الكتاب: أقسام المولى
المؤلف: الشيخ المفيد
الجزء:
الوفاة: ٤١٣
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: الشيخ مهدي نجف
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٤ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: طبعت بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد

أقسام المولى
في اللسان
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله العكبري البغدادي
(336 - 413 ه‍)
تحقيق
الشيخ مهدي نجف
1

بسم الله الرحمن الرحيم
فيما يستدل به الإمامية من شيعة أهل البيت عليهم السلام على حق علي
أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة والخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
بلا فصل هو حديث " من كنت مولاه فهذا علي مولاة ".
وقد أشبعوا البحث عن هذا الحديث من حيث السند والتوثيق، والمتن
والدلالة، في مؤلفات كثيرة تبلغ المئات، قديما وحديثا.
أما من حيث السند: فقد أجمعت الأمة الإسلامية على قبول الحديث و
صحة روايته وتناقلوا خبره مسلمين بتواتره، وقد ذكره الكتاني في (نظم
المتناثر من الحديث المتواتر) من طريق خمسة وعشرين صحابيا، وقال: وفي
رواية لأحمد: أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثون صحابيا، و
شهدوا به لعلي عليه السلام لما نوزع أيام خلافته.
وممن صرح بتواتره - أيضا - المناوي في (التيسير) نقلا عن السيوطي و
شارح (المواهب اللدنية) وقال الحافظ ابن حجر: هو كثير الطرق جدا، وقد
3

استوعبها ابن عقدة في مؤلف مفرد، وأكثر أسانيده صحيح أو حسن.
وقد استدل الشيعة بلفظ " المولى " على الإمامة، حيث يراد بها الأولى
بالتصرف والطاعة، لكن المخالفين حاولوا تأويل " المولى " باعتبار إطلاقها على
معان آخر، وزعموا أن الكلمة مشتركة بين تلك المعاني.
وقد رد الباحثون هذا التأويل بشواهد من اللغة، ومنهم الشيخ المفيد في
هذه الرسالة: " أقسام المولى في اللسان ".
وقد انتهج الشيخ في هذا الكتاب منهجا يتسم بالإنصاف والدقة، و
أبدى خبرة أدبية رائعة، وقدرة لغوية فائقة.
فهو أولا، ذكر المعاني التي ذكرت لكلمة المولى وهي عشرة: الأولى
بالتصرف، مالك الرق، العبد المعتق، المالك المعتق، ابن العم، الناصر، المتولي
للجريرة، الحليف، الجار، السيد المطاع.
ثم أكد على أن المعنى الأول، هو الموضوع له، وأن سائر المعاني ترجع
بشكل أو بآخر، إليه، لأن الأول هو الأصل والعماد وإليه ترجع المعاني إذا تؤمل
المعنى فيها.
واستدل بتفصيل هذا الرجوع، في كل واحد من تلك المعاني، واستنتج
من هذا أن المعنى الحقيقي الذي وضعت له الكلمة هو المعنى الأول، وليست
سائر المعاني إلا مجازات، تلاحظ فيها المناسبة للمعنى الأول.
ومن هنا، فإن أولئك الذين أنكروا استعمال كلمة المولى بمعنى الأولى،
إنما حملهم الجهل باللغة، والنصب والعداء لأهل البيت عليهم السلام على هذا
الانكار، وكذلك الذين جعلوا معنى " الأولى " معنى مجازيا للكلمة.
وأما حديث النبي صلى الله عليه وآله: " من كنت مولاه فعلي مولاه "
4

المتواتر، فقد احتوى على قرائن داخلية وخارجية تعين المعنى الأول، الذي هو
الأصل في اللغة أيضا.
فذكر الشيخ: أن ما جاء في لفظ الحديث من تفريع قوله صلى الله عليه
وآله: ". فعلي مولاه " بحرف (الفاء) العاطفة، التي لا يبتدأ بها الكلام، يقتضي
تفريع هذا على ما جاء في صدر الحديث الذي قرر فيه النبي صلى الله عليه وآله
ولاية نفسه بقوله " من كنت مولاه... " الذي يراد به أولويته على الناس وفرض
طاعته وإمامته عليهم، بلا ريب.
واستند الشيخ في دعم كلامه هذا إلى ما ثبت من حكمة النبي صلى الله
عليه وآله وسلم من مشيه على عرف أهل اللسان في التعبير والتخاطب عند
إرادته البيان، فقال: إذ لو لم يرد ذلك، وأراد ما عداه، لكان مستأنفا لمقال لا تعلق له
بالمتقدم، جاعلا لحرف العطف (الفاء) حرف الاستيناف، وهذا لا يقع إلا من
أحد نفسين:
1 - جاهل باللغة والكلام.
2 - قاصد إلى التعمية والألغاز.
ورسول الله صلى الله عليه وآله يجل عن الوصفين، وينزه عن النقص
في الصفات.
وخلاصة مراد الشيخ: أن الكلام إنما يلقى بغرض التفهيم والتفاهم بين
الناس، والعارف باللغة إنما يريد ما هو الظاهر منه، وإلا لنصب قرينة على إرادته
غير الظاهر، ومع عدم نصبها فالكلام يحمل على ظاهره، وما هو الأصل فيه، و
دعوى عدم إرادة الظاهر ولو مع عدم نصب القرينة على غير الظاهر، لا تصدر
إلا ممن يجهل بأصل اللغة، وبأساليب التعبير المتعارفة عند البشر، أو يكون ذلك
5

