الكتاب: أوائل المقالات
المؤلف: الشيخ المفيد
الجزء:
الوفاة: ٤١٣
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: الشيخ إبراهيم الأنصاري
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٤ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: طبعت بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد

سلسلة
مؤلفات
الشيخ المفيد
أوائل المقالات
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله، العكبري، البغدادي
(336 - 413 ه‍)
دار المفيد
طباعة - نشر - توزيع
جميع حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الثانية
1414 هجرية - 1993 ميلادية
طبعت بموافقة اللجنة الخاصة
المشرفة على المؤتمر العالمي
لألفية الشيخ المفيد
دار المفيد
للطباعة والنشر والتوزيع
بيروت. لبنان ص. ب 25 / 304
تعريف الكتاب 1

كلمة الناشر
الحمد لله رب العالمين - والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه
المنتجبين.
كان لانعقاد المؤتمر الألفي للشيخ المفيد في مدينة قم سنة 1413 ومشاركة
الوفود العالمية في ذلك المؤتمر، وما القي فيه من دراسات وبحوث - كان ذلك حافزا
للكثيرين إلى التنبه لإحياء آثار هذا العالم العظيم الذي كان له في تاريخ الثقافة
الإسلامية والفكر العربي ما كان، سواء في مدرسته الكبرى التي أقامها في بغداد، أو
في مجالسه العلمية التي كانت تنعقد في داره، أو في مؤلفاته التي تطرقت إلى أنواع
شتى من المعرفة، ما خلدها على مر العصور.
وقد كان من أهم ما تنبه إليه المفكرون والمحققون هو وجوب جمع تلك
المؤلفات في حلقات متتابعة يسهل على المتتبع الوصول إليها.
وقد كان ذلك فجمعت تلك المؤلفات والمصنفات في سلسلة مترابطة في
حلقاتها لتكون بين يدي القارئ سهلة المأخذ، يستفيد منها العالم والمتعلم،
والأستاذ والتلميذ، وتصبح موردا لكل ظامئ إلى العلم، صاب إلى الثقافة.
وقد رأت دارنا (دار المفيد) أن تقوم بطبع هذه المؤلفات في طبعة جديدة
عارضة لها على شداة الحقيقة العلمية الفكرية أينما وجدوا، وهو ما يراه القارئ بين
يديه فيما يلي، كتابا بعد كتاب.
وإننا لنرجو أن نكون بذلك قد أرضينا الله أولا، ثم أرضينا قراءنا الذين عودناهم
فيما مضى من أيامنا على أن نبذل لهم كل جديد.
سائلين من الله التوفيق والتسديد
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
دار المفيد
1

يحتوي هذا المجلد على:
1 - أوائل المقالات، للشيخ المفيد - ره - (140 صفحة) تحقيق الشيخ
إبراهيم الأنصاري الزنجاني الخوئيني.
2 - تعليقات على أوائل المقالات (130 صفحة) للشيخ فضل الله
الزنجاني والواعظ الچرندابي.
3 - أيضا تعليقات على أوائل المقالات (140 صفحة) للشيخ
إبراهيم الأنصاري الزنجاني الخوئيني.
2

أوائل المقالات
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد بن نعمان ابن المعلم
أبي عبد الله، العكبري، البغدادي
(336 - 413 ه‍)
تحقيق
الشيخ إبراهيم الأنصاري
3

بسم الله الرحمن الرحيم
4

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين
الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
التعريف بالكتاب: أوائل المقالات في المذاهب والمختارات
اسمه ينبئ عن مسماه، وقلما يوجد اسم كتاب أو غير كتاب يكون مطابقا لمسماه
مثل هذا الكتاب، فإن الكتاب على صغر حجمه كبير معناه عظيم قدره كثير علمه، واف
بما وعده مؤلفه الجليل من ذكر المسائل الكلامية، مع نقل آراء علماء المذاهب فيها، و
الإشارة إلى أدلة المختار من الكتاب والسنة والاجماع والعقل غالبا، والمناقشة مع المخالفين
أحيانا، مضافا إلى مزايا كثيرة وإضافات لا توجد في الكتب الكلامية، من جملتها طرح
مسائل لم يبحث عنها في الكتب الكلامية قبله ولا بعده.
قسم الشيخ المفيد (ره) مواضيع بحثه في هذا الكتاب إلى خمسة أبحاث:
1 - البحث عن الفرق بين المفهوم العرفي لكلمة الشيعة والمعتزلة وعلة تسمية كل
واحد منهما باسمه وهذا هو موضوع القول الأول من الكتاب.
2 - البحث عن الفرق بين الإمامية وغيرهم من فرق الشيعة مثل الزيدية ونحوهم،
وهذا قد تعرض له الشيخ في القول الثاني من الكتاب.
3 - البحث عن الفوارق بين الشيعة والمعتزلة في تفاصيل المسائل الاعتقادية وهذا
5

قد بحث عنه من القول 3 إلى القول 18.
4 - البحث عن المسائل الأصولية الاعتقادية على نحو الاختصار مع الإشارة إلى
الآراء والأدلة - ويسمى بالجليل من الكلام - وهذا يبدء من القول 18 ويستمر إلى آخر
الكتاب باستثناء اللطيف من الكلام.
5 - البحث عن المسائل العقلية العامة التي ليست من الأمور الاعتقادية، ولكنها مما
تبتنى عليها المسائل الاعتقادية واقعا أو على عقيدة الشيخ قده - ويسمى باللطيف من
الكلام -، وهذا يبدء من القول 82 إلى 105 ثم من رقم 141 إلى 151 ثم بزيادة ثلث
مسائل منفصلات عنها يصير المجموع ثمانية وثلاثون مسألة.
وتفصيله أن البحث الأول ينحصر في قول واحد وهو القول الأول من الكتاب.
والبحث الثاني أيضا لخصه في القول الثاني وإن أشار إلى موافقاته ومخالفاته مع
الزيدية وذكر آرائهم في ضمن مسائل الكتاب.
وأما البحث الثالث أعني ذكر الفوارق بين الشيعة والمعتزلة فهو وإن كان البحث
عنها مستقلا ينحصر في خمسة عشر قولا من القول الثالث إلى السابع عشر، ولكن بقية
مسائل الكتاب أيضا يمكن عده استمرارا لهذا البحث لإلزامه قده بذكر آراء المعتزلة في
كل بحث مهما أمكن.
وأما البحث الرابع فمع قطع النظر عن أن مسائل القسم الثالث أيضا داخلة فيه، إذا
نظرنا إليه مستقلا يبدء من القول 18 إلى آخر الكتاب إلا ثمانية وثلاثون مسألة هي من
لطيف الكلام وبعد استثنائها يكون هذا القسم مأة واثنين مسألة.
وأما البحث الخامس أعني اللطيف من الكلام فهو كما مر يبدء من رقم 82 إلى
105 وهي أربع وعشرون مسألة ثم ينتقل إلى سائر المسائل إلى رقم 141 ومنه إلى رقم
151 أحد عشر مسألة من اللطيف يصير مع ما ذكر خمسا وثلاثون مسألة وإذا ضم إليه
رقم 72 ورقم 139 ورقم 155 لكونها من لطيف الكلام يصير المجموع ثمانية وثلاثون
6

مسألة.
وإذا ضم إلى بقية مسائل الكتاب وهي مأة وثلث مسائل في أصول العقائد و
سبعة عشر مسألة ذكرت قبلها يصير الكل مأة وسبعة وخمسون مسألة، ثمانية وثلاثون
مسألة في لطيف الكلام، ومأة وتسعة عشر مسألة غيره.
تنبيه: عنون القول 72 بكلمة باب في كثير من النسخ إلا نسخة ج وعلى فرض
وجود هذه الكلمة سببه كون مسألته وثلث مسائل بعدها من لطيف الكلام أو شبيها به
وقد عنون بعنوان فصل في وسط بحث التقية فقط للفصل بين نوعي البحث.
ثم إن هناك نكتتان مهمتان:
الأولى: أنه ليس عدد المسائل المبحوث عنها في هذا الكتاب واقعا مطابقا لعدد
عناوين الأبواب أعني ما يقوله الشيخ قده (قوله في كذا).
وذلك لأن هناك عناوين تكرر البحث عنها يجب عدها واحدا وإن وقع البحث
عنها تحت عنوانين مستقلين مثل الشفاعة والعصمة ونحوهما وأيضا قد يذكر عناوين
متعددة في عنوان الباب مثل قوله قده: (القول في الرجعة والبداء وتأليف القرآن) فجعل
الثلاثة قولا واحدا أو ذ كر عنوانا واحدا في عنوان الباب ثم استطرد البحث عن بقية
المسائل في داخل الباب كما في القول الثالث فإنه يشتمل على ثمانية مسائل.
وكيف كان فهناك عشرة مسائل وقع البحث عنها مكررا وهي 1 - العصمة 2 -
الشفاعة 3 - الوعيد 4 - التوبة 5 - الأسماء والأحكام 6 - الاحساس 7 - تحريف القرآن 8 -
الرجعة 9 - الصفات 10 - البداء، ولكن ليس لبعضها عنوان مستقل في البحث كمسألة
التحريف والبداء فإنهما لم يبحث عنهما مستقلا مرتين، بل مرة واحدة، وأما الثمانية
الباقية فلكل منها بابان مستقلان مكررا يجب إسقاطها عن عدد مسائل الكتاب فيرجع
عددها الواقعي إلى 149 بعد إسقاط الثمانية من 157.
أيضا إن هناك مسائل وقع البحث عنها في ضمن عناوين سائر الأبواب و
7

لم يبحث عنها مستقلا وهي كثيرة نذكر منها غير ما ذكر من المكررات وهي هذه:
- إشتراط الإمامة بالنص أو المعجز بحث عنه في القول 3
2 - الإمامة في بني هاشم بحث عنه في القول 3
3 - النصوص على أعيان الأئمة بحث عنه في القول 3
4 - إشتراط العصمة والكمال في الإمام بحث عنه في القول 3
5 - إشتراط النص والكمال في الإمام بحث عنه في القول 3
6 - إشتراط كونه من ولد الحسن والحسين بحث عنه في القول 3
7 - النص على علي (ع) بحث عنه في القول 3
8 - النص على الحسنين بحث عنه في القول 3
9 - النص على علي بن الحسين بحث عنه في القول 3
10 - جواز بعثة رسول تابع لمن قبله بحث عنه في القول 8
11 - إيمان أبي طالب بحث عنه في القول 8
12 - البداء بحث عنه في القول 10
13 - تأليف القرآن بحث عنه في القول 10
14 - كلام الله محدث بحث عنه في القول 19
15 - إرادته تعالى بحث عنه في القول 19
16 - أسماء الله توقيفية بحث عنه في القول 19
17 - قدرته تعالى على المحال العادي بحث عنه في القول 24
18 - اللطف تفضل لا استحقاق بحث عنه في القول 28
19 - خلق ما لا فائدة في خلقه بحث عنه في القول 28
20 - بعثة نبي بعد رسول الله (ص) بحث عنه في القول 42
21 - ظهور المعجزات على الأئمة بحث عنه في القول 42
8

22 - أحوال الأئمة بعد الوفاة بحث عنه في القول 49
23 - رؤية الأعمال في القيامة بحث عنه في القول 50
2 - الصراط بحث عنه في القول 56
25 - الميزان بحث عنه في القول 56
26 - عدم بقاء الأعراض بحث عنه في القول 89
27 - معنى طلب الشهادة بحث عنه في القول 120
فإذا أضفنا هذا العدد أعني السبعة والعشرون إلى عدد المسائل الغير المكررة وهو
149 يصير المجموع 176 عنوانا غير مكرر وهو عدد المسائل التي بحث عنها الشيخ المفيد
في أوائل المقالات مستقلا أو في ضمن بحث آخر.
النكتة الثانية: إن المسائل المبحوث عنها في هذا الكتاب (أوائل المقالات) بعضها
مسائل كلامية محضة، وبعضها فلسفية وبعضها أصولية وبعضها فقهية وهكذا، و
تنقسم المسائل من هذه الجهة أيضا إلى أربعة أقسام لأن قسما منها كما ذكرنا من مسائل
الفلسفة وهي التي تسمى باللطيف فإنها مسائل فلسفية بالأصالة وكلامية بالتبع وقد
ذكرنا أن عددها سبعة وثلاثون مسألة.
وهي هذه:
1 - ما يدرك بالحواس القول 66
2 - إحساس الحواس القول 155
3 - الجواهر ما هي؟ القول 82
4 - الجواهر أهي متجانسة؟ القول 83
5 - الجواهر ألها مساحة وأقدار؟ القول 84
6 - حيز الجواهر القول 85
7 - لوازم الجواهر من الأعراض القول 86
9

8 - بقاء الجواهر القول 87
9 - مكان الجواهر القول 8
10 - الأجسام القول 89
11 - الأعراض القول 90
12 - قلب الأعراض القول 91
13 - المعدوم القول 92
14 - ماهية العالم القول 93
15 - الفلك القول 94
16 - حركة الفلك القول 95
17 - حركة الأرض القول 96
18 - الخلا والملا القول 97
19 - المكان القول 98
20 - الزمان القول 99
21 - الطباع القول 100
22 - العناصر والأسطقسات القول 101
23 - الإرادة القول 102
24 - التولد القول 103
25 - الموجب والمتولد القول 104
26 - أنواع المتولدات القول 105
27 - درك الأجسام ذواتها أو أعراضها القول 141
28 - حركة الأجسام جميعها بحركة بعضها القول 142
29 - وقوف الثقيل في الهواء بلا علاقة ولا عماد القول 143
10

30 - وجود حركتين في وقت واحد القول 144
31 - الحركة بلا محرك القول 145
32 - هل الحركات فيها تفاوت القول 146
33 - ترك ما لم يخطر بالبال القول 147
34 - ترك الكون في المكان العاشر وهو في الأول القول 148
35 - العلم والألم بالأموات القول 149
36 - خلق العلم بالألوان في قلب الأعمى القول 150
37 - من نظر وراء العالم القول 151
وأما المسائل الأصولية فهي اثنين وثلثين مسألة على ما يلي:
1 - إن العقل لا ينفك عن سمع وإن التكليف لا يصح إلا بالرسل القول 7
2 - تأليف القرآن القول 10 والقول 59
3 - الصفة والمشتق القول 22
4 - اللطف والأصلح القول 28
5 - إن الله لا يعذب إلا على ذنب أو فعل قبيح القول 31
6 - حجية منامات الرسل والأئمة (ع) القول 45
7 - تكليف الملائكة القول 47
8 - نسخ أحكام الاسلام القول 42
9 - هل يقع الطاعات من الكفار القول 62
10 - العموم والخصوص القول 65
11 - العلم وطرقه العادية القول 72
12 - العلم بصحة الأخبار القول 73
11

13 - حد التواتر القول 74
14 - المقطوع والموصول القول 80
15 - التولد القول 103
16 - الأمر بالسبب أو بالمسبب القول 106
17 - نعيم أهل الجنة أهو تفضل أم استحقاق القول 115
18 - هل الإرادة هو عين الاختيار أو لا القول 117
19 - الإرادة التي هي تقرب القول 118
20 - الاسم والمسمى القول 125
21 - من قضى فرضا بمال حرام القول 127
22 - الإجماع 129
23 - أخبار الآحاد القول 130
24 - الحكاية والمحكى القول 131
25 - الناسخ والمنسوخ القول 132
26 - نسخ القرآن بالسنة القول 133
27 - هل يكون في كلام الطفل والمجنون كذب أو صدق أو لا؟ القول 138
28 - ماهية الكلام القول 139
29 - ترك الفعل الذي لم يخطر بباله القول 147
30 - الاجتهاد والقياس القول 156
31 - الوقت والزمان القول 99
32 - ثواب الدنيا القول 116
وأما المسائل الفقهية الموجودة في أوائل المقالات فهي واحد وعشرون مسألة
والمراد بالمسائل الفقهية المسائل التي تكون جهة الفقهية غالبة فيها أو مساوية مع الجهة
12

الكلامية وإن أمكن جعلها كلامية أو أصولية أو غيرهما، وكيف كان فهي هذه:
1 - الأسماء والأحكام القول 66 والقول 13
2 - الاسلام والإيمان القول 14
3 - التوبة القول 67 والقول 15
4 - حكم أصحاب البدع القول 16
5 - كراهة إطلاق لفظ خالق على غيره تعالى القول 27
6 - أحكام الأئمة القول 39
7 - صغائر الذنوب القول 64
8 - حقيقة التوبة القول 68
9 - التوبة من القبيح مع الإقامة على مثله القول 69
10 - التوبة من مظالم العباد القول 70
11 - التوبة من قتل المؤمن القول 71
12 - المقطوع والموصول القول 80
13 - حكم الدار القول 81
14 - الشهادة القول 120
15 - الولاية والعداوة القول 123
16 - التقية القول 124
17 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القول 126
18 - من قضى فرضا بمال حرام القول 127
19 - معاونة الظالمين القول 128
20 - التوبة من المتولد قبل وجوده القول 140
21 - أحكام النجوم القول 157
13

ولا يخفى أن المواضيع التي يبحث عنها شيخنا المفيد قدس سره في هذا الكتاب
مواضيع كلامية حسب ما التزم به، وإن كان قسما كبيرا منها داخلا في موضوعات
سائر العلوم مثل الفلسفة والفقه والأصول والتاريخ والتفسير والحديث وغيرها كما
مر.
ولكن قد تبين في محله أن كون المسألة من مسائل علم لا ينافي كونها من
مسائل علم آخر من جهة أخرى، فإن الجهات والحيثيات هي المائزة بين موضوعات
العلوم ومسائلها.
وعليه فمسائل هذا الكتاب كلها مسائل كلامية من دون استثناء إذ قد بحث عنها
هنا من تلك الحيثية، وأما الحيثيات الأخرى الموجودة فيها فهي غير ملحوظة هنا أصلا أو
أنها لوحظت تبعا، كما أنها حينما يبحث عنها في تلك العلوم تكون الحيثية الكلامية
غير ملحوظة.
نعم هناك نكتة لا بأس بالتنبه إليها، وهي: أن وجود جهتين وحيثيتين في مسألة
واحدة لا ينافي كثرة المناسبة مع أحدهما وقلتها بالنسبة إلى الآخر، فإن مسألة (الأسماء
والأحكام) مثلا مسألة كلامية بالأصالة، وفقهية بالتبع.
وكذلك مسألة (من قضى فرضا بمال حرام) مسألة، أصولية بالأصالة وكلامية
بالتبع.
ومسألة الإجماع كلامية بالقدر الذي هي أصولية، ومسألة آباء النبي (ص)
كلامية تاريخية وهكذا والحاصل أنه ربما توجد مسألة تساوى فيها جهتا العلمين
بحيث يكون البحث في كل منهما أصليا لا تبعيا، أو يترجح إحدى الحيثيتين على
الأخرى كما ذكرنا، وعلى التقديرين فالمسألة تكون مشتركة بين العلمين.
14

وفي الختام أقول:
والذي أعتقده أن هذا الكتاب لا نظير له في الكتب مطلقا أو في خصوص
الكتب الكلامية لا قبله ولا بعده، وذلك لأن من قارن بينه وبين المختصرات الكلامية،
لا يجد فيها ما يكون بهذا المقدار من الاختصار، ومع ذلك يشتمل على ما اشتمل عليه
من المطالب والأقوال والأدلة، فكما قيل بأن الشيخ المفيد (قده) لا نظير له بين العلماء، و
لم يجتمع في أحد ما اجتمع فيه من الكمالات والمقامات، فنقول إن منزلة كتابه أوائل
المقالات فيما بين الكتب كمنزلة الشيخ المفيد بين العلماء، من جهة جامعيته وعمقه، و
نضج مطالبه، حيث إنه ألف في أواخر عمره الشريف على ما يظهر من القرائن الكثيرة
من جملتها كون الشريف الرضي حينئذ من جملة علماء زمانه وأفاضل تلامذته كما
يظهر من ملحقات الكتاب، وهذا لا ينطبق إلا على أواخر عمره الشريف.
ولعل هذا هو السر في تواتر نقله، بل شهرته وشياعه ورواجه في كل زمان بين
العلماء والمكتبات والحوزات العلمية بحيث يعرف بأدنى تأمل في سير تاريخه الزمني
طول ألف سنة أو أزيد أنه لم يكن في زمن من الأزمنة متروكا أو مغفولا عنه خصوصا
عند العلماء في كل عصر، ولهذا كثرت نسخه، ونقل عنه كل مؤلف في كل عصر،
بحيث يغنيه شياعه ورواجه وتواتره عن الحاجة إلى الإسناد وتطبيق النسخ وغير ذلك
إلا لبعض التصحيفات القلمية التي لا يخلو عنها كتاب.
ولكن مع ذلك نشير إجمالا إلى بعض النسخ التي وصلت بأيدينا مع كثرة ما لم
نصل إليه من النسخ، وقد قابلنا نسختنا مع ستة من النسخ الخطية بالدقة أربعة منها
بلا واسطة، واثنين منها بالواسطة كما سيأتي ومع البقية مقابلة سريعة إجمالية، كما إنا
قابلناها بثلث نسخ مطبوعة مقابلة كاملة، وبنسخة إجمالا.
15

النسخ الخطية
ألف: نسخة مكتوبة بخط جيد جدا بحيث لا توجد نسخة تعادلها في حسن
الخط توجد في مكتبة (آستان قدس رضوي) برقم 7454 مكتوب في أوله هكذا: (هو
العزيز هذه الرسالة في المقولات في الفرق ما بين الفرق للشيخ الوحيد محمد بن
محمد بن النعمان المفيد قدس الله روحه)
وفي آخره بهذه العبارة: (لقد فرغت من تنسيخ هذه النسخة الشريفة في خمس
ليال بقين من شعبان سنة ألف وثلثمأة واثنين وخمسين من الهجرة في مشهد مولانا
أمير المؤمنين (ع) وأنا العبد محمد حسين بن زين العابدين الأرومية أي عفى الله عن
جرائمهما إن شاء الله تعالى 1352).
وإنما قدمتها لانتسابها إلى المكتبة الرضوية على صاحبها ألف تحية ولحسن
خطها، وإلا فهي من أكثرها غلطا، لو لم أقل إن الجميع أصح منه.
ب: نسخة مكتبة السيد الجليل العلامة الروضاتي بخط جده العلامة السيد محمد
أوله هكذا: (كتاب الفرق بين الشيعة والمعتزلة وبين العدلية منها وبين الإمامية فيما
اتفقوا في الأصول وفي الكلام في العدل والتوحيد واللطف للشيخ الوحيد الفريد
الشيخ المفيد) وفي آخر هذه العبارة: (ثم كتاب أوائل المقالات نقلا من خط أحمد بن
عبد العالي الميسي، وعلى يد الفقير محمد بن زين العابدين الموسوي تجاوز الله عنهما في
يوم السبت الثالث من شهر رجب المرجب من شهور سنة 1281).
ج: نسخة في ضمن مجموعة تحتوي على أربع رسائل أوائل المقالات والحكايات
وتصحيح العقائد ونزهة الناظر أوله (كتاب مقالات المفيد...) وفي آخر الحكايات
هكذا: (... وأنا الفقير الحزين محمد التبريزي الخياباني قد فرغت من كتابته ليلة
16

السبت من شهر محرم الحرام سنة أربع وخمسين وثلاثمأة بعد الألف) وفي آخر عقائد
الصدوق هكذا: (قد فرغت من تحرير هذه الرسالة... في اليوم التاسع من شهر محرم
الحرام من شهور سنة ثمانين بعد الألف من الهجرة النبوية على مشرفها ألف ألف تحية، و
كتبها لنفسه ولمن يشاء الله تعالى من بعده أحمد بن عبد العالي الميسي العاملي تجاوز الله
عن سيئاته وحشره مع ساداته).
د: نسخة شيخ الاسلام الزنجاني قدس سره التي لم تصل إليه أيدينا. أولا
فقابلناها بواسطة النسخة المطبوعة للچرندابي، ثم عثرنا عليها فقابلناها إجمالا مرة ثانية،
وهي موجودة في مكتبة المجلس النيابي برقم 1332 وعلى ظهرها تاريخ مواليد بعض
أولاده أو أقاربه قده والظاهر أنها أصح النسخ، ولهذا نرى النسخة المطبوعة التي هي
الطبعة الثانية للچرندابي من أصح النسخ لتطبيقها على نسخة الزنجاني.
ه‍: نسخة مكتبة المجلس النيابي برقم 3864 ومعها نسخة الحكايات (وفي آخر
الحكايات التي هي بعين الخط هكذا: (قوبلت النسخة على النسخة المصححة في شهر
شعبان 1355) وعلى ظهر النسخة تواريخ متباعدة بعضها عن بعض ففي مورد كتب
هكذا: (در سنة 1148 تحويل سال روز سه شنبه هفتم ذي قعدة الحرام 7 ساعت مانده
ختم كتابت واقع شد) وكتب أيضا: (قد انتقل إلي بالبيع الشرعي بتاريخ الثاني شهر
جمادى الأول سنة 1233 بمبلغ دو هزار وسيصد دينار... وأنا العبد الخاطي محمد
صادق بن حسن علي طاب ثراه) وبعده هكذا: (قد انتقل إلي بالإرث وأنا العبد
حسنقلي بن ميرزا محمد صادق طاب ثراه) وفي ظهره إمضاء هكذا: (للحقير محمد
باقر بن محمد تقي) وعليه خطوط كثيرة لمحمد طاهر الطبرسي مؤرخا بسنة 1355
الهجري القمري و 1315 الشمسي، وعلى هذا فيحتمل كون النسخة كتبت في سنة
1148 وانتقل في سنة 1233 إلى محمد صادق وفي سنة 1355 إلى محمد طاهر
الطبرسي وقابلها في نفس السنة.
17

و: نسخة أخرى للمجلس النيابي برقم 7058 وفي آخرها هكذا: (قد تم بيد...
الفاني الحسن بن علي الكشوي عفي عنه في شهر ربيع المولد 1260
ز: نسخة حجة الاسلام والمسلمين النجومي الكرمانشاهي وقد قابلتها بواسطة
نسخة صديقي العلامة السيد الجلالي، فإنه دام توفيقه قابل نسخته بنسخته.
ح: نسخة مكتبة آية الله الرضوي الكاشاني الموجود في المكتبة المركزية وهي
أيضا نسخة ثمينة رأيتها إجمالا.
ط: نسخة مكتبة ملك برقم 3535 وتاريخ كتابتها 1052 وهي قطعة من أوائل
المقالات وهي الفصل المربوط بالنجوم الذي ينقله السيد بن طاوس مع زيادات.
ى: نسخة مكتبة آية الله السيد أحمد الزنجاني الموجود عند ابنه آية الله السيد
موسى الشبيري الزنجاني وأنا أنقل عين عبارة حجة الاسلام والمسلمين الحاج الشيخ رضا
الاستادي والسيد حسين الطباطبائي دام توفيقهما من كتاب (آشنائى با چند نسخه
خطي) ص 231 برقم 95 كتب في أوله هكذا: (قد وجدت في نسخة عتيقة نقلت هذه
النسخة منها بخط عتيق ما هذه صورته: كتاب أوائل المقالات في المذاهب والمختارات
تأليف الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان الحارثي قدس الله روحه ونور ضريحه
آمين رب العالمين انتهى).
وفي آخره هذه العبارة: (قد قابلت هذه النسخة مع نسخة عتيقة لا تخلو من صحة
في المشهد المقدس الرضوي على ساكنه أفضل الصلوات من الله الغنى. ووقع الفراغ من
مقابلته أواخر اليوم الرابع عشر من شهر ذي الحجة الحرام من شهور سنة 1083).
ثم ذكر الشيخ الاستادي إن هذه النسخة تمتاز عن النسخ المطبوعة بزيادة القول
السادس والسابع الخ ولكن قد أشرنا في محلها أن النسخ الخطية متفقة على إثبات
القولين حتى النسخة التي اعتمد عليها الواعظ الچرندابي وهي نسخة شيخ الاسلام
الزنجاني.
18

وهذه عشر نسخ من نسخ الكتاب التي كانت بمتناول يدي، وهناك نسخ كثيرة
لم أصل إليها، ولم أرني بحاجة إلى ذلك.
النسخ المطبوعة
1 - النسخة المطبوعة بتحقيق الواعظ الفاضل الشيخ عباس علي چرندابي في تبريز
وأسقط منه باب القول في اللطيف من الكلام.
2 - الطبعة الثانية أيضا بتحقيق الواعظ الچرندابي في تبريز قد أتى فيها بكل ما
أسقط من الكتاب في الطبعة الأولى وما وجده في الكتب.
ولكنه قده قد أسقط (القول 4 في المتقدمين على أمير المؤمنين) والقول 6 (في
تسمية جاحدي الإمامية ومنكري ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة) من دون إشارة
إلى إسقاطهما مع إن النسخ حتى نسخة العلامة الزنجاني كلها متفقة على إثبات القولين
من دون خلاف.
3 - الطبعة النجفية وهي بعينها مأخوذة من طبعة تبريز من دون زيادة أو مراجعة
بنسخة خطية أو غيرها.
4 - الطبعة الرابعة في تهران بتصحيح الدكتور مهدي محقق.
فهذه هي مجموع النسخ المخطوطة أو المطبوعة التي كانت بمتناول أيدينا فاستفدنا
منها قليلا أو كثيرا على حسب التمكن أو المصلحة فصار المجموع أربعة عشر نسخة بعدد
المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم أجمعين.
19

الصفحة الأولى من نسخة ألف
21

الصفحة الأخيرة من نسخة ألف
22

الصفحة الأخيرة من نسخة ب
24

الصفحة الأولى من نسخة ج
25

الصفحة الأخيرة من نسخة ج
26

الصفحة الأولى من نسخة د
27

الصفحة الأخيرة من نسخة د
28

الصفحة الأولى من نسخة ه‍
29

الصفحة الأخيرة من نسخة ه‍
30

الصفحة الأولى من نسخة و
31

الصفحة الأخيرة من نسخة و
32

بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله على نعمته، وأعتصم (2) به من خلافه ومعصيته، وأعوذ به
من سخطه ونقمته وصلى الله على صفوته من بريته، محمد نبيه والأصفياء
البررة من عترته وسلم كثيرا.
أما بعد، أطال الله بقاء سيدنا الشريف النقيب في عز طاعته، وأدام تمكينه
وعلو كلمته، فإني بتوفيق الله ومشيته مثبت في هذا الكتاب ما آثر إثباته من
فرق ما بين الشيعة والمعتزلة، وفصل ما بين العدلية من الشيعة، ومن ذهب إلى
العدل من المعتزلة والفرق ما بينهم من بعد وبين (3) الإمامية فيما اتفقوا (4) عليه
من خلافهم فيه من الأصول، وذاكر في أصل ذلك ما اجتبيته أنا من المذاهب
المتفرعة عن أصول التوحيد والعدل والقول في اللطيف (5) من الكلام، وما كان
وفاقا منه لبني نوبخت - رحمهم الله - وما هو خلاف لآرائهم في المقال، وما

1 - توجد في نسخة ألف وبعض النسخ هنا عبارات أشرنا إليها في المقدمة من ذكر اسم الكتاب و
نحوه.
2 - كلمة به غير موجودة في ألف.
3 - وما بين ألف و ه‍.
4 - فيما أثبتوا ألف و ب و ه‍.
5 - اللطف ألف و ب و ه‍.
33

يوافق ذلك مذهبه من أهل الاعتزال وغيرهم من أصحاب الكلام ليكون أصلا
معتمدا فيما يمتحن للاعتقاد، وبالله استعين على تيسير (1) ذلك وهو بلطفه
الموفق للصواب.
1 - باب القول في الفرق بين الشيعة فيما نسبت به إلى التشيع والمعتزلة
فيما استحقت به (2) اسم الاعتزال
الاخلاص، قال الله - عز وجل -: (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي
من عدوه)، ففرق بينهما في الاسم بما أخبر به من فرق ما بينهما في الولاية
والعداوة، وجعل موجب التشيع لأحدهما هو الولاء بصريح الذكر له في
الكلام، وقال الله (3) تعالى: (وإن من شيعته لإبراهيم) فقضى له بالسمة (4)
للاتباع (5) منه لنوح (ع) على سبيل الولاء، ومنه قولهم: (فلان تكلم في كذا و
كذا فشيع فلان كلامه (إذا صدقه فيه واتبعه في معانيه. ومن هذا المعنى قيل لمن
اتبع المسافر لوداعه: (هو مشيع له)، غير أنه ليس كل مشيع لغيره على حقيقة ما
ذكرناه من الاتباع يستحق السمة (6) بالتشيع، ولا يقع (7) عليه إطلاق اللفظ بأنه

1 - تبيين ألف و ه‍.
2 - كلمة به غير موجودة في ألف.
3 - كلمة الله غير موجودة في ألف.
4 - بالشيعة نسخة د.
5 - بالاتباع ألف.
6 - السمعة ج.
7 - هكذا في النسخ ولا أشك أن أصله لا يصح فصحف هكذا.
34

من الشيعة وإن كان متبوعه محقا أو كان مبطلا إلا أن يسقط منه (1) علامة
التعريف التي هي الألف واللام ويضاف بلفظ (من) التبعيض (2) فيقال: (هؤلاء
من شيعة بني أمية) أو (من شيعة بني العباس) أو (من شيعة فلان أو فلان) فأما
إذا أدخل (3) فيه علامة التعريف فهو على التخصيص لا محالة لا تباع
أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - على سبيل الولاء والاعتقاد لإمامته بعد الرسول
- صلوات الله عليه وآله - بلا فصل ونفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة
وجعله في الاعتقاد متبوعا لهم غير تابع لأحد منهم على وجه (4) الاقتداء.
والذي يدل على صحة (5) ذلك عرف الكافة ومعهودهم منه في
الإطلاق، ومعرفة كل مخاطب منه مراد المخاطب في تعيين هذه الفرقة دون من
سواها ممن يدعي استحقاقه من مخالفيها (6) بما شرحناه، وكما يفهم العرف مراد
المخاطب بذكر الاسلام على الإطلاق وذكر الحنيفية والإيمان والصلاة والزكاة
والحج والصيام، وإن كانت هذه الأسماء في أصل اللسان غير مفيدة لما قررته
الشريعة (7) وقضى به العرف (8) فيها على البيان.
ويزيد ذلك وضوحا ما حصل عليه الاتفاق من تعري الخوارج عن هذه
* (هامش)
1 - كلمة منه لا توجد في نسخة ألف و ه‍.
2 - للتبعيض ألف.
3 - إذا دخل ألف.
4 - على سبيل وجه الاقتداء ألف.
5 - كلمة صحة لا توجد في نسخة ألف.
6 - مخالفينا ألف.
7 - الشيعة ألف.
8 - العرب د.
35

السمة (1) وخروجهم عن استحقاقها، وجهل من أطلقها عليهم بذكر الألف
واللام وإن كانوا أتباعا لأبي بكر وعمر على سبيل الولاء، وكما (2) خرج عن
استحقاقها أيضا أهل البصرة وأتباع معاوية ومن قعد عن نصرة أمير المؤمنين -
عليه السلام - وإن كانوا أتباعا لأئمة هدى عند أهل الخلاف، ومظهرين لترك
عداوته مع الخذلان. فيعلم بهذا الاعتبار أن السمة بالتشيع علم على الفريق الذي
ذكرناه وإن كان أصلها (3) في اللسان ما وصفناه من الاتباع، كما أن الاسلام علم
على أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - خاصة، وإن كان في أمل اللغة
اسما تستحقه اليهود لاستسلامها لموسى (ع)، وتستحقه النصارى بمثل (4) ذلك، و
تستحقه المجوس لانقيادها لزرادشت، وكل مستسلم لغيره يستحقه على معنى
اللغة لكنهم خرجوا عن استحقاقه (5) لما صار علما على أمة محمد - صلى الله
عليه وآله - وتخصصت به دون من سواها للعرف والاستعمال. وهذه الجملة
كافية فيما أثبتناه وإن كان شرحها يتسع ويتناصر (6) فيه البينات، لكنا عدلنا
عنه لما نؤمه (7) من الغرض فيما سواه وقد أفردنا رسالة (8) لها استقصينا فيها
الكلام.

1 - التسمية ألف و ب و ج.
2 - الواو غير موجودة في ألف.
3 - أهلها د.
4 - بمثل اليهود ألف.
5 - استحقاقهم ألف.
6 - يتقاصر ألف.
7 - لما لزمه الغرض ألف.
8 - أفرزنا له مسألة ب و د.
36

وإذا ثبت ما بيناه بالسمة بالتشيع كما وصفناه وجبت (1) للإمامية
والزيدية الجارودية من بين سائر فرق الأمة لانتظامهم بمعناها (2) وحصولهم
على موجبها. ولم يخرجوا عنها وإن ضموا إليها وفاقا بينهم أو خلافا في
أنحاء (3) من المعتقدات، وخرجت المعتزلة والبكرية والخوارج والحشوية عنها
لتعريهم عن معناها (4) الذي وصفناه ولم يدخلهم فيها (5) وفاق لمن وجبت له
فيما سواه كائنا ما كان.
وأما المعتزلة وما وسمت به من اسم الاعتزال فهو لقب حدث (6) لها
عند القول بالمنزلة بين المنزلتين، وما أحدثه واصل بن عطاء من المذهب في
ذلك (7) ونصب من الاحتجاج له، فتابعه عمرو بن عبيد، ووافقه على التدين
به من قال بها (8) واتبعهما عليه إلى اعتزال الحسن البصري وأصحابه والتحيز
عن مجلسه (9) فسماهم الناس المعتزلة لاعتزالهم مجلس الحسن (10) بعد أن كانوا
من أهله، وتفردهم بما ذهبوا إليه من هذه المسألة من جميع (11) الأمة وسائر

1 - وجب ألف و ه‍.
2 - كلمة بمعناها ليست في نسخة ألف.
3 - في اتخاذه ب
4 - عن مصالح الذي ألف.
5 - كلمة فيها ليست في نسخة ألف.
6 - مدت ألف.
7 - فيه بدل في ذلك ألف.
8 - بهما ومن اتبعهما د.
9 - منزله ألف و ب.
10 - الحسن البصري ألف.
11 - من بين جميع ألف.
37

العلماء، ولم يك قبل ذلك يعرف (1) الاعتزال ولا كان علما على فريق من
الناس. فمن وافق المعتزلة فيما تذهب إليه من المنزلة بين المنزلتين كان معتزليا
على الحقيقة، وإن ضم إلى ذلك وفاقا لغيرهم من أهل الآراء وغلب عليه اسم
الاعتزال، ولم يخرجه عنه دينونته بما لا يذهب إليه جمهورهم من المقال.
كما يستحق اسم التشيع ويغلب عليه (2) من دان بإمامة أمير المؤمنين - عليه
السلام - على حسب ما قدمناه، وإن ضم إلى ذلك من الاعتقاد ما ينكره (3) كثير
من الشيعة ويأباه، وكذلك ضرار بن عمرو كان معتزليا وإن دان بالمخلوق
والماهية على خلاف جمهور أهل الاعتزال، وكان هشام بن الحكم شيعيا وإن
خالف الشيعة كافة في أسماء الله تعالى وما ذهب إليه في معاني الصفات.
2 - باب الفرق بين الإمامية وغيرهم من الشيعة وسائر أصحاب المقالات
فأما السمة للمذهب بالإمامة (4) ووصف الفريق من الشيعة بالامامية فهو
علم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان، وأوجب النص
الجلي والعصمة والكمال لكل إمام، ثم حصر الإمامة في ولد الحسين بن علي -
عليهما السلام - وساقها إلى الرضا علي بن موسى - عليهما السلام - لأنه وإن
كان في الأصل علما على من دان من الأصول بما ذكرناه دون التخصيص لمن
قال في الأعيان بما وصفناه، فإنه قد انتقل عن أصله لاستحقاق فرق من معتقديه

1 - يعرف أحد ألف.
2 - اتفقت النسخ على كلمة (عليه) ولعل الصحيح (على).
3 - تنكره كثير من الشيعة وتأباه ألف و ب.
4 - الإمامية ألف.
38

ألقابا بأحاديث لهم بأقاويل أحدثوها فغلبت عليهم في الاستعمال دون الوصف
بالامامية، وصار هذا الاسم في عرف المتكلمين وغيرهم من الفقهاء والعامة
علما على من ذكرناه.
وأما الزيدية فهم القائلون بإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن
والحسين وزيد بن علي - عليهم السلام - وبإمامة كل فاطمي دعا إلى نفسه و
هو على ظاهر العدالة ومن أهل العلم والشجاعة وكانت بيعته على تجريد
السيف للجهاد.
3 - باب ما اتفقت الإمامية فيه على خلاف المعتزلة
فيما اجتمعوا عليه من القول بالإمامة
اتفق أهل الإمامة (1) على أنه لا بد في كل زمان من إمام موجود يحتج الله
- عز وجل - به على عباده المكلفين، ويكون بوجوده تمام المصلحة في الدين.
وأجمعت (2) المعتزلة على خلاف ذلك وجواز خلو الأزمان الكثيرة من إمام
موجود وشاركهم في هذا الرأي وخالف (3) الإمامية فيه الخوارج والزيدية
والمرجئة والعامة المنتسبون إلى الحديث.
واتفقت الإمامية على أن إمام الدين لا يكون إلا معصوما من الخلاف لله
تعالى، عالما بجميع علوم الدين، كاملا في الفضل، باينا (4) من الكل بالفضل

1 - الإمامية ألف.
2 - واجتمعت د.
3 - خلاف ألف و ب
4 - وباينا الف.
39

عليهم في الأعمال التي يستحق بها النعيم المقيم، وأجمعت المعتزلة ومن ذكرناه
من الفرق الخارجة عن سمة الإمامية على خلاف ذلك وجوزوا أن يكون الأئمة
عصاة في الباطن وممن (1) يقارف الآثام ولا يحوز الفضل ولا يكمل علوم الدين.
واتفقت الإمامية على أن الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها إلا
بالنص على عينه والتوقيف، وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة
والمتسمون بأصحاب الحديث على خلاف ذلك، وأجازوا الإمامة في من لا معجز
له ولا نص عليه ولا توقيف.
واتفقت الإمامية على أن الإمامة بعد النبي (ص)، في بني هاشم خاصة،
ثم في علي والحسن والحسين ومن بعد في ولد الحسين (ع) دون ولد الحسن
- عليهما السلام - إلى آخر العالم، وأجمعت المعتزلة ومن ذكرناه من الفرق على
خلاف ذلك، وأجاز سائرهم إلا الزيدية خاصة الإمامة في غير بني هاشم،
وأجازتها الزيدية في غير ولد الحسين عليه السلام.
واتفقت الإمامية على أن رسول الله - صلى الله عليه والله - استخلف
أمير المؤمنين عليه السلام في حياته ونص عليه بالإمامة بعد وفاته، وأن من دفع
ذلك فقد دفع فرضا من الدين، وأجمعت المعتزلة والخوارج والمرجئة والبترية
والحشوية المنتسبون إلى الحديث على خلاف ذلك، وأنكروا نص النبي (ص)
على أمير المؤمنين (ع) ودفعوا أن يكون الإمام بعده بلا فصل على المسلمين.
واتفقت الإمامية على أن النبي (ص) نص على إمامة الحسن والحسين
بعد أمير المؤمنين - عليه السلام -، وأن أمير المؤمنين (ع) أيضا نص عليهما كما

1 - وفيمن يفارق الإمام ه‍.
40

نص الرسول (ص)، وأجمعت المعتزلة ومن عددناه من الفرق سوى الزيدية
الجارودية على خلاف ذلك، وأنكروا أن يكون للحسن والحسين - عليهما السلام
- إمامة بالنص والتوقيف.
واتفقت الإمامية على أن رسول الله - صلوات الله عليه وآله - نص على
علي بن الحسين وأن أباه وجده نصا عليه كما نص عليه (1) الرسول (ص)، وأنه
كان بذلك إماما للمؤمنين. وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة
والمنتمون (2) إلى أصحاب الحديث على خلاف ذلك، وأنكروا بأجمعهم أن يكون
علي بن الحسين (ع) إماما للأمة بما توجب (3) به الإمامة لأحد من أئمة المسلمين.
واتفقت الإمامية على أن الأئمة بعد الرسول (ص) اثنا عشر إماما، و
خالفهم في ذلك كل من عداهم من أهل الملة، وحججهم في ذلك على خلاف
الجمهور ظاهرة من جهة (4) القياس العقل والسمع المرضي و (5) البرهان الجلي
الذي يفضي التمسك به إلى اليقين.
4 - القول في المتقدمين على أمير المؤمنين (6) - عليه السلام -
واتفقت الإمامية وكثير من الزيدية على أن المتقدمين على أمير المؤمنين -

1 - كلمة عليه ليست في ألف و ه‍.
2 - والعامة المنتسبون - المنتمون ب وألف و ج
3 - يوجب ألف ود.
4 - حجة ألف و ه‍.
5 - في البرهان ذ.
6 - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ألف.
41

عليه السلام - ضلال فاسقون، وأنهم بتأخيرهم أمير المؤمنين - عليه السلام - عن
مقام رسول الله - صلوات الله عليه وآله - عصاة ظالمون، وفي النار بظلمهم
مخلدون (1). وأجمعت المعتزلة والخوارج وجماعة من الزيدية والمرجئة والحشوية
على خلاف ذلك ودانوا بولاية القوم، وزعموا أنهم لم يدفعوا (2) حقا
لأمير المؤمنين - عليه السلام - وأنهم من أهل النعيم إلا الخوارج والجميعة (3) من
الزيدية فإنهم تبرءوا من عثمان خاصة، وزعموا أنه مخلد في الجحيم بأحداثه
في الدين لا بتقدمه (4) على أمير المؤمنين - عليه السلام -.
5 - القول في محاربي أمير المؤمنين - عليه السلام -
واتفقت الإمامية والزيدية والخوارج على أن الناكثين والقاسطين من أهل
البصرة والشام أجمعين كفار ضلال ملعونون بحربهم أمير المؤمنين (ع)، وأنهم
بذلك في النار مخلدون. وأجمعت المعتزلة سوى الغزال (5) منهم وابن باب

1 - خالدون ألف.
2 - لم ينفوا ج لم يذموا ه‍.
3 - اتفقت النسخ غير نسخة د على تصغير الكلمة إما بلفظ الجميع أو الجميعة كما هو الأغلب في
النسخ ثم اختلفت في الحرف التي بعدها فالأكثر ذكروا كلمة من وبعضها ذكرت إلا
والصحيح الجميعة مصغر الجماعة مع من هكذا (إلا الخوارج والجميعة من الزيدية) وذلك
لأنه قد ذكر أولا أن الكثير من الزيدية يكفرون الخلفاء ويفسقونهم والجماعة القليلة منهم و
هم البترية لا يكفرونهم ثم أشار إلى أن هؤلاء أيضا يبرؤون من عثمان.
4 - يتقدمه
5 - الغزالي ألف
42

والمرجئة والحشوية من أصحاب الحديث على خلاف ذلك. فزعمت المعتزلة
كافة إلا من سميناه وجماعة من المرجئة وطائفة من أصحاب الحديث أنهم فساق
ليسوا بكفار، وقطعت المعتزلة من بينهم على أنهم لفسقهم في النار مخلدون.
وقال باقي المرجئة وأصحاب الحديث: إنهم لا يستحقون اسم الكفر
والفسوق. وقال بعض هذين الفريقين إنهم كانوا مجتهدين في حربهم
أمير المؤمنين (ع) ولله بذلك مطيعين وعليه مأجورين. وقال البعض الآخر بل
كانوا لله تعالى عاصين إلا أنهم ليسوا بفاسقين ولا يقطع على أنهم للعذاب
مستحقون. وزعم واصل الغزال وعمرو بن عبيد بن باب من بين كافة المعتزلة
أن طلحة والزبير وعائشة ومن كان في حيزهم من علي بن أبي طالب (ع)
والحسن والحسين (ع) ومحمد ومن كان في حيزهم كعمار بن ياسر وغيره من
المهاجرين ووجوه الأنصار وبقايا أهل بيعة الرضوان كانوا في اختلافهم
كالمتلاعنين وإن إحدى الطائفتين فساق ضلال مستحقون للخلود في النار إلا أنه
لم يقم عليها دليل (1).
واتفقت الإمامية أو الزيدية وجماعة من أصحاب الحديث على أن الخوارج
على أمير المؤمنين (ع) المارقين عن الدين كفار بخروجهم عليه وأنهم في النار
بذلك مخلدون.
وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك. ومنعوا من إكفارهم واقتصروا في
تسميتهم على التفسيق، وأوجبوا عليهم التخليد في الجحيم.
وزعمت المرجئة (2) وباقي أصحاب الحديث أنهم فساق يخاف عليهم

1 - دليل أي الطائفتين منهما ألف.
2 - المعتزلة ز.
43

العذاب ويرجى لهم العفو والثواب ودخول جنات النعيم.
6 - القول في تسمية جاحدي الإمامة
ومنكري ما أوجب الله تعالى للأئمة من فرض الطاعة
واتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد الأئمة وجحد ما أوجبه الله
تعالى من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار. وأجمعت
المعتزلة (1) على خلاف ذلك وأنكروا كفر من ذكرناه، وحكموا لبعضهم بالفسق
خاصة ولبعضهم بما دون الفسق من العصيان.
7 - القول في أن العقل لا ينفك عن سمع
وأن التكليف لا يصح إلا بالرسل - عليهم السلام -
واتفقت الإمامية على أن العقل محتاج (2) في علمه ونتائجه إلى السمع و
أنه غير منفك عن (3) سمع ينبه العاقل على كيفية الاستدلال، وأنه لا بد في أول
التكليف وابتدائه في العالم من رسول، ووافقهم في ذلك أصحاب الحديث.
وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية على خلاف ذلك، وزعموا أن العقول
تعمل بمجردها من السمع والتوقيف إلا أن البغداديين من المعتزلة خاصة يوجبون

1 - المعتزلة والزيدية ألف.
2 - يحتاج ألف.
3 - من سمع بينة العاقل ألف.
44

الرسالة في أول التكليف ويخالفون الإمامية في علتهم لذلك ويثبتون عللا
يصححها الإمامية ويضيفونها إلى علتهم فيما وصفناه.
8 - القول في الفرق بين الرسل والأنبياء - عليهم السلام -
واتفقت الإمامية على أن كل رسول فهو نبي وليس كل نبي فهو رسول،
وقد كان من أنبياء الله - عز وجل - حفظة لشرائع الرسل وخلفائهم في المقام، و
إنما منع الشرع من تسمية أئمتنا بالنبوة دون أن يكون العقل مانعا من ذلك
لحصولهم على المعنى الذي حصل لمن ذكرناه من الأنبياء - عليهم السلام -.
واتفقوا على جواز بعثة رسول يجدد شريعة من تقدمه وإن لم يستأنف شرعا
ويؤكد نبوة من سلف وإن لم يفرض غير ذلك فرضا. وأجمعت المعتزلة على
خلاف هذين القولين، ومع الإمامية في تصحيحه جماعة من المرجئة وكافة
أصحاب الحديث.
9 - القول في آباء رسول الله (ص) وأمه
وعمه أبي طالب - رحمة الله تعالى عليهم (1) -
واتفقت الإمامية على أن آباء رسول الله (ص) من لدن آدم إلى عبد الله بن
عبد المطلب مؤمنون بالله - عز وجل - موحدون له. واحتجوا في ذلك بالقرآن (2)
والأخبار، قال الله - عز وجل: (الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين). و

1 - في نسخة د عليهما وفي نسخة ب عليه وبعضهم اكتفى بالعلامة (ع) وما ذكرنا انسب.
2 - بالأخبار والقرآن ألف.
45

قال رسول الله (ص): (لم يزل ينقلني من أصلاب الطاهرين، إلى أرحام
المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا). وأجمعوا على أن عمه أبا طالب -
رحمه الله - مات مؤمنا، وأن آمنة بنت وهب كانت على التوحيد، وأنها تحشر
في جملة المؤمنين. وخالفهم على (1) هذا القول جميع الفرق ممن سميناه بدء.
10 - القول في الرجعة والبداء وتأليف القرآن
واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم
القيمة وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف. واتفقوا على إطلاق لفظ
(البداء) في وصف الله تعالى وأن ذلك (2) من جهة السمع دون القياس. واتفقوا
على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه عن موجب
التنزيل وسنة النبي (ص). وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة
وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية في جميع ما عددناه.
11 - القول في الوعيد
واتفقت الإمامية على أن الوعيد بالخلود في النار متوجه إلى الكفار خاصة
دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى والاقرار بفرائضه من أهل
الصلاة، ووافقهم على هذا القول كافة المرجئة سوى محمد بن شبيب و
أصحاب الحديث قاطبة. وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك وزعموا أن الوعيد

1 - في ذلك القول ألف.
2 - وإن كان من جهة ب و ه‍ وألف.
46

بالخلود في النار عام في الكفار وجميع فساق أهل الصلاة.
واتفقت الإمامية على أن من عذب بذنبه من أهل الاقرار والمعرفة والصلاة
لم يخلد في العذاب وأخرج من النار إلى الجنة فينعم فيها على الدوام، ووافقهم
على ذلك من عددناه. وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك وزعموا أنه لا يخرج
من النار أحد دخلها للعذاب.
12 - القول في الشفاعة
واتفقت الإمامية على أن رسول الله (ص) يشفع يوم القيامة لجماعة من
مرتكبي الكبائر من أمته، وأن أمير المؤمنين (ع) يشفع في أصحاب الذنوب من
شيعته، وأن أئمة آل محمد - عليهم السلام - يشفعون كذلك وينجي الله
بشفاعتهم كثيرا من الخاطئين ووافقهم على شفاعة الرسول (ص) المرجئة سوى
ابن شبيب وجماعة (1) من أصحاب الحديث. وأجمعت المعتزلة (2) على خلاف
ذلك وزعمت أن شفاعة رسول الله (ص) للمطيعين دون العاصين وأنه لا يشفع
في مستحق العقاب (3) من الخلق أجمعين.
13 - القول في الأسماء (4) والأحكام
واتفقت الإمامية على أن مرتكب الكبائر من أهل المعرفة والاقرار لا يخرج

1 - وجماعة أصحاب.
2 - واجتمعت على خلاف ذلك الباقين ألف.
3 - العذاب ألف.
4 - الاسلام ج.
47

بذلك عن الاسلام، وأنه مسلم وإن كان فاسقا بما فعله (1) من الكبائر والآثام، و
وافقهم على هذا القول المرجئة كافة وأصحاب الحديث قاطبة ونفر من
الزيدية. وأجمعت المعتزلة وكثير من الخوارج والزيدية على خلاف ذلك، و
زعموا أن مرتكب الكبائر ممن ذكرناه فاسق ليس بمؤمن ولا مسلم وأن ضم (2)
إلى فسقه كل ما عد (3) تركه من الطاعات.
14 - القول في الاسلام والإيمان
واتفقت الإمامية على أن الاسلام غير الإيمان، وأن كل مؤمن فهو مسلم و
ليس كل مسلم مؤمنا، وأن الفرق بين هذين المعنيين في الدين كما كان في
اللسان، ووافقهم على هذا القول المرجئة وأصحاب الحديث. وأجمعت المعتزلة
وكثير من الخوارج والزيدية على خلاف ذلك، وزعموا أن كل مسلم مؤمن
وأنه لا فرق بين الاسلام والإيمان في الدين
15 - الفول في التوبة وقبولها (4)
واتفقت الإمامية على أن قبول التوبة تفضل من الله - عز وجل - وليس
بواجب في العقول إسقاطها لما سلف من استحقاق العقاب، ولولا أن السمع ورد

1 - بما معه ألف.
2 - ضمن ه‍.
3 - ما عدا ألف و ب و د و ج.
4 - كلمة قبولها غير موجودة في ألف.
48

بإسقاطها (1) لجاز في العقول فعله في التائبين على شرط الاستحقاق، ووافقهم
على ذلك أصحاب الحديث. وأجمعت المعتزلة على خلافهم، وزعموا أن التوبة
مسقطة لما سلف من العقاب على الوجوب.
16 - القول في أصحاب البدع وما (2) يستحقون عليه
من الأسماء والأحكام
واتفقت الإمامية على أن أصحاب البدع كلهم كفار، وأن على الإمام أن
يستتيبهم عند التمكن بعد الدعوة لهم وإقامة البينات عليهم، فإن (3) تابوا عن
بدعهم وصاروا إلى الصواب وإلا قتلهم لرددتهم عن الإيمان، وأن من مات
منهم على تلك البدعة فهو من أهل النار. وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك،
وزعموا أن كثيرا من أهل البدع فساق وليسوا بكفار، وأن فيهم من لا يفسق
ببدعته ولا يخرج بها عن الاسلام كالمرجئة من أصحاب ابن شبيب والبترية من
الزيدية الموافقة لهم في الأصول وإن خالفوهم في صفات الإمام.
17 - القول في المفاضلة بين الأنبياء والملائكة (4) - عليهم السلام -
واتفقت الإمامية على أن أنبياء الله تعالى - عز وجل - ورسله من البشر

1 - إسقاطها د.
2 - من هنا إلى كلمة عند التمكن ساقط عن نسخة ألف و ب.
3 - وإن ألف و ه‍.
4 - كلمة (الملائكة) سقطت عن نسخة ألف.
49

أفضل من الملائكة، ووافقهم على ذلك أصحاب الحديث. وأجمعت المعتزلة
على خلاف ذلك، وزعم الجمهور منهم أن الملائكة أفضل من الأنبياء والرسل، و
قال نفر منهم سوى من ذكرناه بالوقف في تفضيل أحد الفريقين على الآخر، و
كان اختلافهم في هذا الباب على ما وصفناه وإجماعهم على خلاف القطع
بفضل الأنبياء على الملائكة حسب ما شرحناه.
50

باب (1) وصف ما اجتبيته أنا من الأصول
نظرا ووفاقا لما جاءت به الآثار عن أئمة الهدى من آل محمد (ص)
وذكر من وافق (2) ذلك مذهبه من أصحاب المقالات.
18 - القول في التوحيد
أقول: إن الله - عز وجل - واحد في الإلهية والأزلية لا يشبهه شئ، و
لا يجوز أن يماثله شئ، وأنه فرد في المعبودية لا ثاني له فيها على الوجوه كلها
والأسباب، وعلى هذا إجماع أهل التوحيد إلا من شذ من أهل التشبيه فإنهم
أطلقوا ألفاظه (3) وخالفوا في معناه.
وأحدث رجل من أهل البصرة (4) يعرف بالأشعري قولا خالف فيه

1 - وإنما أتى بكلمة (باب) هاهنا دون ما قبله وما بعده لأن نوع البحث تغير عما كان وهو الفرق
بين الشيعة والمعتزلة، ومن هنا بدء بالبحث وبيان خلاصة آرائه الكلامية مع الإشارة إلى
مخالفيه من جميع الفرق الشيعية وغير الشيعية، فكأنه قد عدل عما بدء به لتكون فائدته
أعم.
2 - وافى ألف.
3 - ألقابه ألف و ب ود و ه‍ والفتيا به ج.
4 - بآخره يعرف و.
51

ألفاظ (1) جميع الموحدين ومعانيهم فيما وصفناه، وزعم أن لله - عز وجل -
صفات قديمة وأنه لم يزل بمعان (2) لا هي هو ولا غيره من أجلها كان مستحقا
للوصف بأنه عالم حي قادر سميع بصير متكلم مريد، وزعم أن لله - عز وجل -
وجها قديما وسمعا قديما وبصرا قديما ويدين قديمتين، وأن هذه كلها
أزلية قدماء (3)، وهذا قول لم يسبقه إليه أحد من منتحلي التوحيد فضلا عن أهل
الاسلام.
19 - القول في الصفات
وأقول: إن الله - عز وجل اسمه - حي لنفسه لا بحياة (4)، وأنه قادر لنفسه و
عالم لنفسه لا بمعنى كما ذهب إليه المشبهة من أصحاب الصفات ولا الأحوال (5)
المختلفات كما أبدعه أبو هاشم الجبائي وفارق به سائر أهل التوحيد وارتكب
أشنع من مقال أهل الصفات، وهذا مذهب الإمامية كافة والمعتزلة إلا من سميناه
وأكثر المرجئة وجمهور الزيدية وجماعة من أصحاب الحديث والمحكمة (6).
وأقول: إن كلام الله تعالى محدث وبذلك جاءت الآثار عن آل محمد -
عليهم السلام - وعليه إجماع الإمامية والمعتزلة بأسرها والمرجئة إلا من شذ عنها

1 - جميع ألفاظ ألف.
2 - بمعنى د.
3 - قدما ألف.
4 - لحياة ألف.
5 - والأحوال المبتدعات د و ز وفي ألف الأفعال المبتدعات وفي حاشيته والأقوال المختلفات.
6 - والحكمة ألف و ب و ه‍.
52

وجماعة من أصحاب الحديث وأكثر الزيدية والخوارج.
وأقول: إن القرآن كلام الله ووحيه، وأنه محدث كما وصفه الله تعالى
وامنع من إطلاق القول عليه بأنه مخلوق وبهذا جاءت الآثار عن الصادقين (ع)،
وعليه كافة الإمامية إلا من شذ منهم وهو قول جمهور البغداديين من المعتزلة
وكثير من المرجئة والزيدية وأصحاب الحديث.
وأقول: إن الله تعالى مريد من جهة السمع والاتباع والتسليم على حسب
ما جاء في القرآن ولا أوجب ذلك من جهة العقول (1).
وأقول: إن إرادة الله تعالى لأفعاله هي نفس أفعاله، وإرادته لأفعال خلقه
أمره بالأفعال، وبهذا جاءت الآثار عن أئمة الهدى من آل محمد - عليهم السلام
- وهو مذهب سائر الإمامية إلا من شذ منها عن قرب وفارق ما كان عليه
الأسلاف، وإليه يذهب جمهور (2) البغداديين من المعتزلة وأبو القاسم البلخي
خاصة وجماعة من المرجئة، ويخالف فيه من المعتزلة البصريون ويوافقهم
على الخلاف فيه المشبهة وأصحاب الصفات.
وأقول: إنه لا يجوز تسمية الباري تعالى إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو
على لسان نبيه (ص) أو سماه به حججه (3) من خلفاء نبيه، وكذلك أقول في
الصفات وبهذا تطابقت الأخبار عن آل محمد - عليهم السلام - وهو مذهب
جماعة (4) الإمامية وكثير من الزيدية والبغداديين من المعتزلة كافة وجمهور

1 - في نسخة ز القول.
2 - جميع ألف و ب.
3 - حجة ز.
4 - جماعة من ز.
53

المرجئة وأصحاب الحديث، إلا أن هؤلاء الفرق يجعلون بدل الإمام الحجة في
ذلك الإجماع.
20 - القول في وصف الباري تعالى بأنه سميع بصير وراء ومدرك
وأقول: إن استحقاق القديم سبحانه لهذه (1) الصفات كلها من جهة السمع
دون القياس ودلائل العقول، وإن المعنى (2) في جميعها العلم خاصة دون ما زاد
عليه في المعنى، إذ ما زاد عليه في معقولنا ومعنى لغتنا (3) هو الحس وذلك مما
يستحيل على القديم. وقد يقال في معنى مدرك أيضا إذا وصف به الله تعالى
أنه لا يفوته شئ ولا يهرب (4) منه شئ ولا يجوز أن يراد به معنى إدراك
الأبصار وغيرها من حواسنا لأنه الحس في الحقيقة على ما بيناه. ولست أعلم
من متكلمي الإمامية في هذا الباب خلافا وهو مذهب البغداديين من المعتزلة و
جماعة من المرجئة ونفر من الزيدية، ويخالف فيه المشبهة وإخوانهم من
أصحاب الصفات والبصريون من أهل الاعتزال.
21 - القول في علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها
وأقول: إن الله تعالى عالم بكل ما يكون قبل كونه، وإنه لا حادث إلا وقد

1 - بهذه ألف.
2 - جملة (في جميعها العلم خاصة دون ما زاد عليه في المعنى) سقطت عن نسخة ب
3 - تعينا ألف و ه‍.
4 - يعزب.
54

علمه قبل حدوثه، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوما إلا وهو عالم بحقيقته،
وإنه سبحانه لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء، وبهذا قضت (1)
دلائل العقول والكتاب المسطور والأخبار المتواترة عن آل الرسول - صلى الله عليه
وآله - وهو مذهب جميع الإمامية، ولسنا نعرف ما حكاه المعتزلة عن هشام بن
الحكم في خلافه. وعندنا أنه تخرص منهم عليه وغلط ممن قلدهم فيه فحكاه
من الشيعة عنه، ولم نجد له (2) كتابا مصنفا ولا مجلسا ثابتا وكلامه في أصول
الإمامة ومسائل الامتحان (3) يدل على ضد ما حكاه الخصوم عنه. ومعنا فيما
ذهبنا إليه في هذا الباب جميع المنتسبين إلى التوحيد سوى الجهم بن صفوان من
المجبرة وهشام بن عمرو الفوطي من المعتزلة فإنهما كانا يزعمان أن العلم
لا يتعلق بالمعدوم ولا يقع إلا على موجود، وأن الله تعالى لو علم الأشياء قبل
كونها لما حسن منه الامتحان (4).
22 - القول في الصفات
وأقول: إن الصفة في الحقيقة ما أنبأت عن معنى مستفاد يخص (5)
الموصوف وما شاركه فيه، ولا يكون ذلك كذلك حتى (6) يكون قولا أو كتابة

1 - أفضت ألف.
2 - لم نجد به ألف.
3 - الاستحسان ب.
4 - عن الامتحان ألف.
5 - محض ألف.
6 - لا يكون ألف و ب و ج و ه‍ والجملة تصح معها ولكنها بدونها أصح وأفصح.
55

يدل على ما يدل النطق عليه وينوب منا به فيه، وهذا مذهب أهل التوحيد وقد
خالف فيه جماعة من أهل التشبيه (1).
23 - القول فيما انفرد به أبو هاشم من الأحوال
أقول: إن وصف الباري تعالى بأنه حق قادر عالم يفيد معاني معقولات
ليست الذات ولا أشياء تقوم بها كما يذهب إليه جميع أصحاب الصفات
ولا أحوال مختلفات على الذات كما ذهب إليه أبو هاشم الجبائي، وقد خالف
فيه جميع الموحدين وقولي في المعنى المراد به المعقول في الخطاب دون الأعيان
الموجودات، وهذا مذهب جميع الموحدين وخالف فيه المشبهة وأبو هاشم كما
ذكرناه.
24 - القول في وصف الباري تعالى بالقدرة على العدل وخلافه
وما علم كونه وما علم أنه لا يكون
وأقول: إن الله - جل جلاله - قادر على خلاف العدل كما أنه قادر على
العدل، إلا أنه لا يفعل جورا ولا ظلما ولا قبيحا، وعلى هذا جماعة الإمامية
والمعتزلة كافة سوى النظام وجماعة من المرجئة والزيدية وأصحاب الحديث
والمحكمة، ويخالفنا فيه المجبرة بأسرها والنظام (2) ومن وافقهم في خلاف العدل
والتوحيد.

1 - أهل الشيعة ألف و و.
2 - كلمة النظام سقطت عن نسخة ب.
56

وأقول: إنه سبحانه قادر على ما علم أنه لا يكون، مما لا يستحيل (1)
كاجتماع الأضداد ونحو ذلك من المحال، وعلى هذا إجماع أهل التوحيد إلا (2)
النظام وشذاذ من أصحاب المخلوق.
25 - القول في نفي الرؤية على الله تعالى بالأبصار
وأقول: إنه لا يصح رؤية الباري سبحانه بالأبصار، وبذلك شهد العقل و
نطق القرآن وتواتر الخبر عن أئمة الهدى من آل محمد (ص)، وعليه جمهور
أهل الإمامة وعامة (3) متكلميهم إلا من شذ منهم لشبهة عرضت له في تأويل
الأخبار. والمعتزلة بأسرها توافق أهل الإمامة في ذلك وجمهور المرجئة وكثير
من الخوارج والزيدية وطوائف من أصحاب الحديث ويخالف فيه المشبهة
وإخوانهم من أصحاب الصفات.
26 - القول في العدل والخلق (4)
أقول: إن الله - عز وجل - عدل كريم، خلق الخلق لعبادته وأمرهم بطاعته
ونهاهم عن معصيته وعمهم بهدايته، بدأهم بالنعم وتفضل عليهم
بالاحسان، لم يكلف أحدا إلا دون الطاقة، ولم يأمره إلا بما جعل له عليه

1 - مما يستحيل ز.
2 - كلمتي (إلا النظام وشذاذ) سقطت من ب.
3 - كلمة (عامة) غير موجود في نسخة ألف.
4 - المخلوق ج.
57

الاستطاعة. لا عبث في صنعه ولا تفاوت في خلقه لا قبيح في فعله، جل عن
مشاركة عباده في الأفعال، وتعالى عن اضطرارهم إلى الأعمال. لا يعذب
أحدا (1) إلا على ذنب فعله، ولا يلوم عبدا إلا على قبيح صنعه. لا يظلم مثقال ذرة
فإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما.
وعلى هذا القول جمهور أهل الإمامية وبه تواترت الآثار عن آل
محمد (ص)، وإليه يذهب المعتزلة بأسرها إلا ضرارا منها وأتباعه، وهو قول
كثير من المرجئة وجماعة من الزيدية والمحكمة ونفر من أصحاب الحديث، و
خالف فيه جمهور العامة وبقايا ممن عددناه، وزعموا أن الله تعالى خلق أكثر
خلقه لمعصيته، وخص بعض عباده بعبادته (2)، ولم يعمهم بنعمته وكلف
أكثرهم ما لا يطيقون من طاعته، وخلق أفعال جميع بريته، وعذب العصاة على
ما فعله فيهم من معصيته، وأمر بما لم يرد ونهى عما أراد، وقضى بظلم العباد
وأحب الفساد وكره من أكثر عباده الرشاد، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
27 - القول في كراهة إطلاق (3) لفظ (خالق) على أحد من العباد
وأقول: إن الخلق يفعلون ويحدثون ويخترعون ويصنعون ويكتسبون،
ولا أطلق القول عليهم بأنهم يخلقون ولا أقول (4) إنهم خالقون، ولا أتعدى ذكر
ذلك فيما ذكر الله تعالى، ولا أتجاوز به مواضعه من القرآن، وعلى هذا القول

1 - كلمة أحدا ليست في نسخة ألف.
2 - بطاعته ج.
3 - إطلاق القول لفظ ألف.
4 - جملة (ولا أقول إنهم خالقون) سقطت عن نسخ ألف و ب و ه‍.
58

إجماع الإمامية والزيدية والبغداديين من المعتزلة وأكثر المرجئة وأصحاب
الحديث. وخالف فيه البصريون من المعتزلة وأطلقوا على العباد أنهم خالقون،
فخرجوا بذلك من إجماع المسلمين.
28 - القول في اللطف والأصلح
وأقول: إن الله تعالى لا يفعل بعباده (1) ما داموا مكلفين إلا أصلح الأشياء
لهم في دينهم ودنياهم وإنه لا يدخرهم صلاحا ولا نفعا، وإن من أغناه فقد
فعل به الأصلح في التدبير، وكذلك من أفقره ومن أصحه ومن أمرضه فالقول
فيه كذلك.
وأقول: إن ما أوجبه أصحاب اللطف من اللطف (2) إنما وجب من جهة
الجود والكرم لا من حيث ظنوا أن العدل أوجبه وأنه لو لم يفعله لكان ظالما.
وأقول: إن من علم الله تعالى أنه إذا خلقه وكلفه لم يؤمن ولا آمن أحد
من الخلق لخلقه أو بقائه أو تكليفه أو فعل من أفعاله ولا انتفع به في دينه منتفع
لم يجز أن يخلقه، ومن علم أنه إن أبقاه (3) تاب من معصيته لم يجز أن
يخترمه، وإن عدل الله - جل اسمه - وجوده وكرمه يوجب ما وصفت و
يقضى به، ولا يجوز منه خلافه لاستحالة تعلق وصف العبث به أو البخل
والحاجة، وهذا مذهب جمهور الإمامية والبغداديين كافة من المعتزلة، وكثير

1 - لعباده ج.
2 - كلمة (من اللطف) سقطت من غير نسخة ألف.
3 - كلمة (أبقاه) سقط من ألف و ه‍.
59

من المرجئة والزيدية والبصريون من المعتزلة على خلافه والمجبرة توافقهم في
الخلاف عليه.
29 - القول في ابتداء الخلق في الجنة
وأقول: إنه لم يكن جائزا ابتداء الخلق في الجنة على وجه التنعيم من غير
تكليف، لأنه لو كان (1) يكون اقتطاعا (2) لمن علم الله تعالى منه أنه إن كلفه أطاع
على النعيم المستحق على الأعمال الذي هو أعلى وأجل وأسنى من التفضل
بالتنعيم، والله - سبحانه - أكرم من أن يقتطع (3) أحدا عن نفع حسن أو يقتصر (4)
به على فضل غيره أفضل منه له وأصلح في التدبير، لأن ذلك لا يقع إلا من
جاهل يحسن (5) ذلك أو محتاج إلى منعه أو بخيل (6)، والله تعالى عن هذه
الصفات علوا كبيرا. وهذا مذهب جمهور الإمامية. وقد جاءت به آثار عن
الأئمة - عليهم السلام - والبغداديون من المعتزلة يوافقون فيه، والبصريون منهم
يخالفون الجماعة عليه (7)، ويوافقهم في هذا الخلاف المجبرة والمشبهة.

1 - كلمة لو ليست في نسخة ألف.
2 - إقطاعا ج.
3 - يقطع ألف و ب.
4 - تقصير ألف أو يبقيه د.
5 - يحسن بتشديد السين أي يراه حسنا وفي نسخة د لا يحسن أي لا يعلم قبحه.
6 - يبخل ألف.
7 - كلمة عليه غير موجودة في ألف.
60

30 - القول في المعرفة
وأقول: إن المعرفة بالله تعالى اكتساب، وكذلك المعرفة بأنبيائه - عليهم
السلام - وكل غائب، وإنه لا يجوز الاضطرار إلى معرفة شئ مما ذكرناه، وهو
مذهب كثير من الإمامية والبغداديين من المعتزلة خاصة، ويخالف فيه
البصريون من المعتزلة والمجبرة والحشوية من أصحاب الحديث.
31 - القول في أن الله لا يعذب إلا على ذنب أو على فعل قبيح
وأقول: إن الله - جل جلاله - عدل كريم لا يعذب أحدا إلا على ذنب
اكتسبه أو جرم اجترمه أو قبيح (1) نهاه عنه فارتكبه، وهذا مذهب سائر أهل
التوحيد (2) سوى الجهم بن صفوان و عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب
الجبائي. فأما الجهم بن صفوان فإنه كان يزعم أن الله يعذب من اضطره إلى
المعصية ولم يجعل له قدرة عليها ولا على تركها من الطاعة، وأما عبد السلام
الجبائي فإنه كان يزعم أن العبد قد يخلو من فعل الخير والقبيح معا ويخرج عن
الفعل والترك جميعا فيعذبه الله - سبحانه - على إن لم يفعل الواجب وإن
لم يكن بخروجه منهما فعل شيئا أو فعل به شئ، وهذا قول لم يسبقه إليه
أحد من أهل التوحيد وهو في القبح كمذهب جهم وفي بعض الوجوه أعظم
قبحا منه (3).

1 - أو قبح ألف.
2 - أهل التوحيد أيضا ألف.
3 - فحشا ألف و ب و ح.
61

32 - القول في عصمة الأنبياء - عليهم السلام -
أقول: إن جميع أنبياء الله - صلوات الله عليهم - معصومون من الكبائر
قبل النبوة وبعدها وما يستخف (1) فاعله من الصغائر كلها، وأما ما كان من
صغير لا يستخف (2) فاعله فجائز وقوعه منهم قبل النبوة وعلى غير تعمد وممتنع
منهم بعدها على كل حال، وهذا مذهب جمهور الإمامية، والمعتزلة بأسرها
تخالف فيه.
33 - القول في عصمة نبينا محمد (3) - صلى الله عليه وآله -
وأقول: إن نبينا محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - ممن لم يعص الله -
عز وجل - منذ خلقه الله - عز وجل - إلى أن قبضه ولا تعمد له خلافا ولا أذنب
ذنبا على التعمد ولا النسيان، وبذلك نطق القرآن وتواتر الخبر عن آل محمد -
عليهم السلام -، وهو مذهب جمهور الإمامية، والمعتزلة بأسرها على خلافه.
وأما ما يتعلق به أهل الخلاف من قول الله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من
ذنبك وما تأخر) وأشباه ذلك في القرآن ويعتمدونه في الحجة على خلاف
ما ذكرناه فإنه تأويل (4) بضد ما توهموه، والبرهان يعضده على البيان، وقد نطق

1 - مما يستحق اللوم ألف مما يستحقر و.
2 - لا يستحق فاعله اللوم ألف.
3 - محمد خاصة ألف و ب.
4 - تأول ألف وعلى التقديرين فهو من باب استعمال المصدر بمعنى المفعول أي المأول أو المتأول أو
يكون تأول مضارعا مجهولا.
62

الفرقان (1) بما قد وصفناه فقال - جل اسمه -: (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم
وما غوى) فنفى بذلك عنه كل معصية ونسيان.
34 - القول في جهة (2) إعجاز القرآن
وأقول: إن جهة ذلك هو الصرف من الله تعالى لأهل الفصاحة واللسان
عن المعارضة للنبي (ص) بمثله في النظام عند تحديه لهم (3)، وجعل انصرافهم
عن الإتيان بمثله وإن كان في مقدورهم دليلا على نبوته (ص)، واللطف من الله
تعالى مستمر في الصرف عنه إلى آخر الزمان، وهذا من أوضح برهان في
الاعجاز وأعجب بيان وهو مذهب النظام وخالف فيه جمهور أهل الاعتزال.
35 - القول في النبوة، أهي تفضل (4) أو استحقاق؟
وأقول: إن تعليق النبوة تفضل (5) من الله تعالى على من اختصه
بكرامته (6) لعلمه بحميد عاقبته واجتماع الخلال الموجبة في الحكمة بنبوته في
التفضيل على من سواه. فأما التعظيم على القيام بالنبوة والتبجيل وفرض الطاعة

1 - القرآن ألف.
2 - حجة و.
3 - لهم به ب.
4 - بفضل ألف و ب.
5 - بفضل ألف و ب.
6 - بكرامته بحمد عاقبته ألف.
63

فذلك (1) يستحق بعلمه الذي ذكرناه، وهذا مذهب الجمهور (2) من أهل
الإمامة (3) وجميع فقهائنا وأهل النقل منها، وإنما خالف فيه أصحاب التناسخ
المعتزين إلى الإمامية وغيرهم، ووافقهم على ذلك من متكلمي الإمامية
بنونوبخت ومن اتبعهم بأسره من المنتمين إلى الكلام وجمهور المعتزلة على
القول بالتفضل (4) فيها وأصحاب الحديث بأسرهم على مثل هذا (5) المقال.
36 - القول في الإمامة، أهي تفضل (6) من الله - عز وجل - أم استحقاق؟
وأقول: إن تكليف الإمامة في معنى التفضل به على الإمام كالنبوة على ما
قدمت من المقال والتعظيم المفترض (7) له والتبجيل والطاعة مستحق بعزمه على
القيام بما كلفه من الأعمال وعلى أعماله الواقعة منه أيضا حالا بعد حال (8)، و
هذا مذهب الجمهور من الإمامية على ما ذكرت في النبوة (9)، وقد خالف فيه
منهم من قدمت ذكره ومعي فيه جمهور المعتزلة وسائر أصحاب الحديث.

1 - فبذلك ألف.
2 - كلمة الجمهور ساقطة عن ألف.
3 - جملة (وجميع فقهائنا وأهل النقل منها وإنما خالف فيه أصحاب التناسخ المعتزين إلى
الإمامية) سقطت عن نسخة ه‍.
4 - التفضيل ألف ود.
5 - كلمة هذا ليست في ألف.
6 - بفضل ألف.
7 - المعترى ألف المعتزلة ه‍.
8 - بعد إجمال ألف.
9 - من النبوة د و ه‍.
64

37 - القول في عصمة الأئمة - عليهم السلام -
وأقول: إن الأئمة القائمين مقام الأنبياء (ص) في تنفيذ الأحكام وإقامة
الحدود وحفظ الشرائع وتأديب الأنام (1) معصومون كعصمة الأنبياء، وإنهم
لا يجوز منهم صغيرة إلا ما قدمت ذكر جوازه على الأنبياء، وإنه لا يجوز منهم
سهو (2) في شئ في الدين ولا ينسون شيئا من الأحكام، وعلى هذا (3)
مذهب سائر الإمامية إلا من شذ منهم وتعلق بظاهر روايات لها تأويلات على
خلاف ظنه الفاسد من هذا الباب، والمعتزلة بأسرها تخالف في ذلك و
تجوز (4) من الأئمة وقوع الكبائر والردة عن الاسلام.
38 - القول في ولاة (5) الأئمة - عليهم السلام - وعصمتهم وارتفاعها،
وهل ولايتهم بالنص أو الاختيار؟
وأقول: إنه ليس بواجب عصمة ولاة الأئمة (ع) وواجب (6) علمهم
بجميع ما يتولونه وفضلهم فيه على رعاياهم لاستحالة رئاسة المفضول على
الفاضل فيما هو رئيس عليه فيه، وليس بواجب في ولايتهم النص على
أعيانهم، وجائز أن يجعل الله اختيارهم إلى الأئمة المعصومين (ع)، وهذا

1 - الناس ب.
2 - كلمتا (منهم سهو) ليستا في نسخة ألف و ه‍.
3 - كلمة هذا ليست في ألف و ب و ه‍.
4 - ويجوزون ألف ود و ه‍.
5 - ولاية.
6 - والواجب عليهم بجميع ما يولوه.
65

مذهب جمهور الإمامية، وبنو نوبخت - رحمهم الله - يوجبون النص على أعيان
ولاة الأئمة كما يوجبونه في الأئمة - عليهم السلام -.
39 - القول في أحكام الأئمة (ع)
وأقول: إن للإمام أن يحكم بعلمه كما يحكم بظاهر الشهادات ومتى
عرف من المشهود عليه ضد ما تضمنته الشهادة أبطل بذلك (1) شهادة من شهد
عليه وحكم فيه بما أعلمه الله تعالى، وقد يجوز عندي أن تغيب عنه بواطن
الأمور فيحكم فيها بالظواهر وإن كانت على خلاف لحقيقة عند الله تعالى، و
يجوز أن يدله الله تعالى على الفرق بين الصادقين من الشهود وبين الكاذبين
فلا يغيب عنه حقيقة الحال. والأمور في هذا الباب متعلقة بالألطاف والمصالح
التي لا يعلمها على كل حال إلا الله - عز وجل -.
ولأهل الإمامة في هذه المقالة ثلاثة أقوال:
فمنهم من يزعم أن أحكام الأئمة (ع) على الظواهر دون ما يعلمونه على
كل حال.
ومنهم من يزعم أن أحكامهم إنما هي على البواطن دون الظواهر التي
يجوز فيها الخلاف.
ومنهم من يذهب إلى ما اخترته أنا من المقال ولم أر لبني نوبخت -
رحمهم الله - فيه ما اقطع على إضافته إليهم على يقين بغير ارتياب.

1 - أبطل ذلك.
66

40 - القول في معرفة الأئمة (ع) بجميع الصنايع وساير اللغات
وأقول: إنه ليس يمتنع ذلك منهم ولا واجب من جهة العقل والقياس و
قد جاءت أخبار عمن يجب تصديقه بأن أئمة آل محمد (ص) قد كانوا يعلمون
ذلك، فإن ثبت وجب القطع به من جهتها على الثبات. ولي في القطع به منها
نظر، والله الموفق للصواب، وعلى قولي هذا جماعة من الإمامية، وقد خالف
فيه بنو نوبخت - رحمهم الله - وأوجبوا ذلك عقلا وقياسا وافقهم فيه
المفوضة كافة وسائر الغلاة.
41 - القول في علم الأئمة (ع) بالضمائر والكائنات وإطلاق القول عليهم
بعلم الغيب وكون ذلك لهم (1) في الصفات
وأقول: إن الأئمة من آل محمد (ص) قد كانوا يعرفون ضمائر بعض
العباد ويعرفون ما يكون قبل كونه، وليس ذلك بواجب في صفاتهم ولا شرطا
في إمامتهم، وإنما أكرمهم الله تعالى به وأعلمهم إياه للطف في طاعتهم و
التمسك بإمامتهم، وليس ذلك بواجب عقلا ولكنه وجب لهم من جهة
السماع. فأما إطلاق القول عليهم بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بين الفساد،
لأن الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا بعلم مستفاد، وهذا
لا يكون إلا الله - عز وجل -، وعلى قولي هذا جماعة أهل الإمامة إلا من شذ
عنهم من المفوضة ومن انتمى إليهم من الغلاة.

1 - في الصفات لهم ألف.
67

42 - القول في الإيحاء إلى الأئمة وظهور الإعلام عليهم والمعجزات
وأقول: إن العقل (1) لا يمنع من نزول الوحي إليهم وإن كانوا أئمة غير
أنبياء، فقد أوحى الله - عز وجل - إلى أم موسى: (أن ارضعيه فإذا خفت عليه
فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)
فعرفت صحة ذلك بالوحي وعملت عليه ولم تكن نبيا ولا رسولا ولا إماما،
ولكنها كانت من عباد الله الصالحين. وإنما منعت من نزول الوحي عليهم
والإيحاء بالأشياء إليهم للاجماع على المنع من ذلك (2) والاتفاق على أنه من
يزعم أن أحدا بعد نبينا (ص) يوحى إليه فقد أخطأ وكفر، ولحصول العلم بذلك
من دين النبي (ص)، كما أن العقل لم يمنع من بعثة نبي بعد نبينا (ص) ونسخ
شرعه (3) كما نسخ ما قبله من شرائع الأنبياء، وإنما منع ذلك الإجماع والعلم
بأنه خلاف دين النبي (ص) من جهة اليقين وما يقارب الاضطرار. والامامية
جميعا على ما ذكرت ليس بينها فيه على ما وصفت (4) خلاف.
فأما ظهور المعجزات عليهم والإعلام فإنه من الممكن الذي ليس بواجب
عقلا ولا ممتنع قياسا، وقد جاءت بكونه منهم - عليهم السلام - الأخبار على
التظاهر والانتشار فقطعت عليه من جهة السمع وصحيح الآثار، ومعي في هذا
الباب جمهور أهل الإمامة وبنو نوبخت تخالف فيه وتأباه، وكثير من المنتمين

1 - إن القول ألف و ب و ه‍.
2 - بذلك ألف.
3 - شرعنا ألف.
4 - جملة (على ما وصفت) سقطت من نسخة ألف.
68

إلى الإمامية يوجبونه عقلا كما يوجبونه للأنبياء. والمعتزلة بأسرها على خلافنا
جميعا فيه سوى ابن الأخشيد ومن اتبعه يذهبون فيه إلى الجواز، وأصحاب
الحديث كافة تجوزه لكل صالح من أهل التقى والإيمان.
43 - القول في ظهور المعجزات على المنصوبين (1) من الخاصة
والسفراء والأبواب (2)
وأقول: إن ذلك جائز لا يمنع منه عقل ولا سنة ولا كتاب، وهو مذهب
جماعة من مشايخ الإمامية وإليه يذهب ابن الأخشيد من المعتزلة وأصحاب
الحديث في الصالحين والأبرار. وبنو نوبخت من الإمامية يمنعون ذلك و
يوافقون المعتزلة في الخلاف علينا فيه، ويجامعهم على ذلك الزيدية والخوارج
المارقة عن الاسلام.
44 - القول في سماع الأئمة (ع) كلام الملائكة الكرام
وإن كانوا لا يرون منهم الأشخاص
وأقول: بجواز هذا من جهة العقل، وإنه ليس بممتنع (3) في الصديقين من
الشيعة المعصومين من الضلال، وقد جاءت بصحته وكونه للأئمة (ع) (4) ومن

1 - المعصومين ألف ولا يصح بل الصحيح ما في المتن لما مر من عدم العصمة في النواب والسفراء عنده.
2 - الأبرار ألف و ه‍.
3 - يمتنع ألف.
4 - كونه للأنبياء والأئمة ج وكونه الأئمة ومن اسميت ألف والصحيح سميت كما في المتن تبعا
لنسخة د.
69

سمين من شيعتهم الصالحين الأبرار الأخيار واضحة الحجة والبرهان، وهو
مذهب فقهاء الإمامية وأصحاب الآثار منهم. وقد أباه بنو نوبخت وجماعة من
أهل الإمامة لا معرفة لهم بالأخبار ولم يمعنوا (1) النظر ولا سلكوا طريق الصواب.
45 - القول في صدق منامات الرسل والأنبياء والأئمة - عليهم السلام -
وارتفاع الشبهات عنهم والأحلام
وأقول: إن منامات الرسل والأنبياء والأئمة - عليهم السلام - صادقة
لا تكذب، وإن الله تعالى عصمهم عن الأحلام، وبذلك جاءت الأخبار
عنهم (ع) على الظهور والانتشار، وعلى هذا القول جماعة فقهاء الإمامية و
أصحاب النقل منهم، وأما متكلموهم فلا (2) أعرف لهم نفيا ولا إثباتا ولا مسألة
فيه ولا جوابا. والمعتزلة بأسرها تخالفنا فيه.
46 - القول في المفاضلة بين الأئمة والأنبياء - عليهم السلام -
قد قطع قوم من أهل الإمامة بفضل الأئمة (ع) من آل محمد (ص) على
سائر من تقدم من الرسل والأنبياء سوى نبينا محمد (ص)، وأوجب فريق منهم
لهم الفضل على جميع الأنبياء سوى أولي العزم منهم - عليهم السلام - وأبى
القولين (3) فريق منهم آخر وقطعوا بفضل الأنبياء كلهم على سائر الأئمة (ع)، و

1 - لم ينعموا ب لم يعطو د.
2 - لم أعرف منهم.
3 - وإلى القولين ألف.
70

هذا باب ليس للعقول في إيجابه والمنع منه مجال ولا على أحد الأقوال فيه
إجماع، وقد جاءت آثار عن النبي (ص) في أمير المؤمنين - عليه السلام - وذريته
من الأئمة، والأخبار عن الأئمة الصادقين أيضا من بعد، وفي القرآن مواضع
تقوي العزم على ما قاله الفريق الأول في هذا المعنى، وأنا ناظر فيه وبالله
اعتصم من الضلال.
47 - القول في تكليف الملائكة
وأقول: إن الملائكة مكلفون وموعودون ومتوعدون. قال الله تبارك و
تعالى: (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي
الظالمين). وأقول، إنهم معصومون مما يوجب لهم العقاب بالنار، وعلى هذا
القول جمهور الإمامية وسائر المعتزلة وأكثر المرجئة وجماعة من أصحاب
الحديث. وقد أنكر قوم من الإمامية أن تكون الملائكة مكلفين، وزعموا أنهم
إلى الأعمال مضطرون ووافقهم على ذلك جماعة من أصحاب الحديث.
48 - القول في المفاضلة بين الأئمة (ع) والملائكة
أما الرسل من الملائكة والأنبياء - عليهم السلام - فقولي فيهم مع أئمة آل
محمد (ص) كقولي في الأنبياء من البشر (1) والرسل (ع)، وأما باقي الملائكة (2)
فإنهم وإن بلغوا بالملكية فضلا فالأئمة من آل محمد (ص) أفضل منهم وأعظم
ثوابا عند الله عز وجل بأدلة ليس موضعها هذا الكتاب.

