الكتاب: عيون أخبار الرضا (ع)
المؤلف: الشيخ الصدوق
الجزء: ٢
الوفاة: ٣٨١
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ قسم الفقه
تحقيق: تصحيح وتعليق وتقديم : الشيخ حسين الأعلمي
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٤ - ١٩٨٤ م
المطبعة: مطابع مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

عيون أخبار الرضا
1

عيون أخبار الرضا
للشيخ الأقدم والمحدث الأكبر أبي جعفر الصدوق
محمد بن علي بن الحسين بابويه القمي قدة المتوفي سنة 381
صححه وقدم له وعلق عليه
العلامة الشيخ حسين الأعلمي
الجزء الثاني
منشورات
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص. ب 7120
3

الطبعة الأولى
جميع الحقوق على هذه الطبعة المحققة
والمزدانة بالتعاليق محفوظة للناشر
1404 ه‍ - 1984 م
طبع على مطابع:
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان
شارع الاستقلال جنب ثانوية ابن سينا
ص. ب: 7120 تلفون: 259860 - 290133 - 242205
4

نبذة من حياة المؤلف
هو رئيس المحدثين والشيخ الأقدم أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن
موسى بن بابويه القمي المعروف قدس الله سره.
القلم عاجز عن اطرائه والثناء عليه لعظمته وشدته في العلم والوثاقة وكثرة
التصانيف فهو وجه الشيعة على الاطلاق وفقيههم ولم يرق درجته أحد،
لقد انحدر في أشهر بيوتات العلم في قم بيت بابويه الذين ذاع صيتهم في
الفضيلة ويكفيه فخرا حيث وصفه الامام الحادي عشر أبو محمد الحسن
العسكري عليه السلام بالولد العالم حيث كتب الإمام عليه السلام رسالة إلى
والد المؤلف يقوله فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين،
والجنة للموحدين والنار للملحدين ولا عدوان الا على الظالمين ولا إله إلا الله
أحسن الخالقين والصلاة على خير خلقه محمد وعترته الطاهرين اما بعد
أوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي أبا الحسن علي بن الحسين القمي وفقك
الله لمرضاته وجعل من صلبك أولادا صالحين برحمته بتقوى الله وإقامة
الصلاة وايتاء الزكاة فإنه لا تقبل الصلاة من مانعي الزكاة الخ.
5

مولده ونشأته:
ولد " بقم " (1) في حدود سنة 306 ه‍ ونشأ بها تحت رعاية أبيه الذي كان
اعلم الناس في زمانه وأتقاهم، وتخرج على مشايخها، ثم هاجر إلى الري سنة
338 ه‍ بدعوة من أهاليها وأقام بها إلى سنة 352 ه‍، ثم استأذن من الملك
ركن الدولة البويهي للسفر إلى زيارة الرضا عليه السلام، فسافر في تلك
السنة إلى خراسان وذلك في شهر رجب، وبعد إكمال الزيارة والدعاء له
وللمؤمنين تحت قبة الامام الثامن عليه السلام: دخل نيسابور في شهر شعبان
من نفس السنة، وسمع جمعا من مشايخها، ثم رحل إلى بغداد في تلك السنة
وسمع جمعا من مشايخها، منهم أبن أبي طاهر العلوي الحسيني، والدواليبي،
وإبراهيم الهيستي.
وفي سنة 354 ه‍ ورد الكوفة وسمع جماعة من مشايخها.
ثم زار بيت الله الحرام بمكة في تلك السنة وعند رجوعه من مكة حدثه
بفيد (2) أبو علي البيهقي وفي تلك السنة ورد همذان وسمع شيوخها.
ثم دخل بغداد مرة أخرى سنة 355 ه‍، وزار مشهد الامام الثامن
بخراسان مرتين أخريين مرة في سنة 367، ومرة يوم الثلاثاء، في السابع عشر
من شعبان سنة 368 ه‍ ثم خرج إلى بلاد ما وراء النهر ورحل إلى بلخ وسمع
مشايخها، وحدثه ببلخ الحاكم أبو حامد أحمد بن الحسين بن الحسن بن علي،
ثم ورد سرخس وسمع أبا نصر الفقيه محمد بن أحمد بن تميم السرخسي، ثم
سمع بمدينة إيلان مشايخها، ورود عليه بتلك القصبة: الشريف أبو عبد الله
محمد بن زكريا الرازي في الطب وأسماه " من لا يحضره الطبيب " وسأله
أن يصنف له كتابا في الفقه والحلال والحرام والشرائع والأحكام موفيا على جميع

(1) قم مدينة علمية معروفة منذ القدم تقع على 135 كلم من طهران، ولحد اليوم هي إحدى
المراكز العلمية، وعاصمة الشيعة.
(2) فيد: بلدة في نصف طريق مكة الكوفة، عامرة الان في الأراضي السعودية.
6

ما صنف له في معناه فأجابه وألف له كتاب " من لا يحضره " والكتاب هو
المرجع الاعلى للفقه الجعفري واحدى الكتب الأربعة المعتمدة عند الطائفة الشيعية.
أقوال العلماء فيه:
قال الشيخ الطوسي: محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه
القمي جليل القدر حافظ للأحاديث بصير بالرجال، ناقد للاخبار لم ير في
القميين مثله في حفظه وكثرة علمه، له نحو ثلاثمائة مصنف.
وقال النجاشي في رجاله: أبو جعفر نزيل الري، شيخنا وفقيهنا ووجه
الطائفة بخراسان، ورد بغداد سنة 355 ه‍ وسمع منه شيوخ الطائفة وهو
حدث السن.
وقال الخطيب البغدادي في تاريخه: نزل بغداد وحدث بها عن أبيه،
وكان من شيوخ الشيعة ومشهوري الرافضة، حدثنا عنه محمد بن طلحة
الثعالبي.
وقال ابن إدريس في السرائر: كان ثقة جليل القدر، بصيرا بالاخبار
ناقدا للآثار عالما بالرجال، وهو أستاذ شيخنا المفيد.
وأطراه كل من ابن شهرآشوب في معالم العلماء، والسيد ابن طاووس في
الاقبال، والمحقق الحلي في مقدمة المعتبر، والعلامة الحلي في خلاصة الأقوال.
وقال أبو داود في رجاله: أبو جعفر الصدوق جليل القدر بصير بالفقه
والاخبار، شيخ الطائفة وفقيهها بخراسان، له مصنفات كثيرة.
ووصفه فخر المحققين: بالشيخ الامام.
والشهيد الأول بالامام ابن الإمام الصدوق.
والشيخ علي بن هلال الجزائري: بالصدوق الحافظ.
والمحقق الكركي: بالشيخ الفقيه الثقة امام عصره.
والشيخ إبراهيم القطيفي: بالشيخ الصدوق الحافظ.
7

والشهيد الثاني: بالشيخ الامام العالم الفقيه الصدوق.
والشيخ البهائي في الدراية: برئيس المحدثين حجة الاسلام.
والمحقق الداماد بالصدوق ابن الصدوق عروة الاسلام.
والمولى المجلسي الأول: بالامام السعيد الفقيه ركن من أركان الدين.
والعلامة المجلسي الثاني: بالفقيه الجليل المشهور.
والحر العاملي: بالشيخ الثقة الصدوق رئيس المحدثين.
والسيد هاشم البحراني: بالشيخ الصدوق وجه الطائفة، رئيس المحدثين
الثقة.
وقال السيد الخونساري في روضات الجنات ص 53: الشيخ المعلم
الأمين، عماد الملة والدين، رئيس المحدثين، أبو جعفر الثاني محمد بن الشيخ
المعتمد الفقيه النبيه أبي الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
المشتهر بالصدوق، امره في العلم والعدلة والفهم والنبالة والفقه والجلالة والثقة
وحسن الحالة وكثرة التصنيف وجودة التأليف، وغير ذلك من صفات البارعين،
وسمات الجامعين، أوضح من أن يحتاج إلى بيان، أو يفتقر إلى تقرير القلم في
مثل هذا المكان، إلى آخر ما قاله في عظمته ووثاقته وبقية ترجمته.
آثاره القيمة:
ان مصنفات الشيخ تبلغ ثلاثمائة كتاب في شتى فنون العلم وأنواعه نص
على ذلك الشيخ الطوسي في الفهرست وعد أربعين كتابا، وأورد النجاشي في
رجاله نحوا من مأتين من كتبه كلها قيمة، قد استفادت عنه الأمة منذ تأليف
الكتب إلى زماننا الحاضر ونورد أسماء بعضها:
1 - من لا يحضره الفقيه.
2 - علل الشرائع
3 - معاني الأخبار.
8

4 - التوحيد
5 - الأمالي أو المجالس
6 - الخصال
7 - ثواب الأعمال
8 - كمال الدين وتمام النعمة
9 - مشيخة الفقيه.
10 - عيون أخبار الرضا عليه السلام وهو هذا الكتاب (1).
مشايخه وتلامذته:
إن أساتذته ومشايخه ومن روى عنهم كثيرون، لا يمكن في هذه الصفحات
ان نذكر أسماءهم، وقد سجل في كتب التراجم والسير أكثر من (250)
شخص من كبار الرواة في مختلف المدن.
واما تلامذته والراوون عنه فإن شيوخ الطائفة قد سمعوا منه وهو حدث
السن، وإن عددهم أكثر من مشايخه، ولكن لم نقف على أسمائهم بالتفصيل
إلى علي القليل والقليل جدا:
1 - الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان التلعكبري.
2 - السيد المرتضى على الهدى.
3 - والد الرجالي الكبير النجاشي علي بن أحمد بن العباس
4 - محمد بن طلحة النعالي شيخ الخطيب البغدادي صاحب التاريخ.

(1) وقد طبع هذا السفر القيم عدة مرات في كل من العراق وإيران، وقد تصدي هذه
المؤسسة الثقافية لاخراجه بأسلوب رائع وتحقيقات وتعليقات قيمة، وقد اقتبسنا بعض التعليقات
من الطبعة الإيرانية المعلق عليها العلامة السيد مهدي الحسيني اللاجوردي آملين ان ينتفع بها الناس
أجمعين آمين رب العالمين
9

5 - اخوه أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه
القمي.
6 - أبو علي الشيباني القمي مؤلف " تاريخ قم ".
وفاته ومدفنه:
توفي الشيخ رحمه الله في بلدة الري سنة 381 ه‍، وقد بلغ عمره
الشريف نيف وسبعين سنة، ودفن بالقرب من قبر السيد عبد العظيم الحسني
بالري في بستان طغرلية في بقعة شريفة وعليها قبة عالية، يزوره الناس
ويتبركون به، وقد جدد المرقد الشريف السلطان فتح علي شاه قاجار سنة
1237 ه‍ وذلك بعد ما شاع من حصول كرامات عديدة من مرقده بعد وفاته
بيروت في 1 / 7 / 1984
حسين الأعلمي
10

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد القهار (1)، العزيز الجبار، الرحيم الغفار، فاطر
الأرض والسماء، خالق الظلمة والضياء، مقدر الأزمنة والدهور، مدبر
الأسباب والأمور، باعث من في القبور المطلع ما ظهر واستتر، العالم بما
سلف وغبر، (2) الذي له المنة والطول والقوة والحول أحمده على كل الأحوال
وأستهديه لافضل الأعمال وأعوذ به من الغي والضلال، واشكره شكرا
استوجب به المزيد واستنجز به المواعيد وأستعينه على ما ينجى من الهلكة والوعيد
واشهد لا اله إلا الله الأول فلا يوصف بابتداء والاخر يوصف بانتهاء
الها يدوم ويبقى ويعلم السر واخفى وأشهد أن محمدا عبده المكين ورسوله

1 - في بعض النسخ الخطية العتيقة القديمة هكذا:
حدثني الشيخ المؤتمن الوالد أبو الحسن علي بن أبي طالب بن محمد بن أبي طالب التميمي
المجاور قال: حدثني الأمير السيد الأوحد الفقيه العالم عز الدين سيد الشرف شرف السادة أبو محمد
شرفشاه بن أبي الفتوح محمد بن الحسين بن زبارة العلوي الحسيني الأفطسي النيسابوري في شهور سنة
ثلاث وسبعين وخمسمأة (573) بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعند
مجاورته به قال: حدثني الشيخ الفقيه العالم أبو الحسن علي بن عبد الصمد التميمي رضي الله عنه
في داره بنيسابور في شهور سنة إحدى وأربعين وخمسمأة (541) قال: حدثنا السيد الإمام الزاهد أبو
البركات الجوري رضي الله عنه قال: حدثنا الشيخ الامام العالم الواحد أبو جعفر محمد بن علي بن
الحسين بن موسى بن بابويه القمي مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه قال: الحمد لله الخ.
2 - غبر غبورا من باب قعد: بقي وقد يستعمل فيما مضى أيضا: فيكون من الأضداد
وفي لغة بالمهملة للماضي وبالمعجمة للباقي.
11

الأمين المعروف بالطاعة المنتجب للشفاعة فإنه أرسله لإقامة العوج وبعثه
لنصب الحجج ليكون رحمه للمؤمنين وحجه على الكافرين ومؤيدا بالملائكة
المسومين (1) حتى أظهر دين الله على كره المشركين صلى الله وآله الطيبين
واشهد ان علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ومولى المسلمين وخليفة رسول
العالمين واشهد ان الأئمة من ولده حجج الله إلى يوم الدين وورثه علم
النبيين صلوات الله ورحمته وسلامه وبركاته عليهم أجمعين.
أما بعد قال: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بابويه
القمي الفقيه مصنف هذا الكتاب رحمة الله عليه: وقع إلى قصيدتان من قصايد
الصاحب الجليل كافي الكفاة أبي القاسم إسماعيل بن عباد (2) أطال الله بقائه
وادام دولته ونعمائه وسلطانه وأعلاه في اهداء السلام إلى الرضا علي بن موسى
بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام
فصنف هذا الكتاب لخزانته المعمورة ببقائه إذ لم أجد شيئا آثر عنده وأحسن
موقعا لديه علوم أهل البيت عليهم السلام لتعلقه بحبهم واستمساكه
بولايتهم واعتقاده بفرض طاعتهم وقوله بإمامتهم كرامة لذريتهم أدام الله
عزه واحسانه إلى شيعتهم قاضيا بذلك حق انعامه ومتقربا به إليه لأياديه
الزهر عندي ومننه الغر لدي ومتلافيا بذلك تفريطي الواقع في خدمه حضرته
راجيا قبوله لعذري وعفوه عن تقصيري وتحقيقه لرجائي وأملي والله تعالى
ذكره يبسط بالعدل يده ويعلى بالحق كلمته ويديم على الخير قدرته يسهل المحان
بكرمه وجوده وابتدأت بذكر القصيدتين لأنهما سبب لتصنيفي هذا الكتاب وبالله
التوفيق.
قال الصاحب الجليل إسماعيل بن عباد رضى الله في اهداء السلام
إلى الرضا عليه أفضل الصلوات والسلام
يا سايرا زائرا إلى طوس * مشهد طهر وارض تقديس

1 - المسومة: المرعية والمعلمة.
2 - هو الوزير الأديب الفاضل المعروف بالصاحب كان نابغة في العلوم سيما الكلام وله تصانيف.
12

أبلغ سلامي الرضا وحط على * أكرم رمس (1) لخير مرموس
والله والله حلفة صدرت * من مخلص في الولاء مغموس
إني لو مالكا إربي (2) * كان بطوس الفناء (3) تعريس
وكنت امضى العزيم مرتحلا * منتسفا فيه قوه العيس
لمشهد بالذكاء ملتحف * وبالسناء والثناء مأنوس
يا سيدي وابن سادتي ضحكت * وجوه دهري بعقب تعبيس
لما رأيت النواصب انتكست * راياتها في زمان تنكيس
صدعت بالحق في ولائكم * والحق مذ كان غير منحوس
يا بن النبي الذي به قمع * الله ظهور الجبابر الشوس (4)
وابن الوصي الذي تقدم في الفضل * على البزل (5) القناعيس (6)
وحائز الفخر غير منتقص * ولابس المجد غير تلبيس
ان بني النصب كاليهود وقد * يخلط تهويدهم بتمجيس
كم دفنوا في القبور من نجس * أولى به الطرح في النواويس (7)
عالمهم عندما أباحثه * في جلد ثور ومسك جاموس
إذا تأملت شوم جبهته * عرفت فيها اشتراك إبليس
لم يعلموا والاذان يرفعكم * صوت اذان أم قرع ناقوس
أنتم حبال اليقين أعلقها * ما وصل العمر حبل تنفيس
كم فرقه فيكم تكفرني * ذللت هاماتها بفطيس (8)
قمعتها بالحجاج فانخذلت * تجفل (9) عنى بطير منحوس

1 - رمست الميت رمسا من ضربت: دفنته الرمس: تراب القبر.
2 - الإرب بكسر الهمزة وفتح الراء النفس وبكسر الهمزة وسكون الراء: الحاجة.
3 - الفنا بالفاء هو سعة امام البيت وما امتد من جوانبه والمراد من البيت اني لو كنت مالكا لنفسي
لخرجت من منزلي وأسرعت إلى طوس.
4 - الشوس جمع الأشوس وهو الرافع رأسه تكبرا.
5 - البزل جمع البازل وهو البعير الذي انشق نابه وهو في السنة التاسعة. الرجل الكامل في تجربته.
6 - القناعيس جمع قنعاس كمفتاح: الرجل الشديد المنيع ومن الإبل العظيم.
7 - الناووس على زنة فاعول: مقبرة النصارى والمجوس.
8 - الفطيس مثل الفسيق: المطرقة العظيمة والكلمة رومية أو سريانية.
9 - أجفل القوم: هربوا.
13

ان ابن عباد استجار بكم * فما يخاف الليوث في الخيس (1)
كونوا أيا سادتي وسائله * يفسح له الله في الفراديس
كم مدحه فيكم يحيزها * كأنها حله الطواويس
وهذه كم يقول قارئها * قد نشر الدر في القراطيس
يملك رق القريض قائلها * ملك سليمان عرش بلقيس
بلغه الله ما يؤمله * حتى يزور الامام طوس
وله أيضا في اهداء السلام إلى الرضا عليه السلام:
يا زائرا قد نهضا * مبتدرا قد ركضا
وقد مضى كأنه * البرق ما أومضا (2)
أبلغ سلامي زاكيا * بطوس مولاي الرضا
سبط المصطفى * وابن الوصي المرتضى
من حاز عزا أقعسا * وشاد مجدا أبيضا
وقل له من مخلص * يرى الولا مفترضا
في الصدر لفح حرقه * تترك قلبي حرضا (3)
من ناصبين غادروا * قلب الموالي ممرضا
صرحت عنهم معرضا * ولم أكن معرضا
نابذتهم (4) ولم إبل * ان قيل قد ترفضا
يا حبذا رفضي لمن * نابذكم وأبغضا
ولو قدرت زرته * ولو على جمر الغضا (5)
لكنني معتقل * بقيد خطب عرضا
جعلت مدحي بدلا * من قصده وعوضا

1 - الخيس: منزل الأسد.
2 - الومضان: اللمعان.
3 - رجل حرض: فاسد ومريض.
4 - نابذه الحرب: كاشفه.
5 - الغضا: اسم شجر.
14

أمانة مورده * على الرضا ليرتضى
رام ابن عباد بها * شفاعه لن تدحضا
1 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني بهمدان رضي الله عنه قال:
حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله
ابن الفضل الهاشمي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من قال فينا بيت شعر
بني الله تعالى له بيتا الجنة.
2 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن
عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن
يزيد النوفلي عن علي بن سالم عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: ما قال فينا قائل بيتا (1) من الشعر حتى يؤيد بروح القدس.
3 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضى الله قال: حدثني
أبي عن أحمد بن علي الأنصاري عن الحسن بن الجهم قال: سمعت الرضا
عليه السلام يقول: ما قال فينا مؤمن شعرا يمدحنا به إلا بني الله له مدينه في
الجنة أوسع من الدنيا سبع مرات يزوره كل ملك مقرب وكل نبي
مرسل فأجزل الله للصاحب الجليل الثواب على جميع أقواله الحسنة وأفعاله
الجميلة وأخلاقه الكريمة وسيرته الرضية وسنته العادلة وبلغه كل مأمول
وصرف عنه كل محذور واظفره بكل خير مطلوب واجاره من كل بلاء ومكروه
بمن استجار من حججه الأئمة عليهم السلام بقوله في بعض أشعاره فيهم:
ان ابن عباد استجار بمن يترك عنه الصروف مصروفة
وفي قوله في قصيدة أخرى:
ان ابن عباد استجار بكم * فكل ما خافه سيكفاه

1 - مطلقا سواء كان في فضائلهم أو في مصائبهم عليهم السلام وقد وردت روايات كثيرة عنهم في ثواب انشاد الشعر وانشائه فيهم: (لكل بيت بيت في الجنة).
15

وجعل الله شفعاؤه الذين أسماؤهم على نقش خاتمه
شفيع إسماعيل في الآخرة * محمد والعترة الطاهرة
وجعل دولته متسعة الأيام متصلة النظام مقرونة بالدوام ممتدة إلى التمام
مؤيدة له إلى سعادة الأبد وباقية له إلى غاية الأمد بمنه وفضله.
وجعلتها تسعه وستون بابا
1 - باب العلة التي من أجلها سمى علي بن موسى الرضا عليه السلام.
2 - باب في ذكر جاء في أم الرضا عليه السلام واسمها.
3 - باب في ذكر مولد الرضا.
4 - باب في نص أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام على ابنه علي بن
موسى عليه السلام بالإمامة والوصية ويذكر فيها ثمانية وعشرون نصا.
5 - باب في ذكر نسخه وصيه موسى بن جعفر عليه السلام.
6 - باب النصوص على الرضا بالإمامة في جمله الأئمة الاثنا
عشر عليهم السلام.
7 - باب جمل من اخبار موسى بن جعفر عليهما السلام مع هارون
الرشيد ومع موسى بن المهدى.
8 - باب الاخبار التي رويت في صحه وفات أبي إبراهيم موسى بن جعفر
بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
9 - باب ذكر من قتله الرشيد من أولاد رسول الله (ص) في ليله واحده
بعد قتله لموسى بن جعفر عليهما السلام سوى من قتل منهم في سائر الأيام
والليالي.
10 - باب السبب من أجله قيل بالوقف على موسى بن جعفر
عليهما السلام.
11 - باب ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار في التوحيد وخطبه
الرضا عليه السلام في التوحيد.
16

12 - باب ذكر مجلس الرضا مع أهل الأديان وأصحاب المقالات
في التوحيد عند المأمون.
13 - باب في ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع سليمان المروزي متكلم
خراسان عند المأمون في التوحيد.
14 - باب ذكر مجلس آخر للرضا عليه السلام عند المأمون مع أهل الملل
والمقالات وما أجاب به علي بن محمد بن الجهم في عصمه الأنبياء عليه
السلام
15 - باب ذكر مجلس آخر للرضا عند المأمون في عصمه الأنبياء
عليهم السلام.
16 - باب ما جاء عن الرضا في حديث أصحاب الرس.
17 - باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في قول الله عز وجل: وفديناه
بذبح عظيم (1).
18 - باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في قول النبي (ص): انا ابن
الذبيحين.
19 - باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في علامات الامام.
20 - باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في وصف الإمامة والامام وذكر
فضل الامام ورتبته.
21 - باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في تزويج فاطمة عليها
السلام.
22 - باب ما جاء الرضا في الايمان وانه معرفه بالقلب واقرار باللسان
وعمل بالأركان.
23 - باب في ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع المأمون في الفرق بين

1 - سورة الصافات: الآية 107.
17

العترة والأمة.
24 - باب ما جاء عن الرضا من خبر الشامي وما سال عنه
أمير المؤمنين عليه السلام.
25 - باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في زيد بن علي عليه السلام.
26 - باب ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار النادرة في فنون
شتى.
27 - باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في هاروت وماروت.
28 - باب فيما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المتفرقة.
29 - باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في صفة النبي (ص) ومن
الاخبار المنثورة عن الرضا عليه السلام.
30 - باب فيما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المجموعة.
31 - باب ما جاء عن الرضا عليه السلام من العلل.
32 - باب ذكر ما كتب الرضا عليه السلام إلى محمد بن سنان في
جواب مسائله في العلل.
33 - باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنه سمعها من
الرضا علي بن موسى عليهما السلام مره مره وشيئا بعد شئ فجمعها وأطلق
لعلي بن بن قتيبة النيسابوري روايتها عنه عن الرضا عليه السلام.
34 - باب ما كتبه الرضا عليه السلام للمأمون من محض الاسلام
وشرايع الدين ومن اخباره عليه السلام.
35 - باب دخول الرضا بنيسابور وذكر الدار التي نزل بها
والمحلة.
36 - باب ما حدث به الرضا عليه السلام في مربعه (1) النيسابور وهو

1 - مربعة اسم مكان خارج نيسابور سمي مربعة لأنه محل قسمة مياههم أرباعا.
18

يريد قصد المأمون بمرو.
37 - باب خبر نادر عن الرضا عليه السلام.
38 - باب خروج الرضا عليه السلام من نيسابور إلى طوس ومنها إلى
مرو.
39 - باب السبب الذي من اجله قبل علي بن موسى الرضا عليه السلام
ولاية العهد من المأمون وذكر ما جرى من ذلك ومن كرهه ومن رضى به وغير
ذلك ولعلي بن الحسين كلام في هذا النحو.
40 - باب استسقاء المأمون بالرضا عليه السلام وما أراه عز وجل من
القدرة في الاستجابة له في إهلاك من أنكره دلالته في ذلك اليوم.
41 - باب ذكر ما أتاه المأمون من طرد الناس من مجلس الرضا عليه
السلام والاستخفاف وما كان من دعائه عليه السلام.
42 - باب ذكر ما أنشد الرضا للمأمون من الشعر في الحلم
والسكوت عن الجاهل وترك عتاب الصديق وفي استجلاب العدو حتى يكون
صديقا وفي كتمان السر ومما أنشده الرضا عليه السلام وتمثل به.
43 - باب ذكر أخلاق الرضا عليه السلام الكريمة ووصف عبادته.
44 - باب ذكر ما كان يتقرب به المأمون إلى الرضا عليه السلام من
مجادلة المخالفين في الإمامة والتفضيل.
45 - باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في وجه دلائل الأئمة عليهم
السلام والرد على الغلاة والمفوضة لعنهم الله.
46 - باب دلالات الرضا وهي اثنان وأربعون دلالة.
47 - باب دلالة الرضا في إجابة الله دعائه على بكار بن عبد
الله بن مصعب بن الزبير بن بكار لما ظلمه.
48 - باب دلالته فيما أخبر به من امره أنه لا يرى بغداد ولا تراه فكان كما
قال.
19

49 - باب دلالته عليه السلام في إجابة الله تعالى دعائه في آل برمك
واخباره بما تجرى عليهم وبأنه يصل إليهم من الرشيد مكروه.
50 - باب دلالته عليه السلام في اخباره بأنه يدفن مع هارون في بيت
واحد.
51 - باب اخباره عليه السلام بأنه سيقتل مسموما ويقبر إلى جنب هارون
الرشيد.
52 - باب صحه فراسة الرضا عليه السلام ومعرفته باهل الايمان وأهل
النفاق.
53 - باب معرفته عليه السلام بجميع اللغات.
54 - باب دلالته عليه السلام في إجابة الحسن بن علي الوشا عن المسائل
التي أراد ان يسأله عنها قبل السؤال. دلالة أخرى له عليه السلام. دلالة أخرى
له عليه السلام.
55 - باب جواب الرضا عليه السلام عن سؤال أبي قره صاحب
الجاثليق.
56 - باب ذكر ما تكلم به الرضا عليه السلام يحيى بن ضحاك
السمرقندي في الإمامة عند المأمون.
57 - باب قول الرضا عليه السلام لأخيه زيد بن موسى حين ما افتخر
على من في مجلسه وقوله عليه السلام فيمن يسئ عشره الشيعة من أهل بيته
وبترك المراقبة.
58 - باب الأسباب التي من اجلها قتل المأمون علي بن موسى الرضا
عليه السلام بالسم.
59 - باب نص الرضا عليه السلام على ابنه محمد بن علي عليه السلام
بالإمامة والخلافة.
60 - باب وفاه الرضا عليه السلام مسموما باغتيال المأمون إياه.
20

61 - باب ذكر خبر آخر في وفاه الرضا عليه السلام من طريق الخاصة.
62 - باب ما حدث به أبو الصلت الهروي من ذكر وفاه الرضا عليه
السلام وانه يسم في عنب.
63 - باب ما حدث به هرثمة بن أعين من ذكر وفاه الرضا عليه السلام
وانه يسم العنب والرمان جميعا.
64 - باب ذكر بعض ما قيل من المراثي في الرضا عليه السلام.
65 - باب ثواب زيارة الرضا عليه السلام خبر ذكره دعبل بن علي
الخزاعي رحمه الله عن الرضا في النص على القائم عجل الله فرجه أوردته
على اثر اخباره في ثواب الزيارة وخبر دعبل عند وفاته وذكر ما وجد على قبر دعبل
مكتوبا.
66 - باب ما جاء عن الرضا في ثواب زيارة قبر فاطمة بنت موسى بن
جعفر عليهما السلام بقم.
67 - باب في كيفية زيارة الرضا عليه السلام بطوس.
68 - باب ما يجزى من القول عند زيارة جميع الأئمة عليهم السلام عن
الرضا عليه السلام وزيارة أخرى جامعه للرضا عليه السلام ولجميع الأئمة
عليهم السلام.
69 - باب في ذكر ما ظهر للناس في وقتنا من بركه هذا المشهد وعلاماته
واستجابة الدعاء فيه فذلك تسعه وستون بابا.
21

* 1 - باب
العلة التي من اجلها سمى علي بن موسى الرضا
عليه السلام
قال أبو جعفر محد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الفقيه
مصنف الكتاب رحمه الله قال:
1 - حدثنا أبي ومحمد بن بن المتوكل ومحمد بن علي بن ماجيلويه
وأحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم والحسين بن تاتانه وأحمد بن زياد
بن جعفر الهمداني وبن إبراهيم بن هشام المكتب وعلي بن عبد الله
الوراق رضي الله عنهم قالوا: حدثنا علي بن بن هاشم عن أبيه عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي
موسى عليهم السلام: ان قوما من مخالفيكم يزعمون أباك إنما سماه المأمون
الرضا لما رضيه لولاية عهده فقال: كذبوا والله وفجروا بل الله تبارك وتعالى
سماه الرضا لأنه كان رضى الله عز وجل في سمائه ورضى لرسوله والأئمة من
بعده صلوات الله عليهم في ارضه قال: فقلت له: ألم يكن كل واحد من آبائك
الماضين عليهم السلام رضى لله تعالى ولرسوله والأئمة عليه السلام فقال:
بلى فقلت: فلم سمى أبوك بينهم الرضا قال: لأنه رضى به
المخالفون من أعدائه كما رضى به الموافقون من أوليائه ولم يكن ذلك لاحد من
آبائه عليهم السلام فلذلك سمى من بينهم الرضا عليه السلام.
2 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن سهل زياد الآدمي عن عبد العظيم
22

ابن عبد الله الحسنى عن سليمان بن حفص المروزي قال: كان موسى
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي أبي طالب عليهم السلام ليسمى
ولده عليا عليه السلام الرضا وكان يقول: ادعوا إلى ولدى الرضا وقلت
لولدي الرضا وقال لي ولدى الرضا وإذا خاطبه قال يا أبا الحسن (1).

1 - إذا أطلق في الروايات أبو الحسن فهو الكاظم عليه السلام وإذا قيل: أبو الحسن الثاني
فهو الرضا عليه السلام وإذا قيل أبو الحسن الثالث فهو الهادي عليه السلام.
23

2 - باب
ما جاء في أم الرضا علي بن موسى الرضا عليهما
السلام واسمها
1 - حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي في داره بنيسابور في
سنه اثنين وخمسين وثلاثمأة قال: أخبرنا محد بن يحيى الصولي قراءه عليه
قال: أبو الحسن الرضا عليه السلام هو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وأمه أم ولد تسمى تكتم
عليه استقر اسمها حين ملكها أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام.
2 - حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال: حدثنا
الصولي قال: حدثني عون بن محمد الكندي قال: سمعت أبي الحسن علي بن
ميثم يقول وما رأيت أحدا قط اعرف بأمور الأئمة عليهم السلام
واخبارهم ومناكحهم منه قال: اشترت حميدة المصفاة وهي أم أبي الحسن
موسى بن جعفر وكانت من اشراف العجم جاريه مولده (1) واسمها تكتم وكانت
من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى أنها ما
جلست بين يديها منذ ملكتها اجلالا لها فقالت لابنها موسى عليه السلام يا بني ان
تكتم جاريه ما رأيت جاريه قط أفضل منها ولست أشك ان الله تعالى سيظهر
نسلها إن كان لها نسل وقد وهبتها لك فاستوص خيرا بها فلما ولدت له
الرضا عليه السلام سماها الطاهرة قال: والرضا عليه السلام يرتضع كثيرا
وكان تام الخلق فقالت أعينوني بمرضع فقيل لها: انقص الدر؟ فقالت: ما

1 - المولدة: التي ولدت بين العرب ونشأت مع أولادهم.
24

أكذب والله نقص الدر ولكن على ورد من صلواتي وتسبيحي وقد
نقص منذ ولدت قال الحاكم أبو علي: قال الصولي: والدليل على أن اسمها
تكتم قول الشاعر يمدح الرضا عليه السلام:
إلا أن خير الناس نفسا ووالدا * ورهطا وأجدادا على المعظم
أتتنا به للعلم والحلم ثامنا * إماما يؤدى حجه الله تكتم
وقد نسب قوم هذا الشعر إلى عم أبي إبراهيم بن العباس ولم أروه له
وما لم يقع لي به رواية وسماعا فانى لا أحققه ولا أبطله بل الذي لا أشك
فيه انه لعم أبي إبراهيم بن العباس قوله:
كفى بفعال امرء عالم * على أهله عادلا شاهدا
أرى لهم طارفا مونقا * ولا يشبه الطارف (1) التالدا
يمن عليكم بأموالكم * وتعطون من مأة واحدا
فلا يحمد الله مستبصرا * يكون لأعدائكم حامدا
فضلت قسيمك في قعدد (2) * كما فضل الوالد الوالدا
قال الصولي: وجدت هذه الأبيات بخط أبي على ظهر دفتر له يقول فيه
أنشدني أخي لعمه في علي يعنى الرضا عليه السلام تعليق متوق فنظرت فإذا هو
بقسيمه في القعدد المأمون لأن عبد المطلب هو الثامن من آبائهما جميعا وتكتم
من أسماء نساء العرب قد جاءت في الاشعار كثيرا منها في قولهم:
طاف الخيالان فهاجا سقما * خيال تكنى وخيال تكتما
قال الصولي: وكانت لإبراهيم بن العباس الصولي عم أبي في الرضا عليه
السلام مدايح كثيره أظهرها ثم اضطر إلى أن سترها وتتبعها فاخذها من كل
مكان.

1 - الطارف: المستحدث الجدير من المال والتالد ضده والمراد من الطارف هنا الرضا عليه
السلام وبالتالد المأمون أي أرى لبني العباس مجدا عرضيا ومجدكم أصيل وأين العرضي من الأصلي والذاتي؟؟ وأين التراب ورب الأرباب؟
2 - رجل قعدد إذا كان قريب الاباء إلى الجد الأكبر.
25

وقد روى قوم ان أم الرضا عليه السلام تسمى سكن النوبية وسميت
أروى وسميت نجمه وسميت سمان وتكنى أم البنين.
3 - حدثنا تميم بن عبد الله بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه
قال: حدثني أبي عن أحمد بن علي الأنصاري قال: حدثني علي بن ميثم عن
أبيه قال: لما اشترت الحميدة أم موسى بن جعفر عليهما السلام أم الرضا
عليه السلام نجمه ذكرت حميدة: انها رأت في المنام رسول الله (ص)
لها يا حميدة هبي نجمه لابنك موسى فإنه سيولد له منها خير أهل الأرض
فوهبتها له فلما ولدت له الرضا عليه السلام سماها الطاهرة وكانت لها أسماء
منها نجمه وأروى (1) وسكن وسمان وتكتم وهو آخر أساميها قال علي بن
ميثم: سمعت أبي يقول: سمعت أمي تقول: كانت نجمه بكرا لما اشترتها
حميدة.
4 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد
بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن يعقوب بن إسحاق عن أبي زكريا
الواسطي هشام بن أحمد قال: قال أبو الحسن الأول عليه السلام: هل
علمت أحدا من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا فقال عليه السلام: بلى قد
قدم رجل احمر فانطلق بنا فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل فإذا
رجل من أهل المغرب معه رقيق فقال له: اعرض علينا فعرض علينا تسع جوار
كل ذلك يقول أبو الحسن عليه السلام: لا حاجه لي فيها ثم قال له:
اعرض علينا قال ما عندي شئ فقال له بلى اعرض علينا قال: لا والله
ما عندي إلا جاريه مريضه فقال له: ما عليك ان تعرضها؟ فأبى عليه ثم
انصرف ثم إنه أرسلني من الغد إليه فقال لي: قل له كم غايتك
فيها؟ فإذا قال: كذا وكذا. فقل: قد اخذتها فاتيته فقال: ما أريد ان
أنقصها من كذا فقلت: قد اخذتها وهو لك فقال: هي لك ولكن من
الرجل الذي كان معك بالأمس فقلت رجل من بني هاشم فقال:
أي بني هاشم؟ فقلته من نقبائهم فقال: أريد أكثر منه فقلت ما

1 - أروى: اسم امرأة.
26

عندي أكثر من هذا فقال: أخبرك عن الوصيفة (1) انى اشتريتها من
أقصى بلاد المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة
معك؟ فقلت: اشتريتها لنفسي فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة
عند مثلك! ان هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض فلا تلبث
عنده إلا قليلا حتى تلد منه غلاما يدين له شرق الأرض وغربها قال: فاتيته
بها فلم تلبث عنده قليلا حتى ولدت له عليا عليه السلام.
5 - وحدثني بهذا الحديث محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال:
حدثني عمى محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن
خالد عن هشام بن أحمد مثله سواء.

1 - وفي نسخة أخرى (الوصيف) الوصيف: الخادم غلاما كان أو جارية.
27

3 - باب
في ذكر مولد الرضا علي بن موسى عليه السلام
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال:
حدثني الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام قال: حدثني عبد الله محمد
بن خليلان قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن غياث بن أسيد قال:
سمعت جماعه من أهل المدينة يقولون: ولد الرضا علي بن موسى عليه السلام
بالمدينة يوم الخميس لإحدى عشره ليله خلت من ربيع الأول سنه ثلاث وخمسين
ومائه من الهجرة بعد وفاه أبي عبد الله عليه السلام بخمس سنين وتوفى بطوس
في قرية يقال: سناباذ (1) من رستاق نوقان ودفن في دار حميد بن قحطبه الطائي
في القبة التي فيها هارون الرشيد إلى جانبه مما يلي القبلة وذلك في شهر رمضان
لتسع بقين منه يوم الجمعة سنه ثلاث ومأتين وقد تم عمره تسعا وأربعين سنه
وستة أشهر منها مع أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام تسعا وعشرين سنه
وشهرين وبعد أبيه أيام إمامته عشرين سنه وأربعه أشهر وقام عليه السلام
بالامر وله تسع وعشرون سنه وشهران وكان في أيام إمامته عليه السلام بقيه
ملك الرشيد ثم ملك الرشيد محمد المعروف بالأمين وهو ابن زبيدة ثلاث
سنين وخمسه وعشرين يوما ثم خلع الأمين واجلس عمه إبراهيم بن شكله

1 - سناباذ هي بالسين المهملة ثم نون بعدها الف ثم باء موحدة وذال معجمة في الاخر بينها
الف: بلدة بخراسان وهي الموضع الذي دفن فيه الرضا عليه السلام وهي من نوقان على دعوة اي
قدر سماع صوت الشخص.
28

أربعة عشر يوما اخرج محمد بن زبيدة من الحبس وبويع له ثانيه
وجلس في الملك سنه وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوما ثم ملك عبد الله المأمون
عشرين سنه وثلاثة وعشرين يوما فاخذ البيعة في ملكه لعلي بن موسى الرضا عليه
السلام بعهد المسلمين من غير رضاه وذلك بعد ان هدده بالقتل وألح عليه مره
بعد أخرى في كلها يأبى عليه أشرف من تأبيه على الهلاك فقال عليه
السلام.
(اللهم انك نهيتني عن الالقاء بيدي إلى التهلكة وقد أكرهت
واضطررت كما أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل متى لم اقبل ولاية
عهده (1) وقد أكرهت واضطررت كما اضطر يوسف ودانيال عليه السلام!
قبل كل واحد منهما الولاية من طاغية زمانه اللهم لا عهد الا عهدك ولا ولاية
لي إلا من قبلك فوفقني لإقامة دينك واحياء سنه نبيك محمد (ص) فإنك أنت
المولى والنصير ونعم المولى أنت ونعم النصير) ثم قبل عليه السلام ولاية
العهد من المأمون وهو باك حزين على أن لا يولى أحدا ولا يعزل أحدا ولا يغير
رسما ولا سنه وأن يكون في الامر مشيرا من بعيد فاخذ المأمون له البيعة على
الناس الخاص منهم والعام فكان متى ما ظهر للمأمون من الرضا عليه السلام
فضل وعلم وحسن تدبير حسده على ذلك وحقد عليه حتى ضاق صدره
فغدر به وقتله بالسم ومضى إلى رضوان الله تعالى وكرامته.
2 - حدثني تميم بن عبد الله بن نعيم القرشي رضي الله عنه قال: حدثني
أبي عن أحمد بن علي الأنصاري عن علي بن ميثم عن أبيه قال: سمعت
أمي تقول: سمعت نجمه أم الرضا عليه السلام تقول: لما حملت بابني على لم
اشعر بثقل الحمل وكنت اسمع منامي تسبيحا وتهليلا وتمجيدا من بطني
فيفزعني ويهولني فإذا انتبهت لم اسمع شيئا فلما وضعته وقع الأرض
واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم فدخل
إلى أبوه موسى بن جعفر عليه السلام فقال لي: هنيئا لك يا نجمه كرامة ربك

1 - العهد اليمين: وهو الذي كان الخلفاء يأخذونه من الناس عند البيعة على الطاعة لهم فولي
العهد هو الذي يأخذون له العهد.
29

فناولته إياه في خرقه بيضاء فاذن في اذنه الأيمن وأقام في الأيسر ودعا بماء الفرات
فحنكه به ثم رده إلى فقال: خذيه فإنه بقيه الله تعالى في ارضه
30

4 - باب
نص أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام
على ابنه الرضا علي بن موسى بن جعفر
عليه السلام بالإمامة والوصية
1 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثني الحسن بن عبد الله بن محمد بن
عيسى عن أبيه عن الحسن بن موسى الخشاب عن محمد الأصبغ عن أحمد
بن الحسن الميثمي وكان واقفيا قال: حدثني محمد بن إسماعيل بن الفضل
الهاشمي قال دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام وقد
اشتكى شكاية شديده فقلت له: إن كان ما أسأل الله ان لا يريناه فإلى من؟
قال: إلى علي ابني وكتابه كتابي وهو وصيي وخليفتي من بعدي.
2 - نص آخر حدثنا محمد بن (1) الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله جميعا عن أحمد بن
محمد بن عيسى الأشعري عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن
أبيه علي بن يقطين قال: كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام
وعنده على ابنه عليه السلام فقال: يا علي هذا ابني سيد ولدى وقد نحلته كنيتي
قال: فضرب هشام يعنى سالم يده على جبهته فقال: انا لله نعى والله
إليك نفسه.
3 - نص آخر حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن عبد الله بن محمد بن عيسى عن

1 - قال في المنتهي: محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أبو جعفر شيخ القميين وفقيههم
ومتقدمهم ووجههم ويقال: انه نزل إلى قم إلى أن قال: يروي عن الصفار وعن سعد.
31

الحسن بن محبوب وعثمان بن عيسى عن الحسين بن نعيم الصحاف قال:
كنت انا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد فقال علي بن يقطين: كنت عند
العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السلام جالسا فدخل عليه ابنه
الرضا عليه السلام فقال: يا علي هذا سيد ولدى وقد نحلته كنيتي فضرب
هشام براحته جبهته! ثم قال: ويحك كيف قلت؟ فقال علي بن يقطين:
سمعت والله منه كما قلت لك فقال هشام: أخبرك والله ان الامر فيه من
بعده.
4 - نص آخر حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال:
حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه
عن خلف بن حماد عن داود بن زربي (1) عن علي بن يقطين قال: قال لي
موسى بن جعفر ابتداء منه: هذا أفقه ولدى وأشار بيده إلى الرضا عليه السلام
وقد نحلته كنيتي.
5 - نص آخر حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا الحسين بن محمد بن
عبد الله بن عيسى عن عن الحسن بن موسى الخشاب عن محمد بن
الأصبغ عن أبيه عن غنام بن القاسم قال: قال لي منصور يونس بن
بزرج (2) دخلت على أبي الحسن يعنى موسى بن جعفر عليهما السلام يوما فقال
لي: يا منصور اما علمت ما أحدثت في يومى هذا؟ قلت: لا قال: قد
صيرت عليا ابني وصيي وأشار بيده إلى الرضا عليه السلام وقد نحلته كنيتي
والخلف من بعدي فادخل عليه وهنئه بذلك واعلم اني أمرتك بهذا قال:
فدخلت عليه فهنيته بذلك وأعلمته ان أمرني بذلك ثم جحد منصور فاخذ
الأموال التي كانت في يده وكسرها.
6 - نص آخر حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال: حدثنا

1 - زربي بالزاء المضمومة والراء الساكنة بعدها والباء المنقطة تحتها نقطة وقيل بتقديم الراء
المكسورة على الزاء اي رزبي والصواب هو الأول وهو من رواة الحديث.
2 - منصور بن يونس بن بزرج أبو يحيى وقيل أبو سعيد كوفي ثقة روى عن أبي عبد الله وأبي
الحسن قال الكشي عن الحسن بن موسى عن محمد بن الأصبغ عن إبراهيم عن عثمان بن القاسم ان
منصور بن يونس بن بزرج جحد النص على الرضا عليه السلام. لأموال كانت في يده وانتهى).
32

محمد بن الحسن الصفار عن الحسن بن موسى الخشاب عن أحمد بن محمد بن
أبي نصر البزنطي عن زكريا بن آدم عن داود بن كثير قال: قلت لأبي عبد
الله: جعلت فداك وقدمني للموت قبلك إن كان كون فإلى من؟ قال: إلى
ابني موسى فكان ذلك الكون فوالله شككت في موسى عليه السلام طرفه
عين قط ثم مكثت نحوا من ثلثين سنه ثم أتيت أبا الحسن موسى فقلت له:
جعلت فداك إن كان كون فإلى من؟ قال: على ابني قال: فكان ذلك الكون
فوالله ما شككت في علي عليه السلام طرفه عين قط.
7 - نص آخر حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثني سعد بن عبد الله
عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن محمد بن الحجال قال: حدثنا
محمد بن سنان عن داود الرقي قال: قلت لأبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه
السلام جعلت فداك قد كبر سنى فحدثني من الامام بعدك؟ قال: فأشار إلى
أبي الحسن الرضا عليه السلام وقال: هذا صاحبكم من بعدي.
8 - نص آخر حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن الصفار قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى
عن عبد الله بن محمد الحجال وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي على
الخزاز عن داود الرقي قال: قلت لأبي إبراهيم يعنى موسى الكاظم عليه
السلام فداك أبي انى قد كبرت وخفت ان يحدث بي حدث ولا ألقاك فأخبرني من
الامام من بعدك؟ فقال: ابني علي عليه السلام.
9 - نص آخر حدثنا أبي ومحمد الحسن بن أحمد بن الوليد ومحمد بن
موسى بن المتوكل وأحمد بن محمد بن يحيى العطار ومحمد بن علي ماجيلويه
رضي الله عنهم قالوا: حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن
يحيى بن عمران الأشعري عبد الله بن محمد الشامي عن الحسن بن
موسى الخشاب عن علي بن أسباط عن الحسين مولى أبي عبد الله عن أبي الحكم
عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري عن يزيد بن سليط الزيدي قال: لقينا أبا
عبد الله عليه السلام في طريق مكة ونحن جماعه فقلت له: بابى أنت وأمي
أنتم الأئمة المطهرون والموت لا يعرى أحد منه فأحدث إلى شيئا ألقيه من
33

يخلفني فقال لي: نعم هؤلاء ولدى وهذا سيدهم وأشار إلى ابنه موسى عليه
السلام وفيه العلم والحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما
اختلفوا فيه من أمر دينهم وفيه حسن الخلق وحسن الجوار وهو باب من أبواب
الله تعالى عز وجل وفي أخرى هي خير من هذا كله فقال له أبي وما هي بابى
أنت وأمي قال: يخرج الله منه عز وجل غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها
ونورها وفهمها وحكمها وخير مولود وخير ناشئ يحقن الله الدماء ويصلح
به ذات البين ويلم به الشعث ويشعب به (1) الصدع ويكسو به العاري ويشبع
به الجائع ويؤمن به الخائف وينزل به القطر ويأتمر العباد خير كهل وخير
ناشئ يبشر به عشيرته أوان حلمه قوله حكم وصمته علم يبين للناس ما
يختلفون فيه.
قال: فقال أبي: بابى أنت وأمي فيكون له ولد بعده فقال: نعم ثم
قطع الكلام وقال يزيد: ثم لقيت أبا الحسن يعنى موسى بن جعفر عليه السلام
بعد فقلت له: بابى أنت وأمي انى أريد ان تخبرني بمثل ما اخبرني به أبوك قال:
فقال: كان أبي عليه السلام في زمن ليس هذا مثله قال يزيد فقلت: من يرضى
منك بهذا فعليه لعنه الله قال: فضحك ثم قال: أخبرك يا أبا عمارة اني
خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بني فأشركتهم مع ابني على وأفردته
بوصيتي في الباطن ولقد رأيت رسول الله في المنام وأمير المؤمنين عليه السلام
معه ومعه خاتم وسيف وعصا وكتاب وعمامة فقلت له: ما هذا؟ فقال: أما
العمامة فسلطان تعالى عز وجل وأما السيف فعزه الله عز وجل وأما الكتاب
فنور الله عز وجل وأما العصا فقوه الله عز وجل وأما الخاتم فجامع هذه الأمور
ثم قال: قال رسول الله (ص) والامر يخرج إلى علي ابنك.
قال: ثم قال: يا يزيد انها وديعة عندك فلا تخبر إلا عاقلا أو عبدا امتحن الله
قلبه للايمان أو صادقا ولا تكفر نعم الله تعالى وان سئلت عن الشهادة فأدها فإن
الله تعالى يقول: (ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها) (2) وقال الله عز

1 - الشعب كالمنع: الجمع والتفريق والاصلاح والفساد: وهو من الأضداد: الصدع: الفرقة.
2 - سورة النساء: الآية 58.
34

وجل: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده الله) (1) فقلت: والله ما كنت
لافعل هذا ابدا قال: ثم قال أبو الحسن عليه السلام: ثم وصفه لي رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال على ابنك الذي ينظر بنور الله ويسمع بتفهيمه وينطق بحكمته
يصيب ولا يخطى ويعلم ولا يجهل وقد ملئ حكما وعلما وما أقل مقامك معه!
إنما هو شئ كان لم يكن فإذا رجعت من سفرك فاصلح امرك وافرغ مما أردت
فإنك منتقل عنه ومجاور غيره فاجمع ولدك واشهد الله عليهم جميعا وكفى بالله
شهيدا ثم قال يا يزيد انى أؤخذ في هذه السنة وعلى ابني سمى علي بن أبي طالب
عليه السلام وسمى علي بن الحسين عليه السلام اعطى فهم الأول وعلمه
ونصره وردائه (2) وليس له ان يتكلم بعد هارون بأربع سنين فإذا مضت أربع سنين
فاسأله عما شئت يجيبك إن شاء الله تعالى.
10 - نص آخر أبي (رض) قال: حدثنا أحمد بن إدريس عن أحمد
بن محمد بن عيسى عن العباس النجاشي الأسدي قلت للرضا عليه
السلام أنت صاحب هذا الامر: قال: إي والله على الإنس والجن.
11 - نص آخر حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه
قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن خالد البرقي عن
سليمان بن حفص المروزي قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر
عليهما السلام وانا أريد ان أسئله عن الحجة على الناس بعده فلما نظر إلى
فابتدأني وقال: يا سليمان ان عليا ابني ووصيي والحجة على الناس بعدي
وهو أفضل ولدى فان بقيت بعدي فاشهد له بذاك عند شيعتي وأهل ولايتي
المستخبرين عن خليفتي من بعدي.
12 - نص آخر حدثنا أبي رضى عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله
عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن محمد بن الحجال قال: حدثنا

1 - سورة البقرة الآية 154.
2 - وفسر الرداء بالخلاق الحسنة لاشتمالها على صاحبها كالرداء كما قال تعالى: الكبرياء
ردائي.
35

سعد بن زكريا بن آدم عن علي بن عبد الله الهاشمي قال: كنا عند القبر نحو
ستين رجلا منا ومن موالينا إذ اقبل أبو إبراهيم موسى جعفر عليه السلام
ويد على
ابنه عليه السلام في يده فقال: تدرون من انا قلنا: أنت سيدنا
وكبيرنا فقال: سموني وانسبوني فقلنا: أنت موسى بن جعفر بن محمد
فقال: من هذا معي؟ قلنا: هو علي بن موسى بن جعفر قال: فاشهدوا انه
وكيلي في حياتي ووصيي بعد موتى.
13 - نص آخر حدثنا أبي رضي الله عنه قال: سعد بن عبد
الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن
مرحوم قال: خرجت من البصرة أريد المدينة فلما صرت في بعض الطريق لقيت
أبا إبراهيم عليه السلام وهو يذهب به إلى البصرة فأرسل إلى فدخلت عليه
فدفع إلى كتبا وأمرني ان أوصلها بالمدينة فقلت: إلى من ادفعها جعلت
فداك؟ قال: إلى ابني على فإنه وصيي والقيم بأمري وخير بني.
14 - نص آخر حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه
قال: حدثنا بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي
الخطاب عن محمد بن الفضيل عن عبد الله بن الحرث وأمه من ولد جعفر
بن أبي طالب قال: بعث إلينا أبو إبراهيم عليه السلام فجمعنا ثم قال:
أتدرون لم جمعتكم؟ قلنا لا قال: اشهدوا ان عليا ابني هذا وصيي والقيم
بأمري وخليفتي من بعدي من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا ومن
كانت له عندي عدة فليستنجزها منه ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني
إلا بكتابه.
15 - نص آخر حدثنا المظفر بن جعفر العلوي السمرقندي رضي الله عنه
قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود العياشي عن أبيه قال:
حدثنا يوسف بن السخت (1) عن علي بن القاسم العريضي عن أبيه عن
صفوان بن يحيى عن حيدر بن أيوب عن محمد بن يزيد الهاشمي أنه قال:

1 - السخت بالسين المهملة والخاء المعجمة والتاء المنقطة فوقها نقطتين: بصري ضعيف.
36

الان تتخذ الشيعة علي بن موسى عليه السلام إماما قلت وكيف ذلك؟
قال: دعاه أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام فأوصى إليه.
16 - نص آخر حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد
الله قال: حدثنا أحمد بن محمد عيسى عن علي بن الحكم عن حيدر
بن أيوب قال: كنا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا فيه بن زيد بن علي
فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فقلنا له جعلنا الله فداك ما
حبسك؟ قال: دعانا أبو إبراهيم عليه السلام اليوم سبعه عشر رجلا من ولد
على وفاطمة عليهما السلام فأشهدنا لعلى ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد
موته وان امره جايز عليه وله ثم قال محمد بن زيد: والله يا حيدر لقد عقد له
الإمامة اليوم وليقولن الشيعة به من بعده قال حيدر: قلت: بل يبقيه الله
وأي شئ هذا؟ قال: يا حيدر إذا أوصى إليه فقد عقد له الإمامة قال علي بن
الحكم: مات حيدر وهو شاك.
17 - نص آخر حدثنا محمد بن علي ماجيلويه قال: حدثنا عمى محمد
بن أبي القاسم عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن الخلف عن يونس
بن عبد الرحمن عن أسد بن أبي العلا عن عبد الصمد بن بشير وخلف بن
حماد عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: أوصى أبو الحسن موسى بن جعفر
عليهما السلام إلى ابنه علي عليه السلام وكتب له كتابا اشهد فيه ستين رجلا
من وجوه أهل المدينة.
18 - نص آخر حدثنا أحمد بن زياد جعفر الهمداني رضي الله عنه
قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار
وصالح بن السندي عن يونس بن عبد الرحمن عن حسين بن بشير قال:
أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ابنه عليا عليه السلام كما أقام
رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام يوم غدير خم فقال: يا أهل المدينة أو قال:
يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي.
19 - نص آخر حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال: حدثنا محمد
بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن الخزاز
37

قال: خرجنا إلى مكة ومعنا علي بن أبي حمزه ومعه مال ومتاع فقلنا: ما
هذا؟ قال: للعبد الصالح عليه السلام امرني ان أحمله إلى علي ابنه عليه
السلام وقد أوصى إليه.
قال مصنف هذا الكتاب: أن علي بن أبي حمزه أنكر ذلك بعد وفاه موسى
بن جعفر عليه السلام وحبس المال عن الرضا عليه السلام.
20 - نص آخر حدثنا علي بن عبد الله الوراق قال: حدثنا أسعد بن عبد
الله عن محمد بن عيسى بن عبيد يونس بن عبد الرحمن عن صفوان
بن يحيى عن أبي أيوب الخزاز عن سلمه بن محرز قال: قلت لأبي الله
عليه السلام ان رجلا من العجلية (1) قال لي كم عسى يبقى لكم هذا الشيخ
إنما هو سنه أو سنتين حتى يهلك ثم تصيرون ليس لكم أحد تنظرون إليه
فقال أبو عبد الله عليه السلام: الا قلت له: هذا موسى بن جعفر عليه السلام
قد أدرك ما يدرك الرجال وقد اشترينا له جاريه تباح له فكأنك إن شاء الله
وقد ولد له فقيه خلف.
21 - نص آخر حدثنا المظفر بن جعفر بن مظفر العلوي السمرقندي
قال: حدثني جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه عن يوسف بن السخت
عن علي بن القاسم عن أبيه عن جعفر بن خلف عن إسماعيل بن
الخطاب قال: كان أبو الحسن عليه السلام يبتدى بالثناء على أبيه علي عليه
السلام ويطريه ويذكر من فضله وبره ما لا يذكر من غيره كأنه يريد أن يدل
عليه.
22 - نص آخر حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله
قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن عن جعفر

1 - العجلية فرقتان: الأولى: المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي قالوا الله عز شأنه
على صورة رجل من نور على رأسه تاج ويقولون: الإمام المنتظر زكريا بن محمد بن علي بن الحسين بن
علي وهو حي مقيم في جبل حاجز. الثانية المنصورية: أصحاب أبو منصور العجلي عزى نفسه إلى
الباقر عليه السلام فتبرء منه وطرده وادعى الإمامة لنفسه قالوا: الإمامة لمحمد بن علي بن الحسين ثم
انتقلت عنه إلى أبي منصور: وزعموا أن أبا منصور عرج إلى السماء.
38

ابن خلف قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يقول:
سعد امرء لم يمت حتى يرى منه خلف وقد أراني الله من ابني هذا خلفا
وأشار إليه يعنى الرضا عليه السلام.
23 - نص آخر حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه
قال: حدثنا بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن
عبد الله بن محمد الحجال وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ومحمد
بن سنان وعلي بن سنان وعلى عن الحكم عن الحسين بن المختار قال: خرجت إلينا ألواح
من أبي إبراهيم موسى عليه السلام وهو في الحبس فإذا فيها مكتوب عهدي
إلى أكبر ولدى.
24 - نص آخر حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله
عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس عبد الرحمن عن الحسين بن
المختار قال لما مر بنا أبو الحسن عليه السلام بالبصرة خرجت إلينا منه ألواح
مكتوب فيها بالعرض عهدي إلى أكبر ولدى
25 - نص آخر حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد
الله عن محمد بن عيسى بن عبيد عن زياد بن مروان القندي قال:
دخلت على أبي إبراهيم عليه السلام وعنده على ابنه فقال لي: يا زياد هذا
كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قال فالقول قوله. قال مصنف
هذا الكتاب: ان زياد بن مروان القندي روى هذا الحديث ثم أنكره (1) بعد
مضى موسى عليه السلام وقال بالوقف وحبس ما كان عنده من مال موسى بن
جعفر عليه السلام.
26 - نص آخر حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله
عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن محمد الحجال قال: حدثنا
سعيد بن أبي الجهم عن نصر بن قابوس قال: قلت لأبي إبراهيم موسى بن
جعفر عليهما السلام: انى سألت أباك عليه السلام من الذي بعدك؟

1 - زياد بن مروان القندي واقفي مذموم.
39

فأخبرني انك أنت هو؟ فلما توفى أبو عبد الله عليه السلام ذهب الناس يمينا
وشمالا وقلت وأصحابي بك فأخبرني من الذي يكون بعدك؟ قال:
ابني علي عليه السلام.
27 - نص آخر حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه
قال: حدثني محمد بن الحسن الصفار عن الحسن بن موسى الخشاب عن
نعيم بن قابوس قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: على ابني أكبر ولدى
واسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري ينظر معي في كتابي الجفر والجامعة وليس
ينظر فيه إلا نبي أو وصى نبي.
28 - نص آخر حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد
الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن عبد الله بن عبد الرحمن
عن المفضل بن عمر قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه
السلام وعلي عليه السلام ابنه في حجره (1) وهو يقبله ويمص لسانه ويضعه على
عاتقه ويضمه إليه ويقول بابى أنت وأمي ما أطيب ريحك وأطهر خلقك
وأبين فضلك؟! قلت: جعلت فداك لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما
لم يقع لاحد إلا لك فقال لي: يا مفضل هو منى بمنزلتي من أبي عليه السلام
(ذريه بعضها من بعض والله سميع عليم) قال: قلت هو صاحب هذا الامر
من بعدك؟ قال: نعم من اطاعه رشد وعصاه كفر.
29 - نص آخر حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال
حدثنا على إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن سنان (2) قال: دخلت
على أبي الحسن عليه السلام قبل ان يحمل العراق بسنه وعلى ابنه عليه
السلام بين يديه فقال لي: يا محمد فقلت: لبيك قال: إنه سيكون في هذه
السنة حركه تجزع منها ثم أطرق ونكت (3) بيده في الأرض ورفع رأسه إلى وهو

1 - الحجر بالكسر: ما بين يديك من ثوبك.
2 - ذكر شيخنا المفيد وقدم في شأن محمد: انه من خاصة الكاظم عليه السلام وثقاته وأهل
الورع والعلم والفقه من شيعته ومن روى النص على الرضا.
3 - نكت الأرض بأصبعه أو بعصا أو غيرها: ضربها بها فأثر فيها يفعلون ذلك حين التفكر.
40

يقول: ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء قلت: وما ذاك جعلت فداك؟
قال: من ظلم ابني هذا حقه وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن
أبي طالب عليه السلام حقه وجحد إمامته بعد محمد عليه السلام
فعلمت انه قد نعى إلى نفسه ودل على ابنه فقلت: والله لئن مد الله في
عمري لأسلمن إليه حقه ولأقرن له بالإمامة واشهد انه من بعدك حجه الله
تعالى على خلقه والداعي إلى دينه فقال لي: يا محمد يمد الله في عمرك وتدعو
إلى إمامته وامامه من يقوم مقامه من بعده فقلت: من ذاك جعلت فداك؟
قال: محمد ابنه قال: قلت فالرضا والتسليم قال: نعم كذلك
وجدتك في كتاب أمير قوله المؤمنين عليه السلام: أما انك في شيعتنا أبين من البرق
في الليلة الظلماء ثم قال: يا محمد ان المفضل كان انسى ومستراحي
وأنت أنسهما ومستراحهما حرام على النار ان تمسك ابدا.
41

5 - باب
نسخه وصيه موسى بن جعفر عليهما السلام
1 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس قال حدثنا أبي قال: حدثنا محمد
بن أبي الصهبان عن عبد الله بن محمد الحجال ان إبراهيم بن عبد الله
الجعفري حدثه عن عده من أهل بيته ان إبراهيم موسى بن جعفر عليهما
السلام اشهد على وصيته إسحاق بن جعفر بن محمد وإبراهيم بن محمد الجعفري
وجعفر بن صالح ومعاوية بن الجعفريين ويحيى بن الحسين بن زيد وسعد بن
عمران الأنصاري ومحمد بن الحارث الأنصاري ويزيد بن سليط الأنصاري
ومحمد بن جعفر الأسلمي بعد ان أشهدهم انه يشهد ان لا اله إلا الله وحده لا
شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وان الساعة آتيه لا ريب فيها وان الله
يبعث من في القبور وان البعث بعد الموت حق وان الحساب والقصاص
حق وان الوقوف بين يدي الله عز وجل حق وان ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله حق
حق حق وان ما نزل به الروح الأمين حق على ذلك أحيى وعليه أموت
وعليه ابعث انشاء الله أشهدهم ان هذه وصيتي بخطى وقد نسخت وصيه
جدي أمير المؤمنين عليه السلام ووصايا الحسن والحسين وعلي بن الحسين
ووصيه محمد بن علي الباقر ووصيه جعفر بن محمد عليهم السلام قبل ذلك حرفا
بحرف وأوصيت بها إلى علي ابني وبني بعده معه إن شاء الله فإن آنس منهم
رشدا وأحب اقرارهم فذاك له وان كرههم وأحب يخرجهم فذاك له
ولا أمر لهم معه وأوصيت إليه بصدقاتي وأموالي وصبياني الذي خلفت وولدي
والى إبراهيم والعباس وإسماعيل وأحمد وأم أحمد والى على أمر نسائي دونهم
42

وثلث صدقه أبي وأهل بيتي يضعه حيث يرى ويجعل منه ما يجعل ذو المال في
ماله ان أحب ان يجيز ما ذكرت في عيالي فذاك إليه وان كره فذاك إليه وان
أحب ان يبيع أو يهب أو ينحل أو يتصدق على غير ما وصيته فذاك إليه وهو انا
في وصيتي في مالي وفي أهلي وولدي وان رأى أن يقر اخوته الذين سميتهم في
صدر كتابي هذا أقرهم وان كره فله ان يخرجهم غير مردود عليه وان أراد
رجل منهم ان يزوج أخته فليس له ان يزوجها الا باذنه وأمره وأي سلطان كشفه
عن شئ أو حال بينه وشئ مما ذكرت في كتابي فقد برئ من الله تعالى
ومن رسوله والله ورسوله منه بريان وعليه لعنه الله ولعنه اللاعنين والملائكة
المقربين والنبيين والمرسلين أجمعين وجماعه المؤمنين وليس لاحد من السلاطين
ان يكشفه شئ لي عنده من بضاعة ولا لاحد من ولدى ولي عنده مال وهو
مصدق فيما ذكر من مبلغه ان أقل أو أكثر فهو الصادق وإنما أردت بادخال
الدين أدخلت معه من ولدى التنويه (1) بأسمائهم وأولادي الأصاغر وأمهات
أولادي ومن أقام منهم في منزله وفي حجابه فله ما كان يجرى عليه في حياتي
ان أراد ذلك ومن خرج منهن إلى زوج فليس لها ان ترجع إلى جرايتي (2) إلا أن
يرى على ذلك وبناتي مثل ذلك ولا يزوج بناتي أحد من أخواتهن من
أمهاتهن ولا سلطان ولا عمل لهن إلا برأيه ومشورته فإن فعلوا ذلك فقد
خالفوا الله تعالى ورسوله عليه السلام وحادوه في ملكه وهو اعرف بمناكح قومه
ان أراد ان يزوج زوج وان أراد ان يترك ترك وقد أوصيتهم بمثل ذكرت
في صدر
كتابي هذا واشهد الله عليهم وليس لاحد ان يكشف وصيتي ولا
ينشرها وهي على ما ذكرت وسميت فمن أساء فعليه ومن أحسن فلنفسه وما
ربك بظلام للعبيد وليس لاحد من سلطان ولا غيره ان نقض كتابي هذا الذي
ختمت عليه أسفل فمن فعل ذلك فعليه لعنه الله وغضبه والملائكة بعد ذلك
ظهير وجماعه المسلمين والمؤمنين وختم موسى بن جعفر عليه السلام والشهود.
قال عبد الله بن محمد الجعفري: قال العباس بن موسى عليه السلام

1 - نوه الشئ: رفع ذكره وعظمه. ونوه باسمه دعاه.
2 - الجراية بكسر الجيم الجاري من الوظائف.
43

لابن عمران القاضي الطلحي: ان أسفل هذا الكتاب كنز لنا وجوهر يريد ان
يحتجزه دوننا ولم يدع أبونا شيئا إلا جعله له وتركنا عياله فوثب إليه إبراهيم بن
محمد الجعفري فاسمعه فوثب عليه إسحاق بن جعفر عمه ففعل به مثل ذلك
فقال العباس للقاضي: أصلحك الله فض الخاتم واقرا ما تحته فقال: لا
أفضه ولا يلعنني أبوك فقال العباس: انا أفضه قال: ذلك إليك ففض
العباس الخاتم فإذا فيه اخراجهم الوصية واقرار علي عليه السلام وحده
وادخاله إياهم ولاية على أن أحبوا أو كرهوا وصاروا كالأيتام في حجره
وأخرجهم من حد الصدقة وذكرها ثم التفت علي بن موسى عليه السلام إلى
العباس فقال: يا أخي لاعلم انه إنما حملكم على هذه الغرام والديون التي
عليكم فانطلق يا سعد فتعين لي ما عليهم واقضه عنهم واقبض ذكر حقوقهم
وخذلهم البراءة فلا والله لا ادع مواساتكم وبركم ما أصبحت وامشي على ظهر
الأرض فقولوا ما شئتم فقال العباس ما تعطينا إلا من فضول أموالنا وما لنا
عندك أكثر فقال: قولوا ما شئتم فالعرض عرضكم اللهم أصلحهم وأصلح
بهم واخسأ عنا وعنهم الشيطان وأعنهم على طاعتك والله على ما نقول وكيل
قال العباس ما أعرفني بلسانك وليس لمسحاتك عندي طين ثم إن القوم
افترقوا.
2 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن إدريس عن محمد
ابن أبي الصهبان عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن الحجاج قال:
بعث إلى أبو الحسن عليه السلام بوصية أمير المؤمنين عليه السلام وبعث إلى
بصدقه مع أبي إسماعيل مصادف وذكر صدقه جعفر بن محمد عليهما السلام
وصدقه نفسه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما
تصدق به موسى بن جعفر تصدق بأرضه مكان كذا وكذا وحدود الأرض كذا وكذا كلها ونخلها وارضها
وبياضها ومائها وأرجائها وحقوقها وشربها من الماء وكل حق هو لها في مرفع أو
مظهر أو غيض أو مرفق أو ساحة أو مسيل أو عامر أو غامر تصدق بجميع
حقه من ذلك على ولده من صلبه للرجال والنساء يقسم واليها ما اخرج الله
تعالى من غلتها بعد الذي يكفيها عمارتها ومرافقها وبعد ثلثين غدقا (1)

1 - الغدق بالفتح: النخلة بحملها.
44

يقسم في مساكين أهل القرية بين ولد موسى بن جعفر للذكر مثل حظ الأنثيين
فإن تزوجت امرأة من ولد موسى بن جعفر فلا حق لها في هذه الصدقة
ترجع إليها بغير زوج فإن رجعت كان لها مثل حظ التي لم تتزوج قط من بنات
موسى ومن توفى من ولد وله ولد فولده على سهم أبيهم للذكر مثل
حظ الأنثيين على مثل ما شرط موسى بين ولده من صلبه ومن توفى من ولد
موسى ولم يترك ولد أرد حقه على أهل الصدقة وليس لولد بناتي في صدقتي هذه
حق إلا أن يكون آباءهم من ولدى وليس لاحد في صدقتي حق مع ولدى وولد
ولدى وأعقابهم ما بقي منهم أحد فإن انقرضوا ولم يبق منهم أحد فصدقتي على
ولد أبي من أمي بقي منهم أحد على ما شرطت بين ولدى وعقبي فان
انقرض ولد أبي من أمي فصدقتي على ولد أبي وأعقابهم ما بقي منهم أحد فإن
لم يبق منهم أحد فصدقتي على الأولى فالأولى حتى يرث الله تعالى الذي ورثها
وهو خير الوارثين تصدق موسى بن جعفر بصدقه هذه وصحيح صدقه
حبيسا بتا بتلا لا مثنوية فيها ولا ردا ابدا ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة لا
يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر ان يبيعها أو يبتاعها يهبها أو ينحلها ويغير
شيئا مما وضعتها عليه حتى يرث الله الأرض ومن عليها وجعل صدقه هذه
إلى علي وإبراهيم فإن انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي مكانه فإن
انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما مكانه فإن انقرض أحدهما
دخل العباس مع الباقي منهما فإن انقرض أحدهما فالأكبر من ولدى يقوم
مقامه فإن لم يبق من ولدى إلا واحد فهو الذي يقوم به قال: وقال أبو الحسن
عليه السلام ان أباه قدم إسماعيل في صدقه على العباس وهو أصغر منه.
3 - حدثنا المظفر بن جعفر العلوي السمرقندي رضي الله عنه قال
حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود العياشي عن أبيه قال: حدثنا يوسف بن
السخت عن علي بن القاسم العريضي الحسيني عن صفوان بن يحيى عن
عبد الرحمن بن الحجاج عن إسحاق وعلى ابني أبي عبد الله جعفر بن محمد
عليه السلام: انهما دخلا على عبد الرحمن بن أسلم بمكة في السنة الذي أخذ
فيها موسى بن جعفر عليهما السلام ومعهما (1) كتاب أبي الحسن عليه السلام

1 - أي مع إسحاق وعلي ابني جعفر الصادق عليه السلام.
45

بخطه فيه حوائج قد أمر بها فقالا: أمر بهذه الحوائج من هذا الوجه فإن
كان من امره شئ فادفعه إلى ابنه علي عليه السلام فإنه خليفته والقيم بأمره
وكان هذا بعد النفر (1) بيوم بعد ما أخذ أبو الحسن عليه السلام بنحو من خمسين
يوما واشهد إسحاق وعلى ابنا أبي عبد الله عليه السلام والحسين بن أحمد
المنقري وإسماعيل بن عمر وحسان بن معاوية والحسين بن محمد صاحب الختم
على شهادتهما: ان أبا الحسن علي بن موسى عليهما السلام وصى أبيه عليه
السلام وخليفته فشهد اثنان بهذه الشهادة واثنان قالا خليفته ووكيله فقبلت
شهادتهم عند حفص بن غياث القاضي.
4 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن بكر بن صالح قال: قلت
لإبراهيم بن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ما قولك في أبيك؟
قال: هو حي قلت: فما قولك في أخيك أبي الحسن عليه السلام قال: ثقة
صدوق قلت فإنه يقول: إن أباك قد مضى قال: هو اعلم بما يقول
فأعدت عليه فأعاد على قلت: فأوصى أبوك قال: نعم قلت: إلى
من أوصى؟ قال: إلى خمسه منا وجعل عليا المقدم علينا.

