الكتاب: روضة الواعظين
المؤلف: الفتال النيسابوري
الجزء:
الوفاة: ٥٠٨
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ قسم الفقه
تحقيق: تقديم : السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات الشريف الرضي - قم
ردمك:
ملاحظات:

روضة الواعظين
للفتال النيسابوري
تأليف
الشيخ العلامة زين المحدثين محمد بن
الفتال النيسابوري الشهيد في سنة 508 ه‍
من أعلام القرنين
الخامس والسادس الهجريين
وضع المقدمة
العلامة الجليل السيد محمد مهدى السيد حسن الخرسان
منشورات الرضي
قم - إيران
تعريف الكتاب 1

بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الكتاب 2

حياة المؤلف والتعريف بالكتاب
بقلم: العلامة السيد محمد مهدى الخرسان
الحمد لله رب العالمين وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين.
ما زالت المكتبة الحيدرية في النجف الأشرف تتحف القراء بكل سفر
جليل وكنز ثمين من آثار السلف الصالح خدمة للدين. وتخليدا لذكرى
أعلامنا الماضين. وإحياء لما اندثر أو كاد من آثارهم. وقبل ذلك كله طلبا
لمرضاة الله تعالى.
وانها اليوم لتطالع القراء الكرام بكتاب (روضة الواعظين وبصيرة
المتعظين) تأليف الشيخ الحافظ الواعظ الشهيد السعيد أبي علي الفتال
النيسابوري من أعلام القرنين الخامس والسادس الهجريين.
وإن في إعادة طبع هذا الكتاب وتيسير نسخته للقراء في هذا الوقت
لفتة طيبة تقدر فتشكر، فعسى أن يكون هذا الكتاب وأمثاله من الكتب
الاسلامية النافعة مدعاة لتهذيب النفوس وتخليصها من أدران المادة. فحيا الله
الأستاذ محمد كاظم الكتبي صاحب المكتبة الحيدرية وشد أزره ووفقه لما يحب
ويرضى.
وقد طلب إلى أن أقدم لهذا الكتاب بما تيسر ليتسنى للقارئ الكريم
الوقوف على صفحة ناصعة من تاريخ الفكر المجيد في القرنين الخامس والسادس.
فأجبت وأنا في زحمة من الاعمال، فعذري سلفا إلى القراء إن قصرت في
التقديم أو أخطأت في التصوير، فإن البحث يستدعى إعطاء الفرصة التامة.
ولا فرصة والكتاب تم طبعه وهو بانتظار هذه الوريقات. ومن الله استمد
التوفيق والتسديد أنه ولي ذلك.
المقدمة 3

المؤلف
هو الحافظ الواعظ الشهيد السعيد أبو علي محمد بن الحسن بن علي أحمد
ابن الفتال النيسابوري الفارسي.
والذي يلاحظ معاجم التراجم يجد الرجل منسوبا إلى أبيه تارة والى جده
علي أخرى والى جده أحمد بن علي ثالثا. وربما يظن التعدد خصوصا إذا
وجد التفريق في الوصف والنسبة، كما احتمل ذلك غير واحد. ومن الخير أن
ندل القارئ على المعاجم الذي ذكرته منسوبا إلى أبيه الحسن، فهي: معالم
العلماء ص 116، ومقدمة المناقب ج 1 ص 13، والمقابيس ص 5، وخاتمة
المستدرك ج 3 ص 492، وإيضاح المكنون ج 1 ص 334 و 598. والكنى
والألقاب ج 3 ص 90، وروضات الجنات ص 564 وغيرها.
وأما التي نسبته إلى جده علي فهي: فهرست الشيخ منتجب الدين،
وإجازة العلامة الحلي لبنى زهرة، ومقدمة المناقب أيضا وغيرها.
وأما التي نسب فيها إلى جده الأعلى أحمد بن علي فهي: فهرست الشيخ
منتجب الدين أيضا، ورجال ابن داود ص 295، ولسان الميزان لابن حجر
ج 5 ص 44، وشعب المقال للنراقي ص 228، والوجيزة للمجلسي، ومنهج
المقال ص 280، وتحفة الأحباب ص 314، وجامع الرواة ج 2 ص 62
وتأسيس الشيعة ص 395 وغيرها
والتحقيق ان الرجل واحد، ولكن المترجمين اختلفوا في نسبته إلى آبائه
لأنهم كانوا من الشهرة وذيوع الصيت بالمكان اللائق بهم، حتى صح أن
ينسب إلى كل منهم حفيدهم، والنسبة إلى الجد الأدنى أو الأعلى أمر شائع في
كتب التاريخ والتراجم، ولا يخفى ذلك على من لاحظ تراجم أمثال: ابن
طاووس، ابن شهرآشوب، ابن زهرة، ابن معد، ابن حمزة، ابن سعيد وغيرهم.
المقدمة 4

تعريف المعاجم له وثناء الشيوخ عليه
1 - قال تلميذه الوفي الحافظ محمد بن علي بن شهرآشوب السروي في معالم
العلماء ص 116 طبعة الحيدرية:
محمد بن الحسن الفتال الفارسي النيسابوري، له كتاب التنوير في معاني
التفسير، وروضة الواعظين وبصيرة المتعظين.
وقال في مقدمة كتاب المناقب ج 1 ص 13 عند ذكر أسانيد لرواية كتب
الشيعة فقال: فأما أسانيد كتب أصحابنا فأكثرها عن الشيخ أبى جعفر الطوسي
حدثنا بذلك... وحدثنا أيضا المنتهى بن أبي زيد بن كيابكي الحسيني الجرجاني.
ومحمد بن الحسن الفتال النيسابوري وجدي شهرآشوب عنه أيضا سماعا وقراءة
ومناولة وإجازة بأكثر كتبه ورواياته. وأما أسانيد كتب الشريفين المرتضى
والرضي ورواتهما فعن.. وعن محمد بن علي الفتال الفارسي أيضا عن أبيه
الحسن كليهما عن المرتضى، وقد سمع المنتهى والفتال بقراءة أبويهما عليه
- أي المرتضى -.
وقال في ص 14: وحدثني الفتال بالتنوير في معاني التفسير، وبكتاب
روضة الواعظين وبصيرة المتعظين.
2 - وعده معاصر الشيخ الجليل عبد الجليل القزويني في كتابه النقض
ص 51 في جملة أعلام الطائفة كالشيخ المفيد والطوسي والشريفين واضرابهم.
ثم قال ما ترجمته:
وكل منهم كان: مدرسا، ومتكلما، وفقيها، وعالما، ومقرئا، ومفسرا،
ومتدينا وزاهدا.
المقدمة 5

كما أنه اعتمد تفسيره (التنوير) ونقل عنه أسوة بنقله عن تفاسير شيخ
الطائفة أبى جعفر الطوسي وأبى علي الطبرسي وأبى الفتوح الرازي، ثم وصف
تفاسيرهم بأنها معروفة معتبرة معتمدة.
وقال في ص 304 عند رد من رمى الشيعة بالجبر والتشبيه، بعد كلام ذكر
فيه تفاسير الشيعة في وقته وعد منها تفسير الشيخ أبى جعفر الطوسي،
وتفسير الشيخ محمد الفتال، وتفسير أبى على الطبرسي، وتفسير الشيخ
جمال الدين أبو الفتوح الرازي رحمة الله عليهم، فقال ما ترجمته:
وكلهم كان عالما خبيرا، وجميعهم علماء امناء معتمدين. ولم يكونوا
مجبرين، ولا مشبهين، ولا غالين ولا اخباريين ولا حشويين.
3 - وقال الشيخ منتجب الدين ابن بابويه في الفهرست المطبوع في آخر
مجلدات بحار الأنوار ج 26 ص 11: الشيخ محمد بن علي الفتال النيسابوري
صاحب التفسير ثقة وأي ثقة، أخبرنا جماعة من الثقاة عنه بتفسيره.
وقال أيضا في ص 13: الشيخ الشهيد محمد بن أحمد الفارسي مصنف
كتاب روضة الواعظين.
4 - وقال الحسن بن داود الحلي في رجاله ص 295 طبع إيران:
محمد بن أحمد بن علي الفتال النيسابوري المعروف بابن الفارسي
أبو علي لم جخ (1) متكلم جليل القدر، فقيه، عالم، زاهد، ورع

(1) - هذا رمز لمن لم يرو عنهم عليهم السلام في رجال الشيخ الطوسي
وهو آخر الأبواب فيه. وقد تعقب ابن داود كثير من الاعلام على هذه
النسبة لخلو رجال الشيخ الطوسي عن ذكره، ومنهم السيد التفريشي في
نقد الرجال، والوحيد البهبهاني، والشيخ المجلسي وغيرهم، وانتصر له مكابرا
في الدعوى صاحب الروضات بزعم خلو نسخ القوم من ذكره، ولم يذكر لنا
أنه رأى نسخة من رجال الشيخ فيها ذكر الرجل فلاحظ.
المقدمة 6

قتله أبو المحاسن عبد الرازق رئيس نيسابور الملقب بشهاب الاسلام.
5 - وقال آية الله العلامة الحلي في اجازته الكبيرة لبني زهرة وهي
مذكورة في آخر مجلدات البحار ج 26:
(.. كتاب روضة الواعظين وتبصرة المتعظين للفقيه أبى على محمد
ابن علي بن أحمد الفارسي).
6 - وقال بن حجر في لسان الميزان ج 5 ص 44:
محمد بن أحمد بن علي الفارسي أبو علي الفتال: ذكره ابن بابويه في تاريخ
الري وقال:
كان من شيوخ الامامية سمع من المرتضى أبى الحسن المطهر، وعبد الجبار
ابن عبد الله. روى عنه علي بن الحسن بن عبد الله النيسابوري، ومات سنة
ثمان وخمسمائة.
7 - وذكره السيد مصطفى التفريشي في كتابه نقد الرجال ص 289.
وذكر مقالة ابن داود المتقدمة، ثم عقب عليها بقوله: ولم أجده في كتب
الرجال، خصوصا في الرجال، أي رجال الشيخ.
8 - وذكره الميرزا محمد في رجاله الكبير منهج المقال ص 280 والوسيط
المسمى (تلخيص الأقوال) وهو مخطوط. ولم يزد على عبارة الشيخ
ابن داود في رجاله، وقد سبق أن ذكرناها.
9 - وقال الوحيد البهبهاني في تعليقته على الرجال (منهج المقال) في
النقد - نقد الرجال -: لم أجده في كتب الرجال. وفى الوجيزة حكم بحسنه.
والظاهر أنه - الاشتباه - من ابن داود.
10 - وقال الشيخ أسد الله التستري في مقابس الأنوار ص 5:
الشيخ الشهيد السعيد الفاضل السديد محمد بن الحسن بن علي الفتال الفارسي
النيسابوري صاحب روضة الواعظين المعروفة، وكتاب التنوير في معاني
المقدمة 7

التفسير. وقد روى عنه كما صرح به السروي - ابن شهرآشوب - الذي روى
عنه بلا واسطة في المناقب.
11 - وقال الميرزا أبو القاسم النراقي في شعب المقال ص 228:
محمد بن أحمد بن علي الفتال النيسابوري أبو علي المعروف بابن الفارسي.
ذكره الشيخ رحمه الله. وقال ابن داود: أنه متكلم جليل القدر، فقيه عالم
زاهد ورع، قتله أبو المحاسن عبد الرزاق رئيس نيسابور الملقب بشهاب الاسلام.
12 - وذكره المولى محمد بن علي الأردبيلي في جامع الرواة ج 2 ص 62
مرتين، مرة بعنوان:
محمد بن أحمد بن علي الفتال النيسابوري المعروف بابن الفارسي أبو علي
ثم ذكر ما قاله ابن داود وأضاف إليه تعقيب السيد التفريشي في نقد الرجال.
وكأنه جمع بين منهج المقال وجزءا من تعليقة الوحيد البهبهاني عليه.
وأخرى بعنوان:
محمد بن أحمد الفارسي الشيخ الشهيد مصنف كتاب روضة الواعظين.
وحكاه عن فهرست منتجب الدين.
13 - وذكره الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتابه أمل الآمل
ثلاث مرات، تارة بعنوان:
الشيخ الشهيد محمد بن أحمد الفارسي الفتال، ثقة جليل له كتاب روضة
الواعظين كما في ص 496 وأخرى بعنوان:
محمد بن الحسن الفتال الفارسي النيسابوري، له التنوير في معاني التفسير،
وروضة الواعظين وبصيرة المتعظين. قاله ابن شهرآشوب. وتقدم ابن أحمد
الفتال الفارسي كما في ص 500، وثالثا بعنوان:
الشيخ محمد بن علي الفتال النيسابوري صاحب التفسير، ثقة وأي ثقة
أخبرنا جماعة من الثقاة عنه بتفسيره. قاله منتجب الدين.
المقدمة 8

14 - وذكره الرجالي الشيخ أبو علي الحائري في كتابه منتهى المقال
ص 258 في ترجمته كلام الميرزا محمد في رجاله منهج المقال. وهو عين كلام
ابن داود. وكلام الوحيد البهبهاني في التعليقة عليه، وزاد عليهما بقوله:
أقول في مجموعة الشيخ الشهيد محمد بن أحمد الفارسي صاحب كتاب روضة
الواعظين. فلاحظ وتأمل.
15 - وقال العلامة المجلسي في الوجيزة ص 162 ملحقا بآخر خلاصة
الأقوال للعلامة الحلي طبع إيران: محمد ابن أحمد بن علي الفتال النيسابوري
حسن.
واستعرض في مقدمة كتابه الجليل (بحار الأنوار) عند ذكر مصادر كتابه
ومنها كتاب (روضة الواعظين) الصحيح في نسبة الكتاب إلى مؤلفه - المترجم له -
واستعرض كلام كل من: ابن شهرآشوب، ومنتجب الدين، وابن داود،
وتعقب على ابن داود دعوى ذكر المترجم له في رجال الشيخ في باب من لم يرو
عنهم عليهم السلام.
وختم كلامه بقوله، وعلى أي حال يظهر مما نقلنا جلالة المؤلف، وإن
كتابه كان من الكتب المشهورة.
16 - وذكره السيد محمد باقر الخوانساري في روضات الجنات من صفحة
564 إلى صفحة 567، وأطال الكلام في ترجمته بنقل ما قاله المتقدمون من
الاعلام في حقه، وناقش من ذهب إلى التعدد بما لا يسع المقام نقله بطوله،
فمن شاء فليراجع.
17 - وقال خاتمة المحدثين الميرزا حسين النوري في خاتمة كتابه مستدرك
الوسائل ج 3 ص 492:
الشيخ الشهيد السعيد العالم النبيل أبو علي محمد بن الحسن بن علي بن أحمد
ابن علي الحافظ الواعظ الفارسي النيسابوري، المدعو تارة بالفتال، وأخرى
المقدمة 9

بابن الفارسي، والمنسوب إلى أبيه الحسن مرة، والى جده علي ثانية، والى
جده أحمد ثالثة. والكل تعتبر عن شخص واحد كما يظهر بالتأمل في عبارة
ابن شهرآشوب في المناقب. وصرح به أيضا صاحب البحار وغيره من العلماء
النقاد الأبرار، وهو مؤلف كتاب روضة الواعظين، وكتاب التنوير في
التفسير... ثم ذكر ما قاله منتجب الدين في فهرسته، وعبارة ابن داود
في رجاله، ثم قال:
روى عن الشيخ أبى جعفر الطوسي، وعن أبيه الحسن بن علي، وعن
السيد المرتضى، صرح بذلك في المناقب.
18 - وقال المحدث الشيخ عباس القمي في كتابه الكنى والألقاب ج 3
ص 9 طبع النجف الأشرف:
الفتال: هو الشيخ الأجل الشهيد السعيد أبو علي محمد بن الحسن بن علي
ابن أحمد النيسابوري، المعروف بابن الفارسي الحافظ الواعظ صاحب كتاب
روضة الواعظين، والتنوير في التفسير. كان من علماء المئة السادسة، ومن
مشايخ ابن شهرآشوب، يروى عن الشيخ الطوسي، وعن أبيه الحسن بن علي،
وعن السيد المرتضى رضي الله عنه. ثم ذكر ما قاله ابن داود في حقه
وعقبه بتفسير لفظ الفتال وانه من أسماء البلبل، ولعله لقب به لطلاقة في
لسانه في الخطابة والوعظ، وعذوبة في لهجته ورقة في ألفاظه. وقال في تحفة
الأحباب ص 314:
محمد بن أحمد بن علي الفتال النيسابوري، صاحب روضة الواعظين. من
العلماء جليل القدر، كان متكلما فقيها زاهدا ورعا، قتله أبو المحاسن عبد الرزاق
رئيس نيسابور الملقب بشهاب الاسلام.
19 - وذكره الحجة الشيخ آغا بزرك الطهراني دام ظله في الذريعة ج 4
ص 469 عند ذكر كتابه التنوير ج 11 ص 305 عند ذكر كتابه روضة
المقدمة 10

الواعظين، وأشار في كل منهما إلى أنه غير الفتال الذي ترجمه الشيخ منتجب الدين
في فهرسته ص 11 بعنوان: محمد بن علي الفتال النيسابوري ثقة وأي ثقة،
وأصر الشيخ آغا بزرك على التعدد، مع أن التحقيق ما ذهب إليه الشيخ
المجلسي، وصاحب الروضات، والشيخ النوري من اتحاد المعنون. وإن
اختلفت العناوين المعبر بها عنه كما يظهر ذلك لمن تأمل في مقدمة المناقب
لابن شهرآشوب.
20 - وذكره الحجة السيد حسن الصدر في كتابه تأسيس الشيعة ص 395
وذكر مقالة ابن داود في حقه، ثم ذكر كتاب روضة الواعظين، ثم قال:
وهذا الشيخ من شيوخ الشيعة في المائة الخامسة في طبقة ابن الشيخ. الخ.
وخلاصة القول في حق المترجم له، أنه شيخ جليل من شيوخ الشيعة واعلام
الطائفة، وكان مدرسا متكلما فقيها عالما مقرئا مفسرا متدينا زاهدا، من العلماء الأمناء
المعتمدين كما وصفه معاصره الشيخ عبد الجليل القزويني.
وثقة أي ثقة جليل القدر فقيها عالما زاهدا ورعا كما وصفه الشيخان
منتجب الدين وابن داود، وأطبق القول المتأخرون على وصفه بذلك تبعا لهما
شيوخه وتلاميذه
ظهر مما سبق ان المترجم له روى عن سيد الطائفة الشريف المرتضى المتوفى
سنة 436 ه‍. وسمع أباه الحسن بن علي يقرأ على الشريف أيضا.
وروى عن الشيخ أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460 ه‍.
وروى عن أبيه الشيخ الحسن بن علي الفتال.
وروى عن عبد الجبار بن عبد الله، والمرتضى أبى الحسن المطهر، كما في
لسان الميزان.
المقدمة 11

وسمع منه الحافظ محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني المتوفى سنة
588 ه‍ وعلي بن الحسن بن عبد الله النيسابوري.
والمستفاد من جميع ذلك أن المترجم له كان بالعراق برهة من عمره مع
أبيه، حيث كانت بغداد محط أكابر العلماء وجامعة الاسلام، فسمع من اعلام
الطائفة بها وروى عنهم، وكان ذلك قبل سنة 436 ه‍ وهي سنة وفاة
الشريف المرتضى رحمه الله، وبقي بها إلى أن سمع منه الحافظ ابن شهرآشوب
المولود في حدود سنة 489 ه‍ تقريبا.
ومع الأسف الشديد ان التاريخ لم يوفه حقه، لذلك جهلنا كثيرا من
جوانب حياته، فلم نعرف عن ولادته، ولا نشأته، ولا دراسته شيئا،
وحتى ما ذكره مترجموه كان بإيجاز واجمال، ومن ذلك أمر شهادته وأسبابها،
فقد ذكر بعضهم انه قتله أبو المحاسن عبد الرزاق شهاب الاسلام حاكم نيسابور.
ولأي سبب قتل؟ ومتى كان ذلك؟ هذا ما سكت عنه التاريخ، فلم يبق إلا
الحدس والتخمين.
شهادته رحمه الله
قلنا: إن المؤرخين لم يذكروا أسباب شهادة المترجم له، ومتى كانت؟
وكل ما ذكروه أن قاتله هو عبد الرزاق شهاب الاسلام رئيس نيسابور وإنا
إذا رجعنا إلى تاريخ عبد الرزاق يمكننا أن نعرف السبب الداعي إلى قتله
المترجم له رحمه الله، فمن هو عبد الرزاق؟
ذكر زامباور في معجم الأنساب والأسر الحاكمة ج 2 ص 336: ان
أبا المحاسن عبد الرزاق شهاب الاسلام وزير سنجر، من سنة 513 إلى 515
وفيها توفي.
المقدمة 12

وذكره في ص 339 في وزراء سنجر فقال: شهاب الاسلام أبو المحاسن
عبد الرزاق بن عبد الله بن محمد ابن الفقيه - ابن أخي نظام الملك - سنة
وزارته 513.
وأما ناصر الدين المنشى الكرماني - 725 ه‍ فيقول في كتابه نسائم
الأسحار من لطائم الاخبار ص 58 ما ترجمته:
الوزير شهاب الاسلام عبد الرزاق بن إسحاق الطوسي. كان ابن أخ الوزير
نظام الملك. وكان من قروم الأئمة يومئذ وفحول العلماء المشاهير. اشتغل في
أيام صباه وريعان شبابه بتحقيق أحكام الشرع، وتدقيق رموز وإشارات
الأحاديث النبوية. وصرف شرخ شبابه بشرح جواب المشكلات، وإزالة
الشبهات. أمر السلطان سنجر - السلجوقي - بنقله من المدرسة والمحراب إلى
سرير الوزارة، وأعطى مقاليد الأمور، فتبدل عما كان عليه من زي
النسك والورع إلى كثير من الصفات المذمومة والأفعال القبيحة، كالبخل
وشرب الخمر إلى أن توفى مشوه السمعة ممقوتا.
وقال سيف الدين العقيلي من أعلام القرن التاسع في كتابه آثار الوزراء:
شهاب الاسلام عبد الرزاق وزر للسلطان سنجر السلجوقي بعد عزل
ابن عمه صدر الدين بن فخر الدين بن نظام الملك.
قال السلطان سنجر عند اجتماعه في مرو بالوزير معين الدين أبى نصر أحمد
الكاشي أنه رأى من وزيره شهاب الاسلام من سوء السيرة وخبث السريرة
ما لا ينبغي صدوره من السوقة فضلا عن أصحاب الدرس والفتوى والعمائم
والتقوى.
وقال السلطان أيضا: أغمضت عما شاهدت منه كله إلى أن توفى.
وورد في حبيب السير ج 2 ص 513 طبع إيران:
شهاب الاسلام عبد الرزاق الطوسي من أقارب خواجة نظام الملك،
المقدمة 13

استوزره السلطان سنجر السلجوقي بعد ما ظهرت خيانات كثيرة من صدر الدين
ابن فخر الدين بن خواجة نظام الملك، فتمرد وطغى وسرق الخزانة إلى أن أمر
السلطان بقتله، واستوزر من بعده شهاب الاسلام، هذا وكان في أول أمره
يشتغل بطلب العلم فلما وزر طغى وتعجرف وشرب الخمر متجاهرا بذلك انتهى.
بقي هنا أمر لا بد من التنبيه عليه هو: أن ابن حجر في لسان الميزان ذكر
ان المترجم له مات سنة 508 ه‍، وهذا لا يتفق مع سني وزارة عبد الرزاق
المذكور، اللهم إلا أن يكون عبد الرزاق أفتى بقتله يوم كان حليف المحراب
وذلك قبل أيام حكومته، وإن كان الظاهر من عبارة ابن داود أنه قتله وهو
رئيس نيسابور، فلاحظ.
وورد في تاريخ نيسابور، تلخيص الخليفة النيسابوري ص 152 نقلا عن
خط الخواجة قطب الدين، في أسماء الذين لهم قبور معلومة بنيسابور ما ترجمته:
الشيخ محمد الفتال رحمه الله وتربته في قبلي مقبرة (خيرة) بنيسابور.
مؤلفاته
لم نعثر في المعاجم المؤلفة لذكر آثار الاعلام وفى غيرها على سوى هذين
المؤلفين:
1 - التنوير في معالم التفسير.
2 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين.
أما الأول فقد كان من الكتب المعتبرة عند الشيعة، وفى عداد تفاسيرهم
المعتمد عليها، وقد ذكره غير مرة الشيخ الجليل عبد الجليل القزويني - معاصر
المترجم له - في كتابه النقض، وحكى عنه وأطراه كثيرا. كما وقد رواه الحافظ
ابن شهرآشوب عن مؤلفه كما في مقدمة المناقب.
المقدمة 14

وأما روضة الواعظين، وهو هذا الكتاب الذي نحن نقدمه للقراء بكل
احترام، فهو من كتب الأخلاق والآداب، ذكر مؤلفه في مقدمته السبب
الداعي لتأليفه فقال:
فأنى كنت في عنفوان شبابي قد اتفقت لي مجالس وعرضت محافل والناس
يسألونني عن أصول الديانات والفروع عنها في المقامات، فأجبتهم عنها بجواب
يكفيهم ومقال يشفيهم، فحاولوا منى بالكلام في التذكير والزهد والمواعظ
والزواجر والحكم والآداب، فرجعت إلى كتب أصحابنا فما وجدت لهم كتابا
يشتمل على هذه المطلوبات، ويدور على جمل هذه المذكورات إلا متبترات في
كتبهم وتفريقات في زبرهم، فهممت أن أجمع كتابا يشتمل على بعض كلام
الله تعالى ويدور على محاسن اخبار النبي (صلى الله عليه وآله) ويحتوى على جواهر كلام الأئمة
عليهم السلام وأبوبه أبوابا ومجالس، وأضع كل جنس موضعه، فإنه لم
يسبقني إليه أحد من أصحابنا إلى تأليف مثل هذا الكتاب، فكان التعب به
أكثر والنصب أعم وأكثر وأنا إن شاء الله أفتتح لكل مجلس منها بكلام الله
تعالى ثم بآثار النبي والأئمة عليهم السلام محذوفة الأسانيد، فإن الأسانيد
لا طائل فيها إذا كان الخبر شائعا ذائعا ووقعت تسميته ب‍ (روضة الواعظين
وبصيرة المتعظين).
ثم حذر المؤلف القراء من التسرع في الحكم استنادا على ورود بعض الأخبار
التي يقتضى ظاهرها مذهب الحشو والاختلاط. ودعا إلى التأمل والتفكر
والرجوع إلى من يعرف تأويلها، وأكد ذلك في الخاتمة أيضا وختم ذلك
بقوله:
فأنى لم أذكر شيئا في هذا الكتاب من الخبر والأثر الذي يقتضى ظاهره
مذهب الحشو حتى كنت عالما لمعناه قبل إيراده، لكن لم اذكر معناه
المقدمة 15

لئلا يطول به الكتاب فينبغي أن لا يعتقد أحد انى كنت حشويا ومخلطا.
فأنى رجل محقق والحمد لله رب العالمين.
ومراده بقوله انى رجل محقق، أي ممن يعتمد الحق - الإمامة - ويقول به:
وقد توهم بعضهم فنسب الكتاب إلى الشيخ المفيد رحمه الله ورده كثير
من المحققين ونبهوا على غلط النسبة، وقبل ذلك كله قول تلميذه الشيخ الحافظ
محمد بن علي بن شهرآشوب راوي هذا الكتاب وسابقه عن مؤلفه كما صرح
بذلك في مقدمة المناقب.
وكتابنا هذا في جزءين خص المؤلف الجزء الأول، وهو يشتمل على ثلاثين
مجلسا يتخللها بعض الأبواب والفصول - بذكر ماهية العقول والعلوم والنظر
ووجوب معرفة الله تعالى وفساد التقليد في ذلك والكلام في صفات الباري
وخلق الأفعال والقضاء والقدر والعدل والتوحيد والنبوة والبعثة ومعجزات
النبي (صلى الله عليه وآله) وتاريخه، ثم الإمامة وما يتعلق بها وتاريخ الأئمة " عليه السلام " من
أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن العسكري " عليه السلام " مع تاريخ الزهراء " عليه السلام "
أما الجزء الثاني فيزيد على سبعين مجلسا، أتم في أوله الكلام في تاريخ
الحجة عجل الله فرجه وإمامته، ثم ذكر في باقي مجالسه مناقب آل محمد وفضائل
بعض الاعلام، ثم استعرض ذكر بعض الأحكام والأزمان والأماكن،
وحتى القبور والقيامة والصراط والميزان والجنة والنار وغيرها.
وقد طبع هذا الكتاب في إيران مكررا، وهذه الطبعة التي تقدمها
المكتبة الحيدرية في النجف الأشرف هي أحدث الطبعات.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
النجف الأشرف
25 رجب سنة 1386 ه‍.
محمد مهدى
السيد حسن الخرسان
المقدمة 16

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله استتماما لنعمته، واستسلاما لربوبيته، واستعصاما من معصيته وصلى الله
على محمد خيرته على بريته، وعلى الطيبين الطاهرين من عترته، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد: فإني كنت في عنفوان شبابي قد اتفقت لي مجالس، وعرضت محافل
والناس يسألونني عن أصول ديانات وإبانة الفروع عنها في المقامات، فأجبتهم عنها
بجواب يكفيهم، ومقال يشفيهم، فحاولوا عنى بالكلام في التذكير، والزهد
والمواعظ والزواجر، والحكم والآداب، فرجعت إلى كتب أصحابنا، فما وجدت
لهم كتابا يشتمل على جميع هذه المطلوبات، ويدور على جمل هذه المذكورات إلا متبترات
في كتبهم، ومتفرقات في زبرهم، فهممت أن أجمع كتابا يشتمل على بعض كلام الله
ويدور على محاسن اخبار النبي صلى الله عليه وسلم ويحتوى على جواهر كلام الأئمة عليهم السلام
وأبوبه أبوابا، ومجالس، وأضع كل جنس موضعه، فإنه لم يسبقني أحد من
أصحابنا إلى تأليف مثل هذا الكتاب، فكان التعب به أكثر والنصب أعم وأكثر
وأنا إن شاء الله افتتح لكل مجلس منها بكلام الله تعالى، ثم بآثار النبي
والأئمة عليهم السلام، محذوفة الأسانيد، فإن الأسانيد لا طايل فيها إذا كان الخبر
شايعا ذايعا، ووقعت تسميته (بروضة الواعظين، وبصيرة المتعظين) وان ورد
خبر في هذا الكتاب يقتضى ظاهره مذهب الحشو والاختلاط، ينبغي أن يتأمله الناظر
ويتفكر فيه، فإن عرف تأويله عرف معناه، وإن لم يظهر له معناه رجع إلى من عرف
معناه ليعرفه المراد به، فإن كلام النبي والأئمة عليهم السلام ليس له مزية على كلام الله
فكلام الله تعالى لم يخل من المتشابه، فكذلك كلام النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة عليهم السلام
لكنه يرجع إلى من كان عالما، حاذقا، بصيرا بالأصول والفروع واللغة والاعراب
حتى يتبين المراد، فيعلم إنه ليس بين كلام الله تعالى، والنبي والأئمة عليهم السلام
1

تناقض سوى من كان من أهل الحشو، وقليل البضاعة في العلم، وانا اذكر امام هذا
الكتاب طرفا من الأصول لأنها المفزع، واليها المرجع، بعد أن اذكر الكلام في العقول
والعلوم، والله الموفق للصواب، بمنه ولطفه.
مجلس في ماهية العقول وفضلها
قال الله تعالى في سورة آل عمران: (ان في خلق السماوات والأرض واختلاف
الليل والنهار لآيات لأولي الألباب).
وقال تعالى في سورة طه: (كلوا وارعوا أنعامكم ان في ذلك لآيات
لأولي النهى).
وقال في سورة والفجر: (هل في ذلك قسم لذي حجر).
(العقل) في عرف المتكلمين عبارة عن مجموع علوم وهي ثلاثة أقسام: أولها العلم
بأصول الأدلة، وثانيها ما لا يتم العلم بهذه الأصول إلا معه، وثالثها ما لا يتم الغرض
المطلوب إلا معه.
فالأول: العلم بأحوال الأجسام التي تتغير من حركة وسكون، والعلم باستحالة
خلو الذات من النفي والاثبات المتقابلين، والعلم بأحوال الفاعلين، وغير ذلك
وليس يصح العلم بذلك إلا ممن يجب أن يكون عالما بالمدركات إذا أدركها وارتفع اللبس
عنها وممن إذا مارس الصنايع يعلم.
والعلم بالعادات من أصول الأدلة الشرعية لابد منه وهو من القسم الثاني.
والقسم الثالث: العلم بجهات المدح والذم والخوف، وطرق المضار حتى يصح
خوفه من إهمال النظر، فيجب عليه النظر والتوصل به إلى العلم، والذي يدل على أن
ذلك هو العقل لا غير أنه متى تكاملت هذه العلوم كان عاقلا ولا يكون عاقلا إلا وهذه
العلوم حاصلة لو ولو كان للعقل معنى آخر لجاز حصول هذه العلوم، ولا يحصل ذلك المعنى
فلا يكون عاقلا أو يحصل ذلك المعنى، ويكون عاقلا، وإن لم تكن له هذه العلوم
والعلوم خلاف ذلك.
2

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأس العقل بعد الايمان بالله، التحبب إلى الناس.
وقال أيضا صلى الله عليه وآله قسم الله العقل على ثلاثة اجزاء، فمن كان فيه كمل
عقله، ومن لم يكن فيه فلا عقل له: حسن المعرفة بالله، وحسن الطاعة له
وحسن الصبر له.
وقال الصادق عليه السلام في خبر طويل: وبالعقل يكمل، وهو دليله وبصره
ومفتاح أمره.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: هبط جبرئيل على آدم " عليه السلام " فقال يا آدم إني أمرت
أخيرك واحدة من ثلاث، فاختر واحدة ودع اثنتين، فقال له آدم: واما الثلاث
يا جبرئيل؟ قال العقل، والحياء، والدين قال آدم: فإني اخترت العقل، قال جبرئيل
للحيا والدين: انصرفا فقالا: يا جبرئيل إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان قال:
فشأنكما وعرج.
وقال أبو عبد الله " عليه السلام " لم يقسم بين العباد أقل من الخمس: اليقين، والقنوع
والصبر، والشكر، والذي يكمل به هذا كله من العقل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الله تعالى خلق العقل من نور مخزون، مكنون في
سابق علمه الذي لم يطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرب، فجعل العلم نفسه، والفهم
وجهه، والزهد رأسه، والحياء عينيه، والحكمة لسانه، والرأفة همه، والرحمة
قلبه ثم غشاه، وقواه بعشرة أشياء: باليقين، والايمان، والصدق، والسكينة،
والاخلاص، والرفق، والعطية، والقنوع، والتسليم، والشكر. ثم قال له عز وجل
أدبر، فأدبر. ثم قال له: اقبل، فاقبل ثم قال له: تكلم، فقال الحمد لله الذي ليس
له ضد ولا ند ولا شبيه ولا كفء ولا عديل ولا مثل، الذي كل شئ لعظمته
خاضع ذليل، فقال له الرب تعالى: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحسن منك
ولا أطوع لي منك، ولا أرفع منك ولا أشرف منك، ولا أعز منك، بك أوحد
وبك أعبد وبك ادعى، وبك ارتجى وبك أبتغي وبك أخاف، وبك أحذر وبك
الثواب، وبك العقاب فخر العقل عن ذلك ساجدا، فكان في سجوده ألف عام، وقال
الرب تبارك وتعالى: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فرفع العقل رأسه
فقال: إلهي أسئلك ان تشفعني فيمن خلقتني فيه.
3

فقال الله جل جلاله لملائكته أشهدكم انى قد شفعته فيمن خلقته فيه.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": عقول النساء في جمالهن، وجمال الرجال في عقولهم.
وقال أيضا " عليه السلام ": أصل الانسان لبه، وعقله دينه، ومروته حيث يجعل نفسه
والأيام دول، والناس إلى آدم شرع سواء.
سئل الرضا " عليه السلام "، فقيل: ما العقل؟ قال: التجرع للغصة، ومداهنة الأعداء
ومداراة الأصدقاء، روى ذلك عن الحسن بن علي عليهما السلام، إلا قوله: ومداراة
الأصدقاء.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": صدر العاقل صندوق سره، لا غنى كالعقل، ولا فقر
كالجهل، ولا ميراث كالأدب، اعقلوا الخبر إذا سمعتموه، عقل رعاية لا عقل رواية
فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل، لا مال أعود من العقل، ولا عقل كالتدبير
وليس للعاقل أن يكون شاخصا إلا في ثلاث: مرمة لمعاش أو خطوة إلى معاد أو لذة في
غير محرم، ما استودع الله امرء عقلا إلا استنقذه به يوما ما.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: ما العقل؟ قال العمل بطاعة الله، وان العمال
بطاعة الله، هم العقلاء.
وروى إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر بمجنون فقال ما له؟ فقيل إنه مجنون، فقال بل
هو مصاب إنما المجنون من آثر الدنيا على الآخرة.
وروى عن أمير المؤمنين عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: ينبغي للعاقل إذا كان عاقلا
أن يكون له أربع ساعات من النهار: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها
نفسه، وساعة يأتي أهل العلم الذين يبصرونه امر دينه وينصحونه، وساعة يخلى بين
نفسه ولذتها من امر الدنيا فيما يحل ويجمل.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكل شئ معدن، ومعدن التقى قلوب العاقلين.
وروى عن ابن عباس أنه قال: أساس الدين بنى على العقل، وفرضت الفرائض
على العقل، وربنا يعرف بالعقل، ويتوسل إليه بالعقل، والعاقل أقرب إلى ربه
من جميع المجتهدين بغير عقل، ولمثال ذرة من بر العاقل أفضل من جهاد الجاهل
الف عام.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له.
4

قال الشاعر:
القلب لولا العقل كان فريسة * لا يستشار كساير الأعضاء
والعقل لولا الرشد والتوفيق من * ذي العرش كان كسائر الأهواء
وقيل أيضا:
أشد عيوب المرء جهل عيوبه * ولا شئ بالأقوام أزرى من الجهل
وما فات ذات خير من العقل سهمه * وإن كان محروما فقد فاز بالعقل
وقال الشاعر:
صائن العقل مصان * ولقد ضاع مضيعه
مشرق العقل مضئ * ساطع النور سطيعه
حصن ذي العقل حصين * في ذرى العز منيعه
فاز بالطوبى من العقل * إلى الله شفيعه
بارك الله على العقل * ونجى من يطيعه
باب الكلام في ماهية العلوم وفضلها
وقال الله تعالى في سورة المجادلة (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم
درجات، والله بما تعملون خبير) العلم ما اقتضى سكون النفس إلى ما تناوله
ولا يكون لذلك إلا وهو اعتقاد الشئ على ما هو به، مع سكون النفس. وهو على
ضربين: ضروري، ومكتسب، فالضروري هو من فعل غيرنا فينا على وجه
لا يمكننا دفعه عن أنفسنا، والمكتسب هو ما كان من فعلنا لوجوب وقوعه بحسب
دواعينا وأحوالنا ففارق بذلك العلم الضروري الذي يحصل من فعل الله فينا، هذا
ما حده المتكلمون.
وروى عن الصادق " عليه السلام "، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال: والذي نفسي بيده
ما جمع شئ إلى شئ أفضل من حلم إلى علم.
وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلوات الله عليهما: مجالسة أهل الدين، شرف
الدنيا والآخرة.
5

وعنه قال: سئل أمير المؤمنين " عليه السلام "، من اعلم الناس؟ قال: من جمع علم الناس إلى علمه.
وسئل الصادق عن الحديث الذي جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) ان أفضل الجهاد كلمة عدل
عند امام جائر، ما معناه؟ قال عليه السلام: هذا على أن يأمره بقدر معرفته، وهو
مع ذلك يقبل وإلا فلا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اشراف أمتي حملة القرآن، وأصحاب الليل.
وقال أيضا (صلى الله عليه وآله): حملة القرآن عرفاء أهل الجنة، وأيضا قال: أفضل العبادة
الفقه، وأفضل الدين الورع، وقال أيضا: كلمتان، فاحتملوهما كلمة حكمة من سفيه
وكلمة سفه من حكيم، فاغفروها.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا
فسدت أمتي، قيل يا رسول الله من هما؟ قال الفقهاء والأمراء.
وقال عليه السلام: لا خير في العيش إلا لرجلين، عالم مطاع، أو مستمع واع.
وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال: ان تدين الله
بالباطل وتفتي الناس بما لا تعلم.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: قطع ظهري رجلان من الدنيا: رجل عليم اللسان
فاسق ورجل جاهل القلب ناسك هذا يصد بلسانه عن فسقه وهذا بنسكه عن جهله فاتقوا
الفاسق من العلماء، والجاهل من المتعبدين، أولئك فتنة كل مفتون، فانى سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يا علي هلاك أمتي على يدي كل منافق عليم اللسان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا سهر إلا في ثلاث، متجهد بالقرآن، وفى طلب
العلم أو عروس تهدى إلى زوجها.
قال أبو عبد الله عليه السلام: الناس يغدون على ثلاثة: عالم، ومتعلم وغثاء
فنحن العلماء، وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: قوام الدين بأربعة: بعالم ناطق مستعمل له
وبغنى لا يبخل بفضله على أهل دين الله وبفقير لا يبيع آخرته بدنياه، وبجاهل لا يتكبر
عن طلب العلم. فإذا كتم العالم علمه، وبخل الغنى بفضله، وباع الفقير آخرته بدنياه
واستكبر الجاهل عن طلب العلم، رجعت الدنيا على تراثها قهقهرى، ولا يغرنكم
كثرة المساجد، وأجساد القوم مختلفة.
6

قيل يا أمير المؤمنين: كيف العيش في ذلك الزمان؟ قال خالطوهم بالبرانية - يعنى
في الظاهر - وخالفوهم في الباطن للمرء ما اكتسب، وهو مع من أحب، وانتظروا
مع ذلك الفرج من الله تعالى.
قال الصادق عليه السلام: العلم خزائن، والمفاتيح السؤال، فاسألوا يرحمكم الله
فإنه يؤجر أربعة: السائل، والمتكلم، والمستمع، والمحب لهم.
قال أبو عبد الله عليه السلام: ان من العلماء من يحب ان يخزن علمه، فلا يؤخذ
عنه فذاك في الدرك الأول من النار، ومن العلماء من إذا وعظ انف، وإذا وعظ عنف
فذاك في الدرك الثاني من النار، ومن العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذوي الثروة
ولا يرى له في المسكين وضعا، وذاك في الدرك الثالث من النار، ومن العلماء من
يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين فان رد عليه شئ من قوله أو قصر في شئ من
امره غضب فذاك في الدرك الرابع من النار، ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود
والنصارى ليعز به علمه ويكثر به حديثه، فذاك في الدرك الخامس من النار، ومن
العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول سلوني ولعله لا يصيب حرفا، والله لا يحب المتكلفين
فذاك في الدرك السادس من النار، ومن العلماء من يتخذ علمه (1) مروة ونبلا فذاك
في الدرك السابع من النار.
قال أبو جعفر " عليه السلام " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يعبد الله بشئ أفضل من العقل ولا يكون
المؤمن عاقلا حتى تجتمع فيه عشر خصال من العلم: الخير منه مأمول والشر منه مأمون
يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، ولا يسأم من طلب العلم طول
عمره، ولا يتبرم بطلب الحوائج قباله الذل أحب إليه من العز، والفقر أحب إليه من الغنى
نصيبه من الدنيا القوت، والعاشرة وما العاشرة لا يرى أحدا إلا قال: هو خير منى، واتقى
الناس رجلان: فرجل هو خير منه واتقى، وآخر هو شر منه وأدنى فإذا رأى من هو
خير منه واتقى تواضع له ليلحق به. فإذا لقي الذي هو شر منه وأدنى قال عسى خيرا هذا
باطن وشر ظاهر، وعسى ان يختم له بخير فإذا فعل ذلك فقد علا مجده وساد أهل زمانه.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من حفظ عنى من أمتي أربعين حديثا من السنة كنت له
شفيعا يوم القيامة.

(1) الظاهر في الحديث تصحيف فليراجع.
7

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من حفظ عنى من أمتي أربعين حديثا في امر دينه يريد به
وجه الله والدار الآخرة، بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما.
قال الصادق " عليه السلام ": من حفظ عنا أربعين حديثا من أحاديثنا في الحلال والحرام
بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما ولم يعذبه.
قال علي بن الحسين عليهما السلام: حق سايسك بالعلم التعظيم له والتوقير لمجلسه
وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه وان لا ترفع عليه صوتك ولا تجيب أحدا يسأله
عن شئ حتى يكون هو الذي يجيب ولا تحدث في مجلسه أحدا ولا تغتاب عنده أحدا
وان تدفع عنه إذا ذكر عندك وان تستر به عيوبه، وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوا
ولا تعادى له وليا فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله تعالى
لا للناس.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": من دخل في الاسلام طائعا وقرأ القرآن ظاهرا فله في كل
سنة مأتا دينار في بيت مال المسلمين، ان منع في الدنيا اخذها يوم القيامة وافية، وهو
أحوج ما يكون إليها.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": إني لأرحم ثلاث، وحق لهم ان يرحم عزيز اصابته مذلة
بعد العز وغنى اصابته حاجة بعد الغنى وعالم يستخف به أهله والجهلة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه، وأكثر الناس قيمة
أكثرهم علما وأقل الناس قيمة أقلهم علما، وأولى الناس بالحق أعملهم به، واحكم
الناس من فر من جهال الناس.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم تكون تلك
الورقة يوم القيامة سترا فيما بينه وبين النار وأعطاه الله بكل حرف مكتوب عليها
مدينة أوسع من الدنيا سبع مرات وما من مؤمن يقعد ساعة عند العالم إلا ناداه ربه
جلست إلى حبيبي وعزتي وجلالي لأسكننك الجنة ولا أبالي.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة
وان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى له، وانه ليستغفر لطالب العلم من في
السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على
8

سائر النجوم ليلة البدر، وان العلماء ورثة الأنبياء وان الأنبياء لم يورثوا دينارا
ولا درهما ولكن ورثوا العلم، فمن اخذ منه اخذ بحظ وافر.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": تعلم العلم فان تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح والبحث
عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وهو عند الله لأهله قربة، لأنه معالم
الحلال والحرام وسالك بطالبه سبيل الجنة، فهو أنيس في الوحشة وصاحب في الوحدة
وسلاح على الأعداء، وزين الاخلاء، يرفع الله به أقواما يجعلهم في الخير أئمة يقتدى
بهم يرمق اعمالهم ويقتبس آثارهم، وترغب الملائكة في خلتهم يمسحونهم بأجنحتهم
في صلواتهم لان العلم حياة القلوب، ونور الابصار من العمى، وقوة الأبدان من
الضعف، ينزل الله حامله منازل الابدال، ويمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا والآخرة
بالعلم يطاع الله ويعبد وبالعلم يعرف الله ويوحد وبالعلم توصل الأرحام وبه يعرف
الحلال والحرام، والعلم امام العقل والعقل تابعه يلهمه الله السعداء ويحرمه الأشقياء.
وقال أيضا " عليه السلام ": طلبة هذا العلم على ثلاثة أصناف فاعرفوهم بصفاتهم وأعيانهم
صنف منهم يتعلمون للمراء والجهل وصنف منهم يتعلمون للاستطالة والختل. وصنف
منهم يتعلمون للفقه والعقل فاما صاحب المراء والجهل تراه مؤذيا مماريا للرجال في ندية
المقال قد تسربل بالتخشع وتخلى من التورع، فدق الله من هذا حيزومه وقطع منه
خيشومه، واما صاحب الاستطالة والختل، فإنه يستطيل على أشباهه واشكاله
ويتواضع للأغنياء من دونهم، فهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاطم، فأعمى الله من هذا
بصره وقطع من آثار العلماء اثره، واما صاحب الفقه والعقل تراه ذا كآبة وحزن
قد قام الليل في خندسه وقد انحنى في برنسه ويعمل ويخشى خائفا وجلا من كل أحد
إلا من كل ثقة من إخوانه، فشد الله من هذا أركانه، وأعطاه يوم القيامة أمانه.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الخلق في صعيد واحد
ووضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على
دماء الشهداء.
قال الباقر " عليه السلام ": قراء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فاتخذه بضاعة، واستجر به
الملوك، واستطال به على الناس، ورجل قرأ القرآن، فحفظ حروفه وضيع حدوده
ورجل قرأ القرآن، فوضع دواء القرآن على داء قلبه وأسهر به ليله واظمأ به نهاره
9

وقام به في مساجده، وتجافى به عن فراشه، فبأولئك يدفع الله تعالى البلاء، وبأولئك
يديل الله من الأعداء، وبذلك ينزل الغيث من السماء، والله لهؤلاء في قراء القرآن
أعز من الكبريت الأحمر.
قال الصادق " عليه السلام ": اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن
تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين، فيذهب
باطلكم بحقكم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من عمل بالمقاييس، فقد هلك وأهلك، ومن أفتى
الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ، والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، ولا تزيده
سرعة السير من الطريق إلا بعدا.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": الشاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله، ان طلب
العلم فريضة على كل مسلم، وكم من مؤمن يخرج من منزله في طلب العلم، فلا يرجع
إلا مغفورا.
وقال أيضا: العلم وراثة كريمة، والأدب حلل مجددة، والفكر مرآة صافية
قيمة كل امرء ما يحسن، ولا علم كالنظر، ولا شرف كالعلم.
قال كميل بن زياد: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " عليه السلام "، فأخرجني
إلى الجبانة، فلما أصحر تنفس الصعداء ثم قال يا كميل ان هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها
فاحفظ عنى ما أقول لك الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع
اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق
يا كميل العلم خير من المال. العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة
والعلم يزكو عل الانفاق، وصنيع المال يزول بزواله، يا كميل معرفة العلم دين يدان به
يكتسب الانسان الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، والعلم حاكم. والمال
محكوم عليه. يا كميل هلك خزان الأموال وهم احياء. والعلماء باقون ما بقي الدهر
أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتل
أحد والديه، أو عالم لم ينتفع بعلمه.
10

وقال (صلى الله عليه وآله) أيضا: علماء هذه الأمة رجلان رجل اتاه الله علما. فطلب به وجه
الله والدار الآخرة وبذله للناس. ولم يأخذ عليه طمعا. ولم يشتر به ثمنا قليلا. فذلك
يستغفر له من في البحور ودواب البر والبحر. والطير في جو السماء. ويقدم على الله
سيدا شريفا. ورجل اتاه الله علما فبخل به على عباد الله واخذ عليه طمعا. واشترى
به ثمنا قليلا، فذلك يلجم يوم القيامة بلجام من نار، وينادي ملك من الملائكة على
رؤس الاشهاد، هذا فلان ابن فلان اتاه الله علما في دار الدنيا فبخل به على عباده حتى
يفرغ من الحساب.
وروى عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من طلب
العلم لله لم يصب منه بابا إلا ازداد به في نفسه ذلا، وفى الناس تواضعا، ولله خوفا
وفى الدين اجتهادا. وذلك الذي ينتفع بالعلم فليتعلمه، ومن طلب العلم للدنيا والمنزلة
عند الناس والحظوة عند السلطان لم يصب منه بابا إلا ازداد في نفسه عظمة، وعلى
الناس استطالة وبالله اغترارا ومن الدين جفاءا فذلك الذي لا ينتفع بالعلم فليكف
وليمسك عن الحجة على نفسه والندامة والخزي يوم القيامة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به
أو صدقة تجرى له، أو ولد صالح يدعو له.
وقال أيضا (صلى الله عليه وآله): يشفع يوم القيامة للأنبياء، ثم الشهداء ثم العلماء، ثم الشهداء.
وقال ابن عباس: خير سليمان النبي بين العلم والملك والمال، فاختار العلم، فأعطى
الملك والمال معه.
وقال لقمان لابنه: يا بنى، جالس العلماء، وزاحمهم بركبتك، فان الله عز وجل
يحيى القلوب بنور الحكمة كما يحيى الأرض بوابل السماء.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": يا مؤمن ان هذا العلم والأدب ثمن نفسك فاجتهد في
تعلمها، فما يزيد من علمك وأدبك، يزيد في ثمنك وقدرك، فان بالعلم تهتدى إلى
ربك، وبالأدب تحسن خدمة ربك، وبأدب الخدمة يستوجب العبد ولايته وقربه
فاقبل النصيحة كي تنجو من العذاب.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اطلبوا العلم ولو بالصين، فان طلب العلم فريضة
على كل مسلم.
11

وقال أيضا " عليه السلام ": ساعة من عالم يتكئ على فراشه، ينظر في عمله خير من عبادة
العابد سبعين عاما.
وقال أيضا " عليه السلام ": فضل العالم على العابد بسبعين درجة، بين كل درجتين حضر
الفرس سبعين عاما. وذلك أن الشيطان يضع البدعة للناس فيبصرها العالم فينهى عنها
والعابد مقبل على عبادته لا يتوجه لها ولا يعرفها.
وقال عليه السلام: من تعلم مسألة واحدة قلد يوم القيامة الف قلادة من نور
وغفر له الف ذنب وبنى له مدينة من ذهب وكتب له بكل شعرة على جسده حجة وعمرة.
وروى بعض الصحابة قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي، فقال: يا رسول الله
إذا حضرت جنازة أو حضر مجلس عالم، أيهما أحب إليك ان اشهد؟ فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن كان للجنازة من يتبعها ويدفنها، فان حضور مجلس العالم أفضل من
حضور الف جنازة، ومن عيادة الف مريض، ومن قيام الف ليلة، ومن صيام
الف يوم، ومن ألف درهم يتصدق بها على المساكين، ومن الف حجة سوى الفريضة
ومن الف غزوة سوى الواجب تغزوها في سبيل الله بمالك ونفسك. وأين تقع هذه
المشاهد من مشهد عالم! اما علمت أن الله يطاع بالعلم. ويعبد بالعلم وخير الدنيا
والآخرة مع العلم. وشر الدنيا والآخرة مع الجهل.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا أحدثكم عن أقوام ليسوا بأنبياء. ولا شهداء يغبطهم
يوم القيامة الأنبياء والشهداء بمنازلهم من الله. على منابر من نور قيل من هم يا رسول الله؟
قال: هم الذين يحببون عباد الله إلى الله. ويحببون الله إلى عباده. قلنا هذا حبب الله
إلى عباده. فكيف يحببون عباد الله إلى الله قال يأمرونهم بما يحب الله. وينهونهم
عما يكره الله. فإذا أطاعوهم أحبهم الله.
وقال أيضا (صلى الله عليه وآله): من تعلم بابا من العلم ليعلمه الناس ابتغاء وجه الله: أعطاه الله
اجر سبعين نبيا.
وقال (صلى الله عليه وآله): من تعلم بابا من العلم عمل به. أو لم يعمل كان أفضل من أن يصلى الف
ركعة تطوعا. قال الشاعر:
لا تتركن العلم ان تستفيده * فان استفاد العلم أفضل مغنم
وكن للذي لم تحصه متعلما * واما الذي أحصيت منه فعلم
12

إذا ما المسك طيب ريح قوم * كفاني ذاك رائحة المداد
فما شئ بأحسن من بنان * على حافاته اثر السواد
* * *
يعبد رفيع القوم من كان عالما * وإن لم يكن في قومه بحسيب
وان حل أرضا عاش فيها بعلمه * وما عالم في بلدة بغريب
أرى العلم نورا والتأدب حلية * فخذ منهما في رغبة بنصيب
وما اجتمعا إلا لمن صح عقله * وكم عالم بالشئ غير لبيب
* * *
العلم فيه جلالة ومهابة * والعلم أنفع من كنوز الجوهر
تفنى الكنوز على الزمان وصرفه * والعلم يبقى باقيات الأعصر
* * *
مصابيح الأنام بكل ارض * هم العلماء أبناء الكرام
فلو لا علمهم في كل باب * كنور البدر لاح بلا غمام
لكان الدين يدرس بعد حين * كما درس الرسوم من الرمام
* * *
العلم أشرف مطلوب ومكتسب * لان مذموم علم غير موجود
وما سواه من الأشياء منقسم * في نوعه بين مذموم ومحمود
باب (*) الكلام في النظر وما يؤدى إليه
مجلس في معرفة الله وما يتعلق بها
إعلم ان الله تعالى نبه على حدث العالم بأدلة، فقال في سورة البقرة: (ان في خلق
السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس
وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها * وبث فيها من كل دابة

* وفي بعض النسخ هكذا (مجلس في معرفة الله وما يتعلق بها، باب النظر وما يؤدى إليها.
13

وتصريف الرياح، والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون).
وقوله تعالى في هذه السورة (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من
قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء، وأنزل من السماء
ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم. فلا تجعلوا لله أندادا، وأنتم تعلمون) يدل
على حدث العالم والسماء والأرض.
وقال تعالى في هذه السورة أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها. قال إني
يحيى هذه الله بعد موتها. فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما
أو بعض يوم قال: بل لبثت مائة عام. فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه. وانظر
إلى حمارك ولنجعلك آية للناس. وانظر إلى العظام كيف ننشزها. ثم نكسوها لحما
فلما تبين له قال: اعلم إن الله على كل شئ قدير).
(وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى قال: أو لم تؤمن؟ قال بلى ولكن
ليطمئن قلبي، قال: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا
ثم أدعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم) أو كالذي مر، الخ.
قال أبو عبد الله عليه السلام: هو عزيز، وقال أبو جعفر: هو أرميا، وقيل:
هو الخضر عليه السلام، والقرية هي بيت المقدس لما خربها بخت النصر. وقيل هي
القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت. خاوية على عروشها معناه خالية، وقيل هي
قائمة على أساسها: وقد وقع سقفها.
وقيل إن الله تعالى اماته في أول النهار، وأحياه بعد مائة عام في آخر النهار
فلأجل ذلك قال: يوما أو بعض يوم، ثم التفت فرأى بقية من الشمس. قال أو بعض
يوم والطعام الذي لم يغيره السنون كان عصيرا وتينا، وعنبا فوجد العصير حلوا، والتين
والعنب كما جنيا لم يتغير، وقيل بعثه الله شابا، وأولاد أولاده شيوخ.
وروى أن أمير المؤمنين " عليه السلام " قال إن عزيزا خرج من أهله وامرأته حاملة، وله
خمسون سنة، فأماته الله مائة عام، ثم بعثه. فرجع إلى أهله هو ابن خمسين سنة، فكان
ابنه أكبر منه، وذلك من آيات الله. كيف ننشزها - يعنى ينشزها بالزاي.
وروى عن أبي عبد الله " عليه السلام "، ان إبراهيم، رأى جيفة قد مزقتها السباع
تأكل منها سباع البر وسباع الهواء، ودواب البحر. فسأل الله تعالى ان يريه كيف
14

يحييها وقيل كان سبب ذلك منازعة نمرود له في الاحياء، وتوعده إياه بالقتل إن لم يحيى
الله بحيث يشاهده، ولذلك قال ليطمئن قلبي إلى أنه لا يقتلني الجبار.
وقال قوم: إنما سأل ذلك لقومه، كما سأل موسى الرؤية لقومه.
وقال قوم: إنما سأله لأنه أحب ان يعلم ذلك علم عيان، بعد أن كان عالما به من
الاستدلال أو لم تؤمن معناه التقرير، وليس بإنكار بدليل قوله: بلى ولكن ليطمئن
قلبي، معناه ليزداد يقينا إلى يقينه وقيل الطير هو: الديك. والطاووس، والغراب
والحمام.
وروى عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام: ان الجبال كانت عشرة وفى
رواية أخرى عنهما عليهما السلام كانت سبعة، وقيل: هي أربعة والدعاء في الآية معناه
الإشارة وهذا من أعجب دلائل الله تعالى.
وقال تعالى في سورة آل عمران: (ان في خلق السماوات والأرض. واختلاف
الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياما، وقعودا وعلى جنوبهم
ويتفكرون في خلق السماوات والأرض. ربنا ما خلقت هذا باطلا. سبحانك فقنا
عذاب النار) وهذه الآية تدل على حسن النظر.
وقال تعالى في سورة الأنعام: (قل أغير الله اتخذ وليا فاطر السماوات والأرض
وهو يطعم ولا يطعم).
وقوله في هذه السورة: (ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه
لا يفلح الظالمون) وذلك وعيد فيمن لا ينظر في هذه الآيات.
وقال فيها: (وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك، يقول
الذين كفروا. إن هذا إلا أساطير الأولين).
وقوله تعالى فيها: (إن الله فالق الحب والنوى. إلى قوله: ان في ذلك لآيات
لقوم يؤمنون).
وذكر تعالى في سورة الأعراف: (ان ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض
في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم
مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين).
وقال تعالى في سورة يونس: (هو الذي جعل الشمس ضياءا والقمر نورا وقدره
15

منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم
يعقلون).
وقال تعالى في سورة إبراهيم: (الله الذي خلق السماوات والأرض وانزل من السماء
ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجرى في البحر بأمره وسخر لكم
الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار، وآتاكم من كل
ما سألتموه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار).
وقوله تعالى في النحل: (خلق الانسان من نطفة. فإذا هو خصيم مبين) وفى هذه
السورة: (وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم، لبنا خالصا
سائغا للشاربين ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) لان
ذلك الشراب يحصل بإلهام الله تعالى وكذلك فيما يحصل من أنواع الحرير.
وقال تعالى في سورة طه: (الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا
وانزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم ان في ذلك
لآيات لأولي النهى).
وقال تعالى في سورة الأنبياء: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين)
وقال فيها (أو لم ير الذين كفروا إن السماوات والأرض كانتا رتقا، ففتقناهما وجعلنا
من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون)
وقال تعالى في سورة الحج: (ألم تر ان الله يسجد له من في السماوات ومن
في الأرض والشمس والقمر والنجوم، والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس
وكثير حق عليه العذاب).
وذكر فيها (يا أيها الناس ضرب مثل، فاستعملوا له ان الذين تدعون من دون
الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضعف
الطالب والمطلوب، ما قدروا الله حق قدره ان الله قوى عزيز) وذكر تعالى في سورة النور
(والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم
من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء) وذكره في سورة النمل (أمن خلق السماوات
والأرض وانزل لكم من السماء ماء، فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم ان
تنبتوا شجرها، إلى قوله - ان كنتم صادقين).
16

وقال تعالى في سورة الروم: (ومن آياته ان خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر
تنتشرون). وفى هذه السورة: (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف
يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم
يستبشرون وان كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمة الله
كيف يحيى الأرض بعد موتها ان ذلك لمحيى الموتى وهو على كل شئ قدير ولئن أرسلنا ريحا
فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء
إذا ولوا مدبرين) وذكر في سورة لقمان (ألم تروا ان الله سخر لكم ما في السماوات وما في
الأرض).
وقال في سورة فاطر: (ألم تر ان الله انزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا
ألوانها، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس
والدواب والانعام مختلف ألوانه).
وقال تعالى في سورة يس: (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا
فمنه يأكلون، وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من
ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون).
وقال تعالى في سورة الزمر: (خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار
ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى ألا هو العزيز
الغفار خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها).
وقال في سورة غافر: (الله الذي جعل لكم الانعام لتركبوا منها ومنها تأكلون
ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون وذكر في
آخره (ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون).
وفى سورة حم السجدة: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين
وتجعلون له أندادا، ذلك رب العالمين) إلى آخر السورة.
وقال في حم عسق: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا
ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما).
وقال في سورة الجاثية: (ان في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفى خلقكم
وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون، واختلاف الليل والنهار وما انزل الله من السماء
17

من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون).
وقال في سورة النجم: (وإنه هو أضحك وأبكى وإنه هو أمات وأحيا وإنه خلق
الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى وإن عليه النشأة الأخرى وإنه هو أغنى وأقنى
وإنه هو رب الشعرى وإنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل) إلى
آخر ما ذكره وكل ذلك أقوى في الدلالة عليه.
وقوله تعالى في سورة الرحمن: (الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان الشمس
والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في
الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة
والنخل ذات الأكمام والحب ذو العصف والريحان فبأي آلاء ربكما تكذبان).
وقال تعالى في سورة الملك: (أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن
ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شئ بصير).
وقال تعالى في سورة نوح: (ألم تروا كيف خلق سبع سماوات طباقا وجعل
القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها
ويخرجكم إخراجا والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا).
وذكر في سورة عم يتسائلون: (ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم
أزواجا وجعلنا نومكم سباتا - إلى قوله: وجنات ألفافا).
وقال تعالى: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)
يقال أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب وبين وصف لنا ربك، فأنزل الله تعالى
هذه السورة ولذلك سميت سورة الاخلاص، وسورة نسبة الرب، وسورة الولاية).
وروى عن أمير المؤمنين " عليه السلام " إنه قال الله أحد بلا تأويل عدد. الله الصمد
بلا تبعيض به، ولم يلد فيكون إلها مشاركا ولم يولد فيكون موروثا هالكا ولم يكن
له كفوا أحد).
واعلم: إن الله تعالى قد ذكر في القرآن أدلة كثيرة على حدوث العالم وعلى إثباته
وإثبات صفاته، وما لا يجوز عليه وما يجوز أكثر مما ذكرنا، وإنما لم نورد جملتها مخافة
التطويل، وفى هذا القدر كفاية إن شاء الله فينبغي للعاقل ان يتأمل في هذه الآيات
وينظر فيها ليحصل له العلم بالله تعالى ويعلم إن ما قاله المتكلمون ليس بخارج من القرآن
18

والآثار الصحيحة لأنهم قالوا إن النظر في طريق معرفة الله تعالى واجب لأنه لا طريق إلى
معرفته إلا النظر لأنه لا يخلوا أن يكون الله تعالى معلوما بضرورة أو باستدلال فإن كان
معلوما بضرورة ينبغي ان يتساوى العقلاء في أن الذراع أكبر من الشبر والعشرة أكثر من
واحد وإن كان معلوما بالاستدلال: فهو كما قلنا، والله تعالى قال في سورة الأعراف:
(أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ وان عسى أن يكون
قد اقترب أجلهم)، يحذر بذلك المكلف حتى لا يخلو في وقت من أوقاته من النظر لأنه
لا يأمن من قرب أجله فيكون كالمستعد لما يلزمه من المعرفة.
وقال في سورة الفرقان: (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل، ولو شاء لجعله ساكنا
ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا).
وقال تعالى في سورة الروم: (أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات
والأرض). وقال تعالى في سورة ق: (أفلم ينظروا إلى السماء كيف بنيناها وزيناها وما لها من
فروج والأرض مددناها، وألقينا فيها رواسي، وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج. تبصرة
وذكرى لكل عبد منيب).
ثم قال: (ونزلنا من السماء ماء مباركا)، وأنبتنا به جنات، وحب الحصيد
والنخل باسقات لها طلع نضيد، رزقا) فإن المراد ليتفكروا في النخيل وكيفية تركيب
طلعها وفى الرمان وكيفية تنضيد حباتها.
وقال في سورة والذاريات: وفى الأرض آيات للموقنين، وفى أنفسكم أفلا تبصرون
وفى السماء رزقكم، وما توعدون فو رب السماء والأرض إنه لحق).
وقال تعالى في سورة عبس: (فلينظر الانسان إلى طعامه إنا صببنا الماء صبا ثم
شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا، وعنبا وقضبا، وزيتونا ونخلا، وحدائق
غلبا، وفاكهة وأبا).
وقال في سورة الطارق: (فلينظر الانسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج
من بين الصلب والترائب).
وقال تعالى في سورة الغاشية: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء
كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت، فذكر إنما
19

أنت مذكر) والمراد بذلك الاستدلال به على معرفته، وعلى قدرته فكل هذه الآيات دلائل
على وجوب النظر في معرفته تعالى، ومعرفة صفاته، فمن تأملها وتدبرها، وتفكر فيها
علم ما قلناه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تثبت معرفته
وبالفكر تثبت حجته، معروف بالدلالات، مشهور بالبينات إلى آخر الخطبة.
وسئل الرضا " عليه السلام ". فقيل ما الدليل على حدوث العالم؟ قال: أنت لم تكن ثم كنت
وقد علمت أنك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلك، فإذا ثبت وجوب النظر، فينبغي
ان ينظر في الأجسام دون الاعراض، ليكون عليه أسهل، والى معرفته تعالى أقرب
والدليل على أن الأجسام محدثة، إنه لو كانت قديمة لوجب أن تكون في الأزل في جهة من
جهات العالم، لان ما هي عليه من الحجم والجثة يوجب ذلك، فلا يخلو كونها في تلك
الجهة، اما أن يكون للنفس، أو لمعنى قديم أو لمعنى محدث، أو بالفاعل ولا يجوز
أن يكون في جهة للنفس، لأنه يوجب استحالة انتقالها، لان صفات النفس لا يجوز
تغييرها وزوالها، والمعلوم ضرورة صحة انتقالها، ولا يجوز أن يكون كذلك لمعنى قديم
لأنها لو كانت كذلك لوجب إذا انتقل الجسم، ان يبطل ذلك المعنى لان وجوده فيها على
ما كان يوجب كونها في الجهتين معا، وذلك محال والانتقال لا يجوز على المعنى لأنه من
صفات الجسم والمعنى المحدث لا يوجب صفة في الأزل، ولو كانت كذلك بالفاعل لوجب
أن تكون محدثة لان من شأن الفاعل ان يتقدم على فعله، وذلك مستحيل في القديم فبطل
بجميع الأقسام كونها في الأزل وإذا لم تكن قديمة كانت محدثة، وإذا ثبت ذلك يجب
أن يكون العالم محدثا لأنه هو الجواهر والاعراض، والآيات التي تقدمت دلائل على
حدوث العالم، وقد أطنب المتكلمون القول في هذا الفن، وليس هذا موضعه.
باب الكلام في فساد التقليد
اعلم أن حد التقليد هو قبول قول الغير بلا دليل وحجة، فإذا ثبت حده فهو باطل
لأنه لو لم يكن باطلا لم يكن تقليد المحق أولى من تقليد المبطل، لأنه قبل النظر لا يعلم
المحق من المبطل، والقديم تعالى نصر قولنا في سورة البقرة فقال: ولئن اتبعت أهوائهم
20

بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولى ولا نصير انك إذا لمن الظالمين.
وقال في سورة آل عمران: (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم، والله يعلم وأنتم
لا تعلمون).
وفى سورة الأنعام: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه، ومن عمى
فعليها).
وقال تعالى في سورة يونس: (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا ان الظن لا يغنى من
الحق شيئا)
وقال تعالى في سورة بني إسرائيل: (ولا تقف ما ليس لك به علم. ان السمع والبصر
والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا).
وفى سورة الحج: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم).
وفى سورة الحج: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم، ولا هدى ولا كتاب
منير).
وقال الله تعالى في حم الزخرف: (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك
من علم أن هم الا يخرصون. أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون، بل قالوا انا
وجدنا آبائنا على أمة وانا على آثارهم مهتدون، وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية
من نذير إلا قال مترفوها انا وجدنا آبائنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون قل:
أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبائكم قالوا انا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم
فانظر كيف كان عاقبة المكذبين)
وقال تعالى في سورة الأنبياء: (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل، وكنا به
عالمين إذ قال لأبيه وقومه. ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا: وجدنا آبائنا
لها عابدين، قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين).
وقال في سورة التوبة: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله).
والمروى عنه " عليه السلام " ما اتخذوهم أربابا في الحقيقة لكنهم دخلوا تحت طاعتهم
فصاروا بمنزلة من اتخذوهم أربابا.
ومثل ذلك روى عن الصادق " عليه السلام " إنه قال: والله ما صلوا لهم ولا صاموا ولكن
أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم وهم لا يشعرون.
21

وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": من اخذ دينه من أفواه الرجال ازالته الرجال، ومن اخذ
دينه من الكتاب والسنة، زالت الجبال ولم يزل.
وهذا الخبر مروى عن الصادق عن أمير المؤمنين عليهم السلام.
وروى أن أبا شاكر الديصاني دخل على أبي عبد الله الصادق " عليه السلام "، قال له: انك
أحد النجوم الزواهر، وكان آباؤك بدورا بواهر وأمهاتك عقيلات عباهر وعنصرك
من أكرم العناصر، إذا ذكر العلماء فبك تثنى الخناصر فخبرني أيها البحر الخضم الزاخر
ما الدليل على حدوث العالم؟
فقال الصادق " عليه السلام ": يستدل عليه بأقرب الأشياء قال وما هو؟ قال: فدعا
الصادق " عليه السلام " ببيضة ووضعها على راحته، ثم قال: هذا حصن ملموم، داخله غرقى دقيق
لطيف به فضة سائلة وذهبة مايعة ثم تنفلق عن مثل الطاووس، أدخلها شئ؟ قال: لا
قال فهذا الدليل على حدوث العالم قال: أخبرت فأوجزت، وقلت فأحسنت فقد علمت
إنا لا نقبل إلا ما أدركنا بابصارنا، أو سمعنا بآذاننا أو لمسنا بأكفنا، وشممناه
بمناخرنا وذقناه بأفواهنا أو تصور في القلوب بيانا، واستنبطته الروايات ايقانا.
فقال الصادق " عليه السلام ": ذكرت الحواس الخمس وهي لا تنفع شيئا بغير دليل، كما
لا تقطع الظلمة بغير مصباح.
باب الكلام في صفات الله تعالى
اعلم أن الله تعالى قادر بدلالة صحة الفعل منه، وتعذره على غيره، وصحة الفعل
تدل على كون فاعله قادرا.
وقال تعالى في سورة الحج: (يا أيها الناس ضرب مثل، فاستمعوا له ان الذين
تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا، ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا
لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب، ما قدروا الله حق قدره ان الله لقوى عزيز)
والعزيز القادر الذي لا يمكن منعه.
وقال تعالى في سورة الفرقان: (وهو الذي خلق من الماء بشرا، فجعله نسبا
وصهرا، وكان ربك قديرا، وقال في سورة الروم: (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف
يحيى الأرض بعد موتها ان ذلك لمحيى الموتى، وهو على كل شئ قدير).
22

وفى سورة الزمر: (ألا هو العزيز الغفار)، وقد بينا ان العزيز هو القادر الذي
لا يمنع، والآيات التي تقدمت في باب حدوث الأجسام تدل على قدرته تعالى، ويجب
أن يكون تعالى عالما لان أفعاله محكمة متقنة ليس فيها تفاوت، فينبغي أن يكون عالما.
قال تعالى في سورة البقرة: (وهو بكل شئ عليم - وفيها: انى اعلم ما لا تعلمون
وما الله بغافل عما تعملون، وفى سورة آل عمران: ان الله لا يخفى عليه شئ في الأرض
ولا في السماء هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء).
وفى سورة المائدة: (جعل الله الكعبة البيت الحرام، قياما للناس والشهر الحرام
والهدى والقلائد ذلك لتعلموا إن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وان الله بكل
شئ عليم).
وقوله في سورة الأنعام: (وهو الله في السماوات وفى الأرض إن الله يعلم سركم
وجهركم، ويعلم ما تكسبون) وقوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو
ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض
ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين)، ويجب أن يكون تعالى حيا لان القادر العالم
يستحيل أن يكون ميتا.
قال الله تعالى في سورة البقرة: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وقال تعالى في
آل عمران (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم).
وقال في سورة حم المؤمن: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد
لله رب العالمين).
وقال في هذه السورة: (هو الذي يحيى ويميت) والاحياء، والأمانة لا تصح إلا
ممن كان حيا.
وقال تعالى في سورة الحديد: (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز
الحكيم، له ملك السماوات والأرض يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير، هو الأول
والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شئ عليم) ويجب أن يكون موجودا لان المعدوم
لا يوصف بأنه أول وآخر، ولان القادر العالم الحي يستحيل أن يكون معدوما، ويجب
أن يكون تعالى قديما بهذه الآية وأيضا فلو كان محدثا لاحتاج إلى محدث كالكتابة يحتاج
إلى كاتب، والنساجة إلى ناسج، والبناء إلى بان فلا يخلو أن يكون محدثه قديما أو محدثا
23

فإن كان قديما فهو ما أردناه، وإن كان محدثا أدى إلى اثبات المحدثين، ومحدثي المحدثين
لا نهاية لها وذلك باطل، ويجب أن يكون سميعا لأنه حي، والآفات والموانع
لا تجوز عليه، ومن كان بهذه الصفة يجب أن يكون سميعا بصيرا.
قال تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها، وتشتكي إلى الله والله يسمع
تحاوركما. ان الله سميع بصير)
وقال في سورة الملك: (أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات، ويقبضن ما يمسكهن
إلا الرحمن، إنه بكل شئ بصير) ولا يجوز أن يكون الله تعالى جسما، ولا جوهرا
ولا عرضا، ولا من له صفات الأجسام، والاعراض لأن هذه الأشياء محدثة، وقد
ثبت إنه قديم.
وقال تعالى في سورة البقرة: (إن الله مع الصابرين) ولو كان جسما لما صح
أن يكون إلا في مكان مخصوص، وكان لا يصح أن يكون مع الصابرين.
وقوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب) ولو كان جسما لما صح كونه
قريبا من كل سائل.
وقال تعالى في سورة النساء: (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، وهو
معهم إذ يبيتون).
وقال الله تعالى: (انى معكم) ولو كان جسما لما صح ان يوصف بأنه معهم.
وفى سورة مريم: (هل تعلم له سميا) يعنى مثلا وفى سورة حم (عسق ليس كمثله
شئ) كما يقال ليس مثل فلان سيد.
وفى سورة ق: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)، يعنى إلى الانسان ولا يجوز
أن يكون تعالى في جهة، لان كون الشئ في جهة من صفات الأجسام، ولا يجوز عليه
تعالى الحاجة لان الحاجة إنما تجوز على الأجسام، والاعراض والله تعالى ليس بجسم
ولا عرض قال تعالى في سورة آل عمران: (ومن كفر فان الله غنى عن العالمين).
وقوله تعالى: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير، ونحن أغنياء سنكتب
ما قالوا).
وفى سورة الأنعام: (وربك الغنى ذو الرحمة ان يشأ يذهبكم، ويستخلف من
بعدكم ما يشاء. كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين).
24

وقال تعالى في سورة إبراهيم: (ان الله لغنى حميد).
وقال تعالى في سورة العنكبوت: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، ان الله لغنى
عن العالمين).
وفى لقمان: (ومن كفر فان الله غنى حميد)، وفى سورة فاطر (يا أيها الناس أنتم
الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد)، وفى سورة التغابن (واستغنى الله والله غنى حميد
ولا يجوز أن يكون الله تعالى قادرا بقدرة وعالما بعلم، وكذلك جميع الصفات لأنه
لا يخلو أن يكون قادرا بقدرة محدثة أو قديمة ولا يجوز أن يكون قادرا بقدرة محدثة
لان القدرة لو كانت محدثة لكانت من فعله، وهو تعالى لا يكون قادرا إلا بعد وجود
القدرة، ولا تكون القدرة إلا بعد كونه قادرا فيتعلق كل واحد بالآخر، وذلك باطل
ولو كان قادرا بقدرة قديمة كان ذلك باطلا لأنه كان يكون مشاركا له في جميع صفاته تعالى
لاشتراكه في صفة النفس.
وقال تعالى: (وفوق كل ذي علم عليم)، فلو كان عالما بعلم لوجب أن يكون فوقه عالم
آخر وذلك باطل والقديم تعالى واحد لأنه لو كان اثنين أو ثلاثة، أو ما زاد على ذلك
لكان يصح طريق التمانع بينهما.
والله يقول في سورة البقرة: (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) (وفيها وإلهكم
إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم).
وقال في سورة آل عمران: (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، وقال فيها (شهد
الله إنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم)
وفيها (وما من إله إلا الله وان الله لهو العزيز الحكيم).
وفى سورة النساء: (إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد).
وقال تعالى في سورة الأنعام: (قل إنما هو إله واحد وإنني برئ مما تشركون).
وفى سورة النحل: (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد) وقال تعالى
في بني إسرائيل (قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا).
وقال تعالى في آخرها: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في
الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا).
وقال تعالى في الفرقان (الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا
25

ولم يكن له شريك في الملك).
وفى سورة والصافات (إن إلهكم لواحد رب السماوات والأرض وما بينهما ورب
المشارق).
وقال في سورة ص (قل إنما انا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار)
ولا يجوز أن يكون القديم تعالى مرئيا لأنه لو كان مرئيا لوجب أن يكون في المقابل أو في
حكم المقابل والمقابلة وحكم المقابلة لا يجوزان عليه تعالى.
قال تعالى في سورة البقرة وإذا قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
فأخذتكم الصاعقة، وأنتم تنظرون.
وقال تعالى في سورة النساء: (يسألك أهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من
السماء) فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا: أرنا الله جهرة.
وقال في سورة الأنعام: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف
الخبير).
وفى سورة الأعراف: (رب أرني انظر إليك قال: لن تراني ولكن انظر إلى
الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا).
وفى سورة الفرقان: (وقال الذين لا يرجون لقائنا لولا انزل علينا الملائكة أو نرى
ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتوا كبيرا) ولا يجوز أن يكون تعالى فاعلا للقبائح
لأنه عالم بالقبيح ومستغنى عنه، والعالم بالقبيح والمستغني عنه لا يختاره، ولأنه حكيم
والحكيم لا يختار القبائح.
قال الله تعالى في سورة البقرة: (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت
العليم الحكيم).
وفى سورة النساء: (إن الله كان عليما حكيما).
وفى سورة الأنعام: (عالم الغيب والشهادة، وهو الحكيم الخبير).
وفيها: (ان ربك حكيم عليم).
وفي سورة الممتحنة: (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا، واغفر لنا ربنا انك
أنت العزيز الحكيم)، وفيها (والله عليم حكيم).
وفى سورة والتين: (أليس الله بأحكم الحاكمين، وإذا ثبت ذلك فلا يجوز ان
26

يكون مريدا للقبائح لأنه صفة نقص وإرادة القبيح قبيحة فلا يجوز ان يفعله تعالى عن
ذلك علوا كبيرا.
قال تعالى في سورة البقرة: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
وقال: (إن الله يحب المعتدين، والله لا يحب الفساد).
وقوله: (ان الله يحب التوابين، ويحب المتطهرين).
وقال في سورة آل عمران: (وما الله يريد ظلما للعالمين)
وفى سورة النساء: (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم
والله عليم حكيم * والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا
ميلا عظيما) ويريد الله ان يخفف عنكم، وخلق الانسان ضعيفا دلالة على إنه يريد
ما يكون من باب الطاعة ولا يريد ما يكون من باب المعصية.
وقال تعالى في سورة الأنعام: (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا
ولا آباؤنا، ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم، حتى ذاقوا بأسنا قل:
هل عندكم من علم، فتخرجوه لنا ان تتبعون إلا الظن وان أنتم إلا تخرصون).
وفى سورة النحل: (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ
نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل
إلا البلاغ المبين).
وقال تعالى في سورة بني إسرائيل بعد ذكر ما عده من المعاصي والقبائح: (كل ذلك
كان سيئة عند ربك مكروها).
وفى سورة الزمر: (ولا يرضى لعباده الكفر).
وقوله تعالى: (وما خلقنا الجن والإنس إلا ليعبدون) فإذا ثبت ذلك فكل
ما يفعله الله تعالى من الآلام والتكاليف وخلق المؤذيات والحشرات والسباع حسن لأنه
ثبت انه لا يفعل القبيح وإن لم نعلم وجه حسنها على وجه التفصيل وكلام الله تعالى محدث
لأنه لو كان قديما لكان معه قديم آخر ولا يجوز عليه الزوال لو كان قديما.
وقال تعالى في سورة البقرة: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها).
وقال: (وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) فبين ان له
مثلا لا يصح منهم.
27

وفى سورة النساء: (وكان أمر الله مفعولا) والامر من جملة الكلام.
وقال تعالى في سورة الأنعام: قل إن الله قادر على أن ينزل آية) يدل على حدوثه
لان ما يتناوله القدرة لا يكون إلا حادثا.
وقال في سورة هود: (الرا * كتاب أحكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير).
وقوله تعالى: (ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة)، وهذا صريح في أن غيره
تقدمه.
وفى سورة يوسف: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا)
وفى سورة الحجر: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني، والقرآن العظيم).
وقال تعالى في سورة الأنبياء: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه
وهم يلعبون).
وقوله تعالى: (وهذا ذكر مبارك أنزلناه، أفأنتم له منكرون؟).
وقال تعالى في سورة لقمان: (ولو إن ما في الأرض من شجرة أقلام، والبحر يمده
من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله)
وفى سورة الحشر: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله).
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال: كان الله ولا شئ ثم خلق الذكر، وإنه ليس
فيما خلق الله شئ أعظم من آية في سورة البقرة: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم
لا تأخذه سنة ولا نوم).
باب الكلام في خلق الأفعال والقضاء والقدر
اعلم إن الواحد منا محدث لما يفعله، بدلالة وجوب وقوعه بحسب دواعيه وأحواله
ووجوب انتفائه بحسب صوارفه، وكراهاته فلولا إنه فعل له لم يكن موقوفا على دواعيه
وكراهاته، كطوله وقصره وألوانه، وأيضا فالمدح والذم راجعان عليه، فوجب
أن يكون فعله.
قال تعالى في سورة البقرة: (لعلكم تشكرون، ولعلكم تهتدون، ولعلكم تتقون).
وقوله: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم * ثم يقولون هذا من عند الله
ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كسبت أيديهم * وويل لهم مما يكسبون).
28

وقال تعالى: (إنما يتقبل الله من المتقين).
وقال تعالى: (ولا يضيع أجر المحسنين).
وقال تعالى في سورة آل عمران: (وان منهم فريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب
ليحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله، وما هو
من عند الله، ويقولون على الله الكذب، وهم يعلمون.
وقال تعالى في سورة النساء: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة
فمن نفسك).
وفى سورة المائدة: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون).
وفى سورة الأنعام: (إنه من عمل منكم سوء بجهالة، وقال فيها: ولا تزر وازرة
وزر أخرى).
وقال في سورة التوبة: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم، خلطوا عملا صالحا وآخر
سيئا).
وفى سورة يونس: (إن الله لا يظلم الناس شيئا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون).
وقال تعالى في سورة بني إسرائيل: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وان أسأتم فلها)
وفى سورة يس: (فاليوم لا تظلم نفس شيئا، ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون).
وفى سورة الزمر: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة).
فالمحكى عن الحسن إنه قال نزلت فيمن يضيف الكفر والمعاصي إلى الله تعالى.
وفي سورة الجاثية: (اليوم تجزون ما كنتم تعملون).
وفى سورة والنجم: (لا تزروا وازرة وزر أخرى وان ليس للانسان إلا ما سعى
وان سعيه سوف يرى ثم يجزيه الجزاء الأوفى).
وفى سورة التغابن: (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن).
واعلم إن القضاء في اللغة على أربعة أقسام:
أحدهما: بمعنى الخلق والاحداث، كقوله تعالى (فقضيهن سبع سماوات في يومين)
أي خلقهن.
والثاني بمعنى الحكم لقوله تعالى: (والله يقضى بالحق) ومنه اشتقاق القاضي.
29

والثالث: بمعنى الامر والالزام لقوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه).
والرابع: بمعنى الاخبار والاعلام كقوله تعالى (وقضينا إلى بني إسرائيل في
الكتاب ولا يجوز أن تكون أفعالنا بقضاء الله بمعنى إنه خلقها لأنها فعلنا، والفعل
الواحد لا يكون من فاعلين، فاما القضاء بمعنى الحكم والالزام فلا يجوز اجماعا.
واما القضاء بمعنى الاخبار والاعلام يجوز ان يقال على ضرب من التقييد لان الله
أخبروا علم ما لنا في فعل الطاعة من الثواب وما علينا بفعل المعاصي من العقاب
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال يقول الله تعالى: (من لم يرض بقضائي ولم يشكر
على نعمائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ ربا سواي فلو كانت المعاصي بقضاء الله، واحداثه
لوجب الرضا به وذلك خلاف الاجماع، والقول في القدر على مثل ذلك لان القدر
يستعمل بمعنى الاحداث والخلق كما قال تعالى وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواءا
للسائلين، وقد يستعمل القدر بمعنى التقدير فعلى هذا يجوز ان يقال أفعالنا بقدر الله بمعنى
إنه قدر ما عليها من الثواب والعقاب فينبغي ان يقيد القول ولا يطلق.
باب الكلام فيما ورد من الاخبار في معنى العدل والتوحيد
إعلم ان أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين " عليه السلام " وخطبه فإنها
تتضمن ذلك مالا مزيد عليه ولا غاية ورآه، ومن تأمل المأثور في ذلك علم إن جميع
ما أطنب المتكلمون في تصانيفهم تفصيل لتلك الأصول.
وروى عن الأئمة عليهم السلام مثل ذلك.
قيل لأمير المؤمنين " عليه السلام " بم عرفت ربك؟ قال بما عرفني ربى، قيل: وكيف
عرفك؟ قال لا تشبهه صورة ولا يحس بالحواس ولا يقاس بقياس الناس.
وقال أيضا عليه السلام: عرفت ربى بفسخ العزائم وحل العقود.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: اعرفوا الله بالله، معناه بنصب أدلته على نفسه
والرسول بالرسالة، وأولي الأمر بالأمر، وبالمعروف والعدل والاحسان.
قال أبو جعفر " عليه السلام ": قام رجل إلى أمير المؤمنين " عليه السلام "، فقال: يا أمير المؤمنين
بماذا عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزائم ومنع الهمة لما ان هممت بأمر فحال بيني وبين
همتي، وعزمت فخالف القضاء عزمي، علمت أن المدبر غيري.
30

قال فبماذا شكرت نعمائه؟ قال: نظرت إلى بلائه قد صرفه عنى، وأبلى به غيري
علمت أنه قد أنعم على فشكرته.
وروى عنه عليه السلام إنه يصف الله بمضادته بين الأشياء علم أن لا ضد له
وبمقارنته بين الأمور. علم أن لا قرين له ضاد النور بالظلمة، والخشونة باللين
واليبوسة بالبلل، والبرد بالحر، مؤلف بين معادياتها مفرق بين متدانياتها.
وقيل لجعفر بن محمد الصادق " عليه السلام ": بم عرفت ربك؟ قال إني لما رأيت حصنا مزلقا
أملس لا فرج فيه، ولا خلل ظاهره من فضة مايعة، وباطنه من ذهبة مايعة انفلق
منه طاووس، وغراب ونسر وعصفور، فعلمت ان للخلق صانعا.
وقيل له أيضا عليه السلام: ما الدليل على أن للعالم صانعا؟ فقال أكثر الأدلة
في نفسي لأني وجدتها لا تعدو أحد أمرين:
اما ان أكون خلقتها وانا موجودا، وايجاد الموجود محال.
واما ان أكون خلقتها وانا معدوم فكيف يخلق لا شئ، فلما رأيتها فاسدتين من
الجهتين جميعا علمت أن لي صانعا ومدبرا.
وقال عليه السلام: أحسنوا النظر فيما لا يسعكم جهله، فان لدين الله أركانا لا ينفع
من جهلها شدة اجتهاده في طلب ظاهر عبادته ولا يضر من عرفها فدان بها حسن اقتصاده
ولا سبيل لاحد إلى ذلك إلا بعون من الله.
وقيل لبعض الاعراب: ما الدليل على أن للعالم صانعا؟ فقال: ويحك ان البعرة
تدل على البعير وآثار القدم تدل على المسير فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلى بهذه
الكثافة اما يدلان على الصانع الخبير؟.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله.
قال عبد العظيم بن عبد الله الحسنى: دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى
ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فلما بصر بي قال لي
مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا قال فقلت له: يا بن رسول الله انى أريد ان
أعرض عليك معالم ديني فإن كان مرضيا أثبت عليه حتى القى الله عز وجل فقال: هات
يا أبا القاسم فقلت انى أقول إن الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شئ خارج من الحدين
حد الابطال وحد التشبيه وإنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر بل هو مجسم
31

الأجسام ومصور الصور وخالق الاعراض والجواهر ورب كل شئ ومالكه وجاعله
ومحدثه وأن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة وان شريعته
خاتم الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة وأقول ان الامام والخليفة وولى الامر
بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي
ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي
فقال عليه السلام: ومن بعدي الحسن ابني فكيف للناس بالخلف من بعده؟ قال وقلت
فكيف ذلك يا مولاي قال: لأنه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض
قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما قال فقلت أقررت.
وأقول: إن وليهم ولى الله وعدوهم عدو الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم
معصية الله وأقول ان المعراج حق والمسائلة في القبر حق وان الجنة حق والنار حق
والصراط حق والميزان حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور.
وأقول ان الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج
والجهاد، والامر بالمعروف والنهى عن المنكر.
فقال علي بن محمد " عليه السلام ": يا أبا القاسم هذا دين الله الذي ارتضاه لعباده فأثبت عليه
ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة.
وروى أن أمير المؤمنين عليه السلام كان جالسا على المنبر فقال: سلوني قبل أن
تفقدوني؟ فقام إليه رجل يقال له ذعلب فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ قال ويحك
يا ذعلب، لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره، فقال فكيف رأيته صفه لنا؟ قال ويلك
لم تره العيون مشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، ويلك يا ذعلب
ان ربى لا يوصف بالبعد ولا بالحركة، ولا بالسكون ولا بقيام قيام انتصاب
ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف
بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف
الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة مدرك، لا بمحسة قائل، لا بلفظ هو في
الأشياء، لا على ممازجة، خارج منها على غير مباينة فوق كل شئ، ولا يقال شئ
فوقه امام كل شئ، ولا يقال له امام دليل على في الأشياء، لا كشئ في شئ داخل
وخارج منها لا كشئ من شئ خارج. فخر ذغلب مغشيا عليه.
32

ثم قال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب والله لا عدت إلى مثلها.
وروى أن اعرابيا أتى جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، فقال: هل رأيت
ربك حين عبدته؟ فقال: لم أكن لأعبد ربا لم أره فقال: كيف رأيته؟ فقال لم تره
الابصار بمشاهدة العيان بل رأته القلوب بحقائق الايمان لا يدرك بالحواس ولا يقاس
بالناس، معروف بالآيات، منعوت بالعلامات، لا يجوز في قضيته، هو الله الذي
لا إله إلا هو. فقال الاعرابي: الله اعلم حيث يجعل رسالته.
وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام: كيف يحاسب الله الخلق؟ قال كما رزقهم، قيل
له كيف يحاسبهم ولا يرونه؟ قال كما يرزقهم ولا يرونه.
وسأله رجل أين كان ربك قبل أن يخلق السماء والأرض؟ فقال عليه السلام: أين
سؤال عن مكان وكان الله ولا مكان.
وسأل محمد الحلبي جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فقال: هل رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه؟ قال نعم رآه بقلبه.
فأما ربنا جل جلاله فلا تدركه ابصار حدق الناظرين ولا يحط به اسماع السامعين.
وروى صفوان بن يحيى قال: دخل أبو قرة المحدث علي أبى الحسن الرضا " عليه السلام "
فسأله عن أشياء من الحلال والحرام والاحكام والفرائض حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد.
فقال أبو قرة: إنا روينا إن الله تعالى قسم الكلام والرؤية فقسم لموسى الكلام
ولمحمد (صلى الله عليه وآله) الرؤية، فقال الرضا: فمن المبلغ عن الله تعالى إلى الثقلين الجن والإنس
إنه لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علما وليس كمثله شئ أليس محمد (صلى الله عليه وآله) نبيا صادقا؟
قال بلى، قال: فيكف يجي رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم إنه جاء من عند الله تعالى
يدعوهم إليه بأمره، ويقول لا تدركه الابصار ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شئ
ثم يقول سأراه بعيني وأحيط به علما اما تستحيون ما قدرت الزنادقة ان ترميه بهذا
أن يكون يأتي عن الله بشئ ثم يأتي بخلافه من وجه آخر.
قال أبو قرة فإنه يقول: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى.
فقال عليه السلام: ما بعد هذه الآية يدل على ما رأى حيث يقول ما كذب الفؤاد
ما رأى يقول ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأى، فقال لقد رأى من
33

آيات ربه الكبرى وآيات الله غير الله وقد قال الله ولا يحيطون به علما فإذا رأته الابصار
فقد أحاطت به علما.
قال أبو قرة: فأكذب بالرواية.
قال الرضا عليه السلام: اذن القرآن كذبها وما اجمع عليه المسلمون إنه لا يحاط به
علما ولا تدركه الابصار وليس كمثله شئ
وقال الرضا " عليه السلام " في قول الله عز وجل: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)
قال: يعنى - مشرقة تنتظر ثواب ربها.
وقال أيضا في قول الله عز وجل: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار)
وقال: لا تدركه أوهام القلوب، فكيف تدركه أبصار العيون.
وسأل الصادق " عليه السلام ": هل يرى الله في المعاد؟ فقال سبحان الله تبارك وتعالى عن ذلك
علوا كبيرا إن الابصار لا تدرك إلا ما له لون وكيفية والله خالق الألوان، والكيفية.
وقيل له عليه السلام: ان رجلا رأى ربه في منامه فما يكون ذلك؟ فقال: ذلك
رجل لا دين له، ان الله تعالى لا يرى في اليقظة، ولا في المنام، ولا في الدنيا، ولا في
الآخرة.
قال عكرمة: بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام نافع بن الأزرق فقال: يا بن
عباس، تفتى في النملة والقملة صف لنا إلهك الذي تعبده؟ فأطرق ابن عباس إعظاما لله
عز وجل وكان الحسين بن علي عليهما السلام قاعدا في موضع (1) فقال إلى يا بن الأزرق
فقال: لست إياك اسأل.
فقال ابن عباس: يا بن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم، قأقبل
نافع بن الأزرق نحو الحسين فقال الحسين عليه السلام، يا نافع، إن من وضع دينه على
القياس لم يزل الدهر في التباس مائلا على المنهاج ظاعنا في الاعوجاج ضالا عن السبيل قائلا
غير الجميل، يا بن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه واعرف بما عرف به نفسه
لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، فهو قريب غير ملتصق وبعيد غير منفصل
يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات موصوف بالعلامات لا إله إلا هو الكبير المتعال.