1 - ما في المتن منتخب ما في النسخ على تشويشها.
2 - وأما باقي الأنبياء فإنهم وإن بلغوا بالملائكة فضلا ألف و ب.
71

49 - القول في احتمال الرسل والأنبياء والأئمة الآلام
وأحوالهم بعد الممات
وأقول: إن رسل الله تعالى من البشر وأنبياءه والأئمة من خلفائه محدثون
مصنوعون تلحقهم الآلام، وتحدث لهم اللذات، وتنمي أجسامهم بالأغذية، و
تنقص على مرور الزمان، ويحل بهم الموت ويجوز عليهم الفناء، وعلى هذا
القول إجماع أهل التوحيد. وقد خالفنا فيه المنتمون إلى التفويض وطبقات
الغلاة، وأما أحوالهم بعد الوفاة فإنهم ينقلون من تحت التراب فيسكنون
بأجسامهم وأرواحهم جنة الله تعالى، فيكونون فيها أحياء يتنعمون إلى يوم (1)
الممات، يستبشرون بمن يلحق بهم من صالحي أممهم وشيعتهم، ويلقونه
بالكرامات وينتظرون من يرد عليهم من أمثال السابقين من ذوي (2) الديانات، و
إن رسول الله (ص) والأئمة من عترته خاصة لا يخفى عليهم بعد الوفاة أحوال
شيعتهم في دار الدنيا بإعلام الله تعالى لهم ذلك حالا بعد حال، ويسمعون
كلام المناجي لهم في مشاهدهم المكرمة العظام بلطيفة من لطائف الله تعالى
بينهم (3) بها من جمهور العباد (4)، وتبلغهم المناجاة من بعد (5) كما جاءت به
الرواية (6)، وهذا مذهب فقهاء الإمامية كافة وحملة الآثار منهم، ولست أعرف

1 - جملة (إلى يوم الممات) ليست في نسخة ألف.
2 - في الديانات ألف و ب و ج.
3 - ينبئهم.
4 - من جهة جمهور ألف و ب ود.
5 - من بعيد ز والصحيح ما في المتن بضم الباء وسكون العين (بعد) وإن صح بعيد أيضا.
6 - به الكافة.
72

فيه لمتكلميهم من قبل مقالا، وبلغني عن بني نوبخت - رحمهم الله - خلاف
فيه، ولقيت جماعة من المقصرين (1) عن المعرفة ممن ينتمي إلى الإمامة أيضا
يأبونه، وقد قال الله تعالى فيما يدل على الجملة (2): (ولا تحسبن الذين قتلوا
في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله
ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم. ولا هم
يحزنون) وما يتلو هذا من الكلام. وقال في قصة مؤمن آل فرعون: (قيل ادخل
الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين).
وقال رسول الله (ص): (من سلم على عند قبري سمعته، ومن سلم
على من بعيد بلغته سلام الله (3) عليه ورحمة الله وبركاته). ثم الأخبار في
تفصيل ما ذكرناه من الجمل عن أئمة آل محمد (ص) بما وصفناه (4) نصا ولفظا
أكثر، وليس هذا الكتاب موضع ذكرها فكنت أوردها (5) على التفصيل والبيان.
50 - القول في رؤية المحتضرين رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع)
عند الوفاة
هذا باب قد أجمع عليه أهل الإمامة، وتواتر الخبر به عن الصادقين من

1 - المعتزلة ب.
2 - على جملة ألف ج د ه‍.
3 - بلغته سلامه على ب و ج و ه‍ و ز.
4 - واردة نصا ألف.
5 - وكتب أوردوها ألف.
73

الأئمة (ع)، وجاء عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال للحارث الهمداني (1) - رحمه الله -
، يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه وأعرفه * بعينه واسمه وما فعلا
في أبيات مشهورة، وفيه يقول إسماعيل بن محمد السيد - رحمه الله -:
ويراه المحضور حين تكون * الروح بين اللهاة والحلقوم
ومتى ما يشاء أخرج للناس * فتدمي وجوههم بالكلوم
غير أني أقول فيه إن معنى رؤية المحتضر لهما - عليهما السلام - هو العلم
بثمرة ولايتهما (2)، أو الشك فيهما والعداوة لهما، أو التقصير في حقوقهما على
اليقين بعلامات يجدها في نفسه وأمارات ومشاهدة أحوال ومعاينة مدركات
لا يرتاب معها بما ذكرناه، دون رؤية البصر لأعيانهما ومشاهدة النواظر
لأجسادهما باتصال الشعاع، وقد قال الله - عز وجل -: (فمن يعمل مثقال ذرة
خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، وإنما أراد - جل شانه - بالرؤية هيهنا
معرفة ثمرة الأعمال على اليقين الذي لا يشوبه ارتياب. وقال سبحانه: (فمن
كان يرجوا لقاء ربه فإن أجل الله لآت). ولقاء الله تعالى هو لقاء جزائه على
الأعمال وعلى هذا القول محققو النظر من الإمامية، وقد خالفهم فيه جماعة
من حشويتهم، وزعموا أن المحتضر يرى نبيه ووليه ببصره كما يشاهد المرئيات
وإنهما يحضران مكانه ويجاورانه بأجسامهما في المكان.

1 - الهمداني أو في معناه ب.
2 - رؤيتهما ألف و ه‍.
74

51 - القول في رؤية المحتضر الملائكة
والقول عندي في ذلك كالقول في رؤيته لرسول الله وأمير المؤمنين (ع)، و
جائز أن يراهم ببصره بأن يزيد الله تعالى في شعاعه (1) ما يدرك به أجسامهم
الشفافة الرقيقة، ولا يجوز مثل ذلك في رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع)
لاختلاف بين أجسامهما وأجسام الملائكة في التركيبات، وهذا مذهب جماعة
من متكلمي الإمامية ومن المعتزلة البلخي وجماعة من أهل بغداد.
52 - القول في أحوال المكلفين من رعايا الأئمة (ع) بعد الوفاة
أقول: إنهم أربع طبقات: طبقة يحييهم الله ويسكنهم مع أوليائهم في
الجنان، وطبقة يحيون ويلحقون بأئمتهم في محل الهوان، وطبقة أقف فيهم و
أجوز حياتهم وأجوز كونهم على حال الأموات، وطبقة لا يحيون بعد الموت
حتى النشور والمآب.
فأما الطبقة المنعمة فهم المستبصرون في المعارف المتمحصون للطاعات،
وأما المعذبة (2) فهم المعاندون للحق المسرفون في اقتراف السيئات، وأما المشكوك
في حياتهم وبقائهم مع الأموات فهم الفاسقون من أهل المعرفة والصلاة الذين
اقترفوا الآثام على التحريم لها للشهوة دون العناد والاستحلال، وسوفوا التوبة
منها فاخترموا دون ذلك فهؤلاء جائز من الله - عز وجل اسمه - رفع الموت عنهم
لتعذيبهم في البرزخ على ما اكتسبوه من الأجرام وتطهيرهم بذلك منها قبل

1 - في شفافه ألف.
2 - المعذبون ز.
75

الحشر ليردوا القيامة على الأمان (1) من نار جهنم ويدخلوا بطاعتهم الجنان، و
جائز تأخير حياتهم إلى يوم الحساب لعقابهم هناك أو العفو عنهم كما يشاء الله
- عز وجل - وأمرهم في هذين القسمين مطوي (2) عن العباد.
وأما الطبقة الرابعة فهم المقصرون عن الغاية في المعارف عن غير عناد
والمستضعفون من سائر الناس، وهذا القول على الشرح الذي أثبت هو مذهب
نقلة الآثار من الإمامية وطريقه السمع وصحيح الأخبار وليس لمتكلميهم من
قبل فيه مذهب مذكور.
53 - القول في نزول الملكين على أصحاب القبور
ومساءلتهما عن الاعتقاد
وأقول: إن ذلك صحيح وعليه إجماع الشيعة وأصحاب الحديث، و
تفسير مجمله أن الله تعالى ينزل على من يريد تنعيمه بعد الموت ملكين
اسمهما (مبشر) و (بشير) فيسألان عن ربه - جلت عظمته - وعن نبيه ووليه
فيجيبهما بالحق الذي فارق الدنيا على اعتقاده والصواب، ويكون الغرض في
مساءلتهما استخراج العلامة بما يستحقه من النعيم فيجدانها (3) منه في الجواب.
وينزل - جل جلاله - على من يريد تعذيبه في البرزخ ملكين اسماهما (ناكر)
و (نكير) فيوكلهما بعذابه، ويكون الغرض من مساءلتهما له استخراج علامة
استحقاقه من العذاب بما يظهر من جوابه من التلجلج عن الحق أو الخبر عن سوء

1 - الإيمان ألف و ج ود.
2 - منطو ج.
3 - فيرداها ألف و ب.
76

الاعتقاد أو إبلاسه وعجزه عن الجواب. وليس ينزل الملكان من أصحاب القبور
إلا على من ذكرناه، ولا يتوجه سؤالهما منهم إلا إلى الأحياء جد الموت لما
وصفناه، وهذا هو مذهب حملة الأخبار من الإمامية ولهم فيما سطرت منه
آثار وليس لمتكلميهم من قبل فيه مقال عرفته فاحكيه على النظام.
54 - القول في تنعيم (1) أصحاب القبور وتعذيبهم، وعلى أي شئ
يكون الثواب لهم والعقاب، ومن أي وجه يصل إليهم ذلك،
وكيف تكون صورهم في تلك الأحوال؟
وأقول: إن الله تعالى يجعل لهم أجساما كأجسامهم في دار الدنيا ينعم
مؤمنيهم فيها ويعذب كفارهم فيها وفساقهم فيها، دون أجسامهم التي في
القبور يشاهدها الناظرون تتفرق وتندرس وتبلى على مرور الأوقات وينالهم
ذلك في غير أماكنهم من القبور، وهذا يستمر على مذهبي في النفس ومعنى
الانسان المكلف عندي هو الشئ المحدث القائم بنفسه الخارج عن صفات
الجواهر والأعراض، ومعي به روايات عن الصادقين من آل محمد (ص)، و
لست أعرف لمتكلم من الإمامية قبلي فيه مذهبا فأحكيه، ولا أعلم بيني وبين
فقهاء الإمامية وأصحاب الحديث فيه اختلافا.
55 - القول في الرجعة
وأقول: إن الله - تعالى - يرد قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي

1 - تنعم ج
77

كانوا عليها فيعز منهم فريقا ويذل فريقا ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين
منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد - عليهم السلام، وعليه
السلام -. (1)
وأقول: إن الراجعين إلى الدنيا فريقان: أحدهما من علت درجته في
الإيمان، وكثرت أعماله الصالحات، وخرج من الدنيا على اجتناب الكبائر
الموبقات، فيريه الله - عز وجل - دولة الحق ويعزه بها ويعطيه من الدنيا ما كان
يتمناه والآخر من بلغ الغاية في الفساد (2) وانتهى في خلاف المحقين إلى أقصى
الغايات وكثر ظلمه (3) لأولياء الله واقترافه السيئات، فينتصر الله - تعالى - لمن
تعدى عليه قبل الممات، ويشفي غيظهم منه بما يحله من النقمات، ثم يصير
الفريقان من بعد ذلك إلى الموت ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من دوام
الثواب والعقاب، وقد جاء القرآن (4) بصحة ذلك وتظاهرت به الأخبار
والامامية بأجمعها عليه إلا شذاذا منهم تأولوا ما ورد فيه مما ذكرناه على وجه
يخالف ما وصفناه.
56 - القول في الحساب وولاته والصراط والميزان
وأقول: إن الحساب هو موافقة العبد على ما أمر به في دار الدنيا وإنه
يختص بأصحاب المعاصي من أهل الإيمان، وأما الكفار فحسابهم جزاؤهم

1 - في نسخة ب زاد كلمة (كثيرا) بعد عليه السلام.
2 - العناد ب.
3 - كلمة (ظلمه) سقطت من نسخة ب.
4 - كلمة (القرآن) سقطت من ألف و ب.
78

بالاستحقاق والمؤمنون الصالحون يوفون أجورهم بغير حساب.
وأقول: إن المتولي لحساب من ذكرت رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع)
والأئمة من ذريتهما - عليهم السلام - بأمر الله - تعالى - لهم بذلك وجعله
إليهم تكرمة لهم وإجلالا لمقاماتهم وتعظيما على سائر العباد، وبذلك جاءت
الأخبار المستفيضة عن الصادقين (ع) عن الله تعالى، وقد قال الله - عز وجل -:
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) يعني الأئمة (ع) على ما
جاء في التفسير الذي لا شك في صحته ولا ارتياب.
وأقول: إن الصراط جسر بين الجنة والنار تثبت عليه أقدام المؤمنين وتزل
عنه أقدام الكفار إلى النار، وبذلك جاءت أيضا الأخبار. وأما الميزان فهو التعديل
بين الأعمال والمستحق عليها، والمعدلون في الحكم إذ ذاك هم ولاة الحساب من
أئمة آل محمد (ص)، وعلى هذا القول إجماع نقلة الحديث من أهل الإمامة،
وأما متكلموهم (1) من قبل فلم أسمع لهم في شئ منه كلاما.
57 - القول في الشفاعة
وأقول: إن رسول الله (ص) يشفع يوم القيامة في مذنبي أمته من الشيعة
خاصة فيشفعه الله - عز وجل - ويشفع أمير المؤمنين (ع) في عصاه شيعته فيشفعه
الله - عز وجل - وتشفع الأئمة (ع) في مثل ما ذكرناه من شيعتهم فيشفعهم و
يشفع المؤمن البر لصديقه المؤمن المذنب فتنفعه شفاعته ويشفعه الله، وعلى هذا
القول إجماع الإمامية إلا من شذ منهم، وقد نطق به القرآن وتظاهرت به

1 - متكلمهم د.
79

الأخبار، قال الله تعالى في الكفار عند إخباره عن حسراتهم على الفائت لهم مما
حصل لأهل الإيمان: (فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم). وقال رسول
الله (ص): (إني أشفع يوم القيمة فأشفع فيشفع علي (ع) فيشفع، وإن أدنى المؤمنين
شفاعة يشفع في أربعين من إخوانه).
58 - القول في البداء والمشية
وأقول: في معنى البداء ما يقول المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله من
الإفقار بعد الاغناء، والأمراض بعد الاعفاء، والإماتة بعد الإحياء، وما يذهب
إليه أهل العدل خاصة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال.
فأما إطلاق لفظ البداء فإنما صرت إليه بالسمع الوارد عن الوسائط بين العباد
وبين الله - عز وجل -، ولو لم يرد به سمع اعلم صحته ما استجزت إطلاقه كما
إنه لو لم يرد على سمع بأن الله تعالى يغضب ويرضى ويحب ويعجب لما
أطلقت ذلك عليه - سبحانه -، ولكنه لما جاء السمع به صرت إليه على المعاني
التي لا تأباها العقول، وليس بيني وبين كافة المسلمين في هذا الباب خلاف،
وإنما خالف من خالفهم في اللفظ دون ما سواه، وقد أوضحت عن علتي في
إطلاقه بما يقصر معه الكلام، وهذا مذهب الإمامية بأسرها وكل من فارقها في
المذهب ينكره على ما وصفت من الاسم دون المعنى ولا يرضاه.
59 - القول في تأليف القرآن وما ذكر قوم من الزيادة فيه والنقصان
أقول: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل
محمد (ص)، باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف
80

والنقصان، فأما القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير
المتقدم ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني لم يرتب (1) بما ذكرناه.
وأما النقصان فإن العقول لا تحيله ولا تمنع من وقوعه، وقد امتحنت مقالة
من ادعاه، وكلمت عليه المعتزلة وغيرهم طويلا فلم اظفر منهم بحجة اعتمدها
في فساده. وقد قال جماعة من أهل الإمامة إنه لم ينقص من كلمة ولا من آية
ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤمنين (ع) من تأويله
وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك كان ثابتا منزلا وإن لم يكن من
جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز، وقد يسمى تأويل القرآن قرآنا
قال الله تعالى: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني
علما) فسمى تأويل القرآن قرآنا، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف.
وعندي أن هذا القول أشبه من مقال من ادعى نقصان كلم من نفس
القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل والله أسأل توفيقه للصواب.
وأما الزيادة فيه فمقطوع على فسادها من وجه ويجوز صحتها من وجه،
فالوجه الذي أقطع على فساده أن يمكن لأحد من الخلق زيادة مقدار سورة فيه
على حد يلتبس به عند أحد من الفصحاء، وأما الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه
الكلمة والكلمتان والحرف والحرفان وما أشبه ذلك مما لا يبلغ حد الاعجاز، و
يكون ملتبسا عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن، غير أنه لا بد متى وقع ذلك من أن

1 - قوله يرتب بفتح الياء وسكون الراء وفتح التاء وسكون الباء مجزوم يرتاب مضارع ارتاب، و
يمكن أن يقرء بضم الياء وفتح الراء وكسر التاء المشددة مضارع رتب يرتب ترتيبا، فعلى الأول
الباء بمعنى في أي لم يرتب فيما ذكر، وعلى الثاني بمعنى على أي على ما ذكرنا والأول أنسب.
81

يدل الله عليه، ويوضح لعباده عن الحق فيه، ولست أقطع على كون ذلك بل أميل
إلى عدمه وسلامة القرآن عنه، ومعي بذلك حديث عن الصادق جعفر بن
محمد (ع)، وهذا المذهب بخلاف ما سمعناه عن بني نوبخت - رحمهم الله - من
الزيادة في القرآن والنقصان فيه، وقد ذهب إليه جماعة من متكلمي الإمامية و
أهل الفقه منهم والاعتبار.
60 - القول في أبواب الوعيد
وأقول: في الوعيد ما قد تقدم حكايته عن جماعة الإمامية، وأقول بعد
ذلك إن من عمل لله عملا وتقرب إلى الله بقربة أثابه على ذلك بالنعيم المقيم
في جنات الخلود، وبنو نوبخت - رحمهم الله - يذهبون إلى أن كثيرا من
المطيعين لله - سبحانه وتعالى - يثابون على طاعتهم في دار الدنيا وليس لهم
في الآخرة من نصيب، ومعي على ما ذهبت إليه أكثر المرجئة وجماعة من
الإمامية.
61 - القول في تحابط الأعمال
وأقول: إنه (1) لا تحابط بين المعاصي والطاعات ولا الثواب ولا العقاب وهو
مذهب جماعة من الإمامية والمرجئة، وبنو نوبخت يذهبون إلى التحابط فيما
ذكرناه ويوافقون في ذلك أهل الاعتزال.

1 - إن الانحباط ب.
82

62 - القول في الكفار وهل فيهم من يعرف الله - عز وجل -
وتقع (1) منهم الطاعات؟
وأقول: إنه ليس يكفر بالله - عز وجل - من هو به عارف ولا يطيعه من
هو لنعمته جاحد، وهذا مذهب جمهور الإمامية وأكثر المرجئة، وبنو نوبخت -
رحمهم الله - يخالفون في هذا الباب، ويزعمون أن كثيرا من الكفار بالله تعالى
عارفون، ولله تعالى في أفعال كثيرة مطيعون، وأنهم في الدنيا على ذلك
يجازون ويثابون، ومعهم على بعض هذا القول المعتزلة وعلى البعض الآخر
جماعة من المرجئة.
63 - القول في الموافاة
وأقول: إن من عرف الله تعالى وقتا من دهره وآمن به حالا من زمانه فإنه
لا يموت إلا على الإيمان به، ومن مات على الكفر بالله تعالى فإنه لم يؤمن
به وقتا من الأوقات، ومعي بهذا القول أحاديث عن الصادقين (ع) وإليه ذهب
كثير من فقهاء الإمامية ونقلة الأخبار، وهو مذهب كثير من المتكلمين في
الارجاء، وبنو نوبخت - رحمهم الله - يخالفون فيه ويذهبون في خلافه مذاهب
أهل الاعتزال.
64 - القول في صغائر الذنوب
وأقول: إنه ليس في الذنوب صغيرة في نفسه وإنما يكون فيها

1 - أو تقع ج.
83

بالإضافة إلى (1) غيره، وهو مذهب أكثر أهل الإمامة والإرجاء، وبنو نوبخت -
رحمهم الله - يخالفون فيه ويذهبون في خلافه إلى مذهب أهل الوعيد
والاعتزال.
65 - القول في العموم والخصوص
وأقول: إن لأخص الخصوص صورة في اللسان وليس لأخص العموم و
لا لأعمه صيغة في اللغة، وإنما يعرف المراد منه بما (2) يقترن إليه من الأمارات، و
هذا مذهب جمهور الراجية وكافة متكلمي الإمامية إلا من شذ عنها ووافق
الراجية أهل الاعتزال.
66 - القول في الأسماء والأحكام
وأقول: إن مرتكبي الكبائر من أهل المعرفة والاقرار مؤمنون بإيمانهم بالله
وبرسوله وبما جاء من عنده وفاسقون بما معهم من كبائر الآثام، ولا أطلق لهم
اسم الفسق ولا اسم الإيمان بل أقيدهما جميعا في تسميتهم بكل واحد
منهما، وامتنع من الوصف لهم بهما من الإطلاق وأطلق عليهم (3) اسم الاسلام
بغير تقييد وعلى كل حال، وهذا مذهب الإمامية إلا بني نوبخت فإنهم خالفوا
فيه وأطلقوا للفساق اسم الإيمان.

- كلمة (إلى غيره) ساقطة عن ألف.
2 - مما ب.
3 - إليهم د.
84

67 - القول في التوبة
وأقول: في التوبة بما قدمت ذكره عن جماعة الإمامية، ومن بعد ذلك إنها
مقبولة من كل عاص ما لم ييأس من الحياة، قال الله - عز وجل -: (وليست
التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن،
ولا الذين يموتون وهم كفار) وقوله سبحانه: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال
رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن
ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون). ولست أعلم بين أهل العلم كافة في هذا الباب
اختلافا.
68 - القول في حقيقة التوبة
أقول: إن حقيقة التوبة هو الندم على ما فات على وجه التوبة إلى الله -
عز وجل -، وشرطها هو العزم على ترك المعاودة إلى مثل ذلك الذنب في جميع
حياته (1)، فمن لم يجمع في توبته من ذنبه ما ذكرناه فليس بتائب، وإن ترك
فعل أمثال ما سلف منه من معاصي الله - عز وجل -، وهذا مذهب جمهور أهل
العدل ولست أعرف فيه لمتكلمي الإمامية شيئا أحكيه (2)، وعبد السلام الجبائي
ومن اتبعه يخالفون فيه.

1 - صفاته ألف و ب و ج و ه‍.
2 - ما أحكيه ألف.
85

69 - القول في التوبة من القبيح مع الإقامة على مثله في القبح
أقول: إن التوبة من ذلك تصح وإن اعتقد التائب قبح ما يقيم عليه إذا
اختلفت الدواعي في المتروك والمعزوم (1) عليه، فأما إذا اتفقت الدواعي فيه فلا
تصح التوبة منه، وهذا مذهب جميع أهل التوحيد سوى أبي هاشم الجبائي فإنه
زعم أن التوبة لا تصح من قبيح مع الإقامة على ما يعتقد قبحه وإن كان حسنا
فضلا عن أن يكون قبيحا.
70 - القول في التوبة من مظالم العباد
أقول: إن من شرط التوبة إلى الله سبحانه من مظالم العباد الخروج إلى
المظلومين من حقوقهم بأدائها إليهم أو باستحلالهم منها على طيبة النفس بذلك
والاختيار (2) له، فمن عدم منهم صاحب المظلمة وفقده خرج إلى أوليائه من
ظلامته أو استحلهم منها على ما ذكرناه، ومن عدم الأولياء حقق (3) العزم على
الخروج إليهم متى وجدهم واستفرغ الوسع في ذلك بالطلب في حياته والوصية
له بعد وفاته، ومن جهل أعيان المظلومين أو مواضعهم (4) حقق العزم والنية في
الخروج من الظلامة إليهم متى عرفهم وجهد وأجهد نفسه في التماسهم، فإذا
خاف فوت ذلك بحضور أجله وصى به على ما قدمناه، ومن لم يجد طولا لرد

1 - والمعدوم ألف و ب و ه‍.
2 - ولا الاجبار ألف.
3 - حقق العدم ألف و ب.
4 - أو بواسطة منعهم ج.
86

المظالم سأل الناس الصلة له والمعونة على ما يمكنه من ردها أو آجر نفسه إن
نفعه ذلك وكان طريقا إلى استفادة ما يخرج به من المظالم إلى أهلها.
والجملة في هذا الباب أنه يجب على الظالمين استفراغ الجهد مع التوبة
في الخروج من مظالم العباد، فإنه إذا علم الله ذلك منهم قبل توبتهم وعوض
المظلومين عنهم إذا عجز التائبون عن رد ظلاماتهم، وإن قصر التائبون من الظلم
فيما ذكرناه كان أمرهم إلى الله - عز وجل - فإن شاء عاقبهم وإن شاء تفضل
عليهم بالعفو والغفران، وعلى هذا إجماع أهل الصلاة من المتكلمين والفقهاء.
71 - القول في التوبة من قتل المؤمنين (1)
أقول: من قتل مؤمنا على وجه التحريم لدمه دون الاستحلال ثم أراد
التوبة مما فعله فعليه أن يسلم نفسه إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا استقالوا منه وإن
شاؤوا ألزموه الدية وإن شاؤوا عفوا عنه، وإن لم يفعل ذلك لم (2) تقبل توبته وإن
فعله كانت توبته مقبولة وسقط عنه بها عقاب ما حناه. وبهذا نطق القرآن و
عليه انعقد الإجماع، وإنما خالف فيه شذاذ من الحشوية والعوام. فأما القول
فيمن استحل دماء المؤمنين وقتل منهم مؤمنا على الاستحلال فإن العقل لا يمنع
من توبته وقبول التوبة منه، لكن السمع ورد عن الصادقين من أئمة الهدى (ع)
أنه من فعل ذلك لم يوفق للتوبة أبدا ولم يتب على الوجه الذي يسقط عنه
العقاب به مختارا لذلك غير مجبر ولا مضطر كما ورد الخبر عنهم (ع): (إن ولد

1 - المؤمن ج وفي ه‍ قتل النفس.
2 - ذلك تقبل ب و ه‍.
87

الزنا لا ينجب ولا يختار عند بلوغه الإيمان على الحقيقة وإن أظهره على كل
حال، وإنما يظهره على الشك فيه أو النفاق دون الاعتقاد له على الايقان (1))، و
كما ورد الخبر عن الله - عز وجل - في جماعة من خلقه أن مآلهم إلى النار و
أنهم لا يؤمنون به أبدا ولا يتركون الكفر به والطغيان، وعلى هذا القول إجماع
الفقهاء من أهل الإمامة ورواة الحديث منهم والآثار ولم أجد لمتكلميهم فيه
مقالا أحكيه في جملة الأقوال.
72 - باب القول في بيان العلم بالغائبات وما يجري مجراها من الأمور
المستنبطات، وهل يصح أن يكون اضطرارا أم جميعه من جهة الاكتساب؟
وأقول: إن العلم بالله - عز وجل - وأنبيائه (ع) بصحة دينه الذي ارتضاه و
كل شئ لا يدرك حقيقته بالحواس ولا يكون المعرفة به قائمة في البداية وإنما
يحصل بضرب من القياس لا يصح أن يكون من جهة الاضطرار، ولا يحصل
على الأحوال كلها إلا من جهة الاكتساب (2) كما لا يصح وقوع العلم بما طريقه
الحواس من جهة القياس ولا يحصل العلم في حال من الأحوال بما (3) في البداية
من جهة القياس. وهذا قد تقدم زدنا فيه شرحا هيهنا للبيان، وإليه يذهب
جماعة البغداديين ويخالف فيه البصريون من المعتزلة والمشبهة وأهل القدر و
الارجاء.

1 - الانقياد ج وألف وب.
2 - الاختيار ج.
3 - بها د.
88

73 - القول في العلم بصحة الأخبار وهل يكون فيه (1) اضطرار
أم جميعه اكتساب؟
وأقول: إن العلم بصحة جميع الأخبار طريقه الاستدلال وهو حاصل من
جهة الاكتساب، ولا يصح وقوع شئ منه بالاضطرار، والقول فيه كالقول في
جملة الغائبات. وإلى هذا القول يذهب جمهور البغداديين ويخالف فيه
البصريون والمشبهة وأهل الاجبار (2).
74 - القول في حد التواتر من الأخبار
وأقول: إن التواتر المقطوع بصحته في الأخبار هو نقل الجماعة التي
يستحيل في العادة أن تتواطأ على افتعال خبر فينطوي ذلك ولا يظهر على
البيان، وهذا أمر يرجع إلى أحوال الناس واختلاف دواعيهم وأسبابهم، والعلم
بذلك راجع إلى المشاهدة (3) والوجود، وليس يتصور للغائب (4) عن ذلك بالعبارة
والكلام. وهذا مذهب أصحاب التواتر من البغداديين ويخالف فيه البصريون و
يحدونه بما أوجب علما على الاضطرار.

1 - منه ب.
2 - الأخبار د و ه‍.
3 - المشاهدات د.
4 - التعاقب ألف التعبير ج.
89

75 - القول فيما يدرك بالحواس، وهل العلم به من فعل الله تعالى
أو فعل العباد؟
وأقول: إن العلم بالحواس على ثلاثة أضرب: فضرب هو من فعل الله
تعالى، وضرب من فعل الحاس، وضرب من فعل غيره من العباد.
فأما فعل الله تعالى فهو ما حصل للعالم به عن سبب من الله تعالى
كعلمه بصوت الرعد ولون البرق (1) ووجود الحر والبرد وأصوات الرياح وما
أشبه ذلك مما يبدو (2) للحاس من غير أن يتعمل (3) لإحساسه ويكون بسبب من
الله سبحانه ليس للعباد فيه اختيار.
فما فعل الحاس فهو ما حصل له عقيب فتح بصره أو الإصغاء بأذنه أو
التعمل (4) لإحساسه بشئ من حواسه أو بفعله السبب الموجب لإحساس
المحسوس وحصول العلم به.
وأما فعل غير الحاس من العباد فهو ما حصل للحاس بسبب من بعض
العباد كالصائح بغيره وهو غير متعمل (5) لسماعه أو المولم له فلا يمتنع من العلم
بالألم عند إيلامه وما أشبه ذلك. وهذا مذهب جمهور المتكلمين من أهل
بغداد ويخالف فيه من سميناه.

1 - كلمة لون البرق غير موجود في ألف و ب
2 - يبدؤه ذو الحاسة ب يبديه ألف.
3 - يتعمد ب ود.
4 - التعمد ب.
5 - متعمد ألف معتمل د.
90

76 - القول في أهل الآخرة، وهل هم مأمورون أو غير مأمورين؟
وأقول: إن أهل الآخرة مأمورون (1) بعقولهم بالسداد، ومحسن لهم ما
حسن لهم في دار الدنيا من الرشاد، وإن القلوب لا تنقلب عما هي عليه الآن و
لا تتغير عن حقيقتها على كل حال. وهذا مذهب متكلمي أهل بغداد ويخالف
فيه البصريون ومن ذكرناه.
77 - القول في أهل الآخرة، وهل هم مكلفون أو غير مكلفين؟
وأقول: إن أهل الآخرة صنفان:
فصنف منهم في الجنة وهم فيها مأمورون بما يؤثرون (2) ويخف على
طباعهم ويميلون إليه ولا يثقل عليهم من شكر المنعم سبحانه وتعظيمه و
حمده على تفضله عليهم وإحسانه إليهم وما أشبه ذلك من الأفعال، وليس
الأمور لهم بما وصفناه إذا كانت الحال فيه ما ذكرناه تكليفا لأن التكليف إنما هو
إلزام ما يثقل على الطباع ويلحق بفعله المشاق.
والصنف الآخر في النار وهم من العذاب وكلفه ومشاقه وآلامه على
ما لا يحصى من أصناف التكليف للأعمال، وليس يتعرون من الأمر والنهي
بعقولهم (3) حسب ما شرحناه، وهذا قول الفريق الذي قدمناه ويخالف فيه من
الفرق من سميناه وذكرناه.

- كلمة (مأمورون) سقطت من ألف.
2 - يؤمرون ألف و ب.
3 - يقول هم ألف.
91

78 - القول في أهل الآخرة، وهل هم مختارون لأفعالهم أو مضطرون
أم ملجئون على ما يذهب إليه أهل الخلاف؟
وأقول: إن أهل الآخرة مختارون لما يقع منهم من الأفعال وليسوا مضطرين
ولا ملجئين وإن كان لا يقع منهم الكفر (1) والعناد.
وأقول: إن الذي يرفع توهم وقوع الفساد منهم وقوع (2) دواعيهم إليه لا
ما ذهب إليه من خالف في ذلك من الالجاء والاضطرار. وهو مذهب متكلمي
البغداديين، وكان أبو الهذيل العلاف يذهب إلى أن أهل الآخرة مضطرون إلى
الأفعال، والجبائي وابنه يزعمان أنهم ملجئون إلى الأعمال.
79 - القول في أهل الآخرة وهل يقع منهم قبيح من الأفعال؟
أقول: إن أهل الآخرة صنفان:
فصنف من أهل الجنة مستغنون عن فعل القبيح، ولا يقع منهم شئ منه
على الوجوه كلها والأسباب، لتوفر دواعيهم إلى محاسن الأفعال وارتفاع
دواعي فعل القبيح عنهم على كل حال.
والصنف الآخر من أهل النار قد يقع منهم القبيح على غير العناد، قال الله

1 - الكفر والإيمان والعناد ألف.
2 - اتفقت النسخ على وجود كلمة وقوع هنا، مع إن المعنى على هذا أن دواعي أهل الآخرة تقع على
الفساد، وهذا خلاف الواقع وخلاف مراد المفيد قده فإن مراده قد عدم تحقق دواعيهم إلى
الفساد، وعليه فإما، أن يحمل على سقوط كلمة (عدم) هنا يعني عدم وقوع الخ أو يكون
الوقوع بمعنى الزوال والسقوط كما عن مجمع البحرين نظير قوله تعالى وظنوا أنه واقع بهم.
92

تعالى: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا
ونكون من المؤمنين، بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا
عنه وإنهم لكاذبون) وقال سبحانه: (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين
أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون، ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله
ربنا ما كنا مشركين، أنظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا
يفترون)، فأخبر - جل اسمه - عن كذبهم في الآخرة والكذب قبيح بعينه وباطل
على كل حال. وهذا المذهب أيضا مذهب من ذكرناه من متكلمي أهل بغداد و
يخالف فيه البصريون من أهل الاعتزال.
80 - القول في المقطوع والموصول
وأقول: إن كل عمل ذي أجزاء من الفعل أمر الله تعالى بالإتيان به على
الكمال وجعله مفترضا وسنة يستحق به الثواب كالصلاة والصيام والزكاة
والحج وأشباه ذلك من الطاعات، ثم علم سبحانه أن العبد يقطعه قبل تمامه
مختارا أو يفسده متعمدا ترك كماله، فإنه لا يقع منه شئ على وجه القربة إليه -
جل اسمه -، ومتى ابتدء به لقربة الله تعالى في الحقيقة فلن يقطعه فاعله
مختارا ولن يفسده بترك كماله متعمدا ولا بد أن يصله حتى يأتي به على
نظامه مؤثرا لذلك مختارا. وهذا الباب لاحق بباب الموافاة في معناه. وهو
مذهب هشام بن الفوطي من المعتزلة وزرارة بن أعين ومحمد بن الطيار و
جماعة كثيرة من متكلمي الإمامية، ويخالف فيه جمهور المعتزلة وسائر
الزيدية وأكثر أهل التشبيه وطوائف من المرجئة.
93

81 - القول في حكم الدار
وأقول: إن الحكم في الدار على الأغلب فيها وكل موضع غلب فيه الكفر
فهو دار كفر، وكل موضع غلب فيه الإيمان فهو دار إيمان، وكل موضع غلب
فيه الاسلام دون الإيمان فهو دار إسلام. قال الله تعالى في وصف الجنة:
(ولنعم دار المتقين). وإن كان فيها أطفال ومجانين، وقال في وصف النار:
(سأريكم دار الفاسقين). ون كان فيها ملائكة الله مطيعون فحكم على كلتا
الدارين بحكم الأغلب فيها.
وأقول: لما وصفت أن كل صقع من بلاد الاسلام ظهرت فيه الشهادتان (1)
والصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وزكاة الأموال واعتقاد فرض الحج إلى
البيت الحرام ولم يظهر فيه القول بإمامة آل محمد - عليهم السلام - أنه دار
إسلام لا دار إيمان، وإن كل صقع من بلاد الاسلام كثر أهله أو قل عددهم ظهرت
فيه شرائع الاسلام والقول بإمامة آل محمد - عليهم السلام - فهو دار إسلام ودار
إيمان. وقد تكون الدار عندي دار كفر ملة وإن كانت دار إسلام، ولا يصح أن
تكون كذلك وهي دار إيمان. وهذا مذهب جماعة من نقلة الأخبار من شيعة
آل محمد - عليهم السلام - وعلى جمل مقدماته وأصوله التي ذكرت جماعة
كثيرة من أهل الاعتزال.

1 - من هنا إلى كلمة القول أعني (الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وزكاة الأموال واعتقاد
فرض الحج إلى البيت الحرام ولم يظهر فيه) سقطت من نسخة ألف و ب ود و ه‍ والأصح
وجوده.
94

باب (1) القول في اللطيف (2) من الكلام
82 - القول في الجواهر
الجواهر عندي هي الأجزاء التي تتألف منها الأجسام، ولا يجوز على كل
واحد في نفسه الانقسام، وعلى هذا القول أهل التوحيد كافة سوى شذاذ من
أهل الاعتزال ويخالف فيه الملحدون ومن المنتمين إلى الموحدين إبراهيم بن
سيار النظام.
83 - القول في الجواهر أهي متجانسة أم بينها (3) اختلاف؟
وأقول: إن الجواهر كلها متجانسة، وإنما تختلف بما يختلف في نفسه من
الأعراض، وعلى هذا القول جمهور الموحدين.

1 - كلمة باب سقطت من نسخة ألف و ب و ج وموجود في د وساير النسخ وهو الأصح
لشروعه في نوع آخر من البحث لا يناسب ما سبق فيحتاج إلى تغيير العنوان وأيضا جملة
البسملة موجودة هنا في النسخ وهي دالة على الشروع في نوع آخر من البحث كما لا يخفى.
2 - اللطف ألف و ب.
3 - جملة (أم بينها اختلاف وأقول إن الجواهر كلها متجانسة) سقطت من نسخة ب.
95

84 - القول في الجواهر، ألها مساحة في نفسها وأقدار؟
أقول: إن الجوهر له قدر في نفسه وحجم من أجله كان له حيز في
الوجود، وبه فارق معنى ما خرج عن حقيقته، وعلى هذا القول أكثر أهل التوحيد.
85 - القول في حيز الجواهر والأكوان
وأقول: إن كل جوهر فله حيز في الوجود، وإنه لا يخلو عن عرض يكون
به في بعض المحاذيات أو ما يقدره تقدير ذلك، وهذا العرض يسميه بعض
المتكلمين كونا، وعلى هذا القول أكثر أهل التوحيد.
86 - القول في الجواهر وما يلزمها من الأعراض
أقول: إن كل عرض يصح حلوله في الجوهر ويكون الجوهر محتملا
لوجوده، فإنه لا يخلو منه أو مما يعاقبه من الأعراض، وهذا مذهب أبي القاسم
البلخي وأبي علي الجبائي ومن قبلهما أكثر المتكلمين، وخالف فيه عبد السلام
بن محمد الجبائي وأجاز خلو الجواهر من الألوان والطعوم والأراييح ونحو ذلك
من الأعراض.
87 - القول في بقاء (1) الجواهر
أقول: إن الجواهر مما يصح عليها البقاء وإنها توجد أوقاتا كثيرة ولا تفنى

1 - بقايا ج.
96

من العالم إلا بارتفاع البقاء عنها، وعلى هذه الجملة أكثر الموحدين وإليها يذهب
أبو القاسم البلخي ويخالف فيما ذكرناه من سبب فنائها (2) والجبائي وابنه و
بنو نوبخت من الإمامية ومن سلك سبيلهم في هذا المقام، وإبراهيم النظام
يخالف الجميع ويزعم أن الله تعالى يجدد الأجسام ويحدثها حالا فحالا.
88 - القول في الجواهر هل تحتاج إلى مكان؟
أقول: إنه لا حاجة للجواهر إلى الأماكن من حيث كانت جواهر إلا أن
تتحرك أو تسكن فلا بدلها في الحركة والسكون من المكان وعلى غنائها عن
المكان كافة الموحدين، وفي حاجتها إليه عند الحركة والسكون جمهورهم، و
يخالف في ذلك الجبائي وابنه عبد السلام.
89 - القول في الأجسام
أقول: إن الأجسام هي الجواهر المتألفة طولا وعرضا وعمقا، وأقل ما
تتألف منه الأجسام ثمانية أجزاء، اثنان منها أحدهما فوق صاحبه طولا، واثنان
يليان هذين الاثنين من جهة اليمين أو الشمال يصير بذلك عرضا، وأربعة تلقاء
هذه الأربعة فيحصل بذلك عمق، وعلى هذا القول جماعة من المتكلمين.
وقد زعم قوم أن الجسم يتألف من ستة أجزاء، وقال آخرون إنه يتألف
من أربعة أجزاء، وذهب قوم إلى أن حقيقة الجسم هو المؤلف وقد يكون ذلك
من جزئين، فالأجسام من نوع ما يبقى، وقد ذكرت ذلك في الجواهر المنفردة و

1 - بقائها د و ج.
97

التأليف عندي وساير الأعراض لا تبقى. وهذا مذهب أبي القاسم البلخي و
جماعة قبله من البغداديين، ولم يخالف في بقاء الأجسام أحد من أهل التوحيد
سوى النظام فإنه زعم أنها تتجدد حالا بعد حال.
90 - القول في الأعراض
أقول: الأعراض هي المعاني المفتقرة في وجودها إلى المحال، ولا يجوز على
شئ منها البقاء، وهذا مذهب أكثر البغداديين، وقد خالف فيه البصريون و
غيرهم من أهل النحل والآراء.
91 - القول في قلب الأعراض وإعادتها
أقول: إن ذلك محال لا يصح بدلائل يطول ذكرها، وهو مذهب أبي
القاسم وجميع من نفى بقاء الأعراض من الموحدين.
92 - القول في المعدوم
وأقول: إن المعدوم هو المنفي العين الخارج عن صفة الموجود، وأقول (1) إنه
لا جسم ولا جوهر ولا عرض ولا شئ على الحقيقة، وإن سميته بشئ من هذه
الأسماء فإنما تسميه به مجازا، وهذا مذهب جماعة من بغدادية المعتزلة و
أصحاب المخلوق. والبلخي يزعم أنه شئ ولا يسميه بجسم ولا جوهر و
لا عرض، والجبائي وابنه يزعمان أن المعدوم شئ وجوهر وعرض، والخياط
يزعم إنه شئ وعرض وجسم.

1 - ولا أقول إنه جسم ب ج ه‍.
98

93 - القول في ماهية العالم
وأقول: العالم هو السماء والأرض وما بينهما وما فيهما من الجواهر
والأعراض، ولست أعرف بين أهل التوحيد خلافا في ذلك.
94 - القول في الفلك
أقول: إن الفلك هو المحيط بالأرض الدائر عليها وفيه الشمس والقمر و
ساير النجوم، والأرض في وسطه بمنزلة النقطة في وسط الدائرة، وهذا مذهب
أبي القاسم البلخي وجماعة كثيرة من أهل التوحيد ومذهب أكثر القدماء
والمنجمين، وقد خالف فيه جماعة من بصرية المعتزلة وغيرهم من أهل النحل.
95 - القول في حركة الفلك
أقول: إن المتحرك من الفلك من جهة الامكان ما اختص منه بالمكان و
من جهة الوجوب ما لاقى الهواء وقطع بحركته المكان، وأما ما (1) يلي صفحته
العليا فإنها لا متحركة ولا ساكنة لأنها في غير مكان، وأقول إن المتحرك منه إنما
يتحرك حركة دورية كما يتحرك الدائر على الكرة، وإلى هذا يذهب البلخي و
جماعة من الأوائل وكثير من أهل التوحيد.
96 - القول في الأرض وهيئتها وهل هي متحركة أو ساكنة؟
أقول: إن الأرض على هيئة الكرة في وسط الفلك وهي ساكنة لا تتحرك،

1 - وأما المكان وهو ما يلي صفحته العليا ألف و ب.
99

وعلة سكونها أنها في المركز، وهو مذهب أبي القاسم وأكثر القدماء والمنجمين،
وقد خالف فيه الجبائي وابنه وجماعة غيرهما من أهل الآراء والمذاهب من
المقلدة والمتكلمين.
97 - القول في الخلا والملا
وأقول: إن العالم مملو من الجواهر (1) وإنه لا خلا فيه ولو كان فيه خلا لما
صح فرق بين المجتمع والمتفرق من الجواهر والأجسام، وهو مذهب أبي القاسم
خاصة من البغداديين ومذهب أكثر القدماء من المتكلمين ويخالف فيه الجبائي
وابنه وجماعة من متكلمي الحشوية وأهل الجبر والتشبيه.
98 - القول في المكان
وأقول: إن المكان، ما أحاط بالشئ من جميع جهاته وإنه (2) لا يصح تحرك
الجواهر إلا في الأماكن وهو مذهب أبي القاسم وغيره من البغداديين وجماعة
من قدماء المتكلمين، ويخالف فيه الجبائي وابنه وبنو نوبخت والمنتمون إلى
الكلام من أهل الجبر والتشبيه.
99 - القول في الوقت والزمان
وأقول: إن الوقت هو ما جعله الموقت وقتا للشئ وليس بحادث

1 - الجواهر والأجسام ب.
2 - فلأنه.
100

مخصوص، والزمان اسم يقع على حركات (1) الفلك فلذلك لم يكن الفلك (2)
محتاجا في وجوده إلى وقت ولا زمان وعلى هذا القول ساير الموحدين.
100 - القول في الطباع
وأقول: إن الطباع معان تحل الجواهر يتهيأ (3) بها المحل للانفعال كالبصر و
ما فيه من الطبيعة التي بها يتهيأ لحلول الحس فيه والادراك، وكالسمع والأنف
السليم واللهوات، وكوجوده في النار التي تحرق به ومن أجله (4) أمكن بها
الاحراق، والأمر في ذلك وما أشبهه واضح الظهور والبيان.
فصل - وأقول: إن ما يتولد بالطبع فإنما هو لمسببه بالفعل في المطبوع، و
إنه لا فعل على الحقيقة لشئ من الطباع، وهذا مذهب أبي القاسم الكعبي و
هو خلاف مذهب المعتزلة في الطباع وخلاف الفلاسفة الملحدين أيضا فيما
ذهبوا إليه من أفعال الطباع، وأباه الجبائي وابنه وأهل الحشو وأصحاب المخلوق
والاجبار (5).

1 - حركة ز.
2 - الفعل ألف.
3 - بهيئاتها ألف و ب و ج.
4 - في نسخة ألف و ب ود (ما أمكن) ولا ريب في فساد المعنى لو جعلنا ما نافية فهي إما مصدرية
أو موصولة أو زائدة على فرض وجودها.
5 - الأخبار ألف و ب.
101

101 - القول في تركب الأجسام من الطبائع
واستحالتها (1) إلى العناصر والاسطقسات
وقد ذهب كثير من الموحدين إلى أن الأجسام كلها مركبة من الطبايع
الأربع وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، واحتجوا في ذلك بانحلال كل
جسم إليها وبما يشاهدونه من استحالتها كاستحالة الماء بخارا والبخار ماء والموات
حيوانا والحيوان مواتا، وبوجود النارية والمائية والهوائية والترابية في كل جسم،
وأنه لا ينفك جسم من الأجسام من ذلك، ولا يعقل على خلافه، ولا ينحل إلا
إليه. وهذا ظاهر مكشوف ولست أجد لدفعه حجة اعتمدها ولا أراه (2) مفسدا
لشئ من التوحيد والعدل والوعد والوعيد أو النبوات أو الشرائع فاطرحه لذلك،
بل هو مؤيد للدين مؤكد لأدلة الله تعالى على ربوبيته وحكمته وتوحيده. وممن
دان به من رؤساء المتكلمين النظام، وذهب إليه البلخي ومن اتبعه في المقال.
102 - القول في الإرادة وإيجابها
وأقول: إن الإرادة التي هي قصد لإيجاد أحد الضدين الخاطرين ببال
المريد موجبة لمرادها، وإنه محال وجودها وارتفاع المراد بعدها بلا فصل إلا أن

1 - جملات (إلى العناصر والاسطقسات وقد ذهب كثير من الموحدين إلى أن الأجسام كلها مركبة
من الطبايع الأربع وهي) سقطت من ب.
2 - مسندا ألف و ب ود.
102

يمنع من ذلك من جهة فعل (1) غير المريد، وهذا مذهب جعفر بن حرب و
جماعة من متكلمي البغداديين وهو مذهب البلخي وعلى خلافه الجبائي
وابنه والبصريين من المعتزلة والحشوية وأهل الاجبار.
103 - القول في التولد
وأقول: إن من أفعال القادر ما يقع متولدا بأسباب يفعلها على الابتداء من
غير توليد لها كالضارب لغيره فضربه متولد عن اعتماداته (2) وحركاته وإيلامه
للمضروب متولد عن ضربه إياه، وكالرامي لغرضه وغيره من الأجسام،
وكالمعتمد بلسانه في لهواته فيولد بذلك أصواتا وكلاما وما أشبه ذلك.
فالمبتدأ من الأحوال لا يكون متولدا. والمسبب عن المبتدأ نحو ما ذكرناه يكون
متولدا عن فعل صاحب السبب. وهذا مذهب أهل العدل كافة سوى النظام و
من وافقه في نفي التولد من أهل القدر والإجبار.
104 - القول في الفرق بين الموجب والمتولد
وأقول: إن كل متولد فهو موجب وليس كل موجب فهو متولد، والفرق
بينهما إن الموجب الذي ليس بمتولد هو ما ولى الإرادة بلا فصل بينهما من فعل
المريد، والموجب المتولد هو ما ولي الذي يلي الإرادة من الأفعال، وهذا مذهب

1 - العبارة هنا مشوشة في النسخ الصحيح ما في المتن أو إحدى العبارتين الأولى (إلا أن يمنع من
ذلك فعل غير المريد) الثانية (إلا أن يمنع من فعل المريد غير المريد).
2 - اعتماد آلة ج.
103

اختصرته أنا لقولي في المحدث الفعل الذي تسميه الفلاسفة النفس، والأصل فيه
مذهب البلخي ومن ذهب إلى الجمع بين إيجاب الإرادة والتولد من متكلمي بغداد.
105 - القول في أنواع المولدات والمتولدات من الأفعال
وأقول: إن الاعتمادات والحركات والمماسات والمتباينات والنظر
والاعتقادات والعلوم واللذات والآلام جميع ذلك يولد أمثاله وخلافه وليس
واحد مما ذكرناه بالتوليد أخص من غيره مما سميناه.
وأقول، إن الفاعل قد يولد في غيره علما بأشياء إذا فعل به أسباب تلك
العلوم كالذي يصيح بالساهي فيفعل به علما بالصيحة متولدا عن الصيحة به
بدلالة أنه لا يصح امتناعه من العلم بذلك مع سماع ما بدهه من الصياح،
وكالضارب لغيره المولد بضربه ألما فيه فإنه يولد فيه علما بالألم والضرب
لاستحالة فقد علمه بالألم في حاله، وقد يولد الانسان في غيره غما وسرورا و
حزنا وخوفا بما يورده عليه مما لا يمتنع معه من الغم والمسرة والجزع والخوف، و
لا يصح امتناعه منه على كل حال وأشباه ذلك مما يطول بذكره الكلام. وهذا
مذهب كثير من بغدادية المعتزلة وإليه ذهب أبو القاسم البلخي وخالف في كثير
منه الجبائي وابنه وأنكر جملته النظام والمجبرة.

1 - مسندا ألف و ب ود.
2 - العبارة هنا مشوشة في النسخ والصحيح ما في المتن أو إحدى العبارتين الأولى (إلا أن يمنع من
ذلك فعل غير المريد) الثانية (إلا أن يمنع من فعل المريد غير المريد).
3 - اعتماد آلة ج.
104

106 - القول في أن الأمر بالسبب هل هو أمر بالمسبب أم لا؟
وأقول: إن الأمر بالسبب أمر بالمسبب ما لم يمنع (1) الأمر من المسبب أو
يعلم أن صاحب السبب سيمنع من المسبب. فأما الأمر بالمسبب فهو مقتض (2)
للأمر بالسبب لا محالة بل هو أمر به في المعنى (3) وإن لم يكن كذلك في اللفظ،
ولست أعرف بين من أثبت التولد في هذا الباب خلافا.
107 - القول في أفعال الله تعالى وهل فيها متولدات أم لا؟
وأقول: إن في كثير من أفعال الله تعالى مسببات، وأمتنع من إطلاق لفظ
الوصف عليها بأنها متولدات وإن كانت في المعنى كذلك لأنني أتبع فيما أطلقه
في صفات الله تعالى وصفات أفعاله الشرع (4) ولا ابتدع. وقد أطلق المسلمون
على كثير من أفعال الله تعالى أنها أسباب ومسببات، ولم أجدهم يطلقون
عليها لفظ المتولد، ومن أطلقه منهم فلم يتبع فيه حجة في القول، ولا لجأ فيه إلى
كتاب ولا سنة ولا إجماع، وهذا مذهب اختص به لما ذكرت من الاستدلال
ولدلائل آخر ليس هنا موضع ذكرها.
فأما قولي في الأسباب فهو مذهب جماعة من البغداديين ومذهب أبي
القاسم على قرب وأبي علي، وإنما خالف فيه أبو هاشم بن أبي علي خاصة

1 - ما لم يعلم ألف.
2 - المقتضى د.
3 - بالمعنى ألف و ب.
4 - كلمة الشرع سقطت عن أكثر النسخ والعبارة تصح بدونها ومعها أصح.
105

من بين أهل العدل. وقد قال الله - عز وجل - مما يشهد بصحته: (وهو الذي
يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت
فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم
تذكرون). وقال: (ألم تر أن الله له أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض
ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا) وآي في القرآن تدل على
هذا المعنى كثيرة.
108 - القول في الشهوة
وأقول: إن الشهوة عبارة عن معنيين: أحدهما الطبع المختص بالحيوان
الداعي له إلى ما يلائمه من جهة (1) اللذات. والمعنى الآخر ميل الطبع إلى
الأعيان على التفصيل من جملة اللذات. فأما الأول فهو من فعل الله - سبحانه
وتعالى - لا محالة ولا شك فيه ولا ارتياب، لأن الحيوان لا يملكه ولا له فيه
اختيار. وأما الثاني فهو من فعل الحيوان بدلائل يطول بشرحها الكلام، وهذا
مذهب جمهور البغداديين، والبصريون باتحاد (2) الموجود أو الممنوع من وجوده و
ذلك محال، وكذلك النهي إذ هو نقيض الأمر وهذا مذهب كافة أهل العدل
إلا من لا يعبأ به منهم والمجبرة على خلافهم فيه.
109 - القول في البدل
وأقول: إن الكفر قد كان يجوز أن يكون في وقت الإيمان بدلا منه، و

1 - جملة.
2 - إيجاد د.
106

الإيمان قد كان يجوز أن يكون بدلا من الكفر في وقته، ولا أقول في حال
الإيمان إن الكفر يجوز كونه فيه بدلا منه ولا الإيمان يجوز وجوده في حال
الكفر بدلا منه، وذلك أن جواز الشئ هو تصحيحه وصحة إمكانه وارتفاع
استحالته، والكفر مضاد للإيمان ووجود الضد محيل لجواز وجود ضده كما
يحيل وجوده، فإذا قال القائل: (إن الكافر يجوز منه الإيمان الذي هو بدل من
الكفر) تضمن ذلك جواز اجتماع الضدين، وإذا قال (قد كان يجوز) بتقدم لفظ
(كان) على (يجوز) (1) لم يتضمن ذلك محالا.
فأما القول بأنه يجوز من الكافر الإيمان في مستقبل (2) أوقات الكفر، و
يجوز من المؤمن الكفر كذلك وليس (3) بمنكر لارتفاع التضاد والإحالة، وليس
هذا القول هو الخلاف بيننا وبين المجبرة وإنما خلافهم لنا في الأول وعليه أهل
العدل كما إن أهل الاجبار بأسرهم على خلافهم فيه.
110 - القول في خلق ما لا عبرة به ولا صلاح فيه
وأقول: إن خلق ما لا عبرة به لأحد من المكلفين ولا صلاح فيه لأحد من
المخلوقين عبث لا يجوز على الله تعالى، وهذا مذهب أهل العدل، وقد ذهب إلى
خلافه جميع أهل الجبر، واشتبه على كثير من الناس فيه خلق ما في قعور
البحار وقلل الجبال وبواطن الحيوان مما لا يحسه أحد من البشر، فذهب عليهم
وجه الانتفاع به وانسد عليهم طريق الاعتبار بمشاهدته فخالفوا أهل الحق فيما

1 - الجواز د وز.
2 - المستقبل د و ه‍.
3 - فليس ب.
107

ذكرناه، وليس الأمر في هذا الباب على ما توهموه، وذلك أن البشر وإن لم
يحسوا كثيرا مما وصفوه فإن الجن والملائكة يحسونه فيعتبرون به وما لا يقع
عليه من جميع ذلك حس ذي حاسة فهو نفع (1) لبعض ما يعتبر به (2) من
الحيوان أو مستحيل (3) من طبائع ما لا بد من وجوده في ألطاف العباد، وليس
علينا في صحة هذه القضية أكثر من إقامة الدلالة على أن الله تعالى الغني
الكريم الحكيم لا يخلق شيئا لنفسه، وإنما خلق ما يخترعه لغيره ولو (4) خلا ما
خلقه من منفعة غيره مع قيام البرهان على أن صانعه - جلت عظمته - لا ينتفع به
لكان عبثا لا معنى له، والله يجل عن فعل العبث علوا كبيرا.
111 - القول في الألم واللذة إذا استويا في اللطف والصلاح
وأقول: إنه لو استوى فعل الألم بالحيوان واللذة له في ألطاف المكلفين و
مصالحهم الدينية لما جاز من الحكيم سبحانه أن يفعل الألم دون اللذة إذ لا داعي
كان يكون إلى فعله حينئذ إلا العوض (5) عليه، والقديم سبحانه قادر على مثل
العوض تفضلا، وكان الأولى في جوده (6) ورأفته أن يفعل اللذة لشرفها على
الألم ولا يفعل الألم وقد ساوى ما هو أشرف منه في المصلحة. وهذا مذهب

1 - يقع ألف.
2 - يعتريه ألف.
3 - يستحيل.
4 - ويوحده ما خلقه ألف.
5 - المعوض د.
6 - في وجوده ألف.
108

كثير من أهل العدل وقد خالف منهم فيه فريق والمجبرة بأسرهم على خلافه.
112 - القول في علم الله تعالى أن العبد يؤمن إن أبقاه بعد كفره،
أو يتوب إن أبقاه من فسقه، أيجوز أن يخترمه دون ذلك أم لا؟
وأقول: إن ذلك غير جايز فيمن لم ينقض توبته ويرجع في كفر بعد
تركه، وجايز بعد الامهال فيمن انظر فعاد إلى العصيان، لأنه لو وجب ذلك
دائما أبدا لخرج عن الحكمة إلى العبث ولم يكن (1) للتكليف أجر، وهذا
مذهب أبي القاسم الكعبي وجماعة كثيرة من أصحاب الأصلح، ويخالف فيه
البصريون من المعتزلة ومانعوا اللطف منهم وساير المجبرة.
113 - القول في الألم للمصلحة دون العوض
وأقول: إن العوض على الألم لمن يستصلح به غيره مستحق على الله
تعالى في العدل وإن كان واجبا في وجوده لمن يجوز أن يفعله به من المؤمنين.
فأما ما يستصلح به غير المؤمنين من الآلام فلا بد من التعويض له عليه وإلا كان
ظلما، ولهذا قلت: (إن إيلام الكافر لا يستحق عليه عوضا لأنه لا يقع إلا عقابا له
واستصلاحا له في نفسه وإن جاز أن يصلح به غيره). وهذا مذهب من نفى
الاحباط من أهل العدل والإرجاء وعلى خلافه البغداديون من المعتزلة و
البصريون وساير المجبرة. وقد جمعت فيه بين أصول يختص بي جمعها دون

1 - ولو لم يكن للمكلف أجر ألف و.
109

من وافقني في العدل والإرجاء بما كشف لي (1) النظر عن صحته ولم يوحشني
من خالف فيه إذ بالحجة لي أتم أنس ولا وحشة من حق والحمد لله.
114 - القول في تعويض البهائم واقتصاص بعضها من بعض
وأقول: إنه واجب في جود الله تعالى وكرمه تعويض البهائم على ما
أصابها من الآلام في دار الدنيا سواء كان ذلك الألم من فعله - جل اسمه - أم
من فعل غيره لأنه إنما خلقها (2) لمنفعتها فلو حرمها العوض على ألمها لكان قد
خلقها لمضرتها، والله يجل عن خلق شئ لمضرته وإيلامه لغير نفع يوصله
إليه، لأن ذلك لا يقع إلا من سفيه ظالم، والله سبحانه عدل كريم حكيم عالم.
فأما الاقتصاص منها فغير جايز لأنها غير مكلفة ولا مأمورة ولا عالمة (3)
بقبح القبيح، والقصاص ضرب من العقوبة وليس بحكيم (4) من عاقب غير
مكلف ولا منته (5) عن فعل القبيح. ولو جاز الاقتصاص من بعضها لبعض لجاز
عقابها على جناياتها على بعض ولوجب ثوابها على إحسانها إلى ما أحسنت
إليه من بعض وذلك كله محال. وهذا مذهب كثير من أهل العدل وقد خالف
فيه بعضهم و جماعة ممن سواهم.

1 - في النظر د.
2 - جعلها ب.
3 - علة القبح ألف.
4 - بحكم ج نسخه ب ل د.
5 - منهى د وألف وب.
110

115 - القول في نعيم أهل الجنة أهو تفضل أو ثواب؟
وأقول: إن نعيم أهل الجنة على ضربين: فضرب منه تفضل محض
لا يتضمن شيئا من الثواب، والضرب الآخر تفضل من جهة وثواب من
أخرى. وليس في نعيم أهل الجنة ثواب وليس بتفضل على شئ من الوجوه،
فأما التفضل منه المحض فهو ما يتنعم به الأطفال والبله والبهائم، إذ ليس لهؤلاء
أعمال كلفوها، فوجب من الحكمة إثابتهم عليها. وأما الضرب الآخر (1) فهو
تنعيم المكلفين وإنما كان تفضلا عليهم لأنهم لو منعوها ما كانوا مظلومين (2)،
إذ ما سلف لله تعالى عندهم من نعمه وفضله وإحسانه يوجب (3) عليهم أداء
شكره وطاعته وترك معصيته، فلو لم يثبهم بعد العمل ولا ينعمهم (4) لما كان
لهم ظالما فلذلك كان ثوابه لهم تفضلا. وأما كونه ثوابا فلأن أعمالهم أوجبت
في جود (5) الله تعالى وكرمه تنعمهم وأعقبتهم الثواب وأثمرته لهم فصار
ثوابا من هذه الجهة وإن كان تفضلا من جهة ما ذكرناه، وهذا مذهب كثير من
أهل العدل من المعتزلة والشيعة، ويخالف فيه البصريون من المعتزلة والجهمية
ومن اتبعهم من المجبرة.

1 - الثاني ألف.
2 - مكلفين ج.
3 - فوجب ألف.
4 - نعمهم ألف و ب و ج وز.
5 - وجود د.
111

116 - القول في ثواب الدنيا وعقابها وتعجيل المجازاة فيها
وأقول: إن الله تعالى - جل اسمه - يثيب بعض خلقه على طاعتهم في
الدنيا ببعض مستحقهم من الثواب، ولا يصح أن يوفيهم أجورهم فيها لما يجب
من إدامة جزاء المطيعين، وقد يعاقب بعض خلقه في الدنيا على معاصيهم فيها
ببعض مستحقهم على خلافهم له وبجميعه أيضا، لأنه ليس كل معصية له
يستحق عليها عذابا دائما كما ذكرنا في الطاعات، وقد قال الله. تعالى: (ومن
يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب). وقال: (فقلت
استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال و
بنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا)، فوعدهم بضروب من الخيرات
في الدنيا على الأعمال الصالحات. وقال في بعض من عصاه: (ومن أعرض
عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيمة أعمى). وقال في آخرين
منهم: (لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى)، (لهم
عذاب في الحياة الدنيا لعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق). وجاء
الخبر مستفيضا عن النبي (ص) أنه قال: (حمى يوم كفارة ذنوب سنة)، وقال: (
صلة الرحم منسأة في الأجل (. وهذا مذهب جماعة من أهل العدل وتفصيله
على ما ذكرت في تعجيل بعض الثواب وكل العقاب وبعضه مذهب جمهور
الشيعة وكثير من المرجئة.
117 - القول في الاختيار للشئ وهل هو إرادة له؟
وأقول: إن الإرادة للشئ هو اختياره، واختياره هو إرادته وإيثاره. وقد
112

يعبر بهذه اللفظة عن المعنى الذي يكون قصدا لأحد الضدين، ويعبر بها أيضا
عن وقوع الفعل على علم به وغير حمل عليه، ويعبر بلفظ (مختار) عن القادر
خاصة ويراد بذلك أنه متمكن من الفعل وضده دون أن يراد به القصد و
العزم. وهذا مذهب جماعة من المعتزلة البغداديين وكثير من الشيعة ويخالف
فيه البصريون من المعتزلة وأهل الجبر كافة.
118 - القول في الإرادة التي هي تقرب؟
وأقول: (1)، إن الإرادة التي هي تقرب كغيرها من الإرادات المتقدمة
للأفعال، وليس يصح مجامعتها للفعل لأنه لا يخرج إلى الوجود إلا وهو
تقرب، ومحال تعلق الإرادة بالموجود أو الإرادة له بأن يكون تقربا وقد حصل
كذلك، وأما كونها هي تقربا فلأن مرادها كذلك وحكم الإرادة في الحسن و
القبح والقرب والبعد حكم المراد. وهذا مذهب أكثر أهل العدل والبصريون
من المعتزلة يخالفونه وكذلك أهل الاجبار.
119 - القول في الإرادة هل هي مرادة بنفسها أم بإرادة غيرها
أم ليس يحتاج إلى إرادة؟
وأقول: إن الإرادة لا تحتاج إلى إرادة لأنها لو احتاجت إلى ذلك لما خرجت
إلى الوجود إلا بخروج ما لا أول له من الإرادات وهذا محال بين الفساد. و
ليس يصح أن تراد بنفسها لأن من شأن الإرادة أن يتقدم مرادها فلو وجب أو جاز

1 - جملة (وأقول إن الإرادة) سقطت من نسخة ألف.
113

أن تراد الإرادة بنفسها لوجب أو جاز وجود نفسها قبل نفسها وهذا عين المحال.
وقد أطلق بعض أهل النظر من أصحابنا إن الإرادة مرادة بنفسها وعنى
به أفعال الله تعالى الواقعة من جهته واختراعه وإيجاده لأنها هي نفس إرادته
وإن لم يكن واقعة منه بإرادة غيرها ولن يصح ذلك فيها، وهذا مجاز و
استعارة. والقول في التحقيق ما ذكرناه، وهذا مذهب أبي القاسم البلخي وكثير
من البغداديين قبله وجماعة من الشيعة، ويخالف فيه آخرون منهم ومن (1)
البصريين والمجبرة كافة.
120 - القول في الشهادة
وأقول: إن الشهادة منزلة يستحقها من صبر على نصرة دين الله تعالى
صبرا قاده إلى سفك دمه وخروج نفسه دون الوهن منه في طاعته تعالى، وهي
التي يكون صاحبها يوم القيامة من شهداء الله وأمنائه وممن ارتفع قدره عند الله
وعظم محله حتى صار صديقا عند الله مقبول القول لاحقا بشهادته الحجج من
شهداء الله حاضرا مقام الشاهدين على أممهم من أنبياء الله - صلوات الله عليهم -
قال الله عز وجل: (وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب
الظالمين). وقال: (أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم). فالرغبة إلى الله
تعالى في الشهادة إنما هي رغبة إليه في التوفيق للصبر المؤدي إلى ما ذكرناه، و

1 - عدم ذكر البصريين أو جماعة منهم قبلا يناسب أن يكونوا جميعهم من المخالفين، وعليه تكون
كلمة من زائدة، ويمكن كون من غير زائدة، وعليه يكون عطفا على منهم، يعني ويخالف
فيه جماعة آخرون من البغداديين وجماعة من البصريين.
114

ليست رغبة (1) في فعل الكافرين من القتل بالمؤمنين لأن ذلك فسق وضلال، و
الله تعالى يجل عن ترغيب عباده في أفعال الكافرين من القتل وأعمال (2)
الظالمين.
وإنما يطلق لفظ الرغبة في الشهادة على المتعارف من إطلاق لفظ الرغبة
في الثواب، وهو فعل الله تعالى فيمن وجب (3) له بأعماله الصالحات، وقد
يرغب أيضا الانسان إلى الله تعالى في التوفيق لفعل بعض مقدوراته، فتعلق (4)
الرغبة بذكر نفس فعله دون التوفيق كما يقول الحاج: (اللهم ارزقني العود إلى
بيتك الحرام) والعود فعله وإنما يسأل التوفيق لذلك والمعونة عليه، ويقول:
(اللهم ارزقني الجهاد وأرزقني صوم شهر رمضان) وإنما مراده من ذلك المعونة
على الجهاد والصيام، وهذا مذهب أهل العدل كافة وإنما خالف فيه أهل القدر
والاجبار.
121 - القول في النصر والخذلان
وأقول: إن النصر من الله تعالى يكون على ضربين: أحدهما إقامة الحجة
وإيضاح البرهان على قول المحق، وذلك أوكد الألطاف في الدعاء إلى اتباع المحق،
وهو النصر الحقيقي قال الله تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة

1 - الرغبة د و ه‍.
2 - أعمال الضالين ألف عطف على افعال الكافرين.
3 - أوجب ألف.
4 - فتتعلق ألف.
115

الدنيا ويوم يقوم الاشهاد). وقال - جل اسمه -: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي
إن الله قوي عزيز). فالغلبة هيهنا بالحجة خاصة وما يكون من الانتصار في
العاقبة لوجود كثير (1) من رسله قد قهرهم الظالمون وسفك دمائهم المبطلون. و
الضرب الثاني تثبيت نفوس المؤمنين في الحروب وعند لقاء الخصوم وإنزال
السكينة عليهم، وتوهين أمر أعدائهم، وإلقاء الرعب في قلوبهم، وإلزام الخوف
والجزع أنفسهم، ومنه الإمداد بالملائكة وغيرهم من الناصرين بما يبعثهم إليه
من ألطافه وأسباب توفيقاته على ما اقتضته العقول ودل عليه الكتاب المسطور.
والخذلان أيضا على ضربين: كل واحد منهما نقيض ضده من النصر و
على خلافه في الحكمة. وهذا مذهب أهل العدل كافة من الشيعة والمعتزلة و
المرجئة والخوارج والزيدية، والمجبرة بأجمعهم على خلافه لأنهم يزعمون أن
النصر هو قوة المنصور والخذلان هو استطاعة العاصي المخذول، وإن كان لهم
بعد ذلك فيها تفصيل.
122 - القول في الطبع والختم
وأقول: إن الطبع من الله تعالى على القلوب والختم بمعنى واحد وهو
الشهادة عليها بأنها لا تعي الذكر مختارة ولا تعتمد على الهدى مؤثرة لذلك غير
مضطرة، وذلك معروف (2) في اللسان، ألا ترى إلى قولهم: (ختمت على فلان

1 - كثرة ألف و ب.
2 - وذلك معرفة في اللسان ألا ترى إلى قلوبهم ختمت ألف وفي بعض النسخ زيادة جملة
(قطعت بذلك) هنا وهي زيادة مفسدة للمعنى.
116

بأنه لا يفلح) يريدون بذلك قطعت (1) بذلك شهادة عليه وأخبرت به عنه وأن
الطبع على الشئ إنما هو علامة للطابع عليه. وإذا كانت الشهادة من الله تعالى
على الشئ علامة لعباده جاز أن يسمى طبعا وختما. وهذا مستمر على أصول
أهل العدل، ومذاهب المجبرة بخلافه.
123 - القول في الولاية والعداوة
وأقول: إن ولاية العبد لله بخلاف ولاية الله سبحانه له وعداوته له
بخلاف عداوته إياه. فأما ولاية العبد لله - عز وجل - فهي الانطواء على طاعته
والاعتقاد بوجوب شكره وترك معصيته وذلك عندي لا يصح إلا بعد المعرفة
به. وأما ولاية الله تعالى لعبده (2) فهو إيجابه لثوابه ورضاه لفعله، وأما (3)
عداوة العبد لله سبحانه فهي كفره به وجحده لنعمه وإحسانه وارتكاب
معاصيه على العناد لأمره والاستخفا لنهيه، وليس يكون منه شئ من ذلك
إلا مع الجهل به. وأما عداوة الله تعالى للعبد فهي إيجاب دوام العقاب له و
إسقاط استحقاق الثواب على شئ من أفعاله والحكم بلعنته والبراءة منه ومن
أفعاله.

1 - ظاهر العبارة أن المجبرة تنكر المعنى الذي ذكرنا للطبع والختم بأن الله تعالى يشهد لها بأنها
لا تؤمن أو لا تعي الذكر ولكن مراد الشيخ إنهم يخالفوننا في القيد الأخير الذي ذكره وهو
قوله (مختارة وقوله مؤثرة لذلك غبر مضطرة) فإنهم مضافا إلى اعترافهم بالطبع والختم في
مقام الأخبار يدعون الطبع والختم التكوينيين المستلزمين لسلب الاختيار من العبد أيضا.
2 - بعيده ز.
3 - كلمة وأما سقطت عن بعض النسخ.
117

وأقول مع هذا: إن الولاية من الله تعالى للمؤمن قد تكون في حال إيمانه
والعداوة منه للكافر تكون أيضا في حال كفره وضلاله، وهذا مذهب يستقيم
على أصول أهل العدل والإرجاء، وقد ذهب إلى بعضه (1) المعتزلة خاصة، و
للمجبرة في بعضه (2) وفاق ومجموعه لمن جمع بين القولين بالعدل ومذهب
أصحاب الموافاة من الراجية. فأما القول بأن الله سبحانه قد يعادي من تصح
موالاته له من بعد ويوالي من يصح أن يعاديه فقد سلف قولنا فيه في باب
الموافاة.
124 - القول في التقية
وأقول: إن التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس، وقد تجوز في
حال دون حال للخوف على المال ولضروب من الاستصلاح، وأقول إنها قد
تجب أحيانا وتكون فرضا، وتجوز أحيانا من غير وجوب، وتكون في وقت
أفضل من تركها ويكون تركها أفضل وإن كان فاعلها معذورا ومعفوا عنه
متفضلا عليه بترك اللوم عليها.
فصل (3) - وأقول، إنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة وربما وجبت
فيها لضرب من اللطف والاستصلاح، وليس يجوز من الأفعال في قتل المؤمنين
ولا فيما يعلم أو يغلب إنه استفساد في الدين. وهذا مذهب يخرج عن أصول

1 - نقضة ألف.
2 - نقضه ألف و ب.
3 - كلمة فصل سقطت عن ب ومكانه بياض.
118

أهل العدل وأهل الإمامة خاصة دون المعتزلة والزيدية والخوارج والعامة
المتسمية بأصحاب الحديث.
125 - القول في الاسم والمسمى
وأقول: إن الاسم غير المسمى كما تقدم من القول في الصفة وأنها في
الحقيقة غير الموصوف وهذا مذهب يشترك فيه الشيعة والمعتزلة جميعا و
يخالفهم في معناه العامة والمجبرة من أهل التشبيه.
126 - القول في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وأقول: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان فرض على الكفاية
بشرط الحاجة إليه لقيام الحجة على من لا علم لديه إلا بذكره، أو حصول العلم
بالمصلحة به، أو غلبة الظن بذلك فأما بسط اليد فيه فهو متعلق بالسلطان و
إيجابه على من يندبه له وإذنه فيه، ولن يجوز تغيير (1) هذا الشرط المذكور. و
هذا مذهب متفرع على القول بالعدل والإمامة دون ما عداهما.
127 - القول فيمن قضى فرضا بمال حرام هل يسقط بذلك عنه أم لا؟
وأقول: (إن فرائض الله تعالى غير مجزية لمن ارتكب نهيه في حدودها
لأنها إنما تكون مؤداة (2) بامتثال أمره فيها على الوجه الذي يستحق الثواب

1 - بغير ز.
2 - مرادة ألف و ج ود.
119

عليها، فإذا خالف المكلف فيها الحد وتعدى الرسم وأوقع الفعل على الوجه
الذي نهى عنه كان عاصيا آثما وللعقاب واللوم مستحقا، ومحال أن يكون
فرائض الله سبحانه معاصي (1) له والقرب إليه خلافا عليه وما يستحق به
الثواب هو الذي يجب به العتاب.
فثبت أن فرائض الله - جل اسمه - لا تؤدي إلا بالطاعات في حدودها، و
ترك الخلاف عليه في شروطها. فأما ما كان مفعولا على وجه الطاعة، سليما في
شروطه وحدوده وأركانه من خلاف الله تعالى فإنه يكون مجزيا وإن تعلق
بالوجود بأفعال قبيحة لا تؤثر فيما ذكرناه من الحدود للفرض والأركان، وهذا
أصل يتميز بمعرفته ما يجزي من الأعمال مما لا يجزي منها من المشتبهات، وهو
مذهب جمهور الإمامية وكثير من المعتزلة وجماعة من أصحاب الحديث.
128 - القول في معاونة الظالمين والأعمال من قبلهم والمتابعة لهم
والاكتساب منهم والانتفاع بأموالهم
وأقول: إن معاونة الظالمين على الحق وتناول الواجب لهم جايز ومن
أحوال واجب، وأما معونتهم على الظلم والعدوان فمحظور لا يجوز مع الاختيار.
وأما التصرف معهم في الأعمال فإنه لا يجوز إلا لمن أذن له إمام الزمان وعلى ما
يشترطه عليه في الفعال، وذلك خاص لأهل الإمامة دون من سواهم لأسباب
يطول بشرحها الكتاب. وأما المتابعة لهم فلا بأس. بها فيما لا يكون ظاهره
تضرر (2) أهل الإيمان واستعماله على الأغلب في العصيان. وأما الاكتساب

معارض ألف.
2 - لضرر ألف و ب و ج و ه‍.
120

منهم فجايز على ما وصفناه والانتفاع بأموالهم وإن كانت مشوبة حلال (1) لمن
سميناه من المؤمنين خاصة دون من عداهم من ساير الأنام. فأما ما في أيديهم
من أموال أهل المعرفة على الخصوص إذا كانت معينة محصورة فإنه لا يحل
لأحد تناول شئ منها على الاختيار، فإن اضطر إلى ذلك كما يضطر إلى الميتة
والدم جاز تناوله لإزالة الاضطرار دون الاستكثار منه على ما بيناه. وهذا
مذهب مختص بأهل الإمامة خاصة، ولست أعرف لهم فيه موافقا لأهل
الخلاف.
129 - القول في الإجماع
وأقول: إن إجماع الأمة حجة لتضمنه قول الحجة، وكذلك إجماع الشيعة
حجة لمثل ذلك دون الإجماع (2). والأصل في هذا الباب ثبوت الحق من جهته
بقول الإمام القائم مقام النبي (ص)، فلو قال وحده قولا لم يوافقه عليه أحد من
الأنام لكان كافيا في الحجة والبرهان. وإنما جعلنا الإجماع حجة به وذكرناه
لاستحالة حصوله إلا وهو فيه إذ هو أعظم الأمة قدرا وهو المقدم على سائرها
في الخيرات ومحاسن (3) الأقوال والأعمال. وهذا مذهب أهل الإمامة خاصة،
ويخالفهم فيه المعتزلة والمرجئة والخوارج وأصحاب الحديث من القدرية و
أهل الاجبار.

1 - راجع الوسائل ج 5 الباب الثالث والرابع من أبواب الأنفال ص 375 إلى 386.
2 - الاجتماع ز.
3 - الأحوال والأقوال والأعمال ألف.
121

130 - القول في أخبار الآحاد
وأقول: إنه لا يجب العلم ولا العمل بشئ من أخبار الآحاد، ولا يجوز
لأحد أن يقطع بخبر الواحد في الدين إلا أن يقترن به ما يدل على صدق راويه
على البيان. وهذا مذهب جمهور الشيعة وكثير من المعتزلة والمحكمة وطائفة
من المرجئة وهو خلاف لما عليه متفقهة العامة وأصحاب الرأي.
131 - القول في الحكاية والمحكي
وأقول: إن حكاية القرآن قد يطلق عليها اسم القرآن وإن كانت في المعنى
غير المحكي على البيان، وكذلك حكاية كل كلام يسمى به على الإطلاق،
فيقال لمن حكى شعر النابغة: (فلان أنشد شعر النابغة) و (سمعنا من فلان شعر
زهيرا) كما يقال لمن امتثل أمر رسول الله (ص) في الدين وعمل به: (فلان يدين
بدين رسول الله (ص) (فيطلقون هذا القول إطلاقا من دون تقييد وإن كان المعنى
فيه مثل ما ذكرناه من الحكاية على التحقيق وهذا مذهب جمهور المعتزلة، و
يخالف فيه أهل القدر من المجبرة.
132 - القول في ناسخ القرآن ومنسوخه
وأقول: إن في القرآن ناسخا ومنسوخا كما أن فيه محكما ومتشابها
بحسب ما علمه الله من مصالح العباد. قال الله - عز اسمه -: (ما ننسخ من آية
أو ننسها نأت بخير، منها أو مثلها). والنسخ عندي في القرآن إنما هو نسخ
متضمنه من الأحكام وليس هو رفع أعيان المنزل منه كما ذهب إليه كثير من
122

أهل الخلاف، ومن المنسوخ (1) في القرآن قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم و
يذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) وكانت العدة
بالوفاة بحكم هذه الآية حولا ثم نسخها قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم و
يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا). واستقر هذا الحكم
باستقرار شريعة الاسلام، وكان (2) الحكم الأول منسوخا والآية به ثابتة غير
منسوخة وهي قائمة في التلاوة كناسخها بلا اختلاف. وهذا مذهب الشيعة و
جماعة من أصحاب الحديث وأكثر المحكمة والزيدية، ويخالف فيه المعتزلة و
جماعة من المجبرة، ويزعمون أن النسخ قد وقع في أعيان الآي كما وقع في
الأحكام، وقد خالف الجماعة شذاذ انتموا إلى الاعتزال، وأنكروا نسخ ما في
القرآن على كل حال. وحكى عن قوم منهم أنهم نفوا النسخ في شريعة
الاسلام على العموم، وأنكروا أن يكون الله نسخ منها شيئا على جميع الوجوه
والأسباب.
133 - القول في نسخ القرآن بالسنة
وأقول: إن القرآن ينسخ بعضه بعضا ولا ينسخ شيئا منه السنة بل تنسخ
السنة به كما تنسخ السنة بمثلها من السنة قال الله عز وجل: (ما ننسخ من آية
أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) وليس يصح أن يماثل كتاب الله تعالى
غيره، ولا يكون في كلام أحد من خلقه خير منه، ولا معنى لقول أهل الخلاف

1 - وهو المنسوخ ألف.
2 - وكان حكم الحول منسوخا ب.
123

(نأت بخير منها) في المصلحة، لأن الشئ لا يكون خيرا من صاحبه بكونه
أصلح منه لغيره، ولا يطلق ذلك في الشرع ولا تحقيق اللغة ولو كان ذلك كذلك
لكان العقاب خيرا من الثواب، وإبليس خيرا من الملائكة والأنبياء، وهذا
فاسد محال.
والقول بأن السنة لا تنسخ القرآن مذهب أكثر الشيعة وجماعة من
المتفقهة وأصحاب الحديث ويخالفه كثير من المتفقهة والمتكلمين.
134 - القول في خلق الجنة والنار
وأقول: إن الجنة والنار في هذا الوقت مخلوقتان، وبذلك جاءت الأخبار
وعليه إجماع أهل الشرع والآثار، وقد خالف في هذا القول المعتزلة والخوارج و
طائفة من الزيدية، فزعم أكثر من سميناه أن ما ذكرناه من خلقهما من قسم
الجايز دون الواجب، ووقفوا في الوارد به من الآثار وقال من بقي (1) منهم
بإحالة خلقهما.
واختلفوا في الاعتلال، فقال أبو هاشم بن الجبائي إن ذلك محال لأنه
لا بد من فناء العالم قبل نشره وفناء بعض الأجسام فناء لسايرها، وقد انعقد
الإجماع على أن الله تعالى لا يفني الجنة والنار، وقال الآخرون وهم المتقدمون
لأبي (2) هاشم خلقهما في هذا الوقت عبث لا معنى له، والله تعالى لا يعبث
في فعله ولا يقع منه الفساد.

1 - نفي منهم د من نفى ذلك منهم ه‍.
2 - اللام بمعنى على، يعني المتقدمون على أبي هاشم، لأن رأي أبي هاشم قد ذكره قبلا. وفي
نسخة ألف و ج ود كأبي هاشم، وهذا لا يستقيم لما مر من ذكر رأي أبي هاشم ودليله.
124

135 - القول في كلام الجوارح ونطقها وشهادتها
وأقول: إن ما تضمنه القرآن من ذكر ذلك. إنما هو على الاستعارة دون
الحقيقة، كما قال الله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها و
للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين). ولم يكن منهما نطق على
التحقيق. وهذا مذهب أبي القاسم البلخي وجماعة من أهل العدل ويخالف
فيه كثير من المعتزلة وساير المشبهة والمجبرة.
136 - القول في تعذيب الميت ببكاء الحي عليه
وأقول: إن هذا جور لا يجوز في عدل الله تعالى وحكمته، وإنما الخبر
فيه أن النبي (ص) مر بيهودي قد مات وأهله يبكون عليه، فقال إنهم يبكون
عليه وإنه ليعذب ولم يقل إنه معذب من أجل بكائهم عليه. وهذا مذهب
أهل العدل كافة ويخالف فيه أهل القدر والاجبار.
137 - القول في كلام عيسى - عليه السلام - في المهد
وأقول: إن كلام عيسى (ع) كان على كمال عقل وثبوت تكليف وبعد
أداء واجب كان منه ونبوة حصلت له، وظاهر الذكر دليل على ذلك في قوله
تعالى: (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا)، وهذا مذهب أهل
الإمامة بأسرها وجماعة من أهل الشيعة غيرها، قد ذهب إليه نفر من المعتزلة
وكثير من أصحاب الحديث وخالف فيه الخوارج وبعض الزيدية وفرق من
المعتزلة.
125

138 - القول في كلام المجنون والطفل
وهل يكون فيه كذب أو صدق أم لا؟
وأقول: إنه قد يكون ذلك فيما يتخصص في اللفظ باسم معين إذ هو
معنى مخصوص كقول القائل: (رب العالمين واحد) و (خالق الخلق بأسرهم
اثنان) أو (محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صادق، أو (موسى بن عمران
المبعوث على بني إسرائيل كاذب) (1) وما أشبه ذلك. فأما المبهم من الأخبار في
الألفاظ والمعاني فإنه لا يحكم عليه بالصدق والكذب حتى يعلم القصد من
قائله والنية فيه. وهذا مذهب جماعة من أهل العدل منهم أبو القاسم البلخي، و
يذهب إليه قوم من الشيعة العدلية وطائفة من المرجئة، وقد خالف فيه بعض
المعتزلة وجماعة من الخوارج وأصحاب الحديث.
139 - القول في ماهية الكلام
وأقول: إن الكلام هو تقطيع الأموات ونظامها على وجه يفيد المعاني
المعقولات والأصوات عندي ضرب من الأعراض وليس يصح على الكلام
البقاء من حيث يستحيل ذلك على الأعراض كلها، ولأنه لو بقي الكلام لم
يكن ما تقدم من حروف الكلمة أولى بالتأخر ولا المتأخر أولى بالتقدم وكان
ذلك يؤدي إلى فساد الكلام وارتفاع التفاهم به على كل حال. وهذا مذهب
جماعة من المعتزلة وخالف فيه بعضهم وساير المشبهة.

1 - كاذب العياذ بالله ألف.
126

140 - القول في التوبة من المتولد قبل وجوده أو بعده
وأقول: إنه لا يصلح التوبة من شئ من الأفعال قبل وجودها سواء كانت
مباشرة أو متولدة وإن (1) من فعل سببا أوجب به مسببا ثم ندم على فعل
السبب قبل وجود المسبب فقد سقط عنه عقابه وعقاب المسبب وإن لم يكن
نادما في الحقيقة على المسبب ليس لأنه مصر عليه أو متهاون به لكن (2) لأنه
لا يصح له الندم مما لم يخرج إلى الوجود والتوبة مما لم يفعله بعد، غير إنه متى
خرج إلى الوجود ولم يمنعه مانع من ذلك فإن التوبة منه واجبة إذا كان فاعله
متمكنا، وهذا مذهب جمهور أصحاب التولد وقد خالفهم فيه نفر من أهله، و
زعموا أن التوبة من السبب توبة من المسبب. وقال بعضهم إنه بفعله المسبب
يكون كالفاعل للمسبب، ولذلك (3) يجب عليه التوبة منه، والقولان جميعا
باطلان لأن التوبة من الشئ لا يكون توبة من غيره، وقد ثبت أن السبب غير
المسبب ولأن السبب قد يوجد ولا يخرج المسبب إلى الوجود بمانع يمنعه منه.
141 - القول في الزيادات في اللطيف
القول في الأجسام؟
هل تدرك ذواتها أو أعراضها أو هما معا؟
وأقول: إن الادراك واقع بذوات الأجسام وأعيان الألوان والأكوان، و

1 - في بعض النسخ أو من فعل د.
2 - كلمتا به ولكن ليستا في ألف.
3 - وكذلك د و ج.
127

ذلك لما يحصل للنفس من العلم بوجود الذاهب في الجهات حسا وليس يصح
على الأعراض الذهاب في الجهات، كما إنه قد يدرك الشئ على ما وصفناه
فقد يدرك فيه ما يقبض البصر ويبسطه ويدرك ما يكون في مكانه ويخرج به
عنه، ولا فرق بين من زعم أن الادراك إنما هو للألوان والأكوان دون الجواهر
والأجسام، وبين من قلب القضية وزعم أن الادراك إنما هو للأجسام (1) دون
ذلك، بل قول هذا الفريق أقرب لأن كثيرا من العقلاء قد شكوا في وجود
الأعراض ولم يشك أحد منهم في وجود الأجسام وإن ادعى بعضهم أنها
مؤلفة من أعراض. وهذا مذهب جمهور أهل النظر، وقد خالف فيه فريق
منهم.
142 - القول في الأجسام هل يصح أن يتحرك جميعها بحركة بعضها؟
وأقول: إنه لا يصح ذلك كما لا يصح أن يسود جميعها بسواد بعضها و
لا يبيض ولا يجتمع ولا يتفرق، ولأن المتحرك هو ما قطع المكانين، ومحال أن
يكون اللابث قاطعا. وهذا مذهب جماعة كثيرة من أهل النظر، وقد خالف فيه
كثير أيضا منهم وهو مذهب أبي القاسم البلخي وغيره من المتقدمين.

