الكتاب: مصباح الشريعة
المؤلف: المنسوب للإمام الصادق (ع)
الجزء:
الوفاة: ١٤٨
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٠ - ١٩٨٠ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

مصباح الشريعة
1

مصباح الشريعة
للإمام جعفر الصادق (ع)
منشورات
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص. ب 7120
3

الطبعة الأولى
حقوق الطبع محفوظة للناشر
1400 ه‍ - 1980 م
4

بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الأول
في العبودية
قال الصادق (ع): أصول المعاملات تقع أربعة
أوجه معاملة الله ومعاملة النفس
ومعاملة الخلق ومعاملة الدنيا وكل وجه منها منقسم على سبعه أركان
أما أصول معاملة الله تعالى فسبعة أشياء أداء حقه
وحفظ حده وشكر عطائه والرضا بقضائه والصبر
على بلائه وتعظيم حرمته والشوق إليه
5

وأصول معاملة النفس سبعة الخوف والجهد
وحمل الأذى والرياضة وطلب الصدق والاخلاص
واخراجها من محبوبها وربطها في الفقر
وأصول معاملة الخلق سبعة: الحلم والعفو
والتواضع والسخاء والشفقة والنصح والعدل
والانصاف
وأصول معامله الدنيا سبعه الرضا بالدون والايثار
بالموجود وترك طلب المفقود وبغض الكثرة واختيار
الزهد ومعرفة آفاتها ورفض شهواتها رفض الرياسة
فإذا حصلت هذه الخصال في نفس واحدة فهو من
خاصه الله وعباده المقربين وأوليائه حقا
6

الباب الثاني قال الصادق (ع): العبودية جوهر كنهها الربوبية
فما فقد من العبودية وجد الربوبية وما خفى عن
الربوبية أصيب في العبودية
قال الله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم
حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكف بربك انه على كل
شئ شهيد) أي موجود في غيبتك وفي حضرتك.
وتفسير العبودية بذل الكل وسبب ذلك منع النفس
عما تهوى وحملها على ما تكره ومفتاح ذلك ترك الراحة
وحب العزلة وطريقة الافتقار إلى الله تعالى
7

قال النبي (ص): اعبد الله كأنك تراه فإن تكن
تراه فإنه يراك وحروف العبد ثلاثة (ع ب د) فالعين
علمه بالله والباء بونه عمن سواه والدال دنوه الله تعالى بلا
كيف ولا حجاب وأصول المعاملات تقع على أربعة أوجه
كما ذكر في أول الباب الأول
8

الباب الثالث
في غض البصر
الصادق (ع): ما اغتنم أحد بمثل ما اغتنم بغض البصر لأن
البصر لا يغض عن محارم الله تعالى إلا و
سبق إلى قلبه مشاهده العظمة والجلال
سئل أمير (ع) بما ذا يستعان على غض البصر
فقال (ع): بالخمود تحت السلطان المطلع على
سرك والعين جاسوس القلوب وبريد العقل فغض بصرك
عما لا يليق بدينك ويكرهه قلبك وينكره عقلك
قال النبي (ص): غضوا ابصاركم ترون العجايب
9

قال الله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم ويحفظوا
فروجهم).
وقال عيسى بن مريم (ع) للحواريين إياكم والنظر
إلى المحذورات فإنها بذر الشهوات وبنات الفسق
قال يحيى (ع): الموت أحب إلى من نظره بغير واجب.
وقال عبد الله بن مسعود لرجل نظر إلى امرأة قد
عادها في مرضها لو ذهب عيناك لكان خيرا لك من عيادة
مريضك ولا تتوفر عين يصيبها من نظر إلى محذور إلا
وقد انعقد عقده على قلبه من المنية ولا تنحل بإحدى
الحالين: أما ببكاء الحسرة والندامة بتوبة صادقة وأما
بأخذ نصيبه مما تمنى ونظر إليه فاخذ الحظ من غير توبة
فيصيره إلى النار وأما التائب البالي بالحسرة والندامة عن
ذلك فمأواه الجنة ومنقلبه الرضوان
10

الباب الرابع
في المشي
قال الصادق (ع) ان كنت عاقلا فقدم العزيمة
الصحيحة والنية الصادقة في حين قصدك إلى أي مكان
أردت فإن النفس التخطي إلى محذور وكن متفكرا
في مشيك ومعبرا بعجائب صنع الله تعالى أينما بلغت ولا
تكن مستهزءا ولا متبخترا في مشيك قال تعالى: ولا
تمش في مرحا الخ وغض بصرك عما لا يليق
بالدين واذكر كثيرا فإنه قد جاء في الخبر ان المواضع
التي يذكر الله فيها وعليها تشهد بذلك عند الله يوم القيامة
وتستغفر لهم إلى أن يدخلهم الله الجنة ولا تكثرن
11

الكلام مع الناس في الطريق فإن فيه سوء الأدب وأكثر
الطرق مراصد الشيطان ومتجرته فلا تأمن كيده
واجعل ذهابك ومجيئك في طاعة الله والسعي رضاه
فإن حركاتك كلها مكتوبه في صحيفتك
قال تعالى: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم
وأرجلهم بما كانوا يكسبون) وقال الله تعالى: (وكل انسان ألزمناه طائره عنقه).
12

الباب الخامس
في العلم
قال الصادق (ع): العلم أصل كل حال سنى ومنتهى كل
منزلة رفيعة ولذلك قال النبي (ص) طلب العلم فريضة
كل مسلم ومسلمة أي علم التقوى واليقين.
وقال علي (ع): اطلبوا العلم ولو بالصين فهو علم
معرفة النفس ومعرفة الرب عز وجل
قال النبي (ص): من عرف نفسه عرف ربه ثم
عليك من العلم بما لا يصح العمل به وهو الاخلاص.
قال النبي (ص): نعوذ بالله علم لا ينفع وهو العلم
13

الذي يضاد العمل بالاخلاص واعلم أن قليل العلم يحتاج
إلى كثير العمل لأن علم الساعة يلزم صاحبه استعمال طول
دهره.
قال عيسى بن مريم (ع) رأيت حجرا عليه
مكتوب اقلبني فقلبته فإذا على باطنه مكتوب من لا
يعمل بما يعلم مشؤم عليه طلب ما لا يعلم ومردود عليه
ما علم
أوحى تعالى إلى داود (ع): ان أهون ما انا
صانع بعالم عامل بعلمه أشد من سبعين عقوبة باطنة ان
اخرج قلبه حلاوة ذكرى وليس إلى الله سبحانه
طريق يسلك بعلم والعلم زين المرء في الدنيا والآخرة
وسائقه الجنة وبه يصل إلى رضوان الله تعالى والعالم
حقا الذي ينطق فيه أعماله الصالحة وأوراده الزاكية وصدقه
وتقواه لا لسانه ومناظرته ومعادلته وتصاوله ودعواه
ولقد كان يطلب هذا العلم في غير هذا الزمان من كان
14

فيه عقل ونسك وحكمه وحياء وخشية وانا نرى طالبه
اليوم ليس فيه من ذلك شئ والعالم يحتاج إلى عقل
ورفق وشفقة ونصح وحلم وصبر وقناعة وبذل والمتعلم
يحتاج إلى رغبة وإرادة وفراغ ونسك وخشية وحفظ وحزم
15

الباب السادس
في الفتياء
قال الصادق (ع): لا يحل الفتياء لمن لا يصطفى
من الله تعالى بصفاء سره واخلاص علمه وعلانيته وبرهان
من ربه في كل حال لأن من أفتى فقد حكم والحكم لا
يصح إلا باذن من الله عز وجل وبرهانه ومن حكم بالخير
بلا معاينة فهو جاهل مأخوذ بجهله ومأثوم بحكمه دل
الخبر العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء
قال النبي (ص): أجرأكم على الفتياء أجرأكم على
الله عز وجل أو لا يعلم المفتى انه هو الذي يدخل بين الله
تعالى وبين عباده وهو الحائر بين الجنة والنار
16

قال سفيان بن عيينة: كيف ينتفع بعلمي غيري وانا
قد حرمت نفسي نفعها ولا يحل الفتياء في الحلال والحرام
بين الخلق إلا لمن اتبع الحق من أهل زمانه وناحيته وبلده
بالنبي (ص) وعرف ما يصلح من فتياه
قال النبي (ص): وذلك لربما ولعل ولعسى لأن الفتياء
عظيمة
قال أمير قوله المؤمنين (ع): لقاض هل تعرف الناسخ
من المنسوخ؟ قال لا قال: فهل أشرفت على مراد الله
عز وجل في أمثال القرآن؟ قال: لا. قال (ع): إذا
هلكت وأهلكت والمفتى يحتاج إلى معرفة معاني القرآن
وحقايق السنن وبواطن الإشارات والآداب والاجماع
والاختلاف والاطلاع على أصول ما اجتمعوا عليه وما
اختلفوا فيه ثم إلى حسن الاختيار ثم إلى العمل الصالح
ثم الحكمة ثم التقوى ثم حينئذ ان قدر.
17

الباب السابع
في الامر بالمعروف والنهى المنكر
قال الصادق (ع): من لم ينسلخ هواجسه ولم
يتخلص من آفات نفسه وشهواتها ويهزم الشيطان ولم
يدخل في كنف الله تعالى وأمان عصمته لا يصلح له الامر
بالمعروف والنهى عن المنكر لأنه لم يكن بهذه الصفة
فكلما أظهر أمرا يكون حجه ولا ينتفع الناس به.
قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون
أنفسكم). ويقال له: يا خائن ا تطالب خلقي خنت به
نفسك وأرخيت عنه عنانك
روى أن ثعلبة الأسدي سال رسول الله (ص) عن
18

هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم
من ضل إذا اهتديتم) فقال رسول الله (ص): (وأمر
بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على أصابك)
حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا واعجاب كل ذي رأى
برأيه فعليك بنفسك ودع عنك العامة وصاحب الامر
بالمعروف يحتاج أن يكون عالما بالحلال والحرام فارغا
من خاصة نفسه مما يأمرهم وينهاهم عنه ناصحا للخلق
رحيما لهم رفيقا بهم داعيا لهم باللطف وحسن البيان عارفا
بتفاوت أخلاقهم لينزل كلا بمنزلته بصيرا بمكر النفس
ومكائد الشيطان صابرا على ما يلحقه لا يكافيهم بها ولا
يشكو منهم ولا يستعمل الحمية ولا يغتاظ لنفسه مجردا
نيته لله مستعينا به تعالى ومبتغيا لوجهه فإن خالفوه
وجفوه صبر وان وافقوه وقبلوا منه شكر مفوضا امره
إلى الله ناظرا إلى عيبه
19

الباب الثامن
في آفة العلماء
قال الصادق (ع): الخشية ميراث العلم وميزانه
والعلم شعاع المعرفة وقلب الايمان ومن حرم الخشية لا
يكون عالما وان يشق الشعر بمتشابهات العلم قال الله
تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
وآفة العلماء ثمانية: الطمع والبخل والرياء والعصبية
وحب المدح والخوض فيما لم يصلوا إلى حقيقته والتكلف
في تزيين الكلام بزوائد الألفاظ وقلة الحياء من الله
والافتخار وترك العمل علموا
قال عيسى (ع) أشقى الناس من هو معروف
20

بعلمه مجهول بعمله
وقال النبي (ص): لا تجلسوا كل داع مدع
يدعوكم من اليقين إلى الشك ومن الاخلاص إلى الرياء
ومن التواضع إلى الكبر ومن النصيحة إلى العداوة
والزهد إلى الرغبة وتقربوا إلى عالم يدعوكم إلى
التواضع الكبر ومن الرياء إلى الاخلاص ومن
الشك إلى اليقين ومن الرغبة إلى الزهد ومن العداوة
إلى النصيحة ولا يصلح لموعظة الخلق إلا من جاوز هذه
الآفات بصدقه وأشرف على عيوب الكلام وعرف
الصحيح من السقيم وعلل الخواطر وفتن النفس والهوى
قال (ع): كن كالطبيب الرفيق الشفيق الذي
يضع الدواء بحيث ينفع في الخبر.
سألوا عيسى بن مريم (ع): يا روح الله مع من نجالس؟
قال (ع): من يذكركم رؤيته ويزيد في علمكم منطقه
ويرغبكم في الآخرة عمله
21

الباب التاسع
في الرعاية
قال الصادق (ع): من رعى قلبه عن الغفلة ونفسه
عن الشهوة وعقله عن الجهل فقد دخل في ديوان المتنبهين
ثم من رعى علمه عن الهوى ودينه عن البدعة وماله عن
الحرام فهو من جملة الصالحين
قال رسول الله (ص): طلب العلم فريضة على كل
مسلم ومسلمة وهو علم الأنفس فيجب أن يكون نفس
المؤمن على كل حال في شكر عذر على معنى ان قبل
ففضل وان رد فعدل وتطالع الحركات الطاعات
بالتوفيق وتطالع السكون عن المعاصي بالعصمة وقوام
22

ذلك كله بالافتقار إلى الله تعالى والاضطرار والخشوع
والخضوع ومفاتحها الإنابة إلى الله تعالى مع قصر الامل
بدوام ذكر الموت وعيان الوقوف يدي الجبار لأن ذلك
راحة من الحبس ونجاة من العدو وسلامة النفس وسبب
الاخلاص في الطاعات التوفيق واصل ذلك أن يرد
العمر إلى يوم واحد
قال الله (ص): الدنيا ساعة فاجعلها طاعة
وباب ذلك كله ملازمة الخلوة بمداومة الفكر وسبب
الخلوة القناعة وترك الفضول من المعاش وسبب الفكر
الفراغ وعماد الفراغ الزهد وتمام الزهد التقوى
وباب التقوى الخشية ودليل الخشية التعظيم لله تعالى
والتمسك بخالص طاعة في أوامره والخوف والحذر مع
الوقوف عن محارمه ودليلها العلم قال الله عز وجل:
(إنما يخشى الله من عباده العلماء).
23

الباب العاشر
في الشكر
قال الصادق (ع) في كل نفس من أنفاسك شكر
لازم لك بل الف أكثر وأدنى الشكر رؤية النعمة
من الله تعالى غير عله يتعلق القلب بها دون الله عز وجل
والرضا اعطى وان لا تعصيه بنعمته وتخالفه بشئ
من امره ونهيه بسبب نعمته فكن لله عبدا شاكرا
على كل حال تجد الله ربا كريما على كل حال ولو كان عند
الله تعالى عباده تعبد بها عباده المخلصون أفضل من الشكر
على كل لأطلق لفظه فيهم من جميع الخلق بها فلما يكن
أفضل منها خصها من بين العبادات وخص أربابها فقال:
24

(وقليل من عبادي الشكور) وتمام الشكر الاعتراف
بلسان العز خالصا لله عز وجل بالعجز عن بلوغ أدنى
شكره لأن التوفيق الشكر نعمه حادثه يجب الشكر
عليها وهي أعظم قدرا واعز وجودا من النعمة التي من
اجلها وفق له فيلزمك كل شكر شكرا أعظم منه
إلى ما لا نهاية له مستغرقا نعمه عاجزا قاصرا عن درك
غاية شكره فانى يلحق العبد شكر نعمة الله ومتى يلحق
صنيعه بصنيعه والعبد ضعيف لا قوه له ابدا إلا بالله تعالى
عز وجل وتعالى غنى عن طاعة العبد فهو تعالى قوى
على مزيد النعم على الأبد فكن لله عبدا شاكرا على هذا
الوجه ترى العجب.
25

الباب الحادي عشر
في الخروج من المنزل
قال الصادق (ع): إذا خرجت من منزلك فاخرج
خروج لا يعود ولا يكن خروجك إلا لطاعة أو
سبب من أسباب الدين والزم السكينة والوقار واذكر
الله سرا وجهرا
سال بعض أصحاب أبي ذر (ره) أهل داره عنه فقالت
خرج متى يرجع فقالت متى يرجع من روحه
بيد غيره ولا يملك لنفسه شيئا واعتبر بخلق الله تعالى
برهم وفاجرهم أينما مضيت فاسال الله تعالى ان يجعلك
من خلص عباده الصادقين ويلحقك بالماضين منهم ويحشرك
26

في زمرتهم واحمده واشكره على ما جنبك من الشهوات
وعصمك من قبيح أفعال المجرمين وغض بصرك
الشهوات ومواضع النهى واقصد من مشيك وراقب
في كل خلوه كأنك على الصراط جائز ولا تكن لفاتا
وافش السلام لأهله مبتدئا ومجيبا وأعن من استعان بك
في حق وارشد الضال واعرض عن الجاهلين وإذا رجعت
منزلك فادخل دخول الميت القبر حيث ليس همته إلا
رحمة الله تعالى وعفوه.
27

الباب الثاني عشر
في قراءه القرآن
قال الصادق (ع): من قرا القرآن ولم يخضع ولم
يرق قلبه ولا ينشئ حزنا ووجلا في سره فقد استهان
بعظم شان الله تعالى وخسر خسرانا مبينا
فقارئ القرآن محتاج ثلاثة أشياء: قلب خاشع
وبدن فارغ وموضع خال فإذا خشع الله قلبه فر منه
الشيطان الرجيم قال الله (فإذا قرأت القرآن فاستعذ
بالله من الشيطان الرجيم) فإذا تفرغ نفسه
من الأسباب تجرد قلبه للقراءة ويعترضه عارض
فيحرمه بركة نور القرآن وفوائده فإذا اتخذ مجلسا خاليا
28

واعتزل عن الخلق بعد أن اتى بالخصلتين: خضوع القلب
وفراغ البدن استأنس روحه وسره بالله عز وجل ووجد
حلاوة مخاطبات الله تعالى عز وجل عباده الصالحين وعلم
لطفه بهم ومقام اختصاصه لهم بفنون كراماته وبدايع
إشاراته فإن شرب كأسا من هذا المشرب لا يختار
ذلك الحال حالا وعلى ذلك الوقت وقتا بل يؤثره كل
طاعة وعبادة لأن فيه المناجاة مع الرب بلا واسطه فانظر
كيف تقرا كتاب ربك ومنشود ولايتك وكيف تجيب
أوامره وتجتنب نواهيه وكيف تتمثل حدوده فإنه كتاب
عزيز: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه
تنزيل من حكيم حميد) فرتله ترتيلا وقف وعده
ووعيده وتفكر في أمثاله ومواعظه واحذر تقع من
إقامتك حروفه في إضاعة حدوده
29