(1) وفى نسخة جالسا في ناحية.
34

وقال الحسن بن خالد: قلت للرضا " عليه السلام ": يا بن رسول الله إن الناس ينسبونا إلى
القول بالتشبيه والجبر لما روى في الاخبار في ذلك عن آبائك عليهم السلام فقال: يا بن
خالد أخبرني عن الاخبار التي رويت عن آبائي عليهم السلام في التشبيه أكثر أم الاخبار
التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ فقلت بل ما روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أكثر
فقال فليقولوا: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول بالتشبيه إذا فقلت له: إنهم يقولون
إن رسول الله لم يقل من ذلك شيئا وإنما روى عليه قال: قولوا في آبائي عليهم السلام
إنهم لم يقولوا من ذلك شيئا، وإنما روى عليهم.
ثم قال عليه السلام: من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ونحن منه براء في
الدنيا والآخرة، يا بن خالد: إنما وضع الاخبار عنا في التشبيه الغلاة الذين صغروا
عظمة الله جل جلاله فمن أحبهم فقد أبغضنا - إلى آخر الخبر.
وقال محمد بن أبي عمير: دخلت على سيدي موسى بن جعفر عليهما السلام فقلت له
يا بن رسول الله علمني التوحيد فقال: يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله
تبارك وتعالى في كتابه فتهلك.
واعلم: إن الله تعالى واحد، أحد. صمد لم يلد، فيورث ولم يولد فيشارك
ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا وإنه الحي الذي لا يموت والقادر الذي لا يعجز
والقاهر الذي لا يغلب والحليم الذي لا يعجل والدائم الذي لا يبيد والباقي الذي لا يفنى
والثابت الذي لا يزول والغنى الذي لا يفتقر والعزيز الذي لا يذل والعالم الذي لا يجهل
والعدل الذي لا يجور والجواد الذي لا يبخل، وإنه لا تقدره العقول، ولا يقع عليه
الأوهام ولا يحيط به الأقطار، ولا يحويه مكان ولا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار
وهو اللطيف الخبير، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير، ما يكون من نجوى ثلاثة
إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا وهو سادسهم، ولا أدنى من ذلك، ولا أكثر إلا هو
معهم أينما كانوا، وهو الأول الذي لا شئ قبله، والآخر الذي لا شئ بعده، وهو
القديم وما سواه محدث تعالى عن صفات المخلوقين، علوا كبيرا.
وسئل الصادق عليه السلام، هل لله تعالى رضى وسخط؟ فقال نعم، وليس ذلك
على ما يوجد من المخلوقين، ولكن غضب الله عقابه ورضاه ثوابه.
وقال أيضا " عليه السلام ": ان الله تعالى لا يوصف بزمان، ولا مكان ولا حركة ولا انتقال
35

ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان، والحركة والسكون والانتقال تعالى عما
يقول الظالمون علوا كبيرا.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": إياكم والتفكر في الله، فإن التفكر في الله لا يزيد إلا تيها
ان الله عز وجل لا تدركه الابصار، ولا يوصف بمقدار.
قال الرضا " عليه السلام ": إلهي بدت قدرتك، ولم تبد واهية فجهلوك وبه قدروك، والتقدير
على غير ما به وصفوك، وأنى برئ يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك ليس كمثلك شئ
إلهي وان يدركوك وظاهر ما بهم من نعمك دليلهم عليك لو عرفوك بل سووك بخلقك
فمن ثم لم يعرفوك واتخذوا بعض آياتك ربا فبذلك وصفوك تعاليت ربى عما به المشبهون
نعتوك.
(وروى) إنه جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين " عليه السلام " فقال يا أمير المؤمنين
متى كان ربك؟ فقال ثكلتك أمك ومتى لم يكن حتى يقال متى كان ربى، كان ربى قبل القبل
بلا قبل ويكون بعد البعد بلا بعد، ولا غاية ولا منتهى لغايته، انقطعت الغايات عنه
فهو منتهى كل غاية.
وقال الرضا " عليه السلام ": من شبه الله بخلقه فهو مشرك، ومن وصفه بالمكان فهو كافر
ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كاذب، ثم تلا هذه الآية (إنما يفترى الكذب الذين
لا يؤمنون بآيات الله * وأولئك هم الكاذبون).
وروى شريح بن هاني، قال: إن اعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين " عليه السلام "
فقال يا أمير المؤمنين أتقول إن الله واحد؟ قال فحمل الناس عليه وقالوا: يا أعرابي
اما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسيم القلب؟ فقال أمير المؤمنين " عليه السلام " دعوه فإن الذي
يريد الاعرابي هو الذي نريده من القول، ثم قال يا اعرابي إن القول بأن الله واحد
على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله تعالى، ووجهان يثبتان فيه. فأما
اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل واحد يقصد به باب الأعداء، أما ترى إنه كفر
من قال ثالث ثلاثة، وقول القائل هو واحد من الناس، يريد به النوع من الجنس فهذا
ما لا يجوز لأنه تشبيه جل ربنا تعالى عن ذلك، وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول
القائل هو واحد ليس له في الأشياء شبه كذلك ربنا، وقول القائل إنه احدى المعنى
يعنى به إنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك ربنا.
36

وقد سئل الصادق " عليه السلام ": عن قول الله تعالى: (وان إلى ربك المنتهى) قال:
إذا إنتهى الكلام إلى الله فأمسكوا.
وروى عن أبي جعفر " عليه السلام " إنه قال: تكلموا في خلق ولا تكلموا في الله فإن الكلام
في الله لا يزيد إلا تحيرا معناه إنه لا يمكن الكلام في ذات الله إلا بعد الكلام في دلائلها
ودلائلها مخلوقة لله ومنصوبة من جهته تعالى.
وسئل الصادق " عليه السلام " عن قول الله عز وجل: (الرحمن على العرش استوى) فقال
استوى من كل شئ فليس شئ أقرب إليه من شئ.
وقال " عليه السلام ": من زعم أن الله من شئ أو في شئ أو على شئ فقد أشرك، ثم قال
من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثا، ومن زعم إنه في شئ فقد زعم إنه محصور
ومن زعم إنه على شئ فقد جعله محمولا.
وروى عن أمير المؤمنين " عليه السلام " قال له رجل أين المعبود؟ فقال لا يقال له أين لأنه
أين الأينية، ولا يقال له كيف لأنه كيف الكيفية، ولا يقال له ما هو لأنه خلق الماهية
سبحانه من عظيم تاهت الفطن في تيار أمواج عظمته وحصرت الألباب عن ذكر أزليته
وتحيرت العقول في أفلاك ملكوته.
وروى عنه أيضا " عليه السلام " إنه قال: اتقوا الله ان تمثلوا بالرب الذي لا مثل له
أو تشبهوه بشئ من خلقه أو تلقوا عليه الأوهام أو تعلموا فيه الفكر أو تضربوا له
الأمثال أو تنعتوه بنعوت المخلوقين فإن لمن فعل ذلك نارا.
وقال الرضا " عليه السلام " لم يزل الله تبارك وتعالى عالما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا فقيل
له: يا بن رسول الله ان قوما يقولون إنه عز وجل لم يزل عالما بعلم وقادرا بقدرة وحيا
بحياة، وقديما بقدم وسميعا بسمع وبصيرا ببصر؟ فقال " عليه السلام " من قال بذلك ودان به
فقد اتخذ مع الله آلهة أخرى. وليس من ولايتنا على شئ، ثم قال " عليه السلام ": لم يزل
الله تعالى عالما قادرا حيا قديما، سميعا بصيرا لذاته تعالى عما يقول المشركون والمشبهون
علوا كبيرا.
وقيل للصادق عليه السلام: أخبرنا عن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بصيرا
قادرا عالما؟ قال: نعم، فقيل له فإن رجلا ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول إن الله تعالى
لم يزل سميعا بسمع، وبصيرا ببصر، وعالما بعلم، وقادرا بقدرة، فغضب عليه السلام
37

ثم قال: من قال ذلك، ودان به فهو مشرك وليس من ولايتنا على شئ إن الله تعالى
ذات قادرة، عالمة، سميعة، بصيرة.
وسئل الصادق عليه السلام: عن القرآن فقال: هو كلام الله، وقول الله ووحي
الله، وكتاب الله وتنزيله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه
ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وقال الرضا " عليه السلام ": القرآن كلام الله، لا تتجاوزوه ولا تطلبوا الهدى في
غيره فتضلوا.
وروى أن علي بن محمد بن علي بن موسى عليهم السلام، كتب إلى بعض شيعته
ببغداد: بسم الله الرحمن الرحيم، عصمنا الله، وإياك من الفتنة، فان يفعل
فأعظم بها نعمة وإلا يفعل وهي الهلكة، نحن نرى إن الجدال في القرآن بدعة اشترك
فيها السائل والمجيب فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه، وليس
الخالق إلا الله، وما سواه مخلوق، فالقرآن كلام الله لا تجعل له اسما من عندك
فتكون من الظالمين جعلنا الله، وإياكم من الذين يخشون ربهم بالغيب، وهم من
الساعة مشفقون.
وقال سليمان بن جعفر الجعفري: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام:
يا بن رسول الله ما تقول في القرآن؟ فقد اختلف فيه من قبلنا، فقال قوم إنه مخلوق
وقال قوم: انه غير مخلوق، فقال " عليه السلام " اما أنا لا أقول في ذلك ما يقولون، ولكني أقول إنه
كلام الله عز وجل.
وقال الصادق " عليه السلام ": إنا لا نقول جبرا، ولا تفويضا، وقال أيضا " عليه السلام ": لا جبر
ولا تفويض بل أمر بين أمرين.
وروى يزيد بن معاوية الشامي، قال: دخلت على علي بن موسى الرضا عليهما السلام
بمرو فقلت له: يا بن رسول الله، روى لنا عن الصادق " عليه السلام "، إنه قال: لا جبر
ولا تفويض بل أمر بين أمرين، فما معناه؟ فقال: من زعم إن الله عز وجل فعل
أفعالنا، ثم يعذبنا عليها، فقد قال بالجبر، ومن زعم إن الله عز وجل فوض أمر
الخلق والرزق إلى حججه فقد قال بالتفويض، فالقائل بالجبر كافر، والقائل
بالتفويض مشرك، فقلت له يا بن رسول الله، فما أمر بين أمرين؟ فقال: وجود
38

السبيل إلى اتيان ما أمروا به، وترك ما نهوا عنه، فقلت فهل لله مشيئة وإرادة في ذلك؟
فقال: اما الطاعات فإرادة الله ومشيته فيها، الامر بها والرضا لها، والمعاونة عليها
وإرادته ومشيته في المعاصي، النهى عنها والسخط لها والعقوبة عليها، والخذلان لها
فقلت فلله فيه القضاء؟ قال نعم ما من فعل فعله العباد من خير وشر إلا ولله فيه القضاء
فقلت فما معنى هذا القضاء؟ قال الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب
والعقاب في الدنيا والآخرة.
وقال أيضا " عليه السلام ": من شبه الله بخلقه، فهو مشرك ومن وصفه بالمكان فهو كافر
ومن نسب إليه ما نهى عنه، فهو كاذب ثم تلا هذه الآية: (إنما يفترى الكذب الذين
لا يؤمنون بآيات الله، أولئك هم الكاذبون).
وقال عليه السلام، من قال بالجبر، فلا تعطوه من الزكاة، ولا تقبلوا له شهادة
ان الله عز وجل قال: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا يحملها فوق طاقتها
ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى).
وسئل أمير المؤمنين " عليه السلام " عن التوحيد، والعدل؟ فقال: التوحيد ألا تتوهمه
والعدل ألا تتهمه.
وروى عن الصادق " عليه السلام ": إنه قال: أساس التوحيد وعلمه كثير، ولابد
لعاقل منه، فاذكر ما سهل الوقوف عليه ويتهيأ حفظه فالتوحيد: هو ألا تجوز على
ربك ما جاز عليك، والعدل: ألا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه.
وروى أن أبا حنيفة النعمان بن ثابت قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله
الصادق " عليه السلام "، فسلمت عليه وخرجت من عنده، فرأيت ابنه موسى " عليه السلام " في دهليز
داره قاعدا في مكتب، وهو صغير السن فقلت له: أين يحدث الغريب عندكم إذا أراد
ذلك؟ فنظر إلي ثم قال: تجنب شطوط الأنهار، ومسقط الثمار وفئ النزال، وأفنية
الدور والطرق النافذة، والمساجد ويرفع ويضع بعد ذلك حيث شاء، فلما سمعت هذا
القول نبل في عيني، وعظم في قلبي فقلت له: جعلت فداك، فممن المعصية؟ فنظر إلي
ثم قال: اجلس حتى أخبرك، فجلست فقال: إن المعصية لابد أن تكون من العبد
أو من ربه، أو منهما جميعا، فإن كانت من الله عز وجل فهو أعدل وأنصف من أن
يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وان كانت منهما فهو شريكه، والقوى أولى بإنصاف
39

عبده الضعيف وان كانت من العبد وحده، فعليه وقع الامر، واليه توجه النهى وله
حق الثواب والعقاب ولذلك وجبت الجنة والنار، قال: فلما سمعت ذلك قلت ذرية بعضها
من بعض والله سميع عليم وقد نظم هذا المعنى:
لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها * إحدى ثلاث خلال حين نأتيها
اما تفرد بارينا بصنعتها * فيسقط اللوم عنا حين ينشيها
أو كان يشركنا فيها فيلحقه * ما سوف يلحقنا من لائم فيها
أو لم يكن لإلهي في جنايتها * ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها
وقال الصادق " عليه السلام ": أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، خلق تقدير لا خلق تكوين
والتكوين اخراج الشئ من العدم إلى الوجود فنفى أن تكون من الله تعالى، فينبغي
أن تكون من جهة العباد.
وروى عنه عليه السلام، ان التقدير هو العلم.
باب: في القضاء والقدر
سئل أمير المؤمنين " عليه السلام " عن القدر فقال: طريق مظلم فلا تسلكوه، وبحر عميق
فلا تلجوه، وسر الله تعالى فلا تتكلفوه.
وروى أن شيخا حضر صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: أخبرنا
يا أمير المؤمنين عن مسيرنا هذا إلى الشام، أبقضاء كان من الله وقدر؟ قال: نعم
يا أخا أهل الشام والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا، ولا هبطنا واديا
ولا علونا تلعة إلا بقضاء من الله وقدر.
فقال الشامي: عند الله احتسب عناي يا أمير المؤمنين، وما أظن أن لي اجرا
في سعيي إذ كان قضاء الله على وقدره، فقال له " عليه السلام ": ان الله قد أعظم لكم الاجر
على مسيركم وأنتم سائرون، وعلى مقامكم، وأنتم مقيمون ولم تكونوا في شئ من حالاتكم
مكرهين، ولا إليها مضطرين، ولا عليها مجبرين.
فقال الشامي: فما ذاك القضاء والقدر الذي ساقانا، وعنهما كان مصيرنا وانصرافنا؟
فقال " عليه السلام ": يا أخا أهل الشام، لعلك ظننته قضاء لازما، وقدرا حتما لو كان
ذلك كذلك لبطل الثواب، والعقاب وسقط الوعد والوعيد والامر، والنهى وما كان
40

المحسن أولى بثواب الاحسان من المسئ، والمسئ أولى بعقوبة الذنب من المحسن
تلك مقالة عبدة الأوثان، وخصماء الرحمن وحزب الشيطان، وشهداء الزور وقدرية
هذه الأمة ومجوسها ان الله تعالى أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا وكلف يسيرا وأعطى
على القليل كثيرا، ولم يطع مكرها، ولم يعص مغلوبا ولم يكلف عسيرا، ولم يرسل
الأنبياء لعبا، ولم ينزل الكتاب إلى عباده عبثا، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما
باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من عذاب النار.
قال الشامي: فما القضاء والقدر اللذان كان مسيرنا بهما وعنهما؟ قال: الامر من
الله بذلك والحكم، ثم تلا (وكان أمر الله قدرا مقدورا) فقام الشامي فرحا مسرورا
لما سمع هذا المقال، فقال: فرجت عنى فرج الله عنك يا أمير المؤمنين ثم أنشأ يقول:
أنت الامام الذي نرجو بطاعته * يوم الحساب من الرحمن غفرانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا * جزاك ربك بالاحسان إحسانا
نعم المؤدب لا نبغ به بدلا * لقيت روح تحيات وريحانا
متى يشككنا بالريب ذو سفه * نلقى لديك له شرحا وتبيانا
ما أن أرى عادلا في فعل فاحشة * ما كنت راكبها ظلما وعدوانا
لا لا ولا قائلا الله أوقعه * فيها عبدت إذا يا قوم شيطانا
ولا القضاء من العدل الرحيم به * دلاه فيها علا عن ذاك مولانا
ولا أراد ولا شاء الفسوق ولا * قتل الولي له كفرا وطغيانا
انى أراه وقد صحت عداوته * بالفسق أعلن ذاك الله اعلانا
باب: في فضل التوحيد
قال الله تعالى في سورة إبراهيم: (ألم تر كيف ضرب الله مثل كلمة طيبة) أي لم
تخبر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة - يعنى لا إله إلا الله - كشجرة طيبة - يعنى النخلة
أصلها ثابت، فكذلك أصل هذه الكلمة ثابت في القلوب، وفروعها في السماء كما أن فرع
هذه الشجرة عال في السماء كذلك المؤمن إذا تكلم بهذه الكلمة صعدت إلى السماء، وهو
قوله: (إليه يصعد الكلم الطيب، تؤتى أكلها كل حين - يعنى ثمرتها لكل خلق بإذن ربها -
ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون).
41

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي بعثني بالحق بشيرا لا يعذب الله بالنار موحدا أبدا
وان أهل التوحيد يشفعون فيشفعون، ثم قال (صلى الله عليه وآله): إنه إذا كان يوم القيامة أمر الله
تعالى بقوم ساءت اعمالهم في دار الدنيا إلى النار، فيقولون: يا ربنا كيف تدخلنا النار
وقد كنا نوحدك في دار الدنيا؟ وكيف تحرق بالنار ألسنتنا وقد نطقنا بتوحيدك في دار
الدنيا؟ وكيف تحرق قلوبنا وقد عقدنا أن لا إله إلا أنت؟ أم كيف تحرق وجوهنا وقد
عفرناها لك في التراب؟ أم كيف تحرق أيدينا وقد رفعناها بالدعاء إليك؟ فيقول
الله جل جلاله عبادي ساءت أعمالكم في دار الدنيا، فجزاؤكم نار جهنم فيقولون: يا ربنا
عفوك أعظم أم خطيئتنا؟ فيقول الله تعالى: بل عفوي فيقولون: رحمتك أوسع أم
ذنوبنا؟ فيقول: بل رحمتي، فيقولون: إقرارنا بتوحيدك أعظم أم ذنوبنا؟ فيقول تعالى
بل اقراركم بتوحيدي أعظم، فيقولون: يا ربنا فليسعنا عفوك ورحمتك التي وسعت كل
شئ، فيقول الله جل جلاله: ملائكتي وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحب إلي من
المقرين بتوحيدي، وان لا إله غيري، وحق علي أن لا أصلى بالنار أهل توحيدي
ادخلوا عبادي الجنة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة الاسراء مكتوبا على قائمة من قوائم العرش:
أنا الله لا إله إلا أنا وحدي، خلقت جنة عدن بيدي، محمد صفوتي من خلقي، أيدته
بعلى ونصرته بعلي.
قال أبو هريرة: مكتوب على العرش انا الله لا إله إلا انا وحدي لا شريك لي
ومحمد عبدي ورسولي، أيدته بعلى فأنزل الله عز وجل (هو الذي أيدك بنصره
وبالمؤمنين) وكان النصر علي " عليه السلام "، ودخل مع المؤمنين، فدخل في الوجهين جميعا.
وقال أبو الحسن الرضا " عليه السلام ": قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال جبرئيل " عليه السلام ": يقول الله
لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي.
قال الرضا عليه السلام: بشروطها وانا من شروطها
وقال الصادق " عليه السلام ": بنى الاسلام على خمسة دعائم: على الصلاة والزكاة، والصوم
والحج، وولاية أمير المؤمنين، والأئمة من ولده عليهم السلام.
وقال أبو جعفر " عليه السلام ": جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال: يا رسول الله
اكل من قال لا إله إلا الله مؤمن؟ قال: إن عداوتنا تلحق باليهود والنصارى، انكم
42

لا تدخلون الجنة حتى تحبوني، وكذب من زعم إنه يحبني ويبغض هذا - يعنى:
عليا عليه السلام.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: في قول الله تعالى: (هل جزاء الاحسان إلا
الاحسان) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى يقول: هل جزاء من أنعمت
عليه بالتوحيد إلا الجنة.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لأنسبن الاسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه
أحد بعدي، الاسلام هو التسليم، والتسليم هو التصديق، والتصديق هو اليقين، واليقين
هو الأداء، والأداء هو العمل، ان المؤمن اخذ دينه عن ربه ولم يأخذ عن رأيه
أيها الناس: دينكم دينكم تمسكوا به لا يزيلكم أحد عنه لان السيئة فيه خير من الحسنة في
غيره، لان السيئة فيه تغفر والحسنة في غيره لا تقبل.
سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الايمان، فقال: الايمان على أربع دعائم: على
الصبر واليقين، والعدل والجهاد. فالصبر منها على أربع شعب: على الشوق، والشفق
والزهد، والترقب فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار اجتنب
المحرمات، ومن زهد في الدنيا استهان بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى
الخيرات، واليقين منها على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتناول الحكمة، وموعظة
العبرة، وسنة الأولين فمن تبصر في الفطنة تبينت له الحكمة، ومن تبينت له الحكمة
عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين.
والعدل منها على أربع شعب: على غائص الفهم، وغور العلم، وزهرة الحكم
ورساخة الحلم. فمن فهم علم عوز العلم، ومن علم عوز العلم صدر عن شرائع الحكم
ومن حكم لم يفرط في أمره وعاش في الناس حميدا.
والجهاد منها على أربع شعب: على الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر
والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين. فمن أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنين
ومن نهى عن المنكر أرغم أنوف المنافقين، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه وشنأ
الفاسقين، ومن غضب لله غضب الله له وأرضاه يوم القيامة.
والكفر على أربع دعايم: على التعمق، والتنازع. والزيغ. والشقاق. فمن
تعمق لم ينسب إلى الحق، ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق، ومن زاغ ساءت
43

عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة وسكر سكر الضلالة، ومن شاق وعرت عليه طرقه
وأعضل عليه أمره وضاق مخرجه.
والشك على أربع شعب: على التماري، والهول. والتردد والاستسلام. فمن
جعل المراء ديدنا لم يصبح ليله، ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه، ومن تردد في
الريب وطئته سنابك الشياطين، ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيهما.
مجلس في العجائب التي تدل على عظمة الله تعالى
قال الرضا " عليه السلام " كان أمير المؤمنين " عليه السلام " في الجامع بالكوفة، فقام إليه رجل من
أهل الشام فسأله عن مسائل، فكان فيما سأله ان قال له: يا أمير المؤمنين أخبرني عن
ألوان السماوات السبع وأسمائها فقال له: اسم سماء الدنيا رفيع وهي من ماء دخان واسم
السماء الثانية فيدوم وهي على لون النحاس.
واسم السماء الثالثة المادوم وهي على لون الشبه واسم السماء الرابعة ارقلون وهي على
لون الفضة.
والسماء الخامسة اسمها هيعون وهي على لون الذهب.
والسماء السادسة اسمها عروس وهي ياقوتة خضراء.
والسماء السابعة اسمها عجماء وهي درة بيضاء.
وقال زيد بن وهب: سئل أمير المؤمنين " عليه السلام " عن قدرة الله جلت عظمته فقام
خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن لله تعالى ملائكة لو أن ملكا منهم هبط إلى الأرض
ما وسعته لعظم خلقة وكثرة أجنحته ومنهم من لو كلف الجن والإنس ان يصفوه
ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته كيف يوصف من ملائكته من سبع
مائة عام ما بين منكبيه وشحمة أذنيه.
ومنهم من يسد الأفق بجناح من أجنحته، دون عظم بدنه.
ومنهم من السماوات إلى حجزته.
ومنهم من قدمه على غير قرار في جو الهواء الأسفل، والأرضون إلى ركبتيه.
44

ومنهم من لو القى في نقرة إبهامه جميع المياه لوسعتها.
ومنهم من لو ألقيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين فتبارك الله أحسن
الخالقين.
وسئل منه " عليه السلام " عن الحجب فقال: الحجب سبعة غلظ كل حجاب منها مسيرة خمس
مائة عام وبين كل حجا بين مسيرة خمسمائة عام، والحجاب الثاني سبعون حجابا بين كل حجا بين
مسيرة خمسمائة عام، وطوله مسيرة خمسمائة عام حجبة كل حجاب منها سبعون الف ملك قوة كل
ملك منها قوة الثقلين منها ظلمة ومنها نور ومنها نار ومنها دخان ومنها سحاب ومنها برق
ومنها رعد ومنها ضوء ومنها رمل، ومنها جبل ومنها عجاج ومنها ماء ومنها أنهار وهي
حجب مختلفة غلظ كل حجاب مسيرة سبعين الف عام ثم سرادقات الجلال، وهي ستون
سرادق في كل سرادق سبعون الف ملك ما بين سرادق وسرادق، مسيرة خمسمائة عام.
ثم سرادق العز ثم سرادق الكبرياء ثم سرادق العظمة ثم سرادق القدس ثم سرادق
الجبروت ثم سرادق الفخر ثم سرادق النور الأبيض ثم سرادق الوحدانية وهي مسيرة
سبعين الف عام في سبعين الف عام. ثم الحجاب الأعلى وانقضى كلامه " عليه السلام " وسكت فقال له
عمر: لا بقيت ليوم لا أراك فيه يا أبا الحسن.
قال ابن الفارسي: إنما هذه الحجب مضروبة على العظمة العليا من خلق الله التي
لا يقدر قدرها وليست مضروبة على الله تعالى لأنه لا يوصف بمكان. ولا إنه مستتر
بحجاب.
وقال الصادق " عليه السلام " ان حملة العرش:
(أحدهم) على صورة ابن آدم. يسترزق الله لولد آدم
(والثاني) على صورة الديك يسترزق الله للطيور.
(والثالث) على صورة الأسد يسترزق الله للسباع.
(والرابع) على صورة الثور يسترزق الله للبهائم.
ونكس الثور رأسه، منذ عبد بنو إسرائيل العجل. فإذا كان يوم القيامة صاروا
ثمانية.
وسئل الحسن بن علي عليهما السلام، فقال الشامي له: كم بين الحق والباطل؟ وكم
بين السماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟ وما العين التي تأوي
45

إليها أرواح المشركين؟ وما العين التي تأوى إليها أرواح المؤمنين؟ وما المؤنث؟ وما عشرة
أشياء بعضها أشد من بعضها؟.
فقال الحسن بن علي " عليه السلام " بين الحق والباطل أربع أصابع. فما رأيته بعينك
فهو الحق. وقد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا. فقال الشامي صدقت.
قال: وبين السماء والأرض دعوة المظلوم، ومد البصر فمن قال لك غير هذا فكذبه
قال: صدقت يا بن رسول الله.
قال: وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس تنظر إليها حين تطلع من مشرقها
وتنظر إليها حتى تغيب في مغربها قال الشامي: صدقت.
فما قوس قزح؟ قال: ويحك لا تقل قوس قزح فان قزح اسم شيطان هو قوس الله
وعلامة الخصب، وأمان لأهل الأرض من الغرق.
وأما العين التي تأوى إليها أرواح المشركين، فهي عين يقال لها: " برهوت "
وأما العين التي تأوى إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها: " سلمى "
واما المؤنث فهو الذي لا يدرى اذكر هو أم أنثى فإنه ينتظر به فإن كان ذكرا
احتلم، وإن كان أنثى حاضت وبدا ثديها، وإلا قيل له: بل على الحائط فان أصاب
بوله الحائط، فهو ذكر وان تنكص بوله كما يتنكص بول البعير فهي امرأة.
واما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض، فأشد شئ خلقه الله عز وجل الحجر
وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر، وأشد من الحديد النار تذيب الحديد، وأشد من
النار الماء يطفئ النار وأشد من الماء السحاب الذي يحمل الماء، وأشد من السحاب الريح
تحمل السحاب، وأشد من الريح الملك الذي يرسلها، وأشد من الملك ملك الموت الذي
يميت الملك، وأشد شئ من ملك الموت، الموت الذي يميت ملك الموت، وأشد من
الموت أمر الله تعالى يميت الموت. فقال الشامي أشهد إنك ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الصادق " عليه السلام " ان ذي القرنين لما انتهى إلى السد جاوزه، فدخل في الظلمات
فإذا هو بملك قائم على جبل، طوله خمسمائة ذراع فقال له الملك: يا ذي القرنين أما كان
خلفك مسلك؟ فقال له ذي القرنين: من أنت؟ قال: انا ملك من ملكة الرحمن، موكل
بهذا الجبل، فليس من جبل خلقه الله إلا وله عرق إلى هذا الجبل، فإذا أراد الله
أن يزلزل مدينة أوحى إلي فزلزلتها.
46

وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام إنه قال: في العرش تمثال
جميع ما خلق الله في البر والبحر، قال وهذا تأويل قوله: (وان من شئ إلا عندنا
خزائنه) وان بين القائمة من قوائم العرش، والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع مسيرة
الف عام والعرش يكسى كل يوم سبعين الف لون من النور، لا يستطيع ان ينظر إليه خلق
من خلق الله، والأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة، وان لله ملكا يقال له:
حزقائيل له ثمانية عشر الف جناح ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام، فخطر له خاطر
هل فوق العرش شئ؟ فزاده الله مثلها أجنحة أخرى، فكان له ست وثلاثون الف جناح
ما بين الجناح، إلى الجناح خمسمائة عام، ثم أوحى الله إليه أيها الملك طر فطار مقدار
عشرين الف عام لم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش. ثم ضاعف الله له في الجناح والقوة
وأمره ان يطير، فطار مقدار ثلاثين الف عام، ولم ينل أيضا، فأوحى الله إليه
أيها الملك لو طرت إلى نفخ الصور مع أجنحتك وقوتك لم تبلغ إلى ساق العرش.
فقال الملك سبحان ربى الأعلى، فانزل الله عز وجل سبح اسم ربك الأعلى، فقال
النبي (صلى الله عليه وآله) اجعلوها في سجودكم.
وروى من طريق المخالفين في قوله: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية)
قال: ثمانية صفوف لا يعلم عددهم إلا الله، لكل ملك أربعة وجوه لهم
قرون كقرون الوعل من أصول القرون إلى منتهاها مسيرة خمسمائة عام، والعرش على
قرونهم وأقدامهم في الأرض السفلى، ورؤوسهم في السماء العليا، ودون العرش سبعون
حجابا من نور.
وروى أيضا من طريقهم في عظمة الله، وعجيب خلقه عناق بنت آدم. يقال إنها
كانت أول من بغى على وجه الأرض، لها عشرون إصبعا كل إصبع ثلاثة أذرع في
ذراعين. في كل إصبع ظفران حديدان، مثل المنجلين وكان موضع مجلسها جريبا من
الأرض فلما بغت بعث الله عليها أسدا كالفيلة، وذئبا كالبعير ونسرا كالحمار وسلطهم
عليها فقتلوها وأكلوها.
وقال ابن عباس: لما ركب نوح السفينة جاءه عوج بن عنق، وكانت عنق احدى
بنات آدم، وكان عوج يحتجر بالسحاب، ويشرب منه من طوله ويتناول الحوت من
قرار البحر. فيشويه بعين الشمس ويرفعه إليها ثم يأكله، فقال لنوح: احملني معك
47

قال: اخرج يا عدو الله، فانى لم أؤمر بك قال: وطبق الماء على الأرض من جبال ما بلغ
ركبتي عوج، وعاش عوج ثلاثة آلاف سنة، وكان لموسى عسكر فرسخا في فرسخ
قال: فجاء عوج حتى نظر إلى عسكر موسى. ثم جاء إلى الجبل حتى قطع منه صخرة قدر
العسكر ثم حملها ليطبقها على عسكر موسى ومن معه من العسكر. فبعث الله إليه الهدهد
ومعه هذا المسن حتى قطع الصخرة فانتقبت فوقعت في عنق عوج، فطوقته فصرعته
واقبل موسى وطول موسى عشر أذرع، وطول عصاه عشرة أذرع وتراقي السماء عشرة
أذرع، فما أصاب إلا كعبه فقتله.
قال نوف: فلما قتله وقع على نيل مصر فجسرهم سنة - يعنى صار جسر لهم - فقال
وكان مجلسه الذي يجلس فيه ثمنمائة ذراع بذراع الملك في عرض أربعمائة ذراع بذراع الملك.
وقال وهب بن منبه: ان ذي القرنين أتى على قاف، وهو جبل محيط بالدنيا من
زبرجدة خضراء. خضرة السماء منه، وحوله جبال صغار فقال له: من أنت؟ فقال
أنا قاف فقال: يا قاف ما هذه الجبال من حولك؟ قال: هي عروقي، وإذا أراد الله ان
يزلزل الأرض، أمرني فحركت عرقا من عروقي فزلزلت الأرض فقال: يا قاف
فأخبرني بشئ من عظمة الله، فقال إن شأن ربنا لعظيم، تقصر عنه الصفات
وتنقضي دونه الأوهام.
قال: أخبرني بأدنى ما يوصف منها. قال: إن ورائي لأرضا مسيرة خمسمائة عام في
عرض خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم بعضها بعضا، لولا ذلك لاحترقت من حر جهنم
قال زدني قال: وان من وراء ذلك لأرضا من برد طولها وعرضها مملوءة، يحطم بعضها
بعضا، لولا ذلك لاحترقت من حر جهنم. قال زدني قال: إن جبرئيل " عليه السلام " واقف بين
يدي الله ترعد فرائصه يخلق الله من كل رعدة مائة الف ملك والملائكة صفوف بين يدي
الله منكسو رؤسهم فإذا اذن الله تعالى لهم في الكلام قالوا: لا إله إلا أنت وهو
قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا، لا يتكلمون إلا من اذن له الرحمن وقال
صوابا - يعنى بالصواب لا إله إلا الله.
وقال ابن عباس: ان مما خلق الله لوحا محفوظا من درة بيضاء حافتاه ياقوتة حمراء
كتابه نور وقلمه نور وعرضه ما بين السماء والأرض ينظر الله فيه كل يوم ثلاثمائة وستين
نظرة ففي كل نظرة منها يخلق ويرزق ويحيى ويميت ويفعل ما يشاء فذلك قوله: (كل يوم
48

هو في شأن) ويقال شأن الله سبحانه إنه يخرج في كل يوم وليلة ثلاثة عساكر: عسكرا
من الأصلاب إلى الأرحام، وعسكرا من الأرحام إلى الدنيا، وعسكرا من الدنيا إلى
القبور ثم يرتحلون إلى الله جميعا.
مجلس في النبوات
النبي في العرف هو المؤدى عن الله تعالى بلا واسطة من البشر، والرسول في أصل
اللغة يفيد ان مرسلا أرسله بشرط تحمله الرسالة الذي يدل على حسن بعثة الأنبياء انهم
يؤدون الينا ما هو مصلحة لنا في التكليف العقلي ولا يمتنع ان يعلم الله ان في أفعال المكلف
ما إذا فعله دعاه إلى فعل الواجب العقلي أو صرفه عن القبيح العقلي وإذا فعله دعاه إلى فعل
القبيح أو الاخلال بالواجب فيجب ان يعلمنا ذلك لان الأول لطف، والثاني مفسدة
وإذا ثبت ذلك فالذي يدل على نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله) القرآن وهو قوله تعالى في سورة البقرة
(إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا).
وقوله تعالى: (ألم لا إله إلا الله الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا
لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان).
وقال الله تعالى: (لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
وقوله تعالى: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا
عليهم آياته. ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وان كانوا من قبل لفي
ضلال مبين).
وقال تعالى في سورة النساء: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم
إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما فلا
وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم. ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت
ويسلموا تسليما).
وقال تعالى في سورة المائدة: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من
الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق
49

لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتيكم).
وقال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت
رسالته والله يعصمك من الناس).
وقال تعالى في سورة الأنعام: وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ)
وقال تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق للذي بين يديه. ولتنذر
أم القرى ومن حولها).
وفى سورة الأعراف: (قل يا أيها الناس انى رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك
السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي
يؤمن بالله وكلماته)
وقال تعالى في سورة الأنفال: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله
ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون).
وقال الذين استجيبوا لله وللرسول إذ دعاكم لما يحييكم.
وقال تعالى في سورة يونس: (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم ان
أنذر الناس وبشر الذين آمنوا إن لهم قدم صدق عند ربهم).
وقال: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم. وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون).
وقال تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين يا أيها النبي حرض
المؤمنين على القتال).
وقال في سورة التوبة: (وهو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق)
وفى سورة يونس: (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك. وضائق به صدرك ان
يقولوا: لولا أنزل عليه كنزا أو جاء معه ملك. إنما أنت نذير. والله على كل شئ
وكيل).
وفى سورة يوسف: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة).
وفى سورة الرعد: (كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم
الذي أوحينا إليك).
وقال في سورة الحجر: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم
ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين. وقل انى أنا النذير المبين).
50

وفى سورة النحل: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم).
وقال في سورة الأنبياء: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه. إنه
لا إله إلا أنا فاعبدون)
وفى سورة الأحزاب: (يا أيها النبي اتق الله. ولا تطع الكافرين والمنافقين
إن الله كان عليما حكيما. واتبع ما يوحى إليك من ربك. إن الله كان بما تعملون خبيرا
وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا).
وقال فيها: ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم. ولكن رسول الله وخاتم النبيين).
وقال تعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا. وداعيا إلى الله
بإذنه. وسراجا منيرا).
وقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه
وسلموا تسليما).
وفى سورة سبأ: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا).
وفى سورة الجاثية: (ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع أهواء
الذين لا يعلمون).
وقال تعالى: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا).
وقال فيها: لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق. لتدخلن المسجد الحرام إن شاء
الله آمنين).
وفى سورة النجم: (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن
الهوى. إن هو إلا وحي يوحى).
وقال في سورة الصف: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله ولو كره المشركون).
وفى سورة والنازعات إنما أنت منذر من يخشاها. وفى سورة الغاشية فذكر إنما
أنت مذكر لست عليهم بمسيطر).
قال أبو جعفر " عليه السلام " أولوا العزم من الرسل خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى
وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم، وأولوا العزم هو من أتى بشريعة مستأنفة نسخت
شريعة من تقدم من الأنبياء.
51

باب الكلام في مبعث نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
قال الله تعالى: (يا أيها المدثر. قم فأنذر وربك فكبر).
إعلم: ان الطائفة قد اجتمعت على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رسولا نبيا. مستخفيا
يصوم ويصلى على خلاف ما كانت قريش تفعله مذ كلفه الله تعالى. فإذا أتت أربعون
سنة. أمر الله عز وجل جبرئيل " عليه السلام " أن يهبط إليه بإظهار الرسالة. وذلك في يوم السابع
والعشرين من شهر الله الأصم. فاجتاز بميكائيل فقال: أين تريد؟ فقال له: قد بعث
الله جل وعز نبينا نبي الرحمة. وأمرني ان اهبط إليه بالرسالة فقال له: ميكائيل فأجئ
معك قال له: نعم فنزلا، ووجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) نائما بالأبطح. بين أمير المؤمنين
وجعفر بن أبي طالب. فجلس جبرئيل عند رأسه. وميكائيل عند رجليه. ولم ينبهه
جبرئيل اعظاما له. فقال ميكائيل لجبرئيل: إلى أيهم بعثت؟ قال: إلى الأوسط
فأراد جبرئيل ان ينبهه فمنعه جبرئيل. ثم انتبه النبي (صلى الله عليه وآله). فأدى إليه جبرئيل الرسالة
عن الله تعالى. فلما نهض جبرئيل " عليه السلام " ليقوم. أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بثوبه. ثم قال:
ما اسمك؟ قال له جبرئيل. ثم نهض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلحقه بغنمه. فما مر بشجرة
ولا مدرة إلا سلمت عليه. وهنأته ثم كان جبرئيل " عليه السلام " يأتيه. فلا يدنوا منه إلا بعد أن
يستأذن عليه. فأتاه يوما وهو بأعلى مكة. فغمز بعقبه بناحية الوادي فانفجرت
عين توضأ جبرئيل " عليه السلام " وتوضأ الرسول صلى الله عليه وسلم ثم صلى الظهر. وهي أول صلاة فرضها
الله عز وجل. وصلى أمير المؤمنين " عليه السلام " تلك الصلاة مع رسول الله. ورجع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يومه إلى خديجة، فأخبرها فتوضأت وصلت صلاة العصر من ذلك
اليوم، ثم أنزل الله عز وجل وانذر عشيرتك الأقربين. فجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بني هاشم وهم نحو أربعين رجلا، وأمير المؤمنين " عليه السلام " فأنضج لهم رجل شاة، وخبز
لهم صاعا من طعام، وجاء بعس من لبن. ثم أدخل إليه منهم عشرة فأكلوا حتى
صدروا وان منهم لمن يأكل الجذعة، ويشرب الفرق ثم جعل يدخل إليه عشرة عشرة
حتى أكلوا جميعا وصدروا ثم قال لهم: انى بعثت إلى الأسود والأبيض والأحمر وان
الله عز وجل أمرني ان أنذر عشيرتي الأقربين وانى لا أملك لكم من الله حظا إلا أن
تقولوا: لا إله إلا الله، فقال أبو لهب لعنه الله: لهذا دعوتنا ثم تفرقوا عنه. فأنزل
52

الله تعالى (تبت يدا أبى لهب وتب) الخ ثم دعاهم دفعة ثانية فأطعمهم وسقيهم كالدفعة
الأولى، ثم قال لهم: يا بنى عبد المطلب أطيعوني تكونوا ملوك الأرض، وحكامها
وما بعث الله نبيا إلا جعل له وصيا أخا أو وزيرا فأيكم يكون أخي ووزيري ووصي
ووارثي وقاضي ديني. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: وهو أصغر القوم سنا: أنا
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلذلك كان وصيه.
وروى إنه جمعهم خمسة وأربعون رجلا منهم أبو لهب، فظن أبو لهب إنه يريد أن
ينزع عما دعاهم إليه فقام إليه، فقال له يا محمد: هؤلاء عمومتك وبنو عمك قد اجتمعوا
فتكلم واعلم أن قومك ليست لهم بالعرب طاقة فقام (صلى الله عليه وآله) خطيبا فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال: إن الرائد لا يكذب أهله والله الذي لا إله إلا هو انى رسول الله إليكم حقا خاصة
والى الناس عامة والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن كما تعلمون ولتجزون
بالاحسان إحسانا وبالسوء سوءا وانها الجنة أبدا والنار أبدا إنكم أول من أنذرتم
فآمن به من عشيرته واجتمعت قريش إلى دار الندوة وكتبوا الصحيفة على بني هاشم
لا يكلموهم ولا يبايعوهم أو يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه ثم أخرجوهم من بيوتهم
حتى نزلوا شعب أبى طالب ووضعوا عليهم الحرس فمكثوا بذلك ثلاث سنين ثم بعث
الله عز وجل الأرضة على الصحيفة فأكلتها ولم يزل " عليه السلام " كذلك يريهم الآيات ويخبرهم
بالمغيبات وأنزل الله تعالى عليه ولا تعجل بالقرآن قبل أن يقضى إليك وحيه، ومعناه
لا تعجل بقراءة القرآن عليهم حتى أنزل عليك التفسير في أوقاته كما أنزل إليك التلاوة
ثم أتاه جبرئيل " عليه السلام " ليلا وهو بالأبطح ومعه البراق وهو أصغر من البغل، وأكبر من الحمار فركبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامسك جبرئيل " عليه السلام " بركابه ومضى إلى بيت المقدس ثم إلى
السماء الدنيا فتلقته الملائكة فسلمت عليه وتطايرت بين يديه، حتى انتهى إلى السماء
السابعة.
قال عكرمة: لما اجتمعت قريش على ادخال بني هاشم وبنى عبد المطلب شعب
أبى طالب كتبوا بينهم صحيفة، فدخل الشعب مؤمن بني هاشم وكافرهم ومؤمن بنى
عبد المطلب وكافرهم ما خلا أبو لهب وأبو سفيان بن الحرب فبقي القوم في الشعب ثلاث
سنين فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا اخذ مضجعه ونامت العيون جاءه أبو طالب فأنهضه عن
مضجعه وأضجع عليا مكانه فقال علي: يا أبتاه انى مقتول ذات ليلة فقال أبو طالب " عليه السلام "
53

اصبرن يا علي فالصبر أحجى * كل حي مصيره لشعوب
قد بذلناك والبلاء عسير * لفداء النجيب وابن النجيب
لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب * والباع والفناء الرحيب
ان رمتك المنون بالنبل فاصبر * فمصيب منها وغير مصيب
كل حي وان تطاول عمرا * آخذ من سهامها بنصيب
قال علي بن الحسين " عليه السلام " كان أبو طالب يضرب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيفه ويقيه
بنفسه، فلما حضرته الوفاة وقد قويت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلت كلمته إلا أن قريشا
على عداوتها وحسدها فاجتمعوا إلى أبي طالب ورسول الله (صلى الله عليه وآله) عنده، فقالوا:
نسألك من ابن أخيك النصف قال: وما النصف منه؟ قالوا: ليكف عنا ونكف عنه
فلا يكلمنا ولا نكلمه ولا يقاتلنا ولا نقاتله لأن هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب وزرعت
الشحناء وأنبتت البغضاء.
فقال: يا بن أخي بنى عمك وعشيرتك يسألونك النصف وان تكف عنهم ويكفوا
عنك فقال: يا عم لو أنصفني بنو عمى لأجابوا دعوتي وقبلوا نصيحتي وان الله عز وجل
أمرني أن ادعوا إلى دينه (الحنيفية) ملة إبراهيم فمن أجابني فله عند الله الرضوان والخلود
في الجنان ومن عصاني قاتلته حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
فقالوا: يا أبا طالب سله، أرسله الله الينا خاصة أم إلى الناس كافة فقال أبو طالب
يا بن أخ إلى الناس كافة أرسلت أم إلى قومك خاصة؟ قال: لا بل إلى الناس أرسلت كافة
إلى الأبيض والأسود والأحمر والعربي والعجمي، والذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا
الامر الأبيض والأسود، ومن على رؤس الجبال ومن في لجج البحار ولأدعون السنة
فارس والروم فتحيرت قريش واستكبرت وقالت اما تسمع إلى ابن أخيك وما يقول والله
لو سمعت فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا، ولقلعت الكعبة حجرا حجرا فأنزل
الله تعالى: وقالوا ان نتبع الهدى معك فنتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا
يجبى إليه ثمرات كل شئ إلى آخر الآية وأنزلت في قولهم لقلعت الكعبة حجرا حجرا
ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل إلى آخرها فلما سمعوا ذلك من النبي (صلى الله عليه وآله) خرجوا
من عند أبي طالب فقالوا ألا نرى محمدا يزداد إلا كبرا أو تكبرا وما هو إلا ساحرا
أو مجنون وتوعدوه وتحالفوا وتقاعدوا لئن مات أبو طالب ليجمعن قبائل قريش كلها
54

على قتله ما أمسكت أيديها السياط وبلغ أبا طالب ذلك فجمع بينه وبين بنو أبيه وأحلافهم
من قريش فوصاهم برسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال ابن أخي محمد ابني كما يقول بذلك أخبرنا
آباؤنا وعلمائنا ان أخي محمد (صلى الله عليه وآله) نبي صادق وأمين ناطق وان شأنه أعظم شأن ومكانه
أعلى مكان من ربه وان يومى قد حضر وأنتم الخلقاء النجب فأجيبوا دعوته واجتمعوا
على نصرته وارموا عدوه من وراء حوزته فإنه الشرف الباقي لكم على الدهر
وأنشأ يقول:
أوصى بنصر الأمين الخير مشهده * بعدي عليا وعلى الخير عباسا
وحمزة الأسد المخشى صولته * وجعفرا ان يذوقوا قبله الباسا
وهاشما كلها أوصى بنصرته * ان يأخذوا دون حرب القوم امراسا
كونوا فدى لكم أمي وما ولدت * من دون أحمد عند الورع أتراسا
بكل أبيض مصقول عوارضه * تخاله في سواد الليل مقباسا
فلما سمع النبي (صلى الله عليه وآله) من عمه فقال: يا عم كلمة واحدة تجب بها لك شفاعتي يوم القيامة
فقال يا بن أخي صدقت أنت نبي حق وربك إله حق قال له: يا عم ان الله عز وجل وعدني
ان قريشا ستؤمن غدا بما تنكره اليوم، وان الله تعالى سيفتح على الأرض، ويظهر
دينه على جميع الأديان وانك راحل إلى دار المقامة، فقل معي كلمة تستوجب من الله
رضوانه ورحمته، فقال: إن أبا طالب حرك بها شفتيه، وأشار بأصبعه فسر
النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك واستغفر له.
قال الشيخ الامام الاجل ابن الفارسي: فمن أدعى هذه الدعوى فلا بد له من دليل
يدل على صدق قوله، والا لم يلتفت إلى قوله:
والآن نذكر طرفا من معجزاته صلوات الله عليه وآله الطيبين بعد خبر المعراج.
باب الكلام في معراج النبي صلى الله عليه وآله
قال ابن عباس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى به إلى السماء انتهى به جبرئيل " عليه السلام "
إلى نهر يقال له النور وهو قول الله تعالى: (خلق الظلمات والنور) فلما انتهى إلى ذلك
النهر فقال له جبرئيل: يا محمد اعبر على بركة الله فقد نور الله لك بصرك ومد لك أملك فإن
هذا نهر لم يعبره أحد لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل غير أن لي في كل يوم اغتماسة فيه
55

ثم اخرج منه فأنفض أجنحتي فليس من قطرة تقطر من أجنحتي إلا خلق الله تعالى منها
ملكا مقربا له عشرون الف وجه، وأربعون الف لسان يلفظ بلغة لا يفقهها اللسان
الآخر، فعبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى انتهى إلى الحجب، والحجب خمسمائة حجاب من
الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام ثم قال له: تقدم يا محمد فقال له ولم لا تكون
يا جبرئيل معي؟ قال: ليس لي أن أجوز هذا المكان فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما شاء الله
ان يتقدم حتى سمع ما قال الرب تعالى: أنا المحمود وأنت محمد شققت اسمك من اسمى فمن
وصلك وصلته ومن قطعك قطعته انزل إلى عبادي فأخبرهم بكر أمتي إياك وانى لم ابعث
نبيا إلا جعلت له وزيرا وإنك رسولي وان عليا وزيرك فهبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكره
أن يحدث الناس بشئ كراهة ان يتهموه لأنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية إلى آخر الخبر
وهو خبر طويل لم نورده ها هنا على الكمال لأنه يتعلق بعضه بشئ آخر غير ما قصدناه
في هذا الباب.
قال الصادق " عليه السلام " أسرى برسول الله " صلى الله عليه وآله " إلى بيت المقدس وعرض عليه محاريب
الأنبياء وصلى بها ورده فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجوعه بعير قريش وإذا لهم ماء في آنية
وقد أضلوا بعيرا لهم وكانوا يطلبونه فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لقريش إن
الله عز وجل قد أسرى بي إلى بيت المقدس وأراني آثار الأنبياء عليهم السلام ومنازلهم
وانى مررت بعير قريش في موضع كذا وكذا وقد أضلوا بعيرا لهم فشربت من مائهم
وأهرقت باقي ذلك الماء.
فقال أبو جهل: قد أمكنتكم الفرصة منه فسألوه كم الأساطين فيها والقناديل؟ فقالوا
يا محمد ان ها هنا من قد دخل بيت المقدس فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه، فجاء
جبرئيل " عليه السلام " فعلق صورة بيت المقدس تجاه وجهه، فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه فلما
أخبرهم قالوا حتى يجيئ العير ونسألهم عما قلت فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تصديق ذلك
إن العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل أروق فلما كان من الغد أقبلوا ينظرون
إلى العقبة ويقولون هذا الشمس تطلع الساعة فبينا هم كذلك إذ طلعت عليهم العير حين
طلعت القرص يقدمها جمل أروق فسألوهم، ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: لقد كان هذا
ضل بعير لنا في موضع كذا وكذا ووضعنا ماء فأصبحنا وقد أهريق الماء فلم يزدهم ذلك
إلا عتوا.
56

وروى أن جبرئيل " عليه السلام " جاء إلى رسول الله " صلى الله عليه وآله " بدابة دون البغل وفوق الحمار
رجلاها أطول من يديها خطوها مد البصر، فلما أراد أن يركب امتنعت فقال جبرئيل
إنه محمد فتواضعت حتى لصقت بالأرض قال: فركب فلما هبطت ارتفعت يداها وقصرت
رجلاها وقصرن يداها فمرت به في ظلمة الليل على عير محملة فنفرت العير من زفيف البراق
ينادى رجل في آخر العير غلاما له في أول العير يا فلان ان الإبل قد نفرت وان فلانة
قد ألقت حملها، وانكسرت يدها وكانت العير لأبي سفيان قال: ثم مضى حتى إذا كان ببطن
البلقاء قال: يا جبرئيل قد عطشت فتناول جبرئيل قصعة فيها ماء فتناوله فشرب ثم مضيا
فمر على قوم معلقين بعراقيبهم بكلاليب من نار فقال ما هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء
الذين أغناهم الله بالحلال فيبتغون الحرام. قال ثم مر على قوم يخاط جلودهم بمخائط من نار
فقال: ما هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء الذين يأخذون عذرة النساء بغير حل. ثم مضى فمر
على رجل يرفع حزمة من حطب كلما لم يستطع ان يرفعها زاد فيها فقال من هذا يا جبرئيل؟
فقال هذا صاحب الدين يريد أن يقضى فإذا لم يستطع زاد عليه ثم مضى حتى إذا كان في
الجبل الشرقي من بيت المقدس وجد ريحا حارة وسمع صوتا قال: ما هذه الريح يا جبرئيل
التي أجد وهذا الصوت الذي اسمع؟ قال هذه جهنم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بالله من جهنم ثم وجد ريحا عن يمنه طيبة وسمع صوتا
فقال ما هذه الريح التي أجدها وهذا الصوت الذي اسمع؟ فقال: هذه الجنة، فقال:
اسأل الله الجنة.
قال: ثم مضى حتى انتهى إلى باب مدينة بيت المقدس وفيها هرقل وكانت أبواب المدينة
تغلق كل ليلة ويؤتى بالمفاتيح وتوضع عند رأسه فلما كانت تلك الليلة امتنعت الباب ان تغلق
فأخبروه فقال: ضاعفوه عليها من الحرس، قال: فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل بيت
المقدس فجاء جبرئيل " عليه السلام " إلى الصخرة، فرفعها فأخرج من تحتها ثلاثة أقداح، قدحا
من لبن وقدحا من عسل، وقدحا من خمر فناول قدح اللبن، فشرب ثم ناول قدح
العسل، فشرب ثم ناول قدح الخمر، فقال: قد رويت يا جبرئيل، فقال: اما انك
لو شربته لضلت أمتك وتفرقت عنك.
قال: ثم مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجد بيت المقدس بسبعين نبيا، قال: وهبط
مع جبرئيل " عليه السلام " ملك لم يطأ الأرض قط، معه مفاتيح خزائن الأرض، فقال يا محمد
57

إن ربك يقرأك السلام ويقول هذه مفاتيح خزائن الأرض، فإن شئت فكن نبيا عبدا
وإن شئت فكن نبيا ملكا فأشار إليه جبرئيل " عليه السلام " ان تواضع يا محمد فقال: بل أكون نبيا
عبدا ثم صعد إلى السماء فلما انتهى إلى باب السماء استفتح جبرئيل " عليه السلام " فقيل: من هذا؟
قال محمد قالوا: نعم المجئ جاء فدخل فما مر على ملا من الملائكة إلا سلموا عليه، ودعوا
له وشيعته مقربوها فمر على شيخ قاعد تحت شجرة، وحوله أطفال فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
من هذا الشيخ يا جبرئيل؟ قال هذا أبوك إبراهيم، قال فما هؤلاء الأطفال حوله؟ فقال
هؤلاء أطفال المؤمنين حوله يغذيهم، ثم مضى فمر على شيخ قاعد على كرسي إذا نظر عن
يمينه ضحك وفرح، وإذا نظر عن يساره حزن وبكى، فقال من هذا يا جبرئيل؟
فقال آدم إذا رأى من يدخل الجنة من ذريته ضحك وفرح وإذا رأى من يدخل النار
من ذريته حزن وبكى.
ثم مضى على ملك قاعد على كرسي، فسلم عليه فلم ير منه من البشر ما رأى من
الملائكة، فقال: يا جبرئيل ما مررت بأحد من الملائكة إلا رأيت منه ما أحب إلا هذا
فمن هذا الملك؟ قال: هذا مالك خازن النار، اما إنه كان من أحسن الملائكة بشرا
وأطلقهم وجها فلما جعل خازن النار اطلع فيها اطلاعة، فرأى ما أعد الله فيها لأهلها
فلم يضحك بعد ذلك.
ثم مضى حتى إذا انتهى حيث إنتهى فرضت عليه الصلاة خمسون صلاة قال: فأقبل
فلما مر بموسى، فقال: يا محمد كم فرضت الصلاة على أمتك؟ قال خمسون قال ارجع إلى
ربك، فاسأله ان يخفف عن أمتك، قال: فرجع ثم مر على موسى فقال كم فرض على
أمتك قال كذا وكذا، قال إن أمتك أضعف الأمم ارجع إلى ربك، فاسأله ان يخفف
عن أمتك فإني كنت في بني إسرائيل فلم يكونوا يطيقون إلا دون هذا، فلم يزل يرجع
إلى ربه عز وجل حتى جعلها خمس صلوات، قال: ثم مر على موسى قال فكم فرض على
أمتك؟ قال خمس صلوات، قال: ارجع إلى ربك فاسأله ان يخفف عن أمتك، قال: قد
استحييت من ربى مما ارجع إليه ثم مضى فمر على إبراهيم خليل الرحمن، فناداه من خلفه
قال: يا محمد اقرأ أمتك منى السلام، وأخبرهم ان الجنة ماؤها عذب وتربتها طيبة
قيعانها بيض غرسها سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فمر أمتك فليكثروا من غرسها، ثم مضى حتى مر على
58

عير يقدمها جمل أروق ثم أتى أهل مكة فأخبرهم بمسيره، وقد كان بمكة قوم من قريش
قد أتوا بيت المقدس فأخبرهم، ثم قال: آية ذلك إنها تطلع عليكم الساعة عير مع طلوع
الشمس يقدمها جمل أروق، قال فنظروا فإذا هي قد طلعت وأخبرهم إنه قد مر
بأبي سفيان، وان إبله نفرت في بعض الليل وانه نادى غلاما له في أول العير يا فلان
إن الإبل قد نفرت وان فلانة قد ألقت حملها وكسر يدها فسألوا عن الخبر، فوجدوه
كما قال صلى الله عليه وآله.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم التفت إلى الأنبياء ببيت المقدس، فقال: بما تشهدون؟
قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وعلي أمير المؤمنين، ثم عرج به إلى
السماء السابعة، حتى كان قاب قوسين أو أدنى فرفعت الحجب له فمشى فنودي يا محمد إنك
لتمشى في مكان ما مشى عليه بشر قبلك فكلمة الله عز وجل.
فقال: (آمن الرسول بما انزل إليه من ربه).
قال (صلى الله عليه وآله) نعم يا رب والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين
أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير، فقال الله عز وجل
(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا إلى آخر الآية، فقال عز وجل قد فعلت ثم قال
له من خلفت على أمتك من بعدك فقال (صلى الله عليه وآله) الله اعلم.
قال له: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، فكانت إمامته مشافهة من الله جل ذكره
لنبيه عليه وآله الصلاة والسلام.
وروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه قال إن الله عز وجل لما عرج بي إلى السماء مثل
لي أمتي في الطين من أولها إلى آخرها، حتى انا اعرف بهم من أحدهم بأعيانهم وعلمني
الأسماء كلها وفرض على أمتي الصلاة تلك الليلة، وكان هذا بعد مبعثه (صلى الله عليه وآله) بخمس سنين
ثم رجع (صلى الله عليه وآله) إلى الأرض وفقده أبو طالب عمه في تلك الليلة فلم يزل يطلبه ووجه إلى
بني هاشم أن أخرجوا في السلاح، فقد فقدت محمد فخرج جميع بني هاشم وأبو طالب " عليه السلام "
يقول: يا لها من عظيمة، إن لم أر انى رسول الله إلى الفجر فبينا هو كذلك إذ تلقاه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد نزل من السماء على باب أم هاني بنت أبي طالب أخت
أمير المؤمنين " عليه السلام " فقال له أبو طالب: انطلق معي فأدخل بين يدي المسجد فدخل
59

بنو هاشم، فسل أبو طالب بسيفه عند الحجر، ثم قال لبنى هاشم اخرجوا ما معكم
فأخرجوا السلاح ثم التفت إلى قريش فقال: والله لو لم أره لما بقي فيكم عين تطرف
فقالت قريش: يا أبا طالب لقد ركبت منا عظيما، وعزمت قريش بعد ذلك أن تغتاله
وأصبح صلوات الله عليه فصلى بالناس وحدثهم بحديث المعراج، وقالوا له: صف لنا
بيت المقدس: فرفعه جبرئيل " عليه السلام " حتى جعله تجاهه، فجعل يراه ويحدثهم ثم حدثهم
بأمر عير أبي سفيان، وخبر الجمل الأحمر الذي يقدمها، فكذبوه وقالوا: هذا سحر
مبين لعنهم الله، وأقام (صلى الله عليه وآله) بمكة يدعو الناس. فأجابه المؤمنون وجحده الكافرون.
وسئل علي بن الحسين عليهما السلام، عن الله تعالى هل يوصف بمكان، فقال:
تعالى الله عن ذلك.
فقيل: لم أسرى نبيه إلى السماء؟ قال: ليريه ملكوت السماء وما فيها من عجائب صنعه
وبدايع خلقه، قلت: فقول الله تعالى: ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى قال: ذلك
رسول الله (صلى الله عليه وآله) دنا من حجب النور، فرأى ملكوت السماوات ثم تدلى فنظر من تحته
إلى ملكوت الأرض، حتى ظن إنه في القرب من الأرض، كقاب قوسين أو أدنى
وكان معراجه بعد النبوة بسنين.
باب ما ورد من معجزات النبي صلوات الله عليه وآله
اعلم إن معجزات النبي صلوات الله عليه وآله كثيرة: وأقواها القرآن، وتحدى
العرب به.
قال الله تعالى في سورة البقرة: (وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا، فأتوا
بسورة من مثله، وادعوا شهدائكم من دون الله ان كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ولن
تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) وفى موضع آخر:
فأتوا بسورة من مثله.
وأيضا فأتوا بعشر سور مثله مفتريات.
وقال: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتوا
بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).
60

وقال أمير المؤمنين " عليه السلام " إن اليهود أتت امرأة منهم يقال لها: عبدة، فقالوا لها
يا عبدة قد علمت إن محمد قد هدم ركن بني إسرائيل، وهدم اليهودية وقد غال الملا من
بني إسرائيل بهذا السم له، وهم جاعلون لك جعلا على أن تسميه في هذا الشاة، فعمدت
عبدة إلى الشاة، فشوتها ثم جمعت الرؤساء في بيتها، وأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت
يا محمد قد علمت ما توجب لي، وقد حضرني رؤساء اليهود فزيني بأصحابك، فقام
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه أمير المؤمنين " عليه السلام " وأبو دجانة، وأبو أيوب، وسهل بن حنيف
وجماعة من المهاجرين، فلما دخلوا وأخرجت الشاة شدت اليهود آنافها بالصوف
وقاموا على أرجلهم، وتوكؤوا على عصيهم فقال لهم رسول الله: اقعدوا فقالوا: إنا إذا
زارنا نبي لم يقعد منا أحد، وكرهنا ان يصل إليه من أنفاسنا ما يتأذى به وكذبت
اليهود لعنهم الله إنما فعلت ذلك مخافة شواء السم ودخانه، فلما وضعت الشاة بين يديه
تكلم كتفها، فقالت: مه يا أحمد لا تأكلني فأنني مسمومة، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عبدة، فقال لها: ما حملك على ما صنعت فقالت: قلت إن كان نبيا لم يضره، وإن كان
ساحرا كذابا أرحت قومي منه، فهبط جبرئيل فقال: الله يقرأك السلام ويقول:
قل بسم الله الذي يسميه به كل مؤمن، وبه عز كل مؤمن وبنوره الذي أضاءت به
السماوات والأرض، وبقدرته التي خضع لها كل جبار عنيد، وانتكس كل شيطان
مريد من شر السم والسحر واللمم، باسم العلى الملك الفرد الذي لا إله إلا هو، وننزل
من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، ولا يزيد الظالمين إلا خسارا.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ذلك وأمر أصحابه فتكلموا به، ثم قال كلوا ثم أمرهم أن
يحتجموا.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام " إن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم بقوله: وإذ قلنا
للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا.
وقال لنبينا (صلى الله عليه وآله) إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا
عليه وسلموا تسليما.
وقال: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه.
وقال تعالى لنبينا: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ورفع الله
إدريس النبي عليه السلام.
61

وقال لنبينا (صلى الله عليه وآله) ورفعنا لك ذكرك، وأطعم إدريس النبي " عليه السلام " من تحف الجنة
بعد وفاته، وأن محمدا أطعمه في الدنيا في حياته، بينما هو (صلى الله عليه وآله) إذ اتاه جبرئيل " عليه السلام "
بجام من الجنة، فيه تحفة من الجنة فهلل اللجام، وهللت التحفة في يده صلوات الله عليه
وآله، وسبحا وكبرا وحمدا، فناولها أهل بيته فقالت: مثل ذلك فهم ان يناولها
بعض أصحابه، فتناولها جبرئيل " عليه السلام " قال له: كلها فإنها تحفة من الجنة، أتحفك الله بها
وليست تصلح إلا لنبي أو وصى نبي، فأكل وأكلنا معه فانى لأجد حلاوته إلى ساعتي
وان نوحا " عليه السلام " دعا ربه فهطلت له السماء بماء منهمر، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) لما هاجر إلى
المدينة اتوه في يوم جمعة فقالوا يا رسول الله احتبس القطر، واصفر العود وتهافت
الورق فرفع يده المباركة (صلى الله عليه وآله) حتى روى بباطن إبطيه، وما في السماء سحابة فما برح حتى
سقاه الله عز وجل حتى إن الشاب المعجب بشبابه تهمه نفسه بالرجوع إلى منزله من شدة
السيل، فدامت أسبوعا فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا: يا رسول الله قد تهدمت الجدران
واحتبست الركب والسفار، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال هذه سرعة ملالة ابن آدم
ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا اللهم في أصول الشيخ ومواقع النقع فرأيت حول المدينة
القطر يقطر قطرا وما يقع في المدينة قطرة لكرامته على الله تعالى، وان هودا قد انتصر
الله له من أعدائه بالريح وانتصر لمحمد من أعدائه بالريح يوم الخندق إذ أرسل عليهم
ريحا تدير الحصا وجنودا لم يروها.
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جائتكم جنود
فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها، وان صالحا قد جعل الله له ناقة) وبينما نحن في
بعض غزواته إذا هو ببعير قد دنا نضوا فأنطقه الله تعالى فقال يا رسول الله إن فلانا
استعملني حتى كبرت، ويريد ذبحي فأنا أستعيذ بك منه فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى
صاحبه فأستوهبه فوهبه له وخلاه. ولقد كنا معه فإذا نحن بأعرابي قد أتى بأعرابي إنه
قد سرق ناقتي وهو يسوقها وقد استسلم للقطع لما زوروا عليه الشهود، فقالت يا رسول الله
ان فلانا منى برئ وان الشهود شهدوا بالزور، وان سارقي فلان اليهودي.
وان إبراهيم " عليه السلام " قد سلمه قومه إلى الحريق فصير الله عز وجل النار عليه بردا وسلاما
ومحمد (صلى الله عليه وآله) لما نزل بخيبر سمته الخيبرية انتقاما لمن قتل من قومها، فصير الله عز وجل
السم في جوفه بردا وسلاما إلى منتهى أجله فالسم يحرق إذا استقر كما أن النار تحرق.
62

وان موسى " عليه السلام " قد أعطاه الله اثنتي عشرة عينا (فأضرب بعصاك الحجر فانبجست
منه اثنتا عشرة عينا) قد علم كل أناس مشربهم، ومحمد (صلى الله عليه وآله) لما نزل الحديبية وحاصره
أهل مكة فجاء أصحابه وشكوا إليه الظمأ حتى التفت خواصر الخيل فذكروا له ذلك فدعا
بركوة ماء فجعل يده المباركة فيها فتفجرت من بين أصابعه عيون الماء فصدرنا وصدرت
الخيل وملأنا كل مزود وسقاء ولقد كنا معه بالحديبية. وإذا بقليب جافة فأخرج " عليه السلام "
سهما من كنانته فناوله البراء بن عازب، وقال له اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة
فأغرسه ففعل ذلك فتفجرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم، ولقد كان يوم الميضاة
عبرة وعلامة للمكذبين لنبوته كحجر موسى حين دعا بالميضاة فنضب يده فيها ففاضت
بالماء وارتفع حتى توضأ منه ثمانية آلاف رجل، وشربوا كلهم وسقوا دوابهم وحملوا
ما أرادوا.
وأن عيسى " عليه السلام " قد أحيى الموتى بإذن الله، ومحمد (صلى الله عليه وآله) سبحت في يده سبع حصيات
تسمع همهمتها في جنوبها فلا روح فيها لتمام حجة نبوته، ولما نزل (صلى الله عليه وآله) بالطائف وحاصر
أهلها بعثوا إليه شاة مسمومة فنطقت الذراع منها، وقالت يا رسول الله لا تأكلني
فأنى مسمومة وان عيسى " عليه السلام " خلق من الطين كهيئة الطير فنفخ فيها وكان طيرا بإذن الله
ومحمد (صلى الله عليه وآله) اخذ يوم خيبر حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا وتقديسا ثم قال للحجر: انفلق
وانفلق ثلاث فلق تسمع لكل فلقة منها تسبيحة لا يسمع للأخرى، ولقد بعث إلى
شجرة يوم البطحاء فأجابته ولكل غصن تسبيح وتهليل وتقديس، ثم قال لها انشقي
فانشقت نصفين ثم قال لها: التزقي فالتزقت ثم قال لها: اشهدي لي بالنبوة فشهدت ثم
قال لها: ارجعي إلى مكانك بالتسبيح والتهليل والتقديس ففعلت وكان موضعها حيث
الجزارون بمكة وهذا خبر طويل قد أوردنا بعضه.
ومن معجزاته (صلى الله عليه وآله) انشقاق القمر لما التمسوا منه، والقرآن قد نطق به.
قوله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر وان يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر
مستمر * وكذبوا واتبعوا أهوائهم وكل أمر مستقر ولقد جاءكم من الانباء ما فيه مزدجر
حكمة بالغة فما تغنى النذر) فالنبي أشار إلى القمر بأصبعه، فانشق القمر فعانده كفار
قريش وقالوا سحر مستمر إلى قوله، فما تغنى النذر قد أخبر عنهم تعالى.
ومنها إنه (صلى الله عليه وآله) كان يخطب إلى بعض الأجذاع، فلما عمل المنبر، وتحول إليه
63

حن كما تحن الناقة فلما جاء إليه والتزمه سكن، وأنشد لمحمد ابن أبي طلحة العوني:
سلام على هادي الورى خاتم النذر * سلام على المستحفظ الطاهر الطهر
سلام وريحان وروح وراحة * على علم الدين المتوج بالفخر
سلام على بحر النهى لجة الحجى * على مهبط الاملاك والآي والذكر
مجلس في مولد النبي صلى الله عليه وآله
قال أبو طالب: يحدث عن عبد المطلب قال: بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت
رؤيا هالتني، فأتيت كاهنة قريش وعلي مطرف خز ومجمتى تضرب منكبي، فلما نظرت
إلي عرفت في وجهي التغير فاستوت وأنا يومئذ سيد قومي، فقالت: ما شأن سيد
العرب متغير اللون؟ هل رابه من حدثان الدهر ريب؟ فقلت: بلى رأيت الليلة وأنا
نائم في الحجر كأن شجرة قد نبتت على ظهري، وقد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها
الشرق والغرب ورأيت نورا يظهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا ورأيت
العرب والعجم ساجدة لها وهي كل يوم تزداد عظما ونورا، ورأيت رهطا من قريش
يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس وجها وأنظفهم ثيابا
فيأخذهم ويكسر ظهورهم ويقطع أعينهم، فرفعت يدي لأنال غصنا من أغصانها
فصاح بي الشاب وقال: مهلا ليس لك منها نصيب فقلت لمن النصيب والشجرة منى
فقال النصيب لهؤلاء الذين قد تعلقوا بها، وسيعودون إليها فانتبهت مذعورا فزعا
متغير اللون فرأيت لون الكاهنة قد تغير، ثم قالت لان صدقت ليخرجن من صلبك
ولد يملك الشرق والغرب، وينبأ في الناس فتسرى عنى غمي، فانظر أبا طالب لعلك
تكون أنت، فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث، والنبي (صلى الله عليه وآله) قد خرج، ويقول
كانت الشجرة والله أبا القاسم الأمين.
قال ابن عباس: سمعت أبي العباس يحدث قال: ولد لأبي عبد المطلب عبد الله
فرأينا في وجهه نورا يظهر كنور الشمس، فقال أبى: إن لهذا الغلام شأنا عظيما، قال:
64

فرأيت في منامي إنه خرج من منخره طاير ابيض، فطار فبلغ المشرق والمغرب، ثم
رجع راجعا حتى سقط على بيت الكعبة، فسجدت له قريش كلها فبينما الناس يتأملونه
إذ صار نورا بين السماء والأرض، وامتد حتى بلغ المشرق والمغرب، فلما انتبهت
سألت كاهنة بنى مخزوم، فقالت: يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه
ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له، فقال أبى: فهمني أمر عبد الله إلى أن تزوج
بآمنة، وكانت من أجمل نساء قريش وأتمها خلقا، فلما مات عبد الله وولدت آمنة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتيته ورأيت النور بين عينيه يزهر فحملته، وتفرست في وجهه
فوجدت منه ريح المسك وصرت كأني قطعة مسك من شدة ريحي، فحدثتني آمنة، وقالت
لي: إنه لما اخذني الطلق واشتد بي الامر سمعت جلبة وكلاما لا يشبه كلام الآدميين
ورأيت علما من سندس على قضيب من ياقوتة قد ضرب بين السماء والأرض، ورأيت
نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء، ورأيت قصور الشامات كأنها شعلة نار ورأيت
حولي من القطاة أمرا عظيما، قد نشرت أجنحتها حولي، ورأيت شعيرة الأسدية قد
مرت وهي تقول: آمنة ما لقيت الكهان والأصنام من ولدك، ورأيت رجلا شابا من
أتم الناس طولا، وأشدهم بياضا وأحسنهم ثيابا ما ظننته إلا عبد المطلب، قد دنا منى
فأخذ المولود فتفل في فيه، واستنطقه فنطق فلم افهم ما قال إلا إنه قال: في أمان الله
وحفظه وكلائته، قد حشوت قلبك إيمانا وعلما وحلما ويقينا وعقلا وشجاعة، أنت
خير البشر طوبى لمن اتبعك، وويل لمن تخلف عنك، ثم اخرج صرة من حريرة
بيضاء، ففتحها فإذا فيها خاتم فضرب على كتفه، ثم قال أمرني ربى أن انفخ فيك من
روح القدس فنفخ فيه: وألبسه قميصا وقال هذا أمانك من آفات الدنيا، فهذا ما رأيت
يا عباس - قال يعنى العباس - وأنا يومئذ أقرأ فكشفت عن ثوبه فإذا خاتم النبوة بين
كتفيه، فلم أزل اكتم شأنه وأنسيت الحديث، فلم أذكره إلى يوم اسلامي حتى ذكرني
رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال الصادق " عليه السلام " كان إبليس لعنه الله يخترق السماوات السبع، فلما ولد عيسى " عليه السلام "
حجب عن ثلاث سماوات، وكان يخترق أربع سماوات، فلما ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
حجب عن السبع كلها، ورميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش هذا قيام الساعة
التي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه.
65

وقال عمرو بن أمية، وكان من اعلم أهل الجاهلية: أنظروا هذه النجوم التي يهتدى
بها، ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فإن كان رمى بها فهو هلاك كل شئ، وان
كانت ثبتت ورمى بغيرها فهو أمر حدث، وأصبحت الأصنام كلها صبيحة ولد النبي (صلى الله عليه وآله)
ليس منها صنم إلا وهو منكب على وجهه، وارتجس في تلك الليلة إيوان كسرى وسقطت
منه أربع عشرة شرفة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل
ذلك بألف عام، ورأي الموبذان في تلك المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا، حتى عبرت
دجلة وانسربت في بلادهم وانفصم طاق الملك كسرى من وسطه، وانخرقت عليه دجلة
العوراء، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز، ثم استطار حتى بلغ المشرق
ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا والملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك
فانتزع علم الكهنة وبطل سحر السحرة ولم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها
وعظمت قريش في العرب، وسموا آل الله عز وجل.
قال أبو عبد الله " عليه السلام " إنما سموا آل الله لأنهم في بيت الله الحرام.
وقالت آمنة: ان ابني والله سقط فأتقي الأرض بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء
فنظر إليها، ثم خرج منى نور أضاء له كل شئ وسمعت في الضوء قائلا يقول: انك قد
ولدت سيد الناس، فسميه محمدا وأتى به عبد المطلب لينظر إليه، وقد بلغه ما قالت أمه
فأخذه، ووضعه في حجره ثم قال: الحمد لله الذي أعطاني * هذا الغلام الطيب الأركان
قد سار في المهد على الغلمان
ثم عوذه بأركان الكعبة وقال فيه اشعارا، قال وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته
فاجتمعوا إليه، وقالوا: ما الذي أفزعك يا سيدنا فقال لهم: ويلكم لقد أنكرت السماء
والأرض منذ الليلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم، ما حدث مثله منذ رفع
عيسى بن مريم " عليه السلام " فأخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث فافترقوا ثم
اجتمعوا إليه فقالوا: ما وجدنا شيئا فقال إبليس لعنه الله أنا لهذا الامر، ثم انغمس
في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوظا بالملائكة فذهب ليدخل فصاحوا
به فرجع ثم صار مثل الصر، وهو العصفور قد دخل من قبل حرا فقال له جبرئيل:
ما وراك لعنك الله فقال له حرف أسألك عنه يا جبرئيل ما هذا الحدث الذي حدث منذ
66

الليلة في الأرض؟ فقال: ولد محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال له: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا، قال
ففي أمته قال: نعم قال: رضيت.
قال أبو عبد الله " عليه السلام " نزل جبرئيل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا محمد ان الله جل جلاله
يقرأك السلام ويقول انى قد حرمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك وحجر
كفلك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) يا جبرئيل بين لي ذلك، فقال: اما الصلب الذي أنزلك
فعبد الله بن عبد المطلب، واما البطن الذي حملك فآمنة بنت وهب، واما الحجر الذي
كفلك، فأبو طالب بن عبد المطلب وفاطمة بنت أسد.
قال الصادق " عليه السلام " سئل النبي (صلى الله عليه وآله) أين كنت وآدم في الجنة؟ قال: كنت في
صلبه، وهبط بي إلى الأرض في صلبه وركبت السفينة في صلب أبى نوح، وقذف بي
في النار في صلب أبى إبراهيم لم يلتق لي أبوان على سفاح قط، لم يزل الله عز وجل ينقلني
من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة، هاديا مهديا حتى أخذ الله بالنبوة عهدي
وبالإسلام ميثاقي، وبين كل شئ من صفتي، وأثبت في التوراة والإنجيل ذكرى
ورقى بي إلى سمائه، وشق لي اسما من أسمائه، أمتي الحمادون فذوا العرش محمود وانا محمد.
قال ليث بن سعد: قلت لكعب وهو عند معاوية كيف تجدون صفة مولد
النبي (صلى الله عليه وآله)؟ وهل تجدون لعترته فضلا؟ فالتفت كعب إلى معاوية لينظر كيف هواه
فأجرى الله على لسانه، فقال هات يا أبا إسحاق ما عندك قال كعب انى قد قرأت اثنين
وسبعين كتابا كلها انزل من السماء، وقرأت صحف دانيال كلها ووجدت في كلها ذكر
مولده ومولد عترته، وان اسمه لمعروف وانه لم يولد نبي قط، ونزلت عليه الملائكة
ما خلا عيسى، وأحمد عليهما الصلاة والسلام وما ضرب على آدمية حجب الجنة غير مريم
وآمنة أم أحمد عليهما الصلاة والسلام، وما وكلت الملائكة بأنثى حملت غير مريم أم المسيح
وآمنة أم أحمد عليهما الصلاة والسلام، وكان من علامة حمله إنه كانت الليلة التي حملت
آمنة به (صلى الله عليه وآله) نادى مناد في السماوات السبع: أبشروا فقد حمل الليلة بأحمد وفى الأرضين
كذلك حتى في البحار، وما بقي يومئذ في الأرض دابة تدب ولا طائر يطير إلا علم بمولده
ولقد بنى في الجنة ليلة مولده سبعون الف قصر من ياقوتة حمراء وسبعون ألف قصر من
لؤلؤ رطب، فقيل هذه قصور الولادة، ونجدت الجنان وقيل لها: اهتزي وتزيني فإن
نبي أوليائك قد ولد، فضحكت الجنة يومئذ فهي ضاحكة إلى يوم القيامة، وبلغني إن
67

حوتا من حيتان البحر يقال له طمسوسا، وهو سيد الحيتان له سبعمائة الف ذنب يمشي
على ظهر سبع مائة الف نون، الواحد أكبر من الدنيا لكل نون سبع مائة الف قرن من
زمرد أخضر لا بشعر بهن اضطرب فرحا بمولده، ولولا إن الله عز وجل ثبته لجعل عاليها
سافلها، ولقد بلغني ان يومئذ ما بقي من الجبال الا نادى صاحبه بالبشارة، ويقول: لا إله
إلا الله ولقد خضعت الجبال كلها لأبي قبيس كرامة لمحمد (صلى الله عليه وآله). لقد وقدت الأشجار
أربعين يوما بأنواع الأنوار وثمارها فرحا بمولده (صلى الله عليه وآله) ولقد ضرب بين السماء والأرض
سبعون عمودا من أنواع الأنوار، لا يشبه كل واحد صاحبه ولقد بشر آدم بمولده فزيد
في حسنه سبعين ضعفا، وكان قد وجد مرارات الموت، وكان قد مسه ذلك فسرى ذلك
عنه، ولقد بلغني ان الكوثر اضطرب في الجنة، واهتز فرمى بسبعمائة الف قصر من
قصور الدر والياقوت نثارا لمولد محمد (صلى الله عليه وآله). ولقد ذم إبليس وكبل وألقى في الحصن
أربعين يوما. ولقد غرق عرشه أربعين يوما ولقد تنكصت الأصنام كلها وصاحت
وولولت ولقد سمعوا صوتا من الكعبة: يا آل قريش جاءكم البشير جاءكم النذير معه عز
الأبد. والريح الأكبر وهو خاتم الأنبياء.
ونجد في الكتب ان عترته خير الناس بعده. وإنه لا يزال الناس في أمان من
العذاب ما دام من عترته في دار الدنيا خلق يمشي.
قال معاوية: يا أبا إسحاق. ومن عترته؟ قال كعب: ولد فاطمة فعبس معاوية
وجهه. وعض على شفتيه وأخذ يعبث بلحيته. قال وانا نجد في صفة الفرخين الشهيدين
وهما فرخا فاطمة يقتلهما شر البرية. قال: فمن يقتلهما؟ قال: رجل من قريش فقام
معاوية. فقال: قوموا إن شئتم فقمنا.
قال الصادق " عليه السلام " قالت آمنة بنت وهب بن عبد مناف " عليه السلام ": لما قربت ولادة
رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت جناح طاير ابيض قد مسح على فؤادي، وكان قد تداخلني
رعب فذهب الرعب عنى، وأوتيت بشربة بيضاء ظننتها لبنا وكنت عطشى فنوولتها
فشربتها فأصابني نور عال. ثم رأيت نسوة كالنخل طولا تحدثني. فعجبت وجعلت
أقول في نفسي: من أين علمهن هؤلاء بموضعي؟ ثم اشتد الامر. وانا اسمع الأبيض
الوجيه في كل وقت. حتى رأيت كالديباج الأبيض قد ملا ما بين السماء والأرض. وقائل
يقول: خذوه من أعز الناس، ثم رأيت رجالا وقوفا في الهواء بأيديهم أباريق ثم
68

كشف عز وجل لي عن بصرى ساعتي تلك فرأيت مشارق الأرض ومغاربها ورأيت
ثلاثة أعلام مضروبة: علما في المشرق وعلما في المغرب. وعلما على ظهر الكعبة. ثم
خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخر ساجدا ورفع إصبعه إلى السماء كالمتضرع المبتهل ورأيت سحابة
بيضاء تنزل من السماء حتى غشيته فسمعت مناديا ينادى: طوفوا بمحمد (صلى الله عليه وآله) شرق
الأرض وغربها والبحار ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ثم انجلت عنه الغمامة فإذا انا به
في ثوب ابيض أشد بياضا من اللبن وتحته حريرة خضراء وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من
اللؤلؤ الرطب وقائل يقول: قبض محمد (صلى الله عليه وآله) على مفاتيح النصرة ومفاتيح الريح ومفاتيح
النبوة ثم أقبلت سحابة أخرى أنور من الأولى حتى غشيته فغيب عن وجهي أطول من
المرة الأولى وسمعت مناديا يقول: طوفوا بمحمد (صلى الله عليه وآله) الشرق والغرب وأعرضوه على
روحاني الجن والإنس والطير والسباع وأعطوه صفاء آدم، ورقة نوح وخلة إبراهيم
ولسان إسماعيل وكمال يوسف وبشرى يعقوب وصوت داود وصبر أيوب وزهد يحيى
وكرم عيسى ثم انكشف عنه فإذا انا به وبيده حريرة خضراء قد طويت طيا شديدا وقد
قبض عليها وقائل يقول: قد قبض محمد على الدنيا كلها فلم يبق شئ إلا دخل في قبضته
ثم إن ثلاثة نفر كأن الشمس تطلع من وجوههم في يد أحدهم إبريق فضة ورائحته كرائحة
المسك، وفى يد الثاني طست من زمردة خضراء لها أربعة جوانب من كل جانب لؤلؤة
بيضاء، وقائل يقول: هذه الدنيا فأقبض عليها يا حبيب الله فقبض على وسطها. فقال
قائل قبض على الكعبة، ورأيت في يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها فأخرج منها
خاتما تحار ابصار الناظرين فيه ثم حمل ابني فغسل بذلك الماء من الإبريق سبع مرات
وختم بين كتفيه بالخاتم ولف في الحريرة، وادخل بين أجنحتهم ساعة، وكان الفاعل
ما فعل به رضوان عليه السلام. ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول أبشر يا عز الدنيا
والآخرة، وولد صلى الله عليه وآله طاهرا مطهرا ومات أبوه وأمه وهو صغير السن.
وروى عن عبد المطلب إنه قال: كنت تلك الليلة في الكعبة أقم من البيت شيئا
فلما انتصف الليل فإذا أنا ببيت الله قد اشتمل بجوانبه الأربعة، وخر ساجدا في مقام
إبراهيم " عليه السلام " ثم استوى البيت قائما اسمع منه تكبيرا عجيبا، ينادى الله أكبر رب محمد
المصطفى الآن قد طهرني ربى من أنجاس المشركين. وأرجاس المشركين الجاهلية ثم
انتفضت الأصنام كما ينتفض الثوب. فكأني انظر إلى الصنم الأعظم يميل، وقد انكشف
69