1 - من هنا إلى كلمة وإن ادعى يعني جملة (دون ذلك بل قول هذا الفريق أقرب لأن كثيرا من
العقلاء قد شكوا في وجود الأعراض ولم يشك أحد منهم في وجود الأجسام) سقطت عن
نسخة ألف و ب و ه‍.
128

143 - القول في الثقيل
هل يصح وقوفه (1) في الهواء الرقيق بغير علاقة ولا عماد؟
وأقول: إن ذلك محال لا يصح ولا يثبت، والقول به مؤد إلى اجتماع
المضادات، وهذا مذهب أبي القاسم البلخي وجماعة من المعتزلة وأكثر
الأوائل، وخالفهم فيه البصريون من المعتزلة، وقد حكي أنه لم يخالف فيه أحد
من المعتزلة إلا الجبائي وابنه وأتباعهما.
144 - القول في الجزء الواحد
هل يصح أن توجد فيه حركتان (2) في وقت واحد؟
وأقول: إن ذلك محال لا يصح من قبل أن وجود الحركة الواحدة يوجب
خروج الجسم من مكانه إلى ما يليه، فلو وجدت فيه الحركتان لم يخل القول
في ذلك من أحد وجهين: إما أن يقطع بهما (3) مكانين في حالة واحدة وذلك
محال، أو أن يقطع بإحديهما ولا يكون للأخرى تأثير وذلك أيضا فاسد محال،
ولا معنى لقول من قال إن تأثيرها سرعة قطعه للمكان لأن السرعة إنما تكون
في توالي قطع الأماكن دون القطع الواحد للمكان الواحد. وهذا مذهب
أبي القاسم وجماعة كثيرة من أهل النظر، وقد خالف فيه فريق من المعتزلة و
جماعة من أصحاب الجهالات.

1 - وقوعه ز.
2 - حركات ألف.
3 - منهما ألف و ب.
129

145 - القول في الجسم
هل يصح أن يتحرك بغير دافع؟
وأقول: إنه لو صح ذلك بأن توجد فيه الحركة اختراعا كما يزعم المخالف
لصح وقوف جبل أبي قبيس (1) في الهواء بأن يخترع فيه السكون من غير دعامة
ولا علاقة، ولو صح ذلك لصح أن يعتمد الحجر الصلب الثقيل على الزجاج
الرقيق وهما بحالهما فلا ينكسر الزجاج وتتخلل النار أجزاء القطن وهما على
حالهما فلا تحرقه، وهذا كله تجاهل يؤدي إلى كل محال فاسد، وإلى هذا القول
كان يذهب أبو القاسم وجماعة الأوائل وكثير من المعتزلة، وإنما خالف فيه
أبو علي الجبائي وأبو هاشم ابنه ومن تبعهما.
146 - القول في الحركات
هل يكون بعضها أخف من بعض؟
وأقول: إن ذلك محال لما قدمت من القول في استحالة وجود الحركتين
في جزء واحد في حال واحد، وإنما يصح القول في المتحرك بأنه (2) أخف من
متحرك غيره وأسرع، ولا يستحيل في ذلك في الأجسام. وهذا أيضا بذهب أبي
القاسم وأكثر أهل النظر، وقد خالف فيه فريق من الدهرية. وغيرهم.

جبل إلى هذا القول في الهواء ألف.
2 - لأنه ه‍.
130

147 - القول في ترك الانسان ما لم يخطر بباله
وأقول: إن ذلك جايز كجواز إقدامه على ما لا يخطر بباله، ولو كان
لا يصح ترك شئ إلا بعد خطوره بالبال ما جاز فعله إلا بعد ذلك، وليس للفعل
تعلق بالعلم ولا بخطور البال من حيث كان فعلا. وهذا مذهب جمهور أهل
العدل، وقد خالف فيه فريق منهم وجماعة أهل الجبر.
148 - القول في ترك الكون في المكان العاشر
والانسان في المكان الأول
وأقول: إن ذلك محال باستحالة كونه في العاشر وهو في الأول، ولو
صح أن يترك في الوقت ما لا يصح (1) فعله فيه لصح أن يقدر في الوقت على ما
لا يصح قدرته على ضده فيه وهذا باطل بإجماع أهل العدل، وليس بين
جمهور من سميناه خلاف فيما ذكرناه وإن خالف فيه شذاذ منهم على ما وصفناه.
149 - القول في العلم والألم
هل يصح حلولهما في الأموات أم لا؟
وأقول: إن ذلك مستحيل غير جايز، والعلم باستحالته يقرب من بداية
العقول، ولو جاز وجود ميت عالم (2) آلم لجاز وجوده قادرا ملتذا مختارا، ولو

1 - ما يصح ألف و ب ود.
2 - كلمة عالم سقطت عن ألف.
131

صح ذلك لم يوجد فرق بين الحي والميت، ولما استحال وجود متحرك ساكن
وأبيض أسود وحي ميت، وهذا كله محال ظاهر الفساد، وعلى هذا المذهب
إجماع أهل النظر على اختلاف مذاهبهم وقد شذ عن القول به شاذون نسبوا
بشذوذهم عنه إلى السفسطة والتجاهل.
150 - القول في العلم بالألوان
هل يصح خلقه في قلب الأعمى أم لا؟
وأقول: إن ذلك محال لا يصح كما يستحيل خلو (1) العاقل من العلم
بالجسم وهو موجود قد اتصل به شعاع بصره من غير مانع بينهما، وكما أنه
لا يصح وجود العلم بالمستنبطات في قلب من لا يمكنه الاستنباط لعدم الدلائل
وفقدها، كذلك يستحيل وجود العلم بالألوان لمن قد فقد ما يتوسط بين العاقل
وبين معرفة الألوان من الحواس. وهذا مذهب أبي القاسم (2) وكثير من أهل
التوحيد، وقد خالفهم فيه جماعة من المعتزلة وسائر أهل التشبيه.
151 - القول فيمن نظر وراء العالم أو مد يده
وأقول: إنه لا يصح خروج يد ولا غيرها وراء العالم إذ كان الخارج لا يكون
خارجا إلا (3) بحركة والمتحرك لا يصح تحركه إلا في مكان، وليس وراء العالم

1 - خلق ألف.
2 - أبي القاسم البلخي ألف و ب.
3 - كلمة إلا سقطت عن ب.
132

شئ موجود فيكون مكانا (1) أو غير مكان، وإذا لم تصح حركة شئ إلى
خارج العالم لم تصح رؤية ما وراء العالم، لأن الرؤية لا تقع إلا على شئ موجود
تصح رؤيته باتصال الشعاع به أو محله، وليس وراء العالم شئ موجود و
لا معلوم فضلا عن موجود. وهذا مذهب أبي القاسم وسائر أهل النظر في أحد
القسمين وهو الرؤية، ومذهبه مذهب (2) أكثر أهل التوحيد في الحركة، و
يخالفهم فيه نفر يسير.
152 - القول في إبليس
أهو من الجن أم من الملائكة؟
وأقول: إن إبليس من الجن خاصة، وإنه ليس من الملائكة ولا كان منها،
قال الله تعالى: (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه)، وجاءت الأخبار
متواترة (3) عن أئمة الهدى من آل محمد - عليهم السلام - بذلك، وهو مذهب
الإمامية كلها. وكثير من المعتزلة وأصحاب الحديث.
تم كتاب أوائل المقالات والحمد لله رب العالمين وصلى الله على
محمد (4) وآله الطاهرين.

1 - مكان د و ه‍ و ج.
2 - ومذهب ه‍.
3 - المتواترة ألف و ب.
4 - محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين ألف و ب.
133

هذه الزيادة كان خرجها (1) وسأل (2) الشيخ المفيد أبا عبد الله
محمد بن النعمان - تغمده الله برحمته - السيد الشريف الرضي ذو الحسبين
أبو الحسن محمد (3) بن الشريف الأجل الطاهر الأوحد أبي أحمد
الموسوي - قدس الله روحه - ليضاف (4) إلى (أوائل المقالات)
بسم الله الرحمن الرحيم
153 - القول في العصمة ما هي؟
أقول: إن العصمة في أصل اللغة هي ما اعتصم به الانسان من الشئ
كأنه امتنع به عن الوقوع فيما يكره، وليس هو (5) جنسا من أجناس الفعل، ومنه
قولهم: (اعتصم فلان بالجبل) إذا امتنع به، ومنه سميت (العصم) وهي
وعول (6) الجبال لامتناعها بها.
والعصمة من الله تعالى هي التوفيق الذي يسلم به الانسان مما يكره إذا

1 - كلمة خرجها غير موجودة في ألف.
2 - في نسخة د هكذا (سأل الشيخ المفيد قدس الله روحه عنها السيد الشريف محمد بن الحسين
الرضي الموسوي قدس سره ليضاف إلى أوائل المقالات).
3 - كلمة محمد غير موجودة في ه‍.
4 - جملة (ليضاف إلى أوائل المقالات) غير موجودة في نسخة ج.
5 - ليست هي.
6 - وقوع الجبل ه‍.
134

أتى بالطاعة، وذلك مثل إعطائنا رجلا غريقا حبلا ليتشبث به فيسلم، فهو إذا
أمسكه واعتصم به سمي ذلك الشئ عصمة له لما تشبث وسلم به من الغرق
ولو لم يعتصم به لم يسم (عصمة)، وكذلك سبيل اللطف إن الانسان إذا أطاع
سمي (توفيقا) و (عصمة)، وإن لم يطع لم يسم (توفيقا) ولا (عصمة)، وقد
بين الله ذكر هذا المعنى في كتابه بقوله: (فاعتصموا بحبل الله جميعا)، وحبل
الله هو دينه، ألا ترى أنهم بامتثال أمره يسلمون من الوقوع في عقابه، فصار
تمسكهم بأمره اعتصاما، وصار لطف الله لهم في الطاعة عصمة، فجميع المؤمنين
من الملائكة والنبيين والأئمة معصومون لأنهم متمسكون بطاعة الله تعالى.
وهذه جملة من القول في العصمة ما أظن أحدا يخالف في حقيقتها، وإنما
الخلاف في حكمها (1) كيف تجب وعلى أي وجه تقع، وقد مضى ذكر ذلك
في باب عصمة الأنبياء وعصمة نبينا - عليه وعليهم الصلاة والسلام - وهي في
صدر الكتاب، وهذا الباب ينبغي أن يضاف إلى الكلام في الجليل، إن شاء الله تعالى.
154 - القول في أن النبي - صلى الله عليه وآله - بعد أن خصه الله
بنبوته كان كاملا يحسن الكتابة
إن الله تعالى لما جعل نبيه (ص) جامعا لخصال الكمال كلها وخلال
المناقب بأسرها لم تنقصه منزلة بتمامها يصح له الكمال ويجتمع فيه الفضل، و
الكتابة فضيلة من منحها فضل ومن حرمها نقص، ومن الدليل على ذلك أن
الله تعالى جعل النبي (ص) حاكما بين الخلق في جميع ما اختلفوا فيه فلا بد أن

1 - حكمتها ألف.
135

يعلمه الحكم في ذلك، وقد ثبت أن أمور الخلق قد يتعلق أكثرها بالكتابة فتثبت
بها الحقوق وتبرئ بها الذمم وتقوم بها البينات وتحفظ بها الديون وتحاط بها
الأنساب، وأنها فضل تشرف المتحلي به على العاطل منه، وإذا صح أن الله -
جل اسمه - قد جعل نبيه بحيث وصفناه من الحكم والفضل ثبت أنه كان عالما
بالكتابة محسنا لها.
وشئ آخر وهو أن النبي لو كان لا يحسن الكتابة ولا يعرفها لكان
محتاجا في فهم ما تضمنته الكتب من العقود وغير ذلك إلى بعض رعيته، ولو
جاز (1) أن يحوجه الله في بعض ما كلفه الحكم فيه إلى بعض رعيته لجاز أن
يحوجه في جميع ما كلفه الحكم فيه إلى سواه وذلك مناف لصفاته ومضاد
لحكمة باعثه، فثبت أنه (ص) كان يحسن الكتابة.
وشئ آخر وهو قول الله سبحانه: (هو الذي بعث في الأميين رسولا
منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن (2) كانوا من
قبل لفي ضلال مبين)، ومحال أن يعلمهم الكتاب وهو لا يحسنه كما (3)
يستحيل أن يعلمهم الحكمة وهو لا يعرفها، ولا معنى لقول من قال: (إن
الكتاب هو القرآن خاصة) إذ اللفظ عام والعموم لا ينصرف عنه إلا بدليل، لا
سيما على قول المعتزلة وأكثر أصحاب الحديث.
ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب و

1 - جملة (ولو جاء أن يحوجه الله في بعض ما كلفه الحكم فيه إلى بعض رعيته) سقطت عن
نسخة ب فصار قوله لجاز الخ جزاء بلا شرط.
2 - من كلمة (وإن كانوا) إلى قوله (وهو لا يعرفها) سقط من نسخة ب.
3 - جملة (كما يستحيل أن يعلمهم الحكمة وهو لا يعرفها) سقطت عن نسخة ه‍.
136

لا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون)، فنفي عنه إحسان الكتابة وخطه قبل
النبوة خاصة فأوجب بذلك إحسانه لها بعد النبوة، ولولا أن ذلك كذلك لما كان
لتخصيصه النفي معنى يعقل (1)، ولو كان حاله (ص) في فقد العلم بالكتابة بعد
النبوة كحاله قبلها لوجب إذا أراد نفي ذلك عنه أن ينفيه بلفظ يفيده لا يتضمن (2)
خلافه فيقول له: (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذ ذاك،
ولا في الحال)، أو يقول: (لست تحسن الكتابة ولا تأتي (3) بها على كل حال)،
كما إنه لما أعدمه قول الشعر ومنعه (4) منه نفاه عنه بلفظ يعم الأوقات فقال
الله: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) وإذا كان الأمر على ما بيناه ثبت أنه -
صلى الله عليه وآله - كان يحسن الكتابة بعد أن نبأه الله تعالى على ما
وصفناه. وهذا مذهب جماعة من الإمامية ويخالف فيه باقيهم وسائر أهل
المذاهب والفرق يدفعونه وينكرونه.
155 - ومما يضاف إلى الكلام في اللطيف
القول في إحساس الحواس
وأقول: إن الحس كله بمماسة (5) ما يحس به المحسوس واتصاله به أو بما

1 - بفعل ألف.
2 - لا ينقض د.
3 - يتأتى منك د.
4 - جملة (منعه منه نفاه عنه بلفظ يعم الأوقات فقال الله وما علمناه الشعر وما ينبغي له)
سقطت عن نسخة ه‍.
5 - كله مماسة ألف و ه‍.
137

يتصل به أو بما ينفصل عنه أو بما يتصل بما ينفصل عنه، وذلك كالبصر فإن
شعاعه لا بد من أن يتصل بالمبصر أو بما ينفصل عنه أو بما يتصل بما ينفصل عنه،
ولو كان يحس به بغير اتصال لما ضر الساتر والحاجز ولا ضرت الظلمة
ولكان وجود ذلك وعدمه في وقوع العلم سواء.
فإن قال قائل: أفيتصل شعاع البصر بالمشتري وزحل على بعدهما؟
قيل له: لا ولكنه يتصل بالشعاع المنفصل منهما فيصير كالشئ الواحد
لتجانسهما وتشاكلهما. وأما الصوت فإنه إذا حدث في أول (1) الهواء الذي يلي
الأجسام المصطكة وكذا فيما يليه من الهواء مثله ثم كذلك إلى أن يتولد في
الهواء الذي يلي الصماخ فيدركه السامع.
ومما يدل على ذلك أن القصار يضرب بالثوب على الحجر فيرى مماسة
الثوب الحجر ويصل الصوت بعد ذلك فهذا دال على ما قلناه من أنه يتولد في
الهواء هواء بعد هواء إلى أن يتولد في الهواء الذي يلي الصماخ، وأما الرائحة
فإنه تنفصل من جسم ذي الرائحة أجزاء لطاف وتتفرق في الهواء، فما (2) صار
منها في الخيشوم الذي يقرب من موضع ذي الرائحة أدركه، وأما الذوق فإنه
إدراك ما ينحل من الجسم فيمازج رطوبة اللسان واللهوات، ولذلك لا يوجد
طعم ما لا ينحل منه شئ كاليواقيت والزجاج ونحوها، والطعم والرائحة
لا خلاف في أنهما لا يكونان إلا بمماسة (3)، واللمس في الحقيقة هو الطلب (4)

1 - أوائل ب.
2 - مما ألف.
3 - بحاسة د.
4 - طلب للشئ يشعر به د.
138

للشئ ليشعر به ويحس وحقيقته الشعر. وهذه جملة على اعتقادها
أبو القاسم البلخي وجمهور أهل العدل وأبو هاشم الجبائي يخالف في مواضع
منها.
156 - القول في الاجتهاد والقياس
أقول: إن الاجتهاد والقياس في الحوادث لا يسوغان للمجتهد ولا للقائس،
وإن كل حادثة ترد فعليها نص من الصادقين - عليهم السلام - يحكم به فيها
ولا يتعدى إلى غيرها، بذلك جاءت الأخبار الصحيحة والآثار الواضحة عنهم
- صلوات الله عليهم - وهذا مذهب الإمامية خاصة، ويخالف فيه جمهور
المتكلمين وفقهاء الأمصار.
وهذا آخر (1) ما تكلم به السيد الشريف الرضي - رضي الله عنه و
أرضاه - وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله كثيرا طيبا.

1 - وقد بقي فصل آخر استخرجه شيخ الاسلام الزنجاني قده عن كتاب سيد بن طاوس مما نقله
عن أوائل المقالات.
139

الحواشى والتعليقات
للعلامة الحجة الشيخ فضل الله
الشهير بشيخ الاسلام الزنجاني
و
الحاج عباسقلى ص. وجدي
(واعظ چرندابي)
141

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة: سيدنا الشريف النقيب - 33 / 5.
لم يصرح باسم الشريف الذي صنف الكتاب له، والمترجح أنه هو السيد
الشريف الرضي محمد بن الحسين - قدس سره - كما ذكرنا قرائن ذلك في التمهيد الذي
صدرنا به الكتاب. ز.
المقدمة: من ذهب إلى العدل من المعتزلة - 33 / 8.
القول بالعدل وتنزيه الباري عن فعل الظلم والقبح يشترك فيه الشيعة والمعتزلة
ولذلك يطلق العدلية على كلا هذين الفريقين إلا أن بينهم بعض مخالفات في فروع
مسائله تصدى المصنف ببيانها في مواضعه من هذا الكتاب. ز.
المقدمة: اللطيف من الكلام - 33 / 10.
اللطيف من الكلام أبحاث مختلفة حول مسائل لا تدخل تحت المسائل الأصلية
من علم الكلام وإن كانت لها ارتباط ومناسبة بها، وكثير منها مما بحث عنه الفلاسفة
في كتبهم ومؤلفاتهم وراج البحث عنها في الألسنة بعد ترجمة كتب الفلسفة إلى
143

العربية، وتعرض لها المتكلمون وعنونوها في ضمن أبحاثهم وأبدوا آراءهم ونظرياتهم
فيها.
وقد أفرد أبو محمد ابن حزم الظاهري الأندلسي مجلدا من كتابه (الفصل في
الملل والنحل) لذكر هذه المسائل فقال: (الكلام في المعاني التي يسميها أهل الكلام
باللطائف) فذكر فيها أمثال هذه المسائل التي ذكرها المصنف من مباحث الجواهر
والأعراض، والحركة والسكون، والتولد والطباع والمعارف وغيرها. وقد استعمل
أبو الحسين الخياط المعتزلي هذه اللفظة في موارد كثيرة من كتابه الموسوم ب‍ (الانتصار)
الذي رد به على ابن الراوندي في نقضه على الجاحظ في (فضيلة المعتزلة)، مرادفا
للمسائل الغامضة والدقيقة من المسائل الكلامية مما يحتاج إلى إمعان النظر وإعمال
الروية فيها، فقال في سياق كلام له عن أبي الهذيل العلاف والدفاع عما نسب إليه من
الأقاويل:
(فإنما ذكر الكلام في فناء الأشياء وبقائها والقول في المعاني والكلام في المعلوم
والمجهول والكلام في التولد والكلام في إحالة القدرة على الظلم والكلام في
المجانسة والمداخلة والكلام في الانسان والمعارف، وهذه أبواب من غامض الكلام
ولطيفه) انتهى. وقد تكرر منه هذا التعبير في الكتاب المذكور.
وكذا قد خصص أحمد بن يحيى بن المرتضى اليمني المتوفى سنة 840 ه‍ من
أفاضل أئمة الزيدية القائمين في اليمن جزءا من كتابه (البحر الزخار) لذكر هذه
المسائل وسماه ب‍ (رياض الأفهام في اللطيف من الكلام). ز.
المقدمة: ما كان وفاقا منه لبني نوبخت - 33 / 11.
بنو نوبخت بيت معروف من الشيعة منسوبون إلى نوبخت الفارسي المنجم، نبغ
منهم كثير من أهل العلم والمعرفة بالكلام والفقه والأخبار والآداب، واشتهر منهم
بعلم الكلام جماعة أشهرهم أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي وأبو محمد الحسن بن
144

موسى النوبختي، وكان لهم إلمام بالفلسفة وسائر علوم الأوائل ونظر في الأصول
واطلاع على الكتب الفلسفية المترجمة إلى العربية في عهد الدولة العباسية.
ومن هذه الجهة كان لبعضهم مخالفات يسيرة في خصوص بعض المسائل مع
سائر متكلمي الإمامية وأهل الفقه والحديث منهم تعرض المصنف لجملة منها في
أثناء فصول هذا الكتاب وأشار إلى من يوافقهم في تلك المسائل أو يخالفهم. ز.
القول 1: فاستغاثه الذي... - 34 / 6
سورة القصص 15: وقد اعتمدنا بعدد الآيات في هذه الرسالة وما يليها من
رسالة (تصحيح الاعتقاد) على المصحف المفسر المطبوع على الحجر بمصر حوالي
سنة 1323 ه‍ والمفسر هو العلامة البحاثة الأستاذ محمد فريد وجدي صاحب (دائرة
معارف القرن الرابع عشر أو العشرين ط 2 مصر). چ.
القول 1: وإن من شيعته لإبراهيم - 34 / 9.
سورة الصافات: 83.
القول 1: الجارودية - 37 / 2.
اختصاص الجارودية بصحة الاتسام بسمة التشيع من جهة أنهم يقدمون
أمير المؤمنين - عليه السلام - ويقولون إنه أفضل الخلق بعد رسول الله (ص) وأن الإمامة
كانت له - عليه السلام - ولم يكن يجوز لأحد أن يقوم مقامه، ومن دفعه عن ذلك المقام
فهو مخطئ هالك. ويرون أن النص عليه بالإمامة كان بالوصف دون التسمية بمعنى أن
النبي وإن لم يصرح باسمه. إلا أنه نص عليه بأوصاف واضحة لم يكن يوجد إلا في
شخصه ويجعلون ذلك بمنزلة النص عليه باسمه، وأن الأمة قصروا حيث لم يتعرضوا
للوصف ولم يطلبوا الموصوف.
145

والجارودية منسوبة إلى أبي الجارود زياد بن منذر العبدي كان من أصحاب أبي
جعفر الباقر - عليه السلام - وتغير لما خرج زيد بن علي - عليه السلام -. ز.
القول 1: اسم الاعتزال - 37 / 7.
قال قاضي القضاة أحمد بن خلكان المتوفى سنة 681 ه في كتابه المعروف (وفيات
الأعيان) 1 ذيل ترجمة واصل بن عطاء * ما نصه: وذكر السمعاني المتوفى سنة 562 في
كتاب الأنساب * * في ترجمة المعتزلي أن واصل بن عطاء كان يجلس إلى الحسن البصري
- رضي الله عنه - فلما ظهر الاختلاف وقالت الخوارج بتكفير مرتكب الكبائر، وقالت
الجماعة بأنهم مؤمنون وإن فسقوا بالكبائر فخرج واصل بن عطاء عن الفريقين وقال
إن الفاسق من هذه الأمة لا مؤمن ولا كافر منزلة بين منزلتين، فطرده الحسن عن مجلسه
فاعتزل عنه وجلس إليه عمرو بن عبيد فقيل لهما ولأتباعهما معتزليون.
قال علامة اليمن نشوان بن سعيد في (شرج رسالة الحور العين) 2: وسميت
المعتزلة معتزلة لقولهم بالمنزلة بين المنزلتين، وذلك أن المسلمين اختلفوا في أهل الكبائر
من أهل الصلاة، فقالت الخوارج هم كفار مشركون. وقال بعض المرجئة: إنهم مؤمنون
لإقرارهم بالله ورسوله وبكتابه وبما جاء به رسوله وإن لم يعملوا به، وقالت المعتزلة:
لا نسميهم بالكفر ولا بالإيمان ولا يقولون إنهم مشركون ولا مؤمنون ولكن يقولون
إنهم فساق فاعتزلوا القولين جميعا وقالوا بالمنزلة بين المنزلتين فسموا بالمعتزلة. ومن
الناس من يقول إنا سموا معتزلة لاعتزالهم مجلس الحسن بن أبي الحسن البصري، وكان
الذي اعتزله عمرو بن عبيد ومن تبعه، ذكر ذلك ابن قتيبة في المعارف 3. چ.

1 - ج 2 ص 302 طبع إيران.
2 - ص 204 - 205.
3 - انظر أمالي السيد المرتضى ج 1 ص 114 طبع مصر.
146

* قال محمد بن إسحاق النديم في كتابه القيم (الفهرست): كان واصل بن عطاء
الغزال طويل العنق جدا حتى عابه بذلك عمرو بن عبيد، وذلك أنه لما حضر واصل
يوم أراد مناظرة عمرو فرآه عمرو من قبل أن يكلمه قال: أرى عنقا لا يفلح صاحبها.
فسمعه واصل فلما سلم وجلس قال لعمرو: أما علمت أن من عاب الصنعة فقد عاب
الصانع لتعلق ما بينهما؟ فاسترجع عمرو وقال لا أعود إلى مثلها يا أبا حذيفة، ثم ناظره
واصل فقطعه، وله من التصانيف... وكتاب المنزلة بين المنزلتين... وكانت ولادته في
سنة 80 للهجرة بمدينة رسول الله وتوفي سنة 131 1. چ.
* * وفي (الأنساب) هكذا: المعتزلي، هذه النسبة إلى الاعتزال وهو الاجتناب
والجماعة المعروفة بهذه العقيدة إنما سموا بهذا الاسم لأن أبا عثمان عمرو بن عبيد
البصري أحدث ما أحدث من البدع واعتزل مجلس الحسن البصري وجماعة معه،
فسقوا المعتزلة واعتقادهم مشهورة معروفة يطول ذكرها 2. چ.
القول 1: فتابعه عمرو بن عبيد - 37 / 9.
اختلف الباحثون في وجه تسمية هذه الفرقة بهذا الاسم وعلة إطلاق الاعتزال
عليهم كما يجده المراجع إلى كتب المقالات ككتب البغدادي واليمني والشهرستاني
وغيرهم. وقد ارتأى بعض متأخري الباحثين من الإفرنج ومن سواهم في ذلك آراء
وافتراضات بعيدة عن الصواب لا نتعرض لذكرها. وهؤلاء كثيرا ما يعرض لهم الخطاء
في أمثال ذلك الأبحاث، ويميلون إلى آراء وظنون لا نصيب لها من الصواب بمجرد
الاعتماد والركون إلى أوهام ومناسبات افتراضية ويتخيلونها كأنها حقائق راهنة.
وما أورده المصنف - قدس سره - هو أشهر ما قيل في ذلك، يؤيده تصريحات

1 - انظر تكملة الفهرست ص 1 من طبعة ممر 1348 ه‍، چ.
2 - وجه الورقة 536 طبع اروبا.
147

أكابر أهل الفن مضافا إلى قرب زمانه من زمن حدوث هذه التسمية ومعاصرته لبعض
أكابر المعتزلة كأبي القاسم البلخي والقاضي عبد الجبار الرازي وأبي سعيد الاستخري
وأبي الحسين البصري وغيرهم مما يظهر شهرة ما أورده من وجه التسمية في ذلك الزمان
وعدم تعرض منهم لخلافه. ز.
القول 1: وإن دان بالمخلوق والماهية - 38 / 8.
كان ضرار بن عمرو الضبي الغطفاني ممن صحب شيخي المعتزلة واصل بن عطا
وعمرو بن عبيد ثم تبع جهم بن صفوان في القول بخلق أفاعيل العباد برأت منه
المعتزلة.
والقول بالمخلوق هو مقالة المجبرة إن كل ما يكون في العبد من كفر وإيمان
وطاعة ومعصية فالله تعالى فاعله ولا فعل للعبد في شئ منها، والقول بالمهية هو ما
كان يزعمه أن لله تعالى ماهية لا يعلمها إلا هو خلافا لجمهور المعتزلة وسائر الفرق
وقد حكى الشهرستاني هذه المقالة عن أبي حنيفة وجماعة من أصحابه أيضا 1. ز.
القول 1: ما ذهب إليه في معاني الصفات - 38 / 9.
لم أقف على وجه مخالفته لسائر الشيعة في باب أسماء الله الحسنى إلا ما نسب إليه
من إطلاق لفظة أنه جسم لا كالأجسام والذي حكى رجوعه عنه، وقد سأل عن
الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق - عليه السلام - عن اشتقاق أسماء الله تعالى
فأجابه بما هو موجود في كتب محدثي الإمامية كالكليني 2 والصدوق - قدس سرهما -

1 - الملل والنحل ج 1 ص 114.
2 - انظر باب معاني الأسماء واشتقاقها من كتاب (أصول الكافي) للمحدث الكليني - قدس الله
سره - ص 63 و 81 من شرح الكافي (مرآة العقول) ج 1 طبع إيران للعلامة المجلسي - رحمة الله
عليه - چ.
148

وليس في الرواية المذكورة مخالفة لما عليه سائر الشيعة بل يستفاد من تلك الرواية جلالة
قدره وعظم محله عند الإمام - عليه السلام -.
أما ما ذهب إليه في معاني الصفات فيحتمل أن يكون إشارة إلى ما نسب إليه في
ألسنة أهل المقالات من أنه كان يقول: إن القدرة والسمع والبصر والحياة والإرادة في
الله تعالى صفات لا يقال إنها قديمة أو محدثة وإنها ليست هي هو، ولا غيره كما نسبه
إليه البغدادي والشهرستاني وغيرهما. وفي أمر هذه النسب إليه وإلى سائر متكلمي
الشيعة تأمل حيث لم ينقل ذلك عنهم إلا بواسطة خصومهم من المعتزلة كالنظام
والجاحظ وغيرهما ممن لا يمكن الاعتماد عليهم بمجردها لاتهامهم بالتحامل والتشنيع
عليه إذ كان لسنا نظارا ومجادلا حاضر البديهة يناظر هؤلاء ويفحمهم، فقد ذكر
المسعودي خبر مناظرته لأبي الهذيل وقطعه إياه.
ويذكره الشهرستاني في كتابه ويقول: وهذا هشام بن الحكم صاحب غور في
الأصول لا يجوز أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة، وكثيرا ما كانوا يرددون أمثال هذه
العبارات في مقام الجدل والمناظرة ويجري على ألسنتهم لإلزام الخصوم أو استخراج ما
عندهم من الجواب فينسبها خصومهم إليهم تشنيعا فليس يبقى اعتماد على ما حكي
عنهم من هذا القبيل، والمصنف حكى ما نفل عنهم في ألسنة أهل المقالات وسيشير
في موضع آخر إلى ترديده في صحة أمثال هذه النسب إليه وأنها من تخرصات المعتزلة
عليه. ز.
القول 3: والعامة المنتسبون إلى الحديث - 39 / 14.
تكرر ذكر اسم هذه الفرقة في الكتاب وهؤلاء هم الذين كانوا يأخذون بظواهر
الأحاديث والروايات بغير تأويل قيما يجب فيه التأويل أو طرح لما يلزم فيه الطرح.
والعلة في ذلك أن السنة النبوية لم تكن مجموعة ومدونة في عصر الرسالة حتى
لا يتطرق إليها الزيادة والنقصان والتحريف والتصحيف، وكانت متفرقة بين
149

الصحابة ممن أدركوه وأخذوا منه وفيهم المكي والمدني والبدوي والحضري وغيرهم،
فكانوا هم المرجع في ما سمعوه عن رسول الله (ص) أو شاهدوه من أفعاله وتقريره،
وكثيرا ما كان يعرض لهؤلاء سهو أو نسيان أو تصحيف من جهة طول المدة بين
استماعهم وروايتهم.
ثم انقضى عصر الصحابة وجاء بعدهم الطبقات المتلاحقة من التابعين
وأتباعهم ومن تأخر عنهم، وقد زاد أمر الحديث المروي اختلالا من جهة ما حصل
فيه من الوضع والتدليس والكذب وما ولده فيه الزنادقة وغيرهم ترويجا لأباطيلهم أو
طعنا في أحكام الاسلام على تفصيل نبه عليه العلماء في مواضعه.
وقد راج ذلك على بعض غفلة المحدثين فأودعوا هذه الروايات في كتبهم فأتى
من بعدهم من رأى تلك الأحاديث موجودا في الكتب ومرويا إليهم عمن يثقون به من
أمثالهم فقبلوها على علاتها حتى ما كان منها يخالف الكتاب والسنة القطعية الثابتة أو
ما يناقض بعضها بعضا أو يخالف العقل اغترارا بأنها أحاديث صحيحة مروية.
وقد كان تفاقم أمرهم من جهة اتباع السواد الأعظم من عامة الناس لهم في
أواسط الدولة العباسية وجرى من أجل ذلك ما لا يسع المقام لذكره، وهؤلاء هم
العامة المنتسبون إلى الحديث الذين كانوا يلقبون بالحشوية أيضا لقبولهم للأحاديث
المحشوة بالأباطيل وتدينهم بالاعتقاد بمضامينها من أنواع الأباطيل والمنكرات 1 على
تفصيل لا يسعه المقام ونبه عليه أهل الفن في مؤلفاتهم. ز.
القول 3: المتسمون - 40 / 6.
انظر (القاموس) ذيل مادة (وسم). چ.

1 - قال في (الحور العين): وسميت الحشوية لأنهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث
المروية عن رسول الله (ص) أي يدخلونها فيها وليست منها. ص 204. چ.
150

القول 5: على أنهم لفسقهم في النار مخلدون - 43 / 3
قال الشيخ المفيد - رحمه الله - في تأليفه (الجمل) أو (النصرة في حرب البصرة):
واجتمعت الشيعة على الحكم بكفر محاربي علي ولكنهم لم يخرجوهم بذلك عن
حكم ملة الاسلام إذ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملة ولم يكفروا كفر ردة عن
الشرع مع إقامتهم على الجملة منه وإظهار الشهادتين والاعتصام بذلك عن كفر الردة
المخرج عن الاسلام وإن كانوا بكفرهم خارجين من الإيمان مستحقين اللعنة والخلود
في النار حسبما قدمناه، وكل من قطع على ضلال محاربي علي من المعتزلة فهو يحكم
عليهم بالفسق واستحقاق الخلود في النار ولا يطلق عليهم الكفر ولا يحكم عليهم
بالإكفار والخوارج تكفر أهل البصرة وأهل الشام ويخرجونهم بكفرهم الذي اعتقدوا
فيهم عن الإيمان 1. چ.
القول 7: إن التكليف لا يصح إلا بالرسل - 44 / 9.
هذا هو البحث المعنون في كتب المتأخرين بعنوان وجوب البعثة وقد نسبوا
الخلاف في إلى الأشاعرة والمصنف خص وفاق الإمامية في هذه المسألة إلى البغداديين
من المعتزلة لكن في التجريد وغيره نسبة الوفاق إلى المعتزلة بدون تخصيص. ز.
القول 8: في الفرق بين الرسل والأنبياء - 45 / 3.
انظر مجمع البحرين للشيخ الطريحي المتوفى 1087 ه‍. مادة (نبأ) و (عزم). چ.
القول 9: وتقلبك في الساجدين - 45 / 16.
سورة الشعراء: 218، 219.

1 - ص 14 طبع نجف.
151

القول 9: إن عمه أبا طالب - رحمه الله - مات مؤمنا - 46 / 3.
الدلائل من الآثار المروية والمأثورة على إيمانه - رحمه الله - وإنه إنما كان لا يظهر
إيمانه على ملاء من الناس استعدادا لحفظ رسول الله (ص) ونصرته وتأييده وأن لا يجد
قريش فيه مساغا للقول والطعن، كثيرة، والأبيات المنسوبة إليه في ذلك مذكورة في
كتب السير والأخبار لا ينكرها إلا معاند، وللمصنف في هذا الباب رسالة مختصرة 1
أورد فيها كثيرا منها مما يدل دلالة واضحة على إيمانه، وقال في أولها إنه قد أشبع الكلام
في ذلك في كثير من كتبه وأماليه المشهورات. ز.
القول 10: في معنى الرجعة اختلاف - 46 / 7.
الاختلاف الذي أشار إليه هو أن جماعة من الشيعة كانوا يؤولون الأخبار الواردة
في الرجعة على طريق الاستفاضة إلى رجوع الدولة ورجوع الأمر والنهي إلى الأئمة - عليهم
السلام - وإلى شيعتهم وأخذهم بمجاري الأمور دون رجوع أعيان الأشخاص 2،
والباعث لهم على هذا التأويل هو عجزهم عن تصحيح القول بها نظرا واستدلالا
وإثبات عدم استحالتها عقلا.
ومحققو الإمامية حيث صححوا هذا المعنى وبينوا عدم لزوم محال عقلا في
القول بها لعموم قدرة الله على كل مقدور وعدم منافاتها للتكليف قبلوا الأخبار بدون

1 - ولا تزال تلك الرسالة النفيسة مخطوطة، ويوجد بلطف الله تعالى نسخة منها في مكتبتنا الخاصة
التي تضم بعض نفائس المخطوطات ونوادرها. چ.
2 - قال العلامة الإمام السيد محسن العاملي مد ظله في تأليفه القيم (أعيان الشيعة) ج 1 ص 132 ط 1 دمشق
ما نصه: سئل الشريف المرتضى علم الهدى في المسائل التي وردت عليه من الري عن حقيقة
الرجعة فأجاب: بأن الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية أن الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي قوما
ممن كان تقدم موته من شيعته وقوما من أعدائه، وأن قوما من الشيعة تأولوا الرجعة على أن معناها
رجوع الدولة والأمر والنهي من دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات. چ.
152

تأويل لمضامينها وأجابوا عن الشبه الواردة عليها.
والذي وقع في عبارة الكتاب من وجوب رجعة كثير من الأموات لعل لفظ
وجوب من زيادة النساخ إذ المراد تصحيح القول بالرجعة نظرا إلى ورود تلك الأخبار
المستفيضة لا إثبات وجوبها، وقد تعرض المصنف لذلك بأبسط من هذا المقام مع
عدم ذكر الوجوب كما هيهنا في فصل آخر. ز.
القول 11: محمد بن شبيب - 46 / 15.
محمد بن شبيب متكلم بصري وافق المعتزلة في بعض الآراء والمرجئة في بعض
آخر. قال البغدادي: إنه وقف في وعيد مرتكبي الكبائر وأجاز من الله مغفرة ذنوبهم من
غير توبة، والشهرستاني عد محمد بن شبيب من أصحاب النظام وقال: إنه خالفه في
الوعيد وفي المنزلة بين المنزلتين. ز.
القول 17: المفاضلة بين الأنبياء والملائكة - 49 / 13.
انظر (بحار الأنوار) ج 14 ص 359 طبع أمين الضرب للعلامة الحافظ
مولانا محمد باقر المجلسي من أعاظم علماء الإمامية، توفي سنة 1111 ه‍ وهذا
الكتاب خمسة وعشرون مجلدا ضخما يحوي مقالات شرعنا في كل علم وباب آية أو
رواية أو حكمة أو تحقيق أو تاريخ حتى كاد أن يكون كدائرة معارف كبرى للعلوم
الإسلامية.
وقال العلامة العيلم السيد هبة الدين الشهرستاني الشهير في تأليفه المنيف
(الهيئة والاسلام): لم يعمل مثله أي مثل البحار في الاسلام حتى الآن 1. قال المحدث
الجليل القمي - رحمة الله عليه - في ديباجة فهرسه لكتاب البحار الذي سماه (سفينة

1 - ج 1 ص 16 طبع بغداد.
153

بحار الأنوار) 1: لم تأت الدهور بمثله - أي بمثل البحار - حسنا وبهاء. لم ير
الناظرون ما يدانيه نورا وضياء... لم يعهد في الأزمان السالفة شبيهه صدقا ووفاء وهو
كتاب جامع لدرر أخبار الأئمة الأطهار ومشتمل على أنواع العلوم والحكم
والأسرار. چ.
القول 17: ووافقهم عل ذلك أصحاب الحديث - 50 / 1.
انظر ملحق الأمالي للسيد المرتضى 2. چ.
القول 18: لاهي هو ولا غيره - 52 / 2.
لم يكن في الصدر الأول وزمن الصحابة والتابعين خوض في هذه المسائل
وتدقيق عن معانيها بل كانوا يثبتون لله - تعالى شأنه - ما أطلقه على نفسه من صفاته مع
نفي المماثلة والمشابهة بدون تعرض للتأويل أو الفرق بين صفات الذات والفعل ولما
نشأت المعتزلة وتكلموا في هذه المسائل وبحثوا عن معانيها أخذ السلف من أهل
الأثر أيضا يتكلمون فيها.
وإذ كانت المعتزلة ينفون أن يكون لله تعالى صفات غير ذاته قابلهم جماعة من
أهل الأثر والحديث بالمبالغة في الاثبات وانها صفات قديمة قائمة بالذات ولم يكونوا
يتجاوزون عن أمثال هذه التعبيرات وكان بعض. هؤلاء مثل عبد الله بن سعيد
والقلانسي والمحاسبي يحتجون عليها بمناهج كلامية غير مضبوطة حتى جاء
الأشعري وانحاز إلى حزبهم وأيد مقالاتهم بالحجج الكلامية على طرق خصومهم
من المعتزلة إذ كان هو في بدء أمره متلمذا على أبي علي الجبائي وعارفا بمناهج أبحاثهم
ثم رجع عن مسلك المعتزلة وانتصر لمقالة السلف، فأبدع هذه المقالة التي أشار إليها

1 - مجلدين طبع النجف.
2 - ص 382 طبع طهران 1272 ه‍. چ.
154

المصنف - قدس سره - وقال إنه قول لم يسبقه إليه أحد ممن قبله. ز.
القول 19: فارق به سائر أهل التوحيد - 52 / 10.
أبو هاشم الجبائي أحد شيوخ المعتزلة ورؤسائهم الثلاثة الذين افترقت المعتزلة
على مذاهبهم، وقد سلك المتأخرون كالقاضي عبد الجبار بن أحمد الرازي وغيره
مسلكه واتبعوا طريقته، وقد اشتهر في كتب الكلام نسبة القول بالأحوال إليه، وقد
خالفه في ذلك سائر المعتزلة، فمنشأ الخلاف أنهم قالوا لا خلاف في إثبات تعلق بين
الصفة والموصوف كالعالم والمعلوم والقادر والمقدور وغيرهما، وإنما الخلاف في أن
ذلك التعلق هل هي بين الذات العالمة وبين المعلوم أو بين صفة قائمة بالذات حقيقة
مغايرة لها وبين المعلوم، فذهبت طائفة إلى أنها بين الذات وبين المعلوم، وذهبت
جماعة إلى أنها بين الذات والصفة وسماها أبو هاشم ومن تبعه (حالا) وقال إن كون
العالم عالما حال وصفة وراء كونه ذاتا وهكذا في الباقي وقال: (إنها لا موجودة ولا
معدومة ولا معلومة ولا مجهولة) وقد قال بنظير هذا القول أبو بكر الباقلاني وأبو
المعالي الجويني أيضا من الأشعرية ولكن لم يكن قولاهما موجودا في زمان المصنف
لتأخر زمانهما عن عصره فلذلك نسب الخلاف إلى أبي هاشم وحده وقال إنه فارق به
سائر أهل التوحيد والكلام على هذه الأحوال نفيا وإثباتا مذكور في محله من كتب
الكلام والمقالات وسيشير المصنف - قدس سره - في فصل آخر إليها إشارة إجمالية وله
- قدس سره - كلام لطيف في هذا المعنى حكاه عنه الشريف المرتضى في كتاب (الفصول
المختارة) 1.
قال: سمعت الشيخ (يعني المفيد) يقول ثلاثة أشياء لا تعقل وقد اجتهد
المتكلمون في تحصيل معانيها من معتقديها بكل حيلة فلم يظفروا منهم إلا بعبارات

1 - ج 2 ص 128 و 129 طبع العراق چ.
155

تناقض المعنى فيهما مفهوم الكلام: اتحاد النصرانية وكسب النجارية وأحوال
البهشمية، ومن ارتاب فيما ذكرناه في هذا الباب فليتوصل إلى إيراد معنى منها معقول
أو الفرق بينهما في التناقض والفساد ليعلم أن خلاف ما حكمنا به هو الصواب
وهيهات. ز.
القول 19: وارتكب أشنع من مقال أهل الصفات - 52 / 11.
هم القائلون بأن لله تعالى صفات بها كان موصوفا بمفاهيمها، وله علم به كان
عالما، وقدرة بها كان قادرا، وهكذا في سائر الصفات. ولما كانت المعتزلة ممن ينفون
الصفات بهذا المعنى بالغ بعض هؤلاء في الإثبات إلى حد التشبيه بصفات المخلوقين
تعالى عن ذلك، وهم الذين قصدهم المصنف في كلامه. ز.
القول 19: إطلاق القول عليه بأنه مخلوق - 53 / 3.
وردت آثار كثيرة عن طرق الإمامية بالنهي عن القول في القرآن أنه مخلوق، إذ
كانت هذه اللفظة قد يرد في اللغة بمعنى المكذوب والمفتعل قال الله تعالى: (إنما
تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا) 1 وقال - عز وجل - حكاية عن منكري
التوحيد: (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) 2. فكان إطلاق هذه
اللفظة في حق القرآن موهما لكونه كذبا واختلاقا على ما كان يزعمه المشركون
والملاحدة وسائر أهل الضلال، لذلك وقع المنع من إطلاقها في ذلك المقام وأجيز
إطلاق ما لا يوهم مثل هذا المعنى كلفظ (محدث) وإنه كلام الله وكتابه ووحيه
وتنزيله مما يفيد أنه غير أزلي وليس بقديم إذ كان وقع إطلاق هذه القبيل من الألفاظ
عليه في نفس كلام الله.

1 - سورة العنكبوت / 17.
2 - سورة ص / 7.
156

وقد وقع بسبب هذه المسألة مشاجرات وفتن في أيام الدولة العباسية بين
المعتزلة وأهل الحديث واضطهاد لأهل الحديث ومحنة ليس المقام مقتضيا لذكرها. ز.
القول 19: وكذلك أقول في الصفات 53 / 16.
لا خلاف في جواز إطلاق الأسماء والصفات على الباري تعالى إذا ورد به إذن
الشرع وعدم جوازه في صورة ورود منع شرعي منه، ووقع الخلاف في ما لم يرد فيه
رخصة أو منع وكان موصوفا بمعناه، فقال قائلون بعدم افتقاره إلى التوقيف والإذن
الشرعي إذا كان معناه حاصلا في حقه تعالى ولم يكن إطلاقه موهما لما يستحيل في حقه
تعالى، وقال آخرون إلى احتياجه إلى الإذن والتوقيف، وفصل آخرون بين الاسم
والصفة، فمنع في الأول وأجاز في الثاني.
ومذهب الإمامية هو ما اختاره المصنف - قدس سره - لتطابق الأخبار المأثورة من
أهل البيت - عليهم السلام - عليه، وإذ ليس مأخذ الجواز والمنع في هذا الباب دليلا عقليا
واجب الاتباع أو لفظيا لغويا يتكلم في صحته وفساده لا يبقى إلا الرجوع إلى التوقيف،
فيقتصر على موارد الإذن الشرعي كما اختاره المصنف.
القول 20: وإن المعنى في جميعها العلم خاصة - 54 / 5.
غرضه - قدس سره - أن استحقاق ذاته تعالى وتقدس لهذه الصفات ليس من جهة
قياس عقلي يدل عليه، إذ قد عرفت أن وصف الباري تعالى لا يجوز إلا بما وصف به نفسه
الكريمة في كتابه أو على لسان نبيه (ص) وليس للعقول في ذلك مسرح، وإذ نرى أنه
أطلق عليه تعالى هذه الصفات من السمع والبصر والادراك وغيرها، ونرى أن الذي
نعقل منها ويفيده معنى لغتنا هو ما يرجع إلى الاحساس بالآلات والجوارح من العين
والأذن وسائر القوى المحسوسة، ونعلم استحالة ذلك في حقه تعالى شأنه فلا بد أن
نحمله على معنى يصح إجراؤه في حقه تعالى وهو العلم، فمعنى كونه تعالى سميعا
157

علمه بالمسموعات، ومعنى كونه بصيرا علمه بالمبصرات وهكذا. ز.
القول 21 - وعندنا أنه تخرص منهم عليه - 55 / 5.
الذي حكاه المعتزلة عنه هو أن علم الله تعالى بالأشياء الموجودة بعلم متجدد
عند حدوثها وهو من الحكايات المختلقة عليه كما صرح به المصنف والسيد المرتضى
في الشافي وستعرف حقيقة ذلك.
كان هشام بن الحكم في ابتداء أمره يذهب مذهب الجهمية أتباع جهم بن
صفوان، ثم رجع عن تلك الطريقة ودان بالقول بالإمامة بعد ما لقي الإمام الصادق
- عليه السلام - ورجع عن كافة ما يخالف مذهب الإمامية من أقاويلهم، وكان يناظر
المعتزلة بعد ذلك ويعارضهم ويلزمهم بأشياء يعجزون عن الجواب منها ويورد أحيانا
من الشبه والاعتراضات عليهم بقصد استخراج ما عند خصومه منها، فكانوا يتهمونه
باعتقاد ذلك الأقاويل والتدين بها ويشتهر أمثال النسب إليه وإلى غيره من الشيعة،
ويذكرها أهل التأليف في المقالات أمثال النظام والجاحظ وغيرهما في كتبهم أو
يحكونها عنهم، ثم اشتبه الأمر على بعض مؤلفي الشيعة فنقلوها في كتبهم وأثبتوا
الحكاية بذلك عنه اعتمادا على نقل تلك الناقلين من خصومه، والمذاهب يجب أن
تؤخذ من ألسنة قائليها أو ممن يؤمن في الحكاية عنهم ولا يصح الرجوع في إثباتها إلى
الخصوم المتهمين بالتحامل.
وقد أورد الخياط المعتزلي في كتابه (الانتصار) ما كان يحتج به هشام على هذا
القول المنسوب إليه من النقل والعقل، وكذا محمد بن عبد الكريم الشهرستاني
الأشعري المتكلم المعروف في كتابه (نهاية الإقدام في علم الكلام) بعد أن نسب إثبات
علوم حادثة بعدد المعلومات تحدث كلها لا في محل إلى جهم بن صفوان وهشام بن
الحكم، ذكر ما كان يحتج به هشام على ذلك، والمحتمل قويا أن تكون هذه الحجج
أوردها هشام إلزاما للمعتزلة كما أشرنا إليه، والله العالم. ز.
158

القول 23: فيما انفرد أبو هاشم من الأحوال - 56 / 3.
إعلم، أنه لم يكن لأهل العلم في الصدر الأول خوض في هذه الأحوال، وإنما
اشتهر الخلاف في ذلك عن زمن الجبائيين أبي علي محمد بن عبد الوهاب وابنه أبي
هاشم حيث أثبتها أبو هاشم ونفاها أبو علي وغيره، وقد أشرنا إلى تصوير مذهبه في
ذلك سابقا ونزيدك بيانا هيهنا أنه يقول: العقل يدرك فرقا ضروريا بين معرفة الشئ
مطلقا وبين معرفته على صفة إذ ليس يلزم من معرفة الذات معرفة كونه عالما أو قادرا أو
حيا، ولا شك أن العقل يدرك اشتراك الموجودات في شئ وافتراقها بأشياء أخر وأن
ما به الاشتراك فيها غير ما به افتراقها، وهذه قضايا عقلية لا يكاد ينكرها عاقل وهي لا
ترجع إلى الذات ولا إلى أعراض وراء الذات لأن ذلك يؤدي إلى قيام العرض بالعرض
المستحيل عقلا فيتعين أنها أحوال أي هي صفات وراء الذات بمعنى أن المفهوم منها
غير ما يفهم من الذات، وللقوم خوض طويل في هذه المسألة، وقد أثبتها القاضي
أبو بكر الباقلاني وإمام الحرمين عبد الملك بن محمد الجويني والغزالي أيضا من
الأشعرية كما أشرنا إليها سابقا ونفاها كثير من المتكلمين وأبطلوا ما فرعه مثبتوها على
القول به بما لا محل للتطويل بها هيهنا. ز.
القول 25: لشبهة عرضت له في تأويل الأخبار - 57 / 8.
الخلاف المذكور محكي أيضا حكاية غير ثابتة بطريق القطع عن هشام بن
الحكم، وقد أشرنا إلى أمر هذه الأقاويل المنسوبة إليه وإلى غيره من رجال الشيعة
ومتكلميهم، ونصيب ذلك من الصحة والاعتبار واستناد حكاية إلى خصومهم
المتهمين بالتعصب والتحامل عليهم، وأوردنا الشواهد القوية على ذلك في غير هذا
المقام. ويحتمل قويا أن يكون نسبة هذا القول إليه استفادة منهم عن لازم الكلام
المشتهر نسبته إليه في ألسنتهم من القول بأنه جسم لا كالأجسام، فزعموا أن صحة
الرؤية من لوازم الجسمية، فنسبوا إليه ذلك الذي يلزم من كلامه.
159

وقد أوضحنا أن هذه اللفظة إما أوردها في مقام معارضة خصومه كما يظهر من
عبارة الشهرستاني 1 أو أطلقها مكان القول بأنه شئ لا كالأشياء.
وعلى كل حال لم يكن مقصوده منها إثبات التشبيه وأقصى ما فيه أنها غلط في
التعبير يرجع في إثباتها ونفيها إلى اللغة، على أن الكراجكي ذكر رجوعه عن ذلك وتركه
إطلاقه بعد ما بلغه إنكار الصادق - سلام الله عليه - في إطلاق هذه اللفظة عليه في
كتابه (كنز الفوائد). ز.
القول 27: والبغدادين من المعتزلة - 59 / 1.
كانت مدينة البصرة مهد الاعتزال ومنشأه الأصلي، وفيها قام أكبر زعمائها بنشر
طريقتهم مثل واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ثم أبي الهذيل والنظام وغيرهم،
وحوالي أواخر القرن الثاني والقرن الثالث تأسس فرع آخر للمعتزلة ببغداد، حاضرة
الدولة الإسلامية ومركز معارفها، وظهر فيها جماعة من علماء المعتزلة ومفكريها،
وكانت بينهم وبين المعتزلة البصرية مخالفات كثيرة في مسائل فرعية بعد اتفاق
الفريقين على أصولهم المعروفة. ولكل من الطريقتين مميزات ومشخصات في طريق
البحث والتفكير والتأثر بالفلسفة اليونانية وغيرها، واستقصاء البحث في أطراف
ذلك موكول إلى غير هذا المقام.
ومذهب البغداديين موافق غالبا مع أصول الشيعة الإمامية، وقد أشار إلى جملة
منها المصنف - قدس سره - في هذا الكتاب وفي ضمن فصوله، وقد أشرنا سابقا إلى كتاب
له في هذا الباب باسم (الرسالة المقنعة) في وفاق البغداديين من المعتزلة لما روي عن
الأئمة - عليهم السلام -. وفي كتب الكلام كثير من المسائل الخلافية بين البصريين
والبغداديين ولبعض المعتزلة مصنفات مخصوصة في بيانها. ز.

1 - ج 2 ص 23 طبع مصر.
160

القول 28: في اللطف والأصلح - 59 / 4.
عرف المتكلمون اللطف بما أفاد هيئة مقربة إلى الطاعة ومبعدة عن المعصية
بحيث لم يكن له حظ في التمكين ولا يبلغ حد الالجاء، والتقييد بعدم الحظ في
التمكين لأجل الاحتراز عن وقوع الفعل بواسطة الآلات والأدوات البشرية فإنها وإن
كانت مما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية إلا أن لها مدخلية في تمكين المكلف من
الفعل، والتقيد بعدم الوصول إلى حد الالجاء من جهة أنه ينافي التكليف.
والقول بوجوب اللطف يختص به العدلية من المعتزلة والامامية والزيدية
ويخالفهم فيه الأشعرية، وقد نسب الخلاف فيه أيضا إلى بشر بن المعتمر من قدماء
المعتزلة وإن حكى رجوعه عن ذلك أخيرا بعد مناظرة سائر المعتزلة إياه، لكن تعليل
المعتزلة بوجوبه من جهة أنهم أوجبوه من جهة العدل وأن الله تعالى لو فعل خلافه لكان
ظالما. والامامية إنما أوجبوه من جهة الجود والكرم وأنه تعالى لما كان متصفا بهاتين
الصفتين اقتضى ذلك أن يجعل للمكلفين ما دام هم على ذلك الحال أصلح الأشياء لهم
وأن لا يمنعهم صلاحا ولا نفعا.
وأما الأصلح فقد اختلف المتكلمون في الأصلح في الدنيا هل هو واجب أم لا
وذلك كما إذا علم الله تعالى أنه إن أعطى شخصا مقدارا من المال انتفع به وليس فيه
مضرة له ولا لأحد غيره ولا مفسدة فيه ولا وجه قبح، فذهب أبو القاسم البلخي
وسائر البغداديين وصاحب الياقوت من علماء الشيعة إلى وجوبه وقال البصريون
والأشاعرة وجمهور علماء الشيعة أنه لا يجب. ز.
القول 29: في ابتداء الخلق في الجنة - 60 / 3.
هذه المسألة من فروع مسألة اللطف والأصلح، وقد اختلف فيها آراء متكلمي
المعتزلة وغيرهم على ما فصله المصنف، وقد حكى الخلاف فيه أيضا عن بشر بن
161

المعتمر المذكور سابقا من معتزلة بغداد. حكى ابن الراوندي في كتاب (نقض فضيلة
المعتزلة) للجاحظ أنه كان يقول: إن ابتداء الخلق في الجنة للمكلفين كان أصلح لهم من
الابتداء في الدنيا. ز.
القول 30: إن المعرفة بالله تعالى اكتساب - 61 / 2.
الطريق إلى معرفة الأشياء أحد أمور تنحصر فيها:
الأول: العلم بها بسبب العلم الضروري الذي يحصل للنفس بأدنى توجه إليه
والتفات نحوه فيضطر إلى معرفته بحيث لا يمكن دفعه عن نفسه وذلك كالعلم ب‍ (أن
الاثنين ضعف الواحد)، و (أن الجسم الواحد لا يمكن أن يكون في حال واحد في
مكانين)، و (الشئ لا يخلو من أن يكون ثابتا أو منفيا) ونظائر ذلك مما يعرف بداهة
لكونه مركوزا في أوائل العقول.
الثاني: يعلم بها من جهة الادراك بعد حصول شرائطه وارتفاع اللبس والمانع
مثل المدركات بالحواس المعروفة.
الثالث: العلم بها بسبب الأخبار المفيدة لليقين كالعلم بالبلدان وأخبار الملوك
وأخبار من سلف من الأمم وغير ذلك من الأمور الغائبة عنا والمعلومة لنا بسبب
تلك الأخبار.
الرابع: العلم الحاصل بسبب النظر والاستدلال وترتيب المقدمات الموصلة إلى
النتائج في سبيل تعرف الأشياء المجهولة.
والعلم بالله تعالى شأنه وبسائر المعارف اللازمة معرفته على المكلفين ليس
بحاصل من الوجه الأول لأن ما سبيله الضرورة والبداهة لا يختلف فيه العقلاء ولذلك
نشاهدهم لا يختلفون في أمثال ما ذكرناه من الأمثلة، والعلم بالمعارف مما اختلف فيه
العقلاء من كل أمة في كل عصر ووقت.
162

وليس الادراك بطريق الحواس أيضا طريقا إلى معرفتها لأن هذه الأشياء غير
ممكنة الادراك من طريقها، وكذلك الخبر أيضا ليس طريقا إلى معرفتها، لأن الذي يفيد
القطع منها هو ما ينتهي بالآخرة إلى الادراك والمشاهدة وما سوى ذلك لا يفيد العلم
لسامعيه كما لا يحصل العلم بحقيقة الديانة الإسلامية وبصدق نبوة رسول الله (ص) لغير
المسلمين مع أن جميع المسلمين يخبرونهم بذلك، وكذلك جميع الموحدين من أهل
الديانات يخبرون أهل الزندقة والالحاد بوحدانية الله تعالى وبحدوث العالم وبغير ذلك
ولا يحصل لهم العلم بمجرد إخبارهم.
فإذا لم يمكن تحصيل العلم بالمعارف اللازمة بأحد الوجوه الثلاثة المذكورة
فلا يبقى إلا أن يكون ذلك من جهة الاكتساب وطريق النظر والاستدلال، ولهذا قال
محققو المتكلمين: إن النظر أول الواجبات على المكلفين. ز.
القول 31: جهم بن صفوان وعبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي 61 / 10
جهم بن صفوان الترمذي من الجبرية الخالصة، ذكروا أنه أظهر مذهبه بترمذ
وأشاعه علانية وحاور فيه ثم خرج مع حارث بن سريج الأزدي بخراسان على عمال
بني أمية منكرا لسيرة الأمويين وداعيا إلى الكتاب والسنة، ووقعت واقعة بين الحارث
ابن سريج ونصر بن سيار أمير خراسان من قبل الأمويين فانهزم واسر يومئذ جهم بن
صفوان وقتل وذلك في سنة 126 ه‍. وله مقالات تعرض لذكرها المؤلفون في
المقالات، ومنها زعمه أن الانسان لا يوصف بالاستطاعة على الفعل بل هو مجبور فيما
يخلقه الله فيه من الأفعال على ما يخلقه في سائر الجمادات، وأن نسبة الفعل إليه بطريق
المجاز كما يقال (جرى الماء) و (طلعت الشمس) و (أمطرت السماء) و (اهتزت
الأرض) وإن لم يكن شئ من ذلك من فعل المنسوب إليه، وأن الثواب والعقاب
أيضا كما في الأفعال جبر فكلما يفعله العبد من طاعة ومعصية فهو اضطرار منه، وكذا
ما يفعل به من ثواب وعقاب، وكل ذلك فالله تعالى فاعله وصانعه.
163

وأما عبد السلام بن محمد الجبائي فإنه كان يجوز خلو القادر عن الفعل والترك،
وقد احتج لمذهبه بأن القادر لكونه قادرا لو لم يجز خلوه عن الأخذ والترك لما جاز خلو
القديم تعالى عن ذلك فيلزم منه قدم الفعل.
وأما تجويز تعذيب العبد في ذلك الحال فمبني على قوله بثبوت الواجب العقلي،
وأن الله تعالى لما أكمل عقول المكلفين ووهب لهم من القدرة والاستطاعة وتهيئة
الآلات والجوارح ما أزاح بها عللهم كانوا ملزمين بفعل ما يحسنه عقولهم وترك ما
يقبحه واجتنابه، ففي هذا الحال لما ترك العبد فعل الطاعة الواجب عليه بحكم العقل
يصح التعذيب له على ذلك وإن كان لم يصدر منه قبيح أيضا فتجويزه لتعذيبه لأجل
تركه ما كان ملزما بفعله بحسب حكم العقل وإن لم يكن بخروجه من الفعل والترك
لم يفعل هو شيئا ولم يفعل به شئ ولم يقع له إلجاء واضطرار إلى الفعل.
وكون مقالته في بعض الوجوه أعظم فحشا من مذهب جهم من جهة أن جهما
يرى العبد ملجأ ومضطرا إلى الفعل، والجبائي لا يراه كذلك ومع ذلك يجوز تعذيبه
وهذا كما تراه مخالف للعدل. ز.
القول 32: أنبياء الله - صلوات الله عليهم - معصومون - 62 / 2.
العصمة في موضوع اللغة هو المنع وقد خص في اصطلاح المتكلمين بمن يمتنع
باختياره عن فعل الذنوب والقبائح عند اللطف الذي يحصل من الله تعالى في حقه،
وعرفه صاحب كتاب (الياقوت) من قدماء الإمامية بأنه لطف يمتنع من يختص به عن
فعل المعصية ولا يمنعه على وجه القهر، أي إنه لا يكون له حينئذ داع إلى فعل المعصية
وترك الطاعة مع قدرته عليهما. وللمصنف بيان واف في معناه في الزيادة الملحقة بآخر
الكتاب.
وأما مسألة عصمة الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - عن الذنوب
164

والمعامي فقد اختلف فيها أقاويل الفرق في موارد:
الأول: فيما يرجع إلى الاعتقاد كالشرك والكفر، ولا خلاف بين المسلمين في نفي
ذلك عنهم وعصمتهم عن ذلك إلا ما يحكى عن فرقة من الخوارج يرون جواز صدور
الذنب عنهم، ويذهبون إلى تكفير مرتكبي الذنوب مطلقا فيلزمهم القول بذلك.
الثاني: فيما يرجع إلى تبليغ الرسالة وبيان الأحكام، فذهب الأكثرون أيضا إلى
عصمتهم فيه أيضا ونسب إلى الباقلاني تجويز ذلك عليهم إذا كان من جهة السهو
والنسيان.
الثالث: فيما يتعلق بالافعال، فالحشوية جوزوا صدور الذنوب عنهم حتى
الكبائر متعمدا، وجوزه آخرون إذا كان من الصغائر بشرط أن لا يكون محقرا لشأنهم
وموجبا لاستخفافهم، ولهم في ذلك أقاويل متفرقة أخرى أعرضنا عنها مخافة التطويل.
وليس في الفرق الإسلامية من يوجب لهم العصمة مطلقا صغيرة كانت أو كبيرة قبل
النبوة وبعدها إلا الشيعة الإمامية على ما فصله المصنف في الكتاب، وقد تعلقت
الحشوية بآيات وروايات قد أوضح العلماء بطلان تعلقهم بها وبينوا وجوهها ومحاملها
الصحيحة في مصنفاتهم.
وممن استقصى الكلام في ذلك الباب الشريف المرتضى - قدس سره - في كتابه
المعروف ب‍ (تنزيه الأنبياء) والعلامة ابن حزم الأندلسي في الجزء الرابع من كتاب
(الفصل) وكذا العلامة أبو الحسن الآمدي في كتابه (أبكار الأفكار) وغيرهم. ز.
القول 33:... من ذنبك وما تأخر - 62 / 13.
سورة الفتح: 2.
القول 33: ما ضل صاحبكم وما غوى - 63 / 2.
سورة النجم: 1، 2.
165

القول 34: القول في جهة إعجاز القرآن - 63 / 3.
لما كان القرآن الكريم هو المعجزة الخاصة لرسول الله برواية رسالته الباقية وإن
كان قد أيده الله تعالى أيضا بغيره من المعجزات والأعلام الظاهرات، اهتم المسلمون
من الصدر الأول بالبحث عما يتعلق به، ومن مهمات ذلك البحث عن وجه إعجازه
وأنه هل هو فصاحته الخارقة للعادة أو بلاغة معانيه أو نظمه الخارج عن معهود النظم
في كلم سائر البلغاء، أو أسلوبه الخاص الذي ليس له مثيل في سائر الكلمات، أو عدم
وقوع اختلاف ومناقضة فيه مع كثرة الوجوه التي تصرف فيه واختلاف مذاهبه في ذلك
مع ما هو المشاهد من الاختلاف الواقع في غيره بحسب تلك الوجوه، أو لغير ذلك مما
تعرض الباحثون له في مظانه وبحث عنها أهل التفسير وعلماء الكلام والبلاغة
بحسب اختلاف نزعات أبحاثهم.
ومن الأقوال المعروفة في وجه إعجازه القول بالصرفة الذي اختاره جمع من
حذاق المتكلمين وقد ذكروا في تفسيره احتمالات:
الأول: إن المراد به أن الله تعالى صرف دواعي أهل اللسان عن معارضته مع
حصول تلك الدواعي لهم وتوفرها فيهم مثل التقريع لهم بالعجز وتكليفهم بالانقياد
والخضوع وغير ذلك، وحاصل ذلك الوجه أنه كان في مقدور أهل اللسان معارضته
وإنما صرفوا عنه بنوع من المنع والصرف من باب اللطف ليتكامل به ما أراده الله تعالى
من جعله دليلا على نبوته وصدق رسالته وهذا هو رأي أبي إسحاق النظام وهو أول
من نسب إليه هذا القول وتبعه فيه أبو إسحاق النصيبي وعباد بن سليمان الصيمري
وهشام بن عمرو الفوطي وغيرهم وهو اختيار المصنف - قدس سره - في ذلك.
الثاني: إن الله تعالى سلب عنهم العلوم التي كانوا يتمكنون بها من معارضة
القرآن ويتأتى لهم الفصاحة المماثلة لفصاحته، وهذا الاحتمال هو الذي اختاره السيد
المرتضى - قدس سره - في معنى الصرفة، وقد صنف في معناه كتابا سماه ب‍ (الموضح عن
166

جهة إعجاز القرآن) واختاره أيضا شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي - قدس سره - في شرحه
لجمل السيد لكن رجع عنه أخيرا في كتابه (الاقتصاد) إلى القول بأن وجه الاعجاز هو
الفصاحة المفرطة في هذا النظم المخصوص دون الفصاحة بانفرادها ودون النظم
بانفراده.
الثالث: إن الله تعالى سلبهم القدرة على المعارضة على نوع القسر والالجاء، وقد
أورد على هذا الاحتمال الأخير بأنه حينئذ لا يكون الكلام معجزا وإنما يكون المنع
معجزا فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه والتفصيل في ذلك موكول إلى
مواضعه. ز.
القول 34: وخالف فيه جمهور أهل الاعتزال - 63 / 8.
انظر مقال (إعجاز القرآن في مذهب الشيعة الإمامية) للكاتب الكبير والأستاذ
الشهير توفيق الفكيكي المحامي ببغداد في مجلة رسالة الاسلام الغراء 1 تلك المجلة
الجليلة التي تصدر عن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية 2 بالقاهرة.

1 - ص 292، 302 ج 3 طبع مصر.
2 - ومن أراد أن يعرف ما يهدف له أعضاء جماعة الدار الأماثل معرفة كاملة فعليه أن يراجع إلى المقال
الوحيد الذي دبجه يراعة العلامة الإمام آية الله الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء - مد ظله -
تحت عنوان (بيان للمسلمين).
هذا، وقد نشر ذلك المقال القيم في العدد الثاني من مجلة رسالة الاسلام ص 268، 273 لسنتها
الثانية مصدرا بهذه الجملات الجميلة:
اطلع القراء على ما نشرناه من قبل لبعض العلماء من استعظام مهمة التفريب وتوهم استحالتها،
وقد جاد فكر الإمام العلامة شيخ الشريعة وكبير مجتهدي الشيعة بهذا البيان الناصع الذي يفيض
إخلاصا وإيمانا كما يفيض ألمعية وعلما، ونحن إذ ننشره دفاعا عن فكرة الحق وجمعا للمسلمين
على كلمة الإيمان، نسأل الله تعالى أن يطيل حياة الشيخ ويبارك فيها للاسلام والمسلمين. ونشرنا
ترجمة ذلك المقال بالفارسية في آخر كتاب (زندگاني محمد) لكاتبه الكبير الفيلسوف كارليل 1. چ.
167

وقال (العلامة المجلسي - رحمة الله عليه - في آخر باب إعجاز القرآن 1:
وأما وجه إعجازه (= إعجاز القرآن) فالجمهور من العامة والخاصة ومنهم
الشيخ المفيد - قدس الله روحه - على أن إعجاز القرآن بكونه في الطبقة العليا من الفصاحة
والدرجة القصوى من البلاغة على ما يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم وعلماء الفرق
بمهارتهم في فن البيان وإحاطتهم بأساليب الكلام، هذا مع اشتماله على الأخبار عن
المغيبات الماضية والآتية وعلى دقائق العلوم الإلهية وأحوال المبدأ والمعاد ومكارم
الأخلاق والارشاد إلى فنون الحكمة العلمية والعملية والمصالح الدينية والدنيوية
على ما يظهر للمتدبرين ويتجلي للمتفكرين... وذهب السيد المرتضى منا وجماعة
من العامة منهم النظام إلى الصرفة على معنى أن العرب كانت قادرة على كلام مثل
القرآن قبل البعثة لكن الله صرفهم عن معارضته واختلفوا في كيفيته.، والحق هو
الأول، فتدبر حقه. چ.
القول 35: أهي تفضل أو استحقاق - 63 / 9.
عمدة من خالف في هذه المسألة هم الفلاسفة ومن انتمى إليهم من متفلسفة
الاسلام وهؤلاء يرون أن النبوة لا بد منها في نظام الوجود حتى يعرفوا بسبب وجود النبي
وجه الصلاح في الأمور الدنيوية والأخروية، وقالوا إن النبي من يختص في نفسه
بخواص ثلاث:
الأولى: أن يكون بقوة النفس بحيث يؤثر في هيولي العالم القابلة للكون والفساد
بإزالة صورة وإيجاد صورة، وعللوا ذلك بأن هذه الصور، يتعاقب على الهيولى من آثار
النفوس الفلكية، وإذ كانت النفوس الانسانية أيضا من جوهر تلك النفوس وشديدة
الشبه لها فلا يبعد أن يحصل لبعض هذه النفوس قوة مؤثرة في هيولي العالم وإحداث

1 - بحار الأنوار ج 6 ص 249 طبع كمپاني. وانظر البحار ج 19 ص 33 من هذا الطبع أيضا.
168

تغيرات واستحالات فيها.
الثانية: أن يطلع على الغائبات وعلى أمور غير معلومة بسبب صفاء جوهر نفسه
بغير تعليم وتعلم، واعتلوا في ذلك بأن النفوس منقسمة إلى ما يحتاج إلى التعليم وإلى
ما لا يحتاج إلى التعليم، فإنا نشاهد عيانا تفاوت الأشخاص في استنتاج النتائج ودرك
الحقائق. فكم من متعلمين في مدة واحدة يسبق أحدهما الآخر بحقائق العلوم مع قلة
اجتهاده عن جهد المسبوق بفرط الذكاء وشدة الحدس، فالزيادة في هذا من الممكن إلى
أن يترقى إلى حد في الكمال يستغني عن التعلم باتصال نفسه بالمبادئ العالية والعقول
التي زعموا أن صور الموجودات العلمية كلا منطبقة فيها، فيحصل له بسبب ذلك
الاتصال الاطلاع على الأمور الغائبة.
الثالثة: أن يتصل بسبب قوه النفس إلى العوالم العلوية فيسمع كلام الله ويرى
ملائكة الله، وقالوا إن النفس يمكن أن تتقوى بحيث تتصل إلى عالم الغيب وتحاكي
المتخيلة ما أدركت هناك بصور جميلة وأصوات مستحسنة فيرى في اليقظة صورة محاكية
للجوهر الشريف في غاية الحسن وهو الملك الذي يراه النبي (ص) وتتمثل المعارف
المفاضة على النفس من تلك العقول العلوية بالكلام الحسن المنظوم فيسمع الكلام
الموحى إليه من الله تعالى، وزعموا أن هذه الخواص الثلاثة تحصل للنفوس الانسانية
بتكامل قوتيه النظرية والعملية بالعلوم والمعارف والرياضات والمجاهدات
النفسانية وتقليل الشواغل والعوائق البدنية فتستعد بذلك لاستحقاق المرتبة العالية
والدرجة الرفيعة.
وهذا ظاهر لمن راجع كتب القوم ومؤلفاتهم كمؤلفات ابن سينا وغيره ومن
لخص أقاويلهم وتعرض لنقلها لأجل الرد عليهم كالغزالي وأمثاله، وأما مخالفة أهل
التناسخ فإنهم لما جعلوا علة تكرر حلول النفس الانسانية في الهياكل والصور المختلفة
مبنيا على مقادير أعمالهم الحسنة والسيئة في الدور الأول، وزعموا أن ذلك من جهة
169

استحقاقاتهم للجزاء الحسن والمسئ في النشأة السابقة، فالصالح الخير يجعل روحه في
قالب ينعم عليه فيه بسبب ما كان يستحقه من أعماله الصالحة، والشرير الطالح يجعل
روحه في قالب يعذب فيه لما اقترفه من السيئات والجرائم، جعلوا النبوة أيضا نتيجة
لاستحقاق سابق ينالها من يستحقه، وهؤلاء التناسخية هم الغلاة الذين لا صلة لهم
أصلا بمذهب المسلمين من الشيعة وأهل السنة وإنما كانوا يتسترون بأنفسهم تحت
ستار التشيع وغيره تمويها وترويجا لأغراضهم الفاسدة.
وعقيدة التناسخ قديمة كانت موجودة في معتقدات كثير من الملل السابقة على
العصر الاسلامي كأهل يونان والهند وغيرهما وعنهم سرت إلى الغلاة ومن يحذو
حذوهم.
وأما ما أشار إليه من مخالفة بني نوبخت فقد أشرنا سابقا إلى أنهم من جهة
اشتغالهم بعلوم الأوائل ومطالعة كتب الفلسفة ربما كانوا يحتجون [يجنحون ظ] إلى
بعض آراء شاذة مخالفة لما عليه جمهور الشيعة وفقاءهم. ز.
القول 35: في التفضيل على من سواه - 63 / 12.
قال علامة اليمن أبو سعيد نشوان الحميري في (شرح رسالة الحور العين) 1:
وقال واصل بن عطاء ومن قال بقوله: النبوة أمانة قلدها الله تعالى من كان في علمه
الوفاء بها والقبول لها والثبات عليها من غير جبر، لقوله تعالى: (الله أعلم حيث يجعل
رسالته) أي لم يجعلها الله تعالى إلا فيمن علم منه الوفاء بها والقبول لها، وثواب
الأنبياء على قبولهم وتأديتهم الرسالة لا على فعل الله تعالى فيهم وتعريضهم. وقال
بهذا أبو الهذيل وبشر بن المعتمر والنظام وسائر العدلية.
وقال إمام المفسرين أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي من أكابر علماء

1 - ص 264 طبع مصر 1948 م.
170

الإمامية ومفسريهم في القرن السادس الهجري - في (مجمع البيان) 1: ثم أخبر سبحانه
على وجه الانكار عليهم (= على المشركين) بقوله: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) 2
إنه أعلم منهم ومن جميع الخلق بمن يصلح لرسالاته ويتعلق مصالح الخلق ببعثه وأنه
يعلم من يقوم بأعباء الرسالة ومن لا يقوم بها فيجعلها عند من يقوم بأدائها ويتحمل ما
يلحقه من المشقة والأذى على تبليغها. چ.
القول 37: القول في عصمة الأئمة - عليهم السلام - 65 / 1.
الذي خالف في هذا وقال بجواز وقوع السهو والنسيان عن المعصوم هو الشيخ
الصدوق أبو جعفر ابن بابويه القمي - قدس سره - فإنه نظرا إلى ظاهر بعض روايات
واردة في ذلك كالخبر المروي عن طرق العامة المتضمنة لسهو النبي في الصلاة وقول
ذي اليدين المذكورة في كتبهم وغيرها، ذهب إلى تجويز وقوع السهو على النبي والأئمة
- عليهم السلام - وزعم أن وقوع ذلك منهم إسهاء لهم من الله تعالى ليعلم الناس أنهم عباد
مخلوقون وأن لا يتخذوهم أربابا من دون الله، وزعم أن من نفى السهو عنهم هم الغلاة
والمفوضة، ونقل عن شيخه محمد بن الحسن بن وليد القمي - رحمة الله عليه - أنه قال:
أول درجة في الغلو هو نفي السهو عن النبي (ص) انتهى 3.
ومحققو أهل النظر من الإمامية ذهبوا إلى نفي وقوع السهو في أمور الدين عنهم
لما دل على ذلك من الأدلة القطعية عقلا ونقلا والأدلة الدالة على عصمتهم وإنه لو
صدر عنهم أمثال ذلك لانتفت فائدة البعثة واللطف الموجود في وجود الإمام على
تفصيل مبسوط في كتبهم الكلامية ومصنفاتهم في باب الإمامة خاصة.

1 - ج 2 ص 362 طبع صيدا.
2 - سورة الأنعام / 124.
3 - انظر من لا يحضره الفقيه ص 74، 75 طبع تبريز للشيخ الصدوق، وإلى شرح عقائد الصدوق، في
الغلو والتفويض في هذا المنشور. چ.
171

وللشيخ الجليل المصنف - قدس سره - رسالة مفردة معروفة في الرد على الصدوق في
هذه المسألة 1 تعرض فيها لحال الخبر الذي استدل به على مقصوده وبين ما فيه من
وجود الخلل والمخالفة للأدلة القاطعة بما لا مزيد عليه. ز.
القول 39: ولأهل الإمامة في هذه المقالة ثلاثة أقوال - 66 / 11.
منشأ هذه الأقوال الثلاثة التي حكاها عن الإمامية هو اختلاف الأخبار المأثورة
عنهم في هذا الباب فكان المشاهد عن حالهم في كثير من الأحوال الحكم في القضايا بما
يقتضيه أدلة الشرع وأحكامه الظاهرية المعروفة من العمل بالبينات وأقوال الشهود
والرجوع إلى الاستحلاف واليمين في موارده على ما تقتضيه أصول القضاء والحكم، كما
يظهر أيضا من جملة من الآثار عملهم بمقتضى ما حصل لهم من العلم بحقائق
القضايا وواقعياتها، بخلاف ما كان يقتضيه ظواهر الأحوال، والصحيح في ذلك هو
ما اختاره المصنف - قدس سره - ونقله عن غيره أيضا من إناطة الأمر إلى الألطاف
والمصالح المختلفة في أشخاص القضايا والأحكام، إذ لا استبعاد عقلا أن يرشدهم
الله تعالى بنوع من الدلالة في بعض الموارد على بواطن الأمور وخفيات الوقائع فيحصل
لهم العلم على صدق الصادقين من الشهود وكذب كاذبيهم فيحكمون عند ذلك
بمقتضى قطعهم، كما أنه لا يمتنع عقلا أن يطوى عنهم علم جملة من بواطن الأشياء
لمصالح وحكم في ذلك فيكون تكليفهم حين ذلك العمل بظواهر الحال، ومن الجائز
أيضا أن يكونوا مع علمهم واطلاعهم على بعض بواطن الأمور مكلفين بالحكم على
طبق الظواهر وعدم إظهار ما يعلمونه لتقية أو غيرها، فالأمور في ذلك تكون موكولة إلى

1 - أدرج العلامة المجلسي هذه الرسالة النفيسة في البحار ص 223 طبع كمپاني و ج 6 ص 297 طبع
طهران في باب سهوه ونومه (ص) من الصلاة، انظر الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 5
ص 175، 176 طبع طهران، وكتاب أبو هريرة 110، 117 طبع صيدا للعلامة الإمام السيد
عبد الحسين شرف الدين العاملي - مد ظله -. چ.
172

المصالح الواقعية الموجودة في خصوصيات الأحكام وإلى الألطاف المقتضية لإظهار
الحكم وإخفائه. ز.
القول 40: بجميع الصنايع وسائر اللغات - 67 / 1
انظر البحار ج 7 ص 322 طبع أمين الضرب. ج.
القول 40: المفوضة كافة وسائر الغلاة 67 / 7.
يكرر ذكر اسم هذه الفرقة في هذا الكتاب وهم فرقة من الغلاة الذين غلوا في
حق بعض المخلوقين وأجروا في حقهم الأحكام الإلهية تعالى الله عن ذلك، وقول هذه
الفرقة الذي فارقوا به غيرهم أنهم قالوا في الأئمة - عليهم السلام - أنهم عباد مخلوقون وأن
ذواتهم حادثة ونفوا سمات القدم عنهم، وقالوا: إن الله تعالى تفرد بخلقهم خاصة ثم
فوض إليهم خلق العالم بما فيه وجعل إليهم أمر الخلق والرزق وجميع الأفعال
الواقعة في الكون، وقد أشار إلى معتقدهم هذا المصنف - قدس سره - في شرحه لكتاب
(إعتقادات الصدوق 1).
القول 41: وكون ذلك هم في الصفات - 67 / 9.
انظر البحار ص 300 ج 7 طبع أمين الضرب. چ.
القول 41: وهذا لا يكون إلا لله - عز وجل - 67 / 16.
قال المحقق رشيد الدين محمد بن شهرآشوب المتوفى سنة 588 ه‍ في كتابه
القيم (متشابه القرآن ومختلفه): النبي والإمام يجب أن يعلما علوم الدين والشريعة
ولا يجب أن يعلما الغيب وما كان وما يكون لأن ذلك يؤدي إلى أنهما شاركان للقديم

1 - أنظر (شرح عقائد الصدوق) في الغلو والتفويض. چ.
173

تعالى في جميع معلوماته، ومعلوماته لا تتناهى، وإنما يجب أن يكونا عالمين لأنفسهما
وقد ثبت أنهما عالمان بعلم محدث والعلم لا يتعلق على التفصيل إلا بمعلوم واحد، ولو
علما ما لا يتناهى لوجب أن يعلما وجود ما لا يتناهى وذلك محال، ويجوز أن يعلما
الغائبات والكائنات الماضيات أو المستقبلات بإعلام الله تعالى لهما شيئا منها... 1. چ.
القول 42: وإن كانوا أئمة غير أنبياء - 68 / 3.
انظر: (شرح عقائد الصدوق) في نزول الوحي. چ.
القول 42: وجاعلوه من المرسلين - 68 / 4.
سورة القصص 7 وأول الآية: (وأوحينا إلى أم موسى...) چ.
القول 42: وإنما منع ذلك الإجماع والعلم - 68 / 10.
قال الفاضل أبو عبد الله المقداد بن عبد الله السيوري الحلي المتكلم الشهير
المتوفى سنة 721 ه‍ في كتابه القيم (اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية) مخطوط 2،
تاريخ كتابة نسختنا 852 ه‍: البحث الثاني أنه (= خاتم الرسل) مبعوث إلى كافة
الخلق، ودليل ذلك إخباره (ص) بذلك المعلوم تواترا مع ثبوت نبوته المستلزمة لاتصافه

1 - ج 1 ص 211 طبع طهران 1369 ه‍.
2 - قال العلامة الخوانساري في (روضات الجنات) ص 667 طبع 1 عند كلامه على ترجمة الفاضل
المقداد: وكتابه (اللوامع) من أحسن ما كتب في فن الكلام على أجمل الوضع وأسد النظام وهو
في نحو من أربعة آلاف بيت ليس فيه موضع ليته كان كذا ولست. وقال مؤلف اللوامع في
ديباجته:... وقد صنف العلماء في ذلك (= علم الكلام) الجم الغفير وبالغوا في تنقيح مسائله
بالتقرير والتحرير فأحببت مزاحمتهم في التقرب إلى رب الأرباب والفوز بوافر الأجر وجزيل
الثواب بتحرير كتاب جامع لغرر فوائد العلم المشار إليه وتقرير نكت فوائد المعول فيه عليه... چ
174

بصفات النبوة التي من جملتها العصمة المانعة من الكذب، وخالف في ذلك بعض
النصارى حيث زعم أنه مبعوث إلى العرب خاصة وهو باطل لأنه لما سلم لم نبوته لزم
تصديقه في كل ما أخبر به ومن جملته عموم نبوته كقوله في القرآن: (يا أيها الناس إني
رسول الله إليكم جميعا)، (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، (لأنذركم به ومن
بلغ) 1، وقوله (ص): (بعثت إلى الأسود والأحمر) لا يرد كونه عربيا وقد قال سبحانه:
(وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) فلو أرسل إلى غيرهم لزم خطاب من لا يفهم
ومخالفة الآية لإمكان الترجمة فيحصل الفهم وليس في الآية دلالة على منعه إذ لا يلزم
من إرسال الرسول بلسان قومه أن لا يرسله إلى غيرهم بتفهيمهم بلسانهم.
فائدة: يلزم من عموم نبوته كونه خاتم الأنبياء وإلا لم تكن عامة للخلق ولقوله
تعالى: (وخاتم النبيين) وقوله (ص): (لا نبي بعدي): وقال إمام المفسرين أبو علي
الطبرسي في (مجمع البيان) 2: وفي قوله: (من بلغ) دلالة على أنه خاتم النبيين
ومبعوث إلى الناس كافة، إذ لم يقيده بزمان ولا مكان. وقال الأستاذ السيد محمد رشيد
رضا المتوفى سنة 1354 ه‍ في (تفسير المنار) 3 وقوله تعالى: (لأنذركم به ومن بلغ)
نص على عموم بعثة خاتم الرسل (ص) أي لأنذركم به أي بالقرآن يا أهل مكة أو يا
معشر قريش أو العرب وجمع من بلغه ووصلت إليه دعوته من العرب أو العجم، أو
المعنى لأنذركم به يا أيها المعاصرون لي وجمع من بلغه إلى يوم القيامة. چ.
القول 2 4 - فأما ظهور المعجزات عليهم - 68 / 13.
انظر البحار ج 7 ص 364 طبع كمپاني. چ.