أمرا متعمدا يريد المتكلم به الألغاز في كلامه وعدم إيضاحه والتعمية لمعناه و
مراده
والنبي صلى الله عليه وآله أفصح من نطق بالعربية فيجل عن الأول، كما
أنه صلى الله عليه وآله يجل عن الثاني، لأنه ليس من شأنه، إذ هو المبعوث
للارشاد، وخاصة في مثل هذا الحديث " من كنت مولاه فعلي مولاه " الذي ألقاه
على جموع حاشده من صحابته الذين رجعوا معه من حجة الوداع، فجمعهم في
قلب الصحراء القاحلة، في " غدير خم " وخطب فيهم خطبة طويلة غراء مهمة.
فإذا كان الأصل الحقيقي لكلمة المولى هو " الأولى بالتصرف " ولم
ينصب النبي صلى الله عليه وآله قرينة على إرادة غيره، بل القرينة الداخلية - من
داخل الحديث - تقتضي إرادة ذلك المعنى الأصلي، فهو المراد له، لا غيره.
خاصة أن أي واحد من المعاني الآخر المستعمل فيها المولى لا تناسب
بوجه مقام كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد بين الشيخ المفيد بتفصيل عدم مناسبة تلك المعاني للحديث وبما أن
كلامه صلى الله عليه وآله لا يخلو من مراد، فلم يبق إلا أنه أراد بقوله: " من كنت
مولاه فعلي مولاه " الولاية والإمامة وفرض الطاعة.
وأما القرينة الخارجية على مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
فهي ما عرضه الشيخ المفيد من أقوال الشعراء والبلغاء من أهل اللغة و
الذين تقوم بهم أعمدة اللسان العربي، مثل:
1 - حسان بن ثابت، شاعر النبي، الذي أعلن في شعره، في نفس يوم
الغدير، وبمحضر النبي صلى الله عليه وآله، فدل على إمامة الإمام علي عليه
السلام ناظما لقول الرسول فيه بقوله:
6

فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه * وكونوا له أنصار صدق مواليا
وبما أن النبي صلى الله عليه وآله مدحه على الشعر بقوله: " لا تزال يا
حسان مؤيدا بروح القدس، ما نصرتنا بلسانك " ولم ينكر عليه ذلك، فهو دليل
واضح على أن ما فهمه حسان هو مراد النبي صلى الله عليه وآله وتقرير النبي
من سنته صلى الله عليه وآله.
2 - قيس بن سعد بن عبادة، سيد النقباء من الأنصار، حيث قال بمحضر
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في شعره:
وعلي إمامنا وإمام * لسوانا أتى به التنزيل
يوم قال النبي من كنت مولا * ه فهذا مولاه خطب جليل
وقيس من فصحاء العرب، لا يتعدى معانيها المرادة، مع أن سكوت
أمير المؤمنين عليه السلام عنه، إقرار له.
3 - أمير المؤمنين عليه السلام حيث احتج في شعر منقول عنه:
وأوجب لي ولايته عليكم * رسول الله يوم غدير خم
4 - الأخطل حيث استعمل كلمة المولى في معنى الإمامة في شعر له
يمدح فيه عبد الملك بن مروان الأموي، مقتصرا على لفظة " مولى " لإفادة ذلك مما
يدل بوضوح على معرفة الناس بهذه الدلالة.
والأخطل - كما يقول الشيخ - رجل نصراني، لا يتحيز إلى فرقة من فرق
الإسلام ولايتهم بالعصبية للشيعة ولا يطعن عليه في العلم باللسان.
5 - الكميت بن زيد الأسدي في قوله من القصيدة العينية:
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا
7

وقد كان الكميت حجة في اللغة، وقال فيه ابن الأعرابي، كان أعرف
الناس بلغات العرب وأشعارها.
وكان حديث الغدير " من كنت مولاه... " من أوكد ما دعاه إلى الاعتقاد
بالتشيع والقول بالنص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.
إن استدلال هؤلاء الشعراء بكلمة " المولى " الواردة في الحديث على إمامة
أمير المؤمنين عليه السلام لهو دليل واضح على وضعها اللغوي، وعلى إرادة النبي
صلى الله عليه وآله لها منه، بلا أدنى ريب.
إن ما تضمنته هذه الرسالة من معلومات هامة عن فكر الشيخ المفيد، و
منهجه في التعامل مع اللغة، تجعلها في المستوى الرفيع من كتب التراث، فقد
أوقفتنا على:
1 - المعالجة اللغوية، ودلالة الألفاظ على المرادات:
لقد أوقفنا الشيخ على أوضح الطرق المنطقية للاستدلال بالألفاظ، وكشف
المرادات منها، تلك التي قررتها أصول الدلالة في مباحث الألفاظ من علوم المنطق
والأصول واللغة، بالاعتماد على الوضع، ثم القرائن الداخلية والمناسبات، و
قرائن الحكمة، ثم القرائن الخارجية.
2 - التزامه بارتفاع التقية في زمن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لقوله: و
أمير المؤمنين عليه السلام من لا يقر على باطل، ولا يمسك عن الانكار، لا سيما مع
ارتفاع التقية عنه، وتمكنه من الانكار.
3 - التزامه بأن الشاعر الفصيح لا يجوز عليه أن يعبر بما يخالف اللغة،
لا سيما في النظم الذي يعتمد فيه الفصاحة والبيان.
4 - نسبته بعض الشعر إلى أمير المؤمنين عليه السلام اعتمادا على " المنقول
8