فلما رأيت البيت وفعله والأصنام وفعلها لم أدر ما أقول. وجعلت أحسر عن عيني
فأقول انى لنائم وأقول: كلا انني ليقظان ثم انطلقت إلى بطحاء مكة. وخرجت من
باب بنى شيبة فإذا انا بالصفا وأنادي من كل جانب: يا سيد قريش ما لك كالخائف
الوجل أمطلوب أنت؟ فما أحير جوابا. إنما همتي آمنة حتى أنظر إلى ابنها محمد (صلى الله عليه وآله)
وإذا انا بطير الأرض حاشرة إليها. وإذا جبال مكة مشرقة عليها. وإذا سحابة بيضاء
بإزاء حجرتها. فلما رأيت ذلك دنوت من الباب على نفسها. فإذا ليس هناك أثر
النفاس والولادة. قد دققت الباب فأجابتني بخفي صوتها فقلت: عجلى افتحي الباب
ففتحت الباب مبادرة. فأول شئ وقعت عيني عليه من وجهها موضع نور محمد (صلى الله عليه وآله)
فلم أره فقلت: أنا نائم أو يقظان؟ قالت: بل يقظان ما لك كالخائف أمطلوب أنت؟
قلت: لا ولكنني منذ ليلتي في كل ذعر وخوف، وما لي لا أرى النور الذي كنت أراه
بين عينيك ساطعا؟ قالت: قد وضعته قلت: ومن أين وضعتيه وليس بك أثر النفاس؟
قالت بلى والله وضعته أتم الوضع وأهونه وهذه الطير التي تراها بإزاء حجرتي تنازعني
عندما وضعته إن ادفعه إليها فتحمله إلى أعشاشها، وهذه السحاب تسألني كذلك قلت
فهاتيه انظر إليه قالت حيل بينك وبينه أن تراه من يومك هذا. قلت ولم ذاك؟ قالت
لأنه أتاني آت ساعة ولدته كأنه قصب فضة كالنخلة الباسقة فقال لي: انظري يا آمنة
لا تخرجي هذا الغلام إلى خلق الله من ولد آدم حتى يأتي عليه منذ يوم ولدتيه ثلاثة أيام
فسللت سيفي وقلت: لتخرجنه أو لأقتلنك وإلا بدئت بنفسي فقتلتها. فلما نظرت إنه
الحقيقة قالت: شأنك وإياه قلت وأين هو قالت: هو في ذلك البيت مدرج في ثوب صوف
أبيض تحته حريرة خضراء فلما هممت ان أدلج البيت بدر إلي من داخل البيت رجل فقال
لي إلى أين؟ قلت: انظر إلى ابني محمد (صلى الله عليه وآله) قال لي: ارجع وراك فلا سبيل لاحد من
بني آدم إلى رؤيته أو تنقضي زيارة الملائكة. قال عبد المطلب فارتعدت وألقيت السيف
من يدي وخرجت مبادرا أخبر قريشا بذلك. فأخذ الله عز وجل على لساني فلم أنطق
بهذه الكلمة سبعة أيام ولياليها.
وكانت ولادته يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأول في عام الفيل.
وقيل يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في عام الفيل والأول
أظهر وأصح.
70

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلق الله عز وجل نطفتي بيضاء مكنونة. فنقلها من صلب
إلى صلب حتى نقلت النطفة إلى صلب عبد المطلب، فجعل نصفين فصير نصفها في عبد الله
ونصفها في أبى طالب فأنا من عبد الله وعلى من أبى طالب، وذلك قول الله عز وجل
وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وكان ربك قديرا.
سلام على من قدس الأرض إذ نوى * بها منه جسم طيب طاهر الطهر
سلام على الانجاب ما ذر شارق * إلى القبة البيضاء، سلام على القمر
مجلس في ذكر وفاة سيدنا ومولانا صلى الله عليه وآله
إعلم: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قبض بالمدينة مسموما يوم الاثنين: لليلتين بقيتا من صفر
سنة عشر من هجرته وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقيل كان وفاته في شهر ربيع الأول
والأول هو المعتمد عليه وهذا شاذ، فلما قبض (صلى الله عليه وآله) اختلف أهل بيته ومن حضرهم
من الصحابة في الموضع الذي يدفن فيه. فقال بعضهم يدفن بالبقيع. وقال آخرون
في صحن المسجد.
فقال أمير المؤمنين " عليه السلام " إن الله عز وجل لم يقبض نبيه (صلى الله عليه وآله) إلا في أطهر البقاع
فينبغي أن يدفن في البقعة التي قبض فيها. فاتفقت الجماعة على قوله " عليه السلام " ودفن (صلى الله عليه وآله)
في حجرته.
(وروى) إن رجلين دخلا على علي بن الحسين عليهما السلام من قريش فقال:
ألا أحدثكما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالا: بلى حدثنا عن أبي القاسم (صلى الله عليه وآله) قال: سمعت أبي
يقول: لما كان قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بثلاثة أيام. هبط جبرئيل " عليه السلام " فقال: يا أحمد
إن الله عز وجل أرسلني إليك إكراما وتفضيلا لك وخاصة يسألك عما هو أعلم به منك
يقول: كيف تجدك يا محمد؟ قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله): أجدني مغموما وأجدني يا جبرئيل
مكروبا، فلما كان اليوم الثالث هبط جبرئيل وملك الموت ومعهما ملك يقال له: اشميعيل
في الهواء على سبعين الف ملك. فسبقهم جبرئيل فقال: يا أحمد إن الله تعالى أرسلني
إليك إكراما وتفضيلا لك وخاصة يسألك عما هو به أعلم منك، فقال: كيف تجدك
71

يا محمد؟ قال: أجدني يا جبرئيل مغموما، وأجدني يا جبرئيل مكروبا. فاستأذن ملك
الموت. فقال جبرئيل: يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك لم يستأذن على أحد قبلك
ولا يستأذن على أحد بعدك. قال: أئذن له فأذن له جبرئيل " عليه السلام " فأقبل حتى وقف بين
يديه فقال: يا أحمد إن الله تعالى أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك فيما تأمرني إن أمرتني
بقبض نفسك قبضتها وان كرهت تركتها، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أتفعل ذلك يا ملك
الموت؟ قال: نعم بذلك أمرت أن أطيعك فيما تأمرني، فقال له جبرئيل: يا أحمد
إن الله عزو جل قد اشتاق إلى لقائك.
قال الشيخ الامام السيد: - يعنى قد أراد كونك في الجنة - فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
امض لما أمرت به. فقال جبرئيل: هذا آخر وطئ للأرض إنما كنت حاجتي من
الدنيا فلما توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلا روحه الطيبة جاءت التعزية إذ جاءهم آت
يسمعون حسه ولا يرون شخصه. فقال: السلام عليكم ورحمة الله كل نفس ذائقة الموت
وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ان في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك
ودركا من كل ما فات. فبالله ثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب، والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام " هل تدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه السلام.
قال ابن عباس: لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعنده أصحابه. قام إليه عمار بن ياسر
قال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله من يغسلك منا إذا كان ذلك منك؟ قال: ذاك علي
ابن أبي طالب إنه لا يهم بعضو من أعضائي إلا أعانته الملائكة على ذلك. قال له: فداك أبي
وأمي يا رسول الله. فمن يصلى عليك منا إذا كان ذلك منك؟ قال: مه رحمك الله
ثم قال لعلي " عليه السلام ": يا بن أبي طالب إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني وانق
غسلي وكفني في طمري هذين. أو في بياض مصر وبرد يماني فلا تغال في كفني، واحملوني
حتى تضعوني على شفير قبري. فأول من يصلى علي الجبار جل جلاله من فوق عرشه.
قال ابن الفارسي: يعنى يوجد الله الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) من فوق عرشه. كما قال
تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي لا إنه تعالى من فوق عرشه، لان الفوق والتحت
من أسماء المضاف، ثم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصى
عددهم إلا الله جل وعز، ثم الحافون بالعرش ثم سكان أهل سماء سماء. ثم جل أهل
72

بيتي ونسائي الأقربون فالأقربون يومؤون إيماءا، ويسلمون تسليما ولا تؤذوني بصوت
نائحة ولا برنة. ثم قال يا بلال هلم على بالناس، فاجتمع الناس فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)
معتصبا بعمامته متوكيا على قوسه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال معاشر
أصحابي: أي نبي كنت لكم، ألم أجاهد بين أظهركم. ألم تكسر رباعيتي. ألم يعفر
جبيني، ألم تسل الدما على حر وجهي؟ حتى خضبت لحيتي ألم أكابد الشدة والجهد مع جهال
قومي؟ ألم اربط حجر المجاعة على بطني؟ قالوا: بلى يا رسول الله لقد ابتليت. وكنت لله
صابرا، وعن منكر بلاء الله ناهيا فجزاك الله عنا أفضل الجزاء. قال: وأنتم فجزاكم
الله خير الجزاء ثم قال إن ربي عز وجل حكم وأقسم إلا يجوزه ظلم ظالم فناشدتكم الله
أي رجل منكم كانت له قبل محمد مظلمة إلا قام فليقتص، والقصاص في دار الدنيا أحب
إلي من القصاص في دار الآخرة على رؤوس الملائكة والأنبياء. فقام إليه رجل من أقصى
القوم يقال له: سوادة بن قيس. فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله إنك لما أقبلت
من الطائف استقلتك وأنت على ناقتك العضبا، وبيدك القضيب الممشوق فرفعت
القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني. فلا أدرى عمدا أم خطأ فقال: معاذ الله
أن أكون تعمدت ثم قال يا بلال: قم إلى منزل فاطمة فأتيني بالقضيب الممشوق فخرج
بلال وهو ينادى في سكك المدينة معاشر الناس من الذي يعطى القصاص من نفسه قبل
يوم القيامة؟ فطرق بلال الباب على فاطمة وهو يقول: يا فاطمة قومي فوالدك يريد
القضيب الممشوق. فصاحت عليها السلام فقالت: يا بلال وما يصنع والدي بالقضيب
وليس هذا يوم القضيب فقال بلال: يا فاطمة اما علمت أن والدك قد صعد المنبر، وهو
يودع أهل الدين والدنيا فصاحت فاطمة عليها السلام. وهي تقول واغماه لغمك يا أبتاه
من للفقراء والمساكين وابن السبيل حبيب والله حبيب القلوب. ثم ناولت بلالا القضيب
فخرج حتى ناوله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أين الشيخ؟ فقال الشيخ: هاأنا
ذا يا رسول الله بأبي أنت وأمي قال تعال فاقتض حتى ترضى. قال الشيخ: فاكشف لي
عن بطنك فكشف (صلى الله عليه وآله) عن بطنه. فقال الشيخ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أتأذن
لي ان أضع فمي على بطنك فأذن له. فقال أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله
من النار يوم القيامة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا سوادة بن قيس أتعفو أم تقتص قال
بل أعفو يا رسول الله. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللهم اعف عن سوادة بن قيس. كما عفى
73

عن نبيك محمد ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل بيت أم سلمة، وهو يقول رب سلم أمة
محمد من النار ويسر عليهم الحساب. وقالت أم سلمة يا رسول الله ما لي أراك مغموما
متغير اللون. قال نعيت إلي نفسي هذه الساعة سلام لك منى في الدنيا فلا تسمعين بعد
هذا صوت محمد أبدا فقالت أم سلمة: واحزناه حزنا لا تدركه الندامة عليك يا محمد
ثم قال (صلى الله عليه وآله) ادع لي حبيبة نفسي وقرة عيني فاطمة ثم أغمي عليه فجاءت فاطمة وهي تقول
نفسي لنفسي الفداء ووجهي لوجهك الوقاء يا أبتاه ألا تكلمني كلمة، فانى أنظر إليك
وأراك تفارق الدنيا. وأرى عساكر الموت تغشاك شديدا. فقال لها بنية انى مفارقك
فسلام عليك منى، قالت: يا أبتاه فأين الملتقى يوم القيامة قال: عند الحساب. قالت فإن
لم ألقك عند الحساب قال: عند الشفاعة لامتي. قالت: فإن لم ألقك عند الشفاعة لامتك
قال عند الصراط جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري والملائكة من خلفي وقدامي
ينادون رب سلم أمة محمد من النار ويسر عليهم الحساب. فقالت فاطمة عليها السلام
فأين والدتي خديجة قال: في قصر له أبواب إلى الجنة ثم أغمي على رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فدخل بلال وهو يقول: الصلاة رحمك الله فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصلى بالناس وخفف
الصلاة ثم قال: ادعوا لي علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد فوضع " عليه السلام " احدى يديه على
عاتق علي " عليه السلام " والأخرى على أسامة. ثم قال انطلقا بي إلى فاطمة فجاءا به حتى وضعا رأسه
في حجرها فإذا الحسن والحسين عليهما السلام يبكيان ويضطربان وهما يقولان أنفسنا
لنفسك الفداء ووجوهنا لوجهك الوقاء فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من هذان يا علي قال:
هذان ابناك الحسن والحسين فعانقهما وقبلهما، وكان الحسن " عليه السلام " يبكى أشد بكاء فقال له
كف يا حسن فقد شققت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنزل ملك الموت " عليه السلام ". فقال السلام
عليك يا رسول الله، قال وعليك السلام يا ملك الموت لي إليك حاجة قال:
وما حاجتك يا رسول الله؟ قال: حاجتي أن لا تقبض روحي حتى يجيئ جبرئيل " عليه السلام "
فيسلم علي وأسلم عليه، فخرج ملك الموت وهو يقول: يا محمداه فاستقبله جبرئيل في
الهواء. فقال: يا ملك الموت قبضت روح محمد قال: لا يا جبرئيل يسألني أن لا أقبض
روحه حتى يلقاك فيسلم عليك وتسلم عليه، قال جبرئيل يا ملك الموت أما ترى أبواب
السماء مفتحة لروح محمد (صلى الله عليه وآله) أما ترى حور العين قد تزين لروح محمد ثم نزل جبرئيل " عليه السلام "
فقال السلام عليك يا أبا القاسم فقال: وعليك السلام يا جبرئيل ادن منى حبيبي جبرئيل
74

فدنا منه. فنزل ملك الموت فقال له جبرئيل: يا ملك الموت احفظ وصية الله في روح
محمد وكان جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره وملك الموت آخذ بروحه صلوات الله
عليه وآله كلما كشف الثوب عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظر إلى جبرئيل فقال: عند
الشدائد لا تخذلني، فقال: يا محمد (أنك ميت وانهم ميتون كل نفس ذائقة الموت).
فروى عن عبد الله بن عباس ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في ذلك المرض: ادعوا لي
حبيبي فجعل يدعى له رجل بعد رجل فيعرض عنه، فقيل لفاطمة أمضى إلى علي ما نرى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يريد غير علي فبعثت فاطمة إلى علي " عليه السلام " فلما دخل فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عينيه وتهلل وجهه، ثم قال: إلى يا علي فما زال علي " عليه السلام " يدنيه حتى أخذ بيده وأجلسه
عند رأسه، ثم أغمي عليه صلوات الله عليه وآله، فجاء الحسن والحسين عليهما السلام
يصيحان يضجان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله، فأراد علي ان ينحيهما عنه فأفاق
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال يا علي: دعني أشمهما ويشماني وأتزود منهما ويتزودان منى، اما
انهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلما فلعنة الله على من يظلمهما، يقول ذلك ثلاثا ثم مد يده
إلى علي " عليه السلام " فجذبه إليه حتى ادخلها تحت ثوبه الذي كان عليه، ووضع فاه على فيه وجعل
يناجيه مناجاة طويلة حتى خرجت روحه الطيبة (صلى الله عليه وآله) فأنسل علي " عليه السلام " من تحت ثيابه وقال
عظم الله أجوركم في نبيكم فقد قبضه الله فارتفعت الأصوات بالضجة والبكاء فقيل
لأمير المؤمنين " عليه السلام " ما الذي ناجاك به رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أدخلت تحت ثيابه فقال علمني
الف باب كل باب يفتح الف باب وكان سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ ثلاثا وستين سنة
ومدة نبوته ورسالته ثلاثة وعشرون سنة، ثلاث عشرة سنة بمكة وعشرة بالمدينة.
قال الشاعر:
سلام على من قدس الأرض إذ ثوى * بها منه جسم طيب طاهر النشر
سلام على الانجاب ما ذر شارق * إلى القبة البيضاء سلام على القبر
وقالت فاطمة، بعد وفاة أبيها صلوات الله عليهما:
حقيق على من شم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن لياليا
75

فصل في ذكر وصف النبي صلى الله عليه وآله
(روى) أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين " عليه السلام " وهو في مسجد الكوفة محتبيا بحمايل
سيفه فقال: يا أمير المؤمنين صف لي صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى كأني انظر إليه؟ قال
نعم كان أبيض اللون مشرب حمرة أدعج العينين، سبط الشعر دقيق المسربة سهل الخد
سرته تجرى كالقصب لم يكن في بطنه ولا صدره شعر غيره، كان شثن الكف والقدم
إذا مشى كأنما ينحدر في صبب، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر، وإذا التفت التفت
جميعا لم يكن بالقصير ولا بالطويل، عرقه في وجهه اللؤلؤ وريح عرقه أطيب من ريح
المسك الأذفر، لم أر مثله قبله ولا بعده صلوات الله عليه وآله.
مجلس في ذكر مولد أمير المؤمنين علي عليه السلام
(وروى) إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن
عبد مناف وصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخليفته الإمام العادل والسيد المرشد والصديق الأكبر
سيد الوصيين، وإمام الموحدين كنيته: أبو الحسن، ولد بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة
لثلاث عشرة ليلة خلة من رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة وأمه فاطمة بنت أسد بن
هاشم بن عبد مناف، وهو أول هاشمي في الاسلام من هاشميين.
قال يزيد بن قعنب: كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب وفريق من عبد العزى
بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين " عليه السلام " وكانت حاملا به
لتسعة أشهر، وقد أخذها الطلق فقالت: رب إني مؤمنة بك، وبما جاء من عندك من
رسل وكتب، وانى مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل " عليه السلام " وإنه بنى البيت العتيق
فبحق الذي بنى هذا البيت، وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت علي ولادتي.
قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه
76

وغابت عن أبصارنا والتزق الحايط فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا إن
في ذلك أمر من الله عز وجل ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين " عليه السلام " ثم قالت
انى فضلت على من تقدمني من النساء. لان آسية بنت مزاحم عبدت الله عز وجل سرا
في موضع لا يحب أن يعبد الله في إلا اضطرارا، وان مريم بنت عمران هزت النخلة
اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنيا، وانى دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار
الجنة وأوراقها فلما أردت أن اخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة سميه عليا فهو علي والله
العلي الأعلى يقول: انى شققت اسمه من اسمى، وأدبته بأدبي ووقفته على غوامض
علمي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني
ويمجدني، فطوبى لمن أحبه واطاعه، وويل لمن أبغضه وعصاه.
قال جابر بن عبد الله الأنصاري: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ميلاد أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب " عليه السلام " فقال: آه آه لقد سألتني عن خير مولود ولد بعدي على سنة
المسيح " عليه السلام " إن الله تبارك وتعالى خلقني وعليا من نور واحد، قبل أن يخلق الخلق
بخمسمائة الف عام فكنا نسبح الله ونقدسه، فلما خلق الله تعالى آدم قذف بنا في صلبه
واستقررت انا في جنبه الأيمن، وعلي في الأيسر ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب
الطاهرات إلى الأرحام الطيبة، فلم نزل كذلك حتى اطلعني الله تعالى من ظهر طاهر وهو
عبد الله بن عبد المطلب فاستودعني خير رحم وهي آمنة، ثم أطلع الله تبارك وتعالى
عليا من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خير رحم، وهي فاطمة بنت أسد
ثم قال: يا جابر ومن قبل أن يقع على في بطن أمه كان في زمانه رجل عابد راهب يقال له
المثرم بن رعيب بن الشيقنام وكان مذكورا في العبادة قد عبد الله مائة وتسعين سنة، ولم
يسأل حاجة فسأل ربه أن يريه وليا له، فبعث الله تبارك وتعالى بأبي طالب إليه
فلما ان بصر به المثرم، قام إليه فقبل رأسه وأجلسه بين يديه، فقال: من أنت يرحمك الله؟
قال: رجل من تهامة، فقال من أي تهامة؟ قال من مكة، قال ممن؟ قال: من عبد مناف
قال من أي عبد مناف؟ قال من بني هاشم فوثب إليه الراهب فقبل رأسه ثانيا، وقال الحمد
لله الذي أعطاني مسألتي، فلم يمتني حتى أراني وليه، ثم قال له: أبشر يا هذا فإن العلي
الأعلى قد ألهمني إلهاما فيه بشارتك، قال أبو طالب وما هو؟ قال: ولد يخرج من
صلبك هو ولي الله تبارك وتعالى وهو إمام المتقين ووصى رسول الله، فان أدركت
77

ذلك الولد فأقرأه منى السلام وقل له: ان المثرم يقرؤك السلام، وهو يشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله وانك وصيه حقا، بمحمد تتم
النبوة وبك تتم الوصية، قال: فبكى أبو طالب، وقال له: ما اسم هذا المولود؟ قال
اسمه علي، فقال أبو طالب انى لا أعلم حقيقة ما تقول إلا ببرهان بين ودلالة واضحة
قال المثرم: فما تريد أن اسأل الله لك ان يعطيك في مكانك ما يكون دلالة لك قال
أبو طالب: أريد طعاما من الجنة في وقتي هذا فدعا الراهب بذلك فما استتم دعاه حتى أتى
بطبق عليه من فواكه الجنة رطبة وعنبة ورمان، فتناول أبو طالب منه رمانة ونهض
فرحا من ساعته، حتى رجع إلى منزله فأكلها فتحولت ماءا في صلبه، فجامع فاطمة
بنت أسد، فحملت بعلي وارتجت الأرض وزلزلت بهم أياما حتى لقيت قريش من
ذلك شدة وفزعوا، وقالوا قوموا بآلهتكم إلى ذروة أبى قبيس، حتى نسألهم أن يسكنوا
ما نزل بكم وحل بساحتكم، فلما اجتمعوا على ذروة جبل أبى قبيس، فجعل يرتج
ارتجاجا حتى تدكدكت بهم صم الصخور، وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجهها
فلما بصروا بذلك. قالوا لا طاقة لنا بما حل بنا. فصعد أبو طالب الجبل وهو غير
مكترث بما هم فيه. فقال: يا أيها الناس إن الله تبارك وتعالى قد أحدث في هذه الليلة
حادثة، وخلق فيها خلقا إن لم تطيعوه، ولم تقروا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن
ما بكم، ولا يكون لكم بتهامة مسكنا، فقالوا: يا أبا طالب إنا نقول بمقالتك
فبكى أبو طالب، ورفع إلى الله تعالى يديه، وقال إلهي وسيدي أسألك بالمحمدية
المحمودة، وبالعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة
فوالذي فلق الحبة وبرء النسمة، لقد كانت العرب تكتب هذه الكلمات، فتدعوا بها
عند شدائدها في الجاهلية وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها، فلما كانت الليلة التي ولد
فيها أمير المؤمنين " عليه السلام ". أشرقت السماء بضيائها، وتضاعف نور نجومها وأبصرت من
ذلك قريش عجبا، فهاج بعضها في بعض وقالوا: قد حدث في السماء حادثة، وخرج
أبو طالب يتخلل سكك مكة وأسواقها، ويقول: يا أيها الناس تمت حجة الله، واقبل
الناس يسألونه عن علة ما يرونه من اشراق السماء وتضاعف نور النجوم فقال لهم
أبشروا فقد ظهر في هذه الليلة ولي من أولياء الله، يكمل الله فيه خصال الخير ويختم به
الوصيين، وهو إمام المتقين وناصر الدين، وقامع المشركين، وغيظ المنافقين
78

وزين العابدين ووصى رسول رب العالمين. إمام هدى ونجم علا ومصباح دجى
ومبيد الشرك والشبهات وهو نفس اليقين، ورأس الدين فلم يزل يكرر هذه الكلمات
والألفاظ إلى أن أصبح فلما أصبح غاب عن قومه أربعين صباحا.
قال جابر: فقلت يا رسول الله إلى أين غاب؟ قال: إنه مضى بطلب المثرم. وقد
مات في جبل اللكام فأكتم يا جابر. فإنه من اسرار الله المكنونة وعلومه المخزونة
وان المثرم كان وصف لأبي طالب كهفا في جبل اللكام. وقيل له: إنك تجدني هناك حيا
أو ميتا فلما مضى أبو طالب إلى ذلك الكهف، ودخل إليه وجد المثرم ميتا جسدا ملفوفا
في مدرعة مستجر بها إلى قبلته، فإذا هناك حيتان إحديهما بيضاء والأخرى سوداء، وهما
يدفعان عنه الأذى، فلما بصرا بأبي طالب غربتا في الكهف ودخل أبو طالب إليه
فقال: السلام عليك يا ولي الله ورحمة الله وبركاته، فأحيا الله تعالى بقدرته المثرم
فقام قائما يمسح وجهه، ويقول: اشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا
عبده ورسوله وان عليا ولى الله والامام بعد نبي الله، فقال أبو طالب أبشر فإن عليا
قد اطلع إلى الأرض فقال: ما كانت علامة الليلة التي طلع فيها، قال أبو طالب: لما مضى
من الليل الثلث اخذت فاطمة فيها ما يأخذ النساء عند الولادة، فقلت لها: ما لك يا سيدة
النساء قالت: انى أجد وهجا فقرأت عليها الاسم الذي فيه النجاة فسكنت، فقلت لها
انى انهض فأتيك بنسوة من صواحبك تعينك على أمرك في هذه الليلة، قالت رأيك
يا أبا طالب. فلما قمت لذلك إذ أنا بهاتف يهتف من زاوية البيت وهو يقول: امسك
يا أبا طالب فإن ولى الله لا يمسه يد نجسة، وإذا انا بأربع نسوة دخلن عليها وعليهن
ثياب كهيئة الحرير الأبيض، وإذا رايحتهن أطيب من المسك الأذفر، فقلن لها
السلام عليك يا ولية الله فأجابتهن، ثم جلسن بين يديها ومعهن جونة من فضة، فآنسنها
حتى ولد أمير المؤمنين " عليه السلام ". فلما ولد انتهيت إليه فإذا هو كالشمس الطالعة قد سجد على
الأرض وهو يقول: اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، واشهد إن
عليا وصى رسول الله بمحمد يختم الله النبوة، وبي يتم الوصية وانا أمير المؤمنين
فأخذته واحدة منهن من الأرض، ووضعته في حجرها. فلما نظر في وجهها ناداها
بلسان ذلق ذرب: السلام عليك يا أماه. فقالت: وعليك السلام يا بنى، فقال ما خبر
والدي؟ فقالت: في نعم الله يتقلب وفى صحبته يتنعم، فلما سمعت ذلك لم أتمالك ان قلت
79

يا بنى الست بأبيك؟ قال: بلى ولكني وإياك من صلب آدم وهذه أمي حواء فلما سمعت ذلك
غطيت رأسي بردائي، وألقيت نفسي بنفسي في زاوية البيت حينا ما منها ثم دنت الأخرى
ومعها جونة فأخذت عليا، فلما نظر إلى وجهها قال السلام عليك يا أختي، قالت وعليك
السلام يا أخي، قال: فما خبر عمى؟ قالت بخير، وهو يقرأ عليك السلام فقلت: يا بنى أي
أخت هذه وأي عم هذا؟ قال: هذه مريم بنت عمران، وعمى عيسى " عليه السلام " وطيبته بطيب
كان في الجونة فأخذته أخرى منهن، فأدرجته في ثوب كان معها قال أبو طالب فقلت
لو طهرناه لكان أخف عليه وذلك أن العرب كانت تطهر أولادها، فقالت يا أبا طالب
إنه ولد طاهر مطهرا لا يذيقه حر الحديد في الدنيا إلا على يدي رجل يبغضه الله ورسوله
وملائكته والسماوات والأرض والجبال والبحار، وتشتاق إليه النار فقلت من هذا
الرجل؟ فقلن: ابن ملجم المرادي لعنه الله، وهو قاتله في الكوفة سنة ثلاثين من وفاة
محمد (صلى الله عليه وآله) قال: ثم غبن النسوة فلم ارهن فقلت في نفسي لو عرفت المرأتين الآخرتين
فالهم الله عليا، فقال يا أبى اما المرأة الأولى فكانت حواء، واما الذي أحضنتني
فهي مريم بنت عمران التي أحصنت فرجها واما التي أدرجتني في الثوب، فهي آسية
بنت مزاحم.
واما صاحبة الجونة فهي أم موسى بن عمران، فالحق بالمثرم الآن وبشره وخبره
بما رأيت فإنه في كهف كذا موضع كذا، فخرجت حتى اتيته وانه وصف حيتين فقلت
اتيتك أبشرك بما عاينته، وشاهدت من ابني علي فبكى المثرم. ثم سجد شكرا لله ثم تمطى
فقال غطني بمدرعتي فغطيته فإذا انا به ميت كما كان فأقمت ثلاثا أكلم فلا أجاب فاستوحشت
لذلك وخرجت الحيتان فقالتا لي: السلام عليك يا أبا طالب فأجبتهما، ثم قالتا لي
الحق بولي الله فإنك أحق بصيانته، وحفظه من غيرك فقلت لهما: من أنتما؟ قالتا
نحن عمله الصالح خلقنا الله من خيرات عمله فنحن نذب عنه الأذى إلى أن تقوم الساعة
فإذا قامت القيامة كان أحدنا قائده، والآخر سائقه ودليله إلى الجنة، ثم انصرف أبو طالب
رضي الله عنه إلى مكة.
قال جابر فقلت: يا رسول الله أكثر الناس يقولون: ان أبا طالب مات كافرا (1)

(1) راجع كتاب الحجة على الذاهب إلى تكفير أبى طالب.
80

قال يا جابر: ربك اعلم بالغيب، إنه لما كانت الليلة التي أسرى بي فيها إلى السماء
انتهيت إلى العرش، فرأيت أربعة أنوار فقلت: إلهي ما هذه الأنوار، فقال يا محمد
هذا عبد المطلب، وهذا عمك أبو طالب، وهذا أبوك عبد الله، وهذا أخوك طالب
فقلت: إلهي وسيدي فبماذا نالوا هذه الدرجة؟ قال: بكتمانهم الايمان، واظهارهم الكفر
وصبرهم على ذلك حتى ماتوا عليه سلام الله عليهم أجمعين.
وروى أن فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين " عليه السلام " كانت حاضرة في الليلة التي ولدت
فيها آمنة بنت وهب أم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورأت مثل الذي رأته، فلما كان الصبح
انصرف أبو طالب من الطواف فاستقبلته، ثم قالت له: لقد رأيت الليلة عجبا، قال لها
ما رأيت؟ قالت: ولدت آمنة بنت وهب مولودا أضائت له الدنيا بين السماء والأرض
نورا حتى مددت عيني، فرأيت سعفات هجر فقال لها: أبو طالب انتظري سبتا تأتين
بمثله فولدت أمير المؤمنين بعد ثلاثين سنة، وهكذا روى: ان السبت ثلاثون سنة.
وروى أن محمد بن الفضيل الدروقي عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت علي بن
الحسين " عليه السلام " يقول: إن فاطمة بنت أسد رضي الله عنها ضربها الطلق، وهي في الطواف
فدخلت الكعبة فولدت أمير المؤمنين " عليه السلام " فيها.
قال عمر بن عثمان: ذكرت هذا الحديث لسلمة بن الفضل فقال: حدثني محمد بن إسحاق
عن عمه وموسى بن بشار، ان علي بن أبي طالب " عليه السلام " ولد في الكعبة، وفى ذلك يقول
السيد الحميري في شعر له:
ولدته في حرم الاله أمه * والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة * طابت وطاب وليدها والمولد
في ليلة غابت نحوس نجومها * وبدت مع القمر المنير الأسعد
ما لف في خرق القوابل مثله * إلا ابن آمنة النبي محمد
81

مجلس في ذكر اسلام أمير المؤمنين عليه السلام
(إعلم): ان أول من أسلم علي بن أبي طالب " عليه السلام " وقد طعن قوم في هذا وقالوا
إن علي بن أبي طالب كان صغيرا في بدو الامر، فهذا المحال والخطأ الكبير
ولا خلاف إنه أول من صلى من الرجال مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يشكو أن الدعوة
لزمته، ولم تقع الدعوة إلا على مستحق مع ما ثبت من الخبر، عن الرجال الثقات في
عقدة عقله من حين ولدته أمه قبل أن يسلم إلى أن أسلم.
وروى عن مجاهد عن أبي عمر: وأبى سعيد الخدري قالا: كنا جلوسا عند
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ دخل سلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود
وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان، وأبو الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين
وأبو الطفيل بن عامر بن واثلة فجثوا بين يديه، والحزن ظاهر في وجوههم فقالوا: فديناك
بالآباء والأمهات يا رسول الله إنا نسمع من قوم في أخيك وابن عمك ما يحزننا، وإنا
نستأذنك في الرد عليهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما عساهم يقولون في أخي وابن عمى علي
ابن أبي طالب؟ فقالوا: يقولون أي فضل لعلي في سبقه إلى الاسلام وإنما أدركه الاسلام
طفلا، ونحو هذا القول: فقال: (صلى الله عليه وآله) أفهذا يحزنكم؟ قالوا، إي والله، فقال: وبالله
أسألكم هل علمتم من الكتب السالفة إن إبراهيم " عليه السلام " هرب به أبوه من الملك الطاغي
فوضعت به أمه بين أثلاث بشاطئ نهر يتدفق بين غروب الشمس واقبال الليل، فلما
وضعته استقر على وجه الأرض قام من تحتها يمسح وجهه ورأسه ويكثر من شهادة
أن لا إله الا الله، ثم أخذ ثوبا فامتسح به وأمه تراه، فذعرت منه ذعرا شديدا، ثم مضى
يهرول بين يديها مادا عينيه إلى السماء فكان منه ما قال الله عز وجل (وكذلك نرى
إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين، فلما جن عليه الليل رأى
كوكبا، قال: هذا ربى - إلى قوله: انى برئ مما يشركون) وعلمتم إن موسى
ابن عمران " عليه السلام " كان فرعون في طلبه ينقر بطون النساء الحوامل، ويذبح الأطفال ليقتل
موسى، فلما ولدته أمه أمرت ان تأخذه من تحتها وتقذفه في التابوت، وتلقى بالتابوت
82

في اليم فبقيت حيرانة حتى كلمها موسى، وقال لها: يا أم اقذفيني في التابوت، وألقى
التابوت في اليم، فقالت وهي ذعرة من كلامه: يا بنى انى أخاف عليك من الغرق؟ فقال
لها لا تحزني إن الله رادني إليك فبقيت حيرانة حتى كلمها موسى، وقال لها يا أم اقذفيني
في التابوت وألقى التابوت في اليم ففعلت ما أمرت به، فبقي في التابوت واليم إلى أن قذفه
في الساحل ورده إلى أمه برمته لا يطعم طعاما ولا يشرب شرابا معصوما.
(وروى) ان المدة كانت: سبعين يوما (وروى) سبعة أشهر.
وقال الله تعالى في حال طفوليته (ولتصنع على عيني إذ تمشى أختك، فتقول
هل أدلكم على من يكفله، فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن) الآية: وهذا
عيسى بن مريم " عليه السلام " قال الله عز وجل فيه: (فناداها من تحته ألا تحزني قد جعل ربك
تحتك سريا - إلى قوله: إنسيا) فكلم أمه وقت مولده وقال حين أشارت إليه (فقالوا
كيف نكلم من كان في المهد صبيا. قال: انى عبد الله آتاني الكتاب) إلى آخر الآية
فتكلم " عليه السلام " في وقت ولادته، وأعطى كتاب النبوة وأوصى بالصلاة والزكاة في ثلاثة أيام
من مولده، وكلمهم في اليوم الثاني من مولده، وقد علمتم جميعا ان الله عز وجل خلقني
وعليا نورا واحدا، وإنا كنا في صلب آدم نسبح الله تعالى ثم نقلنا إلى أصلاب الرجال
وأرحام النساء يسمع تسبيحنا في الظهور والبطون في كل عهد وعصر إلى عبد المطلب
وان نورنا كان يظهر في وجوه آبائنا، وأمهاتنا حتى تبين أسماؤنا مخطوطة بالنور على
جباههم، ثم افترق نورنا فصار نصفه في عبد الله، ونصفه في أبى طالب عمى، وكان
يسمع تسبيحنا من ظهورهما، وكان أبى وعمى إذا جلسا في ملا من قريش وقد تبين
نوري من صلب أبى، ونور علي من صلب أبيه إلى أن خرجنا من أصلاب أبوينا وبطون
أمهاتنا، ولقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة علي فقال لي: يا حبيب الله. الله
يقرأ عليك السلام ويهنيك بولادة أخيك علي ويقول: هذا أوان ظهور نبوتك
واعلان وحيك وكشف رسالتك، إذ أيدتك بأخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك
ومن شددت به أزرك وأعليت به ذكرك فقمت مبادرا وجدت فاطمة بنت أسد أم علي
وقد جاءها المخاض وهو بين النساء والقوابل حولها، وقال حبيبي جبرئيل يا محمد أسجف
بينها وبينك سجفا فإذا وضعت بعلي فتلقاه، ففعلت ما أمرت به ثم قال لي: أمدد يدك
يا محمد فإنه صاحبك اليمين، فمددت يدي نحو أمه فإذا بعلي مائلا على يدي واضعا يده
83

اليمنى في أذنه اليمنى وهو يؤذن ويقيم بالحنفية ويشهد بوحدانية الله عز وجل وبرسالتي،
ثم قال لي يا رسول الله اقرأ قلت اقرأ، فوالذي نفس محمد بيده لقد ابتدء بالصحف التي
أنزلها الله عز وجل على آدم. فقام بها شيث فتلاها من أول حرف فيها إلى آخر حرف فيها
حتى لو حضر بها شيث لأقر له إنه احفظ له منه، ثم قرأ توراة موسى حتى لو حضره
موسى لأقر بأنه احفظ لها منه، ثم قرأ زبور داود حتى لو حضره داود لأقر بأنه أحفظ
لها منه، ثم قرأ إنجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لأقر بأنه احفظ لها منه، ثم قرأ
القرآن الذي أنزله الله علي من أوله إلى آخره، فوجدته يحفظ كحفظي له الساعة من غير أن
اسمع منه آية، ثم خاطبني وخاطبته بما يخاطب الأنبياء والأوصياء، ثم عاد إلى حال
طفوليته فلم تحزنون وماذا عليكم من قول أهل الشك والشرك بالله تعالى، هل تعلمون
انى أفضل النبيين وان وصيي أفضل الوصيين، وان أبى آدم " عليه السلام " لما رأى اسمى واسم
علي وابنتي فاطمة والحسن والحسين، وأسماء أولادهم مكتوبا على ساق العرش بالنور
قال: إلهي وسيدي هل خلقت خلقا هو أكرم عليك منى؟ فقال يا آدم لولا هذه الأسماء
لما خلقت سماء مبنية، ولا أرضا مدحية ولا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا ولا خلقتك
يا آدم فلما عصى آدم ربه سأله بحقنا أن يقبل توبته، ويغفر خطيئته فأجابه وكنا الكلمات
التي تلقاه آدم من ربه عز وجل. فتاب عليه وغفر له فقال له: يا آدم أبشر فأن هذه
الأسماء من ذريتك وولدك فحمد آدم ربه عز وجل وافتخر على الملائكة بنا وأن هذا من
فضلنا وفضل الله علينا. وقام سلمان ومن معه وهم يقولون: نحن الفائزون. فقال لهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنتم الفائزون ولكم خلقت الجنة. ولأعدائنا وأعدائكم خلقت النار.
قال سعيد بن جبير: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي طالب: أخطب على خديجة بنت
خويلد. قال: إن ذهبت فردوني كانت الفضيحة. ولكن انطلق يا حمزة فأنت صهر
القوم فان ردوك كان أجمل. فمروا بعلي بن أبي طالب فقالوا انطلق حتى تزوج محمدا قال
آخذ بردي ونعلي: فتبعهم علي. فلما دخلوا قالوا: تكلم فقال النبي (صلى الله عليه وآله) الحمد لله الحي
الذي لا يموت. قالوا: وما هذا من الكلام؟ فلم يدع شيئا اراده وأرادوه الا تكلم به
فقال لهم: تكلموا قالوا: تكلمت بما أردت وأردنا ولكن من يضمن المهر؟ فقال
علي " عليه السلام " أبى يضمن لكم المهر. فلما بلغ الخبر أبا طالب جعل يقبل عليا ويقول: بأبي
أنت وأمي فهذا قبل الاسلام فهل يمدح الكامل من العقلاء إلا بنحو هذا المذهب قال حبة
84

ابن جويرية العرني: سمعت عليا " عليه السلام " على المنبر يقول: اللهم إني لا أعلم أحدا أسلم قبلي
من هذه الأمة غير نبيها صليت قبل أن يصلي أحد سبعا.
وقال حبة العرني عن علي " عليه السلام " قال: بعث النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين وأسلمت
يوم الثلاثاء.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة خمس سنين
أو سبع سنين، ان أول صلاة ركعنا فيها صلاة العصر. قلت يا رسول الله: ما هذا؟
قال: أمرت به.
قال أبو رافع: صلى النبي (صلى الله عليه وآله) غداة الاثنين. وصلت الخديجة آخر نهار يوم
الاثنين وصلى على يوم الثلاثاء.
قال علي " عليه السلام " فكنت أصلي سبع سنين قبل الناس.
قال أمير المؤمنين: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام احملني لنطرح الأصنام
من الكعبة فلم أطق حمله فحملني فلو شئت أتناول السماء فعلت.
قال عيسى بن سوادة بن الجعد: حدثني محمد بن المكندر، وربيعة بن أبي عبد الرحمن
وأبى حازم المدني والكلبي. قالوا: علي " عليه السلام " أول من أسلم. قال الكلبي: وهو ابن تسع
سنين. وقال ابن إسحاق: كان أول ذكر آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله) وصلى معه وصدقه
بما جاء به من عند الله علي بن أبي طالب " عليه السلام "، وهو يومئذ ابن عشر سنين، وكذلك
قال مجاهد وقال جابر: بعث النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين وصلى علي " عليه السلام " يوم الثلاثاء.
وقيل: أسلم علي، وهو ابن أربع عشرة سنة. وقيل: ابن احدى عشرة سنة
وقيل: اثنا عشرة سنة، وهاجر إلى المدينة، وهو ابن أربع وعشرين سنة.
قال أبو أيوب الأنصاري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد صلت الملائكة علي، وعلى
علي سبع سنين، وذلك إنه لم يصل معي رجل غيره.
وقال ابن عباس: في قوله عز وجل: (والسابقون السابقون أولئك المقربون)
قال: نزلت في علي عليه السلام.
وروى محمد بن إسحاق بإسناده عن عفيف، قال عفيف: كنت امرءا تاجرا
وكان عباس بن عبد المطلب لي صديقا، وكان يختلف إلى اليمن يشترى العطر أيام الموسم
فقدمت أيام الحج في الجاهلية إلى مكة، فنزلت على العباس بن عبد المطلب. قال: فلما
85

طلعت الشمس، وحلقت إلى السماء، وانا انظر إلى الكعبة اقبل شاب فرمى ببصره إلى
السماء ثم استقبل فقام مستقبلها فلم يلبث ان جاء غلام فقام عن يمينه، فلم يلبث ان جاءت
امرأة فقامت خلفهما، فركع الشاب وركع الغلام والمرأة، فخر الشاب ساجدا فسجد
معه. فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة، فقلت: يا عباس امر عظيم. قال أمر عظيم
تدرى من هذا؟ فقلت: لا. فقال هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي يزعم
إن ربه أرسله، وأمر بهذا وان كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه. أتدري من هذا
الغلام؟ فقلت: لا قال: هذا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن أخي. أتدري من
هذه المرأة إلى خلفهما؟ قلت: لا قال: خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي، وأيم الله
ما أعلم على ظهر الأرض كلها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء.
قال عفيف بعد ما أسلم ورسخ الاسلام في قلبه: يا ليتني كنت رابعا.
قال محمد بن إسحاق: وكان مما أنعم الله به على علي بن أبي طالب " عليه السلام " إنه كان في
حجر النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام. فحدثني عبد الله بن أبي نجيح. عن مجاهد بن خير
أن الحجاج قال: كان من نعمة الله تعالى على علي بن أبي طالب، وما صنع الله له وأراده
به من الخير إن قريشا اصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) للعباس عمه، وكان من أسن بني هاشم: يا عباس إن أخاك أبا طالب
كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فأنطلق بنا نخفف عنه من عياله
آخذ من بنيه رجلا، وتأخذ من بنيه رجلا فنكفهما عنه. قال العباس: نعم فانطلقا
حتى اتيا أبا طالب فقالا: انا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس
ما هم فيه: فقال أبو طالب لهما ان تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عليا فضمه إليه وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه، فلم يزل علي بن أبي طالب مع رسول الله
عليهما الصلاة والسلام حتى بعثه الله نبيا، واتبعه علي فآمن به وصدقه ولم يزل جعفر مع
العباس حتى أسلم واستغنى عنه.
قال الصادق " عليه السلام ": أول جماعة كانت ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلى وأمير المؤمنين
معه إذ مر أبو طالب به، وجعفر معه قال يا بنى: صل جناح ابن عمك فلما أحسه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) تقدمهما، وانصرف أبو طالب مسرورا وهو يقول:
إن عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والكرب
86

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بنيهم وأبى
والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بنى ذو حسب
وقال خزيمة بن ثابت:
ما كنت أحسب هذا الامر منصرفا * عن هاشم ثم منها على أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتكم * واعرف الناس بالآيات والسنن
وآخر الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما فيهم لا يمترون به * وليس في القوم ما فيه من الحسن
ماذا الذي ردكم عنه فنعلمه * ها ان بيعتكم من أغبن الغبن
عن أبي الحسن علي بن عبد الله بن أبي يوسف بن أبي سيف المدايني. قال كتب
معاوية إلى أمير المؤمنين " عليه السلام ": يا أبا الحسن إن لي فضايل كثيرة كان أبى سيدا في الجاهلية
وصرت ملكا في الاسلام، وانا صهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخال المؤمنين وكاتب الوحي
فلما قرأ أمير المؤمنين " عليه السلام " كتابه. قال: أبا الفضايل يفخر علي ابن آكلة الأكباد
يا غلام اكتب وأملى عليه:
محمد النبي أخي وصهري * وحمزة سيد الشهداء عمى
وجعفر الذي يضحي ويمسي * يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكنى وعرسي * منوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ابناي منها * فمن منكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الاسلام طرا * غلاما ما بلغت أوان حلمي
وأوجب لي ولاية عليكم * رسول الله يوم غدير خم
وما ان زلت أضربهم بسيفي * إلى أن ذل للاسلام قومي
فويل ثم ويل ثم ويل * لمن يلقى الاله غدا بظلم
فلما قرأها معاوية قال: مزقه يا غلام لا يقرأها أهل الشام فيميلون نحو
ابن أبي طالب.
87

مجلس في ذكر الإمامة وامامة علي
ابن أبي طالب وأولاده صلوات الله عليهم أجمعين
اعلم إن الإمامة واجبة بدلالة إن الناس متى كانوا غير معصومين، ويجوز منهم
الخطأ والنسيان، وترك الواجب إذا كان لهم رئيس مطاع منبسط اليد يردع المعاند
ويؤدب الجاني. فيأخذ على يد السفيه والجاهل، وينتصف للمظلوم من الظالم كانوا إلى
وقوع الصلاح، وقلة الفساد أقرب ومتى خلوا من رئيس على ما وصفناه، وقع الفساد
وقل الصلاح ووقع الهرج والمرج، وفسدت المعايش بهذا جرت العادات وحكم الاعتبار
من خالف في ذلك لا يحسن مكالمته لكونه مركوزا في أوائل العقول، ويجب أن يكون
الامام معصوما لان الناس إنما احتاجوا إلى رئيس لكونهم غير معصومين، فلو احتاج
الرئيس إلى رئيس آخر أدى إلى التسلسل، وان احتاج إلى رعية لكان احتاج الشئ
إلى نفسه وذلك باطل.
ويجب أن يكون أفضل رعيته في الظاهر والباطن لكونه أكثر ثوابا عند الله يدل
على ذلك عصمته، وعلى الظاهر قبح تقديم المفضول على الفاضل فيما هو أفضل منه كقبح
تقديم المبتدئ في الفقه على أبي حنيفة والشافعي.
ويجب أن يكون عالما بجميع الشرع لكونه حاكما في جميع ذلك. لأنه يقبح من
حكماء الملوك ان تولى الوزارة والنظر في أمر مملكته من لا يحسنها أو يحسن بعضها.
ويجب أن يكون أشجع الناس إذا كان متعبدا بالجهاد لأنه لو لم يكن كذلك لانهزم
وانهزم بانهزامه المسلمون فيكون به بوار الاسلام.
ويجب أن يكون أعقل الناس والمراد بالأعقل أجودهم رأيا وأعلمهم بالسياسة.
ويجب أن يكون على صورة غير منفرة ولا مشينة.
ويجب أن يكون منصوصا عليه أو يكون له معجز لأنه قد ثبت إنه معصوم والعصمة
لا تدرك حسا ولا مشاهدة. فيجب أن ينص عليه اما بالمعجز أو باخبار النبي (صلى الله عليه وآله)
فإذا ثبت ذلك يجب أن يكون الامام أمير المؤمنين، ثم الحسن ثم الحسين ثم علي
88

ابن الحسين ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق ثم موسى الكاظم ثم علي بن موسى الرضا
ثم محمد بن علي. ثم علي بن محمد. ثم الحسن بن علي، ثم الحجة القائم صلوات الله
عليهم أجمعين لان من شرط هذه الشروط قال الأئمة هؤلاء، ومن خالف هذه الشروط
تجوز الإمامة لغيرهم فمن، قال: بهذه الشروط وقال الامام غير هؤلاء الذين ذكرناهم
فقد خالف الاجماع مع إنه قد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله) كقوله: أنت منى بمنزلة هارون من
موسى إلا إنه لا نبي بعدي، وكقوله: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، قال ذلك يوم
الثامن عشر من ذي الحجة بعد مرجعه من حجة الوداع والآن فنذكر ما جرى بغدير خم.
روى عن أبي جعفر الباقر " عليه السلام " قال: حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المدينة، وقد بلغ
جميع الشرايع قومه ما خلا الحج والولاية، فأتاه جبرئيل " عليه السلام " فقال له: يا محمد إن الله
عز وجل يقرأك السلام، ويقول لك انى لم اقبض نبيا من أنبيائي ورسلي إلا بعد اكمال
ديني وتكثير حجتي، وقد بقي عليك من ذلك فريضتان مما يحتاج إليه ان تبلغهما قومك
فريضة الحج وفريضة الولاية، والخليفة من بعدك، فانى لم أخل أرضى من حجة ولم أخليها
ابدا، وان الله يأمرك أن تبلغ قومك الحج تحج ويحج معك كل من استطاع السبيل من
أهل الحضر وأهل الأطراف والاعراب، وتعلمهم من حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم
وزكاتهم وصيامهم، وتوقفهم من ذلك على مثال الذي وقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم
من الشرايع، فنادى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الناس: ألا إن رسول الله يريد الحج، وان
يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرايع دينكم، ويوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه
وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخرج معه الناس واصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله
فحج بهم فبلغ من حج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أهل المدينة والأطراف والاعراب سبعين
الف انسان، أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى " عليه السلام " السبعين الألف الذين اخذ
عليهم بيعة هارون " عليه السلام " فاتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة، فلما وقف الموقف أتاه
جبرئيل " عليه السلام " فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرأك السلام ويقول لك إنه قد دنا أجلك
ومدتك، واني أستقدمك على ما لا بد منه ولا محيص عنه فاعهد عهدك، وتقدم
وصيتك، واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح
والتابوت، وجميع ما عندك من آيات الأنبياء فسلمها إلى وصيك وخليفتك من
بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب فأقمه للناس، وخذ عهده وميثاقه وبيعته
89

وذكرهم ما اخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم به وعهدي الذي عهدت إليهم
من ولاية ولي. ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب. فأنى لم اقبض
نبيا من أنبيائي إلا بعد اكمال ديني، واتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي وذلك
تمام كمال توحيدي وديني اتمام نعمتي على خلقي باتباع وليي وطاعته وانى لا اترك أرضى
بغير قيم ليكون حجة على خلقي. فاليوم: أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الاسلام دينا علي وليي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. علي عبدي ووصى
نبيي والخليفة من بعده وحجتي البالغة على خلقي مقرون طاعته مع طاعة محمد نبيي ومقرون
طاعة محمد بطاعتي من أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني جعلته علما بيني وبين
خلقي. فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك ببيعته كان مشركا ومن
لقيني بولايته دخل الجنة. ومن لقيني بعداوته دخل النار فأقم يا محمد عليا علما. وخذ
عليهم البيعة وخذ عهدي وميثاقي بالذي واثقتهم عليه. فانى قابضك إلي ومستقدمك
فخشي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا. ويرجعوا جاهلية
لما عرف من عداوتهم وما يبطنون عليه أنفسهم لعلي " عليه السلام " من البغضاء.
وسئل جبرئيل " عليه السلام " أن يسأل ربه العصمة من الناس. و انتظر أن يأتيه جبرئيل
بالعصمة من الناس من الله عز وجل. فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف فأتاه
جبرئيل " عليه السلام " في مسجد الخيف فأمره ان يعهد عهده ويقيم عليا للناس. ولم يأته العصمة
من الله تعالى بالذي أراد حتى أتى كراع العميم بين مكة والمدينة فأتاه جبرئيل وأمره
بالذي أمر به من قبل. ولم يأته بالعصمة فقال يا جبرئيل انى لأخشى قومي ان يكذبوني
ولا يقبلوا قولي في علي فرحل فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال. اتاه
جبرئيل " عليه السلام " على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس
فقال يا محمد ان الله عز وجل يقرأك السلام ويقول لك: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل
إليك من ربك - في علي - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) فكان
أولهم بلغ قرب الحجفة فأمره ان يرد من تقدم منهم. وحبس من تأخر منهم في ذلك
المكان ليقيم عليا للناس ويبلغهم ما انزل الله عز وجل في علي " عليه السلام " وأخبر ان الله تعالى
قد عصمه من الناس. فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما جائته العصمة مناديا فنادى في الناس
بالصلاة جامعة. وتنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير أمره بذلك جبرئيل " عليه السلام "
90

عن الله تعالى. وفى الموضع سلمات فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يقيم ما تحتهن وينصب له
أحجار كهيئة المنبر ليشرف على الناس فتراجع الناس. واحتبس أواخرهم في ذلك
المكان. لا يزالون وقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوق تلك الأحجار. وقال (صلى الله عليه وآله): الحمد لله
الذي علا بتوحيده ودنا في تفريده. وجل في سلطانه وعظم في أركانه وأحاط بكل شئ
وهو في مكانه - يعنى ان الشئ في مكانه - وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه حميد لم يزل
محمودا لا يزال ومجيدا لا يزول ومبديا معيدا. وكل أمر إليه يعود بارئ المسموكات
وداحي المدحوات. قدوس سبوح رب الملائكة والروح. متفضل على جميع من يراه
متطول على جميع من ذراه يلحظ كل نفس والعيون لا تراه كريم حليم ذو أناة قد وسع كل
شئ رحمته. ومن على جميع خلقه بنعمته لا يعجل بانتقامه. ولا يبادر بما استحقوا
من عذابه قد فهم السرائر. وعلم الضمائر ولم تخف عليه المكنونات. وما اشتبهت عليه
الخفيات له الإحاطة بكل شئ والغلبة لكل شئ والقوة في كل شئ. والقدرة على كل
شئ لا مثله شئ وهو منشئ الشئ حين لا شئ وحين لا حي قائما بالقسط لا إله إلا هو
العزيز الحكيم جل عن أن تدركه الابصار، وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير
لا يلحق وصفه أحد بمعاينة ولا يحد كيف وهو من سر ولا علانية إلا بما دل على نفسه
أشهد له بأنه الذي ابلى الدهر قدسه، والذي يفنى الأبد نوره والذي ينفذ امره
بلا مشورة، ولا معه شريك في تقدير، ولا تفاوت في تدبير صور ما ابتدع بلا مثال
وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلف ولا احتيال أنشأها فكانت وبرأها فبانت
وهو الله الذي لا إله إلا هو المتقن الصنع الحسن الصنعة العدل الذي لا يجور الأكرم
الذي ترجع إليه الأمور أشهد إنه الله الذي تواضع كل شئ لعظمته، وذل كل شئ لعزته
واستلم كل شئ لقدرته وخضع كل شئ لهيبته ملك الاملاك، ومسخر الشمس والقمر في
الأفلاك كل يجرى لأجل مسمى. يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. يطلبه
حثيثا قاصم كل جبار عنيد، وكل شيطان مريد لم يكن له ضد ولا معه ند أحد صمد لم يلد
ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. إلها واحدا وربا ماجدا يشاء فيمضى، ويريد
فيقضى ويعلم فيحصى، ويميت ويحيى ويفقر ويغنى ويضحك ويبكي، ويدبر فيقضى
ويمنع ويعطى له الملك وله الحمد بيده الخير، وهو على كل شئ قدير يولج الليل في النهار
ويولج النهار في الليل. مستجيب الدعاء جزيل العطاء محصي الأنفاس. رب الجنة
91

والناس الذي لا يشكل عليه لغة، ولا يضجره المستصرخون، ولا يبرمه الحاح الملحين
عليه، العاصم للصالحين، والموفق للمتقين مولى رب العالمين الذي استحق من كل خلق
ان يشكره ويحمده على كل حال أحمده واشكره على السراء والضراء والشدة والرخاء
وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله فاسمعوا وأطيعوا لامره وبادروا إلى مرضاته وسلموا
لما قضاه رغبته في طاعته، وخوفا من عقوبته لأنه الله الذي لا يؤمن مكره، ولا يخاف
جوده وأقر له على نفسي بالعبودية واشهد له بالربوبية، وأؤدي ما أوحى إلى به خوفا
وحذرا من أن تحل بي قارعة لا يدفعها عنى أحد، وان عظمت منته وصفت خلته لأنه
لا إله إلا هو قد أعلمني إن لم أبلغ ما انزل إلى فما بلغت رسالته فقد تضمن لي العصمة
وهو الله الكافي الكريم، وأوحى إلى بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الرسول بلغ ما انزل
إليك من ربك الآية.
معاشر الناس: ما قصرت عن تبليغ ما أنزله وانا مبين سبب هذه الآية ان جبرئيل " عليه السلام "
هبط إلي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربى وهو السلام ان أقوم في هذا المشهد، واعلم
كل ابيض واحمر واسود ان علي بن أبي طالب أخي ووصى، وخليفتي والامام من بعدي
الذي محله منى محل هارون من موسى إلا إنه لا نبي بعدي، وليكم بعد الله ورسوله
وقد انزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وعلي بن أبي طالب الذي أقام الصلاة
وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال، وسألت جبرئيل " عليه السلام " ان يستعفى
لي من تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين، وادغال الآثمين
وختل المستهزئين الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم
ويحسبونه هينا، وهو عند الله عظيم لكثرة اذاهم غير مرة حتى سموني اذنا وزعموا إنه
لكثرة ملازمته إياي واقبالي عليه، حتى انزل الله في ذلك الذين يؤذون النبي، ويقولون
هو اذن فقال: قل اذن، الاذن من يصدق بكل ما يسمع على الذي تزعمون، إنه اذن خير
لكم إلى آخر الآية، ولو شئت ان اسمى القائلين بأسمائهم لسميت، وأومأت إليهم
بأعيانهم، ولو شئت ان أدل عليهم لدللت ولكني في أمرهم قد تكرمت، وكل ذلك لا
يرضى الله مني الا ان أبلغ ما انزل إلي فقال: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من
ربك - في علي - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) الآية.
92

فاعلموا معاشر الناس، وافهموه واعلموا إن الله قد نصبه لكم وليا، واماما
مفترضة طاعته على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين باحسان وعلى البادى. والحاضر
والأعجمي والعربي، والحر والمملوك والصغير والكبير، وعلى الأبيض والأسود وعلى
كل موحد ماض حكمه حائز قوله نافذ امره ملعون من خالفه مرحوم من صدقه قد غفر الله
لمن سمع له وأطاع له.
معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد. فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا
لامر ربكم. فان الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم، ثم من دونه رسولكم محمد، وليكم
القائم المخاطب، ثم من بعدي علي وليكم، وامامكم بأمر الله من ربكم، ثم الأئمة
الذين من صلبه إلى يوم يلقون الله ورسوله لا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه
الله عرفني الحلال والحرام، وانا أقضيت مما علمني ربى من كتابه، وحلاله وحرامه إليه.
معاشر الناس، ما من علم إلا وقد أحصاه الله في وكل علم علمت فقد أحصيته في إمام
المتقين، ما من علم إلا علمته عليا وهو الامام المبين.
معاشر الناس، لا تضلوا عنه، ولا تفروا منه ولا تستنكفوا من ولايته فهو الذي
يهدى إلى الحق ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه، ولا يأخذه في الله لومة لائم أول
من آمن بالله ورسوله والذي فدا رسول الله بنفسه، والذي كان مع رسول الله ولا أحد
يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره.
معاشر الناس: فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.
معاشر الناس: إنه امام من الله ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته، ولن يغفر
الله له حتما على الله ان يفعل ذلك بمن خالف امره فيه، وان يعذبه عذابا نكرا أبد
الآبدين ودهر الداهرين فاحذروا ان تخالفوني فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة أعدت
للكافرين، أيها الناس هي والله بشرى الأولين من النبيين والمرسلين. فجميع المرسلين
إليهم من العالم من أهل السماوات والأرضين. فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية
الأولى، ومن شك في قولي هذا فقد شك في الكل منه والشاك في ذلك فله النار. معاشر
الناس حباني الله بهذه الفضيلة بمنه علي، واحسان منه إلي، ولا إله إلا هو وله الحمد
منى أبد الآبدين ودهر الداهرين على كل حال.
معاشر الناس: فضلوا عليا فإنه أفضل الناس بعدي من ذكر وأنثى، بنا انزل الله
93

الرزق، وبقي الخلق ملعون ملعون مغضوب مغضوب على من رد قولي هذا عن
جبرئيل " عليه السلام " عن الله تعالى فلتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله ان تخالفوا ان الله
خبير بما تعملون.
معاشر الناس: تدبروا القرآن، وافهموا آياته ومحكماته، ولا تتبعوا متشابهه
فوالله لهو مبين لكم نورا واحدا، ولا يوضح لكم تفسيره إلا الذي انا آخذه بيده
ومصعده إلى وشائل بعضده، ومعلمكم ان من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وهو علي
ابن أبي طالب أخي ووصى ومولاته من الله تعالى أنزلها علي.
معاشر الناس: إن عليا والطيبين من ولدى هم الثقل الأصغر، والقرآن الثقل
الأكبر، وكل واحد منهم مبين عن صاحبه موافق له لن يتفرقا حتى يردا على الحوض
بأمر الله في خلقه وبحكمه في ارضه ألا وقد أدينا ألا وقد بلغت ألا وقد أسمعت ألا وقد
أوضحت أن الله عز وجل قال: وانا قلته عن الله تعالى إلا إنه ليس أمير المؤمنين غير
أخي هذا، ولا تحل أمرة المؤمنين بعدي لاحد غيره، ثم ضرب بيده إلى عضد علي
فرفعه فكان أمير المؤمنين منذ أول ما صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد شال عليا حتى صارت
رجليه مع ركبة رسول الله صلوات الله عليهما ثم قال:
معاشر الناس: هذا علي أخي ووصى، والراعي بعدي وخليفتي على أمتي وعلى تفسير
كتاب الله عز عز وجل، والداعي إليه والعامل بما يرضيه، والمحارب لأعدائه والموالي
على طاعته، والناهي عن معصيته خليفة رسول الله وأمير المؤمنين، والإمام الهادي
بأمر الله.
أقول: ما يبدل القول لديه بأمر ربى.
أقول: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه والعن من أنكره، واغضب على
من جحده. اللهم انك أنت أنزلت الإمامة لعلي وليك عند تبيين ذلك بتفضيلك إياه
بما أكملت لعبادك من دينهم، وأنعمت عليهم بنعمتك، ورضيت لهم الاسلام دينا
فقلت: ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين
اللهم إني أشهدك انى قد بلغت.
معاشر الناس: إنما أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته فمن لم يأتم به، وبمن كان من
ولدى من صلبه إلى يوم القيامة، والعرض على الله تعالى فأولئك حبطت أعمالهم، وفى
94

النار هم خالدون. لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.
معاشر الناس: هذا أنصركم لي، وأحق الناس بي والله عز وجل، وانا عنه راضيان
وما أنزلت آية رضى إلا فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به، ولا نزلت آية
مدح في القرآن إلا فيه، ولا شهد الله بالجنة في هل أتى على الانسان إلا له، ولا أنزلها
في سواه ولا مدح بها غيره.
معاشر الناس: هذا ناصر دين الله، والمجادل عن رسول الله، وهو التقى النقي
الهادي المهتدى نبيكم خير نبي، ووصيكم خير وصى.
معاشر الناس: ذرية كل نبي من صلبه، وذريتي من صلب علي.
معاشر الناس: إن إبليس اخرج آدم من الجنة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم
وتزل أقدامكم فإن آدم " عليه السلام " اهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة، وهو صفوة الله تعالى
فكيف أنتم؟ وان زللتم وأنتم عباد الله ما يبغض علي إلا شقى، ولا يتوالى عليا إلا تقي
ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص في علي وانزل الله سورة العصر (بسم الله الرحمن الرحيم
والعصر إن الانسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق
وتواصوا بالصبر.
معاشر الناس: قد أشهدت الله وبلغتكم الرسالة، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
معاشر الناس: اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
معاشر الناس: آمنوا بالله ورسوله، وبالنور الذي انزل معه من قبل أن نطمس
وجوها فنردها على أدبارها.
معاشر الناس: النور من الله عز وجل في ثم مسلوك في علي، ثم في النسل منه إلى
القائم المهدى الذي يأخذ بحق الله، وبحق كل مؤمن لان الله عز وجل قد جعلنا حجة
على المقصرين، والغادرين والمخالفين والخائنين، والآثمين والظالمين عن جميع العالمين.
معاشر الناس: انى رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مت أو قتلت انقلبتم على
أعقابكم، وان تنقلبوا فلن تضروا الله شيئا، وسيجزي الله الشاكرين الصابرين
ألا إن عليا الموصوف بالصبر والشكر، ثم من بعدي ولدى من صلبه.
معاشر الناس: لا تمنوا على الله باسلامكم، فيسخط الله عليكم فيصيبكم بعذاب من
عنده إن ربك لبالمرصاد.
95

معاشر الناس: سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون.
معاشر الناس: ان الله وانا بريئان منهم.
معاشر الناس: انهم وأنصارهم وأشياعهم واتباعهم في الدرك الأسفل من النار
ولبئس مثوى المتكبرين.
معاشر الناس: انى أدعها امامة ووراثة في عقبى إلى يوم القيامة وقد بلغت ما بلغت
حجة على كل حاضر وغائب، وعلى كل أحد ممن شهد أو لم يشهد، ولم يولد فليبلغ
الشاهد الغائب، والوالد الولد إلى يوم القيامة، وسيجعلونها ملكا واغتصابا سنفرغ
لكم أيها الثقلان ويرسل عليكما شواظ من نار، ونحاس فلا تنتصران.
معاشر الناس: إن الله عز وجل لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من
الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب.
معاشر الناس: إنه ما من قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها، وكذلك يهلك القرى
وهي ظالمة كما ذكر الله عز وجل، وهذا إمامكم ووليكم وهو مواعد والله يصدق وعده.
معاشر الناس: قد ضل قبلكم أكثر الأولين والله فقد أهلك الأولين وهو مهلك
الآخرين إلى آخر الآية.
معاشر الناس: إن الله قد أمرني، ونهاني وقد أمرت عليا ونهيته. وعليه الامر
والنهى من ربه عز وجل فاسمعوا لامره وانتهوا لنهيه وصيروا إلى مراده، ولا تتفرق
بكم السبل عن سبيله انا صراط الله المستقيم الذي أمركم باتباعه ثم علي من بعدي ثم ولدى
من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون ثم قرأ (صلى الله عليه وآله) الحمد لله إلى آخرها، وقال في نزلت
وفيهم نزلت ولهم عمت وإياهم خصت وعمت أولئك أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون ألا إن حزب الله هم الغالبون ألا إن أعدائهم أهل الشقاق العادون واخوان
الشياطين الذين يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.
ألا إن أوليائهم الذين ذكرهم الله في كتابه المؤمنون، فقال: لا تجد قوما يؤمنون
بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله إلى آخر الآية، ألا إن أوليائهم الذين
وصفهم الله عز وجل ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون ألا إن أولياءهم
الذين آمنوا، ولم يرتابوا ان أوليائهم الذين يدخلون الجنة آمنين، وتتلقاهم الملائكة بالتسليم
ان طبتم فادخلوها خالدين ألا إن أولياءهم الذين قال الله عز وجل: يدخلون الجنة بغير
96

حساب. ألا إن أعدائهم يصلون سعيرا، ألا إن أعدائهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا
وهي تفور، ولها زفير كلما دخلت أمة لعنت أختها الآية. ألا إن أعدائهم الذين قال
الله عز وجل: كلما القى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير، ألا إن أوليائهم الذين
يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير.
معاشر الناس: عدونا من ذمه الله ولعنه، وولينا من مدحه الله وأحبه.
معاشر الناس: ألا وانى منذر وعلى هاد.
معاشر الناس: انى نبي وعلي وصي ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدى. ألا إنه
الظاهر على الدين. ألا إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنه
فاتح كل قبيلة من الشرك، ألا إنه مدرك بكل ثار لأولياء الله عز وجل، ألا إنه الناصر
لدين الله. ألا إنه الغراف من بحر عميق. ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله، وكل
ذي جهل بجهله. ألا إنه خيرة الله ومختاره، ألا إنه وارث كل علم والمحيط بكل فهم
ألا إنه المخبر عنه ربه تعالى والمشبه لامر إيمانه ألا إنه الرشيد ألا إنه المفوض إليه ألا إنه
الباقي حجة ولا حجة بعده، ولا حق معه إلا معه، ولا نور إلا عنده، ألا إنه لا غالب له
ولا منصور عليه، ألا إنه ولى الله في أرضه، وحكمه في خلقه وأمينه في سره وعلانيته.
معاشر الناس: قد بينت لكم فهمتكم، وهذا علي يفهمكم بعدي. ألا وان عند
انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على بيعته والاقرار به، ثم مصافقته بعد يدي، ألا
وانى قد بايعت الله وعلي قد بايعني، وانا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل، (فمن نكث
فإنما ينكث على نفسه) الآية.
معاشر الناس: ان الحج والعمرة من شعائر الله (فمن حج البيت اعتمر) الآية.
معاشر الناس: حجوا البيت فما ورده أهل بيت إلا نموا وانسالوا، ولا تخلفوا
عنه إلا اهتزوا وافترقوا.
معاشر الناس: ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك
فإذا انقضت حجته استؤنف عمله.
معاشر الناس الحجاج معانون، ونفقاتهم مختلفة والله لا يضيع أجر المحسنين.
معاشر الناس حجوا بكمال الدين والنفقة ولا تنصرفوا عن المشاهد إلا بتوبة
واقلاع.
97

معاشر الناس أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة كما أمركم الله عز وجل، فإن طال
عليكم الأمد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم، ومبين لكم الذي نصبه الله عز وجل لكم
أو من خلفه الله منى ومنه يخبركم بما تسألون، ويبين لكم ما لا تعلمون ألا إن الحرام
والحلال أكثر من أن أحصيهما وأعرفهما، فأمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام
واحد، وأمرت ان اتخذ البيعة عليكم، والصفقة لكم بقبول ما جئت به عن
الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده الذين هم منى ومنه أمة قائمة فيهم خاتمها
المهدى إلى يوم القيامة الذي يقضى بالحق.
معاشر الناس، وكل حلال دللتكم عليه أو حرام نهيتكم عنه، فانى لم ارجع عن ذلك
ولم أبدل ألا فاذكروا ذلك، واحفظوا وتواصوا به ولا تبدلوه ألا وانى أجدد القول
فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وآمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، ألا وان رأس
الأمر بالمعروف ان تنتهوا إلى قولي وتبلغوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله وتنهوه عن
مخالفته فإنه أمر من الله عز وجل ومنى.
معاشر الناس القرآن يعرفكم إن الأئمة من بعد ولده، وعرفتكم إنهم مني ومنه
حيث يقول الله عز وجل جعلها كلمة باقية في عقبه، ولن تضلوا ما تمسكتم بهما.
معاشر الناس: التقوى التقوى. واحذروا الساعة كما قال عز وجل: ان زلزلة
الساعة شئ عظيم اذكروا الممات والحساب، والموازين والمحاسبة بين يدي رب العالمين
والثواب والعقاب فمن جاء بالحسنة أفلح، ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنان من نصيب.
معاشر الناس انكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحد، وأمرني الله عز وجل
ان آخذ من ألسنتكم الاقرار بما عقد لعلي أمير المؤمنين، ومن جاء بعده من الأئمة منى
ومنه على ما أعلمتكم ان ذريتي عن صلبه فقولوا بأجمعكم، إنا سامعون مطيعون راضون
منقادون لما بلغته عن أمر ربى، وأمر علي أمير المؤمنين ومن ولده من صلبه من الأئمة
على ذلك قلوبنا، وأنفسنا وألسنتنا وأبداننا على ذلك نحيا ونموت، ونبعث ألا نغير
ولا نبدل ولا نشك، ولا نرتاب ولا نرجع عن عهد ولا ميثاق ونعطى الله ونعطيك
ونعطى عليا أمير المؤمنين وولده الأئمة الذين لهم ذكر من صلبه من الحسن والحسين
الذين قد عرفتكم مكانهما منى، ومحلهما عندي ومنزلتهما من ربي عز وجل فقد أديت ذلك
إليكم وانهما لسيدا شباب أهل الجنة، وانهما الامامان بعد أبيهما علي، وانا أبوهما
98

قبله فقولوا: أعطينا الله بذلك، وأنت وعليا والحسن والحسين، والأئمة الذين
ذكرت عهدا وميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا وأنفوسنا وألسنتنا ومصافقة
أيدينا من أدركهما بيده، وإلا فقد أقر بهما بلسانه لا ينبغي بدلا ولا يرى الله عز وجل
منهما حولا ابدا وأشهدنا الله وكفى بالله شهيدا، وأنت علينا به شهيد وكل من أطاع
ممن ظهر واستتر وملائكة الله وجنوده وعبيده والله أكبر من كل شهيد.
معاشر الناس ما تقولون فان الله يعلم كل صوت وخافية كل نفس، فمن اهتدى
فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، ومن تابع فإنما يبايع الله. يد الله فوق أيديهم.
معاشر الناس فاتقوا الله وتابعوا عليا أمير المؤمنين، والحسن والحسين والأئمة
كلمة باقية يهلك الله من غدر، ويرحم من وفى ومن نكث فإنما ينكث عل نفسه، ومن
أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما.
معاشر الناس: قولوا الذي قلت لكم، وسلموا علي بأمرة المؤمنين، وقولوا:
سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير قولوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا
لنهتدي لولا أن هدانا الله.
معاشر الناس ان فضائل علي بن أبي طالب عند الله عز وجل، وقد أنزلها في
القرآن أكثر من أن أحصيها في مقام واحد، فمن أنبأكم بها فصدقوه.
معاشر الناس من يطع الله ورسوله وعليا، والأئمة الذين ذكرتهم فقد فاز
فوزا مبينا.
معاشر الناس السابقون السابقون إلى مبايعته، وموالاته والسلام عليه بإمرة
المؤمنين أولئك الفائزون في جنات النعيم.
معاشر الناس قولوا: ما يرضى الله عنكم من القول، فان تكفروا أنتم ومن في
الأرض جميعا فلن يضر الله شيئا، اللهم اغفر للمؤمنين واعطب الكافرين، والحمد لله
رب العالمين، فناداه القوم نعم سمعنا، وأطعنا على أمر الله ورسوله بقلوبنا وألسنتنا
وأيدينا، وتداكوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى علي بأيديهم فكان أول من صافق
رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأول والثاني، وباقي المهاجرين والأنصار، وباقي الناس على قدر
منازلهم إلى أن صليت العشاء والعتمة في وقت واحد، ووصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا
ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول كلما بايع قوم: الحمد لله الذي فضلنا على جميع الناس.
99

قال عبد الرحمن بن سمرة: قلت يا رسول الله أرشدني إلى النجاة. قال: يا بن سمرة
إذا اختلفت الأهواء، وتفرقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب. فإنه إمام أمتي
وخليفتي عليهم من بعدي، وهو الفاروق الذي يميز بين الحق والباطل. من سأله
أجابه ومن استرشده أرشده، ومن طلب الحق من عنده وجده، ومن التمس الهدى
وجده لديه، ومن لجأ إليه أمنه، ومن استمسك به نجاه، ومن اقتدى به هداه
يا بن سمرة سلم من سلم له ووالاه، وهلك من رد عليه وعاداه يا بن سمرة ان عليا مني
روحه من روحي وطينته من طينتي. وهو أخي وانا أخوه. وهو زوج ابنتي فاطمة
سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. وان منه امامي أمتي وسيدي شباب أهل
الجنة الحسن والحسين. وتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائم أمتي يملأ الأرض قسطا
وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
قال ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): معاشر الناس من أحسن من الله قيلا
وأصدق منه حديثا.
معاشر الناس: ان ربكم جلا جلاله أمرني ان أقيم عليا علما وإماما وخليفة ووصيا
وان أتخذه أخا ووزيرا.
معاشر الناس: ان عليا باب الهدى بعدي. والداعي إلى ربى وهو صالح المؤمنين
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا. وقال: انني من المسلمين.
معاشر الناس: ان عليا مني وولده ولدى. وهو زوج حبيبتي امره امرى ونهيه
نهيي.
معاشر الناس: عليكم بطاعته واجتناب معصيته. فان طاعته طاعتي ومعصيته
معصيتي.
معاشر الناس: أن عليا صديق هذه الأمة وفاروقها ومحدثها. انه هارونها
ويوشعها وآصفها وشمعونها إنه باب حطتها. وسفينة نجاتها إنه طالوتها وذو قرنيها.
معاشر الناس: إنه محنة الورى، والحجة العظمى والآية الكبرى، وإمام أهل
الدنيا والعروة الوثقى.
معاشر الناس: ان عليا مع الحق، والحق معه وعلى لسانه.
معاشر الناس: ان عليا قسيم النار لا يدخل النار ولي له، ولا ينجوا منها عدو له.
100

إنه قسيم الجنة لا يدخلها عدو له، ولا يزحزح عنها ولى له.
معاشر الناس: أصحابي قد نصحت لكم، ولكن لا تحبون الناصحين أقول قولي
هذا، واستغفر الله لي ولكم.
قال ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ولاية علي بن أبي طالب، ولاية الله
وحبه عبادة الله واتباعه فريضة الله، وأولياؤه أولياء الله وأعداءه أعداء الله وحربه
حرب الله وسلمه سلم الله عز وجل.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام " وانا حجة الله وانا خليفته، وانا صراط الله، وانا باب
الله وانا خازن علم الله، وانا المؤتمن على سر الله، وانا امام البرية بعد خير الخليفة
محمد نبي الرحمة عليه وآله الصلاة والسلام.
وقال أيضا " عليه السلام " دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في مسجد قبا، وعنده نفر
من أصحابه، فلما بصر بي تهلل وجهه وتبسم حتى نظرت إلى بياض أسنانه تبرق ثم قال:
إلي يا علي إلى يا علي، فما زال يدنيني حتى الصق فخذه بفخذي ثم اقبل على أصحابه فقال
معاشر أصحابي ان عليا مني، وانا من علي روحه من روحي، وطينته من طينتي وهو أخي
ووصيي، وخليفتي على أمتي في حياتي، وبعد موتى من أطاعه أطاعني، ومن وافقه
وافقني ومن خالفه خالفني.
قال ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سره ان يحيا حياتي، ويموت ميتتي
ويدخل جنة عدن منزلي قصبا غرسه ربي عز وجل، ثم قال له: كن فكان فليتول علي
ابن أبي طالب وليا، ثم بالأوصياء من ولده فأنهم عترتي خلقوا من طينتي إلى الله
أشكوا أعدائهم من أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي، وأيم الله ليقتلن بعدي
ابني الحسين لا أنالهم الله شفاعتي.
قالت عايشة: كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأقبل علي بن أبي طالب فقال
هذا سيد العرب. فقلت: يا رسول الله الست سيد العرب؟ قال أنا سيد ولد آدم وعلي
سيد العرب. فقلت: وما السيد؟ فقال: من افترضت طاعته كما افترض طاعتي.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا علي أنت مني بمنزلة هبة الله من آدم، وبمنزلة سام من
نوح، وبمنزلة إسحاق من إبراهيم، وبمنزلة هارون من موسى وبمنزلة شمعون من عيسى
الا إنه لا نبي بعدي، يا علي أنت وصيي وخليفتي فمن جحد وصيتك وخلافتك فليس
101

مني ولست منه، وانا خصمه يوم القيامة. يا علي أنت أفضل أمتي فضلا وأقدمهم سلما
وأكثرهم علما، وأوفرهم حلما وأشجعهم قلبا وأنجاهم كفا، يا علي أنت الإمام بعدي
والأمير، وأنت الصاحب بعدي والوزير، وما لك في أمتي من نظير. يا علي أنت
قسيم الجنة والنار بمحبتك يعرف الأبرار من الفجار، ويتميز بين الأشرار والأخيار
وبين المؤمنين والكفار.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأئمة من بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي وآخرهم
القائم الذي يفتح الله تعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها.
وقال أبو جعفر " عليه السلام " ان رهطا من اليهود أسلموا منهم عبد الله بن سلام، وأسد
وثعلبة وابن يامين وابن صوريا، فأتوا النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا نبي الله ان موسى " عليه السلام "
أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيك يا رسول الله ومن ولينا بعدك؟ فنزلت هذه
الآية: إنما وليكم الله ورسوله، والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة
وهم راكعون.
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قوموا فأتوا المسجد. فإذا سائل خارج فقال
يا سائل اما أعطاك أحد شيئا؟ قال: نعم هذا الخاتم؟ ثم قال: من أعطاكه؟ قال:
أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلى. قال: على أي حال أعطاك؟ قال: كان راكعا
فكبر النبي (صلى الله عليه وآله) وكبر أهل المسجد فقال النبي (صلى الله عليه وآله): علي بن أبي طالب وليكم بعدي
قال رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبعلي بن أبي طالب وليا فأنزل
الله تعالى ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا، فان حزب الله هم الغالبون.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم: أفضل أعياد أمتي هو اليوم الذي أمرني
الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لامتي يهتدون به من بعدي
وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم على أمتي فيه النعمة. ورضى لهم الاسلام
دينا ثم قال (صلى الله عليه وآله): معاشر الناس ان عليا منى. وانا من علي خلق من طينتي. وهو
امام الخلق بعدي يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي. وهو أمير المؤمنين وقائد الغر
المحجلين. ويعسوب الدين وخير الوصيين. وزوج سيدة نساء العالمين وأبو الأئمة
المهديين.
معاشر الناس من أحب عليا فقد أحببته. ومن أبغض عليا فقد أبغضته. ومن
102

وصل عليه وصلته. ومن قطع عليا قطعته. ومن جفا عليا جفوته. ومن والى عليا
واليته. ومن عادى عليا عاديته. معاشر الناس: انا مدينة الحكمة وعلي بابها. ولن يؤتى المدينة إلا من قبل الباب
وكذب من زعم إنه يحبني ويبغض عليا.
معاشر الناس والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ما نصبت عليا علما
لامتي في الأرض حتى نوه الله باسمه في سماوته. وأوجب ولايته على ملائكته.
وقال أبو سعيد الخدري: لما كان يوم غدير خم امر رسول (صلى الله عليه وآله) مناديا فنادى
الصلاة جامعة، واخذ بيد علي " عليه السلام " وقال اللهم من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال
من والاه. وعاد من عاداه. فقال حسان بن ثابت يا رسول الله: أقول في علي شعرا
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) افعل فقال:
يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأكرم بالنبي مناديا
يقول فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك تعاديا
إلهك مولانا وأنت ولينا * ولا تجدن منا لك الدهر عاصيا
فقال له قم يا علي فأنني * رضيتك من بعدي اماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوه له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادا عليا معاديا
قال الشيخ الأديب علي بن أحمد الفنجكردي:
لا تنكرن غدير خم إنه * كالشمس في اشراقها بل أظهر
ما كان مرفوعا باسناد إلى * خير البرايا أحمد لا ينكر
فيه امامة حيدر وجماله * وجلاله حتى القيامة يذكر
أول الأنام بان يوالي المرتضى * من يأخذ الاحكام منه ويأثر
وقال الشيخ الأريب أيضا:
حسبنا ربنا الذي فتح البصرة * بالأمس والحديث طويل
وعلي امامنا وامام * لسوانا أتى به التنزيل
يوم قال النبي من كنت مولاه * فهذا مولاه خطب جليل
103

وقال قيس بن سعد بن عبادة:
يوم الغدير سوى العيدين لي عيد * يوم يسر به السادات والصيد
نال الإمامة فيه المرتضى وله * فيها من الله تشريف وتمجيد
يقول احمد خير المرسلين ضحى * في مجمع حضرته البيض والسود
فالحمد لله حمدا لا انقضاء له * له الصنايع والألطاف والجود
وكان قصة غدير خم يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشر من الهجرة.
مجلس في ذكر فضائل أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب صلوات الله عليه
قال ابن عباس رضي الله عنه، وعلي بن الحسين عليهما السلام: نزلت في علي
(ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد).
وقال ابن عباس: ما انزل الله في القرآن يا أيها الذين آمنوا، الا وعلي أميرها وشريفها
وقال ابن عباس: صالح المؤمنين هو والله علي يقول الله والله حسبه، والملائكة
بعد ذلك ظهيرا.
وقال ابن عباس: قول الله تعالى: (واتقوا الله، وكونوا مع الصادقين) قال
علي. وقال ابن عباس: والذي جاء بالصدق محمد (صلى الله عليه وآله) وصدق به علي بن أبي طالب.
وقال علي " عليه السلام " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد، أنا.
وقال ابن عباس افتخر العباس بن عبد المطلب فقال: انا عم محمد وانا صاحب
سقاية الحاج فأنا أفضل من علي بن أبي طالب.
وقال شيبة بن عثمان بن طلحة: انا أعمر بيت الله الحرام، وصاحب حجابته
فانا أفضل فسمعهما علي، وهما يذكران ذلك. فقال علي: انا أفضل منكما انا أجاهد في
سبيل الله تعالى فأنزل الله تعالى فيهم: أجعلتم سقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام كمن
آمن بالله واليوم الآخر، وجاهد في سبيل الله إلى قوله: ان الله عنده أجر عظيم.
وعن أبي جعفر " عليه السلام " قريب من ذلك.
104

وقال ابن عباس: وتعيها اذن واعية علي بن أبي طالب
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) انى سألت ربى أن يجعلها اذنك يا علي، اللهم اجعلها اذنا
واعية اذن على ففعل.
وقال ابن عباس: إنما يخشى الله من عباده العلماء قال: كان علي يخشى الله ويراقبه
ويعمل بفرايضه، ويجاهد في سبيله وكان إذا صف في القتال كأنه بنيان مرصوص
يقول الله ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص يتبع في جميع
امره مرضاة الله ورسوله، وما قتل المشركين قبله أحد.
وقال الباقر " عليه السلام " ومن عنده علم الكتاب قال: علي بن أبي طالب " عليه السلام " عنده علم
الكتاب الأول والآخر.
وقال الباقر " عليه السلام " ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا
حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا: نعم فأذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على
الظالمين. قال: المؤذن علي " عليه السلام " وقال ابن عباس: طوبى لهم وحسن مآب شجرة في الجنة
في دار علي ما في الجنة دار إلا وفيها غصن من أغصانها ما خلق الله من شئ إلا وهو تحت
طوبى تحتها مجمع أهل الجنة يذكرون نعمة الله عليهم، لما تحت طوبى من كثبان المسك
أكثر مما تحت شجر الدنيا من الرمل.
وقال الصادق " عليه السلام " ثلة من الأولين ابن آدم المقتول، ومؤمن آل فرعون
وصاحب ياسين، وقليل من الآخرين علي بن أبي طالب " عليه السلام "
وقال الباقر " عليه السلام ": قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني. قال
علي اتبعه.
وقال أيضا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لعلي مبتديا: (ان الذين آمنوا وعملوا
الصالحات أولئك هم خير البرية) هم أنت وشيعتك وميعادي، وميعادكم الحوض إذا
حشر الناس حيث أنت وشيعتك شباعا مرويين غرا محجلين.
وقال الصادق " عليه السلام " قوله تعالى: (وبالوالدين إحسانا) قال: الوالد محمد وعلي.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا
وعلانية) قال: نزلت في علي " عليه السلام "، وكان عنده أربعة دراهم فتصدق بواحد ليلا
وبواحد نهارا، وبواحد سرا وبواحد علانية.
105

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وان هذا صراطي مستقيما فأتبعوه، ولا تبتغوا السبل
فتفرق بكم. قال: سألت الله ان يجعلها لعلي ففعل.
وقال زين بن علي: ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله، وهو في الآخرة من
الخاسرين قال: بولاية علي.
وقال الباقر " عليه السلام ": ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله، وكرهوا رضوانه فأحبط
اعمالهم قال: كرهوا عليا، وكان امر الله بولايته يوم بدر ويوم حنين وببطن النخلة
ويوم التروية ويوم عرفة نزلت فيه خمسة عشرة آية في الحجة التي صدعها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عن المسجد الحرام وبالجحفة وبخم.
قال ابن عباس: قل بفضل الله وبرحمته. فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون.
قال: فالفضل من الله النبي (صلى الله عليه وآله)، وبرحمته علي عليه السلام.
وقال شريك بن عبد الله في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة)
قال في ولاية علي.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم) قال هم امراء السرايا وعلي أولهم.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قرأ قل هو الله أحد مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن
ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرات فكأنما ختم
القرآن.
ألا ومن أحب عليا بقلبه أعطاه الله ثواب ثلث هذه الآية، ومن أحبه بقلبه ويده
أعطاه ثواب ثلثي هذه الآية، ومن أحبه بقلبه ويده ولسانه أعطاه الله ثواب الآية كلها.
وقال الباقر " عليه السلام " من جاء بالحسنة فله خير منها، من جاء بالسيئة فكبت وجوههم
في النار، الحسنة ولاية علي وحبه، والسيئة عداوة علي وبغضه، ولا يرفع معهما عمل.
وقال رسول الله: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)
هو علي (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين) قال: هو علي وتنذر به قوما لدا قال
بنى أمية قوما ظلمة.
وقال ابن مسعود: وكفى الله المؤمنون القتال بعلي، وكان الله قويا عزيزا.
قال ابن عباس ان النبي (صلى الله عليه وآله) امر عليا ان ينام على فراشه. فانطلق النبي (صلى الله عليه وآله)
106

برد أخضر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال بعضهم: شدوا عليه فقالوا الرجل نايم، ولو كان يريد
أن يهرب لفعل، فلما أصبح قام علي فأخذوه وقالوا: أين صاحبك؟ فقال ما أدرى
فأنزل الله تعالى في علي حين نام على الفراش، ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء
مرضات الله.
وقال بريدة الأسلمي: كنا إذا سافرنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) كان علي " عليه السلام " صاحب متاعه
يضمه إليه فإذا نزلنا تعاهد متاعه، فان رأى شيئا برمه وان كانت نعلا خصفها فنزلنا
منزلا فأقبل علي " عليه السلام " يخصف نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودخل الأول فسلم. فقال له
رسول الله (صلى الله عليه وآله): اذهب فسلم على أمير المؤمنين. فقال: يا رسول الله وأنت حي قال
وانا حي. قال ومن ذلك؟ قال: خاصف النعل ثم جاء الثاني فقال له: مثل ذلك.
قال بريدة وكنت انا فيمن دخل معهم فأمرني أن أسلم على علي، فسلمت عليه كما سلموا
وقال أبو مسعدة: رأيت عليا " عليه السلام " خرج من القصر فدنوت فسلمت عليه، فوضع
يده في يدي، ثم مشى حتى أتى دار فرات فاشترى منه قميصا سنبلانيا بثلاثة دراهم
أو أربعة فلبسه، وكان كمه كفاف يده.
وقال الباقر " عليه السلام " ابتاع على قميصا سنبلانيا بأربعة دراهم، فجاء إلى الخياط
فمدكم القميص، وأمره أن يقطع ما جاز الأصابع. قال الأصبغ بن نباتة في خبر طويل
أتى أمير المؤمنين " عليه السلام "، ومعه قنبر البزازين فساوم رجلا بثوبين. فقال: بعني ثوبين
فقال الرجل يا أمير المؤمنين عندي حاجتك، فلما عرفه انصرف حتى أتى غلاما فقال
بعني ثوبين فماكسه الغلام، حتى اتفقا على سبعة دراهم ثوبا بأربعة دراهم، وثوبا
بثلاثة دراهم وقال لغلامه قنبر اختر الثوبين فاختار الذي بأربعة، ولبس هو الذي بثلاثة
وقال الحمد لله الذي رزقني ما أوارى به عورتي وأتجمل به في خلقه، ثم أتى المسجد فكوم
كومة من حصى فاستلقى عليها فجاء أب الغلام. فقال: ان ابني لم يعرفك، وهذان
الدرهمان ربحهما فخذهما، فقال " عليه السلام ": ما كنت لأفعل فقد ماكسته وماكسني واتفقنا
على رضا.
(وروى) أن أمير المؤمنين عليه أفضل السلام: أتى سوق الكرابيس،
فإذا هو برجل وسيم فقال: يا هذا عندك ثوبان بخمسة دراهم؟ فوثب الرجل فقال:
يا أمير المؤمنين: عندي حاجتك فلما عرفه مضى عنه، فوقف على غلام. فقال يا غلام
107