1 - سورة الأنعام / 19 (قل... وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ). چ.
2 - ج 2 ص 282 طبع صيدا.
3 - ج 7 ص 341 طبع مصر.
175

القول 42: وبنو نوبخت تخالف فيه وتأباه - 68 / 16.
الأقوال التي ينسبها في الكتاب إلى بني نوبخت هي آراء من تقدم منهم على
عصره ولا سيما آراء المتكلمين الجليلين الشهيرين أبي سهل وأبي محمد النوبختيين
- رحمهما الله - وبعض النوبختيين المتأخرين يوافقون في ظهور الاعلام والمعجزات على
أيدي الأئمة - عليهم السلام -. قال الشيخ الجليل أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت في كتابه
الموسوم ب‍ (الياقوت) ما لفظه: وظهور المعجزات على أيدي الأئمة جائز ودليله قصة
مريم وآصف وغير ذلك. وقال العلامة الحلي - رحمه الله - في شرحه 1: إنه غير مستحيل
ولا قبيح فجاز إظهاره، أما عدم قبحه فلأن جهة القبح هو الكذب وهو منتف هيهنا
إذ صاحب الكرامة لا يدعي النبوة فانتفى وجه القبح. ومن ذهب إلى جواز صدور
الكرامات عنهم من مشايخ المعتزلة غير من أشار إليه المصنف هو أبو الحسين
البصري.
القول 43: والسفراء والأبواب 69 / 5.
انظر البحار ج 7 ص 365 طبع كمپاني. چ.
القول 43: في الصالحين والأبرار - 69 / 8.
مسألة ظهور الكرامات على الأولياء والأبرار مما جوزه أكثر الفرق وإنما خالف
فيه المعتزلة بشبهة أنه يبطل دلالة المعجزة على النبوة، وجوزه من المعتزلة غير أبي بكر ابن
الأخشيد المذكور في كلام المصنف - قدس سره - أبو الحسين البصري أيضا وكذا محققو

1 - وسمي ذلك الشرح النفيس الهام: ب‍ (أنوار الملكوت في شرح الياقوت) مخطوط ويطبع الآن بعون
الله تعالى بالعراق بعناية صديقنا العلامة المفضال السيد محمد علي القاضي الطباطبائي التبريزي
نزيل النجف الأشرف - جزاه الله عن العلم والدين خيرا. چ.
176

الأشعرية كالجويني والغزالي وفخر الدين الرازي وغيرهم، والكلام في رد الشبهة
المذكورة للمعتزلة وغيرها مذكور في كتب الكلام. وأما الزيدية فالمذكور في كلام
المصنف أنهم يوافقون في نفي صدورها مع المعتزلة وكأنه كان في بعض المقدمين منهم
وإلا ففي كلام المتأخرين منهم جوازه، قال السيد الإمام أبو الحسين يحيى بن حمزة بن
علي الحسيني من أفاضل أئمة الزيدية القائمين باليمن في كتابه الكبير في الكلام
المسمى ب‍ (الشامل) بعد أن ذكر ذهاب جماهير المعتزلة إلى امتناع إظهار الخوارق على
الأولياء وذهاب الإمامية إلى وجوب ظهورها على الأئمة ما نص عبارته: وذهب الشيخ
أبو الحسن والمحققون من الأشعرية كالغزالي والجويني وصاحب (النهاية) وغيرهم
إلى جواز ظهورها عليهم وهو الذي ذهب إليه أئمة الزيدية ومن تابعهم من علماء
الدين. انتهى.
والفلاسفة المسلمون أيضا جوزوا وقوعها من الأولياء ولهم في إثبات ذلك
مناهج عقلية مذكورة في كلماتهم كما يطهر للمراجع إلى كتب ابن سينا مثل الشفاء
والإشارات وغيرهما. ز.
القول 46: بين الأئمة والأنبياء - عليهم السلام - 70 / 11.
انظر البحار ج 7 ص 345 طبع كمپاني. چ.
القول 46: وأنا ناظر فيه - 71 / 4.
قد رفعنا إلى معالي العلامة الشهير السيد هبة الدين الشهرستاني في شعبان سنة
1354 ه‍ هذه المسألة: هل الأئمة - عليهم السلام - أفضل من الأنبياء - عليهم السلام - أم الأمر
بالعكس؟ فأجاب - مد ظله - عنها بهذا النص: أما بالقياس إلى النبي (ص) فالجميع دونه في
جميع الفضائل وإنما فضائلهم رشحات من فضله وعلومهم مقتبسة من علمه
وشرفهم فرع شرفه. وأما بالقياس إلى سائر الأنبياء السالفين فلا يبعد أن تكون جملة من
177

هؤلاء أفضل وأشرف من جملة في أولئك، لأن في هؤلاء من هو أعلم وأشرف وأكثر
جهادا في سبيل الله، وأصبر وأعظم نفعا للبشر علميا وأدبيا وأخلاقيا واجتماعيا،
فلا يبقى ما يقف عثرة في سبيل التفضيل سوى ميزة النبوة، وقد قررت في محله أن
الخلافة لأفضل الأنبياء قد يعتبر أعظم درجة من بعض الأنبياء، وبعبارة أخرى لم يثبت
أن الخلافة الإلهية عن أعظم أنبياء أقل درجة من كل نبي، ولدينا مثال محسوس وهو
قياس ملك صغير من الشرف إلى ملك كبير، مثل ملك بريطانيا ثم قياسه إلى وزير
المستعمرات، فإن وزير الملك العظيم يقتبس من عظمة ملكه فضلا وعظمة لا يدانيه
فضل الملك الصغير ولا عظمته. وإن أبيت إلا أن يقام لك شاهد من آثار الشريعة
القدسية فالحديث المروي عن رسول الله (ص): (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل)، وفي
أكثر الروايات (أفضل من أنبياء بني إسرائيل)، فإن أخذنا العموم من علماء الأمة فأهل
بيت النبي المصطفى - أولى بالقصد وإلا فهم القدر المتيقن، مضافا إلى ما ورد في
علي - عليه السلام - من أنه أخو النبي ونفسه، وأنه خير الناس من بعده، وزوجته خير
النساء، ونسلهما خير نسل، و (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) فيعم كل
نبي مات في شبابه (وكل أهل الجنة شباب) و (علي مني وأنا من علي) و (حسين
مني وأنا من حسين) وما يدريك أن لو كانت النبوة باقية مستمرة لكانت النبوة في
هؤلاء متسلسلة فما قصروا عنها إلا لمانع في الحكمة الإلهية العامة لا لقصور في استعداد
هؤلاء خاصة، والله أعلم بحقائق الأمور. وراجع (متشابه القرآن) 1 للشيخ الجليل
المحبوب محمد بن شهرآشوب. وانظر رسالة (أصل الشيعة وأصولها) 2 للعلامة
الشهير آل كاشف الغطاء مد ظله، أيضا. چ.

1 - ص 44، 45 طبع طهران 1328 ه‍. ش.
2 - ص 84 طبع نجف.
178

القول 47 - كذلك نجزي الظالمين - 71 / 9.
سورة الأنبياء: 29.
القول 48: المفاضلة بين الأئمة - عليهم السلام - والملائكة - 71 / 13.
سبق منه الإشارة في فصل متقدم إلى الأقوال المختلفة في المفاضلة بين الأنبياء
والأئمة - عليهم السلام - وأظهر التمايل إلى فضل الأئمة من آل محمد (ص) على سائر
الأنبياء والرسل غير نبينا محمد (ص) ومع ذلك لم يقطع به وقال: (أنا ناظر فيه)، وفي
هذا الفصل يشير إلى المفاضلة بين الأئمة والملائكة ويفرق في ذلك بين الرسل من
الملائكة وبين غيرهم من سائر الملائكة ويقول إن قوله فيهم وفي المفاضلة بينهم
وبين الأئمة من آل محمد (ص) مثل قوله في المفاضلة بين الأنبياء والرسل من البشر
وبينهم - عليهم السلام -، وأما سائر الملائكة فقطع بأن الأنبياء من البشر والأئمة - عليهم
السلام - أفضل منهم. وللسيد الشريف المرتضى - قدس سره - مسألة خاصة في هذا الباب
استوفى الكلام في أطرافه واستقصاه بذكر الأدلة والحجج وهي معروفة 1. ز.
القول 48: ليس موضعها هذا الكتاب - 71 / 17.
انظر (مجمع البيان) ج 2 ص 304 س 13 طبع صيدا للشيخ الطبرسي. چ.
القول 49 - كما جاءت به الرواية - 72 / 15.
قال المؤلف - قدس سره - في جواب المسألة الرابعة والعشرين من المسائل
العكبرية (مخطوط): إنهم (= الحجج) عندنا أحياء في جنة من جنات الله - عز وجل -
يبلغهم السلام عليهم من بعيد ويسمعونه من مشاهدهم كما جاء الخبر بذلك مبينا على

1 - انظر البحار ج 14 ص 359. چ.
179

التفصيل، وليسوا عندنا في القبور حالين ولا في الثرى ساكنين وإنما جاءت العبادة
بالسعي إلى مشاهدهم والمناجاة لهم عند قبورهم امتحانا وتعبدا، وجعل الثواب على
السعي والاعظام للمواضع التي حلوها عند فراقهم دار التكليف وانتقالهم إلى دار
الجزاء، وقد تعبد الله تعالى الخلق بالحج إلى البيت الحرام والسعي إليه من جميع البلاد
والأمصار وجعله بيتا له مقصودا ومقاما معظما محجوبا وإن كان الله - عز وجل - لا
يحويه مكان ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان فكذلك يجعل مشاهد الأئمة مزورة
وقبورهم مقصودة وإن لم تكن ذواتهم لها مجاورة ولا أجسادهم فيها حالة. چ.
القول 49 - ولا هم يحزنون - 73 / 6.
سورة آل عمران: 170، 171.
القول 49: وجعلني من المكرمين - 73 / 7.
سورة يس: 26 و 27 (آل يس) وقال المؤلف - رحمه الله - في جواب المسألة
الرابعة من المسائل السروية: وقد قال سبحانه في مؤمن آل يس: (قيل ادخل الجنة)
الآية. فأخبر أنه حي ناطق منعم وإن كان جسمه على ظهر الأرض أو على بطنها. وقال
الله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا) الآية. فأخبر أنهم أحياء وإن كانت أجسادهم على
وجه الأرض أمواتا لا حياة فيها. چ.
القول 50: في أبيات مشهورة - 74 / 4.
قال العلامة الكبير والمتتبع الخبير السيد محسن الأمين العاملي - مد ظله - في
جمعه النفيس (ديوان أمير المؤمنين - عليه السلام - على الرواية الصحيحة ص 8 - 10
طبع دمشق: ولا باس بالإشارة إلى بعض ما يوجب القطع بفساد نسبة البعض مما في
الديوان المشهور إليه - عليه السلام -... ومن ذلك إيراده الأبيات التي أولها:
180

يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا
مع أنها للسيد الحميري وأولها:
قول علي لحارث عجب * كم ثم أعجوبة له حملا
فإنه صريح في أن ذلك حكاية قوله - عليه السلام - لا نفس قوله. والعجب إن
جامع الديوان ذكر هذا البيت في آخر الأبيات مع أنه في أولها وصريح في أنها ليست له
- عليه السلام -، والشيخ الطوسي في أماليه في المجلس الثامن عشر نسب الأبيات إلى
السيد الحميري وذكر هذا البيت في أولها. وقد وقع في هذا الاشتباه ابن أبي الحديد في
شرح النهج فنسب الأبيات إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - لما رأى في أولها خطابا للحارث
ولم يذكر البيت الذي هو أولها. وقال أيضا في ص 114 من الديوان: وقال ابن أبي
الحديد في شرح نهج البلاغة إن الشيعة تروي عنه شعرا قاله للحارث الأعور الهمداني:
(يا حار همدان من يمت يرني) البيت... ولكن الصواب أن هذه الأبيات للسيد
الحميري نظم فيها هذه القصة فتوهم الرواة أنها لأمير المؤمنين - عليه السلام - من قوله
فيها: (يا حار همدان)، وإنما ذلك حكاية قول أمير المؤمنين - عليه السلام - لا نفس قوله،
روى ذلك الشيخ الطوسي في أماليه في مجلس يوم الجمعة 18 جمادي الآخر سنة 457
بسنده عن جميل بن صالح قال أنشدني السيد بن محمد:
قول علي لحارث عجب * كم ثم أعجوبة له حملا
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا
انظر أمالي الشيخ المفيد ص 2 - 4 طبع نجف 1367 ه‍. چ.
القول 50: مثقال ذرة شرا يره - 74 / 12
سورة الزلزال: 7 و 8.
181

القول 50: فإن أجل الله لآت - 74 / 14.
سورة العنكبوت: 5.
القول 51: وأجسام الملائكة في التركيبات - 75 / 5.
انظر كتاب (المحتضر) تأليف الشيخ حسن بن سليمان الحلي صاحب (مختصر
بصائر الدرجات) 2 تلميذ الشهيد الأول من علماء أوائل القرن التاسع. چ.
القول 52: حتى النشور والمآب - 75 / 11.
انظر إلى ما قاله المصنف في هذا الموضوع في كتابه (تصحيح الاعتقاد) في النفوس
والأرواح. چ.
القول 54: وكيف تكون صورهم في تلك الأحوال - 77 / 7.
انظر (بحار الأنوار) ج 14 ص 410 طبع أمين الضرب. چ.
القول 54: عن الصادقين من آل محمد - 77 / 13.
لما كانت الأحكام الثابتة للمكتفين من أمر ونهي والاستحقاقات الحاصلة لهم
من تعلق مدح وذم وثواب وعقاب وغير ذلك كلها متعلقة بالانسان المكلف جرت
عادة المتكلمين بالبحث عن حقيقة الانسان وماهيته ليعلم أن ذلك المكلف الذي
تعلقت به هذه الأمور من هو؟ وقد اختلفت أقاويلهم في ذلك على آراء كثيرة حتى عد
منها زهاء أربعين قولا وغالبها ناشئة من خلط معنى النفس والروح بمعاني الحياة
والعقل ونحوهما والمعروف بين محققي المتكلمين هو القول بتجردها مما لا محل لبسط

1 - ص 1 طبع نجف 1370 د.
2 - طبع نجف.
182

القول في ذلك في هذا المقام.
وللمصنف في بعض أجوبة مسائله 1 كلام في هذا المقام يناسب نقله في هذا
المقام فقد سئل عنه عن الانسان 2 هل هو هذا الشخص المرئي المدرك أو هو جزء حال
في القلب حساس دراك، فأجاب بما لفظه:
إن الانسان هو ما ذكره بنو نوبخت، وقد حكى عن هشام بن الحكم أيضا،
والأخبار عن موالينا - عليهم السلام - تدل على ما أذهب إليه وهو أنه شئ قائم بنفسه لا
حجم له ولا حيز ولا يصح عليه التركيب ولا الحركة والسكون والاجتماع والافتراق
وهو الشئ الذي كانت تسميه الحكماء الأوائل (الجوهر البسيط) وكذلك كل حي
فعال محدث فهو جوهر بسيط، وليس كما قال الجبائي وابنه وأصحابهما أنه جملة
مؤلفة، ولا كما قال ابن الأخشاد إنه جسم متخلخل في الجملة الظاهرة، ولا كما قال
ابن الراوندي (الأعوازي خ‍) 3 إنه جزء لا يتجزأ. وقولي فيه قول معمر من المعتزلة
وبني نوبخت من الشيعة على ما قدمت ذكره، وهو شئ يحتمل العلم والقدرة والحياة
والإرادة والنقص قائم بنفسه محتاج في أفعاله إلى الآلة التي هي الجسد. والوصف
بأنه حي يصح عليه القول بأنه عالم وقادر وليس الوصف له بالحياة كالوصف
للأجساد بالحياة حسب ما قدمناه، وقد يعبر عنه بالروح وعلى هذا المعنى جاءت
الأخبار أن الروح إذا فارقت الجسد نعمت وعذبت، والمراد أن الانسان الذي هو
الجوهر البسيط يسمى الروح وعليه الثواب والعقاب وإليه توجه الأمر والنهي
والوعد والوعيد، وقد دل القرآن على ذلك بقوله: (يا أيها الانسان ما غرك بربك

1 - وهي الأسئلة السروية التي وردت إليه - قدس سره - من السيد الشريف بسارية مازندران فأجاب
عنها بكتاب عبر عنه النجاشي ب‍ (المسألة الموضحة) وفيها مسألة الرجعة والدر. چ.
2 - أنظر البحار (ص 411، 412 طبع كمپاني. چ.
3 - أنظر تكملة (الفهرست) لابن النديم ص 4 من طبعة مصر. چ.
183

الكريم * الذي خلفك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك) 1، فأخبر تعالى
أنه غير الصورة وأنه مركب منها ولو كان الانسان هو الصورة لم يكن لقوله تعالى: (في
أي صورة ما شاء ركبك) معنى لأن المركب في الشئ غير الشئ المركب فيه ولا مجال
أن تكون الصورة مركبة في نفسها عينا لما ذكرناه، وقد قال سبحانه في مؤمن آل ياسين 2:
(قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون * بما غفر لي) 3 فأخبر أنه حي ناطق منعم
وإن كان جسمه على ظهر الأرض أو في بطنها، وقال الله تعالى: (ولا تحسبن الذين
قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) 4 فأخبر أنهم أحياء وإن كانت
أجسادهم على وجه الأرض أمواتا لا حياة فيها، وروي عن الصادقين - عليهم السلام -
أنهم قالوا: إذا فارقت أرواح المؤمنين أجسادهم أسكنها الله تعالى في أجسادهم التي
فارقوها فينعمهم في جنته وأنكروا ما ادعته العامة من أنها تسكن في حواصل الطيور
الخضر، وقالوا المؤمنون أكرم على الله من ذلك، ولنا على المذهب الذي وصفناه أدلة
عقلية لا يطعن المخالف فيها ونظائرها لما ذكرنا من الأدلة السمعية وبالله أستعين
انتهى كلامه - رفع مقامه - نقلناه بطوله لما فيه من الفائدة المناسبة في المقام. ز.
القول 56: والصراط والميزان - 78 / 14.
الطريق إلى معرفة هذه الأمور والأحكام المتعلقة بالنشأة الأخروية هو السمع
وخبر المخبر الصادق فبعد ما ثبت نبوة النبي (ص) بالأدلة القاطعة وعصمته يجب
التصديق بكافة ما أخبر به عن هذه الأمور الممكنة التي لا استحالة فيها عقلا كما يجب
التصديق بسائر ما أتى به من الله تعالى، وبالجملة يجب الإيمان بجملة ما أخبر به عن

1 - سورة الانفطار / 6 - 8.
2 - انظر (تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي) ج 4 ص 407 طبع طهران. چ.
3 - سورة يس / 26 - 27.
4 - سورة آل عمران / 169.
184

هذه الأمور وأما تفاصيلها وكيفياتها، وأن الصراط ما هو، والميزان كيف هو وعلى
أي كيفية تقع المحاسبة، ومتى ينزل الملكان على أهل القبور، وعما يسألونهم فقد ورد
في بيانها أخبار كثيرة مروية في طرق الفريقين لا يخرج غالبها عن حريم أخبار الآحاد
فلا بد أن يسلك فيها ما يجب سلوكه في سائر تلك الأخبار والأخذ بما يوافق منها
الكتاب والسنة القطعية والاجماع ولا يخالف أدلة العقول.
وللمصنف بيانات وافية في غالب تلك المسائل في شرحه لكتاب (تصحيح
اعتقاد الإمامية) 1 للشيخ الصدوق أبي جعفر ابن بابويه القمي - قدس سره - ينبغي
المراجعة إليه لمن أراد مزيد التبصر في ذلك والله الموفق للصواب. ز.
القول 57: في الشفاعة - 79 / 13.
اتفق كافة فرق المسلمين على ثبوت الشفاعة لنبينا (ص) لكنهم اختلفوا في معناها،
فذهبت المعتزلة إلى أن الشفاعة للمؤمن الطائع في زيادة المنافع دون العصاة المرتكبين
للذنوب والكبائر وأما سائر الفرق فقالوا: إنها للعصاة والفساق من أهل الإيمان في
سقوط العقاب عنهم وأدلتهم على ثبوت الشفاعة بالمعنى الذي ذكرناه مذكورة في
الكتب المطولة. ز.
القول 57: ولا صديق حميم - 80 / 2.
سورة الشعراء: 100، 101.
القول 58: في البداء والمشية - 80 / 5.
(2) لفظ البداء يطلق على معنيين: الأول هو الظهور وهذا هو الأصل في هذه

1 - انظر كتاب (تصحيح الاعتقاد) في الصراط والحساب والميزان. چ.
185

اللفظة من حيث الوضع اللغوي، والثاني هو الانتقال والتحول من عزم إلى عزم
بحصول العلم أو الظن بشئ بعد ما لم يكن حاصلا، والبداء بهذا المعنى الأخير مما لا
يجوز إطلاقه في حق الباري تعالى لاستلزامه حدوث العلم وتجدده له مما دلت الأدلة
القاطعة على نفيه عنه تعالى، فحيث ما يضاف إليه هذه اللفظة فالمراد منه هو ظهور أمر
غير مترقب أو حدوث شئ لم يكن في الحسبان حدوثه ووقوعه، وعلى هذا المعنى
يحمل كل ما ورد إطلاقه في القرآن الكريم، والذي سوغ إطلاق لفظة البداء عليه تعالى
بهذا المعنى هو السمعيات من آيات الكتاب الكريم نحو قوله تعالى: (وبدا لهم من
الله ما لم يكونوا يحتسبون) 1 وغيره من الآيات، ومن الأخبار الكثيرة المروية بالطرق
الصحيحة في كتب الفريقين ولولا تلك السمعيات لم يجز إطلاقها في حقه تعالى.
ومحققو الفريقين حملوها على ما يفيد معنى النسخ ونظائره مما ذكره المصنف
- قدس سره - وجعلوا مثابته في التكوينيات مثابة النسخ في الأمور التشريعية مما أطبق
الكل على صحته وجوازه ويصير الخلاف حينئذ كخلاف لفظي. وبعض مخالفي
الإمامية حمل هذه اللفظة على المعنى الأخير الذي لا يجوز إطلاقه في حقه ونسبه إلى
مذهب الإمامية بقصد التشنيع لهم في ذلك والصحيح من ذلك ما أشرنا إليه. ز.
القول 59: من الزيادة فيه والنقصان. 80 / 17.
الكلام في هذه المسألة معروف، والخلاف فيه بين العلماء مشهور أما الزيادة في
آيات القرآن فلم يدعها أحد بل صرحوا بعدم وقوعها، وأما التحريف والنقص فقد
وقع دعواه عن بعض حشوية العامة وأخبارية الشيعة نظرا لورود بعض روايات مروية
بطريق الآحاد، ومحققو الفريقين وأهل النظر منهم على خلافه، ونحن نقتصر في هذا
الباب على كلام للشيخ الجليل أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي - قدس سره - أورده في

1 - سورة الزمر / 47.
186

تفسيره المعروف ب‍ (التبيان) 1 قال:
أما الكلام في زيادة القرآن ونقصانه فمما لا يليق به أيضا (غرضه أنه لا يليق
إيراده في ضمن تفسير آيات القرآن وإنما يلزم التعرض له في المقدمات) لأن الزيادة فيه
مجمع على بطلانها، وأما النقصان فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه وهو
الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر في الرواية غير أنه
رويت روايات كثيرة من جهة الشيعة وأهل السنة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل
شئ منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا والأولى
الإعراض عنها. انتهى. ز.
القول 59: ومن عرف الناسخ والمنسوخ - 81 / 2.
انظر باب (القول في اللطيف من الكلام)، (القول في ناسخ القرآن
ومنسوخه). چ.
القول 59: ولا من آية ولا من سورة - 81 / 6.
قال العلامة الإمام السيد هبة الدين الشهرستاني - مد ظله - في مجلة (المرشد)
ج 3 ص 211 طبع بغداد: المشهور (وعليه الجمهور) إن القرآن المنزل من الله على
رسوله إنما هو هذا الموجود بين الدفتين وعليه أدلة وافية من التاريخ والحديث. وقد
اغتر جملة من الحشوية ونساك المحدثين الظاهريين ببعض الأحاديث الضعيفة والتي
وضع قسما منها ذووا الأهواء من رؤساء الفرق في صدر الاسلام فظنوا حدوث الزيادة
والنقصان في آي القرآن. وسيدنا المرتضى علم الهدى صرح كغيره من أسلافنا
المحققين بأن القرآن محفوظ من الزيادة والنقصان كما صرح أيضا بأن أكثر ما نزل على

1 - انظر كتاب (التبيان في تفسير القرآن) ج 1 ص 2 - 3 طبع طهران على الحجر 1364 ه‍ للشيخ
الطوسي. چ.
187

هذا الدين من البلاء إنما هو من أرباب النسك يعني بهم الذين يأخذون من صفاء
سريرتهم بكل ما يسمعون. انظر رسالة (أجوبة موسى جار الله) ص 27، 37 طبع
صيدا للعلامة الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي - مد ظله - وتفسير (آلاء
الرحمن) ج 1 ص 17، 32 طبع صيدا لفقيد العالم الاسلامي الإمام الشيخ محمد جواد
البلاغي - طاب ثراه - و (المطالعات والمراجعات) ج 2 ص 115 - 120 طبع صيدا
ورسالة (أصل الشيعة وأصولها) ص 88 طبع النجف لمؤلفها العلامة الإمام الشيخ
محمد الحسين آل كاشف الغطاء - مد ظله - چ.
القول 59: ولكن حذف ما كان مثبتا - 81 / 6.
انظر (البحار) ج 19 ص 20 طبع كمپاني.
القول 59: رب زدني علما - 81 - 10.
سورة طه: 114.
القول 59: فسمى تأويل القرآن قرآنا - 81 / 10.
انظر (تصحيح الاعتقاد) في نزول القرآن. چ.
القول 60: في أبواب الوعيد - 82 / 6.
الوعيد عبارة عن الإخبار بوصول ضرر على الموعود كما أن الوعد عبارة عن
الإخبار بوصول نفع إليه، وقد أشار إلى جملة من مسائله التي اتفقت عليها الإمامية
وخالفتهم فيها المعتزلة وغيرهم في الباب المخصوص الذي عقده لهذا.
وقد جرت عادة المتكلمين على البحث في باب الوعيد عن مسائل الثواب
والعقاب والطاعة والمعصية والإيمان والكفر وما يجري على الكفار والفساق من
188

الأسماء والأحكام وغير ذلك مما قد تعرض لشئ من مهماتها في طي الأبواب الآتية
وذكر معتقد الإمامية فيها ومن يخالفهم في شئ منها. ز.
القول 61: ولا الثواب ولا العقاب - 82 / 14.
الاحباط في اصطلاح المتكلمين خروج الثواب والمدح الذين يستحقهما العبد
المطيع عن كونهما مستحقين بذم وعقاب أكبر منهما لفاعل الطاعة، والقول بالتحابط
منسوب إلى أبي علي الجبائي من المعتزلة وتبعه عليه من يوافقه، فقال إذا أقدم صاحب
الكبيرة عليها أحبطت تلك الكبيرة جميع أعماله الصالحة وأسقطتها والخلاف في ذلك
في غير الكفر إذ لا خلاف في أنه يزيل استحقاق الطاعات السالفة وفي غير الإيمان
الذي يزيل استحقاق الذنوب السابقة 1.
وقال أبو هاشم بالموازنة وهو أن الأعمال الصالحة للعبد توازن بالأعمال السيئة
فينعدم ما يساوي الناقص بالناقص ويبقى الزائد، والأدلة على بطلان كلا القولين
مذكورة في محله. ز.
القول 63: في الموافاة - 83 / 9.
مجمل القول في هذا أنه لا خلاف في أن المؤمن بعد اتصافه بالإيمان الحقيقي في
الواقع ونفس الأمر لا يمكن أن يكفر ما دام الوصف وإنما الخلاف في أنه هل يمكن
زواله بطريان ضد له أم لا؟، فذهب كثير إلى جواز ذلك بل وقوعه ويدل عليه ظواهر
آيات كثيرة من القرآن، وذهب بعض آخر إلى عدم جواز زوال الإيمان الحقيقي بضد أو
غيره وهو الذي يظهر من كلام المصنف هيهنا ونسب القول به إلى السيد الشريف
المرتضى أيضا.

1 - راجع (كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد) ص 360 طبع صيدا، للعلامة الحلي - رحمه الله - چ -
189

وتحقيق القول في ذلك ما ذكره بعض أجلاء المتأخرين وهو أن المعلومات التي
يتحقق الإيمان بالعلم بها أمور متحققة ثابتة لا تقبل التغيير والتبديل فإن وحد
الصانع تعالى ووجوده وأزليته وعلمه وقدرته وحياته أمور يستحيل تغيرها وكذ
كونه عدلا لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب كذا النبوة والمعاد فإذا علمها الشخص
على وجه اليقين والثبات بحيث صار علمه بها كعلمه بوجود نفسه - غير أن الأول نظري
والثاني بديهي، لكن لما كان النظري إنما يصير يقينيا بانتهائه إلى البديهي ولم يبق فرق
بين العلمين - امتنع تغير ذلك العلم وتبدله كما يمتنع تغير علمه بوجود نفسه.
والحاصل أن العلم إذا انطبق على المعلوم الحقيقي الذي لا يتغير أصلا فمحال تغيره
فعلم أن ما يحصل لبعض الناس من تغير عقيدة الإيمان لم يكن بعد اتصاف أنفسهم
بالعلم حقيقة بل كان الحاصل لهم ظنا غالبا بتلك المعلومات، والظن يمكن تبدله
وتغيره. انتهى. والكلام في مسألة الموافاة واشتراط استحقاق الثواب بها وعدم
اشتراطها طويل لا يسع المقام التطويل بذكره والمرجع الكتب المبسوطة. ز.
القول 65: في العموم والخصوص - 84 / 4.
الكلام في هذا الباب من مباحث أصول الفقه وقد تعرض أهله للبحث
المستقصى عن هذه المسألة في كتبهم، ولكن لأجل أنها لها نوع ارتباط ببعض مباحث
الوعد والوعيد وغيرها مما يبحث عنه في علم الكلام تعرض لها بعض المتكلمين في كتبهم،
مثلا ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة مشعرة بعدم جواز العفو عن مرتكبي الذنوب
والمعامي مثل قوله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا
فيها) 1، وقوله تعالى: (ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا) 2 وقوله تعالى: (إن
الفجار لفي جحيم) 3 وآيات غير ذلك.

1 - سورة النساء / 14.
2 - سورة الفرقان / 19.
3 - سورة الانفطار / 14.
190

فإذا لم يثبت وجود صيغة للعموم يخصه في لغة العرب يحتمل اللفظ العموم
والخصوص فيجوز عند ذلك تخصيص الوعيد بالكفار دون فساق أهل القبلة كما هو
مذهب الإمامية والمرجئة ويخالفهم فيه المعتزلة على ما سبقت الإشارة إليه في أول
الكتاب.
ولأجل ذلك أفرد - بعض المتكلمين هذه المسألة بالتأليف كالنوبختيين أبو سهل
إسماعيل بن علي، وأبو محمد الحسن بن موسى النوبختي - رحمهما الله - كما أشاروا إلى
ذلك في فهرست تصانيفهم. ز.
القول 66: في الأسماء والأحكام - 84 / 9.
الغرض المهم من عقد هذا الباب في كتب الكلام هو البحث عن حال مرتكبي
الكبائر من المعاصي من المسلمين والمصلين إلى القبلة وما يستحقونه [من] الأسماء وعلى أي
نحو يطلق عليهم هذه الأسماء وما يجري عليهم من الأحكام وما يتعلق بذلك، وقد
ظهر الكلام في ذلك منذ الصدر الأول من الزمن الذي نشأت فرقة الخوارج وما ابتدعه
بعض فرقهم كالأزارقة وغيرهم من الأقاويل الفاسدة في باب الإيمان والكفر والتي
استحلوا بها دماء المسلمين وكفروهم، ثم ما حدث لأجل ذلك من القول بالمنزلة بين
المنزلتين وفارق به المعتزلة سائر الفرق وهو أن الفاسق المرتكب للكبائر ليس بمؤمن
ولا كافر وأنه يستحق الوعيد بالخلود في النار على ما أشير إليه في أوائل الكتاب، وقد
تعرضوا في ضمن ذلك على تعريف حقيقة الإيمان والكفر وحكم المخالف للحق من
أهل القبلة، وإلى حال المعاصي من صغيرة أو كبيرة، وما يستحقه مرتكبوها من
العقاب في العاجل أو الذم في الأجل. وما يطلق عليهم من الأسماء الشرعية ويجري
عليهم من الأحكام الدينية إلى غير ذلك من تفاريع المسائل والأحكام التي تكفل
ببيانها حوافل كتب الكلام والفقه، وقد تعرض المصنف - قدس سره - لأهم ما خالف فيه
المعتزلة مع الإمامية في المسائل المذكورة في هذا الكتاب. ز.
191

القول 67: يموتون وهم كفار - 85 / 5.
سورة النساء: 18.
القول 67: إلى يوم يبعثون - 85 / 7.
سورة المؤمنون: 99، 100.
القول 68: وعبد السلام الجبائي ومن اتبعه يخالفون فيه - 85 / 15.
ذهب أبو هاشم إلى أن حقيقة التوبة هي الندم على المعصية والعزم على عدم
العود إلى مثلها في القبح، وبعبارة أخرى الندم على المعصية السابقة والعزم على تركها
في الآتي، وتبعه في ذلك من انتهج منهجه من جمهور معتزلة البصريين كالقاضي عبد
الجبار وغيره فحقيقة التوبة عند هؤلاء متقومة من جزأين: ندم خاص وعزم خاص.
وقال آخرون: حقيقة التوبة هي الندم على فعل المعصية وأما العزم على تركها فليس
بمأخوذ في حقيقتها، ثم اختلفوا فجعله بعض منهم شرطا وبعض آخر لازما فقد اتفق
الكل على أن النادم غير العازم وكذا العازم مع عدم الندم ليس بتائب وإنما الخلاف
في أن عدم صحة توبته لزوال ما هو جزء حقيقة التوبة أو لزوال شرطها ولازمها.
والظاهر من كلام المصنف أخذه شرطا فيها واختار محمود الخوارزمي من
المعتزلة كونه لازما، فالعزم المذكور جزء من مفهوم حقيقة التوبة عند أبي هاشم وأتباعه
وليس بجزء منه عند هؤلاء بحيث لو ندم على ما سلف من القبيح ومنع عن العزم
صحت توبته على هذا القول دون القول الأول. ز.
القول 69: فضلا عن أن يكون قبيحا - 86 / 6.
حكي قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد الرازي هذا القول المنسوب إلى أبي
هاشم عن أمير المؤمنين - عليهم السلام - وعن أولاده كعلي بن موسى الرضا - عليه السلام - كما
192

نقله عنه العلامة الحلي - قدس سره - وكذا حكاه عنهم - عليهم السلام - يحيى بن حمزة
الحسيني من أفاضل أئمة الزيدية في الشامل وعن جماعة أخرى من التابعين
وأتباعهم مثل الحسن البصري وواصل بن عطاء وجعفر بن مبشر وبشر بن المعتمر
وغيرهم.
وتحقيق القول في ذلك أنها مقولة بالشدة والضعف ومختلفة بحسب اختلاف
جهات القبح فيها وإن كانت مشاركة في القبح المطلق فإذا تاب العبد عن قبيح له
مشاركة مع غيره في الجهة المقبحة وجب التوبة عن ذلك القبيح الآخر أيضا وإلا
لم يكن توبة حقيقة عنه، وأما سائر القبائح التي لا تشاركه في جهة القبح فلا دخل له
في التوبة عن هذا القبيح لاختلاف الدواعي والأغراض، ولهذا ألزموا أبا هاشم بأنه
لو أسلم يهودي وندم على كفره وبقي على الاصرار عل صغيرة من الصغائر أن لا يكون
توبته مقبولة مع أن الإجماع واقع على صحة توبته، وبهذا ينبغي أن يحمل القول المنقول
عن أمير المؤمنين وأهل بيته - عليهم السلام - ويتأول به والله أعلم. ز.
القول 71: وإن شاؤوا استقادوا منه - 87 / 10.
(القود) بفتح القاف والواو القصاص وقتل القاتل بدل القتيل. يقال: (استقاد
الأمير) أي سأله أن يقيد القاتل بالقتيل. چ.
القول 72: من جهة الاكتساب - 88 / 8.
العلم ينقسم إلى ضروري وكسبي، والضروري هو ما يضطر غريزة العقل
بمجردها إلى التصديق به مثل (أن الشئ لا يتصف بالنفي والاثبات)، و (أن الكل
أعظم من الجزء) و (الأشياء المتساوية لشئ واحد مساوية) فإنها معقولات محضة
تقتضيها ذات العقل بمجرد التوجه إليها وحصولها في الذهن حتى أنه لو قدر أن
شخصا خلق دفعة عاقلا ولم يلقن بشئ من التعاليم وعرضت عليه هذه القضايا
193

لم يتربص في الحكم عليها بذلك ولا يتوقف تصديقه بها إلا على ذهن ترتسم فيه وقوة
مفكرة تنسب بعضها إلى بعض بغير استعانة من حس أو غيره، والعلم الكسبي أو
النظري هو ما لا يكون بهذه المثابة بل إنما يقع بتصديق العقل به بعد نظر صحيح
بترتيب مقدمات موصلة إلى النتائج في إثبات شئ لشئ ونفيه عنه على ما هو معلوم.
وقد اختلفت أنظار النظار في هذا الباب، فذهبت طائفة كالجاحظ وغيره إلى
أن العلوم كلها ضرورية بمعنى أن العلوم والمعارف الحاصلة للانسان ليست شئ منها
يحصل بكسب وأنه إذا وجه إرادته لدرك شئ مجهول فليس له إلا ذلك الاتجاه وأنه
يدرك بعد ذلك ما هو حاصل في نفسه من المعلومات ويتذكرها طبعا وليس شئ من
ذلك من فعل العبد، ويشبه أن يكون الجاحظ وغيره من رجال المعتزلة سرت إليهم
هذه النظرية من قدماء الفلاسفة كافلاطون وغيره فإن بين نظرياته ما يشابه هذا الرأي
وأن العلم ليس سوى التذكر.
وقد رأى هذا الرأي غير الجاحظ أيضا كأبي محمد ابن حزم الأندلسي فقد عقد
لذلك بابا في كتابه المعروف (في الملل والنحل) وناقش مخالفيه فيه، ونسب ذلك
أيضا إلى الإمام فخر الدين الرازي وغيره. ومن هؤلاء من يرى أن العلوم مع كونها
ضرورية غير مقدورة للعباد، فمنها ما حصوله لا عن نظر، ومنها ما حصوله عن نظر
لكن بعد تمام النظر يحصل الاضطرار إليه. ونقل أبو الحسن الآمدي عن بعض
الجهمية أن جميع العلوم نظرية لا ضرورة فيها، وقال قوم: العلوم المتعلقة بذات الله
وصفاته والاعتقادات الصحيحة ضرورية وما عدا ذلك لا يمتنع أن يكون نظريا،
وفضل بعض آخر بين العلوم التصورية فقال: هي ضرورية، والتصديقية فقال:
بانقسامها إليهما.
وقد بسط الكلام على هذه الأقاويل بالتصحيح والإبطال في محله وغرض
المصنف - قدس سره - من تكرار القول في ذلك البحث هو الإشارة إلى ما هو الصحيح
194

من حصول ما ذكره من العلم بالأشياء الغائبة عنا بالكسب والنظر دون طريق
الاضطرار خلافا لبعض من أشار إليهم من الفرق المذكورة القائلين بأنها ليست من
أفعال العباد وأنها اضطرارية لا قدرة للعبد فيها وكذا فيما يشير إليه من الأمور المعلومة
بسبب التواتر وغيره. ز.
القول 74: في حد التواتر من الأخبار - 89 / 7.
الكلام في حقيقة التواتر وما به يتحقق التواتر معروف في أصول الفقه، والخلاف
في أن العلم الحاصل عن خبر التواتر هل هو بضرورة واضطرار إليه أو هو نظري
واكتساب، فنقل عن جمهور من الفقهاء والمتكلمين من المعتزلة والأشاعرة أنه
ضروري، وعن الكعبي وأبي الحسين أنه نظري، وقال أبو حامد الغزالي إنه ضروري
بمعنى أنه لا يحتاج في حصوله إلى الشعور بتوسط واسطة مفضية إليه وليس ضروريا
بمعنى أنه حاصل من غير واسطة.
وغرضه أنه ليس من الضروريات التي لا يحتاج في دركها إلى واسطة وإلى
ترتيب مقدمات أصلا بل لا بد فيه من مقدمتين موجودتين في النفس إحديهما أن جمعا
كثيرا كهؤلاء المخبرين في التواتر قد اتفقوا على الإخبار عن الواقعة، وثانيهما أنهم مع
كثرتهم واختلاف أحوالهم لا يجمعهم على الكذب جامع لكن لا يفتقر إلى ترتيب هاتين
المقدمتين بالترتيب المنظوم المتعارف أو شعور النفس بأن هذا العلم حاصل من هاتين
المقدمتين فضروريته بمعنى عدم الاحتياج إلى الشعور بالواسطة فيه ونظريته بمعنى
حصول ما هو المناط في العلم النظري الكسبي فيه في الواقع. ز.
القول 74: ويحدونه بما أوجب علما على الاضطرار - 89 / 13.
انظر باب (القول في اللطيف من الكلام) القول في أخبار الآحاد. چ.
195

القول 78: يزعمان أنهم ملجئون إلى الأعمال - 92 / 8.
قد اشتهر هذا القول عن أبي الهذيل وأن حركات أهل الخلدين تنقطع وأنهم
يصيرون إلى سكون دائم تجتمع فيه اللذات لأهل الجنة والآلام لأهل النار. واعتذر
الخياط المعتزلي عن مقالته هذه بأنه كان يزعم أن الدنيا دار عمل ومحنة والآخرة دار
جزاء لا دار عمل واختيار وأمر ونهي، فأهل الجنة فيها يتنعمون ويلذون، والله تعالى
المتوقي لفعل ذلك فيهم وإيصال ذلك النعيم إليهم وهم غير فاعلين له. قال: ولو
كانوا في الجنة مع صحة عقولهم وأبدانهم يجوز عنهم اختيار الأفعال لكانوا مأمورين
منهيين ولو كانوا كذلك لوقعت منهم الطاعة والمعصية فكانت الجنة حينئذ دار
تكليف ومحنة لا دار ثواب وعقاب مع الإجماع بأن الدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء
وأنهم متي لم يكونوا مضطرين كانت عليهم فيها مشقة من حيث أنهم تكلفوا الأفعال.
وقد أجاب عنه الشريف المرتضى بأنهم ليسوا مضطرين بل هم مختارون في نيل
ما يلذهم مؤثرون لها على وجه لا كلفة فيه ولا تعب ولا نصب ون نيل الملتذ ما يناله
من اللذات أكمل للذته وأقوى.
وأما الالجاء إلى الأفعال الذي ذهب إليه الجبائيان فقد ذهب إلى نظيره السيد
المرتضى - قدس سره - بالنسبة إلى القبائح فقال في رسالته المعمولة لأحكام أهل الآخرة: وأما
أفعال أهل الجنة فالصحيح أنها واقعة منهم على سبيل الاختيار وإن كانوا ملجئين إلى
الامتناع من القبيح وإلا جاز وقوعه منهم. وجوز هذا النوع من الالجاء بأن يكون الملجأ
من بعض الوجوه مخيرا من سائر الجهات. ز.
القول 79: وأنهم لكاذبون - 93 / 3.
سورة الأنعام: 27، 28.
196

القول 79: وضل عنهم ما كانوا يفترون - 93 / 6.
سورة الأنعام: 22، 23، 24.
القول 80: وجماعة كثيرة من متكلمي الإمامية - 93 / 18.
زرارة بن أعين الشيباني من أكابر رجال الشيعة وأجلائهم فقها وحديثا وكان
كما قال أبو غالب الزراري 1 في رسالته الموضوعة لبيان حال آل أعين 2 في حقه: وكان
(= زرارة) خصما جدلا لا يقوم أحد بحجته إلا أن العبادة قد شغلته عن الكلام،
والمتكلمون من الشيعة تلاميذه.
وأما محمد بن الطيار، فالذي ذكر اسمه في كتب الرجال في عداد متكلمي
الإمامية هو ابنه حمزة بن محمد بن الطيار وإن كان محمد أيضا من أصحاب الباقر - عليه
السلام - وكأنه من سهو القلم، وقد وقع في هذا الاسم سهو أيضا في شرحه
ل (إعتقادات الصدوق)، فقد ذكر فيه في باب النهي عن الجدال حديث يونس بن
يعقوب المروي في الكافي في كتاب (الحجة)، وفيه ذكر أمر الصادق - عليه السلام -
عبد الرحمن بن أعين ومحمد بن الطيار وهشام بن سالم وقيس الماصر بمناظرة الرجل
الشامي الذي ورد عليه مع أن الموجود في (الكافي) وفي كتاب (الارشاد) للمصنف

1 - انظر البحار ج 1 ص 15 طبع كمپاني. چ.
2 - أورد العلامة الشيخ يوسف البحراني - قدس سره - هذه الرسالة، في كشكوله المسمى ب‍ (أنيس المسافر
وجليس الحاضر) ص 119 - 135 ج 1 طبع بمبي 1291 ه‍ وقال في (مرآة الكتب): (أنيس
المسافر وجليس الحاضر) للفقيه المحدث الشيخ يوسف بن أحمد البحراني صاحب (لؤلؤة
البحرين) المتوفى سنة 1186 ويعرف ب‍ (الكشكول) ذكر فيه الأخبار والأشعار والقصص
والمسائل الفقهية، وقد أدرج فيه بعض الرسائل كرسالة (السلافة البهية) و (رسالة أبي غالب
الزراري) أوله: الحمد لله الذي شق ليل العدم بخلق نهار الوجود، الخ، وقد طبع مغلوطا جدا
وسمعت أن فيه سقطات أكثر من غلطاته. چ.
197

الذي نقل هذه الرواية بطريقه عن محمد بن يعقوب الكليني - قدس سره - وهو الصحيح
أنه محمد بن النعمان الأحول المتكلم المشهور من أصحاب الصادق - عليه السلام - وعلى
أي حال فأظن أن ذكر اسم محمد بن الطيار في كلا الموضعين سهو من قلمه الشريف
والله الموفق للصواب. ز.
القول 81: إن الحكم في الدار على الأغلب فيها. 94 / 2.
معنى وصف الدار بكونها دار إسلام أو إيمان أو دار كفر هو من جهة لحوق
أحكام شرعية للمقيمين بها مثل أحكام المناكحة والتوارث والصلاة خلفه أو عليه إذا
مات والدفن في مقابر المسلمين والموالاة معه أو معاداته وأمثال ذلك، وقد اختلفت
الآراء في الأمر الذي يصير سببا لوصف الدار بكونها دار إسلام أو كفر فمنهم من اعتبر
الكثرة فإذا كان الأكثر من أهل الدار على دين الاسلام فهي دار إسلام وإلا فدار كفر،
ومن هؤلاء من اعتبر مع الكثرة الغلبة أيضا بأن يكونوا غالبين قاهرين على الأمور،
ومنهم من اعتبر زوال التقية، فمتى لم يكن أهل الدار في تقية من السلطان في إظهار
شعائر الدين فهي دار إسلام.
والبهشمية من المعتزلة يجعلون الحكم في الدار للإمام أو السلطان، ويزعمون أن
السلطان إذا كفر كفرت الرعية وإن لم يعلموا بكفره ويصير الدار بذلك دار كفر،
وقالت الخوارج إن كل بلد ظهر فيها الحكم بغير ما أنزل الله فهي دار كفر.
وذهب كثير من الزيدية والمعتزلة إلى أن المناط في ذلك بما يظهر في الدار
ويوجد المقيم بها من الحال فإذا كان الدار بحيث يظهر فيها الشهادتان ظهورا لا يمكن
المقام فيها إلا بإظهارهما أو الكون في ذمة وجوار من مظهرهما ولا يتمكن المقيم من
إظهار خصلة من الخصال الكفرية في دار إسلام وإن لم تكن الدار بهذا الوصف
الذي ذكرناه فهي دار كفر، ولا اعتبار عندهم مع ذلك بما يكون عليه أهلها من
المذاهب المختلفة بعد تحقق ما ذكرناه، وإليه يؤول كلام المصنف - قدس سره - ويقرب
198

منه على ما فصله في الكتاب، والتفصيل في ذلك موكول إلى غير هذا المحل، والله
الموفق للصواب. ز.
القول 81: ولنعم دار المتقين - 94 / 5.
سورة النحل: 30.
القول 81: سأريكم دار الفاسقين - 94 / 6.
سورة الأعراف 145
القول 82: في اللطيف من الكلام - 95 / 1.
عد الشيخ الجليل أحمد بن علي النجاشي - رحمه الله - في فهرسته المعروف هذا
الكتاب تصنيفا مستقلا من مصنفات الشيخ المفيد - قدس سره - بعد أن أشار إلى كتاب
(أوائل المقالات) قبله. والمظنون أن هذا الباب كان منضما إلى أوائل المقالات حين
تصنيفه ثم لما زاد فيه الزيادات التي يبتدء بقوله: (القول في الزيادات من اللطيف في
الكلام) والزيادة الأخيرة التي أجاب بها عما سأله عنه السيد الشريف - قدس سره - جعله
كتابا مستقلا على حدة.
وقد سبق في أول ما علقناه الإشارة إلى معنى اللطيف في الكلام وأنها جملة
مباحث تعرض المتكلمون للبحث عنها لارتباط جملة منها بإثبات بعض المعتقدات
الإسلامية والآراء الدينية كما سنشير إلى بعضها في محله، وبحثوا عن جملة أخرى منها
تبعا لأبحاث الفلاسفة عنها حيث تعرضوا لها في كتبهم وفي ضمنها كثير من المباحث
من العلوم الطبيعية وغيرها. ز.
القول 82: القول في الجواهر - 95 / 2.
أطلق المصنف - قدس سره - الجواهر على المعنى الذي يسميه الفلاسفة بالجوهر
199

الفرد والجزء الذي لا يتجزى. والبحث عنه قديم معروف في الفلسفة اليونانية
والاسلامية تكتم فيه هرقليطس (Heraclitus) من قدماء اليونانيين، ثم
ديمقراطيس (Democritus) المعروف بنظريته (المذهب الذري)، وتبعهما من
متأخريهم ابيقورس (Epicurus) وغيره.
فهم يذهبون إلى أن هناك عددا غير متناه من أجزاء أو ذرات مبثوثة في فضاء أو
فراغ لا نهاية له. وأنها في حركة دائمة تتجمع تارة وتتفرق أخرى لا لتسبيب محرك ولا
لغرض وغاية بل لحركة ذاتية هي جزء من حقائقها ويتكرر هذا التجمع والتفرق إلى
ما لا نهاية له.
والمتكلمون بحثوا عنه لإبطال مذاهبهم ولما له من العلاقة بإثبات النفس
وإثبات المعاد الجسماني وغيرهما، فذهب أكثرهم إلى أن الأجسام تنحل إلى أجزاء
صغار لا يمكن أن تكون لها أجزاء أخر ولا يجوز على شئ منها الانقسام لا بالفعل ولا
في التعقل، فالجسم عندهم مركب من أجزاء متناهية بالفعل لا تقبل القسمة بوجه لا
قطعا لصغرها ولا كسرا لصلابتها ولا وهما لعجز الوهم عن تمييز طرف منها عن
الآخر. ز.
القول 82: إبراهيم بن سيار النظام - 95 / 6.
نسبوا إلى النظام القول بانقسام كل جزء إلى أجزاء بلا نهاية، وذكروا أنه ألف
كتابا سماه (الجزء) وأقام فيه البراهين على إنكار الجزء الذي لا يتجزى. قال الأشعري
في (مقالات الاسلاميين): إنه يقول أن لا جزء إلا وله جزء ولا بعض إلا وله بعض
وأن الجزء جائز التجزئة أبدا ولا غاية له في باب التجزي. والمتعصبون للنظام من
المعتزلة يصححون قوله بأنه إنما أحال جزء لا يقسمه الوهم، وأنه أراد أنه ليس جزء
من الجواهر ويقسمه الوهم بنصفين.
200

ويقول البغدادي إن النظام أخذ القول بإبطال الجزء الذي لا يتجزى وانقسام
كل جزء لا إلى نهاية عن هشام بن الحكم.
والقول بانقسام كل جزء إلى ما لا نهاية له إنما أنكره الموحدون لاستلزامه القول
بأبدية العالم وإحالة كون علم الله تعالى بأجزاء العالم وآخره وأمثال ذلك. ز.
القول 83: أم بينها اختلاف - 95 / 7.
قال العلامة الحلي في (شرح الياقوت) هذه المسألة مما يتوقف عليها مسائل مهمة
من المباحث الكلامية. انتهى.
وأكثر العقلاء من الحكماء والمعتزلة والأشعرية ذهبوا إلى تجانسها وأن الجسم
هو الجوهر الفرد المتألف أو الجواهر المتألفة وأن التأليف من حيث هو تأليف عرض
غير مختلف فالأجسام الحاصلة منها غير مختلفة.
وخالف في ذلك النظام أيضا وقال بتخالفها وإن طبيعة كل جسم بخلاف
طبيعة الآخر وذلك بناء على ما نسب إليه من تركب الجسم من أعراض مختلفة، لكن
النظام لا يجعل الأجزاء التي يتركب منها الجسم أعراضا بل يحسبها أجساما صغارا
لطيفة، وقد ذهب إليه النجار وضرار بن عمرو أيضا، أو لأجل كونها مختلفة في
الخواص، فلو كانت متماثلة كان كل منها قابلا لما يقبله الآخر، وقد رد عليه هذا القول
سائر المتكلمين وقالوا بأن ذلك إنما يدل على اختلاف أنواعها لا على اختلاف مفهوم
الجسم والخلاف إنما هو فيه. ز.
القول 85: في حيز الجواهر والأكوان - 96 / 4.
الحيز هو المكان وهما مترادفان، وفرق بعضهم بأن الحيز هو ما أحاط بالجسم
من أقطاره والمكان ما كان عليه اعتماده، ويشبه أن يكون النزاع لفظيا والمتحيز هو
الموجود في الحيز. وهذا المعنى أعني اختصاص الجوهر بالحيز من الخواص اللازمة
201

لذات الجوهر لا انفكاك له عنه، وهذا المعنى اللازم لجميع الجواهر يسميه المتكلمون
(كونا) يعرفونه بحصول الجسم في الحيز أو بما أوجب تخصيص الجوهر بمكان أو بما
يقدره تقدير المكان. ز.
القول 86: وما يلزمها من الأعراض - 96 / 8.
ذهبت الأشاعرة إلى أن الجواهر المتحيزة لا تخلو عن شئ من الأعراض، وحكى
أبو الحسن الآمدي عن بعض الدهرية أنهم قالوا: إن الجواهر كانت في الأزل خالية عن
جميع أجناس الأعراض وإنما ثبت لها فيما لا يزال.
وأما المعتزلة فقد اختلفوا في ذلك، فذهب الصالحي إلى جواز خلوها عنها فيما
لم يزل، وذهب البصريون إلى امتناع تعريها عن الألوان دون غيرها، وذهب البغداديون
إلى امتناع تعريها عن الألوان. والإمام الرازي من الأشاعرة وافق المعتزلة في جواز ذلك.
وليس أبو هاشم منفردا بالقول بجواز خلو الأجسام من الطعوم والألوان والروائح كما
يظهر من عبارته، بل قد ادعى اتفاق المعتزلة عليه وإن كان الخلاف موجودا بينهم كما
أشرنا إليه. وكذلك هو مذهب صاحب (الياقوت) من النوبختيين والمحقق الطوسي
في (التجريد) حيث قال بجواز خلوها عن الكيفيات المذوقة والمشمومة والمرئية. ز.
القول 87: في بقاء الجواهر - 96 / 14.
العلم ببقاء الجواهر وما يتألف منها من الأجسام يشهد به الضرورة ولا ينازع
فيها إلا مكابر، ولكن اختلف النظار في البقاء هل هو معنى قائم بالباقي أم لا؟ فأثبته
أبو القاسم البلخي المعروف بالكعبي وجماعة من الأشاعرة، ونفاه آخرون وقالوا إنه
معنى اعتباري هو مقارنة الوجود بزمان بعد الزمان الأول.
وأما الفناء فأثبته أبو هاشم وأتباعه معنى أيضا ونفاه الباقون، والمثبتون
جعلوه ضدا للجواهر مستدلين بأن الجواهر باقية لذاتها لا يصح عدمها بالذات،
202

فمنعوا استناد الإعدام وتعلقه بالفاعل وأوجبوه بطريان الضد على ما حكيناه، ويظهر
القول بإفناء الجواهر بطريان الضد من بعض كلمات السيد المرتضى أيضا. ز.
القول 87: ومن سلك سبيلهم في هذا المقام - 97 / 3.
بعد الاتفاق على صحة فناء العالم وقع الاختلاف في كيفية اعدامه، فالمحققون
من المتكلمين ذهبوا إلى استناد ذلك إلى الفاعل المختار - جل شأنه - كما أن الايجاد
مستند إليه وممن قال به الباقلاني في أحد قوليه.
وذهب جمع منهم إلى أن الإعدام يكون بانتفاء الشرائط المقتضية للبقاء وإن
اختلفوا في ذلك الشرط، فالأشاعرة قالوا: الأعراض شرط في بقاء الجواهر فإذا لم يخلقها
الله تعالى انعدمت، والباقلاني يقول في قوله الآخر: إن ذلك الأعراض هي الأكوان،
والقائلون بهذا القول من المعتزلة قالوا: إن ذلك العرض هو البقاء، فبعضهم يثبته قائما
لا في محل، وبعضهم كالبلخي يثبته قائما بالمحل وهو مختار المصنف أيضا.
وذهب أبو علي الجبائي وابنه إلى أن الإعدام يكون بأن يخلق الله عرضا هو الفناء
إذا أوجده عدمت الجواهر، إلا أن أبا علي يرى أن بإزاء كل جوهر فناء خاصا، ويرى أبو
هاشم أن فناء واحدا يكفي في انعدام الجواهر بأسرها.
والذي بلغني من قول النوبختيين في هذا الباب عبارة صاحب (الياقوت)
حيث صرح بذلك وقال: ولا تنتفى (= الجواهر) إلا بضد. ز.
القول 87: ويحدثها حالا فحالا - 97 / 4.
اشتهر نسبة هذا القول إلى النظام من أن الأجسام غير باقية آنا ما بل في تجدد
مستمر ينعدم جزء ويوجد جزء آخر.
والمتأخرون من المعتزلة تاؤلوا قوله هذا وزعموا أنه كان يقول الأجسام لما كانت
203

ممكنة فهي لا بقاء لها إلا بالفاعل، وأنها تحتاج في حال بقائها إلى المؤثر، فأخطأ الناقل
في فهم قوله فظن أنه يقول بتجددها حالا فحالا، ولكنه تأويل بعيد حملهم عليه
تصحيح هذا القول الفاسد المنسوب إليه، والأقرب صحة النسبة فإن هذه مقالة
معروفة من مذهب فلاسفة اليونان، وأول من ذهب إليه هرقليطس فإنه زعم أن الكون
ليس دائما على صورة واحدة وليست الكينونة أمرا ثابتا خالدا، بل هو في تغيير مستمر
وتحول دائم كل لحظة تباين اللحظة التي سبقتها وتخالف لاحقتها، فالأشياء لا تزال
تنقلب من حال إلى حال من غير أن تثبت على حال لحظة واحدة، وأنت ترى أن هذا
عين المقالة المنسوبة إلى النظام، والنظام من أشهر المطلعين على كتب الفلسفة
وأقاويل الفلاسفة القدماء ومن أكثرهم ميلا إلى تقرير مذاهبهم، فلا استبعاد من
اطلاعه عليها وأخذه ذلك منهم.
ومما يؤيد صحة هذه النسبة إليه ما يقوله ابن قتيبة في كتاب (مختلف الحديث)
عند ذكر النظام إن أصحابه يعدون من خطائه قوله: إن الله - عز وجل - يحدث الدنيا
وما فيها في كل وقت من غير إفنائها. انتهى، وممن نسبه إليه المحقق الطوسي - قدس سره
- في (نقد المحصل) وإن شك في نسبته إليه. ز.
القول 88: هل تحتاج إلى مكان - 97 / 5.
الجوهر قد مر أنه لا يعقل إلا في حيز ومحاذاة، وسيأتي ذكر الاختلاف في
ماهية المكان وحقيقته، فإن فسرناه بالبعد كما فسره به بعض الأوائل لا بد له من مكان،
وإن فسرناه بالسطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم
المحوي كما عليه بعض الحكماء، أو ما يعتمد عليه المتمكن ويثبت عليه على ما اختاره
المتكلمون استغنى بعض الأجسام عنه لاستحالة التسلسل. وقول المصنف: (وعلى
غنائها عن المكان كافة الموحدين) إشارة إلى هذا إذ هو ينافي القول بحدوث العالم، فإن
المكان حينئذ يحتاج إلى مكان آخر ويلزم منه التسلسل المحال. ز.
204

القول 89: في الأجسام - 97 / 10.
ذهب المتكلمون إلى أن الجسم مؤلف من جواهر أفراد كل واحد منها ذو وضع
لا يقبل القسمة لا فعلا ولا بالقوة، تتألف على نسبة ما بحيث يحصل له طول وعرض
وعمق، ولهذا عرفوا الجسم بأنه الطويل العريض العميق.
واختلفوا في كمية الأجزاء التي تتألف منها الجسم، فقال أكثرهم إنه يحصل من
ثمانية جواهر إذ من تألف الجوهرين يحصل الخط، ومن تألف الخطين يحصل السطح،
ومن تألف السطحين يحصل الجسم كما فصله المصنف. وذهب بعضهم إلى أنه
يتألف من ستة أجزاء وهو أبو الهذيل العلاف قال: إن الجسم يتألف من ثلاثة جواهر
على مثله. والقائل بتأليفه من أربعة أجزاء هو الكعبي يقول: إنه يحصل من أجزاء ثلاثة
كمثلث فوقها جزء رابع كهيئة المخروط. والقائل بكون الجسم هو المؤلف مطلقا وقد
يكون ذلك من جزأين هو أبو الحسن الأشعري، واعترض عليه المصنف بأن التأليف
عرض والعرض لا يبقى عنده زمانين مع أن الأجسام باقية موجودة أوقاتا كثيرة كما بينه
في البحث السابق.
وللمعتزلة في التأليف وأحكامه بحث طويل مذكور في محله وممن وافقهم في
بعض آرائهم شيخنا أبو جعفر الطوسي - قدس سره - ز.
القول 90: في الأعراض - 98 / 4.
اصطلاحات الناس في معنى العرض مختلفة، فهو عند أهل اللغة عبارة عن كل
أمر طارئ ويكون زواله عن قرب، وله عند أهل النظر من الحكماء والمتكلمين
تعريفات مختلفة أطالوا القول فيها نقضا وإبراما ليس في التعرض لها كثير فائدة لوضوح
المقصود من هذه اللفظة، والذي ذكره المصنف من أجود التعاريف له.
وأما مسألة جواز البقاء على الأعراض، فإن العرض على قسمين: منه قار وهو
205

الذي يجتمع أجزاؤه في الوجود كالسواد والبياض، ومنه غير قار لا يجتمع أجزاؤه بل
يوجد شئ منه بعد انعدام المتقدم، ولا شك أن الأعراض الغير القارة غير باقية، وأما
الأعراض القارة فالمحققون من المعتزلة ذاهبون إلى أنها باقية، بل قد ادعى أبو الحسين
البصري أنه ضروري فإن الحس كما يحكم ببقاء الجسم المشاهد في الزمان الأول، كذلك
يحكم ببقاء العرض الحال فيه من غير فرق، والأشعرية مخالفون في ذلك ويقولون: إن
الأعراض غير باقية بل هي توجد آنا فآنا. واستدلالهم على ذلك مذكور في المطولات،
والتفصيل لا يسعه المقام. ز.
القول 91: في قلب الأعراض وإعادتها. 98 / 8.
الذي يظهر لي أن مقصوده من هذا البحث هو انقلاب الأعراض وإعادتها بأن
ينقلب العرض من صنف إلى صنف، كأن يصير السواد القائم بالجسم بياضا ثم يعود
وينقلب سوادا، وذلك مبني على عدم بقاء العرض آنين كما هو مذهب كثير من
المتكلمين.
وقد استدلوا عليه: بأن تشخص العرض الخاص كالسواد مثلا بمحله القائم
به، فإن انقلب يصير هوية أخرى وشخصا آخر غير الشخص الأول، لأنه لما كان
لمحله مدخلية في تشخصه لا يتصور مفارقته عنه مع بقاء تشخصه المفروض بل يجب
انتفاؤه، فالانقلاب لا يحصل إلا مع بقاء الهوية المنقلبة من أحدهما إلى الآخر والمفروض
عدم بقاء الهوية فلا انقلاب، فيلزم من تجويزه المحال. ز.
القول 92: في المعدوم - 98 / 11.
الذي ذكره في تعريف المعدوم هو أحد التعاريف التي عرفها به المتكلمون
وذكروا أنها جميعا تشتمل على دور ظاهر.
ومسألة شيئية المعدوم مبتنية على مسألة الحال التي اختلف المتكلمون فيها
206

إثباتا ونفيا منذ أحدث أبو هاشم الجبائي مذهبه فيها، فأثبتها هو ونفاها أبو علي
وأثبتها القاضي أبو بكر الباقلاني أيضا على أصل غير الأصل الذي تمسك به أبو
هاشم، مع أن الأشعري وسائر أتباعه ينفونها، وكان الجويني من المثبتين في أول الأمر
ثم نفاها أخيرا. ثم اختلفت المعتزلة بعد ذلك بما أشار المصنف إلى مجمل منه وأشير إلى
تفاصيلها في بعض كتب الكلام كما هو ظاهر لمن تصفحها.
والتحقيق أن مذهب المعتزلة في شيئية المعدوم مقتبس من مذهب الفلاسفة
القائلين بأن الهيولى موجودة قبل وجود الصورة وهو باطل لما قرر في محله. فأخذ هؤلاء
من الفلاسفة القائلين به مذهبهم وكسوها لباس شيئية المعدوم، وأخذوا عن أصحاب
المنطق أيضا مذهبهم في تحقيق الأنواع والأجناس والفرق بين التصور الذهني
والوجود الخارجي، فظنوا أن التصورات الذهنية هي أحوال ثابتة في الأعيان، فمن هنا
قضوا بثبوتها ووصفوها بالأحوال الثابتة للموجودات وقالوا إنها لا توصف بالوجود ولا
بالعدم وجعلوا الثبوت أعم من الوجود.
ولهذه المسألة ارتباط أيضا بمسألة إعادة المعدوم بعينه على ما هو مذهب
الموحدين، وأن الشئ إذا انعدم عدما محضا بحيث لا يبقى له هوية في الخارج أصلا
بل يمكن إعادته بعينه مع جميع خصوصياته ومشخصاته التي بها كانت حقيقته أم لا؟
فالمعتزلة القائلون بثبوت الذات أجازوها وقالوا بإمكانه بناء على ثبوت ماهية المعدوم في
الحالين وقالوا إنما زالت عنه صفة الوجود لا غير والذات محفوظة في الحالين معا،
وجوزه بعض الأشاعرة أيضا لكن لا على هذا المبنى بل بناء على أصلهم وأنه يلزم من
العدم انقلاب الحقائق. ز.
القول 94: في الفلك - 99 / 4.
ما أورده في هذا الفصل مبني على الرأي القديم لأهل النجوم والفلسفة من
تحرك الأفلاك ودورانها حول الأرض وكون الأرض في مركز العالم، وقد ثبت خلاف
207

هذه الآراء من جهة تكامل العلوم الفلكية والرياضية في العصر الأخير، والرأي المعول
عليه عند أهل الفن الآن هو أن الأرض إحدى السيارات التابعة للنظام الشمسي
المعروف، تدور حول الشمس كسائر السيارات المعروفة على تفصيل معروف في محله من
الكتب.
والمصنف إنما أورد خلاصة الآراء المعروفة في عصره عند أهله اعتمادا على
مسلمات علم الفلك في زمانه ولا إشكال عليه ولا على غيره فيما ذكروه من ذلك الآراء. ز.
القول 95: في حركة الفلك - 99 / 9.
قدماء الفلكيين وأهل الفلسفة كانوا يرون الأفلاك أجساما شفافة مركوزة في
ثخنها النجوم والكواكب تدور وتتحرك المرتكزات فيها من الأجرام العلوية بتبعها
حركة دورية. ولكن هل لهذه الأفلاك والأجرام في أنفسها حركة أخرى على وفق تلك
الحركة المحسوسة أو على خلافها أم لا.
رأى المصنف - قدس سره - أن أجسام الأفلاك التي تشغل أمكنتها وأحيازها مما
يمكن أن يكون لها حركات خاصة في أنفسها وليس ذلك بخارج من الامكان ولا
مستبعدا عند العقل، لكن الصفحة السفلى من الفلك وهي ما يلاقي الهواء متحركة لما
يشاهد من حركتها، وأما ما يلي الصفحة العليا فلا يتصور فيه حركة ولا سكون إذ
ليس هناك الشئ لا خلاء ولا ملاء بل هو عدم محض.
وقد عرفت أن هذه الآراء مبنية على مزاعم القدماء وظنونهم ولا توافق مع
الآراء العلمية الحاضرة وأن المصنف أوردها على وفق مسلماتهم في ذلك. ز.
القول 97: في الخلاء والملاء - 100 / 4.
الخلاء يطلق تارة على اللا شئ المحض وهو بهذا الاعتبار ثابت خارج العالم
بلا خلاف، وأخرى على البعد الغير الحال في المادة وهو بهذا المعنى الأخير
208

مورد خلاف اتفق جمهور المتكلمين على إثباته ويوافقهم فيه بعض الحكماء ويخالف
أكثرهم.
والمتكلمون إنما ذهبوا إلى القول بإثباته لأنه يبتنى عليه وعلى إثبات الجزء الذي
لا يتجزى ثبوت المعاد الجسماني كما صرح به الإمام فخر الدين الرازي في (الأربعين)،
والعبارة المذكورة في المتن بظاهرها غير مستقيمة والمظنون أن فيها سهوا أو اشتباها من
النساخ، وحق العبارة أن يكون هكذا: إن العالم غير مملو من الجواهر وإنه لا ملاء فيه
ولو كان فيه ملاء لما صح فرق بين المجتمع والمتفرق من الجواهر والأجسام. وذلك
إن التالي الفاسد اللازم أي عدم الفرق بين الجواهر والأجسام المتفرقة، إنما يلزم على
تقدير وجود ملاء في العالم لا ضده بل وجود الخلاء هو الذي يصحح التفرقة بين
المجتمع والمتفرق كما لا يخفى.
وقد صرحوا بذلك في كتب الفلسفة وقالوا: إن الحركة ممتنعة بدون وجود خلاء
معللين بأنه لولا ذلك لأمكن حلول جسمين أو أكثر في مكان واحد. وذكروا أيضا في
ضمن نقل مقالات لوقيبوس وذيمقراطيس، وهما مؤسسا المذهب الذري المعروف،
أنهما قالا: لولا الخلاء لما تمايزت الجواهر، ولما كانت الكثرة وامتنعت الحركة وأن القول
بالكثرة والحركة يقتضي حتما القول بوجود الخلاء واعتباره مبدء حقيقيا إلى جانب
الملاء. ز.
القول 100: في الطباع - 101 / 3.
الطبع والطباع والطبيعة بمعنى واحد. ومن الفلاسفة من عرف الطبيعة بأنه
قوة سارية في الأجسام تصل بها إلى كمالها الطبيعي، ولم يستحسنها الشيخ الرئيس ابن
سينا في (رسالة الحدود) وعرفها بأنها مبدأ أول بالذات لحركة ما هو ضد سكونه بالذات
ولكن الأمر في ذلك سهل بعد وضوح المقصود منها.
والمهم الإشارة إلى الخلاف الواقع في ثبوت الأفعال الطبيعية واستنادها إلى
209

مسببها. فمذهب أكثر الموحدين أن ما يشاهد من الأفعال المنسوبة إلى الطباع فهو
بالحقيقة لمسببه وفاعله ولا فعل لشئ منها على الحقيقة وإن نسب ذلك إليها على
سبيل المجاز والتوسع. وقد خالف في ذلك طوائف منهم الفلاسفة الطبيعيون، حيث
زعموا أن ما يشاهد من حركات الأجسام البسيطة أو المركبة وما يظهر منها من الآثار
إنما هو لقوى موجودة في ذواتها لو قدر خلوها منها لم تكن لاختصاصها بها وجه، فالنار
التي تظهر منها الحرارة والاحراق إنما صارت كذلك لأجل تلك القوة الموجودة في
ذاتها، ولولا تلك القوة المنبعثة من ذاتها لما كان الاحراق وسائر الآثار أولى بالصدور
منها من أضدادها، فهم يزعمون أن للأجسام في ذواتها أفعالا من حيث كونها ذات
طبيعة.
ومنهم بعض المنجمين القائلين بقدم النجوم والكواكب وأنها بذواتها علل
موجبة لما تحدث عنها من الآثار
ومنهم بعض المعتزلة الذين انفردوا في باب أفعال الطبائع بمذاهب مخصوصة
مذكورة في مظانها منسوبة إليهم.
ومنهم نفاة فعل الطبائع جملة كالأشعرية حيث قالوا: إنه ليس في النار مثلا
حرارة ولا في الثلج برودة وإنما يحدث ذلك بجريان عادة الله تعالى بخلق الحرارة
مقارنا لوجود النار وخلق البرودة مقارنا لوجود الثلج. ز.
القول 101: العناصر والاسطقسات - 102 / 2.
تركب الأجسام من هذه الأربعة إنما هو باعتبار أخذها أصولا لسائر ما تتركب
منه الأجسام الأرضية وغيرها. وقد أظهرت الاكتشافات العلمية وتقدم أبحاث
الفلاسفة المتأخرين في العلوم الطبيعية أن العناصر التي تتركب منها الأجسام كثيرة جدا
وقد ذكروا أساميها وآثارها وخواصها وسائر ما يتعلق بها في مؤلفاتهم، ولا يزال
210

العلم يأتينا من ذلك في كل يوم بنبأ جديد 1. فما أشار إليه مبني على مقررات العلم في
عصره. ز.
القول 101: من رؤساء المتكلمين النظام - 102 / 11.
قد حكى الجاحظ في كتاب (الحيوان) في سياق حكاية مقالة عن النظام كلاما
يشعر بظاهره خلاف ما حكاه عنه المصنف وأن هذه العناصر الأربعة لا تصلح جعلها
أصولا للأجسام وعلة لتركبها منها 2. ولكن تدقيق النظر في ما ذكره يكشف عن عدم
مخالفته مع ما نسبه إليه وأنه إنما أورد ذلك إلزاما للدهرية بأقاويلهم وأنه ليس لهذه
الطبائع قوة ذاتية من أنفسها كما يزعمون. والذي نسبه إليه ابن الخياط في كتابه أنه كان
يرى أن الله تعالى بقدرته ومشيئته يقهرها على الجمع والافتراق وبذلك يحصل التركب
بين الأجسام ويتم التأليف بين الاسطقسات، فلا تنافي بين ما نقله عنه الجاحظ وما
نسبه إليه المصنف. و (الاسطقس) لفظة يونانية بمعنى الأصل سميت بها العناصر
الأربعة باعتبار كونها أصولا ومبادئ للمركبات منها من الحيوان والنبات والمعادن. ز.
القول 107: وهل فيها متولدات أم لا؟ 105 / 6.
الأفعال بحسب صدورها عن فاعليها تنقسم إلى أفعال مخترعات وأفعال مباشرة
وأفعال متولدة. فالمخترع هو الذي يحدث لا في محل، والمباشر ما يحدث بسبب القدرة

1 - قال الفيلسوف كرنيليوس فانديك الأمريكي 1818 - 1895 م في كتابه (أصول الكيميا) ص 64
طبع بيروت 1869 م: ثم إن المواد البسيطة المعروفة الآن هي 65 عنصرا وقد انقسمت إلى معدنية
وغير معدنية، وقال أيضا في الجزء الثاني من (النقش في الحجر) ص 6 طبع 2 بيروت 1891 م:
العناصر المعروفة اليوم عند علماء الكيميا أو بالأحرى المواد المعدودة عندهم عناصر بسيطة هي
نحو 67 مادة. چ
2 - انظر كتاب (الحيوان) للجاحظ ج 5 ص 2 طبع مصر. چ.
211

في محل القدرة، والمتولد هو ما يحدث بسبب فعل آخر. وقد أوضح المصنف فيما سبق
كلها ببيان واف لا نحتاج معه إلى زيادة بيان.
فالقسم الأول وهو الاختراع يختص بفعل البارئ تعالى الذي أوجد الأشياء
بقدرته لا عن أصل ولا مادة ويقاربه الابداع.
والقسم الثاني وهو الأفعال المباشرة وهي التي تقع عن القادرين من الناس
ابتداء كالضرب للغير الناشئ عن حركات الضارب ونحوه يختص بهم.
وأما القسم الثالث ففيه اختلاف سيجئ إليه الإشارة من المصنف وما اختاره
في ذلك قريبا. ز /
القول 107: لعلكم تذكرون - 106 / 4.
سورة الأعراف: 57.
القول 107: ثم يهيج فتراه مصفرا - 106 / 5.
سورة الزمر: 21.
القول 109 - في البدل - 106 / 16.
محصل ذلك أن قول القائل إن الكفر يجوز وجوده في حال الإيمان وعكس ذلك
أي جواز وجود الإيمان حال الكفر يؤدي إلى اجتماع الضدين المحال لمضادة الكفر مع
الإيمان، فوجود أحد الضدين يحيل وجود الآخر إذ الجواز هو تصحيح وجود الشئ
وارتفاع استحالته فيؤدي إلى اجتماع الضدين المعلوم استحالته. وليس كذلك ما إذا
قلنا إن الكفر قد كان يجوز أن يكون في وقت الإيمان بدلا منه، وكذا الإيمان قد كان يجوز
أن يكون بدلا من الكفر في وقت الإيمان فإنه لا يوجب تضادا ولا محالا. وخلاف
المجبرة إنما هو في الصورة الأولى فهم لما جوزوا التكليف بالمحال ويجوزون اجتماع
212

الضدين جوزوا ذلك أيضا، لكنه لا يصح ذلك على أصول أهل العدل كما نبه عليه
المصنف - قدس سره -.
وقد نقل القاضي عبد الجبار المعتزلي في مقالة له (في رد المجبرة) أشياء منهم من
هذا القبيل، وقال: إن المجبرة تجزأوا في زماننا هذا على التزام أشياء كان سلفهم يمتنعون
عن التزامها، وأطلقوا ألفاظا كانوا يأبون إطلاقها، بل صار ما كان مشايخنا يرومون
إلزامهم إياه أول ما يفتون به، واستغنوا عن الكلام في البدل وعن كثير من العبارات
التي كانوا يحايلون بها وإن كان لا محصول لها، ومروا على جواز تكليف العاجز ما عجز
عنه ومطالبة الأعمى بالتمييز بين الألوان، والزمن بصعود الجبال وتعذيب الأسود،
والزمن على زمانته وتكلف [تكليف ظ] والتمشي على الماء والممنوع بالصعود إلى السماء
الجمع بين المتضادات، إلى أشياء غير ذلك عددها في مقالته وتصدى للرد عليهم فيها. ز.
القول 110: في خلق ما لا عبرة به ولا صلاح فيه - 107 / 12.
خلق ما لا صلاح فيه لأحد من المخلوقين كما ذكره - قدس سره - عبث والله
تعالى منزه عن فعل العبث لكن الكلام في تحققه، فإن معارف البشر قاصرة جدا عن
درك خفيات المصالح والحكم في مخلوقات الله - جل شأنه - والذي يدركونه منها
قليل جدا في مقابل ما لا يدرك منها. وقد أثبت أبحاث العلوم الطبيعية في الحيوان
والنبات والجمادات، وغيرها كثيرا من الخواص والآثار والمنافع لا يبقى معه ارتياب
في وجود آثار الحكمة ودقائق صنع خالقها الحكيم فيها.
ونحن بعد تدبر ما ظهر لنا من ذلك فيما أدركناه وبعد قيام البرهان على أنه
تعالى منزه عن فعل العبث لا يبقى لنا إلا الاعتراف بوجودها في سائر مخلوقاته وإن
كانت أفهامنا بسبب نقص مداركنا قاصرة عن إدراكها. ز.
213

القول 113: في النظر عن صحته - 110 / 1.
غرضه أن ما ذهب إليه في هذه المسألة نتيجة ما أداه إليه نظره العلمي والبحث
الذي كشف له الأدلة العلمية عن صحته ونتيجة جمعه في ذلك بين أصول لا يوافقه في
بعضها العدلية وفي بعضها القائلون بالارجاء، ولكن لما قام الدليل القاطع عنده على
ما صار إليه كما ذكره في الكتاب لم يعبأ بخلاف من يخالفه من أهل العدل والإرجاء، إذ
المتبع عنده هو الدليل ولا وحشة في الذهاب إلى حق قامت الحجة عليه، بل يجب أن
يحصل الوحشة فيما لا دليل عليه، وهذا هو مقتضى البحث العلمي النزيه الخالص
عن شائبة التعصب والجمود.
وقد اقتفى به في ذلك تلميذه الأجل السيد الشريف المرتضى - قدس سره - حيث
قد ذكر في بعض مسائله عبارة يقرب من عبارة المصنف، قال: إعلم أنه لا يجب أن
يوحش من المذهب فقد الذاهب إليه والعاثر عليه، بل ينبغي ألا يوحش إلا مما لا
دلالة يعضده ولا حجة يعتمده. انتهى. وهكذا كان سيرة السلف الصالح من علماء
الفريقين قبل عصر الجمود والانحطاط. ز.
القول 116: من حيث لا يحتسب - 112 / 7.
سورة الطلاق: 2، 3.
القول 116: ويجعل لكم أنهارا - 112 / 9.
سورة نوح: 10 - 12.
القول 116: ونحشره يوم القيامة أعمى - 112 / 11.
سورة طه: 124.
214

القول 116: ولعذاب الآخرة أخزى - 112 / 12.
سورة فصلت: 16.
القول 116: وما لهم من الله من واق - 112 / 13.
سورة الرعد: 34.
القول 120 - والله لا يحب الظالمين - 114 / 15.
سورة آل عمران: 141.
القول 120: والشهداء عند ربهم - 114 / 15.
سورة الحديد: 19.
القول 121: ويوم يقوم الاشهاد - 116 / 1.
سورة المؤمن: 51.
القول 121: إن الله قوي عزيز - 116 / 2.
سورة المجادلة: 21.
القول 124: القول في التقية - 118 / 8.
قال العلامة الشهرستاني في مجلة (المرشد) ج 3 ص 252، 253: المراد من التقية
إخفاء أمر ديني لخوف الضرر من إظهاره، والتقية بهذا المعنى شعار كل ضعيف
مسلوب الحرية، إلا أن الشيعة قد اشتهرت بالتقية أكثر من غيرها لأنها منيت باستمرار
الضغط عليها أكثر من أي أمة أخرى، فكانت مسلوبة الحرية في عهد الدولة الأموية
كله، وفي عهد العباسيين على طوله، وفي أكثر أيام الدولة العثمانية، ولأجله استشعروا
بشعار التقية أكثر من أي قوم.
215

ولما كانت الشيعة تختلف عن الطوائف المخالفة لها في قسم مهم من
الاعتقادات في أصول الدين وفي كثير من العمليات الفقهية، وتستجلب المخالفة
- بالطبع - رقابة وحزازة في النفوس، وقد يجر إلى اضطهاد أقوى الحزبين لأضعفه، أو
إخراج الأعز منهما الأذل كما يتلوه علينا التاريخ وتصدقه التجارب، لذلك أضحت
شيعة الأئمة من آل البيت تضطر في أكثر الأحيان إلى كتمان ما تختص به من عادة أو
عقيدة أو فتوى أو كتاب أو غير ذلك، تبتغي بهذا الكتمان صيانة النفس والنفيس
والمحافظة على الوداد والأخوة مع سائر إخوانهم المسلمين، لئلا تنشق عصا الطاعة
ولكي لا يحس الكفار بوجود اختلاف ما في الجامعة الإسلامية فيوسعوا الخلاف بين
الأمة المحمدية.
لهذه الغايات النزيهة كانت الشيعة تستعمل التقية وتحافظ على وفاقها في
الظواهر مع الطوائف الأخرى متبعة في ذلك سيرة الأئمة من آل محمد - عليهم السلام - و
أحكامهم الصارمة حول وجوب التقية من قبيل: (التقية ديني ودين آبائي) و (من لا
تقية له لا دين له) إذ أن دين الله يمشي على سنة التقية لمسلوبي الحرية، ودلت على ذلك
آيات من القرآن العظيم منها: في سورة المؤمن 28: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون
يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)، وفي سورة النحل 106: (من كفر بالله
من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)، لا سيما على ما نختاره من كون (من)
في قوله: (من كفر) أداة استفهام وأن المعنى: (من ذا الذي كفر بالحق بعد علمه به)؟
إلا إذا كان كفره صوريا ممن يكرهون على إظهار الكفر وقلوبهم مطمئنة بالإيمان، كعمار
ابن ياسر الصحابي الذي نزلت الآية فيه، غير أن التقية لها شروط وأحكام أوضحها
العلماء في كتبهم الفقهية. انتهى.
انظر رسالة (أجوبة مسائل جار الله) ص 68 - 76 طبع صيدا، بقلم العلامة
الكبير والمحقق الخبير السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي - حفظه الله علما للعلم
216

والدين - وإلى رسالة (أصل الشيعة وأصولها) ص 191 - 195 طبع 2 صيدا وص
169 - 172 طبع 6 نجف، بقلم العلامة الكبير والمصلح الشهير الشيخ محمد الحسين
آل كاشف الغطاء - مد ظله - وإلى كتاب (النصائح الكافية) ص 190 - 193 طبع 2
بغداد، للعلامة السيد محمد بن عقيل المتوفى سنة 1350 ه‍ بالحديدة من بلاد اليمن،
ورثاه العلامة العاملي - مد ظله - في كتابه (معادن الجواهر) ص 211 - 216 ج 3 طبع
دمشق بقصيدة طويلة مطلعها:
سالت دموع العين كل مسيل * حزنا لرزء محمد بن عقيل
السيد الندب الإمام الفاضل الفذ * الهمام الكامل البهلول چ
القول 125: في الاسم والمسمى. 119 / 3.
الخلاف في ذلك بين العدلية من الشيعة والمعتزلة وبين المجبرة وبعض أهل
الحديث، فقد نسب القول بكون الاسم هو عين المسمي إلى أحمد بن حنبل وأبي ذرعة
وأبي حاتم من المحدثين وكذا إلى ابن فورك من متكلمي الأشاعرة.
أما أحمد بن حنبل ومن ذكرناه فالظاهر أنهم فرعوا ذلك على مقالتهم في قدم
كلام الله تعالى وأن اسمه تعالى لو كان غير مسماه لكان مخلوقا ويلزم أن لا يكون له
تعالى اسم في الأول [الأزل ظ] لأن أسمائه صفات.
وأما ابن فورك فقد حكي عنه أنه قال: (إن كل اسم فهو المسمى بعينه وإنه إذا
قال القائل: الله، قوله دال على اسم هو المسمى بعينه)، ونقل عنه ابن حزم أنه كان
يقول: إنه ليس لله تعالى إلا اسم واحد، وإن ما ورد في القرآن من قوله تعالى: (ولله
الأسماء الحسنى) وكذا ما في الخبر (إن لله تسعة وتسعين اسما) فالمراد به التسمية،
ففرق هو بين الاسم والتسمية. وقد أطال ابن حزم في الرد عليه، ومذهب المعتزلة و
الشيعة هو اتحاد الاسم والتسمية ومغايرتهما للمسمى.
217

وملخص القول أن هنالك ثلاثة أشياء: الاسم والتسمية والمسمى، فالاسم
هو نفس المدلول، والتسمية هي الأقوال الدالة، فالاتفاق واقع على المغايرة بين
التسمية والمسمى وإنما الخلاف في مغايرة الاسم مع المسمى وعدمه، فالشيعة
والمعتزلة على المغايرة ووافقهم بعض الأشعرية والمجبرة وبعض أهل الحديث على
نفي المغايرة كما أشرنا إليه. ز.
القول 131: في الحكاية والمحكى - 122 / 6.
البحث عن هذه المسألة لأجل الخلاف الواقع بين المعتزلة ومن كان يخالفهم من
حشوية العامة، الذين كانوا يقولون: إن الألفاظ والحروف والألفاظ المسموعة من
القرآن والمتلوة على ألسنة القارئين قديمة، وكان المعتزلة ينكرون عليهم هذا القول
ويقولون: إن كلامه تعالى محدث مخلوق أوجده الله في جسم من الأجسام كالشجرة مثلا،
أو أنزله وأوحى به إلى أنبيائه على ألسن ملائكته، وإذ كان من أصلهم أن العرض غير
باقية زمانين وأن ما وجد من الكلام في محل فهو غير باق، قالوا: إن ما يقرأ من آيات
القرآن أو يكتب في المصاحف إنما هو حكايات عن الكلام المنزل.
والأشعري مع إثباته كلاما أزليا قديما يسميه الكلام النفساني، يقول أيضا: إن
الألفاظ والعبارات المقروءة والمنزلة على الأنبياء على ألسن الملائكة دلالات على ذلك
الكلام الأزلي القديم، فالمدلول عنده قديم والدلالة محدثة. والفرق بين القراءة
والمقروء والتلاوة والمتلو كالفرق بين الذكر والمذكور، فالذكر محدث والمذكور قديم. ز.
القول 132: نأت بخير منها أو مثلها - 122 / 17.
سورة البقرة: 106.
القول 132: إلى الحول غير إخراج - 123 / 2.
سورة البقرة: 240.
218

القول 132: أربعة أشهر وعشرا - 123 / 4.
سورة البقرة: 234.
لقول 132: وأنكروا نسخ ما في القرآن على كل حال - 123 / 10.
نسب هذا القول إلى طائفة شاذة من المعتزلة أبو الحسن الآمدي في كتاب
(الأحكام) فقال: اتفق العلماء على جواز نسخ التلاوة دون الحكم وبالعكس ونسخهما
معا خلافا لطائفة - شاذة - [من] المعتزلة 1.
وأما النافي لوقوع النسخ في الشريعة فقد نسب ذل إلى أبي مسلم الأصبهاني
المفسر الشهير مع تجويز ذلك عقلا. قال على ما حكي عنه: ليس في القرآن آية
منسوخة، وقد تأول الآيات التي يدعى أنها منسوخة وخرج لكل آية منها محملا على
وجه من التخصيص والتأويل. ز.
القول 133: وجماعة من المتفقهة - 124 / 6.
وافق الشيعة في هذا الرأي من فقهاء أهل السنة الإمام محمد بن إدريس الشافعي
قال: والناسخ من القرآن الأمر ينزله الله بعد الأمر يخالفه كما حول القبلة من بيت
المقدس إلى الكعبة، وكل منسوخ يكون حقا ما لم ينسخ فإذا نسخ كان الحق في ناسخه و
لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه وهكذا سنة رسول الله (ص) لا ينسخها إلا سنة
رسول الله (ص).
وهكذا قول أحمد بن حنبل، فعن أبي داود السجستاني قال: سمعت أحمد بن
حنبل وقد سئل، عن حديث: (السنة قاضية على الكتاب)؟ قال: لا أجترئ أن أقول فيه
ولكن السنة تفسر القرآن ولا ينسخ القرآن إلا القرآن 2.