1 - أي النفر من منى إلى مكة.
46

باب
النصوص على الرضا عليه السلام
بالإمامة في جمله الأئمة
الاثنا عشر عليهم السلام
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: حدثنا الحسين
ابن إسماعيل قال: حدثنا أبو عمرو سعيد بن محمد بن نصر القطان قال:
حدثنا عبيد الله بن محمد السلمى قال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال:
حدثنا محمد بن سعيد بن محمد قال: حدثنا العباس بن أبي عمرو عن
صدقه بن أبي موسى عن أبي نضرة قال: لما احتضر أبو جعفر محمد بن علي
الباقر عليهما السلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق عليه السلام ليعهد إليه
عهدا فقال له اخوه زيد بن علي عليه السلام: لو امتثلت في تمثال الحسن
والحسين عليهما السلام لرجوت ان لا تكون أتيت منكرا فقال له: يا أبا
الحسن ان الأمانات ليست بالتمثال ولا العهود بالرسوم وإنما هي أمور سابقه
عن حجج الله عز وجل ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال: له جابر حدثنا بما
عاينت من الصحيفة فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر دخلت على مولاتي
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهنئها بمولودها الحسين عليه السلام فإذا بيديها
صحيفة بيضاء من دره فقلت لها: يا سيده النساء ما هذه الصحيفة التي أراها
معك؟ قالت: فيها أسماء الأئمة من ولدى قلت لها: ناوليني لأنظر فيها
قالت: يا جابر لولا النهى لكنت افعل لكنه قد نهى ان يمسها إلا نبي أو
وصى نبي أو أهل بيت نبي ولكنه مأذون لك ان تنظر باطنها من
ظاهرها قال جابر: فإذا أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفى أمه آمنه أبو
الحسن علي بن أبي طالب المرتضى أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد
47

مناف أبو محمد الحسن بن علي البر عبد الله الحسين بن التقى أمهما فاطمة بنت
محمد أبو محمد علي بن الحسين العدل أمه شهربانو بنت يزدجرد أبو
جعفر محمد بن علي الباقر أمه أم عبد الله (1) بنت الحسن بن علي بن أبي طالب
عليه السلام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق وأمه أم فروة بنت القاسم بن
محمد بن أبي بكر أبو إبراهيم موسى بن جعفر أمه جاريه اسمها حميدة
المصفاة أبو الحسن علي بن موسى الرضا أمه جاريه اسمها نجمه أبو جعفر
محمد بن علي الزكي أمه جاريه اسمها خيزران أبو الحسن علي بن محمد بن
الأمين أمه جاريه اسمها سوسن أبو محمد الحسن بن علي الرفيق أمه جاريه
اسمها سمانة وتكنى أم الحسن أبو القاسم محمد الحسن هو حجه الله
القائم أمه جاريه اسمها نرجس صلوات الله عليهم أجمعين قال مصنف هذا
الكتاب: جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم عليه السلام والذي اذهب
إليه النهى عن تسميته عليه السلام.
2 - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قالا: حدثنا سعد
بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا عن أبي الخير صالح بن أبي
حماد والحسن بن ظريف جميعا عن بكر بن صالح وحدثنا أبي ومحمد بن م
موسى بن المتوكل ومحمد بن علي ماجيلويه وأحمد بن علي بن إبراهيم بن
هاشم والحسين بن إبراهيم بن تاتانه وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنهم
قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن بكر بن صالح
عن عبد الرحمن بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال أبي عليه السلام لجابر بن عبد الله الأنصاري: ان لي إليك حاجه
فمتى يخف عليك ان أخلو بك فأسئلك عنها؟ قال له جابر: في أي الأوقات
شئت فخلا به أبي عليه السلام فقال له: يا جابر اخبرني عن اللوح الذي
رايته في يد أمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وما أخبرتك به أمي ان في ذلك

1 - وهي كنيتها ولم يعلم اسم غير هذا وكان عبد الله بن علي بن الحسين عليه السلام أخو أبو
جعفر يلي صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام وكان فاضلا
فقيها. من الارشاد.
48

اللوح مكتوبا قال جابر: اشهد بالله انى دخلت على أمك فاطمة في حياة
رسول الله صلى الله عليه وآله لأهنئها بولادة الحسين عليه السلام فرأيت في يدها لوحا
اخضر ظننت انه زمرد ورأيت فيه كتابا ابيض شبه نور الشمس فقلت
بابى أنت وأمي يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا اللوح
أهداه الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وآله فيه اسم أبي واسم بعلى واسم ابني وأسماء
الأوصياء من ولدى فأعطانيه أبي عليه السلام ليسرني بذلك قال جابر:
فأعطتنيه أمك فاطمة فقراته وانتسخته فقال أبي عليه السلام: فهل لك يا
جابر ان تعرضه على قال نعم فمشى معه أبي عليه السلام حتى انتهى إلى
منزل جابر فاخرج أبي عليه السلام صحيفة من رق (1) قال جابر فاشهد بالله
انى هكذا رايته في اللوح مكتوبا: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله
العزيز الحكيم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند
رب العالمين عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي انى انا
الله لا اله انا قاصم الجبارين ومذل الظالمين وديان الدين انا الله لا
اله إلا انا فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عذابي عذبته عذابا لا أعذب أحدا
من العالمين فإياي فأعبد وعلى فتوكل انى لم ابعث نبيا فأكملت أيامه
وانقضت مدته إلا جعلت له وصيا وانى فضلتك على الأنبياء وفضلت
وصيك على الأوصياء وأكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك الحسن والحسين
فجعلت حسنا معدن علمي انقضاء مده أبيه وجعلت حسينا خازن وحيى
وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة فهو أفضل من استشهد وارفع
الشهداء درجه عندي وجعلت كلمتي (2) التامة معه والحجة البالغة عنده بعترته
أثيب وأعاقب أولهم: على سيد العابدين وزين أوليائي الماضين وابنه شبيه
جده المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمي سيهلك المرتابون في جعفر
الراد عليه كالراد على حق القول منى لأكرمن مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه
وأنصاره وأوليائه انتجبت بعده موسى وانتحبت بعده فتنه عمياء حندس لأن

1 - الرق بالفتح: ما يكتب فيه وهو جلد رقيق ومنه قوله تعالى: في رق منشور.
2 - أي الإمامة لأنها المراد من قوله تعالى: وتمت كلمة ربك وهي تامة في الكمال على جميع
الأحوال وهم عليهم السلام كلمة الله كما قال علي عليه السلام: انا كلام الله الناطق.
49

خيط فرضى لا ينقطع وحجتي لا تخفى وان أوليائي لا يشقون إلا ومن
جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي ومن غير آية من كتابي فقد افترى على
وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مده عبدي موسى وحبيبي وخيرتي ان
المكذب بالثامن مكذب بكل أوليائي وعلى وليي وناصري ومن أضع عليه
أعباء النبوة وأمنحه بالاضطلاع يقتله عفريت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها
العبد الصالح إلى جنب شر خلقي حق القول مني لأقرن عينيه بمحمد ابنه
وخليفته من بعده فهو وارث علمي ومعدن حكمي وموضع سرى وحجتي على
خلقي جعلت الجنة مثواه وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا
النار واختم بالسعادة لابنه على وليي وناصري والشاهد في خلقي وأميني على
وحيى اخرج منه الداعي سبيلي والخازن لعلمي الحسن ثم أكمل ذلك
بابنه رحمه للعالمين عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب سيذل في زمانه
أوليائي وتتهادون رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم فيقتلون ويحرقون
ويكونون خائفين مرعوبين وجلين تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويل والرنين
في نسائهم أولئك أوليائي حقا بهم ادفع كل فتنه عمياء حندس وبهم اكشف
الزلازل وارفع الأصار (1) والأغلال أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة
وأولئك هم المهتدون قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع
في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك فصنه عن أهله.
3 - وحدثنا أبو محمد الحسن بن حمزه العلوي رضي الله عنه قال:
حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن درست السروي عن جعفر بن محمد بن
مالك قال: حدثنا محمد بن عمران الكوفي عن عبد الرحمن بن أبي نجران
وصفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال
: يا إسحاق الا أبشرك؟ قلت: بلى جعلني الله فداك يا بن رسول الله
قال: وجدنا صحيفة باملاء رسول الله (ص) وخط أمير المؤمنين عليه السلام
فيها: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز العليم وذكر الحديث
مثله سواء إلا أنه قال في حديثه في آخره: ثم قال الصادق عليه السلام يا

1 - الآصار: الأثقال.
50

إسحاق هذا دين الملائكة والرسل فصنه عن غير أهله يصنك الله تعالى
ويصلح بالك ثم قال: من دان بهذا أمن من عقاب الله عز وجل.
4 - وحدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه
قال: حدثنا الحسن بن إسماعيل قال: حدثنا سعيد بن محمد
القطان قال: حدثنا عبد الله بن موسى الروياني أبو تراب عن عبد العظيم
بن عبد الله الحسنى عن علي بن الحسن بن زيد الحسن بن علي بن أبي
طالب عليهم السلام قال: حدثني عبد الله بن محمد بن جعفر بن محمد عن
أبيه عن جده ان محمد بن علي الباقر جمع ولده وفيهم عمهم زيد بن علي عليه
السلام ثم اخرج إليهم كتابا بخط علي عليه السلام واملاء رسول الله صلى الله عليه وآله
مكتوب فيه: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم حديث اللوح إلى الموضع
يقول فيه: وأولئك هم المهتدون ثم قال في آخره: قال عبد العظيم: العجب
كل العجب لمحمد بن جعفر وخروجه وقد سمع أباه عليه السلام يقول هذا
ويحكيه ثم قال: هذا سر الله ودينه ودين ملائكته فصنه إلا عن أهله
وأوليائه
5 - حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب رضي الله عنه وأحمد بن
هارون العامي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر
الحميري عن أبيه عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري (1) الكوفي عن
مالك بن السلولي عن درست عن عبد الحميد عن عبد الله بن القاسم
عن عبد الله بن جبله عن أبي السفاتج عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد
بن علي الباقر عليه السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت
على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وقدامها لوح يكاد ضوئه يغشى الابصار وفيه
اثنا عشر اسما ثلثه في ظاهره وثلاثة في باطنه وثلثه أسماء في آخره وثلثه أسماء في
طرفه فعددتها فإذا هي اثنا عشر قلت: أسماء من هؤلاء؟ قالت: هذه أسماء
الأوصياء أولهم ابن عمى وأحد عشر من ولدى آخرهم القائم قال جابر:

1 - الفزاري بتقديم الزاي المخففة على الراء المهملة منسوب إلى فزارة وهي طائفة من قبائل
العرب وقال أبو جعفر بن مالك أبو عبد الله الفزاري هو ابن محمد المالك.
51

فرأيت فيه محمد محمد محمد في ثلاثة مواضع وعليا عليا عليا عليا في أربعة
مواضع.
6 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه قال: حدثنا أبي
عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن أبي
الجارود عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على
فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت اثنا عشر آخرهم
القائم ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي عليهم السلام.
7 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال: حدثنا أبي
عن أحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم جميعا عن الحسن بن محبوب
عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري
قال: دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء
فعددت اثنا عشر آخرهم القائم عليه السلام ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم
على عليهم السلام.
8 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد
بن محمد بن عيسى عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي
عياش عن سليم (1) بن قيس الهلالي قال: سمعت عبد الله بن جعفر
الطيار يقول لنا عند معاوية والحسن والحسين عليهما السلام وعبد الله بن
عباس وعمر بن أبي سلمه وأسامة بن زيد يذكر حديثنا جرى بينه وبينه وأنه
قال لمعاوية بن أبي سفيان: سمعت رسول الله (ص) يقول: انا أولى بالمؤمنين من
أنفسهم ثم أخي علي بن أبي طالب عليه السلام أولى بالمؤمنين من
أنفسهم فإذا استشهد فابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم ابني
الحسين عليه السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا استشهد فابني علي بن

1 - سليم بضم سين ابن قيس الهلالي حكى عن النجاشي هو يكنى أبا صادق له كتاب معروف
طبع مرات وهو من أقدم الكتب وقد حكم بعض بصحته وممن نقل عنه شيخنا المفيد (قده) وشيخنا
الصدوق (ره) والكليني (ره) ونسب إلى الصادق عليه السلام في حق هذا الكتاب قال من لم يكن
من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شئ.
52

الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا علي ثم ابني محمد بن علي
الباقر أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا عبد الله وتكملة اثنى عشر إماما
تسعه من ولد الحسين قال عبد الله: ثم استشهدت الحسن والحسين عليهما
السلام وعبد الله بن عباس وعمر بن أبي سلمه وأسامة بن زيد فشهدوا لي
عند معاوية قال سليم بن قيس: وقد كنت سمعت ذلك من سلمان وأبي ذر
والمقداد وأسامة انهم سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله.
9 - حدثنا أبو علي أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد
بن محمد بن إبراهيم بن أبي الرجال البغدادي قال: حدثنا محمد بن عبدوس
الحراني قال: حدثنا عبد الغفار بن الحكم قال: حدثنا منصور بن أبي
الأسود عن المطرف عن الشعبي عن عمه قيس بن عبد الله قال: كنا
جلوسا في حلقه فيها عبد الله بن مسعود فجاء اعرابي فقال: أيكم عبد الله
بن مسعود؟ فقال عبد الله: انا عبد الله بن مسعود قال: هل حدثكم نبيكم
(ص) كم يكون بعده من الخلفاء؟ قال: نعم اثنا عشر عده نقباء (1) بني إسرائيل.
10 - حدثنا أبو علي أحمد بن أبي الحسن بن علي بن عبدويه القطان (2)
قال: حدثنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد بن يزيد المروزي بالري في شهر
ربيع الأول سنه اثنتين وثلاث مأة قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في
سنه ثمان وثلاثين ومأتين وهو المعروف بإسحاق بن راهويه قال: حدثنا يحيى
بن يحيى قال: حدثنا هيثم عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال: بينا
نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى شاب:
هل عهد إليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة؟ قال: انك لحديث السن وان
هذا شئ ما سألني عنه أحد قبلك نعم عهد إلينا نبينا صلى الله عليه وآله أنه يكون بعده
اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل.

1 - نقباء بني إسرائيل اشراف قوم هم اثنا عشر رجلا منهم يوشع.
2 - أحمد بن محمد بن الحسن القطان المعروف بابي علي بن عبد ربه الرازي هو شيخ كبير
لأصحاب الحديث جاء هكذا في كمال الدين.
53

11 - حدثنا أبو القاسم غياث بن محمد الوراميني الحافظ قال: حدثنا
يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن الفضل ومحمد
بن عبد الله بن سوار قالا: حدثنا عبد الغفار بن الحكم قال: حدثنا
منصور بن أبي الأسود عن مطرف عن الشعبي وحدثنا عتاب بن محمد
قال: حدثنا إسحاق بن محمد الأنماطي قال: حدثنا يوسف بن موسى
قال: حدثنا جرير عن أشعث بن سوار عن الشعبي وحدثنا عتاب بن محمد
قال: حدثنا الحسين محمد الحراني قال: حدثنا أيوب بن محمد الوزان
قال: حدثنا سعيد بن مسلمة قال: حدثنا أشعث سوار عن الشعبي
كلهم قالوا عن عمه قيس بن عبد الله قال أبو القاسم عتاب: وهذا حديث
مطرف قال: كنا جلوسا في المسجد ومعنا عبد الله بن مسعود فجاء اعرابي
فقال: فيكم عبد الله؟ قال: نعم عبد الله فما حاجتك؟ قال: يا عبد
الله هل أخبركم نبيكم صلى الله عليه وآله كم يكون فيكون خليفة؟ قال: لقد سألتني عن
شئ ما سألني عنه منذ قدمت العراق نعم اثنا عشر عده نقباء بني إسرائيل
وقال أبو عروية حديثه: نعم هذه عده نقباء بني إسرائيل وقال جرير: عن
أشعث عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله قال: الخلفاء بعدي اثنا عشر
كعدة نقباء (1) بني إسرائيل.
12 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أبو بكر أحمد محمد
بن عبيده النيسابوري قال: حدثنا أبو القاسم هارون إسحاق يعنى
الهمداني قال: حدثني عمى إبراهيم بن محمد عن زياد بن علاقة وعبد
الملك بن عمير عن جابر بن سمره (2) قال: كنت مع أبي عند النبي (ص)
فسمعته يقول: يكون بعدي اثنا عشر أميرا ثم اخفى صوته فقلت لأبي: ما
الذي اخفى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: قال: كلهم من قريش.

1 - النقيب: شاهد القوم وعريفهم والنقاب بالكسر: العلامة.
2 - السمرة بضم الميم: اسم رجل أو لقبه. وفي الصحاح: السمرة بضم الميم من شجر الطلح.
54

13 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أبو علي محمد بن علي بن
إسماعيل المروزي بالري قال: حدثنا الفضل بن عبد الجبار المروزي
قال: حدثنا علي بن الحسن يعنى ابن شقيق قال: حدثنا الحسين بن واقد
قال: حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمره قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله
فسمعته يقول: إن هذا الامر لن ينقضي حتى يملك اثنا عشر خليفة فقال
كلمه خفيه فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: قال: كلهم قريش.
14 - حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق القاضي قال: حدثنا أبو يعلى قال:
حدثنا علي بن الجعد قال: حدثنا زهير عن زياد بن خيثمة عن اسود بن
السعيد الهمداني قال: سمعت جابر بن سمره يقول: سمعت رسول الله
(ص) يقول: يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش فلما رجع إلى
منزله فاتيته فيما بيني وبينه فقلت ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج.
15 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الصائغ قال: أبو عبد
الله محمد بن سعيد قال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا شيخ ببغداد
يقال له: يحيى سقط عنى اسم أبيه قال: حدثنا عبد الله بن بكر السهمي
قال: حدثنا حاتم بن أبي مغيرة عن أبي بحير قال: كان أبو الخلد جارى
فسمعته يقول: ويحلف عليه: ان هذه الأمة لا تهدى حتى تكون فيها اثنا عشر
خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق.
16 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الصايغ قال: حدثنا أبو عبد
الله محمد بن سعيد قال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا الوليد بن
مسلم قال: حدثنا صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد عن عمرو
البكائي عن كعب الأحبار قال في الخلفاء: هم اثنا عشر فإذا كان عند
انقضائهم واتى طبقه صالحه مد الله لهم في العمر كذلك وعد الله هذه الأمة ثم
قرأ
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما
استخلف الذين من قبلهم) (1) قال وكك فعل الله عز وجل ببني إسرائيل وليس

1 - سورة النور: الآية 55.
55

بعزيز ان يجمع هذا الأمة يوما أو نصف يوم وان يوما عند ربك كألف سنه مما
تعدون (2) وقد أخرجت طرق هذه الأخبار في كتاب الخصال.
17 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله بن أبي
خلف قال: حدثنا يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن
مسكان عن أبان بن خلف عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي
(ره) قال: دخلت على النبي (ص) فإذا الحسين على فخذيه وهو يقبل عينيه
ويلثم فاه وهو يقول: أنت سيد بن سيد أنت امام بن امام أنت
حجه بن حجه أبو حجج تسعه من صلبك تاسعهم قائمهم
18 - حدثنا حمزه بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام في سنه رجب تسع وثلاثين وثلاثمأة
قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي مولى بني هاشم قال: اخبرني
القاسم بن محمد بن حماد قال: حدثنا غياث بن إبراهيم قال: حدثنا
حسين بن زيد بن علي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي
عليه السلام قال: عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أبشروا ثم أبشروا ثلاث
مرات إنما مثل أمتي كمثل غيث لا يدرى أوله خير أم آخره؟ إنما مثل أمتي
كمثل حديقه أطعم منها فوج عاما ثم أطعم منها فوج عاما لعل آخرها فوج
يكون أعرضها بحرا وأعمقها طولا وفرعا وأحسنها حبا وكيف تهلك أمة أنا أولها
واثنا عشر من بعدي من السعداء وأولوا الألباب والمسيح عيسى بن مريم
آخرها؟ ولكن يهلك من بين ذلك أنتج الهرج ليسوا منى ولست منهم.
19 - حدثنا أبي رضي الله عنه: قال حدثنا سعد بن عبد الله عن محمد
بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحكم بن مسكين الثقفي عن صالح بن
عقبه عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: لما هلك أبو بكر واستخلف
عمر رجع عمر إلى المسجد فقعد فدخل عليه رجل فقال يا أمير المؤمنين
انى رجل من اليهود وأنا علامتهم وقد أردت ان أسئلك عن مسائل ان أجبتني

1 - إشارة إلى قوله تعالى في سورة الحج الآية 47.
56

فيها أسلمت قال: ما هي؟ قال: ثلاث وثلاث وواحده فان شئت
سألتك وإن كان في قومك أحد اعلم منك فارشدني قال: عليك بذلك
الشاب يعنى علي بن أبي طالب عليه السلام فاتى عليا عليه السلام فسأله
فقال له: لم قلت ثلاث وثلاث وواحده إلا قلت سبعا؟ قال: انا إذا
جاهل لم تجبني في الثلاث اكتفيت قال: فإن أجبتك تسلم؟ قال نعم
فقال: سل قال: أسألك عن أول حجر وضع على وجه الأرض؟ وأول عين
نبعت؟ وأول شجره نبتت؟ قال يا يهودي: أنتم تقولون ان أول حجر وضع على
وجه الأرض الحجر الذي في بيت المقدس وكذبتم هو الحجر الذي نزل به آدم
من الجنة قال: صدقت والله انه لبخط هارون واملاء موسى قال: وأنتم
تقولون: ان أول عين نبعت على وجه الأرض العين التي في بيت المقدس
وكذبتم هي عين الحياة التي غسل فيها يوشع بن نون السمكة وهي العين التي
شرب منها الخضر وليس يشرب منها أحد إلا حي قال: صدقت والله انه
لبخط هارون واملاء موسى قال: وأنتم تقولون ان: أول شجره نبعت على وجه
الأرض الزيتون وكذبتم هي العجوة (1) التي نزل بها آدم عليه السلام من الجنة
معه قال: صدقت والله انه لبخط هارون واملاء موسى قال والثلاث الأخرى
كم لهذه الأمة من امام هدى لا يضرهم من خذلهم؟ قال: اثنا عشر إماما
قال: صدقت والله انه لبخط هارون واملاء موسى قال: فأين يسكن نبيكم
في الجنة؟ قال: في أعلاها درجه وأشرفها مكانا في جنات عدن قال:
صدقت والله انه لبخط هارون واملاء موسى قال: فمن ينزل معه في منزله؟
قال: اثنى عشر إماما قال: صدقت والله انه لبخط هارون واملاء موسى
ثم قال السابعة فأسئلك كم يعيش وصيه بعده؟ قال: ثلاثين سنه قال: ثم
ماذا؟ يموت أو يقتل؟ قال: يقتل ويضرب على قرنه فتخضب لحيته قال:
صدقت والله انه لبخط هارون واملاء موسى. ولهذا الحديث طرق آخر
أخرجتها في كتاب كمال الدين وتمام النعمة في اثبات الغيبة وكشف الحيرة.
20 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن

1 - العجوة بالفتح: نوع من أجود التمر بالمدينة ونخلها تسمى لينة.
57

زكريا القطان قال: حدثنا بكر بن عبد الله حبيب قال: حدثنا تميم بن
بهلول قال: حدثنا الله بن أبي الهذيل وسألته عن الإمامة فيمن تجب وما
علامه من تجب له الإمامة؟ فقال: ان الدليل على والحجة على المؤمنين
والقائم بأمور المسلمين والناطق بالقرآن والعالم بالأحكام أخو نبي الله وخليفته
على أمته ووصيه عليهم ووليه الذي كان منه بمنزله هارون من موسى المفروض
الطاعة بقول الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم) (1) الموصوف بقوله عز وجل (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (2) والمدعو إليه بالولاية المثبت له
الإمامة يوم غدير خم (3) بقول الرسول (ص) عن الله عز وجل: الست أولى
بكم منكم بأنفسكم قالوا: بلى قال: فمن كنت مولاه فعلى مولاه اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأعن من
أعانه علي بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين وامام المتقين وقائد (4) الغر
المحجلين وأفضل الوصيين وخير الخلق أجمعين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده
الحسن بن علي ثم الحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وآله وابنا خيره النسوان
أجمعين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى
بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم
الحسن بن علي ثم محمد بن الحسن عليهم السلام إلى يومنا هذا واحدا بعد
واحد وهم عترة الرسول عليه وعليهم السلام المعروفون بالوصية والإمامة لا
تخلو الأرض من حجه منهم في كل عصر وزمان وفي كل وقت واوان وهم العروة
الوثقى وأئمة الهدى والحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن
عليها وكل من خالفهم ضال مضل تارك للحق والهدى وهم المعبرون عن

1 - سورة المائدة: الية 59.
2 - المائدة: الآية 55. ولا يخفى ان نزول الآية الشريفة في حق مولانا ومقتدانا سيد الأوصياء
علي بن أبي طالب (ع) مما دلت عليه الروايات المتواترة معنى وعليك بكتب الحديث والتفسير.
3 - وقد روى جم غفير من محدثي القوم حديث غدير خم في كتبهم فراجع.
4 - الغرة: بياض في جباه الخيل وهي تكون في المؤمن يوم القيامة نور يبدو على مواضع
الوضوء من أعضائه يقطع بذلك النور ظلمات القيامة وهو عليه السلام قائدهم وامامهم إلى الجنة.
58

القرآن والناطقون عن الرسول صلى الله عليه وآله من مات ولا يعرفهم مات ميته جاهلية
ودينهم الورع والعفة والصدق والصلاح والاجتهاد وأداء الأمانة إلى البر والفاجر
وطول السجود وقيام الليل واجتناب المحارم وانتظار الفرج بالصبر وحسن
الصحبة وحسن الجوار ثم قال تميم بن بهلول: حدثني أبو معاوية عن
الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام في الإمامة مثله سواء.
21 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم (1)
عن محمد عيسى بن عبيد ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب الزيات عن محمد
بن الفضيل الصيرفي عن أبي حمزه الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن
الله عز وجل ارسل محمدا إلى الجن والإنس وجعل من بعده اثنا عشر وصيا
منهم من سبق ومنهم من بقي وكل وصى جرت به سنه والأوصياء الذين من
بعد محمد صلى الله عليه وآله على سنه أوصياء عيسى عليه السلام وكانوا اثنا عشر وكان أمير
المؤمنين عليه السلام (2) على سنة المسيح عليه السلام.
22 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور قال: حدثنا الحسين بن محمد
بن عامر عن المعلى بن محمد البصري عن الحسن بن علي الوشا عن أبان بن
عثمان عن زرارة أعين قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
نحن اثنا عشر إماما منهم الحسن والحسين ثم الأئمة من ولد الحسين عليهم
السلام.
23 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه قال: حدثنا محمد بن يحيى
العطار عن محمد بن الحسن الصفار عن أبي طالب عبد الله بن الصلت
القمي عن عثمان بن عيسى عن سماعه بن مهران قال: انا وأبو

1 - علي بن إبراهيم بن هاشم القمي أبو الحسن ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب
سمع فأكثر وصنف كتبا وأضر في وسط عمره.
2 - قد ورد في الأحاديث ان الناس افترقوا في علي ثلاث فرق كافتراقهم في عيسى على نبينا وآله
وعليه السلام فالغلاة من الشيعة ادعوا له الربوبية وكذلك غلاة النصارى قالوا: المسيح ابن الله
والخوارج طعنوا عليه وسبوه على المنابر ثمانين سنة وحكموا عليه بالكفر وكذلك اليهود طعنوا على
عيسى عليه السلام ونسبوا أمه إلى المناكير: وأما الفرقة الثالثة فهم أهل العدل الذين نزلوهما منزلتهما
عند الله.
59

بصير ومحمد بن عمران مولى أبي جعفر عليه السلام في منزل فقال محمد بن
عمران: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نحن اثنا عشر محدثا فقال
له أبو بصير: بالله لقد سمعت ذلك من أبي عبد الله عليه السلام فحلفه مره أو
مرتين فحلف انه سمعته فقال له أبو بصير: لكني سمعته من أبي جعفر
عليه السلام.
24 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثنا محمد
بن يعقوب الكليني قال: حدثنا أبو علي الأشعري عن الحسين بن عبيد
الله عن الحسن بن موسى الخشاب عن علي بن سماعه عن علي بن
الحسن بن رباط (1) عن أبيه عن ابن أذينة عن زرارة بن أعين قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: نحن اثنا عشر إماما من آل محمد كلهم
محدثون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب منهم.
25 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن غياث بن إبراهيم
عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين
عن أبيه الحسين بن علي عليه السلام قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام
عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله انى مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي
من العترة؟ فقال: انا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين
تاسعهم مهديهم وقائمهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى يردوا على
رسول الله صلى الله عليه وآله حوضه.
26 - حدثنا علي بن الفضل البغدادي قال: سمعت أبا عمر صاحب
أبي العباس تغلب يسال عن معنى قوله صلى الله عليه وآله انى تارك فيكم الثقلين لم سميا
بالثقلين قال: لأن التمسك بهما ثقيل.
27 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: حدثنا محمد بن

1 - علي بن الحسن بن رباط بالباء الموحدة والطاء المهملة البجلي أبو الحسن كوفي ثقة من أصحاب الرضا عليه السلام.
60

همام قال: حدثنا أحمد بن بندار (1) قال: حدثنا أحمد بن هلال عن محمد بن
أبي عمير عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن
آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما اسرى
بي إلى السماء أوحى إلى ربى جل جلاله فقال: يا محمد اني اطلعت إلى
الأرض اطلاعا (2) فاخترتك منها فجعلتك نبيا وشققت لك من اسمى اسما
فانا المحمود وأنت محمد ثم اطلعت الثانية فاخترت منها علي وجعلته وصيك
وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك وشققت له اسما من أسمائي فانا العلى الاعلى
وهو على وجعلت فاطمة والحسن والحسين من نوركما ثم عرضت ولايتهم على
الملائكة فمن قبلها كان عندي المقربين يا محمد لو أن عبدا عبدني حتى
ينقطع ويصير كالشن (3) البالي ثم أتاني جاحدا لولايتهم أسكنته جنتي ولا
أظللته تحت عرشي يا محمد أتحب ان تراهم؟ قلت: نعم يا ربي فقال عز
وجل: ارفع رأسك فرفعت رأسي فإذا انا بأنوار على وفاطمة والحسن
والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر
وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة بن
الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب درى قلت: رب من هؤلاء؟ قال:
هؤلاء الأئمة وهذا القائم الذي يحل حلالي ويحرم حرامي وبه انتقم من
أعدائي وهو راحه لأوليائي وهو الذي يشفى قلوب شيعتك من الظالمين
والجاحدين والكافرين فيخرج اللات والعزى طريين فيحرقهما فلفتنة الناس
بهما يومئذ أشد من فتنه العجل والسامري
28 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران النخعي
عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي عن الحسن بن علي بن أبي حمزه عن أبيه
عن يحيى بن أبي القاسم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده

1 - خ ل (ما بندار - بنداز).
2 - خ ل (اطلاعة).
3 - الشن: القربة البالية.
61

عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الأئمة بعدي اثنا عشر
أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي
وحجج الله على أمتي بعدي المقر بهم مؤمن والمنكر لهم كافر
29 - حدثنا أبو الحسن علي بن ثابت الدواليني رضي الله عنه بمدينة
السلام سنه اثنتين وخمسين وثلاث مأة قال: حدثنا محمد بن علي بن عبد الصمد
الكوفي قال: حدثنا علي بن عاصم عن محمد بن علي بن موسى عن أبيه
علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه
محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي أبي طالب
عليهم السلام قال: دخلت على رسول الله (ص) وعنده أبي بن كعب فقال
لي رسول الله (ص): مرحبا بك يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرضين قال
له أبي: وكيف يكون يا رسول الله (ص) زين السماوات والأرضين أحد غيرك؟
قال: يا أبي والذي بعثني بالحق نبيا ان الحسين بن علي في السماء أكبر منه في
الأرض وانه لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل: مصباح هدى وسفينة نجاه
وامام خير ويمن وعز وفخر وعلم وذخر وان الله عز وجل ركب في صلبه نطفة
طيبه مباركه زكية ولقد لقن دعوات ما يدعو بهن مخلوق إلا حشره الله عز وجل
معه وكان شفيعه في آخرته وفرج الله كربه وقضى بها دينه ويسر امره
وأوضح سبيله وقواه على عدوه ولم يهتك ستره فقال له أبي بن كعب: وما هذه
الدعوات يا رسول الله (ص)؟ قال: تقول إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد:
(اللهم إني أسئلك بكلماتك ومعاقد عرشك وسكان سمواتك وأنبيائك
ورسلك ان تستجيب لي فقد رهقني (1) من أمري عسرا فأسألك ان تصلى على
محمد وآل محمد وان تجعل لي من أمري يسرا) فإن الله عز وجل يسهل امرك
ويشرح صدرك ويلقنك شهادة ان لا اله إلا عند خروج نفسك قال له أبي:
يا رسول الله فما هذه النطفة التي في صلب حبيبي الحسين؟ قال: مثل هذه
النطفة كمثل القمر وهي نطفة تبيين وبيان يكون من اتبعه رشيدا ومن ضل عنه
هويا قال: فما اسمه وما دعاؤه؟ قال: اسمه على ودعاؤه: (يا دائم يا ديموم

1 - رهق كفرح: غشيه وقطعه ودنى منه.
62

يا حي يا قيوم يا كاشف الغم ويا فارج الهم ويا باعث الرسل ويا صادق
الوعد) من دعا بهذا الدعاء حشره الله عز وجل مع علي بن الحسين وكان قائده
إلى الجنة فقال له أبي: يا رسول الله فهل له من خلف ووصى؟ قال: نعم
له مواريث السماوات والأرض قال: ما معنى مواريث السماوات والأرض يا
رسول الله؟ قال: القضاء بالحق والحكم بالديانة وتأويل الاحكام وبيان ما
يكون قال: فما اسمه؟ قال: اسمه محمد وان الملائكة لتستأنس به في
السماوات ويقول في دعائه: (اللهم إن كان لي عندك رضوان وود فاغفر لي
ولمن تبعني من اخواني وشيعتي وطيب ما في صلبي) فركب الله عز وجل في
صلبه نطفة طيبه مباركه زكية وأخبرني جبرئيل عليه السلام: ان الله عز وجل
طيب هذه النطفة وسماها عنده جعفرا وجعله هاديا مهديا راضيا مرضيا يدعو
ربه فيقول في دعائه: (يا دان غير متوان يا ارحم الراحمين اجعل لشيعتي من
النار وقاء ولهم عندك رضا واغفر ذنوبهم ويسر أمورهم واقض ديونهم واستر
عوراتهم وهب لهم الكباير التي بينك وبينهم يا من لا يخاف الضيم ولا تأخذه
سنه ولا نوم اجعل لي من كل غم فرجا) من دعا بهذا الدعاء حشره الله تعالى
ابيض الوجه مع جعفر بن محمد إلى الجنة يا أبي ان تبارك وتعالى ركب
على هذه النطفة نطفة زكية مباركه طيبه انزل عليها الرحمة وسماها عنده موسى
قال له أبي يا رسول الله كأنهم يتواصفون ويتناسلون ويتوارثون ويصف بعضهم
بعضا قال: وصفهم لي جبرئيل (1) عن رب العالمين جل جلاله قال: فهل
لموسى من دعوه يدعو سوى دعاء آبائه قال: نعم يقول في دعائه: (يا
خالق الخلق وباسط الرزق وفالق الحب والنوى وبارئ النسم ومحيي الموتى
ومميت الاحياء ودائم الثبات ومخرج النبات افعل بي ما أنت أهله) من دعا بهذا
الدعاء قضى الله تعالى حوائجه وحشره يوم القيمة مع موسى بن جعفر وان
الله عز وجل ركب في صلبه نطفة مباركه زكية رضيه مرضية وسماها عنده عليا
يكون لله تعالى في خلقه رضيا في علمه وحكمه ويجعله حجه لشيعته يحتجون به
يوم القيامة وله دعاء يدعو به (اللهم اعطني الهدى وثبتني عليه وأحشر بي

1 - فيه لغات كجبرعيل وجبريل وجبرال وجبرين وغيرهن.
63

عليه آمنا آمن من لا خوف عليه ولا حزن ولا جزع انك أهل التقوى وأهل
المغفرة) وان الله عز وجل ركب في صلبه نطفة مباركه طيبه زكية رضيه مرضية
وسماها محمد بن علي فهو شفيع شيعته ووارث علم جده له علامه بينه وحجه
ظاهره إذا ولد يقول: لا اله إلا الله محمد الله (ص) ويقول في دعائه:
(يا من لا شبيه ولا مثال أنت الله الذي لا اله إلا أنت ولا خالق أنت
تفنى المخلوقين وتبقى أنت حلمت عمن عصاك والمغفرة رضاك) من دعا
بهذا الدعاء كان محمد بن علي شفيعه يوم القيامة وان الله تعالى ركب في صلبه
نطفة لا باغيه ولا طاغية باره مباركه طيبه طاهره سماها عنده علي بن محمد
فالبسها السكينة والوقار وأودعها العلوم وكل سر مكتوم من لقيه وفي صدره شئ
انباه به وحذره من عدوه ويقول في دعائه: (يا نور يا برهان يا منير يا مبين يا
رب اكفني شر الشرور وآفات الدهور وأسئلك النجاة يوم ينفخ في الصور) من
دعا بهذا الدعاء كان علي بن محمد شفيعه وقائده إلى الجنة وان الله تبارك
وتعالى ركب في صلبه نطفة وسماها عنده الحسن: فجعله نورا في بلاده وخليفة
في ارضه وعزا لامه جده وهاديا لشيعته وشفيعا لهم عند ربه ونقمه على من خالفه
وحجه لمن والاه وبرهانا لمن اتخذه إماما يقول في دعائه: (يا عزيز العز في
عزه ما أعز عزيز العز في عزه يا عزيزا عزني بعزك وأيدني بنصرك وابعد عنى
همزات الشياطين وادفع عنى بدفعك وامنع عنى بمنعك واجعلني من خيار خلقك
يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد) من دعا بهذا الدعاء حشره الله عز وجل معه
ونجاه من النار ولو وجبت عليه وان الله تبارك وتعالى ركب في صلب الحسن
نطفة مباركة زكية طيبة طاهرة مطهرة يرضى بها كل مؤمن ممن قد أخذ الله تعالى
ميثاقه في الولاية ويكفر بها كل جاحد فهو امام تقى نقى سار مرضى هادي
مهدى يحكم بالعدل ويأمر به يصدق الله تعالى ويصدقه الله تعالى في قوله يخرج
من تهامة (1) حين تظهر الدلائل والعلامات وله كنوز لا ذهب ولا فضه إلا خيول
مطهمة (2) ورجال مسومة (3) يجمع الله تعالى له من أقاصي البلاد على عده أهل

1 - التهامة بالكسر وتخفيف الميم: بلاد شرقي الحجاز والنسبة إليه تهامي - مكة.
2 - المطهم: التام من كل شئ ووجه مطهم أي مجتمع مدور جميل.
3 - وخيل المسومة أي المرعية والمسومة أيضا المعلمة.
64

بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم
وأنسابهم وبلدانهم وطبائعهم وحلاهم وكناهم كدادون مجدون في طاعته فقال له
أبي: وما دلايله وعلاماته يا رسول الله؟ قال: له علم إذا حان وقت خروجه
انتشر ذلك العلم من نفسه وأنطقه الله تعالى فناداه العلم: اخرج يا ولى الله
فاقتل أعداء الله وهما رايتان وعلامتان وله سيف مغمد فإذا حان وقت
خروجه اختلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عز وجل فناداه السيف: اخرج
يا ولى الله فلا يحل لك ان تقعد عن أعداء الله فيخرج ويقتل أعداء الله حيث
ثقفهم (1) ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله يخرج جبرئيل عليه السلام عن
يمينه وميكائيل عن يساره وسوف تذكرون ما أقول لكم ولو بعد حين
وأفوض امرى إلى الله تعالى عز وجل يا أبي طوبى لمن لقيه وطوبى لمن أحبه
وطوبى لمن قال به ينجيهم الله به من الهلكة وبالاقرار بالله وبرسوله وبجميع
الأئمة يفتح الله لهم الجنة مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي يسطع ريحه
ولا يتغير ابدا ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير لا يطفى نوره ابدا
قال أبي: يا رسول الله كيف بيان حال هؤلاء الأئمة عن الله عز وجل قال: إن
الله عز وجل انزل علي اثنا عشر صحيفة اسم كل امام على (2) خاتمه وصفته
في صحيفته.
30 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق (3) الرازي قال: حدثنا سعد بن
عبد الله قال: حدثنا الهيثم بن أبي مسروق النهدي (4) عن الحسين بن
علوان عن عمرو بن خالد عن سعد بن طريف (5) عن الأصبغ بن نباته
عن عبد الله بن عباس قال: سمعت رسول الله (ص) يقول انا وعلى

1 - ثقفه كسمعه: صادفه وأخذه أو ظفر به أو أدركه.
2 - خ ل (في).
3 - وفي نسخة أخرى (علي بن إبراهيم) قال أبو علي: علي بن إبراهيم الوراق الرازي من الثقة
كذا قال الصدوق (ره) في العيون أستاذه من تلامذة سعد بن عبد الله. وقال أيضا علي بن عبد الله
الوراق يروي عنه الصدوق.
4 - وفي بعض النسخ الهندي.
5 - سعد بن طريف الحنظلي الإسكاف مولى بني تميم السكوني روى عن الأصبغ بن نباتة وهو
صحيح الحديث.
65

والحسن والحسين وتسعه ولد الحسين (1) مطهرون معصومون.
31 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيى
زكريا القطان قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدثنا الفضل
بن الصقر العبدي قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبابه بن
الربعي عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله (ص) انا سيد
النبيين وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين وان أوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم
علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم القائم.
32 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال:
حدثنا محمد بن معقل القرميسيني (2) قال: حدثنا محمد بن عبد الله البصري
قال: حدثنا إبراهيم بن مهزم عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام عن
آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اثنا عشر من أهل
بيتي أعطاهم الله فهمي وعلمي وحكمتي وخلقهم طينتي فويل للمنكرين
عليهم بعدي القاطعين فيهم صلتي ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي.
33 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن همام أبو علي عن عبد الله بن جعفر الحميري عن
الحسن بن موسى الخشاب عن أبي المثنى النخعي عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله كيف تهلك أمه وعلى وأحد عشر من ولدى أولوا الألباب
ولها والمسيح بن مريم آخرها ولكن يهلك بين ذلك من لست منه ومنى.
34 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا أبي عن
محمد بن عبد الجبار عن أبي أحمد محمد بن زياد الأزدي عن أبان بن عثمان
عن ثابت بن دينار عن سيد العابدين علي بن الحسين عن سيد الشهداء
الحسين بن علي عن سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه

1 - وفي بعض النسخ بدل (وتسعة من ولد الحسين) والتسعة من ذرية الحسين.
2 - القرميسين بالكسر: بلد قرب الدينور.
66

السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله الأئمة من بعدي اثنا عشر ولهم
أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله تبارك وتعالى ذكره على يديه مشارق
الأرض ومغاربها.
35 - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما
قالا: حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمد بن يحيى
العطار وأحمد بن إدريس جميعا قالوا: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي
قال: حدثنا أبي هاشم (1) داود بن القاسم الجعفري عن أبي جعفر محمد بن علي
الباقر عليهما السلام قال: اقبل أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم ومعه
الحسن بن علي عليهما السلام وسلمان الفارسي رضي الله عنه وأمير المؤمنين
عليه السلام متكئ على يد سلمان فدخل المسجد الحرام إذ اقبل رجل حسن
الهيئة واللباس فسلم على أمير المؤمنين عليه السلام فرد عليه السلام
فجلس ثم قال: يا أمير المؤمنين عليه السلام أسألك عن ثلاث مسائل ان
أخبرتني بهن علمت أن القوم قد ركبوا من امرك ما أقضي عليهم انهم ليسوا
بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم وان تكن الأخرى علمت أنك وهم شرع (2)
سواء فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: سلني عما بدا لك فقال: اخبرني
عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن
الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال لا فالتفت أمير المؤمنين عليه السلام
إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام فقال: يا أبا محمد أجبه فقال
عليه السلام أما ما سالت عنه من أمر الانسان إذا نام أين تذهب روحه؟ فإن ر
روحه متعلقه بالريح والريح متعلقه بالهواء إلى وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة
فإن اذن الله تعالى برد تلك الروح على صاحبها جذبت تلك الريح الروح
وجذبت تلك الريح الهواء فرجعت الروح فأسكنت في بدن صاحبها وان لم
يأذن الله عز وجل برد تلك الروح على صاحبها جذب الهواء الريح وجذبت
الريح الروح فلم ترد على صاحبها إلى وقت ما يبعث وأما ما ذكرت من أمر

1 - ثقة جليل من أصحاب أبي جعفر الثاني وأبي الحسن الثالث وأبي محمد عليهم السلام.
2 - شرع بفتح الراء وسكونها أيضا قال في الصحاح: وقولهم (في هذا الامر شرع) أي سواء
يحرك ويسكن يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث.
67

الذكر والنسيان فإن قلب الرجل في حق وعلى الحق طبق فإن صلى الرجل
على ذلك على محمد وآل محمد صلاه تامه انكشف ذلك الطبق عن ذلك
الحق فأضاء القلب وذكر الرجل ما كان نسي فإن هو لم يصل محمد وآل
محمد أو نقص من الصلاة عليهم انطبق الطبق على ذلك الحق فأظلم
القلب ونسي الرجل ما كان ذكره واما ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه
وأخواله فإن الرجل إذا اتى أهله فجامعها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير
مضطرب فاستكنت تلك النطفة في جوف الرحم خرج الولد يشبه أباه وأمه
وان هو اتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت
النطفة فوقعت حال اضطرابها على بعض العروق فإن وقعت على عرق من
عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه وان وقعت على عرق من عروق الأخوال
أشبه الولد أخواله فقال الرجل: اشهد لا اله إلا الله ولم أزل اشهد بها
وأشهد أن محمدا رسول الله ولم أزل اشهد بذلك واشهد انك وصى رسوله
والقائم بحجته وأشار إلى أمير المؤمنين عليه السلام ولم أزل اشهد بها واشهد
انك وصيه والقائم بحجته بعدك وأشار إلى الحسن عليه السلام واشهد ان
الحسين بن علي وصى أبيك والقائم بحجته بعدك واشهد على علي بن الحسين
انه القائم بأمر الحسين بعده واشهد على محمد بن علي انه القائم بأمر علي بن
الحسين بعده واشهد على جعفر بن محمد أنه القائم بأمر محمد بن علي
واشهد على موسى بن جعفر انه القائم بأمر جعفر بن محمد واشهد على علي
بن موسى انه القائم بأمر موسى بن جعفر واشهد على محمد بن علي انه القائم
بأمر علي بن موسى واشهد على علي بن محمد انه القائم بأمر محمد بن علي
واشهد على الحسن بن علي القائم بأمر علي بن محمد واشهد على رجل من
ولد الحسن بن علي لا يكنى (1) ولا يسمى حتى يظهر في الأرض امره فيملأها

1 - قوله: لا يكنى يعني بأبي القاسم وفي هذا الحديث دلالة على استمرار تحريم التسمية إلى
وقت ظهوره عليه السلام. وبه قال أكثر علمائنا سيما أرباب الحديث منهم لان في الاختيار لا يسميه
باسمه الا كافر حتى يظهر وذهب صاحب كشف الغمة ونصير الدين الطوسي وبهاء الملة والدين إلى
جوازه في هذه الأعصار لعدم التقية وحملوا اخبار النهي على أعصار الخوف والتقية والأول هو الأظهر من
الأحاديث وموافق للأولى والأحوط.
68

عدلا كما ملئت جورا انه القائم بأمر الحسن بن علي والسلام عليك يا أمير
المؤمنين ورحمه الله وبركاته ثم قام ومضى فقال أمير المؤمنين عليه السلام يا أبا
محمد اتبعه فانظر أين يقصد؟ فخرج الحسن عليه السلام في اثره قال: فما كان
إلا أن وضع رجله خارجا المسجد فما دريت أين أخذ من ارض الله عز
وجل؟ فرجعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأعلمته فقال: يا أبا محمد
أتعرفه؟ فقلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين اعلم فقال: هو الخضر عليه
السلام.
36 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال:
حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي
قال: أخبرنا وكيع عن الربيع بن سعد عن عبد الرحمن بن سليط قال:
قال الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: منا اثنا عشر مهديا أولهم أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم التاسع من ولدى وهو القائم
بالحق يحيى الله تعالى به الأرض موتها ويظهر به دين الحق على الدين كله
ولو كره المشركون له غيبه يرتد فيها قوم ويثبت على الدين فيها آخرون فيؤذون
فيقال لهم: متى هذا الوعد ان كنتم صادقين أما ان الصابر في غيبته على الأذى
والتكذيب بمنزله المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (ص)
37 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه
قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني قال: حدثنا أبو عبد الله العاصمي عن
الحسين بن قاسم بن أيوب عن الحسن بن محمد بن سماعه عن ثابت
الصباغ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:
منا اثنا عشر مهديا مضى سته وبقى سته ويصنع الله في السادس ما
أحب.
وقد أخرجت الاخبار التي رويتها في هذا المعنى في كتاب كمال الدين وتمام
النعمة في اثبات الغيبة وكشف الحيرة والله تعالى اعلم.
69

7 - باب
جل من اخبار موسى بن جعفر عليهما السلام
(مع هارون الرشيد ومع موسى بن المهدى)
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد
الله عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن صالح بن علي بن عطيه
قال: كان السبب في وقوع موسى بن جعفر عليهما السلام إلى بغداد: ان
هارون الرشيد أراد ان يقعد الامر لابنه محمد بن زبيدة وكان من البنين له
أربعة عشر ابنا فاختار منهم ثلاثة محمد بن زبيدة وجعله ولى عهده وعبد الله
المأمون وجعل الامر له بعد ابن زبيدة والقاسم المؤتمن وجعل له الامر من بعد
المأمون فأراد ان يحكم الامر ذلك ويشهره شهره يقف عليها الخاص والعام
فحج في سنه تسع وسبعين ومأة وكتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء
والقراء والامراء ان يحضروا مكة أيام الموسم فاخذ هو طريق المدينة قال علي
بن محمد النوفلي: فحدثني أبي انه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن
جعفر عليهما السلام وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد
ابن الأشعث فساء ذلك يحيى وقال: إذا مات الرشيد وأفضى الامر إلى محمد
انقضت دولتي ودوله ولدى وتحول الامر إلى جعفر بن محمد بن الأشعث وولده
وكان قد عرف مذهب جعفر في التشيع فاظهر له انه على مذهبه فسر جعفر
وأفضى إليه بجميع أموره وذكر له ما عليه في موسى بن جعفر عليه السلام
فلما وقف على مذهبه سعى به إلى الرشيد وكان الرشيد يرعى له موضعه
وموضع من نصرة الخلافة فكان يقدم في امره ويؤخر ويحيى لا يألو ان
70

يخطب عليه إلى أن دخل يوما إلى الرشيد فاظهر له اكراما وجرى بينهما كلام
مزية جعفر لحرمته وحرمه أبيه فامر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار
فامسك يحيى عن أن يقول فيه شيئا حتى امسى ثم قال للرشيد: يا
أمير المؤمنين قد كنت أخبرتك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه وهيهنا أمر فيه
الفيصل قال: وما هو؟ قال: إنه لا يصل إليه مال من جهة الجهات إلا
اخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر ولست أشك انه قد فعل ذلك في
العشرين الألف دينار التي أمرت بها له فقال هارون: ان في هذا لفيصلا
فأرسل إلى جعفر ليلا وقد كان عرف سعاية يحيى به فتباينا وأظهر كل واحد
منهما لصاحبه العداوة فلما طرق جعفر رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد
سمع فيه قول يحيى وانه (1) إنما دعاه ليقتله فأفاض عليه ماء ودعا بمسك وكافور
فتحنط بهما ولبس برده فوق ثيابه واقبل إلى الرشيد فلما وقعت عليه عينه وشم
رائحة الكافور ورأي البردة عليه قال: يا جعفر ما هذا؟ فقال: يا أمير
المؤمنين قد علمت أنه (2) سعى بي عندك فلما جاءني رسولك في هذه الساعة
لم آمن أن يكون قد قرح في قلبك ما يقول على فأرسلت إلى لتقتلني قال:
كلا ولكن قد خبرت انك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل ما يصير إليك
بخمسه وانك فعلت بذلك في العشرين الألف دينار فأحببت ان اعلم
ذلك فقال جعفر: الله أكبر يا أمير المؤمنين تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك
بها بخواتيمها فقال الرشيد لخادم له: خذ خاتم جعفر وانطلق به تأتيني
بهذا المال وسمى له جعفر جاريته التي عندها المال فدفعت إليه البدر
بخواتيمها فاتى بها الرشيد فقال له جعفر: هذا أول ما تعرف به كذب من
سعى بي إليك قال: صدقت يا جعفر انصرف آمنا فانى لا اقبل فيك
قول أحد قال وجعل يحيى يحتال في اسقاط جعفر. قال النوفلي: فحدثني علي بن
الحسن بن علي بن عمر بن علي عن بعض مشايخه وذلك حجه
الرشيد قبل هذه الحجة قال: لقيني علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فقال
لي: ما لك قد أخملت نفسك؟! ما لك لا تدبر أمور الوزير؟ فقد ارسل إلى

1 - أي هارون الرشيد.
2 - اي يحيى.
71

فعادلته وطلبت الحوائج إليه وكان سبب ذلك ان يحيى خالد قال ليحيى بن
أبي مريم: الا تدلني على رجل من آل أبي طالب له رغبه في الدنيا فأوسع له منها
قال: بلى أدلك على رجل بهذه الصفة وهو علي بن إسماعيل بن جعفر فأرسل
إليه يحيى فقال: اخبرني عن عمك (1) وعن شيعته والمال الذي يحمل إليه
فقال له: عندي الخبر وسعى بعمه فكان من سعايته ان قال: من كثره المال
عنده انه اشترى ضيعه تسمى البشرية بثلاثين ألف دينار فلما أحضر المال
قال البايع: لا أريد هذا النقد أريد نقدا كذا وكذا فامر بها فصبت في بيت
ماله واخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد ووزنه في ثمن الضيعة قال
النوفلي: قال أبي: وكان موسى بن جعفر عليهما السلام يأمر لعلي بن إسماعيل
ويثق به حتى ربما خرج الكتاب منه بعض شيعته بخط علي بن إسماعيل
ثم استوحش منه فلما أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفر
ان عليا ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق فأرسل إليه مالك
والخروج مع السلطان؟! قال: لأن على دينا فقال: دينك على قال:
فتدبير عيالي؟! قال: انا أكفيهم فأبى إلا الخروج فأرسل إليه مع أخيه محمد بن
إسماعيل بن جعفر بثلاثمأة دينار وأربعة آلاف درهم فقال له: اجعل هذا في
جهازك ولا تؤتم ولدى.
2 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب رضي الله عنه
قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن
موسى بن القاسم البجلي (2) عن علي بن جعفر قال: جاءني محمد بن
إسماعيل بن جعفر بن محمد وذكر لي: ان محمد بن جعفر دخل على هارون
الرشيد فسلم عليه بالخلافة ثم قال له: ما ظننت ان الأرض خليفتين حتى
رأيت أخي موسى بن جعفر عليهما السلام يسلم عليه بالخلافة وكان ممن سعى

1 - وعمه موسى بن جعفر عليهما السلام لان إسماعيل أبوه وهو أخو موسى بن جعفر عليهما
السلام.
2 - موسى بن القاسم بن معاوية بن وهب يلقب البجلي من أصحاب الإمام الرضا عليه
السلام كوفي ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة يروي عن علي بن جعفر وعن صباح الحذاء.
72

بموسى بن جعفر عليهما السلام يعقوب بن داود وكان يرى رأى الزيدية.
3 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال:
حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الله عن علي بن
محمد بن سليمان النوفلي قال: حدثنا إبراهيم بن أبي البلاد قال: كان
يعقوب بن داود يخبرني قد قال بالإمامة فدخلت عليه بالمدينة في الليلة التي
أخذ فيها موسى بن جعفر عليهما السلام في صبيحتها فقال لي: كنت عند
الوزير الساعة يعنى يحيى بن خالد فحدثني انه سمع الرشيد يقول عند قبر
رسول الله صلى الله عليه وآله كالمخاطب له: بابى أنت وأمي يا رسول الله انى اعتذر إليك
من أمر قد عزمت عليه فانى أريد ان آخذ موسى بن جعفر فاحبسه لأني قد
خشيت ان يلقى بين أمتك حربا تسفك فيها دماؤهم وانا أحسب انه سيأخذه
غدا فلما كان من الغد ارسل إليه الفضل الربيع وهو قائم يصلى في مقام
رسول الله (ص) فامر بالقبض عليه وحبسه.
4 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد الله بن صالح قال: حدثني صاحب
الفضل بن الربيع عن الفضل بن الربيع قال: كنت ذات ليله في فراشي مع
بعض جواري فلما كان في نصف الليل سمعت حركه باب المقصورة فراعني
ذلك فقالت الجارية: لعل هذا من الريح فلم يمض إلا يسير حتى رأيت
باب البيت الذي كنت فيه قد فتح وإذا مسرور الكبير (1) قد دخل على فقال لي:
أجب الأمير ولم يسلم على فآيست في نفسي وقلت: هذا مسرور دخل إلى
بلا اذن ولم يسلم ما هو إلا القتل وكنت جنبا فلم أجسر ان أساله أنظاري
حتى اغتسل فقالت الجارية لما رأت تحيري وتبلدي: ثق بالله عز وجل
وانهض فنهضت ولبست ثيابي وخرجت معه حتى أتيت الدار فسلمت
أمير المؤمنين وهو في مرقده فرد على السلام فسقطت فقال: تداخلك رعب؟
قلت: نعم يا أمير المؤمنين فتركني ساعة حتى سكنت ثم قال لي: سر إلى
حبسنا فاخرج موسى بن جعفر بن محمد وادفع إليه ثلاثين ألف درهم فاخلع

1 - كان من ملازمي هارون الرشيد.
73

عليه خمس خلع واحمله على ثلاث مراكب وخيره بين المقام معنا أو الرحيل عنا
إلى أي بلد أراد وأحب فقلت: يا أمير تأمر باطلاق موسى بن
جعفر؟ قال لي: نعم فكررت ذلك عليه ثلاث مرات فقال لي: نعم ويلك
أتريد ان أنكث العهد؟! فقلت: يا أمير المؤمنين وما العهد؟ قال: بينا في
مرقدي هذا إذ ساورني اسود ما رأيت من السودان أعظم منه فقعد على
صدري وقبض على حلقي وقال لي: حبست موسى بن جعفر ظالما له؟!
فقلت: فانا أطلقه واهب له واخلع عليه فاخذ على عهد الله عز وجل وميثاقه
وقام عن صدري وقد كادت نفسي تخرج فخرجت من عنده ووافيت موسى
بن جعفر عليهما السلام وهو في حبسه فرأيته قائما يصلى فجلست حتى سلم ثم
أبلغته سلام أمير المؤمنين وأعلمته بالذي امرني به في امره وانى قد أحضرت
أوصله به فقال: ان كنت أمرت بشئ غير هذا فافعله فقلت: لا وحق
جدك رسول الله (ص) ما أمرت الا بهذا قال: لا حاجه لي في الخلع
والحملان والمال إذا كانت فيه حقوق الأمة فقلت: ناشدتك بالله لا ترده
فيغتاظ فقال: اعمل به ما أحببت فأخذت بيده عليه السلام وأخرجته من
السجن ثم قلت له: يا بن رسول الله اخبرني السبب الذي نلت به هذه
الكرامة من هذا الرجل؟ فقد وجب حقي عليك لبشارتي إياك ولما أجراه الله
على يدي من هذا الامر فقال عليه السلام: رأيت النبي (ص) ليله الأربعاء
في النوم فقال لي: يا موسى أنت محبوس مظلوم؟! فقلت: نعم يا رسول
الله (ص) محبوس مظلوم فكرر على ذلك ثلاثا ثم قال: (وان أدرى لعله
فتنه لكم ومتاع إلى حين) أصبح غدا صائما واتبعه بصيام الخميس والجمعة
فإذا كانت وقت الافطار فصل اثنا عشر ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد مره واثنا
عشر مره قل هو الله أحد فإذا صليت منها أربع ركعات فاسجد ثم قل
(يا سابق الفوت ويا سامع كل صوت يا محيي العظام وهي رميم بعد الموت
أسألك باسمك العظيم الأعظم ان تصلى على محمد عبدك ورسولك وعلى أهل
بيته الطيبين وتعجل لي الفرج مما انا فيه) ففعلت فكان الذي رأيت.
5 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثني محمد بن الحسن المدني عن أبي عبد الله
74

ابن الفضل عن أبيه الفضل قال: كنت أحجب الرشيد فاقبل على يوما
غضبانا وبيده سيف يقلبه فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول الله (ص) لئن
لم تأتني بابن عمى الان لأخذن الذي فيه عيناك فقلت: بمن أجيئك؟ فقال:
بهذا الحجازي فقلت: وأي الحجازي؟ قال: موسى جعفر بن محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: الفضل فخفت من
الله عز وجل ان أجئ به إليه ثم فكرت في النقمة فقلت له: افعل فقال:
آتيني بسوطين وهسارين وجلادين قال: فاتيته بذلك ومضيت إلى منزل أبي
إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام فأتيت إلى خربه فيها كوخ من جرايد
النخل فإذا انا بغلام اسود فقلت له: استأذن لي على مولاك يرحمك الله فقال
لي: لج فليس له حاجب ولا بواب فولجت إليه فإذا انا بغلام اسود بيده
مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين (1) انفه من كثره سجوده فقلت: له السلام
عليك يا بن رسول الله أجب الرشيد فقال: ما للرشيد وما لي؟ اما تشغله
نقمته عنى؟ ثم وثب مسرعا وهو يقول: لولا انى سمعت في خبر عن جدي
رسول الله (ص) ان طاعة السلطان للتقية واجبه إذا ما جئت فقلت له:
استعد للعقوبة يا أبا إبراهيم رحمك الله فقال عليه السلام: أليس معي من
يملك الدنيا والآخرة؟! ولن يقدر اليوم على سوء بي إن شاء الله تعالى قال:
فضل بن الربيع فرأيته وقد أدار يده عليه السلام يلوح بها على رأسه عليه
السلام ثلاث مرات فدخلت على الرشيد فإذا هو كأنه امرأة ثكلى قائم
حيران فلما رآني قال لي: يا فضل فقلت: لبيك فقال جئتني بابن عمى؟
قلت: نعم قال: لا تكون أزعجته فقلت: لا قال: لا تكون أعلمته اني عليه
غضبان فانى قد هيجت على نفسي ما لم أرده ائذن له بالدخول فاذنت
له فلما رآه وثب إليه قائما وعانقه وقال له: مرحبا بابن عمى وأخي ووارث
نعمتي ثم أجلسه على فخذيه فقال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال سعة ملكتك وحبك للدنيا فقال: ايتوني بحقه الغالية فاتى بها فغلفه بيده ثم
أمر ان يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير موسى بن جعفر عليهما

1 - عرنين الانف: تحت مجمع الحاجبين وهو أول الانف. أول كل شئ.
75

السلام: والله لولا انى أرى أزوج بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع
نسله ابدا ما قبلتها ثم تولى عليه وهو يقول: الحمد لله رب العالمين فقال:
الفضل يا أمير المؤمنين أردت ان تعاقبه فخلعت عليه وأكرمته فقال لي: يا
فضل انك لما مضيت لتجيئني رأيت أقواما قد احدقوا بداري بأيديهم حراب
قد غرسوها في أصل الدار يقولون: ان اذى ابن رسول الله خسفنا به وان
أحسن إليه انصرفنا عنه وتركناه فتبعته عليه السلام فقلت له: ما الذي قلت:
حتى كفيت أمر الرشيد فقال دعاء جدي علي بن أبي طالب كان إذا دعا به ما
برز إلى عسكر إلا هزمه ولا إلى فارس إلا قهره وهو دعاء كفاية البلاء قلت:
وما هو؟ قال: قلت: (بك أساور وبك أحاول وبك أجاور وبك
أصول وبك انتصر وبك أموت وبك أحيا أسلمت نفسي إليك وفوضت
امرى إليك ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم اللهم انك خلقتني
ورزقتني وسترتني عن العباد بلطف ما خولتني وأغنيتني إذا هويت رددتني وإذا
عثرت قومتني وإذا مرضت شفيتني وإذا دعوت أجبتني يا سيدي ارض عنى
فقد أرضيتني).
6 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم
عن أبيه عن عثمان بن عيسى عن أصحابه قال: قال أبو يوسف للمهدى
وعنده موسى بن جعفر عليه السلام: تأذن لي ان أسأله عن مسائل ليس عنده
فيها شئ؟ فقال له: نعم فقال لموسى بن جعفر عليه السلام أسئلك؟ قال:
نعم قال: ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: يصلح قال: فيضرب
الخباء في الأرض ويدخل البيت؟ قال: نعم قال: فما الفرق بين هذين؟
قال أبو الحسن عليه السلام: ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة؟ قال: لا
قال: فتقضى الصوم؟ قال: نعم قال: ولم؟ قال: هكذا جاء قال أبو
الحسن عليه السلام: وهكذا جاء هذا فقال المهدى لأبي يوسف: ما أراك
صنعت شيئا؟! قال: رماني بحجر دامغ (1)
7 - حدثنا أحمد بن يحيى المكتب قال: حدثنا أبو الطيب أحمد بن محمد