عندك ثوبان بخمسة دراهم. قال نعم عندي ثوبان فأخذ ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم
والآخر بدرهمين. فقال: يا قنبر خذ الذي بثلاثة دراهم، فقال أنت أولى به تصعد
المنبر وتخطب الناس، قال وأنت شباب ولك شره الشباب وانا استحيي من ربى ان أتفضل
عليك سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ألبسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تأكلون فلما
لبس القميص مد يده في ردنه فإذا هو يفضل عن أصابعه، فقال اقطع هذا الفضل فقطعه
فقال الغلام: هلم أكفه قال: دعه كما هو فان الامر أسرع من ذلك
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسرى بي ربى، فأوحى إلى في علي بثلاث إنه امام المتقين
وسيد المؤمنين، وقائد الغر المحجلين.
سأل رجل أمير المؤمنين " عليه السلام " فقال له: أسألك عن ثلاث هن فيك: أسألك عن
قصر خلقك وعن كبر بطنك، وعن صلع رأسك. فقال أمير المؤمنين " عليه السلام " ان الله تعالى
لم يخلقني طويلا ولم يخلقني قصيرا، ولكن خلقني معتدلا اضرب القصير فاقده، واضرب
الطويل فاقطعه، واما كبر بطني فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) علمني بابا من العلم يفتح ذلك
الباب الف باب فازدحم العلم في بطني فانتفخ عنه عضوي.
فاما صلع رأسي، فمن ادمان لبس البياض ومجالدة الاقران.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما في القيامة راكب غيرنا، ونحن أربعة فقام إليه العباس
ابن عبد المطلب، فقال: من هم يا رسول الله؟ فقال: اما انا فعلى البراق، وجهها
كوجه الانسان وخدها كخد الفرس، وعرقها من لؤلؤ مسموط وأذناها من زبرجدتان
خضراوان وعيناها مثل كوكب الزهرة يتوقدان مثل النجمين المضيئين لها شعاع مثل شعاع
الشمس ينحدر من نحرها الجمان منظومة الخلق طويلة اليدين والرجلين لها نفس كنفس
الآدميين تسمع الكلام وتفهمه، وهي فوق الحمار ودون البغل.
قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: وأخي صالح على ناقة الله تعالى التي
عقرها قومه.
قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: وعمى حمزة بن عبد المطلب أسد الله
وأسد رسوله سيد الشهداء على ناقتي العضبا.
قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال وأخي علي على ناقة من نوق الجنة زمامها
من لؤلؤ رطب عليها محمل من ياقوت احمر، قضبانه من الدر الأبيض على رأسه تاج
108

من نور عليه حلتان خضراوان، بيده لواء الحمد وهو ينادى: أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول الخلايق: ما هذا إلا ملك مقرب
أو نبي مرسل، أو حامل عرش فينادى مناد من بطنان العرش ليس هذا ملك مقرب
ولا نبي مرسل، ولا حامل عرش هذا علي بن أبي طالب وصى رسول رب العالمين
وامام المتقين وقائد الغر المحجلين.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أعطاني الله تعالى خمسا، وأعطى عليا خمسا: أعطاني
جوامع الكلم، وأعطى عليا جوامع العلم، وجعلني نبيا، وجعله وصيا، وأعطاني
الكوثر وأعطاه السلسبيل، وأعطاني الوحي وأعطاه الالهام وأسري بي إلى السماء، وفتح
له أبواب السماوات والحجب.
وقال عامر الشعبي: تكلم أمير المؤمنين " عليه السلام " بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن
عيون البلاغة وأيتمن جواهر الحكمة، وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن
ثلاث منها في المناجاة وثلاث منها في الحكمة وثلاث منها في الأدب. اما اللاتي في المناجاة
فقال: إلهي، وكفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا أنت
كما أحب فاجعلني كما تحب، واللاتي في الحكمة. فقال: قيمة كل امرئ ما يحسنه، وما هلك
امرئ عرف قدره، المرء مخبوء تحت لسانه. واما اللاتي في الأدب فقال: فامنن على من
شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتاني جبرئيل وهو فرح مستبشر فقلت حبيبي جبرئيل
مع ما أنت فيه من الفرح ما منزلة أخي وابن عمى علي بن أبي طالب عند ربه. فقال:
والذي بعثك في النبوة وأصفاك بالرسالة. ما هبطت في وقتي هذا إلا لهذا، يا محمد الله
العلي الأعلى يقرأ عليكما السلام، وقال: محمد نبي رحمتي وعلي مقيم حجتي لا أعذب من
والاه وان عصاني، ولا ارحم من عاداه وان أطاعني، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا
كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل، ومعه لواء الحمد وهو سبعون شقة الشقة منه أوسع من
الشمس والقمر، وانا على كرسي من كراسي الرضوان فوق منبر من منابر القدس فاخذه
وادفعه إلى علي بن أبي طالب فوثب الثاني، فقال: يا رسول الله وكيف يطيق علي حمل
اللواء، وقد ذكرت إنه سبعون شقة الشقة منه أوسع من الشمس والقمر، فقال النبي (صلى الله عليه وآله)
إذا كان يوم القيامة يعطى الله عليا من القوة مثل قوة جبرئيل، ومن النور مثل نور آدم
109

ومن الحلم مثل حلم رضوان، ومن الجمال مثل جمال يوسف ومن الصوت ما يدانى صوت
داود، ولولا أن داود يكون خطيبا في الجنان لأعطى مثل صوته، وان عليا أول من
يشرب من السلسبيل والزنجبيل، لا يجوز لعلي قدم على الصراط الا وثبت مكانها قدم
أخرى، وان لعلي وشيعته من الله مكانا يغبطه الأولون والآخرون.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مكتوب على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله علي
أخو رسول الله قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بألفي عام.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: علي في السماء كالشمس بالنهار في الأرض
وفى سماء الدنيا كالقمر بالليل في الأرض، أعطى الله عليا من الفضل جزءا لو قسم على
أهل الأرض لوسعهم، وأعطاه من الفهم جزءا لو قسم على أهل الأرض لوسعهم
تشبهت لينه بلين لوط وخلقه بخلق يحيى، وزهده بزهد أيوب وسخاؤه بسخاء إبراهيم
وبهجته ببهجة سليمان بن داود، وقوته بقوة داود له اسم مكتوب على كل حجاب في الجنة
بشرني به ربى، وكانت له البشارة عندي، على محمد عند الخلق مزكى عند الملائكة وخاصتي
وخالصتي وطاهرتي ومصباحي، ورفيقي آنسني به ربى، فسألت ربى أن لا يقبضه
قبلي وسألته ان يقبضه شهيدا، أدخلت الجنة، فرأيت حور على أكثر من ورق الشجر
وقصور علي كعدد البشر وعلي منى انا من على، من تولى عليا فقد تولاني حب علي نعمة
واتباعه فضيلة دان به الملائكة، وحف به الجن الصالحون لم يمش على الأرض ماش
بعدي إلا كان هو أكرم منه عزا وفخرا، ومنهاجا لم يك قط عجولا ولا مسترسلا لفساد
ولا معتقدا حملته الأرض، فأكرمته لم يخرج من بطن أنثى بعدي أحد كان أكرم على الله
خروجا منه، ولم ينزل منزلا إلا كان ميمونا. انزل الله عليه الحكمة ورواه بالفهم
تجالسه الملائكة ولا يراها، ولو أوحى إلى أحد بعدي لأوحى إليه فزين الله به المحافل
وأكرم به العساكر وأخصب به البلاد وأعز به الأجناد ومثله كمثل بيت الله الحرام يزار
ولا يزور، ومثله كمثل القمر إذا طلع أضاء الظلمة، ومثله كمثل الشمس إذا طلعت أنارت
وصفه الله في كتابه ومدحه بآياته، ووصف فيه آثاره وأعلى منازله فهو الكريم حيا
والشهيد ميتا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلق الله عز وجل مائة الف نبي وأربعة وعشرين الف نبي
انا أكرمهم على الله ولا فخر. وخلق الله عز وجل مائة الف وصي وأربعة وعشرين
110

الف وصي فعلى أكرمهم على الله وأفضلهم.
وروى إنه كان النبي (صلى الله عليه وآله) نزل عليه الوحي ليلا لم يصبح حتى يخبر به عليا، وإذا
نزل الوحي عليه نهارا لم يمس حتى يخبر به عليا.
قال أبو سعيد الخدري: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن قول الله تعالى: قال الذي
عنده علم من الكتاب. قال: ذلك وصى أخي سليمان بن داود عليهما السلام فقلت
يا رسول الله قوله عز وجل: قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم، ومن عنده علم الكتاب
قال ذلك وصيي وأخي علي بن أبي طالب.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان حلقة باب الجنة من ياقوتة حمراء على صفايح الذهب
فإذا دقت الحلقة على الصفيحة طنت وقالت يا علي.
وقال الأصبغ بن نباتة قال: أمير المؤمنين " عليه السلام " ذات يوم على منبر الكوفة أنا خير
الوصيين، ووصى سيد النبيين انا امام المسلمين وقائد المتقين، ومولى المؤمنين وزوج
سيدة نساء العالمين انا المتختم باليمين والمعفر للجبين، انا الذي هاجرت الهجرتين
وبايعت البيعتين. انا صاحب بدر وحنين. انا الضارب بالسيفين، والحامل على
فرسين. انا وارث علم الأولين وحجة الله على العالمين بعد الأنبياء ومحمد بن عبد الله
خاتم النبيين أهل مولاتي مرحومون، وأهل عداوتي ملعونون، ولقد كان حبيبي
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيرا ما يقول لي: حبك تقوى وإيمان وبغضك كفر ونفاق، وانا
بيت الحكمة وأنت مفتاحه، وكذب من زعم إنه يحبني ويبغضك.
وقال عروة بن الزبير: كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتذاكرنا
أحوال اعمار أهل بدر. وبيعة الرضوان فقال أبو الدرداء: يا قوم ألا أخبركم بأقل
القوم مالا وأكثرهم ورعا وأشدهم اجتهادا في العبادة. قالوا: من هو؟ قال علي بن أبي
طالب. قال: فوالله إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه. ثم انتدب
له رجل من الأنصار. فقال له: يا عويم لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ
اتيت بها. فقال أبو الدرداء: يا قوم انى قائل ما رأيته، وليقل كل قوم منكم ما رأوا
شهدت علي بن أبي طالب " عليه السلام " بسويحات بنى النجار، وقد اعتزل عن مواليه، واختفى
ممن يليه واستتر بمغيلات النخل فافتقدته، وبعد على مكانه فقلت لحق بمنزله. فإذا انا
بصوت حزين ونغمة سحر شجى، وهو يقول: إلهي كم من موبقة حملتها عنى؟ فقابلتها
111

بنعمتك، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك إلهي ان طال في عصيانك عمري
عظم في الصحف ذنبي، فما انا مؤمل غير غفرانك، ولا انا براج غير رضوانك
فشغلني الصوت، واقتفيت الأثر فإذا هو علي بن أبي طالب " عليه السلام " بعينه فاستترت له
لا سمع كلامه، وأخملت الحركة فرفع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فزع إلى الدعاء
والتضرع والبكاء، والبث والشكوى فكان مما ناجى به الله ان قال إلهي أفكر في عفوك
فتهون على خطيئتي، ثم اذكر العظيم من اخذك فتعظم علي بليتي، ثم قال: آه ان انا
قرأت في الصحف سيئة انا ناسيها وأنت محصيها فتقول: خذوه فياله مأخوذ لا ينجيه
عشيرته، ولا تنفعه قبيلته يرحمه الملا إذا اذن فيه بالنداء. ثم قال: آه من نار تنضج
الأكباد والكلى آه من نار نزاعة للشوى. آه من غمرة من ملتهبات اللظى. قال: ثم
أنعم في البكاء فلم اسمع له حسا ولا حركة. فقلت غلب عليه النوم لطول السهر أوقظه
لصلاة الفجر. قال أبو الدرداء: فأتيته فإذ هو كالخشبة الملقاة فحركته فلم يتحرك
وزويته فلم ينزو فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. مات والله علي بن أبي طالب فأتيت
منزله مبادرا أنعاه إليهم. فقالت فاطمة عليها السلام: يا أبا الدرداء ما كان من شأنه
وقصته فأخبرتها الخبر. فقالت: هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله
ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ونظر إلي وأنا أبكى. فقال: مم بكاؤك
يا أبا الدرداء؟ فقلت مما أراه تنزله بنفسك. فقال يا أبا الدرداء: فكيف ولو رأيتني
ودعى بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرايم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ
وزبانية فظاظ فوقفت بين يدي الملك الجبار قد أسلمتني الأحباء، ورحمني أهل الدنيا
لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية. فقال أبو الدرداء: فوالله ما رأيت
ذلك لاحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله.
(وروى) جابر بن عبد الله: قال: لما قدم علي " عليه السلام " على رسول الله صلوات الله
عليه وآله بفتح خيبر. فقال له: رسول الله (صلى الله عليه وآله): لولا أن تقول فيك طوايف من
أمتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم " عليه السلام " لقلت فيك قولا لا تمر بملأ إلا أخذوا
التراب من تحت رجليك ومن فاضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون
منى وانا منك، ترثني وارثك، وانك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي
وانك تبرئ ذمتي وتقاتل سنتي وانك غدا على الحوض خليفتي، وانك أول من يكسى
112

وانك أول داخل الجنة من أمتي، وان شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي
اشفع لهم، ويكونوا غدا في الجنة جيراني، وان حربك حربي وسلمك سلمى، وان
سرك سرى وعلانيتك علانيتي، وان سريرة صدرك كسريرتي، وان ولدك ولدى
وانك تنجز عداتي، وان الحق معك وعلى لسانك وقلبك، وبين عينيك الايمان
مخالط بلحمك ودمك كما خالط بلحمي ودمى، وإنه لن يرد على الحوض مبغض لك ولن
يغيب عنه محب لك حتى يرد على الحوض معك. قال: فخر علي ساجدا. ثم قال: الحمد لله
الذي أنعم علي بالاسلام، وعلمني القرآن وحببني إلى خير البرية خاتم النبيين، وسيد المرسلين
إحسانا منه وفضلا علي. قال: فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لولا أنت لم يعرف المؤمنون بعدي.
قال أبو سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا سألتم الله عز وجل فاسألوه
لي الوسيلة. فسألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن الوسيلة فقال: هي درجتي في الجنة، وهي الف
مرقاة ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد شهرا، وهي ما بين مرقاة جوهر إلى
مرقاة زبرجد، ومرقاة ياقوت إلى مرقاة ذهب إلى مرقاة فضة، فيؤتى بها يوم القيامة
حتى تنصب مع درجة النبيين، فهي درجة النبيين كالقمر بين الكواكب فلا يبقى يومئذ
نبي ولا شهيد، ولا صديق إلا قال: طوبى لمن كان هذه الدرجة درجته. فيأتي النداء
من قبل الله عز وجل يسمع النبيين، وجميع الخلق: هذه درجة محمد، وأقبل أنا يومئذ
متزر بريطة من نور على تاج الملك، وإكليل الكرامة، وعلي بن أبي طالب أمامي
وبيده لوائي وهو لواء الحمد. مكتوب عليه: (لا إله إلا الله المفلحون هم الفائزون بالله)
وإذا مررنا بالنبيين قالوا: هذان ملكان مقربان لم نعرفهما ولم نرهما، وإذا مررنا
بالملائكة. قالوا: هذان نبيان مرسلان، حتى أعلو الدرجة وعلي يتبعني حتى إذا صرت
في أعلى درجة منها وعلي أسفل منى بدرجة. فلا يبقى يومئذ نبي، ولا صديق ولا شهيد
إلا قال: طوبى لهذين العبدين ما أكرمهما على الله، فيأتي النداء من قبل الله جلا جلاله
يسمع النبيين والصديقين والشهداء والمؤمنين: هذا حبيبي محمد وهذا وليي علي طوبى لمن
أحبه، وويل لمن أبغضه وكذب عليه، ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): فلا يبقى يومئذ أحد أحبك
يا علي إلا استروح إلى هذا الكلام، وابيض وجهه وفرح قلبه، ولا يبقى أحد ممن عاداك
أو نصب لك حربا أو جحد لك حقا إلا اسود وجهه، واضطربت قدماه فبينما انا
كذلك إذا ملكان قد أقبلا إلي. أما أحدهما فرضوان خازن الجنة، واما الآخر فمالك
113

خازن النار فيدنو رضوان فيقول: السلام عليك يا أحمد، فأقول: عليك السلام
أيها الملك. من أنت فما أحسن وجهك وأطيب ريحك؟ فيقول: أنا رضوان خازن
الجنة، وهذه مفاتيح الجنة التي بعث بها إليك رب العزة فخذها يا أحمد، فأقول: قد قبلت
ذلك من ربى فله الحمد على ما فضلني به ادفعها إلى أخي علي بن أبي طالب، ثم يرجع
رضوان فيدنو مالك. فيقول: السلام عليك يا أحمد. فأقول عليك السلام أيها الملك
من أنت فما أقبح وجهك وأنكر رؤيتك؟ فيقول: أنا مالك خازن النار، وهذه مقاليد
النار بعث بها إليك رب العزة فخذها يا أحمد. فأقول: قد قبلت ذلك من ربى فله الحمد على
ما فضلني إدفعها إلى أخي علي بن أبي طالب، ثم يرجع مالك فيقبل علي ومعه مفاتيح
الجنة، ومقاليد النار حتى يقف على عجزة جهنم، وقد تطاير شررها وعلا زفيرها
واشتد حرها، وعلي آخذ بزمامها فتقول له جهنم: حزني يا علي فقد أطفأ نورك لهبي
فيقول لها علي: قرى يا جهنم خذي هذا واتركي هذا خذي هذا عدوى، واتركي هذا وليي
فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلى من غلام أحدكم لصاحبه. فإن شاء يذهبهما يمنة وان شاء
يسرة، ولجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلى فيما يأمرها به من جميع الخلايق.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان الله تبارك وتعالى جعل لأخي علي بن أبي طالب فضايل
لا يحصى عددها غيره. فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله ما تقدم من ذنبه
وما تأخر ولو وافى القيامة بذنوب الثقلين، ومن كتب فضيلة من فضائل علي لم تزل
الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم أو أثر، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله
غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتابة فضائله غفر الله له
الذنوب التي اكتسبها بالنظر. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): النظر إلى علي بن أبي طالب
عبادة، وذكره عبادة ولا يقبل إيمان عبد إلا بولايته، والبراءة من أعداءه.
قال حبيب بن الجهم: لما رحل بنا علي بن أبي طالب " عليه السلام " إلى بلاد صفين نزل
بقرية يقال لها (صندودا) ثم أمرنا فعبرنا عنها ثم عرج بنا في ارض بلقع. فقام إليه
مالك بن الحارث الأشتر، وقال: يا أمير المؤمنين أتنزل الناس على غير ماء؟ فقال:
يا مالك ان الله عز وجل سيسقينا في هذا المكان ماء أعذب من الزبد الزلال، وأبرد من
الثلج، وأصفى من الياقوت فتعجبنا ولا عجب من قول أمير المؤمنين. ثم اقبل يجر
رداه وبيده سيفه حتى وقف على ارض بلقع. فقال: يا مالك احتفر أنت وأصحابك
114

فقال مالك فاحتفرنا فإذا نحن بصخرة سوداء عظيمة فيها حلقة تبرق كاللجين. فقال لنا
ارموها فرمناها بأجمعنا ونحن مائة رجل فلم نستطع ان نزيلها عن موضعها. فدنا
أمير المؤمنين " عليه السلام " رافعا يده إلى السماء يدعو وهو يقول: طاب طاب مريا عالم طييوما بوثه
شتميا كوثا حانوثا ثوديثا برجونا. آمين آمين رب العالمين رب موسى وهارون ثم
اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعا. فقال مالك بن الحارث الأشتر فظهر لنا ماء
أعذب من الشهد، وأبرد من الثلج وأصفى من الياقوت فشربنا وسقينا دوابنا. ثم رد
الصخرة، وأمرنا ان نحثوا عليها التراب. ثم ارتحل وسرنا غير بعيد. فلما سرنا غير
بعيد قال: من منكم يعرف موضع العين؟ قلنا: كلنا يا أمير المؤمنين، فرجعنا فطلبنا
العين فخفي مكانها علينا أشد خفاءا فظننا ان أمير المؤمنين قد رهقه العطش، فأومأنا
بأطرافنا فإذا نحن بصومعة راهب فدنونا منها، فإذا نحن براهب قد سقطت حاجباه على
عينيه من الكبر فقلنا يا راهب أعندك ماء تسقى منه صاحبنا؟ قال: عندي ماء قد
استعذبته منذ يومين. فانزل الينا ماء مرا خشنا، فقلنا: هذا وقد استعذبته منذ يومين؟
فكيف ولو شربت من الماء الذي سقانا منه صاحبنا، وحدثناه بالأمر فقال: صاحبكم
هذا نبي؟ قلنا: لا، ولكنه وصى نبي فنزل الينا بعد وحشتنا، وقال: انطلقوا بي
إلى صاحبكم، فانطلقنا به فلما بصر به أمير المؤمنين " عليه السلام " قال شمعون؟ قال الراهب: نعم
شمعون هذا سمتني به أمي ما اطلع عليه أحد إلا الله تعالى. ثم أنت فكيف عرفته فأتم حتى
أتمه لك، قال: وما تشاء يا شمعون؟ قال: هذه العين، واسمها. قال: هذه راحوما
وهي من الجنة شرب منها ثلاثمائة وثلاثة عشر وصيا، وانا آخر الوصيين شربت منه
قال الراهب: هكذا وجدت في جميع كتب الإنجيل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله، وانك وصى محمد (صلى الله عليه وآله) ثم رحل أمير المؤمنين والراهب يقدمه. حتى نزل
صفين ونزل معه العابد، والتقى الصفان فكان أول من اصابته الشهادة الراهب. فنزل
أمير المؤمنين وعيناه تهملان، وهو يقول: المرء مع من أحب الراهب معنا يوم القيامة
وهو رفيقي في الجنة.
قال أبو سخيلة: أتيت أبا ذر رضي الله عنه، فقلت: يا أبا ذر قد رأيت اختلاطا
فبماذا تأمرني؟ قال: عليك بهاتين الخصلتين كتاب الله، والشيخ علي بن أبي طالب فانى
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة
115

وهو الصديق الأكبر، وهو الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت ليلة أسرى بي مكتوبا على قائمة من قوائم العرش
انا الله لا إله إلا أنا وحدي، خلقت جنة عدن بيدي محمد صفوتي من خلقي أيدته بعلي
ونصرته بعلي.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوجهني إلى اليمن لأصلح بينهم
فقلت يا رسول الله انهم قوم كثيرون ولهم سن وانا شاب حدث فقال: يا علي إذا صرت
بأعلا عقبة أفيق فناد بأعلا صوتك: يا شجر يا مدر يا ثرى محمد رسول الله يقرئكم السلام
قال فذهبت فلما صرت بأعلا العقبة أشرفت على اليمن فإذا هم بأسرهم مقبلون نحوي مشرعون
رماحهم مصوبون أسنتهم متنكبون قسيهم شاهرون سلاحهم. فناديت بأعلا صوتي.
يا شجر يا مدر يا ثرى محمد رسول الله يقرئكم السلام، قال فلم تبق شجرة، ولا مدرة
ولا ثرى إلا ارتج بصوت واحد وعلى محمد رسول الله وعليك السلام. فاضطربت
قوائم القوم وارتعدت ركبهم، ووقع السلاح من أيديهم، وأقبلوا إلي مسرعين
فأصلحت بينهم وانصرفت.
وقال أبو زيد النحوي: سألت الخليل بن أحمد العروضي، فقلت لم هجر الناس
عليا عليه السلام وقرباه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قرباه، وموضعه من المسلمين موضعه
وغناؤه في الاسلام غناؤه. فقال: بهر والله نوره أنوارهم، وغلبهم على صفو كل
منهل والناس إلى اشكالهم أميل، اما سمعت الأول حيث يقول:
وكل شكل لشكله ألف * أما ترى الفيل يألف الفيلا
قال: وأنشد الرياشي في معناه عن العباس بن الأحنف:
وقائل كيف تهجرنا * فقلت قولا فيه انصاف
لم يك من شكلي فهاجرته * والناس اشكال وآلاف
قال أمير المؤمنين " عليه السلام " ما نزل من القرآن آية إلا وقد علمت أين نزلت وفيمن
نزلت، وفى أي شئ نزلت في سهل نزلت أم في جبل قيل: فما نزل فيك؟ فقال: لولا
انكم سألتموني لما أخبرتكم. نزلت في الآية: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)
فرسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر، وأنا الهادي إلى ما جاء به.
وقال أبو جعفر الباقر " عليه السلام " والله إن كان علي ليأكل أكل العبد، ويجلس جلسة
116

العبد، وإن كان ليشترى القميصين السنبلانيين فيخير غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر فإذا جاز
أصابعه قطعه، وإذا جاز كعبه حذفه ولقد ولى خمس سنين على ما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة
على لبنة ولا اقطع قطيعا، ولا أورث بيضا ولا حمرا، وإن كان ليطعم الناس خبز البر
واللحم وينصرف إلى منزله، ويأكل خبز الشعير والزيت والخل، وما ورد عليه أمران
كلاهما لله رضى، إلا اخذ بأشدهما على بدنه ولقد أعتق الف مملوك من كد يده تربت فيه
يداه وعرق فيه وجهه، وما أطاق عمله من الناس أحد، وإن كان ليصلى في اليوم والليل
الف ركعة، وإن كان أقرب الناس شبها به علي بن الحسين " عليه السلام " وما أطاق عمله بعده
أحد من الناس.
وسمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول: نزلت هذه الآية في علي بن أبي
طالب " عليه السلام ": (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة
ربه) قال الرجل: فأتيت عليا " عليه السلام " لأنظر إلى عبادته، فأشهد الله لقد أتيته وقت
المغرب فوجدته يصلى بأصحابه المغرب، فلما فرغ منها جلس في التعقيب إلى أن قام إلى
عشاء الآخرة، ثم دخل منزله فدخلت معه فوجدته طول الليل يصلى يقرأ القرآن إلى أن
طلع الفجر، ثم جدد وضوءه وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر، ثم جلس
في التعقيب إلى أن طلع الشمس، ثم قصده الناس فجعل يختصم إليه الرجل والرجلان
وإذا فرغا قاما وجاء آخران إلى أن قام إلى صلاة الظهر، قال: فجدد لصلاة الظهر وضوءا
ثم صلى بأصحابه الظهر، ثم قعد في التعقيب إلى أن صلى بهم العصر، ثم أتاه الناس فجعل
يقوم رجلان، ويقعد آخران يقضى بينهم، ويفتيهم إلى أن غابت الشمس فخرجت
وأنا أقول: أشهد بالله ان هذه الآية نزلت فيه.
وقال الأصبغ بن نباتة: كان أمير المؤمنين " عليه السلام " إذا أتى بالمال ادخله بيت مال
المسلمين، ثم جمع المستحقين ثم ضرب يده في المال فنثره يمنة ويسرة. وهو يقول:
يا صفراء يا بيضاء لا تغريني غري غيري.
هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه
ثم لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين ويؤتى كل ذي حق حقه ثم يأمر أن
يكنس ويرش ثم يصلى فيه ركعتين. ثم يطلق الدنيا ثلاثا يقول بعد التسليم: يا دنيا
لا تتعرضي لي ولا تتشوقي ولا تغريني فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي إليك.
117

وقال زيد بن أرقم: كان لنفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبواب شارعة في المسجد
فقال يوما: سدوا هذه الأبواب إلا باب علي فتكلم في ذلك الناس قال: فقام رسول الله
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد. فأنى أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي
فقال فيه قايلكم. انى والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكني أمرت بشئ فاتبعته.
وقال الأصبغ بن نباتة: لما جلس أمير المؤمنين " عليه السلام " في الخلافة وبايعه الناس وخرج
إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابسا بردة رسول الله. متنعلا نعل رسول الله
متقلدا بسيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصعد المنبر فجلس عليه متمكنا ثم شبك بين أصابعه
فوضعها أسفل بطنه ثم قال: يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني هذا سفط العلم هذا
لعاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا ما زقني رسول الله زقا سلوني فان عندي علم الأولين والآخرين
اما والله لو ثنيت لي وسادة وجلست عليها لأفتيت لأهل التوراة بتوراتهم حتى ينطق
التوراة فيقول صدق علي ما كذب لكم لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الإنجيل
بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول: صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله في وأنتم
تتلون القرآن ليلا ونهارا. فهل فيكم أحد يعلم ما أنزل الله فيه؟ ولولا آية في كتاب الله
عز وجل لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية:
(يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني
فوالذي فلق الحبة وبرء النسمة. لو سألتموني عن آية آية في ليل أنزلت أو في نهار مكيها
ومدنيها سفريها وحضريها ناسخها ومنسوخها محكمها ومتشابهها وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب: إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا علي على
نجيب من نور وعلى رأسك تاج قد أضاء نوره، وكاد يخطف أبصار أهل الموقف
فيأتي النداء من عند الله جل جلاله: أين خليفة محمد رسول الله فتقول: ها انا ذا فينادى
مناد بأعلى صوته: يا علي ادخل من أحبك الجنة، ومن عاداك النار وأنت قسيم الجنة
وأنت قسيم النار.
قال أبو هريرة: غزا النبي (صلى الله عليه وآله) غزاة، فلما رجع إلى المدينة، وكان علي " عليه السلام "
تخلف على أهله فقسم المغنم فدفع إلى علي بن أبي طالب " عليه السلام " سهمين. فقال الناس:
يا رسول الله لقد دفعت سهمين إلى علي بن أبي طالب " عليه السلام " وهو بالمدينة متخلف. فقال
معاشر الناس ناشدتكم بالله وبرسوله ألم تروا إلى الفارس الذي حمل على المشركين من يمين
118

العسكر فهزمهم ثم رجع إلي فقال: يا محمد ان لي معك سهما وقد جعلته لعلي بن أبي طالب
وهو جبرئيل عليه السلام.
معاشر الناس: ناشدتكم بالله وبرسوله هل رأيتم الفارس الذي حمل على المشركين
من يسار العسكر. ثم رجع فكلمني وقال لي معك سهما وقد جعلته لعلي بن أبي طالب
وهو ميكائيل " عليه السلام " فوالله ما دفعت إلى علي إلا سهم جبرئيل وميكائيل عليهما السلام فكبر
الناس بأجمعهم.
وروى أن الماء طغى في الفرات. وزاد حتى أشفق أهل الكوفة من الغرق ففزعوا
إلى أمير المؤمنين " عليه السلام " فركب بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخرج الناس معه حتى أتى شاطئ
الفرات فنزل " عليه السلام " وأسبغ الوضوء منفردا بنفسه والناس يرونه. ثم دعا الله عز وجل
بدعوات سمعها أكثرهم. ثم تقدم إلى الفرات متوكيا على قضيب بيده حتى ضرب به
صفحة الماء. وقال: أنقص بإذن الله ومشيته فغاض الماء حتى بدت الحيتان فنطق كثير
منها بالسلام عليه بأمرة المؤمنين. ولم تنطق منها أصناف من السمك. وهي الجرى
والمارماهي والزامير فتعجب الناس لذلك، وسألوه عن علة نطق ما نطق وصموت
ما صمت، فقال: أنطق الله لي ما طهر من السمك، وأصمت عنى ما حرمه ونجسه
وبعده وهذا خبر مستفيض شهرته بالنقل، والرواية بين الخاص والعام.
وروى أن أمير المؤمنين " عليه السلام " كان ذات يوم يخطب على منبر الكوفة إذ ظهر ثعبان
من جانب المنبر فجعل يرقى حتى دنى من أمير المؤمنين " عليه السلام " فارتاع الناس لذلك وهموا
بقصده ودفعه عن أمير المؤمنين فأومى إليهم بالكف عنه. فلما صار إلى المرقاة التي عليها
أمير المؤمنين قائم انحنى إلى الثعبان، وتطاول الثعبان إليه حتى التقم اذنه، وسكت
الناس وتحيروا، فنق نقينا سمعه كثير منهم، ثم إنه زال عن مكانه وأمير المؤمنين " عليه السلام "
يحرك شفتيه، والثعبان كالمصغي إليه ثم أنساب وكأن الأرض ابتلعته. وعاد أمير المؤمنين
إلى خطبته فتممها فلما فرغ منها ونزل، اجتمع الناس اليه يسألونه عن الثعبان والأعجوبة
فيه، فقال لهم: ليس ذلك كما ظننتم، إنما هو حاكم من حكام الجن التبست عليه قضية
فصار إلى يستفتيني عنها فأفهمته إياها ودعا لي بخير وانصرف.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا مدينة الحكمة - وهي الجنة - وأنت يا علي بابها وكيف
يهتدى المهتدون إلى الجنة ولا يهتدى إليها إلا من بابها.
119

وقال أبو سعيد الخدري: أتت فاطمة صلوات الله عليها النبي (صلى الله عليه وآله) فذكرت عنده
ضعف الحال، فقال لها: أما تدرين ما منزلة علي عندي؟ كفاني امرى وهو ابن اثنتي
عشرة سنة، وضرب بين يدي بالسيف وهو ابن ستة عشرة سنة، وقتل الابطال وهو
ابن تسع عشرة سنة، وفرج همومي وهو ابن عشرين سنة، ورفع باب خيبر وهو ابن
اثنتي وعشرين سنة وكان لا يرفعه خمسون رجلا، قال: فأشرق لون فاطمة عليها السلام
ولم تقو قدماها حتى أتت عليا " عليه السلام " فأخبرته فقال: كيف لو حدثك بفضل الله علي.
(وروى) انه ذكر علي " عليه السلام " عند ابن عباس بعد وفاته فقال: وا أسفاه على أبي
الحسن مضى والله ما غير ولا بدل ولا قصر، ولا جمع ولا منع ولا آثر إلا الله والله
لقد كانت الدنيا أهون عليه من شسع نعله. ليث في الوغا، بحر في المجالس، حكيم
في الحكماء.. هيهات قد مضى إلى الدرجات العلا.
وقال الحسن بن يحيى الدهان: كنت ببغداد عند قاضي بغداد واسمه سماعة إذ دخل
رجل من كبار أهل بغداد فقال له أصلح الله القاضي فانى حججت في السنين الماضية فمررت
بالكوفة فدخلت في مرجعي إلى مسجدها فبينا أنا واقف في المسجد أريد الصلاة إذ أمامي
امرأة اعرابية بدوية مرخية الذوائب عليها شملة وهي تنادي وتقول: يا مشهورا في
السماوات ويا مشهورا في الأرضين ويا مشهورا في الآخرة ويا مشهورا في الدنيا، جهدت
الجبابرة والملوك على إطفاء نورك واخماد ذكرك فأبى الله لذكرك إلا علوا ولنورك
إلا ضياء وتماما ولو كره المشركون. فقلت: يا أمة الله، ومن هذا الذي تصفينه بهذه
الصفة؟ قالت: ذاك أمير المؤمنين قال: فقلت لها أي أمير المؤمنين هو؟ قالت: علي
ابن أبي طالب الذي لا يجوز التوحيد إلا به وبولايته، قال فالتفت إليها فلم أر أحدا.
وقال الأعمش: بعث إلى أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل ان أجب قال: فقمت
متفكرا فيما بيني وبين نفسي وقلت: ما بعث إلي أمير المؤمنين هذه الساعة إلا ليسألني عن
فضائل أمير المؤمنين علي " عليه السلام " ان أخبرته قتلني، قال: فكتبت وصيتي ولبست كفني
ودخلت عليه فقال ادن فدنوت وعنده عمرو بن عبيد، فلما رأيته طابت نفسي شيئا
ثم قال: ادن فدنوت حتى كادت تمس ركبتي ركبتيه. قال فوجد منى رائحة الحنوط
فقال: والله لتصدقني أو لأصلبنك قلت: ما حاجتك يا أمير المؤمنين؟ قال: ما شأنك
متحنطا؟ قلت: أتاني رسولك في جوف الليل ان أجب. فقلت: عسى أن يكون
120

أمير المؤمنين بعث إلي في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي " عليه السلام " فلعلي أخبرته قتلني
فكتبت وصيتي ولبست كفني. قال: وكان متكيا فاستوى قاعدا. فقال: لا حول
ولا قوة إلا بالله سألتك بالله يا سلمان كم حديثا ترويه في فضائل علي؟ قال: قلت
يسيرا يا أمير المؤمنين. قال: كم؟ قلت عشرة آلاف حديث وما زاد
قال: يا سلمان والله لأحدثنك بحديث في فضائل علي تنسى كل حديث سمعته قال
قلت: حدثنا يا أمير المؤمنين قال نعم كنت هاربا من بنى أمية وكنت أتردد في البلدان
فأتقرب إلى الناس بفضائل علي، وكانوا يطعموني ويزودوني حتى وردت بلاد الشام
وانى لفي كساء خلق ما على غيره فسمعت الإقامة وانا جائع فدخلت المسجد لأصلي وفي
نفسي ان أكلم الناس في عشاء يعشوني. فلما سلم الامام دخل صبيان فالتفت إليهما وقال
مرحبا بكما وبمن سماكما على اسمهما فكان إلى جنبي شاب فقلت: يا شاب ما الصبيان من
الشيخ؟ قال: هو جدهما، وليس بالمدينة أحد بالمدينة يحب عليا غير هذا الشيخ. فلذلك سمى
أحدهما الحسن والآخر الحسين فقمت فرحا، فقلت للشيخ هل في حديث أقر به عينيك؟
فقال: ان أقررت عيني أقررت عينيك. قال: فقلت أخبرني والدي عن أبيه عن جده
قال: كنا قعودا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ جاءت فاطمة عليها السلام تبكي. فقال لها
رسول الله: ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا أبة خرج الحسن والحسين فما أدرى أين باتا؟
فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله) يا فاطمة لا تبكين والله الذي خلقهما هو ألطف بهما منك، ورفع
النبي (صلى الله عليه وآله) يده إلى السماء فقال: اللهم ان كانا اخذا أو برا وبحرا فأحفظهما وسلمهما فنزل
جبرئيل " عليه السلام " من السماء فقال: يا محمد ان الله يقرأك السلام ويقول: لا تحزن ولا تغتم لهما
فإنهما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة، وأبوهما أفضل منهما هما نائمان في حظيرة
بنى النجار، وقد وكل الله بهما ملكا. قال: فقام النبي (صلى الله عليه وآله) فرحا ومعه أصحابه حتى اتوا
حظيرة بنى النجار فإذا هم بالحسن معانقا للحسين عليهما السلام، وإذا الملك الموكل بهما قد
افترش أحد جناحيه تحتهما وغطاهما بالآخرة. قال فمكث النبي (صلى الله عليه وآله) يقبلهما حتى
انتبها، فلما استيقظا حمل النبي الحسن وحمل جبرئيل الحسين عليهما السلام فخرج من
الحظيرة وهو يقول: والله لأشرفكما كما شرفكما الله عز وجل، فقال له أبو بكر: ناولني
أحد الصبيين أخفف عنك، فقال: يا أبا بكر نعم الحملان ونعم الراكبان وأبوهما خير
منهما فخرج حتى أتى باب المسجد، فقال: يا بلال هلم علي بالناس، فنادى منادى
121

رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة فاجتمع الناس عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسجد، فقام على
قدميه فقال: يا معاشر الناس ألا أدلكم على خير الناس جدا وجدة؟ قالوا: بلى
يا رسول الله قال: الحسن والحسين فان جدهما محمد، وجدتهما خديجة بنت خويلد.
يا معشر الناس: ألا أدلكم على خير الناس أما وأبا؟ فقالوا: بلى يا رسول الله قال
الحسن والحسين. فإن أباهما يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وأمهما فاطمة
بنت رسول الله.
يا معشر الناس: ألا أدلكم على خير الناس عما وعمة؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال:
الحسن والحسين، فان عمهما جعفر الطيار في الجنة مع الملائكة، وعمتهما أم هاني بنت أبي
طالب.
يا معشر الناس: ألا أدلكم على خير الناس خالا وخالة؟ قالوا: بلى يا رسول الله
قال: الحسن والحسين. فإن خالهما القاسم بن رسول الله، وخالتهما زينب بنت رسول الله
ثم قال بيده هكذا يحشرنا، ثم قال: اللهم انك تعلم أن الحسن في الجنة والحسين في الجنة
وجديهما في الجنة وأباهما في الجنة، وعمهما وعمتهما في الجنة وخالهما وخالتهما في الجنة
اللهم انك تعلم أن من يحبهما في الجنة، ومن يبغضهما في النار. قال: فلما قلت ذلك
للشيخ قال: من أين أنت يا فتى؟ قلت: من أهل الكوفة قال: أعربي أم مولى؟ قال
قلت بل عربي، قال: فأنت تحدث بهذا الحديث وأنت في هذا الكسا فكساني خلعته
وحملني على بغلته فبعتها بمائة دينار، فقال: يا شاب أقررت عيني فوالله لأقرن عينك
ولأرشدنك إلى شاب يقر عينك اليوم، قال: قلت: أرشدني قال: لي اخوان أحدهما
إمام والآخر مؤذن أما الامام فإنه يحب عليا " عليه السلام " مذ خرج من بطن أمه واما المؤذن فإنه
يبغض عليا " عليه السلام " منذ خرج من بطن أمه، قال قلت: فأرشدني فأخذ بيدي حتى أتى
باب الامام فإذا أنا برجل قد خرج إلي فقال: اما البغلة والكسوة فأعرفهما والله ما كان
فلان يحملك ويكسوك إلا انك تحب الله ورسوله، فحدثني بحديث عن فضائل علي " عليه السلام "
قال: فقلت أخبرني أبي عن أبيه عن جده قال: كنا قعودا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إذ جاءت فاطمة عليها السلام تبكي بكاءا شديدا فقال لها رسول الله: ما يبكيك يا فاطمة؟
قالت: يا أبة عيرتني نساء قريش وقلن ان أباك زوجك من معدم لا مال له. فقال لها
النبي (صلى الله عليه وآله) لا تبكين فوالله ما زوجتك حتى زوجك الله من فوق عرشه واشهد بذلك
122

جبرئيل وميكائيل، وان الله عز وجل اطلع على أهل الدنيا فاختار من الخلائق أباك
فاختاره نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار من الخلايق عليا فزوجك إياه واتخذه وصيا
فعلى أشجع الناس قلبا، واحلم الناس حلما، واسمح الناس كفا، وأقدم الناس سلما
واعلم الناس علما، والحسن والحسين إبناه، وهما سيدا شباب أهل الجنة، واسمهما
في التوراة شبر وشبير لكرامتهما على الله عز وجل، يا فاطمة: لا تبكين فوالله انه
إذا كان يوم القيامة يكسى أبوك حلتين وعلي حلتين ولواء الحمد بيدي فأناوله عليا
لكرامته على الله عز وجل يشفع على ذلك اليوم، يا فاطمة لا تبكين إذا كان يوم القيامة
نادى منادى في أهوال ذلك اليوم يا محمد نعم الجد جدك إبراهيم خليل الرحمن ونعم الأخ
أخوك علي بن أبي طالب يا فاطمة علي يعينني على مفاتيح الجنة، وشيعته هم الفائزون
يوم القيامة غدا في الجنة.
فلما قلت ذلك قال: يا بنى ممن أنت؟ قلت من أهل الكوفة، قال: أعربي أنت
أم مولى؟ قلت: بل عربي قال: فكساني ثلاثين ثوبا وأعطاني عشرة آلاف درهم ثم
قال: يا شاب قد أقررت عيني ولي إليك حاجة قلت: قضيت إن شاء الله تعالى قال: فإذا
كان غدا فأت مسجد الفلاني كيما ترى أخي المبغض لعلي " عليه السلام " قال: فطالت علي تلك
الليلة، فلما أصبحت أتيت المسجد الذي وصف لي فقمت في الصف فإذا إلى جانبي شاب
متعمم فذهب ليركع فسقطت عمامته من رأسه فنظرت في رأسه ووجهه فإذا رأس خنزير
ووجهه وجه خنزير، فوالله ما علمت ما تكلمت في صلاتي حتى سلم الامام فقلت: ويحك
ما لذي أرى بك؟ فبكى وقال لي: انظر إلى هذه الدار فنظرت فقال لي: ادخل فدخلت
فقال لي: كنت مؤذنا لآل فلان كلما أصبحت لعنت عليا الف مرة بين الأذان والإقامة في
كل جمعة لعنته أربعة آلاف مرة فخرجت من منزلي، فأتيت داري فانكفأت على هذا
الدكان الذي ترى فرأيت في منامي كأني بالجنة وفيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي فرحين ورأيت
كأن النبي (صلى الله عليه وآله)، عن يمينه الحسن وعن يساره الحسين، ومعه كأس فقال يا حسن
أسقني فسقاه ثم قال: اسق الجماعة فشربوا ثم رأيت كأنه قال: اسق المتكئ على هذا الدكان
فقال له الحسن: يا جد أتأمرني ان أسقى هذا وهو يلعن والدي في كل يوم الف مرة بين
الأذان والإقامة، وقد لعنه في هذا اليوم أربعة آلاف مرة، فأتاني النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لي
ما لك عليك لعنة الله تلعن عليا وعلي منى، فرأيته كأنه تفل في وجهي وضربني برجله
123

وقال: قم غير الله ما بك من نعمة فانتبهت من نومي فإذا رأسي رأس الخنزير ووجهي
وجه الخنزير، ثم قال لي أبو جعفر هذان الحديثان في يدك؟ قلت لا، فقال: يا سليمان
حب علي إيمان وبغضه نفاق، والله لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق قال: قلت
الأمان يا أمير المؤمنين قال: لك الأمان قلت: فما تقول في قاتل الحسين بن علي بن أبي
طالب عليهم السلام؟ قال: إلى النار وفى النار قلت: فكذلك من قتل ولد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى النار وفى النار. قال الملك عقيم اخرج يا سليمان فلا تحدث بما سمعت.
(وروى) ان أمير المؤمنين " عليه السلام " دخل مكة في بعض حوائجه. فوجد أعرابيا
متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: يا صاحب البيت، البيت بيتك والضيف ضيفك
ولكل ضيف من مضيف قراي منك الليلة المغفرة، فقال أمير المؤمنين " عليه السلام " لأصحابه
أما تسمعون كلام الاعرابي؟ قالوا: نعم قال: الله أكرم من أن يرد ضيفه قال: فلما كان
الليلة الثانية وجده متعلقا بذلك الركن وهو يقول، يا عزيزا في عزك ولا أعز منك في
عزك، أعزني بعز عزك في عز لا يعلم أحد كيف هو أتوجه إليك، وأتوسل إليك بمحمد
وآل محمد عليك أعطني ما لا يعطني أحد غيرك واصرف عنى ما لا يصرفه أحد غيرك قال:
فقال أمير المؤمنين " عليه السلام " لأصحابه هذا والله الاسم الأكبر بالسريانية أخبرني به حبيبي
رسول الله (صلى الله عليه وآله) سأله الجنة فأعطاه وسأله صرف النار وقد صرفها عنه، فلما كان الليلة
الثالثة وجده وهو متعلق بذلك الركن وهو يقول: يا من لا يحويه مكان ولا يخلو منه مكان
بلا كيفية كان رزق الاعرابي أربعة آلاف درهم قال: فتقدم إليه أمير المؤمنين " عليه السلام " فقال
يا أعرابي سألت ربك القرى فقراك وسألت ربك الجنة فأعطاك وسألته ان يصرف
عنك النار وقد صرفها، وفى هذه الليلة تسأله أربعة آلاف درهم. قال الاعرابي: من أنت؟
قال: انا علي بن أبي طالب قال الاعرابي: أنت والله بغيتي وبك أنزلت حاجتي قال: سل
يا أعرابي قال: ألف درهم للصداق وألف درهم اقضي به ديني، وألف درهم اشترى به دارا
وألف درهم أتعيش منه قال: أنصفت يا أعرابي فإذا خرجت من مكة فسل عن داري
بمدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) فأقام الاعرابي أسبوعا بمكة وخرج في طلب أمير المؤمنين علي " عليه السلام "
إلى مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) ونادى من يدلني على دار أمير المؤمنين " عليه السلام " فقال الحسين بن
علي عليهما السلام من بين الصبيان انا أدلك على دار أمير المؤمنين علي " عليه السلام " وانا ابنه الحسين
ابن علي فقال الاعرابي: من أبوك؟ قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: من
124

أمك؟ قال فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين قال: من جدك؟ قال: رسول الله محمد بن
عبد الله بن عبد المطلب قال: من جدتك؟ قال: خديجة بنت خويلد قال من أخوك؟
قال أبو محمد الحسن بن علي، قال: قد اخذت الدنيا بطرفيها امش إلى أمير المؤمنين
وقل له: الاعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب. قال فدخل الحسين بن علي على أبيه
وقال له الاعرابي بالباب يزعم إنه صاحب الضمان بمكة قال فقال: يا فاطمة عندك شئ
يأكله الاعرابي، قالت: اللهم لا قال: فلبس أمير المؤمنين " عليه السلام " فخرج وقال: ادعو لي
يا أبا عبد الله سلمان الفارسي فدخل إليه سلمان الفارسي. فقال: يا أبا عبد الله أعرض
الحديقة التي غرسها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي على التجار. قال: فدخل سلمان السوق وعرض
الحديقة فباعها باثنتي عشرة ألف درهم، واحضر الاعرابي فأعطاه أربعة آلاف درهم
وأربعين درهما نفقة، ووقع الخبر إلى سؤال المدينة فاجتمعوا، ومضى رجل من
الأنصار إلى فاطمة عليها السلام فأخبرها بذلك. فقالت اجرك على الله في ممشاك فجلس
علي " عليه السلام " والدراهم مصبوبة بين يديه حتى اجتمع إليه أصحابه فقبض قبضة وجعل يعطى
رجلا رجلا حتى لم يبق درهم واحد، فلما أتى المنزل قالت له فاطمة عليها السلام
يا بن عم بعت الحايط الذي غرسه لك والدي؟ قال: نعم بخير منه عاجلا، وآجلا قالت
فأين الثمن قال: دفعته إلى أعين استحييت ان أذلها بذل المسألة قبل أن تسألني قالت فاطمة
انا جائعة وابناي جائعان ولا شك انك مثلنا في الجوع لم يكن لنا منه درهم واخذت بطرف
ثوب علي " عليه السلام " فقال علي يا فاطمة خليني، فقالت. لا والله أو يحكم بيني وبينك أبى
فهبط جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد الله يقرأك السلام، ويقول اقرأ عليا
من السلام وقل: لفاطمة ليس لك ان تضربي على على يديه فلما دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
منزل علي وجد فاطمة ملازمة لعلي عليهما السلام، فقال لها يا بنية ما لك ملازمة لعلي قالت
يا أبة باع الحايط الذي غرسته له باثني عشرة ألف درهم لم يحبس لنا منه درهما نشترى به
طعاما فقال يا بنية جبرئيل يقرأني من ربى السلام ويقول اقرأ عليا من ربه السلام وأمرني
ان أقول ليس لك أن لا تضربي عليه يديه فقالت فاطمة فانى استغفر الله ولا أعود ابدا قالت
فاطمة عليها السلام فخرج أبى صلوات الله عليه وآله في ناحية وزوجي علي " عليه السلام " في ناحية
فما لبث ان أتى أبى (صلى الله عليه وآله) ومعه سبعة دراهم سود هجرية، فقال: يا فاطمة أين علي؟
فقلت له خرج فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هاك هذه الدراهم، فإذا جاء ابن عمى فقولي له يبتاع
125

لكم بها طعاما فما لبث إلا يسيرا حتى جاء علي " عليه السلام " فقال: رجع ابن عمى فانى أجد رائحة
طيبة قالت: نعم وقد دفع إلى شيئا تبتاع لنا به طعاما، قال علي " عليه السلام " هاتيه فدفعته إليه
سبعة دراهم سودا هجرية، فقال: بسم الله والحمد لله كثيرا طيبا، وهذا من رزق
الله عز وجل، ثم قال: يا حسن قم معي فأتيا السوق فإذا هما برجل واقف وهو يقول
من يقرض الملي الوفي، قال: يا بنى تعطيه قال: أي والله يا أبة فأعطاه علي " عليه السلام " الدراهم
فقال الحسن: يا أبتاه أعطيته الدراهم كلها، قال: نعم يا بنى ان الذي يعطى القليل قادر على أن
يعطى الكثير، قال فمضى علي بباب رجل يستقرض منه شيئا فلقيه اعرابي ومعه ناقة
فقال: يا علي اشتر مني هذه الناقة، قال: ليس معي ثمنها: قال أنظرك به إلى القبض
قال بكم يا أعرابي؟ قال: بمائة درهم، قال: خذها يا حسن فأخذها، فمضى علي " عليه السلام "
فلقيه أعرابي آخر المثال واحد، والثياب مختلفة قال: يا علي تبيع الناقة قال علي " عليه السلام "
وما تصنع بها؟ قال: اغزوا عليها أول غزوة يغزوها ابن عمك قال: إن قبلتها فهي لك
بلا ثمن قال: معي ثمنها وبالثمن اشتريها، فبكم اشتريتها؟ قال: بمئة درهم قال الاعرابي
فلك سبعون ومئة درهم، فقال علي " عليه السلام " يا حسن خذ السبعين والمئة وسلم المئة للأعرابي
الذي باعنا الناقة والسبعين لنا نبتاع بها شيئا، فاخذ الحسن " عليه السلام " الدراهم وسلم الناقة.
قال علي " عليه السلام " فمضيت اطلب الاعرابي الذي ابتعت منه الناقة لأعطيه ثمنها فرأيت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا في مكان لم أره فيه قبل ذلك، ولا بعده على قارعة الطريق فلما
نظر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) تبسم ضاحكا حتى بدت نواجده، قال علي " عليه السلام ": أضحك الله سنك
وبشرك بيومك، قال: يا علي أتطلب الاعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه الثمن؟ فقلت
أي والله فداك أبي وأمي، فقال: يا أبا الحسن باعك الناقة جبرئيل، والذي اشتراها
منك ميكائيل والناقة من نوق الجنة، والدراهم من رب العالمين عز وجل فأنفقها في خير
ولا تخف اقتارا.
(وروى) ان جبرئيل نزل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد السلام يقرأك السلام
ويقول: خلقت السماوات السبع وما فيهن، والأرضين السبع ومن عليهن، وما خلقت
موضعا أعظم من الركن والمقام، ولو أن عبدا دعاني هناك منذ خلقت السماوات
والأرضين ثم لقيني جاحدا لولاية علي لكببته في سقر.
قال عبد الله بن عمر: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) دفع الراية يوم خيبر إلى رجل من
126

أصحابه فرجع منهزما فدفعها إلى آخر فرجع يجبن أصحابه، ويجبنوه قد رد الراية منهزما
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله
لا يرجع حتى يفتح الله على يديه، فلما أصبح قال: ادعوا لي عليا فقيل يا رسول الله
هو رمد فقال: ادعوه فلما جاء تفل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عينيه، فقال اللهم ادفع عنه
الحر والبرد، ثم دفع الراية إليه فمضى وما رجع إلى رسول الله إلا بفتح خيبر، ثم قال
اما إنه لما دنا من القموص اقبل أعداء الله من اليهود يرمونه بالنبل، والحجارة فحمل
عليهم علي " عليه السلام " حتى دنا من الباب فثنا رجله، ثم نزل مغضبا إلى أصل عتبة الباب فاقتلعه
ثم رمى به خلف ظهره أربعين ذراعا، قال ابن عمر: وما عجبنا من فتح الله خيبر على
يدي علي " عليه السلام " ولكنا عجبنا من قلعه الباب ورميه خلفه أربعين ذراعا، ولقد تكلف حمله
أربعون رجلا فما أطاقوه فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك فقال: والذي نفسي بيده لقد أعانه
عليه أربعون ملكا.
(وروى) ان أمير المؤمنين " عليه السلام " قال في رسالته إلى سهل بن حنيف: والله ما قلعت
باب خيبر بقوة جسدية، ولا بحركة غذائية لكني أيدت بقوة ملكوتية، ونفس بنور
ربها مضيئة وانا من احمد كالضوء من الضوء، والله لو تظاهرت العرب على قتالي
لما وليت ولو أمكنتني الفرصة من رقابها لما بغيت، ومن لم يبال منى حتفه عليه ساقط
فجنانه في الملمات رابط.
وقال جابر بن عبد الله: ان عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه
فتحوها وانهم جربوه بعد ذلك فلم يحمله إلا أربعون رجلا.
وقال سعيد بن جبير: اتيت عبد الله بن عباس، فقلت له يا بن عم رسول الله
انى جئتك أسئلك عن علي بن أبي طالب واختلاف الناس فيه، فقال ابن عباس: يا بن
جبير جئتني تسألني عن خير خلق الله من الأمة بعد رسول الله يا بن جبير تسألني
عن رجل كانت له الف منقبة في ليلة واحدة، وهي ليلة القربة يا بن جبير جئتني تسألني
عن وصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووزيره وخليفته، وصاحب حوضه ولوائه، وشفاعته
والذي نفس ابن عباس بيده لو كانت بحار الدنيا مدادا وأشجارها أقلاما، وأهلها كتابا
فكتبوا مناقب علي بن أبي طالب " عليه السلام " وفضائله من يوم خلق الله الدنيا إلى أن يفنيها
فما بلغوا معشار ما اتاه الله تبارك وتعالى.
127

وقال ابن عباس: لما فتح رسول الله مكة خرجنا، ونحن ثمانية آلاف فلما أمسينا
صرنا عشرة آلاف من المسلمون فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الهجرة بعد الفتح، قال ثم تهيئنا إلى
هوازن فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب " عليه السلام " يا علي قم وانظر كرامتك على الله عز وجل
كلم الشمس إذا طلعت، قال: ابن عباس والله ما حسدت أحدا إلا علي بن أبي طالب
ذلك قلت للفضل قم ننظر كيف يكلم علي بن أبي طالب الشمس؟ فلما طلعت الشمس قام
علي بن أبي طالب " عليه السلام " فقال: السلام عليك أيها العبد الدائب في طاعة ربه فأجابته
الشمس وهي تقول: عليك السلام يا أخا رسول الله، ووصيه وحجة الله على خلقه
قال فانكب علي عليه السلام ساجدا شكرا لله عز وجل، قال: فوالله لقد رأيت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام فأخذ برأس علي " عليه السلام " يقيمه ويمسح وجهه، ويقول: قم حبيبي
فقد أبكيت أهل السماء من بكائك، وباهى الله عز وجل بك حملة عرشه.
(وروى) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظر ذات يوم إلى علي بن أبي طالب " عليه السلام " وحوله
جماعة من أصحابه، فقال: من أحب ان ينظر إلى يوسف في جماله والى إبراهيم في
سخائه والى سليمان في بهجته، والى داود في قوته فلينظر إلى هذا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، والى نوح في فهمه
والى إبراهيم في حلمه، والى يحيى بن زكريا في زهده، والى موسى بن عمران في بطشه
فلينظر إلى علي بن أبي طالب.
وقال (صلى الله عليه وآله): حق علي على الناس كحق الوالد على ولده.
وقال جعفر بن محمد عليهما السلام: نادى ملك من السماء يوم بدر، يقال له
رضوان لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) يا علي أعطيت ثلاثا قلت: فداك أبي وأمي وما أعطيت؟ قال
أعطيت صهرا مثلي، وأعطيت مثل زوجتك فاطمة، وأعطيت ولديك الحسن والحسين.
قال ابن عباس: إذا كان يوم القيامة اقعد الله سبحانه جبرئيل ومحمد (صلى الله عليه وآله) على
الصراط فلا يجوز أحد إلا من كان معه براءة من علي بن أبي طالب.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة ضربت لي قبة من ياقوتة حمراء على
يمين العرش، وضربت لإبراهيم قبة خضراء على يسار العرش، وضربت فيما بيننا لعلي
ابن أبي طالب قبة من لؤلؤة بيضاء فما ظنكم بحبيب بين خليلين.
128

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلقت انا وعلي من نور واحد نسبح الله يمنة العرش
قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، فلما خلق الله آدم جعل ذلك النور في صلبه ولقد
سكن الجنة، ونحن في صلبه، ولقد هم بالخطيئة، ونحن في صلبه ولقد ركب النوح السفينة
ونحن في صلبه، ولقد قذف إبراهيم في النار ونحن في صلبه، فلم يزل يلقينا الله في أصلاب
طاهرة إلى أرحام طاهرة حتى انتهى بنا إلى عبد المطلب، فقسمنا نصفين فجعلني في صلب
عبد الله وجعل عليا في صلب أبى طالب، وجعل في النبوة والبركة، وجعل في الفصاحة
والفروسية، وشق لنا اسمين من أسمائه فذوا العرش محمود، وانا محمد والله الأعلى
وهذا علي.
(وروى) علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، قالت: سألت جعفر بن محمد
عليهما السلام قلت: انا نتحدث على أن الشمس ردت على أمير المؤمنين " عليه السلام " يوم بابل
قال: ما علمت ذلك، ولكن أبى حدثني ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى العصر بكراع الغميم
فلما سلم نزل عليه الوحي وجاء على، وهو على ذلك من الحال فأسنده إلى ظهره فلم يزل
بتلك الحال حتى غابت الشمس، والقرآن ينزل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا علي صليت؟
فقال لا قال: فما منعك؟ - قال: يا رسول الله جئت، وأنت بالحال التي كنت بها
فأسندتك إلى صدري، وكرهت ان أدعك حتى تفرغ، فاقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى القبلة
وقال: اللهم إن كان علي في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد الشمس فردت عليه الشمس
بيضاء نقية، فقال: قم فقام علي وصلى، فلما فرغ من صلاته وقعت الشمس وبدت
الكواكب.
(وروى) ان أمير المؤمنين " عليه السلام " لما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من
أصحابه بتعبير دوابهم ورحالهم، وصلى " عليه السلام " بنفسه في طايفة معه العصر، ولم يفرغ
الناس من عبورهم حتى غربت الشمس ففات صلاة كثير منهم، وفات الجمهور فضل
الاجتماع معه فتكلموا في ذلك، فلما سمع كلامهم فيه سأل الله تعالى رد الشمس عليه ليجمع
كافة أصحابه على صلاة العصر في وقتها، فأجابه الله تعالى وردها عليه فكانت في الأفق على
الحال التي تكون عليه وقت العصر، فلما سلم القوم غابت الشمس فسمع لها وجيب شديد
هال الناس من ذلك، وأكثر الناس التسبيح والتهليل والاستغفار والحمد لله على نعمه
التي ظهرت فيهم وسار خبر ذلك في الآفاق، وانتشر ذكره في الناس، وكذلك
129

روى عن أسماء بنت عميس وأم سلمة، وأبى رافع والحسين بن علي عليهما السلام.
(وروى) انه صلى جالسا بالايماء لما توسده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما أفاق
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غشيته دعا له حتى ردت الشمس.
(وروى) ان أنس بن مالك عصب بعصابة، فسئل عنها فقال: هذه دعوة علي
ابن أبي طالب " عليه السلام " فقيل: كيف كان ذلك؟ فقال: كنت خادما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فأهدى إليه
طاير مشوي، فقال: اللهم ايتني بأحب خلقك إليك والي يأكل معي من هذا الطير
فجاء علي " عليه السلام " فقلت له رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنك مشغول، وأحببت أن يكون رجلا من
قومي فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده ثانية، وقال: اللهم ايتني بأحب خلقك إليك والي
يأكل معي من هذا الطاير، فجاء علي " عليه السلام " فقلت له رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنك مشغول
وأحببت أن يكون رجلا من قومي، فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده ثالثة فقال: اللهم ايتني
بأحب خلقك إليك والي يأكل من هذا الطائر فجاء علي " عليه السلام " فقلت: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عنك مشغول، وأحببت أن يكون رجلا من قومي، فرفع علي " عليه السلام " صوته فقال
وما يشغل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنى فسمعه رسول الله فقال: يا أنس من هذا؟ قلت علي
ابن أبي طالب فقال: ائذن له، فلما دخل فقال له: يا علي انى قد دعوت الله عز وجل
ثلاث مرات ان يأتيني بأحب خلقه إليه والي ان يأكل معي من هذا الطاير، ولو لم تجبني
في الثالثة لدعوت الله في الثالثة باسمك ان يأتني بك، فقال علي " عليه السلام " يا رسول الله انى
قد جئت ثلاث مرات كل ذلك يردني أنس، ويقول: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنك مشغول
فقال رسول الله: يا أنس ما حملك على هذا؟ فقلت: يا رسول الله سمعت الدعوة فأحببت
أن يكون رجلا من قومي، قال: فرفع على يده إلى السماء فقال: اللهم ارم انسا بوضح
لا تستره من الناس، ثم كشف العصابة عن رأسه، فقال: هذه دعوة علي هذه دعوة
علي هذ دعوة علي، وقال أمير المؤمنين عليه السلام بخيبر:
انا الذي سمتني أمي حيدرة * عبل الذراعين شديد القيصرة
ليث لغابات شديد قسورة * أكيلكم بالسيف كيل السندرة
وقال حسان بن ثابت يوم خيبر في أمير المؤمنين عليه السلام:
وكان علي أرمد العين يبتغى * دواء فلما لم يحس مداويا
شفاه رسول الله منة بتفلة * فبورك مرقيا وبورك راقيا
130

وقال سأعطي الراية اليوم صارما * كميا محبا للرسول مواليا
يحب إلهي والرسول يحبه * به يفتح الله الحصون الأوابيا
فأصفى بها دون البرية كلها * عليا وسماه الوزير المواخيا
وقد روى هذه الأبيات لخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين:
انا مولى لفتى انزل فيه هل أتى * إلى متى اكتمه اكتمه إلى متى
وأنشد:
حب علي بن أبي طالب * فرض على الشاهد والغائب
وأنشد:
حب علي علو همة * لأنه سيد الأئمة
وأنشد:
إذا ذكرت العزل من هاشم * تنافرت عنك الكلاب الشاردة
فقل لمن لامك في حبه * خانتك في مولدك الوالدة
أشهد بالله وآلائه * شهادة صادقة خالدة
ان علي بن أبي طالب * امامنا في سورة المائدة
وأنشد في معناه الصاحب:
بحب علي تزول الشكوك * وتزكوا النفوس وتصفوا النجار
فمهما رأيت محبا له * فثم الزكاء وثم الفخار
ومهما رأيت عدوا له * ففي أصله نسب مستعار
فلا تعذلوه على فعله * فحيطان دار أبيه قصار
وأنشد:
انا وجميع من فوق التراب * فداء تراب نعل أبى تراب
وأنشد:
ردت عليه الشمس لما فاته * وقت الصلاة وقد دنت للمغرب
حتى تبلج نورها في وقتها * للعصر ثم هوت هوى الكوكب
وعليه قد حبست ببابل مرة * أخرى وما حبست لخلق مغرب
إلا لأحمد أوله من بعده * ولردها تأويل أمر معجب
131

مجلس في ذكر وفاة أمير المؤمنين عليه السلام
اعلم أن وفاة أمير المؤمنين " عليه السلام " كانت ليلة الجمعة ليلة احدى وعشرين من شهر
رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف قتله ابن ملجم لعنه الله ليلة تسع عشرة في
مسجد الكوفة، وكانت سنة يوم وفاته ثلاثا وستين سنة.
وروى أن أمير المؤمنين " عليه السلام " جمع الناس للبيعة، فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي
لعنه الله فرده مرتين أو ثلاثا، ثم بايعه وقال عند بيعته له: ما يحبس أشقاها فوالذي
نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا، ووضع يده على لحيته ورأسه " عليه السلام "، فلما أدبر ابن
ملجم لعنه الله منصرفا قال عليه السلام:
اشدد حيازيمك للموت فان الموت لاقيكا * ولا تجزع من الموت إذا حل بواديكا
وروى أن ابن ملجم المرادي لعنه الله أتى أمير المؤمنين " عليه السلام " يبايعه فيمن بايعه
ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين " عليه السلام " فتوثق منه، وتوكد عليه أن لا يغدر ولا ينكث
ففعل فقال ابن ملجم: والله يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري فقال " عليه السلام "
أريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مرادي
امض يا بن ملجم فوالله ما أرى ان تفي بما قلت.
وروى أن نفرا من الخوارج اجتمعوا بمكة فتذاكروا الأمراء فعابوهم وعابوا
اعمالهم عليهم، وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم، فقال بعضهم لبعض: لو إنا
شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلال فطلبنا غرتهم وأرحنا منهم العباد والبلاد، وثأرنا
بإخواننا الشهداء بالنهروان، فتعاهدوا عند انقضاء الحج على ذلك، فقال عبد الرحمن
ابن ملجم لعنه الله انا أكفيكم عليا، وقال المبارك بن عبد الله التميمي: انا أكفيكم
معاوية، وقال عمرو بن البكر التميمي: انا أكفيكم عمرو بن العاص، وتعاقدوا على
ذلك وتواثقوا على الوفاء، واتعدوا لشهر رمضان في ليلة التسع عشرة ثم تفرقوا فاقبل
ابن ملجم، وكان عداده في كندة حتى قدم الكوفة فلقي أصحابه، وكتمهم امره مخافة
ان ينتشر منهم شئ فهو في ذلك إذ رأى رجلا من أصحابه ذات يوم من تيم الرئاب فصادف
132

عنده قطام بنت الأخضر التميمية، وكان أمير المؤمنين " عليه السلام " قتل أباها وأخاها بالنهروان
وكانت من أجمل نساء زمانها، فلما رآها ابن ملجم لعنه الله شغف بها واشتد اعجابه
فسأل في نكاحها وخطبها، فقالت له: ما الذي تسمى لي من الصداق فقال لها: احكمي
ما بدا لك قالت انا محكمة عليك بثلاثة آلاف درهم، ووصيفا وخادما وقتل علي بن أبي
طالب فقال لها: جميع ما سألت واما قتل علي بن أبي طالب فأنى لي بذلك؟ فقالت
تلتمس غرته فان أنت قتلته شفيت نفسي، وهناك العيش معي وان قتلت فما عند الله
خير وأبقى، فقال: وأيم الله ما أقدمني هذا المصر إلا هذا، وقد كنت هاربا منه لامن
مع أهله إلا ما سألتني من قتل علي بن أبي طالب فلك ما سألت، قالت: فانا طالبة لك بعض
من يساعدك على ذلك، ويقويك ثم بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرئاب فخبرته
الخبر وسألته معونة ابن ملجم فتحمل ذلك لها وخرج ابن ملجم فأتى رجلا من أشجع
الناس يقال له شيب بن بحرة، فقال له: يا شبيب هل لك شرف في الدنيا والآخرة قال
وما ذاك؟ قال تساعدني على قتل علي، وكان شبيب على رأى الخوارج، فقال له: يا بن
ملجم هبلتك الهبول لقد جئت شيئا إدا وكيف تقدر على ذلك؟ فقال له ابن ملجم: نكمن
له في المسجد الأعظم فإذا خرج لصلاة الفجر قتلناه فان نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا
ثارنا فلم يزل به حتى أجابه فاقبل معه حتى دخل المسجد على قطام وهي معتكفة في المسجد
الأعظم قد ضربت عليها قبة فقال لها: قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل قالت لهما:
فإذا أردتما ذلك فالقوني في هذا الموضع فانصرفا من عندها فلبث أياما ثم اتياها ومعهما
الآخر ليلة الأربعاء لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة
فدعت لهما بحرير فعصبت به صدورهم وتقلدوا أسيافهم ومضوا، فجلسوا مقابل السدة
التي يخرج منها أمير المؤمنين " عليه السلام " إلى الصلاة وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث بن قيس
ما في قلوبهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين " عليه السلام " وواطأهم عليه، وحضر الأشعث بن
قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجمعوا عليه وكان حجر بن عدي رحمه الله بائتا في
المسجد فسمع الأشعث يقول لابن ملجم: النجا النجا لحاجتك فقد ضحك الصبح فأحس
الرجل بما أراد الأشعث فقال له: قتلته يا أعور وخرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين
فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف واقبل حجر، والناس يقولون قتل
أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وذكر عبد الله بن محمد الأزدي قال: اني لأصلي في تلك
133

الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل مصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أوله إلى
آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون في تلك الليلة في المسجد قريبا من السدة وخرج علي بن أبي
طالب " عليه السلام " لصلاة الفجر، فاقبل ينادى: الصلاة الصلاة فما أدرى أنادى أم رأيت
بريق السيف وسمعت قائلا يقول: لله الحكم يا علي لا لك ولا لأصحابك، وسمعت عليا يقول
لا يفوتنكم الرجل فإذا علي " عليه السلام " مضروب وقد ضربه شبيب بن بحرة فأخطأه ووقعت
ضربته في الطاق وهرب القوم نحو أبواب المسجد وبادر الناس لاخذهم، فأما شبيب بن
بحرة فأخذه رجل فصرعه وجلس على صدره واخذ السيف من يده ليقتله به فرأى الناس
يقصدون نحوه فخشي ان يعجلوا عليه ولا يسمعوا منه فوثب عن صدره وخلاه وطرح
السيف من يده ومضى شبيب هاربا حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير
عن صدره فقال له: ما هذا لعلك قتلت أمير المؤمنين فأراد أن يقول لا فقال نعم فمضى
ابن عمه فاشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه به حتى قتله، واما ابن ملجم فان رجلا
من همدان لحقه وطرح عليه قطيفة كان في يده ثم صرعه واخذ السيف من يده وجاء به إلى
إلى أمير المؤمنين " عليه السلام " وأفلت الثالث فانسل بين الناس، فلما دخل ابن ملجم علي
أمير المؤمنين " عليه السلام " نظر إليه ثم قال: النفس بالنفس ان انا مت فاقتلوه كما قتلني وان سلمت
رأيت فيه رأيي، فقال ابن ملجم لعنه الله والله لقد ابتعته بألف وسممته بألف فان
خانني فايعده الله، قال: ونادته أم كلثوم يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين، قال: إنما
قتلت إياك قالت: يا عدو الله انى لأرجو ا أن لا يكون عليه بأس، قال لها: فأراك إنما
تبكين على علي إذا والله لقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم فأخرج
من بين يدي أمير المؤمنين " عليه السلام "، وان الناس ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع
وهم يقولون يا عدو الله ماذا فعلت أهلكت أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وقتلت خير الناس وانه لصامت
ما ينطق فذهب به إلى الحبس، وجاء الناس إلى أمير المؤمنين " عليه السلام "، فقالوا له
يا أمير المؤمنين أمرنا بأمرك في عدو الله فقد أهلك الأمة، وأفسد الملة فقال
أمير المؤمنين " عليه السلام ": ان عشت رأيت فيه رأيي، وان هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل
النبي (صلى الله عليه وآله) اقتلوه ثم احرقوه بالنار بعد ذلك، قال فلما قضى أمير المؤمنين " عليه السلام " نحبه
وفرغ أهله من دفنه جلس الحسن " عليه السلام " وأمر أن يؤتى بابن ملجم لعنه الله فجيئ به، فلما
وقف بين يديه قال له: يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين، وأعظمت الفساد في الدين ثم
134

أمر به فضرب عنقه واستوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته لتتولى احراقها
فوهبها لها فأحرقتها بالنار واما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على قتل
معاوية وعمرو بن العاص، فان أحدهما ضرب معاوية وهو راكع فوقعت ضربته في
أليتيه ونجا منها فاخذ وقتل في وقته، واما الآخر فإنه وافى عمروا في تلك الليلة وقد
وجد علة فاستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حبيبة العامري فضربه
بالسيف وهو يظن أنه عمرو، واخذ وأتى به عمرو فقتله ومات خارجة في يوم الثاني.
وروى الأصبغ بن نباتة، قال: خطبنا أمير المؤمنين " عليه السلام " في الشهر الذي قتل فيه
فقال: آتيكم شهر رمضان، وهو سيد الشهور وأول السنة، وفيه يدور رحا السلطان
إلا وانكم الحاج العام صفا واحدا، وآية ذلك انى لست فيكم فهو ينعى بنفسه الينا ونحن
لا ندري.
وروى أنه لما دخل شهر رمضان كان أمير المؤمنين " عليه السلام " يتعشى ليلة عند الحسن
وليلة عند عبد الله بن العباس فكان لا يزيد على ثلاث لقم فقيل له في ليلة من الليالي ما لك
لا تأكل؟ فقال: يأتيني أمر ربى، وانا خميص إنما هي ليلة أو ليلتان فأصيب " عليه السلام " في
آخر الليل.
وروى أن عليا " عليه السلام " يقول لابنته أم كلثوم: يا بنية انني أراني قل ما أصحبكم قالت
فكيف ذلك يا أبتاه؟ قال: انى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي، وهو يمسح الغبار عن
وجهي ويقول: يا علي لا عليك قضيت ما عليك، قالت: فما مكثنا إلا ثلاثا حتى
ضرب تلك الليلة فصاحت أم كلثوم، فقال: يا بنية لا تفعلين فأنى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يشير إلى بكفه، ويقول: يا علي الينا فان ما عندنا هو خير لك.
وروى أن أمير المؤمنين " عليه السلام " سهر في الليلة التي قتل في صبيحتها، ولم يخرج لصلاة
الليل على عادته، فقالت له ابنته أم كلثوم: ما هذا الذي أسهرك؟ فقال: انى مقتول
لو قد أصبحت وأتاه ابن النباح فاذنه بالصلاة فمشى غير بعيد ثم رجع فقالت له أم كلثوم
مر جعدة فليصل قال: نعم مروا جعدة ليصلي ثم قال: لا مفر من الاجل فخرج إلى
المسجد فإذا هو بالرجل قد سهر ليله كلها يرصده، فلما برد السحر نام فحركه
أمير المؤمنين " عليه السلام " برجله، وقال له: الصلاة فقام إليه فضربه.
وروى في حديث آخر ان أمير المؤمنين " عليه السلام " سهر في تلك الليلة، وأكثر الخروج
135

والنظر إلى السماء وهو يقول: والله ما كذبت ولا كذبت، وانها الليلة التي وعدت
بها ثم يعاود مضجعه، فلما طلع الفجر شد إزاره وهو يقول:
اشدد حيازيمك للموت فان الموت لاقيكا * ولا تجزع من الموت إذا حل بواديكا
فلما خرج إلى صحن الدار استقبلته الإوز فصحن في وجهه فجعلوا يطردوهن، فقال
دعوهن فإنهن صوايح تتبعها نوايح، ثم خرج فأصيب عليه السلام.
وروى أن أمير المؤمنين " عليه السلام " لما حضرته الوفاة، قال للحسن والحسين عليهما السلام
إذا أنا مت فاحملاني على سرير، ثم أخرجاني واحملا مؤخر السرير فإنكما تكفيا مقدمه
ثم أتيا بي الغريين فإنكما ستريان صخرة بيضاء فاحتفروا فيها فإنكما تجدان فيها شيئا
فادفناني فيه قال: فلما مات أخرجنا، وجعلنا نحمل بمؤخر السرير ويكفى مقدمه
وجعلنا نسمع دويا وحفيفا حتى أتينا الغريين فإذا صخرة بيضاء تلمع نورا فاحتفرنا
فإذا ساجة مكتوب عليها: مما ادخرها نوح لعلي بن أبي طالب عليهما السلام فدفناه فيها
وانصرفنا ونحن مسرورون باكرام الله لأمير المؤمنين " عليه السلام " فلحقنا قوم من الشيعة لم
يشهدوا الصلاة عليه فأخبرناهم بما جرى، وباكرام الله لأمير المؤمنين " عليه السلام " فقالوا نحب
ان نعاين من أمره ما عاينتم فقلنا لهم: ان الموضع قد عفى اثره بوصية منه " عليه السلام " فمضوا إليه
فقالوا: انهم احتفروا فلم يروا شيئا.
وقال الباقر " عليه السلام ": دفن أمير المؤمنين " عليه السلام " بناحية الغريين، ودفن قبل طلوع الفجر
ودخل قبره الحسن والحسين ومحمد بنو علي عليهما السلام، وعبد الله بن جعفر (رض)
وروى أنه لما ضربه ابن ملجم عليه لعاين الله، قال للحسن والحسين عليهما السلام
أوصيكما بتقوى الله، وان لا تبغيا الدنيا ولا تأسفا على شئ منها زوى عنكما وقولا
بالحق واعملوا للآخرة وكونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا أوصيكما وجميع ولدى
وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم فإني سمعت جدكما (صلى الله عليه وآله)
يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام الله الله في الأيتام فلا تغبوا
أفواههم ولا تضيعوا بحضرتكم، الله الله في جيرانكم فإنه وصية نبيكم ما زال يوصى بهم حتى
ظننت أنه سيورثهم، الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم، الله الله في الصلاة
فإنها عمود دينكم، الله الله في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا، الله
الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله، وعليكم بالتواصل والتباذل
136

وإياكم والتدابر والتقاطع لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فيولى عليكم
شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم، يا بنى عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين
خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إذا انا مت من
ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثل بالرجل فانى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول
إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور.
قال الشاعر في أمر قطام التي استدعت ابن ملجم إلى قتل أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام:
فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة * كمهر قطام من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة * وضرب على بالحسام المصمصم
فلا مهر أغلى من علي وان غلى * ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
وروى أنه لما ضربه ابن ملجم قال " عليه السلام ": أطعموه وأسقوه وأحسنوا أساره وان
أصح فانا ولي دمى إن شئت اعفوا وإن شئت استقدت منه، وان انا هلكت فبدا لكم
ان تقتلوه فلا تمثلوا به.
قال جعفر بن محمد الصادق " عليه السلام ": لما قتل أمير المؤمنين " عليه السلام " قال صعصعة بن صوحان:
ألا من لي بنشرك يا أخيا * ومن لي ان أبثك ما أريا
طوتك خطوب دهر قد تولى * كذاك خطوبه نشرا وطيا
وكانت في حياتك لي عظات * وأنت اليوم أوعظ منك حيا
وقال أبو الأسود الدؤلي في مقتله " عليه السلام " وقيل لأروى بنت أبي
سفيان بن الحارث بن عبد المطلب
ألا أبلغ معاوية بن حرب * فلا قرت عيون الشامتينا
أفي الشهر الحرام فجعتمونا * بخير الناس طرا أجمعينا
قتلتم خير من ركب المطايا * وأكرمهم ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمبينا
إذا استقبلت وجه أبى حسين * رأيت البدر راع الناظرينا
لقد علمت قريش حيث كانت * بأنك خيرهم حسبا ودينا
قال حبيب بن عمرو: دخلت على أمير المؤمنين " عليه السلام " في مرضه الذي قبض فيه فحل
عن جراحه فقلت: يا أمير المؤمنين: ما جرحك هذا بشئ وما بك من بأس؟ فقال
137

يا حبيب انا والله مفارقكم الساعة، قال فبكيت عند ذلك وبكيت أم كلثوم، وكانت
قاعدة عنده فقال لها: ما يبكيك يا بنية؟ فقالت: ذكرت يا أبت انك تفارقنا الساعة
فبكيت فقال لها: يا بنية لا تبكين فوالله لو ترين ما يرى أبوك ما بكيت، قال حبيب
فقلت له وما الذي ترى يا أمير المؤمنين قال يا حبيب أرى ملائكة السماوات والنبيين بعضهم
في أثر بعض وقوفا إلي يتلقوني، وهذا أخي محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس عندي يقول
أقدم فان امامك خير لك مما أنت فيه، قال: فما خرجت من عنده حتى توفى عليه الصلاة
والسلام فلما كان الغد، وأصبح الحسن " عليه السلام " قام خطيبا على المنبر فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال: أيها الناس في هذه الليلة نزل القرآن، وفى هذه الليلة رفع عيسى بن مريم " عليه السلام "
وفى هذه الليلة قتل يوشع بن نون، وفى هذه الليلة قتل أبى أمير المؤمنين " عليه السلام " والله لا يسبق
أبى أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنة، ولا من يكون بعده وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ليبعثه في السرية فيقاتل جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره وما ترك صفراء
ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يجمعها ليشترى به خادما لأهله.
وكانت امامة أمير المؤمنين " عليه السلام " بعد النبي صلوات الله عليه ثلاثين سنة منها أربع
وعشرون سنة وأشهر ممنوعا من التصرف مستعملا للتقية والمداراة، ومنها خمس سنين
وأشهر ممتحنا بجهاد الناكثين والقاسطين والمارقين.
والنبي (صلى الله عليه وآله) كان بمكة كذلك ممنوعا، ثم هاجر فتمكن من الجهاد لأعدائه وكانت
سن أمير المؤمنين ثلاثا وستين سنة، ولم يزل قبره " عليه السلام " مخفيا بوصية منه لما علم من دولة
بنى أمية من بعده، واعتقادهم عداوته حتى دخل عليه الصادق عليه السلام في الدولة
العباسية فعرفته الشيعة، واستأنفوا إدراك زيارته عليه السلام.
مجلس في ذكر ما يدل على ايمان أبي طالب
وفاطمة بنت أسد
قال الله تعالى: (الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين).
اعلم أن الطائفة المحقة قد اجتمعت على أن أبا طالب وعبد الله بن عبد المطلب وآمنة
138

بنت وهب كانوا مؤمنين، واجماعهم حجة على ما ذكر في غير موضع.
وأيضا فقد ظهر واشتهر عن أبي طالب من الموالاة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والمحبة
والنصرة وذلك ظاهر من شايع ذايع لا ينكره إلا جاهل غبي ليس له علم بالسير، وقد روى
عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال بعد دعاء الاستسقاء: لله در أبى طالب لو كان حيا لقرت عيناه
من منكم يحفظ شعره؟:
وابيض يستسقى الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للأرامل
(وروى) انه سئل النبي (صلى الله عليه وآله) أين كنت وآدم في الجنة؟ قال: كنت في صلبه
وهبط بي إلى الأرض في صلبه، وركبت السفينة في صلب أبى نوح وقذف بي النار في
صلب أبى إبراهيم، لم يلتق لي أبوان على سفاح قط لم يزل الله عز وجل ينقلني من الأصلاب
الطيبة إلى الأرحام الطاهرة هاديا مهديا حتى اخذ الله بالنبوة عهدي، وبالإسلام ميثاقي
وبين كل شئ من صفتي، وأثبت في التوراة والإنجيل ذكرى، ورقى بي إلى السماء
وشق لي اسما من أسمائه، أمتي الحامدون فذو العرش محمود وانا محمد، وهذا الخبر يدل
على أن أبويه كانا مؤمنين.
وروى عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه هبط جبرئيل، وقال: يا محمد ان الله تعالى حرم النار
على ثلاثة: صلب أنزلك، وبطن حملك وحجر كفلك، وذلك يدل على قولنا.
قال ابن عباس عن أبيه: قال أبو طالب للنبي (صلى الله عليه وآله): يا بن أخ الله أرسلك؟ قال: نعم
قال: فأرني آية فادع لي تلك الشجرة فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم انصرفت فقال
أبو طالب: اشهد انك صادق يا علي صل جناح ابن عمك.
وسأل رجل عبد الله بن عباس، فقال له: يا بن عم رسول الله أخبرني عن أبي
طالب هل كان مسلما؟ قال: وكيف لم يكن مسلما وهو القائل:
وقد علموا ان ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعنى بقول الا باطل
ان أبا طالب كان مثله كمثل أصحاب الكهف أسروا الايمان وأظهروا الشرك فآتاهم
اجرهم مرتين.
وقال الصادق " عليه السلام ": ان مثل أبى طالب مثل أصحاب الكهف حين كتموا الايمان
وأظهروا الشرك فآتاهم اجرهم مرتين.
وقال أبو عبد الله الصادق " عليه السلام ": لما حضرت أبا طالب رضي الله عنه الوفاة جمع
139

وجوه قريش فأوصاهم، فقال: يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه، وقلب العرب
وأنتم خزنة الله في ارضه، وأهل حرمه فيكم السيد المطاع الطويل الذراع، وفيكم المقدم
الشجاع الواسع الباع، اعلموا انكم لم تتركوا للعرب في المفاخرة نصيبا إلا حزتموه
ولا شرفا إلا أدركتموه فلكم على الناس بذلك الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة والناس
لكم حرب وعلى حربكم ألب، انى موصيكم بوصية فاحفظوها أوصيكم بتعظيم هذه البنية فان
فيها مرضاة الرب، وقواما للمعاش وثبوتا للوطأة، وصلوا أرحامكم ففي صلتها
منساة في الاجل وزيادة في العدد، واتركوا العقوق والبغي ففيهما هلكت القرون قبلكم
أجيبوا الداعي وأعطوا السائل فان فيهما شرفا للحياة والممات، عليكم بصدق الحديث وأداء
الأمانة فان فيهما نفيا للتهمة، وجلالة في الأعين أقلوا الخلاف على الناس، وتفضلوا
عليهم بالمعروف فان فيهما محبة للخاصة، ومكرمة للعامة وقوة لأهل البيت، وانى
أوصيكم بمحمد خيرا فإنه الأمير في قريش، والصديق في العرب وهو جامع لهذه الخصال
التي أوصيكم بها وقد جاءكم بأمر قبله الجنان، وأنكره اللسان مخافة الشنآن، وأيم الله
لكأني انظر إلى صعاليك العرب، وأهل العز في الأطراف والمستضعفين من الناس قد
أجابوا دعوته وصدقوا كلمته، وعظموا أمره فخاض بهم غمرات الموت فصارت رؤس
قريش وصناديدها أذنابا، ودورها خرابا وضعفاؤها أربابا وإذا أعظمهم عليه أحوجهم
إليه وأبعدهم منه أحظاهم لديه قد محضته العرب ودادها، وصفت له بلادها وأعطته قيادها
فدونكم يا معاشر قريش ابن أبيكم وأمكم له ولاة، ولحزبه حماة والله لا يسلك
أحد سبيله الا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه الا سعد، ولو كان لنفسي مدة وفى أجلى
تأخير لكفيته الكوافي ولدفعت عنه الدواهي غير انى أشهد شهادته وأعظم مقالته.
وقال ابن عباس: مر أبو طالب ومعه جعفر ابنه برسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في المسجد
الحرام يصلى صلاة الظهر، وعلي " عليه السلام " عن يمينه فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح ابن
عمك فتقدم جعفر، وتأخر علي واصطفا خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى قضى الصلاة وفى
ذلك يقول أبو طالب:
ان عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والنوب
اجعلهما عرضة العداء إذا * اترك ميتا وانتمى إلى حسبي
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي
140

والله لا اخذل النبي ولا * يخذله من بنى ذو حسب
انا أبا معتب قد أسلمنا * ليس أبو معتب بذي نسب
وقال أيضا:
ليعلم خير الناس ان محمدا * رسول كموسى والمسيح بن مريم
أتى بالهدى مثل الذي اتيا به * فكل بحمد الله يهدى ويعصم
وانكم تتلونه في كتابكم * بصدق حديث لا حديث المجمجم
فلا تجعلوا لله ندا واسلموا * فان طريق الحق ليس بمظلم
ومما يدل على توحيده قوله:
مليك الناس ليس له شريك * هو الوهاب والمبدى المعيد
ومن فوق السماء له بحق * ومن تحت السماء له عبيد
فأقر بالتوحيد وخلع الأنداد من دونه وانه بعيد بعد الابتداء وينشأ خلقه نشأة
أخرى وبهذا المعنى فارق المسلمون أهل الجاهلية.
وقال رضي الله عنه وقد حضرته الوفاة:
أوصى بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وشيخ القوم عباسا
وحمزة الأسد الحامي حقيقته * وجعفرا ان يذودوا دونه البأسا
كونوا فداء لكم أمي وما ولدت * في نصر أحمد دون الناس أتراسا
وقال أيضا:
ألم تعلموا ان ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعنى بقول الا باطل
وابيض يستسقى الأنام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا * ولما نطأ عن دونه ونقاتل
ونسلمه حتى نصرع دونه * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وقال أيضا:
يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى * وغالب لنا غلاب كل مغالب
وسلم الينا أحمد وأكفلن لنا * بنينا ولا تحفل بقول المعاتب
فقلت لهم الله ربي وناصري * على كل باغ من لوى بن غالب
141

وكل هذه الأبيات تدل على إيمانه رضي الله عنه فمن تأملها، وكل من تفكر فيها
علم ما قلناه.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: اقبل علي بن أبي طالب ذات يوم إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
باكيا وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال له رسول الله: مه يا علي فقال
ماتت أمي فاطمة فبكى النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: رحم الله أمك يا علي اما إنها ان كانت لك اما
فقد كانت لي اما خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين فكفنها فيهما، ومر النساء فلتحسن
غسلها ولا تخرجها حتى أجئ فإلي أمرها، قال: وأقبل النبي (صلى الله عليه وآله) بعد ساعة وأخرجت
فاطمة أم علي " عليه السلام " فصلى عليها النبي صلاة لم يصل على أحد قبلها مثل تلك الصلاة، ثم كبر
عليها أربعين تكبيرة، ثم دخل القبر فتمدد فيه فلم يسمع له أنين ولا حركة، ثم قال
يا علي ادخل يا حسن ادخل، فدخلا القبر، فلما فرغ مما احتاج إليه قال له: يا علي اخرج
يا حسن اخرج فخرجا ثم زحف النبي حتى صار عند رأسها، ثم قال يا فاطمة انا محمد سيد
ولد آدم ولا فخر فأن أتاك منكر ونكير فسألاك ممن ربك فقولي: الله ربى ومحمد نبي
والإسلام ديني والقرآن كتابي وابني امامي ووليي، ثم قال: اللهم ثبت فاطمة بالقول
الثابت ثم ضرب بيده اليمنى على اليسرى فنفضهما، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لقد
سمعت فاطمة تصفق يميني على شمالي، فقام إليه عمار بن ياسر فقال: فداك أبي وأمي
يا رسول الله لقد صليت عليها صلاة لم تصل على أحد قبلها مثل تلك الصلاة، فقال:
يا أبا اليقظان وهل ذلك هي منى لقد كان لها من أبى طالب ولد كثير، ولقد كان خيرهم
كثيرا وكان خيرنا قليلا، وكانت تشبعني وتجيعهم وتكسوني وتعريهم، وتدهنني
وتشعثهم قال: فلم كبرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله؟ قال: نعم يا عمار التفت إلى
يميني ونظرت أربعين صفا من الملائكة فكبرت لكل صف تكبيرة، قال فتمددك في القبر
ولم يسمع لك أنين ولا حركة؟ قال إن الناس يحشرون يوم القيامة عراة فلم أزل اطلب إلى
ربى ان يبعثها ستيرة، والذي نفسي بيده ما خرجت من قبرها حتى رأيت مصباحين من
نور عند يديها ومصباحين من نور عند رجليها، وملكيها الموكلين بقبرها يستغفران
لها إلى أن تقوم الساعة.
وروى في خبر آخر طويل ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال يا عمار ان الملائكة قد ملأت الأفق
وفتح لها باب من الجنة ومهد لها مهادا من مهاد الجنة، وبعث إليها بريحان من رياحين
142

