إلا الله،
19

وان محمدا عبده ورسوله شهادة حق وصدق، فمن آمن منهم بالشهادتين
والوحدانية، فهو منهم ومن جحدها فهو غريب عنهم كافر بهم، ومن يتخذ
من أتباع المسلمين العلويين مذهب الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) سببا
لابعادهم عن الدين الاسلامي الحنيف نعتبره بدعواه جاحدا للحق، ناكرا
للصدق، عاملا بالباطل.
التواقيع: صافيتا في 3 آب 1938
الشيخ ياسين عبد اللطيف ياسين يونس، الشيخ علي حمدان قاضي
المحكمة المذهبية الشرعية بطرطوس، الشيخ يوسف إبراهيم قاضي المحكمة
المذهبية الشرعية بصافيتا، الشيخ محمد محمود، الشيخ محمد رمضان،
شوكت العباسي، الشيخ عبد الحميد معلا.
وهذه أيضا صورة عن البيان الذي نشره زعماء العلويين في جريدة النهار
في العدد 1454، آب، سنة 1938:
المفتريات الكافرة التي نسبها المحامي إبراهيم عثمان لعقائد العلويين
وتكفيره لهم بادعائه وزعمه أنهم ليسوا بمسلمين، ينكرون - والعياذ بالله
وناقل الكفر ليس بكافر - شهادة ان لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده
ورسوله، وأنهم يدينون بدين غريب يقوم على فكرة التثليث، وينكرون فكرة
التوحيد هي محض الكفر الصريح، وأن العلويين باجماعهم يستنكرونها إلى
أقصى حدود الاستنكار، ويبرأون منها، ومن مثيريها، إلى الله وإلى رسوله
(صلى الله عليه وآله وسلم) ويعلنون في الدنيا والآخرة أنهم على شهادة أن لا
إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، شهادة حق وصدق، فمن آمن منهم
بالشهادتين والوحدانية، فهو منهم ومن جحدها فهو غريب عنهم وكافر بهم،
ومن يتخذ من اتباع المسلمين العلويين مذهب الإمام جعفر الصادق (عليه
السلام) سببا لابعادهم عن الدين الاسلامي الحنيف يكون بدعواه جاحدا
للحق ناكرا للصدق عاملا بالباطل وللباطل.
20

التواقيع للزعماء:
سلمان مرشد، شهاب ناصر، منير العباس، صقر خير بك،
إبراهيم الكنج، علي محمد كامل، أمين رسلان.
وهذه أيضا صورة عن الفتوى التي أفتى بها العلامة الكبير والحجة
الشيخ سليمان أفندي الاحمد شيخ الاسلام والمسلمين في حينه ومرجع اللغة،
والأدب، والفكر، والخلق الحسن، وعضو المجمع اللغوي آنئذ في دمشق
ووقعها العلامتان الفاضلان الشيخ صالح ناصر الحكيم، والشيخ عيد ديب
الخير:
قال الشيخ العالم العامل المخلص خدمة للاسلام، والمسلمين،
والحقيقة، والتاريخ، الشيخ سليمان الاحمد (قولوا آمنا بالله) (آمنا بالله
وما انزل إلينا، وما انزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب و
الأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد
منهم ونحن له مسلمون)، ويستمر قائلا في فتواه حرفيا:
رضيت بالله تعالى ربا، وبالاسلام دينا، وبالقرآن كتابا، وبمحمد بن
عبد الله رسولا، ونبيا، وبأمير المؤمنين علي (عليه السلام) إماما برئت من كل
دين يخالف دين الاسلام، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده
ورسوله، هذا ما يقوله كل علوي لفظا واعتقادا، ويؤمن به تقليدا أو
اجتهادا، هذا ما حصلت عليه وحققته، وأكدته على أنهم مسلمون إماميون
أولا وأخيرا، شاء الخصم أم أبي، وليس لديهم من الهوى أكثر من غيرهم،
وهم وغيرهم في هذا سواء، وقد يفوقهم الآخرون كثيرا في الاسراف،
والافراط، والخروج عن المألوف، وقد يكونون هم معتدلين إلى حد ما عن
غيرهم، لان أئمتهم أئمة حق، وصدق، وعدل، وقدوة، وأسوة، وسيرة
حسنة، واستقامة صحيحة على غرار منهجية جدهم رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم، وهي صورة منتسخة عن سيرة رسول الله وسنته، وهديه،
21

وقوله، وتقريره، وفعله، وقد ثبت هذا من طريق المعقول، والمنقول،
وأهل العدل، والانصاف، حتى أصبحت لهم مدرسة في تاريخنا الاسلامي
فكرا، وعقيدة، وأدبا، وتوغلت جذورها إلى خارج المدرسة، لدى
الآخرين من غير المسلمين أنفسهم إنسانيا، وعالميا، وهذا لم يكن لغيرهم أو
سواهم، وإنما انفردوا به عن الناس جميعا حتى أصبحوا المثل الاعلى لدى
الآخرين عاليا في الالتزام الصحيح والايجابية الصحيحة، والموضوعية
الحقيقية قولا، وعملا، وممارسة.
وهذا مرسوم تشريعي آخر للاعتراف السوري بمذهب آل البيت
" عليهم السلام)، وهو المرسوم التشريعي رقم (3) نقله حرفيا للمنصف
الكريم ليرى عن كثب اهتمام علماء هذه الطائفة المسلمة
بمذهب الإمام الصادق (عليه السلام) ومدى تمسكها به قولا وعملا،
وسلوكية، لأنهم يعتقدون أن المذهب أصلا، وفرعا، ومجازا، وحقيقة هو
أصل الاسلام، ولولا المذاهب الأخرى لما قلنا أو سمينا مذهبا جعفريا لان
المذهب الجعفري لا يخرج أصلا، أو حقيقة عن حقيقتها، على أسس
ثلاثة، والتي هي من مضمون المذهب الجعفري ومعتقده تمشيا مع الوحدة
الاسلامية، والالتزام بها خشية الفرقة التمزيق والأسى، هي التوحيد
والنبوة والمعاد مما لا يختلف عليها مذهب دون آخر وإليك المرسوم أيها القارئ
الكريم.
22

المرسوم التشريعي: للاعتراف السوري بدمشق بمذهب آل البيت عليهم السلام
المرسوم التشريعي رقم / 3 /
إن رئيس الدولة
بناء على الامر العسكري رقم 3 المؤرخ في 3 / 3 / 51. وبناء على
المرسوم التشريعي رقم 257 بتاريخ 8 حزيران عام 1952، وبناء على قرار
مجلس الوزراء رقم 3 / تاريخ 14 / 6 / 1952. وبناء على المرسوم التشريعي
رقم 23 / المؤرخ في 2 ربيع الثاني هجرية ه‍ / 30 كانون الأول 1951 م. وعلى
وجوب عدد كبير من أهالي محافظة اللاذقية على المذهب الجعفري. وعلى اقتراح
المفتي العام رسم ما يلي:
المادة الأولى: يضاف إلى المادة الثالثة من المرسوم التشريعي رقم 33
الفقرة التالية: تؤلف لجنة خاصة بالجعفريين من علمائهم في مركز محافظة اللاذقية
قوامها ثلاثة أشخاص من العلماء الجعفريين ويضاف إليهم شخص واحد من كل
قضاء عندما يتعلق البحث في قضائه. ويسمى أعضاء هذه اللجنة بقرار من المفتي
العام من العلماء الأكفاء. مهمتها فحص حالة متدينين بالكسوة الدينية على
المذهب الجعفري والذين يرغبون ارتداء هذه الكسوة واقرار من يحق لهم الاحتفاظ
بها ومن منح تتحقق اللجنة من أنه دخيل على سلك رجال الدين من ارتدائها.
المادة الثانية: ينشر هذا المرسوم التشريعي ويبلغ من يلزم.
دمشق في 15 حزيران عام 1952 - الزعيم فوزي سلو.
23

صدر عن رئيس الدولة لمجلس الوزراء: الزعيم فوزي سلو: وزير
الصحة والاسعاف العام مرشد خاطر - وزير الزراعة عبد الرحمن الهنيد - وزير
الدفاع فوزي سلو - وزير الخارجية ظافر الرفاعي - وزير العدل منير غنام - وزير
الداخلية الزعيم فوزي سلو - وزير المالية محمد بشير الزعيم - وزير المصارف
سامي طيارة - وزير الاقتصاد الوطني منير دياب - وزير الاشغال العامة
والمواصلات توفيق هارون -
القرار رقم 8:
ان المفتي العام للجمهورية السورية:
بناء على المرسوم التشريعي رقم / 3 / في 15 حزيران عام 1952 يقرر ما يلي:
المادة الثانية: تؤلف لجنة فرعية في مركز محافظة اللاذقية من السادة
حضرة صاحب السيادة الشريف عبد الله رئيسا، الشيخ علي حلوم مفتي قضاء
اللاذقية عضوا - الشيخ عبد ديب الخير - عضوا - يشترك مع هذه اللجنة
الفرعية المذكورة عضو واحد ليمثل القضاء المذكور حذاء اسمه كل من
السادة: كامل حاتم - عن قضاء اللاذقية - عبد الله عابدين - عن قضاء الحفة -
حيدر محمد أحمد - عن قضاء جبلة - يونس ياسين سلامة - عن قضاء بانياس -
عبد الهادي حيدر عن قضاء مصياف - محمود سليمان الخطيب - عن قضاء
طرطوس. عبد اللطيف إبراهيم عن قضاء صافيتا - علي صالح حسن - عن
قضاء تلكخ - فمهمة هذه اللجنة فحص كفاءة المتدينيين بالكسوة الدينية (على
المذهب الجعفري) والذين يرضون ارتداء الكسوة واقرار من يحق له الاحتفاظ
بها ومنع من تحقق اللجنة انه دخيل على سلك رجال الدين في ارتدائها.
المادة الثانية: ينشر هذا القرار ويبلغ من يلزم لتنفيذ أحكامه
دمشق 17 شوال عام 1371 / ه‍ 9 تموز 1952 م
المفتي العام للجمهورية السورية التوقيع محمد شكري الأسطواني
رقم 3510 / 292 صورة إلى محافظة اللاذقية - المفتي العام.
24

بسم الله الرحمن الرحيم
ابتدأنا بعون الله وقوته، وبركة أسمائه، وجلاله واسمه وبابه، وأهل
مراتب قدسه، وعالم أنسه وملكه، وأن يوصلنا بهم إلى الرضى وبلوغ
المنى.
وهو سماعه من الرجال الثقات، الذين لقيهم (رضي الله عنهم
أجمعين)، منهم من عاشر الموليين السيدين الامامين العسكريين (صلوات
الله عليهما)، وروى عن ما يشتمل على أسماء رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وأسماء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في السريانية
والعبرانية وجميع اللغات المختلفة، وأسماء فاطمة الزهراء (صلوات الله
عليها) وعلى الأئمة الراشدين الحسن والحسين ابني علي، وعلي بن
الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن
موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، ومحمد بن
الحسن (الحجة) سمي جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيته
بجده، ولقبه المهدي والغائب والمنتظر (صلوات الله عليهم أجمعين)
وأسمائهم وكناهم - الخاص والعام منهم - وأسماء أمهاتهم، ومواليدهم،
وأولادهم، وبراهينهم، ودلائلهم، ووفاة كل منهم، وشاهدهم
وأبوابهم، والدلالة من كتاب الله (عز وجل) والاخبار المأثورة المروية
بالأسانيد الصحيحة، وفضل شيعتهم، نفعنا الله بهم جميعا إنه على كل
شئ قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وهو رب العرش العظيم.
27

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مبدئ الحمد وباريه، ومقدره وقاضيه، والآمر به وراضيه،
جزاء من عباده عن نعمة، والمستوفي لهم جزيل قسمه، والمزحزح عنه
حلول نقمه، الفارض له عليهم، الحاتم فيما أنزله إليهم، المستحق على
هدايته لهم حمده على نعمه، إذ كان حمدهم له على نعمه نعمة أنعمها منه
عليهم، الذي لم تدرج نوره الدياجي، ولم تحط بقدرته الأماكن، ولم
تستقل، بذات كبريائه المعادن، ولم تستقر لجلال ملكوته المواطن.
الأول لا أول مكيف، والآخر لا آخر مستحدث، الدائم في أزليته،
الباقي في ربوبيته، الشاهد على خليقته، فاطر المخلوقين بحسن تدبير
الحكمة، ومكونها أجساما وأشخاصا، وأشباحا وأرواحا، وصورا مختلفة
وغير مختلفة، ومتشابهة وغير متشابهة.
الذي لم تكله قدرته فيما خلق إلى ظهير، ولم تدعه مبهرات عجائب ما
فتق ورتق إلى مستعين به في أمره ومشير، المظهر فيما ذرأه وبرأه مما شوهد
بعيان، واستدل عليه ببرهان، بدائع تحسر عقول المخلوقين عن بلوغ
تحديدها، المستشهد عند ذوي العلم والعقول، خلق ألسنتهم وأنفسهم
وألوانهم ولم يحيطوا به علما، ولم يبلغوه فهما، إذ لا صانع لهم دونه، ولا
مركب لهم في تأليف غيره، ولا متقن في تصنيف، ولا مدبر في تأليف غيره.
29

أحسن كل شئ خلقه، الذي لم يعزب عنه علمه في ديجور طبقات
السماوات، ولا في دياجي ظلمات الأرضين المدحيات، ولا في قعر
البحور الزاخرات، ولا كائن من المخلوقين إلا أحاط به قوة وعلما واقتدارا
وسلطانا.
الذي لم يفته متعزز بفناء واكثار، ولا ذو بطش جبار، متقلبا في
كبريائه، ولا متقلب في ليل ولا في نهار، ولا بغرور، ممتنع ببهاء
وأوطار، ولا يحتوي بمدى عمر ذي أقطار فيدركه طلب بمستعان، بل
اشفى بطوله بريته، وشمل بحوله خليقته، وسعت كل شئ رحمته،
لطفا وامتنانا فهو في أزل قديم أزليته غير مشهود، وفي كمال كليته غير
محدود، ولا مدرك بلحاظ عيون الناظرين، ولا بحواس خواطر عقول
العارفين موجود، ولا مقر بهم عن بلوغ ذلك منفردا، بل هو في ظواهر حكم
صنعته ومراضي قضاء قدرته، ونفوذ سلطان عزه، وتفرده بالصمدية
معروف غير مجحود، وهو في حال فقر عباده إليه اعتمام ما خولهم إياه،
ولا يتعاظم وان كبر عند المرزوقين، ولا ينقصه عطاؤه إياهم لأنه ليس
بمحدود من خزائنه، ولا يغيظه تمرد المتمردين عليه، وان استكبروا عن
أداء الشكر له على ذلك في حال طاعتهم ومعصيتهم إياه فهو على كل حال
محمود.
وكيف لا يكون ذلك، وزمام كل شئ في قبضته؟ وقضاء قدرته؟
يحكم فيه ولا يحكم عليه، والأشياء خاشعة له، وهو على كل شئ قدير.
وهو الله الذي نشهد ان لا اله الا هو، وحده لا شريك له في ملكه،
وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله
ولو كره المشركون.
اللهم أنزل زاكيات صلواتك، ومكرمات بركاتك وتحنن رأفتك،
وواسع رحمتك، وطيبات تحياتك وفوز جناتك على محمد عبدك ورسولك
30

ونبيك، وصفوتك وخيرتك من خلقك، وعلى علي أخيه أمير المؤمنين،
ونور العارفين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وأفضل الوصيين،
والأئمة الراشدين، وعلى الحسن الزكي في الزاكين، وعلى الحسين
الشهيد، الصابر في المحنة طهر الطاهرين، وعلى علي سيد العابدين،
وعلى محمد باقر علم الأولين والآخرين، وعلى جعفر الصادق في الناطقين،
وعلى موسى نورك الكاظم في الكاظمين، وعلى علي الرضا في المؤمنين،
وعلى محمد المختار في صفوتك المختارين، وعلى علي الهادي في الهادين.
وعلى الحسن المنتجب المستودع سرك في المستودعين.
اللهم أصلح باصلاحك الكامل المبلغ ما بلغته المؤمنين من عبادك،
عبدك الزكي الذي استخلصته لنفسك، وخليفتك الذي استخلفته في
خلقك، وأمينك الذي ائتمنته على مكنون علمك، وحجتك التي اتخذتها
على أهل سماواتك وأرضك، وعينك الناظرة التي حرست بها نعمك عند
أوليائك، ويدك التي تقبض بها وتبسط أمرك ونهيك، ولسانك الناطق المبين
برحمة كنه غيبك ووحيك ووجهك الدال عليك في وحدانيتك، وصراط
دينك المستقيم، وسبيل رشادك المفهوم، ومنهج هدايتك المعلوم، الصادق
الناطق، الفاتق الراتق، الآمر بطاعتك، الناهي عن معصيتك، المرجي
لثوابك، المحذر من عذابك، حجتك وابن حجتك وصفوتك وابن
صفوتك، وخيرتك وابن خيرتك، وأنيسك من خلقك ووصيك سمي
جده رسول الله (صلى الله عليه وآله الطاهرين) الإمام المهدي حجتك يا
رب العالمين، الذي خلقته نورا للمؤمنين وقدوة للمقتدين، وملاذا
للائذين، وكهفا للاجئين، وأمانا لعبادك المرعوبين، ناصر المضطرين
ومدرك وتر المغلوبين، والآخذ بحق المغصوبين، مجلي الروعات، وكاشف
الكربات، ومزحزح الضلالات، ومزهق المعطلات، ومشفي الخواطر
المضنيات، ومزيل الفكر المخربات، وفاتح القلوب المقفلات، ومبصر
العيون المسملات، ومسمع الآذان الصمات، ومحق الكلمات التامات،
31

الفتح الأكبر، والنصر الأظفر، والأمل المنتظر، منتهى رغبة الراغبين،
وغاية منية الطالبين، وأحمد عواقب الصابرين، وحبيب قلوب المؤمنين،
وفرجا لعبادك المختارين، رحمة منك لهم يا رب السماوات والأرضين.
اللهم أنجز له كل وعدك، وحقق فيه موعدك، وأستخلفه في أرضك
كما وعدتنا به.
اللهم أورثه مشارق الأرض ومغاربها التي باركت فيها، ومكن له
دينك الذي ارتضيته له، وثبت بنيانه، وعظم شانه، وأوضح برهانه،
وعل درجته، وأفلج حجته، وشرف مقامه، وأمض رأيه، واجمع شمله،
وانصر جيوشه وسراياه ومرابطيه، وأنصاره وأشياعه، وأتباعه وأعوانه،
وحزبه وجنوده وأحباءه وخيرته وأولياءه وأهل طاعته.
اللهم انصرهم نصرا عزيزا، وافتح له فتحا مبينا، واجعل له من
لدنك على عدوك وعدوه سلطانا نصيرا.
اللهم وأمدده بنصرك بملائكتك
وبالمؤمنين، واجعلنا له حواريين، ننصره حتى نعزره ونقره ونؤمن به
نصدقه ونعزه ونعز به.
اللهم فاكشف عنا به العمى، وأذهب به عنا الضر، واهدنا به سبيل
الراشدين، وتول نصر دينك على يد وليك، واجعلنا ممن جاهد في سبيلك،
وطهر الأرض باظهاره من القوم الظالمين حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين
لك يا رب العالمين.
اللهم أظهره، وأعز باظهاره واظهارك له أولياءك وزد في أعمارهم،
وأيده وأيد به وأعلنه ولا تخفيه، وامحق قبل اظهارك له أعداءك وأعز
أولياءك، وزد في أعمارهم وطول في آجالهم، وتمم أيامنا ولا تقصر
مددنا، ولا تمتنا بحسرة من لقاء سيدنا حتى ترينا وجهه وتشهدنا
شخصه، وأسمعنا كلمته، وتنجينا في أيامه، وترزقنا نصرته في أعمالنا
ونياتنا وقلوبنا، وشرفنا في دولته الزاكية المباركة الطاهرة المرضية فإنما نحن
32

أولياؤك يا رب العالمين.
اللهم وأنزل اللعنة الكافية، المغضبة المردية، المخزية المخسرة المدمرة
على أعدائك وأعداء ملائكتك وأنبيائك ورسلك وأصفيائك وأوليائك
المخلصين، من الظالمين الأولين والآخرين، وعلى أشياعهم وأتباعهم
وأحبائهم وحزبهم وجندهم ورعيتهم، ومن تابعهم بقلبه وعمله، ومن
أحمد لهم رأيا وأمرا، ورضي لهم فعلا واستطال لهم رأيا، وقال فيهم
خيرا، ودفع عنهم شرا، وزدهم عذابا ضعفا في النار، والعنهم كثيرا،
واصلهم سعيرا، ولقهم ثبورا، وتبرهم فيها تتبيرا، ولا تذر منهم كبيرا
ولا صغيرا، وأدخلهم في العذاب، ولا تخفف عنهم يوما منه، وخلدهم
في الدرك الأسفل من النار، وعذبهم عذابا لا تعذب به أحدا من
العالمين، وطهر الأرض منهم أجمعين، ومن بدعهم وخلافهم وجحدهم
وجورهم وظلمهم وغضبهم وغشهم وآثامهم وأوزارهم ومكرهم وخداعهم
وسيئاتهم، واجعل الأرض منهم جميعا قاعا صفصفا، لا نرى فيها عوجا
ولا أمتا.
واجعلنا ممن برئ إليك من أعمالهم والتباسهم وجرائرهم، وثبتنا على
ما إليه هديتنا من موالاة أوليائك وعداوة أعدائك، واجعلنا من الموفين
بعهدك وعقدك وميثاقك الذي ألهمتنا لسعادتنا، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا،
وزدنا بصيرة وايمانا، ويقينا ورضى وتسليما، ولا ترنا حيث نهيتنا ولا تفقدنا
من حيث أمرتنا أبدا ما أبقيتنا، بطولك ومنك يا أرحم الراحمين ولا حول
ولا قوة الا بالله العلي العظيم، وهو حسبنا ومرجانا، وعليه توكلنا.
33

الباب الأول
باب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
35

قال السيد أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (رضي الله
عنه): حدثني جعفر بن محمد بن مالك البزاز الفزاري الكوفي، قال:
حدثني عبد الله بن يونس السبيعي، قال: حدثني المفضل بن عمر، عن
سيدنا أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام).
قال الحسين بن حمدان: حدثني محمد بن إسماعيل الحسني، عن
سيدنا أبي عبد الله الحسن بن علي (عليهما السلام) وهو الحادي عشر من
الأئمة (عليهم السلام)...
قال الحسين بن حمدان: حدثني منصور بن صفر، قال: حدثني أبو
بكر أحمد بن محمد القرباني المتطبب ببيت المقدس، لعشر خلون من شهر
شعبان سنة اثنين وثلاثمائة، قال: حدثني نصر بن علي الجهضمي، قال:
سالت سيدنا أبا الحسن الرضا علي بن موسى بن جعفر (عليهم السلام)،
عن أعمار الأئمة من آل رسول الله (عليهم السلام) فقال الرضا
(عليه السلام): حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد،
عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين
(عليه السلام):
37

ما رواه عن جعفر بن محمد بن مالك، عن عبد الله السبيعي، عن
المفضل بن عمر عن مولانا الصادق (عليه السلام)...
ما رواه عن محمد بن إسماعيل الحسني، عن أبي محمد الحسن،
الحادي عشر من الأئمة (عليهم السلام)، فقالوا جميعا: ان رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) مضى، وله ثلاث وستون سنة منها أربعون
سنة قبل أن ينبأ ثم نزل عليه الوحي ثلاثا وعشرين سنة، بمكة وهاجر إلى
المدينة هاربا من مشركي قريش وله ثلاث وخمسون سنة، وأقام بالمدينة
عشر سنين، وقبض يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول من
احدى عشرة سنة من سني الهجرة.
أسماؤه:
وكان اسمه في القرآن محمد، وأحمد، ويس، وطه، ونون، وحم
عسق، والحواميم السبعة، والنبي، والرسول، والمزمل، والمدثر،
والطواسين الثلاثة، وكل ألف ولام وميم وراء وصاد في أول السور فهو من
أسمائه، وكهيعص.
وفي صحف إبراهيم إلى آدم (صلى الله عليهما) بالسريانية - مفسرا
بالعربية - النبي والمحمود، والعاقب، والناجي، والحاشر، والباعث،
والأمين.
وكان اسمه في التوراة الوفي، وماد الماد.
وفي الإنجيل: الفارقليط.
وفي الزبور: مهيمنا، وطاب طاب.
كنيته وألقابه:
أبو القاسم. وأمه آمنة ابنة وهب بن عبد مناف بن قصي، بن
38

كلاب، بن مرة.
وألقابه (صلى الله عليه وآله): صفي الله، وحبيب الله، وخاتم
النبيين، وسيد المرسلين، والأمي، والمنتجب، والمختار، والمجتبى،
والشاهد، والنذير، والداعي إلى الله، والسراج المنير، والرحمة، والمبلغ
والمصطفى.
ومشهده بالمدينة، واسمها يثرب وطيبة.
أولاده:
قال الحسين بن حمدان الخصيبي: حدثني أبو بكر بن أحمد بن عبد
الله، عن أبيه عبد الله بن محمد الأهوازي - وكان عالما باخبار أهل البيت
(عليهم السلام) - قال: حدثني محمد بن سنان الزاهري عن أبي بصير،
وهو القاسم الأسدي - لا الثقفي - عن أبي عبد الله جعفر الصادق
(عليه السلام) قال: قال ولد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من خديجة
ابنة خويلد (عليها السلام) القاسم، وبه يكنى، وعبد الله، والطاهر،
وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وكان اسمها آمنة، وسيدة نساء العالمين
فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وإبراهيم من مارية القبطية، وكانت أمة
أهداها المقوقس ملك الإسكندرية.
فاما رقية: فزوجت من عتبة بن أبي لهب، فمات عنها، فزوجت
لعثمان بن عفان. وكان السبب في ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) نادى في أصحابه بالمدينة: من جهز جيش العسرة، وحفر بئر رومة،
وأنفق عليها من ماله ضمنت له بيتا في الجنة عند الله، فقال عثمان بن
عفان: أنا أنفق عليها يا رسول الله من مالي، فتضمن لي البيت في
الجنة؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنفق عليها
يا عثمان، وأنا الضامن لك على الله بيتا في الجنة.
فانفق عثمان على الجيش والبئر من ماله طمعا في ضمان رسول الله
39

(صلى الله عليه وآله) وألقي في قلب عثمان أن يخطب رقية من رسول الله
فعرض ذلك على رسول الله، فقال رسول الله: إن رقية تقول لك لا
تزوجك نفسها الا بتسليم البيت الذي ضمنته لك عند الله عز وجل في
الجنة تدفعه إليها بصداقها، فاني أبرأ من ضماني لك البيت بتسليمه إليها
إن ماتت رقية أو عاشت، فقال عثمان: أفعل يا رسول الله، فزوجها
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأشهد على عثمان في الوقت أنه قد برئ
من ضمانة البيت له، وأن البيت لرقية دونه، لا رجعة لعثمان على رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فيه، إن عاشت رقية أو ماتت. ثم إن رقية
توفيت قبل أن تجتمع بعثمان، ولهذا السبب زوجت رقية نفسها.
وأما زينب: فزوجت من أبي العاص بن الربيع، فولدت منه بنتا
سماها امامة، فتزوج بها أمير المؤمنين بعد وفاة فاطمة (عليها السلام).
وأما أم كلثوم: فإنها لم تتزوج بزوج، وماتت قبل وفاة رسول الله
(صلى الله عليه وآله).
وروي أن زينب كانت ربيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من
جحش بعد خديجة قبل النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يصح هذا الخبر،
ولا ملك خديجة أحد غير رسول الله ولا ملك زوجة غيرها حتى توفيت.
أزواجه:
وكانت من أزواجه بعدها أم أيمن، وأم سلمة، وميمونة بنت الحارث
الهلالية، ومارية القبطية - وكانت أمة - أفضل أزواج رسول الله (صلى الله
عليه وآله)، وبعدهن صفية، وزينب زوجة زيد بن حارثة.
والمذمومات عائشة وحفصة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وهن ممن
قال الله فيهن (عسى ربه ان طلقكن ان يبدله أزواجا خيرا منكن
مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا)، وهذا
أوضح دليل أنه لم يكن فيهن من هذا الوصف شئ.
40

وقال الله تعالى: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة
يضاعف لها العذاب ضعفين) وقوله: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن
تبرج الجاهلية الأولى) وقد عرف من خرج وتبرج وشهد على أولاد الأنبياء
(عليهم السلام) أنهن إذا عصين عذبن بالنار.
وقال الله سبحانه وتعالى: (وضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح
وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما
من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين).
وجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين ثلاث عشر امرأة
وتوفي عن تسع أزواج.
دلائله وبراهينه:
ومن دلائله وبراهينه (عليه السلام).
1 - ما رواه السيد الحسين بن حمدان الخصيبي، عن ابن علي البلخي،
عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله
جعفر الصادق (صلوات الله عليه) عن آبائه (عليهم السلام) قال:
خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد أصابه جوع شديد، فمر بأمير
المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا علي هل عندك طعام نطعمه؟ فقال: يا
رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا واصطفاك على البشر ما طعمت طعاما
منذ ثلاثة أيام، فاخذ (عليه السلام) بيده وانطلقا فإذا هما بالمقداد بن
الأسود الكندي، وأبي ذر، وعمار بن ياسر، فقال لهم رسول الله: إلى
أين؟ فقالوا: إليك يا رسول الله، فقال: هل عند أحدكم طعام؟ فقال
القوم جميعا ما أخرجنا الا الجهد يا رسول الله، فقال: أبشروا فان الله عز
وجل أمر الجنة أن تتهيأ بأحسن هيئتها فتهيأت، وقال لها: يا جنتي لمن
تحبين ان يسكنك؟ فقالت: أحب خلقك عليك، فقال لها: اني جعلت
سكانك محمدا رسولي وأهل بيته (صلوات الله عليهم وأصحابه وشيعته)
41

وأنتم والله أصحابي وشيعتي وشيعة أهل بيتي وعترتي، ثم اخذوا في
طريقهم فمروا بمنزل سعد بن مالك الأنصاري، فلم يلقوه، فقالت زوجته: يا
رسول الله فداك أبي وأمي أدخل أنت واسحابك، فان سعدا يأتيك
الساعة، فدخل هو وأصحابه جميعا فأرادت ان تذبح عنزا لهم فقال لها
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ماذا تريدين؟ قالت: اذبح هذه العنزة
لك ولأصحابك، فقال لها: لا تذبحيها فإنها عنزة مباركة ولكن قربيها
مني، فقالت: يا رسول الله انها ليس لها لبن، وهي سمينة، وقد عقرها
الشحم، فلم تحمل. قال قربيها إلي فأدنتها منه فمسح يده المباركة على
ظهرها فأنزلت لبنا فاحتلبها، ونزع الاناء فشرب وأسقى أصحابه حتى
رووا من ذلك اللبن.
ثم قال لها: يا أم مالك إذا أتاك سعد فقولي له: يقول لك رسول
الله: إياك ان تخرج هذه العنز من دارك، فإنها من قابل تحمل وتضع
ثلاث سخلات في بطن، ويحملن جميعهن من قابل وتضع كل واحدة منهن
أربع سخلات في بطن.
ثم نظر في داره وإذا هو ببقرة حمراء فقال لامرأة سعد: قولي لسعد:
يستبدل بهذه البقرة بقرة سوداء، فإنها تضع عجلتين ببطن واحد ثم تحملان
عن قليل مع أمهما فيضعن جميعا اثنين اثنين، ورأي في جانب داره نخلة
أشر ما يكون من النخل فصعد إليها وتكلم بكلام خفي، فأنزل الله فيها
بركته، فحملت حملا حسنا وارطبت رطبا حسنا لم يكن في المدينة رطب
بشبهه ولا رؤي مثله، ودعا لسعد وأهله بالبركة.
وبشرها بغلام وذلك أنها قالت: يا رسول الله فديتك بابي وأمي انا
حامل، فادع لي، فدعا لها ان يهب الله لها غلاما ذكرا سويا. وخرج رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه وأقبل سعد إلى أهله فأخبرته
بدخول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه
42

السلام) والمقداد وأبي ذر وما قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لها
وما فعل بالعنز والبقرة والنخلة، وما بشرها به ودعائه لها ففرح سعد بذلك
واقبل إلى النبي، فقال له: يا سعد أخبرتك أم مالك بما قالت وقلت لها؟
قال: نعم. قال استبدل ببقرتك بقرة سوداء فان الله تبارك وتعالى يهب
لك منها عجلتين، ويولد لك غلام.
قال أبو عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام): ما خرجت تلك
السنة حتى وهب الله له منها غلاما، ورزق جميع ما قاله رسول الله (صلى
الله عليه وآله)، وما مضى له أربع سنين حتى كان أكثر أهل المدينة مالا
وأخصهم بها رجلا وكان النبي (صلى الله عليه وآله) أكثر ما يأتي هو
وأصحابه إلى منزل سعد.
2 - وعنه، قال حدثني عبد الله بن جرير النخعي، عن أبي مسعود
المدائني، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)
قال اقبل اعرابي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مع أصحابه
جالس، فقال: يا رسول الله كنت رجلا مليا كثير المال، وكنت أقري
الضيف، وأجل وأجبر، وآمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وكان لله علي
نعمة، فذهب جميع ما كنت أملك من قليل وكثير، فشمت بي أقاربي
وأهل بيتي فكانت الشماتة علي أعظم من زوال النعمة وما ابتليت به.
قال: صدقت في جميع ما ذكرت، ثم التفت إلى جميع أصحابه، فقال:
من معه شئ يدفع إلى هذا الرجل؟ فقالوا: يا رسول الله ما يحضرنا
شئ، فقال: سبحان الله ما أعجب هذا: ثم حول وجهه ضاحكا
مستبشرا، ورفع مصلى كان تحته وإذا بسبيكة ذهب فدفعها إليه وقال له:
خذها واشتر بها غنما ضأنا، فإنها تبقى عليك إلى أن تموت. فقال
الاعرابي: ادع لي يا رسول الله أن يكثر الله مالي وولدي، فقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم أكثر ماله وولده.
43

قال أبو جعفر (عليه السلام): فما مات الاعرابي حتى ولد له اثنا
عشر ولدا ذكورا، وعشر بنات، وكان أكثر العرب مالا ويقال: ان
الاعرابي علقمة بن علاقة العامري.
3 - وعنه، قال: حدثني جعفر بن أحمد القصير، عن أحمد بن
جبلة، عن زيد بن خالد الواقفي، عن عبد الله بن جرير، عن يحيى بن
نعيم، عن أبي حمزة الثمالي، عن جابر بن عبد الله بن عمر بن حزام
الأنصاري، قال: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى
بني قريظة، وأقمنا إلى أن فتح الله على رسول الله وعلينا، فانطلقنا
راجعين وكان في طريقنا رجل من اليهود، فلما قربنا من كنيسته تلقانا
والتوراة على صدره منشورة مزينة، فلقي رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فرحب به وقربه، وقال له: يا أخا اليهود، ما لك قد سعيت إلينا بالتوراة
العظيمة القدر في كتب الله المنزلة؟ فقال له اليهودي: جعلتها وسيلتي
إليك يا رسول الله لتنزل وتأكل من طعامي، فقال النبي (صلى الله عليه
وآله) لقد توسلت بعظيم، وانا مجيبك يا أخا اليهود.
ثم نزل ونزلنا، فإذا بطعام اليهودي قد حضر وحضر معه من تولى
اصلاحه من المسلمين، وقال اليهودي: يا أيها النبي أنا ما صنعت طعامك
بيدي، بل قوم من أهل دينك لأنا عرفنا انك تكره طعامنا أهل الملل
قبلك، فجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان على الطعام
خروف مشوي، فغسل النبي يديه وغسلنا أيدينا، ومددنا إلى الطعام،
ودعا بالبركة، وضرب بيده إلى الخروف، فثغا الخروف واضطرب، فرفع
رسول الله يده عنه ورفعنا أيدينا عنه، فقال رسول الله: يا أخا اليهود
عرفنا توسلك وعرفنا التوراة حقا، وضيعت ما حفظناه فيك أغواك الشيطان
حتى رأيت هذا الخروف وسمعت منك ما قد عرفته من نفسي.
قال اليهودي: فان كنت رسول الله حقا فاسأل الله أن ينطق هذا
44

الخروف كما أحياه لك فيخبرك بقصتنا.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم إني أسألك بقدرتك التي
ذل لها ملكك الا ما أنطقت هذا الخروف بهذه القصعة، فقال الخروف في
وسط القصعة اشهد ان لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله، وأن الذي
كان سمني لك عدوك عتيق وزفر صارا إلى هذا اليهودي فدفعا إليه عشرين
دينارا وعهدوا له ولقومه من اليهود ان لا يؤذوا، وأن لا يسخروا ولا
يعشروا، ولا يكرهوا على شئ يريدونه، وأنه دس السم في الطعام وتلقاك
به، وقالا له: القه في التوراة فإنه يعظمها، وأسأله ان ينزل بك، وهاك
هذا الخروف وهذه العشرين دينارا، فاتخذ بها خبز البر وفاخر أطعمة
الأعاجم طبيخا ومشويا، ودس هذا السم بهذا الخروف ففعل ذلك.
قال جابر بن عبد الله: والله لقد ظننا أن شنبويه وحبتر - لعنهما الله -
قد ماتا، لأنهما طأطأ وجوههما.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): أرفعا رؤوسكما، لا رفع الله لكما
صرعة، ولا أقالكما عثرة، ولا غفر لكما ذنبا ولا جريرة، وأخذ بحقي
منكما، إلى كم هذه الجرأة على الله ورسوله؟ فاظهرا اختلاط عقل ودهشة
حتى حملا رحليهما.
وضرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده إلى الخروف وقال له:
ارجع بإذن الله مشويا كما كنت، فرجع الخروف كما كان. فقال النبي (صلى
الله عليه وآله) - وقد ضرب بيده إلى لحمه - بسم الله الذي لا يضر مع
اسمه داء ولا غائله، واكل، ثم قال كلوا يرحمكم الله، فقال اليهودي: أنا
أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأنك محمد عبده ورسوله حقا
حقا، وإله موسى وهارون وما أنزل في التوراة لقد قص عليك الخروف
القصة، ما نقص حرفا ولا زاد حرفا.
وأسلم اليهودي وغزا ست غزوات واستشهد في ذات السلاسل، رحمه
45

الله.
4 - وعنه عن أحمد بن محمد الحجال، عن جعفر بن محمد الكروزوني، عن
الحسن بن مسكان، عن صفوان الجمال، قال: قال جعفر بن محمد
الصادق (صلوات الله عليه) لما نزلت هذه الآية (وأنذر عشيرتك
الأقربين) دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام)
فقال: يا علي اصنع لنا طعاما فخذ شاة وصاعا من بر، وادع عشرة من
بني هاشم وبني عبد المطلب، فصنع علي ما أمره رسول الله، وأدخلهم
عليه، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة وحده، فقرب علي منهم المائدة
وقدم القصعة ووضع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يده على دورة
القصعة، وقال: هلموا وكلوا على اسم الله فأكلوا حتى صدروا، وفضل
كثير، فبادرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالكلام، وقال: أيكم
- يا بني عبد المطلب - يقضي ديني، وينجز وعدي، ويقوم مقامي،
ويكون خليفتي في أهلي ومالي، وأكون أخاه ويكون أخي في الدنيا
والآخرة، ويكون وزيري وخليلي وصفيي وموضع سري، ويكون معي في
درجتي؟
فسكت القوم كلهم، فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله أنا
أقضي دينك وأنجز وعدك، وأكون خليفتك في أمتك وأهلك، وأكون
أخاك وتكون أخي وأكون معك وعلى درجتك في الدنيا والآخرة.
وكان علي (عليه السلام) أصغرهم سنا، وأعظمهم بطشا، وأحمشهم
ساقا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد فعلت يا علي فوجبت
يومئذ المؤاخاة والموازرة له (عليه السلام).
5 - وعنه عن محمد بن إسحاق، عن عتبة بن مسلم - مولى بني
تميم - وعبد الله بن الحارث، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد
الله بن العباس، عن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، قال: لما
46

نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي إن الله
أمرني أن (أنذر عشيرتك الأقربين) فضقت ذرعا، وعرفت انني متى
أبديت لهم ذلك أرى منهم ما اكره فصمت حتى جاءني جبرائيل (عليه
السلام) فقال: يا محمد إنك ان لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك فاصنع
لي ا علي صاعا واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عسا من لبن واجمع لي
بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به،
ثم دعوتهم وهم يومئذ أربعون رجلا لا يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا،
وجئت بالطعام فلما وضعته تناول رسول الله (صلى الله عليه وآله) جذوة من
اللحم فشقها في نواجذه ثم ألقاها في نواحي الطعام في القصعة، ثم قال:
خذوا بسم الله، فاكل القوم حتى ما بهم من حاجة وما أرى الا مواضع
أيديهم، وأيم الله الذي نفس علي بيده، لقد كان الرجل منهم يأكل ما
قدمت لجميعهم.
ثم قال: أسبق القوم، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعا
وأيم الله لقد كان الرجل منهم يشرب مثله.
فلما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يكلمهم بدره أبو
لهب، فقال: لقد سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال من الغد إن هذا الرجل قد سبقني
إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم ولم أكلمهم، فأعد لنا من الطعام مثل
ما صنعت ثم اجمعهم إلي، قال ففعلت ثم جمعت، ودعا بالطعام فقربته
إليهم ففعل كما فعل بالأمس، فاكلوا حتى ما بهم من حاجة ثم قال:
أسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا، ثم تكلم رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا بني عبد المطلب اني والله ما اعلم أن
إنسانا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، واني جئتكم بخير الدنيا
والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على أمري هذا
كله، على أن يكون أخي ووصيي ووليي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم
47

عنها جميعا فقلت: - والله إني أحدثهم سنا، وأطولهم باعا، وأعظمهم
بطشا وأحمشهم ساقا - أنا يا رسول الله موازرك، فاخذ رقبتي بيده،
وقال: هذا أخي ووصيي وخليفتي، فاسمعوا له وأطيعوا.
قال فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع
لعلي وتطيعه طاعة لا بطانة بها.
6 - وعنه عن علي بن الحسين المقري، عن يحيى بن عمار، عن
جعفر بن سنان الزيات، عن الحسين بن معمر، عن أبي بصير عن أبي عبد
الله الصادق (عليه السلام) قال: سار أبو طالب إلى الشام في بعض ما
كان يخلف النبي (صلوات الله عليه) بمكة، فكان يومئذ صغيرا، فلما
صار معه إلى الشام خلفه أبو طالب في رحله، ودخل يمتار حوائجه،
والنبي (صلى الله عليه وآله) عند شجرة عند دير النصارى فأوى إلى تلك
الشجرة، فنام فلم يزل نائما، وكان لا يقدر أحد من الناس أن يدنو إلى
تلك الشجرة ولا يقربها، مما كان عندها من الهوام والحيات والعقارب،
وبحيرا الراهب ينظر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) والى القوم، فاقبل
يتعجب من ذلك، وقال: هذا غلام غريب نائم ها هنا، وأخاف عليه
من الهوام فاقبل إليه فانتبه من نومه ودعاه إليه، فاقبل النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) وإذا هو معافى لم يمسه سوء مما خاف عليه بحيرا
الراهب.
فقال: يا غلام، من أنت؟ وكيف صرت إلى تحت هذه الشجرة؟
فقال: خلفني ها هنا عمي ومضى يقضي حوائجه من الشام، وان لي
حافظا من الله.
فقال له بحيرا: من أنت؟ وما اسمك؟
48

فقال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
قال: هل لك اسم غير هذا؟
قال: نعم أحمد.
قال: هل لك اسم غير هذا؟
قال: الأمين.
قال بحيرا: اكشف لي عن كتفك، فكشف له فنظر بحيرا إلى خاتم
النبوة بين كتفيه، فلما رآه قبل فوق الخاتم، وأقبل أبو طالب وقد باع
حوائجه، فقال بحيرا: ما هذا منك ولا أنت منه، فقد رأيت من هذا
الغلام عجبا، ما نام تحت هذه الشجرة بشر وسلم من الهلاك، ولم يزل
هذا الغلام نائما تحتها وجميع ما تحتها من الحيات والعقارب حوله تحرسه في
نومه.
فقال أبو طالب: هذا أبن أخي. قال له: ما فعل أبوه؟ قال: مات
قال: ما فعلت أمه؟ قال: ماتت. قال: ما اسمه؟ قال: محمد.
قال: هل له اسم غير هذا؟ قال: نعم، أحمد. قال: هل له اسم غير
هذا؟ قال: الأمين. قال: ان ابن أخيك هذا نبي ورسول، ولا تذهب
الأيام والليالي حتى يوحي إليه الله، ويسوق العرب بعصاه ويملا الأرض
عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، فاتق عليه خاصة من قريش واليهود
فإنهم أعداء له من بين الناس.
قال له أبو طالب: يا هذا رميت ابني بأمر عظيم، أتزعم أنه نبي ولا
تذهب الأيام والليالي حتى يملأ الأرض عدلا، وقسطا كما ملئت جورا وظلما،
شرقا وغربا، ويسوق العرب بعصاه؟ قال بحيرا: لقد والله أخبرتك عن
أمره، وهذا الذي نجده عندنا مكتوبا في سفر كذا وكذا من الإنجيل،
وهو الذي بشرنا به السيد عيسى بن مريم (عليه السلام)، ولم أقل فيه إلا
49

الحق، فالله الله في الغلام لا تقتله قريش واليهود، فاكتم علي ما قلت
لك، وأنا أشهد أنه محمد رسول الله، وأنه الغلام الهاشمي القرشي
الأبطحي، وانه عندنا مكتوب اسمه واسم أبيه من قبل، وإن أنكر
من أنكر واعلم أنك تلقى رجلا من إخواني ممن هو على ديني وقد قرأ مثل
ما قرأت من هذه الكتب بأرض تهامة، وسيقول لك بهذا الغلام ما قلته لك.
وكان صاحب بحيرا ورقا بن نوفل، وكانا جميعا ممن استحفظ الإنجيل
واخبار محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانا اعلم أهل زمانهما، فرجع فرحا بما
سمع من بحيرا الراهب، حتى إذا دخل أرض تهامة استقبله ورقا بن نوفل
الراهب وهو من المستحفظين الذين استودعوا علم الإنجيل والزبور، فقال
ورقا بن نوفل مثل ما قاله بحيرا، وقال: اكتم علي يا شيخ ما قلته في
هذا الغلام، قال: وانتشر خبر النبي (صلى الله عليه وآله) بأرض تهامة
وكلام ورقا، فأقبلت قريش إلى ورقا بن نوفل. فقالوا: ما هذا الذي
انتشر عنك فيما قلت من هذا الغلام؟ والله لئن نطقت فيما نطقت به من
أمره لنقتلنك بأعظم قتلة، فاعلم ذلك فخاف ورقا على نفسه فخرج من
أرض تهامة، وقد اظهر من امر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما
أظهر وأشهد على نفسه أنه يشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له وان
محمدا عبده ورسوله، وانه نبي ورسول، وقصد إلى الشام هاربا من قريش
لأنه خالفهم على نفسه، فما لبث النبي بعد ما قاله ورقا وبحيرا إلا يسيرا
حتى أظهر الله دعوته وطلبوا ورقا بن نوفل فلم يقدروا عليه، وحفظه أبو
طالب من قريش، واستوهب النبي (صلى الله عليه وآله) عليا بن أبي
طالب من أبيه فوهبه له فدعاه إلى الاسلام، والى دين الله فاجابه يومئذ
وهو ابن سبع سنين، فكان أول من أسلم علي بن أبي طالب (عليه
السلام) فمكث على ذلك سنتين، وكان أبو طالب يقول لعلي: أطع ابن
عمك واسمع قوله، فإنه لا يألوك خيرا فكانا يصليان جميعا ويكتمان ما هما
فيه حتى اظهر الله امر دينه فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
50

7 - وعنه عن أبي العباس، عن أبي غياث بن يونس الديلمي، عن
أبي داود الطوسي، عن محمد بن خلف الطاطري، عن أبي بصير، عن أبي
عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: لما بلغ رسول الله (صلى
الله عليه وآله) أربعة عشر سنة، وكان يومئذ أقل أهل المدينة مالا،
فاكرى نفسه لخديجة ابنة خويلد (عليها السلام) على بكر وحقة، وخرج
غلام خديجة إلى الشام وكان لها غلام، صدوق اسمه ميسرة فأمرته خديجة
- لما أراد الخروج - أن لا يخالف النبي فيما يأمره به إذ رأيه سديد معروف
بذلك، وكانت قريش لا تصدر عن رأيه في كل ما يأتيهم به، ويخوفهم
من امره فلذلك وصت خديجة ميسرة ان لا يخالف امره، وخرجا إلى الشام
فباعا ما كان معهما من التجارة وربحا ربحا ما ربحت خديجة بمثله،
ورزقت بتلك السفرة ما لم ترزق مثله ببركة النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم)، فأقبلا بتلك الغنيمة، وما رزق الله، حتى إذا قربا من ارض
تهامة قال ميسرة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لو تقدمت إلى
خديجة فبشرتها بما رزقها الله رجوت لك منها جائزة عظيمة، ففعل النبي ذلك.
وكان لخديجة منظرة في مستشرف الطريق تقعد فيها ونساء قومها، وكانت
قاعدة في المنظرة تنظر إليه ومن معها من النساء فقالت لهن يا هؤلاء ما
ترين ان لهذا الرجل قدرا عظيما؟ اما ترينه منفردا وعلى رأسه غمامة تسير
بمسيره، وتقف لوقوفه وتظله من الحر والبرد، والطير ترفرف عليه
بأجنحتها، ولها زجل وتسبيح وتمجيد وتقديس لله رب العالمين، يا ليت
شعري من هو؟ وانه مقبل نحوها، فقالت: أظن هذا الرجل يقصد حينا
فلما دنا منها تبينته، فقالت لهن: هذا محمد بن عبد الله،! فقرب منها
فسلم، فردت (عليه السلام) وقربته منها، ورفعت مجلسه، فبشرها بما
رزقها الله تعالى من تجارتها، ففرحت بذلك فرحا شديدا، وازدادت فيه
رغبة وضاعفت له الرزق اضعافا، وقالت: يا محمد اعرض عليك أمرا
وهي حاجة لي بعضها وهي لك حظ ورغبة، قال: وما هي؟ قالت:
51

أريد ان تتزوجني، فقد تباركت بك، ورأيت منك ما أحب، وأنا من
عرفت شرفي وحسبي ونسبي وموضعي من قومي وسيادتي في الناس، وكثير
لا ينالون تزويجي، وقد عرضت نفسي عليك.
فقال لها: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو تفعلين ذلك؟
فقالت: ما قلت الا ما أريد ان أفعله فقال لها: حتى أستأمر عمي،
وأخبرك ما يكون إن شاء الله تعالى.
وانطلق إلى عمه فأخبره ما قالت خديجة، فقال له عمه: يا بني إنها
من قوم كرام فتزوجها، ولا تخالفها فإنها فائقة في الحسب والنسب والشرف
والمال، وهي رغبة لمن تزوجها، فاقبل إليها وأخبرها بما قاله عمه،
فقالت: إذا كان يوم كذا وكذا، فاقبل: فلما كان اليوم المعلوم أقبل ابن
عمها وأهلها، وتهيأت خديجة لما أرادت ونحرت البدن، واتخذت طعاما
كثيرا.
واقبل النبي (صلى الله عليه وآله) وعمه وبنو عمه وأهل بيته من بني
عبد المطلب خاصة، وأرسلت خديجة إلى عمها وأهل بيتها فدعتهم ولم
يعلم الفريقان إلى ما دعوا فأطعمت القوم الطعام ونحرت البدن على الجبال
والشعاب والأودية بمكة وجعلتها قرى للناس والطير والسباع والهوام سبعة
أيام، وأمرت بسقي القوم، فلما شربوا وأخذوا في حدثهم قال أبو طالب
لعمها: انك في الشرف العظيم من قومك، وأنت الكفؤ الكريم،
ومحمد بن عبد الله ولد أخي وهو لا يجهل حسبه ولا ينكر نسبه، وقد أتاك
خاطبا خديجة ابنة خويلد، وهو ممن قد عرفتم أمره وحاله.
فقال عمها: يا أبا طالب، خديجة مالكة نفسها، وأمرها إليها، فارسل
إليها واستأذنها.
فارسل إليها عمها يستأمرها، فقالت: يا عم زوجه فإنه بالنسب
الثاقب والفرع الباسق، وليس هذا ممن يرد فزوجه عمها في مجلسه،
52

وذلك بمحضر من الفريقين فخرجوا قريرة أعينهم بمجلسهم، وما كان من
خديجة في تزويج محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك أنها خطبت
من أكابر قريش وسائر العرب، فلم تزوج نفسها فلما خرجوا احتبس النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم)، عندها، فقالت له: يا محمد ما نحلتك؟
قال: البكر والحقة، وهما نحلة، مني إليك، وما أضعفت لي بعد ذلك
من الرزق فهو في بيتك في موضع كذا وكذا، فقالت: قد قبلته
وقبضته، فادخل باهلك متى شئت، فبات عندها ليلته من أقر الناس عينا
وأحبهم إليها من جميع الناس.
وأصبحوا من غد ذلك اليوم فقدم بعض حساد محمد (صلى الله عليه
وآله وسلم) إلى عمها وقالوا: زوجت بنت أخيك بغلام فقير قليل المال؟
فاقبل عمها إلى أبي طالب نادما، وقد بلغ أبا طالب ندامته، فقال له: يا
هذا ان المال يأتي ويذهب، وقد رأينا من لم يكن له مال فرزقه الله مالا
ورزقا حسنا واسعا، وقد بلغ خديجة ذلك فأرسلت إليه، فاقبل إليها وهو
نادم على ما كان منه، فقالت له: يا عم لا تتهمني في نفسك، ما
زوجته أنت، بل الله زوجه، فهو ممن عرفت شرفه وكرمه وأمانته، فقال
لها: نعم، صدقت هو كما تقولين وأفضل، ولكن ليس له مال، قالت
له: يا عم اني ما قدمت الا على بصيرة، وقد رأيت بعيني ما رأيت،
ورأي ذلك نساء قريش معي، قال: ما الذي رأيت ورأين؟ قالت: قد
أقبل من تجارتي التي أنفذته بها مبشرا بالأرباح التي رزقني الله عليه يده وانا
جالسة، في المنظرة فرأيته مقبلا فردا وعلى رأسه غمامة تسير بمسيرة،
وتقف بموقفه، وتظله من الحر والبرد، ورأينا رجالا بأجنحة لا بأيد من حوله ومن
فوقه يسيرون بمسيره ويكنفونه ويرفون عليه بأجنحتهم ولهم زجل بالتسبيح
والتهليل والتمجيد والتقديس لله عز وجل، فهذا ما رأيت ونساء قومي،
وقلت لهن: ترين هذا الرجل الكريم على الله عز وجل العظيم المنزلة عند
الله، الذي أظله بالغمام وحفه بالملائكة؟ إلى أن أن قرب مني فتبينته فرأيته
53

محمدا بن عبد الله، ورأي نساء قومي، فمن أجل ذلك يا عم رغبت
فيه، وعلمت أن له شانا عظيما، ويؤول إلى نبوة ورسالة فسر عمها وخرج
وقال: يا خديجة اكتمي هذا الامر، ولا تظهريه، ولا تذكري شيئا من
الغمام والملائكة فتسمع به قريش فتقتله، وخرج من عندها، وقالت:
اكتم أنت ذلك يا عم فإنه قد بات عندي ودخل باهله، فعند ذلك شكره
العم وعرف فضله فكانت هذه من دلائله (عليه السلام).
8 - وعنه عن أبيه حمدان بن الخصيب، عن أحمد بن الخصيب،
قال: كنا بالعسكر ونحن مرابطون لمولانا أبي الحسن وسيدنا أبي محمد
(عليما السلام) قال: لما اظهر الله دينه، ودعا رسول الله (صلى الله عليه
وآله) إلى الله، كانت بقرة في نخل بني سالم، فدلت عليه البقرة وآذنت
باسمه، وأفصحت بلسان عربي مبين - في جميع آل ذريح - فقالت: يا آل
ذريح، صائح يصيح بان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا
رسوله حقا.
فاقبل آل ذريح إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فآمنوا به وكانوا
أول العرب إسلاما وايمانا وطاعة لله (عز وجل) ولرسوله.
9 - وعنه، عن أبيه، عن عمه، بهذا الاسناد، عن الصادق جعفر بن
محمد (عليهما السلام) قال: تكلمت في عهد رسول الله (صلى الله عليه
وآله) بقرة، وهي كانت في نخل آل بني سلام فصاحت لآل ذريح:
الذئب، وهو الذي أقبل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه
الجوع فدعا النبي بالرعاة، فقال: افترضوا له شيئا، فخشوا، فقال النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) للذئب: أختلس ما تجد، فصار الذئب يختلس
ما يجد لأنه مسلط. قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام): وأيم
الله لو كانوا فرضوا للذئب ما زاد عليه إلى يوم القيامة.
وأما الجمل فان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان جالسا
54

في أصحابه، إذ نظر إلى بعير ناد، حتى اقبل إليه وهو جالس بين أصحابه
فضرب في أخفافه ورغا، فقال القوم: يا رسول الله يسجد لك هذا
البعير، فنحن أحق ان نسجد لك، قال لهم: اسجدوا لله رب العالمين.
إن الجمل يشكو إلي أربابه ولو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لأمرت المرأة ان
تسجد لزوجها.
فوقع في قلب رجل منهم ما شاء الله ان يقع في قلبه من كلام النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم)، فما لبث إلا قليلا حتى أتى صاحب البعير،
فقال له: يا اعرابي هلم إلي، فما بال هذا البعير يشكو من أربابه؟ فقال:
يا رسول الله ما يقول؟ قال: يقول: انكم أنختموه صغيرا وأعنفتموه
كبيرا، ثم انكم أردتم نحره.
قال الاعرابي: والذي بعثك بالحق نبيا واصطفاك بالرسالة نجيا، ما
كذب هذا البعير، ولقد قال بالحق.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أعرابي اختر واحدة من
ثلاث إما ان تهبه لي، وإما ان تبيعني إياه، وإما أن تجعله سائبا لوجه
الله. فقال: يا رسول الله أهبه لك. فقال النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) اللهم أشهدكم علي أني جعلته سائبا لوجه الله، كان البعير يأتي
المعالف فيعتلف منها، ولا يمنعوه حياء من رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، حتى هلك الجمل فكان هذا من دلائله (عليه السلام) والتحية.
10 - وعنه بهذا الاسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه
السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا والناس
حوله، فقال لهم: انه يأتيني غدا تسعة نفر من حضرموت يسلم منهم
ستة، وثلاثة لا يسلمون، فوقع في قلوب الناس من كلامه ما شاء الله أن
يقع، فلما أصبحوا وجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجلسه،
أقبلت التسعة رهط من حضرموت، حتى دنوا من النبي (صلى الله عليه
وآله) وقالوا له: يا محمد اعرض علينا الاسلام فعرض رسول الله عليهم
55

الاسلام فاسلم منهم ستة، وثلاثة لم يسلموا فوقع في قلوب الناس مرض
وانصرفوا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يموت منهم واحد، وهو هذا
الأول، وأما هذا الآخر فإنه يخرج في طلب إبل له فيستلبه قوم فيقتلونه،
وأما الثالث فيموت بالداء والدبيلة.
فوقع في قلوب الذين كانوا في المجلس أعظم ما وقع في الكرة الأولى،
فلما كان من قابل أقبل الستة الرهط الذين أسلموا حتى وقفوا على النبي
(صلى الله عليه وآله) فقال لهم: ما فعل الثلاثة أصحابكم الذين كانوا
معكم ولم يسلموا؟ فاخبروه بموتهم - والناس يسمعون - والتفت إلى أصحابه
فقال لهم: ما قلت لكم في العام الماضي في هؤلاء القوم؟ فقالوا: سمعنا
مقالتك يا رسول الله، وقد ماتوا جميعا في الموتات التي أخبرتنا بها، فكان
قولك الحق عند الله، فأنت الأمين على الاحياء والأموات. فكان هذا من
دلائله (عليه السلام).
11 - وعنه، عن أبي بكر القصار، عن سيف بن عميرة، عن
بكر بن محمد، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: لما
دعا النبي قريشا إلى الله وخلع الأنداد، اشتد ذلك على قريش، وغمهم
غما شديدا، وتداخلهم أمر عظيم، وقالوا: إن ابن أبي كبشة ليدعي أمرا
عظيما، ويزعم أنه نبي ورسول فاتاه منهم أبو جهل لعنه الله - عمرو بن
هشام بن المغيرة - وأبو سفيان، وسفيان بن حوشبة، وعتبة بن ربيعة،
وهشام، والوليد بن عتبة، وصناديد قريش المنظور إليهم، وقالوا: يا
محمد تزعم انك نبي ورسول، وقد ادعيت أمرا عظيما لم يدعه آباؤك، ولا
أحد من أهل بيتك، ونحن نسألك أمرا ان جئتنا به وأريتنا إياه علمنا أنك
نبي ورسول، وان أنت لم تفعل ذلك علمنا أنك تدعي الباطل وتقول
السحر والكهانة. فقال لهم: ما حاجتكم؟ فقالوا: نريد أن تدعو لنا هذه
56

الشجرة تنقلع بعروقها وتقف بين يديك، فقال لهم: إن أفعل هذا تؤمنون؟
قالوا: نعم نؤمن، قال لهم: سأريكم ما تطلبون، وأعلم انكم ما تجيبون
ولا تؤمنون؟ ولا تؤولون إلى خير.
فقال للشجرة يا أيتها الشجرة، إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر،
وتعلمين أني رسول الله حقا فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي.
قال: ما استتم كلامه حتى اقتلعت الشجرة ووقفت بين يديه، فلما
نظروا إليها اغتموا غما شديدا، وقالوا له: مرها أن ترجع إلى مكانها
وليأتك قسما سويا فأمرها بذلك فاقبل نصفها وبقي نصفها قالوا: مر هذا
النصف يرجع إلى الذي كان فيه فأمره فرجع إلى موضعه كما كان.
فلما رأوه قالوا بأجمعهم: تالله ما رأينا مثل هذا السحر، فقال النبي
(صلى الله عليه وآله): قد أخبرتكم انكم لا تؤمنون بما أريكم وقد علمتم
أني لست ساحرا ولا كذابا ولا مجنونا.
قالوا: يا محمد ما رأينا أعظم من هذا السحر ولم يكن فيهم أشد
تكذيبا من أبي لهب، فقال له بعضهم: يا محمد ما وجد ربك من يبعثه
غيرك؟ فغضب من كلامهم وقال لهم: والله يا معاشر قريش قد علمتم
انه ما منكم أحد يتقدمني في شرف، وأني إلى خير مكرمة، وان آبائي قد
علمتم من هم، فسكت القوم وانصرفوا وفي قلوبهم عليه أحر من الجمر مما
سمعوا من الكلام وأراهم من العجائب التي لم يقدروا أن يأتوا بمثلها،
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
12 - وعنه بهذا الاسناد عن سيف بن عميرة عن إسحاق بن عمار،
قال قال الصادق (عليه السلام): لما أسري برسول الله (صلى الله عليه
وآله) في طريق مر على عير في مكان من الطريق، فقال لقريش - حين
أصبح - يا معاشر قريش ان الله (تبارك وتعالى) قد أسرى بي في هذه الليلة
57

من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى - يعني بيت المقدس - حتى ركبت
على البراق، وإن العنان بيد جبريل (عليه السلام) وهي دابة أكبر من
الحمار، وأصغر من البغل، خطوتها مد البصر، ركبت عليه وصعدت إلى
السماء، وصليت بالمسلمين وبالنبيين أجمعين وبالملائكة كلهم، ورأيت الجنة
وما فيها، والنار وما فيها، واطلعت على الملك كله.
فقالوا: يا محمد كذب بعد كذب، يأتينا منك مرة بعد مرة، لئن لم
تنته عما تقول وتدعيه، لنقتلنك شر قتلة، أتريد أن تأفكنا عن آلهتنا
وتصدنا عما يعبد آباؤنا الشم الغطاريف؟
فقال يا قوم إنما اتيتكم بالخير، ان قبلتموه، فإن لم تقبلوه فارجعوا
وتربصوا اني متربص بكم أعظم مما تتربصون بي وأرجو أن أرى فيكم
ما أؤمله من الله فسوف تعلمون.
فقال أبو سفيان: يا محمد إن كنت صادقا فانا قد دخلنا الشام ومررنا
في طريقنا، فخبرنا عن طريق الشام وما رأينا فيه. فانا قد رأينا جميع ما
ثم ونحن نعلم أنك لم تدخل الشام، فان أنت أعطيتنا علامة علمنا أنك
رسول حق ونبي صدق.
فقال: والله لأخبرنكم بما رأت عيناي الساعة، رأيت عيرا لك يا أبا
سفيان وهي ثلاثة وعشرون جملا يقدمها ارمك عليه عباءتان قطوانيتان،
وفيهما غلامان، أحدهما صبيح والاخر رياح في موضع كذا وكذا، ورأيت
عيرك يا أبا هشام بن المغيرة في موضع كذا وكذا، وهي ثلاثون بعيرا
يقدمها جمل أحمر فيها مماليك أحدهم ميسرة، والآخر سالم، والثالث
يزيد، وقد وقع بهم بعير بمحمله فمررت بهم وهم يحملون عليه حمله،
والعير تأتيكم في يوم كذا وكذا وهي ساعة كذا وكذا، ووصف لهم جميع ما
رأوه في بيت المقدس.
فقال أبو سفيان: أما ما كان في بيت المقدس فقد وصفت جميع ما
58

رأينا، وأما العير فقد ادعيت أمرا، فان وافق قولك ما قلت لنا، وإلا
علمنا انك كذاب، وأن ما تدعيه الباطل.
فلما كان ذلك اليوم الذي أخبرهم أن العير تأتيهم خرج أبو سفيان
وهشام بن المغيرة حتى ركبا ناقتيهما وتوجها يستقبلان العير فرأوها في الموضع
الذي وصفه لهما النبي (صلى الله عليه وآله) فسألا غلمانهما عن جميع ما
كانوا فيه، فأخبروهما بمثل ما اخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) فلما أقبلا قالا لهما: ما صنعتما؟ قالوا جميعا: لقد رأينا جميع ما
قلت، وما يعلم أحد السحر الا إياك وإنك لشيطان عالم، ولو رأينا
ملائكة من السماء تنزل عليك لما صدقناك، ولا قبلنا قولك، ولا قلنا:
انك رسول ولا نبي ولا آمنا بما تقول أبدا، افعل ما شئت فهو سواء
علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين، أو عدتنا أم لم توعدنا. فكان
هذا من دلائله (عليه السلام).
13 - وعنه عن أبيه، عن عبد الرحمن بن سنان، عن جعفر بن محمد
الأنباطي، عن الحسين بن العلاء، عن أبي بصير الأسدي، عن أبي عبد
الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: مطر الناس مطرا شديدا، فلما
أصبحوا خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه أبو بكر وعمر
يمشيان فتبعهما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد برز إلى
الصحراء، فقال له رسول الله: ما سرني تخلفك، ولقد سررت بمجيئك
يا علي، فإذا هم برماية قد انقضت من السماء إليهما أشد بياضا من الثلج
وأحلى من الشهد فاخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمصها ثم
دفعها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فمصها حتى أتى على ما أراد، قال
النبي: يا أبا بكر لولا هذا طعام من طعام الجنة لا يأكله أحد في الدنيا الا
نبي أو وصي نبي لأطعمتك، ثم كسرها النبي (صلى الله عليه وآله)
نصفين فاخذ النبي نصفها وأعطى عليا نصفها فاكل النبي (صلى الله عليه
59

واله) ما كان في يده، وأكل أمير المؤمنين ما كان في يده، وانصرف أبو
بكر خائبا فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
14 - وعنه عن أبيه، عن محمد بن المفضل، عن بياع السابري عن
سيف بن عميرة عن أبي بكر أحمد بن محمد الحضرمي عن أبي عبد الله
جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) جالسا إذ أقبل إليه نفر من قريش فقالوا: يا محمد إنك تنحل
نفسك بأمر عظيم، وتزعم أنك نبي وأنه يوحى إليك والملائكة تنزل
الوحي عليك، فان كنت صادقا فأخبرنا عن جميع ما نسألك به، فقال
اسألوني عما بدا لكم، فان يكن عندي منه علم وخبر أنبئكم به، وإن لم
يكن عندي منه علم استأجلتكم أجلا حتى يأتيني رسول ربي جبريل عن
الله (عز وجل) فأخبركم به.
وقال أبو جهل - لعنه الله - اخبرني عما صنعت في منزلي، فان
عيسى بن مريم (عليه السلام) كان يخبر بني إسرائيل بما كانوا يأكلون وما
يدخرون في بيوتهم، فان كنت نبيا كما تزعم فأخبرنا عما نعمل في بيوتنا وما
ندخر فيها.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا أبا جهل لو كنت رأيت الملائكة
نزلت علي وكلمتني الموتى ما كنت تؤمن أنت ولا أصحابك ابدا، وسأخبرك
بجميع ما سألتني عنه، أما أنت يا أبا جهل فإنك دفنت ذهبا في منزلك في
موضع كذا وكذا، ونكحت خادمتك السوداء سرا من أهلك لما فرغت من
دفن المال. واما أنت يا هشام بن المغيرة فإنك جهزت جهازا وأمرت المغيرة
ليخرج في ذلك الجهاز، فان أنت أتممت ما نويت في نفسك عطب ابنك
في ذلك الطريق ولم تلق ما تحب فأخرج هشام ابنه المغيرة معاندا كلام
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما توجه لم يسر الا قليلا حتى قطع عليه
الطريق وقتل ابنه ورأي جميع ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله
60

وسلم) وكتم هشام ما أصابه في ابنه. فجاءه النبي (صلى الله عليه
وآله) وجماعة من قريش، فقال النبي: ما منعك يا هشام ان تخبرنا ما
أصبت به في مالك وولدك لئن لم تخبرهم لأخبرتهم انا، فقالت قريش: يا
أبا المغيرة ما الذي أصبت به؟ قال: ما أصبت بشئ ولم يمنعه ان يخبرهم
الا بصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله: اخبرني
جبريل (عليه السلام) عن الله (عز وجل) ان اللصوص قطعوا على ابنك
الطريق واخذوا جميع مالك وأصبت بابنك في موضع كذا وكذا، فاغتم
لذلك هشام، وقال: لئن لم تكفف قتلناك عنوة فإنك لم تزل تؤذينا وتخبرنا
بما نكره.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): تسألونني حتى إذا أنبأتكم تجزعون
ليس لكم عندي بقول الحق عن الله.
فسكت هشام فقام مغتما بشماتته، وقال لأبي جهل: ما تقول في
الذهب الذي دفنته في بيتك في موضع كذا وكذا ونكاحك السوداء؟ قال ما
دفنت ذهبا ولا نكحت سوداء، ولا كان مما ذكرت شيئا، فقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم): لئن لم تقر عليه، دعوت الله ان يذهب
مالك الذي دفنته، ولأرسلن إلى السوداء حتى أسألها فتخبر بالحق.
فقال أبو جهل - لعنه الله - نحن نعلم أن معك رجالا من الجن يخبرونك
بجميع ما تريد وأما أنك تريد أن نقول فيك نبي ورسول فلست هناك
فقال: ولم يا لكع؟ ألست أكرمكم حسبا، وأطولكم قصبا، وأفضلكم
نسبا، وخيركم أما وأبا، وقبيلتي خير قبيلة؟ أتجزع ان تقول اني نبي والله
لأقتلنك وأقتلن شيبة، ولأقتلن الوليد، ولأقتلن جبابرتكم وأشراركم
ولأوطين دياركم بالخيل، وآخذ مكة عنوة، ولا تمنعوني شيئا، شئتم أم
أبيتم.
قال أبو عبد الله: فوالله ما ذهبت الأيام والليالي حتى قتل رسول الله
61

(صلى الله عليه وآله) قريشا بيده شر قتلة، وجميع من سماه النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) سبعون رجلا من أكابرهم وخيارهم فصح جميع ما
قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما غادر منه حرفا فكان هذا
من دلائله (عليه السلام).
15 - وعنه عن أبي الحسين محمد بن يحيى الفارسي عن عبد الله بن
جعفر بن خالد الجلاب، عن عبد الله بن أيوب، قال: حدثني أبو أيوب
وصفوان الجمال عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
قال: لما رمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف، وكان الذي رماه
به عتبة بن أبي معيط ووضع رجله على عنقه وهو ساجد فغمزه في الأرض
غمزة شديدة، حتى بلغ منه فرفع رأسه فقال: والله الذي لا يحلف بأعظم
منه لئن مكنني الله منك يا عقبة لأقتلنك، فقلته يوم بدر وقد جئ به
أسيرا فضرب عنقه، وصدق ما قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
16 - وعنه عن الخضر بن أبان، عن عبد الله بن جرير النخعي عن
أحمد بن عنان، عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما
السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا معاشر
أصحابي يأتيكم الساعة تسعة نفر من وراء هذا الجبل من آل غسان فيسلم
سبعة ويرجع رجلان كافران، ولا يصلان إلى منازلهم حتى يبليان ببلية،
أحدهما يأكله السبع والآخر يعضه بعيره فيورثه حمرة وبعد الحمرة اكلة،
فيموت ويلحق بصاحبه في النار.
فلما أصبح اقبل النفر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أهل
مكة: ان محمدا له من يخدمه من الجن هؤلاء كانوا أحسنهم قولا، وقال
بعضهم: ساحر كذاب مجنون، فاسلم من القوم سبعة، ورجع اثنان كفارا
62

بما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان هذا من دلائله (عليه
السلام).
17 - وعنه عن أبي بكر محمد بن جبلة التمار، عن حامد بن يزيد،
عن خليل بن أحمد الزيات، عن صندل، عن داود بن فرزدق عن أبي عبد
الله الصادق (عليه السلام) قال: لما ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) بالرسالة جاء ذئب إلى الأشعث بن قيس الخزاعي، وهو في غنم له
يطرده عنها كرة بعد كرة فقال في الكرة الرابعة: ما رأيت أصفق وجها
منك ذئبا، قال الذئب: بل أدلك على من هو أصفق مني وجها، فقال له
الأشعث بن قيس: من هو يا ذئب؟ قال له: أنت قال: كيف ذلك؟
قال الذئب: هذا النبي ظهر بينكم يدعوكم إلى الله وأنتم لا تجيبونه. قال
له الأشعث: ما تقول؟ قال الذئب: أقول الحق. قال له: وأين هو؟
قال: بيثرب قال له الأشعث: ومن يحفظ غنمي؟ قال الذئب: أنا
أحفظها حتى تذهب إليه فتؤمن به، قال الذئب: الله لك بذلك قال:
فلم يزل في غنمه يحفظها حتى وصل الأشعث إلى رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) فقص عليه قصته مع الذئب وآمن برسول الله (صلى الله
عليه وآله) وعاد إلى غنمه والذئب يحفظها، فدفع للذئب سخلة من غنمه،
فاكلها الذئب وخرج من عنده فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
18 - وعنه عن يعقوب بن حازم عن أبي عبد الله جعفر بن محمد
الصادق (عليهما السلام) قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) إلى غزاة تبوك وخلف أمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر من بها،
فتكلم الناس فيه، وقالوا ما بال علي مقدم في كل غزوات رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أخره عن هذه الغزوة بالمدينة وما هذا الا
اجتزاء عن علي، وبغضا له لئلا يشهد فضل هذه الوقعة فخرج إليه أمير
المؤمنين حتى وافى معسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:
63

فداك أبي وأمي يا علي ما الذي جاء بك؟ قال: ان الناس يقولون إنك ما
خلفتني بالمدينة الا من بغضك لي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم): ليس الامر كما يقولون يا علي كيف وقد أمرني الله يخبرني مشافهة
- حيث أسري بي إليه - أمرني أن أو أخيك وأزوجك بفاطمة بنتي سيدة نساء
العالمين في الأرض بعد أن زوجك الله في السماء، وأمرني أن أعلمك جميع
علمي ولا أتركك، وأن أقربك ولا أجفوك، وأدنيك ولا أقصيك، وأن
أصلك ولا أقطعك وإن أرضيك ولا أسخطك، وأنت أخي وانا أخوك في
الدنيا والآخرة، ولا يعطى أحد الشفاعة غيري وسالت ربي أن يشركك
فيها معي ففعل، فمن له مثل ما لك، ومن أعطي مثلما أعطيت.
يا علي اما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى حين خلفه في
قومه.
فلما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك رجع علي (صلوات
الله عليه) إلى المدينة مستبشرا مسرورا، وسار رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) والناس معه، فشكوا العطش فقال للناس: اطلبوا الماء فلم
يصيبوا قليلا ولا كثيرا، حتى خافوا على أنفسهم، ومات بعضهم وبعض
دوابهم فلما رأوا ما نزل بهم، قالوا: يا رسول الله ادع لنا ربك يسقينا ريا
من الماء فنزل جبريل (عليه السلام) فقال: يا رسول الله ابحث بيدك
هذا الصعيد، وضع قدميك وإصبعيك المسبحتين فينفجر اثنتا عشرة عينا
كما انفجرت لموسى (عليه السلام) فوضع النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) عشر أصابع رجليه وسبابتيه، وسمى باسم الله (عز وجل) ودعا
فتفجرت من بين أصابعه اثنتا عشرة عينا، للاثنتي عشرة إصبعا، وفاض
الماء حتى ملا الوادي والبقعة وشرب الناس وسقوا دوابهم، وحملوا من الماء
ما كفاهم إلى الماء الآخر وأعطي رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل
الذي أعطي موسى (عليه السلام) وموضع الماء معروف مشهور في طريق
الحديثة إلى وقتنا هذا فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
64

19 - وعنه عن أبي الحواري عن جعفر بن يزيد الطريقي عن محمد بن
مسلم، عن عمر بن سهم، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر
الباقر (عليه السلام) قال سمعته يقول: لما ظهر محمد (صلى الله عليه
وآله) ودعا الناس إلى دين الله أبت ذلك قريش وكذبته وجميع العرب فبقي
النبي (صلى الله عليه وآله) مستجيرا في البلاد لا يدري ما يصنع، وكان
يخرج وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما) في كل ليلة إلى الشعاب فيصليان
فيها سرا من قريش، ومن الناس، وكانت خديجة (عليها السلام) تخاف
عليهما ان تقتلهما قريش، فجاءت إلى أبي طالب فقالت له: إني لست آمن
على رسول الله وعلى علي من قريش أن يقتلوهما، فاني أراهما يذهبان في
بعض تلك الشعاب يصليان فأتاهما أبو طالب، وقال لهما: إني أعلم أن
هذا الامر سيكون له آخر، وان هذا الذي أنتما عليه لدين الله، وإني
أعلم أنكما على بينة من ربكما، فاتقيا قريشا، فوالله ما أخاف عليكما الا
من قريش خاصة، وما أنتما بكاذبين، ولكن القوم يحسدونكما، والذي
دعوتما إليه عظيم عندهم، وإنما تريدان أن تقلباهم عن دينهم ودين آبائهم
إلى دين لا يعرفونه ويستعظمون ما تدعوانهم إليه.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأملكن رقابهم، ولأطأن
بلادهم بالخيل، ولتسلمن قريش والعرب طوعا أو كرها ولأقطعن أكابرهم
جهرا ولآخذنهم بالسيف عنوة، وهكذا اخبرني جبريل (عليه السلام) عن
الله (عز وجل).
فرجع أبو طالب من تلك الشعاب من عندهما وهو من أسر الناس بما
اخبره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأتى أبو طالب خديجة (عليها
السلام) وأخبرها بذلك ففرحت فرحا شديدا وسرت بما قال لها أبو
طالب، وعلمت انهما في حفظ الله (عز وجل) فكان هذا من دلائله
(عليه السلام).
65

20 - وعنه عن محمد بن نجيح بن سليمان بن إبراهيم الخزاز، عن
عبيد الله بن سعيد الخزاعي، عن عمر بن بنشط عن أبي بكر الحضرمي
عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال لما ظهر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودعا قريشا إلى الله تعالى فنفرت قريش من
ذلك وقالوا يا ابن أبي كبشة، لقد ادعيت امرا عظيما أتزعم انك نبي وان
الملائكة تنزل عليك، فقد كذبت على الله وملائكته، ودخلت فيما دخل
فيه السحرة والكهنة.
فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لم تجزعون يا معاشر
قريش ان أدعوكم إلى الله والى عبادته؟ والله ما دعوتكم حتى أمرني
بذلك، وما أدعوكم ان تعبدوا حجرا من دون الله، ولا وثنا ولا صنما ولا
نارا، وإنما دعوتكم أن تعبدوا من خلق هذه الأشياء كلها وخلق الخق
جميعا، وهو ينفعكم ويضركم، ويميتكم ويحييكم ويرزقكم.
ثم قال: والله لتستجيبن إلى هذا الذي أدعوكم إليه شئتم أم أبيتم،
طائعين أو كارهين صغيركم وكبيركم، فبهذا اخبرني جبريل (عليه
السلام) عن رب العالمين، وانكم لتعلمون ما انا بكاذب وما بي من جنون
ولا سحر ولا كهانة، فقد أخبرتكم بما أخبرني به ربي، فاسمعوا وأطيعوا
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
21 - وعنه، عن علي بن الحسين المقري، عن جابر بن خالد الآبي، عن
سعيد بن قيس العبدي الحلبي، عن عبد الله بن بكر، عن أبي حمزة الثمالي
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: لما ظهر رسول الله (صلى الله عليه
وآله) قال لعمه حمزة بن عبد المطلب ولأهل بيته: أبشروا فوالله لأسوقن
قريشا وجميع العرب بعصاي هذه، طائعين أم كارهين، وليظهرن الله امره
ان شاء، أنبئوهم يا بني عبد المطلب بما يسوءهم، فهو نعمة من الله
وتفضل عليكم فخذوا ما أعطاكم واشكروه واحمدوه، ولا تكونوا مثل هذه
66

الاعراب الجفاة، وقريش الحسدة الظلمة المفترين، فكان هذا من عجائبه
ودلائله (عليه السلام).
22 - وعنه عن أبيه حمدان بن الخصيب عن إبراهيم بن الخصيب
- وكان مرابطا لسيدنا أبي الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) -
قال: حدثني زيد بن شهاب، عن محمد بن راشد الصيدناني عن
الحسن بن محمد السكني عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه
السلام)، قال: جاء قوم من المنافقين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) وقالوا: زعمت يا محمد أن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم خليلا فما
الذي صنع بك؟ قال: اتخذني حبيبا، والحبيب أقرب من الخليل إلى
خليله.
قالوا: فإنك زعمت أن الله كلم موسى تكليما فما صنع بك؟ قال:
صنع بي ما صنع بموسى، وزادني عليه أن الله كلمه فوق الأرض، وكلمني
في حجب النور فوق السماوات.
قالوا: انك زعمت أن الله ألان الحديد لداود حتى عجنه بيده بلا نار
وقدره في السرد، وعمل منه الدروع والخوذ، فما الذي صنع بك؟
قال: صنع بي ما صنع بداود وزادني عليه أني علوت على جبل أبي
قبيس على ناقتي العضباء مشرفا على جميعكم وأنتم تريدون اخراجي من
مكة فركبت ناقتي في الحجر الصلد في رأس أبي قبيس، ولين لي الحجر
حتى غاصت وهي باركة وانقلبت مستلقيا على قفاي فلان لي الحجر حتى
تبين فيه صورة ظهري وقفاي وتخطيط شعري في الحجر، وها أنتم تنظرون
إليه، ولن يخفى ذلك الأثر ما دامت السماوات والأرض.
قال الحسين بن حمدان الخصيبي: أنا رأيت مبرك الناقة وأثر رداء
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحجر فوق الجبل في سنة اثنين وثمانين
ومائتين قبل أن حججت، ومعي جمع كثير من الحجاج، وتمسحنا بالموضع
67

وصلينا عنده.
ويرجع الحديث إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله):
وهذا سيف من أسيافكم فاعطونيه حتى أجعله ما شئتم بيدي،
فقالوا: هذا سيف من أسيافنا فقطعه لنا ابرا مثقبة إلى الأسفل بلا نار،
فاخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيفا من أسيافهم فلم يزل يقطعه
بيده ابرا مثقبة إلى الأسفل بلا نار حتى على آخره، وقال: أتحبون أن
أقطع لكم حمائله إبرا؟ قالوا: هو من أديم يا محمد، قال يجعلها الله
حديدا.
وضرب بيده المباركة إلى حصى رضراض كان جالسا عليه فقبض منه
قبضة وقال يا حصى سبح الله بكل لغة في كفي فنطق ذلك الحصى بثلاث
وسبعين لغة يثبتها من عرفها بتسبيح الله وتقديسه وتمجيده، والشهادة
لرسول الله بالرسالة ولعلي بالإمامة.
قالوا: يا محمد فقد زعمت أن داود كانت تسبح معه الجبال بالعشي
والاشراق، والطير محشورة كل له أواب قال النبي: (صلى الله عليه وآله
وسلم): انظروا بأعينكم واسمعوا بآذانكم ماذا تجيب الجبال ثم صاح
رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا جبال مكة ومن حولها والريح والتلاع
أجيبيني بإذن الله ويا أيها الطير آوي إلي بإذن الله.
قال فصاحت جبال مكة وما حولها والريح والتلاع، وكل شعب بمكة
لبيك لبيك يا رسول الله إجابة لدعوتك وطاعة لأمرك، وأقبلت الطيور من
كل جانب صغارا وكبارا، بري وبحري وجبلي وسهلي، حتى انفرشت
بمكة وسطوحاتها وطرقاتها وحجبت الطير السماء بأجنحتها عنهم.
فقال المنافقون: فقد زعمت أن الله أعطى لعيسى احياء الميت وابراء
الأكمه والأبرص وأن يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا
بإذن الله، ونبا بني إسرائيل بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ونحن
68

نسألك أن تحيي لنا ميتا، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
عليا بن أبي طالب (عليه السلام) وقال له: ائتني ببردتي السحاب وقضيبي
الممشوق ثم كلمه بكلام خفي لا يفهم، ثم قال: انطلق يا علي معهم
إلى بلاطة من بلاطهم فأحي لهم من أرادوا من الموتى فلما انتهوا إلى البلاطة
بظهر شعب بني سعد قالوا: يا علي هذا قبر سيد من ساداتنا من أكابر
قريش، وقد مات قريبا وقد دفناه بالأمس، وهو قريب العهد بالحياة،
أحيه لنا حتى نسأله، فدنا أمير المؤمنين من القبر، وتكلم بكلام خفي ثم
ركل القبر برجله فارتجت الأرض وزلزلت حتى خافوا على أنفسهم، فقالوا
يا علي أقلنا أقالك الله فقال علي ليس الامر لي، بل الامر إلى رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا ميتكم فكلموه، فإذا هم بالقبر قد
انشق، وخرج الرجل من أكفانه بعينه واسمه ونسبه فقال: يا ويلكم يا
منافقي قريش، ما أجرأكم على ما أنا فيه من العذاب، أو لم أؤمن بمحمد
حتى شهرتموني في الدنيا فولوا هاربين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقالوا: يا رسول الله اقلنا أقالك الله، فقال رسول الله انكم لا تتمردون
علي وإنما تمردكم على الله، اللهم لا تقلهم فاني لا أقيلهم فارسل النبي إلى
أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن رد الميت في قبره، فكان هذا من
دلائله (عليه السلام).
23 - وعنه عن أبيه عن محمد بن موسى القمي عن زيد بن شهاب
القمي عن طلحة بن جعفر الأشعري عن الحسين بن العلاء، عن
يونس بن ظبيان، عن المفضل بن عمر الجعفي عن أبي عبد الله (صلوات
الله عليه) قال: لما أرضعت حليمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) اقبل
إليها زوجها فقال: يا حليمة من هذا الصبي؟ فقالت: ابن أخي أبي
طالب وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. فقال لها: ويحك سنتنا سنة
مجدبة كما ترين فإذا أرضعت هذا الصبي مع ابنك اضررتنا به، فقالت:
69

والله لقد وقع لهذا الصبي في قلبي من المحبة شئ لا أحسن أصفه لك،
فلما كانت صلاة الفجر سرحت غنمها وحميرها مع غنم الناس وحميرهم،
فلما أمسوا وراحت الأغنام إلى منازلهم راحت غنم حليمة حفلة يكاد يبدر
ما في ضرعها من اللبن ودوابها بطينة تكاد ان تفزر، وراحت الأغنام على
ما كانت تروح قبل ذلك فتكلم الناس في ذلك فقالوا: كيف هذا صار ان
أغنامنا هلكت من الجوع، وأغنام حليمة ودوابها تروح بطينة تكاد تتفزر،
وضروعها حفلة، فقالت حليمة لزوجها يا فلان أتسمع الناس ما يقولون؟
قال: يا حليمة قد رمى الناس غنمك ودوابك بابصارهم فاني خائف على
أموالنا أن تهلك من أعين الناس، فقالت له حليمة: كلا - وكانت موفقة -
والله يا فلان إنا لأكرم على الله من هؤلاء الناس، وإلهنا رزقنا ما ترى حتى
يكون لدينا عظيما فلما انتشى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وصار يخرج مع الرعاة إلى البرية كان يتجلى له جبريل (عليه السلام)
فيفزع ففطنت به حليمة فكانت تكتم ذلك زمانا حتى أتاها صبي من
الصبيان فأخبرها بخبره فلم تدر حليمة ما تصنع، فاغتمت لذلك غما
شديدا، وكان رسول الله من أسرع الناس شبابا حتى أوحى الله إليه،
فامنت به حليمة وزوجها وعلما انه نبي مرسل مما كانا يرياه في منازلهما من
الخير والبركة فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
24 - وعنه عن جعفر بن محمد بن مالك وكان جعفر بن مالك راويا
علوم آل محمد (عليهم السلام) قال: - وكان الحسن عمه من فقهاء
شيعة آل محمد - (عليهم السلام):
حدثنا محمد بن أحمد عن حمران بن أعين عن جابر بن يزيد الجعفي
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: لما أظهر رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) الرسالة والوحي بمكة واراهم الآيات العظيمة والبراهين
المبهرة تحيرت قبائل قريش من بني أمية وبني تيم وعدي فيما اتى به النبي
70

(عليه السلام) اجتمع بعضهم إلى بعض وقالوا لذي الرأي منهم ماذا
ترون من الرأي في ما يأتي به محمد مما لا يقدر عليه أحد من السحرة
والكهنة والجن واتى بشئ لا يقدر ان يأتي به ممن ذكرناه أحد حتى نسأل
محمدا من أين اتى به فلم يدع بدينه إلى الأنبياء والرسل ولا الكهنة
والسحرة ولا الجن المسخرة لسليمان بن داود ولا معجزة الا وقد أتاهم
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمثلها وأعظم منها فقال بعضهم
لبعض: اجمعوا على أن نسأله أن يشق لنا القمر في السماء وينزله إلى
الأرض شعبتين فان القمر ما سمعنا من سائر النبيين أحدا يقدر عليه كما
قدر على الشمس فإنها رجعت ليوشع بن نون (عليه السلام) وصي
موسى بن عمران (صلوات الله عليه) وكانوا يظنون أن الشمس لا ترد من
مغربها، فمن ذلك إبراهيم (عليه السلام) قال: (ان الله يأتي بالشمس
من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر) وهو النمرود ثم ردت
على يوشع بن نون على عهد موسى (عليه السلام) فاجمعوا أمرهم وجاؤوا
إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا له: يا محمد قد جعلنا
بينك وبيننا آية ان اتيت بها آمنا بك وصدقناك، قال لهم رسول الله
اسألوني فاني أنبئكم بكل آية لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله.
فقالوا: يا محمد الوعد بيننا وبينك سواد الليل وطلوع القمر، تقف
على المشعرين فتسأل ربك الذي تقول انه أرسلك رسولا ان يشق لك
القمر شعبتين، وينزله من السماء حتى ينقسم قسمين، ويقع القسم الواحد
على المشعرين، والقسم الثاني على الصفا.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فهل أنتم مؤمنون بما قلتم
انكم تؤمنون بالله ورسوله.
قالوا: نعم يا محمد، وتسامع الناس وأتوا إلى سواد الليل فاقبل
الناس يهرعون إلى البيت وحوله حتى اقبل الليل واسود وطلع القمر وأنار،
71

والنبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ومن آمن بالله
ورسوله يصلون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويطوفون حول
البيت، فاقبل أبو جهل وأبو سفيان على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
وقالوا له: الآن بطل سحرك وكهانتك، هذا القمر فاوف بعهدك، فقال
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): قم يا أبا الحسن قف بجانب الصفا،
وهرول إلى المشعرين وناد بهذا اظهارا وقل في ندائك: " اللهم رب هذا
البيت الحرام والبلد الحرام وزمزم والمقام ومرسل هذا الرسول التهامي أئذن
للقمر أن ينشق وينزل إلى الأرض فيقع نصفه على الصفا ونصفه على
المشعرين فقد سمعت سرنا ونجوانا وأنت بكل شئ عليم ".
فتضاحكت قريش وقالوا ان محمدا استشفع بعلي لأنه لم يبلغ الحلم،
ولا ذنب له فقال أبو لهب (لعنه الله) لقد أشمتنا الله بك يا ابن أخي في
هذه الليلة.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اخس يا من أتب الله يديه،
ولم ينفعه ماله ولا بنوه، وتبين مقعده في النار.
فقال أبو لهب: لأفضحنك في هذه الليلة بالقمر وشقه وانزاله إلى
الأرض ولافلت كلامك هذا الذي إذا كان غدا جعلته سورة، وقلت هذا
أوحى إلى أبي لهب.
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) امض يا علي فيما أمرتك
واستعذ بالله من الجاهلين، ثم هرول أمير المؤمنين من الصفا إلى
المشعرين، ونادى واسمع بالدعاء فما استتم كلامه حتى كادت الأرض ان
تسيخ باهلها والسماء ان تقع فقالوا: يا محمد لقد اعجزك شق القمر اتيتنا
بسحرك لتفتنا فيه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هان عليكم
بما دعوت به فان السماء والأرض لا يهون عليهما بذلك ولا يطيقان
سماعه، فقوموا بأجمعكم وانظروا إلى القمر قال: ثم إن القمر انشق
72

نصفين نصفا وقع على الصفا ونصفا وقع على المشعرين، فأضاءت داخل
مكة وأوديتها وصاح المنافقون: أهلكنا محمد بسحره يا محمد افعل ما شئت
فلن نؤمن بك ولا بما جئتنا به.
ثم رجع القمر إلى منزله من الفلك وأصبح الناس يلوم بعضهم بعضا
ويقولون برأيهم: والله لنؤمنن بمحمد ولنقاتلنكم معه مؤمنين فقد سقطت
الحجة وتبين الاعذار وانزل في ذلك اليوم سورة أبي لهب واتصلت به
فقال: ان محمد فعل ما قلته له في تأليفه له في هذا الكلام ليشنعني به، والله
اني لاعلم ان محمدا يعاديني لكفري به وتكذيبي له من بين بني عبد المطلب
وخاصة لسبب العباس فإنه أنكره أولاد عبد المطلب لما أتت أمه بتلك
الفاحشة واحرقها أبونا عبد المطلب على الصفا وكان أشدهم له جحدا
الحارث والزبير وأبو طالب وعبد الله فحلفت باللات والعزى انه من أبناء
عبد المطلب حتى ألحقت العباس بالنسب فمن اجل ذلك الف هذا ويزعم أنها
سورة أنزلها الله عليه، فوحق اللات والعزى لو اتى محمد بما يملا الأفق
من المدح ما آمنت به ولا فيما جاء به ولو عذبني رب الكعبة بالنار.
فامن في ذلك اليوم ستمائة واثنا عشر رجلا وأكثرهم أسر ايمانه وكتمه
إلى أن جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة ومات أبو
لهب (لعنه الله) وقتل أبو جهل وأسر أبو سفيان ومعاوية يوم فتح مكة
والعباس وزيد بن الخطاب وعقيل بن أبي طالب واسر كثير منهم مقدار
ثمانين رجلا تحت القدم فكانوا طلقاء لم ينفعهم ايمانهم وهم لا ينظرون
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
25 - وعنه عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)
قال: لما ظهرت نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة عظم على
قريش امره ونزول الوحي عليه وما كان يخبرهم به قال بعضهم لبعض:
ليس لنا إلا قتل محمد، وقال أبو سفيان: انا اقتله لكم قالوا: وكيف
73

تصنع ذلك قال: انه بلغنا انه يظل في كل ليلة في مغارة الجبل أو في
الوادي وقد عرفت انه في هذه الليلة يمضي إلى جبل حراء فيظل فيه قالوا:
ويحك يا أبا سفيان انه لا يمشي عليه أحد الا قذفه حتى يقطعه قطعا وكيف
يمضي محمد إليه فبعثوا إلى رصادهم على النبي فقالوا: تجسسوا لنا عليه
أين يظل في هذه الليلة ودوروا من حول حراء فلعل تلقون محمدا فتقتلوه
فنكفى مؤونته فلما جن عليه الليل أخذ بيد أمير المؤمنين وخرج وأصحابه لا
يشعرون وأبو سفيان وجميع الرصدة مقنعون من حول الجبل فما شعروا حتى
وافى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام)
بين يديه وصعدا جبل حراء فلما دارا في دورة الجبل اهتز الجبل وماج ففزع
أبو سفيان ومن معه وتباعدوا من الجبل وقالوا: قد كفينا مؤونة محمد وقد
قذفه حراء وقد قطعه، فاطلبوا من حول الجبل فسمعوا النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) وهو يقول أسكن يا حراء فما عليك الا نبي ووصي فقال أبو
سفيان: سمعت محمدا يقول يا حراء ان قرب منك أبو سفيان ومن معه
فارمهم بهوامك حتى تنهشهم فتجعلهم حصيدا خامدين.
قال أبو سفيان: ويلبيه من حول جوانبه ويقول سمعا وطاعة يا رسول
الله لك ولوصيك علي فسعينا على وجوهنا خوفا ان نهلك بما قاله محمد
وأصبحوا واجتمعت قريش فقصوا قصتهم وما كان من رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وما خاطبه به حراء فقال: أبو جهل (لعنه الله): فماذا
أنتم صانعون؟ قالوا: انك سيدنا وكبيرنا، فقال لهم: لو نكافح محمدا
بالسيف غلبناه أم غلبنا وفي إحدى القتلتين راحة.
فقال أبو سفيان: قد بقي لي كيد أكيده فقالوا له: وما هو يا أبا
سفيان؟ فقال خبرت انه سيتظل من حر الشمس تحت حجر عال وفي يومنا
هذا قد اتى الحجر واستظل به فنهده عليه بجمع ذي قوة فلعلنا نكفى مؤنته
فقالوا: افعل يا أبا سفيان، فبعث يرصد النبي (صلى الله عليه وآله
74

وسلم) حتى عرف انه قد خرج وعلي (عليهما السلام) حتى أتيا الحجر
فاستظلا به وجعل رأسه في حجر علي (عليه السلام) وقال: يا علي اني
قد ارقد وأبو سفيان يأتيك من وراء هذا الجبل بجمع ذي قوة فإذا صار في
الحجر استصعب عليهم وامتنع ان تعمل فيه أيديهم فامر الحجر ان ينقلب
عليهم فينقلب فيقتل القوم جميعا ويفلت أبو سفيان وحده. فقال أبو
سفيان: لا تفزعوا من قول محمد فما قال هذا القول الا ليسمعنا فلا نمضي
إلى الحجر ومحمد راقد في حجر علي فراموا ان يهدوا الحجر ويقتلعوه فيقلبوه
على رسول الله فاستصعب عليهم وامتنع منهم فقال أصحاب أبي سفيان:
انا لنظن ان محمدا قد قال حقا نحن نعهد ان هذا الحجر يقلعه بعض
عددنا فما باله اليوم مع كثرتنا لا يهتز فقال أبو سفيان: اصبروا عليه.
ثم أحس بهم أمير المؤمنين فصاح بالحجر: انقلب على القوم فاتى
عليهم غير صخر بن حرب فما استتم من كلامه، حتى انقلب الحجر عليهم
فتفرقوا فامتد عليهم الحجر وطال حتى كسر القوم جميعا تحته غير أبي سفيان
فإنه اقبل يضحك ويقول: يا محمد، لو أحييت لنا الموتى وسيرت الجبال
وأعطاك الله كل شئ لعصيتك وحدي فسمع كلامه رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) فقال له ويلك يا أبا سفيان والله لتؤمنن بي وتطيعني
مكرها مغلوبا إذا فتح الله مكة.
فقال أبو سفيان وقد أخبرت يا محمد بفتح مكة وايماني بك وطاعتي
إياك فهذا ما لا يكون ففتح الله على رسول الله مكة واسر أبو سفيان وأمن
كرها وأطاع صاغرا مغلوبا.
قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): ولقد والله دخل أبو سفيان
بعد فتح مكة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو على المنبر
يوم الجمعة بالمدينة فنظر أبو سفيان إلى أكابر ربيعة واليمن ومصر وساداتهم
في المسجد يزاحم بعضهم بعضا فوقف أبو سفيان متحيرا وقال: يا
75

محمد قدرت ان هذه الجماعة تذل لك حتى تعلو دعواك هذه وتقول ما تقول
فقطع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبته وقال له: على رغمك يا
أبا سفيان فسكت أبو سفيان خجلا وقال في نفسه: والله يا محمد لئن
أمكنني الله منك لأملأن يثرب خيلا ورجالا ولأخمدن نارك ولأعفرن آثارك
فقطع النبي خطبته وقال: يا ويلك يا أبا سفيان اما بعدي فيتقدمك من
هو أشقى منك وأما بعهدي فلا وبعدي يكون منك ومن أهل بيتك ما
تقول في نفسك الا انك لا تطفي نوري ولا تقطع ذكري ولا يدوم لكم
ذلك وليسلبنكم الله إياه ويخلدكم النار وليجعلنكم شجرتها التي هي وقودها
الناس فمن اجل ذلك قال الله سبحانه وتعالى: (الشجرة الملعونة في
القرآن) إلى تمام الآية والشجرة هي بنو أمية وهم أهل النار فكان هذا من
دلائله (عليه السلام).
26 - وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور عن أبيه محمد بن جمهور
عن محمد بن عبد الله بن مهران عن محمد بن صدقة العنبري التميمي عن
أبي المطلب جعفر بن محمد بن المفضل بن عمر، عن الصادق (صلوات الله
عليه) قال: لما سال عبد الله بن سلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
عن تلك المسائل وأجابه عنها فقال عبد الله بن سلام وقد أسلم يا رسول
الله هذا علم قد جاءك من الله على ألسن البشر أو على ألسن الملائكة؟
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحك يا عبد الله البشر كيف آخذ
عنهم؟ والله ما أتاني به الا جبريل عن الله. قال: وكيف تسمعه يا رسول
الله قال: يا ابن سلام سماعا باذني ومنزلا على قلبي قال ابن سلام تعلم
الغيب سماعا يا رسول الله بسمعك ومنزلا على قلبك؟ قال له رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) الغيب درجات منها سماع، ومنها نبت في
القلب. قال: يا رسول الله فمن لك بذلك نسمعه ونعلمه قال له رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ما في نفسك يا ابن سلام من قولك أو من فلعل
76

ما جاء به محمد حق قال ابن سلام: ومتى قلت هذا يا رسول الله في
نفسي؟ قال يا ابن سلام: الساعة بين قولك لي فحسن اسلامه بهذه
الدلالة.
27 - وعنه قال حدثني أبو الحسين محمد بن يحيى، قال: حدثني أبو
عبد الله بن زيد، عن الحسين بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر، عن
أبيه جعفر بن محمد الصادق عن محمد بن علي الباقر (عليما السلام)،
قال أبو جعفر لجابر بن يزيد الجعفي: يا جابر ان نفرا من شيعتنا في
الحديقة قد اجتمعوا للحديث والتذكار وقد وجدوا في حديثهم حديث
أصحاب العقبة الذين هم أصحاب الدباب وشكوا في عدتهم فارسل إليهم ليأتوا
إلينا فنخبرهم بعددهم وأسمائهم وأنسابهم وكيدهم لجدي رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) في ليلة العقبة، فبعث جابر بن يزيد الجعفي إليهم
واحضرهم على الباب وأذن لهم أبو جعفر (عليه السلام) فدخلوا عليه
فقال لهم: ما لكم تشكون ونحن بين أظهركم تلقونا صباحا ومساء؟ فقال
القوم فرج الله عنك يا سيدنا. وقال أبو جعفر (عليه السلام): تكلموا
يرحمكم الله. فقالوا: بعلة خطايانا وكثرة ذنوبنا تحول بيننا وبين ما ذكرت
لنا جزاك الله خيرا من إمام خبير أخبرنا يا سيدنا بقصة أصحاب العقبة.
قال أبو جعفر (عليه السلام): أخبركم بقصتهم وعدد أسمائهم فقال
القوم: فرج عنا فرج الله عنك يا سيدنا فقال أبو جعفر: اعلموا رحمكم
الله ان الأرض لم تقل والسماء لم تظل على أحد من الكفار الا الاثني عشر
أصحاب العقبة أشدهم لعنة وكفرا وجحدا ونفاقا لله ولرسوله منذ الذرو
الأول فإنهم بدو كفرهم (وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم
ذريتهم واشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) فقال: ضليلهم
وإبليسهم الأكبر مكرها وقالوا مكرهين: نعم، وقال إبليسهم لجحده لا
بغير نطق فاستحال ظلمة وكدرا واسر ما قال كما أسر عجل موسى بن عمران
77