عنه في الظاهر والانتشار ".
5 - الاستدلال على معاني الألفاظ اللغوية اعتمادا على " أهل الخبرة " من
دون اعتبار الإيمان، بل الإسلام، كما استند إلى شعر الأخطل.
6 - التزامه بانفتاح باب العلم باللغة، بالاعتماد على أهلها المعترف بحجية
كلامهم فيه من أمثال الكميت، ودفع ما أثير حوله من شبهة المذهب، فقال: لو لم
يكن الحجة فيه، كسائر الشعراء، فإنه لا حجة فيها على حال، ولو جاز هذا
الاحتمال على الكميت لجاز على غيره من الشعراء الكبار، كجرير، والفرزدق،
والأخطل، بل على لبيد، وزهير، وامرئ القيس، حتى لا يصح الاستشهاد
بشئ من أشعارهم على غريب القرآن، ولا على لغة، ولا على إعراب.
ثم قال: وهذا قول، من صار إليه ظهر جهله عند العقلاء!
أقول: لأنه يؤدي إلى سد باب اللغة، وبالنتيجة إلى انقطاع الصلة
بالتراث، وفي ذلك وأد الحضارة!
وقد انتهى الشيخ المفيد من هذه الرسالة وقد سد بها - على صغرها -
كل ثغرات الاستدلال بالحديث على الإمامة، وأحكم طرق الاستدلال وسدد
القرائن الدالة على المراد، ونفي احتمال غيره من المعاني المستعمل فيها اللفظ، بما
لم يبق فيه مجال لمقال.
والحمد لله على كل حال.
وكتب
اليد محمد رضا الحسيني الجلالي
9

أقسام المولى
في اللسان
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله العكبري البغدادي
(336 - 413 ه‍)
25

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلواته على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
المولى ينقسم في اللغة على (1) عشرة أوجه (2):
أولها: (الأولى)، وهو الأصل والعماد، الذي ترجع إليه المعاني في
باقي الأقسام. قال الله تعالى في سورة الحديد: (فاليوم لا يؤخذ منكم
فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) (3)
يريد جل اسمه هي أولى بكم على ما جاء في التفسير (4)، وذكره أهل اللغة
المحققون (5).

(1) في ج (إلى).
(2) يستفاد مما ذكره أهل اللغة في كتبهم من معاني لفظة " المولى " أن لها كثر من ثلاثين
معنى، ذكر جلها ابن منظور في لسان العرب 15: 406 - 415، ولعل المؤلف قدس سره أشار
إلى عشرة منها لورودها في الأحاديث الشريفة، ولتمسك أهل العلم والكلام بها في
توجيه الحديث النبوي الشريف: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
(3) الحديد: 14.
(4) قاله ابن عباس، والخازن، والنسفي، والبيضاوي، أنظر ذلك في مجموعة التفاسير 6:
180، وحكاه الفخر الرازي في التفسير الكبير 8: 93 عن محمد بن السائب الكلبي
النسابة المفسر المتوفى سنة 146 ه‍.
(5) مثل الفراء يحمى بن زياد الكوفي المتوفى سنة 207 ه‍، وأبي عبيدة معمر بن المثنى
البصري المتوفى سنة 210 ه‍. كما حكاه الفخر الرازي عنهما في التفسير الكبير
8: 93، والبخاري في صحيحه 7: 240، و عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري
البغدادي المتوفى سنة 276 ه‍. قاله في كتابه القرطين 2: 164، وأبي العباس
ثعلب بن أحمد بن يحيى النحوي الشيباني المتوفى سنة 291 ه‍. كما حكاه عنه القاضي
الزوزني المتوفى سنة 486 ه‍ في شرح السبع المعلقات: 127، وأبي جعفر الطبري
المتوفى سنة 321 ه‍. ذكره في تفسيره 9: 117، وأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري
اللغوي المتوفى سنة 328 ه‍ في كتابه الأضداد 2: 46، وأبي الطيب عبد الواحد بن
علي اللغوي الحلبي المتوفى سنة 351 ه‍ كما في كتابه الأضداد في كلام العرب
2: 665، وأبي بكر محمد بن عزيز السجستاني في تفسير غريب القرآن.
27

قال لبيد (1):
فغدت كلا الفرجين، تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها (2)
يريد أولى المخافة. ولسنا نعلم من أهل اللغة في المعنى خلافا.
والثاني: (مالك الرق) قال الله تعالى: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا
لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه " (3) يريد (4) مالكه، والأمر في هذا
المعنى أبين من أن يحتاج فيه إلى الاستشهاد.
والثالث: (المعتق).
والرابع: (المعتق).