الجنة فهي روح وريحان وجنة نعيم، وقبرها روضة من رياض الجنة، وقد ذكرنا
في باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ومبعثه ما يدل على إيمان أبى طالب فمن أراد فليلتمس منه
إن شاء الله.
مجلس في ذكر مولد سيدة النساء
فاطمة الزهراء صلوات الله عليها
اعلم أن فاطمة الزهراء ولدت بعد النبوة بخمس سنين، وبعد الاسراء بثلاث
سنين وأقامت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة ثمان سنين، ثم هاجرت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إلى المدينة فزوجها من علي بن أبي طالب " عليه السلام " بعد مقدمهم المدينة بسنة، والأصح ستة
أشهر وقبض النبي ولفاطمة عليها السلام يومئذ ثماني عشرة سنة، وعاشت بعد أبيها
اثنين وسبعين يوما.
قال المفضل بن عمر: قلت لأبي عبد الله الصادق " عليه السلام " كيف كان ولادة فاطمة " عليه السلام "
قال نعم ان خديجة لما تزوج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرها نسوة مكة وكن لا يدخلن إليها
ولا يسلمن عليها ويمنعن امرأة أرادت ان تدخل إليها فاستوحشت خديجة لذلك وكان
جزعها وغمها حذرا عليه، فلما حملت بفاطمة كانت فاطمة عليها السلام تحدثها من بطنها
وتصبرها وكانت تكتم ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل رسول الله يوما فسمع خديجة
تحدث فاطمة، فقال لها يا خديجة من تحدثين؟ قالت الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني
قال: يا خديجة هذا جبرئيل " عليه السلام " يبشرني انها ابنتي، وانها النسلة الطاهرة الميمونة
وان الله تعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمة، ويجعلهم خلفاء في ارضه بعد
انقضاء وحيه فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش
وبنى هاشم ان تعالين لتلين منى ما تلى النساء من النساء فأرسلن إليها عصيتنا ولم تقبلي قولنا
وتزوجت محمدا يتيم أبى طالب فقيرا لا مال له فلسنا نجئ، ولا نلي من أمرك شيئا
فاغتمت خديجة لذلك فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من
نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن، فقالت إحديهن لا تحزني يا خديجة فانا رسل
143

ربك ونحن أخواتك انا سارة وهذه آسية بنت مزاحم، وهذه رفيقتك في الجنة وهذه
مريم بنت عمران وهذه كلثم أخت موسى بن عمران بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلى النساء
من النساء فجلست واحدة عن يمينها، وأخرى عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة
من خلفها فوضعت فاطمة عليها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها
النور حتى علا بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا في غربها موضع إلا أشرق
فيه ذلك النور ودخلن عشرة من الحور العين كل واحدة منهن معها طشت من الجنة
وإبريق من الجنة وفى الإبريق ماء من الكوثر فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها
بماء الكوثر فأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن وأطيب ريحا من المسك
والعنبر فلفتها بواحدة وقنعتها بالثانية ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بالشهادتين
قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وان أبى رسول الله سيد الأنبياء وان بعلي سيد الأوصياء
وولدي سادة الأسباط، ثم سلمت عليهن وسمت كل واحدة باسمها وأقبلن يضحكن إليها
وتباشرت الحور العين وبشر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة عليها السلام وحدث
في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة
زكية ميمونة بورك فيها وفى نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدر عليها
فكانت فاطمة عليها السلام تنمو في اليوم كما ينمى الصبي في الشهر وتنمو في الشهر كما ينمى
الصبي في السنة.
وأنشد:
يا نفس ان تتلقى صبرا فقد ظلمت * بنت النبي رسول الله وابناها
فتلك التي أحمد المختار والدها * وجبرئيل أمين الله رباها
الله طهرها من كل فاحشة * وكل ريب وصفاها وزكاها
مجلس في ذكر تزويج فاطمة عليها السلام
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": لقد هممت بتزويج فاطمة ابنة محمد عليهما السلام حينا ولم
أتجرأ ان اذكر للنبي (صلى الله عليه وآله) وان ذلك يختلج في صدري ليلى ونهاري حتى دخلت على
144

رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا علي قلت لبيك يا رسول الله قال: هل لك في التزويج؟ قلت
رسول الله اعلم وإذا هو يريد أن يزوجني بعض نساء قريش وانى لخائف على فوت فاطمة
فما شعرت بشئ إذ أتاني رسول رسول لله فقال لي أجب النبي وأسرع فما رأينا رسول الله أشد
فرحا منه اليوم قال: فأتيته مسرعا فإذا هو في حجرة أم سلمة فلما نظر إلي تهلل وجهه
وتبسم حتى نظرت إلى بياض أسنانه تبرق فقال: أبشر يا علي فان الله تعالى قد كفاني
ما كان من همي من أمر تزويجك قلت وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: اتاني جبرئيل " عليه السلام "
ومعه سنبل الجنة وقرنفلها فناولنيهما فاخذتهما فشممتهما فقلت: ما سبب هذا السنبل
والقرنفل فقال إن الله تعالى أمر سكان الجنة من الملائكة ومن فيها ان يزينوا الجنان كلها
بمغارسها وأشجارها وثمارها وقصورها وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب وأمر
حور عينها بالقراءة فيها سورة طه وطواسين ويسن وحم عسق ثم نادى مناد من تحت
العرش ألا إن اليوم يوم وليمة علي بن أبي طالب ألا انى أشهدكم انى قد زوجت فاطمة بنت
محمد من علي بن أبي طالب رضى منى بعضهما لبعض ثم بعث الله تبارك وتعالى سحابا بيضاء
فقطرت من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها وقامت الملائكة فنثرت من سنبل الجنة وقرنفلها
هذا مما نثرت الملائكة ثم أمر الله تبارك وتعالى ملكا من ملائكة الجنة يقال له: راحيل
فليس في الملائكة أبلغ منه فقال اخطب يا راحيل فخطب خطبة لم يسمع بمثلها أهل السماء
ولا أهل الأرض ثم نادى مناد ألا يا ملائكتي وسكان جنتي باركوا علي بن أبي طالب
حبيب محمد وفاطمة بنت محمد فقد باركت عليهما ألا انى زوجت أحب النساء إلى من أحب
الرجال إلي بعد النبيين والمرسلين فقال راحيل الملك يا رب وما بركتك فيهما بأكثر مما
رأينا لهما في جناتك ودارك فقال عز وجل ان من بركتي عليهما انى اجمعهما على محبتي
واجعلهما حجة على خلقي وعزتي وجلالي لأخلقن منهما خلقا ولأنشئن فيهما ذرية اجعلهم
خزاني في أرضى ومعادن لعلمي ودعاة إلى ديني بهم احتج على خلقي بعد النبيين والمرسلين
فأبشر يا علي فان الله تعالى أكرمك كرامة لم يكرم بمثلها أحدا وقد زوجتك ابنتي فاطمة
على ما زوجك الرحمن وقد رضيت بما رضى الله لها فدونك أهلك فإنك أحق بها منى ولقد
أخبرني جبرئيل " عليه السلام " ان الجنة مشتاقة إليكما، ولولا أن الله عز وجل قدر أن يخرج منكما
ما يتخذه على الخلق حجة لأجاب فيكما الجنة وأهلها فنعم الأخ أنت ونعم الختن أنت
ونعم الصاحب أنت وكفاك برضى الله رضا، قال علي " عليه السلام ": فقلت يا رسول الله بلغ
145

من قدري حتى انى ذكرت في الجنة وزوجني الله في ملائكته فقال (صلى الله عليه وآله) ان الله تعالى
إذا أكرم وليه وأحبه أكرمه بما لا عين رأت ولا اذن سمعت فاختار الله لك يا علي
فقال " عليه السلام ": رب أوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت علي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) آمين.
وقال الحسين بن علي عليهما السلام: لما زوج فاطمة عليا على أربعمائة وثمانين درهما
فأمره النبي (صلى الله عليه وآله) ان يجعل ثلثيها في العطر، وثلثا في الثياب فدخل بهما وما لهما فراش
إلا فروة أضحية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووسادة من أدم حشوها ليف.
وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس إذ دخل عليه
ملك له أربعة وعشرون وجها، فقال له رسول الله: حبيبي جبرئيل لم ارك في مثل هذه
الصورة فقال الملك لست بجبرئيل انا محمود بعثني الله تعالى ان أزوج النور من النور
قال من ومن؟ قال: فاطمة من علي فلما ولى الملك إذا بين كتفيه محمد رسول الله على وصيه
فقال رسول الله منذ كم كتب هذا بين كتفيك؟ فقال: من قبل أن يخلق الله عز وجل
آدم باثنين وعشرين ألف سنة وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": دخلت أم أيمن على النبي وفى
ملحفتها شئ فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما معك يا أم أيمن، فقالت: ان فلانة أملكوها
فنثروا عليها فأخذت من نثارها، ثم بكت أم أيمن وقالت: يا رسول الله فاطمة زوجتها
ولم تنثر عليها شيئا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أم أيمن لم تكذبين، فان الله تعالى
لما زوج فاطمة عليا أمر أشجار الجنة ان تنثر عليهم من حليها وحللها وياقوتها ودرها
وزمردها وإستبرقها فاخذوا منها ما لا يعلمون، وقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة فجعلها
في منزل علي.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اتاني ملك فقال: يا محمد ان الله يقرأ عليك السلام ويقول
قد زوجت فاطمة من علي فزوجها منه، وقد أمر شجرة طوبى تحمل الدر والياقوت
والمرجان وان أهل السماء قد فرحوا لذلك وسيولد لها ولدان سيدا شباب أهل الجنة وبهم
بتزين أهل الجنة فأبشر يا محمد فإنك خير الأولين والآخرين.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم يخلق الله علي بن أبي طالب لما كان لفاطمة كفو.
وروى أنه جهز رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة عليها السلام في حبل وقربة ووسادة
حشوها اذخر.
وقيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): قد علمنا مهر فاطمة في الأرض فما مهرها في السماء فقال:
146

سل ما يعنيك ودع مالا يعنيك قيل هذا مما يعنينا يا رسول الله قال: كان مهرها في السماء
خمس الأرض فمن مشى عليها مبغضا لها أو لولدها مشى عليها حراما إلى أن تقوم الساعة.
قال ابن عباس: لما كانت الليلة التي زفت فاطمة كان رسول الله قدامها وجبرئيل عن
يمينها وميكائيل عن يسارها وسبعون الف ملك عليهم السلام عن خلفها يسبحون
ويقدسون حتى طلع الفجر.
وأنشد:
سلام على الطهر الزكية فاطم * سلام على أولادها الأنجم الزهر
خطبة النبي لما أراد تزويج فاطمة من علي عليهم السلام
الحمد لله المحمود بنعته، المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب
فيما عنده النافذ أمره في سمائه وارضه الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم باحكامه وأعزهم
بدينه وأكرمهم بنبيه محمد.
ثم إن الله تعالى جعل المصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا، وشج به الأرحام
وألزمه الأنام.
قال الله تعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وكان ربك
قديرا أمر الله يجرى إلى قضائه، وقضاؤه يجرى إلى قدره، ولكل قضاء قدر ولكل
قدر أجل يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ثم إن ربى أمرني ان أزوج
فاطمة من علي بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه على أربعمائة مثقال فضة ان رضى بذلك
علي وكان على بعثه في حاجة ثم إنه (صلى الله عليه وآله) دعا بطبق من تمر فوضعه بين أيدينا ثم قال
انتهبوا فبينا نحن ننتهب إذ دخل علي " عليه السلام " فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله) في وجهه ثم قال يا علي ان ربي عز
وجل أمرني ان أزوجك فاطمة وقد زوجتك إياها على أربعمائة مثقال فضة ان رضيت
يا علي قال: رضيت يا رسول الله ثم إن عليا خر ساجدا شكرا لله تعالى فلما رفع رأسه
قال النبي (صلى الله عليه وآله): بارك الله عليكما وبارك فيكما وأسعد جدكما واخرج منكم الكثير الطيب.
147

وروى أن مهر فاطمة عليها السلام خمسمائة درهم وهو أصح من جميع ما ذكرنا
وأولى.
وأنشد:
قالت فمن بات فوق الفراش فدى * فقلت أثبت خلق الله في الوهل
قالت فمن زوج الزهراء فاطمة * فقلت أفضل ما حاف ومنتعل
مجلس في ذكر مناقب فاطمة عليها السلام
قال أبو عبد الله " عليه السلام " في قوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان)
قال علي وفاطمة بحران من العلم عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه يخرج منهما اللؤلؤ
والمرجان الحسن والحسين عليهما السلام.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما خلق الله الجنة خلقها من نور عرشه ثم اخذ من ذلك
النور فقذفه فأصابني ثلث النور، وأصاب فاطمة ثلث النور وأصاب عليا وأهل ولايته
ثلث النور فمن اصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد ومن لم يصبه من ذلك النور
ضل عن ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله).
وقال أبو عبد الله " عليه السلام " لفاطمة عليها السلام: تسعة أسماء عند الله عز وجل فاطمة
والصديقة والمباركة، والطاهرة والزكية، والراضية والمرضية، والمحدثة والزهراء
ثم قال " عليه السلام ": تدرى أي شئ تفسير فاطمة؟ قالت فطمت من الشر، ثم قال: لولا أن
أمير المؤمنين " عليه السلام " تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فما دونه.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق
الجنة مدبجة الجنبين خطامها من لؤلؤ رطب قوايمها من زمرد اخضر ذنبها من المسك
الأذفر عيناها ياقوتتان حمراوان عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها
من ظاهرها داخلها عفو الله خارجها رحمة الله على رأسها تاج من نور للتاج سبعون ركنا
كل ركن مرصع بالدر والياقوت يضئ كما يضئ الكوكب الدري في أفق السماء وعن يمينها
سبعون الف ملك، وعن شمالها سبعون الف ملك، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادى
148

بأعلى صوته غضوا ابصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد فلا يبقى يومئذ نبي ولا مرسل
ولا صديق ولا شهيد إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة فتسير حتى تحاذي عرش
ربها تعالى وتزخ بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيدي احكم بيني وبين من ظلمني
اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدى فإذا النداء من قبل الله يا حبيبتي وابنة حبيبي سليني
تعطى واشفعي فتشفعي فو عزتي وجلالي لا جاز في ظلم ظالم فتقول: إلهي وسيدي ذريتي
وشيعتي وشيعة ذريتي ومحبي ومحب ذريتي فإذا النداء من قبل الله تعالى أين ذرية فاطمة
وشيعتها ومحبوها ومحبوا ذريتها فيقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة " عليه السلام "
حتى تدخلهم الجنة وقيل لأبي عبد الله " عليه السلام ": قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): فاطمة سيدة نساء
أهل الجنة وآسية سيدة نساء عالمها قال: ذاك لمريم، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة من
الأولين والآخرين.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة ان الله تعالى ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك.
وروى أن سندل جاء إلى جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فقال: يا أبا عبد الله
ان هؤلاء الشباب يحدثونا عنك بأحاديث منكرة قال له جعفر: ما ذاك يا سندل؟ قال
جاءنا عنك انك حدثتهم ان الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها قال جعفر " عليه السلام "
يا سندل ألستم رويتم فيما تروون ان الله تعالى يغضب لغضب عبده المؤمن ويرضى لرضاه؟
قال: بلى، قال فما تنكر أن تكون فاطمة عليها السلام مؤمنة يغضب الله لغضبها ويرضى
لرضاها، قال سندل: الله اعلم حيث يجعل رسالته.
وروى أن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل ما البتول؟ فانا سمعناك يا رسول الله تقول ان مريم
بتول وفاطمة بتول، فقال: البتول التي لم تر حمرة قط، ولم تحض فان الحيض مكروه
في بنات الأنبياء.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): لما عرج بي إلى السماء اخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من
رطبها فأكلتها فتحول ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت
بفاطمة وفاطمة حوراء أنسية، فلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي
وقال أيضا (صلى الله عليه وآله): فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وانها لتقوم
في محرابها فيسلم عليها سبعون الف ملك من المقربين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم
فيقولون: يا فاطمة ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ثم التفت إلى علي
149

فقال يا علي ان فاطمة بضعة منى وهي نور عيني وثمرة فؤادي يسوءني ما سائها ويسرني
ما سرها وانها أول من يلحقني من أهل بيتي فأحسن إليها بعدي.
قال الشاعر:
ولما قضت فاطم الزهراء غسلها * عن أمرها بعلها الهادي وسبطاها
وقام حتى أتى بطن البقيع بها * فصلى عليها علي ثم واراها
ولم يصل عليها منهم أحد * حاشا لها من صلاة ثم واراها
حتى إذا أصبح القوم الغداة اتوا * بعل البتول ولم يدروا بمثواها
قالوا له يا أبا السبطين ما فعلت * بنت النبي فانا قد فقدناها
أجابهم لحقت بالمصطفى فملؤوا * عليه غيظا وحقدا حين أخفاها
مجلس في ذكر وفاة فاطمة عليها السلام
قالت عائشة: أقبلت فاطمة تمشى كان مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال النبي
مرحبا بابنتي فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت ثم أسر إليها حديثا
فضحكت فقلت لها: حدثك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحديث فبكيت ثم حدثك بحديث فضحكت
فما رأيت كاليوم أقرب فرحا من حزن من فرحك فقالت: ما كنت لأفشي سر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى أنه إذا قبض سألتها فقالت: أسر إلي فقال: ان جبرئيل كان
يعارضني بالقرآن كل سنة مرة وانه عارضني به العام مرتين ولا أراني إلا وقد حضر أجلى
وانك أول أهل بيتي لحوقا بي ونعم السلف انا لك فبكيت لذلك ثم قال: ألا ترضين ان
تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو سيدة نساء المؤمنين؟ فضحكت لذلك.
وروى أن فاطمة عليها السلام لا زالت بعد النبي معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة
الركن من المصيبة بموت النبي (صلى الله عليه وآله) وهي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة
باكية العين محترقة القلب يغشى عليها كل ساعة بعد ساعة في كل ساعة وحين تذكره وتذكر
الساعات التي كان يدخل عليها فيعظم حزنها وتنظر مرة إلى الحسن ومرة إلى الحسين
وهما بين يديها عليها السلام فتقول أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة بعد مرة
150

أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ فإنا لله وانا
إليه راجعون فقد والله جدكما وحبيب قلبي ولا أراه يفتح هذا الباب ابدا ولا يحملكما على
عاتقه كما لم يزل يفعل بكما ثم مرضت مرضا شديدا ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن
توفيت صلوات الله عليها فلما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس ووجهت
خلف علي وأحضرته فقالت يا بن عم انه قد نعيت إلى نفسي لأرى ما بي لا أشك
إلا انني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وانا أوصيك بأشياء في قلبي قال لها علي " عليه السلام ": أوصيني
بما أحببت يا بنت رسول الله. فجلس عند رأسها واخرج من كان في البيت ثم قالت
يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني فقال " عليه السلام " معاذ الله أنت
أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله ان أوبخك غدا بمخالفتي فقد عز علي
بمفارقتك وبفقدك إلا أنه أمر لابد منه والله جدد على مصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد
عظمت وفاتك وفقدك فانا لله وانا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وألمها وأمضها
وأحزنها هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لا خلف لها ثم بكيا جميعا ساعة وأخذ على
رأسها وضمها إلى صدره ثم قال أوصيني بما شئت فإنك تجديني وفيا أمضى كل ما أمرتني
به واختار أمرك على أمري ثم قالت جزاك الله عنى خير الجزاء، يا بن عم أوصيك
أولا أن تتزوج بعدي بابنة إمامة فإنها تكون لولدي مثلي فان الرجال لابد لهم من النساء
قال فمن أجل ذلك، قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": أربعة ليس إلى فراقهن سبيل: بنت امامة
أوصتني بها فاطمة، ثم قالت أوصيك يا بن عم ان تتخذ لي نعشا فقد رأيت الملائكة
صوروا صورته، فقال لها: صفيه إلي فوصفته فاتخذه لها، فأول نعش عمل في وجه
الأرض ذلك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد، ثم قالت أوصيك أن لا يشهد أحد
جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقي فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وان لا يصلى علي أحد منهم، ولا من اتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون
ونامت الابصار.
ثم توفيت صلوات الله عليها وعلى أبيها، وبعلها وبنيها فصاحت أهل المدينة
صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها، فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة
ان تزعزع من صراخهن وهن يقلن: يا سيدتاه يا بنت رسول الله، واقبل الناس مثل
عرف الفرس إلى علي " عليه السلام " وهو جالس، والحسن والحسين عليهما السلام بين يديه يبكيان
151

فبكى الناس لبكائهما، وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها، متجللة برداء عليها
تسحبها وهي تقول: يا أبتاه يا رسول الله، الآن حقا فقدناك فقدا لالقاء بعده ابدا
واجتمع الناس فجلسوا، وهم يرجون وينظرون ان تخرج الجنازة، فيصلون عليها
وخرج أبو ذر فقال: انصرفوا فإن ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخر اخراجها في هذه العشية
فقام الناس وانصرفوا، فلما ان هدأت العيون، ومضى من الليل، أخرجها علي
والحسن والحسين عليهما السلام، وعمار والمقداد، وعقيل والزبير، وأبو ذر
وسلمان وبريدة، ونفر من بني هاشم وخواصه صلوا عليها، ودفنوها في جوف الليل
وسوى على حواليها قبورا مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها.
وقال بعضهم من الخواص: قبرها سوى مع الأرض مستويا، فمسحها مسحا
سواء مع الأرض حتى لا يعرف أحد موضعه.
وقالوا: ليس قبرها بالبقيع، إنما قبرها بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنبره لا ببقيع
الغرقد وتصحيح ذلك قوله " عليه السلام " بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، إنما أراد
بهذا القول قبر فاطمة عليها السلام.
وروى أن أمير المؤمنين " عليه السلام "، قال عند دفن فاطمة عليها السلام: السلام عليك
يا رسول الله عنى وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك، قل يا رسول الله
عن صفيتك صبري ورق عنها تجلدي إلا أن لي في التأسي بعظم فرقتك وفادح مصيبتك
موضع تعز فلقد وسدتك في ملحودة قبرك وفاضت بين نحري وصدري نفسك إنا لله
وإنا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة واخذت الرهينة اما حزني فسرمد واما
ليلي فمسهد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم وستنبئك ابنتك فأحفها السؤال
واستخبرها الحال هذا ولم يطل العهد ولم يخل الذكر والسلام عليكما سلام مودع لا قال
ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وان أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله به
الصابرين.
قال جابر سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي بن أبي طالب قبل موته بثلاث
سلام الله عليك يا أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدنيا، فعن قليل ينهد ركناك
والله خليفتي عليك، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال علي هذا أحد ركني الذي قال لي
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما ماتت فاطمة عليها السلام، قال علي هذا الركن الثاني الذي قال
152

رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال الأصبغ بن نباتة: سئل أمير المؤمنين " عليه السلام " عن علة دفن فاطمة بنت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال " عليه السلام ": انها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها وحرام
على من يتولاهم ان يصلى على أحد من ولدها.
قال عبد الرحمن الهمداني: لما دفن علي بن أبي طالب " عليه السلام " فاطمة عليها السلام قام
على شفير القبر، وذلك في جوف الليل لأنه كان دفنها ليلا فأنشأ يقول:
لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الفراق قليل
وان افتقادي فاطما بعد أحمد * دليل على أن لا يدوم خليل
سيعرض عن ذكرى وتنسى مودتي * ويحدث بعدي للخليل خليل
مجلس في ذكر ولادة السبطين الحسن
والحسين عليهما السلام
ولد أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة
ثلاث من الهجرة، وجاءت به فاطمة إلى النبي يوم السابع من مولده في خرقة من حرير
الجنة كان جبرئيل نزل بها إلى رسول الله فسماه حسنا، وأعق عنه كبشا وولد
أبو عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس ليال
خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما. قالت
أسماء بنت عميس: قبلت فاطمة الحسن والحسين عليهم السلام، فلما ولد الحسن جاء
النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أسماء هاتي بابني فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها النبي (صلى الله عليه وآله)
وقال: يا أسماء ألم أعهد إليكم ان لا تلقوا المولود في خرقة صفراء، فلفته في خرقة بيضاء
ودفعته إليه فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى ثم قال لعلي أي شئ سميت ابني؟ فقال
ما كنت لا سبقك باسمه وقد كنت أحب ان اسميه حربا فقال النبي (صلى الله عليه وآله) وانا لا أسبق
باسمه ربي عز وجل ثم هبط جبرئيل، فقال: السلام عليك يا محمد العلي الأعلى يقرأك
السلام ويقول: علي منك بمنزلة هارون من موسى، ولا نبي بعدك سم ابنك هذا باسم
153

ابن هارون، قال النبي: وما اسم ابن هارون يا جبرئيل قال: شبر.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): لساني عربي، قال سمه الحسن فسماه الحسن، فلما كان اليوم السابع
عق عنه النبي (صلى الله عليه وآله) بكبشين أملحين، وأعطى القابلة فخذا، وحلق رأسه وتصدق بوزن
الشعر ورقا وطلى رأسه بالخلوق ثم قال: يا أسماء الدم فعل الجاهلية، فلما ولد الحسين
بعده جاء نبي الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا أسماء هاتي ابني فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذن في
أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، ووضعه في حجره وبكى، فقالت أسماء: قلت
فداك أبي وأمي، مم بكائك؟ قال: على ابني هذا: قلت: انه ولد الساعة، قال
يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي، ثم قال: يا أسماء لا تخبري
فاطمة بهذا فإنها قريبة ولادة، ثم قال لعلي: أي شئ سميت ابني؟ قال: ما كنت
لأسبقه باسمه يا رسول الله، وقد كنت أحب ان اسميه حربا، فقال النبي (صلى الله عليه وآله)
وانا لا أسبق باسمه ربي عز وجل، ثم هبط جبرئيل، فقال: يا محمد العلي الأعلى
يقرأك السلام، ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى، ولا نبي بعدك سم
ابنك هذا باسم ابن هارون فقال (صلى الله عليه وآله): وما اسم ابن هارون: قال شبير قال النبي (صلى الله عليه وآله)
لساني عربي، قال جبرئيل " عليه السلام ": سمه الحسين فسماه الحسين، فلما كان يوم السابع عق
عنه النبي (صلى الله عليه وآله) بكبشين أملحين وأعطى القابلة فخذا، وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر
ورقا وطلى رأسه بالخلوق، ثم قال: يا أسماء الدم فعل الجاهلية.
وروى مثل ذلك عن علي بن الحسين عليهما السلام.
وقال الصادق " عليه السلام " أقبلت جيران أم أيمن إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله
ان أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتى أصبحت، قال: فبعث رسول الله
إلى أم أيمن فجاءته فقال لها: يا أم أيمن لا أبكى الله عينك ان جيرانك أتوني فأخبروني انك
لم تزالي الليل تبكين اجمع فلا أبكى الله عينك، ما الذي أبكاك؟ قالت: يا رسول الله
رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكى الليل اجمع، فقال لها رسول الله: فقصيها
على رسول الله فان الله ورسوله اعلم، فقالت: يعظم علي ان أتكلم بها، فقال: الرؤيا
ليست على ما ترى فقصها على رسول الله قالت: رأيت في ليلتي هذه كأن بعض
أعضائك ملقى في بيتي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) نامت عينك يا أم أيمن تلد فاطمة الحسين
فتربيه وتلبيه فيكون بعض أعضائي في بيتك، فلما ولدت فاطمة الحسين عليهما السلام
154

وكان يوم السابع أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحلق رأسه، وتصدق بوزن شعره فضة وعق عنه
ثم هيأته أم أيمن ولفته في برد رسول الله ثم أقبلت به إلى رسول الله فقال (صلى الله عليه وآله): مرحبا
بالحامل والمحمول هذا تأويل رؤياك.
قالت صفية بنت عبد المطلب: لما سقط الحسين من بطن أمه عليها السلام
وكنت وليتها، قال النبي: يا عمة هلمي إلى ابني، فقلت: يا رسول الله انا لم ننظفه
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أنت تنظفيه؟ ان الله تعالى قد نظفه وطهره، قالت: فدفعته إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) فوضع النبي لسانه في فيه، واقبل الحسين على لسان رسول الله يمصه قالت
فما كنت أحسب رسول الله يغذوه إلا لبنا أو عسلا، فقبل النبي بين عينيه، ثم دفعه
إلي وهو يبكى ويقول: لعن الله قوما هم قاتلوك يا بنى يقولها ثلاثا، فقلت: فداك أبي
وأمي ومن يقتله؟ قال: الفئة الباغية من بنى أمية لعنهم الله.
قال الباقر " عليه السلام ": ختن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين عليهما السلام لسبع ليال؟
وحلق رؤسهما وتصدق بوزنه الشعر فضة أو ذهبا، وقد عق عنهما كبشا كبشا طبخهما
جدولا، قال - يعنى أعضاءا فتصدق واكل وأطعم جيرانه.
قال الصادق " عليه السلام ": ان الحسين بن علي لما ولد أمر الله تعالى جبرئيل " عليه السلام " ان يهبط
في الف من الملائكة فيهنئ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الله تعالى، ومن جبرئيل قال فهبط
جبرئيل فمر على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له: فطرس كان من الحملة بعثه الله تعالى
في شئ فأبطأ عليه فكسر جناحيه، وألقاه في تلك الجزيرة فعبد الله تعالى سبعمائة عام
حتى ولد الحسين بن علي عليهما السلام، فقال الملك لجبرئيل يا جبرئيل أين تريد؟ قال إن
الله عز وجل أنعم على محمد نعمة فبعثت أهنيه من الله ومنى، فقال يا جبرئيل احملني
معك لعل محمدا يدعو لي قال فحمله، فلما دخل جبرئيل " عليه السلام " على النبي (صلى الله عليه وآله) هناه من
الله عز وجل ومنه، وأخبره بخبر فطرس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) قل له: تمسح بهذا المولود
وعد إلى مكانك، قال: فتمسح فطرس بالحسين " عليه السلام " فارتفع، فقال يا رسول الله
اما ان أمتك ستقتله وله علي مكافأة، لا يزوره زائر إلا أبلغته عنه، ولا يسلم عليه
مسلم إلا أبلغته سلامه، ولا يصلى عليه مصلى إلا أبلغته صلاته ثم ارتفع.
وأنشد للحسين:
خيرة الله من الخلق أبى * ثم أمي فانا ابن الخيرتين
155

فضة قد أخلصت من ذهب * فانا الفضة وابن الذهبين
أمي الزهراء حقا وأبى * وارث الرسل ومولى الثقلين
عبد الله غلاما يافعا * وقريش يعبدون الصنمين
يعبدون اللات والعزى معا * وأبى قام فصلى القبلتين
مع رسول الله سبعا كملا * ليس في الأرض مصل غير ذين
من له جد كجدي في الورى * أو كشيخي فانا ابن العلمين
فأبى شمس وأمي قمر * فانا ابن الشمس وابن القمرين
وقيل:
إليكم كل مكرمة تؤول * إذا ما قيل جدكم الرسول
كفاكم من مديح الخلق طرا * إذا ما قيل أمكم البتول
مجلس في ذكر امامة السبطين ومناقبهما عليهما السلام
قال الله تعالى في سورة آل عمران: (فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناؤكم ونسائنا
ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين).
وقال تعالى في سورة هل أتى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا، ويتيما
وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما
عبوسا قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقيهم نظرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا
جنة وحريرا).
وقال في سورة الأحزاب: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين امامان قاما أو قعدا.
وروى أن فاطمة أتت بابنيها الحسن والحسين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت: هذان
ابناك فورثهما شيئا قال: أما الحسن فان له هيبتي، وسؤددي وأما الحسين فان له
جرئتي وجودي.
156

وروى أن عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام اتوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
كل يقول انا أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاخذ (صلى الله عليه وآله) فاطمة مما يلي بطنه، وعليا مما يلي
ظهره والحسن عن يمينه، والحسين عن يساره ثم قال (صلى الله عليه وآله): أنتم منى وانا منكم.
وقال (صلى الله عليه وآله): الكلمات التي تلقى آدم فتاب الله عليه سأله بحق محمد وعلي وفاطمة
والحسن والحسين صلوات الله عليهم إلا تبت على فتاب عليه.
وقال " عليه السلام ": من أراد أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم
بحبل الله المتين فليوال عليا بعدي، وليعاد عدوه وليأتم بالأئمة الهداة من ولده فإنهم
خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي وسادة أمتي وقادة الأتقياء حزبهم حزبي
وحزبي حزب الله وحزب أعدائهم حزب الشيطان.
وقال (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة زين عرش رب العالمين بكل زينة ثم يؤتى بمنبرين
من نور طولهما مائة ميل فيوضع أحدهما عن يمين العرش، والآخر عن يسار العرش
ثم يؤتى بالحسن والحسين عليهما السلام، يزين الرب تبارك وتعالى بهما عرشه كما تزين
المرأة قرطيها.
قيل لأبي عبد الله " عليه السلام ": قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين سيدا شباب أهل
الجنة، قال: هما والله سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين.
وروى أن رجلا أتى ابن عمر فسأله عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ قال: من
أهل العراق قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: انهما ريحانتي من الدنيا يعنى الحسن
والحسين عليهما السلام.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": اخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد الحسن والحسين عليهما السلام
فقال من أحب هذين، وأبوهما وأمهما فإنه كان معي في درجتي يوم القيامة قالت
أم سلمة رضي الله عنها: نزلت هذه الآية في بيتي: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت، ويطهركم تطهيرا) وفى البيت سبعة:
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجبرئيل، وميكائيل وعلي وفاطمة، والحسن والحسين " عليه السلام "
قالت وانا على الباب قلت: يا رسول الله الست من أهل البيت؟ قال إنك من أزواج
النبي (صلى الله عليه وآله) وما قال: انك من أهل البيت.
157

قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": هي لنا وفينا هذه الآية ونريد ان نمن على الذين استضعفوا
في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.
قال أيضا " عليه السلام ": شكوت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسد الناس لي، فقال أما ترضى
أن تكون رابع أربع؟ فأول من يدخل الجنة انا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن
ايماننا وشمائلنا وموالينا خلف أزواجنا وشيعتنا من ورائنا.
وروى أبو هريرة قال: نظر رسول الله إلى علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم
السلام فقال انا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم.
قال أبو عبد الله الصادق " عليه السلام ": مرض النبي (صلى الله عليه وآله) المرضة التي عوفي منها فعادته
سيدة النساء ومعها الحسن والحسين عليهما السلام وقد أخذت الحسن باليد اليمنى والحسين
باليد اليسرى وهما يمشيان وفاطمة بينهما حتى دخلوا منزل عائشة فقعد الحسن على جانب
رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأيمن والحسين على جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأيسر فأقبلا يغمزان
ما يليهما من بدن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما أفاق النبي (صلى الله عليه وآله) من نومه فقالت: فاطمة للحسن
والحسين: حبيبي ان جدكما قد غشى فانصرفا ساعتكما هذه ودعاه حتى يفيق وترجعان إليه
فقالا لسنا ببارحين في وقتنا هذا فاضطجع الحسن على عضد النبي الأيمن والحسين على
عضده الأيسر فغفيا وانتبها قبل أن ينتبه النبي (صلى الله عليه وآله) وقد كانت فاطمة لما ناما انصرفت
إلى منزلها فقالا لعائشة: ما فعلت امنا؟ قالت: لما نمتما رجعت إلى منزلها فخرجا في ليلة
ظلماء مدلهمة ذات رعد وبرق، وقد أرخت السماء عزالها فسطع لهما نورا فلم يزالا
يمشيان في ذلك النور والحسن قابض بيده اليمنى على يد الحسين اليسرى وهما يتماشيان
ويتحدثان حتى اتيا حديقة بنى النجار، فلما بلغا الحديقة حارا فبقيا لا يعلمان أين
يأخذان؟ فقال الحسن للحسين: انا قد حرنا وبقينا على حالتنا هذه وما ندري أين نسلك
فلا علينا ان ننام في وقتنا هذا حتى نصبح؟ فقال له الحسين " عليه السلام ": دونك أخي فافعل
ما ترى فاضطجعا فاعتنق كل واحد منهما صاحبه وناما وانتبه النبي (صلى الله عليه وآله) من نومته التي
نامها وطلبهما في منزل فاطمة فلم يكونا فيه فافتقدهما فقام النبي (صلى الله عليه وآله) قائما على رجليه وهو
يقول يا إلهي وسيدي ومولاي هذان شبلاي خرجا من المخمصة والمجاعة اللهم أنت وكيلي
عليهما فسطع للنبي (صلى الله عليه وآله) نور فلم يزل يمضى في ذلك النور حتى أتى حديقة بنى النجار فإذا هما
نائمان وقد اعتنق كل واحد منهما صاحبه وقد تقشطت السماء فوقهما كطبق فهي تمطر
158

كأشد مطر لم يراه الناس قط وقد منع الله عز وجل المطر منهما في البقعة التي هما فيها
نائمان لا تمطر عليهما قطرة، وقد اكتنفتهما حية لها شعرات كآجام القصب وجناحان
جناح غطت به الحسن وجناح قد غطت به الحسين، فلما ان بصرهما النبي تنحنح فانسابت
الحية وهي تقول: اللهم إني أشهدك، وأشهد ملائكتك ان هذين شبلا نبيك قد حفظتهما
عليه ودفعتهما إليه سالمين صحيحين، فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): أيتها الحية من أنت؟ قالت
انا رسول الجن إليك قال: وأي الجن؟ قالت: جن نصيبين نفر من بنى فليح نسينا آية
من كتاب الله عز وجل فبعثوني إليك لتعلمنا ما نسينا من كتاب الله عز وجل فلما بلغت
هذا الموضع سمعت مناديا ينادى: أيتها الحية هذان شبلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحفظيهما
من العاهات والآفات ومن طوارق الليل والنهار، فقد حفظتهما وسلمتهما إليك سالمين
صحيحين واخذت الحية الآية وانصرفت، واخذ النبي الحسن فوضعه على عاتقه الأيمن
ووضع الحسين على عاتقه الأيسر، وخرج علي فلحق برسول الله، فقال له بعض
أصحابه: بأبي أنت وأمي ادفع إلى أحد شبليك أخفف عنك، فقال: امض فقد سمع
الله كلامك وعرف مقامك وتلقاه آخر، فقال: بأبي أنت وأمي ادفع إلى أحد شبليك
أخفف عنك: فقال: امض فقد سمع الله كلامك، وعرف مقامك فتلقاه علي " عليه السلام "
فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله ادفع إلى أحد شبلي وشبليك حتى أخفف عنك
فالتفت النبي إلى الحسن، فقال يا حسن هل تمضى إلى كتف أبيك فقال له: والله
يا جداه ان كتفك لأحب إلى من كتف أبى، ثم التفت إلى الحسين، فقال: يا حسين
هل تمضى إلى كتف أبيك؟ فقال: والله يا جداه انى أقول كما قال أخي: ان كتفك لأحب
إلى من كتف أبى، فأقبل بهما إلى منزل فاطمة عليها السلام، وقد ادخرت لهما تمرات
فوضعتهما بين أيديهما فأكلا وشبعا وفرحا.
قالت أم سلمة: كان النبي (صلى الله عليه وآله) عندي، وأتاه جبرئيل " عليه السلام " فكان في البيت يتحدثان
إذ دق الباب الحسن بن علي فخرجت افتح له الباب، فإذا الحسين معه فدخلا، فلما أبصرا
جدهما شبها جبرئيل بدحية الكلبي فجعلا يحفان به ويدوران حوله، فقال جبرئيل " عليه السلام "
يا رسول الله أما ترى الصبيين ما يفعلان؟ فقال: يشبهانك بدحية الكلبي فإنه كثيرا
ما يتعاهدهما ويتحفهما إذا جاءنا، فجعل جبرئيل يومى بيده كالمتناول شيئا فإذا بيده
تفاحة وسفرجلة ورمانة فناول الحسن، ثم أومى بيده مثل ذلك فناول الحسين " عليه السلام "
159

ففرحا وتهللت وجوهما، وسعيا إلى جدهما صلوات الله عليهم، فأخذ التفاحة والرمانة
والسفرجلة فشمها، ثم ردها إلى كل واحد منهما كهيئتهما، ثم قال لهما: صيرا إلى أمكما
بما معكما، وبدؤكما أبيكما أعجب إلي، فصارا كما أمرهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يأكل منها
شئ حتى صار إليهما، فإذا التفاح وغيره على حاله، فقال: يا أبا الحسن ما لك لم تأكل
ولم تطعم زوجتك وابنيك، وحدثه الحديث فأكل النبي وعلي وفاطمة والحسن
والحسين عليهما السلام، وأطعمنا أم سلمة فلم يزل الرمان والسفرجل والتفاح كل ما أكل
منه عادا إلى ما كان حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال الحسين: فلم يلحقه التغيير والنقصان
أيام فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما توفيت عليها السلام فقدنا الرمان، وبقي التفاح
والسفرجل أيام أبى فلما استشهد أمير المؤمنين " عليه السلام " فقد السفرجل وبقي التفاح على هيئته
عند الحسن حتى مات في سمه، ثم بقي التفاحة إلى الوقت الذي حوصرت عن الماء فكنت
أشمها إذا عطشت فتكسر لهب عطشى، فلما اشتد علي العطش عضضتها وأيقنت بالفناء.
قال علي بن الحسين عليهما السلام: سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة، فلما قضى
نحبه وجد ريحها من مصرعه فالتمست فلم ير لها أثر فبقي ريحها بعد الحسين " عليه السلام " ولقد زرت
قبره فوجدت ريحها تفوح من قبره، فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس
ذلك في أوقات السحر فإنه يجده إذا كان مخلصا.
قال الباقر " عليه السلام " في قوله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون) قال مرض الحسن
والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغار فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه رجلان فقال
أحدهما يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا إن الله عافاهما، فقال أصوم ثلاثة أيام
شكرا لله تعالى وكذلك قالت فاطمة عليها السلام.
وقال الصبيان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام وكذلك قالت جاريتهم فضة فألبسهما
الله العافية فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام، فانطلق علي " عليه السلام " إلى جار له من اليهود
يقال له شمعون يعالج الصوف، فقال هل لك ان تعطني جزة من صوف تغزلها لك ابنة
محمد بثلاثة أصواع من شعير؟ قال: نعم فأعطاه فجاء بالصوف، والشعير وأخبر فاطمة
عليها السلام فقبلت وأطاعت، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف، ثم أخذ صاعا من
الشعير فطحنته، وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصا، وصلى على مع
النبي صلوات الله عليهما المغرب، ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم فأول
160

لقمة كسرها علي " عليه السلام " إذا مسكين قد وقف بالباب، فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد
انا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنة فوضع
علي اللقمة من يده، ثم قال:
فاطم ذات المجد واليقين * يا بنت خير الناس أجمعين
اما ترين البائس المسكين * جاء إلى الباب له حنين
يشكو إلى الله ويستكين * يشكو الينا جايع حزين
كل امرئ بكسبه رهين * من يفعل الخير يقف سمين
موعده في جنة رهين * حرمها الله على الضنين
وصاحب البخل يقف حزين * تهوى به النار إلى سجين
شرابها الحميم والغسلين
فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول:
أمرك سمع يا بن عم وطاعة * ما بي من لوء ولا وضاعة
غذيت باللب وبالبراعة * أرجو إذا أشبعت من مجاعة
ان الحق الخيار والجماعة * وادخل الجنة في الشفاعة
وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعا وأصبحوا
صياما لم يذوقوا إلا الماء القراح، ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته
ثم اخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصا
وصلى علي المغرب مع النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم أتى منزله، فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا
خمستهم فأول لقمة كسرها علي إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب، فقال
السلام عليكم يا أهل بيت محمد انا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله
من موائد الجنة، فوضع علي اللقمة من يده ثم قال:
فاطم بنت السيد الكريم * بنت نبي ليس بالزنيم
قد جاءنا الله بذا اليتيم * من يرحم اليوم فهو رحيم
موعده في الجنة النعيم * حرمها الله على اللئيم
وصاحب البخل يقف ذميم * تهوى به النار إلى الجحيم
شرابه الصديد والحميم
161

فأقبلت فاطمة وهي تقول:
فسوف أعطيه ولا أبالي * وآثر الله على عيالي
أمسوا جياعا وهم أشبالي * أصغرهما يقتل في القتال
بكربلا يقتل باغتيال * لقاتليه الويل مع وبال
تهوى في النار إلى سفال * مصفد اليدين بالاغلال
كبوله زادت على الأكبال
ثم عمدت فاطمة إلى جميع ما في الخوان، وأعطته وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء
القراح وأصبحوا صياما، وعمدت فاطمة عليها السلام، فغزلت الثلث الباقي من
الصوف وطحنت الصاع الباقي، وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم
قرصا وصلى المغرب مع النبي عليهما السلام، ثم أتى منزله فقرب إليه الخوان وجلسوا
خمستهم فأول لقمة كسرها علي " عليه السلام " إذا أسير من اسراء المشركين قد وقف بالباب فقال
السلام عليكم يا أهل بيت محمد تأسروننا، وتشدوننا ولا تطعموننا فوضع علي " عليه السلام "
اللقمة من يده ثم قال:
فاطم بنت النبي الأحمد * بنت نبي سيد مسدد
قد جاءك الأسير ليس يهدى * مكبلا في غله مقيد
يشكو إلينا الجوع قد تغدد * من يطعم اليوم يجده في غد
عند العلى الواحد الموحد * ما يزرع الزارع سوف يحصد
فاعطين لا تجعليه ينكد * حتى تجازى بالذي تنفذ
قال: فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول:
لم يبق مما كان غير صاع * قد دبرت كفى مع الذراعي
شبلاي والله هما جياع * يا رب لا تتركهما ضياع
أبوهما للخير ذو اصطناع * عبل الذراعين طويل الباع
وما على رأسي من قناع * إلا عباء نسجها بصاع
وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه، وباتوا جياعا وأصبحوا مفطرين
وليس عندهم شئ.
قال شعيب في حديثه: واقبل علي بالحسن والحسين عليهما السلام نحو
162

رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهم النبي قال
يا أبا الحسن شد ما يسوءني ما أرى بكم انطلق إلى ابنتي فاطمة، فانطلقوا وهي في
محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع، وغارت عيناها فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ضمها إليه فقال: وا غوثاه بالله أنتم منذ ثلاث فيما أرى وانا غافل عنكم فهبط جبرئيل " عليه السلام "
فقال: يا محمد خذ ما هنأ الله لك في أهل بيتك، قال: وما آخذ يا جبرئيل؟ قال: هل
أتى على الانسان حين من الدهر، حتى بلغ إلى قوله: (إن هذا كان لكم جزاء وكان
سعيكم مشكورا).
وقال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبي (صلى الله عليه وآله) حتى دخل منزل فاطمة " عليه السلام "
فرأى ما بهم فجمعهم، ثم انكب عليهم يبكى ويقول: أنتم منذ ثلاث في ما أرى وانا
غافل عنكم فهبط جبرئيل " عليه السلام " بهذه الآيات: (ان الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها
كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) قال هي عين في دار النبي تفجر
إلى دور الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، والمؤمنين يوفون بالنذر يعنى: عليا
وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجاريتهم ويخافون يوما كان شره مستطيرا يقول
عابسا كلوحا، ويطعمون الطعام على حبه مسكينا، يقول: شهوتهم الطعام وايثارهم
به مسكينا من مساكين المسلمين، ويتيما من يتامى المساكين، وأسيرا من أسارى
المشركين ويقولون: إذا أطعموهم إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا
قال: والله ما قالوا لهم ذلك ولكنهم أضمروا على أنفسهم، فأخبر الله باضمارهم يقولون
لا نريد منكم جزاء تكافوننا به ولا شكورا تثنون علينا به، ولكنا إنما نطعمكم لوجه
الله وطلب ثوابه، قال الله تعالى: (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة في الوجوه
وسرورا في القلوب وجزاهم بما صبروا جنة يسكنونها وحريرا يفرشونه ويلبسونه
متكئين فيها على الأرائك والأريكة السرير عليها الحجلة، لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا
قال ابن عباس: فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا مثل الشمس قد أشرقت له الجنان
فيقول أهل الجنة: يا رب انك قد قلت في كتابك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا فيرسل
الله إليهم جبرئيل فيقول ليس هذه بشمس، ولكنه علي وفاطمة قد ضحكا فأشرقت
الجنان من نور ضحكهما ونزلت هل أتى فيهم إلى قوله تعالى: وكان سعيكم مشكورا.
وقد طعن في هذه الأبيات وانها ليست بصحيحة وانها ملحنة مخلوقة قلت: يجوز
163

أن يكون الغلط من الراوي لأنه معلوم انهم فصحاء بلغاء لا يجرى اللحن على
لسانهم عليهم السلام.
وهذا أيضا يوجب الثواب للحسن والحسين عليهما السلام على عملهما مع ظاهر
الطفولية فيهما، ولم يكن ذلك لغيرهما لان الله تعالى عمهما مع أبيهما، وأمهما وأخبر
بضميرهما.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: (قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم، قال: وقد
وفد نجران على نبي الله (صلى الله عليه وآله)، وفيهم السيد والعاقب، وأبو الحرث وهو عبد المسيح
ابن نونان أسقف نجران سادة أهل نجران، فقالوا: لم تذكر صاحبنا؟ قال ومن صاحبكم؟
قالوا: عيسى بن مريم تزعم إنه عبد الله، قال أجل هو عبد الله قالوا: فأرنا فيمن خلق الله
عبدا مثله فأعرض النبي (صلى الله عليه وآله) عنهم فنزل جبرئيل " عليه السلام " بقوله تعالى: ان مثل عيسى عند الله
كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له كن فيكون إلى قوله فنجعل لعنة الله على الكاذبين
فقال لهم: تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونساءنا ونسائكم، وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل
فنجعل لعنة الله على الكاذبين قالوا: نعم نلاعنك فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاخذ بيد علي
ومعه فاطمة، والحسن والحسين عليهم السلام، فقال: رسول الله هؤلاء أبنائنا ونسائنا
وأنفسنا فهموا ان يلاعنوه، ثم إن السيد قال لابن الحارث والعاقب: ما تصنعون
بملاعنة هذا لأنه إن كان كاذبا ما نصنع بملاعنته شيئا، وإن كان صادقا لتهلكن فصالحوه
على الجزية فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اما والذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول
وبحضرتهم بشر.
قال الصادق " عليه السلام ": ان الأسقف قال لهم: ان غدا فجاء بولده وأهل بيته فاحذروا
مباهلته وان جاء بأصحابه، فليس بشئ فغدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) اخذا بيد علي والحسن
والحسين بين يديه، وفاطمة تتبعه وتقدم رسول الله صلوات الله عليهم فجثا لركبتيه فقال
الأسقف جثا والله محمد كما تجيئوا الأنبياء للمباهلة، وكاع عن التقدم - وكاع الكلب في
الرمل أي: مشى على كوعه.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لاعنوني يعنى النصارى لقطعت دابر كل
نصراني في الدنيا.
ويوم المباهلة يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة ينبغي ان يغتسل الانسان ويصلى
164

ركعتين يقرأ فيهما ويسبح، ثم يجلس ويتشهد ويسلم ويستغفر الله سبعين مرة ثم يقوم
ويرفع يديه ويرمى طرفه إلى السماء، ويقول الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي
لولا أن هدانا الله الحمد لله رب العالمين، وحده لا شريك له الحمد لله الذي ما في السماوات
والأرض الحمد لله الذي عرفني ما كنت جهلته، ولولا معرفته لكنت من الهالكين
إذ قلت: قل لا أسئلكم عليه اجرا إلا المودة في القربى فبينت لنا القرابة، وقلت إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، وبينت لنا أهل البيت
ثم قلت: قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم، ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل
فنجعل لعنة الله على الكاذبين، اللهم فلك الحمد والشكر حيث هديتني، وأرشدتني
وبلغتني حيث عرفتني نسائهم وأولادهم ورجالهم.
اللهم إني أتقرب إليك بذلك المقام الذي لا يكون أعظم فضلا منه للمؤمنين ولا أكثر
رحمة لهم بمعرفتك إياهم، واخراجهم من الشبهات فلولا ذلك المقام المحمود الذي أنقذتنا
ودللتنا إلى اتباع المحقين من أهل البيت، وعترة نبيك (صلى الله عليه وآله) لخصم أهل الاسلام وظهرت
كلمة أهل الالحاد، وأولى العناد فلك الحمد، ولك الشكر ولك المن على انعامك وأياديك
اللهم فصل على محمد وآل محمد الذين افترضت علينا طاعتهم وثبتنا بالقول الثابت في الحياة
الدنيا وفى الآخرة واجز محمدا وآل محمد أفضل ما جزيت أحدا من أنبيائك، ورسلك
وأدخلنا في شفاعتهم دار كرامتك يا ارحم الراحمين.
اللهم وأهل الكساء والعباء يوم المباهلة، ومن دخل فيه من الانس والملائكة
اجعلهم شفعائي بحق ذلك المقام واغفر لنا وتب علينا برحمتك يا ارحم الراحمين اللهم إني
اشهد ان أرواحهم وطينتهم واحدة، وهم شجرة واحدة طاب أصلها وفرعها اللهم أنت
أقمتهم حججا على خلقك، ودلائل على ما استدل من وحدانيتك وباب المعجزات
بعملك الذي يعجز عنهم غيرهم، وأنت المتفضل بهم فجعلتهم مطهرين ثم أكرمتهم بنورك
وأنزلت عليهم كتابك، وأمرتنا بالتمسك بهم فارزقنا شفاعتهم حيث يقول الخائبون
ما لنا من شافعين، ولا صديق حميم ولا تضلنا بعد إذ هديتنا يا ارحم الراحمين.
اعلم أن الحسين " عليه السلام " كان يشبه النبي (صلى الله عليه وآله) من صدره إلى رأسه والحسن يشبه
النبي (صلى الله عليه وآله) من صدره إلى رجليه وكانا عليهما السلام حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بين جميع
أهله وولده.
165

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم إني أحبهما فأحبهما، واحبب
من أحبهما.
وقال (صلى الله عليه وآله): من أحب الحسن والحسين أحببته، ومن أحببته أحبه الله ومن
أحبه الله ادخله الجنة ومن أبغضهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه
الله خلده النار.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الحسن والحسين شفعاء العرش وان الجنة قالت: يا رب
أسكنتني الضعفاء والمساكين، فقال الله سبحانه ألا ترضين انى زينت أركانك بالحسن
والحسين فماست كما تميس العروس فرحا.
وقال علي بن أبي طالب: ان الحسن والحسين عليهما السلام كانا يلعبان عند
النبي (صلى الله عليه وآله) حتى مضى عامة الليل، ثم قال لهما: انصرفا إلى أمكما فبرقت برقة فما زالت تضئ
لهما حتى دخلا على فاطمة، والنبي عليهما السلام ينظر إلى البرق وقال الحمد لله الذي أكرمنا
أهل البيت.
قال الحسن " عليه السلام " لأصحابه: ان لله تعالى مدينتين أحديهما بالمشرق والأخرى بالمغرب
فيهما خلق الله تعالى لم يهموا بمعصية له قط والله ما فيهما وبينهما حجة لله تعالى على خلقه
غيري وغير أخي الحسين.
وقال الحسين " عليه السلام ": في يوم الطف لأصحاب ابن زياد لعنهم الله: ما لكم تناصرون
علي؟ اما والله لئن قتلتموني لتقتلن حجة الله عليكم لا والله ما بين جابلقا وجابرسا ابن نبي
احتج الله به عليكم غيري قال الشاعر:
مطهرون نقيات ثيابهم * تجرى الصلاة عليهم أينما ذكروا
* * *
أولئك الخمس لا أبغي بهم بدلا * حتى يصير غراب البين كاللبن
رسول ربى وسبطاه وابنته * وخامس القوم مولائي أبو حسن
على الله توكلت وبالخمس توسلت
وقال آخر:
انا مولى لخمسة انزل فيهم السور * أهل طه وهل أتى والحواميم والزمر
166

لنصراني:
عدى وتيم لا أحاول ذكرها * بسوء ولكني محب لهاشم
وهل يعتريني في علي ورهطه * إذا لم أخف في الله لومة لائم
يقولون ما بال النصارى تحبهم * وأهل التقى من معرب وأعاجم
فقلت لهم انى لأحسب حبهم * طواه إلهي في قلوب البهائم
وقال آخر:
إن كان حبي خمسة زكت بهم فرايضي * وبغض من عاداهم رفضا فانى رافضي
مجلس في ذكر وفاة الحسن بن علي عليه السلام
روى عن المغيرة إنه قال: أرسل معاوية إلى جعدة زوجة الحسن " عليه السلام " بنت الأشعث
انى مزوجك بيزيد ابني على أن تسمى الحسن، وبعث إليها مئة ألف درهم ففعلت وسمت
الحسن " عليه السلام " فسوغها المال ولم يزوجها من يزيد لعنه الله فخلف عليها رجل من آل طلحة
فأولدها فكان إذا وقع بينهم وبين بطون من قريش كلام عيروهم وقالوا: يا بنى مسمة
الأزواج، قال عمير بن إسحاق: كنت مع الحسن والحسين عليهما السلام في الدار فدخل
الحسن " عليه السلام ": المخرج ثم خرج، فقال: لقد سقيت السم مرارا ما سقيته مثل هذه المرة
لقد لفظت قطعة من كبدي فجعلت اقلبها بعود معي، فقال له الحسين " عليه السلام ": ومن سقاك
فقال: وما تريد منه؟ أتريد أن تقتله؟ ان يكن هو هو فالله أشد نقمة منك وإن لم يكن
فما أحب ان يؤخذ بي برئ.
وقال عبد الله بن إبراهيم المخارقي: لما حضرت الحسن " عليه السلام " الوفاة استدعى الحسين
وقال له: يا أخي انى مفارقك ولاحق بربي، وقد سقيت السم ورميت بكبدي في
الطشت وانى لعارف بمن أسقاني السم ومن أين دهيت به وانا أخاصمه إلى الله عز وجل بحقي
عليك ان تكلمت في ذلك بشئ مما يحدث الله في فإذا قضيت فغمضني وغسلني وكفني
واحملني على سرير إلى قبر جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأجدد به عهدا، ثم ردني إلى قبر
167

جدتي فاطمة رضي الله عنها فادفني هناك، وستعلم يا بن أم ان القوم يظنون انكم تريدون
دفني عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيجلبون في منعكم من ذلك، وبالله اقسم عليك أن لا تهريق
في أمري محجمة من دم، ثم وصى إليه بأهله وولده وتركاته، وما كان وصى به
أمير المؤمنين حين استخلفه وأهله لمقامه، ودل شيعته على استخلافه ونصبه لهم علما
من بعده فلما مضى عليه السلام لسبيله غسله الحسين " عليه السلام " وكفنه وحمله على سريره ولم
يشك مروان ومن معه من بنى أمية انهم سيدفنونه عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاجتمعوا
ولبسوا السلاح، فلما توجه به الحسين " عليه السلام " إلى قبر جده (صلى الله عليه وآله) ليجدد به عهدا أقبلوا
إليهم في جمعهم ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول: مالي ولكم تريدون ان تدخلوا بيتي
من لا أحب، وجعل مروان يقول: يا رب هيجا هي خير من دعة أيدفن عثمان في
أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي (صلى الله عليه وآله) لا يكون ذلك أبدا وأنا احمل السيف وكادت
الفتنة تقع بين بني هاشم وبين بنى أمية، فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له: ارجع
يا مروان من حيث جئت فإنا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكنا نريد أن
نجدد به عهدا بزيارته ثم نرده إلى جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيته، ولو كان وصى
بدفنه مع النبي (صلى الله عليه وآله) لعلمت انك اقصر باعا من ردنا عن ذلك، لكنه " عليه السلام " كان اعلم بالله
وبرسوله (صلى الله عليه وآله) وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره ودخل بيته بغير
اذنه ثم اقبل على عائشة، وقال لها: وا سوأتاه يوما على بغل ويوما على جمل تريدين
ان تطفئ نور الله، وتقاتلي أولياء الله ارجعي فقد كفيت الذي تخافين، وبلغت
ما تحبين والله منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين.
وقال الحسين " عليه السلام ": والله لولا عهد الحسن إلى لحقن الدماء، وان لا أهرق في
امره محجمة من دم لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها، وقد نقضتم العهد بيننا
وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا ومضى بالحسن " عليه السلام " فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة
بنت أسد رضي الله عنها وأسكنها جنات النعيم، وكان مرضه " عليه السلام " أربعين يوما ومضى
لسبيله في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة وله يومئذ ثمان وأربعون، وقيل سبعة
وأربعون سنة وخلافته عشر سنين.
وقال الصادق " عليه السلام ": عن آبائه عليهم السلام قال: بينا الحسن بن علي عليهما السلام
ذات يوم في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ رفع رأسه فقال: يا أبة ما لمن زارك بعد موتك
168

قال: يا بنى من أتاني زائرا بعد موتى فله الجنة، ومن أتى أباك زائرا بعد موته فله
الجنة ومن أتى أخاك زائرا بعد موته فله الجنة، ومن أتاك زائرا بعد موتك فله الجنة.
وقال الحسن بن علي: يا رسول الله ما لمن زارنا؟ فقال: من زارني حيا أو ميتا أو زار
أباك حيا أو ميتا أو زار أخاك حيا أو ميتا كان حقا على أن استنقذه يوم القيامة من النار.
قال دعبل بن علي الخزاعي:
تعز فكم لك من أسوة * تسكن عليك غليل الحزن
بموت النبي وقتل الوصي * وذبح الحسين وسم الحسن
وأنشد:
محن الزمان سحايب متراكمة * هي بالفوادح فالفواجع ساهمة
فإذا الهموم تراكبتك فسلها * بمصاب أولاد البتولة فاطمة
مجلس في ذكر مقتل الحسين عليه السلام
قال الله تعالى في سورة إبراهيم: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون)
وفى سورة الشعراء: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
وقال الرضا " عليه السلام ": ان المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون القتال فيه فاستحلت فيه
دماؤنا وهتكت فيه حرمتنا، وسبى فيه ذرارينا ونسائنا وأضرمت النيران في مضاربنا
وانتهب ما فيها من ثقلها، ولم تدع لرسول الله حرمة في أمرنا ان يوم قتل الحسين اقرح
جفوننا وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا، أرض كربلا أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم
الانقضاء فعلى مثل الحسين فلبيك الباكون، فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام ثم
قال " عليه السلام " كان أبى " عليه السلام " إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى
تمضى منه عشرة أيام فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول
هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام.
وقال أيضا: من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى له حوائج الدنيا
والآخرة ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عز وجل يوم
169

القيامة يوم فرحه وسروره، وقرت بنا في الجنان عينه، ومن سمى يوم عاشوراء يوم
بركة وادخر فيه لمنزله شيئا لا يبارك له فيما ادخره وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله
ابن زياد وعمر بن سعد لعنهم الله وأوصلهم إلى أسفل درك من النار.
وقال الحسين " عليه السلام ": أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر، وروى أن
أم سلمة أصبحت يوما تبكي، فقيل لها ما يبكيك؟ فقالت: لقد قتل ابني الحسين
وما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) مذ مات إلا هذه الليلة، فقلت: بأبي أنت وأمي مالي أراك
شاحبا فقال: لم أزل منذ الليلة احفر قبر الحسين وقبور أصحابه، وقالت ما سمعت
نوح الجن إلا الليلة لا أراني إلا وقد أصيب بابني، وقيل جاءت الجنية منهم تقول:
ألا يا عين فانهملي بجهد * فمن يبكى على الشهداء بعدي
على رهط تقودهم المنايا * إلى متجبر في ملك عبد
وقال الصادق " عليه السلام " البكاؤن خمسة: آدم ويعقوب، ويوسف وفاطمة بنت محمد
وعلي بن الحسين صلوات الله عليهم، فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه مثل الأودية.
وأما يعقوب: فبكى على يوسف حتى ذهب بصره، وحتى قيل له: تالله تفتؤ
تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين.
واما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن، فقالوا له: اما ان تبكي
بالنهار وتسكت بالليل، واما ان تبكي بالليل وتسكت بالنهار فصالحهم على واحد منهما.
واما فاطمة فبكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تأذى بها أهل المدينة وقالوا: لقد
آذيتينا بكثرة بكائك، وكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضى حاجتها
ثم تنصرف.
وأما علي بن الحسين عليهما السلام، فبكى على الحسين عشرين سنة أو أربعين
وما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا بن رسول الله
انى أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله واعلم من
الله ما لا تعلمون انى لم اذكر مصرع بنى فاطمة إلا خنقتني لذلك العبرة.
قال داود بن كثير الرقي: كنت عند أبي عبد الله " عليه السلام " إذا استسقى الماء فلما شربه
قال: رأيته وقد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثم قال: يا داود لعنة الله على قاتل
الحسين فما انقض ذكر الحسين للعيش انى ما شربت ماءا باردا إلا وذكرت الحسين وما من
170

عبد شرب الماء فذكر الحسين " عليه السلام " ولعن قاتله إلا كتب الله له مئة الف حسنة ومحى عنه
مئة الف سيئة، ورفع له مئة الف درجة، وكان كأنما أعتق مئة الف نسمة وحشره الله
يوم القيامة أبلج الوجه.
(وروى) انه لما مات الحسن تحركت الشيعة بالعراق، وكتبت إلى الحسين في
خلع معاوية والبيعة له فامتنع عليهم، وذكر ان بينه وبين معاوية عهدا لا يجوز له نقضه
حتى تمضى المدة فإن مات معاوية نظر في ذلك، فلما مات معاوية وذلك للنصف من رجب
سنة ستين من الهجرة، كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان على المدينة
من قبل معاوية ان يأخذ من الحسين " عليه السلام " بالبيعة، ولا يرخص له في التأخر عن ذلك فانفذ
الوليد إلى الحسين " عليه السلام " في الليل فاستدعاه فعرف الحسين الذي أراد، فدعا جماعه من
مواليه وأمرهم بحمل السلاح، وقال لهم: ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست
آمنا أن يكلفني أمرا لا أجيبه إليه وهو غير مأمون فكونوا معي فإذا دخلت إليه فأجلسوا
على الباب فان سمعتم صوتي قد علا فأدخلوا عليه لتمنعوه منى فصار الحسين " عليه السلام " إلى الوليد
فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين، ثم قرأ عليه
كتاب يزيد وما أمر به في أخذ البيعة منه له، فقال له الحسين: انى لا أراك تقنع ببيعتي
ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد أجل فقال الحسين
فنصبح ونرى رأينا في ذلك فقال له الوليد: انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة
الناس فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا تقدر منه على مثلها
أبدا حتى يكثر القتل بينكم وبينه أحبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب
عنقه فوثب عند ذلك الحسين " عليه السلام " وقال: أنت يا بن الزرقاء تقتلني؟ أنت الذي كذبت
وأثمت وخرج " عليه السلام " فمشى مع مواليه حتى أتى منزله فأقام " عليه السلام " في منزله تلك اللية وهي ليلة
السبت لثلاث بقين رجب سنة ستين، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في
البيعة ليزيد وامتناعه عليهم، وخرج ابن الزبير من ليلته من المدينة متوجها إلى مكة
فلما أصبح الوليد سرح في أثر ابن الزبير الرجال فبعث راكبا من موالي بنى أمية في ثمانين
راكبا فطلبوه ولم يدركوه ورجعوا، فلما كان آخر النهار من يوم السبت بعث الرجال
إلى الحسين " عليه السلام " ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية، فقال لهم الحسين: أصبحوا
ثم ترون ونرى فكفوا الليلة ولم يلحوا عليه، فخرج " عليه السلام " من تحت ليلته، وهي ليلة
171

الأحد ليومين بقيا من رجب متوجهين نحو مكة، ومضى بنوه واخوته وبنوا أخيه
وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية، وخرج الحسين وهو يقول: فخرج منها خائفا يترقب
قال: رب نجني من القوم الظالمين، فلما دخل مكة وهو يقرأ: ولما توجه تلقاء مدين
قال عسى ربى ان يهديني سواء السبيل ثم نزل فاقبل أهلها يختلفون إليه، ومن كان بها
من المعتمرين وأهل الآفاق، فبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية، فارجعوا بيزيد وعرفوا
خبر الحسين " عليه السلام " وامتناعه عن بيعته، فاجتمعت الشيعة في الكوفة في منزل سليمان بن
صرد فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله عليه، فقال سليمان بن صرد: ان معاوية قد هلك
وان حسينا قد تغيض عل القوم ببيعته وقد خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه فان
كنتم تعلمون انكم ناصروه ومجاهدوا عدوه، وتقتل أنفسنا دونه فاكتبوا إليه فكتبوا
إليه: بسم الله الرحمن الرحيم: للحسين بن علي عليهما السلام من سليمان بن صرد الخزاعي
والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر وشيعته المؤمنين والمسلمين من
أهل الكوفة: سلام الله عليك فإنا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، أما بعد: الحمد
لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي ابتز على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيها
فتأمر عليها بغير رضا منها، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة
بين جبابرتها وأغنيائها، فبعدا لهم كما بعدت ثمود إنه ليس علينا إمام فاقبل لعل الله
ان يجمعنا بك على الحق، والنعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة
ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا انك أقبلت الينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام
انشاء الله، ثم سرحوا بالكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني، وعبد الله بن وال
وأمروهما بالنجا فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين " عليه السلام " بمكة لعشر مضين من شهر
رمضان ثم لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب، وأنفذوا قيس بن
مسهر الصيداوي، وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي، وعمارة بن عبد الله السلولي إلى
الحسين ومعهم نحو من مئة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة، ثم لبثوا
يومين آخرين وسرحوا إليه هاني بن هاني السبيعي، وسعد بن عبد الله الحنفي وكتبوا
بسم الله الرحمن الرحيم: للحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين.
أما بعد: فحي هلا فان الناس ينتظرونك لا رأى لهم غيرك، فالعجل العجل ثم
العجل العجل، وكتب شبث بن ربعي، وحجارة بن أبجر، ويزيد بن الحرث بن
172

رويم وعروة بن قيس، وعمرو بن حجاج الزبيدي، ومحمد بن عمرو التميمي.
أما بعد: هذا فقد أخصبت الجنان وأينعت الثمار فإذا شئت فأقدم على جند لك
مجندة والسلام، وتلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب، وسأل عن الناس ثم كتب
مع هاني بن هاني، وسعد بن عبد الله وكانا آخر الرسل: بسم الله الرحمن الرحيم: من
الحسين بن علي إلى الملا من المسلمين والمؤمنين.
أما بعد: فإن هانيا وسعيدا قدما علي بكتبكم، وكان آخر من قدم علي من
رسلكم وقد فهمت كل الذي قصصتم وذكرتم ومقالة اجلائكم: انه ليس علينا إمام فاقبل
لعل الله يجمعنا بك على الهدى، وانا باعث إليكم أخي وابن عمى وثقتي من أهل بيتي
فان كتب إلي انه قد أجمع رأى أجلائكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت
به رسلكم وقرأت كتبكم قدمت عليكم وشيكا إن شاء الله، فلعمري ما الامام إلا الحاكم
بالكتاب القائم القسط، والدائن بدين الله الحابس نفسه على ذات الله والسلام
ودعا الحسين مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي، وعمارة بن عبد الله السلولي
وعبد الرحمن بن عبد الله الأريحي، وأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف فان رأى
الناس مجمعين مستوثقين عجل إلي بذلك، فأقبل مسلم حتى أتى الكوفة فنزل دار المختار
ابن أبي عبيدة، وهي التي تدعى دار سلام بن المسيب، فأقبلت الشيعة تختلف إليه فكلما
اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين " عليه السلام " وهم يبكون، وبايعه الناس حتى
بايعه ثمانية عشر ألفا، فكتب مسلم إلى الحسين بن علي عليهما السلام يخبره ببيعة ثمانية
عشر ألفا ويأمره بالقدوم، وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل رضي الله عنه
حتى علم بمكانه فبلغ النعمان بن بشير، وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد
عليها وكتب عبد الله بن مسلم، وعمارة بن عقبة، وعمر بن سعد إلى يزيد بن معاوية،
أما بعد: فان مسلم بن عقيل قدم الكوفة فبايعه شيعة الحسين بن علي فان يكن لك في
الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدول فان النعمان
ابن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف، فلما وصلت الكتب إلى يزيد دعا سرجون
مولى معاوية فقال له ما رأيك؟ ان حسينا قد وجه إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له
وقد بلغني ان النعمان ضعيف فمن ترى ان استعمل على الكوفة؟ وكان يزيد عاتبا على
عبيد الله بن زياد، فقال له سرجون: أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذا برأيه؟
173

قال: نعم قال فأخرج سرجون عهد عبيد الله على الكوفة وقال: هذا رأى معاوية
وقد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين إلى عبيد الله فقال له: يزيد افعل ابعث بعهد ابن
زياد إليه ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي، فكتب إلى عبيد الله معه، أما بعد: فإنه كتب
إلي من شيعتي من أهل الكوفة تخبرني ان ابن عقيل بها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين
فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقبه
فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام، وسلم إليه عهده على الكوفة، فخرج مسلم بن عمرو
حتى قدم على عبيد الله بالبصرة، فأوصل إليه العهد والكتاب فأمر عبيد الله بالتجهيز
من وقته والمسير إلى الكوفة من الغد، ثم خرج من البصرة فاستخلف أخاه عثمان
وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي، وشريك الأعور الحارثي، وحشمه وأهل
بيته حتى دخل الكوفة، وعليه عمامة سوداء وهو متلثم، والناس قد بلغهم اقبال
الحسين " عليه السلام " إليهم فهم ينتظرون قدومه فظنوا حين رأوا عبيد الله انه الحسين فأخذ لا يمر
على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا مرحبا بابن رسول الله قدمت خير مقدم
فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه، فقال مسلم بن عمرو: ولما كثروا قلت تأخروا هذا
الأمير عبيد الله بن زياد، وسار حتى وافى القصر في الليل ومعه جماعة قد التقوا به
فدعا ابن زياد مولى له يقال له معقل فقال له: خذ ثلاثة آلاف درهم ثم اطلب من مسلم بن عقيل
والتمس أصحابه فإذا ظفرت بواحد منهم، أو جماعة فاعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم
وقل لهم استعينوا بها على حرب عدوكم، وأعلمهم انك منهم فإنك لو أعطيتهم إياها
اطمأنوا إليك ووثقوا بك ولم يكتموا شيئا من اخبارهم ثم اغد عليهم ورح حتى تعلم
مستقر مسلم بن عقيل وتدخل عليه ففعل ذلك، وجاء فطلب الاذن فأذن له، فأخذ
مسلم بن عقيل بيعته وأمر أبا ثمامة الصايدي يقبض المال منه، واقبل ذلك الرجل
يختلف إليهم فهو أول داخل وآخر خارج حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم وكان
يخبره بهم، فاجتمع لابن عقيل أربعة آلاف رجل، وما زالوا يتوثبون حتى المساء
فضاق بعبيد الله أمره، وكان أكثر عمله ان يمسك باب القصر، وليس معه في القصر
إلا ثلاثون رجلا من الشرطة، وعشرون رجلا من اشراف الناس وأهل بيته وخاصته
حتى كادت الشمس أن تغيب، فكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها فتقول انصرف الناس
يكفونك ويجيئ الرجل إلى ابنه وأخيه فيقول: غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب
174

والشر أنصرف فيذهب به فيصرفه، فما زالوا يتفرقون عن ابن عقيل حتى أمسى وصلى
المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد، فلما رأى أنه قد أمسى وليس معه إلا
أولئك النفر خرج متوجها نحو أبواب كندة، فما بلغ الأبواب ومعه منهم عشرة
ثم خرج من الباب فإذا ليس معه انسان فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا على الطريق
ولا يدله على منزله، ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو فمضى على وجهه مترددا في
أزقة الكوفة لا يدرى أين يذهب، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها طوعة
أم ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها فزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا وكان بلال
قد خرج مع الناس فأمه قائمة تنتظره، فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه، فقال لها
يا أمة الله اسقني ماءا فسقته، وجلس وأدخلت الاناء ثم خرجت فقالت يا عبد الله
ألم تشرب؟ قال: بلى قالت فاذهب إلى أهلك فسكت، ثم أعادت مثل ذلك فسكت ثم
قالت له في الثالثة سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلى أهلك، فإنه لا يصلح لك الجلوس
على بابي ولا أحله لك فقام وقال: يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة فهل لك
في اجر ومعروف ولعلي مكافيك، قالت: يا عبد الله وما ذاك؟ قال انا مسلم بن عقيل
كذبني هؤلاء القوم وغروني وأخرجوني قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم قالت ادخل فدخل
بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه، ففرشت له وعرضت له العشا فلم يتعش ولم يكن
بأسرع ان جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه فقال لها: والله انه
ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة وخروجك منه ان لك لشأنا قالت: يا بنى
أعرض عن هذا قال: والله لتخبريني قالت اقبل على شأنك ولا تسألني عن شئ فألح عليها
قالت يا بنى لا تخبرن أحدا من الناس شيئا مما أخبرك به، قال: نعم، فأخذت عليه
الايمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت، فلما أصبح غدا إلى عبد الرحمن بن
محمد الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند أمه، فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه
وهو عند ابن زياد فسار فعرف ابن زياد اسراره، فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه
قم فأتني به الساعة فقام، وبعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون ان يصاب
فيهم مثل ابن عقيل، فبعث عبيد الله بن العباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى
أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رضي الله عنه، فلما سمع وقع حوافر الخيل وأصوات
الرجال علم أنه قد أتى، فخرج إليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار، ثم عادوا
175

إليه فشد عليهم كذلك، فاختلف هو وبكر بن حمران الأحمري، فضرب فم مسلم
فقطع شفته العليا، وأسرع في السفلى، ونصلت ثنيتاه فضربه مسلم في رأسه ضربة
منكرة وثناه بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع على جوفه، فلما رأوا ذلك أشرفوا
عليه من فوق البيت فأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في اطناب القصب ثم يلقونها
عليه من فوق البيت، فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة، وقال له محمد
بن الأشعث لك الأمان لا تقتل نفسك، وهو يقاتلهم ويقول عند ذلك:
أقسمت لا اقتل إلا حرا * وان رأيت الموت شيئا نكرا
واخلط البارد سخنا مرا * رد شعاع الشمس فاستقرا
كل امرء يوما ملاق شرا * أخاف ان أكذب أو أغرا
فقال له محمد بن الأشعث: انك لا تكذب ولا تغر ولا تخدع ان القوم بنو عمك
وليسوا بقاتليك ولا ضاريك، وقد عجز عن القتال فابتهر وأسند ظهره إلى جنب تلك
الدار فأعاد ابن الأشعث عليه القول لك الأمان فقال آمن أنا؟ فقال نعم فقال للقوم الذين
معه لي الأمان فقالوا له: نعم إلا عبيد الله بن العباس السلمي، فإنه قال لا ناقة لي في هذا
ولا جمل وتنحى فقال مسلم أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم، وأتى ببغلة فحمل عليها
واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه فكأنه عند ذلك يئس من نفسه فدمعت عيناه ثم قال
هذا أول الغدر، فقال له محمد بن الأشعث أرجو أن لا يكون عليك بأس، فقال ما هو
إلا الرجا أين أمانكم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون وبكى، فقال له عبيد الله بن العباس السلمي
ان الذي يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك، فقال والله انى
ما لنفسي بكيت، ولا لها من القتل أرثي وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلف ولكني
أبكى لأهلي المقبلين إلي أبكى للحسين وآل الحسين صلوات الله عليهم، ثم اقبل بابن عقيل
إلى باب القصر فاستأذن فأذن له فدخل على عبيد الله، فأخبره خبر ابن عقيل وذكر
ما كان من أمانه له، فقال له عبيد الله: وما أنت والأمان؟ كأنما أرسلناك لتأتينا به
فسكت ابن الأشعث، وانتهى بابن عقيل إلى باب القصر، وقد اشتد به العطش فقال
أسقوني من هذا الماء، وتساند إلى حايط وبعث عمرو بن حريث غلاما فجاءه بقلة عليها
منديل وقدح فصب فيه ماء فقال له: اشرب فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فمه
فلا يقدر أن يشرب، ففعل ذلك مرة أو مرتين فلما ذهب في الثالثة ليشربه سقطت ثنيتاه
176

في القدح، فقال الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم شربته، وخرج رسول ابن زياد
وأمر بادخاله فلما دخل لم يسلم عليه بالإمرة فقال له الحرس: ألا تسلم على الأمير فقال إن
كان يريد قتلى فما سلامي عليه وإن كان لا يريد قتلى ليكثرن سلامي عليه، فقال له ابن
زياد لعمري لتقتلن قال كذلك؟ قال نعم قال: دعني أوصى إلى بعض قومي قال: افعل
فنظر مسلم إلى جلساء ابن زياد وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فقال: يا عمر ان بيني
وبينك قرابة ولي إليك حاجة، وقد يجب عليك نجح حاجتي وهو سر فامتنع عمر أن
يسمع منه فقال عبيد الله: لم تمتنع ان تنظر في حاجة ابن عمك؟ قال فجلس حيث ينظر
إليهما ابن زياد، فقال إن علي دينا استدنته مذ وقت قدمت الكوفة سبعمائة درهم فاقضها
عنى وإذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها وابعث إلى الحسين من يرده فانى قد
كنت أعلمته ان الناس ليسوا إلا معه ولا أراه إلا مقبلا، فقال عمر لابن زياد أتدري
أيها الأمير ما قال؟ انه ذكر كذا وكذا فقال ابن زياد: لا يخونك الأمين، ولكن قد
يؤتمن الخائن.
أما مالك فهو لك ولسنا نمنعك ان تصنع به ما أحببت.
واما جثته فإنا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها، واما الحسين فهو إن لم يردنا لم نرده
اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه، ثم اتبعوا جسده أين هذا الذي ضرب ابن
عقيل رأسه بالسيف فدعى بكر بن حمران الأحمري، فقال له اصعد فلتكن أنت الذي
تضرب عنقه فصعد به، وهو يكبر ويستغفر الله ويصلى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقول
اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا، فأشرفوا به على موضع الحراس
اليوم فضرب عنقه واتبع جسده رأسه، ولما أراد الحسين " عليه السلام " التوجه إلى العراق طاف
بالبيت وسعى بين الصفاء والمروة، وأحل من احرامه وجعلها عمرة لأنه لا يتمكن من
إتمام الحج وكان قد اجتمع إليه مدة مقامه عليه السلام بمكة نفر من أهل الحجاز ونفر
من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه من مكة وخرجوا معه نحو العراق.
ولما بلغ ابن زياد اقبال الحسين " عليه السلام " بعث الحصين بن نمير صاحب الشرطة حتى نزل
القادسية إلى القطقطانية ولما بلغ الحسين " عليه السلام " الحاجز من بطن الرمة بعث قيس بن
مسهر الصيداوي ويقال أيضا: بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر إلى أهل الكوفة مع
كتاب فأخذه الحصين بن نمير بالقادسية فبعث به إلى ابن زياد فقال له ابن زياد: اصعد
177

فسب الكذاب الحسين بن علي فصعد قيس فحمد الله تعالى، وأثنى عليه ثم قال أيها الناس
ان هذا الحسين بن علي خير خلق الله بن فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليهم وأنا رسوله
إليكم فأجيبوه، ثم لعن ابن زياد وأباه فأمر عبيد الله ان يرمى من فوق القصر فرمى به
فتكسرت عظامه وبقي به رمق فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير الحضرمي فذبحه فقيل له
في ذلك وعيب عليه، فقال أردت أن أريحه، وكان ابن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة
إلى طريق الشام إلى البصرة فلا يدعون أحدا يلج ولا أحدا يخرج، واقبل الحسين " عليه السلام "
لا يشعر بشئ حتى لقي الاعراب فسألهم، فقالوا: والله ما ندري غير إنا لا نستطيع
ان نلج ولا نخرج فسار الحسين " عليه السلام " تلقاء وجهه، وحدث جماعة من فزارة وبجيلة قالوا
كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة، وكنا نساير الحسين " عليه السلام " فلم يكن شئ
أبغض الينا من أن ننازله، فإذا نزل الحسين " عليه السلام " في جانب نزلنا في جانب فبينا نحن جلوس
نتغذى من طعام لنا إذ اقبل رسول الحسين " عليه السلام " حتى سلم ثم دخل، فقال: يا زهير بن
القين البجلي ان أبا عبد الله بعثني إليك لتأتينه فطرح كل انسان منا ما في يده حتى كأن على
رؤوسنا الطير فقالت امرأته: سبحان الله أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لم تأته؟ لو أتيته
فسمعت من كلامه، ثم انصرفت فأتاه زهير بن القين، فما لبث ان جاء مستبشرا قد
أشرق وجهه فأمر فسطاطه فقوض وحمل إلى الحسين " عليه السلام "، ثم قال لامرأته أنت طالق
ألحقي بأهلك فإني لا أحب ان يصيبك بسببي إلا خير، ثم قال لأصحابه، من أحب منكم
ان يتبعني وإلا فهو آخر العهد انى سأحدثكم حديثا غزونا البحر ففتح الله علينا وأصبنا
غنائم فقال لنا سلمان الفارسي رضي الله عنه: أفرحتم بما فتح الله عليكم، وأصبتم من
الغنائم؟ فقلنا نعم، فقال: إذا أدركتم شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقاتلكم معهم
مما أصبتم اليوم من الغنائم.
فأما انا فأستودعكم الله قالوا: ثم والله ما زال في القوم مع الحسين حتى قتل رحمة
الله عليه، ووقع الخبر عند الحسين بقتل مسلم بن عقيل وهاني فقال: إنا لله وإنا إليه
راجعون رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا فقيل له ننشدك الله في نفسك، وأهل بيتك
إلا انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر، ولا شيعة بل نتخوف
ان يكونوا عليك فنظر إلى بنى عقيل، وقال: ما ترون فقد قتل مسلم بن عقيل؟ قالوا:
والله لا نرجع حتى نصيب ثارنا أو نذوق ما ذاق فأقبل الحسين " عليه السلام " وقال: لا خير في
178

العيش بعد هؤلاء فلما كان السحر، فقال لفتيانه وغلمانه: أكثروا من الماء فاستقوا
وأكثروا ثم ارتحلوا فساروا حتى انتهى إلى زبالة فأتاه خبر عبد الله بن يقطر فأخرج
إلى الناس كتابا فقرأه عليهم:
بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد: فقد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهاني
ابن عروة وعبد الله بن يقطر وقد خذلتنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف
من غير حرج ليس عليكم ذمام فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي أصحابه
الذين جاؤوا معه من المدينة، ونفر يسير ممن انضموا إليه، وإنما فعل ذلك " عليه السلام " لأنه
علم أن الاعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه وهم يظنون إنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة
أهله فكره ان يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يقدمون، وبعث بن زياد الحر بن يزيد
في الف فارس إلى الحسين " عليه السلام " فجاء حتى وقفوا مقابل الحسين " عليه السلام " في حر الظهيرة فقال
اسقوهم وأوردوهم وصلى بهم الحسين الظهر والعصر، ثم توجه إليهم فحمد الله وأثنى عليه
وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) وأخبرهم بمقالة الكوفيين ورسالاتهم، وقال انا أولى بهذا
الامر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، فقال الحر: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا
إليك وأمرنا إذا لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة، فقال له الحسين " عليه السلام " الموت
أدنى إليك من ذلك، ثم قال لأصحابه: قوموا فاركبوا فركبوا، وانتظروا حتى ركبت
نساؤهم فقال لأصحابه انصرفوا، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف
فقال الحسين " عليه السلام " فما تريد؟ قال: أريد انطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد قال
إذا والله لا اتبعك فتراد القول ثلاث مرات فلما كثر الكلام بينهما، قال له الحر: انى لم
أؤمر بقتالك إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك
الكوفة ولا يردك إلى المدينة يكون بيني وبينك نصفا حتى اكتب إلى الأمير فلعل الله
ان يأتيني بأمر يرزقني فيه العافية من أن ابتلى بشئ من أمرك فخذها هنا فتياسر عن طريق
العذيب والقادسية وسار الحسين " عليه السلام "، وسار الحر في أصحابه يسايره، ويقول يا حسين
انى أذكرك الله في نفسك فانى أشهد لئن قاتلت لتقتلن، فقال له الحسين " عليه السلام ": أفبالموت
تخوفني؟ وهل يعدوا بكم الخطب ان يقتلوني، وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه
وهو يريد نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخوفه ابن عمه، وقال: أين تذهب؟ فإنك
مقتول فقال:
179

سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وواس الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا وودع مجرما
فان مت لم أندم وان عشت لم ألم * كفى بك ذلا ان تعيش وترغما
فلما سمع ذلك الحر تنحى عنه فكان يسير بأصحابه ناحية، والحسين " عليه السلام " في ناحية
أخرى حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات، ثم مضى " عليه السلام " حتى انتهى إلى قصر بنى مقاتل
فنزل به ولما كان في آخر الليل أمر بالاستقاء من الماء، ثم أمرنا بالرحيل فارتحل من
قصر بنى مقاتل فقال عقبة بن سمعان: فسرنا معه ساعة فخفق " عليه السلام " وهو على ظهر فرسه
خفقة ثم انتبه وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين ففعل ذلك مرتين
أو ثلاثا فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: مم حمدت الله واسترجعت
فقال: يا بنى انى خفقت خفقة فعن لي فارس على فرس وهو يقول: القوم يسيرون
والمنايا تسير إليهم فعلمت انها أنفسنا نعيت الينا فقال له ابنه: يا أبة لا أراك الله سوءا
ألسنا على الحق؟ قال: بلى والذي إليه المرجع والمعاد، قال: فإذا لا نبالي ان نموت
محقين فقال له الحسين " عليه السلام " جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والد، فلما أصبح
نزل فصل الغداة، ثم عجل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريدان يفرقهم فيأتيهم الحر بن
يزيد فيرده وأصحابه فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا ولم
يزالوا يتسايرون وكذلك حتى انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل به الحسين " عليه السلام " فإذا
راكب على نجيب له عليه السلام متنكب قوسا مقبل من الكوفة فوقفوا جميعا ينتظرونه
فلما انتهى إليهم سلم على الحر وأصحابه، ولم يسلم على الحسين " عليه السلام " وأصحابه ودفع إلى الحر
كتابا من عبيد الله بن زياد.
أما بعد: فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي، ويقدم عليك رسولي، ولا تنزله
إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي ان يلزمك، ولا يفارقك
حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام، فأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء
ولا في قرية فقال له الحسين " عليه السلام " دعنا ويحك ننزل في هذه القرية، أو هذه يعنى نينوى
والغاضرية قال لا والله ما أستطيع ذلك: هذا رجل قد بعث إلى عينا علي، فقال له زهير
ابن القين: انى والله ما أراه بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون يا بن رسول الله ان قتال
هؤلاء البغاة أهون من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به
180

فقال له الحسين " عليه السلام ": ما كنت لأبدأهم بالقتال، ثم نزل يوم الخميس، وهو اليوم الثاني
من المحرم سنة احدى وستين، فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص
من الكوفة في أربعة آلاف من الفوارس فنزل نينوى فبعث إلى الحسين " عليه السلام " عروة بن
قيس الأحمسي، فقال: ائته فاسأله ما الذي جاء بك وما الذي تريد؟ وكان عروة ممن
كتب إلى الحسين " عليه السلام " فاستحيى منه ان يأتيه، فعرض ذلك على الرؤسا الذين كاتبوه
وكلهم أبى ذلك وكرهه، فقام إليه كثير بن عبد الله الأشعبي، وكان فارسا شجاعا لا يرد
وجهه شئ فقال: انا اذهب إليه والله لئن شئت لأفتكن به فقال له عمر: ما أريد ان تفتك
به ولكن ائته فاسأله ما الذي جاء بك؟ فاقبل كثير إليه، فلما رآه أبو ثمامة الصايدي
قال: أصلحك الله يا أبا عبد الله قد جاءك شر خلق الله وأجرأه على دم وافتكه، وقام إليه
وقال له: ضع سيفك، قال لا ولا كرامة إنما انا رسول فان سمعتم منى أبلغتكم ما أرسلت
به إليكم فان أبيتم انصرفت عنكم، قال فانى آخذ بقائم سيفك، ثم تكلم بحاجتك قال
لا والله لا تمسه، فقال له أخبرني ما جئت به وانا أبلغه عنك، ولا أدعك تدنوا منه
فإنك فاجر فأبى وانصرف إلى عمر بن سعد: فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلي، فقال له
ويحك يا قرة الق حسينا، فسأله ما جاء به وماذا يريد فأتاه قرة، فلما رآه الحسين " عليه السلام "
مقبلا قال: أتعرفون هذا؟ فقال حبيب بن مظاهر: نعم هذا رجل من حنظلة بن تميم
وهو ابن أختنا، وقد كنت اعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد فجاء
حتى سلم على الحسين " عليه السلام " وأبلغه رسالة عمر بن سعد فقال له الحسين " عليه السلام ": كتب إلي أهل
مصركم هذا ان اقدم، واما إذا كرهتموني فأنى انصرف عنكم، ثم قال له حبيب بن
مظاهر: ويحك يا قرة أين ترجع إلى القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك
الله بالكرامة، فقال له قرة: ارجع إلى صاحبنا بجواب رسالته فأرى رأى قال
فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر، فقال عمر: أرجو ان يعافيني الله من حربه
وقتاله وكتب إلى عبيد الله بن زياد:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فانى حيث نزلت بالحسين، وبعثت إليه
برسولي فسألته عما تقدم وماذا يطلب، فقال: كتب إلى أهل هذه البلاد، وأتتني
رسلهم يسألوني القدوم ففعلت فأما إذا كرهتموني، وبدا لهم غير ما اتتني به رسلهم فأنا
منصرف عنهم قال حسان بن قائد العبسي: وكنت عند عبيد الله حين أتاه هذا الكتاب
181