الباب الثالث عشر
في اللباس
قال الصادق (ع): زين اللباس للمؤمن التقوى
وأنعمه الايمان قال الله تعالى: (ولباس التقوى ذلك
خير) وأما اللباس الظاهر فنعمة من الله تعالى تستر بها
عورات آدم هي كرامة أكرم الله بها ذرية آدم ما لم
يكرم غيرهم وهي للمؤمنين من اله لأداء ما افترض
عليهم وخير لباسك ما لا يشغلك عن الله عز وجل بل
يقربك ذكره وشكره وطاعته ولا يحملك على العجب
والرياء والتزيين والتفاخر والخيلاء فإنها من آفات الدين
ومورثه القسوة في القلب فإذا لبست ثوبك فاذكر ستر
30

الله عليك ذنوبك برحمته والبس باطنك كما البست ظاهرك
بثوبك وليكن باطنك من الصدق في ستر الهيبة وظاهرك
في ستر الطاعة واعتبر بفضل الله عز وجل حيث خلق
أسباب اللباس ليستر العورات الظاهرة وفتح أبواب التوبة
والإنابة والإغاثة ليستر بها العورات الباطنة من الذنوب
واخلاق السوء ولا تفضح أحدا حيث ستر الله عليك
ما أعظم منه واشتغل بعيب نفسك واصفح عما لا يعنيك
حاله وأمره واحذر ان يفنى عمرك بعمل غيرك ويتجر
برأس مالك غيرك فتهلك نفسك فإن نسيان الذنوب
من أعظم عقوبة الله تعالى العاجل وأوفر أسباب العقوبة في
الاجل وما دام العبد مشتغلا بطاعة الله تعالى ومعرفة
عيوب نفسه وترك ما يشين في دين الله عز وجل فهو
بمعزل عن الآفات غائص في بحر رحمة الله تعالى يفوز
بجواهر الفوائد من الحكمة والبيان وما دام ناسيا لذنوبه
جاهلا لعيوبه راجعا إلى حوله وقوته لا يفلح إذا ابدا
31

الباب الرابع عشر
في الرياء
قال الصادق (ع): لا تراني بعملك من لا يحيى
ويميت ويغنى عنك شيئا والرياء شجرة لا تثمر إلا
الشرك الخفي واصلها النفاق يقال للمرائي عند الميزان
خذ ثوابا تعد ثواب عملك ممن أشركته معي فانظر من
تعبد وتدعو ومن ترجو ومن تخاف واعلم انك لا تقدر
على اخفاء شئ من باطنك عليه تعالى وتصير مخدوعا
بنفسك
قال الله تعالى: (يخادعون الله والذين آمنوا وما
يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) وأكثر ما يقع
32

الرياء في البصر والكلام والأكل والشرب والمجئ
والمجالسة واللباس والضحك والصلاة والحج والجهاد
وقراءة القرآن وسائر العبادات الظاهرة فمن أخلص باطنه لله
تعالى وخشع له بقلبه ورأي نفسه مقصرا بذل كل
مجهود وجد الشكر عليه حاصلا ويكون من يرجو
الخلاص من الرياء والنفاق إذا استقام على في كل حال
33

الباب الخامس عشر
في الصدق
قال الصادق (ع): الصدق نور متشعشع في عالمه
كالشمس يستضئ كل شئ بمعناها من غير نقصان يقع على
معناها والصادق حقا هو الذي يصدق كل كاذب بحقيقة
صدق ما لديه وهو المعنى لا يسع معه سواه أو ضده مثل آدم
على نبينا وآله و (ع) صدق إبليس في كذبه
حين أقسم له كاذبا لعدم به من الكذب في آدم
قال الله تعالى: (ولم نجد عزما) لأن إبليس
أبدع شيئا كان أول من أبدعه وغير معهود ظاهرا
وباطنا فحشر هو بكذبه على معنى لم ينتفع به من صدق آدم
(ع) على بقاء الأبد وأفاد آدم (ع) بتصديقه كذبه
بشهادة الله عز وله ينفى عزمه عما يضاد عهده في
34

الحقيقة على معنى لم ينتقص من اصطفائه بكذبه شيئا
فالصدق صفة الصادق حقيقة الصدق يقتضى تزكية الله
تعالى لعبده كما ذكر عن صدق عيسى (ع) في القيمة بسبب
ما أشار إليه من صدقه وهو براءة الصادقين من رجال أمة
محمد (ص) فقال تعالى: (هذا يوم ينفع الصادقين
صدقهم)
وقال أمير قوله المؤمنين (ع):
الصدق سيف الله في ارضه وسمائه أينما هوى به يقده فإذا أردت تعلم أصادق
أنت أم كاذب فانظر في صدق معناك وعقد دعواك
وعيرهما بقسطاس من الله تعالى كأنك القيامة قال الله
تعالى: (والوزن يومئذ الحق) فإذا اعتدل معناك
يفوز دعواك ثبت لك الصدق وأدنى حد الصدق ان لا
يخالف اللسان القلب ولا القلب اللسان ومثل الصادق
الموصوف بما ذكرناه كمثل النازع لروحه لم ينزع فما ذا
يصنع
35

الباب السادس عشر
في الاخلاص
قال الصادق (ع): الاخلاص بجميع فواضل
الأعمال وهو معنى افتتاحه القبول وتوقيعه الرضا فمن
تقبل الله منه ويرضى عنه فهو المخلص وان قل عمله ومن
لم يتقبل منه فليس بمخلص وكثر عمله اعتبارا بادم
(ع) وإبليس عليه اللعنة وعلامة القبول وجود الاستقامة
ببذل كل محاب مع اصابه علم حركة وسكون والمخلص
ذائب روحه باذل مهجته تقويم ما به العلم والأعمال
والعامل والمعمول بالعمل لأنه إذا أدرك ذلك فقد أدرك
الكل وإذا فاته فاته الكل وهو تصفية معاني التنزيه
36

في التوحيد كما قال الأول هلك العاملون إلا العابدون
وهلك العابدون إلا العالمون وهلك العالمون الصادقون
وهلك الصادقون إلا المخلصون وهلك المخلصون إلا المتقون
وهلك المتقون إلا الموقنون وان الموقنين لعلى خلق عظيم.
قال الله تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)
وأدنى حد الاخلاص بذل العبد طاقته ثم لا يجعل لعمله
عند الله قدرا فيوجب به على ربه مكافاة لعلمه بعمله انه لو
طالبه بوفاء حق العبودية لعجز وأدنى مقام المخلص
الدنيا السلامة من جميع الآثام وفي الآخرة النجاة النار
والفوز بالجنة
37

الباب السابع عشر
في التقوى قال الصادق (ع): التقوى على ثلاثة أوجه: تقوى
بالله وترك الخلاف فضلا عن الشبهة وهو تقوى خاص
الخاص وتقوى من الله تعالى وهو ترك الشبهات فضلا
عن الحرام وتقوى الخاص وتقوى من خوف النار
والعقاب وهو ترك الحرام وهو تقوى العام ومثل التقوى
كماء يجرى في النهر ومثل هذه الطبقات الثلاث في معنى التقوى
كأشجار مغروسة على حافة ذلك النهر من كل لون جنس
وكل شجرة منها تمتص الماء من ذلك النهر قدر جوهره
وطعمه ولطافته وكثافته ثم منافع الخلق ذلك الأشجار
والثمار على قدرها وقيمتها
38

قال الله تعالى: (صنوان أو غير صنوان يسقى
بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل).
فالتقوى للطاعات كالماء للأشجار ومثل طبائع الأشجار
والأثمار في لونها وطعمها مثل مقادير الايمان فمن كان
أعلى درجة في الايمان وأصفى جوهره بالروح كان اتقى
ومن كان التقى عبادته أخلص وأطهر ومن كان
كذلك كان من أقرب وكل عباده مؤسسة على غير
التقوى فهي هباء منثورا.
قال الله تعالى: (أفمن أسس بنيانه تقوى من
الله ورضوان خير امن أسس بنيانه على شفا جرف هار
فانهار به في نار جهنم) وتفسير التقوى ما ترك ليس
بأخذه باس حذرا مما به الباس وهو في الحقيقة طاعة بلا
عصيان وذكر بلا نسيان وعلم بلا جهل مقبول غير مردود
39

الباب الثامن عشر
في الورع
قال الصادق (ع): أغلق أبواب جوارحك عما يقع
ضرره قلبك ويذهب بوجاهتك عند الله تعالى ويعقب
الحسرة والندامة يوم القيامة والحياء عما اجترحت من
السيئات
والمتورع يحتاج إلى ثلاثة أصول الصفح عن عثرات
الخلق أجمع وترك خطيته فيهم واستواء المدح والذم
واصل الورع دوام محاسبه النفس وصدق المقاولة وصفاء
المعاملة والخروج من كل شبهة ورفض كل عيبة وريبة
40

ومفارقة جميع ما لا يعنيه وترك فتح أبواب لا يدرى
كيف يغلقها ولا يجالس من يشكل عليه الواضح ولا
يصاحب مستخفا الدين ولا يعارض من العلم لا يحتمل
قلبه ولا يتفهمه من قائله ويقطعه عمن يقطعه الله عز
وجل تعالى شانه
41

الباب التاسع عشر
في المعاشرة
قال الصادق (ع): حسن المعاشرة مع خلق الله
تعالى غير معصيته من مزيد فضل الله تعالى عند عبده
ومن كان مخلصا خاضعا لله في السر كان حسن المعاشرة في
العلانية فعاشر الخلق لله تعالى ولا تعاشرهم لنصيبك لأمر
الدنيا ولطلب الجاه والرياء والسمعة ولا تسقطن لسببها
عن حدود الشريعة من باب المماثلة والشهرة فإنهم يغنون
عنك شيئا وتفوتك الآخرة بلا فائدة فاجعل هو
الأكبر منك بمنزلة الأب والأصغر بمنزلة الولد والمثل
بمنزلة الأخ ولا تدع ما تعلمه يقينا من نفسك تشك
42

فيه من غيرك وكن رفيقا في امرك بالمعروف وشفيقا
نهيك عن المنكر ولا تدع النصيحة في كل حال.
قال الله تعالى: (وقولوا للناس حسنا) واقطع
عما ينسيك وصله ذكر الله تعالى وتشغلك عن طاعة الله
الفتنة فإن ذلك من أولياء الشيطان وأعوانه ولا يحملنك
رؤيتهم المداهنة عند الحق فإن في ذلك خسرانا
عظيما نعوذ بالله تعالى
43

الباب العشرون
في النوم
قال الصادق (ع): نم نوم المعتبرين ولا تنم نوم
الغافلين فإن المعتبرين الأكياس
ينامون استراحة ولا
ينامون استبطارا استبصارا
قال النبي (ص): تنام عيناي ولا ينام قلبي وانو بنومك
تخفيف مؤنتك على الملائكة واعتزال النفس عن شهواتها
واختبر بها نفسك وكن ذا معرفه بأنك عاجز ضعيف لا
تقدر على شئ من حركاتك وسكونك إلا بحكم
وتقديره وان النوم أخو الموت واستدل بها الموت
الذي لا تجد السبيل إلى الانتباه فيه والرجوع إلى صلاح
44

ما فات عنك ومن نام عن فريضة أو سنة أو نافلة فإنه
بسببها شئ فذلك نوم الغافلين وسيرة الخاسرين وصاحبه
مغبون ومن نام بعد فراغه من أداء الفرائض و السنن
والواجبات من الحقوق فذلك نوم محمود ولا اعلم
لأهل زماننا هذا شيئا إذا اتوا بهذه الخصال أسلم من
النوم لأن الخلق تركوا مراعاة دينهم ومراقبة أحوالهم
واخذوا شمال الطريق والعبد ان اجتهد ان لا يتكلم
كيف يمكنه ان لا يستمع إلا ما هو مانع له من
وان النوم من إحدى تلك الآلات
قال الله تعالى: (ان السمع والبصر والفؤاد كل
أولئك كان مسؤولا) وان في كثرته آفات وإن كان
على سبيل ذكرنا وكثرة النوم يتولد من كثره الشرب وكثرة
الشرب يتولد كثره الشبع وهما يثقلان
النفس عن الطاعة ويقسيان القلب التفكر والخشوع
واجعل كل نومك آخر عهدك الدنيا واذكر الله
45

تعالى بقلبك ولسانك وحف طاعتك على شرك مستعينا
في الصيام إلى الصلاة إذا انتبهت فإن الشيطان لك
نم فإن لك بعد ليلا طويلا يريد تفويت وقت مناجاتك
وعرض حالك على ربك ولا تغفل عن الاستغفار بالاسحار
فإن للقانتين فيه أشواقا
46

الباب الواحد والعشرون
في الحج
قال الصادق (ع): إذا أردت الحج فقلبك لله
عز وجل من قبل عزمك من كل شاغل وحجب عن كل
حاجب وفوض أمورك كلها إلى خالقك وتوكل
في جميع ما يظهر من حركاتك وسكونك وسلم لقضائه
وحكمه وقدره وتدع الدنيا والراحة والخلق واخرج
من حقوق يلزمك من جهة المخلوقين ولا تعتمد زادك
وراحلتك وأصحابك وقوتك وشبابك ومالك مخافة ان
تصير ذلك أعداء ووبالا ليعلم ليس قوه ولا حيله ولا
حد إلا بعصمة الله تعالى وتوفيقه واستعد استعداد من
47

لا يرجو الرجوع وأحسن الصحبة وراع أوقات فرائض
الله تعالى وسنن نبيه (ص) وما يجب عليك من الأدب
والاحتمال والصبر والشكر والشفقة والسخاء وايثار الراد
على دوام الأوقات ثم اغتسل بماء التوبة الخالصة
الذنوب والبس كسوة الصدق والصفاء والخضوع
والخشوع وأحرم عن كل شئ يمنعك عن ذكر الله
وجل ويحجبك عن طاعته
ولب بمعنى إجابة صافية خالصة زاكية لله عز وجل
في دعوتك له متمسكا بالعروة الوثقى وطف بقلبك مع
الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول
حول البيت وهرول هرولة فرا من هواك وتبرءا من
جميع حولك وقوتك واخرج من غفلتك وزلاتك
بخروجك إلى منى ولا تمن ما لا يحل لك ولا تستحقه
واعترف بالخطأ بالعرفات وحدد عهدك عند الله تعالى
بوحدانيته وتقرب إليه واتقه بمزدلفة واصعد بروحك
48

إلى الملا الاعلى بصعودك إلى الجبل واذبح حنجرة الهوى
والطمع عند الذبيحة وارم الشهوات والخساسة والدناءة
والافعال الذميمة عند رمى الجمرات واحلق العيوب
الظاهرة والباطنة بحلق شعرك وادخل في أمان الله تعالى
وكنفه وستره وحفظه وكلائه من متابعه مرادك بدخول الحرم
وزر البيت متحففا لتعظيم صاحبه ومعرفته وجلاله وسلطانه
واستلم الحجر رضى بقسمته وخضوعا لعظمته ودع ما
سواه بطواف الوداع وصف روحك وسرك للقاء
تعالى يوم تلقاه بوقوفك على الصفاء وكن ذا مروة من الله
بفناء أوصافك عند المروة واستقم شروط حجك
ووفاء عهدك الذي عاهدت ربك وأوجبته يوم القيامة
واعلم بان الله لم يفترض الحج ويخصه من جميع الطاعات
بالإضافة إلى نفسه بقوله تعالى: (ولله على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيلا)
ولا شرع نبيه (ص) في خلال المناسك على ترتيب
49

شرعه للاستعداد والإشارة إلى الموت والقبر والبعث
والقيامة وفصل بيان السبق من دخول الجنة أهلها
ودخول النار أهلها بمشاهدة مناسك الحج من أولها
آخرها لأولي الألباب وأولي النهى
50

الباب الثاني والعشرون
في الزكاة
قال الصادق (ع): على كل جزء من أجزائك زكاة
واجبة تعالى بل على كل منبت شعر من شعرك بل
على لحظه من لحظاتك زكاة
فزكاة العين النظرة بالعبرة والغض عن الشهوات وما
يضاهيها وزكاة الاذن استماع العين والحكمة والقرآن
وفوائد الدين من الموعظة والنصيحة وفيه نجاتك
وبالاعراض عما هو ضده من الكذب والغيبة وأشباههما
وزكاة اللسان النصح للمسلمين والتيقظ للغافلين وكثرة
التسبيح والذكر وغيرها وزكاة اليد البذل والعطاء
51

والسخاء بما أنعم الله عليك به وتحريكها بكتابه العلم
ومنافع ينتفع بها المسلمون في طاعة الله والقبض عن
الشر وزكاة الرجل السعي في حقوق تعالى من زيارة
الصالحين ومجالس الذكر واصلاح وصلة الأرحام
والجهاد وما فيه صلاح قلبك وسلامه دينك هذا مما تحمل
القلوب فهمه والنفوس استعماله ولا يشرف عليه إلا
عباده المخلصون المقربون أكثر ان تحصى وهم أربابه
وهو شعارهم دون غيرهم اللهم وفقني بما تحب وترضى
52

الباب الثالث والعشرون
في النية
قال الصادق (ع): صاحب النية الصادقة صاحب
القلب السليم لأن سلامة القلب من هواجس المحذورات
بتخليص النية لله تعالى في الأمور كلها قال الله تعالى:
(يوم لا ينفع مال وبنون إلا من اتى الله بقلب
سليم)
وقال النبي (ص): نيه المؤمن خير من عمله وقال
(ص) إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى
فلا بد للعبد من خالص النية كل حركة وسكون لأنه
إذا لم يكن بهذا المعنى غافلا والغافلون قد ذمهم
53

الله تعالى فقال: ان هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا
وقال أولئك هم الغافلون)
ثم النية يبدو من القلب قدر صفاء المعرفة
وتختلف على حسب اختلاف الأوقات الايمان في معنى
قوته
وضعفه وصاحب النية الخالصة نفسه وهواه معه
مقهورتان تحت سلطان تعظيم الله تعالى والحياء منه وهو من
طبعه وشهوته ومنية نفسه في تعب والناس منه في راحه
54