1 - الأحكام، ج 4 ص 201، طبع مصر.
2 - الاعتبار للحازمي ص 37 طبع الهند.
219

وصرح ابن حزيمة في الناسخ والمنسوخ أن أبا حنيفة جوزه ونسبه الآمدي إلى
مالك وأصحاب أبي حنيفة، وعلى كل حال، فالحق الحقيق بالاتباع هو عدم نسخ
القرآن بغير آيات القرآن، ومن تأمل فيما ذكروه لإثبات ذلك يجدها وجوها ظنية
واستحسانية وأقصى ما فيها جواز ذلك عقلا، وأين ذلك من إثبات الوقوع؟
ويظهر من كلام المصنف - قدس سره - أن القائل بجواز نسخ القرآن بالسنة لم يكن
موجودا في زمانه من الشيعة حيث لم يذكر خلافا عن الشيعة، وإنما نسبه إلى كثير من
المتفقهة والمتكلمين، وإنما ظهر هذا القول بينهم في العصر المتأخر حيث وقفوا على
أقاويل العامة المذكورين فتبعوهم في ذلك فيكون ملحوقا بالاجماع. ز.
القول 134: في خلق الجنة والنار - 124 / 7.
حكى العلامة الحلي - قدس سره - عن أبي علي الجبائي وأبي الحسين البصري وأبي
الحسن الأشعري أنهم قالوا بأن الجنة والنار مخلوقتان الآن، وحكي خلاف ذلك عن أبي
هاشم بن الجبائي والقاضي عبد الجبار بن أحمد الرازي، والحق هو الأول ويدل عليه
جملة من الآيات الصريحة في ذلك.
وشبهة المنكرين لخلقهما أنهما لو كانتا مخلوقتان لهلكتا لقوله تعالى: (كل شئ
هالك إلا وجهه) مع أن القرآن يصرح بأن (أكلها دائم)، وأجاب المثبتون بأن المراد
من الهلاك هو استفادة الوجود من الغير وهما هالكان بهذا المعنى، ويظهر من بعض
الآثار أن زرارة بن أعين من قدماء رواة الشيعة كان يقول أيضا: إن الجنة والنار لم تخلقا
بعد وأنهما ستخلقان، لكن الصحيح من مذهب الإمامية ما أشرنا إليه. ز.
القول 134: واختلفوا في الاعتلال - 124 / 13.
قد سبقت الإشارة إلى اختلاف المتكلمين في كيفية فناء الأجسام وإعدامها
وعرفت أن أبا هاشم كان يزعم أن فناء واحدا يكفي لفناء الأجسام بأجمعها.
220

وهيهنا أيضا بنى قوله في هذا على قوله المتقدم قائلا: إن ذلك يؤدي إلى المحال
فإن الإجماع قائم على أن الله تعالى لا يفني الجنة والنار بعد خلقهما، مع أن الفناء إذا
طري على جزء وبعض من الأجسام لا بد من فناء جميعها، واحتجاج من تقدم على أبي
هاشم بأن خلقهما في هذا الوقت عبث لا فائدة فيه غير صحيح فإنه يمكن أن يكون في
خلقهما مصلحة خفية وإن لم نطلع عليها. ز.
القول 135: ما تضمنه القرآن من ذكر ذلك - 125 / 2.
قال تعالى في سورة النور 24: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم
بما كانوا يعملون)، وفي سورة يس 5: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم
وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون)، وفي سورة فصلت حم السجدة 20: (حتى إذا
ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) انظر كنز
الفوائد - ص 14، 16 طبع تبريز للعلامة الفقيه المتكلم الشيخ أبي الفتح الكراجكي
المتوفى سنة 449 ه‍ تلميذ الشيخ المفيد السعيد - رحمة الله عليه - ولكن يلزم التدبر في
ذيل الآية الأخيرة وهو هذا: (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي
أنطق كل شئ) الآية. فتدبر حقه. چ.
القول 135: قالتا أتينا طائعين - 125 / 4.
سورة فصلت 11، قال العلامة الأكبر والحجة المشتهر السيد عبد الحسين
شرف الدين العاملي - مد ظله - في رسالته النفيسة (فلسفة الميثاق والولاية) ص 5 - 10
طبع صيدا، عند كلامه على جواب إحدى المسائل التي رفعناها إلى سماحته سنة 1360
ه‍: باب التمثيل واسع في كلام العرب ولا سيما في الكتاب والسنة، قال الله تعالى: (ما
كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) ضرورة أنهم لم
يشهدوا على أنفسهم بألسنتهم وإنما شهدوا بألسنة أحوالهم، إذ نصبوا أصنامهم حول
221

الكعبة فكانوا يطوفون بها عراة ويقولون: لا نطوف عليها في ثياب أصابتنا فيها
المعاصي، وكلما طافوا بها شوطا سجدوا لها، فظهر كفرهم بسبب ذلك ظهورا لا
يتمكنون من دفعه، فكأنهم شهدوا به على أنفسهم، وبهذا صح المجاز على سبيل
التمثيل في هذه الآية، ونحوها قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها
وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) إذ لا قول هنا من الله - عز وجل -
ولا منهما قطعا، وإنما المراد أنه سبحانه شاء تكوينهما فلم يمتنعا عليه وكانتا في ذلك
كالعبد السامع المطيع يتلقى الأمر من مولاه المطاع. وعلى هذا جاء قوله تعالى: (إنما
قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) 1 ضرورة أن القول في هذه الآية ليس على
حقيقته، والحقيقة ما اقتبسه الإمام زين العابدين - عليه السلام - من مشكاة هاتين
الآيتين، إذ قال في بعض مناجاة ربه عز وجل: (وجرى بقدرتك القضاء ومضت على
إرادتك الأشياء فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون نهيك منزجرة)
ومما جاء في القرآن الحكيم من المجاز على سبيل التمثيل قوله عز من قائل:
(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها
وحملها الانسان) 2 الآية، لأن عرضها على السماوات والأرض والجبال لم يكن على
ظاهره، وكذلك إباؤها وإشفاقها وما هو إلا مجاز على سبيل التمثيل والتصوير تقريبا
للأذهان وتعظيما لأمر الأمانة وإكبارا لشأنها، والأمانة هنا هي طاعة الله ورسوله في
أوامرهما ونواهيهما كما يدل عليه سياق الآية وصحاح السنة في تفسيرها، ولو أردنا
استقصاء ما جاء في الذكر الحكيم والفرقان العظيم من هذه الأمثال، لطال بنا البحث
وخرجنا به عن القصد، وحسبك توبيخه - عز وجل - لأهل الغفلة من قوارع القرآن
الحكيم المستخفين بأوامره وزواجره إذ يقول وهو أصدق القائلين: (لو أنزلنا هذا
القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس

1 - سورة النحل / 4.
2 - سورة الأحزاب / 72.
222

لعلهم يتفكرون) 1.
أما ما جاء في السنة من هذا القبيل فكثير إلى الغاية وكثير لا يحصى، وحسبك
منه الصحاح الصريحة ببكاء الأرض والسماء على سيد الشهداء وخامس أصحاب
الكساء، إذ - بكته الشمس بحمرتها والآفاق بغبرتها، وأظلة العرش بأهوالها وطبقات
الأرض بزلزالها، والطير في أجوائها، وحجارة بيت المقدس بدمائها، وقارورة أم سلمة
بحصياتها، وتلك الساعة بآياتها، كما صرحت به أحاديث السنة وصحاح الشيعة،
وأنت تعلم أن بكاء تلك الأجرام لم يكن على ظاهره، وإنما كان مجازا على سبيل
التمثيل، إكبارا لتلك الفجائع، وإنكارا على مرتكبيها، وتمثيلا لها مسجلة في آفاق
الخلود، إلى اليوم الموعود.
ومما جاء في السنة على هذا النمط من المجاز على سبيل التمثيل حديث كربلاء
والكعبة الذي أشار إليه سيد الأمة وبحر علوم الأئمة في درته النجفية إذ يقول أعلى الله
مقامه:
وفي حديث كربلا والكعبة * لكربلا بان علو الرتبة 2
وكذا حديث أنس عن النبي (ص): ما من مولود [مؤمن ط] إلا وله باب
يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه، إلى آخر ما قاله - مد ظله - چ.
القول 137: آتاني الكتاب وجعلني نبيا 125 / 15.
سورة مريم: 30.
القول 152: وهو مذهب الإمامية كلها - 133 / 12.
قال في (المجمع) ج 1 ص 82 طبع صيدا: (وقال الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد

1 - سورة الحشر / 21.
2 - انظر كتاب (القواعد) ص 244 - 247 طب إيران 1308 ه‍ للشهيد الأول. چ.
223

ابن محمد بن النعمان - قدس الله روحه - إنه (= إبليس) كان من الجن ولم يكن من الملائكة
- عليهم السلام - قال: وقد جاءت الأخبار بذلك عن أئمة الهدى - عليهم السلام -
ومذهب الإمامية، انظر تفصيل احتجاج الطرفين في ص 82 - 83 ج 1 من تفسير
المجمع. چ.
القول 154: ويخالف فيه باقيهم - 137 / 10.
قال العلامة الكبير والمحقق الشهير معالي الأستاذ السيد هبة الدين الشهرستاني
- مد ظله - في مجلة المرشد البغدادية الغراء لسنتها الرابعة ص 327 - 328 ما نصه:
المشهور لدى المفسرين وجمهور المسلمين هو أنه (ص) أمي أي لا يكتب ولا يقرأ
المكتوب وذلك لحكمة إلهية مخصوصة به وبمحيطه وبالنظر إلى معارضي شريعته من
بعده، ويدل على ذلك:
أولا، آيات قرآنية كآية: (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك
إذا لارتاب المبطلون) سورة العنكبوت: 48.
وثانيا: اتخاذه (ص) كتابا لوحيه من خاصة صحبه كعلي أمير المؤمنين - عليه السلام -
وكتابا لمراسلاته مع الزعماء كمعاوية.
وثالثا: إنه في صلح الحديبية لم يعرف موقع اسمه المكتوب حتى وضع علي - عليه
السلام - إصبعه عليه فمحى من ورقة الصلح كلمة رسول الله 1.
ورابعا: الشهرة المستفيضة بعدم معرفته الكتابة حتى كادت تكون ضرورة عند
المسلمين، غير أن جماعة من علمائنا ذهبوا إلى أنه (ص) كان لا يعلم الكتابة قبل نبوته

1 - انظر (متشابه القرآن) ج 2 ص 22 طبع طهران، للشيخ المحبوب ابن شهرآشوب فإنه قال فيه:
وقد شهر يوم الحديبية أنه كان لا يعرفها لأن سهيل بن عمرو قال: امح هذا ما قاضى عليه محمد
رسول الله (ص) فقال لعلي: امحها يا علي، ثم قال: فضع يدي عليها. چ.
224

فقط كما تشعر بذلك الآية، وأما بعد نبوته فقد علمها وعلم لغات البشر وحكي هذا
الرأي عن شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي في كتاب (المبسوط) 1.
وعن محمد بن إدريس الحلي في (السرائر)، ويستدل على هذا الرأي:
أولا: بروايات الصفار في (بصائر الدرجات) التي تنص على معرفة نبينا (ص) كلية
اللغات والخطوط بعد نبوته، وتنص أيضا على أن الأمي معناه النسبة إلى أم القرى أي
مكة، غير أنني لا أعتمد على هذا الكتاب إذ هو مشترك بين رجلين وفيه روايات عن
الغلاة والضعفاء.
وثانيا: بآية: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) الخ، سورة الجمعة 2. وأجيب عنها أن
تلاوة الآية لا تفتقر إلى معرفة الكتابة إذا تلقى التالي محفوظاته من وحي أو تلقين
وأكثر العمى والعوام يتعلم آيات القرآن من الصدور لا من السطور ثم يتلوها
كما حفظ بدون توقف على معرفة الخط. وأما معنى قوله تعالى: (يعلمهم الكتاب
والحكمة) فليس معناه تعليم النبي لقومه الكتابة مباشرة إذ لم يعهد ولا روي أنه (ص)
جلس مع أفراد أمته يعلمهم نقوش الحروف الهجائية وتراكيبها الأبجدية قطعا، وإنما
المراد أنه قام (ص) بأمر تعليم الأمة لمهمة الكتابة، فقد تواتر عنه (ص) اتخاذه الأسرى من
اليهود وأهل الكتاب يشترط عليهم أن يعلموا أهل مدينته الخط والكتابة،
فكان الأسير الكتابي إذا علم الكتابة عشرة من المسلمين أطلق سراحه النبي مكافأة

1 - قال قدس سره في (المبسوط) طبع إيران - كتاب آداب القضاء ما لفظه: (والذي يقتضيه مذهبنا
أن الحاكم يجب أن يكون عالما بالكتابة، والنبي - عليه وآله السلام - عندنا كان يحسن الكتابة بعد
النبوة وإنها لم يحسنها قبل البعثة) وقال ابن إدريس في باب سماع البينات من كتاب القضاء من
(السرائر) - طبع إيران - بما قاله الشيخ في (المبسوط) وجاء بجملاته فيه بعينها ولم يزد شيئا
عليها. چ
225

لعمله 1، وبهذه الوسيلة البسيطة عمم في أتباعه صناعة الخط وأخرجهم من ظلمة
الأمية. وكان الأحرى بهؤلاء العلماء أن يستدلوا بما صحت روايته عنه (ص) عند وفاته أنه
قال: (آتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتابا لن تضلوا معه) الخ، إلا أن يجاب عنه
بأن الوجه في هذا هو الوجه في بقية كتبه إلى الملوك إذ كان (ص) يكتب ولكن بأمر منه لا
بمباشرة من يده الشريفة. ولدى هؤلاء يوصف النبي (ص) بكونه أميا نظرا إلى حاله قبل
نبوته كما يوصف بأنه مكي بمناسبة حاله قبل هجرته. چ.
القول 155: في إحساس الحواس - 137 / 13.
انظر البحار ج 14 ص 469 طبع كمپاني.
القول 156: في الاجتهاد والقياس - 139 / 4.
الكلام في هذا الفصل في مقامين: الأول: الاجتهاد في الحوادث الواقعة بالرأي
على المعنى الذي نشير إليه.
الثاني: خصوص القياس الفقهي المتعارف.
أما الأول، فإن الاجتهاد يطلق تارة على استفراغ الوسع في طلب تحصيل الظن
بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها المعتبرة من كتاب أو سنة أو ما ثبت اعتباره من
الكتاب والسنة، والاجتهاد بهذا المعنى لا ينفيه الشيعة بل هو معتبر عندهم
بشرائط مخصوصة يعتبرونها في المجتهد وفي محل الاجتهاد وهي معروفة مذكورة في

1 - انظر (العرب) ج 21 ص 23 طبع بيروت للأستاذ المؤرخ المعاصر عمر أبي النصر فإنه قال في ذيل
عنوان (قتلى قريش) في معركة بدر الكبرى: وراح رسول الله يبحث مسألة الأسرى مع أصحابه...
فمن حفر فدائه أرسل إلى بلده، ومنهم من من عليه رسول الله دون ما فداء لفقره وكثرة عياله،
وكان فداء الأسرى الذين يعرفون القراءة والكتابة تلقين عشرة من صبيان المدينة الكتابة، وكذلك
أصبح مقر الأسرى مدرسة يتعلم فيها صبيان المدينة ما يحتاجون إليه من علوم ذلك العهد. چ.
226

كتبهم الأصولية ومؤلفاتهم في بحت الاجتهاد خاصة، وما زال عملهم عليه من
الصدر الأول وفيهم في كل عصر مجتهدون يرجع إليهم في فتاواهم. ويطلق تارة أخرى
على معنى أوسع نطاقا من ذلك من العمل بالأقيسة والاستحسان والمصالح المرسلة
وأشباههما، مما يورث غلبة الظن لصاحبه على ما أفتى به كما هو المتداول بين فقهاء
المذاهب المعروفة، وهذا المعنى هو الذي ينفيه الشيعة ويبطلون العمل بمقتضاه في
الأحكام الشرعية إذ ليس إلا تعويلا على الظن الذي لا دليل على حجيته وجواز العمل
بمقتضاه من الشرع، بل ورد النهي عن اتباعه في آيات الكتاب الكريم والسنة المطهرة.
ومن أطلق القول بنفي الاجتهاد وبطلانه من الإمامية فإنما نظره إلى هذا المعنى،
فإن أهل الرأي قد شهروا أنفسهم بهذه السمة حتى صار كالعلم لهم دون الاجتهاد
بالمعنى الأول الذي ذكرنا أنه معتبر عندهم. والعمل بالرأي بهذا النحو كان موجودا من
الصدر الأول، فقد نقل عن بعض الصحابة والتابعين قضايا أفتوا فيها بمقتضى ما
كانوا يرونه فيها، كما أنه قد أثر عن جماعة من أجلائهم النكير لهذا النوع من الرأي
والتحذير منه، مخافة أن يؤدي هذا النوع من الاسترسال في الرأي إلى ترك بعض الأحكام
والسنن المروية، إذ لم يكن من الميسور الإحاطة بكل الآثار والسنن لكل أحد فلا يبعد
أن يفتي بخلاف شئ منها مما لم يعثر عليه، وبالجملة الاجتهاد الذي ينفيه الشيعة هو
هذا المعنى دون المعنى الأول.
وأما المقام الثاني، فالقياس هو إثبات حكم المقيس عليه في المقيس بجامع أو
تعدية الحكم المتحد من الأصل إلى الفرع لعلة متحدة بينهما، وعرف بتعاريف أخرى لا
يهمنا التعرض إليها وتصحيحها وتزييفها بعد وضوح المقصود من ذلك. وقد استقر
مذهب الشيعة على المنع من العمل به وعدم جواز التعويل عليه ويوافقهم في ذلك
بعض الفقهاء، وأما سائر فقهاء المذاهب فيأخذون به ويعملون بمقتضاه. والسبب
الذي أحوجهم إلى العمل به أنهم يقولون: إن مسائل ونوازل ترد علينا لا بد من تعرف
227

أحكامها ولا ذكر لها في نص كلام الله تعالى ولا في سنة رسول الله فننظر إلى ما يشبهها
مما ذكر في الكتاب والسنة، فنقيسها عليه ونحكم فيما لا نص فيه بمثل الحكم فيما فيه
نص لاتفاقهما في العلة التي هي علامة الحكم.
ولما كان من مذهب الشيعة أن الله تعالى لم يقبض نبيه (ص) حتى أكمل له الدين
وعرفه أحكام الشريعة كلها، وأنه قد بين من ذلك ما وسعه بيانه واقتضت الحكمة
تبليغه، وأودع علم أحكام الشريعة عند خلفائه القائمين مقامه من بعده، فلا مساغ
مع ذلك ومع وجود الكتاب والسنة للرجوع إلى قياس أو إلى اجتهادات ظنية أخرى،
سيما مع ورود النهي عنها في آثار كثيرة مروية وفي متضمن بعضها (إنه محق الدين)
و (إن دين الله لا يصاب بالعقول) و (إن ما يفسده أكثر مما يصلحه) إلى أمثال من
ذلك.
ويقولون أيضا: إن بناء الشريعة الإسلامية على مصالح العباد التي لا يعلمها إلا
الله تعالى، ولأجل ذلك نرى اختلاف الحكم في المتوافقات واختلافها في المتوافقات،
وورود الحظر لشئ والإباحة لمثله، وورود الحكم في الأمر العظيم صغيرا وفي الصغير
بالنسبة إليه عظيما واختلاف ذلك خارج عن مقتضيات القياس، فإن الله تعالى أوجب
النسل من المني ولم يوجبه من البول مع أن القول بطهارة المني موجود عندهم، وألزم
الحائض قضاء ما تركته من الصوم وأسقط عنها قضاء الصلاة وهي أوكد من الصيام،
والشواهد على ذلك من أحكام الشرع كثيرة لا نطيل بذكرها. فإذا كان الأمر على ما
عرفت وعلمنا أنه لا طريق إلى معرفة المصالح والمفاسد إلا من قبل من أحاط بكل
شئ علما فلا مساغ للرجوع إلى القياس في تعرف للأحكام وجعله مدركا من مداركها.
والمراجع إلى السنة الكريمة والآثار المروية عن الأئمة - عليهم السلام - يجد أن جل
ما رجعوا فيه إلى القياس موجود في الأخبار منصوص عليه بنصوص عامة أو خاصة لا
يحتاج معها إلى القياس وغيره من مقتضيات الظنون، ولقد وافقت الشيعة في المنع عن
228

العمل بالقياس، الظاهرية من أهل السنة أتباع داود بن علي الأصبهاني حيث قالوا: لا
يجوز الحكم في شئ إلا بنص كلام الله تعالى أو نص كلام النبي (ص) أو بما صح عنه من
فعل وتقرير أو بإجماع متيقن. وقال داود: إنه لا حادثة إلا وفيها حكم منصوص عليه
من الكتاب والسنة.
وقال ابن حزم من أتباعه بعد ذكر آية: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وآية:
(اليوم أكملت لكم دينكم) الآية: إنهما إبطال للقياس والرأي، لأن أهل القياس
والرأي لا يختلفون في عدم جواز استعمالهما ما دام يوجد نص، وقد شهد الله أن النص لم
يفرط فيه شيئا، وأن رسول الله (ص) قد بين للناس كل ما نزل إليه، وإن الدين قد كمل
بلا حاجة إلى قياس ولا إلى رأي.
ويقول أيضا: كل ما لم ينص عليه فهو شرع لم يأذن به الله تعالى وهذه صفة
القياس، فكل ما ليس في القرآن والسنة منصوصا به فمن حكم فيه بشئ من الوجوب
والحرمة أو خالف به النص فهو من عند غير الله، ومن حرم أو أحل أو أوجب أو
أسقط قياسا على ما حرمه الله أو أحله أو أوجبه أو أسقطه فقد تعدى حدود الله، ومن
تعدى حدود الله فقد ظلم نفسه.
ويقول في كلام آخر: إنه لم يصح قط من أحد من الصحابة القول بالقياس وقد
كان من بعض الصحابة نزعات إلى القياس أبطلها رسول الله (ص) انتهى. وبالجملة إنهم
يوافقون الشيعة في بطلان التمسك بالقياس إلا أنهم يقتصرون على ظواهر الكتاب
والسنة ويحاولون إدخال أحكام الحوادث المتجددة تحت نصوص يشملها ويحتملها
من القرآن أو الثابت من الحديث النبوي أو الإجماع كما عرفت. ز
القول 156: والآثار الواضحة عنهم - صلوات الله عليهم - 139 / 7.
الأخبار الواردة في هذا الباب المروية عن الأئمة الطاهرين - سلام الله عليهم - كثيرة
229

رواها المحدثون في كتبهم ونحن نقتصر منها ببعض الأحاديث ونختم بها هذه
الكلمات القليلة التي علقناها على هذا الكتاب.
فقد روي في كتاب (اختصار كتاب الاختصاص) عن أحمد بن محمد بن عيسى،
عن محمد بن خالد البرقي بسنده، عن سماعة بن مهران، عن أبي الحسن الأول
(= الكاظم عليه السلام) قال: قلت، أكل شئ في كتاب الله وسنته أم تقولون فيه؟ فقال:
بل كل شئ في كتاب الله وسنته.
وعنه، عن محمد بن خالد البرقي، عن صفوان بن يحيى، عن سعيد بن عبد الله
الأعرج قال: قلت لأبي عبد الله - علي‍ السلام -: إن من عندنا ممن يتفقه، يقولون: يرد علينا
ما لا نعرفه في الكتاب والسنة فنقول فيه برأينا. فقال: كذبوا، ليس شئ إلا وقد جاء
في الكتاب وجاء فيه سنة.
وعن الحسن بن فضال، عن أبي المغراء، عن عبد صالح (= الكاظم عليه السلام)
قال: سألته فقلت: إن أناسا من أصحابنا قد لقوا أباك وجدك وسمعوا منهما الحديث،
فربما كان الشئ يبتلى به بعض أصحابنا وليس في ذلك عندهم شئ، وعندهم ما
يشبهه يسعهم أن يأخذوا بالقياس؟ فقال: لا، إنما هلك من كان قبلنا بالقياس. فقلت
له: لم تقول ذلك؟ فقال: لأنه ليس من شئ إلا وجاء في الكتاب والسنة.
السندي بن محمد البزاز، عن صفوان بن يحيى عن محمد بن حكيم، عن أبي
الحسن الأول - عليه السلام - قال: قلت: تفقهنا بكم في الدين وروينا عنكم الحديث وربما
ورد علينا رجل قد ابتلي بالشئ الصغير الذي ليس عندنا فيه شئ بعينه وعندنا ما هو
مثله وشبهه، أفنفتيه بما يشبهه؟ فقال: لا، وما لكم في ذلك القياس نفتيه هلك من هلك.
فقلت: أتى رسول الله الناس بما استغنوا به في عهده؟ قال: وبما يكتفون به من بعده إلى
يوم القيامة. فقلت: فضاع منه شئ؟ فقال: لا، هو عند أهله. ز.
230

(التعريف بكتاب أوائل المقالات)
بقلم العلامة الزنجاني (1) - رحمه الله -
بسم الله الرحمن الرحيم
العلم نور وضياء، والعلماء هم مصابيح ذلك النور وزجاجات ذلك الضياء،
التي توقد من شجرة مباركة هي روح العالم الذي تتحمله فيضيئه ويستضاء به غيره (2).
فهم أنوار الهداية وأعلام الرشد وينابيع الحكمة وقوام الأمة وأدلاء الخلق إلى الحق
وقادتهم إلى نهج الصواب والصدق، تحيى بهم قلوب أهل الإيمان وترغم أنوف أهل

(1) اقرأ ترجمته الشريفة في كتاب (شهداء الفضيلة - ص 251 - 252 ط النجف) للعلامة الكبير
الشيخ عبد الحسين الأميني التبريزي مد ظله نزيل النجف الأشرف، وفي كتاب (علما. معاصر -
ص 224 - 228 ط طهران) تأليف المرحوم الحاج الملا علي الواعظ الخياباني التبريزي المتوفى يوم
الأحد 14 صفر الخير سنة 1367 ه‍. چرندابي
(2) توقد: أي تشتعل. وضمير (هي) راجع إلى شجرة مباركة. روح العالم (بكسر اللام): نفسه، يذكر
ويؤنث. تتحمله: أي تتحمل العلم. فيضيئه: أي فيضئ العالم. وهذه الجملات الجميلة مقتبسة
من الآية الجليلة في سورة النور (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح
المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة) الآية. چرندابي
231

الزيغ والالحاد، مثلهم في الأرض كمثل النجوم التي في السماء يهتدى بها في ظلمات البر
والبحر، ويكفي في تعظيم شأنهم والتنويه بمكانتهم ومقامهم ما ورد في حقهم من
محكم آيات الكتاب الحكيم ومستفيض السنة الكريمة ومأثور المروي عن حجج الله
المكرمين سلام الله عليهم أجمعين، ومرتبة العلم هي المرتبة الثانية من مراتب الكمال
البشري التالية لمرتبة النبوة التي هي اختصاص إلهي واصطفاء رباني يخص بها من يشاء
من عباده المكرمين بعد أن يهيئ نفسه بالتأديب الإلهي لنيل ذلك المقام الرفيع، فيجعله
مهبط وحيه ومبلغ رسالاته ويجعله أسوة لخلقه في الهداية إلى الصراط المستقيم، وللعلماء
العاملين الذين جمعوا بين الفضيلتين واحتووا على درك تلك السعادتين - وقليل ما هم -
مزية عظيمة وميزة ظاهرة على من سواهم بما بذلوا أنفسهم في سبيل الله وجاهدوا في
مرضاته حق جهاده، فهم حفظة أحكام الدين ونواميسه وحراس ثغور الشرع وحدوده
وألسنه الناطقة وسيوفه القاطعة، ينفون من الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين
وتأويل الجاهلين.
ومن هؤلاء الأفذاذ الذين ازدهرت بهم علوم الشيعة الإمامية وتزينت بوجودهم
سماء معارفها السامية حوالي منتصف القرن الرابع الهجري وأوائل القرن الذي بعده، هو
الشيخ الجليل الأعظم والرئيس المقدم الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان
البغدادي العكبري المشتهر بالمفيد قدس الله روحه الشريفة، فقد كانت حياته حياة
علم وعمل وجد وجهد واستفادة وإفادة حتى اجتمعت فيه خلال الفضل والكمال،
تلمذ على العشرات من رجال العلم وحملة الآثار في عصره حتى صار أوثق أهل زمانه
بالحديث وأعرفهم بالفقه والكلام والخبرة بالرجال والأخبار والسير وأشعار العرب وغير
ذلك، وكان من الناحية العملية كثير الصلاة والصوم، كثير الصدقات، عظيم الخشوع،
وكانت حياته العلمية مستغرقة في أغلب الأحيان في ترويج المذهب والدفاع والجدال
232

مع المخالفين على اختلاف فرقهم من معتزلة ومرجئة وأشعرية ومحكمة (1) ومع بعض
الفرق المنتحلة للتشيع كالزيدية والواقفة وغيرهم كما يشهد به أخبار مجالسه المحفوظة في
فنون الكلام.

(1) وهم الذين خرجوا على أمير المؤمنين - عليه السلام - عند التحكيم وكان شعارهم: لا حكم إلا الله،
ولذلك سماهم الناس بالخوارج والمحكمة.
قال الأمير العلامة أبو سعيد نشوان بن سعيد الحميري اليمني المتوفى سنة 573 ه‍ في كتاب
(الحور العين - ص 201 ط مصر 1948 م): ومن أسمائهم (يعني الخوارج) المحكمة، سموا
بذلك لإنكارهم التحكيم في صفين، وقالوا لا حكم إلا لله. ومن أسمائهم المارقة وهم لا يرضون
بهذا الاسم ويرضون بسائر الأسماء، وكان منهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي قاتل أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال عمران بن حطان الخارجي الشاعر من بني سدوس، بمدح
عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله:
يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حينا فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا
أكرم بقوم بطون الطير قبرهم * لم يخلطوا دينهم بغيا وعدوانا
فبلغت الأبيات القاضي أبا الطيب الطبري فقال:
يا ضربة من شقي ما أراد بها * إلا ليهدم من ذي العرش بنيانا
إني لأبرأ مما أنت قائله * عن ابن ملجم الملعون بهتانا
إني لأذكره يوما فألعنه * وألعن الدهر عمران بن حطانا
عليك ثم عليه الدهر متصلا * لعائن الله إسرارا وإعلانا
فأنتم من كلاب النار جاء به * نص الشريعة برهانا وتبيانا
ومن أسماء الخوارج الحرورية والشراة سموا بهما لنزولهم بحروراء - اسم قرية تمد وتقصر -
ولأنهم يقولون إنهم شروا أنفسهم من الله بالجهاد. چرندابي.
233

وكانت مدينة بغداد عاصمة المملكة الإسلامية حينذاك مملؤة بكثير ممن ينتحل
هذه المذاهب وبكثير من النظار والمتكلمين منهم، وكانت مجالس النظر وأبهاء البحث
والجدال في المذهب بينهم قائمة وسوقها نافقة، وكثيرا ما كانت تنعقد تلك المجالس
بمحضر من الخلفاء والملوك وسائر أرباب النفوذ، يحضرها النظار ويتكلمون في المسائل
الخلافية بينهم وفي الآراء المذهبية وسائر مسائل الأصول والفروع على ما هو معلوم من
مراجعة السير والآثار، فكان كلما حضر في أمثال هذه المجالس ويقتضي المقام الكلام
في المسائل المذهبية يناظرهم ويجادلهم ويرد عليهم شبهاتهم ويجيب عما يوردونه على
الشيعة وعلى آرائهم المذهبية ويفحمهم بما أوتي من فهم ثاقب ونظر دقيق وقوة جنان
وطلاقة لسان وحسن بيان.
ولم يكن دفاعه ونضاله عن مذهب الشيعة الإمامية مقصورة على تلك المناظرات
اللسانية فقط بل كان يرد عليهم وينقض شبههم وحججهم بما يكتبه ويمليه من
المؤلفات والكتب في النقض والرد على أهم رجالهم ومتكلميهم ومناظريهم كما يشهد به
ملاحظة أسامي مؤلفاته المحفوظة في كتب الرجال والتراجم وفهارس المصنفات.
ومما يوجب الأسف ضياع غالب تلك المؤلفات والرسائل التي ضاعت نسخها
وذهبت فيما ذهب من كنوز العلم والآثار ولم يبق منها إلا جزء قليل من رسائله
ومصنفاته التي صنفها في هذه الأغراض، ومعظم الباقي منها أيضا لم يرزق حظا من
الانتشار واطلاع أهله عليه، ونسخها القليلة متفرقة في زوايا المكاتب وبطون المجاميع
لا يطلع عليها إلا قليل من الباحثين، ومن جملتها هذا الكتاب الموسوم ب‍ (أوائل
المقالات) الذي نحن في صدد الإشارة إلى وصفه بمناسبة ما أظهره من الرغبة في نشر
ذلك الأثر الجليل جناب العالم الفاضل والمحدث البارع الكامل علم الأعلام ونادرة
الأيام (الحاج الشيخ عباس قلي) المحدث التبريزي الچرندابي أدام الله له التوفيق
234

والتسديد، فبادرت إلى إجابة مسؤوله وتصحيح نسخة الكتاب بقدر الوسع والامكان
مع تعليق بعض حواش مختصرة على بعض مطالبها إيضاحا للمراد، ورأيت من اللازم
أيضا وصف هذا الكتاب ومحتوياته إجمالا بعد ذكر مختصر من تاريخ علم الأديان
وأهمية موضوعه في هذا العمر مع الإشارة إلى وجيز من ترجمة حياة مصنفه الجليل
قدس الله روحه ومن الله أستمد المعونة والتوفيق إنه ولي الهداية والمرشد إلى الصواب.
علم الأديان والمذاهب
إن تتبع تاريخ الأديان وآراء الملل وعقائدها ونحلها من المواضيع الهامة في تاريخ
حياة المجتمع البشري، فإنه يظهر من خلال الاطلاع على تلك الآراء والعقائد درجة
الرقي العقلي لتلك الأمم الذين اعتنقوها وشخصيات مؤسسيها، فالبحث عن ذلك
بمنزلة البحث عن تاريخ الفكر البشري وتطوراته المختلفة في مختلف العصور التي
مرت عليه وحصل فيها من الرقي والتكامل العقلي ما نشاهده حالا.
ومن جهة هذه الأهمية صار النظر فيه شاغلا لأفكار العلماء والعقلاء من كل أمة
من أقدم الأزمان، فنجد البحث عن ذلك بين قدماء فلاسفة اليونان وغيرهم من الملل
المتنوعة السابقة على العصر الاسلامي، كما نجد اهتمام المسلمين وعنايتهم بنوع خاص
على هذه المباحث الهامة في إبان التمدن الاسلامي العظيم، ونجد أيضا الجهود الخاصة
التي يبذلها علماء الغرب والباحثون منهم عن الشرق وعلومه وتمدنه وآثاره ودياناته وما
يبذلونه في سبيل ذلك على اختلاف الدواعي والأغراض منهم في ذلك العصر حتى
صار النظر في ذلك أساسا لفن خاص في عرفهم هو علم الأديان وفلسفة المذاهب.
ولا يسعنا البسط في هذا المقام في تاريخ هذا العلم وما ألفه العلماء فيه من قديم
وحديث من الكتب والمصنفات وما لهذه المباحث من الأهمية في نظر هؤلاء الباحثين
235

وإنما نكتفي بالإشارة إجمالا إلى شئ من تاريخ هذا العلم عند المسلمين تمهيدا لما نحن
في صدد البحث عنه.
يرشدنا النظر في تاريخ الصدر الأول والقرون الإسلامية الأولى إلى شئ ما من
علل اهتمام المسلمين بهذه المباحث، حيث إن الخلافات الدينية والمذهبية الواقعة بينهم
وظهور الفرق الإسلامية الكبرى على أثر تلك المخالفات من شيعة ومرجئة ومعتزلة
ومحكمة وغيرهم، والفتن الناشئة بينهم من جراء ذلك وتصدي كل فرقة لتأييد عقائدها
وآرائها والرد على من يخالفه على ما تكفل ببيانها كتب السير والآثار والمؤلفات الكلامية
تفصيلا، نبهت الأفكار إلى لزوم ضبط هذه الأقاويل والآراء وتقييدها في ضمن مؤلفات
خاصة على اختلاف في أغراض التأليف
فيجد الناظر نواة البحث في ذلك في كلمات أمثال الحسن البصري وواصل بن
عطاء وعمرو بن عبيد وغيرهم من علية رجال المعتزلة ونوابغ مفكريها ولكن البحث
الفني الذي يمكن أن يعد بحثا حقيقيا متعلقا بهذا الفن لم ينشأ إلا في صدر الدولة
العباسية، نجد الحكاية عن أبي محمد هشام بن الحكم المتكلم الشيعي الشهير (1) أنه

(1) قال أبو العباس النجاشي المتوفى سنة 450 ه‍ - في فهرسته - ص 304 ط بمبئ: (هشام بن
الحكم أبو محمد مولى كندة وكان ينزل بني شيبان بالكوفة انتقل إلى بغداد سنة تسع وتسعين ومائة
ويقال إن في هذه السنة مات). وقال العلامة الفقيه الحاج الشيخ عبد الله المامقاني (المتوفى سنة
1351 ه‍) بالنجف الأشرف، في رجاله الكبير (تنقيح المقال - ص 294 ج 3 ط النجف): هذا
الرجل ممن اتفق الأصحاب على وثاقته وجلالته وعظم قدره ورفعة منزلته عند الأئمة - عليهم السلام -
ولكن طعن فيه العامة وورد في الأخبار ذم له من جهة القول بالتجسيم وأخذ الأصحاب في الذب
عنه تنزيها لساحته عن ذلك ونقل عن خط المجلسي - ره - أنه قال: قال السيد المرتضى - ره -
ناقلا عن شيخه المفيد - ره -: هشام بن الحكم من أكبر أصحاب أبي عبد الله - عليه السلام - وكان
تقيا وروى حديثا كثيرا وصحب أبا عبد الله - عليه السلام - وبعده أبا الحسن موسى - عليه السلام - وكان
يكني أبا محمد وأبا الحكم الخ. چرندابي
236

قال: إنه لما كان أيام المهدي (158، 169 ه‍) شدد على أصحاب الأهواء وكتب له ابن
المفضل صنوف الفرق صنفا صنفا ثم قرأ الكتاب على الناس، على باب الذهب (بمدينة
بغداد) ومرة أخرى على باب وضاح (رجال الكشي - ص 172 بمبئ) فيكون هذا
الكتاب من أقدم ما وصلنا خبره من المصنف في هذا الفن ثم تتابعت التآليف فيه مع
التفاوت في أساليب البحث بحسب تنوع المقاصد والأغراض من بين مؤلف في الآراء
والديانات عامة، ومقتصر لآراء الاسلاميين أو لفرق مخصوصة منهم خاصة ومن مكتف
على النقل المجرد للآراء، أو منتصر مع ذلك لبعض الأقاويل، أو راد على مخالفيه ومن
مرتب للبحث عنها على المواضيع الخلافية، أو على خصوص الفرق والمذاهب
وأصحابها إلى غير ذلك من مختلف الأساليب التي اتخذوها والطرق التي سلكوها في
كتبهم ومؤلفاتهم.
ولأهمية الموضوع تناول البحث فيه كبار من رجال الفريقين وعلماء الاسلام أمثال
أبي القاسم الكعبي وعباد بن سليمان الصيمري وأبي الحسن الأشعري وأبي بكر الباقلاني
وابن فورك والبغدادي وابن حزم الظاهري والشهرستاني (1) وغيرهم من رجال الجمهور
وصنف فيه أبو محمد النوبختي وأبو الحسن المسعودي والحاكم أبو عبد الله النيسابوري
ومن سواهم من الشيعة ممن يتعذر استقصاء أسمائهم وإحصاء مؤلفاتهم في المقام.

(1) قال المولى عصام الدين أحمد المعروف بطاشكبري زاده (المتوفى سنة 968 ه‍) في تأليفه في
موضوعات العلوم (مفتاح السعادة - ص 264 ج 1 ط الهند): وممن أورد فرق المذاهب في العالم
كلها محمد الشهرستاني في كتاب (الملل والنحل) وكان إماما مبرزا فقيها متكلما تفقه على أحمد
الخوافي وبرع في الفقه وقرأ الكلام على أبي القاسم الأنصاري وتفرد فيه وصنف كتاب (نهاية
الإقدام في علم الكلام ط ليدن 1934 م) وكتاب (الملل والنحل ط الهند ولندن ومصر وإيران)
وكانت ولادته سنة سبع وسبعين أو تسع وسبعين وأربعمائة بشهرستان وتوفي بها أيضا في أواخر
شعبان سنة ثمان أو تسع وأربعين وخمسمائة. وشهرستان مدينة في خراسان وذكر في أول،
(نهاية الإقدام) المذكور بيتين ولم يذكر أن هذين البيتين لمن:
لقد طفت في تلك المعاهد كلها * وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر * على ذقن أو قارعا سن نادم
قلت: وجدت في بعض المجاميع أن البيتين اللذين ذكرهما الشهرستاني في نهاية الإقدام لأبي
علي بن سينا (* *) ا ه‍ ملخصا.
(* *) وهو الشيخ أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا الفيلسوف المعروف الشهير بالشيخ الرئيس، توفي
سنة 427 أو 428 ه‍ بهمدان من بلاد إيران، وذكره محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتابه
(الملل والنحل - في هامش الفصل لابن حزم الظاهري - ص 18 ج 4 ط مصر 1347 ه‍) بعد أن
سرد أسامي عدة من فلاسفة الاسلام وقال: (وعلامة القوم أبو علي بن سينا وكانت طريقته أدق
ونظره في الحقائق أغوص وكل الصيد في جوف الفرا). ويجدر بالذكر أن العلامة الإمام السيد
محسن الأمين قد نسبه إلى التشيع في تأليفه المنيف (أعيان الشيعة - ص 297 - 298 ج 26 ط
دمشق) فراجعه وكن من الشاكرين. وقال أيضا في أعيان الشيعة - 409 ق 1 ج 1 ط 2: (ومن
يسمى بالمعلم من الحكماء ثلاثة أحدهم من اليونان والاثنان من الشيعة، فالمعلم الأول أرسطو
وهو يوناني والمعلم الثاني الرئيس ابن سينا شيعي والثالث أبو نصر الفارابي شيعي). والحال أن
المشهور بالمعلم الثاني هو أبو نصر محمد بن طرخان الفارابي الحكيم التركي، والملقب بالمعلم
الثالث هو أبو علي أحمد مسكويه الفيلسوف الشيعي الشهير. انظر (الأعيان - ص 139 ج 10).
چرندابي
237

وقد كانت الأمصار الإسلامية وحواضرها الكبرى ميدانا لمخاصمات الفرق
المختلفة ومجادلاتهم كما أومأنا إليه وكان عصر المصنف - قده - من العصور التي كانت
المناظرات المذهبية بين الشيعة ومخالفيها على شدتها، وكان غالب مخالفي الإمامية
يرمونهم بأقاويل فاسدة وينسبون إليهم آراء زائغة ليست في مذهب الإمامية قصدا
للتشنيع والتعيير عليهم من القول بالجبر والتشبيه والتجسيم وغير ذلك مما يجده المراجع
لمواضيعه.
238

فكانت هذه الأسباب ونظائرها علة لتصدي المصنف - قده - لتأليف هذا
الكتاب ولغيره من مؤلفاته وإظهار الواقع والصحيح من مذهب الشيعة الإمامية
وخلاصة آرائها ومعتقداتها في الأصول الإسلامية ومختلف المسائل الكلامية الدائرة بين
النظار والمتكلمين، فبين فيه آراءهم الدينية ومعتقداتهم المذهبية الموافقة لأصول
الكتاب والسنة والآثار المروية عن أئمتهم الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين وبين من
يوافقهم فيها من سائر الفرق الإسلامية من معتزلة وغير معتزلة، ثم ما يخالف فيه
الإمامية سائر الفرق في بعض الآراء والأقوال مبينا ذلك بأوضح بيان ومرتبا إياه على
أحسن ترتيب وأبدع أسلوب حول المواضيع الدائرة بين المتكلمين وأرباب النظر
وحذاق أهل الجدل.
فهو من هذه الجهة من أحسن الكتب المؤلفة في بابه بل من أول ما ألف في هذا
النمط الخاص من بيان الفرق بين أقاويل أهل الشيعة وأقاويل أهل الاعتزال على ما
يجده الناظر مبسوطا في تضاعيف أبواب الكتاب، ولم يسبقه في ذلك فيما أعلم إلا المؤرخ
الشيعي الشهير أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي (1) صاحب التآليف الممتعة
التاريخية وغيرها فإنه يذكر في كتابه المتداول المعروف (مروج الذهب - ص 137 ج 2 ط
مصر 1353 ه‍) عند تعرضه لذكر أصول المعتزلة أن له كتابا مترجما بكتاب الإبانة ذكر
فيه الفرق بين المعتزلة وأهل الإمامة وما بان به كل فريق منهم عن الآخر.

(1) قال الشيخ المحدث الجليل عباس بن محمد رضا القمي (المتوفى سنة 1359 ه‍ بالنجف) في كتابه
النفيس (الكنى والألقاب - ص 153 ج 3 ط صيدا): (قال العلامة المجلسي في مقدمة البحار
(ص 14 ج 1 ط أمين الضرب) والمسعودي عده جش (يعني النجاشي) في فهرسته (ص 178 ط
بمبئ) من رواة الشيعة وقال: له كتب منها كتاب إثبات الوصية لعلي بن أبي طالب - عليه السلام -
وكتاب مروج الذهب مات سنة 333). وقيل إنه بقي إلى سنة 345. چرندابي
239

وكان المصنف - قده - من المتضلعين في هذا الفن ذا خبرة واسعة بآراء الفرق
الإسلامية ومدارك أقاويلها، يشهد بذلك أسامي مؤلفاته التي كتبها وصنفها في الرد
على جمع من المتكلمين من معتزلة وغيرهم، ويظهر أيضا أن بعض كتب هذا الفن كان
يقرأ عليه ويذاكر به، فقد ذكر تلميذه أبو العباس النجاشي (1) صاحب الفهرست
المعروف في ترجمة أبي محمد النوبختي كتابه المعروف بكتاب الآراء والديانات وقال: إنه
كتاب كبير حسن يحتوي على علوم كثيرة قرأت هذا الكتاب على شيخنا أبي عبد الله رحمه

(1) قال العلامة الفقيه الحاج الشيخ عبد الله المامقاني (1290 - 1351 ه‍) في (تنقيح المقال - ص
63 - 64 ج 1): النجاشي بالنون المفتوحة والجيم المشددة المفتوحة ثم الألف ثم الشين المثلثة ثم
الياء هو الذي يثير الصيد ليمر على الصائد، فالياء ليست ياء نسبة كما في النجاشي مخففا ملك
الحبشة فإن الياء فيه أيضا جزء الاسم وهو أحمد بن علي بن العباس النجاشي المكني بأبي العباس
صاحب كتاب الرجال المعروف وهو شيخ جليل ثقة مسلم الكل، غير مخدوش فيما كتب بوجه
مطمئن إليه سيما في الرجال يقدم قوله عند التعارض على قول غيره حتى الشيخ الطوسي - ره - وقد
اشتبه الأمر على بعض الأصحاب فزعم كون أحمد بن علي بن العباس غير أحمد بن العباس
والصواب الاتحاد، ونقل صاحب التنقيح في ص 70 ج 1 منه عن الخلاصة للعلامة - ره - أنه
توفي بمصير آباد (* *) في جمادى الأولى سنة خمسين وأربعمائة. وكان مولده في صفر سنة اثنين
وسبعين وثلاثمائة. انظر فهرست النجاشي - ص 74 ط بمبئ وتنقيح المقال - ص 69 ج 1
أيضا. چرندابي
(* *) وفي نسختنا المخطوطة التي كتبت سنة 1012 ه‍ وقرأها الشيخ شمس الدين محمد بن خاتون
العاملي على شيخه محمد بهاء الدين العاملي سنة 1027 ه‍ وعليها خط يد شيخه بهاء الدين - ره -
(بمنطير آباد). وقال المحدث القمي في (الكنى والألقاب - ص 199 ج 3) وتوفي بمطير آباد من
نواحي سر من رأى سنة 450 موافق كلمة (إن الرحمة عليه). چرندابي
240

الله (1).
ومما ذكر من أسماء مصنفاته في هذا الباب كتاب المقنعة في وفاق البغداديين من
المعتزلة لما روى عن الأئمة - عليهم السلام -، وكتب له أخرى في الرد على الجاحظ من
النقص على العثمانية والنقض على المروانية وكتاب النقض على فضيلة المعتزلة، وكتب
أخرى في النقص على أبي عبد الله البصري وعلى علي بن عيسى الرماني والنقض على
البلخي والنقض على جعفر بن حرب والنقض على الواسطي والجبائي، والرد على
العتبي وعلى الكرابيسي وعلى الأصم والرد على ابن كلاب وغيرهم مما يجده الناظر في طي
فهرست مصنفاته.
(وصف الكتاب)
قد ذكر الشيخ المصنف - قده - موضوع الكتاب في ديباجته وأنه يشتمل على
الفرق بين الشيعة والمعتزلة وفصل ما بين العدلية من الشيعة ومن ذهب إلى العدل من
المعتزلة، ثم بيان ما يفترق فيه الشيعة عن المعتزلة بعد ذلك، ثم قال إنه ذاكر في أصل
ذلك ما اختاره هو من متفرع المذاهب في أصول التوحيد والعدل والقول في اللطيف من
الكلام وذكر في ضمن ذلك من يوافق في بعض تلك المسائل من متكلمي الشيعة
أنفسهم ومن يخالف لبني نوبخت وغيرهم من متكلمي الإمامية.
وقد صرح في أول الكتاب أنه ألف هذا الكتاب باقتراح من السيد الشريف
النقيب ولم يذكر اسم ذلك الشريف - ره -.
وهذا الشريف النقيب يحتمل أن يكون هو الشريف الجليل أبو أحمد الحسين بن

(1) انظر (الفهرست - ص 46 ط بمبئ 1317 ه‍) للشيخ أبي العباس النجاشي. چرندابي
241

موسى الموسوي - ره - والد الشريف الرضي - ره - الذي كان فوض إليه نقابة العلويين
والنظر في المظالم وإمارة الحج في الدولة البويهية مرارا (1) ويحتمل أن يكون أحد ابنيه
المرتضى أو الرضي اللذين كانا ينوبان عن والدهما في حياته (2) وفوض ذلك المنصب

(1) ويرثي الرضي - ره - أباه أبا أحمد الحسين بن موسى وقد توفي ليلة السبت لخمس بقين من جمادى
الأولى سنة 400 وله من العمر 97، بقصيدة بلغت 89 بيتا وهي من الطوال الجياد، مطلعها:
وسمتك حالية الربيع المرهم * وسقتك ساقية الغمام المرزم
(انظر ديوان الرضي - ص 460 - 463 ط مصر 1306 ه‍). چرندابي
(2) وذكر شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري اسم الشريفين الرضي والمرتضى في
طي مرثية لوالدهما المذكورة في ديوان (سقط الزند) - انظر شرح التنوير - ص 84 - 85 ج 2 ط
مصر 1358 ه‍ ومن أبيات تلك المرثية:
أبقيت فينا كوكبين سناهما * في الصبح والظلماء ليس بخاف
أراد بالكوكبين ابني المتوفى أي إنهما في رفعة المكان والشهرة مثل كوكبين لا يخفى ضوءهما
بحال، بل إنهما مضيئان في ظلمة الليل وبياض الصبح لا يرتقي إليهما حوادث الدهر فتخفيهما،
وقال فيها:
ساوى الرضي المرتضى وتقاسما * خطط العلى بتناصف وتصاف
أي إن الرضي والمرتضى تساويا في الفضائل واقتسما بينهما المكارم على السواء والعدل منصفا
أحدهما فيه صاحبه ومصفيا عقيدته في استحقاق صاحبه ما حازه من خطط العلى.
وقال الأستاذ السيد حسن الأمين نزيل بغداد في مجلة (العرفان - ص 428 ج 4 مج 36) تحت
عنوان (بين المعري والمرتضى): (فقد نظمها (يعني القصيدة التي رثى بها المعري والد الشريفين)
قبيل مغادرته بغداد، فالحسين توفي في جمادى الأولى سنة 400 ه‍ وترك المعري بغداد في رمضان
هذه السنة نفسها) فراجع تمام المقال الذي دبجه يراع الأستاذ فإن فيه حقائق ناصعة، وراجع
أيضا (عبقرية الشريف الرضي - ص 153 و 4 ج 1 ط بغداد) للأستاذ الدكتور زكي مبارك.
چرندابي
242

إلى الرضي ثم إلى المرتضى - ره - بعده.
والذي يترجح في النظر أنه هو الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين
- قده - (1) ويؤيده الزيادة التي في آخر الكتاب والذي ذكر في أولها أنه خرجها وسأل
عنها الشيخ المفيد الشريف الرضي - ره - ليضاف إلى كتاب (أوائل المقالات).
وقد ألف الشيخ - ره - بعد تأليف ذلك الكتاب كتابه المعروف بكتاب الأعلام
فيما اتفقت عليه الإمامية وخالفهم العامة من الأحكام، وصرح في أوله أيضا بأنه صنفه
للسيد الشريف ليضاف إلى كتاب (أوائل المقالات) ويجتمع للناظر فيهما علم الأصول
والفروع إلى آخره، وفي بعض النسخ القديمة من ذلك الكتاب أنه الشريف الرضي - ره -
، ولم يذكر في الكتاب سنة التأليف وبما أن زمان نقابة الشريف الرضي يتراوح بين

(1) توفي - رحمه الله - سنة 406 ه‍ ورثاه تلميذه الشاعر الشهير مهيار الديلمي بقصيدة طويلة
مطلعها:
من جب غارب هاشم وسنامها * ولوى لويا واستزل مقامها
وقال صدر الدين السيد على خان الشيرازي المتوفى سنة 1119 بشيراز في كتابه النفيس (أنوار
الربيع في علم البديع - ص 13 ط إيران 1304 ه‍): (وشقت هذه المرثية على جماعة ممن كان
يحسد الرضي - رضي الله عنه - على الفضل في حياته أن يرثى بمثلها بعد وفاته فرثاه بقصيدة أخرى
ومطلعها في براعة الاستهلال كالأولى وهو:
أقريش لا لفم أراك ولا يد * فتواكلي غاض الندى وخلا الندى
وما زلت معجبا بقوله منها:
بكر النعي فقال أودى (أردى خ) خيرها * إن كان يصدق فالرضي هو الردي
أنظر (ديوان مهيار الديلمي - ص 366 ج 3 وص 249 ج 1 ط مصر). چرندابي
243

سنة 396 ه‍ التي قلد فيها منصب - نقابة الطالبيين ولقب بالرضي - ذي الحسبين (1) ثم
فوض إليه نقابة العلويين في سنة ثلاث وأربعمائة بعد والده، وبين سنة 406 ه‍ التي
توفي فيها الشريف - ره - فلا بد أن يكون التأليف في أثناء هذه المدة التي تقرب من عشر
سنين.
(أبواب الكتاب ومطالبه)
يشتمل هذا الكتاب على أبواب:
1 - في الفرق بين الشيعة والمعتزلة وقد ذكر في هذا الباب معنى التشيع لغة
واصطلاحا ومن يستحق إطلاق هذه اللفظة عليه من الفرق المنتحلة للتشيع، ثم أردفه
بذكر معنى الاعتزال ومن يستحق إطلاق هذا الاسم عليه من بين سائر الفرق وجهة
إطلاق هذه السمة على الفرقة المذكورة وزمان حدوثه.
2 - في الفرق بين الإمامية وغيرهم من الشيعة وذكر فيه معنى ذلك وأشار إلى
الفرقة الزيدية وما به يمتازون عن الفرقة الإمامية.
3 - ذكر ما اتفقت عليه الإمامية من القول بالإمامة على خلاف المعتزلة ذكر فيه
بعض الفروع الخلافية بين الفريقين في باب النبوة والإمامة وغيرها.
4 - وصف ما اختاره واجتباه من الأصول نظرا ووفاقا لما جاءت به الآثار عن أئمة
الهدى من آل محمد - صلى الله عليهم أجمعين - وذكر من وافق ذلك مذهبه من أهل
المقالات. ذكر في هذا الباب أهم المسائل الاعتقادية في أبواب التوحيد والصفات
والعدل واللطف والصلاح والأصلح، والنبوة والمسائل المتعلقة بها، والإمامة ومتعلقاتها

(1) ويمدح الرضي - ره - بهاء الدولة ويشكره على تلقيبه بالرضي ذي الحسبين بقصيدة مطلعها:
يدي في قائم العضب * فما الأنضار بالضرب
(أنظر ديوان الرضي - ص 22 - 24 ط مصر 1306 ه‍). چرندابي
244

وما يتفرع عليها، والقول في القرآن وجهة إعجازه وتأليفه، وفي المعاد وأبواب الوعد
والوعيد والأسماء والأحكام وما سوى ذلك من لطيف الكلام وسائر المباحث التي
يجدها الناظر في فهرسته وضمن أبوابه وفصوله.
وذكر في كل هذه المسائل خلاصة رأي الإمامية فيها ومن يخالفهم فيها من سائر
الفرق أو من بعض متكلمي الشيعة كآل نوبخت وغيرهم ممن كان لهم آراء في بعض
هذه المسائل الكلامية مخالفة لما عليه الجمهور من سائر متكلميهم.
(ترجمة مصنف الكتاب)
هو الشيخ الجليل أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي العكبري
البغدادي المعروف بابن المعلم والملقب بالمفيد قدس الله سره، من أجلاء شيوخ الشيعة
ومتكلمي الإمامية البارع في الفنون والعلوم الإسلامية، وأثنى عليه علماء الفريقين
ووصفوه بأنه أجل مشايخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم وأنه أوثق أهل زمانه في الحديث
وأنه كان متقدما في علم الكلام والفقه (1)، حسن الخاطر، دقيق الفطنة حاضر الجواب،
كثير الصدق، عظيم الخشوع، كثير العبادة خشن اللباس وكل من تأخر عنه استفاد
منه.
ونقل عن اليافعي في تاريخه المعروف في طي حوادث سنة وفاته أنه قال: وفيها
(يعني في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة) توفي عالم الشيعة وعالم الرافضة صاحب

(1) قال الأستاذ كاظم المظفر النجفي في مجلة العرفان الزاهرة - ص 1159 ج 8 مج 35: (والمفيد
لاحظ الفقه وهذبه وأفرد كل باب على حدة واستخرج الأحكام والأوامر والنواهي وجمع ما تشتت
منه بعد أن كان الفقه مجرد روايات لا أكثر، وبذلك استطاع أن يخفف عن رواد العلم ذلك التعب
الذي كانوا يعانونه من جراء ذلك... كما دقق علم الأصول وشرحه الشرح الوافي الذي جعل
الفائدة منه ملموسة من حيث تكفله لاستنباط الأحكام الشرعية. ورتب هذه القواعد الأصولية
ترتيبا بدل على ما بذل فيه من جهود جبارة ومتاعب كثيرة استطاع أن يلم بها الالمام التام).
ومما يجدر بالذكر أن العلامة العاملي قال في (أعيان الشيعة - ص 237 ج 1 ط 1 دمشق) بعد
أن سرد أسامي عدة من متكلمي الشيعة ومؤلفيهم في علم الكلام والجدل و...: (والشيخ المفيد...
الذي سن طريق الكلام لمن بعده إلى اليوم). چرندابي
245

التصانيف الكثيرة شيخهم المعروف بالمفيد، وبابن المعلم أيضا البارع في الكلام والجدل
والفقه وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية، قال ابن أبي
طي: وكان كثير الصدقات عظيم الخشوع كثير الصلاة والصوم خشن اللباس. وقال
غيره: كان عضد الدولة ربما زار الشيخ المفيد وكان شيخا ربعة نحيفا أسمر عاش ستا
وسبعين سنة وله أكثر من مائتي مصنف وكانت جنازته مشهورة وشيعه ثمانون ألفا من
الرافضة والشيعة وأراح الله منه وكان موته في رمضان (1). ونقل عن تاريخ ابن كثير
الشامي أنه قال - بعد الإشارة إلى اسمه وكنيته -: إن ملوك الأطراف كانت تعتقد به
لكثرة الميل إلى الشيعة في ذلك الزمان وكان يحضر مجلسه خلق عظيم من جميع طوائف
العلماء (2) وذكره ابن النديم في الفهرست عند ذكره لمتكلمي الشيعة وقال: (ابن المعلم

(1) أنظر (عبقات الأنوار - ص 213 ج 1 مج حديث الغدير ط 2 طهران) للعلامة الأكبر الأمير
حامد حسين (المتوفى سنة 1306 ه‍). وهذه الكلمات التي قالها أبو السعادات عبد الله بن أسعد
اليافعي (المتوفى سنة 768 ه‍) في تاريخه (مرآة الجنان - ص 28 ج 3 ط الهند 1338 ه‍) - وهو
من أكابر العامة ومتعصبيهم - لخير برهان ثابت على ما للشيخ المفيد السعيد من عظيم الخطر
وجليل الأثر، وقد رأيت في آخر كلامه ما يدل على عناده وشدة بغضه لهذا الشيخ الجليل ومع ذلك
لم يمكنه جحد مناقبه الدينية والدنيوية والعلمية والعملية فالآن حق أن يقال:
ومليحة شهدت لها ضراتها * والفضل ما شهدت به الأعداء چرندابي
(2) قال الأستاذ كاظم المظفر النجفي في مجلة العرفان الراقية - ص 1158 ج 8 مج 35: (ومن
العلماء الذين اعترفوا له (يعني للشيخ المفيد) بالفضل والسبق ابن كثير الشامي (المتوفى سنة
774 ه‍) في كتابه (البداية والنهاية - ص 15 ج 12 ط مصر) إذ قال: (وهو شيخ الإمامية
الروافض والمصنف لهم والمحامي عن حوزتهم كانت له وجاهة عند ملوك الأطراف لميل كثير من
أهل ذلك الزمان إلى التشيع). لأن سيف الدولة الحمداني ملك الشام شيعي، وعضد
الدولة ملك العراق شيعي، ومعز الدولة ملك إيران شيعي، وكان لزاما على هؤلاء الخلفاء أن
لوا الشيعة على الأمصار والبلدان. وكلهم حفظوا له هذه المنزلة والكرامة فقدروه غاية التقدير
وبجلوه غاية التبجيل). وقال العلامة الأميني في كتابه النفيس - (الغدير - ص 245 ج 3 ط
النجف): وقول ابن كثير في تاريخه (يعني البداية والنهاية - ص 15 ج 12 ط مصر): (وكان
مجلسه (أي مجلس الشيخ المفيد) يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف). ينم عن أنه
شيخ الأمة الإسلامية لا الإمامية فحسب. چرندابي
246

أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان في عصرنا انتهت إليه رئاسة متكلمي الشيعة
مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه، دقيق الفطنة ماضي الخاطر، شاهدته
فرأيته بارعا وله من الكتب...) (1)، وقال محمد بن إدريس الحلي (المتوفى سنة 598 ه‍)

(1) انظر (الفهرست - ص 252 و 279 ط مصر) لمحمد بن إسحاق النديم الشيعي (المتوفى سنة
385 س). وقال العلامة الإمام آية الله السيد حسن الصدر (1272 - 1354 ه‍) في كتابه القيم
(تأسيس الشيعة الكرام لعلوم الاسلام (* *) - ص 381 ط العراق 1370 ه‍) بعد نقل كلمتي ابن
النديم حول جلالة الشيخ المفيدة عن موضعي الفهرست: ويعلم من الموضعين أنه لم يتمكن من
الاطلاع على فهرست مصنفاته - قدس سره -.
وقال أيضا في ص 312 منه: (الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المعروف في
زمانه عند الناس بابن المعلم، وعند الإمامية بالشيخ المفيد، كان وحيد دهره في كل العلوم، انتهت
إليه رئاسة الإمامية... صنف في كل علوم الاسلام، وأخرج فهرس كتابه تلميذه أبو العباس
النجاشي في كتاب فهرست أسماء مصنفي الشيعة، ومن جملة مصنفاته كتابه في أصول الفقه تام
المباحث مع صغر حجمه، وقد رواه قراءة عنه الشيخ أبو الفتح الكراجكي، وأدرجه بتمامه في كتابه
كنز الفوائد، وقد طبع بإيران وعندنا منه نسخة). انظر كتاب (كنز الفوائد - ص 186 - 194 ط
تبريز 1322 ه‍). چرندابي
(* *) طبع هذا الكتاب الفريد في بابه والوحيد في موضوعه، حديثا في قطر العراق بأمر نجل المؤلف،
صاحب السماحة العلامة السيد الصدر - مد ظله - مصدرا بترجمة مؤلفه الفذ نقلا عن كتاب (بغية
الراغبين في أحوال آل شرف الدين - مخطوط) لمؤلفه العلامة الإمام آية الله السيد عبد الحسين شرف
الدين العاملي - مد ظله -، نزيل صور من بلاد لبنان. چرندابي
247

في آخر مستطرفات السرائر في ضمن كلام نقله عنه: وكان هذا الرجل كثير المحاسن
حديد الخاطر جم الفضائل غزير العلوم.
(مولده ومنشئه)
مولده على ما صرح به النجاشي والعلامة وغيرهما: الحادي عشر من ذي القعدة
سنة ست وثلاثين أو ثمان وثلاثين وثلاثمائة.
وذكروا أنه كان من أهل عكبرى - بضم العين قرية من أعمال بغداد على عشرة
فراسخ منه - من موضع يعرف بسويقة ابن البصري وأنه انحدر مع أبيه إلى بغداد وبدأ
بقراءة العلم على أبي عبد الله المعروف بالجعل (هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن
إبراهيم المعروف بالكاغذي من أهل البصرة المتوفى سنة 339 ه‍) بدرب رياح (اسم
موضع من محلات بغداد القديمة) ثم قرأ بعده على أبي ياسر غلام أبي الجيش. فقال له
أبو ياسر: ألا تقرأ على علي بن عيسى الرماني (1) وتستفيد منه فقال: ما اعرفه وما لي به
أنس فأرسل معي من يدلني عليه، فأرسل معه من أوصله إليه فذكر الشيخ - قده - أنه

(1) قال المستشرق الألماني آدم متز (المتوفى سنة 1917 م) في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع
الهجري - ص 325 ج 1 ط مصر): (وقد ألف أبو الحسن علي بن عيسى الرماني المتوفى عام 385
ه‍. ص 995 م، وهو عالم بالكلام والفقه والنحو واللغة، تفسيرا للقرآن، وقد بلغ من قيمة هذا
التفسير أنه قيل للصاحب بن عباد: هلا صنعت تفسيرا! فقال: وهل ترك لنا علي بن عيسى
شيئا؟). وقال أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء أبو حيان التوحيدي (المتوفى حوالي سنة 401
بشيراز) في كتابه (الامتاع والمؤانسة - ص 133 ج 1 ط مصر): وأما علي بن عيسى فعالي الرتبة في
النحو واللغة والكلام والعروض والمنطق وعيب به إلا أنه لم يسلك طريق واضع المنطق بل أفرد
صناعة وأظهر براعة وقد عمل في القرآن كتابا نفيسا هذا مع الدين الثخين والعقل الرزين.
چرندابي
248

دخل عليه والمجلس غاص بأهله فقعدت حتى انتهى بي المجلس فلما خف الناس
قربت منه فدخل عليه داخل وقال: إن بالباب انسانا يؤثر الحضور وهو من أهل البصرة
فأذن له فدخل فأكرمه فطال الحديث بينهما فقال الرجل لعلي بن عيسى: ما تقول في يوم
الغدير والغار؟ قال: أما خبر الغار فدراية وأما خبر الغدير فرواية والرواية لا توجب ما
توجبه الدراية، قال: وانصرف البصري ولم يجد جوابا قال المفيد - قده -: فقلت لعلي
ابن عيسى: أيها الشيخ مسألة. فقال: هات مسألتك. فقلت: ما تقول في من قاتل
الإمام العادل؟ فقال: كافر. ثم استدرك فقال: فاسق. فقلت: ما تقول في أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب - عليه السلام -؟ قال: إمام. قال، قلت: ما تقول في يوم الجمل وطلحة
والزبير؟ فقال: تابا. فقلت: أما خبر الجمل فدراية وأما خبر التوبة فرواية. فقال لي:
كنت حاضرا وقد سألني البصري؟ فقلت: نعم؟ رواية برواية ودراية بدراية. قال: بمن
تعرف وعلى من تقرأ؟ قلت: أعرف بابن المعلم وأقرأ على الشيخ أبي عبد الله الجعل.
وقال: موضعك. ودخل على منزله وخرج ومعه رقعة قد كتبها وألصقها، فقال لي: أوصل
هذه الرقعة إلى أبي عبد الله. فجئت بها عليه فقرأها ولم يزل يضحك بينه وبين نفسه، ثم
قال: أيش جرى لك في مجلسه فقد وصاك بنا ولقبك بالمفيد (1) فذكرت المجلس بقصته
فتبسم (2) (السرائر لابن إدريس الحلي - ره -).

(1) قال قطب المحدثين وشيخ مشايخهم محمد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني المتوفى
سنة 588 ه‍ في تأليفه (معالم العلماء - ص 101 ط طهران): ولقبه بالشيخ المفيد صاحب الزمان
صلوات الله عليه وقد ذكرت سبب ذلك في (مناقب آل أبي طالب) 1 ه‍، وقال المحدث البحاثة
النوري المتوفى سنة 1320 ه‍ بعد نقل هذا الكلام بعينه في خاتمة كتابه (مستدرك الوسائل - ص
519 ج 3): ولا يوجد هذا الموضع من مناقبه ولكن اشتهر أنه لقبه به بعض العامة. چرندابي
(2) انظر (مجموعة ورام - ص 611 ط طهران 1303 ه‍). وقال الشيخ منتجب الدين (المتوفى بعد
سنة 585 ه‍) في فهرسته: الأمير الزاهد أبو الحسين ورام بن أبي فراس... فقيه صالح شاهدته
بالحلة ووافق الخبر الخبر. چرندابي
249

(مشايخه في العلم والرواية)
قد قرأ على جمع كثير من العلماء ورواة الآثار وسائر رجال العلم من الفريقين من
أشهرهم من رجال الخاصة: أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي، والشيخ
الصدوق أبو جعفر بن بابويه، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن الوليد، وأبو غالب
الزراري، وأبو علي بن الجنيد الفقيه المعروف وغيرهم.
وأبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني، وأبو بكر الجعابي، والشريف أبو عبد الله
محمد بن محمد بن ظاهر الموسوي وغيرهم من رجال الجمهور وقد استقصى أهل الرجال
مشيخته التي تزيد على أربعين شخصا من رجال الخاصة والعامة.
(تلامذته)
وقد تلمذ عليه وأخذ عنه العلم كثير من أعلام العلم أشهرهم الشريفان
الجليلان الرضي محمد بن الحسين، وأخوه السيد الجليل المرتضى، وشيخ الطائفة أبو
جعفر محمد بن الحسن الطوسي، وأبو الفتح محمد بن علي الكراجكي، وأبو يعلى محمد
ابن الحسن بن حمزة الجعفري، وجعفر بن محمد الدوريستي (1) وأحمد بن علي المعروف
بابن الكوفي وغيرهم ممن يجده المراجع لفهارس الرجال.

(1) قال العلامة المتتبع الماهر الأميرزا عبد الله الشهير بالأفندي المتوفى في حدود سنة 1130 ه‍ ابن
العالم الأفضل الأميرزا عيسى المتوفى بإصفهان سنة 1074 ه‍ في المجلد الثالث من كتابه النفيس
(رياض العلماء - مخطوط) من القسم الأول منه - وهو مشتمل على باب العين المهملة إلى آخر
باب اللام - في طي ترجمة الشيخ أبي محمد عبد الله الدوريستي: فهو معرب ترشت بفتح التاء المثناة
الفوقية وفتح الراء المهملة وسكون الشين المعجمة وآخره التاء المثناة الفوقانية أيضا وهي قرية
بقرب بلدة طهران بالري خرج منها جماعة من العلماء من الخاصة. چرندابي
250

(مناظراته مع المخالفين)
كان للمصنف مناظرات كثيرة مع كثير من متكلمي الفرق المختلفة وقد سبق ما
ذكره اليافعي من أنه كان يناظر أهل كل عقيدة. وقد جمع مناظراته ومحاسن مجالسه
ومختار كلامه في كتاب له سماه ب‍ (العيون والمحاسن) وقد لخص تلميذه الشريف
المرتضى هذا الكتاب في كتاب متداول سماه ب‍ (الفصول المختارة) (1) ولبعض متكلمي

(1) اختاره الشريف المرتضى من كتابين لشيخه المفيد - ره - كما يظهر من ديباجته، أحدهما (المجالس
المحفوظة في فنون الكلام) والثاني (العيون والمحاسن) وطبع الفصول في العراق حوالي سنة 1361
ه‍ للمرة الأولى، وبالمطبعة الحيدرية في الغري للمرة الثانية، ويظهر لمن يراجع (فهرس النجاشي -
ص 285 ط بمبئ) أن كتاب (المجالس المحفوظة) للمفيد إنما هو غير أماليه المتفرقات التي
طبعت أخيرا مرتين في النجف الأشرف فتدبر حقه. وقال العلامة الهندي السيد إعجاز حسين
(1240 - 1286 ه‍) في كتابه القيم (كشف الحجب - ص 486 ط الهند (* *)): (المجالس
المحفوظة في فنون الكلام للشيخ المفيد... وهو مع كتاب العيون والمحاسن أصل لكتاب الفصول
الذي انتخبه السيد المرتضى - رحمه الله). وقال المرحوم الأفندي في كتابه (رياض العلماء -
مخطوط) عند ذكره تأليف السيد الأجل المرتضى - ره -: فمن ذلك كتاب الفصول الذي استخرجه
عن كتاب العيون والمحاسن تأليف أستاذه الشيخ المفيد - ره - وهو الآن معروف وإن قال الأستاذ
الاستناد - دام ظله - في البحار بأنه عين العيون والمحاسن، حيث قال في طي كتب المفيد: وكتاب
العيون والمحاسن المشتهر بالفصول، أقول: ويدل على ما قلناه أما أولا: فشهادة أول كتاب
الفصول بل إلى آخره أيضا بما ذكرناه بل أكثر صدر مطالبه يشهد بما قلناه، وأما ثانيا: فلأن سبط
الشيخ علي الكركي العاملي في رسالة رفع البدعة في حل المتعة ينقل عن هذين الكتابين قال:
هكذا قال شيخنا المفيد في العيون وسيدنا المرتضى في الفصول المختارة، وقال فيها في موضع آخر
ومن الفصول التي اختارها الإمام الرحلة مربي العلماء ذو الحسبين الشريف المرتضى علم الهدى
عن كتاب المجالس وكتاب العيون والمحاسن لشيخنا المفيد إلى غير ذلك من الأقوال الدالة على
المغايرة. چرندابي
(* *) قال العلامة العاملي في (أعيان الشيعة - ص 434 ج 12 ط دمشق): السيد إعجاز حسين... عالم
عامل فاضل كامل متكلم محدث حافظ ثقة ورع تقي نقي زاهد مروج للمذهب كأخيه السيد
حامد حسين (المتوفى سنة 1306 ه‍) صاحب (عبقات الأنوار) حسن التأليف له كتاب (كشف
الحجب عن أسماء المؤلفات والكتب) مطبوع. چرندابي
251

أهل السنة ومؤرخيهم كلمات في حقه تدل على شدة ما كانوا ينالونه من احتجاجاته
ومناظراته نكتفي منها بنقل جملة منها، قال الخطيب البغدادي في ترجمته للمصنف:
(صنف ابن المعلم كتبا كثيرة في ضلالتهم والذب عن اعتقادهم ومقالاتهم (يعني
الشيعة الإمامية) وكان أحد أئمة الضلال هلك به خلق كثير من الناس إلى أن أراح الله
المسلمين منه) (1)، وبمثل ذلك أيضا قال ابن تغرى بردى في (النجوم الزاهرة) - في
حوادث سنة 413 ه‍ - (2)، واليافعي في (مرآة الجنان) (3)، وغيرهم. وقال أبو حيان
التوحيدي في ضمن ذكر محاضرة في كتابه (الامتاع والمؤانسة - ص 141 ج 1 ط مصر)
وصف في أثنائها مشاهير من كان في ذلك العصر من المتكلمين فقال: (وأما ابن المعلم
فحسن اللسان والجدل، صبور على الخصم، كثير الحيلة، ضنين السر، جميل العلانية.
وقد ذكرت بعض مناظراته مع القاضي عبد الجبار بن أحمد وغيره في مواضع أخرى لا

(1) انظر (تاريخ بغداد - ص 231 ج 3 ط مصر) لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (المتوفى
سنة 463 ببغداد). چرندابي
(2) قال يوسف بن تغرى بردى في كتابه (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - ص 258 ج 4 ط 1
مصر 1352 ه‍): وفيها (يعني في سنة 413 ه‍) توفي محمد بن (محمد بن) النعمان أبو عبد الله فقيه
الشيعة وشيخ الرافضة وعالمها ومصنف الكتب في مذهبها. قرأ عليه الرضي والمرتضى وغيرهما من
الرافضة وكان له منزلة عند بني بويه وعند ملوك الأطراف الرافضة. قلت كان ضالا مضلا هو
ومن قرأ عليه ومن رفع منزلته فإن الجميع كانوا يقعون في حق الصحابة (رض) عليهم من الله ما
يستحقونه. ورثاه الشريف المرتضى ولو عاش أخوه لكان أمعن في ذلك فإنهما كانا أيضا من كبار
الرافضة. وقد تكلم أيضا في بني بويه أنهم كانوا يميلون إلى هذا المذهب الخبيث ولهذا نفرت
القلوب منهم وزال ملكهم بعد تشييده. چرندابي
(3) انظر صفحة 246 من هذه التعليقات. چرندابي
252

يسعنا التطويل بذكرها هيهنا) (1).
(مصنفاته)
قد ذكر تلميذه أبو العباس أحمد بن علي النجاشي في فهرسته المعروف من أسامي
مؤلفاته نحوا من مائة وأربعة وسبعين كتابا وذكر الشيخ الطوسي أيضا أسامي جملة من
مؤلفاته وقال: إن له قريبا من مائتي مصنف صغار وكبار وأورد نحو ذلك العلامة في
الخلاصة وابن داود في رجاله، وقد بقي من أسماء مؤلفاته جملة لم يرد لها ذكر في كلام من
ذكرناه.
ونحن نشير إلى ذلك بحسب الموضوعات المختلفة التي صنف فيها:
فمنها كتب في أصول الدين وعقائده.
ومنها كتب في موضوعات خاصة كلامية.
ومنها مؤلفات في باب الإمامة وما يتفرع عليها.
ومنها ردود ونقوض على المخالفين في باب الإمامة.
ومنها كتب عملها في مسألة الغيبة.

(1) انظر (خاتمة المستدرك - ص 520) للمحدث النوري - ره -. وقال العلامة العيلم السيد الأمير
حامد حسين الموسوي الهندي (المتوفى سنة 1306 ه‍) في الجزء الثالث من مجلد حديث الغدير
من مجلدات تأليفه الكبير (عبقات الأنوار - ص 379 ط لكهنوء 1294 ه‍): قال عبد الرحيم
الأسنوي في طبقات الشافعية: القاضي أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الأسترآبادي
إمام المعتزلة كان مقلد الشافعي في الفروع وعلى رأي المعتزلة في الأصول وله في ذلك التصانيف
المشهورة، تولى قضاء القضاة بالري، ورد بغداد حاجا وحدث بها عن جماعة كثيرين، توفي في ذي
القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة ذكره ابن الصلاح. چرندابي
253

ومنها ردود على جماعة من المتكلمين في مختلف المسائل الكلامية.
ومنها ردود ونقوض على جملة من كتب الجاحظ خاصة سبق ذكر بعضها.
ومنها كتب في المقالات والمذاهب أشرنا إليها فيما سبق.
ومنها في الفقه ومسائله الخاصة به وما يتفرع على مسائله.
ومنها مؤلفات في أصول الفقه ومسائله المتفرقة الخاصة.
ومنها مؤلفات في علوم القرآن خاصة كإعجازه وتأليفه وفضله وغير ذلك.
ومنها كتب أخرى في موضوعات متفرقة أخرى.
ونحن اقتصرنا على ذلك الجملة ولا نطيل بذكر أساميها إذ هي موجودة فيما
أشرنا إليه من الفهارس. ولكن نذكر منها أسامي جملة من مصنفاته مما لم يذكره
النجاشي والشيخ ومن تبعهما في كتبهم وهي:
1 - المسائل التي سألها عنه محمد بن محمد الرملي الحائري، ذكر اسمها ابن
إدريس في السرائر في مسألة تمتع الرجل بجارية غيره ونقل فتوى المفيد - ره - فيها وقال:
إنها معروفة مشهورة بين الأصحاب، وقال في آخره: قال محمد بن إدريس: فانظر
أرشدك الله إلى فتوى هذا الشيخ المجمع على فضله ورئاسته ومعرفته وهل رجع إلى
حديث يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة - إلى آخر كلامه.
2 - مسألة في النص ذكر في أول بعض نسخها سألني القاضي الباقلاني فقال:
أخبرونا من أسلافكم في النص أكثير أم قليل وهذه المسألة وجيزة في نحو ورقة.
3 - المسائل السروية المعروفة التي سألها عنه سيد شريف فاضل بسارية (1)

(1) قال السمعاني في كتابه (الأنساب - وجه الورقة 297 ط اروبا): السروي بفتح السين المهملة
والراء وقد قيل بسكون الراء أيضا هذه النسبة قد ذكرتها في ترجمة الساري وقلت بأن النسبة
الصحيحة إلى سارية مازندان السروي. چرندابي.
254

مازندران على ما وصفه في أوله وذكر أنه أرسله بتلك المسائل في مدرج (أي الكتاب
المطوي) وأنه ضاق المدرج عن إثبات أجوبتها فأملى ذلك في كتاب مفرد.
4 - المسائل العكبرية (1) التي سألها عنه الحاجب أبو الليث بن سراج (2) وهي
إحدى وخمسون مسألة كلامية تستفاد من الآيات المتشابهة والأحاديث المشكلة ولعل
الحاجب كان في (عكبرا) بضم العين على عشرة فراسخ من بغداد.
5 - مسألة مفردة في معنى الاسلام واختصاص هذه اللفظة لأمة محمد (ص) وإن
كانت في أصل اللغة موضوعة لكل مستسلم لغيره، أشار إليه في أول كتابه (أوائل
المقالات).
6 - شرحه على كتاب (اعتقاد الإمامية) للشيخ الصدوق أبي جعفر بن بابويه
القمي - ره - وهو معروف (3).
7 - كتاب الإفصاح في الإمامة (4) سقط اسم هذا الكتاب عن نسخة فهرست

(1) قال السمعاني في كتابه (الأنساب - ظهر الورقة 396 ط اروبا): العكبري بضم العين وفتح الباء
وقيل بضم الباء والصحيح بفتحها بلدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ من جانب الشرقي
خرج منها جماعة من العلماء والمحدثين وهي أقدم من بغداد. چرندابي
(2) قال الأفندي في كتابه (رياض العلماء): الحاجب بن الليث بن السراج فاضل عالم متكلم فقيه
جليل معاصر للسيد المرتضى - ره - كان له وللسيد المرتضى - ره - مراسلة إلى الشيخ المفيد في
بعض المسائل على ما يظهر من كتاب رفع المناواة عن التفضيل والمساواة للأمير السيد حسين
المجتهد العاملي ولعله مذكور باسمه في كتب الرجال فلاحظ. چرندابي
(3) يعني (شرح عقائد الصدوق - أو - تصحيح الاعتقاد) الذي يمثل أمام القارئ في هذا المنشور بعد
مقابلات هامة وتصحيحات طامة مع مقدمة وتعليق العلامة الشهرستاني وبعض تعليقات لنا.
چرندابي
(4) طبع للمرة الأولى سنة 1368 ه‍ بالنجف الأشرف بالمطبعة الحيدرية. چرندابي
255

النجاشي المطبوعة مع أن الشيخ ذكره في الفهرست (1) وكذا ذكره صاحب (2) ترتيب
فهرست النجاشي وقد أشار إليه الشيخ المفيد في مسائله في الغيبة عند استدلاله على
جواز ظهور الأعلام والمعجزات على الأنبياء والأئمة - عليهم السلام - فقال: وقد أثبت في
كتابي المعروف بالباهر من المعجزات ما يقنع من أحب معرفة دلالتها والعلم بموضوعها
والغرض في إظهارها على أيدي أصحابها، ورسمت منه جملة مقنعة في آخر كتابي
المعروف بالإيضاح إلى آخر ما أورده من الكلام. مع أن كتاب الإفصاح ليس في آخره
شئ مما ذكره.
8 - كتاب عقود الدين أشار إلى اسمه في شرح الاعتقادات.
9 - كتاب الوعد والوعيد ذكر في آخر المسائل السروية اسمه فقال ما لفظه: وقد
أمليت في هذا المعنى كتابا سميته الوعد والوعيد. وتصريحه باسمه يشعر بأنه غير كتابه
الموضح الذي ذكره النجاشي وغير مختصر له في الرد على المعتزلة في هذا الباب.
10 - كتاب الباهر في المعجزات أشار إلى اسمه في بعض رسائله والموجود في
فهرست النجاشي كتاب الزاهر في المعجزات ولعله غيره.
11 - كتاب في مسألة الصلاة التي نسبت إلى أبي بكر في مرض النبي (ص) أشار
إليه في المسائل العكبرية في أول المسألة الثانية عشرة قال: استقصيت الكلام فيه
وشرحت وجوه القول في معناه.