1 - الدامغة: شجة تبلغ الدماغ فتقتل لوقتها.
76

الوراق قال: حدثنا علي بن هارون الحميري قال: حدثنا علي بن محمد بن
سليمان النوفلي قال: حدثني أبي عن علي بن يقطين قال: انهى الخبر إلى أبي
الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وعنده جماعه من أهل بيته بما عزم إليه
موسى بن المهدى في امره فقال لأهل بيته: ما تشيرون؟ قالوا: نرى ان
تتباعد عنه وان تغيب شخصك فإنه يؤمن شره فتبسم أبو الحسن عليه
السلام ثم قال:
شعر:
زعمت سخينه (1) ان ستغلب ربها وليغلبن مغالب الغلاب.
ثم قال: رفع يده السماء فقال: (اللهم كم من عدو شحذ (2) لي ظبة
مديته وارهف لي شباحده وداف لي قواتل سمومه ولم تنم عنى عين حراسته
فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح وعجزي ذلك عن ملمات الحوائج
صرفت عني بذلك بحولك وقوتك لا بحولي وقوتي فألقيته في الحفير الذي
احتفره خائبا مما أمله في دنياه متباعدا مما رجاه آخرته فلك الحمد على
ذلك قدر استحقاقك سيدي اللهم فخذه بعزتك وأقلل حده عنى بقدرتك
واجعل له شغلا فيما يليه وعجزا عمن يناويه اللهم واعدني عليه من عدوى
حاضره تكون من غيظي شفاء ومن حقي عليه وفاء وصل اللهم دعائي
بالإجابة وأنظم شكايتي بالتغيير وعرفه عما قليل ما وعدت الظالمين وعرفني ما
وعدت في اجابه المضطرين انك ذو الفضل العظيم والمن الكريم) قال: ثم
تفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد عليه بموت موسى بن المهدى
ففي ذلك يقول بعض من حضر موسى بن جعفر عليهما السلام من أهل بيته
شعرا:
وسارية لم تسر في الأرض تبتغي * محلا ولم تقطع بها البعد قاطع
سرت حيث تجدى الركاب ولم تنخ * لو رد ولم يقصر لها العبد مانع

1 - سخينة: اسم قريش.
2 - شحذ: حدد ظبة السهم والسيف طرفه المدية بالضم: الشفرة. أرهضت السيف: حددته
ورفقته. شباحده: طرف حدته.
77

تمر وراء الليل والليل ضارب * بحثمانه فيه سمير وهاجع
تفتح أبواب السماء ودونها * إذا قرع الأبواب منهن قارع
إذا وردت لم يرد الله وفدها * على أهلها والله رأى وسامع
واني لأرجو الله حتى كأنما * أرى بجميل الظن ما الله صانع
8 - حدثنا أبو أحمد هاني بن محمد بن محمود العبدي رضي الله عنه
قال: حدثني أبي باسناده رفعه: ان موسى بن جعفر عليهما السلام دخل على
الرشيد فقال له الرشيد: يا بن رسول الله اخبرني الطبايع الأربع فقال
موسى عليه السلام: أما الريح فإنه ملك يدارى وأما الدم فإنه عبد غارم (1)
وربما قتل العبد مولاه وأما البلغم فإنه خصم جدل ان سددته من جانب انفتح
من آخر وأما المرة (2) فإنها الأرض إذا اهتزت (3) رجفت بما فوقها فقال له
هارون: يا بن رسول الله تنفق الناس من كنوز الله ورسوله.
9 - حدثنا أبو أحمد هاني محمد بن محمود العبدي قال: حدثنا بن
محمود باسناده رفعه إلى موسى بن جعفر عليه السلام: أنه قال: لما دخلت على
الرشيد سلمت عليه فرد علي السلام ثم قال: يا موسى بن جعفر خليفتين يجبى
إليهما الخراج؟! فقلت: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله ان تبوء بإثمي وإثمك
وتقبل الباطل من أعدائنا علينا فقد علمت أنه قد كذب علينا منذ قبض
رسول الله (ص) بما علم ذلك عندك فإن رأيت بقرابتك من رسول الله
(ص) ان تأذن لي أحدثك بحديث اخبرني به أبي عن آبائه عن جده
رسول الله (ص) فقال: قد أذنت لك فقلت: اخبرني أبي عن آبائه
عن جده رسول الله (ص) أنه قال: إن الرحم إذا مست الرحم تحركت
واضطربت فناولني يدك جعلني الله فداك فقال: ادن فدنوت منه فاخذ
بيدي ثم جذبني إلى نفسه وعانقني طويلا ثم تركني وقال: اجلس يا موسى
فليس عليك باس فنظرت فإذا انه قد دمعت عيناه فرجعت إلى نفسي

1 - عبد غارم شرس سئ الخلق.
2 - المرة: الصفراء.
3 - اهتزت تحركت. الرجفة: الزلزلة. وفي بعض النسخ الخطية (رجعت) بدل (رجفت).
78

فقال: صدقت وصدق جدك (ص) لقد تحرك دمى واضطربت عروقي حتى
غلبت على الرقة وفاضت عيناي وانا أريد ان أسئلك عن أشياء تتلجلج (1) في
صدري منذ حين لم اسأل عنها أحدا فإن أنت أجبتني عنها خليت عنك ولم اقبل
قول أحد فيك وقد بلغني انك لم تكذب قط فأصدقني عما أسألك مما
قلبي فقلت: ما كان علمه عندي فانى مخبرك ان أنت امنتني فقال لك
الأمان ان صدقتني وتركت التقية التي تعرفون بها معشر بني فاطمة فقلت:
اسأل يا أمير المؤمنين عما شئت قال: اخبرني لم فضلتم علينا ونحن في شجره
واحده وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد انا بنو العباس وأنتم ولد أبي طالب
وهما عما رسول الله (ص) وقرابتهما منه سواء؟! فقلت: نحن أقرب قال:
وكيف ذلك؟ قلت: لأن عبد الله وأبا طالب لأب وأم وأبوكم العباس ليس هو
من أم عبد الله ولا من أم أبي طالب قال: فلم ادعيتم انكم ورثتم النبي
(ص) والعم يصحب ابن العم وقبض رسول الله (ص) وقد توفى أبو طالب قبله
والعباس عمه حي؟ فقلت له: ان رأى أمير المؤمنين ان يعفيني من هذه المسألة
ويسألني عن كل باب سواه يريده فقال: لا أو تجيب فقلت: فآمني
فقال: قد آمنتك قبل الكلام فقلت: ان في قول علي بن أبي طالب عليه
السلام: انه ليس مع ولد الصلب ذكرا كان أو أنثى لاحد سهم إلا للأبوين
والزوج والزوجة ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث ولم ينطق به الكتاب إلا أن
تيما وعديا وبني أمية (2) قالوا العم: والد رأيا منهم بلا حقيقة ولا اثر عن
الرسول (ص) ومن قال بقول علي عليه السلام من العلماء فقضاياهم خلاف
قضايا هؤلاء نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي عليه السلام
وقد حكم به وقد ولاه أمير المؤمنين (3) المصرين الكوفة والبصرة وقد قضى به
فأنهى إلى أمير المؤمنين فامر باحضاره واحضار من يقول بخلاف قوله منهم
سفيان الثوري وإبراهيم المدني والفضيل بن عياض فشهدوا: انه قول علي عليه
السلام في هذه المسألة فقال لهم فيما أبلغني بعض العلماء أهل

1 - التلجلج: التردد في الكلام.
2 - المراد بالتيم هنا أبو بكر والعدي عمر وبني أمية عثمان ومعاوية ومروان وبنو مروان.
3 - المراد به هارون الرشيد.
79

الحجاز (1) فلم لا تفتون به وقد قضى به نوح بن دراج؟ فقالوا: جسر نوح
وجبنا وقد امضى أمير المؤمنين عليه السلام قضية يقول قدماء العامة عن
النبي (ص): أنه قال: على أقضاكم وكذلك قال عمر بن الخطاب: على
أقضانا وهو اسم جامع لأن جميع ما مدح به النبي (ص) أصحابه من
القراءة والفرائض والعلم داخل في القضاء.
قال: زدني يا موسى قلت: المجالس بالأمانات وخاصه مجلسك
فقال: لا باس عليك فقلت: ان النبي (ص) لم يورث من لم يهاجر ولا أثبت
له ولاية حتى يهاجر فقال: ما حجتك فيه؟ فقلت: قول الله تعالى (والذين
آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ يهاجروا) (2) وان عمى
العباس لم يهاجر فقال لي: أسئلك يا موسى هل أفتيت بذلك أحدا من
أعدائنا أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشئ؟ فقلت: اللهم لا
وما سألني عنها إلا أمير المؤمنين ثم قال: لم جوزتم للعامة والخاصة ان
ينسبوكم إلى رسول الله (ص) ويقولون لكم: يا بني رسول الله (ص) وأنتم بنو
على وإنما ينسب المرء إلى أبيه وفاطمة إنما هي وعاء والنبي (ص) جدكم من
قبل أمكم؟ فقلت: يا أمير المؤمنين لو أن النبي (ص) نشر فخطب إليك كريمتك
هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله ولم لا أجيبه؟ بل افتخر علي العرب
والعجم وقريش بذلك فقلت له: لكنه (ص) لا يخطب إلى ولا أزوجه (3)
فقال: ولم؟ فقلت: لأنه (ص) ولدني ولم يلدك فقال: أحسنت يا موسى
ثم قال: كيف قلتم: انا ذريه النبي (ص) والنبي (ص) لم يعقب وإنما العقب
للذكر لا للأنثى: وأنتم ولد البنت ولا يكون لها عقب؟! فقلت: أسألك يا
أمير المؤمنين بحق القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفاني عن هذه المسألة فقال:
لا أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد على وأنت يا موسى يعسوبهم (4) وامام زمانهم

1 - ومراده من بعض العلماء هو موسى بن جعفر عليهما السلام.
2 - سورة الأنفال. الآية 72: نزلت في الميراث وكانوا يتوارثون بالهجرة وكانوا يعملون بذلك
حنى نزلت وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فنسختها.
3 - أي ولا أزوج كريمتي منه قط.
4 - اليعسوب السيد والرئيس والمقدم.
80

كذا انهى إلى ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجه من
كتاب الله تعالى وأنتم تدعون معشر ولد على أنه لا يسقط عنكم منه بشئ (1) الف
ولا واو إلا وتأويله عندكم واحتججتم بقوله عز وجل (ما فرطنا في
الكتاب من شئ) (2) وقد استغنيتم عن رأى العلماء وقياسهم فقلت: تأذن
لي في الجواب: قال: هات قلت: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله
الرحمن الرحيم ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون
وكذلك نجزى المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى والياس) (3) من أبو عيسى يا
أمير المؤمنين؟ فقال: ليس لعيسى أب فقلت: إنما ألحقناه بذراري الأنبياء
عليهم السلام من طريق مريم عليها السلام وكذلك ألحقنا بذراري النبي (ص)
من قبل أمنا فاطمة عليها السلام أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال: هات قلت:
قول الله عز وجل (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا
ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنه
الله على الكاذبين) (4) ولم يدع أحد انه ادخل (5) النبي (ص) تحت الكساء عند
المباهلة للنصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين فكان تأويل
قوله تعالى (أبنائنا) الحسن والحسين ونساءنا فاطمة وأنفسنا علي بن أبي
طالب عليهم السلام على أن العلماء قد اجمعوا على أن جبرئيل عليه السلام
قال يوم أحد: يا محمد ان هذه لهى المواساة من على قال: لأنه منى وانا
منه فقال جبرئيل: وانا منكما يا رسول الله (ص) ثم قال: لا سيف إلا
ذو الفقار ولا فتى إلا علي فكان كما مدح الله تعالى به خليله عليه السلام: إذ

1 - وفي نسخة أخرى: شئ.
2 - الانعام: الآية 38.
3 - الانعام: الآية 84 و 85. والضمير في ذريته يرجع إلى إبراهيم عليه السلام.
4 - سورة آل عمران: الأيد 61. المباهلة الملاعنة.
5 - لا يخفى ان في عبارة المتن اضطرابا واضحا وذلك أن موضوع ادخال النبي عليا وولديه
الحسن والحسين وأمهما فاطمة تحت الكساء موضوع منفرد عن موضوع المباهلة وإن كان الافراد الذي
أخرجهم (ص) للمباهلة بينهم الافراد الذي أدخلهم تحت الكساء الا ان هاتين القضيتين في زمانين
ومحلين لا ربط لأحدهما بالأخرى كما هو محرر في الكتب الخاصة والعامة جميعا فليتدبر.
81

يقول: (فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) (1) انا معشر بني عمك نفتخر بقول
جبرئيل: انه منا فقال: أحسنت يا موسى ارفع إلينا حوائجك فقلت له:
أول حاجه ان تأذن لابن عمك ان يرجع إلى حرم جده والى عياله فقال:
ننظر انشاء الله تعالى فروى: انه أنزله عند السندي بن شاهك فزعم أنه توفى
عنده والله أعلم.
10 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الله
عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال: سمعت أبي يقول: لما قبض الرشيد
على موسى جعفر عليهما السلام قبض عليه وهو عند رأس النبي (ص) قائما
يصلى فقطع عليه صلاته وحمل وهو يبكى ويقول: أشكو إليك يا رسول الله
ما القى واقبل من كل جانب يبكون ويصيحون فلما حمل إلى يدي
الرشيد شتمه وجفاه فلما جن عليه الليل أمر ببيتين فهيا له فحمل موسى بن
جعفر عليهم السلام إلى أحدهما في خفاء ودفعه إلى حسان السروي وأمره بان
يصير به في قبة إلى البصرة فيسلم إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر وهو
أميرها ووجه قبة أخرى علانيه بارا إلى الكوفة معها جماعه ليعمى على الناس
أمر موسى بن جعفر عليهما السلام فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم
فدفعه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر نهارا علانيه حتى عرف ذلك
وشاع خبره فحبسه عيسى بيت من بيوت المجلس الذي كان يجلس فيه
وأقفل عليه وشغله العبد عنه فكان لا يفتح عنه الباب إلا حالتين حاله
يخرج فيها إلى الطهور وحاله يدخل فيها الطعام قال أبي: فقال لي الفيض بن
أبي صالح وكان نصرانيا ثم أظهر الاسلام وكان زنديقا وكان يكتب لعيسى بن
جعفر وكان بي خاصا فقال: يا أبا الله لقد سمع هذا الرجل الصالح في

1 - سورة الأنبياء الآية 60. يعني قول جبرئيل: لا فتى الا علي كقوله تعالى حكاية: فتى
يذكرهم يريد إبراهيم. وفي قوله: لأنه مني وانا منه دلالة على أن ولد علي عليه السلام أولاده
صلى الله عليه وآله وسلم لمكان الاتحاد ولعل هذا الاتحاد إشارة إلى قوله: خلقت ان وعلي من نور
واحد والى ما هو أعم منه.
82

أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش والمناكير ما اعلم ولا
أشك انه لم يخطر بباله قال أبي: وسعى بي في تلك الأيام إلى عيسى بن جعفر
بن أبي جعفر علي بن يعقوب بن عون بن العباس بن ربيعه في رقعه دفعها إليه
أحمد بن أسيد حاجب عيسى قال: وكان علي بن يعقوب من مشايخ بني هاشم
وكان أكبرهم سنا وكان مع كبر سنه يشرب الشراب ويدعو أحمد بن أسيد إلى
منزله فيحتفل له ويأتيه بالمغنين والمغنيات يطمع في أن يذكره لعيسى فكان في
رقعته التي رفعها إليه: انك تقدم علينا محمد بن سليمان في اذنك واكرامك
وتخصه بالمسك وفينا من هو أسن منه وهو يدين بطاعة موسى بن جعفر المحبوس
عندك قال أبي: فانى لقائل (1) يوم قايظ (2) إذ حركت حلقه الباب على
فقلت: ما هذا؟ قال لي الغلام: قعنب بن يحيى على الباب يقول: لا بد
من لقائك الساعة فقلت: ما جاء إلا لأمر ائذنوا له فدخل فخبرني
عن الفيض بن أبي صالح بهذه القصة والرقعة قال: وقد كان قال لي الفيض
بعد ما اخبرني لا تخبر أبا عبد الله فتحزنه فإن الرافع عند الأمير لم يجد فيه
مساعا وقد قلت للأمير: أفي نفسك من هذا شئ حتى أخبر أبا عبد الله
فيأتيك ويحلف على كذبه؟ فقال: لا تخبره فتغمه فإن ابن عمه إنما حمله على
هذا الحسد له فقلت له: يا أيها الأمير أنت تعلم انك تخلو بأحد خلوتك
به فهل حملك على أحد قط؟ قال: معاذ الله قلت: فلو كان له مذهب
يخالف فيه الناس لأحب ان يحملك عليه قال: أجل ومعرفتي به أكثر قال
أبي: فدعوت بدابتي وركبت إلى الفيض ساعتي فصرت إليه ومعي قعنب في
الظهيرة فاستأذنت فأرسل إلى وقال: جعلت فداك قد جلست مجلسا
ارفع قدرك عنه وإذا هو جالس على شرابه فأرسلت إليه والله لا بد من
لقائك فخرج إلى في قميص رقيق وازار مورد فأخبرته بما بلغني فقال
لقعنب: لأجزيت خيرا ألم أتقدم إليك لا تخبر أبا عبد الله فتغمه؟ ثم قال
لي: لا باس فليس في قلب الأمير من ذلك شئ قال: فما مضت
ذلك إلا أيام يسيره حتى حمل موسى بن جعفر عليهم السلام سرا إلى بغداد

1 - من القيلولة القائلة: الظهيرة وقد تكون بمعنى القيلولة وهي النوم في الظهيرة فهو قائل.
2 - قاظ يومنا: اشتد حره.
83

وحبس ثم أطلق ثم حبس ثم سلم إلى السندي بن شاهك فحبسه وضيق
عليه ثم بعث الرشيد بسم في رطب وأمره ان يقدمه إليه ويحتم عليه في
تناوله منه ففعل فمات صلوات الله عليه.
11 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن
هشام بن المكتب وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني والحسين بن إبراهيم بن تاتانه
وأحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم ومحمد بن علي ماجيلويه ومحمد بن موسى
بن المتوكل رضي الله عنهم قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه
عن عثمان بن عيسى عن سفيان بن نزار قال: كنت يوما على رأس المأمون
فقال: أتدرون من علمني التشيع؟ فقال: القوم جميعا: لا والله ما نعلم
قال: علمنيه الرشيد قيل له: وكيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل هذا
البيت؟ قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم ولقد حججت معه
سنه فلما صار إلى المدينة تقدم إلى حجابه وقال: لا يدخلن على من أهل
المدينة ومكة من أهل المهاجرين والأنصار وبني هاشم وساير بطون قريش إلا نسب
نفسه وكان الرجل إذا دخل عليه قال: انا فلان بن فلان ينتهى إلى جده
من هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري فيصله من المال بخمسه آلاف
دينار وما دونها إلى مأتي دينار على قدر شرفه وهجره آبائه فانا ذات يوم واقف
إذ دخل الفضل بن الربيع فقال: يا أمير المؤمنين على الباب رجل يزعم أنه
موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم
السلام فاقبل علينا ونحن قيام على رأسه والأمين والمؤتمن وساير القواد
فقال: احفظوا على أنفسكم ثم قال لاذنه: ائذن له ولا ينزل إلا على بساطي
فانا كذلك إذ دخل شيخ مسخد (1) قد أنهكته العبادة كأنه شن بال قد كلم من
السجود وجهه وأنفه فلما رأى الرشيد رمى بنفسه عن حمار كان راكبه فصاح
الرشيد: لا والله إلا على بساطي فمنعه الحجاب من الترجل ونظرنا إليه
بأجمعنا بالإجلال والاعظام فما زال يسير على حماره حتى صار إلى البساط والحجاب
والقواد محدقون به فنزل فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط وقبل وجهه
وعينيه واخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه وجعل يحدثه

1 - المسخد: الرجل المصفر الوجه.
84

ويقبل بوجهه عليه ويسأله عن أحواله ثم قال له: يا أبا الحسن ما عليك من
العيال؟ فقال: يزيدون على الخمسمأة قال: أولاد كلهم؟ قال: لا أكثرهم
موالي وحشم أما الولد فلى نيف وثلاثون والذكران منهم كذا والنسوان منهم
كذا قال: فلم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟ قال: اليد
تقصر عن ذلك قال: فما حال الضيعة؟ قال: تعطى في وقت وتمنع في آخر
قال: فهل عليك دين؟ قال: نعم قال: كم؟ قال: نحو عشره آلاف
دينار فقال الرشيد: يا بن عم انا أعطيك من المال ما تزوج الذكران والنسوان
وتقضى الدين وتعمر الضياع فقال له: وصلتك رحم يا بن عم وشكر الله لك
هذه النية الجميلة والرحم ماسه والقرابة وأشجه والنسب واحد والعباس عم
النبي (ص) وصنو أبيه وعم علي بن أبي طالب عليه السلام وصنو أبيه وما
أبعدك الله من أن تفعل وقد بسط يدك وأكرم عنصرك وأعلى محتدك (1)
فقال: افعل ذلك يا أبا الحسن وكرامة فقال: يا أمير المؤمنين ان الله عز وجل
قد فرض على ولاه عهده ان ينعشوا فقراء الأمة ويقضوا عن الغارمين ويؤدوا عن
المثقل ويكسوا العاري ويحسنوا إلى العاني (2) فأنت أولى من يفعل ذلك فقال:
افعل يا أبا الحسن ثم قام فقام الرشيد لقيامه وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل
علي وعلى الأمين والمؤتمن فقال: يا عبد الله ويا محمد ويا إبراهيم امشوا بين
يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله فاقبل
على أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام سرا بيني وبينه فبشرني بالخلافة
فقال لي: إذا ملكت هذا الامر فأحسن إلى ولدى ثم انصرفنا وكنت أجرى
ولد أبي عليه فلما خلا المجلس قلت: يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي
قد أعظمته وأجللته وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس
وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟! قال: هذا امام الناس وحجه
على خلقه وخليفته على عباده فقلت: يا أمير المؤمنين أوليست هذه الصفات
كلها لك وفيك؟ فقال: انا امام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر وموسى بن
جعفر امام حق والله يا بني انه لاحق بمقام رسول الله (ص) منى ومن الخلق

1 - المحتد: الأصل.
2 - العاني: الأسير. الفقير.
85

جميعا ووالله لو نازعتني هذا الامر لأخذت الذي فيه عيناك فإن الملك عقيم.
فلما أراد الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصره سوداء فيها مائتا دينار ثم
اقبل على الفضل بن الربيع فقال له: اذهب بهذه إلى موسى بن جعفر
وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقه وسيأتيك برنا بعد الوقت فقمت
في صدره فقلت: يا أمير المؤمنين تعطى أبناء المهاجرين والأنصار وساير قريش
وبني هاشم ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسه آلاف دينار إلى ما دونها وتعطى
موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مأتي دينار أخس عطيه أعطيتها أحدا من
الناس؟! فقال: اسكت لا أم لك فانى لو أعطيت هذا ما ضمنته له ما كنت
أمنته ان يضرب وجهي غدا بمائه الف سيف من شيعته ومواليه وفقر هذا
وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم فلما نظر إلى ذلك مخارق
المغنى دخله في ذلك غيظ فقام إلى الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين قد دخلت
المدينة وأكثر أهلها يطلبون منى شيئا وان خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبين
لهم تفضل أمير المؤمنين على ومنزلتي عنده فامر له بعشره آلاف دينار فقال:
يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة وعلى دين احتاج ان اقضيه فامر له بعشره
آلاف دينار أخرى فقال له: يا أمير المؤمنين بناتي أريد أزوجهن وانا محتاج
إلى جهازهن فامر له بعشره آلاف دينار أخرى فقال له: يا أمير المؤمنين لا بد
من غله (1) تعطينيها ترد على وعلى عيالي وبناتي وأزواجهن القوت فامر له
باقطاع ما تبلغ غلته في السنة عشره آلاف دينار وأمر ان يعجل ذلك عليه من
ساعته.
ثم قام مخارق من فوره وقصد موسى بن جعفر عليهما السلام وقال له:
قد وقفت على ما عاملك به هذا الملعون وما أمر لك به وقد احتلت عليه لك
واخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار واقطاعا يغل في السنة عشره آلاف دينار
ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شئ من ذلك ما أخذته الا لك وانا اشهد لك
بهذه الاقطاع وقد حملت المال إليك فقال: بارك الله لك في مالك وأحسن
جزاك ما كنت لاخذ منه درهما واحدا ولا من هذه الاقطاع شيئا وقد قبلت

1 - الغلة: الدخل من كراء دار وأجر غلام أو فائدة ارض وهي المتبادر منها.
86

صلتك وبرك فانصرف راشدا ولا تراجعني في ذلك فقبل يده وانصرف
12 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم
عن أبيه عن الريان بن شبيب قال: سمعت المأمون يقول: ما زلت أحب
أهل البيت عليهم السلام وأظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه فلما حج الرشيد كنت
ومحمد والقاسم معه فلما كان بالمدينة استأذن عليه الناس وكان آخر من اذن له
موسى بن جعفر عليهما السلام فدخل فلما نظر إليه الرشيد تحرك مد بصره
وعنقه إليه حتى دخل البيت الذي فيه فلما قرب جثى الرشيد على ركبتيه
وعانقه ثم اقبل عليه فقال له: كيف أنت يا أبا الحسن وكيف عيالك وعيال
أبيك؟ كيف أنتم ما حالكم؟ فما زال يسأله هذا وأبو الحسن يقول: خير خير
فلما قام أراد الرشيد ان ينهض فاقسم عليه الحسن فأقعده وعانقه وسلم عليه
وودعه قال المأمون: وكنت أجرى ولد أبي عليه فلما خرج أبو الحسن موسى
بن جعفر قلت لأبي: يا أمير المؤمنين لقد
رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما رأيتك فعلته بأحد من أبناء المهاجرين والأنصار ولا ببني هاشم فمن هذا
الرجل فقال: يا بني هذا وارث علم النبيين هذا موسى بن جعفر بن محمد
عليهم السلام ان أردت العلم الصحيح فعند هذا قال المأمون: فحينئذ
انغرس في قلبي محبتهم.
13 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم عن أبيه قال: سمعت رجلا من أصحابنا يقول: لما حبس
الرشيد موسى بن جعفر عليهما السلام جن عليه الليل فخاف ناحية هارون ان
يقتله فجدد موسى بن جعفر عليهما السلام طهوره فاستقبل بوجهه القبلة وصلى
لله عز وجل أربع ركعات ثم دعا بهذه الدعوات فقال: (يا سيدي نجني من
حبس هارون وخلصني من يده يا مخلص الشجر من بين رمل وطين ويا مخلص
اللبن من بين فرث ودم ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم ويا مخلص النار
من الحديد والحجر ويا مخلص الروح من بين الأحشاء والأمعاء خلصني يد
هارون) قال: فلما دعا موسى عليه السلام بهذه الدعوات اتى هارون رجل
اسود في منامه وبيده سيف قد سله فوقف على رأس هارون وهو يقول يا
87

هارون اطلق موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك (1) بسيفي هذا فخاف
هارون من هيبته ثم دعا الحاجب فجاء الحاجب فقال له: اذهب إلى السجن
فأطلق عن موسى بن جعفر عليهم السلام قال: فخرج الحاجب فقرع باب
السجن فاجابه صاحب السجن فقال: من ذا؟ قال: إن الخليفة يدعو موسى
بن جعفر عليهما السلام فأخرجه من سجنك وأطلق عنه فصاح السجان: يا
موسى ان الخليفة يدعوك فقام موسى عليه السلام مذعورا فزعا وهو يقول: لا
يدعوني في جوف هذا الليل إلا لشر يريده بي فقام باكيا حزينا مغموما آيسا من
حياته فجاء هارون وهو يرتعد فرائصه (2) فقال: سلام على هارون فرد عليه
السلام ثم قال له هارون: ناشدتك بالله هل دعوت في جوف هذا الليل
بدعوات فقال: نعم قال: وما هن؟ قال: جددت طهورا وصليت لله عز
وجل أربع ركعات ورفعت طرفي إلى السماء وقلت: (يا سيدي خلصني من يد
هارون وشره) وذكر له ما كان من دعائه فقال هارون: قد استجاب الله
دعوتك يا حاجب اطلق عن هذا ثم دعا بخلع عليه ثلاثا وحمله على فرسه
وأكرمه وصيره نديما لنفسه ثم قال: هات الكلمات فعلمه قال: فأطلق
عنه وسلمه إلى الحاجب ليسلمه الدار ويكون معه فصار موسى بن جعفر
عليهما السلام كريما شريفا عند هارون وكان يدخل عليه في كل خميس إلى أن
حبسه الثانية فلم يطلق عنه حتى سلمه إلى السندي شاهك وقتله بالسم.
14 - حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن حاتم قال: حدثنا عبد
الله بن بحر الشيباني قال: حدثني الخرزي أبو العباس بالكوفة قال: حدثنا
الثوباني قال: كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام بضع عشره
سنه كل يوم سجده انقضاض الشمس إلى وقت الزوال فكان هارون ربما
صعد سطحا يشرف منه على الحبس الذي حبس أبو الحسن عليه السلام
فكان يرى أبا الحسن عليه السلام ساجدا فقال للربيع: يا ربيع ما ذاك

1 - العلاوة بالكسر: أعلى الرأس والعنق وفي بعض النسخ الخطية (هامتك) بدل
(علاوتك).
2 - الفريصة: اللحمة: التي بين جنبي الدابة وكتفها لا تزال ترعد.
88

الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟! فقال: يا أمير المؤمنين ما ذاك
بثوب وإنما هو موسى بن جعفر عليهما السلام له كل يوم سجده بعد طلوع
الشمس إلى وقت الزوال قال الربيع: فقال لي هارون: أما ان هذا من رهبان
بني هاشم قلت: فمالك قد ضيقت عليه الحبس قال: هيهات لا بد
من ذلك!.
89

8 - باب
الاخبار التي رويت في صحه وفاة أبي إبراهيم
موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب عليهم السلام
1 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال:
حدثنا محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله جميعا عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن أبيه علي بن
يقطين قال: استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر
عليهما السلام ويقطعه ويخجله في المسجد فانتدب رجل معزم (1) فلما أحضرت
المائدة عمل ناموسا (2) على الخبز فكان كلما رام أبو الحسن عليه السلام تناول
رغيف من الخبز طار من بين يديه واستفز من هارون الفرح والضحك لذلك فلم
يلبث أبو الحسن عليه السلام ان رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور
فقال له: يا أسد خذ عدو الله قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون
من السباع فافترست ذلك المعزم فخر هارون وندماؤه على وجوههم مغشيا
عليهم فطارت عقولهم خوفا من هول ما رواه فلما أفاقوا ذلك قال هارون
لأبي الحسن عليه السلام: سألتك بحقي عليك لما سالت الصورة ان ترد الرجل
فقال: إن كانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم فان

1 - العزائم الرقي وهي جمع رقية.
2 - وهو اسم يكتب على القطعة من الخبز بحيث لا يتمكن لاحد ان يتناوله الا طار من بين
يديه. الناموس: صاحب السر المطلع على باطن امرك. وقد يطلق الناموس على جبرائيل عليه
السلام.
90

هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل فكان ذلك اعمل الأشياء في افاته
نفسه.
2 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن
محمد بن عيسى اليقطيني عن الحسن بن محمد بن بشار قال: حدثني شيخ من
أهل قطيعه الربيع من العامة ممن كان يقبل قوله قال: قال لي: رأيت بعض
من يقرون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط نسكه وفضله
قال: قلت من هو وكيف رايته؟ جمعنا أيام السندي بن شاهك ونحن
ثمانون رجلا فأدخلنا على موسى بن جعفر عليهما السلام فقال لنا السندي: يا
هؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث؟ فإن الناس يزعمون أنه
فعل به مكروه ويكثرون في ذلك وهذا منزله وفراشه موسع عليه غير مضيق ولم
يرد به أمير المؤمنين سوء وإنما ينتظره ان يقدم فيناظره أمير المؤمنين وها هو ذا
هو صحيح فسلوه فقال: اما ما ذكر من التوسعة فهو على ما ذكر غير انى
أخبركم أيها النفر: انى قد سممت في تسع تمرات وانى اخضر غدا وبعد غد
أموت قال: فنظرت إلى السندي بن شاهك ترتعد فرايصه ويضطرب مثل
السعفة (1) قال الحسن: وكان هذا الشيخ من خيار العامة شيخ صدوق مقبول
القول ثقة جدا عند الناس.
3 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن عامر قال: حدثني الحسن بن محمد القطعي قال:
حدثنا الحسن بن علي النخاس العدل قال: حدثنا الحسن بن عبد الواحد
الخزاز قال: حدثنا علي بن جعفر بن عمر قال: حدثني عمر بن واقد
قال: ارسل السندي بن شاهك في بعض الليل وانا ببغداد يستحضرني
فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي قال: فأوصيت عيالي بما احتجت
إليه وقلت: (انا لله وانا إليه راجعون) ثم ركبت إليه فلما رآني مقبلا
قال: يا أبا حفص لعلنا أرعبناك وأفزعناك؟ قلت: نعم قال: فليس هناك

1 - السعفة بالتحريك: غصن النخل. والفريص: أوداج العنق والفريصة واحدته وهي
اللحمة بين الجنب والكتف.
91

الا خير قلت: فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم بخبري قال: نعم ثم قال:
يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك؟ فقلت: لا قال: أتعرف موسى بن
جعفر عليهما السلام؟ قلت: أي والله انى لأعرفه وبيني وبينه صداقه منذ دهر
فقال: من هيهنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله؟ فسميت له أقواما ووقع في نفسي
انه عليه السلام قد مات قال: فبعث فجاء بهم كما جاء بي فقال: هل
تعرفون قوما يعرفون موسى بن جعفر؟ فسموا له قوما فجاء بهم فأصبحنا ونحن
في الدار نيف وخمسون رجلا ممن يعرف موسى بن جعفر عليهما السلام وقد
صحبه قال ثم قام ودخل وصلينا فخرج كاتبه ومعه طومار وكتب أسماؤنا ومنازلنا
وأعمالنا وحلانا ثم دخل إلى السندي قال: فخرج السندي فضرب يده
فقال لي: قم يا أبا حفص فنهضت ونهض أصحابنا ودخلنا فقال لي: يا أبا
حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر فكشفته فرأيته ميتا فبكيت
واسترجعت ثم قال للقوم: انظروا إليه فدنا واحد واحد فنظروا إليه ثم
قال: تشهدون كلكم ان هذا موسى بن جعفر بن محمد عليهم السلام قال:
قلنا: نعم نشهد أنه موسى بن جعفر بن محمد عليهم السلام ثم قال: يا
غلام اطرح على عورته منديلا وأكشفه قال: ففعل قال: أترون أثرا
تنكرونه؟ فقلنا: لا ما نرى به شيئا ولا نراه ميتا قال: فلا تبرحوا حتى
تغسلوه وتكفنوه قال: فلم نبرح حتى غسل وكفن وحمل إلى المصلى فصلى عليه
السندي بن شاهك ودفناه ورجعنا. وكان عمر بن واقد يقول: ما أحد هو
اعلم بموسى بن جعفر عليهما السلام منى كيف يقولون إنه حي وانا دفنته؟!
4 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال:
حدثنا الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام قال: حدثني أبو عبد الله محمد بن
خليلان قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن عتاب بن أسيد عن
جماعه من مشايخ أهل المدينة قالوا لما مضى خمسه عشر سنه من ملك
الرشيد استشهد ولى الله موسى بن جعفر عليهما السلام مسموما سمه السندي
بن شاهك بأمر الرشيد في الحبس المعروف بدار المسيب بباب الكوفة وفيه
السدرة (1) ومضى إلى رضوان الله تعالى وكرامته يوم الجمعة لخمس خلون من

1 - السدرة: شجرة معروفة.
92

رجب سنه ثلاث وثمانين ومائه من الهجرة وقد تم عمره أربعا وخمسين سنه
وتربته بمدينة السلام في الجانب الغربي بباب التبن في المقبرة المعروفة بمقابر
قريش.
5 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار النيسابوري بنيسابور
في شعبان سنه اثنتين وخمسين وثلاث مائه قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة
عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن الحسن بن عبد الله الصيرفي عن أبيه
قال. توفى موسى بن جعفر عليهما السلام في يد السندي بن شاهك فحمل
على نعش ونودي عليه: هذا امام الرافضة فاعرفوه فلما اتى به مجلس
الشرطة (1) أقام أربعة نفر فنادوا: إلا من أراد ان يرى الخبيث بن الخبيث
فليخرج وخرج سليمان بن أبي جعفر الجعفري عن قصره إلى الشط فسمع
الصياح والضوضاء فقال لغلمانه ولولده: ما هذا؟ قالوا: السندي بن شاهك
ينادى على موسى بن جعفر عليهما السلام على نعشه لولده وغلمانه:
يوشك ان يفعل هذا به في الجانب الغربي فإذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم
فخذوه من أيديهم فان مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من السواد فلما
عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم وخرقوا عليهم من سوادهم
ووضعوه في مفرق أربعة طرق وأقام المنادين ينادى إلا ومن أراد ان يرى
الطيب بن الطيب موسى بن جعفر عليهما السلام فليخرج وحضر الخلق وغسل
وحنط بحنوط فاخر وكفنه بكفن فيه حبره استعملت بألفين وخمس مائه دينار
عليها القرآن كله واحتفى ومشى في جنازته متسلبا (2) مشقوق الجيب إلى مقابر
قريش فدفنه (ع) هناك وكتب بخبره إلى الرشيد فكتب الرشيد إلى
سليمان بن أبي جعفر وصلتك رحم يا عم وأحسن الله جزاك والله ما فعل
السندي شاهك لعنه الله تعالى ما فعله عن أمرنا.

1 - الشرط: أعوان السلطان المأمورون لتتبع أحوال الناس سموا بذلك لأنهم كانوا يعلمون
أنفسهم بعلامات يعرفون بها. والاشراط والعلامات.
2 - خلع لباس الزينة ولبس أثواب المصيبة. قالت أسماء بنت عميس بعد مقتل جعفر:
تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت اي البسي ثوب الحداد متلبيا اي مخرجا نحره وصدره كما يفعله
المصابون.
93

6 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال:
حدثني أبي عن أحمد بن علي الأنصاري عن سليمان بن جعفر البصري عن
عمر بن واقد قال: إن هارون الرشيد لما ضاق صدره مما يظهر له من فضل
موسى بن جعفر عليهما السلام وما كان يبلغه من قول الشيعة بإمامته واختلافهم
في السر إليه بالليل والنهار خشيه على نفسه وملكه ففكر في قتله بالسم فدعا
برطب واكل منه ثم أخذ صينية فوضع عليها عشرين رطبه واخذ سلكا فعركه (1)
في السم وأدخله في سم الخياط فاخذ رطبه من ذلك الرطبة فاقبل يردد إليها ذلك
السم بذلك الخيط حتى قد علم أنه قد حصل السم فاستكثر منه ثم ردها
في ذلك الرطب وقال لخادم له: احمل هذه الصينية إلى موسى بن جعفر
وقل له: ان أمير المؤمنين اكل من هذا الرطب وتنغص لك ما به وهو يقسم
عليك بحقه لما اكلتها عن آخر رطبه فانى اخترتها لك بيدي ولا تتركه يبقى
منها شيئا ولا تطعم منه أحدا فاتاه بها الخادم وأبلغه الرسالة فقال: أتيني بخلال
فناوله خلالا وقام بإزائه وهو يأكل الرطب وكانت للرشيد كلبه تعز عليه
فجذبت نفسها وخرجت تجر سلاسلها من ذهب وجوهر حتى حاذت بن
جعفر عليهما السلام فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة.
ورمى بها إلى الكلبة فأكلتها فلم تلبث ان ضربت بنفسها
وعوت وتهرت قطعه قطعه واستوفى عليه السلام باقي الرطب وحمل الغلام
الصينية حتى صار بها إلى الرشيد فقال له: قد اكل الرطب عن آخره قال:
نعم يا أمير المؤمنين قال: فكيف رايته؟ قال: ما أنكرت منه شيئا يا أمير
المؤمنين ثم قال: ثم ورد عليه خبر الكلبة بأنها تهرت وماتت فقلق
الرشيد لذلك قلقا شديدا واستعظمه ووقف على الكلبة فوجدها متهرية بالسم
فاحضر الخادم ودعا بسيف ونطع وقال له: لتصدقني عن خبر الرطب أو
لأقتلنك فقال له: يا أمير المؤمنين انى حملت الرطب إلى موسى بن جعفر وأبلغته
سلامك وقمت بإزائه وطلب منى خلالا فدفعته إليه فاقبل يغرز في الرطبة بعد
الرطبة ويأكلها حتى مرت الكلبة فغرز الخلال في رطبه من ذلك الرطب فرمى بها

1 - العرك: الدلك.
94

فأكلتها الكلبة واكل هو باقي الرطب فكان ما ترى يا أمير المؤمنين فقال
الرشيد: ما ربحنا من موسى عليه السلام إلا انا أطعمناه جيد الرطب وضيعنا
سمنا وقتل كلبتنا ما في موسى بن جعفر حيله ثم إن سيدنا موسى عليه
السلام دعا بالمسيب وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام وكان موكلا به فقال له: يا
مسيب قال: لبيك يا مولاي قال: انى ظاعن (1) هذه الليلة إلى المدينة
مدينة جدي رسول الله (ص) لا عهد إلى علي ابني ما عهده إلى أبي واجعله
وصيي وخليفتي وآمره امرى قال المسيب: فقلت: يا مولاي كيف تأمرني ان
افتح لك الأبواب وأقفالها والحرس معي على الأبواب؟! فقال: يا مسيب
ضعف يقينك بالله عز وجل وفينا قلت: لا يا سيدي قال: فمه قلت: يا
سيدي ادع الله يثبتني فقال: اللهم ثبته ثم قال: انى ادعو الله عز وجل
باسمه العظيم الذي دعا آصف حتى جاء بسرير بلقيس ووضعه بين يدي
سليمان قبل ارتداد طرفه حتى يجمع بيني وبين ابني على بالمدينة. قال
المسيب: فسمعته عليه السلام يدعو ففقدته عن مصلاه فلم أزل قائما
قدمي حتى رايته قد عاد إلى مكانه وأعاد الحديد رجليه فخررت لله ساجدا
لوجهي شكرا على ما أنعم به على من معرفته فقال لي: ارفع رأسك يا مسيب
واعلم انى راحل إلى الله عز وجل في ثالث هذا اليوم قال: فبكيت فقال
لي: لا تبك يا مسيب فان عليا ابني هو امامك ومولاك بعدي فاستمسك
بولايته فإنك لن تضل ما لزمته فقلت: الحمد لله قال: ثم إن سيدي عليه
السلام دعاني في ليله اليوم الثالث فقال لي: انى على ما عرفتك من الرحيل إلى
الله عز وجل فإذا دعوت بشربه من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت وارتفع
بطني واصفر لوني واحمر وأخضر وتلون ألوانا فخبر الطاغية بوفاتي فإذا رأيت بي
هذا الحدث فإياك ان تظهر عليه أحدا ولا على من عندي إلا بعد وفاتي قال
المسيب بن زهير: فلم أزل أرقب وعده حتى دعا عليه السلام بالشربة فشربها
ثم دعاني فقال لي: يا مسيب ان هذا الرجس السندي شاهك سيزعم انه

1 - الظعن بالظاء المعجمة: السير والسفر وهو نقيض الحضر وقوله عليه السلام: أني ظاعن أي اني مسافر في هذه الليلة إلى المدينة الطيبة وكان عليه السلام ببغداد.
95

يتولى غسلي ودفني هيهات هيهات أن يكون ذلك ابدا! فإذا حملت إلى المقبرة
المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات
ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به. فإن كل تربه لنا محرمه إلا تربه جدي
الحسين بن علي عليهما السلام فإن، تعالى جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا
قال: ثم رأيت شخصا أشبه الاشخاص به جالسا إلى جانبه وكان عهدي
بسيدي الرضا عليه السلام وهو غلام فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسى
عليه السلام فقال: أليس قد نهيتك يا مسيب؟! فلم أزل صابرا مضى
وغاب الشخص ثم أنهيت الخبر إلى الرشيد فوافى السندي بن شاهك فوالله
لقد رايتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه ويظنون انهم
يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئا ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله
وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم وهم لا يعرفونه فلما فرغ من امره قال
لي ذلك الشخص: يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن في فانى امامك
ومولاك وحجه الله عليك بعد أبي عليه السلام يا مسيب مثلي مثل يوسف
الصديق عليه السلام ومثلهم مثل اخوته حين دخلوا فعرفهم وهم له
منكرون ثم حمل عليه السلام حتى دفن مقابر قريش ولم يرفع قبره أكثر مما
أمر به ثم رفعوا قبره بعد ذلك وبنوا عليه.
7 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن سليمان بن حفص المروزي قال: إن
هارون الرشيد قبض على موسى بن جعفر (ع م) سنه تسع وسبعين
ومائه وتوفى في حبسه ببغداد لخمس ليال بقين من رجب سنه ثلاث وثمانين ومائه
وهو ابن سبع وأربعين سنه (1) ودفن في مقابر قريش وكانت إمامته خمسا وثلاثين
سنه وأشهرا وأمه أم ولد يقال لها: حميدة وهي أم أخويه إسحاق ومحمد ابني

1 - قد سهى الراوي أو الكاتب في تبلغ عمر الإمام موسى الكاظم عليه السلام في هذه
الرواية لأنه كان له عليه السلام عند وفاة أبيه أبي عبد الله الصادق عليه السلام أزيد من
ثمانية عشر بالاتفاق ومدة إمامته بعد أبيه كانت خمسا وثلثين سنة وأشهرا وعلى هذا يكون مبلغ عمره
عليه السلام أربع وخمسين سنة ويؤيد ذلك ما رواه المفيد (قده) والشهيد (ره) فتأمل.
96

جعفر بن محمد عليهما السلام ونص على ابنه علي بن موسى الرضا عليهما السلام
بالإمامة بعده.
8 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن صدقه العنبري قال: لما
توفى أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام جمع هارون الرشيد شيوخ
الطالبية وبني العباس وساير أهل المملكة والحكام واحضر أبا إبراهيم موسى بن
جعفر عليهما السلام فقال: هذا موسى بن جعفر قد مات حتف (1) انفه
وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه في امره يعنى في قتله فانظروا إليه فدخلوا
عليه سبعون رجلا من شيعته فنظروا إلى موسى بن جعفر عليهما السلام وليس به
اثر جراحه ولا خنق وكان في رجله اثر الحناء فاخذه سليمان بن أبي جعفر
فتولى غسله وتكفينه وتحفى (2) وتحسر جنازته قال مصنف هذا الكتاب: إنما
أوردت هذه الأخبار في هذا الكتاب ردا على الواقفية على موسى بن جعفر عليهما
السلام فإنهم يزعمون أنه حي وينكرون امامه الرضا عليه السلام وامامه من
بعده من الأئمة عليهم السلام وفي صحه وفاه موسى بن جعفر ابطال مذهبهم
ولهم هذه الأخبار كلام يقولون: ان الصادق عليه السلام قال: الامام لا
يغسله إلا الامام ولو كان الرضا عليه السلام إماما كما ذكرتم لغسله وفي
هذه الأخبار (3) ان موسى عليه السلام غسله غيره ولا حجه لهم علينا في
ذلك لأن الصادق عليه السلام إنما نهى ان يغسل الامام إلا من يكون إماما
فان دخل من يغسل الامام في نهيه فغسله لم يبطل بذلك امامه الامام بعده ولم
يقل عليه السلام: ان الامام لا يكون إلا الذي يغسل من قبله من الأئمة
عليهم السلام فبطل تعلقهم علينا بذلك على انا قد روينا في بعض هذه الأخبار
: ان الرضا عليه السلام قد غسل أباه موسى بن جعفر عليهما السلام

1 - الحتف: الموت. يقال: مات فلان حتف انفه إذا مات من غير قتل ولا ضرب ولا يبني
منه فعل.
2 - اي بالغ في اكرام جنازته عليه السلام واعظامه. التحسر: التلهف. تحسر: كشف عن
عامة بدنه.
3 - أي اخبار السندي وتغسيله موسى بن جعفر عليهم السلام.
97

من حيث خفى على الحاضرين لغسله غير من اطلع عليه ولا تنكر الواقفية ان
الامام يجوز ان يطوى الله تعالى له البعد حتى يقطع المسافة البعيدة في المدة
اليسيرة.
9 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه قال:
الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد البصري قال: حدثنا علي بن
رباط قال: قلت لعلي بن موسى الرضا عليه السلام: ان عندنا رجلا يذكر
ان أباك عليه السلام حي وانك تعلم من ذلك ما تعلم فقال عليه السلام:
سبحان الله مات رسول الله (ص) ولم يمت موسى بن جعفر عليه السلام!
بلى والله لقد مات وقسمت أمواله ونكحت جواريه.
10 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن
هاشم عن محمد بن عيسى اليقطيني عن أحمد بن عبد الله الغروي عن أبيه
قال: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي: ادن
فدنوت حتى حاذيته ثم قال لي: أشرف إلى بيت الدار فأشرفت فقال:
ما ترى في البيت؟ فقلت: ثوبا مطروحا فقال: انظر حسنا فتأملت ونظرت
فتيقنت فقلت: رجل ساجد فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا قال:
مولاك قلت: ومن مولاي؟ فقال: تتجاهل على؟ فقلت: ما أتجاهل ولكني
لا اعرف لي مولى فقال: هذا أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام انى
أتفقده الليل والنهار فلا أجده في وقت من الأوقات إلا على الحال التي أخبرك بها
انه يصلى الفجر فيعقب ساعة دبر الصلاة إلى أن تطلع الشمس ثم يسجد
سجده فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس وقد وكل من يترصد له الزوال
فلست أدري متى يقول الغلام: قد زالت الشمس! إذ يثب فيبتدئ الصلاة من
غير أن يحدث فاعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفى ولا يزال إلى أن يفرغ من
صلاه العصر فإذا صلى سجد سجده فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس
فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلى المغرب من غير أن يحدث حدثا ولا
يزال صلاته وتعقيبه إلى أن يصلى العتمة فإذا صلى العتمة أفطر على شوى
يؤتى به ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومته خفيفه ثم يقوم
98

فيجدد الوضوء ثم يقوم فلا يزال يصلى في جوف الليل حتى يطلع الفجر
فلست أدري متى يقول الغلام ان الفجر قد طلع؟! إذ قد وثب هو لصلاة
الفجر فهذا دابه منذ حول إلى فقلت: اتق الله ولا تحدثن في امره حدثا
يكون فيه زوال النعمة فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا إلا كانت
نعمته زائلة فقال: قد أرسلوا إلى غير مره يأمروني بقتله فلم أجبهم إلى
ذلك وأعلمتهم انى لا افعل ذلك ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني فلما كان
بعد ذلك حول عليه السلام إلى الفضل بن يحيى البرمكي فحبس عنده أياما
فكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كل يوم مائدة حتى مضى ثلاثة أيام
ولياليها فلما كانت الليلة الرابعة قدمت مائدة للفضل بن يحيى فرفع
عليه السلام يده إلى السماء فقال: يا رب انك تعلم انى لو اكلت قبل اليوم
كنت قد أعنت على نفسي فاكل فمرض فلما كان الغد جاءه الطبيب فعرض
عليه خضرة في بطن راحته وكان السم الذي سم به قد اجتمع في ذلك الموضع
فانصرف الطبيب إليهم فقال: والله لهو اعلم بما فعلتم به منكم ثم توفى عليه
السلام.
99

9 - باب
ذكر من قتله الرشيد من أولاد رسول الله (ص)
بعد قتله لموسى بن جعفر عليهما السلام بالسم في ليله
واحده سوى قتل منهم في سائر الأيام والليالي
1 - حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن البزاز قال: حدثنا أبو
طاهر الساماني قال: حدثنا أبو القاسم بشر بن محمد بن بشير قال: حدثني أبو
الحسين أحمد بن سهل بن ماهان قال: حدثني عبيد الله البزاز النيسابوري وكان
مسنا قال: كان بيني وبين حميد بن قحطبه الطائي الطوسي معامله فرحلت
إليه في بعض الأيام فبلغه خبر قدومي فاستحضرني للوقت وعلى ثياب السفر لم
أغيرها وذلك في شهر رمضان وقت صلاه الظهر فلما دخلت عليه رايته في بيت
يجرى فيه الماء فسلمت عليه وجلست فاتى بطشت وإبريق فغسل يديه ثم
امرني فغسلت يدي وأحضرت المائدة وذهب عنى انى صائم وانى في شهر
رمضان ثم ذكرت فأمسكت يدي فقال لي حميد: ما لك لا تأكل؟ فقلت:
أيها الأمير هذا شهر رمضان ولست بمريض ولا بي عله توجب الافطار ولعل
الأمير له عذر في ذلك أو عله توجب الافطار فقال: ما بي عله توجب الافطار
وأني لصحيح البدن ثم دمعت عيناه وبكى فقلت له بعد ما فرغ من طعامه:
ما يبكيك أيها الأمير؟ فقال: انفذ هارون الرشيد وقت كونه بطوس في
بعض الليل ان أجب فلما دخلت عليه رايته بين يديه شمعه تتقد وسيفا اخضر
مسلولا وبين يديه خادم واقف فلما قمت يديه رفع رأسه إلى فقال:
كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت: بالنفس والمال فأطرق ثم اذن لي في
الانصراف فلم البث في منزلي حتى عاد الرسول إلى وقال: أجب أمير
المؤمنين فقلت في نفسي: انا لله أخاف يكون قد عزم على قتلى وانه لما
100

رآني استحيى منى قعدت إلى بين يديه فرفع رأسه إلى فقال: كيف طاعتك
لأمير المؤمنين فقلت: بالنفس والمال والأهل والولد فتبسم ضاحكا ثم
اذن لي في الانصراف فلما دخلت منزلي لم البث ان عاد إلى الرسول فقال:
أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه وهو على حاله فرفع رأسه إلى وقال
لي كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت: بالنفس والمال والأهل والولد والدين
فضحك ثم قال لي: خذ هذا السيف وامتثل ما يأمرك به الخادم قال: فتناول
الخادم السيف وناولنيه وجاء بي إلى بيت بابه مغلق ففتحه فإذا فيه بئر في وسطه
وثلاثة بيوت أبوابها مغلقة ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفسا عليهم
الشعور والذوائب شيوخ وكهول وشبان مقيدون فقال لي: ان أمير المؤمنين
يأمرك بقتل هؤلاء وكانوا كلهم علوية من ولد على وفاطمة عليهما السلام فجعل
يخرج إلي واحدا بعد واحد فاضرب عنقه حتى أتيت على آخرهم ثم رمى
بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر ثم فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضا عشرون
نفسا من العلوية من ولد علي وفاطمة عليهما السلام مقيدون فقال لي: ان
أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء فجعل يخرج إلى واحدا بعد واحد فاضرب
عنقه ويرمى به في تلك البئر حتى أتيت إلى آخرهم ثم فتح باب البيت الثالث
فإذا فيه مثلهم عشرون نفسا من ولد على وفاطمة عليهما السلام مقيدون عليهم
الشعور والذوائب فقال لي: ان أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء أيضا
فجعل يخرج إلى واحدا بعد واحد فاضرب عنقه ويرمى به في تلك البئر حتى
أتيت على تسعه عشر نفسا منهم وبقى شيخا منهم عليه شعر فقال لي:
تبا (1) لك يا ميشوم! أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت عليه جدنا رسول الله
(ص) وقد قتلت من أولاده ستين نفسا قد ولدهم على وفاطمة عليهما السلام؟!
فارتعشت يدي وارتعدت فرايصي فنظر إلى الخادم مغضبا وزبرني (2) فأتيت على
ذلك الشيخ أيضا فقتلته ورمى به في تلك البئر فإذا كان فعلى هذا وقد قتلت
ستين نفسا من ولد رسول الله (ص) فما ينفعني صومي وصلاتي؟! وانا لا

1 - التباب: الخسران والهلاك.
2 - زبره: زجره ونهره.
101

أشك انى مخلد في النار. قال مصنف هذا الكتاب: للمنصور مثل هذه الفعلة في
ذريه رسول الله (ص)
2 - حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين البزاز قال: حدثنا أبو منصور
المطرز قال: سمعت الحاكم أبا أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الأنماطي
النيسابوري يقول باسناد متصل ذكر: انه لما بني المنصور الأبنية ببغداد
جعل يطلب العلوية طلبا شديدا ويجعل من ظفر منهم في الأسطوانات المجوفة
المبنية من الجص والاجر فظفر ذات يوم بغلام متهم حسن الوجه عليه شعر
اسود من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فسلمه إلى البناء
الذي كان يبنى له وأمره ان يجعله في جوف أسطوانة ويبنى عليه ووكل عليه من
ثقاته من يراعى ذلك حتى يجعله في جوف أسطوانة بمشهده فجعله البناء في
جوف أسطوانة فدخلته رقه عليه ورحمه له فترك الأسطوانة فرجه يدخل منها
الروح فقال للغلام: لا باس عليك فاصبر فانى سأخرجك من جوف هذه
الأسطوانة إذا جن الليل فلما جن الليل جاء البناء في ظلمه فاخرج ذلك
العلوي من جوف تلك الأسطوانة وقال له: اتق الله في دمى ودم الفعلة الذين
معي وغيب شخصك فانى إنما أخرجتك ظلمه هذه الليلة من جوف هذه
الأسطوانة لأني خفت ان تركتك في جوفها أن يكون جدك رسول الله (ص) يوم
القيامة خصمي بين يدي الله عز وجل ثم أخذ شعره بآلات الجصاصين كما
أمكن وقال: غيب شخصك وانج بنفسك ولا ترجع إلى أمك فقال
الغلام: فإن كان هذا هكذا فعرف أمي انى قد نجوت وهربت لتطيب نفسها
ويقل جزعها وبكاؤها. وان لم يكن لعودي إليها وجه فهرب الغلام ولا
يدرى أين قصد من وجه ارض الله تعالى ولا إلى أي بلد وقع؟! قال ذلك
البناء: وقد كان الغلام عرفني مكان أمه وأعطاني العلامة فأنهيت إليها في
الموضع الذي دلني عليه فسمعت دويا كدوي النحل من البكاء فعلمت انها
أمه فدنوت منها وعرفتها خبر ابنها وأعطيتها شعره وانصرفت.
102

10 - باب
السبب الذي قيل من اجله
بالوقف على موسى بن جعفر عليه السلام
1 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن
عبد الله قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن ربيع بن عبد
الرحمن قال: كان والله موسى بن جعفر عليهما السلام من المتوسمين يعلم من
يقف عليه بعد موته ويجحد الامام بعد إمامته فكان يكظم غيظه عليهم ولا يبدي
لهم ما يعرفه منهم فسمى الكاظم لذلك.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله قال:
حدثنا محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن محمد بن
جمهور عن أحمد بن الفضل عن يونس بن عبد الرحمن قال: لما مات أبو
الحسن عليه السلام وليس من قوامه إلا وعنده المال الكثير فكان ذلك
سبب وقفهم وجحودهم لموته وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار وعند
بن أبي حمزه ثلاثون ألف دينار قال: فلما رأيت ذلك وتبين لي الحق وعرفت
من أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام ما عرفت تكلمت ودعوت الناس إليه
قال فبعثا إلي وقالا لي: ما يدعوك إلى هذا؟ ان كنت تريد المال فنحن نغنيك
وضمنا لي عشره آلاف دينار وقالا لي: كف فأبيت فقلت لهما: انا روينا
عن الصادقين عليهما السلام انهم قالوا: إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر
علمه فإن لم يفعل سلب نور الايمان وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله عز
وجل على كل حال فناصباني وأظهرا لي العداوة.
103

3 - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه
قالا: حدثنا محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن محمد
بن جمهور عن أحمد بن حماد قال: كان القوام عثمان بن عيسى
الرواسي وكان يكون بمصر وكان عنده مال كثير وست جواري قال: فبعث
إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام فيهن وفي المال قال: فكتب إليه: ان أباك
لم يمت قال: فكتب إليه: ان أبي قد مات وقد قسمنا ميراثه وقد صحت الاخبار
بموته واحتج عليه فيه قال: فكتب إليه ان لم يكن أبوك مات فليس لك
من ذلك شئ وإن كان قد مات على ما تحكى فلم يأمرني بدفع شئ
إليك وقد أعتقت الجواري وتزوجتهن قال مصنف هذا الكتاب: لم يكن
موسى بن جعفر عليهما السلام ممن يجمع المال ولكنه حصل في وقت الرشيد
وكثر أعداؤه ولم يقدر على تفريق ما كان يجتمع إلا على القليل ممن يثق بهم في
كتمان السر فاجتمعت هذه الأموال لأجل ذلك وأراد ان لا يحقق على نفسه
قول من كان يسعى به إلى الرشيد ويقول: انه تحمل الأموال ويعتقد له
الإمامة ويحمل على الخروج عليه ولولا ذلك لفرق ما اجتمع من هذه
الأموال على أنها لم تكن أموال الفقراء وإنما كانت أموال يصل مواليه ليكون
له اكراما منهم له وبرا منهم به عليه السلام.
104

11 - باب
ما جاء عن الرضا علي بن موسى
عليه السلام من الاخبار في التوحيد
1 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا علي
بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الصقر بن دلف عن ياسر الخادم
قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام يقول: من شبه
الله تعالى بخلقه فهو مشرك ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر.
2 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال حدثنا عبيد الله بن موسى
الروياني (1) قال: عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن زيد بن
الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن إبراهيم بن أبي محمود قال:
قال علي بن موسى الرضا عليهم السلام في قول الله تعالى: (وجوه يومئذ
ناضرة إلى ربها ناظرة) قال: يعنى مشرقه ينتظر ثواب ربها.
3 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن عبد السلام بن
صالح الهروي قال: قلت لعلي بن موسى الرضا عليهما السلام: يا بن رسول الله
(ص) ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث: ان المؤمنين يزورون ربهم

1 - الرويان بضم الراء المهملة وبعدها الواو الساكنة وبعدها الياء المنقطة بنقطتين تحتانية: قرية
من قرى الكوفة كذا في ايضاح الرجال.
105

في منازلهم في الجنة فقال عليه السلام: يا أبا الصلت ان الله تبارك وتعالى
فضل نبيه محمدا (ص) على جميع خلقه من النبيين والملائكة وجعل طاعته طاعته
ومتابعته متابعته وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته فقال عزو جل: (من يطع
الرسول فقد أطاع الله) (1) وقال: (ان الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله
فوق أيديهم) (2) وقال النبي (ص): من زارني في حياتي أو بعد موتى فقد زار
الله تعالى ودرجة النبي (ص) في الجنة ارفع الدرجات فمن زاره في درجته في
الجنة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى قال: فقلت له: يا بن رسول الله
(ص) فما معنى الخبر الذي رووه: ان ثواب لا اله إلا الله النظر إلى وجه الله
تعالى فقال عليه السلام: يا أبا الصلت من وصف الله تعالى بوجه كالوجوه
فقد كفر ولكن وجه الله تعالى أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم
هم الذين بهم يتوجه إلى الله عز وجل والى دينه ومعرفته وقال الله تعالى: (كل
من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) (3) وقال عز وجل
(كل شئ هالك إلا وجهه) (4) فالنظر إلى أنبياء الله تعالى ورسله وحججه
عليهم السلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة وقد قال النبي
(ص): من أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة وقال: ان
فيكم من لا يراني بعد ان يفارقني يا أبا الصلت ان الله تبارك وتعالى لا يوصف
بمكان ولا يدرك بالابصار والأوهام قال: قلت له: يا ابن رسول الله
فأخبرني عن الجنة والنار أهما اليوم مخلوقتان؟ فقال: نعم وان رسول الله (ص)
قد دخل الجنة ورأي النار لما عرج به إلى السماء قال: فقلت له: ان قوما
يقولون: انهما اليوم مقدرتان غير مخلوقتين فقال عليه السلام: لا هم منا ولا
نحن منهم من أنكر خلق الجنة والنار كذب النبي (ص) وكذبنا وليس من

1 - سورة النساء الآية 80.
2 - سورة الفتح الآية 10.
3 - سورة الرحمن: الآية 26 و 27. ولعل تفسير الوجه بالمعصومين الأربعة عشر عليهم
السلام إنما لأجل ان كلمة (وجه) في حروف الأبجد على عدد المعصومين عليهم السلام فتأمل و - 6 + ج - 3 + ه‍ - 5 = 14 وجه.
4 - سورة القصص: الآية 88.
106

ولايتنا شئ ويخلد في نار جهنم قال الله تعالى (هذه جهنم التي
يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن) (2) وقال النبي (ص): لما
عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرائيل عليه السلام فأدخلني الجنة فناولني
من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت الأرض
واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السلام ففاطمة حوراء انسية فكلما
اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة عليها السلام
4 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا على
ابن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الريان بن الصلت عن علي بن موسى
الرضا عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال
رسول الله (ص): قال الله جل جلاله: (ما آمن بي من فسر برأيه كلامي
وما عرفني من شبهني بخلقي وما على ديني من استعمل القياس في ديني)
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال:
حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال حدثنا أحمد بن محمد بن خالد عن بعض
أصحابنا قال: مر أبو الحسن الرضا عليه السلام بقبر من قبور أهل بيته
فوضع يده عليه ثم قال: (إلهي بدت قدرتك ولم تبد واهية فجهلوك
وقدروك والتقدير على غير ما به وصفوك وانى برئ يا إلهي من الذين بالتشبيه
طلبوك ليس كمثلك شئ إلهي ولن يدركوك وظاهر ما بهم نعمك دليلهم
عليك لو عرفوك وفي خلقك يا إلهي مندوحة ان يتناولوك بل سووك بخلقك
فمن ثم لم يعرفوك واتخذوا بعض آياتك ربا فبذلك وصفوك فتعاليت ربى عما به
المشبهون نعتوك).
6 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال:
حدثنا محمد بن الحسين أبي الخطاب عن أحمد بن محمد أبي نصر قال:
جاء قوم من وراء النهر إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام فقالوا: جئناك نسألك
عن ثلاث مسائل فإن أجبتنا فيها علمنا انك عالم فقال: سلوا فقالوا:

1 - سورة الرحمن الآية 43 و 44.
107

أخبرنا عن الله تعالى أين كان؟ كيف كان؟ وعلى اي شئ كان اعتماده؟ فقال
عليه السلام: ان الله تعالى كيف الكيف فهو بلا كيف وأين الأين فهو بلا
أين وكان اعتماده على قدرته فقالوا: نشهد انك عالم. قال مصنف
الكتاب: يعنى بقوله وكان اعتماده على قدرته أي على ذاته لأن القدرة من
صفات ذات الله تعالى.
7 - حدثنا محمد بن أحمد السناني رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن
أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا
الحسين بن الحسن قال: حدثنا محمد بن عيسى عن محمد بن عرفه (1) قال:
قلت للرضا عليه السلام: خلق الله الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة؟ فقال عليه
السلام: لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة لأنك إذا قلت: خلق
الأشياء بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئا غيره وجعلتها آله له بها خلق
الأشياء وهذا شرك وإذا قلت خلق الأشياء بغير قدره فإنما تصفه انه جعلها
باقتدار عليها وقدره ولكن ليس هو بضعيف وعاجز ولا محتاج إلى غيره
بل هو سبحانه قادر لذاته لا بالقدرة.
8 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي قال: حدثنا أحمد
بن الفضل بن المغيرة قال: حدثنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن إبراهيم
الأصبهاني قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا الحسين بن بشار عن
أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: سألته أيعلم الله الشئ
الذي لم يكن لو كان كيف كان يكون؟ قال: إن الله تعالى هو العالم بالأشياء
قبل كون الأشياء قال عز وجل: (انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) (2)
وقال لأهل النار: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون) (3) فقد علم
عز وجل انه لو ردوهم لعادوا لما نهوا عنه وقال للملائكة لما قالت: (أتجعل

1 - خ ل (عروة).
2 - سورة الجاثية: الآية 29.
3 - سورة الأنعام: الآية 28.
108

فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني
اعلم ما لا تعلمون) (1) فلم يزل الله عز وجل علمه سابقا للأشياء قديما قبل
ان يخلقها فتبارك الله ربنا وتعالى علوا كبيرا خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها
كما شاء كذلك ربنا يزل عالما سميعا بصيرا.
9 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس (2) العطار النيسابوري
بنيسابور في شعبان سنه اثنين وخمسين وثلاثمائة قال: حدثنا بن محمد بن
قتيبة النيسابوري عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا عليه السلام
يقول في دعائه: (سبحان خلق الخلق بقدرته وأتقن ما خلق بحكمته
ووضع كل شئ منه موضعه بعلمه سبحان من يعلم خائنة الأعين وما تخفى
الصدور وليس كمثله وهو السميع البصير.
10 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي
قال: حدثنا الفضل بن سليمان الكوفي عن الحسين بن خالد قال: سمعت
الرضا عليه السلام يقول لم يزل الله تعالى عالما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا
فقلت له: يا ابن رسول الله ان قوما يقولون: لم يزل الله عالما بعلم وقادرا بقدره
وحيا بحياه وقديما بقدم وسميعا بسمع وبصيرا ببصر فقال عليه السلام: من
قال ذلك ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة أخرى وليس من ولايتنا على شئ ثم
قال عليه السلام: لم يزل الله عز وجل عليما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا
لذاته تعالى عما يقولون المشركون والمشبهون علوا كبيرا.
11 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن محمد بن عبد
الجبار عن صفوان بن يحيى قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: اخبرني
عن الإرادة من الله تعالى ومن الخلق فقال الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو
له بعد ذلك من الفعل وأما من الله عز وجل: فأرادته احداثه لا غير ذلك

1 - سورة البقر ة: الآية 30.
2 - عبدوس بضم العين المهملة وسكون الباء وضم الدال المهملة والواو الساكنة وفي آخره
السين المهملة.
109

لأنه لا يروى ولا يهم (1) ولا يتفكر وهذه الصفات منفية عنه وهي من صفات
الخلق فأراده الله تعالى هي الفعل لا غير ذلك يقول له: كن فيكون بلا لفظ
ولا نطق بلسان ولا همه ولا تفكر وكيف كذلك كما أنه بلا كيف.
12: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال:
حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن علي معبد عن الحسين
بن خالد قال: قلت للرضا عليه السلام: يا بن رسول الله (ص) ان الناس
يروون: ان رسول الله (ص) قال: إن الله عز وجل خلق آدم صورته
فقال: قاتلهم الله لقد حذفوا أول الحديث: ان رسول الله (ص) مر برجلين
يتسابان فسمع أحدهما يقول لصاحبه قبح الله وجهك ووجه من يشبهك
فقال (ص) له: يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك فإن الله عز وجل خلق آدم
على صورته (2).
13 - حدثنا محمد بن محمد بن عاصم الكليني رضي الله عنه قال:
حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال: حدثنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن
محمد بن عيسى عن علي بن سيف عن محمد بن عبيده قال: سألت الرضا
عليه السلام عن قول الله عز وجل لإبليس: (ما منعك ان تسجد خلقت
بيدي) قال عليه السلام: يعنى بقدرتي وقوتي. قال مصنف هذا الكتاب:
سمعت بعض مشايخ الشيعة يذكر في هذه الآية: ان الأئمة عليهم السلام كانوا
يقفون على قوله: ما منعك ان تسجد لما خلقت ثم يبتدؤون بقوله عز وجل:
بيدي استكبرت أم كنت من العالين قال: ومثل قول القائل: بسيفي
تقاتلني وبرمحي تطاعنني كأنه يقول عز وجل: بنعمتي عليك وإحساني إليك
قويت الاستكبار والعصيان.
14 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي الله عنه
قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الكوفي الأسدي قال: حدثنا

1 - الهم: ما هم به الرجل في نفسه.
2 - لعل الضمير راجع إلى الرجل والمعنى: ان الله خلق آدم على صورة هذا الرجل فكيف
يقول قبح الله وجهك ووجه من شبهك.
110

محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا الحسين بن الحسن عن بكر بن
صالح عن الحسن (1) بن سعيد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في قوله عز
وجل: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود) (2) قال: حجاب
نور يكشف فيقع المؤمنون سجدا وتدمج (3) أصلاب المنافقين فلا يستطيعون
السجود.
15 - حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه
قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي قال: حدثنا الهيثم بن
عبد الله الرماني قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عليهما السلام عن أبيه
موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه
علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال:
خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس في مسجد الكوفة فقال: الحمد لله
الذي لا من شئ كان ولا من شئ كون ما قد كان المستشهد بحدوث الأشياء
على أزليته وبما وسمها به من العجز على قدرته وبما اضطرها إليه من الفناء على
دوامه لم يخل منه مكان فيدرك بأينيته ولا له شبح مثال فيوصف بكيفيته ولم
يغب عن شئ فيعلم بحيثيته مباين لجميع ما أحدث في الصفات وممتنع عن
الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع
تصرف الحالات محرم على بوارع (4) ناقبات الفطن تجديدها وعلى غوامض
ثاقبات الفكر تكييفه وعلى غوائص سابحات النظر تصويره لا تحويه الأماكن
لعظمته ولا تدركه المقادير لجلاله ولا تقطعه المقائيس لكبريائه ممتنع عن
الأوهام ان تكتنهه وعن الافهام ان تستغرقه وعن الأذهان ان تمثله وقد
يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول ونضبت عن الإشارة إليه بالإكتناه

1 - قال في الايضاح الحسن والحسين هما ابنا سعيد كانا ثقتان ومراتبهما جليلة وقد يروي
الحسين بن سعيد بعض الأحاديث عن أخيه الحسن وللحسين مصنفات في جميع الأحاديث مشتملة على
أربعمأة أصل جمعها أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني في الكافي رحمة الله عليهم أجمعين.
2 - سورة القلم: الآية 42.
3 - دمج الشئ دموجا: إذا دخل في الشئ واستحكم فيه.
4 - البوارع جمع البارع: الفائق. الناقب: الخارق.
111

بحار العلوم ورجعت بالصغر عن السمو إلى وصف قدرته لطائف الخصوم
واحد لا من عدد ودائم لا بأمد وقائم لا بعمد ليس بجنس فتعادله
الأجناس ولا بشبح فتضارعه الأشباح ولا كالأشياء فتقع عليه الصفات قد
ضلت العقول في أمواج تيار (1) ادراكه وتحيرت الأوهام عن إحاطة ذكر
أزليته وحصرت الافهام عن استشعار وصف قدرته وغرقت الأذهان في لجج
أفلاك ملكوته مقتدر بالآلاء وممتنع بالكبرياء ومتملك على الأشياء فلا
دهر يخلقه ولا زمان يبليه ولا وصف يحيط به وقد خضعت له الرقاب
الصعاب في محل تخوم قرارها وأذعنت له رواصن الأسباب في منتهى
شواهق (2) أقطارها مستشهد بكليه الأجناس على ربوبيته وبعجزها على
قدرته وبفطورها على قدمته وبزوالها على بقائه فلا لها محيص عن ادراكه
إياها ولا خروج من احاطته بها ولا احتجاب عن احصائه لها ولا امتناع
من قدرته عليها كفى باتقان الصنع لها آية وبمركب الطبع عليها دلالة
وبحدوث الفطر (3) عليها قدمه وباحكام الصنعة لها عبره فلا إليه حد
منسوب ولا له مثل مضروب ولا شئ عنه محجوب تعالى عن ضرب
الأمثال والصفات المخلوقة علوا كبيرا واشهد ان لا اله إلا هو ايمانا بربوبيته
وخلافا على من أنكره وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المقر في خير المستقر
المتناسخ (4) من أكارم الأصلاب ومطهرات الأرحام المخرج من أكرم المعادن
محتدا وأفضل المنابت منبتا من امنع ذروه وأعز أرومه من الشجرة التي صاغ الله
منها أنبياؤه وانتجب منها أمناؤه الطيبة العود المعتدلة العمود الباسقة
الفروع الناضرة الغصون اليانعة الثمار الكريمة الجناه في كرم غرست وفي
حرم أنبتت وفيه تشعبت وأثمرت وعزت وامتنعت فسمت به وشمخت حتى
أكرم الله تعالى بالروح الأمين والنور المبين والكتاب المستبين وسخر له
البراق وصافحته الملائكة وارعب به أباليس وهدم به الأصنام والألهة

1 - التيار: موج البحر: فإضافة الأمواج إليه للمبالغة.
2 - الشواهق جمع الشاهق: الجبل المرتفع.
3 - الفطر بالفتح: الابتداء والاختراع.
4 - المتناسخ: المتوالد وتناسخ الأزمنة تداولها وانقراض قرن بعد آخر.
112

المعبودة دونه سنته الرشد وسيرته العدل وحكمه الحق صدع بما امره به
ربه وبلغ ما حمله حتى أفصح بالتوحيد دعوته وأظهر الخلق: ان لا اله إلا
الله وحده لا شريك له حتى خلصت الوحدانية وصفت الربوبية فاظهر الله
بالتوحيد حجته وأعلى بالاسلام درجته واختار الله عز وجل لنبيه ما عنده من
الروح والدرجة والوسيلة صلى عليه وعلى آله الطاهرين.
16 - حدثنا محمد بن أحمد السناني رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن
أبي عبد الله الكوفي عن سهل بن زياد الآدمي (1) عن عبد العظيم بن عبد الله
الحسنى رضي الله عنه عن إبراهيم بن أبي محمود قال: سألت أبا الحسن
الرضا عليه السلام عن قول الله تعالى: (وتركهم في ظلمات لا
يبصرون) (2) فقال: ان الله تبارك وتعالى لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه
ولكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلال منعهم المعاونة واللطف
وخلى بينهم وبين اختيارهم قال: وسألته عن قول الله عز وجل: (ختم الله
على قلوبهم وعلى سمعهم) (3) قال: الختم هو الطبع قلوب الكفار عقوبة
على كفرهم كما قال عز وجل: (بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا
قليلا) (4) قال: وسألته عن الله عز وجل: هل يجبر عباده على المعاصي؟
فقال: بل يخيرهم ويمهلهم حتى يتوبوا قلت: فهل يكلف عباده ما لا
يطيقون؟ فقال: كيف يفعل ذلك؟ وهو يقول: (وما ربك بظلام
للعبيد) (5) ثم قال عليه السلام: حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر
بن محمد عليهما السلام أنه قال: من زعم أن الله تعالى يجبر عباده على
المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته ولا تقبلوا شهادته ولا
تصلوا ورائه ولا تعطوه من الزكاة شيئا.