الباب الرابع والعشرون
في الذكر
قال الصادق (ع): من كان ذاكرا لله تعالى على
الحقيقة فهو مطيع ومن كان غافلا عنه فهو عاص والطاعة
علامة الهداية والمعصية علامة الضلالة واصلهما الذكر
والغفلة فاجعل قلبك قبله للسانك لا تحركه بإشارة
القلب وموافقة العقل ورضى الايمان فإن تعالى عالم
بسرك وجهرك وكن كالنازع روحه كالواقف في العرض
الأكبر غير شاغل نفسك عما عناك بما كلفك به ربك
في امره ونهيه ووعده ووعيده ولا تشغلها بدون ما كلف
به ربك واغسل قلبك بماء الحزن والخوف واجعل ذكر الله
تعالى من اجل ذكره إياك فإنه ذكرك وهو غني عنك
55

فذكره لك أجل وأشهى وأثنى وأتم من ذكرك وأسبق
ومعرفتك بذكره لك تورثك الخضوع والاستحياء
والانكسار ويتولد من ذلك رؤية كرمه وفضله السابق
وتصغر عند ذلك طاعتك وان كثرت في جنب منته
وتخلص لوجهه ورؤيتك ذكرك له تورثك الرياء والعجب
والسفه والغلظة في خلقه وهو استكثار الطاعة ونسيان
فضله وكرمه ولا تزداد بذلك بعدا ولا تستجلب به
على معنى الأيام إلا وحشة
والذكر ذكران: ذكر خالص بموافقة القلب وذكر
صادف لك بنفي غيره كما قال رسول الله (ص) انا لا
احصى ثناء أنت كما أثنيت على نفسك فرسول الله
(ص) لم يجعل لذكر الله تعالى مقدارا عند علمه بحقيقة
سابقة الله عز وجل من قبل ذكره له ومن دونه أولى
فمن أراد يذكر الله تعالى فليعلم انه ما لم يذكر الله العبد
بالتوفيق لذكره لا يقدر العبد على ذكره
56

الباب الخامس والعشرون
في آفة القراء
قال الصادق (ع): المتقرى بلا علم كالمعجب بلا
مال ولا ملك يبغض الناس لفقره ويبغضونه لعجبه فهو
ابدا مخاصم للخلق في غير واجب ومن خاصم الخلق
غير ما يؤمر به فقد نازع الخالقية والربوبية
قال الله تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله
بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) وليس أحد
أشد عقابا ممن لبس قميص الدعوى بلا حقيقة ولا معنى
قال زيد ثابت لابنه يا بني لا يرى الله اسمك في
ديوان القراء
57

قال النبي (ص): وسيأتي على أمتي زمان تسمع
باسم الرجل خير من أن تلقى وان تلقى خير من أن تجرب
وقال النبي (ص) أكثر منافقي أمتي قراءها وكن حيث
ندبت وأمرت به واخف سرك في الخلق ما استطعت
واجعل طاعتك لله تعالى بمنزلة روحك من جسدك ولتكن
معبرا حالك ما تحققه بينك وبين بارئك واستعن بالله في
جميع أمورك متضرعا إلى الله في آناء ليلك وأطراف نهارك
قال الله تعالى (ادعوا ربكم تضرعا وخفيه انه لا
يحب المعتدين) والاعتداء من صفه قراء زماننا هذا
وعلامتهم فكن لله في جميع أمورك وجل لئلا تقع
في ميدان التمني فتهلك
58

الباب السادس والعشرون
في بيان الحق والباطل
قال الصادق (ع): اتق الله وكن حيث شئت
وأي قوم شئت فإنه لا خلاف لاحد في التقوى والتقوى محبوب
عند كل فريق وفيه اجتماع كل خير ورشد وهو ميزان
علم وحكمة وأساس كل طاعة مقبولة والتقوى ماء ينفجر
من عين المعرفة بالله تعالى يحتاج إليه فن من العلم وهو
لا يحتاج إلى تصحيح المعرفة بالخمود تحت هيبة الله تعالى
وسلطانه ومزيد التقوى من أصل اطلاع الله عز
وجل على سر العبد بلطفه فهذا أصل كل حق وأما
الباطل فهو ما يقطعك عن تعالى متفق عليه أيضا كل
فريق فاجتنب عنه وأفرد سرك لله تعالى بلا علاقة
59

قال رسول الله (ص): أصدق كلمه قالتها العرب
كلمه لبيد حيث قال:
إلا كل شئ ما سوى الله باطل * وكل ونعيم لا محالة زائل
فالزم ما اجتمع عليه أهل الصفاء والتقى والتقوى
من أصول الدين وحقائق اليقين والرضا والتسليم ولا
تدخل في اختلاف الخلق ومقالاتهم فيصعب وقد
اجتمعت الأمة المختارة بان الله واحد ليس كمثله
وانه عدل في حكمه ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا
يقال في شئ من صنعه لم ولا كان ولا يكون إلا
بمشيئته وارادته وانه قادر على ما يشاء وصادق في وعده
ووعيده وان القرآن كلامه وانه قبل الكون والمكان
والزمان وان احداث الكون وفنائه عنده سواء ما ازداد
باحداثه علما ولا ينقص بفنائه ملكه سلطانه وجل
سبحانه فمن أورد عليك ما ينقص هذا الأصل تقبله
وجرد باطنك لذلك ترى بركاته عن قريب وتفوز مع الفائزين
60

الباب السابع والعشرون
في معرفة الأنبياء
قال الصادق (ع): ان الله عز وجل مكن أنبيائه
من خزائن لطفه وكرمه ورحمته وعلمهم من مخزون علمه
وأفردهم من جميع الخلائق لنفسه فلا يشبه أحوالهم
واخلاقهم أحدا من الخلائق أجمعين إذ جعلهم وسائل
سائر الخلق إليه وجعل حبهم وإطاعتهم سبب رضائه
وخلافهم وانكارهم سبب سخطه وأمر كل قوم وفئة باتباع
رسولهم ثم أبي ان يقبل طاعة إلا بطاعتهم وتمجيدهم
ومعرفة حبهم وتبجيلهم وحرمتهم ووقارهم وتعظيمهم
وجاههم الله تعالى فعظم جميع أنبياء الله ولا تنزلهم
61

منزلة أحد من دونهم ولا تتصرف بعقلك في مقاماتهم
و أحوالهم واخلاقهم إلا ببيان محكم من عند الله واجماع
أهل البصائر بدلائل يتحقق بها فضائلهم ومراتبهم وانى
بالوصول إلى حقيقة ما لهم عند الله فإن قابلت
أقوالهم وافعالهم بمن دونهم من أجمعين فقد أسأت
صحبتهم وأنكرت معرفتهم وجهلت خصوصيتهم بالله
وسقطت عن حقائق الايمان والمعرفة فإياك إياك
62

الباب الثامن والعشرون
في معرفه الأئمة
قال الصادق (ع): روى باسناد صحيح سلمان
الفارسي (ره) قال: دخلت على رسول الله فلما نظر إلي
فقال (ص): يا سلمان ان الله وجل لن يبعث
نبيا ولا رسولا إلا وله اثنا عشر نقيبا قال قلت يا رسول
الله (ص) عرفت هذا من الكتابين قال يا سلمان
هل عرفت نقبائي الاثنا عشر الذين اختارهم الله تعالى
للإمامة من بعدي فقلت الله ورسوله اعلم فقال: يا
سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعته
فخلق من نوري عليا ودعاه فاطاعه فخلق من نوري ونور
63

على فاطمة ودعاها فأطاعته فخلق مني ومن وفاطمة
الحسن والحسين فدعاهما فأطاعاه فسمانا تعالى بخمسة
أسماء من أسمائه فالله تعالى المحمود وانا محمد والله العلي
وهذا علي والله الفاطر وهذه فاطمة والله ذو الاحسان
وهذا الحسن والمحسن وهذا الحسين وخلق من نور
الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه من قبل ان يخلق الله
تعالى سماء مبنية وارضا مدحية أو هواء أو ملكا أو بشرا
وكنا أنوارا نسبحه ونسمع له ونطيع قال فقلت يا
رسول الله بابى وأمي ما لمن عرف هؤلاء حق معرفتهم
فقال يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم واقتدى بهم فوالاهم
وتبرء عدوهم كان والله منا يرد حيث نرد ويكن حيث
نكن فقلت يا رسول الله (ص) فهل ايمان بغير معرفتهم
بأسمائهم وأنسابهم فقال لا يا سلمان قلت رسول الله
(ص) فانى لي بهم فقال (ص) قد عرفت الحسين
(ع) قلت نعم قال رسول الله (ص) ثم سيد العابدين
64

علي بن الحسين ثم ابنه محمد بن علي باقر علم الأولين
والآخرين من النبيين والمرسلين ثم جعفر بن محمد
لسان الله الصادق ثم موسى جعفر الكاظم غيظه صبرا في الله
تعالى ثم بن موسى علي الرضا الراضي بسر الله تعالى
ثم بن علي المختار من خلق الله ثم علي بن الهادي
إلى الله ثم الحسن بن علي الصامت الأمين سر الله
ثم م ح م د سماه بابن الحسن الناطق القائم بحق تعالى قال
سلمان فبكيت ثم قلت يا رسول (ص) انى مؤجل إلى
عهدهم قال يا سلمان اقرا:
(فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا أولى
باس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعد الله مفعولا.
ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا)
قال (ره) فاشتد بكائي وشوقي قلت يا رسول الله
65

(ص): أبعهد منك فقال أي والذي بعثني وأرسلني لبعهد
مني وبعلي وفاطمة والحسن
والحسين وتسعة أئمة من ولد
الحسين (ع) وبك ومن هو منا ومظلوم فينا وكل
من محض الايمان محضا أي والله يا سلمان ليحضرن
إبليس وجنوده وكل من محض الكفر محضا حتى يؤخذ
بالقصاص والأوتاد والتراث ولا يظلم ربك أحدا ونحن
تأويل هذه الآية: (ونريد ان نمن على استضعفوا في الأرض
ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن
لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما
ما كانوا يحذرون)
قال سلمان فقمت من بين يدي الله (ص) وما يبالي سلمان كيف لقي الموت أو لقاه
66

الباب التاسع والعشرون
في معرفة الصحابة
قال الصادق (ع): لا تدع اليقين بالشك والمكشوف
بالخفي ولا تحكم ما لم تره بما تروى قد عظم الله أمر
الغيبة وسوء الظن بإخوانك قوله المؤمنين فكيف بالجراه
على اطلاق قول واعتقاد زور وبهتان في أصحاب رسول
الله (ص).
قال الله عز وجل: (تلقونه بألسنتكم وتقولون
بأفواهكم ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو
عند الله عظيم وما دمت تجد إلى تحسين القول والفعل غيبتك
67

وحضرتك سبيلا فلا تتخذ غيره. قال الله (وقولوا للناس
حسنا) واعلم أن الله تعالى اختار لنبيه أصحابه
طائفة أكرمهم بأجل الكرامة وحلاهم بحليه التأييد
والنصر والاستقامة لصحبته على المحبوب والمكروه
وأنطق لسان نبيه محمد (ص) بفضائلهم ومناقبهم وكراماتهم
واعتقد محبتهم واذكر فضلهم واحذر مجالسه أهل البدع
فإنها تنبت في القلب كفرا وضلالا مبينا وان اشتبه عليك
فضيلة بعضهم فكلهم عالم الغيب وقل اللهم إني محب لمن
أحببته ورسولك ومبغض لمن أبغضته أنت ورسولك
فإنه يكلف فوق ذلك
68

الباب الثلاثون
في حرمة قوله المؤمنين
قال الصادق (ع): لا يعظم حرمة إلا من
قد عظم الله حرمته على قوله المؤمنين ومن كان أبلغ حرمه لله
ورسوله كان أشد تعظيما لحرمة قوله المؤمنين ومن استهان
لحرمة فقد هتك ستر ايمانه.
قال النبي (ص): ان اجلال الله اعظام ذوي
القربى في الايمان.
قال الله (ص): من لم يرحم صغيرا ولا يوقر
كبيرا فليس منا ولا تكفر مسلما تكفره التوبة إلا من
ذكر الله في كتابه.
قال الله تعالى: (ان المنافقين الدرك الأسفل من
النار). واشتغل بشأنك الذي به مطالب
69

الباب الواحد والثلاثون
في بر الوالدين
قال الصادق (ع): بر الوالدين من حسن معرفة
العبد بالله إذ لا عبادة أسرع بلوغا لصاحبها إلى رضاء
الله من بر الوالدين قوله المؤمنين لوجه الله لأن حق
الوالدين مشتق من حق الله تعالى إذا كانا منهاج الدين
والسنة ولا يكونان يمنعان الولد من طاعة إلى طاعتهما
ومن اليقين إلى الشك ومن الزهد الدنيا ولا يدعوانه
إلى خلاف ذلك فإذا كان كذلك فمعصيتهما طاعة وطاعتهما
معصية.
قال الله تعالى: (وان جاهداك ان تشرك
70

بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما
الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم مرجعكم).
وأما في باب المصاحبة فقاربهما وارفق بهما واحتمل
أذاهما بحق ما احتملا عنك في حال صغرك ولا تضيق
عنهما في ما قد وسع الله تعالى عليك من المأكول
والملبوس ولا تحول وجهك عنهما وترفع صوتك
فوق صوتهما فإن تعظيمهما من أمر الله وقل لهما بأحسن
القول والطف بهما فإن الله يضيع اجر المحسنين
71

الباب الثاني والثلاثون
في التواضع
قال الصادق (ع): التواضع كل شرف نفيس
ومرتبة رفيعة ولو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق
عن حقائق ما في مخفيات العواقب والتواضع ما يكون
لله وفي الله وما سواه مكر ومن تواضع لله شرفه على
كثير من عباده ولأهل التواضع سيماء سئل بعضهم
التواضع؟ قال هو ان يخضع للحق وينقاد له ولو سمعه
صبي وكثير من أنواع الكبر يمنع من استفاده العلم وقبوله
والانقياد له وفيه وردت الآيات التي ذم المتكبرين
ولأهل التواضع سيماء يعرفها أهل السماوات من الملائكة
72

وأهل الأرضين من العارفين
قال الله تعالى: (وعلى الأعراف رجال يعرفون
كلا بسيماهم).
وقال تعالى أيضا: (من يرتد منكم عن دينه
فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على قوله
المؤمنين أعزة على الكافرين).
وقال تعالى أيضا: (ان أكرمكم عند الله اتقاكم).
وقال تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم).
واصل التواضع من جلال وهيبته وعظمته وليس
لله عز وجل عباده يرضاها ويقبلها إلا ويأبه التواضع ولا
يعرف ما في معنى حقيقة التواضع إلا المقربون من عباده
المتصلين بوحدانيته
قال عز وجل: (وعباد الرحمن الذين يمشون
73

على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا
سلاما).
وقد أمر الله تعالى أعز خلقه وسيد بريته محمدا
بالتواضع فقال عز وجل: (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين).
والتواضع مزرعة الخشوع والخضوع والخشية
والحياء وانهن لا يتبين إلا منها ولا يسلم الشرف
التام الحقيقي إلا للمتواضع في ذات الله تعالى
74

الباب الثالث والثلاثون
في الجهل
قال الصادق (ع): الجهل صورة ركبت في
اقبالها ظلمة وادبارها نور والعبد متقلب معها كتقلب الظل
مع الشمس الا ترى إلى الانسان تارة تجده جاهلا بخصال
نفسه حامدا لها عارفا بعيبها في غيره ساخطا وتارة
تجده عالما بطباعه ساخطا لها حامدا لها غيره وهو
متقلب بين العصمة والخذلان فإن قابلته العصمة أصاب
وان وقابله الخذلان أخطأ ومفتاح الجهل الرضا والاعتقاد
به ومفتاح العلم الاستبدال مع اصابه مرافقة التوفيق
75

وأدنى صفة الجاهل دعواه بالعلم بلا استحقاق وأوسطه
جهله بالجهل وأقصاه جحوده بالعلم وليس شئ اثباته
حقيقة نفيه الجهل في الدنيا والحرص فالكل منهم
كواحد والواحد منهم كالكل
76

الباب الرابع والثلاثون
في الاكل
قال الصادق (ع): قلة الاكل محمود في كل حال
وعند قوم لأن فيه مصلحة للظاهر والباطن والمحمود
من المأكولات أربعة: ضرورة وعدة وفتوح وقوت
فالاكل الضروري للأصفياء والعدة لقوام الأتقياء
والفتوح للمتوكلين والقوت للمؤمنين وليس شي أضر
للقلب المؤمن من كثرته فيورث شيئين:
قسوة القلب وهيجان الشهوة والجوع أدام للمؤمنين وغذاء للروح
وطعام للقلب وصحة للبدن.
قال النبي (ص): ملا ابن آدم وعاء أشر من بطنه.
77

وقال داود (ع) ترك لقمة مع الضرورة إليها
أحب من قيام عشرين ليلة.
قال رسول الله (ص): المؤمن يأكل معاء واحد
والمنافق في سبعه أمعاء.
وقال (ص) ويل للناس من القبقبين قيل وما
هما يا رسول الله قال (ص) البطن والفرج.
قال عيسى بن مريم (ع) ما أمرض قلب باشد من
القسوة وما اعتلت نفس بأصعب نقص الجوع وهما
زمامان للطرد والخذلان
78

الباب الخامس والثلاثون
في الوسوسة
قال الصادق (ع): لا يتمكن الشيطان بالوسوسة
من العبد إلا وقد اعرض عن ذكر الله تعالى واستهان
وسكن إلى نهيه ونسي اطلاعه على سره فالوسوسة ما
تكون من خارج القلب بإشارة معرفة العقل ومجاورة
الطبع وأما إذا تمكن في القلب فذلك غي وضلاله وكفر
والله عز وجل دعا عباده بلطف دعوته وعرفهم عداوة
إبليس فقال تعالى: (ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه
عدوا) فكن معه كالقريب مع كلب الراعي يفزع إلى
صاحبه صرفه عنه كذلك إذا اتاك الشيطان موسوسا
79

