الكتاب: نهج البلاغة
المؤلف: خطب الإمام علي (ع)
الجزء: ٣
الوفاة: ٤٠
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ قسم الفقه
تحقيق: شرح : الشيخ محمد عبده
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٢ - ١٣٧٠ ش
المطبعة: النهضة - قم
الناشر: دار الذخائر - قم - ايران
ردمك:
ملاحظات: نهج البلاغة وهو ما جمعه السيد الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) / طبعة جديدة مصححة ومنقحة

نهج البلاغة
وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام سيدنا
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
شرح الأستاذ الإمام
الشيخ محمد عبدة
مفتي الديار المصرية سابقا
الجزء الثالث
الناشر:
دار المعرفة
للطباعة والنشر
بيروت لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
باب المختار من كتب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام
ورسائله إلى أعدائه وأمراء بلاده، ويدخل في ذلك ما اختير
من عهوده إلى عماله ووصاياه لأهله وأصحابه
وإن كان كل كلامه رضي الله عنه مختارا
1 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة
عند مسيره من المدينة إلى البصرة)
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة
الأنصار (1). وسنام العرب
أما بعد فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه
إن الناس طعنوا عليه، فكنت رجلا من المهاجرين أكثر
استعتابه (2) وأقل عتابه، وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه
2

الوجيف، وأرفق حدائهما العنيف، وكان من عائشة فيه فلتة غضب (1)
فأتيح له قوم فقتلوه، وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين
بل طائعين مخيرين
واعلموا أن دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها (2)، وجاشت
جيش المرجل وقامت الفتنة على القطب، فأسرعوا إلى أميركم وبادروا
جهاد عدوكم إن شاء الله
2 - (ومن كتاب له عليه السلام إليهم بعد فتح البصرة)
وجزاكم الله من أهل مصر عن أهل بيت نبيكم أحسن ما يجزي
العاملين بطاعته والشاكرين لنعمته، فقد سمعتم وأطعتم،
ودعيتم فأجبتم
3

3 - (ومن كتاب له عليه السلام كتبه لشريح بن الحارث قاضيه)
روي أن شريح بن الحارث قاضي أمير المؤمنين عليه السلام
اشترى على عهده دارا بثمانين دينارا فبلغه ذلك فاستدعاه وقال له:
بلغني أنك ابتعت دارا بثمانين دينارا وكتبت كتابا وأشهدت فيه
شهودا، فقال شريح: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين. قال فنظر إليه نظر
مغضب ثم قال له: يا شريح أما إنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك،
ولا يسألك عن بينتك حتى يخرجك منها شاخصا (1)، ويسلمك إلى
قبرك خالصا. فانظر يا شريح لا تكون ابتعت هذه الدار من غير
مالك، أو نقدت الثمن من غير حلالك فإذا أنت قد خسرت دار
الدنيا ودار الآخرة. أما إنك لو أتيتني عند شرائك ما اشتريت
لكتبت لك كتابا على هذه النسخة فلم ترغب في شراء هذه الدار
بدرهم فما فوق. والنسخة: " هذا ما اشترى عبد ذليل من عبد قد
أزعج للرحيل، اشترى منه دارا من دار الغرور من جانب الفانين،
وخطة الهالكين، ويجمع هذه الدار حدود أربعة: الحد الأول
4

ينتهي إلى دواعي الآفات، والحد الثاني ينتهي إلى دواعي المصيبات، والحد
الثالث ينتهي إلى الهوى المردي، والحد الرابع ينتهي إلى الشيطان
المغوي، وفيه يشرع باب هذه الدار (1). اشترى هذا المغتر بالأمل
من هذا المزعج بالأجل هذه الدار بالخروج من عز القناعة والدخول
في ذل الطلب والضراعة (2)، فما أدرك هذا المشتري فيما اشترى
من درك فعلى مبلبل أجسام الملوك، وسالب نفوس الجبابرة،
ومزيل ملك الفراعنة، مثل كسرى وقيصر، وتبع وحمير، ومن جمع
المال على المال فأكثر، وبنى وشيد وزخرف، ونجد وادخر، واعتقد
ونظر بزعمه للولد إشخاصهم جميعا (3) إلى موقف العرض والحساب،
وموضع الثواب والعقاب. إذا وقع الأمر بفصل القضاء " وخسر هنالك
المبطلون " شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى وسلم من
علائق الدنيا "
5

4 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض أمراء جيشه)
فإن عادوا إلى ظل الطاعة فذاك الذي نحب، وإن توافت الأمور
بالقوم إلى الشقاق والعصيان (1) فانهد بمن أطاعك إلى من عصاك،
واستغن بمن انقاد معك عمن تقاعس عنك فإن المتكاره (2) مغيبه خير
من شهوده، وقعوده أغنى من نهوضه
5 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى الأشعث بن قيس)
(عامل أذربيجان)
وإن عملك ليس لك بطمعة (3) ولكنه في عنقك أمانة، وأنت
مسترعى لمن فوقك. ليس لك أن تفتات في رعية (4) ولا تخاطر إلا
بوثيقة، وفي يديك مال من مال الله عز وجل وأنت من خزانه حتى
تسلمه إلي، ولعلي أن لا أكون شر ولاتك لك والسلام (5)
6

6 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية)
إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما
بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما
الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما
كان ذلك لله رضى، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى
ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على أتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه
الله ما تولى
ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ
الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى (1)
فتجن ما بدا لك والسلام
7 - (ومن كتاب له عليه السلام إليه أيضا)
أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة (2)، ورسالة محبرة
نمقتها بضلالك، وأمضيتها بسوء رأيك، وكتاب امرئ ليس له بصر
7

يهديه ولا قائد يرشده، قد دعاه الهوى فأجابه، وقاده الضلال فاتبعه
فهجر لاغطا (1) وضل خابطا
(منه) لأنها بيعة واحدة لا يثنى فيها النظر (2) ولا يستأنف
فيها الخيار. الخارج منها طاعن، والمروي فيها مداهن
8 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى جرير بن عبد الله البجلي
لما أرسله إلى معاوية)
أما بعد فإذا أتاك كتابي فاحمل معاوية على الفصل (3)، وخذه
بالأمر الجزم، ثم خيره بين حرب مجلية أو سلم مخزية، فإن اختار
الحرب فانبذ إليه، وإن اختار السلم فخذ بيعته والسلام
9 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية)
فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح أصلنا (4)، وهموا بنا الهموم وفعلوا
8

بنا الأفاعيل، ومنعونا العذب، وأحلسونا الخوف، واضطرونا إلى جبل
وعر، وأوقدوا لنا نار الحرب، فعزم الله لنا على الذب عن حوزته (1)،
والرمي من وراء حرمته. مؤمننا يبغي بذلك الأجر، وكافرنا يحامي
عن الأصل. ومن أسلم من قريش خلو مما نحن فيه بحلف يمنعه أو
عشيرة تقوم دونه، فهو من القتل بمكان أمن (2)
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا احمر البأس (3) وأحجم
الناس قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حر السيوف والأسنة. فقتل
عبيدة بن الحارث يوم بدر (4)، وقتل حمزة يوم أحد، وقتل جعفر يوم
مؤتة. وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من
الشهادة (5)، ولكن آجالهم عجلت ومنيته أجلت. فيا عجبا للدهر إذ
9

صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي (1)، ولم تكن له كسابقتي التي
لا يدلي أحد بمثلها إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه، ولا أظن الله يعرفه
والحمد لله على كل حال
وإما ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك فإني نظرت في هذا
الأمر فلم أره يسعني دفعهم إليك ولا إلى غيرك، ولعمري لئن لم
تنزع عن غيك وشقاقك (2) لتعرفنهم عن قليل يطلبونك، لا
يكلفونك طلبهم في بر ولا بحر ولا جبل ولا سهل، إلا أنه طلب
يسوءك وجدانه، وزور لا يسرك لقيانه (3) والسلام لأهله
0 1 - (ومن كتاب له عليه السلام إليه أيضا)
وكيف أنت صانع إذا تكشفت عنك جلابيب ما أنت فيه
من دنيا قد تبهجت بزينتها (4) وخدعت بلذتها. دعتك فأجبتها، وقادتك
فاتبعتها، وأمرتك فأطعتها. وإنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا
ينجيك منه مجن (5). فاقعس عن هذا الأمر، وخذ أهبة الحساب، وشمر
10

لما قد نزل بك، ولا تمكن الغواة من سمعك، وإلا تفعل أعلمك ما
أغفلت من نفسك (1)، فإنك مترف قد أخذ الشيطان منك مأخذه
وبلغ فيك أمله، وجرى منك مجرى الروح والدم
ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعية (2) وولاة أمر الأمة؟ بغير
قدم سابق ولا شرف باسق، ونعوذ بالله من لزوم سوابق الشقاء
وأحذرك أن تكون متماديا في غرة الأمنية (3) مختلف العلانية
والسريرة
وقد دعوت إلى الحرب فدع الناس جانبا واخرج إلي وأعف
الفريقين من القتال ليعلم أينا المرين على قلبه (4) والمغطى على بصره.
فأنا أبو حسن قاتل جدك (5) وخالك وأخيك شدخا يوم بدر، وذلك
السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوي، ما استبدلت دينا، ولا
11

استحدثت نبيا. وإني لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين (1)
ودخلتم فيه مكرهين
وزعمت أنك جئت ثائرا بعثمان (2). ولقد علمت حيث وقع دم
عثمان فاطلبه من هناك إن كنت طالبا، فكأني قد رأيتك تضج من
الحرب إذا عضتك ضجيج الجمال بالأثقال (3) وكأني بجماعتك تدعوني
- جزعا من الضرب المتتابع والقضاء الواقع ومصارع بعد مصارع -
إلى كتاب الله، وهي كافرة جاحدة، أو مبايعة حائدة
11 - (ومن وصية له عليه السلام وصى بها جيشا بعثه إلى العدو)
فإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبيل
الأشراف (4) أو سفاح الجبال، أو أثناء الأنهار كيما يكون لكم ردءا
ودونكم مردا. ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين.
12

واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال (1) ومناكب الهضاب لئلا
يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن. وأعلموا أن مقدمة القوم
عيونهم، وعيون القدمة طلائعهم. وإياكم والتفرق، فإذا نزلتم
فانزلوا جميعا، وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعا، وإذا غشيكم الليل
فاجعلوا الرماح كفة (2)، ولا تذوقوا النوم إلا غرارا أو مضمضة
12 - (ومن وصية له عليه السلام لمعقل بن قيس الرياحي
حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له)
اتق الله الذي لا بد لك من لقائه ولا منتهى لك دونه. ولا
تقاتلن إلا من قاتلك. وسر البردين (3). وغور بالناس. ورفه بالسير.
ولا تسر أول الليل (4) فإن الله جعله سكنا وقدره مقاما لا ظعنا. فأرح
فيه بدنك وروح ظهرك. فإذا وقفت حين ينبطح السحر (5) أو حين
13

ينفجر الفجر فسر على بركة الله. فإذا لقيت العدو فقف من أصحابك
وسطا، ولا تدن من القوم دنو من يريد أن ينشب الحرب، ولا تباعد
عنهم تباعد من يهاب البأس حتى يأتيك أمري، ولا يحملنكم
شنآنهم (1) على قتالهم قبل دعائهم والإعذار إليهم
13 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى أميرين من أمراء جيشه)
وقد أمرت عليكما وعلى من في حيزكما (2) مالك بن الحارث
الأشتر فاسمعا له وأطيعا، واجعلاه درعا ومجنا (3)، فإنه ممن لا يخاف
وهنه ولا سقطته ولا بطؤه عما الاسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى
ما البطي عنه أمثل
14 - (ومن وصية له عليه السلام لعسكره قبل لقاء العدو بصفين)
لا تقاتلوهم حتى يبدأوكم فإنكم بحمد الله على حجة،
وترككم إياهم حتى يبدأوكم حجة أخرى لكم عليهم. فإذا
14

كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبرا، ولا تصببوا معورا (1)، ولا
تجهزوا على جريح. ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم
وسببن أمراءكم، فإنهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول. إن كنا
لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات (2). وإن كان الرجل ليتناول
المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة (3) فيعير بها وعقبه من بعده
15 - (وكان عليه السلام يقول إذا لقي العدو محاربا)
اللهم إليك أفضت القلوب (4). ومدت الأعناق. وشخصت الأبصار،
ونقلت الأقدام، وأنضيت الأبدان. اللهم قد صرح مكتوم الشنآن (5).
وجاشت مراجل الأضغان. اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا.
وكثرة عدونا، وتشتت أهوائنا. " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق
وأنت خير الفاتحين "
15

16 - (وكان يقول عليه السلام لأصحابه عند الحرب)
لا تشتدن عليكم فرة بعدها كرة (1)، ولا جولة بعدها حملة
وأعطوا السيوف حقوقها. ووطئوا للجنوب مصارعها (2) واذمروا
أنفسكم على الطعن الدعسي (3) والضرب الطلحفى. وأميتوا الأصوات
فإنه أطرد للفشل. فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن
استسلموا وأسروا الكفر، فلما وجدوا أعوانا عليه أظهروه
17 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية)
جوابا عن كتاب منه إليه
فأما طلبك إلي الشام (4) فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك
أمس. وأما قولك إن الحرب قد أكلت العرب إلا حشاشات أنفس
16

بقيت ألا ومن أكله الحق فإلى الجنة ومن أكله الباطل فإلى النار.
وأما استواؤنا في الحرب والرجال فلست بأمضى على الشك مني على
اليقين. وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على
الآخرة. وأما قولك إنا بنو عبد مناف فكذلك نحن. ولكن ليس
أمية كهاشم. ولا حرب كعبد المطلب. ولا أبو سفيان كأبي طالب.
ولا المهاجر كالطليق (1)، ولا الصريح كاللصيق. ولا المحق كالمبطل
ولا المؤمن كالمدغل. ولبئس الخلف خلف يتبع سلفا هوى في نار جهنم
وفي أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز ونعشنا بها
الذليل (2). ولما أدخل الله العرب في دينه أفواجا وأسلمت له هذه
الأمة طوعا وكرها كنتم ممن دخل في الدين إما رغبة وإما رهبة
على حين فاز أهل السبق بسبقهم، وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم.
فلا تجعلن للشيطان فيك نصيبا، ولا على نفسك سبيلا
17