(1) أبو عقيل، لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري، وكان يقال لأبيه:
ربيع المقترين لسخائه، كان من شعراء الجاهلية وفرسانهم، وأدرك الإسلام، وقدم على
رسول الله صلى الله عليه وآله في وفد بني كلاب، فأسلموا، ورجعوا إلى بلادهم، ثم
قدم لبيد الكوفة، ومات بها في خلافة معاوية، وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة. الشعر
والشعراء: 148.
(2) لسان العرب 15: 410.
(3) النحل: 74.
(4) ليس في نسخة " ب ".
28

والخامس: (ابن العم). قال الشاعر (1):
مهلا بني عمنا مهلا موالينا * لا تنشروا بيننا ما كان مدفونا (2)
والسادس: (الناصر) قال الله جل وعز: (ذلك بأن الله مولى
الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) (3)، يريد لا ناصر لهم.
والسابع: (المتولي) يتضمن الجريرة، ويحوز الميراث.
والثامن: (الحليف).
والتاسع: (الجار).
والعاشر: (الإمام السيد المطاع).
وهذه الأقسام. التسعة بعد " الأولى " إذا تؤمل المعنى فيها وجد راجعا
إلى " الأولى " ومأخوذا منه. لأن مالك الرق لما كان أولى بتدبير عبده من
غيره. [كان مولاه].
والمعتق لما كان أولى بميراث المعتق من غيره، كان لذلك مولاه.
والمعتق لما كان أولى بمعتقه في تحمل جريرته، واتصف به ممن (4)
أعتقه غيره كان مولاه أيضا لذلك.

(1) هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب اللهبي، من قريش، شاعر من فصحاء
بني هاشم، كان معاصرا للفرزدق والأحوص، وله معهما أخبار. مدح عبد الملك بن
مروان، وهو أول هاشمي مدح أمويا فأكرمه، وكان شديد السمرة جاءته من جدته
وكانت حبشية، ويقال له: الأخضر لذلك، توفى حدود سنة 95 ه‍.
(2) استشهد به ابن منظور في لسان العرب 15: 408، وقال فيه " امشوا رويدا كما كنتم
تكونونا ".
(3) محمد: 10.
(4) ولعل الصحيح: وألصق به ممن.
29

وابن العم لما كان أولى بالميراث ممن بعد عن نسبه، وأولى بنصرة ابن
عمه من الأجنبي، كان مولى لأجل ذلك.
والناصر لما اختص بالنصرة فصار بها أولى كان من أجل ذلك مولى.
والمتولي لتضمن الجريرة لما ألزم نفسه ما يلزم المعتق كان بذلك أولى
ممن لم يقبل الولاء، وصار به أولى لميراثه، فكان لذلك مولى.
والحليف لاحق في معناه بالمتولي، فلهذا السبب كان مولى.
والجار لما كان أولى بنصرة جاره ممن بعد عن داره، وأولى بالشفعة في
عقاره، فلذا كان أولى.
والإمام المطاع، لما كان له من طاعة الرعية وتدبيرهم ما يماثل
الواجب بملك الرق، كان لذلك أولى، فصار جميع المعاني فيما حددناه يرجع
إلى معنى الأولى، ويكشف عن نتيجة ما ذكرناه في حقيقته ووصفناه.
وقد حمل العناد الناصبة على أن جحد بعضهم أن يكون " الأولى "
أحد أقسام المولى، أو يحصل ذلك في معناه، واعترف بعضهم أنفة من
العناد، وادعوا أنه مجاز من الأقسام.
وفيما قدمناه من الدليل على أنه الأصل والعماد بيان فضيحة هؤلاء
الأوغاد.
على أنه لا فصل بينهم وبين من جحد الأقسام التسعة، واقتصر به
على الأول، فادعى فيها الاستعارة والمجاز، بل هو بهذه الدعوى أقرب إلى
الصواب لما شرحناه.
30

باب
طرف من الاستدلال على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بما
استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله في يوم
الغدير من المقال
قد أجمع حملة الأخبار، واتفق نقلة الآثار، على أن النبي صلى الله
عليه وآله جمع الناس بغدير خم، عند مرجعه من حجة الوداع، ثم واجه
جماعتهم بالخطاب فقال: " ألست أولى بكم منكم؟ - فلما أذعنوا له
بالإقرار قال لهم على النسق من غير فصل في الكلام -: فمن كنت مولاه
فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره
واخذل من خذله " (1).
فقررهم صلى الله عليه وآله على فرض طاعته عليهم بصريح
الكلام، ثم عطف على اللفظ الخاص بما ينطوي على معناه، وجاء فيه

(1) كفانا مؤنة البحث واستقصاء الطرق والأسانيد لهذا الحديث الذي تواتر عن مئات
الصحابة والتابعين ما حكاه الخوارزمي في مناقبه: 94، لفظه: " ينادي رسول الله بأعلى
صوته " وقال سبط ابن الجوزي في تذكرته لفظه: " كان معه صلى الله عليه وآله من
الصحابة ومن الأعراب وممن يسكن حول مكة والمدينة مائة وعشرون ألفا، وهم الذين
شهدوا معه حجة الوداع، وسمعوا منه هذه المقالة ".
وقد أشار إلى جل هذه الطرق والأسانيد العلامة البحاثة المحقق المرحوم الشيخ عبد
الحسين الأميني قدس سره في كتابه الشهير " الغدير " فلاحظ.
31