ليضلك عن سبيل الحق وينسيك ذكر الله تعالى فاستعذ
منه بربك وبربه فإنه يؤيد الحق على الباطل وينصر المظلوم
بقوله عز وجل: (انه ليس له سلطان الذين
آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) ولن يقدر على
ومعرفة اتيانه ومذاهب وسوسته إلا بدوام المراقبة
والاستقامة على بساط الخدمة وهيبة المطلع وكثره الذكر
وأما المهمل لأوقاته فهو صيد الشيطان لا محاله واعتبر بما
فعل بنفسه من الاغواء والاغترار والاستكبار حيث
غره وأعجبه عمله وعبادته وبصيرته وجرأته قد أورثه
علمه ومعرفته واستدلاله بعقله اللعنة الأبد فما ظنك
بنصحه ودعوته غيره فاعتصم بحبل الأوثق وهو
الالتجاء إلى الله تعالى والاضطرار بصحه الافتقار إلى
الله في كل نفس ولا يغرنك تزيينه للطاعة فإنه يفتح
عليك تسعة وتسعين بابا من الخير ليظفر بك عند تمام المائة
فقابله بالخلاف والضد عن سبيله والمضادة باستهوائه
80

الباب السادس والثلاثون
في العجب
قال الصادق (ع): العجب كل العجب ممن يعجب
بعمله ولا يدرى بم يختم له فمن أعجب بنفسه وفعله
فقد ضل منهج الرشاد وادعى ما ليس له والمدعى
من غير حق كاذب وان خفى دعواه وطال دهره فإن
أول يفعل بالمعجب نزع ما أعجب به ليعلم انه عاجز
حقير ويشهد على نفسه لتكون الحجة أؤكد عليه كما فعل
بإبليس والعجب نبات حبه الكفر وارضه النفاق ومائه
البغي وأغصانه الجهل وورقه الضلال وثمرته اللعنة والخلود
في النار فمن اختار العجب فقد بذر الكفر وزرع النفاق
فلا بد من أن يثمر ويصير إلى النار.
81

الباب السابع والثلاثون
في السخاء
قال الصادق (ع): السخاء من أخلاق الأنبياء وهو
عماد الايمان ولا يكون مؤمنا إلا سخيا ولا يكون سخيا
إلا ذو يقين وهمه عاليه لأن السخاء شعاع نور اليقين من
عرف ما قصد هان عليه ما بذل
قال النبي (ص): ما جبل ولى الله إلا على السخاء
والسخاء ما يقع كل محبوب أقله الدنيا ومن علامة
السخاء ان لا يبالي اكل الدنيا ومن ملكها مؤمن أو
كافر ومطيع عاص وشريف أو وضيع يعظم غيره
ويجوع ويكسو غيره ويعرى ويعطى غيره ويمتنع من قبول
82

عطاء غيره ويمن بذلك ولا يمن ولو ملك بأجمعها
لم ير نفسه فيها إلا أجنبيا ولو بذلها ذات الله عز وجل
في ساعة واحدة ما ملء.
قال الله (ص): السخي قريب من الله وقريب
من الناس وقريب من الجنة بعيد من النار والبخيل بعيد
من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة وقريب النار ولا
يسمى سخيا إلا الباذل في طاعة الله ولوجهه ولو كان
برغيف أو شربه ماء.
قال النبي (ص): السخي بما ملك وأراد به وجه الله
تعالى وأما المتسخي معصية الله تعالى فمحال سخط
الله وغضبه وهو ابخل لنفسه فكيف لغيره حيث
اتبع هواه وخالف أمر عز وجل
قال الله تعالى: (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم).
83

وقال النبي (ص): يقول ابن آدم ملكي ملكي ومالي
مالي يا مسكين أين كنت حيث كان الملك ولم تكن
وهل إلا ما اكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت
فأبقيت أما مرحوم به أو معاقب عليه فاعقل ان لا
يكون مال غيرك أحب إليك من مالك فقد قال
أمير المؤمنين (ع): ما قدمت فهو للمالكين وما أخرت فهو
للوارثين وما معك ليس لك عليه سبيل سوى الغرور به
كم تسعى طلب الدنيا وكم تدعى أفتريد أن تفقر نفسك
وتغني غيرك
84

الباب الثامن والثلاثون
في الحساب
قال الصادق (ع): لو لم يكن للحساب محولة
إلا حياء العرض على الله تعالى وفضيحة هتك الستر
المخفيات لحق للمرء ان لا يهبط من رؤوس الجبال و
يأوى إلى عمران ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام إلا
اضطرار متصل بالتلف ومثل ذلك يفعل من يرى القيمة
بأهوالها وشدائدها قائمة في كل نفس ويعاين بالقلب بالوقوف
بين يدي الجبار حينئذ يأخذ نفسه بالمحاسبة كأنه إلى
عرضاتها مدعو وفي غمراتها مسؤول
قال الله تعالى: (وان مثقال حبه من خردل
85

اتينا بها وكفى بنا حاسبين)
وقال بعض الأئمة حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا
وزنوا أعمالكم بميزان الحياء ان توزنوا
وقال أبو ذر (ره): ذكر الجنة موت والنار
موت فواعجبا لنفس تحيا بين موتين.
وعن يحيى بن زكريا (ع):
انه كان يفكر في طول الليل في أمر الجنة والنار فيسهر ليلته ولا يأخذه النوم
ثم يقول عند الصباح اللهم أين المفر وأين المستقر اللهم
لا مفر إلا إليك
86

الباب التاسع والثلاثون
في افتتاح الصلاة
قال الصادق (ع): إذا استقبل القبلة فأيس الدنيا
وما فيها والخلق وما هم فيه وفرغ قلبك كل شاغل
يشغلك عن الله تعالى وعاين بسرك عظمه عز وجل
واذكر وقوفك بين يديه.
قال الله: (يوم تبلوا كل نفس بما أسلفت
وردوا إلى مولاهم الحق) وقف على قدم الخوف
والرجاء كبرت فاستصغر ما بين السماوات العلى
والثرى دون كبريائه فإن الله تعالى إذا اطلع على قلب
العبد وهو يكبر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره
87

فقال يا كذاب أتخدعني وعزتي وجلالي لأحرمنك
حلاوة ذكري ولأحجبنك عن قربي والمسرة بمناجاتي.
واعلم تعالى غير محتاج إلى خدمتك وهو غنى عنك وعن
عبادتك ودعائك وإنما دعاك بفضله ليرحمك ويبعدك عن
عقوبته وينشر عليك من بركات حنانيته ويهديك إلى سبيل
رضاه ويفتح عليك باب مغفرته فلو خلق الله عز وجل
ضعف ما خلق من العوالم اضعافا مضاعفة على سرمد
الأبد لكان عند الله سواء ا كفروا به بأجمعهم أو وحدوه فليس له
من عبادة الخلق إلا اظهار الكرم والقدرة فاجعل الحياء
رداء والعجز إزارا وادخل تحت سرير سلطان التعالي
تغتنم فوائد ربوبيته مستعينا مستغيثا إليه
88

الباب الأربعون
في الركوع
قال الصادق (ع): لا يركع عبد الله ركوعا على
الحقيقة إلا زينه الله بنور بهائه واظله في ظلال كبريائه
وكساه كسوة صفائه والركوع أول والسجود ثان فمن
اتى بمعنى الأول صلح للثاني وفي الركوع أدب وفي السجود
قرب ومن لا يحسن للأدب يصلح للقرب فاركع ركوع
خاضع لله عز وجل متذلل بقلبه وجل تحت سلطانه خافض
لله بجوارحه خفض خائف حزين ما يفوته من فوائد
الراكعين وحكى ان ربيع خثيم ره كان يسهر بالليل
إلى الفجر في ركوع واحد فإذا أصبح تزفر وقال اوه سبق
89

المخلصون واقطع بنا واستوف ركوعك باستواء ظهرك
وانحط عن همتك في القيام بخدمته إلا بعونه وفر بالقلب
من وسوسة الشيطان وخدايعه ومكائده الله تعالى
يرفع عباده بقدر تواضعهم له ويهديهم أصول التواضع
والخضوع والخشوع بقدر اطلاع عظمته سرهم
90

الباب الواحد والأربعون
في السجود
قال الصادق (ع): ما خسروا الله تعالى قط اتى
بحقيقة السجود ولو كان في عمره مره واحده وافلح من
خلا بربه في مثل ذلك الحال شبيها بمخادع نفسه غافلا لاهيا
عما أعد الله تعالى للساجدين من البشر العاجل وراحة
الاجل ولا بعد عن الله تعالى ابدا من أحسن تقربه في
السجود ولا قرب إليه ابدا من أساء أدبه وضيع حرمته
بتعليق قلبه بسواه في حال السجود فاسجد سجود متواضع
لله ذليل علم أنه خلق من تراب يطؤه لخلق وانه ركب من
نطفة يستنقذها كل أحد وكون ولم يكن ولقد جعل الله
91

معنى السجود سبب التقرب إليه بالقلب والسر والروح
فمن قرب منه بعد عن غيره ا لا ترى في الظاهر لا
يستوي حال السجود إلا بالتواري عن جميع الأشياء
والاحجاب عن كل ما تراه العيون كذلك أراد الله
أمر الباطن فمن كان قلبه متعلقا في صلاته بشئ دون
تعالى فهو قريب من ذلك الشئ بعيد عن حقيقة أراد الله
تعالى منه في صلاته.
قال الله تعالى: (ما جعل الله لرجل من قلبين
في جوفه).
وقال رسول الله (ص): قال الله عز وجل: ما اطلع
على قلب فاعلم فيه حب الاخلاص لطاعتي لوجهي
وابتغاء مرضاتي إلا توليت تقويمه وسياسته وتقربت منه
ومن اشتغل صلاته بغيري فهو من المستهزئين بنفسه اسمه
مكتوب ديوان الخاسرين
92

الباب الثاني والأربعون
في التشهد
قال الصادق (ع): التشهد ثناء على الله فكن عبدا
له في السر خاشعا خاضعا له في الفعل كما انك له بالقول
والدعوى وصل صدق لسانك بصفاء صدق سرك فإنه خلقك
عبدا وأمرك ان تعبده بقلبك ولسانك وجوارحك وان
تحقق عبوديتك له بربوبيته لك وتعلم نواصي الخلق
بيده فليس لهم نفس ولا لحظه إلا بقدرته ومشيته وهم
عاجزون عن اتيان أقل شئ في مملكته باذنه وارادته
قال الله تعالى: (وربك يخلق يشاء ويختار
ما كان لهم الخيرة من أمرهم سبحان وتعالى عما
93

يشركون) فكن لله عبدا ذاكرا بالقول والدعوى وصل
صدق لسانك بصفاء سرك فإنه خلقك فعز وجل أن تكون
اراده ومشيئة لاحد إلا بسابق ارادته ومشيئته
فاستعمل العبودية في الرضا بحكمته وبالعبادة أداء أوامره
وقد امرك بالصلاة على حبيبه النبي محمد (ص) فأوصل صلاته
بصلاته وطاعته بطاعته وشهادته بشهادته وانظر لا يفوتك
بركات معرفة حرمته فتحرم عن فائدة صلاته وأمره
بالاستغفار لك والشفاعة فيك اتيت بالواجب في الأمر والنهي
والسنن والآداب وتعلم جليل مرتبته عند الله
عز وجل
94

الباب الثالث والأربعون
في السلام
قال الصادق (ع): معنى التسليم في دبر كل صلاة
معنى الأمان أي من اتى بأمر الله تعالى وسنه نبيه (ص)
خاضعا خاشعا فيه فله الأمان من بلاء الدنيا والبراءة
عذاب الآخرة والسلام اسم من أسماء الله تعالى أودعه
خلقه ليستعملوا معناه في المعاملات والأمانات والالصاقات
وتصديق مصاحبتهم ومجالستهم فيما بينهم وصحة معاشرتهم
فإن أردت ان تضع السلام موضعه وتؤدى معناه فاتق الله
تعالى وليسلم دينك وقلبك وعقلك لا تدنسها بظلم المعاصي
ولتسلم منك حفظتك تبرمهم ولا تملهم وتوحشهم منك
95

بسوء معاملتك معهم ثم مع صديقك ثم مع عدوك فإن
من لم يسلم منه من هو أقرب إليه فالأبعد أولى ومن لا
يضع السلام مواضعه هذه فلا سلام ولا تسليم وكان
كاذبا في سلامه وان أفشاه في الخلق واعلم أن الخلق بين
فتن ومحن في الدنيا أما مبتلى بالنعمة ليظهر شكره وأما
مبتلى بالشدة ليظهر صبره والكرامة في طاعته والهوان في
معصيته ولا سبيل إلى رضوانه ورحمته إلا بفضله ولا وسيلة
إلى طاعته إلا بتوفيقه ولا شفيع إليه الا باذنه ورحمته
96

الباب الرابع والأربعون
في التوبة
قال الصادق (ع): التوبة حبل الله ومدد عنايته
ولا بد للعبد من مداومة التوبة على كل حال وكل فرقة
من العباد لهم توبة فتوبة الأنبياء من اضطراب السر
وتوبه الأولياء تلوين الخطرات وتوبة الأصفياء من
التنفيس وتوبة الخاص الاشتغال بغير الله تعالى
وتوبة العام من الذنوب ولكل واحد منهم معرفة وعلم في
أصل توبته ومنتهى امره وذلك يطول شرحه هاهنا فاما
توبة العام فإن يغسل باطنه بماء الحسرة والاعتراف بجنايته
دائما واعتقاد الندم ما مضى والخوف على ما بقي من
97

عمره ولا يستصغر ذنوبه فيحمله ذلك إلى الكسل وتديم
البكاء والأسف على ما فاته من طاعة ويحبس نفسه عن
الشهوات ويستغيث إلى الله تعالى ليحفظه على وفاء توبته
ويعصمه عن العود إلى ما اسلف ويراوض نفسه في ميدان
الجهل والعبادة ويقضى عن الفوائت من الفرائض ويرد
المظالم ويعتزل قرناء السوء ويسهر ليله ويظمأ نهاره ويتفكر
دائما في عاقبته ويستعين بالله سائلا منه الاستقامة وسرائه
وضرائه وثبت عند المحن والبلاء كيلا يسقط درجة
التوابين فإن في ذلك طهاره من ذنوبه وزيادة علمه
ورفعه في درجاته
قال الله تعالى شانه العزيز: (وليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن اله الكاذبين).
98

الباب الخامس والأربعون
في العزلة
قال الصادق (ع): صاحب العزلة متحصن بحصن
الله تعالى ومتحرس بحراسته فيا طوبى لمن تفرد به سرا
وعلانية وهو يحتاج إلى عشرة خصال علم الحق والباطل
وتحبب الفقر واختيار الشدة والزهد واغتنام الخلوة
والنظر في العواقب ورؤية التقصير في العبادة مع بذل
المجهود وترك العجب وكثرة الذكر بلا غفلة فإن الغفلة
مصطاد الشيطان ورأس كل بلية وسبب كل حجاب
وخلوة البيت عما يحتاج إليه في الوقت.
قال عيسى بن مريم (ع) أحرز لسانك لعماره
99

قلبك وليسعك بيتك واحذر من الرياء وفضول معاشك
واستحيي من ربك وابك على خطيئتك وفر من الناس
فرارك من الأسد والأفعى فإنهم كانوا دواء فصاروا
اليوم داء ثم الق الله تعالى متى شئت.
قال ربيع بن خيثم ان استطعت أن تكون اليوم
في موضع لا تعرف وتعرف فافعل ففي العزلة صيانة
الجوارح وفراغ القلب وسلامة العيش وكسر سلاح
الشيطان ومجانبة من سوء وراحة القلب وما من نبي
ولا وصي إلا واختار العزلة في زمانه أما في ابتدائه وأما
في انتهائه
100

الباب السادس والأربعون
في الصمت
قال الصادق (ع): الصمت شعار المحققين بحقائق
سبق وجف القلم به وهو مفتاح كل راحة من
والآخرة وفيه رضى الله وتخفيف الحساب والصون
الخطايا والزلل وقد جعله الله سترا على الجاهل وزينا
للعالم ومعه عزل الهوى ورياضة النفس وحلاوة العبادة
وزوال قسوة القلب والعفاف والمروة والظرف فاغلق
باب لسانك عما لك منه بد لا سيما إذا لم تجد اهلا للكلام
عدا المذاكرة لله وفي الله وكان ربيع خيثم
يضع قرطاسا بين يديه فيكتب كل ما يتكلم ثم يحاسب
101

نفسه في عشيته ما له وما عليه ويقول آه آه نجا الصامتون
يقينا وكان بعض أصحاب رسول الله يضع الحصاة
في فمه فإذا أراد ان يتكلم بما علم لله وفي الله ولوجه
الله أخرجها من فمه وكثيرا من الصحابة رضوان الله
عليهم كانوا ينفسون تنفس الغرقاء ويتكلمون شبيه
المرضى وإنما سبب هلاك الخلق ونجاتهم الكلام و الصمت
فطوبى لمن رزق معرفة عيب الكلام وصوابه وعلم الصمت
وفوائده فإن ذلك من أخلاق الأنبياء وشعار الأصفياء
ومن علم قدر الكلام أحسن صحبة الصمت ومن أشرف
على ما في لطائف الصمت وائتمنه خزائنه كان كلامه
وصمته كله عبادة ولا يطلع عبادته هذه إلا الملك
الجبار
102

الباب السابع والأربعون
في العقل والهوى
قال الصادق (عليه السلام): العاقل من كان ذلولا إجابة
الحق منصفا بقوله حموصا عند الباطل خصيما بقوله يترك دنياه ولا
يترك دينه ودليل العاقل شيئان صدق
القول وصواب الفعل والعاقل لا يحدث بما ينكره العقول
ولا يتعرض للتهمة ولا يدع مدادات من ابتلى به
والعلم دليله في أعماله والحلم رفيقه في أحواله والمعرفة يقينه
في مذاهبه والهوى عدو العقل ومخالف الحق وقرين
الباطل وقوة الهوى من الشهوات واصل علامات الهوى من
اكل الحرام والغفلة عن الفرائض والاستهانة بالسنن
والخوض في الملاهي
103