1 - الآدمي منسوب إلى آدم وهو من أولاد زكريا بن آدم الذي هو شيخ القميين ثقة
جليل القدر.
2 - سورة البقرة: الآية 17.
3 - سورة البقرة: الآية 7.
4 - سورة النساء: الآية 155.
5 - سورة فصلت. الآية 46.
113

17 - حدثنا تميم بن عبد الله بن القرشي رضي الله عنه قال:
حدثنا أبي عن أحمد بن علي الأنصاري عن بريد عمير بن معاوية الشامي
قال: دخلت على علي بن موسى الرضا بمرو فقلت له: يا بن رسول الله ر
روى لنا عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال: إنه لا جبر ولا
تفويض بل أمر بين أمرين فما معناه؟ قال: من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم
يعذبنا عليها فقد قال بالجبر ومن زعم أن الله عز وجل فوض أمر الخلق
والرزق إلى حججه عليهم السلام فقد قال بالتفويض والقائل بالجبر كافر
والقائل بالتفويض مشرك فقلت له: يا بن رسول الله فما أمر بين أمرين؟
فقال: وجود السبيل إلى اتيان ما أمروا به وترك ما نهوا عنه فقلت له: فهل
لله عز وجل مشيه وإرادة في ذلك؟ فقال: فاما الطاعات فأراده الله ومشيته فيها
الامر بها والرضا لها والمعاونة عليها وإرادته ومشيته في المعاصي النهى عنها
والسخط لها والخذلان عليها قلت: فهل لله فيها القضاء؟ قال: نعم
من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلا ولله فيه قضاء قلت: ما معنى هذا
القضاء؟ قال: الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في
الدنيا والآخرة.
18 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام قال: حدثنا محمد بن يعقوب
الكليني قال: حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان قال: حدثنا أبو حامد
عمران بن موسى بن إبراهيم عن الحسين بن القاسم الرقام عن القاسم بن
مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم قال: سئلت الرضا عليه السلام عن
قول الله عز وجل: (نسوا الله فنسيهم) (1) فقال إن الله تعالى لا ينسى ولا
يسهو وإنما ينسى ويسهو المخلوق المحدث الا تسمعه عز وجل يقول:
(وما كان ربك نسيا) (2) وإنما يجازى من نسيه ونسي لقاء يومه بان ينسيهم
أنفسهم كما قال الله عز وجل: (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم
أولئك الفاسقون) (3) وقال تعالى: (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم

1 - سورة التوبة الآية 67.
2 - سورة مريم: الآية 64.
3 - سورة الحشر: الآية 19.
114

هذا) (1) أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا قال المصنف قوله:
نتركهم أي لا نجعل لهم ثواب من كان يرجو لقاء يومه لان الترك لا يجوز
على الله تعالى فاما قول الله تعالى: (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) أي
لا يعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم ليتوبوا.
19 - حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم المعاذي قال: حدثنا أحمد بن
محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن
فضال عن أبيه قال: سئلت الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل:
(كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (2) فقال: ان الله تعالى لا يوصف
بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه عباده ولكنه يعنى انهم عن ثواب ربهم
محجوبون قال: وسألته عن قول الله عز وجل: (وجاء ربك والملك صفا
صفا) (3) فقال: ان الله تعالى لا يوصف بالمجئ والذهاب تعالى عن
الانتقال إنما يعنى بذلك وجاء أمر ربك والملك صفا صفا قال: وسألته عن
قول الله عز وجل: (هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام
والملائكة) (4) قال: يقول: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل
من الغمام وهكذا نزلت قال: وسألته عن قوله تعالى: (سخر الله
منهم) (5) وعن قوله: (الله يستهزئ بهم) (6) وعن قوله: (ومكروا ومكر
الله) (7) وعن قوله: (يخادعون الله وهو خادعهم) (8): فقال إن الله لا
يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا يخادع ولكنه تعالى يجازيهم جزاء السخرية
وجزاء الاستهزاء وجزاء المكر الخديعة تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
20 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال:

1 - سورة الأعراف: الآية 51.
2 - سورة المطففين: الآية 15.
3 - سورة الفجر. الآية 22.
4 - سورة البقرة: الآية 210.
5 - سورة التوبة: الآية 79.
6 - سورة البقرة: الآية 15.
7 - سورة آل عمران: الآية 54.
8 - سورة النساء: الآية 142.
115

حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي الخزاز عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام قال: إن رسول الله (ص) يوم القيامة آخذ بحجزه
تعالى ونحن آخذون بحجزه نبينا وشيعتنا آخذون بحجزتنا ثم قال: والحجزة
النور وقال في حديث اخر: معنى الحجزة: الدين (1).
21 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى بن
أيوب الروياني عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى رضي الله عنه عن
إبراهيم بن أبي محمود؟ قال: قلت للرضا عليه السلام: يا بن رسول الله ما
تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله (ص) أنه قال: إن الله
تبارك وينزل كل ليله جمعه إلى السماء الدنيا فقال: لعن الله المحرفين
الكلم عن مواضعه والله ما قال: رسول الله كذلك إنما قال: إن الله تعالى
ينزل ملكا إلى السماء الدنيا كل ليله في الثلث الأخير وليله الجمعة في أول الليل
فيأمره فينادى هل من سائل فاعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من
مستغفر فاغفر له؟ يا طالب الخير اقبل ويا طالب الشر اقصر فلا يزال ينادى
بهذا حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء
حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول الله (ص).
22 - حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ
قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني عن داود بن سليمان الفراء عن علي بن
موسى الرضا عليهم السلام عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال:
قال رسول الله (ص): ان موسى بن عمران لما ناجى ربه عز وجل قال: يا
رب أبعيد أنت منى فأناديك أم قريب فأناجيك؟ فأوحى الله عز وجل إليه: انا
جليس من ذكرني فقال موسى عليه السلام؟ يا رب انى أكون في حال أجلك
ان أذكرك فيها فقال: يا موسى اذكرني على كل حال.

1 - في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: خذوا بحجزة: هذا الأنزع يعني عليا عليه
السلام فإنه الصديق الأكبر والفاروق الأعظم يفرق بين الحق والباطل.
116

23 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم عن المختار بن محمد بن المختار الهمداني عن الفتح بن
يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام قال: سمعته يقول في الله عز
وجل هو اللطيف الخبير السميع البصير الواحد الاحد الصمد الذي لم يلد ولم
يولد ولم يكن له كفوا أحد منشئ الأشياء ومجسم الأجسام ومصور الصور لو
كان كما يقولون لم يعرف الخالق من المخلوق ولا المنشئ من المنشئ لكنه
المنشئ فرق بين من جسمه وصوره وأنشاءه إذ كان لا يشبهه شئ ولا يشبه
شيئا قلت: أجل جعلني الله فداك لكنك قلت: الاحد الصمد
وقلت: لا يشبه شيئا والله واحد والانسان واحد أليس تشابهت
الوحدانية؟ قال: يا فتح أحلت ثبتك الله تعالى إنما التشبيه في المعاني فاما
في الأسماء فهي واحده وهي دلالة على المسمى وذلك أن الانسان وان قيل:
واحد فإنما يخبر انه جثه واحده وليس باثنين فالانسان نفسه ليست بواحده
لأن أعضاءه مختلفه وألوانه مختلفه كثيره غير واحده وهو اجزاء مجزاه ليست بسواء
دمه غير لحمه ولحمه غير دمه وعصبه غير عروقه وشعره غير بشره
وسواده غير بياضه وكذلك ساير جمع الخلق فالانسان واحد في الاسم لا واحد
في المعنى والله جل جلاله واحد لا واحد غيره لا اختلاف فيه ولا
تفاوت ولا زيادة ولا نقصان فاما الانسان المخلوق المصنوع المؤلف من
اجزاء مختلفه وجواهر شتى غير أنه بالاجتماع شئ واحد قلت جعلت فداك
فرجت عنى فرج الله عنك فقولك: اللطيف الخبير فسره لي كما فسرت
الواحد فانى اعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل غير انى أحب ان
تشرح لي ذلك فقال: يا فتح إنما قلنا: اللطيف للخلق اللطيف ولعلمه
بالشئ اللطيف وغير اللطيف وفي الخلق اللطيف من الحيوان الصغار من
البعوض والجرجس (1) وما هو أصغر منها ما لا تكاد تستبينه العيون بل لا يكاد
يستبان لصغره الذكر من الأنثى والحدث المولود من القديم فلما رأينا صغر
ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من الموت والجمع لما يصلحه مما في لجج
البحار وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار وفهم بعضها عن بعض منطقها

1 - الجرجس لغة في القرقس وهو بعوض الصغار فيكون من باب ذكر الخاص بعد العام.
117

وما تفهم به أولادها عنها ونقلها الغذاء إليها ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفره
وبياضها مع خضرة وما لا تكاد عيوننا تستبينه بتمام خلقها ولا تراه عيوننا ولا
تلمسه
أيدينا علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف لطف في خلق ما سمينا بلا
علاج ولا أداه ولا آله ان كل صانع شئ فمن شئ صنعه والله الخالق
اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شئ (1).
24 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن إدريس عن
الحسين بن عبد الله عن محمد بن عبيد الله وموسى بن عمر والحسن بن علي بن
أبي عثمان عن محمد بن سنان قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام
هل كان الله عارفا بنفسه ان يخلق الخلق؟ قال: نعم قلت: يريها
ويسمعها؟ قال: ما كان محتاجا إلى ذلك لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها
هو نفسه ونفسه هو قدرته نافذه فليس يحتاج إلى أن يسمى نفسه ولكنه
اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه (2) بها لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف فأول
ما اختاره لنفسه (العلي العظيم) لأنه أعلى الأشياء كلها فمعناه الله واسمه
العلي العظيم هو أول أسمائه لأنه على على كل شئ.
25 - وبهذا الاسناد عن محمد بن سنان قال: سألته يعنى الرضا عليه
السلام عن الاسم ما هو؟ فقال: صفه لموصوف.
26 - حدثنا محمد بن بكران النقاش رضي الله عنه بالكوفة سنه أربع
وخمسين وثلاث مأة قال: حدثنا أحمد محمد بن سعيد الهمداني مولى بني
هاشم قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن أبي
الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال: إن أول ما خلق الله تعالى
ليعرف به خلقه الكتابة الحروف المعجم وان الرجل إذا ضرب على رأسه بعصا
فزعم أنه لا يفصح ببعض الكلام فالحكم فيه ان تعرض عليه حروف

1 - اي لا من آلات وأدوات كما يصنع الصانعون بها لاحتياجهم: وهو تعالى وتقدس لا يحتاج
قط وهو غني تبارك الله أحسن الخالقين.
2 - قال الله تعالى في كتابه المنزل على نبيه المرسل: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله
الأسماء الحسنى اية 110 من سورة الإسراء.
118

المعجم ثم يعطى الدية بقدر ما لم يفصح منها ولقد حدثني أبي عن أبيه
عن جده عن أمير المؤمنين عليهم السلام في ا ب ت ث قال: الألف آلاء
الله والباء بهجة الله والتاء تمام الامر لقائم آل محمد صلوات الله عليهم
والثاء ثواب المؤمنين على أعمالهم الصالحة ج ح خ فالجيم جمال الله وجلاله
والحاء حلم الله عن المذنبين والخاء خمول ذكر أهل المعاصي عند الله عز وجل د
ذ فالدال دين الله والذال من ذي الجلال ر ز فالراء من الرؤوف الرحيم
والزاء زلازل القيامة س ش فالسين سناء الله والشين شاء الله ما شاء وأراد ما
أراد وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ص ض فالصاد من صادق الوعد في حمل
الناس على الصراط وحبس الظالمين عند المرصاد والضاد ضل من خالف
محمدا وآل محمد (ص) ط ظ فالطاء طوبى للمؤمنين وحسن مآب والظاء ظن
المؤمنين بالله خيرا وظن الكافرين سوءا ع غ فالعين من العلم والغين من
الغنى ف ق فالفاء فوج من أفواج النار والقاف قرآن على الله جمعه وقرآنه ك ل
فالكاف من الكافي واللام لغو الكافرين في افترائهم على الله الكذب م ن فالميم
ملك الله يوم لا مالك غيره ويقول عز وجل: (لمن الملك اليوم) ثم ينطق
أرواح أنبيائه ورسله وحججه فيقولون: (لله الواحد القهار) فيقول جل
جلاله: (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ان الله سريع
الحساب) (1) والنون نوال الله للمؤمنين ونكاله بالكافرين وهو فالواو ويل لمن
عصى الله والهاء هان على الله من عصاه لا ى فلام الف لا اله الله وهي
كلمه الاخلاص ما من عبد قالها مخلصا الا وجبت له الجنة والياء يد الله
فوق خلقه باسطه بالرزق سبحانه وتعالى عما يشركون ثم قال عليه السلام:
ان الله تبارك وتعالى انزل هذا القرآن بهذه الحروف التي يتداولها جميع العرب ثم
قال: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون
بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (2).
27 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رضي الله عنه

1 - المؤمن: الآية 16 - 17.
2 - سورة الإسراء. الآية 88.
119

قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري عن حمدان بن سليمان بن
النيسابوري قال: سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل: (فمن
يرد الله يهديه يشرح صدره للاسلام) (1) قال عليه السلام: ومن يرد ان
يضله يجعل صدره ضيقا حرجا قال: من يرد الله ان يهديه بايمانه في الدنيا إلى
جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به والسكون إلى ما
وعده من ثوابه حتى يطمئن إليه (ومن يرد ان يضله) عن جنته ودار كرامته في
الآخرة لكفره به وعصيانه له في الدنيا (يجعل صدره ضيقا) حرجا حتى يشك في
كفره ويضطرب من اعتقاد قلبه حتى يصير (كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل
الله الرجس على الذين لا يؤمنون).
28 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثني عمى
محمد بن أبي القاسم قال: حدثني أبو سمينه محمد بن علي الكوفي الصيرفي عن
محمد بن عبد الله الخراساني خادم الرضا عليه السلام قال: دخل رجل
من الزنادقة على الرضا عليه السلام وعنده جماعه فقال له أبو الحسن عليه
السلام: أرأيت إن كان القول قولكم وليس هو كما تقولون السنا وإياكم شرع
سواء ولا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا فسكت فقال أبو الحسن
عليه السلام: وان يكن القول قولنا وهو قولنا وكما نقول ألستم قد
هلكتم ونجونا؟ قال: رحمك الله فأوجدني كيف هو؟ وأين هو؟ قال: ويلك
ان الذي ذهبت إليه غلط وهو أين الأين وكان ولا أين وكيف الكيف وكان ولا
كيف فلا يعرف بكيفوفية ولا بأينونية ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشئ قال
الرجل: فإذا انه لا شئ إذا يدرك بحاسة من الحواس فقال أبو الحسن
عليه السلام: ويلك لما عجزت حواسك عن ادراكه أنكرت ربوبيته ونحن إذا
عجزت حواسنا عن ادراكه أيقنا انه ربنا وانه شئ بخلاف الأشياء قال
الرجل: فأخبرني متى كان؟ قال: أبو الحسن عليه السلام: اخبرني متى لم يكن
فأخبرك متى كان؟! قال الرجل: فما الدليل عليه؟ قال أبو الحسن: انى لما
نظرت جسدي فلم يمكني زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره

1 - سورة الأنعام: الآية 125.
120

عنه وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به مع ما أرى من
دوران الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس
والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات علمت أن لهذا
مقدرا ومنشأ قال الرجل: فلم احتجب؟ فقال أبو الحسن: ان الحجاب على
الخلق لكثره ذنوبهم فاما هو فلا يخفى عليه خافيه في آناء الليل والنهار
قال: فلم لا يدركه حاسه الابصار قال: للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم
حاسه الابصار منهم ومن غيرهم ثم هو أجل من أن يدركه بصر أو يحيطه وهم
أو يضبطه عقل قال: فحده لي قال لا حد له قال: ولم؟ قال: لأن كل
محدود متناه إلى حد وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة وإذا احتمل الزيادة
احتمل النقصان فهو غير محدود ولا متزايد ولا متناقص ولا متجزي ولا
متوهم قال الرجل: فأخبرني عن قولكم: انه لطيف وسميع وحكيم وبصير
وعليم أيكون السميع الا بإذن والبصير إلا بالعين واللطيف إلا بالعمل
باليدين والحكيم إلا بالصنعة؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: ان اللطيف منا
على حد اتخاذ الصنعة أو ما رأيت الرجل يتخذ شيئا يلطف في اتخاذه؟ فيقال
ما الطف فلانا فكيف لا يقال للخالق الجليل: لطيف؟ إذ خلق خلقا لطيفا
وجليلا وركب في الحيوان منه أرواحها وخلق كل جنس متباينا من جنسه في
الصورة لا يشبه بعضه بعضا فكل له لطف (1) من الخالق اللطيف الخبير في
تركيب صورته ثم نظرنا إلى الأشجار وحملها أطايبها المأكولة فقلنا عند ذلك:
ان خالقنا لطيف لا كلطف خلقه في صنعتهم وقلنا: انه سميع لا يخفى عليه
أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثرى من الذرة إلى أكبر منها في برها وبحرها
ولا يشتبه عليه لغاتها فقلنا عند ذلك: انه سميع بإذن وقلنا: انه بصير لا
ببصر لأنه يرى اثر الذرة السحماء (2) في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء
ويرى دبيب النمل الليلة الدجنة (3) ويرى مضارها ومنافعها واثر سفادها
وفراخها ونسلها فقلنا عند ذلك: انه بصير لا كبصر خلقه قال: فما برح

1 - مثل كل له قانتون.
2 - السحماء: السوداء.
3 - الدجنة أو الدجية: الظلمة.
121

حتى أسلم وفيه كلام غير ذلك.
29 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم عن مختار بن محمد بن المختار الهمداني عن الفتح يزيد
الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام قال: سئلته أدنى المعرفة قال:
الاقرار بأنه لا اله غيره ولا شبيه ولا نظير له وانه مثبت قديم موجود غير
فقيد وانه ليس كمثله شئ.
30 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا بن إسماعيل
البرمكي قال: حدثني الحسين بن الحسن قال: حدثني بكر بن زياد عن
عبد العزيز بن المهتدى قال: سألت الرضا عليه السلام عن التوحيد
فقال: كل من قرأ قل هو الله أحد وآمن بها فقد عرف التوحيد قلت:
كيف يقرأها؟ قال: كما يقرأها الناس وزاد فيه كذلك الله ربى كذلك الله
ربى كذلك الله ربى ثلاثا.
31 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه عن أبيه
قال: حدثنا محمد بن بندار (1) عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن علي
الخراساني خادم الرضا عليه السلام قال: قال بعض الزنادقة لأبي الحسن عليه
السلام هل يقال لله: انه شئ؟ فقال: نعم وقد سمى نفسه بذلك في
كتابه فقال: (قل أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم) (2) فهو
شئ ليس كمثله شئ.
32 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه
حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم عن علي بن معبد
عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام
انه دخل عليه رجل فقال له: يا بن رسول الله (ص) ما الدليل على حدوث

1 - محمد بن بندار بالباء الموحدة المضمومة وبعدها نون ساكنة: قمي ثقة.
2 - سورة الأنعام الآية 19.
122

العالم؟ فقال: أنت لم تكن ثم كنت وقد علمت أنك تكون نفسك ولا
كونك من هو مثلك.
33 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال: حدثنا أبي عن
أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي
قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام عن قول الله
تعالى: (وهو الذي خلق السماوات والأرض في سته أيام وكان عرشه على الماء
ليبلوكم أيكم أحسن عملا) (1) فقال: ان الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء
والملائكة قبل خلق السماوات والأرض فكانت الملائكة تستدل بأنفسها
وبالعرش وبالماء على الله عز وجل ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته
للملائكة فتعلموا انه على كل شئ قدير ثم رفع العرش بقدرته ونقله
وجعله فوق السماوات السبع ثم خلق السماوات والأرض في سته أيام وهو
مستولى على عرشه وكان قادرا على أن يخلقها في طرفه عين ولكنه تعالى خلقها
في سته أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شئ فيستدل بحدوث ما
يحدث على الله تعالى مره بعد مره ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه لأنه
غني عن العرش وعن جميع ما خلق لا يوصف بالكون على العرش لأنه
ليس بجسم تعالى عن صفه خلقه علوا كبيرا وأما قوله عز وجل: (ليبلوكم
أيكم أحسن عملا) فإنه عز وجل خلقهم ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا
على سبيل الامتحان والتجربة لأنه لم يزل عليما بكل شئ فقال المأمون:
فرجت عنى يا أبا الحسن عليه السلام فرج الله عنك ثم قال له: يا بن رسول
الله فما معنى قول الله عز وجل: (ولو شاء ربك لامن من في الأرض كلهم
جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس ان تؤمن إلا بإذن الله
) (2) فقال الرضا عليه السلام: حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه
جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه
الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: إن

1 - سورة هود: الآية 7.
2 - سورة يونس: الآية 99 و 100.
123

المسلمين قالوا لرسول الله (ص): لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من
الناس على الاسلام لكثر عددنا وقوينا على عدونا فقال رسول الله (ص): ما
كنت لألقى الله عز وجل ببدعه لم يحدث إلى فيها شيئا وما انا من المتكلفين
فأنزل الله تعالى عليه يا محمد (ولو شاء ربك لامن من في الأرض كلهم
جميعا) على سبيل الالجاء والاضطرار في الدنيا كما يؤمنون عند المعاينة ورؤية
البأس في الآخرة ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا منى ثوابا ولا مدحا لكني
أريد منهم ان يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا منى الزلفى والكرامة ودوام
الخلود في جنه الخلد (أفأنت تكره حتى يكونوا مؤمنين) وأما قوله
تعالى: (وما لنفس ان تؤمن إلا بإذن الله) فليس ذلك على سبيل تحريم
الايمان عليها ولكن على معنى انها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله وإذنه امره لها
بالايمان ما كانت مكلفه متعبده والجاه إياها إلى الايمان عند زوال التكليف
والتبعد عنها فقال المأمون: فرجت عنى يا أبا الحسن فرج عنك فأخبرني
عن قول الله تعالى: (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى وكانوا لا
يستطيعون سمعا) (1) فقال عليه السلام: ان غطاء العين لا يمنع من الذكر
والذكر لا يرى بالعين ولكن الله عز وجل شبه الكافرين بولاية علي بن أبي
طالب عليهما السلام بالعميان لأنهم كانوا يستثقلون قول النبي (ص) فيه: فلا
يستطيعون له سمعا فقال المأمون: فرجت عنى فرج الله عنك.
34 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه
قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري عن حمدان بن
سليمان قال: كتبت إلى الرضا عليه السلام أساله عن أفعال العباد أمخلوقة أم غير
مخلوقه؟ فكتب عليه السلام: أفعال العباد مقدره في علم الله قبل خلق
العباد بألفي عام.
35 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال:
حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن

1 - سورة الكهف: الآية 101.
124

خالد عن علي بن موسى الرضا عليهما السلام عن أبيه عن آبائه عن
أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله (ص): من لم يؤمن
بحوضي فلا أورده الله حوضي ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله
شفاعتي ثم قال عليه السلام: إنما شفاعتي لأهل الكباير من أمتي فاما
المحسنون فما عليهم من سبيل قال الحسين بن خالد: فقلت للرضا عليه
السلام يا ابن رسول الله فما معنى قول الله عز وجل (ولا يشفعون إلا لمن
ارتضى) (2) قال: لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه قال المصنف: المؤمن
هو الذي تسره حسنته وتسؤه سيئته لقول النبي (ص): من سرته حسنته
وسائته سيئته فهو مؤمن ومن سائته سيئته ندم عليها والندم توبة والتائب
مستحق للشفاعة والغفران ومن لم تسؤه سيئته فليس بمؤمن وإذا لم يكن
مؤمنا لم يستحق الشفاعة لأن الله عز وجل غير مرتضى لدينه.
36 - حدثنا محمد بن القاسم المفسر رضي الله عنه قال: حدثني
يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما عن الحسن بن علي
عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد على عن أبيه علي بن موسى
الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد
بن علي عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام في قول الله عز وجل: (الذي
جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء) قال: جعلها ملايمه لطبايعكم موافقه
لأجسادكم ولم يجعلها شديده الحماء والحرارة فتحرقكم ولا شديده البرودة
فتجمدكم ولا شديده طيب الريح فتصدع هاماتكم ولا شديده النتن
فتعطبكم ولا شديده اللين كالماء فتغرقكم ولا شديده الصلابة فتمتنع عليكم
في دوركم وأبنيتكم وقبور موتاكم ولكنه عز وجل جعل فيها من المتانة ما
تنتفعون به وتتماسكون وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم وجعل فيها ما
تنقاد به لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم فلذلك جعل الأرض فراشا
لكم ثم قال عز وجل: (والسماء بناء) سقفا من فوقكم محفوظا يدير فيها
شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم ثم قال عز وجل: (وانزل من السماء

1 - سورة الأنبياء: الآية 28.
125

ماء) يعنى المطر ينزله من على ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم (1)
وأوهادكم (2) ثم فرقه رذاذا ووابلا وهطلا (3) لتنشفه أرضوكم ولم يجعل ذلك المطر
نازلا عليكم قطعه واحده فيفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم وثماركم ثم قال
عز وجل: (فاخرج به من الثمرات رزقا لكم) يعنى مما يخرجه من الأرض
رزقا لكم فلا تجعلوا لله أنداد اي أشباها وأمثالا من الأصنام التي لا تعقل ولا
تسمع وتبصر ولا تقدر على شئ وأنتم تعلمون انها لا تقدر شئ من
هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم تبارك وتعالى.
37 - حدثنا محمد بن أحمد السناني رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن
أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا سهل بن زياد الآدمي عن عبد العظيم بن
عبد الله الحسنى عن الإمام علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن
موسى الرضا عليهم السلام قال: خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند
الصادق عليه السلام فاستقبله موسى بن جعفر عليهما السلام فقال: له يا
غلام ممن المعصية؟ قال: لا تخلو من ثلاث أما أن تكون من الله تعالى
وليست منه ولا ينبغي للكريم ان يعذب عبده بما لا يكتسبه وأما أن تكون
من الله عز وجل ومن العبد فلا ينبغي للشريك القوى ان يظلم الشريك
الضعيف واما أن تكون من العبد وهي منه فإن عاقبه الله تعالى فبذنبه
وان عفى عنه فبكرمه وجوده.
38 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضى عنه
قال: حدثنا محمد بن الحسن الطائي قال: حدثنا أبو سعيد سهل بن زياد
الآدمي الرازي عن علي جعفر الكوفي قال: سمعت سيدي علي بن
محمد عليهما السلام يقول: حدثني أبي محمد بن علي عن أبيه الرضا علي بن
موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد
بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام

1 - الهضبة: المرتفع من الأرض والجبل الصغير جمعها هضاب.
2 - الأوهاد: الأودية: الوهدة: الأرض المنخفضة.
3 - الرذاذ بالفتح المطر الضعيف الصغار القطر كالغبار: الوابل والوبل: المطر الشديد الضخم
القطر: الهطل: المطر الضعيف الدائم وتتابع المطر المتفرق العظيم القطر.
126

وحدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي قال: حدثني أبو القاسم إسحاق بن
جعفر العلوي قال: حدثني أبي جعفر بن محمد بن علي عن سليمان بن
محمد القرشي عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد
عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن علي عليهم السلام وحدثنا أبو
الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي الغرائمي قال: حدثنا أبو
سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي (1) بجرجان قال: حدثنا عبد العزيز
بن إسحاق بن جيفر ببغداد قال: حدثني عبد الوهاب بن عيسى المروزي
قال: حدثني الحسن بن علي بن محمد البلوى قال: حدثني محمد بن عبد الله
بن نجيح عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن أبيه عليهم السلام
وحدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علي السكري قال:
حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال: حدثنا العباس بن بكار الضبي قال:
حدثنا أبو بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما انصرف أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام من الصفين قام إليه شيخ ممن شهد
معه الواقعة فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا هذا بقضاء من الله تعالى
وقدره وقال الرضا عليه السلام في روايته عن آبائه عن علي بن الحسين بن علي
عليهم السلام دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين فقال اخبرني
عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدره فقال له أمير المؤمنين
عليه السلام أجل يا شيخ فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء
من الله وقدره فقال الشيخ: عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال عليه
السلام: مهلا يا شيخ لعلك تظن قضاء (2) حتما وقدرا لازما لو كان كذلك
لبطل الثواب والعقاب والامر والنهى والزجر وأسقط معنى الوعد والوعيد ولم

1 - نسا: بلد بفارس وقرية بسرخس وبكرمان وبهمدان والنسبة نسوي.
2 - وفي شرح النهج للشيخ محمد عبدة (ج 4 ص 99 ط مصر) القضاء: علم الله السابق
بحصول الأشياء على أحوالها في أوضاعها والقدر: ايجاده لها عند وجود أسبابها ولا شئ منهما
يضطر العبد لفعل من أفعاله. فالعبد وما يجد من من نفسه من باعث على الخير والشر ولا يجد شخص
الا ان اختياره دافعه إلى ما يعمل والله يعلمه فاعلا باختياره اما شقيا له وأما سعيدا والدليل
على ما ذكره الامام. (انتهى).
127

تكن على المسيئ لائمه ولا لمحسن محمده ولكان المحسن أولى باللائمة من
المذنب والمذنب أولى بالاحسان من المحسن تلك مقاله عبده الأوثان وخصماء
الرحمن وقدرية (1) هذه الأمة ومجوسها يا شيخ ان الله تعالى كلف تخييرا ونهى
تحذيرا وأعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يخلق
السماوات والأرض وما بينهما باطلا (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا
من النار) قال: فنهض الشيخ وهو يقول:
أنت الامام الذي نرجو بطاعته * يوم النجاة من الرحمن غفرانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا * جزاك ربك عنا فيه إحسانا
فليس معذره في فعل فاحشة * قد كنت راكبها فسقا وعصيانا
لا لا ولا قائلا ناهيه أوقعه * فيها عبدت إذا يا قوم شيطانا
ولا أحب ولا شاء الفسوق ولا * قتل الولي له ظلما وعدوانا
انى يحب وقد صحت عزيمته * ذو العرش أعلن ذاك الله إعلانا
ولم يذكر محمد بن عمر الحافظ في آخر هذا الحديث من الشعر إلا بيتين من أوله.
39 - حدثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوزي (2) بنيسابور
قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن مروان الخوزي قال: حدثنا جعفر
بن محمد بن زياد الفقيه الخوزي قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الجويباري
الشيباني عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم
السلام قال: قال رسول الله (ص) ان الله عز وجل قدر المقادير ودبر التدابير
قبل ان يخلق آدم بألفي عام
40 - حدثنا الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ قال: حدثنا
علي بن مهرويه القزويني قال: حدثنا داود بن سليمان الفراء قال: حدثنا

1 - روى في كنز العمال (ج 1 ص 121 ط حيدر آباد حديث 2677): ان لكل أمة مجوس
ومجوس أمتي هذه القدرية وروى أيضا في هذه الصفحة: (القدرية مجوس أمتي) إلى غير ذلك من
الآثار.
2 - الخوز بالزاء المعجمة: اسم لجميع بلاد خوزستان في نسخة: (الجوزي) وفي بعضها
الاخر (الحوزي) في المواضع الثلاثة.
128

على موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم
السلام قال: إن يهوديا سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام
فقال: اخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله فقال علي عليه
السلام: أما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم معشر اليهود ان عزيرا ابن
الله والله لا يعلم له ولدا وأما قولك: ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم
للعباد وأما قولك ما ليس لله فليس لله شريك فقال اليهودي: اشهد ان لا
اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
41 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن
إبراهيم بن هاشم عن أحمد بن سليمان قال: سأل رجل أبا الحسن عليه
السلام وهو في الطواف فقال له: اخبرني عن الجواد فقال: ان لكلامك
وجهين فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدى ما افترض الله
تعالى عليه والبخيل من بخل بما افترض الله تعالى عليه وان كنت تعنى الخالق
فهو الجواد ان اعطى وهو الجواد ان منع لأنه ان اعطى عبدا أعطاه ما ليس
له وان منع منع ما ليس له.
42 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب رضي الله عنه قال:
حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين
بن خالد عن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر
بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي
عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام فقال: سمعت رسول الله
(ص) يقول: قال الله جل جلاله: من لم يرض بقضائي ومن لم يؤمن
بقدري فليلتمس الها غيري وقال رسول الله (ص): في كل قضاء الله عز وجل
خيره للمؤمن.
43 - حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال: حدثنا محمد بن
يحيى الصولي قال: حدثنا أبو ذكوان قال: سمعت إبراهيم بن العباس يقول:
سمعت الرضا عليه السلام وقد سئله رجل أيكلف الله العباد ما لا يطيقون؟
فقال: هو أعدل من ذلك قال: أفيقدرون على كل ما أرادوه قال: هم
129

أعجز من ذلك.
44 - حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري قال: حدثنا
أبو الحسن علي بن الحسن بن الميثمي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن مهرويه
القزويني قال: حدثنا أبو أحمد الغازي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن
موسى الرضا عليه السلام قال: حدثنا أبي موسى بن جعفر قال: حدثنا أبي
جعفر بن محمد قال: أبي محمد بن علي قال: حدثنا أبي علي بن
الحسين قال: حدثنا أبي الحسين بن علي عليهم السلام قال: سمعت أبي
علي بن أبي طالب عليهما السلام يقول: الأعمال على ثلاثة أحوال فرايض
وفضايل ومعاصي فاما الفرايض فبأمر الله وبرضاء الله وبقضاء الله وتقديره
ومشيته وعلمه وأما الفضايل فليست بأمر الله ولكن برضاء الله وبقضاء الله
وتقديره ومشيته وبعلمه وأما المعاصي فليست بأمر الله ولكن بقدر الله وبعلمه
ثم يعاقب عليها.
45 - حدثنا أحمد بن إبراهيم بن هارون الفامي في مسجد الكوفة قال:
حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه قال: حدثنا إبراهيم بن
هاشم عن علي بن معبد عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى
الرضا عليهم السلام قال: قلت له: يا بن رسول الله ان الناس ينسبوننا إلى
القول بالتشبيه والجبر لما روى من الاخبار في ذلك عن آبائك الأئمة عليهم
السلام فقال: يا بن خالد اخبرني عن الاخبار التي رويت عن آبائي الأئمة
عليهم السلام في التشبيه والجبر أكثر أم الاخبار التي رويت عن النبي (ص)
في ذلك؟ فقلت: بل ما روى عن النبي في ذلك أكثر قال: فليقولوا: ان
رسول الله (ص) كان يقول بالتشبيه والجبر إذا فقلت له: انهم يقولون: ان
رسول الله لم يقل من ذلك شيئا وإنما روى عليه قال فليقولوا في آبائي الأئمة
عليهم السلام انهم لم يقولوا من ذلك شيئا وإنما روى ذلك عليهم ثم قال عليه
السلام: من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ونحن منه برآء في الدنيا
والآخرة يا بن خالد إنما وضع الاخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة صغروا
عظمه الله تعالى فمن أحبهم فقد أبغضنا ومن أبغضهم فقد أحبنا ومن
130

والاهم فقد عادانا ومن عاداهم فقد والانا ومن وصلهم فقد قطعنا ومن
قطعهم فقد وصلنا ومن جفاهم فقد برنا ومن برهم فقد جفانا ومن أكرمهم
فقد أهاننا ومن أهانهم فقد أكرمنا ومن قبلهم فقد ردنا ومن ردهم فقد
قبلنا ومن أحسن إليهم فقد أساء إلينا ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا
ومن صدقهم فقد كذبنا ومن كذبهم فقد صدقنا ومن أعطاهم فقد حرمنا
ومن حرمهم فقد أعطانا يا بن خالد من كان من شيعتنا فلا يتخذن منهم وليا
ولا نصيرا.
46 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدثنا
الحسين بن محمد بن عامر عن معلى بن محمد البصري عن الحسن بن علي
الوشا عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سئلته فقلت: الله فوض
الامر إلى العباد؟ فقال: هو أعز من ذلك فقلت: أجبرهم على المعاصي؟
قال: الله أعدل واحكم من ذلك ثم قال: قال الله عز وجل: يا بن آدم انا
أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك (1) منى عملت المعاصي بقوتي التي
جعلتها فيك.
47 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق المؤدب رضي الله عنه قال:
حدثنا أحمد بن علي الأنصاري عن عبد السلام بن صالح الهروي قال:
سمعت أبا الحسن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام يقول: من قال
بالجبر فلا تعطوه من الزكاة شيئا ولا تقبلوا له شهادة ابدا ان الله تعالى لا
يكلف نفسا إلا وسعها (2) ولا يحملها فوق طاقتها ولا تكسب كل نفس إلا عليها
ولا تزر وازره وزر أخرى (3).
48 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن أبيه عن سليمان بن جعفر

1 - قال الله تعالى في سورة النساء. الآية 79: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من
سيئة فمن نفسك الآية.
2 - اقتباس من قوله تعالى في سورة البقرة الآية 286.
3 - اقتباس من قوله تعالى في سورة الأنعام الآية 164.
131

الحميري (1) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: ذكر عنده الجبر
والتفويض فقال: الا أعطيكم في هذا أصلا لا يختلفون ولا يخاصمكم
عليه أحد إلا كسرتموه؟ قلنا: إن رأيت ذلك فقال: ان الله تعالى لم يطع
بإكراه ولم يعص بغلبه ولم يهمل العباد في ملكه هو المالك لما ملكهم
والقادر على ما أقدرهم عليه فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله عنها صادا ولا
منها مانعا وان ائتمروا بمعصيته فشاء ان يحول بينهم وبين ذلك فعل وان لم يحل
ففعلوا فليس هو الذي أدخلهم فيه ثم قال عليه السلام: من يضبط حدود
هذا الكلام فقد خصم من خالفه.
49 - حدثنا أبي رضي الله عنه ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه
قالا: حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:
قلت له: ان أصحابنا بعضهم يقول بالجبر وبعضهم يقول بالاستطاعة فقال
لي: اكتب قال الله تعالى: يا بن آدم بمشيتي أنت الذي تشاء وبقوتي
أديت لي فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي جعلتك سميعا بصيرا قويا ما
أصابك من سيئه فمن نفسك وذلك انى أولى بحسناتك منك وأنت أولى
بسيئاتك منى وذلك انى لا أسال عما افعل وأنتم تسألون ونظمت لك كل
شئ تريد.
50 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال: حدثنا علي بن محمد المعروف
بعلان عن محمد بن عيسى عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا عليه
السلام أنه قال: اعلم علمك الله الخير ان الله تبارك وتعالى قديم والقدم
صفه دلت العاقل على أنه لا شئ قبله ولا شئ معه في ديمومته فقد بان لنا
باقرار العامة معجزه الصفة انه لا شئ قبل الله ولا شئ مع الله في بقائه

1 - (الجعفري) وهو الصواب الموافق لكتب الرجال وهو الذي عده الشيخ تارة من أصحاب
الكاظم عليه السلام وأخرى من أصحاب الرضا عليه السلام وقال في الفهرست: سليمان بن
جعفر الجعفري ثقة له كتاب.
132

وبطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شئ وذلك أنه لو كان معه
شئ في بقائه لم يجز أن يكون خالقا له لأنه لم يزل معه فكيف يكون خالقا لمن
لم يزل معه؟ ولو قبله شئ كان الأول ذلك الشئ لا هذا وكان الأول
أولى بان يكون خالقا للأول ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ
خلقهم وتعبدهم وابتلاهم إلى أن يدعوه بها فسمى نفسه سميعا بصيرا قادرا
قاهرا حيا قيوما ظاهرا باطنا لطيفا خبيرا قويا عزيزا حكيما
عليما وما أشبه هذه الأسماء فلما رأى ذلك من أسمائه الغالون المكذبون وقد
سمعونا نحدث عن الله انه لا شئ مثله ولا شئ من الخلق في حاله قالوا:
أخبرونا إذ زعمتم انه لا مثل لله ولا شبه له كيف شاركتموه في أسماء الحسنى
فتسميتم بجميعها؟! فإن في ذلك دليلا على انكم مثله في حالاته كلها أو في
بعضها دون بعض إذ قد جمعتكم الأسماء الطيبة قيل لهم: ان الله تبارك
وتعالى الزم العباد أسماء من أسمائه على اختلاف المعاني وذلك كما يجمع الاسم
الواحد معنيين مختلفين والدليل على ذلك قول الناس: الجائز عندهم السائغ
وهو الذي خاطب الله عز وجل به الخلق فكلمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجه
في تضييع ما ضيعوا وقد يقال للرجل: كلب وحمار وثور وسكره وعلقمة وأسد
وكل ذلك على خلافه لأنه لم تقع الأسماء على معانيها التي كانت بنيت عليها
لأن الانسان ليس بأسد وكلب فافهم ذلك يرحمك الله وإنما يسمى الله عز
وجل بالعالم لغير علم حادث علم به الأشياء واستعان به على حفظ ما يستقبل
من امره والروية فيما يخلق من خلقه وتفنيه ما مضى مما أفنى من خلقه مما لو لم
يحضره ذلك العلم ويغيبه كان جاهلا ضعيفا كما انا رأينا علماء الخلق إنما سموا
بالعلم لعلم حادث إذ كانوا قبله جهله وربما فارقهم العلم بالأشياء
فصاروا إلى الجهل وإنما سمى الله عالما لأنه لا يجهل شيئا فقد جمع الخالق
والمخلوق اسم العلم واختلف المعنى على ما رأيت وسمى ربنا سميعا لا جزء
فيه يسمع به الصوت ولا يبصر به كما أن جزئنا الذي نسمع به لا نقوى على
النظر به ولكنه عز وجل أخبر انه لا تخفى عليه الأصوات ليس على حد ما سمينا
نحن فقد جمعنا الاسم بالسميع واختلف المعنى وهكذا البصير لا لجزء به
أبصر كما انا نبصر بجزء منا لا ينتفع به في غيره ولكن الله بصير لا يجهل
133

شخصا منظورا إليه فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى وهو قائم ليس على
معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد كما قامت الأشياء ولكن أخبر انه قائم يخبر
انه حافظ كقول الرجل: القائم بأمرنا فلان وهو عز وجل القائم على كل
نفس بما كسبت والقائم أيضا في كلام الناس الباقي والقائم أيضا يخبر عن
الكفاية كقولك للرجل: قم بأمر فلان أي اكفه والقائم منا قائم على ساق
فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى وأما اللطيف فليس على قلة وقضافة (1) وصغر
ولكن ذلك على النفاذ في الأشياء والامتناع من أن يدرك كقولك: لطف عن
هذا الامر ولطف فلان في مذهبه وقوله يخبرك انه غمض فبهر العقل وفات
الطلب وعاد متعمقا متطلقا لا يدركه الوهم فهكذا لطف الله تبارك وتعالى عن أن
يدرك بحد أو يحد بوصف واللطافة منا الصغر والقلة فقد جمعنا الاسم
اختلف المعنى وأما الخبير فالذي لا يعزب عنه شئ ولا يفوته ليس للتجربة
والاعتبار بالأشياء فتفيده التجربة والاعتبار علما لولاهما ما علم لأن من كان
كذلك كان جاهلا والله تعالى لم يزل خبيرا بما يخلق والخبير من الناس المستخبر
عن جهل المتعلم وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى واما الظاهر فليس من أجل
انه علا للأشياء بركوب فوقها وقعود عليها وتسنم لذراها ولكن ذلك لقهره
ولغلبة الأشياء وقدرته عليها كقول الرجل: ظهرت على أعدائي وأظهرني الله
على خصمي يخبر على الفلج والغلبة فهكذا ظهور الله على الأشياء ووجه آخر
وهو: انه وهو الظاهر لمن أراده لا يخفى عليه شئ وانه مدبر لكل ما
يرى فأي ظاهر أظهر وأوضح أمرا من الله تعالى؟ فإنك لا تعدم صنعته حيثما
توجهت وفيك من آثاره ما يغنيك والظاهر منا البارز بنفسه والمعلوم بحده
فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان
للأشياء بان يغور فيها ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما وحفظا
وتدبيرا كقول القائل: أبطنته يعنى خبرته وعلمت مكتوم سره والباطن منا بمعنى
الغائر في الشئ المستتر فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى وأما القاهر فإنه ليس
على معنى علاج ونصب واحتيال ومداراة ومكر كما يقهر العباد بعضهم بعضا
فالمقهور منهم يعود قاهرا والقاهر يعود مقهورا ولكن ذلك من تبارك

1 - القضف بالتحريك: الدقة. الهزال.
134

وتعالى على أن جميع ما يخلق ملتبس به الذل لفاعله وقلة الامتناع لما أراد به لم
يخرج منه طرفه عين غير أنه يقول له: كن فيكون والقاهر منا على ما ذكرت
ووصفت فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى وهكذا جميع الأسماء وان كنا لم
نسمها كلها فقد يكتفى الاعتبار بما ألقينا إليك والله عز وجل عوننا وعونك في
ارشادنا وتوفيقنا.
خطبه الرضا عليه السلام في التوحيد
51 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال:
حدثنا محمد بن عمر الكاتب عن محمد بن زياد القلزمي عن محمد بن أبي زياد
الجدي صاحب الصلاة بجده قال: حدثني محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن
أبي طالب عليه السلام: قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يتكلم
بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد قال: ابن أبي زياد: ورواه لي وأملى أيضا
أحمد بن عبد الله العلوي مولى لهم وخالا لبعضهم عن القاسم أيوب
العلوي ان المأمون لما أراد ان يستعمل الرضا عليه السلام جمع بني هاشم
فقال لهم: انى أريد ان استعمل الرضا عليه السلام على هذا الامر من بعدي فحسده بنو
هاشم وقالوا: أتولى رجلا جاهلا ليس له بصر بتدبير الخلافة؟ فابعث إليه
رجلا يأتنا فترى من جهله ما تستدل به عليه فبعث إليه فاتاه فقال له بنو
هاشم يا: أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علما نعبد الله عليه فصعد عليه
السلام المنبر فقعد مليا لا يتكلم مطرقا ثم انتفض انتفاضة واستوى قائما
وحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على نبيه وأهل بيته ثم قال: أول عباده
الله تعالى معرفته واصل معرفه الله توحيده ونظام توحيد الله نفى
الصفات عنه لشهادة العقول ان كل صفه وموصوف مخلوق وشهادة كل
موصوف ان له خالقا ليس بصفة ولا موصوف وشهادة كل صفه وموصوف
بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدوث وشهادة الحدوث بالامتناع من الأزل

1 - في بعض النسخ الخطية والمطبوعة الجديدة جعلت هذه الخطبة بابا مستقلا وقد جعلناها
من أجزاء هذا الباب (11) كما في الأصل وفي المطبوعة القديمة وأكثر النسخ الخطية وفي بعض
النسخ (ما جاء عن الرضا عليه السلام في التوحيد عند المأمون) بدل (خطبة الرضا عليه السلام
في التوحيد).
135

الممتنع من الحدوث فليس الله من عرف بالتشبيه ذاته ولا إياه وحده من
اكتنهه ولا حقيقته أصاب من مثله ولا به صدق من نهاه ولا صمد صمده من
أشار إليه ولا إياه عنى من شبهه ولا له تذلل من بعضه ولا إياه أراد من
توهمه كل معروف بنفسه مصنوع وكل قائم في سواه معلول بصنع الله
يستدل عليه وبالعقول تعتقد معرفته وبالفطرة تثبت حجته خلق الخلق
حجابا بينه وبينهم ومباينته إياهم ومفارقته اينيتهم وابتداءه إياهم دليلهم على أن
لا ابتداء له لعجز مبتدأ عن ابتداء غيره وأدوات إياهم دليلهم ان لا
أدوات فيه لشهادة الأدوات بفاقه المادين فأسمائه تعبير وافعاله تفهيم وذاته
حقيقة وكنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه فقد جهل الله
من استوصفه وقد تعداه من اشتمله وقد أخطاه من اكتنهه ومن قال:
كيف؟ فقد شبهه ومن قال: لم؟ فقد علله ومن قال: متى؟ فقد وقته ومن
قال: فيم؟ فقد ضمنه ومن قال: إلى م؟ فقد نهاه ومن قال: حتى م؟ فقد
غياه ومن غياه فقد غاياه ومن غاياه فقد جزاه ومن جزاه فقد وصفه
ومن وصفه فقد الحد فيه ولا يتغير الله بانغيار المخلوق كما لا يتحدد بتحديد
المحدود أحد لا بتأويل عدد ظاهر لا بتأويل المباشرة متجلي لا باستقلال
رؤية باطن لا بمزايله مباين لا بمسافه قريب لا بمداناه لطيف لا
بتجسم موجود لا بعد عدم فاعل لا باضطرار مقدر لا بحول فكره
مدبر لا بحركة مريد لا بهمامه شاء لا بهمه مدرك لا بمحسة سميع لا
باله بصير لا باداه لا تصحبه الأوقات ولا تضمنه الأماكن ولا تأخذه
السنات ولا تحده الصفات ولا تقيده الأدوات سابق الأوقات كونه والعدم
وجوده والابتداء أزله بتشعيره المشاعر عرف ان لا مشعر له وبتجهيره
الجواهر عرف ان لا جوهر له وبمضادته بين الأشياء عرف ان لا ضد له
وبمقارنته بين الأمور عرف ان لا قرين له ضاد النور بالظلمة والجلايه بالبهم (1)
والحسو بالبلل والصرد (2) بالحرور مؤلف بين متعادياتها مفرق بين

1 - اي الأمور المشكلة. الحسو بالحاء المهملة: ما تنشفه الأرض. وفي نسخة: (الجف)
بدل (الحسو).
2 - الصرد: البرد وهو ضد الحر.
136

متدانياتها آله بتفريقها على مفرقها وبتأليفها على مؤلفها ذلك قوله تعالى:
(ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) (1) ففرق بها بين قبل وبعد
ليعلم ان لا قبل له ولا بعد شاهده بغرائزها ان لا غريزه لمغرزها داله
بتفاوتها ان لا تفاوت لمفاوتها مخبره بتوقيتها ان لا وقت لموقتها حجب بعضها
عن بعض ليعلم ان لا حجاب بينه وبينها غيرها له معنى الربوبية إذ لا
مربوب وحقيقه الإلهية إذ لا مالوه ومعنى العالم ولا معلوم ومعنى الخالق
ولا مخلوق وتأويل السمع ولا مسموع ليس مذ خلق استحق معنى الخالق
ولا باحداثه البرايا استفاد معنى البرائيه كيف؟ وتغيبه مذ ولا تدنيه قد
ولا يحجبه لعل ولا توقته متى ولا يشتمله حين ولا تقاربه مع إنما تحد
الأدوات أنفسها وتشير الاله إلى نظائرها وفي الأشياء يوجد أفعالها منعتها مذ
القديمة وحمتها قد الأزلية لولا الكلمة افترقت فدلت على مفرقها وتباينت
فأعربت عن مباينها لما تجلى صانعها للعقول وبها احتجب عن الرؤية واليها
تحاكم الأوهام: وفيها أثبت غيره ومنها أنبط الدليل وبها عرفها الاقرار
وبالعقول يعتقد التصديق بالله وبالاقرار يكمل الايمان به ولا ديانه إلا بعد
معرفه ولا معرفه إلا بالاخلاص ولا اخلاص مع التشبيه ولا نفى مع اثبات
الصفات للتشبيه فكل ما في الخلق يوجد في خالقه وكل ما يمكن فيه يمتنع
في صانعه لا تجرى عليها الحركة والسكون وكيف يجرى عليه ما هو أجراه
أو يعود فيه ما هو ابتداه؟! إذا لتفاوتت ذاته ولتجزء كنهه ولامتنع من الأزل
معناه ولما كان للباري معنى غير معنى المبروء ولو حد له وراء إذا لحد له
امام ولو التمس له التمام إذا لزمه النقصان كيف يستحق الأزل من لا يمتنع
من الحدوث؟ وكيف ينشئ الأشياء من يمتنع من الانشاء؟ وإذا لقامت فيه آية
المصنوع ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه ليس في مجال القول حجه ولا
في المسألة عنه جواب ولا في معناه لله تعظيم وفي ابانته عن الخلق ضيم إلا
بامتناع الأزلي ان يثنى ولما لا بدئ له ان يبتدء لا اله إلا الله العلي العظيم
كذب العادلون وضلوا ضلالا بعيدا وخسروا خسرانا مبينا وصلى الله على محمد

1 - سورة الذاريات الآية 49.
137

وأهل بيته الطاهرين (1).