(1) قال الشيخ الطوسي - ره - في (فهرسته - ص 158 ط النجف): فمن كتبه (يعني الشيخ
المفيد - ره -)... كتاب الايضاح في الإمامة وكتاب الافصاح... چرندابي
(2) وهو الشيخ الجليل الفاضل زكي الدين المولى عناية الله القهپاني مولدا، النجفي مسكنا تلميذ
العالمين المحققين الورعين المولى أحمد الأردبيلي والمولى عبد الله التستري فإنه رتب كتاب النجاشي
كما رتب كتاب الكشي. انظر (خاتمة المستدرك - ص 502 و 529) للنوري، وكتاب (روضات
الجنات - ص 407) للخوانساري. چرندابي
256

12 - كتاب مولد النبي والأوصياء - عليهم السلام - ذكره السيد الجليل رضي الدين بن
طاوس الحلي في كتاب (الاقبال - ص 69 ط تبريز 1314 ه‍) وفي كتاب (فرج المهموم
- ص 224 ط النجف) ووصفه في الكتاب الأخير بأنه كتاب جليل قد ذكر فيه من
معجزات الأئمة - عليهم السلام - ما لم يذكره في كتاب الارشاد
13 - كتاب حدائق الرياض كرر السيد المعظم المذكور النقل عنه في كتاب
الاقبال (ص 75) وهذا الكتاب غير كتابه التواريخ الشرعية الذي ذكره النجاشي في
مصنفات الشيخ المفيد فإن السيد ابن طاوس قد عقد فصلا في الاقبال لبيان تعيين
وقت ولادة النبي (ص) ونقل عن المفيد أنه قال في حدائق الرياض: إن السابع عشر من
شهر ربيع الأول مولده (ص) وإنه يوم شريف عظيم البركة وإن الشيعة لم تزل تعظمه
وتعرف حقه وترعى حرمته إلى آخر ما ذكره. ثم قال: وقال شيخنا في كتاب التواريخ
الشرعية نحو هذه الألفاظ والمعاني المرضية، انتهى. فيعلم من ذلك تغاير الكتابين.
14 - (اختصار كتاب الاختصاص) (1) أصل هذا الكتاب للشيخ أبي علي أحمد

(1) قال العلامة الهندي السيد إعجاز حسين في تأليفه القيم (كشف الحجب والأستار عن أسماء
الكتب والأسفار - ص 30 ط كلكته 1330 ه‍): الاختصاص للشيخ المفيد محمد بن محمد بن
النعمان الحارثي المتوفى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة على ما صرح به العلامة المجلسي في أول بحار
الأنوار. وقيل: إن المؤلف إنما هو جعفر بن الحسين المؤمن الذي قد تكرر في أوائل أسانيد هذا
الكتاب لكن الظاهر من سياق الكتاب أن مصنفه هو الشيخ المفيد، وجعفر بن الحسين راويه
واعلم أن الذي يلوح من آخر الكتاب ومما كتبه بعض العلماء على ظهر بعض نسخه أن هذا
الكتاب هو اختصار كتاب الاختصاص لا نفسه ومؤلف الاختصاص هو الشيخ أبو علي أحمد بن
الحسين بن أحمد بن عمران المعاصر للصدوق، ومؤلف الاختصار هو الشيخ المفيد، بالجملة هو
كتاب جامع لفنون الأحاديث والآثار ومحاسن الخطابات والأخبار في مدح الصحابة وفضائلهم
وأقدار العلماء ومراتبهم وفقههم أوله: الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد ولا تراه النواظر ولا تحجبه
السواتر... الخ. چرندابي
257

ابن الحسن بن أحمد بن عمران المعاصر للشيخ الصدوق أبي جعفر بن بابويه القمي
واستظهر العلامة المجلسي في مقدمة البحار أن الاختصار الموجود للشيخ المفيد س.
وقد احتمل العلامة المعاصر صاحب كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة (ص 385
ج 1) اتحاد هذا الكتاب مع كتاب العيون والمحاسن الذي عده النجاشي من تصنيفات
المفيد والظاهر أنه ليس بصحيح فإن السيد الشريف المرتضى جمع كتابه المعروف
بالفصول المختارة من كتابي المفيد (المجالس المحفوظة في فنون الكلام) و (العيون
والمحاسن) على ما صرح به في ديباجة الفصول المختارة. وملاحظة تفاوت أسلوب
الكتابين ومغايرة مضامينهما تشهد بأن هذا الكتاب ليس هو العيون والمحاسن الذي
أشار إليه النجاشي ولخصه السيد، فإنه مقصور على كثير من مناظرات المفيد مع
المخالفين في مختلف مباحث الإمامة وإثبات النص ورد أقاويل المعتزلة وغيرهم مما ليس
منها أثر في هذا الكتاب (اختصار الاختصاص) الذي هو في أحوال أصحاب النبي (ص)
وأحوال أصحاب الأئمة - عليهم السلام - وأقدار العلماء ومراتبهم وذكر أخبار الفضائل وما
يناسبها، فإن صح انتساب الكتاب إلى المفيد فهو كتاب آخر من تأليفه اختصر به
كتاب الاختصاص لمؤلفه. والمظنون أن الذي دعاه إلى هذا الاحتمال هو العبارة الموجودة
في ديباجة الاختصاص من قوله (وأقحمته فنونا من الأحاديث وعيونا من الأخبار
ومحاسن من الآثار والحكايات في معان كثيرة من مدح الرجال وفضلهم وأقدار العلماء
ومراتبهم وفقههم) وليس في ذلك دلالة على اتحاده مع كتاب العيون والمحاسن كما هو
ظاهر، ومن القرائن القوية أن صاحب البحار مع تبحره وسعة اطلاعه على حال
المصنفات عند ذكره لمأخذ البحار ذكر كتاب الاختصاص بعد ذكره كتاب العيون
والمحاسن بدون إشارة إلى اتحادهما أو تقارب مضامين الكتابين أصلا.
258

(زعامته المذهبية في الدولة البويهية) (1)
كانت الشيعة الإمامية قد تكاثرت بالعراق حوالي القرن الثالث فكان في بغداد
وضواحيها أماكن كثيرة أهلها من الشيعة، وكان أهل الكرخ كلهم شيعة إمامية مجاهرون
بالتشيع، وكان بين رجال الدولة العباسية كثير ممن يتشيع في الباطن.
ولما استولت الدولة البويهية (2) على العراق حوالي منتصف القرن الرابع وهي
شيعية وقبضت ملوكها على أزمة الأمور قوي أمر الشيعة زائدا على ما كان وصاروا
أحرارا في إظهار المراسم المذهبية وشعائرهم الدينية، فكان يقع من جراء ذلك فتن كثيرة
بينهم وبين سائر أهالي بغداد من متعصبة أهل السنة حتى ينجر إلى سفك الدماء

(1) وأما ولده: فقد قال الأفندي في (رياض العلماء - ج 3 مخطوط): (الشيخ أبو القاسم علي بن
الشيخ أبي عبد الله المفيد محمد بن محمد بن النعمان كان من أجلاء أصحابنا وهو ولد شيخنا
المفيد، ويروي عنه الشيخ الأجل محمد بن الحسن صاحب كتاب نزهة الناظر وتنبيه الخواطر في
كلمات النبي والأئمة - عليهم السلام - كما يظهر من بعض مواضع ذلك الكتاب ولكن لم يذكره
أصحابنا في كتب الرجال فلاحظ). قال المحقق الفقيه الشيخ أسد الله التستري الكاظمي (المتوفى
سنة 1220 ه‍) في كتابه (مقابس الأنوار - ص 7 ط 1322 ه‍) ضمن ترجمة الشيخ المفيد: (وكان
له ولد كتب رسالة في الفقه إليه ولم يتمها). وقال أيضا في ص 27 منه عند عده بعض مصنفات
الشيخ: ورسالة إلى ولده في الفقه. چرندابي
(2) قال الأستاذ عبد الرحمن البرقوقي منشئ مجلة البيان في (شرح ديوان المتنبي - ص م - 1 ج 1 ط 2
مصر): (وقد نشأت دولة بني بويه في أوائل القرن الرابع الهجري فتعاون الإخوة الثلاثة: علي
والحسن وأحمد على التسلط في فارس والعراق واستولى أصغرهم أحمد على بغداد سنة أربع وثلاثين
وثلاثمائة فمنحهم الخليفة المستكفي بالله الولاية على ما بأيديهم ولقب عليا عماد الدولة، والحسن
ركن الدولة، وأحمد معز الدولة، وبقي ملك بني بويه على العراق حتى سنة سبع وأربعين وأربعمائة
حين استولى عليه السلاجقة. چرندابي
259

وزهاق الأنفس وسلب الأموال فيضطر الدولة والسلطان إلى التداخل في الأمر وتسكين
نائرة الفتنة، وإذ كانت الرئاسة الدينية للشيعة في تلك الزمان منتهية إلى الشيخ الجليل
المصنف - ره - أصابه لفحة من نيران تلك الفتن حتى صار سببا إلى إبعاده من بغداد
لأجل تسكين نائرة الفتنة ثم إعادته إليها بعد ذلك.
فقد ذكر المؤرخ الشهير عز الدين بن الأثير في كتابه المعروف ب‍ (التاريخ
الكامل) في طي حوادث سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة: وفيها اشتدت الفتنة ببغداد
وانتشر العيارون والمفسدون، فبعث بهاء الدولة عميد الجيوش أبا علي بن أستاذ هرمز إلى
العراق ليدبر أمره فوصل إلى بغداد فزينت له وقمع المفسدين ومنع أهل السنة والشيعة
عن إظهار مذاهبهم ونفى بعد ذلك (ابن المعلم) فقيه الإمامية إلى الخارج ليستقيم
الأمور (فاستقام البلد خ‍) (1) وذكر أيضا في حوادث سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة:
وفيها وقعت الفتنة ببغداد في رجب وكان أولها أن بعض الهاشميين من أهل البصرة
(باب البصرة خ) - كان أهل هذا المحل سنيون متعصبون - أتى (ابن المعلم) فقيه
الشيعة في مسجده بالكرخ (2) فأذاه ونال منه فثار به أصحاب ابن المعلم واستنفر

(1) انظر (الكامل في التاريخ - ص 218 ج 7 ط مصر 1353 ه‍). چرندابي
(2) قال السمعاني (المتوفى سنة 562 ه‍) في كتابه (الأنساب - ظهر الورقة 478 ط اروبا): (الكرخي
هذه النسبة إلى عدة مواضع اسمها الكرخ بفتح الكاف وسكون الراء وفي آخرها الخاء المعجمة...
ومنها إلى كرخ بغداد وهي محلة بالجانب الغربي منها). وقال ياقوت (المتوفى سنة 626 ه‍) في
معجمه ج 7 ط مصر: الكرخ وما أظنها عربية إنما هي نبطية وهم يقولون كرخت الماء وغيره من
البقر والغنم إلى موضع كذا أي جمعته فيه في كل موضع، وكلها بالعراق وأنا أرتب ما أضيف إليه
على حروف المعجم حسب ما فعلناه في مواضع. - إلى أن قال - وأهل الكرخ (يعني كرخ بغداد)
كلهم شيعة إمامية لا يوجد فيهم سني البتة. چرندابي
260

بعضهم بعضا وقصدوا أبا حامد الأسفرائيني وابن الأكفاني فسبوهما وطلبوا سائر
الفقهاء ليوقعوا بهم، فهربوا وانتقل أبو حامد الأسفرائيني إلى محله دار القطن وعظمت
الفتنة، ثم إن السلطان (أي بهاء الدولة) أخذ جماعة وسجنهم فسكنوا وعاد أبو حامد
إلى مسجده وأبعد السلطان (ابن المعلم) عن بغداد ثم شفع فيه علي بن مزيد فأعيد إلى
محله (1).
(وفاته ومدفنه)
توفي قدس روحه ليلة الجمعة لثلاث خلون من شهر رمضان سنة ثلاث عشرة
وأربعمائة (2) وصلى عليه الشريف المرتضى - قده - بميدان الأشنان (3) وضاق على
الناس مع كبره، وكان يوم وفاته يوما مشهودا من كثرة الناس للصلاة عليه وكثرة البكاء
من المخالف والمؤالف ورثاه المرتضى، ودفن في داره سنين ثم نقل إلى المشهد الشريف
الكافي على مشرفه السلام، ودفن قريبا من المشهد مما يلي رجلي الجواد - عليه السلام - إلى

(1) انظر (الكامل - ص 239 ج 7 مصر). واقرأ تفصيل بقية الحادثة في تاريخ ابن كثير الدمشقي
(البداية والنهاية - ص 338 - 339 ج 11 ط مصر). چرندابي
(2) ورثاه الكاتب الفارسي الديلمي الشاعر المشهور (مهيار) المتوفى سنة 428 ه‍ بقصيدة طويلة
مطلعها:
ما بعد يومك سلوة لمعلل مني ولا سمعت بسمع معذل
انظر (ديوان مهيار الديلمي - ص 103 - 109 ج 3 ط مصر). چرندابي
(3) قال ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان - ص 262 ج 1 ط مصر): الأشنان بالضم محلة
كانت ببغداد ينسب إليها محمد بن يحيى الأشناني. چرندابي
261

جانب شيخه أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه - رحمه الله -، ومدفنه الشريف هناك
معروف يزوره الخاص والعام (1).
زنجان - 1 ربيع الثاني 1362 ه‍
فضل الله الزنجاني
عفى عنه

(1) ولما أنجز الكلام إلى هنا لا بأس بأن ننقل هيهنا جملة مما يناسب هذا المقام مما ذكره العلامة الإمام
السيد محسن العاملي الشهير في معجمه الكبير (أعيان الشيعة - ج مخطوط) عند كلامه على ترجمة
الشيخ المفيد السعيد، وهي هذه: (كان (الشيخ المفيد - ره -) من أجل مشايخ الشيعة ورئيسهم
وأستاذهم، وانتهت إليه رئاسة الإمامية في عصره وكل من تأخر عنه استفاد منه، وفضله أشهر من
أن - يوصف في الفقه والكلام والرواية، أوثق أهل زمانه وأعلمهم، حسن الخاطر دقيق الفطنة حاضر
الجواب مقدما في صناعة الكلام (* *) له قريب من مائتي مصنف كبار وصغار في شتى العلوم، وكان
معاصرا لعضد الدولة بن بويه ملك العراق وفارس، وكان عضد الدولة يزوره في داره ويعظمه
كثيرا، ومن تلاميذه الشريفان المرتضى والرضي، ولما توفي صلى عليه الشريف بميدان الأشنان
وضاق بالناس على سعته، وحضر تشييعه والصلاة عليه نحو من ثمانين ألفا وكان يوم وفاته يوما
لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والمؤالف). چرندابي
(* *) وقال له القاضي أبو بكر الباقلاني يوما بعد مناظرة جرت بينهما وأفحمه المفيد: ألك يا شيخ في كل
قدر مغرفة؟ فقال: نعم ما تمثلت به أيها القاضي من أداة أبيك، فضحك الحاضرون وخجل
القاضي. قال السمعاني في (الأنساب - ظهر الورقة 61 من طبعة مرجليوث (1858 - 1940)
لندن 1912 م): (الباقلاني... هذه النسبة إلى الباقلا وبيعه والمشهور بهذه النسبة القاضي أبو بكر
محمد بن طيب بن محمد الباقلاني المصري المتكلم). وقال المعلم بطرس البستاني اللبناني (المتوفى
سنة 301 ه‍) في قاموسه المطول (محيط المحيط - 113 ج 1 ط بيروت): (الباقلي والباقلاء
والباقلى الغول... الباقلاني بايع الباقلي). وهذه النسبة شاذة لأجل زيادة النون فيها وهي نظير
قولهم في النسبة إلى صنعاء صنعاني. چرندابي
262

(تذييل)
من العلامة الزنجاني
وجدنا في كتاب (فرج المهموم في معرفة منهج الحلال والحرام من علم
النجوم) (1) للسيد الجليل العالم الزاهد الورع رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن
محمد المشهور بابن الطاوس (2) الحلي رضي الله عنه المتوفى سنة 664 ه‍ فصلا منقولا
عن كتاب (أوائل المقالات) لا يوجد في النسخ التي عندنا من الكتاب يتعلق بالقول في
أحكام النجوم فنورده هيهنا وهذا هو عين لفظه:
فصل فيما نذكره من كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله
عليه وهو الذي انتهت رئاسة الإمامية في وقته إليه، وذلك فيما رويناه عنه في كتاب
المقالات من أن يكون الله أعلم بالنجوم بعض أنبيائه وجعله علما على صدقه من بعض
المعجزات فقال ما هذا لفظه:

(1) طبع هذا الكتاب بالنجف الأشرف في المطبعة الحيدرية سنة 1368 ه‍ چرندابي.
(2) وقال السيد العلامة الأجل ميرزا محمد باقر الخوانساري (المتوفى سنة 1313 ه‍ في كتابه المعروف
(روضات الجنات - ص 392 ط 1 إيران) عند كلامه على ترجمة السيد علي بن طاوس: (ينتهي
نسبه من جهة الأب إلى السيد الأجل أبي عبد الله محمد بن إسحاق... وكان ذلك السيد الأجل
يلقب بالطاوس من جهة حسن وجهه وخشونة رجليه). ونعم ما قال الشاعر الفارسي الكبير
الطائر الصيت سعدي الشيرازي (المتوفى سنة 691 ه‍) بالفارسية:
طاوس را بنقش ونگارى كه هست خلق
تحسين كنند أو خجل از پاى زشت خويش چرندابي.
263

وأقول: إن الشمس والقمر وسائر النجوم أجسام نارية لا حياة لها ولا موت
خلقها الله لينتفع بها عباده وجعلها زينة لسماواته وآية من آياته كما قال سبحانه: (هو
الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما
خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) (سورة يونس: 5) وكما قال
تعالى: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمت البر والبحر قد فصلنا
الآيات لقوم يعلمون) (سورة الأنعام: 97) وكما قال عز وجل: (وعلمت وبالنجم
هم يهتدون) (سورة النحل: 16) وكما قال تبارك اسمه: (وزينا السماء الدنيا
بمصابيح) (سورة فصلت: 12). فأما الأحكام على الكائنات بدلالتها والكلام على
مدلول حركاتها فإن العقل لا يمنع منه غير أنا لا نقطع عليه ولا نعتقد استمراره في
الناس إلى هذه الغاية، فأما مما نجده من أحكام المنجمين في هذا الوقت وإصابة
بعضهم فيه فإنه لا ينكر أن يكون ذلك بضرب من التجربة وبدليل عادة، وقد يختلف
أحيانا ويخطي المعتمد عليه كثيرا، ولا تصح إصابته فيه أبدا لأنه ليس بجار مجرى دلائل
العقول ولا براهين الكتاب ولا أخبار الرسول (ص)، وهذا مذهب جمهور متكلمي أهل
العدل وإليه ذهب بنو نوبخت - رحمهم الله - من الإمامية وأبو القاسم وأبو علي من
المعتزلة، انتهى (1).
وقد أشار إلى ذلك في موضع آخر فقال: وقد قدمنا نحن فصلا منفردا حكينا فيه
كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله جل جلاله عليه في كتابه
المسمى كتاب (أوائل المقالات) إلى آخر ما ذكره (2).

(1) فرج المهموم - ص 37 - 38 ط النجف.
(2) فرج المهموم - ص 74 ط النجف. چ
264

(استدراكات)
(من الواعظ الچرندابي)
ص 37: وما أحدثه واصل بن عطاء...
راجع ترجمة واصل بن عطاء الغزال، وعمرو بن عبيد بن باب وشيئا من أخبارهما
في (أمالي السيد المرتضى - ص 113 - 118 ج 1 ط مصر). واقرأ شيئا من ترجمة وأخبار
الحسن البصري في (الأمالي - ص 106 - 113 ج 1 ط مصر). وانظر أيضا (فوات
الوفيات - ص 317 ج 2 ط 2 مصر) لابن شاكر الكتبي المتوفى سنة 764 ه‍.
ص 49: اتفقت الإمامية على أن أنبياء الله عز وجل ورسله
أفضل من الملائكة.
قال الشيخ الطبرسي - ره - في (المجمع - ص 81 ج 1 ط صيدا): جعل أصحابنا
رضي الله عنهم هذه الآية: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس)
الآية، دلالة على أن الأنبياء أفضل من الملائكة من حيث إنه أمرهم بالسجود لآدم
وذلك يقتضي تعظيمه وتفضيله عليهم وإذا كان المفضول لا يجوز تقديمه على الفاضل
علمنا أنه أفضل من الملائكة.
ص 63: وهو مذهب النظام.
قال المحدث الجليل القمي في كتابه (الكنى والألقاب - ص 211 ج 3 ط
صيدا): النظام أبو إسحق إبراهيم بن سيار بن هاني البصري ابن أخت أبي الهذيل
265

العلاف شيخ المعتزلة، وكان النظام صاحب المعرفة بالكلام أحد رؤساء المعتزلة أستاذ
الجاحظ وأحمد بن الخالط، كان في أيام هارون الرشيد وقد ذكر جملة من كلماته وعقائده
في كتاب الحسنية المعروف وإياه عني أبو نواس بقوله:
فقل لمن يدعي في العلم فلسفة حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
وراجع (تكملة الفهرست لابن النديم - ص 2 من طبعة مصر 1348 ه‍)،
و (أمالي السيد المرتضى - ص 132 و... ج 1 ط مصر) أيضا.
هذا وقد ألف العلامة الجليل محمد عبد الهادي أبو ريدة الأستاذ بكلية جامعة
فؤاد الأول، رسالة في آراء النظام الكلامية الفلسفية للحصول على درجة الماجستير في
الآداب من الجامعة المصرية وسماها ب‍ (إبراهيم بن سيار النظام) وقدمها في آخر عام
1938 م، وقال في ديباجتها: وقد اعتمدت فيه على كل ما استطعت الوصول إليه من
مراجع مطبوعة أو مخطوطة في مصر وفي بعض بلدان أوروبا، كما أني جعلته مستوفيا
لأبحاث المستشرقين الأوروبيين في الموضوع. وطبعت الرسالة سنة 1365 ه‍ - 1946 م
بالقاهرة.
ومما هو جدير بالذكر أن الأستاذ الأنف الذكر قال في رسالته النفيسة (إبراهيم
ابن سيار النظام - ص 33): (وذهبت طائفة إلى إعجازه (أي القرآن) بالصرفة بمعنى
أن الله صرفهم عن معارضته والاتيان بمثله، قبل التحدي مع قدرتهم على ذلك،
واختلف هؤلاء في وجه الصرفة، فذهب الأستاذ أبو إسحق من الأشاعرة والنظام من
المعتزلة إلى أن الله صرفهم بأن صرف دواعيهم إلى المعارضة مع توفر الأسباب الداعية إلى
المعارضة، خصوصا بعد التحدي والتبكيت بالعجز وقال الشريف المرتضى من
الشيعة: إن الله صرفهم بأن سلبهم العلوم التي يحتاج إليها في المعارضة).
وقال العلامة الإمام السيد هبة الدين الشهرستاني الشهير في رسالته القيمة
(المعجزة الخالدة - ص 92 - 93 ط 1 بغداد): ولولا نسبة هذا الرأي (يعني الصرفة) إلى
علامتنا الشريف المرتضى علي بن أحمد المتوفى سنة 436 ه‍ لما صرفنا الوقت الثمين في
نقله واجتثاث أصله غير أن الشريف طاب ثراه معروف بقوة الجدل والتحول في حوار
266

المناظرين إلى هنا وهناك فلا نعلم أنه هل بقي ثابتا على هذه النظرية كعقيدة راسخة أو
تحول؟ نعم جنح أناس إلى القول للاعجاز لسبب منعة إلهية ولصرف الصرفة، وأرادوا
من الصرفة أن الله سبحانه كما قد يلهم العباد أحيانا كذلك يصرف الهمم والأفكار عن
أن يباري القرآن أحد وهذا مذهب أعوج وأعرج، أو كما قيل حرفة عاجز وحجة كسول،
لا يليق إسناده إلى علمائنا الفحول لأن الله عز شأنه فياض عدل ذو رأفة وفضل، وهو
أرفع شأنا من أن يأمر الإنس والجن أن يباروا القرآن ويرضى منهم بمباراة بعضه لو
تعذر عليهم كله ثم يعترض سبيلهم ويصرف منهم القوة والهمة ويمنعهم من أن يأتوا
بما أراد منهم، الظاهر من ظواهر الآيات أن القرآن في ذاته متعال بميزاته حائز أرقي
الميزات وأبلغ المعجزات وينبغي أن يكون كذلك إن أريد مدحه وفضله، أما لو حصرنا
وجه الاعجاز في نقطة الصرفة فيتم حتى مع كونه كلاما مبذولا مرذولا للغاية.
ولما أنجز الكلام إلى هذا المقام لا بأس بأن ننقل هيهنا المسألة 34 من المسائل
العكبرية مع جواب الشيخ المفيد - ره - عنها بنصهما الحرفي، فنقول: قال السائل: قد
ثبت أن الله عدل لا يجور وأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها وهو عالم بأن العرب لا تأتي
بمثل القرآن ولا تقدر عليه فلم كلفهم أن يأتوا بعشر سور مثله؟ (في سورة هود: 13) أو
بسورة من مثله؟ (في سورة البقرة: 23 - وسورة يونس: 38) وكذلك إن كانوا عليه
قادرين لكنهم كانوا منه ممنوعين فالسؤال واحد.
والجواب: إن قوله تعالى: فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) ليس بأمر لهم
وإلزام وندبة وترغيب لكنه تحد وتعجيز ألا ترى إلى قوله عز وجل: (أم يقولون افتراه
قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) (سورة هود: 13) يريد به تعالى أنه لو كان
القرآن من كلام بشر قد افتراه لكان مقدورا لغيره من البشر فامتحنوا أنفسكم فإذا
عجزتم عن افتراء مثله فقد علمتم بطلان دعواكم على محمد (ص) الافتراء للقرآن، ومن
لم يفهم فرق ما بين التحدي والتقريع والتعجيز والأمر والتكليف والالزام كان في عداد
البهائم وذوي الآفات الغامرة للعقول من الناس وكذلك قوله تعالى: (فأتوا بسورة
من مثله) ليس بأمر وإلزام لكنه تهديد (تحد خ‍) وتعجيز ألا ترى قوله تعالى: (وإن
267

كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله
إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) الآية (سورة البقرة: 23 - 24) فتحداهم
وبين أنهم يعجزون عن ذلك ولا يتيسر (يتهيأ خ‍) لهم أبدا ومثل (ومثال خ‍) ما
ذكرناه في هذا الباب أن يقول أمي لكاتب محسن: إنني قادر على كل ما تقدر عليه
فيقول الكاتب: لست قادرا على ذلك ولا يتيسر ما (مما خ‍) يتأتى مني والدليل على
ذلك أنني أكتب كتابا حسنا فإن كنت تحسن منه ما أحسن فاكتب مثله أو بعضه.
وكقول المنجم للشاعر: ليس يمكنك من النظم إلا ما يمكنني مثله، فينظم قصيدة
فيتحداه بنظم مثلها فإذا عجز عن ذلك أعلمه بعجزه بطلان دعواه مماثلته في الشعر.
ولم تزل العرب يتحدى بعضها بعضا بالشعر ويعجز بعضها بعضا، وكذلك كل ذي
صناعة يتحدى بعضهم بعضا على وجه التقريع والتعجيز ولا يكون تحديهم أمرا ولا
الزاما، ومن خفي عنه القول في هذا الباب وعرضت له من الشبهة فيه ما عرضت
لصاحب السؤال ولا سيما بعد التنبيه عليه كان بعيدا من العلم وناقصا عن رتبة الفهم
والله المستعان.
انظر مقال (مذهب الصرفة بين القائلين به والمنكرين له) أيضا في العدد الأول
من السنة الرابعة من مجلة (رسالة الاسلام - ص 59 - 72) الجليلة التي تصدر عن دار
التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة.
ص 208: على تفصيل معروف في محله من الكتب.
انظر (أصول علم الهيئة ط بيروت 1874 م) و (النقش في الحجر ج 6 ط بيروت
1888 م) لمؤلفهما الدكتور كرنيليوس فانديك الأمركاني (1818 - 1895 م) و (مبادئ
علم الهيئة ط بيروت 1875 م) لمؤلفته اليزا أفرت. و (بسائط علم الفلك ط مصر
1923 م) للدكتور يعقوب صروف (1852 - 1927 م) و (فتوحات العلم الحديث -
ص 51 بلوطي السيار التاسع ط مصر 1934 م) لمؤلفه الأستاذ فؤاد صروف، رئيس
تحرير مجلة (المقتطف) تلك المجلة الراقية التي تعد بحق شيخ المجلات العربية. وكان
قد أنشا المأسوف عليه الدكتور يعقوب صروف مجلة (المقتطف) الغراء سنة 1876 م في
268

بيروت. مع زميله وشريكه مدى حياته الدكتور فارس نمر - رجل الفضل الذي اخترمته
المنية هذا العام (1371 ه‍) عن عمر ذرف على التسعين - وفي سنة 1885 م كانا قد
انتقلا بها إلى مصر معقل الأحرار وملجئهم ولا تزال تصدر المجلة هناك بانتظام وقد
صدر منها لهذا العام 118 مجلدا.
وراجع أيضا كتاب (علم الفلك - تاريخه عند العرب في القرون الوسطى - ص
249 و... ط روما 1911 م) لمؤلفه المحقق المستشرق السنيور كرلو نلينو الإيطالي (* *)
(1872 - 1938 م).
ص 133: إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه.
ومن قال إنه كان من الملائكة قال إن المعنى: كان من الذين يستترون عن
الأبصار، مأخوذ من الجن وهو الستر. انظر (المجمع - ص 475 ج 3 ط صيدا).

(* *) اقرأ أيها القارئ الكريم ترجمة ذلك المستشرق الكبير الضافية في كتاب (التراث اليوناني - 320 -
330 ط مصر) لمؤلفه الأستاذ عبد الرحمن بدوي.
269

تعليقات على
أوائل المقالات
للشيخ إبراهيم الأنصاري الزنجاني الخوئيني
271

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ولعنة
الله على أعدائهم إلى يوم الدين.
أما بعد، فهذه تعاليق مختصرة علقتها على كتاب أوائل المقالات للشيخ
المفيد رضوان الله عليه توضيحا لبعض عباراته ومقاصده.
(1)
قوله في المقدمة: (والفرق ما بينهم من بعد وما بين الإمامية فيما اتفقوا
عليه من خلافهم فيه من الأصول).
أقول: الضمير في قوله (بينهم) راجع إلى المعتزلة، وفي (فيما اتفقوا)
راجع إلى الإمامية، وفي (خلافهم) راجع إلى المعتزلة.
وحاصل المعنى إني مثبت في هذا الكتاب... الفرق ما بين المعتزلة - من
بعد ما أشرنا إليه من اتفاقهم مع الشيعة في أصول العدل - وبين الإمامية فيما
اتفقوا عليه أعني المسائل المتفرعة عن العدل وما بينهما من الخلاف في نفس ما
اتفقوا عليه من المسائل التي هي من أصول المسائل الاعتقادية لا من فروعها.
وبعبارة أوضح: ربما يتوهم من اشتراك الشيعة والمعتزلة في مسألة العدل
273

أو غيرها أنه ليس بينهما خلاف أصلا، أو أنه على فرض وجود الخلاف فهو
في المسائل الفرعية
ولكني أبين أولا أن نفس هذه المسائل التي يتوهم اشتراكهما فيه، محل
للنزاع بينهما وأن العدل الذي تقول به الشيعة غير ما تقول به المعتزلة، وكذلك
ساير المشتركات. وثانيا هناك مسائل خلافية كثيرة بين الشيعة والمعتزلة
كلها من المسائل الأصولية الاعتقادية، لا من المسائل الفرعية.
(2)
قوله: (والقول في اللطيف من الكلام)
خلاصة ما ذكره العلامة الزنجاني هنا: إن الليف من الكلام في علم
الكلام بمنزلة الأمور العامة والإلهيات بالمعنى الأعم في الفلسفة، وهي وإن
لم تكن من المسائل الكلامية ابتداء ولكنها منها مقدمة، لتوقف المسائل الكلامية
عليها، ثم إن اللطيف من الكلام في مقابل الجليل من الكلام الذي هو بمنزلة
الإلهيات بالمعنى الأخص في الفلسفة، ويطلق على المسائل الاعتقادية الأصلية،
وقد أشار إليه في آخر الكتاب بعد البحث عن معنى العصمة عقيب البحث عن
لطيف الكلام بقوله (وهذا الباب ينبغي أن يضاف إلى الكلام في الجليل إن شاء
الله).
أقول: عدد اللطيف من الكلام سبعة وثلاثون مسألة كما مر في المقدمة.
(3)
قوله (وما كان وفاقا لبني نوبخت رحمهم الله الخ).
لو قسمنا متكلمي الشيعة إلى ثلث طبقات بأن تكون الطبقة الأولى
المتكلمون من أصحاب الأئمة (ع) مثل هشام بن الحكم وزرارة ويونس بن
274

عبد الرحمن وغيرهم.
فالطبقة الذين برزوا في أواخر الغيبة الصغرى وأوائل الغيبة الكبرى هم
المتكلمون من بني نوبخت الذين كانوا حملة علم أصول الذين، والمدافعين عن
مذهب الشيعة، ما يقرب من قرن من أسوء القرون، وأكثرها اضطرابا وشبها و
اصعبها من جهة الدفاع عن الحقيقة، خصوصا مع مقارنة تصديهم لهذا المنصب
مع غيبة إمامهم، وانقطاع صلتهم بمنبع الفيض الإلهي ظاهرا، وإن كانوا مؤيدين
من عنده باطنا.
هذا هو الذي سبب إفراطهم في الاحتجاجات العقلية، وبعدهم أحيانا
عن الأدلة النقلية، إما لعدم اطلاعهم عليها أو لعلم اعتنائهم بها لعدم حجيته
عندهم أو عند خصومهم أو كونها مؤولة على خلاف ظاهرها في نظرهم.
وهذه الخصوصية في علم الكلام عند النوبختيين وإن كانت لازمة أو
مضطرا إليها في زمنهم، ولكنها حيث أنها خارجة عن حد الاعتدال الذي هو
من خصوصيات علم الكلام الشيعي الذي هو بين طريقة القشريين وأهل
التقليد وريقة المعتزلة والفلاسفة، ولهذا كان من الواجب كفاية بل عينا على
مثل الشيخ المفيد قدس سره أن يقوم بعدهم ويرجع الكلام الشيعي عن الافراط
في العقليات إلى الوسط، ولازمه وقوع بعض المناقشات بينه وبين بني نوبخت
برد بعض آرائهم أحيانا، وقبول أصل آرائهم مع تبديل استدلالاتهم العقلية إلى
الأدلة النقلية أحيانا أخرى، ورد بعض توجيهاتهم للأدلة النقلية وتأويلاتهم لها
إلى ما يخالف ظاهرها ثالثه، ولكن كل ذلك مع كمال الاحترام لآرائهم و
التجليل لمقامهم.
ولهذا قلما يذكر مسألة لا يتعرض لآرائهم.
275

(4)
قوله في القول 1: (فيما نسبت به إلى التشيع والمعتزلة فيما استحقت
به اسم الاعتزال).
أقول: يمكن أن يذكر الفرق بين الشيعة والمعتزلة من جهة العادات و
الرسوم الاجتماعية والقوانين العرفية التي تلتزم بها لكونها أهل بلد كذا وزمان
كذا وقبيلة كذا أو سائر الجهات التي لا ترتبط بعقيدة الفريقين مستقيما وإن
أمكن ارتباطها بها بالواسطة وهذا النوع من البحث هو الذي أخرجه المصنف
بقوله (فيما نسبت به الخ،) وأراد تخصيص البحث بما يرجع إلى نفس المسائل
التي تعتقده الشيعي لكونه شيعيا، والمعتزلي لكونه معتزليا.
(5)
قوله في القول 1 (على وجه التدين الخ)
لا كاتباع الرعية للملوك ورؤساء الجمهورية ورئيس القبيلة أو غيرهم من
أرباب السلطات السياسية والاجتماعية، وإن كانت الجهات المذكورة أيضا ثابتة
له وكانت من حقوقه، وهذا هو الفارق الأصلي بين الإمامة عند الشيعة وبينها
عند غيرهم فإن الإمام عند الشيعة كما قال إمامنا أمير المؤمنين (ع): الإمام
كالكعبة يؤتى ولا يأتي وقد عمل بما قال وجلس في بيته وأسرع الآخرون
إلى السقيفة، لأن الإمامة التي تدرك بالسقيفة لم يكن (ع) من أهلها لأنها سلطنة
وملك، والإمامة التي كان من أهلها لم تكن لتفوته لأنها من عند الله (تعالى).
(6)
قوله في القول 1 (وإن كانوا أتباعا لأئمة هدى عند أهل الخلاف الخ)
الظرف في قوله عند أهل الخلاف متعلق بكلمة أئمة أو بكلمة هدى و
276

هو الأصح، يعني إن كونهم أئمة أو كونهم أئمة هدى يختص بالمخالفين فقط لا
عندنا فإنهم أئمة ضلال على عقيدة الشيعة.
(7)
قوله (وقد أفردنا له مسألة الخ).
حمل العلامة الزنجاني هذه العبارة على إن الرسالة في معنى الاسلام و
اختصاص هذه اللفظة بأمة محمد (ص) وذكره في عداد كتب الشيخ في
المقدمة.
والأظهر عندي أن الرسالة المشار إليها في بيان معنى التشيع واختصاصه
بالامامية والزيدية الجارودية وذلك لأن غرضه الأصلي في هذا المقام بيان
معنى الشيعة عرفا واصطلاحا لا معنى الاسلام أو غيره مما ذكره هنا فإنها جميعا
ذكرت بعنوان الشاهد والدليل على أصل المدعى وهو اختصاص معنى التشيع
بمن ذكره، ويؤيد ما ذكرناه، فصله بين ما ذكر في الاسلام وبين ذكر هذه
الرسالة بقوله وهذه الجملة الخ ما ذكره فإنه بمنزلة الرجوع إلى أصل المطلب و
المدعى وهو اختصاص التشيع بمن ذكرناه.
(8)
قوله (والزيدية الجارودية الخ).
الزيدية فرقتان فتارة يقال بترية وغير بترية وقد يقال جارودية وغير
جارودية أما الجارودية أو غير البترية من فرق الزيدية فتشترك مع الإمامية فيما
نقله الشيخ ميزانا للتشيع وهو قوله (... والاعتقاد لإمامته (ع) بعد الرسول (ص)
بلا فصل، ونفى الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة...) ثم أوضحه في القول
الرابع بقوله (... واتفقت الإمامية وكثير من الزيدية على إن المتقدمين على
277

أمير المؤمنين ضلال فاسقون، فإنهم بتأخيرهم أمير المؤمنين (ع) عن مقام رسول
الله (ص) عصاة ظالمون وفي النار بظلمهم مخلدون...) ومراده بكثير من
الزيدية، الجارودية أو غير البترية منهم مطلقا فإنهم كما قال القاضي في المغني
في طائفة منهم: (ولكنهم يكفرون أبا بكر وعمر والجارودية يفسقونهما...)
المغني 2 / ج 20 ص 185 ويذكر القاضي أيضا... (إن الزيدية لا يخالفون في
النص على علي (ع) بدلالة الأخبار المنقولة...)
وقال الأشعري في مقالات الاسلاميين ج 1 ص 133: (والزيدية ست
فرق: فمنهم الجارودية... يزعمون أن النبي (ص) نص على علي بن أبي طالب
... وأن الناس ضلوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول (ص)...) ثم يذكر
السليمانية والبترية فيقول: (والفرقة الخامسة من الزيدية يتبرؤن من أبي بكر و
عمر ولا ينكرون رجعة الأموات...) وقال العلامة الحميري في الحور العين
ص 187 عن زيد بن علي (ع) (... فلما قبض رسول الله (ص) كان على من بعده
إماما للمسلمين في حلالهم وحرامهم... الخ).
وقال أيضا في ص 154 إن الشيعة كلهم من زيدية وغيرهم اتفقوا على
(إن عليا كان أولى الناس بمقام رسول الله وأحقهم بالإمامة والقيام بأمر أمته) ثم
صرح بهذا في ذكر كل فرقة من فرق الزيدية الثلث وهم البترية والجريرية و
الجارودية وذكر في ضمن عقائد الجارودية: (وإن الأمة ضلت وكفرت
بصرفها الأمر إلى غيره). ثم يقول: (وليس باليمن من فرق الزيدية غير
الجارودية...).
والظاهر أن بقية فرق الزيدية انقرضت ولم يبق منهم إلا الجارودية، نعم
الزيدية موجودون إلى زماننا في اليمن وبعد هجوم الرئيس المصري عبد الناصر
278

عليها وتغيير حكومتها استولى على اليمن الجنوبي السلطة المصرية وعلى
اليمن الشمالي السلطة الوهابية، ولهذا لا يتظاهرون بالبراءة من الخلفاء علنا مع
كونهم جميعا من الزيدية الجارودية.
كما إن جميع الزيدية حتى البترية منهم يرون عليا أفضل الناس بعد
رسول الله (ص) وأولاهم بالإمامة لكن البترية ترى أن عليا حيث غض النظر
عن حقه صارت بيعة أبي بكر صحيحة راجع الحور العين ص 155.
(9)
قوله في القول 1 (وكان هشام بن الحكم شيعيا وإن خالف الشيعة كافة
في أسماء الله (تعالى) وما ذهب إليه في معاني الصفات).
أقول: كلمة (إن) الشرطية في قوله (وإن خالف) بمعنى لو الامتناعية،
يعني ولو فرضنا فرضا باطلا إنه خالف الشيعة. وتأتي (إن) في مورد الامتناع
كثيرا، ومنها قوله (تعالى) لئن أشركت ليحبطن عملك وقوله (تعالى) ولئن
اتبعت أهوائهم بعد الذي جائك من العلم.
ويدل عليه ما ذكره المفيد ره في موارد متعددة من كتبه، من جملتها ما
ذكره في هذا الكتاب في القول 20 في بحث علمه (تعالى) هكذا: (... ولسنا
نعرف ما حكاه المعتزلة عن هشام بن الحكم في خلافه وعندنا أنه تخرص
منهم عليه وغلط ممن قلدهم فيه فحكاه من الشيعة عنه... وكلامه في أصول
الإمامة ومسائل الامتحان يدل على ضد ما حكاه الخصوم عنه...) وقال سيدنا
الخوئي في ترجمته في معجم رجال الحديث ج 19 ص 273:
(وعده المفيد في رسالته العددية من الأعلام الرؤساء المأخوذين عنهم
الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا مطعن عليهم، ولا طريق إلى ذم
279

واحد منهم).
والظاهر إن حاله أوضح من أن يشك فيه بسبب منقولات أو أخبار لا
أصل لها مثل الشك في سلمان وأبي ذر وكميل ومالك الأشتر أو أمثال هؤلاء
من أصحاب المعصومين فراجع لتفصيل ذلك رجال المامقاني وما كتبه السيد
المحقق الجلالي في مجلة تراثنا العدد 19، السنة الثانية.
(10)
قوله في القول 2: (وساقها إلى الرضا علي بن موسى (ع)).
أقول: لا خلاف بين المتكلمين في أن اصطلاح (الإمامية) لا يطلق إلا على
القائلين بإمامة الأئمة الاثنا عشر فيتحد معناها مع (الاثنا عشرية)، ويدل عليه
من كلام الشيخ المفيد قده ما يأتي في القول الثالث من قوله: (واتفقت الإمامية
على إن الأئمة بعد الرسول اثنا عشر إماما...). وحينئذ فلماذا لم يقل (وساقها
إلى الإمام الثاني عشر) بل قال (وساقها إلى الرضا علي ابن موسى (ع))؟
الظاهر أنه قده كان في مقام تمييز الإمامية عن بقية فرق الشيعة بالتركيز
على نفس مورد الاختلاف، وحيث أن آخر الفرق التي افترقت عن الإمامية هي
الواقفة الذين وقفوا على موسى بن جعفر (ع)، وأنكروا إمامة علي بن موسى (ع)،
كان ذكره (ع) - مضافا إلى إفادته ما يفيده ذكر الإمام الثاني عشر في المقام -
تحديدا على آخر من ينتهى إليه افتراق الفرق المنحرفة للشيعة، وإشارة إلى عدم
حدوث فرقة أخرى يعتد بها بعد الواقفة.
وأما ما ذكر المتكلمون ومنهم النوبختي من الفرق الحادثة في زمن
العسكريين (ع) فمضافا إلى ما ذكرنا في محله - من عدم ثبوت أصل وجود
أكثرها، وعدم كون بعضها مذهبا وفرقة بل كلاما صدر من أحد فعدها بعضهم
280

فرقة وتبعه غيره - لم تتكون هذه الفرق بحيث تبقى، بل انقرضت وماتت حين
الولادة.
(11)
قوله في القول 2: (لأنه وإن كان في الأصل علما على من دان من
الأصول بما ذكرناه دون التخصيص لمن قال في الأعيان بما وصفنا...).
أقول: الضمير في (لأنه) راجع إلى الوصف بالإمامية والمراد (بما ذكرناه)
وجوب الإمامة ووجودها في كل زمان والعصمة والكمال والمراد بقوله (في
الأعيان) أشخاص الأئمة الاثنا عشر على التعيين.
وحاصل المعنى: إن الوصف بالإمامية بمقتضى التفسير اللفظي مع قطع
النظر عن الظهور العرفي والاصطلاحي كان مقتضاه إطلاقه على كل من اعتقد
في الإمام الشرائط والأوصاف المذكورة، ولكنه صار من جهة العرف و
الاصطلاح علما على من اعتقد بالأوصاف المذكورة في خصوص الأئمة
الاثنا عشر دون غيرهم.
(12)
قوله في القول 2 (لاستحقاق فرق من معتقديه ألقابا بأحاديث لهم
بأقاويل أحدثواها...).
الظاهر أن كلمة (بأحاديث) تصحيف (بأحداث) وعلى التقديرين
فالمعنى المراد بها البدع والآراء الشاذة التي تحدث فيما بين الشيعة ولا تصل إلى
حد الخروج عن التشيع ولكنها تخرجهم عن التسمية بالامامية.
فالمعنى: إنما خصصنا الإمامية بمن ذكرناه، لأن بعض معتقديه أحدثوا
بدعا وأقوالا خرجوا بسببها عن استحقاق لقب الإمامية، إلى استحقاق ألقاب
281

أخرى مثل الواقفية والفطحية ونحوهما، فغلبت عليهم هذه الألقاب دون لقب
الإمامية.
(13)
قوله في القول 3 (وجوزوا أن يكون الأئمة عصاة في الباطن)
راجع شرح المواقف ج 8 ص 301 ومقالات الاسلاميين ج 2 ص 125.
(14)
قوله (البترية)
الظاهر كما مر في القول الأول أنه لا توجد فرقة من الزيدية تنكر النص
الخفي على أمير المؤمنين وكونه أولى بالخلافة من غيره، غاية الأمر البترية تدعي
أن تسليمه (ع) حقه لأبي بكر تصحح خلافته والباقون لا يقولون به. راجع
الحور العين ص 155 فإن مؤلفه من البترية.
(15)
قوله في القول 3 (وجوزوا خلو الأزمان)
راجع مقالات الاسلاميين للأشعري ج 2 ص 134 - والمغني للقاضي ج 20
الجزء الأول ص 17 إلى ص 45 وشرح المواقف ص 345.
(16)
قوله في القول 3 (من جهة البرهان الجلي والسمع المرضي والقياس
العقلي...)
راجع من جهة القياس العقلي والبرهان الجلي إلى كتبه قده في الإمامة
منها الافصاح في الإمامة والشافي للسيد المرتضى وتلخيصه للشيخ الطوسي و
كتب العلامة وغيرها.
282

ومن جملة الأدلة العقلية: إن الأوصاف التي يستحق بها الإمامة مجمع
عليه في أمير المؤمنين (ع) ومختلف فيه في غيره فإن أحدا من الفرق الإسلامية
لا يختلف في علمه بخلاف غيره فإنه لا يوجد أحد منهم يكون علمه متفقا عليه
بين جميع الفرق من الشيعة والسنة والخوارج وأهل الحديث والمعتزلة.
وكذلك الزهد والشجاعة والعقل والسبق إلى الاسلام وغيرها فإنك
لا تجد أحدا يكون موردا للاتفاق من قبل جميع الفرق الإسلامية من دون شك و
ريب في جميع هذه الصفات غيره.
وكذلك النصوص من القرآن والحديث لم يرد في حق أحد ما يكون
متفقا عليه بين الشيعة والسنة وجميع الفرق مثل ما ورد فيه عليه السلام.
وكذلك الإجماع على الإمامة، نعم إن أريد به إجماع فرقة خاصة واتباع
شخص خاص فكل حزب بما لديهم فرحون وكلهم يدعون الإجماع على
معتقداتهم، وأما إجماع جميع المسلمين من سني أشعري أو معتزلي أو ظاهري
أو خارجي أو شيعي إمامي أو زيدي أو غير ذلك فلم يحصل في حق أحد إلا
في حقه عليه السلام أما بقية المسلمين غير الخوارج فواضح، وأما الخوارج فهم
يعتقدون صحة إمامته إلى زمان تحكيم الحكمين وينكرونها بعده، فيدخلون في
الإجماع أيضا.
وكل ما ذكرناه في أمير المؤمنين (ع) موجود في بقية الأئمة الاثنا عشر، و
ذلك فإن كون الأئمة (ع) وأوصياء النبي (ص) اثنا عشر من الأمور الثابتة عن
النبي (ص) بالتواتر وقد أورد أكثرها سيدنا الأستاذ النجفي المرعشي في ذيل
المجلد الثالث عشر من إحقاق الحق، وغيره في غيره.
وإذا ثبت أن أوصياء النبي أو الأئمة اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل
283

فهذا العدد يستقيم على عقيدة الشيعة، وأما أهل السنة فقد تكلفوا كثيرا في
تطبيق هذه الروايات على الخلفاء فما تمكنوا من تطبيقها تطبيقا صحيحا، مضافا
إلى أن كثيرا من هذه الروايات يصرح بأسماء الأوصياء. منها ما رواه الحمويني
في فرائد السمطين بسنده عن مجاهد عن ابن عباس عن رسول الله (ص)... إلى
أن قال (ص) إن وصيي علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين
تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين، قال يا محمد فسمهم، قال إذا مضى الحسين
فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر فإذا مضى
جعفر فابنه موسى فإذا مضى موسى فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا
مضى محمد فابنه علي فإذا مضى علي فابنه الحسن فإذا مضى الحسن فابنه
الحجة محمد المهدي فهؤلاء اثنا عشر.
(17)
في القول 5 نقل العلامة الچرندابي عبارة عن المفيد في كتاب الجمل تحتاج
إلى توضيح فنقول قال الشيخ المفيد في الافصاح ص 68 طبعة مكتبة المفيد: قد
كان بعض متكلمي المعتزلة رام الطعن في هذا الكلام بأن قال: قد ثبت أن القوم
الذين فرض الله (تعالى) قتالهم بدعوة من أخبر عنه، كفار خارجون عن ملة
الاسلام، بدلالة فوله (تعالى) (تقاتلونهم أو يسلمون) فأهل البصرة والشام و
النهروان فيما زعم لم يكونوا كفارا بل كانوا من أهل ملة الاسلام... على أنه يقال
للمعتزلة والمرجئة والحشوية جميعا: لم أنكرتم إكفار محاربي أمير المؤمنين؟ وقد
فارقوا إطاعة الإمام العادل وأنكرواها وردوا فرائض الله (تعالى) عليه وجحدوها
واستحلوا دماء المؤمنين وسفكوها، وعادوا أولياء الله المتقين في طاعته، ووالوا
أعدائه الفجرة الفاسقين في معصيته، وأنتم قد أكفرتم مانعي أبي بكر الزكاة، و
284

قطعتم بخروجهم عن ملة الاسلام، ومن سميناهم قد شاركهم في منع
أمير المؤمنين الزكاة وأضافوا إليه من كبائر الذنوب ما عددناه.
... ومما يدل على كفر محاربي أمير المؤمنين (ع) علمنا بإظهارهم التدين
بحربه والاستحلال لدمه ودماء المؤمنين من ولده وعترته وأصحابه، وقد
ثبت أن استحلال دماء المؤمنين أعظم عند الله من استحلال جرعة خمر لتعاظم
المستحق عليه من العقاب بالاتفاق، وإذا كانت الأمة مجمعة على إكفار مستحل
الخمر وإن شهد الشهادتين وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فوجب القطع على كفر
مستحلي دماء المؤمنين لأنه أكبر من ذلك وأعظم... ويدل أيضا على ذلك ما
تواترت به الأخبار من قول النبي (ص) لعلي (ع) حربك يا علي حربي وسلمك
سلمي... وإذا كان حكم حربه كحكم حرب الرسول (ص) وجب إكفار محاربيه
كما يجب إكفار محاربي رسول الله (ص).
أقول: إن كفر الناصب من ضروريات مذهب الشيعة وقد صرح به المفيد
قده في المقنعة وغيره، ولم يخالف فيه فقيه واحد أصلا، وأي نصب أعظم من
المحاربة والمقاتلة واستحلال دمه ولعنه وسبه.
والتحقيق أن المفيد قده أعظم شأنا من أن يغفل عن مثل هذا الأمر
الواضح إذ لا خلاف في كفر الناصبي ونجاسته، كما أنه لا إشكال في كون من
يحاربه ويقاتله من مصاديق الناصبي بل من انصب النواصب.
فما الذي أراد بقوله في كتاب الجمل (ولم يخرجواهم بذلك عن حكم
ملة الاسلام...) لما نقرء كتاب الجمل وكذا كتاب الإفصاح وغيره، نرى هناك
شبهة اعترضت في مسألة أهل الجمل وهو إنه (ع) عمل معهم معاملة أهل
البغي لا الكفار من جهة أنه (ع) ما سبى ذريتهم ولا أخذ أموالهم، ولا أجهز على
285

جريحهم.
ففي مقام الجواب عن هذه الشبهة قسم المفيد قده الكفار في كتاب الجمل
إلى كفر ملة وغيره ففرق بينهما في الأحكام الدنيوية مع اشتراكهما في أصل
الكفر واللعنة والخلود في النار كما ذكره.
ومرة أخرى شرح المسألة شرحا كاملا في كتاب الإفصاح فقال في
جواب من سأل أنه (ع) لم عمل معهم معاملة أهل البغي لا الكفار؟ بهذه العبارة:
... ألا ترون إن أحكام الكافرين تختلف: فمنهم من يجب قتله على كل حال، و
منهم من يجب قتله بعد الامهال، ومنهم من تؤخذ منه الجزية ويحقن دمه بها
ولا يستباح، ومنهم من لا يحل دمه ولا تؤخذ منه الجزية على حال، ومنهم من
يحل نكاحه، ومنهم من يحرم بالاجماع، فكيف يجب اتفاق الأحكام من
الكافرين؟..) الافصاح ص 77 فمراد الشيخ أن ثبوت بعض أحكام الاسلام
لصنف من أصناف الكفار لا يدل على إسلامهم، كما إن جماعة من الفقهاء و
جميع الأخباريين يحكمون بطهارة أهل الكتاب، والكل مجمعون على جواز
نكاح نسائهم متعة، وغير ذلك فهل تدل هذه الفتاوى وثبوت هذه الأحكام
على إن اليهود والنصارى مسلمون؟ كلا وكذلك الأحكام التي رتبها
أمير المؤمنين (ع) على محاربيه لا تدل على إسلامهم.
(18)
قوله في القول 5 (كالمتلاعنين الخ)
ليت شعري هل المتلاعنين لا يمكن تشخيص الحق منهما، ولا يمكن قيام
دليل على إن أحدهما حق والآخر باطل ظالم، ألم يسمعوا قول الله (تعالى)
(فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم إلى قوله فنجعل لعنة الله على
286

الكاذبين) وألم يكن علي ومعوية يلعن كل واحد منهما الآخر، ألم يكن الحق
مع علي يدور معه حيثما دار؟ أو لم يكن الباطل مع معاوية يدور معه حيثما دار؟
بل في أكثر موارد المتلاعنين يكون الحق والباطل والظالم والمظلوم منهما،
واضحا لأكثر الناس والتشبيه لا يكون دليلا في علم الكلام.
(19)
قوله في القول 7 (إن العقول تعمل بمجردها من السمع)
جعل العلامة الزنجاني النزاع في حسن تأييد العقل بالسمع والتحقيق أن
الخلاف بيننا وبينهم في أن تأييد العقل بالسمع واجب أم لا؟ وأما حسنه و
كونه مؤكدا في هداية البشر فلا خلاف فيه. وعلى هذا نقول إن هذا الانسان
الظلوم الجهول مع تأييد عقله بالشرع ومساعدة الأنبياء للعقلاء والمصلحين
وصل أمره إلى ما نرى ورأينا من أول العالم إلى هذا اليوم وكان كما تنبأت
الملائكة قبل آلاف السنين: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء - فكيف بهم
إذا لم تؤيد عقولهم بالشرايع، إلا أن يقولوا بأنهم لو لم يأتهم الأنبياء كانوا أقرب
إلى الحق منهم مع الأنبياء، وهذا فضيحة من القول وهم أيضا لا يقولونه.
(20)
قوله في القول 8 (لحصولهم الخ)
مراده بالمعنى الذي حصل للأنبياء إما الوحي كما يأتي في القول 42 أو
رؤية الملك كما يأتي في القول 44 وأيا منهما كان فالقرآن والحديث يصرحان
في موارد كثيرة باثبات الوحي أو رؤية الملك أو سماع صوته لغير الأنبياء،
وتأويل جميعها على خلاف ظواهرها كما عن بعض لا وجه له.
ففي القرآن في سورة الكهف: (قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذبهم...) وفي
287

سورة طه يحكي عن السامري: فقبضت قبضة من أثر الرسول، وفسروا الرسول
بجبرئيل. وقد رأت زوجة إبراهيم الملائكة قال في سورة هود الآية 72: وامرأته
قائمة فضحكت فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب قالت أألد وأنا
عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيئ عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله الخ وقد
رأى قوم لوط مع كفرهم رسل ربهم وراودوه عنهم كما يحكيه عنهم القرآن في
سورة القمر الآية 38: ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم الخ وكان الكفار
من قريش وأصحاب رسول الله (ص) حتى المنافقين يرون الملائكة المسومين في
حرب بدر على ما روي، ويقول (تعالى) في سورة القصص الآية 7: وأوحينا
إلى أم موسى أن ارضعيه الآية وفي سورة الأعراف الآية 18: وكلم الله إبليس
بعد كفره بقوله اخرج منها مذموما مدحورا وقال في سورة مريم الآية 19: في
حق مريم... فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا إلى قوله قال إنما أنا
رسول ربك ويحكى في سورة آل عمران الآية 42 و 45: وإذ قالت الملائكة يا
مريم إن الله اصطفاك وطهرك أيضا إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك
بكلمة منه اسمه المسيح.
وأما الروايات في رؤية الملائكة بصورة إنسان في الأمم السابقة وفي هذه
الأمة فلا تعد ولا تحصى فقد روى رؤية بعض الصحابة جبرئيل بصورة دحية
الكلبي.
إذا عرفت ما ذكرنا فنحن بين يقينين ظاهرهما متناقضان:
الأول ما ذكرنا من الآيات والروايات المتواترة المثبة للوحي أو لنزول الملك
أو رؤيته على من ليس بنبي، أو من هو كافر، بحيث يلزم من إنكاره إنكار القرآن
أو تأويل آيات كثيرة صريحة على خلاف ظواهرها.
288

الثاني اليقين بأن الوحي سواء كان بنزول الملك أو بنوع آخر يختص
بالأنبياء وإن من ادعى ذلك لغيرهم فقد أخطأ وكفر.
ولا سبيل إلى رفع اليد عن أحد اليقينين، بل الصحيح التدبر في مراد
المتكلمين من قولهم بكفر من ادعى الوحي لغير الأنبياء، والدقة في الموارد التي
ذكرناها.
والتحقيق إن ارتباط إنسان مع عالم الغيب ونزول الوحي إليه إما بواسطة
الملك أو بدونها، قد يكون نزولا رسميا يأتي إليه بحكم يكون بمنزلة إعطاء
منصب إلهي هي النبوة ولكنها تستلزم الوحي والإلهام مثل أمراء الملك و
حكامه في البلاد فالنبي من كلف بإحياء شريعة الله وتوحيده على وجه
الأرض كمنصب رسمي من قبله (تعالى) أو كسفير بينه وبين عباده ونزول
الوحي أو الملك إليه بمنزلة الأحكام والأوامر الرسمية التي تصدر من ناحية
الملك إلى وزرائه وأمرائه.
وقد يكون ارتباط إنسان مع الله (تعالى) بالوحي أو بنزول الملك لا بعنوان
أن يكون نبيا ينبأ عن الله (تعالى) أو رسولا وسفيرا بينه وبين خلقه بل لتسديده
في نفسه أو ليلتذ بمناجاة ربه لأنه يحبهم ويحبونه، أو يعلمه (تعالى) وظائفه
الشخصية وإن كانت وظيفته تكميل دين نبيه وحفظ الأمة عن الضلال.
والفرق بين المكتوب الرسم الذي يرسله الملك إلى بعض أمرائه بيد
خادمه الخصوص وبين ما يرسله إلى أولاده وأصدقائه وأقربائه لإظهار المحبة
ونحوها واضح، وليس الفرق بينهما في كيفية حصول الربط أو الشخص الذي
يكون واسطة بينهما، بل الفرق في نوعي الرسالتين والمكتوبين وخصوصية
الارتباطين.
289

فالفرق معنوي واقعي لا يضره اتحاد الاسم بأن يسمى كل منهما وحيا أو
نزول ملك أو غيرهما بعد ما كان نوعا الوحيين والرسالتين متباينين.
والحاصل أن الوحي أو رؤية الملك على ثلاثة أقسام:
أحدها أن يكون تبليغ رسالته (تعالى) إلى عباده وهذا يختص بالأنبياء
عليهم السلام.
الثاني أن يكون لإظهار حبه (تعالى) له ومناجاته معه وتسديده ونحو
ذلك وهذا هو الذي ذكرناه في أم موسى ومريم وذا القرنين وما روي من نزول
الملك إلى فاطمة الزهراء سلام الله عليها وتنزل الملائكة والروح في ليلة القدر
على الإمام المعصوم ونحو ذلك.
الثالث أن لا يكون شئ من الأمرين موجودا بل المصالح الإلهية اقتضت
رؤية بعض الناس من الأفراد العادية أو الكفار للملك أو سماعهم صوته وذلك
نظير ما يحكى من رؤية السامري جبرئيل ورؤية قوم لوط للملائكة بتصريح
القرآن ونحو ذلك.
فالاجماع والضرورة تحققا على إن الوحي ونزول الملك بالمعنى الملازم
للنبوة يختص بالأنبياء وإنهما انقطعا بعد وفات النبي (ص) بالكلية وإن من
ادعى ذلك لغير الأنبياء فقد أخطأ وكفر كما ذكره الشيخ المفيد.
وأما بالمعنى الثاني والثالث فلم يقم إجماع على بطلانه بل ربما يؤدي
إنكاره إلى إنكار صريح القرآن في آيات كثيرة وإنكار روايات متواترة وقضايا
تاريخية واعتقادية ثابتة باليقين.
(21)
قوله في القول 9 (الذي يراك الخ)
290

مراده قده للاستدلال بالآية بضميمة ما ورد في تفسيرها، بل الأصح أن
نقول في تأويلها وإلا فهي بنفسها ليست ظاهرة في ما أراده قده.
(22)
قوله (وإن عمه أبا طالب ره مات مؤمنا)
لا يخالف أحد من المسلمين من الشيعة والسنة وغيرهما في أن أبا طالب
رحمه الله آوى رسول الله (ص) في بيته ونصره في مقابل المشركين فإذا ضممنا
إلى هذه الصغرى اليقينية كبرى قرآنية وهي: (والذين آووا ونصروا أولئك هم
المؤمنون حقا) ينتج عن طريق القياس البرهاني إن أبا طالب مؤمن حقا.
ومن غريب الأمر إصرار أهل السنة قديما وحديثا باثبات كفر آباء النبي
وخصوصا أبي طالب وجعلهم الأحاديث والقصص الخرافية في هذا الباب،
وبعكس ذلك اهتمام علماء الشيعة بالدفاع عنهم وعنه في طول التاريخ بحيث
قلما تجد عالما من علماء الشيعة لم يكتب كتابا أو رسالة مستقلة في إيمان أبي
طالب، مضافا إلى ما تعرضوا له في ضمن كتبهم الكلامية وغيرها، والسر في
إصرار الشيعة بالدفاع عن آباء النبي وعمه وأمه حبهم له (ص) فإن الحب يسري
إلى المنسوبين، وأما إصرار العامة على تكفير آباء النبي وأمه وعمه - على
فرض صحته عندهم - لا مبرر له، إذ لم يكن من أصول الدين ولا من فروعه.
(23)
قوله في القول 10 (من جهة السمع دون القياس)
أقول: مراده إن إطلاق كلمة البداء سمعي لا عقلي، لا إن أصل مسألة
البداء وإثبات صحته سمعي لا عقلي، فإن البداء الذي هو بمعنى الابداء والإظهار،
لما كان معلوما عنده (تعالى) أمر ثابت عند العقل والشرع راجع القول 58.
291

(24)
قوله في القول 10 (في معنى الرجعة اختلاف).
أقول: ظاهر العبارة إن الاختلاف بينهم اختلاف معتد به ولذا صرح
الشيخ في القول 55 بأن المتأولين لمعنى الرجعة بحيث لا يضر مخالفتهم لثبوت
الإجماع ولذا قال في الفصل 55 بعد توضيح معنى الرجعة وتفسيرها برجوع
أعيان جماعة من الأموات وأحيائهم حقيقة بعد الموت: (وقد جاء القرآن
بصحة ذلك وتظاهرت به الأخبار، والإمامية بأجمعها عليه إلا شذاذ منهم
تأولوا ما ورد فيه مما ذكرناه على وجه يخالف ما ذكرناه).
يظهر من هذه العبارة أمرين:
الأول إن رجوع هؤلاء ورجعتهم بعد هذه الأدلة والاخبارات الموجودة في
الكتاب والسنة أمر حتمي مقطوع به من دون شك وريب في وقوعه وفعليته،
كما لا شك في إمكانه، وهذا هو المراد بالوجوب في عنوان الباب (اتفقت
الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات) يعني تحتم رجوعهم وكونه
قطعيا، ومن ضروريات مذهب الشيعة.
وعليه فلا وجه لما عن العلامة الزنجاني من التشكيك في كلمة الوجوب
وتبديلها بالجواز وما تكلف في هذا الصدد.
الثاني إن الإجماع والضرورة قامتا على الرجعة بالمعنى المرتكز في أذهان
المتشرعة وهو رجوع أعيان الأموات، وإن الخالف في المسألة ليس بحيث يضر
مخالفته للاجماع والضرورة، ولذا ادعى هنا الاتفاق من الإمامية وهناك قال
(إن الإمامية بأجمعها عليه) مع تصريحه بلا فصل بقوله (إلا شذاذ منهم تأولوا)
فيظهر أن المتأولين ليسوا على حد يضر بتحقق الإجماع والضرورة إذ كل أمر من
292

الأمور الضرورية والإجماعية يوجد شذاذ يخالفون فيه.
ومن هنا يظهر أن عناية العلامة الچرندابي تبعا للعلامة الزنجاني بنقل
هذا الرأي الشاذ من السيد المرتضى أيضا على نحو يظهران الخالف مهم مع أن
عبارة السيد أيضا مثل عبارة المفيد أو أصرح في أن الخالف شاذ لا يضر بتحقق
الإجماع ولذا قال السيد (الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية أن الله (تعالى) يعيد
عند ظهور المهدي قوما ممن كان تقدم موته من شيعته وقوما من أعدائه. وأن
قوما من الشيعة تأولوا الرجعة...) والرجوع إلى أدلة الرجعة في الكتب المفصلة
التي تعرضت لها يثبت أولا أن الذي أجمعت عليه الشيعة بل هو من
ضرورياتهم رجوع أعيان الأشخاص وثانيا إنها أمر واجب يقيني لا جائز
محتمل.
(25)
قوله في القول 10 (تأليف القرآن)
أقول: ظاهر كلام الشيخ في مسألة التحريف لا يخلو عن تهافت يعرف
بالرجوع إلى ما ذكره في القول 59 فإنه وإن أكد رأيه المذكور هيهنا في تأليف
القرآن ولكنه تردد بل مال إلى عدم التحريف بمعنى الزيادة والنقصان فراجع.
(26)
قوله في القول 11 (وأصحاب الحديث قاطبة).
أقول: هذا عطف على المرجئة لا على محمد بن شبيب يعني وافقهم على
هذا القول المرجئة وأصحاب الحديث فقالوا جميعا بأن الخلود خاص بالكفار
دون أهل الصلاة وأما محمد بن شبيب فاختار الخلود للعصاة من المسلمين
كالمعتزلة.
293

(27)
قوله في القول 13 (وإن ضم إلى فسقه كل ما عد تركه من الطاعات)
يعني وإن ضم إلى فسقه إطاعته (تعالى) في ترك كثير من المحرمات كترك
الزنا وشرب الخمر ونحوهما مما يكون تركه من الطاعات، وفي بعض النسخ
(ما عدا) يعني ضم إلى فسقه ما عدا تركه لوظيفته الذي أوجب فسقه سائر
الطاعات.
(28)
قوله في القول 14 (وإن الفرق بين هذين المعنيين الخ)
كما إن الإيمان في اللغة أخص من الاسلام كذا في الشرع، وذلك أنه
يصدق في اللغة إن فلانا أسلم أو سلم أو استسلم لفلان إذا أظهر الخضوع و
الانقياد ظاهرا وإن لم يعلم استسلامه باطنا، بل ولو علم عدم تسليمه قلبا.
وهذا بخلاف أن يقال فلان آمن بفلان أو مؤمن بفلان فإنه لا يصدق إلا
إذا آمن به قلبا.
(29)
قوله في القول 16 (في أصحاب البدع وما يستحقون عليه من الأسماء
والأحكام)
أقول: المراد بأصحاب البدع أصحاب المذاهب الباطلة التي تدعي الاسلام،
ولكنها زادت فيه أو نقصت بما جعلته مذهبا آخر غير الشيعة الإمامية التي هي
الاسلام الصحيح وعليه فإن كان لشخص أو جماعة آراء شاذة قليلة في أمور من
فروع الدين أو في جزئيات أصول الدين لا في أصلها بحيث لا يلزم إنكار
ضروري الدين فهم ليسوا من أصحاب البدع، وإن كان لهم آراء مخالفة في فروع
294

الدين أو أصوله في الأمور الضرورية، فهؤلاء من أصحاب البدع سواء صدق
عليهم اسم فرقة من الفرق الموجودة، أو لا بأن اخترع مذهبا جديدا لا يصدق
عليه شئ منها.
والنسبة بين هذا البحث والبحث السادس الذي بحث فيه عن كفر من
أنكر واحدا من الأئمة نسبة العموم والخصوص مطلقا، فإن من أنكر واحدا من
الأئمة يكون من أهل البدع، غاية الأمر لأهمية مسألة الإمامة وكونها الفارق
الأصلي للإمامية عن غيرها عنونه مستقلا.
(30)
قوله في القول 18 (اجتبيته أنا من الأصول)
أقول: إلى هنا كان البحث عن الفصل بين الشيعة والمعتزلة والمسائل
الخلافية بينهما ومن هنا بدء في ذكر آرائه في جميع المسائل الكلامية من دون
تقيد بأن يوافق أحدا أو يخالفه، بحيث أنه ربما يكون بعض آرائه مخالفا للمشهور
بين الشيعة أيضا، وإن كان هذا قليلا.
(31)
وأما قوله (نظرا ووفاقا لما جاء عن أئمة الهدى من آل محمد (ص))
فهذا إشارة إلى الخط الذي يمشي عليه في اتخاذ آرائه في هذا الكتاب،
فإنه كما التزم على نفسه طريق التعقل والتفقه في المسائل الأصول والمحاربة مع
الأخباريين بشدة، كذلك أخذ على نفسه التزاما أن يحارب الإفراط في التفلسف
والبعد عن الكتاب والسنة أو التساهل فيهما وتأويلهما لتطبيقهما على الآراء
العقلية الكلامية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا هو السبب في عنايته
الخاصة بنقل آراء بني نوبخت وتفنيدها في أكثر الموارد.
295

والبحث عن المعارف الدينية والإلهيات كان من أهم أهداف الرسالة و
الولاية، ولذا من نظر في الخطب والأدعية المروية عن رسول الله (ص) في
كتاب بحار الأنوار وكتاب مدينة البلاغة وغيرهما وكذلك ما روي عن
أمير المؤمنين في البحار ونهج البلاغة ومستدركاتها، وما روي عن سائر
الأئمة (ع) لا يشك في أنهم كانوا بصدد تعليم العلوم المربوطة بالإلهيات و
المعارف الدينية في باب آيات وجوده وصفاته الذاتية والفعلية ونحوها.
(32)
قوله (واحد في الإلهية والأزلية)
إشارة إلى التوحيد الذاتي يعني ليس هنا إله آخر يكون قديما مثله. وقوله
(وإنه فرد في المعبودية) إشارة إلى التوحيد في العبادة وإنه لا يستحق العبادة غيره.
(33)
وقوله (لا ثاني له على الوجوه كلها والأسباب)
لعله إشارة إلى المراحل الأربعة للتوحيد: التوحيد الذاتي، والتوحيد
الصفاتي، والتوحيد الأفعالي والتوحيد في العبادة.
(34)
قوله (رجل من أهل البصرة يعرف بالأشعري)
يظهر من هذا التعبير، ومن اكتفائه بتسفيه عقيدته وعدم تعرضه
للجواب إلا أنه مخالف لعقيدة جميع المسلمين وعدم تعرضه لآرائه إلا في موارد
قليلة من كتبه، إن عظمة الأشعري في ما بين أهل السنة حدثت بعد المأة
الخامسة بمقتضى ميول سلاطين الجور وأهوائهم التي لم تكن تنطبق على
مذاهب المعتزلة ولا سائر المذاهب مثل ما تنطبق وتوافق المذهب الأشعري و
296

عقائده الكلامية فصمموا العزم على ترويجه بكل ما عندهم من حول وطول،
واتفقت عليه آراء الملوك وسياسة حكام الجور، من دون خلاف بينهم، و
أجمعوا على أن يروجوها كالعقيدة الوحيدة التي ليس غيرها موجودا.
(35)
قوله في القول 19 (حي لنفسه)
المراد بكلمة (لنفسه) الاتحاد بين الصفة والذات وعينيتهما في مقابل
زيادة الصفة على الذات كما عليه المشبهة، وكونها لا عين الذات ولا غيرها كما
عليه الأشعري، وكونها أحوالا كما اختاره الجبائي، والمراد الاتحاد من جهة
الوجود والمصداق لا في مقام التصور والمفهوم.
(36)
قوله في القول 19 (ولا الأحوال المختلفات)
ذكر العلامة الزنجاني في مقام بيان معنى الأحوال توجيهات لا تنطبق
على قول البهشمية ولا على الواقع من جملتها قوله (لا خلاف في إثبات تعلق
بين الصفة والموصوف كالعالم والمعلوم والقادر والمقدور وغيرهما، وإنما
الخلاف في أن ذلك التعلق هل هي بين الذات العالمة وبين المعلوم، أو بين صفة
قائمة بالذات حقيقة مغايرة لها وبين المعلوم، فذهبت جماعة إلى أنها بين
الذات وبين المعلوم، وذهبت جماعة إلى أنها بين الذات والصفة وسماها
أبو هاشم حالا).
أقول: تمثيله للصفة والموصوف بالعالم والمعلوم والقادر والمقدور غريب
جدا لأن الموصوف بالعالم والقادر هو ذات العالم والقادر لا المعلوم والمقدور إذ
هما متعلقا العلم والقدرة لا موصوفهما وقوله (إنما الخلاف الخ) أيضا خروج
297

عن محل الخلاف إلى محل الوفاق وذلك أنه لا خلاف في أن الذات بما هي
لا تلازم الإضافة إلى الخارج وإنما تحصل الإضافة والنسبة بين العالم بما هو عالم
مع المعلوم، غاية الأمر على فرض اتحاد الصفة مع الذات تكون طرف النسبة هي
الذات وعلى القول بعدم الاتحاد فالنسبة بين الصفة أيضا مع متعلقها، فوجود
النسبة والإضافة بين الصفة ومتعلقها مغفق عليه بين الجميع فليست هي في
مقابل النسبة التي يدعيها أبو هاشم بين الصفة والذات.
فإن ثبوت شئ لشيئ في غيره (تعالى) كون ووجود غير أصل وجود
الموصوف، يعبر عنه بالوجود الرابط وبكان الناقصة ولذا توهم أبو هاشم هذا
الكون حالا، فأنكر وجود الصفة بوجود مغاير للموصوف، ولكنه أثبت نسبتها
إلى الموصوف وثبوتها له أمرا ثابتا لم يسمها بالموجود، بل شيئا بين الموجود و
المعدوم.
وعلة كونه أشنع من مقالة أصحاب الصفات أمرين:
أحدهما إن الصفاتية أثبتوا للعلم والقدرة مثلا وجودا مغايرا لذات
المعلوم، وهذا له وجه، لأن العلم والقدرة ونحوها إعراض أو صفات خارجية،
وأما أبو هاشم فقد أثبت التحقق للنسبة والاتصاف الذين هما أضعف وجودا
من الصفات.
وثانيهما إن الصفاتية لما أرادوا التحرز من التعطيل ونفى الصفات قالوا
بوجودات مستقلة للصفات، وأما أبو هاشم فادعى شيئا بين الوجود والعدم و
هذا ارتفاع للنقيضين.
(38)
قوله في القول 19 (إن القرآن كلام الله)
298

راجع القول 131 فإن له ربطا بالمقام.
(39)
قوله (ولا أوجب ذلك من جهة العقول)
أقول: قال المحقق الطوسي قده: وتخصيص بعض الممكنات بالايجاد في
وقت يدل على إرادته) أقول: بل التخصيص بكم خاص وكيف خاص وزمان
خاص ومكان خاص ووضع خاص... مع عموم علمه وقدرته يدل على
وجود مخصص وليس إلا الإرادة، والحاصل أن الإرادة مما استدل ويمكن
الاستدلال عليها بالعقل أيضا.
(40)
قوله (إرادة الله (تعالى) لأفعال نفسه هي نفس أفعاله)
مراده قده إن إرادة الأفعال متحدة مع نفس الأفعال مصداقا وإن اختلفا
مفهوما، في مقابل الأشعري الذي جعلها صفة زائدة على الذات، وفي مقابل
الفلاسفة الذين جعلوا الإرادة من صفات الذات فردهم بقوله (هي نفس أفعاله)
ومراده بقوله (إلا من شذ منها) بعض المتفلسفين من الإمامية ذهبوا إلى أن
الإرادة من صفات الذات، فردهم باثبات كونها من صفات الفعل.
(41)
قوله (لا يجوز تسمية الباري (تعالى) إلا بما سمى به نفسه)
أقول: فيشكل الأمر في أمثال واجب الوجود ومصدر الأشياء والمبدء و
نحو ذلك من الأسماء التي لم ترد في الكتاب والسنة.
(42)
قوله (وإن المعنى في جميعها العلم خاصة)
299

قد حققنا في محله أنه لا فرق بين السمع والبصر والعلم في إنه إذا
لوحظت مع لوازمها الخارجية في الإفراد فالكل ملازم لأمور مادية لا تليق
بشأنه (تعالى)، فالعلم يحتاج إلى دماغ وأعصاب والسمع إلى أذن ونحو ذلك و
إذا نظرنا إلى حقيقة العلم والسمع والبصر من دون دخالة للوازمها المادية فالكل
يصح في حقه (تعالى)، ولا يلزم ارجاع بعضها إلى بعض، وقد رأيت بعد كتابتي
هذه التعليقة تأييد ما ذكرت للمحقق الكمپاني قده في حاشيته على الكفاية.
(43)
قوله في القول 21 (ولسنا نعرف ما حكاه المعتزلة عن هشام بن الحكم)
أقول: أما كذب النسبة فلا إشكال فيه، إذ لو كان في هشام انحراف صغير
في العقائد لم تصل إلى هذه المرتبة عند الأئمة عليهم السلام وعند شيعتهم،
مضافا إلى ما وردت في الروايات الصحيحة، وتاريخ أصحاب الأئمة وكتب
الرجال من إجماع محققيهم على بطلان هذه النسب.
ومن راجع ترجمة هشام بن عمرو الفوطي المعتزلي وعقيدته في علم
الله (تعالى) في طبقات المعتزلة للبلخي ص 71 عرف أن منشأ الاشتباه أو الخيانة
اشتراك هشام الشيعة في الاسم مع هشام المعتزلة، ويؤيد ما ذكرناه أيضا أن
الخلاف الذي ينسبه المصنف هنا إلى جهم بن صفوان وهشام بن عمرو الفوطي
نسبه الشهرستاني في نهاية الإقدام إلى جهم بن صفوان وهشام بن الحكم.
(44)
قوله في القول 22 (حتى يكون قولا أو كتابة)
المراد بهذه العبارة إن الصفة على هذا الاصطلاح ليست نفس المعنى القائم
بالموصوف، بل ما أنبأت عنه، ولذا قال (ولا يكون ذلك الخ) وذلك لأن كلمة
300

(أنبأت) تستلزم دالا ومدلولا، فالدال هو القول أو الكتابة، والمدلول هو المعنى
المستفاد، ومن هنا يظهر صحة (حتى يكون) بدون (لا) وأما ما في بعض
النسخ من زيادة لا في (حتى لا يكون) فلا يستقيم.
(45)
قوله في القول 23 (وقولي في المعنى المراد...)
هذه الجملة غير موجودة في بعض النسخ، والظاهر أنهم أسقطوها لإبهام
معناها عندهم، والصحيح إثباتها.
توضيح العبارة: إن المعتزلة ذهبوا إلى التعطيل في صفاته بحيث كأنه
ذات بلا صفات، والمشبهة ذهبوا إلى إثباتها كأشياء زائدة عليها قائمة بها، و
أبو هاشم ذهب إلى شئ بين الاثبات والنفي وسماها الأحوال.
والمفيد قده أشار إلى رد تعطيل المعتزلة بقوله (ليست هي الذات) وإلى رد
المشبهة بقوله (ولا أشياء تقوم بها) وإلى رد قول أبي هاشم بقوله (ولا أحوال
مختلفات على الذات) ثم أشار إلى مختاره بقوله (وقولي في المعنى المراد...)
يعني لا أريد من إثبات الصفات وإنها ليست هي الذات، إنها مغايرة مع الذات
في الخارج والوجود، بل من جهة المفهوم وإن المعنى المعقول من الصفات غير
الذات، وأما في الخارج فهي عين ذاته (تعالى).
(46)
قوله في القول 24 (قادر على خلاف العدل الخ)
أقول: لا خلاف في استحالة صدور القبيح منه (تعالى)، ولكن الكلام في
أن عدم صدوره منه هل هو لأجل أنه (تعالى) عاجز عن القبيح فلا يتمكن من
إرادته، أو إنه لا يريد القبيح مع قدرته عليه فصار محالا، وبعبارة أخرى كما إن
301

الضرورة قد تكون ضرورة ذاتية وقد تكون بشرط المحمول، كذلك الاستحالة،
فالنظام وموافقوه جعلوا عدم صدوره منه (تعالى) معلولا لاستحالة القبيح، و
الإمامية جعلوا عدم إرادته سببا لاستحالته، فإن الفعل بشرط عدم إرادة الفعل له
ضروري العدم ومحال، وربما يطلق على الأول الاستحالة الذاتية، وعلى
الثاني الاستحالة الوقوعية، وقد خالف في هذه المسألة الفلاسفة أيضا ولكن
على مبناهم في معنى القدرة والإرادة وإنها تتعلق بأحد الطرفين فقط وإنها من
صفات الذات.
(47).
قوله في القول 24 (أصحاب المخلوق)
هم الذين يقولون بأن الله (تعالى) خلق افعال العباد على اختلافهم في
كيفية خلقه لها وفي كيفية نسبتها إلى العبد، وقد أفرد القاضي عبد الجبار المجلد
الثامن من كتابه (المغني) في البحث عن المخلوق فراجع.
وقد جعل المصنف عقيدة الخلق مقابل العدل في القول 26؟
(48)
قوله في القول 25 (إلا من شذ منهم)
حمل العلامة الزنجاني هذا الشاذ على هشام بن الحكم، وهذا سهو منه
قده لأنه أولا أن المفيد قده قد صرح في مواضع من كتابه بكذب هذه النسبة كما
مر في القول 21 وغيره وثانيا أن نسبة الرؤية إليه على فرض صحته إنما هي
بتبع قوله بالتجسيم، لا لشبهة عرضت له في تأويل الأخبار وثالثا لو كان له
شبهة في تأويل الأخبار لسألها عن الإمام المعاصر له، نعم الشبهة في تأويل
الأخبار يناسب المتأخرين من العلماء في زمن الغيبة.
302

وأما الأخبار المورث للشبهة فهي مذكورة في المطولات.
(49)
قوله في القول 25 (شهد العقل ونطق القرآن)
أقول: أما العقل فمن جهة ما تستلزمه الرؤية الحسية من الجسمية و
المسامته، وانعكاس الصورة وتعلق النور على المرئي وغير ذلك مما يستحيل
تحققه في الموجود المتعالي عن الجسم ولوازمه.
وأما القرآن فقوله (تعالى) لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو
اللطيف الخبير - وقوله (تعالى) حكاية عن موسى رب أرني أنظر إليك قال لن
تراني - وغير ذلك.
وأما الأخبار فراجع البحار ج 4 ص 26.
(50)
وقوله (أصحاب الصفات).
يريد به الأشاعرة.
(51)
قوله في القول 26 (العدل والخلق)
الخلق المقابل للعدل عبارة عن خلق الله (تعالى) افعال العباد كما هو واضح
لمن كان له أنس بالكتب الكلامية وباصطلاحات المتكلمين وبكتب الشيخ
المفيد على الخصوص وهذا الكتاب بالأخص كما مر في القول 24، والقرينة
هنا قوله (لا قبيح في فعله، جل عن مشاركة عباده في الأفعال...) ثم نقل عن
المجبرة (وزعموا أن الله (تعالى)... وخلق افعال بريته وعذب العصاة على ما
فعله فيهم من معصية) ومجرد ذي (خلق الخلق) ونحو ذلك لا تصلح قرينة
303

على إرادة خلق ذوات الموجودات أو البشر بعد تراكم القرائن واقتضاء مناسبة
الحكم والموضوع إرادة خلق افعال العباد.
ثم قوله عدل كريم، الخ، كل فقرة منه إشارة إلى دليل مستقل على ثبوت
الاختيار وبطلان الجبر بحيث لو صح ما ادعته المجبرة لم يكن الله (تعالى) عدلا
ولا كريما ولا يصح خلقه لهم لعبادته، ولا يكون مورد لأمره ونهيه لهم، ولم
يكن هدايته عامة لهم، ولم يكن منعما ومتفضلا ومحسنا إليهم، ولم يكن
تكليفه بقدر الطاقة والاستطاعة، ولكان صنعه عبثا، وخلقه متفاوتا، وفعله
قبيحا، وكان مشاركا لعباده في الأفعال، ولزم أن يضطرهم إلى الأعمال، وكان
عذابه على ذنب لم يفعلوه، ولومه على قبيح ما صنعوه، وكان ظالما، تعالى عن
ذلك علوا كبيرا.
(52)
قوله في القول 27 (ولا أتجاوز مواضعه من القرآن)
يعني ذكر كلمة خالق على العباد فيما ذكر الله وهي عدة موارد في
القرآن 1 - قوله (تعالى) حكاية عن عيسى (ع) إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير
فأنفخ فيه فيكون طير بإذن الله 49 آل عمران وقوله (تعالى) مخاطبا لعيسى (ع) و
إذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني؟ 11 المائدة وقوله (تعالى) فتبارك الله
أحسن الخالقين 14 المؤمنون وقوله أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين 125
الصافات وهذه مواضع إطلاق لفظ خالق على غير الله (تعالى) لعناية خاصة
اقتضت هذا المجاز.
(53)
قوله في القول 29 (ابتداء الخلق في الجنة)
304

هذا البحث متفرع على البحث عن حسن التكليف أو لزومه، فإن التكليف
وتشريع الشرايع وإرسال الرسل وإنزال الكتب وما يستتبعه هذه الأمور في
الدنيا والآخرة من الحساب والكتاب والثواب والعقاب كلها متفرع على دفع
هذا الاحتمال وهو أنه لماذا لم يخلق الله عباده في الجنة ابتداء من دون تكليف
وغيره؟ وهذه شبهة أوردها الملاحدة وتبعهم الجاحظ وبشر بن المعتمر و
جماعة وتعرض لردها أكثر من تعرض لمسألة التكليف والنبوة ونحوهما، إذ
لا يثبت حسن التكليف فضلا عن لزومه إلا بدفع هذا الاحتمال، ولكن بعض
المتكلمين بحثوا عنه في ضمن البحث عن التكليف، وبعضهم مثل الشيخ المفيد
قده بحث عنه مستقلا، وكيف كان فهي من أهم المسائل الكلامية، ولكنها
متفرع على مسألة العدل والحسن والقبح، فالقائلين بالعدل وبالحسن والقبح
يوجبون التكليف ويحكمون بقبح (ابتداء الخلق في الجنة) والمجبرة المنكرين
للعدل وللحسن والقبح العقليين لا يرونه حسنا ولا لازما، بل اختيار منه (تعالى)
جزافا بلا سبب.
(54)
قوله في القول 31 (عبد السلام بن محمد الجبائي)
خلاصة مبناه أن كلا من الفعل والترك مشروطين بالقصد، فمن لم يفعل
فعلا لعدم التفاته أو نحو ذلك لا يكون تاركا ولا ممتثلا للنهي. فتارك شرب
الخمر لعدم خطوره بباله غير ممتثل للنهي، مثل شاربه بدون القصد فإنه أيضا غير
عاص، إذا المطلوب بالأمر والنهي هو الفعل والترك الاختياريان، ولا يتصور
كون المكلف مختارا فيهما مع ضرورة تلبسه بأحدهما بل كون شيئين اختياريين
لا يتصور إلا مع إمكان خلو المكلف منهما، وأيضا لو قلنا بلزوم اتصاف المختار
305

بأحدهما لزم قدم اتصافه (تعالى) ببعض الأفعال وخروجه (تعالى) عن كونه
مختارا.
وبهذين الدليلين أثبت حالة ثالثة للمكلف وهو خلوه عن الفعل والترك
وعدم اختياره لأحدهما، وحكم بكونه معاقبا لأجل هذا.
وأما كونه أعظم قبحا من قول جهم فإن جهما يرى تعذيب العبد لعمل
صدر منه، غاية الأمر بلا اختيار، وأما على قول الجبائي فالعقاب على لا شئ و
هو عدم الفعل والترك، والمفروض أنه لا يتصور ثالث في الخارج لا يكون فعلا
ولا تركا حتى يكون العقاب له، فيكون العقاب على قوله بلا سبب أصلا، ومن
الغريب ما صدر من العلامة الزنجاني حيث قال (وكون مقالته أعظم فحشا من
مذهب جهم، من جهة أن جهما يرى العبد ملجأ ومضطرا إلى الفعل والجبائي
لا يراه كذلك، ومع ذلك يجوز تعذيبه، وهذا كما تراه مخالف للعدل).
أقول: ليت شعري إذا كان العبد عند الجبائي مختارا غير مضطر فجوزنا
تعذيبه لما صدر منه باختياره كيف يكون هذا مخالفا للعدل؟ وأي فحش وقبح
فيه حتى يكون أعظم قبحا من قول جهم؟ بل هذا عين العدل.
فعلة كونه أعظم قبحا ما أشرنا إليه.
(55)
قوله في القول 32 (من صغير لا يستخف فاعله فجائز)
وفي بعض النسخ (لا يستحق فاعله اللوم) وأيا ما كان فالجمع بينه وبين
سائر عباراته في المسألة وما ادعى عليه الإجماع والضرورة من عدم صدور
الصغائر والكبائر مطلقا من الأنبياء تقضي بتفسير هذه العبارة بالصغائر التي
لا تبلغ حد المعصية ويسميها علمائنا رضوان الله تعالى عليهم بترك الأولى، و
306

تشير إليه كلمة (على غير تعمد) إذ لا معصية بدون العمد.
(56)
قوله في القول 33 (فإنه تأويل الخ)
أقول: راجع كتاب تنزيه الأنبياء وتفسيري التبيان ومجمع البيان وكتاب
بحار الأنوار وغيرها، ومن كتب العامة الجزء الرابع من كتاب الفصل في الملل و
النحل وأبكار الأفكار للآمدي وعصمة الأنبياء للفخر الرازي.
(57)
قوله في القول 34 (إن جهة ذلك هو الصرف الخ)
أقول: القول بالصرفه في جهة إعجاز القرآن شاذ في الشيعة ولم ينسب
إلا إلى المرتضى والشيخ المفيد في خصوص هذا الكتاب، وأما جمهور علماء
الشيعة فيرون جهة إعجازه: اشتماله على الدقايق المعنوية والنكات اللفظية و
غيرهما من الجهات بمقدار خارج عن حد طاقة البشر بحيث يستحيل صدوره من
غير الله (تعالى).
(58)
قوله في القول 35 (إن تعليق النبوة)
في العبارة إغلاق من جهتين:
الأول إنه ما الفرق بين تعليق النبوة حيث جعله تفضلا، وبين التعظيم
على القيام بالنبوة حيث حكم على إنه بالاستحقاق؟
والجواب والله العالم إن كل حق من الحقوق الاجتماعية مثل حق النبوة
والإمامة والأبوة وغيرها له جهتان جهة تكليف ووظيفة لنفس ذي الحق
بانتخابه لهذا المنصب وأمره به وتعليق هذه المهمة على عنقه. وهي من هذه
307

الجهة تفضل إذ هذه الجهة التي تلي الرب (تعالى) والربط بينه وبين ربه، و
لا يتصور هنا استحقاق العبد من الله (تعالى) شيئا فيكون تفضلا.
وجهة تعظيم وتبجيل وإيجاب طاعة له على الخلق، وهذه هي النسبة
بين النبي وبين الناس، وهي من هذه الجهة لا يمكن أن يكون تفضلا إذ
لا يمكن تفضيل أحد على جميع الناس وإيجاب طاعته عليهم جزافا من دون
مزية له عليهم.
الجهة الثانية لا غلاق عبارة المصنف، إن قوله (إن تعليق النبوة تفضل من
الله (تعالى) على من اختصه بكرامته لعلمه بحميد عاقبته واجتماع الخلال
الموجبة في الحكمة بنبوته الخ) فيه شئ من التناقض.
إذ المتبادر من الفرق بين التفضل والاستحقاق هو أن يكون التفضل جزافا
وترجيحا بلا مرجح كما يقوله العامة في انتخاب الإمام والخليفة، ويكون
الاستحقاق تفضيل أحد لوجود المزايا والمرجحات فيه أكثر من غيره، وعلى هذا
فقوله (لعلمه بحميد الخ) يناسب أن يكون تعليلا للاستحقاق لا للتفضل.
والجواب: إن وجود المزايا في العبد قد يكون مرجحا لحكمته (تعالى) بأن
يكون اختيار غيره خلاف الحكمة كما هو في محل الكلام، وحينئذ لا ينافي
كونه تفضلا، لأنه لو لم يختره لم يكن ظالما لعدم استحقاقه شيئا من الله (تعالى)
وقد يكون وجود المزايا سببا لتطبيق قاعدة العدل عليه بحيث لو تركه
كان ظالما وهذا مفقود في المقام، إذ ليس لأحد حق على الله (تعالى) بهذا الوجه.
ومن هنا يحصل الإيمان بأن النزاع بين الشيخ وبين بني نوبخت لفظي،
فإن الشيخ ينفي الاستحقاق الذي يقضيه العدل ويلزم من تركه الظلم، وبني
نوبخت يثبتون الاستحقاق الذي تقتضيه الحكمة وتقابله الجزاف والترجيح
308

بلا مرجح. نعم مخالفة أصحاب التناسخ مخالفة معنوية لأنهم يجعلون النبوة
نتيجة لأعماله في النشأة السابقة على هذه النشأة وهو باطل بالضرورة.
وأما التفضل الذي يقول به غير المعتزلة من العامة فهو الجزاف والترجيح
بلا مرجح الذي لا يوافق عقيدة الشيخ المفيد إلا في إطلاق كلمة التفضل اشتراكا
لفظيا لا معنويا.
وكذلك الاستحقاق الذي تدعيه المعتزلة بمعنى وجوب الانتخاب على
الله وكونه (تعالى) ظالما على تقدير تركه لا يشبه الاستحقاق المذكور في كلام
الشيخ وبني نوبخت، إلا لفظا وأما الفلاسفة فهم وإن خالفونا في معنى النبوة،
ولكن لا مخالفة لهم في مسألة الاستحقاق والتفضل والله العالم.
وكل ما ذكرناه في بحث النبوة يأتي في بحث الإمامة، وقد أشير إلى
بعض ما ذكرنا في دعاء الندبة الشريفة حيث يقول (ع) (اللهم لك الحمد على
ما جرى به قضائك في أوليائك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك إذ اخترت
لهم جزيل ما عندك... بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا
الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم و
قربتهم وقدمت... وأهبطت عليهم ملائكتك وكرمتهم بوحيك ورفدتهم
بعلمك...).
(59)
القول 37 قوله (القائمين مقام الأنبياء الخ)
هذه الفقرات بمنزلة الاستدلال على المطلوب كأنه قال إن الأئمة
معصومون لأنهم قائمون مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام، ولأنهم يقيمون
الحدود، ولأنهم حافظون للشرايع، ولأنهم موظفون بتأديب الأنام وقوله (إلا
309

من شذ منهم) يشير إلى مخالفة الشيخ الصدوق وشيخه ابن الوليد، وللشيخ
المفيد رسالة مفردة في رد الصدوق قده أدرجه المجلسي قده في البحار.
(60)
قوله في القول 37 (يجوزون من الأئمة وقوع الكبائر والردة عن
الاسلام)
الظاهر عدم اختصاص التجويز بالمعتزلة بل جميع مذاهبهم يعتقدون به
إما صريحا أو يلزمون به، فترى أن المعتزلة كانوا يكفرون ويقتلون من قال بقدم
القرآن والجبر والتشبيه، ومع ذلك لا ينكرون خلافة المتوكل ومن تأخر عنه من
المتعصبين في الاعتقاد بقدم كلام الله وبالجبر والتشبيه، كما إن أهل الظاهر و
السلفية والمرجئة مع قولهم بالجبر التشبيه وقدم كلام الله لا ينكرون خلافة
المأمون والمعتصم المتعصبين في مسألة خلق القرآن وإنكار الجبر والتشبيه الذي
هو كفر عندهم، وقد اعترف ابن حزم الأندلسي بإمكان كون الإمام كل بالغ
عاقل قرشي من دون زيادة شرط إلا أن يبايعه واحد فصاعدا ثم قال (فإن زاغ عن
شئ منهما يعني عن الكتاب والسنة منع من ذلك وأقيم عليه الحد والحق فإن
لم يؤمن أذاه إلا بخلعه خلع...) وأغرب منه فتوى بعضهم بعدم الحد على
الخليفة إذا فعل ما يوجبه من الزنا واللواط وغيرهما، راجع ملتقى الأبحر
ص 157.
أقول: الزيغ عن الكتاب والسنة أعم من الزيغ القلبي وهو الكفر و
الارتداد والعملي وهو الفسق والفساد وسفك الدماء وهتك الستور والفروج
وهم يرون إمامة يزيد مع إباحته المدينة حتى قتل وملأ مسجد رسول الله (ص)
من القتلى، وأباح نساء المهاجرين والأنصار ثلاثة أيام حتى افتضت سبعمأة بكر
310