الباب الثامن والأربعون
في الحسد
قال الصادق (عليه السلام): الحاسد يضر بنفسه قبل ان يضر
بالمحسود كإبليس أورث بحسده لنفسه اللعنة ولادم (عليه السلام)
الاجتباء والهدى والرفع إلى محل حقايق العهد والاصطفاء
فكن محسودا ولا تكن حاسدا فإن ميزان الحاسد ابدا
خفيف بثقل ميزان المحسود والرزق مقسوم فما ذا ينفع الحسد الحاسد وما ذا يضر المحسود
الحسد والحسد أصله
من عمي القلب والجحود بفضل تعالى وهما جناحان
للكفر وبالحسد وقع ابن آدم حسرة الأبد وهلك
مهلكا لا ينجو منه ابدا ولا توبة للحاسد لأنه مستمر
عليه معتقد به مطبوع فيه يبدو بلا معارض مضر ولا
سبب والطبع ولا يتغير من الأصل وان عولج
104

الباب التاسع والأربعون
في الطمع
قال الصادق (عليه السلام): بلغني انه سئل كعب الأحبار ما
الأصلح في الدين وما الافسد فقال الأصلح الورع
والافسد الطمع فقال له السائل صدقت يا كعب والطمع
خمر الشيطان يسقى بيده لخواصه فمن سكر منه
يصحى إلا في اليم عذاب الله تعالى بمجاورة ساقيه ولو لم
يكن في الطمع سخطه إلا مثارات الدين بالدنيا لكان
سخطا عظيما.
قال الله عز وجل: (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة).
105

قال أمير قوله المؤمنين (عليه السلام): تفضل على من شئت فأنت
اميره فاستعن عمن شئت فأنت نظيره فافتقر إلى من شئت
فأنت أسيره والطامع منزوع عنه الايمان وهو لا يشعر
لأن الايمان يحجز العبد والطمع في الخلق فيقول
يا صاحبي خزائن تعالى مملوءة من الكرامات وهو لا
يضيع اجر من أحسن عملا وما في أيدي الناس مشوب
بالعلل ويرده إلى التوكل والقناعة وقصر الامل ولزوم
الطاعة والياس الخلق فإن فعل ذلك لزمه فقد صلح
وان لم يفعل تركه مع شؤم الطبع وفارقه
106

الباب الخمسون
في الفساد
قال الصادق (عليه السلام): فساد الظاهر من فساد الباطن
ومن أصلح سريرته أصلح علانيته ومن خاف الله في
السر لم يهتك الله علانيته ومن خان الله في السر هتك الله
ستره في العلانية وأعظم الفساد ان يرضى العبد بالغفلة عن
الله تعالى وهذا الفساد يتولد من طول الامل والحرص
والكبر كما أخبر الله تعالى في قصه قارون في قوله:
(ولا تبغي الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين)
وقوله تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا
يريدون علوا في الأرض ولا فسادا الخ) وكانت هذه
107

الخصال من صنع قارون واعتقاده واصلها من حب
وجمعها ومتابعة النفس وإقامة شهواتها وحب المحمدة وموافقة
الشيطان واتباع خطواته وكل ذلك يجتمع بحب الغفلة
عن الله ونسيان مننه وعدا ذلك (1) الفرار من ورفض
الدنيا وطلاق الراحة والانقطاع عن العادات وقطع عروق
منابت الشهوات بدوام الذكر لله عز وجل ولزوم الطاعة
له واحتمال جفاء الخلق وملازمة القرين وشماتة العدو من
الأهل والقرابة فإذا فعلت فقد فتحت عليك باب
عطف الله وحسن نظره إليك بالمغفرة والرحمة وأخرجت
من جملة الغافلين وفككت قلبك أسر الشيطان
وقدمت باب الله في معشر الواردين وسلكت مسلكا
رجوت الاذن بالدخول على الكريم الجواد الكريم الرحيم.

(1) وعلى ذلك. خ ل.
108

الباب الواحد والخمسون في السلامة
قال الصادق (عليه السلام): اطلب السلامة أينما كنت وأي
حال كنت لدينك وقلبك وعواقب أمورك الله
عز وجل فليس من طلبها وجدها فكيف من تعرض
للبلاء وسلك مسالك ضد السلامة وخالف أصولها بل
رأى السلامة تلفا والتلف سلامة والسلامة قد عزلت
من الخلق كل عصر خاصة في هذا الزمان وسبيل
وجودها في احتمال جفاء الخلائق وأذيتهم والصبر عند
الرزايا وخفة الموت والفرار من الأشياء التي تلزمك رعايتها
والقناعة بالأقل الميسور فإن لم تكن فالعزلة فإن لم
109

تقدر فالصمت وليس كالعزلة فإن لم تستطع فالكلام
ينفعك ولا يضرك وليس كالصمت فإن لم تجد السبيل
فالانقلاب في الاسفار من بلد إلى بلد (1) وطرح النفس
في براري التلف بسر صاف وقلب خاشع وبدن صابر. قال الله عز وجل: (ان الذين تتوفاهم الملائكة
ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين
في الأرض قالوا ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا)
وتنتهز مغنم عباد الله الصالحين ولا تنافس الاشكال ولا
تنازع الأضداد ومن لك انا فقل أنت ولا تدع شيئا
وان أحاط به علمك وتحققت به معرفتك ولا تكشف
سرك إلا لمن هو أشرف منك في الدين فتجد الشرف فإن
فعلت ذلك أصبت السلامة وبقيت مع الله عز وجل بلا علاقة

(1) في لآلئ الاخبار: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيأتي زمان
على الناس لا يسلم الذي دين دينه حتى يفر من عين شاهق إلى
عين (الخ).
110

الباب الثاني والخمسون
في العبادة
قال الصادق (عليه السلام): داوم على تخليص المفروضات
والسنن فإنهما الأصل فمن أصابهما وأداهما بحقهما
أصاب الكل وان خير العبادة أقربها بالأمن وأخلصها
الآفات وأدومها وان أقل فإن سلم لك فرضك وسننك
فأنت عابد واحذر ان تطأ بساط ملك إلا بالذل والافتقار
والخشية والتعظيم وأخلص حركاتك الرياء وسرك
من القساوة فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال المصلى مناج ربه فاستحى
من المطلع على سرك والعالم بنجواك ويخفى ضميرك
وكن بحيث يراك لما أراد منك ودعاك فكان السلف
111

لا يزالون يشغلون من وقت الفرائض إلى وقت الفرض في
اصلاح الفرضين
جميعا في اخلاص حتى يأتوا بالفرضين
جميعا وارى الدولة في هذا الزمان للفضائل على ترك
الفرائض كيف يكون جسدا بلا روح.
قال علي بن الحسين عجبت لطالب فضيلة
تارك فريضة وليس ذلك إلا لحرمان معرفة الامر وتعظيمه
وترك رؤية مشيئته بما أهلهم لامره واختارهم له
112

الباب الثالث والخمسون
في التفكر
قال الصادق (عليه السلام): اعتبر بما مضى من هل ما
بقي على أحد هل أ حد فيها باق من الشريف والوضيع
والغني والفقير والولي والعدو فكذلك لم يأت منها بما
مضى أشبه من الماء بالماء.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفى بالموت واعظا وبالعقل
دليلا وبالتقوى زادا وبالعبادة شغلا وبالله مؤنسا وبالقرآن
بيانا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبق الدنيا إلا بلاء
وفتنة وما نجا من نجا إلا بصدق الالتجاء
113

وقال نوح (عليه السلام): وجدت الدنيا كبيت له بابان
دخلت من إحداهما وخرجت من الاخر هذا حال نجي
الله (عليه السلام) فكيف حال من اطمان فيها وركن إليها وضيع
عمره عمارتها ومزود في طلبها والفكرة مرآة
الحسنات وكفارة السيئات وضياء القلب وفسحة للخلق
وإصابة اصلاح المعاد واطلاع على العواقب واستزادة
في العلم وهي خصلة لا يعبد الله بمثلها
قال رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فكرة ساعة خير من عبادة
سنة ولا ينال منزلة التفكر إلا من قد خصه الله بنور
المعرفة والتوحيد
114

الباب الرابع والخمسون
في الراحة
قال الصادق (عليه السلام): لا راحة لمؤمن على الحقيقة إلا
عند لقاء الله تعالى وما سوى ذلك ففي أربعة أشياء صمت
تعرف به حال قلبك ونفسك فيما يكون بينك وبارئك
وخلوة تنجو بها من آفات الزمان ظاهرا وباطنا وجوع
تميت به الشهوات والوسواس وسهر تنور به قلبك وتصفي
به طبعك وتزكي به روحك.
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من أصبح في سربه آمنا وفي بدنه
معافا وعنده قوت يومه فكأنما خيرت له الدنيا بحذافيرها
وقال وهب بن منبه في كتب الأولين والآخرين
115

مكتوب: يا قناعة العز والغنى معك فاز من فاز بك
قال أبو الدرداء: ما قسم الله لي ما يفوتني وكان في جناح ريح
وقال أبو ذر (ره): هتك سر من يثق بربه ولو
كان محبوسا في الصم الصياخيد فليس أخسر وأرذل
وانزل ممن لا يصدق ربه فيما ضمن وتكفل به من قبل ان
خلقه وهو مع ذلك يعتمد قوته وتدبيره وجهده وسعيه
ويتعدى حدود ربه بأسباب أغناه الله تعالى لها
116

الباب الخامس والخمسون
في الحرص
قال الصادق (عليه السلام): لا تحرص على شئ لو تركته
لوصل إليك وكنت عند الله تعالى مستريحا محمودا بتركه
ومذموما باستعجالك في طلبه وترك التوكل عليه والرضا
بالقسم فإن الدنيا خلقها الله تعالى بمنزلة الظل ان طلبته
أتعبك ولا تلحقه ابدا وان تركته تبعك ومستريح
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): الحريص محروم وهو حرمانه
مذموم في أي كان وكيف لا يكون محروما وقد فر
من وثاق الله تعالى عز وجل وخالف قول تعالى:
(الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم) والحريص
117

بين سبع آفات صعبته فكر يضر بدنه ولا ينفعه ولا
يتم له أقصاه وتعب لا يستريح منه إلا عند الموت
ويكون عند الراحة أشد تعبا وخوف لا يورثه إلا
الوقوع وحزن قد كدر عليه عيشه بلا فائده وحساب
لا مخلص معه من عذاب الله تعالى إلا أن يعفو الله
وعقاب لا مفر له منه ولا حيلة والمتوكل الله تعالى
يصبح ويمسي في كنف الله تعالى وهو في عافية وقد
عجل الله كفايته وهيا له الدرجات ما الله تعالى به عليم
والحرص ما يجرى منافذ غضب الله تعالى وما لم يحرم
العبد اليقين يكون حريصا واليقين ارض الاسلام
وسماء الايمان
118

الباب السادس والخمسون
في البيان
قال الصادق (عليه السلام): نجوى العارفين تدور على ثلاثة
أصول: الخوف والرجاء والحب فالخوف فرع العلم
والرجاء فرع اليقين والحب فرع المعرفة فدليل الخوف
الهرب ودليل الرجاء الطلب ودليل الحب ايثار المحبوب
على ما سواه فإذا تحقق العلم في الصدق خاف وإذا صح
الخوف هرب وهرب نجا وإذا أشرف نور اليقين
في القلب شاهد الفضل وإذا تمكن من رؤية الفضل رجاء
وإذا وجد حلاوة الايمان الرجاء طلب وإذا وفق للطلب
وجد وإذا تجلى ضياء المعرفة الفؤاد هاج ريح المحبة
119

وإذا هاج ريح المحبة واستأنس في ظلال المحبوب واثر
المحبوب على ما سواه وباشر أوامره واجتنب نواهيه
واختارهما على كل شئ غيرهما وإذا استقام على بساط
الانس بالمحبوب مع أداء أوامره واجتناب معاصيه ونواهيه
وصل إلى روح المناجاة والقرب ومثال الأصول
الثلاثة: كالحرم والمسجد والكعبة فمن دخل الحرم آمن
من الخلق ومن دخل المسجد آمنت جوارحه يستعملها
في المعصية ومن دخل الكعبة آمن قلبه ان يشغله بغير
ذكر الله تعالى (فانظر أيها المؤمن فإن كانت حالتك حالة
ترضيها لحلول الموت فاشكر تعالى على توفيقه وعصمته
وان كانت أخرى فانتقل عنها بصحيح العزيمة واندم على ما
قد سلف من عمرك الغفلة واستعن بالله تعالى على تطهير
الظاهر الذنوب وتنظيفك الباطن من العيوب واقطع
رباط الغفلة عن قلبك واطف نار الشهوة من نفسك)
120

الباب السابع والخمسون
في الاحكام
قال الصادق (عليه السلام): اعراب القلوب على أربعة أنواع
رفع وفتح وخفض ووقف فرفع القلب في ذكر الله
وفتح القلب في الرضا عن الله تعالى وخفض القلب
الاشتغال بغير الله ووقف القلب في الغفلة عن تعالى
الا ترى ان العبد إذا ذكر الله بالتعظيم خالصا ارتفع كل
حجاب كان بينه وبين الله تعالى من ذلك فإذا انقاد
القلب لمورد قضاء الله بشرط الرضا عنه كيف ينفتح
بالسرور والروح والراحة وإذا اشتغل القلب بشئ من
أمور الدنيا وأسبابها كيف تجد ما ذا ذكر الله بعد ذلك
121

وأناب منخفضا مظلما كبيت خراب خلو ليس عمران
ولا مؤنس وإذا غفل عن ذكر الله تعالى كيف تراه
ذلك موقوفا محجوبا قد قسى واظلم منذ فارق نور التعظيم
فعلامة الرفع ثلاثة أشياء وجوه الموافقة والمخالفة
ودوام الشوق وعلامة الفتح ثلاثة أشياء التوكل
والصدق واليقين وعلامة الخفض ثلاثة أشياء: العجب
والرياء والحرص وعلامة الوقف ثلاثة أشياء:
زوال حلاوة الطاعة وعدم مرارة المعصية والتباس العلم
الحلال والحرام
122

الباب الثامن والخمسون في السواك
قال الصادق (ع): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): السواك
مطهر للفم مرضات للرب وجعلها من السنن المؤكدة وفيها
منافع للظاهر والباطن ما لا يحصى لمن عقل فكما تزيل
التلوث من أسنانك مأكلك ومطعمك بالسواك كذلك
نازل نجاسة ذنوبك بالتضرع والخشوع والتهجد والاستغفار
بالاسحار وطهر ظاهرك من النجاسات وباطنك من كدورات
المخالفات وركوب المناهى كلها خالصا لله فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ضرب باستعمالها مثلا لأهل التنبه واليقظة وهو ان السواك
123

نبات لطيف نظيف وغصن شجر مبارك والأسنان خلق
خلقه تعالى في الفم آله للاكل وأداة للمضغ وسببا
لاشتهاء الطعام واصلاح المعدة وهي جوهرة صافية تتلوث بصحبته
تمضيغ الطعام وتتغير بها رائحة الفم ويتولد منها
الفساد في الدماغ فإذا استاك المؤمن الفطن بالنبات اللطيف
ومسحها الجوهرة الصافية أزال عنها الفساد والتغير
وعادت أصلها كذلك خلق الله القلب طاهرا صافيا
وجعل غذائه الذكر والفكر والهيبة والتعظيم وإذا
شيب القلب الصافي بتغذيته بالغفلة والكدر صقل بمصلقة
التوبة ونظفت بماء الإنابة ليعود حالته الأولى وجوهره
الأصلية.
قال الله تبارك: (ان الله يحب التوابين
ويحب المتطهرين)
قال النبي (ص): وعليكم بالسواك فإن النبي
124

أمر بالسواك في ظاهر الأسنان وأراد هذا المعنى والمثل
ومن أناخ تفكره على باب عتبة العبرة في استخراج مثل
الأمثال في
في الأصل والفرع فتح الله له عيون الحكمة
والمزيد من فضله والله لا يضيع اجر المحسنين.
125

الباب التاسع والخمسون
في التبزر
قال الصادق (عليه السلام): إنما سمى المستراح مستراحا
لاستراحة الأنفس من أثقال النجاسات واستفراغ
الكثافات والقذر فيها والمؤمن يعتبر عندها ان الخالص
من الطعام والحطام الدنيا كذلك يصير عاقبته فيستريح
بالعدول عنها وبتركها ويفرغ نفسه وقلبه من شغل
ويستنكف جمعها واخذها استنكافه عن النجاسة
والغائط والقذر ويتفكر في نفس المكرمة في حال كيف
تصير ذليلا حال ويعلم ان التمسك بالقناعة والتقوى
يورث راحة الدارين فإن الراحة من هوان الدنيا
126

والفراغ من التمتع بها وفي إزالة النجاسة من الحرام
والشبهة فينطق عن نفسه باب الكبر بعد معرفته إياها
ويفر من الذنوب ويفتح باب التواضع والندم والحياء
ويجتهد في أداء أوامره واجتناب نواهيه طلبا لحسن المآب
وطيب الزلفى ويسجن نفسه سجن الخوف والصبر
والكف عن الشهوات إلى يتصل بأمان الله تعالى في دار
القرار ويذوق طعم رضاه فإن المعول ذلك وما عداه
فلا شئ
127

الباب الستون في الطهارة
قال الصادق (عليه السلام): إذا أردت الطهارة والوضوء
فتقدم الماء تقدمك إلى رحمه الله تعالى فإن الله قد
جعل الماء مفتاح قربته ومناجاته ودليلا بساط خدمته
وكما أن رحمه الله تطهر ذنوب العباد كذلك النجاسات
الظاهرة يطهرها الماء لا غير
قال الله تعالى: (وهو الذي ارسل الرياح بشرا
بين يدي رحمته وانزل من السماء ماء طهورا).
وقال الله تعالى: وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا
يؤمنون). فكما أحيا به كل شئ من نعيم الدنيا كذلك
128

برحمته وفضله جعل حياة القلب والطاعات والتفكر
صفاء الماء ورقته وطهره وبركته ولطيف امتزاجه بكل
شئ واستعمله في تطهير الأعضاء التي امرك الله بتطهيرها
وتعبدك بأدائها في فرائضه وسننه فإن تحت واحدة
منها فوائد كثيره فإذا استعملها بالحرمة انفجرت لك
عيون فوائده عن قريب ثم عاشر خلق كامتزاج الماء
بالأشياء يؤدى كل شئ حقه ولا يتغير معناه معبرا
لقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): مثل المؤمن المخلص كمثل الماء
ولتكن صفوتك مع الله تعالى في جميع طاعتك كصفوة
الماء حين أنزله من السماء وسماه طهورا وطهر قلبك بالتقوى
واليقين عند طهاره جوارحك بالماء
129