18 - (ومن كتاب له عليه السلام)
(إلى عبد الله بن عباس وهو عامله على البصرة (1))
اعلم أن البصرة مهبط إبليس ومغرس الفتن، فحادث أهلها
بالاحسان إليهم، واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم
وقد بلغني تنمرك لبني تميم (2) وغلظتك عليهم، وإن بني
تميم لم يغب لهم نجم إلا طلع لهم آخر (3)، وإنهم لم يسبقوا بوغم
في جاهلية ولا إسلام. وإن لهم بنا رحما ماسة وقرابة خاصة نحن
مأجورون على صلتها ومأزورون على قطيعتها. فأربع (4) أبا العباس رحمك
الله فيما جرى على لسانك ويدك من خير وشر فإنا شريكان في ذلك،
وكن عند صالح ظني بك، ولا يفيلن رأيي فيك. والسلام
9 1 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله)
أما بعد فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة (5)،
18

واحتقارا وجفوة، ونظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم (1)
ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم، فالبس لهم جلبابا من اللين تشوبه
بطرف من الشدة (2)، وداول لهم بين القسوة والرأفة، وامزج لهم
بين التقريب والإدناء، والإبعاد والإقصاء إن شاء الله
20 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى زياد بن أبيه وهو خليفة
عامله عبد الله بن عباس على البصرة. وعبد الله عامل أمير المؤمنين
يومئذ عليها وعلى كور الأهواز وفارس وكرمان (3))
وإني أقسم بالله قسما صادقا لئن بلغني أنك خنت من فئ
المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا (4) لأشدن عليك شدة تدعك قليل
الوفر ثقيل الظهر ضئيل الأمر. والسلام
21 - (ومن كتاب له عليه السلام إليه أيضا)
فدع الإسراف مقتصدا، واذكر في اليوم غدا، وأمسك من
المال بقدر ضرورتك، وقدم الفضل ليوم حاجتك (5)
19

أترجو أن يعطيك الله أجر المتواضعين وأنت عنده من المتكبرين.
وتطمع وأنت متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف والأرملة أن
يوجب لك ثواب المتصدفين. وإنما المرء مجزي بما أسلف (1)، وقادم
على ما قدم. والسلام
2 2 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس)
وكان يقول ما انتفعت بكلام بعد كلام
رسول الله كانتفاعي بهذا الكلام
أما بعد فإن المرء، قد يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوءه
فوت ما لم يكن ليدركه (2). فليكن سرورك بما نلت من آخرتك.
وليكن أسفك على ما فاتك منها. وما نلت من دنياك فلا تكثر فيه
فرحا. وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا. وليكن همك فيما بعد الموت
20

3 2 - (ومن كلام له عليه السلام)
قاله قبيل موته على سبيل الوصية لما ضربه ابن ملجم لعنه الله
وصيتي لكم أن لا تشركوا بالله شيئا. ومحمد صلى الله عليه
وآله (1) فلا تضيعوا سنته. أقيموا هذين العمودين وخلاكم ذم (2)
أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغدا مفارقكم.
إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي. وإن أعف فالعفو لي
قربة وهو لكم حسنة، فاعفوا " ألا تحبون أن يغفر الله لكم "
والله ما فجئني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته.
وما كنت إلا كقارب ورد (3) وطالب وجد " وما عند الله خير
للأبرار "
(أقول: وقد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب إلا
أن فيه ههنا زيادة أوجبت تكريره
21

24 - (ومن وصية له عليه السلام)
بما يعمل في أمواله كتبها بعد منصرفه من صفين
هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب في ماله ابتغاء وجه الله
ليولجه به الجنة (1) ويعطيه به الأمنة
(منها) وإنه يقوم بذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف
وينفق في المعروف، فإن حدث بحسن حدث (2) وحسين حي قام
بالأمر بعده وأصدره مصدره
وإن لابني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي، وإني إنما
جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وقربة إلى رسول الله،
وتكريما لحرمته وتشريفا لوصلته (3)
ويشترط (4) على الذي يجعله إليه أن يترك المال على أصوله،
وينفق من ثمره حيث أمر به وهدي له، وأن لا يبيع من أولاد
نخل هذه القرى ودية (5) حتى تشكل أرضها غراسا
22

ومن كان من إمائي اللاتي أطوف عليهن لها ولد أو هي حامل
فتمسك على ولدها وهي من حظه، فإن مات ولدها وهي حية فهي
عتيقة قد أفرج عنها الرق وحررها العتق
(قوله عليه السلام في هذه الوصية: أن لا يبيع من نخلها
ودية. الودية الفسيلة وجمعها ودي. قوله عليه السلام حتى تشكل
أرضها غراسا هو من أفصح الكلام. والمراد به أن الأرض يكثر
فيها غراس النخل حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها
بها فيشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها)
25 - (ومن وصية له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات
وإنما ذكرنا هنا جملا ليعلم بها أنه كان يقيم عماد الحق
ويشرع أمثلة العدل في صغير الأمور وكبيرها ودقيقها وجليلها)
انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له. ولا تروعن مسلما (1) ولا تجتازن عليه كارها، ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله،
فإذا قدمت على الحي فأنزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض
23

إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم، ولا تخدج
بالتحية لهم (1) ثم تقول: عباد الله أرسلني إليكم ولي الله وخليفته
لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق
فتؤدوه إلى وليه؟ فإن قال قائل لا، فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم (2)
فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه، فخذ ما
أعطاك من ذهب أو فضة. فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا
بإذنه، فإن أكثرها له، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلط
عليه ولا ة عنيف به، ولا تنفرن بهيمة ولا تفزعنها ولا تسوءن صاحبها فيها،
واصدع المال صدعين (3) ثم خيره، فإذا اختار فلا تعرضن لما اختاره.
ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره، فإذا اختار فلا تعرضن لما اختاره.
فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله فاقبض حق الله
منه. فإن استقالك فأقله (4) ثم اخلطهما ثم اصنع مثل الذي صنعت
أولا حتى تأخذ حق الله في ماله. ولا تأخذن عودا (5) ولا هرمة ولا
24

مكسورة ولا مهلوسة ولا ذات عوار، ولا تأمنن عليها إلا من تثق
بدينه رافقا بمال المسلمين حتى يوصله إلى وليهم فيقسمه بينهم، ولا
توكل بها إلا ناصحا شفيقا وأمينا حفيظا، غير معنف ولا مجحف (1)،
ولا ملغب ولا متعب، ثم احدر إلينا ما اجتمع عندك (2) نصيره حيث
أمر الله به. فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه ألا يحول بين ناقة وبين
فصيلها (3) ولا يمصر لبنها فيضر ذلك بوليدها، ولا يجهدنها ركوبا.
وليعدل بين صواحباتها في ذلك وبينها، وليرفه على اللاغب (4).
وليستأن بالنقب والظالع. وليوردها ما تمر به من الغدر (5) ولا يعدل
بها عن نبت الأرض إلى جواد الطريق، وليروحها في الساعات
وليمهلها عند النطاف (6) والأعشاب حتى تأتينا بإذن الله بدنا منقيات
غير متعبات ولا مجهودات (7)، لنقسمها على كتاب الله وسنة نبيه صلى
25

الله عليه وآله، فإن ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك إن شاء الله
26 - (ومن كتاب له عليه السلام)
إلى بعض عماله وقد بعثه على الصدقة
آمره بتقوى الله في سرائر أمره وخفيات عمله، حيث لا شهيد
غيره ولا وكيل دونه. وآمره أن لا يعمل بشئ من طاعة الله فيما ظهر
فيخالف إلى غيره فيما أسر (1)، ومن لم يختلف سره وعلانيته وفعله
ومقالته فقد أدى الأمانة وأخلص العبادة
وآمره أن لا يجبههم (2) ولا يعضههم، ولا يرغب عنهم تفضلا
بالإمارة عليهم، فإنهم الإخوان في الدين والأعوان على استخراج
الحقوق.
وإن لك في هذه الصدقة نصيبا مفروضا وحقا معلوما، وشركاء
أهل مسكنة وضعفاء ذوي فاقة، وإنا موفوك حقك فوفهم حقوقهم، وإلا
تفعل فإنك من أكثر الناس خصوما يوم القيامة، وبؤسا لمن خصمه
عند الله الفقراء والمساكين (3) والسائلون والمدفوعون والغارم
26

وابن السبيل. ومن استهان بالأمانة ورتع في الخيانة ولم ينزه نفسه
ودينه عنها فقد أحل بنفسه في الدنيا الخزي (1) وهو في الآخرة أذل
وأخزى. وإن أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأفظع الغش غش الأئمة.
والسلام.
27 - (ومن عهده عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر حين قلده مصر)
فاخفض لهم جناحك، وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك،
وآس (2) بينهم في اللحظة والنظرة حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم
ولا ييأس الضعفاء من عدلك بهم، فإن الله تعالى يسائلكم معشر
عباده عن الصغيرة من أعمالكم والكبيرة، والظاهرة والمستورة،
فإن يعذب فأنتم أظلم، وإن يعف فهو أكرم
واعلموا عباد الله أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة،
فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم.
سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا
27

من الدنيا بما حظي به المترفون (1)، وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة
المتكبرون. ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ والمتجر الرابح. أصابوا
لذة زهد الدنيا في دنياهم، وتيقنوا أنهم جيران الله غدا في آخرتهم.
لا ترد لهم دعوة، ولا ينقص لهم نصيب من لذة. فاحذروا عباد الله
الموت وقربه، وأعدوا له عدته، فإنه يأتي بأمر عظيم وخطب
جليل، بخير لا يكون معه شر أبدا، أو شر لا يكون معه خير
أبدا. فمن أقرب إلى الجنة من عاملها (2)؟ ومن أقرب إلى النار من عاملها؟.
وأنتم طرداء الموت إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم،
وهو ألزم لكم من ظلكم. الموت معقود بنواصيكم (3) والدنيا
تطوى من خلفكم. فاحذروا نارا قعرها بعيد، وحرها شديد،
وعذابها جديد. دار ليس فيها رحمة، ولا تسمع فيها دعوة، ولا تفرج
فيها كربة. وإن استطعتم أن يشتد خوفكم من الله وأن يحسن
28

ظنكم به فأجمعوا بينهما، فإن العبد إنما يكون حسن ظنه بربه على قدر
خوفه من ربه (1)، وإن أحسن الناس ظنا بالله أشدهم خوفا لله
واعلم يا محمد بن أبي بكر أني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي
أهل مصر، فأنت محقوق أن تخالف على نفسك (2)، وأن تنافح عن
دينك ولو لم يكن لك إلا ساعة من الدهر، ولا تسخط الله برضا
أحد من خلقه فإن في الله خلفا من غيره (3) وليس من الله خلف في غيره
صل الصلاة لوقتها الموقت لها، ولا تعجل وقتها لفراغ، ولا
تؤخرها عن وقتها لاشتغال. واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك
(ومنه) فإنه لا سواء إمام الهدى وإمام الردى، وولي النبي
وعدو النبي. ولقد قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لا أخاف
على أمتي مؤمنا ولا مشركا. أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأما
المشرك فيقمعه الله بشركه (4)، ولكني أخاف عليكم كل
منافق (5) الجنان عالم اللسان، يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون
29

28 - (ومن كتاب له عليه السلام)
إلى معاوية جوابا، وهو من محاسن الكتب
أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله محمدا صلى الله
عليه وآله لدينه وتأييده إياه بمن أيده من أصحابه، فلقد خبأ لنا
الدهر منك عجبا (1) إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله عندنا ونعمته علينا في
نبينا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر (2) أو داعي مسدده إلى
النضال. وزعمت أن أفضل الناس في الاسلام فلان وفلان، فذكرت أمرا
إن تم اعتزلك كله (3)، وإن نقص لم تلحقك ثلمته. وما أنت والفاضل
والمفضول (4)، والسائس والمسوس؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء
والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم.
هيهات لقد حن قدح ليس منها (5)، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم
30

لها. ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك (1) وتعرف قصور ذرعك؟
وتتأخر حيث أخرك القدر، فما عليك غلبة المغلوب ولا لك ظفر الظافر
وإنك لذهاب في التيه (2) رواغ عن القصد. ألا ترى غير مخبر
لك ولكن بنعمة الله أحدث أن قوما (3) استشهدوا في سبيل الله من
المهاجرين ولكل فضل، حتى إذا استشهد شهيدنا (4) قيل سيد الشهداء،
وخصه رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته
عليه. أولا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل
حتى إذا فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم (5) قيل الطيار في الجنة
وذو الجناحين، ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر
ذاكر فضائل جمة (6) تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجها آذان السامعين
31

فدع عنك من مالت به الرمية (1) فإنا صنائع ربنا (2) والناس بعد
صنائع لنا. لم يمنعنا قديم عزنا (3) ولا عادي طولنا على قومك أن
خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء ولستم هناك.
وأنى يكون ذلك كذلك ومنا النبي ومنكم المكذب (4)، ومنا
أسد الله ومنكم أسد الأحلاف، ومنا سيد شباب أهل الجنة ومنكم
صبية النار، ومنا خير نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب في كثير
مما لنا وعليكم (5)
فإسلامنا قد سمع، وجاهليتنا لا تدفع (6)، وكتاب الله يجمع
لنا ما شذ عنا وهو قوله " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله
32