بحرف العطف من " الفاء " التي لا يبتدأ بها الكلام، فدل على أنه الأولى
دون ما سواه، لما ثبت من حكمته عليه وآله السلام وأراد به البيان، إذ لو
لم يرد ذلك وأراد ما عداه، لكان مستأنفا لمقال لا تعلق له بالمتقدم جاعلا
لحرف العطف حرف الاستيناف وهذا ما لا يقع إلا من أحد نفسين:
أحدهما: جاهل باللغة والكلام
والآخر: قاصد إلى التعمية والألغاز.
ورسول الله صلى الله عليه وآله يجل عن الوصفين، وينزه عن
النقص في الصفات.
وشئ آخر: لا يخلو رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يلفظ به من
عبارة " مولى " من وجهين لا ثالث لهما على البيان:
إما أن يكون مراده فيه المعنى الذي قرر به الأنام، من فرض
الطاعة على ما ذكرناه. أو يكون أراد غيره من الأقسام.
فإن كان مراده من ذلك فرض طاعته على الأنام، فهو الذي نذهب
إليه وقد صحت الإمامة لأمير المؤمنين عليه السلام.
وإن كان مراده سواه من الأقسام، فقد عبر عن مراده بكلام يحتمل
خلاف ما أراد، وليس في العقل دليل على ما أراد، وهذا ما لا يقع إلا من
جاهل ناقص عاجز عن البيان، أو متعمد لإضلال المخاطبين عن
الغرض، وعدوله عن الافهام.
وقد أجل الله نبيه عن هذين القسمين وأشباههما من النقص عن
الكمال.
وشئ آخر وهو: إذا كان لفظ " مولى " ينقسم على عشرة أقسام، ثم
اعتبرنا ثمانية منها، فأخرج لنا الاعتبار أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقصد
إلى شئ منها، ولم يرده على وجه من الوجوه، ولا سبب من الأسباب، ثبت
32

أنه عليه وآله السلام أراد الخارج عنها من الأقسام، أو بعضه كائنا ما كان،
لا محالة، إذ كان لا يخلو كلامه صلى الله عليه وآله من مراد، وهذا مما لا
شك فيه ولا ارتياب.
فنظرنا في القسم الذي يلي الأول على ما رتبناه، وهو " مالك الرق "
فوجدناه مما لا يجوز أن يقصده النبي عليه وآله السلام، لأنه لم يكن علي
مالكا لرق كل من ملك النبي صلى الله عليه وآله رقه، فيكون بذلك مولى
من كان مولاه.
ونظرنا في الذي يليه، وهو " المعتق "، وكان القول فيه كالقول في
" مالك الرق " سواء، لأن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن معتقا لكل من
أعتقه النبي صلى الله عليه وآله من الرق، فيكون لذلك مولاه.
ولا كان عليه السلام معتقا من رق، ولا الرسول كذلك حاشاهما
من ذلك.
ولم يجز أن يعنى من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه، لأن هذا لغو من
الكلام مع معرفة الجميع بأن عليا عليه السلام ابن عم الرسول صلى الله
عليه وآله، وعلمهم يقينا بالاضطرار بأن ابن عم الرجل هو ابن عم جميع
بني عمه على كل حال.
ولا يجوز أن يريد " الناصر "، لأن المسلمين كلهم أنصار من نصره
النبي عليه وآله السلام، فلا معنى لتخصيصه من الجماعة بما قد شاركته
فيه على البيان، لأن هذا هو العبث في الفعل، واللغو في الكلام.
ولم يكن كل من تولى النبي عليه وآله السلام تولى علما، ولا يجوز أن
يخبر بذلك كله لتنافي الكلام، ولا يجب أن يكون قد أوجبه لآمرين:
(الأول): أنه خاطب الكافة، ولم يكونوا بأسرهم أولياء على معنى
الاعتزاء إليه بضمان الجرائر، واستحقاق الميراث.
33

(والثاني): للاتفاق على أن ذلك لم يكن واجبا في شئ من الأزمان.
ولا يجوز أن يكون قصد معنى " الحليف "، لأنه لم يكن عليه السلام
حليفا لجميع حلفاء النبي صلى الله عليه وآله.
ولا معنى لإرادته بلفظ مولى " الجار "، لأنه قد كان معروفا عند
جميع من عرف منزلة علي عليه السلام أنه جار من جاوره النبي عليه وآله
السلام في الدار، بحلوله معه في المكان، ولا إذا افترقا بالأسفار، ولم يجب
أن يكون علي عليه السلام جارا لجيران النبي عليه وآله السلام، وكان الخبر
عن ذلك كذبا من الأخبار.
مع أنه لو كان حقا لم يكن فيه فائدة توجب جمع الناس لها، وتقريرهم
على الطاعة وتعظيم الشأن.
فلم يبق إلا أنه (ما) أراد بقوله: " من كنت مولاه فعلي مولاه " إلا
الإمامة التي يعبر عنها تارة بلفظ أولى، ويعبر عنها بصريح فرض الطاعة،
فإنه أحرى وهذا واضح البرهان.
34

باب
شواهد الإمامة من هذا المقال بشعر الفصحاء
من الشعراء
ومما يدل على ما ذكرناه ما تواترت به الأخبار أن حسان بن ثابت (1)
شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله استأذن النبي عليه السلام في يوم
الغدير أن يقول شعرا في ذلك المقام، فأذن له، فأنشأ يقول:
يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالرسول مناديا
فقال: ومن مولاكم ووليكم؟ * فقالوا، ولم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا وأنت نبينا * فلن تجدن (2) منا لك اليوم عاصيا (3)
فقال له: قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا
فقال له النبي صلى الله عليه وآله: " لا تزال يا حسان مؤيدا بروح
.