الباب الواحد والستون
في دخول المسجد
قال الصادق (عليه السلام): إذا بلغت باب المسجد فاعلم
انك قصدت باب ملك عظيم لما يطا بساطه إلا المطهرون
ولا يؤذن لمجالسته إلا الصديقين فتهب القدوم إلى بساط
هيبة الملك فإنك على خطر عظيم ان غفلت فاعلم قادر
على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك عطف
عليك برحمته وفضله قبل منك يسير الطاعة واجزل لك
عليها ثوابا كثيرا وان طالبك باستحقاقه الصدق
والاخلاص عدلا بك حجبك ورد طاعتك وان كثرت
وهو وفعال لما يريد واعترف بعجزك وتقصيرك وانكسارك
130

وفقرك بين يديه فإنك قد توجهت للعبادة له والمؤانسة به
واعرض عليه ولتعلم انه لا يخفى اسرار الخلايق
أجمعين وعلانيتهم وكن كافقر عباده يديه واخل
قلبك عن كل شاغل يحجبك عن ربك فإنه يقبل إلا
الأطهر والاخلص انظر من أي ديوان يخرج اسمك
فإن ذقت حلاوة مناجاته ولذيذ مخاطباته وشربت بكأس
رحمته وكراماته من حسن اقباله عليك واجابته فقد
صلحت لخدمته فادخل فلك الاذن والأمان وإلا فقف
وقوف من قد انقطع عنه الحيل وقصر عنه الامل وقضى
عليه الاجل فإن علم الله وجل من قلبك صدق
الالتجاء إليه نظر إليك بعين الرأفة والرحمة واللطف
ووفقك لما يحب ويرضى فإنه كريم يحب الكرامة وعبادة
المضطرين إليه المحترقين على بابه لطلب مرضاته.
قال الله تعالى: (امن يجيب المضطر إذا دعاه
ويكشف السوء.
131

الباب الثاني والستون
في الدعاء
قال الصادق (عليه السلام): احفظ أدب الدعاء وانظر
تدعو كيف تدعو ولماذا تدعو وحقق عظمة الله وكبريائه
وعاين بقلبك علمه بما في ضميرك واطلاعه سرك وما
تكن وما تكون فيه من الحق والباطل واعرف طرق
نجاتك وهلاكك كيلا تدعو الله تعالى بشئ عسى فيه
هلاكك وأنت تظن ان فيه نجاتك
قال تعالى: (ويدعو الانسان بالشر دعائه بالخير
وكان الانسان عجولا) وتفكر ما ذا تسال ولماذا
تسال والدعاء استجابه الكل منك للحق وتذويبا لمهجه في
132

مشاهدة الرب وترك الاختيار جميعا وتسليم الأمور كلها
ظاهرا وباطنا إلى الله تعالى فإن لم تأت بشرط الدعاء
فلا تنظر الإجابة فإنه يعلم السر واخفى فلعلك تدعوه
بشئ علم من سرك خلاف ذلك
قال بعض الصحابة لبعضهم أنتم تنتظرون المطر وانا
انتظر الحجر واعلم لو لم يكن الله أمرنا بالدعاء
لكان إذا أخلصنا الدعاء تفضل علينا بالإجابة فكيف قد
ضمن ذلك لمن اتى بشرائط الدعاء
وسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن اسم الله الأعظم فقال
(ص): كل اسم من أسماء الله أعظم ففرغ قلبك كل
ما سواه وادعه تعالى باي اسم شئت فليس في الحقيقة
اسم دون اسم بل هو الله الواحد القهار
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ان الله لا يستجيب الدعاء قلب
لاه
قال الصادق (عليه السلام): إذا أراد أحدكم ان يسال ربه
133

إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكن رجاه من
عند الله عز وجل فإذا علم الله تعالى من قلبه لم
يسأله شيئا إلا أعطاه فإذا اتيت ذكرت لك من شرائط
الدعاء وأخلصت سرك لوجهه فأبشر بإحدى ثلاث أما
ان يعجل لك ما سئلت وان يدخر لك ما هو أفضل
منه وأما ان يصرف منك البلاء ما لو أرسله إليك
لهلكك
قال النبي: قال الله تعالى من شغله ذكرى عن
مسئلتي أعطيته أفضل اعطى للسائلين
قال الصادق (عليه السلام): لقد دعوت مرة فاستجاب لي
ونسيت الحاجة لأن استجابته باقباله عبده عند دعوته
أعظم وأجل مما يريد منه العبد وكانت الجنة ونعيمها
الأبدي وليس يعقل ذلك العاملون المحبون العارفون
صفوة لله وخواصه
134

الباب الثالث والستون
في الصوم
قال الصادق (عليه السلام): قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الصوم جنة
آفات الدنيا وحجاب من عذاب الآخرة فإذا صمت فانو
بصومك كف النفس عن الشهوات وقطع الهمة عن خطوات
الشيطان والشياطين وانزل نفسك منزلة المرضى لا تشتهى
طعاما ولا شرابا وتوقع في كل لحظة شفاك من مرض
الذنوب وطهر باطنك من كل كذب وكدر وغفلة وظلمة
يقطعك عن معنى الاخلاص لوجه الله تعالى قيل لبعضهم
انك ضعيف والصيام يضعفك قال إني أعده بشر
يوم طويل والصبر طاعة الله أهون من الصبر على عذابه
135

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قال تعال: الصوم لي وانا
اجزى به والصوم يميت مراد النفس وشهوة الطمع وفيه
صفاء القلب وطهارة الجوارح وعمارة الظاهر والباطن
والشكر على النعم والاحسان إلى الفقراء وزيادة التضرع
والخشوع والبكاء وجل الالتجاء الله تعالى وسبب
انكسار الهمة وتخفيف السيئات وتضعيف الحسنات
وفيه من الفوائد ما لا يحصى وكفى ذكرناه منه لمن
عقله ووفق لاستعماله ان شاء تعالى
136

الباب الرابع والستون
في الزهد
قال الصادق (عليه السلام) الزهد مفتاح باب الآخرة والبراءة
من النار وهو تركك كل شئ يشغلك عن الله تعالى من غير
تأسف على فوتها ولا اعجاب في تركها ولا انتظار فرج
منها ولا تطلب محمده عليها ولا غرض لها بل يرى فوتها
راحة وكونها آفة ويكون ابدا هاربا من الآفة معتصما
بالراحة الزاهد الذي يختار الآخرة والذل على العز
والدنيا والجهد على الراحة والجوع على الشبع وعافية
الاجل على المحنة العاجل والذكر على الغفلة وتكون
نفسه في الدنيا وقلبه في الآخرة
137

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حب الدنيا رأس كل خطيئه.
وقال رسول الله (ص): الدنيا جيفة وطالبها كلاب
الا ترى كيف أحب ما أبغضه الله وأي خطيئه أشد
جرما من هذا.
قال بعض أهل البيت: لو كانت بأجمعها لقمه
في فم طفل لرحمناه فكيف حال من نبذ حدود الله تعالى
وراء ظهوره في طلبها والحرص عليها والد نيا دار لو
حسنت سكناها لما رحمتك ولما أجبتك وأحسنت وداعك
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما خلق تعالى الدنيا أمرها
بطاعته فأطاعت ربها فقال خالفي من طلبك وواقفي
من خالفك وهي على عهد الله إليها وطبعها بها.
138

الباب الخامس والستون
في صفة الدنيا
الدنيا بمنزلة صورة رأسها الكبر وعينها الحرص
واذنها الطمع ولسانها الرياء ويدها الشهوة ورجلها العجب
وقلبها الغفلة وكونها الفناء وحاصلها الزوال فمن أحبها
أورثته الكبر ومن استحسنها أورثته الحرص ومن طلبها
أورثته الطمع ومن مدحها ألبسته الرياء ومن أرادها
مكنته من العجب ومن ركن إليها أولته الغفلة ومن
أعجبه متاعها أفتنته ولا تبقى له ومن جمعها وبخل بها
ردتها إلى مستقرها وهي النار
139

الباب السادس والستون
في المتكلف
قال الصادق (عليه السلام): المتكلف متخلف عن الصواب
وان أصاب والمتطوع مصيب وان أخطأ والمتكلف لا
يستجلب في عاقبة امره إلا الهوان وفي الوقت إلا التعب
والعناء والشقاء والمتكلف ظاهره رياء وباطنه نفاق وهما
جناحان يطير بهما المتكلف وليس في الجملة أخلاق
الصالحين ولا من شعار المؤمنين المتكلف في أي باب كان.
قال الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): (قل أسئلكم عليه من
اجر وما انا من المتكلفين)
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) نحن معاشر الأنبياء والأتقياء والامناء
140

براء من المتكلف فاتق الله تعالى واستقم نفسك عن التكلف
فيطبعك بطباع الايمان ولا تشتغل بلباس آخره البلاء
وطعام آخره الخلاء ودار آخره الخراب ومال آخره
الميراث وأخوات آخرهم الفراق وعز آخره الذل ووفاء
آخره الجفاء وعيش آخره الحسرة
141

* (الباب السابع والستون
في الغرور) *
قال الصادق (عليه السلام) المغرور في الدنيا مسكين وفي
والآخرة مغبون لأنه باع الأفضل بالأدنى ولا تعجب من
نفسك فربما اغتررت بمالك وصحة جسدك ان لعلك
تبقى وربما اغتررت بطول عمرك وأولادك وأصحابك
لعلك تنجو بهم وربما اغتررت بجمالك ومنبتك وإصابتك
مأمولك وهواك فظننت انك صادق ومصيب وربما
اغتررت ترى الخلق من الندم على تقصيرك في العبادة
ولعل تعالى يعلم من قلبك بخلاف ذلك وربما أقمت
نفسك العبادة متكلفا والله يريد الاخلاص وربما
142

توهمت انك تدعو الله وأنت تدعو سواه وربما حسبت
انك ناصح للخلق وأنت تريدهم لنفسك ان يميلوا إليك
وربما ذممت نفسك وتمدحها على الحقيقة واعلم انك
لن تخرج من ظلمات الغرور والتمني إلا بصدق الإنابة إلى
الله تعالى والاخبار ومعرفه عيوب أحوالك من حيث
لا يوافق العقل والعلم ولا يحتمله الدين والشريعة وسنن
القدوة وأئمة الهدى وان كنت راضيا بما أنت فيه فما
اشقى بعلمه وعمله منك وأضيع عمرا فأورثت حسرة
يوم القيامة
143

* (الباب الثامن والستون
في صفه المنافق) *
قال الصادق (عليه السلام) المنافق قد رضى ببعده عن رحمة
الله تعالى لأنه يأتي باعماله الظاهرة شبيها بالشريعة وهو لاه
ولاغ وباغ بالقلب عن حقها مستهزئ وعلامة
النفاق قله المبالاة بالكذب والخيانة والوقاحة والدعوى
بلا معنى واستخانة العين والسفه والغلط وقلة الحياء
واستصغار المعاصي واستيضاع أرباب الدين واستخفاف
المصائب في الدين والكبر والمدح ومدح الحب وحب المدح
والحسد وايثار الدنيا على الآخرة والشر على الخير
144

والحث على النميمة وحب اللهو ومعرفه أهل الفسق ومعونة
أهل البغى والتخلف عن الخيرات وتنقص أهلها
واستحسان ما يفعله من سوء واستقباح ما يفعله غيره من
حسن وأمثال ذلك كثيره
وقد وصف الله المنافقين غير موضع قال تعالى:
(ومن الناس من يعبد على حرف). في التفسير
أي (فإن اصابه خير اطمان وان اصابته فتنة
انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو
الخسران المبين)
قال تعالى في وصفهم (ومن الناس من يقول
آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله
ورسوله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما
يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا)
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المنافق من إذا وعد خلف وإذا
145

فعل أساء، وإذا قال كذب وإذا ائتمن خان وإذا
رزق طاش وإذا منع عاش وقال أيضا من خالفت
سريرته علانيته فهو منافق كائنا من كان وحيث كان وفي
أي زمن وعلى أي رتبه كان
146

* (الباب التاسع والستون
في حسن المعاشرة) *
قال الصادق (عليه السلام) حسن المعاشرة مع خلق الله تعالى
في غير معصية من مزيد فضل الله تعالى عند عبده ومن
كان خاضعا لله في السر كان حسن المعاشرة العلانية
فعاشر الخلق لله تعالى ولا تعاشرهم لنصيبك لأمر الدنيا،
ولطلب الجاه والرياء والسمعة ولا تقطن بسببها عن حدود
الشريعة من باب المماثلة والشهرة فإنهم لا يغنون عنك شيئا
وتفوتك الأخيرة بلا فائدة
147

* (الباب السبعون
في الاخذ والعطاء) *
قال الصادق (عليه السلام) من كان الاخذ أحب إليه من
الاعطاء فهو مغبون لأنه يرى العاجل بغفلته أفضل من
الاجل وينبغي للمؤمن إذا اخذ ان يأخذ بحق وإذا
اعطى ففي حق وبحق ومن حق فكم من آخذ معطى دينه
وهو لا يشعر وكم من معطى مورث بنفسه سخط الله
وليس الشأن في الاخذ والاعطاء ولكن الناجي من اتق
الله في الاخذ والاعطاء واعتصم بحبل الورع والناس في
هاتين الخصلتين خاص وعام فالخاص ينظر في دقيق
الورع فلا يتناول حتى يتيقن انه حلال وإذا أشكل
148

عليه تناول عند الضرورة والعام ينظر في الظاهر فما لم
يجده ولا يعلمه غصب ولا سرقة تناول وقال لا باس
هو لي حلال والامر في ذلك بين يأخذ بحكم الله عز وجل
وينفق في رضى الله عز وجل
149

* (الباب الواحد والسبعون
في المواخاة) *
قال الصادق (عليه السلام) ثلاثة أشياء في كل زمان عزيزة
وهي الإخاء في الله تعالى والزوجة الصالحة الأليفة تعينه
في دين الله عز وجل وولد الرشيد ومن وجد الثلاثة
فقد أصاب خير الدارين والحظ الأوفر من الدنيا والآخرة
واحذر ان تواخى من أرادك الطمع أو خوف أو ميل أو
مال أو اكل أو شرب واطلب مواخاة الأتقياء ولو في
ظلمات الأرض وان أفنيت عمرك في طلبهم فان الله
عز وجل لم يخل على وجه الأرض أفضل منهم بعد النبيين
وما أنعم الله تعالى على العبد بمثل ما أنعم به من التوفيق
150

بصحبتهم قال الله تعالى (الأخلاء يومئذ لبعض عدو الا
المتقين) وأظن أن من طلب صديقا في زماننا هذا بلا
عيب بقي بلا صديق الا ترى ان أول كرامة أكرم الله
بها أنبيائه عند اظهار دعوتهم صديق امين أو ولى فكذلك
من اجل ما أكرم الله به أصدقائه وأوليائه وأصفيائه وامنائه
وصحبته أنبيائه وذلك دليل على أن ما في الدارين بعد
معرفه الله تعالى نعمة اجل وأطيب وأزكى من الصحبة في
الله عز وجل والمؤاخاة لوجه الله تعالى
151

* (الباب الثاني والسبعون
في المشاورة) *
قال الصادق (عليه السلام) شاور في أمورك مما يقتضى الدين
من فيه خمس خصال عقل وعلم وتجربة ونصح وتقوى
وان تجد فاستعمل الخمسة واعزم وتوكل على الله تعالى فإن
ذلك يؤديك إلى الصواب وما كان من أمور الدنيا التي هي
غير عائدة إلى الدين فاقضها ولا تتفكر فيها فإنك إذا
فعلت ذلك أصبت بركة العيش وحلاوة الطاعة وفي
المشاورة اكتساب العلم والعاقل من يستفيد منها علما
جديدا ويستدل به على المحصول من المراد ومثل المشورة
مع أهلها مثل التفكر في خلق السماوات وفنائهما
152

وهما غيبان لأنه كلما قوى تفكره فيهما غاص بحار نور
المعرفة وازداد بهما اعتبارا ويقينا ولا تشاور من لا
يصدقه عقلك وإن كان مشهورا بالعقل والورع وإذا
شاورت من يصدقه قلبك فلا تخالفه فيما يثير به عليك
وإن كان بخلاف مرادك فإن النفس تجمع عن قبول الحق
وخلافها عند قبول الحقايق أبين
قال تعالى (وشاورهم في الامر) وقال تعالى
(وأمرهم شورى بينهم) أي متشاورون فيه
153

* (الباب الثالث والسبعون
في الحلم) *
قال الصادق (عليه السلام) الحلم سراج الله يستضئ به
صاحبه إلى جواده ولا يكون حليما إلا المؤيد بأنوار
المعرفة والتوحيد والحلم يدور على خمسه أوجه يكون
عزيزا فيذل أو يكون صادقا فيتهم أو يدعو إلى الحق
فيستخف به أو ان يؤذى بلا جرم أو ان يطلب بالحق
يخالفوه فيه فإذا اتيت كلا منها حقه فقد أصبت وقابل
السفيه بالاعراض عنه وترك الجواب تكن الناس
أنصارك لأن من حارب السفيه فكأنه وضع الحطب
على النار
154

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل المؤمن كمثل الأرض منافعهم
منها إذا هم عليها ومن لا يصبر على جفاء الخلق لا يصل
إلى رضى الله تعالى لأن رضى الله تعالى مشوب بجفاء
الخلق وحكى ان رجلا قال لأحنف بن قيس إياك
أعني قال: وعنك احلم
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثت للحلم مركزا وللعلم
معدنا وللصبر مسكنا صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحقيقة
الحلم ان تعفو عمن أساء إليك وخالفك وأنت القادر على
الانتقام منه كما ورد في الدعاء الهى أنت أوسع فضلا
وأوسع حلما من أن تؤاخذني بعملي وتستذلني
بخطيئتي
155