فلما قرأه قال: الآن حين إذا علقت مخالبنا به يرجوا النجاة، ولات حين مناص وكتب
إلى عمر بن سعد:
أما بعد: فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت فأعرض على الحسين ان يبايع
ليزيد هو وجميع أصحابه، فإذا هو فعل رأينا رأينا والسلام، فلما ورد الجواب قال عمر
ابن سعد قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية، ثم ورد كتاب بن زياد في الأثر إلى عمر
ابن سعد: ان حل بين الحسين وأصحابه، والماء فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقى
الزكي عثمان بن عفان فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس فنزلوا
الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ان يسقوا منه قطرة، وذلك قبل قتل الحسين
بثلاثة أيام، ونادى عبد الرحمن بن حصين الأزدي، وكان عداده في بجيلة فقال بأعلى
صوته: ألا تنظروا إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لا تذوقون منه قطرة حتى تموتوا
عطشا فقال الحسين " عليه السلام ": اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا.
قال حميد بن مسلم: والله لعدته بعد ذلك في مرضه، فوالله الذي لا إله إلا هو
لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغره ويبغى ويصيح العطش العطش ثم يعود فيشرب الماء حتى
يبغره ثم يبغيه ويتلظى عطشا فما زال ذلك دأبه حتى لفظ نفسه ولما رأى الحسين " عليه السلام "
نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله، انفذ إلى عمر بن سعد: انى
أريد ان ألقاك فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع إلى مكانه، وكتب إلى عبيد الله
ابن زياد
أما بعد: فقد أطفأ الله النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة، وهذا حسين قد
أعطاني انه يرجع إلى المكان الذي منه أتى وان يسير إلى ثغر من ثغور المسلمين فيكون
رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد ويضع يده في
يده فيرى فيما بينه بينه رأيه، وفى هذا رضاء الله تعالى وللأمة صلاح فلما قرأ عبيد الله
الكتاب قال هذا كتاب ناصح مشفق على قومه وكتب إلى عمر بن سعد كتابا مع شمر
ابن ذي الجوشن فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فان فعلوا فليبعث بهم إلى
سلما وان أبوا فليقاتلهم فان فعل عمر فاسمع له وأطع، وان أبى ان يقاتلهم فأنت أمير
الجيش فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه وكان في الكتاب، انى لم أبعثك إلى الحسين
لتكف عنه ولا لتطاوله، ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعذر له عندي ولا لتكون له
182

شافعا انظر فان نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فأبعث بهم إلى سلما وان أبوا
فأرجف عليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فأنهم لذلك مستحقون فان قتل الحسين فاوطئ الخيل
صدره وظهره فإنه عاق ظلوم فان أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع
وان أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد أمرناه
بأمرنا والسلام فأقبل شمر بكتاب عبيد الله إلى عمر بن سعد، فلما قدم عليه وقرأه
فنادى عمر بن سعد: يا خيل الله اركبي وابشري فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر
والحسين عليه السلام جالس أمام بيته محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت
أخته الضجة فدنت من أخيها فقالت: يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟ فرفع
الحسين " عليه السلام " رأسه فقال إني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام فقال لي انك تروح الينا
فلطمت وجهها ونادت بالويل، فقال الحسين " عليه السلام " ليس لك الويل يا أختاه اسكتي
رحمك الله وجاءه رسول عمر بن سعد انا قد أجلناك إلى غد فان استسلمتم سرحناكم إلى
عبيد الله بن زياد أميرنا، وان أبيتم فلسنا تاركيكم وانصرف فجمع الحسين " عليه السلام " أصحابه
عند قرب المساء.
قال علي بن الحسين زين العابدين " عليه السلام " فدنوت منهم لأسمع ما يقول لهم وانا
إذ ذاك مريض فسمعت أبي " عليه السلام " يقول لأصحابه: اثنى على الله أحسن الثناء واحمده على
السراء والضراء اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين
وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة فاجعلنا من الشاكرين أما بعد: فانى لا أعلم أصحابا
ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أصحابي وأهل بيتي فجزاكم الله عنى خير الجزاء ألا وانى
لأظن يوما لنا من هؤلاء إلا وقد أذنت فانطلقوا جميعا من حل ليس عليكم منى ذمام هذا
الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا فقال اخوته وأبناؤهم وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر
لم نفعل لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك اليوم أبدا بدأهم بهذا القول العباس بن علي (رض)
واتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه، فقال الحسين " عليه السلام ": يا بنى عقيل حسبكم من
القتل بمسلم فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم قالوا: سبحان الله ما نقول للناس؟ نقول انا
تركنا شيخنا وسيدنا وبنى عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح
ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا بهم لا والله لا نفعل ولكن نفديك أنفسنا
وأموالنا وأهلنا أو نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك.
183

وقال مسلم بن عوسجة وقال والله لو علمت انى اقتل ثم أحيى ثم احرق ثم أحيى ثم احرق
ثم أذرى يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي من دونك وكيف لا افعل ذلك
وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.
وقام زهير بن القين رحمه الله فقال والله لوددت انى قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى
اقتل هكذا الف مرة وان الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من
أهل بيتك لفعلت وتكلم بعض أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد فجزاهم الحسين " عليه السلام "
خيرا وانصرف إلى مضربه، قال علي بن الحسين عليهما السلام: بينا انى جالس في تلك
العشية التي قتل في صبيحتها أبى وعندي عمتي زينب تمرضني إذا اعتزل أبى في خباء له وعنده
فلان مولى أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبى يقول:
يا دهر أف لك من خليل * كم لك في الاشراق والأصيل
من صاحب وطالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الامر إلى الجليل * وكل حي سالك سبيل
فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعملت ما أراد فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت
السكوت وعلمت ان البلاء قد نزل.
قال الضحاك بن عبد الله: ومر بنا خيل لابن سعد يحرسنا وان حسينا " عليه السلام " ليقرأ
(ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم خيرا ليزدادوا اثما
ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب)
فلما أصبح الحسين " عليه السلام " فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة وكان معه اثنان وثلاثون فارسا
وأربعون راجلا فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه وحبيب بن مظاهر في مسيرة أصحابه
وأعطى رأيته للعباس أخاه وجعلوا البيوت في ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء
البيوت ان تنزل في خندق كان وان يحرق بالنار مخافة ان يأتوهم من ورائهم وأصبح عمر
ابن سعد لعنه الله في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة وقيل يوم السبت فعبأ أصحابه وخرج
فيمن معه من أصحابه نحو الحسين " عليه السلام " فضرب الحر فرسه فلحق بالحسين " عليه السلام " فقال له
جعلت فداك يا بن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وجعجعت بك
في هذا المكان، والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت
وانى تائب إلى الله عز وجل مما صنعت فترى من توبة؟ فقال له الحسين: يتوب الله
184

عليك، واقبل رجل من عسكر بن عمر بن سعد على فرس يقال له: ابن أبي جويرة
المزني فلما نظر إلى النار تتقد، صفق بيده، ونادى يا حسين وأصحاب الحسين أبشروا
بالنار، فقد تعجلتموها في الدنيا، فقال الحسين " عليه السلام ": من الرجل؟ فقيل: ابن أبي
جويرة المزني، فقال الحسين " عليه السلام ": اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا، فنفر به فرسه
وألقاه في تلك النار، فاحترق ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له
تميم بن حصين الفزاري، فنادى يا حسين ويا أصحاب الحسين أما ترون الفرات يلوح
كأنه بطون الحيات؟ والله لا أذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جرعا، فقال
الحسين " عليه السلام ": من الرجل؟ فقيل: تميم بن حصين فقال الحسين " عليه السلام ": هذا وأبوه من
أهل النار، اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم قال: فخنقته العطش حتى سقط من فرسه
فوطئته الخيل بسنابكها فمات، ثم اقبل رجل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له: محمد
ابن الأشعث بن قيس الكندي، فقال: يا حسين بن فاطمة أي حرمة لك من
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليست لغيرك، فتلا الحسين " عليه السلام " هذه الآية: (ان الله اصطفى آدم
ونوحا وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض) ثم قال: والله ان محمدا
لمن آل إبراهيم، وان العترة الهادية لمن آل محمد، من الرجل؟ فقيل: محمد بن الأشعث
ابن قيس الكندي، فرفع الحسين " عليه السلام " رأسه إلى السماء فقال: اللهم أذل محمد بن الأشعث
ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا، فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز
فسلط الله عليه عقربا فلدغته فمات بادي العورة، فبلغ العطش من الحسين " عليه السلام " وأصحابه
فدخل عليه رجل من شيعته يقال له يزيد بن الحصين الهمداني، فقال: يا بن رسول الله
أتأذن لي ان اخرج إليهم فأكلمهم؟ فأذن له فخرج إليهم فقال: يا معشر الناس ان الله عز
وجل بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالحق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا
وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد، وكلابها وقد حيل بينه وبين ابنه فقالوا
يا يزيد فقد أكثرت الكلام فاكفف عنا، فوالله ليعطش الحسين كما عطش من كان
قبله فقال الحسين عليه السلام: اقعد يا يزيد، ثم وثب الحسين عليه السلام متكيا
على سيفه، فنادى بأعلى صوته، فقال: أنشدكم الله أتعلمون ان جدي
رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قالوا: نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون أن أبى علي بن أبي طالب قالوا
اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون ان أمي فاطمة بنت رسول الله
185

عليها السلام قالوا: نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون ان جدتي خديجة بنت خويلد
وأول نساء هذه الأمة اسلاما؟ قالوا: نعم قال: أنشدكم الله هل تعلمون ان سيد الشهداء
حمزة عم أبى؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم الله هل تعلمون ان الطيار في الجنة عمى؟
قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم الله هل تعملون ان هذا سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وانا
متقلده، قالوا: نعم، قال: فأنشدكم الله هل تدرون ان هذه عمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
انا لابسها؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم الله هل تعلمون ان عليا كان أولهم اسلاما
وأعلمهم علما وأعظمهم حلما وانه ولى كل مؤمن ومؤمنة؟ قالوا اللهم نعم، قال: فبم
تستحلون دمى؟ وأبى الذايد عن الحوض غدا، يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر
عن الماء ولواء الحمد في يد جدي يوم القيامة قالوا: قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك
حتى تذوق الموت عطشا، فأخذ الحسين بطرف لحيته وهو يومئذ ابن سبع وخمسين
سنة، ثم قال: اشتد على اليهود غضب الله حيث قالوا، عزيز ابن الله واشتد غضب
الله على النصارى حين قالوا المسيح ابن الله واشتد غضب الله على المجوس حين عبدوا
النار من دون الله واشتد غضب الله على قوم قتلوا نبيهم واشتد غضب الله على هذه
العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيهم فقال الحر بن يزيد: يا بن رسول الله أتأذن لي
ان أقاتل عنك؟ فأذن له فبرز وهو يقول:
اضرب في أعناقكم بالسيف * عن خير من حل بلاد الخيف
فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل فأتاه الحسين " عليه السلام "، ودمه يشخب فقال بخ
بخ يا حر أنت حر كما سميت في الدنيا والآخرة ثم أنشأ الحسين " عليه السلام ":
لنعم الحر حر بنى رياح * وحر عند مختلف الرماح
ونعم الحر إذ نادى حسينا * فجاد بنفسه عند الصباح
ثم برز من بعده زهير بن القين البجلي، وهو يقول مخاطبا للحسين " عليه السلام ":
اليوم نلقى جدك النبيا * وحسنا والمرتضى عليا
فقتل منهم تسعة عشر رجلا، ثم صرع وهو يقول:
انا زهير وانا ابن القين * أذبكم بالسيف عن حسين
ثم برز من بعده حبيب بن مظاهر الأسدي وهو يقول:
انا حبيب وأبى مظاهر * لنحن أزكى منكم وأطهر
ننصر خير الناس حين يذكر
186

فقتل منهم أحدا وثلاثين رجلا، ثم قتل رضي الله عنه، ثم برز من بعده
عبد الله بن أبي عروة الغفاري وهو يقول:
قد علمت حقا بنو غفار * انى أذب في طلاب الثار
بالمشرفي والقنا الخطار
وقتل منهم عشرين رجلا، ثم قتل رحمه الله.
ثم برز من بعده برير بن خضير الهمداني وكان اقرأ أهل زمانه وهو يقول:
انا برير وأبى خضير * لا خير فيمن ليس فيه خير
فقتل منهم ثلاثين رجلا، ثم قتل رضوان الله عليه، وبرز من بعده مالك بن
انس الكاهلي، وهو يقول:
قد علمت كاهلها ودودان * والخندقيون وقيس عيلان
بان قومي قصم الاقران * يا قوم كونوا كأسود الجان
آل علي شيعة الرحمن * وآل حرب شيعة الشيطان
فقتل منهم ثمانية عشر رجلا، ثم قتل رحمة الله عليه.
وبرز من بعده زياد بن مهاصر، أو مصاهر الكندي، فحمل عليهم
وأنشأ يقول:
انا زياد وأبى مصاهر * أشجع من ليث القرين الخادر
يا رب انى للحسين ناصر * ولابن سعد تارك مهاجر
فقتل منهم تسعة ثم قتل رضوان الله عليه.
وبرز من بعده وهب، وكان نصرانيا أسلم على يد الحسين " عليه السلام " هو وأمه فاتبعوه
إلى كربلا، فركب فرسا، وتناول بيده عمود الفسطاط، فقاتل وقتل من القوم
سبعة أو ثمانية، ثم استوسر فأتى عمر بن سعد لعنه الله فأمر بضرب عنقه، ورمى به
إلى عسكر الحسين " عليه السلام "، فأخذت أمه سيفه وبرزت فقال لها الحسين " عليه السلام " يا أم وهب
اجلسي فقد وضع الله الجهاد عن النساء، انك وابنك مع جدي محمد (صلى الله عليه وآله) في الجنة.
ثم برز من بعده هلال بن حجاج وهو يقول:
أرمي بها معلمة أفواقها * والنفس لا ينفعها اشفاقها
فقتل منهم ثلاثة عشر، ثم قتل رحمة الله عليه.
187

وقد برز من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل، وأنشأ يقول:
أقسمت لا اقتل الا حرا * وقد وجدت الموت شيئا نكرا
اكره ان ادعا جبانا فرا * ان الجبان من عصى وفرا
فقتل منهم ثلاثة، ثم قتل رحمة الله عليه.
وبرز من بعده علي بن الحسين " عليه السلام "، فلما برز عليهم دمعت عين الحسين " عليه السلام "
فقال اللهم كنت أنت الشهيد عليهم فقد برز ابن رسولك، وأشبه الناس وجها وسمتا
به فجعل يرتجز وهو يقول:
انا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله أولى بالنبي
اما ترون كيف أحمي عن أبي
فقتل منهم عشرة ثم رجع إلى أبيه، فقال: يا أبة العطش، فقال له الحسين " عليه السلام "
صبرا يا بنى يسقيك جدك بالكأس الأوفى، فرجع فقاتل حتى قتل منهم أربعة
وأربعين رجلا ثم قتل صلوات الله عليه وعلى أبيه.
وبرز من بعده القاسم بن الحسن بن علي عليهم السلام وهو يقول:
لا تجزعي نفسي وكل فان * اليوم تلقين ذوي الجنان
فقتل منهم ثلاثة، ثم رمى عن فرسه " عليه السلام " ثم جلس الحسين " عليه السلام " امام الفسطاط
فأتى بابنه عبد الله بن الحسن " عليه السلام " وهو طفل فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بنى
أسد فذبحه، فتلقى الحسين صلوات الله عليه دمه، فلما ملا كفه، صبه في الأرض
وحملت الجماعة على الحسين، فغلبوه على عسكره واشتد به العطش فركب المسناة يريد
الفرات فاعترضه خيل بن سعد لعنهم الله، وفيهم رجل من بنى دارم، فقال لهم
ويلكم حولوا بينه وبين الماء ولا تمكنوه من الفرات، فقال الحسين " عليه السلام ": اللهم أظمئه
فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه، فانتزع الحسين " عليه السلام " السهم وبسط يده
تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدم فرماه إلى الأرض، ولما رجع الحسين " عليه السلام " من المسناة إلى
فسطاطه تقدم إليه شمر بن ذي الجوشن في جماعة من أصحابه، وأحاطوا به فأسرع منهم
رجل يقال له مالك بن انس فشتم الحسين " عليه السلام " فضربه على رأسه بالسيف وكان على
رأسه قلنسوة فقطعها حتى وصل إلى رأسه فأدماه فامتلأت القلنسوة دما، فقال له
الحسين " عليه السلام ": لا أكلت بيمينك ولا شربت بها، وحشرك الله مع الظالمين.
188

ثم القى القلنسوة ودعا بخرقة فشد بها رأسه، واستدعى قلنسوة أخرى فلبسها واعتم
عليها، ونظر يمينا وشمالا لا يرى أحدا فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم انك ترى
ما يصنع بولد نبيك وحال بنو كلاب بينه وبين الماء.
قال حميد بن مسلم: فوالله ما رأيت مكثور قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه
اربط جأشا، ولا أمضى جنانا منه ان كانت الرجال لتشد عليه، فيشد عليها بسيفه
فيكشف عن يمينه، وشماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب فلما رأى ذلك شمر بن
ذي الجوشن استدعا الفرسان، فصاروا في ظهور الرجالة، وأمر الرماة ان يرموه
فرشقوه بالسهام، حتى صار كالقنفذ، ونادى شمر الفرسان والرجالة، فقال: ويلكم
ما تنتظرون بالرجل، ثكلتكم أمهاتكم فحمل عليه من كل جانب، فضربه زرعة بن
شريك على كتفه اليسرى فقطعها، وضربة أخرى منه على عاتقه فكبا منها على وجهه
فطعنه سنان بن انس بالرمح فصرعه، وبدر إليه خولي بن يزيد الصبحي فنزل ليجتز
رأسه فأرعد فقال له شمر: فت الله في عضدك ما لك ترعد فنزل إليه فذبحه، ثم دفع رأسه
إلى خولي بن يزيد فقال أحمله إلى الأمير عمر بن سعد، ثم اقبلوا على سلب الحسين " عليه السلام "
وجاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه، وبكين فقال لأصحابه: لا يدخل أحد منكم
بيوت هؤلاء النساء، ولا تعرضوا لهذا الغلام المريض، يعنى علي بن الحسين فسألته
النسوة ان يسترجع ما أخذ منهن ليسترن به، فقال من أخذ من متاعهن شيئا فليرده
فوالله ما رد أحد منهم شيئا، ونادى عمر لعنه الله من يندب للحسين فيوطيه فرسه
فانتدب عشرة منهم فداسوا الحسين صلوات الله عليه بخيولهم حتى رضوا ظهره واقبل
فرس الحسين " عليه السلام " حتى لطخ عرفه، وناصيته بدم الحسين " عليه السلام "، وجعل يركض ويصهل
فسمع بنات النبي صلوات الله وسلامه صهيله، فخرجن فإذا الفرس بلا راكب فعرفن
ان حسينا " عليه السلام " قد قتل وخرجت أم كلثوم بنت الحسين واضعة يدها على رأسها تندب
وتقول: وا محمداه هذا حسين بالعراء قد سلب العمامة والرداء.
وقال الباقر " عليه السلام ": أصيب الحسين بن علي عليهما السلام، ووجد به ثلاثمائة وبضعة
وعشرين طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم.
وروى أنها كانت كلها في مقدمته لأنه " عليه السلام " كان لا يولى.
وبعث عمر بن سعد برأس الحسين " عليه السلام " إلى ابن زياد عليهم لعاين الله فاقبل سنان
189

لعنه الله حتى ادخل رأس الحسين " عليه السلام " على ابن زياد لعنه الله، وهو يقول:
املا ركابي فضة وذهبا * انا قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا
قال ابن زياد: ويحك إذا علمت أنه خير الناس أبا وأما فلم قتلته إذا، فأمر به
وضرب عنقه وعجل الله بروحه إلى النار، وارسل ابن زياد لعنه الله إلى أم كلثوم
بنت الحسين صلوات الله عليه، فقال: الحمد لله الذي قتل رجالكم فكيف ترين ما فعل
الله بكم؟ فقالت عليها السلام: يا بن زياد لئن قرت عينك بقتل الحسين " عليه السلام " فطالما قرت
عين جده (صلى الله عليه وآله) به وكان يقبله، ويلثم شفتيه ويضعه على عاتقه يا بن زياد أعد لجده
جوابا فإنه خصمك غدا، قال حاجب عبيد الله بن زياد لعنهم الله: لما جاء برأس
الحسين " عليه السلام " أمر فوضع بين يديه طشت من ذهب وجعل يضرب بقضيب في يده
على ثناياه، ويقول لقد أسرع الشيب إليك يا أبا عبد الله، فقال رجل من القوم: مه
فانى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلثم حين تضع قضيبك، فقال: يوم بيوم بدر ثم أمر
بعلي بن الحسين " عليه السلام " فغل وحمل مع السبايا والنسوة إلى السجن، وكنت معهم فما مررنا
بزقاق إلا وجدناه ملآن رجالا ونساء يضربون وجوههم ويبكون، فحبسوا في سجن
وضيق عليهم ثم إن ابن زياد لعنه الله دعا بعلي بن الحسين " عليه السلام " والنسوة، واحضر رأس
الحسين صلوات الله عليه، وكانت زينب بنت علي فيهم، فقال ابن زياد لعنه الله
الحمد لله الذي فضحكم، وقتلكم وأكذب أحاديثكم فقالت زينت عليها السلام: الحمد لله
الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا إنما يفضح الله الفاسق، ويكذب الفاجر قال: كيف
رأيت صنع الله بكم أهل البيت؟ قالت كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع
الله بينك وبينهم فيتحاكمون عنده فغضب أين زياد لعنه الله وهم بها فسكن منه عمر بن
حريث، فقالت زينب يا بن زياد وحسبك ما ارتكبت منا فلقد قتلت رجالنا وقطعت
أصلنا وأبحت حريمنا وسبيت نسائنا وذرارينا فإن كان ذلك للاشتفاء، فقد اشتفيت
فأمر ابن زياد بردهم إلى السجن وبعث البشائر إلى النواحي بقتل الحسين، ثم أمر
بالسبايا ورأس الحسين فحملوا إلى الشام.
ولقد حدثني جماعة كانوا اخرجوا في تلك الصحبة انهم كانوا يسمعون بالليالي نوح
الجن على الحسين " عليه السلام " إلى الصباح وقالوا فلما دخلنا دمشق، ادخل بالنساء السبايا بالنهار
190

مكشفات الوجوه، فقال أهل الشام الجفاة: ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء، فمن
أنتم فقالت سكينة بنت الحسين " عليه السلام " نحن سبايا آل محمد فأقيموا على درج المسجد حيث
يقام السبايا وفيهم علي بن الحسين " عليه السلام " وهو يومئذ فتى شاب فأتاهم شيخ من أشياخ أهل
الشام، فقال لهم: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وقطع قرن الفتنة فلم يأل عن شتمهم
فلما انقضى كلامه فقال له علي بن الحسين " عليه السلام ": اما قرأت كتاب الله عز وجل؟ قال نعم
قال: اما قرأت هذه الآية؟ قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال: بلى قال
فنحن أولئك.
ثم قال: اما قرأت وآت ذا القربى حقه؟ قال: بلى قال: فنحن هم.
ثم قال: فهل قرأت هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا؟ قال: بلى قال: فنحن هم فرفع الشامي يده إلى السماء.
ثم قال: اللهم إني أتوب إليك ثلاث مرات اللهم إني أبرء إليك من عدو آل محمد
ومن قتل أهل بيت محمد لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم.
ثم ادخل نساء الحسين " عليه السلام " على يزيد بن معاوية لعنهما الله وأخزاهما فصحن نساء
أهل يزيد، وبنات معاوية وأهله وولولن وأقمن المأتم، ووضع رأس الحسين " عليه السلام "
بين يديه لعنه الله، فقالت سكينة: والله ما رأيت أقسى قلبا من يزيد ولا رأيت كافرا
ولا مشركا أشر منه ولا أجفى منه ووضع الرأس بين يديه واقبل يزيد ويقول وينظر إلى
الرأس:
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
لاستهلوا واستطاروا فرحا * ولقالوا يا يزيد لا تشل
ما أبالي بعد فعلى بهم * نزل الويل عليهم أم رحل
لست من خندف إن لم انتقم * من بنى أحمد ما كان فعل
قد قتلنا القرم من أبنائهم * وعدلناه ببدر فاعتدل
فبذاك الشيخ أوصاني به * فانبعث الشيخ في قصد سيل
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل
ثم أمر برأس الحسين " عليه السلام " فنصب على باب مسجد دمشق.
فروى عن فاطمة بنت الحسين " عليه السلام " انها قالت: لما أجلسنا بين يدي يزيد (لع) رق لنا أول
191

شئ وألطفنا ثم إن رجلا من أهل الشام اسمه حمر قام إليه فقال له: يا أمير المؤمنين هب لي
هذه الجارية؟ يعنيني - وكنت جارية وضيئة فأرعبت وفزعت وظننت انه يفعل ذلك فأخذت
بثياب أختي، وهي أكبر منى واعقل.
فقالت له كذبت والله ولعنت، ما ذاك لك ولا له فغضب يزيد (لع)، وقال بل
كذبت والله لو شئت لفعلته، قالت: لا والله ما جعل الله ذلك لك، إلا أن تخرج من
ملتنا، وتدين بغير ديننا فغضب يزيد لعنه الله، ثم قال: إياي تستقبلين بهذا إنما
خرج من الدين أبوك وأخوك، فقالت: بدين الله ودين جدي، وأبى وأخي
اهتديت أنت وجدك وأبوك، قال: كذبت يا عدو الله، قالت: أمير يشتم ظالما
ويقهر بسلطانه، قالت فكأنه لعنه الله استحيا فسكت فعاد الشامي لعنه الله، فقال:
يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية، فقال: أعزب وهبك الله حتفا قاضيا.
ثم إن يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين " عليه السلام " والأطفال مع علي بن الحسين عليهما السلام
في مجلس لا يكنهم من حر ولا برد، حتى تقشرت وجوههن، ولم يرفع ببيت المقدس
حجر على وجه الأرض الا وجد تحته دم عبيط، وابصر الناس الشمس على الحيطان
حمراء كأنها الملاحف المعصفرة إلى أن خرج علي بن الحسين عليهما السلام بالنسوة
ورد رأس الحسين عليه السلام إلى كربلاء.
ثم ندب يزيد بن النعمان بن بشير، وقال له: تجهز لتخرج بهؤلاء النسوة إلى المدينة
ولما أراد أن يجهزهم دعا بعلي بن الحسين عليهما السلام فاستخلاه ثم قال: لعن الله بن
مرجانة، اما والله لو انى صاحبت أبيك ما سألني خصلة إلا أعطيته إياها ولدفعت الحتف
عنه بكل ما استطعت، ولكن الله قضى ما رأيت كاتبني من المدينة، ورفع إلي كل حاجة
تكون لك، وتقدم بكسوته وكسوة أهل بيته، وأنفذ معهم في جملة من انفذ النعمان بن بشير
رسولا وتقدم إليه ان يسير في الليل، ويكون امامهم حيث لا يفوتون طرفة فإذا
أنزلوا نحى عنهم، وتفرق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم، ونزل معهم حيث إن
أراد الانسان من جماعتهم وضوء أو قضاء حاجة لم يحتشم، وصار معهم في جملة
النعمان ولم يزل في الطريق، كما وصاه يزيد ويرفق بهم حتى دخلوا المدينة فلم يسمع واعية
مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن علي عليهما السلام، وخرجت أم لقمان
بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت بنعي الحسين عليه السلام حاسرة ومعها أخواتها
192

أم هاني وأسماء. ورملة وزينب بنت عقيل بن أبي طالب تبكي قتلاها بالطف وهي تقول
ماذا تقولون إذ قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي * منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم
ما كان هذا جزاي إذ نصحت لكم * ان تخلفوني بسوء في ذوي رحم
وسمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادى يسمعون صوته، ولا يرون شخصه:
أيها القاتلون ظلما حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكم * من نبي وملك وقبيل
لقد لعنتم على لسان ابن داود * وموسى وعيسى وصاحب الإنجيل
قالت أم سلمة رضي الله عنها: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عندنا ذات ليلة فغاب عنا
طويلا ثم جاءنا، وهو أشعث اغبر ويده مضمومة، فقلت له: يا رسول الله ما لي
أراك أشعثا مغبرا؟ فقال: أسرى بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق، يقال له
كربلا فرأيت فيه مصرع الحسين وأهلي، وجماعة من ولدى وأهل بيتي فلم أزل القط
دمائهم فها هي في يدي وبسطها إلي، وقال لي: خذيه واحتفظي به فأخذته فإذا هو شبه
تراب احمر فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها، فلما خرج الحسين " عليه السلام "
من مكة متوجها نحو العراق وكنت اخرج القارورة في كل يوم وليلة فأشمها وانظر إليها
ثم اذكر بمصابه، فلما كان يوم العاشر من المحرم أخرجتها في أول النهار وهي بحالها
ثم عدت إليها آخر النهار فإذا هو دم عبيط فصحت في بيتي وبكيت وكظمت غيظي مخافة
ان يسمع أعدائهم بالمدينة فيسروا بالشماتة فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي
بنعيه فحقق ما رأيت.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": لما ضرب الحسين بن علي عليهما السلام بالسيف ثم ابتدر
ليقطع رأسه نادى منادى من قبل الله رب العزة تبارك وتعالى من بطنان العرش فقال
ألا أيتها الأمة المتحيرة الظالمة الضالة بعد نبيها لا وفقكم الله لا ضحى ولا فطر ثم قال
أبو عبد الله " عليه السلام ": لا جرم والله ما وفقوا ولا يوفقون أبدا حتى يقوم ثائر الحسين " عليه السلام "
قال شيخ من أشياخ بنى سليم: غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنائسهم
فوجدنا مكتوبا:
أترجو أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب
193

فسألناهم منذ كم هذا في كنيستكم؟ فقالوا: قبل أن يبعث نبيكم بثلاث مائة عام.
وقال الصادق " عليه السلام ": وكل الله عز وجل بقبر الحسين أربعة آلاف ملك شعثا غبرا
يبكونه إلى يوم القيامة فمن زاره عارفا بحقه شيعوه حتى يبلغوه مأمنه وان مرض عادوه
غدوة وعشيا وان مات شهدوا جنازته واستغفروا له يوم القيامة.
قال موسى بن جعفر عليهما السلام: من زار قبر الحسين صلوات الله عليه عارفا
بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وقال الباقر " عليه السلام ": مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين " عليه السلام " فان زيارته تدفع الهدم
والغرق والحرق، وأكل السبع وزيارته مفرضة على من أقر للحسين بالإمامة من
الله عز وجل.
قال بشير الدهان: قلت لأبي عبد الله " عليه السلام ": ربما فاتني الحج فأعرق عند قبر
الحسين " عليه السلام " قال: أحسنت يا بشير إيما مؤمن أتى قبر الحسين " عليه السلام " عارفا بحقه في غير يوم
عيد كتبت له عشرون حجة وعشرون عمرة مبرورات متقبلات وعشرون غزوة مع نبي
مرسل أو إمام عادل، ومن أتاه في يوم عيد كتبت له مائة حجة ومائة عمرة ومائة غزوة
مع نبي مرسل أو إمام عادل. فقلت له: فكيف لي بمثل هذا الموقف؟ قال: فنظر إلي شبه
المغضب ثم قال يا بشير إن المؤمن لو أتى قبر الحسين " عليه السلام " يوم عرفة واغتسل بالفرات
ثم توجه إليه كتب الله له بكل خطوة حجة بمناسكها ولا أعلمه إلا قال: وغزوة.
وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": من أتى قبر الحسين " عليه السلام " عارفا بحقه كتب الله له أجر من
أعتق الف نسمة وكمن حمل الف فرس في سبيل الله مسرجة ملجمة ومن زاره كان الله له من
وراء حوائجه وكفى ما همه من أمر دنياه فإنه يجلب الرزق على العبد ويخلف عليه ما ينفق
ويغفر له ذنوب خمسين سنة ويرجع إلى أهله وما عليه وزر ولا خطيئة إلا وقد محيت من
صحيفته، فان هلك في سفرته نزلت الملائكة فغسلته وفتح له باب إلى الجنة يدخل بذلك
عليه روحها حتى ينشر وان سلم فتح له الباب الذي ينزل منه رزقه، ويجعل له بكل درهم
نفقه عشرة آلاف درهم وذخر له ذلك وإذا حشر قيل له لك بكل عشرة آلاف درهم
ان الله نظر لك فذخرها لك عنده.
وقال " عليه السلام ": ليس ملك في السماوات إلا وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة
الحسين عليه السلام ففوج ينزل وفوج يعرج.
194

وقال " عليه السلام ": من زار قبر الحسين " عليه السلام " يوم عرفة كتب الله له الف الف حجة مع
القائم ومئة الف الف عمرة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعتق الف الف نسمة وحملان الف
الف فرس في سبيل الله وسماه عبدي الصديق آمن بوعدي وقالت الملائكة: فلان صديق
زكاه الله من فوق عرشه وسمى في الأرض كروبا.
وقال عليه السلام: من زار قبر الحسين " عليه السلام " ليلة النصف من شعبان وليلة الفطر
وليلة عرفة في سنة واحدة، كتب له الله الف حجة مبرورة، وألف عمرة متقبلة وقضيت
له الف حاجة من حوائج الدنيا والآخرة.
وقال الحسن العسكري " عليه السلام ": علامات المؤمن خمس: صلاة احدى والخمسين
وزيارة الأربعين، والتختم باليمين وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
ومضى الحسين صلوات الله وسلامه عليه، يوم السبت العاشر من المحرم سنة إحدى
وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه قتيلا مظلوما وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة
ويقال سبع وخمسون سنة ويقال ست وخمسون سنة وخمسة أشهر. أقام مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبع سنين ومع أبيه أمير المؤمنين " عليه السلام " سبعا وثلاثين سنة ومع أخيه
الحسن " عليه السلام " سبع وأربعين سنة وكانت مده خلافته بعد أخيه عشر سنين.
قال الشاعر:
جاؤوا برأسك يا بن بنت محمد * مترملا بدمائه ترميلا
قتلوك عطشانا ولم يرتقبوا * في قتلك التنزيل والتأويلا
ويكبرون بان قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا
وآخر:
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه * والصور في نشر الخلائق ينفخ
لابد أن ترد القيامة فاطم * وقميصها بدم الحسين ملطخ
وقال آخر:
أفاطم لو أبصرت بالطف من هنا * حسينا صريعا بالسيوف مجزعا
غداة أحاطت بالحسين كتائب * عليها ابن سعد يسعر الحرب ممرعا
إلى ابن رسول الله وابن وصيه * فما كان أدهى ذاك أمرا وأقطعا
أينسى تقى كربلاء وكربها * وسبط رسول الله بالطف صرعا
195

مجلس في ذكر أبي أمامة محمد علي بن الحسين
زين العابدين ومناقبه، ويكنى عليه السلام بأبي الحسن أيضا
والامام بعد الحسين بن علي: علي بن الحسين عليهما السلام، بدليل اعتبار
الشرايط العقلية، ونص رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبيه عليهم السلام، وقد بينا ذلك فلا
وجه لإعادته.
قال الزهري: كنت عند علي بن الحسين، فجاء رجل من أصحابه، فقال له علي
ابن الحسين: ما خبرك أيها الرجل؟ فقال الرجل: خبري يا بن رسول الله انى أصبحت
وعلي خمسمائة دينار دين لا قضاء عندي لها ولى عيال ثقال ليس لي ما أدعو عليهم به قال
فبكى علي بن الحسين بكاءا شديدا فقيل له ما يبكيك يا بن رسول الله؟ فقال وهل بعد
البكاء إلا المصائب والمحن الكبار، قالوا: كذلك يا بن رسول الله، قال: فأية محنة
ومصيبة أعظم على حرمة مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن خلة فلا يمكنه سدها ويشاهده
على فاقة فلا يطيق رفعها، قال: وتفرقوا عن مجلسهم ذلك، فقال بعض من المخالفين
وهو يطعن على علي بن الحسين " عليه السلام ": عجبا لهؤلاء يدعون أن السماء والأرض وكل شئ
تطيعهم وان الله لا يردهم عن شئ طلبا لهم ثم يعترفون أخرى بالعجز عن إصلاح
خواص إخوانهم، فاتصل بالرجل صاحب القصة، فجاء إلى علي بن الحسين عليهما السلام
فقال: يا بن رسول الله بلغني عن فلان كذا وكذا، وكان ذلك أغلظ علي من محنتي
فقال علي بن الحسين عليهما السلام فقد أذن الله في فرجك، يا فلانة احمل سحوري
وفطوري فحملت قرصتين فقال علي بن الحسين عليهما السلام للرجل: خذهما فليس عندنا
غيرهما فان الله يكشف عنك بهما، وينيلك خيرا واسعا منهما، فأخذهما الرجل ودخل
السوق ما يدرى ما يصنع بهما يتفكرون في ثقل دينه وسوء حال عياله ويوسوس إليه
الشيطان أين موقع هاتين من حاجتك فمر بسماك قد باتت عليه سمكته قد أراحت فقال له
سمكتك هذه بائرة عليك واحدى قرصتي هاتين بائرة علي فهل لك ان تعطني سمكتك البائرة
وتأخذ قرصتي هذه البائرة؟ فقال: نعم فأعطاه السمكة وأخذ القرصة، ثم مر برجل
196

معه ملح قليل مزهود فيه فقال: هل لك ان تعطيني ملحك هذه المزهودة فيه بقرصتي هذه
المزهود فيها؟ قال: نعم ففعل فجاء الرجل بالسمكة والملح فقال: أصلح هذه بهذه فلما
شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين فحمد الله عليهما فبينا هو في سروره ذلك
إذ قرع بابه، فنظر من الباب فإذا صاحب السمكة وصاحب الملح قد جاءا يقول كل
واحد منهما له: يا عبد الله جهدنا ان نأكل نحن، أو أحد من عيالنا هذا القرص فلم
تعمل فيه أسناننا، وما نظنك إلا وقد تناهيت في سوء الحال، ومرنت على الشقاء
قد رددنا عليك القرصين فأخذ القرصين منهما، فلما استقر بعد انصرافهما عنه قرع رجل بابه
فإذا رسول علي بن الحسين عليهما السلام فدخل، فقال: أنه يقول لك ان الله قد أتاك
الفرج فاردد طعامنا فإنه لا يأكله غيرنا، وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى دينه
منه وحسنت بعد ذلك حاله، فقال بعض المخالفين: ما أشد هذه التفاوت، بينا علي
ابن الحسين لا يقدر أن يسد منه فاقته إذ أغناه هذا الغناء العظيم كيف يكون هذا؟ وكيف
يعجز عن سد الفاقة من يقدر على الغناء العظيم؟ فقال علي بن الحسين عليهما السلام
هكذا قالت قريش للنبي (صلى الله عليه وآله) كيف يمضى إلى بيت المقدس، ويشاهد ما فيه من آثار
الأنبياء من مكة، ويرجع إليها في ليلة واحدة من لا يقدر أن يبلغ مكة إلى المدينة إلا في
اثنى عشر يوما، وذلك خير من هاجر منها، ثم قال علي بن الحسين عليهما السلام: جهلوا والله
أمر الله وأمر أوليائه معه ان المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه وترك
الاقتراح عليه، والرضا بما يدبرهم به، ان أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبرا
لم يساوهم فيه غيرهم فجازاهم الله عز وجل عن ذلك بإزاء ما وجب لهم، نجح جميع
طلباتهم لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريدون منه إلا ما يريده لهم.
وقال الزهري: حدثنا علي بن الحسين عليهما السلام، وكان أفضل هاشمي أدركناه
قال: أحبونا حب الاسلام، فما زال حبكم لنا حتى صار شينا علينا.
وقال الباقر " عليه السلام ": كان علي بن الحسين عليهما السلام يصلى في اليوم والليلة الف
ركعة وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة.
(وروى) ان بينه وبين محمد بن الحنفية جرى منازعة في الإمامة. فقال له
زين العابدين " عليه السلام ": فانطلق حتى أتيا قرب حجر الأسود فقال لمحمد: ابتداء وابتهل إلى
الله ورسوله ان ينطق لك الحجر، ثم سأله وابتهل محمد في الدعاء، ودعاء الحجر الأسود فلم
197

يجبه فقال علي " عليه السلام ": اما انك يا عم لو كنت وصيا، وإماما لأجابك، فقال له محمد
فادع أنت يا بن أخ وسله، فدعا الله علي بن الحسين عليهما السلام بما أراد، ثم قال
أسئلك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء، وميثاق الأوصياء، وميثاق الأجمعين لما أخبرتنا
بلسان عربي مبين من الوصي والامام بعد الحسين بن علي؟ وتحرك الحجر حتى كاد ان
يزول من موضعه، ثم أنطقه الله بلسان عربي مبين وقال: اللهم ان الوصية، والإمامة
بعد الحسين بن علي لعلي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليهم وانصرف
محمد بن الحنفية وهو يتولى علي بن الحسين عليهما السلام، وذكر لعلي بن الحسين عليهما السلام
فضله، فقال: حسبنا أن تكون من صالح قومنا.
وقال طاووس: دخلت الحجر في الليل، فإذا علي بن الحسين قد دخل، فقام
يصلى فصلى ما شاء الله ثم سجد، قال: قلت رجل صالح من أهل الخير لأستمعن إلى
دعائه فسمعته يقول في سجوده: عبيدك بفنائك مسكينك بفنائك فقيرك بفنائك سائلك
بفنائك، قال طاووس: فما دعوت بهن في كرب إلا فرج عنى.
وقال طاووس: مررت بالحجر فإذا أنا بشخص راكع وساجد، فتأملته فإذا
هو علي بن الحسين " عليه السلام " فقلت: يا نفس رجل صالح من أهل بيت النبوة، والله لأغتنمن
دعاه فجعلت أرقبه حتى فرغ من صلاته، ورفع باطن كفيه إلى السماء وجعل يقول: إلهي
سيدي سيدي هذه يداي قد مددتهما إليك بالذنوب مملوة، وعيناي بالرجاء ممدودة وحق
لمن دعاك بالندم تذللا ان تجيبه بالكرم تفضلا، سيدي أمن أهل الشقاء خلقتني؟
فأطيل بكائي أم من أهل السعادة خلقتني؟ فأبشر رجائي سيدي أبضرب المقامع خلقت
أعضائي؟ أم لشرب الحميم خلقت أمعائي؟ سيدي لو أن عبدا استطاع الهرب من مولاه
لكنت أول الهاربين منك، لكني أعلم انى لا أفر منك سيدي لو أن عذابي مما يزيد في
ملكك سألتك الصبر عليه غير أنى اعلم أنه لا يزيد في ملكك طاعة المطيعين، ولا ينقص
منه معصية العاصين سيدي ها أنا وما خطري؟ هب لي بفضلك وجللني بسترك واعف
عن توبيخي بكرم وجهك إلهي وسيدي ارحمني مصروعا على الفراش تقلبني أيدي أحبتي
وارحمني مطروحا على المغتسل يغسلني صالح جيرتي، وارحمني محمولا قد تناول إلا قربا
بأطراف جنازتي وأرحم في ذلك البيت المظلم وحشتي وغربتي ووحدتي. قال طاووس
فبكيت حتى علا نحيبي، فالتفت إلي فقال: ما يبكيك يا يماني، أوليس هذا مقام
198

المذنبين؟ فقلت: حبيبي حقيق على الله أن لا يردك وجدك محمد (صلى الله عليه وآله).
(وروى) ان علي بن الحسين " عليه السلام " التاثت ناقته عليه في مسيرها فأشار إليها
بالقضيب ثم قال: آه لولا القصاص ورد يده عنها.
(وروى) انه حج ماشيا فسار عشرين يوما من المدينة إلى مكة، قال زرارة بن
أعين سمع سائل في جوف الليل وهو يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة
فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه كان ذلك علي بن الحسين " عليه السلام ".
(وروى) ان جارية لعلي بن الحسين عليهما السلام كانت تسكب عليه الماء ليتهيأ
للصلاة فغمست فسقط الإبريق من يد الجارية فشجه فرفع رأسه إليها، فقالت له الجارية
ان الله يقول: والكاظمين الغيظ قال: قد كظمت غيظي قالت: والعافين عن الناس
قال: عفا الله عنك قالت: والله يحب المحسنين قال: فاذهبي فأنت حرة. قال عمرو بن
دينار: حضرت يزيد بن أسامة بن زيد الوفاة فجعل يبكى، فقال له علي بن
الحسين عليهما السلام: ما يبكيك؟ قال: يبكيني ان علي خمسة عشر ألف دينار ولم اترك
لها وقال: فقال علي بن الحسين عليهما السلام: لا تبك فهي علي وأنت منها برئ فقضاها
عنه قال علي بن الحسين عليهما السلام نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين، وسادة
المؤمنين وقادة الغر المحجلين: وموالي المؤمنين ونحن أمان أهل الأرض كما أن النجوم
أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء ان تقع على الأرض إلا بإذنه وبنا
يمسك الأرض ان تميد بأهلها وبنا ينزل الغيث وبنا ينشر الرحمة ويخرج بركات الأرض
ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها، ثم قال " عليه السلام ": ولم يخلوا الأرض مذ خلق الله
آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهود أو غايب مستور ولا تخلوا إلى أن تقوم الساعة من
حجة الله فيها ولولا ذلك لم يعبد الله. قال سليمان: فقلت للصادق " عليه السلام " فكيف ينتفع
الناس بالحجة الغائب المستور، قال: كما ينتفع بالشمس إذا سترها السحاب.
(وروى) ان هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك فطاف بالبيت وأراد
أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام فنصب له منبر وأطاف به أهل الشام فبينا هو
كذلك إذ أقبل علي بن الحسين " عليه السلام " وعليه إزار ورداء من أحسن الناس وجها وأطيبهم
رائحة بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ إلى موضع الحجر
تنحى الناس عنه حتى يستلمه هيبته له واجلالا، فغاظ ذلك هشاما فقال رجل من أهل الشام
199

لهشام من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟ وأفرجوا له عن الحجر فقال هشام
لا أعرفه لان لا يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق: وكان حاضرا لكني أعرفه فقال
الشامي؟ من هو يا أبا فراس؟ فقال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقى النقي الطاهر العلم
هذا علي رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الظلم
إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يمنى إلى ذروة العز التي قصرت * عن نيلها عرب الاسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم
ينشق نور الدجى عن نور غرته * كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم
بكفه خيزران ريحه عبق * من كف أروع في عرنينه شمم
مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصره والخيم الشيم
حمال أثقال أقوام إذا وفدوا * حلو الشمايل تحلو عنده نعم
ما قال لا قط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاؤه نعم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا
الله فضله قدما وشرفه * جرى بذاك له في لوحه القلم
من جده دان فضل الأنبياء له * وفضل أمته دانت له الأمم
عم البرية بالإحسان فانقشعت * عنها العماية والإملاق والظلم
كلتا يديه غياث عم نفعهما * يستوكفان ولا يعروهما عدم
سهل الخليقة لا يخشى بوادره * تزينه خصلتان: الخلق والكرم
لا يخلف الوعد ميمون نقيبته * رحب الفنا أديب حين يعتزم
من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجا ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويسترد به الإحسان والنعم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل يوم ومختوم به الكلم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
200

لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا أزمة أزمت * والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم * خير كريم وأبدى بالندى هضم
لا ينقص العسر بسطا من أكفهم * سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا
أي الخلايق ليست في رقابهم * لأولوية هذا أو له نعم
من يعرف الله يعرف أولية ذا * فالدين من بيت هذا ناله الأمم
قال: فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق فحبس بعسفان بين مكة والمدينة فبلغ
ذلك علي بن الحسين عليهما السلام فبعث إليه باثني عشر ألف درهم.
وقال: اعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به فردها وقال
يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا لرضا الله ورسوله وما كنت لآخذ شيئا فردها
إليه وقال بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك فقبلها فجعل الفرزدق يهجوا
هشاما وهو في الحبس فكان مما هجا به قوله:
أتحبسني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس يهوى منيبها
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعين له حولاء باد عيوبها
فبعث إليه فأخرجه.
وكان مولد علي بن الحسين عليهما السلام يوم الجمعة، ويقال يوم الخميس لتسع
خلون من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، ويقال سنة ست وثلاثين من الهجرة
فبقي مع جده أمير المؤمنين " عليه السلام " سنتين ومع عمه اثنى عشر سنة ومع أبيه الحسين
ثلاثا وعشرين سنة وبعد أبيه أربعا وثلاثين سنة. وتوفى بالمدينة يوم السبت لاثني
عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة خمس وتسعين من الهجرة وله يومئذ سبع وخمسون سنة
وكانت إمامته أربعا وثلاثين سنة.
وأمه: شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ويقال: ان اسمها كان
شهربانويه ويقال: شاه زنان بنت شيرويه بن كسرى ابرويز.
وكان أمير المؤمنين " عليه السلام " ولى حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق فبعث إليه
بنتي يزدجرد بن شهريار بن كسرى فنحل ابنه الحسين " عليه السلام " شاه زنان منهما فأولدها
زين العابدين " عليه السلام " ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم بن محمد بن أبي بكر
فهما ابنا خالة.
201

قال الرضا " عليه السلام ": ان لكل إمام عهدا في عنق أوليائهم وشيعتهم وان من تمام
الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا لما رغبوا
فيه كان أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة.
قال الصادق " عليه السلام ": من زار إماما مفترضا طاعته وصلى أربع ركعات كتب الله له
حجة مبرورة وعمرة مشكورة.
وقال " عليه السلام ": من زار واحدا منا كان كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله.
مجلس في ذكر امامة أبي جعفر محمد بن علي
الباقر عليهما السلام ومناقبه
والامام بعد علي بن الحسين " عليه السلام " أبو جعفر محمد بن علي الباقر بنص أبيه عليه
واعتبار الشرايط العقلية، وهو " عليه السلام " قد برز على جماعتهم بالفضل في العلم، والزهد
وكان أكثرهم ذكرا وأجلهم في الخاصة والعامة ولم يظهر عن أحد منهم من ولد الحسن
والحسين عليهما السلام من علم الدين والآثار، وعلم القرآن والسيرة، وفنون الآداب
ما ظهر عن أبي جعفر عليه السلام.
(وروى) عنه معالم الدين بقايا الصحابة، ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء
المسلمين وكان في وصية أمير المؤمنين " عليه السلام " إلى ولده ذكر محمد بن علي والوصاية، وسماه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعرفه بباقر العلم.
وقال جابر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي يوشك ان تبقى يا جابر حتى تلقى ولد إلي من
الحسين يقال له: محمد بن علي يبقر علم الدين بقرا فإذا لقيته فاقرأه منى السلام.
قال الباقر " عليه السلام ": دخلت على جابر بن عبد الله الأنصاري فسلمت عليه فرد علي
السلام ثم قال لي من أنت؟ وذلك بعد ما كف بصره فقلت محمد بن علي بن الحسين
فقال يا بنى ادن منى فدنوت منه فقبل يدي ثم أهوى إلى رجلي يقبلها فتنحيت عنه ثم قال
لي: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرؤك السلام، فقلت وعلى رسول الله السلام ورحمة الله
وبركاته وكيف ذاك يا جابر؟ فقال: كنت معه ذات يوم فقال لي يا جابر لعلك ان تبقى
202

حتى تلقى رجلا من ولدى يقال له محمد بن علي بن الحسين، يهب الله له النور والحكمة
فاقرأه منى السلام.
قال عبد الله بن عطاء المكي: ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولقد رأيت الحكم
ابن عينية مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه وكان جابر بن يزيد الجعفي
إذا روى عن محمد بن علي عليهما السلام، قال: حدثني وصى الأوصياء وولى الأولياء
ووارث علم الأنبياء محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام.
قال الربيع: سألت أبا إسحاق عن المسح، فقال: أدركت الناس يمسحون حتى لقيت
رجلا من بني هاشم لم أر مثله قط يقال له محمد بن علي بن الحسين فسألته عن المسح فنهاني
عنه وقال: لم يكن أمير المؤمنين " عليه السلام " يمسح، وكان يقول سبق الكتاب المسح على الخفين.
وقال الباقر " عليه السلام " في قوله تعالى: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) قال
نحن أهل الذكر قال أبو زرعة: صدق محمد بن علي، ولعمري ان أبا جعفر لمن أكبر
العلماء.
(وروى) ان هشام بن عبد الملك حج فدخل المسجد الحرام متكيا على يدي سالم
مولاه ومحمد بن علي بن الحسين جالس في المسجد، فقال له سالم يا أمير المؤمنين هذا
محمد بن علي بن الحسين فقال له هشام: المفتون به أهل العراق؟ قال: نعم قال فاذهب
إليه وقل له يقول أمير المؤمنين: ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم
القيامة؟ قال له أبو جعفر " عليه السلام " يحشر الناس على مثل فرضة النهر فيها أنهار منفجرة
يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب، قال فرأى هشام انه قد ظفر به فقال الله
أكبر اذهب إليه فقل له ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ فقال له أبو جعفر " عليه السلام "
هم في النار اشغل، ولم يشغلوا حتى قالوا (أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم) فسكت
هشام ولم يراجع.
(وروى) ان عمرو بن عبيد وفد على محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام
ليمتحنه بالسؤال فقال له: جعلت فداك ما معنى قوله تعالى: (أو لم ير الذين كفروا
إن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) ما هذا الرتق والفتق؟.
قال أبو جعفر " عليه السلام ": كانت السماء رتقا لا تنزل القر وكانت الأرض فتقا لا تخرج
203

النبات فانقطع عمرو ولم يجد اعتراضا ومضى ثم عادا إليه فقال: جعلت فداك أخبرني عن
قوله تعالى (ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى) ما غضب الله؟ قال أبو جعفر " عليه السلام "
غضب الله عقابه يا عمروا ومن قال إن الله يغيره شئ فقد كفر.
(وروى) ان نافع بن الأزرق جاء إلى محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام فجلس
بين يديه يسأله عن مسائل في الحلال والحرام.
قال له أبو جعفر " عليه السلام ": في أثناء كلامه قل لهذه المارقة بما استحلتم فراق أمير المؤمنين
عليه السلام وقد سفكتم دمائكم بين يديه في طاعته، والقربة إلى الله في نصرته وسيقولون
لك انه قد حكم في دين الله فقل لهم: قد حكم الله في شريعة نبيه (صلى الله عليه وآله) رجلين من خلقه
فقال: فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ان يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما وحكم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) سعد بن معاذ في بنى قريضة فحكم فيهم بما أمضاه الله عز وجل أو ما علمتم
ان أمير المؤمنين " عليه السلام " إنما أمر الحاكمين ان يحكما بالقرآن ولا يتعديا واشترط رد
ما خالف القرآن من احكام الرجال، وقال حين قالوا له قد حكمت على نفسك من حكم
عليك فقال: ما حكمت مخلوقا وإنما حكمت كتاب الله فأين نجد المارقة تضليل من أمر
بالحكمين بالقرآن واشترط رد ما خالفه لولا ارتكابهم في بدعتهم البهتان، فقال نافع
ابن الأزرق: هذا والله كلام ما مر بسمعي قط ولا خطر ببالي وهو الحق إن شاء الله
وكان عليه السلام مع هذه الحال العظيمة والرياسة والإمامة ظاهر الجود في الخاصة والعامة
مشهورا بالكرم في الكافة مع كثرة عياله وتوسط حاله. قال عمرو بن دينار وعبد الله
ابن عمير: ما لقينا أبا جعفر محمد بن علي " عليه السلام " إلا وحمل الينا النفقة والصلة والكسوة
ويقول: هذه معدة لكم قبل أن تلقوني.
قال سليمان بن القاسم: كان أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام يخبرنا بالخمسمائة إلى
الستمئة إلى الألف درهم. قال الحسن بن كثير شكوت إلى أبي جعفر محمد بن علي
الحاجة وجفاء الاخوان، فقال: بئس الأخ أخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا ثم أمر
غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمئة درهم، وقال: استنفق هذه فإذا نفذت فأعلمني.
(وروى) عنه " عليه السلام " انه سئل عن الحديث يرسله ولا يسنده فقال: إذا حدثت
الحديث ولم أسنده فسندي فيه أبى عن جدي عن أبيه عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن
جبرئيل عن الله تعالى، قال: انى لفي عمرة اعتمرتها في الحجر جالسا إذ نظرت إلي جان
204

قد أقبل من ناحية المسعى حتى دنا من الحجر فطاف بالبيت أسبوعا، ثم إنه أتى المقام
فقام على ذنبه فصلى ركعتين، وذلك عند زوال الشمس فبصر به عطاء وأناس من
أصحابه فاتوني، فقالوا: يا أبا جعفر هل رأيت هذا الجان؟ فقلت: رأيته وما صنع
ثم قال لهم: انطلقوا إليه فقولوا له: يقول لك محمد بن علي: ان البيت يحضره أعبد
وسودان وهذه ساعة خلوته منهم، وقد قضيت نسكك ونحن نتخوف عليك منهم فلو خفقت
وانطلقت، قال فكوم كومة من بطحاء المسجد ثم وضع ذنبه عليها، ثم مثل في الهواء.
عن أبي عيينة: ان رجلا جاء إلى أبي جعفر " عليه السلام " فدخل عليه، فقال انا رجل من
أهل الشام لم أزل والله أتولاكم أهل البيت وأتبرأ من أعدائكم وان أبى لا رحمه الله كان
يتولى بنى أمية ويفضلهم عليكم، فكنت أبغضه على ذلك، وكان يبغضني على حبكم
ويحرمني ماله ويجفوني في حياته بعد مماته وقد كان له مال كثير ولم
يكن له ولد غيري، وكان مسكنه بالرملة، وكانت له حبيبة يخلو لفسقه فلما مات
طلبت ماله في كل موضع فلم اظفر به، ولست أشك انه دفنه في موضع وأخفاه منى
لا رضي الله عنه فقال له أبو جعفر " عليه السلام " أفتحب ان تراه وتسأله أين وضع ماله؟ فقال
له الرجل: نعم، وانى محتاج فقير فتكتب له أبو جعفر كتابا بيده في رق
أبيض ثم ختمه بخاتمه، ثم قال له تنادى: يا درجان فإنه سيأتيك رجل معتم فادفع إليه
كتابي وقل: انا رسول محمد بن علي فسأله عما بدا لك، قال: فأخذ الرجل الكتاب
وانطلق، فلما كان من الغد أتيت أبا جعفر معتمدا لأنظر ما حال الرجل، فإذا هو على
باب أبى جعفر " عليه السلام " ينتظر متى يؤذن له فدخلنا على أبي جعفر " عليه السلام " فقال له الرجل الله
اعلم عنده من يضع علمه وقد انطلقت بكتابك الليلة حتى توسطت البقيع فناديت درجانا
فأتى رجل معتم فقال: انا درجان فما حاجتك؟ فقلت انا رسول محمد بن علي إليك وهذا
كتابه فقال مرحبا برسول حجة الله على خلقه فاخذ كتابه فقرأه فقال أتحب ان ترى
أباك؟ فقلت: نعم قال: فلا تبرح من موضعك حتى آتيك به فإنه (بضجنان) فانطلق
فلم يلبث إلا قليلا حتى اتاني برجل اسود في عنقه حبل اسود مدلع لسانه يلهث وعليه
سربال اسود، فقال لي: هذا أبوك، ولكن غيره اللهب ودخان الجحيم وجرع الحميم
وعذاب الأليم، فقلت له: أنت أبى؟ فقال: نعم قلت من غيرك وغير صورتك؟ قال إني
كنت أتولى بنى أمية وأفضلهم علي أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعذبني الله على ذلك
205

وانك تتولى أهل بيت نبيك وكنت أبغضك على ذلك فأحرمتك مالي ودفنته عنك فانا
اليوم على ذلك من النادمين، فانطلق إلى حديقتي فاحتفر تحت الزيتونة فخذ المال وهو مئة
وخمسون ألفا فادفع إلى محمد بن علي خمسين ألفا ولك الباقي قال: فانى منطلق حتى آتى بالمال
قال أبو عيينة: فلما كان الحول قلت لأبي جعفر " عليه السلام ": ما فعل الرجل قال قد جاءنا بخمسين
الف قضيت بها دينا كان علي وابتعت بها أرضا ووصلت منها أهل الحاجة من أهل بيتي
اما ان ذلك سينفع الميت النادم على ما فرط من حبنا أهل البيت وضيع من حقنا بما
ادخل علي من الرفق والسرور.
وقال " عليه السلام ": نحن أهل بيت الرحمة، وشجرة النبوة، ومعدن الحكمة، وموضع
الملائكة، ومهبط الوحي.
(وروى) ان جابر كان يقعد في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو معتم بعمامة سوداء
وكان ينادى: يا باقر العلم يا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: ان جابر يهجر وكان يقول
والله ما أهجر ولكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: انك ستدرك رجلا من أهل بيتي
اسمه اسمى وشمايله شمايلي يبقر العلم بقرا، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول، قال: فبينا
جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذا هو بطريق في ذلك الطريق كان محمد بن علي
ابن الحسين عليهم السلام، فلما نظر إليه قال: يا غلام اقبل فاقبل، ثم قال أدبر فقال
شمايل رسول الله والذي نفس جابر بيده، يا غلام ما اسمك؟ قال: اسمى محمد بن علي
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب فاقبل إليه يقبل رأسه وقال: بأبي أنت وأمي ان رسول الله
يقرأك السلام وقال فرجع محمد بن علي إلى أبيه علي بن الحسين وهو ذعر فأخبره الخبر
فقال له: يا بنى قد فعلها جابر؟ قال نعم قال يا بنى الزم بيتك قال: وكان جابر يأتيه طرفي
النهار، وكان أهل المدينة يقولون: وا عجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار وهو آخر
من بقي من أصحاب رسول الله فلم يلبث ان مضى علي بن الحسين عليهما السلام، وكان
محمد بن علي يأتيه على وجه الكرامة لصحبته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فجلس فحدثهم
عن أبيه فقال أهل المدينة: ما رأينا أحدا قط أجرأ من هذا قال: فلما رأى ما يقولون
فحدثهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال أهل المدينة: ما رأينا أحدا قط أكذب من هذا
يحدث عمن لم يره؟ قال: فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله فصدقوه
وكان جابر والله يأتيه ويتعلم منه.
206

وولد الباقر " عليه السلام " بالمدينة يوم الثلاثاء، وقيل يوم الجمعة لثلاث ليال خلون من
صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة، وقبض بها في ذي الحجة، ويقال في شهر ربيع
الأول ويقال في شهر ربيع الآخر سنة أربع عشرة ومئة من الهجرة، وله يومئذ سبع
وخمسون سنة، وأمه فاطمة أم عبد الله عليها السلام ويقال: أم عبدة بنت الحسن بن
علي " عليه السلام " وهو هاشمي من هاشميين وعلوي من علويين (صلى الله عليه وآله) فصار بالفضل علما يضرب
به الأمثال ويسير بوصفه الآثار والاشعار وفيه يقول القرطي:
يا باقر العلم لأهل التقى * وخير من لبى على الا جبل
وقال مالك بن أعين الجهني يمدحه عليه السلام.
إذا طلب الناس علم القران * كانت قريش عليه عيالا
وان قيل أين ابن بنت النبي * نلت بذاك فرعا طوالا
نجوم تهلل للمدلجين * جبال تورث علما جبالا
وقال محمد بن أبي طلحة العوني:
سلام على السجاد ثم على ابنه * علي باقر العلم المشتهر بالبقر
مجلس في ذكر أبى عبد الله جعفر بن محمد
وإمامته ومناقبه عليه السلام
والامام بعد أبي عبد الله الصادق " عليه السلام " على ما قدمناه من نص آبائه عليهم السلام
وكان أفضل أهل زمانه فبرز على أقرانه بالفضل والسؤدد في الخاصة والعامة. ونقل
الناس عنه من العلوم ما لم ينقل عن أحد من أهل بيته، وقد جمع أصحاب الحديث أسماء
الرواة عنهم من الثقاة على اختلافهم في الآراء والمقالات وكانوا أربعة آلاف رجل.
قال " عليه السلام ": لما حضر أبى الوفاة قال يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرا قلت: جعلت
فداك لا أدعهم والرجل يكون منهم في المصر ولا يسئل أحدا.
وسئل أبو جعفر " عليه السلام " عن القائم من بعده؟ فضرب بيده على أبي عبد الله " عليه السلام " فقال: هذا
والله قائم آل محمد.
207

قال أبو عبد الله " عليه السلام ": ان أبى استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة قال: ادع لي
شهودا فدعوت أربعة من قريش منهم نافع مولى عبد الله بن عمر قال: كتب هذا
ما أوصى به يعقوب بنيه يا بنى ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون
وأوصى محمد بن علي إلى ابنه جعفر بن محمد وأمره ان يكفنه في برده الذي كان يصلى فيه
الجمعة وان يرفع قبره أربع أصابع وان يحل عنه أطماره عند دفنه ثم قال للشهود: انصرفوا
رحمكم الله فقلت له: يا أبة ما كان في هذا بان يشهد عليه؟ قال: يا بنى كرهت ان تغلب
وان يقال لم يوص إليه فأردت أن تكون لك الحجة.
وقال زيد بن علي عليهما السلام: في كل زمان رجل منا أهل البيت يحتج به الله
على خلقه، وحجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد عليهما السلام لا يضل من تبعه
ولا يهتدى من خالفه.
قال حسان بن سدير: رأيت في المنام كأني دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين يديه
طبق عليه منديل قد غطى به، وكشف المنديل عن الطبق فإذا فيه رطب فجعل يأكل
منه فقلت له: أطعمني يا رسول الله فناولني رطبة فأكلتها ثم قلت أطعمني يا رسول الله
فناولني رطبة فأكلتها ثم قلت أطعمني يا رسول الله فناولني رطبة فأكلتها حتى ناولني
ثمانية رطبات فقلت: زدني يا رسول الله قال: حسبك فانتهيت. فلما كان من الغد
دخلت على مولاي جعفر بن محمد الصادق " عليه السلام " وبين يديه طبق قد غطى بالمنديل كأنه الذي
رأيته في المنام فكشف المنديل عنه فإذا عليه رطب، فجعل يأكل منه فقلت: أطعمني
يا بن رسول الله فناولني رطبة فأكلتها حتى ناولني ثمانية فقلت له: زدني يا بن رسول الله
فقال لو زاد جدي لزدناك ولكن حسبك.
(وروى) ان المنصور أمر الربيع باحضار أبى عبد الله " عليه السلام " فأحضره فلما بصر به
المنصور قال له قتلني الله إن لم أقتلك أتلحد في سلطاني وتبغيني الغوايل؟ فقال له
أبو عبد الله " عليه السلام ": والله ما فعلت ولا أردت فإن كان بلغك فمن كاذب ولو كنت فعلت
فقد ظلم يوسف فغفر، وابتلى أيوب فصبر، وأعطى سليمان فشكر فهؤلاء أنبياء الله
واليهم يرجع نسبك فقال له المنصور: أجل ارتفع هنا فارتفع قال: إن فلان بن فلان
أخبرني عنك بما ذكرت فقال له: أحضره يا أمير المؤمنين ليوافقني على ذلك فأحضر
الرجل المذكور فقال له المنصور: أنت سمعت ما حكيت عن جعفر؟ قال: نعم فقال له
208

أبو عبد الله: أنت سمعت؟ قال: نعم، فاستحلفه على ذلك فقال له المنصور: أتحلف؟
قال: نعم، وابتدأ اليمين، قال أبو عبد الله " عليه السلام " للساعي: قل برئت من حول الله وقوته
والتجأت إلى حولي وقوتي لقد فعل كذا وكذا جعفر وقال كذا وكذا جعفر فامتنع
منها هنيئة، ثم حلف بها فما برح حتى ضرب برجله فقال أبو جعفر: جروا برجله
فأخرجوه لعنه الله.
وقال الربيع: وكنت رأيت جعفر بن محمد " عليه السلام " حين دخل على المنصور يحرك
شفتيه فكلما حركها سكن غضب المنصور حتى أدناه منه وقد رضى عنه فلما خرج
أبو عبد الله عليه السلام من عند أبي جعفر اتبعته فقلت له: ان هذا الرجل كان من أشد
الناس غضبا عليك، فلما دخلت عليه وأنت تحرك شفتيك وكلما حركتها سكن غضبه
عليك فبأي شئ حركتهما قال: بدعاء جدي الحسين بن علي عليهما السلام قلت جعلت
فداك فما هذا الدعاء؟ قال يا عدتي عند شدتي ويا غوثي عند كربتي فاحرسني بعينك التي لا تنام
واكفني بركنك الذي لا يرام.
قال الربيع: فحفظت هذا الدعاء فما نزلت في شدة قط إلا دعوت بهذا ففرج عنى
قال: وقلت لجعفر بن محمد عليهما السلام لم منعت الساعي ان يحلف بالله؟ قال: كرهت
ان يراه يوحده ويمجده، فيحلم عنه ويؤخر عقوبته فاستحلفته بما سمعت فأخذه الله تعالى
أخذة رابية.
(وروى) ان داود بن علي بن عبد الله بن عباس قتل المعلى بن خنيس مولى جعفر
ابن محمد عليهما السلام، واخذ ماله فدخل عليه وهو يجر رداءه فقال له: قتلت مولاي
وأخذت مالي اما علمت أن الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب اما والله لأدعون
الله عليك فقال له داود: تهددنا بدعائك كالمستهزئ بقوله فرجع أبو عبد الله " عليه السلام " إلى داره فلم
يزل ليله كله قائما وقاعدا حتى إذا كان السحر سمع وهو يقول في مناجاته: يا ذا القوة
القوية ويا ذا المحال الشديد، يا ذا العزة التي كل خلقك لها ذليل اكفني هذا الطاغية
وانتقم لي منه فما كان إلا ساعة حتى ارتفعت الأصوات بالصياح، وقيل: قد مات
داود بن علي الساعة.
(وروى) أبو بصير قال: دخلت المدينة وكانت معي جويرية فأصبت منها
وخرجت إلى الحمام فلقيت أصحابنا الشيعة وهم متوجهون إلى جعفر بن محمد عليهما السلام
209

فخشيت ان يسبقوني ويفوتني الدخول ومشيت معهم حتى دخلت الدار معهم فلما مشيت
بين يدي أبى عبد الله " عليه السلام " نظر إلي ثم قال: يا أبا بصير أما علمت أن بيوت الأنبياء
وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب فاستحيت وقلت يا بن رسول الله لقد لقيت أصحابنا
وخشيت ان يفوتني الدخول معهم ولن أعود إلى مثلها أبدا وخرجت، فقال أبو عبد الله
الصادق " عليه السلام " ألواح موسى " عليه السلام " عندنا وعصى موسى عندنا ونحن ورثة الأنبياء.
وقال " عليه السلام ": عندي سلاح رسول لله (صلى الله عليه وآله) لا أنازع فيه ثم قال: إن السلاح مدفوع
عنه لو وضع عند شر خلق الله كان خيرهم ثم قال إن هذا الامر يصير إلى من يلوى إليه
الحنك فإذا كانت من الله فيه المشية خرج فيقول الناس: ما هذا الذي كان؟ ويضع الله له
يدا على رأس رعيته.
(وروى) عمر بن ابان قال: سألت أبا عبد الله " عليه السلام " عما يتحدث الناس انه وقع
إلى أم سلمة صحيفة مختومة، فقال: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قبض ورث علمه علي وسلاحه
وما هناك. ثم صار إلى الحسن ثم صار إلى الحسين قال: فقلت ثم صار إلى علي بن
الحسين، ثم إلى ابنه ثم انتهى عليك قال: نعم.
قال الصادق " عليه السلام " ان عندي سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان عندي لراية
رسول الله (صلى الله عليه وآله) المغلبة، وان عندي درعه ولامته ومغفره، وان عندي ألواح موسى
وعصاه وان عندي لخاتم سليمان بن داود عليهما السلام، وان عندي الطست الذي كان
موسى يقرب به القربان، وان عندي الاسم الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا وضعه بين
المشركين والمسلمين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة، وان عندي لمثل الذي جاءت
به الملائكة ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل كانت بنو إسرائيل في أي أهل
بيت وجد التابوت على أبوابهم أوتوا النبوة ومن صار إليه السلاح منا أوتى الإمامة
ولقد لبس أبى درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخطت عليه الأرض خطيطا ولبستها انا وكانت
وقايمنا إذا لبسها ملأها إن شاء الله.
وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": علمنا غابر ومزبور، ونكت في القلوب ونقر في الاسماع
وان عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة عندنا وان عندنا الجامعة فيها
جميع ما يحتاج الناس إليه.
فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال: واما الغابر فالعلم بما يكون واما المزبور
210

فالعلم بما كان، واما النكت في القلوب فهو الالهام واما النقر في الاسماع فهو حديث
الملائكة عليهم السلام يسمع كلامهم ولا ترى أشخاصهم.
واما الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولن يخرج حتى يقوم قائمنا
أهل البيت واما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب
الله الأولى.
واما مصحف فاطمة صلوات الله عليها: ففيه ما يكون من حادث وأسماء كل من
يملك إلى أن تقوم الساعة.
واما الجامعة: فهي كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فلق فيه
وخط أمير المؤمنين " عليه السلام " بيده، والله فيه جميع ما يحتاج الناس إلى يوم القيامة حتى أن
في أرش الخدش والجلدة، ونصف الجلدة وكان " عليه السلام " يقول: حديثي حديث أبي وحديث أبي
حديث جدي وحديث جدي وحديث أمير المؤمنين " عليه السلام " وحديث أمير المؤمنين " عليه السلام "
حديث رسول الله وحديث رسول الله قول الله عز وجل.
وقال " عليه السلام ": ان خبرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل
أو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان أو مدينة حصينة، قيل وأي شئ المدينة الحصينة؟
قال القلب المجتمع.
(وروى) انه نزل على أبي عبد الله الصادق " عليه السلام " قوم من جهينة فأضافهم، فلما
أرادوا الرحلة زودهم ووصلهم وأعطاهم، ثم قال لغلمانه: تنحوا لا تعينوهم، فلما
فرغوا جاءوا ليودعوه فقالوا له: يا بن رسول الله لقد أضفت فأحسنت الضيافة وأعطيت
فأجزلت العطية، ثم أمرت غلمانك أن لا يعينونا على الرحلة، فقال " عليه السلام ": إنا لأهل
بيت لا نعين أضيافنا على الرحلة من عندنا، وقال مالك بن انس فقيه المدينة: كنت
ادخل على الصادق " عليه السلام " جعفر بن محمد عليهما السلام فيقدم لي مخدة، ويعرف لي قدرا
ويقول: يا مالك انى أحبك فكنت أسر بذلك، واحمد الله عليه قال: وكان " عليه السلام " رجلا
لا يخلوا من احدى ثلاث خصال: اما صائما، واما قائما واما ذاكرا، وكان من عظماء
العباد وأكابر الزهاد، والذين يخشون ربهم عز وجل، وكان كثير الحديث طيب
المجالسة كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول الله اخضر مرة، واصفر مرة أخرى
حتى ينكره من يعرفه، ولقد حججت معه سنة، فلما استوت به راحلته عند الاحرام
211

كان كلما هم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد ان يخر من راحلته، فقلت يا بن
رسول الله ولا بد لك ان تقول، فقال: يا بن أبي عامر فكيف أجسر ان أقول: لبيك
اللهم لبيك، وأخشى أن يقول الله عز وجل لي: لا لبيك ولا سعديك.
وكان مولده " عليه السلام " بالمدينة يوم الجمعة عند طلوع الفجر، ويقال يوم الاثنين لثلاث
عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وثمانين، ومضى صلوات الله عليه
في شوال سنة ثمان وأربعين ومئة.
وقيل يوم الاثنين النصف من رجب، وله خمس وستون سنة، وكانت إمامته
أربعا وثلاثين سنة، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.
وقال الصادق " عليه السلام ": من زارني غفرت له ذنوبه، ولم يمت فقيرا.
(وروى) عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام، أنه قال: من
زار جعفرا وأباه لم يشتك عينيه ولم يصبه سقم ولم يمت مبتلى.
(وروى) ان الصادق عليه السلام كثيرا ما يقول:
لكل أناس دولة يرقبونها * ودولتنا في آخر الدهر تظهر
وقال محمد بن أبي طلحة العوني:
سلام على الطهر المطهر جعفر * سلام على مولى إلى آخر الدهر
وقال السيد الحميري فيه:
يا راكبا نحو المدينة جسرة * عذافرة يطوى له كل سبسب
إذا ما هداك الله عاينت جعفرا * فقل لولى الله وابن المهذب
ألا يا ولى الله وابن وليه * أتوب إلى الرحمان ثم تأوبي
إليك من الذنب الذي كنت مطنبا * أجاهد فيها دائما كل معرب
مجلس في ذكر امامة أبي الحسن موسى بن
جعفر (ومناقبه عليه السلام)
والامام بعد أبي عبد الله أبو الحسن موسى، ويكنى أيضا بأبي إبراهيم ويعرف
بالعبد الصالح، وبالكاظم، لاجتماع خصال الفضل فيه ولنص أبيه عليه بالإمامة
212

واعتبار الشرايط العقلية، ويكنى أبا علي أيضا.
قال الفيض بن المختار، قلت لأبي عبد الله " عليه السلام ": خذ بيدي من النار من لنا بعدك؟
قال فدخل أبو إبراهيم وهو يومئذ غلام فقال هذا صاحبكم فتمسك به
قال معاذ بن كثير: قلت لأبي عبد الله " عليه السلام ": اسأل الله الذي رزق أباك هذه
المنزلة ان يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها، فقال: قد فعل الله ذلك، فقلت: من
هو جعلت فداك؟ فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد، فقال: هذا الراقد وهو يومئذ
غلام، قال الحسن بن عبد الله وكان أعبد أهل زمانه وكان زاهدا، قلت لأبي الحسن موسى " عليه السلام "
فمن الامام اليوم؟ قال إن أخبرتك تقبل؟ قلت: نعم قال: أنا قلت فشئ استدل به فقال
اذهب إلى تلك الشجرة وأشار إلى بعض شجر أم غيلان فقل لها يقول لك موسى بن جعفر
أقبلي قال فاتيتها فرأيتها والله تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه ثم أشار إليها
بالرجوع فرجعت.
قال أبو بصير: قلت: لأبي الحسن موسى " عليه السلام ": جعلت فداك بم يعرف الامام؟
قال بخصال أما أولهن، فإنه شئ قد تقدم فيه من أبيه وإشارته إليه ليكون حجة وليسأل
فيجيب وإذا سكت عنه ابتدأ ويخبر بما في غد، ويكلم الناس بكل كلام، ثم قال: يا أبا
محمد أعطيك علامة قبل أن تقوم، فلم البث ان دخل عليه رجل من أهل خراسان فكلمه
الخراساني بالعربية فأجابه أبو الحسن بالفارسية قال له الخراساني: والله ما منعني ان
أكلمك بالفارسية إلا انى ظننت أنك لا تحسن الفارسية، فقال له سبحان الله إذا كنت
لا أحسن ان أجيبك فما فضلي عليك فيما يستحق الإمامة، ثم قال: يا أبا محمد ان الامام
لا يخفى عليه كلام أحد من الناس، ولا منطق الطير، ولا كلام شئ فيه روح.
(وروى) ابن سنان قال: حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثيابا
أكرمه بها وكان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب فانفذ ابن
يقطين جل تلك الثياب إلى موسى بن جعفر: وأنفذ في جملتها تلك الدراعة، وأضاف إليها
مالا كان أعده على رسم له فيما يحمله إليه من خمس ماله، فلما أوصل ذلك إلى أبي الحسن " عليه السلام "
قبل المال والثياب ورد الدراعة على يد الرسول إلى علي بن يقطين، وكتب إليه احتفظ
بها ولا تخرجها من يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه فارتاب علي بن يقطين
بردها إليه ولم يدر ما سبب ذلك واحتفظ بالدراعة، فلما كان بعد أيام تغير على غلام له
213

كان يختص به فصرفه عن خدمته وكان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين إلى أبي الحسن
موسى " عليه السلام " ويقف على ما يحمله إليه في كل وقت من مال وثياب وألطاف وغير ذلك
فسعى به إلى الرشيد فقال أنه يقول بإمامة موسى بن جعفر ويحمل إليه خمس ماله في كل
سنة وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا فاستشاط
الرشيد لذلك وغضب غضبا شديدا وقال لأكشفن عن هذه الحال فإن كان الامر كما تقول
أزهقت نفسه فانفذ في الوقت بإحضار علي بن يقطين فلما مثل بين يديه قال له: ما فعلت
بالدراعة التي كسوتك بها؟ قال: هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم فيها طيب قد
احتفظت بها وكلما أصبحت فتحت السفط ونظرت إليها تبركا بها وقبلتها ورددتها إلى
موضعها وكلما أمسيت صنعت مثل ذلك، فقال: أحضرها الساعة، قال: نعم
يا أمير المؤمنين فاستدعى بعض خدمه، فقال له امض إلى البيت الفلاني من داري وخذ
مفتاحه من خازانى فافتحه، ثم افتح الصندوق الفلاني فجئني بالسفط الذي فيه بختمه فلم
يلبث الغلام ان جاء بالسفط مختوما فوضع بين يدي الرشيد فأمر بكسر ختمه وفتحه فلما
فتح نظر إلى الدراعة فيها بحالها مطوية مدفونة بالطيب، فسكن الرشيد من غضبه ثم
قال لعلي بن يقطين: ارددها إلى مكانها وانصرف راشدا، فلن أصدق عليك بعدها
ساعيا، وأمر ان يتبع بجائزة سنية، وتقدم بضرب الساعي الف سوط فضرب نحو
الخمسمائة سوط فمات في ذلك.
(وروى) علي بن أبي حمزة البطايني قال: خرج أبو الحسن موسى الكاظم " عليه السلام "
في بعض الأيام من المدينة إلى ضيعة له خارجة عنها فصحبته، وكان " عليه السلام " راكبا بغلة
وانا على حمار لي، فلما صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد فأحجمت خوفا، فأقدم
أبو الحسن موسى " عليه السلام " غير مكترث به فرأيت الأسد يتذلل لأبي الحسن " عليه السلام " فوقف له
أبو الحسن " عليه السلام " كالمصغي إلى همهمته ووضع الأسد يديه على كفل بغلته، وقد همتني
نفسي من ذلك وخفت خوفا عظيما، ثم تنحى الأسد إلى جانب الطريق، وحول
أبو الحسن موسى وجهه إلى القبلة وجعل يدعو ويحرك شفتيه بما لم افهمه ثم أومأ إلى
الأسد بيده ان امض فهمهم الأسد همهمة طويلة، وأبو الحسن يقول: آمين آمين
وانصرف الأسد حتى غاب من أعيننا، ومضى أبو الحسن " عليه السلام " لوجهه، واتبعته فلما
بعدنا عن الموضع لحقته، فقلت له فداك نفسي ما شأن هذا الأسد؟ فلقد خفته عليك
214

والله وعجبت من شأنه معك، فقال لي أبو الحسن " عليه السلام ": انه خرج يشكو عسر الولادة
على لبوته، وسألني ان اسأل الله عز وجل ان يفرج عنها ففعلت ذلك، وألقى في روعى
انها تلد ذكرا فخبرته بذلك، فقال لي: امض في حفظ الله فلا سلط الله عليك، ولا على
ذريتك ولا على أحد من شيعتك شيئا من السباع فقلت: آمين آمين.
قال علي بن يقطين: استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبى الحسن موسى بن
جعفر عليهما السلام، ويقطعه ويخجله في المجلس، فانتدب له رجل معزم فلما أحضرت
المائدة عمل نيموسا على الخبز، فكان كلما رام خادم أبى الحسن " عليه السلام " تناول رغيف من
الخبز طار من بين يديه واستفز هارون الفرح والضحك لذلك، فلم يلبث أبو الحسن " عليه السلام "
ان رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور، فقال له: يا أسد خذ عدو الله قال فوثب
ذلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترس ذلك المعزم فخر هارون وندمائه
على وجوههم مغشيا وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه فلما أفاقوا من ذلك بعد
حين قال هارون لأبي الحسن أسألك بحقي عليك لما سألت هذه الصورة ان ترد الرجل فقال إن
كان عصا موسى رد ما ابتلعه من حبال القوم وعصيهم فان هذه الصورة ترد ما ابتلعته
من هذا الرجل، وكانت تلك الأشياء اعمل في أيامه.
قال محمد بن عبد الله البكري: قدمت المدينة اطلب بها دينا فأعياني فقلت لو ذهبت
إلى أبي الحسن موسى بن جعفر " عليه السلام " فشكوت إليه فاتيته في ضيعته فخرج إلي ومعه غلام
معه منسف فيه قديد مجزع وليس معه غيره، فأكل وأكلت معه، ثم سألني عن حاجتي
فذكرت له قصتي، فدخل ولم يلبث إلا يسيرا حتى خرج إلي فقال لغلامه اذهب ثم مد
يده إلي فدفع إلي صرة فيها ثلاثمئة دينار ثم قام فولى فقمت فركبت دابتي وانصرفت.
وذكر ابن عمار وغيره من الرواة: انه لما خرج الرشيد إلى الحج، وقرب من
المدينة استقبله الوجوه من أهلها وتقدمهم موسى بن جعفر عليهما السلام على بغلة فقال له
الربيع: ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين؟ وأنت ان طلبت عليها لم تدرك
وان طلبت لم تفت، فقال: إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل، وارتفعت عن ذلة العير
وخير الأمور أوساطها.
قال: ولما دخل هارون الرشيد المدينة توجه لزيارة النبي (صلى الله عليه وآله) ومعه الناس فتقدم
إلى قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) فقال: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا بن عم مفتخرا
215

بذلك على غيره، فتقدم أبو الحسن " عليه السلام " فقال: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك
يا أبة فتغير الرشيد وتبين الغيظ فيه.
وسأل محمد بن الحسن أبا الحسن بمحضر الرشيد، وهم بمكة فقال يجوز للمحرم
ان يظلل محمله فقال له موسى: لا يجوز له ذلك مع الاختيار، فقال محمد بن الحسن
أفيجوز له ان يمشي تحت الظلال؟ فقال له نعم فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك فقال له
أبو الحسن " " عليه السلام ": أتعجب من سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وتستهزئ به ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كشف
ظلاله في احرامه ومشى تحت الظلال، وهو محرم ان احكام الله لا تقاس، فمن قاس
بعضها على بعض فقد ظل عن سواء السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا.
وكان عليه السلام أفقه أهل زمانه، وأحفظهم لكتاب الله عز وجل، وأحسنهم
صوتا بالقرآن.
وكان إذا قرأ تحزن وبكى وبكى السامعون لتلاوته، وكان الناس بالمدينة يسمونه
زين المجتهدين.
(فصل: في ذكر وفاته عليه السلام)
عن أحمد بن عبد الله عن أبيه قال: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على
السطح فقال لي: ادن فدنوت حتى حاذيته، فقال لي أشرف إلى بيت في الدار فأشرفت
فقال: ما ترى في البيت؟ قلت ثوبا مطروحا فقال لي: انظر حسنا فتأملت ونظرت
فتيقنت فقلت: رجل ساجد، فقال لي: تعرفه قلت: لا قال: هذا مولاك قلت ومن
مولاي؟ فقال تتجاهل على؟ فقلت: ما أتجاهل ولكني لا اعرف لي مولى فقال
أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام، قال لي أتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت
من الأوقات إلا على الحال التي أخبرتك بها انه يصلى الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته
إلى أن تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس، وقد وكل من
يترصد الزوال فلست أدرى متى يقول الغلام: فقد زالت الشمس إذ يثب فيبتدئ بالصلاة
من غير أن يحدث وضوءا فاعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفى فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ
من صلاة العصر فإذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس
فإذا غابت الشمس وثب من سجدته يصلى المغرب من غير أن يجدد وضوءا ولا يزال في
216

صلاته إلى أن يصلى العتمة فإذا صلى العتمة، افطر على شوى يؤتى به ثم يجدد الوضوء
ثم يسجد فلا يزال في صلاته في جوف الليل حتى يطلع الفجر فلست أدرى متى يقول الغلام
ان الفجر قد طلع إذ قد وثب فصلى الفجر فهذا دأبه مند حول إلي فقلت: اتق الله
ولا تحدثن في أمره حدثا تكون منه زوال النعمة، فقد تعلم أنه لم يفعل بأحد منهم
إلا كانت نعمته زائلة، فقال قد أرسلوا إلي غير مرة يأمروني بقتله فلم أجبهم إلى ذلك
وأعلمتهم انى لا افعل ذلك ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني، فلما كان بعد ذلك حول
إلى الفضل بن يحيى البرمكي يحبس عنده أياما وكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كل ليلة
مائد ويمنع ان يدخل إليه من عند غيره، وكان لا يأكل ولا يفطر إلا على المائدة التي يؤتى
بها حتى مضى على تلك الحال ثلاثة أيام ولياليها، فلما كانت الليلة الرابعة قدمت إليه
مائدة الفضل بن يحيى قال: ورفع يده إلى السماء، فقال: يا رب انك تعلم انى لو أكلت
قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي، قال: فأكل فمرض فلما كان من غد بعث إليه
بالطبيب ليسأله عن العلة، فقال له الطبيب ما علتك؟ فأخرج يده ثم قال: هذه علتي
وكانت خضرة وسط راحته تدل على أنه سم فاجتمع في ذلك الموضع قال فانصرف إليهم
وقال والله لهو اعلم بما فعلتم به منكم ثم توفى عليه السلام.
قال الحسن بن محمد بن بشار: حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ممن
يقبل قوله، قال: قال لي: قد رأيت بعض من يقولون بفضله من أهل هذا البيت
فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله، قال قلت: من وكيف رأيته؟ قال: جمعنا أيام
السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب إلى الخير، فأدخلنا على موسى
ابن جعفر عليهما السلام، فقال لنا السندي: يا هؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث
به حدث فان الناس يزعمون أنه قد فعل به، ويكثرون في ذلك وهذا منزله وفرشه
موسع عليه غير مضيق، ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا، وإنما ننتظره ان يقدم
أمير المؤمنين فيناظره أمير المؤمنين ها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع أمره فاسئلوه
قال: ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل والى فضله وسمته، فقال: اما ما ذكر من
التوسعة وما أشبه ذلك فهو على ما ذكر غير انى أخبركم أيها النفر انى قد سقيت السم في
تسع تمرات وانى أخضر غدا وبعد غد أموت
، قال: فنظرت إلى السندي بن شاهك
يرتعد ويضطرب مثل السعفة.
217

(وروى) ان السبب في أخذ موسى بن جعفر " عليه السلام " ان الرشيد جعل ابنه في حجر
جعفر بن محمد بن الأشعث فحسده يحيى بن خالد بن برمك، وكان يقول بالإمامة حتى
ادخله فاسر به، وكان يكثر غشيانه في منزله فيقف على أمره، ويرفعه إلى الرشيد
ويزيد عليه في ذلك بما يقدح في قلبه على أمره، ثم قال يوما لبعض ثقاته: تعرفون
رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال؟ يعرفني ما احتاج إليه فدل على علي بن
إسماعيل بن جعفر بن محمد فحمل إليه يحيى بن خالد بن برمك مالا وكان موسى " عليه السلام " يأنس
بعلي بن إسماعيل ويصله ويبره، ثم انفذ إليه يحيى بن خالد يرغبه في قصد الرشيد ويعده
بالاحسان إليه فعمل على ذلك وأحس به موسى " عليه السلام " فدعاه، فقال له: إلى أين يا بن أخ؟
قال: إلى بغداد قال: وما تصنع؟ قال: على دين وانا مملق فقال له موسى " عليه السلام ": فانا اقضي
دينك وافعل بك واصنع فلم يلتفت إلى ذلك، وعزم على الخروج فاستدعاه
أبو الحسن " عليه السلام " فقال له: أنت خارج؟ قال: نعم لا بد لي من ذلك، قال له: انظر
يا بن أخي واتق الله، ولا تؤتم أولادي وأمر له بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم
فلما قام من بين يديه، قال موسى " عليه السلام " لمن حضره: والله ليستعين في دمى، ويؤتم
أولادي فقالوا له: جعلنا الله فداك وأنت تعلم هذا من حاله وتعطيه وتصله؟ قال: نعم
حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان الرحم إذا قطعت فوصلت فقطعت قطعها
الله انني أردت أن أوصله بعد قطعه لي حتى إذا قطعني قطعه الله قالوا: فخرج علي بن
إسماعيل حتى أتى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر " عليه السلام " ورفعه إلى الرشيد
وزاد عليه وأوصله الرشيد فسأله عن عمه فسعى به إليه، وقال له: ان الأموال لتحمل
إليه من المشرق والمغرب وانه اشترى ضيعة سماها البشيرة بثلاثين ألف دينار فقال له
صاحبها، وقد أحضره المال قال: لا أخذ هذا النقد، ولا أخذ إلا نقد كذا وكذا فأمر
بذلك المال فرد وأعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأل بعينه فسمع ذلك منه
الرشيد، وأمر له بمئة ألف درهم تسيب على النواحي، فاختار بعض كور المشرق
وأمضت رسله المال، ومرض في بعض تلك الأيام فزحر زحرة خرجت منه حشوته
كلها فسقط وجهدوا في ردها فلم يقدروا فوقع لما به، وجاءه المال وهو ينزع فقال
ما أصنع به وانا في الموت، وخرج الرشيد في تلك السنة إلى الحج، وبدأ بالمدينة
فقبض فيها على أبي الحسن موسى " عليه السلام " في جماعة من الاشراف وانصرفوا من استقباله
218