وقوله تعالى " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا
النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " فنحن مرة أولى بالقرابة،
وتارة أولى بالطاعة. ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة
برسول الله صلى الله عليه وآله فلجوا عليهم (1)، فإن يكن الفلج به
فالحق لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم
وزعمت أني لكل الخلفاء حسدت وعلى كلهم بغيت، فإن يكن
ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك،
* وتلك شكاة ظاهر عنك عارها (2) *
وقلت إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع (3)
ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت. وما
33

على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما (1) ما لم يكن شاكا
في دينه ولا مرتابا بيقينه. وهذه حجتي إلى غيرك قصدها (2)، ولكني
أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها
ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه
لرحمك منه (3) فأينا كان أعدى له (4) وأهدى إلى مقاتله. أمن بذل
له نصرته فاستقعده واستكفه (5)، أمن استنصره فتراخى عنه وبث
المنون إليه (6) حتى أتى قدره عليه. كلا والله لقد علم الله المعوقين
منكم (7) والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا
وما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا (8)، فإن كان
الذنب إليه إرشادي وهدايتي له فرب ملوم لا ذنب له
* وقد يستفيد الظنة المتنصح (9) * وما أردت إلا الاصلاح ما استطعت
34

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت
وذكرت أنه ليس لي ولأصحابي إلا السيف فلقد أضحكت
بعد استعبار (1)، متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين (2)
وبالسيوف مخوفين * لبث قليلا يلحق الهيجا حمل (3) * فسيطلبك
من تطلب، ويقرب منك ما تستبعد، وأنا مرقل نحوك (4) في جحفل
من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان شديد زحامهم (5)، ساطع
قتامهم، متسربلين سرابيل الموت (6) أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم، قد
صحبتهم ذرية بدرية (7) وسيوف هاشمية، قد عرفت مواقع نصالها
في أخيك وخالك وجدك وأهلك (8) " وما هي من الظالمين ببعيد "
35

29 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل البصرة)
وقد كان من انتشار حبلكم وشقاقكم ما لم تغبوا عنه (1)
فعفوت عن مجرمكم، ورفعت السيف عن مدبركم، وقبلت من
مقبلكم. فإن خطت بكم الأمور المردية (2) وسفه الآراء الجائرة
إلى منابذتي وخلافي فها أنا ذا قد قربت جيادي (3) ورحلت ركابي، ولئن
ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل
إليها إلا كلعقة لاعق (4)، مع أني عارف لذي الطاعة منكم فضله
ولذي النصيحة حقه، غير متجاوز متهما إلى برئ، ولا ناكثا إلى
وفي (5)
30 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية)
فاتق الله فيما لديك، وانظر في حقه عليك، وارجع إلى معرفة مالا
تعذر بجهالته، فإن للطاعة أعلاما واضحة، وسبلا نيرة، ومحجة نهجة (6)
36

وغاية مطلوبة يردها الأكياس (1) ويخالفها الأنكاس. من نكب
عنها جار عن الحق وخبط في التيه (2)، وغير الله نعمته، وأحل به نقمته.
فنفسك نفسك فقد بين الله لك سبيلك. وحيث تناهت بك أمورك
فقد أجريت إلى غاية خسر ومحلة كفر (3)، وإن نفسك قد أولجتك شرا،
وأقحمتك غيا (4)، وأوردتك المهالك، وأوعرت عليك المسالك (5)
31 - (ومن وصية له للحسن بن علي عليهما السلام)
كتبها إليه بحاضرين منصرفا من صفين (6)
من الوالد الفان. المقر للزمان (7)، المدبر العمر، المستسلم
للدهر. الذام للدنيا، الساكن مساكن الموتى. والظاعن عنها غدا. إلى
المولود المؤمل ما لا يدرك (8) السالك سبيل من قد هلك، غرض
الأسقام ورهينة الأيام. ورمية المصائب (9). وعبد الدنيا. وتاجر
الغرور. وغريم المنايا. وأسير الموت. وحليف الهموم. وقرين
37

الأحزان. ونصب الآفات (1). وصريع الشهوات، وخليفة الأموات
أما بعد فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني وجموح الدهر علي (2)
وإقبال الآخرة إلى ما يزعني عن ذكر من سواي (3)، والاهتمام بما
ورائي (4)، غير أني حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي، فصدفني
رأيي وصرفني عن هواي (5)، وصرح لي محض أمري فأفضى بي إلى جد
لا يكون فيه لعب، وصدق لا يشوبه كذب. ووجدتك بعضي بل
وجدتك كلي حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك
أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي فكتبت إليك (6)
مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت
فإني أوصيك بتقوى الله أي بني ولزوم أمره، وعمارة قلبك
بذكره، والاعتصام بحبله. وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله
إن أنت أخذت به؟
أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوه باليقين، ونوره
38

بالحكمة، وذلله بذكر الموت، وقرره بالفناء (1)، وبصره فجائع
الدنيا، وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الليالي والأيام، واعرض
عليه أخبار الماضين، وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين،
وسر في ديارهم وآثارهم فانظر فيما فعلوا وعما انتقلوا وأين حلوا
ونزلوا، فإنك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة، وحلوا ديار الغربة،
وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم. فاصلح مثواك، ولا تبع
آخرتك بدنياك. ودع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لم تكلف.
وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإن الكف عند حيرة الضلال
خير من ركوب الأهوال. وأمر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر
المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله بجهدك (2). وجاهد في الله حق
جهاده ولا تأخذك في الله لومة لائم. وخض الغمرات للحق حيث
كان (3)، وتفقه في الدين، وعود نفسك التصبر على المكروه ونعم
الخلق التصبر. وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى إلهك فإنك تلجئها
إلى كهف حريز (4)، ومانع عزيز. وأخلص في المسألة لربك فإن
39

بيده العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة (1) وتفهم وصيتي ولا
تذهبن عنها صفحا (2) فإن خير القول ما نفع. واعلم أنه لا خير في علم
لا ينفع، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه (3)
أي بني إني لما رأيتني قد بلغت سنا (4)، ورأيتني أزداد وهنا
بادرت بوصيتي إليك، وأوردت خصالا منها قبل أن يعجل بي أجلي
دون أن أفضي إليك بما في نفسي (5)، وأن أنقص في رأيي كما نقصت
في جسمي (6)، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا (7)،
فتكون كالصعب النفور. وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما
ألقي فيها من شئ قبلته. فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل
لبك لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته
وتجربته (8)، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من
40

علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه، واستبان لك ما ربما
أظلم علينا منه (1)
أي بني إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت
في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم حتى عدت
كأحدهم. بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم
إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره،
فاستخلصت لك من كل أمر نخيله (2) وتوخيت لك جميله، وصرفت
عنك مجهوله، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق
وأجمعت عليه من أدبك (3) أن يكون (4) ذلك وأنت مقبل العمر
ومقتبل الدهر، ذو نية سليمة ونفس صافية، وأن أبتدئك بتعليم
كتاب الله وتأويله، وشرائع الاسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه،
لا أجاوز ذلك بك إلى غيره (5). ثم أشفقت (6) أن يلتبس عليك ما اختلف
الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم (7)، فكان
41

إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلامك
إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة (1). ورجوت أن يوفقك الله فيه
لرشدك، وأن يهديك لقصدك، فعهدت إليك وصيتي هذه
واعلم يا بني أن أحب ما أنت آخذ به إلي من وصيتي تقوى الله
والاقتصار على ما فرضه الله عليك، والأخذ بما مضى عليه الأولون
من آبائك، والصالحون من أهل بيتك، فإنهم لم يدعوا أن نظروا
لأنفسهم كما أنت ناظر (2)، وفكروا كما أنت مفكر، ثم ردهم
آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا والامساك عما لم يكلفوا. فإن أبت
نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك
بتفهم وتعلم، لا بتورط الشبهات وعلو الخصومات. وابدأ قبل
نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك والرغبة إليه في توفيقك وترك كل
شائبة أولجتك في شبهة (3)، أو أسلمتك إلى ضلالة. فإذا أيقنت أن
42

قد صفا قلبك فخشع، وتم رأيك فاجتمع، وكان همك في ذلك هما
واحدا فانظر فيما فسرت لك. وإن أنت لم يجتمع لك ما تحب من
نفسك، وفراغ نظرك وفكرك فاعلم أنك إنما تخبط العشواء (1)،
وتتورط الظلماء. وليس طالب الدين من خبط أو خلط، والامساك عن
ذلك أمثل (2)
فتفهم يا بني وصيتي، وأعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة،
وأن الخالق هو المميت، وأن المفني هو المعيد، وأن المبتلي هو
المعافي، وأن الدنيا لم تكن لتستقر إلا على ما جعلها الله عليه من
النعماء (3)، والابتلاء، والجزاء في المعاد أو ما شاء مما لا نعلم، فإن
أشكل عليك شئ من ذلك فاحمله على جهالتك به فإنك أول
ما خلقت خلقت جاهلا ثم علمت. وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير
فيه رأيك ويضل فيه بصرك، ثم تبصره بعد ذلك. فاعتصم بالذي خلقك
43

ورزقك وسواك، وليكن له تعبدك وإليه رغبتك ومنه شفقتك (1)
واعلم يا بني أن أحدا لم ينبئ عن الله كما أنبأ عنه الرسول
صلى الله عليه وآله، فارض به رائدا (2)، وإلى النجاة قائدا، فإني لم
آلك نصيحة (3). وإنك لم تبلغ في النظر لنفسك وإن اجتهدت
مبلغ نظري لك
واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت
آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد
كما وصف نفسه. لا يضاده في ملكه أحد، ولا يزول أبدا. ولم يزل
أول قبل الأشياء بلا أولية (4)، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية. عظم عن
أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر. فإذا عرفت ذلك فافعل كما
ينبغي لمثلك أن يفعله في صغر خطره (5)، وقلة مقدرته، وكثرة
عجزه، وعظيم حاجته إلى ربه في طلب طاعتك، والرهبة من عقوبته،
والشفقة من سخطه. فإنه لم يأمرك إلا بحسن ولم ينهك إلا عن قبيح
44

يا بني إني قد أنبأتك عن الدنيا وحالها وزوالها وانتقالها، وأنبأتك
عن الآخرة وما أعد لأهلها فيها، وضربت لك فيهما الأمثال لتعتبر
بها وتحذو عليها. إنما مثل من خبر الدنيا (1) كمثل قوم سفر نبا بهم
منزل جديب فأموا منزلا خصيبا وجنابا مريعا، فاحتملوا وعثاء
الطريق (2) وفراق الصديق، وخشونة السفر، وجشوبة المطعم ليأتوا
سعة دارهم ومنزل قرارهم، فليس يجدون لشئ من ذلك ألما، ولا يرون
نفقة مغرما، ولا شئ، أحب إليهم مما قربهم من منزلهم، وأدناهم من محلهم
ومثل من اغتر بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصيب فنبا بهم إلى
منزل جديب، فليس شئ أكره إليهم ولا أفظع عندهم من مفارقة
ما كانوا فيه إلى ما يهجمون عليه (3) ويصيرون إليه
يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك
ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب
أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك. واستقبح من نفسك
45

ما تستقبح من غيرك، وأرض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك (1).
ولا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك
واعلم أن الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب (2). فاسع في
كدحك (3) ولا تكن خازنا لغيرك (4). وإذا أنت هديت لقصدك
فكن أخشع ما تكون لربك
واعلم أن أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة (5) ومشقة شديدة. وأنه
لا غنى لك فيه عن حسن الارتياد (6). قدر بلاغك من الزاد مع خفة
الظهر. فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك فيكون ثقل ذلك وبالا
عليك. وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة
فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمله إياه (7). وأكثر من
تزويده وأنت قادر عليه فلعلك تطلبه فلا تجده. واغتنم من استقرضك
46

في حال غناك ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك
واعلم أن أمامك عقبة كؤودا (1)، المخف فيها أحسن حالا من
المثقل، والمبطئ عليها أقبح حالا من المسرع، وأن مهبطك بها لا محالة
على جنة أو على نار. فارتد لنفسك قبل نزولك (2) ووطئ المنزل قبل
حلولك، فليس بعد الموت مستعتب (3)، ولا إلى الدنيا منصرف.
واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء
وتكفل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك،
ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك، ولم يلجئك إلى من يشفع
لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة، ولم يعاجلك بالنقمة، ولم
يعيرك بالإنابة (4) ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يشدد عليك
في قبول الإنابة، ولم يناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة. بل
جعل نزوعك عن الذنب حسنة (5)، وحسب سيئتك واحدة، وحسب
47

حسنتك عشرا، وفتح لك باب المتاب. فإذا ناديته سمع نداءك، وإذا ناجيته
علم نجواك (1) فأفضيت إليه بحاجتك (2)، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت
إليه همومك، واستكشفته كروبك (3)، واستعنته على أمورك،
وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطاء غيره من زيادة الاعمار
وصحة الأبدان وسعة الأرزاق. ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه
بما أذن لك من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته
واستمطرت شآبيب رحمته (4). فلا يقنطنك إبطاء إجابته (5) فإن العطية
على قدر النية. وربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر
السائل وأجزل لعطاء الآمل. وربما سألت الشئ فلا تؤتاه وأوتيت
خيرا منه عاجلا أو آجلا، أو صرف عنك لما هو خير لك. فلرب
أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. فلتكن مسألتك فيما
يبقى لك جماله وينفى عنك وباله. فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له
واعلم أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء،
48

وللموت لا للحياة، وأنك في منزل قلعة (1) ودار بلغة، وطريق إلى
الآخرة، وأنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه، ولا بد أنه
مدركه، فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيئة قد
كنت تحدث نفسك منها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك، فإذا أنت
قد أهلكت نفسك
يا بني أكثر من ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضي
بعد الموت إليه حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك (2)، وشددت له
أزرك، ولا يأتيك بغتة فيبهرك (3). وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد
أهل الدنيا إليها (4)، وتكالبهم عليها، فقد نبأك الله عنها، ونعت لك
نفسها (5)، وتكشفت لك عن مساويها، فإنما أهلها كلاب عاوية،
وسباع ضارية، يهر ببعضها بعضا (6)، ويأكل عزيزها ذليلها، ويقهر
49