(1) أبو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري من الشعراء المخضرمين، عاش في
الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، ومات في زمن معاوية بن أبي سفيان،
وعمي في آخر عمره.
(2) في نسخة " ب " تجدك.
(3) في بعض المصادر الآتية الذكر:
" إلهك مولانا وأنت ولينا * وما لك منا في الولاية عاصيا "
35

القدس ما نصرتنا بلسانك " (1).
فلولا أن النبي عليه وآله السلام أراد بما ذكره في ذلك المقام النص
على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام على حسب ما صرح به حسان في هذا
المقال، لما دعا له النبي (صلى الله عليه وآله) بالتأييد، ومدحه من أجله
وأثنى عليه.
ولو كان عليه وآله السلام عنى غيره من أقسام المولى، لأنكر على
حسان ولم يقره على ما اعتقده فيه، وبين له غلطه فيما حكاه، لأنه محال مع
نصب الله تعالى نبيه للبيان، أن يشهد بصحة الباطل، وهو على الضلال
أن يمدح على الغلط من الاعتقاد.
وفي شهادته عليه وآله السلام بصدق حسان فيما حكاه، ونظمه
الكلام بمدحه عليه، ودعائه له بالتأييد من أجله على ما بيناه، دليل على
صحة ما ذكرناه، وشاهد على أن المولى عبارة في اللغة عن " الإمام " لفهم
حسان والجماعة ذلك منها بما شرحناه.
ومن ذلك ما تطابقت به الأخبار، ونقله رواة السير والآثار، ودونه
حملة العربية والأشعار، من قول قيس بن سعد بن عبادة (2)، سيد نقباء
رسول الله صلى الله عليه وآله من الأنصار رحمه الله، ومعه راية أمير المؤمنين
عليه السلام، وهو بين يديه بصفين في قصيدته اللامية التي أولها:

(1) تذكرة الخواص: 33، وكفاية الطالب: 17، ومناقب أمير المؤمنين للخوارزمي: 81،
ومقتل الحسين للخوارزمي أيضا: 47، وفرائد السمطين 1: 61.
(2) قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الأنصاري الخزرجي الساعدي يكنى أبا
الفضل، وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الملك، كان من فضلاء الصحابة وأحد
دهاة العرب وكرمائهم، وكان من ذوي الرأي الصائب مات سنة تسع وخمسين، وقيل:
سنة ستين من الهجرة. أسد الغابة 4: 215.
36

قلت لما بغى العدو علينا * حسبنا ربنا ونعم الوكيل
حسبنا ربنا الذي فتح البصرة * بالأمس والحديث طويل
حتى انتهى إلى قوله:
وعلي إمامنا وإمام * لسوانا أتى به التنزيل
يوم قال النبي: من كنت مولا * ه فهذا مولاه خطب جليل
إن ما قاله النبي على الأمة * حتم ما فيه قال وقيل
وفي هذا الشعر دليلان على ما ذكرناه:
أحدهما: أن المولى يتضمن الإمامة عند أهل اللسان، للاتفاق على
فصاحة قيس، وأنه لا يجوز عليه أن يعبر عن معنى ما لا يقع عليه من
اللفظ عند أهل الفصاحة لا سيما في النظم (1) الذي يعتمد صاحبه فيه
الفصاحة والبيان.
والثاني: إقرار أمير المؤمنين عليه السلام قيسا وترك نكيره، وهو ينشد
بحضرته، ويشهد بالإمامة له، ويحتج به على الأعداء، وأمير المؤمنين عليه
السلام ممن لا يقر على باطل ولا يمسك عن الانكار، لا سيما مع ارتفاع
التقية عنه، وتمكنه من الانكار.
ومن ذلك احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام لنفسه بذلك في جوابه
لمعاوية (2) عن كتابه إليه من الشام، وقد رام الافتخار فقال: " أعلي يفتخر

(1) في نسخة " ب " النظر.
(2) معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموي، أسلم عام
الفتح، ولاه عمر الشام بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان، وأمره عثمان، ثم استمر ولم يبايع
عليا نم حاربه، أمه هند بنت عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس، فعلت ما فعلت بحمزة
سيد الشهداء بعد استشهاده بأحد، فأخرجت كبده، وأكلت منه، وله أشار أمير المؤمنين
عليه السلام بقوله " ابن آكلة الأكباد ".
37