كلهن حملن وولدن من جيش يزيد من الزنا سبعمأة من أولاد الزنا، مضافا إلى
ارتداده وكفره الظاهر، وكذا يرون إمامة الوليد الخمار الذي رمى المصحف
بالسهم وسب القرآن والله (تعالى) وأظهر الارتداد وكان الزنا واللواط والقمار
والشطرنج وشرب الخمر وغير ذلك أمرا شائعا في سلسلة الخلفاء لا ينكره إلا
مكابر كابن خلدون ولازم قوله إنكار التاريخ من رأس وقد روى السيوطي في
حق بعضهم: خليفة يزني بعماته يلعب بالدبوق والصولجان، راجع المستظرف
ص 24.
(61)
قوله في القول 38 (وبنو نوبخت يوجبون النص على أعيان ولاة الأئمة)
الولاية من قبل الإمام إما ولاية في زمانهم إلى نهاية الغيبة الصغرى و
تسمى بالولاية أو النيابة الخاصة، وإما ولاية في الأزمنة المتأخرة عن الغيبة
الصغرى وتسمى بالنيابة العامة، أما الأولى فلا أظن الشيخ المفيد يكتفي بالعلم
والفضل على كون الشخص واليا أو وكيلا أو نائبا عنهم (ع) بأن يدعي أحد
ولاية أو وكالة من قبلهم (ع) في زمن حياتهم من دون نص من الإمام الحي
الحاضر وحيث أن بني نوبخت كانوا معاصرين للأئمة (ع) أو في زمن الغيبة
الصغرى فيحمل كلامهم على هذه الصورة. وأما الثانية فلا أظن بني نوبخت
يوجبون النص على أعيان الذين لهم ولاية أو نيابة عن الأئمة (ع) لعدم إمكانه
أولا ولعدم تحققه في زمن النوبختيين ثانيا ولوضوح بطلانه ثالثا للزوم النص
على آلاف من الفقهاء إلى قيام القائم (ع) فالظاهر أن النزاع بين الشيخ المفيد وبين
بني نوبخت منشأه عدم تحرير محل النزاع ومعه فلا نزاع، نعم لو أريد النص من
النبي (ص) ولم يكف من نفس الأئمة صار البحث معنويا ولا ملزم له، و
311

لا يحتمل القول به من أحد.
(62)
قوله في القول 39 (إن للإمام أن يحكم بعلمه... وقد يجوز عندي أن
تغيب عنه بواطن الأمور)
أقول: لا إشكال في كلا الأمرين إمكانا بل وقوعا في الجملة كما وردت
روايات على طبق الجميع، إنما المهم بيان أن الطريقة المستمرة التي كانت في
أحكامهم (ع) على أي نحو كان، حتى يكون القسم الآخر استثنائيا فإنا إذا عرفنا
أن الأصل في طريقته القضائية الطريقة الفلانية فكل حكم شككنا في كيفيته
ألحقناه به، ثم احتججنا به في الفقه بخلاف الطريقة النادرة الاستثنائية فإنها
تكون من خواصه وأحكامه بما هو معصوم وإمام.
والظاهر من سيرة أمير المؤمنين وقضاياه أن الطرق الموصلة إلى العلم من
الطرق العادية التي يمكن استخراج حقيقة الأمر بسببها كما هو المتعارف في
المحاكم الغير الشرعية إذا لم يستلزم حراما فهو جائز بل واجب على القاضي و
إن لم ينحصر بالاقرار والشهادة والقسم كما يوجد في أقضية أمير المؤمنين (ع)، و
أما استخراج حقيقة الأمر عن طريق علم الغيب وساير الأمور الخاصة بهم
فالظاهر أنه موارد نادرة استثنائية لا يحمل عليها إلا بدليل ولا يحتج بها.
(63)
قوله في القول 40 (ولي في القطع به منها نظر)
لعل وجه النظر اختصاصها بمواردها ولكن هنا روايات عامه صريحة في
أنه لا يمكن للإمام أن يسأل عن شئ فيقول لا أعلم وعموم قوله (تعالى) وكل
شئ أحصيناه في إمام مبين، مع أن الاحصاء عبارة عن العلم التفصيلي بالشيئ
312

مع خصوصياته، مع ما ورد في تفسيره من الأخبار الصريحة، والمرتكز في أذهان
الشيعة وكتب علمائهم أيضا إلا من شذ منهم عدم تصور الجهل في حق
الإمام (ع) أصلا.
والجمع بين قوله (وقد جاءت أخبار عمن يجب تصديقه بأن أئمة آل
محمد قد كانوا يعلمون ذلك) وبين قوله (ولي في القطع به منها نظر) إن المراد
بالأول تمامية دلالتها بالنسبة إلى الشيعة أنفسهم كدليل إقناعي، والمراد بالثاني
كونه دليلا إلزاميا يورث القطع للمخالفين كالدليل القطعي الذي كان يدعيه
بنو نوبخت.
(64)
قوله في القول 41 (إلا من شذ عنهم من المفوضة...)
أقول: المفروض ثبوت علم الغيب للأئمة فعلا ولكن بقيود أربعة وهي
أولا إنه ليس شرطا في إمامتهم بل لطف في طاعتهم وثانيا إنه بالسماع و
النقل لا بالعقل وثالثا إنه ليس ذاتيا ومستقلا بل بإعلام الله (تعالى) لهم ورابعا
إنه لا يطلق عليه علم الغيب لظهوره في العلم الاستقلالي لا ما كان بإعلام الله تعالى.
والأول والثاني إنما يخالف فيه المفوضة وبنو نوبخت فقط والثالث
إنما يخالف فيه الغلاة فقط لا غيرهم، والرابع يخالف فيه الغلاة والمفوضة
والأخباريون والعوام من الشيعة فإن هؤلاء يطلقون علم الغيب بما عند الإمام
لفظا وإن اختلفوا معنى فإن الغلاة يقصدون علمه (ع) استقلالا ومن عنده، و
بقية هؤلاء يقصدون العلم المأخوذ من عند الله بالتبع وبتعليم الله (تعالى).
(65)
قوله في القول 42 (الإجماع على المنع ولاتفاق على أنه من يزعم أن
313

أحدا بعد نبينا (ص) يوحى إليه فقد أخطأ وكفر)
أقول: قد مر في القول 8 قوله قده (وإنما منع الشرع من تسمية أئمتنا
بالنبوة دون أن يكون العقل مانعا من ذلك لحصولهم على المعنى الذي حصل لمن
ذكرناه من الأنبياء) وسيأتي في القول 44 قوله (في سماع الأئمة كلام الملائكة
الكرام... أقول بجواز ذلك) فإذا فرضنا أنهم عليهم السلام حصلوا على المعنى الذي
حصل للأنبياء وإنهم يسمعون كلام الملائكة الكرام وأثبت قده الوحي لغير
الأنبياء مثل أم موسى (ع) فلم يبق إلا الالتزام بأحد أمرين، أما تخصيص الحرمة
بالتسمية بأن نقول بحرمة تسميته وحيا، أو نقول بأن الوحي ونزول الملك على
قسمين: أحدهما من خصائص النبوة لا يوجد في غيرها والثاني يوجد في
الأئمة والأولياء فراجع ما ذكرناه في شرح القول 8.
(66)
قوله في القول 42 (فأما ظهور المعجزات عليهم)
أقول: ظهور المعجزات على أئمة دين النبي الذين هم أوصياؤه وخلفاؤه و
ذريته وحفظة دينه يكون في الواقع معجزة له صلى الله عليه وآله كما إن ما
سيأتي في القول 43 من ظهور المعجزات على السفراء والأبواب لا انفكاك بينها
وبين هذه المسألة، لأن معجزاتهم تعد معجزة لأئمتهم (ع) لا لأنفسهم.
(67)
قوله (الأخبار على التظاهر والانتشار)
أقول: أوسع ما اعرفه في هذا الباب كتاب (مدينة المعاجز) للبحراني
و (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات) للحر العاملي و (بحار الأنوار) للشيخ
المجلسي قده وأما نسبة إنكار الكرامات إلى الزيدية فلعل معاصريه منهم كانوا
314

ينكرونها وأما كبار علمائهم وكتبهم المعتبرة فلا ينكرونها، وسبب الاشتباه
متابعتهم للمعتزلة في كثير من المسائل فنسب إليهم إنكار هذه المسألة اشتباها و
قياسا بسائر المسائل.
(68)
قوله في القول 46 (ولا على أحد الأقوال فيه إجماع)
أقول: بل الإجماع محصله ومنقوله بل الضرورة على كونهم أفضل بعد
رسول الله عن جميع الأنبياء والملائكة، ولا ينافي وجود شذاذ خالفوا فيه كغيره
من ضروريات المذهب.
وقد ادعى فيه الإجماع كثير من العلماء منهم السيد المرتضى في الرسالة
الباهرة في العترة الطاهرة.
وأما الروايات المشار إليها بقوله (وقد جاءت آثار...) فهي ما رواه الشيخ
المجلسي قده في البحار ج 26 ص 319 - 267.
(69)
وأما قوله (وفي القرآن مواضع...)
فقد أشار قده في رسالته التي كتبها في تفضيل أمير المؤمنين على جميع
الأنبياء غير نبينا (ص) إلى آية المباهلة وآية الأعراف وآية كنتم خير أمة
أخرجت للناس الخ ولكن الآيات التي يستظهر منها ذلك كثيرة لا يناسب المقام
تفصيلها.
(70)
قوله في القول 47 (إن الملائكة مكلفون)
أقول: قال (تعالى) لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة
315

المقربون النساء 127، وقال ولله يسجد من في السماوات والأرض من دابة و
الملائكة وهم لا يستكبرون 49 النحل، وترى الملائكة حافين من حول العرش
يسبحون بحمد ربهم 75 الزمر، والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن
في الأرض 5 الشورى، عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم و
يفعلون ما يؤمرون 6 التحريم، وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد
مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون 27 الأنبياء، وجعلوا الملائكة
الذين هم عباد الرحمن إناثا 19 الزخرف، وقال أمير المؤمنين (ع) في وصف
الملائكة في الخطبة رقم 90 (... ولم تختلف في مقام الطاعة مناكبهم، ولم يثنوا
إلى راحة التقصير في أمره رقابهم... ولا تنتضل في هممهم خلائع الشهوات
...) وفي الصحيفة السجادية دعاء خاص بالملائكة وفيها (... ولا يستحسرون
عن عبادتك ولا يؤثرون التقصير على الجد في أمرك...).
ومنشأ شبهة الخالفين أمرين:
الأول عصمة الملائكة فحصلت لهم شبهة عامة في كل معصوم أنه
يمكن أن يكون فاعلا مختارا أم لا؟ وهل العصمة تقتضي الاجبار أم لا؟ وقد
أجبنا وأجيب عنها في مواضعه بأن العصمة مؤكدة للاختيار لا منافيه، وفرق
بين أن نحكم قطعا بعدم إمكان صدور المعصية منه رأسا واصلا لأنه لا يريدها،
وبين أن نحكم بعدم إمكان إرادته لها لعدم إمكان صدورها والتفصيل في
محله.
الثاني الخطابات القرآنية وغيرها من الكتب السماوية تختص بالجن و
الإنس وليس فيها خطاب تكليفي بالملائكة، كما إن التعبير بالنزول والتنزيل،
بالنسبة إلى القرآن والشريعة خصوصا مع فرض أن وسائط الفيض والمنزلين
316

هم الملائكة فهم السفراء والرسل بين الله وبين الأنبياء، ولا يكونون مكلفين.
والجواب عن اختصاص الخطابات بالجن والإنس دون الملك فبأن الداعي على
الخطاب والكتب وغيرها بعد عالمنا عن عالم الغيب ومعدن الوحي فصار سببا
لإبلاغ الأحكام عن طريق إرسال الرسل والكتب، وأما الحاضرون في عالم
الغيب السامعون لكلامه (تعالى) بلا واسطة فلا يحتاجون إلى رسول ولا كتاب،
مضافا إلى أن اطلاعهم بمضمون الكتاب الذي يأتون به يكفي إتماما للحجة
عليهم ولعله لهذا اتفقت كلمة علماء الإمامية على إن المكلف من الموجودات
ثلاثة أصناف الإنس والجن والملائكة ولا ينافيه مخالفة الشذاذ منهم
(71)
قوله في القول 48 (فالأئمة من آل محمد أفضل...)
أقول: كون المعصوم من البشر أفضل من المعصوم من الملائكة من جهة أن
أصل الإرادة والاختيار وإن كان مشتركا بين الجن والإنس والملائكة، لكن
الملائكة ركب وجودها وعنصرها من النور وعالم التجرد فيلتذ من الطاعة و
يتأذى من المعصية فيختار الطاعة دائما من دون صعوبة، والجن خلق من النار و
من الشر فيصب عليه الطاعة صعوبة شديدة وهم مجبولون بالشر بمعنى شدة
ميلهم إليه لا على حد الالجاء، وأما البشر فروحه من عالم النور وجسمه من
عالم الظلمة وميله إلى الخير يعارضه ميله إلى الشر وإن كان الأغلب ميلهم إلى
الشر أكثر والطاعة عليهم كلفة وصعوبة، والمعصية لذيذة وسهلة ومحبوبة،
فلذا يكون المعصوم من البشر أفضل من المعصوم من الملائكة، ومن هنا يعرف
سر ما يذكره في الفصل الآتي من إثبات تمام خواص الجسمية والبشرية
للأئمة (ع) وإن هذا مضافا إلى أنه ليس نقصا فيهم، يعد من علل تفضيلهم على
317

الملائكة، ويعرف أيضا جهل الغلاة حيث توهموا أن ترفيع مقام الأئمة وتعظيم
شأنهم يقتضي إنكار كونهم بشرا وإخراجهم عن حيطة الجسمية.
(72)
قوله في القول 49 (وينتظرون من يرد عليهم من أمثال السابقين من ذوي
الديانات)
أقول: لعله إشارة إلى ما في سورة يس 27 (قيل ادخل الجنة قال يا ليت
قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) وعلى هذا فكلمة
(الأمثال) جمع المثل بفتحتين، ويمكن أن يراد به من يرد عليهم من أشباه
السابقين الذين كانوا من ذوي الديانات، يعني يرد عليهم المؤمنون من هذه الأمة
كما كانوا في الأمم السابقة، وعليه فالأمثال جمع المثل بكسر الميم والاحتمال
الأول أولى.
(73)
قوله (وتبلغهم المناجاة من بعد...)
كلمة البعد بضم الباء وسكون العين بمعنى البعيد وفي بعض النسخ من
بعيد وهذا أيضا صحيح.
(74)
في القول 50 ظاهر قوله (وجاء عن أمير المؤمنين أنه قال للحارث
الهمداني: يا حار الخ)
إن الأشعار له (ع) في نظر المفيد قده وقد اشتهر بين الشيعة الأعم من
العلماء وغيرهم نسبة بيتين إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهما:
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا
318

يعرفني طرفه واعرفه * بعينه واسمه وما فعلا
فقد تلقته الشيعة بالقبول بعنوان شعر قاله أمير المؤمنين (ع) وهذا وإن لم
يكن دليلا قطعيا على كونه له (ع) ولكنه إمارة عليه.
ولكن السيد الأمين فيما جمعه من أشعاره (ع) شكك في نسبة الشعر
إليه (ع) واستشهد بقول السيد الحميري قبل البيتين:
قول على لحارث عجب * كم ثم أعجوبة له حصلا
ولكن الظاهر أنه من قبيل تضمين السيد لشعره (ع) في ضمن شعره كما
هو أمر شائع وهو الظاهر من قوله (قول على الخ) فظاهر العبارة إن المنقول عين
قوله (ع) وأما نسبة الشيخ الطوسي الأشعار إلى السيد الحميري فصحيح أيضا،
لأن من ضمن شعر غيره في ضمن شعره يصح نسبة مجموع الأشعار إليه أيضا
ولا يدل على ما ذكره السيد الأمين قده.
(75)
قوله في القول 50 (غير أني أقول فيه)
أقول: لا إشكال في لزوم الحمل على المعنى الحقيقي ما لم يمنع منه مانع
يقيني، كما لا إشكال في أن ظاهر قوله (ع) يرني وغيره من الروايات هو المعنى
العرفي واللغوي للرؤية لا ما ذكره من العلم ونحوه، كما إنه لا إشكال في أن
ما تعتقده الشيعة هو الرؤية الحقيقية لا التأويل والمجاز، ويظهر هذا من قوله
(أني أقول) يعني إنه عقيدته الشخصية وتأويل يختص به قده، وأما قوله:
محققو النظر من الإمامية، فيكفي فيه ثلث نفرات يوافقونه، وكيف كان فالداعي
له قده إلى اختراع هذا التأويل الذي لم يسبقه إليه أحد، هو أن كل دليل نقلي
كان ظاهره ومعناه الحقيقي مستلزما للمحال العقلي أو الباطل الشرعي المسلم
319

يرفع اليد عن ظاهره إما بالتوقف وإحالة علمه إلى صاحبه، أو بحمله على
أقرب المجازات وتأويله تأويلا مناسبا.
أما مسألة حضور أمير المؤمنين (ع) في أماكن متعددة في آن واحد فبحسب
ظاهر ما نعرفه من الانسان العادي محال عادي كما إن أكثر المعجزات الصادرة
منه (ع) ومن ساير الأنبياء والأولياء أيضا كذلك، وقد اعترف في الفصل
السابق بسماعهم (ع) كلام المناجي لهم في مشاهدهم وفي الأماكن البعيدة، مع
إن الأذن لا يمكنه سماع الملايين من الأصوات وفهمها، مضافا إلى أن بلوغ
الصوت، له حد معين لا يزيد عليه، فكيف يسمع من آلاف الكيلو مترات؟ و
كيف يقبض ملك الموت الآلاف من الناس في آن واحد؟ وكيف ينقلب العصا
ثعبانا؟ والنار بردا وسلاما؟ وكيف ينشق القمر؟ وكيف وكيف؟
وخلاصة جميع ذلك لزوم المحال العادي وخرق النواميس الطبيعية
المألوفة، والجواب في الجميع بعد ثبوت صحة النقل واحد، وهو أن الله على
كل شئ قدير.
وأما لزوم المحال العقلي فله جهتان:
الأولى صيرورة الواحد كثيرا، فهذا إن أريد منه حلول روحه الشريفة في
آن واحد في أجساد متعددة، فقد أجاب عنه علم الروح الجديد على ما نقله
عنهم الفريد الوجدي وغيره، وملخصه أن القوالب المثالية التي تحل فيه الروح
بعد الموت إنما تخلقه الروح بنفسه بما أعطاها الله (تعالى) من الخلاقية، واثبتوا
إمكان خلقها قوالب متعددة في آن واحد وحلولها في جميعها أو تصرفها
جميعها في آن واحد تصرفا تدبيريا.
وعلى فرض التنزل يمكن حضوره (ع) عند جميع المحتضرين بصورة مثل
320

الفيديو أو التلفزيون أو أقوى منه والحاصل أنه لم يصل العلم إلى غايته حتى
يتوهم عدم وجود وجه صحيح يحمل عليه كلام أمير المؤمنين (ع) بحيث لا يلزم
كثرة الواحد من حيث هو واحد، واليقين بعدم وجود توجيه عقلي يتوقف على
الإحاطة بعلوم كثيرة مما وصل إليها العلماء والعلوم التي يصلون إليها بعد ذلك
كما رأينا كثيرا مما كانوا يعدونه أو عده شيخنا المفيد قده من المحالات وأول بسببه
النصوص مثل تجسم العمل ونحوها. ثم أثبتت العلوم إمكانها بل وقوعها، و
صار من الواضحات بحيث لم نحتج إلى حمل إمكانها إلى أنها من طريق
الاعجاز، فاراءة العمل الصادر من الشخص بسبب الأفلام، وسماع صوته في
أشرطة المسجلات، سهل فهم قوله (تعالى) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره.
وأما لقاؤه (تعالى) فلقاء مجرد لمجرد لا يتوقف على لوازم مادية حتى نحتاج
إلى تأويله كما صنعه الشيخ، إلا أن نجعل الانسان موجودا جسمانيا محضا كما
يقوله الماديون، وأما على ما اختاره الشيخ في القول 54 وصرح به في مواضع
من كتابه من كونه موجودا مجردا فلا إشكال فيه حتى نشتغل بحله، أو نعجز
عنه ونرفع اليد عن نصوص الكتاب ونؤوله.
ولعل السر في هذه التأويلات انه قده أراد ان يختار قولا يقبله عقل العامة
وغيرهم من الذين لا يعتقدون في أمير المؤمنين هذه المقامات والله العالم.
والجهة الثانية استحالة تعلق رؤية البصر بأعيانهما وهذا سيأتي في
القول: 51.
(76)
قوله في القول 51 (لاختلاف بين أجسامهما وأجسام الملائكة في
التركيبات)
321

أقول: الفرق الموجود بين نوعي الجسمين على فرض كون الملائكة جسما
أو كون اصطلاح المتكلمين في الجسم منطبقا على الجوهر إما أن يكون من جهة
كون جسمهما عليهما السلام أشد تجردا من أجسام الملائكة أو بالعكس أو
مساويا، فالأول خلاف الضرورة وخلاف قوله أيضا، والثاني وهو كون
الملائكة أشد تجردا يقتضي أن يكون رؤية الملائكة دليلا على إمكان رؤيتهما (ع)
بطريق أولى، لأن الجسم كلما كان أغلظ وأبعد من التجرد كانت رؤيته أسهل و
كلما كان تجرده أشد كانت رؤيته أصعب أو محالا، فالبدن الذي يحل فيه روح
رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام في عالم البرزخ إما قالب مثالي برزخي
على الأصح أو جسم مادي على الاحتمال الضعيف وعلى التقديرين فهو أقرب
إلى المادية من الملائكة فرؤية الملائكة تدل على إمكان رؤيتهما بطريق أولى و
على فرض بعيد لو كانا مجردين محضين يصيران مساويين للملائكة فيكون
رؤيتها دليلا على إمكان رؤيتهما بالضرورة.
(77)
قوله في القول 53 (وليس ينزل الملكان...)
أقول: ظاهر الروايات الواردة في تلقين الميت عموم السؤال لكل ميت، ففي
رواية الشيخ والكليني والصدوق عن أبي عبد الله (ع): ما على أهل الميت منكم
أن يدرؤوا عن ميتهم لقاء منكر ونكير...) والمرتكز في أذهان الشيعة من دون
خلاف بحيث يعدونه من الضروريات التي يجب اعتقادها عموم سؤال الملكين
في القبر، حتى أن التلقين الذي يلقنون الميت في القبر يذكرون فيه: (وسؤال
منكر ونكير في القبر حق) وحمله أيضا على بعض الأموات خلاف الظاهر و
الله العالم.
322

(78)
قوله في القول 54 (وهذا يستمر على مذهبي في النفس -)
في العبارة إبهام من جهة ابتنائه مسألة التنعيم في القبر وتعذيبه على
كون الانسان: وهو الشئ المحدث الخارج عن صفات الجواهر والأعراض) مع
أنه لا يصح إلا إذا فرضناه جوهرا، ولا أقل من أن لا تكون الجوهرية مانعة من
إمكان التنعيم والتعذيب ولا مصححة له فما وجه تصحيح كلامه قده؟
الوجه فيه أن الجوهر هنا ليس بالمعنى الفلسفي بل بالمعنى الكلامي و
المراد به كما صرح في القول 82 (الجواهر عندي هي الأجزاء التي تتألف منها
الأجسام ولا يجوز على كل واحد في نفسه الانقسام).
وهذا المعنى هو المعبر عنه في الفلسفة بالعنصر أو الاسطقس ومعلوم أن
هذا هو الجسم المادي المندثر في القبر كما صرح به، وأما الروح المجرد الذي أشار
إليه بقوله (الخارج عن صفات الجواهر والأعراض...) الذي هو جوهر بالمعنى
الفلسفي فهو باق بعد زوال الجسم، وهو المعذب والمنعم في القبر.
فتبين أن التعريف الذي ذكره للانسان هو المصحح لعذاب القبر ونعيمه،
وأما لو كان الانسان موجودا ماديا لم يصح العذاب والنعيم.
ومن هنا تبين وجه جمعه قده بين قوله (القائم بنفسه) وبين قوله
(الخارج عن صفات الجواهر...) مع أنه لا معنى للجوهر إلا القائم بنفسه.
وجه التوفيق ما ذكرنا من أنه قده تكلم على اصطلاح المتكلمين لا الفلاسفة.
(79)
قوله في القول 55 (وذلك عند قيام مهدي آل محمد (ع))
أقول: كلما ذكره في هذا الفصل ينطبق على الآيات والروايات من دون
323

أي تأمل.
إلا أن الرجعة المصطلحة عند الشيعة التي يعرفها منهم المسلمون وغيرهم،
وكذلك أعداؤهم من العامة وغيرهم هي رجعة أمير المؤمنين وباقي الأئمة (ع) و
حكومتهم على وجه الأرض من دون معارض، بعد وفات صاحب الزمان عليه
السلام، وللعلماء قديما وحديثا كتب كثيرة في الرجعة بهذا المعنى والروايات
الواردة فيها مستقلا أو في تفسير بعض الآيات أيضا تفسرها بهذا المعنى، وكتب
أصحاب الأئمة عليهم السلام ومن تأخر عنهم من العلماء في الرجعة - وهي
كثيرة - كلها بهذا المعنى، فراجع حتى تعرف صدق كلامنا.
ولكن إثبات الشيخ الرجعة بالمعنى الذي ذكره لا يدل على نفي ما عداه، و
هو أعرف بما يكتب، خصوصا أن إثبات إمكان أحدهما يدل على إمكان الآخر
ووقوعه على وقوعه واستحالة أحدهما يدل على استحالة الآخر، فرأى الشيخ
قده ذكر أحدهما مغنيا عن الآخر.
(80)
قوله قده (وقد جاء القرآن بصحة ذلك)
أقول: الآيات الواردة في القرآن على قسمين:
القسم الأول آيات تدل على إمكان بل وقوع إحياء الأموات قبل يوم
القيامة في الأمم السابقة نشير إليها من دون تفسير منها قوله (تعالى) في سورة
البقرة 73 فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى... ومنها قوله (تعالى) ألم
تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم
أحياهم البقرة 243 ومنها قوله (تعالى) أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على
عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مأة عام ثم بعثه، البقرة
324

259 ومنها قوله (تعالى) وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون
البقرة 56.
القسم الثاني آيات تدل على تحقق إحياء الأموات في هذه الأمة قبل يوم
القيامة من جملتها قوله (تعالى) ويوم نبعث من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا
فهم يوزعون، 84 النمل، مع أن يوم القيامة يبعث كل الأمم، وحشرناهم فلن نغادر
منهم أحدا، خصوصا وذكر بعد ثلاث آيات في نفس هذه السورة: ويوم ينفخ
في الصور ففزع من في السماوات والأرض إلا من شاء الله وكل أتوة داخرين
النمل 87. فاليوم الذي يبعث من كل أمة فوجا غير اليوم الذي يأتون كلهم
داخرون.
ومن آيات الرجعة قوله (تعالى): قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين
فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل المؤمن 12، فإن الإماتة سلب الحياة
عن الحي ولا يتصور هذا مرتين إلا مع الاعتقاد بالرجعة.
وقوله (تعالى) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت 38
النحل.
الآية نسبت إليهم الاعتقاد بالله (تعالى) من جهة حلفهم به وجهد
أيمانهم، وعدم الاعتقاد بالبعث وهذا أعني الجمع بين الاعتقاد بالتوحيد و
إنكار المعاد غير موجود في المسلمين بل غيرهم أيضا إلا أن يراد البعث في الرجعة.
(81)
قوله في القول 56 (فحسابهم جزاؤهم بالاستحقاق)
أقول: وفسر حساب المؤمنين بأنه عبارة عن موافقة العبد ما أمر به. و
325

هذان المعنيان وإن كانا صحيحين ولكن لا يصح لغة ولا عرفا إطلاق الحساب
عليهما فقوله (تعالى) فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا
8 الانشقاق وكذا قوله (تعالى) يحاسبكم به الله 284 البقرة وقوله وإن كان
مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين 47 الأنبياء وقوله أولئك لهم
سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد 18 الرعد فقد فرق بين سوء
الحساب وبين عذاب جهنم وقوله يوم يقوم الحساب 41 إبراهيم وقوله إنهم
كانوا لا يرجون حسابا وقوله إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم غاشية 25 و
قوله إني ظننت أني ملاق حسابيه... يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه
26 الحاقة.
فإذا فرضنا أن اللغة والعرف يفسران الحساب والمحاسبة الواردين في
الكتاب والسنة بمعناهما الحقيقي وهو عد الأعمال وإحصائها بالأرقام وبالقيم
التي لها عند الله (تعالى) وكان هو المرتكز في أذهان المتشرعة، بل اعتقدوه و
اعتقدوا كونه مما يجب الاعتقاد به، ولم يكن مانع عقلي ولا نقلي من قبوله،
فلا وجه لإنكاره أو توجيهه بالمعنى المجازي. إلا خصوصية الكتاب أو الزمان الذي
تقتضي عدم ذكر بعض الحقايق لقصور فهم أصحابه عن دركه، إذ لم ينكر
الشيخ المعنى الذي ذكرناه بل اقتصر على المعنى المجازي الذي ذكره وسكت عما
ذكرنا والله العالم.
ومن الغريب أن الشيخ قده أول الحساب بما ذكر مع عدم شبهة فيه، و
حمل الصراط على معناه اللغوي التعبدي، مع إنه كان أولى بالتأويل كما أوله
كثير من المعتزلة.
وذكر في الميزان كلاما ذو وجهين يمكن حمله على المعنى الظاهر
326

المرتكز في أذهان أهل الدين، وهو وسيلة خارجية يوزن به الأعمال والأقوال و
النيات على النحو المناسب لها، وإن لم يكن مثل الموازين المحسوسة، ويمكن
حمله على التأويل وهو نتيجة الوزن، فإن الغرض من الموازنة معرفة مقدار
العمل وما يساويه من الجزاء.
وهذا المعنى وإن كان صحيحا ولكن الأول هو المتبادر من الآيات و
الروايات والمرتكز في أذهان المتشرعة ولا محذور فيه.
(82)
قوله في القول 58 (يقوله المسلمون...)
لقد سلك الشيخ المفيد قده في مسألة البداء مسلكا لا يوجد طريق أقوى
في الحجة ولا أخصر منه، وذلك لأن النسخ أمر ثابت في الشريعة بضرورة من
الدين، ودلالة الكتاب المبين، والأحاديث المتواترة عن الرسول الأمين وأهل
بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
والبداء أمر يختص بالشيعة الإمامية، وقد عده العلماء والمتكلمين من
ضروريات مذهبهم، والروايات عن الأئمة الطاهرين في لزوم الاعتقاد به، و
التوبيخ في إنكاره متواترة، وقل من العلماء من لم يكتب كتابا مستقلا فيه.
ولكن بقدر اهتمام أئمة الشيعة وعلمائهم في إثباته، اهتم المخالفون
بإنكاره والتشنيع على معتقديه، ولكن يتلخص جميع ما ذكروه في شبهة
واحدة، وهي لزوم جهله (تعالى) أولا ثم حصول علمه بعد مدة كما نسبه
الأشعري في مقالاته إلى الشيعة.
وقد أشار الشيخ المفيد قده إلى الجواب الحلي في ضمن الجواب النقضي
بقوله (أقول في البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ)، توضيح الجواب:
327

إن النسخ عبارة عن رفع الحكم الشرعي الظاهر في الاستمرار بحيث لم يكن
النسخ متوقعا، والبداء رفع الأمر التكويني الظاهر في الاستمرار، وإظهار الواقع
الجديد على خلاف المتوقع، فيشتركان في إظهاره تعالى أمرا على خلاف ما كان
متوقعا ويختلفان في أن النسخ في الأمور التشريعية والبداء في الأمور
التكوينية، فإن كان إظهار أمر على خلاف المتوقع مستلزما لجهله (تعالى) يلزم نسبة
الجهل إليه (تعالى) في البداء والنسخ، وإن كان إظهاره غير مستلزم للجهل في
النسخ فكذلك في البداء.
ومن الجهل أن يقال بعدم استلزامه في النسخ واستلزامه في البداء، أو
يقال بعدم المحذور في النسخ لوروده في القرآن، واستلزامه في البداء لعدم وروده
فيه، وذلك لأن وروده في القرآن لا يصحح نسبة الجهل إليه (تعالى) لأن القرآن
لا يثبت ما يلازم نسبة الجهل إليه (تعالى)، بل يدل على عدم لزوم الجهل فيه و
فيما يشترك معه في الملاك، مضافا إلى ما في مسألة تفدية إسماعيل بذبح عظيم
من إثبات البداء في القرآن.
(83)
أما قوله (فأما إطلاق لفظ البداء... فإنما صرت إليه بالسمع...)
أقول: إن كان متعلق البداء هو الله تعالى بأن نقول بدا لله فحينئذ يكون
البداء بمعنى الابداء، وإن كان متعلقه الناس بأن نقول مثلا (بدا للشيعة أن وصي
الإمام الهادي هو ابنه الحسن بعد ما كانوا لا يشكون في أنه ابنه محمد) وكما
في قوله (تعالى) (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) 47 الزمر فالبداء بمعنى
ظهور أمر خفى وأشار بقوله (وكل من فارقها في المذهب ينكره على ما وصفت
من الاسم دون المعنى) إلى أن النزاع لفظي وإن منشأ إنكار البداء من المخالفين
328

أولا عدم فهمهم لمعناه وثانيا عدم دركهم أن بطلانه يقتضى بطلان النسخ أيضا.
(84)
قوله في القول 59 (إن الأخبار جاءت مستفيضة...)
قد جمعها الشيخ المحدث النوري في كتاب فصل الخطاب، وردها العلامة
البلاغي في تفسير آلاء الرحمن وسيدنا الأستاذ الخوئي (ره) في كتاب البيان بما
لا مزيد عليه، وإن كان في بعض أجوبته دام ظله تكلف بل تعسف.
(85)
قوله (لم يرتب بما ذكرناه)
يرتب مضارع ارتاب، صار مجزوما بلم، أي لم يشك في حصول التقديم
والتأخير وغير ذلك، وقد نسبه في أول الكتاب إلى جميع الإمامية حيث قال
(واتفقوا على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه عن
موجب التنزيل وسنة النبي (ص)...) راجع القول 10.
(86)
قوله (ومعي بذلك حديث)
يعني على نفي الزيادة والنقصان أو الأول فقط والمراد به ما رواه الكليني
عن سفيان بن السمط قال سألت أبا عبد الله (ع) عن تنزيل القرآن قال: اقرؤا كما
علمتم وفي رواية (اقرؤا كما تعلمتم).
(87)
قوله في القول 60 (في جنات الخلود...)
أقول: يتبادر إلى الذهن أن ما ذكره في هذا الفصل لا يرتبط بالوعيد أصلا،
نعم ما ذكره في القول 11 عين الوعيد، ولكن حقيقة مبني قبول الوعيد وإنكاره
329

يبتني إلى أن ارتكاب المعصية هل هو سبب للخلود أو لما يساويها من الجزاء، و
أن تعارض الإيمان القلبي مع الفسق العملي هل يوجب غلبة الفسق وسقوط
أثر الإيمان بالكلية، أو أن الإيمان هو الغالب وأن العمل يجازى بمقداره، ثم
يدخل بسبب إيمانه الجنة ويخلد فيها؟ فالشيعة على الثاني والمعتزلة على
الأول وعلى هذا يبحث عن عكس المسألة وهو أن الإيمان إذا اجتمع مع العمل
الصالح هل يجازى بمقدار العمل ولو كان في الدنيا، وما له في الآخرة من
نصيب، أو أن العمل الصالح الصادر من المؤمن سبب للخلود في الجنة، ولا يكون
الدنيا عوضا له.
فالشيعة يرى الثاني، والمنسوب إلى بني نوبخت هو الأول، والظاهر أن
مرادهم عدم الاستحقاق عن طريق العدل، لا نفي فعلية دخول الجنة ولو عن
طريق التفضل والوفاء بالوعد.
(88)
قوله في القول 62 (ليس يكفر)
أقول: هناك مسألتان لكل منهما شقين:
الأولى هل الإيمان ملازم للمعرفة، والكفر للجهل، بحيث يصح أن يقال
كل عارف بالله مؤمن به وبالعكس وإن كل جاهل بالله كافر به وبالعكس أو لا؟
والثانية هل الطاعة والعمل الصالح يلازمان الإيمان وبالعكس، وهل
الكفر يلازم عدم صدور الطاعة والعمل الصالح بل امتناعه أو لا؟
فالشيخ قده ذكر من المسألة الأولى أحد شقيه وهو المنافاة بين المعرفة و
الكفر، وذكر من المسألة الثانية أحد شقيه وهو المنافاة بين الكفر والطاعة، و
أسقط من كل منهما للطرف الآخر.
330

وهذه المسألة من المسائل الرائجة بين شباب زماننا من أن الله (تعالى) كيف
يضيع أجر إسحق نيوتن مخترع الكهرباء، وپاستور وأمثالهم ممن خدم العالم
البشرية باختراعاته واكتشافاته، ولكن حيث أن أكثر المخترعين من الذين
يعتقدون بأصل وجود الله (تعالى) وباليوم الآخر أيضا فيشمله قوله (تعالى) إن
الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر و
عمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون 62، البقرة
وقوله ولكل درجات مما عملوا 132، الأنعام وغير ذلك مما استدل به ولعله
لذلك حكم النوبختيون على استحقاق الكفار الثواب الدنيوي في مقابل أعمالهم.
وأما عدم قبول الشيخ وغيره من علماء الشيعة هذا الاستدلال فلأن
العمل الصالح المذكور في الآيات يختص بما كان من أحكام الشريعة الناسخة و
يؤتى بقصد أمره فلا يشمل ما عمل بدون ما يشترط في صيرورة العمل صالحا
فتدبر وأجيب بأجوبة أخرى أيضا فراجع.
وأما مسألة اجتماع الكفر مع معرفة الله (تعالى) وعدمه، فالظاهر أن المراد
به الملازمة بين المعرفة والإيمان وبين الجهل والكفر - والمشهور بين الشيعة
خلافه وأن الكفر يجتمع مع العلم والمعرفة من باب العناد والجحود كما
قال (تعالى) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا 14 النمل وأما
الإيمان فلا ينفك عن المعرفة فنصف ما ذكره الشيخ وهو عدم تصور الإيمان
بدون المعرفة موافق للمشهور ونصفه وهو عدم اجتماع الكفر مع العلم و
المعرفة خلاف المشهور.
(89)
قوله في القول 63 (ومعي بهذا القول أحاديث عن الصادقين (ع)
331

راجع الكافي المجلد الرابع كتاب الإيمان والكفر باب (ثبوت الإيمان و
هل يجوز أن ينقله الله) و (باب المعارين) و (باب علامة المعار)، منها ما رواه عن
أبي الحسن موسى (ع): إن الله خلق خلقا للإيمان لا زوال له، وخلق خلقا للكفر
لا زوال له وخلق خلقا بين ذلك أعارهم الإيمان يسمون المعارين...) الكافي ج 4
ص 146.
(90)
قوله (وهو مذهب كثير من المتكلمين في الارجاء)
أقول: ربط هذه المسألة بالارجاء من جهة أن مبنى الارجاء على أن الأصل
هو العقيدة، وأن العمل إما لا دخل له أصلا كما تقوله المرجئة أو أن دخالتها
فرعية في المترتبة الثانية من الإيمان كما تقوله الشيعة، وعلى التقديرين فالقول
بالموافاة وهو أن من ختم له بالإيمان وكان طول عمره كافرا لا يمكن عده مؤمنا
إلا على القول بأن دخالة العمل فرعية كما هو مقتضي الارجاء، وأما على القول
بدخالته بالأصالة كما يقوله مخالفو الارجاء من الخوارج والمعتزلة فكيف يمكن
الحكم بإيمان من ختم له بالإيمان وكان طول عمره عاصيا لله (تعالى).
وكذلك من ختم له بالكفر وكان طول عمره مطيعا ظاهرا ويعمل
الأعمال الصالحة، فإن عده كافرا على القول بالارجاء - وهو قلة الاهتمام
بالعمل - يمكن استنتاجه، وأما بناء على قول المخالفين للإرجاء، وهو أن العمل
هو الأصل في كون الانسان مؤمنا كما يقوله الخوارج، أو في نجاة المؤمن من النار
ودخوله الجنة كما تقوله المعتزلة، فلا يمكن القول بسقوط كل الأعمال التي
عمله طول عمره لأجل الكفر الذي ختم به أمره.
والحاصل أن كلا شقي الموافاة يبتني على الارجاء بالمعنى المصطلح عند
332

المفيد قده لا إرجاء المرجئة فإن الارجاء عند المرجئة عبارة عن عدم الاعتناء بالعمل
رأسا، وعدم دخله في النجاة والهلاك بالكلية.
وأما الارجاء باصطلاح المفيد قده فهو عبارة عن كون الإيمان القلبي أهم من
العمل، وكون الإيمان أصلا والعمل فرعا، مع دخالة كل منهم في النجاة والهلاك.
(91)
قوله في القول 64 (بالإضافة)
أقول: أصل وجود الصغيرة والكبيرة مما لا خلاف فيه لقوله (تعالى) إن
تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما
31 النساء وقوله (تعالى) الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك
واسع المغفرة 32 النجم وقوله (تعالى) والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش و
إذا ما غضبوا هم يغفرون 37 الشورى وقوله (تعالى) حاكيا عن الكفار يوم القيامة:
ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها و
وجدوا ما عملوا حاضرا 48 الكهف.
مضافا إلى الأخبار المتواترة في هذا الباب ذكر طوائف منها في الوسائل
في ضمن أبواب، منها باب وجوب اجتناب الكبائر، وباب صحة التوبة من
الكبائر وغيرها.
وعلى هذا فننظر في معنى قوله (بالقياس إلى الآخر) لا إشكال أن هذا
اعتراف بوجود الصغر والكبر بالقياس ولكن ما هو ملاك الصغر والكبر
القياسي والإضافي، لأن هذا أيضا يحتاج إلى ملاك، فهل الملاك، كبر العمل
خارجا وصغره؟ لا إشكال في أن هذا ليس صحيحا لوجود أعمال صغيرة الحجم
كبيرة المعصية وبالعكس.
333

وإن كان هو الله (تعالى) فمقتضاه مساواة المعاصي لأن من يعصى واحد
في الجميع، كما ورد من قوله (ص): لا تنظروا إلى صغر الذنب ولكن انظروا إلى
من اجترأتم (مدينة البلاغة ج 2 قصار الكلمات حرف اللام) وكلما دل على نفي
الكبيرة ينظر إلى هذه الجهة.
وإن كانت المفاسد المترتبة على المعاصي فهي وإن كانت موجودة في
الجملة ولكن أولا إنها ربما تكون في مخالفة نفس التكليف لا في المكلف به، و
ثانيا أن ملاك كبر المعصية وصغرها يجب أن يرجع إلى حيثية كونها معصية
لا إلى سائر جهاتها، وهذه الحيثية عبارة عن نسبة العمل إلى أمره (تعالى) أو نهيه
أو إلى رضاه وسخطه (تعالى) من جهة الموافقة أو المخالفة.
فكل عمل كان موجبا للبغض والسخط الشديد لله (تعالى) فهو معصية
كبيرة، وكل عمل كان سببا لبغضه (تعالى) وسخطه أقل منه يكون معصية
صغيرة، وقد ثبتت الشدة والضعف في المبغوضية وفي كون العمل باعثا
لسخطه (تعالى) وإن كان ذاته (تعالى) لا تفاوت فيها ولا فيما يرجع إليها، فيكفي في
ثبوت الصغر والكبر ما ذكرناه والظاهر أن الشيخ المفيد قده أراد أيضا بنفي الصغيرة
أولا وإثباته بالإضافة ما ذكرناه.
(92)
قوله (أهل الإمامة والإرجاء)
أقول: اتفاق الشيعة والمرجئة يكون في دعوى تساوي الذنوب ذاتا و
اختلافها بالإضافة، وأما نوع التساوي فالشيعة أبعد الفرق عن المرجئة هنا، و
ذلك لأن المرجئة تدعي أن الذنوب كلها صغائر واقعا، وإنما توصف ما توصف
بالكبيرة منها بالإضافة، وإلا فلا كبيرة في المعاصي عندهم، وذلك لأن
334

الأعمال لا أهمية لها عند المرجئة سواء كانت طاعات أو معاصي.
وهذا بخلاف الشيعة فإنهم يقولون بتساوي الذنوب كلها في كونها
كبيرة لكبر من يعصى ومن صدر منه الأمر والنهي وإنما تتصف ما تتصف
بالصغر بالإضافة إلى ما هو أكبر منه.
(93)
قوله في القول 65 (إن لأخص الخصوص صورة)
المراد به الألفاظ التي لا تشمل إلا واحدا كما ذكره الشيخ قده في العدة، و
أما قوله (وليس لأخص العموم ولا لأعمه صيغة) فعدم وجود صيغة لأخص
العموم واضح لأن حده ما ينتهي إليه التخصيص وليس له حد معين، إلا أن
يلزم الاستهجان العرفي وتخصيص الأكثر.
وأما عدم وجود صيغة لأعم العموم فهذا محل الخلاف بين الأصوليين
فالشيخ المفيد والمرتضى وجماعة ذهبوا إلى ذلك واختار الشيخ في العدة و
تبعه أكثر الأصوليين إلى زماننا هذا وجود صيغ للعموم هي حقيقة فيه.
وهناك نكتة تجب الإشارة إليها، وهي علة ذكر هذا البحث في علم
الكلام أشار العلامة الزنجاني إليها بقوله (الكلام في...) أقول: لقد أجاد فيما أفاد
إلا أن موارد الاستفادة من هذا البحث لا تنحصر في آيات الوعيد في مقابل
الوعيدية، بل يبحث أيضا عن آيات تتمسك بها المرجئة على عدم أهمية العمل
أو قلتها كقوله (تعالى) إن الله يغفر الذنوب جميعا وقوله (ع) حب علي حسنة
لا تضر معها سيئة والرواية المتفق عليها من أن من قال لا إله إلا الله مخلصا
دخل الجنة وغير ذلك من العمومات التي تتمسك بها الفرق الضالة لإثبات
مرامها، أو تجيب عن أدلة الإمامية بمبانيها التي اتخذتها في مسألة العموم و
335

الخصوص.
(94)
قوله (ووافق الراجئة أهل الاعتزال)
إما تكون الجملة مستأنفة والراجئة منصوبة، وأهل الاعتزال مرفوعة،
يعني إنهم أيضا ذهبوا إلى عقيدة الراجئة في العموم والخصوص. وإما أن
تكون الجملة معطوفة على قوله شذ يعني إلا من شذ من الإمامية ووافق
الراجئة الذين هم أهل الاعتزال ولازمه تقسيم الراجئة إلى قسمين الموافقين
لأهل الاعتزال والمخالفين لهم وكيف كان فالعبارة غير واضحة المراد.
(95)
وقوله (وكافة متكلمي الإمامية)
الظاهر أنه قده استفاد هذا من إجماعهم على عدم قبول حمل عمومات
الوعيد على العموم، وإلا فقد أشرنا إلى أنه خلاف الواقع.
فعقيدة الشيعة أن هناك ألفاظا هي حقيقة في العموم لا يحتاج حملها عليه
على قرينة، بل يكفي عدم القرينة على التخصيص، نعم إذا ثبت وجود القرينة
على الخصوص لا يحمل على العموم ومن موارده عمومات الوعيد.
(96)
قوله في القول 66 (بل أقيدهما جميعا)
أقول: في العبارة إبهامات عديدة:
ألف: إن ظاهر عبارته تقابل الإيمان مع الفسق حيث قال مؤمن بما معه...
وفاسق بما معه الخ مع إنه لا يلتزم به لا هو ولا غيره إلا الخوارج القائلين بكفر
مرتكب الكبيرة.
336

ب: جعل قوله قده مخالفا لبني نوبخت لا وجه له مع إن مال القولين إلى
واحد، فإن بني نوبخت أيضا لا يريدون بقولهم مؤمن إلا الإيمان بالله و
بالنبي (ص) الخ.
ج: ومنها قوله مؤمن بما معهم وفاسق بما معهم الخ، فإنه إن أراد التقييد
المعنوي الواقعي فهو مستدرك كما أشرنا إليه فإن متعلق الإيمان هو الله و
النبي (ص)... ولا يمكن أن يتعلق الإيمان بما تعلق به الفسق، كما إنه لا يمكن
تعلق الفسق بما تعلق به الإيمان.
ولكن هناك نكتتان تنحل بهما جميع الإبهامات:
أحدهما أن يكون قصده من هذين التقييدين الإشارة إلى دخل المعاصي
في الإيمان كما يظهر من الآيات والروايات وهذا وإن كان أقرب إلى مراده
من جهة، ولكن يرد عليه أنه إما أن يريد عدم الإيمان في الفاسق أو يريد
ضعفه وقلته، فالأول مخالف لقول الشيعة وأكثر المسلمين ويوافق الخوارج و
المعتزلة والثاني يقتضي صحة الإطلاق بدون التقييد، فإن من عنده الإيمان ولو
ضعيفا يصح إطلاق المؤمن عليه من دون تقييد.
الثاني أن يكون بحثه في التسمية والاطلاق اللفظي كما يشير إليه عنوان
البحث (بالأسماء والأحكام) وقوله (لا أطلق... في تسميتهم... وامتنع من
الوصف لهم بهما من الإطلاق وأطلق لهم اسم الاسلام...) فالفاسق وإن كان
مؤمنا واقعا فإطلاق كلمة المؤمن عليه بلا قيد لا يجوز عند الشيخ وكذا إطلاق
الفاسق، وحينئذ ينحل جميع الاشكالات ولا يرد عليه قده شئ.
(97)
قوله في القول 67 (بما قدمت ذكره)
337

قد مر في القول 16 وسيأتي أيضا في القول 68 و 69 و 70 و 71، و
بمراجعة جميع الأبواب في التوبة لا يبقى إبهام فيها.
(98)
قوله (وإن ترك فعل أمثال الخ)
يعني تركه من دون ندم على ما سبق مع العزم على ترك المعاودة في
المستقبل أو بالعكس بأن كان الندم موجودا بدون العزم، أو انتفيا معا بأن تركه
لعدم خطور المعصية بباله أو لعدم اشتهائه لها أو لعدم قدرته عليها أو لتضرره بها،
أو فعلها فتركها للضرر الدنيوي لا لله (تعالى).
(99)
قوله في القول 70 (سئل الناس الصلة)
أقول: لا إشكال في أن من كان عليه شئ من حقوق الناس ولم يتمكن
من إيصالها إلى أصحابها أصلا بوجه من الوجوه يكتفي بالاستغفار لنفسه و
لصاحب الحق، ويسأل الله (تعالى) أن يرضى عنه، ولكن البحث في أن من
يمكنه رد حقوق الناس عن طريق السؤال هل يعد هذا متمكنا حتى يجب عليه
السؤال والخروج عن حقوق الناس بهذا الطريق، أو أنه يعد عاجزا يكتفي
بالاستغفار كما مر؟
مقتضى التحقيق الفرق بين موارد السؤال: إذ لا إشكال في أن السؤال من
الأصدقاء والأقارب إذا كان على نحو لا يستلزم وهنا للمؤمن وذلة يجب
للخروج عن دين من يطلب طلبا حثيثا، وأما السؤال عن العامة أو الأقارب على
طريق التكدي ونحوه مما يستلزم الوهن الشديد، خصوصا إذا كان صاحب الدين
لا يطالب بالشدة فلا يلزم، بل ربما يحرم، ولعل المصنف قده نظر في حكمه هذا
338

إلى رواية علي بن أبي حمزه حيث أن الشاب التائب خرج عن كل ماله، حتى
كان علي ابن أبي حمزه يجمع له مأكله وملبسه من أصدقائه، والظاهر أنها
خاصة بمورد وعمل بأزيد من الواجب فإن قوله (تعالى) وإن كان ذو عسرة فنظرة
إلى ميسرة محكمة، ومقتضى القواعد أن يعمل بمرجحات باب التزاحم فينظر
إلى أقوى الملاكين من حرمة السؤال ووجوب رد حق الناس مطلقا أو مع رعاية
خصوصية الموارد.
(100)
قوله في القول 70 (وعوض المظلومين عنهم)
أقول: المشهور على ألسنة العوام أن حق الناس لا سبيل إلى التخلص منه
إلا عن طريق أصحابها وأن الله (تعالى) لا يتدخل فيها سواء كان من عليه الحق
عاجزا عن الاستحلال عن ذي الحق أو لا؟
ولكن مقتضى كونه (تعالى) مالكا لرقاب العبيد وأن العبد وما في يده و
ما في ذمته لمولاه عدم لزوم محذور من تحليله ابتداء فضلا عن ترضيته لذي
الحق واستحلاله عنه بما شاء وكيف شاء.
وقد وردت نصوص عن الأئمة المعصومين عليهم السلام تدل على
ترضيته تعالى لذي الحق؟ منها ما ورد في دعاء يوم الاثنين من الصحيفة
السجادية (... وأسألك في مظالم عبادك عندي فأيما عبد من عبيدك أو أمة من
إمائك كانت له قبلي مظلمة ظلمتها إياه في نفسه أو في عرضه أو في ماله أو
في أهله أو ولده أو غيبة اغتبته بها أو تحامل عليه... فقصرت يدي عن ردها إليه
والتحلل منه فأسألك يا من يملك الحاجات... أن تصلي على محمد وآل محمد
وأن ترضيه عني بما شئت...
339

وفي الدعاء السابع عشر من الصحيفة العلوية وهو دعاء الاستغفار هكذا
(... وأسألك أن تصلي على محمد وآل محتد وأن تغفر لي جميع ما أحصيت
من مظالم العباد قبلي، فإن لعبادك علي حقوقا وأنا مرتهن بها تغفرها لي كيف
شئت وأنى شئت يا أرحم الراحمين.
(101)
قوله في القول 71 (لم يوفق للتوبة أبدا)
أقول: ما ذكره إشارة إلى الروايات الواردة في ذيل قوله (تعالى): ومن يقتل
مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا
أليما. روى عن أبي جعفر (ع) في حديث طويل قال لما سمعه... وأنزل في بيان
القاتل ومن يقتل مؤمنا... عظيما) ولا يلعن الله مؤمنا، قال الله عز وجل أن الله
لعن الكافرين واعد لهم سعيرا خالدين فيها لا يجدون وليا ولا نصيرا الوسائل ج
19 ص 10 وعن أبي عبد الله (ع) في رجل قتل رجلا مؤمنا قال يقال له مت أي
ميتة شئت، إن شئت يهوديا، وإن شئت نصرانيا، وإن شئت مجوسيا (نفس
المصدر) وعن أبي عبد الله (ع) سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا هل له توبة؟
فقال إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له، (المصدر).
وقد فسر العمد في بعض الروايات بأن يكون قتله لأجل إيمانه،
لا العمد المصطلح بأن يقع بينها مشاجرة فقتله.
(102)
قوله في القول 72 (أن يكون اضطرارا)
أقول: الاضطرار في اصطلاح المتكلمين بمعنى الضرورة. وجه التسمية هو
أن العلوم الاكتسابية مقدماتها باختيار الانسان بأن يرتب المقدمات التي توصل
340

إلى النتيجة أو المعرفات التي توصل إلى التصور، أو لا يرتبها فلا يصل إلى التصور
والتصديق الكسبيين، وهذا بخلاف العلوم الضرورية فإنها حاصلة في الذهن
بمجرد الالتفات إليها سواء أرادها أم لا فكأن الانسان مضطر إلى العلم بها
لا مختار.
ثم إن الفرق المخالفة في هذا الباب كثيرة:
منهم من يدعي الضرورة في التوحيد وإثبات الصانع (تعالى) مستدلا
بظواهر آيات لم يفهمها مثل قوله (تعالى) ولئن سألتهم من خلق السماوات
والأرض ليقولن الله، وقوله (تعالى) أفي الله شك فاطر السماوات والأرض
وغيرهما.
ومنهم من يدعي عدم حصول العلم من الدلائل العقلية وانحصار إفادة
العلم بالدلائل النقلية مثل أكثر الأخباريين منا ومن العامة.
ومنهم الأشاعرة المنكرين للسببية والمسببية بين جميع الأسباب و
المسببات الخارجية والذهنية فلا ملازمة بين النار والاحراق ولا بين الفكر
والنتيجة العلمية.
ومنهم الذين يرون مجرد الالتفات والتوجه كافيين في حصول العلم
لقولهم بأن العلم ليس إلا التذكر كما نسب إلى أفلاطون فلا يكون دخالة الفكر
وترتيب المقدمات إلا لكونها سببا للتوجه والالتفات كما أشار إليه العلامة الزنجاني.
ومنهم من يرى كالجهمية أن المعارف الدينية يختلف فيها العباد، فيخلق
الله في قلب بعضهم اليقين بالمعارف الدينية الصحيحة، وفي قلب بعضهم
اليقين بالعقائد الباطلة، وفي قلب بعضهم الشك، وليس شئ منها باختيار
المكلف ولا مترتب على بحثه أو تفكره، بل الله (تعالى) يخلق أفعال قلوبهم مثل
341

أفعال أبدانهم.
وهناك تفاصيل في المسألة أشار إليها العلامة الزنجاني في التعليقة.
وما ذكره هنا هو قانون الأسباب والمسببات الثابت في عالم الكون على
الأعم الدائم، ولا ينافيه الخروج عن هذا القانون في الموارد النادرة بسبب الاعجاز و
خرق العادة، فإن ثبوت الاعجاز وخرق القوانين من قبل مقننها أيضا من جملة
القوانين في باب النبوات والشرائع، إذ لا مانع من كون قانون إلهي حاكما على
قانون إلهي آخر، وعليه فلا مانع من حصول علوم كثيرة أو علم في مورد خاص
من غير طريق الاكتساب المذكور، كما إنه لا مانع من حصول الادراكات الحسية
في بعض الموارد مع عدم اجتماع الشرائط المذكورة لها، ولكن لهما أيضا أسباب و
علل أخرى مذكورة في محالها وليست جزافا.
(103)
قوله في القول 72 (ويخالف فيه البصريون من المعتزلة والمشبهة وأهل
القدر والإرجاء)
أقول: أما البصريون من المعتزلة فجهة مخالفتهم مضافا إلى ما نقل عن
الجاحظ ما نقله قاضي القضاة في المغني في ج 12 ص 59 من إطلاقهم السمع
والبصر على العلم.
وأما مخالفة المشبهة فلقولهم بإمكان رؤية الباري (تعالى) من دون وجود
شرائط الادراك الحسى وأما أهل القدر والإرجاء فقد أشرنا إلى قولهم في
الأسباب والمسببات وفي أفعال العباد من إنكارهم ذلك وقولهم بالجزاف.
(104)
القول 73
342

راجع المغني للقاضي عبد الجبار ج 12 خصوصا الباب الخامس عشر فما بعد.
(105)
قوله في القول 74 (والعلم بذلك يرجع إلى المشاهدات في الوجود،
وليس يتصور التعبير عن ذلك بالعبارة والكلام)
أقول: أما على النحو الكلي فقد بحث عنها علماء الأصول والكلام مثل
عدم إمكان التواطؤ بالمكاتبة وبالمشافهة وسائر وسائل الارتباط، ثم عدم وجود
الدواعي الباعثة إلى التواطؤ من الجوامع والمشتركات العقلائية، مثل كونهم
جميعا أهل مذهب واحد، وكان فيما يروونه تأييدا لمذهبهم، مثل كونهم
جميعا من قبيلة وكان المنقول ترويجا لها، ومثل كونهم أهل صنعة أو عمل و
كانت الرواية في شأنهم مثل رواية القارئ في شأن القراء إلى غير ذلك مما
ذكروه.
وأما على النحو الجزئي فالعلم بخصوصيات أحوال الرواة، والدواعي
الموجودة فيهم لا يمكن إلا عن طريق المعاشرة والمخالفة أو الرجوع إلى أحوالهم
الشخصية عن طريق تاريخ حياتهم وهذا هو مراد الشيخ قده من قوله (والعلم
بذلك الخ).
(106)
قوله (على الاضطرار)
أقول: قد أطال المتكلمون والأصوليون البحث عن إن المتواتر هل يوجب
العلم على الاضطرار كما يقوله البصريون، أو بالنظر كما يدعيه الشيخ في العدة
ومعتزلة بغداد، أو التوقف كما عليه السيد المرتضى في الذريعة؟
وفضلوا في الاستدلال والجواب بما لا مزيد عليه.
343

ولا استبعد إمكان الجمع بين الجميع بأن الاضطرار إن أريد به ما يوجد في
الضروريات الأولية التي يكفي تصورها في تصديقها مثل الكل أعظم من الجزء
فلا إشكال في أن المتواتر ليس من هذا القبيل، وإن أريد من الاضطرار ضرورة
حصول اليقين بعد تصور كونه متواترا مع شرائطه فلا ريب في صحة الاضطرار
بهذا المعنى وقد نسب العلامة الزنجاني هذا الجمع إلى الغزالي وتكلف في
تطبيقه على رأيه ولا مانع منه إذا صحت النسبة.
(107)
قوله في القول 75 (القول فيما يدرك بالحواس...)
أقول: راجع الجلد 12 من كتاب المغني للقاضي عبد الجبار.
(108)
قوله في القول 76 (هل هم مأمورون الخ)
أقول: عنوان الباب لم يقيد بالعقل، فيوهم ابتداء إرادة الأوامر الشرعية، و
عليه فيتحد مع ما بعده من البحث، ولكن سرعان ما يزول هذا التوهم بقوله (إن
أهل الآخرة مأمورون بعقولهم بالسداد...) وقوله (وإن القلوب لا تنقلب عما هي
عليه...) فإن التأمل في مجموع كلامه يوضح جليا أن المراد بالبحث هنا الأحكام
العقلية أعني الحسن والقبح الثابتين في نفس الانسان وقلبه والأوامر التي
يصدرها العقل أو يدركها لا الأحكام الشرعية التعبدية.
(109)
قوله في القول 77 (والصنف الآخر...)
ربما يتوهم من تصنيفهم بصنفين إنه يريد إثبات التكليف لصنف ونفيه
عن الآخر، ولكن التأمل في عبارته يوضح أن تقسيمه وتصنيفه لتوقف استدلاله
344

على نفي التكليف به، وذلك لأن علة نفي التكليف عن أهل الجنة شئ، وعلة
نفي التكليف عن أهل النار شئ آخر، وإن اشتركا في عدم كونهم مكلفين.
(110)
قوله في القول 78 (... أو مضطرون أو ملجأون على ما يذهب إليه أهل
الخلاف).
أقول: الاضطرار واسطة بين الاختيار والالجاء، وذلك أن الالجاء مثل أن
يشدوا يديه ورجليه ويلقواه في البحر فلا اختيار معه أصلا، والاضطرار أن
يكون صدور الفعل عنه باختيار ولكن اختياره لا يكون عن اختيار بل لتهديد و
نحوه.
وقد أطال العلامة الزنجاني في نقل كلام أبي الهذيل ودليله من بين
ساير الأقوال وأدلتها.
(111)
قوله في القول 79 (لارتفاع دواعي فعل القبيح عنهم على كل حال)
أقول: لا خلاف بين الإمامية فيما ذكره إلا ما نقل عن السيد المرتضى قده
فإنه في رسالته في أحكام أهل الآخرة مع حكمه بالاختيار في فعل الواجب
والحسن، حكم بأن ترك القبيح على نحو الالجاء في الآخرة، وهذا مضافا إلى
شذوذه ضعيف من جهة الدليل. قال، في مقام الاستدلال على قوله: والذي يدل
على صحة ما اخترناه: إنه لا بد أن يكونوا مع كمال عقولهم ومعرفتهم بالأمور
ممن يخطر القبيح بقلبه ويتصوره، وهم قادرون عليه لا محالة، ولا يجوز أن يخلى
بينهم وبين فعله فلا يخلو: إما أن يمنعوا من فعل القبيح بأمر وتكليف، أو
بإلجاء على ما اخترناه، أو بأن يضطروا إلى خلافه على ما قاله أبو الهذيل؟
345

ولا يجوز أن يكونوا مكلفين لما تقدم ذكره، ولا مضطرين على ما قاله أبو الهذيل،
لأن المضطر مستنغص اللذة غير خال من تنغيص وتكدير لكونه مضطرا...
فلم يبق بعد ذلك إلا أنهم ملجؤون إلى الامتناع من القبيح وإلا جاز وقوعه منهم
رسائل الشريف المرتضى ج 2 ص 141.
أقول: خلاصة قوله قده الفرق بين ما يفعلون وبين ما يتركون فقال:
(فالالجاء إنما يكون فيما لا يفعلونه، فأما ما يفعلونه فهم فيه مخيرون، لأنهم
يؤثرون فعلا على غيره...).
والجواب أولا بالنقض: وذلك فإن الدليل الذي استدل به يأتي في فعل
الواجب العقلي وما يفعلونه كما أتى في ترك الحرام.
وتوضيحه: إن العبد المختار في الجنة يخطر بباله ترك الحسن فلا يخلو أن
يمنع من الترك بالنهي والتكليف، أو بإلجاء، أو بأن يضطروا على الفعل والأول
مناف لما ثبت من عدم التكليف في الآخرة، والثالث أعني الاضطرار باطل، لأنه
تنغيص للعيش وتكدير للذة فيثبت الثاني وهو الالجاء على الترك.
ثانيا بالحل وخلاصته أن الفاعل لا ينحصر فعله أو تركه في الثلاثة بل
هناك قسم رابع وهو أن يكون مختارا من دون تكليف ولا اضطرار ولا الجاء ومع
ذلك يختار فعل الحسن دائما وترك القبيح كذلك لظهور الحسن عنده على نحو
لا يمكن لعاقل مختار تركه وكذلك ظهور قبح القبيح على نحو لا يتصور صدور
فعله من عاقل أصلا، كما إن المعصوم (ع) يفعل الحسن دائما ويترك القبيح دائما
لا بإلجاء ولا باضطرار بل باختيار، وكما أن بعض الأمور المحبوبة دائمي الصدور
مثل أكل ما يتوقف عليه الحياة وبعض الأمور المبغوضة دائمي الترك مثل أكل
العذرة، ولا يتوقف شئ منهما على الاضطرار ولا الالجاء ولا توجه التكليف
346

إليها.
وقد أشار إلى ذلك الشيخ المفيد قده بقوله (لتوفر دواعيهم إلى محاسن
الأفعال، وارتفاع دواعي فعل القبيح عنهم على كل حال).
فما ذكره قده مضافا إلى كونه جوابا عن السيد المرتضى في اختيار الالجاء،
يكون جوابا عن أبي الهذيل القائل بالاضطرار أيضا.
(112)
قوله في القول 85 (فإنه لا يقع منه شئ على وجه القربة إليه جل
اسمه)
أقول: مراده أن إعراض العبد عن إتمامه باختياره يكشف عن عدم وجود
قصد القربة فيه من الأول، وعلى فرض وجود قصد القربة في شروع العبادة
لا يحصل منه إعراض عن عمله اختيارا.
كما ذكرنا في باب الموافاة إن ختم العمل بالخير يدل على حسن باطنه
من الأول وختمه بالشر دليل على خبث الباطن من الأول.
فمشابهة الأول للآخر والملازمة بينهما في الخير والشر هي الوجه
المشترك بين المقام وبين مبحث الموافاة.
ثم إن هذا النوع من العمل يسمى في علم الأصول بالواجب المركب
الارتباطي وفيه أبحاث كثيرة ترتبط بأصول الفقه.
(113)
قوله في القول 81 (على الأغلب فيها)
أفعل تفضيل من الغلبة بمعنى التسلط والقهر وكذا قوله بعد ذلك غلب
فيه الإيمان... غلب فيه الاسلام.
347

وأما كلام العلامة الزنجاني فأقول: لقد أجاد فيما أفاد إلا أنه بقيت نكات
أشير إليها.
ألف: أوضح أحكام الدار وأهمها الهجرة منه أو إليه فيجب الهجرة من
دار الكفر إلى دار الاسلام، ومن دار الاسلام إلى دار الإيمان لقوله (تعالى)... ألم
تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها...) النساء 98
ب: قوله قده (من اعتبر مع الكثرة الغلبة) أكثر من اعتبر الغلبة لم يعتبرها
مع الكثرة بل جعلها ملاكا مستقلا لعنوان الدار، فلو كانت الأكثرية مع الكفار
عددا ولكن كانت السلطة والغلبة مع المسلمين، والقوانين المعمولة فيها إسلامية
فهي دار إسلام، ولو كان بالعكس فبالعكس، ولو كانت السلطة والغلبة مع
الشيعة، وكانت أكثرية العدد مع العامة فالدار دار إيمان، ولو كانت بالعكس
فبالعكس.
نعم هناك جماعة اعتبروا كلا الأمرين الغلبة والكثرة، وظاهر كلام المفيد
قده الأول.
ج: قوله قده (أو الكون في ذمة وجوار من مظهرهما) أقول: كون الغلبة
والسلطة لطائفة معناه أن القوانين الجارية والأمور الكلية والعامة في داخل
المملكة على طبق معتقداتهم أو ميولهم ولا يستلزم ذلك سلب الحرية عن البقية
إلا بالنسبة إلى ما يزاحم حقوقهم لا بالكلية فتطبيق هذا القول على كلام المصنف
قده بعيد، بل مختاره قده وجود الحرية التامة لأهل الدار وكونهم مسلطين على
الأمور قاهرين غالبين فقط لا كونهم ظالمين.
وهنا نكات في عبارة المصنف قده أشير إليها.
1 - المراد بالإيمان هو التشيع بالمعنى الذي تعتقده الإمامية لقوله بعد ذلك
348

(... والقول بإمامة آل محمد...).
2 - قوله فهو دار كفر سواء كان الكفار أكثر عددا أيضا كما في الصين
والهند وغيرهما أو كانوا مسلطين مع قلة عددهم كما في لبنان. وقوله (فهو
دار إيمان). أقول: سواء كان عدد الشيعة أكثر مثل إيران أو كانوا أقلية غالبين
مثل العلويين في سوريا على فرض غلبتهم وقوله (فهو دار إسلام) سواء كان
عدد أهل السنة أكثر مثل السعودية أو كان عددهم أقل ولكن كانوا مسلطين
كالعراق.
3 - قوله (وقد تكون الدار عندي دار كفر ملة وإن كانت دار إسلام)
المراد بكفر ملة ما ذكره في القول 6 من قوله اتفقت الإمامية على إن من
أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله (تعالى) من فرض الطاعة فهو
كافر ضال مستحق للخلود في النار... وقال في كتاب الجمل في معنى كفر ملة
(... ولم يخرجوهم بذلك عن حكم ملة الاسلام إذ كان كفرهم من طريق
التأويل كفر ملة... وإن كانوا بكفرهم خارجين من الإيمان مستحقين اللعنة
والخلود في النار...) الجمل ص 30.
والمراد بإسلامهم الأحكام الفقهية الظاهرية التي عبر عنها الفقهاء بقولهم
كفار محكومون ببعض أحكام الاسلام مثل الطهارة الظاهرية وحل الذبايح و
نحوها.
وقد مر أن ما ذكره في كتاب الجمل مخالف لما هو من ضروريات فقه
الشيعة من نجاسة الناصبي وكفره ظاهرا وباطنا، ومعلوم أن أنصب النواصب و
أصلهم وإمامهم الذين أسسوا أساس ذلك وبنوا عليه بنيانه هم الذين غصبوا
حقه وحاربوا أمير المؤمنين (ع) وقاتلواه ودعوا الناس إلى حربه، فمن أولى منهم
349

بالكفر والنجاسة وترتيب جميع أحكام الكفر القاهرية والباطنية.
(114)
قوله في القول 82 (ويخالف فيه الملحدون)
أقول: نسبة الجزء الذي لا يتجزي إلى الموحدين ونسبة القول بالتجزية
إلى الملحدين مبني على ما تسالموا عليه تبعا للفلاسفة من انتهاء الأجسام إلى
البسائط والعناصر: الاسطقسات على ما فرضوه من توقف القول بالتوحيد
عليه، وإن إنكاره واختيار القول الآخر المنسوب إلى ذيمقراطيس المتهم بإنكار
الصانع - وإن شكك فيه صاحب الأسفار - مستلزم لإنكار الصانع، وقد ثبت
الآن في العلوم الطبيعية بطلان العناصر الأربعة والاسطقسات بالمعنى المذكور،
بل جزؤا كلا من العناصر الأربعة إلى أجزاء كثيرة.
وثبت أيضا بطلان البناء بما ذكر في محله، وأنه يمكن إثبات الصانع
على المباني العلمية الجديدة أحسن من المباني الثابتة في الفلسفة اليونانية.
وعليه فكل ما يذكر في هذه الأبواب من نسبة القول إلى إجماع
الموحدين أو الملحدين فهو مبني على الملازمات المسلمة عندهم أو بالأقل عند
الشيخ المفيد قده بحيث لم يحتمل الخلاف في الملازمة بين ما ذكره من المقدمات
العقلية وبين النتائج الدينية الاعتقادية، فنسب الإجماع المنعقد من الموحدين
على النتيجة إلى المقدمة، وإجماع الملحدين في زمانه على نقيض النتيجة
إجماعا منهم على نقيض المقدمة، وإلا فلا معنى لدعوى الإجماع في المسائل
العقلية المحضة في الأمور الغير الدينية.
(115)
قوله في القول 83 (بما يختلف في نفسه من الأعراض)
350

يعني أن الاختلاف في الأعراض ذاتي وفي الجواهر بسبب عروض
الأعراض، وقد ذهب النظام إلى أنها مركبة من أجسام صغار مختلفة بذاتها.
وأجاب عنه المتكلمون بأن الاختلاف بحسب أنواع الجسم لا في أصل
مفهوم الجسمية وفيه إن الاشتراك في جنس الجسم لا ينافي ثبوت الاختلاف
الذاتي بين الأجزاء بسبب كونها أنواعا متبائنة كما في كل نوعين داخلين تحت
جنس.
والمهم أن الفلسفة الحديثة قد أبطلت كثيرا من المباني الثابتة في الفلسفة
القديمة والكلام القديم بما يغني عن تضييع العمر في الدفاع عنها.
(116)
قوله في القول 84 (وبه فارق معنى ما خرج عن حقيقته)
أقول: لا إشكال أن الجوهر بالمعنى الفلسفي أعم من الجسم المتحيز و
يشمل الجواهر المجردة المستغنية عن المكان والحيز والزمان وساير الأعراض، و
لكن قد أشرنا سابقا أن اصطلاح المتكلمين في الجوهر يختلف عن الحكماء،
فهو عندهم بمنزلة العناصر والاسطقسات، بمعنى الأجسام البسيطة، فيشملها
الأحكام الكلية للجسم ومنها التحيز وكونه زمانيا ومعروضا للعوارض وغيرها.
(117)
قوله في القول 87 (والجبائي وابنه وبنو نوبخت الخ)
أقول: كلمة الجبائي عطف على أبي القاسم البلخي يعني أبا القاسم
البلخي والجبائي وابنه وبنو نوبخت يذهبون إلى قبول جملة ما ذكرناه و
يخالفوننا في سبب فنائها، وعليه فقوله (وإبراهيم النظام الخ) جملة مستأنفة.
ثم إنه يناسب الرجوع في شرح العبارات هنا إلى شرح المقاصد ج 5 ص 98.
351

(118)
قوله (وإبراهيم النظام يخالف الجميع ويزعم أن الله يجدد الأجسام
حالا فحالا)
أقول: لا يبعد أن يكون مراده ما ذهب إليه صدر المتألهين من الحركة
الجوهرية التي تقتضي دخول التدرج في ذوات الأشياء وخصوصية وجوداتها
التي هي الجريان والسيلان والانوجاد والانعدام بل هذا هو الظاهر من كلامه.
أو يكون مراده ما ذهب إليه الفيلسوف الألماني إيناشتين من دخول الزمان
في داخل ذوات الأشياء كالبعد الخامس على فرض صحته -
ولو كان مراد إينشتاين عين ما ذهب إليه صدر المتألهين كما ادعاه البعض
فلا مانع من نسبة قولهما إلى النظام أيضا.
وهو بسبق حائز تفضيلا مستوجب ثنائي الجميلا
كما إن قوله في الجسم بأنه مركب من أجزاء صغار لطيفة مختلفة في
الطبيعة يمكن تطبيقها على الآراء الحديثة في الألكترون والبروتون والله العالم.
ومن هنا تعرف ما في كلام العلامة الزنجاني في تعليقته من (أن العلم
ببقاء الجواهر وما يتألف منها الأجسام يشهد به الضرورة ولا ينازع فيها إلا
مكابر).
أقول: إن أراد البقاء الحسي فهذا واضح لما نرى من بقائها ظاهرا ولا ينافي
ما ذكره صدر المتألهين وإيناشتين إذ ليس ما ذكروه بحثا عرفيا حسيا حتى يجاب
بالحس ونحوه، بل عقلي يثبت أو ينفى بالبراهين المناسبة له.
(119)
قوله في القول 89 (وقد ذكرت ذلك في الجواهر المنفردة)
352

أقول: ذكره في القول 87 ذكر هناك بقاء الجواهر التي هي أجزاء الجسم
فيكون لازم بقائها بقاءه أيضا.
(120)
قوله (والتأليف عندي وسائر الأعراض لا تبقى)
عطف على قوله (فالأجسام من نوع ما تبقى) وعليه فالمعنى إن الجسم
يبقى ولكن التأليف والأعراض لا تبقى وحينئذ يرد عليه أنه ليس الجسم إلا
نتيجة تأليف الجواهر فكيف يبقى الجسم من دون تأليف إلا أن يحمل على
تأليف الأجسام بعضها مع بعض.
ويمكن أن يكون (الواو) في (والتأليف) مصحف (في) من غلط النساخ
والصحيح هكذا (فالأجسام من جنس ما يبقى وقد ذكرت ذلك في الجواهر
المنفردة في تأليف عندي) ويكون جملة وساير الأجسام مستأنفة.
(121)
قوله في القول 96 (وعلة سكونها أنها في المركز)
أقول: فكان الشيخ قده اعترف أن الأرض على فرض عدم كونها في
المركز لا تكون ساكنة فإذا ثبت الآن أنها ليست في المركز بل هي من أقمار
الشمس يثبت قهرا عدم سكونها بل حركتها وهذه أيضا مثل بقية الآراء التي
أخذها المتكلمون من الحكماء وربما بنوا عليها آراء اعتقادية مع تبين فساد المبني
خصوصا في زماننا هذا.
(122)
قول المحشي في القول 97 (كما صرح به الإمام فخر الدين الرازي في
أربعينه)
353

أقول: في كلامه مواقع للنظر:
الأول قد مر أن المباني التي كان الحكماء كلهم أو مع المتكلمين مجمعين
عليه وربما بنوا عليها بعض العقائد الإسلامية انهدمت بالعلوم الجديدة وظهر
عدم ابتناء العقيدة عليها، فكيف بالمسألتين العقليتين التين ادعى الفخر الرازي بناء
مسألة المعاد عليهما ولم يوافقه المحققون من الحكماء والمتكلمين.
الثاني إن دعوى اتفاق جمهور المتكلمين على ثبوت الخلا جزاف. نعم
من رأى الملازمة بين ثبوت الخلا وبين المعاد الجسماني ربما يجعل الاتفاق على
جسمانية المعاد اتفاقا على ثبوت الخلا، ولكنه باطل لعدم ثبوت الملازمة عند
جميع المتكلمين.
الثالث نسبة القول بثبوت الخلا إلى المفيد ودعوى الغلط في عبارته بهذه
السعة وعلى خلاف صريح العبارة ثم تصحيحها بما ذكره المحشي إهانة بالشيخ
المفيد وبالنسخ الكثيرة المتفقة على عبارة واحدة لا داعي لها بل من باب إلزام ما
لا يلزم. مضافا إلى عدم صحته في نفسه.
وحاصل ما ذكرنا أن الحق عدم ثبوت الخلا كما اختاره الشيخ قده أولا و
عدم ابتناء مسألة المعاد به ثانيا وصحة العبارة المذكورة في المتن ثالثا.
أما أصل مسألة وهي عدم ثبوت الخلا فقد بحث عنه مفصلا في الأسفار
ج 4 ص 49 و 34.
وأما عدم ابتناء مسألة المعاد عليه فخلاصة الجواب أن الالتزام بالخلا ينشأ
من طلب المكان للجنة والنار وأنهما أو أحدهما لو حصل فوق العالم الذي كانوا
يعبرون عنه بمحدد الجهات يلزم أن يكون في اللا مكان مكان وفي اللا جهة
جهة، وإن كان في داخل طبقات السماوات والأرض فيلزم إما التداخل وإما
354

الانفصال بين سماء وسماء وهو الخلا، والكل مستحيل.
وهذا كما ترى مبني على فرض الجنة والنار في الجهات الامتدادية
الوضعية، وفي زمان من الأزمنة المتصرمة.
مع أن أصل إثبات المكان على هذا الوجه للجنة والنار باطل، وذلك لما أشار
إليه في الأسفار من (أن عالم الآخرة عالم تام لا يخرج عنه شئ من جوهره وما
هذا شأنه لا يكون في مكان كما ليس لمجموع هذا العالم أيضا مكان يمكن أن
يقع إليه إشارة حسية وضعية من داخله أو خارجه لأن مكان الشئ إنما يتقرر
بحسب نسبته إلى ما هو مباين له في وضعه خارج عنه في اضافته، وليس في
خارج هذا الدار شئ من جنسه وإلا لم يوجد بتمامه، ولا في داخله ما يكون
مفصولا عن جميعه، فلا إشارة حسية إلى هذا العالم إذا أخذ أخذا تاما لا من
داخله ولا من خارجه فلا يكون له أين ولا وضع، ولهذا المعنى حكم معلم
الفلاسفة بأن العالم بتمامه لامكان له فقد اتضح أن ما يكون عالما تاما فطلب
المكان له باطل، والمغالطة نشأ من قياس الجزء بالكل والاشتباه بين الناقص و
الكامل إلى أن قال فقد ثبت وتحقق أن الدنيا والآخرة مختلفتان في جوهر
الوجود غير منسلكين في سلك واحد فلا وجه لطلب المكان للآخرة...).
أقول: وإذا كان طلب المكان للآخرة لعدم احتواها ودركها كان الالتزام
بالخلا وغيره من المحالات لتصحيحه من باب الفرار من المطر إلى الميزاب كما
صدر من إمام المشككين في أربعينه وفي غيره. مضافا إلى بطلان الآراء المذكورة
في الأفلاك.
(123)
قوله (لما صح فرق بين المجتمع والمتفرق من الجواهر والأجسام)
355

أقول: إذ الفرق بينهما من جهة أن المجتمع ما لم ينفصل بين الجسمين
موجود آخر والمتفرق ما وقع بين الجسمين موجود آخر فالموجودان اللذان بينهما
خلا مجتمعان لعدم حيلولة موجود بينهما إذا لخلا ليس شيئا، ومفترقان لتخلل
الخلا بينهما.
ثم إن الخلا إنما يعد خلا باعتباره خلوا عن كل وجود، فإذا فرضناه أمرا
موجودا كما ذكر الرازي صار ملأ وهو خلاف الفرض.
(124)
قوله في القول 98 (وإنه لا يصح تحرك الجوهر إلا في الأماكن)
قد تكرر نظير هذه العبارة من الشيخ في هذا الكتاب، ومراده ليس
تخصيص حركة الجواهر بالأماكن بل الحركة في الزمان وغيره أيضا لا ينكره،
بل مراده تخصيص احتياج الجواهر بالمكان بحال حركتها، وإنها لا تحتاج إلى
المكان إلا من حيث كونها متحركة كما صرح به سابقا.
(125)
قوله في القول 99 (وعلى هذا القول ساير الموحدين)
أقول: أصل البحث عن الزمان ثم تفسيره على نحو لا يشمل الفلك فما
فوقها، ثم جعله قولا للموحدين إشارة إلى أن تصريح المتكلمين بالحدوث
الواقعي للعالم في مقابل الفلاسفة القائلين بالحدوث الذاتي لا يستلزم الحدوث
الزماني، بل هو جمع بين إثبات الحدوث الحقيقي في متن الواقع وبين إنكار
الحدوث الزماني بهذا المعنى إلا أن يفسر الزمان بمعنى آخر.
(126)
قوله في القول 100 (يتهيأ بها الفعل للانفعال)
356

أقول: اتفقت النسخ على ذكر كلمة الفعل مع إنه لا مناسبة له، لأن
الطبيعة تجعل محلها متهيأ للانفعال الخاص به لا الفعل إذ ما معنى تهيأ الفعل
للانفعال؟ فالأصح أن كلمة (الفعل) تصحيف (المحل) أو (الجسم) ويؤيد تمثيله
بالبصر وما فيه من الطبيعة التي بها يتهيأ لحلول الحس فيه فقد جعل التهيأ صفة
لمحل طبيعة البصر.
(127)
قوله (ومن أجله ما أمكن بها الاحراق)
ظاهر العبارة يفيد خلاف المقصود، فإنه يفيد أن الطبيعة من أجلها لا يمكن
الاحراق وإن طبيعة النارية تمنع من الاحراق، وعليه إما تكون كلمه (ما) زائدة
في (ما أمكن) أو تبديل كلمة (من أجله) بكلمة (من دونه) وأما احتمال كون
(ما) موصولة فلا يرفع الركاكة عن اللفظ وإن صحح المعنى.
(128)
قوله (وإن ما يتولد بالطبع فإنما هو لمسببه بالفعل في المطبوع وإنه
لا فعل على الحقيقة لشيئ من الطباع)
أقول: صرح الشيخ أولا بتأثير الطبيعة في تهيأ المحل لقبول الأثر وإن
الطبيعة لها سنخية مع الأثر الخاص بها مثل الإحراق مع النار ونحو ذلك.
وعليه فيجب تفسير عبارته هنا بما لا ينافي ما ذكره أولا فيكون مراده من
كون ما يتولد بالطبع لمسببه لا لها، الإشارة إلى أن من أشعل نارا وأحرق شيئا
ينسب الاحراق إليه لا إلى النار، وهذا بحث عرفي لا فلسفي. بخلاف البحث
الذي أشار إليه في أول الفصل وهو مدخلية الطبيعة في ترتب الأثر ووجود
سنخية بين الطبايع وآثارها إذ هو بحث معنوي واقعي وقع بين الأشاعرة وبين
357

جميع العقلاء، فإن عقلاء العالم يحكمون ببديهة عقولهم بأن النار تحرق والعين
تبصر والأنف تشم والرجل يمشي الخ وإنه ليس نسبة الاحراق إلى النار والماء
على السواء، ولا نسبة الرؤية إلى العين وإلى الرجال على نهج واحد ولا نسبة
الرؤية إلى العين كنسبة المشي إليها وهكذا.
والأشاعرة نفوا هذا الأمر الوجداني وحكموا بتساوي نسبة آثار كل
طبيعة إليها وإلى غيرها فسووا بين نسبة الرؤية إلى العين وإلى الرجل، كما
سووا بين نسبة الرؤية والمشي إلى العين.
ومن غريب ما صدر من العلامة الزنجاني أنه نسب قول العدلية إلى
الفلاسفة الطبيعيين وفسره على نحو ينطبق تماما على عقيدة جميع العقلاء و
منهم الشيعة إذ ليس فيه ما ينافي التوحيد إلا على مذهب الأشاعرة المنكرين
للأسباب والمسببات أو الوهابيين الذين يرون إثبات الأفعال لغير لله (تعالى)
منافيا للتوحيد، ولكنه غلط واضح منهم إذ كما أن إثبات الأفعال الاختيارية
للعباد لا ينافي التوحيد، كذلك إثبات الأفعال الطبيعية للطبائع، بل كلها من أدلة
التوحيد.
ومن الغريب أنه قده ذكر أولا مذهب أكثر الموحدين على نحو لا ينطبق
إلا على مذهب الأشاعرة، ثم نسب ما هو عقيلة الشيعة وسائر العدلية إلى
الطبيعيين، ثم ذكر مذهب الأشاعرة أخيرا على نحو لا يوجد فرق معنوي بينه و
بين ما جعله مذهب أكثر الموحدين إلا في ذكر كلمة (عادة الله) في هذا دون
ذلك وهذا لا أثر له بعد ما فرضنا أن افعال الطبايع لا تستند إليها أصلا بل هي
من فعل الله (تعالى) فحينئذ يلازم هذان الالتزام بأن عادة الله جرت على خلق
هذه الآثار بعد هذه الطبايع.
358

وأما ما ذكره المصنف من قوله (وإنه لا فعل على الحقيقة لشيئ من الطبايع)
فسواء أريد بمسببه مسبب الأسباب جل شأنه أو الانسان الذي يستفيد من
الطبيعة مثل من يشعل النار ليحرق بها، فليس مراده أن النار لا أثر لها في
الاحراق، بل المراد أن الفعل يستند إلى المسبب فيقال إن الله يحرق أهل المعصية
بالنار أو إن زيدا أحرق الخشب بالنار.
وهناك خلاف آخر بعد الاتفاق على وجود التأثير والتأثر بين الأسباب
والمسببات في أن هذه الطبايع هل تؤثر بنفسها مستقلة أو بسبب مسبب
الأسباب؟ وبعبارة أخرى هل هذه التأثيرات ذاتية لها؟ أو إنها بالعرض وينتهي
إلى ما بالذات؟
فالطبيعيون جعلوها ذاتية لها مستغنية عن مسبب الأسباب والموحدون
يجعلونها منتهية إلى الفاعل الحقيقي ومسبب الأسباب.
وهذا الاحتمال أولى بأن يجعل تفسيرا لقول المصنف (فإنه لمسببه وإنه
لا فعل على الحقيقة لشئ من الطباع).
(129)
قوله في القول 101 كما في بعض النسخ (ولا أراه مسندا لشيئ من
التوحيد)
الظاهر أنه تصحيف كلمة (مفسدا) إذ لا معنى لكلمة (مسندا) هنا سواء
قرء بصيغة الفاعل أو المفعول.
(130)
قوله في القول 102 (بلا فصل)
الغرض من عنوان هذا الباب إزاحة شبهة ص لبعض المتكلمين توهموا
359