كبيرها صغيرها. نعم معقلة (1)، وأخرى مهملة قد أضلت عقولها (2)
وركبت مجهولها، سروح عاهة (3) بواد وعث. ليس لها راع يقيمها،
ولا مقيم يسيمها (4). سلكت بهم الدنيا طريق العمى، وأخذت
بأبصارهم عن منار الهدى، فتاهوا في حيرتها، وغرقوا في نعمتها،
واتخذوها ربا فلعبت بهم ولعبوا بها ونسوا ما وراءها
رويدا يسفر الظلام (5). كأن قد وردت الأظعان (6). يوشك من
أسرع أن يلحق. واعلم أن من كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار
به وإن كان واقفا، ويقطع المسافة وإن كان مقيما وادعا (7)
واعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك، وأنك في سبيل
من كان قبلك. فخفض في الطلب (8)، وأجمل في المكتسب فإنه
50

رب طلب قد جر إلى حرب (1). فليس كل طالب بمرزوق، ولا كل
مجمل بمحروم. وأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب
فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا (2)، ولا تكن عبد غيرك
وقد جعلك الله حرا. وما خير خير لا ينال إلا بشر (3)، ويسر لا ينال
إلا بعسر (4)
وإياك أن توجف بك مطايا الطمع (5) فتوردك مناهل الهلكة.
وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل. فإنك
مدرك قسمك وآخذ سهمك. وإن اليسير من الله سبحانه أعظم
وأكرم من الكثير من خلقه وإن كان كل منه
وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من
منطقك (6)، وحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء. وحفظ ما في يديك أحب
51

إلى من طلب ما في يد غيرك (1). ومرارة اليأس خير من الطلب إلى
الناس. والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور. والمرء أحفظ
لسره (2). ورب ساع فيما يضره (3). من أكثر أهجر (4). ومن تفكر
أبصر. قارن أهل الخير تكن منهم. وباين أهل الشر تبن عنهم.
بئس الطعام الحرام. وظلم الضعيف أفحش الظلم. إذا كان الرفق
خرقا كان الخرق رفقا (5). ربما كان الدواء داء والداء دواء. وربما
نصح غير الناصح وغش المستنصح (6). وإياك واتكالك على المنى
فإنها بضائع الموتى (7)، والعقل حفظ التجارب. وخير ما جريت
52

ما وعظك (1). بادر الفرصة قبل أن تكون غصة. ليس كطالب
يصيب، ولا كل غائب يؤوب. ومن الفساد إضاعة الزاد (2)
ومفسدة المعاد. ولكل أمر عاقبة. سوف يأتيك ما قدر لك.
التاجر مخاطر. ورب يسير أنمى من كثير. لا خير في معين مهين (3)
ولا في صديق ظنين. ساهل الدهر ما ذل لك قعوده (4). ولا تخاطر
بشئ رجاء أكثر منه. وإياك أن تجمح بك مطية اللجاج (5). أحمل
نفسك من أخيك عند صرمه على الصلة (6)، وعند صدوده على اللطف
والمقاربة، وعند جموده على البذل (7)، وعند تباعده على الدنو، وعند
شدته على اللين، وعند جرمه على العذر حتى كأنك له عبد وكأنه
ذو نعمة عليك. وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه أو أن تفعله بغير
53

أهله. لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك. وامحض أخاك
النصيحة حسنة كانت أو قبيحة. وتجرع الغيظ فإني لم أر جرعة
أحلى منها عاقبة ولا ألذ مغبة (1). ولن لمن غالظك (2) فإنه يوشك
أن يلين لك. وخذ على عدوك بالفضل فإنه أحلى الظفرين (3) وإن
أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية ترجع إليها إن بدا
له ذلك يوما ما (4). ومن ظن بك خيرا فصدق ظنه (5). ولا تضيعن
حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه فإنه ليس لك بأخ من أضعت
حقه. ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك. ولا ترغبن فيمن زهد فيك.
ولا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته (6) ولا تكونن
على الإساءة أقوى منك على الاحسان، ولا يكبرن عليك ظلم من
ظلمك فإنه يسعى في مضرته ونفعك. وليس جزاء من سرك أن تسوءه
54

واعلم يا بني أن الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك
فإن أنت لم تأته أتاك. ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى؟
إن لك من دنياك ما أصلحت به مثواك (1). وإن جزعت على ما تفلت
من يديك (2) فاجزع على كل ما لم يصل إليك. استدل على ما لم يكن
بما قد كان. فإن الأمور أشباه. ولا تكونن ممن لا تنفعه العظة إلا إذا
بالغت في إيلامه، فإن العاقل يتعظ بالآداب والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب.
اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين. من ترك القصد
جار (3) والصاحب مناسب (4) والصديق من صدق غيبه (5) والهوى شريك
العناء (6) * رب قريب أبعد من بعيد، ورب بعيد أقرب من قريب.
والغريب من لم يكن له حبيب. من تعدى الحق ضاق مذهبه. ومن
اقتصر على قدره كان أبقى له. وأوثق سبب أخذت به سبب بينك
وبين الله. ومن لم يبالك فهو عدوك (7) قد يكون اليأس إدراكا إذا

* وفي نسخة: والهوى شريك العمى
55

كان الطمع هلاكا. ليس كل عورة تظهر ولا كل فرصة تصاب.
وربما أخطأ البصير قصده وأصاب الأعمى رشده. أخر الشر فإنك
إذا شئت تعجلته (1). وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. من أمن
الزمان خانه، ومن أعظمه أهانه (2). ليس كل من رمى أصاب. إذا
تغير السلطان تغير الزمان. سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار
قبل الدار. إياك أن تذكر في الكلام ما يكون مضحكا وإن حكيت
ذلك عن غيرك. وإياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفن وعزمهن
إلى وهن (3). واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن فإن شدة
الحجاب أبقى عليهن، وليس خروجهن بأشد من إدخالك من لا يوثق
به عليهن (4)، وإن اسطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل. ولا تملك
المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة (5)
ولا تعد بكرامتها نفسها، ولا تطمعها في أن تشفع بغيرها. وإياك
56

والتغاير في غير موضع غيرة (1) فإن ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم
والبريئة إلى الريب. واجعل لكل إنسان من خدمك عملا تأخذه به
فإنه أحرى أن لا يتواكلوا في خدمتك (2). وأكرم عشيرتك فإنهم
جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها
تصول. أستودع الله دينك ودنياك. وأساله خير القضاء لك في
العاجلة والآجلة والدنيا والآخرة. والسلام
32 - (ومن كلام له عليه السلام إلى معاوية)
وأرديت جيلا (3) من الناس كثيرا خدعتهم بغيك (4)، وألقيتهم
في موج بحرك، تغشاهم الظلمات وتتلاطم بهم الشبهات، فجازوا عن
وجهتهم (5) ونكصوا على أعقابهم، وتولوا على أدبارهم، وعولوا على
أحسابهم (6) إلا من فاء من أهل البصائر فإنهم فارقوك بعد معرفتك،
57

وهربوا إلى الله من موازرتك (1) إذ حملتهم على الصعب وعدلت بهم
عن القصد. فاتق الله يا معاوية في نفسك وجاذب الشيطان قيادك (2)،
فإن الدنيا منقطعة عنك والآخرة قريبة منك. والسلام
33 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة)
أما بعد فإن عيني بالمغرب (3) كتب إلي يعلمني أنه وجه على الموسم
أناس من أهل الشام (4) العمي القلوب، الصم الاسماع، الكمه
الأبصار (5)، الذين يلتمسون الحق بالباطل، ويطيعون المخلوق في
معصية الخالق، ويحتلبون الدنيا درها بالدين (6)، ويشترون عاجلها
بآجل الأبرار والمتقين. ولن يفوز بالخير إلا عامله، ولا يجزى جزاء
الشر إلا فاعله. فأقم على ما في يديك قيام الحازم الصليب (7) والناصح
اللبيب، والتابع لسلطانه المطيع لإمامه. وإياك وما يعتذر منه (8).
ولا تكن عند النعماء بطرا (9) ولا عند البأساء فشلا. والسلام
58

34 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر لما
بلغه توجده من عزله (1) بالأشتر عن مصر، ثم توفي الأشتر
في توجهه إلى مصر قبل وصوله إليها)
أما بعد فقد بلغني موجدتك من تسريح الأشتر إلى عملك (2)
وإني لم أفعل ذلك استبطاء لك في الجهد ولا ازديادا في الجد (3). ولو
نزعت ما تحت يدك من سلطانك. لوليتك ما هو أيسر عليك مؤونة
وأعجب إليك ولاية
إن الرجل الذي كنت وليته أمر مصر كان لنا رجلا ناصحا
وعلى عدونا شديدا ناقما (4). فرحمه الله فلقد استكمل أيامه ولاقى
حمامه (5) ونحن عنه راضون. أولاه الله رضوانه وضاعف الثواب له،
فأصحر لعدوك، وامض على بصيرتك (6)، وشمر لحرب من حاربك،
وادع إلى سبيل ربك، وأكثر الاستعانة بالله يكفك ما أهمك
ويعنك على ما نزل بك إن شاء الله
59

35 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس)
بعد مقتل محمد بن أبي بكر
أما بعد فإن مصر قد افتتحت ومحمد بن أبي بكر رحمه الله قد
استشهد. فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا (1) وعاملا كادحا وسيفا قاطعا
وركنا دافعا. وقد كنت حثثت الناس على لحاقه وأمرتهم بغياثه قبل
الوقعة، ودعوتهم سرا وجهرا وعودا وبدءا، فمنهم الآتي كارها،
ومنهم المعتل كاذبا، ومنهم القاعد خاذلا، أسأل الله أن يجعل لي
منهم فرجا عاجلا، فوالله لولا طمعي عند لقائي عدوي في الشهادة
وتوطيني نفسي على المنية لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا
ولا التقي بهم أبدا
36 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى عقيل بن أبي طالب في ذكر
جيش أنفذه إلى بعض الأعداء، وهو جواب كتاب كتبه إليه عقيل)
فسرحت إليه جيشا كثيفا من المسلمين، فلما بلغه ذلك شمر
60

هاربا ونكص نادما، فلحقوه ببعض الطريق وقد طفلت الشمس
للإياب (1) فاقتتلوا شيئا كلا ولا (2)، فما كان إلا كموقف ساعة حتى
نجا جريضا (3) بعد ما أخذ منه بالمخنق ولم يبق منه غير الرمق (4).
فلأيا بلأي ما نجا (5). فدع عنك قريشا وتركاضهم في الضلال،
وتجوالهم في الشقاق (6)، وجماحهم في التيه. فإنهم قد أجمعوا على حربي
كإجماعهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله قبلي، فجزت قريشا
عني الجوازي (7)، فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن أمي (8). وأما ما
سألت عنه من رأيي في القتال فإن رأيي في قتال المحلين حتى ألقى الله (9)
61

لا يزيدني كثرة الناس حولي عزة، ولا تفرقهم عني وحشة. ولا تحسبن
ابن أبيك ولو أسلمه الناس متضرعا متخشعا، ولا مقرا للضيم واهنا،
ولا سلس الزمام للقائد (1)، ولا وطئ الظهر للراكب المتقعد،
ولكنه كما قال أخو بني سليم
- فإن تسأليني كيف أنت فإنني * صبور على ريب الزمان صليب (2)
- يعز علي أن ترى بي كآبة (3) * فيشمت عاد أو يساء حبيب
37 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية)
فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة والحيرة المتعبة،
مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق التي هي لله طلبة (4)، وعلى عباده
حجة. فأما إكثارك الحجاج في عثمان وقتلته (5) فإنك إنما نصرت
عثمان حيث كان النصر لك (6)، وخذلته حيث كان النصر له. والسلام
62

38 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل مصر
لما ولي عليهم الأشتر رحمه الله)
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى القوم الذين غضبوا لله حين
عصي في أرضه وذهب بحقه، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر (1)
والمقيم والظاعن، فلا معروف يستراح إليه (2)، ولا منكر يتناهى عنه
أما بعد فقد بعثت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف،
ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع (3). أشد على الفجار من حريق
النار، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج (4)، فاسمعوا له وأطيعوا
أمره فيما طابق الحق فإنه سيف من سيوف الله لا كليل الظبة (5) ولا
نابي الضريبة (6)، فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا
فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم ولا يؤخر ولا يقدم إلا عن أمري، وقد
63

آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم وشدة شكيمته على عدوكم (1)
39 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى عمرو بن العاص)
فإنك جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيه مهتوك ستره،
يشين الكريم بمجلسه ويسفه الحليم بخلطته، فاتبعت أثره وطلبت
فضله اتباع الكلب للضرغام (2) يلوذ إلى مخالبه وينتظر ما يلقى إليه
من فضل فريسته، فأذهبت دنياك وآخرتك، ولو بالحق أخذت
أدركت ما طلبت. فإن يمكني الله منك ومن ابن أبي سفيان أجزكما
بما قدمتما، وإن تعجزا وتبقيا فما أمامكما شر لكما (3)
40 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله)
أما بعد فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت
ربك وعصيت إمامك وأخزيت أمانتك (4)
بلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك وأكلت
64