ابن آكلة الأكباد " ثم قال لعبيد الله بن أبي رافع (3) اكتب (4):
محمد النبي أخي وصنوي (5) * وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي (يمسي ويضحي) (1) * يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكنى وعرسي * فخالط (2) لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها * فأيكم (3) له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طرا * صغيرا (4) ما بلغت أوان حلمي (5)

(3) عبيد الله بن أبي رافع، واسم أبي رافع أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل: غير ذلك مولى
رسول الله كانت لعبيد الله صحبة من أمير المؤمنين عليه السلام، وكان كاتبا له، من
خيار الشيعة، حفظ كثيرا، وجمع كتابا في فنون من الفقه، انظر رجال النجاشي: 5.
(4) في رواية الطبرسي في الاحتجاج 1: 180: عن أبي عبيدة فقال أمير المؤمنين عليه
السلام: أبا لفضائل يبغي علي ابن آكلة الأكباد؟ أكتب إليه يا غلام.، ونحوه في
كنز العمال 13 / 112 الحديث 36366.
(5) في نسخة الديوان المطبوع: " صهرى ".
(1) في الديوان: يضحي ويمسي.
(2) في المصدر السابق: مشوب.
(3) في المصدر السابق: فمن منكم.
(4) في المصدر السابق: غلاما ما بلغت أوان حلم.
(5) في نسخة (أوب) زيادة في الأبيات بالنحو التالي.
سبقتكم إلى الإسلام طرا * مقرا بالنبي ببطن أمي
وصليت الصلاة وكنت طفلا * صغيرا ما بلغت أوان حلمي
38

وأوجب لي ولايته (6) عليكم * رسول الله يوم غدير خم
فأوجب الحجة على خصمه بالإمامة على الجماعة، فقال النبي صلى
الله عليه وآله فيه يوم الغدير ما قال، وهذا الشعر منقول عنه على الظاهر
والانتشار.
ومما يدل على ما ذكرناه أيضا في هذا الباب قول الأخطل (7) - وهو
رجل نصراني لا يتحيز إلى فرقة من فرق الإسلام ولا يتهم بالعصبية
للشعر، [للشيعة ظ صح] ولا يطعن عليه في العلم باللسان - في قصيدته
التي يمدح فيها عبد الملك بن مروان (1) فقد علمت الكافة عداوته لأمير

(6) نسخة أوب (الولاء معا).
(7) أبو مالك غياث بن غوث من بني تغلب من فدوكس، قال مسلمة بن عبد الملك: ثلاثة
لا أسأل عنهم، أنا أعلم العرب: بهم: الأخطل، والفرزدق، وجرير، وكان الأخطل
يمدح بني أمية، مدح معاوية ويزيد ومن بعدهم من خلفاء بني مروان حتى هلك،
وروى ابن قتيبة في ترجمة الأخطل عن الفرزدق قال: كنا في ضيافة معاوية، ومعنا كعب
بن جعيل التغلبي الشاعر، فقال له يزيد بن معاوية أن عبد الرحمن بن حسان قد فضح
عبد الرحمن بن الحكم وغلبه وفضحنا فاهج الأنصار، فقال له كعب: أرادي أنت إلى
الشرك أهجو قوما نصروا رسول الله صلى الله عليه وآله وآووه، ولكني أدلك على غلام
منا نصراني، ما يبالي أن يهجوهم، كافر، شاعر كان لسانه لسان ثور. قال: ومن هو؟
قال: الأخطل، فدعاه وأمره بهجائهم. الشعر والشعراء: 302.
(1) عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، بويع بعهد من أبيه في خلافة
ابن الزبير، وبقي على مصر والشام وابن الزبير على باقي البلاد مدة سبع سنين، ثم
غلب عبد الملك على العراق وبقية البلاد قتل ابن الزبير واستوثق الأمر له.
قال ابن عائشة: أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف في حجره، فاطبقه وقال:
هذا فراق بيني وبينك، مات سنة 86 هجرية، وكان يلقب برشح الحجر لبخله. وقال
الذهبي: أنى له العدالة؟ وقد سفك الدماء وفعل الأفاعيل. أنظر وفيات الأعيان
2 / 402، وميزان الاعتدال 2: 664.
39

المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
فما وجدت فيها قريش لأمرها * أعف وأوفى من أبيك وأمجدا
فأورى بزنديه ولو كان غيره * غداة اختلاف الناس يوري لا صلدا
فأصبحت مولاها من الناس كلهم * وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا
فمدحه بالإمامة ورياسة الجماعة، واقتصر في العبارة على ذلك،
وأنه أولى به من الناس كافة على لفظة " مولى " لإفادتها في اللغة ومعرفة
أهلها بأنها عبارة عنه، ودالة على معناه، وهذا بين لا خفاء فيه على
منصف، ولا ارتياب فيه.
وهذا الكميت بن زيد الأسدي (1) رحمة الله عليه، وإن لم يكن
الحجة به في اللغة كحسان وقيس بن سعد، فإنه لا حجة فيها على حال.
وقد أجمع أهل العلم بالعربية على فضله، وثقته (1) في روايته لها،