(عليه السلام) فسمعنا وعصينا فعلى ذلك الكفر والانكار وقول الطاغوت
إبليسهم وجاؤوا معه إلى علم الله إلى أن ظهر وظهروا في الجان الذي خلقه
الله من مارج من نار السموم فقد سمعتم ما كان منه من آدم والنداء له
والنبيين والمرسلين والأوصياء والأئمة الراشدين من قتل قابيل لهابيل،
ونصبه لهم المنادة، الطاغية الباغية، العمالقة والفراعنة والطواغيت يكذبون
الرسل والأنبياء والأوصياء والأئمة (عليهم السلام) ويردون عليهم
ويدعون الربوبية والإلهية من دون الله ويقتلونهم ومن آمن بهم وصدقهم
وينظرون ممهلون إلى يوم الوقت المعلوم.
وقال القوم إلى أبي جعفر (عليه السلام) يا سيدنا وأولئك الاثنا عشر
أصحاب عقبة الدباب هم إبليس ومن كان معه من الأحد عشر الأضداد؟
قال: هو والله وهم والله خلقه، وان قلت إن هؤلاء أولئك حقا أقول.
فقالوا يا سيدنا، نحب أن تعرفنا قصة أصحاب العقبة الاثني عشر.
قال أبو جعفر: نعم أخبركم ان جدي رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) قد سرى والليل مظلم معتم، وهو راكب ناقته العضباء،
والمهاجرون والأنصار من حوله فلما قرب من العقبة اجتمع الاثنا عشر
المنافقون فقال ضليلهم وإبليسهم زفر: يا قوم ان يكن يوم تقتلون فيه
محمدا فهذا من لياليه، فقالوا: وكيف ذلك؟ فقال لهم: اما تعلمون شر
هذه العقبة وصعوبتها وهذا أوانه فإنها لا يرقى فيها الناس الا واحدا بعد
واحد لضيق المسلك.
قالوا: ماذا نصنع وكيف نقتل محمد؟ فقالوا ما يمكن أن نقتله ومن
معه من المهاجرين والأنصار فقالوا: وليس إنما يصعد وحده قال لهم: لا
تؤمنون ان يبدركم أصحابه فتقتلون قالوا: كيف نصنع؟ قال نستأذنه
بالتقدم والصعود في العقبة ونقول يا رسول الله فنسهل طريقها لك ونلقي من
عسارة رصده بأنفسنا دونك ولا تلقاه أنت بنفسك فإنه يحمدنا على ذلك
78

ونتقدمه قالوا: اصنع ما ذكرت، فقال: قد فكرت في شئ عجيب نقتل به
محمدا ولا يشعر بنا أحد، فقالوا: صف لنا ما أنت صانع فقال لهم نكب
هذه الدباب التي فيها الزيت والخل، ونلقي فيها الحصى ونقف في ذروة
العقبة فإذا أحسسنا بمحمد يرقى العقبة، دحرجنا الدباب في هذه الظمة
من ذروة العقبة، فتنحط على وجه الناقة في الجادة، لها دوي فتذعر الناقة
في الجادة فترمي محمدا فيتقطع مع ناقته ونستريح ونريح العرب والعجم منه
فقد أضلنا وجميع العالم بسحره وكذبه حتى ما لأحد معه طاقة.
قالوا نعم ما رأيت ونعم ما احتلت وأشرت فجاؤوا إلى العقبة فقاموا
بين يديه فقالوا: فديناك يا رسول الله بالآباء والأمهات قد وصلنا إلى
العقبة فنحن نقيك من كل سوء محذور، ائذن لنا ان نتقدم فنرقى هذه
العقبة الصعبة ونستهل طريقها ونلقى رصدان المشركين في ذروتها فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) امضوا لشأنكم والله شاهد على ما
تقولون، فقال أبو بكر - وقد تولى إلى العقبة - ويحك يا عمر سمعت كلام
محمد واني لأخشى أن يكون قد علم بما أسررنا فنهلك، فقال له عمر: لا
تزال خائفا وجلا مرعوبا حتى كان ما اتينا به ليس بحق خل عن الصعود،
فانا أتقدمك والجماعة.
قال فتقدم عمر وتلاه أبو بكر وطلحة والزبير وتلاهم سعد بن أبي
وقاص وتلاه أبو عبيد بن الجراح وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وأبو
موسى وصاروا في ذروة العقبة وكبوا ما كان في دبابهم من الزيت والخل
وطرحوا فيها الحصى وكبروا وصاحوا يا معاشر المهاجرين والأنصار خبروا
رسول الله ما في ذروة العقبة ولا في ظهر الجبل رصدة ولا غيرة من
المشركين فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ناقته العضباء
فصعدوهم يرون من ذروة العقبة ضياء وجه رسول الله (صلى الله عليه
وآله) كدارة القمر يجلو ذلك الليل فقال أبو بكر: ويحك يا عمر، مع
محمد مصباح؟ قال: لا، قال: ما هذا الضياء الذي قد أضاء بين يديه
وحوله؟ فقال: شئ من سحره الذي نعرفه فاقبل أبو بكر يتوارى فلما
79

أحسوا بالناقة في ثلثي العقبة دحرجوا الدباب في وجهها فنزلت ولها دوي
كدوي الرعد فنفرت الناقة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم): ان الله معنا فاسرع أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وكان يتلوه
من ورائه في الطريق وقال: لبيك لبيك يا رسول الله وتلقته الدباب فاقبل
يأخذها برجله فيطحنها واحدة بعد واحدة وضج المهاجرون والأنصار فصاح
بهم أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تخافوا ولا تحزنوا فقد مكروا ومكر
الله والله خير الماكرين.
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نزل عن الناقة في
وقت نفورها واخذ جبريل (عليه السلام) زمام الناقة في العقبة في أغصان
دوحة كانت بجانب المسلك في العقبة وسمع للناقة صريخ والشجرة تنادي
يا رسول الله قد عقد خطام ناقتك في أغصاني.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أخي جبريل ما هذه
الدوحة التي تكلمني فقال: يا حبيب الله ورسوله هذه الدوحة، اثلة من
نبات الأرض التي تحتها ولد أبوك إبراهيم الخليل (عليه السلام) وهي لك
يا رسول الله محبة، والله أذن لها ان تكلمك فقال رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم): اللهم بارك في الأثل كما باركت في السدر وقدم جبريل
(عليه السلام) الناقة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى
ركبها وسار وهي تمر كمر السحاب وقرب ما كان بعيدا من مسلك هذه
العقبة حتى صار كالأرض البسيطة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) فديتك يا أبا الحسن ناد بالمهاجرين والأنصار فلما صاروا على
ذروة العقبة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) اجتمعوا من حوله وقالوا
فديناك بالآباء والأمهات يا رسول الله ما هذا الكيد؟ ومن أكادك؟ فقال
لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيروا على أسم الله وعونه،
وانزلوا إلى الأرض فاني مخبركم بهذا الكيد ومن هو اكادني، والمهاجرون
والأنصار يظنون ذلك من مشركي قريش ورصادهم زيادة الاثني عشر
80

أصحاب الدباب فنزلوا أكثر الناس واختار رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) سبعين رجلا فقال لهم: قفوا معنا في ذروة العقبة، فإنكم تعلمون
ما انا صانع فلما لم يبق غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين
والسبعون رجلا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هل رأيتم
ما صنع هؤلاء الأشقياء الضالون المضلون من كبهم ما كان في الدباب من
زادهم وطرحهم فيها الحصا وارسالها في وجه الناقة - ناقتي - مقدرين نفورها
بي وسقوطي عنها من ذروة العقبة، فأهلك وتقطعني الناقة، وقص عليهم
ما قاله الاثني عشر أصحاب الدباب وما تشاوروا فيه من أول أمرهم إلى
آخره.
ثم قال: اني مختار منكم اثني عشر نقيبا يكونوا سعداء في الدنيا
والآخرة كما الاثني عشر أصحاب الدباب أشقياء في الدنيا والآخرة فلباه
السبعون رجلا وقال كل واحد منهم: اللهم اجعلني من الاثني عشر نقيبا
واختار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من السبعين رجلا اثني عشر
نقيبا: أولهم أبو الهيثم مالك بن التيهان الأشهلي الأنصاري، والبراء بن
مغرور الأنصاري، والمنذر بن لوذان، ورافع بن مالك الأنصاري،
وأسيد بن حضير، والعباس بن عبادة (بن نضلة الأنصاري)، وعبادة بن
الصامت النوفلي، وعبد الله بن عمر بن حزام الأنصاري، وسالم بن عمير
الخزرجي، وأبي بن كعب، ورافع بن ورقا، وبلال رياح الشنوي.
فقال حذيفة بن اليمان: والله ما حسدت أحدا ولا خلقني الله حاسدا
ولكني سألت الله (عز وجل) وتمنيت ان أكون من هؤلاء الاثني عشر نقيبا
فان لله ما يشاء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أذن مني يا
أبا عبد الله، فمسح يده على ظهره وقال ما يكفيك يا أبا عبد الله يا
حذيفة ان يعطيك الله علم المنايا والبلايا إلى يوم القيامة؟ فقال: بلى يا
رسول الله ولله الحمد، ولك يا رسول الله ثم خص رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) كلا من السبعة وخمسين رجلا الباقين من السبعين رجلا
81

شيئا من فضله.
قال الحسين بن حمدان: إنما لم اذكر ما خصهم به رسول الله فقال
حذيفة بن اليمان: أتأذن لي يا رسول الله ان أؤذن في العسكر فأجمع
جميعهم مصرحا بأسمائهم أصحاب الدباب وألعنهم رجلا رجلا؟ فقال له
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) افعل إذا شئت فصاح حذيفة في
ذروة العقبة مسمعا جميع العسكر الذي نزل إلى الأرض من جانب العقبة
إلى الآخر وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، اشهد أن لا إله إلا الله،
وأشهد أن محمدا رسول الله، أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) أن أفضح من دحرجوا الدباب منكم، أيها المنافقون الفاسقون
المفترون على الله ورسوله، اسمعوا يا معاشر المهاجرين والأنصار ان عدد
أصحاب الدباب اثنا عشر رجلا، وسماهم ونسبهم رجلا رجلا، ثم قال
هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد لعنهم ولعنهم أمير المؤمنين
ولعنهم السبعون رجلا وأمرني أن ألعنهم ولعنهم حذيفة بن اليمان وهو
ينادي ملء صوته: يا فلان يا فلان الفلاني: ان الله ورسوله لعنك لعنا
كثيرا بقيا عليك في الدنيا والآخرة ولا يزول ثبوته ولا يعفو ولا يصفح من
الله حتى اتى على آخرهم عدد ا لاثني عشر رجلا أصحاب الدباب بأسمائهم
وأنسابهم في صعودهم العقبة واحدا بعد واحد بعد واحد فكان هذا من حديث
أصحاب العقبة وأصحاب الدباب.
قال الحسين بن حمدان الخصيبي، حدثني جعفر بن مالك، عن
يحيى بن زيد الحسيني، عن أبيه زيد عن عبد الله، عن الحسين بن
موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد الصادق عن أبيه محمد الباقر عن
أبيه علي بن الحسين (صلوات الله عليهم) قال لما لقيه جابر بن عبد الله
الأنصاري برسالة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ابنه
محمد الباقر قال له علي بن الحسين: يا جابر كنت شاهدت جدي رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغار؟ قال جابر لا يا ابن بنت
82

رسول الله، قال: اذن أحدثك يا جابر، قال جابر: حدثني فداك أبي
وأمي، فقد سمعته من جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما هرب
إلى الغار من مشركي قريش حين كبسوا داره لقتله قال: اقصدوا
فراشه حتى نقتله فيه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه): يا أخي ان مشركي
قريش يكبسوني في داري هذه الليلة في فراشي فما أنت صانع يا علي.
قال له أمير المؤمنين أنا أضطجع يا رسول الله في فراشك وتكون
خديجة في موضع من الدار، وأخرج واصحب الله حيث تأمن على نفسك
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فديتك يا أبا الحسن
اخرج لي ناقتي العضباء حتى أركب عليها وأخرج إلى الله تعالى هاربا من
مشركي قريش و افعل بنفسك ما تشاء، والله خليفتي عليك وعلى خديجة
فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) راكبا ناقته العضباء وسار
وتلقاه جبرئيل (عليه السلام) فقال له: يا رسول الله ان الله أمرني أن
أصبحك في مسيرك وفي الغار الذي تدخله وارجع معك إلى المدينة إلى أن تنيخ ناقتك بباب أبى أيوب الأنصاري (رضي الله عنه).
فتلقاه أبو بكر، فقال له يا رسول الله أصبحك، فقال: ويلك يا أبا بكر
أريد أن لا يشعر بي أحد، فقال يا رسول الله أخشى أن يستحلفني المشركون على لقائي إياك ولا أجد بدا، من صدقهم، فقال له (عليه
السلام): ويحك يا أبا بكر، وكنت فاعلا ذلك؟ فقال له: كنت افعل
لئلا اكذب واقتل، فقال له (عليه السلام): فما صحبتك إياي
بنافعتك، فقال له أبو بكر ولكنك تستغشني وتخشى أن أنذر بك
المشركين، فقال له (عليه السلام) سر إذا شئت فتلقاه الغار فنزل رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ناقته وأبركها بباب الغار ودخل ومعه
جبريل (عليه السلام) وأبو بكر، وقامت خديجة في جانب الدار باكية على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) واضطجع علي على فراش رسول الله يقيه
83

بنفسه، ووافى المشركون الدار ليلا فتساوروا عليها ودخلوها وقصدوا إلى
الفراش فوجدوا أمير المؤمنين (عليه السلام) مضطجعا فيه، فضربوا
بأيديهم إليه وقالوا: يا ابن أبي كبشة لم ينفعك سحرك ولا خدمة الجن لك
اليوم نسقي أسلحتنا من دمك.
فنهض أمير المؤمنين (عليه السلام) ليريهم انهم لم يصلوا إليه،
وجلس في الدار وقال: يا مشركي قريش انا علي بن أبي طالب، قالوا
له: وأين محمد يا علي؟ قال: حيث يشاء الله، قالوا: فمن في الدار؟
قال ما فيها الا خديجة، قالوا: الحسيبة النسيبة لولا تبعلها بمحمد يا علي
واللات والعزى لولا حرمة أبيك وعظم محله في قريش لأعملنا أسيافنا فيك
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا مشركي قريش أعجبتكم كثرتكم،
وفالق الحبة وبارئ النسمة ما يكون الا ما يريد الله تعالى، ولو شئت ان
افني جمعكم لكنتم أهون علي من فراش السراج فلا شئ أضعف منه.
فتضاحك المشركون وقال بعضهم لبعض: خلوا عليا لحرمة أبيه
واقصدوا الطلب إلى محمد، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار
وهو وجبريل (عليه السلام) وأبو بكر معه فحزن رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) على خديجة فقال جبريل (عليه السلام): (لا تحزن
ان الله معنا) ثم كشف له (عليه السلام) فرأى عليا وخديجة (عليهما
السلام) ورأي سفينة جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) ومن معه تعوم
في البحر، فأنزل الله سكينته على رسوله وهو الأمان مما خشيه على علي
وخديجة، فأنزل الله (تأتي اثنين) يريد جبريل (عليه السلام) ورسول
الله (إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فأنزل الله
سكينته عليه) ولو كان الذي حزن أبو بكر لكان أحق بالأمن من رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ولم يحزن.
ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأبي بكر: يا أبا بكر اني
84

أرى عليا وخديجة ومشركي قريش وخطابهم له وسفينة جعفر بن أبي طالب
ومن معه تعوم في البحر ورأي الرهط من الأنصار مجلبين في المدينة، قال
أبو بكر: وتراهم يا رسول الله في هذه الليلة، وفي هذه الساعة، وأنت
في الغار، وفي هذه الظلمة، وما بيننا وبينهم من بعد المدينة؟ فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله) إني أريك يا أبا بكر ما رأيت حتى تصدقني
ومسح يده على بصره فقال له: انظر إلى سفينة جعفر، كيف تعوم في
البحر، فنظر أبو بكر إلى الكل من مشركي قريش وعلي على الفراش
وخطابه لهم، وخديجة في جانب الدار، ففزع ورعب وقال يا رسول الله لا
طاقة لي بالنظر إلى ما رأيته فرد علي غطائي فمسح يده على بصره فحجب
عما رآه واخذته رهقة، شديدة حتى أحدث اثني عشرة حفيرة.
وروي أنه كان في الغار صدع وثلمة يدخل منها ضياء النهار، فوضع
أبو بكر كعبه فيه لسده فنهشته أفعى في عقبه ولم تسمه ففزع وأحدث في
الحفرة، وليس هذا صحيحا بل الأول أصح في الاحداث.
وقصد المشركون في الطلب لقفوا اثره حتى جاؤوا إلى باب الغار
ونظروا إلى مبرك الناقة ولم يروها، وقالوا: هذا اثر ناقة محمد ومبركها في
باب الغار فدخلوا فوجدوا على باب الغار نسج العنكبوت قد أظله،
فقالوا: يا ويلكم ما ترون إلى نسج هذا العنكبوت على باب الغار فكيف
دخله محمد؟ فصدهم الله عنه ورجعوا وخرج رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) من الغار وهاجر إلى المدينة وخرج أبو بكر فحدث المشركين
بخبره مع رسول الله وقال لهم لا طاقة لكم بسحر محمد وقصص يطول
شرحها. قال جابر ابن عبد الله الأنصاري هكذا والله يا ابن رسول الله
حدثني جدك ما زاد حرفا ولا نقص حرفا.
28 - وعنه عن أبي الفوارس محمد بن موسى بن حمدون العدوي،
قال: حدثني العباس بن عبد اله قال: حدثنا موسى بن مهران البصري،
85

عن أبي داود القدوسي عن عروة عن عائشة قالت: لما فتح رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) خيبر أصابوا أواني من ذهب وفضة وأزواجا
من خفاف ونعالا وحمارا اقمر فلما ركبه رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) قال له: يا حمار ما اسمك؟ قال: عتيق ابن شهاب ابن حنيفة، قال: لمن كنت؟ قال: لرجل يهودي، يقال له مرحب وكنت إذا ذكرت
يسبك، وكنت إذا ركبني كبوت به على وجهه، وكان يسئ إلي، قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل لك من إرب وحاجة تريد أن
أعطيك من الإناث شيئا؟ قال: لا، قال: ولم ذلك؟ قال حدثني أبي عن
أبيه وعن أجداده أنه ركب نسلنا سبعون نبيا وان آخر نسلنا يركبه نبي يقال
له محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحب ان أكون آخر نسل فمكث
عند رسول الله إلى أن توفي رسول الله (عليه السلام) ومكث الحمار ثلاثة
أيام بعده وتوحل في بئر فمات.
29 - وعنه قال حدثني جعفر بن القصير، عن إسماعيل القمي عن
شاذان بن يحيى الفارسي، عن ماهان الابلي عن محمد بن سنان الزاهري
قال: حججنا فلما اتينا المدينة وبها سيدنا جعفر الصادق (صلوات الله
عليه) دخلنا عليه فوجدنا بين يديه صحف فيها تمر من تمر المدينة وهو يأكل
منه ويطعم من بحضرته فقال لي هاك يا محمد بن سنان هذا التمر
الصيحاني، كله وتبرك به فإنه يشفي شيعتنا من كل داء إذا عرفوه،
قلت: مولاي عرفوه بماذا؟ يدعى صيحانيا، قال: عند العامة هفوة
وينبغي ان يسمى التمر باسم غير هذا الكلام والله أعلم، قلت: لا والله
يا مولاي ما نعلم هذا الا منك، قال: نعم، يا ابن سنان هو من دلائل
جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين قلت: مولاي
أنعم علينا بمعرفته أنعم الله عليك.
قال خرج جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قابضا على يد
أمير المؤمنين متوجها نحو حدائق ظهر المدينة فكل من لقيه استأذنه في
86

صحبته، ولم يؤدن له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى انتهى
إلى أول نخلة فصاحت إلى التي تليها هذا آدم وشيث قد أقبلا، وصاحت
الأخرى إلى التي تليها: يا أختي هذا نوح وسام قد أقبلا، وصاحت
الأخرى التي تليها: يا أختي هذا يعقوب ويوسف قد أقبلا، وصاحت
الأخرى إلى التي تليها: يا أختي هذا موسى ويوشع قد أقبلا، وصاحت
الأخرى إلى التي تليها: يا أختي هذا سليمان وآصف قد أقبلا، وصاحت
الأخرى إلى التي تليها: يا أختي هذا عيسى وشمعون الصفا قد أقبلا
وصاحت الأخرى إلى التي تليها: يا أختي هذا محمد رسول الله وأمير
المؤمنين علي بن أبي طالب قد أقبلا، وصاح سائر النخل في الحدائق بعضه
إلى بعض بهذا.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام)
فديتك بابي وأمي يا أبا الحسن هذا ذكرى لنا فاجلس بنا عند أول نخلة
ننتهي إليها فلما انتهيا جلسا وما كان أوان حمل النخل فقال النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم): يا أبا الحسن مر هذه النخلة تنثني إليك وكانت
النخلة باسقة فدعاها أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا أيتها النخلة
هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لك أن تنثني إلى الأرض
فانثنت إلى الأرض وهي مملوءة حملا رطبا جنيا، فقال له يا أبا الحسن:
التقط وكل واطعمني فالتقط أمير المؤمنين (عليه السلام) من رطبها واكل
منها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أبا الحسن ان هذا
النخل ينبغي ان نسميه صيحانيا لتصايحه وتشبيهه لي ولك بالنبيين والمرسلين
وهذا أخي جبريل (عليه السلام) يقول إن الله (عز وجل) جعله شفاء
إلى شيعتنا خاصة فأمرهم يا أبا الحسن بمعرفته ان يستضيئوا ويتبركوا
بأكله ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا نخلة أظهري
لنا من أجناس ثمر الأرض فقالت: لبيك يا رسول الله حبا وكرامة
فأظهرت النخلة من كل الأجناس، فاقبل جبريل (عليه السلام) يقول:
87

ها يا نخلة، ان الله قد امرك ان تخرجي من كل جنس لرسول الله وحبيبه
محمد وأخيه ووصيه من أجناس الثمر، فاقبل جبريل (عليه السلام)
يلقطه ويضعه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين
(عليه السلام) فاكلا من كل جنس، فمرة يأكل أمير المؤمنين نصفها
ورسول الله نصفها وجبريل (عليه السلام) يقول يا رسول الله لوددت اني
ممن يأكل الطعام فاستشفي الله وأتبرك بفضل سؤرك، وسؤر أمير المؤمنين
وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا حبيبي جبريل فإن الله
قد فضلك علينا فقال جبريل (عليه السلام) والله يا رسول الله ما فضلي
الا بكما، انكما أحب خلقه إليه وأقربهم منه وازلفهم لديه.
قال الصادق جعفر بن محمد (صلوات الله عليهما) فارتفعت النخلة
وحدث رسول الله وأمير المؤمنين شيعتنا بخبرها وقصة تلك النخلة من
دلائله وعجائبه (عليه السلام والتحية والاكرام).
88

الباب الثاني
باب أمير المؤمنين (عليه السلام)
89

مضى علي أمير المؤمنين وله ثلاث وخمسون سنة، في عام الأربعين من
أول سني الهجرة، وكان مقامه بمكة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) ثلاثا وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة في ظهور الرسالة،
وأقام معه بالمدينة عشر سنين، ثم قبض النبي (صلى الله عليه وآله) وأقام
بعده أيام أبي بكر سنتين وشهور، وأيام عمر تسع سنين وشهور، وأيام
عثمان اثنتي عشرة سنة، وأيامه (عليه السلام) ست سنين، الجميع
ثلاثون سنة.
ومضى بضربة عبد الرحمن بن ملجم المرادي في ليلة الجمعة لإحدى
عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان.
وكان اسمه عليا وفي القرآن مبينا، قوله في قصة إبراهيم (عليه
السلام)، (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) وقوله تعالى إجابة
لإبراهيم (عليه السلام): (ووهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا
ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا) وقوله: (وانه في أم
الكتاب لدينا لعلي حكيم) وله في القرآن ثلاثمائة اسما.
ورويت الأسانيد الصحيحة ووجدت في قراءة عبد الله بن مسعود
91

(رضي الله عنه) الذي قال النبي (صلى الله عليه وآله) من أراد أن
يسمع القرآن غضا طريا كما أنزله الله تعالى فليسمعه من فم عبد الله بن
مسعود، وبهذا كان يدعوه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبيه، ففي
قراءته: (ان علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا
بيانه) (1)، وقوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) والمنذر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) والهادي علي (عليه السلام).
وقوله تعالى: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه)
والشاهد منه علي (عليه السلام).
وقوله عز وجل: (عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه
مختلفون) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) لعلي بن دراع الأسدي وقد
دخل عليه وهو محتب في جامع الكوفة فوقف بين يديه، فقال: قد أرقت
مدى ليلتك، فقال له: ما أعلمك يا أمير المؤمنين بأرقي؟ فقال: ذكرتني
والله في أرقك، فإن شئت ذكرتك وأخبرتك به فقال علي بن دراع: أنعم
علي يا أمير المؤمنين بذلك، فقال له: ذكرت في ليلتك هذه قول الله (عز
وجل): (عم يتساءلون، عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون)
فأرقك وفكرك فيه وتالله يا علي ما اختلف الملأ إلى بي وما لله نبأ هو أعظم
مني، ولي ثلاثمائة اسم، لا يمكن التصريح بها لئلا يكبر على قوم لا
يؤمنون بفضل الله (عز وجل) على رسوله وأمير المؤمنين والأئمة
الراشدين.
اسمه في صحف شيث وإدريس ونوح وإبراهيم وبالسرياني: مبين،

(1) لا يخفى ان المتفق عليه بين المسلمين ان القرآن هو هذا الذي بين الدفتين لم يزد
فيه ولم يغير شئ، وإن اختلاف القراءات في بعض الموارد، ووجود قراءة خاصة
لاحد القراء لا يعني اختلاف نسخ القرآن، فالقرآن واحد.
92

وباللسان العبراني الهيولي، والأمين، والثبات، والبيان، واليقين، والايمان،
وفي التوراة: إليا، وفي الزبور: اريا، وبلغة الزنج: جينا، وبلسان
الحبشة: تبريك، وسمي يوم القليب - وقد سقط عثمان في البدء من دابته
الهلالية فعلق أمير المؤمنين برجله وأخرجه فسمته - ميمونا، وبلسان
الأرمن: افريقا، وباللسان العربي: حيدرة. وسماه أبوه أبو طالب - وهو
صغير وكان يصرع أكابر اخوته - ظهيرا.
وكناه: أبو الحسن والحسين وأبو شبر وأبو شبير، وأبو تراب، وأبو
النور، وأبو السبطين، وأبو الأئمة.
وألقابه أمير المؤمنين، وهو اللقب الأعظم الذي خصه الله به وحده ولم
يسم به أحد قبله ولا يسمى به أحد بعده إلا كان مأفونا في عقله ومأبونا في
ذاته، وأمير النحل والنحل هم المؤمنون، والوصي، والامام، والخليفة،
وسيد الوصيين، والصديق الأعظم، والفاروق الأكبر، وقسيم الجنة
والنار، وقاضي الدين، ومنجز الوعد، والمحنة الكبرى، وصاحب
اللواء، والذائد عن الحوض، ومهلك الجان، الأنزع البطين، والأصلع
الأمين، وكاشف الكرب، ويعسوب الدين، وباب حطة، وباب المقام،
وحجة الخصام، ودابة الأرض، وصاحب القضايا، وفاصل القضاء،
وسفينة النجاة، والمنهج الواضح، والمحجة البيضاء، وقصد السبيل،
وجزارة قريش، ومفتي القرون، ومكر الكرات، ومديل الدولات،
وراجع الرجعات، والقوم الحديد، الذي هو في الله ابدا جديد.
وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، ولم يكن في زمانه
هاشمي ابن هاشمية غيره وغير اخوته جعفر وطالب وعقيل، وابنيه الحسن
والحسين وابنتيه زينب وأم كلثوم (عليهم السلام)، ومشهده في الذكوات
البيض بالغريين غربي الكوفة.
وفي مشهده خبر قال الحسين بن حمدان الخصيبي: حدثني أحمد بن
93

صالح، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الإمام
التاسع (عليه السلام) عن أبيه علي الرضا وموسى الكاظم وجعفر الصادق
(عليهم السلام) ان الصادق (عليه السلام) قال لشيعته بالكوفة، وقد
سألوه عن فضل الغريين والبقعة التي دفن فيها أمير المؤمنين (عليه السلام)
ولم سمي الغريان غريين فقال: ان الجبار المعروف بالنعمان بن
المنذر، كان يقتل أكابر العرب ومن ناوأه من جبابرتهم وكبرائهم وكان
الغريان على يمين الجادة فإذا قتل رجلا امر بحمل دمه إلى جادة العلمين
حتى يغريانه يريد بذلك يشهده المقتول إذا رأى دمه على العلمين من اجل
ذلك سمي الغريان.
واما البقعة التي فيها قبر أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فإن نوحا
(صلوات الله عليه) لما طافت السفينة وهبط جبريل (عليه السلام) على
نوح فقال: ان الله يأمرك أن تنزيل ما بين السفينة والركن اليماني فإذا
استقرت قدماك على الأرض فابحث بيدك هناك فإنه يخرج تابوت آدم فاحمله
معك في السفينة فإذا غاص فابحث بيدك الماء فادفنه بظهر النجف بين
الذكوات البيض والكوفة فإنها بقعة اخترتها له ولك يا نوح ولعلي بن أبي
طالب (صلوات الله عليه) وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ففعل
نوح ذلك ووصى ابنه ساما ان يدفنه في البقعة مع التابوت الذي لآدم،
فإذا زرتم مشهد أمير المؤمنين فزوروا آدم ونوح وعلي بن أبي طالب (عليهم
السلام).
ولد له من فاطمة (عليها السلام) الحسن، والحسين، ومحسن
- مات صغيرا - وزينب وأم كلثوم (عليهم السلام).
وكان له من خولة الحنفية أبو هاشم محمد بن الحنفية.
وكان له عبد الله والعباس وجعفر وعثمان من أم البنين وهي جعدة
ابنة خالد بن زيد الكلابية.
94

وكان له من أم عمر التغلبية عمر ورقية وهي من سبي خالد بن
الوليد.
وكان له يحيى من أسماء بنت عميس الخثعمية.
وكان له محمد الأصغر من أم ولد.
وكان له الحسن ورملة وأمهما أم شعيب المخزومية.
وكان له أبو بكر وعبيد الله وأمهما ليلى ابنة مسعود النهشلية والذي
اعقب من ولد أمير المؤمنين: الحسن والحسين (عليهما السلام) ومحمد بن
الحنفية والعباس وعمر.
قال: ومضى أمير المؤمنين (عليه السلام) وخلف منهن امامة ابنة
زينب ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليلى التميمية وأسماء
ابنة عميس الخثعمية، وأم البنين الكلابية، وثمانية عشر ولدا، ولم يكن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوج أو تمتع بحرة ولا أمة في حياة
خديجة (عليها السلام) إلا بعد وفاتها، وكذلك أمير المؤمنين لم يتزوج ولا
تمتع بحرة ولا أمة في حياة فاطمة (عليها السلام) إلا بعد وفاتها وكان اسم
أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " أنا أهل بيت
نبوة ورسالة وإمامة، وإنه لا تقبلنا عند ولادتنا القوابل ". وإن الامام
لا يتولى ولادته ووفاته وتغميضه وتغسيله وتكفينه ودفنه والصلاة عليه إلا
الإمام. والذي تولى وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي (عليه
السلام) غمضه وغسله و كفنه وصلى عليه وتولى امره أمير المؤمنين (عليه السلام) وولداه الحسن والحسين (عليهما السلام) توليا وفاة أمير المؤمنين
(عليه السلام) وتغميضه وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ولم يحضره
أحد غيرهما، ودفناه ليلا، ولم يظهر على مشهده أحد الا بدلالة صفوان
95

الجمال، وكان جمال الصادق (عليه السلام). ثم دلت عليه الأئمة من
موسى بن جعفر وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري
ورواه شيعتهم وكان دلالة صفوان على مشهد أمير المؤمنين (صلوات الله
عليه) دلالة ظهرت للناس.
قال الحسين بن حمدان: حدثني محمد بن يحيى الفارسي عن محمد بن
جمهور القمي عن عبد الله الكرخي عن علي بن مهران الأهوازي عن
محمد بن صدقة عن محمد بن سنان الزاهري عن المفضل بن عمر الجعفي
عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال المفضل: دعاني سيدي الصادق في
جنح الليل وهو مقتم اسود فحضرت داره وهي تزهر نورا بلا ظلمة فلما
امتثلت بين يديه قال يا مفضل: مر صفوانا يصلح لي على ناقتي السعداء
رحلها وأقم في الباب إلى وقت رجوعي إليك قال ثم خرج مولاي الصادق
(عليه السلام) وقد احضر صفوان الناقة وأصلح رحلها فاستوى عليها
واثارها ثم قال يا صفوان: خذ بحقاب الناقة وارتدف، قال: ففعل صفوان
ذلك ومرت الناقة كالبرق الخاطف أو كاللحظ السريع وجلست بالباب حتى
مضى من الليل سبع ساعات من وقت ركوب سيدي الصادق منه السلام.
قال المفضل: فرأيت الناقة وهي كجناح الطير وقد انقضت إلى
الباب، ونزل عنها مولاي منه السلام فانقلب صفوان إلى الأرض خافتا
فأمهلته وأقبلت انظر إلى الناقة، وهي تخفق والعرق يجري منها حتى ثاب
صفوان فقلت: خذ ناقتك إليك وعدل إلى أن خرج مغيث خادم مولاي
الصادق، فقال سل يا مفضل صفوانا عما رأى، ويا صفوان حدثه ولا
تكتمه. قال: فجلس صفوان بين يدي، وقال: يا مفضل أخبرك بالذي
رأيت الليلة فقد اذن لي مولاي، قلت: نعم، قال: أمرني سيدي (عليه
السلام) فارتدفت على الناقة، ولم أعلم انا في سماء أم في أرض غير اني
أحس في الناقة وهي كأنها الكوكب المنقض حتى أناخت ونزل مولاي (عليه
السلام) ونزلت وصلى ركعتين وقال: يا صفوان صل واعلم انك في بيت
96

الله الحرام، قال: فصليت ثم ركبت وارتدفت، وهبت الناقة كهبوب
الريح العاصف، ثم انقضت فأناخت فنزل مولاي (عليه السلام) فقال:
صل يا صفوان ركعتين واعلم إنك في المسجد الأقصى، قال: ثم ركب
وارتدفت وسارت الناقة وهبطت فأناخت فنزل مولاي عنها ونزلت فصلى
ركعتين.
ثم قال: صل يا صفوان واعلم بأنك بين قبر جدي (عليه السلام)
ومنبره قال: فصليت فقال: يا صفوان ارتدف من ورائي فارتدفت فسارت
مثل سيرها وانقضت فنزل مولاي (عليه السلام) وصلى وصليت فقال: يا
صفوان أنت على جبل طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران
(عليه السلام) ثم ركب وارتدفت وانقضت فنزل عنها، ونزلت فإذا هو
يجهش بالبكاء ويقول: جللت من مقام ما أعظمك، ومصرع ما اجلك،
أنت والله البقعة المباركة والربوة ذات قرار ومعين، وفيك والله كانت الشجرة
التي كلم الله منها موسى (عليه السلام) ما أطول حزننا بمصابنا فيك إلى أن
يأخذ الله بحقنا قال: وتكلم بكلام خفي عني ثم صلى ركعتين وصليت
وأنا أبكي وأخفي بكائي ثم ركب وارتدفت فنزل عن قريب لنا وصلى
وصليت قال: يا صفوان هل تعلم أين أنت؟ قلت: يا مولاي عرفني
حتى اعرف، قال: أنت بالغريين في الذكوات البيض في البقعة التي دفن
فيها أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
قال: فقلت يا مولاي فاجعل لي إليها دليلا، قال: ويحك بعدي أو
بعدي، قال فقلت يا مولاي بعهدك وبعدك قال على انك لا تدل عليها
ولا تزورها الا بأمري قال: فقلت يا مولاي إني لا أدل عليها ولا أزورها
الا بأمرك، قال خذ يا صفوان من الشعير الذي تزودته الناقة فانثر منه حبا
إلى مسجد السهلة وبكر عليه تستدل وتعرف البقعة بعينها وزرها إذا
شئت، ولا تظهرها لأحد إلا من تثق به ومن يتلوني من الأئمة (عليهم
السلام) إلى وقت ظهور مهدينا أهل البيت (صلوات الله عليه) ثم يكون
97

الأمر إلى الله ويظهر فيها ما يشاء حتى تكون معقلا لشيعتنا وتضرعا إلى الله
ووسيلة للمؤمنين.
قال المفضل: فظلت باقي ليلتي راكعا وساجدا أسأل الله بقائي إلى
صباح ذلك اليوم فلما أصبحت دخلت على مولاي منه السلام فقلت أريد
الفوز العظيم والسعي إلى البقعة المباركة التي بين الذكوات البيض في
الغريين قال: امض وفقك الله يا مفضل وصفوان معك قال المفضل:
فأخذ بيدي وقصدت مسجد السهلة، ثم استدللنا بالحبات الشعير المنثورة
حتى وردنا البقعة فلذنا بها وزرنا وصلينا ورجعنا وأنفسنا مريضة خوفا من
أن لا نكون وردنا البقعة بعينها، قال: ودخلنا من مزارنا منها إلى مولانا
الصادق (عليه السلام) فوقفنا بين يديه فقال: والله يا مفضل ويا صفوان
ما خرجتما عن البقعة عقدا واحدا ولا نقصتما عنها قدما فقلنا: الحمد لله
ولك يا مولاي وشكرا لهذه النعمة وقرأ: (وكل شئ أحصيناه كتابا)
وقوله: (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين).
وروي بهذه الاسناد عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه الباقر (عليه
السلام) قال: دخل سلمان الفارسي (عليه السلام)، والمقداد بن الأسود
الكندي، وأبو ذر جندب الغفاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان،
وأبو الهيثم مالك بن التيهان، وخزيمة بن ثابت، وأبو الطفيل عامر على النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) فجلسوا بين يديه والحزن ظاهر في وجوههم
فقالوا له فديناك بالآباء والأمهات يا رسول الله انا نسمع في أخيك علي
(عليه السلام) ما يحزننا سماعه وإنا نستأذنك في الرد عليهم، فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما عساهم يقولون في أخي علي؟
فقالوا: يا رسول الله انهم يقولون: اي فضيلة له في سبقه إلى الإسلام،
وإنما ادركه الإسلام طفلا، ونحن يحزننا هذا فقال رسول الله (صلى الله
عليه وآله): هذا يحزنكم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، فقال أسألكم بالله
هل علمتم من الكتب الأولى ان إبراهيم (عليه السلام) هربت به أمه وهو
98

طفل صغير من عدو الله وعدوه النمرود في عهده فوضعته أمه بين ثلاث
أشجار شاطئ نهر يدفق يقال له حوران وهو بين غروب الشمس وإقبال
الليل فلما وضعته أمه واستقر على وجه الأرض فقام من تحتها فمسح رأسه
ووجهه وسائر بدنه وهو يكثر من الشهادة لله بالوحدانية ثم اخذ ثوبا فاتشح
به وأمه ترى ما يفعل فرعبت منه رعبا شديدا فهرول من بين يديها مادا
عينه إلى السماء فكان منه ما قال الله (عز وجل): (فلما جن عليه الليل
رأى كوكبا قال هذا ربي) وقصة الشمس والقمر إلى قوله: وما انا من
المشركين).
وعلمتم ان موسى بن عمران (عليه السلام) كان فرعون في طلبه
يبقر بطون النساء الحوامل ويذبح الأطفال لقتل موسى (عليه السلام) فلما
ولدته أمه أوحى إليها أن يأخذوه من تحتها فتقذفه وتلقيه في التابوت وتقذفه
في اليم فبقيت حيرانة حتى كلمها موسى وقال لها يا أم اقذفيني في التابوت
فقالت له هي من كلامه يا بني اني أخاف عليك من الغرق فقال لها: لا
تخافي ان الله رادني إليك ففعلت ذلك فبقي التابوت في اليم إلى أن ألقاه
إلى الساحل ورد إلى أمه وهو برهة لا يطعم طعاما ولا يشرب شرابا
معصوما وروي ان المدة كانت سبعين يوما وروي انها كانت تسعة اشهر
وقال الله تعالى في حال طفوليته: (ولتصنع على عيني إذ تمشي أختك
فتقول هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه) الآية.
وهذا عيسى بن مريم (عليه السلام) قال الله تعالى: (فناداها من
تحتها الا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) إلى آخر الآية.
فكلم أمه وقت مولده فقال لها: (كلي واشربي وقري عينا فإما ترين
من البشر أحدا فقولي اني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا).
وقال: (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني
عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني
99

بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا).
فتكلم عيسى بن مريم (عليه السلام) في وقت ولادته وأعطي الكتاب
والنبوة وأوصي بالصلاة والزكاة في ساعة مولده وكلمه الناس في اليوم الثالث
وقد علمتم جميعا خلقتي وان عليا من نوري ونوري ونوره نور واحد وكنا
كذلك نسبح الله ونقدسه ونمجده ونهلله ونكبره قبل ان يخلق الملائكة
والسماوات والأرضين والهواء ثم عرش العرش وكتب أسماءنا بالنور عليه
ثم اسكننا صلب آدم ولم نزل ننتقل في أصلاب الرجال المؤمنين وفي أرحام
النساء الصالحات يسمع تسبيحنا في الظهور والبطون في كل عهد وعصر
وزمان إلى أبي عبد المطلب فإنه كان يظهر نورنا في بلجات وجوه آبائنا
وأمهاتنا حتى ثبتت أسماؤنا مخطوطة بالنور على جبهاتهم.
فلما افترقنا نصفين: في عبد الله نصف، وفي أبي طالب عمي نصف
كان تسبيحنا في ظهورهما، فكان عمي وأبي إذا جلسا في ملأ من الناس
ناجى نوري من صلب أبي نور علي من صلب أبيه إلى أن خرجنا من
صلبي أبوينا وبطني أمينا ولقد علم جبريل (عليه السلام) في وقت ولادة
علي وهو يقول: هذا أول ظهور نبوتك واعلان وحيك وكشف رسالتك إذ
أيدك الله بأخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك ومن شددت به أزرك وأعليت
به ذكرك علي بن أبي طالب فقمت مبادرا فوجدت فاطمة ابنة أسد أم
علي بن أبي طالب وقد جاءها المخاض فوجدتها بين النساء والقوابل من
حولها فقال حبيبي جبرائيل: سجف بينها وبين النساء سجافا، فإذا وضعت
عليا فتلقه بيدك اليمنى ففعلت ما امرني به ومددت يدي اليمنى نحو أمه
فإذا بعلي ماثلا على يدي واضعا يده اليمنى في اذنه يؤذن ويقيم بالحنفية
ويشهد بوحدانية الله (عز وجل) وبرسالتي.
ثم أشار إلي فقال: يا رسول الله إقرأ، قلت: اقرأ والذي نفس
محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله على آدم وابنه شيث فتلاها من
100

أول حرف إلى آخر حرف حتى لو حضر شيث لأقر بأنه أقرأ لها منه، ثم
تلا صحف نوح حتى لو حضر نوح لأقر أنه اقرأ لها منه، ثم تلا صحف
إبراهيم حتى لو حضر إبراهيم لأقر انه اقرأ لها منه، ثم تلا زبور داود حتى لو
حضر داود لأقر أنه أقرأ لها منه، ثم تلا توراة موسى حتى لو حضر موسى
لأقر انه أقرأ، ثم قرأ إنجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لأقر بأنه
اقرأ لها منه، ثم خاطبني وخاطبته بما يخاطب به الأنبياء ثم عاد إلى طفولتيه.
وهكذا سبيل الاثني عشر إماما من ولده يفعلون في ولادتهم مثله.
فماذا تحدثون وماذا عليكم من قول أهل المشك والشرك بالله هل
تعلمون إني أفضل النبيين، ووصيي علي أفضل الوصيين، وان أبي آدم
تمام اسمي واسم أخي علي وابنتي فاطمة وابني الحسن والحسين (عليهم
السلام) مكتوبة على سرادق العرش بالنور، منذ قال آدم: " الهي هل خلقت خلقا قبلي هو أكرم عليك مني " قال يا آدم: لولا هذه الأسماء ما
خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا
خلقتك يا آدم " فقال: الهي وسيدي بحقهم الا غفرت لي خطيئتي. فكنا
نحن الكلمات التي تلقى آدم من ربه، فغفر له وقال: ابشر يا آدم فإن
هذه الأسماء من ذريتك وولدك فحمد الله وافتخر على الملائكة بنا فإذا كان
هذا من فضلنا عند الله وفضل الله علينا ولا يعطى إبراهيم وموسى وعيسى
شيئا من الفضل الا ويعطيه بنا فماذا يضرنا ويحزنكم قول أهل الإفك
والمسرفين.
فقام سلمان ومن كان معه على اقدامهم وهم يقولون: يا رسول الله
نحن الفائزون؟ قال: نعم. أنتم الفائزون، والله لكم خلقت الجنة،
ولأعدائنا وأعدائكم خلقت النار. فكان هذا من دلائله وبراهينه ومعاجزه
قبل وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأما بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمن دلائله
101

و معجزاته.
روي بالاسناد ان أبا بكر لقيه في سكة بني النجار في المدينة، وكان قد
استخلف الناس أبا بكر فسلم أبو بكر عليه وصافحه وقال له: يا أبا الحسن
عسى في نفسك شئ من استخلاف الناس إياي وما كان في السقيفة
واكراهك على البيعة، والله ما كان ذلك بإرادتي إلا أن المسلمين اجتمعوا
على أمر لم أكن أخالف عليه وفيه، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) قال: (لن تجتمع أمتي على ضلال) فقال له أمير المؤمنين (عليه
السلام): منهم الذين أطاعوا الله وأطاعوا رسوله بعهده وبعده واخذوا
بهديه وأوفوا بما عاهدوا الله عليه، ولم يغيروا ولا بدلوا؟ قال أبو بكر:
والله يا علي لو شهد عندي من أثق به أنك أحق بهذا الأمر مني لسلمته
إليك، رضي من رضي، وسخط من سخط، فقال له أمير المؤمنين منه
السلام: بالله يا أبا بكر هل أنت بأحد أوثق منك برسول الله؟ قال أبو
بكر: لا والله، قال له: فقد أخذ عليك بيعتي في أربع مواطن، وعلى
جماعة معك فيهم عمر وعثمان: في يوم الدار، وفي بيعة الرضوان، وتحت
الشجرة ويوم جلوسه في بيت أم سلمة وأنا عن يمينه أحضرك وعمر وعثمان
وسلمان والمقداد وجندب وعمار وحذيفة وأبو الهيثم مالك بن التيهان وأبو
الطفيل عامر بن واثلة حتى امتلأ منهم البيت وحضر بريدة الأسلمي
فجلس على عتبة الباب فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): قم يا
أبا بكر فسلم على علي بإمرة المؤمنين وبايع له فما أجزاك إلا أن القول مني
فقلت أقوم يا رسول الله عن امر الله وأمرك وأبايع عليا وأسلم عليه بإمرة
المؤمنين؟ فقال: نعم، قم يا أبا بكر، فقمت فبايعتني وسلمت علي بإمرة
المؤمنين كما أمرك، وجلست، ثم قال: قم يا عمر، فأعاد القول كما
أعدته أنت فقال: يا رسول الله أسلم على علي بإمرة المؤمنين قال: نعم،
قم فبايعه، وسلم عليه بإمرة المؤمنين فقام و بايعني وسلم علي بإمرة المؤمنين
وجلس.
102

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قم يا عثمان إلى أخي علي
وسلم عليه بإمرة المؤمنين، فما قام حتى قال مثلما قلتما فأعاد عليه رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) ثالثة فقام فبايعني وسلم علي بإمرة المؤمنين
وجلس.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قم يا سلمان، قم يا مقداد، قم
يا جندب، قم يا عمار، قم يا حذيفة، قم يا خزيمة، قم يا أبا الهيثم،
قم يا عامر، قم يا بريدة، فبايعوا لأخي علي وسلموا عليه بإمرة المؤمنين
فقاموا بأجمعهم بلا مراجعة، فبايعوا لي وسلموا علي بإمرة المؤمنين.
وفي يوم غدير خم بعد رجوعه من حجة الوداع فقد نزل بغدير خم وقد
علمت أنه كان يوما شديد القيظ يشيب فيه الطفل فأشار إلي جميعكم
ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستظلوا بالدوحات التي حول
الغدير، فلما قرب الزوال وقف (عليه السلام) وأشار إليكم ان احتطبوا
وخذوا من الدوحات ما سقط وأتوني به فكبس ما جمعتم بعضه فوق بعض
فلما رأى لا يوفي الجمع امر عليه بالأقتاب، فنصب بعضا فوق بعض حتى
علت العسكر ثم علاها ودعاني فعلوت معه فكان ما سمعتموه، وهو أن
أخذ كفي بكفه اليمنى وقد بسطهما نحو السماء حتى رأيتم بياض إبطيه
يريكم شخصي ويعلن بأمري، ويقول ما أمر به.
قال الحسين بن حمدان: إنما تركنا إعادة الاشهاد عند الناس جميعا،
ويرجع الخبر إلى قول أمير المؤمنين (عليه السلام): فقلتم بأجمعكم سمعا
وطاعة لله و لرسوله فقال لكم: الله ورسوله عليكم من الشاهدين، فقال
لكم: فليشهد بعضكم على بعض وليسمع من سمع مني من لم يسمع
فقلتم: نعم يا رسول الله فنزل وصلى صلاة الزوال، وارتفع صوت الأذان والإقامة
في العسكر، فصلى بهم صلاة الظهر والعصر، فلما فرغنا من
الصلاة قمتم أنتم بأجمعكم تهنئون رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتهنئوني
103

بكرامة الله لنا، فدنا مني عمر فضرب على كفي وقال بحضرتكم: بخ بخ
يا ابن أبي طالب أصبحت مولانا ومولى المؤمنين، قال له رسول الله (صلى
الله عليه وآله): ويحك يا أبا حفص ألا دعوته بما امرك الله ان تدعوه
بإمرة المؤمنين، فتقول: أصبحت يا أمير المؤمنين مولانا ومولى المؤمنين؟
فقال: نعم، فقال أبو بكر: يا أبا الحسن والله لقد ذكرتني امرا لم أكن
أعلم ولو يكون رسول الله شاهدا فاسمعه، فقال له أمير المؤمنين (عليه
السلام): يا أبا بكر، الله ورسوله عليك من الشاهدين، ان رأيت رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيا ويقول لك: انك ظالم في اخذ حقي
الذي جعله الله لي ولرسوله دونك ودون المسلمين انك تسلم هذا الأمر إلي
وتخلع نفسك منه؟ قال أبو بكر: هذا ما لا يكون إلا أن أرى رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد موته حيا يقول لي ويأمرني بذلك قال له
أمير المؤمنين (عليه السلام): نعم يا أبا بكر، قال: فأرني ذلك إن يكن
حقا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الله ورسوله عليك من الشاهدين إنك
تفي بما قلت، قال أبو بكر: نعم فضرب أمير المؤمنين على يده ومال
يسعى به إلى مسجد قبا فلما ورداه تقدم أمير المؤمنين (عليه السلام) فدخل
المسجد وأبو بكر من ورائه فإذا هما برسول الله (صلى الله عليه وآله)
جالس في قبلة المسجد، فلما رآه أبو بكر سقط لوجهه كالمغشي عليه فبادره
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ارفع أيها الضليل المفتون ارفع
رأسك فرفع رأسه وقال لبيك يا رسول الله أحياة بعد الموت؟ قال: نعم،
ويحك يا أبا بكر ان الذي أحياها لمحيي الموتى قال: فسكت أبو بكر
وشخصت عيناه نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ويحك يا أبا
بكر أنسيت ما عاهدت الله ورسوله عليك في المواطن الأربع لعلي فما
بالك تناشد عليا فيها ويذكرك فتنساها، وقص عليه رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) ما جرى بينه وبين أمير المؤمنين فلم ينقص منه كلمة ولا
زاد فيه كلمة، إلى أن انتهى فقال أبو بكر يا رسول الله: فهل من توبة؟
104

وهل يعفو الله عني إذا سلمت هذا الأمر إلى أمير المؤمنين؟ فقال: نعم يا
أبا بكر وأنا الضامن لك على الله ذلك إن وفيت.
قال: وغاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فثبت أبو بكر
إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال الله الله سر معي حتى أعلو المنبر
فأقص على الناس ما شاهدت وما رأيت من أمر رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، وما قال لي، وما قلت له، وما امرني وأخلع نفسي من هذا
الأمر، وأسلمه إليك.
قال أمير المؤمنين: أنا معك يا أبا بكر إن تركك شيطانك، قال أبو
بكر: إن لم يتركني تركته وعصيته، فقال أمير المؤمنين: تطيعه ولا
تعصيه، والله ما أردت الا تأكيد الحجة عليك فأخذ بيده وخرجا من
مسجد قبا يريدان مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمنبر
وأبو بكر يخفق بعضه بعضا يتلون ألوانا والناس ينظرون إليه ولا يدرون
بالذي كان منه حتى لقيه عمر، فقال له: يا خليفة رسول الله ما شأنك؟
وما الذي دهاك؟ فقال: خل عني يا عمر فوالله لا سمعت لك قولا،
فقال: وأين تريد يا خليفة رسول الله؟ فقال أبو بكر: أريد المنبر، فقال
له عمر: انه ليس وقت صلاة ولا منبر، فقال: خل عني فلا حاجة لي في
كلامك، فقال له عمر: يا خليفة رسول الله، فما تدخل قبل المسجد
منزلك فتسبغ الوضوء؟ فقال له أبو بكر: بلى، ثم التفت إلى أمير المؤمنين
فقال: يا أبا الحسن اجلس إلى جانب المنبر حتى أخرج إليك فتبسم أمير
المؤمنين، ثم قال: يا أبا بكر قد قلت لك إن شيطانك لا يدعك ويردك.
وسعى أمير المؤمنين (عليه السلام) وجلس بجانب المنبر ودخل أبو
بكر منزله وعمر معه فقال له: يا خليفة رسول الله لم لا تعرفني امرك
وتحدثني بما دهاك؟
فقال أبو بكر: ويحك يا عمر، رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله
105

وسلم) بعد موته وخاطبني وخاطبته في ظلمي لعلي، ويأمرني أن أرد حقه
عليه وأخلع نفسي منه، فقال عمر: يا خليفة رسول الله قص على قصتك من أولها إلى آخرها، فقال له: ويحك يا عمر إن عليا قال لي: إنك لا
تدعني أخرج هذه المظلمة من عنقي، وإنك شيطاني فلم يزل عمر يحدثه
بحديثه كله فقال له بالله يا أبا بكر أنسيت في أول شهر رمضان الذي
فرض علينا صيامه، حيث جاءك حذيفة بن اليمان، ومعه سهل بن حنيف
وعثمان اخوه ونعيمان الأنصاري وخزيمة بن ثابت في الجمعة إلى دارك
ليقضيك دينا له عليك فلما انتهوا إلى باب الدار سمعوا صلصلة في الدار
فوقفوا على باب الدار ولم يستأذنوا عليك فسمعوا أم بكر زوجتك تناشدك،
وتقول لك: قد عمل حر الشمس بين كتفيك، فقم من سواء الدار إلى
داخل الجدار وكن بنفسك من الشمس، وابعد من الباب ليسمعك بعض
أصحاب محمد فيهدر دمك فقد علمت أن محمدا قد أهدر دم من أفطر يوما
من شهر رمضان من غير سفر ولا مرض خلافا على الله ورسوله فقلت لها
هاك لا أم لك فضل طعامي في الليل واترعي لي الكأس قرقفا فوقف
حذيفة بن اليمان ومن معه يسمعون محاورتك فجاءت بصحيفة فيها ثريد
وأخذت القعب فكرعت منه في ضحى النهار وجعلت تقول لزوجتك:
ذريني اصطبح يا أم بكر * فإن الموت نقب عن هشام
ونقب عن أخيك وكان صفوا * من الفتيان في شرب المدام
تلبي بالتحية أم بكر * وهل لك بعد قومك من سلام
فكم لك بالقليب قليب بدر * من الأجسام تكلم بالسهام
وكم لك بالطوي طوي أحد * من الحركات والدسع العظام
من أنصار الكريم إلى علي * حيا الكأس الكريمة والمدام
يقول لنا ابن كبشة سوف نحي * وكيف حياة أشلاء وهام
يود ابن المغيرة لو فداه * بألف من سنام أو سوام
أاترك ان يكف الموت عني * ويحييني إذا بليت عظامي
106

أتزعم باطلا ما قال هذا * وافكا من زخاريف الكلام
الا من مبلغ الرحمن عني * بأني تارك شهر الصيام
إذا ما الرأس فارق منكبيه * وليس بذاك يقطع للطعام
فقل لله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي
فسمعوك تهجو محمدا في دارك، فهجموا عليك في دارك، فوجدوك
وقعب الخمر في يدك وأنت تكرعها، فقالوا لك: يا عدو الله خالفت الله
وخالفت رسوله وحملوك كهيئتك إلى مجمع الناس، بباب رسول الله وقصوا
قصتك، وأعادوا شعرك، فدنوت منك وقلت في صحيح الناس، عليك
قل: انك شربتها ليلا فثملتها نهارا، فزال عقلك فأتيت ما اتيته زيادا،
ولا علم لك بذلك فعسى أن يدرأ عنك الحد.
وخرج محمد فنظر إليك فقال: استنطقوه فقالوا: رأيناه ثملا يا رسول
الله لا يعقل، فقال: ويحك، والخمر تزيل العقول تعلمون هذا من
أنفسكم، وأنتم تشربونها، فقلنا: نعم يا رسول الله وقد قال فيها قائد
الشعراء امرؤ القيس ابن حجر الكندي:
شربت الإثم حتى زال عقلي * كذاك الإثم تذهب بالعقول
فقال: والإثم من أسماء الخمرة، فقلنا: نعم يا رسول الله، فقال:
أنظروه إلى افاقته من سكرته، فأمهلك حتى أريتهم أنك قد صحوت
فسألك محمدا فأخبرته بما أوعزته إليك من شربك لها بالليل وكانت حلالا في
سائر الشرائع والملل وفي شريعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء
تحريمها من أجلك من سبب سكرتك فما بالك اليوم تؤمن بمحمد وما جاء
به، وهو عندنا ساحر كذاب.
فقال: ويحك يا أبا حفص لا شك عندي فيما قصصته علي فأخرج إلى
علي، فاصرفه عن المنبر.
107

فخرج عمر وأمير المؤمنين (عليه السلام) بجانب المنبر جالس فقال:
مالك يا علي قد تصديت لها هيهات هيهات، دون والله ما تروم من علو
هذا المنبر خرط القتاد. فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى بدت
نواجذه، ثم قال: ويلك منها كل الويل يا عمر إذا أفضت إليك، والويل
للأمة من بلائك.
وانصرف أمير المؤمنين إلى منزله فكان هذا من دلائله (عليه
السلام).
قال الحسين بن حمدان: حدثني جعفر بن مالك، عن محمد بن خلف
عن المخول بن إبراهيم، عن زيد الشحام عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي
خالد بن عبد الله بن حزام الأنصاري، عن حذيفة بن اليمان ونعيمان
وسهل بن حنيف وخزيمة بن ثابت بالحديث الذي كان لحذيفة بن اليمان
مع أبي بكر وقصد داره بهؤلاء الثلاثة نفر في يوم الجمعة في أول يوم من
شهر رمضان فرض على المسلمين صيامه، وأكل أبي بكر الطعام، وشربه
الخمرة، وشعره على ما تضمنه منه عمر بتذكيره لأبي بكر في نقضه الصيام
وأكله الطعام وشربه الخمرة وقوله الشعر الذي لزمه الكفر بالله عز وجل
وبرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، اجتمعت تيم - وهي قبيلة أبي
بكر - وعدي - وهي قبيلة عمر - وأمية - وهي قبيلة عثمان - وزهرة - وهي
قبيلة عبد الرحمن بن عوف الزهري - والكل من قريش فقالوا: يا رسول الله
ما لأبي بكر ذنب فلا تحرم علينا الخمرة فهب لنا ذنبه وأقبل منا الكفارة
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا حكم إلا حكم الله،
وأنا منتظر ما يأتي به جبريل (عليه السلام) عن الله (عز وجل) فأنزل
الله تبارك وتعالى: (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) ونهى بذلك وكثر
سؤال الناس عن الخمرة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن
شرب الخمر، ونادى في المدينة وكتب إلى أهل الإسلام بذلك.
108

واحتجوا بأنه مطلق حلال، ولم ينزل تحريمها في كتاب من كتب الله
(عز وجل)، وذكروا خبر نوح (عليه السلام) وانه شرب وسكر من
الخمرة حتى رقد وخرج ابنه حام وقد حملت الريح ثوب أبيه نوح (عليه
السلام) حتى كشف عورته، فوقف ينظر إليه ويتضاحك في وجهه،
ويعجب من أبيه فقام سام اخوه ونظر إليه ورأي ما يصنع فقال له: ويحك
يا حام بمن تهزأ؟ فلم يخبره بشئ فنظر سام منظر حام وإذا بالريح قد
كشف ثوب أبيهما، وهو سكران نائم، فدنا منه ومد عليه ثوبه وألقى عليه
ملاءته وقعد يحرسه إلى أن أفاق، وأنتبه من رقدته فنظر إلى سام فقال: يا
بني ما لك جالسا وملاءتك على لونك متفكرا لا يكون أحد جنى عليك
جناية، فعدت تحرسني منها فقال له الله ورسوله اعلم فهبط جبريل (عليه
السلام، وقال له: يا نوح ربك يقرئك السلام ويقول لك ان حاما فعل
بك كيت وكيت، وسام ابنك انكر ذلك من فعله وسترك وطرح ملاءته
عليك، وحرسك من أخيه حام ومن الريح، فقال نوح: بدل الله ما
بحام من جمال قبحا، ومن خير شرا، ومن ايمان كفرا، ولعنه لعنا وبيلا
كما صنع بأبيه رسولك ولم يشكر لولادته ولا لهدايته. فاستجاب الله دعاء
نبيه نوح (عليه السلام) في ولده حام واستحال جماله سوادا مخبا منخلقا
مجددا مقطحا طمطمانيا فوثب على أبيه نوح يريد قتله فوثب عليه سام فعلا
هامته بيده وصده عنه، فدعا نوح (عليه السلام) ان ينزل عليه الأمان
من ذريته وان يجعل بين حام وذريته العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة.
واحتجوا بأن القرابين لها منذ قرب هابيل كانوا يشربون الخمر ويسقون
القرابين منها وشرباها ووقفا يقربا منها، وان شبر وشبير ابني هارون (عليه
السلام) قربا قربانا ثم سقياه الخمر وشرباها ووقفا يقربان، فنزلت النار
عليهما وأحرقتهما لأن الخمر في بطونهما فقتلا بذلك.
واحتجوا بقول الله عز وجل في الزبور على لسان داود (عليه السلام)
خمرا مريئا، دلنا تريا مفصحا أثر فسمي لحما لنا قلب ترياشا حسر خمرا
109

حسرا حرابا.
قال داود (عليه السلام: معنى خمرة هي الخمر، هي شقيق لنا
قلب ترياشا ابن آدم، ويسقون القرابين منها وإنها شربت بعهد رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) فاتخذوا الزي والمزفت إلى سكرة أبي بكر فقال
المسلمون لم تنهانا عن شربها يا رسول الله أنزل فيها أمر من عند الله فنعمل
به؟ فأنزل الله (عز وجل): (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام
رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) فقال المسلمون إنما
أمرنا بالاجتناب عنها ولم تحرم علينا فأنزل الله تبارك وتعالى: (إنما يريد
الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن
ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون). فقالوا: أمرنا أن ننتهي ولم
تحرم علينا فأنزل الله عز وجل: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما
إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) فقال المسلمون: فيه
منافع للناس وإن كان الإثم أكبر من المنافع ولم يحرم شربها علينا فأنزل الله
تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي
بغير الحق) فصح تحريم الخمر من قولهم إن الإثم اسم م أسماء الخمر
ويستشهد بما تقدم من قول امرئ القيس ابن حجر الكندي حيث يقول:
شربت الإثم حتى زال عقلي * كذاك الإثم يذهب بالعقول
ومما عني به السيد ابن محمد الحميري في الخمرة يقول:
لولا عتيق وشؤم سكرته * كانت حلالا كسائغ العسل
وفي قصيدة أخرى يقول: كانت حلالا لساكن الزمن.
وله في لقاء أمير المؤمنين (عليه السلام) وحمله له إلى مسجد قبا
وخبره مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخطابه له يقول:
لما لقاه أبو الفصيل بمشهد * فخلا به وقرينه لم يعلم
110

فتناشدوا في نقضه العهد الذي * اخذ النبي عليه غير تكتم
لتسلمن إلى الوصي امامة * وامارة صارت له من آدم
قال الغوي فأين لي ذو خبرة * أدري ويشهد بالذي قد تزعم
قال الوصي هل لك عني مخبر * عن النبي فقال آه حرم
أين النبي وكيف لي بمغيب * بين الجنادل في ضريح مظلم
قال الوصي علي ان تلقاه في * نادي قبا في مسجد لم يهدم
قال الغوي له أبعد مماته * قال الوصي نعم برغم مرغم
فأتى به فإذا النبي بمحضر * حي يحاوره بغير تجمجم
أنسيت ويلك يا عتيق وكبه * لجبينه للأرض صفة النادم
قال النبي له عتيق ردها * ويلك تنجو من جريرة ظالم
قال الشقي نعم أرد ظلامة * لعلي ذي الهادي بغير تذمم
وله في هذا المعنى قصيدة أخرى:
حتى لقاه أبو الفصيل بجانب * فخلا به وقرينه لم يشعر
وعنه بهذا الاسناد عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن سلمان الفارسي
(عليهما السلام) قال: دخل أبو بكر وعمر وعثمان على رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) فقالوا يا رسول الله ما لك تفضل عليا علينا في كل
الأفعال والأشياء ولا يرى لنا معه فضلا قال لهم: ما أنا فضلته بل الله
فضله، فقالوا: وما الدليل على ذلك؟ فقال (عليه السلام): إذا لم
تقبلوا مني فليس شئ عندكم أصدق من أهل الكهف حتى تسلموا عليهم
وانا أحملكم وعليا واجعل سلمانا شاهدا عليكم فمن أحيى الله أصحاب
الكهف له وأجابوه كان الأفضل.
قالوا رضينا يا رسول الله، فأمر رسول الله أن يبسط بساطا له، ودعا
بعلي فأجلسه في البساط وأجلس كل واحد منهم قرن قال سلمان:
وأجلسني القرنة الرابعة وقال: يا ريح احمليهم إلى الصحاب الكهف ورديهم
111

إلي فدخلت الريح وسارت بنا فإذا نحن في كهف عظيم فحطت عليه.
قال أمير المؤمنين يا سلمان هذا الكهف والرقيم فقل للقوم:
يتقدمون أو أتقدم؟ فقالوا: نحن نتقدم فقام كل واحد منهم صلى ودعى
وقال: السلام عليكم يا أصحاب الكهف فلم يجبهم أحد، فقام بعدهم
أمير المؤمنين صلى ركعتين ودعا بدعوات خفيات فصاح الكهف وصاح القوم
من داخله بالتلبية فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): السلام عليكم أيها
الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى.
فقالوا: وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه، لقد اخذ الله
العهد علينا بعد ايماننا بالله وبرسوله محمد، ولك يا أمير المؤمنين بالولاية
إلى يوم الدين، قال فسقط القوم لوجوههم وقالوا يا أبا عبد الله ردنا،
فقلت: وما ذلك إلي، فقالوا: يا أبا الحسن ردنا فقال (عليه السلام):
يا ريح رديهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحملتنا فإذا نحن بين
يديه، فقص عليهم رسول الله القصة كما جرت فقال: حبيبي جبريل
اخبرني ان عليا فضله الله عليكم.
وعنه عن يعقوب بن بشر عن زيد بن عامر الطاطري عن زيد بن
شهاب الأزدي عن زيد بن كثير اللخمي عن أبي سمينة محمد بن علي عن
أبي بصير عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال: لما اظهر رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فضل أمير المؤمنين كان المنافقون يتخافتون بذلك
ويسترونه خوفا من رسول الله إلى أن خطب أكابر قريش فاطمة، وبذلوا في
تزويجها الرغائب، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يزوج أحدا
منهم حتى خطبها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال رسول الله (صلى الله
عليه وآله): يا علي ما خطبتها إلا والله زوجك إياها في السماء لأن الله
وعد ذلك فيك وفي ابنتي فاطمة فقام إليه أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري
وقال: يا رسول الله وقد زوج الله عليا في السماء بفاطمة (عليها
112

السلام)؟ فقال له (عليه السلام): نعم يا ابن أيوب أمر الله الجنة ان
تتزخرف وشجرة طوبى أن تنشر أغصانها في السبع سماوات إلى حملة العرش
وان تحمل بأغصانها درا وياقوتا ولؤلؤا ومرجانا وزبرجدا وزمردا أصكاكا
مخطوطة بالنور، هذا ما كان من الله للملائكة وحملة عرشه وسكان
السماوات كرامة لحبيبة وابنته فاطمة ووصيه علي وأمر لجبريل وميكائيل
وإسرافيل وعزرائيل واللوح المحفوظ والقلم ونون، وهي مخازن وحي الله
وتنزيله على أنبيائه ورسله وان يقفوا في السماء الرابعة وان يخطب جبريل
بأمر الله، ويزوج ميكائيل عن الله، ويشهد جميع الملائكة وانتثرت طوبى
من تحت العرش إلى السماء الدنيا فالتقط الملائكة ذلك النثارة الصكاك فهو
عندهم مذخور.
قال أبو أيوب: يا رسول الله ما كان نحلتها؟
قال يا أبا أيوب شطر الجنة وخمس الدنيا وما فيها والنيل والفرات
وسيحان وجيحان والخمس من الغنائم كل ذلك لفاطمة (عليها السلام)
نحلة من الله وحبا لا يحل لأحد أن يظلمها فيه بورقة.
قال أبو أيوب: بخ بخ يا رسول الله هذا من الشرف العظيم أقر الله
بها عينيك وعيوننا يا رسول الله فقام حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قائما
على قديمه وقال: يا رسول الله تزوجها في يوم الأربعين من تزويجها في
السماء، قال حذيفة بن اليمان: ما نحلتها في الأرض يا رسول الله؟
قال: يا أبا عبد الله نحلتها ما تكون سنة من نساء أمتي من آمن منهن
واتقى قال: وكم هو يا رسول الله؟ قال خمسمائة درهم، قال حذيفة: يا
رسول الله لا يزيد عليها في نساء الأمة فإن بيوتات العرب تعظم النحلة
وتتنافس فيها تأديبا من الله ورحمة منه في ابنتي وأخي.
قال حذيفة بن اليمان يا رسول الله فمن لم يبلغ الخمسمائة درهم؟
قال له (عليه السلام) تكون النحلة ما تراضيا عليه قال حذيفة: يا رسول الله
113

فإن أحب أحد من الأمة الزيادة على الخمسمائة درهم؟ فقال له (عليه
السلام) يجعل ما يعطيها من عرض الدنيا برا ولا يزيد على الخمسمائة
درهم، فقال حذيفة: صدقت يا رسول الله فيما بلغتنا إياه عن الله عز
وجل في قوله عز من قائل: (وان آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه
شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض
وأخذن منكم ميثاقا غليظا).
قال النبي (صلى الله عليه وآله): ما وجب لهن ذلك الا عند
الإفضاء إليهن، ألا ترى يا أبا عبد الله حذيفة، وتسمع قوله عز وجل:
(وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما
فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفو أقرب
للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم ان الله كان بما تعلمون بصير) فأعلم عز
ذكره انه إذا لم يفض إليهن ولم يمسسن أن لا تأخذوا شيئا.
قال فلما تمت الأربعون يوما أمر الله رسوله (صلى الله عليه وآله) أن
يزوجها من علي (عليه السلام) فزوجت في مسجد رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وحضر جميع المسلمين، وفيهم حاسد لعلي وشامت بفاطمة،
وانها تزوجت من فقير ورضا مسرورا رضاء الله ورسوله، فلما اجتمع
الناس وتكاتفوا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد أخبرتكم معاشر
الناس ما أكرمني به الله وأكرم به أخي عليا وابنتي فاطمة (عليهما
السلام)، وتزويجها في السماء وقد أمرني الله أن أزوجه في الأرض وأن
اجعل له نحلتها خمسمائة درهم ثم تكون سنة في أمتي من أغناهم، والمقل
منهم ما تراضيا عليه.
ثم قال: قم يا علي فديتك فاخطب لنفسك فان هذا يوم كرامتك عند
الله وعند رسوله.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): الحمد لله حمدا لأنعمه وأياديه،
114

ولا إله إلا الله شهادة تبلغه وترضيه، وصلى الله على محمد صلاة تزلفه
وتحظيه، الا وان النكاح مما امر الله به ورضيه، ومجلسنا هذا مما قدره الله
وقضى فيه، هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد زوجني ابنته فاطمة
وصداقها علي خمسمائة درهم فاسألوا رسول الله، واشهدوا علي.
فقال رسول الله: ما زوجتك حتى زوجك الله في السماء منذ أربعين
يوما، فاشهدوا رحمكم الله فخرج مولى لأم سلمة - زوجة رسول الله (صلى
الله عليه وآله) - فنثر سكرا ولوزا ونثر الناس من كل جانب، وانصرف
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويده في يد أمير المؤمنين (عليهما السلام)
حتى دخل إلى مشرفة أم سلمة، وهي مشرفة عالية البناء كثيرة الأبواب
والطاقات وانصرف الناس إلى منازلهم، وارتفع في دور الأنصار نقر الدفوف
من مشارف رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأصوات بحمد الله وشكره
والثناء عليه، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتمرات كانت له في
قعب وفضلة سمن عربي فطرحه في قصعة كانت له وفتها بيده اليمنى
وقال: قدموا يا أنصار الصحاف والقصاع، واحملوا إلى سائر أهل المدينة
وأبواب المهاجرين والأنصار، ثم سائر المسلمين وأسرعوا في المدينة للسابلة
ما يأكلون ويتزودون فلم تزل يده المباركة فيه تنقل من قصعة إلى الصحاف
من ذلك الخبز وهي تمتلئ وتفيض حتى امتلأ منهما منازل المسلمين في المدينة
وأسرعت في الطرقات فأكلت وتزودت السابلة وسائر الناس وقصعته (عليه
السلام) كهيئتها بحالها.
وتكلم المنافقون والحساد لأمير المؤمنين (عليه السلام) وقالوا
لنسائهم: ألقين إلى فاطمة ما تسمعن منا فبلغنها وقلن لها خطبك أكابر
الناس أغنياءهم وبذلوا لك الرغائب، فزوجك رسول الله (صلى الله عليه
وآله) من فقير قريش وليس له خمسمائة درهم الا ثمن درعه التي وهبها له
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن لا يقدر يملك من الدنيا أكثر من
فراش أديم، ومضوغة محشوة ليف النخيل، وأصواف الغنم.
115

فألقت نساؤهم إلى فاطمة (عليها السلام) هذا القول وزدن منه
وحكت أم سلمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج إلى مسجده
واجتمع الناس من حوله فقال (عليه السلام): ما بال قوم منكم يؤذون
الله ورسوله وعليا وفاطمة؟ فقال الناس: لعن الله من يؤذيك يا رسول
الله، ومن لم يرضى ما رضيت، ويسخط ما سخطت.
فقال لهم: ليبلغني عن قوم منكم انهم يقولون اني زوجت فاطمة من
أفقر قريش وقد علم كثير من الناس ان الله تعالى أمر جبريل (عليه
السلام) ان يعرض علي خزائن الأرض وكنوزها وما فيها من تبر ولجين
وجوهر، واتاني مفاتيح الدنيا وكشف لي عن ذلك حتى رأيت من خزائن
الأرض وكنوزها وجبالها وبحارها وأنهارها، فقلت له وأخي علي، يرى ما
رأيت ويشهد ما شهدت، فقال حبيبي جبريل: نعم، فقلت: ما عند
الله من الملك الذي لا يحول ولا يزول في الآخرة التي هي دار القرار أحب
إلي من هذه الدنيا الفانية فكيف أكون وأخي عليا وابنتي فاطمة؟ الله بيني
وبين المنافقين من أمتي، فأنزل الله عز وجل: (لقد كفر الذين قالوا إن
الله فقير ونحن أغنياء) إلى آخر القصص.
وعنه بهذا الإسناد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما كثر قول
المنافقين وحساد أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في ما يظهره رسول الله
(صلى الله عليه وآله) من فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) ويبصر الناس
ويدلهم ويأمرهم بطاعته ويأخذ البيعة له من كبرائهم ومن لا يؤمن غدره،
ويأمرهم بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين، ويقول لهم: انه وصيي،
وخليفتي، وقاضي ديني، ومنجز وعدي، والحجة على خلقه من بعدي،
من اطاعه سعد ومن خالفه ضل وشقي، قال المنافقون: لقد ضل محمد
في ابن عمه علي وغوى وجن، والله ما فتنه فيه ولا حببه إليه إلا قتل
الشجعان والفرسان يوم بدر وغيره من قريش وسائر العرب واليهود، وان
116

كل ما يأتينا به ويظهره في علي من هواه وكل ذلك يبلغ رسول الله (صلى
الله عليه وآله) حتى اجتمع التسعة الرهط المفسدون في الأرض في دار
الأقرع بن حابس التميمي وكان مسكنها في وقت صهيب الرومي، وهم
التسعة الذين هم أعداء أمير المؤمنين علي (عليه السلام) كان عددهم
عشرة، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد وسعيد عبد الرحمن بن
عوف الزهري وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح، فقالوا: قد أكثر
رسول الله في أمر علي وزاد فيه حتى لو أمكنه أن يقول لنا اعبدوه لقال،
قال سعد ابن أبي وقاص: ليت محمدا أتانا فيه بآية من السماء كما أتاه في
نفسه من الآيات من شق القمر وغيره، فباتوا ليلتهم تلك، فنزل نجم
من السماء حتى صار على ذروة المدينة حتى دخل ضوءه في البيوت وفي الآبار
والمغارات وفي المواضع المظلمة من منازل الناس فذعر أهل المدينة ذعرا
شديدا وخرجوا وهم لا يعلمون ذلك النجم على دار من نزل، ولا أين هو
معلق الا انهم يظنونه على بعض منازل رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وسمع رسول الله ذلك الضجيج والناس فخرج إلى المسجد وصاح
بالناس: ما الذي أزعجكم وأخافكم؟ من هذا النجم النازل على دار
أخي علي بن أبي طالب؟ فقالوا: نعم. فقال: فلا يقول
منافقوكم التسعة الذين اجتمعوا في أمسكم في دار صهيب الرومي فقالوا
في وفي أخي علي ما قالوا، وقال قائل: ليت محمدا، أتانا بآية من السماء
في علي كما أتانا بها في نفسه من شق القمر وغيره فأنزل الله عز وجل هذا
النجم على ذروة دار أخي علي آية له خصه الله بها فلم يزل ذلك النجم
معلقا على مشربة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ومعه في المسجد إلى أن
غاب كل نجم من السماء وهذا النجم معلق.
فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا حبيبي جبريل قد
انزل علي في هذا النجم وحيا وهو ما تسمعونه، ثم قرأ (عليه السلام):
(بسم الله الرحمن الرحيم والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما
117

غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد
القوى) ثم ارتفع النجم وهم ينظرون إليه، والشمس قد بزغت وعاب
كل نجم في السماء.
فقال بعض المنافقين: لو شاء محمد لأمر هذه الشمس فنادت باسم
علي فقالت: هذا ربكم فاعبدوه، فهبط جبريل (عليه السلام) فخبر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما قالوا، وكان هذا في ليلة الخميس
وصبيحته، فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوجهه الكريم على الله
وعلى الناس وقال: استعيدوا عليا من منزله فاستعادوا إليه (عليه
السلام)، فقال: يا أبا الحسن ان قوما من منافقي أمتي ما قنعوا بآية
النجم حتى قالوا: لو شاء محمد لأمر الشمس ان تسلم على علي وتقول
هذا ربكم فاعبدوه، فبكر يا علي بعد صلاتك الفجر إلى بقيع الغرقد وقف
نحو مطلع الشمس فإذا بزغت الشمس فادع بدعوات نلتفك إياها وقل
للشمس: السلام عليك يا خلق الله الجديد، واسمع ما تقول وما ترد
عليك، وانصرف إلى البقيع، فسمع الناس قول رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وسمع التسعة الرهط المفسدون في الأرض فقال بعضهم
لبعض: لا تزالون تغرون محمدا في ابن عمه علي على كل شئ، وليس
قال مثلما قاله في هذا اليوم، فقال اثنان منهما، وأقسما بالله جهد ايمانهما
انهما لا بد أن يحضرا إلى البقيع حتى ينظرا ويسمعا ما يكون من علي
والشمس، فلما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الفجر وأمير
المؤمنين (عليه السلام) في الصلاة معه أقبل عليه، وقال: قم يا أبا
الحسن إلى ما أمرك الله به ورسوله فأت البقيع حتى تقول للشمس ما قلت
لك فأسر إليه سرا كان فيه الدعوات التي علمه إياها فخرج أمير المؤمنين
(عليه السلام) يسعى إلى البقيع وتلاه الرجلان، وتلاهما آخرون معهم
حتى انتهوا إلى البقيع فأخفيا اشخاصهما بين تلك القبور ووقف أمير المؤمنين
(عليه السلام) بجانب البقيع حتى بزغت الشمس فهمهم كما علمه النبي
118

بهمهمة لم يعرفوها فقالوا: هذه الهمهمة مما علمه محمد من سحره،
وقال: السلام عليك يا أول خلق الله الجديد، فأنطقها الله بلسان عربي
مبين، وقالت له: وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه أشهد انك
عبد الله وأخو رسول الله حقا فأرعد القوم واختلطت عقولهم ورجعوا إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسودة وجوههم تفيض أنفسهم غيظا،
فقالوا: يا رسول الله ما هذه العجائب التي لم تسمع من النبيين ولا من
المرسلين ولا في الأمم الغابرة القديمة ليت تقول: ان عليا ليس بشرا وهو
ربكم فاعبدوه، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمحضر علي:
ما رأيتم؟ فقالوا: ما نقول ونسمع ونشهد بما قال علي للشمس وما قالت
له الشمس، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا بل تقولون ما قال علي للشمس فقالوا: قال علي للشمس: السلام عليك يا أول خلق الله
الجديد، بعد ان همهم همهمة تزلزل منها البقيع فأجابته الشمس: وعليك
السلام يا أخا رسول الله ووصيه اشهد انك عبد الله وأخو رسول الله
حقا.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحمد لله الذي خصنا بما
تجهلون وأعطانا ما لا تعلمون وقد علمتم أني واخيت عليا دونكم
وأشهدتكم انه وصيي فما أنكرتم عساكم تقولون: لم قالت له الشمس
أشهد أنك أنت الأول والآخر والظاهر والباطن قالوا: يا رسول الله انك أخبرتنا
أن الله هو الأول والآخر والظاهر والباطن في كتابه العزيز المنزل
عليك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ويحكم وأني لكم بعلم ما
قالت الشمس؟ أما قولها: إنك الأول فصدقت أنه أول من أمن بالله
ورسوله ممن دعوتهم من الرجال إلى الإيمان بالله وخديجة في النساء، وأما
قولها له: الآخر فهو آخر الأوصياء وأنا آخر النبيين والرسل، وقولها:
الظاهر فهو الذي ظهر على كل ما أعطاني الله من علمه فما علمه معي غيره
ولا يعلمه بعدي سواه ومن ارتضاه الله لبشريته من صفوته، وأما قولها:
119

الباطن فهو والله باطن علم الأولين والآخرين وسائر الكتب المنزلة على
النبيين والمرسلين وما زادني الله وخصني الله من علم وما تعلمونه. واما
قولها له: يا من أنت بكل شئ عليم فإن عليا يعلم علم المنايا والقضايا
وفصل الخطاب فماذا أنكرتم، فقالوا بأجمعهم نحن نستغفر الله يا رسول
الله لو علمنا ما تعلم لسقط الاعتذار، والفصل لك يا رسول الله ولعلي
فاستغفر لنا، فأنزل الله تبارك وتعالى: (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم
تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ان الله لا يهدي القوم الفاسقين) وهذه في
سورة المنافقون. فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن محمد بن منير القمي عن زيد بن صعصعة التميمي عن
عمار بن عيسى عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر محمد بن
علي (عليهما السلام)، قال قلت: يا سيدي كم من مرة ردت الشمس
على جدك أمير المؤمنين قال: يا أبا بصير ردت له مرة عندنا بالمدينة،
ومرتين عندكم بالعراق.
فأما التي عندنا بالمدينة فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
صلى العصر وخرج إلى منفسح في غربي المدينة، وأمير المؤمنين (صلوات
الله عليه) يتبعه ولم يكن صلى العصر فلحق رسول الله (صلى الله عليه
وآله) النعاس فوضع رأسه في حجر أمير المؤمنين (عليه السلام) ورقد فلم
ينتبه من رقدته إلا وقد توارت الشمس بالحجاب فلما انتبه رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قال أمير المؤمنين: يا رسول الله ما صليت ولا
أيقظتك من رقدتك اجلالا واعظاما واشفاقا عليك يا رسول الله فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم انك تعلم أن عليا عظم نبيك
واشفق عليه ان يوقظه من رقدته حتى غربت الشمس ولم يصل العصر
فكرم نبيك ووصيك برد الشمس عليه حتى يصلي العصر فأقبلت من مغربها
راجعة لها زجل بالتسبيح والتقديس، حتى صارت في منزلة الشمس لوقت
العصر فصلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ورسول الله (صلى الله عليه
120

وآله) جميع الناس ينظرون فلما قضى صلاته هوت إلى مغربها كالبرق
الخاطف أو كالكوكب المنقض فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
أن يبني في موضع صلاة العصر التي صلاها أمير المؤمنين مسجدا يصلى فيه
ويزار.
قال السيد الحسين بن حمدان (رضي الله عنه): انا رأيت هذا
المسجد في غربي المدينة في ارض السهلة سنة ثلاث وسبعين ومأتين من
الهجرة وصليت به مع جمع كثير من الناس والمسجد يجدد أبدا في كل زمان
ويعرف بموضع ردة الشمس لعلي أمير المؤمنين (رضي الله عنه) وهو مشهد
معروف.
وأما الأولى من المرتين في العراق فإن أمير المؤمنين سار بعسكره من
النخلية مغربا حتى اتى نهر كربلاء فمال إلى بقعة يتضوع منها المسك وقد
جن عليه الليل مظلما معتكرا ومعه نفر من أصحابه وهم محمد بن أبي بكر
والحارث الأعور الهمداني وقيس بن عبادة ومالك الأشتر وإبراهيم بن الحسن
الأزدي وهاشم المري، قال ابن عبيد الله بن يزيد: فلما وقف في البقعة
وترجل النفر معه وصلى، وقال لهم: صلوا كما صليت، ولكم علي علم
هذه البقعة فقالوا: يا أمير المؤمنين لك منن علينا بمعرفتها، فقال (عليه
السلام) هذه والله الربوة ذات قرار ومعين، التي ولد فيها عيسى (عليه
السلام)، وفي موضع الدالي من ضفة الفرات غسلت مريم، واغتسلت
وهي البقعة المباركة التي نادى الله موسى من الشجرة، وهي محط ركاب
من هنأ الله به جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعزاه، فبكوا
وقالوا: يا أمير المؤمنين هو سيدنا أبو عبد الله الحسين؟ قال لهم أمير
المؤمنين (عليه السلام): اخفضوا من أصواتكم فإنه واخوانه في هذا السواد
وما أحب أن يسمعوا فيحزنوا على الحسين، على أن الحسين قد علم وفهم
ذلك كله، وأخبره به جده رسول الله (صلى الله عليه وآله).
121

ثم قبض قبضة من نثر دوحات كأنهن قضبان اللجين، فاشتمها ثم
ردها في أيدينا، وقال: تحيوا بها فأخذناها فإذا هي بعر غزلان فقال لنا:
لا تظنوا أنها من غزلان الدنيا، بل هي من غزلان الجنة، تعمر هذه
البقعة وتؤنسها وتنثر فيها الطيب.
قال قيس بن سعد بن عبادة: كيف لنا بأن نرسم هذه البقعة
بأبصارنا، وهذا الليل بظلمته يمنعنا من ذلك؟ فقال لهم: هذا عسكرنا
حائر لا يهتدي مسيره، فقال له محمد ابن أبي بكر يا مولانا ومولى كل
مؤمن ومؤمنة، فأين فضلك الكبير لا يدركنا؟ فانفرد أمير المؤمنين (عليه
السلام) في جانب من البقعة، وصلى ركعتين ودعا بدعوات فإذا الشمس
قد رجعت من مغربها فوقفت في كبد السماء فهلل العسكر وكبروا وخر
أكثرهم سجدا لله، ونظروا إلى البقعة وعرفوها وعلموا أين هي من الفرات
وهي كربلاء ثم سار العسكر على الجادة وغربت الشمس.
وأما الثالثة فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) انكفأ من النهروان بعد
قتله الخوارج حتى قرب من أرض بابل وقد وجبت صلاة العصر في أرض
بابل، فلما وجبت أقبل الناس من العسكر وهم سائرون يقولون: يا أمير
المؤمنين، الصلاة ليلا، ثم يجري في ارض قد خسف الله فيها بطشه وهي
ارض لا يصلي لها نبي ولا وصي، فأقبل الناس يصلون إلى أن غربت
الشمس وقد صلى أهل المعسكر الا أمير المؤمنين وجويرية بن مسهر يقول:
والله لأقلدن صلاتي لأمير المؤمنين فإني أصلها وقد صلاها سائر العسكر، ولي
بأمير المؤمنين أسوة، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ما صليت؟
فقال: لا يا أمير المؤمنين ما صليت، فقال له أمير المؤمنين (عليه
السلام): أذن وأقم حتى نصلي العصر، فصلى أمير المؤمنين وهو منفرد من
العسكر ودعا بدعوات من الإنجيل لم يسمع أحد منها كلمة الا جويرية فإنه
سمعه يقول: اللهم إني أسألك باسمك الأعظم ودعا بالكلمات
122

الإنجيلية، فأقبلت الشمس بعد غروبها راجعة لها ضجيج وزجل بالتسبيح
والتقديس حتى صارت في درجة وقت العصر فصلى وجويرية معه وندم أهل
المعسكر في صلاتهم دونه.
قال جويرية: يا أمير المؤمنين لم أعلم أن الشمس ترد لصلاتك، فقال
أمير المؤمنين منه السلام: لا تثريب عليك اليوم يا جويرية فقال قوم من
العسكر: فقد صلينا يا أمير المؤمنين في ارض بابل، فقال لهم أمير
المؤمنين: أنتم المغرورون، إذ قلتم ما لا تعلمون واعلموا رحمكم الله ان
لكل شئ حرما يكون أربعين ذراعا الا محرم مكة فإنه اثنا عشر ميلا على
يمين الكعبة أربعة وثمانية بيسارها، وكذلك امركم رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ان تباشروا في القبلة وإذا صليتم تباينوا فإنكم إذا باشرتم في
وسط القبلة تباينتم خرجتم عنها وإنما صليتم في حرم الفرات، ثم رجعت
الشمس بعينها منقضة كالكوكب المنقض أو الشهاب الثاقب فلما توارت
بالحجاب امر العسكر إلى غربي الفرات فعبروا ثلاث ساعات من الليل
وعسكروا بقرية سور العقيق وأمروا في الأذان والإقامة فصلى بالناس العشائين
وسار من ليلته حتى ورد الكوفة.
وروي انه لم ترد الشمس لأحد من خلق الله تعالى الا ليوشع بن نون وصي
موسى (عليه السلام) ولأمير المؤمنين (عليه السلام) وكان آخر قتالهم له
يوم الجمعة إلى أن غربت الشمس وقد ظهر على المنافقين أصحاب يوشع
(عليه السلام)، وقال قاتلوهم فقد غلبتموهم بإذن الله فقالوا: لا نقاتل
وقد دخل السبت فانفرد يوشع (عليه السلام) فتلا أسفارا من صحف
إبراهيم (عليه السلام) ومن التوراة، وسأل الله عز وجل برد الشمس
عليهم حتى لا يحتج المارقون، فقال يوشع (عليه السلام): قاتلوا،
قالوا: لا نقاتل لان السبت قد دخل، قال: هذا لا من السبت ولا من
الجمعة، وإنما سألت الله عز وجل رد الشمس لتظهروا على أعدائكم ولا
يظهروا فقاتلوهم فغلبوهم وملكوهم وغربت الشمس وكانت صفراء ابنة
123

شعيب النبي (عليه السلام) زوجة موسى بن عمران (عليه السلام) تقاتل
يوشع بن نون (عليه السلام) مع المارقين من بني إسرائيل على زارفة كما
قاتلت عائشة ابنة أبي بكر زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصيه
أمير المؤمنين (عليه السلام) مع المارقين من أمته على جمل.
وقد ردت ليوشع مرة، وقد ردت لأمير المؤمنين ثلاث مرات وسلمت
عليه بالبقيع.
وهذا نبي الله سليمان بن داود (عليهما السلام) أمر بأن تعرض عليه
خيله حتى أعجب بها وفتنته إلى أن غربت الشمس، وفاتته صلاة العصر،
فذكر انه لم يصل صلاة العصر فأمر برد خيلة فأمر بضرب سوقها وأعناقها
كفارة لما فوتته صلاة العصر ولم ترد الشمس له فصلى العصر، كما ردت
لأمير المؤمنين (عليه السلام) الفضل لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
لأن الفضل للنبيين والمرسلين، ولأمير المؤمنين لأنه أفضل الوصيين والأئمة
الراشدين.
وقد قص الله خبر سليمان (عليه السلام) فقال تعالى: (إذ عرض
عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى
توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق) ولم يخبر الا
به ولم يخبر عن نفسه (عليه السلام) ولا اخبر ان الشمس ردت عليه
فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن جابر بن عبد الله بن خالد الخزاعي، عن محمد بن جعفر الطوسي، عن محمد بن صدقة العنبري عن محمد بن سنان
الزاهري، عن الحسن بن جهم عن أبي الصامت، عن جابر بن يزيد
الجعفي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: بينما أمير المؤمنين (عليه
السلام) متجهز إلى معاوية ويحرض الناس على قتاله اختصم إليه رجلان
فعجل أحدهما بالكلام وزاد فيه فالتفت إليه أمير المؤمنين وقال له: اخسأ يا
124

كلب فإذا رأسه رأس كلب فبهت من كان حوله، واقبل الرجل بإصبعه
المسبحة يتضرع إلى أمير المؤمنين ويسأله الإقالة فنظر إليه وحرك شفتيه فعاد
خلقا سويا فوثب بعض أصحابه فقالوا له: يا أمير المؤمنين هذه القدرة لك
أريتنا إياها وأنت تجهزنا إلى قتال معاوية، فما لك لا تكفينا ببعض ما
أعطاك الله من هذه القدرة؟ فأطرق قليلا ورفع رأسه إليهم فقال: والذي
فلق الحبة وبرأ النسمة لو شئت لضربت برجلي هذه القصيرة في طول هذه
الفيافي والفلوات والجبال والأودية حتى اضرب صدر معاوية على سريره
فأقبله على أم رأسه لفعلت، ولو أقسمت على الله عز وجل أن آتي به قبل
أن أقوم من مجلسي هذا ومن قبل ان يرتد إلى أحدكم طرفه لفعلت ولكنا
كما وصف الله عز من قائل: (عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم
بأمره يعلمون) فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أبي الحسن بن يحيى الفارسي عن عقيل بن يحيى الحسيني
عن زيد بن عمر بن كثير المدني عن جعفر بن محمد الحلبي عن حمران بن
أعين عن ميثم التمار قال: خطب بنا أمير المؤمنين (عليه السلام) في
جامع الكوفة فأطال خطبته وعجب الناس من طولها وحسن وعظها وترغيبها
وترهيبها إذ دخل نذير من ناحية الأنبار وهو مستغيث يقول: الله الله يا
أمير المؤمنين في رعيتك وشيعتك، هذه خيل معاوية قد شنت علينا الغارات
في سواد الفرات، ما بين هيت والأنبار، فقطع أمير المؤمنين الخطبة،
وقال: ويحك ان خيل معاوية قد دخلت الدسكرة التي تلي جدران الأنبار
فقتلوا فيها سبع نسوة وسبعة من الأطفال ذكرانا، وشهروهم ووطئوهم
بحوافر خيلهم، وقالوا هذه مراغمة لأبي تراب.
فقام إبراهيم بن الحسن الأزدي بين يدي المنبر فقال: " يا أمير المؤمنين
هذه القدرة التي رأيت بها وأنت على منبرك وفي دارك، وخيل معاوية ابن
آكلة الأكباد فعل بشيعتك ما فعل " ويعلم بها هذا النذير، ما بالها تقصر
عن معاوية؟
125

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ويحك يا إبراهيم ليهلك من
هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة فصاح الناس في جوانب
المسجد: يا أمير المؤمنين والى متى يهلك من هلك، وشيعتك تهلك؟ فقال
لهم (عليه السلام): ليقضي الله امرا كان مفعولا.
فصاح زيد بن كثير المرادي، فقال يا أمير المؤمنين تقول لنا بالأمس
وأنت متجهز إلى معاوية، وتحرضنا على قتاله ويحتكم الرجلان في البغل،
فيعجل أحدهما عليك في الكلام فتجعل رأسه رأس كلب، ويستجيرك
فترده بشرا سويا، ونقول لك ما بال هذه القدرة لا تبلغ معاوية فتكفينا
شره، فتقول لنا: وفالق الحبة وبارئ النسمة، لو شئت ان أضرب
برجلي هذه القصيرة صدر معاوية فأقلبه على أم رأسه لفعلت، فما بالك
اليوم لا تفعل ما تريد الا ان يضعف يقيننا فنشك فيك فندخل النار؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): لأفعلن ذلك ولأعجلن على ابن
هند فمد رجله المباركة على منبره فخرجت من أبواب المسجد، وردها إلى
فخذه، وقال معاشر الناس افهموا تاريخ الوقت وأعلموه فلقد ضربت
برجلي هذه في هذه الساعة صدر معاوية فألقيته على أم رأسه فظن أنه قد
هبط به فقال: يا أمير المؤمنين أين النظرة، فرددت رجلي عنه، فتوقع
الناس وورد الخبر من الشام بتاريخ تلك الساعة بعينها من ذلك اليوم بعينه
ان رجلا جاءت من نحو أبواب كندة ممدودة متصلة قد دخلت من أبواب
معاوية والناس ينظرون حتى ضربت صدر معاوية فاقلبته عن سريره على أم
رأسه فصاح يا أمير المؤمنين حقا فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أبي الحسن محمد بن يحيى الفارسي عن جعفر بن حباب عن
محمد بن علي الآدمي عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن أبي
حمزة الثمالي عن أبي إسحاق القرشي قال دخلت المسجد الأعظم بالكوفة
وإذا انا بشيخ أبيض الرأس واللحية يستمد بأعلى صوته ويبكي ودموعه
126

تسيل على خديه فقلت له: يا شيخ ما يبكيك؟ فقال: انه أتى علي نيف
ومائة سنة لم أر فيها عدلا ولا حقا ولا علما ظاهرا الا ساعة من الليل
وساعة من النهار، فانا أبكي لذلك فقلت: وما تلك الساعة والليلة واليوم
الذي رأيت فيه العدل؟ قال: اني كنت رجلا من اليهود وكان لي ضيعة
بناحية سور، وكان لنا جار في القرية من أهل الكوفة يقال له الأعور
الهمداني وكان رجلا مصابا بإحدى عينيه وكان خليطا وصديقا، وإني
دخلت الكوفة يوما من الأيام بطعام لي على أحمرة لي أريد بيعه فبينما أنا
أسوق حميري وإذا بصوت في سبخة الكوفة وذلك بعد العشاء والآخرة
فافتقدت حميري فكأن الأرض ابتلعتها أو السماء تناولتها أو كأن الجن
اختطفتها فمررت يمينا وشمالا فلم أجدها فأتيت منزل الحارث الهمداني من
ساعتي أشكو إليه ما أصابني فلما أخبرته قال: انطلق بنا إلى منزل أمير
المؤمنين حتى أخبره فانطلقنا إليه وأخبره بالخبر، فقال أمير المؤمنين (عليه
السلام) للحارث انطلق إلى منزلك وخلني واليهودي فأنا ضامن له حميره
وطعامه، حتى أردها إليه، فأخذ بيدي ومضى حتى أتينا الموضع الذي
فقدت فيه حميري فوجه وجهه عني وتحركت شفتاه بكلام لا أفهمه ثم رفع
رأسه فسمعته يقول: والله ما بايعتموني وعاهدتموني معاشر الجن إلا بالطاعة
لي والاستماع لامري وأيم الله لئن لم تردوا على هذا اليهودي حميره وطعامه
لأنقضن عهدكم ولأجاهدن فيكم حق الجهاد، قال: فوالله ما فرغ أمير
المؤمنين من كلامه حتى رأيت حميري وطعامي بين يدي فقال لي أمير المؤمنين
إختر يا يهودي احدى الخصلتين إما أن تسوق حميرك وأنا أحرسها من ورائها
وإما أن أسوقها أنا وأنت تحرسها، فقلت: أنا أسوقها وتقدم أنت يا أمير
المؤمنين فتقدم وأتبعته الحمير حتى انتهى بها إلى الرحبة فقال: يا يهودي
أحط عنها وتحفظها أنت، أو تحط وأحفظها أنا حتى يصبح الصبح؟ فإنه
عليك بقية من الليل، فقلت له: يا مولاي أنا أقوى عليها بالحط، وأنت
أقوى عليها بالحفظ فقال خلني وإياها ونم، حتى يطلع الفجر فليس عليك
بأس فلما طلع الفجر نبهني، ثم قال لي: قد طلع الفجر فاحفظ عليك
127

طعامك وحميرك ولا تغفل عنها حتى أعود إليك فانطلق وصلى بالناس
الصبح فلما طلعت الشمس أتاني، وقال افتح عن برك على بركة الله
ففعلت ثم قال: اختر خصلة من خصلتين، إما تبيع واستوفي انا، وإما
استوف أنت وأبيع أنا، فقلت: انا أقوى على بيعها وأنت أقوى على
استيفائها فبعت انا واستوفى لي الثمن، ودفعه إلي وقال: ألك حاجة؟
فقلت: نعم أريد أدخل إلى السوق في شراء حوائج فقال: امض حتى
أعينك عليها، فإنك ذمي فلم يزل معي حتى فرغت من حوائجي، ثم
ودعني فقلت له عند الفراق: اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله، وإنك وصيه وخليفته على الجن والإنس فجزاك الله عن
الإسلام خيرا. ثم انطلقت إلى قريتي وأقمت بها شهورا ونحو ذلك،
فاشتقت إلى رؤية أمير المؤمنين من تلك الليلة فقدمت الكوفة فقيل لي قد
قتل أمير المؤمنين (عليه السلام)، فاسترجعت وصليت صلاة كثيرة وقلت
عند ذلك ذهب العلم، فكان هذا أول عدل رأيته تلك الليلة وآخر عدل
رأيته في ذلك اليوم فما لي لا أبكي. فكان هذا من دلائله (عليه
السلام).
وعنه عن علي بن محمد الصيرفي قال: حدثني علي بن محمد بن عبد
الله الخياط، قال: حدثني الحسين بن علي عن أبي حمزة البطائني وهو
علي بن معمر عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر الباقر (عليه
السلام) قال: خرج أمير المؤمنين إلى أصحابه فقال: يا قوم أرأيتم أن
لا تذهب الأيام والليالي حتى يجري ها هنا نهر تجري فيه السفن، فما أنتم
قائلون؟ أفأنتم مصدقون فيما قلت أم لا؟ قالوا يا أمير المؤمنين: ويكون
هذا؟ قال: والله كأنني انظر إلى نهر في هذا الموضع يزخر فيه الماء وتجري
فيه السفن يحرفه طاغوت ينسب إلينا وليس هو منا يكون على أهل هذه العترة
أولا عذابا، ورحمة عليهم اخرا فلم تذهب الأيام والليالي حتى حفر الخندق
بالكوفة حفره المنصور فكان عذابا على أهلها أولا ورحمة عليهم آخرا، ثم
128