* (الباب الرابع والسبعون
في الاقتداء) *
قال الصادق (عليه السلام) ليس الاقتداء إلا بصحة قسمه
الأرواح الأول وامتزاج نور الوقت بنور الأزلي
وليس الاقتداء بالتوسم بحركات الظاهرة والنسب إلى أولياء
الدين الحكماء والأئمة
قال الله عز وجل (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم)
أي من كان اقتدى بمحق فهو زكى
وقال الله عز وجل (فإذا نفخ في الصور فلا
انساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون)
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) الأرواح جنود مجندة
156

فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وقيل لمحمد
ابن الحنفية من أدبك فقال أدبني ربى في نفسي فما
استحسنت من أولى الألباب والبصيرة تبعتهم به واستعملته
وما استقبحت من الجهال اجتنبته وتركته مستقرا فأوصلني
ذلك إلى طريق العلم ولا طريق للأكياس من المؤمنين أسلم
من الاقتداء لأنه المنهج الأوضح والمقصد الأصح
قال الله عز وجل لأعز خلقه (صلى الله عليه وآله وسلم) (أولئك
الذين هدى الله فبهداهم اقتده)
وقال عز وجل (ثم أوحينا إليك ان اتبع ملة
إبراهيم حنيفا) فلو كان لدين الله تعالى عز وجل مسلك
أقوم الاقتداء لندب أنبيائه وأوليائه إليه
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في القلوب نور لا يضئ إلا من
اتباع الحق وقصد السبيل وهو من نور الأنبياء مودع
في قلوب المؤمنين.
157

* (الباب الخامس والسبعون
في العفو) *
قال الصادق (عليه السلام) العفو عند القدرة من سنن
المرسلين واسرار المتقين وتفسير العفو إلا تلزم صاحبك
فيما اجرم ظاهرا وتنسى من الأصل ما أصيب
منه باطنا وتزيد على الاختيارات احسانا ولن تجد إلى
ذلك سبيلا من قد عفى الله عنه وغفر له ما تقدم من
ذنبه وما تأخر عنه وزينه بكرامته وألبسه من نور بهائه
لأن العفو والغفران صفتان من صفات الله تعالى أودعهما في
اسرار أصفيائه ليتخلقوا مع الخلق باخلاق خالقهم وجاعلهم
لذلك قال الله عز وجل (وليعفوا وليصفحوا ان
158

لا تحبون ان يغفر الله لكم والله غفور رحيم) ومن لا
يعفو عن بشر مثله كيف يرجو عفو ملك جبار
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حاكيا عن ربه يأمره بهذه الخصال
قال صل من قطعك واعف عمن ظلمك واعط من
حرمك وأحسن إلى من أساء إليك وقد أمرنا بمتابعته
لقول الله عز وجل (وما آتاكم الرسول فخذوه وما
نهاكم فانتهوا) فالعفو سر الله في القلوب قلوب
خواصه فمن يسر سره وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيعجز
أحدكم ان كأبى ضمضم قيل يا رسول الله وما أبو
ضمضم؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل ممن قبلكم كان إذا أصبح يقول
اللهم إني قد تصدقت بعرضي على الناس عامه
159

* (الباب السادس والسبعون
في الموعظة) *
قال الصادق (عليه السلام) أحسن الموعظة ما لا تجاوز
القول حد الصدق والفعل حد الاخلاص فإن مثل
الواعظ والمتعظ كاليقظان والراقد فمن استيقظ عن
رقدة غفلته ومخالفاته ومعاصيه صلح ان يوقظ غيره من
ذلك الرقاد وأما الساير في مفاوز الاعتداء والخائض في
مراتع الغى وترك الحياء باستحباب السمعه والرياء والشهرة
والتضيع إلى الخلق المتزي بزي الصالحين المظهر عمارة
باطنه وهو في الحقيقة خال عنها قد غمرتها وحشته حب
المحمدة وغشيتها ظلمة الطمع فما أفتنه بهواه وأضل
الناس بمقاله
160

قال الله عز وجل (لبئس المولى ولبئس المصير)
وأما من عصمه الله بنور التوحيد والتأييد وحسن التوفيق
فطهر قلبه من الدنس فلا يفارق المعرفة والتقى فيستمع
الكلام الأضل وترك قائله كيفما كان قالت الحكماء
خذ الحكمة ومن أفواه المجانين
قال عيسى (عليه السلام) جالسوا من يذكركم الله رؤيته
ولقائه فضلا عن الكلام ولا تجالسوا من توافقه ظواهركم
وتخالفه بواطنكم فإن ذلك المدعى بما ليس له ان كنتم
صادقين فاستقادتكم فإذا لقيت من ثلاث خصال فاغتنم
رؤياه ولقاه ومجالسته ولو كان ساعة ذلك يؤثر في
دينك وقلبك وعبادتك بركاته فمن كلامه لا يجاوز
فعله وفعله لا يجاوز صدقه وصدقه ينازع ربه
فجالسه بالحرمة وانتظر الرحمة والبركة واحذر لزوم الحجة
عليك وراع وقته كيلا تلومه فتخسر وانظر إليه بعين
فضل الله عليه وتخصيصه له وكرامته إياه
161

* (الباب السابع والسبعون
في الوصية) *
قال الصادق (عليه السلام) أفضل الوصايا وألزمها ان لا
تنسى ربك وان تذكره دائما ولا تعصيه وتعبد قاعدا
وقائما ولا تغتر بنعمته واشكره ابدا ولا تخرج من
تحت أستار رحمته وعظمته وجلاله فتضل وتقع في ميدان
الهلاك وان مسك البلاء والضراء وأحرقتك نيران المحن
واعلم أن بلاياه محشوة بكراماته الأبدية ومحنه مورثة
رضاه وقربه ولو بعد حين فيا لها أنعم لمن علم ووفق
لذلك
روى أن رجلا استوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال
162

(صلى الله عليه وآله وسلم) لا تغضب قط فإن فيه منازعه ربك فقال زدني
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إياك وما تعتذر منه فإن فيه الشرك الخفي
فقال زدني فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) صل صلاه مودع فإن فيه
الوصلة والقربى فقال زدني فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) استحى من
الله تعالى استحيائك من صالحي جيرانك فإن فيها زيادة
اليقين وقد أجمع الله ما يتواصى به المتواصون من الأولين
والآخرين في خصلة واحدة وهي (التقوى)
قال الله عز وجل (ولقد وصينا الذين أوتوا
الكتاب من قبلكم وإياكم ان اتقوا الله) وفيه جماع
كل عبادة صالحه وبه وصل من وصل إلى الدرجات العلى
والرتبة القصوى وبه عاش من عاش بالحياة الطيبة والانس
الدائم
قال الله عز وجل (ان المتقين في جنات ونهر
في مقعد صدق عند مليك مقتدر)
163

* (الباب الثامن والسبعون
في التوكل) *
قال الصادق (عليه السلام) التوكل كأس مختوم بختام الله
عز وجل فلا يشرب بها ولا ينفض ختامها إلا المتوكلون
كما قال تعالى (وعلى الله فليتوكل المتوكلون) وقال
تعالى (وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين) جعل
الله التوكل مفتاح الايمان والايمان قفل التوكل وحقيقة
التوكل الايثار واصل الايثار تقديم الشئ بحقه ولا
ينفك المتوكل في توكله من اثبات أحد الايثارين فإن اثر
المعلول وهو الكون حجب به وان اثر المعلل علة التوكل
وهو الباري سبحانه وبقى معه وان أردت ان
164

تكون متوكلا لا متعللا فكبر على روحك خمسة
تكبيرات وودع أمانيك كلها توديع الموت للحياة وليس
أدنى حد التوكل إلا تسابق مقدومك بالهمة ولا تطالع
مقسومك ولا تستشرف معدومك فتنتقض بأحدهما عقد
ايمانك وأنت لا تشعر وان عزمت ان تقف على بعض شعار
المتوكلين في توكله من اثبات أحد الايثارين حقا فاعتصم
بعروة هذه الحكاية وهي انه روى أن بعض المتوكلين قدم
على بعض الأئمة (عليهم السلام) فقال له اعطف على بجواب
مسالة في التوكل والإمام (عليه السلام) كان يعرف الرجل بحسن
التوكل ونفيس الورع وأشرف على صدقه فيما سئل عنه من
قبل ابدائه إياه فقال له قف اوط مكانك وانظرني ساعة
فبنينا هو مطرق لجوابه إذا اجتاز بهما فقير فادخل الإمام (عليه
السلام) يده في جيبه واخرج شيئا فناوله الفقير ثم اقبل
على السائل فقال له هات وسل عما بدا لك فقال السائل
أيها الامام كنت أعرفك قادرا متمكنا من جواب مسألتي
165

قبل ان استنظرتني فما شأنك في ابطائك عنى؟ فقال
الايمان لتعتبر المعنى قبل كلامي إذا لم أكن أراني ساهيا
بسري وربي مطلع عليه ان أتكلم بعلم التوكل وفي
جيبي دانق ثم لم يحل لي ذلك إلا بعد ايثاره فافهم فشهق
السائل شهقة وحلف إلا يأوى عمرانا ولا يأنس ببشر ما
عاش
166

* (الباب التاسع والسبعون
في تبجيل الاخوان) *
قال الصادق (عليه السلام) مصافحة اخوان الدين أصلها من
محبة الله لهم
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تصافح اخوان الله إلا
تناثرت ذنوبهما حتى يعودان كيوم ولدتهما أمهما ولا كثر
حبهما وتبجيلهما كل واحد لصاحبه إلا كان له مزيد
والواجب على أعلمهما بدين الله ان يريد صاحبه في فنون
الفرائد التي ألزمه بها ويرشده إلى الاستقامة والرضا
والقناعة ويبشر برحمة الله ويخوفه من عذابه وعلى
الاخوان يتبارك باهتدائه ويمسك ما يدعوه إليه ويعظه به
167

ويستدل بما يدل إليه معتصما بالله ومستعينا لتوفيقه على
ذلك
قيل لعيسى بن مريم (عليه السلام) كيف أصبحت؟ قال
لا أملك نفع ما أرجو ولا أستطيع دفع ما احذره مأمورا
بالطاعة ومنهيا عن المعصية فلا أرى فقير افقر منى
وقيل لأويس القرني كيف أصبحت كيف
يصبح رجل إذا أصبح لا يدرى ا يمسى وإذا امسى لا
يدرى أيصبح
قال أبو ذر (ره) أصبحت اشكر ربى واشكر
نفسي
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أصبح وهمته غير الله فقد
أصبح من الخاسرين المعتدين
168

* (الباب الثمانون
في الجهاد والرياضة) *
قال الصادق (عليه السلام) طوبى لعبد جاهد الله نفسه
وهواه ومن هزم حينئذ هواه ظفر برضى الله ومن
جاوز عقله نفسه الامارة بالسوء بالجهد والاستكانة
والخضوع على بساط خدمة الله تعالى فقد فاز فوزا عظيما
ولا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الله تعالى من
النفس والهوى وليس لقتلهما وقطعهما سلاح وآله مثل
الافتقار إلى الله سبحانه والخشوع والجوع والظماء
بالنهار والسهر بالليل فإن مات صاحبه مات شهيدا وان
عاش واستقام أداه عاقبته إلى الرضوان الأكبر
169

قال الله عز من قائل (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم
سبلنا وان الله لمع المحسنين) وإذا رأيت مجتهدا أبلغ
منك في الاجتهاد فوبخ نفسك ولها وعيرها تحثيثا على
الازدياد عليه واجعل لها زماما من الامر وعنانا من النهى
وسقها كالرايض الفادة التي لا يذهب عليه خطوة من
خطواتها إلا وقد صحح أولها وآخرها وكان رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) يصلى حتى يتورم قدماه وقال ا فلا أكون عبدا
شكورا أراد (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يعتبر به أمته فلا يغفلوا عن
الاجتهاد والتعب والرياضة بحال إلا انك لو وجدت
حلاوة عبادة الله ورأيت بركاتها واستضئت بنورها لم
تصبر عنها ساعة واحدة ولو قطعت إربا إربا فما اعرض
من اعرض عنها بحرمان فوائد السلف من العصمة
والتوفيق قيل لربيع بن خيثم ما لك لا تنام بالليل؟ قال
لأني أخاف البيات
170

* (الباب الواحد والثمانون
في ذكر الموت) *
قال الصادق (عليه السلام) ذكر الموت يميت الشهوات في
النفس ويقطع منابت الغفلة ويقوى القلب بمواعد الله
ويرق الطبع ويكسر اعلام الهوى ويطفئ نار الحرص
ويحقر الدنيا وهو معنى ما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكر ساعة
خير من عبادة سنه وذلك عندما تحل اطناب خيام الدنيا
وتشدها بالآخرة ولا يسكن نزول الرحمة عند ذكر
الموت بهذه الصفة ومن لا يعتبر بالموت وقلة حيلته وكثرة
عجزه وطول مقامه في القبر وتحيره في القيامة فلا خير فيه.
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اذكروا هادم اللذات قيل وما
171

هو يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) الموت ما ذكره عبد
على الحقيقة في سعة إلا ضاقت عليه الدنيا ولا في شدة إلا
اتسعت عليه والموت أول منزل من منازل الآخرة وآخر
منزل من منازل الدنيا فطوبى لمن أكرم عند النزول
بأولها وطوبى لمن أحسن مشايعته في آخرها والموت
أقرب أشياء من بني آدم وهو يعده أبعد فما اجرى الانسان
على نفسه وما أضعفه من خلق وفي الموت نجاة المخلصين
وهلاك المجرمين ولذلك اشتاق من اشتاق الموت وكره
من كره
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحب لقاء الله أحب لقائه
ومن كره لقاء الله كره الله لقائه
172

* (الباب الثاني والثمانون
في حسن الظن) *
قال الصادق (صلى الله عليه وآله وسلم) حسن الظن أصله من حسن ايمان
المرء وسلامة صدره وعلامته ان يرى كلما نظر إليه بعين
الطهارة والفضل من حيث ركب فيه وقذف في قلبه من
الحياء والأمانة والصيانة والصدق
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحسنوا ظنونكم بإخوانكم تغتنموا
بها صفاء القلب واثاء الطبع
وقال أبي بن كعب إذا رأيتم أحد اخوانكم في
خصلة تستنكرونها منه فتأولوها بسبعين تأويلا فإن
اطمانت قلوبكم أحدها وإلا فلوموا أنفسكم
173

لم تعذروه وان تقدروا في خصله يسرها عليه سبعين
تأويلا فأنتم أولى بالانكار على أنفسكم منه أوحى الله
تبارك والى داود (عليه السلام) ذكر عبادي من آلائي
ونعمائي فإنهم يروا منى إلا الحسن الجميل لئلا يظنوا في
الباقي الا مثل الذي سلف منى إليهم وحسن الظن يدعو
إلى حسن العبادة والمغرور يتمادى في المعصية ويتمنى المغفرة
ولا يكون أحسن الظن في خلق الله إلا المطيع له يرجو
ثوابه ويخاف عقابه
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحكى ربه انا عند حسن
ظن عبدي بي يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن زاغ عن وفاء حقيقة
موهبات ظنه بربه فقد أعظم الحجة نفسه وكان من
المخدوعين في أسر هواه
174

* (الباب الثالث والثمانون
في التفويض) *
قال الصادق (عليه السلام) المفوض امره إلى الله راحة
الأبد والعيش الدائم الرغد والمفوض حقا هو العالي عن
كل همة دون الله تعالى كما قال قوله المؤمنين (عليه السلام)
رضيت بما قسم الله لي * وفوضت امرى إلى خالقي
كما أحسن الله مما مضى * كذلك يحسن فيما بقي
وقال الله عز وجل في مؤمن آل فرعون (وأفوض
امرى إلى الله ان الله بصير بالعباد فوقاه سيئات
ما مكروا وحاق بال فرعون سوء العذاب)
والتفويض خمسة أحرف لكل حرف منها حكم فمن
175

اتى باحكامه فقد اتى به التاء من تركه التدبير في الدنيا
والفاء من فناء كل همة غير الله والواو وفاء العهد
وتصديق الوعد والياء الياس من نفسك واليقين بربك
والضاد الضمير الصافي لله والضرورة والمفوض لا
يصبح إلا سالما من جميع الآفات ولا يمسى معافا بدينه
176

* (الباب الرابع والثمانون
في اليقين) *
قال الصادق (عليه السلام) اليقين يوصل العبد إلى حال
سنى ومقام عجيب كذلك أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن
عظم شان اليقين حين ذكر عنده ان عيسى (عليه السلام) كان يمشى
على الماء
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لو زاد يقينه لمشى الهواء فدل بهذا
على أن الأنبياء مع جلالة محلهم من الله كانت يتفاضل على
حقيقة اليقين لا غير ولا نهاية بزيادة اليقين على الأبد
والمؤمنون أيضا متفاوتون في قوة اليقين وضعفه فمن
قوى منهم يقينه فعلامته التبري من الحول والقوة بالله
177

والاستقامة على أمر الله وعبادته ظاهرا وباطنا قد استوت
عنده حالتا العدم والوجود والزيادة والنقصان والمدح
والذم والعز والذل لأنه يرى كلها عين واحد ومن
ضعف يقينه تعلق بالأسباب ورخص لنفسه بذلك واتبع
العادات وأقاويل الناس بغير حقيقة والسعي في أمر الدنيا
وجمعها وامساكها مقرا باللسان انه لا مانع ولا معطى إلا
الله وان العبد لا يصيب الا ما رزق وقسم له والجهد
لا يزيد في الرزق وينكر بفعله وقلبه
قال الله تعالى (يقولون بأفواههم ما ليس في
قلوبهم والله أعلم بما يكتمون)
إنما عطف تعالى بعباده حيث اذن لهم بالكسب
والحركات في باب العيش ما لم يتعد حدود الله ولم يتركوا
فرائضه وسنن نبيه في جميع حركاتهم ولا يعدلوا عن
مهجه التوكل ولا يقفوا في ميدان الحرص فاما إذا نسوا
ذلك وارتبطوا بخلاف ما حد لهم كانوا من الهالكين الذين
178