ما تحت يديك، فارفع إلي حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم من
حساب الناس
41 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله (1))
أما بعد فإني كنت أشركتك في أمانتي، وجعلتك شعاري
وبطانتي، ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي لمواساتي
وموازرتي (2)، وأداء الأمانة إلي. فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد
كلب، والعدو قد حرب، وأمانة الناس قد خزيت (3)، وهذه الأمة
قد فنكت وشغرت (4) قلبت لابن عمك ظهر المجن (5) ففارقته مع
المفارقين، وخذلته مع الخاذلين، وخنته مع الخائنين. فلا ابن عمك
آسيت (6)، ولا الأمانة أديت. وكأنك لم تكن الله تريد بجهادك.
وكأنك لم تكن على بينة من ربك. وكأنك إنما كنت تكيد هذه
الأمة عن دنياهم (7) وتنوي غرتهم عن فيئهم. فلما أمكنتك الشدة
65

في خيانة الأمة أسرعت الكرة، وعاجلت الوثبة، واختطفت
ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم اختطاف
الذئب الأزل دامية المعزى الكسيرة (1)، فحملته إلى الحجاز رحيب
الصدر بحمله غير متأثم من أخذه (2) كأنك لا أبا لغيرك حدرت
إلى أهلك تراثا من أبيك وأمك. فسبحان الله! أما تؤمن بالمعاد؟
أو ما تخاف نقاش الحساب (3)؟ أيها المعدود كان عندنا من ذوي الألباب (4)
كيف تسيغ شرابا وطعاما وأنت تعلم أنك تأكل حراما وتشرب
حراما؟ وتبتاع الإماء وتنكح النساء من مال اليتامى والمساكين
والمؤمنين والمجاهدين الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال وأحرز
بهم هذه البلاد. فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك
إن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرن إلى الله فيك (5)، ولأضربنك
66

بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار. ووالله لو أن الحسن
والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة (1) ولا
ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما وأزيح الباطل من مظلمتهما.
وأقسم بالله رب العالمين ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم حلال لي (2)
أتركه ميراثا لمن بعدي. فضح رويدا فكأنك قد بلغت المدى (3)
ودفنت تحت الثرى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم
فيه بالحسرة، ويتمنى المضيع الرجعة ولات حين مناص (4).
42 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي وكان
عامله على البحرين فعزله واستعمل النعمان بن عجلان الزرقي مكانه)
أما بعد فإني قد وليت النعمان بن عجلان الزرقي على البحرين،
ونزعت يدك بلا ذم لك ولا تثريب عليك (5). فلقد أحسنت الولاية
وأديت الأمانة. فأقبل غير ظنين (6) ولا ملوم ولا متهم ولا مأثوم.
67

فقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام (1) وأحببت أن تشهد معي فإنك
ممن استظهر به على جهاد العدو (2) وإقامة عمود الدين إن شاء الله
43 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى مصقلة بن
هبيرة الشيباني وهو عامله على أردشير خره (3))
بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت إلهك وأغضبت
إمامك: أنك تقسم (4) فئ المسلمين الذي حازته رماحهم وخيولهم
وأريقت عليه دماؤهم فيمن اعتامك من أعراب قومك (5). فوالذي
فلق الحبة وبرأ النسمة لئن كان ذلك حقا لتجدن بك علي هوانا،
ولتخفن عندي ميزانا. فلا تستهن بحق ربك، ولا تصلح دنياك بمحق
دينك فتكون من الأخسرين أعمالا
ألا وإن حق من قبلك وقبلنا (6) من المسلمين في قسمة هذا الفئ
سواء يردون عندي عليه ويصدرون عنه
68

44 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى زياد بن أبيه وقد بلغه
أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه)
وقد عرفت أن معاوية كتب إليك يستزل لبك ويستفل
غربك (1)، فاحذره فإنما هو الشيطان يأتي المؤمن من بين يديه ومن
خلفه وعن يمينه وعن شماله ليقتحم غفلته (2) ويستلب غرته
وقد كان من أبي سفيان في زمن عمر فلتة من حديث النفس (3)
ونزغة من نزغات الشيطان لا يثبت بها نسب ولا يستحق بها إرث،
والمتعلق بها كالواغل المدفع والنوط المذبذب
(فلما قرأ زياد الكتاب قال شهد بها ورب الكعبة، ولم يزل
في نفسه حتى ادعاه معاوية)
قوله عليه السلام: الواغل، هو الذي يهجم على الشرب ليشرب
معهم وليس منهم فلا يزال مدفعا محاجزا. والنوط المذبذب هو ما يناط
برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك، فهو أبدا يتقلقل
إذا حث ظهره واستعجل سيره)
69

45 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى عثمان بن حنيف
الأنصاري وهو عامله على البصرة وقد بلغه أنه دعي
إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها)
أما بعد يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة
دعاك إلى مأدبة (1) فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان (2) وتنقل إليك
الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو (3).
وغنيهم مدعو. فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم (4)، فما اشتبه
عليك علمه فالفظه (5)، وما أيقنت بطيب وجوهه (6) فنل منه
ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدى به ويستضئ بنور علمه، ألا
وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه (7)، ومن طعمه بقرصيه.
ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد،
وعقة وسداد (8). فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها
70

وفرا (1)، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا (2). بلى كانت في أيدينا فدك
من كل ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها
نفوس آخرين. ونعم الحكم الله. وما أصنع بفدك وغير فدك
والنفس مظانها في غد جدث (3) تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب
أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لاضغطها
الحجر والمدر (4)، وسد فرجها التراب المتراكم، وإنما هي نفسي
أروضها بالتقوى (5) لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على
جوانب المزلق (6). ولو شئت لاهتديت الطريق (7) إلى مصفى هذا
العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن
71

يغلبني هواي ويقودني جشعي (1) إلى تخير الأطعمة. ولعل بالحجاز
أو اليمامة (2) من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت
مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى؟ أو أكون كما قال القائل
- وحسبك داء أن تبيت ببطنة (3) * وحولك أكباد تحن إلى القد
أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره
الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش (4). فما خلقت ليشغلني
أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها
تقممها (5)، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها. أو أترك سدى
أو أهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة (6).
وكأني بقائلكم يقول إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به
الضعف عن قتال الاقران ومنازلة الشجعان. ألا وإن الشجرة البرية
72

أصلب عودا، والروائع الخضرة أرق جلودا (1)، والنباتات البدوية
أقوى وقودا (2) وأبطأ خمودا، وأنا من رسول الله كالصنو من الصنو
والذراع من العضد (3). والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت
عنها، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها، وسأجهد في أن
أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس (4)
حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد (5)
إليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك (6)، قد انسللت من مخالبك،
وأفلت من حبائلك، واجتنبت الذهاب في مداحضك. أين القرون
الذين غررتهم بمداعبك (7) أين الأمم الذين فتنتهم بزخارفك. هاهم
73

رهائن القبور ومضامين اللحود. والله لو كنت شخصا مرئيا وقالبا
حسيا لأقمت عليك حدود الله في عباد غررتهم بالأماني وأمم ألقيتهم
في المهاوي، وملوك أسلمتهم إلى التلف وأوردتهم موارد البلاء إذ لا
ورد ولا صدر (1). هيهات من وطئ دحضك زلق (2)، ومن ركب
لججك غرق، ومن أزور عن حبائلك وفق (3). والسالم منك لا يبالي
إن ضاق به مناخه والدنيا عنده كيوم حان انسلاخه (4). اعزبي عني (5).
فوالله لا أذل لك فتستذليني، ولا أسلس لك فتقوديني. وأيم الله يمينا
أستثني فيها بمشيئة الله لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص (6)
إذا قدرت عليه مطعوما، وتقنع بالملح مأدوما، ولأدعن مقلتي كعين
ماء نضب معينها (7) مستفرغة دموعها. أتمتلئ السائمة من رعيها
فتبرك، وتشبع الربيضة من عشبها فتربض (8) ويأكل علي من زاده
74

فيهجع (1)؟. قرت إذا عينه (2) إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة
الهاملة (3) والسائمة المرعية
طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها، وعركت بجنبها بؤسها (4).
وهجرت في الليل غمضها (5) حتى إذا غلب الكرى عليها افترشت
أرضها وتوسدت كفها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم،
وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم. وهمهمت بذكر ربهم شفاههم (6)،
وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم " أولئك حزب الله ألا إن حزب
الله هم المفلحون "
فاتق الله يا ابن حنيف ولتكفك أقراصك ليكون من النار خلاصك
46 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله)
أما بعد فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين (7) وأقمع به نخوة
75

الأثيم، وأسد به لهاة الثغر المخوف (1). فاستعن بالله على ما أهمك،
واخلط الشدة بضغث من اللين (2). وارفق ما كان الرفق أرفق.
واعتزم بالشدة حين لا يغني عنك إلا الشدة. واخفض للرعية جناحك،
وألن لهم جانبك. وآس بينهم في اللحظة والنظرة (3)، والإشارة والتحية،
حتى لا يطمع العظماء في حيفك، ولا ييأس الضعفاء من عدلك. والسلام
47 - (ومن وصية له عليه السلام للحسن والحسين
عليهما السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله)
أوصيكما بتقوى الله وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما (4)، ولا
تأسفا على شئ منها زوي عنكما (5). وقولا بالحق. واعملا للأجر.
وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا
أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله
ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما صلى الله
عليه وآله يقول: " صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام "
76

والله الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم (1) ولا يضيعوا بحضرتكم.
والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصي بهم حتى
ظننا أنه سيورثهم (2). والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به
غيركم. والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم. والله الله في بيت
ربكم لا تخلوه ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا (3). والله الله في
الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله. وعليكم
بالتواصل والتباذل (4). وإياكم والتدابر والتقاطع. لا تتركوا الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم ثم تدعون
فلا يستجاب لكم. يا بني عبد المطلب لا ألفينكم (5) تخوضون دماء
المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي
انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا
يمثل بالرجل (6) فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
77

" إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور "
48 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية)
وإن البغي والزور يذيعان بالمرء في دينه ودنياه (1)، ويبديان خلله
عند من يعيبه. وقد علمت أنك غير مدرك ما قضي فواته (2). وقد
رام أقوام أمرا بغير الحق فتأولوا على الله فأكذبهم (3). فاحذر يوما
يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله (4)، ويندم من أمكن الشيطان من
قياده فلم يجاذبه. وقد دعوتنا إلى حكم القرآن ولست من أهله.
ولسنا إياك أجبنا، ولكنا أجبنا القرآن في حكمه. والسلام
49 - (ومن كتاب له عليه السلام إليه)
أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها، ولم يصب صاحبها منها
شيئا إلا فتحت له حرصا عليها ولهجا بها (5)، ولن يستغني صاحبها بما
78

نال فيها عما لم يبلغه منها. ومن وراء ذلك فراق ما جمع ونقض ما أبرم
ولو اعتبرت بما مضى حفظت ما بقي. والسلام
50 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى أمرائه على الجيوش)
من عبد الله على أمير المؤمنين إلى أصحاب المسالح (1)
أما بعد فإن حقا على الوالي أن لا يغيره على رعيته فضل ناله ولا
طول خص به (2)، وأن يزيده ما قسم الله له من نعمه دنوا من عباده
وعطفا على إخوانه. ألا وإن لكم عندي أن لا أحتجز دونكم سرا
إلا في حرب (3)، ولا أطوي دونكم أمرا إلا في حكم (4). ولا
أؤخر لكم حقا عن محله، ولا أقف به دون مقطعه (5)، وأن تكونوا
عندي في الحق سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة ولي
عليكم الطاعة، وأن لا تنكصوا عن دعوة (6)، ولا تفرطوا في صلاح،
79

وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق (1). فإن أنتم لم تستقيموا على ذلك
لم يكن أحد أهون علي ممن اعوج منكم، ثم أعظم له العقوبة،
ولا يجد فيها عندي رخصة. فخذوا هذا من أمرائكم، وأعطوهم
من أنفسكم ما يصلح الله به أمركم (2)
51 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى عماله على الخراج)
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أصحاب الخراج
أما بعد فإن من لم يحذر ما هو صائر إليه (3) لم يقدم لنفسه
ما يحرزها. وأعلموا أن ما كلفتم يسير وأن ثوابه كثير. ولو لم
يكن فيما نهى الله عنه من البغي والعدوان عقاب يخاف لكان في
ثواب اجتنابه ما لا عذر في ترك طلبه. فأنصفوا الناس من أنفسكم.
واصبروا لحوائجهم فإنكم خزان الرعية (4) ووكلاء الأمة وسفراء
الأئمة. ولا تحسموا أحدا عن حاجته (5)، ولا تحبسوه عن طلبته،
80

ولا تبيعن للناس في الخراج كسوة شتاء ولا صيف، ولا دابة يعتملون
عليها (1) ولا عبدا، ولا تضربن أحدا سوطا لمكان درهم، ولا تمسن
مال أحد من الناس مصل ولا معاهد، إلا أن تجدوا فرسا أو سلاحا
يعدى به على أهل الاسلام فإنه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في
أيدي أعداء الاسلام فيكون شوكة عليه. ولا تدخروا أنفسكم
نصيحة (2)، ولا الجند حسن سيرة، ولا الرعية معونة، ولا دين الله
قوة. وأبلوا في سبيل الله ما استوجب عليكم (3)، فإن الله سبحانه
قد اصطنع عندنا وعندكم أن نشكره بجهدنا (4)، وأن ننصره بما
بلغت قوتنا، ولا قوة إلا بالله
81

52 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة)
أما بعد فصلوا بالناس الظهر حتى تفئ الشمس من مربض العنز (1)
وصلوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عضو من النهار حين يسار
فيها فرسخان (2). وصلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم ويدفع
الحاج (3) وصلوا بهم العشاء حين يتوارى الشفق إلى ثلث الليل.
وصلوا بهم الغداة والرجل يعرف وجه صاحبه. وصلوا بهم صلاة
أضعفهم ولا تكونوا فتانين (4)
53 - (ومن عهد له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما
ولاه على مصر وأعمالها حين اضطرب محمد بن أبي بكر
وهو أطول عهد وأجمع كتبه للمحاسن)
(بسم الله الرحمن الرحيم)
هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر
82