فمضى أبو الحسن " عليه السلام " إلى المسجد على رسمه، وأقام الرشيد إلى الليل وصار إلى قبر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله انى اعتذر إليك من شئ أريد ان افعله
أريد ان
أحبس موسى بن جعفر فإنه يريد التشتيت بين أمتك وسفك دمائها ثم أمر به فأخذ من
المسجد فادخل عليه فقيده، واستدعى قبتين فجعله في أحديهما على بغل وجعل القبة
الأخرى على بغل، وخرج البغلان من داره عليهما القبتان مستورتان، ومع كل واحد
منها خيل فافترقت الخيل فمضى بعضها مع احدى القبتين على طريق البصرة والأخرى على
طريق الكوفة، وكان أبو الحسن " عليه السلام " في القبة التي مضى بها على طريق البصرة وإنما فعل
ذلك الرشيد ليعمى على الناس الامر في أمر أبى الحسن " عليه السلام " وأمر القوم الذين كانوا مع
قبة أبى الحسن بأن يسلموه إلى عيسى بن جعفر المنصور، وكان على البصرة حينئذ فسلم
إليه فحبسه عنده سنة، وكتب الرشيد في دمه فاستدعى عيسى بن جعفر المنصور بعض
خاصته وثقاته فاستشارهم فيما كتب به الرشيد، فأشارا عليه بالتوقف عن ذلك
والاستعفاء منه، وكتب عيسى بن جعفر إلى الرشيد يقول له: قد طال أمر موسى
ابن جعفر ومقامه في حبسي، وقد اختبرت حاله ووضعت من يسمع منه ما يقول في
دعائه فما دعا عليك، ولا علي وما ذكرنا بسوء، وما يدعو لنفسه إلا بالمغفرة والرحمة
وان أنفذت إلى من يتسلمه منى، وإلا خليت سبيله فإنني متحرج من حبسه.
وروى بعض عيون عيسى بن جعفر ورفع إليه انه سمعه كثيرا يقول في دعائه وهو
محبوس: اللهم انك تعلم انني كنت أسألك ان تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك
الحمد فوجه الرشيد من يتسلمه من عيسى بن جعفر، وصير به إلى بغداد فسلم إلى الفضل
ابن الربيع فبقي عنده مدة طويلة، فأراده الرشيد على شئ من أمره، فأبى فكتب إليه
بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فتسلمه منه، وجعله في بعض حجر دوره، ووضع عليه
الرصد فكان " عليه السلام " مشغولا بالعبادة يحيى الليل كله صلاة، وقراءة القرآن ودعاء واجتهادا
ويصوم النهار في أكثر الأيام، ولا يصرف وجهه من المحراب فوسع عليه الفضل بن
يحيى وأكرمه فاتصل ذلك بالرشيد، وهو في الرقة فكتب إليه ينكر توسيعه على موسى " عليه السلام "
ويأمره بقتله فتوقف عن ذلك، ولم يقدم إليه فاغتاظ الرشيد لذلك، ودعا مسرور
الخادم فقال له: اخرج على البريد في هذا الوقت إلى بغداد، وادخل من فورك على
موسى بن جعفر فان وجدته في دعة، ورفاهية فأوصل هذا الكتاب إلى العباس بن محمد
219

ومره بامتثال ما فيه، وسلم إليه كتابا آخر إلى السندي بن شاهك يأمره فيه بطاعة
العباس بن محمد، فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدرى أحد ما يريد ثم دخل
على موسى " عليه السلام " فوجده على ما بلغ الرشيد، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندي
ابن شاهك، وأوصل الكتابين إليهما فلم يلبث الناس ان خرج الرسول يركض إلى الفضل
ابن يحيى فخرج مدهوشا حتى دخل على العباس بن محمد فدعا العباس بسياط وعقابين وأمر
بالفضل فجرده، وضربه السندي بين يديه مئة سوط، وخرج متغير اللون خلاف
ما دخل وجعل يسلم على الناس يمينا وشمالا وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد، فأمر
بتسليم موسى إلى السندي بن شاهك، وجلس الرشيد مجلسا حافلا، وقال: أيها الناس
ان الفضل بن يحيى قد عصاني، وخالف طاعتي فرأيت أن العنه فالعنوه فلعنه الناس من
كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه، وبلغ يحيى بن خالد الخبر، فركب إلى الرشيد
فدخل من غير الباب الذي يدخل منه الناس حتى جاءه من خلفه، وهو لا يشعر به
ثم قال له: التفت إلي يا أمير المؤمنين فأصغى إليه فزعا، فقال إن الفضل حدث وانا
أكفيك ما تريد فانطلق وجهه وسر فاقبل على الناس، وقال: ان الفضل كان قد عصى
في شئ فلعنته، وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه، فقالوا: نحن أولياء من واليت
وأعداء من عاديت وقد توليناه، ثم خرج يحيى بن خالد على البريد حتى وافى بغداد فماج
الناس فأرجفوا بكل شئ، وأظهر انه ورد لتعديل السواد، والنظر في أمر العمال
وتشاغل ببعض ذلك أياما، ثم دعا السندي فأمره بأمره فامتثله، وكان الذي تولى به
السندي قتله " عليه السلام " بالسم جعله في طعام ثم قدمه إليه، ويقال انه جعله في رطب اكل منه
فأحس بالسم ولبث ثلاثا بعده موعوكا، ثم مات في اليوم الثالث، ولما مات موسى " عليه السلام "
ادخل السندي بن شاهك عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد، وفيهم الهيثم ابن عدي
وغيره فنظروا إليه لا اثر به من جراح، ولا خنق وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه
فشهدوا على ذلك، واخرج ووضع على الجسر ببغداد ونودي هذا موسى بن جعفر قد
مات حتف انفه فانظروا إليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت، وقد كان قوم
يزعمون في أيام موسى " عليه السلام " انه القائم المنتظر وجعلوا حبسه هي الغيبة المذكورة للقائم
فأمر يحيى بن خالد أن ينادى عليه عند موته هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة
انه لا يموت، فانظروا إليه فنظر الناس إليه ميتا ثم حمل فدفن في مقابر قريش من
220

باب التين، وكانت هذه المقبرة لبنى هاشم والاشراف من الناس قديما.
(وروى) انه لما حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهك ان يحضره مولى له مدنيا
ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى غسله وتكفينه ففعل ذلك، قال
السندي بن شاهك: وكنت سألته أن يأذن لي في أن أكفنه فأبى وقال: انا أهل بيت
مهور نسائنا وحج صرورتنا، وأكفان موتانا من طاهر أموالنا وعندي كفني فأريد
ان يتولى غسلي وجهازي مولاي فلان فتولى ذلك منه.
وكانت مدة خلافته ومقامه في الإمامة بعد أبيه عليهما السلام خمسا وثلاثين سنة.
وكان مولده بالأبواء - موضع بين مكة والمدينة - يوم الأحد لسبع ليال خلون
من صفر سنة ثمان وعشرين ومئة، ووفاته ببغداد يوم الجمعة لست بقين من رجب
وقيل لخمس خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومئة. وله يومئذ خمس وخمسون سنة.
وقيل: أربع وخمسون سنة، وأمه أم ولد يقال لها: حميدة البربرية.
وقال الرضا " عليه السلام ": زيارة أبى مثل زيارة الحسين عليه السلام.
وقال " عليه السلام ": من زار قبر أبى ببغداد كان كمن زار قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقبر
أمير المؤمنين ألا إن لرسول الله وأمير المؤمنين فضلهما، وقيل له ما لمن زار قبر أباك؟
قال الجنة فزره.
وقال أيضا عليه السلام: زيارة أبى من الفضل كفضل من زار قبره والده يعنى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قلت: فانى خفت ولم يمكني ان ادخل داخلا، قال: سلم من
وراء الحائر، وقال عليه السلام: ان الله نجى بغداد بمكان قبر الحسينيين
قال دعبل بن علي الخزاعي رحمة الله عليه من قصيدة طويلة:
فأين الألى شطت بهم غربة النوى * أفانين في الأطراف متفرقات
هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهو خير سادات وخير حماة
أفاطم قومي يا ابنت الخير فاندبي * نجوم سماوات بأرض فلات
قبور بكوفان وأخرى بطيبة * وأخرى بفخ نالها صلواتي
وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات
وقال محمد بن أبي طلحة الصرفي:
سلام على الطهر المطهر جعفر * سلام على موسى إلى آخر الدهر
221

مجلس في ذكر امامة أبي الحسن علي بن
موسى الرضا ومناقبه عليه السلام
والامام القائم بعد العبد الصالح أبو الحسن علي بن موسى عليهما السلام بنص أبيه
عليه واجتماع رؤوس أصحاب أبيه عليه، واعتبار شرايط العقلية كما قدمناه.
قال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح، فقال يا علي بن يقطين هذا على سيد
ولدى اما انه قد نحلته كنيتي.
قال زياد بن مروان القندي: دخلت على أبي إبراهيم " عليه السلام "، وعنده أبو الحسن
ابنه فقال لي: يا زياد هذا ابني فلان كتابه كتابي، وكلامه كلامي وقوله قولي ورسوله
رسولي وما قال فالقول قوله.
قال داود الرقي: قلت لأبي إبراهيم: جعلت فداك ان كبرت سنى فخذ بيدي وأنقذني
من النار. من صاحبنا بعدك؟ قال: وأشار إلى ابنه أبى الحسن، وقال: هذا
صاحبكم بعدي.
قال إبراهيم بن موسى: ألححت على أبي الحسن الرضا " عليه السلام " في شئ اطلبه فكان
يعدني فخرج ذات يوم يستقبل والى المدينة وكنت معه فجاء إلى قصر فلان فنزل عنده تحت
شجرات ونزلت معه وليس معنا ثالث فقلت: جعلت فداك هذا العبد قد أظلنا ولا والله
لا أملك درهما فما سواه، فحك بسوطه الأرض حكا شديدا ثم مد بيده فتناول منه
سبيكة ذهب، ثم قال: استنفع بها واكتم ما رأيت.
(وروى) عن أحمد بن عبد الله عن الغفاري قال: كان لرجل من آل أبي رافع
مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقال له فلان على حق فتقاضاني وألح علي فلما رأيت ذلك صليت
الصبح في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم توجهت نحو الرضا " عليه السلام " وهو يومئذ بالعريض
فلما قربت من داره إذا هو قد طلع علي وعليه قميص ورداء، فلما نظرت إليه استحييت
منه فلما لحقني وقف فنظر إلي فسلمت عليه وكان شهر رمضان فقلت جعلت فداك ان
لمولاك فلان علي حقا وقد والله شهرني، وأنا أظن في نفسي انه يأمره بالكف عنى
222

ووالله ما قلت له كم له علي ولا سميت له شيئا فأمرني بالجلوس إلى رجوعه فلم أزل حتى
صليت المغرب وانا صايم فضاق صدري فأردت أن انصرف فإذا هو قد طلع علي وحوله
الناس وقد قعد له السؤال وهو يتصدق عليهم فمضى ودخل بيته ثم خرج، ودعاني فقمت
إليه ودخلت معه فجلس وجلست معه فجعلت أحدثه عن المسيب، وكان كثيرا ما أحدثه
عنه فلما فرغت قال ما أظنك أفطرت بعد فقلت: لا فدعا لي بطعام فوضع بين يدي وأمر
الغلام ان يأكل معي فأصبت والغلام، فلما فرغنا قال ارفع الوسادة وخذ ما تحتها
فرفعتها فإذا دنانير - فأخذتها ووضعتها في كمي وأمر أربعة من عبيده ان يكونوا معي حتى
يبلغوني منزلي فقلت جعلت فداك ان طارف بن المسيب يقعد، واكره ان يلقاني ومعي
عبيدك فقال لي: أصبت أصاب الله بك الرشاد وأمرهم ان يرجعوا إذا رددتهم فلما قربت
من منزلي وأنست رددتهم وصرت إلى منزلي ودعوت بالسراج ونظرت إلى الدنانير فإذا
هي ثمانية وأربعون دينارا، وكان حق الرجل ثمانية وعشرين دينارا وكان فيها دينار يلوح
فأعجبني حسنه فأخذته وقربته من السراج فإذا عليه نقش واضح حق الرجل عليك ثمانية
وعشرون دينارا، وما بقي فهو لك والله ما كنت عرفت ماله على التحديد.
قال أبو الصلت الهروي: ان المأمون قال للرضا " عليه السلام ": يا بن رسول الله قد عرفت
فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك، وأراك أحق بالخلافة منى، فقال الرضا " عليه السلام "
بالعبودية لله عز وجل افتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا وبالورع
عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله تعالى
فقال له المأمون: فانى رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة واجعلها لك وأبايعك فقال له
الرضا " عليه السلام ": ان كانت هذه الخلافة لك وجعلها الله لك فلا يجوز أن تخلع لباسا ألبسكه
الله وتجعله لغيرك، وان كانت الخلافة لغيرك فلا يجوز لك ان تجعل لي ما ليس لك فقال
له المأمون: يا بن رسول الله لابد لك من قبول هذا الامر فقال: لست أفعل ذلك طايعا
أبدا فما زال يجهد به أياما حتى يأس من قبوله، فقال له: وإن لم تقبل الخلافة ولم تحب
مبايعتي لك فكن ولى عهدي لتكون لك الخلافة بعدي، فقال الرضا " عليه السلام ": والله لقد
حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): انى اخرج من الدنيا قبلك
مقتولا بالسم مظلوما تبكي على ملائكة السماء وملائكة الأرض وادفن في ارض غربة إلى
جنب قبر هارون الرشيد، فبكى المأمون ثم قال له: يا بن رسول الله ومن الذي يقتلك
223

أو يقدر على الإساءة عليك وأنا حي؟ فقال الرضا " عليه السلام ": اما انى لو أشاء أن أقول من
ذا الذي يقتلني لقلت، فقال المأمون: يا بن رسول الله إنما تريد بقولك هذا التخفيف
عن نفسك ودفع هذا الامر عنك ليقول الناس: انك زاهد في الدنيا.
فقال الرضا " عليه السلام ": والله ما كذبت منذ خلقني الله ربى تعالى، وما زهدت للدنيا
في الدنيا، وانى لأعلم ما تريد. فقال المأمون: وما أريد؟ قال: الأمان على الصدق
قال لك الأمان. قال: تريد بذلك أن يقول الناس: ان علي بن موسى لم يزهد في الدنيا
بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة؟ فغضب
المأمون ثم قال: انك تتلقاني أبدا بما أكرهه وقد أمنت سطواتي والله لئن قبلت ولاية
العهد وإلا أجبرتك على ذلك فان فعلت وإلا ضربت عنقك.
قال الرضا " عليه السلام ": قد نهاني الله تعالى ان القى بيدي إلى التهلكة، فإن كان الامر على
هذا فافعل ما بدا لك وانا اقبل ذلك على انى لا أولى أحدا ولا أعزل ولا انقض رسما
أو سنة وأكون في الامر من بعيد مشيرا، فرضى منه بذلك وجعله ولى عهده على كراهة
منه عليه السلام لذلك.
قال الريان بن الصلت: دخلت على علي بن موسى الرضا " عليه السلام " فقلت له: يا بن
رسول الله ان الناس يقولون: انك قبلت ولاية العهد مع اظهارك الزهد في الدنيا؟ فقال
عليه السلام: قد علم الله كراهتي لذلك، فلما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت
القبول على القتل، ويحهم اما علموا ان يوسف " عليه السلام " كان نبيا ورسولا، فلما دفعته الضرورة
إلى تولى خزائن العزيز قال: اجعلني على خزائن الأرض انى حفيظ عليم، ودفعت لي
الضرورة إلى قبول ذلك على اكراه واجبار بعد الاشراف على الهلاك على انى ما دخلت
في هذا الامر إلا دخول خارج منه، فإلى الله المشتكى وهو المستعان.
(وروى) انه المأمون قد انفذ إلى جماعة من آل أبي طالب فحملهم إليه من المدينة
وفيهم علي بن موسى الرضا " عليه السلام " فأخذ بهم على طريق البصرة حتى جاؤوه بهم، وكان
المتولي لأشخاصهم المعروف بالجلودي فقدم بهم على المأمون فأنزلهم دارا وانزل الرضا " عليه السلام "
دارا وأكرمه وعظم أمره، ثم انفذ إليه انى أريد أن اخلع نفسي من الخلافة وأقلدك
إياها فما رأيك في ذلك؟ فأنكر الرضا " عليه السلام " هذا الامر، وقال له أعيذك بالله يا أمير المؤمنين
من هذا الكلام، وان يسمع به أحد فرد عليه الرسول، فإذا أبيت ما عرضت عليك
224

فلا بد من ولاية العهد بعدي فأبى الرضا " عليه السلام " إباءا شديدا فاستدعاه إليه، ومعه الفضل
ابن سهل ذو الرياستين ليس في المجلس غيرهم وقال له: انى قد رأيت أن أقلدك أمر المسلمين
وافسخ ما في رقبتي واضعه في رقبتك، فقال له الرضا " عليه السلام ": الله الله يا أمير المؤمنين انه
لا طاقة لي بذلك ولا قوة لي عليه، قال له: فانى موليك العهد من بعدي فقال له: اعفني
من ذلك يا أمير المؤمنين، فقال له المأمون: كلاما كالتهديد فيه على الامتناع عليه
وقال في كلامه: ان عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين " عليه السلام "
وشرط فيمن خالف منهم ان يضرب عنقه ولابد لك من قبولك ما أريد منك فانى لا أجد
محيصا عنه، فقال له الرضا " عليه السلام ": فانى أجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على انني
لا آمر ولا انهى ولا افنى ولا اقضي ولا أولى ولا أعزل ولا أغير شيئا مما هو قائم
فأجابه المأمون إلى ذلك كله وخرج ذو الرياستين، وهو يقول واعجبا وقد رأيت عجبا
سلوني ما رأيت فقالوا: وما رأيت أصلحك الله؟ قال: رأيت المأمون أمير المؤمنين
يقول: قد رأيت أن أقلدك أمور المسلمين وافسخ ما في رقبتي واجعله في رقبتك ورأيت
علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: يا أمير المؤمنين لا طاقة لي بذلك ولا قوة
فما رأيت خلافة قط كانت أضيع منها أمير المؤمنين يتفصى منها، ويعرضها على علي بن
موسى الرضا، وعلي بن موسى الرضا يرفضها ويأبى.
(وروى) ان المأمون لما أراد العقد للرضا عليه السلام، وحدث نفسه بذلك
احضر الفضل بن سهل فاعلمه بما قد عزم عليه من ذلك، وأمره بالاجتماع مع أخيه
الحسن بن سهل على ذلك، ففعل واجتمعا بحضرته فجعل الحسن يعظم ذلك عليه ويعرفه
ما في اخراج الامر من أهله عليه، فقال له المأمون: انني عاهدت الله انني ان ظفرت
بالمخلوع أخرجت الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب وما اعلم أحدا أفضل من هذا الرجل
على وجه الأرض، فلما رأى الحسن والفضل عزيمته على ذلك أمسكا عن معارضته فيه
فأرسلهما إلى الرضا " عليه السلام " فعرضا ذلك عليه فامتنع منه فلم يزالا به حتى أجاب ورجعا إلى
المأمون فعرفاه إجابته فسر بذلك، وجلس للخاصة في يوم الخميس، وخرج الفضل بن
سهل فاعلم الناس برأي المأمون في علي بن موسى الرضا " عليه السلام " وانه قد ولى عهده وسماه
الرضا وأمرهم بلبس الخضرة، والعود لبيعته في الخميس الآخر على أن يأخذوا أرزاق
سنة فلما كان ذلك اليوم ركب الناس على طبقاتهم من القواد والحجاب والقضاة وغيرهم في
225

الحضرة وجلس المأمون ووضع للرضا وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفرشه
واجلس الرضا " عليه السلام " في الحضرة، وعليه عمامة وسيف، ثم أمر ابنه العباس المأمون
يبايع له أول الناس، فرفع الرضا " عليه السلام " فتلقى بظهرها وجه نفسه وببطنها وجوههم
فقال له المأمون ابسط يدك للبيعة، فقال له الرضا " عليه السلام ": ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هكذا كان
يبايع فبايعه الناس ويده فوق أيديهم، ووضع المنبر وقام الخطباء والشعراء فجعلوا
يذكرون فضل الرضا " عليه السلام " وما كان من المأمون في أمره، ثم دعى أبو عباد بالعباس بن
المأمون فوقف فدنا من أبيه وأمرهم بالجلوس، ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد وقال له
الفضل بن سهل: قم. فقام يمشي حتى قرب من المأمون فوقف ولم يقبل يده فقيل له
امض وخذ جائزتك، وناداه المأمون: لترجع يا أبا جعفر إلى مجلسك فرجع ثم جعل
أبو عباد يدعو بعلوي وعباسي فيقبضان جوائزهم حتى نفدت الأموال، ثم قال المأمون
للرضا " عليه السلام ": اخطب الناس وتكلم فيه فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ان لنا عليكم
حقا برسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكم علينا حق به فإذا أديتم الينا ذلك وجب علينا الحق لكم ولم
يذكر عنه غير هذا المجلس، وأمر له المأمون فضربت له الدراهم وطبع عليها اسم الرضا
وزوج إسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد وأمره فحج بالناس
وخطب للرضا في كل بلد بولاية العهد، وكان عبد الجبار بن سعيد يخطب في تلك السنة
على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة، فقال في الدعاء له ولى عهد المسلمين علي بن موسى
ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ستة آباءهم هم أفضل من
يشرب صوب الغمام).
ولما جلس الرضا علي بن موسى عليه السلام في الخلع بولاية العهد قام بين يديه
الخطباء والشعراء وخفقت الألوية على رأسه فذكر بعض من حضر ممن كان يختص
بالرضا عليه السلام أنه قال: كنت بين يديه في ذلك اليوم فنظر إلي وانا مستبشر بما
جرى فأومى إلي ان ادن فدنوت منه، فقال لي من حيث لا يسمعه غيري: لا تشغل
قلبك بهذا الامر ولا تستبشر فإنه شئ لا يتم وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن
علي الخزاعي فلما دخل عليه قال: انى قد قلت قصيدة، وجعلت على نفسي أن لا أنشدها
أحدا قبلك فأمره بالجلوس حتى خف مجلسه ثم قال له: هاتها قال: فأنشد قصيدته
التي أولها:
226

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
وليس هذا البيت رأس القصيدة، ولكن أنشدها من هذا البيت فقيل له: لم
بدأت بمدارس؟ قال: استحييت من الإمام علي بن موسى الرضا ان انشده التشبيب
فأنشدته المناقب، ورأس هذه القصيدة:
تجاوبن بالأزمان والظفرات * نوايح عجم اللفظ والنطقات
حتى أتى على آخرها، فلما فرغ عن انشاده قام الرضا " عليه السلام " فدخل على حجرته وبعث
إليه خادما بخرقة خز فيها ستمئة دينار.
وقال لخادمه: قل استعن بهذه على سفرك وأعذرنا، فقال له دعبل: لا والله
ما هذا أردت ولا له خرجت، ولكن قل له، أكسني ثوبا من أثوابك وردها فردها
عليه الرضا " عليه السلام " وقال له: خذها، ثم بعث إليه بجبة من ثيابه، فخرج دعبل حتى ورد
قم فلما رأوا الجبة معه أعطوه بها ألف دينار فأبى وقال: لا والله ولا خرقة منها بألف
دينار ثم خرج من قم فأتبعوه فقطعوا عليه الطريق، وأخذوا الجبة فرجع إلى قم فكلمهم
فيها وقالوا: ليس إليها سبيل، ولكن إن شئت فهذه ألف دينار، فقال لهم وخرقة منها
فأعطوه ألف دينار وخرقة من الجبة، قال ياسر الخادم والريان بن الصلت جميعا: لما
حضر العيد وكان قد عقد للرضا " عليه السلام " بولاية العهد بعث إليه المأمون في الركوب إلى العيد
والصلاة بالناس، والخطبة بهم فبعث إليه الرضا " عليه السلام " قد علمت ما كان بيني وبينك من
الشروط في دخول الامر فاعفني من الصلاة بالناس، فقال المأمون: إنما أردت أن
يطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضلك ولم يزل يتردد الرسل بينهم في ذلك فلما ألح عليه
في ذلك المأمون أرسل إليه ان أعفيتني فهو أحب إلي وإن لم تعفني خرجت كما خرج
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين " عليه السلام " فقال له المأمون: اخرج كما شئت وأمر القواد
والناس ان يبكروا إلى باب الرضا عليه السلام قال: فقعد الناس لأبي الحسن في الطرقات
والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه، وصار جميع القواد والجند إلى
بابه على دوابهم فوقفوا حتى طلعت الشمس، فاغتسل أبو الحسن " عليه السلام " ولبس ثيابه وتعمم
بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه، ومس شيئا من
الطيب وأخذ بيده عكازة وقال لمواليه افعلوا مثل ما فعلت فخرجوا بين يديه، وهو حاف
قد شمر سراويله إلى نصف الساق عليه ثياب مشمرة فمشى قليلا، ورفع رأسه إلى السماء
227

وكبر وكبر مواليه معه، ثم مشى حتى وقف على الباب، فلما رآه القواد والجند على
تلك الصورة سقطوا كلهم إلى الأرض وكان أحسنهم حالا من كان معه سكين قطع بها
شرابة جاجيلته ونزعها وتحفى وكبر الرضا " عليه السلام " على الباب، وكبر الناس معه فخيل الينا
ان السماء والحيطان تجاوبه، وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لما رأوا أبا الحسن " عليه السلام "
وسمعوا تكبيره وبلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل بن سهل ذو الرياستين
يا أمير المؤمنين ان بلغ الرضا " عليه السلام " المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس وخفنا كلنا على
دمائنا فانفذ إليه ان يرجع فبعث إليه المأمون قد كلفناك شططا وأتعبناك ولسنا نحب ان
يلحقك اذى فارجع وليصلى بالناس من كان يصلى بهم على رسمه فدعا أبو الحسن " عليه السلام "
بخفه فلبسه وركب ورجع واختلف أمر الناس في ذلك اليوم، ولم ينتظم في صلاته قال
ياسر: لما عزم المأمون على الخروج من خراسان إلى بغداد خرج، وخرج معه الفضل
ابن سهيل ذو الرياستين، وخرجنا مع أبي الحسن الرضا " عليه السلام " فورد على الفضل بن سهل
كتاب من أخيه الحسن بن سهل ونحن في بعض المنازل: انى نظرت في تحويل هذه السنة
في حساب النجوم فوجدت فيه انك تذوق في شهر كذا وكذا من يوم الأربعاء حر الحديد
وحر النار وأرى ان تدخل أنت وأمير المؤمنين والرضا الحمام في هذا اليوم وتحتجم فيه
وتصب على بدنك الدم ليزول عنك نحسه فكتب ذو الرياستين إلى المأمون بذلك فسأله
أن يسأل أبا الحسن " عليه السلام " ذلك فكتب المأمون إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله فيه فأجابه
أبو الحسن لست بداخل الحمام غدا فأعاد عليه الرقعة مرتين فكتب إليه أبو الحسن " عليه السلام "
لست بداخل غدا الحمام، فأنى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه الليلة، فقال لي يا علي
لا تدخل الحمام غدا فلا أرى لك يا أمير المؤمنين ولا للفضل ان تدخلا الحمام غدا فكتب
إليه المأمون صدقت يا أبا الحسن، وصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) لست بداخل الحمام والفضل أعلم.
قال: فقال ياسر: فلما أمسينا وغابت الشمس، قال لنا الرضا " عليه السلام " قولوا: نعوذ
بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة، فلم يزل يقول ذلك حتى صلى الرضا " عليه السلام " الصبح ثم قال
لي: إصعد السطح فاستمع هل تجد شيئا، فلما صعدت سمعت الضجة وكثرت وزادت
فلم نشعر بشئ فإذا نحن بالمأمون قد دخل من الباب الذي كان من داره إلى دار
أبى الحسن " عليه السلام " وهو يقول: يا سيدي يا أبا الحسن آجرك الله في الفضل فإنه دخل الحمام
ودخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه، وأخذ ممن دخل عليه ثلاثة نفر: أحدهم ابن خالة
228

الفضل بن ذي العلمين قال: واجتمع الجند والقواد ومن كان في خيل الفضل على باب
المأمون فقالوا: هو اغتاله وشغبوا عليه وطلبوا بدمه وجاؤا بالنيران ليحرقوا الباب
فقال المأمون لأبي الحسن " عليه السلام ": يا سيدي ترى ان تخرج إليهم، وترفق بهم حتى يتفرقوا
قال: نعم فركب أبو الحسن " عليه السلام " وقال لي: يا ياسر اركب فركبت، فلما خرجنا من
الباب نظر إلى الناس وقد ازدحموا عليه، فقال بيده: تفرقوا، قال ياسر: فاقبل الناس
والله يقع بعضهم على بعض، وما أشار إلى أحد إلا ركض ومضى لوجهه.
سئل الرضا " عليه السلام " عن ذي الفقار سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أين هو؟ فقال " عليه السلام "
هبط به جبرئيل من السماء، وكان حليته من فضة وهو عندي وقال ياسر: لما ولى
الرضا " عليه السلام " العهد سمعته وقد رفع يده إلى السماء وقال: اللهم انك تعلم انى مكره مضطر
فلا تؤاخذني كما لم تؤاخذ عبدك ونبيك يوسف حين دفع إلى ولاية مصر. قال إبراهيم
ابن العباس: ما رأيت الرضا " عليه السلام " سئل عن شئ قط إلا علمه، ولا رأيت اعلم منه
بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شئ فيجب
فيه وكان كلامه كله وجوابه وتمثيله بآيات من القرآن، وكان يختمه في كل ثلاثة أيام
ويقول: لو أردت ان اختم في أقل من ثلاث لختمت ولكن ما مررت بآية قط إلا فكرت
فيها وفى أي شئ نزلت وفى أي وقت فلذلك صرت اختم في ثلاثة أيام. ويقال صعد
المأمون المنبر ليبايع علي بن موسى الرضا " عليه السلام " فقال: أيها الناس، جاءتكم بيعة علي بن
موسى الرضا " عليه السلام " هو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي صلوات
الله عليهم، والله لو قرأت هذه الأسماء على الصم البكم لبرأوا بإذن الله.
(فصل: في ذكر وفاته عليه السلام)
قال أبو الصلت الهروي: بينا أنا واقف بين يدي أبى الحسن علي بن موسى الرضا " عليه السلام "
إذ قال: يا أبا الصلت ادخل إلى هذه القبة التي فيها قبر هارون فأتني بتراب من أربع
جوانبها قال: فمضيت وأتيت به فلما مثلت بين يديه، قال لي: ناولني من هذا التراب
وهو من عند الباب فأخده وشمه ثم رمى به ثم قال: سيحفر لي هاهنا قبر وتظهر صخرة
لو جمع عليها كل معول بخراسان لم يتهيأ قلعها، ثم قال " عليه السلام ": في الذي عند الرجل
والذي عند الرأس مثل ذلك، ثم قال ناولني هذا التراب فهو من تربتي، ثم قال سيحفر
229

لي في هذا الموضع فتأمرهم ان يحفروا لي سبع مراق إلى أسفل وان يشق لي ضريحا فان
أبوا فلحد ويجعل اللحد ذراعين وشبرا فأن الله عز وجل سيوسع لي ما شاء فإذا فعلوا
ذلك فإنك ترى عند رأسي نداوة فتكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينبع الماء حتى يمتلئ
اللحد وترى فيه حيتان صغار فتفتت لها الخبز الذي أعطيك فإنها تلتقط فإذا لم يبق منه
شئ خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى فيه شئ ثم تغيب
فإذا غابت فضع يدك على الماء وتكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينضب الماء ولا يبقى شئ
ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون، ثم قال: يا أبا الصلت غدا أدخل إلى هذا الفاجر
فان انا خرجت وانا مكشوف الرأس فتكلم أكلمك، فقال أبو الصلت: فلما أصبحنا من
الغد لبس ثيابه وجلس في محرابه ينتظر فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون فقال
أجب أمير المؤمنين فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وهو يتبعه حتى دخل على المأمون وبين
يديه طبق عليه عنب واطباق فاكهة بين يديه وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي
بعضه فلما بصر بالرضا " عليه السلام " وثب إليه وعانقه وقبل ما بين عينيه وأجلسه معه ثم ناوله
العنقود وقال: يا بن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا.
قال الرضا " عليه السلام ": ربما كان عنبا حسنا فيكون من الجنة، فقال له: كل منه فقال
الرضا " عليه السلام ": تعفيني منه، فقال لا بد من ذلك ما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشئ فتناول
العنقود فأكل منه ثم ناوله فأكل منه الرضا " عليه السلام " ثلاث حبات ثم رمى به وقام فقال له
المأمون: إلى أين؟ قال إلى حيث وجهتني، وخرج مغطا الرأس فلم أكلمه حتى دخل
الدار فأمر أن يغلق الباب فأغلق ثم نام على فراشه فمكث واقفا في صحن الدار مهموما
محزونا فبينا أنا كذلك إذ دخل على شاب حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا " عليه السلام "
فبادرت إليه فقلت له من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال الذي جاء بي من المدينة في هذا
الوقت هو الذي أدخلني الدار فقلت ومن أنت؟ فقال: انا حجة الله عليك يا أبا الصلت
أنا محمد بن علي " عليه السلام " ثم مضى نحو أبيه عليهما السلام فدخل وأمرني بالدخول معه فلما
نظر إليه الرضا وثب إليه فعانقه وضمه إلى صدره، وقبل ما بين عينيه ثم سحبه سحبا في
فراشه واكب عليه محمد بن علي يقبله ويساره بشئ لم افهمه، ورأيت على شفتي
الرضا " عليه السلام " زبد أشد بياضا من الثلج، ورأيت أبا جعفر يلحسه بلسانه، ثم ادخل
يده بين ثوبه وصدره فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر ومضى
230

الرضا " عليه السلام " فقال أبو جعفر: قم يا أبا الصلت فأتني بالمغتسل والماء من الخزانة فقلت
ما في الخزانة مغتسل ولا ماء، قال لي انته إلى ما آمرك به فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل
وماء فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله معه فقال لي: تنح يا أبا الصلت فإن لي من يعينني
غيرك فغسله ثم قال لي: ادخل الخزانة فأخرج إلي السفط الذي فيه كفنه وحنوطه فدخلت
فإذا سفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفنه وصلى عليه، ثم قال ائتني بالتابوت
فقلت أمضى إلى النجار حتى يصلح لي تابوتا؟ قال قم فان في الخزانة تابوتا فدخلت الخزانة
فوجدت تابوتا لم أر مثله قط فأتيته به فأخذ الرضا بعد كان صلى عليه فوضعه في التابوت
وصف قدمين وصلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت ومضى، فقلت: يا بن
رسول الله الساعة يجيئنا المأمون فيطالبني بالرضا فما نصنع؟ قال لي: اسكت فإنه سيعود
يا أبا الصلت ما من نبي يموت بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا وجمع الله بين أرواحهما
وأجسادهما فما تم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت فاستخرج الرضا " عليه السلام " من
التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن، وقال يا أبا الصلت قم وافتح
الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا هو المأمون والغلمان بالباب فدخل المأمون باكيا
وحزينا وقد شق جيبه ولطم رأسه وهو يقول يا سيداه فجعت بك يا سيدي، ثم دخل
وجلس عند رأسه وقال خذوا في تجهيزه فأمر بحفر القبر فحفر الموضع فظهر كل شئ على
ما وصفه الرضا " عليه السلام " وقال بعض غلمانه: ألست تزعم أن إمام؟ قال بلى قال: لا يكون
الامام إلا مقدم الرأس فأمر أن يحفر له في القبلة فقلت أمرني ان احفر له سبع مراق
وان يشق له ضريحا فقال انتهوا إلى ما يأمركم به أبو الصلت سوى الضريح، ولكن
يحفر له ويلحد، فلما رأى ما ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك قال المأمون: لم يزل
الرضا يرينا عجايبه في حياته حتى أرناها بعد وفاته فقال له وزير كان معه أتدري ما أخبرك
به الرضا؟ قال: إنه أخبركم ان ملككم بنى العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه
الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم سلط الله عليكم رجلا منا
فأفناكم عن آخركم قال له: صدقت ثم قال: يا أبا الصلت علمني الكلام قلت: والله نسيت
الكلام من ساعتي، وقد كنت صدقت فأمر بحبسي ودفن الرضا " عليه السلام " وحبسني سنة
وضاق على الحبس وسحرت الليل ودعوت الله عز وجل بدعاء وذكرت فيه محمدا وآل محمد
عليهم السلام وسألت الله بحقهم ان يفرج عنى فلم استتم الدعاء حتى دخل علي محمد بن علي
231

عليهما السلام فقال لي: يا أبا الصلت ضاق صدرك؟ قلت: أي والله قال: قم فأخرج
ثم ضرب يده إلى القيود التي كانت على ففكها وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة
والغلمة يرونني فلم يستطيعوا ان يكلموني، وخرجت من باب الدار ثم قال امض في
ودايع الله فإنك لم تصل إليه ولا يصل إليك ابدا، قال أبو الصلت: فلم ألتق مع المأمون
إلى هذا الوقت.
وذكر الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد رحمه الله في كتاب (الارشاد) ان الرضا " عليه السلام "
كان يكثر وعظ المأمون إذا خلا به، ويخوفه بالله عز وجل ويقبح له ما يرتكبه من
خلافه وكان المأمون يظهر قبول ذلك منه، ويبطن كراهته واستثقاله ودخل الرضا " عليه السلام "
يوما عليه فرآه يتوضأ للصلاة، والغلام يصب الماء على يده، فقال يا أمير المؤمنين
لا تشرك بعبادة ربك أحدا فصرف المأمون الغلام، وتولى تمام وضوئه بنفسه وزاد
ذلك في غيظه ووجده، وكان عليه السلام يزرى على الحسن والفضل ابني سهل عند
المأمون إذا ذكرهما ويصف له مساوئهما، وينهاه عن الاصغاء إليهما والى قولهما وعرفا
ذلك منه فجعلا يوشيان عليه عند المأمون ويذكران له ما يبعده منه، ويخوفانه من حمل
الناس عليه فلم يزالا كذلك حتى قلبا رأيه فيه، وعمد على قتله " عليه السلام " فاتفق انه اكل هو
والمأمون يوما طعاما. فاعتل منه الرضا عليه السلام وأظهر المأمون تمارضا.
فذكر محمد بن علي بن حمزة عن منصور بن بشير عن أخيه عبد الله بن بشير قال
أمرني المأمون ان أطول أظفاري على العادة، ولا أظهر لاحد ذلك ففعلت ثم استدعاني
فأخرج إلي شيئا شبيها بالتمر الهندي، فقال لي: أعجن هذا بيديك جميعا ففعلت ثم قام
وتركني ودخل على الرضا، وقال ما خبرك؟ قال أرجو أن أكون صالحا قال له: أنا
اليوم بحمد الله صالح أيضا فهل جاءك أحد من المترفقين في هذا اليوم؟ قال فغضب
المأمون وصاح على غلمانه، ثم قال فخذ ماء الرمان الساعة فإنه مما لا يستغنى عنه، ثم
دعاني فقال آتنا برمان فأتيته به، فقال: اعصره بيدك ففعلت وسقاه المأمون الرضا " عليه السلام "
بيده وكان سبب وفاته ولم يلبث إلا يومين حتى مات.
وذكر عن أبي الصلت الهروي أنه قال: دخلت على الرضا وقد خرج من عنده
المأمون فقال لي: يا أبا الصلت قد فعلوها. وجعل يوحد الله ويمجده.
(وروى) عن محمد بن الجهم أنه قال: كان الرضا عليه السلام يعجبه العنب فاخذ له
232

شئ منه فجعل في موضع أقماعه الإبر أياما ثم نزعت منه وجئ به إليه فأكل منه وهو في
علته التي ذكرناها فقتله، وذكر ان ذلك من لطيف السموم، ولما توفى الرضا " عليه السلام "
كتم المأمون موته يوما وليلة، ثم انفذ إلى محمد بن جعفر الصادق عليه السلام وجماعة
آل أبي طالب الذي كانوا عنده، فلما حضروه نعاه إليهم وبكى، وأظهر حزنا شديدا
وتوجعا وأراهم إياه صحيح الجسد، وقال يعز علي يا أخي ان أراك في هذه الحال وقد
كنت أؤمل ان اقدم قبلك فأبى الله إلا ما أراد، ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه
وخرج مع جنازته يحملها حتى انتهى إلى الموضع الذي هو مدفون الآن فدفنه والموضع
دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها: سناباد، هذا الذي ذكره في كتاب (الارشاد).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستدفن بضعة منى بأرض خراسان لا يزورها مؤمن إلا
أوجب الله عز وجل له الجنة، وحرم جسده على النار.
قال الرضا عليه السلام: ان بخراسان بقعة يأتي عليها زمان تصير موضع مختلف
الملائكة فلا يزال فوج ينزل من السماء. وفوج يصعد إلى يوم ان ينفخ في الصور. فقيل له
يا بن رسول الله وأية بقعة هذه؟ قال: هي بأرض طوس وهي والله روضة من رياض
الجنة من زارني في تلك البقعة كان كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكتب الله تبارك وتعالى له
بذلك ثواب الف حجة مبرورة، وألف عمرة مقبولة وكنت أنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة.
وقال الرضا عليه السلام: والله ما منا إلا مقتول شهيد فقيل له فمن يقتلك يا بن
رسول الله؟ قال: شر خلق الله في زماني يقتلني بالسم، ثم يدفنني في دار مضيعة
وبلاد غربة ألا فمن زارني في غربتي كتب الله له عز وجل أجر مئة الف شهيد ومئة الف
صديق ومئة الف حاج ومعتمر، ومئة الف مجاهد وحشر في زمرتنا وجعل في الدرجات
العلى من الجنة رفيقا.
قال أحمد بن محمد البزنطي: قرأت كتاب أبى الحسن الرضا عليه السلام أبلغ شيعتي
ان زيارتي تعدل عند الله عز وجل الف حجة قلت لأبي جعفر عليه السلام الف حجة؟
قال إي والله وألف ألف حجة لمن زاره عارفا بحقه. قال رجل من أهل خراسان
للرضا (عليه السلام) يا بن رسول الله رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام كأنه يقول لي كيف أنتم
إذا دفن في أرضكم بضعتي، واستحفظتم وديعتي وغيب في ترابكم نجمي. فقال له
الرضا عليه السلام: انا المدفون في أرضكم وانا بضعة من نبيكم وانا الوديعة والنجم ألا
233

فمن زارني وهو يعرف ما أوجب الله تبارك وتعالى من حقي وطاعتي فانا وآبائي شفعاؤه
يوم القيامة ومن كنا شفعاؤه يوم القيامة نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين: الإنس والجن
، ولقد حدثني أبي عن جدي عن أبيه عليه السلام ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من
رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي
ولا في صورة أحد من شيعتهم وان الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة.
قال الصادق عليه السلام: يخرج رجل من ولد أبنى موسى اسمه اسم أمير المؤمنين
عليه السلام فيدفن في ارض طوس، وهي بخراسان يقتل فيها بالسم فيدفن فيها غريبا فمن
زاره عارفا بحقه أعطاه الله عز وجل أجر من أنفق من قبل الفتح وقاتل.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستدفن بضعة منى بخراسان ما زارها مكروب إلا نفس
الله كربته، ولا مذنب إلا غفر الله ذنوبه.
قال الرضا عليه السلام: ما زارني أحد من أوليائي عارفا بحقي إلا تشفعت فيه
يوم القيامة.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: سيقتل رجل من ولدى بأرض خراسان بالسم
ظلما اسمه اسمى واسم أبيه اسم ابن عمران موسى عليه السلام ألا فمن زاره في غربته غفر
الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر ولو كان مثل عدد النجوم وقطر الأمطار وورق
الأشجار.
وقال أبو الحسن موسى عليه السلام: من زار قبر ولدى علي كان له عند
الله عز وجل سبعون حجة مبرورة قيل سبعين حجة مبرورة؟ قال: نعم وسبعين الف
حجة قلت سبعين الف حجة قال فقال: رب حجة لا تقبل، من زاره وبات عنده ليلة كان
كمن زار الله في عرشه قيل: كمن زار الله في عرشه؟ قال: نعم إذا كان يوم القيامة كان على
عرش الله جل جلاله أربعة من الأولين وأربعة من الآخرين.
فاما الأولون: فنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى.
وأما الآخرون: فمحمد، وعلي، والحسن والحسين عليهم السلام، ثم يمد المطمر
فيقعد معنا زوار قبور الأئمة ألا إن أعلاهم درجة وأقربهم حياة زوار قبر ولدى علي.
قال أبو جعفر ابن بابويه رحمه الله: معنى قوله: كمن زار الله في عرشه ليس بتشبيه
لان الملائكة تزور العرش وتلوذ به وتطوف حوله وتقول: نزور الله في عرشه كما يقول
234

الناس نحج بيت الله ونزور الله لا ان الله عز وجل موصوف بمكان تعالى عن
ذلك علوا كبيرا.
قال أبو جعفر بن محمد بن علي بن موسى عليهم السلام: من زار قبر أبى (عليه السلام)
بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فإذا كان يوم القيامة نصب له منبر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يفرغ الله تعالى من حساب عباده.
وقال الصادق " عليه السلام ": يقتل حفدتي بأرض خراسان في مدينة يقال لها طوس من
زاره بها عارفا بحقه أخذته بيدي يوم القيامة وأدخلته الجنة، وإن كان من أهل الكبائر
قلت جعلت فداك وما عرفان حقه قال: يعلم أنه امام مفترض الطاعة غريب شهيد من
زاره عارفا بحقه أعطاه الله عز وجل أجر سبعين شهيدا ممن أستشهد بين يدي
رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حقيقة.
قال الرضا " عليه السلام ": من زارني على بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتى
أخلصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا، وعند الصراط، وعند الميزان.
وقال هشام بن أحمر: قال لي أبو الحسن الأول " عليه السلام ": هل علمت أحدا من أهل
المغرب قدم؟ قلت لا، قال: بل قد قدم رجل من أهل المغرب المدينة، فانطلق بنا
فركب وركبت معه حتى انتهينا إلى الرجل فإذا الرجل من أهل المغرب معه رقيق فقلت
له: أعرض علينا، فعرض علينا سبع جوار كل ذلك يقول أبو الحسن " عليه السلام " لا حاجة لنا
فيها ثم قال: أعرض علينا قال: ما عندي إلا جارية مريضة، فقال له عليك ان تعرضها
فأبى عليه فانصرف، ثم أرسلني من الغد فقال لي قل له: كم غايتك فيها؟ فإذا قال لك
كذا وكذا مقدار قد اخذتها فأتيته فقال: هي لك لكن أخبرني من الرجل الذي كان
معك بالأمس؟ قلت: رجل من بني هاشم قال: من أي بني هاشم؟ قلت: ما عندي
أكثر من هذا فقال أخبرك: انى اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتني امرأة من أهل
الكتاب فقالت ما هذه الوصيفة معك؟ فقلت: اشتريتها لنفسي، قالت ما ينبغي أن تكون
هذه عند مثلك ان هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض فلا تلبث
عنده الا قليلا حتى تلد غلاما لم يولد بشرق الأرض وغربها مثله، فلم تلبث عنده " عليه السلام " قليلا
حتى ولدت الرضا " عليه السلام " ويقال لها: أم البنين ويقال لها خيزران المريسية ويقال
سكن النوبية.
235

وكان مولده بالمدينة يوم الجمعة.
وفى رواية أخرى: يوم الخميس، لاحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة
ثمان وأربعين ومئة من الهجرة.
ووفاته عليه السلام: في يوم الجمعة في شهر رمضان سنة ثلاث ومائتين، وهو يومئذ
ابن خمس وخمسين سنة.
وكان مدة خلافته عشرين سنة.
وقال دعبل الخزاعي بقم في مقتل الرضا عليه السلام:
أربع بطوس قبر الزكي به * إن كنت تربع من دين على وطر
قبران في طوس خير الناس كلهم * وقبر شرهم هذا من العبر
ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا * على الزكي بقرب الرجس من ضرر
هيهات كل امرئ رهن بما كسبت * له يداه فخذ ما شئت أو فذر
وسمعت مذاكرة ان دعبل بن علي قال في القصيدة التي فيها:
مدارس آيات خلت من تلاوة
وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات
قال الرضا عليه السلام:
وقبر بطوس يا لها من مصيبة * ألحت على الأحشاء بالزفرات
وإن كان هذا البيت في قصيدته فهو من قول الرضا عليه السلام.
قال الحسن بن هاني: في علي بن موسى الرضا عليه السلام:
قيل لي أنت أوحد الناس طرا * في كلام من المقال النبيه
لك من جوهر الكلام بديع * يثمر الله في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح بن موسى * مع خصال كثيرة كن فيه
قلت لا أهتدي لمدح إمام * كان جبريل خادما لأبيه
قال الشيخ الإمام علي بن أحمد الفنجكردي:
يجوز زيارة قبر ابن حرب * وتربة حفص ويحيى بن يحيى
فلم؟ لا يجوز زيارة قبر * الإمام علي بن موسى الرضا
سليل البتول وسبط الرسول * ونجل أبى الحسن المرتضى
236

اما تستحي يا أسير الهوى * من الله ذي العرش رب السما
ألا لا تطربي ومت صاغرا * يميني وذيلك يوم القضا
مجلس في ذكر امامة أبي جعفر محمد بن
علي ومناقبه عليه السلام
والامام بعد أبي الحسن علي بن موسى الرضا " عليه السلام " ابنه أبو جعفر محمد بن علي عليهما
السلام لنص أبيه عليه وإشارته إليه، واعتبار الأدلة التي مضت.
وكان أبو جعفر منعوتا بالمرتضى، وبالمنتجب قال أبو يحيى الصنعاني كنت عند أبي
الحسن الرضا فجئ بابنه أبى جعفر " عليه السلام "، وهو صغير فقال: هذا المولود الذي لم
يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه.
(وروى) ان قائلا يقول لأبي الحسن الرضا " عليه السلام ": يا سيدي إن كان كون فإلى من؟
قال: إلى أبي جعفر ابني فكأن القائل استصغر سن أبى جعفر فقال أبو الحسن " عليه السلام ": ان
الله تعالى بعث عيسى بن مريم " عليه السلام " رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن
الذي فيه أبو جعفر.
قال صفوان بن يحيى: قلت لأبي الحسن الرضا قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك
أبا جعفر فكنت تقول: يهب الله لي غلاما فقد وهب الله لك، وأقر عيوننا فلا أراني
الله يومك فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه فقلت له
جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين قال: وما يضره من ذلك قد قام عيسى بالحجة وهو ابن
أقل من ثلاث سنين. قال يحيى بن حبيب الزيات: أخبرني من كان عند أبي الحسين جالسا
فلما نهض القوم قال له أبو الحسن الرضا " عليه السلام ": ألقوا أبا جعفر فسلموا عليه وجددوا به
عهدا فلما نهض القوم التفت إلي فقال: يرحم الله المفضل انه كان ليقنع بدون هذا.
(وروى) ان المأمون قد شغف بأبي جعفر " عليه السلام " لما رأى من فضله مع صغر سنه
وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان
فزوجه بابنته أم الفضل، وحملها معه إلى المدينة، وكان متوفرا على اكرامه وتعظيمه
237

واجلال قدره. قال الريان بن شبيب: لما أراد المأمون ان يزوج ابنته أم الفضل
أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم فاستنكروه منه
وخافوا ان ينتهى الامر معه إلى ما انتهى مع الرضا " عليه السلام " فخاضوا في ذلك واجتمع منهم
أهل بيته الأدنون منه، قالوا له: ننشدك الله يا أمير المؤمنين ان تقيم على هذا الامر الذي
قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فانا نخاف ان تخرج به عنا أمرا قد ملكناه الله
وتنزع منا عزا قد ألبسناه الله، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا
وما كان عليه الخلفاء الراشدون وقبلك من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة
من عملك مع الرضا " عليه السلام " حتى كفانا الله المهم من ذلك، فالله الله ان تردنا إلى غم قد
انحسر عنا وانصرف رأيك عن ابن الرضا واعد له إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك
دون غيره فقال لهم المأمون: اما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ولو أنصفتم
القوم لكانوا أولى بكم، واما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان به قاطعا للرحم وأعوذ
بالله من ذلك ووالله ما ندمت على ما كان منى من استخلاف الرضا، ولقد سألته ان
يقيم بالأمر وانزعه عن نفسي فأبى وكان أمر الله قدرا مقدورا.
واما أبو جعفر محمد بن علي، فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم
والفضل مع صغر سنه والأعجوبة فيه بذلك وانا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه
فيعلموا ان الرأي ما رأيت فيه فقالوا له: ان هذا الفتى وان راقك منه هديه فإنه صبي
لا معرفة له ولا فقه فأمهل ليتأدب ويتفقه في الدين ثم اصنع ما بدا لك بعد ذلك.
فقال لهم: ويحكم انى اعرف بهذا الفتى منكم وان أهل هذا البيت علمهم من
الله تعالى، ومواده وإلهامه لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة
عن حد الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يبين لكن به ما وصفت لكم عن حاله
فقالوا له قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه فخل بيننا وبينه لننصب من
يسأله بحضرتك عن شئ من فقه الشريعة فان أصاب في الجواب عنه لم يكن اعتراض في
أمره وظهر للخاصة والعامة سديد رأى أمير المؤمنين فيه، وان عجز عن ذلك فقد كفينا
الخطب في معناه، فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متى أردتم فخرجوا من عنده واجتمع
رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي الزمان على أن يسأله مسألة لا يعرف
الجواب فيها ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك وعادوا إلى المأمون فسألوه ان يختار لهم
238

يوما للاجتماع فأجابهم إلى ذلك، فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم
يحيى بن أكثم وأمر المأمون ان يفرش لأبي جعفر " عليه السلام " دستا ويجعل فيه مستورتان ففعل
ذلك وخرج أبو جعفر عليه السلام وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر وجلس المأمون
في دست متصل بدست أبى جعفر " عليه السلام "، فقال يحيى بن أكثم للمأمون: تأذن لي
يا أمير المؤمنين ان اسأل أبا جعفر؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك فاقبل إليه يحيى
ابن أكثم فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ قال له أبو جعفر " عليه السلام " سل إن شئت
قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا. فقال أبو جعفر " عليه السلام ": قتله في حل
أو في حرم عالما كان المحرم أو جاهلا عمدا كان أو خطأ حرا كان أو عبدا صغيرا كان
أم كبيرا مبتديا أم معيدا من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها من صغار الصيد أم
من كبارها مصرا على ما فعل أو نادما، أبا لليل كان قتل صيده أم نهارا؟ محرما كان
بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما فتحير يحيى ابن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع
وتلجلج حتى عرف جماعة من أهل المجلس امره، فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة
والتوفيق لي في الرأي، ثم نظر إلى أهل بيته وقال لهم: أعرفتم الآن إلى ما كنتم
تنكرونه ثم اقبل على أبي جعفر " عليه السلام " فقال له: أتخطب يا أبا جعفر؟ قال: نعم
يا أمير المؤمنين، فقال له المأمون: اخطب جعلت فداك لنفسك فقد رضيتك لنفسي
وأنا مزوجك أم الفضل ابنتي، وان رغم قوم لذلك فقال أبو جعفر " عليه السلام ": الحمد لله
إقرارا بنعمته ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته وصلى الله على محمد سيد بريته والأصفياء
من عترته أما بعد: فقد كان من فضل الله تعالى على الأنام ان أغناهم بالحلال عن الحرام
فقال سبحانه: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ان يكونوا فقراء
يغنهم من فضله والله واسع عليم) ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت
عبد الله المأمون، وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد صلوات الله عليهم
أجمعين وهو خمسمئة درهم جيادا فهل زوجتني يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟
فقال: نعم قد زوجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على هذا الصداق المذكور فهل قبلت
ذلك على الصداق المذكور ورضيت به فأمر المأمون ان يقعد الناس على مراتبهم في
الخاصة والعامة، قال الريان بن الصلت ولم يلبث ان سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين
في محاوراتهم فإذا الخدم يجرون سفينة مرصعة تشبه بالجبال من الإبريسم على عجل مملوة
239

من الغالية فأمر المأمون ان يخضب الخاصة من تلك الغالية، ثم مدت إلى دار العامة
فطيبوا منها ووضعت الموائد وأكل الناس وخرجت الجوائز إلى كل قوم على اقدارهم
فلما تفرق الناس وبقي من الخاصة من بقي.
قال المأمون لأبي جعفر " عليه السلام ": ان رأيت جعلت فداك ان تذكر لنا الفقه فيما فصلته
عن وجوه قتل المحرم لنعلمه ونستفيده، فقال أبو جعفر: نعم ان المحرم إذا قتل صيدا
في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة فان اصابه في الحرم فعليه
الجزاء مضاعفا، وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم، وإذا قتله في الحرم فعليه
الحمل وقيمة الفرخ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش أو بقرة فعليه بقرة وإن كان
نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبيا فعليه شاة، وان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه
الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة، وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدى فيه وكان
إحرامه بالحج نحره بمنى، وإن كان إحرامه للعمرة نحره بمكة، وجزاء الصيد على
العالم والجاهل سواء وفى العمد له المآثم، وهو موضوع عنه في الخطأ والكفارة على
الحر في نفسه، وعلى السيد في عبده والصغير لا كفارة عليه وهي على الكبير واجبة
والنادم يسقط ندمه عقاب الآخرة، والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة، قال له
المأمون: أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك فان رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما
سألك؟ فقال أبو جعفر " عليه السلام " ليحيى: أسألك؟ قال ذاك إليك جعلت فداك فان عرفت
جواب ما تسألني عنه وإلا استفدته منك، فقال له أبو جعفر أخبرني عن رجل نظر إلى
امرأة في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له فلما زالت
الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه
فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له، فلما كان انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع
الفجر حلت له. ما حال هذه المرأة؟ وبماذا حلت وحرمت عليه؟ فقال يحيى ابن أكثم
لا والله ما أهتدي إلى جواب هذا السؤال ولا اعرف الوجه فيه فان رأيت أن تفيدناه
فقال أبو جعفر " عليه السلام ": هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أول النهار فكان نظره
إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها حلت له، فلما كان عند الظهر أعتقها
فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت الغروب ظاهر منها
فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان في نصف
240

الليل طلقها واحدة فحرمت عليه، فلما كان طلوع الفجر راجعها فحلت له، قال فأقبل
المأمون على من حضر من أهل بيته، فقال لهم: هل فيكم أحد يجيب هذه المسائل بمثل
هذا الجواب أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟ قالوا: لا والله ان أمير المؤمنين
اعلم بما رأى فقال: ويحكم ان أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل
وان صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال، اما علمتم ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) افتتح دعوته
بدعاء أمير المؤمنين " عليه السلام " وهو ابن عشر سنين، واقبل منه الاسلام وحكم له به لم يدع
أحدا في سنه غيره وبايع الحسن والحسين عليهما السلام، وهما ابناه دون الست سنين
ولم يبايع صبيا غيرهما أفلا تعلمون ان ما اختص الله به هؤلاء القوم فإنهم ذرية بعضها
من بعض يجرى لآخرهم ما يجرى لأولهم، قالوا: صدقت والله يا أمير المؤمنين ثم نهض
القوم فلما كان من الغد احضر الناس وحضر أبو جعفر " عليه السلام " وصار القواد والحجاب والخاصة
والعمال لتهنية المأمون وأبى جعفر فأخرجت ثلاثة اطباق من الفضة فيها بنادق مسك
وزعفران معجون في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة وعطايا سنية
واقطاعات فأمر المأمون بنشرها على القوم من خاصته، وكان كل من وقع في يده بندقة
اخرج الرقعة التي فيها والتمسه فأطلق له ووضعت اطباق البدر فنثرها بما فيها على القواد
وغيرهم وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا، وتقدم المأمون بالصدقة على
كافة المساكين ولم يزل مكرما لأبي جعفر " عليه السلام " معظما لقدره مدة حياته ويؤثره على ولده
وأهل بيته.
وقد روى الناس: ان أم الفضل بنت المأمون كتبت إلى أبيها من المدينة تشكو
أبا جعفر وتقول انه يتسرى علي ويغيرني، وكتب إليها المأمون يا بنية إنا لم نزوجك
أبا جعفر لنحرم عليه حلالا فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها، ولما توجه أبو جعفر " عليه السلام "
من بغداد منصرفا من عند المأمون قاصدا بها المدينة صار إلى شارع باب الكوفة ومعه
الناس يشيعونه فانتهى إلى دار المسيب عند مغيب الشمس فنزل ودخل المسجد وكان في
صحنه نبقة لم تحمل بعد فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أسفل النبقة فقام عليه السلام فصلى
بالناس صلاة المغرب فقرأ في الأولى منها (بالحمد) (وإذا جاء نصر الله والفتح) وقرأ
في الثانية (بالحمد وقل هو الله أحد) وقنت قبل ركوعه فيها وصلى الثالثة وتشهد ثم جلس
بذكر الله عز وجل وقام من غير أن يعقب فصلى النوافل أربع ركعات وعقب بعدها
241

وسجد سجدتي الشكر ثم خرج، فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملا حسنا
فتعجبوا من ذلك وأكلوا منها فوجدوه نبقا حلوا لا عجم له وودعوه، ومضى عليه السلام
من وقته إلى المدينة، فلم يزل بها حتى أشخصه المعتصم في أول سنة عشرين ومئتين إلى
بغداد فأقام بها حتى توفى.
قال علي بن خالد: كنت بالعسكر فبلغني ان هناك رجلا محبوسا أتى به من ناحية
الشام مكبولا وقالوا: انه تنبئ فأتيت الباب وداريت البوابين حتى وصلت إليه فإذا رجل
له فهم وعقل فقلت له: يا هذا ما قصتك؟ فقال: انى كنت رجلا بالشام ا عبد الله في
الموضع الذي يقال إنه نصب فيه رأس الحسين " عليه السلام " فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل
على المحراب اذكر الله تعالى إذ رأيت شخصا بين يدي فنظرت إليه فقال لي: قم فقمت
معه فمشى بي قليلا فإذا أنا في مسجد الكوفة قال: فصلى وصليت معه ثم انصرف وانصرفت
معه فمشى قليلا فإذا أنا بمسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسلم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصلى وصليت
معه فمشى قليلا فإذا أنا بمكة فطاف بالبيت وطفت معه ثم خرج ومشى قليلا فإذا أنا بموضع
الذي كنت ا عبد الله فيه بالشام وغاب الشخص عن عيني فبقيت حولا مما رأيت فلما كان
في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به ودعاني فأجبت ففعل كما فعل في العام
الماضي فلما أراد مفارقتي بالشام قلت له: سألتك بالحق الذي أقدرك على ما رأيت منك
إلا أخبرتني من أنت؟ فقال: انا محمد بن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام فحدثت من
كان يصير إلى الحيرة فرقى ذلك إلى محمد بن عبد الملك الزيات فبعث إلي واخذني فكبلني في
الحديد وحملني إلى العراق وحبست كما ترى وادعى على المحال فقلت له: فارفع عنك القصة
إلى محمد بن عبد الملك الزيات، فقال افعل فكتبت عنه قصة شرحت امره فيها ورفعتها
إلى محمد بن عبد الملك فوقع في ظهرها قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ومن
الكوفة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة ومن مكة إلى الشام ان يخرجك من السجن قال علي
ابن خالد: فغمني ذلك من امره ورققت له وانصرفت محزونا عليه، فلما كان من الغد
باكرت الحبس لأعلمه بالحال، وآمره بالصبر والعزاء فوجدت الجند وأصحاب السجن
وخلقا عظيما من الناس يهرعون فسألت عن حالهم فقيل لي: المحمول من الشام المتنبي
افتقد البارحة من الحبس فلا ندري أخسف به الأرض أو اختطفه الطير؟ وكان هذا الرجل
يعنى علي بن خالد زيديا فقال بالإمامة لما رأى ذلك وحسن اعتقاده.
242

قال المطر في: مضى أبو الحسن الرضا " عليه السلام " ولى عليه أربعة آلاف درهم لم يكن يعرفها
غيري وغيره فأرسل إلى أبو جعفر " عليه السلام " إذا كان غد فأتني فأتيته من الغد فقال لي: مضى
أبو الحسن ولك عليه أربعة آلاف درهم فقلت: نعم فرفع المصلى الذي كان تحته فإذا
تحته دنانير فدفعها إلي، وكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم.
وقال محمد بن حمزة الهاشمي: دخلت على أبي جعفر " عليه السلام " صبيحة عرسه ببنت المأمون
وكنت تناولت من الليل دواء فأول من دخل صبيحة أنا وقد أصابني العطش فكرهت
ان ادعوا بالماء فنظر أبو جعفر " عليه السلام " في وجهي وقال: أراك عطشانا قلت أجل قال
يا غلام اسقنا ماء فقلت الساعة يأتونه بماء مسموم واغتممت لذلك فاقبل الغلام ومعه
الماء المسموم فتبسم في وجهي، ثم قال: يا غلام ناولني الماء فتناول الماء وشرب ثم
ناولني فشربت وأطلت عنده فعطشت أيضا فدعا بالماء، ففعل كما فعل في المرة الأولى فشرب
ثم ناولني فتبسم. قال محمد بن حمزة قال لي محمد بن علي الهاشمي: والله انى أظن أن
أبا جعفر يعلم ما في النفوس كما يقول الرافضة، قال إبراهيم ابن عقبة: كتبت إلى
أبا الحسن الثالث سألته عن زيارة أبى عبد الله وزيارة أبى الحسن وزيارة أبى جعفر
فكتب إلي أبو عبد الله " عليه السلام ": المقدم وهذا اجمع وأعظم أجرا.
وولد أبو جعفر " عليه السلام " بالمدينة ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان
ويقال النصف من شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومئة من الهجرة وقبض ببغداد قتيلا
مسموما في آخر ذي القعدة، وقيل مات يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة
عشرين ومئتين فله يومئذ خمس وعشرون سنة، وأمه أم ولد يقال لها: الخيزران وكانت
من أهل مارية القبطية، ويقال اسمها سبيكة وكانت نوبية، وكانت مدة خلافته
سبع عشرة سنة.
قال محمد بن أبي طلحة العوني:
سلام وريحان وروح على الرضا * سلام على تاليه كالكوكب الدري
وقال آخر:
أولاد أحمد كل اغبر شاحب * رث الثياب ملوح كأراك
وبنو الزناة يملكون على الورى * سبحان خالقنا على الأفلاك
وكان سبب وروده " عليه السلام " إلى بغداد اشخاص المعتصم له من المدينة فورد بغداد لليلتين
243

من المحرم سنة عشرين ومئتين وتوفى بها.
مجلس في ذكر امامة أبى الحسن علي بن
محمد ومناقبه عليه الصلاة والسلام
والامام بعد أبي جعفر محمد ابنه أبو الحسن علي بن محمد لنص أبيه عليه ولدلائل
معتبرة باعتبار العقل.
قال إسماعيل بن مهران: لما خرج أبو جعفر " عليه السلام " من المدينة إلى بغداد في الدفعة
الأولى عند خرجته قلت له: جعلت فداك انى أخاف عليك في هذا الوجه فإلى من الامر
بعدك؟ قال فكر بوجه ضاحكا إلى، وقال لي ليس حيث ظننت في هذه السنة فلما استدعى
به إلى المعتصم صرت إليه فقلت له: جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الامر من بعدك؟
قال: فبكى حتى خضب لحيته، ثم التفت إلي فقال: عند هذه يخاف على الامر، بعدي
إلى ابني علي،
قال زيد بن علي بن الحسين بن زيد: مرضت فدخلت على الطبيب ليلا ووصف لي
دواء آخذه في السحر كذا وكذا يوما فلم يمكني تحصيله من الليل وخرج الطبيب من الباب
وورد صاحب أبى الحسن " عليه السلام " في الحال، ومعه صرة فيها ذلك الدواء بعينه فقال لي
أبو الحسن يقرأك السلام ويقول: خذ هذا الدواء كذا وكذا يوما فأخذت
فشربت فبرأت.
قال محمد بن علي فقال لي زيد بن علي: أين الغلاة عن هذا الحديث؟ قال خيزران
الأسباطي: قدمت على أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام المدينة فقال لي: ما خبر
الواثق عندك؟ قلت جعلت فداك خلفته في عافية انا من أقرب الناس عهدا به عهدي به
منذ عشرة أيام قال: إن أهل المدينة يقولون: انه مات قلت: انا أقرب الناس به عهدا
قال فقال لي يا هذا ان الناس يقولون: انه مات فلما قال لي: ان الناس يقولون: علمت أنه
يعنى نفسي ثم قال لي: ما فعل جعفر؟ قلت تركته أسوء الناس حالا في السجن. قال فقال
اما انه صاحب الامر ما فعل ابن الزيات؟ قلت الناس معه، والامر امره فقال إنه شوم
244

عليه قال ثم سكت وقال لي: لابد ان تجرى مقادير الله، واحكامه يا خيزران مات
الواثق وقد قعد المتوكل جعفر، وقد قتل ابن الزيات قلت متى جعلت فداك؟ قال: بعد
خروجك بستة أيام.
وكان شخوص أبى الحسن " عليه السلام " من المدينة إلى سر من رأى أن عبد الله بن محمد كان
يتولى الحرب والصلاة في مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسعى بأبي الحسن " عليه السلام " إلى المتوكل وكان
يقصده بالأذى وبلغ أبا الحسن " عليه السلام " سعايته فكتب إلى المتوكل تحامل عبد الله بن محمد
وتكذيبه عليه فيما سعى به فتقدم المتوكل بإجابته عن كتابه ودعائه فيه إلى حضور العسكر
على جميل من الفعل والقول، وخرجت نسخة الكتاب وهي: بسم الله الرحمن الرحيم
اما بعد فان أمير المؤمنين عارف بقدرك راع لقرابتك موجب لحقك مقدر من الأمور
فيك وفى أهل بيتك ما يصلح الله به حالك وحالهم، ويثبت به عزك وعزهم ويدخل
الامن عليك وعليهم يبتغى بذلك رضاء ربه وأداء ما افترض عليه فيك وفيهم وقد رأى
أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولى من الحرب والصلاة بمدينة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان على ما ذكرت من جهالته بحقك واستخفافه بقدرك وعندما قذفك
به ونسبك إليه من الامر الذي قد علم أمير المؤمنين برائتك منه وصدق نيتك في برك
وقولك وانك لم تؤهل نفسك فيما فرقت بطلبه وقد ولى به أمير المؤمنين ما كان يلي من
ذلك محمد بن الفضل وأمره باكرامك وتبجيلك والانتهاء إلى امرك ورأيك والتقرب إلى
الله تعالى والى أمير المؤمنين بذلك وأمير المؤمنين مشتاق إليك يحب احداث العهد بك
والنظر إليك فان نشطت لزيارته والمقام قبله ما أحببت شخصت، ومن اخترت من أهل
بيتك ومواليك وحشمك على مهلة وطمأنينة ترحل إذا شئت وتنزل إذا شئت وتسير
كيف شئت وانا أحببت أن تكون مع يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند
يرحلون برحيلك ويسيرون بمسيرك، والامر في ذلك إليك وقد تقدمنا إليه بطاعتك
فاستخر الله حتى توافي أمير المؤمنين، فما أحد من اخوته وولده وأهل بيته وخاصته
الطف منزلة ولا احمد له إثرة ولا هو لهم انظر وعليهم أشفق وبهم أبر واليهم اسكن منه
إليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وكتب إبراهيم بن العباس في شهر كذا، ومن سنة ثلاث وأربعين ومئتين فلما
وصل الكتاب إلى أبي الحسن " عليه السلام " تجهز للرحيل وخرج معه يحيى بن هرثمة حتى وصل إلى
245

سر من رأى، فلما وصل إليها تقدم المتوكل بان يحجب عنه في يومه فنزل في خان يعرف
بخان الصعاليك وأقام فيه يومه ثم تقدم المتوكل بافراد دار له فانتقل إليها قال: صالح بن
سعيد دخلت على أبي الحسن " عليه السلام " يوم وروده فقلت له: جعلت فداك في كل الأمور أرادوا
اطفاء نورك والتقصير بك حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك فقال ها هنا
أنت يا بن سعيد ثم أومأ بيده فإذا انا بروضات آنقات وانهار جاريات وجنان فيها
خيرات عطرات وولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون فحار بصرى وكثر عجبي فقال لي: حيث
كنا فهذا لنا يا بن سعيد لسنا في خان الصعاليك، وأقام أبو الحسن " عليه السلام " مدة مقامه بسر
من رأى مكرما له في ظاهر حاله يجتهد المتوكل بإيقاع حيلة به فلا يتمكن من ذلك وله معه
أحاديث يطول بذكره الكتاب.
قيل لأبي عبد الله " عليه السلام ": ما لمن زار أحدا منكم؟ قال: كمن زار رسول الله صلى الله
عليه وآله.
قال الرضا " عليه السلام ": ان لكل امام عهدا في عنق أوليائهم وشيعتهم، ومن تمام
الوفاء والعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم من زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا لما رغبوا
فيه كان أئمتهم شفاؤهم يوم القيامة.
قال أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام: قبري بسر من رأى أمان لأهل الجانبين
وكان مولده بمدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) يوم الثلاثاء النصف من ذي الحجة سنة اثنى عشرة ومئتين
وتوفى بسر من رأى بثلاث ليال خلون نصف النهار سنة أربع وخمسين ومئتين وله يومئذ
احدى وأربعون سنة وسبعة أشهر وأمه أم ولد يقال لها سمانة وكانت مدة إمامته ثلاث
وثلاثين سنة وكانت مدة مقامه بسر من رأى إلى أن قبض " عليه السلام " عشرين سنة وأشهر.
أنشد:
أتقتل يا بن الشفيع المطاع * ويا بن المصابيح ويا بن الغرر
ويا بن الشريعة ويا بن الكتاب * ويا بن الرواية وابن الأثر
مناسب ليست بمجهولة * ببدو البلاد ولا بالحضر
مهذبة من جميع الجهات * ومن كل شائبة أو كدر
سلام على من أكمل العشر باسمه * سلام من الباري على حادي عشر
246

مجلس في ذكر امامة أبي محمد الحسن بن
علي العسكري ومناقبه عليهما السلام
والامام بعد أبي الحسن ابنه أبو محمد الحسن عليهما السلام لاجتماع خصال الفضل
فيه وتقدمه على كافة عصره فيما يوجب له الإمامة ويقتضي له الرياسة من العلم والزهد
وكمال العقل والعلم والعصمة، والشجاعة ولنص أبيه عليه والدلايل التي قد مضت.
قال علي بن مهزيار: قلت لأبي الحسن " عليه السلام ": إن كان كون وأعوذ بالله فإلى من؟
قال: عهدي إلى أكبر ولدى يعنى الحسن " عليه السلام " قال محمد بن يحيى: دخلت على أبي الحسن " عليه السلام "
بعد مضى أبى جعفر ابنه فعزيته عنه وأبو محمد جالس فبكى أبو محمد فاقبل عليه أبو الحسن " عليه السلام "
وقال: ان الله تبارك وتعالى، قد جعل فيك خلفا فاحمد الله قال عبد الله بن محمد الأصفهاني
قال أبو الحسن " عليه السلام ": صاحبكم بعدي الذي يصلى علي. قال: ولم نكن نعرف أبا محمد قبل
ذلك. قال: فخرج أبو محمد " عليه السلام " بعد وفاة أبيه فصلى عليه، قال محمد بن علي بن إبراهيم
بن موسى بن جعفر: ضاق بنا الامر فقال لي أبى امض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل
يعنى أبا محمد فإنه قد وصف عنه سماحته فقلت تعرفه؟ فقال: ما اعرفه ولا رأيته قط
قال: فقصدناه، فقال أبى وهو في طريقه: ما أحوجنا ان يأمر لنا بخمس مئة درهم
مئة درهم للكسوة ومئة درهم للرفيق، ومئة درهم للنفقة وقلت في نفسي ليته امر لي
بثلاثمائة درهم: مئة اشترى بها حمارا ومئة للنفقة ومئة للكسوة فأخرج إلى الجبل قال فلما
وافينا الباب خرج الينا غلامه فقال: يدخل علي بن إبراهيم ومحمد ابنه، فلما دخلنا عليه
وسلمنا قال لأبي: يا علي ما خلفك عنا إلى هذا الوقت؟ قال: يا سيدي استحييت ان
ألقاك على هذه الحال، فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبى صرة وقال: هذه
خمس مئة درهم مئتان للكسوة ومئتان لكذا ومئة للنفقة وأعطاني صرة، وقال: هذه
ثلاثمائة درهم: اجعل مئة في ثمن الحمار، ومئة للكسوة ومئة للنفقة ولا تخرج إلى الجبل
وصر إلى سور قال فصار إلى سور أو تزوج بامرأة منها فدخله اليوم ألفا دينار ومع هذا
يقول بالوقف.
247

قال محمد بن إبراهيم الكردي: فقلت له ويحك أتريد أمرا أبين من هذا؟ قال: فقال
صدقت ولكنا على امر قد جرينا عليه.
قال أحمد بن الحارث القزويني: كنت مع أبي بسر من رأى، وكان أبى يتعاطى
البيطرة في مربط أبى محمد " عليه السلام " قال وكان للمستعين بغل لم ير مثله حسنا وكبرا وكان يمنع
ظهره من اللجام، وقد كان جمع عليه الرواض فلم تكن لهم حيلة في ركوبه قال فقال له بعض
ندمائه: الا تبعث إلى الحسن بن الرضا " عليه السلام "؟ فيجئ اما ان يركبه واما ان يقتله قال
فبعث إلى أبي محمد " عليه السلام " ومضى معه أبى، قال فلما دخل أبو محمد الدار كنت مع أبي فنظر
أبو محمد إلى البغل واقفا في صحن الدار فعدل إليه فوضع يده على كفله قال: فنظرت إلى
البغل وقد عرق حتى سال العرق منه ثم صار إلى المستعين فسلم فرحب به فقرب فقال
يا أبا محمد: الجم هذا البغل فقال أبو محمد لأبي: ألجمه يا غلام، فقال له المستعين: ألجمه
أنت فوضع أبو محمد طيلسانه عليه ثم قال: فألجمه ثم رجع إلى المستعين وجلس فقال له
يا أبا محمد أسرجه، فقال لأبي: يا غلام أسرجه فقال له المستعين: بل أنت أسرجه
فقام ثانية فأسرجه ورجع، فقال له ترى ان تركبه فقام أبو محمد فركبه من غير أن
يمتنع عليه ثم ركضه في الدار ثم حمله على المحجة فمشى أحسن مشى يكون ثم رجع فنزل
فقال له المستعين: يا أبا محمد كيف رأيته؟ قال: ما رأيت مثله حسنا وراحة قال له
المستعين: ان أمير المؤمنين حملك عليه، فقال أبو محمد لأبي: خذه يا غلام فأخذه وقاده.
قال أبو حمزة نصير الخادم: سمعت أبا محمد غيره مرة يكلم غلمانه بلغاتهم وفيهم
ترك وروم وصقالبة فتعجبت من ذلك، وقلت: هذا ولد بالمدينة ولم يظهر حتى مضى
أبو الحسن ولا رآه أحد فكيف هذا؟ أحدث نفسي بذلك فأقبل علي فقال: ان
الله تبارك وتعالى بين حجته من سائر خلقه فأعطاه معرفة كل شئ فهو يعرف اللغات
والأنساب والحوادث ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق.
قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر: دخل العباسيون على صالح
ابن وصيف عندما حبس أبو محمد " عليه السلام " فقالوا له: ضيق عليه ولا توسع، فقال لهم
صالح ما اصنع به؟ قد وكلت به رجلين من شر من قدرت عليه فقد صار من العبادة
والصلاح والصيام إلى أمر عظيم، ثم امر باحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما ما شأنكما
في أمر هذا الرجل؟ فقالا: ما نقول في رجل يقوم الليل كله ويصوم النهار كله لا يتكلم
248

ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظرنا إليه أرعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا
فلما سمع العباسيون انصرفوا خائبين.
(وروى) أصحابنا انه سلم أبو محمد إلى يحيي، وكان يضيق عليه ويؤذيه فقالت له
امرأته: اتق الله فإنك لا تدرى من في منزلك؟ وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت انى
أخاف عليك منه. فقال: والله لأرمينه بين السباع ثم استأذن في ذلك فاذن له فرمى به
إليها ولم يشك في اكلها فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال فوجده عليه السلام قائما
يصلى وهي حوله فأمر باخراجه إلى داره.
قال الحسن بن محمد الأشعري ومحمد بن يحيى وغيرهما كان أحمد بن عبيد الله بن
خاقان على الضياع والخراج بقم فجرى في مجلسه يوما ذكر العلوية ومذاهبهم وكان شديد
النصب والانحراف عن أهل البيت عليهم السلام، فقال ما رأيت ولا عرفت بسر من
رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هديه وسكونه وعفافه
ونبله وكبرته عند أهل بيته وبنى هاشم كافة وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر
وكذلك كانت حاله عند القواد والوزراء والعامة واذكر انى كنت يوما قائما على رأس
أبى وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل حجابه فقالوا: أبو محمد الرضا بالباب فقال بصوت
عال: ائذنوا له فتعجبت مما سمعته منهم، ومن جسارتهم ان يكنوا رجلا بحضرة أبى
ولم يكن عنده إلا خليفة أو ولى عهد أو من أمر السلطان ان يكنى فدخل رجل أسمر حسن
القامة جميل الوجه جيد البدن حدث السن له جلالة وهيبة حسنة، فلما نظر إليه أبى قام
فمشى إليه خطا ولا أعلم فعل هذا بأحد من بني هاشم والقواد، فلما دنا منه عانقه وقبل
وجهه وصدره وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه، وجلس على جنبه مقبلا
عليه بوجهه وجعل يكلمه ويفديه بنفسه وانا متعجب مما أرى منه إذ دخل الحاجب فقال
الموفق قد جاء وكان الموفق إذا دخل على أبي تقدمه حجابه وخاصة قواده فقاموا بين
مجلس أبى وبين الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج فلم يزل أبى مقبلا على أبي محمد يحدثه
حتى نظر إلى غلمان الخاصة، فقال حينئذ له: إذا شئت جعلني الله فداك ثم قال لحجابه
خذوا به خلف السماطين لا يراه هذا يعنى الموفق، فقام وقام أبى وعانقه ومضى فقلت
لحجاب أبى وغلمانه: ويلكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبى وفعل به هذا الفعل؟
فقالوا: هذا علوي يقال له: الحسن بن علي يعرف بابن الرضا فازداد تعجبي ولم أزل
249

يومى ذلك قلقا متفكرا في امره وأمر أبى، وما رأيته فيه حتى كان الليل، وكان عادته ان
يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه من السلطان فلما صلى
وجلس جئت فجلست بين يديه وليس عنده أحد، فقال لي: يا أحمد ألك حاجة؟ قلت
نعم يا أبة فان أذنت سألتك عنها، فقال: قد أذنت فقلت: يا أبة من الرجل الذي
رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والاكرام والتبجيل وفديته بنفسك
وأبويك؟ فقال: يا بنى ذاك إمام الرافضة الحسن بن علي المعروف بابن الرضا ثم سكت ساعة
وانا ساكت ثم قال: لو زالت الإمامة من خلفائنا بنى العباس ما استحقها أحد من بني هاشم
غيره لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميع أخلاقه، ولو رأيت
أباه رأيت رجلا جزلا نبيلا فازددت قلقا وتفكرا وغيظا على أبي وما سمعت منه ورأيته
من فعله به فلم يكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره، فما سألت
أحدا من بني هاشم والقواد، والكتاب والقضاة والفقهاء، وسائر الناس إلا وجدته
عنده في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرفيع، والقول الجميل والتقديم له على جميع
أهل بيته ومشايخه فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليا، ولا عدوا إلا وهو يحسن القول
فيه والثناء عليه، وقال بعض من حضر مجلسه من الأشعريين: فما خبر أخيه جعفر
وكيف كان منه في المحل؟ فقال: ومن جعفر حتى يسأل عن خبره أو يقرن بالحسن، جعفر
معلن بالفسق فاجر يترتب للخمور أقل من رأيت من الرجال وأهتكهم لنفسه خفيف
قليل في نفسه ولقد ورد على السلطان، وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت
منه وما ظننت أنه يكون، وذلك أنه لما اعتل بعث إلى أبي ان ابن الرضا قد اعتل فركب
من ساعته إلى دار الخلافة، ثم رجع مستعجلا ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم
من ثقاته وخاصته فيهم نحرير وأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرف خبره وحاله وبعث إلى
قاضي القضاة فأحضره بمجلسه وأمره ان يختار عشرة ممن يوثق به في دينه وورعه وأمانته
فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن، وأمرهم بلزومه ليلا ونهارا فلم يزالوا هناك حتى
توفى الحسن " عليه السلام " فلما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأى ضجة واحدة وعطلت الأسواق
وركب بنو هاشم والقواد وسائر الناس إلى جنازته وكانت سر من رأى يومئذ شبيها
بالقيامة فلما فرغوا من تهنيته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه
فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم
250

من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والمعدلين.
وقال هذا الحسن بن علي بن محمد الرضا: مات حتف انفه على فراشه وحضره من
خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان، ومن المتطبين فلان
وفلان ثم غطى وجهه وصلى عليه وأمره بحمله، ولما دفن جاء جعفر بن علي أخوه إلى أبي
وقال اجعلني على مرتبة أخي، وانا أوصل إليك في كل سنة عشرين الف دينارا فزبره
أبى وأسمعه ما كرهه.
وقال له يا أحمق: السلطان أطال الله بقائه جرد السيف في الذين زعموا ان أخاك وأباك
أئمة ليردهم عن ذلك فلم يتهيأ له ذلك فان كنت عند شيعة أبيك، وأخيك اماما فلا حاجة
بك إلى السلطان يرتبك مراتبهم، ولا غير السلطان وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم
تنلها بنا واستقله أبى عند ذلك، واستضعفه وأمر ان يحجب عنه فلم يأذن له في الدخول
عليه حتى مات أبى وخرجنا وهو على تلك الحال، والسلطان يطلب اثر الولد للحسن بن
علي إلى يومنا وهو لا يجد إلى ذلك سبيلا، وشيعته مقيمون على أنه مات وخلف ولدا
يقوم مقامه في الإمامة.
وكان مولده عليه السلام: بالمدينة يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الآخر.
وقيل ولد بسر من رأى في شهر ربيع الآخر من سنة اثنين وثلاثين ومئتين
وقبض عليه السلام يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومئتين وله
يومئذ ثمان وعشرون سنة وكانت مدة خلافته ست سنين ومرض في أول شهر ربيع الأول
سنة ستين ومئتين، وتوفى يوم الجمعة وأمه أم ولا يقال لها حديثة.
وفضل زيارته قد بينا قبل هذا الباب فإنه قال عليه السلام: قبري بسر من رأى
أمان لأهل الجانبين وأنشد:
سلام على من سر من رأى محله * سلام على المرجو في محكم الزبر
سلام على أولاد زمزم والصفا * وخفيف منى والبيت والركن والحجر
على خمسة منى السلام وسبعة * لعلهم ان يشفعوا في موضع الحشر
قال دعبل:
ان اليهود بحبها لنبيها * آمنت بواثق دهرها الخوان
وكذا النصارى حبهم لنبيهم * يمشون رهوا في قرى نجران
251

والمسلمون بحب آل نبيها * يرمون في الآفاق بالنيران
مجلس في ذكر ما روى في نرجس أم القائم " عليه السلام "
واسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر الملك
قال بشر بن سليمان النخاس من ولد أبى أيوب الأنصاري أحد موالي أبى الحسن
أبى محمد عليهما السلام قال: كان مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري " عليه السلام " فقهني في أمر
الرقيق فكنت لا ابتاع ولا أبيع إلا باذنه فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتى كملت
معرفتي فيه فأحسنت الفرق بين الحلال والحرام، فبينا انا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى
وقد مضى هوى منها إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعا فإذا بكافور الخادم رسول مولانا
أبى الحسن علي بن محمد عليهما السلام يدعوني إليه فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدث
ابنه أبا محمد " عليه السلام " وأخته حكيمة من وراء الستر، فلما جلست قال: يا بشر انك من ولد
الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت وانى
مزكيك ومسرحك بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة في الموالاة بها بسر أطلعك عليه وأنفذك
في تتبع أمره، وكتب كتابا ملطفا بخط رومى ولغة رومية وطبع عليه خاتمه واخرج
شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا، قال خذها وتوجه بها إلى بغداد واحضر
معبر الفرات ضحوة كذا فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزت الجواري منها
فستحدق بهن طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بنى العباس وشراذم من فتيان العراق
فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمرو بن يزيد النخاس عامة نهارك إلى أن
يبرز للمتابعين جارية صفتها كذا لابسة خزين صفيقين تمتنع من السفور ولمس المعرض
والانقياد لمن يحاول لمسها أو شغل نظرها بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها
النخاس فتصرخ صرخة رومية فاعلم أنها تقول: وا هتك ستراه فيقول بعض المبتاعين علي
بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة فتقول بالعربية لو برزت في زي سليمان على
مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك فيقول لها النخاس: فما الحيلة
ولا بد من بيعك؟ فتقول الجارية: وما العجلة ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلى أمانته
252

ووفائه فعند ذلك قم إلى عمرو بن يزيد النخاس وقل له: ان معي كتابا ملطفا لبعض
الاشراف كتبه بلغة رومية وخط رومى ووصف فيه كرمه، ووفائه ونبله وسخاءه فناولها
لتتأمل منه أخلاق صاحبه فان مالت إليه ورضيته فانا وكيله في ابتياعها منك
قال بشر بن سليمان النخاس: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن " عليه السلام " في
امر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا، وقالت لعمرو بن يزيد النخاس
بعني من صاحب هذا الكتاب وحلفت بالمحرجة المغلظة انه متى امتنع من بيعها منه قتلت
نفسها فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقر الامر على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي من
الدنانير في الشستقة الصفراء فاستوفاه منى وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة وانصرفت
بها إلى حجرتي التي كنت آوى إليها ببغداد فما اخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا
من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدها، وتمسحه على ثديها فقلت تعجبا منها أتلثمين
كتابا ولا تعرفين صاحبه؟ قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء
أعرني سمعك وفرغ لي قلبك انا ملكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وانا من ولد
الحواريين ينسب إلى وصى المسيح شمعون أنبئك العجيب ان جدي قيصر أراد أن يزوجني
من ابن أخيه وانا من بنات ثلاث وعشرة سنة فجمع من نسل الحواريين من القسيسين
والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الاخطار منهم سبعمائة رجل وجمع من أمراء الأجناد
وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف وابرز من نهر ملكه عرشا
مرصعا من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعده ابن
أخيه وأحدقت به الصلبان، وقامت الأساقفة عكفا ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت
الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض وتقوضت الأعمدة فانهارت إلى القرار، وخر الصاعد
من العرش مغشيا عليه فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدي
أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب
الملكاني فتطير جدي من ذلك تطيرا شديدا، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة
وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده لأزوج منه هذه
الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول
فتفرق الناس وقام جدي قيصر مغتما فدخل قصره وأرخيت الستور ورأيت من تلك
الليلة كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه
253