ليس معهم في الحاصل إلا الدعاوى الا الكاذبة وكل مكتسب
لا يكون متوكلا فلا يستجلب من كسبه إلى نفسه إلا
حراما وشبهة وعلامته ان يؤثر ما يحصل من كسبه
ويجوع وينفق في سبيل الدنيا ولا يمسك والمأذون
بالكسب من كان بنفسه مكتسبا وبقلبه متوكلا وان
كثر المال عنده قام كالأمين عالما بان يكون ذلك المال
وفوته سواء وان أمسك أمسك لله وان أنفق أنفق فيما
امره الله عز وجل ويكون منعها واعطائها لله تعالى
179

* (الباب الخامس والثمانون
في الخوف والرجاء) *
قال الصادق (عليه السلام) الخوف رقيب القلب والرجاء
شفيع النفس ومن كان بالله عارفا كان من الله خائفا وإليه
راجيا وهما جناحا الايمان يطير بهما العبد المحقق إلى
رضوان الله وعينا عقله يبصر بهما إلى وعد الله تعالى
ووعيده والخوف طالع عدل باتقاء وعيده والرجاء
داعى فضل الله وهو يحيى القلب والخوف يميت النفس
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المؤمن خوفين خوف
ما مضى وخوف ما بقي وبموت النفس حياة
القلب وبحياة القلب البلوغ إلى الاستقامة ومن عبد الله
180

تعالى على ميزان الخوف والرجاء لا يضل ويصل إلى
مأموله وكيف لا يخاف العبد وهو غير عالم يختم صحيفته
ولا له عمل يتوسل به استحقاقا ولا قدره على شئ
ولا مفر وكيف لا يرجو وهو يعرف نفسه بالعجز وهو
غريق في بحر آلاء الله ونعمائه من حيث تحصى ولا تعد
والمحب يعبد ربه على الرجاء بمشاهدة أحواله بعين سهر
والزاهد يعبد على الخوف
قال أويس لهرم بن حيان قد عمل الناس على الرجاء
فقال بل تعمل الخوف والخوف خوفان ثابت
ومعارض فالثابت الخوف يورث الرجاء والمعارض
منه يورث خوفا ثابتا والرجاء رجاءان منه عاكف وباد
فالعاكف منه يورث خوفا ثابتا يقوى نسبه المحبة والبادي
منه يصح امل العجز والتقصير والحياة
181

* (الباب السادس والثمانون
في الرضا) *
قال الصادق (عليه السلام) صفه الرضاء ان يرضى المحبوب
والمكروه والرضاء شعاع نور المعرفة والراضي فان
عن جميع اختياره والراضي حقيقة هو المرضى عنه
والرضا اسم يجتمع فيه معاني العبودية وتفسير الرضا
سرور القلب سمعت أبي محمد الباقر (عليه السلام) يقول تعلق
القلب بالموجود شرك وبالمفقود كفر وهما جناحان من
سنه واعجب بمن يدعى العبودية لله كيف ينازعه في
مقدوراته حاشا الراضين العارفين ذلك
182

* (الباب السابع والثمانون
في البلاء) *
قال الصادق (عليه السلام) البلاء زين للمؤمن وكرامة لمن
عقل لان في مباشرته الصبر عليه والثبات عنده تصحيح
نسبه الايمان
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء
والمؤمنون الأمثل فالأمثل ومن ذاق طعم البلاء تحت سر
حفظ الله له تلذذ به أكثر من تلذذه بالنعمة واشتاق إليه
إذا فقده لأن تحت ميزان البلاء والمحنة أنوار النعمة
وتحت أنوار النعمة ميزان البلاء والمحنة وقد ينجو من
البلاء ويهلك في النعمة كثير وما اثنى الله على عبد من
183

عباده من لدن آدم (عليه السلام) إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا بعد ابتلائه
ووفاء حق العبودية فيه فكرامات الله الحقيقة نهايات
بداياتها البلاء وبدايات نهاياتها البلاء ومن خرج من
سكه البلوى جعل سراج ومؤنس المقربين
ودليل القاصدين ولا خير في شكى من محنة تقدمها
آلاف نعمة واتبعها آلاف راحة ومن لا يقضى حق
الصبر في البلاء حرم قضاء الشكر في النعماء كذلك من
لا يؤدى حق الشكر في النعماء يحرم عن قضاء الصبر في
البلاء ومن حرمهما فهو من المطرودين
وقال أيوب (عليه السلام) في دعائه اللهم قد اتى على سبعون
في الراحة والرخاء حتى تأتى على سبعون في البلاء
وقال وهب بن منبه البلاء للمؤمن كالشكال للدابة
والعقال للإبل
وقال على (عليه السلام) الصبر من الايمان كالرأس من
الجسد ورأس الصبر البلاء وما يعقلها إلا العاملون
184

* (الباب الثامن والثمانون
في الصبر) *
قال الصادق (عليه السلام) الصبر يظهر ما في بواطن العباد
من النور والصفاء والجزع يظهر ما في بواطنهم من الظلمة
والوحشة والصبر يدعيه كل أحد وما يثبت عنده الا
المخبتون والجزع ينكره كل أحد وهو أبين على المنافقين
لأن نزول المحنة والمصيبة مخبر عن الصادق والكاذب وتفسير
الصبر ما يستمر مذاقه وما كان عن اضطراب لا يسمى
صبر ا وتفسير الجزع اضطراب القلب وتحزن الشخص
وتغير اللون وتغير الحال وكل نازلة خلت أوائلها من
الاخبات والإنابة والتضرع إلى الله فصاحبها جزوع غير
185

صابر والصبر ما أوله مر وآخره حلو لقوم ولقوم مر
أوله وآخره فمن دخله من اواخره فقد دخل ومن دخله
من أوائله فقد خرج ومن عرف قدر الصبر لا يصبر عما
منه الصبر
قال الله تعالى في قصه موسى بن عمران (عليه السلام) وخضر
(وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) فمن صبر
كرها ولم يشك إلى الخلق أو لم يجزع بهتك ستره فهو من
العام ونصيبه ما قال الله عز وجل (وبشر الصابرين)
أي بالجنة والمغفرة ومن استقبل البلاء بالرحب وصبر على
سكينة ووقار فهو من الخاص ونصيبه قال تعالى
(ان الله مع الصابرين)
186

* (الباب التاسع والثمانون
في الحزن) *
قال الصادق (عليه السلام) الحزن من شعار العارفين لكثرة
مواردات الغيب على سرائرهم وطول مباهاتهم تحت ستر
الكبرياء والمحزون ظاهره قبض وباطنه بسط يعيش مع
الخلق عيش المرضى ومع الله عيش القربى والمحزون
غير المتفكر لأن المتفكر متكلف والمحزون مطبوع
والحزن يبدو من الباطن والتفكر يبدو من رؤية
المحدثات وبينهما فرق
قال الله تعالى في قصه يعقوب (عليه السلام) (إنما أشكو
بثي وحزني إلى الله واعلم ما لا تعلمون) فبسبب ما
187

تحت الحزن علم خص به من الله دون العالمين
قيل لربيع بن خيثم ما لك محزون قال لأني مطلوب
ويمين الحزن الانكسار وشماله الصمت والحزن يختص
به العارفون لله والتفكر يشترك فيه الخاص والعام ولو
حجب الحزن عن قلوب العارفين ساعة لاستغاثوا ولو
وضع في قلوب غيرهم لاستنكروه فالحزن أول ثانيه
الامن والبشارة والتفكر ثان أوله تصحيح الايمان بالله
والافتقار إلى الله عز وجل بطلب النجاة والحزين متفكر
والمتفكر معتبر ولكل واحد منهما حال وعلم وطريق
وحلم وشرف
188

* (الباب التسعون
في الحياء) *
قال الصادق (عليه السلام) الحياء نور جوهره صدر الايمان
وتفسيره التثبت عند كل شئ ينكره التوحيد والمعرفة
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحياء من الايمان فيقبل الحياء
بالايمان والايمان بالحياء وصاحب الحياء خير كله ومن
حرم الحياء فهو شر كله وان تعبد وتورع وان خطوة
يتخطاه في ساحات هيبة الله بالحياء منه إليه خير له من عبادة
سبعين سنه والوقاحة صدر النفاق والشقاق والكفر
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا لم تستح فاعمل ما شئت
أي إذا فارقت الحياء فكل ما عملت من خير وشر فأنت
189

به معاقب وقوه الحياء من الحزن والخوف والحياء
مسكن الخشية والحياء أوله الهيبة وآخره الرؤية
وصاحب الحياء مشتغل بشأنه معتزل من الناس مزدجر عما
هم فيه ولو تركوا صاحب الحياء ما جالس أحدا
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أراد الله بعبد خيرا الهاه
عن محاسنه وجعل مساويه بين عينيه وكرهه مجالسة
المعرضين عن ذكر الله والحياء خمسه أنواع حياء ذنب
وحياء تقصير وحياء كرامة وحياء حب وحياء هيبة
ولكل واحد من ذلك أهل ولأهله مرتبه على حده
190

* (الباب الواحد والتسعون
في المعرفة) *
قال الصادق (عليه السلام) العارف شخصه مع الخلق وقلبه
مع الله لو سهى قلبه عن الله طرفة عين لمات شوقا إليه
والعارف امين وقايع الله وكنز اسراره ومعدن أنواره
ودليل رحمته على خلقه ومطية علومه وميزان فضله وعدله
قد غنى عن الخلق والمراد والدنيا ولا مؤنس له سوى الله
ولا نطق ولا إشارة ولا نفس إلا بالله ومع الله ومن الله
فهو في رياض قدسه متردد ومن لطائف فضله متزود
والمعرفة أصل وفرعه الايمان
191

* (الباب الثاني والتسعون
في حب الله) *
قال الصادق (عليه السلام) حب الله إذا أضاع على سر عبده
أخلاه عن كل شاغل وكل ذكر سوى الله والمحب أخلص
الناس سرا لله وأصدقهم قولا وأوفاهم عهدا وأذكاهم عملا
وأصفاهم ذكرا واعبدهم نفسا تتباهى الملائكة عند
مناجاته وتفتخر برؤيته وبه يعمر الله تعالى بلاده
وبكرامته يكرم الله عباده يعطيهم إذا سألوه بحقه ويدفع
عنهم البلايا برحمته ولو علم الخلق ما محله الله ومنزلته
لديه ما تقربوا إلى الله إلا بتراب قدميه
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) حب الله نار لا يمر على
192

شئ إلا احترقه ونور الله لا يطلع على شئ إلا أضاء
وسماء الله ما ظهر من سحاب تحته من شئ إلا غطاه وريح
الله ما تهب في شئ إلا حركته وماء يحيى به كل شئ
وارض الله ينبت منها كل شئ فمن أحب الله أعطاه كل
شئ من الملك والملك
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أحب الله عبدا من أمتي قذف
في قلوب أصفيائه وارواح ملائكته وسكان عرشه محبته
ليحبوه فذلك المحب حقا طوبى له ثم طوبى له وله عند
الله شفاعة يوم القيامة
193

* (الباب الثالث والتسعون
في الحب لله) *
قال الصادق (عليه السلام) المحب في الله محب لله والمحبوب
في الله حبيب الله لأنهما لا يتحابان الا في الله
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المرء مع من أحب فمن
أحب عبدا في الله فإنما أحب الله تعالى ولا يحب الله
تعالى إلا من أحبه الله
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل الناس بعد النبيين في
الدنيا والآخرة لله المتحابون فيه وكل حب معلول يورث
فيه عداوة هذين وهما من عين واحدة يزيدان ابدا ولا
ينقصان ابدا
194

قال الله (تعالى الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض
عدو الا المتقين لأن أصل الحب التبري عن سواء
المحبوب
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) ان أطيب شئ الجنة
وألذه حب الله والحب في الله والحمد لله.
قال الله عز وجل (وآخر دعواهم ان الحمد لله
رب العالمين)
وذلك انهم إذا عاينوا ما في الجنة من النعيم هاجت
المحبة في قلوبهم فينادون عند ذلك والحمد لله رب العالمين
195

* (الباب الرابع والتسعون
في الشوق) * قال الصادق (عليه السلام) المشتاق لا يشتهى طعاما ويلتذ
شرابا ولا يستطيب وقادا ولا يأنس حميما ويأوي دارا
ولا يسكن عمرانا ولا يلبس ثيابا ولا يقر قرارا ويعبد
الله ليلا ونهارا راجيا بان يصل إلى ما يشتاق إليه ويناجيه
بلسان الشوق معبرا عما سريرته كما أخبر الله تعالى عن
موسى (عليه السلام) في ميعاد ربه (وعجلت إليك ربى لترضى)
وفسر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حاله انه ما اكل ولا شرب
ولا نام ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين
يوما شوقا إلى ربه فإذا دخلت ميدان الشوق فكبر على
196

نفسك ومرادك من الدنيا وودع جميع المألوفات واصرفه
عن سوى مشوقك ولب بين حياتك وموتك لبيك اللهم
لبيك عظم الله اجرك ومثل المشتاق مثل الغريق ليس
له همة إلا خلاصه وقد نسي كل شئ دونه
197

* (الباب الخامس والتسعون
في الحكمة) *
قال الصادق (عليه السلام) الحكمة ضياء المعرفة وميزان
التقوى وثمرة الصدق ولو قلت ما أنعم الله على عبد بنعمة
أعظم وانعم واجزل وارفع وأبهى من الحكمة للقلب
قال تعالى (يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤتي
الحكمة اوتى خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا
الألباب) اي لا يعلم ما أودعت وهيئات في الحكمة إلا
من استخلصه لنفسي وخصصته بها والحكمة هي النجاة
وصفة الحكمة الثبات عند أوائل الأمور والوقوف عند
198

عواقبها وهو هاوي خلق الله إلى الله تعالى
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلى (عليه السلام) لأن يهدى الله على
يديك عبدا من عباده خير لك مما طلعت عليه الشمس من
مشارقها إلى مغاربها
199

* (الباب السادس والتسعون
في الدعوى) *
قال الصادق (عليه السلام) الدعوى بالحقيقة للأنبياء والأئمة
والصديقين وما المدعى بغير واجب فهو كإبليس اللعين
ادعى النسك وهو على الحقيقة منازع لربه مخالف لامره
فمن ادعى أظهر الكذب والكاذب لا يكون أمينا
ومن ادعى فيما لا يحل له عليه فتح له أبواب البلوى
والمدعى يطالب بالبينة لا محالة وهو مفلس فيفتضح
والصادق لا يقال له لم
قال على (عليه السلام) الصادق يراه أحد إلا هابه
200

* (الباب السابع والتسعون
في العبرة) *
قال الصادق (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المعتبر
في الدنيا عيشه فيها كعيش النائم يراها ولا يمسها ويزيد
عن قلبه ونفسه باستقباحه معاملات المغرورين بها ما تورثه
الحساب والعقاب ويتبدل بها ما تقربه رضى الله
وعفوه ويغسل بماء زوالها مواضع دعوتها إليه وتزين
نفسها إليه فالعبرة تورث صاحبها ثلاثة أشياء العلم بما
يعمل والعمل بما يعلم والعلم بما لا يعلم والعبرة أصلها
أول يخشى آخره وآخر قد تحقق الزهد في أوله ولا
يصح الاعتبار إلا لأهل الصفاء والبصيرة
قال الله تعالى (فاعتبروا يا أولى الابصار) قال
تعالى أيضا (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى
القلوب التي في الصدور) فمن فتح الله عين قلبه وبصيرته
بالاعتبار فقد أعطاه منزله رفيعه وملكا عظيما
201

* (الباب الثامن والتسعون
في القناعة) *
قال الصادق (عليه السلام) لو حلف القانع بتملكه على
الدارين لصدقه الله عز وجل بذلك ولا بره لعظم شان
مرتبه القناعة ثم كيف لا يقنع العبد بما قسم الله له وهو
يقول (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا)
فمن أذعن وصدقه بما شاء ولما شاء بلا غفلة وأيقن
بربوبيته أضاف تولية الأقسام إلى نفسه بلا سبب ومن قنع
بالمقسوم استراح من الهم والكرب والتعب وكلما انقص
من القناعة زاد في الرغبة والطمع في الدنيا أصل كل شر
وصاحبها لا ينجو من النار إلا أن يتوب
202

ولذلك قال (صلى الله عليه وآله وسلم) القناعة ملك لا يزول وهي
مركب رضى تعالى تحمل صاحبها إلى داره فأحسن
التوكل فيما لم تعطه والرضا بما أعطيت واصبر على ما
أصابك ذلك من عزم الأمور
203

* (الباب المائة
في الغيبة) *
قال الصادق (عليه السلام) الغيبة حرام على كل مسلم مأثوم
صاحبها في كل حال وصفة الغيبة ان تذكر أحدا بما ليس
هو عند الله عيب أو تذم ما تحمده أهل العلم فيه وأما
الخوض في ذكر الغائب بما هو عند الله مذموم وصاحبه
فيه ملوم فليس بغيبة وان كره صاحبه إذا سمع به وكنت
أنت معافا عنه وخاليا منه ويكون في ذلك مبينا للحق
من الباطل ببيان الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن على
شرط ان لا يكون للقائل بذلك مراد غير بيان الحق
والباطل في دين الله عز وجل وأما إذا أراد به نقص
204

المذكور بغير ذلك المعنى فهو مأخوذ بفساد مراده وكان
صوابا وان اغتبت مبلغ المغتاب فاستحل منه فإن لم
تبلغه ولم تلحقه فاستغفر الله له والغيبة تأكل الحسنات
كما تأكل النار الحطب أوحى الله عز وجل إلى موسى بن
عمران (عليه السلام) المغتاب هو آخر من يدخل الجنة ان تاب
وان لم يتب فهو أول من يدخل النار
قال تعالى (أيحب أحدكم ان يأكل لحم أخيه
ميتا فكرهتموه) ووجوه الغيبة تقع بذكر عيب في
الخلق والعقل والفعل والمعاملة والمذهب والجهل وأشباهه
واصل الغيبة متنوع بعشرة أنواع 1 - شفاء غيض
2 - ومساعدة قوم 3 - وتهمة 4 - وتصديق خبر بلا
كشفه. 5 - وسوء ظن 6 - وحسد 7 - وسخرية.
8 - وتعجب 9 - وتبرم. 10 - وتزين.
فإن أردت الاسلام فاذكر الخالق لا المخلوق فيصير
لك مكان الغيبة عبرة ومكان الاثم ثوابا.
205