جرى فيه الماء والسفن وانتفع الناس به فكان هذا من دلائله (عليه
السلام).
وعنه عن الحسن عن أبي حمزة عن أبيه قال: حدثني مسعود المدائني،
وحسين بن محمد بن فرقد جميعا عن فضل الرسول عن أبي جعفر (عليه
السلام) ان أمير المؤمنين قال له أصحابه: لو أريتنا ما تطمئن به قلوبنا مما في
يدك مما أنهى إليك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: لو أريتكم
عجيبة من عجائبي لكفرتم، وقلتم: ساحر أو كاهن ولكان هذا من
أحسن قولكم فقالوا: يا أمير المؤمنين ما منا أحد إلا وهو يعلم إنك ورثت
علم رسول الله وصار إليك فقال: علم العالم صعب مستصعب، لا يحمله
الا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، وأيده
بروح منه، فإذا أبيتم إلا أن أريكم بعض عجائبي وما أتاني من العلم
فاتبعوا أثري، إذا صليت العشاء الآخرة فلما صلى اخذ طريقه إلى ظهر
الكوفة واتبعوه وهم سبعون رجلا ممن كانوا عند أنفسهم من خيار الناس
وكانوا شيعة له له فقال: إني لست أريكم شيئا حتى آخذ عليكم عهد الله
وميثاقه ألا تكفروني ولا ترموني بالمعطلات، والله ما أريكم الا بعض ما
أعطيت من ميراث النبي المرسل والحجة علي وعليكم (صلوات الله عليه)
فأخذ عليهم عهد الله وميثاقه ثم قال: حولوا وجوهكم حتى أدعو بما أريد
فسمعوه جميعا يدعو بالدعوات التي يعرفونها ويعلمونها من أسماء الله، ثم
قال حولوا وجوهكم فإذا هم بالقيامة قد قامت، والجنة والنار قد
حضرت، وحشر جميعهم فما شكوا في القيامة وإنهم بعثوا وحشروا فقالوا يا
أمير المؤمنين ما هذا فقال هكذا يوم القيامة فقال أحسنهم قولا: ان هذا الا
سحر عظيم، ورجعوا من فورهم كفارا الا رجلان فلما صار مع الرجلين،
قال سمعتما مقالة أصحابكما واخذي عليهم العهود والمواثيق ورجوعهم
يكفرونني اما والله انهم لفي حجتي، وهكذا كان أصحاب محمد (صلى الله
عليه وآله) يقولون: ساحر كاهن كذاب، وقد علمت قريش ما خلق الله
129

خلقا كان خيرا منه، وبالله الذي لا يحلف بأعظم منه وبرسوله ورسله
وكتبه كلها إني لست ساحرا ولا كذابا، ولا يعرف هذا الا لي ولرسوله
(صلى الله عليه وآله) أنهاه الله إلى رسوله، وأنهاه رسوله إلي، وأنهيته
إليكم فصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكذبتموني وكذبتم رسله
وننبئ عن الله، فإذا رددتم على رسول الله فقد رددتم على الله، ثم
قال: وأنتما راجعان معي وفي قلوبكما مرض وسيرجع أحدكما كافرا قالا يا
أمير المؤمنين نرجو ان لا نكفر بعد الايمان، قال: هيهات المؤمن قليل،
كما قال الله (وما آمن معه إلا قليل) حتى إذا صار إلى مسجد الكوفة،
ودعا بدعوات فسمعناها فإذا حصى المسجد درا وياقوتا ولؤلؤا، فقلنا: يا
أمير المؤمنين هذا در وياقوت ولؤلؤ فقال لو أقسمت على الله فيما هو أعظم
من هذا لابر قسمي، فرجع أحدهما كافرا والآخر مثبتا، واخذ درة من
ذلك الدر بيضاء لم ينظر مثلها وقال يا أمير المؤمنين قد اخذت من ذلك
الدر درة واحدة وهي معي، قال فما دعاك إلى هذا قال: أحببت اعلم
أحق هو أم باطل؟ قال له أمير المؤمنين: إنك ان رددتها إلى موضعها الذي
اخذتها منه عوضك الله ان لم تردها عوضك منها النار، فقام الرجل فردها
إلى موضعها فتحولت حصاة كما كانت، فأخبره فقال أحسنت.
وكان مما روى عمر ابن الحمق وأبو الحارث الأعور وميثم التمار،
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن علي بن الحسين عن إسماعيل بن دينار، عن عمر بن
ثابت، عن حبيب عن الحارث الأعور انه كان يوما مع أمير المؤمنين (عليه
السلام) في مجلس القضايا، إذ أقبلت امرأة مستعدية على زوجها فتكلمت
بحجتها وتكلم زوجها بحجته، فأوجب بحجته القضاء عليها فغضبت
غضبا شديدا ثم قالت: يا أمير المؤمنين حكمت علي بالجدر وما بهذا امرك
الله، قال أمير المؤمنين: يا سلفع يا مهيع يا فردع بل حكمت عليك بالحق
الذي تعلمينه فلما سمعت هذا الكلام قامت من بين يديه منسحبة ولم ترد
130

عليه جوابا فاتبعها عمر بن حريش، فقال لها: يا أمة الله لقد سمعت
منك اليوم عجبا، سمعت أمير المؤمنين قد قال لك كلاما فقمت من بين
يديه منهزمة وما رددت عليه حرفا، فاخبريني ما الذي قال لك حتى لم
تقدري تردين عليه جوابا؟ قالت: يا عبد الله لقد اخبرني بما لا يطلع
عليه أحد غيري، وانا ما قمت من بين يديه الا مخافة ان يخبرني بما هو
أعظم مما رماني به فصبرت على واحدة كانت أجمل من صبر على واحدة
بعدها.
قال لها: فأخبريني ما الذي قال لك؟ قالت له: يا عبد الله أنه قال
لي ما اكره ذكره وبعد فإنه قبيح أن يعلم الرجل ما في النساء من العيوب،
فقال: والله إلا تعرفيني ولا أعرفك ولعلك لا تريني ولا أراك بعد يومي
هذا، فلما رأته قد ألح عليها أخبرته بما قال أمير المؤمنين (عليه السلام)،
أما قوله لي: يا سلفع، والله ما كذب اي لا تحيض من حيث تحيض
النساء، واما قوله: يا مهيع فإني والله امرأة صاحبة نساء وما أنا صاحبة
رجال، وأما قوله: يا فردع أي إني لمخربة بيت زوجي، وما أبقي عليه
شيئا، فقال: ويحك أو ما علمت بهذا انه ساحر، وكاهن ومجنون أخبرك
بما فيك، وهذا علم كثير؟ فقالت: هو والله غير ما قلت يا عدو الله انه
ليس ذا ولكنه من أهل بيت الله ورسوله محمد (صلى الله عليه وآله) علمه
إياه لأنه حجة الله على خلقه بعد النبي (عليهما السلام) فكانت أحسن
قولا في أمير المؤمنين من عمر بن حريش (لعنه الله) وفارقته، واقبل عمر
إلى مجلسه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا عمر بن حريش بم
استحللت أن ترميني بما رميتني به؟ وأيم الله لقد كانت المرأة أحسن قولا
في منك ولأقفن انا وأنت موقفا من الله فانظر كيف تخلص من الله؟ فقال
يا أمير المؤمنين أنا تائب إلى الله واليك مما كان فاغفر لي يغفر الله لك،
قال: والله لا غفرت لك هذا الذنب حتى أقف انا وأنت بين يدي الله
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
131

وعنه عن محمد بن علي الصيرفي عن علي بن محمد عن وهب بن حفص
الجزائري عن بن حسان العجلي، عن فتوى ابنة رشيد الهجري، قال:
قلت لها: أخبريني بما سمعت من أبيك، قالت سمعته يقول اخبرني أمير
المؤمنين (عليه السلام)، فقال: يا رشيد كيف صبرك إذا أرسل إليك
دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين
أليس خيرا من ذلك الجنة؟ فقال: بلى يا رشيد أنت معي في الدنيا
والآخرة، قالت فتوى فوالله ما ذهبت الأيام والليالي حتى أرسل إليه عبيد
الله بن زياد - لعنه الله - فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام)
فأبى أن يتبرأ منه، فقال له الدعي فبأي موتة قال لك تموت؟ قال أخبرني
أمير المؤمنين أنك تدعوني إلى البراءة فلا أبرأ منه فتقطع يداي ورجلاي
ولساني، فقال: والله لأكذبن قوله فيك فقطع يديه ورجليه وترك لسانه
فقلت يا أبت هل أصابك ألم؟ فقال: لا يا بنتي إلا كالزحام بين النساء
والناس، فلما احتملناه من داره بالكوفة اجتمع الناس من حوله فقال:
أئتوني بصحيفة ودواة وكتب الناس عنه وذهب اللعين فأخبره انه يحدث
والناس يأخذون منه علم ما هو كائن إلى يوم القيامة فارسل إليه عبيد
الله بن زياد لعنه الله، فقطع لسانه في تلك الليلة.
وكان أمير المؤمنين يقول له: أنت رشيد البلايا، وكان قد ألقى إليه
علم البلايا والمنايا في حياته، إذا لقي الرجل يقول يا فلان تموت ميتة كذا
وكذا، وتقتل أنت يا فلان قتلة كذا وكذا فيكون كما قال رشيد.
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: رشيد البلايا أي تقتل بهذه
القتلة. فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن علي بن ياسين عن محمد بن علي الرازي عن علي بن
محمد بن ميهوب عن يوسف ابن عمران قال: سمعت ميثم التمار يقول:
دعاني أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: كيف أنت يا ميثم إذا دعاك
132

دعي بني أمية عبيد الله بن زياد - لعنه الله - إلى براءة مني؟ فقلت إذا
والله لا أبرأ منك يا مولاي، قال: والله ليقتلنك ويصلبنك. قلت: إذا
أصبر وذلك والله قليل في حبك قال: يا ميثم إذا تكون معي في درجتي.
قال: وكان ميثم التمار يمر بعريف عبيد الله بن زياد فيقول له يا
فلان كأني بك وقد دعاك دعي بني أمية وابن دعيها يطلبني منك فتقول هو
بمكة، فيقول ما أدري ما تقول، ولا بد لك أن تأتي به فتخرج إلى
القادسية فتقيم بها أياما، فإذا قدمت إليك ذهبت بي إليه حتى يقتلني
وأصلب على باب دار عمرو بن حريث فإذا كان اليوم الرابع ابتدر من
منخري دم عبيط.
وكان ميثم يمر بنخلة في السبخة فيضرب بيده عليها فيقول: يا نخلة
ما غرست إلا لي ولا خلقت الا لك، وكان يمر بعمرو بن حريث فيقول يا
عمر إذا جاورتك فأحسن مجاورتي، وكان عمرو يروي عنه ويظن أنه يشتري
دارا أو ضيعة ويجاوره لذلك فيقول: ليتك قد فعلت ذلك.
ثم خرج ميثم إلى مكة فأرسل الطاغوت عبيد الله بن زياد لعنه الله
عريف ميثم يطلبه منه فأخبره انه بمكة، فقال: لئن لم تأتني به لأقتلنك
فأجله اجلا، وخرج العريف إلى القادسية ينظر ميثم فلما قدم ميثم اخذ
بيده فاتى به إلى ابن زياد (لعنه الله) فلما ادخله علي، قال: يا ميثم قال:
نعم، قال: تبرأ من أبي تراب، قال: لا اعرف أنا أبا تراب، قال:
تبرأ من علي بن أبي طالب قال: فإن لم أفعل؟ قال: إذا والله أقتلك،
قال: وأيم الله انه قد كان يقول لي انك تقتلني وتصلبني على باب دار
عمرو بن حريث فإذا كان اليوم الرابع ابتدر من منخري دم عبيط، فأمر
ابن زياد (لعنه الله) بصلبه على باب دار عمرو بن حريث، فقال للناس:
اسألوني وهو مصلوب قبل أن أقتل فوالله لأخبرنكم بعلم ما كان وما يكون
إلى يوم القيامة وبما يكون من الفتن، فلما سأله الناس حدثهم حديثا واحدا
133

فأتى رسول من قبل عبيد الله بن زياد (لعنه الله) فألجمه بلجام شريط من
نحاس، فهو أول من ألجم بلجام وهو مصلوب حيا فمنعه الكلام فأقبل
يشير إلى الناس بيده ويوحي بعينه وحاجبيه ففهم أكثرهم ما يقوله فامر عبيد
الله بن زياد (لعنه الله) بقتله وهو مصلوب على جذع تلك النخلة التي كان
يخاطبها إذا مر بها في سبخة الكوفة وكان في جوار عمرو بن حريث فكان
هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن محمد بن علي الرازي عن علي بن محمد بن ميمون الخراساني
عن علي بن أبي حمزة عن عاصم الخياط عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر
الباقر (عليه السلام) قال: لما أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) ان يسير إلى
الخوارج إلى النهروان، واستنفر أهل الكوفة وأمرهم ان يعسكروا بالمدائن
فتخلف عنه شبت بن ربعي والأشعث بن قيس الكندي، وجرير بن
عبد الله النخعي، وعمر بن حريش، وقالوا، يا أمير المؤمنين إئذن لنا
أياما حتى نقضي حوائجنا ونصنع ما نريد، ثم نلحق بك فقال لهم:
خدعتموني بشغلكم، سوءا لكم من مشائخ، والله ما كان لكم من حاجة
تتخلفون عليها ولكنكم تتخذون سفرة وتخرجون إلى البرية، وتجلسون
تنتظرون متنكبون عن الجادة، وتبنطون سفرتكم بين أيديكم وتأكلون من
طعامكم، ويمر بكم ضب، فتأمرون غلمانكم، فيصطادونه لكم ويأتونكم
به فتخلعون أنفسكم عن مبايعتي، وتبايعون الضب وتجعلونه امامكم
دوني، واعلموا اني سمعت أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
ما في الدنيا أقبح وجها منكم لأنكم تجعلون أخا رسول الله امامكم
وتنقضون عهده الذي يأخذه عليكم وتبايعون ضبا وسوف تحشرون يوم
القيامة وامامكم ضب، وهو كما قال الله تعالى: (يوم ندعو كل أناس
بامامهم) قالوا: والله يا أمير المؤمنين ما نريد الا ان نقضي حوائجنا
ونلحق بك ونوفي بعهدك، وهو يقول: عليكم الدمار وسوء الديار والله ما
يكون الا ما قلت لكم وما قلت لكم الا الحق.
134

ومضى أمير المؤمنين حتى إذا صار بالمدائن وخرج القوم إلى الخندق
وذهبوا ومعهم سفرة وبسطوا في الموضع وجلسوا يشربون الخمر فمر بهم
ضب فامروا غلمانهم فصادوه لهم وأتوهم به فخلعوا أمير المؤمنين وبايعوا
الضب وبسطوا يده، وقالوا له: أنت والله إمامنا ما بيعتنا لك ولعلي بن
أبي طالب الا واحدة، وإنك لأحب إلينا منه، فكان ما قال أمير المؤمنين
(عليه السلام)، وكانوا كما قال الله عز وجل (بئس للظالمين بدلا) ثم
لحقوا به فقال لهم لما وردوا عليه: فعلتم يا أعداء الله وأعداء رسوله وأمير
المؤمنين ما أخبرتكم به، فقالوا: يا أمير المؤمنين ما فعلنا، فقال: والله ان
بيعتكم مع امامكم، قالوا قد أفلحنا إذ بايعنا الله معك، قال: وكيف
تكونون معي، وقد خلعتموني وبايعتم الضب؟ والله لكأني انظر إليكم يوم
القيامة والضب يسوقكم إلى النار، فحلفوا بالله إنا ما فعلنا، ولا خلعناك
ولا بايعنا الضب فلما رأوه كذبهم ولم يقبل منهم، فأقروا له وقالوا اغفر لنا
ذنوبنا قال لهم والله لاغفرت لكم ذنوبكم واخترتم مسخا مسخه الله،
وجعله آية للعالمين، فكذبتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد حدثني
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: ويل لمن كان رسول الله خصمه
وفاطمة بنت محمد (عليها السلام).
ولما قتل الحسين (عليه السلام) كان شبث بن ربعي وعمرو بن
حريث ومحمد بن الأشعث فيمن سار إليه من الكوفة وقاتلوا بكربلاء فقتلوه
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن عبد الله بن زيد الطبرستاني عن محمد بن علي عن الحسين بن
علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)
قال: لما انقضت الهدنة التي كانت بين أمير المؤمنين (عليه السلام) وبين
معاوية (لعنه الله) أمر أمير المؤمنين بالنداء بالكوفة وبالبصرة وهما العراقان:
انكم معاشر شيعتنا طالبتمونا بالمراجعة عن قتال معاوية والهدنة التي كنتم
سببها وأعوان معاوية عليها انقضت ولم يمكن نقض العهد إلى أن ينقضي
135

الأجل، وعهد الهدنة، وها انا مطيعكم في المسير إليه فانهضوا بنيات
صحيحة وقلوب مطمئنة، ووفاء لله ولرسوله عليكم طائعين لا مكرهين
فاجتمع من شيعة الكوفة والبصرة زهاء ثلاثين ألفا محققون سوى من لحق
بالعسكر، فلما برزوا وصاروا بالنخيلة وساروا إلى القطقطانيات ورد عليه
كتاب من عامله بالنهروان أن أربعة آلاف رجل من الخوارج حكموا
بالنهروان ورفعوا راياتهم وأشهروا أسلحتهم وردوا بالمعبرة فأخرجوا عبد
الله بن خباب من الحكم، وأتوا إليه وكبروا وقالوا الحمد لله الذي اظفرنا
بك أيها الخائن الكافر بكفر علي بن أبي طالب، والمقيم معه على ردته،
والله لنقتلنك وزوجتك تقربا إلى الله بدمائكم، وأتوا بخنزير فذبحوه على
شط النهروان وذبحوا عبد الله بن خباب فوقه، وقالوا: والله ما ذبحنا لك
ولهذا الخنزير الا واحدا.
وكان عبد الله بن خباب من اعبد شيعة أمير المؤمنين وأفضلهم
وأخيرهم، وذبحوا زوجته وطفله فوقه، وقالوا: هذا فعلنا بشيعة علي
وأنصاره نقتلهم ولا نبقي منهم أحدا.
فقرأ أمير المؤمنين الكتاب وبكى رحمة لعبد الله وزوجته وطفله وقال:
آه يا عبد الله لئن فجع الله بك الدين لقد صرت وزوجتك وطفلك إلى
جنات رب العالمين، وسمع من في العسكر ما ورد عليه وصاح الناس من
العسكر: فماذا ترى يا أمير المؤمنين؟ قال: اعتدوا بنا إلى هؤلاء
المارقين، فهذا وأيم الله أرى بوارهم ولحوقهم بالنار.
فرجع إلى النهروان حتى نزل بالقرب من القنطرة وكان في أصحابه
رجل يقال له جندب الأزدي قد داخله شك في أمير المؤمنين (عليه
السلام) فلحق بالخوارج (لعنهم الله)، فقال له أمير المؤمنين: الزمني وكن
معي حيث كنت، وحقق أمير المؤمنين فحققه إلى أن زالت الشمس، فأتاه
قنبر فقال له يا أمير المؤمنين: الصلاة يرحمك الله، فقال له: ائتني بماء
136

فأتاه فأسبغ وضوءه وصلى فأتاه فارس يركض، فقال له: يا أمير المؤمنين
قد عبر القوم القنطرة فقال له (عليه السلام): انهم ما عبروها، فقال:
والله لقد عبروها، فقال: والله لقد كذبت ما عبروها ولن يعبروها ولا
يقتلون منا الا تسعة ولا يبقى منهم الا تسعة.
قال جندب الأزدي الله أكبر هذه دلالة قد أعطاني إياها فيهم فاتاه
فارس آخر يركض فرسه فقال يا أمير المؤمنين: عبروا القنطرة فقال: والله
لقد كذبت ما عبروها ولا يعبرونها، ولا يبقى منهم الا تسعة ولا يفقد منا
الا تسعة.
قال جندب: الحمد لله وهذه دلالة أخرى، فاتاه فارس آخر فقال: يا
أمير المؤمنين قد أراد القوم ان يعبروها وما عبروها، قال: صدقت.
وكان لجندب فرس جواد فقال: والله لا سبقني أحد ولا تقدمني فيهم
برمح وضرب فيهم بسيف، وخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من
العسكر وفي رجليه نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) المخصوف،
وعلى منكبيه ملاءة وعن يمينه عبد الله بن العباس، وعن يساره أبو أيوب
خالد بن زيد الأنصاري، يمشي نحو الخوارج فوثب أصحابه عليه من
معسكره بالسلاح وقاموا بين يديه وقالوا: يا أمير المؤمنين تخرج إلى أعداء
الله وأعداء رسوله وأعدائك، حاسرا بغير سلاح، وهم مقنعون بالحديد
يريدون نفسك لا غيرها؟ فقال: ارجعوا رحمكم الله فوالذي فلق الحبة
وبرأ النسمة، لا يكون الا ما يريد الله عز وجل.
فلما دنا منهم وأشرف على القنطرة التي كانت من ورائها الواقعة هاجوا
نحوه فصاح بهم: معاشر الخوارج اني جئتكم لأقدم الاعذار والانذار إليكم
وأسألكم ما تريدون وما تطلبون وتسمعون ما أقول واسمع ما تقولون،
فاخزى الله الظالمين فزجرهم.
ثم قال ويلكم أيها الخوارج انا اعلم ما تقولون ولا تعلمون ما أقول،
137

فاخفضوا من أصواتكم وصلصلتكم وضجيجكم وليبرز إلي ذو الحكم
والرأي منكم، فيفهم عني وافهم عنه فهدوا وبرز إليه ذو الرأي منهم،
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا معاشر الخوارج ما الذي أحكم
بينكم ان مرقتم من دين الله كما يمرق السهم من الرمية؟ وماذا أنكرتم
علي؟ وعلى هذا الأمر الذي تطلبونه بالقتال ان ادفعه إليكم بغير قتال
تقبلونه، وتقومون حتى لا تعطل شريعة الله ولا رسوله (صلى الله عليه
وآله) ولا تطيش مسلمة في حكم الله، ولا يقولوا على الله الا الحق.
فقالوا: لا.
فقال وا عجباه لقوم يطلبون امرا بقتال ادفع إليهم بغير قتال لم يقبلوه،
قالوا: وكيف نقبله ونحن نريد قتلكم؟ قال: أخبروني ما الذي أردتم
للقتال بغير سؤال ولا جواب، فقالوا: أنكرنا أشياء يحل لنا قتلك بواحدة
منها.
فقال لهم (عليه السلام): فاذكروها فقالوا: أولها: انك كنت أخا
رسول الله ووصيه، والخليفة من بعده، وقاضي دينه، ومنجز عداته،
واخذ لك رسول الله البيعة في أربع مواطن على المسلمين: في يوم الدار،
وفي بيعة الرضوان، وتحت الشجرة، في بيت أم سلمة، وفي يوم غدير
خم، وسماك أمير المؤمنين فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)
تشاغلت بوفاته، وتركت قريشا والمهاجرين وأنصار يتداولون الخلافة،
والمهاجرون يقولون: الخلافة لمن استخلفه رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وأخذ له البيعة منها، وسماه أمير المؤمنين، وهو علي بن أبي طالب
وقريش تقول لهم لا نرضى ولا نعلم ما تقولون، فقال لهم الأنصار: إذا
منع علي حقه فنحن وأنتم أحق بها فتعالوا ننصب منا أميرا ومنكم أميرا
فجاءت قريش فقامت قسامة أربعون شاهدا يشهدون على رسول الله (صلى
الله عليه وآله) قال: الأئمة من قريش فأطيعوهم ما أطاعوا الله، فان
138

عصوه فالحوهم لحي هذا القضيب، ورمى القضيب من يده، وكانت هذه
أول قسامة، أقسمت بهتانا وزورا وأشهرت في الإسلام فاجتمع الناس في
سقيفة بني ساعدة وعقدوا الامر باختيارهم لأبي بكر ودعوك إلى بيعته،
فخرجت مكرها مسحوبا بعد ان هيأت يقيم لك فيها عذرا، وتقول
للناس: انك مشغول بجمع رسول الله وأهل بيته وذريته وتعزيتهن وتأليف
القرآن، وما كان لك في ذلك عذر فلما تركت ما جعله الله ورسوله لك
وأخرجت نفسك منه أخرناك نحن أيضا وشككنا بك.
قال: هيه، وماذا تنكرون؟
قالوا: والثانية انك حكمت يوم الجمل فيهم بحكم خالفته بصفين،
قلت لنا يوم الجمل: لا تقاتلوهم مولين ولا مدبرين، ولا نياما ولا
أيقاظا، ولا تجهزوا على جريح، ومن ألقى سلاحه فهو كمن أغلق بابه
فلا سبيل عليه، وأحللت لنا في محاربتك لمعاوية سبي الكراع واخذ
السلاح وسبي الذراري فما العلة فيما اختلفوا فيه إلى أن هذا حلال وهذا
حرام؟
قال: هيه، ثم ماذا أنكرتم؟
قالوا: والثالثة انك الامام والحاكم والوصي والخليفة وانك أجبتنا إلى أن
حكمنا دونك في دين الله الرجال فكان ينبغي لك ان لا تفعل ولا تجيبنا إلى
ذلك وتقاتلنا بنفسك ونطيعك، أو تقتل ولا تجيبهم عند رفع المصاحف إلى أن
يحكم في دين الله عز وجل الرجال وأنت الحاكم.
قال: هيه، ثم ماذا؟
قالوا: والرابعة انك كتبت كتابا إلى معاوية تقول فيه بسم الله الرحمن
الرحيم من أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر، فرد الكتاب إليك وكتب فيه
يقول: إني لو أقررت انك أمير المؤمنين وقاتلتك فأكون قد ظلمتك، بل
139

اكتب باسمك واسم أبيك فكتبت إليه: بسم الله الرحمن الرحيم من
علي بن أبي طالب إلى معاوية بن صخر، فلما أجبت معاوية إلى اخراج
نفسك من امرة المؤمنين كنا نحن في اخراجكم، عن الآمرية أولى.
قال: هيه ثم ماذا؟
قالوا: والخامسة انك قلت: هذا كتاب الله فاحكموا به واتلوه من
فاتحته إلى خاتمته فان وجدتم معاوية أثبت مني فاثبتوه وان وجدتموني أثبت
منه فاثبتوني فشككت في نفسك فنحن فيك أعظم شكا.
قال لهم: بقي لكم شئ تقولونه؟ قالوا: لا.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في الجواب:
1 - أما ما ذكرتم وأقررتم مني من الأمر فيما اخذه الله لي ورسوله على
المسلمين من البيعة في أربعة مواطن إلى أن تشاغلت فيما ذكرتموه وفعلتم
وفعلت قريش والمهاجرون والأنصار ما فعلوا إلى أن عقدوا الأمر لأبي بكر،
فما تقولون معاشر الخوارج هل توجبون على آدم إذا امر الله بالسجود له
فعصى الله إبليس وخالفه ولم يسجد لآدم ان يدعو إبليس إلى السجود له
ثانية، فقالوا: لا، قال: ولم؟ قالوا: لأن الله أمر إبليس بالسجود
فعصى الله وخالفه ولم يفعل فلم يجب لآدم ان يدعوه بعدها.
قال: فهذا بيت الله الحرام أرأيتم ان امر الله الناس بالحج من
استطاع إليه سبيلا فان ترك الناس الحج ولم يحجوا للبيت كفر البيت أو كفر
الناس بتركهم ما فرض الله عليهم من الحج إليه؟ قالوا: بل كفر الناس،
قال: ويحكم معاشر الخوارج أتعذرون آدم وتقولون لا يجب عليه ان يدعو
إبليس إلى السجود له بعد أن أمر الله بذلك فعصى، وخالف، ولم يفعل وإنما
امره مرة واحدة ولا تعذرونني وتقولون: كان يجب عليك ان تدعو الناس
إلى البيعة وقد أقررتم ان المسلمين سموني بأمير المؤمنين ورسول الله (صلى
140

الله عليه وآله) اخذ لي البيعة عليهم في أربعة مواطن، وهذا بيت الله
فريضة، والإمام فريضة، كسائر الفرائض التي تؤتى ولا تأتي فتعذرون
البيت وتعذرون آدم (عليه السلام)، ولا تعذرونني؟
فقال الخوارج: صدقت وكذبنا، والحق والحجة معك.
ثم قال:
2 - وأما في يوم الجمل بما خالفته في صفين فإن أهل الجمل اخذوا
عليهم بيعتي فنكثوا وخرجوا عن حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى
البصرة ولا إمام لهم ولا دار حرب تجمعهم، وإنما خرجوا مع عائشة زوجة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) معهم لإكراهها لبيعتي وقد أخبرها رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بأن خروجها خروج بغي وعدوان من أجل قوله
عز وجل: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها
العذاب ضعفين) وما من أزواج النبي واحدة أتت بفاحشة غيرها فإن
فاحشتها كانت عظيمة، أولها خلاف لله فيما أمرها في قوله: (وقرن في
بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) فأي تبرج أعظم من خروجها
وطلحة والزبير وخمسة وعشرين ألفا من المسلمين إلى الحج، والله ما أرادوا
حجا ولا عمرة، ومسيرها من مكة إلى البصرة واشعالها حربا قتل فيه
طلحة والزبير وخمسة وعشرون ألفا من المسلمين، وقد علمتم ان الله جل
ذكره يقول: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب
الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما) فقلت لكم عندما أظهرنا الله عليهم
ما قلته لكم لأنه لم يكن لهم دار حرب تجمعهم ولا امام يداوي جراحهم،
ولا يعيدهم إلى قتالهم مرة أخرى، ولو كنت أحللت لكم سبي الذراري
أيكم كان يأخذ عائشة زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سهمه؟
فقالوا: صدقت والله في جوابك وأصبت وأخطأنا، والحق والحجة
لك.
141

فقال لهم:
3 - وأما قولكم: أجبتكم عند رفع المصاحف إلى أن حكمتم في دين
الله الرجال وكنت الحاكم، فماذا تقولون أيها الخوارج في ألف رجل من
المسلمين قاتلهم ألفا رجل من المشركين فولوهم الأدبار فما هم؟ قالوا كفار
بالله لأن المسلمين ألف رجل على التمام، والمشركون ألفا رجل لا
يزيدون، وقد قال الله تعالى: (وان يكن منكم ألف يغلبوا الفين) فقال
لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): فان نقص من عدد الألف رجل من
المسلمين، والكفار على التمام ما هم عندكم؟ قالوا المسلمون معذورون في
ذلك، فضحك أمير المؤمنين حتى بدت نواجذه ثم قال: يحكم يا معاشر
الخوارج تعذرون تسعمائة وتسعة وتسعين رجلا في قتال ألفي رجل، ولا
تعذرونني، وقد التقاني رجال ابن هند في مائة وعشرين ألفا ما جمع حكم
حاكم، وقد دعوناهم إلى كتاب الله فقالوا: دعنا نحكم عليك من نشاء،
والا أخرجنا أنفسنا من الفريقين وأبطلنا الحكمين وارتدونا عن الدين وقعدنا
عن نصرة المسلمين، فقال لي عبد الله بن العباس: حكم من هو منك
وأنت منه فقلت لكم: اختاروا من شئتم من بني هاشم، فقلتم: لا
يحكم فينا مضري ولا هاشمي، فأعرضتم عن المهاجرين والأنصار
وأظهرتم مخالفتكم لي، وكتبتم إلى عبد الله بن قيس، وقد قعد عن نصرتنا
وهو فدم حمار فحكمتموه وانا انصح لكم، وأقول لكم اتقوا الله ولا
تحكموا علي أحدا. واني الحاكم عليكم، وأخبرتكم انها خديعة من
معاوية، فقلتم أسكت والا قتلناك وسلمنا هذا الأمر إلى عبد اسود وجعلناها
بردة عن الإسلام، فمن هو أولى بالعذر؟ فقالوا: أنت فوالله لقد أصبت
وصدقت وأخطأنا والحق معك والحجة لك.
قال لهم:
4 - وأما قولكم اني كتبت كتابا إلى معاوية بن صخر فيه بسم الله
142

الرحمن الرحيم من علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر فأيكم يا معاشر
الخوارج شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزاة الحديبية وقد امرني
ان اكتب بين يديه كتابا إلى صخر بن حرب بإملاء رسول الله (صلى الله
عليه وآله الطيبين الطاهرين) فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول
الله إلى صخر بن حرب بن أمية إلى آخر الكتاب فأجابوه، وقالوا: نعم
حضرنا ذلك الكتاب وأنت تكتبه لأبي سفيان صخر بن حرب، قال أليس
علمتم ان صخر بن حرب رده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وكتب إليه: اما الرحمن الرحيم فاسمان نعرفهما بالتوراة والإنجيل، واما
أنت يا محمد فانا لو أقررنا أنك رسول الله وقاتلناك فقد ظلمناك فاكتب
باسمك واسم أبيك حتى نجيبك فقال لي رسول الله (صلى الله عليه
وآله): يا علي اكتب بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى
صخر بن حرب، ثم قال لمن حوله، ان محوت اسمي ليرد علي الجواب
فاسمي لا يمحى في السماء ولا في الأرض، ولا في الدنيا ولا في الآخرة،
وإنما أراد صخر بن حرب ان لا يجيب عن الكتاب وكتب رسول الله
(صلى الله عليه وآله الطاهرين) إلى الآباء وكتبت انا إلى الأبناء تأسيا برسول
الله (صلى الله عليه وآله)، وقد قال الله تعالى: (لقد كان لكم في
رسول الله أسوة حسنة) قالوا: صدقت وأصبت وأخطأنا والحق والحجة
لك.
قال لهم:
5 - واما قولكم: اني قلت هذا كتاب الله فاحكموا به اتلوه من فاتحته إلى
خاتمته، فإن وجدتموني أثبت بكتاب الله من معاوية فاثبتوني وان وجدتم
معاوية أثبت مني فاثبتوه فوالله يا معاشر الخوارج ما قلت لكم هذا الا بعد
ان تيقنت ان الرين استولى على قلوبكم والشيطان قد استحوذ عليكم
وانكم قد نسيتم الله ورسوله، ونسيتم حقي وخلا بعضكم إلى بعض،
وقلتم ما لنا الا ان ننظر في كتاب الله في علي ومعاوية، فمن قرب إلى
143

الحق كان أولى به وكنا معه فوالله يا معاشر الخوارج، ان لم يكن في كتاب
الله عز وجل الا قوله: (قل لا أسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى)
وقد علمتم انه لم يكن أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مني ومن
ابنته فاطمة ومن ابني الحسن والحسين، لكان هذا حسبي بهذه الآية فضلا
عند الله ورسوله في كتاب الله عز وجل في أن لم أسألكم اجرا على ما
هداكم الله وأنقذكم من شفا حفرة من النار، وجعلكم خير أمة، وجعل
الشفاعة والحوض لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فيكم الا مودتنا لكان
في ذلك فضل عظيم، هذا وقد علمتم ان الله تبارك وتعالى قد انزل في
حقي (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون) وما أحد من المؤمنين زكى في ركوعه غيري فكان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاءني بخاتم أنزله جبريل (عليه
السلام) من الله عز وجل ولم يصغه صائغ عليه ياقوتة مكتوب عليها (لله
الملك) فتختمت به وخرجت إلى مسجد رسول الله فصليت ركعتين شكرا
لله على تلك الموهبة فأتاني آت من عند الله فسلم علي في الصلاة في الركعة
الثانية وقال: هل من زكاة يا رسول الله توصلها إلي يشكرها الله لك
ويجازيك عنها فوهبت ذلك الخاتم له وما كان في الدنيا أحب إلي من ذلك
الخاتم والناس ينظرون وأتممت صلاتي وجلست أسبح الله واحمده واشكره
حتى دخلنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فضمني إليه وقبلني على
بلجة وجهي، وقال: هنأك الله يا أبا الحسن وهنأني كرامة لي فيك وعيناه
تهملان بالدموع، ثم قرأ هذه الآية وما يليها وقال لهم ولي آية
الخمس في كتاب الله على سائر المسلمين، وهي قول الله عز وجل:
(واعلموا إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل) وقد علمتم ان الله (لن ينال لحومها ولا
دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) فما هو الله من خمس الغنائم إلى من
يرد؟ قالوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال فما هو لله وللرسول
144

إذا قبض الرسول إلى من يرد؟ قالوا إلى اولي القربى من الرسول واليتامى
والمساكين وابن السبيل قال: واليتيم إذا بلغ أشده والمساكين إذا استغنوا
وابن السبيل إذا لم يحتج، إلى من يرد مالهم؟ قالوا إلى ذوي القربى من
الرسول، قال: فقد علمتم معاشر الخوارج أن ما غنمتم من غنيمة من
جهاد أو في احتراف أو في مكسب أو مقرض الخياط أو من غنم يكسب فهو
لي، والحكم لي فيه وليس لأحد من المسلمين علي حق، وانا شريك كل
من آمن بالله ورسوله في كل ما اكتسبه فان وفاني حق الله الذي فرضه الله
عليه كان متمثلا لأمر الله وما أنزله على رسوله ومن بخسني حقي كانت
ظلامتي عنده إلى أن يحكم الله لي وهو خير الحاكمين.
قالوا: صدقت وبررت وأصبت وأخطأنا والحق والحجة لك.
قال هذا هو الجواب عن آخر سؤالكم قالوا: صدقت، وانحرفت إليه
طائفة كانت استجابت الا الأربعة آلاف الذين مرقوا، فقالوا: يا أمير
المؤمنين نقاتلهم معك فقال: لا، قفوا لا معنا ولا علينا، وانظروا إلى
نفوذ حكم الله فيهم.
ثم صاح بهم ثلاثا، فسمع جميعهم: هل أنتم منيبون؟ هل أنتم
راجعون؟ فقالوا بأجمعهم: عن قتالك، لا.
فقال لأصحابه: والله لولا أني اكره ان تتركوا العمل وتتكلوا علي
بالفضل لمن قاتل لما قاتل هؤلاء غيري، وكان لي من الله الفضل عنده في
الدنيا والآخرة فشدوا عليهم فإني شاد فكانوا كرماد اشتدت به الريح في
يوم عاصف أو كيوم قال لهم الله موتوا فماتوا.
فلما أخذوا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من قتل منكم؟ فلن يقتل
الا تسعة، ولم يسلم منهم الا تسعة، فقدوا من قتل منهم ونجا فلم ينج
الا تسعة، وعدوا أصحاب أمير المؤمنين المقتولين فوجدوهم تسعة.
145

قال: وفالق الحبة وبارئ النسمة ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا
أضللت وإني على بينة من ربي، بينها لنبيه (صلى الله عليه وآله) فبينها نبيه
لي.
ثم قال لهم: هل وجدتم ذا الثدية في القتلى؟ قالوا: لا، قال:
أئتوني بالبغلة، فقدمت إليه بغلة رسول الله الدلدل، فركبها وسار في
مصارعهم، فوقفت به البغلة وهمهمت وهزت ذنبها فتبسم أمير المؤمنين
(عليه السلام)، وقال: ويحكم هذه البغلة تخبرني ان ذا الثدية حرقوصا
(لعنه الله) تحت هؤلاء القتلى فابحثوا عليه فإذا هو في ركن قد دفن نفسه تحت
القتلى فأخرجوه وكشفوا عن أثوابه فإذا هو في صورة عظيمة حول حلمته
شعرات كشوك الشيهم، والشيهم ذكر القنافذ، قال: مدوا حلمته
فمدوها فبلغت أطراف أنامل رجليه، ثم أطلقوها فصارت في صدره،
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): الحمد لله يا عدو الله الذي قتلك،
وعجل بك، وبأصحابك إلى النار، فقتلوه لعنه الله، وهو جد أحمد بن
حنبل لعنه الله. وقد كانت الخوارج خرجوا إليه قبل ذلك بحروراء في
جانب الكوفة وهو غربي الفرات في اثني عشر ألف رجل فأتاه الخبر فخرج
إليهم في جملة الناس وعليه ملاءة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومعه
بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له الناس: يا أمير المؤمنين
تخرج إليهم في جملة الناس في ملاءة، والقوم شاكون سلاحهم؟ فقال:
انه ليس هو يوم قتالهم، ولكنهم يخرجون علي في قتال النهروان أربعة
آلاف رجل يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فلما برزوا قال
لهم: إرضوا بمائة منكم ثم قال، للعشرة: إرضوا برجل منكم، وقال
للرجل: ليس هذا يوم أوان قتالهم، سيفرقون حتى يصيروا أربعة آلاف،
ويخرجون علي في قابل مثل هذا الشهر، وفي مثل هذا اليوم فأخرج إليكم
فاقتلكم حتى لا يبقى الا تسعة نفر والذي فلق الحبة وبرأ النسمة هكذا
أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فافترقوا حتى صاروا أربعة آلاف
146

رجل يتبرأ بعضهم من بعض كما اخبرهم أمير المؤمنين (عليه السلام)
وقتلهم فلم يبق منهم إلا تسعة نفر فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أبي العباس عن غياث بن يونس الديلمي عن محمد بن علي
عن علي بن محمد عن الحسن بن علي عن أبي مسعود العلاف عن أبي
الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: خطب أمير المؤمنين بالكوفة فبينما هو
على المنبر إذ أقبلت عليه حية كالخابوط العظيم سوداء مظلمة حمراء العينين
محددة الأنياب، حتى دخلت باب المسجد ففزع الناس منها واضطربت فقطع أمير
المؤمنين (عليه السلام) الخطبة، وقال لهم: أفرجوا فإنها رسول قوم يقال
لهم بنو عامر، فجاءت الحية حتى صعدت المنبر ووصلت إلى أمير المؤمنين
(عليه السلام) ووضعت فاها على أذنه والناس ينظرون إليها، وانها تساره
اسرارا وتنقنق كتنقنق الطير، ثم كلمها بكلام يشبه نقيقها، ثم ولت الحية
خارجة من حيث دخلت ونزل أمير المؤمنين عن المنبر فقالوا له: ماذا
أرادت الحية يا أمير المؤمنين؟ وما حالها؟ فقال: هذه الحية رسول قوم من
الجن، يقال لهم بنو عامر أخبرتني أنه وقع بينهم وبين قوم يقال لهم بنو
عنترة شر وقتال فبعثوا إلي هذه الحية يسألوني الإصلاح بينهم فوعدتهم بذلك
وأنا آتيهم الليلة.
قالوا: يا أمير المؤمنين إئذن لنا ان نخرج معك، قال: أنا لا اكره
ذلك فلما صلى بهم العشاء الآخرة انطلق والناس حوله حتى أتى بهم ظهر
الكوفة في غربيها فخط عليهم خطة ثم قال لهم: إياكم ان تخرجوا من
هذه الخطة فقعدوا في الخطة وهم ينظرون إليه وقد نصب منبر فصعد عليه
ثم خطب خطبة لم يسمع الأولون بمثلها ثم لم يبرح حتى أصلح بينهم
واقتدى بعضهم ببعض، وأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أصحابه
وهم ينظرون إلى الجن حوله يمينا وشمالا فقالوا: يا أمير المؤمنين رأينا
عجبا في المشاهدة، قال: رأيتموهم؟ قالوا: نعم، قال: فصفوهم لي،
قالوا: هم أقوام شبر بالطول شبية بالزط، قال: صدقتم فقد رأيتموهم
147

حقا انهم بعثوا يستغيثوني فأغثتهم، وكان بينهم دماءا فخافوا ان يتفانوا
فأصلحت بينهم وقربت بعضهم من بعض فكان هذا من دلائله (عليه
السلام).
وعنه عن جعفر بن مالك عن موسى بن زيد الجلاب، عن محمد بن
علي عن علي بن محمد عن سيف بن عميرة عن إسحاق بن عمار عن حمزة
الثمالي عن ميثم التمار النهرواني عن الأصبغ بن نباتة الطائي قال: خرجنا
مع أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يريد صفين فلما انتهى إلى كربلا وقف
بها وقال: ها هنا يقتل ابني الحسين وثمان رجال معه من أولاد عبد المطلب
وثلاثة وخمسون من أنصاره، ثم سار مغربا وعدل عن الجادة بشاطئ
الفرات قاصدا فلما توسطنا البر وكان يوم قيظ شديد الحر، وكان الماء في
العسكر يسيرا إلا إنا كنا على جادة الفرات فلم تزوده بقدر الماء الذي كان
معنا وعطش أهل العسكر حتى تقطع الناس عطشا وشكوا إلى أمير المؤمنين
(عليه السلام) فبينما نحن نسير فإذا بقائم من حديد شاهق عال في رأسه
راهب، فقصد إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فصاح يا راهب هل
بقربك ماء فأشرف الراهب من رأس القائمة، فقال: وأين لنا بالماء إلا
على حد فرسخين؟ كيف يكون الماء في هذه القفرة البيداء؟ فعدل أمير
المؤمنين إلى قاع رضراض وحصى رمل فوقف هنيهة ثم أشار إلى العسكر أن
ينزلوا فنزل أكثر الناس فقال لهم: ها هنا ماء فابحثوا، فتلقوا صخرة على
عين ماء ابيض زلال أشد بياضا من اللبن وأحلى من الشهد فكبر الناس،
وبحثوا في القاع حتى قلعوا كثبانا من ذلك الرمل والحصى وظهرت لنا
صخرة بيضاء فقال لنا: دونكم إياها، فاقتلعوها فبحثنا عليها فصعبت
وامتنعت منا فقال: ارموها بأجمعكم فإنكم لا تشربون الماء ولا تروون
زلالا إن لم تقلعوها، وكنا في العسكر ستين الف رجل وتبع كثير، ولم تبق
كف منا الا رامت قلع تلك الصخرة فلم نقدر نقلعها، فقلنا يا أمير
المؤمنين قد بلوتنا بها فوجدنا ضعفنا فأدركنا بفضلك علينا، فدنا منها وجرد
148

ذراعه ومد يده إلى السماء وتكلم بكلمات مستقبل القبلة فسمعناه يقول كلاما
من الإنجيل: طاب طاب الماء، والعلم طيبوثا، واليوح اسمينا،
والحايوثا، وإذا يكونا، ثم أهوى بيده المباركة اليمنى إلى الصخرة واقتلعها
كالكرة إذا انضربت من اللعب فكبر الناس وظهر الماء على وجه الأرض
من تلك العين أبيض زلال لم ير مثله في ماء الدنيا فشربنا وروينا وتزودنا
والراهب مشرف في رأس القائمة، فلما استقينا اخذ الصخرة بيده المباركة
فردها على تلك العين فكأنما لم تزل ورددنا كلما بحثناه من الرمل وسرنا فلم
نبعد، حتى قال لنا: ليرجع بعضكم فلينظر هل لموضع الصخرة اثر؟
فرجعوا يحلفون بالله انهم ما رأوا لها اثرا، وكان وجه القاع عليه سحيق
الرمل.
قال: فلما نظر الراهب إلى فعل أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال:
هذا والله وصي محمد (صلى الله عليه وآله)، فوجدناه في الإنجيل والزبور
ونزل من القائمة، ولحق بأمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أنا أشهد ان
أبي أخبرني عن جدي، وكان من حواري سيدنا المسيح (صلوات الله
عليه)، والمسيح أخبره بقرب هذا القائم الذي كنت فيه، وبهذه العين الماء
الأبيض من الثلج وأعذب من كلما عذب وانه من اجلها بني ذلك الدير
والقائم، وإنه لا يستخرجها إلا نبي أو وصي نبي وأنا أشهد أن لا إله الا
الا وأن محمدا عبده ورسوله، وإنك وصي رسول الله (صلى الله عليه
وآله) والمؤدي عنه والقائم بالحق إلى يوم القيامة وقد رأيت يا أمير المؤمنين
أني أصحبك في سفرك هذا يصيبني ما أصابك من خير وشر فقال له أمير
المؤمنين (عليه السلام: جزاك الله خيرا، ودعا له بالخير، فقال له: يا
راهب الزمني وكن قريبا فإنك تستشهد معي بصفين وتدخل الجنة فلما كان
ليلة الهرير بصفين والتقى الجمعان قتل الراهب في تلك الليلة فلما أصبح
أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال لأصحابه: ادفنوا قتلاكم، وأقبل أمير
المؤمنين يطلب الراهب فوجدناه فاخذه وصلى عليه ودفنه في لحده. ثم قال
149

أمير المؤمنين (عليه السلام): لكأني انظر إليه وإلى منزلته في الجنة وزوجاته
التي أكرمه الله بها فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أحمد بن محمد الحجال الصيرفي عن محمد بن جعفر الصيرفي
عن محمد بن علي عن أبي حمزة الثمالي عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد
الله الصادق (عليه السلام) قال: مد الفرات عندهم بالكوفة على عهد
أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو بها مقيم مدة عظيمة حتى طغى وعلا
كالجبال وصار بإزاء شرفات الكوفة وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) في
ذلك اليوم قد خرج إلى النجف، ونفرا من أصحابه فنظر إلى بعض
النجف وقال للنفر الذين معه إني أرى النجف يخبران الماء قد طغى في
الفرات حتى أوفى على منازل الكوفة وإن الناس بها ضجوا وفزعوا الينا
فقوموا بنا إليهم فأقبل هو والنفر إلى الكوفة وتلقاه أهلها صارخين مستغيثين
فقال: ما شأنكم طغى الماء عليكم، ما كان الله ليعذبكم وأنا فيكم،
وسار يريد الفرات والناس من حوله حتى ورد على مجلس لثقيف فتغامزوا
عليه وأشار إليه بعض احداثهم، فالتفت إليهم أمير المؤمنين مغضبا فقال
صغار الخدود، قصار الغمود، بقايا ثمود، عبيد بني عبيد، من يشتري
مني ثقيف برغيف، فإنهم عبيد زيوف، فقام إليه مشايخهم، فقالوا: يا
أمير المؤمنين أن هؤلاء شباب لا يعقلون فلا تؤاخذنا بهم فوالله إنا لهذا
كارهون، وما أحد منا يرضى به فاعف عنا، عفا الله عنك فقال (عليه
السلام): لست اعفوا عنكم الا على أن لا أرجع إلى الفرات أو تهدموا
مجلسكم هذا وكان منظرا وروشنا مشرف وميزاب يصب إلى طريق
المسلمين، وتسدون بلاليعكم فيها فقالوا نفعل يا أمير المؤمنين، وسكروا
مجلسهم وفعلوا كل ما أمرهم به حتى أتى إلى الفرات وهو يزخر بأمواج
كالجبال فسقط الناس لوجوههم وصاحوا: الله الله يا أمير المؤمنين أرفق
برعيتك فنزل وأخذ قضيب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقرعه قرعة
واحدة، وقال: أسكن يا أبا خالد فانزجر الماء فما أتم كلامه، حتى
150

ظهرت الأرض في بطن الفرات حتى كان لم يكن فيها ماء فصاح الناس:
الله الله رفقا برعيتك يا أمير المؤمنين، لئلا يموتوا عطشا، فقال أمير المؤمنين
(عليه السلام): اجر على قدر يا فرات فجرى لا زائدا ولا ناقصا،
ووجد فوق الجسر رمانة فوقعت على الجسر رمانة لم يوجد في الدنيا مثلها
فمد الناس أيديهم ليحملوها إلى أمير المؤمنين فلم تصل أيديهم إليها فمد
يده المباركة واخذها، وقال: هذه رمانة من رمان الجنة لا يمسها ولا يأكلها
إلا نبي أو وصي نبي ولولا ذلك لقسمتها عليكم في بيت مالكم، وفي ذلك
اليوم كانت فتنة عبد الله بن سبأ وأصحابه العشرة الذين كانوا معه وقالوا ما
قالوه، وأحرقهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنار بعد ان استتابهم ثلاثة
أيام فأبوا ولم يرجعوا فأحرقهم في صحراء الأخدود. وكان هذا من دلائله
(عليه السلام).
وعنه عن أبيه عن محمد بن ميمون عن، الحسن بن علي عن أبي حمزة
عن حيان بن سدير الصيرفي عن مراد يقال له رباب بن رياح قال: كنت
قائما على رأس أمير المؤمنين بالبصرة بعد الفراغ من أصحاب الجمل إذ أتى
عبد الله ابن عباس فقال: يا أمير المؤمنين إن لي إليك، حاجة فقال له:
عرفت حاجتك قبل أن تذكرها لي، جئت تطلب مني الأمان لمروان بن
الحكم، فقال له: يا أمير المؤمنين أحب أن تؤمنه، قال: اذهب فجئني به
يبايعني ولا يجيئني إلا رديفا قال: فما لبث إلا قليلا حتى أقبل ابن عباس
وخلفه مروان بن الحكم رديفا، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): هل
أبايعك قال مروان على أن في النفس ما فيها، قال أمير المؤمنين: إني لست
أبايعك على ما في نفسك إنما أبايعك على ما ظهر لي، قال: فمد يده أمير
المؤمنين فلما بايعه، قال: هيه يا بن الحكم قد كنت تخاف ان ترى رأسك
يقطع في هذه المعمعة كلا بالله لا يكون حتى يخرج من صلبك طواغيت
يملكون هذه الرعية يسومونهم خوفا وظلما وجورا ويسقونهم كؤوسا مرة. قال
مروان كان مني ما اخبرني علي ثم هرب فلحق بمعاوية وكان كما قال
151

أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن جعفر بن محمد عن محمد بن عبد الرحمن الزيات عن الربيع
ابن محمد الأصم عن بني الجارود عن القاسم بن الوليد الهمداني عن
الحارث الأعور الهمداني قال: كنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام)
بالكناسة، إذ أقبل أسد يهوي فضعضعنا من حوله حتى انتهى إلى أمير
المؤمنين (عليه السلام) فقال له: أرجع ولا تدخل دار هجرتي بعد اليوم
وبلغ السباع عني تتجافى الكوفة وجميع ما حولها ألا ان طاعتي طاعة الله فإذا
عصوا الله وخلوا طاعتي حكمت فيهم فلم تزل السباع تتجافى الكوفة إلى
أن قبض أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتقلدها زياد ابن أبيه دعي أبي
سفيان (لعنه الله) فلما دخلها سلطت السباع على الكوفة وما حولها حتى أفنت
أكثر الناس فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أبيه عن محمد بن ميمون عن محمد بن علي عن الحسن بن
أبي حمزة عن القاسم الهمداني عن الحارث الأعور الهمداني قال: بينما أمير
المؤمنين (عليه السلام) يخطب في الناس يوم الجمعة في مسجد الكوفة إذ
أقبلت أفعى من ناحية باب الفيل رأسها أعظم من رأس البعير تهوي إلى
نحو المنبر فافترق الناس في جانبي المسجد خوفا منه حتى صعد المنبر، ثم
تطاول إلى أذن أمير المؤمنين فأصغى إليه وجعل يساره مليا ثم نزل فلما بلغ باب أمير المؤمنين الذي يسمونه باب الفيل انقطع اثره وغاب عن الناس
فلم ير، فلم يبق مؤمن ولا مؤمنة، الا قال هذا من عجائب أمير
المؤمنين، ولم يبق منافق ولا منافقة إلا قال: هذا من سحر علي، فقال
أمير المؤمنين: أيها الناس إني لست ساحرا وهذا الذي رأيتموه وصي محمد
على الجن، وأنا وصيه على الانس وهو يطيعني أكثر مما تطيعونني وهو
خليفتي فيهم وقد جرى بين الجن ملحمة تتهادر فيها الدماء والذي لا يعلم
ما المخرج منها ولا الحكم فيها فإنه مسائلي عن الجواب في ذلك فأجبته عنه
بالحق، وهذا المثل الذي يمثل لكم به أراد يريكم فضلي عليكم الذي هو
152

اعلم به منكم فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
و عنه بهذا الاسناد عن الحارث قال: خرجنا مع أمير المؤمنين (عليه
السلام) حتى انتهينا إلى القاطول بالكوفة على شاطئ الفرات فإذا نحن
بأصل شجرة قد وقع لحاؤها وبقي على شاطئ الفرات عودها يابسا فضربها
بيده ثم قال لها: ارجعي بإذن الله خضراء ذات ثمر فإذا هي تهتز بأغصانها
مورقة مثمرة، وحملها الكمثري الذي لم ير مثله في فواكه الدنيا فاطعمنا منه
وتزودنا وحملنا فلما كان بعد ثلاثة أيام عدنا إليها فإذا بها خضراء فيها
الكمثري فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أبيه عن محمد بن عمار قال حدثني عمر بن قاسم عن عمر بن
شمر عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما أمر
أمير المؤمنين (عليه السلام) بانجاز عدات رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وقضاء دينه نادى منادى أمير المؤمنين: ألا من كان له دين عند
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو عدة فليقبل إلينا فكان الرجل يجئ
وأمير المؤمنين لا يملك شيئا فيقول: اللهم اقض عن نبيك فيجد ما وعد
النبي (صلى الله عليه وآله) تحت البساط لا يزيد ولا ينقص، قال أبو بكر
لعمر هذا يصيب ما وعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت البساط
ونخشى ان يميل الناس إليه، فقال عمر فينادي مناديك أيضا فإنك تقضي
كما قضى فنادى مناديه ألا من كان له عند رسول الله دين أو عبرة فليقبل
إلينا فسلط عليهم اعرابي فقال لي عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
ثمانون ناقة سوداء المقل، حمراء الوبر، بأزمتها ورحالها، فقال أبو بكر:
تحضر عندنا غدا فمضى الأعرابي فقال أبو بكر لعمر: لا تزال في ذلك مدة
ويحك من أين في الدنيا ثمانون ناقة بهذه الصفة ما تريد الا ان تجعلنا عند
الناس كاذبين، فقال عمر: يا أبا بكر إن ها هنا مخلص منه قال: وما
هي؟ قال: تقول: احضر لنا بينتك على رسول الله بهذا الذي ذكرته حتى
نوفيك إياه، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: ألا من أتاكم
153

ببينة. فلما كان بعد العصر حضر الأعرابي فقال: جئتكم ببينة فقال:
أوجبت الوعد على رسول الله، فقال أبو بكر وعمر: احضر لنا بينتك على
رسول الله بهذه حتى نوفيكه، فقال: اترك رجلا يعطيني بلا بينة واجئ
إلى قوم لا يعطوني إلا ببينة ما أرى إلا قد تقطعت بكما الأسباب،
وتزعمون أن رسول الله كان كاذبا لآتين أبا الحسن (عليه السلام) فلئن
قال لي كما قلتما لأرتدن عن الإسلام فجاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)
فقال له: إن لي عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمانون ناقة حمراء
الوبر، سوداء المقل، بأزمتها ورحالها فقال (عليه السلام)، اجلس يا
أعرابي ان الله يقضي عن نبيه، ثم قال: اذهب يا حسن ويا حسين اذهبا
إلى وادي فلان، وناديا عند شفير الوادي: بعثنا رسول الله (صلى الله
عليه وآله) إليكم وحبيباه ووصياه إن للأعرابي عند رسول الله ثمانين ناقة،
سوداء المقل، حمراء الوبر، بأزمتها ورحالها فمضيا ومعهما أهل المدينة إلى
حيث أمرهما أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقالا ما قاله لهما، ومن تبعهما
من الناس يسمعون ما جاء بهما فجاؤوا من الوادي يقولون نشهد انكما حبيبا
محمد (صلى الله عليه وآله) ووصياه كما قلتما فانظرا حتى نجمعها بيننا فما
جلسنا الا قليلا حتى ظهرت ثمانون ناقة حمر الوبر سود المقل بأزمتها
ورحالها وان الحسن والحسين (صلوات الله عليهما) ساقاها إلى أمير المؤمنين
فدفعها إلى الأعرابي فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن محمد بن جبلة التمار عن موسى بن محمد الأزدي عن
المخول بن إبراهيم عن رشدة بن يزيد الخيبري عن الحسن بن محبوب
عن أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي حمزة الثمالي عن جابر بن عبد الله بن
عمر بن حزام الأنصاري قال: أرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
سرية فقال لهم: إنكم تصلون ساعة كذا وكذا من الليل إلى أرض لا
تهتدون فيها سيرا فإذا وصلتم فخذوا ذات الشمال فإنكم تمرون برجل
فاضل خير في كنانة فتسترشدونه فيأبى أن يرشدكم حتى تأكلوا من طعامه
154

فيذبح لكم كبشا فيطعمكم ويرشدكم الطريق فاقرأوه مني السلام واعلموه
إني قد ظهرت في المدينة فمضوا فلما وصلوا الموضع في الوقت ضلوا فقال
قائل منهم: ألم يقل لكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) خذوا ذات
الشمال ففعلوا فمروا بالرجل الذي ذكره رسول الله (صلى الله عليه و آله)
لهم فاسترشدوه الطريق فقال: لا أفعل حتى تأكلوا من طعامنا فذبح لهم
كبشا فأكلوا من طعامه، وقام معهم فأرشدهم الطريق، وقال لهم: ظهر
النبي (صلى الله عليه وآله) في المدينة؟ قالوا: نعم وبلغوه السلام،
فخلف في نسائه من خلف ومضى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وهو عمرو بن الحمق الخزاعي الكاهن بن حبيب بن عمر بن الفتى بن
رياح بن عمره بن سعد بن كعب فلبث معه ما شاء الله سبحانه وتعالى ثم
قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ارجع إلى الموضع الذي هاجرت
إلي منه فإذا نزل أخي أمير المؤمنين بالكوفة وجعلها دار هجرته فأته،
فانصرف عمرو بن الحمق إلى نسائه حتى إذا نزل أمير المؤمنين بالكوفة أتاه
فأقام معه بالكوفة فبينما أمير المؤمنين جالس وعمر بين يديه فقال له يا عمر
لك دارا بعها واجعلها في الأزد فإني غدا لو غبت عنكم لطلبتك الأزد حتى
تخرج من الكوفة متوجها نحو الموصل فتمر برجل نصراني فتقعد عنده
وتستسقيه الماء فيسقيك ويسألك عن قصتك فتخبره وستصادفه مقعدا فادعه
إلى الإسلام فإنه ينهض صحيحا مسلما، وتمر برجل محجوب جالس عن
يمين الجادة فتستسقيه الماء فيسقيك ويسألك عن قصتك، وما الذي أخافك
وممن تتوقى فحدثه ان معاوية طلبك لقتلك ويمثل بك لايمانك بالله ورسوله
وطاعتك لي واخلاصك لولايتي ونصحك لله في دينك، فادعه إلى الإسلام
فإنه يسلم فمر يدك على عينيه، فإنه يرجع بصيرا بإذن الله تعالى فيتبعانك
ويكونان هما اللذان يواريان بدنك في الأرض ثم تصير إلى دير على نهر يقال
له الدجلة فإن فيه صديقا عنده من علم المسيح (عليه السلام) فاتخذه
عونا من الأعوان على سر صاحبيك، وما ذلك إلا ليهديه الله بك فإذا
155

أحس بك شرطة ابن الحكم وهو خليفة معاوية بالجزيرة يكون مسكنه
بالموصل فاقصد إلى الطريق الذي في الدير يتواضع لك حتى تصير في
ذروته، فإذا رآك ذلك في أعلى الموصل فناده فإنه يمتنع عنك فاذكر اسم الله
الذي علمتك إياه فان الدير يتواضع لك حتى تصير في ذروته فإذا رأى ذلك
الراهب الصديق، قال التلاميذ معه: ليس هذا أوان ظهور سيدنا
المسيح، هذا شخص كريم، ومحمد قد توفاه الله، ووصيه قد استشهد
بالكوفة، وهذا من حوارييه ثم يأتيك خاشعا ذليلا، فيقول لك: أيها
الشخص العظيم أهلتني لما لم استحقه فبم تأمرني فتقول استر تلميذك هذا
من عبدك، ويشرف على ديرك، فانظر ماذا ترى، فإذا قال لك: أرى
خيلا غائرة نحونا فخلف تلميذك عنده وأنزل وأركب فرسك، وأقصد نحو
الغاب على شاطئ الدجلة، استتر فيه فإنه لا بد ان يشترك في دمك فسقة
من الجن والإنس، فإذا استترت فيه عرفك فاسق من مردة الجن يظهر لك
بصورة تنين اسود ينهشك نهشا يبالغ أظفارك وتعثر بك فرسك، فينذر بك
الخيل فيقولون هذا فرس عمرو بن الحمق ويقفون اثرك فإذا أحسست بهم
دون الغار فأبرز إليهم بين الدجلة والجادة، وقاتلهم في تلك البقعة فإن الله
جعلها حضرتك وحرمك فالقهم بنفسك واقتل ما استطعت حتى يأتيك امر
الله فإذا غلبوك حزوا رأسك وسيروه على قناة إلى معاوية لعنه الله،
ورأسك أول رأس يشهر في الإسلام من بلد إلى بلد، ثم يبكي أمير
المؤمنين ويقول: وقرة عيني ابني الحسين، فإن رأسه يشهر على قناة
وتستباح ذراريه بعدك يا عمرو من كربلا غربي الفرات إلى يزيد بن معاوية
عليهما اللعنة، ثم ينزل صاحباك المحجوب والمقعد فيواريان بدنك في
موضع مصرعك وهو بين الدير والموصل فكأن كلما ذكره رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) فكان هذا من دلائله (عليه
السلام).
وعنه عن علي بن بشر عن علي بن النعمان عن هارون بن يزيد
156

الخزاعي عن أحمد بن خالد الطبرستاني عن حمران بن أعين بن القاسم بن
محمد بن أبي بكر عن رميلة وكان رجلا من خواص أمير المؤمنين (عليه
السلام) قال رميلة: وعكت وعكا شديدا في زمان أمير المؤمنين (عليه
السلام) قال ثم وجدت منه خفة في نفسي في يوم الجمعة فقلت: لا
اعمل شيئا أفضل من أن أعلا على الماء وآتي المسجد فأصلي خلف أمير
المؤمنين (عليه السلام) ففعلت ذلك، فلما علا المنبر في جامع الكوفة
عاودني الوعك فلما خرج أمير المؤمنين من المسجد اتبعته فالتفت إلي،
فقال: ما لي أراك متشكيا بعضك إلى بعض، قد علمت من الوعك وما
قلت أنك لا تعمل شيئا أفضل من غسلك لصلاتك الجمعة خلفي وإنك
كنت وجدت خفا، فلما صليت وعلوت المنبر عاد إليك، قلت: والله يا
أمير المؤمنين ما زدت في قصتي حرفا ولا نقصت حرفا، قال: يا رميلة ما
من مؤمن ولا مؤمنة يمرض إلا مرضنا لمرضه، ولا يحزن إلا حزنا لحزنه،
ولا دعا الا امنا على دعائه، ولا شكا الا دعو نا له، فقلت: يا أمير
المؤمنين
هذا لمن كان معك في هذا المصر فمن كان في أطراف الأرض كيف
يكون في هذه المنزلة؟ قال: يا رميلة ليس بغائب عنا مؤمن ولا مؤمنة في
مشارق الأرض ومغاربها إلا وهو معنا ونحن معه فكان هذا من دلائله
(عليه السلام).
وعنه عن جعفر بن يزيد القزويني عن زيد الشحام عن أبي هارون
المكفوف عن ميثم التمار عن سعد العلاف، عن الأصبغ بن نباتة قال:
جاء نفر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالوا أن المعتد يزعم أنك تقول
إن هذا الجري مسخ فقال مكانكم حتى اخرج إليكم فتناول ثوبه، ثم
خرج إليهم ومضى حتى انتهى إلى الفرات بالكوفة فصاح يا جري فأجابه
لبيك لبيك، قال: من أنا؟ قال: أنت إمام المتقين وأمير
المؤمنين (عليك السلام)، قال: من أنت؟ قال: أنا ممن عرضت عليه
ولايتك فجحدتها، ولم أقبلها فمسخت جريا، وبعض هؤلاء الذين كانوا
157

معك يمسخون جريا.
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): بين ضيعتك وفيمن كنت ومن
كان معك، قال: نعم يا أمير المؤمنين كنا أربعة وعشرين طائفة من بني إسرائيل
قد تمردنا وطغينا واستكبرنا وتجبرنا وسكنا المفاوز رغبة منا في البعد
من المياه، والأنهار فأتانا آت وأنت والله أعرف به منا يا أمير المؤمنين
فجمعنا في صحن الدار، وصرخ بنا صرخة فجمعنا في موضع واحد وكنا
مبددين في تلك المفاوز والقفار، فقال لنا: ما لكم هربتم من المدن والمياه
والأنهار وسكنتم هذه المفاوز؟ فأردنا نقول لأننا فوق العالم تكبرا وتعززا،
فقال لنا: قد علمت ما في نفوسكم فعلى الله تتعززون؟ فقلنا له: بلى
فقال: أليس قد أخذ عليكم العهد لتؤمنن بمحمد بن عبد الله الملكي؟
قلنا: بلى، قال: وأخذ عليكم العهد بولاية وصيه وخليفته بعهده وبعده
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فسكتنا فلم نجب بألسنتنا
وقلوبنا، ونياتنا لا تقبلها، فقال: لا أو تقولون بألسنتكم، فقلناها بأجمعنا
بألسنتنا وقلوبنا ونياتنا: لا نقبلها، فصاح بنا صيحة، وقال لنا: كونوا
بإذن الله مسوخا، كل طائفة جنسا، ويا أيتها القفار كوني بإذن الله انهارا
وتسكنك هذه المسوخ وتتصل بحار الدنيا وأنهارها حتى لا يكون ماء الا
كانوا فيه فمسخنا ونحن أربعة وعشرون جنسا فصاحت اثنا عشر طائفة:
منا أيها المقتدر علينا، بقدرة الله عليك الا ما أعفيتنا من الماء، وجعلتنا على
ظهر الأرض، قال: قد فعلت: فقال أمير المؤمنين: هيه يا جري بين ما
كان الأجناس الممسوخات البرية والبحرية، فقال: أما البحرية فنحن:
الجري، والسلاحف، والمرماهي، والزمار، والسراطين، والدلافين،
وكلاب الماء، والضفادع، وبنات نقرس، والغرمان والكوسج،
والتمساح، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): هيه، والبرية؟ قال:
نعم، الوزغ، والخفاش، والكلب، والدب، والقرد والخنازير،
والضب، والحرباء، والورل، والخنافس، والأرنب، والضبع.
158

قال أمير المؤمنين: فما فيكم من خلق الإنسانية وطبائعها؟ قال
الجري: أقوامنا والبعض لكل صورة وخلقه، وكلنا تحيض مثل الإناث.
قال أمير المؤمنين صدقت أيها الجري، وحفظت ما كان، قال الجري:
يا أمير المؤمنين هل من توبة؟ فقال (عليه السلام): للأجل المعلوم وهو
يوم القيامة والله خير حافظا وهو ارحم الراحمين.
قال الأصبغ بن نباتة: فسمعنا والله ما قال ذلك الجري ووعيناه
وكتبناه وعرضناه على أمير المؤمنين (عليه السلام) فصح والله لنا ومسخ من
بعض القوم الذين حضروا جريا فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أبي الحواري عن عبد الله بن محمد بن فارس بن ماهويه عن
إسماعيل بن علي النهرواني، عن ماهان الأبلي، عن المفضل بن عمر
الجعفي عن الصادق (عليه السلام) ان أمير المؤمنين كان حوله من جهة
الأنبار في بني مخزوم، وان انسانا منهم أتاه فقال له يا خالي ان صاحبي
وتربي مات ضالا وأني عليه لحزين، قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
أتحب أن تراه؟ قال: نعم، قال: فلبس بردة رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وخرج معه إلى أن اتى إلى قبر، فركض برجله القبر فخرج الرجل
من قبره وهو يقول: ويله وبيه سلان، فقال له اخوه المخزومي: أولم تمت
وأنت رجل من العرب؟ قال كنا على سنة أبي بكر وعمر في العربية،
ونحن اليوم على سنة الفرس فليست ألسنتنا على دين الله بالعربية فقال له
أمير المؤمنين (عليه السلام): ارجع إلى مضجعك وانصرف المخزومي معه
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أبيه عن سعد بن مسلم عن صباح الأمري عن الحارث بن
خضر عن الأصبغ بن نباتة قال: خرجنا مع أمير المؤمنين وهو يطوف
بالسوق يأمر بوفاء الكيل والميزان وهو يطوف إلى أن انتصف النهار، مر
برجل جالس فقام إليه فقال له يا أمير المؤمنين: مر معي إلى أن تدخل بيتي
159

تتغدى عندي، وتدعو لي وما أحسبك اليوم تغديت، قال أمير المؤمنين:
على أن لا تدخر ما في بيتك ولا تتكلف من وراء بابك، قال: لك
شرطك، ودخل ودخلنا واكلنا خبزا وزيتا، وتمرا ثم خرج يمشى حتى
انتهى إلى قصر الامارة بالكوفة فركض برجله الأرض فزلزلت ثم قال:
وأيم الله لو علمتم ما ها هنا، وأيم الله لو قام قائمنا لأخرج من هذا
الموضع اثني عشر ألف درع واثني عشر ألف بيضة لها وجهات ثم ألبسها
اثني عشر ألفا من ولد العجم، ثم يأمر بقتل كل من كان على خلاف ما
هم عليه، وأني اعلم ذلك وأراه كما اعلم اليوم، واراه فكان هذا من
دلائله (عليه السلام).
وعنه عن محمد بن داود عن الحسين عن أبيه عن عمر بن شمر
ومحمد بن سنان الزاهري عن جابر بن يزيد الجعفي عن يحيى بن أبي
العقب عن مالك الأشتر رضي الله عنه، قال: دخلت على أمير المؤمنين
(عليه السلام) في ليلة مظلمة فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة
الله وبركاته، فقال: وعليك السلام ما الذي أدخلك علي في هذه الساعة
يا مالك؟ فقلت: خيرا يا أمير المؤمنين، وشوقي إليك فقال: صدقت
والله يا مالك، فهل رأيت أحدا ببابي في هذه الليلة المظلمة؟ قلت: نعم
يا أمير المؤمنين رأيت ثلاثة نفر، فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) فخرج
وخرجنا معه فإذا بالباب رجل مكفوف ورجل أزمن ورجل أبرص، فقال
لهم أمير المؤمنين، ما تصنعون ببابي في هذا الوقت؟ قالوا: يا أمير المؤمنين
جئناك تشفينا مما بنا فمسح أمير المؤمنين يده المباركة عليهم فقاموا من غير
زمن ولا عمى ولا برص فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أبيه عن أحمد بن الخصيب عن أحمد بن نصير عن عبد الله
الأسدي عن فضيل بن الزبير قال: مر ميثم التمار على فرس له مستقبل
حبيب بن مظاهر فجلس بين بني أسد، بالكوفة فتحدثا حتى اختلف
أعناق فرسيهما قال حبيب: لكأني شيخ أصلع ضخم البطن شبيع البطيح
160

ازرق العينين قد صلب في أهل البيت بيت رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وكأني وقد جاء برأسي إلى الكوفة، وأخبر الذي جاء به، ثم افترقا
فقال أهل المجلس: ما رأينا أعجب من أصحاب أبي تراب، يقولون: ان
عليا علمهم الغيب، فلم يفترق أهل المجلس حتى جاء رشيد الهجري
يطلبهما فسأل عنهما، فقالوا له قد افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا،
قال رشيد الهجري لهم: رحم الله ميثم فقد نسي انه يزاد في عطاء الذي
يجيب رأسه مائة درهم، ثم قال أهل المجلس: ميثم مصلوب على باب
دار عمرو بن حريث وجئ برأس ابن مظاهر من كربلا وقد قتل مع
الحسين بن علي (عليهما السلام) إلى عبيد الله ابن زياد لعنه الله، وزيد في
عطاء الذي حمل رأس حبيب مائة درهم كما ذكر، وكان كل ما قالوه مما
اخبرهم به أمير المؤمنين فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن محمد بن عبد الرحمن الطريقي عن يونس بن أحمد الزيات
عن كثير بن جعفر الأدني عن الحسن بن محبوب عن حمزة الثمالي عن أبي
إسحاق السبيعي عن سويد بن غفلة، قال: بينما نحن عند أمير المؤمنين
(عليه السلام) إذ أتى رجل فقال يا أمير المؤمنين إني قد جئت من وادي
القرى وقد مات خالد بن عرفطة فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): مه لم
يمت فأعاد عليه الرجل ثانية فقال: لم يمت، واعرض عنه بوجهه، فأعاد
عليه ثالثة فقال: سبحان الله قد أخبرتك انه قد مات، وتقول لي: انه لم
يمت، فقال (عليه السلام): لم يمت ولن يموت حتى يقود جيش ضلالة
ومصيرها النار يحمل رايته حبيب بن جماز، فأتى إلى أمير المؤمنين فقال له:
ناشدتك بالله انا لك شيعة، وقد ذكرتني يا مولاي شيئا ما اعرفه من
نفسي، فقال له: من أنت؟ عساك حبيب بن جماز؟ فقال له: انا هو يا
أمير المؤمنين فقال: إن كنت هو فلا يحملها غيرك، فولى حبيب مغضبا
فقال سويد بن غفلة: فوالله ما ذهبت الأيام والليالي حتى بعث عمر بن
سعد بن أبي وقاص خالد بن عرفطة على مقدمته في جيش ضلالة وحبيب
161

ابن جماز يحمل رايته إلى أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) وعلى
آبائه الطاهرين، حتى استشهد وقاتله فكان هذا من دلائله وعجائبه (عليه
السلام).
وعنه عن أبيه عن أحمد بن الخصيب عن أبي المطلب جعفر بن محمد بن
المفضل عن محمد بن سنان الزاهري عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم
عن مديح بن هارون بن سعد، قال: سمعت أبا الطفيل عامر بن واثلة
يقول: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لعمر: من علمك
الجهالة يا مغرور؟ وأيم الله وكنت بصيرا وكنت في دنياك تاجرا نحريرا،
وكنت فيما امرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أركبت وفرشت الغضب
ولما أحببت ان يتمثل لك الرجال قياما، ولما ظلمت عترة النبي (صلى الله
عليه وآله) بقبيح الفعال غير اني أراك في الدنيا قبلا بجراحة ابن عبد أم
معمر تحكم عليه جورا فيقتلك توفيقا يدخل والله الجنان على رغم منك،
والله لو كنت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) سامعا مطيعا لما وضعت
سيفك في عنقك، ولما خطبت على المنبر ولكأني بك قد دعيت فأجبت
ونودي باسمك فأحجمت لك هتك سترا وصلبا ولصاحبك الذي اختارك
وقمت مقامه من بعده.
فقال عمر: يا أبا الحسن اما تستحي لنفسك من هذا إليك فقال له
أمير المؤمنين (عليه السلام): ما قلت لك الا ما سمعت وما نطقت إلا ما
علمت.
قال: فمتى هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا أخرجت جيفتاكما عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبريكما اللذين لم تدفنا فيها الا لئلا
يشك أحد فيكما إذا نبشتما، ولو دفنتما بين المسلمين لشك شاك، وارتاب
مرتاب، وستصلبان على أغصان دوحة يابسة فتورق تلك الدوحة بكما
وتفرع وتخضر بكما فتكونا لمن أحبكما ورضي بفعلكما آية ليميز الله الخبيث
162

من الطيب، ولكأني انظر إليكما والناس يسألون ربهم العافية مما بليتما به،
قال: فمن يفعل ذلك يا أبا الحسن؟ قال: عصابة قد فرقت بين السيوف
أغمادها، وارتضاهم الله لنصرة دينه فما تأخذهم في الله لومة لائم،
ولكأني انظر إليكما وقد أخرجتما من قبريكما طريين بصورتيكما حتى
تصلبا على الدوحات، فتكون ذلك فتنة لمن أحبكما، ثم يؤتى بالنار التي
أضرمت لإبراهيم (صلوات الله عليه) ولجرجيس ودانيال وكل نبي وصديق
ومؤمن ومؤمنة وهي النار التي أضرمتموها على باب داري لتحرقوني وفاطمة
بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابني الحسن والحسين وابنتي زينب
وأم كلثوم، حتى تحرقا بها، ويرسل الله اليكما ريحا مدبرة فتنسفكما في اليم
نسفا ويأخذ السيف من كان منكما ويصير مصيركما إلى النار جميعا،
وتخرجان إلى البيداء إلى موضع الخسف الذي قال الله تعالى: (ولو ترى
إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب) يعني من تحت اقدامكما.
قال: يا أبا الحسن تفرق بيننا وبين رسول الله (صلى الله عليه
وآله)؟ قال: نعم.
قال: يا أبا الحسن إنك سمعت هذا وأنه حق؟ قال: فلحف أمير
المؤمنين أنه سمعه من النبي (صلى الله عليه وآله) فبكى عمر وقال أعوذ
بالله مما تقول، فهل لك علامة؟ قال: نعم قتل فظيع، وموت سريع،
وطاعون شنيع، ولا يبقى من الناس في ذلك الا ثلثهم وينادي مناد من
السماء باسم رجل من ولدي وتكثر الآفات حتى يتمنى الأحياء الموت مما
يرون من الأهوال، وذلك مما أسئتما، فمن هلك استراح ومن كان له عند
الله خير نجا ثم يظهر رجل من عترتي فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت
جورا وظلما يأتيه الله ببقايا قوم موسى ويحيى له أصحاب الكهف وتنزل
السماء قطرها وتخرج الأرض نباتها.
قال له عمر: فإنك لا تحلف إلا على حق فإنك أن تهددني بفعال
163

ولدك فوالله لا تذوق من حلاوة الخلافة شيئا أنت ولا ولدك، وإن قبل
قولي لينصرني ولصاحبي من ولدك قبل أن أصير إلى ما قلت.
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): تبا لك أن تزداد الا عدوانا
فكأني بك قد أظهرت الحسرة وطلبت الإقالة، حيث لا ينفعك ندمك.
فلما حضرت عمر الوفاة أرسل إلى أمير المؤمنين فأبى أن يجئ فأرسل
إليه جماعة من أصحابه فطلبوه إليه أن يأتيه، ففعل فقال عمر: يا أبا الحسن
هؤلاء حالوني مما وليت من أمرهم فإن رأيت أن تحالني، فافعل، فقام
أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: أرأيت ان حاللتك فمن حالل بتحليل
ديان يوم الدين، ثم ولى وهو يقول: (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب)
فكان هذا من دلائله (عليه السلام) الذي شهد أكثرها وصح ما نبأ به
فهو حق.
وعنه عن محمد بن موسى القمي عن داود بن سليمان الطوسي عن
محمد بن خلف الطاطري عن الحسن بن سماعة الكوفي عن راشد بن
يزيد المدني عن المفضل بن عمر الجعفي عن أبي عبد الله الصادق (عليه
السلام) قال: جلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رحبة مسجده
بالمدينة وطائفة من المهاجرين والأنصار حوله وأمير المؤمنين عن يمينه وعمر
عن شماله إذ طلعت غمامة ولها زجل بالتسبيح وهفيف قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): قد شاهدته من عند الله ثم مد يده إلى الغمامة
فنزلت ودنت من يده فبدا منها جام يلمع حتى غشيت ابصار من في المسجد
من لمعاته وشعاع نوره، وفاح في المسجد روائح حتى زالت عقولنا بطيبها
ومشمها والجام يسبح الله ويقدسه ويمجده بلسان عربي مبين حتى نزل في
بطن راحة رسول الله (صلى الله عليه وآله) اليمين وهو يقول: السلام
عليك يا حبيب الله وصفيه ونبيه ورسوله المختار على العالمين والمفضل على
خلق الله أجمعين من الأولين والآخرين، وعلى وصيك خير الوصيين وأخيك
164

خير المواخين وخليفتك خير المستخلفين وامام المتقين وأمير المؤمنين ونور
المستضيئين وسراج المهتدين وعلى زوجته فاطمة ابنتك خير نساء العالمين
الزهراء في الزاهرين والبتول في المتبتلين، والأئمة الراشدين وعلى سبطيك
ونوريك وريحانتيك وقرة عينيك أبناء علي الحسن والحسين، ورسول الله
وسائر من كان حاضرا يسمعون ما يقول الجام ويغضون من أبصارهم من
تلألؤ نوره (صلى الله عليه وآله) وهو يكثر من حمد الله وشكره حتى قال
الجام - وهو في كفه -: يا رسول الله أنا تحية الله إليك والى أخيك علي
وابنتك فاطمة والحسن والحسين فردني يا رسول الله في كف علي، فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) خذه يا أبا الحسن تحية من عند الله فمد
يده اليمنى فصار في بطن راحتيه فقبله واشتمه فقال مرحبا بكرامة الله
لرسوله وأهل بيته وأكثر من حمد الله والثناء عليه والجام يسبح الله عز وجل
ويهلله ويكبره ويقول: يا رسول الله ما بقي من طيب في الجنة إلا وأنا
أطيب منه، فارددني إلى فاطمة والحسن والحسين كما أمرني الله عز وجل
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قم يا أبا الحسن به فاردده إلى
كف قرة عيني فاطمة وكف حبيبي الحسن والحسين، فقام أمير المؤمنين
(عليه السلام) يحمل الجام ونوره يزيد على نور الشمس والقمر ورائحته
قد ذهلت العقول طيبا حتى دخل على فاطمة والحسن والحسين (عليهم
السلام) من الله ورحمته وبركاته ورده في أيديهم فتحيوا به وقبلوه وأكثروا
من حمد الله وشكره والثناء عليه، ثم رده إلى رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، فلما صار في كفه قام عمر على قدميه فقال: يا رسول الله، تستأثر
بكل ما نالك من عند الله من تحية وهدية، أنت وعلي وفاطمة والحسن
والحسين؟
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عمر ما أجرأك على الله؟
اما سمعت الجام حتى تسألني أن أعطيك ما ليس لك؟
فقال له: يا رسول الله أتأذن لي بأخذه واشتمامه وتقبيله؟ فقال له
165

رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أشد جأشك، قم، إن نلته فما
محمد رسول الله حقا ولا جاء بحق من عند الله فمد عمر يده نحو الجام
فلم يصل إليه وارتفع الجام نحو الغمام، وهو يقول: يا رسول هكذا
يفعل المزور بالزائر؟
قال: قم يا أبا الحسن على قدميك، وامدد يدك إلى الغمام وخذ
الجام وقل ما امرك الله به أن تؤديه الينا ثانية، فقام أمير المؤمنين (عليه
السلام) فمد يده إلى الغمام فتلقاه الجام فأخذه فقال له: رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يقول لك: ماذا أمرك الله أن تقول له؟ فأتاه الجام
وقال: نعم يا رسول الله أمرني أن أقول لكم ان قد أوقفني على نفس
كل مؤمن ومؤمنة من شيعتكم وأمرني بحضور وفاته فلا يستوحش من الموت
ولا ييأس من النظر إليكم وأن أنزل على صدره وأن أكسوه من روائح طيبي
فتقبض روحه وهو لا يشعر.
فقال عمر لأبي بكر: يا ليت الجام مضى بالحديث الأول ولم يذكر
شيعتهم فكان هذا من فضل الله على رسوله وعلى أمير المؤمنين (عليه
السلام).
وعنه بهذا الاسناد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): خرج أمير
المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم إلى بستان البرني ومعه أصحابه فجلس
تحت نخلة فرطبت ونزل منها رطب فوضع بين أيديهم فأكلوا فقال رشيد
الهجري: يا أمير المؤمنين ما أطيب هذا الرطب، فقال: يا رشيد اما انك
تصلب على جذعها، قال رشيد: فكنت اختلف إليها أطراف النهار
وأسقيها ومضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فخرجنا يوما وقد قطعت
وذهب نصفها فقلت: قد اقترب أجلي فجئت اليوم الآخر فإذا بالنصف
الثاني قد جعل زرنوقا يستقى عليه، فقلت: والله ما كذبني خليلي فأتاني
العريف فقال: أجب الأمير فأتيته فلما وصلت القصر فإذا انا بخشب ملقى
166

وفيه الزرنوق وجئت حتى ضربت الزرنوق برجلي، وقلت: إليك أعدت
وإليك أتيت، ثم دخلت على عبيد الله بن زياد لعنه الله فقال: هات من
كذب صاحبك، فقلت: والله ما كان يكذب ولقد أخبرني أنك تقطع
يدي ورجلي ولساني قال: إذن اكذبه، اقطعوا يديه ورجليه واطرحوه، فلما
حمل إلى أهله أقبل يحدث الناس بالعظائم وما يأتي وهو يقول: يا أيها
الناس اسألوني فإن للناس عندي طلبة لم يقضوها.
فدخل رجل إلى عبيد الله بن زياد لعنه الله قال: بئسما صنعت به
قطعت يديه ورجليه وتركت اللسان فهو يحدث الناس بالعظائم قال: ردوه
فقد بلغ إلي ذلك فردوه فأمر بقطع لسانه وصلبه على جذع تلك النخلة
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن جعفر بن المفضل المخلول عن إبراهيم عن جعفر بن يحيى
القرني عن يونس بن ظبيان عن أبي خالد عبد الله بن غالب عن رشيد
الهجري (رضي الله عنه) قال كنت وأبا عبد الله سلمان، وأبو عبد
الرحمن قيس بن ورقا، وأبو الهيثم مالك بن التيهان وسهل بن حنيف بين
يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمدينة إذ دخلت خبابة الوالبية وعلى
رأسها كور شبيه السيف، وعليها أطمار سابغة متقلدة مصحف، وبين
أناملها مسباح من حصى فسلمت وبكت، وقالت آه يا أمير المؤمنين، آه
من فقدك وا أسفاه على غيبتك وا حسرتاه على ما يفوت من الغيبة منك لا
يلهم عنك ولا يرغب يا أمير المؤمنين من الله فيه الخشية وإرادة من أمري
معك على يقين وبيان وحقيقة، وأني اتيتك وأنت تعلم ما أريد فمد يده
اليمنى إليها فأخذ من يدها حصاة بيضاء تلمع وترى من صفائها وأخذ
خاتمه من يده وطبع به في الحصاة فانطبعت، فقال لها: يا حبابة هذا كان
مرادك مني؟ فقالت: اي والله يا أمير المؤمنين هذا أريد لما سمعناه من
نقول شيعتك واختلافهم بعدك، فأردت بهذا برهانا يكون معي ان عمرت
بعدك - ولا عمرت - ويا ليتني وقومي لك الفداء، فإذا وقعت الإشارة
167

وشئت شيعه فمن يقوم مقامك أتيته بهذه الحصاة، فإذا فعل فعلك بها
علمت أنه الخليفة وأرجو ان لا أوجد لذلك.
قال: بلى: والله يا حبابة، لتلقين بهذه الحصاة ابني الحسن،
والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد،
وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، وكلا إذا اتيته استدعى بالحصاة منك
وطبعها بهذا الخاتم لك فبعهد علي بن موسى ترين في نفسك برهانا عظيما
تعجبين منه فتختارين الموت فتموتين ويتولى أمرك ويقوم على حفرتك ويصلي
عليك وأنا مبشرك بأنك مع المكرورات مع المهدي من ذريتي إذا اظهر الله
امره.
فبكت حبابة، ثم قالت: يا أمير المؤمنين من أين لأمتك الطائعة
الضعيفة اليقين القليلة العمل لولا فضله وفضل رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، وفضلك يا أمير المؤمنين أن تتأتى هذه المنزلة التي انا فيها، والله بما
قلته لي مؤقنة ليقيني بأنك أمير المؤمنين حقا لا سواك، فادع لي يا أمير
المؤمنين بالثبات على ما هداني الله إليه، ولا أسلبه ولا أفتتن فيه، ولا
أضل عنه.
فدعا لها أمير المؤمنين بذلك، واصحبها خيرا.
قالت حبابة: لما قبض أمير المؤمنين (عليه السلام) بضربة عبد
الرحمن بن ملجم المرادي في مسجد الكوفة أتيت مولاي الحسن فلما رآني
قال: أهلا وسهلا بك يا حبابة هاتي الحصاة فمد يده إليها (عليه
السلام) كما مد أمير المؤمنين يده فأخذ الحصاة وطبعها كما طبعها أمير
المؤمنين، وخرج ذلك الخاتم بعينه، فلما قبض الحسن بالسم أتيت الحسين
(عليه السلام) فلما رآني قال: مرحبا بك يا حبابة هاتي الحصاة، فأخذها
وختم عليها بذلك الخاتم، فلما استشهد (عليه السلام) أتيت عليا بن
الحسين وقد شك الناس فيه ومالت شيعة الحجاز إلى محمد بن الحنفية، من
168

شكهم في زين العابدين (عليه السلام)، وصار من كبارهم جميع،
فقالوا: يا حبابة الله الله فينا اقصدي إلى علي بن الحسين (عليه السلام)
حتى يتبين الحق، فصرت إليه فلما رآني رحب بي ومد يده وقال: هاتي
الحصاة فأخذها وطبعها بذلك الخاتم ثم صرت بذلك الخاتم إلى محمد،
والى جعفر بن محمد، والى موسى بن جعفر، والى علي بن موسى الرضا
(صلوات الله عليهم أجمعين)، فكل يفعل كفعل أمير المؤمنين (عليه
السلام) والحسن والحسين (عليهما السلام)، وكبر سني ورق جلدي ودق
عظمي وحال سواد شعري بياضا، وكنت بكثرة نظري إليهم صحيحة
العقل والبصر والفهم، فلما صرت إلى علي الرضا بن موسى (صلوات الله
عليه) رأيت شخصه الكريم ضحكت ضحكا فقال من حضر: قد خرفت
يا حبابة، والا نقص عقلك، فقال لهم علي الرضا (صلوات الله عليه)
اني لكم، ما خرفت حبابة ولا نقص عقلها، ولكن جدي أمير المؤمنين (عليه السلام)
أخبرها بأنها تكون معي وأنها تكون مع المكرورات مع
المهدي (عليه السلام)، من ولدي، فضحكت تشوقا إلى ذلك وسرورا
وفرحا بقربها منه، فقال القوم: استغفر لنا يا سيدنا وما علمنا هذا،
قال: يا حبابة ما الذي قال لك جدي أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
قالت: قال تريني برهانا عظيما، قال: يا حبابة ترين بياض شعرك؟
قلت: بلى يا مولاي، قال: يا حبابة أفتحبين ان تريه اسود حالكا كما
كان في عنفوان شبابك؟ قلت: نعم يا مولاي، قال: يا حبابة ويجزيك
ذلك أو نزيدك؟ فقلت: يا مولاي زدني من فضلك علي قال: أتحبين ان
تكوني مع سواد شعرك شابة؟ فقلت: يا مولاي هذا البرهان عظيم،
قال: وهذا أعظم منه ما تجدينه مما لا يعلم الناس به، فقلت: يا مولاي
اجعلني لفضلك اهلا فدعا بدعوات خفية حرك بها شفتيه فعدت والله شابة
طرية غضة سوداء الشعر حالكا، ثم دخلت خلوة في جانب الدار ففتشت
نفسي فوجدتها بكرا فرجعت وخررت بين يديه ساجدة، ثم قلت: يا
مولاي النقلة إلى الله عز وجل فلا حاجة لي في حياة الدنيا، فقال: يا
169

حبابة ارحلي إلى أمهات الأولاد فجهازك هناك منفردا.
قال الحسين بن حمدان الخصيبي (رضي الله عنه): حدثني جعفر بن
مالك، قال حدثني محمد بن يزيد المدني قال: كنت مع مولاي علي الرضا
(صلوات الله عليه) حاضرا لأمر حبابة وقد دخلت إلى أمهات الأولاد فلم
تلبث الا بمقدار ما عاينت جهازها حتى تشهدت وقبضت إلى الله رحمها
الله.
قال مولانا الرضا (صلوات الله عليه) رحمك الله يا حبابة قلنا: يا
سيدنا ولما قبضت قال لبثت إلى أن عاينت جهازها حتى قبضت إلى الله وامر
بتجهيزها فجهزت وخرجت وصلينا عليها وحملت إلى حفرتها وأمر سيدنا
بزيارتها وتلاوة القرآن عندها والتبرك بالدعاء هناك فكان هذا من دلائل
مولانا أمير المؤمنين وبراهينه (عليه السلام).
وعنه بهذا الإسناد قال: حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري قال كنت
بين يدي مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلى
الله عليه وآله) إذ دخل عمر بن الخطاب فلما جلس قال لجماعة ان لنا
سترا فيما بيننا، تخففوا رحمكم الله، فشمرت وجوهنا وقلنا ما كذا كان
يفعل بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد كان يأتمننا على سره فما لك
لما رأيت فتيان المسلمين تسريت بفتيان رسول الله؟ فقال: للناس اسرار لا
يمكن اعلانها فقمنا مغضبين، وخلا بأمير المؤمنين مليا، ثم قاما من مجلسهما
حتى رقيا منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) جميعا فقلنا: الله أكبر ترى
ابن حنتمة رجع عن غيه وطغيانه ورقي المنبر مع أمير المؤمنين، وقد مسح
يده على وجهه، ورأينا عمر يرتعد ويقول: لا حول ولا قوة الا بالله العلي
العظيم، ثم صاح ملء صوته يا سارية ألجأ الجبل، ثم لم يلبث ان قبل
صدر أمير المؤمنين ونزلا وهو ضاحك، وأمير المؤمنين يقول له: إفعل ما
زعمت يا عمر انك فاعله وأن لا عهد لك ولا وفاء، فقال له امهلني يا أبا
170

الحسن حتى انظر ما يرد إلي من خبر سارية وهل ما رأيته صحيحا أم لا،
قال له أمير المؤمنين: ويحك يا عمر فإذا صح ووردت الاخبار عليك
بتصديق ما رأيت وما عاينت، وانهم قد سمعوا صوتك ولجأوا إلى الجبل
كما رأيت هل أنت مسلم ما ضمنت؟ قال: لا يا أبا الحسن، ولكني
أضيف هذا إلى ما رأيت منك ومن رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
والله يفعل ما يشاء.
فقال له أمير المؤمنين: ويلك يا عمر ان الذي تقول أنت وحزبك
الضالون انه سحر وكهانة ليس فيك شك، فقال: ذلك قول قد مضى
والامر لنا في هذا الوقت، ونحن أولى بتصديقكم في أفعالكم وما نراه من
عجائبكم الا ان هذا الملك عقيم.
فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) ولقيناه فقلنا: يا أمير المؤمنين ما
هذه الآية العظيمة؟ وهذا الخطاب الذي سمعناه؟ فقال: هل علمتم
أوله؟ فقلنا ما علمناه يا أمير المؤمنين ولا نعلمه الا منك، قال: ان هذا
ابن الخطاب قال لي انه حزين القلب باكي العين على جيوشه التي في فتوح
الجبل في نواحي نهاوند، وأنه يحب ان يعلم صحة اخبارهم وكيف مع
كثرة جيوش الجبل وان عمرا بن معدي كرب قتل ودفن بنهاوند، وقد
ضعف جيشه واتصل الخبر بقتل عمر، فقلت له: ويحك يا عمر كيف
تزعم أنك الخليفة في الأرض، والقائم مقام رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وأنت لا تعلم ما وراء اذنك وتحت قدمك والإمام يرى الأرض
ومن عليها، ولا يخفى عليه من اعمالهم شئ؟ فقال لي: يا أبا الحسن
أنت بهذه الصورة فأت خبر سارية وأين هو؟ ومن معهم؟ وكيف
صورهم؟ فقلت له: يا ابن الخطاب، فان قلت لك لا تصدقني ولكني
أريك جيشك وأصحابك وسارية قد كمن بهم جيش الجبل في واد قعيد
بعيد الأقطار كثير الأشجار فإن سار به جيشك يسيرا خلصوا بها، وإلا قتل
أول جيشك وآخره، فقال: يا أبا الحسن ما لهم ملجأ منهم، ولا يخرجون
171

من ذلك الوادي، فقلت: بلى لو لحقوا الجبل الذي يلي الوادي سلموا
وتملكوا جيش الجبل فقلق واخذ بيدي، وقال: الله الله يا أبا الحسن في
جيوش المسلمين فأرينهم كما ذكرت أو حذرهم ان قدرت ولك ما تشاء من
خلع نفسي من هذا الأمر ورده إليك فأخذت عليه عهد الله وميثاقه ان
رقيت به المنبر وكشفت عن بصره وأريته جيوشه في الوادي وانه يصيح
إليهم فيسمعون منه ويلجأون إلى الجبل ويظفرون بجيش الجبل يخلع نفسه
ويسلم إلي حقي، فقلت له: قم يا شقي، والله لا وفيت بهذا العهد
والميثاق كما لم تف لله ولرسوله ولي بما اخذناه عليك من العهد والميثاق
والبيعة في جميع المواطن، فقال لي: بلى والله فقلت له: ستعلم أنك من
الكافرين، ورقيت المنبر فدعوت بدعوات وسألت الله ان يريه ما قلت
ومسحت على عينيه وكشفت عنه غطاءه فنظر إلى سارية وسائر الجيش
وجيش الجبل وما بقي الا الهزيمة لجيشه، فقلت له: صح يا عمر ان
شئت، قال: يسمع؟ قلت: نعم، يسمع ويبلغ صوتك إليهم، فصاح
الصيحة التي سمعتموها: يا سارية إلجأ الجبل، فسمعوا صوته ولجأوا إلى
الجبل فسلموا وظفروا بجيش الجبل فنزل ضاحكا كما رأيتموه وخاطبته
وخاطبني بما سمعتموه.
قال جابر: آمنا وصدقنا وشك آخرون إلى ورود البريد بحكاية ما
حكاه أمير المؤمنين واراه عمر ونادى بصوته فكاد أكثر العوام المرتدين أن
يعبدوا ابن الخطاب وجعلوا هذا منقبا له والله ما كان الا منقلبا. فكان
هذا من دلائل مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).
172

الباب الثالث
باب سيدة النساء (عليها السلام)
173

قال السيد الحسين بن حمدان الخصيبي بإسناده: ولدت فاطمة بنت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد خمس سنين من ظهور الرسالة ونزول
الوحي ومن بناء الحرم الذي أراد أبرهة ابن الصباح الجبار خرابه، وملك
الحبشة وهو الجلندي ابن كركر صاحب الفيل وكان تخريبه بعد طسم
وجديس وحزبهم ورحلهم من مكة وبني قريش ما كان خرب منه، فلما
ورد أبرهة لهدم البيت وتخريبه أغار على أموال قريش وبني هاشم فاستباحها
فصار إليه عبد المطلب فاستأذنوه عليه فلما صار إليه ارتعب منه أبرهة وعظم
في نفسه وكبر عليه، فقال لمن حوله: من هذا الرجل العظيم؟ فقالوا:
سيد قريش وأفضل بني هاشم وأشرف العرب نفسا ونسبا، وهو صاحب
هذا البيت فقال اسألوه فيما جاءنا فسألوه، قال: جئت أساله رد ما اخذه
واستباحه من أموالنا، ونعمنا، فرغب أبرهة وقال لأصحابه: تزعمون أنه
صاحب البيت، وفخره له يراني قد قصدت إليه ولا يسألني الصفح عنه
ويسألني رد ماله، ما أقول ما قلتم فأعيدوا قولي هذا عليه، فأعادوه على
عبد المطلب فقال لهم يرد علينا أموالنا فان لهذه الكعبة ربا يمنعك منها،
فقال: ردوا عليهم أموالهم حتى ننظر كيف رب هذه الكعبة يمنعنا منها،
وامر بالفيلة فجمعت وحملوا بها وقال لساستها: احملوا على البيت فاجعلوه
175

سحيقا فلما جمع الفيلة وحملوا بها وقفت ولم تدخل الحرم ودعا بفيل وحمله
على البيت فلم يدخل البيت ولم يزالوا من غروب الشمس إلى طلوع الفجر
يريدونها على دخول الحرم فلم تدخل فأدار إلى خارج الحرم ويأمر بحطم
كل ما يلقاه فلما أسفر الصبح وطلع النهار ارسل الله تعالى عليهم طيرا
أبابيل فكانوا كما قال الله عز وجل فجعلهم كعصف مأكول.
وتوفيت فاطمة (عليها السلام) ولها ثمانية عشر سنة وشهران وخمسة
وعشرون يوما.
وأقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين ثم هاجرت معه إلى المدينة،
وأقامت بها عشر سنين الهجرة ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولها
ثمانية عشر سنة، وعاشت بعده خمسة وسبعين يوما وبرواية الغار أربعين
يوما وهو الصحيح.
وأسماؤها (عليها السلام: فاطمة وفاطم ترخيما.
وكناها: أم الحسن والحسين وأم الأئمة وأم أبيها.
وألقابها: الزهراء، والبتول، والحصان، والحوراء، والسيدة،
والصديقة، ومريم الكبرى، ووالدة الحسن والحسين، وأم النقي، وأم
التقي، وأم البلجة، وأم الرأفة، وأم العطية، وأم الموانح، وأم النورين،
وأم العلا، وأم البدية، وأم الرواق الحسيبة، وأم البدريين.
ومن أسماء أبي الحسن لها أم البركات، وأم الهادي، وأم الرحبة
(عليها السلام).
ولها احدى عشرة سنة بعد الهجرة، ولم تحض كما تحيض النساء.
وكان حملها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال لما
عرج بي جبريل (عليه السلام) إلى ربي ورأيت كل ما رأيته في الملكوت
176