(1) الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد الأسدي، أبو المستهل، الكوفي شاعر، عارف
بآداب العرب ولغاتها وأخبارها وأنسابها. روى الكشي في رجاله بسنده عن زرارة قال:
دخل الكميت بن زيد على أبي جعفر عليه السلام وأنا عنده فأنشده:
" من لقلب متيم مستهام "
فلما فرغ منها قال للكميت: " لا تزال مؤيدا بروح القدس ما دمت تقول فينا). وقال
أبو عكرمة الضبي: لولا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان، له ديوان مشهور
بالهاشميات، مات سنة 126 ه‍. اختيار معرفة الرجال 207 / 266، الأعلام 6:
92.
(2) في نسخة " ب " يقينه.
40

واستشهدوا بشعره على صحة بعض ما اختلف منها.
وقال الأعراب (1) كان الكميت بن زيد أعرف الناس بلغات العرب
وأشعارها، وكان أوكد ما دعاه إلى التشيع، والقول بالنص على إمامة أمير
المؤمنين عليه السلام، قول النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير: " من
كنت مولاه فعلي مولاه " وذلك قوله في قصيدته العينية:
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا
ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها خطرا مبيعا
فلولا أن لفظة " مولى " تفيد الإمامة، لما جاز من الكميت - وهو من
أهل المعرفة باللغة بحيث ما وصفناه - أن يحكم لأمير المؤمنين عليه السلام
بالإمامة بها، ولا أن يحتج بذلك في شعره الذي هو الطريق إلى العلم
بمقداره في المعرفة باللسان، ويجعله في نظمه الذي تسير به عنه الركبان.. (2)
عند الناصبة في الاعتقاد والشبهة به داخلة عليه في باب الاستدلال.
كيف يجوز أن تلحقه التهمة في الجهل بالعربية عند الخاصة والعامة
من الناس، وكيف يجوز أن يعرف (3) بالعصبية في هذا الباب. فإنه حمل
لفظا عربيا غير محتمل عند أهله على الوجوه كلها والأسباب، ولم يوجد أحد

(1) كذا في النسخ، وصوابه " ابن الأعرابي " وهو: محمد بن زياد، المعروف بابن الأعرابي
الكوفي، أبو عبد الله، لغوي، نحوي، راوية لأشعار القبائل، أخذ عن الكسائي وابن
السكيت وأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب وغيرهم. وأخذ عنه الأصمعي، وتوفى بسر
من رأى سنة 231 ه‍. تاريخ بغداد 5: 282، وشذرات الذهب 2: 70، وتاريخ
الطبري 11: 21.
(2) العبارة ناقصة وتكميلها يحتاج إلى نسخة كاملة مصححة ولا توجد.
(3) في نسخة " ب " يفرق.
41

من نظرائه فعل مثل ذلك لعصبية ولا عناد، ولئن جاز هذا عليه مع ما
وصفناه ليجوزن على جرير (1) والفرزدق (2) والأخطل بل على لبيد وزهير (3)
وامرئ القيس (4) حتى لا يصح الاستشهاد بشئ من أشعارهم على غريب
القرآن، ولا على لغة، ولا على إعراب، وهذا قول من صار إليه ظهر جهله
عند العقلاء.
فصح مما أثبتناه من هذه الأشعار ودلائلها ما ذكرناه من برهان قول

(1) أبو حرزة، جرير بن عطية بن الخطفى - والخطفي لقب، واسمه حذيفة - بن بدر بن
سلمة. ولد باليمامة سنة 28 هجرية، وعاش عمره يناضل شعراء زمنه ويساجلهم،
وكان هجاءا، وكانت بينه وبين الفرزدق والأخطل مهاجاة ونقائض، وتوفي باليمامة أيضا
سنة 110 ه‍ وقيل: 111 ه‍. الأغاني 8: 3 - 89.
(2) أبو فراس، همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد التميمي،
المعروف بالفرزدق، من أهل البصرة، عظيم الأثر في اللغة والأخبار، من أشعر طبقات
الإسلاميين، والمقدم في الطبقة الأولى منهم، توفي بالبصرة سنة 110 ه‍، وقد قارب
المئة. الأغاني 9: 324 - 345.
(3) زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني، حكيم الشعراء في الجاهلية، وفي أئمة الأدب
من يفضله على شعراء العرب كافة.
قال ابن الأعرابي: (كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره) ولد في بلاد " مزينة " بنواحي
المدينة، وكان يقيم في الحاجر من ديار نجد، أشهر شعره معلقته التي مطلعها:
" أمن أم أوفى دمنة لم تكلم "
مات قبل الهجرة. الأغاني 10 / 288، والأعلام 3: 87، والشعر والشعراء: 57.
(4) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، من بني آكل المرار، يماني الأصل، ولد بنجد
أو بمخلاف السكاسك باليمن، واشتهر بلقبه، واختلف النسابون في اسمه، فقيل:
حندج وقيل: مليكة، وقيل: عدي. وكان أبوه ملك أسد وغطفان، وأمه أخت المهلهل
الشاعر، وعنه أخذ الشعر، مات سنة 80 قبل الهجرة. الأعلام 1: 351.
42

رسول الله صلى الله عليه وآله على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام والله
الموفق للصواب.
تم كتاب أقسام " المولى " وصلى الله على سيدنا محمد
وآله الطيبين الطاهرين وسلم
43