في عهده إليه حين ولاه مصر: جباية خراجها، وجهاد عدوها،
واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها
أمره بتقوى الله وإيثار طاعته، واتباع ما أمر به في كتابه: من
فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع
جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه، فإنه
جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره وإعزاز من أعزه
وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات ويزعها عند الجمحات (1)،
فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله
ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول
قبلك من عدل وجور. وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما
كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت
تقول فيهم. وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن
عباده. فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح. فأملك
هواك، وشح بنفسك عما لا يحل لك (2)، فإن الشح بالنفس الانصاف
83

منها فيما أحبت أو كرهت. وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة
لهم واللطف بهم. ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم،
فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم
الزلل (1)، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ (2)
فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من
عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق
من ولاك. وقد استكفاك أمرهم (3) وابتلاك بهم. ولا تنصبن
نفسك لحرب الله (4) فإنه لا يدي لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه
ورحمته. ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة (5)، ولا تسرعن إلى
بادرة وجدت منها مندوحة ولا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع (6) فإن
ذلك إدغال في القلب، ومنهكة للدين، وتقرب من الغير. وإذا
84

أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة (1) فانظر إلى عظم
ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن
ذلك يطامن إليك من طماحك (2)، ويكف عنك من غربك، ويفئ
إليك بما عزب عنك من عقلك
إياك ومساماة الله في عظمته (3) والتشبه به في جبروته، فإن الله
يذل كل جبار ويهين كل مختال
أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك
فيه هوى من رعيتك (4)، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان
الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته (5) وكان لله
حربا حتى ينزع ويتوب. وليس شئ أدعى إلى تغيير نعمة الله
وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين
وهو للظالمين بالمرصاد
85

وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل
وأجمعها لرضى الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة (1)،
وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة. وليس أحد من الرعية أثقل
على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل معونة له في البلاء، وأكره
للإنصاف، وأسأل بالإلحاف (2)، وأقل شكرا عند الاعطاء. وأبطأ
عذرا عند المنع، وأضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة (3)
وإنما عماد الدين وجماع المسلمين (4) والعدة للأعداء العامة من الأمة،
فليكن صغوك لهم وميلك معهم
وليكن أبعد رعيتك منك وأشنؤهم عندك أطلبهم لمعائب
الناس (5)، فإن في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها (6). فلا تكشفن
عما غاب عنك منها فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على
ما غاب عنك. فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره
86

من رعيتك. أطلق عن الناس عقدة كل حقد (1). واقطع عنك سبب
كل وتر. وتغاب عن كل ما لا يضح لك، ولا تعجلن إلى تصديق
ساع فإن الساعي غاش وإن تشبه بالناصحين
ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل (2) ويعدك
الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزين لك الشره
بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى (3) يجمعها سوء الظن بالله.
إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا ومن شركهم في الآثام
فلا يكونن لك بطانة (4) فإنهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة، وأنت
واجد منهم خير الخلف (5) ممن له مثل آرائهم ونفاذهم، وليس عليه
مثل آصارهم وأوزارهم (6) ممن لم يعاون ظالما على ظلمه ولا آثما على
إثمه. أولئك أخف عليك مؤونة، وأحسن لك معونة، وأحنى
87

عليك عطفا، وأقل لغيرك إلفا (1) فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك
وحفلاتك، ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك (2)، وأقلهم
مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعا ذلك من هواك
حيث وقع (3)، والصق بأهل الورع والصدق، ثم رضهم على أن لا يطروك (4)
ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو
وتدني من العزة
ولا يكون المحسن والمسئ عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك
تزهيدا لأهل الاحسان في الاحسان، وتدريبا لأهل الإساءة على
الإساءة. وألزم كلا منهم ما ألزم نفسه (5). واعلم أنه ليس شئ
بأدعى إلى حسن ظن راع برعيته من إحسانه إليهم (6)، وتخفيفه
88

المؤونات عليهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس قبلهم (1)
فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فإن
حسن الظن يقطع عنك نصبا طويلا (2)، وإن أحق من حسن ظنك به
لمن حسن بلاؤك عنده. وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك
عنده (3)
ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها
الألفة، وصلحت عليها الرعية. ولا تحدثن سنة تضر بشئ من ماضي
تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها. والوزر عليك بما نقضت منها
وأكثر مدارسة العلماء ومنافثة الحكماء (4) في تثبيت ما صلح
عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك
واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى
ببعضها عن بعض. فمنها جنود الله. ومنها كتاب العامة والخاصة (5).
89

ومنها قضاة العدل. ومنها عمال الانصاف والرفق. ومنها أهل الجزية
والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس. ومنها التجار وأهل الصناعات.
ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة وكلا قد سمى الله
سهمه (1)، ووضع على حده فريضته في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه
وآله عهدا منه عندنا محفوظا
فالجنود بإذن الله حصون الرعية، وزين الولاة، وعز الدين، وسبل
الأمن، وليس تقوم الرعية إلا بهم. ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج
الله لهم من الخراج الذي يقوون به في جهاد عدوهم، ويعتمدون عليه
فيما يصلحهم، ويكون من وراء حاجتهم (2). ثم لا قوام لهذين
الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب لما
يحكمون من المعاقد (3)، ويجمعون من المنافع، ويؤتمنون عليه من
خواص الأمور وعوامها. ولا قوام لهم جميعا إلا بالتجار وذوي
الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم (4)، ويقيمونه من أسواقهم،
90

ويكفونهم من الترفق بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم. ثم الطبقة
السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم (1).
وفي الله لكل سعة، ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه، وليس
يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلا بالاهتمام والاستعانة
بالله، وتوطين نفسه على لزوم الحق، والصبر عليه فيما خف عليه أو
ثقل. فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك، وأنقاهم
جيبا (2)، وأفضلهم حلما ممن يبطئ عن الغضب، ويستريح إلى العذر،
ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء (3). وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به
الضعف. ثم ألصق بذوي الأحساب (4) وأهل البيوتات الصالحة والسوابق
الحسنة. ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة، فإنهم جماع من
الكرم، وشعب من العرف. ثم تفقد من أمورهم ما يتفقده الوالدان
91

من ولدهما، ولا يتفاقمن في نفسك شئ قويتهم به (1). ولا تحقرن
لطفا تعاهدتهم به (2) وإن قل فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك
وحسن الظن بك. ولا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها
فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به. وللجسيم موقعا لا
يستغنون عنه
وليكن آثر رؤوس جندك عندك (3) من واساهم في معونته،
وأفضل عليهم من جدته بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف
أهليهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو. فإن عطفك
عليهم (4) يعطف قلوبهم عليك. وإن أفضل قرة عين الولاة استقامة
العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية. وإنه لا تظهر مودتهم إلا
92

بسلامة صدورهم، ولا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة
أمورهم (1). وقلة استثقال دولهم، وترك استبطاء انقطاع مدتهم.
فافسح في آمالهم، وواصل في حسن الثناء عليهم، وتعديد ما أبلى
ذوو البلاء منهم (2). فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع
وتحرض الناكل إن شاء الله. ثم أعرف لكل امرئ منهم ما أبلى،
ولا تضيفن بلاء امرئ إلى غيره (3)، ولا تقصرن به دون غاية بلائه،
ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، ولا
ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما
واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب (4) ويشتبه عليك
من الأمور فقد قال الله تعالى لقوم أحب إرشادهم " يا أيها الذين
آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم
93

في شئ فردوه إلى الله والرسول " فالرد إلى الله الأخذ بمحكم
كتابه (1)، والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة (2)
ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك (3) في نفسك ممن لا
تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم (4)، ولا يتمادى في الزلة، ولا
يحصر من الفئ إلى الحق إذا عرفه (5)، ولا تشرف نفسه على طمع (6)،
ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه (7)، وأوقفهم في الشبهات (8)،
وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم على
تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم. ممن لا يزدهيه
إطراء (9) ولا يستميله إغراء. وأولئك قليل. ثم أكثر تعاهد قضائه (10)،
94

وافسح له في البذل ما يزيل علته (1) وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه
من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك (2) ليأمن بذلك
اغتيال الرجال له عندك. فانظر في ذلك نظرا بليغا، فإن هذا الدين قد
كان أسيرا في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى، وتطلب به الدنيا
ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا (3)، ولا تولهم محاباة
وأثرة، فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم أهل
التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الاسلام (4)
المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقا، وأصح أعراضا، وأقل في المطامع
إشرافا، وأبلغ في عواقب الأمور نظرا. ثم أسبغ عليهم الأرزاق (5)
فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول
95

ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك (1).
ثم تفقد أعمالهم، وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم (2)،
فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم (3) على استعمال الأمانة
والرفق بالرعية. وتحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده
إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك (4) اكتفيت بذلك
شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله،
ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة، وقلدته عار التهمة
وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلاحه وصلاحهم
صلاحا لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم
عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من
نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة. ومن
طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره
إلا قليلا، فإن شكوا ثقلا (5) أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة
96

أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن
يصلح به أمرهم. ولا يثقلن عليك شئ خففت به المؤونة عنهم،
فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك، مع
استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم (1) معتمدا
فضل قوتهم (2) بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثقة منهم بما
عودتهم من عدلك عليهم في رفقك بهم. فربما حدث من الأمور ما
إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به (3)، فإن
العمران محتمل ما حملته، وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها
وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع (4)، وسوء ظنهم
بالبقاء، وقلة انتفاعهم بالعبر
97

ثم انظر في حال كتابك (1) فول على أمورك خيرهم، واخصص
رسائلك التي تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجود صالح
الأخلاق (2)، ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف
لك بحضرة ملأ، ولا تقصر به الغفلة (3) عن إيراد مكاتبات عمالك
عليك، وإصدار جواباتها على الصواب عنك وفيما يأخذ لك ويعطي
منك. ولا يضعف عقدا اعتقده لك، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد
عليك (4)، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور، فإن الجاهل بقدر
نفسه يكون بقدر غيره أجهل. ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك
استنامتك (5) وحسن الظن منك، فإن الرجال يتعرفون لفراسات
98

الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم (1)، وليس وراء ذلك من النصيحة
والأمانة شئ، ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد
لأحسنهم كان في العامة أثرا، وأعرفهم بالأمانة وجها، فإن ذلك
دليل على نصيحتك لله ولمن وليت أمره، واجعل لرأس كل أمر من
أمورك رأسا منهم (2) لا يقهره كبيرها، ولا يتشتت عليه كثيرها
ومهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته (3)
ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات (4) وأوص بهم خيرا: المقيم
منهم، والمضطرب بماله (5)، والمترفق ببدنه، فإنهم مواد المنافع
وأسباب المرافق، وجلابها من المباعد والمطارح، في برك وبحرك،
وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها (6)، ولا يجترئون
99

عليها. فإنهم سلم لا تخاف بائقته (1)، وصلح لا تخشى غائلته.
وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك. واعلم مع ذلك أن
في كثير منهم ضيقا فاحشا وشحا قبيحا (2)، واحتكارا للمنافع، وتحكما
في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة. فامنع من
الاحتكار فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منع منه، وليكن البيع
بيعا سمحا، بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع
والمبتاع (3). فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه (4) فنكل به، وعاقب
في غير إسراف. ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم
والمساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزمنى (5)، فإن في هذه
الطبقة قانعا ومعترا (6). واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم،
100

واجعل لهم قسما من بيت مالك وقسما من غلات صوافي الاسلام
في كل بلد (1)، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى. وكل قد
استرعيت حقه فلا يشغلنك عنهم بطر (2)، فإنك لا تعذر بتضييعك
التافه (3) لإحكامك الكثير المهم، فلا تشخص همك عنهم (4)، ولا
تصعر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه
العيون (5) وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك (6) من أهل الخشية
والتواضع، فليرفع إليك أمورهم، ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله
يوم تلقاه (7)، فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من
غيرهم، وكل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه. وتعهد أهل اليتم (8)
وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه،
وذلك على الولاة ثقيل والحق كله ثقيل. وقد يخففه الله على أقوام
طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم
101

واجعل لذوي الحاجات منك قسما (1) تفرغ لهم فيه شخصك،
وتجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم
جندك وأعوانك (2) من أحراسك وشرطك، حتى يكلمك متكلمهم
غير متتعتع (3)، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في
غير موطن (4): " لن تقدس أمة (5) لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من
القوي غير متتعتع ". ثم احتمل الخرق منهم والعي (6)، ونح عنك
الضيق والأنف (7) يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته، ويوجب
لك ثواب طاعته. وأعط ما أعطيت هنيئا (8)، وامنع في إجمال وإعذار.
ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها. منها إجابة عمالك بما
يعيى عنه كتابك (9). ومنها إصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك
102

مما تحرج به صدور أعوانك (1). وأمض لكل يوم عمله فإن
لكل يوم ما فيه، واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك
المواقيت وأجزل تلك الأقسام (2) وإن كانت كلها لله إذا صلحت
فيها النية وسلمت منها الرعية
وليكن في خاصة ما تخلص به لله دينك إقامة فرائضه التي هي له
خاصة، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك، ووف ما تقربت به إلى
الله من ذلك كاملا غير مثلوم ولا منقوص (3) بالغا من بدنك ما بلغ. وإذا
أقمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا ولا مضيعا (4)، فإن في
الناس من به العلة وله الحاجة. وقد سألت رسول الله صلى الله عليه
وآله حين وجهني إلى اليمن كيف أصلي بهم فقال: " صل بهم كصلاة
أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما "
وأما بعد فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة
عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور. والاحتجاب منهم
103

يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم
الصغير، ويقبح الحسن ويحسن القبيح، ويشاب الحق الحق بالباطل، وإنما
الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، وليست
على الحق سمات (1) تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، وإنما
أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم
احتجابك (2) من واجب حق تعطية، أو فعل كريم تسدية، أو مبتلى
بالمنع، فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك (3)،
مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيه عليك، من شكاة
مظلمة (4)، أو طلب إنصاف في معاملة
ثم إن للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول، وقلة إنصاف
في معاملة، فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال (5). ولا
تقطعن لأحد من حاشيتك وحامتك قطيعة (6). ولا يطمعن منك في
104

اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون
مؤونته على غيرهم، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك (1)، وعيبه عليك
في الدنيا والآخرة
وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابرا
محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع. وابتغ عاقبته بما
يثقل عليك منه فإن مغبة ذلك محمودة (2)
وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك، واعدل عنك
ظنونهم بإصحارك، فإن في ذلك رياضة منك لنفسك (3)، ورفقا
برعيتك، وإعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق
ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك ولله فيه رضى، فإن في الصلح
105

دعة لجنودك (1) وراحة من همومك وأمنا لبلادك. ولكن الحذر
كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل (2)،
فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن. وإن عقدت بينك وبين
عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة (3) فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك
بالأمانة، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت (4) فإنه ليس من فرائض
الله شئ الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم
من تعظيم الوفاء بالعهود (5). وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون
المسلمين (6) لما استوبلوا من عواقب الغدر (7). فلا تغدرن بذمتك،
ولا تخيسن بعهدك (8)، ولا تختلن عدوك، فإنه لا يجترئ على الله إلا
106

جاهل شقي. وقد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته (1)
وحريما يسكنون إلى منعته ويستفيضون إلى جواره (2). فلا إدغال
ولا مدالسة (3) ولا خداع فيه. ولا تعقد عقدا تجوز فيه العلل (4)،
ولا تعولن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة، ولا يدعونك ضيق
أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق، فإن صبرك على
ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته وأن
تحيط بك من الله فيه طلبة (5) فلا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك
إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شئ أدعى لنقمة
ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء
107

بغير حقها. والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا
من الدماء يوم القيامة. فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام فإن
ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله. ولا عذر لك عند الله ولا
عندي في قتل العمد لأن فيه قود البدن (1). وإن ابتليت بخطأ وأفرط
عليك سوطك (2) أو سيفك أو يدك بعقوبة فإن في الوكزة فما فوقها
مقتلة فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء
المقتول حقهم
وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الاطراء (3)
فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من
إحسان المحسنين
108

وإياك والمن على رعيتك بإحسانك، أو التزيد فيما كان من فعلك (1)
أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإن المن يبطل الاحسان،
والتزيد يذهب بنور الحق، والخلف يوجب المقت عند الله والناس (2)،
قال الله تعالى " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "
وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقط فيها عند
إمكانها (3)، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت (4)، أو الوهن عنها إذا
استوضحت. فضع كل أمر موضعه، وأوقع كل عمل موقعه
وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة (5) والتغابي عما يعنى به
مما قد وضح للعيون فإنه مأخوذ منك لغيرك. وعما قليل تنكشف
عنك أغطية الأمور وينتصف منك للمظلوم. أملك حمية أنفك (6)،
109

وسورة حدك، وسطوة يدك، وغرب لسانك. واحترس من كل
ذلك بكف البادرة (1) وتأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك
الاختيار، ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر
المعاد إلى ربك
والواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة
عادلة، أو سنة فاضلة، أو أثر عن نبينا صلى الله عليه وآله، أو فريضة
في كتاب الله فتقتدي بما شاهدته مما عملنا به فيها (2)، وتجتهد لنفسك
في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا واستوثقت به من الحجة
لنفسي عليك لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها.
وأنا أسأل الله بسعة رحمته وعظيم قدرته على إعطاء كل رغبة (3)
أن يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه
وإلى خلقه (4)، مع حسن الثناء في العباد وجميل الأثر في البلاد، وتمام
110

النعمة وتضعيف الكرامة (1)، وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة
وإنا إليه راغبون. والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله الطيبين
الطاهرين وسلم تسليما كثيرا. والسلام
54 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى طلحة والزبير
ذكره أبو جعفر الإسكافي في كتاب المقدمات
في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام)
أما بعد فقد علمتما - وإن كتمتما - أني لم أرد الناس حتى أرادوني،
ولم أبايعهم حتى بايعوني، وإنكما ممن أرادني وبايعني، وإن العامة
لم تبايعني لسلطان غالب ولا لعرض حاضر (2)، فإن كنتما بايعتماني
طائعين فارجعا وتوبا إلى الله من قريب، وإن كنتما بايعتماني كارهين
فقد جعلتما لي عليكما السبيل (3) بإظهاركما الطاعة وإسراركما
المعصية، ولعمري ما كنتما بأحق المهاجرين بالتقية والكتمان.
وإن دفعكما هذا الأمر من قبل إن تدخلا فيه (4) كان أوسع عليكما
من خروجكما منه بعد إقراركما به
111

وقد زعمتما أني قتلت عثمان، فبيني وبينكما من تخلف عني
وعنكما من أهل المدينة ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل (1).
فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما فإن الآن أعظم أمركما العار من قبل
أن يجتمع العار والنار. والسلام (2)
55 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية)
أما بعد فإن الله سبحانه قد جعل الدنيا لما بعدها (3)، وابتلى فيها
أهلها ليعلم أيهم أحسن عملا. ولسنا للدنيا خلقنا، ولا بالسعي فيها
أمرنا، وإنما وضعنا فيها لنبتلى بها، وقد ابتلاني الله بك وابتلاك بي
فجعل أحدنا حجة على الآخر، فعدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن (4)
فطلبتني بما لم تجن يدي ولا لساني، وعصبته أنت وأهل الشام بي (5)
وألب عالمكم جاهلكم، وقائمكم قاعدكم. فاتق الله في نفسك.
112

ونازع الشيطان قيادك (1). واصرف إلى الآخرة وجهك فهي طريقنا
وطريقك. واحذر أن يصيبك الله منه بعاجل قارعة تمس الأصل (2)
وتقطع الدابر، فإني أولى لك بالله ألية غير فاجرة (3) لئن جمعتني
وإياك جوامع الأقدار لا أزال بباحتك " حتى يحكم الله بيننا وهو
خير الحاكمين "
56 - (ومن وصيته له عليه السلام وصى بها شريح بن هانئ
لما جعله على مقدمته إلى الشام)
اتق الله في كل صباح ومساء، وخف على نفسك الدنيا الغرور
ولا تأمنها على حال. واعلم أنك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب
مخافة مكروهه سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر (4)، فكن
لنفسك مانعا رادعا ولنزوتك عند الحفيظة واقما قامعا (5)
113

57 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة
عند مسيره من المدينة إلى البصرة)
أما بعد فإني خرجت من حيي هذا (1) إما ظالما وإما مظلوما، وإما
باغيا وإما مبغيا عليه، وإني أذكر الله من بلغه كتابي هذا (2) لما نفر
إلي فإن كنت محسنا أعانني وإن كنت مسيئا استعتبني
58 - (ومن كتاب له عليه السلام كتبه إلى أهل الأمصار
يقتص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين)
وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام. والظاهر أن ربنا
واحد (3) ونبينا واحد، ودعوتنا في الاسلام واحدة. لا نستزيدهم في
الإيمان بالله والتصديق برسوله صلى الله عليه وآله ولا يستزيدوننا. الأمر
واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء، فقلنا تعالوا نداو مالا
114

يدرك اليوم بإطفاء النائرة (1) وتسكين العامة، حتى يشتد الأمر
ويستجمع، فنقوى على وضع الحق مواضعه، فقالوا بل نداويه
بالمكابرة، فأبوا حتى جنحت الحرب وركدت ووقدت نيرانها وحمست.
فلما ضرستنا وإياهم (2)، ووضعت مخالبها فينا وفيهم، أجابوا عند ذلك
إلى الذي دعوناهم إليه، فأجبناهم إلى ما دعوا، وسارعناهم إلى ما
طلبوا حتى استبانت عليهم الحجة، وانقطعت منهم المعذرة. فمن
تم على ذلك منهم فهو الذي أنقذه الله من الهلكة، ومن لج وتمادى
فهو الراكس (3) الذي ران الله على قلبه، وصارت دائرة السوء على رأسه
59 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى الأسود بن قطيبة صاحب حلوان (4))
أما بعد فإن الوالي إذا اختلف هواه (5) منعه ذلك كثيرا من
115

العدل. فليكن أمر الناس عندك في الحق سواء فإنه ليس في الجور
عوض من العدل. فاجتنب ما تنكر أمثاله (1)، وابتذل نفسك فيما
افترض الله عليك راجيا ثوابه ومتخوفا عقابه
واعلم أن الدنيا دار بلية لم يفرغ صاحبها فيها قط ساعة إلا كانت
فرغته عليه حسرة يوم القيامة (2). وأنه لن يغنيك عن الحق شئ أبدا.
ومن الحق عليك حفظ نفسك والاحتساب على الرعية بجهدك (3)،
فإن الذي يصل إليك من ذلك أفضل من الذي يصل بك. والسلام
60 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى العمال الذين يطأ الجيش عملهم (4))
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من مر به الجيش من جباة
الخراج وعمال البلاد
أما بعد فإني قد سيرت جنودا هي مارة بكم إن شاء الله، وقد
116

أوصيتهم بما يجب لله عليهم من كف الأذى وصرف الشذى (1). وأنا
أبرأ إليكم وإلى ذمتكم من معرة الجيش (2) إلا من جوعة المضطر
لا يجد عنها مذهبا إلى شبعه. فنكلوا من تناول منهم شيئا ظلما عن
ظلمهم (3). وكفوا أيدي سفهائكم عن مضادتهم والتعرض لهم فيما
استثنيناه منهم (4). وأنا بين أظهر الجيش (5) فادفعوا إلي مظالمكم. وما
عراكم مما يغلبكم من أمرهم ولا تطيقون دفعه إلا بالله وبي فأنا
أغيره بمعونة الله إن شاء الله
61 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى كميل بن زياد النخعي
وهو عامله على هيت ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به
من جيش العدو طالبا الغارة)
أما بعد فإن تضييع المرء ما ولي وتكلفه ما كفي (6) لعجز حاضر
117

ورأي متبر. وإن تعاطيك الغارة على أهل قرقيسيا (1) وتعطيلك
مسالحك التي وليناك ليس بها من يمنعها ولا يرد الجيش عنها لرأي
شعاع. فقد صرت جسرا لمن أراد الغارة من أعدائك على أوليائك،
غير شديد المنكب (2)، ولا مهيب الجانب، ولا ساد ثغرة، ولا
كاسر شوكة، ولا مغن عن أهل مصره (3)، ولا مجز عن أميره
62 - (ومن كتاب له عليه السلام)
إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها
أما بعد فإن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه وآله نذيرا
للعالمين ومهيمنا على المرسلين (4)، فلما مضى عليه السلام تنازع
المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يلقى في روعي (5)
118

ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلى الله عليه
وآله عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني إلا
انثيال الناس على فلان (1) يبايعونه، فأمسكت يدي (2) حتى رأيت
راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى
الله عليه وآله، فخشيت إن لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه
ثلما (3) أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم
التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب،
أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل
وزهق، واطمأن الدين وتنهنه
119

(ومنه) إني والله لو لقيتهم واحدا وهم طلاع الأرض كلها (1) ما
باليت ولا استوحشت. وإني من ظلالهم الذي هم فيه، والهدى
الذي أنا عليه، لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربي. وإني إلى لقاء
الله وحسن ثوابه لمنتظر راج. ولكنني آسى أن يلي أمر هذه الأمة
سفهاؤها وفجارها (2)، فيتخذوا مال الله دولا، وعباده خولا، والصالحين
حربا، والفاسقين حزبا، فإن منهم الذي قد شرب فيكم الحرام (3)،
وجلد حدا في الاسلام وإن منهم من لم يسلم حتى رضخت له على
الاسلام الرضائخ (4)، فلولا ذلك ما أكثرت تأليبكم (5) وتأنيبكم،
وجمعكم وتحريضكم، ولتركتكم إذ أبيتم وونيتم
ألا ترون إلى أطرافكم قد انتقصت (6)، وإلى أمصاركم قد
120

افتتحت، وإلى ممالككم تزوى، وإلى بلادكم تغزى. انفروا
رحمكم الله إلى قتال عدوكم، ولا تثاقلوا إلى الأرض فتقروا بالخسف
وتبوءوا بالذل (1)، ويكون نصيبكم الأخس. وإن أخا الحرب
الأرق (2). ومن نام لم ينم عنه. والسلام
63 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى أبي موسى الأشعري
وهو عامله على الكوفة، وقد بلغه عنه تثبيطه الناس
عن الخروج إليه (3) لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل)
من عبد الله أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس
أما بعد فقد بلغني عنك قول هو لك وعليك، فإذا قدم رسولي
عليك فارفع ذيلك (4)، واشدد مئزرك، واخرج من حجرك، واندب
من معك، فإن حققت فانفذ، وإن تفشلت فابعد. وأيم الله لتؤتين
حيث أنت، ولا تترك حتى يخلط زبدك بخاثرك (5)، وذائبك بجامدك،
121

وحتى تعجل عن قعدتك (1)، وتحذر من أمامك كحذرك من خلفك.
وما هي بالهوينى التي ترجو (2)، ولكنها الداهية الكبرى، يركب
جملها ويذل صعبها، ويسهل جبلها. فاعقل عقلك (3)، واملك أمرك
وخذ نصيبك وحظك، فإن كرهت فتنح إلى غير رحب، ولا في نجاة،
فبالحري لتكفين وأنت نائم (4) حتى لا يقال أين فلان. والله إنه
لحق مع محق وما نبالي ما صنع الملحدون. والسلام
64 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية جوابا)
أما بعد فإنا كنا نحن وأنتم على ما ذكرت من الألفة والجماعة،
ففرق بيننا وبينكم أمس أنا آمنا وكفرتم، واليوم أنا استقمنا
وفتنتم. وما أسلم مسلمكم إلا كرها (5)، وبعد أن كان أنف
الاسلام كله لرسول الله صلى الله عليه وآله حزبا
122