إمكان الفصل بين الإرادة والمراد بسبب ما رأوا من أن الانسان يقصد عملا ثم
يصدر منه ذاك العمل بعد مضي زمان، ومنشأ غلطهم خلطهم بين مقدمات
الإرادة من الميل والعزم ونحوهما وبين نفس الإرادة، فعنوان هذا القول للإشارة
إلى أن الإرادة هي الجزء الأخير من الإقدام النفسي الصادر من الفاعل متصلا
بالفعل، وإن ما قبله ليست إرادة.
وأما قوله (إلا أن يمنع الخ)
الصحيح هكذا (إلا أن يمنع من فعل المريد غير المريد) أو (إلا أن يمنع من ذلك
من فعل غير المريد) يعني يمنع من إيجاب الإرادة لمرادها من جهة فعل غير المريد.
(131)
قوله في القول 104 (لقولي في المحدث)
في العبارة إبهامات:
الأول إن قوله (الفعل الذي تسميه الفلاسفة النفس) الظاهر كون
كلمة الفعل تصحيف (الشئ) أو (المكلف) لما مر في القول 54 فراجع ولم يقل
أحد من المتكلمين والفلاسفة بأن الانسان أو النفس فعل بل الأمر كما ذكرنا.
ولكن حيث أن الكلام في قسمي الفعل وهما المتولد وغيره، فيناسب أو
يلزم إثبات كلمة (الفعل) هنا، وعليه فجملة (وهذا مذهب اختصرته أنا لقولي
في المحدث) تكون جملة كاملة واضحة المعنى لأن تسمية الفعل بالمحدث لا غبار
عليه، كما إن كونه مقسما للمتولد وغيره واضح.
غاية الأمر يبقى الكلام في قوله (الفعل الذي تسميه الفلاسفة النفس)
كما مر وحينئذ فراجع إلى ما ذكره الفلاسفة من المناسبات بين النفس والفعل
قال صدر المتألهين في الأسفار ج 8 ص 6 (أما البرهان على وجودها - النفس -
360

فنقول: نا نشاهد أجساما يصدر عنها الآثار لا على وتيرة واحدة من غير إرادة،
مثل الحس والحركة والتغذية والنمو وتوليد المثل وليس مبدء هذه الأفعال المادة
... ولا الصورة الجسمية... فإذن في تلك الأجسام مباد غير جسميتها... وقد
عرفت في مباحث القوة والفعل أنا نسمي كل قوة فاعلية يصدر عنها الآثار
لا على وتيرة واحدة نفسا وهذه اللفظة اسم لهذه القوة لا بحسب ذاتها البسيطة
بل من حيث كونها مبدء لمثل هذه الأفاعيل المذكورة... فلأن للنفس قوة الادراك
وهي انفعالية، وقوة التحريك وهي فعلية...) انتهى كلامه.
أقول: إذا كان منشأ صدور جميع الأفعال والانفعالات هو النفس، بل إنما
سمى النفس نفسا من هذه الجهة، ولا معنى للنفس إلا هذا فحينئذ أصل
مناسبة ذكر النفس في تفسير الفعل صارت واضحة، غاية الأمر هي مبدء
الأفعال لا إنها فعل، فالصحيح أن تكون العبارة هكذا (اختصرته أنا لقولي في
المحدث للفعل الذي تسميه الفلاسفة النفس) بقرائة (المحدث) بكسر الدال
وإضافة اللام على الفعل، يعني أن قولي في محدث الأفعال ومبدؤها يوافق ما
عند الفلاسفة ويسمونه نفسا.
أو يقال إنه أراد بالفعل قابليته ومبدء صدوره كما يستعمل كثيرا.
الثاني من الإبهامات تطبيق ما ذكره من التفسير على عقيدة الفلاسفة وقد
تبين وجهه مما ذكرنا.
الثالث قوله (والأصل فيه الخ) أقول: هناك ثلث مسائل:
الأولى أصل كون الإرادة موجبة لمرادها وهذه اتضحت في القول 102.
الثانية إنها موجبة لمرادها سواء كان متصلا بها ويسمى غير المتولد أو
غير متصل ويسمى بالمتولد، فكلاهما يستندان إلى الإرادة وكلاهما تصيران
361

موجبين بالإرادة وهذه تبينت في القول 103.
الثالثة إن النسبة بين الموجب المتولد والموجب غير المتولد هي العموم
والخصوص مطلقا وهذه ذكرها في هذا القول ولا ريب في أن البحث عن
النسبة بين قسمين من الموجب يتوقف على إثبات أصل الايجاب وعلى شموله
للقسمين ولذا قال والأصل فيه الخ.
(133)
قوله في القول 105 (يولد أمثاله وخلافه)
أما أمثاله مثل توليد المعلم العلم في المتعلم وأما خلافه فمثل سرور العدو
فإنه يولد الحزن في عدوه وبالعكس.
إلى هنا نهاية اللطيف من الكلام ومن هنا بدء في الجليل من الكلام وهو
المسائل الأصلية إلى رقم 141.
(134)
قوله في القول 106 (ولست أعرف بين من أثبت التولد الخ)
هناك مسألتان كلامية وأصولية، فالأولى هو ما بحث عنه في القول 103
وهو إثبات صدور بعض الأفعال عن الانسان بالواسطة ويسمى بالتولد في
مقابل من أنكر استناد هذه الأفعال إلى المريد وأنكر ترتبه على فعله كما مر و
بعبارة أخرى الاعتراف بالأفعال التسبيبية وإنكارها والثانية، تعرض لها في هذه
المسألة وهي أن الأمر بالسبب هل يلازم الأمر بالمسبب أم لا؟ وكذلك الأمر
بالسبب هل يقتضي الأمر بالسبب أو لا؟
وحيث أنهما مبنيان على مسألة التولد فكان يتوهم الملازمة من الطرفين
ولكن المفيد قده فصل بينهما فجعل الأمر بالمسبب أمرا بالسبب مطلقا، وأما
362

الأمر بالسبب فجعله مقتضيا للأمر بالمسبب لولا المانع لا مطلقا وهذا هي التي
يبحث عنها في بحث مقدمة الواجب من علم الأصول. غاية الأمر حيثية البحث
في الأصول كونها مما يستنبط منها الأحكام الفقهية، وحيثية البحث هنا ما يليق
بشأن الحكيم وما لا يليق، في مقام التشريع والخطاب.
(135)
قوله في القول 108 (والبصريون الخ)
في العبارة سقطات يشبه أن تكون هكذا: (والبصريون يقولون باتحاد
معنى الشهوة، والدليل على تعدد معنى الشهوة إن أحد المعنيين موجود في كل
حيوان بالضرورة والمعنى الآخر تعلق الأمر بإيجاده والنهي عنه فيلزمهم القول
باتحاد الموجود والمطلوب وجوده أو الممنوع من وجوده وذلك محال، لأن الأمر
لا يتعلق إلا بما كان اختياريا وكذلك النهي إذ هو نقيض الأمر).
(136)
قوله في القول 109 (ولا أقول في حال الإيمان...)
أقول: البحث في أن القدرة تتعلق بأحد الطرفين أو هي متساوية النسبة
إلى الطرفين، وبالنتيجة البحث في أن الإيمان والكفر مقدوران أو لا.
وشبهة الجبرية هنا نظير شبهة الملحدين في إنكار الخالق حيث قالوا:
الخالق إما أن يعطى الوجود للموجود أو للمعدوم، فإن أعطى الوجود للموجود
لزم إيجاد الموجود واجتماع الوجودين لهوية واحدة وكذا إن أعدم المعدوم فإن
إعدام المعدوم وإيجاد الموجود محالان، وإن أعطى الوجود للمعدوم، أو أعدم
الموجود لزم اجتماع الوجود ولعدم في شئ واحد.
وهنا قالوا بنظير الشبهة وهو إن الذي اختار الإيمان هل كان قادرا على أن
363

يختار الكفر في نفس الوقت أو لا، فعلى الأول يلزم تصحيح اجتماع الضدين و
على الثاني يلزم علم قدرته على غير ما أختاره، وعليه فلا يكون قادرا على ما
اختاره أيضا وهو الجبر.
والجواب إن المؤمن كان قادرا باختيار الكفر بدل الإيمان، ولم يكن مانع
من جهة أخرى سوى اختياره للكفر، فهو باختياره أحد الطرفين أحال الطرف
الآخر وأما مع قطع النظر عن اختياره فماهية الفعل لا بشرط بالنسبة إلى الوجود
والعدم، كما إن متعلق جعل الباري (تعالى) أيضا الماهية من حيث هي لا بقيد
الوجود ولا بقيد العدم.
وأقول هناك ثلث مسائل، إحديها ضروري الامكان، الثاني ضروري
البطلان، الثالث محل خلاف.
فالذي لا خلاف في إمكانه أن نحكم على من هو مؤمن فعلا بأنه يمكن
أن يصير كافرا في المستقبل بأن يكون الكفر في المستقبل بدلا عن الإيمان
الفعلي، وبالعكس بأن يكون الإيمان في المستقبل بدلا عن الكفر فعلا. وهذا
هو الذي أشار إليه بقوله أخيرا (فأما القول بأنه يجوز من الكافر الإيمان في
مستقبل أوقات الكفر...) وحكمه بالإمكان بمعنى الإمكان الذاتي وإلا فبالنظر
إلى أدلة الموافاة يعتقد الشيخ عدم وقوعه.
وأما الذي لا خلاف في بطلانه فهو ملاحظة حال المؤمن بوصف أنه
مؤمن وأنه بهذا اللحاظ وبقيد اتصافه بالإيمان هل يمكن كون الكفر بدلا من
إيمانه أم لا وبالعكس وهو أن الكافر بقيد كونه كافرا هل يمكن اتصافه
بالإيمان، وهذا يكفي تصوره في إنكاره والحكم باستحالته، وذلك لأن ثبوت
الإيمان للمؤمن بقيد كونه مؤمنا والكفر للكافر بقيد كونه كافرا ضروري بشرط
364

المحمول، فإثبات ضدهما حكم باجتماع الضدين، وأشار إليه بقوله (ولا أقول في
حال الإيمان الخ).
وأما الحكم بإمكان الكفر للمؤمن حال إيمانه، وبإمكان الإيمان للكافر
حال كفره، ولكن لا بقيد الإيمان والكفر بل بنحو القضية الحينية والعنوان
المشير، فيقال هذا المؤمن قد كان يجوز أن يكون كافرا في حال إيمانه ويصير
الكفر بدلا من إيمانه وكذلك الكافر كان يجوز أن يكون الإيمان بدلا عن
كفره. فهذا محل خلاف بين المجبرة وغيرهم، فالمجبرة يقولون بضرورة الإيمان
لذات المؤمن والكفر لذات الكافر كما في الصورة الثانية والعدلية قالوا بإمكان
بدلية كل من الإيمان والكفر عن الآخر، وليست هناك ضرورة ولا استحالة إلا
بتبع حسن اختيار العبد أو سوء اختياره وإلى هذا أشار بقوله: وأقول إن الكفر
قد كان يجوز الخ وفي وسط المسألة بقوله: وإذا قال قد كان يجوز الخ وفي آخر
المسألة بقوله وإنما خلافهم في الأول.
(137)
قوله (وذلك أن جواز الضد هو تصحيحه وصحة إمكانه وارتفاع
استحالته الخ)
أقول: إشارة إلى القاعدة المسلمة من أن المحال كما لا يحكم بوقوعه
لا يحكم بإمكانه أيضا، وأنه كما لا يعلم لا يحتمل أيضا فاجتماع النقيضين
والضدين لا يحكم بجوازه ولا يصحح ولا يجوز.
(138)
قوله في القول 112 (من أصحاب الأصلح)
أقول: إشارة إلى أن الحكم بعدم جواز اخترام هذين الشخصين لا يبتني
365

على العدل وعلى لزوم رعاية المصلحة إذ لا يلزم ظلم ولا خلاف مصلحة من
اخترامه بعد ما كان مختارا واختار الكفر أو الفسق باختياره، نعم لم قلنا بوجوب
اللطف على الله (تعالى) الذي هو مرتبة زائدة على العدالة وعلى رعاية المصلحة
وقلنا بأنه كما يجب على الله (تعالى) ترجيح الصلاح على الفساد يجب عليه
ترجيح الأصلح على الصلاح فحينئذ يستنتج ما ذكره قده، راجع القول 27.
فإنه تعالى لو اخترم من ذكر لكان خلاف اللطف ولكان تاركا للأصلح.
(139)
قوله في القول 113 (لمن يستصلح به غيره)
أقول: خلاصة البحث أن إيلام شخص لشخص آخر على أربعة أقسام:
لأن صاحب الألم إما مؤمن أو كافر وصاحب المصلحة أيضا إما مؤمن أو كافر.
أما إيلام المؤمن لمصلحة مؤمن آخر فلا إشكال في جوازه كما لا إشكال في
وجوب العوض عليه (تعالى)، كما لا إشكال في إيلام الكافر لمصلحة المؤمن مع
عدم العوض، وأما إيلام المؤمن لمصلحة الكافر فظاهر الشيخ المفيد جوازه و
وجوب العوض عليه (تعالى)، وأما إيلام الكافر لمصلحة الكافر فأصل ثبوته،
الظاهر جوازه وأما ثبوت العوض عليه فمحل إشكال.
وأما بناؤه على نفي الاحباط فلأن كل عمل خيرا كان أو شرا إذا كان
سببا لإحباط ما سبقه من ضده فحينئذ لا يمكن توجيه ألم شخص لشخص آخر
مؤمنا كان أو كافرا إذ لا حساب ولا موازنة على هذا القول وإلى هذا القول أشار
بقوله دون من وافقني في العدل والإرجاء، وأما بناء على نفي الاحباط كما عليه
الشيعة وإن الأعمال الصادرة من المكلفين لها حساب ميزان ومن يعمل مثقال
ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فيستقيم هذا القول وإلى هذا أشار
366

بقوله (وهذا مذهب من نفي الاحباط من أهل العدل والإرجاء).
وخلاصة كلامه أن من قال بالعدل والإرجاء مع الاحباط لا يمكنه الالتزام
بهذا، ومن قال بالعدل والإرجاء بدون الاحباط فيستقيم هذا على مبناه.
(140)
قوله في القول 116 (وبجميعه أيضا)
يعني قد يعاقبهم في الدنيا في مقابل بعض معاصيهم ويبقي جزاء
الباقي إلى الآخرة، وقد يجازيهم جميع معاصيهم في الدنيا فلا يبقى شئ إلى
الآخرة بل يدخلون الجنة فيها.
(141)
قوله في القول 115 (وأما كونه ثوابا فلأن أعمالهم أوجبت في جود
الله وكرمه الخ)
أقول، ظاهر العبارة الاستناد في كونه ثوابا على جوده (تعالى) وكرمه، مع
أن ما يصل إلى العبد من طريق الجود والكرم يكون عين التفضل لا الثواب،
مضافا إلى أن العطاء المستند إلى الجود والكرم لا يشترط بالأعمال.
وهناك احتمال آخر وهو أن الله (تعالى) حيث أنه تعهد ووعد الثواب
في مقابل الأعمال وهو لا يخلف الميعاد لقبحه، فالجزاء يجب عليه في مقابل
الأعمال ثوابا لوجوبه عليه (تعالى)، والقرينة على إرادة هذا الاحتمال قوله
(أعمالهم أوجبت).
وأما ذكر الجود والكرم للاحتراز عن الوجوب من جهة عدله.
(142)
قوله في قوله 117 (وقد يعبر...)
367

ولعل من هذا القبيل قوله (تعالى) في فرعون: فأراد أن يستفزهم من
الأرض) 103 الاسراء، يعني أنه كان مصمما على ذلك من دون أن يصل إلى
مرحلة العمل، وقوله (تعالى): فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما 19
القصص أي قصد، وأما الإرادة المتصلة بالعمل فلا ينفصل عنه إلا بقاسر خارجي.
(143)
قوله في القول 118 (ومحال تعلق الإرادة بالموجود أو الإرادة له بأن
يكون تقربا)
أقول: ضمير له يرجع إلى الفعل يعني إرادة الفعل للتقرب وإرادته بأن
يكون موصوفا بالتقرب وهذا البحث يمكن أن ينطبق على بحث الانقياد
والتجري المبحوث عنهما في الأصول، وإن اختلفت حيثية البحث هنا مع
الأصول، فالبحث هنا عن أن الحكم العقلي للإرادة من الحسن والقبح والمقربية
والمبعدية هل هو تابع للمراد، بأن تكون إرادة الحسن حسنا مقربا وإرادة القبيح
قبيحا ومبعدا عن المولى؟ أو إن الإرادة ربما تخالف المراد فتكون إرادة الحسن
قبيحا وإرادة القبيح حسنا، أو بالأقل لا يتصف بصفة المراد وإن لم يتصف بصفة
ضده أيضا.
فالشيخ المفيد حكم هنا بتبعية الإرادة للمراد، من جهة الأحكام العقلية
والشرعية فإرادة الحسن حسنة، وإرادة القبيح قبيحة، وإرادة المقرب مقربة، وإرادة
المبعد مبعدة، ولا يمكن التفكيك بين حكم الإرادة والمراد.
وبعبارة أخرى المريد متمكن من إرادة المقرب وإيجادها وعدم إرادته،
وليس له إن جعلها مقربة، بل إذا أوجدها فهي مقربة أو مبعدة بنفسها كما
يحكي عن الشيخ ابن سينا من أن الله ما جعل المشمش مشمشا بل أوجدها.
368

(144)
قوله في القول 119 (وقد أطلق بعض أهل النظر)
قد وردت روايات وعبارات في أدعيتهم عليهم السلام تؤيد بعض ما ذكره
هذا البعض، منها ما رواه الكليني في باب أن الإرادة من صفات الفعل، الحديث
الثالث، بسند صحيح عن أبي الحسن (ع) (... الإرادة من الخلق الضمير و
ما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، وأما من الله (تعالى) فإرادته إحداثه لا غير ذلك
لأنه لا يروى ولا يهم ولا يتفكر، وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق،
فإرادة الله الفعل لا غير ذلك بقوله له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة
ولا تفكر ولا كيف لذلك كما إنه لا كيف له.
(145)
قوله في القول 121 (وهذا مذهب كافة أهل العدل من الشيعة
والمعتزلة والمرجئة والخوارج والزيدية والمجبرة بأجمعهم على خلافه)
لا إشكال في أن الشيعة والمعتزلة تفسيران لكلمة أهل العدل، كما إنه
لا إشكال في أن المجبرة مبتدأ خبر ما بعده، وأما المرجئة والخوارج والزيدية فإن
جعلناها معطوفة على المعتزلة يكون الجميع تفسيرا لكلمة أهل العدل مع إنه
لم يعهد عد المرجئة والخوارج من العدلية وإن كانت الزيدية منهم.
وإن كان الواو في قوله والمرجئة استينافا فالمحذور يرفع من هذه الجهة و
لكن يبقى الكلام في نسبته المخالفة في المعنى المذكور إلى الخوارج والزيدية
فإنهما يوافقان الشيعة في المعنى المذكور للشهادة. نعم المرجئة لا يبعد مخالفتهم
معنا في هذا المعنى.
والأولى أن تكون المعتزلة عطفا على الشيعة فتكونان تفسيرين لكلمة
369

أهل العدل، ثم تكون المرجئة والخوارج والزيدية عطفا على كلمة كافة، يعني أن
هذا مذهب كافة أهل العدل ومذهب المرجئة والخوارج والزيدية، ثم يستأنف
بقوله (والمجبرة بأجمعهم على خلافه).
(146)
قوله في القول 123 (ولا يوالي من يصح أن يعاديه)
أقول: النسخ التي بأيدينا اتفقت على زيادة لا في (لا يوالي) والظاهر أنها
زائدة لأن الفقرتين إنما يحكيهما الشيخ للرد:
إحديهما قوله (فأما القول بأن الله سبحانه قد يعادي من يصح موالاته له
من بعد) يعني أن من كان ظاهره فعلا الكفر ولكن الله (تعالى) يعلم أنه يصير
في المستقبل مؤمنا محبا لله (تعالى) فالقول بأن الله يعاديه الآن لفسقه أو لكفره
الظاهر فعلا يظهر بطلانه مما ذكرنا في باب الموافاة وقلنا بأن من كان آخر أمره
الإيمان فإن الله (تعالى) يحبه طول حياته.
والفقرة الثانية قوله (فأما القول بأن الله... لا يوالي من يصح أن يعاديه
فقد سلف قولنا فيه في باب الموافاة) أقول: كلمة (لا يوالي) مترادف أو متلازم
لقوله يعادي فكأنه قال (وأما القول بأن الله يعادي من يصح أن يعاديه فقد سلف
قولنا فيه في باب الموافاة) ومعلوم أن سياق نقله لهاتين الفقرتين أنه في مقام
الرد عليهما بما ذكره في باب الموافاة، مع أن الفقرة الثانية على فرض وجود كلمة
(لا) في أولها يكون عين ما ذكره في باب الموافاة، لأن معناه على هذا: إن
الله (تعالى) يعادي العبد الذي كان ظاهره الإيمان والتقوى إذا علم أنه في
المستقبل يصير من أعدائه، وهذا عين عقيدته في باب الموافاة.
وأما إذا أسقطت كلمة لا فالمعنى أنه (تعالى) يوالي الآن من ظاهره فعلا
370

الإيمان وإن كان في المستقبل من أعدائه وهذا خلاف عقيدته هناك. هذا
ما يرجع إلى العبارة.
وأما شرح المعنى فأقول: إن المفيد قده قد ربط ما اختاره في هذا المسألة
بالارجاء والعدل والموافاة وقد علم كيفية ربطها بالموافاة.
وأما ربطها بالعدل فلأنا لو قلنا بأن من ظهر منه الإيمان والعمل الصالح
في مدة من الزمان، وكان إيمانه واقعيا حينذاك، وإن كفره حدث بعد ذلك
فكيف يصح الاغماض عن إيمانه وعمله الصالح في تلك البرهة من الزمان، و
المعاملة معه معاملة من كان كافرا طول عمره، إلا على ما اختاره في باب الموافاة
من أنه لم يؤمن طرفة عين فحينئذ يكون منطبقا على العدل.
وأما ربطه بالارجاء فلأن الارجاء عبارة عن جعل الملاك الأصلي هو العقيدة
دون العمل كما عليه الخوارج والمعتزلة، فحينئذ يستقيم الحكم بمن ختم له
بالكفر، أن يكون الله (تعالى) عدوا له طول عمره مع ما هو عليه من ظاهر
الإيمان والأعمال الصالحة، وذلك لكونه في الباطن غير مؤمن بل كافرا، والمهم
هو العقيدة.
ويستقيم أيضا الحكم بأن الله يوالي من يختم له بخير وإن كان كثيرا من
عمره على ظاهر الكفر والفسق لكونه في الباطن مؤمنا تمام عمره.
وقد علم سابقا أن كلمة الارجاء عند الشيخ ليس بمعنى سقوط العمل
رأسا كما عند المرجئة، بل بمعنى أصالة العقيدة وفرعية العلم وعدم دخله في
الإيمان والكفر لا عدم دخله في الثواب والعقاب أصلا.
(147)
قوله في القول 124 (إنها قد تجب الخ)
371

تشير إلى ما أشار إليه الشيخ الأنصاري من اتصاف التقية بالأحكام
الخمسة.
(148)
وقوله (ولا فيما يغلب أو يعلم أنه استفساد في الدين)
أقول: لما كانت مسألة التقية من مصاديق باب التزاحم يراعي المرجحات
المذكورة هنا وحيث أن الدين أهم من نفس المؤمن فقاعدة الأهم والمهم يقتضي
ترجيح حفظ الدين على حفظ النفس.
(149)
قوله (وهذا مذهب يخرج عن أصول أهل العدل وأهل الإمامة
خاصة...)
أقول: يخرج بالتشديد، مراد قده أنه يستخرج على أصول أهل العدل و
الإمامة دون غيرهم وعليه فكلمة (عن) إما تصحيف (على) أو بمعناه.
(150)
قوله في القول 125 (كما تقدم في الصفة)
أقول: هذا البحث مر منه في موارد من كتابه، منها في القول 18 والقول
19 ولكن البحث في الأول عن صفاته (تعالى) بالنسبة إلى ذاته، لا مطلق الصفة
مع موصوفها، وفي مقابله المشبهة والأشاعرة كما أشار إليهما الشيخ في
المسألتين.
وبحث عنها في الأسفار ج 6 ص 133 وفي شرح المواقف ج 8 ص 44
وفي شرح المقاصد ج 5 ص 68.
وفي الثاني أعني القول 19 عن الصفة والموصوف بقول مطلق وعلى
372

النحو العام لا خصوص صفاته (تعالى).
وكلا البحثين لا يرتبطان بالمقام فإن الاسم والمسمى غير الصفة والموصوف
واقعا وإن كان ربما يطلق أحدهما على الآخر مسامحة ولهذا قال (الاسم غير
المسمى كما تقدم من القول في الصفة وإنها غير الموصوف) يعني أن بحث
الصفة والموصوف يختلف عن بحث الاسم والمسمى وإن كان مختار الشيخ في
كلا المقامين الحكم بالمغايرة وعدم الاتحاد، وهذا هو البحث الرائج في علم
الكلام من أن الاسم عين المسمى أو غيره ولكن هذا أيضا قد يبحث على نحو
العموم وإن الاسم هل له نوع من الاتحاد مع المسمى كما ربما يوهم إليه تقسيم
الفلاسفة وجود كل شئ إلى وجود لفظي ووجود كتبي ووجود ذهني و
خارجي، وكما يشعر إليه أيضا ما يوجد في كلام بعض الأصوليين مثل
صاحب كفاية الأصول من فانوية اللفظ في المعنى والاسم في المسمى وكونه
ما به ينظر لا ما فيه ينظر وغير ذلك، أو إن الاسم غير المسمى كما اختاره
الشيخ المفيد قده.
وقد يبحث عن صفاته (تعالى) على الخصوص وإنها هل هي عين
المسمى أو غيره كما يظهر من نسبة الخلاف إلى أهل التشبيه.
وهذا هو الذي أطال البحث فيه المتكلمون بعنوان البحث عن الاسم و
المسمى. فراجع شرح المقاصد ج 5 ص 337 وغيره في غيره وكذا أجود
التقريرات ج 1 ص 84 بحث المشتق والكفاية ج 1 ص 85 ولكن مع مغايرة
جهة البحث في الأصول والكلام.
(151)
قوله في القول 126 (وهذا مذهب متفرع على القول بالعدل والإمامة)
373

أقول: أما بناء على إنكار العدل والقول بالجبر فلا معنى للأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، إذ هو أمر مجبور لمجبور، أو نهى مجبور مجبورا فإذا فرضنا أن
المطيعين والعصاة كلما يفعلونه بإرادة الله (تعالى) من دون اختيار لهم، فما معنى
أمرهم بما لا يطيقون فعله ونهيهم عما لا يقدرون تركه.
وأما بناء المسألة على الإمامة فلان من جملة العصاة بل رأسهم ورئيسهم
الأمراء والسلاطين، وهم عند أهل السنة أولوا الأمر الواجب إطاعتهم و
احترامهم، وأيضا ما ذكره من أن بسط اليد فيه مشروط بوجود السلطان وإذنه
وإيجابه، فالخوارج والمعتزلة لا يشترطون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
شرطا أصلا، بل يوجبونه على كل حال وأما بقية أهل السنة فإنهم يرون بسط
اليد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خروجا على أولي الأمر وشقا لعصا
المسلمين وصيرورة فاعلهما من أهل البغي والفتنة فلا يستقيم على قولهم الخروج
بالسيف وبسط اليد أصلا. راجع مقالات الاسلاميين للأشعري ج ص.
وأما على قول الشيعة فلأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان
ولكن باللسان والأزيد منه مشروط بإذن الإمام المعصوم (ع)، ومن هنا ظهر أن
مراده بالسلطان الإمام المعصوم إذ لا معنى لاشتراطه بإذن سلطان الجور.
ولو أريد بالسلطان غير المعصوم فلا يحصل له بسط اليد إلا بعد وجود
السلطان الجديد وإلا فلا معنى للخروج على سلطان بإذنه، والمفروض أنه
لا سلطان لهم إلا بعد بسط اليد فيتوقف كل من بسط اليد وإذن السلطان على
الآخر وبطلانه دليل على إرادة الإمام من السلطان.
(152)
قوله في القول 127 (وإن تعلق بالوجود بأفعال قبيحة...)
374

بعد ما ظهر من تصريحاته قده أنه ممن يرى امتناع اجتماع الأمر والنهي
لا جوازه فيما إذا اجتمعا، فحينئذ تحتمل هذه العبارة وجهين
أحدهما: إن العبادة إذ استكملت شرائطها وأجزائها فلا يضرها الأمور
المقارنة بها إذ كانت محرمة أو قبيحة، مثل النظر إلى الأجنبية في حال الصلاة،
فإنها من المقارنات الوجودية للصلاة لا من الأمور المتحدة معها وجودا.
الثاني إن العبادة إذ استجمعت الأجزاء والشرائط في نفسها يحكم
بصحتها وإن تعلق وجودها الخارجي بأفعال قبيحة تصدر من فاعلها، ولكن
لا في حال الصلاة بأن تصدر العبادة من مؤمن فاسق، فإن اتحاد الفاعل يكون
سببا لربط العبادة وتعلقها بأفعال قبيحة تعلقا ما.
وهذا هو الذي يعبر عنه في الفقه بشرائط القبول وإن شارب الخمر
والعاق لوالديه وفلان وفلان لا تقبل صلاتهم ويفرقون بينها وبين شرائط
الصحة.
(153)
قوله في القول 128 (واستعماله على الأغلب في العصيان)
عطف على كلمة (ظاهر) يعني لا بأس به إذا لم يكن بضرر أهل الإيمان
ولا يكون استعماله على الأغلب في العصيان.
وحاصله أن المتابعة معهم يجوز بشرطين، أحدهما عدم تضرر أهل
الإيمان، الثاني أن لا يكون مشوبا بكثرة المعصية بحيث يكون غالبا مبتلى
بالمعصية كما هو شأن بساط أهل الجور من كثرة الفسق والفجور والظلم.
وهنا بحث لازم وهو الفرق بين هذه العناوين الخمسة المذكورة في عبارة
المفيد قده فنقول: المعاونة عبارة عن تهيئة الأسباب والمقدمات لفعل الظالم مثل
375

تهيئة السيف لقتله شخصا فإن كان مؤمنا فحرام وإن كان مهدور الدم فجائز أو
واجب كما أشار إليه.
وأما الأعمال من قبلهم فهو الدخول في الدوائر الحكومية وقبول الأشغال
والمناصب الرسمية وهذا هو الذي حكم بحرمته إلا من يأذن له إمام الزمان أو
نائبه عند الإمامية.
وأما المتابعة لهم فهو قبول رئاستهم وعدم الخروج عن تحت رايتهم وكونه
رعية وتبعا لهم بحيث يعد من اتباع حكومته فحكم بجوازه بشرطين كما أشرنا.
وأما الاكتساب منهم فهو يحتمل معنيين، أحدهما مطلق الصناعة والتجارة
معهم مثل أن يكون بناء يبني لهم الدار كغيرهم وتاجرا يبيع منهم المتاع كغيرهم.
الثاني أن يختص بهم بحيث يقال مثلا بناء الحكومة أو نجارها أو الذي
يشتري أو يبيع للحكومة فقط كما أشار إليه الشيخ الأنصاري.
وأما الانتفاع بأموالهم فهو مثل أخذ جائزتهم أو شراء الأموال التي كانت
بأيديهم من دون وجود شئ من العناوين المذكورة سابقا.
ولتفصيل البحث راجع مبحث معاونة الظالمين ومبحث جوائز السلطان من
كتاب مكاسب الشيخ الأنصاري.
(154)
قوله (ولست أعرف لهم موافقا لأهل الحلاف)
أي من أهل الخلاف والسبب في اختصاص هذه الأحكام بأهل الإمامة و
عدم وجود موافق لهم من المخالفين ص اختصاصهم باشتراط العصمة في حاكم
المسلمين وإمامهم، ولازمه كون كل من جلس مجلسهم ظالما غاصبا وكل من
شاركه في ظلمه شريكا معه، وأما أهل الخلاف فلا يوجد فيهم من يشترط
376

العصمة في الإمام، بل اتفقوا على تصحيح الحكومات الجائرة في الجملة وإن
اختلفوا في أمور جزئية.
وأما حكومة الفقيه وولايته فهي من فروع ولاية الإمام وحكومته (ع)
لا شئ في مقابلها حتى ينافي اشتراط العصمة.
(155)
قوله في القول 129 (لاستحالة حصوله إلا وهو فيه)
لا خلاف بين الشيعة في أن ملاك حجية الإجماع كشفه عن قول
المعصوم (ع) ولكن يمكن تفسير هذا بمعنى أن حجية الإجماع يتوقف على إحراز
اشتماله على قول المعصوم (ع) فالواجب لمن يدعي الإجماع إحراز أمرين: الأول
إحراز اتفاق العلماء، الثاني إحراز وجود رأي المعصوم (ع) فيهم وحينئذ يأتي
إشكالات عديدة تعرضوا لها في علم الأصول أهمها إن من أحرز رأي المعصوم
فلا حاجة له إلى آراء البقية وهل نسبة آرائهم إلى الحجة الواقعية إلا كنسبة
الحجر إلى الإنسان، ومن لم يحرز رأيه فلما ذا يتكلف لجمع آراء الفقهاء، و
يمكن تفسيره على نحو لا يرد عليه هذا الاشكال بأن آراء العلماء إمارة عقلائية
وشرعية تكشف عن رأي المعصوم (ع) كشفا نوعيا مثل كون خبر الثقة ونحوه
كاشفا عنه وعليه فإحراز الإجماع إحراز لرأي المعصوم (ع) بالملازمة، إلا أن يقوم
دليل في مورد على عدم كون الإجماع فيه كاشفا، وإلا فالأصل في الإجماع
اشتماله على رأي المعصوم (ع)
وإلى هذا أشار الشيخ المفيد قده بقوله (لاستحالة حصوله إلا وهو فيه).
(156)
قوله (ويخالفهم فيه الخ)
377

ليست مخالفتهم مع الشيعة في حجية الإجماع إذ هم أشد تمسكا
بالاجماع منا بل مخالفتهم في كون حجيته بتبع قول المعصوم (ع) كما إن الحجة
عندنا إجماع علماء الشيعة فقط، وأما عند كل فرقة فإجماع علمائهم، فكما
لا تضر بإجماعنا مخالفة علماء العامة بل يقويه كذلك لا يضر بإجماعهم مخالفة
علماء الشيعة بل يقويه.
(157)
قوله في القول 130 (ما يدل على صدق راويه)
أقول: ذكر الراوي لا يدل على اختصاص دليل الصدق على القرائن
السندية مثل الوثاقة ونحوها بل المراد كل دليل من سند الرواية أو متنها مثل
كونه موافقا للكتاب ومخالفا للعامة أو نحو ذلك مما ذكروا.
كما إن دلالته على صدق الخبر أعم من الدلالة الشخصية أو النوعية بأن
تفيد الاطمينان النوعي وغير ذلك فليس مراده ما نسب إلى السيد المرتضى من
إنكار حجية الخبر الواحد.
والقرينة على ما ذكرت إسناده رأيه إلى جميع الشيعة بل جميع المسلمين
غير متفقهة العامة وأصحاب الرأي.
إذ لو كان رأيه في الخبر الواحد رأي السيد المرتضى لكان رأيه مخالفا
لجمهور الشيعة ولجمهور المسلمين أيضا وموافقا لمتفقهة العامة وأصحاب الرأي
فإنهم يفرطون في رد الأخبار الآحاد.
(158)
قوله في القول 131: (إن حكاية القرآن قد يطلق عليه اسم القرآن.)
وقع البحث بين العدلية وغيرهم في قدم كلام الله (تعالى) الذي أوحى به
378

إلى أنبيائه عليهم السلام فاختار الأشاعرة والحشوية قدم كلامه (تعالى) وإنه عين
ذاته أو لا هو ذاته ولا غيره إلى آخر ما ذكروه، ثم فرعوا على ذاك البحث بحثا
آخر وهو أن ما كتب في المصاحف وما يقرء في المجالس هل هو أيضا عين
كلام الله (تعالى) حتى يكون قديما ومتحدا مع ذاته (تعالى) أو لا، واختار أكثرهم
أنه أيضا قديم لأنه عين كلام الله (تعالى)، وبعضهم تلجلج في بيانه فقالوا بأنه
عينه من جهة وغيره من جهة أخرى، وآراء نحو ذلك، حتى أن بعضهم حكم
بقدم ورق القرآن وجلده واتحادهما مع ذاته (تعالى)، ولم يخطؤا هدفهم لأن
الهدف من اختراع عقيدة قدم القرآن هو إدخال عقيدة التجسيم في هذا القالب
بعقيدة المسلمين، إذ لا يخفى على أحد أن ما تقرء هواء وما يكتب حبر و
قرطاس فاتحاده مع المحكي تأليه للجسم والهواء.
(159)
قوله في القول 131 (ويخالف فيه)
أقول: قال العلامة الزنجاني (فالألفاظ والعبارات المنزلة على الأنبياء على
السن الملائكة دلالات على ذلك الكلام الأزلي القديم فالمدلول عنده قديم
والدلالة محدثة). أقول: هذا ما فسر المتأخرون من الأشاعرة كلام شيخهم
الأشعري أو بالأصح أن نقول إنهم أولوا كلامه واعتذروا عما يلزمه من
المناقضات بهذه التوجيهات.
ولكن الدقة في كلامه كلام المتبحرين في فهم مذهبه يؤيد ما صرح به
هو في كتبه واتباعه المخلصون له: من أن كلام الله الذي هو قديم هو عين
المكتوب في المصاحف والمقروء على الألسن وأن المقروء والمكتوب قديمان
والقراءة والكتابة حادثتان ولتوضيح المطلب ننقل عبارة شرح المواقف حتى يتضح
379

المراد، فإنه بعد ما أتم البحث عن كلام الله (تعالى) قال:
(... إعلم أن للمصنف مقالة مفردة في تحقيق كلام الله (تعالى) على وفق ما
أشار إليه في خطبة الكتاب ومحصولها: إن لفظ المعنى يطلق تارة على مدلول
اللفظ وأخرى على الأمر القائم بالغير، فالشيخ الأشعري لما قال الكلام هو المعنى
النفسي فهم الأصحاب منه أن مراده مدلول اللفظ وحده، وهو القديم عنده وأما
العبارات فإنما تسمى كلاما مجازا لدلالتها على ما هو كلام حقيقي، حتى
صرحوا (بأن الألفاظ حادثة على مذهبه أيضا، لكنها ليست كلامه حقيقة، و
هذا الذي فهموه من كلام الشيخ له لوازم كثيرة فاسدة، كعدم إكفار من أنكر
كلامية ما بين دفتي المصحف مع أنه علم من الدين ضرورة كونه كلام الله (تعالى)
حقيقة، وكعدم المعارضة والتحدي بكلام الله (تعالى) الحقيقي، وكعدم كون
المقروء والمحفوظ كلامه حقيقة إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتفطن في الأحكام
الدينية فوجب حمل كلام الشيخ على المعنى الثاني فيكون الكلام النفسي عنده
أمرا شاملا للفظ والمعنى جميعا قائما بذات الله (تعالى)، وهو مكتوب في
المصاحف مقروء بالألسن محفوظ في الصدور، وهو غير الكتابة والقراءة
والحفظ... وهذا المحمل لكلام الشيخ مما اختاره لشيخ محمد الشهرستاني في
كتابه المسمى نهاية الإقدام، ولا شبهة في أنه أقرب إلى الأحكام الظاهرية
المنسوبة إلى قواعد الملة).
انتهى كلام الجرجاني وهو والشهرستاني، أعرف بمذهب الأشعري من
غيرهما.
(160)
قوله في القول 132 (... وليس هو رفع أعيان المنزل منه...)
380

أقول: يشير بهذا إلى ما ذهب إليه العامة من نزول سور وآيات نسخت
تلاوتها وبقيت أحكامها مثل آية الرجم وسورة الخلع وغيرهما مما رووه في
صحاحهم ومسانيدهم، والأصل في اختراع هذه العقيدة كثره روايات تحريف
القرآن في كتبهم المعتبرة فرأوا أنهم لو اعترفوا بالآيات الواردة في هذه الروايات
شنع عليهم مخالفوهم بسبب القول بالتحريفات الكثيرة، ولو أنكروا صحة هذه
الروايات على كثرتها وصراحتها سرى الشك في جميع رواياتهم وصحاحهم
ومسانيدهم، وتكذيب جمع من أعاظمهم مثل عمر بن الخطاب وعائشة و
غيرهما فالتجأوا إلى اختراع هذه العقيدة المتناقضة في نفسها إذ ما معنى كونه من
القرآن ولكن لا يقرء في القرآن بل خارجه.
وأشار إليه في آخر البحث بقوله (ويزعمون أن النسخ وقع في أعيان
الآي...).
(161)
قوله (أنكروا نسخ ما في القرآن على كل حال)
أقول: ويظهر من سيدنا الأستاذ المرجع الديني الكبير السيد أبو القاسم
الخوئي رحمة الله عليه في كتابه (البيان) إنكار وقوعه مع الاعتراف بإمكانه.
(162)
قوله في القول 133 (قول أهل الخلاف...)
هنا نكات تجب الإشارة إليها.
ألف: ما نقل العلامة الزنجاني عن الشافعي وأحمد وغيرهم من عدم
نسخ القرآن بالسنة ولا السنة بغيرها من قبيل قوله تع: ويقولون في أفواههم ما
ليس في قلوبهم، لكثرة ما نقضوا من أحكام الكتاب وسنة النبي (ص) بسنة
381

الشيخين منها متعة النساء ومتعة الحج وغسل الرجلين في الوضوء وغير ذلك،
وإن احتالوا كثيرا في إخراجه من النسخ وإدخاله في باب آخر.
ب: ذكر الشافعي في الرسالة باب (الناسخ والمنسوخ الذي يدل الكتاب
على بعضه والسنة على بعضه) ولما نراجع المثال الذي ذكره نرى أن الناسخ
الأصلي فيه هو السنة وإنما ضم إليه آية مع اعترافه بعدم دلالتها ليتخلص من
لزوم محذور نسخ القرآن بالسنة. فراجع حتى تعرف صدق كلامنا.
وقال الإيجي في مختصر الأصول لابن الحاجب: الجمهور على جواز
نسخ القرآن بالخبر المتواتر ومنع الشافعي رض، لنا ما تقدم واستدل بأن لا وصية
لوارث نسخ الوصية بالوالدين والأقربين، والرجم للمحصن نسخ الجلد الخ وقال
التفتازاني في شرحه. أقول هذا عكس ما تقدم وهو نسخ القرآن بالخبر المتواتر و
قد اختلف في جوازه والجمهور على جوازه ومنعه الشافعي رحمه الله.
وقد اعترف السيد شريف الجرجاني في الحاشية بأن نسخ الكتاب بالخبر
الواحد أيضا جوزه بعض الفقهاء.
وقال الشيخ الطوسي قده في العدة ص 45 ذهب المتكلمون بأجمعهم من
المعتزلة وغيرهم وجميع أصحاب أبي حنيفة ومالك إلى أن نسخ القرآن بالسنة
المقطوع بها جائز وإليه ذهب سيدنا المرتضى رحمه الله وذهب الشافعي و
طائفة من الفقهاء إلى أن ذلك لا يجوز وهو الذي اختاره شيخنا أبو عبد الله ره،...
ثم إن الشيخ ره زيف أدلة الطرفين وأجاب عن جميعها وتوقف في المسألة.
ج: أكثر الباحثين عن هذه المسألة جعلوا البحث لفظيا بحيث أنهم بالنسبة
إلى معنى واحد هو في الواقع نسخ اعترفوا بصحته بعد تسمية تخصيصا أو
تفسيرا، وأنكروا نفس المعنى إذا سموه نسخا وقد تكرر هذا المعنى في كتبهم
382

الأصولية والكلامية، ومن هذا الباب ما نقله العلامة الزنجاني عن الاعتبار
للحازمي ص 27 طبع هند، فإنه نقل عن أحمد هكذا (عن أبي داود السجستاني
قال سمعت أحمد بن حنبل وقد سئل عن حديث السنة قاضية على الكتاب
قال لا أجترئ أن أقول فيه ولكن السنة تفسر القرآن ولا ينسخ القرآن إلا القرآن).
د: قال العلامة الزنجاني قده: ويظهر من كلام المصنف أن القائل بجواز نسخ
القرآن بالسنة لم يكن موجودا في زمانه من الشيعة حيث لم يذكر خلافا من
الشيعة وإنما نسبه إلى كثير من المتفقهة والمتكلمين...).
أقول: ما أدري كيف استظهر عدم وجود القائل من الشيعة من قول المصنف
(والقول بأن السنة لا تنسخ القرآن مذهب أكثر الشيعة...) أليس مقابل الأكثر هو
الكثير، وعلى فرض التنزل أفلا تدل هذه العبارة على عدم اتفاق الشيعة على
هذا القول ووجود المخالف منهم في المسألة ثم الأغرب منه استظهاره عدم وجود
المخالف في زمانه قده وليس في عبارته قده ما يستظهر منه ذلك أصلا.
مضافا إلى ما مر من عبارة الشيخ الطوسي قده من اختيار السيد المرتضى
لهذا القول.
ه‍: البحث في نسخ الكتاب بالخبر المتواتر لم يدع أحد فيها الإجماع
لا من الشيعة ولا من السنة فما عن العلامة الزنجاني من أن هذا القول (نسخ
الكتاب بالسنة) ظهر في العصر المتأخر... فيكون ملحوقا بالاجماع) خلط بين
نسخ الكتاب بالخبر المتواتر وبين نسخ الكتاب بالخبر الواحد فالثاني قد ادعى
الشيخ في العدة الإجماع على عدم وقوعه مع إمكانه عقلا والأول اختلفوا في
الوقوع من دون أن يدعي أحد الإجماع على وقوعه وحتى الشيخ المفيد مع
اختياره له.
383

و: قوله (ظهر في العصر المتأخر حيث وقفوا على أقاويل العامة...)
أقول: العامة أولى منا بأن يمنعوا من نسخ الكتاب بالسنة وذلك لأن
السنة عندهم كلام النبي (ص) الذي قد يهجر كما قاله عمر العياذ بالله.
وأما عندنا فالسنة عين الكتاب معنى لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا
وحي يوحى فلا فرق بين السنة والكتاب إلا في أن الكتاب أوحي إليه بألفاظ و
معانيه والسنة من عند الله معنى لا لفظا.
(163)
قوله في القول 134 (فناء بعض الأجسام فناء لسائرها)
أقول: الدليل على فناء العالم إن كان هو ما ذكره أبو هاشم فقد أجاب عنه
قده إجمالا في القول 87 وأجيب تفصيلا في كتب الشيعة والمعتزلة والأشاعرة،
مضافا إلى أن ما يعتقده المسلمون موت جميع الأحياء عند نفح الصور لإفناؤهم
بالمعنى المصطلح عند المتكلمين وإن كان ظاهر الآيات والروايات الدالة على فناء
العالم مثل قوله (تعالى) (كل من عليها فان) ونحو ذلك ابتداء فناء العالم ومن
فيه، ولكن التأمل في جميعها والاقتصار على الظهورات العرفية يقتضي حملها
على موت الأحياء لا انعدام الموجودات، وبعبارة أخرى الفناء العرفي لا الكلامي
والفلسفي كما أشار إليه صاحب الكفاية قده من أن العرف يرى الموت فناء
وانعداما.
هذا إجمالا وأما تفصيلا فقوله (تعالى) كل من عليها فان، الضمير يرجع
إلى الأرض فالمراد كل من على الأرض، والجنة والنار ليستا في الأرض، وأما
قوله (تعالى) ونفخ في الصور فصعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله
ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون الزمر 69 فهو مضافا إلى عدم دلالته
384

بالفناء ولا شئ آخر إلا (الصعق) وهو كما قال الطريحي في مجمع البحرين
يصعقون أي يموتون. (وقوله خر موسى صعقا أي مغشيا عليه من هول ما رأى
يقال صعق الرجل صعقة أي غشي عليه من الفزع... لخوفه تصعق الأشياء أي
تفزع) فله معان ثلث الفزع وأن يغشى عليه من الفزع أو يموت وأيا من المعاني
الثلاث أريد فلا يدل إلا على فزع من في السماوات والأرض أو غشيانهم من
الفزع أو موت الأحياء منهم وأين هذا من الفناء.
غاية ما في الباب على فرض شمولها للجنة والنار يدل على موت
الأحياء الموجودين فيهما أيضا فيما بين النفختين ولا استحالة فيه.
مضافا إلى أن استثناء قوله (تعالى) (إلا من شاء الله) يدل على عدم العموم
في الآية وإذا انتفى العموم فلا دليل على شمول المستثنى منه للجنة والنار
فلعلهما من مصاديق الاستثناء.
وأما الجواب عن قوله (تعالى) كل من عليها فإن بان المراد بالهلاك استفادة
الوجود من الغير وهما هالكان بهذا المعنى.
فغير صحيح لأن القرآن لا يتكلم باصطلاح المتكلمين والفلاسفة بل
بالمعنى العرفي، والعرف يرى الموت فناء كما ذكره صاحب الكفاية ج 2 بحث
تقليد الميت، فالصحيح ما مر من اختصاصه بأهل الأرض أولا واختصاصه
بذوي العقول منهم ثانيا وكون الفناء بمعنى الموت ثالث.
(164)
قوله (خلقهما في هذا الوقت عبث الخ)
أقول: لم يدل دليل من عقل ولا نقل على انحصار فائدة خلق الجنة والنار
في كونهما جزاء للمطيعين أو العاصين مضافا إلى أن دعوة العباد وتخويفهم
385

إلى جنة ونار موجودتين أشد تأثيرا في نفوسهم من دعوتهم إلى جنة سوف
يخلق، وتخويفهم من نار سوف يوجد بعد آلاف سنة، وهذه مصلحة عظيمة
تكفي في إخراج خلقهما من الآن من كونه عبثا.
مضافا إلى علم إمكان إحاطة علمنا بجميع المصالح والمفاسد الواقعيتين، إذ
لعل هناك مصالح كثيرة وعظيمة خفيت علينا.
(165)
قوله (كأبي هاشم)
قد مر ذكر أبي هاشم في الفرقة الأولى حيث قال: فقال أبو هاشم بن
الجبائي ثم قال وقال الآخرون يعني فرقة أخرى وعليه ذكر أبي هاشم في هذه
الفرقة غير مناسب، والصحيح وقال الآخرون وهم المتقدمون على أبي هاشم
فبدل كلمة (على أبي هاشم) بكلمة (كأبي هاشم) ولذا ورد في نسخة آستان
قدس ونسخة الروضاتي (المتقدمون لأبي هاشم) وهذا أقرب إلى الحقيقة لمجيئ
اللام بمعنى على.
(166)
قوله في القول 135 (إنما هو على الاستعارة دون الحقيقة)
أقول: لا باس بنقل عين الآيات ثم النظر في قبولها للتأويل، من جملتها
قوله (تعالى) في سورة النور 24 (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما
كانوا يعملون) ومنها في سورة يس 65 (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا
أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) ومنها في سورة فضلت 20 (حتى إذا
جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون... وقالوا
لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول
386

مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم
ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون.
هذه المسألة مثل كثير من المسائل التي كان القدماء من المتكلمين بناؤهم
على لزوم تأويلها لمصادمتها للعقل وجعلوا استحالة تكلم السمع والبصر واليد
والرجل مثل المحالات الذاتية التي يجب تأويل ظواهر الكتاب والسنة لأجلها، و
قد مر نظيرها في مسألة حضور أمير المؤمنين عند المحتضرين ومسائل أخرى
أشرنا سابقا إلى ما فيها من الاشكال وكذا رؤية الأعمال وسماع الأقوال يوم
القيامة.
وخلاصته هنا أن تكليم اليد والرجل مثلا ليس من المحالات الذاتية بل
من المحالات العادية التي تخالف النواميس الجارية في هذا العالم لعدم تعلق
إرادته (تعالى) بها، لا لعدم قابليتها للإرادة أو خروجها عن حد الامكان، فقد وقع
تكليم الحصى في يد رسول الله (ص) وتكليم الذئب والضب والشجر و حيث
أن الدار الآخرة دار حيوان فلا يبعد أن يكون كل شئ متكلما هناك كما يظهر
من قوله (تعالى) (أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ، ولو كانت مجرد الدلالة
العقلية ونحوها فما معنى قولهم لم شهدتم علينا، وجوابها بأنطقنا الله الذي
أنطق كل شئ.
وهناك شبهة قوية يشترك فيها المعنى الحقيقي والمجازي وهي أن إنطاق
الجوارح إذا كان بالقدرة القاهرة ومن دون اختيار منها كما هو ظاهر الآيات فما
فائدة شهادتها، إذ الفائدة في الشهادة ثبوت المطلب لمنكره بحيث لا يمكنه
الاعتراض، فإذا فرضنا أن الله (تعالى) ينطق الجوارح على طبق ما يريد فإما أن
يكون المجرم يعترف بالحقيقة فحينئذ - يكفيه شهادة الله (تعالى)، وإما أن يكون في
387

مقام العناد والانكار كما يظهر من عتابهم على جوارحهم لم شهدتم علينا، و
عليه فشهادة الجوارح إلجاء واضطرارا كيف تكون دليلا على صحة المدعى و
تمامية الحجة عليه، وله أن يقول يا رب لا أقبل شهادتها لأنها مجبورة مقهورة.
والتحقيق في الجواب يقتضي حمل كلام الجوارح سراء كان من سنخ
الكلام الواقعي أو كلاما مجازيا على أن المراد بإنطاق الله (تعالى) لها خلقه لها
على نحو يدخر في ذاتها الحوادث والماجريات مثل المسجل أو مثل ما يعرفه
علماء الأثر في الأجزاء الباقية من الحيوانات القديمة من العلائم التي يعرفون
بها مدة عمرها وسائر شرائطها.
وحيث أن دلالة هذه العلائم أو دلالة صور الأفلام وأصوات المسجلات
على مدلولاتها دلالة عقلية واقعية وليست دلالة جعلية أو قهرية بالإعجاز و
نحوه بل مثل دلالة الدخان على النار وسائر الآثار على المؤثرات.
فلو كان استخراج الكلام من الأعضاء والجوارح مثل استخراجه من شريط
المسجل ودلالته على أصله المأخوذ منه ودلالة صور الفلم على أصلها ودلالة
ساير الدوال القهرية الطبيعية على مدلولاتها.
فحينئذ يكون تكلمها بمعنى إنطاقها بما في ذاتها من أثر الجرم لا إيجاد
شئ ليس فيه، فمنشأ كلامها ونطقها هو الأثر الذي أحدثته المعصية في اليد
والرجل وغيرهما، وإنطاقه (تعالى) وتكليمه لها ليس إلا استخراج ما في ذاتها
من الآثار أو الكلام.
ولا ريب في تمامية الحجة بمثل هذا النطق والتكليم ولذا لا يعترضون عليه
كما اعترضوا بشهادة الملائكة لكونها دلالة واقعية كاشفة عن الأمر السابق
كشفا بينا مطابقا لقانون العدل والحق.
388

(167)
قوله في القول 137 (وجماعة من أهل الشيعة غيرها)
يعني غير الإمامية، وهم بعض الفرق غير الإمامية وهذا التعبير منه قده
شاذ لم يعهد في غير المقام، ولا يناسب تبديله بأهل السنة لعدم وجود في
النسخ وعدم ملائمته لما بعده ولو قلنا بزيادة كلمة (أهل) كان انسب.
(168)
قوله في القول 138 (يتخصص في اللفظ باسم معين)
أقول: مراده به القضية الشخصية وقوله (فأما المبهم من الأخبار في الألفاظ
والمعاني) ربما يتوهم شموله لجميع القضايا غير الشخصية، ولكنه باطل لمنافاته
مع شرطية الابهام في الألفاظ والمعاني فلا تشمل القضايا الكلية مثل كل إنسان
حيوان أو لا شئ من الإنسان بفرس، بل يختص بالقضايا الجزئية والمهملة مثل
قولنا بعض الإنسان فاسق أو الإنسان الفاسق موجود أو رأيت انسانا فاسقا.
وعليه فنقول إن كانت القضية الجزئية صادقة في جزئيته كالا مثلة
المذكورة فلما ذا لا يحكم بصدقها فقط بل يجعل مرددا بين الصدق والكذب
وإن كانت كاذبة حتى في جزئيتها فلا إشكال في كذبها لا كونها مرددة بين
الصدق والكذب وهذه مثل قولنا بعض الإنسان حجر ونحوها وإن أريد الفرد
المعين الذي لا يعلم مراد المتكلم فيه مثل قوله جعفر إمام ولم يعلم أنه أراد
جعفر الصادق أو جعفر الكذاب فهذا لا يختص بالمجنون والطفل بل في غيرهما أيضا
بل جميع الأقسام الذي ذكره يساوى فيها المجنون وغير المجنون كما يظهر بالتأمل.
(169)
قوله في القول 139 (وليس يصح على الكلام البقاء من حيث يستحيل
389

ذلك على الأعراض كلها)
أقول: قد بطلت هذه المباني مع ما بنى عليها لا في مقام البحث العلمي
والفرض بل في مقام العمل والواقع إذ الأصوات تسجل وتكثر وتنقل من محل
إلى محل وتذاع بالراديو والتلفزيون وغيرهما.
وأما قوله (ولأنه لو بقي لم يكن ما تقدم من حروف الكلمة أولى
بالتأخر والمتأخر أولى بالتقدم وكان ذلك يؤدي إلى إفساد الكلام)
الصحيح هكذا (لم يكن ما تقدم من حروف الكلمة أولى بالتقدم والمتأخر
أولى بالتأخر) أو هكذا (لكان ما تقدم الخ ما في العبارة).
وعلى أي نحو كان فالاستدلال غير تام أولا لأن أدل الدليل على شئ
وقوعه وثانيا اجتماع أجزاء الكلمة في الوجود إنما يكون سببا لزوال الترتيب
بينها لو كان ترتيبها زمانيا فقط وأما الترتب الذاتي الذي يوجد بين جميع أجزاء
الكم المنفصل مثل أجزاء الزمان والعدد وغيرهما فهذا لا ينتفي بمضي الزمان
واجتماع جميع أجزاء الكلمة في زمان واحد لأن ترتيبها الذاتي باق كما في
الكتابة.
(170)
قوله في القول 141 (في الزيادات في اللطيف)
أقول: من أول الكتاب إلى رقم 82 كلها كانت من المسائل الأصلية
الكلامية ومن رقم 82 إلى رقم 105 بحث عن أربع وعشرين مسألة من المسائل
الكلامية.
ثم من مسألة 105 فما بعد انتقل من اللطيف إلى سائر المسائل إلى رقم
140 ثم رجع إلى اللطيف من القول 141 إلى القول رقم 151 ثم انتقل إلى سائر
390

المسائل إلى آخر الكتاب ستة مسائل إلا القول رقم 155 فإنه قال فيه (ومما
يضاف إلى الكلام في اللطيف) ثم المسألة 157 في النجوم وعليه فيصير عدد
اللطيف سبعا وثلثين مسألة 37 وبقية المسائل مأة وعشرون مسألة والجميع مأة
وسبعة وخمسون مسألة.
(171)
قوله في القول 141 (من العلم بوجود الذاهب في الجهات)
أقول: لا شك أن هذه المسائل سرت إلى الكلام من الفلسفة، ولهذا كان
بحث المتكلمين فيها سطحيا وما ذكره قده لا يتم لإمكان تعلق الحس بالأعراض
ويكون العرض حال حركة معروضة متخصصا بخصوصية يعلم عقلا حركة
معروضة من خصوصية محسوسة في العرض من دون تعلق الحس بالجسم.
قوله (لأن كثيرا من العقلاء قد شكوا في وجود العرض)
أقول: البحث عن الواقعيات والحقايق الخارجية لا تنفع فيها هذه
الاستحسانات ونقل الآراء وكثرة قائلها أو قلته وإن كان أصل مدعاه أقرب إلى
الواقع لتأييد الفلسفة الجديدة له.
(172)
قوله في القول 142 (ومحال أن يكون اللابث قاطعا)
أقول: المدعى لحركة جميع الأجسام بحركة بعضها يلتزم بعلم وجود
لا بث فيها عند حركة واحد منها فلا يلزم المحال المذكور ولا يرى هذا محذورا.
(173)
قوله في القول 143 (يؤدي إلى اجتماع المتضادات)
أقول: لعل مراده أن الثقيل مع فرض كونه ثقيلا معناه خرقه للهواء و
391

معنى وقوفه في الهواء عدم خرقه للهواء ولازمه اتصافه بالخفة وعدم كونه
ثقيلا فلزم كون الهواء رقيقا وثخينا وكون الثقيل خفيفا.
ولكن هذا على فرض تماميته استحالة بشرط المحمول بعكس الضرورة
بشرط المحمول يعني مع فرض بقاء الثقيل على ثقله وبقاء الهواء الرقيق على
رقته يلزم المحال، والمدعي يدعي وقوف ذات الثقيل أعني الطيارة مثلا في الهواء
الرقيق وإن تبدل ثقله إلى الخفة بسبب السرعة، وإن النبي أو الإمام أو أي
صاحب معجزة وكرامة حيث أنه في نفسه له جسم ثقيل في نفسه وإن تبدل
ثقل جسمه إلى الخفة لشدة ميل روحه إلى فوق بسبب غلبة جانب الروح وتشبه
جسمه بروحه في الخفة نظير العطر الذي يؤخذ من ماء الورد الذي هو جسم
ثقيل ومع ذلك لا يمكن حفظه داخل الزجاجة فإنه يطير إلى الهواء فإذا فرضنا
أن ذات ما هو ثقيل مع قطع النظر عن خصوصية المورد وقف في الهواء فهذا كاف
في المقام ولا تحتاج إلى فرض بقائه على صفة الثقل وبقاء الهواء على صفة
الخفة.
ولكن المهم الذي يريده الشيخ المفيد وغيره من المتكلمين إثبات الاعتماد
على القوانين الطبيعية التي تحكم في العالم والنواميس والأنظمة الكونية التي
تجري فيها ويخضع لها عالم الكون في مقابل الأشاعرة والحشوية الذين ينكرون
الأسباب والمسببات بالكلية وهذا لا ريب في صحته كما ذكره قده.
إذ لولا ثبوت هذه القوانين لم تكن للمعجزات قيمة أصلا، فإذا فرضنا
عدم وجود قانون يحكم بعدم إمكان وقوف الثقيل في الهواء الخفيف) فما قيمة
عروج رسول الله (ص) بجسمه إلى السماوات وهكذا فالشيخ المفيد يؤكد على
عموم القوانين وتحتمها حتى يكون خرقها واستثنائها في بعض الموارد دليلا
392

على أنه من عند الله الذي فرض، هذه القوانين على الكون وينقضها أينما أراد.
(174)
قوله في القول 144 (وذلك محال)
أقول: هذه المسائل العشر بعضها أحكام عقلية ضرورية يلزم من فرض
خلافها المحال العقلي الذي لا تتعلق القدرة به، منها هذه المسألة والتي تلته لأنها
تقتضي حدوث المعلول بلا علة والقول 148 وبقية المسائل والأمثلة التي
ذكرت في ضمنها مثل ما ذكر في القول 145 أحكام ضرورية خارجية للملازمة
التي جعلها الله بين الأسباب والمسببات ويمكن نقضها له (تعالى) إذا أراد، ولكنه
لا يريد نقضها إلا في الواحد من المليون وفي خصوص موارد الاعجاز وإظهار
الكرامات، فإطلاق الشيخ المفيد كلمة (المحال) على كلا القسمين في مقابل
الذين يرون العالم فوضى لا قانون فيها، لا في مقابل الذين يدعون ثبوت
المعجزات والكرامات ونقضه تعالى للقسم الثاني في موارد نادرة.
كما أنه قده لا يريد من ذكر (المحال) في القسمين تساويهما من جهة نوع
المحال اللازم فيها، بل اشتراكهما في أصل الاستحالة وإن اختلفا في كونها محالا
عاديا أو ذاتيا.
(175)
قوله (وقد خالف فيه فريق من المعتزلة وجماعة من أصحاب
الجهالات)
أقول: إنما خص التشنيع بالجهالة بغير المعتزلة لأنهم من أصحاب
الاستدلال. غاية الأمر اشتبه عليهم الأمر وعظمت المغالطة فلم يتمكنوا من
حلها.
393

وأما الأشاعرة والحشوية وأمثالهم من الذين ينكرون الأحكام العقلية بل
الضروريات الحسية التي لا يشك فيها العوام أيضا مثل قوانين الأسباب
والمسببات، فأنسب اسم لهم هو نسبتهم إلى الجهالة.
(176)
قوله في القول 145 (أن يتحرك بغير دافع)
مراده بالدافع علة الحركة يعني هل يمكن حركة بلا محرك أو لا، فيدخل
في عموم احتياج كل ممكن إلى علة، فكما أن وجود نفس الجسم يحتاج إلى
موجد ومحدث كذلك وجود حركته.
فلا يمكن وجود الحركة بدون محرك يخلق الحركة ويوجدها وهو
الله (تعالى)، وبدون سبب خارجي يجعله الله (تعالى) سببا للحركة سواء كان
مغايرا للمتحرك مثل الفرس الذي يحرك العربة، أو كان داخلا في ذات المتحرك
مثل القوة الجاذبة والدافعة اللتين تحركان الكرات الجوية، فليست حركتها بغير
دافع.
قوله (تصح وقوف جبل أبي قبيس في الهواء... لصح أن يعتمد
الحجر الصلب الثقيل على الزجاج... وتخلل النار أجزاء القطن...).
إن قلت: فما معنى قوله (تعالى) وإذ نتقنا الجبل فوقكم كأنه ظلة وظنوا أنه
واقع بهم... وقوله (تعالى) قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وغيرهما
قلت هذه معجزات لموسى وإبراهيم عليهما السلام أراد الله (تعالى) إظهار
كرامتهما عليه وكونهما من قبله بسبب خرق القوانين الطبيعية في حقهما،
وجعلهما حاكما عليها، لا بمعنى عدم ثبوت هذه القوانين والنواميس الكونية، أو
كونها غالبية، فإن نقض القوانين في موارد أقل من الواحد بالمليون للأنبياء
394

والأولياء لا ينافي كونها عامة ولا يجعلها غالبية.
(177)
قوله في القول 146 (وإنما يصح في المتحرك بأنه أخف من متحرك
غيره وأسرع)
أقول: اتصاف الحركة بالخفة والسرعة والبطؤ ونحوهما بالذات،
واتصاف المتحرك بالعرض، وأما قياس إحدى الحركتين بالأخرى فلا يتوقف
على اتحاد معروضهما، حتى يبتنى على المسألة السابقة في حلول حركتين في
جزء واحد، بل يمكن قياس حركة هذا الجسم بحركة الجسم الآخر ويحكم
بأن أحدهما أسرع، وما حكم به الشيخ من لزوم جعل المقايسة بين المتحركين،
فلعله لتوهم أن قياس الحركتين مستقلا ربما يوهم عدم احتياجهما إلى المحل
واستغنائهما عنه.
لكن لا ريب في أن عدم مدخلية معروض الحركتين في مقايسة السرعة
والبطوء، لا ينافي احتياجهما إليها في أصل الوجود.
ولعل المفيد قده التفت إلى نكتة أخرى لم نصل إليها.
(178)
قوله في القول 147 (وليس للفعل تعلق بالعلم ولا بخطور البال...)
أقول: لا يشك عاقل في أن حركة نبض الإنسان وضربان قلبه وأمثال
ذلك لا يتوقف على الخطور بالبال ونحوه كما أنه لا يشك عاقل في أن الأفعال
الاختيارية مثل الصلاة والصوم ونحوهما تتوقف على أن يخطر بالبال ثم يصدر
من الإنسان.
فما هو الفعل الذي يشك فيه أو وقع الاختلاف في توقفه على الخطور
395

بالبال؟ الظاهر عدم وجود قسم ثالث يكون هو محل النزاع وقد مر أن القسمين
لا مورد للنزاع فيهما واقعا.
نعم هناك بحث كلامي أصولي فقهي لا فلسفي وهو أن القسم الأول من
الأفعال الذي لا يتوقف على الخطور بالبال هل هي من افعال المكلف أم لا؟ فمن
اشترط الخطور بالبال حكم بخروج القسم الأول من كونه فعلا للمكلف، لأن
الفعل عبارة عما ينسب ويسند إليه ويقال إنه فعله، وهنا لا يقال فعله، بل يقال
صدر منه ضربان القلب وأن قلبه يضرب ونبضه يتحرك.
ومن لم يشترط الخطور بالبال في صحة إسناد الفعل إلى المكلف، وحكم
بأن ماهية الفعل لا تتوقف على العلم والإرادة والخطور حكم بأن هذا القسم فعل
للانسان، ثم إن البحث ينتقل من الفعل إلى الترك فبعضهم فرقوا بين الترك وبين
أن لا يفعل ولازمه عدم صدق الترك على ترك الفعل بدون خطور بالبال و
بعضهم سووا بينهما كالمفيد هنا فيكون كل مورد لم يصدر الفعل تركا.
(179)
قوله في القول 148 (إن ذلك محال باستحالة كونه في العاشر)
أقول: بعد فرض عدم إشغال الجسم إلا مكانا واحدا واستحالة حلوله في
مكانين في أن واحد، وبعد فرض كونه في المكان الأول، يكون فرض كونه
في المكان الثاني فرض اجتماع النقيضين لأن معنى كونه في الثاني عدم كونه
في المكان الأول وبالعكس فيلزم وجود في المكان الأول وعدمه، وكذا بالنسبة
إلى المكان الثاني، فإذا كان كونه في المكان الثاني حال كونه في الأول من
المستحيلات يكون خارجا عن اختياره بل عن تعلق القدرة به مطلقا، وإذا استحال
تعلق القدرة به لم يصح إسناد تركه إلى الإنسان، لأن الفعل والترك إما يكونان
396

مقدورين معا، أو يكونان خارجين عن القدرة معا.
قوله (لصح أن يقدر في الوقت على ما لا يصح قدرته على ضده فيه)
والمراد به أن القدرة على الترك ملازم للقدرة على الفعل، فكل ما يصح إسناد
القدرة إلى فعله يصح إسناد قدرته على تركه وبالعكس، وكلما لا يصح إسناد
القدرة إلى فعله لا يصح إسناد إلى تركه، ونتيجة ذلك أنه ليس مطلق عدم
صدور الفعل تركا منسوبا إلى الشخص.
(180)
الأمثلة المذكورة في القول 149 من المستحيلات التي لا تتعلق بها القدرة مطلقا.
(181)
قوله في القول 149 (ولو جاز وجود ميت آلم عالم لجاز وجوده قادرا
ملتذا مختارا الخ)
قد صرح في القول 53 باثبات عالم البرزخ والنعيم والعذاب فيه مضافا
إلى ما صرح به في القول 49 بأن المعصومين عليهم السلام يقضون حوائج
شيعتهم ويجيبون سلامهم بعد الموت وإن الذين قتلوا في سبيل الله أحياء عند
ربهم يرزقون ونحو ذلك فيعلم أن مراده الميت مع قطع النظر عن حلول حياة
جديدة عليه فلو قطعنا النظر عن الحياة البرزخية وفرضنا موت شخص فحينئذ
يكون كما ذكر وهو مراده من جميع ما ذكره في هذا القول وليس رجوعا عما
ذكره سابقا وفي مواضع كثيرة من كتبه.
(182)
الأمثلة المذكورة في القول 150 من المحالات العادية التي جرت إرادة
الله (تعالى) على ترتبها على الأسباب الخاصة فيستحيل تحقق هذه المسببات
397

بدون أسبابها، إلا بإرادة مسبب الأسباب وتخصيصه واستثنائه لهذه القاعدة
لإظهار معجزة نبي أو نحو ذلك.
وليست من المحالات الذاتية التي لا تتعلق بها القدرة أصلا.
(183)
القول 152
إلى هنا تم اللطيف من الكلام، وهذه المسألة مع خمسة أخرى الحق بها من
أصول المسائل الكلامية لا من اللطيف.
(184)
قوله (وهو مذهب الإمامية كلها)
أقول: ما رأيت من شذ عن هذا الإجماع إلا شيخ الطائفة الطوسي قده و
لعله أجرى الله تعالى هذا الخطاء الواضح على قلمه الشريف حتى لا يتوهم في
حقه العصمة، فإن المسألة من الواضحات من جهة إتقان أدلتها وصراحة الآيات
والروايات والأدلة العقلية فيها وكثرة الإجماعات المدعى فيها بل كونها من
ضروريات مذهب الشيعة كما يظهر من المفيد والطبرسي والمرتضى وغيرهما
من دون خلاف عن أحد.
فهذا الاشتباه من مثله نظير اشتباه صاحب الجواهر في مسألة الكر
بالنسبة إلى علم الإمام واشتباه النجاشي في ترجمة عبيد الله بن حر الجعفي و
سائر اشتباهات العلماء.
(185)
قوله في القول 153 (سأل الشيخ المفيد قدس الله روحه عنها السيد
الشريف محمد بن الحسن الرضي قدس سره ليضاف إلى أوائل المقالات).
398

أقول: يحتمل أن يكون الشيخ المفيد فاعلا لسأل والسيد الشريف مفعولا
لها يعني أن الشيخ المفيد أمر تلميذه وسأل أن يضيف هذه الزيادة إلى أوائل
المقالات ويحتمل العكس بأن يكون الشيخ المفيد مفعولا مقدما والسيد الشريف
فاعلا مؤخرا ويكون تقديم المفعول من باب الاحترام للشيخ المفيد.
يوجد في بعض النسخ هكذا (هذه الزيادة كان خرجها وسأل الشيخ المفيد
قده عنها السيد الخ) والظاهر زيادة كلمة خرجها لأن التخريج من الاصطلاحات
الجديدة وعلى فرضه فينطبق على أنه استخرجها عن الشيخ المفيد واستفاد
مطالبها منه، وينطبق على أنه أخرجها من قلبه بمعنى أنه حمل الشيخ المفيد على
إفادة هذه المطالب والأول أظهر.
ويؤيد الاحتمال الأول أعني كون المطالب بقلم السيد أولا أن الظاهر كون
الفاعل مقدما والمقدم فاعلا فيكون الشيخ سائلا والسيد مسؤولا وثانيا ظاهر
التخريج بيان التلميذ ما استفاده من الأستاذ لا معنى آخر وثالثا وهو العمدة
ما ورد في آخر الكتاب هكذا (هذا آخر ما تكلم به السيد الشريف الرضي رضي
الله عنه وأرضاه) فلو كانت هذه الملحقات بقلم الشيخ المفيد لم يكن هذا التعبير
صحيحا بل كذبا، وعليه فالأرجح كون هذه الملحقات من إملاء الشيخ المفيد بقلم
السيد الرضي قدهما أو مما استفاده منه في الجملة.
(186)
قوله (وليس هي جنسا من أجناس الفعل)
لأنها اسم ذات لا اسم معنى، نعم الصحيح أن حيثية كونها ما يعتصم به
لا يقتضي كونها حدثا وفعلا بل هي بالذات انسب وإن كان ربما يكون فعلا و
اسم معنى مثل قولنا فلان عصمته تقوى الله أو الخوف من الله أو التوكل على
399

الله ولكنها لوحظت هنا معنى إسميا لا فعلا أو حرفا.
(187)
قوله (ومنه سميت العصم وهي وعول الجبال لامتناعها بها)
أقول: الوعول يعتصم بالجبال فهي معتصمة والجبال عاصمة لها، وعليه
فلو أطلقت العصمة على الجبال لكان إطلاقا لها على معناها الحقيقي وهو (ما
يعتصم به) وأما إطلاقها على الوعول المعتصمة فهو إطلاق لها على عكس
معناها من باب القلب كما هو شايع في لغة العرب.
(188)
قوله (وحبل الله هو دينه)
مقتضى الروايات المتواترة والإجماع المدعى في كلام كثير أن حبل الله هو
الإمام المعصوم دون غيره، ويدل عليه العقل القطعي أيضا لأن الأمة بجميع
فرقها مجمعة على قبول الدين والقرآن والرسول (ص) ومع ذلك مختلفون أشد
الاختلاف في أن الدين ما هو، ثم إنهم بعد اتفاقهم على القرآن مختلفون في أن
القرآن هل تفسيره ما يقوله هذه الفرقة أو غيرها فكل فرقة تفسر على طبق
عقيدتها ويجعله سندا لها فمضافا إلى أن القرآن لم يرفع النزاع صار من أكبر
أسباب النزاع والاختلاف، فلم يبق إلا تفسير حبل الله بالإمام المعصوم.
إن قلت: فكما إنهم اختلفوا في الدين وفي القرآن اختلفوا في الإمام و
مسألة الإمامة أكثر وأشد من أي خلاف ونزاع وتفرقوا أي تفرقة.
قلت: الاختلاف في تعيين الإمام موجود كما ذكر، ولكن بعد تعيينه في
شخص أو أشخاص يختلف حاله عن الدين والقرآن فإن الأمة بعد إجماعهم
على إن الدين عند الله الاسلام وإن هذا الموجود بين الدفتين كتاب الله لم يرتفع
400

الخلاف حتى بعد تعيينه لما مر من تفسيرهم للدين وللقرآن على طبق آرائهم
المختلفة وليس الدين ولا القرآن ناطقا حتى يتكلم ويقول الحق مع فلان، بل
كما قال أمير المؤمنين القرآن حمال ذو وجوه، نعم القرآن الأصلي الناطق هو
وجود الإمام، لقوله (تعالى) بل هو آيات بينات في صدور الدين أوتوا العلم
والإمام هو الدين المجسم. وورد في الزيارات: السلام عليك يا دين الله القويم فإذا
اجتمعوا افترقوا وإذا افترقوا اجتمعوا ولكن في فرض اعتبارها أمورا ثلاثة الشئ
الوحيد الذي إن تمسكوا به واعتصموا به يستحيل وجود الخلاف والنزاع
والتفرقة بينهم هو الإمام المعصوم، فإنه لو اختلف المنقول عنه والمفسرين لكلامه
لتكلم بتأييد الحق ورد المبطل، ومعلوم إنه لا يمكن مع ذلك التفرقة والنزاع إلا
أن لا يرجعوا إليه ولا يعتصموا بحبله، والحاصل إنه لا يعقل تفسير حبل الله في
الآية إلا بالإمام، ولو فسر بغيره سواء كان القرآن أو الدين أو أي شئ لزم
التناقض ونسبة الغلط إلى الله (تعالى).
(189)
قوله (فجميع المؤمنين من الملائكة والنبيين والأئمة معصومون لأنهم
متمسكون بطاعة الله (تعالى)
كلمة (من) في الملائكة يمكن كونها تبعيضية، ويمكن كونها لبيان
الجنس، وعلى التقديرين يتقيد عموم كلمة المؤمنين بأن يكون من هذه
الأصناف الثلاثة أعني الملائكة أو الأنبياء أو الأئمة المعصومون، فلا وجه لتوهم
إرادته قده عصمة جميع المؤمنين.
(190)
قوله (وإنما الخلاف في حكمها وكيف تجب، وأي وجه تقع وقد
401

مضى ذكر ذلك في عصمة الأنبياء وعصمة نبينا (ص)).
البحث عن العصمة تارة عن المعنى اللغوي والعرفي وقد بحث عنه هنا،
وأخرى عن المعنى المصطلح عليه عند الشيعة والمبحوث عنه في علم الكلام، و
هذا قد أشار إليها في القول 32 و 33 و 37، وقد يبحث عن أدلتها والعلة الموجبة
لها وأشار إلى هذا في البحث عن عصمة الأئمة عليهم السلام في القول 37،
وأخرى عن حقيقتها وما يتقوم بها ولم يبحث عنها في هذا الكتاب أصلا إلا
إشارة، ورابعة عن متعلق العصمة وإنها من الصغائر والكبائر أو الكبائر فقط؟
وإنها تعم السهو النسيان أو - يختص بالعصيان وقد بحث عنه في عصمة الأنبياء
القول 32 وعصمة نبينا (ص) القول 33 وعصمة الأئمة القول 37، وخامسة
عن موصوف العصمة وقد بحث عنه في المباحث الثلاث المشار إليها وعند
البحث عن (تكليف الملائكة) في القول 47 حيث قال فيه (وأقول إنهم
معصومون مما يوجب لهم العقاب بالنار وعلى هذا القول جمهور الإمامية)
فيكون المعصومون منحصرة فيمن أشار إليهم في هذا القول 153 وهم الأنبياء
والأئمة والملائكة.
(191)
قوله (وهذا الباب ينبغي أن يضاف إلى الكلام في الجليل إن شاء الله
(تعالى))
إنما ذكر هذا من جهة أنه ذكر بعد اللطيف من الكلام لئلا يتوهم أنه منه،
نعم الباب الذي قبله أيضا لم يكن من لطيف الكلام (وهو إن إبليس هل هو من
الملائكة أم من الجن) ولكن لكونه بحثا عن حقايق عالم الوجود كان لعده من
اللطيف وجه، بخلاف بقية المسائل الآتية فإنها من الجليل لا من اللطيف.
402

(192)
قوله في القول 154 (وإنها فضل تشرف المتحلي به على العاطل منه)
أقول: هذا دليل مستقل لا يرتبط بما قبله، ولعله أقوى الأدلة، لأن الدليل
الأول يمكن يناقش فيه بأن أمور الخلق تتوقف على وجود الكتابة في بساط
السلطان والرئيس مطلقا، لا على كون الرئيس نفسه كاتبا.
وأما كون الكتابة في نفسها فضيلة فلا يدفعها قضاء الحاجة بكتابة
الأعوان والكتاب، فإن هذا يزيد إشكالا على إشكال وهو كون أعوان السلطان
أفضل وأكمل من السلطان لاستكمالهم بالكتابة دونه.
وقد نسب الله (تعالى) الكتابة إلى نفسه في موارد بقوله وكتبنا له في
الألواح من كل شئ موعظة الآية الأعراف 145 وغيرها ولكن ليس الكاتب
من أوصافه (تعالى) قطعا.
(193)
قوله (لجاز أن يحوجه في جميع ما كلفه الحكم فيه إلى سواه).
إن قلت: هذا الدليل قضية شرطية وقياس شرطي لا ملازمة بين مقدمه و
تاليه، وبعبارة أخرى لا كلية لكبراه أعني قولنا (كلما جاز أن يحوجه الله (تعالى)
في بعض أموره إلى رعيته جاز أن يحوجه في كل أموره) وذلك لاحتياج
النبي (ص) إلى الجيش في الحرب وإلى أرباب الصنايع والحرف في مشاغلهم
مثل البناء والنجار والحداد وغيرهم ومع ذلك لا يحتاج إليهم في الأحكام
الشرعية، فلا ملازمة بين الاحتياج في البعض والاحتياج في الكل.
قلت: ليس مضمون الكبرى الملازمة بين عدم الاحتياج في بعض الأمور
بقول مطلق مع عدم الاحتياج في جميع الأمور بقول مطلق، بل الملازمة بين
403

الاحتياج في بعض ما كلفه الحكم فيه وبين الاحتياج في كل ما كلفه الحكم
فيه كما قال (لو جاز أن يحوجه الله في بعض ما كلفه الحكم فيه إلى بعض
رعيته لجاز أن يحوجه في جميع ما كلفه الحكم فيه إلى سواه) وموارد النقض
المذكورة مثل النجارة والبناء وغيرهما ليس مما كلفه الحكم فيه. نعم يمكن مع
الملازمة حتى بعد التقييد أيضا.
(194)
قوله (ولا معنى لقول من قال إن الكتاب هو القرآن خاصة)
سواء قلنا بأن الكتاب يختص بالقرآن أو يراد به مطلق الكتب السماوية أو
عممناه لكل كتاب فشموله للكتابة ممنوع، لأن الكتاب عرفا اسم ذات عبارة عن
مجموعة من الأوراق التي كتب فيها علم، ولغة كل ورقة كتب فيها شئ ولو لم
يكن علما كما في قوله (تعالى) قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلى كتاب كريم النمل
29، فالكتاب بأي معنى فسر لا يكون إلا ورقة كتب فيها شئ سواء كان علما
أو لا، فيكون اسم ذات لا اسم معنى، فلا يشمل ملكة الكتابة التي هي من
الكيفيات النفسانية ولا عمل الكتابة التي هو من مقولة الفعل.
فقول المصنف قده (إذا اللفظ عام لا ينصرف عنه إلا بدليل الخ)
من جهة الكبرى مسلمة وإنما البحث في الصغرى إذ ليس معنى الكتاب
شاملا للفعل الخارجي ولا للملكة حتى تصل النوبة إلى تخصيصه أو تقييده
بدليل أو بغير دليل.
مضافا إلى منع العموم في معناه لاحتمال كون الألف واللام للعهد
لا للاستغراق أو الجنس، فيكون إرادة القرآن مقطوعا به، ويكون شموله لغيره
وإرادة العموم منه متوقفا على ثبوت كون الألف واللام للاستغراق أو للجنس.
404

(195)
قوله (لما كان لتخصيصه النفي معنى يعقل)
ما ذكره قده في هذا الدليل يتوقف على أمرين
الأول حجية مفهوم الزمان كما إذا قيل ما رأيت زيدا فيما مضى فيكون
مفهومه إثبات الرؤية فيما سيأتي أو في زمان الحال، وهذا محل خلاف بين
الأصوليين.
الثاني أن لا يكون للتقييد بالزمان فائدة غير الانتفاء عند الانتفاء، وهنا
ليس كذلك، فإن الذي يثبت به كون القرآن من عند الله لا من قبل نفسه (ص) و
لا يتعلم من عالم هو حاله قبل الإتيان بالقرآن، فإنه إذ أثبت أنه قبل البعثة وقبل
أن يأتي بالقرآن والشريعة لم يكن يقرء ولا يكتب ولا شئ مما يوجد في العلماء
العاديين من قراء الكتب وكتابتها، يثبت أن ما أتى به من عند الله، إذ التعلم
عند البشر يحتاج إلى القراءة والكتابة، فإذا انتفيا انتفى التعلم وكون العلم
الموجود عنده من عند غير الله فيثبت كونه من عند الله (تعالى) وتعليمه ويصح
ما ذكره (تعالى) بقوله (إذا لارتاب المبطلون) وأما القراءة والكتابة المتأخرة عن النبوة
والقرآن فلا دخل لهما في ثبوت نبوته (ص) ونفيه إذ هي قد تثبت فإن أثبتنا
القراءة والكتابة بعد النبوة فتكون بتعليم الله (تعالى) وإن انتفتا كان أيضا على
حسب ما رآه الله من المصلحة ولا يثير شكا.
وهذا الفرق يوجب المصلحة في تقييد نفي القراءة والكتابة في الآية
بكلمة (من قبله) من دون أن تكون فائدته إثبات المفهوم لها بل فائدته
قوله (تعالى) (إذا لارتاب المبطلون) ولا يصح قياسه بالشعر فإن المنفي مطلق الشعر،
والعلة عدم كونه لائقا بشأنه مطلقا فينتفي مطلقا.
405

(196)
قوله (ثبت أنه كان يحسن الكتابة بعد أن نبأه الله (تعالى))
المتيقن من سيرة النبي (ص) إنه لم يكتب عملا أصلا إما لأنه لم يكن
يحسن الكتابة أو لأنه لم يكتب مع إحسانه لها فلم يدع أحد من علماء الاسلام
إنه كتب قرآنا بخطه أو شيئا آخر.
والمورد الوحيد الذي اتفق على نقله الخاصة والعامة قوله (ص) في آخر
عمره حيث قال: (إيتوني بدواة وقلم (أو كتف) اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده
أبدا فقال عمران الرجل ليهجر) وحمله على الكتابة تسبيبا كما عن الواعظ
الچرندابي طرح لصريح الرواية مع أن الذي تقتضيه مناسبة المقام كتابته بقلم
نفسه كما هو واضح وهذا يدل على صحة ما ذكره المفيد من أنه (ص) كان يحسن
الكتابة ويبقى الكلام في أنه ما المصلحة في التزامه (ص) بعدم الكتابة مطلقا طول
عمره.
وأما ما يوجد في متحف تركيا من الخط المنسوب إليه فمن مصنوعات
خلفاء آل عثمان أو غيرهم يقينا.
(197)
قوله في القول 155 (ومما يضاف إلى الكلام في اللطيف)
يريد به خصوص القول 155 و 157، وأما القول 156 فليس من اللطيف،
وعليه فيصير عدد الكلام في اللطيف 137 مسألة.
(198)
قوله في القول 156 (إن الاجتهاد والقياس لا يسوغان)
أقول: للمفيد قده اجتهادات كثيرة في الفقه وكذا لبقية الفقهاء، حتى
406

الأخباريين مع شدة هجومهم على الأصوليين في مسألة الاجتهاد، عندهم
اجتهادات كثيرة يظهر بمراجعة كتبهم مثل الحدائق وغيره.
ولكن المهم في عصرنا هذا أعني القرن الرابع عشر قلة التفقه وتغيير
معنى الاجتهاد إلى الاجتهاد الأخباري بحيث كلما أراد أحد الدقة والتحقيق في
معنى الرواية ينسب إلى القياس والاستحسان.
وقد أفرطوا في التمسك بكلمة (التعبد بالنص) حتى صار فقه عصرنا
غالبا لا يشبه أصلا بفقه الفقهاء الماضين إلا في أصل الانتساب إلى الشيعة، و
ابتعدوا عن طريقة الشيخ الأنصاري وصاحب الجواهر والشيخين والشهيدين
والفاضلين وغيرهم مع أن (التعبد بالنص) نفسه خلاف التعبد بالنص إذ
لا يوجد هذه الكلمة في نص وإنما توجد (التفقه في النص) في القرآن
والحديث، وما أكثر من يجعل الأخذ بالترجمة اللفظية للآية أو الحديث من
دون نظر إلى لوازم المعنى وملزوماته ومناسبة الحكم والموضوع وغيره من
الأمور التي بها يختلف حال المتعبد بالنص عن المتفقه فيه فقها واجتهادا، و
صاحبه مجتهدا ولكن هيهات وقد اشتهر عن الشيخ الطوسي في مبسوطه
كثرة العمل بالقياس، ومن راجعه يرى أنه من قبيل ما ذكرنا من التفقه في مقابل
الجمود باللفظ من دون تفقه، فالاجتهاد الأصولي الشيعي تفقه ثم تعبد،
والاجتهاد الاخباري تعبد على تعبد، يعني عند الأصولي في مقام فهم الحكم
لا تعبد أصلا بل ينظر إلى غاية ما يمكن أن يفهم وأعمقها وأدقها ثم يتعبد به،
وأما الاجتهاد الاخباري فالتعبد بمعنى سد باب الفهم والمنع عن التدبر والتفقه.
والصحيح أن ابن الجنيد أيضا إنما نسب إلى القياس لأنه وصل من التفقه
إلى مرتبة لم يكن أهل زمانه ومن قرب من زمانه أهلا لهذه التحقيقات الفقهية.
407

(199)
قوله (كل حادثة ترد فعليها حكم من الصادقين (ع)
أقول: ما أكثر الموارد التي يعترف الفقهاء بأجمعهم بعدم نص فيها بحيث
عد (ما لا نص فيه) من أوسع أبحاث البراءة في الكتب الأصولية، وحتى أن
الشيخ الطوسي الذي هو تلميذ المفيد اعترف في كتابه عدة الأصول بوجود
مسائل كثيرة لا نص فيها بعينها ويعمل فيها بأصالة الإباحة أو الحظر أو نحوهما.
وأما الأخبار التي رواها الشيخ المفيد في الإختصاص وغيره في غيره: من
إن كل شئ موجود في الكتاب والسنة أو أنه ليس شئ إلا وفيه كتاب أو سنة
وغيرها فالمراد بكونه في الكتاب إن أهل البيت عليهم السلام يستخرجون
حكمه من الكتاب لا كل أحد، وأما السنة فالمراد به ما في الروايات من أن
عندهم (ع) الجفر والجامعة ومصحف فاطمة وقد ذكروا اشتمال هذه الكتب على
جميع الأحكام الكلية والجزئية.
(200)
قوله في القول 157 (فإن العقل لا يمنع منه)
بل النقل أيضا. راجع بحث التنجيم من كتاب المكاسب لشيخ المتأخرين
الشيخ الأنصاري قده فإنه قده أتى بما لم يأت أحد بمثله وإن كان في بعض آرائه
نظر وتأمل ليس المقام موضع ذكره.
408