1 - ان هذا الباب (11) يشتمل على مطالب عظيمة من المسائل الإلهية منها مسألة القضاء
والقدر ومنها الجبر والتفويض وغيرهما وكل منها بحر عميق ولما كان هذه المسائل في غاية الغموض
منع في بعض الأخبار عن التفحص عن أحوال القضاء والقدر بالنسبة إلى نوع الأمة.
138

12 - باب
ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع أهل الأديان وأصحاب المقالات في التوحيد عند المأمون
1 - حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الإيلاقي
رضي الله عنه قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقه
القمي قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري
الكجي قال: حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي يقول:
لما قدم علي بن موسى الرضا عليه السلام على المأمون أمر الفضل بن سهل ان
يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق (1) ورأس الجالوت (2) ورؤساء
الصابئين (3) والهربذ (4) الأكبر وأصحاب زردهشت (5) ونسطاس (6) الرومي

1 - الجاثليق والجثليق: رئيس الأساقفة دخيل معرب.
2 - هو عالم من اليهود.
3 - الصابئة: قوم دينهم التعبد للروحانيات اي الملائكة وضد الحنفاء الدين دعوتهم الفطرة
مؤدي مذهبهم: ان للعالم صانعا فاطرا حكيما مقدسا من سمات الحدثان والواجب علينا معرفة العجز
عن الوصول إلى جلاله وإنما يتقرب إليه بالمتوسطات المقربين لديه وهم الروحانيون المطهرون
المقدسون جوهرا وفعلا وحالة. من دائرة المعارف (ج 5 ص 426 الطبعة الثالثة).
4 - الهرابذة: خدم نار المجوس وقيل: انهم عظماء الهنود وعلمائهم (فارسية).
5 - وفي نسخة أخرى (زرادشت - زردشت) وفي أمره كان اختلافا شديدا بين أرباب الملل
والنحل وكلمات المؤرخين ويظهر من بعض ان زرداشت كان تلميذ النبي وبعض أهل الكتاب
يقولون: انه هو (منوجهر) وقال بعض: انه مرسل من قبل بعض أنبياء بني إسرائيل وبعض
المؤرخين جعل وجوده موهوما محضا.
6 - النسطاس بالكسر: علم وبالرومية عالم بالطب.
139

والمتكلمين ليسمع كلامه وكلامهم فجمعهم الفضل بن سهل ثم اعلم
المأمون باجتماعهم فقال: أدخلهم على ففعل فرحب بهم المأمون ثم قال
لهم: انى إنما جمعتكم لخير وأحببت ان تناظروا ابن عمى هذا المدني القادم على
فإذا كان بكره فاغدوا ولا يتخلف منكم أحد فقالوا: السمع والطاعة
يا أمير المؤمنين نحن مبكرون انشاء الله قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا
نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا عليه السلام إذ دخل علينا ياسر
الخادم وكان يتولى أمر أبي الحسن عليه السلام فقال له: يا سيدي ان أمير
المؤمنين يقرئك السلام ويقول: فداك أخوك انه أجمع إلى أصحاب المقالات
وأهل الأديان والمتكلمون من جميع الملل فرأيك في البكور إلينا ان أحببت
كلامهم وان كرهت ذلك فلا تتجشم وان أحببت ان نصير إليك خف ذلك
علينا فقال أبو الحسن الله أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت وانا صائر
إليك بكره انشاء الله قال الحسن بن النوفلي: فلما مضى ياسر التفت
إلينا ثم قال لي: يا نوفلي أنت عراقي ورقه العراقي غير غليظه فما عندك في
جمع ابن عمك علينا؟ أهل الشرك وأصحاب المقالات؟ فقلت: جعلت فداك
يريد الامتحان ويحب ان يعرف ما عندك؟ ولقد بني على أساس غير وثيق البنيان
وبئس والله ما بني فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت: ان أصحاب
الكلام والبدعة خلاف العلماء وذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر وأصحاب
المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب انكار ومباهته ان احتججت عليهم
بان الله واحد قالوا: صح وحدانيته وان قلت: ان محمدا رسول الله (ص)
قالوا: أثبت رسالته ثم يباهتون وهو يبطل عليهم بحجته ويغالطونه
حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك قال فتبسم ثم قال لي: يا نوفلي
أفتخاف ان يقطعوا على حجتي؟ فقلت: لا والله ما خفت عليك قط وانى
لأرجو ان يظفرك الله بهم إن شاء الله تعالى فقال لي: يا نوفلي أتحب ان تعلم
متى يندم المأمون؟ قلت: نعم قال: إذا سمع إحتجاجي على أهل التورية
بتوراتهم وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى
الصابئين بعبرانيتهم وعلى أهل الهرابذه بفارسيتهم وعلى أهل الروم
بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم فإذا قطعت كل صنف
140

ودحضت (1) حجته وترك مقالته ورجع إلى قولي علم المأمون الموضع الذي هو
سبيله ليس بمستحق له فعند يكون الندامة ولا حول ولا قوه إلا بالله
العلي العظيم فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك
ان ابن عمك ينظرك وقد اجتمع القوم فما رأيك في اتيانه فقال له الرضا:
عليه السلام تقدمني فانى صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله ثم توضأ وضوء
للصلاة وشرب شربه سويق وسقانا منه ثم خرج وخرجنا معه حتى دخلنا
على المأمون وإذا المجلس غاص (2) باهله ومحمد بن جعفر وجماعه من الطالبيين
والهاشميين والقواد حضور فلما دخل الرضا عليه السلام قام المأمون وقام
محمد بن جعفر وجميع بني هاشم فما زالوا وقوفا والرضا جالس مع
المأمون حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدثه
ساعة ثم التفت إلى الجاثليق فقال يا جاثليق هذا ابن عمى علي بن موسى
بن جعفر وهو من ولد فاطمة بنت نبينا وابن علي بن طالب صلوات الله
عليهم فأحب ان تكلمه أو تحاجه وتنصفه فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين
كيف أحاج رجلا يحتج على بكتاب انا منكره ونبي لا أومن به؟ فقال له الرضا
عليه السلام: يا نصراني فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به؟ قال:
الجاثليق: وهل أقدر على رفع ما نطق الإنجيل؟! نعم والله أقر به على رغم
أنفي فقال له الرضا عليه السلام: سل عما بدا لك واسمع الجواب فقال
الجاثليق: ما تقول في نبوه عيسى وكتابه هل تنكر منهما شيئا؟ قال الرضا:
انا مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به أمته وأقرت به الحواريون وكافر بنبوة كل
عيسى لم يقر بنبوة محمد (ص) وبكتابه ولم يبشر به أمته قال الجاثليق: أليس
إنما نقطع الاحكام بشاهدي عدل؟ قال عليه السلام: بلى قال: فأقم
شاهدين من غير أهل ملتك على نبوه محمد (ص) ممن لا تنكره النصرانية وسلنا
مثل ذلك من غير أهل ملتنا قال الرضا عليه السلام: الان جئت بالنصفه يا
نصراني الا تقبل منى العدل المقدم عند المسيح عيسى بن مريم عليه السلام؟

1 - دحضت حجته: بطلت.
2 - المجلس غاص باهله: ممتلئ. أغص عليه الأرض: ضيقها.
141

قال الجاثليق: ومن هذا العدل؟ سمه لي قال: ما تقول يوحنا الديلمي؟
قال: بخ بخ ذكرت أحب الناس إلى المسيح قال: فأقسمت عليك هل نطق
الإنجيل: ان يوحنا قال: إنما المسيح اخبرني بدين محمد العربي وبشرني به أنه يكون
من بعده فبشرت به الحواريين (1) فأمنوا به قال الجاثليق: قد ذكر
ذلك يوحنا عن المسيح وبشر بنبوة رجل وبأهل بيته ووصيه ولم يلخص متى
يكون ذلك؟ ولم تسم لنا القوم فنعرفهم قال الرضا عليه السلام: فإن جئناك
بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمد وأهل بيته وأمته أتؤمن به؟ قال:
سديدا قال الرضا عليه السلام: لنسطاس الرومي كيف حفظك للسفر (2)
الثالث الإنجيل قال: ما احفظني له ثم التفت إلى رأس الجالوت
فقال: الست تقرأ الإنجيل؟ قال: بلى لعمري قال: فخذ على السفر فإن
كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمته فاشهدوا لي وان لم يكن فيه ذكره فلا
تشهدوا لي ثم قرء (ع) السفر الثالث حتى بلغ ذكر النبي (ص)
وقف ثم قال: يا نصراني انى أسألك بحق المسيح وأمه أتعلم انى عالم
بالإنجيل؟ قال: نعم ثم تلا علينا ذكر محمد وأهل بيته وأمته ثم قال: ما
تقول يا نصراني هذا قول عيسى مريم عليه السلام فإن كذبت بما ينطق
به الإنجيل فقد كذبت موسى وعيسى عليهما السلام ومتى أنكرت هذا
الذكر وجب عليك القتل لأنك تكون قد كفرت بربك ونبيك وبكتابك قال
الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي في الإنجيل وانى لمقر به قال الرضا عليه
السلام: اشهدوا على اقراره ثم قال: يا جاثليق سل عما بدا لك قال
الجاثليق: اخبرني عن حواري عيسى بن مريم عليه السلام كم كان عدتهم؟
وعن علماء الإنجيل كم كانوا؟ قال الرضا عليه السلام: على الخبير سقطت أما
الحواريون فكانوا اثنى عشر رجلا وكان اعلمهم وأفضلهم ألوقا وأما علماء
النصارى فكانوا ثلاثة رجال يوحنا الأكبر باج ويوحنا بقرقيسيا (3) ويوحنا

1 - الحواري: الناصر أو ناصر الأنبياء. وفي بعض النسخ المصححة القديمة: الحواريون بالرفع.
2 - السفر بالكسر: الكتاب الكبير يقال: حطمني طول ممارسة الاسفار وكثرة مدارسة
الاسفار.
3 - بلد على الخابور عند مصبه وهي على الفرات جانب منها على الخابور وجانب على
الفرات فوق رحبة مالك بن طوق وأج أو أخ موضع بالبصرة.
142

الديلمي برجاز (1) وعنده كان ذكر النبي (ص) وذكر أهل بيته وأمته وهو الذي
بشر أمه عيسى وبني إسرائيل به ثم قال له: يا نصراني والله انا لنؤمن بعيسى
الذي آمن بمحمد (ص) وما ننقم على عيساكم شيئا ضعفه وقله صيامه
وصلاته قال الجاثليق: أفسدت والله علمك وضعفت امرك وما كنت ظننت
إلا انك اعلم أهل الاسلام قال الرضا عليه السلام: وكيف ذاك؟ قال
الجاثليق: من قولك: ان عيسى كان ضعيفا قليل الصيام قليل الصلاة وما
أفطر عيسى يوما قط ولا نام بليل قط وما زال صائم الدهر وقائم الليل
قال الرضا عليه السلام: فلمن كان يصوم ويصلى؟! قال فخرس الجاثليق
وانقطع قال الرضا عليه السلام: يا نصراني أسئلك عن مسألة قال: سل
فإن كان عندي علمها أجبتك قال الرضا عليه السلام: ما أنكرت ان عيسى
عليه السلام كان يحيى الموتى بإذن الله عز وجل قال الجاثليق: أنكرت ذلك
من أجل ان من أحيى الموتى وابرء الأكمه والأبرص فهو رب مستحق لان
يعبد قال الرضا عليه السلام: فإن اليسع قد صنع مثل صنع عيسى
عليه السلام مشى على الماء وأحيى الموتى وابرء الأكمه والأبرص فلم تتخذه
أمته ربا ولم يعبده أحد من دون الله عز وجل ولقد صنع حزقيل (2) النبي عليه
السلام مثل ما صنع عيسى بن مريم فأحيا خمسه وثلاثين الف رجل من بعد
موتهم بستين سنه ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: يا رأس الجالوت
أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة اختارهم بخت نصر من سبى بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله عز
وجل إليهم فأحياهم هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم قال رأس
الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه قال: صدقت ثم قال: يا يهودي خذ على
هذا السفر من التوراة فتلا عليه السلام علينا من التوراة آيات فاقبل اليهودي
يترجج (3) لقرائته ويتعجب! ثم اقبل النصراني فقال: يا نصراني أفهؤلاء

1 - الرجاز بفتح أوله وتشديد ثانية وآخره زاء: اسم واد بنجد عظيم. والرجاز بكسر
أوله وتخفيف ثانيه وآخره زاء بوزن القتال: موضع آخر.
2 - حزقيل بالكسر ثم السكون على زنة زنبيل نبي من الأنبياء عليهم السلام كما قال في
القاموس.
3 - الترجج بالجيمين والراء المهملة: الاضطراب والتذبذب. الرج: التحرك والاهتزاز.
143

كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟ قال: بل كانوا قبله فقال الرضا عليه
السلام: لقد اجتمعت قريش على رسول الله (ص) فسألوه: أن يحيي لهم
موتاهم فوجه معهم علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: اذهب إلى
الجبانه (1) فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسئلون عنهم بأعلى صوتك: يا فلان
ويا فلان ويا فلان يقول لكم محمد رسول الله (ص): قوموا بإذن الله عز
وجل فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم فأقبلت قريش يسألهم عن
أمورهم ثم أخبروهم ان محمدا بعث نبيا فقالوا: وددنا انا أدركناه
فنؤمن به ولقد أبرء الأكمه والأبرص والمجانين وكلمه البهايم والطير والجن
والشياطين ولم نتخذه ربا من دون الله عز وجل ولم ننكر لاحد من هؤلاء
فضلهم فمتى اتخذتم عيسى ربا جاز لكم ان تتخذوا اليسع وحزقيل ربا؟!
لأنهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى بن مريم عليه السلام من احياء الموتى
وغيره وان قوما من بني إسرائيل خرجوا من بلادهم من الطاعون وهم ألوف
حذر الموت فأماتهم الله في ساعة واحده فعمد أهل تلك القرية فحظروا
عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت (2) عظامهم وصاروا رميما فمر بهم
نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجب منهم ومن كثره العظام الباليه فأوحى الله
عز وجل إليه: أتحب ان أحييهم لك فتنذرهم؟ قال: نعم يا رب فأوحى
الله عز وجل إليه: ان ناداهم فقال: أيتها العظام الباليه قومي بإذن الله عز
وجل فقاموا احياء أجمعون ينفضون التراب عن رؤوسهم ثم إبراهيم خليل
الرحمن عليه السلام حين أخذ الطير فقطعهن قطعا ثم وضع على كل جبل
منهن جزء ثم ناداهن فأقبلن سعيا إليه ثم موسى بن عمران عليه السلام
وأصحابه السبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له: انك قد
رأيت الله سبحانه: فأرناه رايته فقال: لهم انى لم أره فقالوا: لن نؤمن
حتى نرى الله جهره فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم وبقى موسى
وحيدا فقال: يا رب اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم وارجع
وحدي فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم به؟! فلو شئت أهلكتهم من قبل

1 - الجبان والجبنة مشددتين: المقبرة والصحراء.
2 - نخر الشئ بالكسر: بلى وتفتت اي تكسر ويقال: عظام نخرة.
144

وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا؟ فأحياهم الله عز وجل من بعد موتهم وكل
شئ ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه لان التوراة والإنجيل والزبور
والفرقان قد نطقت فإن كان كل من أحيى الموتى وابرء الأكمه والأبرص
والمجانين يتخذ ربا من دون الله فاتخذ هؤلاء كلهم أربابا ما تقول يا
يهودي؟!.
فقال الجاثليق: القول قولك ولا إله إلا الله ثم التفت إلى رأس
الجالوت فقال: يا يهودي اقبل على أسئلك بالعشر (1) الآيات التي أنزلت على
موسى بن عمران عليه السلام هل تجد في التوراة مكتوبا بنبأ محمد (ص) وأمته
إذا جاءت الأمة الأخيرة اتباع راكب البعير يسبحون الرب جدا جدا تسبيحا
جديدا في الكنائس الجدد (2) فليفرغ بنو إسرائيل إليهم والى ملكهم لتطمئن
قلوبهم فإن بأيديهم (3) سيوفا ينتقمون بها من الأمم الكافره في أقطار الأرض
أهكذا هو في التوراة مكتوب؟ قال رأس الجالوت: نعم انا لنجده كذلك
ثم قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا عليه السلام؟ قال:
أعرفه حرفا حرفا قال لهما (4): أتعرفان هذا من كلامه يا قوم: اني رأيت
صوره راكب الحمار لابسا جلابيب النور ورأيت راكب البعير ضوء مثل ضوء
القمر فقالا: قد قال ذلك شعيا عليه السلام قال الرضا عليه السلام: يا
نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى عليه السلام: انى ذاهب إلى ربكم
وربى والبار قليطا (5) جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت وهو الذي

1 - وهي يد موسى وعصاه ولسانه والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وتحريم
الصيد.
2 - الجدة بالضم: الطريقة والجمع جدد على وزن صرد. الجدة بالكسر: ضد البلى.
3 - اي بأيدي اتباع راكب البعير.
4 - اي قال الرضا عليه السلام للجاثليق ولرأس الجالوت: أتعرفان هذا من كلام شعيا عليه
السلام؟.
5 - وفي نسخة أخرى: الفار فليطا: بالفاء ثم الألف ثم الراء المكسورة ثم الفاء
الساكنة ثم اللام المكسورة ثم الياء ثم الطاء ثم الألف المقصورة: لفظ عبراني بمعنى الفارق بين
الحق والباطل والمراد به سيدنا الخاتم.
145

يفسر لكم كل شئ وهو الذي يبدأ فضائح الأمم وهو الذي يكسر عمود
الكفر.
فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئا من الإنجيل إلا ونحن مقرون به
فقال: أتجد هذا الإنجيل ثابتا يا جاثليق؟ قال: نعم قال: الرضا عليه
السلام: يا جاثليق الا تخبرني عن الإنجيل الأول حين افتقدتموه عند من
وجدتموه ومن وضع لكم هذا الإنجيل؟ فقال له: ما افتقدنا الإنجيل إلا يوما
واحدا حتى وجدناه غضا طريا فأخرجه إلينا يوحنا ومتى فقال له الرضا عليه
السلام: ما أقل معرفتك بسنن الإنجيل وعلمائه؟! فإن كان هذا كما تزعم!
فلم اختلفتم في الإنجيل وإنما وقع الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في
أياديكم اليوم فلو كان على العهد الأول لم تختلفوا فيه ولكني مفيدك علم
ذلك اعلم أنه لما افتقد الإنجيل الأول اجتمعت النصارى إلى علمائهم
فقالوا لهم: قتل عيسى بن مريم عليه السلام وافتقدنا الإنجيل وأنتم العلماء
فما عندكم؟ فقال لهم الوقا ومر قابوس (1) ان الإنجيل في صدورنا ونحن نخرجه
إليكم سفرا سفرا في كل أحد فلا تحزنوا عليه ولا تخلوا الكنائس فانا
سنتلوه عليكم في كل أحد سفرا سفرا حتى نجمعه كله فقعد الوقا ومر قابوس
ويوحنا ومتى فوضعوا لكم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأول وإنما
كان هؤلاء الأربعة تلاميذ تلاميذ الأولين أعلمت ذلك؟ فقال الجاثليق: أما
هذا فلم أعلمه وقد علمته الان وبان لي من فضل علمك بالإنجيل
وسمعت أشياء مما علمته شهد قلبي انها حق فاستزدت (2) كثيرا من الفهم
فقال له الرضا عليه السلام: فكيف شهادة هؤلاء عندك؟ قال: جائزه
هؤلاء علماء الإنجيل وكلما شهدوا به فهو حق قال الرضا عليه
السلام للمأمون ومن حضره من أهل بيته ومن غيره: اشهدوا عليه قالوا: قد
شهدنا ثم قال عليه السلام: للجاثليق: بحق الابن وأمه هل تعلم أن متى
قال: إن المسيح هو بن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب يهوذا بن

1 - الوقا ومر قابوس ويوحنا ومتي: علماء أهل الإنجيل و
2 - استزاده: استقصره استزدت كثيرا اي انا مقصر كثيرا من فهم المطالب التي سمعتها
منك.
146

خضرون فقال مرقابوس في نسبه عيسى مريم عليه السلام: انه كلمه الله
أحلها في جسد الآدمي فصارت انسانا وقال الوقا: ان عيسى بن مريم
عليه السلام وأمه كانا انسانين من لحم ودم فدخل فيها الروح القدس ثم
انك تقول من شهادة عيسى على نفسه حقا أقول لكم: يا معشر الحواريين انه
لا يصعد إلى السماء إلا من نزل منها إلا راكب البعير خاتم الأنبياء فإنه يصعد
إلى السماء وينزل فما تقول في هذا القول؟ قال الجاثليق: هذا قول عيسى لا
ننكره قال الرضا عليه السلام: فما تقول في شهادة الوقا ومر قابوس ومتى على
عيسى وما نسبوه إليه؟ قال الجاثليق: كذبوا على عيسى فقال: الرضا عليه
السلام: يا قوم أليس قد زكاهم وشهد انهم علماء الإنجيل وقولهم حق
فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين أحب ان تعفيني من أمر هؤلاء قال الرضا
عليه السلام: فانا قد فعلنا سل يا نصراني عما بدا لك قال الجاثليق:
ليسألك غيري فلا وحق المسيح ما ظننت ان في علماء المسلمين مثلك
فالتفت الرضا عليه السلام إلى رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك؟
فقال: بل أسألك ولست اقبل منك حجه إلا من التوراة أو من الإنجيل أو
من زبور داود أو بما في صحف إبراهيم وموسى قال الرضا عليه السلام:
لا تقبل منى حجه إلا بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران
والإنجيل على لسان عيسى بن مريم والزبور على لسان داود فقال رأس
الجالوت: من أين تثبت نبوه محمد (ص)؟ قال الرضا عليه السلام: شهد
بنبوته موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفه الله عز وجل في
الأرض فقال له: ثبت قول موسى بن عمران فقال له الرضا عليه
السلام: هل تعلم يا يهودي ان موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم: انه
سيأتيكم نبي من اخوانكم فيه (1) فصدقوا ومنه فاسمعوا فهل تعلم أن لبني

1 - هكذا في النسخ الخطية والمطبوعتين: والصواب الظاهر: (فبه) بالباء: اي ان أدركتم
صحبته فبه اي فبما معه فصدقوا وما قال من أمور دينه وشريعته فمنه اسمعوا. ثم اعلم أنه قد ورد
أسماء النبي والأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم في التوراة بلسان العبرانية وقد نقل عنها بهذه
العبارة: ميذ ميذ (محمد المصطفى) إيليا (علي المرتضى) قيذور (الحسن المجتبى) ايرييل
(الحسين الشهيد) مشفور (زين العابدين) مسهور (محمد الباقر) مشموط (جعفر الصادق)
ذومرا (موسى الكاظم) هذاذ (علي بن موسى الرضا): تيمورا (محمد التقي) نسطور (علي
التقي) نوقش (الحسن العسكري) قديمونيا (محمد بن الحسن) صاحب الزمان روحي وأرواح
العالمين له الفداء وقد نقل من كتب المتقدمين باسناد صحيح: ان لكل صاحب شريعة كان اثنا عشر
وصيا لا أزيد ولا انقص ويأتي قول بعض المفسرين في تقريره انشاء الله تعالى في محل آخر.
147

إسرائيل اخوه غير ولد إسماعيل ان كنت تعرف قرابه إسرائيل من إسماعيل
والسبب (1) الذي بينهما من قبل إبراهيم عليه السلام فقال رأس الجالوت:
هذا قول موسى لا ندفعه فقال له الرضا عليه السلام: هل جاءكم من اخوه
بني إسرائيل نبي غير محمد (ص) قال: لا قال الرضا عليه السلام: أوليس
قد صح هذا عندكم؟ قال: نعم ولكني أحب ان تصححه إلى من التوراة
فقال له الرضا عليه السلام: هل تنكر ان التوراة تقول لكم: جاء النور من قبل
طور سيناء وأضاء لنا من جبل ساعير واستعلن علينا من جبل فاران؟ قال
رأس الجالوت: اعرف هذه الكلمات وما اعرف تفسيرها قال الرضا عليه السلام:
أنا أخبرك به أما قوله: جاء النور من قبل طور سيناء فذلك وحى الله تبارك
وتعالى الذي أنزله علي عليه السلام على جبل طور سيناء وأما قوله:
وأضاء لنا من جبل ساعير فهو الجبل الذي أوحى الله عز وجل إلى عيسى
بن مريم عليه السلام وهو عليه وأما قوله: واستعلن علينا جبل فاران
فذلك جبل من جبال مكة بينه وبينها يوم وقال شعياء النبي عليه السلام فيما
تقول أنت وأصحابك في التوراة رأيت راكبين أضاء لهم الأرض أحدهما على
حمار والاخر على جمل فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل؟ قال رأس
الجالوت: لا أعرفهما فخبرني بهما قال: اما راكب الحمار فعيسى عليه
السلام وأما راكب الجمل فمحمد (ص) أتنكر هذا من التوراة قال: لا
ما أنكره ثم قال الرضا عليه السلام: هل تعرف حيقوق النبي عليه السلام؟
قال: نعم انى به لعارف قال: فإنه قال: وكتابكم ينطق به جاء الله تعالى
بالبيان من جبل فاران وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وأمته يحمل خيله
في البحر كما يحمل في البر يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس يعنى

1 - وفي نسخة أخرى (النسب). وفي هامش بعض النسخ: لان إسماعيل وإسحاق ابنا
إبراهيم وإسرائيل اسمه يعقوب وهو ابن إسحاق ونبينا صلى الله عليه وآله من أولاد إسماعيل وبنو
إسرائيل من أولاد إسحاق وفي النسخة المصححة العتيقة: (بينهم) بدل بينهما.
148

بالكتاب الفرقان أتعرف هذا وتؤمن به؟ قال رأس الجالوت قد قال: ذلك
حيقوق النبي عليه السلام ولا ننكر قوله قال الرضا عليه السلام: فقد قال
داود في زبوره. وأنت تقرأه: اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة فهل تعرف
نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد (ص)؟ قال رأس الجالوت: هذا قول داود
نعرفه ولا ننكر ولكن عنى بذلك عيسى وأيامه هي الفترة قال له الرضا
عليه السلام: جهلت ان عيسى عليه السلام لم يخالف السنة وكان موافقا
لسنه التوراة حتى رفعه الله إليه وفي الإنجيل مكتوب: ان ابن البرة ذاهب
والبار قليطا جاء من بعده وهو الذي يحفظ الآصار ويفسر لكم شئ
ويشهد لي كما شهدت له انا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل أتؤمن بهذا
في الإنجيل؟ قال: نعم فقال له الرضا عليه السلام: يا رأس الجالوت
أسألك عن نبيك موسى بن عمران عليه السلام فقال: سل قال: ما الحجة
على أن موسى ثبتت نبوته؟ قال اليهودي: انه جاء لم يجئ به أحد من
الأنبياء قبله قال له: مثل ماذا؟ قال: مثل فلق البحر وقلبه العصا حيه
تسعى وضربه الحجر فانفجرت منه العيون واخراجه يده بيضاء
للناظرين وعلاماته لا يقدر الخلق على مثلها قال له الرضا عليه السلام:
صدقت في أنه كانت حجته على نبوته انه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله
أفليس كل من ادعى انه نبي ثم جاء بما لا يقدر الخلق مثله وجب عليكم
تصديقه؟! قال: لا لأن موسى عليه السلام لم يكن له نظير لمكانه من ربه
وقربه منه ولا يجب علينا الاقرار بنبوة من ادعاها حتى يأتي من الاعلام بمثل
جاء به فقال الرضا عليه السلام: فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل
موسى عليه السلام ولم يفلقوا البحر ولم يفجروا من الحجر اثنى عشره عينا
ولم يخرجوا أيديهم مثل اخراج موسى يده بيضاء ولم يقلبوا العصا حيه تسعى
قال: اليهودي: قد خبرتك انه متى ما جاؤوا على نبوتهم من الآيات بما لا يقدر
الخلق على مثله ولو جاؤوا بما يجئ به موسى أو كان على غير ما جاء به
موسى وجب تصديقهم قال له الرضا عليه السلام: يا رأس الجالوت فما
يمنعك من الاقرار بعيسى بن مريم وقد كان يحيى الموتى ويبرء الأكمه والأبرص
ويخلق من الطين كهيئه الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله تعالى؟ قال رأس
149

الجالوت: يقال: إنه فعل ذلك ولم نشهده قال الرضا عليه السلام: أرأيت
ما جاء به موسى من الآيات شاهدته؟ أليس إنما جاءت الاخبار من ثقات
أصحاب موسى انه فعل ذلك؟ قال: بلى قال: فكذلك أيضا أتتكم الأخبار المتواترة
بما فعل عيسى بن مريم عليه السلام فكيف صدقتم بموسى ولم
تصدقوا بعيسى؟ فلم يحر (1) جوابا قال الرضا عليه السلام: وكذلك أمر محمد
(ص) وما جاء به وأمر كل نبي بعثه الله ومن آياته انه كان يتيما فقيرا راعيا
أجيرا لم يتعلم كتابا ولم يختلف إلى معلم ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء
عليهم السلام واخبارهم حرفا حرفا واخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة
ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم وجاء بآيات كثيره لا تحصى
قال رأس الجالوت: لم يصح عندنا خبر عيسى ولا خبر محمد (ص) ولا يجوز
لنا ان نقر لهما بما لا يصح قال الرضا عليه السلام: فالشاهد الذي شهد
لعيسى ولمحمد (ص) شاهد زور فلم يحر جوابا ثم دعا عليه السلام بالهربذ
الأكبر فقال له الرضا عليه السلام: اخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنه
نبي ما حجتك على نبوته؟ قال: إنه اتى بما لم يأتنا أحد قبله ولم نشهده ولكن
الاخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحله غيره فاتبعناه قال:
أفليس إنما أتتكم الاخبار فاتبعتموه؟ قال: بلى قال: فكذلك سائر الأمم
السالفة أتتهم الاخبار بما اتى به النبيون واتى به موسى وعيسى ومحمد (ص) فما
عذركم في ترك الاقرار لهم؟ إذ كنتم إنما أقررتم بزردهشت من قبل الأخبار المتواترة
بأنه جاء بما لم يجئ به غيره فانقطع الهربذ مكانه (2) فقال الرضا عليه
السلام: يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الاسلام وأراد ان يسئل فليسئل غير
محتشم.
فقام إليه عمران الصابي وكان واحدا (3) من المتكلمين فقال: يا عالم

1 - قوله: (فلم يحر) بالحاء المهملة ومنه حديث سطيح: فلم يحر جوابا اي لم يرد وبالجيم
المنقوطة تصحيف: التحاور: التجاوب ويقال كلمته فما أحار إلى جوابا وما رجع إلى حوير أولا محورة
اي ما رد إلي جوابا.
2 - أي فسكت الهربذ في مكان تكلمه وجوابه عن ذلك لأنه قال: وجاء زردهشت بما لم
يجئ غيره وعلى هذا يعلم أنه أقر بمخالفة زردهشت جميع الأنبياء.
3 - اي كان وحيدا فريدا من المتكلمين لا ثاني له في علم الكلام.
150

الناس لولا انك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل فلقد دخلت
بالكوفة والبصرة والشام والجزيره ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت
لي واحدا (1) ليس غيره قائما بوحدانيته أفتاذن لي أسئلك؟ قال الرضا عليه
السلام: إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو قال: انا هو
قال: سل يا عمران وعليك بالنصفه وإياك والخطل (2) والجور فقال: والله يا
سيدي ما أريد إلا أن تثبت لي شيئا أتعلق به فلا أجوزه قال: سل عما بدا
لك فازدحم الناس وانضم بعضهم إلى بعض فقال عمران الصابي:
اخبرني عن الكائن الأول وعما خلق فقال له: سالت فافهم اما الواحد فلم
يزل واحدا كائنا لا شئ معه بلا حدود واعراض ولا يزال كذلك ثم خلق
خلقا مبتدعا مختلفا باعراض وحدود مختلفه لا في شئ اقامه ولا في شئ حده
ولا على شئ حذاه (3) ومثله له فجعل الخلق من بعد ذلك صفوه وغير صفوه
واختلافا وائتلافا وألوانا وذوقا وطعما لا لحاجه كانت منه إلى ذلك ولا لفضل
منزله لم يبلغها إلا به ولا أرى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانا تعقل هذا يا
عمران؟ قال: نعم و الله يا سيدي قال: واعلم يا عمران انه لو كان خلق ما
خلق لحاجه (4) لم يخلق إلا من يستعين به على حاجته ولكان ينبغي ان يخلق
اضعاف ما خلق لأن الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى والحاجة يا
عمران لا يسعها لأنه كان لم يحدث من الخلق شيئا إلا حدثت به حاجه أخرى
ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجه ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى
بعض وفضل بعضهم على بعض بلا حاجه منه إلى فضل ولا نقمه منه
على من أذل فلهذا خلق قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه
عند نفسه؟ قال الرضا عليه السلام: إنما يكون المعلمه (5) بالشئ لنفى

1 - اي أحد من العلماء المتكلمين انه أثبت لي الوحدانية بأنه تعالى واحد لا ثاني له.
2 - الخطل بالتحريك: المنطق الفاسد. نعوذ بالله من الخطل اي نعوذ به من شر منطق
السوء.
3 - حذوته اي قعدت بحذائه وحذاء الشئ ازاؤه المحازي: الموازي.
4 - في خطبة علي عليه السلام في صفات المتقين: ان الله خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن
طاعتهم وأمنا من معصيتهم لأنه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من اطاعه الخ.
5 - المعلمة بفتح اليهود كسر اللام على وزن المعرفة.
151

خلافه وليكون الشئ نفسه بما نفى عنه موجودا ولم يكن هناك شئ
يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفى ذلك الشئ عن نفسه بتحديد ما علم منها
أفهمت يا عمران؟ قال: نعم والله سيدي فأخبرني بأي شئ علم ما
علم أبضمير أم بغير ذلك؟ قال الرضا عليه السلام: أرأيت إذا علم بضمير
هل يجد بدا من أن يجعل لذلك الضمير حدا تنتهى إليه المعرفة؟ قال عمران:
لا بد من ذلك قال الرضا عليه السلام؟ فما ذلك الضمير؟! فانقطع ولم يحر
جوابا قال الرضا عليه السلام: لا باس ان سألتك عن الضمير نفسه تعرفه
بضمير آخر؟ فإن قلت: نعم أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران أليس
ينبغي ان تعلم أن الواحد ليس يوصف بضمير وليس يقال له أكثر من فعل
وعمل وصنع وليس يتوهم منه مذاهب وتجزيه كمذاهب المخلوقين وتجزيتهم
فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صوابا قال عمران: يا سيدي الا تخبرني
حدود خلقه كيف هي؟ وما معانيها؟ وعلى كم نوع يكون؟ قال: قد سألت
فاعلم أن حدود خلقه على سته أنواع ملموس وموزون ومنظور إليه وما لا
ذوق له وهو الروح ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حس ولا لون
ولا ذوق والتقدير والاعراض والصور والطول والعرض ومنها العمل
والحركات التي تصنع الأشياء وتعملها وتغيرها من حال إلى حال وتزيدها
وتنقصها فاما الأعمال والحركات فإنها تنطلق لأنه لا وقت لها أكثر من قدر
ما يحتاج إليه فإذا فرغ من الشئ انطلق بالحركة وبقى الأثر ويجرى مجرى
الكلام يذهب ويبقى اثره قال عمران: يا سيدي الا تخبرني عن الخالق
إذا كان واحدا لا شئ غيره ولا شئ معه؟ أليس قد تغير بخلقه الخلق؟ قال
له الرضا عليه السلام: قديم لم يتغير عز وجل بخلقه الخلق ولكن الخلق يتغير
بتغيره.
قال عمران: يا سيدي فبأي شئ عرفناه؟ قال: بغيره قال: فأي
شئ غيره؟ قال الرضا عليه السلام: مشيته واسمه وصفته وما أشبه ذلك
وكل ذلك محدث مخلوق مدبر قال عمران: يا سيدي فأي شئ هو؟
قال: هو نور بمعنى انه هاد خلقه من أهل السماء وأهل الأرض وليس لك على
أكثر من توحيدي إياه قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتا قبل الخلق
152

لا ينطق ثم نطق؟ قال الرضا عليه السلام: لا يكون السكوت إلا عن نطق
قبله والمثل في ذلك أنه لا يقال للسراج هو ساكت لا ينطق ولا يقال: إن
السراج ليضئ فيما يريد ان يفعل بنا لأن الضوء من السراج ليس بفعل منه
ولا كون وإنما هو ليس شئ غيره فلما استضاء لنا قلنا: قد أضاء لنا حتى
استضاءنا به فبهذا تستبصر امرك.
قال عمران: يا سيدي فإن الذي كان عندي ان الكائن قد تغير في
فعله عن حاله بخلقه الخلق قال الرضا عليه السلام: أحلت يا عمران في
قولك: ان الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره يا
عمران هل تجد النار تغيرها تغير نفسها؟ وهل تجد الحرارة تحرق نفسها؟ أو هل
رأيت بصيرا قط رأى بصره؟ قال عمران لم أر هذا إلا أن تخبرني يا سيدي أهو
في الخلق؟ أم الخلق فيه؟ قال الرضا عليه السلام: أجل يا عمران عن ذلك
ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه تعالى عن ذلك وساء علمك ما تعرفه ولا قوه
الا بالله اخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟ فإن كان ليس واحد منكما
في صاحبه فبأي شئ استدللت بها على نفسك يا عمران قال: بضوء بيني
وبينها قال الرضا عليه السلام: هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر مما تراه
في عينك؟ قال: نعم قال الرضا عليه السلام: فأرناه فلم يحر جوابا
قال: فلا أرى النور إلا وقد دلك ودل المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في
واحد منكما ولهذا أمثال كثيره غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا ولله المثل
الاعلى ثم التفت إلى المأمون فقال: الصلاة قد حضرت فقال عمران: يا
سيدي لا تقطع علي مسألتي فقد رق قلبي قال الرضا عليه السلام: نصلى
ونعود فنهض ونهض المأمون فصلى الرضا عليه السلام داخلا وصلى الناس
خارجا خلف محمد بن جعفر ثم خرجا فعاد الرضا عليه السلام إلى
مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا عمران: قال: يا سيدي الا تخبرني عن
الله عز وجل هل يوحد بحقيقه أو يوحد بوصف؟ قال الرضا عليه السلام:
ان الله المبدئ الواحد الكائن الأول لم يزل واحدا لا شئ معه فردا لا ثاني
معه لا معلوما ولا مجهولا ولا محكما ولا متشابها ولا مذكورا ولا
منسيا ولا شيئا يقع عليه اسم شئ من الأشياء غيره ولا من وقت كان
153

ولا إلى وقت يكون ولا بشئ قام ولا إلى شئ يقوم ولا إلى شئ
استند ولا في شئ استكن وذلك كله قبل الخلق إذ لا شئ غيره وما
أوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثه وترجمه يفهم بها من فهم.
واعلم أن الابداع والمشيئة والإراده معناها واحد وأسماؤها ثلاثة وكان
أول ابداعه وارادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شئ ودليلا على
كل مدرك وفاصلا لكل مشكل وبتلك الحروف تفريق كل شئ من اسم حق
وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى وعليها اجتمعت الأمور
كلها ولم يجعل للحروف في ابداعه لها معنى غير أنفسها تتناهى ولا وجود لها
لأنها مبدعة بالابداع والنور في هذا الموضع أول (1) فعل الله الذي هو نور
السماوات والأرض والحروف هي المفعول بذلك الفعل وهي الحروف التي
عليها مدار الكلام والعبادات كلها من الله عز وجل علمها خلقه وهي ثلاثة
وثلاثون حرفا فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على لغات العربية ومن الثمانية
والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدل على لغات السريانية والعبرانية ومنها خمسه
أحرف متحرفه في سائر اللغات. من العجم والأقاليم واللغات كلها وهي
خمسه أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين حرفا من اللغات فصارت الحروف
ثلاثة وثلاثين حرفا فاما الخمسة المختلفة فيتجحخ (2) لا يجوز ذكرها أكثر مما
ذكرناه ثم جعل الحروف بعد احصائها واحكام عدتها فعلا منه كقوله عز
وجل: (كن فيكون) (3) وكن منه صنع وما يكون به المصنوع فالخلق الأول
من الله عز وجل الابداع لا وزن له ولا حركه ولا سمع ولا لون ولا
حس والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون وهي مسموعه موصوفه
غير منظور إليها والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا
ذوق منظورا إليه والله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنه ليس قبله عز وجل

1 - واعلم أن الاخبار في تعيين الصادر الأول مختلفة المضامين بحسب الظاهر وقد تصدى جمع
من المحققين من أهل المعقول والمنقول للجمع بينها بوجوه فراجع مظانها.
2 - وفي هامش بعض النسخ الخطية: وهي خمسة أحرف والمراد بها الياء: والتاء المنقوطة
بنقطتين والجيم والحاء المهملة والخاء المعجمة (انتهى).
3 - سورة يس: الآية 72.
154

شئ ولا كان معه شئ والإبداع سابق للحروف والحروف لا تدل على غير
نفسها قال المأمون: وكيف لا تدل على غير أنفسها؟ قال الرضا عليه
السلام: لان الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى ابدا فإذا الف منها
أحرفا أربعة أو خمسه أو سته أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها بغير
معنى ولم يكن إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شئ قال عمران: فكيف
لنا بمعرفه ذلك؟ قال الرضا عليه السلام: أما المعرفة فوجه ذلك وبيانه:
انك: تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها ذكرتها فردا فقلت: ا ب ت
ث ج ح خ حتى تأتى على آخرها فلم تجد لها معنى غير أنفسها وإذا ألفتها
وجمعت منها أحرفا وجعلتها اسما وصفه لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت
دليله علي معانيها داعيه إلى الموصوف بها أفهمته؟ قال: نعم قال الرضا
عليه السلام: واعلم أنه لا يكون صفه لغير موصوف ولا اسم لغير معنى
ولا حد لغير محدود والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال والوجود ولا
تدل على الإحاطة كما تدل الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس لأن
الله عز وجل تدرك معرفته بالصفات والأسماء ولا تدرك بالتحديد بالطول
والعرض والقلة والكثرة واللون والوزن وما أشبه ذلك: وليس يحل بالله وتقدس
شئ من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا ولكن
يدل على الله عز وجل بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدل عليه بخلقه حق لا يحتاج
في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ولا استماع اذن ولا لمس كف ولا
احاطه بقلب ولو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل عليه أسماؤه لا تدعو إليه
والمعلمة (1) من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته
دون معناه فلولا ان ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله لان صفاته
وأسمائه غيره أفهمت؟ قال: نعم يا سيدي زدني قال الرضا عليه
السلام: إياك وقول الجهال من أهل العمى والضلال الذين يزعمون أن الله
جل وتقدس موجود في الآخرة للحساب في الثواب والعقاب وليس بموجود في
الدنيا للطاعه والرجاء ولو كان في الوجود لله عز وجل نقص واهتضام (2) لم

1 - المعلمة بكسر اللام مثال المعرفة بكسر الراء المهملة من أوزان الثلاثي المجرور ونظيرها
كثيرة كالمحمدة والمنقبة وأمثالها.
2 - الاهتضام: الكسر والنقص اهتضمه: كسر عليه حقه وظلمه.
155

يوجد في الآخرة ابدا ولكن القوم تاهوا وعموا وصموا عن الحق من حيث لا
يعلمون وقوله عز وجل: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة
أعمى وأضل سبيلا) (1) يعنى أعمى عن الحقائق الموجودة وقد علم ذووا
الألباب ان الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما هيهنا ومن أخذ علم ذلك
برايه وطلب وجوده وادراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا
بعدا لان الله عز وجل جعل علم ذلك خاصه عند قوم يعقلون ويعلمون
ويفهمون قال عمران: يا سيدي الا تخبرني عن الابداع أخلق هو أم غير
خلق؟ قال الرضا عليه السلام: بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون وإنما
صار خلقا لأنه شئ محدث والله تعالى الذي أحدثه فصار خلقا له وإنما هو
الله عز وجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما فما خلق الله عز وجل لم
يعد أن يكون خلقه ويكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما
ومتشابها وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عز وجل.
واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس وكل
حاسه تدل على ما جعل الله عز وجل لها في ادراكها والفهم من القلب بجميع
ذلك كله.
واعلم الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا
بتحديد وتقدير وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدر وليس في
كل واحد منهما لون ولا وزن ولا ذوق فجعل أحدهما يدرك بالآخر وجعلهما
مدركين بنفسهما ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة
على نفسه واثبات وجوده فالله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا
يعضده ولا يكنه والخلق يمسك بعضه بعضا بإذن الله تعالى ومشيئته وإنما
اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة
بالظلمة في وصفهم الله تعالى بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا ولو
وصفوا الله عز وجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين
ولما اختلفوا فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتكبوا والله يهدى من يشاء إلى

1 - سورة الإسراء. الآية 72.
156

صراط مستقيم قال عمران: يا سيدي اشهد أنه كما وصفت ولكن بقيت لي
مسألة قال: سل عما أردت قال: أسألك عن الحكيم في أي شئ هو؟
وهل يحيط به شئ؟ وهل يتحول من شئ إلى شئ؟ أو به حاجه إلى شئ؟
قال الرضا عليه السلام: أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه فإنه من
اغمض ما يرد على الخلق في مسائلهم وليس يفهم المتفاوت عقله العازب حلمه
ولا يعجز عن فهمه أولوا العقل المنصفون أما أول ذلك فلو كان خلق ما
خلق لحاجه منه لجاز لقائل أن يقول: يتحول إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك
ولكنه عز وجل لم يخلق شيئا لحاجه ولم يزل ثابتا لا في شئ ولا على شئ
ان الخلق يمسك بعضه بعضا ويدخل بعضه في بعض ويخرج منه والله جل
وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله وليس يدخل في شئ ولا يخرج منه ولا يؤده
حفظه ولا يعجز عن امساكه ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك؟ إلا الله
عز وجل ومن اطلعه عليه من رسله وأهل سره والمستحفظين لامره وخزانه
القائمين بشريعته وإنما امره كلمح البصر أو هو أقرب إذا شاء شيئا فإنما يقول
له (كن فيكون) بمشيئته وارادته وشئ من خلقه أقرب إليه من شئ
ولا شئ أبعد منه من شئ أفهمت يا عمران؟ قال: نعم يا سيدي قد
فهمت واشهد ان الله تعالى على ما وصفت ووحدت وأشهد أن محمدا (ص)
عبده المبعوث بالهدى ودين الحق ثم خر ساجدا نحو القبلة واسلم. قال الحسن
بن محمد النوفلي: فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابي وكان جدلا لم
يقطعه عن حجته أحد منهم قط لم يدن من الرضا عليه السلام أحد منهم ولم
يسألوه عن شئ وأمسينا فنهض المأمون والرضا عليه السلام فدخلا
وانصرف الناس وكنت مع جماعه من أصحابنا إذ بعث إلى محمد بن جعفر
فاتيته فقال لي: يا نوفلي اما رأيت ما جاء به صديقك؟! لا والله ما ظننت
ان علي بن موسى الرضا عليه السلام خاض في شئ من هذا قط ولا عرفناه
به انه كان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إليه أصحاب الكلام قلت: قد كان
الحاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم وربما كلم من
يأتيه بحاجه فقال محمد بن جعفر: يا أبا محمد انى أخاف عليه ان يحسده عليه
هذا الرجل فيسمه أو يفعل به بليه فأشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء
157

قلت: إذا لا يقبل منى وما أراد الرجل إلا امتحانه ليعلم هل عنده شئ من
علوم آبائه عليه السلام؟ فقال لي: قل له: ان عمك قد كره هذا الباب
وأحب ان تمسك عن هذه الأشياء لخصال شتى فلما انقلبت إلى منزل الرضا
عليه السلام أخبرته بما كان عن عمه محمد بن جعفر فتبسم عليه السلام ثم
قال: حفظ الله عمى ما أعرفني به لم كره ذلك؟ يا غلام صر إلى عمران الصابي
فاتني به فقلت: جعلت فداك انا اعرف موضعه وهو عند بعض اخواننا من
الشيعة قال: فلا باس قربوا إليه دابه فصرت إلى عمران فاتيته به فرحب
به ودعا بكسوه فخلعها عليه وحمله ودعا بعشره آلاف درهم فوصله بها
قلت: جعلت فداك حكيت فعل جدك أمير المؤمنين عليه السلام قال عليه
السلام: هكذا نحب ثم دعا عليه السلام بالعشاء فأجلسني عن يمينه واجلس
عمران عن يساره حتى إذا فرغنا قال لعمران: انصرف مصاحبا وبكر علينا
نطعمك طعام المدينة فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون من
أصحاب المقالات فيبطل أمرهم حتى اجتنبوه ووصله المأمون بعشره آلاف
درهم وأعطاه الفضل مالا وحمله وولاه الرضا عليه السلام صدقات بلخ
فأصاب الرغائب (1).

1 - اي فأصاب عمران بمال كثير وعطاء جزيل. الرغيبة. العطاء الكثير. قال في القاموس
الرغيبة الامر المرغوب فيه والعطاء الكثير.
158

13 - باب
في ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع سليمان
المروزي متكلم خراسان عند المأمون في التوحيد
1 - حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه رضي الله عنه قال:
حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقه القمي قال: حدثنا أبو
عمرو محمد بن عمرو بن عبد العزيز الأنصاري الكجي قال: حدثني من سمع
الحسن بن محمد النوفلي يقول: قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على
المأمون فأكرمه ووصله ثم قال له: ان ابن عمى علي بن موسى الرضا عليهما
السلام قدم علي من الحجاز وهو يحب الكلام وأصحابه فلا عليك ان تصير
إلينا يوم التروية لمناظرته فقال سليمان: يا أمير المؤمنين انى أكره ان أسأل مثله
في مجلسك في جماعه من بني هاشم فينتقض عند القوم إذا كلمني ولا يجوز
الاستقصاء عليه قال المأمون إنما وجهت إليه لمعرفتي بقوتك وليس مرادي الا
ان تقطعه عن حجه واحده فقط فقال سليمان: حسبك يا أمير المؤمنين أجمع
بيني وبينه وخلني والذم فوجه المأمون إلى الرضا عليه السلام فقال: انه قدم
إلينا من أهل مروز وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام فإن خف
عليك ان تتجشم المصير إلينا فعلت فنهض عليه السلام للوضوء وقال لنا:
تقدموني وعمران الصابي معنا فصرنا إلى الباب فاخذ ياسر وخالد بيدي
فأدخلاني على المأمون فلما سلمت قال: أين اخى أبو الحسن أبقاه الله
تعالى؟ قلت: خلفته يلبس ثيابه وأمرنا ان نتقدم ثم قلت: يا أمير المؤمنين
ان عمران مولاك معي وهو على الباب فقال: ومن عمران؟ قلت: الصابي
الذي أسلم على يدك قال: فليدخل فدخل فرحب به المأمون ثم قال
159

له يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم قال: الحمد لله الذي شرفني
بكم يا أمير المؤمنين فقال له المأمون: يا عمران هذا سليمان المروزي متكلم
خراسان قال عمران: يا أمير المؤمنين انه يزعم واحد خراسان في النظر وينكر
البداء (1) قال: فلم لا تناظروه؟ قال عمران ذلك إليه فدخل الرضا عليه
السلام فقال: في أي شئ كنتم؟ قال عمران: يا بن رسول الله هذا
سليمان المروزي فقال له سليمان: أترضى بابى الحسن وبقوله فيه؟ فقال
عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجه احتج
بها على نظرائي من أهل النظر قال المأمون؟ يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا
فيه؟ قال: وما أنكرت من البداء يا سليمان والله عز وجل يقول: (أولم ير
الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) (2) ويقول عز وجل: (وهو الذي
يبدء الخلق ثم يعيده) (3) ويقول: (بديع السماوات والأرض) (4) ويقول عز
وجل (يزيد في الخلق ما يشاء) (5) ويقول: (وبدء خلق الانسان من
طين) (6) ويقول عز وجل: (وآخرون مرجون لأمر الله أما يعذبهم وأما
يتوب عليهم) (7) ويقول عز وجل: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من
عمره إلا في كتاب) (8) قال سليمان: هل رويت فيه من آبائك شيئا؟ قال:
نعم رويت عن أبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن لله عز
وجل علمين علما مخزونا مكنونا لا يعلمه الا هو من ذلك يكون البداء وعلما
علمه ملائكته ورسله فالعلماء من أهل بيت نبينا يعلمونه قال سليمان: أحب
ان تنزعه لي من كتاب الله عز وجل قال: قول الله عز وجل لنبيه (ص):

1 - وقد وردت الاخبار والأحاديث عن أهل بيت العصمة عليهم السلام في التحريض على
الاعتقاد بالبداء وانه من جملة ما جاء به النبي (ص) وان الاعتقاد به واجب ولازم للمؤمن بالله تعالى
ورسوله (ص) وبأوصيائه عليهم السلام فمن لم يعتقد بالبداء فليس بمؤمن.
2 - سورة مريم: الآية 167.
3 - سورة الروم: الآية 27.
4 - سورة البقرة: الآية 117.
5 - سورة الفاطر: الآية 1.
6 - سورة السجدة: الآية 7.
7 - سورة التوبة: الآية 106.
8 - سورة الفاطر: الآية 11.
160

(فتول عنهم فما أنت بملوم) (1) أراد هلاكهم ثم بدا لله تعالى فقال:
(وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) (2) قال سليمان: زدني جعلت فداك
قال الرضا: لقد اخبرني أبي عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله
(ص) قال: إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه ان أخبر فلانا الملك:
انى متوفيه إلى كذا وكذا فاتاه ذلك النبي فأخبره فدعا إلى الملك وهو على
سريره حتى سقط من السرير وقال يا رب أجلني حتى يشب طفلي وقضى
امرى فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي ان ائت فلانا الملك فاعلم انى قد
أنسيت في اجله وزدت في عمره إلى خمس عشره سنه فقال ذلك النبي عليه
السلام: يا رب انك لتعلم انى لم أكذب قط فأوحى الله عز وجل إليه: إنما
أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك والله لا يسئل عما يفعل ثم التفت إلى سليمان
فقال: أحسبك ضاهيت (3) اليهود في هذا الباب قال: أعوذ بالله من ذلك
وما قالت اليهود قال: قالت اليهود: (يد الله مغلولة) (4) يعنون: ان الله
تعالى قد فرغ من الامر فليس يحدث شيئا فقال الله عز وجل: (غلت
أيديهم ولعنوا بما قالوا) ولقد سمعت قوما سألوا أبي موسى بن جعفر عليه السلام
عن البداء فقال: وما ينكر الناس من البداء وان يقف الله قوما يرجيهم لامره
قال سليمان: الا تخبرني عن (انا أنزلناه في ليله القدر) في أي شئ
أنزلت؟ قال: يا سليمان ليله القدر يقدر الله عز وجل فيها ما يكون من السنة
إلى السنة من حياه أو موت أو خير أو شر أو رزق فما قدره في تلك الليلة فهو من
المحتوم قال سليمان: الان قد فهمت جعلت فداك فزدني قال: يا
سليمان ان من الأمور أمورا موقوفه عند الله عز وجل يقدم منها
ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويمحو ما يشاء يا سليمان ان عليا عليه السلام كان يقول: العلم
علمان فعلم علمه الله وملائكته ورسله فما علمه ملائكته ورسله فإنه يكون
ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا

1 - سورة الذاريات: الآية 54.
2 - سورة الذاريات: الآية 55.
3 - وضاهيت اي شابهت وشاكلت اليهود في قولك يا سليمان.
4 - سورة المائدة: الآية 64.
161

من خلقه يقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما
يشاء قال سليمان للمأمون: يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومى هذا البداء
ولا أكذب به إن شاء الله فقال المأمون: يا سليمان سل أبي الحسن عما بدا لك
وعليك بحسن الاستماع والانصاف قال سليمان: يا سيدي أسألك؟ قال
الرضا عليه السلام: سل عما بدا لك قال: ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما
وصفه مثل حي وسميع وبصير وقدير؟ قال الرضا عليه السلام: إنما قلتم:
حدثت الأشياء واختلفت لأنه شاء وأراد ولم تقولوا: حدثت الأشياء
واختلفت لأنه سميع بصير فهذا دليل على أنهما ليستا مثل سميع ولا بصير
ولا قدير قال: سليمان فإنه لم يزل مريدا قال عليه السلام: يا سليمان
فارادته غيره قال: نعم قال: فقد أثبت معه شيئا غيره لم يزل قال
سليمان: ما أثبت قال الرضا عليه السلام: أهي محدثه؟ قال سليمان: لا
لا ما هي محدثه فصاح به المأمون! وقال يا سليمان: مثله يعابا أو يكابر؟!
عليك بالإنصاف اما ترى من حولك من أهل النظر؟! ثم قال: كلمه يا أبا
الحسن فإنه متكلم خراسان فأعاد عليه المسألة فقال: هي محدثه يا
سليمان فإن الشئ إذا لم يكن أزليا كان محدثا وإذا لم يكن محدثا كان أزليا
قال سليمان: ارادته منه كما أن سمعه وبصره وعلمه منه قال الرضا عليه
السلام فأراد نفسه قال: لا قال: فليس المريد مثل السميع والبصير
قال سليمان: إنما أراد نفسه كما سمع نفسه وابصر نفسه وعلم نفسه قال
الرضا عليه السلام: ما معنى أراد نفسه؟ أراد أن يكون شيئا وأراد أن يكون
حيا أو سميعا بصيرا أو قديرا؟ قال: نعم قال الرضا عليه السلام:
أفبارادته كان ذلك؟ قال سليمان: نعم قال الرضا عليه السلام: فليس
لقولك: أراد يكون حيا سميعا بصيرا معنى إذا لم يكن ذلك بإرادته
قال سليمان: بلى قد كان ذلك بإرادته فضحك المأمون ومن حوله وضحك
الرضا عليه السلام ثم قال لهم: ارفقوا بمتكلم خراسان يا سليمان فقد حال
عندكم عن حاله وتغير عنها وهذا ما لا يوصف الله عز وجل به فانقطع ثم
قال الرضا عليه السلام: يا سليمان أسألك عن مسأله قال: سل جعلت
فداك قال: اخبرني عنك و عن أصحابك تكلمون الناس بما تفقهون
162

وتعرفون؟ أو بما لا تفقهون ولا تعرفون؟ قال: بل بما نفقه ونعلم قال الرضا
عليه السلام: فالذي يعلم الناس ان المريد غير الإرادة وان المريد قبل
الإرادة وان الفاعل قبل المفعول وهذا يبطل قولكم: ان الإرادة والمريد شئ
واحد قال: جعلت فداك ليس ذلك منه على ما يعرف الناس ولا على ما
يفقهون قال الرضا عليه السلام: فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفه
وقلتم: الإرادة كالسمع والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا
يعقل فلم يحر جوابا ثم قال الرضا عليه السلام: يا سليمان هل يعلم الله
جميع ما في الجنة والنار؟ قال سليمان: نعم قال: أفيكون ما علم الله تعالى
أنه يكون من ذلك؟ قال: نعم قال: فإذا حتى لا يبقى منه شئ إلا
كان أيزيدهم أو يطويه عنهم؟ قال سليمان: بل يزيدهم قال: فأراه في
قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون قال: جعلت فداك فالمريد لا
غاية له قال: فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية
ذلك وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون
تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا قال سليمان: إنما قلت: لا يعلمه
لأنه لا غاية لهذا لان الله عز وجل وصفهما بالخلود وكرهنا ان نجعل لهما
انقطاعا قال الرضا عليه السلام: ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم
لأنه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم وكذلك قال الله عز
وجل في كتابه: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا
العذاب) (1) وقال لأهل الجنة: (عطاء غير مجذوذ) (2) وقال عز وجل:
(وفاكهة كثيره لا مقطوعه وممنوعه) (3) فهو عز وجل يعلم ذلك ولا يقطع
عنهم الزيادة أرأيت ما اكل أهل الجنة وما شربوا ليس يخلف مكانه؟ قال:
بلى قال: أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد اخلف مكانه؟ قال سليمان: لا
قال: فكذلك كلما يكون فيها إذا اخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم قال

1 - سورة النساء: الآية 56.
2 - سورة هود: الآية 108.
3 - سورة الواقعة: الآية 33.
163

سليمان: بلى يقطعه عنهم ولا يزيدهم قال الرضا عليه السلام: إذا يبيد (1)
فيها وهذا يا سليمان ابطال الخلود وخلاف الكتاب لأن الله عز وجل
يقول: (لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد) (2) ويقول عز وجل: (عطاء غير
مجذوذ) ويقول عز وجل: (وما هم عنها بمخرجين) (3) ويقول عز وجل:
(خالدين فيها ابدا) (4) ويقول عز وجل: (وفاكهة كثيره لا مقطوعه ولا
ممنوعه) فلم يحر جوابا.
ثم قال الرضا عليه
السلام: يا سليمان الا تخبرني عن الإرادة فعل هي
أم غير فعل؟ قال: بلى هي فعل قال عليه السلام: فهي محدثه لأن الفعل
كله محدث قال: ليست بفعل قال: فمعه غيره لم يزل قال سليمان:
الإرادة هي الانشاء قال: يا سليمان هذا الذي عبتموه (5) على ضرار وأصحابه
من قولهم: ان كل ما خلق الله عز وجل في سماء أو ارض أو بحر أو بر من
كلب أو خنزير أو قرد أو انسان أو دابه أراده الله وان أراده الله تحيى وتموت
وتذهب وتأكل وتشرب وتنكح وتلذ وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك
فيبرا منها ويعاد بها وهذا حدها قال سليمان: انها كالسمع والبصر والعلم قال
الرضا عليه السلام: قد رجعت إلى هذا ثانيه فأخبرني عن السمع والبصر
والعلم أمصنوع؟ قال سليمان: لا قال الرضا عليه السلام: فكيف
نفيتموه؟! قلتم: لم يرد ومره قلتم: أراد! وليست بمفعول له قال سليمان:
إنما ذلك كقولنا: مره علم ومره لم يعلم قال الرضا عليه السلام: ليس
ذلك سواء لأن نفى المعلوم ليس بنفي العلم ونفى المراد نفى الإرادة أن تكون
لأن الشئ إذا لم يرد لم تكن إرادة فقد يكون العلم ثابتا وان لم يكن

1 - من باد يبيد: قال في الصحاح: تقول باد أهله اي هلك. وقوله عليه السلام: يبيد ما
فيها اي يهلك ما في الجنة.
2 - سورة ق: الآية 35.
3 - سورة الحجر: الآية 48.
4 - سورة البينة: الآية 8.
5 - عبتموه من باب عاب يعيب: عيبتموه من باب التفعيل بالعين المهملة مأخوذ من التعييب
يقال عيبه أي نسبه إلى العيب. وضرار الأباضي هو من مشايخ المعتزلة في علم الكلام.
164

المعلوم بمنزله البصر فقد يكون الانسان بصيرا وان لم يكن المبصر ويكون العلم
ثابتا وان يكن المعلوم قال سليمان: انها مصنوعه قال: فهي محدثه
ليست كالسمع والبصر لأن السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعه
قال. سليمان: انها صفه من صفاته لم تزل قال: فينبغي أن يكون الانسان
لم يزل لأن صفته لم تزل قال سليمان: لا لأنه لم يفعلها قال الرضا
عليه السلام: يا خراساني ما أكثر غلطك! أفليس بإرادته وقوله تكون
الأشياء؟ قال سليمان: لا قال: فإذا لم تكن بإرادته ولا مشيئته ولا امره ولا
بالمباشرة فكيف يكون ذلك؟ تعالى الله عن ذلك فلم يحر جوابا ثم قال
الرضا عليه السلام: الا أتخبرني عن قول الله عز وجل: (وإذا أردنا ان نهلك
قريه أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) (1) يعنى بذلك انه يحدث اراده قال له: نعم
قال عليه السلام: فإذا حدث اراده كان قولك: ان الإرادة هي هو أو شئ
منه باطلا لأنه لا يكون ان يحدث نفسه ولا يتغير عن حاله تعالى الله
عن ذلك قال سليمان: انه لم يكن عنى بذلك انه يحدث اراده قال: فما عنى
به؟ قال: عنى فعل الشئ قال الرضا عليه السلام: ويلك كم تردد في هذه
المسألة؟ وقد أخبرتك ان الإرادة محدثه لأن فعل الشئ محدث قال: فليس
لها معنى قال الرضا عليه السلام: قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها
بالإرادة بما لا معنى له فإذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم:
ان الله عز وجل لم يزل مريدا قال سليمان: إنما عنيت انها فعل من الله تعالى
لم يزل قال: ألم تعلم أن ما لم يزل لا يكون مفعولا وقديما وحديثا في حاله
واحده؟ فلم يحر جوابا. قال الرضا عليه السلام: لا باس أتمم مسألتك قال
سليمان: قلت: ان الإرادة صفه من صفاته قال: كم تردد انها صفه من
صفاته فصفته محدثه أو لم تزل؟ قال سليمان: محدثه قال الرضا عليه
السلام: الله أكبر! فالإرادة محدثه وإن كانت صفه من صفاته لم تزل فلم يرد
شيئا قال الرضا عليه السلام: ان ما لم يزل لا يكون مفعولا (2) قال سليمان:

1 - سورة الإسراء: الآية 16.
2 - قوله عليه السلام: (ان ما لم يزل لم يكن مفعولا) صريح في منافاة الأزلية للمفعولية ولا
مجال لمكابر أن يقول: إن المراد ان ما لم يزل بذاته لم يكن مفعولا لأنا منقول: من البين ان
سليمان لم يكن يدعي ان الإرادة لم تزل بذاتها بل كان يدعي انها فعل له تعالى لكنها لم تزل فلو
كقوله عليه السلام خاصا بما لم تزل بذاته لم يكن جوابه عليه السلام مطابقا لقول سليمان ولا
يفيد فيه البطلان فتأمل.
165

ليس الأشياء اراده ولم يرد شيئا قال الرضا عليه السلام: وسوست يا سليمان
فقد فعل وخلق ما لم يزل خلقه وفعله وهذه صفه من لا يدرى ما فعل؟ تعالى
الله عن ذلك (1) قال سليمان: يا سيدي فقد أخبرتك انها كالسمع والبصر
والعلم قال المأمون: ويلك يا سليمان! كم هذا الغلط والترداد اقطع
وخذ في غيره إذ لست تقوى على غير هذا الرد قال الرضا عليه السلام:
دعه يا أمير المؤمنين لا تقطع عليه مسألتة فيجعلها حجه تكلم يا سليمان
قال: قد أخبرتك انها كالسمع والبصر والعلم قال الرضا عليه السلام: لا
باس اخبرني عن معنى هذه أمعنى واحد أم معان مختلفه؟ قال سليمان: معنى
واحد قال الرضا عليه السلام: فمعنى الإرادات كلها معنى واحد قال
سليمان: نعم قال الرضا عليه السلام: فإن كان معناها معنى واحدا كانت
اراده القيام اراده القعود واراده الحياة اراده الموت إذا كانت ارادته واحده لم
تتقدم بعضها بعضا ولم يخالف بعضها بعضا وكانت شيئا واحدا قال
سليمان: ان معناها مختلف قال عليه السلام: فأخبرني عن المريد أهو
الإرادة أو غيرها؟ قال سليمان بل هو الإرادة قال الرضا عليه السلام:
فالمريد عندكم مختلف إذا كان هو الإرادة قال يا سيدي ليس الإرادة المريد
قال: فالإرادة محدثه وإلا فمعه غيره افهم وزد في مسألتك قال سليمان: فإنها
اسم من أسمائه قال الرضا عليه السلام: هل سمى نفسه بذلك؟ قال

1 - هذه الفقرة صريحة في استلزام أزلية الأثر للايجاب الطبائعي وكون المؤثر موجبا غير ذي
شعور وإرادة فتنعقد قضية كلية هكذا: كذي اثر فهو موجب لا يدري ولا يشعر بفعله والموجبة
الكلية تعكس موجبة كلية في عكس النقيض فيلزم من صدقها صدق قولنا: كل ما يدري ويشعر
بفعله فليس له اثر أزلي ونجعله كبرى لقولنا: الله سبحانه يدري ويشعر بفعله فينتج في الشكل
الأول: انه لله تعالى والاختيار وقصد الشئ مستلزم لعدم ذلك المقصود إذ لا معنى لإيجاد
الموجود وتحصيل الحاصل فيكون مسبوقا بالعدم وهو الحدوث المقابل للقدم. وعند الحكماء الحدوث
ذاتي ولا شئ من الذاتي جاء معللا عندهم فلا مخصص للحدوث ويقولون: الحوادث بأسرها
مستندة إلى الحركة الدائمية الدورية ولا تفتقر هذه الحركة إلى علة وحادثة لكونها ليس لها بدو زماني
فهي دائمة باعتبار وبه استندت إلى علة قديمة وحادثة باعتبار وبه كانت مستندة إلى الحوادث فتأمل.
166

سليمان: لا لم يسم به نفسه بذلك قال الرضا عليه السلام: فليس لك ان
تسميه بما لم يسم به نفسه قال: قد وصف نفسه بأنه مريد قال الرضا عليه
السلام: ليس صفته نفسه انه مريد اخبار عن انه اراده ولا اخبار عن أن
الإرادة اسم من أسمائه قال سليمان: لأن ارادته علمه قال الرضا عليه
السلام: يا جاهل! فإذا علم الشئ فقد اراده قال سليمان أجل:
فقال: فإذا لم يرده لم يعلمه قال سليمان: أجل قال: من أين قلت ذاك؟
وما الدليل على أن ارادته علمه؟ وقد يعلم ما لا يريده ابدا وذلك قوله عز
وجل: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) (1) فهو يعلم كيف يذهب به
وهو لا يذهب به ابدا قال سليمان: لأنه قد فرغ من الامر فليس يزيد فيه
شيئا قال الرضا عليه السلام: هذا قول اليهود فكيف قال تعالى:
(ادعوني استجب لكم) (2)! قال سليمان: إنما عنى بذلك انه قادر عليه
قال: أفيعيد ما لا يفي به فكيف قال: (يزيد في الخلق ما يشاء) (3) وقال عز
وجل: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) (4)؟! وقد فرغ من
الامر فلم يحر جوابا قال الرضا عليه السلام: يا سليمان هل يعلم أن
انسانا يكون ولا يريد ان يخلق انسانا ابدا وان انسانا
يموت اليوم ولا يريد ان يموت اليوم؟ قال سليمان: نعم قال الرضا عليه السلام: فيعلم أنه يكون ما
يريد أن يكون أو يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكون قال: يعلم أنهما
يكونان جميعا قال الرضا عليه السلام: إذا يعلم أن انسانا حي ميت قائم
قاعدا عمي بصير في حاله واحده وهذا هو المحال قال: جعلت فداك
فإنه يعلم أنه يكون أحدهما دون الاخر قال: لا باس فأيهما يكون الذي
أراد أن يكون أو الذي لم يرد أن يكون؟ قال سليمان: الذي أراد أن يكون
فضحك الرضا عليه السلام والمأمون وأصحاب المقالات قال الرضا
عليه السلام: غلطت وتركت قولك: انه يعلم أن انسانا يموت اليوم وهو لا

1 - سورة الإسراء: الآية 86.
2 - سورة المؤمن: الآية 60.
3 - سورة الفاطر: الآية 1.
4 - سورة الرعد: الآية 39.
167

يريد ان يموت اليوم وانه يخلق خلقا وانه لا يريد ان يخلقهم وإذا لم يجز
العلم عندكم بما لم يرد أن يكون فإنما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون قال
سليمان: فإنما قولي: ان الإرادة ليست هو ولا غيره قال الرضا عليه
السلام: يا جاهل! إذا قلت: ليست هو فقد جعلتها غيره وإذا قلت:
ليست هي غيره فقد جعلتها هو قال سليمان: فهو يعلم كيف يصنع
الشئ؟ قال: نعم قال سليمان: فإن ذلك اثبات للشئ قال الرضا عليه
السلام: أحلت لان الرجل قد يحسن البناء وان لم يبن ويحسن الخياطة وان لم
يخط ويحسن صنعه الشئ وان لم يصنعه ابدا ثم قال عليه السلام له: يا
سليمان هل تعلم أنه واحد لا شئ معه؟ قال: نعم قال الرضا عليه
السلام. فيكون ذلك إثباتا للشئ قال سليمان: ليس يعلم أنه واحد لا شئ
معه قال الرضا عليه السلام: أفتعلم أنت ذاك؟ قال: نعم قال: فأنت يا
سليمان إذا اعلم منه قال سليمان: المسألة محال قال: محال عندك انه
واحد لا شئ معه وانه سميع بصير حكيم قادر قال: نعم قال: فكيف أخبر عز
وجل انه واحد حي سميع بصير حكيم قادر عليم خبير وهو لا يعلم
ذلك وهذا رد ما قال وتكذيبه تعالى الله عن ذلك ثم قال له الرضا عليه
السلام: فكيف يريد صنع ما لا يدرى صنعه ولا ما هو؟ وإذا كان الصانع لا
يدرى كيف يصنع الشئ قبل ان يصنعه؟ فإنما هو متحير تعالى الله عن ذلك
علوا كبيرا قال سليمان: فإن الإرادة القدرة قال الرضا عليه السلام: وهو
عز وجل يقدر على ما لا يريده ابدا ولا بد من ذلك لأنه قال تبارك وتعالى:
(ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) فلو كانت الإرادة هي القدرة كان
قد أراد أن يذهب به لقدرته فانقطع سليمان فقال المأمون عند ذلك: يا
سليمان هذا اعلم هاشمي ثم تفرق القوم. قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه
: كان المأمون يجلب على الرضا عليه السلام من متكلمي الفرق والأهواء
المضلة كل من سمع به حرصا على انقطاع الرضا عليه السلام عن الحجة مع
واحد منهم وذلك حسدا منه له ولمنزلته من العلم فكان لا يكلمه أحد إلا
أقر له بالفضل والتزم الحجة له عليه لأن الله تعالى ذكره يأبى إلا أن يعلى
كلمته ويتم نوره وينصر حجته وهكذا وعد تبارك وتعالى في كتابه فقال:
168

(انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) (1) يعنى بالذين آمنوا الأئمة
الهداة واتباعهم العارفين بهم والأخذين عنهم بنصرهم بالحجة على مخالفيهم ما
داموا في الدنيا وكذلك يفعل بهم في الآخرة وان الله عز وجل لا يخلف
الميعاد.