ودخلت الجنة وناداني كل ما فيها من شئ حتى ثمارها، وأخذ حبيبي جبريل
(عليه السلام) تفاحة من تفاح الجنة، فقال لي يا رسول الله ربك يقرئك
السلام، ويقول لك: خذ هذه التفاحة فإن من مائها إذا تخلق تفاحة
الدنيا والآخرة، وهي فاطمة ابنتك ورأيت النار وما فيها ثم هبطت إلى
الدنيا فوافيت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة.
وصدق هذا الخبر في التفاحة قول عائشة وقد دخل عليها بالمدينة نسوة
من العراقيات وعندها نسوة من الشاميات فقلن لها يا عائشة نسألك عن
خروجك على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على ضلال استحللت قتاله أم
على حق فبغيت عليه فقالت عائشة ويحكن يا عراقيات لقد سألتنني عن
الداهية الدهياء والطامة العظمى، ان عليا (عليه السلام) كان لله ناصرا
ولدين الله ثابتا قائما بالحجة وخليفة النبوة وأديب الملائكة وقريع الوحي
يسمعه بكرة وعشيا ويعيه في اذن واعية، وحجته على خلقه والباب بينهم
وبينه وما عسى أن أقول في أبي الحسن وقد اشتبكت رحمه برسول الله
(صلى الله عليه وآله) كاشتباك الأصابع المتشابكة بالأوصال المتحابكة
فصارت النفس واحدة وأودعت جسمين فما يفارق جسم رسول الله ويرى
ثقل حبيبه وخليله وقرة عينه الذي كان أحب الناس إليه مريم الكبرى
والحوراء التي أفرغت من ماء الجنة من تفاحة في صلب رسول الله (صلى
الله عليه وآله) لقحت أكرم لقح وانتجبت أكرم من نجب فهو وابناه
كبعض فضل الله لأن عليا (عليه السلام) أعلاهم فضل من الله ومنزلة
عند الله ورسوله وسماكن مسلمات وجعلكن مؤمنات وهداكن سبلا،
وجعل الأرض لكن مهادا وذللا فقلن الشاميات فما بال علي أمير المؤمنين
يلعنه معاوية على منابر الشام؟ فقالت: ويلكن يا شاميات ان معاوية
احتقب بخزيه إلى خزيكن وبعماه إلى عماكن والله لولا أني اكره لأمرت
بنفيكن أخرجن يا ناريات.
وكانت فاطمة (عليها السلام) غمضت عينها وحفظت نفسها ومدت
177

عليها الملاءة وقالت: يا أسماء بنت عميس إذا انا مت فانظري إلى الدار
فإذا رأيت سجافا من سندس الجنة قد ضرب فسطاطا من جانب الدار
فاحمليني وزينب وأم كلثوم وأتيا بي فاجعلوني من وراء السجاف وخلوا بيني
وبين نفسي.
فلما توفيت فاطمة (عليها السلام) وظهر السجاف حملتها وجعلت
وراءه فغسلت وحنطت بالحنوط وكان كافورا أنزله جبريل (عليه السلام)
من الجنة وثلاث صدر، فقال: يا رسول الله العلي الاعلى يقرئك
السلام، ويقول لك هذا حنوطك وحنوط ابنتك فاطمة، وحنوط أخيك
علي مقسوم ثلاثا، وان أكفانها من الجنة لأنها أمة أكرم على الله من أن
يتولاها أحد غيره.
وروي انها تكفنت من بعد غسلها وحنوطها وطهارتها لا دنس فيها
وانها لم يكن يحضرها الا أمير المؤمنين والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم
وفضة جاريتها وأسماء ابنة عميس وان أمير المؤمنين (عليه السلام) جهزها
ومعه الحسن والحسين في الليل وصلوا عليها وانها وصت، وقالت لا يصلي
علي أمة نقضت عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يعلم بها أحدا، ولا
حضر وفاتها أحد ولا صلى عليها من سائر الناس غيرهم لأنها وصت
(عليها السلام)، وقالت: لا يصلي علي أمة نقضت عهد الله وعهد أبي
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين بعلي وظلموني واخذوا
وراثتي وحرقوا صحيفتي التي كتبها أبي بملك فدك والعوالي وكذبوا شهودي
وهم والله جبريل وميكائيل وأمير المؤمنين وأم أيمن وطفت عليهم في بيوتهم
وأمير المؤمنين (عليهم السلام) وعليه يحملني ومعي الحسن والحسين ليلا
ونهارا إلى منازلهم يذكرهم بالله ورسوله لئلا يظلمونا ويعطونا حقنا الذي
جعله الله لنا فيجيبون ليلا ويقعدون عن نصرتنا نهارا ثم ينفذون إلى دارنا
قنفذا ومعه خالد بن الوليد ليخرجا ابن عمي إلى سقيفة بني ساعدة
178

لبيعتهم الخاسرة ولا يخرج إليهم متشاغلا بوصاة رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وأزواجه وتأليف القرآن وقضاء ثمانين ألف درهم وصاه بقضائها
عنه عدات ودينا فجمعوا الحطب ببابنا وأتوا بالنار ليحرقوا البيت فأخذت
بعضاذتي الباب وقلت: ناشدتكم الله وبأبي رسول الله (عليه السلام) ان
تكفوا عنا وتنصرفوا فأخذ عمر السوط من قنفذ مولى أبي بكر، فضرب به
عضدي فالتوى السوط على يدي حتى صار كالدملج، وركل الباب برجله
فرده علي وانا حامل فسقطت لوجهي والنار تسعر، وصفق وجهي بيده
حتى انتثر قرطي من اذني وجاءني المخاض فأسقطت محسنا قتيلا بغير جرم
فهذه أمة تصلي علي، وقد تبرأ الله ورسوله منها وتبرأت منها.
فعمل أمير المؤمنين بوصيتها، ولم يعلم بها أحد وأصبح الناس في
البقيع ليلة دفن فاطمة (عليها السلام) أربعون قبرا جددا وان المسلمين
لما علموا بوفاة فاطمة ودفنها أتوا أمير المؤمنين (عليه السلام) يعزونه بها،
فقالوا: يا أخا رسول الله أمرت بتجهيزها وحفر تربتها فقال أمير المؤمنين
(عليه السلام) قد ووريت ولحقت بأبيها (صلى الله عليهما) فقالوا: انا
لله وانا إليه راجعون تموت بنت محمد، ولم يخلف ولدا غيرها ولا يصلي
عليها، ان هذا الشئ عظيم.
فقال (عليه السلام): حسبكم ما جئتم به على الله ورسوله من أهل
بيته ولم أكن والله أعصيها في وصيتها التي وصت بها أن لا يصلي عليها أحد
منكم وما بعد العهد غدر.
فنفض القوم أثوابهم وقالوا: لا بد من الصلاة على بنت نبينا ومضوا من
فورهم إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبر جددا، فاستشكل عليهم قبرها
بين تلك القبور فضج الناس، ولام بعضهم بعضا، وقالوا: لم تحضروا
وفاة بنت نبيكم ولا الصلاة عليها ولا تعرفون قبرها فتزورونها.
فقال أبو بكر: أتوا نساء المسلمين من ينشر هذه القبور حتى تجدوا
179

فاطمة (عليها السلام) فتصلوا عليها ويزار قبرها، فبلغ ذلك أمير المؤمنين
(عليه السلام) فخرج من داره مغضبا وقد احمرت عيناه ودارت أوداجه
وعلى يده قباه الأصفر الذي لم يكن يلبسه الا في كريهة، يتوكأ على سيفه
ذي الفقار، حتى ورد على البقيع فسبق إلى الناس النذير فقال لهم: هذا
علي قد أقبل كما ترون يقسم بالله لئن بحث من هذه القبور حجر واحد
لأضعن سيفي على غابر الأمة، فولى القوم ولم يحدثوا احداثا.
والذي ولدت فاطمة (عليها السلام) من أمير المؤمنين (عليه
السلام): الحسن والحسين ومحسنا سقطا وزينب وأم كلثوم وكان اسمها
آمنة، وولدت الحسن والحسين من فخذها الأيمن وأم كلثوم وزينب من
فخذها الأيسر.
ومثله ما روي عن وهب بن منبه ان مريم ولدت عيسى (صلوات الله
عليه) من فخذها الأيمن وان النفخة كانت من جيبها والكلمة على قلبها
وتفسير جابر عن الباقر (عليه السلام) أن في قول الله عز وجل كفاية
قوله: (فنفخنا فيه من روحنا) وانها كانت النفخة من جيبها والكلمة
على قلبها وصح ان النفخة في آدم (عليه السلام) لم تكن في فرجه وإنما
كانت في فيه.
180

الباب الرابع
باب الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
181

مضى الحسن بن علي (عليهما السلام) وله سبع وأربعون سنة، أقام
مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة سبع سنين من سني الهجرة،
وأقام مع أمير المؤمنين (عليه السلام) عشر سنين وكان اسمه الحسن،
وسماه الله في التوراة: شبر.
وكناه عند العامة أبو محمد، وعند الخاصة أبو القاسم، لأنه كني بأخيه
المستشهد بكربلا.
الزكي، والسبط الأول، وسيد شباب أهل الجنة، والأمين، والحجة
والتقي.
وأمه الطاهرة فاطمة ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم أولاده
عبد الله والقاسم وزيد وعمر وعبيد الله وعبد الرحمن واحمد وإسماعيل
وعقيل والحسين وبشر.
ومن البنات أم الحسن فقط.
ومشهده البقيع بالمدينة.
183

وتوفي بالسم في تمام سنة خمسين من سني الهجرة وكان سبب سمه على
يد زوجته جعدة بنت محمد بن الأشعث بن قيس الكندي لأنه بذل لها معاوية
على ذلك عشرة آلاف درهم واقطاع عشر ضياع سورا وهي من سواد
الكوفة.
ولما حضرت الحسن الوفاة قال لأخيه الحسن (عليهما السلام) ان
جعدة لعنها الله ولعن أباها وجدها فإن جدها خالف أمير المؤمنين (عليه
السلام) وقعد عنه بالكوفة بعد الرجوع من صفين معاندا منحرفا مخالفا
طاعته بعد ان خلعه بالكوفة من الامارة وبايع الضب دونه وكان لعنه الله لا
يشهد له جمعة ولا جماعة ولا يشيع جنازة لاحد من الشيعة ولا يصلي عليهم
منذ سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبره يقول ويح لفراخ أفراخ
آل محمد وريحانتي وقرة عيني ابني الحسن من ابنتك التي من صلبك يا أشعث
وهو ملع متمرد وجبار يملك من بعد أبيه فقام إليه أبو بحر الأحنف بن قيس
التميمي فقال له يا أمير المؤمنين ما اسمه قال يزيد بن معاوية ويؤمر على قتل
ابني الحسين (عليه السلام) عبيد الله بن زياد لعنه الله على الجيش السائر
إلى ابني بالكوفة فتكون وقعتهم بكربلاء غربي الفرات كأني انظر إلى مناخ
ركابهم ورحالهم وإحاطة جيوش أهل الكوفة بهم وأغماد سيوفهم ورماحهم
وسقيهم في جسومهم ودمائهم ولحومهم وسبي أولادي وذراري رسول الله
(صلى الله عليه وآله) حملهم ناشرين الأقتاب وقتل الشيوخ والكهول
والأطفال فقام الأشعث بن قيس على قدميه وقال ما ادعى رسول الله
ما تدعيه من العلم من أين لك هذا فقال له أمير المؤمنين (عليه
السلام) ويلك يا من عنق النار لابنك محمد ابنك من قوادهم اي والله
وشمر بن ذي جوشن وشبث بن ربعي والزبيدي وعمرو بن حريث فاسرع
الأشعث وقطع الكلام وقال يا ابن أبي طالب افهمني ما تقول حتى أجيبك
عنه فقال له ويلك يا أشعث اما سمعت فقال يا ابن أبي طالب ما سوى
كلامك يمر وولى فقام الناس على اقدامهم ومدوا أعينهم إلى أمير المؤمنين
184

ليأذن لهم في قتله فقال لهم مهلا يرحمكم الله إني أقدر على هلاكه منكم ولا
بد ان تحق كلمة العذاب على الكافرين ومضى الأشعث لعنه الله عليه بنيان
خطة وهي المعروفة بالأشعثية وبنى في داره مئذنة عالية فكان إذا ارتفعت
(أصوات) مؤذني أمير المؤمنين (عليه السلام) في جامع الكوفة صعد
الأشعث إلى مئذنته فنادى نحو المسجد يريد أمير المؤمنين انا كذا وكذا انك
ساحر كذاب واجتاز أمير المؤمنين في جماعة من أصحابه في خطة الأشعث
ابن قيس لعنه الله وهو على ذروة بنيانه فلما نظر أمير المؤمنين (عليه
السلام) اعرض بوجهه فقال له ويلك يا أشعث حسبك ما وعد الله لك
من عنق النار فقال أصحابه يا أمير المؤمنين وما معنى عنق النار، فقال: ان
الأشعث لعنه الله إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق ممدودة حتى تصل إليه
وعشيرته ينظرون فتبلعه فإذا خرجت به عنق النار لم يجدوه في مضجعه
فيأخذون عليهم أثوابهم ويكتمون أمرهم ويقولون لا تقروا بما رأيتم فيشمت
بكم أصحاب أمير المؤمنين فقال له أصحابه يا أمير المؤمنين ما يصنع به عنق
النار فقال أمير المؤمنين عجلت عليه النار يكون فيها جثيا معذبا إلى أن
نورده النار بعد ذلك في الآخرة فقالوا يا أمير المؤمنين فكيف عجلت له
النار في الدنيا فقال (عليه السلام) لأنه كان يخالف الله ويخاف النار فيعذبه
الله بالنار وبالذي كان يخاف منه فقالوا يا أمير المؤمنين وأين يكون عنق هذه
النار قال في هذه الدنيا والأشعث فيها على كل يوم حتى تقذفه بين يديه
فيراه بصورته ويدعوه الأشعث ويستجير ويقول أيها العبد الصالح ادع ربك
لي يخرجني من هذه النار التي جعلها الله عذابي في الدنيا والآخرة أي والله
لبغضي في علي ابن أبي طالب وفي محمد (عليهما السلام) فيقول له المؤمن
لا أخرجك الله منها في الدنيا ولا في الآخرة وأي والله ويقذفه عند عشيرته
وأهله ممن شك ان عنق النار أخذته حتى يناجيهم ويناجونه ويقول لهم:
إذا سألوه بما صرت معذبا في هذه الدنيا، فيقول لهم: شكي في محمد
وبغضي لعلي (عليهما السلام) وكراهتي لبيعته وخلافي عليه وخلافي لبيعته
185

ومبايعتي ضبا دونه فيلعنونه ويتبرؤون منه ويقولون ما نحب ان نصير إلى
ما صرت إليه، قال الحسن (عليه السلام): إذا أنا مت يا أخي فغسلني
وحنطني وكفني وصل علي واحملني إلى جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله
) حتى تلحدني إلى جنبه فإن منعت من ذلك فبحق جدك رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وعلي أبيك وأمك فاطمة الزهراء (عليهما السلام)
وبحقي يا أخي ان لا خاصمت أحدا ولا قاتلته فحسبك بما قال لك في
قتال جيش يزيد بكربلا في غربي الفرات وأرادوا تعنفي فارجع من فورك
إلى بقيع الغرقد فادفني فيه، واعلم انك إذا حملتني إلى قبر جدي رسول
الله (صلى الله عليه وآله) لا يدع مروان طريد جدك لكفره ويركب بغلته
ويصير إلى عائشة مسرعا فيقول لها يا أم المؤمنين تتركين الحسين يدفن أخاه
مع جده رسول الله فتقول له يا مروان ما اصنع فيقول والله يا عائشة لئن
دفن الحسن مع جده محمد ليذهبن فخر أبيك وفخر عمر إلى يوم القيامة
فتقول له وانى لي بهم وقد سبقوني فيقول هذه بغلتي فاركبيها والحقي بالقوم
فامنعيهم من الدخول إليه ولو جزت ناصيتك وينزل عن بلغته وتركب
عائشة وتسرع إليهم فتلحق بنعشي وقد وصل إلى حرم جدي رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فترمي نفسها بينكم وبين القبر وتقول لا يدفن
الحسن ها هنا أو تجز ناصيتي هذه وتأخذ ناصيتها بيدها فإذا فعلت ذلك
فارددني إلى البقيع وادفني إلى جانب قبر إبراهيم ابن جدك رسول الله (صلى
الله عليه وآله) فلما توفي الحسن (صلوات الله عليه) اخذ الحسين (عليه
السلام) في جهازه وحمله وصلى عليه وصار به إلى قبر جده (عليه السلام)
ووافى مروان لعنه الله مسرعا على بغلته إلى عائشة لعنها الله وقال كما حكاه
الحسن للحسين (عليهما السلام) وقالت له مثله ونزل مروان عن بغلته
وركبتها عائشة ولحقت القوم وقد وصلوا إلى حرم النبي (عليه السلام)
فرمت بنفسها عن البغلة واخذت بناصيتها ووقفت بينهم وبين القبر وقالت
والله لا يدفن الحسن مع جده أو تجر ناصيتي هذه فأراد بنو هاشم الكلام
فقال الحسين (عليه السلام) الله الله لا تضيعوا وصية أخي واعدلوا به إلى
186

البقيع فإنه اقسم علي ان منعت من دفنه مع جده رسول الله (صلى الله
عليه وآله) لا أخاصم أحدا وان ادفنه في البقيع فعدلوا به إليه فدفنوه فيه
فقال عبد الله بن العباس: كم لنا منكم يا حميراء يوم على جمل ويوم على
زرافة فقالت يا ابن العباس ليس قتالي لعلي بعجيب وقد رويتم ان صفراء
ابنة شعيب زوجة موسى بن عمران (عليه السلام) قاتلت بعده وصية
يوشع بن نون على زارفة فقال لها ابن العباس هي والله صفراء وأنت حميراء
الا انها بنت شعيب وأنت بنت عتيق ابن عبد العزى قالت إن لنا عندك يا
ابن العباس ثارا بثأر والمعاد لا تقول به فقال لها ابن عباس والله أنت ومن
أنت منه وحزبكم الضالون فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
قال الحسين بن حمدان الخصيبي حدثني جعفر بن محمد القصير
البصري عن محمد بن عبد الله بن مهران الكرخي عن محمد بن صدقة
العنبري عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه
السلام) ان اعرابيا خرج من قومه حاجا محرما فورد على ادحي نعام فيه
بيض فاخذه واشتواه واكل منه وذكره ان الصيد حرام فورد المدينة فقال أين
الخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد جنيت عظيما فأرسل إلى
أبي بكر فورد عليه وعنده ملأ من قريش فيهم عمر بن الخطاب وعثمان بن
عفان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن
الجراح وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة فسلم الأعرابي ثم قال: يا خليفة
رسول الله أفتني، فقال له أبو بكر: قل يا أعرابي، فقال: إني خرجت
من قومي حاجا محرما فأتيت على أدحي فيه بيض نعام فأخذته واشتويته
فأذن لي من الحج ما علي فيه جلال وما علي فيه حرام من الصيد فاقبل أبو
بكر على من حوله وقال: أنتم حواري رسول الله فقال الزبير من دون
الناس أنت خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت أحق بإجابته
فقال له أبو بكر: يا زبير علي بن أبي طالب في صدرك قال وكيف وأمي
صفية ابنة عبد المطلب عمة رسول الله، فقال الأعرابي ما في القوم الا من
يجهد وقال له الاعرابي: ما اصنع قال له الزبير لم يبق في المدينة من نسأله
187

بعد من حضر هذا المجلس الا صاحب الحق الذي هو أولى بهذا المجلس
منهم، قال الأعرابي فترشدني إليه، قال الزبير: إن أخباري يسومونه قوم
ويحط آخرون قال الأعرابي قد ذهب الحق وصرتم تكرهون، قال عمر: إلى
كم تطيل الخطاب يا ابن العوام قوموا بنا والأعرابي إلى علي فلا نسمع
جواب هذه المسألة الا منه فقاموا بأجمعهم والأعرابي معهم حتى صاروا إلى
أمير المؤمنين فاستخرجوه من بيته وقالوا للأعرابي أقصص قصتك على أبي
الحسن علي قال الأعرابي فلم أرشدتموني إلى غير خليفة رسول الله (صلى الله
عليه وآله) فقالوا: ويحك يا أعرابي خليفة رسول الله أبو بكر وهذا وصيه في
أهل بيته وخليفته وقاضي دينه ومنجز عداته ووارث علمه قال الأعرابي:
ويحكم يا أصحاب محمد والذي أشرتم إليه بالخلافة ما فيه من هذه الخصال
خصلة واحدة، قالوا: ويحك يا أعرابي اسأل عن مسألتك ودع عنك ما
ليس من شأنك، قال الأعرابي يا أبا الحسن، يا خليفة رسول الله (صلى الله
عليه وآله) إني خرجت من قومي حاجا محرما، قال له أمير المؤمنين: تريد
الحج، فوردت على أدحي فيه بيض نعام فاخذته واشتويته وأكلته، فقال
الأعرابي: من سبقني بالخبر إليك، فقال أمير المؤمنين عمن تحدث به في
المجلس مجلس أبي بكر خليفة رسول الله فكيف لا يسبق الخبر إليه قال له
أمير المؤمنين فافته يا أبا حفص قال له أبو حفص لو حضرت وعلمت
الفتوى ما حملنا إليك فقال أمير المؤمنين اجل يا اعرابي عليك بالصبي الذي
بين يدي معلمه ومؤدبه صاحب الرواية فإنه ابني الحسن فاسأله فإنه يفتيك
قال الأعرابي إنا لله وإنا إليه راجعون مات دين محمد (صلى الله عليه وآله)
بعد موته فحمد وتنازع أصحاب محمد وازبد قال أمير المؤمنين حاش لله يا
اعرابي لم يمت ابدا قال الأعرابي أفمن الحق ان أسأل خليفة رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وحوارييه وأصحابه ولا يفتوني ويحيلوني عليك
وتحيلني وتأمرني أن أسأل الصبي الذي بين يدي معلمه لا يفصل بين الخير
والشر فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام) يا اعرابي لا تقل ما ليس لك به
188

علم واسأل الصبي فإنه يفتيك فقام الاعرابي إلى الحسن (عليه السلام)
وقلمه في يده يخط في الصحيفة ومؤدبه يقول أحسنت أحسن الله إليك يا
حسن قال الأعرابي يا مؤدب يحسن للصبي من احسانه وما أسمعك تقول له
شيئا حتى كأنه بمؤدبك قال فضحك القوم من الأعرابي وصاحوا به ويحك يا
اعرابي أوجز قال الأعرابي قد نبأتك يا حسن اني خرجت من قومي حاجا
محرما فوردت على أدحي فيه بيض نعام فاشتويته وأكلته عامك هذا ناسيا
قال الحسن زدت في القول يا اعرابي قولك عامدا لم يكن هذا عبثا قال
الأعرابي ما كنت ناسيا فقال له الحسن - وهو يخط في صحيفته - يا اعرابي
خذ بعدد البيض نوقا فاحمل (اي فاعل) عليها فيقا يعني ذكر النوق، فإذا
أنتجت من قابل فاجعلها هديا بالغ الكعبة كفارة لفعلك، قال الأعرابي:
فديتك يا حسن ان من الإبل لما يزلقن.
قال الحسن (عليه السلام) يا اعرابي وان في البيض لما يمرقن قال
الأعرابي أنت صبي محق وفي علم الله معروف ولو جاز أن يكون ما أقول
لقلت انك خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال الحسن (عليه
السلام) ما ترى قوما اختاروه فإذا أبغضوه عزلوه فكبر القوم وعجبوا لما
سمعوا من الحسن فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) الحمد لله الذي جعل في
ابني هذا كما جعله في داود وسليمان فكان هذا من دلائله (عليه
السلام).
وعنه عن محمد بن علي عن علي بن محمد عن الحسين بن علي عن بن
فرقد عن علي بن الحسن العنبدي عن أبي هارون المكفوف عن الحارث
الأعور الهمداني قال: لما مضى أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء الناس
الحسن بن علي (عليهما السلام) فقالوا: يا ابن رسول الله نحن السامعون
المطيعون لك أمرنا بأمرك قال: كذبتم والله ما وفيتم لمن كان خيرا مني
يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) فكيف توفون لي وكيف اطمئن إليكم
189

وأثق بكم ان كنتم صادقين، فهو غدا ما بيني وبينكم أعسكر بالمدائن
فوافوني هناك.
فركب معه من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يوفوا له بما قالوا
وغروه كما غروا أباه أمير المؤمنين (عليه السلام) قبله.
فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه وقال: يا أيها
الناس قد غررتموني كما غررتم أبي أمير المؤمنين قبلي فلا جزاكم الله عن
رسوله خيرا مع أبي أما انه تقاتلون بعدي مع الظالم الكافر اللعين ابن
اللعين عبيد الله بن زياد الذي لا يؤمن بالله ولا برسول الله ولا باليوم
الآخر ولا اظهر الإسلام هو ولا أبيه قاطبة الا خوفا من السيف ولو لم يبق
من بني أمية الا عجوز درداء لابتغت لدين الله عوجا هكذا قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله).
ثم وجه قائدا في أربعة آلاف رجل وكان من كندة أمره أن يعسكر
بالأنبار ونزل بها، وعلم بذلك معاوية بعث إليه رسول وكتب إليه معاوية
إنك ان أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام والجزيرة غير ما أفيضه من
الانعام عليك، وحمل إليه خمسمائة ألف درهم وقبضها الكندي لعنه الله
من الرسول وانقلب عن الحسن ومضى إلى معاوية لعنه الله.
فقام الحسن (عليه السلام) خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا
أيها الناس إن صاحبي بعث إليه معاوية خمسمائة ألف درهم ووعده ومناه
وولاه بعض كور الشام والجزيرة وقد توجه إليه وغدر بي وبكم وقد
أخبرتكم مرة بعد مرة إنه لا وفاء لكم ولا خير عندكم أنتم عبيد الدنيا،
وإني موجه مكانه رجلا إن هو علم به سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ولا
يراقب في ولا فيكم فبعث رجلا من مراد في أربعة آلاف رجل وتقدم إليه
فحلف بالإيمان لا تقوم لها الجبال بأنه لا يفعل كما فعل صاحبه، وحلف
الحسن (عليه السلام) مثلها إنه يفعل ويغدر به، فلما توجه وصار إلى
190

الأنبار ونزل بها وعلم ذلك معاوية بعث إليه رسولا وكتب إليه كما كتب
إلى صاحبه وبعث إليه خمسمائة ألف درهم ومناه أن يوليه خيرا من كور
الشام والجزيرة فنكث على الحسن ما فعل وأخذ طريقه إلى معاوية ولم
يراقب ولم يخف ما أخذ عليه من العهد والميثاق.
وبلغ الحسن فعل المرادي لعنه الله فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه
وقال: يا أيها الناس قد أخبرتكم مرة بعد مرة إنكم لا توفون بعهد الله
وإنكم قد أغررتم هذا صاحبكم المرادي وقد غدر بي وصار إلى معاوية
وكتب معاوية إلى الحسن (عليه السلام) يا أبن العم: الله الله فيما بيني
وبينكم ان تقطع الرحم وأن قد غدروا بيني وبينكم وبالله أستعين.
فقرأ عليهم الحسن كتاب معاوية فقالوا: يا ابن بنت رسول الله
(صلى الله عليه وآله) إن كان الرجلان غدرا بك وغراك من أنفسهما فإنا
لك ناصحون متبعون غير غادرين، فقال الحسن (عليه السلام) والله
لأعذرن هذه المرة فيما بيني وبينكم ان يعسكر بالنخيلة فوافوني هناك إن
شاء الله تعالى فوالله لا توفون ما بيني وبينكم.
ثم إن الحسن (عليه السلام) اخذه طريقه إلى النخيلة عشرة أيام
فوافاه عشر آلاف راجل فانصرف إلى الكوفة فدخلها وصعد المنبر فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال: وا عجباه من قوم لا حياء لهم ولا دين يغدرون مرة بعد
مرة، وأيم الله لو وجدت على ابن هند أعوانا ما وضعت يدي في يده ولا
سلمت إليه بالخلافة وإنها محرمة عليهم، فإذا أنتم لا يأمن غدركم
وأفعالكم فإني واضع يدي في يده أيم الله لا ترون فرجا ابدا مع بني أمية
واني لأعلم أني عنده أحسن حالا منكم وتالله ليسؤمنكم بنو أمية سوء
العذاب ويشنون عليكم جيشا عظيما من معاوية فأف لكم وترحا يا عبيد
الدنيا وأبناء الطمع.
ثم كتب إلى معاوية إني تاركها من يومي هذا وغير طالب لها وتالله لو
وجدت عليكم أعوانا ناصرين عارفين بحقي غير منكرين ما سلمت إليك
191

هذا الأمر ولا أعطيتك هذا الأمر الذي أنت طالبه أبدا ولكن الله عز وجل
قد علم وعلمت يا معاوية وسائر المسلمين إن هذا الأمر لي دونك ولقد
سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الخلافة لي ولأخي الحسين
وأنها لمحرمة عليك وعلى قومك وسماعك وسماع المسلمين، والصادق
والأمين والمؤدي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وانصرف إلى الكوفة فأقام بها عاتبا على أهلها مواريا عليهم حتى دخل
عليه حجر بن عدي الطائي، فقال له يا أمير المؤمنين كيف يسعك ترك
معاوية؟ فغضب الحسن (عليه السلام) غضبا شديدا، حتى احمرت عيناه
ودارت أوداجه وسكبت دموعه وقال: ويحك يا حجر تسميني بأمرة المؤمنين
وما جعلها الله لي ولا لأخي الحسين ولا لأحد ممن مضى ولا لأحد ممن يأتي
إلا لأمير المؤمنين خاصة؟ أو ما سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، قد قال لأبي يا علي ان الله سماك بأمير المؤمنين ولم يشرك معك في
هذا الاسم أحدا فما تسمى به غيره الا وهو مأفون في عقله، مأبون في عقبه، فانصرف عنه وهو يستغفر الله فمكث أياما ثم عاد إليه، فقال له
السلام عليك يا مذل المؤمنين فضحك في وجهه وقال والله يا حجر هذه
الكلمة لأسهل علي واسر إلى قلبي من كلمتك الأولى فما شأنك؟ أتريد أن
تقول ان خيل معاوية قد أشرفت على الأنبار وسوادها وأتى في مائة ألف
رجل في هذين المصرين يريد البصرة والكوفة، فقال حجر يا مولاي ما
أردت أن أقول الا ما ذكرته، فقال: والله يا حجر لو أني في ألف رجل لا
والله الا مائتي رجل لا والله إلا في سبع نفر لما وسعني تركه، ولقد علمتم
أن أمير المؤمنين دخل عليه ثقاته حين بايع أبا بكر فقالوا له مثلما قلتم لي
فقال لهم مثلما قلت لكم فقام سلمان والمقداد وأبو الذر وعمار وحذيفة بن
اليمان وخزيمة بن ثابت وأبو الهيثم مالك بن التيهان فقالوا: نحن لك شيعة
ومن قال بنا شيعة لك مصدقون الله في طاعتك فقال لهم حسبي بكم قالوا
وما تأمرنا قال إذا كان غدا فاحلقوا رؤوسكم واشهروا سيوفكم وضعوها
192

على عواتقكم وبكروا إلي فإني أقوم بأمر الله ولا يسعني القعود عنه فلما كان
من الغد بكر إليه سلمان والمقداد وأبو ذر وقد حلقوا رؤوسهم وأشهروا
سيوفهم وجعلوها على عواتقهم ومعهم عمار بن ياسر وقد حلق نصف رأسه
وشهر نصف سيفه، فلما قعدوا بين يديه (عليه السلام) نظر إليهم، وقال
لعمار يا أبا اليقظان من يشتري نفسه على نصر دينه يبقى ولا يخاف، قال:
يا أمير المؤمنين خشيت وثوبهم علي وسفك دمي فقال اغمدوا سيوفكم
فوالله لو تم عددكم سبعة رجال لما وسعني القعود عنكم وتالله يا حجر إني
لعلى ما كان عليه أبي أمير المؤمنين لو أطعتموني، فخرج حجر واجتمع إليه
وجوه قبائل الكوفة فقالوا انا قد امتحنا أهل مصرنا فوجدناهم سامعين
مطيعين وهم زهاء ثلاثين ألف رجل فقم بنا إلى سيدنا ابن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) حتى نبايعه بيعة مجددة ونخرج بين يديه ولا ندع ابن
هند يعبر علينا وقوائم سيوفنا في أيدينا فجاؤوا إلى الحسن (عليه السلام)
فخاطبوه بما يطول شرحه فقال لهم والله ما تريدون إلا انقطاع الجبل بي حتى
تريحوا معاوية مني ولئن خرجت معكم بالله حتى أبرز عن هذا المصر
ليرغبنكم معاوية وليدبر على رجل منكم يرغبه في قتلي بالمال الكثير ويسأله
اغتيالي بطعنة أو ضربة فيضربني ضربة يجرحني بها ولا يصل إلي قالوا
بأجمعهم تالله يا أبن رسول الله لا تقل هذا فنقتل أنفسنا وقد قلدناك دمنا
فقال أبرزوا إلى المدائن حتى تنظروا فبرزوا وساروا حتى وردوا المدائن
فعسكر بها في ليلة مقمرة وقد كان معاوية كاتب يزيد بن سنان البجلي ابن
أخي جرير بن عبد الله البجلي لعنه الله وبذل له مالا على اغتيال الحسن
وقتله فأخذ له سيفا وأحتمل تحت أثوابه وتوجه نحو الحسن (عليه السلام)
فخاف على نفسه فرجع فرمى السيف وأخذ الرمح معه فضاق به صدره
فرده خوفا وأخذ حربة مرهفة وأقبل بتوكأ عليها حتى انتهى إلى الفسطاط
المضروب للحسن بن علي (عليهما السلام) فوقف غير بعيد ونظر إليه
ساجدا وراكعا والناس نيام فرمى بالحربة فاثبتها فيه وولى هاربا فتمم
صلاته والحربة تهتز في بدنه ثم انتقل من صلاته ونبه من حوله وصاحوا
193

الناس فجاؤوا حتى نظروا إلى الحربة تهتز في بدنه فقال لهم هل أنا يا أهل
الكوفة أخبرتكم ما تفعلونه وكذبتموني وأخذ الحربة وصاح بالرحيل وانكفأ
من المدائن جريحا وكان له بالكوفة خطبا وخطابا كثيرا يسب فيه أهل الكوفة
ويلعنهم وقال لهم أن يزيد بن سنان ابن أخي جرير بن عبد الله البجلي
رماني بحربة فاطلبوه فخرج من الكوفة وسلم ولحق بمعاوية ورحل الحسن
(عليه السلام) من الكوفة وسلم الأمر إلى معاوية وقلدها معاوية إلى زياد
لعنه الله فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أبي الحسن عن أبي قرنة عن جعفر بن يزيد الخزاز عن
محمد بن علي الطوسي الرسي عن علي بن محمد عن الحسن بن عبد الله عن
صندل عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خرج الحسن
ابن علي (عليهما السلام) إلى مكة سنة من السنين ماشيا من المدينة، فتورمت
قدماه فقال له بعض مواليه: لو ركبت سكن عنك هذا الورم الذي برجليك،
قال كلا إذا اتيت المنزل سيلقاك اسود معه دهن لهذا الورم فاشتره ولا
تماسكة فقال مولاه بابي أنت وأمي أتيت منزلا ليس فيه أحد يبيع هذا
الدواء قال بلى انه امامك دون المنزل فسار مليا فإذا الأسود قد قابله قال
الحسن لمولاه دونك الرجل فخذ منه الدهن واعطه الثمن فقال الأسود
ويحك يا غلام لمن أردت هذا الدهن؟ فقال: للحسن بن علي (عليهما
السلام) فقال انطلق بي إليه فأخذ بيده حتى ادخله عليه فقال: بأبي أنت
وأمي لم أعلم انك محتاج إلى الدهن فلست آخذ له ثمنا انا مولاك ولكن
ادع الله لي ان يرزقني ذكرا سويا يحبكم أهل البيت، فقد خلفت أهلي
بمحضر، قال انطلق إلى منزلك فان الله قد وهب لك ذكرا سويا وهو لنا
شيعة فرجع الأسود فإذا أهله قد وضعت غلاما سويا، فرجع الحسن
(عليه السلام) فأخبره بذلك فدعا الله له وقال له خير ومسح رجله بذلك
الدهن وخرج من مجلسه وقد سكن ما به ومشى على قدميه فكان هذا من
دلائله (عليه السلام).
194

وعنه عن علي بن بشر عن أحمد بن هارون الوراق عن محمد بن علي
عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام)
قال: جاء الناس إلى الحسن بن علي (عليهما السلام) قالوا أرنا ما عندك
من عجائب أبيك التي كان يرينا إياها قال: تؤمنون بذلك؟ قالوا: نعم
نؤمن بالله تعالى، فقال: أليس تعرفون أبي، قالوا: بلى كلنا نعرفه، فرفع
لهم جانب ستر فإذا بأمير المؤمنين جالس، قال: تعرفونه؟ قالوا بأجمعهم:
هذا والله أمير المؤمنين، ونشهد أنك الإمام بعده ولقد أريتنا أمير المؤمنين بعد
موته، قال لهم الحسن: ويلكم أما سمعتم قوله عز وجل: (ولا تقولوا
لمن يقتل في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون) إلى آخر الآية
فإذا كان هذا فيمن قتل في سبيل الله فماذا تقولون فينا؟ قالوا: آمنا
وصدقنا فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن جعفر بن محمد بن مالك عن زياد بن جعفر الوشا عن
محمد بن خالد عن الحسن بن مسكان عن داود الرقي عن أبي حمزة الثمالي
عن عبد الله بن غالب وهو أبو خالد الكابلي عن سيد العابدين علي بن
الحسين (صلوات الله عليهما) قال: كتب معاوية إلى عمي الحسن كتابا يقول
فيه إني قد أعددت لك بزا فدخلت في نفسي وصغرت فيما تستحقه فإن
أذنت بقبولها أنفذتها إليك وإن أجبت ان أعرفكها تختار منها ما تراه فقلت
وكان بعد وروده المدينة من الكوفة وأقبل للقائه فكتب إليه وصل كتابك بما
عندنا علمه والذي أعددته لنا فإن أخذناه أخر عنك وإن تركناه كان عليك
أعظم حمل ثقيل الوقر وإن كان المال دون الدماء التي سفكت والفتن التي
ظهرت وأما عرضك علي ما أعددته لأختار منه ما أشاء فوالله انني بفضل
الله أحيط به علما ومن ذلك انك غلطت ونسيت فرددت خاتما جعلته في
السفط الجزع من الجوهر الذي يكون عدده اثنتان وأربعون حبة قد
استأثرت بالخاتم لنفسك وأعجبك فبخلت ببعثه إلينا وجعلته في سبابتك
اليمنى وقلت في نفسك ماذا يقول أهل الشام إذا رأوا خاتمي في يده قد
195

هوى عليا بعد موته وتشاغلت بما أعددت لنا من البز والحرم، ودق مصر،
ونسيج عدن، ومسك تيبت، وكافور قصورة، وعنبر الهند، ولو شئت
لفصلت لك كلما أعددته وزنا وعددا وكيف تعرض علينا ان نختار ما نحن
اعلم به منك ولو كنت تأدبت بآداب الله وأهديت ولم تشاور للزمنا قبول
هديتك فدع الآن إلى أن تنظر وننظر والسلام.
فلما ورد الكتاب إلى معاوية وفضه وقرأه وهم ان يخفيه ثم أظهره فقال
له اخوه ابن أبي سفيان: يا أمير المؤمنين ان صدق الحسن فيما قال فقد
أظهرت عيب نفسك باظهارك ما كتبت به إليك وإن كان كذاب فبين ذلك
من كذبه عند من حضرك.. فقال: ويحك يا عتبة قد كان ما كان في
النفس ما فيها واتيان الحق أجمل، والكذب لا يليق بذوي الكرم، والله
لقد صدق في كل ما ذكره فقال له عتبة أدام الله لك رعبك من بني هاشم
فلا تزال تخافهم كلما ذكرت عليا ونهض من مجلسه مغضبا فقال معاوية ان
غضبت يا عتبة فعن قليل ترضى وما سخطك ورضاك بنافعي عند الله شيئا
فخرج أكثر من في المجلس وهم يقولون لا جزاك الله يا معاوية خيرا فقد
أدخلتنا في ضلال وعاقبة خسر، فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن الحسن بن علي المقري الكوفي عن محمد بن جبلة التمار عن
المخول بن إبراهيم عن زيد بن كثير الجمحي عن يونس بن ظبيان عن
المفضل بن عمر الجعفي عن المولى الصادق جعفر بن محمد (عليهما
السلام) قال: لما قدم الحسن بن علي (عليه السلام) من الكوفة التقاه
أهل المدينة معزين بأمير المؤمنين (عليه السلام)، ومهنئين له بالقدوم،
ودخلت عليه أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت عائشة والله يا
أبا محمد ما فقد جدك الا حيث فقد أبوك ولقد قلت يوم قام عندنا ناعيه
قولا صدقت فيه ما كذبت.
قال لها الحسن (عليه السلام) عسى هو تمثلك بقول لبيد بن ربيعة
196

حيث يقول:
وبشرتها فاستعجلت بخمارها * يحق على المستعجلين المباشر
وأخبرها الركبان ان ليس بينها * وبين قرى نجران والشام كافر
فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
فقالت له يا ابن خبوت جدك وأبوك في علم الغيب، فمن ذا الذي
أخبرك بهذا عني؟
فقال لها ما هذا غيب لأنك أظهرتيه، وسمع منك، وعن نبشك
جزرا اخضر في وسط بيتك ليلا، بلا قش فتترين الحديدة في كفك حتى
صار جرحا الا فاكشفي عنه، وأريه لمن حولك من النساء، ثم اخراجك
الجزر وما فيه وما جمعته من خيانة واخذك منه أربعين دينارا عددا لا تعلمين
وزنها وتفريقك له في ضعفة مبغضي أمير المؤمنين من تيم وعدي شكرا لقتل
أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقالت: والله يا حسن لقد كان ما قلت
ولله ابن هند فلقد شفا وشفا في.
فقالت لها أم سلمة زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله): ويحك يا
عائشة ما هذا منك بعجب، وإني لأشهد عليك أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) قال لي وأنت حاضرة صوام أم أيمن وميمونة: يا أم سلمة
كيف تجدين في نفسك؟ فقلت يا رسول الله ما أجده قربا ولا أبلغه
وصفا، قال كيف تجدين عليا في نفسك قلت لا يتقدمك يا رسول الله ولا
بتأخر عنك وأنتما في نفسي سواء فقال شكر الله فعلك يا أم سلمة لو لم
يكن علي في نفسك مثلي لبرئت منك في الآخرة ولم ينفعك قربك مني في
الدنيا فقلت انني يا رسول الله وكذلك أزواجك قال نعم قلت والله ما أجد
لعلي في نفسي موضعا قريبا أو بعيدا فقال لك حسبك يا عائشة ثم يا أم
سلمة يمضي محمد ويمضي الحسن عليهما ويمضي الحسين مقتولا كما اخبر
جدهما فقال لها الحسن: وأخبرك جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)
197

ان تموتين والى ماذا تصيرين فقالت له (نعم) ما اخبرني الا بخير.
فقال لها الحسن: تالله لقد أخبرك جدي رسول الله (صلى الله عليه
وآله) انك تموتين بالداء والدبيلة فقالت يا حسن متى قال هذا قال أخبرك
بعد لومك أمير المؤمنين (عليه السلام) ونشائك حرما تجرين فيه عن بيتك
متأمرة على جمل أحمر ممسوخ من مردة الجن يقال له عسكر تسفكين دم خمسة
وعشرين ألفا من المؤمنين الذين يزعمون أنك أمهم قالت له جدك أخبرك
بذلك أم هذا من غيبك قال هذا من علم الله وعلم رسوله وعلم أمير
المؤمنين (عليه السلام) فأعرضت عنه بوجهها وقالت بنفسها والله لا
تصدقن بأربعين دينارا ونهضت فقال لها (عليه السلام) والله لو تصدقت
بأربعين قنطارا ما كان ثوابك الا النار. فهذا من دلائله (عليه السلام).
198

الباب الخامس
باب الإمام حسين الشهيد (عليه السلام)
199

مضى أبو عبد الله الحسين وله سبعة وستون سنة في عام الستين من
الهجرة في يوم عاشوراء، وهو يوم السبت من المحرم وكان بينه وبين أخيه
الحسن (عليهما السلام) طهور الحمل وكان حمل أبي عبد الله ستة أشهر،
ولم يولد لستة اشهر غير الحسين (عليه السلام) وعيسى بن مريم (عليه
السلام)، وروي يحيى بن زكريا كذلك صلى الله عليه.
وكان مقام الحسين مع جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ست
سنين وستة أشهر وعشرة أيام والعشرة أيام هي المدة بين مولد الحسن وحمل
الحسين (عليهما السلام).
وأقام مع أمير المؤمنين ست سنين، ومع أبي محمد بعد مضي أمير
المؤمنين عشر سنين، وأقام بعد مضي الحسن (عليه السلام) عشر سنين
وستة أشهر لأنه لم يكن بينهما غير الحمل.
واسمه الحسين وفي التوراة شبير ولما علم موسى بن عمران (عليه
السلام) قبل التوراة ان الله سمى الحسن والحسين سبطي محمد شبر وشبير
سمى اخوه هارون ابنيه بهذين الاسمين وكان يكنى أبا عبد الله والخاص أبو
علي ولقبه الشهيد والسبط والتام وسيد شباب أهل الجنة والرشيد والطيب
201

والوفي والمبارك والتابع والرضي لله والشاري نفسه لله والدال على ذات الله
وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهما ومشهده البقعة المباركة والربوة
ذات قرار ومعين بكربلاء غربي الفرات وقتله عبيد الله بن زياد وعمر بن
سعد وشمر بن ذي الجوشن بأمر يزيد بن معاوية لعنهم الله واتوه ومعهم
اثنان وثلاثون الف فارس وأربعة وعشرون الف راجل وعدة أصحاب
الحسين (عليه السلام) اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا وثمانية عشر
رهط عبد المطلب والباقون من سائر الناس ووقع شبهه على حنظلة الشبامي
وشبام من همدان ولما رأى أخاه العباس بن علي مخلصا في الجهاد بين يديه
رحمه الله فالقى شبهه على رشدة بن سنان والذي كان له من الأولاد علي
سيد العابدين وهو الأكبر وعلي الأصغر وهو المتصل به وعبد الله وهو
الطفل المذبوح بالنشابة ومحمد وجعفر ومن البنات زينب وسكينة وفاطمة.
وروي بإسناده عن النبي (صلى الله عليه وآله) ان الله عز وجل هنأه
بحمل الحسين وولادته وعزاه بقتله ومصيبته فعرفته فاطمة فكرهت حمله
وولادته فأنزل الله تعالى في كتابه العزيز: (حملته أمه كرها ووضعته كرها
وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) وهذه الآية أنزلت في حق مولانا الحسين
خاصة ليس هذا في سائر الناس لأن حمل النساء تسعة اشهر والرضاع
حولين كاملين لمن أراد ان يتم الرضاعة وهما أربعة وعشرون شهرا ليكون
بذلك ثلاثة وثلاثون شهرا ومن النساء من تلد لسبعة اشهر مع أربعة
وعشرين فيكون أحد وثلاثون شهرا والمولود لا يعيش ابدا إذا ولد لستة
اشهر ورضاعه أربعة وعشرون شهرا فهو ثلاثون شهرا كما قال الله عز وجل
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
قال الحسين بن حمدان الخصيبي شرف الله مقامه حدثني أبو الحسين
محمد بن علي الفارسي عن أبي بصير عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)
قال لما أراد الحسين بن علي (عليه السلام) الخروج إلى
202

الشام بعثت إليه أم سلمة وهي التي كانت ربته وكان هو أحب إليها من
كل أحد وكانت أرأف الناس عليه وكانت تربة الحسين عندها في قارورة
مختومة دفعها إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال لها إذا خرج ابني
إلى العراق فاجعلي هذه القارورة نصب عينيك فإذا استحالت التربة في
القارورة دما عبيطا فاعلمي ان ابني الحسين قد قتل فقالت له أذكرت رسول
الله ان تخرج إلى العراق قال ولم يا أم سلمة قالت سمعت رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يقول يقتل ابني الحسين بالعراق وعندي يا بني
تربتك في قارورة مختومة دفعها إلي النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا أم
سلمة إني مقتول لا محالة فأين أفر من القدر والقضاء المحتوم والأمر
الواجب من الله سبحانه تعالى قالت وا عجباه فأين تذهب وأنت مقتول قال
يا أم إني ان لم أذهب اليوم ذهبت غدا وإن لم أذهب غدا ذهبت بعد غد
وما من الموت مفر والله يا أم إني لأعرف اليوم الذي أقتل فيه والساعة التي
أحمل فيها والحفرة التي أدفن فيها واعرف قاتلي ومحاربي والمجلب علي
والسائق والقائد والمحرض ومن هو قاتلي ومن يحرضه ومن يقتل معي من
أهلي وشيعتي رجلا رجلا وأحصيهم عددا وأعرفهم بأعيانهم وأسمائهم
وقبائلهم وعشائرهم كما أعرفك وإن أحببت أريتك مصرعي ومكاني فقالت
فقد شئت فما زاد علي ان تكلم باسم الله فخضعت له الأرض حتى أراها
مضجعه ومكانه ومكان أصحابه وأعطاها من تلك التربة التي كانت عندها
ثم خرج الحسين (عليه السلام) وقال لها يا أم إني لمقتول يوم عاشوراء يوم
السبت فكانت أم سلمة تعد الأيام وتسأل عن يوم عاشوراء فلما كانت تلك
الليلة صبحته قتل الحسين (صلى الله عليه وآله) فرأت في منامها أشعث
مغبرا باكيا وقال دفنت الحسين وأصحابه الساعة فانتبهت أم سلمة وخرجت
صارخة بأعلى صوتها واجتمع إليها أهل المدينة فقالوا لها ما الذي دهاك
قالت قتل الحسين بن علي وأصحابه (عليه السلام) قالوا أضغاث أحلام
فقالت مكانكم فإن عندي تربة الحسين فأخرجت إليهم القارورة فإذا هي
203

دم عبيط فحسبوا الأيام فإذا الحسين قتل في ذلك اليوم.
وعنه عن الحسين بن محمد بن جمهور عن محمد بن علي عن علي بن
الحسن عن علي بن محمد عن عاصم الخياط عن أبي حمزة الثمالي قال:
سمعت عليا بن الحسين (عليهما السلام) يقول لما كان اليوم الذي استشهد
فيه أبو عبد الله (عليه السلام) جمع أهله وأصحابه في ليلة ذلك اليوم فقال
لهم: يا أهلي وشيعتي اتخذوا هذا الليل جملا لكم وانجوا بأنفسكم فليس
المطلوب غيري ولو قتلوني ما فكروا فيكم فانجوا بأنفسكم رحمكم الله
فأنتم في حل وسعة من بيعتي وعهد الله الذي عاهدتموني فقالوا اخوته وأهله
وأنصاره بلسان واحد والله يا سيدنا أبا عبد الله لا تركناك أبدا أيش يقول
الناس تركوا امامهم وسيدهم وكبيرهم وحده حتى قتل ونبلوا بيننا وبين الله
عذرا وحاش لله أن يكون ذلك أبدا أو نقتل دونك فقال (عليه السلام) يا
قوم فإني غدا أقتل وتقتلون كلكم حتى لا يبقى منكم أحد فقالوا الحمد لله
الذي أكرمنا بنصرتك وشرفنا بالقتل معك أولا ترضى ان نكون معك في
درجتك يا ابن بنت رسول الله فقال لهم خيرا ودعا لهم بخير فأصبح وقتل
وقتلوا معه أجمعين فقال له القاسم ابن أخي الحسن يا عم وأنا اقتل فاشفق
عليه ثم قال: يا ابن أخي كيف الموت عندك قال: يا عم أحلى من
العسل قال أي والله فذلك أحلى لا أحد يقتل من الرجال معي ان تبلو
بلاء عظيما وابني عبد الله إذا خفت عطشا قال يا عم ويصلون إلى النساء
حتى يقتل عبد الله وهو رضيع فقال فداك عمك يقتل عبد الله إذا خفت
عطشا روحي وصرت إلى خيامنا فطلبت ما أوليناه فلا أجد فأقول ناولني
عبد الله اشرب من فيه أندى لهواني فيعطوني إياه فأحمله على يدي فأدنى فاه
من في فيرميه فاسق منهم لعنه الله بسهم فيخره وهو يناغي فيفيض دمه في
كفي فارفعه إلى السماء وأقول اللهم صبرا واحتسابا فيك فتلحقني الأسنة
منهم والنار تحرق وتسعر في الخندق الذي في ظهر الخيم فأكر عليهم في آخر
أوقات بقائي في دار الدنيا فيكون ما يريد الله فبكى وبكينا وارتفع البكاء
204

والصراخ من ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخيم ويسألني
زهير بن القين وحبيب بن مظاهر عن علي فيقولان يا سيدنا علي إلى ما
يكون من حاله فأقول مستعبرا لم يكن الله ليقطع نسلي من الدنيا وكيف
يصلون إليه وهو أبو ثمانية أئمة وكان كلما قاله صار فكان هذا من دلائله
(عليه السلام).
وعنه عن أحمد بن عبد الله بن صالح عن محمد بن عبد الرحمن عن
محمد بن علي بن الحسين عن صندل عن هارون بن خارجة قال: قال أبو
عبد الله الصادق (عليه السلام) قال الحسين بن علي (عليه السلام): لا
تخرجوا إلا في يوم سبت أو يوم خميس فإنكم إن خالفتموني وخرجتم في
غيرهما قطع عليكم الطريق وقتلتم وذهب ما معكم وكان قد أرسلهم إلى
ضيعة له فخالفوه وخرجوا في غير اليومين الذي قال لهم واخذوا في طريق
الجزيرة فاستقبلهم اللصوص فقتلوا القوم أجمعون واخذوا ما كان معهم
فقيل ذلك للحسين (صلوات الله عليه) فقال قد قلت لهم لا تخرجوا إلا
في يوم السبت أو في يوم الخميس فخالفوني فدخل من ساعته إلى والي
المدينة فقال قد بلغني ما نزل بغلمانك ومواليك فآجرك الله فيهم فقال
الحسين (عليه السلام) فاني أدلك على من قتلهم فأشدد يدك عليهم فقال
يا أبا عبد الله وتعرفهم قال: نعم كما أعرفك وهذا منهم وأشار بيده إلى
رجل على رأس الوالي قائم قال له: وكيف عرفتني يا ابن بنت رسول الله
بأني كنت معهم قال إن صدقتك تصدق قال: نعم والله لأفعلن قال
الحسين (عليه السلام): نعم، ومعك فلان وفلان يسميهم بأسمائهم
كلهم وفيهم أربعة من موالي الوالي والباقي من حبشان المدينة فقال الوالي
للغلام: برب القبر والمنبر لتصدقني أو لأنزلن لحمك بالسياط فقال الرجل
والله ما كذب الحسين ولو كان ما زاد علما على قوله قليلا ولا كثيرا
فجمعهم الوالي جميعا فأقروا بلسان واحد والله أراد بهم ليعلم الناس والوالي من
هو أحق بالأمر فقام الوالي وضرب أعناقهم فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
205

وعنه عن الحسين بن علي بن جمهور عن علي بن الطيب الصابوني قال
الحسين بن حمدان لقيت علي بن الطيب الصابوني فحدثني بهذا الحديث عن
الحسن بن زيد المدني عن محمد بن علي بن الحسين الزيات عن سيف بن
عميرة التمار عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) قال: جاء رجل
من موالي أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) يشاوره في امرأة يتزوجها
فقال له (عليه السلام): لا أحب لك أن تتزوجها فإنها امرأة مشؤومة
وكان الرجل محبا له ذو مال كثير فخالف مولانا الحسين (عليه السلام)
وتزوجها فلم تلبث معه الا قليلا حتى اتلف الله ماله وركبه دين ومات أخ
له كان أحب الناس إليه فقال له الحسين (عليه السلام): لقد أشرت
عليك ما هو خير لك منها وأعظم بركة فخلى الرجل سبيلها فقال عليك
بفلانة فتزوجها فما خرجت سنته حتى اخلف الله عليه ماله وحاله وولدت له
غلاما ورأي منها ما يحب في تلك السنة فكان هذا من دلائله (عليه
السلام) والتحية.
وعنه بهذا الإسناد عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام)
قال: لما سار أبو عبد الله الحسين (صلوات الله عليه وآله) من المدينة
تكنفه أفواج الملائكة المسومين والمردفين في أيديهم الحراب على نجب من
نجب الجنة فسلموا عليه وقالوا: يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه
وأخيه ان الله قد أمدك بنا فقال لهم: الموعد حضرتي وبقعتي التي استشهد
بها في كربلاء فإذا وردتها فأتوني فقالوا يا حجة الله ان الله أمرنا ان نسمع
لك ونطيع فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك فقال لا سبيل لهم علي
ولا يلقوني بكريهة حتى أصل إلى بقعتي وأتاه أفراخ من مؤمني الجن فقالوا
له: يا مولانا نحن شيعتك وأنصارك مرنا بأمرك فإن امرتنا نقتل كل عدو
لك وأنت مكانك لكفيناك ذلك فجزاهم خيرا وقال لهم: أما قرأتم كتاب
الله المنزل على نبيه المرسل قوله تعالى: (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز
الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) فإذا أقمت مكاني فبماذا يمتحن
206

الله هذا الخلق المنكوس وإنما يحشرون إلى النار وأما من يكون حضرتي
بكربلاء التي اختارها الله لي دون الأرض وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبيهم
ويقبل فيها اعمالهم ويشكر الله سعيهم وتكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة
ولا يبقى مطلوب من أهلي ونسبي وذراري وإخوتي وأهل بيتي ويسير برأسي
إلى يزيد بن معاوية لعنه الله ولعن كل ظالم لهم، فقالت له الجن: والله
يا حبيب الله وابن حبيبه لولا أن أمرك امر الله وطاعتك ذلك لا يجوز لنا
مخالفته لخالفناك وقتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك فقال لهم (عليه
السلام) ونحن بالله عليهم أقدر ولكن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من
حي عن بينة فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن الحسين بن علي الصائغ عن محمد بن شهاب الوشاء عن
كثير بن وهب عن الحدا ابن يونس بن ظبيان عن جابر بن يحيى المعبراني
عن سعيد بن المسيب قال لما استشهد أبو عبد الله الحسين (عليه السلام)
وحج الناس من قابل دخلت على سيدي علي بن الحسين (عليهما السلام)
فقلت له يا مولاي قد قرب الحج فماذا تأمرني قال امض على نيتك
فحججت فبينما أنا أطوف بالكعبة فإذا نحن برجل مقطوع اليدين ووجهه
كقطع الليل المظلم متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول اللهم رب هذا البيت
الحرام اغفر لي وما أحسبك تغفر لي ولو شفع لي سكان سماواتك وجميع
من خلقت لعظم جرمي قال سعيد بن المسيب فشغلنا وشغل جميع الناس
من الطواف حتى حف به الناس واجتمعنا عليه وقلنا له يا ويلك لو كنت
إبليس لعنه الله لكان ينبغي أن لا ييأس من رحمة الله فمن أنت وما ذنبك
فبكى وقال يا قوم انا أعرف بنفسي وذنبي وما جنيت فقلنا له تذكره لنا فقال
إني كنت جمالا لأبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) لما مر من
المدينة إلى العراق وكنت أراه إذا أراد الوضوء للصلاة فإذا يضع سراويله
فأرى التكة تغشي الأبصار بحسن اشراقها وألوانها وكنت أتمناها إلى أن
صرنا بكربلاء فقتل الحسين بن علي (صلوات الله عليه) وأنا معه فدفنت
207

نفسي في مكان من الأرض ولم اطلب الا مثالي قال فلما جن علينا الليل
خرجت من مكاني فرأيت تلك المعركة بها نورا لا ظلمة ونهارا لا ليلا
والقتلى مطروحين على وجه الأرض فذكرت لشقاوتي التكة فقلت والله
لأطلبن الحسين فأرجو أن تكون التكة عليه في سراويله فاخذها ولم أزل
انظر في وجوه القتلى حتى وجدته جديلا فإذا التكة فيها فدنوت منه وضربت
بيدي إلى التكة فإذا هو قد عقدها عقدة قوية فلم أزل أحل حتى حللت
منها عقدة فمد يده اليمين وقبض على التكة فلم أقدر على اخذ يده عنها
ولا أصل إليها فدعتني نفسي الملعونة إلى أن طلبت فوجدت قطعة من سيف
مطروحة فأخذتها وانكببت على يده فلم أزل أحزها من يده حتى فصلتها
عن التكة ثم حللت عقدة أخرى فمد يده اليسرى فقطعتها ثم نحيتها عن التكة
ومددت يدي إلى التكة لآخذها وإذا بالأرض ترجف والسماء وإذا
بجبلة عظيمة وبكاء ونداء يقول وا ابناه وا حسيناه فصعقت ورميت نفسي
بين القتلى فإذا ثلاث نفر وامرأة، وحولهم خلائق وفرق قد امتلأت منهم
الأرض والسماء في صور الناس وأجنحة الملائكة وإذا بواحد منهم يقول
وا ابناه يا حسين فداك جدك وأبوك وأمك وأخوك وإذا بالحسين قد جلس
ورأسه على بدنه وهو يقول لبيك يا جداه يا رسول الله ويا أبتاه يا أمير
المؤمنين ويا أماه يا فاطمة ويا أخاه المقتول بالسم قبلي وإذا هم قد جلسوا
حوله وفاطمة تقول يا أبي يا رسول الله أتأذن لي حتى آخذ من دم شيبته
وأخضب ناصيتي والقى الله يوم القيامة قال لها افعلي فرأيتهم يأخذون
وفاطمة تمسح ناصيتها والنبي وعلي والحسن (عليهم السلام) يمسحون
نحورهم وصدورهم وأيديهم إلى المرافق وسمعت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يقول فديتك يا حسين فما كان من قطع يدك اليمنى وثني
باليسرى قال يا جداه كان معي جمال صحبني من المدينة وكان ينظر إلى
سراويلي ووضوء الصلاة فيتمنى أن يكون له فما منعني أن ادفعها إليه الا
لعلمي انه صاحب هذا الفعل فلما قتلت خرج يطلبني فوجدني بلا رأس
فتفقد سراويلي ورأي التكة وقد كنت عقدتها عقدة صعبة فضرب يده إلى
208

العقدة منها فحلها فمددت يدي اليمنى فقبضت على التكة فطلب في المعركة
فوجد قطعة من سيف فقطع بها يدي اليمنى ثم حل عقدة أخرى فضربت
بيدي اليسرى على التكة لئلا يحلها فتنكشف عورتي فأخذ يدي اليسرى فلما
ان حل العقدة الأخرى أحس بك فرمى بنفسه بين القتلى فقالوا أف لك
جمالا سود الله وجهك في الدنيا والآخرة وقطع يديك وجعلك في حزب من
سفك دماءنا وحايش على الله في قتلنا فما استتم دعاءه حتى انتثرت يداي
وحسست بوجهي انه البس قطعا من النار مسودة فجئت إلى هذا البيت
استشفع واعلم بأنه لا يغفر لي ابدا فلم يبق بمكة أحد ممن سمع بحديثه
الا تقرب إلى الله بلعنه وكل يقول حسبك ما أنت فيه فكان هذا من دلائله
وعجائبه وغرائبه وبرهانه (عليه السلام).
209

الباب السادس
باب الإمام علي السجاد (عليه السلام)
211

مضى وله سبع وخمسون سنة مثل إقامة أبيه في العمر في عام خمسة
وتسعين من أول سني الهجرة.
وكان ولده ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان
سنة ثمان وثلاثين من الهجرة قبل وفاة جده أمير المؤمنين (عليه السلام).
وكان مقامه مع جده أمير المؤمنين (عليه السلام) سنتين.
وأقام مع أبيه الحسين عشر سنين وبعد وفاة أبيه (عليه السلام) خمسة
وثلاثون سنة.
وكان اسمه علي.
وكنيته أبو الحسين والخاص أبو محمد وروي أنه كني بأبي بكر ولم تصح
هذه الكنية.
وألقابه سيد العابدين، وزين الصالحين، وذو الثفنات، والزاهد،
والخاشع، والباكي، والمجتهد، والرهباني، وإنما لقب بذي الثفنات لأنه
كان من طول سجوده وكثرة عبادته تخفى غضون جبهته فتصير ثفنات
منتصبة فيقصها إذا طالت لتستقر جبهته على الأرض في سجوده واسم أمه
213

حلوة وروي حلولا بنت سيد الناس يزدجرد ملك فارس وسماها أمير
المؤمنين شازان معناه بالفارسية النساء وكان يقال لعلي بن الحسين (عليه
السلام) ابن الخيرتين ويقال أمه برابنة والنوسجان ويقال شهر حاجون بنت
يزدجرد وهو الصحيح.
وأسماء أولاده محمد الباقر (عليه السلام) والحسين وزيد المصلوب
بكناسة الكوفة وعبد الله وعبيد الله وعلي وعمر ولم يكن له ابنة غير زوجة
محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وعقبه منها ومشهده بالبقيع في المدينة
بجانب قبر عمه الحسن بن علي (عليهما السلام).
وكان من دلائله:
قال الحسين بن حمدان (رضي الله عنه) حدثني عتاب بن يونس
الديلمي عن عسكر مولى أبي جعفر الإمام التاسع (عليه السلام) عن أبيه
(عليهما السلام) عن علي بن موسى بن جعفر عن جعفر بن محمد
(صلوات الله عليهم أجمعين) قال: دخلت عليه طائفة من شيعة الكوفة
فقالوا: يا ابن رسول الله الأنبياء كلهم عابدون لله فكيف سمي جدك
علي بن الحسين سيد العابدين فقال الصادق (صلوات الله عليه) ويحكم اما
سمعتم قول الله عز وجل: (نرفع درجات من نشاء) وقوله تعالى: (هم
درجات عند ربهم) وقوله تعالى: (ولقد فضلنا بعض النبيين على
بعض) فماذا أنكرتم؟ قالوا: أحببنا ان نعلم ما سألنا عنه فقال: ويحكم
ان إبليس لعنه الله ناجى ربه فقال إني قد رأيت العابدين لك من عبادك
منذ أول العهد إلى عهد علي بن الحسين (عليه السلام) فلم أر اعبد لك
ولا أخشع منه فأذن لي يا الهي ان اكيده وابتليه لاعلم كيف صبره فنهاه الله
عز وجل عن ذلك فلم ينته وتصور لعلي بن الحسين وهو قائم يصلي في
صلاته فتصور في صورة أفعى لها عشر رؤوس محددة الأنياب متقلبة الأعين
214

بحمرة وطلع عليه من الأرض من موضع سجوده ثم تطاول في قبلته فلم
يرعه ولم يرعبه ذلك ولم ينكس رأسه إليه فانتفض إبليس لعنه الله إلى
الأرض في صورة الأفعى وقبض على عشر أنامل رجلي علي بن الحسين
(صلوات الله عليه) وأقبل يكدمها بأنيابه وينفخ عليها من نار جوفه
وكل ذلك لا يميل طرفه إليه ولا يحول قدميه عن مقامه ولا يختلجه شك ولا
وهم في صلاته وقراءته فلم يلبث إبليس لعنه الله حتى انقض عليه شهاب
من نار محرق من السماء فلما أحس به صرخ وقام إلى جانب علي بن الحسين
في صورته الأولى ثم قال: يا علي أنت سيد العابدين كما سميت وأنا
إبليس كما جنيت والله لقد شهدت عبادة النبيين والمرسلين من عهد أبيك
آدم إليك فما رأيت مثلك ولا مثل عبادتك ولوددت انك استغفرت لي فان
الله كان يغفر لي ثم تركه وولى وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتى قضى
صلاته على تمامها فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه بهذا الاسناد إلى أبي عبد الله (عليه السلام) كان قائما يصلي حتى
زحف ابنه محمد (عليهما السلام) وهو طفل إلى بئر كانت في داره بالمدينة
عميقة فسقط فيه فنظرت إليه أمه فصرخت وانقلبت تضرب بنفسها حول
البئر وتستغيث وتقول يا ابن رسول الله غرق ابنك محمد في قعر البئر في
الماء فلما طال عليها ذلك قالت له جزعا على ابنها ما أقسى قلوبكم يا أهل
بيت النبوة فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلى غير كمالها ثم قال لها وقد
جلس على البئر ومد يده إلى قعرها وكانت لا تصل الا برشاء طويل وأخرج
ابنه على يده يناغي ويضحك ولم يتبلل له ثوب ولا جسد فقال هاك يا
ضعيفة اليقين بالله فضحكت لسلامة ابنها وبكت لقوله لها يا ضعيفة اليقين
فقال لها لا تثريب عليك اما علمت بأني كنت بين يدي جبار ولو ملت
بوجهي عنه لمال بوجه عني فمن ترين راحمي بعده فكان هذا من دلائله
(عليه السلام).
وعنه عن محمد بن علي الصيرفي عن علي بن محمد عن الحسن بن محمد
215

عن شعيب بن عمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال بينما
علي بن الحسين (عليه السلام) جالس مع جماعة من أصحابه إذ دخلت
عليه ظبية من الصحراء حتى قامت بين يديه فضربت بيدها على الأرض
وثغت فقال بعض القوم: يا ابن رسول الله ما تقول هذه الظبية فقال:
تزعم أن فلانا ابن القرشي أخذ خشفها بالأمس وإنها لم ترضعه اليوم شيئا
فوقع في قلب رجل منهم شك ثم إن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال
لابن القرشي ما بال هذه الظبية تشكوك قال: وما تقول قال: تزعم انك
اخذت خشفها بالأمس وانها لم ترضعه اليوم شيئا منذ أخذته وقد سألتني أن
أسألك ان تبعث به إليها حتى ترضعه وترده فقال له القرشي: والذي بعث
جدك بالحق نبيا واصطفاه بالرسالة نجيا لقد صدقت في قولها فقال سيد
العابدين (عليه السلام) ابعث الخشف إليها فلما رأته ثغت وضربت بيدها
ثم رضع منها، فقال علي بن الحسين بحقي عليك يا فلان الا ما وهبته لي
فوهبه القرشي فأطلق الخشف مع أمه فقال: يا ابن رسول الله ما الذي
قالت، قال: دعت الله لكم وجزتكم خيرا فكان هذا من دلائله (عليه
السلام).
وعنه عن الحسين بن محمد بن يحيى الفارسي عن محمد بن علي عن
علي بن الحسين عن سيف بن عميرة عن بكر بن محمد قال سمعت أبا
عبد الله (عليه السلام) يقول كان علي بن الحسين (صلوات الله عليه) قد
عمل سفرة لأصحابه بالكوفة يأكلون منها فبينما هم كذلك إذا أقبل ظبي من
الصحراء حتى قام بإزائه فثغى وضرب بيده فقال القوم: يا ابن رسول الله
ما يقول هذا الظبي قال يشكو انه لم يأكل شيئا منذ ثلاثة أيام فأحب ان
تحلفوا له ان لا تؤذوه ولا تصيبونه بسوء ففعلوا فكلمة علي بن الحسين
(صلوات الله عليه وآله) مثل كلامه فاقبل الظبي حتى وضع فمه على
سفرتهم وأكل قليلا ثم إن رجلا منهم مسح يده على ظهره فذعر وقام يعدو
216

فقال زين العابدين (عليه السلام) أليس قد حلفتم ان لا تصيبوه بسوء
فحلف الرجل بالله الذي لا اله الا هو ما أراد به غائلة ولا سوءا فكلمه
علي بن الحسين (صلوات الله عليه) فرجع فأكل حتى شبع وثغى وضرب
بيده وانطلق نحو الصحراء فقالوا: يا ابن رسول الله ما قال: قال دعا
لكم وجزاكم خيرا ودعا لكم بالعافية فكان هذا من دلائله (عليه
السلام).
وعنه عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن زيد
ابن عاصم الخياط عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت من املآء علي بن
الحسين زين العابدين (صلوات الله عليه) بين مكة والمدينة فقال إذا بلغت
جبال صيحان تقف ناقتي لأمر أخبرك به هناك قال أبو حمزة: فلما وصلنا
إلى جبال صيحان وقفت الناقة، فقال لها: سيري والا قلت ما تعلمين
فسارت فقلت جعلت فداك الناقة وقفت فقال يا أبا حمزة جاء معاوية لعنه
الله وفي عنقه سلسلة وأصحابه معه يسألوني أسقيهم الماء فوقفت الناقة لأنها
تهواهم فهتف بي هاتف من عند الله لأسقيهم لا سقاهم الله فهم في هذا
الموضع يعذبون بأنواع العذاب إلى يوم القيامة قال أبو حمزة فما الذي قالت
الناقة وإلا فقلت ما تعلمين قال: قد قلت لها سيري والا عذبت معهم
فسارت فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي عن محمد بن علي عن علي بن محمد
عن الحسن بن أبي عشار عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت من املاء علي بن
الحسين (صلوات الله عليه) بين مكة والمدينة فمررنا بشجرة فيها قنابر
تصفر فقال: يا أبا حمزة أتدري ما الذي تقول هذه القنابر فقلت والله ما
أدري، قال: ولكني أدري، قلت: يا سيدي ما تقول، قال: يقدسن ربهن
ويسألنني قوت يوم بيوم فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن جعفر بن مالك عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن
217

معمر بن خديجة عن ابن يزيد الجعفي عن أبي خالد عبد الله بن غالب
الكابلي قال: جاء الناس إلى سيدنا سيد العابدين (صلوات الله عليه)
فقالوا: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نريد الحج إلى مكة
فأخرج أنت معنا نشكر الله قال لهم: نعم، فدعا لهم ووعدهم يوم
الخميس فلما نزل بعسفان بين مكة والمدينة وإذا غلمانه قد سبقوه فضربوا
لهم فسطاطا في موضع عال من الأرض فلما دنا من ذلك الموضع قال
لغلمانه كيف ضربتم وفي هذا الموضع قوم من الجن لنا أولياء وشيعة قد
أضررتم بهم وضيقتم عليهم فقالوا ما علمنا يا مولانا هذا يكون ها هنا فإذا
هاتف من جانب الفسطاط نسمع كلامه ولا نرى شخصه وهو يقول يا ابن
رسول الله لا تحول فسطاطك فإنا نحب هذا ونرى ذلك علينا فرضا
وطاعتك طاعة الله وخلافك خلاف على الله وهذه ألطاف قد أهدينا لك
فنحب ان تأكل منها فنظر صلى الله عليه وإذا طبق عظيم بجانب الفسطاط
واطباق أخرى دونه فيها رطب وعنب ورمان وموز ومن سائر الفواكه فدعا
(عليه السلام) كل من كان حوله واكلوا واكل من تلك الهدية وقال لهم
هذه هدية اخوانكم من الجن المؤمنين ثم رحل فكان هذا من دلائله (عليه
السلام).
وعنه عن علي بن الطيب الصابوني عن محمد بن علي بن الحسن عن
محمد بن أبي العلاء عن أبي الفراء جميعا عن أبي بصير عن أبي عبد الله
الصادق (عليه السلام) قال دخل أبو هاشم محمد بن الحنفية على سيد
العابدين علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) لإظهار أمر كان من شيعته
بمكة والمدينة مكتوم ما رحل عند الحسين بن علي (صلوات الله عليه)
بالعراق وسيد العابدين ابنه معه وكانت تلك وصية من الحسين (عليهما
السلام) إلى أخيه محمد بن الحنفية ان يظهر للناس إمامته لئلا يرجعوا عن
محبتهم أهل البيت إلى أن يعود علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) من
الشام إلى المدينة بعد أن تحمل من العراق إلى الشام فنصب محمد نفسه
218

للشيعة وأظهر هم بأنه الإمام وخرج المختار بن عبيد الله الثقفي بما يريده
الحسين (عليه السلام) وسأل عن الإمام بعده فقالت له شيعة في المدينة:
هو محمد بن الحنفية وكان المختار حيث مات أبوه وهو طفل وتبعل عمه بأمه
وكان المختار كيسيا وحده وكان عمه يدعوه بكيسان المكتسبة فلما اتاه بدم
الحسين (عليه السلام) أدعى امامة محمد بن الحنفية فعرف أصحابه
بالكيسانية ولما صار بالمزار ومعه عبيد الله بن أمير المؤمنين علي وسأله وهو في
المعسكر على أيدي وجوه الشيعة الذين كانوا مع المختار إنك كنت تطلب
هذا الثأر لترد إلينا حقنا وأنا ابن أمير المؤمنين وأنا أحق منك بهذا الأمر
فسلمه إلي وإن كنت تطلبه بنفسك فانظر حتى أرحل عنك فقال له المختار
سأنظر إلى ما ذكرت ولا أؤخره فلما جن عليه الليل وهو في المعسكر احضر
القوم الذين كانوا الرسل إليه فقال لهم: قد حل قتل عبيد الله لأن الإمام
محمد بن الحنفية وقد طلب عبيد الله الإمامة لنفسه قالوا: بئسما قلت إن في
قتله تكون كيزيد بن معاوية وجنده فقال لهم انصرفوا إلى أخبيتكم حتى
انظر وتنظرون وصار بنفسه في عدة من خاصته إلى خيمة عبيد الله وأخذوه
من بين غلمانه فقتلوه ودرجوه في بساطه وجهزوه وصلوا عليه ودفنوه بالمزار
وتفرق عن المختار طوائف وأنكروا قتل عبيد الله فلما قتل الحسين بن علي
(عليهما السلام) وحمل علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) وذراري رسول
الله (صلى الله عليه وآله) إلى يزيد بن معاوية وكان علي بن الحسين عليلا
نحيفا رده يزيد وأهله إلى المدينة وتسامعت الشيعة برجوع علي بن الحسين
في إمامة محمد بن الحنفية ودخلت أحياؤها على علي بن الحسين (صلوات
الله عليهما) فأراهم دلائل الإمامة وبراهينها فاستجابت الشيعة وسلمت
الامر إليه وسرت بصحيح الاخبار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وعن أمير المؤمنين وعن اللوح المنزل على فاطمة (عليها السلام) وأن
محمد بن الحنفية ما له شئ بالإمامة وما الأمير المؤمنين والحسن
والحسين والتسعة من ولد الحسين أولهم سيد العابدين فلما فشا ذلك
219

في الشيعة ورجعت إلى علي بن الحسين فقامت طائفة على محمد بن الحنفية
أراد محمد بن الحنفية يروي الشيعة في دخوله على علي فقال يا علي بن
الحسين ألست تعلم أني إمام عليك قال له: يا عم لو علمت منك ذلك لما
خالفتك ولا وسعني جحدك وإنك لتعلم أني إمامك وامام جميع المؤمنين
والحجة على الخلق أجمعين، وإن طاعتي عليك فرض مفترض، يا عم أما
علمت أني وصي الحسنين وأن أبي وصي أبيه أمير المؤمنين ووصي أخيه
الحسن، أخذ الله عليهما بعد أبيهما أمير المؤمنين، وأن الأوصياء مني
والمهدي، فتشاجرا مليا، قال علي بن الحسين (عليهما السلام) لمحمد بن
الحنفية فمن ترضى تجعله حكما بيني وبينك، قال له محمد بن الحنفية: من
شئت، قال له ترضى ان تجعل بيني وبينك الحجر الأسود قال له محمد: يا
علي تجعل بيني وبينك الحجر حكم لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق سبحان
الله ما أعجب هذا تترك الناس وتحكم الحجر، فقال له علي بن الحسين:
يا عم وإن لم يسمع ويبصر وينطق ود علمت أن الله تعالى اخذ من بني
آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى،
اخذ ذلك العهد فاستودعه الحجر الأسود في البيت الحرام وجعل البيت
أول بيت وضع للناس ببكة، وأمر الناس بالحج إليه فإذا كان يوم القيامة
أتى بالحجر سميعا بصيرا فيشهد لمن وفد إليه بالوفاء وعلى من تأخر عنه
بالغدر، فقال له محمد بن الحنفية قد رضيت والوعد أن يكون مجيئنا إليه في
وقت الحج وجمع الناس فلما حج الناس تلك السنة وهي سنة من سني حج
علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) ومحمد واجتمعت الشيعة فوقفوا تجاه
الحجر فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) تقوم يا عم فأنت أكبر سنا
مني فاقسم على الحجر ان يجيبك وبين امرك فدنا محمد بن الحنفية وقام
وصلى في مقام إبراهيم فقال يا حجر: أسألك بحرمة الله وحرمة رسوله
وبحق كل مؤمن ومؤمنة ان كنت تعلم إني الحجة على الناس وعلى علي بن
الحسين فانطق وبين ذلك فلم يجبه الحجر فقال تقدم أنت يا بني منه فدنا
220

علي بن الحسين وقد صلى فتكلم بكلام خفي لم يفهم منه ثم قال: أسألك
أيها الحجر بحرمة الله وحرمة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وحرمة أمير
المؤمنين وحرمة فاطمة وحرمة الحسن وحرمة الحسين (صلوات الله عليهم
أجمعين) إن كنت تعلم أني الحجة على عمي محمد بن الحنفية وعلى الخلق
أجمعين من أهل السماوات والأرضين الا نطقت بذلك وبينته لنا وللناس
كلهم فنطق الحجر بلسان عربي مبين يقول: يا محمد بن أمير المؤمنين اسمع
واطع لعلي بن الحسين فإنه حجة الله عليك وعلى جميع خلقه من الأولين
والآخرين من أهل السماوات والأرضين فقال محمد بن الحنفية: اللهم إني
أشهد أني قد سمعت وأطعت وسلمت هذا الامر إلى إمامي وحجتي وحجة
الله علي وعلى خلقك علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) فآمن به أكثر
الشيعة التي قالت محمد بن الحنفية امام وأقام عليه قوم غلبت عليهم
شقوتهم واستحوذ عليهم الشيطان ما كان محمد بن الحنفية اظهر ما أظهره
الا ليضبط الشيعة في وقت قتل الحسين (عليه السلام) لئلا يشكوا ويرجعوا
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن علي ابن الطيب الصابوني عن محمد بن علي عن علي بن
الحسين عن أبيه عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول
كان أبو خالد الكابلي ومحمد بن الحنفية دهرا وما كان يشك الا انه الامام
حتى أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك ان لي حرمة ومودة وانقطاع
إليك فأسألك بحرمة الله وحرمة رسوله وحرمة أمير المؤمنين ألا أخبرتني أنت
الامام الذي فرض الله طاعتك على خلقه، فقال لي: يا أبا خالد حلفتني
اعلم أن الإمام علي وعليك وعلى جميع الخلق، علي بن الحسين (صلوات
الله عليه) فاقبل أبو خالد لما سمع مقالة ابن الحنفية إلى الإمام زين العابدين
(صلوات الله عليه) فاستأذن عليه فأخبره أن أبا خالد في الباب،
فاذن له فلما دخل عليه قال: مرحبا بك يا كنكر أما كنت منا فما بدا لك
فخر أبو خالد ساجدا شاكرا لله تعالى لما سمع من الإمام زين العابدين
221

علي بن الحسين (صلوات الله عليهما)، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني
حتى عرفت إمامي فقال له الإمام زين العابدين: وكيف عرفت إمامك يا أبا
خالد قال لأنك دعوتني باسمي الذي سمتني أمي به وما سمعه أحد من
الناس قال له (عليه السلام): وما معنى كنكر، قال يا مولاي أنت
أعلم به مني، قال: كنت ثقيلا في بطن أمك، أنت حمل فكانت تقول
بلغة كابل يا كنكر تريد يا ثقيل الحمل، قال: ودلني عليك محمد بن
الحنفية، وكنت في غم من هذا وحيرة ولقد خدمت محمد بن الحنفية برها
من عمري ولا أشك إلا أنه إمامي حتى إذا كان سألته بحرمة الله وحرمة
رسوله وحرمة أمير المؤمنين فأرشدني إليك وقال هو الإمام علي وعليك وعلى
خلق الله أجمعين، ثم اذنت إلي فلما دخلت إليك سميتني باسمي الذي
سمتني به أمي فقلت أنت الامام الذي فرض علي وعلى كل مسلم طاعته
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أحمد بن جعفر القصير عن محمد بن ميمون الخراساني، قال
الحسين بن حمدان الخصيبي رضي الله عنه: سمعت هذا الخبر عن محمد بن
ميمون، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن ابن الصباح، عن
أبي جعفر الباقر (صلوات الله عليه)، قال سمعته يقول: خدم أبو خالد
الكابلي إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) دهرا من عمره ثم إنه أراد أن
ينصرف إلى أهله فاتى إلى علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) فشكى
إليه شوقه إلى والدته، وإنه بلا مال ولا نفقة تحمله، فقال يا أبا خالد
يقدم غدا رجل من أهل الشام له قدر ومال كثير وقد أصاب ابنته عارض
من الجن يريدون ان يطلبوا له معالجا يعالجها فإذا أنت سمعت بقدومه فاته
وقل له أنا أعالجها على أن تعطيني ديتها عشرة آلاف درهم، فيقولون لك
نعم نعطيك ولا يوفون لك ولا بد ان تأخذ منها، فقدم الرجل الشامي
بابنته وكان من عظماء أهل الشام في الحال والقدر، فقال لأصحابه: ما
من معالج يعالج هذه، فقال لهم أبو خالد: أنا أعالجها على أن أعطى
222

ديتها عشرة آلاف درهم، فان وفيتم وفيت لكم على أن لا يعود إليها ابدا،
فشرطوا ذلك وضمنوه ثم أقبل إلى الإمام زين العابدين (عليه السلام)
فأخبره بالخبر، فقال: إني اعلم أنهم سيكذبون ولا يوفون لك فانطلق يا
أبا خالد فخذ باذن الجارية ثم قل: يا حبيب يقول لك علي بن الحسين
أخرج من هذه الجارية ولا تعود ففعل أبو خالد ما أمره فخرج عنها،
فأفاقت الجارية فطلب الذي جعلوا له، فلم يعطوه فخرج معه، فقال له
الإمام زين العابدين (عليه السلام) ما لي أراك كئيبا يا أبا خالد، ألم أقل
لك أنهم يغدرون دعهم فإنهم سيعودون إليك لان الجني يعاودها فإذا جاؤوك
فقل لهم: قد غدرتم والآن فلست أعالجها أو تعدون العشرة آلاف درهم
عند سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) لأنه ثقة علي وعليكم
فعادوا الجارية العارض ففعلوا ذلك وعدوا المال على يديه ورجع أبو خالد
إلى الجارية، فقال لها: كالأول وهو اناخذ باذنها وقال يا حبيب يقول
لك علي زين العابدين اخرج من هذه الجارية ولا تعود إليها، فإنك ان
عدت إليها أحرقت بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فخرج منها ولم
يعد إليها فدفع المال إلى أبي خالد فخرج إلى بلاده فكان هذا من دلائله
(عليه السلام).
وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن علي، عن علي بن
الحسين، عن الحسن بن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح، عن أبي عبد
الله الصادق (عليه السلام)، قال: لما ولي عبد الملك بن مروان
الخلافة، كتب إلى الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله بذلك، وبعث
الكتاب مع ثقته فعلم بذلك علي بن الحسين صلوات الله عليهما)، وما
كتب به واسره وكتب إلى الحجاج كتابا ان الله قد شكر إلي فعلك وترك
عليك الجماعة وزادك برهة، وكتب من ساعته كتابا إلى عبد الملك بن
مروان، أما بعد: فإنك كتبت في يوم كذا وكذا كتابا إلى الحجاج تقول
فيه: أما بعد فانظر دماء آل عبد المطلب فاحقنها فان آل أبي سفيان لما
223

ولغو فيها لم يلبثوا إلا قليلا واسررت ذلك وكتمته وقد شكر الله لك
فعلك، وترك عليك ملكك وزادك برهة، وبعث بالكتاب مع غلامه على
راحلة وأمره أن يوصله إلى عبد الملك بن مروان، فلما وصل إليه نظر في
تاريخه فوجده وافق الساعة التي كتب إليه وبعث إلى الحجاج بالكتاب، لم
يشك عبد الملك بن مروان في صدق علي بن الحسين (عليهما السلام)
وبعث إليه بوقر راحلته فجازاه لما اسره من كتابه مالا جزيلا ليصرفه في
فقراء شيعته وأهل بيته فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن محمد بن يحيى الخرقي، عن محمد بن علي، عن علي بن
الحسين، عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن زكريا، عن أبيه زكريا، عن
أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، عن أبيه محمد بن علي، عن جده
علي بن الحسين (صلوات الله عليهم)، ان رجلا من أهل الشيعة دخل
عليه فقال: يا ابن رسول الله ما فضلنا على أعدائنا ونحن وهم سواء، بل
منهم من هو أجمل منا وأحسن أدبا وأطيب رائحة، فما لنا عليهم من
الفضل، فقال زين العابدين (عليه السلام): تريد أن أريك فضلك
عليهم، قال: نعم، قال أدن مني فدنا منه فاخذ بلحيته ومسح عينيه
وروح بكفه على وجهه، وقال انظر ما ترى فنظر إلى مسجد رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وما فيه الا قردة وخنازير ودب وضب، فقال جعلت
فداك ردني كما كنت فان هذا نظر صعب فمسح عينيه فرده كما كان، فكان
هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أحمد بن صالح، عن جعفر بن يحيى عن محمد بن
خالد، عن سعدان بن مسلم، عن عمار، عن أبي عبد الله الصادق
(صلوات الله عليه)، قال: لما كان الليلة التي فقد فيها سيد العابدين،
قال لأبيه: أئتني بوضوء فاتاه بوضوء، فقال له: قبل ان يصل إليه أردده
فان فيه ميتة فدعا بالمصباح، فإذا فيه فارة ميتة فاتاه بوضوء غيره فقال له:
يا بني هذه الليلة وعدت فيها الحق لحوقي بجدي رسول الله (صلى الله
224

عليه وآله) وجدي أمير المؤمنين (عليه السلام) وجدتي فاطمة (صلوات
الله عليها) وعمي الحسن وأبي الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) فإذا
توفيت وواريتني فخذ ناقتي فاجعل لها خطاما وأقرر لها علقما فإنها تخرج إلى
قبري فتضرب بجرانها للأرض حول قبري وترغوا، فاتها وردها إلى
موضعها فإنها تطيعك وترجع إلى موضعها ثم تعود الخروج فتفعل مثل
فعلها الأول فارفق فيها وردها ردا رفيقا فإنها تنفق بعد ثلاثة أيام، فلما
قبض زين العابدين (صلوات الله عليه) في تلك السنة فعل بالناقة أبو جعفر
محمد الباقر (صلوات الله عليه) ما وصاه به، فخرجت إلى القبر وضربت
الأرض حوله ورغت، فأتاها أبو جعفر فقال لها: قومي يا مباركة فارجعي
إلى مكانك فرجعت إلى مكانها ثم مكثت قليلا وخرجت إلى القبر ففعلت
مثل فعلها الأول، فأتاها أبو جعفر الباقر (صلوات الله عليه) فقال لها:
قومي الآن فلم تقم، فصاح بها من حضر، فقال الباقر (صلوات الله
عليه): دعوها فان أبي أخبرني إنها تنفق بعد ثلاثة أيام ونفقت قال أبو
عبد الله كان جدي علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) يحج إلى مكة
فيعلوا الصوت في الرحل فلا يصل إليها حتى يرجع إلى داره بالمدينة،
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن محمد بن عبد الله الشاشي، عن محمد بن يزيد الداعي
بطبرستان، عن أحمد بن يحيى صاحب مولانا الرضا، عن محمد بن أبي
عميرة، عن الحسن بن عبيدة، عن أبي خالد الكابلي، قال: خدمت
محمد بن الحنفية سبع سنين، ثم قلت له: جعلت فداك ان لي إليك
حاجة قد عرفت خدمتي لك، قال: فاسأل حاجتك، قلت: تريني
الدرع والمغفر، قال: ليس هما عندي، ولكن عند ذلك الفتى، وأشار
بيده إلى مولانا زين العابدين علي بن الحسين (صلوات الله عليه)،
فنظرت إليه حتى أنصرف وأتبعته حتى عرفت منزله، فلما كان من الغد،
وتعالى النهار أقبلت فإذا بابه مفتوح فأنكرت ذلك لأني كنت أرى أبواب
225

الأئمة (عليهم السلام) تطبق ابدا فقرعت الباب فصاح يا كنكر أدخل
فدخلت عليه فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله،
وإنك حجة الله على جميع خلقه وهذا والله لقبي لقبتني به أمي وما عرفه
خلق، قال: اجلس فانا حجة الله وخزانة وحي الله فينا الرسالة والنبوة
والإمامة ومختلف الملائكة وبنا فتح الله وبنا يختم، قال أبو خالد: فأطلت
الجلوس ووقع على قلبي الفكر في فتح الباب، وكانت لحيته بطيب وعليه
ثوبان موردان، فقال يا كنكر: تعجب من فتح الباب ومن الخصلة والطبع
الذي في الثوبين قلت: نعم، قال: يا أبا محمد أما الباب فخرجت خادمة
من الدار لا علم لها، فتركت الباب مفتوحا، ولا يجوز لبنات رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ان يبرزن فيصفقنه، وأما الخصلة فليس أنا فعلتها،
لكن النساء أخذن طيبا فخصلنني به واما الطبع في الثوبين فانا قريب
العهد بعرش ابن عمي ولي منذ استخرجتها أربعة أيام ثم قبض على
عضادتي الباب، ثم قال: هات السفط الأبيض فاقبل السفط الأبيض حتى
صار بن يديه فقلت له: يا سيدي من جلب السفط، قال: بعض
خدمي من الجن، ثم فك الختم، وبكى بكاءا شديدا، ثم اخذ الدرع
والمغفر فلبسهما وقام قائما، وقال كيف ترى قلت كأنهما افرغا عليك يا ابن
رسول الله افراغا قال: هكذا كان على جدي (صلى الله عليه وآله) وعلى
جدي أمير المؤمنين وعمي الحسن وأبي الحسين والله لا يراهما أحد الاعلي
وعلى القائم المهدي من ذريتي فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه قال حدثني محمد بن علي القمي قال: حدثني محمد بن أحمد بن
عيسى، عن محمد بن جعفر البرسي، قال: حدثني إبراهيم بن محمد
الموصلي، عن أبيه، عن حنان بن سدير الصيرفي، عن جابر بن يزيد
الجعفي، قال: لما قبض أمير المؤمنين وأفضت الخلافة إلى بني أمية سفكوا
الدماء ولعنوا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) على المنابر وتبرؤا منه
واغتالوا الشيعة في كل بلدة وقتلوهم وما يليهم من الشيعة بحطام الدنيا
226

فجعلوا يمتحنون الناس في البلدان كل من لم يلعن أمير المؤمنين ويتبرأ منه
قتلوه، فكشت الشيعة إلى زين العابدين وسيد الرهبان من المؤمنين وإمامهم
علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) فقالوا: يا ابن رسول الله قد قتلونا
تحت كل حجر ومدر، واستأصلوا شافتنا وأعلنوا لعن أمير المؤمنين على
المنابر والطرق والسكك وتبرأوا منه حتى أنهم ليجتمعون في مسجد رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وعند منبره فيطلقون على أمير المؤمنين (عليه
السلام) اللعنة علانية لا ينكر ذلك عليهم ولا يغير فان انكر ذلك أحد منا
حملوا عليه بأجمعهم، وقالوا: ذكرت أبا تراب بخير، فيضربونه ويحبسونه
فلما سمع ذلك نظر إلى السماء، وقال: سبحانك ما أحلمك، وأعظم
شأنك، ومن حلمك انك أمهلت عبادك حتى ظنوا انك اغفلتهم وهذا
كله لا يغالب قضاؤك ولا يرد حكمك تدبيرك كيف شئت وما أنت أعلم به
مني، ثم قال لابنه أبي جعفر (عليه السلام) يا محمد قال: لبيك، قال:
إذا كان غدا اغدوا إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخذ
الخيط الذي نزل به جبريل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه
وآله) فحركه تحريكا خفيفا ولا تحركه تحريكا شديدا فيهلك الناس كلهم،
قال جابر فبقيت والله متعجبا من قوله وما أدري ما أقول
وكنت كل يوم أغدو إلى أبي جعفر (عليه السلام) فلما كان
في ذلك اليوم غدوت إلى أبي جعفر الباقر (صلوات الله عليه)
وقد بقي من الليل جانب حرصا على أن انظر إلى الخيط وتحريكه
فبينما أنا على الباب وإذا بابي جعفر قد خرج فقمت وسلمت عليه فقال
لي: ما غدوتك ولم تأتنا في مثل هذا الوقت قلت: يا ابن رسول الله
سمعت انك بالأمس تقول في الخيط ما تعلمه فقال نعم، يا جابر لولا
الوقت المعلوم والأجل المحتوم والقدر المقدور لخسفت والله بهذا الخلق في
طرفة عين، لا بل في لحظة الإبل في لمحه بل اننا عباد الله المكرمون الذين
لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون، قال جابر: فقلت سيدي لم تفعل
227

ذلك بهم، قال اما حضرت بالأمس والشيعة يشكون إلى أبي ما يلقون من
الناصبة الملاعين قال جابر: قلت: بلى، يا سيدي ومولاي قال: فإنه قد
أمرني أن أرعبهم وكنت أحب ان تهلك طائفة منهم قلت يا سيدي ومولاي
كيف ترعبهم وهم أكثر من أن يحصوا قال امضي بنا إلى مسجد رسول الله
لأريك قدرة من قدر الله عز وجل الذي خصنا بها وفضلا من فضله الذي
أعطانا إياه قال جابر فمضيت معه إلى المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم وضع
خده على التراب وتكلم بكلمات ثم رفع رأسه، وأخرج من كمه خيطا تفوح
منه رائحة المسك وهو أدق من الخيط المخيط في النظر ثم قال: خذ إليك
يا جابر طرف هذا الخيط فاخذته ومشيت به رويدا فقال قف يا جابر فحرك
الخيط تحريكا لينا خفيفا، وما ظننت أنه حركه من لينه ثم قال ويحك يا
جابر أخرج انظر ما حال الناس فيه قال فخرجت من المسجد وإذا بصياح
وولولة من كل ناحية وإذا زلزلة شديدة وهزه ورجفة قد أخربت عامة بالخلق
باكيين يخرجون من السكك ولهم بكاء وعويل وضجيج ورنة شديده وهم
يقولون انا لله وإنا إليه راجعون قد قامت الساعة ووقعت الواقعة فهلك
الناس وآخرون يقولون انا لله وإنا إليه راجعون كانت رجفة هلك فيها عامة
الناس وإذا أناس قد أقبلوا يبكون ويريدون المسجد وبعض يقولون لبعض
كيف لا يخسف بنا وقد تركنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أظهرنا
الفسق والفجور وشرب الخمر واللواط وكثر الزنى وفشا الربا والله لينزل بنا
ما هو أشد وأعظم أو نصلح من أنفسنا، قال جابر: فبقيت متحيرا أنظر
إلى الناس وهم يبكون ويتضرعون ويعدون زمرا زمرا إلى المسجد، فرحمتهم
والله حتى بكيت معهم لبكائهم وإذا المساكين لا يدرون من أين أتوا
وأخذوا، فانصرفت إلى الباقر (صلوات الله عليه) وقد حف به الناس
يقولون يا ابن رسول الله الا ترى ما قد حل بنا وبحرم رسول الله من هذه
النازلة العظمى والآية الكبرى، قال والله لقد رأيت في هذه الآية ما أزال
228

متعجبا به حتى القى الله عز وجل، فقال: يا جابر هذه منزلة الأئمة
(عليهم السلام) عند الله ومنزلة أوليائه المخلصين قلت يا سيدي ومولاي:
فان شياطينهم قد سألونا ان يحضر حتى يحتملون إلى عندك ويدعون إلى الله
ويتضرعون إليه ويسألونه الإقالة فتبسم (عليه السلام) وتلا قوله تعالى:
(أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء
الكافرين الا في ضلال انا لننصر رسلنا والذين آمنوا معهم في الحياة الدنيا
ويوم يقوم الاشهاد) وتلا قوله تعالى: (ولو اننا نزلنا إليهم الملائكة
وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء
الله ولكن أكثرهم يجهلون) وتلا قوله تعالى: (ولقد جئتمونا فرادى كما
خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم
شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيم شركاء) لقد تقطع بينكم وضل عنكم
ما كنتم تزعمون وهي اجزاها وهي والله ولايتنا وهذه اجزاها وهي ما
وصف الله عز وجل في كتابه العزيز بل نقذف بالحق على الباطل يدمغه فإذا
هو زاهق ولكم الويل مما تصفون يا جابر ما تقول بقوم أماتوا كلمة الحق
وأظهروا الباطل وهتكوا حريمنا وظلمونا حقنا وغصبونا ملكنا وفعلوا افعال
المنافقين وساروا سيرة الفاسقين قال جابر قلت يا سيدي الحمد لله الذي
من علي بمعرفتكم وألهمني فضلكم ووفقني لشيعتكم وموالاة مواليكم ومناداة
أعدائكم فقال يا جابر: أتدري ما المعرفة قلت: لا أدري قال: اثبات
التوحيد أولا، ثم معرفة المعاني، ثانيا، ثم معرفة الأبواب ثالثا، ثم
معرفة الأيتام رابعا، ثم معرفة النقباء خامسا، ثم معرفة النجباء سادسا،
ثم معرفة المختصين سابعا، ثم معرفة المخلصين ثامنا، ثم معرفة
الممتحنين تاسعا، وهو قوله تعالى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات
ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) وتلا قوله
تعالى: (لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة
ابحر ما نفدت كلمات الله) الآية. يا جابر مولاك امرك بثبات التوحيد
229

معرفة معنى المعان، قال جابر: فقلت سيدي ومولاي وفقني على اثبات
التوحيد فهي معرفة الله الأزل القديم العلي العظيم الذي لا تدركه الابصار
وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير وهو غيب باطن ليس يتدارك كما
وصف نفسه عز وجل واما المعاني فنحن معانيه وظاهره فينا اختارنا من نور
ذاته وفوض الينا امر عباده فنحن نفعل باذنه ما نشاء ونحن لا نشاء الا ما
شاء الله وإذا أردنا أراد الله أحلنا الله هذا المحل واصطفانا من بين عباده
وخصنا بهذه المنزلة الرفيعة السنية وجعلنا عينه على عباده وحجته في بلاده
ووجه وآياته فمن انكر من ذلك شيئا ورده فقد رد على الله وأنبيائه وآياته
ورسله، يا جابر من عرف الله بهذه الصفة فقد أثبت التوحيد لأن هذه
الصفة موافقة لكتاب الله المنزل وهو قوله: (لا تدركه الابصار وهو يدرك
الابصار وهو اللطيف الخبير) وقوله في كتابه العزيز: (ليس كمثله شئ
وهو السميع البصير) وقوله تعالى: (لا يسال عما يفعل وهم
يسألون) يا جابر فإذا عرفت الله بهذه الصفة، ثم عرفت معانيه وإنهم من
نور ذاته اختصهم الله بالفضل وأعزهم بالروح التي هي منه لم يطفأ بتلك
الروح والنور الذي هو منه عزنا وأنت عارف خبير مستبصر كامل بالغ،
قال جابر: انا لله ما أقل أصحابي، قال: هيهات يا جابر: أتدري كم
على وجه الأرض من أصحابك، قلت: يا ابن رسول الله كنت أظن أن
في كل بلدة ما بين المائة إلى المائتين وكل أقليم ما بين الألف إلى
الألفين، لأنا كنا نظن أنهم أكثر من مائة الف في أطراف الأرض ونواحيها.
قال: يا جابر خاب ظنك وقصر رأيك أولئك هم المقصرة وليس من
أصحابك قلت: يا ابن رسول الله ومن المقصرة قال الذين يقصرون عن
معرفة الأئمة وعن معرفة ما فوض إليهم من روحه، قال جابر: من علي
يا سيدي، قال: ان تعرف كل من خصه الله بالروح فقد فوض إليه أمره
أن يخلق باذنه ويعلم ويخبر بما في الضمائر ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم
القيامة وذلك أن هذه الروح من امر الله عز وجل خصه بهذه الروح وهو
230

كامل غير ناقص يفعل ما يشاء بأمر الله يسير بإذن الله من المشرق إلى
المغرب في لحظة ويعرج إلى السماء وينزل إلى الأرض متى شاء وأراد قلت
سيدي أوجدني بيان هذه الروح من كتاب الله المنزل على نبيه المرسل
(صلوات الله عليه) وأنها من أمر الله خص الله بها رسوله وارتضاه،
قال: نعم، اقرأ هذه الآية قوله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحا من
أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من
نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) قال جابر: قلت: يا
ابن رسول الله هل بعد هذه المعرفة تقصير، قال: نعم، ان قصر في
حقوق اخوانه ولم يشركهم في كل أمرهم واستأثر بحطام الدنيا دونهم
فهنالك يسلب المعرفة وينسلخ من دينه وتصيبه من آفات الدنيا وبلاياها ما
لا يطيقه من الأوجاع وإذهاب ماله وتشتيت شمله بما قصر في حقوق
اخوانه. قال جابر: فاغتممت غما شديدا وقلت: يا ابن رسول الله ما
حق المؤمن على أخيه قال يفرح بفرحه ويحزن لحزنه، ويتفقد أموره كلها
فيصلحها ولا يغتنم بشئ من حطام الدنيا إلا واساه به حتى يكونا في
الخير والشر قرآنا واحدا قلت سيدي ومولاي كيف فرض الله هذا للأخ على
أخيه المؤمن، قال: لان المؤمن أخو المؤمن لا أبيه وأمه يرثه ويعتقد منه
وهو أحق بملكه من ابنه إذا كان على مذهبه قلت: سبحان الله ومن
يمكنه ذلك ومن يقدر عليه قال: من أحب ان يقرع باب الجنان ويعانق
الحور الحسان ويجتمع معنا في دار السلام، ويشتاق العلي العلام، قال
جابر: هلكنا والله قال يا جابر ان رجلا من اخوانك شابا طريا اتاني
فسألني عن حقوق الاخوان أخبرته ببعض حقوقهم فمر متحيرا لا يهتدي
لامره من صعوبة ما مر على مسامعه من حقوق المؤمن على أخيه المؤمن.
فقال: يا ابن رسول الله هلكت والله قلت: ولم، قال: لأني ضيعت حقوقا
وجبت علي لاخواني المؤمنين فقصرت فيها وكان يمكني أن أقضيها ولم اعلم أنه
يلزمني من التقصير كل هذا يسير قلت له هو ما أخبرتك لا أن الله عز
231