وذكرت أني قتلت طلحة والزبير، وشردت بعائشة (1)
ونزلت بين المصرين، وذلك أمر غبت عنه فلا عليك ولا العذر فيه إليك
وذكرت أنك زائري في المهاجرين والأنصار وقد انقطعت
الهجرة يوم أسر أخوك (2)، فإن كان فيك عجل فاسترفه (3)، فإني إن
أزرك فذلك جدير أن يكون الله إنما بعثني للنقمة منك، وإن تزرني
فكما قال أخو بني أسد:
مستقبلين رياح الصيف تضربهم * بحاصب بين أغوار وجلمود (4)
وعندي السيف الذي أعضضته بجدك (5) وخالك وأخيك في مقام
واحد. وإنك والله ما علمت (6). لأغلف القلب المقارب العقل،
والأولى أن يقال لك إنك رقيت سلما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك،
123

لأنك نشدت غير ضالتك (1)، ورعيت غير سائمتك، وطلبت أمرا
لست من أهله ولا في معدنه، فما أبعد قولك من فعلك. وقريب ما
أشبهت (2) من أعمام وأخوال حملتهم الشقاوة وتمني الباطل على
الجحود بمحمد صلى الله عليه وآله، فصرعوا مصارعهم حيث علمت،
لم يدفعوا عظيما، ولم يمنعوا حريما بوقع سيوف ما خلا منها الوغى (3)
ولم تماشها الهوينى
وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس (4) ثم
حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله تعالى. وأما تلك التي
تريد (5) فإنها خدعة الصبي عن اللبن في أول الفصال والسلام لأهله
65 - (ومن كتاب له عليه السلام إليه أيضا)
أما بعد فقد آن لك أن تنتفع باللمح الباصر من عيان الأمور (6)،
124

فقد سلكت مدارج أسلافك بادعائك الأباطيل، وإقحامك غرور
المين والأكاذيب (1) وبانتحالك ما قد علا عنك (2)، وابتزازك لما
اختزن دونك، فرارا من الحق وجحودا لما هو ألزم لك من لحمك
ودمك (3)، مما قد وعاه سمعك، وملئ به صدرك، فما ذا بعد الحق إلا
الضلال المبين، وبعد البيان إلا اللبس (4). فاحذر الشبهة واشتمالها على
لبستها، فإن الفتنة طالما أغدفت جلابيبها (5) وأعشت الأبصار ظلمتها.
وقد أتاني كتاب منك ذو أفانين من القول (6) ضعفت قواها عن
السلم وأساطير لم يحكها منك علم ولا حلم، أصبحت منها كالخائض
125

في الدهاس (1) والخابط في الديماس وترقيت إلى مرقبة بعيدة المرام (2)،
نازحة الأعلام تقصر دونها الأنوق (3)، ويحاذى بها العيوق
وحاش لله أن تلي للمسلمين بعدي صدرا أو وردا (4)، أو أجري
لك على أحد منهم عقدا أو عهدا، فمن الآن فتدارك نفسك وانظر لها،
فإنك إن فرطت حتى ينهد إليك عباد الله (5) أرتجت عليك الأمور
ومنعت أمرا هو منك اليوم مقبول. والسلام (6)
126

66 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس)
وقد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية
أما بعد فإن المرء ليفرح بالشئ الذي لم يكن ليفوته (1)
ويحزن على الشئ الذي لم يكن ليصيبه. فلا يكن أفضل ما نلت في
نفسك من دنياك بلوغ لذة أو شفاء غيظ، ولكن إطفاء باطل أو إحياء
حق. وليكن سرورك بما قدمت، وأسفك على ما خلفت، وهمك فيما
بعد الموت
67 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة)
أما بعد فأقم للناس الحج وذكرهم بأيام الله (2)، واجلس لهم
العصرين فأفت المستفتي وعلم الجاهل وذاكر العالم. ولا يكن لك
إلى الناس سفير إلا لسانك، ولا حاجب إلا وجهك. ولا تحجبن
127

ذا حاجة عن لقائك بها، فإنها إن ذيدت عن أبوابك في أول وردها (1)
لم تحمد فيما بعد على قضائها
وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك (2)
من ذوي العيال والمجاعة مصيبا به مواضع الفاقة والخلات، وما فضل
عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا
ومر أهل مكة أن لا يأخذوا من ساكن أجرا فإن الله سبحانه
يقول: " سواء العاكف فيه والباد " فالعاكف المقيم به والبادي
الذي يحج إليه من غير أهله. وفقنا الله وإياكم لمحابه (3). والسلام
68 - (ومن كتاب له عليه السلام)
إلى سلمان الفارسي رحمه الله قبل أيام خلافته
أما بعد فإنما مثل الدنيا مثل الحية لين مسها، قاتل سمها،
فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها لما
أيقنت من فراقها. وكن آنس ما تكون بها (4) أحذر ما تكون منها.
128

فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته عنه إلى مجذور (1)
69 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى الحارث الهمداني)
وتمسك بحبل القرآن وانتصحه. وأحل حلاله وحرم حرامه،
وصدق بما سلف من الحق. واعتبر بما مضى من الدنيا ما بقي منها (2)
فإن بعضها يشبه بعضا، وآخرها لاحق بأولها، وكلها حائل مفارق (3)
وعظم اسم الله أن تذكره إلا على حق (4)، وأكثر ذكر الموت
وما بعد الموت. ولا تتمن الموت إلا بشرط وثيق (5). واحذر كل
عمل يرضاه صاحبه لنفسه ويكره لعامة المسلمين. واحذر كل
عمل يعمل به في السر ويستحى منه في العلانية. واحذر كل عمل إذا
سئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه. ولا تجعل عرضك غرضا
لنبال القول، ولا تحدث الناس بكل ما سمعت فكفى بذلك كذبا،
ولا ترد على الناس كل ما حدثوك به فكفى بذلك جهلا. واكظم
الغيظ وتجاوز عند المقدرة، واحلم عند الغضب، واصفح مع الدولة (6)
129

تكن لك العاقبة. واستصلح كل نعمة أنعمها الله عليك. ولا تضيعن
نعمة من نعم الله عندك، ولير عليك أثر ما أنعم الله به عليك
واعلم أن أفضل المؤمنين أفضلهم تقدمة من نفسه (1) وأهله
وماله، فإنك ما تقدم من خير يبق لك ذخره وما تؤخر يكن لغيرك
خيره. واحذر صحابة من يفيل رأيه (2) وينكر عمله فإن الصاحب
معتبر بصاحبه. أسكن الأمصار العظام فإنها جماع المسلمين. واحذر
منازل الغفلة والجفاء وقلة الأعوان على طاعة الله. واقصر رأيك على
ما يعنيك، وإياك ومقاعد الأسواق فإنها محاضر الشيطان ومعاريض
الفتن (3). وأكثر أن تنظر إلى من فضلت عليه (4). فإن ذلك من
أبواب الشكر. ولا تسافر في يوم جمعة حتى تشهد الصلاة إلا
فاصلا في سبيل الله (5)، أو في أمر تعذر به. وأطع الله في جميع
أمورك فإن طاعة الله فاضلة على ما سواها. وخادع نفسك في العبادة،
وارفق بها ولا تقهرها. وخذ عفوها ونشاطها (6) إلا ما كان مكتوبا
130

عليك من الفريضة فإنه لا بد من قضائها وتعاهدها عند محلها. وإياك
إن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربك في طلب الدنيا (1). وإياك
ومصاحبة الفساق فإن الشر بالشر ملحق. ووقر الله وأحبب أحباءه.
واحذر الغضب فإنه جند عظيم من جنود إبليس. والسلام (2)
70 - (ومن كتاب له عليه السلام)
(إلى سهل بن حنيف الأنصاري وهو عاملة على المدينة)
(في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية)
أما بعد فقد بلغني أن رجالا ممن قبلك (3) يتسللون إلى معاوية فلا
تأسف على ما يفوتك من عددهم ويذهب عنك من مددهم. فكفى
لهم غيا ولك منهم شافيا (4) فرارهم من الهدى والحق وإيضاعهم إلى
العمى والجهل (5)، وإنما هم أهل دنيا مقبلون عليها ومهطعون إليها (6)،
131

قد عرفوا العدل ورأوه وسمعوه ووعوه، وعلموا أن الناس عنده في
الحق أسوة فهربوا إلى الأثرة (1) فبعدا لهم وسحقا
إنهم والله لم ينفروا من جور ولم يلحقوا بعدل. وإنا لنطمع في
هذا الأمر أن يذلل الله لنا صعبه ويسهل لنا حزنه (2) إن شاء الله. والسلام
71 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود العبدي)
(وقد خان في بعض ما ولاه من أعماله)
أما بعد فإن صلاح أبيك غرني منك، وظننت أنك تتبع هديه
وتسلك سبيله (3)، فإذا أنت فيما رقي إلي عنك (4) لا تدع لهواك
انقيادا، ولا تبقي لآخرتك عتادا (5)، تعمر دنياك بخراب آخرتك،
وتصل عشيرتك بقطيعة دينك. ولئن كان ما بلغني عنك حقا لجمل
أهلك وشسع نعلك خير منك (6). ومن كان بصفتك فليس بأهل
أن يسد به ثغر، أو ينفذ به أمر، أو يعلى له قدر أو يشرك في أمانة،
132

أو يؤمن على خيانة (1) فأقبل إلي حين يصل إليك كتابي هذا إن شاء الله
(والمنذر هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام:
" إنه لنظار في عطفيه مختال في برديه (2) تفال في شراكيه ")
72 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس)
أما بعد فإنك لست بسابق أجلك ولا مرزوق ما ليس لك. واعلم
بأن الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك، وأن الدنيا دار دول (3)،
فما كان منها لك أتاك على ضعفك، وما كان منها عليك لم تدفعه
بقوتك
73 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية)
أما بعد فإني على التردد في جوابك (4) والاستماع إلى كتابك
لموهن رأيي ومخطئ فراستي. وإنك إذ تحاولني الأمور (5) وتراجعني
133

السطور كالمستثقل النائم تكذبه أحلامه. أو المتحير القائم يبهظه
مقامه. لا يدري أله ما يأتي أم عليه. ولست به، غير أنه بك شبيه.
وأقسم بالله إنه لولا بعض الاستبقاء (1) لوصلت إليك مني قوارع
تقرع العظم وتهلس اللحم. واعلم أن الشيطان قد ثبطك عن أن تراجع
أحسن أمورك (2) وتأذن لمقال نصيحتك
74 - (ومن حلف له عليه السلام كتبه بين ربيعة واليمن)
(نقل من خط هشام بن الكلبي)
هذا ما اجتمع عليه أهل اليمن: حاضرها وباديها، وربيعة: حاضرها
وباديها (3)، أنهم على كتاب الله يدعون إليه ويأمرون به ويجيبون من
134

دعا إليه وأمر به. لا يشترون به ثمنا ولا يرضون به بدلا، وأنهم
يد واحدة على من خالف ذلك وتركه. أنصار بعضهم لبعض، دعوتهم
واحدة. لا ينقضون عهدهم لمعتبة عاتب ولا لغضب غاضب (1)، ولا
لاستذلال قوم قوما ولا لمسبة قوم قوما. على ذلك شاهدهم وغائبهم،
وحليمهم وسفيههم وعالمهم، وجاهلهم. ثم إن عليهم بذلك عهد الله
وميثاقه إن عهد الله كان مسؤولا. وكتب علي بن أبي طالب
75 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية في أول)
(ما بويع له، ذكره الواقدي في كتاب الجمل)
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان
أما بعد فقد علمت إعذاري فيكم وإعراضي عنكم (2) حتى كان
ما لا بد منه ولا دفع له. والحديث طويل، والكلام كثير، وقد أدبر
ما أدبر وأقبل ما أقبل، فبايع من قبلك (3) وأقبل إلي في وفد من أصحابك
135

76 - (ومن وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس)
(عند استخلافه إياه على البصرة)
سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، وإياك والغضب فإنه
طيرة من الشيطان (1). واعلم أن ما قربك من الله يباعدك من النار، وما
باعدك من الله يقربك من النار
77 - (ومن وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس)
(لما بعثه للاحتجاج على الخوارج)
لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمال (2) ذو وجوه تقول
ويقولون، ولكن حاججهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصا (3)
78 - (ومن كتاب له عليه السلام إلى أبي موسى الأشعري)
(جوابا في أمر الحكمين ذكره سعيد بن يحيى الأموي)
(في كتاب المغازي)
فإن الناس قد تغير كثير منهم عن كثير من حظهم (4) فمالوا
136

مع الدنيا ونطقوا بالهوى، وإني نزلت من هذا الأمر منزلا معجبا (1)
اجتمع به أقوام أعجبتهم أنفسهم، فإني أداوي منهم قرحا أخاف أن
يكون علقا (2)، وليس رجل - فاعلم - أحرص على جماعة أمة محمد صلى
الله عليه وآله وألفتها مني (3) أبتغي بذلك حسن الثواب وكرم المآب (4)
وسأوفي بالذي وأيت على نفسي (5) وإن تغيرت عن صالح ما فارقتني
عليه (6) فإن الشقي من حرم نفع ما أوتي من العقل والتجربة، وإني
لأعبد أن يقول قائل بباطل (7)، وأن أفسد أمرا قد أصلحه الله، فدع
ما لا تعرف (8) فإن شرار الناس طائرون إليك بأقاويل السوء. والسلام
137

79 - (ومن كتاب له عليه السلام لما استخلف إلى أمراء الأجناد)
أما بعد فإنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الناس الحق
فاشتروه (1)، وأخذوهم بالباطل فاقتدوه (2)
(تم باب الكتب بحمد الله)
138