1 - سورة المؤمن: الآية 51.
169

14 - باب
ذكر مجلس آخر للرضا عليه السلام عند المأمون
مع أهل الملل والمقالات وما أجاب به علي بن محمد بن
الجهم في عصمه الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين
1 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه والحسين بن
إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم
قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا القاسم بن محمد
البرمكي قال: حدثنا أبو الصلت الهروي قال: لما جمع المأمون لعلي بن
موسى الرضا عليه السلام أهل المقالات من أهل الاسلام والديانات من اليهود
والنصارى والمجوس والصابئين وسائر المقالات فلم يقم أحد إلا وقد
ألزمه حجته كأنه ألقم حجرا قام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له: بن
رسول الله أتقول بعصمه الأنبياء؟ قال: نعم قال: فما تعمل في قول الله عز
وجل: (وعصى آدم ربه فغوى) (1) وفي قوله عز وجل: (وذا النون إذ
ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) (2) وفي قوله عز وجل في يوسف عليه
السلام: (ولقد همت به وهم بها) (3) وفي قوله عز وجل في داود: (وظن
داود إنما فتناه) (4) وقوله تعالى في نبيه محمد (ص) (وتخفى في نفسك ما الله
مبديه) (5) فقال الرضا عليه السلام: ويحك يا علي اتق الله ولا تنسب إلى

1 - سورة طه: الآية 121.
2 - سورة الأنبياء: الآية 87.
3 - سورة يوسف: الآية 24.
سورة ص: الآية 24.
5 - سورة الأحزاب: الآية 37.
170

أنبياء الله الفواحش ولا تتأول كتاب الله برأيك فإن الله عز وجل قد قال:
(ولا يعلم تأويله الا الله والراسخون) (1) وأما قوله عز وجل في آدم: (وعصى
آدم ربه فغوى) فإن الله عز وجل خلق آدم حجه في ارضه وخليفه في بلاده لم
يخلقه للجنة وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض وعصمته يجب أن يكون
الأرض ليتم مقادير أمر الله فلما اهبط إلى الأرض وجعل حجه
وخليفه عصم بقوله عز وجل: (ان اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل
عمران على العالمين) (2) وأما قوله عز وجل: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا
فظن أن لن نقدر عليه) إنما ظن بمعنى استيقن ان الله لن يضيق عليه رزقه
الا تسمع قول الله عز وجل: (وأما إذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه) (3) أي
ضيق عليه رزقه ولو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر وأما قوله عز
وجل في يوسف (ولقد همت به وهم بها) فإنها همت بالمعصية وهم يوسف
بقتلها ان أجبرته لعظم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة
وهو قوله عز وجل: (كذلك لنصرف السوء والفحشاء) يعنى القتل
والزنا وأما داود عليه السلام فما يقول من قبلكم فيه؟ فقال علي بن محمد
بن الجهم: يقولون: ان داود عليه السلام كان في محرابه يصلى فتصور له
إبليس على صوره طير أحسن ما يكون الطيور فقطع داود صلاته وقام
ليأخذ الطير فخرج الطير إلى الدار فخرج الطير إلى السطح فصعد في
طلبه فسقط الطير دار أوريا بن حنان فاطلع داود في اثر الطير
بامراه أوريا تغتسل فلما نظر إليها هواها وقد اخرج أوريا في بعض
غزواته فكتب إلى صاحبه ان قدم أوريا امام التابوت فقدم فظفر أوريا
بالمشركين فصعب ذلك على داود فكتب إليه ثانيه ان قدمه امام التابوت
فقدم فقتل أوريا فتزوج داود بامرأته قال: فضرب الرضا عليه السلام بيده

1 - سورة آل عمران: الآية 7.
2 - سورة آل عمران: الآية 33.
3 - سورة الفجر: الآية 16.
171

على جبهته وقال: انا لله وانا إليه راجعون! لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله إلى
التهاون بصلاته حتى خرج في اثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل! فقال:
يا بن رسول الله فما كان خطيئته؟ فقال: ويحك! ان داود إنما ظن أن ما خلق
الله عز وجل خلقا هو اعلم منه فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسورا
المحراب فقالا: (خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط
واهدنا إلى سواء الصراط ان هذا اخى له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحده
فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب) فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه
فقال: (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) ولم يسال المدعى البينة على
ذلك ولم يقبل على المدعى عليه فيقول له: ما تقول؟ فكان هذا خطيئة رسم
الحكم لا ما ذهبتم إليه الا تسمع الله عز وجل يقول: (يا داود انا
جعلناك خليفه الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى) إلى آخر
الآية فقال: يا بن رسول الله فما قصته مع أوريا فقال الرضا عليه السلام
ان المرأة في أيام داود عليه السلام كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده
ابدا وأول من أباح الله له ان يتزوج بامراه قتل بعلها كان داود عليه السلام
فتزوج بامراه أوريا لما قتل وانقضت عدتها منه فذلك الذي شق على
الناس من قبل أوريا واما محمد (ص) وقول الله عز وجل: (وتخفى في
نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشيه الله فان الله عز وجل عرف
نبيه (ص) أسماء أزواجه في دار الدنيا وأسماء أزواجه في دار الآخرة وأنهن أمهات
المؤمنين وإحداهن من سمى له زينب بنت جحش وهي يومئذ تحت زيد بن
حارثه فأخفى اسمها في نفسه ولم يبده لكيلا يقول أحد من المنافقين أنه قال
في امراه في بيت رجل انها إحدى أزواجه من أمهات المؤمنين وخشي قول
المنافقين فقال الله عز وجل: (وتخشى الناس والله أحق ان تخشيه) يعنى في
نفسك وان الله عز وجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حوا من آدم
عليه السلام وزينب من رسول الله (ص) بقوله: (فلما قضى زيد منها وطرا
زوجناكها) الآية (1) وفاطمة من علي عليه السلام قال: فبكى علي بن محمد

1 - سورة الأحزاب: الآية 37. الوطر بالتحريك: الحاجة. قضى منه وطره: نال منه
بغيته.
172

ابن الجهم وقال: يا بن رسول الله انا تائب إلى الله عز وجل من أن أنطق في
أنبياء الله عليهم السلام بعد يومى إلا بما ذكرته.
173

15 - باب
ذكر مجلس آخر للرضا عليه السلام عن المأمون
في عصمه الأنبياء عليهم السلام
1 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال: حدثني
أبي عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن علي بن محمد بن الجهم قال:
حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام فقال له
المأمون: يا بن رسول الله أليس من قولك: الأنبياء معصومون؟ قال:
بلى قال: فما معنى قول الله عز وجل: (فعصى آدم ربه فغوى) فقال عليه
السلام: ان الله تبارك وتعالى قال لادم: (أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا
منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة) وأشار لهما إلى شجره الحنطة
(فتكونا من الظالمين) ولم يقل لهما: لا تاكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من
جنسها فلم يقربا تلك الشجرة ولم يأكلا منها وإنما اكلا من غيرها لما ان
وسوس الشيطان إليهما وقال: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة) وإنما ينهاكما
أن تقربا غيرها ولم ينهكما عن الاكل منها (إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من
الخالدين وقاسمهما انى لكما لمن الناصحين) ولم يكن آدم وحوا شاهدا قبل ذلك
من يحلف بالله كاذبا (فدلاهما بغرور) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله وكان ذلك
من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار وإنما كان
من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه
الله تعالى وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيره ولا كبيره قال الله عز
وجل: (وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه فهدى) (1) وقال عز

1 - سورة ص: الآية 121 و 122.
174

وجل: (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) (1)
فقال له المأمون: فما معنى قول الله عز وجل: (فلما اتاهما صالحا جعلا له
شركاء فيما اتاهما) (2) فقال له الرضا عليه السلام: ان حواء ولدت لادم خمس
مأة بطن ذكرا وأنثى وان آدم عليه السلام وحواء عاهدا الله عز وجل ودعواه
وقالا: (لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما اتيهما صالحا) من النسل
خلقا سويا بريئا من الزمانة والعاهة وكان ما اتاهما صنفين صنفا ذكرانا وصنفا
إناثا فجعل الصنفان لله تعالى ذكره شركاء فيما آتاهما ولم يشكراه كشكر
أبويهما له عز وجل قال الله تبارك وتعالى: (فتعالى الله عما يشركون) فقال
المأمون: اشهد انك ابن رسول الله (ص) حقا فأخبرني عن قول الله عز وجل
في حق إبراهيم عليه السلام: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا
ربى) (4) فقال الرضا عليه السلام: ان إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة
أصناف صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر وصنف يعبد الشمس
وذلك حين خرج من السرب (5) الذي اخفى فيه (فلما جن عليه الليل) فرأى
الزهرة قال: (هذا ربى) على الانكار والاستخبار (فلما افل) الكوكب
(قال لا أحب الآفلين) لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات
القدم (فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربى) على الانكار والاستخبار: (فلما
افل قال لئن لم يهدني ربى لأكونن من القوم الضالين) يقول: لو لم يهدني ربى
لكنت من القوم الضالين فلما أصبح (ورأي الشمس بازغة هذا ربى هذا

1 - سورة آل عمران: الآية 34.
2 - سورة الأعراف: الآية 190.
3 - سورة الأعراف: الآية 190. في تفسير علي بن إبراهيم: قال جعلا للحارث نصيبا في
خلق الله ولم يكن أشركا إبليس في عبادة الله (انتهى). كان اسم إبليس عند الملائكة هو الحارث.
4 - سورة الأنعام: الآية 76. والآيات المشار إليها في المتن المربوطة بقصة إبراهيم مذكورة
في سورة الأنعام الآية 76 إلى 83 قال في الصحاح: جن وأجن بمعنى يقال: جننت عليه: أكننت
(انتهى) جن: ستره بظلامه والكوكب كان الزهرة أو المشتري.
5 - السرب بالتحريك: الكهف والبيت تحت الأرض وحجر الوحشي والقناة.
175

أكبر) من الزهرة والقمر على الانكار والاستخبار لا على الاخبار والاقرار
(فلما أفلت) قال للأصناف الثلاثة من عبده الزهرة والقمر والشمس: (يا
قوم انى برئ مما تشركون انى وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض
حنيفا وما انا من المشركين) وإنما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال إن يبين لهم
بطلان دينهم ويثبت عندهم ان العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة والقمر
والشمس وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض وكان ما احتج
به على قومه مما الهمه الله تعالى واتاه كما قال الله عز وجل: (وتلك حجتنا
آتيناها إبراهيم على قومه) فقال المأمون: لله درك يا ابن رسول الله فأخبرني
عن قول إبراهيم عليه السلام: (رب أرني كيف تحيى الموتى قال أولم تؤمن
قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) (1) قال الرضا عليه السلام: ان الله تبارك وتعالى
كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: انى متخذ من عبادي خليلا ان سألني
احياء الموتى أجبته فوقع في نفس إبراهيم: انه ذلك الخليل فقال: (رب
أرني كيف تحيى الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) على
الخلقة قال: (فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل
منهن جزء ثم أدعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم) (2) فاخذ إبراهيم
عليه السلام نسرا وطاووسا وبطا وديكا فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل
جبل من الجبل التي حوله وكانت عشره منهن جزء وجعل مناقيرهن بين
أصابعه ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء فتطايرت تلك الأجزاء
بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان وجاء كل بدن حتى انضم رقبته
ورأسه فخلى إبراهيم عليه السلام عن مناقيرهن فطرن ثم وقعن فشربن
من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب وقلن: يا نبي الله أحييتنا أحياك
الله فقال إبراهيم: بل الله يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير قال
المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل:
(فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان) (3) قال الرضا عليه

1 - سورة البقرة: الآية 260.
2 - وليعلم انه قرئ لفظة (فصرهن) في الآية الشريفة بضم الصاد وكسرها قال الأخفش
يعني وجههن يقال صر إلى أي أقبل علي.
3 - سورة القصص: الآية 15.
176

السلام: ان موسى دخل مدينه من مدائن فرعون على حين غفله من أهلها
وذلك بين المغرب والعشاء (فوجد فيها رجلين يقتتلان من شيعته وهذا من
عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) فقضى موسى على
العدو وبحكم الله تعالى ذكره (فوكزه) فمات (قال هذا من عمل
الشيطان) يعنى الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى عليه
السلام من قتله انه يعنى الشيطان (عدو مضل مبين) فقال المأمون: فما معنى
قول موسى (رب انى ظلمت نفسي فاغفر لي) قال: يقول: انى وضعت
نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة (فاغفر لي) أي استرني من أعدائك
لئلا يظفروا بي فيقتلوني (فغفر له انه هو الغفور الرحيم) قال موسى عليه
السلام: (رب بما أنعمت على) من القوة حتى قتلت رجلا بوكزه (فلن
أكون ظهيرا للمجرمين) بل أجاهد سبيلك بهذه القوة حتى رضى (فأصبح) موسى
عليه السلام في المدينة (خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه)
على آخر (قال له موسى انك لغوى مبين) قاتلت رجلا بالأمس وتقاتل هذا
اليوم لأوذينك وأراد ان يبطش به: (فلما أراد ان يبطش بالذي هو عدو لهما)
وهو من شيعته: (قال يا موسى أتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ان
تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين) قال
المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن فما معنى قول موسى
لفرعون: (فعلتها إذا وانا من الضالين) (1) قال الرضا عليه السلام: ان
فرعون قال: لموسى لما اتاه: (وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين)
بي (قال) موسى: (فعلتها إذا وانا من الضالين) عن الطريق بوقوعي إلى
مدينه من مدائنك (ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربى حكما وجعلني
من المرسلين) وقد قال الله عز وجل لنبيه محمد (ص): (ألم يجدك يتيما
فاوى) (2) يقول: ألم يجدك وحيدا فاوى إليك الناس (ووجدك ضالا) يعنى
عند قومك (فهدى) أي هديهم إلى معرفتك (ووجدك عائلا فأغنى)
يقول: أغناك بان جعل دعائك مستجابا قال المأمون: بارك الله فيك يا بن

1 - سورة الشعراء: الآية 20.
2 - سورة الضحى: الآية 6.
177

رسول الله فما معنى قول الله عز وجل: (فلما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه
قال رب أرني انظر إليك قال لن تراني) (1) كيف يجوز أن يكون كلم الله موسى
بن عمران عليه السلام لا يعلم أن الله تبارك وتعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية
حتى يسأله هذا السؤال؟ قال الرضا عليه السلام: ان كليم الله موسى بن
عمران عليه السلام علم أن الله تعالى أعز ان يرى بالابصار ولكنه لما كلمه الله
عز وجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم ان الله عز وجل كلمه وقربه
وناجاه فقالوا: (لن نؤمن لك) حتى نستمع كلامه كما سمعت وكان القوم
سبعمأة الف رجل فاختار منهم سبعين ألفا ثم اختار منهم سبعه آلاف ثم
اختار منهم سبعمائة ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربهم فخرج بهم إلى
طور سيناء فأقامهم في سفح (2) الجبل وصعد موسى إلى الطور وسأل الله
تعالى: ان يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه
من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وامام لان الله عز وجل أحدثه في الشجرة
وجعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا: (لن نؤمن لك)
بان هذا الذي سمعناه كلام الله: (حتى نرى الله جهرة) فلما قالوا هذا القول
العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فاخذتهم بظلمهم
فماتوا فقال موسى: يا رب ما أقول لبنى إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا:
انك ذهبت بهم فقتلتهم؟! لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله عز
وجل إياك فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا: انك لو سئلت الله ان يريك
ننظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته؟ فقال موسى: يا
قوم ان الله تعالى لا يرى بالابصار ولا كيفية له وإنما يعرف بآياته ويعلم
باعلامه فقالوا: (لن نؤمن لك) حتى تسأله فقال موسى: يا رب انك
قد سمعت مقاله بني إسرائيل وأنت اعلم بصلاحهم فأوحى الله جل جلاله:
يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى عليه
السلام: (رب أرني انظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر
مكانه) وهو يهوى (فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل) بايه من آياته

1 - سورة الأعراف: الآية 142.
2 - اي أسفله حيث يسبح فيه الماء سفح الدمع: يسأل: يتعدى ولا يتعدى.
178

(جعله دكا وخر موسى صعقا فلما افاق قال سبحانك تبت إليك) يقول:
رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي (وانا أول المؤمنين) منهم بأنك لا
ترى.
فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل:
(ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) (1) فقال الرضا عليه
السلام: لقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت لكنه
كان معصوما والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه ولقد حدثني أبي عن أبيه
الصادق عليه السلام أنه قال: همت بان تفعل وهم بان لا يفعل.
فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل:
(وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) (2) فقال الرضا عليه السلام:
ذاك يونس بن متى عليه السلام ذهب مغاضبا لقومه فظن بمعنى استيقن
(ان لن نقدر عليه) أي لن نضيق رزقه ومنه قوله عز وجل: (وأما
إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) (3) أو ضيق وقتر (فنادى في الظلمات) أي
ظلمه الليل وظلمه البحر وظلمه بطن الحوت (ان لا اله إلا أنت سبحانك
انى كنت من الظالمين) بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن
الحوت فاستجاب الله وله وقال عز وجل: (فلولا انه كان من المسبحين
للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) (4) فقال المأمون: لله درك أبا الحسن عليه
السلام فأخبرني عن قول الله عز وجل: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا انهم
قد كذبوا جائهم نصرنا) (5) قال الرضا عليه السلام يقول الله عز وجل: (
حتى إذا استيأس الرسل) من قومهم وظن قومهم ان الرسل قد كذبوا جاء
الرسل نصرنا فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن فأخبرني قول الله عز

1 - سورة يوسف: الآية 24.
2 - سورة الأنبياء: الآية 87.
3 - سورة الفجر: الآية 16.
4 - سورة الصافات: الآية 143. 144.
5 - سورة يوسف: الآية 110.
179

وجل: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (1) قال الرضا عليه
السلام: لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله (ص)
لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمأة وستين صنما فلما جاءهم (ص)
بالدعوة إلى كلمه الاخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا: (اجعل الآلهة
الها واحدا ان هذا لشئ عجاب وانطلق الملا منهم ان امشوا واصبروا على
آلهتكم ان هذا لشئ يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة هذا إلا
اختلاق) (2) فلما فتح الله عز وجل على نبيه (ص) مكة قال له يا محمد: (
انا فتحنا لك) مكة (فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما
تأخر) عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر لأن
مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لم يقدر
على انكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم ذلك
مغفورا بظهوره عليهم.
فقال المأمون: لله درك أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل:
(عفا الله عنك) (3) لم أذنت لهم؟ قال الرضا عليه السلام: هذا مما نزل
بإياك أعني واسمعي يا جاره (4) خاطب الله عز وجل بذلك نبيه وأراد به أمته
وكذلك قوله: تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من
الخاسرين) (5) وقوله عز وجل: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا
قليلا) (6) قال صدقت يا بن رسول الله (ص) فأخبرني عن قول الله عز وجل:
(وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك زوجك واتق الله وتخفى
نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشيه) (1) قال الرضا عليه
السلام: ان رسول الله (ص) قصد دار زيد بن حارثه بن شراحيل الكلبي في

1 - سورة الفتح: الآية 2.
2 - سورة ص: الآية 5 و 6 و 7.
3 - سورة التوبة: الآية 43.
4 - سورة الزمر: الآية 65.
5 - سورة الإسراء: الآية 74.
6 - سورة الأحزاب: الآية 37.
180

أمر اراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها: سبحان الذي خلقك! وإنما أراد
بذلك تنزيه الباري عز وجل عن قول من زعم أن الملائكة بنات الله فقال الله
عز وجل: (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا انكم لتقولون
قولا عظيما) فقال النبي: لما رآها تغتسل: سبحان الذي خلقك ان يتخذ
له ولدا يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته
امرأته بمجئ رسول الله (ص) وقوله لها: سبحان الذي خلقك! فلم يعلم
زيد ما أراد بذلك وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها فجاء إلى النبي
(ص) وقال له: يا رسول الله ان امرأتي في خلقها سوء وانى أريد طلاقها
فقال النبي (ص): أمسك عليك زوجك واتق الله وقد كان الله عز وجل عرفه
عدد أزواجه وان تلك المراه منهن فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد
وخشي الناس ان يقولوا: ان محمدا يقول لمولاه: ان امرأتك ستكون لي
زوجه يعيبونه بذلك فأنزل الله عز وجل: (وإذ تقول للذي أنعم الله
عليه) يعنى بالاسلام (وأنعمت عليه) يعنى بالعتق (أمسك عليك
زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان
تخشاه) ثم إن زيد بن حارثه طلقها واعتدت منه فزوجها الله عز وجل من
نبيه محمد (ص) وانزل بذلك قرآنا فقال عز وجل: (فلما قضى زيد منها
وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا
منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) ثم علم الله عز وجل ان المنافقين سيعيبونه
بتزويجها فأنزل الله تعالى: (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله
له) (2) فقال المأمون: لقد شفيت صدري يا ابن رسول الله وأوضحت لي ما
كان ملتبسا على فجزاك الله عن أنبيائه وعن الاسلام خيرا قال علي بن محمد
بن الجهم: فقام المأمون إلى صلاه واخذ بيد محمد بن جعفر بن محمد عليهما
السلام وكان حاضر المجلس وتبعتهما فقال له المأمون: كيف رأيت ابن أخيك؟
فقال له: عالم ولم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم فقال المأمون: ان ابن
أخيك من أهل بيت النبي الذين قال فيهم النبي (ص): إلا أن أبرار عترتي

1 - سورة الإسراء: الآية 40.
2 - سورة الأحزاب: الآية 37.
181

وأطايب أرومتي احلم (1) الناس صغارا واعلم الناس كبارا فلا تعلموهم فإنهم
اعلم منكم لا يخرجونكم من باب هدى ولا يدخلونكم في باب ضلاله
وانصرف الرضا عليه السلام إلى منزله فلما كان من الغد غدوت عليه وأعلمته
ما كان من قول المأمون وجواب عمه محمد بن جعفر له فضحك عليه
السلام ثم قال: يا ابن الجهم لا يغرنك ما سمعته منه فإنه سيغتالني والله
تعالى ينتقم لي منه قال مصنف هذا الكتاب: هذا الحديث غريب من طريق
علي بن محمد بن الجهم مع نصبه وبغضه وعداوته لأهل البيت عليه السلام

1 - الأروم بفتح الهمزة: أصل الشجرة. قال في الصحاح: الأرومة بالضم: الأصل.
182

16 - باب
ما جاء عن الرضا عليه السلام
من حديث أصحاب الرس
1 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن إبراهيم
بن هاشم عن أبيه قال: حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي (1)
قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه موسى بن جعفر
عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن
أبيه الحسين بن علي عليهم السلام قال: اتى علي بن أبي طالب عليه السلام
قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من اشراف تميم يقال له: عمرو فقال: يا أمير
المؤمنين اخبرني عن أصحاب الرس في أي عصر كانوا؟ وأين كانت منازلهم؟
ومن كان ملكهم؟ وهل بعث الله عز وجل إليهم رسولا أم لا؟ وبماذا هلكوا؟
فانى أجد في كتاب الله تعالى ذكرهم ولا أجد غيرهم فقال له على: لقد
سألتني عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك ولا يحدثك به أحد بعدى إلا
عنى وما في كتاب الله عز وجل آية الا وانا أعرفها واعرف تفسيرها وفي أي
مكان نزلت من سهل أو جبل؟ وفي أي وقت من ليل أو نهار؟ وان هيهنا لعلما
جما وأشار إلى صدره ولكن طلابه يسير وعن قليل يندمون لو فقدوني كان

1 - هراة: مدينة مشهورة بخراسان ومنها معاذ الهروي لأنه كان يبيع الثياب الهروية وغيرها
وقد اثنى عليه شيخنا البهائي وقدم في كشكوله بأبيات حسنة وأرجوزة رائقة في كل من هوائها ومائها
ونسائها وثمارها وعنبها وبطيخها حيث قال (قده) فصل في وصفها على الاجمال:
ان الهراة بلدة لطيفة (بديعة شائقة شريفة
أنيقة أنيسة بديعة (رشيقة نفيسة منيعة.
183

من قصتهم يا أخا تميم: انهم كانوا قوما يعبدون شجره صنوبرة يقال لها شاه
درخت كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها: دوشاب كانت
انبطت (1) لنوح عليه السلام بعد الطوفان وإنما سموا أصحاب الرس لأنهم
رسوا بينهم في الأرض وذلك بعد سليمان بن داود عليه السلام وكانت لهم
اثنتا عشره قريه على شاطئ نهر يقال لها: رس من بلاد المشرق وبهم سمى
ذلك النهر ولم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه ولا أعذب منه ولا قرى
أكثر ولا أعمر منها تسمى إحديهن آبان والثانية آذر والثالثة دى والرابعة بهمن
والخامسة اسفندار والسادسة فروردين والسابعة اردي بهشت والثامنة خرداد
والتاسعة مرداد والعاشرة تير والحادية عشر مهر والثانية عشر شهريور وكانت
أعظم مدائنهم اسفندار وهي التي ينزلها ملكهم وكان يسمى تركوذ بن غابور
بن يارش بن سازن بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم عليه السلام (2) وبها
العين والصنوبرة وقد غرسوا في كل قريه منها حبه من طلع تلك الصنوبرة
فنبتت الحبة وصارت شجره عظيمه وحرموا ماء العين والأنهار فلا
يشربون منها ولا انعامهم ومن فعل ذلك قتلوهم ويقولون: هو حيوه
آلهتنا فلا ينبغي لاحد ان ينقص من حياتها ويشربونهم وانعامهم من نهر الرس
الذي عليه قراهم وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قريه عيد يجمع إليه
أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة (3) من يريد فيها من أنواع الصور
ثم يأتون بشاة وبقر فيذبحونها قربانا للشجرة ويشعلون فيها النيران بالحطب
فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها في الهواء وحال بينهم وبين النظر إلى
السماء خروا للشجرة سجدا ويبكون ويتضرعون إليها ان ترضى عنهم فكان
الشيطان يجئ فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي ويقول: قد
رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفسا وقروا عينا فيرفعون رؤوسهم عند ذلك
ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف (4) ويأخذون الدست بند فيكونون على ذلك

1 - نبط الماء ينبط نبع والبئر استخرج ماؤها (القاموس).
2 - فرعون إبراهيم: نمرود وفرعون موسى: ريان. وفي بعض النسخ الخطية: تركور بن
غابور بن يارش بن سان بن نمرود بن كنعان بن فرعون إبراهيم.
3 - الكلة بالكسر: الستر الرقيق يخاط كالبيت يتوقى فيه من البق.
4 - المعازف: الملاهي: الدست بند: لعب للمجوس.
184

يومهم وليلتهم ثم ينصرفون وإنما سميت العجم شهورها (1) بآبانماه وآذرماه
وغيرهما اشتقاقا من أسماء تلك القرى لقول أهلها بعضهم لبعض: هذا عيد
شهر كذا وعيد شهر كذا حتى إذا كان عيد شهر قريتهم العظمى اجتمع إليه
صغيرهم فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقا من ديباج عليه من أنواع
الصور له اثنا عشر بابا كل باب لأهل قريه منهم ويسجدون للصنوبرة
خارجا من السرادق ويقربون له الذبائح اضعاف ما قربوا للشجرة التي في
قراهم فيجئ إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا ويتكلم من
جوفها كلاما جهوريا ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين كلها
فيرفعون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ولا
يتكلمون من الشرب والعزف فيكونون على ذلك اثنى عشر يوما ولياليها بعدد
أعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون فلما طال كفرهم بالله عز وجل وعبادتهم
غيره بعث الله عز وجل إليهم نبيا من بني إسرائيل من ولد يهود بن يعقوب
فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عباده الله عز وجل ومعرفه ربوبيته فلا
يتبعونه فلما رأى شده تماديهم في الغى والضلال وتركهم قبول ما دعاهم إليه
من الرشد والنجاح وحضر عيد قريتهم العظمى قال: يا رب ان عبادك أبوا
إلا تكذيبي والكفر بك وغدوا يعبدون شجره لا تنفع ولا تضر فأيبس
شجرهم أجمع وارهم قدرتك وسلطانك فأصبح القوم وقد يبس شجرهم
فهالهم ذلك وقطع بهم وصاروا فرقتين فرقه قالت سحر آلهتكم هذا
الرجل الذي يزعم أنه رسول رب السماء والأرض إليكم ليصرف وجوهكم
عن آلهتكم إلى آلهة وفرقه قالت: لا بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا
الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم إلى عباده غيرها فحجبت حسنها وبهائها
لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه فاجمع رأيهم على قتله فاتخذوا أنابيب طوالا من
رصاص واسعه الأفواه ثم ارسلوها في قرار العين إلى أعلى الماء واحده فوق

1 - وفي هامش بعض النسخ: واعلم أن من التواريخ الأربعة المشهورة تاريخ الفرس ويسمى
بالتاريخ البروجردي وأسامي شهرهم: فروردين ارديبهشت خرداد تير مرداد شهريور
مهر آبان دي بهمن اسفند ومنها تاريخ الجلالي المسمى بالملكي أيضا وأسامي شهور هذا
التاريخ كأسامي شهور تاريخ الفارسية الا انها يقيد بالقديم.
185

والأخرى مثل البرابخ (1) ونزحوا ما فيها من الماء ثم حفروا في قرارها بئرا
ضيقه المدخل عميقه وأرسلوا فيها نبيهم وألقموا فاها صخره عظيمه ثم
أخرجوا الأنابيب من الماء وقالوا: نرجو الان ان ترضى عنه آلهتنا إذ رأت
انا قد قتلنا من كان يقع فيها ويصد عن عبادتها ودفناه تحت كبيرها يتشفى
منه فيعود لنا نورها ونضارتها كما فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم
عليه السلام وهو يقول: سيدي قد ترى ضيق مكاني وشده كربي فارحم
ضعف ركني وقلة حيلتي وعجل بقبض روحي ولا تؤخر اجابه دعوتي حتى
مات عليه السلام فقال الله عز وجل لجبرئيل عليه السلام: يا جبرئيل انظر
عبادي هؤلاء الذي غرهم حلمي وامنوا مكرى وعبدوا غيري وقتلوا
رسولي ان يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني كيف؟! وانا المنتقم ممن
عصاني ولم يخش عقابي وانى حلفت بعزتي لأجعلنهم عبره ونكالا للعالمين
فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديده الحمرة فتحيروا فيها
وذعروا منها وانضم بعضهم إلى بعض ثم صارت الأرض من تحتهم كحجر
كبريت يتوقد وأظلتهم سحابه سوداء فألقت عليهم كالقبة جمرا تلتهب فذابت
أبدانهم النار كما يذوب الرصاص في النار فنعوذ بالله تعالى ذكره من غضبه
ونزول نقمته ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم

1 - البربخ بالبائين الموحدتين والخاء المعجمة ما يعمل من الخزف للبشر ومجاري الماء. من
البحار.
186

17 - باب
ما جاء عن الرضا عليه السلام في تفسير قول الله
عز وجل: وفديناه بذبح عظيم
1 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار بنيسابور
في شعبان سنه اثنين وخمسين وثلاثمأة قال: حدثنا محمد بن علي بن محمد بن
قتيبة النيسابوري عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا عليه السلام
يقول: لما أمر الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام ان يذبح مكان ابنه
إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم عليه السلام أن يكون يذبح
ابنه إسماعيل عليه السلام بيده وانه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى
قلبه ما يرجع قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده بيده فيستحق بذلك ارفع
درجات أهل الثواب على المصائب فأوحى الله عز وجل إليه: يا إبراهيم من
أحب خلقي إليك؟ فقال: يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلى من حبيبك
محمد (ص) فأوحى الله عز وجل إليه: يا إبراهيم أفهو أحب إليك أو نفسك؟
قال: بل هو أحب إلى من نفسي قال: فولده أحب إليك أو ولدك؟ قال:
بل ولده قال: فذبح ولده ظلما على أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك
في طاعتي؟ قال: يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي قال: يا
إبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من أمه محمد (ص) ستقتل الحسين عليه السلام
ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش فيستوجبون بذلك سخطي فجزع
إبراهيم عليه السلام لذلك وتوجع قلبه واقبل يبكى فأوحى الله عز وجل إليه:
يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على
الحسين عليه السلام وقتله وأوجبت لك ارفع درجات أهل الثواب على
187

المصائب فذلك قول الله عز وجل: (وفديناه بذبح عظيم) (1) ولا حول ولا
قوه إلا بالله العلي العظيم

1 - سورة الصافات: الآية 107.
188

18 - باب
ما جاء عن الرضا عليه السلام في قول
النبي (ص): انا ابن الذبيحين
1 - حدثنا أحمد بن الحسين القطان قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن
سعيد الكوفي قال: حدثنا علي بن الحسين بن علي بن الفضال عن أبيه:
قال: سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام عن معنى قول النبي
(ص): انا ابن الذبيحين؟ قال: يعنى إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه
السلام وعبد الله بن عبد المطلب أما إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر
الله به إبراهيم (فلما بلغ معه السعي) وهو لما عمل مثل عمله (قال يا بني
انى أرى في المنام انى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر) ولم
يقل: يا أبت افعل ما رأيت (ستجدني انشاء الله من الصابرين) فلما عزم على
ذبحه فداه الله بذبح عظيم بكبش أملح يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في
سواد ويمشي في سواد ويبول في سواد ويبعر في سواد وكان يرتع قبل ذلك في
رياض الجنة أربعين عاما وما خرج من رحم أنثى وإنما قال الله عز وجل:
(كن فيكون) فكان ليفدي به إسماعيل فكل ما يذبح في منى فهو فديه
لإسماعيل إلى يوم القيامة فهذا أحد الذبيحين وأما الاخر: فإن عبد
المطلب كان تعلق بحلقه باب الكعبة ودعا الله ان يرزقه عشره بنين ونذر لله
عز وجل ان يذبح واحدا منهم متى أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشره قال:
قد وفى الله لي فلأوفين لله عز وجل فادخل ولده الكعبة وأسهم بينهم فخرج
سهم عبد الله أبي رسول الله (ص) وكان أحب ولده إليه ثم اجالها (1) ثانيه

1 - اي أدارها: قال في الصحاح: الإجالة. الإدارة.
189

فخرج سهم عبد الله ثم اجالها ثالثه فخرج سهم عبد الله فاخذه وحبسه
وعزم على ذبحه فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك واجتمع نساء عبد المطلب
يبكين ويصحن فقالت له ابنته عاتكة: يا أبتاه اغدر فيما بينك وبين الله عز
وجل في قتل ابنك قال: وكيف اغدر يا بنيه فإنك مباركه؟ قالت اعمد إلى
تلك السوائم التي لك في الحرم فاضرب بالقداح على ابنك وعلى الإبل واعط
ربك حتى يرضى فبعث عبد المطلب إلى إبله فأحضرها واعزل منها عشرا
وضرب السهم على الإبل فكبرت قريش تكبيره ارتجت (1) لها جبال تهامة (2)
فقال عبد المطلب: لا حتى اضرب بالقداح ثلاث مرات فضرب ثلاثا كل
ذلك يخرج السهم على الإبل فلما كانت في الثلاثة اجتذبه الزبير وأبو طالب
وأخواتهما من تحت رجليه فحملوه وقد انسلخت جلده خده الذي كانت على
الأرض واقبلوا يرفعونه ويقبلونه ويمسحون عنه التراب فامر عبد المطلب
ان تنحر الإبل بالحزورة (3) ولا يمنع أحد منها وكانت مأة فكانت لعبد المطلب
خمس من السنين أجراها الله عز وجل في الاسلام حرم نساء الاباء على
الأبناء وسن الدية في القتل مأة من الإبل وكان يطوف بالبيت سبعه
أشواط ووجد كنزا فاخرج منه الخمس وسمى زمزم حين حفرها سقاية
الحاج ولولا أن عمل عبد المطلب كان حجه وان عزمه كان على ذبح ابنه عبد
الله شبيه بعزم إبراهيم على ذبح ابنه إسماعيل لما افتخر النبي (ص) بالانتساب
إليها لأجل انهما الذبيحان في قوله (ص): انا ابن الذبيحين والعلة التي من
اجلها دفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من اجلها دفع
الذبح عن عبد الله وهي كون النبي (ص) والأئمة المعصومين صلوات الله
عليهم في صلبيهما فببركة النبي (ص) والأئمة عليهم السلام دفع الله الذبح
عنهما فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم ولولا ذلك لوجب على الناس
كل أضحى التقرب إلى الله تعالى بقتل أولادهم وكل ما يتقرب الناس به إلى

1 - الرج: التحريك والتحرك والاهتزاز. الرجراج: الاضطراب كالارتجاج.
2 - تهامة بالكسر مكة شرفها الله تعالى وأرض معروفة.
3 - الحزورة بالحاء المهملة ثم الزاي المعجمة وبعدها واو ثم الراء المهملة على وزن دحرجة:
تل من تلال مكة معروفة. قال في الصحاح: الحزاور: الروابي الصغار الواحدة حزورة وهي تل صغير.
190

الله عز وجل من أضحية فهو فداء لإسماعيل عليه السلام إلى يوم القيامة. قال
مصنف هذا الكتاب: قد اختلفت الروايات في الذبح فمنها ما ورد بأنه
إسحاق ومنها ما ورد بأنه إسماعيل عليه السلام ولا سبيل إلى رد الاخبار متى
صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل عليه السلام لكن إسحاق لما ولد بعد
ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله عز وجل
ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله عز
وجل ذلك من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه لذلك وقد أخرجت
الخبر في ذلك مسندا في كتاب النبوة.
191

19 - باب
ما جاء عن الرضا عليه السلام
في علامات الامام)
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقده الكوفي قال: حدثنا علي بن الحسن
بن علي بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما
السلام قال: للامام علامات يكون اعلم الناس واحكم الناس واتقى
الناس واحلم الناس وأشجع الناس وأسخى الناس وأعبد الناس
ويلد مختونا ويكون مطهرا ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه ولا يكون
له ظل وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته
بالشهادتين ولا يحتلم وينام عينه ولا ينام قلبه ويكون محدثا ويستوى
عليه درع رسول الله (ص) ولا يرى له بول ولا غائط لأن الله عز وجل قد
وكل الأرض بابتلاع يخرج منه ويكون رائحته أطيب من رائحة المسك
ويكون أولى بالناس منهم بأنفسهم وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم ويكون
أشد الناس تواضعا لله عز وجل ويكون آخذ الناس بما يأمره به واكف
الناس عما ينهى عنه ويكون دعاؤه مستجابا حتى أنه لو دعا على صخره
لانشقت بنصفين ويكون عنده سلاح رسول الله (ص) وسيفه ذو الفقار
ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة وصحيفة فيها أسماء
أعدائهم إلى يوم القيامة ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون
ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر
192

واهاب (1) ماعز واهاب كبش فيهما جميع العلوم حتى أرش الخدش وحتى الجلدة
ونصف الجلدة ويكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام.
2 - وفي حديث آخر: ان الامام مؤيد بروح القدس وبينه وبين الله عمود
من نور يرى فيه اعمال العباد وكلما احتاج إليه لدلالة اطلع عليه ويبسطه فيعلم
ويقبض عنه فلا يعلم والامام يولد ويلد ويصح ويمرض ويأكل ويشرب
ويبول ويتغوط وينكح وينام وينسى ويسهو ويفرح ويحزن ويضحك
ويبكي ويحيى ويموت ويقبر ويزار ويحشر ويوقف ويعرض ويسأل ويثاب
ويكرم ويشفع ودلالته في خصلتين في العلم واستجابة الدعوة وكل ما أخبر
به من الحوادث التي تحدث قبل كونها فذلك بعهد معهود إليه من رسول الله
(ص) توارثه وعن آبائه عنه عليهم السلام ويكون ذلك مما عهد إليه جبرئيل
عليه السلام من علام الغيوب عز وجل وجميع الأئمة الأحد عشر بعد النبي
(ص) قتلوا منهم بالسيف وهو أمير المؤمنين والحسين عليهما السلام والباقون
قتلوا بالسم قتل كل واحد منهم طاغية (2) زمانه وجرى ذلك عليهم على
الحقيقة والصحة لا كما تقوله الغلاة (3) والمفوضة (4) لعنهم الله فإنهم يقولون:
انهم لم يقتلوا على الحقيقة وانه شبه للناس أمرهم فكذبوا عليهم غضب الله
فإنه ما شبه أمر أحد من أنبياء الله وحججه للناس إلا أمر عيسى بن مريم عليه
السلام وحده لأنه رفع من الأرض حيا وقبض روحه بين السماء والأرض ثم
رفع إلى السماء ورد عليه روحه وذلك قول الله تعالى: (إذ قال الله يا عيسى
انى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك) (5) وقال عز وجل حكاية لقول عيسى عليه

1 - الإهاب بالكسر ككتاب أبجلد الذي يدبغ أو لم يدبغ.
2 - خ ل (طاغوت).
3 - الغلاة جمع الغالية: من الفرق الاسلامية هم الذين غلوا في حق أئمتهم وربما شبهوا الاله
بالخلق والخلق بالإله وإنما نشأت شبهاتهم من مذاهب الحلولية ومذاهب التناسخية من كتاب الفرق
بين الفرق.
4 - المفوضة: قوم زعموا ان الله تعالى خلق محمدا (ص) ثم فوض إليه خلق العالم وتدبيره
ثم فوض (ص) تدبير العالم إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فراجع (ص 18 و 153 من كتاب
الفرق بين الفرق ط مصر).
5 - سورة آل عمران: الآية 55.
193

السلام يوم القيامة (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيه فلما توفيتني كنت أنت
الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد) (1) ويقولون المتجاوزون للحد في
أمر الأئمة عليهم السلام: انه ان جاز ان يشبه أمر عيسى عليه السلام
للناس فلم لا يجوز ان يشبه أمرهم أيضا؟ والذي يجب ان يقال لهم: ان
عيسى هو مولود من غير أب فلم لا يجوز ان يكونوا مولودين من غير آباء؟
فإنهم لا يجترون على اظهار مذهبهم لعنهم الله في ذلك ومتى جاز أن يكون
جميع أنبياء الله ورسله وحججه بعد آدم مولودين من الاباء والأمهات وكان
عيسى عليه السلام من بينهم مولودا من غير أب جاز ان يشبه أمر غيره من
الأنبياء والحجج عليهم السلام كما جاز ان يولد من غير أب دونهم وإنما أراد
الله عز وجل يجعل امره آية وعلامة ليعلم بذلك انه على كل شئ قدير.

1 - سورة المائدة: الآية 117.
194

20 - باب
ما جاء عن الرضا عليه السلام في وصف الإمامة
والامام وذكر فضل الامام ورتبته
1 - حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه
قال: حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن علي الهاروني قال: حدثني
أبو حامد عمران بن موسى بن إبراهيم عن الحسن بن القاسم الرقام قال:
حدثني القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم قال: كنا في أيام
علي بن موسى الرضا عليهم السلام بمرو فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم
الجمعة في بدء مقدمنا فإذا رأى الناس أمر الإمامة وذكروا كثره اختلاف الناس
فيها فدخلت على سيدي ومولاي الرضا عليه السلام فأعلمته ما خاض الناس
فيه فتبسم عليه السلام ثم قال: يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن
أديانهم ان الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه (ص) حتى أكمل له الدين وانزل
عليه القرآن فيه تفصيل كل شئ بين فيه الحلال والحرام والحدود والاحكام
وجميع ما يحتاج إليه كملا فقال عز وجل: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) (1)
وانزل في حجه الوداع وفي آخر عمره (ص) (اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) (2) وأمر الإمامة في تمام الدين ولم

1 - سورة الأنعام: الآية 38.
2 - سورة المائدة: الآية 67 نقل جم غفير من فطاحل أهل السنة في كتبهم انها نزلت في
بيان فضل علي عليه السلام يوم الغدير فليراجع صحاحهم وتفاسيرهم وعليك بكتاب العبقات
والاحقاق.
195

يمض (ص) حتى بين لامته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد
الحق وأقام لهم عليا عليه السلام علما واماما وما ترك شيئا يحتاج إليه الأمة إلا
بينه فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عز وجل
ومن رد كتاب الله فهو كافر هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة
فيجوز فيها اختيارهم؟! ان الإمامة أجل قدرا وأعظم شانا وأعلى مكانا وامنع
جانبا وابعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا
إماما باختيارهم ان الإمامة خص الله بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد
النبوة والخلة مرتبه ثالثه وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال عز وجل:
(انى جاعلك للناس إماما) (1) فقال الخليل عليه السلام: سرورا بها (ومن
ذريتي) قال الله عز وجل: (لا ينال عهدي الظالمين) فأبطلت هذه الآية
امامه كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله عز وجل بان
جعلها ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال عز وجل: (ووهبنا له إسحاق
ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم
فعل الخيرات وأقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) (2) فلم يزل في
ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها النبي (ص) فقال الله عز
وجل: (ان أولى بإبراهيم (عليه السلام) للذين اتبعوه وهذا النبي والذين
آمنوا والله ولى المؤمنين) (3) فكانت له خاصه فقلدها (ص) عليا بأمر الله عز
وجل على رسم ما فرضها الله عز وجل فصارت في ذريته الأصفياء الذين
آتاهم الله العلم والايمان بقوله عز وجل: (فقال الذين أوتوا العلم والايمان
لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث) (4) فهي في ولد علي عليه السلام خاصه
إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد (ص) فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟! ان
الإمامة هي منزله الأنبياء وارث الأوصياء ان الإمامة خلافه الله عز وجل
وخلافه الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين عليهما السلام ان

1 - روى الجمهور عن ابن مسعود: ان هذه الآية نزلت في علي عليه السلام فراجع صحاحهم
وتفاسيرهم.
2 - سورة الأنبياء: الآية 72 و 73.
3 - سورة آل عمران: الآية 67.
4 - سورة الروم: الآية 56.
196

بالإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين ان الإمامة
أس (1) الاسلام النامي وفرعه السامي بالامام تمام الصلاة والزكاة والصيام
والحج والجهاد وتوفير الفئ والصدقات وامضاء الحدود والاحكام ومنع الثغور
والأطراف والامام يحل حلال الله ويحرم حرام الله ويقيم حدود الله ويذب عن
دين الله ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة الامام
كالشمس الطالعة للعالم وهي بالأفق بحيث لا تنالها الأيدي والابصار الامام
البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب (2) الدجى
والبيد القفار ولجج البحار الامام الماء العذب على الظماء والدال على الهدى
والمنجي من الردى والامام النار على اليفاع (3) الحار لمن اصطلى به والدليل في
المهالك من فارقه فهالك الامام السحاب الماطر والغيث الهاطل والشمس
المضيئة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة الامام الأمين الرفيق والوالد
الرفيق والأخ الشفيق ومفزع العباد في الداهية الامام امين الله في
ارضه وحجته على عباده وخليفته في بلاده الداعي إلى الله والذاب عن حرم
الله الامام المطهر الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم
نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين الامام واحد دهره لا
يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل وله مثل ولا نظير مخصوص
بالفعل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل
الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفه الامام ويمكنه اختياره؟! هيهات هيهات!
ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وحسرت العيون وتصاغرت
العظماء وتحيرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألباء
وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء عن وصف شان من شانه أو
فضيله من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير وكيف يوصف له أو ينعت بكنهه
يفهم شئ من امره أو يوجد من يقام مقامه ويغنى غناه لا كيف وانى وهو
بحيت النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا؟

1 - الأس مثلثة: أصل البناء كما في القاموس.
2 - الغياهب جمع الغيهب: شدة السواد والظلمة الدجى: الظلمة.
3 - اليفاع: ما ارتفع من الأرض وفي بعض النسخ (البقاع).
197

وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟ لأظنوا ان يوجد ذلك في غير آل
الرسول (ص)؟ كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الباطل فارتقوا مرتقى صعبا
دحضا تزل عنه إلى الحضيض اقدامهم راموا اقامه الامام بقول جائرة بائرة
ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلا بعدا (قاتلهم الله انى يؤفكون) (1)
لقد راموا صعبا وقالوا افكا (وضلوا ضلالا بعيدا) (2) ووقعوا في الحيرة
إذ تركوا الامام عن بصيرة (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل
وما كانوا مستبصرين) (3) ورغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم
والقرآن يناديهم (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله
وتعالى عما يشركون) (4) وقال الله عز وجل: (وما كان لمؤمن ومؤمنة إذا
قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (5) وقال عز وجل:
(ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون ان لكم فيه لما تخيرون أم
لكم ايمان علينا بالغه إلى يوم القيامة ان لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم
أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم ان كانوا صادقين) (6) وقال عز وجل: (أفلا
يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (7) أم طبع الله على قلوبهم فهم لا
يفقهون (8) أم (قالوا سمعنا ولا يسمعون ان شر الدواب عند الله الصم البكم
الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم
معرضون) (9) و (قالوا سمعنا وعصينا) (10) بل هو (فضل الله يؤتيه من
يشاء والله ذو الفضل العظيم) (11) فكيف لهم باختيار الامام؟! والامام عالم لا
يجهل راع لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة

1 - اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة: الآية 31.
2 - إشارة إلى قوله تعالى في سورة النساء: الآية 166.
3 - مقتبس من قوله تعالى في سورة العنكبوت: الآية 38.
4 - سورة القصص: الآية 68.
5 - سورة الأحزاب: الآية 36.
6 - سورة القلم: الآية 36 إلى 41.
7 - سورة محمد صلى الله عليه وآله: الآية 24.
8 - إشارة إلى قوله تعالى في سورة التوبة: الآية 93 وغيرها من الآيات.
9 - سورة الأنفال: الآية 31 إلى 23.
10 - سورة البقرة: الآية 93.
11 - سورة الحديد: الآية 21.
198

مخصوص بدعوة الرسول وهو نسل المطهرة البتول لا مغمز فيه في نسب ولا
يدانيه ذو حسب فالنسب من قريش والذروة من هاشم والعترة من آل الرسول
(ص) والرضا من الله شرف الاشراف والفرع من عبد مناف نامي العلم كامل
الحلم. مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله عز
وجل ناصح لعباد الله حافظ لدين ان الأنبياء والأئمة صلوات الله
عليهم يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون
علمهم فوق كل علم أهل زمانهم في قوله تعالى (أفمن يهدى الحق أحق ان
يتبع امن لا يهدى إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (1)؟! وقوله عز
وجل: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) (2) وقوله عز وجل في
طالوت: (ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطه في العلم والجسم والله يؤتى
ملكه من يشاء والله واسع عليم) (3) وقال عز وجل لنبيه (ص): (وكان
فضل الله عليك عظيما) (4) وقال عز وجل في الأئمة من أهل بيته وعترته
وذريته: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم
الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه
وكفى بجهنم سعيرا) (5) وان العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح
الله صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة والهمه العلم الهاما فلم يعي بعده
بجواب ولا يحيد فيه عن الصواب وهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد امن
الخطايا والزلل والعثار يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده وشاهده على
خلقه (وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) فهل يقدرون
على مثل هذا؟! فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدموه؟ تعدوا
وبيت الله الحق ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون وفي كتاب الله

1 - سورة يونس: الآية 35.
2 - سورة البقرة: الآية 269.
3 - سورة البقرة: الآية 247.
4 - سورة النساء: الآية 113.
5 - سورة النساء: الآية 54 و 55.
199

الهدى والشفاء فنبذوه واتبعوا أهوائهم فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم (1) فقال
عز وجل: (ومن أضل ممن اتبع هويه بغير هدى من الله ان الله لا يهدى القوم
الظالمين) (2) وقال عز وجل: (فتعسا لهم وأضل أعمالهم) (3) وقال عز
وجل: (كبر مقتا عند وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب
متكبر جبار) (4).
2 - حدثنا - وحدثني بهذا الحديث محمد بن محمد بن عصام الكليني وعلي بن
أحمد بن محمد بن عمران الدقاق وعلي بن عبد الله الوراق وأحسن بن أحمد
المؤدب والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب رضي الله عنهم
قالوا: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال: حدثنا أبو محمد القاسم بن
العلا قال: حدثنا القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم عن
الرضا عليه السلام.

1 - التعس بالتحريك: الهلاك.
2 - سورة القصص: الآية 50.
3 - سورة محمد (ص) الآية 8.
4 - سورة المؤمن الآية 35.
200

21 - باب
ما جاء عن الرضا في تزويج فاطمة عليها السلام
1 - حدثنا أبو الحسن محمد بن علي بن الشاه بمرو الرود قال: حدثنا أبو
العباس أحمد بن المظفر بن الحسين قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا
البصري قال: حدثني المهدى بن سابق قال: حدثنا علي بن موسى بن
جعفر عليهما السلام قال: حدثنا أبي عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه
عن جده عليهم السلام قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: لقد
هممت بالتزويج فلم اجترى ان أذكر ذلك لرسول الله (ص) وان ذلك
اختلج في صدري ليلى ونهاري حتى دخلت على رسول الله (ص) فقال لي: يا
علي قلت: لبيك يا رسول الله قال: هل لك في التزويج؟ قلت: رسول
الله اعلم وظننت انه يريد ان يزوجني بعض نساء قريش وانى لخائف على
فوت فاطمة فما شعرت بشئ إذ دعاني رسول الله (ص) فاتيته في بيت أم سلمة
فلما نظر إلى تهلل وجهه وتبسم حتى نظرت إلى بياض أسنانه يبرق
فقال لي: يا علي ابشر فإن الله تبارك وتعالى قد كفاني ما كان همني من أمر
تزويجك قلت: وكيف كان ذاك يا رسول الله؟ قال: اتاني جبرئيل عليه
السلام ومعه من سنبل الجنة (1) وقرنفلها (2) فناولنيهما فاخذتهما فشممتهما

1 - السنبل بضم السين المهملة والنون الساكنة وبعدها الباء الموحدة المضمومة: ما كان في
أعالي سوق النبات من الحنطة والشعير ونحوها ومنه في سورة يوسف: (فما حصدتم فذروه في
سنبله).
2 - القرنفل: نبات بستاني له زهر احمر أو ابيض طيب الرائحة ويكثر في الشام.
201

وقلت يا جبرئيل ما سبب هذا السنبل والقرنفل؟ فقال: ان الله تبارك وتعالى
أمر سكان الجنان من الملائكة ومن فيها ان يزينوا الجنان كلها بمغارسها وأنهارها
وثمارها وأشجارها وقصورها وأمر رياحها فهبت بأنواع العطر والطيب وأمر حور
عينها بالقراءة فيها طه وطس وحمعسق ثم أمر الله عز وجل مناديا فنادى:
ألا يا ملائكتي وسكان جنتي اشهدوا انى قد زوجت فاطمة بنت محمد (ص) من
علي بن أبي طالب رضى منى بعضهما لبعض ثم أمر الله تبارك وتعالى ملكا من
ملائكة الجنة يقال له: راحيل وليس في الملائكة أبلغ منه فخطب بخطبة لم
يخطب بمثلها أهل السماء ولا أهل الأرض ثم مناديا فنادى: إلا يا
ملائكتي وسكان جنتي باركوا على علي بن أبي طالب عليه السلام حبيب محمد
(ص) وفاطمة بنت محمد (ص) فانى قد باركت عليهما فقال راحيل: يا رب وما
بركتك عليهما أكثر مما رأينا لهما في جنانك ودارك فقال الله عز وجل: يا راحيل
ان من بركتي عليهما انى أجمعهما على مجتبى واجعلهما حجتي على خلقي وعزتي
وجلالي لأخلقن منهما خلقا ولأنشأن منهما ذريه اجعلهم خزاني في ارضى ومعادن
لحكمي بهم احتج على خلقي بعد النبيين والمرسلين فأبشر يا علي فانى قد
زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن وقد رضيت لها بما رضى الله لها
فدونك أهلك فإنك أحق بها منى ولقد اخبرني جبريل عليه السلام: ان الجنة
وأهلها مشتاقون اليكما ولولا أن الله تبارك وتعالى أراد ان يتخذ منكما ما يتخذ به
على الخلق حجه لأجاب فيكما الجنة وأهلها فنعم الأخ أنت ونعم الختن
أنت ونعم الصاحب أنت وكفاك برضاء الله رضا فقال: علي عليه
السلام: رب أوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت على فقال رسول الله
(ص): آمين.
2 - حدثني بهذا الحديث علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه
قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال: حدثنا أبو محمد
بكر بن عبد الله بن جندب قال: حدثنا أحمد الحرث قال: حدثنا أبو
معاوية عن الأعمش عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن
أبيه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: لقد هممت بتزويج فاطمة
عليها السلام ولم اجتر ان أذكر ذلك لرسول الله وذكر الحديث مثله سواء.
202

ولهذا الحديث طريق آخر قد أخرجته في مدينه العلم.
3 - حدثنا أبو محمد جعفر بن النعيم الشاذاني رضي الله عنه قال:
حدثنا أحمد بن إدريس حدثنا إبراهيم بن هاشم عن علي بن معبد عن
الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن
آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال لي رسول الله (ص): يا علي لقد
عاتبتني رجال قريش في أمر فاطمة وقالوا: خطبناها إليك فمنعتنا
وتزوجت عليا فقلت لهم: والله ما انا منعتكم وزوجته بل الله تعالى منعكم
وزوجه فهبط على جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد ان الله جل جلاله
يقول: لو لم أخلق عليا عليه السلام لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه
الأرض آدم فمن دونه.
4 - وحدثنا بهذا الحديث أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه
حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن علي بن معبد عن
الحسين بن خالد عن الرضا عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام
عن رسول الله (ص) وقد أخرجت ما رويته في هذا المعنى في كتاب مولد
فاطمة عليها السلام وفضائلها.
203

22 - باب
ما جاء عن الرضا عليه السلام في الايمان
وانه معرفه بالجنان واقرار باللسان وعمل بالأركان
1 - حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن القرشي الحاكم قال: حدثنا
أبو بكر محمد بن خالد بن الحسن المطوعي البخاري قال: حدثنا أبو بكر بن
أبي داود ببغداد قال: حدثنا علي بن حرب الملائي قال: حدثنا أبو الصلت
الهروي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن
أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن
أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال
رسول الله (ص): الايمان معرفه بالقلب واقرار باللسان وعمل بالأركان.
2 - حدثنا أبو أحمد محمد بن جعفر بن محمد البندار بفرغانه (1) قال:
حدثنا أبو العباس محمد بن محمد بن جمهور الحمادي قال: حدثنا محمد بن
عمر بن منصور البلخي بمكة قال: حدثنا أبو يونس أحمد بن محمد بن يزيد بن
عبد الله الجمحي قال: حدثنا عبد السلام بن صالح الهروي عن علي بن
موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه
محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله (ص): الايمان معرفه بالقلب

1 - فرغانة بالفتح ثم السكون وغين معجمة وبعد الألف نون: مدينة وكورة واسعة بما
وراء النهر متاخمة لبلاد تركستان في زاوية ناحية هيطل من جهة مطلع الشمس على يمين القاصد
لبلاد الترك كثيرة الخير واسعة الرستاق يقال: كان بها أربعون منبرا وبينهما وبين سمرقند
خمسون فرسخا.
204

واقرار باللسان وعمل بالأركان.
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال:
حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن بكر بن
صالح الرازي عن أبي الصلت الهروي قال: سئلت الرضا عليه السلام عن
الايمان؟ فقال عليه السلام: الايمان عقد بالقلب ولفظ باللسان وعمل
بالجوارح لا يكون الايمان الا هكذا.
4 - اخبرني سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي فيما كتب إلى من
أصبهان قال: حدثنا علي بن عبد العزيز ومعاذ بن المثنى قالا: حدثنا عبد
السلام بن صالح الهروي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عليه السلام عن
أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن
أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن علي عليهم السلام قال:
قال رسول الله (ص): الايمان معرفه بالقلب واقرار باللسان وعمل بالأركان.
5 - حدثنا حمزه بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام بقم في رجب سنه تسع وثلاثين
وثلاث مأة قال: حدثني أبو الحسن علي بن محمد البزاز قال: حدثنا أبو
أحمد داود بن سليمان الغازي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عليهما
السلام قال: حدثني أبي موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر بن
محمد قال: حدثني أبي محمد بن علي الباقر قال: حدثني أبي علي بن
الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي قال: حدثني أبي أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله (ص): الايمان اقرار
باللسان ومعرفه بالقلب وعمل بالأركان قال حمزه بن محمد العلوي رضي الله عنه
وسمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: وسمعت أبي يقول: وقد
روى هذا الحديث عن أبي الصلت الهروي عبد السلام بن صالح عن علي بن
موسى الرضا عليهما السلام باسناده مثله قال أبو حاتم: لو قرئ هذا الاسناد
على مجنون لبرأ.
6 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا محمد بن معقل القرميسينى عن
205

محمد بن عبد الله بن طاهر قال: كنت واقفا على رأس أبي وعنده أبو الصلت
الهروي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن محمد بن حنبل فقال أبي: ليحدثني
رجل منكم بحديث فقال أبو الصلت الهروي: حدثنا علي بن موسى الرضا
عليه السلام وكان والله رضى كما سمى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه
جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه
الحسين بن علي عن أبيه على أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول
الله (ص): الايمان قول وعمل فلما خرجنا قال أحمد بن محمد بن حنبل:
ما هذا الاسناد؟ فقال له أبي: هذا سعوط (1) المجانين إذا سعط به المجنون
افاق.

1 - السعوط بالفتح: الدواء يصب في الانف: من الصحاح.
206

23 - باب
ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع المأمون
في الفرق بين العترة والأمة
1 - حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب وجعفر بن محمد بن مسرور
رضي الله عنهما قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (3) عن
أبيه عن الريان بن الصلت قال: حضر الرضا عليه السلام مجلس المأمون
بمرو وقد اجتمع في مجلسه جماعه من علماء أهل العراق وخراسان فقال
المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا
من عبادنا) (1) فقالت العلماء: أراد الله عز وجل بذلك الأمة كلها فقال
المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضا عليه السلام: لا أقول كما
ولكني أقول: أراد الله عز وجل بذلك العترة الطاهرة فقال المأمون: وكيف
عنى العترة من دون الأمة؟ فقال له الرضا عليه السلام: انه لو أراد الأمة
لكانت أجمعها في الجنة لقول الله عز وجل: (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم
مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) ثم جمعهم
كلهم في الجنة فقال عز وجل: (جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور
من ذهب) الآية فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم فقال المأمون:

1 - باب 23 - فيه حديث واحد.
2 - الحميري منسوب إلى حمير بكسر الحاء وبسكون الميم وفتح الياء أبو قبيلة من اليمن كان
منهم الملوك في القديم وفيهم جماعة من الرواة ومن مشاهيرهم عبد الله بن جعفر الحميري والسيد
إسماعيل الشاعر القائل للقصيدة المشهورة منهم.
3 - سورة فاطر: الآية 32.
207

من العترة الطاهرة؟ فقال الرضا عليه السلام: الذين وصفهم الله في كتابه فقال عز
وجل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) (1) وهم الذين قال رسول الله (ص): انى مخلف فيكم الثقلين كتاب
الله وعترتي أهل بيتي إلا وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا
كيف تخلفون فيهما أيها الناس لا تعلموهم فإنهم اعلم منكم قالت العلماء:
أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة أهم الأل أم غير الال؟ فقال الرضا عليه
السلام: هم الال فقالت العلماء: فهذا رسول الله (ص) يؤثر عنه أنه قال
: أمتي آلى وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه
آل محمد أمته فقال أبو الحسن عليه السلام: أخبروني فهل تحرم الصدقة على
الال فقالوا: نعم قال: فتحرم على الأمة قالوا: لا قال: هذا فرق
بين الال والأمة ويحكم أين يذهب بكم أضربتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم
مسرفون اما علمتم انه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون
سائرهم؟ قالوا: ومن أين يا أبا الحسن؟ فقال من قول الله عز وجل: (ولقد
أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم
فاسقون) (2) فصارت وراثه النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين اما علمتم
ان نوحا حين سأل ربه عز وجل: (فقال رب ان ابني من أهلي وان وعدك
الحق وأنت احكم الحاكمين) (3) وذلك أن الله عز وجل وعده ان ينجيه
وأهله فقال ربه عز وجل: (يا نوح انه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس
لك به علم انى أعظك أن تكون الجاهلين) (4) فقال المأمون: هل فضل
الله العترة على سائر الناس؟ فقال أبو الحسن: ان الله عز وجل ابان فضل
العترة على سائر الناس في محكم كتابه فقال له المأمون: وأين ذلك من كتاب
الله؟ فقال له الرضا عليه السلام في قول الله عز وجل: (ان الله اصطفى آدم

1 - سورة الأحزاب: 33. روى الجمهور أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم
السلام.
2 - سورة الحديد: الآية 26.
3 - سورة هود: الآية 45.
4 - سورة هود: الآية 46.
208

ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذريه بعضها من بعض والله سميع
عليم) (1) وقال عز وجل في موضع آخر: (أم يحسدون الناس على ما آتيهم
الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) (2)
ثم رد المخاطبة في اثر هذه إلى سائر المؤمنين فقال: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا
الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم) (3) يعنى الذي قرنهم بالكتاب والحكمة
وحسدوا عليهما فقوله عز وجل: (أم يحسدون الناس على ما آتيهم الله من
فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) يعنى الطاعة
للمصطفين الطاهرين فالملك هيهنا هو الطاعة لهم فقالت العلماء: فأخبرنا هل
فسر الله عز وجل الاصطفاء في الكتاب؟ فقال الرضا عليه السلام فسر
الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثنا عشر موطنا وموضعا.
فأول ذلك قوله عز وجل: (وانذر عشيرتك الأقربين) (4) ورهطك
المخلصين هكذا في قراءة أبي بن كعب وهي ثابته في مصحف عبد الله بن
مسعود وهذه منزله رفيعه وفضل عظيم وشرف عال حين عنى الله عز وجل
بذلك الال فذكره لرسول الله (ص) فهذه واحده.
والآية الثانية - في الاصطفاء قوله عز وجل: (إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (5) وهذا الفضل الذي لا يجهله
أحد إلا معاند ضال لأنه فضل بعد طهارة تنتظر فهذه الثانية.
وأما الثالثة فحين ميز الله الطاهرين من خلقه فامر نبيه بالمباهلة بهم في
آية الابتهال فقال عز وجل: يا محمد: (فمن حاجك فيه من بعد جاءك من

1 - سورة آل عمران: الآية 33 و 34.
2 - سورة النساء: الآية 54. وقال الباقر عليه السلام نحن الناس. ورواه عن الباقر عليه
السلام عدة.
3 - سورة النساء: الآية 59.
4 - سورة الشعراء: الآية 214.
5 - سورة الأحزاب: الآية 33. قد أجمع المفسرون انها نزلت في علي وفاطمة والحسن
والحسين عليهم السلام وقد صرح بعض العامة بهذا الاجماع وقد أوردوا عدة كثيرة من حفاظ
الحديث في كتبهم نزول الآية في حق فاطمة وبعلها وبنيها عليهم السلام. فراجع كتبهم.
209

العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم
نبتهل فنجعل لعنه الله على الكاذبين) (1) فبرز النبي (ص) عليا والحسن
والحسين وفاطمة صلوات الله عليهم وقرن أنفسهم بنفسه فهل تدرون ما معنى
قوله: (وأنفسنا وأنفسكم)؟ قالت العلماء: عنى به نفسه فقال أبو الحسن
عليه السلام: لقد غلطتم إنما عنى بها علي بن أبي طالب عليه السلام ومما
يدل على ذلك قول النبي (ص): حين قال: لينتهين بنو وليعة (2) أو لأبعثن
إليهم رجلا كنفسي يعنى علي بن أبي طالب عليه السلام وعنى بالأبناء الحسن
والحسين عليهما السلام وعنى بالنساء فاطمة عليها السلام فهذه خصوصيه لا
يتقدمهم فيها أحد وفضل لا يلحقهم فيه بشر وشرف لا يسبقهم إليه خلق
إذ جعل نفس علي عليه السلام كنفسه فهذه الثالثة.
وأما الرابعة فاخراجه (ص) الناس من مسجده ما خلا العترة حتى تكلم
الناس في ذلك وتكلم العباس فقال: يا رسول الله: تركت عليا وأخرجتنا؟
فقال رسول الله (ص): ما انا تركته وأخرجتكم ولكن الله عز وجل تركه
وأخرجكم وفي هذا تبيان قوله (ص) لعلى عليه السلام: أنت منى بمنزله
هارون من موسى قالت العلماء: وأين هذا من القرآن؟ قال أبو الحسن:
أوجدكم في ذلك قرآنا واقرأه عليكم قالوا: هات قال: قول الله عز
وجل: (وأوحينا إلى موسى وأخيه ان تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا
بيوتكم قبله) ففي هذه الآية منزله هارون من موسى وفيها أيضا منزله علي عليه
السلام من رسول الله (ص) ومع هذا دليل واضح في قوله رسول الله
(ص) حين قال: ألا ان هذا المسجد لا يحل لجنب إلا لمحمد (ص) وآله قالت
العلماء: يا أبا الحسن هذا الشرح والبيان لا يوجد إلا عندكم معاشر أهل
بيت رسول الله (ص) فقال: ومن ينكر لنا ذلك ورسول الله يقول: انا مدينه

1 - سورة آل عمران: الآية 61 لا ريب في نزول الآية المباهلة في حق الخمسة عليهم
السلام قال العلامة في نهج الحق: أجمع المفسرون ان أبنائنا إشارة إلى الحسن والحسين عليهما
السلام ونسائنا إشارة إلى فاطمة عليها السلام وأنفسنا إشارة إلى علي عليه السلام فجعله الله تعالى
نفس محمد صلى الله عليه وآله.
2 - وليعة كسفينة: حي من كندة.
210

العلم وعلى بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها؟! ففيما أوضحنا وشرحنا من
الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلا معاند والله عز
وجل والحمد على ذلك فهذه الرابعة.
والآية الخامسة قول الله عز وجل: (وآت ذا القربى حقه) (1)
خصوصيه خصهم الله العزيز الجبار بها واصطفاهم على الأمة فلما نزلت هذه
الآية على رسول الله (ص) قال: ادعوا إلى فاطمة فدعيت له فقال: يا فاطمة
قالت: لبيك يا رسول الله فقال: هذه فدك (2) مما هي لم يوجف عليه بالخيل
ولا ركاب وهي لي خاصه دون المسلمين وقد جعلتها لما امرني الله تعالى
به فخذيها لك ولولدك فهذه الخامسة.
والآية السادسة قول الله عز وجل: (قل لا أسئلكم عليه اجرا إلا المودة
في القربى) (3) وهذه خصوصيه للنبي (ص) إلى يوم القيامة وخصوصية للآل
دون غيرهم وذلك أن الله عز وجل حكى في ذكر نوح في كتابه: (يا قوم لا
أسئلكم عليه مالا ان اجرى إلا على الله وما انا بطارد الذين آمنوا انهم ملاقوا
ربهم ولكني أريكم قوما تجهلون) (4) وحكى عز وجل عن هود أنه قال: (قل لا
أسئلكم عليه اجرا ان اجرى إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون) (5) وقال عز
وجل لنبيه محمد (ص): قل يا محمد (لا أسئلكم عليه اجرا إلا المودة في
القربى) ويفرض الله تعالى مودتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدون عن الدين

1 - سورة الإسراء: الآية 26.
2 - فدك بالتحريك وآخره كاف: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة
أفاءها الله تعالى على رسوله عليه السلام صلحا فيها عين فوارة ونخل وهي التي قالت فاطمة رضي
الله عنها: ان رسول الله نحلنيها فقال أبو بكر: أريد بذلك شهودا. من مراصد الاطلاع الجزء
الثالث ص 1020).
3 - سورة الشورى: الآية 20. قال العلامة في نهج الحق: روى الجمهور في الصحيحين
وأحمد ين حنبل في مسنده والثعلبي في تفسيره عن ابن عباس رحمه الله قال: لما نزلت (قل لا أسئلكم
عليه اجرا الا المودة في القربى) قالوا: يا رسول الله (ص) من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم
قال علي وفاطمة وأبناهما ووجوب المودة تستلزم وجوب الطاعة.
4 - سورة هود: الآية 29.
5 - سورة هود: الآية 51.
211

ابدا ولا يرجعون إلى ضلال ابدا وأخرى أن يكون الرجل وادا للرجل فيكون
بعض أهل بيته عدوا له فلا يسلم له قلب الرجل فأحب الله عز وجل ان لا
يكون في قلب رسول الله (ص) على المؤمنين شئ ففرض عليهم الله مودة
ذوي القربى فمن اخذ بها وأحب رسول الله (ص) وأحب أهل بيته لم
يستطع رسول الله (ص) ان يبغضه ومن تركها ولم يأخذ بها وابغض أهل بيته
فعلى رسول الله (ص) ان يبغضه لأنه قد ترك فريضة من فرائض الله عز
وجل فأي فضيله وأي شرف يتقدم هذا أو يدانيه؟ فأنزل الله عز وجل هذه
الآية على نبيه (ص) (قل لا أسألكم عليه اجرا إلا المودة في القربى) فقام
رسول الله (ص) في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس ان
الله عز وجل قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه؟ فلم يجبه أحد
فقال: يا أيها الناس انه ليس من فضه ولا ذهب ولا مأكول ولا مشروب
فقالوا: هات إذا فتلا عليهم هذه الآية فقالوا: أما هذه فنعم فما وفى بها
أكثرهم وما بعث الله عز وجل نبيا إلا أوحى إليه ان لا يسال قومه اجرا لأن
الله عز وجل يوفيه اجر الأنبياء ومحمد (ص) فرض الله عز وجل طاعته ومودة
قرابته على أمته وأمره ان يجعل اجره فيهم ليؤدوه في قرابته بمعرفه فضلهم الذي
أوجب الله عز وجل لهم فإن المودة إنما تكون على قدر معرفه الفضل فلما
أوجب الله تعالى ذلك ثقل ذلك لثقل وجوب الطاعة فتمسك بها قوم قد اخذ
الله ميثاقهم على الوفاء وعاند أهل الشقاق والنفاق وألحدوا في ذلك فصرفوه عن
حده الذي حده الله عز وجل فقالوا: القرابة هم العرب كلها وأهل دعوته
فعلى أي الحالتين كان فقد علمنا أن المودة هي للقرابة فأقربهم من النبي (ص)
أولاهم بالمودة وكلما قربت القرابة كانت المودة على قدرها وما انصفوا نبي الله
(ص) في حيطته ورأفته وما من الله به على أمته مما تعجز الألسن عن وصف
الشكر عليه ان لا يؤذوه في ذريته وأهل بيته وان يجعلوهم فيهم بمنزله العين من
الرأس حفظا لرسول الله فيهم وحبا لهم فكيف؟! والقرآن ينطق به ويدعو إليه
والاخبار ثابته (1) بأنهم أهل المودة والذين فرض الله تعالى مودتهم ووعد الجزاء