وجل امتحنك بمعرفتنا وبحقوق اخوانك المؤمنين فتنفس صعدا ونظرت
إليه وقد تحول شعر رأسه ولحيته بياضا من شدة ما داخله من الأسف
والحزن وخرج وهو يبكي ويقول أتوب إلى الله يا ابن بنت رسول الله مما
كان مني من التقصير في رعاية حقوق إخواني المؤمنين تالله اني كنت في
ضلال مبين قبل يومي هذا وجعل يبكي بكاء شديدا حتى غاب عن بصري
قال جابر: فقلت يا ابن رسول الله فما حال جابر، فيما ينفقه على أهله
وولده وهم لا يعرفون الحق وشفقتي عليهم أكثر من شفقتي على إخواني
وأنا منهم، قال معاذ الله ما أنت منهم ولا هم منك إذا كانوا لا يعرفون
هذا، قال جابر: قلت سيدي ومولاي قد ابتليت بهم قال: والله ما
ابتليت بهم الا بتركك بر اخوانك وتضييعك لحقوقهم، قلت سيدي
ومولاي فاخواني إذا قليل على حسب ما وصفت قال: ذلك أوكد للحجة
عليك من حق المؤمنين فمن كان مقصرا فليس يلزمك حقه ومن كان بالغا
فهو أخوك لأبيك وأمك ترثه ويرثك وليس شئ أحق من حق أخيك
المؤمن يا جابر فقلت وللقصرة قال: عرفهم الشئ بعد الشئ وأرفعهم من
الدرجة إلى الدرجة فان يرد الله بهم خيرا ارشدهم إلى هذا الامر ومن لم
يرد به خيرا نكبه في معرفته ومن أرشدته فقد أحييته ومن أحيى ميتا فكأنما
أحيى الناس جميعا وإياك يا جابر ان تطلع على سر الله مقصرا حتى تعلم أنه
قد استبصر قال الله تعالى: (فان أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم
أموالهم ولا تأكلوها اسرافا وبدارا) يعني إذا بلغوا التفويض قلت: يا
ابن بنت رسول الله فكيف صار الامر مكتوما قال: يا جابر ان الله أحب
ان يعبد سرا ذنب محمد وعلي.
وعنه عن أبي الطيب الصابوني، عن هارون بن إسحاق المدني، عن
الحكم بن أبان بن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)،
قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله
وهو بالمدينة ان اشتري لي درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيفه،
232

فبعث الحجاج إلى علي بن الحسين (صلوات الله عليه) بعني درع رسول
الله وسيفه، وكان عبد الملك في ذلك الوقت أكبر من الحجاج سنا، فقال
عبد الملك: ان ولي الأمر بعد رسول الله أمير المؤمنين (عليه السلام)
وعلى ذريته بعده الحسن ابنه والحسين وبعده علي بن الحسين (عليهم
السلام)، والسيف والدرع عند علي بن الحسين، فبعث الحجاج لعنه الله
ان لا بد من السيف والدرع أو ضرب عنقه فاستأذنه وضمن له حمله إليه،
وصار إلى منزله واحضر صانعا وأخرج إليه عن درع النبي رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وسيف غير سيفه فقبض الدرع ودار في مواضع غير
السيف، وحملهما إلى الحجاج، فقال الحجاج لعنه الله ما هذا سيف رسول
الله ولا درعه، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): القول لك فقل
ما شئت فارسلهما إلى محمد بن الحنفية، وقال أخبرني أهذان سيف رسول
الله ودرعه، فقال: كأنهما هما وشبههما، قال الحجاج، وما تعرفهما، فقال
محمد كيف لا أعرفهما وانا أفرغت الدرع على أمير المؤمنين في يوم الجمل
ويوم صفين ويوم النهروان، فقال له الحجاج: فلم لا تصدقني عنهما، قال
نسيتهما على طول المكث والعهد، فقال الحجاج لعنه الله لعلي بن الحسين
(صلوات الله عليه): بعني هما قال لا أبيع، ولم، قال: لأني لأجد
ذلك فأعطاه أربعين ألف درهم في أربع بدر وانفذهما إلى عبد الملك بن
مروان، وكتب له بكل ما جرى بينهما، فبعث إليه ان يحمل إليه أربعين
ألف درهم اخر وحج عبد الملك بن مروان في تلك السنة ولقيه علي بن
الحسين (صلوات الله عليه) فرحب به وقربه إليه فقال له علي بن الحسين
ظلامتي قال عبد الملك وما ظلامتك يا أبا محمد، فقال سيفي والدرع،
قال أوليس بعتنا هما وقبضت الثمن قال ما بعت، قال: فاردد مالنا فبعث
فحمل المال مختوما فقال له عبد الملك: فهذه خمسين ألف درهم أخرى،
وتم لنا البيع فأبى أن يفعل فاقسم عليه ثانيا، لا بد ان يفعل فأبى فاقسم
عليه ثالثا لا بد ان يعفل، فقال له علي بن الحسين (صلوات الله
عليه): على شرط تكتب لي عليك كتابا يشهد فيه قبائل قريش أني وارث
233

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وان السيف والدرع لي دونك ودون
كل هاشمي وهاشمية قال له: ولك ذلك اكتب ما أحببت فكتب عبد
الملك ابن مروان من علي بن الحسين بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما
اشترى عبد الملك بن مروان من علي بن الحسين وارث رسول الله (صلى
الله عليه وآله) اشترى منه درعه وسيفه الذين ورثهما من رسول الله بمائة
وثلاثين الف درهما وقد قبض علي بن الحسين الثمن وقبض عبد الملك بن
مروان السيف والدرع ولاحق ولا سبيل لاحد من بني هاشم من رجالهم
ونسائهم عليه ولا لاحد من العالمين واحضروا قبائل قريش قبيلة بعد قبيلة
وشهدوا على علي بن الحسين (عليه السلام) وعلى عبد الملك بن مروان
فكانوا إذا خرجوا من الشهادة يقول بعضهم لبعض عبد الملك بن مروان
اجهل خلق الله يقر لعلي بن الحسين انه وارث رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وهو أحق به منه ان هذا هو الخسران المبين يقول هذا القول مؤالفهم
ومخالفهم ثم اخذ علي (عليه السلام) الكتاب وخرج بالمال وهو يقول انا
أعلى العرب سيفا ودرعا يريدهما انهما غير سيف رسول الله (صلى الله عليه
وآله) ودرعه فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
234

الباب السابع
باب الإمام محمد الباقر (عليه السلام)
235

مضى محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله
عليه) وله سبع وخمسون سنة مثل عمر أبيه وجده (عليهما السلام) في عام
مائة وأربعة عشر سنة من الهجرة في شهر ربيع الآخر.
وكان مولده (عليه السلام) قبل مضي الحسين جده بثلاث سنين وهي
سنة ثمانين وخمسين من الهجرة.
وأقام مع أبيه علي بن الحسين (عليهما السلام) خمسة وثلاثين سنة غير
شهرين.
وكان اسمه محمدا، وكنيته أبو جعفر لا غير.
ولقبه باقر العلم، والشاكر لله، والهادي، والأمين.
وروي ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجابر بن عبد الله
الأنصاري انك لن تموت حتى تلقى سيد العابدين علي بن الحسين وابني منه
محمد بن علي (عليهما السلام) فإذا ولد محمد بن علي بن الحسين فصر إليه
عند أوان ترعرعه تقرئ أباه السلام وتقول له اني أمرتك ان تلحق ابنه محمد
في بيت وتقرئه مني السلام وتقبل بين عينيه وتسأله ان يلصق بطنه ببطنك
237

فان لك في ذلك أمانا من النار وتقول له جدك رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) يقول لك يا باقر علم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين
بوركت كثيرا حيا وميتا ثم إذا فعلت ذلك يا جابر فاوص وصيتك فإنك
راحل إلى ربك فلم يزل جابر بن عبد الله باقيا بحياته حتى قيل له قد ولد
محمد ابن علي وترعرع ثم صار إلى علي بن الحسين والى محمد بن علي
(عليهما السلام) فادى رسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفعل ما
أمره رسول الله فقال محمد بن علي (عليهما السلام) يا جابر أثبت وصاتك
فإنك راحل إلى ربك فبكى جابر وقال له يا سيدي وما أعلمك بذلك وبهذا
عهد إلي جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: يا جابر لقد
أعطاني الله علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة فأوصى جابر وصاته
وأدركته الوفاة وصلى عليه علي بن الحسين ومحمد بن علي عليهما السلام)
فلأجل ذلك سمي الباقر.
وأمه فاطمة بنت عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله
عليهم).
وأسماء أولاده: جعفر الإمام الصادق، وعلي، وعبد الله،
وإبراهيم.
ومن البنات أم سلمة.
ومشهده في البقيع إلى جانب مشهد أبيه علي بن الحسين وعمه الحسن
ابن علي ابن أبي طالب (صلوات الله عليه).
وفي أربع سنين من إمامته توفي الوليد بن عبد الملك، وكان ملكه
تسع سنين وشهور، وبويع لسليمان بن عبد الملك وأمر الإمامة مكتوم.
وتوفي الوليد والشيعة في شدة شديدة وفي ست سنين وشهور من إمامته
توفي سلمان بن عبد الملك وبويع لعمر بن عبد العزيز بن مروان بن
238

الحكم فرفع اللعن عن أمير المؤمنين منه السلام وإقام في الملك سنتين وخمسة
اشهر ثم توفي في تسع سنين من إمامته فروي أنه قال وهو بالمدينة توفي في
هذه الليلة رجل تلعنه ملائكة السماء وتبكي عليه أهل الأرض، وبويع
ليزيد بن عبد الملك وملك أربع سنين وفي أربع سنين ولد هاشم بن عبد
الملك وكان شديد العداوة والعناد لأبي جعفر (عليه السلام) ولأهل بيته
فروي انه بعث إليه يستحضره فأحضره ليوقع به فلما دخل عليه حرك شفتيه
بدعاء لم يسمع فأجلسه معه على سريره، ثم قال له: تعرض علي
حوائجك فقال له: تردني إلى بلدي فقال له: ارجع وكتب إلى عامله يمنعه
الميرة في طريقه فمنعه فصعد الجبل وقرأ بأعلى صوته (والى مدين أخاهم
شعيبا) إلى قوله تعالى: (بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين) وفي المدينة
شيخ من بقايا العلماء خرج إلى أهل المدينة فناداهم بأعلى صوته هذا والله
شعيب يناديكم فقالوا له ليس هذا شعيب هذا محمد بن علي بن الحسين له
امر فلا تمنعه الميرة فقال لهم: افتحوا الباب والا فتقعوا في العذاب فأطاعوه
وفتحوا الباب وأمرهم بحمل الميرة إليه ففعلوا فرجع إلى المدينة وأقام بها
فلما قربت وفاته استدعى بابي عبد الله جعفر ابنه (عليهما السلام) فقال له:
ان هذه الليلة التي وعدت فيها ثم سلم إليه الاسم الأعظم ومواريث
الأنبياء والسلاح وقال له: يا أبا عبد الله الله الله في الشيعة، فقال أبو عبد
الله الصادق (صلوات الله عليه) لا أتركهم يحتاجون لها أحد فقال له ان
زيدا سيدعو بعدي إلى نفسه فدعه ولا تنازعه فان عمره قصير فروي ان
خروج زيد يوم الأربعاء وقتل يوم الجمعة رحمه الله وجدد على قاتله
العذاب.
وعنه عن أبي حمزة الثمالي عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: كنت
عند أبي جعفر (عليه السلام) فالتفت إلي وقال لي: يا جابر أما لك حمار
تركبه قلت: لا يا سيدي فقال لي اني اعرف رجلا بالمدينة له حمار يركبه
فيأتي المشرق والمغرب في ليلة واحدة (عليه السلام) وانه قال نحن جنب
239

الله ونحن صفوة الله ونحن خيرة الله ونحن مستودعون مواريث الأنبياء
ونحن آمنا بالله ونحن حجج الله ونحن حبل الله ونحن رحمة الله إلى خلقه
وبينا يختم الله من تمسك بنا نجا ولحق ومن تخلف عنا غرق ونحن القادة
الغر المحجلين ثم قال بعد كلام طويل يا قوم عرفنا وعرف حقنا وأخذ
بأمرنا فهو منا والينا.
وعنه عن المفضل بن شبان قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام)
يقول إن الامام منا يسمع الكلام في بطن أمه فإذا وقع إلى الأرض رفع له
عمود من نور يرى به اعمال العباد.
وعنه عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)
يقول لا والله لا يكون عالما بشئ ان الله عز وجل وأكرم وأعز وأعدل من أن
يفوض طاعة عبده يجعله حجة ثم يحجب عنه علم ارضه وسمائه ثم
قال: يا يحجب ذلك عنه وروي عن حبابة الوالبية قال: دخلت على أبي
جعفر (عليه السلام) فقال لي: يا حبابة ما الذي أبطاك قالت كثرة همي
وظهر في رأسي البياض فقال: يا حبابة أرنيه فدنوت إليه فوضع يده المباركة
في مفرق رأسي ودعا لي بكلام لم افهمه ثم دعا لي بالمرآة فنظرت فإذا شمط
رأسي قد اسود وعاد حالكا فسررت بذلك وسر أبو جعفر (صلوات الله
عليه) لسرورها فقالت له حبابة بالذي اخذ ميثاقكم على النبيين اي شئ
كنتم في الأظلة قال يا حبابة نورا بين يدي العرش قبل ان يخلق الله عز
وجل آدم (عليه السلام) وأوحى الله تبارك وتعالى إلينا فسبحنا فسبحت
الملائكة بتسبيحنا ولم نكن نسبح.
وروي عن العالم منه السلام انه تزوج أبو محمد علي بن الحسين بأم
عبد الله بنت الحسن بن علي عمه (عليه السلام) وهي أم أبي جعفر الباقر
(صلوات الله عليه) فكان يسميها الصديقة ويقول لم يدرك في الحسن امرأة
مثلها.
240

وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: كانت أمي أم عبد الله
بنت الحسن (عليه السلام) جالسة عند جدار فتصدع الجدار فقالت:
بيدها لا وحق المصطفى ما اذن لك الله في السقوط حتى أقوم فبقي معلقا
حتى قامت وبعدت ثم سقط فتصدق علي بن الحسين (عليهما السلام) بمائة
دينار.
وكان مولد أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) في سنة ثمانية
وخمسين من الهجرة قبل ان يصاب جده علي بن الحسين سنتين وشهور
وحضر الطف وكان من دلائله مناظرته اللعين بن يزيد ما قد ذكرناه وكان
مولده ومنشأه مثل مواليد آبائه (عليهم السلام) فاتاه جابر بن عبد الله
الأنصاري فقبل رأسه، ثم قال له: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
جدك يقرئك السلام وكان قال لي تعيش حتى ترى محمد بن علي بن
الحسين (عليهم السلام) فإذا رأته فاقرأ عليه سلامي ثم قل له: أني
وقت اخر وقبل رأسه وقل له يا باقر العلم فلما فعل ذلك امر علي بن
الحسين أبا جعفر لا يخرج من الدار فكان جابر يأتيه طرفي النهار فيسلم
عليه فلما مضى علي بن الحسين (صلوات الله عليه) كان أبو جعفر يمضي
إلى جابر ليسأله من تصحيفه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير
المؤمنين (صلوات الله عليه) في الوقت بعد الوقت.
وروي عنه عن عدة من أصحابه انهم قالوا كنا معه فمر زيد بن
علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال: لنا أترون أخي هذا والله ليخرجن
بالكوفة وليقتلن ويصلبن ويطاف برأسه.
وروي ان أصحابه كانوا مجتمعين عنده إذ سقط بين يديه ورشان ومعه
أنثاه فرقن لهما فرقنا ساعة ثم طارا فقال (عليه السلام) علمنا منطق الطير
وأوتينا من كل شئ ان هذا لهو الفضل المبين كل شئ اسمع والطوع لنا
واعرف بحقنا من هذه الأمة ان هذا الورشان ظن بزوجته ظن سوء فاتى
241

مشتكيا عليها وهي معه فحاكمها فحلفت له بالولاية انها ما خانته فأخبرته
انها صادقة ونهيته عن ظلمها لان ليس من بهيمة ولا طير يحلف بولايتنا
كاذبا ولا يحلف بها كاذبا الا ابن آدم فاصطلحا وطارا.
وروي عن محمد بن مسلم قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السلام)
في طريق مكة إذا بصوت شاة منفردة من الغنم تصيح بسخلة لها قد انقطع
عنها وتسرع السير السخلة إليها فقال أبو جعفر (عليه السلام): أتدري
ما تقول هذه الشاة لولدها قلت: لا يا سيدي قال تقول لها اسرعي إلى
القطيع فان أخاك عام أول تخلف عن القطيع في هذا المكان فاختلسه
الذئب فاكله.
قال محمد بن مسلم: فدنوت من الراعي فقلت أرى هذه الشاة تصيح
بسخلتها لعل الذئب اكل قبل هذا سخلها في هذا الموضع فقال قد كان
ذلك في عام أول فما يدريك.
وروي أن الأسود بن سعيد كان عن أبي جعفر (عليه السلام) فابتدأ
فقال نحن حجج الله ونحن لسان الله ونحن وجه الله ونحن ولادة الله
ونحن أمة الله ثم قال: يا اسود ان بيننا وبين كل ارض برا مثل برنا الينا
فإذا أمرنا بأمر في الأرض جذبنا ذلك البر فأقبلت تلك الأرض الينا وروي
عن الحكم ابن أبي نعيم قال: أتيت أبا جعفر (عليه السلام) بالمدينة
فقلت له نذر بين الركن والمقام إن انا لقيتك لا اخرج من المدينة حتى
اعلم انك قائم آل محمد أولا فلم يجبني بشئ فأقمت ثلاثين يوما ثم
استقبلني في الطريق فقال: يا حكم وانك لهاهنا بعد ان قلت لأني
أخبرتك بما جعلت لله عز وجل على نفسي فلم تأمرني ولم تنهني فقال بكر
إلى المنزل فغدوت إليه فقال سل عن حاجتك فقلت جعلت فداك اني جعلت
علي نذر صيام وصدقة ان انا لقيتك لم اخرج من المدينة حتى اعلم انك
قائم آل محمد (عليه السلام) أولا فان كنت أنت رابطتك وان لم تكن
242

انتشرت في الأرض وطلبت المعاش فقال يا حكم كلنا قائم يمين قائم بأمر
الله عز وجل فقلت وأنت المهدي، قال كلنا نهدي إلى الله عز وجل قلت:
فأنت صاحب السيف ووارث السيف وأنت الذي تقتل أعداء الله وتعز
أولياءه ويظهر بك دين الله قال يا حكم أكون انا هو وقد بلغت هذا أليس
صاحب الامر أقرب عهدا باللين مني ثم قال بعد كلام طويل سر في حفظ
الله والتمس معاشا.
وروي عن ابن مصعب عن جابر بن يزيد الجعفي قال سئل أبو جعفر
(عليه السلام) عن القائم فضرب بيده على أبي عبد الله (عليه السلام)
وقال والله هذا قائم آل محمد قال عنبسة فلما قبض أبو جعفر دخلت على
أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرته بذلك فقال صدق جابر ثم لعلكم
ترون الامام ليس هو القائم بعد الامام الذي قبله هذا اسم لجميعهم.
وقد روي عن محمد بن عمير عن عبد الصمد عن أبي بصير عن أبي
الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) عاده علي (عليه السلام) في المرض الذي قبض به فقال له يا علي
ادن مني حتى أسر إليك ما اسره الله إلي فائتمنك على ما ائتمنني عليه الله
فدنا منه فأسر إليه وفعل علي بالحسن وفعل الحسن بالحسين وفعل الحسين
بابي وفعل أبي بي.
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: انا أولى
بالمؤمنين من أنفسهم وأخي علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا استشهد أبو
الحسن فالحسن أول بالمؤمنين من أنفسهم ثم ابني الحسين أولى بالمؤمنين من
أنفسهم وستدركه يا حسين.
وروى هذا الحديث عبد الله بن العباس وأسامة بن زيد وعبد الله بن
جعفر الطيار (عليهم السلام) أنه قال أنتم ورثة رسول الله (صلى الله
عليه وآله) فقال لي: نعم، رسل الأنبياء ونحن ورثتهم وورثة رسول الله
243

(صلى الله عليه وآله) قلت تقدرون تحيون وتميتون وتبرئون الأكمة
والأبرص فقال لي بإذن الله ثم قال ادن مني يا محمد ففعلت فمسح يده على
وجهي فأبصرت الشمس والسماء والأرض وكل شئ في الدار قال أتحب أن تكون
هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم أو تعود إلى حالك ولك الجنة
خالصا قلت أعود والجنة خير لي فمسح يده على وجهي فرجعت كما كنت.
244

البا الثامن
باب الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)
245

مضى مولانا جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم) وله خمس وستون سنة في ثمانية وأربعين ومائة
من الهجرة.
من الهجرة.
وكان مقامه مع جده (عليه السلام) تسعة عشر سنة وأقام مع أبيه
اثني عشر سنة، وأقام بعد أبيه أربعا وثلاثين سنة.
وكانت كنيته أبا عبد الله وأبا إسماعيل والخاص: أبو موسى.
ولقبه الصادق، والفاضل، والقاهر، والتام، والكامل، والمنجي.
وأمه أم فروة وكانت تكنى أم القاسم وهي بنت القاسم بن محمد بن
أبي بكر بن أبي قحافة.
ومشهده بالبقيع إلى جانب مشهد أبيه محمد بن علي وجده علي بن
الحسين (صلوات الله عليهما).
وكان له من الولد موسى الإمام الكاظم، وإسماعيل، ومحمد،
وعلي، وعبد الله، وإسحاق، وأم فروة، وهي التي زوجها ابن عمها
الخارج مع زيد.
247

وكان من دلائله (عليه السلام).
قال الحسين بن حمدان حدثني علي بن بشر عن جعفر بن يزيد
الرهاوي عن محمد بن المفضل عن الحسن بن مسكان عن داود الرقي عن
أبي حمزة الثمالي عن ميثم التمار عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا ولد جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين (صلوات الله عليه) فسموه جعفر الصادق فإنه يولد من ولده ولد
يقال له جعفر الكذاب ويل له من جرأته علي وبغيه على أخيه صاحب الحق
وإمام الخلق ومهدي أهل بيتي فلأجل ذلك سمي جعفر الصادق وجعفر
الكذاب هو جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق وهو
المعروف بزق خمر وهو الذي سعى بجارية أخيه الحسن بن علي إلى السلطان
وقال له: ان أخي توفي ولم يكن له ولد وإنما خلف حملا في بطن جاريته
نرجس وأخذت هي وورداس الكتابية جاريتا الحسن بن علي من داره في
سوق العطش وحبستا سنتين فلم يصح على نرجس ما ادعى عليها ولا
غيرها فاطلقتا.
قال الحسين بن حمدان قال حدثني أبو الحسين بن يحيى الخرقي وأبو
محمد جعفر بن إسماعيل الحسني، والعباس بن أحمد وأحمد بن سندولا،
وأحمد بن صالح، ومحمد بن منصور الخراساني، والحسن بن مسعود
الفزاري، وعيسى بن مهدي الجوهري الجنبلاني، والحسين بن غياث
الجنبلاني، وأحمد بن حسان العجلي الفزاري، وعبد الحميد بن محمد
السراج جميعا في مجالس شتى انهم حضروا وقت وفاة أبي الحسن بن محمد بن
علي بن موسى بن جعفر الصادق (صلوات الله عليهم والصلاة) بسر من رأى،
فان السلطان لما عرف خبر وفاته أمر سائر أهل المدينة بالركوب إلى
جنازته وأن يحمل إلى دار السلطان حتى صلى عليه، وحضرت الشيعة
وتكلموا، وقال علماؤهم: اليوم يبين فضل سيدنا أبي محمد الحسن بن
عي على أخيه جعفر، ونرى خروجهما مع النعش قالوا جميعا فلما خرج
248

النعش وعليه أبو الحسن خرج أبو محمد حافي القدم مكشوف الرأس محلل
الازرار خلف النعش مشقوق الجيب مخضل اللحية بدموع على عينيه يمشي راجلا
خلف النعش، مرة عن يمين النعش، ومرة عن شمال النعش ولا يتقدم
النعش إليه، وخرج جعر أخوه خلف النعش بدراريع يسحب ذيولها معتم
محبتك الازرار طلق الوجه على حمار يماني يتقدم النعش فلما نظر إليه أهل
الدولة وكبراء الناس والشيعة ورأوا زي أبي محمد وفعله ترجل الناس
وخلعوا أخفافهم وكشفوا عمائمهم ومنهم من شق جيبه وحلل ازراره ولم
يمش بالخفاف ولا الامراء وأولياء السلطان أحد فأكثروا اللعن والسب لجعفر
الكذاب وركوبه وخلافه على أخيه لما تلا النعش إلى دار السلطان سبق
بالخبر إليه فامر بان يوضع على ساحة الدار على مصطبة عالية كانت على
باب الديوان وأمر أحمد بن فتيان وهو المعتمد بالخروج إليه والصلاة عليه
وأقام السلطان في داره للصلاة عليه إلى صلاة العامة وامر السلطان
بالاعلان والتكبير وخرج المعتمد بخف وعمامة ودراريع فصلى عليه خمس
تكبيرات وصلى السلطان بصلاتهم والسلطان في ذلك الوقت المعتز وكان اسم
المعتز الزبير والموفق طلحة وكانت أم المعتز تتوالى أهل البيت فقال المعتز
وكل وقد ولد المعتز وقد سميته الزبير قالت: وكيف اخترت له هذا الاسم.
فقال هذا
اسم عم النبي (صلى الله عليه وآله).
قال الحسين بن حمدان: إنما ذكرت هذا ليعلم من لا يعلم ما كان
المعتز هو الزبير وجعفر المتوكل على الله المعتضد أحمد بن طلحة.
وجع الحديث إلى الجماعة الذين شهدوا الوفاة والصلاة قال: اجعلوا
النعش إلى الدار، فدفن في داره، وبقي الإمام أبو محمد الحسن بن علي
(عليهما السلام) ثلاثة أيام مردود الأبواب يسمع من داره القراءة والتسبيح
والبكاء ولا يؤكل في الدار الا خبز الخشكار والملح ويشرب الشربات
وجعفر بغير هذه الصفة ويفعل ما يقبح ذكره من الافعال قالوا جميعا:
وسمعنا الناس يقولون هكذا كنا نحن جميعا نعلم ما عند سيدنا أبي محمد
249

الحسن من شق جيبه، قالوا جميعا: فخرج توقيع منه (عليه السلام) في
اليوم الرابع من المصيبة.
بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد من شق جيبه على الذرية يعقوب على
يوسف، حزنا قال: يا أسفي على يوسف فإنه قد جيبه فشقه.
قال الحسين بن حمدان: حدثني الحسن بن محمد بن جمهور عن
محمد بن علي، عن علي بن محمد عن أبي المعز عن أبي بصير قال: دخلت
على أبي عبد الله الصادق بعد مضي والده الباقر (صلوات الله عليه) وقد
جامعت أهلي فاتيت إلى عند سيدي الصادق من قبل ان اغتسل لأمتحنه
وارى دلالته مثل ما أراني أبوه فلما دخلت عليه بمجلسه وانا على هذه الحال
فقال لي: يا محمد ما كان فيما كنت فيه حاجة ان تدخل على امامك وأنت
جنب فقلت له: جعلت فداك اعتمدت ذلك لأرى دلالتك فقال أولم تؤمن
قلت: بلى، ولكن ليطمئن قلبي قال: قم اغتسل من جنابتك ففعلت
وعدت إلى مجلسه وعلمت بهذه الدلالة انه الامام حقا.
وعنه عن أحمد بن صالح عن جرير بن يزيد الشاري عن محمد بن
علي، عن الحسن بن علي، عن محمد غلام سعد الإسكاف قال: كنت
عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل الجبل بهدايا
والطاف فكان مما كان أهدى إليه جراب فيه قديد وحيش فنثر أبو عبد الله
(عليه السلام) القديد من الجراب، قال الرجل: انا ما أتيتك الا ناصحنا،
قال: هذا القديد ليس مزكى فرده بين يديه أبو عبد الله الصادق
(صلوات الله عليه) في الجراب ثم تكلم عليه بكلام لم افهمه وقال
للرجل: قم بهذا الجراب فادخل في ذلك البيت وضعه في الزاوية فسمع
الرجل القديد من داخل الجراب وهو يقول ليس مثلي يأكله الامام لأني غير
مزكى فحمل الرجل الجراب وخرج إلى أبي عبد الله (صلوات الله عليه)،
فقال الصادق: ان القديد اخبرني بما اخبرني بما أخبرتني به قال: انه غير مزكى فقال
250

له: أبو عبد الله (عليه السلام) اما علمت يا هارون انا نعلم ما لا يعلم
الناس قال: بلى، جعلت فداك فعلمت ان اسم الرجل هارون وخرج
وخرجت اتبعه حتى مر على كلب فألقاه إليه فاكله الكلب حتى لم يبق منه
شئ فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أحمد بن محمد الحجالي الصيرفي، عن محمد بن علي، عن
علي بن الحسن، عن أبيه، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله بن يحيى
الكاهلي، قال: قال أبو أبو عبد الله (عليه السلام) يا عبد الله بن يحيى
الكاهلي إذا لقيته فاقرأ آية الكرسي، ثم قل ه عزمت عليك بعزيمة أمير المؤمنين
والأئمة بعده (صلوات الله عليهم أجمعين) الا تنحيت عن طريقنا لا تؤذينا
ولا نؤذيك قال عبد الله بن يحيى: فانا وابن عمي في الطريق إذ عرض لنا
سبع فقلت له: ما امرني الصادق (عليه السلام) وكان السبع يزأر فانكف
وطأطأ رأسه وجمع نفسه وادخل ذنبه بين يديه ومشى على الطريق من حيث
جاء فقال لي ابن عمي ما سمعت كلاما أحسن مما قلته للسبع فقلت هذا مما
علمني أبو عبد الله (عليه السلام) فقال: أشهد انه الامام الذي فرض
الله طاعته ولولا ذلك ما اطاعه السبع وما كان ابن عمي يعرف قليلا ولا
كثيرا من دينه فدخلت على الصادق (صلوات الله عليه) من قابل فأخبرني
بما كان مني ومن ابن عمي والسبع وقال لا تكن ظننت ثم قال: ان لي مع
كل ولي اذنا سامعة وعينا ناظرة ولسانا ناطقا، ثم قال لي: يا عبد الله
ولقيك السبع ببيداء الكوفة على شاطئ النهر واسم ابن عمك حبيب وما
كان الله ليميته حتى يعرف هذا الامر قال: فرجعت إلى الكوفة فأخبرت
ابن عمي بمقالة أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ففرح فرحا شديدا
وما زال مستبصرا حتى مات على ذلك.
وعنه عن جعفر بن أحمد القصير عن محمد بن علي، عن علي بن
محمد، عن الحسن بن علي، عن أبي العلاء، عن أبي بصير، قال:
251

دخلت على أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) فكان ابنه إسماعيل
موعوكا فقال: قم يا محمد فادخل على ابني إسماعيل فعده فدخلت معه،
فإذا في جانب داره قصر فيه فاختة وهي تصيح فقال: يا بني تمسك هذه
الفاختة أما علمت أنها مشؤومة قليلة الذكر لله تدعو على أربابها وعلينا أهل
البيت، قال أبو بصير: فقلت: وماذا دعاؤها يا سيدي، قال: تقول
فقدتكم أهل البيت وفقدت أربابي، قال لإسماعيل: إن كان لا بد متخذا
مثلها فاتخذ ورشانا فإنه ما زال كثيرا يذكر الله تعالى ويتولانا ويحبنا، قال
أبو بصير: فقلت يا سيدي: فهل في الطير مثله بهذه الصفة قال: نعم،
الزاعبي والقنابر والديك الافرق والطيطوي والبنية قلت وما البنية قال الذي
تسمونه البوم فإنه من يوم قتل الحسين يسكن نهارا ويندبنا ليلا.
وعنه عن محمد بن علي، عن شعيب العاقرقوني، قال: دخلت انا
وحمزة وأبو بصير ومعي ثلاثمائة دينار على أبي عبد الله الصادق (صلوات
الله عليه) فصببتها بين يديه فقبض منها لنفسه وقال: يا شعيب خذ
الباقي فإنه مائة دينار وارددها إلى موضعها الذي اخذتها منه فقد قبلنا منك
ما هو لك ورددنا المائة على صاحبها، قال شعيب: فخرجنا من عنده
جميعا، فقال لي أبو بصير: يا شعيب ما حال هذه الدنانير التي ردها أبو
عبد الله (صلوات الله عليه) قلت له اخذتها من غرفة أخي سرا وهو لا
يعلم فقال أبو بصير وأبو حمزة زن الدنانير وعدها لننظركم هي فزناها
وعددناها فإذا هي مائة دينار لا تنقص ولا تزيد.
وعنه عن محمد بن غالب، عن زيد بن رياح، عن محمد بن علي،
عن علي بن محمد، عن الحسين بن علي، عن أبي حمزة، عن أبيه علي،
عن أبي بصير: قال: كنت عند أبي عبد الله (صلوات الله عليه) يوما
جالسا إذ قال يا محمد هل تعرف امامك قلت اي والله الذي لا اله الا
هو، وأنت هو ووضعت يدي على ركبتيه وفخذيه فقال يا محمد ليس هذا
الامر معرفة ولا اقرار للامام بما جعله الله له وفيه ولكن نطالبه بعلامة
252

ودلالة قلت يا سيدي قولك الحق ولكي ازداد علما ويقينا وليطمئن قلبي
قال يا محمد ترجع إلى الكوفة ويولد لك ولد تسميه عيسى ويولد لك بعد
سنتين ولد تسميه محمدا ويولد لك بعدهما ابنتان في ثلاث سنين واعلم أن
أسماء أبنائك عندنا في الصحيفة الجامعة والوسطى مثبتان مسميان مع أسماء
شيعتنا وأسماء آبائهم وأمهاتهم وقبائلهم وعشائرهم مصوران مجليان
وأجدادهم وأولادهم وما يلدون إلى يوم القيامة رجلا رجلا وامرأة امرأة
وهي صحيفة صفراء مدروجة مخطوطة بالنور لا بحبر ولا بمداد قال أبو
بصير: فرجعت من المدينة ودخلت الكوفة فولد لي والله ولدان وابنتان في
الأوقات التي قال عنها فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه بهذا الاسناد عن أبي بصير: قال دخلت على أبي عبد الله (عليه
السلام) فقال يا أبا محمد ما فعل أبو حمزة الثمالي فقلت له جعلت فداءك
خلفت أبا حمزة صالحا فقال لي: إذا رجعت فاقرأه مني السلام وقل له:
انك تموت يوم الجمعة من شهر رمضان من السنة الداخلة قلت جعلت
فداك لقد كان للشيعة فيه انس وكان عليهم نعم الشيعة فقال: صدقت يا
أبا محمد وما عندنا وعنه الله خير قلت: جعلت فداءك شيعتكم تعلم
قال: نعم، إذا هم خافوا الله وراقبوه وخافونا وخافوا الذنوب فإذا هم
فعلوا ذلك كانوا معنا في درجتنا قال أبو بصير: لما رجعت بلغت أبا حمزة
كل ما قاله أبو عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) فلما كانت السنة
الداخلة توفي أبو حمزة رحمة الله عليه يوم الجمعة في رمضان كما قال.
وعنه عن محمد بن خالد عن جعفر بن أحمد الصفار عن محمد بن
علي، عن علي بن الحسين عن الحسن والحسين أبنا أبي العلاء، عن أبي
العلاء، عن أبي المغيرة عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله الصادق
(صلوات الله عليه) يقول وقد جرى ذكر الملي بن خنيس فقال رحم الله
المعلى بن خنيس فقلت: يا سيدي وما حاله فقال لي اكتم علي يا أبا
253

محمد ما أقول في المعلى بن خنيس فقلت افعل يا سيدي فقال: ان المعلى
ما كان ينال درجتنا الا بما نال منه داود بن علي بن عبد الله بن عباس،
قلت له: جعلت فداك وما الذي ينال داود بن علي، قال يدعو به إذا
تقلد المدينة عليه لعنة الله وسوء الدار فيطالبه بان يثبت له أسماء شيعتنا
وأوليائنا ليقتلهم فلا يفعل فيضرب عنقه ويصلبه فقلت انا لله وإنا إليه
راجعون ومتى يكون ذلك قال قابل فلما كان من قابل ولي المدينة داود بن
علي لعنه الله فاحضر المعلى بن خنيس فسأله عن شيعة جعفر الصادق
(صلوات الله عليه) وأوليائه ان يكتبهم له، فقال له: المعلى ما اعرف من
شيعته وأوليائه أحدا، وإنما انا وكيله أنفق له وأتردد في حوائجه وما اعرف
له شيعة ولا صاحبا، قال: لا تكتمني فاقتلك قال المعلى بن خنيس:
أفبالقتل تهددني والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعتها عنهم ولئن قتلتني
ليسعدني الله ويشقيك فامر به فضرب عنقه وصلب على باب دار الامارة
فدخل عليه أبو عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) فقال له يا داود بن
علي، قتلت مولاي ووكيلي وثقتي على عيالي، قال ما انا قتلته، قال فمن
قتله، قال ما أدري قال الصادق (صلوات الله عليه): ما رضيت ان
صلبته وقتلته حتى تجحد وتكذب والله ما رضيت ان قتلته ظلما وعدوانا ثم
صلبته أردت ان تشهر به وان تنوه بقتله وانه مولاي والله انه لا وجه عند
الله منك ومن أمثالك منزلته عند الله رفيعة ولك منزلة وضيعة في النار
فانظر كيف تخلص منها والله لأدعون الله فيقتلك الله كما قتلته فقال له
داود بن علي: تهددني بدعائك اصنع ما أنت صانع وادع لنفسك، فإذا
استجيب لك فادع علي فخرج الصادق (صلوات الله عليه) من عنده
مغضبا، فلما جن عليه الليل اغتسل ولبس ثياب الصلاة وابتهل إلى الله عز
وجل، وقال يا ذاي يا ذاي يا ذويه ارم سهما من سهامك على داود بن علي
يفلق به قلبه ثم قال لغلامه: اخرج اسمع الصراخ على داود فخرج ورجع
الغلام، وقال يا مولاي الصراخ عال عليه وقد مات فخر الصادق (عليه
254

السلام) ساجدا وهو يقول شكرا للكريم شكرا للقائم الدائم الذي يجيب
المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وأصبح داود بن علي ميتا لعنه الله والشيعة
يهرعون إلى أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) ويهنئونه بموته فقال
لهم: قد مات على دين أبي لهب ولقد دعوت الله عليه بثلاث كلمات لو
دعوت الله بها على الأرض لزالت ومن عليها فأجابني وعجل عليه إلى إمه
هاوية.
وعنه عن محمد بن إبراهيم الخياط، عن بشار بن علي، عن زيد
الشحام، عن أبي سمينة، عن محمد بن علي، عن يونس بن ظبيان، عن
المفضل بن عمر الجعفي، عن سيدنا أبي عبد الله الصادق (صلوات الله
عليه) وهو جالس على بساط احمر في وسط داره وانا أقول إن كان داود
أوتي ملكا عظيما فالذي ائتيه محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته
(عليهم السلام) أعظم واجل وقلت في نفسي اللهم إني ما أشك في
حجتك على خلقك واما جعفر فبين لي فيه آية تزيدني ثباتا ويقينا فرفع رأسه
إلي وقال قد أوتيت سؤلك يا موسى يا مفضل ناولني النواة وأشار بيده إلى
نواة في جانب الدار فاخذتها وناولته إياها فجمع سبابته عليها وغمرها في
الأرض فغيبها ودعا بدعوات سمعت يقول: اللهم فالق الحب والنوى،
ولم اسمع الباقي، وإذا تلك النواة نبتت نخلة واخذت تعلو حتى صارت
بإزاء علو الدار ثم حملت حملا حسنا وتهدلت ونارت ورطبت وانا انظر إليها
فقال لي يا مفضل اهززها فهززتها فنثرت علينا في الدار رطبا جنيا ليس مما
رأى الناس ولا عرفوه ولا اكلوا أصفى منه وهو أصفى من الجوهر واعطر
من روائح المسك والعنبر توري كالمرأة فقال لي: التقط وكل فالتقطت
وأكلت فقال ضم كلما سقط من هذا الرطب واهده إلى مخلص شيعتنا الذين
أوجب الله لهم الجنة، فلا يحل هذا الرطب الا لهم فاهد إلى كل نفس
منهم واحدة، قال المفضل: فضممت ذلك الرطب وظننت اني لا أطيق
حمله فخف حتى حملته إلى منزلي وفرقته فيمن أمرني به ممن هو بالكوفة
255

فخرج باعدادهم لا يزيد رطبة ولا ينقص رطبة فرجعت إليه فقال لي:
اعلم يا مفضل ان هذه النخلة تطاولت وانبسطت في هذه الدنيا فلم يبق
مؤمن ولا مؤمنة من شيعتنا بالكوفة وغيرها بمقدار مضيك إلى منزلك
ورجوعك إلينا الا وقد وصل إليهم منها فهذا فضل من الله أعظم إلى
جدنا محمد (عليه السلام) وان الكتب من شيعتنا سترد الينا واليك من
طول الدنيا وعرضها بان النخلة وصلت إليهم جميعا وطرحت إلى كل واحد
منهم رطبة، قال المفضل: فلم تزل الكتب ترد عليه من سائر الشيعة من
سائر الدنيا بذلك فعرفت عددهم من كتبهم.
وعنه عن الحسين بن مسعود، عن عبد الله بن زيد التمار، عن
هشام بن جعفر الوشا، عن الحسين بن مسكان، عن بشار الشعيري،
عن المفضل بن عمر، قال: خرج أبو عبد الله الصادق (صلوات الله
عليه) وأنا معه إلى بعض قرى سواد الكوفة، فلما رجعنا رأينا على الطريق
رجلا يلطم رأسه ويدعو بالويل والعويل وبين يديه حمار قد خنق، كان
عليه رحله وزاده فنظرت إليه فرحمته فقلت: لو أدركت يا مولاي هذا
البائس رحمتك ودعوت له ان يحيي حماره، قال يا مفضل: اني افعل هذا
به فاسأل الله تعالى فيحييه له فإذا أحييناه سألنا من نحن فنعرفه أنفسنا
فيدخل الكوفة فينادي علينا فيها ويقول للناس هاهنا رجل يعرف بجعفر بن
محمد وهو ساحر كذاب فيقولون له ما رأيت من سحره فيحدثهم بالذي
كان، فإذا سمعوه فرحت شيعتنا واغتم أعداؤنا وينسبوننا إلى السحر
والكهانة وان الجن تحدثنا وتطيعنا ويكذبون علينا، فادن منه وخذ عليه
العهد ان أحيينا له حماره لا يشنع علينا فإنه يعطيك ولا يفي وما تشنيعه
علينا بضار بل يشنع علينا أكثر أهل الكوفة، من أعدائنا، قال المفضل:
فدنوت منه فقلت له: ان أحيى سيدنا لك حمارك تكتم عليه ولا تشنع به
قال: نعم وأعطى عهد الله وميثاقه على ذلك فحلف ودنا سيدنا أبو عبد
الله الصادق (صلوات الله عليه) من حماره وتكلم بكلمات، وقال
256

لصاحب الحمار امدد برأسه فمده فنهض حيا وحمل عليه رحله ودخل
الكوفة ونادى وشنع في الناس والطرق، وقال: ان ها هنا ساحر يعرف
بجعفر بن محمد مر بحماري وهو ميت فتكلم عليه بسحره فأحياه فشنع
أكثر الناس المخالفين من اجل ذلك وقال لي: من قابل اخرج يا مفضل:
فإنك تلقى صاحب الحمار سائل العينين أصم الاذنين مقطوع اليدين
والرجلين اخرس اللسان على ظهر ذلك الحمار يطاف به فكان كما قال
(صلوات الله عليه).
وروي عن محمد بن زيد، عن إبراهيم بن إسحاق، عن محمد بن
عبيد الله الجوهري، عن علي بن إبراهيم، عن حمران بن أعين، عن أبي
هارون المكفوف، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال أبو
هارون: خرجت أريده فلقيني بعض أعدائه فقال أعمى يسعى إلى عند
أعمى فمصيركما إلى النار يا سحرة يا كفرة فدخلت على مولاي الصادق
(صلوات الله عليه) حزينا باكي العين، وعرفته ما جرى فاسترجع وقال:
يا هارون لا يحزنك ما قاله عدونا فوالله ما اجترأ الا على الله وقد نزلت به
في الوقت عقوبة اندرت ناظريه من عينيه وجعلت أنت من بعده بصيرا
ومن علامة ذلك خذ هذا الكتاب فاقرأه قال أبو هارون: فأخذت الكتاب
ففضضته وقرأته إلى آخر حرف منه ثم قال: لا تنظر في امر يهمك الا رأيته
لا تحجب بعد يومك هذا الا عن ما لا يهمك، قال أبو هارون: فصرفت
قائدي من الباب وجئت إلى بيتي انظر إلى طريقي وإلى ما يهمني وقرأت
سكك الدراهم والدنانير ونقش الفصوص وتزويق السقوف ولم احجب الا
عما لا يعنيني فاني لم أكن أراه وسالت عن الرجل فوجدته لم يبلغ بعض
طريقه إلى داره حتى فقد ناظريه من عينيه وافتقر وكان ذا مال فكان يسال
الناس عن الطريق.
وعنه عن محمد بن قاسم العطار، وعلي بن عاصم الكوفي، قالا
جميعا: حدثنا علي بن عبد الله الحسني، عن أبي هاشم داود بن القاسم
257

الجعفري، عن علي بن أحمد البزاز صاحب جعفر (صلوات الله عليه)،
قال هاشم: جلست بين يديه اسمع منه ولا أسال * وجلست عشرين سنة
أسأله ويجيبني، فقلت له يوما: وقد دخل عليه عبد الله الديصاني وجماعة
معه من أصحابه وقد سأله فقال له: يا أبا عبد الله يقدر ربك يجمع
السماوات والأرض في بيضة لا تكبر البضة ولا تصغر السماوات
والأرض، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) انظر بعينيك يا ديصاني ماذا
ترى، فقال أرى سماء وأرضا وجبالا وبحارا وأنهارا وضروبا من الخلق في
صور شتى فقال له: ويحك يا ديصاني أنت ترى هذا كله في ناظريك الذي
هو أقل من عدسة ولا يكبر ناظريك ولا يصغر ما تراه فالذي يجمع
السماوات والأرض في بيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر السماوات والأرض
هو الذي جمع هذا كله في ناظريك ولم يصغر ما تراه فكان آخر كلامه أن
قال له: ما اسمك فسك الديصاني فهزه أصحابه فقال لهم: اسمي عبد
الله، فقال: ويحك كيف تجحد من أنت عبده فانقطع عن الكلام وسكت
فلما خلا المجلس قلت له: يا أبا عبد الله اما رحمتك وسعت كل شئ فقد
حملتني منها عظيما فأرني دلالة من دلائلك فقال: يا ديصاني حدث هاشم
بقصتك فقلت في نفسي أوليس قد خرج الديصاني وخلا المجلس فإذا
بالديصاني وحده واقف بين يديه ينتفض ويرتعد فقال حدثه لا أم
لك فقال الديصاني: يا هاشم القدرة لله رب العالمين رب السماوات
والأرض وهي في هذا الرجل ولقد والله دعا علي سبع مرات وزجرني سبع
زجرات يقول لي بعد كل زجرة إن لم تقر بالله فكن قردا فصرت قردا
وخضعت وخشعت وبكيت بين يديه فردني بشرا سويا فلم أقر بالله فقال
لي: كن خنزيرا وكن وزغا وكن جريا وكن حديدا فكلا أكون واستقيله
فيردني ولا أقر بالله إلى غايتي هذه ولا أدري ما يفعل فقلت لا إله إلا الله
ما أعظم جرمك وأشد كفرك فقال له: الحق بأصحابك فإنهم منتظروك في
الموضع الذي اخذناك منهم فقص عليهم قصتك فغاب الديصاني فقلت له يا
258

مولاي فإذا قال لهم يؤمنون فقال والله لا يزيدهم ذلك الا كفرا ولا يؤمنون
الا على ذلك ويحشرون إلى النار قال هاشم: وكنت أعرف القوم وأسأل
عنهم وأسألهم فما ماتوا الا على كفرهم.
259

الباب الثاني
261

مضى موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب (صلوات الله عليهم أجمعين) وله تسع وأربعون سنة في عام ثلاث
وثمانين ومائة سنة من الهجرة.
وكان مقامه مع أبيه جعفر الصادق أربعة عشر سنة، وأقام بعد أبيه
خمسا وثلاثين سنة.
واسمه: موسى.
وكناه أبو الحسن، وأبو إبراهيم، والخاص أبو علي.
ولقبه: الكاظم، والصابر، والمصلح، والمبرهن، والبيان، وذو
المعجزات.
وأمه حميدة البربرية، ويقال: الأندلسية، والبربرية أصح.
ومشهده ببغداد في مقابر قريش.
وكان له من الولد علي الرضا الامام (صلوات الله عليه)، وزيد
الباز، وإبراهيم، وعقيل، ومروان، وإسماعيل، وعبد الله، ومحمد،
263

واحمد، وجعفر، والحسن، ويحيى، والعباس، وحمزة، وعبد الرحمن،
والقاسم.
وكان له من البنات: أم فروة، وأم أبيها، ومحمودة، وامامة،
وميمونة، وعلية، وفاطمة، وأم كلثوم، آمنة وزينب، وأم عبد الله،
وأم القاسم، وحليمة، وأسماء، وصرخة.
وكانت وفاته في زمن هارون الرشيد في دار السندي بن شاهك والي
الشرطة ببغداد في الكوفة.
وكان من دلائله وبراهينه (عليه السلام):
قال الحسين بن حمدان الخصيبي قدس الله روحه حدثني جعفر بن
محمد بن مالك، عن إبراهيم بن زيد النخعي، عن الخليل بن محمد
عن أحمد البزاز، وكان بزاز أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: لما
بعث الرشيد إليه فحمله من المدينة وجاء به إلى بغداد واعتقله في داره وفكر
في قتله بالسم فدعا برطب فاكل منه ثم اخذ صينية فوضع فيها عشرين
رطبة واخذ سلكا فركه بالسم وادخله في سم الخياط واخذ الرطبة واقبل
يردد السلك المسموم من رأس الرطبة إلى آخرها حتى علم أنه قد مكن
السم فيها واستكثر منه ثم ردها بين الرطب وقال: لخادمه احمل هذه
الصينية إلى موسى، وقل له: ان أمير المؤمنين احمل لك من هذا الرطب
وتنغص لك به وهو يقسم عليك بحقه الا ما اكلته عن آخره فإنه اختاره
لك بيده ولا تدعه يبقى منه شيئا ولا يطعم منه أحدا فاتاه به الخادم وبلغه
الرسالة فقال: ائتني بخلال فناوله خلالا وقام بإزائه وهو يأكل من الرطب
وكانت للرشيد كلبة أعز عليه من كل مملكته فخلعت نفسها وخرجت تجر
سلاسلها وهي من فصحة حتى حاذت موسى بن جعفر (صلوات الله عليه)
فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة فغرزها ورماها إلى الكلبة فأكلتها، فلم
تلبث ان ضربت بنفسها إلى الأرض وعوت حتى تقطعت قطعا واكل
264

(عليه السلام) باقي الرطب كله عن آخره وحمل الغلام الصينية وصار بها
إلى الرشيد، فقال له: اكل الرطب كله قال: نعم، قال: كيف رأيته،
فقال ما أنكرت منه شيئا، فقال: وورد خبر الكلبة وانها قهرت وماتت
فقلق الرشيد بذلك قلقا شديدا واستعظمه ووقف على الكلبة فوجدها
متهرأة بالسم فاخذ الخادم ودعا له بالسيف والنطع وقال له لتصدقني
الصحيح عن خبر الرطب والا قتلتك قال له: يا أمير المؤمنين اني حملت
الرطب إلى موسى وبلغته سلامك وقمت بإزائه فطلب خلالا فدفعته إليه
فاقبل يغرز الرطبة بعد الرطبة ويأكلها حتى مرت به الكلبة فغرز رطبة
ورماها إليها وأكل باقي الرطب فكان ما ترى يا أمير المؤمنين، فقال
الرشيد: ما ربحنا من موسى بن جعفر الا ان أطعمناه جيد الرطب وضيعنا
سمنا وقتلنا كلبتنا ما في موسى حيلة.
وعنه بهذا الاسناد عن علي بن أحمد البزاز قال أمر الرشيد السندي بن
شاهك ان يبني لموسى (عليه السلام) مجلسا في داره وتحول إليه من دار
هارون ويقيده بثلاثة قيود من ثلاثة أرطال حديد ويلزمه ابقاءه ويطبق عليه
ويغلق الباب في وجهه الا وقت الطعام ووضوء الصلاة قال: فلما كان قبل
وفاته بثلاثة أيام دعا برجل كان فيمن وكل به يقال له المسبب وكان وليا
فقال له يا مسبب قال: لبيك قال: إني ظاعن عنك في هذه الليلة إلى
مدينة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا عهد إلى من بها عهدا
يعمل به بعدي قال المسبب كيف تأمرني والحرس معي ان افتح لك
الأبواب وأقفالها، قال: ويحك يا مسبب ضعف يقينك في الله عز وجل
وفينا فقلت لا يا سيدي ولم أزل ساجدا قال: فمه قال: المسبب فثبتني
سيدي، وقال: يا مسبب إذا مضى من هذه الليلة المقبلة ثلثها قف وانظر
قال المسبب: فحرمت على نفسي الانضجاع في تلك الليلة ولم أزل ساجدا
وراكعا وناظرا إلى ما وعدني به، فلما مضى من الليلة ثلثها تغشاني النعاس
وانا جالس وإذا سيدي موسى (صلوات الله عليه) يجذبني برجله فقال:
265

قم فقمت قائما وإذا بتلك الجدران المشيدة والأبنية المعلاة وما حولها من
القصور والدور وقد صارت كلها أرضا والدنيا من حولها فضاء فظننت ان
مولاي قد أخرجني من المسجد الذي كان فيه فقلت لمولاي أين انا من
الأرض فقال لي في مجلسي فقلت مولاي خذ بيدي من ظالمي وظالمك فقال يا
مسبب أتخاف القتل قلت مولاي انا معك فلا قال: يا مسبب كن على
جملتك فاني راجع إليك بعد ساعة فإذا وليت عنك فيعود مجلسي إلى بنيانه
قلت مولاي فالحديد لا تقطعه قال: يا مسبب بنا والله لان الحديد لداود
فكيف يصعب علينا قال المسبب: ثم خطا من بين يدي خطوة فلم أدر
أين غاب عن بصري، ثم ارتفع البنيان وعادت القصور إلى ما كانت عليه
فاشتد هيامي فعلمت ان وعده الحق فلم أزل قائما على قدمي ولم يمض الا
ساعة كما اخبرني حتى رأيت الجدران والأبنية والدور والقصور قد خرجت إلى
الأرض ساجدة فإذا بسيدي قد عاد إلى مجلسه وعاد الحديد إلى رجليه
فخررت ساجدا لوجهي بين يديه فقال لي ارفع رأسك واعلم أن سيدك
راحل إلى الله تعالى في ثالث هذا اليوم الماضي فقلت مولاي فأين سيدي
علي الرضا قال: شاهد عندك غير غائب وحاضر غير بعيد يسمع ويرى
قلت سيدي إلى أين قصدت قال قصدت والله كل مستجيب لله على وجه
الأرض شرقا وغربا حتى صحبني من الجن في الراري والبحر ومختفي
الملائكة في مقاماتهم وصفوفهم فبكيت قال لا تبك فانا نور لا يطفأ ان غبت
عنك فهذا ابني علي الرضا بعدي هو انا فقلت الحمد لله الذي وفقني ثم
دعاني في ثالث ليلة فقال لي يا مسبب ان سيدك يصبح من ليلة يومه على ما
فرغت من الرحيل إلى الله فإذا دعوت بشربة من الماء فشربتها فرأيت قد
انتفخ بطني واصفر لوني واحمر واخضر وتلون ألوانا فخبر الطاغية هارون
بوفاتي قال المسبب لم أزل أرقب وعده حتى دعا بشربة من الماء فشربها ثم
دعاني وقال يا مسبب ان هذا الرجس السندي بن شاهك سيقول انه يتولى
امر دفني وهيهات أن يكون ذلك ابدا فإذا حملت إلى المقابر المعروفة بمقابر
قريش فالحدوني بها، ولا تعلوا على قبري بناء وتجنبوا زيارتي ولا تأخذوا
266

من تربتي ترابا لتتبركوا فان كل تربة له مجربة الا تربة جدي الحسين
(صلوات الله عليه) فان الله تعالى جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا، قال:
ثم إني رأيته مختلفا ألوانه وينتفخ بطنه ثم رأيت شخصا أشبه الأشخاص
بشخصه جالسا إلى جانبه في مثل شبهه وكان عهدي بالرضا بن موسى
غلاما فأقبلت أريد سؤاله فصاح بي أليس قد نهيتك يا مسبب فوليت عنه
ثم لم أزل حتى قضى وغاب ذلك الشخص ثم أوصلت الخبر إلى الرشيد
لعنه الله فوافى السندي بن شاهك فوالله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم
يغسلونه ويحنطونه ويكفنونه وأيديهم لا تصل إليه وا يصنعون به شيئا وهو
مغسل محنط مكفن، ثم حمل فدفن في مقابر قريش ولم يعلو عليه بناء الا
في هذا الزمان.
وعنه عن محمد بن موسى القمي عن علي بن الحكم، عن سيف بن
عميرة، عن إسحاق بن عمار الكوفي، قال: سمعت سيدي أبا الحسن
موسى (صلوات الله عليه) ينعى إلى رجل نفسه ويخبره ساعة موته وقرب
الموت منه يوما بعينه سماه فقلت في نفسي والله انه يعلم متى يموت الرجل
من شيعته فالتفت إلي شبيه المغضب فقال لي: يا إسحاق قد كان رشيد
الهجري من المستضعفين يعلم علم الخفايا والبلايا فالامام أولى بعلم ذلك
ثم قال يا إسحاق اصنع ما أنت صانع فان عمرك فني وأنت تموت إلى
سنتين وأبوك وأخوك وأهلك لا يلبثون بعدك الا يسيرا يتفرق كلهم ويخفون
بعضهم بعضا ويصيرون عند اخوانهم ومن عرفهم رحمه الله قال إسحاق
فاني استغفر الله مما عرض في صدري فلم يلبث إسحاق بعد هذا الكلام
الا سنتين ثم مات واخوته وتفرقت كل أهل بيته وقام آل عمار بأموال
وافتقروا أقبح فقر.
وعنه بهذا الاسناد عن علي بن أحمد البزاز قال: كنت في جامع الكوفة
في شهر رمضان في العشر الأخير، إذ جاء حبيب الأحول بكتاب مختوم من
أبي الحسن موسى (عليه السلام) مقداره أربع أصابع فيه:
267

بسم الله الرحمن الرحيم إذا قرأت كتابي هذا فانظر الكتاب الصغير
المختوم الذي في هذا الكتاب فاحرزه عندك حتى اطلبه منك.
قال: فأخذت الكتاب فأدخلته في بيت جوف بيت فيه ثوبي ومتاعي
فجعلته في صندوق مقفل واخذت مفاتيح الأقفال فكانت معي في نهاري
وليلي ولا يأخذها غيري ولا يدخل ذلك البيت أحد سواي، فلما حضر
الموسم خرجت إلى مكة وحملت معي كلما كان أمرني بحمله إليه فلما قدمت
عليه قال: يا علي ما فعل الكتاب الصغير الذي أمرتك باحرازه فقلت
جعلت فداءك عندي بالكوفة في بيت في جوف بيت وان لي في البيت
صندوقا فيه قمطر في القمطر حقة فيها الكتاب وكل واحد منها مفصل لا
يدخل ذلك غيري، والمفاتيح معي بمكة قال يا علي ان رأيت الكتاب تعرفه
قلت: اي والله يا سيدي إني لأعرفه ولو أنه في وسط الف كتاب، قال:
فرفع مصلى كان تحته فأخرج ذلك الكتاب بعينه إلي، ثم قال يا علي هاك
هو واحتفظ به فقلت والله ما نفعني احرازي ولا أقفالي ببيت أردته يا
سيدي قال خذه: واحتفظ به والله لو علمت بما فيه لضاق به ذرعك قال
علي: فاخذته ورددته إلى الكوفة معي وقعدت وأخي محمد وكانت محيطة في
جنب جبتي القز فكان الكتاب لا يفارقني أيام حياته (عليه السلام) فلما
توفي لم يكن همي الا ان قمت انا وأخي إلى فروتي ففتقت جيبها وطلبت
الكتاب فلم أجده فعلمنا أنه (عليه السلام) أخذه كما في الكرة الأولى.
وعنه عن محمد بن جرير الطبري عن محمد بن علي، عن علي بن أبي
حمزة الثمالي، قال: أخبرني شعيب قال: قال لي أبو الحسن موسى
(صلوات الله عليه) بمكة مبتدئا من غير مسالة اركب يا شعيب وسر قليلا
يلقاك رجل من أهل المغرب يسألك عني وعن إمامتي فقل له: ما تعلمه
منها وما قاله أبي في أوان سؤالك عن الحلال والحرام فافته فإنه يحتاج إلى
ذلك قلت جعلت فداءك ما علامة هذا الرجل قال: هو رجل طويل
جسيم يقال له يعقوب إذا لقيك فسالك عنا عليك ان تجيبه عما سالك عنه
268

فإنه حاج قومه وملتمس معرفتي وإذا أحب ان يدخل علي فافعل ما أمرتك
به قال شعيب: فوالله لقد ركبت وسرت قليلا فإذا انا بالرجل قد اقبل
بتلك العلامات فقلت: هذا والله الرجل الذي وصفه سيدي فلما دنا مني
أراد كلامي فقلت له يا يعقوب فنظر إلي وقال: ما أعلمك باسمي فقلت له
وصفك لي وسماك من قصدت معرته فقال: أريد ان أسألك عن صاحبك
فقلت له: عن أي أصحابي تسأل قال عن أبي الحسن موسى (صلوات الله
عليه) فقلت له ومن أين أنت قال لي من أهل بلد المغرب قلت كذا
اخبرني سيدي فمن أين عرفتني قال لي: فما اسمك فلم أقل له فقال لي:
يا هذا الرجل اتاني آت في منامي، فقال ألق شعيب فاسأله عن جميع ما
تحتاج إليه فإنه يخبرك قلت له: وانا شعيب والذي امرك في منامك وسماني
هو الذي سماك لي ووصفك فحمد الله وشكره، وقال هو صاحبنا أبو
الحسن موسى (عليه السلام) فقلت له هو لا غير وخرجنا إلى الطواف
فطفنا فقال لي أريد أن تدخلني عليه فقلت تجلس مكانك حتى افرغ من
طوافي وأجيبك إن شاء الله تعالى فطفت ثم اتيته فكلمته فإذا به رجل عاقل
فأخذت بيده فأدخلته على أبي الحسن موسى (عليه السلام) فلما نظر إليه
قال له: يا يعقوب قدمت أمس ووقع بينك وبين أخي خلف في موضع
كذا وكذا حتى شتم بعضكم بعضا وليس هذا ديني ولا دين آبائي ولا نأمر
بهذا أحدا من الناس فاتق الله وحده لا شريك له فإنكما ستفرقان بالموت اما
ان أخاك سيموت في سفره قبل ان يصل إلى أهله وستندم أنت على ما كان
بينكما فإنكما تقاطعتما فبتر الله اعماركما قال له يعقوب جعلت فداءك متى
أجلي قال له: اما اجلك فإنه كان قد حضر وبتر حتى أوصلت عمتك بما
أوصلتها في المنزل الذي نزلتموه بعد المنزل الذي اختصمت أنت وأخوك فيه
فزاد الله في عمرك عشرين سنة قال شعيب: فلقيت الرجل بعينه من قابل
في الحج فقلت له ما كان من خبر أخيك فقال مات والله في الطريق قبل ان
يصل إلى أهله وندمت على ما كان بيني وبينه وقد علمت أن أجلي على ما
269

قال (عليه السلام).
قال الحسين بن حمدان: حدثني علي بن بشر، عن محمد بن زيد،
عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن الحسن والحسين ابني العلاء
جميعا، عن صفوان بن مهران الجمال لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام)
إلى باب الدار واضع عليها رحلها ففعلت ووقفت افتقد امره فإذا انا بابي
الحسن موسى (صلوات الله عليه) قد خرج مسرعا وله في ذلك الوقت
ست سنين مشتملا ببردته اليمانية وذوائبه تضرب على كتفيه حتى استوى في
ظهر الناقة وأثارها فلم أجسر على منعه من ركوبها وذهبت به فغاب عن
نظري فقلت انا لله وما الذي أقول لسيدي أبي عبد الله ان خرج ليركب
الناقة وبقيت متململا حتى نمت ساعة فإذا انا بالناقة قد انحنت كأنها كانت
في السما وانقضت إلى الأرض وهي تعرق عرقا جاريا ونزل عنها ولم يعرق
لها جبين وسبق دخل الدار فخرج مغيث الخادم إلي وقال لي: يا صفوان ان
مولاك يأمرك ان تحط عن الناقة رحلها وتردها إلى مربطها فقلت الحمد لله
أرجو ان الامام ندم على ركوبه إياها وقلت ذلك ووقفت في الباب فاذن لي
بالدخول على سيدي أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) فقال: يا
صفوان لا لوم عليك فيما أمرتك به من احضارك الناقة واصلاح رحلها
عليها وما ذاك الا ليركبها أبو الحسن موسى (عليه السلام) فهل علمت
أين بلغ عليها في مقدار هذه الساعة قلت: والله انه لا علم لي بذلك
قال: بلغ ما بلغه ذو القرنين وجازه اضعافا مضاعفة فشاهد كل مؤمن
ومؤمنة وعرفه نفسه وبلغه سلامي وعاد فادخل عليه يخبرك بما كان في
نفسك وما قلت لك قال صفوان: فدخلت على موسى (صلوات الله
عليه) وهو جالس وبين يديه فاكهة ليست من فاكهة الزمان والوقت فقال
لي: يا صفوان لما ركبت الناقة قلت في نفسك إنا لله وإنا إليه راجعون ماذا
أقول لسيدي أبي عبد الله إذا خرج ليركب فلا يجدها وأردت منعي من
270

الركوب فلم تجسر فوقفت متململا حتى نزلت فخرج الامر إليك بالحط عن
الراحلة فقلت: الحمد لله أرجو بالدخول فقال: يا صفوان لا لوم عليك
هل علمت أين بلغ موسى في مقدار هذه الساعة فقلت الله وأنت يا مولاي
أعلم فقال لك: إني بلغت ما بلغه ذو القرنين وجاوزته اضعافا مضاعفة
وشاهدت كل مؤمن ومؤمنة وعرفته نفسي وبلغته سلام أبي فقال ادخل عليه
فإنه يخبرك بما كان في نفسك وما قلت لك قال صفوان: فسجدت لله
شكرا وقلت له يا مولاي هذه الفاكهة التي بين يديك في غير أوانها يأكلها
مثلي إذا اكل منها من هو مثلك قال فعد إلى دارك فقد اتاك منها رزقك
فخرجت من عنده فقال لي مولاي أبو عبد الله الصادق (صلوات الله
عليه) يا صفوان ما زادك كلمة ولا نقصك كلمة فقلت لا والله يا مولاي
فقال كن في دارك فاني آكل من الفاكهة واطعمه واطعم اخوانك ويأتيك
رزقك كما وعدك موسى فقلت ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم
ومضيت إلى منزلي وحضرت الصلاتان الظهر والعصر فصليتهما وإذا بطبق
من تلك الفاكهة بعينها وقال لي الرسول يقول لك مولاك فما تركنا لنا وليا
الا وأطعمناه على قدر استحقاقه.
وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن علي، عن علي بن
محمد، عن خلاد المقري، عن أبي خالد الديالي، عن علي بن أحمد
البزاز، قال: لما قدم هارون الرشيد على سيدنا موسى (صلوات الله
عليه) من المدينة إلى بغداد امر ان لا يدخل الكوفة وأن يعدل له إلى
البصرة ويصعد به في الدجلة إلى بغداد ففعل به ذلك فلما وصل إلى بغداد
أمر به ان يكرمه فاصحب له وفرشت له الفراشات وحملت إليه الأطعمة
والأغذية واسكن أبو الحسن موسى إياها وأمر الناس بالسلام عليه ولم يزل
ثلاثة أيام تجيئه أهل الدولة بالزي وان يحضر الناس الدار ووقفوا في مراتبهم
ولا يتأخر أحد قرشي ولا هاشمي، ولا عربي ولا عجمي الا حضر الناس
بالزي الحسن والعدد والجنس وأقيموا صفوفا من خارج الدار والشارع وإلى
271

دون السرير وزخرفت الدار وجلس الرشيد على السرير وعليه البردة والتاج
والمصحف بين يديه وأقام بني هاشم صفين إلى طرف البساط وأقام محمد
الأمين وعبد الله المأمون بالسرد وسيوفهما ومناطقهما مع السرير ووقف
الوزراء والكتاب من دون بني هاشم ووقف من دونهم الخدم والحشم ووقف
من دونهم القواد والامراء الأمثل فالأمثل واستحضر أبا الحسن موسى
(عليه السلام) على حما اسود يماني وعليه بياض وبين يديه ثلاثة نفر من
مواليه فلما ورد الباب خرج الاذن بان يدخل على حماره إلى طرف البساط
وان يشار إليه بالسلام إلى أن يصل فدخل على هذا حتى انتهى إلى طرف
البساط فصاح هارون الرشيد بابنيه الأمين والمأمون تلقيا ابن عمكما فأسرعا
يجران سيفيهما حتى تلقياه فقبلا فخذيه وأشار هارون إليه قبل ان يطأ
البساط فلم يفعل أبو الحسن موسى ذلك فنزل على البساط فلما قرب من
سريره ومحمد وعبد الله بين يديه تطاول الرشيد نحوه فلما صعد السرير قام
إليه قائما وأعتنقه وأوسع له من موضعه وفرح به وأظهر سرورا بقدومه عليه
وقال: قد رأيتك شيئا وقد قضينا وطرا من السلام والتلاقي ولا عليك يا
ابن العم اليوم جلوس أكثر من هذا فاظهر له أبو الحسن موسى صلوات الله
عليه مثلما اظهر وشكر له ونهض فقال الرشيد لابنيه يمشوا بين يديه وأشار
إلى بني هاشم ان يمشوا بين يديه وقدم حماره إلى طرف البساط فركب من
حيث نزل وسار وبني هاشم بين يديه إلى باب الدار قال عبد الله المأمون يا
أمير المؤمنين من هذا الابن العم العظيم الشأن الذي ما رأيتك فعلت بأحد
من العالمين فعلك به، قال الرشيد: يا عبد الله هذا حجة الله عليه خلقه
وإمام المسلمين، قال له عبد الله: يا أمير المؤمنين ألست أنت الإمام قال:
يا بني نحن أئمة الملك وهذا إمام الدين، قال له المأمون: يا أمير المؤمنين
فهل هو أفضل أو أنت قال: والله يا بني لو قلت اني أفضل منه تعذبت في
النار، قال له المأمون فتحبه يا أمير المؤمنين وتدين لله به قال: نعم أما في
الدين فنعم وأما في الملك فلا فكان سبب تشيع المأمون قول أبيه، ما قاله
272

في موسى قال علي ابن حمد: فلما أنساه الشيطان ذكر ربه وأمر باعتقاله
وحسبه وفكر بماذا يقتله فقال اخوه إبراهيم بن شكلة يا أمير المؤمنين أما
نفعل بموسى ما فعله جدك المنصور بأبيه جعفر قال وماذا صنع به قال
حدثني أبي المهدي انه بعث إلى قوم من الأعاجم يقال لهم البزغز فاستدعى
رجالا ينعم عليهم ويفضلهم ويطيعونه في كلما يأمرهم به فقدم عليه منهم
نحو المائة رجل فدخلوا عليه، فلما نظر إليهم واستنطقهم وجدهم قوما لا
يفصحون بكلمة ولا يعقلون ما يقال لهم ولا يعقلون ما يقولون فقال
لترجمانهم قل لهم: من ربكم فكلمهم فسكتوا عنه فلم يجيبوه فقال
المنصور: هؤلاء يصلحون إذا كانوا لا يعرفون الله فخلع عليهم الديباج
المثقل والوشي وأقيمت لهم الانزال السرية الوافرة وفرشوا وخدموا وحملت
إليهم الأموال والألطاف تجدد عليهم في كل يوم وخلع وأموال حتى مضى
لهم نحو شهر فقالوا لترجمانهم: هذا الملك يفعل بنا هذا الفعل ولا يتخذ
منا كلمة انظر أي شئ يريد بنا فقال له الترجمان ما قالوا فقال قد
قالوا: كل هذا، قال: نعم، قال: فقل لهم ان لي عدوا يدخل علي الليلة
فإذا دخل فليقتلوه فعرفهم الترجمان ذلك قالوا نحن قتل كل عدو له إذا
رأيناه فقال لهم: احضروا الليلة الدار بأسلحتكم فان العدو يوافي فإذا
رأيتموه فاقتلوه قال الرشيد: ثم ماذا قتلوه قال له إبراهيم: اخوه لا لان
جدك صفح عنه ووهب له ذنبه قال له الرشيد: ليس كذا بلغني قال
إبراهيم: فما الذي بلغك يا أمير المؤمنين قال: بلغني أنه أحضرهم في
الدار في الثلث الأول من الليل فحضروا وجردوا أسلحتهم ووقفوا يزأرون
زئير السباع وبعث إلى جعفر بن محمد فاتاه فلما اقبل قد حشروا الدار قال:
يدخل وحده وقال: لتجرمانهم هو عدوي يدخل وحده فاقتلوه فلما دخل
جعفر وأشرف عليهم تعاووا مثل الكلاب ورموا أسلحتهم وكتفوا أيديهم
وخروا على وجوههم إلى الأرض نحو جعفر فلما رآه جدي المنصور قام
إليه: وتلقاه وقال: يا أبا عبد الله ما الذي جاء بك في هذا الوقت قال له
273

جعفر: رسلك أتت بي إليك وما جئتك والله الا مغسلا محنطا مكفنا قال
له جدي: حاش لله أن يكون كما تقول ما كنت لاقطع رحم رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فيك فارجع راشدا فخرج جعفر وألقوا البزغز على
الأرض مكتفين حتى خرج جعفر قاموا كالسكارى وقالوا لترجمانهم: لا
جزاك الله خيرا تقول يدخل عليكم عدو الملك وحده فاقتلوه فيدخل علينا
إمامنا ومن يكفلنا في ليلنا ونهارنا ويدبرنا كما يدبر الرجل ولده فقال جدي
المنصور للترجمان ما يقولون فأعاد عليه قولهم فقال: أخرجهم عني فلا
حاجة لي فيهم وسيرهم من تحت ليلتهم قال إبراهيم بن شكلة لعنه الله:
ما سمعت من أبيك باقي الحديث الذي سمعته منك قال له الرشيد: أليس
أبي المهدي قال: باقي الحديث قال إبراهيم: يا أمير المؤمنين ما
قال لك قال: قالت أمي حدثها ياسر الخادم لأنه كان حاضرا ذلك قال
له إبراهيم قد كانت أمك أقرب إليه من أمي وكان ياسر الخادم يلقي إليها
سر جدك المنصور قال الرشيد ولكنني سأفعل فعلا إن تم لم يبق غيره في
موسى ثم كتب إلى عماله في الأطراف ان التمس لي قوما غتما لا دين لهم
ولا يعرفون لهم ربا ولا رسولا فأقدم عليه منهم طائفة فنظر عماله فلم
يجدوا أحدا بهذه الصفة الا قوما من وراء بحر الترك يقال لهم: العبدة
راسلوهم وحملوا إليهم ولطفوا بهم وآمنوهم إلى أن أقدموا منهم على الرشيد
خمسين رجلا قال أحمد بن علي البزاز: فلما قدموا نزلوا في حجر دار الرشيد
وحمل إليهم من الكسوة الحلي والمال والجوهر والطيب والجواري والخدم وما
يجد ذكره قولا لترجمانهم: قل لهم من ربكم فقالوا لا نعرف لنا ربا ولا
ندري ما هذه الكلمة قال لهم من انا قالوا له قل انك ما شئت حتى نقول
انك هو فقال لترجمانهم: أليس قد رأيتم ما فعلت بكم منذ قدمتم قالوا: بلى قال: فانا أقدر أجمعكم وأفرقكم وأجيعكم وأعريكم وأقتلكم وأحرقكم
بالنار قالوا له لا ندري ما تقول الا انا نطيعك ولو في قتل أنفسنا وكان
الرشيد قد صور لهم صورة موسى (صلوات الله عليه) فامر الرشيد
274

فنصب لهم موائد وهو جالس والخادم معه على مشرف أيديهم وينقل إليهم
الطعام الذي لا يعقلونه وخرجت عليهم الجواري بالعيدان والنايات
والطبول فوقفن صفوفا حولهم يغنين والكاسات تأخذهم من كل جانب
والخلع تطرح عليهم والأموال تنثر بين أيديهم فلما سكروا قال لترجمانهم:
قل لهم يأخذوا سيوفهم ويدخلوا على عدو لي في هذه الحجرة وقال إن كان
هؤلاء يعرفون موسى كمعرفة البزغز لجعفر بن محمد فسيفعلون فعلهم وان لم
يعرفوه سيقتلون صورته فإذا قتلوا صورته اليوم قتلوه غدا فاخذوا سيوفهم
عليه ورضوه فقال الرشيد لعنه الله: الآن قتلت موسى بهؤلاء القوم
فخلع عليهم خلعا أخرى وحمل إليهم الأموال وردهم إلى منازلهم فلما كان
من الغد قال الرشيد: أثبتوا تلك الصورة والمثال يقينا ثم أمر فصور مثالا
آخر صورة موسى (عليه السلام) كأنه هو في غير تلك الحجرة واحضرهم
ففعل بهم مثل ذلك الفعل وأمرهم ان يسكروا وقال لترجمانهم: فقل لهم
يأخذوا سيوفهم ويدخلوا عليه فوضعوها من أيديهم ثم قالوا: أليس هذا
الذي قتلناه بالأمس قال هو شبهه فاقتلوه فوضعوا عليه سيوفهم فرضوه
فزادهم خلعا وقال لهم: قد قتلت موسى بن جعفر بعون الله وردهم إلى
منازلهم ولم يقدم على اظهار أبي الحسن موسى (عليه السلام) حتى صوره
سبع مرات ويقتلونه فقال الرشيد: ما بقي لي غير اظهاري أبا الحسن
موسى لهم فامر باحضاره وجعله في حجرة مثل تلك الحجر على سبيل تلك
التماثيل وأحضرهم وقال لترجمانهم: ما بقي لي من أعدائي غير عدو واحد
فاقتلوه وأنا أسلم إليكم المملكة فاخذوا سيوفهم ودخلوا على موسى
(صلوات الله عليه) والرشيد وخادمه على مشترف له على الحجرة يقول
للخادم أين موسى قال جالس في وسط الحجرة على بساط قال ماذا يصنع
قال: مستقبل القبلة مادا يده إلى السماء يحرك شفتيه قال الرشيد: إنا لله
ليته ما يريده ثم قال للخادم: دخل القوم عليه قال قد دخل أولهم ورومي
سيفه ودخلوا معه ورموا سيوفهم وخروا سجدا حوله وهو يمر يده المباركة
275

على رؤوسهم ويخاطبهم بمثل لغتهم وهم يخاطبونه قال فغشي على الرشيد،
وقال أغلق باب المشترف الذي نحن فيه لا يأمرهم موسى بقتلنا وقل
لترجمانهم حتى يقول لهم يخرجوا واقبل يتململ ويقول وا فضيحتاه من موسى
كدته كيدا ما نفعني فيه شيئا وصاح الخادم لترجمانهم قل لهم أمير المؤمنين
يقول لكم أخرجوا فخرجوا مكتفين الأيدي على ظهورهم وهم يمشون
القهقري حتى غابوا عنه ثم جاؤوا إلى منازلهم فاخذوا ما فيها وركبوا خيولهم
من ساعتهم وخرجوا وامر الرشيد بترك العرض لهم قال علي بن أحمد والله
لقد اتبعهم خلق كثير من شيعة أبي الحسن موسى (صلوات الله عليه) فما
وجدوا لهم اثرا ولا علم أحدا أين ساروا ولا اي طريق اخذوا فكان هذا
من دلائله وبراهينه (عليه السلام).
276

الباب العاشر
باب الإمام علي الرضا (عليه السلام)
277

مضى علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب (عليهم السلام) وله تسع وأربعون سنة واستشهد في عام ثلاث
ومائتين من الهجرة وكان مولده سنة ثلاث وخمسين ومائة وأم مع أبيه تسعا
وعشرين سنة وستة أشهر وأقام بعد أبيه عشرين سنة الا شهرا، واسمه
علي وكناه أبو الحسن والخاص أبو محمد ولقبه الرضا والصابر والوفي ونور
الهدى وسراج الله والفاضل وقرة أعين المؤمنين ومكيد الملحدين واسم أمه
أم البنين وأم ولد ومشهده بطوس بخراسان ومات بالسم (عليه السلام).
وكان من دلائله (عليه السلام).
قال الحسين بن حمدان قدس الله روحه: حدثني محمد بن زيد
القمي، عن محمد بن بشر، قال: حدثني الحسين ولقيت بشر، وحدثني
بهذا الحديث عن عبد الله بن جعفر اللافي قال: خرجت مع هرثمة بن
أعين إلى خراسان وكان مع المأمون وكان سبب سم المأمون حمله من المدينة
في طريق الأهواز يريد خرسان فلما صار بالسوس لقيه الشيعة بها وكان
علي بن أسباط الفارسي قد سار من فارس بهدايا والطاف ليلقاه بها فقطعت
اللصوص واخذوا كلما كان فيها واخذوا الهدايا والألطاف التي كانت مع
279

علي بن أسباط وكان ذا مال ودنيا عريضة فطالبه القفص بان يشتري نفسه
منهم بمال عظيم وعذبوه إلى أن قال قائل منهم احشوا فاه جمرا حتى يشتري
نفسه منا ففعلوا ذلك فانتثرت نواجذه وأنيابه وأضراسه وتركته القفص
وجميع سائر من في القافلة وساروا بالغنيمة فبكي علي بن أسباط وقال والله
ما مصيبتي بغمي بأعظم من مصيبتي بما حملته إلى سيدي الرضا
(عليه السلام) ورقد من شدة وجعه فرأى في منامه سيدنا الرضا
(عليه السلام) وهو يقول له: لا تحزن فان هداياك والطافك عندنا
بالسوس إذا وردناها ووردتها واما فوك فأول مدينة تدخلها فاطلب السعد
المسحوق فاحش به فاك فان الله يرد عليك نواجذك وأنيابك وأضراسك
فانتبه مسرورا، فقال: الحمد لله حق حمده على ما رأيت وحقا ما رأيت
وحمل نفسه حتى دخل أول مدينة والتمس السعد بها فاخذه وحشى فاه فرد
الله عليه جميع نواجذه وسار حتى لقي سيدنا الرضا (عليه السلام)
بالسوس فلما دخل عليه قال له: يا علي قد وجدت جميع ما قلنا لك في
السعد حقا فادخل إلى تلك الخزانة فانظر هداياك وألطافك وجميع ما كان مما
أهديته الينا تراه بحاله وما كان لك فخذه فدخل علي بن أسباط اخزانة
فوجد جميع ما كان معه لم يفقد منه شيئا فاخذ ما كان له وترك الهدايا
والألطاف وسار الرضا (عليه السلام) إلى المأمون فزوجه أخته وجعله ولي
عهده وضرب اسمه على الدراهم وهي الدارهم الرضوية وجمع بني العباس
وناظرهم في فضل علي بن موسى حتى ألزمهم الحجة ورد فدكا على ولد
فاطمة (عليها السلام) ثم سمه بعد كيد طويل نشرح منه بعضه في كتابنا
هذا إن شاء الله تعالى.
حدثني محمد بن زيد وحدثه محمد بن منبر، بعد ان حدثني محمد بن
زيد، قال: حدثني محمد بن خلف الطاطري، قال: حدثني هرثمة بن
أعين قال: دخلت على سيدي الرضا علي بن موسى (عليه السلام)
فدخلت أريد الاذن على سيدي الرضا (عليه السلام) وكان يتوالى سيدنا
280

الرضا (عليه السلام) فإذا أنا بصبيح قد خرج فلما رآني قال الست تعلم
ثقة المأمون بي على سره وعلانيته قلت بلى قال اعلم أن المأمون دعاني في
الثلث الأول من الليل فدخلنا عليه وقد صار ليله نهارا بالشمع وبين يديه
سيوف مسللة مسحوبة ومسمومة ودعانا غلاما غلاما فاخذ علينا العهد
والميثاق بلسانه ليس بحضرته أحد من خلق الله غيرنا فقال لنا هذا الغلام
لازم انكم تفعلون ما أمركم به ولا تخالفوا منه شيئا فحلفنا له فقال يأخذ
كل واحد منكم سيفا من هذه الأسياف في يده وامضوا حيث تدخلوا على
علي بن موسى في حجرته فان وجدتموه قائما أو قاعدا ضعوا أسيافكم هذه
عليه ولا تكلموه ورضوه بها حتى تخلطوا لحمه ودمه وشعره وعظمه ومحه ثم
اقلبوا عليه بساه وامسحوا أسيافكم وصيروا إلي فقد جعلت لكل واحد
منكم في هذا الفعل وكتمانه عشرة بدر دراهم وعشرة منتجبة والحظوة مني
ما عشت وبقيت فاخذنا الأسياف بأيدينا ودخلنا عليه في حجرته فوجدناه
منضجعا طرفه وهو يتكلم بكلام لم نعلمه فبادروا الأسياف والغلمان إليه
ووضعت سيفي وانا قائم حتى فعلنا به ما حدثنا به المأمون ثم طوي عليه
البساط ومسحوا أسيافهم وخرجوا حتى دخلوا على المأمون فقال ما الذي
صنعتموه فقالوا ما امرتنا يا أمير المؤمنين وانا أظن أنهم يقولون اني ما
ضربت معهم بسيف فلما تقدمت فقال أيكم المسرع إليه فقالوا صبيح
الديلمي يا أمير المؤمنين ثم قال لا تعيدوا شيئا مما فعلتم فتخسوا وتعجلوا
الفنا وتخسروا الآخرة والأولى فلما كان في تبلج الفجر خرج المأمون فجلس
مجلسه مكشوف الرأس محلل الازرار واظهر وفاته وقعد للتعزية قبل ان
يصل إليه الناس قام حافيا فمشى إلى الدار لينظر إليه وانا بين يديه فلما
دخل إليه في حجرته سمع همهمة فارتعد ثم قال من عنده فقلنا لا علم لنا
يا أمير المؤمنين فقال أسرعوا فانظروا فأسرعنا إلى البيت فإذا نحن بسيدنا
الرضا (عليه السلام) جالسا في محرابه مواصل بتسبيحه قلنا يا أمير المؤمنين
هوذا نرى شخصا جالسا في محرابه يصلي ويسبح فانتفض المأمون وارتعد ثم
281

قال غررتموني لعنكم الله فقال يا صبيح أنت تعزيه فانظر من المصلي عنده
قال صبيح: وتولى المأمون راجعا فلما صرت بعتبة الباب قال: يا صبيح
قلت: لبيك يا مولاي وسقطت لوجهي قال: قم يرحمك الله فارجع إليه
فقل له: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره
الكافرون) قال: فرجعت إلى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل المظلم
فقال يا صبيح: ما وراءك فقلت: يا أمير المؤمنين جالس في محرابه وقد
ناداني باسمي وقال: كيت وكيت فشد ازراره وامر برد أثوابه وقال: قولوا
انه كان غشي عليه وقد أفاق من غشوته فلما رآني قال: يا هرثمة لا تحدث
بما حدثك به صبيح إلا من قد امتحن الله قلبه بمحبتنا وولايتنا فقلت نعم
يا سيدي وقال: والله يا هرثمة فلا يضرنا كيدهم شيئا حتى يبلغ الكتاب
اجله.
وعنه عن محمد بن ميمون الخراساني عن أبيه ميمون بن أحمد بن
هرثمة بن أعين قال ميمون كنت مع هرثمة بطوس وحضرت وفاة علي بن
موسى الرضا (عليه السلام) وحضرت غسله ودفنه وشاهدت ما كان ذلك
كله وسالت هرثمة فقلت له: كيف كان خبر السم الذي سم به سيدنا
الرضا فقمت من عنده فقال هرثمة كنت بين يدي المأمون إلى أن مضى من
الليل أربع ساعات ثم اذن لي بالانصراف فانصرفت فلما مضى من الليل
ساعتين قرع قارع بابي فكلمه بعض غلماني فقال: قل لهرثمة أجب سيدنا
الرضا فقمت مسرعا فأخذت علي أثوابي وأسرعت إلى سيدي فدخل الغلام
بين يدي ودخلت داره فإذا انا بسيدي الرضا في صحن داره جالس قال
هرثمة قلت: لبيك يا مولاي قال اجلس واسمع وعي هذا وان رحيلي إلى
الله عز وجل ولحوقي بآبائي وأجدادي (عليهم السلام) وقد بلغ الكتاب
اجله وقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفروك فاما العنب
ليحضى واما الرمان فإنه ليطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك بيده
ليلطخ حبه في ذلك السم وانه يستدعيني إليه في يومنا هذا المقبل ويقرب إلي
282

الرمان والعنب ويسألني اكله فاكله وينفذ الحكم ويحضر القضاء فإذا انا مت
فيقول انا اغسله بيدي فإذا قال: ذلك فقل له لا يتعرض لغسلي ولا
لكفني ولا لدفني فإنه ان فعل ذلك عاجله الله من العذاب ما اخر عنه وحل
به أليم ما يحذروا شيعتي قال: فقلت يا سيدي فإذا خلى بينك وبين غسلي
فيجلس من أبنيته هذه مشرفا على موضع غسلي لنظر إلي، قال فلا
تعرض يا هرثمة لشئ من غسلي حتى ترى فسطاطا أبيضا قد ضرب في
جانب الدار فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي انا فيها من وراء
الفسطاط وقف وراءه ويكون معك دونك ولا تكشف عن الفسطاط فتراني
فتهلك فإنه سيشرف عليك ويقول لك يا هرثمة أليس زعمتم ان الامام لا
يغسله الا الامام مثله فمن يغسله وابنه محمد بالكوفة أو في بلاد الحجاز
ونحن بوسط بلاد خراسان فإذا قال لك ذلك فأجبه وقل له ما يغسله أحد
غير من ذكرته فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مندرجا في أكفاني محنطا
فضعني على نعش واحملني وصل علي واعلم أن صاحب الصلاة علي محمد
ابني فإذا أرادوا ان يحتفروا قبري فإنه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة
لقبري ولن يكون والله ذلك ابدا فإذا ضربوا بالمعاول فستنبوء عن الأرض
ولا ينحفر كقلامة الظفر فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم فقل له: ان
أمرتك ان تضرب معولا واحدا في قبلة قبر هارون الرشيد فإذا ضربت نفذ
في الأرض قبرا محفورا وضريحا قائما فإذا انحفر ذلك القبر مع وجه الأرض ثم
يظهر فيه حيتان صغار فخذ لقمة من خبز ففتها فإنهن يأكلنها ثم يظهر
حوت ويطول فيأكل تلك الحيتان الصغار فيقول لك ما هذا فقل له ان مثل
هذه الحيتان الصغار مثل بني العباس فإنهم يأكلون مدتهم من الدنيا ومثل
الحوت الذي أكلهم مثل القائم المهدي من ولدي فإنه إذا ظهر افنى بني
العباس فإذا كان ذلك فلا تنزلني في القبر حتى إذا غاب الحوت وغار الماء
فيسجف على قبري سجفا ابيض فخلوا بيني وبين من ينزلني في قبري
283

ويلحدني فإنه محمد ابني فإذا أرادوا ترابا يلقونه في قبري فامنعهم من ذلك فان
القبر ينطبق من نفسه ويمتلئ ويتربع قال فقلت نعم يا سيدي، ثم قال:
احفظ ما عهدت إليك واعمل به ولا تخالفه قلت أعوذ بالله يا سيدي ان
أخالف امرك قال هرثمة: فخرجت باكيا حزينا فلم أزل على ما قال لي ولا
يعلم ما في نفسي الا الله ثم دعاني المأمون إليه فدخلت فلم أزل قائما إلى
ضحى النهار ثم قال المأمون امض يا هرثمة إلى أبي الحسن فاقرأه مني
السلام وقل له: تصير إلينا أو نصير إليك فان قال بلى نصير إليه ونسأله
ان يقدم بمصيرنا قال: فجئته فلما طلعت على سيدي الرضا قال لي: يا
هرثمة أليس قد حفظت ما وصيتك به قلت بلى فقال: قدموا
نعلي فقد علمت ما سالك به فقدمت نعله ومشى إليه فلما دخل
المجلس قام إليه المأمون قائما فعانقه وقبل بين عينيه واجلسه إلى جانبه على
سريره واقبل عليه يحادثه من النهار طويلا ثم قال لبعض غلمانه أتوني بعنب
ورمان قال هرثمة قال سمعت لم أستطع الصبر ورأيت النفضة قد عرضت
في جسدي فكرهت ان يتبين ذلك فرجعت القهقري حتى رميت نفسي في
موضع من الدار فلما قرب زوال الشمس أحسست بسيدي الرضا
(عليه السلام) قد خرج من عنده ورجع إلى داره ثم رأيت الامر قد خرج
من عند المأمون باحضار الأولياء والمتفرقين فقلت ما هذا فقال علة عرضت
لأبي الحسن علي الرضا (عليه السلام) فكان الناس في شك وكنت انا في
يقين لما علمته منه فلما كان في بعض الليل وهو الثلث الثاني علا الصياح
وعلت الوجبة من الدار فأسرعت فيمن أسرع فإذا نحن بالمأمون مكشوف
الرأس محلل الازرار قائما ينتحب ويتباكى فوقفت فيمن وقف وانا أحس في
نفسي أكاد أتميز من الغيظ فلما أصبحنا جلس المأمون للتعزية ثم قام يمشي
إلى الموضع الذي كان فيه سيدنا الرضا (عليه السلام) فقال: اصلحوا لنا
موضعا اني أريد ان اغسله فدنوت منه فقلت خلوة يا أمير المؤمنين فاخلى
نفسه فأعدت عليه ما قاله لي سيدي بسبب الغسل والكفن والدفن فقال لي
284

لست اعرض في شئ من ذلك يا هرثمة قال: فلم أزل قائما حتى رأيت
ذلك الفسطاط الأبيض قد نصب إلى جانب الدار فحملته فوضعته إلى
جانب الفسطاط فعبر الفسطاط وصار داخله وقعدت في ظاهره وكل من في
الدار دوني وانا اسمع التكبير والتهليل والتسبيح وتردد الأواني وتضوع
الطيب فإذا انا بالمأمون قد أشرف على بعض داره فصاح يا هرثمة أليس
زعمتم ان الامام لا يغسله الا امام مثله فأين محمد ابنه عنه وهو في مدينة
الرسول وهذا بطوس بخراسان فقلت له والله يا أمير المؤمنين ما يغسله غير
من ذكرته فسكت عني ثم ارتفع الفسطاط فإذا انا به مدرج في أكفانه
فوضعته على نعشه ثم حملناه فاشتال النعش من أيدينا وهو يسير إلى موضع
الصلاة عليه فصلى عليه المأمون وجميع الناس فجئنا إلى موضع قبره
فوجدتهم يضربون بالمعاول من فوق الرشيد ليجعلوه قبلة لقبر علي الرضا
(عليه السلام) والمعاول تنبو حتى ما تقلب شيئا من تراب الأرض فقال لي
ويحك يا هرثمة اما ترى الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له فقلت يا أمير
المؤمنين إئذن لنا لأضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيك ولا أضرب غيره
قال: فإذا ضربت يا هرثمة يكون ماذا قلت له اخبرني انه لا يجوز أن يكون
قبر أبيك قبلة لقبره واني إذا ضربت هذا المعول نفذ القبر محفورا من
غير يد تحفره وبان الضريح في وسطه قال المأمون سبحان الله ما أعجب
هذا الكلام، فلا عجب من امر أبي الحسن فاضرب حتى نرى قال هرثمة
فأخذت المعول في يدي فضربت في قبلة قبر هارون فنفذ القبر محفورا وبان
الضريح في وسطه قال المأمون أنزله يا هرثمة فقلت له يا سيدي لا انه
امرني لا أنزله حتى ينفجر من ارض هذا القبر ماء ابيض فيمتلئ به القبر مع
وجه الأرض ثم تظهر فيه حيتان صغار فانثر لها خبزا فتأكله ثم يظهر حوت
بطول القبر فيضطرب ويأكل الحيتان الصغار فإذا غاب الحوت وضعته على
جانب القبر وخليت بينه وبين من ينزله في يلحده ثم غاب الحوت وغار الماء
ثم جعلت النعش بجانب القبر مما يلي الرأس كما أمرني فتسجف على القبر
285

سجاف ابيض لم يبيضه أحد من الناس ممن حضر فأشار المأمون إلى الناس
ان هاتوا التراب فالقوه في القبر فقلت لا تفعل يا أمير المؤمنين قال: ويحك
فمن يملأه قلت قد امرني لا يطرح التراب عليه وأن القبر سيمتلئ من
نفسه وينطبق ويتربع على وجه الأرض ويرش عليه ماء ليس من عند الناس
فأشار المأمون إلى الناس ان كفوا فرموا ما في أيديهم من التراب ثم امتلأ
القبر وانطبق وتربع على وجه الأرض ورش عليه الماء لم يدر من رشه أزكى
من المسك وابيض من اللجين ثم انصرف المأمون وانصرفنا ثم دعاني وأخذ
مجلسه ثم قال: والله يا هرثمة لتصدقني عما سمعته من أبي محمد قلت قد
أخبرتك يا أمير المؤمنين قال لي: لا والله أو تصدقني عما أخبرك من غير ما
قلته لي فقلت: يا أمير المؤمنين نعم تسألني قال: بالله يا هرثمة هل أسر
إليك شيئا غير هذا قلت نعم خبر العنب والرمان والسم فاقبل المأمون
يتلون ألوانا صفراء وحمراء وسوداء ثم مد نفسه كالمغشي عليه وسمعته يقول في
غشيته وهو يجهر ويل المأمون من الله ويل المأمون من الحسن والحسين
ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى وويل لأبيه
هارون منهم جميعا وويله من موسى بن جعفر ان هذا لهو الخسران المبين
يقول هذا القول ويكرره، قال هرثمة: فلما رأيته قد طال عليه الكلام
وليت عنه فجلست في بعض الدار فجلس ودعاني إليه وهو كالسكران إذا
ثمل فقال لي والله يا هرثمة ما أنت أعز علي منه ولا جميع من في الأرض
والسماء والله لئن أعدت مما سمعت و رأيت شيئا ليكونن هلاكك أهون
علي مما لم يكن قلت يا أمير المؤمنين ان أظهرت على ذلك أحدا فأنت في
حل من دمي قال لا والله أو تعطيني عهدا موثقا انك تكتم هذا الامر ولا
تعيده فاخذ مني العهد والميثاق واكده فلما وليت عنه صفق بيديه ثم سمعته
يقول يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا
يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا.
وعنه عن الحسين بن محمد بن جمهور القمي، عن أبيه، عن محمد بن
286

عبد الله بن مهران عن أبي محمد الحسن بن نصير البصري قال أبو محمد
الكوفي: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بالمدائن فسلمت
عليه فاقبل يحدثني بأحاديث سألته عنها إذ قال ما ابتلى الله مؤمنا ببلية صبر
عليها الا كان له اجر الف شهيد قال أبو محمد ولم يكن في حديثنا شئ من
ذكر البلوى والعلل والأمراض فأنكرت ذلك من قوله فقلت في نفسي
سبحان الله ما أجمل هذا الحديث رجل انا معه قد عنيت به إذ حدثني
بالوجع في غير موضعه فسلمت عليه وودعته ثم خرجت فلحقت بأصحابي
وقد حلوا فاشتكت رجلي من ليلتي فقلت هذا من تعبي فلما كان من الغد
تورمت رجلاي ثم أصبحت وقد اشتد الورم وضرب علي فذكرت قوله
(عليه السلام) ووصلت الكوفة وخرج منها القيح وصار جرحا عظيما لا
أنام ولا انيم فعلمت انه ما حدثني هذا الحديث الا لهذه البلوى فبقيت
معه تسعة عشر يوما فزالت ثم أفقت فحدثت بحديثي هذا قال أبو محمد
ابن مهران البصري ثم نكس فمات.
وعنه عن محمد بن مهران عن علي بن أسباط القدسي، عن أحمد بن
محمد بن أبي بصير الأسدي، قال: دخلت على سيدي الرضا
(عليه السلام) انا وعبد الله بن المغيرة وعبد الله بن جندب، وصفوان
ومحمد بن سنان، وهو بصاريا خارجا عن المدينة في القصر على الوادي
فجلسنا عنده ساعة ثم قمنا فقال أثبت أنت يا احمد فاجلس فجلست واقبل
علي يحدثني وأسأله فيجيبني حتى ذهل عامة الليل فلما أردت الانصراف قال
يا احمد تنصرف أو تثبت فقلت جعلت فداك ان أمرت بالمبيت بت فقال:
أقم بهذه الحجرة فقمت وقد هدأ الناس فقام (عليه السلام) فلما ظننت أنه
قد دخل خررت ساجدا فقلت في نفسي الحمد لله ان حجة الله ووارث
علم النبيين آثرني من بين إخواني وأجلسني عنده فبينما انا في سجودي
وشكري لله فما علمت الا وقد ركلني برجله فوثبت قائما فاخذ بيدي فغمزها
287

ثم قال: يا احمد ان أمير المؤمنين عاد صعصعة في مرضه فلما قام من عنده
قال يا صعصعة لا تفتخر على اخوانك بعيادتي إياك فقد علمت ما في
نفسك فاتق الله ربك فقد علمت يا احمد ما كان في نفسك في سجودك وما
فخرت به على اخوانك من أن أسررتك من بينهم وحملتك من دونهم فقلت
كذا كان واستغفر الله.
وعنه عن جعفر بن أحمد القصير عن أبي النضر عن أبي عبد الله عن
جعفر بن محمد بن يونس قال: جاء قوم إلى باب أبي الحسن الرضا (صلوات
الله عليه) برقاع فيها مسائل وفي القوم رجل واقفي واقف على باب أبي
الحسن بن موسى، فوصلت الرقاع إليه فخرجت الأجوبة في جميعها
وخرجت رقعة الواقفي بلا جواب فسألته لم خرجت رقعته بلا جواب فقال
لي الرجل ما عرفني الرضا ولا رآني فيعلم اني واقفي ولا في القوم الذين
جئت معهم من يعرفني اللهم إني تائب من الوقف مقر بامامة الرضا فما
استتم كلامه حتى خرج الخادم فاخذ رقعته من يده ودخل بها وعاد الجواب
فيها إلى الرجل فقال الحمد لله هذان برهانان في وقت واحد.
وعنه بهذا الاسناد عن جعفر بن محمد بن يونس قال: جاء رجل من
شيعة الرضا (عليه السلام) بكتاب منه إلى أبي الحسن الرضا
(عليه السلام) فسألني ان أنفذه إليه فلما أنفذت الكتاب فقال جعلت فداك
سهوت ان اذكر في الكتاب عن سلاح رسول الله أين هو وعن الاحرام هل
يجوز في الثوب الملحم أم لا فقلت له قد أنفذ كتابك فتذكرني في كتاب آخر
فورد جواب كتابه في آخره إن كنت نسيت ان تسألنا عن سلاح رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وأين هو فنحن لا ننسى وسلاح رسول الله فينا بمنزلة
التابوت في بني إسرائيل والسلاح معنا حيث أردنا ولا باس في الاحرام في
الثوب الملحم.
وعنه عن محمد بن ميمون الخراساني، عن محمد بن إسحاق الكوفي،
عن علي بن مهران، قال جاءني رجل من شيعة أبي الحسن الرضا
288

(عليه السلام)، فقلت جعلت فداك تكتب إليه فان لي بنتا قد طلب
أبوابا ان يهب لها العافية أو يريحنا منها قال: جعفر بن محمد بن يونس
فأردت الخروج إليه فحملت برسالة الرجل فلما عاد جعفر أخبرنا انه أبقى
الرسالة واخذ بيده فغمزها ثم قال له: قد كفيت مؤونتها فحفظت منه
(عليه السلام) فلما قدمت وجدتها قد ماتت قبل قدومي بيوم واحد.
وعنه عن الحسن بن إبراهيم، عن جابر بن خالد البزاز الكوفي قال:
سالت الحسين بن الحسن بن موسى هل تروي عن أخيك الرضا شيئا قال:
أحدثك عنه بثلاثة أشياء رأيتها منه: خرجنا معه في يوم صائف شديد الحر
إلى بعض الأماكن فقال لنا في الطريق حملتم مماطر فقلت جعلت فداك وما
حاجتنا إليها في هذا القيظ الشديد والناس قد ماتوا بالحر فقال لكنني حملت
ممطري فما سرنا الا يسيرا حتى نشأت سحابة فجاء منها من المطر شئ
عظيم فما بقي منا أحد الا تبللت ثيابه غيره وأنا خلونا معه وعنده جماعة من
سماتنا أهل البيت بالمدينة فمر علينا جعفر بن عمر الذي غلب على المدينة
فرأيناه رث البزة جدا فضحكنا منه فقال أبو الحسن تضحكون من رثاثة بزة
جعفر فقلنا نعم يا سيدنا فقال: عن قريب ترونه عظيم الموكب جليل
البزة.
قال الحسين فما مضى لذلك الا أيام يسيرة حتى غلب جعفر على المدينة
فكان يمر بنا في موكب عظيم وبزة جليلة كما قال أخي وأتى أقوام من أهل
مصر فاستأذنوه في الزراعة في عامهم ذلك فقال لا تزرعوا في عامكم هذا
فتدمروا وأخبروا أهل مصر فزرع قوم وامسك آخرون فأصابتهم الآفة
فذهب زرعهم فقال لهم: ألم أنهكم عن الزراعة في عامكم هذا فكان هذا
مما رأيت وسمعت.
وعنه عن محمد بن موسى القمي، عن إبراهيم بن زيد السامري عن
289

جعفر بن محمد بن يونس، قال دفع سيدنا أبو الحسن الرضا
(عليه السلام) إلى مولى له حمارا بالمدينة وقال تبيعه بعشر دنانير ولا تنقصه
شيئا فعرفه المولى فاتاه رجل من أهل خراسان من الحاج فقال له معي ثمانية
دنانير ما أملك غيرها فقال له ارجع لمولاك ان شئت لعله يأذن لك في بيعه
بهذه الثمانية دنانير فرجع المولى إليه فأخبره بخير الخراساني فقال له: قل له
ان قبلت منا الدينارين صلة أخذنا منك الثمانية فقلت له: فقال قد قبلت
فسلمت إليه وحج أبو الحسن معه فلما كنا في بعض المنازل في المنصرف
وإذا انا بصاحب الحمار يبكي فقلت له ما لك قال سرق حماري وعليه
الخرج وفيه نفقتي وثيابي وليس معي شئ الا ما ترى فأخبرت أبا الحسن ان
هذا صاحب الحمار الذي اشتراه ذكر من قصته كذا وكذا، فقال أبو
الحسن: اعطه عشرين درهما وقل له إذا قدمت المدينة فالقنا قال: فمضينا
فلما كنا في أوائل المدينة بعد رجوعنا من مكة نظر أبو الحسن إلى قوم
متكئين على الطريق فأشار إليهم وقال سارق الحمار معهم: والحمار معه
والرجل ما احدث فيه حدثا فامض إليه وقل له: يقول لك علي بن موسى
إما ان ترد الحمار وما كان عليه والا رفعت امرك إلى السلطان فاتيته فقلت
له: ما قال، قال سارق الحمار يجعل عهدا وذمة ان لا يدل علي وارد الحمار
وما عليه الخرج وقدم صاحب الحمار فقال: هذا حمارك وما عليه فانظر فإنك
لا تفقد منه شيئا من متاعك فنظر وقال جعلني الله فداك ما فقدت من
متاعي قليلا ولا كثيرا.
وعنه عن محمد بن يحيى الخرقي، عن أبي الحسن الخفاف عن
النضر بن سويد، قال: كان أبي مريضا فدخلت المدينة على أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك اني خلفت أبي بالكوفة
مريضا فقال لي: اجرك الله فلما قدمت الكوفة وجدت أبي قد مات قبل
مسألتي إياه عن الدعاء له بالعافية.
290

وعنه عن أحمد بن محمد الكوفي، عن رشيد بن محمد الحذاء، عن
الحسين بن بنت الأمين، قال: أتيت خراسان في تجارة ومذهبي الوقف على
أبي الحسن موسى وكنت قد حملت بزا فيه ثوب وشئ في بعض الرزم ولم
اشعر به ولم اعرف مكانه فلما قدمت سامراء نزلت في بعض منازلها ولم اشعر
الا برجل مدني من مولدي المدينة قد اتان فقال لي مولاي الرضا علي بن
موسى (عليهما السلام) يقول لك ابعث بالثوب الوشي الذي معك فقلت
له ومن اخبر أبا الحسن بقدومي وإنما قدمت آنفا وما عندي ثوب وشئ
فرجع إليه وعاد إلي فقال: يقول لك الثوب معك في الرزمة الفلانية
فوجدت الرزمة التي وصفها فحللتها فوجدت الثوب الوشي فبعثت به إليه
وآمنت به وعلمت أنه الامام بعد أبيه (عليه السلام) والتحية والاكرام
وعلى آبائه الغرر الكرام.
291

الباب الحادي عشر
باب الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
293

مضى أبو جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وله خمسة وعشرون سنة
وثلاثة اشهر واثنا عشر يوما في وم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة سنة
عشرين ومائتين، فكان مقامه مع أبيه تسع سنين وثلاثة اشهر، وأقام بعد
أبيه ست عشرة سنة واثني عشر يوما.
واسمه محمد.
وكنيته: أبو جعفر، والخاص أبو علي.
ولقبه: المختار، والمرتضى، والتقي، والمتوكل.
ومشهده في مقابر قريش إلى جانب مشهد جده موسى في القبة.
واسم أمه: خيزران المرسية.
وكان له من الولد: علي العسكري، وموسى، ومن البنات:
خديجة، وحليمة، وأم كلثوم.
وكان (عليه السلام) شديد الأدمة ولقد قال فيه أهل الحيرة والشاكون
والمرتابون انه ليس من ولد الرضا وقالوا - لعنهم الله - انه من ولد سيف
295

الأسود مولاه، وقالوا: من لؤلؤ وانهم اخذوا الرضا أباه عند المأمون
فحملوه إلى القافة بمكة، وهو طفل في مجمع من الناس في المسجد الحرام
فعرضوه عليهم فلما نظر إليه القافة خروا سجدا، ثم قاموا فقال: ويحكم
من هذا الكوكب العظيم الدري النور المبين يعرض علي هذا والله الزكي
النسب المهذب الطاهر والله ما تردد الا في الأصلاب والأرحام الطاهرة،
والله ما هو الا من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي أمير المؤمنين المؤمنين
فارجعوا فاستقيلوا الله عز وجل واستغفروه ولا تشكوا في نسب مثله،
وتحمد، (عليه السلام) في ذلك الوقت وله خمسة وعشرون شهرا فنطق
بلسان أرهف من السيف وأفصح من الصاحة يقول:
الحمد لله الذي خلقنا من نوره، واصطفانا من بريته، وجعلنا
أمناءه، على خلقه ووحيه، معاشر الناس انا محمد بن علي الرضا بن موسى
الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي علي زين العابدين بن الحسين
الشهيد بن أمير المؤمنين علي المرتضى وفاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى
(صلى الله عليهم أجمعين) وعلى أولادي بعدي، وأعرض على القافة والله
اني لاعلم بأنساب الناس من آبائهم، والله اني لاعلم خوافي سرائرهم
وظاهرهم واني لاعلم بهم أجمعين وما هم إليه صائرون أقوله حقا، واظهره
صدقا علما أورثناه الله عز وجل قبل الخلق أجمعين، وبعد فناء السماوات
والأرض، وأيم الله لولا تظاهر الباطل علينا وغلبة دولة الكفر وتولي أهل
الشك والشرك والشقاق علينا لقلت قولا يعجب منه الأولون والآخرون،
ثم وضع يده على فمه وقال: يا محمد اصمت كما صمت آباؤك:
(واصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ولا تستعجل لهم كأنهم يوم
يرون ما يوعدون) إلى آخر الآية، ثم تولى إلى رجل إلى جانبه فقبض
على يده وتمشى يتخطى رقاب الناس، والناس يفرجون له فرأيت مشيخة
حلة وهم ينظرون إليه، ويقولون: الله اعلم حيث يجعل رسالته، فسالت
عن المشيخة فقيل لي: هؤلاء قوم من بني هاشم من أولاد عبد المطلب.
296

قال فبلغ الخبر إلى علي بن موسى وما صنع بابنه محمد، فقال: الحمد
لله، ثم التفت إلى من بحضرته من شيعته فقال لهم: هل علمتم ما
قذفت به مارية القبطية / وما ادعى عليها في ولادتها إبراهيم بن رسول الله
(صلى الله عليه وآله)؟ فقالوا: يا سيدنا أنت اعلم خبرنا لنعلم، فقال:
ان مارية أهداها المقوقس إلى جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتحظى بمارية من دونهم وكان معها خادم يقال له جريح وحسن إيمانها
وإسلامها، ثم ملكت مارية قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فحسدها بعض أزواجه، وأقبلت عائشة وحفصة تشكوان إلى أبويهما ميل
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى مارية وايثاره إياها عليهما حتى سولت
لأبويهما أنفسهما بان يقذفوا مارية بأنها حملت بإبراهيم من جريح الخادم،
وكانوا لا يظنون جيحا خادما فاقبل أبواهما إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
وهو جالس في مسجده فجلسا بين يديه، ثم قالا: يا رسول الله ما يحل
لنا ولا لشيعتنا ان نكتم عليك ما يظهر من خيانة واقعة بك، قال: ماذا
تقولان؟ قال: يا رسول اله ان جريحا يأتي من مارية الفاحشة العظمى،
وان حملها من جريح ليس هو منك، فأربد وجه رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وعرضت له سهوة لعظيم ما تلقياه به، ثم قال: ويحكما ما
تقولان؟ قالا: يا رسول الله انا خلفنا جريحا ومارية في مسرتها يعتبها في
حجرتها ويفاكهها ويلاعبها ويروم منها ما يروم الرجال من النساء فابعث إلى
جريح فإنك تجده على هذه الحال فانفذ فيهما حكم الله حكمك.
فاتى النبي إلى علي (عليه السلام)، وقال: قم يا أبا الحسن بسيفك
ذي الفقار حتى تمضي مسرية مارية فان صادفتها وجريحا كما يصفان
فاخمدهما بسيفك ضربا.
وقام علي (عليه السلام) ومسح سيفه وأخذه تحت ثوبه فلما ولى من
بيد يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) انثنى إليه فقال يا رسول الله:
297

أكون كالشكة، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فقال له: فديتك يا أبا الحسن
امض، فمضى وسيفه في يده حتى تسور من فوق مسرية مارية وهي
في جوف المسرية، وجريح معها يؤدبها بآداب الملوك، ويقول لها: عظمي
رسول الله ولبيه وأكرميه حتى التفت جريح فنظر إلى أمير المؤمنين وسيفه
مشهور في يده ففزع جريح، وصعد إلى نخلة في المسرية فصعد إلى رأسها
فنزل أمير المؤمنين إلى المسرية، فكشف الريح عن أثواب جريح فرآه خادما
مسموحا ليس له ما للآدميين، فقال: انزل يا جريح، قال: يا أمير
المؤمنين آمنا على نفسي؟ فقال: آمنا على نفسك، فنزل جريح وأخذ بيده
أمير المؤمنين إلى رسول الله فأوقفه بين يديه، وقال: يا رسول الله ان
جريحا خادم ممسوح، فولى النبي وجهه إلى الجدار، وقال: حل لهما
- لعنهما الله - يا جريح حتى يتبين كذبهما ويحتقبا خزيهما، بجرأتهما على الله
ورسوله فكشف جريح عن أثوابه فإذا هو خادم ممسوح فسقطا بين يدي
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالا: يا رسول الله التوبة، استغفر لنا
ولن نعود.
فقال رسول الله (عليه السلام): لا تاب الله عليكما فان نفعكما
استغفاري ومعكما هذه الجرأة على الله عز وجل وعلى رسوله فقالا: يا
رسول الله ان استغفرت لنا رجونا ان يغفر الله لنا، فأنزل الله الآية بهما
وفي براءة مارية: (ان الذين يرمون المحصنات المؤمنات الغافلات لعنوا
في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم
وأرجلهم بما كانوا يعملون).
قال الرضا علي بن موسى (عليهما السلام): الحمد لله الذي في ابني
محمد أسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله) وابنه إبراهيم
(عليهما السلام) وكان هذا من دلائله وبراهينه الذي ذكرناهم
(عليه السلام).
298

عن الحسين بن حمدان قال: حدثني أحمد بن صالح عن عسكر مولى
أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) قال: دخلت عليه وهو
جالس في وسط إيوان له يكون عشرة اذرع في عشرة اذرع فوقفت بباب
الإيوان أراه فقلت في نفسي سبحان الله ما أشد سمرة مولاي وأضوأ جسده
قال فوالله ما استتممت هذا القول حتى عرض جسده وتطاول وامتلأ به
الإيوان إلى سقفه مع جوانب حيطانه ثم رأيت لونه قد أظلم ثم أظلم ثم
ابيض ثم صار كأبيض من الثلج ثم احمر ثم صار مثل العقيق المحمر ثم
اخضر حتى صار كأغض ما يكون من الأغصان المورقة المخضرة ثم تناقص
جسده حتى صار في صورته الأولى وأعاد لونه إلى اللون الأول فسقطت
لوجهي لهول ما رأيت فصاح بي يا عسكر تشكون بي فنثبتكم وتضعفون
فنقويكم فوالله لا وصل إلى حقيقة معرفتنا الا من من الله بها عليه
وارتضيناه لنا وليا قال عسكر فما لبث في نفسي الا ما أظهره لساني وتفوه به
جناني.
وعن الحسين بن داود السعدي عن أبي هاشم داود بن القاسم
الجعفري، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) ومعي ثلاث رقاع
غير مترجمة ولا عليها اسم لأصحابها فاشتبهت علي فتناول إحداها وقال
هذه رقعة زيد بن شهاب، ثم تناول الثانية وقال: هذه رقعة محمد بن
جعفر، ثم اخذ الثالثة وقال: هذه رقعة علي بن الحسين فسماهم والله
وسمى آباءهم ووقع فيها بالذي سألوا فاخذتها ونهضت فنظر إلي وتبسم
لأنه علم بسروري بتلك الدلائل ثم أعطاني ثلاثمائة دينار وأمر بحملها إلى
علي بن الحسين بن إبراهيم بن موسى بن عمه، وقال: يقول لك دلني على
حريف يعرف ليشتري بها متاعا فدلك عليه فكلمني اجمال ان أساله
(عليه السلام) ان يدخله في خدمته فجئت به باب الدار فأوقفته ودخلت
على أبي جعفر (عليه السلام) لأكلمه في أمره فوجدته على مائدة يأكل معه
جماعة من أوليائه وشيعته فلم يمكنني كلامه فقال: يا أبا هاشم اجلس فكل
299

واخذ بيده طعاما فوضعه يبن يدي فأكلت ثم ابتدأ من غير أن أساله ولا
اذكر له الجمال فقال يا غلام انظر الجمال الذي اتانا به أبو هاشم وانه
واقف بالباب فضمه في خدمتنا وطاعتنا.
وعنه عن محمد بن موسى القمي، عن خالد الحداء، عن صالح بن
محمد بن داود اليعقوبي، قال: لما توجه أبو جعفر (عليه السلام) لاستقبال
المأمون وقد أقبل من نواحي الشام وأمر ان يعقد ذنب دابته وذلك في يوم
صائف شديد الحر وطريق لا يوجد فيه الماء فقال بعض من كان معنا ممن لا
علم له أي موضع عقد ذنب دابته فما سرنا الا يسيرا حتى وردنا ارض ماء
ووحل كثير وفسدت ثيابنا وما معنا ولم يصبه شئ من ذلك قال: صالح
وقال: لنا يوما ونحن في ذلك الوجه اعلموا انكم ستضلون عن الطريق
قبل المنزل الأول الذي يلقاكم الليلة ترجعون إليه في المنزل بعدما يذهب
من الليل سبع ساعات فقال من فينا من لا فضل له بهذه الطريق ولا يعرفه
ولا يسلكه قط وستنظرون صدق ما قال صالح فضللنا عن الطريق قبل
المنزل الذي كان يلقانا وسرنا بالليل حتى تنصف وهو يسير بين أيدينا ونحن
نتبعه حتى صرنا في المنزل الثاني على الطريق فقال انظروا كم ساعة مضى
من الليل فإنها سبع ساعات فنظرنا فإذا هي كما قال.
وعن الحسين بن محمد بن جمهور، عن صفوان بن يحيى ومحمد بن
سنان الزاهري قالا جميعا: دخلنا على أبي الرضا (عليه السلام) بمكة،
وقد عمل على المقام وعملنا على الخروج إلى المدينة فقلنا: يا سيدنا أنت
مقيم ونحن خارجون وان رأينا ان تكتب لنا كتابا إلى أبي جعفر توصية
فيكم وبارك بالنظر إليه فكتب لنا إليه فلما وردنا المدينة صرنا بالكتاب إلى
داره فخرج الينا موفق الخادم وقد حمل أبا جعفر على صدره وله في ذلك
الوقت خمسة عشر شهرا، فرأينا وأشرنا بالكتاب إلى موفق فمد أبو جعفر
يده فاخذ الكتاب وأشار به إلى موفق ليفضه ففضه موفق واخذه أبو جعفر
300

واقبل يقرأ الكتاب ويطويه من أعلاه وينشره من أسفله ويتبسم حتى اتى
على آخره ثم قال: سألتما سيدي ان يكتب لكما كتابا إلي لتكلماني فنظر إلي
قلنا يا سيدنا هكذا كان قال: محمد بن سنان يا سيدي أردد إلي بصري
انظر إليك وارددني محجوبا فان هذه آيتي مع أبيك وجدك موسى وجعفر
قال: فمسح يده على عيني فرجعت بصيرا ثم رده يده على وجهي فرجعت
محجوبا فقلت بطرسيا فحرك رجله إلى صدر موفق وقال بأخ بأخ حكاية لما
يقوله إذا ناغى قال صفوان بن يحيى، ومحمد بن سنان ما أخذنا الكتاب الا
ونحن لا نشك انه الامام بعد أبيه فأرانا دلالته وخاطبنا وقرأ الكتاب من
أوله إلى آخره ثم عاد إلى حكاية طفوليته ان هذا برهان عظيم.
وعنه عن أبي الحسن محمد بن يحيى عن محمد بن حمزة بن القاسم
الهاشمي، عن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن أبي الحسن، قال:
دخلت على أبي جعفر في صبحة عرسه بأم الفضل بنت المأمون وكنت أول
من دخل عليه في ذلك اليوم فدنوت منه وقعدت فوجدت عطشا شديدا
فجللته ان اطلب الماء فنظر إلي وقال يا علي: شربت الدواء بالليل وتغديت
على بكرة فأصبت العطش واستحييت تطلب الماء مني فقلت: والله يا
سيدي هذه صفتي ما غادرت منها حرفا فصاح في نفسه يا غلام تسقيني
فقلت في نفسي يا ليت لا يسقى الماء واغتممت فاقبل الغلام ومعه الماء
فنظر إلى الماء والي وتبسم واخذ الماء وشرب منه وسقاني فمكث قليلا
وعاودني العطش فاستحييت اطلب الماء فصاح بالخادم وقال تسقيني ماء
فقلت في نفسي مثل ذلك القول الأول واقبل الخادم بالماء فاخذه وشرب منه
وسقاني فقلت لا إله إلا الله اي دليل دل على إمامته من علمه ما اسره في
نفسي فقال: يا علي والله نحن كما قال تعالى: (أم يحسبون انا لا نسمع
سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) فقمت وقلت لمن كان معي هذه
ثلاث براهين رأيتها من أبي جعفر (عليه السلام) في مجلسي هذا فقال:
من لا علم له بفضله اني لأحسب هذا الهاشمي كما يقال إنه يعلم الغيب
301

فنظرت إليه وحمدت الله على معرفة سيدي لجهل الرجل به.
وعنه عن علي بن بشر عن أبي عمران موسى بن زيد، عن يحيى بن
أبي عمران، قال: ان موسى بن جعفر الداري قال: وردنا جماعة من أهل
الري إلى بغداد نريد أبا جعفر (عليه السلام) فدللنا عليه ومعنا رجل من
أهل الري زيدي يظهر لنا الإمامة فلما دخلنا على أبي جعفر (عليه السلام)
سألناه عن مسائل قصدنا بها وقال أبو جعفر لبعض غلمانه خذ بيد هذا
الرجل الزيدي وأخرجه فقام الرجل على قدميه وقال انا اشهد ان لا إله إلا الله
وأشهد أن محمدا رسول الله وان عليا أمير المؤمنين وان آباءك الأئمة
وأثبت لك الحجة لله في هذا العصر فقال له: اجلس فقد استحقيت بترك
الضلال الذي كنت عليه وتسليمك الامر لي من جعله له يسمع ولا يمنع
فقال الرجل: والله يا سيدي اني أدين لله امامة زيد بن علي مدة أربعين
سنة ولا اظهر للناس غير مذهب الإمامة فلما علمت مني ما لا يعلمه الا
الله اشهد انك الامام والحجة.
وعنه عن جعفر بن محمد بن مالك، عن محمد بن يونس عن داود بن
زيد الخياط، قال: كنت بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) وهو جالس
في مجلسه فسرقت شاة لبعض مواليه فطالب قوما بأعينهم فقال
(عليه السلام): احضروا فلانا لقد سرقت شاته وهو يطالب بها من لا
يسرقها فاحضروه فقال خل القوم الذين تطالبهم بشاتك وامض إلى منزل
راشد مولاك وخذ شاتك من بيته فهو اخذها قال: داود فقمت حتى صرت
بداره فوجدت الشاة في بيته فاخذتها وأبترأ القوم الذين كانوا يطالبون بها.
وعن أبي العباس عتاب بن يونس الديلمي عن محمد بن علي بن حديد
الوشا الوفي قال خرجنا حاجين فلما قضينا حجنا ورجعنا من مكة قطع
علينا الطريق ونحن عصابة من شيعة أبي جعفر (عليه السلام) فاخذ كل ما
كان معنا فلما وردنا المدينة دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فابتدأني
302

قبل ما اساله بشئ فقال يا علي بن حديد قطع عليكم الطريق في العرج
وأخذ ما كان معكم وعددكم ثلاثة وعشرون نفرا وسمانا بأسمائنا وأسماء
آبائنا فقلت: أي والله يا سيدي كنا كما قلت وامر لنا بكسوة ودنانير كثيرة
وقال: فرقها على أصحابك فإنها بعدد ما ذهب منكم قال علي بن حديد:
فصرت بها إلى إخواني وأصحابي ففرقتها عليهم فطلعت والله بإزاء ما اخذ
منا سواء.
وعن محمد بن ابان عن خالد العطار الكوفي عن أبي هاشم داود بن
القاسم الجعفري عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كنت في داره ببغداد
وانا جالس بين يديه إذ دخل عليه ياسر الخادم فرحب به وقربه ثم قال: يا
سيدي ستنا أم جعفر تستأذنك بالمسير إلى أم الفضل للسلام عليك
وعليها وقد استأذنت فقال له: قل لها اقبلي إليه
بالرحب والسعة فمضى الخادم وقمت وانا أقول في نفسي انه ليس هذا وقت
جلوس أم جعفر تصير إليه أم الفضل فقال لي: اجلس يا أبا هاشم فان أم
جعفر تحضر وترى ما يجب فجلست وانصرفت أم جعفر فأذنت عليه قبل
أذانها على أم الفضل فقال للخادم قل لها يحضرني الا من يحتشم بنا وهو أبو
هاشم الجعفري ابن عمك فاستحيت واعتزلت بجانب حيث لا أراهم
واسمع كلامهم فدخلت وسلمت عليه واستأذنته بالدخول على أم الفضل
بنت المأمون زوجته فاذن لها فما لبث ان عادت اله فقالت له يا سيدي اني
لأحب ان أراك وأم الخير بموضع واحد لتقر عيني وافرح واعرف أمير
المؤمنين اجتماعكما فيفرح فقال ادخلي إليها فاني تابعك في الأثر فدخلت أم
الخير فقدمت نعليه ودخل والستور تشتال بين يديه فما لبث ان أسرع راجعا
وهو يقول فلما رأينه أكبرنه وجلس وخرجت أم جعفر فقالت يا سيدي ما
حدث الا خيرا ما رأيت وما حضرت الا خيرا ولم لا تجلس فما الذي حدث
فقال يا أم جعفر حدث ما لا يصح ان أعيده عليك فارجعي إلى أم الفضل
فاسأليها بينك وبينها فإنها تخبرك ما حدث منها ساعة دخولي إليها فإنه من
303

سر النساء فأعادت أم جعفر على أم الخير ما قاله (عليه السلام) فقالت:
لها يا عمة ما الذي حدث مني قلت: يا بنية ما اعلم ما هو فحلفت اني ما
أحضرت الا خيرا، وظننت انه رأى في وجهك كرها، فقالت: لا والله يا
عمة ما تبين بوجهي كرها ولا علمت ما حدث فارجعي إليه اسأليه ان
يخبرك فقلت: يا ابنة أنه قال: انه من سر النساء فقالت أم الخير: كيف
لا ادعو على أبي وقد زوجني ساحرا فقالت لها: يا بنية لا تقولي هذا فلئن
في أبيك ولا فيه أريني فما الذي حدث قالت: يا عمة والله ما هو طلع
حقا الا انعزلت إلى الصلاة وحدث مني ما يحدث من النساء فضربت يدي
إلى أثوابي وضممتها فخرجت أم جعفر إليه، وقالت: يا سيدي أنت تعلم
الغيب قال: لا قالت من لك بان تعلم ما حدث من أم الخير مما لا يعلمه
الا الله وهي في الوقت فقال لها: نحن من علم الله علمنا وعن الله
نخبر، قالت له: ينزل عليك الوحي قال لا قالت: من أين لك علم
ذلك، قال: من حيث لا تعلمين وسترجعين إلى من تخبرينه بما كان فيقول
لك: لا تعجبي فان فضله وعلمه فوق ما تظنين فخرجت أم جعفر ودنوت
منه وقلت له: قد سمعتك وأنت تقول فلما رأينه أكبرنه فهذا خبر النسوة
الذي خرج عليهن يوسف لما رأينه والاكبار مما حدث من أم الفضل فعلمت
انه الحيض.
وعنه عن محمد بن إسماعيل الحسني عن محمد بن علي عن أيوب
السراج عن محمد بن موسى النوفلي قال: دخلت على سيدي أبي جعفر
(عليه السلام) يوم الجمعة عشيا فوجدت بين يديه فوجدت أبا هاشم داود
ابن القاسم الجعفري وعينا أبي هاشم بهمدان ورأيت سيدي أبا جعفر
مطرقا فقلت لأبي هاشم ما يبكيك يا ابن العم قال: من جرأة هذا
الطاغي المأمون على الله وعلى دمائنا بالأمس قتل الرضا والآن يريد قتلي
فبكيت وقلت: يا سيدي هذا مع اظهاره فيك ما يظهره قال: ويحك يا
ابن العم الذي أظهره في أبي أكثر فقلت والله يا سيدي انك لتعلم ما علمه
304

جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد علم ما علمه المسيح وسائر
النبيين وليس لنا حكم والحكم والامر لك فان تستكفي شره فإنه يكفيك
فقال ويحك يا ابن العم فمن يركب إلي الليلة في خدمة بالساعة الثامنة من
الليل وقد وصل الشرب والطرب إلى ذلك الوقت واظهره بشوقه إلى أم
الفضل فيركب ويدخل إلي ويقصد إلى ابنته أم الفضل وقد وعدها انها
تبات في الحجرة الفلانية في بعد مرقدي بحجرة نومي فإذا دخل داري عدل
إليها وعهد الخدم ليدخلون إلى مرقدي فيقولون ان مولانا المأمون منا
ويشهروا سيوفهم ويحلفوا انه لا بد نقتله فأين يهرب منا ويظرون إلي
ويكون هذا الكلام اشعارهم فيضعون سيوفهم على مرقدي ويفعلون كفعل
غيلانه في أبي فلا يضرني ذلك ولا تصل أيديهم إلي ويخيل لهم انه فعل
حق وهو باطل ويخرجون مخضبين الثياب قاطرة سيوفهم دما كذبا ويدخلون
على المأمون وهو عند ابنته في داري فيقول ما وراءكم فيروه أسيافهم تقطر
دما وثيابهم وأيديهم مضرجة بالدم فتقول أم الفضل أين قتلتموه فيقولون لها
في مرقده فتقول لهم ما علامة مرقده فيصفون لها فتقول اي والله هو فتقدم
إلى رأس أبيها فتقبله وتقول: الحمد لله الذي أراحك من هذا الساحر
الكذاب فيقول لها: يا ابنة لا تعجلي فقد كان لأبيه علي بن موسى هذا
الفعل فأمرت تفتح الأبواب وقعدت للتعزية ولقد قتله قتله خدمي أشد من هذه
القتلة ثم ثاب إلى عقلي فبعثت ثقة خدمي صبيح الديلمي السبب في قتله
فعاد إلي وقال: انه في محرابه يسبح الله فتغلق الأبواب ثم تظهر انها كانت
غشية وفاقت الساعة فاصبري يا بنية لا تكون هذه القتلة مثل تلك القتلة
فقالت يا أبي هذا يكون قال: نعم، فإذا رجعت إلى داري وراق الصبح
فابعثي استأذني عليه فان وجدتيه حيا فادخلي عليه وقولي له: ان أمير
المؤمنين شغب عليه خدمه وأرادوا قتله فهرب منهم إلى أن سكنوا فرجع وان
وجدتيه مقتولا فلا تحدثي أحدا حتى أجيئك وينصرف إلى داره ترتقب ابنته
الصبح فإذا اعترض تبعث إلي خادما فيجدني في الصلاة قائما فيرجع إليها
بالخبر فتجئ وتدخل علي وتفعل ما قال أبوها وتقول ما منعني ان أجيئك
305

بليلتي الا أمير المؤمنين إلى أن أقول والله الموفق ها هنا من هذا الموضع
يقول انصرف وتبعث له وهذا خبر المأمون بالتمام.
وعنه بهذا الحديث مرفوعا إلى أبي جعفر (عليه السلام) وكان في عهده
رجل يقال له شاذويه وكان له أهل حامل وانها أموية وهي قبيلة وما
بالقبيلة من سلم امره إلى أبي جعفر محمد (عليه السلام) الا هي وبعلها
وليس تسليم أمرهم الا ببينة من أبي جعفر (عليه السلام) فقدم إليه شاذويه
وهو بين من حضر معه ومحمد بن سنان في مجلسه فلما قرب شاذويه من أبي
جعفر فرمى (عليهم السلام) فقال أبو جعفر: يا شاذويه ببالك حديث
وقد اتيت منا البينة وما أبديته إلى سواي فلما سمع ذلك أيقن انه من أهل بيت
النبوة ومعدن الرسالة وقال: تريد يا شاذويه بيان ما اتيت الينا به من
حاجة لك فقال: نعم، يا مولانا ما اتيت الا باظهار ما كان في ضميري
تبديه لي فما سؤالي لك وما الحاجة فقال: نعم ان لك اهلا حاملا وعن
قريب تلد غلاما وانها لم تمت في ذلك الغلام فما تفاوض أبو جعفر بالكلام
الا لاتخاذ الإمامة وأهلك من أمية وانها جميلة المراجعة لك، فقال: نعم،
يا أبا جعفر، وانها تسلمن أمرها، الينا ببينة منا، لها وانها من قوم كافرين
فإنها راجعة إلى الاسلام وكان الشاذويه رفيقا له لم يؤمن بما يأتي به أبو
جعفر (عليه السلام) فقال له: بئس ما قلت وما قال أبو جعفر أفما
تفاوض أبو جعفر بالكلام الا لاتخاذ الإمامة فقال: شاذويه قد علمنا ما
علمت ولم تؤت من الفضل والايثار من أبي جعفر (عليه السلام) مثلما
علمت فلما أسرعت إليه بهذه البشرى قال محمد بن سنان ليعلم فضل
شعب أبي جعفر (عليه السلام) وعلمهم في سائر الناس قال شاذويه:
فدخلت منزلي فإذا انا بزوجتي على شرف لم أجزع لذلك لان أبا جعفر
(عليه السلام) اخبرني انها لم تمت في هذه الولادة فأفاقت عن قريب وولدت
غلاما ميتا فرجعت إلى أبي جعفر (عليه السلام) فلما دنوت من المجلس
فقال يا شاذويه وجدت ما أخبرتك وولدك حقا قلت نعم، يا
306

سيدي فلم لا تدعو لي حتى يرزقني الله ولدا باقيا قال لا تسألني قلت يا
سيدي: سألتك قال ويحك الآن فقد نفذ فيه الحكم قلت أين فضلك
قال محمد بن سنان قلت: يا سيدي تسأل الله ان يجيئه فقال اللهم انك
عال بسرائر عبادك فان شاذويه قد أحب ان يرى فضلك عليه فأحيي له أنت
الغلام فانثنى أبو جعفر إلي وقال الحق بابنك فقد أحياه الله لك قال:
فأسرعت إلى منزلي فتلقتني البشارة ان ابني قد عاش فخبرت أمه وكانت
أموية فقالت والله الآن لأتبرأن من أمية جميعا قلت لها ومن تيم وعدي
فقالت: تبرأت من فلان وفلان وتواليت بني هاشم وهذا الإمام محمد بن
علي (عليه السلام) وتشيعت وتشيع كل من في داري وما كان فيها غيري
من يتولاه.
وعن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن علي، عن موسى بن القاسم،
قال: شاجرني رجل ونحن في مكة من أصحابنا يقال له إسماعيل في أبي
الحسن الرضا (عليه السلام) قال كان يجب ان يدعو المأمون إلى الله والى
طاعته فلم أدر ما أجيبه فانصرفت إلى فراشي فرأيت أبا جعفر
(عليه السلام) في نومي فقلت له جعلت فداك ان إسماعيل سألني هل
كان يجب على أبيك ان يدعو المأمون إلى الله وطاعته فلم أدر ما أجيبه فقال
لي إنما يدعو الامام إلى الله مثلك ومثل أصحابك ومن تبعهم فانتبهت
وحفظت الجواب من أبي جعفر محمد وخرجت إلى الطواف فلقيني إسماعيل
فقلت له ما قاله لي أبو جعفر فكأني ألقمته حجرا فلما كان من قابل اتيت
المدينة ودخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وهو يصلي فأجلسني موفق
الخادم فلما فرغ من صلاته قال لي: يا موسى ما الذي قال إسماعيل بمكة
عام أول حيث شاجرك في أبي قلت جعلت فداك أنت تعلم قال ما كانت
رؤياك قلت رأيتك يا سيدي في نومي وشكوت إليك إسماعيل قال: فقلت
إنما يجب طاعته على مثلك ومثل أصحابك ممن لا يبغيه وخصمته، قال هو
ذلك قال: انا قلت لك في منامك والساعة أعيده عليك فقلت والله هذا
307

هو الحق المبين.
وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، عن علي بن حديد عن علي بن
مسافر عن محمد بن الوليد بن يزيد، قال: اتيت أبا جعفر (عليه السلام)
فوجدت في داره قوما كثيرين ورأيت ابن مسافر جالسا في معزل منهم
فعدلت إليه فجلست معه حتى زالت الشمس فقمت إلى الصلاة فصليت
الزوال فرض الظهر والنوافل بعدها وزدت أربع ركع فرض العصر
فاحتسيت بحركة ورائي بالتفت وإذا أبو جعفر (عليه السلام) فقمت إليه
وسلمت عليه وقبلت يديه ورجليه فجلس وقال ما الذي أقدمك وكان في
نفسي مرض من إمامته فقال لي: سلم فقلت يا سيدي قد سلمت فقال
ويحك وتبسم بوجهي فأناب إلي فقلت سلمت إليك يا ابن رسول الله وقد
رضيت بك اماما فكان الله جلا عني غمي وزال ما في قلبي من المرض من
إمامته حتى اجتهدت ورميت الشك فيه إلى ما وصلت إليه ثم عدت من
إمامته حتى اجتهدت ورميت الشك فيه إلى ما وصلت إليه ثم عدت من
الغد بكرة وما معي خلق ولا أرى خلقا وانا أتوقع السبيل إلى من أجد
وينتهي خبري إليه وطال ذلك علي حتى اشتد الجوع فبينما انا كذلك إذ
اقبل نحوي غلام قد حمل إلي خوانا فيه طعام ألوانا وغلام آخر معه طست
وإبريق فوضعه بين يدي وقال لي مولاي يأمرك ان تغسل يديك وتأكل
فغسلت يدي وأكلت فإذا بابي جعفر (عليه السلام) قد اقبل فقمت إليه
فأمرني بالجلوس فجلست وأكلت فنظر إلي الغلام ارفع ما سقط من الخوان
على الأرض فقال له ما كان معك في الخوان فدعه ولو كان فخذ شاة وما
كان معك في البيت فالقطه وكله فان فيه رضى الرب ومجلبة الرزق وشفاء
من الداء ثم قال لي: اسال فقلت جعلت فداك ما تقول في المسك فقال أبي
الرضا: لم يتخذ مسكا فيه بان كتب إليه الفضل بن سهل يقول يا سيدي
ان الناس يعيبون ذلك عليك فكتب يا فضل ما علمت أن يوسف الصديق
(عليه السلام) كان يلبس الديباج مزررا بالذهب والجوهر ويجلس على
كراسي الذهب واللجين فلم يضره ذلك ولا نقص من نبوته شيئا وان
308

سليمان بن داود (عليه السلام) وضع له كرسي من الفضة والذهب مرصع
بالجوهر وعليه علم وله درج من ذهب إذا صعد على الدرج اندرج فترا فإذا
نزل انتثرت بين يديه والغمام يظلله والانس والجن تخدمه وتقف الرياح
لامره وتنسم وتجري كما يأمرها والسباع الوحوش والطير عاكفة من حوله
والملائكة تختلف إليه فما يضره ذلك ولا نقص من نبوته شيئا ولا من منزلته
عند الله وقد قال الله عز وجل (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده
والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)
ثم امر ان يتخذ له غالية فاتخذت بأربعة آلاف دينار وعرضت عليه فنظر
إليها والى سدوها وحبها وطيبها وامر ان يكتب لها رقعة من العين وقال
العين حق فقلت جعلت فداك فما لمواليكم في آتاكم فقال إن جدي جعفر
الصادق (عليه السلام) كان له غلام يمسك عليه بغلته إذا دخل المسجد
فبينما هو في بعض الأيام جالس في المسجد إذ أقبلت من خراسان قافلة
فاقبل رجل منهم إلى الغلام وفي يده البغلة فقال له من داخل المسجد
فبينما هو في بعض الأيام جالس في المسجد إذ أقبلت من خراسان قافلة
فاقبل رجل منهم إلى الغلام وفي يده البغلة فقال له من داخل المسجد
فقال مولاي جعفر الصادق بن رسول الله فقال له الرجل: هل لك يا
غلام تسأله يجعلني مكانك وأكون له مملوكا واجعل لك مالي كله فاني كثير
الخير والضياع اشهد لك بجميعه واكتب لك وتمضي إلى خراسان فتقبضه
وانا موضعك أقيم فقال له الغلام: اسال مولاي ذلك فلما خرج قدم بغلته
فركب وتبعه كما كان يفعل فلما نزل في داره استأذن الغلام ودخل عليه فقال
له مولاي: يعرف خدمتي وطول صحبتي قال: فان ساق الله لنا خيرا
تمنعني منه، فقال له جدي: أعطيك من عندي وأمنعك من غيري حاش
لله فحكى له حديث الخراسني فقال له (عليه السلام) ان زهدت
بخدمتنا وأرغبت الرجل فينا قبلنا وأرسلناك فولى الغلام فقال له: انضجع
بطول الصحبة ولك الخير قال: نعم، فقال له: إذا كان يوم القيامة كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنور الله أخذنا لحجرته وكذلك
أمير المؤمنين وكذلك فاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) وكذلك شيعتنا
يدخلون مدخلنا ويردون موردنا ويسكنون مسكننا فقال الغلام: يا مولاي
309

بل أقيم بخدمتك قال اختر ما ذكرت فخرج الغلام إلى الخراساني فقال له
يا غلام قد خرجت إلي بغير الوجه الذي خلت به فأعاد الغلام عليه قول
الصادق (عليه السلام) فقال له: ما تستأذن لي عليه بالدخول فاستأذنه
ودخل عليه وعرفه رشيد ولايته فقبل ولايته وشكر له وامر للغلام بوقته بألف
درهم وقال هذا خيرا لك من مال الخراساني فودعه وسأله ان يدعو له ففعل
بلطف ورفق وبشاشة بالخراساني ثم امر له برزمة عمائم فحضرت وقال
للخراساني خذها فان كل ما معك يؤخذ بالطريق وتبقى معك هذه العمائم
وتحتاج إليها فقبلها وسار فقطع عليه الطريق واخذ كما كان معه غير
العمائم واحتاج إليها فباع منها وتجمل إلى أن وصل إلى خراسان قال
الكرماني حسب مواليهم بهذا الشرف فضلا.
310

الباب الثاني عشر
باب الإمام علي الهادي (عليه السلام)
311

مضي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) يوم الاثنين لخمس ليال
بقيت من جمادى الآخرة سنة أربعة وخمسين ومائتين من الهجرة وكان مولده
في رجب سنة أربعة عشر ومائتين.
وكان عمره أربعين سنة، أقام منها مع أبيه ست سنين وسبعة اشهر
وبعد أبيه ثلاثا وثلاثين سنة وخمسة اشهر.
وكان اسمه عليا.
وكنيته: أبا الحسن لا غير.
ولقبه: الهادي، والعسكري، والعالم، والدليل، والموضح،
والراشد، والسديد.
وأمه سمانة أم ولد وقيل مهر سنة المغربية وليس مهر سنة صحيحا.
وله من الولد: الحسن الامام، ومحمد، والحسين، وجعفر المدعي
الإمامة المعروف بالكذاب المذكور بحديث جعفر الصادق (عليه السلام)
313

ومشهد أبي الحسن بسر من رأى.
قال الحسين بن حمدان، حدثني الحسن بن محمد بن جمهور عن
محمد بن علي، عن الحسن بن علي الوشا عن خزمان الأسباطي قال: قدمت على أبي الحسن، علي بن محمد (عليه السلام) وهو بالمدينة فلما
لقيته قال يا خزمان ما خبر الواثق عندك فقلت خلفته في عافية فقال لي:
ان الناس يقولون إنه مات فقلت له جعلت فداك عهدي به منذ بضعة أيام
سالم قال: ها هنا من يقول إنه مات فلما ذكر ذلك علمت أن الذي يقول
له عنده فقال لي: ما فعل ابنه جعفر قلت خلفته محبوسا قال لي: ما
فعل ابن الزيات قلت: الناس معه والامر امره قال: يا ويله مشؤوم على
نفسه ثم سكت وقال قتل ابن الزيات فقلت متى فقال بعد خروجك بستة
أيام فكان كما قال (عليه السلام).
وعنه عن أبي الحسين بن علي البكا، عن زيد بن علي بن زيد، قال
مرضت مرضا شديدا فدخل علي الطبيب وقد اشتدت بي العلة فاصلح لي
دواء بالليل لم يعلم به أحد وقال خذ تداو فيه مدة عشرة أيام فإنك تتعافى
إن شاء الله تعالى وخرج من عندي نصف الليل وترك الدواء فما بعد عني
الا اتاني نصر غلام أبي الحسن علي (عليه السلام) فاستأذن علي ودخل معه
هاون فيه مثل ذلك الدواء الذي أصلحه الطبيب بتلك الساعة وقال لي
مولاي يقول لك الطبيب استعمل لك دواء مدة عشرة أيام نحن إنما بعثنا
لك هذا الدواء فخذ منه مرة واحدة تبرأ بإذن الله تعالى من ساعتك قال
زيد والله علمت أن قوله حق فأخذت ذلك الدواء من الهاون مرة واحدة
فتعافيت من ساعتي ورددت دواء الطبيب عليه وكان نصرانيا فرآني في صبحة
يومي وسألني مذ رآني معافى من علتي ما كان السبب في عافيتي ولم رددت
عليه الدواء فحدثته عن دواء أبي الحسن ولم اكتم عنه شيئا فمضى إلى أبي
الحسن وأسلم على يده وقال: يا سيدي هذا علم المسيح وليس يعلمه أحد
الا من يكون مثله.
314

وعنه عن أبي بكر الصفار عن أبي الحسن الوشا، عن محمد بن
الله القمي، قال: حملت الطافا من قم إلى سيدي أبي الحسن
(عليه السلام) في وقت وروده من سر من رأى فوردتها واستأجرت لها منزلا
ودخلت أروم الوصول إليه أو بوصول تلك الألطاف التي حملتها واعتذر
بذلك وكلف عجوزا كانت معي في الدار تلتمس لي امرأة أتمتع بها
فخرجت في طلب حاجتي فإذا انا بطارق يطرق الباب فخرجت إليه فإذا انا
بغلام فقلت له: ما حاجتك فقال سيدي أبو الحسن قد شكر لك بالطافك
التي حملتها تريدنا بها فأخرج إلى بلدك واردد الطافك معك واحذر كل
الحذر ان تقيم بسامرا أكثر من ساعة فان خالفت عوقبت فانظر لنفسك
قلت: اي اخرج ولا أقيم فجاءت العجوز ومعها المتعة فأعجبتني فتمتعت
وبت ليلتي وقلت في غد اخرج فلما تولى الليل طرق بابي طارق وقرعه قرعا
شديدا فخرجت العجوز إليهم فإذا بالطائف والحارث وشرطة ومعهم شمع
فقالوا لها: أخرجي إلينا الرجل والامرأة من دارك فجحدتنا فهجموا على
الدار واخذوني والامرأة ونهبوا كلما كان معي من الألطاف وغيرها ورفعت
فقمت بالحبس ستة اشهر فجاء بعض مواليه وقال: حلت بك العقوبة التي
حذرتك منها واليوم تخرج من حبسك وتصير إلى بلدك فأخرجت ذلك اليوم
من الحبس هائما حتى وردت قم فعلمت ان بخلافي لسيدي الهادي التقيت
تلك العقوبة.
وعنه عن محمد بن موسى القمي عن الحسن بن علي الوشا، قال:
دخلت يوما على علي الرضا بن موسى (عليه السلام) فرأيت عنده فوما لم
أرهم ولم أعرفهم وهو يخاطبهم بالسندية مثل زقزقة الزرازير ثم لقيت بعده
صاحبنا أبا الحسن محمدا (عليه السلام) بسامراء وعنده نجار يصلح عتبة
بابه وهو يخاطبه بالسندية كخطاب الزرازير فقلت في نفسي لا إله إلا الله
هكذا كان جده الرضا يخاطب بهذا اللسان فقال أبو الحسن من فرق بيني
وبين جدي انا هو وهو انا والينا فصل الخطاب فقلت جعلت فداءك وما
315

معنى فصل الخطاب قال إجابة كل عن لغته لغة مثلها وجميع ما خلق الله
تعالى.
وعنه عن أبي العباس بن عتاب بن يونس الديلمي، عن علي بن يونس
وكان رجل من عباد الشيعة وصلحائهم زهدا وورعا قال علي بن يونس
حملت الطافا وبزا من قوم من الشيعة وجعلوني رسولهم إلى أبي الحسن
(عليه السلام) بعد وروده من سامراء فلما دخلت سالت عنه فقيل لي هو
مع المتوكل في الحلة فأودعت ما كان معي وصرت إلى الحلة طمعا اني
أراهم فلم أصل إليه ورأيت الناس جلوسا يترقبونه فوقفت على الطريق مع
ذلك الخلق فما لبث ان انصرف المتوكل ومن كان معه واقبل أبو الحسن
(عليه السلام) ومعه غلامه نصر ومن أصحابه جماعة وبني عمه وانا في جملة
الناس فلما صار بإزائي نظر إلي وأشار بيده نحوي وقال كيف كنت في
سفرك احمل الينا الألطاف البز الذي جئت به فقلت لا إله إلا الله عرفني
من كل هذا الخلق العظيم وعلم ما حملته إليه ففكرت فيمن يحمل الألطاف
والبز إليه من حيث لا يعلم بي أحد فأودعتها فصرت إلى الموضع ودخلت
البيت فلم أصادف البز ولا الألطاف فقلت وا أسفاه اي شئ أقول له وقد
سرقت مني فلم اشعر الا وغلامه نصر يدعوني باسمي واسم أبي وهو يقول
يا علي بن يونس علم سيدي ان البز والألطاف له فحملها ورفهك من
حملها فسألته من كان إياها من داخل البيت فقال: سبحان الله تسألنا عما
لم نره ما دخل علينا أحد ولا دخل بيتك أحد.
وعنه عن محمد بن إسماعيل الحسني، عن يزيد بن الحسين بن موسى
قال انفذني سيدي أبو الحسن ورجلين حسنين من بني عمه إلى صاحب
الدار قال: لست أبيعها فرجعنا إليه (عليه السلام) فأخبرناه فلما كان في
غد أمرنا ان نعاوده فقال لنا: لست أبيعها فلما كان اليوم الثالث أمرنا
بمعاودته فعاودناه فقال كم تترددون وما أريد أبيع داري فقال أحد أولاد
عمه الحسني إلى كم يرددنا إلى صاحب الدار ويؤذينا ويتعبنا والرجل ليس
316

يبيع داره فقال يا هذا جرى مجرى آل فرعون فان يك كاذبا فعليه كذبه
وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم فتبين صدقه فجئناه وأخبرناه ان
صاحب الدار قد تبرم وقال كم ترددون وما أريد البيع فقال لنا ارجعوا إليه
فقال بعت الدار واسترحت منكم فعدنا إليه (عليه السلام) فقال قد كذب
ما باعها ولا بد من بيعها وابنيها واسكنها ويولد لي غلاما اسميه حسنا
وارى منه ما أحب قال زيد، فلم نزل نتردد حتى باعنا الدار واشتراها أبو
الحسن وسكنها وكان فيها مولد أبي محمد الحسن الإمام (عليه السلام)
والتحية.
وعنه عن محمد بن إبراهيم الكوفي، قال حدثني أحمد بن الخصيب
بسامرا وقد سألته عن لعن أبي الحسن (عليه السلام) لفارس بن حاتم
ابن ماهويه وكان السبب فيه ان المتوكل بعث في يوم دجن والسحاب يلقي
رذاذا وكان في وقت الربيع من الزمان وقد امر المتوكل فزخرفت داره واظهر
فيها من الجوهر وألوان الطيب وأفضل مما كان يظهر واظهر القينات والمغنين
في ألوان التزيين ووقفوا صفوفا والملاهي على صدورهم وجلس على السرير
ولبس البردة وجعل التاج على رأسه وانفذ رسلا إلى أبي الحسن
(عليه السلام) ودخل معه فارس بن ماهويه وفي يد المتوكل كأس مملوء
خمرا فلما انتهى أبو الحسن إلى داره في المدينة فعلى له رتبة وتطاول إليه
ودعا بسفرة فجعلت مع جانبه واقبل عليه وقال يا ابن العم ما ترى إلى
هذه الدنيا وحسن هذا اليوم واستشعارنا فيه والسرور بك فقال لله وهو غير
باش به وقال إن سروري اتاني بما أطعتني فيه رفعت منزلتك وأطعتك فيما
تحب وافضلت على أهل بيتك ومواليك وكنت لك كنفسك وان خالفتني فيه
حملتني على قطع الرحم بيني وبينك ومعصية الله فيك وقصد أهلك ومواليك
بما لا تحبه فاختر أي الحالتين شئت وأرجو ان لا تخالفني ثم خلف له بغليظ
الايمان المؤكدة لينفي له ما سمعه منه فقال أبو الحسن (عليه السلام) هذه
تباشر خير سنة شر لا خير فيه فقال الله الكافي فقال المتوكل: للمغنين غنوا
317

واضربوا بالملاهي وغنوا واشربوا وشرب المتوكل فقال للخادم هاته في كأس
خمر وادفعه إليه واقبل المتوكل على أبي الحسن وقال قد سمعت مأمون الايمان
وأنابها أسألك ان تشرب هذا الكاس فقال له أبو الحسن استغفر الله من
الشيطان الرجيم فأخاف الله وأخشاه فاني لا ابدل طاعتك في معصية الله
فغضب المتوكل غضبا شديدا ثم قال يا أبا الحسن أطلقت لك سفك دمك
ودم أهلك ومواليك بالرامي حتى أجعلكم نسيا منسيا فقال له أبو الحسن لا
غير ولم يجب بغيظ وأتى بالسيف فقال أبو الحسن: هات الكاس والسيف
بيده ليعلوه به فطرح السيف من يده وناوله الكاس بيده الأخرى فاخذه أبو
الحسن وهو يقول الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ثم شرب الكاس
ونهض فضحك المتوكل وقال للخادم هلمه واسق فارس بن ماهويه فاخذ
فارس الكاس فشربه وخرج مع أبي الحسن فقال المتوكل لا يسير ابن
عمي في هذا المطر إلا راكبا فقدموا إليه الطيارة ليفعلوا ذلك
فجلس (عليه السلام) ومعه فارس فلما سار الطيار كشف أبو الحسن
استاره وأمر فارس فعل مثل ذلك فقال له يا فارس ورأسه مدلى على
الماء فانظر إلى الكاس الذي شربته انا ثم مجه من فيه في الماء فإذا هو يجري
مع الطيار لا يختلط بالماء ولا ينقطع فقال له خذه يا فارس بيدك واشتمه
وذقه فمد فارس يده واخذه من الماء واشتمه وذاقه فوجده عسلا ومسكا
فقال له: خله من يدك فخلاه فقال له: مج مع الماء ما شربت أنت فمج
فارس في الماء فسار مع الطيار ولم ينقطع ولم يختلط بالماء فقال خذ بيدك
وأشتمه فاخذه بيده واشتمه فقال له ما هو قال يا مولاي خمرا قال له ويحك
يا فارس حين لم تستأذننا بلسانك ولا بطرفك ما تناجينا بقلبك فيعصمه منه
كما عصمت انا فكان هذا أول ما أنكره على فارس.
وعنه عن أحمد بن مالك القمي، عن فارس بن ماهويه، قال: بعث
المتوكل إلى سيدنا أبي الحسن (عليه السلام) ان اركب وأخرج معنا إلى
الصيد لنشاركك فقال للرسول قل له اني راكب فلما خرج الرسول قال
318

كذب ما يدري غير ما قال قلنا يا مولانا فما الذي يريد قال فما يظهر ما
يريده بما يعيده من الله وهو يركب في هذا اليوم ويخرج إلى الصيد فيه همه
جيشه على القنطرة في النهر فيعبر سائر العسكر ولا تعبر دابتي وارجع
فيسقط المتوكل عن فرسه وتزيل رجله فتوهن يده ويمرض شهرا قال فارس
فركب سيدنا على ركوبه مع المتوكل قال له يا ابن عمي فقال نعم وهو سائر
معه في ورود النهر والقنطرة فعبر سائر الجيش وتشعثت القنطرة وانهدمت
ونحن في أواخر القوم مع سيدنا وارسل الملك تحته فلما وردنا النهر والقنطرة
فامتنعت دابته ان تعبر وعبر سائر الجيش ودوابنا واجتهدت رسل المتوكل في
دابته ولم تعبر وبعد المتوكل فلحقوا به ورجع سيدنا فلم يمض من النهار
ساعة حتى جاء الخبر ان المتوكل سقط عن دابته وزالت رجله وتوهنت يده
وبقي عليلا شهرا وعتب على أبي الحسن فقال أبو الحسن: ما رجع الا
فزع لا تصيبه هذه السقطة عليه وإنما رجعنا غصب عنا لا تصيبنا هذه
السقطة فقال أبو الحسن: صدق الملعون وأبدى ما كان في نفسه.
وعنه عن أبي الجواري، عن عبد الله بن محمد، قال: حدثني
محمد بن أحمد الخصيبي وهو غير أحمد بن الخصيب قال ورد على المتوكل
رجل من الهند شعبذي يلعب الحفة فلعب بين يدي المتوكل بأشياء ظريفة
فكثر تعجبه منها فقال للهندي يحضر عندنا الساعة رجل والعب بين يديه
فكلما تحسن اقصده وخجله فحضر سيدنا أبو الحسن (عليه السلام) فلعب
الهندي وهو ينظر إليه والمتوكل يعجب من لعبة حتى تعرض الهندي لسيدنا
وقال مالك أيها الشريف لا تهش للعبي أظنك جائعا وصاح وضرب على
صدره بالسبابة وقال ارتفع واراهم انها رغيف خبز وقال: امض إلى هذا
الجائع يأكل ويشبع ويفرح بلعبي فوضع سيدنا أبو الحسن إصبعه على
صورة سبع في البساط وقال: خذه فوثب من الصورة سبع عظيم وابتلع
الهندي ورجع إلى صورته في البساط فسقط المتوكل لوجه وهرب كل من
كان قائما وقد أثاب عقله وقال: يا أبا الحسن رد الرجل فقال له أبو الحسن
319

(عليه السلام) ان ردت عصا موسى أرده ونهض.
وعنه عن أحمد بن سعد الكوفي وأحمد بن محمد الحجلي قال دخلنا على
سيدنا أبي الحسن (عليه السلام) في جماعة من أوليائه وقد أظهرنا مسالة
عن الحق من بعده فان بعضهم ذكروا ابنه جعفر مع سيدنا أبي محمد
الحسن (عليه السلام) قال: فاذن لنا فدخلنا وجلسنا فأمهلنا قليلا ثم رمى
الينا تفاحة وقال خذوها بأيديكم فاخذناها فقال قولي لهم يا تفاحة بما دخلوا
يسألونني عنه فنطقت التفاحة وقالت: اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا
رسول الله وان عليا أمير المؤمنين وصيه وان الأئمة منه إلى سيدنا أبي
الحسن علي تسعة وان الامام بعده سيدنا أبو محمد الحسن وان المهدي سمي
جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكناه وصاح بنا فأكثروا من ذكر الله
وحمده على ما هداكم إليه وإياكم جعفر فإنه عدو لي ولو كان ابني وهو عدو
لأخيه الحسن وهو امامه وان جعفر يدل من بعده على أمهات الأولاد
فسلمهم إلى الطاغية ويدعي انه الحق وهو المعتدي جهلا ويله من جرأته على
الله فلا ينفعه نسبه مني قال فخرجنا جميعا وما عندنا شك بعد الذي سمعناه
وسألتهم عن التفاحة ما فعلت بعد ذلك القول وقد اخذها سيدنا منا
وخرجنا وهي في يده.
وعنه عن عبد الله بن جعفر، عن المعلى بن محمد قال: قال الحسن
علي بن محمد (عليه السلام) ان هذا الطاغية يبني مدينة يقال لها: سامرا
يكون خلفه فيها ما يدانيه المسمى بالمنتصر وأعوانه عليه الترك قال:
وسمعت اسم الله على ثلاثة وسبعين حرفا وإنما كان عند آصف بن برخيا
حرف واحد فتكلم به فخرقت له الأرض ما بينه وبين سبا فتناول عرش
بلقيس فأحضره إلى سليمان بن داود قبل ان يرتد إليه طرفه ثم سقط على
الأرض في أقل من طرفة عين وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا والحرف
الذي كان عند آصف ابن برخيا اتى إليه رجل من شيعته من المدائن عن
ثني المتوكل وكتب إليه: (بسم الله الرحمن الرحيم تزرعون سبع سنين دأبا فما
320

حصدتم فذروه في سنبله الا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع
شداد يأكلن ما قدمتم لهن الا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام
فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) فقتل في خمسة عشر سنة ثم أمر المتوكا،
الجعفري وما امر به بني هاشم وغيرهم الانباء ما تحدث به وجه إلى أبي
الحسن بثلاثين ألف درهم وأمره يستعين بها على بناء داره فركب المتوكل
يطوف على الأبنية فنظر إلى دار أبي الحسن لم ترتفع الا قليلا فقال لعبد الله
ابن خاقان علي يمينا ان ركبت ولم ترتفع دار أبي الحسن لأضربن عنقه فقال
له عبد الله يا أمير المؤمنين أسعى له في إضافة وامر له بعشرين ألف درهم
فوجهها إليه مع ابنه احمد إلى أبيه عبد الله فعرفه ذلك فقال عبد الله فليس
والله يركب فلما كان يوم الفطر من السنة التي امر بني هاشم بالترجل والمشي
بين يديه وإنما أراد بذلك أبا الحسن فرجل بني هاشم وترجل أبو الحسن
(عليه السلام) فاتى على رجل من مواليه فاقبل عليه الهاشميون فقالوا: يا
سيدنا ما في العالم يدعوا الله فيكفينا مؤونته فقال أبو الحسن: ما في هذا
العالم قلامة ظفر أكرم على الله من خناقة ثمود لما عقرت وضج الفصيل إلى
الله فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب فقتل المتوكل في
الثلاثة أيام وروي انه أجهدهم في المشي ثم إنه قد قطع الرحم فقطع الله
اجله ومضى المتوكل في ربع يوم من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين في
سبعة وعشرين من امامة أبي الحسن وتولى الله محمد بن جعفر المنتصر فكان
من حديثه مع أبي الحسن ومع جعفر بن محمد ما رواه الناس وكان ملكه
ستة اشهر وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين وتولى احمد
ابن المستعين إمامته فكانت أيامه أربع سنين وشهر ثم خلع وقبض المعتز
وهو الزبير في سنة اثنين وخمسين ومائتين وذلك في سنة من امامة أبي
الحسن (عليه السلام) واعتل أبو الحسن في سنة أربع وخمسين واحضر ابنه
أبا محمد الحسن (عليه السلام) وسلم إليه النور والحكمة ومواريث الأنبياء
والأوصياء ومضى في تلك العلة ونبوته أربعون سنة وكان مولده في شهر
رجب سنة أربع عشرة ومائتين من الهجرة وأقام مع أبيه ست سنين ومنفردا
321

بالإمامة ثلاثا وثلاثين سنة وستة أشهر.
وعنه عن الحسن بن مسعود وعلي وعبيد لله الحسني قال دخلنا على
سيدنا أبي الحسن (عليه السلام) بسامرا وبين يديه أحمد بن الخصيب
ومحمد وإبراهيم الخياط وعيونهم تفيض من الدمع فأشار الينا
(عليه السلام) بالجلوس فجلسنا وقال هل علمتم ما علمه اخوانكم فقلنا
حدثنا منه يا سيدنا ذكرا قال: نعم، هذا الطاغي قال مسمعا لحفدته
وأهل مملكته تقول شيعتك الرافضة ان لك قدرة والقدرة لا تكون الا لله
فهل تستطيع ان أردت سوءا تدفعه فقلت له (وان يمسك الله بسوء فلا
كاشف له الا هو) فأطرق ثم قال إنك لتروي لكم قدرة دوننا ونحن أحق به
منكم لأننا خلفاء وأنتم رعيتنا فأمسكت عن جوابه لأنه أراد يبين جبره بي
فنهضت فقال لتقعدن وهو مغضب فخالفت أمره وخرجت فأشار إلى من
حوله الآن خذوه فلم تصل أيديهم إلي وامسكها الله عني فصاح الآن قد
أريتنا قدرتك والآن نريك قدرتنا فلم يستتم كلامه حتى زلزلت الأرض
ورجفت فسقط لوجهه وخرجت فقلت في غد الذي يكون له هنا قدرة
يكون عليه الحكم لا له فبكينا على امهال الله عليه وتجبره علينا وطغيانه فلما
كان من غد ذلك اليوم فاذن لنا فدخلنا فقال هذا ولينا زرافة يقول إنه قد
اخرج سيفا مسموما من الشفرتين وأمره ان يرسل إلي فإذا حضرت مجلسه
أخلي زرافة لامته مني ودخل إلي بالسيف ليقتلني به ولن يقدر على ذلك
فقلنا يا مولانا اجعل لنا من الغم فرجا فقال انا راكب إليه فإذا رجعت
فاسألوا زرافة عما يرى قال: وجاءته الرسل من دار المتوكل فركب وهو
يقول إن كيد الشيطان كان ضعيفا ولم نزل نرقب رجوعه إلى أن رجع
ومضينا إلى زرافة فدخلنا عليه في حجرة خلوته فوجدناه منفردا بها واضعا
خده على الأرض يبكي ويشكر الله مولاه ويستقيله فما جلس حتى اتينا إليه
فقال لنا: اجلسوا يا إخواني حتى أحدثكم بما كان من هذا الطاغي ومن
مولاي أبي الحسن فقلنا: له: سرنا سرك الله فقال إنه اخرج إلي سيفا
322

مسموم الشفرتين وأمرني ليرسلني إلى مولاي أبي الحسن إذا خلا مجلسه فلا
يكون فيه ثالث غيري واعلو مولاي بالسيف فاقتله فانتهيت إلى ما خرج به
امره إلي فلما ورد مولاي للدار وقفت مشارفا فاعم ما يأمر به وقد أخليت
المجلس وأبطأت فبعث إلي هذا الطاغي خادما يقول امض ويلك ما امرك
به فأخذت السيف بيدي ودخلت فلما صرت في صحن الدار ورآني مولاي
فركل برجله وسط المجلس فانفجرت الأرض وظهر منها ثعبان عظيم فاتح
فاه لو ابتلع سامرا ومن فيها لكان في فيه سعة لا ترى مثله فسقط المتوكل
لوجهه وسقط السيف من يده وانا أسمعه يقول يا مولاي ويا ابن عمي أقلني
أقالك الله وانا اشهد انك على كل شئ قدير فأشار مولاي بيده إلى الثعبان
فغاب ونهض وقال ويلك ذلك الله رب العالمين فحمدنا الله وشكرناه.
وعنه قال: حدثني أبو جعفر محمد بن الحسن، قال: اجتمعت عند
أبي شعيب محمد بن نصير البكري النميري وكان بابا لمولانا الحسن وبعده
رأى مولانا محمدا (عليهما السلام) من بعد عمر بن الفرات وكان معنا
محمد بن جندب وعلي بن أم الرقاد وفازويه الكردي ومحمد بن عمر
الكاتب، وعلي بن عبد الله الحسني وأحمد بن محمد الزيادي ووهب ابنا
قارن فشكونا إلى أبي شعيب وقلنا ما ترى إلى ما قد نزل بنا من عدونا
هذا الطاغي المتوكل على سيدنا أبي الحسن (عليه السلام) وعلينا وما نخافه
من شره وانفاذه إلى إبراهيم الديدج بحفر قبر أبي عبد الله الحسين بن علي
(عليه السلام) بكربلاء فقال أبو شعيب الساعة تجيئكم رسالة من مولاي
أبي الحسن وترون فيها عجبا يفرح قلوبكم وتقر عيونكم وتعلمون انكم
الفائزون فما لبثنا ان دخل علينا كافور الخادم من دار مولانا أبي الحسن
(عليه السلام) وقال يا أبا شعيب مولاي يقول لك قد علمت اجتماع
اخوانك عندك الساعة وعرفت شكواهم إليك فيكونوا عندك إلى أن يقدم
رسولي بما تعمل فقال أبو شعيب سمعا وطاعة لمولاي فأقمنا عنده نهارنا
وصلينا العشائين وهدت الطرق فقال أبو شعيب: خذوا هبتكم فان
323

الرسول يجيئكم الساعة فما لبثنا ان وافى الخادم فقال: يا أبا شعيب خذ
اخوانك وصربهم إلى مولاك فصرنا إليه فإذا نحن بمولانا أبي الحسن
(عليه السلام) قد اقبل ونور وجهه أضواء من نور الشمس فقال لنا نعمتم
بياتا فقلنا يا مولانا لله الشكر ولك فقال: كم تشكون إلي ما كان من تمرد
هذا الطاغي علينا لولا لزوم الحجة وبلوغ الكتاب اجله ليهلك من هلك
عن بينة ويحيى من حي عن بينة ويحق كلمة العذاب على الكافرين لعجل
الله ما بعد عنه ولو شئت لسألت الله الكنال الساعة ففعل وسأريكم ذلك
ودعا بدعوات فإذا بالمتوكل بينهم مسحوبا يستقيل الله ويستغفره مما بدا منه
من الجرأة.
324

الباب الثالث عشر
باب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
325

مضى أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وله سبع
وعشرون سنة يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين
ومائتين من الهجرة.
وكان مولده في مدينة الرسول في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وكان مقامه
مع جده وأبيه احدى وعشرين سنة وثمانية اشهر وثلاثة عشر يوما، وبعد
أبيه خمس سنين وثلاثة اشهر وسبعة عشر يوما.
وولد له الخلف الإمام الثاني عشر صاحب الزمان (عليه السلام) يوم
الجمعة طلوع الفجر لثمان ليال خلت من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين
من الهجرة قبل مضي أبيه بسنتين وسبعة اشهر.
وكان اسمه الحسن، وكنيته أبو محمد لا غير.
ولقبه: الصامت، والشفيع، والموفي، والزكي، والتقي، والنقي،
والسخي، والمستودع.
واسم أمه حديث، وقيل: غزالة المغربية، وليس غزالة اسما مثبوتا.
327

ومشهده بداره إلى جانب مشهد أبيه (عليهما السلام)، وله من
البنات: فاطمة ودلالة، واسم الخلف المهدي الثاني عشر محمد بن
الحسن، والحمد، والحامد، والحميد، والمحمود.
وكناه أبو القاسم وأبو جعفر.
وروي ان له كني الأحد عشر اماما من آبائه إلى عمه الحسن ابن علي
(عليه السلام).
ومن لقبه: المنتقم، وصاحب الرجعة البيضاء، والكرة الزهراء،
والقابض، والباسط، والساعة، والقيامة، والوارث، والكاسر،
والجابر، وسدرة المنتهى، والغاية القصوى، وغاية الطالبين، وفرج
المؤمنين، ومنية الصابرين، والمحيط بما لم يعلن، وكاشف الغطاء
والمجازي بالاعمال ومن لم يجعل الله له من قبل سميا (اي شبيها)، ودابة
الأرض، واللواء الأعظم، واليوم الموعود، والداعي إلى شئ نكر،
ومظهر الفضائح، ومبلي السرائر، ومبدي الآيات، وطالب الثارات،
والفرج الأعظم، والصبح المسفر، وعاقبة الدار، والعدل، والقسط،
والأمل، والمحسن، والمنعم، والمفضل، والسناء، والضياء، والهناء،
والحجاب، والحق، والصدق، والصراط، والسبيل، والعين الناظرة،
والاذن السامعة، واليد الباطشة، والجنب، والجانب، والوجه،
والعين، والنفس، واليمين، والأيد، والتأييد، والنصر، والفتح،
والقوة، والعزة، والقدرة، والكمال، والتمام.
وأمه: صقيل، وقيل: نرجس. ويقال: سوسن، ويقال: مريم
ابنة زيد أخت حسن، ومحمد بن زيد الحسيني الداعي بطبرستان وان التشبيه
وقع على الجواري أمهات الأولاد، والمشهور والصحيح: نرجس فهذا من
دلائله (عليه السلام).
قال الحسين بن حمدان الخصيبي: حدثني الحسن بن محمد بن يحيى
328

الخرقي ببغداد في الجانب الشرقي في الخطابين في قطيعة مالك قال: كان
أبي بزازا من أهل الكرخ، وكان يحمل المتاع إلى سامرا، ويبيع بها ويعود
إلى بغداد فلما نشأت وصرت رجلا جهز لي أبي متاعا وأمرني بحمله إلى
سامرا وضم إلي غلاما كان لنا وكتب إلى صديق له كان بزازا من أهل
سامرا وقال انظر إلى من هو منهم صاحب طاعة كطاعتك لي وقف عند
امره ولا تخالفه واعمل بما يرسمه لك واكد علي بذلك وخرجت إلى سامرا
فلما وصلت إليها صرت إلى البزاز وأوصلت كتاب أبي إليه فدعا لي حانوتا
وأمرني الرجل الذي امرني أبي بطاعته أن أحمل المتاع من السقيفة إلى
الحانوت ففعلت ذلك ولم أكن دخلت سامراء قبل ذلك اليوم انا وغلماني
أمير المتاع وأعاينه حتى جاءني خادم فقال يا أبا الحسن محمد بن يحيى
الخرقي أجب مولاي ورأيته خادما جليلا فرهبته وقلت: ما أعلمك بكنيتي
واسمي ونسبي وما دخلت هذه المدينة الا في يومي هذا وما يريد مولاي
مني فقال: قم عافاك لا تخف ما ها هنا شئ تخافه ولا تحذره فذكرت قول
أبي وما امرني به من مشاورة ذلك الرجل والعمل بما جاءني رسمه وكان
جاري وبجانب حانوتي فقمت إليه وقلت يا سيدي جاءني خادم جليل
فسماني وكناني وقال لي أجب مولاي فوجب الرجل من حانوته وقال لي: يا
بني اطرح عليك ثوبك واسرع معه ولا تخالف ما تؤمر به ولا تراجع فيه
واقبل كلما يقال لك فقلت في نفسي: هذا من خدم السلطان أو أمير أو
وزير قلت للرجل انا ابتعت السعر ومتاعي مختلط ولا أدري ما يراد مني
فقال: الست يا بني وامض مع الخادم وكلما يقال لك، قل نعم،
فمضيت مع الخادم وانا خائف حتى انتهى بي إلى باب عظيم ودخل من
دهليز إلى دهليز ومن دار إلى دار حتى تخيل لي انها الجنة ثم انتهيت إلى
شخص جالس على بساط اخضر فلما رأيته انتفضت وداخلني منه هيبة
ورهبة والخادم يقول ادن مني حتى قربت منه فأشار إلي بالجلوس فجلست
وما أملك عقلي فأمهلني حتى سكنت وقال: احمل الينا الحبرتين اللتين في
متاعك رحمك الله ولم أكن والله أعلم ان معي حبرا ولافقت عليهما فكرهت
329

ان أقول ليس معي حبرا فأخالف ما وصاني به الرجل وخفت ان أقول نعم
فاكذب فتحيرت وانا ساكت فقال قم يا محمد إلى حاديك وعد ستة اسفاط
من متاعك وافتح السفط السابع واعزل الثوب الأول الذي تلقاه بأوله وخذ
الثوب الثاني فافتح وخذ الحبرة التي في طيه وفيها رقعة في ثمن الحبرة وما
رسم لك فيها من الربح وهو في العشرة اثنان والثمن اثنان وعشرون دينارا
واحد عشر قيراطا وحبة وانشر الرزمة العظمى في متاعك فعد منها ثلاثة
أثواب وافتح الثوب الرابع فإنك تجد في طيه حبرة في طيها رقعة الثمن
تسعة عشر دينارا، وتسع قراريط وحبتان الربح العشرة اثنان فقلت:
نعم، ولا علم لي بذلك فوقفت عند قيامي بين يديه فمشيت القهقري ولم
أول ظهري اجلالا واعظاما وانا لا اعرفه فقال لي الخادم، ونحن في
الطريق طوبى لك لقد أسعدك الله بقدومك فلم أغير قولي نعم وصرت إلى
حانوتي ودعوت الرجل وقصصت عليه قصتي وما قال لي فوضع خده
للأرض وبكى وقال قولك يا مولاي حق فعلمه من علم الله وقام إلى
الأسفاط والرزم واستخرج الحبرتين وأخرج الرقعتين فوجدنا رأس المال
والربح موضوحا في طي الحبرتين كما قال (عليه السلام) فقلت يا عم اي شئ
هذا الانسان كاهن أو حاسب أو مخدوم فبكى وقال يا بني لم تخاطب بما
خوطبت به الا لان لك عند الله منزلة وسيعلم من لا يعلم فقلت يا عم ما
لي قلب ارجع إليه قال ارجع فرجعت فسكن ما في قلبي وقوي مشيي وانا
معجب من نفسي إلى أن قربت من الدار فقال: انا منتظرك إلى أن تخرج
فقلت يا عم اعتذر إليه، وأقول: اني لم اعلم بالحبرتين قال: لا بل تقعد
كما قيل لك فدخلت ووضعت الحبرتين بين يديه فقال لي: اجلس فجلست
وانا لا أطيق انظر إليه اجلالا واعظاما له، فقال للخادم، خذ الحبرتين
منه فاخذهما ودخل فضرب بيده إلى البساط وقبض قبضة وقال هذا ثمن
حبرتيك وربحهما امض راشدا وانا لم أر شيئا على البساط وإذا اتاك رسولنا
فلا تتأخر عنا فاخذته في طرف ملاءتي وإذا هي دنانير وخرجت فإذا بالرجل
فقال هات حدثني فأخذت بيده وقلت يا عم الله الله فما أطيق أحدثك بما
330

رأيت فقبض قبضة دنانير وأعطاني إياها وقال هذا ثمن حبرتيك وربحهما
فوزناه وحسبناه فكان كما قال لا زاد حبة ولا نقص حبة قال يا بني تعرفه
قلت لا يا عم فقال: هذا مولانا أبو محمد الحسن بن علي حجة الله على
خلقه فهذه أول دلالة رأيتها منه (عليه السلام).
وعنه عن أبي الفضل محمد بن علي بن عبد الله الحسيني المعروف بباعر
قال خرجت من الكوفة إلى زيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ليلة
النصف من شعبان سنة ثمان وخمسين ومائتين وقد عرفت ولادة المهدي
(عليه السلام) وان الشيعة تتضرع إلى الله في المشاهدة وبحمده وشكره
على ولادته فقالت لي أمي: وكانت مؤمنة يا بني اسال الله عند قبر سيدنا
أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ان يرزقك خدمة مولانا أبي محمد
الحسن بن علي العسكري (عليهم السلام) كما رزق أباك علي بن عبد الله
قال أبو الفضل: فلم أزل اسال الله وأتوسل بابي عبد الله الحسين إلى أن
رزقني منزلة أبي من سيدنا أبي محمد الحسن (عليه السلام) قال فلما كان في
وقت السحر بليلة النصف من شعبان جاءني خادم وقد طرحت نفسي على
شاطئ الحير من شدة التعب والقيام فجلس الخادم عند رأسي وقال لي يا أبا
الفضل محمد بن علي مولاي أبو محمد الحسن قد سمع دعاءك فصر الينا
مخلصا بما تنطقه وبما سالت فقلت له ما اسمك قال سرور فقلت يا سرور
وما انا على هيئة وما معي ما ينهض إلى العسكر حتى أرجع إلى الكوفة
وأصلح شأني وأحصل فقال قد بلغتك الرسالة فافعل ما ترى فرجعت على
الزيارة إلى الكوفة وعرفت أمي بما من الله علي بما قاله الخادم وشكرت الله
وحمدته فقالت: يا بني قد أجاب الله دعاءك ودعائي لك فقم ولا تقعد
فأصلحت شاني وخرجت ومعي علي الذهبي من سوق الصاغة بالكوفة
ووصته بي خيرا وأمرته قبل يدي لأني كنت حدثا فخرجنا من الكوفة إلى
بغداد ووقف اني نزلت على عم لي حبيس وكانت ليلة الشعانين
فدعوني إلى أن خرجت معهم إلى الشعانين وصاروا بي إلى دار الروميين
331

ودخلوا إلى دار الخمار وهو من بعض النصارى واحضروا طعاما فأكلت
معهم وابتاعوا خمرا وسألوني ان اشرب معهم فلم افعل وغلبوا على رأيي
وسقوني فشربت وجاؤوا بغلمان حسان فحملوني ان افعل كما فعلوا فزين
لي الشيطان سوء عملي ففعلت وأقمت أياما ببغداد وخرجت إلى العسكر
فوردتها وأفضت علي الماء من الدجلة ولبست ثيابا طاهرة وصرت إلى
المسجد الذي على باب سيدي أبي محمد الحسن (عليه السلام) وفيه قوم
يصلون فصليت معهم ودخلت فإذا انا بسرور الخادم قد دخل المسجد
فقمت مسرورا إليه فوضع يده بصدري ودفعني عنه ثم قال لي هاك وطرح
بيدي دنانيرا وقال لي: مولاي يقول لك ويأمرك ان لا تصير إليه فتقدم من
وصولك ببغداد وأرجع من حيث جئت وهذه نفقتك من دارك بالكوفة
وإليها راجعا إلى ما نفقته في دار الروميين فرجعت باكيا إلى بغداد ومنها إلى
الكوفة وأخبرت والدتي بما كان مني وكلما نالني ولم أخف منه شيئا والذهبي
حسبما اتفقنا فوجدنا الذي أعطانا إياه الخادم لا يزيد حبة ولا ينقصن حبة
الا دينارين وزنتها في دار الروميين فلبست الشعر وقيدت رجلي وغللت
يدي وحبست نفسي إلى أن توفي أبو محمد الحسن (عليه السلام) بيوم
الجمعة لثمان ليال خلت من ربيع الأول سنة ستين ومائتين ثم أطلقت
نفسي بعد ذلك فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أحمد بن سند ولا والعباس التبان الشيبين قال: تشاجرنا
ونحن سائرون إلى سيدنا أبي محمد الحسن (عليه السلام) بسامرا في
الصلاة وفي الخبر المروي عن السجود على سبع أعضاء اليدين والركبتين
والقدمين والوجه دون الانف فصرنا نلتمس الاذن فصادفنا ركوبه إلى دار
أبي بحير، وقفنا في الشارع فلما طلع علينا بوجهه الكريم نظر إلينا فعلمنا
ما يريدنا به ثم وضع سبابته اليمنى على جبهته دون انفه وقال هو على هذه
دون هذا وانفذ إصبعه من جبهته إلى انفه قال وتشاجرنا في اكل اللحم فلم
نستنم كلامنا حتى دخل علينا لؤلؤ الخادم فاخذ لحم غنم واكتنفنا وقال
332

مولاي يقول لكم لحم المقرن أقرب مرعى وابعد من الداء ولحم الفخذ
منعا نصحا منه فعلمنا ان سيدنا (عليه السلام) علم بتشاجرنا فأطلق لنا
أكله وهذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن جعفر بن محمد بن إسماعيل الحسيني، قال: دخلت على
سيدنا أبي محمد الحسن (عليه السلام) انا وعلي بن عبيد الله، وبين يديه
محمد بن ميمون الخراساني، ومحمد بن يحيى الخرقي وعبد الحميد بن
محمد، وعقيل بن يحيى، وبين يديه نخلة فيها ثمر بغير أوانه فقال: اغسلوا
أيديكم وسموا على طعامكم ومن يسمى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
والأئمة (عليهم السلام) إذا حضروا الطعام فلا يمد الناس أيديهم إليه
حتى يمد صاحب الوقت يده ويضعها في الطعام، فإذا فعل ذلك مد الناس
أيديهم فترفعنا وقلت: في نفسي فما بال سيدي لم يمد يده حتى نمد أيدينا
بعده ونأكل من هذا الثمر فانا نشك انه من تمر الجنة، فعلم ما في نفسي
فقال لي: يا أبا جعفر كل طعام المؤمنين حلال ولم امسك يدي لا لحضور
قوم من اخوانكم من الجن باعدادكم قد جلسوا معكم وقد أمرتكم به وها
انا أمد يدي فمدوا أيديكم فمددنا أيدينا واكلنا ونحن ننظر إلى مواضع
أيدي إخواننا من الجن فنرى يؤخذ من الثمر مثلما نأخذ بالسوية ولا نرى
أيديهم فقلت في نفسي لو شاء مولاي لكشف لنا عنهم حتى نراهم كما
يروننا، فقال: حيوا بغمي وقرة عيني أبي جعفر ثم مد يده ومر على أعيننا
فكان بيننا وبينهم سدا ثم كشف عن أعيننا وتجلت فأردنا ان نعتنقهم فقال
لنا حرمة الطعام أوجب فقد بدأتم به فإذا قضيتم أريك منه فافعلوا
بإخوانكم ما تشاؤون فلبثنا ننظر إليهم شحب الألوان نحل الأبدان غاضين
أعينهم يتكلمون خفاتا وأعينهم ترغرغ بالدمع فقلنا يا سيدنا الجن بهذه
الصورة كلهم فقال: لا فيهم ما فيكم واما هؤلاء فاسألوهم فإنهم لا
يطعمون طعاما ولا يشربون شرابا الا في وقت قيام نبي أو وصي فيأمرهم
فيأكلون طاعة له لا رغبة في الطعام والشراب وقد صرفوا أنفسهم لله
333

وأشغلتهم الرهبة والخوف من الله عن الطعام والشراب فصارت صورهم
كما ترون فقلنا يا سيدنا لقد أقررت أعيننا بالنظر إلى إخواننا هؤلاء من الجن
فقال الآن قد قبلت اعمالكم عندنا وعلمنا ان لله عبادا مكرمون فوقنا في
درجات الله في طاعته، قال: لمواليكم من اخوان الجن كالخرس لا ينطقون
نطقة ولا برمقة عيوننا حتى اذن لهم فكان الستر بيننا وبينهم قد اسبل على
أعيننا فقمنا ونحن نشكر الله ونحمده على ما فضلنا به فكان هذا من دلائله
(عليه السلام).
وعنه عن موسى بن مهدي الجوهري، قال: دخلت على مولاي أبي
محمد الحسن (عليه السلام) بالعسكر فقلت له يا مولاي هذه سنة خمس
وخمسين وقد أخبرتنا بولادة مهدينا فهل يوقت لها، وقت نعلمه قال: السنا
قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب فنخرج ما علمنا منه إليكم فيسمعه
من لا يطيق استماعه فيكفر فقلت: يا مولاي أرجو ان أكون ممن لا يكفر
قال: يولد قبل طلوع الفجر بيوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان
سنة سبعة وخمسين ومائتين وأمه نرجس وانا اقبله وحكيمة عمتي تحضنه
فقلت لك: الحمد، والشكر، يا مولاي إذ جعلتني اهلا لعلم ذلك فلم
أزل وجماعة علمت منه نرقب الوقت ونعد الأيام حتى ولد كما قال لا زود
ولا نقص وأمه نرجس وقبله في ولادته وعمته حكيمة ابنة محمد بن علي
(عليهما السلام) حضنته فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن جعفر بن محمد القصير البصري، قال: حضرنا عند سدنا أبي
محمد (عليه السلام) المكنى بالعسكري فدخل عليه خادم من دار السلطان
جليل القدر، فقال له أمير المؤمنين: يقرئك السلام ويقول لك: كاتبنا
انوش النصراني وقيل: اليهودي يطهر ابنين له وقد سألنا ان نركب إلى
داره وندعو لابنيه بالسلامة والبقاء فوجب ان نركب ونفعل ذلك فانا لم
نحمل هذا الفئ الا ان قال: لنتبارك ببقايا النبوة والرسالة، فقال
مولانا: الحمد لله الذي جعل اليهود والنصارى اعرف بحقنا من المسلمين
334

ثم أسرجوا الناقة فركب وورد إلى دار انوش فخرج مكشوف الرأس حافي
القدم وحوله القسيسون والشمامسة والرهبان وعلى صدره الإنجيل وتلقاه
على باب داره وقال: يا سيدنا أتوسل إليك بهذا الكتاب الذي أنت أعلم
به مني أم عرفت ديني فهو غناك والمسيح عيسى بن مريم وما جاء به هذا
الإنجيل من عند الله الا ما سالت أمير المؤمنين مسألتك هذه فما وجدناكم
في هذا الإنجيل الا مثل عيسى المسيح عند الله فقال مولانا
(عليه السلام): الحمد لله ودخل على فراشه والغلمان على منصبه وقد قام
الناس على اقدامهم فقال اما ابنك هذا فباق عليك والآخر مأخوذ منك بعد
ثلاثة أيام وهذا الباقي عليك يسلم ويحسن اسلامه ويتولانا أهل البيت فقال
انوش: والله يا سيدي قولك حق ولقد سهل علي موت ابني هذا لما عرفتني
ان ابني هذا يسلم ويتوالى أهل البيت، فقال له القسيس: وأنت مالك لا
تسلم فقال له انوش: انا مسلم ومولاي يعلم هذا فقال مولانا صدق
انوش ولولا يقول الناس، انا ما اخبر لما أخبرتك بموت ابنك ولو لم يمت
كما أخبرتك لسألت الله يبقيه عليك فقال انوش لا أريد يا مولاي الا كما
تريد، قال جعفر بن أحمد القصير مات والله ذلك الابن لثلاثة أيام واسلم
الاخر بعد ستة أيام ولزم الباب ولزم الباب معنا إلى وفاة سيدنا الحسن
(عليه السلام).
وعنه عن أبي الحسن عاصم الكوفي وكان محجوبا قال: دخلت على أبي
محمد الحسن (عليه السلام) بالعسكر فطرقت شيئا ناعما فقلت مولاي: ما
هذا فقال يا عاصم أنت على بساط قد جلس عليه ووطئه كثير من المرسلين
والنبيين والأئمة الراشدين فقلت: يا مولاي لا تخففت بخف ولا تنعلت
بنعل ما دمت في الدنيا اعظاما لهذا البساط فقال: يا علي ان هذا الذي
منه الخف جلد ملعون نجس رجس لم يقر بإمامتنا ولا أجاب دعوتنا ولا
قبل ولايتنا فقلت وحقك يا مولاي لا لبست خفا ولا نعلا ابدا وقلت في
نفسي كنت أشتهي ان أرى هذا البساط فوجدته ملء الدار ولم يبق لون
335

حسن الا وجدته فيه وأطلت النظر إليه، قال: يا علي تحب ان ترى آثار
أرجل النبيين والمرسلين والأئمة الراشدين الذين وطئوا هذا البساط
ومجالسهم عليه قلت: نعم، يا مولاي فرأيت مواضع اقدامهم وجلوسهم
على البساط مصورة فقال: هذا أثر قدم آدم وموضع جلوسه، وهذا موضع
قدم قابيل إلا أنه لعن حيث قتل أخاه هابيل، وهذا أثر شيث، وهذا أثر
انوش، وهذا اثر قينان، وهذا أثر مهلائيل، وهذا اثر يازد، وهذا اثر أخنوخ وهو
إدريس، وهذا اثر المتوشلخ، وهذا اثر لمك، وهذا اثر نوح، وهذا اثر
سام، وهذا اثر ارفخشد، وهذا أثر يعرب، وهذا اثر هود، وهذا اثر
صالح، وهذا اثر لقمان، وهذا اثر لوط، وهذا اثر إبراهيم، وهذا اثر
إسماعيل، وهذا أثر الياس، وهذا اثر قصي، وهذا اثر إسحاق، وهذا
اثر يعقوب وهو إسرائيل، وهذا أثر يوسف، وهذا اثر شعيب، وهذا
اثر موسى، وهذا أثر هارون، وهذا أثر يوشع، وهذا أثر كولب، وهذا
أثر حزقيل، وهذا أثر شمويلا، وهذا أثر طالوت، وهذا أثر داود، وهذا
أثر سليمان، وهذا أثر آصف، وهذا أثر أيوب، وهذا أثر يونس، وهذا
أثر إشعياء، وهذا أثر السيع، وهذا أثر الخضر، وهذا أثر زكريا، وهذا
أثر يحيى، وهذا أثر اليسع، وهذا أثر الخضر، وهذا أثر زكريا، وهذا
أثر يحيى، وهذا أثر عيسى، وهذا أثر شمعون، وهذا أثر دانيال، وهذا
أثر الإسكندر، وهذا أثر أردشير، وهذا أثر سابور، وهذا أثر لؤي،
وهذا أثر مرة، وهذا أثر كلاب، وهذا أثر قصي، وهذا أثر عبد مناف،
وهذا أثر هاشم، وهذا أثر عبد المطلب، وهذا أثر عبد الله،
وهذا أثر السيد محمد، وهذا أثر أمير المؤمنين، وهذا أثر الحسن،
وهذا أثر الحسين، وهذا أثر علي، وهذا أثر محمد، وهذا أثر
جعفر، وهذا أثر موسى، وهذا أثر علي، وهذا أثر محمد، وهذا أثر
علي، وهذا أثري، وهذا أثر المهدي، لأنه وطئه وجلس عليه فقال لي
علي بن عاصم يخيل لي والله من رد بصري ونظري إلى البساط وهذه الآثار
كلها وانا نائم وإني أحلم ما رأيت فقال أبو محمد الحسن (عليه السلام):
يا علي بن عاصم فما أنت نائم ولم تحلم وترى إلى تلك الآثار واعلم أنهم
336

اذنين، فمن زاد فيهم كفر ومن نقص كفر والشاك في واحد منهم
كالشاك الجاحد لله وبهم يعذبه الله يوم القيامة، عذابا شديدا لا يعذب به
أحدا من العالمين غض طرفك يا علي فغضضت طرفي فرجعت محجوبا
فقلت يا سيدي من يقول إنهم مائة الف نبي وأربعة وعشرون الف نبي
هو آثم وان علم ما قال لم يأثم، فقلت يا سيدي أعلمني علمهم حتى لا
أزيد فيهم ولا انقص منهم قال الأنبياء والرسل والأوصياء والأئمة هم الذين
رايتهم وآثارهم في البساط والمائة الف نبي وأربعة وعشرون ألف الذين
حسبوا من الأنبياء لله ورسله وحجبه فامنوا بالله وبما جاءتهم رسلهم به من
الكتب والشرائع فمنهم الصديقون والشهداء والصالحون وهم المؤمنون وهذا
عددهم منذ اهبط آدم من الجنة إلى أن بعث الله جدي رسول الله (صلى
الله عليه وآله) فقلت لله الحمد والشكر ولك يا مولاي الذي هديتني
لهداكم وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله فكان هذا من دلائله
(عليه السلام).
وعنه عن أحمد بن ميمون الخراساني، قال: قدمت من خراسان أريد
سامرا القى مولاي الحسن (عليه السلام) فصادفت بغلته وكانت عندنا
الأخبار الصحيحة ان الحجة والامام من بعد أبيه علي بن محمد سيدنا أبو
محمد الحسن (عليه السلام) فصرت إلى إخواننا المجاورين له فقلت أريد
سيدنا أبا محمد الحسن، فقالوا هذا يوم ركوبه إلى دار المعتز فقلت أقف له
في الطريق فلست أخلو من آية في مشيئة الله وعونه فاتى وهو ماض فوقفت
على ظهر دابتي وكان يوما شديد الحر يوم لقيته فأشار إلي بطرفه فتأخرت
وسرت من ورائه وقلت في نفسي: اللهم انك تعلم اني اشهد وأقر بأنك
الحجة على خلقك وان مهدينا الثاني عشر، فسهل لي دلائله آية منه تقر
عيني وينشرح صدري بها فأشار إلي وقال يا محمد بن ميمون، قد أجيبت
دعوتك والله فقلت لا إله إلا الله والله قد علم سيدي ما ناجيت ربي في
نفسي ثم قلت طمعا في الزيادة إن كان يعلم ما في نفسي فيأخذ العمة عن
337

رأسه، قال: فمد يده فاخذها فوسوست في نفسي، وقلت: لعله ان
حميت عليه فيأخذها ثانية فيضعها على قربوس السوج فاخذها ووضعها على
سرجه، فقلت: يردها على رأسه، فردها على رأسه فقلت: لا إله إلا الله
يكون هذا فاق مرتين اللهم إن كان هذا هو الحق فليأخذها ثالثا من
رأسه، فيضعها على قربوس سرج فرسه، ويردها مسرعا فاخذها من رأسه
ووضعها على قربوس فرسه وردها مسرعا إلى رأسه وصاح يا محمد بن
ميمون إلى كم هذا فقلت حسبي يا مولاي فكان هذا من دلائله
(عليه السلام).
وعنه عن أبي الحسن محمد بن يحيى وأبي داود الطوسي قالا: دخلنا
على أبي شعيب، محمد بن نصير بن بكر النميري البصري، وبين يديه أبو
عباد بن عبادة البصري، وإسحاق بن محمد بن ابان النخعي البصري،
المعروف بالأحمر والحسن بن منذر القيسي وقوف في المجلس وعلي بن أم
الرقاد وفاذويه الكردي، ومحمد بن جندب، ومحمد بن عمر الكناسي
وأحمد بن محمد بن فرات الكاتب، فأمرنا بالجلوس فجلسنا دون القوم وكان
الوقت في غير أوان حمل النخل والشجر فانثنى أبو شعيب إلى علي بن أم
الرقاد وقال: قم يا علي إلى هذه النخلة واجتني منها رطبا وائتنا فقام علي
إلى النخلة، نخلة في جانب الدار لا حمل فيها فلم يصل إليها حتى رأيناها
قد تهدلت أثمارها فلم يزل يلقط منها ونحن ننظر إليه حتى لقط ملء طبق
معه ثم أتى به ووضعه بين أيدينا، وقال لنا كلوا واعلموا يسيرا في فضل
الله على سيدكم أبي محمد الحسن (عليه السلام) على من كان متصلا به،
قال: فأكلنا منه واقبل يظهر لنا فيه ألوانا من الرطب من كل نوع غريب
وإذا نحن بخادم قد أتى من دار سيدنا الحسن (عليه السلام) وفي يده اناء
مملوء لبنا وزبدا، وقال: يا أبا شعيب ما قنع النخعي بما طلبه في نفسه من
الرطب بغير أوانه فأطعمته إياه إلى أن تحير في نفسه، إن كان هذا من عند
أبي محمد الحسن، فليبعث الينا لبنا وزبدا فوضع الخادم الاناء وانصرف
338

فامسنا عن الاكل، فقال أبو شعيب: يا إسحاق ويحك تجد هذا وتتحير
بغيره، فقال: لا يا سيدي، فقالت الجماعة الحمد لله الذي عرفنا من
طلب الرطب واللبن والزبد، فقال: لنا كلوا لا تثريب عليكم، فأكلنا
والله فما رأينا رطبا ولا زبدا أطيب من ذلك فرجع الخادم وقال: مولاك
يقول لك يا أبا شعيب اغرس هذا النوى في بستانك بالبصرة يخرج منه
نخلة واحدة آية لك وعبرة في حياتك وبعد وفاتك فامر بجمع النوى
وغرسه في البستان بحفرة واحدة، قال أبو الحسين محمد بن يحيى
الفارسي: فعدت من قابل فجاء في نفسي من امر النخلة فلما وصلت إلى
أبي شعيب قال: يا أبا الحسين جئت ترى النخلة قلت نعم يا سيدي وكان
عنده جماعة من أولياء سيدنا أبي محمد الحسن (عليه السلام) فقال: قوموا
فقمنا فدخل البستان ودخلنا معه فرأينا نخلة ظننا انها من نبات سنين كثيرة
فلم نعرفها فقال: هذه هي فدنونا منها واسعافها تحركها الرياح فسمعنا في
تخشخشها السنا تنطق وتقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلي أمير
المؤمنين والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي
والحسن بن علي حجج الله على خلقه والحجة المهدي سمي جده رسول الله
وكنيته ابن الحسن حقا حقا علم من علم وشهد من شهد والله على ما
نقول من الشاهدين فقلنا يا سيدنا أبا شعيب ان هذا شئ عجيب هذه السن
الملائكة تنطق بهذه النخلة أم السن المؤمنين من الجن فقال: هذه السن من
النخلة فقلنا جعلنا فداك وهذا مثله ما كان في الزمان، فقال: نعم،
واعجب من ذلك قلنا: له خبرنا به فقال سال جابر بن يزيد الجعفي،
لمولانا أبي جعفر الباقر (عليه السلام) بستين الف خبر وقال له: ذلك
استودعه علما وفضلا في هذه الدلالة فحدثه الباقر (عليه السلام) الستين
الف خبر، فقال له: يا مولاي كيف أكون فيها، فقال: تحدث منها
بعشرين الف خبر، وعشرين ألف خبر، أخفيها ولا تظهرها، فقال: يا
مولاي ضعف صبري عن اخفائها فقال: احفر لها حفيرة في الجبانة وتحدث
بها فإذا أخرجت رأسك منها ادفنها ففعل جابر ذلك كله فلما ان حدث
339

الحفيرة ودفنها أنبتت الحفيرة قصبا فكانوا يأخذون القصبة من قصبها ويلعبون فيها
تنطق بما حدث به جابر للحفيرة فقصد إليها الكهول والشيوخ فاخذوا من
ذلك القصب ونفخوا فيه فنطق بالعشرين الف خبر عن جابر عن محمد الباقر
(عليه السلام) فسمعوه وكتبوه فخاف جابر على نفسه من بني أمية فقشر
القصب وركبه وركض في طرقات المدينة فنظر إليه الناس، وقالوا له: ما
شأنك أيها الحكيم، فقال لهم: جن جابر، فصاح الناس جن جابر، بما
قال عن أبي جعفر، فرفع بعض الأخبار إلى بني أمية فانفذوا ليريدوا قتله
فصادفوه في طرقات المدينة راكب القصب يطوف ويصيح جن جابر فكتبوا
يخبرون السلطان من بني أمية بجنونه فبعث إليهم أردنا قتله لما فعل فإذا
كان قد جن اتركوه فقال: أهل المدينة الجنون لجابر خير من القتل فقلنا:
سبحان الله سمعنا بهذا الخبر لكن نسيناه واما هذا بفضل موالينا أهل البيت
(عليهم السلام) وهذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن الحسن بن إبراهيم والحسن بن مسعود قالا دخلنا على سيدنا
أبي محمد الحسن (عليه السلام) في سنة ست وخمسين ومائتين وقد ورد
عليه كتاب من السواد من إخواننا يسألون مسالة لسيدنا أبي محمد
(عليه السلام) ان يسال الله ان يكفيهم مؤونة رجل كان يتقلد الحرب
يسمى السرجي وهو سفاك للدماء ومسالة يصرفه عنهم فدخلنا والكتاب
معنا ومجلسه حافل بالناس قال السلطان مبتدئا قد قرأت الكتاب الذي
معكم وبما بعث يريد اخوانكم من أهل السواد وما التمسوا فحمدنا الله
وشكرناه وقمنا والكتاب معنا ففككنا ختمه في غرفة كنا نسكنها الا انا قرأناه
وختمناه لنوصله فوصلنا إلى غرفتنا فأخرجنا الكتاب الذي كان معنا فوجدناه
في خاتمه ففضضناه وقرأناه فوجدناه بخطه (عليه السلام) هذا سؤالنا والله
الذي إليه الامر كله ولم نسأله من ليس له من الامر شئ كفيتهم شره وهو
سيموت بالطاعون قبل وصول هذا الكتاب بثلاثة أيام فطبق السرجي
بالطاعون ومات وحمل في أثاثه إلى سامرا فكان هذا من دلائله
(عليه السلام).
340

وعنه عبد الحميد بن محمد، ومحمد بن يحيى الخرقي، قالا دخلنا
على أبي الحسن، علي بن بشر، وهو عليل قلق، فلما رآنا استغاث بنا
وقال: ادعوا الله لي بالإقالة وانفذوا كتابا خطيته بيدي إلى مولاي أبي محمد
الحسن (عليه السلام) مع من تتقون به فقلنا يا علي أين الكتاب فقال
جنبي فأدخلنا أيدينا تحت مصلاه فأخذناه وفضضناه لنقرأه فإذا نحن في
رأس الكتاب توقيعا ونحبا وإذا فيه قد قرأنا كتابك وسالنا الله عافيتك
واقالتك، فان الله مد بعمرك تسعا وأربعين سنة من بعد ما مضى عمرك
فاحمد الله واشكره واعمل بما فيه وبما تبقيه ولا تأمن ان أسأت ان يبتر
عمرك فان الله يفعل ما يريد، فقلنا: يا علي قد قرأ سيدنا كتابك وهذا
خطه بكلما أصابك فقام في الوقت ارضى جايته وتصدق بها فلما كان بعد
ثلاثة أيام، وردت سفتجة من أبي عمر عثمان بن سعد العمري السمان
من سامرا على بعض تجار الكرخ يحمل مالا إلى علي بن بشر فحمله إلى
فحسب ما تصدق به من ماله فوجد المال المحمول إليه ثلاثة اضعاف فكان
هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أحمد بن صالح، قال: خرجت من الكوفة إلى سامرا
فدخلت على مولاي أبي محمد الحسن (عليه السلام) في سنة تسع وخمسين
ومائتين وكان لي أربع بنات، فقال لي: يا احمد أي شئ كان من بناتك
فقلت: بخير يا مولاي، فقال: اما الواحدة آمنة فقد ماتت بهذا
اليوم، واما سكينة تموت في غد، وخديجة وفاطمة، فتموتان بأول يوم من
الهلال المستهل فبكيت فقال: رقة عليهن أم اهتماما بتجهيزهن فقلت يا
مولاي ما خلفت ما يستر الواحدة منهن فقال: قم ولا تهتم فقد أمرنا
عثمان بن سعيد العمري بانفاذ ورق بتجهيزهن ويفضل لك بعد تجهيزهن
بالأكياس ثلاثة آلاف درهم وهي ما ان سالت قال: قد كان قصدي يا
مولاي ان أسألك ثلاثة آلاف درهم وهي ما ان سالت قال: قد كان قصدي يا
مولاي ان أسألك ثلاثة آلاف درهم حتى أزوجهن واخرجهن إلى أزواجهن
فجهزتهن إلى الآخرة وذخرت الثلاثة آلاف درهم علي وأقمت إلى أول يوم
341