1 - من الخاصة والعامة: وروي عدة كثيرة من أصحاب الحديث والتفسير والكلام انهم عليهم
السلام أهل المودة الذين فرض الله تعالى مودتهم.
212

عليها فما وفى أحد بها فهذه المودة لا يأتي بها أحد مؤمنا مخلصا إلا استوجب
الجنة لقول الله عز وجل في هذه الآية: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في
روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ذلك الذي
يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه اجرا إلا
المودة القربى) مفسرا ومبينا ثم قال أبو الحسن عليه السلام: حدثني أبي
عن جدي عن آبائه عن الحسين بن عليهم السلام قال: اجتمع
المهاجرون والأنصار إلى رسول الله (ص) فقالوا: إن لك يا رسول الله (ص)
مؤنه في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها
بارا مأجورا اعط ما شئت وامسك ما شئت من غير حرج قال: فأنزل الله
عز وجل عليه الروح الأمين فقال: يا محمد: (قل لا أسألكم عليه اجرا إلا
المودة في القربى) يعنى ان تودوا قرابتي من بعدى فخرجوا فقال المنافقون: ما
حمل رسول الله (ص) على ترك ما عرضنا عليه إلا ليحثنا على قرابته من بعد
ان هو إلا شئ افتراه في مجلسه وكان ذلك من قولهم عظيما فأنزل الله عز
وجل هذه الآية: (أم يقولون افتراه قل ان افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا
هو اعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم) (1)
فبعث عليهم النبي (ص) فقال: هل من حدث؟ فقالوا: أي والله يا رسول
الله لقد قال بعضنا: كلاما غليظا كرهناه فتلا عليهم رسول الله (ص) الآية
فبكوا واشتد بكاؤهم فأنزل عز وجل: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده
ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون) (2) فهذه السادسة.
وأما الآية السابعة فقول الله عز وجل: (ان الله وملائكته يصلون على
النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) قالوا: يا رسول الله قد
عرفنا التسليم فكيف الصلاة عليك؟ فقال: تقولون اللهم صل على
محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد (3) فهل

1 - سورة الأحقاف: الآية 8.
2 - سورة الشورى: الآية 25.
3 - ورد الصلاة على الرسول (ص) وآله المتضمنة للآل مما تواترت به الاخبار وأورد أرباب
الحديث من العامة والخاصة في كتبهم فليراجع.
213

بينكم معاشر الناس في هذا خلاف؟ فقالوا: لا فقال المأمون: هذا مما
خلاف فيه أصلا وعليه اجماع الأمة فهل عندك في الال شئ أوضح من هذا
في القرآن؟ فقال أبو الحسن: نعم أخبروني عن قول الله عز وجل: (يس
والقرآن الحكيم انك لمن المرسلين على صراط مستقيم) فمن عنى بقوله يس؟
قالت العلماء: يس محمد (ص) لم يشك فيه أحد قال أبو الحسن: فإن الله
عز وجل اعطى محمدا وآل محمد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه الا من
عقله وذلك أن الله عز وجل لم يسلم على أحد إلا على الأنبياء صلوات الله
عليهم فقال تبارك وتعالى: (سلام على نوح في العالمين) (1) وقال:
(سلام على إبراهيم) (2) وقال: (سلام على موسى وهارون) (3) ولم يقل: سلام على آل نوح ولم
يقل: سلام على آل إبراهيم ولا قال: سلام على
آل موسى وهارون وقال عز وجل: (سلام على آل يس) (4) يعنى آل محمد
صلوات الله عليهم فقال المأمون: لقد علمت أن في معدن النبوة شرح هذا
وبيانه فهذه السابعة.
وأما الثامنة فقول الله عز وجل: (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله
خمسه وللرسول ولذي القربى) (5) فقرن سهم ذي القربى بسهمه وبسهم رسول
الله (ص) فهذا فضل أيضا بين الال والأمة لأن الله تعالى جعلهم في حيز
وجعل الناس في حيز دون ذلك ورضى لهم ما رضى لنفسه واصطفاهم فيه فبدء
بنفسه ثم ثنى برسوله ثم بذي القربى في كل ما كان من الفئ والغنيمة وغير
ذلك مما رضيه عز وجل لنفسه فرضى لهم فقال وقوله الحق: (واعلموا إنما

1 - سورة الصافات: الآية 79.
2 - سورة الصافات: الآية 109.
3 - سورة الصافات: الآية 120.
4 - سورة الصافات: الآية 130. اختلف المفسرون في معنى يس قيل: معناه يا انسان عن
ابن عباس وكثر المفسرين وقيل معناه يا رجل عن الحسن وأبي العالية وقيل: معناه يا محمد صلى
الله عليه وآله عن سعيد بن جبير ومحمد بن الحنفية وقيل معناه سيد الأولين والآخرين وقيل: هو
اسم النبي صلى الله عليه وآله عن علي وأبي جعفر الباقر عليهما السلام وروي جمع من فطاحل القوم عن
ابن عباس ان المراد من آل ياسين آل محمد صلى الله عليه وآله.
5 - سورة الأنفال: الآية 41.
214

غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) فهذا تأكيد مؤكد واثر
قائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق (الذي لا يأتيه الباطل من
يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) وأما قوله: (واليتامى والمساكين)
فإن اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها نصيب وكذلك
المسكين انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب من المغنم ولا يحل له اخذه
وسهم ذي القربى قائم إلى يوم القيامة فيهم للغنى والفقير منهم لأنه لا أحد
اغنى من الله عز وجل ولا من رسول الله (ص) فجعل لنفسه منها سهما
ولرسوله (ص) سهما فما رضيه لنفسه ولرسوله (ص) رضيه لهم وكذلك
الفئ ما رضيه منه لنفسه ولنبيه (ص) رضيه لذي القربى كما اجراهم في الغنيمة
فبدء بنفسه جل جلاله ثم برسوله ثم بهم وقرن سهمهم بسهم الله وسهم
رسوله (ص) وكذلك في الطاعة قال: (يا أيها آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولى الامر منكم) (1) فبدء بنفسه ثم برسوله ثم باهل بيته
كذلك آية الولاية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (2) فجعل طاعتهم مع طاعة الرسول
مقرونه بطاعته كذلك ولايتهم مع ولايه الرسول مقرونه بولايته كما جعل سهمهم
مع سهم الرسول مقرونا بسهمه الغنيمة والفئ فتبارك الله وتعالى ما أعظم
نعمته على أهل هذا البيت؟! فلما جاءت قصه الصدقة نزه نفسه ورسوله ونزه
أهل بيته فقال: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة
قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله) (3)
فهل تجد في شئ من ذلك أنه سمى لنفسه أو لرسوله أو لذي القربى لأنه لما

1 - سورة النساء: الآية 59.
2 - قال العلامة في نهج الحق في حديث الإمامة عند اثبات امامة علي بن أبي طالب عليه
السلام واما المنقول والسنة المتواترة أما القرآن فآيات الأولى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) اجمعوا على نزولها في علي عليه السلام وهو
مذكور في الجمع بين الصحاح الستة لما تصدق بخاتمه على المسكين في الصلات بعض من الصابة من
أصحابه والولي هو المتصرف وقد أثبت الله الولاية لذاته وشرك معه الرسول وأمير المؤمنين عليه الصلاة
والسلام وولاية الله تعالى عامة فكذلك النبي والولي.
3 - سورة التوبة: الآية 60.
215

نزه نفسه عن الصدقة ونزه رسوله ونزه أهل بيته لا بل حرم عليهم لأن
الصدقة محرمه على محمد (ص) وآله وهي أوساخ أيدي الناس لا يحل
لهم لأنهم طهروا من كل دنس ووسخ فلما طهرهم الله عز وجل واصطفاهم رضى
لهم ما رضى لنفسه وكره لهم ما كره لنفسه عز وجل فهذه الثامنة.
وأما التاسعة فنحن أهل الذكر الذين قال الله عز وجل: (فاسألوا أهل
الذكر كنتم لا تعلمون) (1) فنحن أهل الذكر فاسألونا ان كنتم لا تعلمون
فقالت العلماء: إنما عنى الله بذلك اليهود والنصارى فقال أبو الحسن عليه
السلام: سبحان الله! وهل يجوز ذلك إذا يدعونا إلى دينهم ويقولون: انهم
أفضل من دين الاسلام؟! فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما
قالوه يا أبا الحسن؟ فقال أبو الحسن: نعم الذكر رسول الله ونحن أهله
وذلك بين في كتاب الله عز وجل حيث يقول في سوره الطلاق: (فاتقوا الله يا
أولى الألباب الذين آمنوا قد انزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلوا عليكم آيات الله
مبينات) فالذكر رسول الله (ص) ونحن أهله فهذه التاسعة.
وأما العاشرة فقول الله عز وجل في آية التحريم: (حرمت عليكم
أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم) الآية (2) فاخبروني هل تصلح ابنتي وابنة ابني وما
تناسل من صلبي لرسول الله (ص) ان يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا: لا
قال: فاخبروني هل كانت ابنه أحدكم تصلح له ان يتزوجها لو كان حيا؟
قالوا: نعم قال: ففي هذا بيان لانى انا من آله ولستم من آله ولو كنتم
من آله لحرم عليه بناتكم كما حرم عليه بناتي لانى من آله وأنتم من أمته فهذا
فرق بين الال والأمة لأن الال منه والأمة إذا لم تكن من الال فليست منه
فهذه العاشرة.
وأما الحادية عشره فقول الله عز وجل في سوره المؤمن حكاية عن قول رجل
مؤمن من آل فرعون: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه أتقتلون
رجلا أن يقول ربى الله وقد جائكم بالبينات من ربكم) إلى تمام الآية فكان

1 - سورة النحل: الآية 43.
2 - سورة النساء: الآية 23.
216

ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه ولم يضفه إليه بدينه وكذلك
خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله (ص) بولادتنا منه وعممنا الناس
بالدين فهذا فرق بين الال والأمة فهذه الحادية عشره.
وأما الثانية عشره فقوله عز وجل: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر
عليها) (1) فخصصنا الله تبارك وتعالى بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع الأمة بإقامة
الصلاة ثم خصصنا من دون الأمة فكان رسول الله (ص) يجئ إلى باب
علي وفاطمة عليهم السلام بعد نزول هذه الآية تسعه أشهر كل يوم عند حضور
كل صلاه خمس مرات فيقول: الصلاة رحمكم الله وما أكرم الله أحدا من
ذراري الأنبياء بمثل هذه الكرامة التي أكرمنا بها وخصصنا من دون جميع أهل
بيتهم فقال المأمون والعلماء: جزاكم الله أهل بيت نبيكم عن هذه الأمة
خيرا فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبه علينا إلا عندكم

1 - سورة طه: الآية 132.
217

24 - باب
ما جاء عن الرضا عليه السلام من خبر الشامي
وما سال عن أمير المؤمنين عليه السلام
في جامع الكوفة
1 - حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي بن عبد الله البصري
بايلاق (1) قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن جبله الواعظ
قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي قال: حدثنا أبي
قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: حدثنا أبي موسى بن
جعفر قال: حدثنا أبي جعفر بن محمد قال: حدثنا أبي محمد بن علي
قال: حدثنا أبي علي بن الحسين قال: حدثنا أبي الحسين بن علي عليهم
السلام قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة في الجامع إذ قام
إليه رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين انى أسألك عن أشياء
فقال: سل تفقها ولا تسأل تعنتا فأحدق الناس بابصارهم فقال: اخبرني
عن أول ما خلق الله تعالى؟ فقال عليه السلام خلق النور قال: فمم خلقت
السماوات؟ قال عليه السلام: من بخار الماء قال: فمم خلقت الأرض؟ قال
عليه السلام: من زبد الماء قال: فمم خلقت الجبال؟ قال: من الأمواج
قال: فلم سميت مكة أم القرى؟ قال عليه السلام: لأن الأرض دحيت من
تحتها وسأله عن السماء الدنيا مما هي؟ قال عليه السلام من موج مكفوف
وسأله عن طول الشمس والقمر وعرضهما؟ قال: تسع مأة فرسخ في تسعمأة

1 - ايلاق: كورة من كور ما وراء النهر تتاخم كورة الشاس وقد يطلق عل بلاد
الشاس والشاس بلد بما وراء النهر.
218

فرسخ وسأله كم طول الكوكب وعرضه؟ قال: اثنا عشر فرسخا في مثلها وسأله
عن ألوان السماوات السبع وأسمائها؟ فقال له: اسم أسماء الدنيا رفيع وهي
من ماء ودخان واسم السماء الثانية فيدوم وهي على لون النحاس والسماء
الثالثة اسمها: الماروم وهي على لون الشبه والسماء الرابعة اسمها ارفلون
وهي على لون الفضة والسماء الخامسة اسمها هيعون وهي على لون الذهب
والسماء السادسة اسمها عروس وهي ياقوتة خضراء والسماء السابعة اسمها عجماء
وهي دره بيضاء وسأله عن الثور ما باله غاض طرفه لم يرفع رأسه إلى السماء؟
قال عليه السلام: حياء من الله عز وجل لما عبد قوم موسى العجل نكس رأسه
وسأله عن من جمع بين الأختين؟ فقال عليه السلام: يعقوب بن إسحاق جمع
بين حبار وراحيل فحرم بعد ذلك فأنزل: (وان تجمعوا بين الأختين) (1)
وسأله عن المد والجزر ما هما؟ فقال: ملك من ملا ئكة الله عز وجل موكل
بالبحار يقال له: رومان فإذا وضع قدميه في البحر فاض فإذا أخرجهما
غاض وسأله عن اسم أبي الجن فقال: شومان وهو الذي خلق من مارج
من نار وسأله هل بعث الله عز وجل نبيا إلى الجن؟ فقال عليه السلام: نعم
بعث إليهم نبيا يقال له: يوسف فدعاهم إلى الله عز وجل فقتلوه وسأله
عن اسم إبليس ما كان في السماء؟ قال: اسمه الحارث وسأله لم سمى
آدم آدم؟ قال عليه السلام: لأنه خلق من أديم الأرض وسأله لم صارت
الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين؟ فقال عليه السلام: من قبل السنبلة كانت
عليها ثلاث حبات فبادرت إليها حواء فأكلت منها حبه وأطعمت آدم حبتين
فمن ذلك ورث للذكر مثل حظ الأنثيين وسأله من خلق الله عز وجل من
الأنبياء مختونا فقال عليه السلام: خلق الله عز وجل آدم مختونا وولد شيث مختونا
وإدريس ونوح وسام بن نوح وإبراهيم وداود وسليمان ولوط وإسماعيل
وعيسى عليهم السلام ومحمد (ص) وسأله كم كان عمر آدم عليه السلام؟:
فقال: تسعمأة سنه وثلاثين سنه وسأله عن أول من قال الشعر فقال: آدم
عليه السلام: قال: وما كان شعره؟ قال عليه السلام: لما انزل إلى الأرض

1 - سورة النساء: الآية 23.
219

من السماء فرأى تربتها وسعتها وهواها وقتل قابيل هابيل قال آدم عليه السلام:
تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح!
تغير كل ذي طعم ولون وقل بشاشة الوجه المليح
أرى طول الحياة علي غما وهل انا من حياتي مستريح؟!
وما لي لا أجود بسكب دمع! وهابيل تضمنه الضريح
قتل قابيل هابيلا أخاه فوا حزني لقد فقد المليح
فاجابه إبليس لعنه الله:
تنح عن البلاد وساكنيها فبي في الخلد ضاق بك الفسيح
وكنت بها وزوجك في قرار وقلبك من اذى الدنيا مريح
فلم تنفك من كيدي ومكري إلى أن فاتك الثمن الربيح
وبدل أهلها أثلا وخمطا بحبات وأبواب منيح
فلولا رحمه الجبار أضحى بكفك من جنان الخلد ريح
وسأله عن بكاء آدم على الجنة وكم كانت دموعه التي جرت من عينيه؟
فقال عليه السلام: بكى مأة سنه أي وخرج من عينه اليمنى مثل الدجلة والعين
الأخرى مثل الفرات! سأله كم حج آدم من حجه؟ فقال عليه السلام:
سبعين حجه ماشيا على قدميه وأول حجه حجها كان معه الصرد (1) يدله على
مواضع الماء وخرج معه من الجنة وقد نهى عن اكل الصرد والخطاف (2) وسأله
ما باله لا يمشى؟ قال له: لأنه ناح على بيت المقدس فطاف حوله أربعين
عاما يبكى عليه ولم يزل يبكى آدم عليه السلام فمن هناك سكن البيوت
ومعه تسع آيات من كتاب الله عز وجل مما كان آدم عليه السلام يقرأها في الجنة
وهي معه إلى يوم القيامة ثلاث آيات من أول الكهف وثلاث آيات من
سبحان الذي اسرى وهي: (إذا قرأت القرآن) (3) وثلاث آيات من يس

1 - الصرد بضم الصاد وفتح الراء: طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير.
2 - الخطاف: طائر إذا رأى ظلة في الماء أقبل إليه ليخطفه.
3 - سورة الإسراء: الآية 45 و 46 و 47.
220

وهي (وجعلنا من بين أيديهم سدا) (1) وسأله عن أول من كفر وأنشأ الكفر
فقال عليه السلام: إبليس لعنه الله وسأله عن اسم نوح ما كان؟ فقال: اسمه
السكن وإنما سمى نوحا لأنه ناح على قومه الف سنه إلا خمسين عاما
وسأله عن سفينة نوح ما كان عرضها وطولها؟ فقال: كان طولها ثمان مأة ذراع
وعرضها خمس مأة ذراع وارتفاعها في السماء ثمانين ذراعا ثم جلس الرجل
فقام إليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أول شجره غرست في
الأرض فقال: العوسجة (2) ومنها عصى موسى عليه السلام وسأله عن
أول شجره نبتت في الأرض فقال: هي الدبا وهو القرع وسأله عن أول
من حج من أهل السماء فقال له: جبرئيل وسأله عن أول بقعه بسطت من
الأرض أيام الطوفان فقال: له موضع الكعبة وزبرجده خضراء وسأله
عن أكرم واد على وجه الأرض فقال: واد يقال له: سرنديب فسقط فيه آدم
عليه السلام من السماء وسأله عن شر واد على وجه الأرض فقال: واد باليمن
يقال له: برهوت وهو من أودية جهنم وسأله عن سجن سار بصاحبه
فقال: الحوت سار بيونس بن متى وسأله عن سته لم يركضوا في رحم فقال:
آدم وحوا وكبش إبراهيم وعصى موسى وناقه صالح والخفاش الذي عمله
عيسى بن مريم عليه السلام وطار بإذن الله عز وجل وسأله عن شئ مكذوب
عليه ليس من الجن ولا من الانس فقال: الذئب الذي كذب عليه اخوه
يوسف وسأله عن شئ أوحى إليه ليس الجن ولا من الانس فقال:
أوحى الله عز وجل إلى النحل وسأله عن أطهر موضع على وجه الأرض لا تحل
الصلاة فيه فقال له ظهر الكعبة وسأله عن موضع طلعت عليه الشمس ساعة
من النهار ولا تطلع عليه ابدا فقال: ذلك البحر حين فلقه الله لموسى عليه
السلام فأصابت ارضه الشمس وأطيق عليه الماء فلن يصبه الشمس وسأله
عن شئ شرب وحى واكل وهو ميت فقال: تلك عصى موسى عليه السلام
وسأله عن نذير أنذر قومه ليس من الجن ولا الانس فقال:

1 - سورة يس: الآية 9 و 10 و 11.
2 - العوسج: ضرب من الشوك الواحدة العوسجة.
221

هي النملة وسأله عن أول ما أمر بالختان فقال: إبراهيم عليه السلام:
وسأله عن أول من خفض من النساء فقال: هاجر أم إسماعيل خفضتها
ساره لتخرج من يمينها وسأله عن أول امرأة جرت ذيلها فقال: هاجر لما
هربت من ساره وسأله عن أول من جر ذيله من الرجال قال: قارون
وسأله عن أول من لبس النعلين فقال: إبراهيم وسأله عن أكرم الناس
نسبا فقال: صديق الله يوسف بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله
بن إبراهيم خليل الله صلوات الله عليهم وسأله عن سته من الأنبياء لهم
اسمان فقال: يوشع بن نون وهو ذو الكفل ويعقوب وهو إسرائيل
والخضر وهو حلقيا ويونس وهو ذو النون وعيسى وهو المسيح ومحمد وهو
أحمد صلى الله عليه وآله وسأله عن شئ يتنفس ليس له لحم ودم فقال
له: ذاك الصبح إذا تنفس وسأله عن خمسه من الأنبياء تكلموا بالعربية فقال
عليه السلام: هو هود وشعيب وصالح وإسماعيل ومحمد (ص) ثم
جلس وقام رجل آخر سأله وتعنته فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن قول الله عز
وجل: (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرء يومئذ
شان يغنيه) (1) من هم؟ فقال عليه السلام: قابيل يفر من هابيل والذي يفر
من أمه موسى والذي يفر من أبيه إبراهيم يعنى الأب المربى لا الوالد والذي
يفر من صاحبته لوط والذي يفر من ابنه نوح يفر من ابنه كنعان وسأله عن
أول من مات فجاه فقال عليه السلام: داود مات على منبره يوم الأربعاء
وسأله عن أربعة لا يشبعن من أربع فقال: الأرض من المطر والأنثى من
الذكر والعين من النظر والعالم من العلم وسأله عن أول من وضع سكه
الدنانير والدراهم فقال: نمرود بن كنعان بعد نوح عليه السلام وسأله عن
أول من عمل عمل قوم لوط فقال عليه السلام: إبليس لأنه أمكن من
نفسه وسأله عن معنى هدير الحمام الراعبية فقال تدعو على أهل المعازف
والقيان والمزامير والعيدان وسأله عن كنيه البراق فقال عليه السلام: يكنى
أبا هلال وسأله لم سمى تبع الملك تبعا؟ فقال عليه السلام: لأنه كان غلاما

1 - سورة عبس: الآية 24 إلى 37.
222

كاتبا وكان يكتب للملك الذي كان قبله وكان إذا كتب كتب باسم الله الذي
خلق صبحا وريحا فقال الملك: اكتب وبدأ باسم ملك الرعد فقال لا ابدا
الا باسم الهى ثم اعطف على حاجتك فشكر الله عز وجل له ذلك فأعطاه
ملك ذلك الملك فتابعه الناس على ذلك فسمى تبعا وسأله ما بال الماعز
مرفوعه الذنب باديه الحياء والعورة فقال عليه السلام: لأن الماعز عصت نوحا
عليه السلام لما ادخلها السفينة فدفعها فكسر ذنبها والنعجة مستورة الحياء
والعورة لأن النعجة بادرت بالدخول إلى السفينة فمسح نوح عليه السلام
يده على حياها وذنبها فاستترت (1) بالاليه وسأله عن كلام أهل الجنة فقال:
كلام أهل الجنة بالعربية وسأله عن كلام أهل النار فقال: بالمجوسية وسأله
عن النوم على كم وجه هو؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: النوم على أربعة
أصناف الأنبياء تنام على أقفيتها مستلقية وأعينها لا تنام متوقعة لوحى ربها عز
وجل والمؤمن ينام على يمينه مستقبل القبلة والملوك وأبنائها تنام على شمالها
ليستمرؤوا ما يأكلون وإبليس وأخواته وكل مجنون وذو عاهة ينامون على
وجوههم منبطحين جلس وقام إليه رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين
اخبرني عن يوم الأربعاء وتطيرنا منه وثقله وأي أربعاء هو؟ فقال عليه السلام:
آخر أربعاء في الشهور وهو المحاق وفيه قتل قابيل هابيل أخاه ويوم الأربعاء
القى إبراهيم عليه السلام في النار ويوم الأربعاء وضعوه في المنجنيق ويوم
الأربعاء غرق الله فرعون ويوم الأربعاء جعل الله عز وجل قريه لوط عاليها
سافلها يوم الأربعاء ارسل الله عز وجل الريح على قوم عاد ويوم الأربعاء
أصبحت كالصريم ويوم الأربعاء سلط الله عز وجل على نمرود البقة ويوم
الأربعاء طلب فرعون موسى عليه السلام ليقتله ويوم الأربعاء خر عليهم
السقف من فوقهم ويوم الأربعاء أمر فرعون بذبح الغلمان ويوم الأربعاء
خرب بيت المقدس ويوم الأربعاء أحرق مسجد سليمان بن داود بلإصطخر من
كوره فارس ويوم الأربعاء قتل يحيى بن زكريا والأربعاء أظل قوم
فرعون أول العذاب ويوم الأربعاء خسف الله عز وجل بقارون ويوم الأربعاء

1 - خ ل (واستترت).
223

ابتلى أيوب عليه السلام بذهاب أهله وولده وماله ويوم الأربعاء ادخل يوسف
عليه السلام السجن ويوم الأربعاء قال الله وجل: (انا دمرناهم
وقومهم أجمعين) (1) ويوم الأربعاء أخذتهم الصيحة ويوم الأربعاء عقروا
الناقة ويوم الأربعاء أمطرت عليهم حجارة من سجيل ويوم الأربعاء شج
النبي (ص) وكسرت رباعيته ويوم الأربعاء أخذت العمالقة التابوت وسأله
عن الأيام وما يجوز فيها من العمل فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يوم
السبت يوم مكر وخديعة ويوم الأحد يوم غرس وبناء ويوم الاثنين يوم
حرب ودم ويوم الثلاثاء يوم سفر وطلب ويوم الأربعاء يوم شؤم يتطير فيه
الناس ويوم الخميس يوم الدخول على الامراء وقضاء الحوائج ويوم الجمعة يوم
خطبه ونكاح.
2 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا عبد
الله بن جعفر الحميري عن إبراهيم بن هاشم عن أحمد بن عامر الطائي
قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهم السلام يقول: يوم
الأربعاء يوم نحس مستمر من احتجم فيه خيف عليه ان تخضر محاجمه ومن
تنور فيه خيف عليه البرص

1 - سورة النمل: الآية 51.
224

25 - باب
(ما جاء عن الرضا عليه السلام
في زيد بن علي عليه السلام)
1 - حدثنا أحمد بن يحيى المكتب قال: أخبرنا محمد بن يحيى الصولي
قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال: حدثني ابن أبي عبدون عن
أبيه قال: لما حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون وقد كان خرج
بالبصرة وأحرق دور ولد العباس وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا
عليهما السلام وقال له: يا أبا الحسن لئن خرج أخوك وفعل ما فعل لقد
خرج قبله زيد بن علي (1) فقتل ولولا مكانك منى لقتلته فليس ما اتاه
بصغير فقال الرضا عليه السلام: يا أمير المؤمنين لا تقس اخى زيدا إلى زيد
بن علي فإنه كان من علماء آل محمد غضب لله عز وجل فجاهد أعداءه
حتى قتل في سبيله ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر عليهما السلام انه سمع
أباه جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام يقول: رحم الله عمى زيدا انه
دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه ولقد استشارني في
خروجه فقلت له: يا عم ان رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة (2)
فشانك فلما ولى قال جعفر بن محمد: ويل لمن سمع واعيته (3) فلم يجبه
فقال المأمون: يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها ما

1 - اي زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام.
2 - الكناسة بالضم: موضع الزبالة واسم محلة بالكوفة.
3 - الواعية: الصراخ والصوت كما في القاموس.
225

جاء؟ فقال الرضا عليه السلام: ان زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وانه
كان اتقى لله من ذلك أنه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد عليهم
السلام وإنما جاء ما جاء فيمن يدعى ان الله تعالى نص عليه ثم يدعو إلى غير
دين الله ويضل عن سبيله بغير علم وكان زيد والله ممن خوطب بهذه الآية:
(وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم) (1) قال محمد بن علي بن الحسين
مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: لزيد بن علي فضائل كثيره عن غير الرضا
أحببت ايراد بعضها على اثر هذا الحديث ليعلم من ينظر في كتابنا هذا اعتقاد
الامامية فيه.
2 - حدثنا أحمد بن هارون الفامي في مسجد الكوفة سنه أربع وخمسين
وثلاث مأة قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه
عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسين بن علوان عن عمر بن
ثابت عن داود بن عبد الجبار عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر
محمد بن علي الباقر عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله
(ص) للحسين عليه السلام: يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له: زيد
يتخطا هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرا محجلين يدخلون الجنة بلا
حساب.
3 - حدثنا أحمد بن محمد بن رزمه القزويني قال: حدثنا أحمد بن
عيسى العلوي الحسيني قال: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي قال: حدثنا
حبيب بن أرطأة عن محمد بن ذكوان عن عمرو بن خالد قال:
زيد بن علي بن الحسين عليه السلام وهو آخذ بشعره قال: حدثني أبي علي بن
الحسين عليهما السلام وهو آخذ بشعره قال: حدثني الحسين بن علي
عليهما السلام وهو آخذ بشعره قال: حدثني علي بن أبي طالب عليه السلام
وهو آخذ بشعره عن رسول الله (ص) وهو آخذ بشعره قال: من آذى
شعرة منى فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل ومن آذى الله عز
وجل لعنه الله ملؤ السماء والأرض.

1 - سورة الحج: الآية 78.
226

4 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه
قال: حدثنا علي بن الحسين العلوي قال: حدثني الحسين بن علي النصري
قدس الله روحه قال: حدثني أحمد بن رشيد عن عمه أبي معمر سعيد بن
خيثم عن أخيه معمر قال: كنت جالسا عند الصادق جعفر بن محمد عليهما
السلام فجاء زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام فاخذ بعضادتي (1) الباب
فقال له الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: يا عم أعيذك بالله أن تكون
المصلوب بالكناسة فقالت أم زيد: والله لا يحملك على هذا القول غير الحسد لابني فقال عليه السلام: يا ليته حسدا يا ليته حسدا ثلاثا حدثني أبي عن
جدي عليه السلام أنه قال: يخرج من ولده رجل يقال له: زيد يقتل
بالكوفة ويصلب بالكناسة يخرج من قبره حين ينشر تفتح لروحه أبواب
السماء يبتهج أهل السماوات والأرض يجعل روحه في حوصله طير اخضر
يسرح في الجنة حيث يشاء.
5 - حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري قال: حدثنا عبد
العزيز بن يحيى قال: حدثنا الأشعث بن محمد الضبي قال: حدثنا
شعيب بن عمرو عن أبيه عن جابر الجعفي قال: دخلت على أبي جعفر محمد
بن علي عليهما السلام وعنده زيد اخوه فدخل عليه معروف بن خربوذ المكي
قال له أبو جعفر عليه السلام: يا معروف أنشدني من طرائف عندك
فانشده:
لعمرك ما ان أبو مالك * بوان ولا بضعيف قواه
ولا بألد لدى قوله * يعادى الحكيم إذا ما نهاه
ولكنه سيد بارع * كريم الطبايع حلو ثناه
إذا سدته سدت مطواعة * ومهما وكلت إليه كفاه
قال: فوضع محمد بن علي يده على كتفي زيد وقال: هذه صفتك يا
أبا الحسن.

1 - العضادة بالكسر جانب العتبة من الباب.
227

6 - حدثنا أحمد بن الحسين القطان قال: حدثنا الحسن بن علي السكري
قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري عن جعفر بن محمد بن عمارة عن
أبيه عن عمرو بن خالد قال: حدثني عبد الله بن سيابه قال: خرجنا
ونحن سبعه نفر فاتينا المدينة فدخلنا على أبي عبد الله الصادق عليه السلام فقال
لنا: أعندكم خبر عمى زيد؟ فقلنا: قد خرج أو هو خارج قال: فإن اتاكم
خبر فاخبروني فمكثنا أياما فاتى رسول بسام الصيرفي بكتاب فيه: أما
بعد فإن زيد بن علي عليه السلام قد خرج يوم الأربعاء غره صفر فمكث
الأربعاء والخميس وقتل يوم الجمعة وقتل معه فلان وفلان فدخلنا علي
الصادق عليه السلام فدفعنا إليه الكتابة فقرأه وبكى ثم قال: انا لله وانا
إليه راجعون عند الله احتسب عمى انه كان نعم العم ان عمى
كان رجلا لدنيانا وآخرتنا مضى والله عمى شهيدا كشهداء استشهدوا مع
رسول الله (ص) وعلى والحسن والحسين صلوات الله عليهم.
7 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال:
حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه
عن محمد بن الحسن بن شمون عن عبد الله بن سنان عن الفضيل بن يسار
قال: انتهيت إلى زيد بن علي بن الحسين عليه السلام صبيحة يوم خرج
بالكوفة فسمعته يقول: من يعينني منكم على قتال أنباط أهل الشام؟ فوالذي
بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا لا يعينني منكم على قتالهم أحد إلا أخذت بيده
يوم القيامة فأدخلته الجنة بإذن الله عز وجل فلما قتل اكتريت راحله وتوجهت
نحو المدينة فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت في نفسي: والله
لأخبرنه بقتل زيد بن علي فيجزع عليه فلما دخلت عليه قال: ما فعل عمى
زيد؟ فخنقتني العبرة فقال: قتلوه؟ قلت: أي والله قتلوه قال:
فصلبوه؟ قلت: أي والله فصلبوه قال: فاقبل يبكى دموعه تنحدر عن
جانبي خده كأنها الجمان ثم قال: يا فضيل شهدت مع عمى زيد قتال أهل
الشام قلت: نعم فقال: فكم قتلت منهم؟ قلت: سته قال: فلعلك
شاك في دمائهم قلت: لو كنت شاكا ما قتلتهم فسمعته وهو يقول:
اشركني الله في تلك الدماء ما مضى والله زيد عمى وأصحابه إلا شهداء مثل
228

ما مضى عليه علي بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه. أخذنا من الحديث
موضع الحاجة والله تعالى هو الموفق.
229

26 - باب
ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار
النادرة في فنون شتى
1 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال:
حدثني محمد بن عيسى عن عباس مولى الرضا عليه السلام عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول: من قال حين يسمع اذان الصبح:
(اللهم إني أسألك باقبال نهارك وادبار ليلك وحضور صلواتك وأصوات
دعائك ان تصلى على محمد وآل محمد وان تتوب على انك التواب الرحيم) وقال
مثل ذلك إذا سمع اذان المغرب ثم مات من يومه أو من ليلته مات تائبا.
2 - حدثنا علي بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة رضي الله عنه
قال: حدثنا إسماعيل بن علي بن رزين اخى دعبل بن علي الخزاعي قال:
حدثنا دعبل بن علي قال: حدثني أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليهم
السلام عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله
(ص): أربعة انا لهم شفيع يوم القيامة المكرم لذريتي من بعدى والقاضي لهم
حوائجهم والساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم إليه والمحب لهم بقلبه
ولسانه.
3 - حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي رضي الله عنه
قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه أبي النضر محمد بن
مسعود العياشي قال: حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثني علي بن محمد بن
شجاع عن محمد بن عثمان عن حميد بن محمد عن أحمد بن الحسن
230

الصالح عن أبيه عن الفتح بن يزيد الجرجاني انه كتب إلى أبي الحسن
عليه السلام يسأله عن رجل واقع امرأة في شهر رمضان من حلال أو حرام في
يوم واحد عشر مرات قال: عليه عشر كفارات لكل مره كفاره فإن اكل
أو شرب فكفارة يوم واحدة.
4 - حدثنا محمد بن القاسم المفسر المعروف بابى الحسن الجرجاني رضي الله عنه
قال: حدثنا يوسف بن زياد عن أبيه عن الحسن بن علي عن أبيه
علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الرضا علي بن موسى عن أبيه
موسى بن جعفر عن أبيه الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي
الباقر عن أبيه زين العابدين علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن
أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام. قال: كان رسول الله (ص) لما جاءه
جعفر بن أبي طالب من الحبشة قام إليه واستقبله اثنى عشره خطوه وعانقه
وقبل ما بين عينيه وبكى وقال: فما أدرى بأيهما انا أشد سرورا؟ بقدومك يا
جعفر أم بفتح الله على يد أخيك خيبر؟ وبكى فرحا برؤيته.
5 - حدثنا أبي قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن
محمد بن عيسى عن الحسن بن علي الوشا عن أبي الحسن الرضا عن أبيه
عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله (ص) لما اسرى بي
إلى السماء رأيت رحما متعلقه بالعرش تشكو رحما إلى ربها فقلت لها كم بينك
وبينها من أب؟ فقالت: نلتقي في أربعين أبا.
6 - حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي قال: حدثنا
جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن
فضال قال: حدثنا محمد بن الوليد عن العباس بن هلال قال: سمعت
أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام يقول: من صام من شعبان يوما
واحدا ابتغاء ثواب الله دخل الجنة ومن استغفر الله سبعين مره في كل يوم من
شعبان حشره الله يوم القيامة في زمره رسول الله (ص) ووجبت له من الله
الكرامة ومن تصدق في شعبان بصدقه ولو بشق تمره حرم الله جسده على النار
ومن صام ثلاثة أيام من شعبان ووصلها بصيام شهر رمضان كتب الله صوم
231

شهرين متتابعين.
7 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد
بن إدريس جميعا عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال:
حدثني الحسين بن عبد الله عن آدم بن عبد الله الأشعري عن زكريا بن آدم عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول: الصلاة لها أربعة آلاف
باب.
8 - حدثنا محمد بن علي بن بشار رضي الله عنه قال: حدثنا أبو الفرج
المظفر بن أحمد بن الحسن القزويني قال: أخبرنا أبو الفضل العباس بن محمد
بن القاسم بن حمزه بن موسى بن جعفر قال: حدثني الحسن بن سهل
القمي عن محمد بن حامد عن أبي هاشم الجعفري عن أبي الحسن عليه
السلام قال: سأله عن الصلاة على المصلوب قال: اما علمت أن جدي
صلوات الله عليه صلى على عمه قلت: اعلم ذلك ولكني لم افهمه مبينا
قال: نبينه لك إن كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن وإن كان
قفاءه إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر فاما ما بين المشرق والمغرب قبله
وإن كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن وإن كان منكبه الأيمن
إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر وكيف كان منحرفا فلا تزايلن مناكبه
وليكن وجهك إلى ما بين المشرق والمغرب ولا تستقبله ولا تستدبره البتة قال
أبو هاشم: ثم قال الرضا عليه السلام: قد فهمت إن شاء الله قال مصنف هذا
الكتاب رحمه الله: هذا حديث غريب لم أجده في شئ من الأصول والمصنفات
ولا اعرفه الا بهذا الاسناد.
9 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن إدريس قال:
حدثني محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال: حدثني سهل بن
زياد عن الحارث بن الدلهاث (1) مولى الرضا عليه السلام قال: سمعت أبي
الحسن عليه السلام يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال

1 - الدلهاث على زنة وحراج: الأسد.
232

سنه من ربه وسنه من نبيه وسنه من وليه فالسنه من ربه: كتمان سره
قال الله عز وجل: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من
رسول) (1) وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عز وجل أمر نبيه
(ص) بمداراة الناس فقال: (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن
الجاهلين) (2) وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء فان الله عز
وجل يقول: (والصابرين في البأساء والضراء) (3).
10 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثنا عمى
محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن علي بن محمد عن
أبي أيوب المدني عن سليمان بن جعفر الجعفري عن الرضا عن آبائه عن علي
عليهم السلام قال: قال رسول الله (ص): تعلموا من الغراب خصالا
ثلاثا استتاره بالسفاد (4) وبكوره في طلب الرزق وحذره.
11 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال:
حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن حمزه الأشعري قال: حدثني ياسر
الخادم قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: إن أوحش ما
يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد ويخرج من بطن أمه فيرى
الدنيا ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ويوم يبعث فيرى احكاما لم يرها في
دار الدنيا وقد سلم الله عز وجل على يحيى عليه السلام في هذه الثلاثة المواطن
وآمن روعته فقال: (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) (5)
وقد سلم عيسى مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال: (والسلام
على يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حيا) (6).
12 - حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن

1 - سورة الجن: الآية 26 و 27.
2 - سورة الأعراف: الآية 199.
3 - سورة البقرة: الآية 177.
4 - السفاد بالكسر: نزو الذكر على الأنثى الجماع من الصحاح.
5 - سورة مريم: الآية 15.
6 - سورة مريم: الآية 33.
233

يحيى بن عمران الأشعري عن سلمة بن الخطاب عن أحمد بن علي عن
الحسين بن علي الديلمي مولى الرضا عليه السلام قال: سمعت الرضا عليه
السلام يقول: من حج بثلاثة من المؤمنين فقد اشترى نفسه من الله عز وجل
بالثمن ولم يسأله من أين اكتسبت ماله من حلال أو حرام؟ قال مصنف هذا
الكتاب: يعنى بذلك: انه لم يسأله عما وقع في ماله من الشبهة ويرضى عنه
خصماؤه بالعوض.
13 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثني أبي
عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن السياري عن الحارث بن الدلهاث عن
أبيه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إن الله عز وجل أمر بثلاثة
مقرون بها ثلاثة أخرى أمر بالصلاة والزكاة فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه
صلاته وأمر بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله وأمر
باتقاء الله وصله الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله عز وجل.
14 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن موسى بن جعفر
بن أبي جعفر الكميداني (1) عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن
أبي نصر البزنطي قال: قال أبو الحسن عليه السلام من علامات الفقيه
الحلم والعلم والصمت أن الصمت باب من أبواب الحكمة ان الصمت
يكسب المحبة انه دليل على كل خير.
15 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه
قال: حدثني محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن أحمد بن محمد بن صالح
الرازي عن حمدان الديواني قال: قال الرضا عليه السلام صديق كل امرء
عقله وعدوه جهله.
16 - حدثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم الخوري قال: حدثنا زيد بن
محمد البغدادي قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الطائي بالبصرة
قال: حدثنا أبي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن

1 - كمندان قرية من قرى قم وهو لقب موسى أبي علي وابنه ممن يروى عنه الكليني.
234

علي بن أبي طالب عليهم السلام انه دعاه رجل فقال له علي عليه السلام:
على أن تضمن لي ثلاث خصال قال: وما هي يا أمير المؤمنين قال: لا
تدخل علينا شيئا من خارج ولا تدخر عنا شيئا في البيت ولا تجحف
بالعيال قال: ذلك لك فاجابه علي بن أبي طالب عليه السلام.
17 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال: حدثنا أبو نصر
منصور بن عبد الله بن إبراهيم الأصفهاني قال: حدثنا علي بن أبي عبد الله
قال: حدثنا داود بن سليمان عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه
عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله (ص): أربعة انا
شفيعهم يوم القيامة ولو آتوني بذنوب أهل الأرض معين أهل بيتي والقاضي
لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه والمحب لهم بقلبه ولسانه والدافع عنهم
بيده.
18 - حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال
: احتبس القمر عن بني إسرائيل فأوحى الله عز وجل إلى موسى: ان
اخرج عظام يوسف عليه السلام من مصر ووعده طلوع القمر إذا اخرج
عظامه فسال موسى: عليه السلام عن من يعلم موضعه؟ فقيل له ان
هيهنا عجوز تعلم علمه فبعث إليها فاتى بعجوز مقعده عمياء فقال لها:
أتعرفين موضع قبر يوسف؟ قالت: نعم قال: فاخبريني به فقالت: لا
حتى تعطيني أربع خصال تطلق لي رجلي وتعيد إلى شبابي وترد إلى بصرى
وتجعلني معك في الجنة قال: فكبر ذلك على موسى عليه السلام قال:
فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى أعطها ما سالت فإنك تعطى على
ففعل فدلته عليه فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر فلما
أخرجه طلع القمر فحمله إلى الشام فلذلك يحمل أهل الكتاب موتاهم إلى
الشام.
19 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد مولى بني هاشم عن علي بن الحسن بن
235

علي بن فضال عن أبيه قال: سألت الرضا عليه السلام عن بسم الله قال:
معنى قول القائل: بسم الله أي اسم على نفسي بسمة من سمات الله عز
وجل وهي العبودية قال: فقلت له ما السمه؟ قال: العلامة.
20 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو نصر
منصور بن عبد الله قال: حدثنا المنذر بن محمد قال: حدثنا الحسين بن
محمد قال: حدثنا سليمان بن جعفر عن الرضا عليه السلام قال
حدثني أبي عن جدي عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام
قال: في جناح كل هدهد خلقه الله عز وجل مكتوب بالسريانية: آل محمد
خير البرية.
21 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو نصر
منصور بن عبد الله بن إبراهيم الأصفهاني قال: حدثنا علي بن عبد الله
الإسكندراني قال: حدثنا أبو علي أحمد بن علي بن مهدي الرقي قال:
حدثنا أبي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا قال: حدثني أبي موسى بن
جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الحسين بن علي
عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله
(ص): (يا علي طوبى لمن أحبك وصدق بك وويل لمن أبغضك وكذب
بك محبوك معروفون في السماء السابعة والأرض السابعة السفلى وما بين ذلك
هم أهل الدين والورع والسمت (1) الحسن والتواضع لله عز وجل خاشعة
أبصارهم وجله قلوبهم لذكر الله عز وجل وقد عرفوا حق ولايتك وألسنتهم
ناطقة بفضلك وأعينهم ساكبة تحننا عليك وعلى الأئمة من ولدك يدينون لله
بما أمرهم به في كتابه وجاءهم به البرهان من سنه نبيه عاملون بما يأمرهم به
أولو الامر منهم متواصلون غير متقاطعين متحابون غير متباغضين ان
الملائكة لتصلى عليهم وتؤمن على دعائهم وتستغفر للمذنب منهم وتشهد
حضرته وتستوحش لفقده يوم القيامة.

1 - السمت بالسين المهملة المفتوحة وسكون الميم السيرة والطريقة الحسنة.
236

22 - حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفي بالكوفة سنه أربع
وخمسين وثلاثمأة قال: حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي قال:
حدثنا محمد بن أحمد بن علي الهمداني قال: حدثني أبو الفضل العباس
عبد الله البخاري قال: حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن محمد بن عبد
الله بن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: حدثنا عبد السلام بن صالح
الهروي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر
بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين
بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله
(ص): ما خلق الله خلقا أفضل منى ولا أكرم عليه منى قال علي عليه
السلام: فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟ فقال (ص) يا علي أن
الله تبارك وتعالى فضل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع
النبيين والمرسلين والفضل بعدى لك يا علي وللأئمة من بعدك وان الملائكة
لخدامنا وخدام محبينا يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد
ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم عليه
السلام ولا الحواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض فكيف لا نكون
أفضل من الملائكة؟! وقد سبقناهم إلى معرفه ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه
لأن أول ما خلق الله عز وجل أرواحنا فأنطقها بتوحيده وتمجيده ثم خلق
الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظمت أمرنا فسبحنا لتعلم
الملائكة انا خلق مخلوقون وانه منزه عن صفاتنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا
ونزهته عن صفاتنا فلما شاهدوا عظم شاننا هللنا لتعلم الملائكة ان لا اله إلا
الله وانا عبيد ولسنا بآلهه يجب ان نعبد معه أو دونه فقالوا: لا اله إلا الله فلما
شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة ان الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا
به فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العزة والقوة فقلنا: لا حول ولا قوه إلا
بالله لتعلم الملائكة انه لا حول لنا ولا قوه إلا بالله فلما شاهدوا ما أنعم الله به
علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا: الحمد لله لتعلم الملائكة ما يستحق
لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه فقالت الملائكة: الحمد لله فبنا
اهتدوا إلى معرفه توحيد الله عز وجل وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده ثم إن
237

الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا
واكراما وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولادم اكراما وطاعة لكوننا في
صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة؟ وقد سجدوا لادم كلهم أجمعون
وانه لما عرج بي السماء اذن جبرئيل مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى ثم قال:
لي تقدم يا محمد فقلت له: جبرئيل أتقدم عليك؟ قال: نعم لأن الله
تبارك وتعالى فضل أنبيائه ملائكته أجمعين وفضلك خاصه قال: فتقدمت
فصليت بهم ولا فخر فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل: تقدم يا
محمد وتخلف عنى فقلت له: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟!
فقال: يا محمد انتهاء حدى الذي وضعني الله عز وجل فيه إلى هذا المكان
فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربى جل جلاله فزخ بي النور زخة (1)
حتى انتهيت إلى ما شاء الله عز وجل من علو مكانه فنوديت فقلت: لبيك
ربى وسعديك تباركت وتعاليت فنوديت: يا محمد أنت عبد وانا ربك فإياي
فأعبد وعلى فتوكل فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على
بريتي لك ولمن تبعك خلقت جنتي ولمن خالفك خلقت ناري ولأوصيائك
أوجبت كرامتي ولشيعتهم أوجبت ثوابي فقلت: يا رب ومن أوصيائي؟
فنوديت: يا محمد أوصيائك المكتوبون على ساق عرشي فنظرت وانا بين يدي
ربى جل جلاله إلى ساق العرش فرأيت اثنا عشر نورا في كل نور سطر اخضر
عليه اسم وصى من أوصيائي أولهم علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم
مهدى أمتي فقلت: يا رب هؤلاء أوصيائي بعدى؟ فنوديت: يا محمد
هؤلاء أوصيائي وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريتي وهم أوصياؤك
وخلفاؤك وخير خلقي بعدك وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني ولأعلين بهم
كلمتي ولأطهرن الأرض باخرهم من أعدائي ولاملكنه مشارق الأرض
ومغاربها ولأسخرن له الرياح ولأذللن له السحاب الصعاب ولأرقينه في
الأسباب ولأنصرنه بجندي ولأمدنه بملائكتي حتى يعلن دعوتي ويجمع الخلق
على توحيدي ثم لأديمن ملكه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة.

1 - زخ الجمر زخا وزخيخا: برق شديدا. زخ الحادي سار بالإبل سيرا عنيفا.
238

23 - وبهذا الاسناد قال: قال الرضا عليه السلام: الحياء من الايمان.
24 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال:
حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين
بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر
عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عليهم السلام قال: إن
سليمان بن داود قال ذات يوم لأصحابه: ان الله تبارك وتعالى قد وهب لي ملكا
لا ينبغي لاحد من بعدى سخر لي الريح والانس والجن والطير والوحوش
وعلمني منطق الطير وآتاني من كل شئ ومع جميع ما أوتيت من الملك ما تم
لي سرور يوم إلى الليل وقد أحببت ان ادخل قصري في غد فاصعد أعلاه
وانظر إلى ممالكي فلا تأذنوا لاحد بالدخول علي لئلا يرد على ما ينغص (1) على
يومى فقالوا: نعم فلما كان من الغد اخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع
من قصره ووقف متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه سرورا بما أوتى فرحا بما
اعطى إذ نظر إلى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا
قصره فلما أبصر به سليمان عليه السلام قال له: من أدخلك إلى هذا
القصر وقد أردت ان اخلو فيه اليوم؟ فباذن من دخلت؟ فقال الشاب:
أدخلني هذا القصر ربه وباذنه دخلت فقال: ربه أحق به منى فمن أنت؟
قال: انا ملك الموت قال: وفيما جئت؟ قال: لأقبض روحك فقال:
امض بما أمرت به في هذا يوم سروري وأبي الله عز وجل أن يكون لي سرورا
دون لقائك فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه فبقي سليمان
متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء الله والناس ينظرون إليه وهم يقدرون انه
حي فافتتنوا فيه واختلفوا فمنهم قال: إن سليمان قد بقي متكئا على
عصاه هذه الأيام الكثيرة ولم يأكل ولم يشرب ولم يتعب ولم ينم انه لربنا الذي
يجب علينا ان نعبده وقال قوم ان سليمان لساحر وانه يرينا انه واقف متكئ
على عصاه يسحر أعيننا وليس كذلك فقال المؤمنون: ان سليمان هو عبد الله

1 - نغص عليه: قطع عليه ما كان أحب الاستكثار منه فهو (منغص) وكل من قطع شيئا مما
يجب الازدياد منه فهو منغص. تنغص العيش: تكدر.
239

ونبيه يدبر الله امره بما شاء فلما اختلفوا بعث الله عز وجل الإرضة (1) فدبت في
عصاه فلما اكلت جوفها انكسرت العصا وخرت سليمان من قصره على وجهه
فشكرت الجن الإرضة على صنيعها فلأجل ذلك لا توجد الإرضة في مكان إلا
وعندها ماء وطين وذلك قول الله عز وجل: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم
على موته إلا دابه الأرض فاكل منسأته) يعنى عصاه (فلما خر تبينت الجن ان
لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) (2) قال الصادق عليه
السلام: وما نزلت هذه الآية هكذا وإنما نزلت: فلما خر تبينت الانس ان
الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.

1 - الأرضة بالتحريك: روبية صغيرة تأكل الخشب وغيره.
2 - سورة سبأ: الآية 14.
240

27 - باب
ما جاء عن الرضا عليه السلام
في هاروت وماروت)
1 - حدثنا محمد بن القاسم المعروف بابى الحسن الجرجاني رضي الله عنه
قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن
أبويهما عن الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي
عن أبيه الرضا علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه الصادق
جعفر بن محمد في قول الله عز وجل: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك
سليمان وما كفر سليمان) قال: اتبعوا ما تتلو كفرة الشياطين من السحر
والنيرنجات على ملك سليمان الذين يزعمون أن سليمان به ملك ونحن أيضا
به فظهر العجائب حتى ينقاد لنا الناس وقالوا: كان سليمان كافرا ساحرا
ماهرا بسحره ملك ما ملك وقدر ما قدر فرد الله عز وجل فقال:
(وما كفر سليمان) ولا استعمل السحر الذي نسبوه سليمان والى (ما
انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) وكان بعد نوح عليه السلام قد كثر
السحرة والمموهون (1) فبعث الله عز وجل ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما
تسحر به السحرة وذكر ما يبطل به سحرهم ويرد به كيدهم فتلقاه النبي عليه
السلام عن الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر الله عز وجل فأمرهم ان يقفوا به على
السحر وان يبطلوه ونهاهم ان يسحروا به الناس وهذا كما يدل على السم ما

1 - التمويه: التدليس: موه الشئ: طلاه بفضة وذهب وتحته نحاس أو حديد (ق).
241

هو وعلى يدفع به غائلة (1) السم ثم قال عز وجل (وما يعلمان من أحد
حتى يقولا إنما نحن فتنه فلا تكفر) يعنى ان ذلك النبي عليه السلام أمر
الملكين ان يظهرا للناس بصوره بشرين ويعلماهم ما علمهما الله من ذلك فقال
الله عز وجل: (وما يعلمان من أحد) ذلك السحر وابطاله (حتى يقولا)
للمتعلم: (إنما نحن فتنه) وامتحان للعباد ليطيعوا الله عز وجل فيما يتعلمون
من هذا ويبطلوا به كيد السحرة ولا يسحروهم (فلا تكفر) باستعمال هذا
السحر وطلب الاضرار به ودعا الناس إلى أن يعتقدوا انك به تحيي وتميت وتفعل
ما لا يقدر عليه الا الله عز وجل فإن ذلك كفر قال الله عز وجل
(فيتعلمون) يعنى طالبي السحر (منهما) يعنى مما كتبت الشياطين على ملك
سليمان من النيرنجات (2) ومما (انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت)
يتعلمون من هذين الصنفين ما يفرقون به بين المرء وزوجه هذا ما يتعلم
الاضرار بالناس يتعلمون التضريب بضروب الحيل والتمايم (3) والايهام وانه قد
دفن في موضع كذا وعمل كذا ليحبب المرأة إلى الرجل والرجل إلى المرأة
ويؤدى إلى الفراق بينهما فقال عز وجل: (وما هم بضارين به من أحد إلا
بإذن الله) أي ما المتعلمون بذلك بضارين أحد إلا بإذن الله يعنى بتخلية
الله وعلمه فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر ثم قال: (ويتعلمون ما
يضرهم ولا ينفعهم) لأنهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا ويضروا فقد
تعلموا ما يضرهم في دينهم ولا ينفعهم فيه بل ينسلخون عن دين الله بذلك
(ولقد علموا) هؤلاء المتعلمون (لمن اشتراه) بدينه الذي ينسلخ عنه
بتعلمه (ما له في الآخرة من خلاق) أي من نصيب في ثواب الجنة ثم قال
عز وجل: (ولبئس ما شروا به أنفسهم) ورهنوها بالعذاب (لو كانوا
يعلمون) انهم قد باعوا الآخرة وتركوا نصيبهم من الجنة لأن المتعلمين لهذا

1 - غائلة السم: شرها ومضرتها قال في الصحاح: فلان قليل الغائلة اي قليل الشر.
2 - النيرنج: عمل يشبه السحر.
3 - التمائم جمع تميمة كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطله
الاسلام من النهاية. قال في الصحاح التميمة تعلق على الانسان وفي الحديث من علق تميمة فلا أتم
الله له.
242

السحر الذين يعتقدون ان لا رسول ولا اله ولا بعث ولا نشور فقال:
(ولقد علموا لمن اشتريه ما له في الآخرة من خلاق) (1) لأنهم يعتقدون ان لا
آخره فهم يعتقدون انها إذا لم تكن آخره فلا خلاق لهم في دار بعد الدنيا وإن كانت
بعد الدنيا آخره فهم مع كفرهم بها لا خلاق لهم فيها ثم قال:
(ولبئس ما شروا به أنفسهم) بالعذاب إذ باعوا الآخرة بالدنيا ورهنوا
بالعذاب الدائم أنفسهم (لو كانوا يعلمون) انهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب
ولكن لا يعلمون ذلك لكفرهم به فلما تركوا النظر في حجج الله حتى يعلموا
عذبهم على اعتقادهم الباطل وجحدهم الحق. قال يوسف بن محمد بن زياد
وعلي بن محمد سيار عن أبويهما انهما قالا: فقلنا للحسن بن علي عليه
السلام: فإن قوما عندنا يزعمون أن هاروت وماروت ملكان اختارهما الله
الملائكة لما كثر عصيان بني آدم وانزلهما مع ثالث لهما إلى دار الدنيا وانهما افتتنا
بالزهرة وارادا الزنا بها وشربا الخمر وقتلا النفس المحرمة وان الله عز وجل
يعذبهما ببابل وان السحرة منهما يتعلمون السحر وان الله تعالى مسخ تلك المراه
هذا الكوكب الذي هو الزهرة فقال الإمام عليه السلام: معاذ الله من ذلك!
ان ملائكة الله معصومون (2) محفوظون من الكفر والقبائح بالطاف الله تعالى
قال الله عز وجل فيهم: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) (3)
وقال الله عز وجل: (وله من في السماوات والأرض ومن عنده) يعنى
الملائكة (لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا
يفترون) (4) وقال عز وجل في الملائكة أيضا: (بل عباد مكرمون لا يسبقونه
بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن

1 - سورة البقرة: الآية 102.
2 - قال المصنف (قده) في علل الشرايع (ص 21 من الطبعة القديمة) هاروت وماروت ملكان
وليس قولي فيها قول أهل الحشو بل كانا عندي معصومين ومعنى هذه الآية واتبعوا ما تتلو الشياطين على
ملك سليمان الآية. إنما هو واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وعلى ما انزل على الملكين
ببابل هاروت وماروت وقد أخرجت في ذلك مسندا في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام.
3 - سورة التحريم: الآية 6.
4 - سورة الأنبياء: الآية 19 و 20.
243

ارتضى وهم من خشيته مشفقون) (1) ثم قال عليه السلام: لو كان كما يقولون
كان الله عز وجل قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه في الأرض وكانوا كالأنبياء في
الدنيا أو كالأئمة فيكون من الأنبياء والأئمة عليهم السلام قتل النفس والزنا
ثم قال عليه السلام: أولست تعلم أن الله عز وجل لم يخل الدنيا من نبي قط أو
امام من البشر أوليس الله عز وجل يقول: (وما أرسلنا قبلك) من رسول
يعنى إلى الخلق (إلا رجالا يوحى إليهم من أهل القرى) (2) فأخبر انه لم
يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة وحكاما وإنما كانوا أرسلوا إلى أنبياء
الله قالا: فقلنا له: فعلى هذا أيضا لم يكن إبليس أيضا ملكا فقال: لا
بل كان من الجن اما تسمعان الله عز وجل يقول: (وإذ قلنا للملائكة
اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن) (3) فأخبر عز وجل انه كان
من الجن وهو الذي قال الله عز وجل: (والجان خلقناه من قبل من نار
السموم) (4) قال الإمام الحسين بن عليهما السلام: حدثني أبي عن
جدي عن الرضا عن آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله
(ص): ان الله عز وجل اختارنا معاشر آل محمد واختار النبيين واختار الملائكة
المقربين وما اختارهم إلا على علم بهم انهم لا يواقعون ما يخرجون عن
ولايته وينقطعون به عن عصمته وينتمون به إلى المستحقين لعذابه ونقمته
قالا فقلنا له: قد روى لنا: ان عليا عليه السلام لما نص عليه رسول الله (ص)
بالإمامة عرض الله عز وجل ولايته في السماء على فيام من الناس وفيام من
الملائكة فأبوها فمسخهم الله ضفادع! فقال عليه السلام: معاذ الله! هؤلاء
المكذبون لنا المفترون علينا الملائكة هم رسل الله فهم كسائر أنبياء الله
ورسله إلى الخلق أفيكون منهم الكفر بالله؟ قلنا: لا قال: فكذلك الملائكة
ان شان الملائكة لعظيم وان خطبهم لجليل
2 - % تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضى الله قال:

1 - سورة الأنبياء: الآية 26 و 27 و 28.
2 - سورة يوسف: الآية 109.
3 - سورة الكهف: الآية 50.
4 - سورة الحجر: الآية 27.
244

حدثني أبي عن أحمد بن علي الأنصاري عن علي بن محمد بن الجهم
قال: سمعت المأمون يسال الرضا علي بن موسى عليهما السلام عما يرويه
الناس: من أمر الزهرة وانها كانت امراه فتن بها هاروت وماروت وما يروونه من
أمر سهيل انه كان عشارا باليمن فقال الرضا عليه السلام: كذبوا في قولهم:
انهما كوكبان وإنما كانتا دابتين من دواب البحر فغلط الناس وظنوا انهما
الكوكبان وما كان الله عز وجل ليمسخ أعدائه أنوار مضيئه ثم يبقيها ما بقيت
السماوات والأرض وان المسوخ لم يبق أكثر من ثلاثة أيام حتى ماتت وما تناسل
منها شئ وما على وجه الأرض اليوم مسخ وان التي وقع عليه اسم المسوخية
مثل القرد والخنزير والدب وأشباهها إنما هي مثل ما مسخ الله على صورها قوما
غضب الله عليهم ولعنهم بانكارهم توحيد وتكذيبهم رسله وأما هاروت
وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليحترزوا عن سحر السحرة ويبطلوا به
كيدهم وما علما أحدا من ذلك شيئا إلا قالا له: (إنما نحن فتنه فلا تكفر)
فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه وجعلوا يفرقون بما تعلموه بين المرء
وزوجه قال الله عز وجل: (وما هم بضارين من أحد إلا بإذن الله) (1)
يعنى بعلمه.