من الهلال ودخلت عليه فقال اخرج يا أحمد بن صالح إلى الكوفة فقد عظم
الله اجرك في بناتك فخرجت حتى وردت الكوفة الثلاثة آلاف درهم فلم
يزل إخواني من أهل الكوفة وسائر السواد يستمدون من تلك الدراهم
وفرقتها عليهم وما أنفقت منها علي نفسي ثلاثين درهما، ورجعت من قابل
ودخلت على مولاي الحسن (عليه السلام) يوم الجمعة لثمان ليال خلت
من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين، وكان هذا من دلائله
(عليه السلام).
وعنه عن أحمد بن داود القمي، ومحمد بن عبد الله الطلحي، قالا:
حملنا ما جمعنا من خمس ونذور وبر من غير ورق وحلي وجوهر وثياب من
بلاد قم وما يليها وخرجنا نريد سيدنا أبا محمد الحسن (عليه السلام) فلما
وصلنا إلى دسكرة الملك تلقانا رجل راكب على جمل، ونحن في قافلة
عظيمة فقصد إلينا وقال: يا أحمد الطلحي معي رسالة إليكم، فقلنا من أين
يرحمك الله، فقال: من سيدكم أبي محمد الحسن (عليه السلام) يقول
لكم انا راحل إلى الله مولاي في هذه الليلة فأقيموا مكانكم حتى يأتيكم امر
ابني محمد فخشعت قلوبنا وبكت عيوننا وقرحت اجفاننا لذلك ولم نظهره
وتركنا المسير واستأجرنا بدسكرة الملك منزلا وأخذنا ما حملنا إليه، وأصبحنا
والخبر شائع بالدسكرة بوفاة مولانا أبي محمد الحسن (عليه السلام) فقلنا لا إله إلا الله
ترى الرسول الذي اتانا بالرسالة أشاع الخبر في الناس فلما تعالى
النهار رأينا قوما من الشيعة على أشد قلق لما نحن فيه، فأخفينا امر
الرسالة، ولم نظهره فلما جن علينا الليل جلسنا بلا ضوء حزنا على سيدنا
الحسن (عليه السلام) نبكي ونشكي إلى فقده، فإذا نحن بيده قد دخلت
علينا من الباب فضاءت كما يضئ المصباح وهي تقول: يا احمد هذا
التوقيع اعمل به وبما فيه، فقمنا على اقدامنا واخذنا التوقيع فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم: من الحسن المسكين (لله رب العالمين) إلى
شيعته المساكين: اما بعد فالحمد لله على ما نزل منه ونشكره إليكم جميل
342

الصبر عليه وهو حسبنا في أنفسنا وفيكم، ونعم الوكيل، ردوا ما معكم
ليس هذا أوان وصوله إلينا، فان هذا الطاغي قد دنت غشيته إلينا، ولو
شئنا ما ضركم، وأمرنا يرد عليكم ومعكم صرة فيها سبعة عشر دينارا في
خرقة حمراء إلى أيوب بن سليمان، الآن فردوها فإنه حملها ممتحنا لنا بها
وبمن بعله وهو ممن وقف عند جدي موسى بن جعفر (عليه السلام) فردوا
صرته عليه، ولا تخبروه فرجعنا إلى قم، فأقمنا بها سبع ليال ثم جاءنا امر
ابنه قد بعثنا إليكم إبلا غير ابلكم احملا ما قبلكما عليها واخليا لها
السبيل، فإنها واصلة إلي وكانت الإبل بغير قائد ولا سائق على وجه الأول
منها، بهذا الشرح وهو مثل الخط الذي بالتوقيع التي أوصلته إلى الدسكرة
فحملنا ما عندنا واستودعناه وأطلقناهم فلما كان من قابل خرجنا نريده
(عليه السلام) فلما وصلنا إلى سامرا دخلنا عليه فقال لنا: يا احمد ومحمد
ادخلا من الباب الذي بجانب الدار وانظرا ما حملتماه على الإبل فلا نفقد
منه شيئا فدخلنا من الباب فإذا نحن بالمتاع كما وعيناه وشددناه لم يتغير
فحللناه كما أمرنا وعرضنا جمعه فما فقدنا منه شيئا، فوجدنا الصرة الحمراء
والدنانير فيها بختمها، وكنا قد رددناها على أيوب، فقلنا: إنا لله وإنا
إليه راجعون فقلنا: انها من سيدنا، فصاح بنا من مجلسه: فما لكما بدت
لكما سؤاتكما فسمعنا الصوت فاتينا إليه فقال: من أيوب وقت وردت
الصرة عليه فقبل الله ايمانه وقبل هديته فحمدنا الله وشكرناه على ذلك
فكان هذا من دلائله (عليه السلام).
وعنه عن أحمد بن منذر قال تقلدت ديار ربيعة وغيرها، وكان مقامي
بنصيبين وتقلدت اعمال النواحي وقدمت إلى كل واحد منهم ان يحمل إلى
كل من علمه ممن له مذهب فكان يرد على الحما مما دخل إلي كتاب من عاملي
بكفرتوثي يذكر انه انفذ إلي رجلا كفرتوثيا، يقال له إدريس بن زياد
فدعوت به فرأيته رجلا وسيما فقبلته نفسي فناجيته فوجدته منتظرا ممن يقف
على امامة أبي الحسن موسى بن جعفر ولا يقر بالرضا علي بن موسى
343

(عليه السلام) ومن بعده من الأئمة ورأيت به من الفقه والمعرفة ما
أعجبني فدعوته إلى مذهبنا الإمامة فأنكر ذلك وخاصمني فسالت أن يهب لي
زادا إلى سامرا وينصرف إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام)،
فقال لي: اقضي حقك وامضي بمسألتك وشخص بعدما حملته وانهضته
وزودته فأبطأ وتأخر الكتاب ثم آليت ان قدم فدخل علي فأول ما رآني أسبل
عينيه بالبكاء، فلما رأيته باكيا، لم أتمالك ان بكيت فدنا مني وقبل يدي
ورجلي ثم قال: يا عظيم الناس على أبي محمد الحسن (عليه السلام)
نجيتني من النار وأدخلتني الجنة، ثم قال: خرجت من عندك وعزمت على
لقاء أبي محمد الحسن (عليه السلام) لابتليه من مسائل فكان فيما أضمرت
من مسألته عن من عرف الجنابة هل تجوز صلاته في ثوب يأخذ ذلك العرق
أم لا فصرت إلى سامرا فسمعت يتحدثون ببابه انه يركب فبادرت وركبت
أريد السلطان فجلست في الشارع لا أبرح أو ينصرف فاشتد الحر علي
فعدلت إلى باب دار فيه واسع الظن فجلست فيه فحملني النوم فلم انتبه
الا بقرعة قد وضعت في كتفي ففتحت عيني فإذا انا بابي محمد
(عليه السلام) واقف فوثب على قدميه وقال: يا إدريس بن زياد أمان لك
فقلت بلى، يا سيدي فقال: إن كان من حلال فحلال وإن كان من حرام
فحرام، من غير أن أساله فلما علم ما أضمرته من مسألتي في عرق الجنابة
ولم يعلم به فقلت لا إله إلا الله سبحانه وتعالى فوالله لقد علمت أنه الامام
والحجة فلما جرى ذلك آمنت به وأسلمت فكان هذا من دلائله
(عليه السلام).
وعنه عن عيسى بن مهدي الجوهري قال: خرجت انا والحسن بن
مسعود والحسين بن إبراهيم وعتاب وطالب ابنا حاتم ومحمد بن سعيد،
وأحمد بن الخصيب، وأحمد بن جنان من جنبلا إلى سامرا في سنة سبع
وخمسين ومائتين فعدلنا من المدائن إلى كربلاء فرأينا اثر سيدنا أبي عبد الله
الحسين (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان فلقينا إخواننا المجاورين
344

بسامرا لمولانا محمد أبي الحسن (عليه السلام) لنهنئه بمولد مولانا المهدي
(عليه السلام) فبشرنا إخواننا ان المولود كان طلوع الفجر من يوم الجمعة
لثمان ليلا خلت من شعبان وهو ذلك الشهر فقضينا زيارتنا ببغداد فزرنا أبا الحسن
موسى بن جعفر وأبا محمد جعفر، ومحمد بن علي (عليهم السلام)
وصعدنا إلى سامرا فلما دخلنا على سيدنا أبي محمد الحسن (عليه السلام)
بدأنا بالبكاء بل التهنئة فجهرنا بالبكاء بين يديه ونحن ما ينيف عن سبعين
رجلا من أهل السواد فقال: ان البكاء من السرور بنعم الله مثل الشكر
لها فطيبوا نفسا وقروا عينا فوالله انكم على دين الله الذي جاءت به ملائكته
وكتبه ورسله وانكم كما قال جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
أنه قال إياكم ان تزهدوا في الشيعة فان فقيرهم الممتحن المتقي عند الله يوم
القيامة له شفاعة عند الله يدخل فيها مثل ربيعة ومضر فإذا كان هذا لكم
من فضل الله عليكم وعلينا فيكم، فأي شئ بقي لكم، فقلنا بأجمعنا،
الحمد لله، والشكر له، ولكم يا ساداتنا، فبكم بلغنا هذه المنزلة،
فقال: بلغتموها بالله وبطاعتكم إياه، واجتهادكم بطاعته وعبادته وموالاتكم
لأوليائه ومعاداتكم لأعدائه، قال عيسى بن مهدي الجوهري: فاردنا
الكلام والمسألة فأجابنا قبل السؤال اما فيكم من أظهر مسألتي عن ولدي
المهدي فقلنا وأين هو فقال: قد استودعته لله كما استودعت أم موسى ابنها
حيث ألقته في اليم إلى أن رده الله إليها، فقالت طائفة منا: اي والله لقد
كانت هذه المسالة في أنفسنا قال: ومنكم من سال عن اختلاف بينكم
وبين أعداء الله وأعدائنا من أهل القبلة والاسلام، وانا أنبئكم بذلك،
فافهموا، فقالت طائفة أخرى: اي والله يا سيدنا لقد أضمرنا، فقال أن
الله عز وجل، أوحى إلى جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) اني قد
خصصتك وعليا وحججي منه ليوم القيامة وشيعتكم بعشر خصال: صلاة
الخميس، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والاذان والإقامة مثنى، وحي
على خير العمل. والجهر في بسم الله الرحمن الرحيم، والآيتين،
والقنوت، وصلاة العصر والشمس بيضاء نقية، وصلاة الفجر مغلسة
345

واختضاب الرأس واللحية، والوشمة، فخالفنا من اخذ حقنا وحزبه في
الصلاة فجعل أصل التراويح في ليالي شهر رمضان عوضا من صلاة
الخميس، كل يوم وليلة وكتف أيديهم على صدورهم عوضا عن تعفير
الجبين، والتختم باليسرى عوضا عن التختم باليمين، والفاتحة فرادى
خلاف مثنى، والصلاة خير من النوم خلاف حي على خير العمل،
والاخفاء عن القنوت، وصلاة العصر إذا اصفرت الشمس خلافا على
بيضاء نقية، وصلاة الفجر عند تلاحف بزوغ الشمس خلافا على صلاتها
مغلسة، وهجر الخضاب والنهي خلاف على الامر به واستعماله، فقال
أكثرنا: فرحت عنا يا سيدنا قال: نعم، في أنفسكم ما تسألون عنه وانا
أنبئكم به.
والتكبير على الميت خمسا وكبر غيرنا أربعا، فقلنا: يا سيدنا هو مما
ردنا ان نسأله عنه، فقال (عليه السلام): أول من صلى عليه من
المسلمين خمسا عمنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، فإنه لما
قتل قلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) قلقا شديدا وحزن عليه حتى
عدم صبره وعزاؤه فقال رسول الله والله لأقتلن عوضا كل شعرة سبعين
رجلا من مشركي قريش فأوحى الله سبحانه وتعالى: (وان عاقبتم فعاقبوا
بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. اصبر وما صبرك الا
بالله، ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون ان الله مع الذين اتقوا
والذين هم محسنون) وإنما أحب الله جل ثناؤه يجعل ذلك في المسلمين لأنه
لو قتل بكل شعرة من حمزة (عليه السلام) ألف رجل من المشركين ما كان
يكون عليهم في قتالهم حرج وأرادوا دفنه بلا غسل، فأحب ان يدفن
مضرجا بدمائه، وكان قد أر بتغسيل الموتى فدفن بثيابه فصارت سنة في
المسلمين لا يغسل شهداؤهم وأمره الله ان يكبر عليه خمسا وسبعين تكبيرة
ويستغفر له بين كل تكبيرتين منها فأوحى الله سبحانه إليه اني قد فضلت
حمزة بسبعين تكبيرة لعظم منزلته عندي وكرامته علي ولك يا محمد فضل على
346

المسلمين وكبر على كل مؤمن ومؤمنة فاني افرض عليك وعلى أمتك خمس
صلوات في كل يوم وليلة والخمس تكبيرات عن خمس صلوات في كل يوم
وليلة وثوابها واكتب له اجرها.
فقام رجل منا فقال: يا سيدنا من صلى الأربعة فقال ما كبرها تيميا
ولا عدويا ولا ثالثهما من بني أمية، ولا من بني هند، فمن كبرها طريد
جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان طريده مروان بن الحكم لان
معاوية وصى يزيد بأشياء منها وقال: خائف عليك يا يزيد من أربعة: من
عبد الله بن عمر، ومن مروان بن الحكم، وعبيد الله بن زياد، والحسين بن
علي، ويلك يا يزيد منه.
فاما مروان بن الحكم، فإذا انا مت وجهزتموني ووضعتموني على نعشي
للصلاة فسيقولون تقدم صل على أبيك قل قد كنت أعصي امره فقد امرني
ان لا يصلي عليه الا شيخ بني أمية مروان فقدمه وتقدم على ثقات موالينا
فكبر أربع تكبيرات، واستدعى بالخامسة فقال الا يسلم فاقتلوه فإنك تراح
منه وهو أعظمهم عليك فسمي الخبر إلى مروان فأسرها في نفسه وتوفي
معاوية وحمل على نعشه وجعل الصلاة عليه، فقالوا إلى يزيد يقدم فقال:
ما وصاه أبوه فقدموا مروان وخرج يزيد عن الصلاة فكبر أربعا وتأخر عن
الخامسة قبل الدعاء فاشتغل الناس وقالوا الآن ما كبر الخامسة وقلق
مروان بن الحكم، وقام مروان وآل مروان الاخبار الكاذبة عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) في أن التكبير على الميت أربع لئلا يكون مروان
مبدعا، فقال قائل منا: يا سيدنا يجوز أن يكون أربعة تقية فقال: هي
خمسة لا تقية فيها التكبيرات على الميت خمس والتعفير في ادبار كل صلاة
وترفع القيود وترك المسح على الخفين وشرب المسكر السني، فقال سيدنا ان
الصلوات الخمس وأوقاتها سنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا
الخمس منزلة في كتاب الله فقال قائل منا: رحمك الله ما استسن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) الا ما امره الله به فقال: اما صلوات الخمس فهي
347

عند أهل البيت كما فرض الله سبحانه وتعالى على رسوله وهي احدى
وخمسين ركعة في ستة أوقات أبينها لكم من كتاب الله تقدست أسماؤه وهو
قوله في وقت الظهر: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم
الجمعة فاسمعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) فاجمع المسلمون ان السعي صلاة
الظهر وابان وأوضح في حقها في كتاب الله كثيرا وصلاة العصر بينها في
قوله: (أقم الصلاة طر في النهار وزلقا من الليل ان الحسنات يذهبن
السيئات) الطرف صلاة العصر ومختلفون باتيان هذه الآية وتبيانها في حق
صلاة العصر وصلاة الصبح وصلاة المغرب فاساخ تبيانها في كتابه العزيز
قوله: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) وفي المغرب في ايقاع
كتابه المنزل واما صلاة العشاء فقد بينها الله في كتابه العزيز: (أقم
الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) وان هذه في حق صلاة العشاء
لأنه قال إلى غسق الليل ما بين الليل ودلوك الشمس حكم وقضى ما بين
العشاء وبين صلاة الليل وقد جاء بيان ذلك في قوله ومن بعد صلاة العشاء
فذكرها الله في كتابه وسماها ومن بعدها صلاة الليل حكى في قوله: (يا
أيها المزمل قم الليل الا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل
القرآن ترتيلا) وبين النصف والزيادة وقوله عز وجل: (انك تقوم أدنى
من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل
والنهار) إلى آخر السورة، وصلاة الفجر فقد حكى في كتابه العزيز:
(والذين هم على صلاتهم يحافظون) وحكى في حقها: (والذين هم
على صلاتهم دائمون) من صباحهم لمساهم وهاتين الآيتين وما دونهما في
حق صلاة الفجر لأنها جامعة للصلاة فمنها إلى وقت ثان إلى الانتهاء في
كمية عدد الصلاة وانها الصلاة تشعبت منها مبدأ الضياء وهي السبب
والواسطة ما بين العبد ومولاه والشاهد من كتاب الله على أنها جامعة قوله:
(إلى غسق الليل وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا) لان القرآن
من بعد فراغ العبد من الصلاة فان القرآن كان مشهودا اي في معنى الإجابة
واستماع الدعاء من الله عز وجل فهذه الخمس أوقات التي ذكرها الله عز
348

وجل وامر بها. الوقت السادس صلاة الليل وهي فرض مثل الأوقات
الخمس ولولا صلاة ثمان ركعات لما تمت واحد وخمسون ركعة فضججنا بين
يديه (عليه السلام) بالحمد والشكر على ما هدانا إليه.
قال الحسين بن حمدان، لقيت هؤلاء المذكورين وهم سبعون رجلا
وسألتهم عما حدثني عيسى بن مهدي الجوهري فحدثوني به جميعا وشتى
وكان لينيف عن السبعين الذين لقيتهم ممن اجتمع بذلك المجلس فلقي أبا الحسن
(عليه السلام) ولقيت عسكر مولى أبي جعفر التاسع (عليه السلام)
ولقيت الريان مولى الرضا (عليه السلام) ولقيت ابن عجائز الدارين داري
سيدنا أبي الحسن وأبي محمد (عليهما السلام) فمن يجوز تسميتهن ومن
حفظهن وروين عن أبي الحسن وأبي محمد (عليهما السلام)، مثل ما
يروون الرجال فكان من دلائله (عليه السلام).
تم الباب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه وبه الهداية والتوفيق وهو
حسبنا ونعم الوكيل، ونعم المولى، ونعم النصير، اللهم ثبتنا على ما إليه
هديتنا من علم هذا الكتاب، وهب لنا منه توفيقا قائدا إلى الرشد، وقلبا
منقلبا مع الحق، ولسانا متجليا بالصدق، وعزيمة إلى مناهج الرشد،
قاهرة إلى النفس، وبصيرة ندرك بها عرفان القدر، وان تسعدنا بالهداية إلى
الدارية، وان تعضدنا بالإعانة على الإبانة، وان تعصمنا من الغواية في
الرواية، وان تصرف عنا السفاهة بالكفاية، وان تتقبل منا قبولا حسنا، يا
ارحم الراحمين، (وصلى الله على سيدنا محمد وآله).
349

الباب الرابع عشر
باب الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)
351

قال الحسين بن حمدان الخصيبي: حدثني هارون بن مسلم بن سعدان
البصري، ومحمد بن أحمد بن مطهر البغدادي، وأحمد بن إسحاق
وسهل بن زياد الآدمي، وعبد الله بن جعفر الحميري، وأحمد بن أبي عبد
الله البرقي، وصالح بن محمد الهمداني، وجعفر بن إبراهيم بن نوح،
وداود بن عامر الأشعري القمي، وأحمد بن محمد الخصيبي، وإبراهيم بن
الخصيب، ومحمد بن علي البشري، ومحمد بن عبد الله اليقطيني
البغدادي، وأحمد بن محمد النيسابوري، وأحمد بن عبد الله بن مهران
الأنباري، وأحمد بن محمد الصيرفي، وعلي بن بلال، ومحمد بن أبي
الصهباني، وإسحاق بن إسماعيل النيسابوري، وعلي بن عبيد الله
الحسني، ومحمد بن إسماعيل الحسيني، وأبو الحسين محمد بن يحيى
الفارسي، وأحمد بن سندولا، والعباس اللبان، وعلي بن صالح، وعبد
الحميد بن محمد، ومحمد بن يحيى الخرقي، ومحمد بن علي بن عبيد الله
الحسني، وابن عاصم الكوفي، وأحمد بن محمد الحجال، وعسكر مولى أبي
جعفر التاسع، والزيان مولى الرضى، وحمزة مولى أبي جعفر التاسع،
353

وعيسى بن مهدي الجوهري، والحسن بن إبراهيم، وأحمد بن إسماعيل،
ومحمد بن ميمون الخراساني، ومحمد بن خلف، وأحمد بن حسان، وعلي بن أحمد
الصائغ، والحسن بن مسعود الفراتي، وأحمد بن حيان العجلي،
والحسن بن مالك، وأحمد بن محمد بن أبي قرنة، وجعفر بن أحمد القصير
البصري، وعلي بن الصابوني، وأبو الحسن علي بن بشر، والحسن
البلخي، وأحمد بن صالح، والحسين بن عتاب، وعبد الله بن عبد
الباري، وأحمد بن داود القمي، ومحمد بن عبد الله، وطالب بن حاتم بن
طالب، والحسن بن محمد بن مسعود بن سعد، وأحمد بن ماران، وأبو بكر
الصفار، ومحمد بن موسى القمي، وعتاب بن محمد الديلمي، وأحمد بن
مالك القمي، وأبو بكر الجواري، وعبد الله جميعا وشتى كانوا بأجمعهم
مجاورين الامامين (عليهما السلام) عن سيدنا أبي الحسن وأبي محمد
(عليهما السلام) قالا:
ان الله جل جلاله إذا أراد ان يخلق الامام أنزل قطرة من ماء الجنة في
الزمان، فتسقط على الأرض فتأكلها الحجة في الزمان فإذا استقرت في
الموضع الذي تستقر فيه ومضى له أربعون يوما سمع الصوت فإذا أتت
أربعة اشهر وهو حمل كتب على عضده الأيمن (تمت كلمة ربك صدقا
وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العلم) فإذا ولد قام بأمر الله عز
وجل رفع له عمود من نور في كل مكان ينظر فيه الخلائق وأعمالهم وينزل
أمر الله في ذلك العمود ونصب عينه حيث تولى.
قال أبو محمد (عليه السلام) اني أدخلت عماتي في داري فرأيت
جارية من جواريهن قد زينت تسمى نرجس فنظرت إليها نظرا اطلته فقالت
عمتي حكيمة: أراك يا سيدي تنظر إلى هذه الجارية نظرا شديدا فقلت: يا
عمة ما نظري إليها الا أتعجب مما لله فيها من ارادته وخيرته، فقالت: يا
سيدي أحسبك تريدها قلت: بلى فأمرتها تستأذن لي أبي علي بن محمد
(عليهم السلام) في تسليمها إلي ففعلت فأمرها (عليه السلام) بذلك
354

فجاءتني بها.
قال الحسين بن حمدان حدثني من زاد في أسماء من حدثني من هؤلاء
الرجال الذين أسميهم وهم غيلان الكلابي، وموسى بن محمد الرازي،
وأحمد بن جعفر الطوسي عن حكيمة ابنة محمد بن علي الرضا
(عليه السلام)، قال:
كانت تدخل على أبي محمد (عليه السلام) فتدعو له ان يرزقه الله
ولدا وانها قالت دخلت عليه فقلت له كما كنت أقول، ودعوت له كما
كنت ادعو فقال يا عمة، اما الذي تدعين إلى الله ان يرزقنيه يولد في هذه
الليلة وكانت ليلة الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان سنة سبع
وخمسين ومائتين من الهجرة فاجعلي افطارك عندنا فقالت يا سيدي ما يكون
هذا الولد العظيم قال إلي نرجس يا عمة قالت يا سيدي ما في جواريك
أحب إلي منها فقمت ودخلت عليها ففعلت كما كانت تفعله فخاطبتني
بالسندية فخاطبتها بمثلها وانكببت على يديها فقبلتها فقالت فديتك فقلت
لها: بل انا فداءك وجميع العالمين فأنكرت ذلك مني فقلت: تنكرين ما
فعلت فان الله سيهب لك بهذه الليلة سيدا في الدنيا والآخرة وهو فرج
المؤمنين فاستحيت مني فتأملتها فلم أر فيها اثر حمل فقلت لسيدي أبي محمد
(عليه السلام) ما أرى لها اث حمل فتبسم وقال: انا معاشر الأوصياء لا
نحمل في البطون وإنما نحمل في الجيوب ولا نخرج من الأرحام وإنما نخرج
من الفخذ الأيمن من أمهاتنا لأننا نور الله الذي لا تناله الدناسات فقلت
له: يا سيدي قد أخبرتني في هذه الليلة يلد ففي اي وقت منها قال طلوع
الفجر يولد المولود الكريم على الله إن شاء الله تعالى قالت حكيمة: فقمت
وأفطرت ونمت بالقرب من نرجس وبات أبو محمد (عليه السلام) في صفة
بتلك الدار التي نحن فيها فلما اتى وقت صلاة الليل قمت ونرجس نائمة ما
بها أثر حمل فأخذت في صلاتي ثم أوترت فانا في الوتر فوقع في نفسي ان
الفجر قد طلع ودخل بقلبي شئ فصاح أبو محمد (عليه السلام) من
355

الصفة لم يطلع الفجر يا عمة فأسرعت في الصلاة وتحركت نرجس فدنوت
منها ضممتها إلي وسميت عليها، ثم قلت لها: هل تحسين بشئ، قالت
نعم، فوقع علي سبات لم أتمالك معه ان نمت ووقع علي حكيمة، مثل ذلك
فلم انتبه الا بحس سيدي المهدي وضجة أبي محمد يقول يا عمة هاتي ابني
إلي فقد قبلته فكشفت عن سيدي إليه التسليم فإذا هو ساجد ملتقي
الأرض بمساجده وعلى ذراعه الأيمن مكتوب (جاء الحق وزهق الباطل ان
الباطل كان زهوقا) فضممته إلي فوجدته متضرعا فلففته بثوب وحملته إلى أبي
محمد (عليه السلام) فاخذه واقعده على راحته اليسرى وجعله راحته اليمنى
على ظهره وادخل لسانه في فيه ومريده على ظهره ومفاصله وسمعه ثم
قال، تكلم يا بني فقال: اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول
الله وأن عليا أمير المؤمنين ولم يزل يعد الأئمة (عليهم السلام) حتى بلغ إلى
نفسه ودعا لأولياءه على يده بالفرج ثم أحجم فقال أبو محمد
(عليه السلام): يا عمة اذهبي به إلى أمه لتسلم عليه واتيني به فمضت
به إليها فسلمت عليه وردته إليه، ثم وقع بيني وبين أبي محمد كالحجاب
فلم أر سيدي فقلت لأبي محمد: يا سيدي أين مولاي فقال: اخذه من
هو أحق به منك فإذا كان في اليوم السابع فإننا فلما جاء اليوم السابع اتيت
وسلمت وجلست فقال لي (عليه السلام) هلمي ابني فجئت سيدي وهو
في ثياب صفر ففعل به كفعله الأول وجعل لسانه في فيه ثم قال: تكلم يا
بني فقال: اشهد ان لا إله إلا الله واثنى بالصلاة على محمد وأمير المؤمنين
والأئمة حتى وقف على أبيه، ثم قرأ (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا
في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري
فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) ثم قال اقرأ يا بني ما
انزل الله على أنبيائه ورسله فابتدأ بصحف شيث، وإبراهيم، قرأها
بالسريانية، وصحف إدريس، ونوح، وهود، وصالح، وتوراة موسى،
وإنجيل عيسى، وقرآن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وعليهم
أجمعين)، ثم قص قصص النبيين والمرسلين إلى عهده فلما كان بعد أربعين
356

يوما دخلت إلى أبي محمد إليه التسليم فإذا بمولانا صاحب الزمان القائم إليه
التسليم يمشي في الدار فلم أر أحسن وجها من وجهه ولا لغة افصح من
لغته فقال لي أبو محمد (عليه السلام): هذا المولود الكريم على الله عز
وجل قلت له يا سيدي له أربعون يوما وانا أرى من امره ما أرى فقال
(عليه السلام): وتبسم يا عمة اما علمت انا معاشر الأوصياء ننشو في
اليوم ما ينشو غيرنا بالجمعة وننشو في الجمعة ما ينشو غيرنا في السنة فقمت
إليه وقبلت رأسه وانصرفت فعدت تفقدته فلم أره فقلت لسيدي أبي محمد
(عليه السلام) ما فعل مولانا فقال: يا عمة استودعناه للذي استودع
موسى (عليه السلام).
وعن موسى ابن محمد، أنه قال: قرأ المولود على أبي محمد فصحح
قراءته فما زاد فيه ولا نقص فيه حرفا.
وعنه عن أبي محمد جعفر بن محمد بن إسماعيل الحسني عن أبي محمد
(عليه السلام) قال لما وهب لي ربي مهدي هذه الأمة ارسل ملكين فحملاه
إلى سرادق العرش حتى وقف بين يدي الله فقال له مرحبا بعبدي المختار
لنصرة ديني واظهار أمري ومهدي خلقي آليت اني بك آخ ذ وبك أعطي
وبك اغفر وبك أعذب أردداه أيها الملكان على أبيه ردا رفيقا وبلغاه انه في
ضماني وكنفي وبعيني إلى أن أحق به الحق وأزهق الباطل ويكون الدين لي
واصبا.
وعنه عن غيلان الكلابي، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن علي
النيسابوري الدقاق، عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر
(عليه السلام): قال: حدثني نسيم ومارية قالا: لما خرج صاحب
الزمان (عليه السلام) من بطن أمه سقط جاثيا على ركبتيه قائما لسبابتيه
ثم عطس وقال: الحمد لله رب العالمين وصل اللهم على سيدنا محمد وآله
عبدا ذاكرا لله غير مستنكف ولا مستكبر، ثم قال: زعمت الظلم ان
357

حجة الله داحضة لو اذن لنا بالكلام لزال الشك.
وعنه عن حمزة بن نصر غلام أبي الحسن منه السلام قال: لما ولد
السيد المهدي (عليه السلام) تباشر أهل الدار لذلك فلما نشأ خرج
الأمران ابتاع في كل يوم مع اللحم مخ قصب وقيل لي ان هذا لمولاي
الصغير (عليه السلام).
وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور، عن البشار ابن إبراهيم بن
إدريس صاحب ثقة أبي محمد (عليه السلام) قال: وجه إلي مولاي أبو
محمد كبشين وقال اعقرهما عن أبي الحسن (عليه السلام) وكل واطعم
اخوانك ففعلت ثم لقيته بعد ذلك فقال: المولود الذي ولد لي مات ثم
وجه لي بأربع أكبشة وكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم اعقر هذه الأربعة أكبشة عن مولاك وكل هناك
الله ففعلت ولقيته بعد ذلك فقال لي: إنما استر الله يا بني الحسن وموسى
لولده محمد مهدي هذه الأمة والفرج الأعظم.
وعنه عن غيلان الكلابي قال حدثني نسيم خادم أبي محمد
(عليه السلام)، قال: قال صاحب الزمان المهدي (عليه السلام) وقد
دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست عنده فقال يرحمك الله ففرحت
بكلامه لي بالطفولية ودعائه لي بالرحمة فقال لي: أبشرك ان العطاس، قلت
بلى يا مولاي فقال: هو أمان من الموت لثلاثة أيام.
وعنه عن غيلان الكلابي قال: حدثني أبو نصر طريف خادم سيدي
أبي محمد (عليه السلام) قال: دخلت على صاحب الزمان إليه التسليم،
فقال يا طريف علي بالصندل الأحمر فاتيته به، فقال: أتعرفني قلت:
نعم، قال: من انا قلت: مولاي وابن مولاي قال: ليس عن هذا
أسألك قلت: جعلني الله فداك عما سألتني، قال: انا خاتم الأوصياء وبي
يرفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي القوام بدين الله.
358

وعنه عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي عن محمد بن
جعفر بن عبد الله بن أبي نعيم عن أبي احمد الأنصاري قال: وجه قوم من
المؤمنين والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني المعروف بصناعة أبي محمد بسامرا
إلى الناجية في أمرهم قال: كامل بن إبراهيم فقلت في نفسي لا يدخل
الجنة الا من عرف معرفتي، وقال مقالتي قال فلما دخلت على سيدي أبي
محمد (عليه السلام) نظرت عليه ثيابا بيضاء ناعمة فقلت في نفسي ولي الله
وحجة الله يلبس الناعم من الثياب ويأمر بمواساة إخواننا وينهى عن لبس
مثله فقال: مبتسما يا كامل وحسر عن ذراعيه فإذا هو مسح خشن فقال
هذا والله اهدى لكم فخجلت وجلست إلى باب ستر مرخي فجاءت الريح
فكشفت طرفه فإذا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربعة عشر فقال: كامل
ابن إبراهيم، فاقشعريت من ذلك والهمت وقلت: لبيك لبيك يا سيدي
فقال: جئت إلى ولي الله وحجته تريد تسأله هل يدخل الجنة الا من عرف
معرفتي وقال مقالتي: فقلت اي والله فقال: إذا والله يقول داخلها ليدخلها
خلق كثير قوم يقال لهم الحافية قلت سيدي: ومن هم قال قوم من حبهم
إلى أمير المؤمنين يحلفون بحقه ولا يدرون ما فضله ثم سكت
(عليه السلام) وقال: وجئت تسأله عن المفوضة كذبوا بل قلوبنا أوعية
لمشيئة الله فإذا شاء الله شيئا شئنا والله يقول ما تشاؤون الا ان يشاء الله ثم
رجع الستر إلى حاله فلم أكشفه فنظر إلي أبو محمد (عليه السلام) وتبسم
وقال: يا كامل بن إبراهيم، ما جلوسك وقد أنباك المهدي والحجة بعدي
بما كان في نفسك وجئت تسألني عنه قال فنهضت واخذت الجواب الذي
أسررته في نفسي من الإمام المهدي ولم القه بعد ذلك، قال أبو نعيم:
فلقيت كاملا فسألته عن هذا الحديث فحدثني به عن آخ ره بلا زيادة ولا
نقصان.
وعنه عن أحمد بن محمد بن عيسى بن بصير قال: دخلت على الرضا
(عليه السلام) ومعي صفوان بن يحيى وأبو جعفر (عليه السلام)، عنده
359

وله ثلاث سنين فقلت له جعلنا فداك ان حدث لك حادث فمن بعدك فقال
ابني هذا وأومى إليه.
وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور بن إبراهيم بن مهديار عن أخيه
علي بن مهديار عن فضالة، عن عمر بن ابان عن حمران بن أعين، قال:
سألت أبا جعفر (عليه السلام)، عن قول الله: (مثل نوره كمشكاة
فيها مصباح)، الآية فقال المصباح هو الامام يتكلم بصغر سنه بالوحي.
وعنه عن محمد بن جمهور عن إسماعيل بن علي عن زيد بن خالد عن
زرارة بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، جعلت
فداك ما تقول في قول الله (لأنذركم به) ومن بلغ تأويل أي شئ يعني عن
بلوغ الإمام قال: قلت فما بلوغه قال: أربع سنين.
وعنه بهذا الاسناد عن حمران بن أعين، عن أبي حمزة الثمالي، قال:
قلت لأبي جعفر الباقر (عليه السلام) المهدي، بكم يبلغ قال: ان الله
بعث عيسى بن مريم بنبوة ورسالة وكتاب وشريعة وله سنتان وما يضر
الامام صغر سنة وقد قام عيسى بن مريم (عليه السلام) بالرسالة وله ثلاث
سنين وتكلم بالمهد وأوتي الكتاب والنبوة بثلاثة أيام.
وعنه عن سعد بن محمد بن أحمد، عن أبي هاشم داود بن القاسم
الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن العسكري (عليه السلام) يقول
الخليفة من بعدي الحسن ابني فكيف لكم بالخلف من الخلف، قلت: ولم
جعلت فداك قال إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم قلت فكيف نذكره،
قال قولوا الحجة من آل محمد (عليه السلام).
وعنه عن محمد بن علي، عن محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الله بن
أبي خدان، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام)، يقول: إياكم التبويه والله ليغيبن مهديكم سنين من
دهركم يطول عليكم وتقولون اي وليت ولعل وكيف وتمحصه الشكوك في
360

أنفسكم حتى يقال مات وهلك ويأتي وأين سلك ولتدمعن عليه أعين
المؤمنين ولتتكفؤون كما تتكفا السفن في أمواج البحر ولا ينجو الا من اخذ
الله ميثاقه بيوم الذرو وكتب بقلبه الايمان وأيده بروج منه وليرفعن له اثنتا
عشرة راية مشبهة لا يدرون أمرها ما تصنع، قال المفضل: فبكيت وقلت
كيف يصنع أولياؤكم فنظر إلى الشمس دخلت في الصفة قال: يا مفضل
ترى هذه الشمس قلت: نعم، قال والله أمرنا أنور وأبين منها وليقال المهدي
في غيبته مات ويقولون بالولد منه وأكثرهم يجحد ولادته وكونه وظهوره
أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والرسل والناس أجمعين.
وعنه عن الحسن بن عيسى عن محمد بن علي، عن جعفر، عن أبي
الحسن بن موسى بن جعفر (عليهم السلام) قال: إذا فقد الخامس من ولد
السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم أحد عنها فتهلكوا لا بد لصاحب
الزمان من هذا الامر من غيبة حتى يرجع عنه من كان يقول فيه فرضا وإنما
هو محنة من الله يمتحن بها خلقه قلت: يا سيدي من الخامس من ولد
السابع، قال عقولكم تصغر عن هذا ولكن ان تعيشوا فسوف تذكرون
قلت: يا سيدي فنموت بشك منه، قال انا السابع، وابني علي الرضا
الثامن، وابنه محمد التاسع، وابنه علي العاشر، وابنه الحسن حادي
عشر، وابنه محمد سمي جده رسول الله وكنيته المهدي الخامس بعد
السابع، قلت: فرج الله عنك يا سيدي، كما فرجت عني.
وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن علي الصيرفي، عن
إبراهيم بن هاشم، عن فرات بن أحنف، عن سعيد ابن المسيب، عن
زادان، عن سلمان الفارسي، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
فذكر المهدي القائم (عليه السلام)، والله ليغيبن حتى يقول الجهال: ما
بقي لله في آل محمد من حاجة، ثم يطلع طلوع البدر في وقت تمامه
والشمس في وقت اشراقها فتقر عيون وتعمى عيون.
361

وعنه عن الحسن، عن محمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد، عن
الحسن بن أبي الربيع الهمداني، عن إسحاق عن أسد بن ثعلبة، قال لقيت
أبا جعفر الباقر (عليه السلام)، فسألته عن هذه الآية (فلا اقسم بالخنس
الجوار الكنس) قال: امام يغيب سنة ستين ومائتين ثم يبدو كالشهاب
الثاقب فان أدركت زمانه قرت عيناك.
وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور، عن علي بن إسماعيل، عن
هارون بن مسلم بن سعدان بن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله
الصادق (عليه السلام)، في خطبة له مع كميل بن زياد " اللهم بلى لا تخلو
الأرض من قائم لله بحجة على خلقه يهديهم إلى دينك ويعلمهم علمك
لئلا تبطل حجتك وليقل اتباع أوليائك وشيعتهم بعد إذ هديتهم إلى امام
ظاهر مشهود ليس بمطاع ومكتمن خائف مغمور يترقب أو غائب عن الناس
في حال غيبته لم يغب عنهم امره ونهيه ومثوبة علمه فآياته في قلوب المؤمنين
مثبتة فهم بها عاملون ".
وعنه عن الحسن بن جمهور عن أبيه، عن محمد بن عبد الله بن مهران
الكرخي عن ماهان الابلي، عن جعفر بن يحيى الرهاوي، عن سعيد بن
المسيب، عن الأصبغ بن نباتة، قال دخلت على أمير المؤمنين
(عليه السلام) فوجدته مفكرا ينكت في الأرض قلت: يا مولاي مالي
أراك مفكرا قال: في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي وهو
المهدي الذي يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما يكون له غيبة يضل
بها أقواما، ويهدي بها آخرين أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة
فقلت: ثم ماذا: قال: يفعل الله ما يشاء، من الرجعة البيضاء والكرة
الزهراء، واحضار الأنفس الشح والقصاص والاخذ بالحق والمجازاة بكل
ما سلف ثم يغفر الله لمن يشاء.
وعنه عن النصر ابن محمد بن سنان الزاهري، عن يونس بن ظبيان،
362

عن المفضل بن عمر، عن الصادق (عليه السلام) وهم عنده جمع كثير قد
امتلأ بهم مجلسه ظاهره وباطنه وقد قام الناس إليه، فقالوا: يا ابن رسول
الله ان الله جل وعلا يقول: (ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
امرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) ولسنا نأمن غيبتك عنا إلى رضوان الله
ورحمته فبين لنا اختيار الله اختيار من هذه الأمة لنلزمه ولا نفارقه فقال " ان
الله عز وجل اختار من الأيام الجمعة ومن الليالي ليلة القدر ومن الشهور
شهر رمضان واختار جدي رسول الله من الرسل واختار منه عليا واختار من
علي الحسن والحسين واختار من الحسين تسعة أئمة وتاسعهم قائمهم
ظاهرهم وباطنهم وهو سمي جده وكنيته ".
وعنه عن السن بن مسعود، ومحمد بن الجليل، قال: دخلنا على
سيدنا علي العسكري (عليه السلام) بسامرا وعنده جماعة من شيعته فسألناه
عن أسعد الأيام وأنحسها فقال: لا تعادوا الأيام فتعاديكم وسألناه عن
معنى هذا الحديث فقال: معناه بين ظاهر وباطن ان السبت لنا والأحد
لشيعتنا والاثنين لبني أمية والثلاثاء لشيعتهم والأربعاء لبني العباس والخميس
لشيعتهم والجمعة للمؤمنين، والباطن ان السبت جدي رسول الله (صلى
الله عليه وآله) والأحد أمير المؤمنين والاثنين الحسن والحسين والثلاثاء
علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، والأربعاء موسى بن
جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي وانا، والخميس ابني الحسن
والجمعة ابنه الذي تجتمع فيه الكلمة وتتم به النعمة ويحق الله الحق ويزهق
الباطل، فهو مهديكم المنتظر ثم قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم بقية الله
خير لكم ان كنتم مؤمنين) ثم قال: لنا والله هو بقية الله ".
وعنه عن محمد بن زيد عن عباد الأسدي عن الحسن بن حماد عن
عباد بن نهيعة عن حذفة بن اليماني قال: سمعت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يقول اختبرني العباس ابني نفيله من ولدي مهديكم وقيل:
ويل لبني العباس من ولدي مهديكم وهو الذي لا يسميه باسمه ظاهرا قبل
363

قيامه الا كافر به.
وعنه عن علي بن الحسن بن فضالة، عن الريان بن الصلت، قال:
سمعت الرضا (عليه السلام)، يقول القائم المهدي بن الحسن لا يرى
جسمه ولا يسمى باسمه أحد بعد غيبته حتى يراه ويعلن باسمه ويسمعه
كل الخلق فقلنا له: يا سيدنا وان قلنا صاحب الغيبة وصاحب الزمان
والمهدي، قال هو كله جايز مطلق وإنما نهيتكم عن التصريح باسمه ليخفى
اسمه عن أعدائنا فلا يعرفوه.
وعنه بهذا الاسناد عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: إذا رفع عالمكم
وغاب من بين أظهركم فتوقعوا الفرج الأعظم من تحت اقدامكم.
وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور عن عبد الله بن جعفر عن
محمد بن عيسى، عن سليمان بن داود عن أبي بصير قال سمعت الباقر،
يقول: في مهدينا المنتظر بسبع سنين من آدم انه كان في الجنة لا يراه أحد
الا حواء حتى ظهر منها وبه نجا نوح في السفينة وفيه إبراهيم نجا من النار
وفيه يوسف نجا من السجن إلى أن ملكه الله خزائن الأرض وفيه موسى
خرج خائفا يترقب وقوله ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما
وجعلني من المرسلين ومن عيسى اتهم لعيسى قالوا: قتلناه وصلبناه فكذبهم
الله بقوله (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) ومن محمد وظهوره بالسيف.
وعنه عن جعفر بن أحمد القصير، عن صالح بن أبي حماد،
والحسين بن طريف جميعا، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن
سالم، عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: قال
أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري ان لي إليك حاجة فمتى يخف عليك ان
اخلو بك وأسألك عما شئت قال جابر: في اي الأوقات أحببت يا سيدي
فخلا به أبي في بعض الأيام فقال له: يا جابر اخبرني عن اللوح الذي
رأيته في يد أمي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما
364

أخبرتك أمي اي شئ مكتوب في اللوح قال جابر: اشهد بالله اني دخلت
على أمك فاطمة (عليها السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فهناتها في ولادة الحسين (عليه السلام) ورأيت بيدها لوحا اخضر ظننت
انه زمرد ورأيت كتابا ابيض شبه نور الشمس قلت لها بابي وأمي يا بنت
رسول الله ما هذا اللوح قالت: هذا اللوح هداه الله إلى رسوله (صلى الله
عليه وآله) فيه اسم أبي واسم بعلي وأسماء أبنائي وأسماء الأوصياء من
ولدي وأعطانيه أبي ليسرني بذلك، قال جابر: ثم أعطتني إياه أمك
فاطمة فقرأته ونسخته فقال أبي فهل لك يا جابر: تعرضه علي، قال:
نعم، فمشى أبي معه حتى انتهى إلى منزل جابر فأخرج أبي صحيفة من
ورق وقال: يا جابر انظر بكتابك لا قرأ عليك فنظر جابر بنسخته وقرأ أبي
عليه فما خالف حرف لحرف فقال: جابر اشهد بالله هكذا مكتوب، وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره
وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين عظم يا
محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي انا الله لا إله إلا أنا من رجا
غير فضلي وخاف غيري عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فإياي
فاعبد وعلي فتوكل اني لم ابعث نبيا فأكملت أيامه وانقضت مدته الا جعلت
له وصيا واني فضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء وأكرمت
شبليه وسبطيه حسنا وحسينا معدني علمي بعد انقضاء مدة أبيهما وجعلت
الحسين بعد أخيه الحسن روحي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة وهو
أفضل كل من استشهد واعلام درجة عندي وجعلت كلمته التامة معي
وحجتي عنده بعترته أثبت وعاقبت أولهم سيد العابدين وزين أوليائي
العارفين الماضين وابنه شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي المعلن بحكمي
سيهلك المرتابون في جعفر الصادق والراد عليه كالراد علي حقا مني لأكرمن
مثوى جعفر ولأسر به أشياعه وأنصاره وأولياؤه تبيح به بعده فتنة عما أحدس
الا ان حبل فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى وأوليائي لا خوف عليهم ولا
هم يحزنون الا من جحد واحد الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى
365

وحبلي وخيرتي ان المكذب بكل أوليائي وعلي ابنه ناصري ومن أضع أعناق
النبوة عليه وامنحه الاصطلاح إلى جانب مخالفي حق القول مني لا أقرن
عينه سري وحجتي على خلقي جعلت الجنة مثواه وشفعته سبعين من أهل بيته
كل منهم استوجب النار واختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري
والشاهد في خلقي وأميني على وحيي وأخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن
لعلمي ابنه الحسن ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين عليه اكمال صفوة آدم
ورفعة إدريس وسكينة نوح وكلم إبراهيم وشدة موسى وبهاء عيسى وصبر
أيوب ستذل أوليائي في غيبته وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك
والديلم ويقتلون ويحرقون ويكونون خائفين وجلين تضيق بهم الأرض
ويفتنون الويل والرناه في لسانهم، أولئك أوليائي حقا بهم أدفع كل فتنة
عمياء حندس وبهم اكشف الزلازل وارفع الآصار والاغلال، أولئك عليهم
صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.
قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير جدي لأبي: لو لم تسمع يا
بني في دهرك الا هذا الحديث لكفاك، فصنه الا عن أهله.
وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي عن أبي الحسين عن أبي محمد بن
جعفر الأسدي قال: حدثني أحمد بن إبراهيم، قال دخلت على إبراهيم بن
خديجة بنت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) في سنة اثنتين وستين
ومائتين بالمدينة فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن ايمتها فسمت من
أنتم بهم ثم قالت فلان ابن الحسن بن علي فقلت لها جعلت فداك تقولين
معاينة أو خبرا قالت: عن أبي محمد (عليه السلام) كتب به إلى أمه،
فقلت لها: وأين الولد، قالت: مستور قلت إلى من تفزع الشيعة قالت:
إلى الجدة أم الحسن (عليها السلام) قلت فمن اقتدى في وصيته إلى امرأة
فقالت: اقتدى بجده الحسين بن علي، أوصى لأخته زينب ابنة علي في
الظاهر فكل ما يخرج من علي بن الحسين (عليه السلام) من علم ينسب
إلى عمته زينب سترا على علي بن الحسين (عليه السلام) ثم قالت: انكم
366

قوم أصحاب اخبار ما رويتم عن سابع سبعة ولد من الحسين بعد الخمسة
من ولد أمير المؤمنين يقسم ميراثه وهو حي فلما نشأ صاحب الزمان
(عليه السلام) نشأ منشأ آبائه (عليهم السلام) وقام بأمر الله عز وجل
سرا الا عن ثقاته وثقات آبائه.
وعنه عن محمد بن إسماعيل الحسني عن أبي الحسن صاحب العسكر
احتجب عن كثير من الشيعة الا عن خواصه فلما أفضى الامر إلى أبي
الحسن (عليه السلام) كان يكلم الخواص وغيرهم من وراء الستر الا في
الاوقاب التي يركب فيها إلى دار السلطان وإنما ذلك مقدمة الا لغيبة
صاحب الزمان (عليه السلام) في تاسع عشر من الوقت توفي المعتمد
وبويع لأحمد بن موفق، وهو المعتضد في رجب في سنة تسعة وسبعين
ومائتين في سنة تسعة وعشرين من الوقت توفي المعتضد وبويع لابنه علي
المكتفي في شهر ربيع الآخر سنة تسعة وعشرين وهي سنة تسعة وثمانين
من التاريخ وفي سنة خمسة وثلاثين من الوقت، وتوفي المكتفي وبويع لجعفر
المقتدر بالله بذي القعدة سنة خمسة وتسعين ومائتين وكانت كتبه ودلائله
وتوقيعاته (عليه السلام) تخرج عل يد أبي شعيب محمد بن نصير بن بكر
النميري البصري فلما توفي خرجت على يد جدته أم أبي محمد
(عليه السلام) وعلى ابنه محمد بن عثمان.
وعنه قال: حدثني محمد بن جمهور عن محمد بن إبراهيم بن مهديار
قال: شككت بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) اجتمع عند أبي مال
كثير فحمله وركب السفينة وخرجت معه مشيعا فوعك وعكا شديدا فقال يا
بني ردني فهذا الموت، وقال اتق الله في هذا المال، وأوصاني ومات فقلت
في نفسي لم يكن أبي أوصاني في شئ غير صحيح احمل هذا المال
إلى العراق واستكري دارا على الشط ولا اخبر أحدا بشئ فان وضح لي
شئ كوضوح أيام أبي محمد (عليه السلام) أنفذته أو رجعت به وقدمت
بغدد واستكريت دارا على الشط وبقيت أياما فإذا انا برسول معه رقعة فيها
367

يا أبا محمد معك كذاغ في جوف كذا حتى قص علي جميع ما علمته وما لم
اعلمه فسلمته للرسول وبقيت أياما لا يراجع بي رسول فاغتممت فخرج
الامر قد أقمناك في مال لنا مقام أبيك فاحمد الله واشكره.
وعنه عن أبي القاسم سعد بن أبي خلف قال: كان الحسن بن النصر
وأبو صدام وجماعة تكلموا معي بعد مضي أبي الحسن (عليه السالم) في
ما كان في يد الوكلاء وازدادوا القبط فجاء الحسن ابن النصر إلى أبي
صدام فقال أريد الحج، فقال: أبو صدام في آخر هذه السنة فقال له
الحسن: اني أفزع في المنام ولا بد من أن اخرج فأوصى إلى احمد ابن حماد
وأوصى إلى الناحية بمال وآمره ان لا يخرج شيئا الا من يده إلى يده بعد
ظهوره يعني صاحب الزمان (عليه السلام) قال الحسن بن النصر: وافيت
إلى بغداد فاكتريت دارا ونزلتها فجاءني بعض الوكلاء بكتاب ودنانير وخلفها
عندي فقلت له ما هذا فقال: هو ما ترى ثم جاءني آخر بمثلها واخر حتى
كبسوا الدار ثم جاءني أحمد بن إسحاق، بجميع ما كان معي فتعجبت
وبقيت متفكرا فوردت علي رقعة ارحل إذا مضى من النهار سبع ساعات
فرحلت وحملت ما كان معي وفي الطريق صعاليك ويقطعون الطريق بين
بغداد وسامراء في ستين رجلا ولهم رئيس صعلوك فاجتزت به وهو يراني منه
فوافيت العسكر ونزلت فوردت علي رقعة احمل ما معك فسلمني الله وعبيته
في صار الحمالين فلما بلغت به الدهليز إذا فيه خادم اسود نائم فقال لي:
أنت الحسن بن النصر فقلت: نعم، فقال: ادخل الدار فدخلت ونزلت
في بيت وفرغت صار الحمالين فإذا في زوايا البيت خبز كثير فأعطى كل
واحد من الحمالين رغيفين فخرجوا فنظرت إلى باب عليه ستر فنوديت منه
يا حسن ابن النصر احمد الله على ما من عليك ولا تسكن إلى قول الشيطان
انك شككت وأخرج إلي ثوبين فقال: خذهما فإنك تحتاج إليهما فاخذتهما
وخرجت فقال أبو القاسم: انصرف الحسن بن النصر بشهر رمضان ومات
وكفنته في الثوبين.
368

وعنه عن محمد بن جعفر الكوفي، عن أبي خالد البصري وكان يسمى
عبد ربه قال: خرجت في طريق مكة بعد مضي أبي محمد (عليه السلام)
بثلاث سنين فوردت المدينة واتيت صاريا فجلست في ظلة كانت لأبي محمد
(عليه السلام) وكان سيدي أبو محمد رام ان أتعشى عنده وانا أفكر في
نفسي فلو كان شئ لظهر بعد ثلاث سنين فإذا بهاتف يقول لي اسمع صوته
ولا أرى شخصه يا عبد ربه قل لأهل مصر هل رأيتم رسول الله (صلى
الله عليه وآله) حيث آمنتم به قال: ولم أكن اعرف اسم أبي وذلك أني
خرجت من مصر وانا طفل صغير فقلت ان صاحب الزمان بعد أبيه حق
وان غيبته حق وانه الهاتف بي فزال عني الشك وثبت اليقين.
وعنه عن محمد بن الحسن بن عبد الحميد القطاني قال: شك
الحسن بن عبد الحميد في امر حجر الوشا فجمع مالا وخرج إليه الامر في
سنة ستين ليس فينا شك ولا في من يقوم بأمرنا فاردد ما معك إلى حجر
ابن يزيد.
وعنه عن أبي علي وأبي عبد الله المهدي عن محمد بن عبد الله وأبي عبد
الله بن علي المهدي (عليه السلام) عن محمد السوري عن أبي الحسن،
أحمد بن الحسن، وعلي بن رزق الله، عن بدر غلام أحمد بن الحسن،
قال: وردت الجبل وأنا أقول: بالإمامة وأحبهم جملة إلى أن مات زيد بن
عبيد الله وكان من موالي أبي محمد (عليه السلام) ومن جند ذكوتكين فأوصى
في علته ان يدفع شهري كان معه وسيف ومنطقة إلى مولاه صاحب الزمان
(عليه السلام) قال بدر فخفت ان اقعد فيلحقني ذلك سرا من ذكوتكين
فقومت الشهري والسيف والمنطقة بتسع مائة دينار وما كنت والله أعلمت به
أحدا فحملت من مالي مثله.
وعنه عن أبي حامد المراغي ان القاسم بن المعلى الهمداني كتب يشكو
قلة الولد وكان من وقت كتب إلى أن رزق ولدا ذكرا تسعة اشهر ثم كتب
يسال بالدعاء باطلة الحياة لولده فورد الدعاء له في نفسه ولم يجب في ولده
369

شيئا فمات الولد فمن الله فرزق ابنين.
وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، قال: حدثني الفضل الخزاز
المدني، مولى خديجة ابنة أبي جعفر (عليه السلام)، ان قوما من أهل
المدينة الطاغين كانوا يقولون الحق فكانت الوظائف ترد عليهم في وقت
معلوم فلما مضى أبو محمد (عليه السلام) رجع قوم منهم عن القول بالخلف
(عليه السلام) فوردت الوظائف على من ثبت على الاقرار به بعد أبيه
(عليهما السلام) وقطع عن الباقين فلم يعد إليهم.
وعنه عن أبي الحسن أحمد بن عثمان العمري، عن أخيه أبي جعفر بن
عثمان، قال حمل رجل من أهل السواد مالا كثيرا إلى صاحب الزمان
(عليه السلام) فرد عليه وقيل له اخرج حق أولاد عمك منه أربعمائة درهم
وكان في يده قرية لولد عمه دفع إليهم بعضا وزوى عنهم بعضا فبقي باهتا
متعجبا ونظر في حساب المال فإذا الذي لولد عمه أربعمائة درهم كما قال
(عليه السلام).
وعنه عن أبي الحسن العمري قال: كتب محمد داود إلى الناحية
يسال الدعاء لوالديه واخوته وخرج التوقيع غفر الله لك ولوالديك
ولاخوانك المتوفاة بكل كل ولم يذكر الباقين.
وعنه عن أبي الحسن العمري قال حمل رجل من القائلين مالا إلى
صاحب الزمان (عليه السلام) مفصلا بأسماء قوم مؤمنين وجعل بين كل
اسمين فصلا وحمل عشر دنانير باسم امرأة لم تكن مؤمنة فقبل مال الجميع
ووقع في فصوله وردت على العشر دنانير على الامرأة ووقع تحت اسمها إنما
يتقبل الله من المتقين.
وعنه: قال حدثني عبد الله الشيباني قال: أوصلت مالا وحليا
للمرزباني كان فيه سوار ذهب فقبل الجميع ورد السوار وأمرني بكسره
370

فجئت إلى المرزباني فعرفته ما رد به صاحب الامر فكسرناه فوجدنا فيه
مثقال حديد ونحاس وغيره فأخرجناه ورددناه إليه فقبله.
وعنه قال حدثني أبو الحسن الجلتيتي، كان لي أخ على الفرح مالا
فأعطاني بعضه في حياته ومات فطعمت في تمامه بعد موته في سنة احدى و
سبعين واستأذنت في الخروج إلى ورثته إلى واسط فلم يؤذن لي فاغتممت فلما
مضت لذلك مدة كتب إلي مبتديا بالاذان والخروج وأنا آيس فقلت لم يؤذن
لي في قرب موته واذن لي بهذا الوقت فلما وصلت إلى القوم أعطيت حقي
عن آخره قال: وسرت إلى العسكر فمرضت مرضا شديدا حتى آيست من
نفسي فظننت ان الموت بعث إلي فإذا اتاني من الناحية قارورة فيها بنفسج
مر بي من غير السؤال فكنت اكل منها على غير مقدار فكان يروي عند
فراغي منها وفيما كان فيها.
وعنه قال: حدثني عبد الله بن المرزبان، عن أحمد بن الخصيب عن
محمد بن إبراهيم بن مهديار، قال: أنفذت مالا إلى الناحية فقيل: انك
غلظت على نفسك في الصروف بثمانية وعشرين دينارا فرجعت إلى الحساب
فوجدت الامر كما وقع به.
وعنه قال: حدثني محمد بن عباس القصيري قال: كتبت في سنة
ثلاثة وسبعين إلى الناحية اسال الدعاء بالحج ولم يكن عندي ما يحملني وان
أرزق السلامة وان اكفي امر بناتي فوقع تحت المسالة سالت بالدعاء عليها
فرزقت الحج والسلامة ومات لي ثلاث بنات من السنة.
وعنه قال: حدثني أبو العباس الخالدي: قال كتب رجلان من إخواننا
بمصر إلى الناحية يسألان صاحب الزمان (عليه السلام) في جملين فخرج
الدعاء لأحدهما بالبقاء وخرج الآخر واما أنت يا حمدان فاجرك الله بجملك
فمات الجمل الذي له.
371

وعنه قال حدثني أبو الحسن علي بن الحسن اليماني: قال كنت بالكوفة
فتهيأت قافلة لليمانين فأردت الخروج معهم وكنت التمس الامر من
صاحب الزمان فخرج إلي الامر لا تخرج مع هذه القافلة فليس لك
بالخروج معهم خير وأقم بالكوفة قال فقمت كما امرني وخرجت القافلة
فخرجت عليهم حنظلة فاباحتهم قال: وكتبت استأذن في ركوب الماء من
البصرة فلم يؤذن لي وسارت المراكب فسالت عنها فخبر ان خيلا من الهند
يقال لهم البوازج خرجوا فقطعوا عليهم فما سلم أحد منهم فخرجت إلى
سامراء فدخلتها غروب الشمس ولم أكلم أحدا ولم أتعرف إلى أحد حتى
وصلت إلى المسجد الذي بإزاء الدار قلت أصلي فيه بعد فراغي من الزيارة
فإذا انا بالخادم الذي كان يقف على رأس السيدة نرجس (عليها السلام)
فجاءني وقال: قم فقلت: إلى أين ومن انا، قال: أنت أبو الحسن
علي بن الحسن اليماني رسول جعفر بن إبراهيم حاطه الله فمر بي حتى
أنزلني في بيت الحسين بن حمدان ساره فلم أدر ما أقول حتى اتاني بجميع
ما احتاج إليه فجلست ثلاثة أيام ثم استأذنت في الزيارة من داخل لي
فزرت ليلا وورد كتاب أحمد بن إسحاق، في السنة بحلوان في حاجتين
فقضيت له واحدة وقيل له في الثانية إذا وافيت قم كتبنا إليك فيما سالت
وكانت الحاجة انه كتب يستعفي من العمل فإنه قد شاخ ولا يتهيأ له القيام به
فمات بحلوان.
وعنه قال: حدثني أبو جعفر محمد بن موسى القمي، قال: خرجت
إلى سامرا مع ابن احمد الشعيباني وكتبت رقعة إلى السيدة نرجس
(عليها السلام) أعرفها بقدومي لزيارة مولاي (عليه السلام) وأنفذتها مع
بدر الخادم المعروف بابي الحر فانصرفت فإذا بالرسول يطلبني فجئت
وعلي بن أحمد وقد دفع إلى أبي دينارين وأربع رقع فقال لي: علي بن أحمد
لولا أنه ذهب لاخذ بعضه من الخادم فقال: خذ الدينارين فقلت لا هذه
قد أمرت ان ينكسني بها فقال ابن احمد اكتب رقعة واسألهم الدعاء فقلت
372

حتى استأذن الخادم فان اذن لي كتبت فجئت إلى بدر فعرفته علي بن أحمد
ومذهبه واعملته انه يريد يكتب رقعة واني أردت ان استأذن له فقال لي:
تعود إلي بعد هذا الوقت فانصرفت فجاءني رسول الخادم فسرت إليه
وعلي بن أحمد قال: اكتب بما تريد فكتبت رقعة اسال فيها الدعاء وانصرفنا
فلما كان بالعشي جاءني رسول الخادم فسرنا إليه جميعا فدفعت إليه رقعة
فدعا له فيها ودفع إليه ستة دراهم وقيل له رصع منها الخواتم.
وعنه عن أبي محمد عيسى بن مهدي الجوهري قال خرجت في سنة
ثمانية وستين ومائتين إلى الج وكان قصدي المدينة وصاريا حتى صح
عندنا ان صاحب الزمان (عليه السلام) رحل من العراق إلى المدينة
فجلست بالقصر بصاريا في ظلة أبي محمد (عليه السلام) ودخل عليه قوم
من خاصة شيعته فخرجت بعد ان حجيت ثلاثين حجة في تلك السنة
حاجا مشتاقا إلى لقائه (عليه السلام) بصاريا فاعتللت وقد خرجنا من فيد
فتعلقت نفسي بشهوة السمك واللبن والتمر فلما وردت المدينة الملاية وافيت
فيها إخواننا فبشروني بظهوره (عليه السلام) بصاريا فلما أشرفت على
الوادي رأيت عنوزا عجافا تدخل القصر فوقفت ارتقب الامر إلى أن صليت
العشاءين وأنا ادعو وأتضرع واسال وإذا ببدر الخادم يصيح بي يا عيسى بن
مهدي الجوهري الجنبلاني ادخل فكبرت وهللت وأكثرت من حمد الله عز
وجل والثناء عليه فلما صرت في صحن دار القصر فرأيت مائدة منصوبة فمر
بي الخادم وأجلسني عليها وقال لي: مولاك يأمرك ان تأكل ما اشتهيت
بعلتك وأنت خارج من فيد فقلت في نفسي حسبي بهذا برهانا فكيف آكل
ولم أر سيدي ومولاي فصاح يا عيسى كل من طعامي فإنك تراني فجلست
على المائدة ونظرت فإذا عليها سمك حار يفور وتمر إلى جانبه أشبه التمر
بتمرنا بجنبلا وجانب التمر لبن ولي فقلت في نفسي عليك ونفه وسمك
ولبن ولي وتمر فصاح يا عيسى لا تشك في أمرنا أنت اعلم بما ينفعك
ويضرك فبكيت واستغفرت الله وأكلت من الجميع وكلما رفعت يدي لم يبن فيه
373

موضع فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيرا حتى استحييت
فصاح يا عيسى لا تستحي فإنه من طعام الجنة لم تصنعه يد مخلوق فأكلت
فرأيت نفسي لا تشتهي من اكله فقلت يا مولاي حسبي فصاح بي اقبل إلي
فقلت في نفسي القى مولاي ولم اغسل يدي فصاح بي يا عيسى وهل لما
اكلت غمر فشممت يدي فإذا هي أعطر من المسك والكافور فدنوت منه
(عليه السلام) فبدا لي شخص أغشى بصري ورهبت حتى ظننت ان عقلي
قد اختلط فقال لي يا عيسى ما كان لكم ان تروني ولولا الملا تقول أين هو
كان متى يكون وأين ولد ومن رآه وما الذي خرج إليكم منه وبأي شئ
انباكم وأي معجزة أراكم أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين عما اراده وقدموا
عليه وكادوه وقتلوه وكذلك فعلوا بآبائي (عليهم السلام) ولم يصدقوهم
ونسبوهم إلى السحر والكهانة وخدمة الجن لما رأيتني يا عيسى اخبر أولياءنا
بما رأيت وإياك ان تخبر عدوا لنا فتسلبه فقلت يا مولاي ادع لنا بالثبات
فقال لي: لو لم يثبتك الله لما رأيتني فامض لحجك راشدا فخرجت من أكثر
الناس حمدا وشكرا.
وعنه قال: حدثني محمد بن سنان الزاهري عن الصادق
(عليه السلام) عن أبيه عن جده الحسين، عن عمه الحسن، عن أمير
المؤمنين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا تواتت أربعة أسماء
من الأئمة من ولدي فرابعهم القائم المؤمل المنتظر.
وعنه قال حدثني علي ابن الطيب الصابوني عن علي بن مهديار عن
محمد بن خلف الطاطري عن الحسن بن سماعة عن جابر المعبراني عن أبي
حمزة الثمالي عن محمد الباقر عن أبيه عن جده الحسين (عليهم السلام)
قال دخلت انا وأخي الحسن على جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فأجلسني على فخذه واجلس أخي على فخذه الآخر وقبلنا وقال: بابي وأمي
أنتما من امامين زكيين صالحين اختاركما الله عز وجل مني ومن أبيكما وأمكما
374

واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم وكلاكم في المنزلة
سواء.
وعنه قال حدثني الحسن بن محمد بن جمهور عن أبيه محمد عن كثير بن
عبد الله، عن المفضل بن عمر قال: دخلت على جعفر الصادق
(عليه السلام) فقلت يا سيدي لم لا عهدت الينا بالخلف من بعدك فقال:
يا مفضل الإمام بعدي ابني موسى والخلف المؤمل المنتظر محمد بن الحسن
بن علي.
وعنه قال حدثني علي بن الحسن المقري الكوفي، عن أحمد بن زيد
الدهان عن المخول بن إبراهيم عن رشده ابن عبد الله بن خالد المخزومي
عن سلمان قال دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر إلي
وقال يا سلمان الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيا ولا رسولا الا جعل له اثني
عشر نقيبا قال قلت له يا رسول الله قد عرفت هذا من أهل الكتابين
التوراة والإنجيل قال يا سلمان فهل علمت من نقبائي ومن الاثني عشر
الذين اختارهم الله للأمة من بعدي فقلت الله ورسوله اعلم فقال يا
سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فاطعة وخلق من نوري عليا
ودعاه فاطاعه وخلق من نوري ومن نور عليا فاطمة ودعاها فأطاعته وخلق
مني ومن علي وفاطمة الحسن ودعاه فاطاعه وخلق مني ومن علي وفاطمة
والحسن والحسين ودعاه فاطاعه فسمانا الخمسة الأسماء من أسمائه الله
محمود وانا محمد والله العلي وهذا علي والله فاطر وهذه فاطمة والله الاحسان
وهذا الحسن والله المحسن وهذا الحسين ثم خلق منا ومن صلب الحسين
تسعة أئمة ودعاهم فأطاعوه قبل ان يخلق الله سماءا مبنية وأرضا مدحية
وهواءا وماءا وملكا وأشركنا بعلمه نورا نسبحه ونسمع له ونطيع قال
سلمان قلت: يا سيدي يا رسول الله فديتك بأبي أنت وأمي لمن عرف عني
هذا فقال يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم واقتدى بهم ووالى وليهم وتبرأ
375

من عدوهم فهو والله منا يرد حيث نرد ويسكن حيث نسكن فقلت يا
رسول الله فهل تكون الجنات بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم فقال لا يا
سلمان فقلت يا رسول الله قد عرفتهم الحسين ثم سيد العابدين علي بن
الحسين وابنه محمد بن علي باقر علم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين
ثم جعفر بن محمد لسان الله الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم الغيظ
صبرا في الله عز وجل ثم علي بن موسى الرضا لأمر الله ثم محمد بن علي
المختار من خلق الله ثم علي ابن محمد الهادي إلى الله ثم الحسن بن علي
الأمين على سر الله ثم محمد بن الحسن الهادي المهدي الناطق القائم بحق
الله قال سلمان فبكيت ثم قلت يا رسول الله فاني لسلمان بادراكهم قال يا
سلمان انك مداركهم ومثلك من توالاهم لحفظ المعرفة فقال سلمان
فشكرت الله كثيرا ثم قلت يا رسول الله اني مؤجل إلى عهده قال يا سلمان
اقرأ (فإذا جاء وعد أوليهما بعثنا عليكم عبادا لنا اولي قوة وأولي باس شديد
فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم
وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) قال سلمان واشتد بكائي
وشوقي ثم قلت بعهد منك قال: والذي بعث محمدا انه لعهدي ومن علي
وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الأئمة وكل من هو منا مظلوما فينا اي
والله يا سلمان ثم ليحضرن إبليس وجنوده وكل من محض الايمان محضا
ومحض الكفر محضا ثم يؤخذ بالقصاص والأوتار ولا يظلم ربك أحدا
ونحن تأويل هذه الآية: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض
ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون
وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) قال سلمان فقمت من بين يدي
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا أبالي متى لقيني الموت أو لقيته.
وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، عن زيد الرهاوي عن الحسن بن
مسكان عن عتبة بن سنان عن جابر الجعفي قال: دخلت على سيدي
الباقر (عليه السلام) فقلت مولاي حدثني مولاك خالد بسوق العقيق،
376

قال: سمعت مولاي الحسين بن علي يقول دخلت على جدي رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فلما رآني ضمني إليه وقبل ما بين عيني وتنفس صعدا
وانهملت عيناه بالدموع ثم قال لي فديتك يا قتيل الفجرة وأبناء الفجرة إلى
الله أشكو عظم مصيبتي فيك يا حسين وانهملت عيناه قال: وكان لي
في ذلك الوقت ثلاث سنين فلما سمعت كلام جدي رسول الله (صلى الله
عليه وآله) عرض لي البكاء فبكيت ولما سمعت منه ولبكائه فقال لا تبك يا
حسين بل اضحك سنا يا حسين لا يحزنك ما سمعت من قتلك فان الله
خلقك من نور لا يطفأ ولن تطفأ ابدا ووجه لم يهلك ولن يهلك ابدا وخلق
من صلبك أنوارا أئمة أبرارا وجعل فيك وفيهم حكم البدء والفناء والآخرة
والأولى وزمام كل زمام قال الحسين (عليه السلام) فكان الله عز وجل
جلا عني حزني وملا قلبي سرورا فما حزنت منذ سمعت كلام جدي رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وعنه قال حدثني علي بن الحسين الكوفي قال حدثني وهب بن عبد الله
عن محمد بن جبلة عن الحسين بن معمر عن خالد بن محمد عن جابر الجعفي قال سمعت الباقر (عليه السلام) يقول: عن تأويل قول الله عز
وجل: (ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق
السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن
أنفسكم) فتنفس صعدا ثم قال: يا جابر اما السنة جدي رسول الله
وشهورها الاثنا عشر من جدي أمير المؤمنين إلى الخلف المهدي من ولد
الحسين اثنا عشر امام واما الأربعة الحرم منا فهم أربعة أئمة باسم واحد
علي أمير المؤمنين وعلي بن الحسين وعلي بن موسى وعلي بن محمد والاقرار
بهؤلاء الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وتجعلوهم بالسواء جميعا.
وعنه بهذا الاسناد عن جابر الجعفي قال: قال سيدي الباقر
(عليه السلام) في قول الله: (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب
377

بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم
كلو واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) قال لما شكى
قوم موسى إليه الجدب والعطش فاستسوا موسى فسقاهم فسمعت ما قال
الله له ومثل ذلك جاء المؤمنون إلى جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقالوا له يا رسول الله تعرفنا من الأئمة من بعدك فما مضى من نبي الا وله
وصي وأئمة من بعده وقد علمنا أن عليا وصيك فمن الأئمة بعدك فأوحى
الله قد زوجت عليا بفاطمة في سمائي تحت ظل عرشي وجعلت جبرائيل
خطيبها وميكائيل وليها وإسرافيل القابل عن علي وأمرت شجرة طوبى فنثرت
اللؤلؤ الرطب واليواقيت والزبرجد الأخضر والأحمر والأصفر ومناشير مخطوطة
بالنور فيها أمان الملائكة من سخطي وعذابي ونشر على فاطمة تلك المناشير
في أيدي الملائكة يفتخرون بها في يوم القيامة وفصل الخطاب وجعلت نحلتها
من علي ونحلتها أعني خمس الدنيا وثلثي الجنة وجعلت لها في الأرض أربعة
انهار الفرات ونيل مصر وسيحان وجيحان فزوجها أنت يا محمد بخمسمائة
درهما تكون أسوة بها لامتك ولابنتك فإذا زوجت فاطمة من علي فعلي
العصاة وفاطمة الحجر يخرج منها احدى عشر اماما من علي وتتم اثني عشر
امام بعلي حياة لامتك تهدي كل أمة بامامها في زمانه ويعلمون كلما علم
موسى فهذا تأويل هذه الآية وكان بين تزويج فاطمة (عليها السلام) في السماء
وتزويجها في الأرض أربعون يوما.
وعنه عن أبي الحسين محمد بن يحيى الفارسي عن هارون بن زيد
الطبرستاني عن المخول بن إبراهيم عن محمد بن خالد الكناسي الكوفي عن
يونس بن ظبيان عن المفضل بن عمر عن جابر الأنصاري قال جابر: بعث
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى سلمان الفارسي والمقداد ابن الأسود
الكندي وأبي ذر جندب بن جنادة الغفاري وعمار بن ياسر وحذيفة بن
اليماني وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبو الهيثم مالك بن التيهان
378

الأشهلي وأبي الطفيل عامر بن واثلة وسويد بن غفلة وسهل وعثمان
وعثمان ابني حنيف ويزيد السلمي فحضرنا يوم جمعة ضحى فلما اجتمعنا
بين يديه وأمير المؤمنين (عليه السلام) عن يمينه وامر (صلوات الله عليه) بان
لا يدخل أحد وكان انس في ذلك الوقت خادمه فأمره بالانصراف إلى منزله
ثم اقبل علينا بوجهه الكريم على الله وقال لنا أبشروا فان الله من علينا
بفضله وعلم ما في أنفسنا من الخلاص له والايمان به والاقرار بوحدانيته
وبملائكته وكتبه ورسله وعلم وفاكم الجنة بغير حساب أنتم ومن كان كما
أنتم عليه من مضى ومن يأتي إلى يوم القيامة.
قال جابر فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبشرنا ويحدثنا ودموعه
تجري ودموعنا تهطل لبكائه ولفضل الله علينا ورحمته لنا ورأفته بنا فسجدنا
شكرا لله واردنا الكلام فقطعتنا عنه الرقة والبكاء فقال لنا فان بكيتم قليلا
لنضحككم كثيرا واني أبشركم بما اعلمه منكم انكم تحبون مسألتي عنه ولو
فقدتموني وسألتم أخي عليا لأخبركم به فجهرنا بالبكاء والشكر والدعاء
فقال لنا (عليه السلام) تحاولون مسألتي عن بد وكوني واعلموا رحمكم الله
ان الله تقدست أسماؤه وجل ثناؤه كان ولا مكان ولا كون معه ولا سواه
أحد في فردانيته صمد في أزليته مشئ لا شئ معه فلما شاء ان يخلق
خلقني بمشيئته واردته لي نوزا وقال لي كن فكنت نورا شعشعانيا اسمع
وابصر وانطق بلا جسم ولا كيفية ثم خلق مني أخي عليا ثم خلق منا
فاطمة ثم خلق مني ومن علي وفاطمة الحسن وخلق منا الحسين ومنه ابنه
علي وخلق منه ابنه محمدا وخلق منه ابنه جعفرا وخلق منه ابنه موسى وخلق
منه ابنه عليا وخلق منه ابنه محمدا وخلق منه ابنه عليا وخلق منه ابنه
الحسن وخلق منه ابنه سميي وكنيي ومهدي أمتي ومحي سنني ومعدن ملتي
ومن وعدني ان يظهرني به على الدين كله ويحق به الحق ويزهق به الباطل
ان الباطل كان زهوقا ويكون الدين كله واصبا فكنا أنوارا بأرواح واسماع
وابصار ونطق وحس وعقل وكان الله الخالق ونحن المخلوقون والله المكون
379

ونحن المكونون والله البارئ ونحن البرية.. موصولون لا مفصولون فهلل
نفسه فهللناه وكبر نفسه فكبرناه وسبح نفسه فسبحناه وقدس نفسه
فقدسناه، وحمد نفسه فحمدناه، ولم يغيبنا وأنوارنا تتناجى وتتعارف مسمين
متناسبين أزليين لا موجودين، منه بدأنا وإليه نعود، نور من نور بمشيئته
وقدرته لا ننسى تسبيح ولا نستكبر عن عبادته ثم شاء فمد الأظلة وخلق
خلقا أطوارا ملائكة وخلق الماء والجان وعرش عرشه على الأظلة وأخذ من
بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا
بلى: كان يعلم ما في أنفسهم والخلق أرواح وأشباح في الأظلة يبصرون
ويسمعون ويعقلون فاخذ عليهم العهد والميثاق ليؤمنن به وبملائكته وكتبه
ورسله ثم تجلى لهم وجلى عليا وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الأئمة من
الحسين الذين سميتهم لكم فاخذ لي العهد والميثاق على جميع النبيين وهو
قوله الذي أكرمني به جل من قائل (وإذا اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم
من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه
قال: أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا: أقررنا قال: فاشهدوا
وانا معكم من الشاهدي) وقد علمتم ان الميثاق أخذ لي على جميع النبيين
واني انا الرسول الذي ختم الله بي الرسل وهو قوله تعالى: (رسول الله
وخاتم النبيين) فكنت والله قبلهم وبعثت بعدهم وأعطيت ما أعطوا
وزادني ربي من فضله ما لم يعطه لاحد من خلقه غيري فمن ذلك أنه اخذ
لي الميثاق على سائر النبيين ولم يأخذ ميثاقي لاحد ومن ذلك ما نبا نبيا ولا
ارسل رسولا الا أمره بالاقرار بي وان يبشر أمته بمبعثي ورسالتي والشاهد لي
بهذا قوله جل ذكره في التوراة لموسى: (الذين يتبعون الرسول النبي
الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف
وينهاهم عن المنكر وحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم
إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه
واتبعوا النور الذي انزل معه أولئك هم المفلحون) ولا يعلمون نبيا ولا
380

رسولا غيري وفي الإنجيل قوله عز اسمه الذي حكاه فيما أنزله علي من
خطابه لأخي عيسى بن مريم (عليه السلام) (ومبشرا برسول يأتي من بعدي
اسمه احمد) ويعلم انه ما يرسل رسولا اسمه احمد غيري وان الله منحني
اللوح يوم القيامة الذي يحمله أخي علي وآدم فمن دونه تحته يوم القيامة
وأعطاني الشفاعة والحوض تفضلا منه علي وأعطاني مفاتيح الدنيا وكنوزها
ونعيمها فلم اقبله زهدا فيه فعوضني بمفاتيح الجنة والنار فجعلت كل ما
أعطانيه ربي لأخي علي والأئمة منهم فطوبى لكم وطوبى لمن والاكم حسن
مآب فقمنا على اقدامنا وقلنا يا رسول الله انا قد أنعم الله بك علينا
وبأخيك علي وذريتك فنسأل الله يقبضنا إليه الساعة لئلا يأتي أحد منا ببائقة
تخرجه عن هذا الخطر العظيم فقال لنا (عليه السلام): كلا لا تخافون
فإنكم من الذين قال الله فيهم: (فبشر عباد الذين يستمعون القول
فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب).
قال جابر الجعفي: فقلت لجابر الأنصاري لقد أسعدني الله بلقائك في
هذا اليوم هذا ببركة الله وبركة سيدي الباقر (عليه السلام) ولقائك إياه
بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال جابر بن عبد الله الأنصاري يا جابر خبر من لقيك من شيعة آل
محمد بما سمعته مني فبهذا عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وعنه عن محمد بن عبد الحميد البزاز وأبي الحسين بن مسعود الفراتي قالا
جميعا وقد سألتهم في مشهد سيدنا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)
بكربلاء عن جعفر وما جرى في امره بعد غيبة سيدنا أبي الحسن علي وأبي
محمد الحسن الرضا (عليهم السلام) وما ادعاه له جعفر وما فعل فحدثوني
بجملة اخباره ان سيدنا أبا الحسن (عليه السلام) كان يقول لهم تجنبوا ابني
جعفر اما انه بني مثل حام من نوح الذي قال الله جل من قائل فيه:
381

(قال نوح رب ان ابني من أهلي) الآية فقال له الله يا نوح: (انه ليس
من أهلك انه عمل غير صالح) وان أبا محمد (عليه السلام) كان يقول
لنا بعد أبي الحسن (عليه السلام) الله الله ان يظهر لكم أخي جعفر على
سر فوالله ما مثلي ومثله الا مثل هابيل وقابيل ابني ادم حيث حسد قابيل
لهابيل على ما أعطاه الله لهابيل من فضله فقتله ولو تهيا لجعفر قتلي لفعل
ولكن الله غالب على امره فلقد عهدنا بجعفر وكل من في البلد وكل من في
العسكر من الحاشية الرجال والنساء والخدم يشكون إذ أوردنا الدار امر
جعفر يقولون إنه يلبس المصنعات من ثياب النساء ويضرب له بالعيدان
فيأخذون مننه ولا يكتمون عليه وان الشيعة بعد أبي محمد (عليه السلام) زادوا في
هجره وتركوا رمي السلام عليه وقالوا: لا تقية بيننا وبينه نتجمل به وان
نحن لقيناه وسلمنا عليه ودخلنا داره وذكرناه نحن فنضل الناس فيه
وعملوا على ما يرونا نفعله فنكون بذلك من أهل النار وان جعفر لا كان
في ليلة أبي محمد (عليه السلام) ختم الخزائن وكلما في الدار ومضى إلى
منزله فلما أصبح اتى الدار ودخلها ليحمل ما ختم عليه فلما فتح الخواتم
ودخل نظرنا فلم يبق في الدار ولا في الخزائن الا قدرا يسيرا فضرب جماعة
من الخدم ومن الإماء فقالوا له: لا تضربنا فوالله لقد رأينا الأمتعة والرجال
توقر الجمال في الشارع ونحن لا نستطيع الكلام ولا الحركة إلى أن سارت
الجمال وغلقت الأبواب كما كانت فولول جعفر وضرب على رأسه أسفا على
ما خرج من الدار وانه بقي يأكل ما كأنه له ويبيع حتى ما بقي له قوت يوم
وكان له في الدار أربعة وعشرون ولدا بنون وبنات ولهم أمهات وأولاد
وحشم وخدم وغلمان فبلغ به الفقر إلى أن أمرت الجدة وهي جدة إلى
محمد (عليه السلام) ان يجري عليه من مالها الدقيق واللحم والشعير والتبن
لدوابه وكسوة لأولاده وأمهاتهم وحشمه وغلمانه ونفقاتهم ولقد ظهرت أشياء
منه أكثر مما وصفنا نسأل الله العافية من البلاء والعصمة في الدنيا والآخرة.
وعنه قال حدثني علي بن الحسين بن فضال وكان ممن يقول بامامة
382

جعفر بعد أبي محمد (عليه السلام) وكان قبل ذلك مخطئا انه كتب ابن
جعفر يسأله عن حقيقة امره وكتب ان أخي أبا محمد (عليه السلام) كان
اماما مفروض الطاعة واني وصيه من بعده وامام لا غير.
وعنه قال: حدثني أبو العباس بن حيوان عن أحمد بن محمد المدايني
قال: لما توفي أبو محمد (عليه السلام) خرجت إلى الحج واتيت المدينة
فسالت بها كل من ظننت انه يعرف خبر المهدي فلم يعرفه أحد الا قوم من
خواص الأهل والموالي وانهم يقولون لي كم تسأل عن من أنت منكر له فارجع
إلى ربك في جعفر فبقيت ثلاث سنين على هذا اسال بالمدينة وبالعسكر ولا
يقال لي الا ما ذكرته وكان هواي في جعفر وكنت اسمع بالامام المهدي
مقيم بالعسكر وان قوما شاهدوه ويخرج إليهم امره ونهيه وكتبت إلى جعفر
أسأله عن الامام والوصي من بعده قال العباس بن حيوان وأبو علي الصايغ
ان جعفرا كتب إلى أحمد بن إسحاق القمي يطلب منه ما كان يحمله من
قم إلى أبي محمد (عليه السلام) وأكثر من ذلك واجتمع أهل قم وأحمد بن
إسحاق وكتبوا له كتابا لكتابه وضمنوه مسائل يسألونه عنها وقالوا
تجيبنا عن هذه المسائل كما سألوا عنها سلفنا إلى آبائك (عليهم السلام)
فأجابوا عنها بأجوبة وهي عندنا نقتدي بها ونعمل عليها فأجبنا عنها مثل ما
أجاب آباؤك المتقادمون (عليه السلام) حتى نحمل إليك حقوق التي كنا
نحملها إليهم فخرج الرجل حتى قدم العسكر فأوصل إليه كتاب وأقام عليه
مدة يسال عن جواب المسائل فلم يجب عنها ولا عن الكتاب بشئ منه
ابدا.
وعنه قال حدثني علي بن أحمد الواسطي انه سار إلى العسكر واتى الدار
ووقف ببابه مستأذنا عليه يسأله عن مسائل كان يسال عنها سيدنا أبا الحسن
وأبا محمد (عليهما السلام) فخرج إليه الخادم فقال له: ما اسمك قال
اسمي علي بن أحمد الواسطي فقال انصرف أنت لا اذن لك.
383

وعنه قال حدثني أحمد بن مطهر صاحب عبد الصمد بن موسى انه
كان بائتا عند عبد الصمد في الليلة التي توفي بها أبو محمد (عليه السلام)
فإنه دخل أحمد بن مطهر على عبد الصمد بن موسى فأخبره بوفاة أبي
محمد فركب عبد الصمد إلى الوزير واخبره بذلك فركب الوزير وعبد
الصمد بن موسى بن بقاء إلى المعتمد واخبراه بوفاة أبي محمد
(عليه السلام) فامر المعتمد أخاه بالركوب والوزير وعبد الصمد إلى دار أبي
محمد حتى ينظروا إليه ويكشفوا عن وجه ويغسلوه ويكفنوه ويصلوا عليه
ويدفنوه مع أبيه (عليه السلام) وينظروا من خلف ويرجعوا إليه بالخبر
وتقدم إلى سائر الخاصة والعامة والدون ان يحضروا الصلاة عليه ففعل أبو
عيسى والوزير وعبد الصمد جميع ما أمروا به ونظروا إلى من في الدار
وانصرفوا إلى المعتمد فقال المعتمد لأخيه أبي عيسى ابشر انك ستلي الخلافة
لان أخانا المعتز لما توفي أبو الحسن علي ابن محمد فخرجت وصليت وصلى
بصلاتنا في الدار لأنه كان التكبير يصل فلما دفنا أبا الحسن (عليه السلام)
ورجعت قال ابشر يا احمد فإنك صليت على أبي الحسن وأنت تجازى
بالخلافة بصلاتك عليه وأنت يا أبا عيسى قد صليت على أبي الحسن وأرجو
ان تجازى بالخلافة مثلي.
وعنه قال حدثني أبو الحسن علي بن بلال وجماعة من إخواننا انه لما كان
في اليوم الرابع من زيارة سيدنا أبي الحسن (عليه السلام) امر المعتز بان
ينفذ إلى أبي محمد (عليه السلام) من بشركم إلى المعتز ليعزيه ويسليه فركب
أبو محمد إلى المعتز فلما دخل عليه رحب به وعزاه وأمر فرتب بمرتبة أبيه
(عليه السلام) وأثبت له رزقه وزاد فيه فكان الذي يراه لا يشك الا انه
في صورة أبيه (عليه السلام) واجتمعت الشيعة كلها من المهتدين
على أبي محمد بعد أبيه الا أصحاب فارس بن ماهويه فإنهم قالوا
بامامة جعفر بن علي العسكري (عليه السلام) قال الحسين بن حمدان
لقيت أبا الحسين بن ثوابة وأبا عبد الله أحمد بن عبد الله الجمال شيخا
384

كان مع أبي الحسين بن ثوابة في داره ببغداد في الجانب الشرقي بعسكر
المهدي، فسألتهما عن ما علماه من امر الامام بعد أبي محمد فقالا لي: ان
أبا الحسن (عليه السلام) كان في حياته إلى أبي جعفر محمد ابنه ومضى أبو
جعفر في حياة أبي الحسن (عليه السلام) وعاش أبو الحسن بعده أربع سنين
وعشرة اشهر وكان فارس بن ماهويه يدعي انه باب أبي جعفر فامر سيدنا أبو
الحسن (عليه السلام) ثم وقعت الشبهة عند المقصرة والمرتابين من الشيعة
وكان الامر والحق لأبي محمد (عليه السلام) وادعى جعفر انه باب أبي جعفر
بعد فارس بن حاتم بن ماهويه وذلك من سيدنا أبي محمد (عليه السلام)
وألقاه الرجلين قبلا ذلك عنه ودعيا الناس إليه فامر سيدنا بطلبهما فهربا إلى
الكوفة وأقاما بها إلى أن مضى أبو محمد (عليه السلام).
قال الحسين بن حمدان: فقلت إلى الحسين بن ثوابة ولأبي عبد الله
الشيخ النازل عليه: قد قصصتما علي هذه القصص فان قص غيركما علي
قصصا فاترك قصصكم واقبل قصة ذلك ولكن عندي حجة أقولها، قالا:
هات ما عندك فقلت لهم هكذا قالت الميمونة ان أبا عبد الله الصادق
أوصى إلى إسماعيل ابنه وقص عليه وخبر انه الامام بعده وقد علمتم
وعلمنا وسائر الشيعة ان إسماعيل مضى في حياة أبيه جعفر الصادق
(عليه السلام) وعاش الصادق بعده أربع سنين ومضى أبو عبد الله قالت:
الشيعة ان عبد الله بن جعفر الصادق جلس بمجلس أبيه وادعا الإمامة وهو
مبطل وكانت الإمامة في ابنه موسى (عليه السلام) وإنما ادعى سمي عبد
الله الأفطح لانح كان أفطح الرأس فهل عند كما قول وحجة تأتيان بها غير هذا
الذي سمعته منكما قالا هذا عندنا في الظاهر قلت ما عندكما في الباطن
فقالا جعفر هو الامام المفترض الطاعة الذي لا يسع الخلق الا معرفته فقلت
لهما أليس قد رويتما ان أبا الحسن (عليه السلام) أشار إلى أبي جعفر انه
الامام من بعده قالا بلى فقلت لهما قد كفرتما بروايتكما على أبي الحسن انه
أشار إلى أبي جعفر انه الامام من بعده وقد مات أبو جعفر قبله في حياته
385

ونسيتما أبا الحسن (عليه السلام) الا انه لم يعلم أن أبا جعفر لم يمت قبله
وان أبا الحسن غش الإمامة وتركها في الشكوك والحيرة واعلمهم انه لا علم
له بما كان وما يكون كما قالت الميمونة في الصادق (عليه السلام) وإسماعيل
حذو النعل بالنعل فكان أبو عبد الله الصادق وأبو الحسن صاحب العسكر
(عليهما السلام) اعرف بالله واعلم بعلم الله بكل ما كان وما هو كائن
من أين تقولان قولا يكون غيره فهل عندكم من حجة أو دليل غير ما
ذكرتماه وسمعتما الجواب عنه فلم يكن عندهما جواب الا انهما قالا لي سئل
أبا الحسن (عليه السلام) من القائم بعده بالإمامة فقال أكبر ولدي وكان
أبو جعفر أكبر ولده فقلت لهما سبحان الله ما أضل رأيكما وأضل روايتكما
أليس ابنه أبو جعفر مات قبله وإنما سئل عن الامام بعده فقال أكبر ولدي
الذي بعدي وكان أكبر ولده بعده أبو محمد (عليه السلام).
وقد روينا عن أبي محمد عبد الله بن سنان بن أحمد وعلي بن أحمد
النوفلي قال كنا مع سيدنا أبي الحسن (عليه السلام) بالعسكر في داره فمر
به ابنه أبو جعفر فقلنا له يا سيدنا هذا صاحبنا بعدك فقالا لا فقلنا له ومن
هو فقال ابني أبو محمد الحسن لا محمد ولا جعفر فسكتا فقلت لهما إن كان
عندكما شئ في صاحبكما مثلما رويتم في أبي محمد (عليه السلام) فهاتوه فما
كان عندهما شئ فرددتهما.
وقلت حدثني أبو علي الملكي وأبو عبد الله جعفر بن محمد الرامهرمزي
انهم نظروا إلى سيدنا أبي محمد وهو يسير في الموكب قال: جعفر
ابن محمد فكنت أحب ان ارزق ولدا فقلت في نفسي يا سيدي يا أبا محمد
أرزق ولدا فنظر إلي وقال برأيه نعم فقلت في نفسي يكون ذكرا فقال برأسه
لا فكانت أنثى.
وقال حدثني جعفر بن محمد الرامهرمزي قال نظرت إلى سيدي أبي
محمد (عليه السلام) وجماعة من إخواننا فقلت في نفسي اني أرى من فضل
386

سيدي أبي محمد برهانا تقر به عيني فرأيته قد ارتفع نحو السماء حتى سد
الأفق فقلت لأصحابي ترون كما أرى فقالوا وما هو فأشرت فإذا هو قد
رجع كهيئته الأولى ودخل المسجد فقال أبو الحسين بن ثوابة وأبو عبد الله
الجمال قد سمعنا ما سمعت من هذه الروايات والدلائل والبراهين فإذا
صدقنا الله فما رأينا لأبي جعفر ولا سمعنا لجعفر دليل ولا برهان ولا حقيقة
الا إلى أبي محمد بعد أبيه (عليهم السلام) وانا لنعلم ان المهدي سمي جده
وكنيه وهو ابن الحسن من نرجس ولقد عرفنا يوم مولده فقلت لهما في اي
يوم وبأي شهر وبأي سنة فقالا ولد طلوع الفجر بيوم الجمعة لثمان ليال
خلت من شهر شعبان من سنة سبع وخمسين ومائتين فقلت لهما قد قلتما الحق
وعلمتما صحة المولود فمن قبله قالا لي أبو محمد أبوه وكفيله حكيمة أخت أبي
الحسن وهي العمة فقلت حقا فلم حاججتماني وأنتما تعلمان انه باطل فقالا
والله ما هذا الا خسران مبين في الدنيا والآخرة وعرض الدنيا يفنى وعذاب
الآخرة يبقى الا ان يعفو الله فقلت حسبكم الله شاهد عليكم فقالا والله لا
يسمع هذا الذي سمعته منا أحد بعدك.
قال الحسين بن حمدان: ثم ظهرت عليهم انهم كانوا يأخذون أموال
جعفر والقرويين وجعفر يخافهم ويقول فيهم الا يلعنهم عند من يثق به
ويقول لهم انهم يأكلون مالي قال الحسين بن حمدان حدثني أبو القاسم ابن
الصائغ البلخي قال خرجت من بغداد إلى العسكر في شهر المحرم لسبع
ليال خلت منه فلما كان بكرة يوم السبت فسلمت على الموالي
(عليهم السلام) وصرت على باب جعفر فإذا في الدهليز دابة مسرجة
فجاوزت بابه وجلست عند حائط دار موسى بن بقاء فخرج جعفر على دابة
كميت وعليه ثياب بيض ورداء وعليه عدنية سوداء طويلة وبين يديه خادم
وفي يده غاشية وعلى يمينه خادم آخر ثيابه سود وعلى رأسه خادم آخر وخادم
على بغلته خلفه فلما رآني نظر إلي نظرا شديدا فمشيت خلفه حتى بلغت
387

باب النقيب الذي على الطالبيين فنزل عنده ودخل إليه ثم خرج منصرفا إلى
منزله فلما بلغ قبر أبي الحسن وقبر أبي محمد (عليهما السلام) أشار بيده
وسلم عليهما ودخل داره فانصرفت إلى حانوت بقال واخذت منه أوقيتين
فكتبت إليه كتابا وكتابا إلى امرأة تكنى أم أبي سلمان امرأة محمد بن زكريا
الرازي وكانت باب جعفر وكان صديقا لي كتب كتابا إلى بعض اخوانه
ليوصله إلى جعفر وفعلت انا كتابا على لسان أبي محمد بن يعقوب بن أبي
نافع المدائني وكتابا إلى الامرأة أم أبي سليمان وتسميت في الذي ترون فيه
أحمد بن محمد المروزي وكتبت فيه جعلت فداك ان حامل كتابي رجل من
خراسان وهو يقول بالسيد محمد متعلقا إليه وذهبت إلى امرأة أبي سليمان
فدفعت الكتاب إليها فأدخلتني إلى دهليز فيه درجة فقالت لي: اصعد
فصعدت إلى حجره فقالت: اجلس فجلست وجلست معي تحدثني
وتسائلني وقامت فذهبت إلى جعفر فاحتسبت به ثم جاءت ومعها رقعة بخطه
مكتوب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم يا احمد رحمك الله أوصلت إلي
الامرأة الكتاب بما أحببت أرشدك الله وثبتك إلي بدواة وكاغد أبيض وطين
الختم فكتبت بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاءك وأعزك وأيدك وأتم
نعمته على وزاد في فضله واحسانه إليك وصلى الله على سيدنا محمد وآله
وسلم كثيرا يا سيدي جعلت فداك انا رجل من مواليك وموالي آبائك
(عليهم السلام) من خراسان منذ كنا متعلقين بحبل الله المتين، كما قال
الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تتفرقوا) فلما حدث بالماضي
أبي الحسن (عليه السلام) ما حدث خرجت إلى العراق لقيت إخواننا
فسألتهم فوجدتهم كلهم مجمعين على أبي محمد (عليه السلام) غير أصحاب
ابن ماهويه انهم كانوا مخالفين وقالوا بامامة جعفر أخو الحسن العسكري
(عليه السلام) فانصرفت إلى خراسان فوجدت أصحابي الذين خلفتهم
ورائي فأخبرتهم فقلنا بابي محمد (عليه السلام) ولم نشك فيه طرفة عين فلما
توفي أبو محمد (عليه السلام) ولم نشك فيه طرفة عين فلما
توفي أبو محمد (عليه السلام) وجه رسولا إلى إخواننا بالعراق ليسألهم فكتبوا
بما كان عندهم من الاختلاف بنفسي مرة فقطع علي الطريق
388

فانصرفت إلى منزلي واضطربت خراسان من الخوارج ولم يمكني ان اخرج
وسيدي عالم بما أقول فخرجت العام مع الحاج فلم اترك أحدا من أصحابنا
بنيسابور والري وهمدان وغيرهم الا سألتهم فوجدتهم مختلفين حتى وجدت
أحمد بن يعقوب المدائني صاحب الكتاب فكتب لي كتابا إلى السيد فدخلت
بغداد منذ ثلاثة اشهر فما تركت أحدا يقول بهذا القول الا لقيتهم وناظرتهم
فوجدتهم مختلفين حتى لقيت أبا الحسن بن ثوابة وأصحابه وأبا عبد الله
الجمال وأبا علي الصائغ وغيرهم فقالوا: ان جعفر أبيه وصي أخيه أبي محمد
ولم يكن اماما غيره ورأيت علي ابن الحسين بن فضال فقال كتبت إلى
جعفر فسألته عن أبي محمد من وصيه فقال: أبو محمد كان إماما مفترض
الطاعة على الخلق وانا وصيه ورأيت غيرهم فقالوا ان جعفرا وصي أبيه أبي
الحسن فتحيرت وقلت ليس ها هنا حيلة الا ان اخرج إلى السيد واساله
مشافهة فخرجت إلى سيدي فهذه قصتي وحالي فان رأى سيدي ان يمن على
عبده بالنظر إلى وجهه وسؤاله مشافها فعل فاني خلفت ورائي قوما حيارى
فلعل الله ان يهديهم سيدي سبيلا فعلا مفعولا مأجورا ان شاء تعالى
وراجعت الكتاب إليه على يد أم أبي سليمان فلما كان بعد ساعة جاءت
هذه الامرأة التي تكنى أم سليمان فقالت لي: يقول لك السيد اني كنت
راكبا وانصرفت وانا كسلان فكن عند هذه الامرأة حتى أوجه إليك وأدعوك
فقالت أراك يا سيدي رجلا عاقلا وقد حملت كتاب أخينا إلي وسألني هل
تعرفين هذا الرجل فقلت لا اعرفه وكان عند السيد عام الأول وانا أدخلك
عليه واسالك يا أخي لا تتحدث قلت نعم لك هذا فاني رجل مرتاد إليك
أريد فكاك رقبتي من النار فقلت اني ادخل عليه إن شاء الله بعد الظهر ثم
نزلت من عندي وصعدت بطبق فيه أربع أرغفة وقثا مفرم وبطيخ وصينية
وكوز ماء فقالت كل فقلت اني اكلت وجئت فقالت: أسألك ان تأكل فان
هذا من الخبز الذي يجري على السيد فأكلت منه رغيفا من القثا والبطيخ
فلما صدرت جاءت وقالت: قم فقمت فأدخلتني في دهليز جعفر وردت
الباب فجلست مع خادمه الأبيض ودخلت الامرأة إليه ثم خرجت وقالت
389

لي ادخل فدخلت بدهليز طوله عشرون ذراعا ضيق فإذا بوسطه بير ماء وإذا
على يساره حجرة وقدام الدهليز باب فدخلت فإذا بدهليز آخر فدخلت
فرأيت دارا كبيرة واسعة فإذا فيها أسرة عدة وفيها قبة مكتسية من خشب
من يسار الدار وقدام الدار بيت وعن يمينه بيوت غيره عده فرفع الستر من
البيت الأول فدخلت فإذا جعفر جالس على سرير قصير في البيت فسلمت
فناولني يده فقبلتها وجثوت بين يديه فقال لي: كيف طريقك وكيف أنت
وكيف أصحابك فقلت في عافية وسلامة ثم قلت له جعلت فداك اني رجل
من مواليك وموالي آبائك (عليهم السلام) وقد حدث هذا الحديث
فاختلف أصحابنا فخرجت قاصدا مع الحاج وانا مقيم ببغداد منذ ثلاثة
اشهر فلقيت خلقا تدعي هذا الامر فوجدتهم مختلفين حتى لقيت أبا الحسن
ابن ثوابة وأبا عبد الله الجمال وأبا علي الصايغ فقالوا انك وصي أبي جعفر
أعني أباك الذي مضى في أيام الحسن أخيك (عليه السلام) وقال غيرهم بل
هو وصي الحسن أخيه جئت إليك لاسمع منك مشافها وآخذ بقولك وما
تأمرني به فقال لعن الله أبا الحسين بن ثوابة وأصحابه فإنهم يكذبون علي
ويقولون ما لم أقل ويخدعون الناس ويأكلون أموالهم وقد قطعوا مالا كان لي
من ناحية فصار بأيديهم وهاهنا من هو أشد من ابن ثوابة فقلت من
جعلت فداك قال القزويني علي بن أحمد فقلت سمعت باسمه واردت ان
اذهب إليه فقال إياك فإنه كافر وأخاف ان يفتنك ويفسد عليك ما أنت
عليه من دينك علي بن أحمد القزويني وأصحابه لعنهم الله والملائكة والناس
أجمعون فقلت: نعم، لعنهم الله بلغتك المنتظرة ثم قال لي هل تشك في
أبي الحسن قلت أعوذ بالله قال مضى أبو محمد أخي ولم يخلف أحدا لا ذكرا
ولا أنثى وانا وصيه فقلت وصي أبي محمد أخي قلت: أبو محمد كان اماما مفروض
الطاعة عليك وعلى الخلق أجمعين قال نعم قلت وأنت وصيه وأنت الامام
المفروض الطاعة على الخلق أجمعين قال نعم فارتميت إلى يده اقبلها فناولني
إياها فقبلتها فقلت يا سيدي روينا عن آبائك (عليهم السلام) ان الإمامة
390

لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين قال صدقت بهذا ولكن اتقر
بالبداء قلت: نعم قال: فان الله بدا له في ذلك فقلت له يا سيدي فوقك
امام قال لا ثم قال يا احمد لولا أني عرفت من نيتك الصدق لما اذنت لك
فقلت جعلت فداك معي شئ حملت من خراسان ولم أحمله معي وهو في
بغداد معد فإن كان لك ثم وليا تثق به حتى ادفعه إليه بأمرك فقال ليس لي
أحد ببغداد ولكن أحمله بنفسك أنت حتى يكون لك الأجر والثواب قلت
نعم جعلت فداك فاسالك ان تدعو لي بالعافية والسلامة وأن يردني الله
إلى أهلي وبيتي في عافية ويخرجني من الدنيا على ولايتك وولاية آبائك
(عليهم السلام) فقال ثبتك الله على ولايتي وولاية آبائي وردك إلى أهلك
وولدك في عافية وسلامة فقمت وخرجت من عنده ورجعت إلى منزلي والى
أبي سليمان فسألت أبا سليمان عن عياله وخدمه وجواره وحاله وكيف
عيشه فقال له: عشرون ولدا وأربع عشرة بنتا وعليه من العيال ستين نفسا
من الجوار والخدم والبنين والبنات وغيرهم، وهو اليوم يأكل بالربا وقد
رهن ثيابه وقدم ابن بشار وحمل عطايا الهاشميين والطالبين وقال: أعرضوا
علي بنيكم وبناتكم فقال جعفر: والله فلو صرت للصدق بابا ما كشف
وجه بناتي بين يديه وركب جعفر ومعه ثمانية من شيعته
إلى ابن بشار فعرضهم عليه واخذ عطاه وعطاء بنيه
وبناته وانصرف فلم أر فيه شيئا من دلائل آبائه (عليهم السلام)
ومن آثار الإمامة فقلت لأبي الحسين بن ثوابة وأبي عبد الله
الجمال وأبي علي الصائغ والقزويني كلما قال لي وقصصت عليهم قصتي
معه فضحكوا وقالوا والله هو أحق باللعنة منا التي لعننا بها لأنه يقول اننا
أخذنا ماله بل أخذنا مال الله وليس ماله وقد ادعى الوصية والإمامة والله
برأه منها فقلت لهم تأخذون مال الله بغير حق فقالوا اننا محتاجون إليه
وليس له طالب في هذا الوقت فقلت لهم ويحكم أليس أبو عمر عثمان بن
سعد العمري السمان يأخذ بأمر أبي محمد (عليه السلام) أموال الله هو
وابنه أبو جعفر محمد وينفذها حيث شاء بأمر الخلف من أبي محمد
391

(عليه السلام) وهو المهدي سمي جدي رسول الله وكنيه فضحكوا وقالوا
ان المهدي إليه التسليم بدا بكل دين على المؤمنين فقضاه عنهم فكيف لا
يهب لنا ماله فقلت أف عليكم ان تكونوا مؤمنين فقالوا والله ما عندنا شك
في الامام بعد أبي الحسن (عليه السلام) الا أبي محمد (عليه السلام) وما
لأبي جعفر محمد بن علي ولا لجعفر هذا الكذاب في الوصية حظ ولا نصيب
وان المهدي أبو القاسم محمد بن الحسن لا شك فيه وإنما نأخذ هذه
الأموال ليرى الناس انا مخالفون فيها على جعفر فانقلبت إلى أهلي بخراسان
وسائر الجبل فقصصت عليهم قصتي من جعفر وسائر ما لقيت فقمنا على
الخلف من أبي محمد (عليه السلام) ومن قال في أبي جعفر ومن قال بجعفر
وكان هذا فضل من الله.
وعنه قال الحسين بن حمدان الخصيبي حدثني محمد بن إسماعيل
وعلي بن عبد الله الحسنيان عن أبي شعيب محمد بن نصير عن ابن الفرات
عن محمد بن المفضل قال سالت سيدي أبا عبد الله الصادق
(عليه السلام)، قال: حاش لله ان يوقت له وقت أو توقت شيعتنا،
قال: قلت يا مولاي ولم ذلك قال لأنه هو الساعة التي قال الله تعالى
فيها: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) وقوله: (قل إنما علمها
عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم الا
بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا
يعلمون) وقوله: (عنده علم الساعة) ولم يقل أحد دونه وقوله:
(هل ينظرون الا الساعة ان تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فاني لهم إذا
جاءتهم ذكراهم) وقوله: (اقتربت الساعة وانشق القمر) وقوله:
(وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها
والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون انها الحق الا ان الذين يمارون في
الساعة لفي ضلال بعيد) قلت: يا مولاي ما معنى: (يمارون) قال:
يقولون: متى ولد؟ ومن رآه؟ وأين هو؟ وأين يكون؟ ومتى يظهر؟ كل
392

ذلك استعجالا لأمر الله وشكا في قضائه وقدرته: (أولئك الذين خسروا
أنفسهم في الدنيا والآخرة وان للكافر لشر مآب).
قال المفضل: يا مولاي فلا يوقت له وقت؟
قال: يا مفضل لا توقت فمن وقت لمهدينا وقتا فقد شارك الله في
علمه وادعى انه يظهره على امره وما لله سر الا وقد وقع إلى هذا الخلق
المنكوس الضال عن الله الراغب عن أولياء الله وما لله خزانة هي أحصن
سرا عندهم أكبر من جهلهم به وإنما القى قوله إليهم لتكون لله الحجة
عليهم.
قال المفضل: يا سيدي فكيف بد وظهور المهدي إليه التسليم؟
قال: يا مفضل يظهر في سنة يكشف لستر امره ويعلو ذكره وينادى
باسمه وكنيته ونسبه ويكثر ذلك في أفواه المحققين والمبطلين والموافقين
والمخالفين لتلزمهم الحجة لمعرفتهم به على اننا نصصنا ودللنا عليه ونسبناه
وسميناه وكنيناه سمي جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيته، لئلا
يقول الناس ما عرفنا اسمه ولا كناه ولا نسبه والله ليحقن الافصاح به
وباسمه وكنيته على ألسنتهم حتى يكون كتسمية بعضهم لبعض كل ذلك
للزوم الحجة عليهم ثم يظهر الله كما وعد جده رسول الله (صلى الله عليه
وآله) في قوله عز من قائل: (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
قال المفضل: قلت: وما تأويل قوله: (ليظهره على الدين كله)
قال: هو قول الله تعالى: (قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين
كله لله) كما قال الله عز وجل: (ان الدين عند الله الاسلام ومن يبتغ
393

غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
قال المفضل: فقلت يا سيدي والدين الذي اتى به آدم ونوح،
وإبراهيم، وموسى، وعيسى ومحمد هو الاسلام، قال: ونعم، يا
مفضل هو الاسلام لا غير قلت فنجده في كتاب الله قال: نعم من أوله
إلى آخره وهذه الآية منه: (ان الدين عند الله الاسلام) وقوله عز وجل:
(ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) وفي قصة إبراهيم
وإسماعيل: (واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) وقوله
في قصة فرعون: (حتى إذا ادركه الغرق قال آمنت انه لا اله الا الذي
آمنت به بنو إسرائيل وانا من المسلمين) وفي قصة سليمان وبلقيس
قالت: (وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) وقول عيسى
للحواريين: (من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا
بالله واشهد بانا مسلمون) وقوله تعالى: (وله أسلم من في السماوات
والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون) وقوله في قصة لوط: (فما وجدنا
فيها غير بيت من المسلمين) ولوط قبل إبراهيم، وقوله: (قولوا آمنا
بالله وما انزل الينا والى قوله لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)
وقوله: (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إلى قوله إلها واحدا
ونحن له مسلمون).
قال المفضل: يا مولاي كم الملل؟ قال: يا مفضل الملل أربعة،
وهي الشرائع.
قال المفضل: يا سيدي المجوس لم سموا مجوسا؟ قال لأنهم تمجسوا
في السريانية، وادعوا على آدم وابنه شيث هبة الله انه أطلق لهم نكاح
الأمهات والأخوات والعمات والخالات والبنات والمحرمات من النساء وانه
أمرهم ان يصلوا للشمس حيث وقفت من السماء ولم يجعلوا لصلاتهم وقتا
394

وإنما هو افتراء على الله الكذب وعلي آدم وشيث.
قال المفضل: يا سيدي فلم سموا قوم موسى اليهود، قال: لقول
الله عنهم هدنا إليك أي اهديتنا إليك، قال والنصارى لم سموا نصارى،
قال: لقول عيسى يا بني إسرائيل من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن
أنصار الله فتسموا نصارى لنصرة دين الله.
قال المفضل: ولم سموا الصابئون قال لأنهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء
والرسل والملل والشرائع وقالوا كل ما جاء به هؤلاء باطل وجحدوا توحيد
الله ونبوة الأنبياء والرسل والأوصياء فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول
وهم معطلة العالم.
قال المفضل: يا سيدي ففي اي بقعة يظهر المهدي، قال الصادق
(عليه السلام) لا تراه عين بوقت ظهوره ولا رأته كل عين فمن قال لكم
غير هذا فكذبوه.
قال المفضل: يا سيدي وفي اي وقت ولادته قال بلى وبل والله لا يرى
من ساعة ولادته إلى ساعة وفاته أبيه سنتين وسبعة اشهر أولها وقت الفجر
من ليلة يوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان الثمان ليال خلت من
شهر ربيع الأول من سنة ستين ومائتين ثم يرى بالمدينة التي تبنى بشاطئ
الدجلة بناها المتكبر الجبار المسمى باسم جعفر العيار المتلقب المتوكل وهو
المتاكل لعنه الله يدعو مدينة سامرا ستة سنين يرى شخصه المؤمن المحق ولا
يرى شخصه المشك المرتاب وينفذ فيها امره ونهيه ويغيب عنها ويظهر
بالقصر بصاريا بجانب حرم مدينة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) فيلقاه هناك المؤمن بالقصر وبعده لا تراه كل عين.
قال المفضل: يا سيدي فمن يخاطبه ولمن يخاطب قال الصادق محمد بن
395

نصير في يوم غيبته بصاريا ثم يظهر بمكة والله يا مفضل كأني انظر إليه وهو
داخل مكة وعليه بردة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى
رأسه عمامة صفراء وفي رجله نعل رسول الله المخصوفة وفي يده هراوة
يسوق بين يديه عنوز عجاف حتى يقبل بها نحو البيت وليس أحد يوقته
ويظهر وهو شاب غرنوق فقال له المفضل: يا سيدي يعود شابا ويظهر في
شيعته قال سبحان الله وهل يغرب عليك يظهر كيف شاء وباي صورة إذا
جاءه الامر من الله جل ذكره قال المفضل: يا سيدي فيمن يظهر وكيف
يظهر قال يا مفضل: يظهر وحده ويأتي البيت وحده فإذا نامت العيون
ووسق الليل نزل جبرائيل وميكائيل والملائكة صفوفا فيقول له جبريل يا
سيدي قولك مقبول وأمرك جائز ويمسح يده على وجهه ويقول الحمد لله
الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم اجر
العاملين ثم يقف بين الركن والمقام ويصرخ صرخة ويقول معاشر نقبائي
وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لظهوري على وجه الأرض أتوني طائعين
فتورد صيحته عليهم وهم في محاريبهم وعلى فرشهم وهم في شرق الأرض
وغربها فيسمعوا صيحة واحدة في اذن رجل واحد فيجيئوا نحوه ولا يمضي
لهم الا كلمح البصر حتى يكونوا بين يديه بين الركن والمقام فيأمر الله النور
ان يصير عمودا من الأرض إلى السماء فيستضئ به كل مؤمن على وجه
الأرض ويدخل عليه نوره في بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور وهم لا
يعلمون بظهور قائمنا القائم (عليه السلام) ثم تصبح نقباؤه بين يديه وهم
ثلاثمائة وثلاثة عشر نفرا بعدد أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بيوم بدر.
قال المفضل: قلت يا سيدي والاثنان وسبعون رجلا أصحاب أبي عبد
الله الحسين بن علي (عليه السلام) يظهرون معهم قال يظهر معهم الحسين
ابن علي باثني عشر الف صديق من شيعته وعليه عمامة سوداء.
396

فقال المفضل: يا سيدي فنقباء القائم إليه التسليم بايعوه قبل قيامه
قال: يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم فهي كفر ونفاق وخديعة لعن
الله المبايع لها بل يا مفضل يسند القائم ظهره إلى كعبة البيت الحرام ويمد
يده المباركة فترى بيضاء من غير سوء فيقول هذه يد الله وعن الله وبامر الله
ثم يتلو هذه الآية: (ان الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق
أيديهم فمن ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله
فسيؤتيه اجرا عظيما) وأول من يقبل يده جبريل (عليه السلام) ثم يبايعه
وتبايعه الملائكة ونقباء الحق ثم النجباء ويصبح الناس بمكة فيقولون من هذا
الذي بجانب الكعبة وما هذا الخلق الذي معه وما هذه الآية التي رأيناها
بهذه الليلة ولم نر مثلها فيقول بعضهم لبعض انظروا هل تعرفون أحدا ممن
معه فيقولون لا نعرف منهم الا أربعة من أهل مكة وأربعة من أهل المدينة
وهم فلان وفلان يعدونهم بأسمائهم ويكون ذلك اليوم أول طلوع الشمس
بيضاء نقية فإذا طلعت وابيضت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس
بلسان عربي مبين يسمعه من في السماوات والأرض يا معاشر الخلائق هذا
مهدي آل محمد ويسميه باسم جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ويكنيه بكنيته وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر فاتبعوه تهتدوا ولا تخالفوه
فتضلوا فأول من يلبي نداءه الملائكة ثم الجن ثم النقباء ويقولون سمعنا
وأطعنا ولم يبق ذو اذن الا سمع ذلك النداء وتقبل الخلق من البدو والحضر
والبر والبحر يحدث بعضهم بعضا ويفهم بعضهم بعضا ما سمعوه في
نهارهم بذلك اليوم فإذا زالت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغاربها يا
معاشر الخلائق لقد ظهر ربكم من الوادي اليابس من ارض فلسطين وهو
عثمان ابن عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية لعنهم الله فاتبعوه تهتدوا
ولا تخالفوه فتضلوا فترد عليه الجن والنقباء قوله ويكذبونه ويقولون سمعنا
وعصينا ولا يبقى ذو شك ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر الأصل في النداء
الثاني ويسند القائم ظهره إلى الكعبة ويقول معاشر الخلائق الا من أراد ان
ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل فها انا إبراهيم ومن أراد ان ينظر إلى موسى
397

ويوشع فها انا موسى ومن أراد ان ينظر إلى عيسى وشمعون فها انا عيسى
ومن أراد أن ينظر إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين اليا فها انا
محمد ومن أراد ان ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين فها انا هم واحدا بعد
واحد فها انا هم فلينظر إلي ويسألني فاني نبي بما نبؤوا به وما لم ينبؤوا الا من
كان يقرأ الصحف والكتب فليسمع إلي ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله
على آدم وشيث فيقرأها فتقول أمة آدم هذه والله الصحف حقا ولقد قرأ
ما لم نكن نعلمه منها وما أخفي عنا وما كان اسقط وبدل وحرف ويقرأ
صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور فتقول أمتهم هذه
والله كما نزلت والتوراة الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل وانها اضعاف
ما قرأناه ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون هذا والله القرآن حقا الذي أنزله
الله على محمد فما اسقط ولا بدل ولا حرف ولعن الله من أسقطه وبدله
وحرفه ثم تظهر الدابة بين الركن والمقام فتكتب في وجه المؤمن مؤمن وفي
وجه الكافر كافر ثم يقبل على القائم رجل وجهه إلى قفاه وقفاه إلى صدره
ويقف بين يديه فيقول انا وأخي بشير امرني ملك من الملائكة ان الحق بك
وأبشرك بهلاك السفياني بالبيداء فيقول له القائم بين قصتك وقصة أخيك
نذير فيقول الرجل كنت وأخي نذيرا في جيش السفياني فخربنا الدنيا من
دمشق إلى الزوراء وتركناهم حمما وخربنا الكوفة وخربنا المدينة وروثت أبغالنا
في مسجد رسول الله وخرجنا منها نريد مكة وعددنا ثلاثمائة الف رجل
نريد مكة والمدينة وخراب البيت العتيق وقتل أهله فلما صرنا بالبيداء عرسنا
بها فصاح صائح يا بيداء بيدي بالقوم الكافرين فانفجرت الأرض وابتلعت
ذلك الجيش فوالله ما بقي على الأرض عقال ناقة ولا سواه غيري وأخي
نذير فإذا بملك قد ضرب وجوهنا إلى وراء كما ترانا وقال لأخي ويلك
يا نذير النذر الملعون بدمشق بظهور مهدي آل محمد وان الله قد أهلك جيشه
بالبيداء وقال لي يا بشير الحق بالمهدي بمكة فبشره بهلاك السفياني وتب على
يده فإنه يقبل توبتك فيمر القائم يده على وجهه فيرده سويا كما كان ويبايعه
398

ويسير معه.
قال المفضل: يا سيدي وتظهر الملائكة والجن للناس قال اي والله يا
مفضل ويخالطونهم كما يكون الرجل مع جماعته وأهله قلت يا سيدي
ويسيرون معه قال اي والله ولنزلن ارض الهجرة ما بين الكوفة والنجف
وعدد أصحابه ستة وأربعون ألفا من الملائكة وستة آلاف من الجن بهم
ينصره الله ويفتح على يده.
قال المفضل: يا سيدي فما يصنع باهل مكة قال: يدعوهم بالحكم
والموعظة الحسنة فيطيعونه ويستخلف فيهم من أهل بيته ويخرج يريد المدينة
قال المفضل: يا سيدي فما يصنع بالبيت قال ينقضه ولا يدع منه الا
القواعد التي هي أول بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم والذي رفعه
إبراهيم وإسماعيل وان الذي بني بعدهم لا بناه نبي ولا وصي ثم يبنيه كما
يشاء ويغير اثار الظلمة بمكة والمدينة والعراق وسائر الأقاليم وليهدمن
مسجد الكوفة ويبنيه على بنائه الأول وليهدمن القصر العتيق ملعون من
بناه.
قال المفضل: يا سيدي يقيم بمكة قال لا بل يستخلف فيها رجلا من
أهله فإذا سار منها وثبوا عليه وقتلوه فيرجع إليهم فيأتوا مهطعين مقنعي
رؤوسهم يبكون و؟؟؟؟ ويقولون يا مهدي آل محمد التوبة فيعظهم
وينذرهم ويحذرهم ثم يستخلف فيهم خليفة ويسير عنهم فيثبون عليه بعده
ويقتلونه فيرجع إليهم فيخرجون إليه مجززين النواصي ويضجون يبكون
ويقولون يا مهدي آل محمد غلبت علينا شقوتنا فاقبل منا توبتنا يا أهل بيت
الرحمة فيعظهم ويحذرهم ويستخلف فيهم خليفة ويسير فيثبون عليه بعده
ويقتلونه فيرد إليهم أنصاره من الجن والنقباء فيقول ارجعوا إليهم لا تبقوا
399

منهم أحدا الا من وسم وجهه بالايمان فلولا رحمة الله وسعت كل شئ وانا
تلك الرحمة، لرجعت إليهم معكم فقد قطعوا الاعذار والانذار بين الله
وبيني وبينهم فيرجعون إليهم فوالله لا يسلم من المائة منهم واحد والله ولا
من الألف واحد.
قال المفضل: قلت يا سيدي فأين يكون دار المهدي ومجمع المؤمنين
قال يكون ملكه بالكوفة ومجلس حكمه جامعها وبيت ماله مقسم غنائم
المسلمين مسجد السهلة وموضع خلوته الذكوات البيض من الغريين.
قال المفضل: وتكون المؤمنون بالكوفة قال اي والله يا مفضل لا يبقى
مؤمن الا كان فيها وجرى إليها وليبلغن مربط مجال فرس ألف درهم والله
ومربط شاة ألف درهم والله وليودن كثيرا من الناس انهم يشترون شبرا من
ارض السبيع بواحد ذهب والسبيع خطة من خطط همدان ولتصيرن الكوفة
أربعة وخمسين ميلا ولتخافن قصورها كربلا ولتصيرن كربلا معقلا ومقاما
تعكف فيه الملائكة والمنون وليكونن شان عظيم ويكون فيها البركات ما لو
وق فيها مؤمن ودعا ربه بدعوة واحدة لا عطاه مثل ملك الدنيا الف مرة
ثم تنفس أبو عبد الله وقال:
يا مفضل ان بقاع الأرض تفاخرت ففخرت كعبة البيت الحرام على
البقعة بكربلاء فأوحى الله اسكتي يا كعبة البيت الحرام فلا تفخري عليها فإنها
البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة وانها الربوة التي أوت إليها
مريم والمسيح وانها الدالية التي غسل فيها رأس الحسين وفيها غسلت مريم
لعيسى واغتسلت من ولادتها وانها آخر بقعة يخرج الرسول منها في وقت
غيبته وليكونن لشيعتنا فيها حياة لظهور قائمنا.
قال المفضل: يا سيدي إلى أين يسير المهدي قال إلي مدينة جده
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا وردها كان له فيها مقام
عجيب يظهر سرور المؤمنين وحزن الكافرين.
400

قال المفضل: يا سيدي ما هو ذلك قال يرد قبر جده رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ويقول يا معاشر الخلائق هذا قبر جدي رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فيقولون نعم يا مهدي آل محمد فيقول من معه في
القبر فيقولون ضجيعاه وصاحباه أبو بكر وعمر فيقول وهو اعلم بهم من
الخلق جميعا ومن أبو بكر وعمر وكيف دفنا من دون كل الخلق مع جدي
رسول الله فعسى المدفون غيرهما فيقولون يا مهدي آل محمد ما ها هنا
غيرهما وإنما دفنا لأنهما خليفتاه وأبوا زوجتيه فيقول للخلق بعد ثلاثة أيام
أخرجوهما فيخرجا غضين طريين لم تتغير خلقتهما ولم تشحب ألوانهما فيقول
هل فيكم رجل يعرفهما فيقولون نعرفهما بالصفة ونشبههم لان ليس
هنا غيرهم فيقول هل فيكم أحد يقول غير هذا ويشك فيهما فيقولون لا
فيؤخر اخراجها ثلاثة أيام ثم ينشر الخبر في الناس فيفتتن من والاهما
بذلك الحديث ويجتمع الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدار عن القبرين
ويقول للنقباء ابحثوا عنهما وانبشوهما فيبحثون بأيديهم إلى أن يصلوا إليهما
فيخرجاهما قال كهيئتهما في الدنيا فتكشف عنهما أكفانهما ويأمر برفعهما على
دوحة يابسة ناخرة ويصلبان عليها فتحيى الشجرة وتنبع وتورق ويطول فرعها
فيقول المرتابون من أهل شيعتهما هذا والله الشرف العظيم الباذخ حقا ولقد
فزنا بمحبتهما ويخسر من اخفى في نفسه مقياس حبة من محبتهما فيضرونهما
ويرونهما ويفتتنون بهما وينادي منادي المهدي كل من أحب صاحبي رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وضجيعيه فلينفرد فيجتاز الخلق حزبين موال لهما
ومتبرئ منهما فيعرض المهدي عليهم البراءة منهما فيقولون يا مهدي آل
محمد نحن لا نتبرأ منهما ولم نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة وهذا
الذي قد بدا لنا من فضلهما نتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في
هذا الوقت من طراوتها وغضاضتهما وحياة هذه الشجرة بهما بلى والله نتبرأ
منك لنبشك لهما وصلبك إياهما فيأمر ريحا سوداء فتهب عليهم فتجعلهم
كاعجاز نخل خاوية ثم يأمر بانزالهما فينزلان إليه فيحييان ويأمر الخلائق
بالاجتماء ثم يقص عليهم قصص افعالهما في كل كور ودور حتى يقص
401

عليهم قتل هابيل بن آدم وجمع النار لإبراهيم وطرح يوسف في الجب
وحبس يونس ببطن الحوت وقتل يحيى وصلب عيسى وحرق جرجيس
ودانيال وضرب سلمان الفارسي واشعال النار على باب أمير المؤمنين وسم
الحسن وضرب الصديقة فاطمة بسوط قنفذ ورفسه في بطنها واسقاطها محسنا
وقتل الحسين وذبح أطفاله وبني عمه وأنصاره وسبي ذراري رسول الله
(صلى الله عليه وآله) واهراق دماء آل الرسول ودم كل مؤمن ومؤمنة
ونكاح كل فرج حرام واكل كل سحت وفاحشة واثم وظلم وجور من عهد
آدم إلى وقت قائمنا كله يعده عليهم ويلزمهم إياه فيعترفان به ثم يأمر بهما
فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر ثم يصلبهما على الشجرة ويأمر
نارا تخرج من الأرض تحرقهما ثم يأمر ريحا تنسفهما في اليم نسفا.
قال المفضل: يا سيدي وذلك هو آخر عذابهم قال هيهات يا مفضل
والله ليردان ويحضر السيد محمد الأكبر رسول الله والصديق الأعظم أمير
المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة امام بعد امام وكل من محض
الايمان محضا ومحض الكفر محضا وليقتصن منهم بجميع المظالم حتى أنهما
ليقتلان كل يوم الف قتلة ويردان إلى ما شاء الله من عذابهما ثم يسير
المهدي إلى الكوفة وينزل ما بينها وبين النجف وعدد أصحابه في ذلك اليوم
ستة وأربعون ألفا من الملائكة وستة آلاف من الجن والنقباء ثلاثمائة وثلاثة
عشر رجلا.
قال المفضل: يا سيدي كيف تكون دار الفاسقين الزوراء في ذلك
اليوم والوقت قال: في لعنة الله وسخطه وبطشه تحرقهم الفتن وتتركهم حمما
الويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر ومن رايات الغرب ومن كلب
الجزيرة ومن الراية التي تسير إليها من كل قريب وبعيد والله لينزلن فيها من
صنوف العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثله ولا يكون طوفان
أهلها الا السيف الويل عند ذك كل الويل لمن اتخذها مسكنا فان المقيم
بها لشقائه والخارج منها يرحمه الله والله يا مفضل ليتنافس أمرها في الدنيا
402

يعني الكوفة حتى يقال إنها هي الدنيا وان دورها وقصورها هي الجنة وان
نساءها هي الحور العين وان ولدانها الولدان وليظن الناس ان الله لم يقسم رزق
للعباد الا بها ولتظهر بغداد الزور والافتراء على الله ورسوله والحكم بغير
كتاب وشهادة الزور وشرب الخمر وركو الفسق والفجور واكل السحت
وسفك الدماء ما لم يكن في الدنيا الا دونه ثم يخربها الله بتلك الفتن
والرايات حتى ليمر عليها المار فيقول ها هنا كانت الزوراء.
قال المفضل: ثم ماذا يا سيدي قال: ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح
من نحو الديلم يصيح بصوت فصيح يا آل احمد أجيبوا الملهوف والمنادي
من حول الضريح فتجيبه كنوز الله بالطاقات كنوزا وأي كنوز ليست من
فضة ولا من ذهب بل هي رجال كزبر الحديد كأني انظر إليهم على
البراذين الشهب في أيديهم الحراب يتعاوون شوقا للحرب كما تتعاوى
الذئاب أميرهم رجل من تميم يقال له شعيب به صالح فيقبل الحسني
إليهم وجهه كدارة البدر يريع الناس جمالا انيقا فيعفي على اثر الظلمة
فيأخذ بسيفه الكبير والصغير والعظيم والرضيع ثم يسير بتلك الرايات كلها
حتى يرد الكوفة وقد صفا أكثر الأرض فيجعلها معقلا ويتصل به وبأصحابه
خبر المهدي (عليه السلام) فيقولون يا ابن رسول الله من هذا الذي نزل
بساحتنا فيقول أخرجوا بنا إليه حتى ننظره من هو وما يريد والله ويعلم انه
المهدي وانه يعرفه وانه لم يرد بذلك الامر الا له فيخرج الحسني في امر
عظيم بين يديه أربعة آلاف رجل وفي أعناقهم المصاحف وعلى ظهورهم
المسوح الشعر يقال لهم الزيدية فيقبل الحسني حتى ينزل بالقرب من المهدي
ثم يقول الرجل لأصحابه اسألوا عن هذا الرجل من هو وما يريد فيخرج
بعض أصحاب الحسني إلى عسكر المهدي ويقول يا أيها العسكر الجميل من
أنتم حياكم الله ومن صاحبكم هذا وما تريدون فيقول له أصحاب المهدي
هذا ولي الله مهدي آل محمد ونحن أنصاره من الملائكة والانس والجن
فيقول أصحاب الحسني يا سيدنا ما تسمع ما يقول هؤلاء في صاحبهم
403

فيقول الحسني خلوا بيني وبين القوم فانا هل اتيت على هذا حتى انظر
وينظروا فيخرج الحسني من عسكره ويخرج المهدي (عليه السلام)
ويقفان بين العسكرين فيقول له الحسني ان كنت مهدي آل محمد فأين
هراوة جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاتمه وبردته ودرعيه الفاضل
وعمامته السحاب وفرسه البرقوع وناقته العضباء وبغلته الدلدل وحماره
اليعفور ونجيبه البراق وتاجه السني والمصحف الذي جمعه أمير المؤمنين
(عليه السلام) بغير تبديل ولا تغيير.
قال المفضل: يا سيدي فهذا كله في السفط قال: يا مفضل وتركات
جميع النبيين حتى عصاة آدم وآلة نوح وتركة هود وصالح ومجمع إبراهيم
وصاع يوسف وميكائيل وشعيب وميراثه وعصاته موسى وتابوت الذي فيه
بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ودرع داود وعصاته وخاتم
سليمان وتاجه وإنجيل عيسى وميراث النبيين والمرسلين في ذلك السفط
فيقول الحسني هذا بعض ما قد رأيت وانا أسألك ان تغرس هراوة جدك
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الحجر الصفا وتسأل الله ان ينبتها
فيها وهو لا يريد بذلك الا ان يرى أصحابه فضل المهدي إليه التسليم
حتى يطيعوه ويبايعوه فيأخذ المهدي الهراوة بيده ويغرسها في الحجر فتنبت
فيه وتعلو وتفرغ وتورق حتى تظل عسكر المهدي والحسني فيقول الحسني الله
أكبر مد يدك يا ابن رسول الله حتى أبايعك فيمد يده فيبايعه ويبايعه سائر
عسكر الحسني الا الأربعة آلاف أصحاب المصاحف والمسوح الشعر
المعروفين بالزيدية فيقولون ما هذا الا سحر عظيم فتختلط العسكران ويقبل
المهدي على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويدعيهم ثلاثة أيام فلم يزدادوا الا
طغيانا وكفرا فيأمر بقتلهم كأني انظر إليهم وقد ذبحوا على مصاحفهم
وتمرغوا بدمائهم فيقبل بعض أصحاب المهدي لاخذ تلك المصاحف فيقول
لهم المهدي دعوها تكون عليهم حسرة كما بدلوها وغيروها ولم يعملوا بما
فيها.
404

قال المفضل ثم ماذا يا سيدي قال: ثم تثور رجاله إلى سرايا السفياني
بدمشق فيأخذوه ويذبحونه على الصخرة ثم يظهر الحسين (عليه السلام)
في اثني عشر الف صديق واثنين وسبعين رجاله بكربلاء فيا لك عندها من
كرة زهراء ورجعة بيضاء ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين إليه التسليم
وتنصب له القبة على النجف وتقام أركانها ركن بهجر وركن بصنعاء اليمن
وركن بطيبة وهي مدينة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكأني انظر
إليها ومصابيحها تشرق بالسماء والأرض اضوى من الشمس والقمر فعندها
تبلى السرائر وتذهل كل مرضعة عما أرضعت إلى آخر الآية ثم يظهر
الصديق الأكبر الأجل السيد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في أنصاره
إليه ومن آمن به وصدق واستشهد معه ويحضر مكذبوه والشاكون فيه انه
ساحر وكاهن ومجنون ومعلم وشاعر وناعق عن هذا ومن حاربه وقاتله حتى
يقتص منهم بالحق ويجاوزوا بافعالهم من وقت رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) إلى ظهور المهدي مع امام امام ووقت وقت ويحق تأويل هذه
الآية: (ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان) قال ضلال ووبال
لعنهما الله فينشبا ويحيا.
قال المفضل قلت يا سيدي فرسول الله أين يكون؟ وأمير المؤمنين؟
قال: ان رسول الله وأمير المؤمنين لا بد ان يطئا الأرض والله حتى يورثاها
اي والله ما في الظلمات ولا في قعر البحار حتى لا يبقى موضع قدم الا
وطئاه وأقاما فيه الدين الواصب والله فكأني انظر الينا يا مفضل معاشر
الأئمة ونحن بين يدي جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نشكوا
إليه ما نزل بنا من الأمة بعده وما نالنا من التكذيب والرد علينا وسبنا ولعننا
وتخويفنا بالقتل وقصد طواغيتهم الولاة لأمورهم أيانا من دون الأمة وترحيلنا
عن حرمه إلى ديار ملكهم وقتلهم إيانا بالحبس وبالسم وبالكيد العظيم
فيبكي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقول يا بني ما نزل بكم الا ما
نزل بجدكم قبلكم ولو علمت طواغيتهم وولاتهم ان الحق والهدى والايمان
405

والوصية والإمامة في غيركم لطلبوه.
ثم تبتدئ فاطمة (عليها السلام) بشكوى ما نالها من أبي بكر وعمر
من اخذ فدك منها ومشيها إليهم في مجمع الأنصار والمهاجرين وخطابها إلى
أبي بكر في امر فدك وما رد عليها من قوله إن الأنبياء لا وارث لهم
واحتجاجها عليه بقول الله عز وجل بقصة زكريا ويحيى: (فهب لي من
لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) وقوله بقصة
داود وسليمان: (وورث سليمان داود) وقول عمر لها هاتي صحيفتك
التي ذكرت ان أباك كتبها لك على فدك واخراجها الصحيفة واخذ عمر
إياها منها ونشره لها على رؤوس الاشهاد من قريش والمهاجرين والأنصار
وسائر العرب وتفله فيها وعركه لها وتمزيقه إياها وبكاءها ورجوعها إلى قبر
أبيها (صلى الله عليه وآله) باكية تمشي على رمضاء وقد أقلقتها واستغاثتها
بأبيها وتمثلها بقول رقية بنت صفية:
قد كان بعدك انباء وهينمة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
انا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل أهلك واختلت بها الريب
ابدى رجال لنا ما في صدورهم * لما نايت وحالت دونك الحجب
لكل قوم لهم قوبى ومنزلة * عند الاله عن الادنين مقترب
يا ليت بعدك كان الموت حل بنا * أملوا أناس ففازوا بالذي طلبوا
وتقص عليه قصة أبي بكر وانفاذ خالد بن الوليد وقنفذ وعمر جميعا
لاخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة
واشتغال أمير المؤمنين وضم أزواج رسول الله وتعزيتهن وجمع القرآن وتاليفه
وانجاز عداته وهي ثمانون ألف درهم باع فيها تالده وطارفه وقضاها عنه
وقول عمر له اخرج يا علي إلى ما اجمع عليه المسلمون من البيعة لأمر أبي
بكر فما لك ان تخرج عما اجتمعنا عليه فإن لم تفعل قتلناك وقول فضة
جارية فاطمة (عليها السلام) ان أمير المؤمنين عنكم مشغول والحق له لو
406

أنصفتموه واتقيتم الله ورسوله وسب عمر لها وجمع الحطب الجزل على النار
لاحراق أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب ورقية وأم كلثوم
وفضة واضرامهم النار على الباب وخروج فاطمة (عليها السلام) وخطابها
لهم من وراء الباب وقولها ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله ورسوله
تريد ان تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله والله متم متم نوره
وانتهاره لها وقوله كفي يا فاطمة فلو ان محمدا حاضر والملائكة تأتيه بالأمر والنهي
والوحي من الله وما علي الا كأحد المسلمين فاختاري ان شئت
خروجه إلى بيعة أبي بكر والا أحرقكم بالنار جميعا وقولها له يا شقي عدي
هذا رسول الله لم يبل له جبين في قبره ولامس الثرى أكفانه ثم قالت وهي
باكية اللهم إليك نشكو فقد نبيك ورسولك وصفيك وارتداد أمته ومنعهم
إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك بلسانه وانتهار عمر لها
وخالد بن الوليد وقولهم دعي فنك يا فاطمة حماقة النساء فكم يجمع الله
لكم النبوة والرسالة واخذ النار في خشب الباب وادخل قنفذ لعنه الله يده
يروم فتح الباب وضرب عمر لها بسوط أبي بكر على عضدها حتى صار
كالدملج الأسود المحترق وأنينها من ذلك وبكاها وركل عمر الباب برجله
حتى أصاب بطنها وهي حاملة بمحسن لستة اشهر واسقاطها وصرختها عند
رجوع الباب وهجوم عمر وقنفذ وخالد وصفقة عمر على خدها حتى ابرى
قرطها تحت خمارها فانتثر وهي تجهر بالبكاء تقول يا أبتاه يا رسول الله ابنتك
فاطمة تضرب ويقتل جنين في بطنها وتصفق يا أبتاه ويسقف خد لما لها كنت
تصونه من ضيم الهوان يصل إليه من فوق الخمار وضربها بيدها على الخمار
لتكشفه ورفعها ناصيتها إلى السماء تدعو إلى الله وخروج أمير المؤمنين من
داخل البيت محمر العينين داير الحدقتين حاسر حتى القى ملاءته عليها
وضمها لصدره وقال يا ابنة رسول الله قد علمتي ان الله بعث أباك رحمة
للعالمين فالله الله ان تكشفي أو ترفعي ناصيتك فوالله يا فاطمة لئن فعلتي
ذلك لا يبقي الله على الأرض من يشهد ان محمد رسول الله ولا موسى ولا
عيسى ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم ولا دابة تمشي على وجه الأرض ولا
407

طائر يطير في السماء الا هلك ثم قال إلى ابن الخطاب لك الويل كل الويل
بالكيل من يومك هذا وما بعده وما يليه اخرج قبل ان اخرج سيفي ذا
الفقار فافني غابر الأمة فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمن بن
أبي بكر وصاروا من خارج الدار فصاح أمير المؤمنين بفضة اليكي مولاتك
فاقبلي منها ما يقبل النساء وقد جاءها المخاض من الرفسة ورده الباب
فسقطت محسنا عليه قتيلا وعرفت أمير المؤمنين إليه التسليم فقال لها: يا
فضة لقد عرفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرفني وعرف
فاطمة وعرف الحسن وعرف الحسين اليوم بهذا الفعل ونحن في نور الأظلة
أنوار عن يمين العرش فاوايه بقعر البيت فإنه لاحق بجده رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وتشكو حمل أمير المؤمنين لها في سواد الليل والحسن والحسين
وزينب وأم كلثوم إلى دور المهاجرين والأنصار يذكره بالله ورسوله وعهده
الذي بايعوا الله ورسوله عليه في أربع مواطن في حياة رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين جميعهم فكل يعده النصرة
ليومه المقبل فلما أصبح قعد جمعهم عنده ثم يشكو إليه أمير المؤمنين
المحن السبعة التي امتحن بها بعده ونقض المهاجرين والأنصار قولهم
لما تنازعت قريش في الإمامة والخلافة قد منع لصاحب هذا الامر
حقه فإذا منع فنحن أولى به من قريش الذين قتلوا
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكبسوه في فراشه حتى خرج منهم
هاربا إلى الغار إلى المدينة فآويناه ونصرناه وهاجرنا إليه فقالت الأنصار حتى
قال من الحزبين منا أمير ومنكم أمير فقام عمر أربعين شاهدا قسامة شهدوا
على رسول الله زورا وبهتانا ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال
الأئمة من قريش فأطيعوهم ما أطاعوا الله فان عصوا فالحوهم لحي هذا
القضيب ورمي القضيب من يده فكانت أول قسامة زور شهدت في
الاسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان رقبوا الامر إلى أبي بكر
وجاءوا يدعوني إلى بيعته فامتنعت إذ لا ناصر لي وقد علم الله ورسوله ان
لو نصرني سبعة من سائر المسلمين لما وسعني القعود فوثبوا علي وفعلوا
408

بابنتك يا رسول الله ما شكيته إليك وأنت اعلم به ثم جاؤوا بي فأخرجوني
من داري مكرها وثلبوني وكان من قصتي فيهم مثل قصة هارون مع بني إسرائيل
وقولي كقوله لموسى (يا ابن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني
فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين) وقوله (يا ابن أم لا
تأخذ بلحيتي ولا برأسي اني خشيت ان تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم
ترقب قولي) فصبرت محتسبا راضيا وكانت الحجة عليهم في خلافي ونقض
عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول الله واحتملت ما لم يحتمل وصي من
نبي من سائر الأنبياء والأوصياء في الأمم حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن
ملجم وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي وخروج طلحة والزبير
بعائشة إلى مكة يظهران الحج والعمرة وسيرهم بها ناقضين لبيعتي إلى
البصرة وخروجي إليهم وتخويفي إياهم بما جئت به يا رسول الله من
كتاب الله ومقامهم على حربي وقتالي وصبري عليهم واعذاري وانذاري
وهم يأبون الا السيف فحاكمتهم إلى الله بعد ان ألزمتهم الحجة فنصرني
الله عليهم بعد ان قتل أكابر المهاجرين والأنصار والتابعين بالاحسان
وهرقت دماء عشرين الف من المسلمين وقطعت سبعون كفا على زمام
الجمل من سبعين رئيسا كلما قطعت كف قبض عليه آخر ثم لقيت من ابن
هند معاوية بن صخر أدهى وأمر مما لقيت في غزواتك يا رسول الله بعدك
من أصحاب الجمل على أن حرب الجمل كان أشنع الحرب التي لقيتها
وأهولها وأعظمها فسرت من دار هجرتي الكوفة إلى حرب معاوية ومعي
سبعمائة من أنصارك يا رسول الله وأربعة من دونه في ديوانك ولها ستين
الف رجل من أهل العراقين الكوفة والبصرة والخلاط الناس فكان بعون الله
وعلمك يا رسول الله جهادي بهم وصبري عليهم حتى إذا وهنوا وتنازعوا
وتفاشلوا مكر بأصحابي ابن هند وشانئك الأبتر عمرو ورفع المصاحب على
الأسنة ونادى يا إخواننا من الاسلام ندعوكم إلى كتاب الله وإلى الحكومة
ونصون دماءنا ودماءكم وأصغى أهل الشبهات والشكوك والظنون ومن في
قلبه مرض من أصحابي إلى ذلك وقالوا بأجمعهم لا يحل لنا قتال من دعانا
409

إلى كتاب الله وقلت لهم ما قد علمته وأنت يا رسول الله علمتني إياه من
علم الله ان القوم لم يرفعوا المصاحف الا عند رهبهم وظهورنا عليهم فأبى
المنافقون من أصحابي الا الكف عنهم وترك قتالهم فوعظتهم وحرضتهم
وحفظتهم وبينت لهم أمرهم وإنها حيلة عليهم فرموا أسلحتهم واجتمعوا
أصحاب معاوية في زهاء عشرين ألفا وقالوا لي كلمة رجل واحد: دعنا
نحاكم القوم إلى كتاب الله فقلت لهم على انني احكم به منكم ومن معاوية
فقال معاوية: لا يحكم علي ولا احكم به فإنه لا يرضى ولا ارضى ولا
يسلم إلي ولا أسلم إليه فقلت إلى ابني الحسن الصر لا شككت في نفسي
وفضلت ابني علي فقالوا لي: ابنك أنت وأنت ابنك فقلت عبد الله بن
العباس فقالوا: لا يحكم بيننا مضري واختاروا علي ولي الاختيار عليهم
وتحكموا وانا الحاكم وقالوا ان لم ترض نحكم من نشاء أخذنا الذي فيه
عيناك ثم اختاروا ان يحكموا يكتبوا إلى عبد الله بن قيس الأشعري وهو
منعزل عنا فسيروه وقدموه وتركوا معاوية قد حكم عمرا ورضوا هم بعبد
الله بن قيس الأشعري وحكموا بما أرادوا ووصفوا عبد الله بن قيس
بالفضل والجبلة عباء عن مكر عمر وما كانت الا مواطاة وخدعة أظهرها
عمر وعبد الله فزعموا أن عبد الله عزلني وان عمرا أثبت معاوية وألزموني
عند قعود جمعهم عني واجتماعهم وأهل الشام وان كتبت بيني وبين معاوية
إلى اجل معلوم وانكفأت معصيا غير مطاع إلى الكوفة اظهر لعني معاوية
على منابر الشام وسائر اعماله ولعنت انا وابناك يا رسول الله الحسن
والحسين وعبد الله بن العباس وعمار بن ياسر ومالك الأشتر شهد أيام بني
أمية كلهم على المنابر وفي جوامع الصلاة ومساجدها وفي الأسواق وعلى
الطرق والمسالك جهرا لا سرا وخرج علي المارقون من أصحابي المطالبون لي
بالتحكيم يوم المصاحف فقالوا: قد غيرت وكفرت وبدلت وخالفت الله في
تركنا ورأينا واجابتك لنا إلى أن حكمنا عليك الرجال فكان لي ولهم
بحروراء موقف دفعت لهم فيه عن قتالهم وانظرتهم حولا كاملا ثم خرجت
بعد انقضاء الهدنة أريد معاوية بمن أطاعني من المسلمين فخرج أصحابي
410

المارقون علي بالنهروان فلقوا رجلا من صلحاء المسلمين وعبادهم ومن قاتل
معي يوم الجمل وصفين يقال له عبد الله بن خباب وذبحوه وزوجته وطفلا
له على دم خنزير وقالوا ما ذبحنا هؤلاء وهذا الخنزير الا واحد وهذا فعلنا
بعلي وسائر أصحابه حتى يقر انه قد كفر وغير وبدل ثم يتوب ونقبل توبته
فعدلت إليهم وخاطبتهم بالنهروان فاحتجوا علي واحتججت عليهم فكان
احتجاجهم باطلا وكان احتجاجي حقا.
قال الحسين بن حمدان ويعيد أمير المؤمنين احتجاجهم عليه واحتجاجه
عليهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم أعده لان شرحه قد
تقدم.
ورجع الحديث إلى قول الصادق (عليه السلام) للمفضل، قال:
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) والله يا رسول الله ما رضوا بتكذيبي
ونقض بيعتي والخلاف علي وقتالي واستحلال دمي ولعني قروا فاني أمرت
الأمة بما أمرتني به من تربيع الأظافير ونهيتهم عن تدويرها فذكروا اني إنما
ربعتها لأني أتسلق على مشارب أزواجك يا رسول الله فاتي منهن الفاحشة
وكنت أبيع الخمر بعهدك وبعدك وكنت اغل الفئ في جميع غزواتك
واستبد به دونك ودون المسلمين ولم يبقوا عضيهة ولا شبهة ولا فاحشة الا
نسبوها إلي وزعموا اني لو استحقيت الخلافة لما قدمت علي في حياتك أبا بكر
في الصلاة ولقد علمت يا رسول الله ان عائشة أمرت بلالا وأنت في
وعلك مرضك وقد نادى بلال في الصلاة فأسرعت كاذبة عليك يا رسول الله
فقالت إن رسول الله يأمرك ان تقدم أبا بكر فراجع بذلك بلال وكل يقول
له مثل قولها فرجع بلال إلى المسجد فقال إن مخبرا اخبرني عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) انه امر بتقديمك يا أبا بكر في الصلاة ورجعت
عائشة من اباب نكرت وقلت لها يا رسول الله ويلك يا حميراء ما الذي
جنيت أمرت عني بتقديم أبيك في الصلاة فقالت قد كان بعض ذلك يا
411

رسول الله فقمت ويدك اليمنى علي واليسرى على الفضل بن العباس
معجلا لا تستقر قدماك على الأرض حتى دخلت المسجد ولحقت أبا بكر قد
قام مقامك في الصلاة فأخرجته وصليت بالناس فوالله لقد تكلم المنافقون
بفضل أبي بكر حتى تقدم للصلاة بعهدك يا رسول الله فاحتججت عليهم
لما أظهروا ذلك بعد وفاتك فلم ادع لهم فيها اعتلالا ولا مذهبا ولا حجة
ينقلون بها وثنيت وقلت: ان زعمتم ان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
من تقديم أبي بكر في الصلاة لأنه أفضل الأمة عنده فلما خرجه عن فضل
ندبه إليه وان زعمتم ان رسول الله امر بذلك وهو مثقل عن النهضة فلما
وجد الحق فسارع فلم يسعه القعود فالحجة عليك في اسقاط أبي بكر وان
زعمتم ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوقفه عن يمينه دون الصفوف
فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبو بكر امام المسلمين في تلك
الصلاة فهذا لا يكون وان زعمتم انه أوقفه عن شماله فقد كان أبو بكر
امام رسول الله لان الامام إذا صلى برجل واحد فمقامه عن يمينه لا عن
شماله وان زعمتم انه أوقفه بينه وبين الصف الأول فقد كان رسول الله
امام أبي بكر وأبو بكر امام المسلمين وهذا الامر لا يكون ولا يقوم رجل
واحد في الصلاة الا امام الصلاة وان زعمتم انه اقامه في الصف الأول فما
فضله على جميع الصف الأول وان زعمتم ان رسول الله اقامه في الصف
الأول مسمع فيه التكبير في الصلاة لأنه كان في حال ضيقه من العلة لا
يسمع ساير من في المسجد فقد كفرتم أبا بكر وحبطتم عمله لان الله عز
وجل يقول يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا
تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وأنتم لا تشعرون
والله ما ذاك يا رسول الله الا انني لم أجد ناصرا من المسلمين على نصرة
دين الله ولقد دعوتهم كما أخبرتكم الموفقة فاطمة انني حملتها وذريتها إلى
دور المهاجرين والأنصار أذكرهم بأيام الله وما اخذته عليهم يا رسول الله
بأمر الله من العهد والميثاق لي في أربعة مواطن وتسليمهم علي بإمرة المؤمنين
بعهدك فيعدوني النصرة ليلا ويقعدون عني نهارا حتى إذا جاءني ثقات
412

أصحابك باكين استنهضوني ويقولون على أنهم أنصاري على اظهار دين الله
امتحنتهم بحلق رؤوسهم واشهار سيوفهم على عواتقهم ومسيرهم إلى باب
داري فتأخر جمعهم عني فما صح لي منهم إلا ثلاث نفر وآخر لم يتم حلق
رأسه ولا اشهر سيفه وهم والله أحبابك وأنجابك وأصحابك وهم سلمان
والمقداد وأبو ذر وعمار الذي لم يتم حلق رأسه ولا أشهر سيفه ولا خرجت
مكرها إلى سقيفة بني ساعدة أقاد إليها كما تقاد صعبة الإبل فلم أر لي ولا
ناصرا إلا الزبير بن العوام فإنه شهر سيفه في أوساطهم وعض على نواجذه
وقال والله لا غمدته أو تقطع يدي اما ترضون ان غصبتم عليا حقه ونقضتم
عهده وعهد الله ومبايعتكم له حتى جئتم به يبايعكم فوثب عمر وخالد وتمام
أربعين رجلا كلا يجتهد في اخذ السيف من يده وطرحوه إلى الأرض صريعا
واخذوا السيف من يده فلما انتهوا بي إلى عتيق وردت على مورد لم يسعني
معه السكوت بعد ان كظمت غيظي وحفظت نفسي وربطت جاشئ وقلت
للناس جميعا إنما نا فريضة فرضها الله طاعتي ورسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم) على الأمة فإذا نقضوا عهد الله ورسوله وخالفتني الأمة لم يكن علي
ان ادعوهم إلى طاعتي ثانية ومالي فيهم ناصر ولا معين وصبرت كما أدبني
الله بما أدبك يا رسول الله في قوله جل من قائل (فاصبر كما صبر أولوا
العزم من الرسل) الآية وقوله: (واصبر وما صبرك الا بالله) وحق يا
رسول الله تأويل هذه الآية التي أنزلها في الأمة من بعدك في قوله عز من
قائل: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل
انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي
الله الشاكرين).
قال المفضل: يا سيدي فما تأويل هذه الآية: (أفإن مات أو قتل
انقلبتم على أعقابكم) فان كثيرا من الناس يقولون إن الله لا يعلم بموت
عبد ولا بقتل وبعضهم يقول: (أفإن مات محمدا أو قتل) بما يموت به
العالم على ثبت.
413

قال الصادق (عليه السلام): لو ردوا ما لا يعلمونه الينا ولم يفتروا
فيه الكذب ولم يتأولوه من عند أنفسهم لبينا لهم الحق فيه يا مفضل ان الله
عالم لا بعلم وإنما تأويل الآية ان مات أو قتل بما يموت به العالم فإنهما ميتتان
لا ثالثة لهما الموت بلا قتل والقتل بالسيف وبما يقتل به من سائر الأشياء اما
ترى ان الأمة ارتدت ونقضت وغيرت وبدلت بين موت رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم جرى الآخرون كما
جرى الأولون.
قال الحسين بن حمدان: وقص أمير المؤمنين على رسول الله قصصا
طويلة لم أعدها لئلا يطول شرح الكتاب.
وعاد الحديث إلى الحسن (عليه السلام).
روى المفضل عن الصادق: قال ويقوم الحسن إلى جده رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ويقول يا جداه كنت مع أمير المؤمنين بالكوفة في دار
هجرته حتى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم فوصاني بما وصيته به يا
جداه وبلغ معاوية قتل أبي فانفذ الدعي عبيد الله بن زياد إلى الكوفة في
مائة وخمسين الف مقاتل وأمره بالقبض علي وعلى أخي الحسين وسائر اخوتي
وأهل بيتي وشيعتي وموالينا وان يأخذ علينا جميعا البيعة لمعاوية فمن تأبى منا
ضرب عنقه ويسير إلى معاوية رأسه فلما علمت ذلك من فعل معاوية
خرجت من داري ودخلت جامع الصلاة ورقيت المنبر واجتمع الناس حتى
لم يبق موضع قدم في المسجد وتكاتفوا حتى ركب بعضهم بعضا فحمدت
الله وأثنيت عليه، وقلت معاشر الناس عفت الديار ومحيت الآثار وقل
الاصطبار فلا اقرار على همزات الشياطين والخائنين الساعة وضحت البراهين
وتفصلت الآيات وبانت المشكلات ولقد كنا نتوقع اتمام هذه الآية بتأويلها
(وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم) إلى
414

آخر الآية فقد مات والله جدي رسول الله وأبي (عليهما السلام) وصاح
الوسواس الخناس ودخل الشك في قلوب الناس ونعق ناعق الفتنة
وخالفتهم السنة فيها لها من فتنة صماء بكماء عمياء لا يسمع لداعيها ولا
يجاب مناديها ولا يخالف واليها ظهرت ظلمة النفاق وسيرت آيات أهل
الشقاق وتكاملت جيوش أهل العراق المراق بين الشام والعراق هلموا
رحمكم الله إلى الاصباح والنور الوضاح والعالم الجحجاح إلى النور الذي لا
يطفى والحق الذي لا يخفى يا أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة ومن برهة
الوسنة وتكاثف الظلمة ومن نقصان الهمة فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة
وتردى بالعظمة لئن قام لي منكم عصبة بقلوب صافية ونيات مخلصة لا
يكون فيها شوب ولا نفاق ولا نية فراق لجاهدنا بالسيف قدما قدما
ولاصفن من السيف جوانبها ومن الرماح أطرافها ومن الخيل سنابكها فتكلموا
رحمكم الله فكأنما ألجموا بلجام الضمت ابن الصرد وبنو الجارود ثلاثة
وعمرو بن الحمق الخزاعي وحجر بن عدي الكندي والطرماح ابن عطارد
السعدي وهاني بن عروة السدوسي والمختار بن أبي عبيد الثقفي وشداد بن
عباد الكاهلي، ومحمد بن عطارد الباهلي، وتمام العشرين من همدان،
فقالوا لي: يا ابن رسول الله ما نملك غير أنفسنا وسيوفنا وها نحن بين
يديك لأمرك طائعين وعن رأيك صادرين مرنا بما شئت فنطرت يمنة ويسرة
فلم أر أحدا غيرهم فقلت لهم لي أسوة بجدي رسول الله (صلى الله عليه
وآله) حين عبد الله سرا وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلا فلما أكمل الله له
أربعين صاروا في عدة فاظهر امر الله فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله
حق جهاده ثم رفعت رأسي نحو السماء وقلت: اللهم إني قد دعوت
وانذرت وصوبت ونبهت فكانوا عن إجابة الداعي غافلين وعن نصرته
قاعدين وعن طاعته مقصرين ولأعدائه ناصرين اللهم فأنزل عليهم رجزك
وبأسك الذي لا يرد عن القوم الظالمين ونزلت عن المنبر وأمرت
أوليائي وأهل بيتي فشدوا رواحلكم وخرجت من الكوفة راحلا إلى المدينة
415

هذا يا جداه بعد ان دعوت سائر الأمة وخاطبتهم
بعد قتل أمير المؤمنين إلى ما دعاهم إليه هو وخاطبهم بعدك يا
رسول الله جاريا على سنتك ومنهاجك وسنن أمير المؤمنين ومنهاجه في الموعظة
الحسنة والترفق والخطاب الجميل والتخويف بالله والتحذير من سخطه
وعذابه والترغيب في رحمته ورضوانه وصفحه وغفرانه لمن وفى بما عاهد
عليه الله ورغبتهم في نصرة الدين وموافقة الحق والوقوف بين امر الله ونهيه
فرأيت أنفسهم مريضة وقلوبهم نائبة فاسدة قد غلب الران عليها فجاؤوني
يقولون إن معاوية قد سير سراياه إلى نحو الأنبار والكوفة وشنت غاراته على
المسلمين وقتل منهم من لم يقاتله وقتل النساء والأطفال فأعلمتهم انه لا
وفاء لهم ولا نصر فيهم وانهم قد أسروا الدعوة وأخلدوا الرفاهة وأحبوا
الدنيا وتناسوا الآخرة فقالوا معاذ الله يا ابن رسول الله ان نكون كما ذكرت
فادع لنا الله بالسداد والرشاد فأنفذت معهم رجالا وجيوشا وعرفتهم انهم
يجيبون إلى معاوية وينقضون عهدي وبيعتي ويبيعوني بالخطر اليسير ويقبلون
منهم الرشى والتقليدات فزعموا أنهم لا يفعلون فما مضى منهم أحد الا فعل
ما أخبرتهم به من اخذ رشى معاوية وتقليده ونفذ إليه عاديا فاقضى مخالفا
فلما كثرت غارات معاوية في أطراف العراق جاؤوني فعاهدوني عهدا مجددا
وبيعة مجددة وسرت معهم من الكوفة إلى المدائن بشاطئ الدجلة فدس
معاوية إلى زيد بن سنان أخي جرير بن عبد الله مالا ورشاه إياه على قتلي
فخرج إلي ليلا وانا في فسطاط لي أصلي والناس نيام فرماني بحربة فاثبتها
بجسدي فنبهت العسكر ورأوا الحربة تهتز في أعضائي وأمرت بطلب زيد
لعنه الله فخرج إلى الشام هاربا إلى معاوية فرجعت جريحا وخرجت عند
قعود الأمة عني إلى المدينة إلى حرمك يا جداه فلقيت من معاوية وسائر بني
أمية وعراتهم فاسال الله ان لا يضيع لي اجره ولا يحرمني ثوابه ثم دس
معاوية إلى جعدة ابنة محمد بن الأشعث بن قيس الكندي لعنهم الله فبذل
لها مائة ألف درهم وضمن لها اقطاع عشر قرى وانفذ إليها سما سمتني
416

به فمن.
ثم يقول الحسين (عليه السلام) مخضبا بدمائه فيقبل في اثني عشر الف
صديق كلهم شهداء وقتلوا في سيل الله من ذرية رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ومن شيعتهم ومواليهم وأنصارهم وكلهم مضرجون بدمائهم فإذا
رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبكت أهل السماوات والأرض ومن
عليها ويقف أمير المؤمنين والحسن عن يمينه وفاطمة عن شماله ويقبل
الحسين ويضمه رسول الله إلى صدره ويقول يا حسين فديتك قرت عيناك
وعيناي فيك وعن يمين الحسين حمزة بن عبد المطلب وعن شماله جعفر بن
أبي طالب وامامه أبو عبيدة بن الحارث ابن عبد المطلب ويأتي محسن مخضبا
بدمه تحمله خديجة ابنة خويلد وفاطمة ابنة أسد وهما جدتاه وجمانة عمته ابنة
أبي طالب وأسماء ابنة عميس صارخات وأيديهن على خدودهن ونواصيهن
منشرة والملائكة تسترهن بأجنحتها وأمه فاطمة تصيح وتقول (هذا يومكم
الذي كنتم به توعدون) وجبرائيل يصيح ويقول: (مظلوم فانتصر)
فيأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) محسن على يده ويرفعه إلى السماء
وهو يقول الهي صبرنا في الدنيا احتسابا وهذا اليوم: (تجد كل نفس ما
عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا
بعيدا).
قال: ثم بكى الصادق وقال: يا مفضل لو قلت عينا بكت ما في
الدموع من ثواب وإنما نرجو ان بكينا الدماء ان ثاب به فبكى المفضل
طويلا، ثم قال يا ابن رسول الله ان يومكم في القصاص لأعظم من يوم
محنتكم فقال له الصادق: ولا كيوم محنتنا بكربلا وإن كان كيوم السقيفة
واحراق الباب على أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم
وفضة وقتل محسن بالرفسة لأعظم وامر لأنه أصل يوم الفراش.
قال المفضل: يا مولاي اسال قال: إسأل قال: يا مولاي (وإذا
المؤودة سئلت باي ذنب قتلت) قال: يا مفضل تقول العامة انها في كل
417

جنين من أولاد الناس يقتل مظلوما قال المفضل: نعم، يا مولاي هكذا
يقول أكثرهم قال: ويلهم من أين لهم هذه الآية هي لنا خاصة في الكتاب
وهي محسن (عليه السلام) لأنه منا وقال الله تعالى: (قل لا أسألكم
عليه اجرا الا المودة في القربى) وإنما هي من أسماء المودة فمن أين إلى كل
جنين من أولاد الناس وهل في المودة والقربى غيرنا يا مفضل قال صدقت يا
مولاي ثم ماذا قال فتضرب سيدة نساء العالمين فاطمة يدها إلى ناصيتها
وتقول اللهم أنجز وعدك وموعدك فيمن ظلمني وضربني وجرعني ثكل
أولادي ثم تلبيها ملائكة السماء السبع وحملة العرش وسكان الهواء ومن في
الدنيا وبين اطباق الثرى صائحين صارخين بصيحتها وصراخها إلى الله فلا
يبقى أحد ممن قاتلنا ولا أحب قتالنا وظلمنا ورضي بغضبنا وبهضمنا ومنعنا
حقنا الذي جعله الله لنا الا قتل في ذلك اليوم كل واحد الف قتلة ويذوق
في كل قتلة من العذاب ما ذاقه من ألم القتل سائر من قتل من أهل الدنيا من
دون من قتل في سبيل الله فإنه لا يذوق الموت وهو كما قال الله عز
وجل: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم
يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم
من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
قال المفضل يا سيدي فان من يستبشرون شيعتكم من لا يقر بالرجعة
وانكم لا تكرون بعد الموت ولا يكر أعداؤكم حتى تقتصوا منهم بالحق فقال
ويلهم ما سمعوا قول جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجميع
الأئمة (عليهم السلام) ونحن نقول من لم يثبت إمامتنا ويحل متعتنا ويقول
برجعتنا فليس منا وما سمعوا قول الله تعالى (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى
دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون)، قال المفضل: يا مولاي ما العذاب
الأدنى وما العذاب الأكبر قال (عليه السلام) العذاب الأدنى عذاب
الرجعة والعذاب الأكبر عذاب يوم القيامة الذي يبدل فيه الأرض غير
الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار قال المفضل يا مولاي
418

فإمامتكم ثابتة عند شيعتكم ونحن نعلم أنكم اختيار الله في قوله (نرفع
درجات من نشاء) وقوله (الله اعلم حيث يجعل رسالته) ان الله اصطفى
آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله
سميع عليم) قال: يا مفضل فأين نحن من هذه الآية قال يا مفضل قول
الله تعالى: (ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين
آمنوا والله ولي المؤمنين) وقوله: (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم
المسلمين من قبل) وقول إبراهيم: (رب أجنبني وبني ان نعبد
الأصنام) وقد علمنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين
(عليه السلام) ما عبدا صنما ولا وثنا ولا اشركا بالله طرفة عين وقوله:
(إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس اماما قال
ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) والعهد هو الإمامة.
قال المفضل: يا مولاي لا تمتحني ولا تختبرني ولا تبتليني فمن علمكم
علمت ومن فضل الله عليكم اخذت قال صدقت يا مفضل لولا اعترافك
بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت باب الهدى فأين يا مفضل الآيات من
القرآن فيه ان الكافر ظالم قال: نعم، يا مولاي قوله: (الكافرون هم
الظالمون) وقوله: (الكافرون هم الفاسقون) ومن كفر وفسق وظلم لا
يجعله الله للناس اماما.
قال: أحسنت يا مفضل فمن أين قلت برجعتنا ومقصرة شيعتنا ان
معنى الرجعة ان يرد الله الينا ملك الدنيا فيجعله للمهدي ويحهم متى سلبنا
الملك حتى يرد الينا.
قال المفضل لا والله يا مولاي ما سلبتموه ولا سلبونه لأنه ملك النبوة
والرسالة والوصية والإمامة.
قال الصادق (عليه السلام): يا مفضل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا
في فضلنا اما سمعوا قول الله جل من قائل: (وإذ قال إبراهيم رب أرني
419

كيف تحيي الموتى، قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ
أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم
أدعهن يأتينك سيعا واعلم أن الله عزيز حكيم) فاخذ إبراهيم أربعة اطيار
فذبحها وقطعها واخلط لحومها وريشها حتى صارت قبضة واحدة ثم قسمها
أربعة اجزاء وجعلها على أربعة أجبال ودعاها فأجابته وأقرت وأيقنت
بوحدانية وبرسالة إبراهيم بصورها الأولية ومثل قوله في كتابه العزيز (أو
كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال إني يحيي هذه الله بعد
موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم
قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى
حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشرها ثم نكسوها
لحما فلما تبين له قال اعلم أن الله على كل شئ قدير) وقوله في طوائف
من بني إسرائيل: (الذين خرجوا من ديارهم) هاربين (حذر الموت)
إلى البراري والمغاور فحظروا على أنفسهم حظائر وقالوا قد حرزنا أنفسنا من
الموت وهم زهاء ثلاثين الف رجل وامرأة وطفل: (فقال لهم الله
موتوا) فماتوا كهيئة نفس واحدة وصاروا رفاتا فمر عليهم حزقيل ابن
العجوز فتأمل أمرهم وناجى ربه في أمرهم وقص عليه قصتهم وقال الهي
وسيدي قد أريتهم قدرتك انك أمتهم وجعلتهم رفاتا فأرهم قدرتك وان
تحييهم حتى ادعوهم إليك ووفقهم للايمان بك وتصديقي فأوحى الله إليه يا
حزقيل هذا يوم شريف عظيم القدر وقد آليت به ان لا يسألني مؤمن حاجة
الا قضيتها له وهو يو نوروز فخذ الماء ورشه عليهم فإنهم يحيون باذني
فرش عليهم الماء فأحياهم الله بأسرهم فاقبلوا إلى حزقيل مؤمنين بالله
مصدقين وهم الذين قال الله فيهم: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم
وهم ألوف حذر الموت قال لهم الله موتوا ثم أحياهم) وقوله في قصة
عيسى: (اني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا
بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما
420

تأكلون وما تدخرون في بيوتكم).
هذا يا مفضل ما أقمنا به الشاهد من كتاب الله لشيعتنا مما يعرفونه في الكتاب ولا يجهلونه ولئلا يقولوا الا ان الله لا يحيي الموتى في الدنيا ويردهم
الينا ولزمهم الحجة من الله إذا أعطى أنبياءه ورسله الصالحين من عباده
فنحن بفضله علينا أولى فأعطانا ما أعطوا ويزاد عليه وما سمعوا ويحهم قول
الله تعالى: (فإذا جاء وعد أوليهما بعثنا عليكم عبادا لنا اولي باس شديد
فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم
وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا).
قال المفضل: يا مولاي فما تأويل: (فإذا جاء وعد أوليهما) قال
والله الرجعة الأولى ويوم القيامة العظمى يا مفضل وما سمعوا قوله تعالى:
(ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم
الوارثين) الآية والله يا مفضل ان تأويل هذه الآية فينا: (وان فرعون
وهامان وجنودهما) هم أبو بكر وعمر وشيعتهم.
قال المفضل: يا مولاي فالمتعة حلال مطلق والشاهد بها قوله تعالى في
النساء المزوجات بالولادة والشهود: (فلا جناح عليكم فيما عرضتم به من
خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله انكم ستذكرونهن ولكن لا
تواعدوهن سرا الا ان تقولوا قولا معروفا) اي مشهودا والمعروف
هو المستشهد بالولاء والشهود وإنما احتاج إلى الولي والشهود في النكاح ليثبت
النسل ويصح النسب ويستحق الميراث، وقوله: (واتوا النساء صدقاتهن
نحلة فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) وجعل الطلاق
لا للرجال في المتعة للنساء المزوجات لعلة النساء على غير جائز الا بشاهدين
عادلين ذوي عدل من المسلمين وقال في سائر الشهادات على الدماء والفروج
والأموال والاملاك: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا
رجلين فرجل وامر أتان ممن ترضون من الشهداء) وبين الطلاق عز ذكره
421

فقال تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا
العدة واتقوا الله ربكم (ولو كانت المطلقة تبين بثلاث تطليقات يجمعها
كلمة واحدة وأكثر منها وأقل كما قال الله تعالى: (وأحصوا العدة واتقوا
الله ربكم) إلى قوله (وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد
ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف
واشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر) وقوله عز وجل: (لا تدري لعل الله يحدث
بعد ذلك امرا) هو نكر يقع بين الزوج والزوجة فتطلق التطليقة الأولى
بشهادة ذوي عدل وحرر وقت التطليق وهو آخر القروء والقروء هو الحيض
والطلاق يجب عند آخر النطفة تنزل بيضاء بعد الحمرة والصفرة أول
التطليقة الثانية والثالثة وما يحدث الله بينهما عطفا وذلك ما كرهاه وقوله:
(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق
الله في أرحامهن ان كن يؤمن بالله وباليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في
ذلك ان أرادوا اصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن
درجة والله عزيز حكيم) هذا يقوله تعالى ان المبعولة مراجعة النساء من
تطليقة إلى تطليقة ان أرادوا إصلاحا والنساء مراجعة للرجال في مثل ذلك
ثم بين تبارك وتعالى فقال: (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح
باحسان) في الثالثة فان طلق الثالثة وبانت فهو قوله (فان طلقها فلا تحل
له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) ثم يكون كسائر الخطاب والمتعة التي
حللها الله في كتابه وأطلقها الرسول عن الله لسائر المسلمين فهي قوله:
(والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم كتاب الله عليكم وأحل
لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم
به منهن فاتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد
الفريضة ان الله كان عليما حكيما) والفرق بين المزوجة الممتعة ان
422

للمزوجة صداقا وللمتمتعة اجرة فتمتع سائر المسلمين في عهد رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) في الحج وغيره وأيام أبي بكر وأربع سنين من
أيام عمر حتى دخل على أخته عفراء فوجد في حجرها طفلا ترضعه من
ثديها فقال يا أختي ما هذا فقالت له ابني من أحشائي ولم تكن متبعلة فقال
لها من أين ذلك فقالت: تمتعت فكشفت عن ثديها فنظر إلى درة اللبن في
في الطفل فاغتضب فكشف عن ثديها وارعد واربد لونه واخذ الطفل على
يده مغضبا وخرج ومشى حتى اتى المسجد فرقي المنبر وقال نادوا في الناس
في غير وقت الصلاة فعلم المسلمون ان ذلك لأمر يريده عمر فحضروا فقال
معاشر الناس من المهاجرين والأنصار وأولاد قحطان من منكم يحب ان
يرى المحرمات من النساء كهذا الطفل قد خرج من بطن أمه وسقته لبنها
وهي غير متبعلة فقال بعض القوم ما يحب هذا يا أمير المؤمنين، فقال:
ألستم تعلمون ان أختي عفراء من حنتمة أمي وأبي الخطاب انها غير متبعلة
قالوا: بلى يا أمير المؤمنين قال: فاني دخلت الساعة فوجدت هذا الطفل
في حجرها فناشدتها من أين لك هذا قالت ابني من احشائي ورأيت در
اللبن من ثديها فقتل: من أين لك هذا فقالت تمتعت فاعلموا معاشر
الناس ان هذه المتعة كانت حلالا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وبعده وقد رأيت تحريمها فمن اتاها ضربت جنبيه بالسوط ولم يكن في القوم
منكر لقوله ولا راد عليه ولا قائل أي رسول بعد رسول الله وأي كتاب بعد
كتاب الله عز وجل ولا يقبل خلافك على الله ورسوله وكتابه بل سلموا
ورضوا.
قال المفضل: يا مولاي فما شرائطها؟
قال: يا مفضل سبعون سرطا من خالف منها شرطا واحدا أظلم نفسه
قال: فقلت يا سيدي فاعرض عليك ما علمته منكم فيها.
قال الصادق (عليه السلام) قل يا مفضل على انك قد علمت الفرق
423

بين المزوجة والمتعة بها مما تلوته عليك قال المزوجة لها صداق ونحلة
والمتمتعة اجرة فهذا فرق بينهما.
قال المفضل نعم يا مولاي قد علمت ذلك فقال: قل يا مفضل قال يا
مولاي قد أمرتمونا لا نتمتع بباغية ولا مشهورة بالفساد ولا مجنونة ان تدعو
المتعة إلى الفاحشة فان أجابت قد حرم الاستمتاع بها تسال أفارغة هي أم
مشغولة ببعل أم بحمل أم بعدة، فان شغلت بواحدة من هذه الثلاثة فلا
تحل وان حلت فتقول لها متعيني نفسك على كتاب الله وسنة نبيه نكاحا غير
مسافح اجلا معلوم بأجرة معلومة وهي ساعة أو يوم أو يومان أو شهر أو
سنة أو ما دون ذلك أو ما أكثر والأجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو
شسع نعال أو شق ثمرة أو إلى ما فوق ذلك من الدراهم والدنانير أو غرض
ترضى به فان وهبت حلت له كالصداق الموهوب من النساء المزوجات التي
قال الله فيهن: (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا).
رجع الحديث إلى تمام الخطبة بالقول على أن لا ترثني ولا ارثك وعلى
ان الماء مائي أضعه حيث شئت وعليك الاستبراء أربعون يوما أو محيض أو
أجد ما كان من عدد الأيام فإذا قالت: نعم، أعدت القول ثانية وعقد
النكاح به فإنما أحببت وهي أحبت الاستزادة في الأجل وفيه ما رويناه عنكم
قولكم لاخراجنا فرج من حرام إلى حرام حلال أحب الينا من تركه على
الحرام ومن قولكم إذا كانت تعقل قولها فعليها ما تولت من الأخيار عن
نفسها ولا جناح عليك وقول أمير المؤمنين لعن الله ابن الخطاب فولاه ما
زنى الا شقي أو شقية لأنه كان يكون للمسلمين غنى في عمل المتعة عن
الزنى وروينا عنكم انكم قلتم ان الفرق بين الزوجة والمتمتع بها ان للمتمتع
ان يعتزل عن المتعة وليس للمزوج ان يعزل عن الزوجة ان الله قال (ومن
الناس من يعجبك قوله في الحاية الدنيا ويشهد الله ما في قلبه وهو ألد
الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله
424

لا يجب الفساد) ان في كتاب الله لكفارة عنكم ان من عزل نطفة من
رحم مزوجه فدية النطفة عشر دنانير كفارة، وان في شرط المتعة، ان المال
يضعه حيث يشاء من المتمتع بها فان وضعت في الرحم فخلق منه ولد كان
لاحقا بابيه.
قال الصادق (عليه السلام) يا مفضل حدثني أبي عن أبيه عن جده
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ان الله اخذ الميثاق على ماء
أوليائه المؤمنون لا يعلق منه فرج من متعة وانه أحد محن المؤمن الذي تبين
ايمانه من كفره إذا علق منه فرج من متعة.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولد المتعة حرام وان الأحرى
للمؤمن لا يضيع النطفة في فرج المتعة.
قال المفضل يا مولاي فان عبد الله بن الزبير سب عبد الله بن العباس
سبا كان فيه قوله اما ترون رجلا قد أعمى الله قلبه كما أعمى عينه ويفتي في
المتعة ويقول إنها حلال فسمعه عبد الله بن العباس قال لقائده قف بي على
الجماعة التي فيها عبد الله بن الزبير فأوقفه وقال له: يا ابن الزبير سل
أسماء بنت أبي بكر فإنها تنبئك ان أباك عوسجة الأسدي استمتع بها ببردتين
يمانيتين فحملت بك فأنت أول مولود في الاسلام من المتعة وقد قال النبي
(صلى الله عليه وآله) لا ولد المتعة حرام.
فقال صادق (عليه السلام): والله يا مفضل لقد صدق عبد الله بن
العباس في قوله لعبد الله بن الزبير.
قال المفضل قد روى بعض شيعتكم انكم قلتم ان حدود المتعة اشهر
من راية البيطار وانكم قلتم لأهل المدينة هبوا لنا التمتع بالمدينة.
قال الصادق: يا مفضل إنما قلنا هبوا لنا التمتع بالمدينة وتمتعوا حيث
شئتم من الأرض لا خوفا عليكم من شيعة ابن الخطاب ان يضربوا جنوبهم
بالسياط فحرزناها باستيائها بها منهم بالمدينة.
425

قال المفضل: وروت شيعتكم عنكم ان محمد بن سنان الأسدي تمتع
بامرأة فلما تمطاها وجد في أحشائها تركلا فرفع نفسه عنها وقام قلقا ودخل
على جدك علي بن الحسين (عليه السلام) وقال له: يا مولاي تمتعت بامرأة
وكان من قصتي وقصتها كيت وكيت قلت ما هذا التركل فجعلت رجلها
بصدري وقالت لي قم، فما أنت باديب ولا بعالم اما سمعت قول الله
تعالى: (لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم).
قال الصادق (عليه السلام): هذا سرف من شيعتنا علينا ومن
يكذب علينا فليس منا والله ما ارسل رسوله الا بالحق ولا جاء الا بالصدق
ولا يحكي الا عن الله ومن عند الله وبكتاب الله فلا تتبعوا أهواءكم ولا
ترخصوا لأنفسكم فيحرم عليكم ما أحل لكم والله يا مفضل ما هو الا دين
الحق وما شرائط المتعة الا ما قدمت ذكره لك فذر الغاوين وازجر نفسك عن
هواها.
قال المفضل: ثم ماذا يا مولاي قال ثم يقوم زين العابدين علي بن
الحسين ومحمد الباقر (عليهما السلام) فيشكوان إلى جدنا رسول الله (صلى
الله عليه وآله) ما نالهما من بني أمية وما روعا به من القتل ثم أقوم انا
فأشكو إلى جدي رسول الله ما جرى علي من طاغية الأمة الملقب بالمنصور
حيث أفضت الخلافة إليه فإنه عرضني على الموت والقتل ولقد دخلت عليه
وقد رحلني عن المدينة إلى دار ملكه بالكوفة مغسلا مكفنا مرارا فأراه من
قدرته ما ردعه عني ومنعه من قتلي.
قال الحسين بن حمدان (رضي الله عنه) وقد تقدم في هذا الكتاب شرح
ما فعل المنصور لعنه الله بالصادق (عليه السلام)، ورجع الحديث إلى
الصادق.
قال ثم يقوم ابني موسى يشكو إلى جده رسول الله ما لقيه من الضليل
هارون الرشيد وتسييره من المدينة إلى طريق البصرة متجنبا طريق الكوفة
426

لأنه قال أهل الكوفة شيعة آل محمد وأهل البصرة اعداهم وقد صدق لعنه
الله.
وحدثني الباقر عن أبيه علي بن الحسين، يرفعه إلى جده رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قال طينة أمتي من مدينتي وطينة شيعتنا من الكوفة
وطينة أعدائنا من البصرة ويقص فعله وحبسه إياه في دار السندي بن
شاهك صاحب شرطته بالزوراء وما يعرض عليه من القتل، وقد تقدم
ذكره، وما فعل الرشيد به إلى أن مات.
ورجع الحديث إلى الصادق (عليه السلام) قال: ويقوم علي بن
موسى (عليه السلام) فيشكو إلى جده رسول الله (صلى الله عليه
وآله) ما نزل به وتسيير المأمون إياه من المدينة إلى طوس بخراسان من
طريق البصرة من الأهواز ويقص عليه قصته إلى أن قتله بالسم وقد تقدم
ذكره وما فعل به.
وعاد الحديث إلى الصادق (عليه السلام) قال: ويقوم محمد بن
علي بن موسى (عليه السلام) ويشكو إلى جده رسول الله (صلى الله عليه
وآله) ما نزل به من المأمون إلى أن قتله بالغلمان، كما جاء ذكره وعاد
الحديث إلى الصادق (عليه السلام) قال: ويقوم علي بن محمد فيشكو إلى
جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسيير جعفر المتوكل إياه وابنه الحسن
من المدينة إلى مدينة بناها على الدجلة تدعى بسامرا وما جرى عليه منه إلى أن
قتل المتوكل ومات علي بن محمد.، قال: ويقوم الحسن بن علي الحادي
عشر من الأئمة (عليهم السلام) ويشكو إلى جده رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وما لقيه من المعتز وهو الزبير بن جعفر المتوكل ومن أحمد بن
فتيان وهو المعتمد إلى أن مات الحسن.
ويقوم الخامس بعد السابع وهو المهدي يشكو إلى جده رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وكنيته محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن
427

موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
(عليهم السلام) وعليه قميص رسول الله بدم رسول الله يوم كسر رباعيته
والملائكة تحفه حتى يقف بين يدي جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فيقول له: يا جداه نصصت علي ودللت ونسبتني وسميتني فجحدتني الأمة
أمة الكفر وتمارت في وقالوا ما ولد ولا كان وأين هو ومتى كان وأين يكون
وقد مات وهلك ولم يعقب أبوه واستعجلوا ما اخره الله إلى هذا الوقت
المعلوم فصبرت محتسبا وقد اذن الله لي يا جداه فيما امر فيقول رسول الله
(صلى الله عليه وآله) الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ
من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين ويقول قد جاء نصر الله والفتح
وحق قوله تعالى: (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله ولو كره المشركون) ويقرأ: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر
لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فقال الصادق (عليه السلام): ان
الله تعالى علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء
هؤلاء ان كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت
العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل
لكم اني اعلم غيب السماوات والأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون)
وكذلك يا مفضل لما اخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم
على أنفسهم الست بربكم عرضوا تلك الذرية على جدنا رسول الله وعلينا
امام بعد امام إلى مهدينا الثاني عشر من أمير المؤمنين سمي سمي جده وكنية
محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى ابني وعرض علينا
اعمالهم فرأينا لهم ذنوبا وخطايا فبكى جدنا رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وبكينا رحمة لشيعتنا ان يدعوا لنا بنا ولهم ذنوب مشهورة بين الخلائق
إلى يوم القيامة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم اغفر
ذنوب شيعة أخي وأولاده الأوصياء منه وما تقدم منها وما تأخر ليوم القيامة
ولا تفضحني بين النبيين والمرسلين في شيعتنا فحمله الله إياها وغفرها جميعا
وهذا تأويل: (انا فتحنا لك) الآية.
428

قال المفضل: فبكيت بكاءا طويلا وقلت يا سيدي هذا بفضل الله
وفضلكم قال الصادق (عليه السلام) هذا بفضل الله علينا فيكم يا مفضل
وهل علمت من شيعتنا قال المفضل من تقول فقال والله ما هم الا أنت
وأمثالك ولا تحدث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا فيتكلموا على
هذا الفضل ويتركوا العمل به فلا يغني عنهم من الله شيئا لأننا كما قال الله
تعالى: (لا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون).
قال المفضل: يا مولاي بقي لي (ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون) ما كان رسول الله يظهر على الدين كله قال: يا مفضل ظهر عليه
علما ولم يظهر علمه عليه ولو كان ظهر عليه ما كانت مجوسية ولا يهودية ولا
جاهلية ولا عبدت الأصنام والأوثان ولا صابئة ولا نصرانية ولا فرقة ولا
خلافة ولا شك ولا شرك ولا أولوا العزة ولا عبد الشمس والقمر والنجوم
ولا النار ولا الحجارة وإنما قوله: (ليظهره على الدين كله) في هذا اليوم
وهذا المهدي وهذه الرجعة وقوله: (قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون
الدين كله لله).
قال المفضل: ثم ماذا؟
قال الصادق (عليه السلام) يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لأمير المؤمنين فديتك يا أبا الحسن أنت ضربتهم بسيف الله عن هذا الدين
فاضربهم الآن عليه عودا ويسير في هذه الدنيا يسير جبالها واقدار أرضها
ويطأها قدما قدما حتى يصفي الأرض من القوم الظالمين ويقول للمهدي
سر بالملائكة وخلصاء الجن والإنس ونقبائك المختارين ومن سمع وأطاع
الله لنا فاحمل خيلك في الهواء فإنها تركض كما تركض على الأرض واحملها
على وجه الماء في البحار والأمصار فإنها تركض بحوافرها عليه فلا يبل لها
حافر وانها تسير مع الطير وتسبق كل شئ فخذ بثارك وثارنا واقتص بمظالمنا
منهم واظهر حقنا وازهق الباطل فإنها دولة لا ليل فيه ولا ظلمة ولا قتام ومن
429

تضعه أهل الجنة في الجنة يقول لفاطمة والحسن والحسين وسائر الأئمة فينا
انظروا إلى ما فضلكم الله به وجعل لكم عقبى الدار فأكثروا من شكره
واشفعوا لشيعتكم فإنكم لا تزالون ترون هذه الأرض في هذه الرجعة
منكرة مقشعرة إلى أن لا يبقى عليها شاك ولا مرتاب ولا مشرك ولا راد
ولا مخالف ولا متكبر ولا جاحد الا طاهر مطهر ويقعد الملك والشرائع
ويصير الدين لله واصبا فإذا صفت جرت أنهارها بالماء واللبن والعسل
والخمر بغير بلاء ولا غائلة وتفتح أبواب السماء بالبر وتمطر السماء خيرها
وتخرج الأرض كنوزها وتعظم البرة حتى تصير حمل بعير ويجتمع الانسان
والسبع والطير والحية وسائر من يدب في بقعة واحدة فلا يوحش بعضهم
بعضا بل يؤنسه ونحادثه ويشرب الذئب والشاة من مورد واحد ويصدران
كما يصدر الرجلان المتواخيان في الله من وردهم وتخرج الفتاة العاتق
والعجوز العاقر وعلى رأسها مكيال من دقيق أو بر أو سويق وتبلغ حيث
شاءت من الأرض ولا يمسها نصب ولا لغوب وترتفع الأمراض والأسقام
ويستغني المؤمن عن قص شعره وتقليم أظافره وغسل أثوابه وعن حمام
وحجام وعن طب وطبيب ويفصح عن كل ذي نطق من البشر والدواب
والطير والهوام والدبيب وتفقد جميع اللغات ولم يبق الا اللغة العربية بافصاح
لسان واحد ولا يخرج المؤمن من الدنيا حتى يرى من صلبه الف ولد ذكر
مؤمن موحد تقي.
قال المفضل: يا مولاي فماذا يصنع أمير المؤمنين بدوا
قال يصنع والله ما قاله بخطبته وأيام لا تكون الدنيا إلى شاب غرنوق
ولا قفن في كل موقف كان لي وعلي ولا تركن ظالمي وناصبني شقي تيم
وعدي للمهدي من ولدي حتى يتولى نبشهما وعذابهما واحراقهما ونسفهما في
اليم نسفا ولا ركضن برجلي في رحبة جامع الكوفة فأخرج منها اثني عشر
الف صديق من شيعتي مكتوب على تلك البيض أسماؤهم وأنسابهم
وقبائلهم وعشائرهم ولأسيرن من دار هجرتي الكوفة حتى افني العالم قدما
430

قدما بسيفي ذي الفقار حتى آتي جبل الديلم فاصعده واستهل طريقه واقطع
خبره ولاتين بلقاء الهند وبيضاء الصين التي كلتا جواريها حور العين ولآتين
مصر واعقد على نيلها جسرا ولأنصبن على مجراها منبرا ولأخطبن عليه
خطبة طوبى لمن عرفني فيها ولم يشك في والويل والعويل والنار والثبور لمن
جهل أو تجاهل أو نسي أو تناسى أو انكر أو تناكر ولآتين جابلقا وجابرصا
ولأنصبن رحى الحرب واطحن بها العالم طحن الرحى لباب البر ولآتين
كورا ولأسبكن الخلق فيها سبك خالص التبر، وحرق اللجين ولاقطنهم
على وجه الأرض وشواهق الجبال وبطون الأودية والمغارات واطباق الثرى
التقاط الديك سمين الحب من يابسه وعجفه ولأقتلن الروم والصقالب
والقبط والحبش والعران والكرد والأرمن والقلف والهمج والغلف والأعابد
والبزغز والزغزغ والقردة والخنازير وعبدة الطاغوت فهم الشراة والناصبة
والمرجية والبترية والجهمية والمقصرة والمرتفعة.
قال المفضل قلت للصادق (عليه السلام) يا مولاي من المقصرة
والمرتفعة قال: يا مفضل المقصرة هم الذين هداهم الله إلى فضل علمنا
وأفضى إليهم سرنا فشكوا فينا وأنكروا فضلنا وقالوا: لم يكن الله ليعطيهم
سلطانه ومعرفته. واما المرتفعة: هم الذين يرتفعون بمحبتنا وولايتنا أهل البيت
وأظهروه يغير حقيقة وليس هم منا ولا نحن منهم ولا أئمتهم أولئك
يعذبون بعذاب الأمم الطاغية حتى لا يبقى نوع من العذاب الا وعذبوا
به.
قال المفضل: يا مولاي أليس قد روينا عنكم انكم قلتم الغالي نرده
الينا والتالي نلحقه بنا قال: يا مفضل ظننت ان التالي هم المقصرة، قال:
كذا ظننت يا سيدي، قال: كلا، التالي هم من خيار شيعتنا القائلين
بفضلنا المستمسكين بحبل الله وحبلنا الذين يزدادون بفضلنا علما وإذا ورد
على أحدهم خبر قبله وعمل به ولم يشك فيه فإن لم يطقه رده الينا ولم يرد
علينا فذلك هو التالي واما الغالي فليس فقد اتخذنا أربابا من دون الله وإنما
431

اقتدى بقولنا إذ جعلونا عبيدا مربوبين مرزوقين فقولوا بفضلنا ما شئتم فلن
ندركوه.
قال المفضل يا مولاي ان الغالي من ذكرانكم أربابا عند الشيعة من
دون الله قال ويحك يا مفضل: ما قال: أحد فينا الا عبد الله بن سبا
وأصحابه العشرة الذين حرقهم أمير المؤمنين في النار بالكوفة وموضع
احراقهم يعرف بصحراء الأخدود وكذا عذبهم أمير المؤمنين بعذاب الله
وهو النار عاجلا وهي لهم اجلا ويحك يا مفضل ان الغالي في محبتنا نرده الينا
ويثبت ويستجيب ولا يرجع والمقصرة تدعه إلى الالحاق بنا والاقرار بما
فضلنا الله به فلا يثبت ولا يستجيب ولا يلحق بنا لأنهم لما رأونا نفعل
افعال النبيين قبلنا مما ذكرهم الله في كتابه وقص قصصهم وما فرض إليهم
من قدرته وسلطانه حتى خلقوا وأحيوا ورزقوا وابروا الأكمه والأبرص ونبؤوا
الناس بما يأكلون ويشربون ويدخرون في بيوتهم ويعلمون ما كان وما يكون
إلى يوم القيامة بإذن الله وسلموا إلى النبيين أفعالهم وما وصفهم الله وأقروا
لهم بذلك وجحدوا بغيا علينا وحسدا لنا على ما جعله الله لنا وفينا وما
أعطاه الله لسائر النبيين والمرسلين والصالحين وازدادنا من فضله ما لم يعطهم
إياه وقالوا ما أعطى النبيون هذه القدرة التي أظهرها إنما صدقناها وانزل بها
لان الله أنزلها بكتابه ولو علموا ويحهم ان الله ما أعطاه من فضله شيئا الا
أنزله بسائر كتبه وصفنا به ولكن أعداؤنا لا يعلموه وإذا سمعوا فضلنا
أنكروه وصدوا عنه واستكبروا وهم لا يشكون في آدم (عليه السلام) لما
رأوا أسماءنا مكتوبة على سرداق العرش قال الهي وسيدي خلقت خلقا قبلي
وهو أحب إليك مني، قال الله يا آدم نعم، لولا هؤلاء الأسماء المكتوبة
على سرداق العرش ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا ملكا مقرب
ولا نبيا مرسل ولا خلقتك يا آدم قال الهي ما هؤلاء قال هؤلاء ذريتك يا
آدم فاستبشر وأكثر من حمد الله وشكره وقال بحقهم يا رب اغفر خطيئتي
فكنا والله الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فاجتباه وتاب عليه وهداه وانهم
432

ليروون ان الله خلقنا نورا واحدا قبل ان يخلق خلقا ودنيا وآخرة وجنة ونارا
بأربعة آلاف عام نسبح الله ونقدسه ونهلله ونكبره.
قال المفضل: يا سيدي هل بذلك شاهد من كتاب الله قال: نعم،
هو قوله تعالى: (له ما في السماوات وما في الأرض ومن عنده لا
يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون له بالليل والنهار إلى قوله
وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم
بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى
وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك يجزيه
جنهم كذلك نجزي الظالمين) ويحك يا مفضل، ألستم تعلمون ان من في
السماوات هم الملائكة ومن في الأرض هم الجان والبشر وكل ذي حركة
فمن الذين فيهم ومن عنده الذين قد خرجوا من جملة الملائكة.
قال المفضل: من تقول: يا مولاي قال: يا مفضل ومن نحن الذين
كنا عنده ولا كون قبلنا ولا حدوث سماء ولا ارض ولا ملك ولا نبي ولا
رسول قال المفضل: فبكيت وقلت: يا ابن رسول الله هذا والله الحق
المبين وهل نجد في كلامكم والاخبار المروية عنكم شاهدا بما وجدتني في
كتاب الله قال: نعم في خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم ضرب
سلمان بالمدينة وخروجه إلى الجبانة وخروج أمير المؤمنين إليه التسليم إليه
وقوله اسال يا سلسل سبيلك لا تجهل اسألني يا سلمان أنبئك البيان
أوضحك البرهان، فقال سلمان، يا أمير المؤمنين أودعني الحياة وأهلي
الخطوة ان للرشاد إذا بلغ نزح بغزيته وهذا اليوم مواضي ختم المقادير ثم
تنفس أمير المؤمنين صعا وقال: الحمد لله مدهر الدهور وقاضي الأمور
ومالك يوم النشور الذي كنا بكينونيته قبل الحلول في التمكين وقبل مواقع
صفات التمكين في التكوين كائنين غير مكونين ناسبين غير متناسبين أزليين
لا موجودين ولا محدودين منه بدونا واليه نعود لان الدهر فينا قسمت حدوده
ولنا اخذت عهوده والينا ترد شهوده فإذا استدارت ألوف الادوار وتطاول
433

الليل والنهار وقامت العلامة الوفرة والسامة والقامة الأسمر الأضخم والعالم
غير معلم والخبير أيضا يعلم قد ساقتهم الفسقات واستوغلت بهم الحيرات
ولبتهم الضلالات وتشتتت بهم الطرقات فلا يجير مناص الا إلى حرم الله
سيؤخذ لنا بالقصاص من عرف غيبتنا ثم شهدنا نحن القدرة ونحن الجانب
ونحن العروة الوثقى محمد العرش عرش الله على الخلائق ونحن الكرسي
وأصول العلم الا لعن الله السالف والتالف وفسقة الجزيرة ومن اواها ينبوعا
انا باب المقام وحجة الخصام ودابة الأرض وفصل القضا وصاحب العصا
وسدرة المنتهى وسفينة النجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها ضل وهوى ألم
يقيم الدعائهم في تخوم أقطار الأكناف ولا من اغمد فساطيط أصحاب
الاعلى كواهل أنوارنا نحن العمل ومحبتنا الثواب وولايتنا فصل الخطاب
ونحن حجبة الحجاب فإذا استدار الفلك قلتم باي واد سلك قلتم مات أو
هلك أو في اي واد سلك فنادى إلى الله تتخذ الروم النجاة ومنجدة لان
المطيع هو السامع والسامع العامل والعامل هو العالم والعالم هو الساتر
والساتر هو الكاتم والمولى هو الحاسد فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين
وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون من طرفي الحبل المتين إلى قرار
ذات المعين إلى سبطة التمكين إلى وراء بيضاء الصين إلى مصارع مطارح
قبور الطالقانيين إلى قرن ياسر وأصحاب سنين الأعلين العالمين الأعظمين
إلى كتمة اسرار طواسين إلى البيداء الغبرة التي حدها الثرى التي قواعدها
جوانبها إلى ثرى الأرض السابعة السفلى كذا الخالق لما يشاء سبحانه وتعالى
عما يشركون.
قال المفضل: ان هذا الكلام عظيم يا سيدي تحار فيه العقول فثبتني
ثبتك الله وعرفني ما معنى قول أمير المؤمنين الذي كنا بكينونيته في التمكين
قال الصادق: نعم، يا مفضل الذي كنا بكينونيته في القدم والأزل هو
المكون ونحن المكان وهو المنشئ ونحن الشئ وهو الخالق ونحن المخلوقون
434

وهو الرب ونحن المربوبون وهو المعنى ونحن أسماؤه المعاني وهو المحتجب
ونحن حجبه قبل الحلول في التمكين ممكنين لا نحول ولا نزول وقبل
مواضع صفات تمكين التكوين قبل ان نوصف بالبشرية والصور والأجسام
والأشخاص ممكن مكون كائنين لا مكونين كائنين عنده أنوارا لا مكونين
أجسام وصور ناسلين لا متناسلين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن
هاشم بن عبد مناف إلى آدم والحسن والحسين من أمير المؤمنين وفاطمة من
محمد، وعلي من الحسين ومحمد من علي وجعفر من محمد وموسى من جعفر
وعلي من موسى ومحمد من علي وعلي من محمد والحسن من علي ومحمد من
الحسن بهذا النسب لا متناسلين ذوات أجسام ولا صور ولامثال الا أنوار
نسمع الله ربنا ونطيع يسبح نفسه فنسبحه ويهللها فنهلله ويكبرها فنكبره
ويقدسها فنقدسه ويمجدها فنمجده في ستة أكوان منها ما شاء من المدة
وقوله أزليين لا موجودين وكنا أزليين قبل الخلق لا موجودين أجسام ولا
صور.
قال المفضل: يا سيدي ومتى هذه الأكوان قال: يا مفضل اما الكون
الأول نوراني لا غير ونحن فيه والكون الثاني جوهري لا غير ونحن فيه،
والكون الثالث هوائي لا غير ونحن فيه، والكون الرابع مائي لا غير ونحن
فيه، والكون الخامس ناري لا غير ونحن فيه، والكون السادس ترابي لا
غير فاظله ودور ثم سماء مبنية وارض مدحية فيها الجان الذي خلقه الله من
مارج من نار إلى أن خلق الله آدم من التراب.
قال المفضل يا سيدي: فهل كان في هذه الأكوان خلقا منها في كل
كون قال نعم، يا مفضل.
قال المفضل: يا سيدي فهل نجد الخلق الذي كان فيها ونعرفهم قال
نعم ما من كون الا وفيه نوري وجوهري وهوائي ومائي وناري وترابي يا
مفضل، تحب ان أقرب عليك وأريك ان فيك من هذه الستة أكوان اعلم
435

انه خلقك وخلق هذه البشر وكل ذي حركة من لحم ودم، قال: يا
سيدي أين ذلك قال: يا مفضل الذي من الكون النوراني نورا في ناظريك
وناظرك بمقدار حبة عدس ثم ترى بها ما دركاه من السماء والهوام والأرض
ومن عليها وفيك من الكون الجوهري يحسن ويعقل وينظر وهو ملك الجسد
وفيك من الكون الهوائي الهواء الذي منه نفسك وحركاتك وأنفاسك المترددة
في جسدك وفيك من الكون المائي رطوبة ريقك ودموع عينيك وما يخرج من
انفك والسبيلين اللذين هما منك وفيك من الكون الناري النار التي في
تراكيب جسدك وهو المنضج المنفذ مأكلك ومشاربك وما يرد إلى معدتك
وهو الذي إذا حكت بعض ببعض كدت ان تقدح نارا وبتلك الحرارة تمت
حركاتك ولولا الحرارة لكنت جمادا وفيك من الكون الترابي عظمك ولحمك
ودمك وجلدك وعروقك ومفاصلك وعصبك وتمام كميته جسمك.
قال المفضل: يا مولاي اني لا حسب أن شيعتك لو غلت كل الغلو
فيكم تهتدي إلى وصف يسير مما فضلكم الله به من هذا العلم الجليل.
قال الصادق (عليه السلام): ما لك يا مفضل لا تسال عن تفصيل
الأكوان الستة قلت يا مولاي بهرني والله عظيم ما سمعته من السؤال.
قال الصادق: نحن كنا في الكون النوراني لا غير، وفي الجوهري لا
غير، وفي الهوائي خلق وهم جيل من الملائكة اما سمعت قول جدي
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لا يوقعن أحدكم بوله من عالي
جبل ولا من سطح بيت ولا من رأس رابية ولا في ماء فان للهواء سكانا
وللماء سكانا.
قال المفضل: نعم يا مولاي مما خلق أهل الماء قال: خلقهم بصور
وأجسام نطقوا بثلاث وعشرين لغة وقامت فيهم النذر والرسل والأمر والنهي
وصارت فيهم ولادات ونسل وكونهم الذي يقول وكان عرشه على الماء.
قال المفضل نعم يا مولاي: فالجان قال الصادق (عليه السلام): لما
436

خلق الله السماوات والأرض سكن خلق الماء في البحار والأنهار والينابيع
ومناقع الماء حيث كانت من الأرض واسكن الجان الذي خلقه من مارج
من نار فقامت فيهم النذر والرسل ونطقوا بأربعة وعشرين لغة وامر إبليس
بالسجود لآدم والسجود هو الطاعة لا الصلاة فأبى واستكبر وقال لا اسجد
لبشر خلقتني من نار وخلقته من طين فافتخر على آدم وعصى الله وقاس ويله
النار بالنور وظن أن النار أفضل ولو علم أن النور الذي في آدم وهو الروح
التي نفخها الله فيه كان أفضل من النار التي خلق منها إبليس لفسد
قياسه.
قال المفضل يا مولاي: أوليس يقال إن إبليس من الملائكة، قال بلى
يا مفضل هو من الملائكة، لا الروحانية ولا النورانية، ولا سكان
السماوات، ومعنى ملائكة هو اسم واحد فيصرف فهو ملك ومالك ومملوك
هذا كله اسم واحد وكان أملاك الأرض اما سمعت قول الله تعالى:
(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا إبليس كان من الجن ففسق
عن امر ربه) وقوله تعالى: (والجان خلقناه من قبل من نار السموم)
وقال: (يا معشر الجن والإنس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار
السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان) وقوله: (قل أوحي
إلي انه استمع نفرا من الجن فقالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد
فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا).
إلى هذا الموضع تمت النسخة الكاملة التي عثرنا عليها من كتاب
(الهداية الكبرى) والحمد لله أولا وآخرا.
437