1 - سورة البقرة: الآية 102.
245

28 - باب
فيما جاء عن الإمام علي بن موسى
عليهما السلام من الاخبار المتفرقة
1 - حدثنا أبي رضى، عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد
ابن محمد بن عيسى وعلي بن إسماعيل بن عيسى عن العباس بن معروف عن
علي بن مهزيار عن محمد بن الهيثم عن محمد بن الفضل عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام قال: قلت له: تكون الأرض ولا امام فيها؟ فقال عليه
السلام: لا إذا لساخت بأهلها.
2 - حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن عباد بن سليمان
عن سعد بن سعد الأشعري عن أحمد بن عمر عن أبي الحسن الرضا عليه
السلام قال قلت له: هل تبقى الأرض بغير امام؟ فقال: لا قلت: فانا
نروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لا تبقى إلا أن يسخط الله على
العباد فقال: لا تبقى إذا لساخت.
3 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدثنا
الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد البصري عن الحسن بن علي
الوشا قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: هل تبقى الأرض بغير
امام؟ فقال: لا فقلت: فانا نروي: انها لا تبقى إلا أن يسخط الله على
العباد فقال: لا تبقى إذا لساخت.
4 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن
الحسن بن علي الزيتوني ومحمد بن أحمد بن أبي قتادة عن أحمد بن هلال عن
246

سعيد بن سليمان عن سليمان بن جعفر الحميري قال: سألت الرضا عليه
السلام فقلت: تخلو الأرض من حجه؟ فقال عليه السلام: لو خلت
الأرض طرفه عين من حجه لساخت بأهلها
5 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي
قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: يا بن رسول الله ما تقول في
حديث روى عن الصادق عليه السلام: أنه قال: إذا خرج القائم عليه السلام
قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائهم؟ فقال عليه السلام: هو
كذلك فقلت: وقول الله عز وجل: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ما
معناه؟ قال: صدق الله في جميع أقواله ولكن ذراري قتله الحسين عليه
السلام يرضون بأفعال آبائهم ويفتخرون بها ومن رضى شيئا كان كمن اتاه
ولو أن رجلا قتل بالمشرق فرضى بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله
عز وجل شريك القاتل وإنما يقتلهم القائم عليه السلام إذا خرج لرضاهم
بفعل آبائهم قال: فقلت له: بأي شئ يبدأ القائم عليه السلام منكم إذا
قام؟ قال: يبدأ ببني شيبه فيقاطع أيديهم لأنهم سراق بيت الله عز وجل.
6 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدثنا
محمد بن أحمد الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن
أبيه عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام أنه قال: كأني
بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدى يطلبون المرعى ولا يجدونه قلت له:
ولم ذلك يا بن رسول الله؟ قال: لأن امامهم يغيب عنهم قلت: ولم؟ قال: لئلا
يكون في عنقه لاحد بيعه إذا قام بالسيف.
7 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن موسى بن جعفر بن
أبي جعفر الكميداني عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد العزيز بن
المهتدى عن الرضا عليه السلام قال: إنما يغسل بالأشنان خارج الفم
فاما داخل الفم فلا يقبل الغمر.
8 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال: حدثنا
247

أبي عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عن إبراهيم بن هاشم
وغيره عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال:
نهى رسول الله (ص) ان يجيب الرجل أحدا وهو على الغائط أو يكلمه حتى
يفرغ.
9 - حدثنا محمد بن القاسم المفسر المعروف بابى الحسن الجرجاني رضي الله عنه
قال: حدثنا أحمد بن الحسن الحسيني عن الحسن بن علي عن أبيه
الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: قيل للصادق عليه
السلام: صف لنا الموت قال: للمؤمن كأطيب ريح يشمه فينعس لطيبه
وينقطع التعب والألم كله عنه وللكافر كلسع الأفاعي ولدغ العقارب وأشد
قيل: فإن قوما يقولون: انه أشد نشر بالمناشير وقرض بالمقاريض
ورضخ (1) بالأحجار وتدوير قطب الأرحية على الأحداق قال: كذلك هو على
بعض الكافرين والفاجرين الا ترون منهم من يعاين تلك الشدائد؟ فذلكم
الذي هو أشد من هذا الامر عذاب الآخرة فإنه أشد من عذاب الدنيا
قيل: فما بالنا نرى كافرا يسهل عليه النزع فينطفى وهو يحدث ويضحك
ويتكلم؟ وفي المؤمنين أيضا من يكون كذلك وفي المؤمنين والكافرين من
يقاسي عند سكرات الموت هذه الشدائد فقال: ما كان من راحه للمؤمن
هناك فهو تعجيل ثواب وما كان من شديد فتمحيصه من ذنوبه ليرد الآخرة
نقيا نظيفا مستحقا للثواب الأبد لا مانع له دونه وما كان من سهولة هناك على
الكافر فليوفي اجر حسناته في الدنيا ليرد الآخرة وليس له إلا ما يوجب عليه
العذاب وما كان من شده على الكافر هناك فهو ابتداء عذاب الله له ذلكم
بان الله عدل لا يجور قال: وقيل للصادق عليه السلام: أخبرنا عن
الطاعون فقال: عذاب الله لقوم ورحمه لآخرين قالوا: وكيف تكون الرحمة
عذابا قال: اما تعرفون ان نيران جهنم عذاب على الكافرين وخزنة جهنم
معهم فيها وهي رحمه عليهم.
10 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي

1 - رضخت الحصى والنوى: كسر يقال: رضخت رأس الحية بالحجارة.
248

ومحمد بن موسى البرقي ومحمد بن علي ماجيلويه ومحمد بن علي بن هاشم وعلي بن
عيسى المجاور رضي الله عنهم قالوا: حدثنا علي بن محمد ماجيلويه
عن أحمد بن محمد بن خالد عن أحمد بن محمد السياري عن علي بن
أسباط قال: قلت للرضا عليه السلام: يحدث الامر لا أجد بدا من
معرفته وليس في البلد الذي انا فيه أحد استفتيه من مواليك قال: فقال:
ايت فقيه البلد فاستفته في امرك فإذا أفتاك بشئ فخذ بخلافه فإن الحق فيه.
11 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال:
حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن علي بن محمد عن أبي أيوب المديني
عن سليمان الجعفري عن الرضا عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن علي
عليهم السلام قال: قال رسول الله (ص): الشيب في مقدم الرأس يمن وفي
العارضين سخاء وفي الذوائب شجاعة وفي القفاء شؤم.
12 - حدثنا أبو الفضل تميم بن عبد الله بن تميم القرشي الحميري
قال حدثنا أبي قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن علي الأنصاري قال: حدثنا
أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت علي بن موسى
الرضا عليه السلام يقول: أوحى الله عز وجل إلى نبي من أنبيائه إذا
أصبحت فأول شئ يستقبلك فكله والثاني فاكتمه والثالث فاقبله والرابع
فلا تؤيسه والخامس فأهرب منه فلما أصبح مضى فاستقبله جبل اسود
عظيم فوقف وقال: امرني ربي عز وجل ان آكل هذا وبقى متحيرا! ثم رجع
إلى نفسه وقال: ان ربى جل جلاله لا يأمرني إلا بما أطيق فمشى إليه
ليأكله فكلما دنى منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمه فاكلها فوجدها أطيب
شئ اكله ثم مضى فوجد طستا من ذهب فقال له: امرني ربى ان اكتم هذا
فحفر له حفره وجعله فيها والقى عليه التراب ثم مضى فالتفت فإذا بالطست قد
ظهر قال: قد فعلت ما امرني ربي عز وجل فمضى فإذا هو يطير وخلفه
بازي فطاف الطير حوله فقال: امرني ربي عز وجل ان اقبل هذا ففتح
كمه فدخل الطير فقال له البازي: أخذت صيدي وانا خلفه منذ أيام
فقال: ان ربي عز وجل امرني ان لا أؤيس هذا فقطع من فخذه قطعه
249

فألقاها إليه ثم مضى فلما مضى إذا بلحم ميته منتن مدود فقال: امرني
ربي عز وجل ان اهرب من هذا فهرب منه ورجع فرأى في المنام كأنه قد قيل
له: انك قد فعلت ما أمرت به فهل تدرى ما ذاك كان؟ قال: لا قيل
له: أما الجبل فهو الغضب لعبد إذا غضب ير نفسه وجهل قدره من عظم
الغضب فإذا حفظ نفسه وعرف قدره وسكن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة
التي اكلها وأما الطست فهو العمل الصالح إذا كتمه العبد وأخفاه أبي الله عز
وجل إلا أن يظهره ليزينه به مع ما يدخر له من ثواب الآخرة وأما الطير فهو
الرجل الذي يأتيك بنصيحة فاقبله واقبل نصيحته وأما البازي فهو الرجل
الذي يأتيك في حاجه فلا تؤيسه وأما اللحم المنتن فهو الغيبة فأهرب منها.
13 - حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد
بن جعفر بن بطه قال: حدثنا محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن
عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سمعت الرضا عليه السلام
يقول: لا يجتمع المال إلا بخصال خمس ببخل شديد وأمل طويل وحرص غالب
وقطيعة الرحم وايثار الدنيا على الآخرة.
14 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن
أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن علي بن محمد القاساني عن أبي أيوب المديني
عن سليمان بن جعفر الجعفري عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن علي
عليهم السلام ان رسول الله (ص) نهى عن قتل خمسه الصرد والصوام
والهدهد والنحل والنملة والضفدع وأمر بقتل خمسه الغراب والحداء والحية
والعقرب والكلب العقور قال مصنف هذا الكتاب هذا أمر اطلاق ورخصه
أمر وجوب وفرض.
15 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن إدريس عن
محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عن إبراهيم بن حمويه عن محمد بن
عيسى اليقطيني قال: قال الرضا عليه السلام: في الديك الأبيض خمس
خصال من خصال الأنبياء معرفته بأوقات الصلاة والغيرة والسخاء والشجاعة
وكثرة الطروقة.
250

16 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن تاتانه والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن
هشام المكتب وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم
قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم أبيه عن أبيه عن ياسر
الخادم قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن
أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن
أبيه الحسين بن علي عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام
قال: قال رسول الله (ص): يا علي انى سئلت ربي عز وجل فيك خمس خصال
فأعطاني أما أولها فانى سألته ان تنشق الأرض عنى ونفض التراب عن رأذ سي
وأنت معي فأعطاني وأما الثانية فانى سألته ان يقضى عند كفه الميزان وأنت
معي فأعطاني وأما الثالثة فسالت ربي عز وجل ان يجعلك حامل لوائي وهو
لواء الله الأكبر عليه مكتوب: المفلحون هم الفائزون بالجنة فأعطاني واما
الرابعة فانى سألته ان تسقى أمتي من حوضي فأعطاني وأما الخامسة فانى سألته
ان يجعلك قائد أمتي إلى الجنة فأعطاني والحمد لله الذي من على به.
17 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن
محمد بن عيسى بن عبيد عن القاسم بن يحيى عن جده عن يعقوب
الجعفري قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا باس بالعزل في
سته وجوه المرأة التي أيقنت انها لا تلد والمسنة والمرأة السليطة والبذية والمرأة
التي لا ترضع ولدها والأمة قال مصنف هذا الكتاب: يجوز أن يكون أبو
الحسن صاحب هذا الحديث موسى بن جعفر عليهما السلام ويجوز أن يكون
الرضا عليه السلام لأن يعقوب الجعفري قد لقيهما جميعا.
18 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن
هاشم عن أبيه عن أحمد بن عبد الله الخلنجي (1) عن أبي على الحسن بن
راشد قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن تكبيره الافتتاح
فقال: سبع قلت: روى عن النبي (ص) انه كان يكبر واحده فقال إن النبي

1 - الخلنج: شجر كالطرفاء زهره ابيض وأحمر وأصفر وهو دخيل معرب.
251

(ص) كان يكبر واحده يجهر ويسر ستا.
19 - حدثنا محمد بن قاسم الاسترآبادي رضي الله عنه قال: حدثني
يوسف بن محمد بن زياد عن أبيه عن الحسن بن علي عن أبيه عن
محمد بن علي عن أبيه علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه موسى بن
جعفر عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: إن رسول الله (ص) لما اتاه
جبرائيل بنعي النجاشي بكى بكاء حزين عليه وقال: ان أخاكم أصحمة وهو
اسم النجاشي مات ثم خرج إلى الجبانه وكبر سبعا فخفض الله له كل مرتفع
حتى رأى جنازته وهو بالحبشة.
20 - حدثنا أبي رضي الله عنه ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد
رضي الله عنهما قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا
عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال: حدثنا أحمد بن محمد
بن خالد عن أبيه عن بكر بن صالح عن الجعفري قال: سمعت أبا الحسن
عليه السلام يقول: قلموا أظفاركم يوم الثلاثاء واستحموا يوم الأربعاء وأصيبوا
من الحجامة حاجتكم يوم الخميس وتطيبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة.
21 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه قال: حدثنا
أبي عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عن معاوية بن
حكيم عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام قال: لا ينبغي
للرجل ان يدع الطيب في كل يوم فإن لم يقدر فيوم ويوم لا فإن لم يقدر ففي
كل جمعه ولا يدع ذلك
22 - حدثنا أبو الحسن علي بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة قال:
حدثنا إسماعيل بن علي بن رزين ابن أخي دعبل بن علي الخزاعي عن أبيه
قال: حدثنا الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال:
حدثني أبي موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر بن محمد قال: حدثني
أبي محمد بن علي قال: حدثني أبي علي بن الحسين قال: حدثني أبي
الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: إن رسول الله
تلا هذه الآية (لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم
252

الفائزون) (1) فقال (ص): أصحاب الجنة من أطاعني وسلم لعلي بن أبي
طالب عليهما السلام بعدى وأقر بولايته وأصحاب النار من سخط الولاية
ونقض العهد وقاتله بعدى.
23 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن
محمد بن عيسى بن عبيد عن سليمان حفص المروزي (2) قال: كتب إلى
أبو الحسن عليه السلام: قل: في سجده الشكر مأة مره شكرا شكرا وان
شئت عفوا عفوا قال: مصنف هذا الكتاب: لقى سليمان بن حفص موسى
بن جعفر والرضا عليهما السلام جميعا ولا أدرى هذا الخبر عن أيهما هو؟
24 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن
يعقوب بن يزيد عن الحسن بن علي الوشا قال: سمعت الرضا عليه السلام
يقول: إذا نام العبد وهو ساجد قال الله تبارك وتعالى: عبدي قبضت روحه
وهو في طاعتي. 25 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن
محمد بن مهرويه القزويني قال: حدثنا داود بن سليمان الغازي عن أبي
الحسن علي بن موسى الرضا عليهم السلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين
عليهم السلام أنه قال: الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم والعلم كله
حجه إلا ما عمل به والعمل كله رياء الا ما كان مخلصا والاخلاص على
خطر حتى ينظر العبد بما يختم له.
26 - حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي قال: حدثنا أبو محمد
الحسن بن علي الممتع قال: حدثنا حمدان بن المختار قال: حدثنا محمد بن
خالد البرقي قال: حدثني سيدي أبو جعفر محمد بن علي عن أبيه علي بن
موسى الرضا عليه السلام عن أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال:
حدثني الأجلح الكندي عن ابن بريده عن أبيه ان النبي (ص) قال:

1 - سورة الحشر الآية 20.
2 - سليمان بن حفص المروزي ذكره شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (قده) في فهرسته من
أصحاب أبي الحسن الثالث.
253

علي امام كل مؤمن بعدى.
27 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: حدثنا أحمد
بن محمد بن سعيد الكوفي قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال
عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: السجدة بعد الفريضة
شكرا لله تعالى ذكره على ما وفق له العبد من أداء فريضته أدنى ما يجزى فيها من
القول إن يقال: شكرا لله شكرا لله ثلاث مرات قلت: فما معنى قوله شكرا
لله؟ قال: يقول هذه السجدة منى شكرا لله عز وجل على ما وفقني له من
خدمته وأداء فرائضه والشكر موجب للزيادة فإن كان في الصلاة تقصير لم يتم
بالنوافل تم بهذه السجدة.
28 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن
يعقوب بن يزيد عن إسماعيل بن موسى عن أخيه علي بن موسى الرضا
عن أبيه عن جده قال سئل علي بن الحسين عليه السلام ما بال
المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها؟ قال: لأنهم خلوا بالله فكساهم الله
من نوره.
29 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار
عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن أسباط عن محمد بن علي
ابن أبي عبد الله عن أبي الحسن عليه السلام في قول الله عز وجل:
(ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله) (1) قال:
صلاه الليل
30 - حدثنا محمد بن القاسم الاسترآبادي المفسر رضي الله عنه قال:
حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما عن
الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن أبيه عن جده عليهم
السلام قال: جاء رجل إلى الرضا عليه السلام فقال له: يا بن رسول الله

1 - سورة الحديد: الآية 27).
254

اخبرني عن قول الله عز وجل (الحمد لله رب العالمين) ما تفسيره؟ فقال:
لقد حدثني أبي عن جدي عن الباقر عن زين العابدين عن أبيه عليهم
السلام ان رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: اخبرني عن قول الله
عز وجل (الحمد لله رب العالمين) ما تفسيره؟ فقال: الحمد لله هو ان
عرف عباده بعض نعمه عليهم جملا إذ لا يقدرون على معرفه جميعها بالتفصيل
لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف فقال لهم: قولوا الحمد لله على ما أنعم
به علينا رب العالمين وهم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات والحيوانات
وأما الحيوانات فهو يقلبها في قدرته ويغذوها من رزقه ويحوطها بكنفه ويدبر كلا
منها بمصلحته واما الجمادات فهو يمسكها بقدرته ويمسك المتصل منها ان
يتهافت (1) ويمسك المتهافت منها ان يتلاصق ويمسك السماء ان تقع على الأرض إلا
باذنه ويمسك الأرض ان تنخسف إلا بأمره انه بعباده لرؤف رحيم وقال عليه
السلام: رب العالمين مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم من حيث يعلمون
ومن حيث لا يعلمون فالرزق مقسوم وهو يأتي ابن آدم على أي سيره سارها
من الدنيا ليس تقوى متق بزايدة ولا فجور فاجر بناقصة وبينه وبينه ستر وهو
طالبه فلو ان أحدكم يفر من رزقه لطلبه رزقه كما يطلبه الموت فقال الله جل
جلاله قولوا الحمد لله على ما أنعم به علينا وذكرنا به من خير في كتب
الأولين قبل ان نكون ففي هذا ايجاب على محمد وآل محمد (ص) وعلى شيعتهم
ان يشكروه بما فضلهم وذلك أن رسول الله (ص) قال: لما بعث الله عز وجل
موسى بن عمران عليه السلام واصطفاه نجيا وفلق له البحر ونجا بني إسرائيل
وأعطاه التوراة والألواح رأى مكانه من ربه عز وجل فقال: يا رب لقد
أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي فقال الله جل جلاله يا موسى اما
علمت أن محمدا عندي أفضل من جميع ملائكتي وجميع خلقي قال موسى عليه
السلام: يا رب فإن كان محمد (ص) أكرم عندك من جميع خلقك فهل في
آل الأنبياء أكرم من آلي؟ قال الله جل جلاله: يا موسى اما علمت أن فضل
آل محمد على جميع آل النبيين كفضل محمد على جميع المرسلين فقال موسى: يا

1 - التهافت: التساقط.
255

رب فإن كان آل محمد كذلك فهل في أمم الأنبياء أفضل عندك من أمتي ظللت
عليهم الغمام وأنزلت عليهم المن والسلوى وفلقت لهم البحر فقال الله جل
جلاله يا موسى اما علمت أن فضل أمه محمد على جميع الأمم كفضله على جميع
خلقي فقال موسى عليه السلام: يا رب ليتني كنت أراهم فأوحى الله عز
وجل إليه: يا موسى انك لن تراهم وليس هذا أوان ظهورهم ولكن سوف
تراهم في الجنات جنات عدن والفردوس بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون وفي
خيراتها يتبحبحون (1) أفتحب ان أسمعك كلامهم؟ فقال: نعم الهى قال الله
جل جلاله قم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك
الجليل ففعل ذلك موسى عليه السلام: فنادى ربنا عز وجل يا أمه محمد
فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم وارحام أمهاتهم لبيك اللهم
لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك قال
فجعل الله عز وجل تلك الإجابة شعار الحاج ثم نادى ربنا عز وجل: يا أمه
محمد ان قضائي عليكم ان رحمتي سبقت غضبي وعفوي قبل عقابي فقد
استجبت لكم من قبل ان تدعوني وأعطيتكم من قبل ان تسألوني من لقيني
منكم بشهادة لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله
صادق في أقواله محق في أفعاله وان علي بن أبي طالب اخوه ووصيه من بعده
ووليه ويلتزم طاعته يلتزم طاعة محمد وان أوليائه المصطفين الطاهرين
المطهرين المنبئين بعجائب آيات الله ودلائل حجج الله من بعدهما أوليائه أدخلته
جنتي وإن كانت ذنوبه مثل زبد البحر قال عليه السلام: فلما بعث الله عز
وجل نبينا محمدا (ص) قال يا محمد (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) (2)
أمتك بهذه الكرامة ثم قال عز وجل لمحمد (ص): قل: الحمد لله رب العالمين
على ما اختصني به من هذه الفضيلة وقال لامته: قولوا أنتم: الحمد لله رب
العالمين على ما اختصنا به من هذه الفضائل.
31 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن

1 - بحبح الرجل بحبحبه وبحباحا وتبحبح تبحبحا إذا تمكن في المقام والحلول.
2 - سورة القصص (الآية 46).
256

هاشم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألت أبا
الحسن الرضا عليه السلام عن الحرم واعلامه كيف صار بعضها أقرب من بعض
وبعضها أبعد من بعض؟ فقال: ان الله عز وجل لما اهبط آدم عليه السلام من
الجنة اهبط على أبي قبيس فشكى إلى ربه عز وجل الوحشة وانه لا يسمع ما كان
يسمع في الجنة فاهبط الله عز وجل إليه ياقوتة حمراء فوضعها في موضع
البيت فكان يطوف بها آدم عليه السلام وكان ضوءها يبلغ موضع الاعلام
فعلمت الاعلام على ضوءها فجعله الله حرما.
32 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال:
حدثنا محمد بن الحسين الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي همام
إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا عليه السلام نحو هذا. وحدثنا
محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن
الصفار عن العباس بن معروف عن صفوان بن يحيى قال: سأل أبو
الحسن عليه السلام عن الحرم واعلامه فذكر مثله سواء.
33 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا
علي بن الحسين السعد آبادي قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن
عبد العظيم بن عبد الله الحسنى قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي الرضا
عليه السلام قال: حدثني أبي الرضا علي بن موسى عليه السلام قال:
سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهم السلام يقول دخل عمرو بن عبيد
البصري على أبي عبد الله عليه السلام فلما سلم وجلس عنده تلا هذه الآية قول
الله عز وجل: (الذين يجتنبون كبائر الاثم) (1) ثم أمسك فقال له أبو عبد
الله عليه السلام: ما أسكتك؟ قال: أحب اعرف الكبائر من كتاب الله عز
وجل فقال: نعم يا عمرو أكبر الكبائر الشرك بالله يقول الله عز وجل:
(انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة وماويه النار وما للظالمين من
أنصار) (2) وبعده الياس من روح الله لأن الله عز وجل يقول: (ولا

1 - سورة الشورى (الآية 37).
2 - سورة المائدة: الآية 72.
257

تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (1) والامن
من مكر الله عز وجل لأن الله عز وجل يقول: (ولا يأمن مكر الله إلا القوم
الخاسرون) (2) ومنها عقوق الوالدين لأن عز وجل جعل العاق جبارا شقيا في
قوله حكاية قال عيسى عليه السلام: (وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا
شقيا) (3) وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق لأن الله عز وجل يقول:
(ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) (4) إلى آخر الآية
وقذف المحصنات لأن الله تبارك وتعالى يقول: (ان الذين يرمون المحصنات
الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) (5) واكل مال
اليتيم لقوله عز وجل (ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في
بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) (6) والفرار من الزحف لان الله عز وجل
يقول: (ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء
بغضب من الله وماويه جهنم وبئس المصير) (7) واكل الربوا لان الله عز وجل
يقول: (الذين يأكلون الربوا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان
من المس) (8) والسحر لان الله عز وجل يقول: (ولقد علموا لمن اشتريه ما
له في الآخرة من خلاق) (9) والزنا لأن الله عز وجل يقول: (ومن يفعل
ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب) (10)
واليمين الغموس (11) لان الله عز وجل يقول: (ان الذين يشترون بعهد الله

1 - سورة يوسف: الآية 87.
2 - سورة الأعراف: الآية 99.
3 - سورة مريم: الآية 32.
4 - سورة النساء: الآية 94.
5 - سورة النور: الآية 23.
6 - سورة النساء: الآية 10.
7 - سورة الأنفال: الآية 16. الزحف: الجيش يزحف إلى عدوه تسمية بالمصدر لأنه يظهر
كأنه يزحف لكثرته وثقل حركته.
8 - سورة البقرة: الآية 275.
9 - سورة البقرة: الآية 102.
10 - سورة الفرقان: الآية 68 و 69 و 70.
11 - اليمين الغموس: الكاذبة التي يتعمدها صاحبها عالما بان الامر بخلافه.
258

وايمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) (1) الآية والغلول يقول الله
عز وجل: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) (2) ومنع الزكاة المفروضة
لأن الله عز وجل يقول: (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى جباههم
وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) (3)
وشهادة الزور وكتمان الشهادة لان الله عز وجل يقول: (والذين لا
يشهدون الزور) (4) الآية ويقول: (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) (5) وشرب
الخمر لان الله عز وجل عدل بها عباده الأوثان وترك الصلاة متعمدا وشيئا مما
فرض الله عز وجل لأن رسول الله (ص) قال: من ترك الصلاة متعمدا من
غير عله فقد برئ من ذمه الله وذمه رسوله ونقض العهد وقطيعة الرحم
لأن الله عز وجل يقول: (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) (6) قال: فخرج
عمرو بن عبيد وله صراخ من بكائه وهو يقول: هلك والله من قال برأيه
ونازعكم في الفضل والعلم.
34 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن سليمان الرازي
قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أحمد بن محمد بن أبي نصر
البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت كيف كان أول
الطيب؟ فقال لي: ما يقول من قبلكم فيه؟ قلت: يقولون: ان آدم لما هبط
بأرض الهند فبكى على الجنة سالت دموعه فصارت عروقا في الأرض فصارت
طيبا فقال: ليس كما يقولون ولكن حواء كانت تغلف (7) قرونها من أطراف
شجر الجنة فلما هبطت إلى الأرض وبليت بالمعصية رأت الحيض فأمرت
بالغسل فنقضت قرونها فبعث الله عز وجل ريحا طارت به وخفضته فذرت حيث

1 - سورة آل عمران: الآية 77.
2 - سورة آل عمران: الآية 161. يقال: لا أغلال ولا اسلال اي لا خيانة ولا سرقة ولا
رشوة.
3 - سورة التوبة: الآية 355.
4 - سورة الفرقان: الآية 73.
5 - سورة البقرة: الآية 283.
6 - سورة الرعد: الآية 25.
7 - غلف القارورة والكتاب وغيرهما: جعلها في غلاف غلف لحيته بالغالية ضمخها بها.
259

شاء عز وجل فمن ذلك الطيب.
35 - حدثنا محمد بن أحمد بن السناني رضي الله عنه قال: حدثنا محمد
بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا سهل بن زياد الآدمي عن عبد العظيم
بن عبد الله الحسنى قال: حدثني علي بن محمد العسكري عن أبيه محمد بن علي
عن أبيه الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه عليهم السلام
قال: يكره للرجل ان يجامع في أول ليله من الشهر وفي وسطه وفي آخره فإنه
من فعل ذلك خرج الولد مجنونا الا ترى؟ ان المجنون أكثر ما يصرع في أول
الشهر ووسطه وآخره وقال عليه السلام؟ من تزوج والقمر في العقرب لم ير
الحسنى وقال عليه السلام: من تزوج في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد.
36 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن إدريس قال:
حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عن محمد بن عيسى بن
عبيد رفعه إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال: لا يزال العبد يسرق
حتى إذا استوفى ثمن دية يده أظهره الله عليه.
37 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا القاسم بن محمد بن علي بن
إبراهيم النهاوندي عن صالح بن راهويه عن أبي حيون مولى الرضا عليه
السلام قال: نزل جبرئيل على النبي (ص) فقال: يا محمد ان ربك
يقرئك السلام ويقول: ان الابكار من النساء بمنزله الثمر على الشجر فإذا أينع
الثمر فلا دواء له إلا إجتناؤه والا أفسدته الشمس وغيرته الريح وان الابكار
إذا أدركن ما يدركن النساء فلا دواء لهن إلا البعول وإلا لم يؤمن عليهن الفتنة
فصعد رسول الله (ص) المنبر فخطب الناس ثم اعلمهم ما أمرهم الله به
فقالوا: ممن يا رسول الله؟ فقال: من الأكفاء فقالوا: ومن الأكفاء؟
فقال: المؤمنون بعضهم اكفاء بعض ثم لم ينزل حتى زوج ضباعة (1) بنت
زبير بن عبد المطلب لمقداد بن اسود ثم قال: أيها الناس إنما زوجت ابنه
عمى المقداد ليتضع النكاح.

1 - ضباعة كثمامة من الصحابيات بنت زبير بن عبد المطلب من القاموس.
260

38 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا عبد الله بن جعفر
الحميري عن الريان بن الصلت قال: جاء قوم بخراسان إلى الرضا عليه
السلام فقالوا: إن قوما من أهل بيتك يتعاطون أمورا قبيحة فلو نهيتهم
عنها! فقال: لا افعل فقيل: ولم؟ قال: لانى سمعت أبي يقول:
النصيحة خشنه (1)
39 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن
هاشم عن أبيه عن أبي حيون مولى الرضا عليه السلام قال: من رد متشابه
القرآن إلى محكمة هدى إلى صراط مستقيم ثم قال: إن في اخبارنا متشابها
كمتشابه القرآن ومحكما كمحكم القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا
متشابهها دون محكمها فتضلوا.
40 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: حدثنا أحمد
بن محمد بن سعيد الهمداني عن علي بن الحسن بن علي بن فضال عن
أبيه عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: من صام أول
يوم من رجب رغبه في ثواب الله عز وجل وجبت له الجنة ومن صام يوما في
وسطه شفع في مثل ربيعه ومضر (2) ومن صام يوما في آخره جعله الله عز وجل
من ملوك الجنة وشفعه في أبيه وأمه وابنه وابنته وأخته وأخيه وعمه وعمته وخاله
وخالته ومعارفه وجيرانه وإن كان فيهم مستوجبا للنار.
41 - حدثنا محمد بن القاسم المعروف بابى الحسن المفسر الجرجاني رضي الله عنه
قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن
أبويهما عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن آبائه عليهم السلام قال: قال

1 - لعله محمول على إثارة الفتنة.
2 - ربيعة قبيلة عربية كانت مع مضر من أقوى القبائل في الجاهلية رحلت من بلاد اليمن إلى
شمالي الجزيرة العربية ثم إلى شمالي بلاد الفرات سمي جدها الاعلى ربيعة الفرس لان نزارا أباه أورثه
الخيل المنجد. مضر بن نزار بن سعد بن عدنان: أبو قبيلة مشهورة وقال ابن سيدة: سمي به لولعه
بشرب الماضر أو لبياض لونه. من البستان.
261

رسول الله (ص) لأصحابه ذات يوم: يا عبد الله احبب في الله وابغض في
الله ووال في الله وعاد في الله فإنه لا تنال ولايه الله إلا بذلك ولا يجد رجل
طعم الايمان وان كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك وقد صارت مواخاة
الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا عليها يتوادون وعليها يتباغضون وذلك
لا يغنى عنهم من الله شيئا فقال له: وكيف لي ان اعلم انى قد واليت وعاديت
في الله عز وجل ومن ولى الله حتى أواليه ومن عدوه حتى أعاديه؟ فأشار رسول
الله (ص) إلى علي عليه السلام فقال: أترى هذا؟ فقال: بلى قال ولى
هذا ولى الله فواله وعدو هذا عدو الله فعاده ووال ولى هذا ولو أنه قاتل أبيك
وولدك وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك.
42 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدثنا
أحمد بن محمد الهمداني قال: أخبرنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن
أبيه قال: سمعت علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: من استغفر
الله تبارك وتعالى في شعبان سبعين مره غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل عدد
النجوم.
43 - حدثنا حمزه بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام بقم في رجب سنه تسع وثلاثين
وثلاث مأة قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم سنه سبع وثلاثمأة عن
أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى
الرضا عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال:
قال رسول الله (ص): من أحب ان يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة
الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فليوال عليا بعدى وليعاد عدوه وليأتم
بالأئمة الهداة من ولده فإنهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدى
وساده أمتي وقاده الأتقياء إلى الجنة حزبهم حزبي وحزبي حزب الله عز وجل
وحزب أعدائهم حزب الشيطان.
44 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن
الحسين السعد آبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن عبد العظيم
262

بن عبد الله الحسنى عن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن أبيه الرضا عليه السلام
قال: دخل موسى بن جعفر عليهم السلام على هارون الرشيد وقد استحفه
الغضب على رجل فقال: إنما تغضب لله عز وجل فلا تغضب له بأكثر مما
غضب على نفسه.
45 - حدثنا محمد بن بكران النقاش ومحمد بن إبراهيم بن إسحاق
المؤدب رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الهمداني عن علي بن
الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال: سالت علي بن موسى الرضا عليهما
السلام عن ليله النصف من شعبان قال: هي ليله يعتق الله فيها الرقاب من
النار ويغفر فيها الذنوب الكبار قلت: فهل فيها صلاه زيادة على صلاه
سائر الليالي فقال: ليس فيها شئ موظف ولكن ان أحببت ان تتطوع فيها
بشئ فعليك بصلاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام (1) وأكثر فيها من ذكر الله
عز وجل ومن الاستغفار والدعاء فإن أبي عليه السلام كان يقول: الدعاء فيها
مستجاب قلت له: ان الناس يقولون: انها ليله الصكاك فقال: تلك ليله
القدر في شهر رمضان.
46 - وبهذا الاسناد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام عن أبيه عن
آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله (ص): ان شهر رمضان
شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات
من تصدق في هذا الشهر بصدقه غفر الله له ومن أحسن فيه إلى ما ملكت
يمينه غفر الله له ومن حسن فيه خلقه غفر الله له ومن كظم فيه غيظه غفر
الله له ومن وصل فيه رحمه غفر الله له ثم قال عليه السلام: ان شهركم
هذا ليس كالشهور انه إذا اقبل إليكم اقبل بالبركة والرحمة وإذا أدبر عنكم

1 - وفي هامش مصباح الكفعمي: هذه الصلاة تسمى صلاة التسبيح وصلاة الحبوة واعلم أن
الرواية رواها المفضل بن عمر قال: رأيت الصادق عليه السلام صلى صلاة جعفر بن أبي طالب
ورفع يده ودعا بما هو مذكور في الأصل وقال: يا مفضل إذا كانت لك حاجة مهمة إلى الله فصل
هذه الصلاة وادع بهذا الدعاء وسل حاجتك تقضي انشاء الله تعالى فراجع (ص 408) من الكتاب.
263

أدبر بغفران الذنوب هذا شهر الحسنات فيه مضاعفة واعمال الخير فيه
مقبوله من صلى منكم في هذا الشهر لله عز وجل ركعتين يتطوع بهما غفر الله
له ثم قال عليه السلام: ان الشقي حق الشقي من خرج عنه هذا الشهر ولم
يغفر ذنوبه فيخسر حين يفوز المحسنون بجوائز الرب الكريم.
47 - حدثنا حمزه بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: اخبرني علي بن إبراهيم بن
هاشم سنه سبع وثلاثمأة قال: حدثني أبي عن علي بن معبد عن الحسين
بن خالد عن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن علي
عليهم السلام قال: قال رسول الله (ص): يا علي أنت اخى ووزيري
وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة وأنت صاحب حوضي من أحبك أحبني
ومن أبغضك أبغضني.
48 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان ومحمد بن بكران النقاش ومحمد بن
إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنهم قالوا: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد
الهمداني قال: أخبرنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال:
قال الرضا عليه السلام: من تذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكى
العيون ومن جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلب.
49 - قال وقال الرضا عليه السلام: في قول الله عز وجل: (ان
أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها) (1) قال: عليه السلام ان أحسنتم
أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها رب يغفر لها.
50 - قال: وقال الرضا عليه السلام: في قول الله عز وجل: (فاصفح
الصفح الجميل) (2) قال: العفو من غير عتاب.
51 - قال وقال الرضا عليه السلام: في قول الله عز وجل: (وهو

1 - سورة الإسراء: الآية 7.
2 - سورة الحجر: الآية 85.
264

الذي يريكم البرق خوفا وطمعا) (1) قال عليه السلام خوفا للمسافر وطمعا
للمقيم.
52 - قال: وقال الرضا عليه السلام: من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه
فليكثر من الصلاة على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدما وقال: الصلاة
على محمد وآله تعدل عند الله عز وجل التسبيح والتهليل والتكبير.
53 - حدثنا محمد بن بكر بن النقاش وأحمد بن الحسن القطان ومحمد بن
أحمد بن إبراهيم المعاذي ومحمد بن إبراهيم بن إسحاق المكتب قالوا: حدثنا
أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم قال: حدثنا علي بن
الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا
عليه السلام عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه الصادق جعفر بن محمد
عن أبيه الباقر محمد بن علي عن أبيه زين العابدين علي بن الحسين عن أبيه
سيد الشهداء الحسين بن علي عن أبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليهم الصلاة والسلام قال: إن رسول الله (ص) خطبنا ذات يوم
فقال: أيها الناس انه اقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو
عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل
الساعات وشهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله
أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عباده وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه
مستجاب فاسألوا الله ربكم بنيات صادقه وقلوب طاهره ان يوفقكم لصيامه
وتلاوة كتابه فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم واذكروا
بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه وتصدقوا على فقرائكم
ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم
وغضوا عما لا يحل الاستماع إليه استماعكم وتحننوا على أيتام الناس كما
يتحنن على أيتامكم وتوبوا إلى الله من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في
أوقات صلواتكم فإنها أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى
عباده يجيبهم ناجوه ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه أيها الناس

1 - سورة الرعد: الآية 12.
265

ان أنفسكم مرهونة باعمالكم ففكوها باستغفاركم وظهوركم ثقيله من
أوزاركم فخففوا عنها بطول سجودكم واعلموا ان الله تعالى ذكره أقسم بعزته ان
لا يعذب المصلين والساجدين وان لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب
العالمين أيها الناس من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند
الله عز وجل عتق رقبه ومغفرة لما مضى من ذنوبه فقيل له: يا رسول الله
ليس كلنا يقدر على ذلك فقال (ص): اتقوا النار ولو بشق تمره اتقوا النار ولو
بشربه من ماء أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازا
على الصراط يوم تزل فيه الاقدام ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه
خفف الله عليه حسابه ومن كف فيه شره كفف عنه غضبه يوم يلقاه ومن
أكرم فيه يتيما أكرمه الله يوم يلقاه ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم
يلقاه ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه ومن تطوع فيه بصلاة
كتب الله له براءة من النار ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين
فريضة فيما سواه من الشهور ومن أكثر فيه من الصلاة على ثقل الله ميزانه يوم
تخف الموازين ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل اجر من ختم القرآن في
غيره من الشهور أيها الناس ان أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحه فاسألوا
ربكم ان لا يغلقها عليكم وأبواب النيران مغلقه فاسألوا ربكم ان لا يفتحها
عليكم والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم ان لا يسلطها عليكم قال أمير
المؤمنين عليه السلام فقمت فقلت: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في
هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن
محارم الله عز وجل ثم بكى فقلت: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: يا
علي ابكى لما يستحل منك في هذا الشهر كأني بك وأنت تصلى لربك وقد
انبعث أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربه على
قرنك فخضب منها لحيتك قال أمير المؤمنين عليه السلام: فقلت: يا
رسول الله وذلك في سلامه من ديني؟ فقال: (ص) في سلامه من دينك ثم
قال: يا علي من قتلك فقد قتلني ومن أبغضك فقد أبغضني ومن سبك فقد
سبني لأنك منى كنفسي روحك من روحي وطينتك من طينتي ان الله
تبارك وتعالى خلقني وإياك واصطفاني وإياك واختارني للنبوة واختارك للإمامة فمن
266

أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي يا علي أنت وصيي وأبو ولدى وزوج ابنتي
وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتى امرك امرى ونهيك نهيي أقسم بالذي
بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية انك لحجه الله على خلقه وأمينه على سره
وخليفته على عباده
54 - حدثنا محمد بن القاسم المفسر رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد
بن الحسن الحسيني عن الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه
محمد بن علي عن أبيه الرضا علي بن موسى عن موسى بن جعفر عن أبيه
جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين بن علي
قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه وإنما
هو كفنه ويبنى بيتا ليسكنه وإنما هو موضع قبره.
55 - وبهذا الاسناد قال: قيل لأمير المؤمنين: ما الاستعداد للموت؟
قال: أداء الفرائض واجتناب المحارم والاشتمال على المكارم ثم لا يبالي ان
وقع على الموت أو الموت وقع عليه والله لا يبالي ابن أبي طالب ان وقع على
الموت أو الموت وقع عليه.
56 - وبهذا الاسناد قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: في بعض
خطبته: أيها الناس: إلا أن الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء فخذوا من ممركم
لمقركم ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه اسراركم وأخرجوا من
الدنيا قلوبكم من قبل ان تخرج منها أبدانكم ففي الدنيا حييتم ولآخرة خلقتم
إنما الدنيا كالسم يأكله من لا يعرفه ان العبد إذا مات قالت الملائكة:
قدم وقال: الناس ما اخر؟ فقدموا فضلا يكن لكم ولا تؤخروا كيلا يكون
حسرة عليكم فإن المحروم من حرم خير ماله والمغبوط من ثقل بالصدقات
والخيرات موازينه وأحسن في الجنة بها مهاده وطيب على الصراط بها مسلكه.
57 - حدثنا محمد بن بكران النقاش في مسجد الكوفة ومحمد بن إبراهيم
بن إسحاق المكتب رضي الله عنه بالري قالا: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد
الهمداني مولى بني هاشم قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن
أبيه عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: من ترك السعي
267

في حوائجه يوم عاشورا قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ومن كان يوم
عاشورا يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عز وجل القيامة يوم فرحه
وسروره وقرت بنا في الجنان عينه ومن سمى يوم عاشورا يوم بركه وادخر فيه
لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادخر وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد
وعمر بن سعد لعنهم الله تعالى إلى أسفل دركه من النار.
58 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الريان بن شبيب قال: دخلت على الرضا
عليه السلام في أول يوم من المحرم فقال: يا ابن شبيب أصائم أنت؟ قلت:
لا فقال: ان هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا عليه السلام ربه عز
وجل فقال: (رب هب لي من لدنك ذريه طيبه انك سميع الدعاء) (1)
فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكريا (وهو قائم يصلى في المحراب ان
الله يبشرك بيحيى) فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله عز وجل استجاب الله له
كما استجاب الله لزكريا ثم قال: يا ابن شبيب ان المحرم هو الشهر الذي كان
أهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته فما عرفت هذه الأمة حرمه
شهرها ولا حرمه نبيها لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نساؤه وانتهبوا
ثقله فلا غفر الله لهم ذلك ابدا يا ابن شبيب ان كنت باكيا لشئ فابك
للحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فإنه ذبح كما يذبح الكبش وقتل معه من
أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيهون ولقد بكت السماوات
السبع والأرضون لقتله ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف
لنصره فلم يؤذن لهم فهم عند قبره شعث (2) غبر إلى أن يقوم القائم عليه
السلام فيكونون من أنصاره وشعارهم يا لثارات الحسين عليه السلام يا بن
شبيب لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده عليهم السلام انه لما قتل جدي
الحسين صلوات الله عليه أمطرت السماء دما وترابا احمر يا بن شبيب ان بكيت

1 - سورة آل عمران: الآية 38.
2 - الشعث ككتف: المغبر الرأس الشعث بالفتح: انتشار الامر وخلله كالشعث بالتحريك.
3 - أصله يا آل ثارات فحذفت الهمزة من الال للتخفيف فصار يا لثارات وهو مثل يالبكر
أصله يا آل بكر.
268

على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيرا
كان أو كبيرا قليلا كان أو كثيرا يا بن شبيب ان سرك ان تلقى الله عز وجل ولا
ذنب عليك فزر الحسين عليه السلام يا بن شبيب ان سرك ان تسكن الغرف
المبنية في الجنة مع النبي (ص) فالعن قتله الحسين يا بن شبيب ان سرك أن يكون
لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين بن علي عليه السلام
فقل متى ذكرته: ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما يا بن شبيب ان سرك
أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا وأفرح لفرحنا وعليك
بولايتنا فلو ان رجلا أحب حجرا لحشره الله عز وجل معه يوم القيامة.
59 - حدثنا محمد بن القاسم المفسر الاسترآبادي رضي الله عنه قال:
حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما عن
الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الرضا
علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه
محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله: قال الله
عز وجل: قسمت فاتحه الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي
ولعبدي ما سال إذا قال العبد (بسم الله الرحمن الرحيم) قال الله جل
جلاله: بدأ عبدي باسمي وحق على أن أتمم له أموره وأبارك له في أحواله
فإذا قال: (الحمد لله رب العالمين) قال الله جل جلاله: حمدني عبدي وعلم أن
النعم التي له من عندي وان البلايا التي دفعت عنه فبطولي أشهدكم انى
أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة وادفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا
الدنيا فإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله جل جلاله: شهد لي عبدي
انى الرحمن الرحيم أشهدكم لأوفرن من رحمتي حظه ولأجزلن من عطائي
نصيبه فإذا قال: (مالك يوم الدين) قال الله جل جلاله: أشهدكم كما
اعترف انى انا مالك يوم الدين لأسهلن يوم الحساب حسابه ولا تجاوزن عن
سيئاته فإذا قال: (إياك نعبد) قال الله عز وجل: صدق عبدي إياي يعبد
أشهدكم لأثيبنه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي فإذا قال:
(وإياك نستعين) قال الله عز وجل: بي استعان عبدي والتجأ إلى أشهدكم
269

لأعيننه على امره ولأغيثنه في شدائده ولآخذن بيده يوم نوائبه فإذا قال:
(اهدنا الصراط المستقيم) إلى آخر السورة قال الله عز وجل: هذا
لعبدي ولعبدي ما سال فقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمل وآمنته مما منه
وجل قال: وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن
(بسم الله الرحمن الرحيم) أهي من فاتحه الكتاب؟ فقال: نعم: كان
رسول الله (ص) يقرأها ويعدها آية منها ويقول: فاتحه الكتاب هي السبع
المثاني.
60 - حدثنا محمد بن القاسم المفسر المعروف بابى الحسن الجرجاني رضي الله عنه
قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن
أبويهما عن الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي
عن أبيه الرضا علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن
محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي
عن أخيه الحسن بن علي عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه
السلام: ان بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحه الكتاب وهي سبع آيات
تمامها (بسم الله الرحمن الرحيم) سمعت رسول الله (ص) يقول: إن الله عز
وجل قال لي: يا محمد (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) (1)
فأفرد الامتنان على بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم وان فاتحه الكتاب
أشرف ما في كنوز العرش وان الله عز وجل خص محمدا (ص) وشرفه بها ولم
يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان عليه السلام فإنه أعطاه منها
(بسم الله الرحمن الرحيم): يحكى عن بلقيس حين قالت: (القي إلي
كتاب كريم انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم) (2) إلا فمن قراها
معتقدا لموالاه محمد وآله الطيبين منقادا لأمرها مؤمنا بظاهرهما وباطنهما أعطاه الله
عز وجل بكل حرف منها حسنه كل واحده منها أفضل من الدنيا وما فيها
من أصناف أموالها وخيراتها ومن استمع إلى قارئ يقرؤها كان له بقدر ما

1 - سورة الحجر: الآية 87.
2 - سورة النحل: الآية 29 و 30.
270

للقارئ فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم فإنه غنيمة لا يذهبن
أوانه فتبقى قلوبكم في الحسرة.
61 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الريان الصلت عن الرضا علي بن
موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد
بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي قال: رأى أمير
المؤمنين عليه السلام رجلا من شيعته من بعد عهد طويل وقد اثر السن فيه
وكان يتجلد في مشيته فقال عليه السلام كبر سنك يا رجل قال: في طاعتك
يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام: أجد فيك بقيه قال: هي لك يا أمير
المؤمنين.
62 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق المؤدب رضي الله عنه قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن
فضال عن أبيه عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه
موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه
علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام قال لما حضرت
الحسن بن علي الوفاة بكى فقيل له: يا ابن رسول الله أتبكي ومكانك من
رسول الله (ص) مكانك الذي أنت فيه وقد قال: رسول الله (ص) فيك ما قال
وقد حججت عشرين حجه ماشيا وقد قاسمت ربك مالك ثلاث مرات حتى
النعل وبالنعل فقال: إنما ابكى لخصلتين لهول المطلع وفراق الا حبه.
63 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا الحسين بن أحمد المالكي
عن أبيه عن إبراهيم بن أبي محمود عن علي بن موسى الرضا عن أبيه
موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه
علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام قال: قال رسول
الله (ص) يا علي أنت المظلوم من بعدى فويل لمن ظلمك واعتدى عليك
وطوبى لمن تبعك ولم يختر عليك يا علي أنت المقاتل بعدى فويل لمن قاتلك
وطوبى لمن قاتل معك يا علي أنت الذي تنطق بكلامي وتتكلم بلساني بعدى
271

فويل لمن رد عليك وطوبى لمن قبل كلامك يا علي أنت سيد هذه الأمة بعدى
وأنت امامها وخليفتي عليها من فارقك فارقني يوم القيامة ومن كان معك
كان معي يوم القيامة يا علي أنت أول من آمن بي وصدقني وأنت أول من أعانني
على امرى وجاهد معي عدوى وأنت أول من صلى معي والناس يومئذ في غفله
الجهالة يا علي أنت أول من تنشق عنه الأرض معي وأنت أول من يحوز
الصراط معي وان ربي عز وجل أقسم بعزته انه لا يجوز عقبه الصراط إلا من
معه براءة بولايتك وولاية الأئمة من ولدك وأنت أول من يرد حوضي تسقى
منه أولياؤك وتذود عنه أعدائك وأنت صاحبي إذا قمت المقام المحمود تشفع
لمحبينا فتشفع فيهم وأنت أول من يدخل الجنة وبيدك لوائي وهو لواء الحمد
وهو سبعون شقه الشقة منه أوسع من الشمس والقمر وأنت صاحب شجره
طوبى في الجنة أصلها في دارك في دور شيعتك ومحبيك قال إبراهيم
بن أبي محمود: فقلت للرضا: يا بن رسول الله ان عندنا اخبارا في فضائل أمير
المؤمنين عليه السلام وفضلكم أهل البيت وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف
مثلها عندكم أفندين بها؟ فقال: يا ابن أبي محمود لقد اخبرني أبي عن
أبيه عن جده عليه السلام ان رسول الله (ص) قال: من اصغي إلى ناطق
فقد عبده فإن كان الناطق عن الله عز وجل فقد عبد الله وإن كان الناطق
عن إبليس فقد عبد إبليس ثم قال الرضا: يا ابن أبي محمود ان مخالفينا
وضعوا اخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها الغلو وثانيها
التقصير في أمرنا وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فإذا سمع الناس الغلو فينا
كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا
وإذا سمعوا مثالب أعداءنا بأسمائهم ثلبونا بأسماءنا وقد قال الله عز وجل:
(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) (1) يا ابن
أبي محمود إذا اخذ الناس يمينا وشمالا فالزم طريقتنا فإنه من لزمنا لزمناه
ومن فارقنا فارقناه ان أدنى ما يخرج به الرجل من الايمان أن يقول للحصاة
هذه نواه ثم يدين بذلك ويبرء ممن خالفه يا بن أبي محمود احفظ ما حدثتك
به فقد جمعت لك خير الدنيا والآخرة.

1 - سورة الأنعام: الآية 108.
272

64 - حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن صقر الصائغ وأبو الحسن علي بن
محمد بن مهرويه قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا أبي
قال: حدثنا الحسن بن الفضل أبو محمد مولى الهاشميين بالمدينة قال: حدثنا
علي بن موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام قال: ارسل أبو
جعفر الدوانيقي إلى جعفر بن محمد عليهما السلام ليقتله وطرح له سيفا وطعنا
وقال للربيع: إذا انا كلمته ثم ضربت بإحدى يدي على الأخرى فاضرب
عنقه فلما دخل جعفر بن محمد عليه السلام ونظر إليه من بعيد يحرك شفتيه
وأبو جعفر فراشه وقال: مرحبا وأهلا بك يا أبا عبد الله ما أرسلنا إليك
إلا رجاء ان نقضي دينك ونقضي ذمامك ثم سائله مسائله لطيفه عن أهل
بيته وقال: قد قضى الله دينك واخرج حائزتك يا ربيع لا تمضين ثالثه حتى
يرجع جعفر إلى أهله فلما خرج قال له الربيع: يا أبا عبد الله أرأيت السيف
إنما كان وضع لك والنطع فأي شئ رأيتك تحرك به شفتيك؟ قال جعفر عليه
السلام: نعم يا ربيع لما رأيت الشر وجهه قلت: حسبي الرب من
المربوبين وحسبي الخالق من المخلوقين وحسبي الرازق من المرزوقين وحسبي الله
رب العالمين حسبي من هو حسبي حسبي من لم يزل حسبي حسبي الله لا اله
إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
65 - حدثنا محمد بن القاسم الاسترآبادي المفسر رضي الله عنه قال:
حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما عن
الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الرضا
علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عليهم السلام قال: قال جعفر بن
محمد الصادق عليهم السلام في قول الله عز وجل: (اهدنا الصراط
المستقيم) قال: يقول: ارشدنا إلى الطريق المستقيم أي ارشدنا للزوم الطريق
المؤدى إلى محبتك والمبلغ دينك والمانع من أن نتبع أهوائنا فنعطب أو نأخذ بآرائنا
فنهلك.
66 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن
273

خالد قال: سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن قول الله
عز وجل: (انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين ان
يحملنها) (1) فقال: الأمانة الولاية من ادعاها بغير حق فقد كفر.
67 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه
قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة عن حمدان بن سليمان عن عبد
السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا عليه السلام: يا بن رسول الله
اخبرني عن الشجرة التي اكل منها آدم وحواء ما كانت؟ فقد اختلف الناس
فيها فمنهم من يروى انها الحنطة ومنهم من يروى انها العنب ومنهم من
يروى انها شجره الحسد فقال عليه السلام: كل ذلك حق قلت: فما معنى
هذه الوجوه على اختلافها؟ فقال: يا أبا الصلت ان شجرة الجنة تحمل أنواعا
فكانت شجرة الحنطة وفيها عنب وليست كشجره الدنيا وان آدم عليه السلام لما
أكرمه الله تعالى ذكره باسجاد ملائكته وبادخاله الجنة قال في نفسه: هل خلق
الله بشرا أفضل منى؟ فعلم الله عز وجل ما وقع في نفسه فناداه ارفع رأسك
يا آدم وانظر إلى ساق العرش فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد
عليه مكتوبا: لا اله إلا الله محمد رسول (ص) وعلي بن أبي طالب عليه
السلام أمير المؤمنين وزوجته فاطمة سيده نساء العالمين والحسن والحسين سيدا
شباب أهل الجنة فقال آدم عليه السلام: يا رب من هؤلاء؟ فقال عز
وجل: هؤلاء من ذريتك وهم خير منك ومن جميع خلقي ولولاهم ما خلقتك
ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء والأرض فإياك ان تنظر إليهم بعين الحسد
فأخرجك عن جواري فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم فتسلط عليه
الشيطان حتى اكل من الشجرة التي نهى عنها وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة
عليها السلام بعين الحسد حتى اكلت من الشجرة كما اكل آدم عليه السلام

1 - سورة الأحزاب: الآية 72. اختلفوا في المراد من الأمانة المذكورة في الآية الشريفة ما
هي؟ قال بعضهم: المراد منها الأمانات العهود بين الناس ويستفاد من بعض الروايات ان المراد منها
الصلاة وروي ان عليا إذا حصر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلون فيقال له: ما لك يا أمير
المؤمنين؟! فيقول: جاء وقت الصلاة وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين
ان يحملنها. الحديث. قال علي بن إبراهيم في تفسيره: الأمانة هي الإمامة والأمر والنهي.
274

فأخرجهما الله عز وجل عن جنته فأهبطهما عن جواره إلى الأرض.
68 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن
يعقوب بن يزيد عن عبيد بن هلال قال: سمعت: أبا الحسن الرضا عليه
السلام يقول: اني أحب أن يكون المؤمن محدثا قال قلت: وأي شئ
المحدث؟ قال: المفهم.
69 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه
قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري عن حمدان بن
سليمان عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن
موسى الرضا عليه السلام يقول: رحم الله عبدا أحيا أمرنا فقلت له:
وكيف يحيى أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا
محاسن كلامنا لاتبعونا قال: قلت: يا بن رسول الله فقد روى لنا عن أبي
عبد الله عليه السلام أنه قال: من تعلم علما ليماري به السفهاء أو يباهي
العلماء أو ليقبل بوجوه الناس إليه فهو في النار فقال عليه السلام: صدق
جدي عليه السلام أفتدري من السفهاء؟ فقلت: لا يا بن رسول الله
قال عليه السلام: هم قصاص مخالفينا أو تدرى من العلماء؟ فقلت: لا يا
بن رسول الله (ص) فقال: هم علماء آل محمد عليهم السلام الذين فرض الله
طاعتهم وأوجب مودتهم ثم قال: أو تدرى ما معنى قوله: أو ليقبل بوجوه
الناس إليه؟ فقلت: لا فقال عليه السلام يعنى وبذلك ادعاء الإمامة بغير
حقها ومن فعل ذلك فهو النار.
70 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن إدريس عن
أحمد بن محمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال: حدثني أبو عبد الله
الرازي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن
عليه السلام قال: سألته عن رجل أوصى بجزء من ماله فقال: سبع
ثلثه.
71 - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما
قالا: حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا عن محمد بن أحمد
275

ابن يحيى بن عمران الأشعري عن إبراهيم بن هاشم عن داود بن محمد
النهدي عن بعض أصحابنا قال: دخل ابن أبي سعيد المكارى على الرضا
عليه السلام فقال له: أبلغ الله من قدرك ان تدعى ما ادعى أبوك فقال عليه
السلام: ما لك. اطفأ الله نورك وادخل الفقر بيتك اما علمت أن الله عز
وجل أوحى إلى عمران: انى واهب لك ذكرا فوهب له مريم ووهب لمريم
عيسى فعيسى من مريم ومريم من عيسى وعيسى ومريم عليهما السلام شئ
واحد وانا من أبي وأبي منى وانا وأبي شئ واحد فقال له ابن أبي سعيد:
فأسألك عن مسألة فقال: لا أخالك تقبل منى ولست من غنمي ولكن
هلمها فقال: رجل قال: عند موته: كل مملوك لي قديم فهو حر لوجه الله
فقال: نعم ان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (حتى عاد كالعرجون
القديم) (1) فما كان من مماليكه اتى له سته أشهر فهو قديم حر قال: فخرج
الرجل فافتقر حتى مات ولم يكن عنده مبيت ليله لعنه الله.
72 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار
عن أحمد بن محمد بن عيسى عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن
أحمد عن إسماعيل الخراساني عن الرضا عليه السلام قال: ليس الحمية (2) من الشئ تركه إنما الحمية
من الشئ الاقلال منه.
73 - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما:
قالا: حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا عن محمد بن أحمد
بن يحيى بن عمران الأشعري عن جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني رحمهم
الله وكان معنا حاجا قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام على يد أبي:
جعلت فداك ان أصحابنا اختلفوا في الصاع (3) فبعضهم يقول: الفطرة بصاع
المدينة وبعضهم يقول: بصاع العراق فكتب إلي: الصاع سته أرطال بالمدني

1 - سورة يس: الآية 39. قال علي بن إبراهيم القمي في تفسيره: العرجون: طلع النخل
وهو مثل الهلال في أول طلوعه (انتهى).
2 - الحمية: ما حمى من كل شئ. حمى المريض ما يضره حمية: منعه إياه.
3 - الصاع أربعة امداد باتفاق الفريقين وبه اخبار كثيرة أيضا ولكنهم اختلفوا في المد والتحقيق
في كتاب الطهارة في مسألة تحديد الكر بالوزن.
276

وتسعه أرطال بالعراقي قال: وأخبرني بالوزن فقال: يكون ألفا ومأة
وسبعين درهما.
74 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا الحسن بن أحمد المالكي
قال: حدثنا عبد الله بن طاوس سنه إحدى وأربعين ومأتين قال: قلت لأبي
الحسن الرضا عليه السلام ان لي ابن أخ زوجته ابنتي وهو يشرب الشراب ويكثر
ذكر الطلاق فقال: إن كان من اخوانك فلا شئ عليه وإن كان من هؤلاء
فابنها منه فإنه عنى الفراق قال: قلت: جعلت فداك أليس روى عن أبي
عبد الله عليه السلام أنه قال: إياكم والمطلقات ثلاثة في مجلس واحد فإنهن
ذوات أزواج؟ فقال: ذلك ممن كان من اخوانكم لا ممن كان من هؤلاء انه
من دان بدين قوم لزمته احكامهم.
75 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن إدريس قال:
حدثني علي بن الريان قال: عبيد الله بن عبد الله الدهقان الواسطي
عن الحسين بن خالد الكوفي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت:
جعلت فداك حديث كان يرويه عبد الله بن بكير عن عبيد بن زرارة قال:
فقال عليه السلام لي: وما هو؟ قلت: روى عن عبيد بن زرارة انه لقى أبا
عبد الله عليه السلام في السنة التي خرج فيها إبراهيم بن عبد الله بن الحسن
فقال له: جعلت فداك ان هذا قد الف الكلام وسارع الناس إليه فما الذي
تأمر به؟ قال. فقال: اتقوا الله وأسكنوا ما سكنت السماء والأرض قال:
وكان عبد الله بن بكير. يقول ولئن كان عبيد بن زرارة صادق فما من
خروج وما من قائم قال: فقال لي أبو الحسن عليه السلام: ان الحديث على ما
رواه عبيد وليس على ما تأوله عبد الله بن بكير إنما عنى أبو عبد الله عليه
السلام بقوله: ما سكنت السماء من النداء باسم صاحبكم وما سكنت
الأرض من الخسف بالجيش.
76 - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد الوليد رضي الله عنهما وأحمد
بن محمد بن يحيى العطار ومحمد بن علي ماجيلويه ومحمد بن موسى بن المتوكل
رضي الله عنهم قالوا: حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا
277

سهل بن زياد الآدمي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال:
سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن قبر فاطمة عليها السلام
فقال: دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد.
77 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن
أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم البجلي (1) عن علي بن
أسباط عن الحسن بن الجهم قال: قال أبو الحسن عليه السلام كان أمير
المؤمنين عليه السلام يقول: لا يأبى الكرامة إلا حمار قلت: ما معنى ذلك؟
قال: التوسعة في المجلس والطيب يعرض عليه.
78 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال:
حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن
علي بن فضال عن علي بن الجهم قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام
يقول: لا يأبى الكرامة إلا حمار قلت: أي شئ الكرامة؟ قال: مثل الطيب
وما يكرم به الرجل الرجل.
79 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن
أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن علي بن ميسر عن أبي زيد المالكي قال:
سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا يأبى الكرامة إلا حمار يعنى بذلك في
الطيب والوسادة.
80 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال: حدثنا أبو همام إسماعيل بن همام عن
الرضا عليه السلام أنه قال لرجل: أي شئ السكينة عندكم؟ فلم يدر
القوم ما هي؟ فقالوا: جعلنا الله فداك ما هي؟ قال: ريح تخرج من الجنة
طيبه لها صوره كصورة الانسان تكون مع الأنبياء عليهم السلام وهي التي

1 - البجلي بالباء الموحدة المفتوحة ثم الجيم المنقطة من تحت ثم اللام: نسبة إلى بجلة
بسكون الجيم: أبي حي من بني سليم بن منصور إن كان بسكون الجيم والى جبلة إن كان بفتح
الجيم. فراجع تنقيح المقال (ج 1 ص 5 باب ابان من أبواب الهمزة).
278

أنزلت على إبراهيم عليه السلام حين بني الكعبة فجعلت تأخذ كذا وكذا
وتبنى الأساس عليها.
81 - حدثنا أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر الجرجاني رضي الله عنه
قال: حدثنا أحمد بن الحسن الحسيني عن الحسن بن علي عن أبيه علي بن
محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه عن الرضا عن أبيه موسى بن
جعفر عليهم السلام قال: سئل الصادق عن الزاهد في الدنيا قال: الذي
يترك حلالها مخافة حسابه ويترك حرامها مخافة عقابه.
82 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن
أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: قال
أبو الحسن عليه السلام في قول الله عز وجل: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا
نذورهم) (1) قال عليه السلام: التفث تقليم الأظفار وطرح الوسخ وطرح
الاحرام عنه.
83 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال:
حدثنا الحسن بن محمد بن إسماعيل القرشي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا
عليهما السلام قال: حدثني أبي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال
رسول الله (ص): دب إليكم داء الأمم قبلكم البغضاء والحسد.
84 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن داود بن سليمان عن علي بن موسى الرضا
عليه السلام عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه الصادق جعفر بن محمد
عليهم السلام قال: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: ان العبد من
عبادي ليأتيني بالحسنة فادخله الجنة قال: يا رب: وما تلك الحسنة؟ قال:
يفرج عن المؤمن كربته ولو بتمره قال: فقال داود عليه السلام: حق لمن
عرفك ان لا ينقطع رجائه منك.

1 - سورة الحج: الآية 29.
279

85 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال:
حدثنا الحسين بن الحسن بن ابان عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن بنت
الياس قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: قال رسول الله (ص): لعن
الله من أحدث حدثا أو آوى محدثا قلت: وما الحدث؟ قال: القتل.
86 - حدثنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا سهل بن زياد
الآدمي عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى قال: حدثني سيدي علي بن
محمد بن علي الرضا عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الرضا عن آبائه عن
الحسين بن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله (ص): ان أبا بكر منى
بمنزله السمع وان عمر منى بمنزله البصر وان عثمان منى بمنزله الفؤاد
قال: فلما كان من الغد دخلت إليه وعنده أمير المؤمنين عليه السلام وأبو بكر
وعمر وعثمان فقلت له: يا أبت سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولا فما
هو فقال (ص): نعم ثم أشار إليهم فقال: هم السمع والبصر
والفؤاد وسيسألون عن وصيي هذا وأشار إلى علي بن أبي طالب عليه
السلام ثم قال إن الله عز وجل يقول: (ان السمع والبصر والفؤاد كل
أولئك كان عنه مسؤولا) (1) ثم قال عليه السلام: وعزه ربى أن جميع أمتي
لموقوفون يوم القيامة ومسؤولون عن ولايته وذلك قول الله عز وجل: (وقفوهم
انهم مسؤلون) (2)
87 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال:
حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن
خالد عن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه موسى بن جعفر
عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السلام أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ليبغض

1 - سورة الإسراء: الآية 36.
2 - سورة الصافات: الآية 24. قال العلامة في نهج الحق: روى الجمهور عن ابن عباس
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله قال: عن ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب (انتهى) وفي تفسير علي بن إبراهيم: انهم مسؤولون عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام
(انتهى). وقد صرح بذلك جماعة من مفسري العامة والخاصة.
280

اللحم واللحم السمين فقال له بعض أصحابه: يا بن رسول الله (ص) انا
لنحب اللحم وما تخلو بيوتنا منه فكيف ذلك؟ فقال عليه السلام: ليس
حيث تذهب إنما البيت اللحم الذي تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة وأما
اللحم السمين فهو المتجبر المتكبر المختال في مشيته.
88 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار النيسابوري رضي الله عنه
قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري عن حمدان بن
سليمان عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا عليه
السلام: يا بن رسول الله قد روى عن آبائك فيمن جامع في شهر رمضان أو
أفطر فيه ثلاث كفارات وروى عنهم أيضا كفاره واحده فبأي الخبرين نأخذ؟
فقال عليه السلام: بهما جميعا قال: متى جامع الرجل حراما أو أفطر على
حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات عتق رقبه وصيام شهرين متتابعين
واطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم وإن كان نكح حلالا أو أفطر على
حلال فعليه كفاره واحده وقضاء ذلك اليوم وإن كان ناسيا فلا شئ عليه.
89 - حدثنا أبي قال رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله
عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن أحمد بن
أشيم عن الرضا عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك لم سموا العرب
أولادهم بكلب ونمر وفهد وأشباه ذلك؟ قال: كانت العرب أصحاب حرب
فكانت تهول على العدو بأسماء أولادهم ويسمون عبيدهم فرج ومبارك وميمون
وأشباه ذلك يتيمنون بها.
90 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه
قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة عن حمدان بن سليمان
النيسابوري عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن
موسى الرضا عليه السلام يقول: أفعال العباد مخلوقه قلت له: يا بن
رسول الله ما معنى مخلوقه؟ قال: مقدره.
91 - حدثنا أبي رضي الله عنه وعلي بن عبد الله الوراق قالا: حدثنا
سعد بن عبد الله قال: حدثني علي بن الحسين الخياط النيسابوري قال:
281

حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر عن ياسر الخادم
عن أبي الحسن العسكري عن أبيه عن جده علي بن موسى الرضا عليه
السلام انه كان يلبس ثيابه مما يلي يمينه فإذا لبس ثوبا جديدا دعا بقدح من
ماء فقرا عليه انا أنزلناه في ليله القدر عشر مرات وقل هو الله أحد عشر مرات
وقل يا أيها الكافرون عشر مرات ثم نضحه على ذلك الثوب ثم قال: من
فعل هذا بثوبه من أن يلبسه لم يزل في رغد من عيشه ما بقي منه سلك.
قال: مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: ياسر الخادم قد لقى الرضا عليه
السلام وحديثه عن أبي الحسن العسكري غريب!
29 - باب ما جاء عن الرضا عليه السلام
في صفه النبي (ص)
1 - حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري قال:
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن منيع قال: حدثني
إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم
السلام بمدينة الرسول (ص) قال: حدثني علي بن موسى بن جعفر بن
محمد عن موسى بن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي بن الحسين عليه السلام
قال: قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام سالت خالي هند بن أبي
هاله عن حليه (1) رسول الله (ص) وكان وصافا للنبي (ص) فقال: كان
رسول الله فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليله البدر أطول من المربوع
وأقصر من المشذب (2) عظيم الهامه رجل الشعر إذا انفرقت عقيقته فرق وإلا
فلا يجاوز شعره شحمه اذنيه إذا هو وفره أزهر اللون واسع الجبين أزج
الحاجبين سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب اقنى العرنين له نور يعلوه

1 - الحلية بالكسر: الصورة والصفة. وفي الحديث: ما بعث الله نبيا الا حسن الوجه حسن
الصوت وكان نبينا صلى الله عليه وآله أصح الأنبياء مزاجا وأكملهم جسدا. من سيرة الحلبية (ج 3
ص 37 ط مصر 1353).
2 - المشذب بضم الميم وفتح الشين والذال المعجمتين مشددة ثم موحدة على وزن معظم:
البائن الطويل في نحافة. الحسن الخلق.
282

يحسبه من لم يتأمله أشم كث اللحية سهل الخدين ضليع الفم أشنب
مفلج الأسنان دقيق المسربة كان عنقه جيد دميه في صفاء الفضة معتدل
الخلق بادنا متماسكا سواء البطن والصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم
الكمراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجرى كالخط عاري
الثديين والبطن وما سوى ذلك اشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر طويل
الزندين رحب الراحة شثن الكفين والقدمين سائل الأطراف سبط
العصب خمصان الأخمصين فسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال تقلعا
يخطو تكفيا ويمشى هونا ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا
التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء
جل نظره الملاحظة يبدر من لقيه بالسلام قال: قلت: صف لي منطقه
فقال: كان (ص) متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحه ولا يتكلم في
غير حاجه يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه يتكلم بجوامع الكلم فصلا لا فضول
فيه ولا تقصير دمثا ليس بالجافى ولا بالمهين تعظم عنده النعمة وان دقت
لا يذم منها شيئا غير أنه كان لا يذم ذواقا ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا وما
كان لها فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له
وإذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث قارب يده اليمنى
من اليسرى فضرب بإبهامه اليمنى راحه اليسرى وإذا غضب اعرض بوجهه و
أشاح وإذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم يفتر عن مثل حب الغمام
قال الحسن عليه السلام: فكتمت هذا الخبر عن الحسين عليه السلام زمانا ثم
حدثته فوجدته قد سبقني إليه وسأله عما سألته عنه فوجدته قد سال أباه عن
مدخل النبي (ص) ومخرجه ومجلسه وشكله فلم يدع منه شيئا قال الحسين
عليه السلام: سالت أبي عليه السلام عن مدخل رسول الله (ص) فقال:
كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك فإذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة
اجزاء جزء لله تعالى وجزء لأهله وجزء لنفسه ثم جزأ جزء بينه وبين الناس
فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم منه شيئا وكان من سيرته في جزء
الأمة ايثار أهل الفضل باذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين فمنهم ذو
الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل ويشغلهم فيما
283

أصلحهم وأصلح الأمة من مسألته عنهم واخبارهم بالذي ينبغي ويقول:
ليبلغ الشاهد منكم الغائب وأبلغوني حاجه من لا يقدر على ابلاغ حاجته فإنه
من أبلغ سلطانا حاجه من لا يقدر على ابلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة لا
يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون رواد ولا يفترقون إلا عن
ذواق ويخرجون أدله فقهاء فسألته عن مخرج رسول الله (ص) كيف كان يصنع
فيه؟ فقال: كان رسول الله (ص) يخزن لسانه إلا عما يعنيه ويؤلفهم ولا
ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن
يطوى أحد بشره ولا خلقه ويتفقد أصحابه ويسال الناس عما في الناس
ويحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه معتدل الامر غير مختلف لا
يغفل مخافة ان يغفلوا أو يميلوا ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه الذين يلونه من
الناس خيارهم أفضلهم عنده وأعمهم نصيحة للمسلمين وأعظمهم عنده
منزله أحسنهم مواساة وموازره قال: فسألته عن مجلسه فقال: كان (ص) لا
يجلس ولا يقوم الا على ذكر ولا يوطن الأماكن وينهى عن ايطانها وإذا انتهى
إلى قوم جلس حيث ينتهى به المجلس ويأمر بذلك ويعطى كل جلسائه نصيبه
حتى لا يحسب أحد من جلسائه ان أحدا أكرم عليه منه من جالسه صابره حتى
يكون هو المنصرف عنه من سأله حاجه لم يرجع الا بها أو بميسور من القول
قد وسع الناس منه خلقه وصار لهم أبا رحيما وصاروا عنده في الحق سواء
مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانه ولا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه
الحرم ولا تثنى فلتأته متعادلين متواصلين بالتقوى متواضعين يوقرون الكبير
ويرحمون الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب فقلت: كيف كان
سيرته في جلسائه؟ فقال: كان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس
بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مزاح ولا مداح
يتغافل عما لا يشتهى فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه قد ترك نفسه من
ثلاث المراء والاكثار وما لا يعنيه وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحدا
ولا يعيره ولا يطلب عثراته ولا عورته ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه إذا تكلم
أطرق جلساءه كأنما على رؤوسهم الطير وإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده
الحديث وإذا تكلم عنده أحد انصتوا له حتى يفرغ من حديثه يضحك مما
284

يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في
المسألة والمنطق حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم ويقول: إذا رأيتم
حاجه يطلبها فارفدوه ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ولا يقطع على أحد
كلامه حتى يجوزه فيقطعه بنهي أو قيام قال: فسألته عن سكوت رسول الله
(ص) فقال عليه السلام: كان سكوته على أربع الحلم والحذر والتقدير
والتفكر فاما التقدير ففي تسويه النظر والاستماع بين الناس وأما تفكره ففيما
يبقى ويفنى وجمع له الحلم في الصبر فكان لا يغضبه شئ ولا يستفزه وجمع له
الحذر في أربع اخذه الحسن ليقتدى به وتركه القبيح لينتهى عنه واجتهاده
الرأي في اصلاح أمته والقيام فيما جمع لهم من خير الدنيا والآخرة صلوات الله
عليه وآله الطاهرين. وقد رويت هذه الصفة عن مشايخ بأسانيد مختلفه قد
أخرجتها في كتاب النبوة وإنما ذكرت من طرقي إليها ما كان فيها عن الرضا
عليه السلام لأن هذا الكتاب مصنف في ذكر عيون اخباره عليه السلام وقد
أخرجت تفسيرها في كتاب معاني الأخبار.
285