منبرا يبارى السماء علوا وارتفاعا في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه فيدخل
عليهم محمد (صلى الله عليه وآله) مع فتية وعدة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه، ويقول: يا روح الله
انى جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا وأومأ بيده إلى أبي محمد
صاحب هذا الكتاب فنظر المسيح إلى شمعون، فقال: قد أتاك الشرف فصل رحمك
برحم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: قد فعلت فصعدوا ذلك المنبر وخطب محمد وزوجني من ابنه
وشهد بنو محمد والحواريون، فلما استيقظت من نومي خشيت ان اقص هذه الرؤيا على أبي
وجدي مخافة القتل فكنت أسرها في نفسي، ولا أبديها لهم فضرب صدري لمحبة
أبى محمد حتى امتنعت من الطعام والشراب فضعفت نفسي ورق شخصي، ومرضت مرضا
شديدا فما بقي من مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي، وسأله عن دائي فلما برح لي
اليأس قال يا قرة عيني فهل يخطر ببالك شهوة؟ فأزودكها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدي
أرى أبواب الفرج على مغلقة فلو كشفت عن سجنك من المسلمين من الأسارى وفككت
عنهم الاغلال وتصدقت عليهم ومننتهم الخلاص رجوت ان يهب لي المسيح وأمه عافية
وشفاء فلما فعل ذلك تجلدت في إظهار الصحة في بدني وتناولت يسيرا من الطعام فسر
بذلك جدي واقبل على اكرام الأسارى واعزازهم، فأريت أيضا بعد أربعة عشر ليلة
كأن سيدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف من وصائف الجنان فتقول لي
مريم: هذه سيدة النساء أم زوجك أبى محمد فأتعلق بها، وأبكي وأشكو إليها امتناع
أبى محمد عن زيارتي. فقالت سيدة النساء ان ابني أبا محمد لا يتزوجك وأنت مشركة بالله
على مذهب النصارى وهذه أختي مريم تبرئي إلى الله من دينك فان ملت إلى رضا الله
ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبى محمد إياك فقولي: انى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله، فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة نساء العالمين إلى صدرها وطيبت
نفسي وقالت الآن توقعي زيارة أبى محمد إياك فانى منفذه إليك فانتبهت وأنا أقول
وا شوقاه إلى لقاء أبى محمد. ثم رأيت بعد ذلك أبا محمد كأني أقول له لم جفوتني يا حبيبي
بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك؟ قال: ما كان امتناعي وتأخيري عنك إلا لشركك
فإذا قد أسلمت فانى زائرك كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عنى زيارته
بعد ذلك إلى هذه الغاية. قال بشر: فقلت لها وكيف وقعت في الأسارى؟ فقالت أخبرني
أبو محمد ليلة من الليالي ان جدك سيسرب جيوشا إلى قتال المسلمين يوم كذا ثم يتبعهم
254

فعليك باللحاق به متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا ففعلت
فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من امرى ما رأيت وشاهدت وما شعر باني ابنة
ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك وذلك باطلاعي إياك عليه ولقد سألني الشيخ الذي
وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمى فأنكرته فقلت نرجس، فقال اسم الجواري العجيب
انك رومية ولسانك عربي، قلت: بلغ من ولوع جدي بي وحمله إياي على تعلم الآداب
ان أوعز إلى امرأة ترجمان له في الاختلاف إلي فكانت تقصدني صباحا ومساءا وتغذيني
العربية حتى استمر عليها لساني، واستقام قال بشر: فلما انكفأت إلى سر من رأى
دخلت على مولاي أبى الحسن العسكري " عليه السلام ". قال لها: كيف أراك الله عز الاسلام
وذل النصرانية، وشرف أهل بيت نبيه محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قالت: كيف أصف لك يا بن
رسول الله ما أنت اعلم به منى؟ قال فانى أحب ان أكرمك فأيهما أحب إليك: عشرة ألف درهم
أم بشرى لك فيها شرف الأبد؟ قالت: بل البشرى، قال: فأبشري بولد يملك الدنيا
شرقا وغربا، ويملا الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، قالت: ممن؟ قال
ممن خطبك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية قالت: من
المسيح أو وصيه؟ قال: فمن زوجك المسيح ووصيه؟ قالت: هل اسمك أبى محمد؟ قال: فهل
تعرفينه؟ قالت: فهل خلت ليلة من زيارته إياي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة
نساء العالمين أمه؟ فقال أبو الحسن " عليه السلام ": يا كافور ادع لي أختي حكيمة، فلما دخلت عليه
قال لها ها هي فاعتنقتها أخته طويلا، وسألتها كثيرا فقال مولانا: يا بنت
رسول الله أخرجيها إلى منزلك، وعلميها الفرائض والسنن فإنها زوجة أبى محمد
وأم القائم عليهما السلام.
قد تم المجلد الأول من كتاب روضة الواعظين
(في مناقب أهل البيت الطاهرين عليهم السلام)
255

المجلد الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس في ذكر ولادة القائم صاحب الزمان
عليه الصلاة والسلام
قالت حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام: بعث إلي أبو محمد
الحسن بن علي. فقال: يا عمة اجعلي افطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان
فإن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة، وهو حجته في ارضه قالت: فقلت
له: ومن أمه؟ قال لي نرجس قلت له: جعلني الله فداك والله ما بها أثر، فقال: هو
ما أقول لك قالت فجئت، فلما سلمت وجلست جاءت تنزع بخفي، وقالت لي: يا سيدتي
كيف أمسيت؟ فقلت بل أنت سيدتي وسيدة أهلي. قالت: فأنكرت قولي، وقالت
ما هذه يا عمة؟ فقلت لها: يا بنية ان الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما. سيدا في
الدنيا والآخرة، قالت: فخجلت واستحيت، فلما ان فرغت من صلاة العشاء الآخرة
واخذت مضجعي فرقدت، فلما أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي
وهي نائمة وليست بها حادثة، ثم جلست معقبة ثم اضطجعت ثم انتبهت فزعة وهي راقدة
ثم قامت وصلت ونامت قالت حكيمة: وخرجت أتفقد الفجر، وإذا بالفجر الأول
كذبة السرحان وهي نائمة، قالت حكيمة: فدخلتني الشكوك، فصاح بي أبو محمد " عليه السلام "
من المجلس فقال: لا تعجلي يا عمة فهاك الامر قد قرب، وقالت فجلست وقرأت (ألم)
السجدة و (يس) فبينما أنا كذلك إذا انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت اسم الله عليك ثم
قلت لها تحسين شيئا؟ قالت نعم يا عمة، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك؟ فهو
ما قلت لك قالت حكيمة ثم أخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحس سيدي فكشفت
256

الثوب عنه فإذا أنا به عليه السلام ساجدا يتلقى الأرض بمساجده فضممته عليه السلام إلي
فإذا أنا به نظيف منظف، فصاح بي أبو محمد " عليه السلام ": هلمي إلي ابني يا عمة فجئت به إليه
فوضع يديه تحت أليتيه وظهره فوضع قدمه على صدره، ثم أدلى لسانه في فيه وأمر يده
على عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال تكلم يا بنى، فقال أشهد أن لا إله إلا الله، واشهد
أن محمد عبده ورسوله، ثم صلى على أمير المؤمنين، وعلى الأئمة إلى أن وقف على
أبيه ثم أحجم، ثم قال أبو محمد: يا عمة اذهبي به إلى أمه ليسلم عليها وأتيني به فذهبت به
فسلم ورددته ووضعته " عليه السلام " في المجلس ثم قال يا عمة إذا كان يوم السابع فأتنا، قالت
حكيمة: فلما أصبحت وجئت لأسلم على أبي محمد وكشفت الستر لا تفقد سيدي عليه السلام
فلم أره فقلت: جعلت فداك ما فعل سيدي؟ فقال: يا عمة قد استودعناه الذي استودعت
أم موسى " عليه السلام " قالت حكيمة فلما كان يوم السابع جئت وسلمت وجلست فقال: هلمي إلي
ابني فجئت بسيدي وهو في الخرقة ففعل به ما فعل في الأولى.
ثم أدلى لسانه في فيه كأنما يغذيه لبنا أو عسلا، ثم قال: تكلم يا بنى فقال " عليه السلام "
أشهد أن لا إله إلا الله، وثنى بالصلاة على محمد وعلى أمير المؤمنين، وعلى الأئمة
صلوات الله عليهم أجمعين حتى وقف على أبيه " عليه السلام " ثم تلا هذه الآية بسم الله الرحمن الرحيم
(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في
الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).
قال موسى: فسألت عقبة الخادم عن هذا قال صدقت حكيمة.
قال محمد بن عبد الله الطهوي: قصدت حكيمة بنت محمد بعد مضى أبى محمد عليهم السلام
أسألها عن الحجة، وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها، فقالت لي: اجلس
فجلست ثم قالت لي: يا أبا محمد ان الله تعالى لا يخلى الأرض من حجة ناطقة أو صامتة ولم
يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين تفضيلا للحسن والحسين، وتنزيها لهما أن يكون
في الأرض عديلهما، لان الله تبارك وتعالى خص ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن
كما خص ولد هارون على ولد موسى، وإن كان موسى حجة على هارون فالفضل لولده
إلى يوم القيامة، ولابد للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون، ويخلص فيها المحقون
لئلا يكون للخلق على الله حجة بعد الرسل ان الحيرة الآن لابد واقعة بعد مضى الحسن
فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن عقب فتبسمت، ثم قالت: إذا لم يكن للحسن عقب
257

فمن الحجة من بعده؟ وقد أخبرتك انه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين، فقلت
يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته عليه السلام، قال: نعم كانت لي جارية يقال لها
نرجس فزارني ابن أخي، واقبل يحدق إليها فقلت له: يا سيدي لعلك هويتها فأرسلها
إليك؟ فقال لا يا عمة، ولكني أتعجب منها فقلت: وما أعجبك منها؟ فقال " عليه السلام " سيخرج
منها ولد كريم على الله عز وجل الذي يملا الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا
وظلما فقلت: فأرسلها إليك يا سيدي فقال: استأذني في ذلك أبى قالت: فلبست ثيابي
واتيت منزل أبى الحسن وجلست فبدأني وقال لي: يا حكيمة ابعثي بنرجس إلى ولدى أبى محمد
قالت فقلت: يا سيدي على هذا قصدتك ان استأذنك في ذلك، فقال لي: يا مباركة ان
الله تبارك وتعالى أحب ان يشركك في الاجر ويجعل لك في الخير نصيبا قالت حكيمة فلم
البث ان رجعت إلى منزلي فزينتها وهيأتها لأبي محمد " عليه السلام " وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام
عندي أياما ثم مضى إلى والده ووجهت بها معه. قالت حكيمة فمضى أبو الحسن وجلس
أبو محمد عليهما السلام مكان والده فكنت أزوره كما كنت أزور والده فجائتني نرجس
يوما تخلع خفى وقالت: يا مولاتي ناوليني خفك فقلت: بل أنت سيدتي ومولاتي والله
لا دفعت إليك خفى لتخلعيه، ولا خدمتني بل أخدمك على بصرى فسمع أبو محمد " عليه السلام "
ذلك فقال: جزاك الله خيرا يا عمة، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت
بالجارية فقلت: ناوليني ثيابي لانصرف. فقال " عليه السلام ": يا عمة بيتي الليلة عندنا فإنه سيولد
الليلة المولود الكريم على الله عز وجل الذي يحيى الله به الأرض بعد موتها قلت: فممن
يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئا من أثر الحبل؟ فقال: من نرجس لا من غيرها
قالت: فوثبت إليها فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها أثر حبل فعدت إليه فأخبرته بما فعلت
فتبسم ثم قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل لان مثلها مثل أم موسى لم يظهر
بها الحبل، ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها لان فرعون كان يشق بطون الحبالى في
طلب موسى، وهذا نظير موسى " عليه السلام " قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها
عن حالها فقالت: يا مولاتي ما أرى بي شيئا من هذا قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى
وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي ولا تقلب جنبا إلى جنب حتى إذا كان في آخر
الليل وقت طلوع الفجر، وثبت فزعة فضممتها إلى صدري وسميت عليها فصاح
أبو محمد " عليه السلام " وقال اقرئي انا أنزلناه في ليلة القدر، فأقبلت اقرأ عليها وقلت لها ما حالك؟
258

قالت: ظهر بي الامر الذي أخبرك به أبو محمد مولاي، فأقبلت اقرأ عليها كما أمرني
فأجابني الجنين من بطنها يقرأ بمثل ما أقرأ وسلم علي، قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت
فصاح بي أبو محمد عليه السلام لا تعجبين من أمر الله ان الله تعالى ينطقنا صغارا بالحكمة
ويجعلنا حجة في ارضه كبارا فلم يستتم الكلام حتى غيبت عنى نرجس فلم أرها كأنه
ضرب بيني وبينها حجاب فعدوت نحو أبى محمد " عليه السلام " وانا صارخة فقال لي: ارجعي يا عمة
فإنك ستجدينها في مكانها قالت: فرجعت فلم البث إلى أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها
وإذا انا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصرى فإذا انا بالصبي عليه السلام ساجدا
لوجهه جاث على ركبتيه رافعا سبابته نحو السماء وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن
جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان أبى أمير المؤمنين ثم عد إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه
فقال: اللهم أنجز لي وعدي وأتمم لي امرى، وثبت وطأتي واملأ الأرض بي عدلا
وقسطا فصاح بي أبو محمد " عليه السلام "، وقال: يا عمة تناوليه وهاتيه فتناولته وأتيت به نحوه
فلما مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي فسلم على أبيه فتناوله الحسن " عليه السلام " منى والطير
يرفرف على رأسه ويناوله لسانه فيشرب منه ثم قال: امض به إلى أمه لترضعه ورديه
إلى قالت فناولته أمه فأرضعته ورددته إلى أبي محمد والطير يرفرف على رأسه فصاح طير
منها فقال له: أحمله واحفظه ورده الينا في كل أربعين يوما فتناوله الطير وطار به في جو
السماء واتبعه سائر الطيور فسمعت أبا محمد يقول: أستودعك الذي أودعته أم موسى
فبكت نرجس فقال: اسكتي فان الرضاع محرم عليه الا من ثديك وسيعاد إليك كما رد موسى
إلى أم موسى وذلك قول الله عز وجل فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن قالت
حكيمة: قلت فما هذا الطير؟ قال هذا روح القدس الموكل بالأئمة عليهم السلام يوفقهم
ويسددهم ويربيهم العلم قالت حكيمة: فلما كان بعد أربعين يوما رد الغلام ووجهه إلى
ابن أخي فدعاني فدخلت عليه فإذا انا بصبي متحرك يمشي بين يديه فقلت سيدي هذا ابن
سنتين فتبسم عليه السلام ثم قال: إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشؤون
بخلاف ما ينشأ غيرهم وان الصبي منا إذا أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة وان الصبي
منا ليتكلم في بطن أمه ويقرأ القرآن ويعبد الله تعالى عند الرضاع وتطيف به الملائكة
وينزل عليه بالسلام صباحا ومساءا قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبي في كل أربعين
يوما إلى أن رأيته رجلا قد مضى أبى محمد بأيام قلائل فلم اعرفه فقلت لابن أخي " عليه السلام " من
259

هذا الذي تأمرني ان اجلس بين يديه؟ فقال لي: هذا ابن نرجس وهذا خليفتي من بعدي
وعن قليل تفقدونني فاسمعي وأطيعي قالت حكيمة: فمضى أبو محمد بعد ذلك بأيام قلائل
وافترق الناس كما ترى ووالله انى لأراه صباحا ومساءا لينبئني عن ما يسألونني عنه فأخبرهم
ووالله انى لا أريد ان أسأله من الشئ فيبدأني به وانه ليرد على الامر فيخرج إلى منه
جوابه من ساعته من غير مساءلتي وقد أخبرني البارحة بمجيئك إلي وأمرني ان أخبرك
بالحق. قال محمد بن عبد الله فوالله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها أحد إلا
الله عز وجل فعلمت انه صدق وعدل من الله تبارك وتعالى وان الله قد أطلعها على ما لم
يطلع عليها أحدا من خلقه.
قال أبو جعفر العمرى: لما ولد السيد " عليه السلام " قال أبو محمد ابعثوا إلى أبي عمرو فبعث
إليه فصار إليه، فقال له اشتر أربعة آلاف رطل خبز وعشرة آلاف رطل لحم وفرقه
واحسبه.
قال علي بن هاشم: وعق عنه بكذا وكذا شاة.
(وروى) انه لما ولد السيد " عليه السلام " رأيت له نورا ساطعا قد ظهر منه وبلغ أفق السماء
ورأيت طيورا بيضا تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده
ثم تطير فأخبرنا أبا محمد بذلك فضحك، ثم قال: تلك ملائكة السماء نزلت للتبرك بهذا
المولود وهي أنصاره إذا خرج.
قال أبو الحسن موسى: لما ولد الرضا " عليه السلام ": ان ابني هذا ولد مختونا طاهرا مطهرا
وليس من الأئمة أحدا لا يولد مختونا طاهرا مطهرا ولكنا سنمر الموسى عليه لإصابة
السنة واتباع الحنيفية.
مجلس في ذكر امامة صاحب الزمان
ومناقبه عليه السلام
قال الله تعالى: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة
ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان، وجنودهما منهم
ما كانوا يحذرون).
260

وقال تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها
عبادي الصالحون).
والامام بعد أبي محمد الحسن ابنه المهدى المنتظر عليهما السلام بدليل قد مضى وانه
لا يخلو الزمان من كون معصوم يكون لطفا للمكلفين على ما يقتضيه العقل بالاستدلال
الصحيح لأنا علمنا أن يكون المعصوم يكون الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد
وإذا كان اللطف يجب على الله تعالى وجب أن لا يخلو الزمان من الامام.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل
بيتي يواطئ اسمه أسمى يملاها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.
وقال (صلى الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث
فيه رجلا من ولدى يواطئ اسمه اسمى يملاها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: آمنوا بليلة القدر فإنه ينزل فيه أمر السنة وان
لذلك ولاة من بعدي علي بن أبي طالب وأحد عشرة من ولده.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام " لابن عباس: ان ليلة القدر في كل سنة وانه ينزل في تلك
الليلة أمر السنة، ولذلك الامر ولاة من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال ابن عباس من هم؟
قال: انا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون.
قال أبو جعفر " عليه السلام ": ان الله أرسل محمد (صلى الله عليه وآله) إلى الجن والإنس وجعل من بعده
اثنى عشر وصيا منهم من سبق ومنهم من بقي، وكل وصى جرت به سنة فالأوصياء من بعد
محمد (صلى الله عليه وآله) على سنة أوصياء عيسى وكانوا اثنى عشر، وكان أمير المؤمنين على سنة
المسيح عليه السلام.
قال جابر: دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء
والأئمة من ولدها فعددت اثنى عشر اسما آخرهم القائم ثلاثة من ولد فاطمة منهم محمد
وثلاثة منهم علي.
قال مسروق: بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ يقول فتى
شاب هل عهد إليكم نبيكم " عليه السلام " كم يكون من بعده خليفة؟ قال: انك لحدث السن وان هذا
شئ ما سألني عنه أحد قبلك نعم عهد الينا نبينا صلوات الله عليه وآله أنه يكون من بعده
اثنى عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل.
261

قال الشعبي: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يزال أمر أمتي ظاهرا حتى يمضى اثنى عشر
خليفة كلهم من قريش.
قال أبو هاشم الجعفري: قلت لأبي محمد " عليه السلام " جلالتك تمنعني من مسائلتك أفتأذن
لي ان أسألك؟ فقال: سل قلت: يا سيدي هل لك ولد؟ قال: نعم قلت فان حدث حدث
فأين اسأل عنه؟ قال بالمدينة، قال عمرو الأهوازي أراني أبو محمد ابنه وقال هذا
صاحبكم بعدي.
قال داود بن القاسم الجعفري: سمعت أبا الحسن علي بن محمد " عليه السلام " يقول الخلف
من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف بعد الخلف؟ قلت: ولم جعلني الله فداك؟ قال
لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، قلت فكيف نذكره؟ قال: قولوا الحجة
من آل محمد صلى الله عليه وآله.
قال محمد بن إسماعيل وحكيمة بنت محمد بن علي وهي عمة الحسن " عليه السلام " وأبو عمرو
العمرى وأبو علي بن مطهر وأبو عبد الله بن صالح وإبراهيم بن إدريس وجعفر بن علي
وأبو نصر طريف الخادم: كلهم رأوا صاحب الزمان، وبعضهم ذكر صفته وقده " عليه السلام ".
(وروى) علامات قبل قيامه عليه السلام: منها خروج السفياني وقتل الحسنى
واختلاف بنى العباس في ملك الدنيا، وكسوف الشمس من نصف شهر رمضان
وكسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء وخسف بالمشرق
وركود الشمس من عند الزوال إلى أوساط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب وقتل
نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام
وهدم حائط مسجد الكوفة واقبال الرايات السود من خراسان، وخروج اليماني وظهور
المغربي بمصر وتملكه الشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة وطلوع
نجم بالمشرق يضئ كما يضئ القمر، ثم ينعطف حتى يكاد يلتقى طرفاه وحمرة تظهر في
السماء وتنتشر في آفاقها ونار تظهر بالمشرق طولا، وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام
وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد، وخروجها على سلطان العجم وقتل أهل مصر
أميرهم وخراب الشام واختلاف ثلاث رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى
مصر ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء
262

الجزيرة واقبال رايات سود من المشرق ونحوها وشق في الفرات حتى يدخل الماء في أزقة
الكوفة وخروج ستين كذابا كلهم يدعى النبوة، وخروج اثنى عشر من آل أبي طالب
كلهم يدعى الإمامة لنفسه، واحراق رجل عظيم القدر من شيعة بنى العباس بين جلولا
وخانقين وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة بغداد، وارتفاع ريح سوداء بها في أول
النهار وزلزلة حتى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق، وموت ذريع
فيه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وغير أوانه يأتي
على الزرع والغلات وقلة ريع لما يزرعه الناس واختلاف صنفين من العجم، وسفك
دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم، وقتلهم مواليهم ومسخ
القوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير وغلبة العبيد على بلاد السادات ونداء
يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم ووجه وصدر يظهران للناس في عين الشمس
وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون ثم يختم
ذلك بأربع وعشرين مطرة يتصل فتحيي به الأرض من بعد موتها، ويعرف بركاتها ويزول
بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدى " عليه السلام " فيعرفون عند ذلك ظهوره
بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الاخبار.
ومن جملة هذه الأخبار محتومة ومنها مشترطة.
قال الصادق " عليه السلام ": لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين، سنة إحدى أو ثلاث
أو خمس أو سبع أو تسع.
وقال " عليه السلام ": ينادى باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم في يوم عاشورا
وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عليهما السلام لكأني به في يوم السبت العاشر من
المحرم قائما بين الركن والمقام جبرئيل بين يديه ينادى البيعة لله فيصير إليه شيعته من
أطراف الأرض تطوى لهم الأرض حتى يبايعوه فيملا الله به الأرض عدلا كما ملئت
جورا وظلما.
وقال أبو جعفر الباقر " عليه السلام ": يدخل المهدى الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت
فيصطفوا له ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدرى الناس ما يقول من البكاء فإذا كانت
الجمعة الثانية يسأله الناس ان يصلى بهم الجمعة فيأمر ان يخط له مسجد على الغري ويصلى
بهم هناك ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين " عليه السلام " نهرا يجرى إلى الغري حتى ينزل
263

الماء في النجف ويعمل على فوهته القناطر والارحاء فكأني بالعجوز على رأسها مكتل
فيه بر تأتي تلك الارحاء فتطحنه بلا كرا.
وقال عليه السلام: كأني بالقائم على نجف الكوفة، قد سار إليها من مكة في
خمسة آلاف من الملائكة جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره المؤمنون بين يديه
وهو يفرق الجنود في البلاد.
قال الصادق " عليه السلام ": يملك القائم سبع سنين تطول له الأيام والليالي، حتى يكون السنة
من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون سنى ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، وإذا
آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطرا لم ير الخلائق مثله فينبت
الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم وكأني انظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون
شعورهم من التراب.
وقال عليه السلام: ان قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنورها فاستغنى العباد عن
ضوء الشمس فذهبت الظلمة ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له الف ذكر لا يولد فيهم أنثى
وتظهر الأرض كنوزها حتى يراه الناس على وجهها ويطلب الرجل منكم من فصيله بماله
ويأخذ زكاته ولا يجد أحدا يقبل منه ذلك استغناء الناس بما رزقهم الله من فضله.
وقال أبو جعفر " عليه السلام " في حديث طويل: إذا قام القائم سار إلى الكوفة يهدم بها
أربعة مساجد ولم يبق على وجه الأرض مسجد له شرف إلا هدمها وجعلها جما ووسع
الطريق الأعظم وكسر كل جناح خارج في الطريق وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات
ولا يترك بدعة إلا أزالها ولا سنة الا أقامها ويفتتح قسطنطنية والصين وجبال ديلم فيمكث
على ذلك سبع سنين مقدار كل سنة عشرين سنة من سنيكم هذه ثم يفعل الله ما يشاء قيل
له: جعلت فداك فكيف يطول السنون؟ قال: يأمر الله الفلك باللبوث وقلة الحركة فتطول
الأيام لذلك والسنون قال: قلت لهم: انهم يقولون: ان الفلك ان تغير فسد قال ذلك
قول الزنادقة.
فأما المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك وقد شق الله القمر لنبيه (صلى الله عليه وآله) ورد الشمس
من قبله ليوشع بن نون، وأخبر بطول يوم القيامة وقال كألف سنة مما تعدون.
وقال الصادق " عليه السلام ": إذا قام القائم عليه السلام دعا الناس إلى الاسلام جديدا وهداهم
إلى أمر قد دثر وضل عنه الجمهور وإنما سمى المهدى مهديا لأنه يهدى إلى أمر مضلول
264

عنه وسمى القائم لقيامه بالحق.
وقال عليه السلام: إذا اذن الله تعالى للقائم في الخروج صعد المنبر ودعا الناس إلى
نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقه وان يسير فيهم بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعمل فيهم
بعلمه فيبعث الله جبرئيل " عليه السلام " حتى يأتيه فينزل على الحطيم ثم يقول له إلى أي شئ تدعو
فيخبره القائم فيقول جبرئيل: أنا أول من يبايعك فيمسح يده على يده وقد وافاه ثلاثمائة
وبضعة عشر إلى المدينة.
وقال عليه السلام: إذا قام القائم من آل محمد عليهم السلام أقام خمسمائة من قريش
فضرب أعناقهم ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم ثم خمسمائة مرة أخرى حتى يفعل ذلك
ست مرات قلت أو يبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال: نعم منهم ومن مواليهم.
وقال عليه السلام: إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه وحول
المقام إلى الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بنى شيبة وعقلها بالكعبة وقال: هؤلاء
سراق الكعبة.
وقال الباقر " عليه السلام ": في حديث طويل: إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها
بضعة عشر الف يدعون التبرئة عليهم السلام فيقولون له: ارجع من حيث جئت
فلا حاجة لنا في بنى فاطمة فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم ثم يدخل الكوفة فيقتل
بها كل منافق مرتاب ويهدم قصرها ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عز وجل.
(وروى) علي بن عقبة عن أبيه قال إذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع في أيامه
الجور وآمنت به السبل وأخرجت الأرض بركاتها ورد كل حق إلى أهله ولم يبق أهل دين
حتى يظهروا الاسلام ويعترفوا بالايمان أما سمعت الله عز وجل يقول: وله أسلم من في
السماوات والأرض طوعا وكرها وحكم في الناس بحكم داود وحكم محمد (صلى الله عليه وآله) فحينئذ تظهر
الأرض كنوزها وتبدي بركاتها فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته ولا لبره
لشمول الغناء جميع المؤمنين ثم قال: إن دولتنا آخر الدول ولم يبق أهل بيت لهم دولة
إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا: إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء وهو
قول الله عز وجل والعاقبة للمتقين.
وقال أبو جعفر الباقر " عليه السلام ": إذا قام القائم من آل محمد ضرب فساطيط لمن يعلم الناس
القرآن على ما أنزله الله عز وجل فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف
265

وقال الصادق " عليه السلام ": يخرج القائم من ظهر الكعبة مع سبعة وعشرين رجلا خمسة
عشر من قوم موسى " عليه السلام " الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون وسبعة من أهل الكهف
ويوشع بن نون وسلمان وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين
يديه أنصارا أو حكاما.
وقال عليه السلام: إذا قام قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج
إلى بينة يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخر كل قوم ما استبطنوه ويعرف وليه من عدوه
بالتوسم.
قال الله تعالى: (ان في ذلك لآيات للمتوسمين وانها لسبيل مقيم).
وقد روى أنه لم يمض مهدى الأمة إلا قبل القيامة بأربعين يوما يكون فيه الهرج
وعلامات خروج الأموات وقيام الساعة للحساب والجزاء والعلم عند الله.
قال أبو جعفر " عليه السلام " سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين فقال: أخبرني عن المهدى
ما اسمه؟ قال له: اما اسمه فان حبيبي قد عهد إلي ألا أحدث به حتى يبعثه الله عز وجل
قال فأخبرني عن صفته؟ قال: هو شاب مربوع حسن الوجه حسن الشعر، يسيل شعره
على منكبه ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته، ورأسه بأبي ابن خيرة الإماء.
وكان مولده عليه السلام يوم الجمعة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين
وكان سنه عند وفاة أبيه خمس سنين اتاه الله الحكمة، وفصل الخطاب وجعله آية
للعالمين وآتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبيا، وجعله إماما في حال الطفولية الظاهرة كما جعل
عيسى بن مريم في العهد نبيا عليهما السلام، ويقال لامه ريحانه ويقال لها نرجس ويقال
صيقل ويقال سوسن.
(وروى) انه ولد يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومئتين
قبل وفاة أبيه بسنتين وسبعة أشهر، والأول هو المعتمد، وبابه عثمان بن سعيد
فلما مات عثمان أوصى إلى ابنه أبى جعفر محمد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي
القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري
فلما حضرت السمري الوفاة، سأل ان يوصى فقال: ان الله بالغ امره وقد انتظر " عليه السلام "
لدولة الحق وكان قد أخفى مولده، وستر امره لصعوبة الوقت وشدة طلب سلطان الزمان
إياه واجتهاده في البحث عن أمره، فلما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه وعرف من
266

انتظارهم له فلم يظهر والده في حياته عليه السلام، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته وتولى
جعفر بن علي أخو أبى محمد " عليه السلام " أخذ تركته، وسعى في حبس جواري أبى محمد " عليه السلام "
واعتقاله حلائله وشنع على أصحابه بانتظارهم ولده، وقطعهم بوجوده والقول بإمامته
وأغزى بالقوم حتى أخافهم وشردهم، وجرى على مخلفي أبى محمد " عليه السلام " بسبب ذلك عظيم
من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذل، ولم يظفر السلطان منهم بطائل
وحاز جعفر ظاهر تركة أبى محمد واجتهد في القيام عند الشيعة مقام أخيه فلم يقبل أحد
منهم ذلك ولا اعتقد فيه، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه وبذل مالا جليلا
وتقرب بكل ما ظن أنه يتقرب به فلن ينتفع بشئ من ذلك، وقد أوردنا طرفا من
الاخبار ويسيرا من الآثار في مناقب الأئمة الأبرار، وما يتعلق بها وتاريخ ولادتهم
وأسماء أمهاتهم، وما أشبه ذلك ومن أراد أكثر من ذلك فليلتمس من الكتب المصنفة
والزبر المدونة وجده هناك إن شاء الله.
(وروى) ان الصادق عليه السلام كثيرا ما يقول:
لكل أناس دولة ترقبونها * ودولتنا في آخر الدهر تظهر
وقال السيد الحميري:
وما به من دان يوم الدهر دنت به * وشاركت كفه كفى بصفينا
في سفك ما سفكت فيه إذا حضروا * وابرز الله للقسط الموازينا
تلك الدماء معا يا رب في عنقي * ثم اسقني مثلها آمين آمينا
آمين من مثلهم في مثل حالهم * في عصبة هاجروا لله شارينا
في عصبة حول مهدى يسير بهم * من بطن مكة ركبانا وماشينا
ليسوا يريدون إلا الله ربهم * نعم المراد توخاه المريدونا
حتى يلاقوا بنى حرب بجمعهم * فيضربوا الهام منهم والعرانينا
هناك ربى ما أعطاك من شرف * منه أبا حسن خير الوصيينا
وزادك الله أضعافا مضاعفة * حتى ينيلك ما نال النبيينا
فالله يشهد لي انى أحبهم * حبا أدين به فيكم له دينا
لا ابتغى بدلا من معشر بكم * حتى أغيب في الأكفان مدفونا
267

وقال دعبل بن علي الخزاعي:
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * تقطع قلبي اثرهم قطعات
خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات
يبين فينا كل حق وباطل * ويجزى على الاحسان والنعمات
ويلعن فذ الناس في الناس كلهم * إذا ما دعا ذاك ابن هن وهنات
فيا نفسي طيبي ثم يا نفس فأبشري * فغير بعيد كل ما هو آت
ولا تجزعي من مدة الحور انني * كأني بها قد آذنت بشتات
فان قرب الرحمن من تلك مدتي * وأخر في عمري ووقت وفات
شفيت ولم اترك لنفسي ريبة * ورويت منهم منصلى وقات
مجلس في مناقب آل محمد عليهم السلام
قال الله تعالى في سورة حم عسق: (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة
في القربى).
قالت الأنصار: يا رسول الله أموالنا وأنفسنا بيد الله فأنزل الله قل لا أسألكم
عليه أجرا إلا المودة في القربى.
وفى خبر آخر ان تصلوا قرابتي ولا تكذبون.
قال أبو بصير: قلت للصادق " عليه السلام ": من آل محمد؟ قال: ذريته فقلت: ومن أهل بيته
قال الأئمة الأوصياء، فقلت: ومن عترته؟ قال: أصحاب العبا فقلت: من أمته؟ قال
المؤمنون الذين صدقوا بما جاء من عند الله المستمسكون بالثقلين الذين أمروا بالتمسك
بهما كتاب الله وعترته أهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهما
الخليفتان على الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": في قوله تعالى: سلام على آل يس. قال: يس محمد ونحن
آل يس.
وقال ابن عباس: سلام على آل يس يعنى على آل محمد.
268

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة رسول الله وحمزة
سيد الشهداء، وجعفر ذو الجناحين، وعلي وفاطمة والحسن والحسين والمهدى
وقال الباقر " عليه السلام ": أوحى الله تعالى إلى رسوله: انى شكرت لجعفر بن أبي طالب
أربع خصال فدعاه النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبره، فقال: لولا أن الله أخبرك ما أخبرتك، ما شربت
خمرا قط لأني علمت انى لو شربتها زال عقلي، وما كذبت قط لان الكذب ينقص المروة
ولا زنيت قط لأني خفت انى إذا عملت عمل بي وما عبدت صنما لأني علمت أنه لا يضر
ولا ينفع قال فضرب النبي (صلى الله عليه وآله) يده على عاتقه، فقال: حق لله عز وجل ان يجعل له
جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة.
(وروى) ان جبرئيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله) يسأله عن خديجة فلم يجدها فقال: إذا جاءت
فأخبرها ان ربها يقرأها السلام.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب سأل
شريك عن القصب قال: قصب الذهب.
وفى حديث آخر يعنى: قصب اللؤلؤ.
قال انس: أطعم رسول الله (صلى الله عليه وآله) خديجة من عنب الجنة، قالت عائشة كان
النبي (صلى الله عليه وآله) إذا ذكر خديجة أحسن عليها الثنا، فقلت: ما تذكر حمراء الشدق قد أبدل الله
لك خيرا قال ما أبدلني الله خيرا منها صدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمال إذ حرمني
الناس ورزقني الله منها الولد إذ لم يرزقني من غيرها.
(وروى) ان عجوزا دخلت على النبي فألطفها، فلما خرجت قالت: عائشة من
هذه؟ فقال إنها كانت تأتينا زمن خديجة وان حسن العهد من الايمان.
قال علي بن الحسين " عليه السلام ": يخرج من ولدى رجل يقال له: زيد يقتل بالكوفة
ويصلب بالكناسة يخرج من قبره نبشا يفتح لروحه أبواب السماء يبتهج به أهل السماوات
يجعل روحه في حوصلة طير اخضر يسرح في الجنة حيث يشاء.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للحسين: يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطى
هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرا محجلين يدخلون الجنة بلا حساب.
قال أبو الجارود: كنت جالسا عند أبي جعفر إذ اقبل زيد بن علي عليهما السلام
فلما نظر إليه أبو جعفر وهو مقبل قال: هذا سيد من سادات أهل بيته، والطالب بأوتارهم
269

لقد أنجبت أم ولدتك يا زيد وكان زيد بن علي عين اخوته بعد أبي جعفر عليهم السلام
وأفضلهم وكان عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن
المنكر ويطلب بثارات الحسين عليه السلام.
قال أبو الجارود: قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي أذلك
حليف القرآن؟.
اعتقد كثير من الشيعة فيه الإمامة وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف
يدعو إلى الرضا من آل محمد فظنوه يريد بذلك نفسه ولم يكن يريدها به لمعرفته باستحقاق
أخيه الإمامة من قبله. ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله " عليه السلام " وكان سبب خروج زيد
ابن علي بعد الذي ذكرناه من غرضه في الطلب بدم الحسين " عليه السلام " انه دخل على هشام بن
عبد الملك وقد جمع له هشام أهل الشام وأمر ان يتضايقوا في المجلس حتى لا يتمكن من
الوصول إلى قربه، فقال له زيد انه ليس من عباد الله أحد فوق ان يوصى بتقوى الله
ولا من عباده أحد دون ان يوصى بتقوى الله وانا أوصيك بتقوى الله يا أمير المؤمنين
فاتقه فقال له هشام أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها؟ وما أنت وذاك لا أم لك وإنما
أنت ابن أمة فقال له زيد انى لا أعلم أحدا أعظم عند الله منزلة من نبي بعثه الله وهو ابن
أمة فلو كان ذلك نقص عن منتهى غاية لم يبعث وهو إسماعيل بن إبراهيم " عليه السلام " فالنبوة أعظم
منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام؟ وبعد فما نقص برجل أبوه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن
علي بن أبي طالب فوثب هشام من مجلسه، ودعا قهرمانه وقال: لا يبيتن هذا في عسكري
فخرج زيد وهو يقول: لن يكره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا فلما وصل إلى الكوفة
اجتمع إليه أهلها فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب ثم نقضوا بيعته وأسلموه فقتل " عليه السلام "
وصلب بينهم أربع سنين لا ينكر أحد منهم ولا يغير بيد ولا لسان ولما قتل بلغ ذلك من
أبى عبد الله " عليه السلام " كل مبلغ وحزن حزنا عظيما حتى بان عليه وفرق من ماله في عيال من
أصيب معه من أصحابه ألف دينار وأمرني ان اقسمها في عيال من أصيب مع زيد فأصاب
عيال عبد الله بن الزبير أخي فضيل الرسان منها أربعة دنانير وكان مقتله ليلة الاثنين
لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومئة وكان سنه يوم قتل اثنين وأربعين سنة.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من لم يحب عترتي فهو لإحدى ثلاث اما منافق واما لزنية
واما امرؤ حملت به أمه في غير طهر.
270

وقال عليه السلام: ان لله حرمات ثلاث من حفظهن حفظ الله أمر دينه ودنياه
ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئا حرمة الاسلام وحرمتي وحرمة عترتي.
وقال الصادق " عليه السلام ": ان لله حرمات ثلاث ليس مثلهن شئ كتابه وهو نوره وحكمته
وبيته الذي جعل للناس قبلة لا يقبل الله من أحد توجها إلى غيره وعترة نبيكم محمد (صلى الله عليه وآله).
قال أبو جعفر " عليه السلام ": ان عبدا مكث في النار سبعين خريفا والخريف سبعون سنة
ثم إنه سأل الله عز وجل بحق محمد وأهل بيته لما رحمتني فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل
ان اهبط إلى عبدي فأخرجه، قال يا رب: وكيف لي بالهبوط في النار؟ قال إني قد
أمرتها أن تكون عليك بردا وسلاما، فقال يا رب: فما علمي بموضعه، قال إنه في جب
من سجين قال فهبط جبرئيل في النار، وهو معلق على وجهه فأخرجه، فقال يا عبدي
كم لبثت تناشدني في النار؟ قال: ما أحصى يا رب، قال: أما وعزتي لولا ما سألتني به
لأطلت هوانك في النار، ولكنه حتم على نفسي أن لا يسألني عبد بحق محمد وأهل بيته
إلا غفرت له ما بيني وبينه، وقد غفرت لك اليوم.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن: أهوالهن
عظيمة عند الوفاة، وفى القبر وعند النشور وعند الكتاب، وعند الحساب وعند
الصراط وعند الميزان.
قال جابر بن عبد الله: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أيها الناس من أبغضنا أهل
البيت بعثه الله يوم القيامة يهوديا، قال قلت: يا رسول الله وان صام وصلى وزعم أنه
مسلم؟ فقال: وان صام وصلى وزعم أنه مسلم.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهلي أحب
إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحبنا أهل البيت فليحمد الله على أول النعم قيل: وما
أول النعم؟ قال: طيب الولادة ولا يحبنا إلا من طابت ولادته.
وقال الباقر " عليه السلام ": من أصبح يجد برد حبنا على قلبه فليحمد الله على بادي النعم
قيل: وما بادي النعم؟ قال: طيب الولادة.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من رزقه الله تعالى حب الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب
خير الدنيا والآخرة فلا يشكن أحد انه في الجنة فان في حب أهل بيتي عشرين خصلة عشر
271

منها في الدنيا وعشر في الآخرة اما في الدنيا، فالزهد والحرص على العلم والورع في الدين
والرغبة في العبادة والتوبة قبل الموت والنشاط في قيام الليل، واليأس مما في أيدي الناس
والحفظ لامر الله ونهيه والتاسعة بغض الدنيا والعاشرة السخاء.
واما في الآخرة فلا ينشر له ديوان ولا ينصب له ميزان ويعطى كتابه بيمينه
ويكتب له براءة من النار، ويبيض وجهه ويكسى من حلل الجنة ويشفع في مئة من أهل
بيته وينظر الله إليه بالرحمة ويتوج من تيجان الجنة، والعاشرة يدخل الجنة بغير حساب
فطوبى لمحبي أهل بيتي.
قال الصادق " عليه السلام ": إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد
فتغشاهم ظلمة شديدة فيصيحون إلى ربهم، ويقولون: يا ربنا اكشف عنا هذه الظلمة
قال: فيقبل قوم يمشي النور بين أيديهم قد أضاء ارض القيامة، فيقول أهل الجمع
هؤلاء أنبياء الله؟ فيجيئهم النداء من قبل الله تعالى: ما هؤلاء بأنبياء الله فيقول أهل الجمع
فهؤلاء ملائكة؟ فيجيئهم النداء من عند الله ما هؤلاء بملائكة فيقولوا أهل الجمع هؤلاء
شهداء فيجيئهم النداء من عند الله ما هؤلاء شهداء فيقولون: من هم؟ فيجيئهم النداء يا أهل
الجمع سلوهم من أنتم؟ فيقول أهل الجمع: من أنتم؟ فيقولون: نحن العلويون نحن ذرية محمد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحن أولاد علي ولى الله نحن المخصوصون بكرامة الله نحن الآمنون المطمئنون
فيجيئهم النداء من عند الله تعالى اشفعوا في محبيكم وأهل مودتكم وشيعتكم فيشفعون فيشفعون.
وقال الصادق " عليه السلام ": أتى يهودي النبي (صلى الله عليه وآله) فقام بين يديه يحد النظر إليه، فقال
يا يهودي ما حاجتك؟ قال أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله؟ وانزل إليه
التوراة والعصا وفلق له البحر وأظله بالغمام، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) انه يكره للعبد ان يزكى
نفسه ولكن أقول: ان آدم " عليه السلام " لما أصاب الخطيئة كانت توبته: ان قال: اللهم إني أسألك
بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي فغفر الله له وان نوحا لما ركب السفينة وخاف الغرق قال
اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق فنجاه الله منها وان إبراهيم " عليه السلام "
لما القى في النار، قال اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من النار فجعلها الله
عليه بردا وسلاما وان موسى " عليه السلام " لما القى عصاه وأوجس في نفسه خيفة، قال: اللهم إني
أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني، فقال الله تعالى: لا تخف انك أنت الأعلى
يا يهودي ان موسى لو أدركني، ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا ولا نفعته
272

النبوة ومن ذريتي المهدى إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته فقدمه وصلى خلفه.
وقال الصادق " عليه السلام ": يا أبا بصير نحن شجرة العلم، ونحن أهل بيت النبي وفى دارنا
مهبط جبرئيل " عليه السلام " ونحن خزان علم الله، ونحن معادن وحي الله من تبعنا نجا ومن
تخلف عنا هلك حقا على الله عز وجل.
وقال الرضا " عليه السلام ": النظر إلى ذريتنا عبادة، فقيل له: يا بن رسول الله إلى الأئمة
منكم عبادة أم النظر إلى جميع ذرية النبي (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: بل النظر إلى جميع ذرية النبي (صلى الله عليه وآله)
ما لم يفارقوا منها ولم يتلوثوا بالمعاصي.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا قمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي
فيشفعني الله فيهم والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي.
وقال صلى الله عليه وآله: من أذى شعرة منى فقد آذاني ومن آذاني فقد أذى
الله عز وجل، ومن آذى الله لعنه الله ملا السماء وملا الأرض.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أراد التوسل إلي، وأن يكون له عندي يد اشفع له
بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم.
وقال صلى الله عليه وآله: من وصل أحدا من أهل بيتي في دار هذا الدنيا بقيراط
كافيته يوم القيامة بقنطار.
قال علي " عليه السلام ": ديني دين الله، وحسبي حسب النبي فمن تناول ديني وحسبي فإنما
يتناول دين رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ألا وهما
الخليفتان من بعدي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم
أو سبهم أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة
ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم.
وقال الصادق " عليه السلام ": نزلت هاتان الآيتان في أهل ولايتنا وأهل عداوتنا فأما إن كان
من المقربين فروح وريحان يعنى في قبره وجنة نعيم في آخرته وأما إن كان من المكذبين
الضالين فنزل من حميم يعنى في قبره، وتصلية جحيم يعنى في الآخرة.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله تعالى جعل النجوم أمانا لأهل السماء فلا تزال السماء
273

قائمة ما قامت النجوم فإذا انتشرت النجوم تفطرت السماء، وان الله جعل أهل بيتي أمانا
لأهل الأرض فلا ينزل بهم عذاب عام ما كان أهل بيتي فيهم فإذا قبض أهل بيتي
نزل العذاب.
أنشد:
حب النبي وأهل البيت معتقدي * فليلحني منهم من كان يلحاني
وليس يثنى فؤادي عن محبتهم * ولا لساني عن تقريضهم ثان
لنا الجنان غدا مستسعدين بها * والنار للخارجي الفاسق الشأن
وقال دعبل بن علي الخزاعي:
لآل رسول الله بالخيف من منا * وبالركن والتعريف والجمرات
ديار لعبد الله بالخيف من منى * وللسيد الداعي إلى الصلوات
ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات
منازل كانت للصلاة وللتقى * وللصوم والتطهير والحسنات
منازل وحي الله ينزل بينها * على أحمد المذكور في السورات
قفا نسأل الدار التي خف أهلها * متى عهدها بالصوم والصلوات
وأين الأولى شطت بهم غربة النوى * أفانين في الأطراف مفترقات
وهم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهم خير سادات وخير حمات
مطاعيم في الاقتار في كل مشهد * لقد شرفوا بالفضل والبركات
إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر * ويوم حنين أسبلوا العبرات
وكيف يحبون النبي وأهله * وهم تركوا أحشاءهم وغرات
لقد لاينوه في المقال وأضمروا * قلوبا على الأحقاد منطويات
أنشد:
أولاد أحمد كل اغبر شاحب * رث الثياب ملوح كأراك
وبنو الزناة يملكون على الورى * سبحان خالقنا على الأفلاك
274

مجلس في ذكر سبب اسلام سلمان الفارسي
رضي الله عنه
قيل لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: يا بن رسول الله ألا تخبرنا كيف
كان سبب إسلام سلمان؟ قال: نعم حدثني أبي ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " عليه السلام "
وسلمان الفارسي وأبا ذر وجماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فقال
أمير المؤمنين " عليه السلام " لسلمان: يا أبا عبد الله ألا تخبرنا بمبدأ أمرك؟ قال سلمان: والله
يا أمير المؤمنين لو أن غيرك سألني ما أخبرته انا كنت رجلا من أهل شيراز من أبناء
الدهاقين وكنت عزيزا على والدي فبينا انا سائر مع أبي في عيد لهم إذ انا بصومعة
وإذا فيها رجل ينادى: أشهد أن لا إله إلا الله، وان عيسى روح الله، وأن محمدا
حبيب الله فوصف محمد في لحمي ودمى، فلم يهنيني طعام ولا شراب، فقالت لي أمي: يا بنى
ما لك اليوم لم تسجد لمطلع الشمس؟ قال: وكابرتها حتى سكتت، فلما انصرفت إلى منزلي
إذا انا بكتاب معلق من السقف، فقلت: يا روزبة ان هذا الكتاب لما رجعنا من عيدنا
رأيناه معلقا فلا تقرب ذلك المكان فإنك ان قربته قتلك أبوك، قال فجاهدتها حتى جن
الليل ونام أبى وأمي فقمت وأخذت الكتاب فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد
من الله إلى آدم انه خالق من صلبه نبيا يقال له: محمد يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن
عبادة الأوثان يا روزبة أنت وصى عيسى فآمن واترك المجوسية، قال: فصعقت صعقة
وزادني شدة قال: فعلم أبى وأمي بذلك فأخذوني وجعلوني في بئر عميقة، وقالوا لي
ان رجعت وإلا قتلناك فقلت لهم: افعلوا بي ما شئتم حب محمد لا يذهب من صدري
قال سلمان: ما كنت اعرف العربية قبل قرائتي الكتاب ولقد فهمني الله العربية من ذلك
اليوم قال فبقيت في البئر فجعلوا ينزلون إلى قرصا صغيرا، فلما طال امرى رفعت يدي
إلى السماء فقلت: يا رب انك حبيب محمد ووصيه فبحق وسيلته عجل فرجى وأرحني مما انا
فيه فأتاني آت عليه ثياب بيض قال نعم: فقم يا روزبة فأخذ بيدي وأتى بي الصومعة
فأنشأت أقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وان محمد حبيب الله فأشرف
275

على الديراني، فقال: أنت روزبة؟ فقلت: نعم فقال اصعد فأصعدني إليه وخدمته
حولين كاملين فلما حضرته الوفاة قال: انى ميت فقلت له: فعلى من تخلفني؟ فقال
لا أعرف أحدا يقول بمقالتي إلا راهب بأنطاكية فإذا لقيته فاقرأه منى السلام وادفع
إليه هذا اللوح وناولني لوحا، فلما مات غسلته وكفنته ودفنته وأخذت اللوح وأتيت
الصومعة وأنشأت أقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وان عيسى روح الله وأن محمدا
حبيب الله فأشرف على الديراني، فقال لي: أنت روزبه؟ فقلت: نعم فقال اصعد
فصعدت إليه فخدمته حولين كاملين، فلما حضرته الوفاة قال لي: انى ميت فقلت: على
من تخلفني؟ فقال لا أعرف أحدا يقول بمقالتي الا راهب بالإسكندرية فإذا أتيته فاقرأه
منى السلام وادفع إليه هذا اللوح، فلما توفى غسلته وكفنته ودفنته، وأخذت اللوح
وأتيت الصومعة وأنشأت أقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وان عيسى روح الله وأن محمدا
حبيب الله فأشرف على الديراني، فقال: أنت روزبه؟ فقلت نعم فقال: اصعد
فصعدت إليه وخدمته حولين كاملين، فلما حضرته الوفاة قال إني ميت قلت: على من
تخلفني؟ فقال: لا أعرف أحدا يقول بمقالتي في الدنيا، وان محمد بن عبد الله بن
عبد المطلب قد حانت ولادته فإذا أتيته فأقرأه منى السلام وادفع إليه هذا اللوح، فلما توفى
غسلته وكفنته ودفنته وأخذت اللوح، وخرجت فصحبت قوما فقلت لهم: يا قوم
اكفوني الطعام والشراب أكفكم الخدمة قالوا: نعم قال: فلما أرادوا ان يأكلوا شدوا
على شاة فقتلوها بالضرب، ثم جعلوا بعضها كبابا وبعضها شواء فامتنعت من الأكل
فقالوا: كل فقلت: انى غلام ديراني وان الديرانيين لا يأكلون اللحم فضربوني وكادوا
يقتلونني وقال بعضهم: أمسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم وانه لا يشرب، فلما أتوا
بالشراب قالوا: اشرب فقلت: انى غلام ديراني، وان الديرانيين لا يشربون الخمر
فشدوا على وأرادوا قتلي فقلت لهم: يا قوم لا تضربوني ولا تقتلوني، وان أقر لكم
بالعبودية فأقررت لواحد منهم فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي قال فسألني
عن قصتي فأخبرته، وقلت: ليس لي ذنب إلا أن أحببت محمدا ووصيه، فقال اليهودي
وانى لأبغضك وابغض محمدا، ثم أخرجني إلى خارج داره، وإذا رمل كثير على بابه
فقال: والله يا روزبه لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لأقتلنك قال
فجعلت احمل طول ليلى، فلما أجهدني التعب رفعت يدي إلى السماء، وقلت: يا رب
276

انك أحببت محمدا ووصيه إلى فبحق وسيلته عجل فرجى وأرحني مما انا فيه فبعث
الله عز وجل ريحا، فقلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال اليهودي، فلما أصبح
نظر إلى الرمل قد نقل كله، فقال: يا روزبه أنت ساحر، وانا لا أعلم فلأخرجنك من
هذه القرية لئلا تهلكها فأخرجني وباعني من امرأة سليمة فأحبتني حبا شديدا وكان لها
حائط فقالت: هذا الحائط لك كل منه ما شئت، وهب وتصدق قال: فبقيت في هذا
الحائط ما شاء الله فإذا انا بسبعة رهط قد اقبلوا تظلهم غمامة، فقلت في نفسي: والله
ما هؤلاء كلهم أنبياء، وان فيهم نبيا قال: فأقبلوا حتى دخلوا الحائط والغمامة تسير معهم
فلما دخلوا فإذا فيهم رسول الله وأمير المؤمنين، وأبو ذر والمقداد وعقيل ابن أبي طالب
وحمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل
ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لهم: كلوا الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئا فدخلت على
مولاتي فقلت لها: يا مولاتي هبي لي طبقا فقالت: لك ستة اطباق، قال: فجئت فحملت
طبقا من رطب فقلت في نفسي: إن كان فيهم نبيا فإنه لا يأكل صدقة ويأكل الهدية فوضعته
بين يديه فقلت: هذه صدقة، فقال رسول الله كلوا وامسك رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وأمير المؤمنين وعقيل بن أبي طالب، وقال لزيد: مد يدك وكل فأكلوا فقلت في نفسي
هذه علامة فدخلت على مولاتي، فقلت لها: طبقا آخر قالت: ستة اطباق قال: جئت
فحملت طبقا من رطب فوضعته بين يديه، فقلت: هذه هدية فمد يده وقال
بسم الله الرحمن الرحيم كلوا فمد القوم جميعا أيديهم وأكلوا فقلت: هذه أيضا علامة قال
فبينا انا أدور خلفه إذ حانت من النبي التفاتة، فقال: روزبه تطلب خاتم النبوة؟ فقلت
نعم فكشف عن كتفه فإذا انا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه عليه شعرات قال فسقطت
على قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) اقبلها، فقال لي: يا روزبه ادخل على هذه المرأة وقل لها يقول
لك محمد بن عبد الله: تبيعنا هذا الغلام فدخلت، وقلت لها: يا مولاتي ان محمد بن عبد الله
يقول لك: تبيعنا هذا الغلام؟ قالت قل له: لا أبيعكه إلا بأربع مئة نخلة: مئة نخلة منها
صفراء ومئة نخلة منها حمراء، قال: فجئت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبرته، فقال: ما أهون
ما سألت؟ ثم قال: قم يا علي فاجمع هذا النوى كله فأخذه وغرسه، ثم قال: اسقه
فأسقاه أمير المؤمنين فما بلغ آخره حتى خرج النخل ولحق بعضه بعضا، فقال لي: ادخل
إليها وقل لها: يقول لك محمد بن عبد الله: خذي شيئك وادفعي الينا شيئنا؟ قال:
277

فدخلت عليها وقلت لها ذلك فخرجت، ونظرت إلى النخل فقالت: والله لا أبيعكه
إلا بأربع مئة نخلة كلها صفراء فهبط جبرئيل " عليه السلام " فمسح جناحه على النخل فصار كله صفراء
قال: ثم قال لي: قل لها: إن محمدا يقول لك: خذي شيئك وادفعي الينا شيئنا فقلت لها
فقالت: والله نخلة من هذه أحب إلى من محمد ومنك، فقلت لها: والله ليوم مع محمد
أحب إلي منك ومن كل شئ أنت فيه فأعتقني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسماني سلمانا.
قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رحمه الله كان اسم
سلمان روزبه بن خشنوذان، وكان وصى وصى عيسى " عليه السلام " في أداء ما حمل إلى من انتهت
إليه الوصية من المعصومين، وهو أبى عليه السلام وقد ذكر قوم ان أبى هو أبو طالب
إنما اشتبه الامر به لان أمير المؤمنين " عليه السلام " سأل عن آخر أوصياء عيسى " عليه السلام " فقال أبى
فصحفه الناس وقالوا: أبى فيقال له: بردة أيضا ولله الحمد والمنة.
مجلس في ذكر سبب اسلام أبي ذر رحمه الله
قال الصادق " عليه السلام ": لرجل من أصحابه: ألا أخبرك كيف كان سبب إسلام أبي ذر
وسلمان؟ فقال الرجل: وا حظاه أما إسلام سلمان فقد علمته فأخبرني كيف كان سبب إسلام
أبي ذر؟ فقال الصادق " عليه السلام ": ان أبا ذر كان في بطن وادى يرعى غنما له إذ جاء ذئب
عن يمين غنمه فهش أبو ذر بعصاه عليه فجاء الذئب عن يسار غنمه فهش أبو ذر بعصاه
عليه ثم قال: والله ما رأيت ذئبا أخبث منك ولا أشر، فقال الذئب: أشر والله
منى أهل مكة بعث الله إليهم نبيا فكذبوه وشتموه فوقع كلام الذئب في اذن أبي ذر فقال
لأخته هلمي مزودي وإداوتي وعصائي ثم خرج يركض حتى دخل مكة فإذا هو بحلقة
مجتمعين فجلس إليهم فإذا هم يشتمون النبي (صلى الله عليه وآله) ويسبونه كما قال الذئب، فقال أبو ذر
هذا والله ما أخبرني به الذئب فما زالت هذه حالهم حتى إذا كان آخر النهار واقبل
أبو طالب قال بعضهم لبعض: كفوا فقد جاء عمه، فلما دنا منهم أكرموه وعظموه
فلم يزل أبو طالب متكلمهم وخطيبهم إلى أن تفرقوا، فلما قام أبو طالب تبعته فالتفت
إلي فقال: ما حاجتك؟ فقلت اطلب هذا النبي المبعوث فيكم؟ قال: وما حاجتك إليه؟ فقال له
278

أبو ذر: أؤمن به وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، فقال أبو طالب: تشهد أن لا
إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقلت: نعم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
قال فقال: إذا كان غدا في هذه الساعة فأتني، قال: فلما كان من الغد جاء أبو ذر فإذا الحلقة
مجتمعون وإذا هم يسبون النبي (صلى الله عليه وآله) ويشتمونه كما قال الذئب: فجلس معهم حتى إذا اقبل
أبو طالب فقال بعضهم لبعض: كفوا فقد جاء عمه فكفوا فجاء أبو طالب فجلس فما زال
متكلمهم وخطيبهم إلى أن قام، فلما قام تبعه أبو ذر فالتفت إليه أبو طالب فقال
ما حاجتك؟ قال: هذا النبي المبعوث فيكم؟ قال: وما حاجتك إليه؟ فقال له: أؤمن به
وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته فقال أبو طالب: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله فقال: نعم أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله قال: فرفعني إلى
بيت فيه جعفر بن أبي طالب، فلما دخلت سلمت فرد علي السلام ثم قال: ما حاجتك؟
قلت: هذا النبي المبعوث فيكم؟ قال: وما حاجتك إليه؟ قلت: أؤمن به وأصدقه
ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، قال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، قال
قلت: أشهد أن لا إله الله، وأشهد أن محمدا رسول الله فرفعني إلى بيت فيه حمزة
ابن عبد المطلب، فلما دخلت سلمت فرد علي السلام، ثم قال: وما حاجتك؟ قلت هذا
النبي المبعوث فيكم قال: وما حاجتك إليه قلت أؤمن به وأصدقه ولا يأمرني بشئ
إلا أطعته قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ قال قلت: أشهد أن لا إله
إلا الله، وأن محمدا رسول الله، قال: فرفعني إلى بيت فيه علي بن أبي طالب فلما دخلت
سلمت عليه فرد علي السلام. ثم قال: ما حاجتك؟ قلت هذا النبي المبعوث فيكم قال
وما حاجتك إليه؟ قلت أؤمن به وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، قال: تشهد
أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله؟ قال فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن
محمدا رسول الله، قال فرفعني إلى بيت فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا هو نور من نور
فلما دخلت سلمت عليه فرد علي السلام، ثم قال: ما حاجتك؟ قلت: هذا النبي المبعوث
فيكم قال: وما حاجتك إليه؟ فقلت: أؤمن به وأصدقه، ولا يأمرني بشئ إلا أطعته
قال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله؟ قلت: أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله: انا رسول الله
يا أبا ذر انطلق إلى بلادك فإنك تجد ابن عم لك قد مات فخذ ماله، وكن بها حتى يظهر
279

أمري قال أبو ذر: فانطلقت إلى بلادي فإذا ابن عم لي قد مات وخلف مالا كثيرا في
ذلك الوقت الذي أخبرني فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحتويت على ماله، وبقيت ببلادي
حتى ظهر أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأتيته.
مجلس في ذكر فضائل أصحابه رضي الله عنهم
قال الله تعالى في سورة الفتح: (وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله والذين معه
أشداء على الكفار رحماء بينهم تريهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم
في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج
شطأه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله
الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصحابة أربعة:
وقال أبو جعفر " عليه السلام ": أحب الصحابة إلى الله تعالى أربعة: وما زاد قوم على
سبعة إلا كثر لغطهم.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": السباق خمسة فأنا سابق العرب، وسلمان سابق فارس
وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبش وخباب سابق النبط.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": خلقت الأرض لسبعة نفر بهم يرزقون وبهم يمطرون
وبهم ينصرون: أبو ذر وسلمان، والمقداد وعمار وحذيفة، وعبد الله بن مسعود
وانا امامهم وهم الذين شهدوا الصلاة على فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي ان الجنة تشتاق إليك، والى عمار وسلمان
وأبي ذر والمقداد.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": الايمان عشر درجات، فالمقداد في الثامنة وأبو ذر في
التاسعة وسلمان في العاشرة.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوما لأصحابه أيكم يصوم الدهر؟ فقال سلمان انا يا رسول الله
قال رسول الله: فأيكم يحيى الليل؟ قال سلمان: انا يا رسول الله، قال: فأيكم يختم
280

القرآن في كل يوم؟ فقال سلمان: انا يا رسول الله فغضب بعض أصحابه، فقال
يا رسول الله ان سلمان رجل من الفرس يريد أن يفتخر علينا معاشر قريش قلت: أيكم
يصوم الدهر فقال: أنا وهو يأكل أكثر أيامه وقلت أيكم يحيى الليل؟ فقال
انا وهو أكثر ليله نائم وقلت أيكم يختم القرآن في كل يوم؟ قال: انا وهو أكثر نهاره
صامت فقال النبي (صلى الله عليه وآله): مه يا فلان انى لك بمثل لقمان الحكيم سله فإنه ينبئك فقال الرجل
يا أبا عبد الله الست زعمت أنك تصوم الدهر؟ فقال: نعم، قال: رأيتك في أكثر
نهارك تأكل، فقال: ليس حيث تذهب إليه انى أصوم الثلاثة في الشهر، فقال الله تعالى
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها واصل شعبان بشهر رمضان فذلك صوم الدهر، فقال
الست زعمت أنك تحيى الليل كله؟ فقال: نعم قال: أنت أكثر ليلك نائم، فقال: ليس
حيث تذهب ولكني سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من بات على طهر فكأنما
أحيا الليل فأنا أبيت على طهر فقال: الست زعمت أنك تختم القرآن في كل يوم؟ قال
نعم قال: فأنت أكثر أيامك صامت، فقال: ليس حيث تذهب، ولكني سمعت حبيبي
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي: يا أبا الحسن مثلك في أمتي مثل قل هو الله أحد فمن قرأها
مرة فقد قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فقد قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث
مرات فقد ختم القرآن كله فمن أحبك بلسانه فقد كمل له ثلث الايمان، ومن أحبك بلسانه
وقلبه فقد كمل له ثلثي الايمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل
الايمان والذي بعثني يا علي لو أحبك أهل الأرض كمحبة أهل السماء لما عذب أحد بالنار
وانا اقرأ قل هو الله أحد كل يوم ثلاث مرات فقام فكأنه ألقم حجرا.
قيل لأمير المؤمنين " عليه السلام ": حدثنا عن أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) حدثنا عن أبي ذر قال علم
العلم ثم أوكأه وربط عليه ربطا شديدا. فقالوا: فعن حذيفة قال: تعلم أسماء المنافقين
قالوا: فعن عمار بن ياسر، قال مؤمن ملى مشاشة إيمانا نسي إذا ذكر ذكر. قيل فعن
عبد الله بن مسعود قال: قرأ القرآن فنزل عنده، قالوا: فحدثنا على سلمان قال: أدرك
العلم الأول والآخر وهو بحر لا ينزح، وهو منا أهل البيت قالوا: فحدثنا عنك
يا أمير المؤمنين، قال: كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتديت.
قال ابن عباس: رأيت سلمان الفارسي رحمه الله في منامي، فقلت: له يا سلمان
الست مولى النبي؟ قال بلى فإذا عليه تاج من ياقوت، وعليه حلى وحلل فقلت: يا سلمان
281

هذه منزلة حسنة أعطاكها الله تعالى؟ فقال: نعم قلت: فما رأيت في الجنة أفضل بعد
الايمان بالله ورسوله قال: ليس في الجنة بعد الايمان بالله ورسوله شئ هو أفضل من
حب علي بن أبي طالب والاقتداء به.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله). ان الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إلى الجنة وان الجنة
لأعشق لسلمان من سلمان إلى الجنة.
قال الباقر " عليه السلام ". جاء المهاجرون والأنصار وغيرهم بعد ذلك إلى علي " عليه السلام " فقالوا له
أنت والله أمير المؤمنين وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبي (صلى الله عليه وآله) هلم يدك نبايعك
فوالله لنموتن قدامك، فقال علي " عليه السلام ". ان كنتم صادقين فاغدوا على غدا محلقين فحلق
علي " عليه السلام " وحلق سلمان وحلق المقداد، وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم ثم انصرفوا فجاؤوا
مرة أخرى بعد ذلك، فقالوا له. أنت والله أمير المؤمنين وأنت أحق الناس وأولاهم
بالنبي هلم يدك نبايعك وحلفوا، فقال إن كنتم صادقين فاغدوا علي محلقين فما حلق
إلا هؤلاء الثلاثة قلت. فما كان منهم عمار؟ قال لا قلت. فعمار من أهل النفاق فقال إن
عمارا قد قاتل مع علي عليه السلام.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ". قال أمير المؤمنين " عليه السلام ". يا سلمان اذهب إلى فاطمة " عليه السلام "
فقل لها. أتتحفيني من تحف الجنة فذهب إليها سلمان فإذا بين يديها ثلاث سلال فقال
لها يا بنت رسول الله أفتتحفيني؟ قالت هذه سلال جاءني بهن ثلاث وصائف فسألتهن عن
أسمائهن فقالت واحدة انا سلمى لسلمان، وقالت الأخرى: انا ذرة لأبي ذر وقالت
الأخرى انا مقدودة لمقداد ثم قبضت قبضة فناولتني فما مررت بملأ إلا ملئوا طيبا لريحها.
قال أبو الحسن موسى " عليه السلام ". إذا كان يوم القيامة ينادى مناد أين حواري محمد
ابن عبد الله رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد
وأبو ذر ثم ينادى أين حواري علي بن أبي طالب وصى محمد بن عبد الله رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى الثمار مولى بنى أسد وأويس
القرني ثم ينادى المنادى أين حواري حسن بن علي بن فاطمة بنت محمد بن عبد الله
رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فيقوم سفيان بن ليلى الهمداني وحذيفة بن أسد الغفاري، ثم قال
ينادى أين حواري حسين بن علي؟ فيقوم من استشهد معه ولم يتخلف عليه قال: ثم
ينادى أين حواري علي بن الحسين؟ فيقوم جبير بن مطعم، ويحيى بن أم الطويل
282

وأبو خالد الكابلي وسعيد بن المسيب، ثم ينادى أين حواري محمد بن علي وحواري
جعفر بن محمد؟ فيقوم عبد الله بن شريك العامري وزرارة بن أعين وبريد بن معاوية العجلي
ومحمد بن مسلم وأبو بصير وليث بن البحتري المرادي، وعبد الله بن أبي يعفور وعامر
ابن عبد الله بن جذاعة، وحجر بن زائدة وحمران بن أعين، ثم ينادى سائر الشيعة
مع سائر الأئمة عليهم السلام يوم القيامة فهؤلاء أول السابقين وأول المقربين وأول
المتحورين من التابعين.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله). ان الله تعالى أمرني بحب أربعة قالوا ومن هم يا رسول الله؟
قال: علي بن أبي طالب ثم سكت، ثم قال إن الله تعالى أمرني بحب أربعة قالوا: من
هم يا رسول الله؟ قال: علي بن أبي طالب، ثم سكت ثم قال إن الله أمرني بحب أربعة
قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: علي بن أبي طالب والمقداد بن الأسود
وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، ذكر سلمان الفارسي عند أبي جعفر " عليه السلام ".
قال أبو جعفر: مه لا تقولوا سلمان الفارسي، ولكن قولوا: سلمان المحمدي
ذاك رجل منا أهل البيت، قال أبو جعفر " عليه السلام ": جلس عدة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ينتسبون وفيهم سلمان الفارسي، وان عمر سأله عن نسبه وأصله، فقال: انا سلمان
ابن عبد الله كنت ضالا فهداني الله بمحمد، وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد فهذا
حسبي ونسبي، ثم خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحدثه سلمان وشكا إليه ما لقي من القوم
وما قال لهم فقال: النبي (صلى الله عليه وآله) يا معشر قريش ان حسب الرجل دينه ومروته خلقه
واصله عقله.
قال الله تعالى: انا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
ان أكرمكم عند الله أتقاكم، يا سلمان لا لاحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله فإن كان
التقوى لك عليهم فأنت أفضل، قال عمرو بن يزيد قال سلمان: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لي إذا حضرك أو اخذك الموت حضر أقوام يجدون الريح ولا يأكلون، ثم اخرج صرة
من مسك فقال: هبة أعطانيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم بلها ونضحها حوله ثم قال لامرأته
قومي أجيفي الباب فقامت وأجافت الباب فرجعت وقد قبض رضي الله عنه.
وقال أبو علي المروزي المحمودي رفعه.
قال أبو ذر الذي قال له: رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على
283

ذي لهجة أصدق من أبي ذر يعيش وحده ويموت وحده، ويبعث وحده ويدخل الجنة
وحده وهو الهاتف بفضائل أمير المؤمنين، ووصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستخلافه
إياه فنفوه عن حرم الله وحرم رسول الله بعد حملهم إياه من الشام على قتب بلا وطأ
وهو يصيح فيهم وقد جاز القطار تحمل النار سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا بلغ بنو
أبى العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا فقتلوه
فقرا وجوعا وضرا وصبرا.
(وروى): ان أبا ذر مكث بالربذة حتى مات، فلما حضرته الوفاة قال لامرأته
اذبحي شاة من غنمك واصنعيها فإذا نضجت فاقعدي على قارعة الطريق فأول ركب ترينهم
قولي: يا عباد الله الصالحين هذا أبو ذر صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قضى نحبه ولقى ربه
فأعينوني عليه فأجيبوه فان رسول الله أخبرني انى أموت في ارض غربة وانه يلي غسلي
ودفني والصلاة على رجال من أمته الصالحون.
قال محمد بن علقمة: خرجت في رهط أريد الحج منهم مالك بن الحارث الأشتر
وعبد الله بن قفل التيمي، ورفاعة بن شداد البجلي حتى قدمنا الربذة فإذا امرأة على قارعة
الطريق تقول: عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد هلك غريبا
ليس لي أحد يعينني عليه، قال: فنظر بعضهم إلى بعض فحمدنا الله عل ما ساق
فاسترجعنا لعظيم المصيبة، ثم أقبلنا معها فجهزناه وتنافسنا في كفنه حتى اخرج من بيننا
بالسواء ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه، ثم قدمنا مالك الأشتر فصلى بنا عليه ثم
دفناه فقام الأشتر على قبره، ثم قال: اللهم ان هذا أبو ذر صاحب رسولك عبدك في
العابدين وجاهد فيك المشركين لم يغير ولم يبدل لكنه رأى منكرا فغيره بلسانه وقلبه حتى
جفى ونفى وحرم واحتقر، ثم مات وحيدا غريبا اللهم فاقصم من حرمه ونفاه من
مهاجره وحرم رسولك، قال فرفعنا أيدينا جميعا وقلنا آمين ثم قدمت الشاة التي صنعت
فقالت أيها الصالحون قد اقسم عليكم أن لا تبرحوا حتى تتغذوا فتغذينا وارتحلنا.
قال الصادق عليه السلام: دخل أبو ذر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه جبرئيل فقال
جبرئيل " عليه السلام ": من هذا يا رسول الله؟ قال: أبو ذر قال أما انه في السماء اعرف منه
في الأرض.
قال الصادق " عليه السلام ": أرسل عثمان إلى أبي ذر موليين ومعهما مئتي دينار فقال لهما
284

انطلقا بها إلى أبي ذر فقولا له عثمان يقرأك السلام وهو يقول لك: هذه مائتي دينار فاستعن
بها على ما نابك، فقال أبو ذر: فهل أعطى أحدا من المسلمين مثل ما أعطاني فقالا لا
قال فانا رجل من المسلمين يسعني ما يسع المسلمين فقالا له أنه يقول هذا من صلب مالي وبالله
الذي لا إله إلا هو ما أخالطها حراما ولا بعثت بها إليك إلا من حلال فقال: لا حاجة لي
فيها وقد أصبحت يومى هذا وانا من أغنى الناس فقالا له عافاك الله وأصلحك ما نرى في
بيتك قليلا ولا كثيرا مما تستمتع به فقال: بلى تحت هذا الاكاف الذي ترون رغيفا شعيرا
قد أتى عليها أيام فما اصنع بهذه الدنانير لا والله حتى يعلم الله وانى لا أقدر على قليل ولا
كثير، ولقد أصبحت غنيا بولاية علي بن أبي طالب وعترته الهادين المهديين الراضين
المرضيين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون فكذلك سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول إنه لقبيح
بالشيخ يكون كذا بأفردهما عليه وأعلماه انه لا حاجة لي فيها ولا فيما عنده حتى القى الله ربى
فيكون هو الحاكم فيما بينه وبيني.
قال أبو الحسن " عليه السلام ": قال أبو ذر " رض ": من جزاه الله عنه الدنيا خيرا فجزاه
الله عنى مذمة بعد رغيفي شعيرا أتغذى بأحدهما وأتعشى بالآخر وبعد شملني صوف أتزر
بأحدهما وأرتدي بالأخرى.
قال: قال إن أبا ذر بكى من خشية الله حتى اشتكى عينه فخافوا عليهما فقيل يا أبا ذر
لو دعوت الله في عينيك، فقال: انى عنهما لمشغول وما عناني أكبر فقيل: ما شغلك
عنهما؟ قال: العظيمتان الجنة والنار، وقيل عند الموت يا أبا ذر ما مالك؟ قال: عملي
قالوا: إنما نسألك عن الذهب والفضة، قال ما أصبح فلا أمسى وما أمسى فلا أصبح لنا
كندوج فيه حرمتا عنا سمعت خليلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: كندوج المرء قبره.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أراد أن ينظر إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى زهد أبي ذر.
قيل لأبي جعفر " عليه السلام ": ما تقول في عمار: قال رحم الله عمار ثلاثا قاتل مع
أمير المؤمنين عليه السلام وقتل شهيدا.
قال الراوي: فقلت في نفسي ما تكون منزلة أعظم من هذه المنزلة فالتفت إلي وقال
لعلك تقول مثل الثلاثة هيهات هيهات، قال قلت: وما علمه انه يقتل في ذلك اليوم
قال: إنه لما رأى الحرب لا تزداد إلا الشدة، والقتل لا يزداد إلا الكثرة ترك الصف
وجاء إلى أمير المؤمنين " عليه السلام " فقال يا أمير المؤمنين هو هو؟ قال. ارجع إلى صفك فقال
285

له ذلك ثلاث مرات كل ذلك يقول: ارجع إلى صفك، فلما كان في الثالثة قال له: نعم
فرجع إلى صفه، وهو يقول: اليوم القى الأحبة محمدا وحزبه.
(وروى) انه أتى عمار يومئذ بلبن فضحك، ثم قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله)
آخر شراب تشربه في الدنيا مذقة من لبن.
(وروى) انه أبصر عبد الله بن عمر رجلان يختصمان في رأس عمار رضي الله عنه
يقول هذا: انا قتلته، ويقول هذا انا قتلته، فقال ابن عمر: يختصمان أيهما يدخل
النار أولا ثم قال. سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: قاتله وسالبه في النار فبلغ ذلك
معاوية، فقال ما نحن قتلناه إنما قتله من جاء به.
وقال ابن الفارسي: أقول إنه يلزم معاوية على هذا القول أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله)
قاتل حمزة وجعفر والشهداء لأنه هو الذي جاء بهم.
(وروى) انه لما قتل عمار رضي الله عنه اتوا حذيفة رضي الله عنه فقالوا
يا أبا عبد الله قتل هذا الرجل، وقد اختلف الناس فما تقول؟ قال أما إذا أبيتم
فأجلسوني قال فأسندوه إلى صدر رجل منهم.
وقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله). يقول: أبو اليقظان على الفطرة ثلاث مرات لن
يدعها حتى يموت، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله. ما خير عمار بين أمرين
إلا اختار أشدهما.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله). ان الجنة تشتاق إلى ثلاثة: قال علي " عليه السلام ". من هؤلاء
الثلاثة؟ قال: أنت منهم وأنت أولهم، وسلمان الفارسي فإنه قليل الكبر وهو لك
ناصح فاتخذه لنفسك وعمار بن ياسر يشهد معك مشاهد غير واحدة ليس منها إلا وهو
كثير خيره مضئ نوره عظيم أجره.
قال الصادق " عليه السلام ": ما من أهل بيت إلا ومنهم نجيب وأنجب النجباء من أهل بيتي
محمد بن أبي بكر.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وأبصركم بالحلال
والحرام وعمار بن ياسر من السابقين والمقداد بن الأسود من المجتهدين ولكل شئ فارس
وفارس القرآن عبد الله بن العباس.
وقد ذكرنا يسيرا من فضل جابر بن عبد الله الأنصاري في باب مناقب الباقر " عليه السلام "
286

فلو ذكرنا فضائل الصحابة بأجمعهم واستوفينا مناقبهم لطال الكتاب وخرج من
الغرض وهذا كاف إنشاء الله.
قال محمد بن أبي طلحة العوني: سلام على سلمان من بعد سادتي * سلام على عمارها وأبي ذر
سلام على المقداد منى وأنني * أبيت وفى قلبي أحر من الجمر
فقال أبو فراس الحارث بن سعيد الهمداني:
هيهات لا قربت قربى ولا رحم * يوما إذا قصت الأخلاق والشيم
كانت مودة سلمان له رحما * ولم يكن بين نوح وابنه رحم
مجلس في ذكر مناقب أصحاب الأئمة
وفضائل الشيعة والابدال
قال الله تعالى في سورة يونس: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة لا تبديل لكلمات الله
ذلك هو الفوز العظيم).
وقال في سورة الأحزاب: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا
فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا).
وقال في سورة الحجرات: (إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم).
وقال في سورة الحديد: (والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون
والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم).
(وروى) ان أمير المؤمنين " عليه السلام " خرج يوما إلى بستان البري موضع في ظهر الكوفة
ومعه أصحابه فجلس تحت نخلة، ثم أمر بنخلة فلقطت فأنزل منها رطب فوضع بين
أيديهم فقال رشيد الهجري يا أمير المؤمنين: ما أطيب هذا الرطب؟ فقال: يا رشيد
أما انك تصلب على جذعها، قال رشيد: فكنت اختلف إليها طرفي النهار أسقيها ومضى
أمير المؤمنين " عليه السلام " قال رشيد: فجئتها يوما وقد قطع سعفها قلت اقترب أجلى ثم جئت
287

يوما فجاء العريف فقال: أجب الأمير فأتيته، فلما دخلت القصر إذا بخشب ملقى ثم جئت
يوم آخر فإذا النصف الآخر قد جعل زرنوقا يستقى الماء عليه فقلت ما كذبني خليلي
فأتاني العريف فقال أجب الأمير فأتيته، فلما دخلت القصر إذا الخشب ملقى وإذا فيه
الزرنوق فجئت حتى ضربت الزرنوق برجلي، ثم قلت لك غذيت ولى انبت ثم أدخلت
على عبيد الله بن زياد، فقال: هات من كذب صاحبك، قلت: والله ما أنا بكذاب
ولقد أخبرني انك تقطع يدي ورجلي ولساني، فقال إذا نكذبه اقطع يده ورجله
وأخرجوه، فلما حمل إلى أهله اقبل يحدث الناس بالعظائم وهو يقول سلوني فان للقوم
عندي طلبة لم يقضوها فدخل رجل على ابن زياد فقال له ما صنعت قطعت يده ورجله وهو
يحدث الناس بالعظائم قال فأرسل إليه فردوه وقد انتهى إلى بابه فردوه فأمر بقطع لسانه
ويديه ورجليه وأمر بصلبه.
(وروى) ان ميثم التمار أتى دار أمير المؤمنين " عليه السلام " فقيل له: انه لنائم فنادى
بأعلى صوته انتبه أيها النائم فوالله لتخضبن لحيتك من رأسك فانتبه أمير المؤمنين " عليه السلام "
فقال: ادخلوا ميثما، فقال له: أيها النائم والله لتخضبن لحيتك من رأسك فقال
صدقت وأنت والله ليقطع يداك ورجلاك ولسانك وليقطعن النخلة التي بالكناسة فتشق
أربع قطعات وتصلب أنت على ربعها، وحجر بن عدي على ربعها ومحمد بن أكثم على
ربعها وخالد بن مسعود على ربعها.
قال ميثم: فشككت في نفسي فقلت ان عليا ليخبرنا بالغيب فقلت له: أو كائن ذلك
يا أمير المؤمنين؟ قال: أي ورب الكعبة كذا عهده النبي (صلى الله عليه وآله) قال قلت له: من يفعل
ذلك بي يا أمير المؤمنين؟ قال ليأخذك العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زياد
قال: فكان يخرج إلى الجبانة وانا معه فيمر بالنخلة فيقول: يا ميثم ان لك ولها شأنا من
الشأن قال: فلما ولى عبيد الله بن زياد الكوفة، ودخلها تعلق علمه بالنخلة فأمر بقطعها
فاشتراها رجل من النجارين فشقها أربع قطع، قال ميثم فقلت لصالح ابني فخذ مسمارا
من حديد فأنقش عليه اسمى واسم أبى ودقة في بعض تلك الأجذاع، فلما مضى بعد ذلك
أيام أتوني قوم من أهل السوق، فقالوا يا ميثم انهض معنا إلى الأمير نشكو إليه عامل
السوق ونسأله ان يعزله عنا ويولى علينا غيره، قال: وكنت خطيب القوم فصنت لي
وأعجبه منطقي، قال له عمرو بن حريث: أصلح الله الأمير تعرف هذا المتكلم؟ قال
288

ومن هو؟ قال هذا ميثم التمار الكذاب مولى الكذاب علي بن أبي طالب قال فاستوى
جالسا فقال لي: ما يقول؟ فقلت كذب أصلح الله الأمير بل انا الصادق مولى الصادق
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين حقا، فقال لي: لتبرأن من علي ولتذكرن مساويه
وتتولى عثمان وتذكر محاسنه أو لأقطعن يديك ورجليك ولأصلبنك فبكيت، قال لي
بكيت من القول دون الفعل، فقلت والله ما بكيت من القول، ولا من الفعل ولكني
بكيت من شك كان دخلني يوم خبرني سيدي ومولاي، قال لي: وما قال لك؟ قال قلت
أتيت الباب فقيل لي انه لنائم فناديت انتبه أيها النائم فوالله لتخضبن لحيتك من رأسك
قال: صدقت وأنت والله ليقطعنك يديك ورجليك ولسانك ولتصلبن فقلت. ومن يفعل
ذلك بي يا أمير المؤمنين؟ فقال: يأخذك العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زياد
قال. فامتلأ غيظا ثم قال. والله لأقطعن يديك ورجليك ولأدعن لسانك حتى أكذبك
وأكذب مولاك فأمر به فقطعت يداه ورجلاه، ثم اخرج فأمر به ان يصلب فنادى
بأعلا صوته أيها الناس من أراد أن يسمع الحديث المكنون عن علي بن أبي طالب " عليه السلام "
فاجتمع الناس واقبل يحدثهم بالعجائب، قال وخرج عمرو بن حريث وهو يريد
منزله فقال. ما هذه الجماعة؟ قالوا ميثم التمار يحدث الناس عن علي بن أبي طالب قال
فانصرف مسرعا، فقال أصلح الله الأمير بادر فابعث إلى هذا من يقطع لسانه فانى لست
آمن ان يتغير قلوب أهل الكوفة فيخرجوا عليك قال فالتفت إلى حرس فوق رأسه
فقال اذهب فاقطع لسانه قال: فأتاه الحرسي فقال له. يا ميثم قال ما تشاء؟ قال اخرج
لسانك فقد أمرني الأمير بقطعه، فقال ميثم: ألا زعم ابن الأمة الفاجرة انه يكذبني
ويكذب مولاي هاك لساني فاقطع، قال فقطع لسانه وشحط ساعة في دمه ثم مات
رحمة الله عليه وأمر به فصلب قال صالح فمضيت بعد ذلك بأيام فإذا هو قد صلب على الربع
الذي كنت دققت المسمار فيه.
قال النبي (صلى الله عليه وآله) ذات يوم لأصحابه أبشروا برجل من أمتي يقال له أويس القرني
فإنه يشفع بمثل ربيعة ومضر، ثم قال لعمر: يا عمر إن أدركته فاقرأه منى السلام فبلغ
عمر مكانه بالكوفة فجعل يطلبه في الموسم لعله ان يحج حتى وقع إليه هو وأصحابه له وهو
من أخسهم هيئة وارثهم حالا، فلما سأل عنه أنكروا ذلك وقالوا يا أمير المؤمنين تسأل
عن رجل لا يسأل عنه مثلك قال فلم؟ قالوا: لأنه عندنا مغمور في عقله وربما عبث به
289

الصبيان قال عمر ذاك أحب لي، ثم وقف عليه فقال: يا أويس ان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أودعني إليك رسالته وهو يقرأ عليك السلام، وقد أخبرني انك تشفع بمثل ربيعة
ومضر فخر أويس ساجدا ومكث طويلا ما ترقى له دمعة حتى ظنوا انه مات ونادوه
يا أويس هذا أمير المؤمنين فرفع رأسه، ثم قال يا أمير المؤمنين أفاعل ذلك؟ قال نعم
يا أويس فأدخلني في شفاعتك فأخذ الناس في طلبه والتمسح به فقال: يا أمير المؤمنين
شهرتني وأهلكتني وكان يقول كثيرا ما لقيت من عمر ثم قتل بصفين في الرجالة مع علي
ابن أبي طالب " عليه السلام " قال سعيد بن المسيب كان القوم لا يخرجون من مكة حتى يخرج علي
ابن الحسين زين العابدين، فخرج وخرجت معه فنزل في بعض المنازل فصلى ركعتين سبح
في سجوده فلم يبق شجر، ولا مدر إلا سبحوا معه ففرغنا فرفع رأسه، فقال يا سعيد
أفرغت؟ فقلت نعم يا بن رسول الله، قال: هذا التسبيح الأعظم وقال أبو عبد الله " عليه السلام "
ان سعيد بن جبير كان يأتم بعلي بن الحسين فكان علي يثنى عليه شئ، وما كان سبب قتل
الحجاج له إلا على هذا الامر، وكان مستقيما وذكر أنه لما دخل على الحجاج بن يوسف
قال أنت شقى بن كسير، قال أمي كانت اعرف باسمي سمتني سعيد بن جبير قال: ما تقول
في أبى بكر وعمر هما في الجنة أو في النار؟ قال: لو دخلت الجنة، ورأيت أهلها لعلمت
من فيها ولو دخلت النار ورأيت أهلها لعلمت من فيها، قال: فما قولك في الخلفاء؟
قال: لست عليهم بوكيل، قال أيهم أحب إليك؟ قال أرضاهم لخالقي، قال فأيهم
أرضى للخالق قال: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم، قال: أبيت ان تصدقني
قال: بل لم أحب ان أكذبك.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": زرارة وأبو بصير، ومحمد بن مسلم وبريد من الذين قال
الله تعالى: والسابقون السابقون أولئك المقربون.
وقال عليه السلام: ما أحيا ذكرنا وأحاديث أبى عبد الله " عليه السلام " إلا زرارة وأبو بصير
ليث المرادي ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية البجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط
هذا، هؤلاء حفاظ الدين، وامناء أبى علي حلال الله وحرامه، وهم السابقون الينا
في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة، وقد ذكرنا طرفا من مناقب أصحاب
الأئمة عليهم السلام ولو خضت في استيفاء ذكرهم وذكر مناقبهم لطال به الكتاب فمن أراد
استيفاء ذلك فعليه باختيار الشيخ أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسي من كتاب
290

أبى عمرو الكشي فليطلب منه فإنه يجد هناك مراده إن شاء الله.
وقال أبو جعفر " عليه السلام ": ان الله تعالى أعطى المؤمن ثلاث خصال: العز في الدنيا في
دينه والفلاح في الآخرة والمهابة في صدور العالمين.
وقال أحدهما عليهما السلام: ليس تخلوا الأرض من أربعة من المؤمنين وقد
يكونون أكثر ولا يكونون أقل من أربعة، وذلك أن الفسطاط لا يقوم إلا بأربعة
اطناب والعمود في وسطه.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": المؤمن يتقلب في خمسة من النور: مدخله نور ومخرجه
نور وعلمه نور وكلامه نور، ومنظره يوم القيامة إلى النور.
وقال عليه السلام: كمال الرجال بست خصال: بأصغريه وأكبريه وهيبتيه فأما
أصغراه فقلبه ولسانه ان قال قال بجنان وان تكلم: تكلم ببيان، وأما أكبراه فعقله
وهمته وأما هيبتاه فماله وجماله.
قال علي بن الحسين عليهما السلام: الناس في زماننا على ست طبقات: أسد وذئب
وثعلب وكلب وخنزير وشاة، فأما الأسد فملوك الدنيا يحب كل واحد أن يغلب
ولا يغلب وأما الذئب فتجاركم يذمون إذا اشتروا، ويمدحون إذا باعوا، وأما الثعلب
فهؤلاء الذين يأكلون بأديانهم، ولا يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم، واما الخنزير
فهؤلاء المخنثون وأشباههم لا يدعون إلى فاحشة إلا أجابوه، وما الكلب يهر من على
الناس بلسانه ويكرهه الناس من شر لسانه، واما الشاة الذين يجز شعورهم ويؤكل
لحومهم ويكسر عظمهم فكيف تصنع الشاة بين أسد، وذئب وثعلب وكلب وخنزير.
وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": للمؤمن على المؤمن سبع حقوق واجبات ما فيها
حق إلا وهو عليه واجب ان خالفه خرج من ولاية الله وترك طاعة الله ولم يكن لله فيه
نصيب قال: قلت جعلت فداك حدثني ما هن؟ قال: أيسر حق منها ان يحب له ما يحب
لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، والحق الثاني: ان يمشي في حاجته، ويبتغى رضاه
ولا يخالف قوله، والحق الثالث: ان تصله بنفسك ومالك، ويدك ورجلك ولسانك
والحق الرابع: أن يكون عينه ودليله، ومرآته وقميصه، والحق الخامس: أن لا تشبع
ويجوع ولا تلبس ويعرى، ولا تروى ويظمأ، والحق السادس أن يكون لك خادم
وامرأة وليس لأخيك امرأة ولا خادم ان تبعث خادمك فيغسل ثيابه، ويصنع طعامه
291

ويمهد فراشه فان ذلك كله إنما جعل بينك وبينه، والحق السابع ان تبر قسمه وتجيب
دعوته وتشهد جنازته، وتعوده في مرضه وتشخص ببدنك في قضاء حاجته ولا تحوجه
إلى أن يسألك ولكن تبادر إلى قضاء حوائجه، فإذا فعلت ذلك به وصلت ولايته بولايتك
وولايتك بولاية الله تعالى.
وقال عليه السلام: ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال: وقور عند الهزاهز
صبور عند البلاء شكور عند الرخاء قانع بما رزقه الله لا يظلم الأعداء ان العلم خليل المؤمن
والحلم وزيره والصبر أمير جنده والرفق أخوه والدين والده.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله تعالى
الاجلال في عينيه والود في صدره، والمواساة له في ماله وان يحرم غيبته وان يعوده
في مرضه وان يشيع جنازته، وان لا يقول فيه بعد موته إلا خيرا.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): ان الله تبارك وتعالى إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي
وفيها ثلاثة نفر من المؤمنين ناداهم جل جلاله وتقدست أسماؤه، يا أهل معصيتي لولا
من فيكم من المؤمنين المتحابين بحلالي العامرين بصلاتهم أرضى ومساجدي، والمستغفرين
بالأسحار خوفا منى لأنزلت بكم عذابي ولا أبالي.
وقال عليه السلام: من ساءته سيئة، وسرته حسنة فهو مؤمن.
وقال الصادق " عليه السلام ": قضاء حاجة المؤمن أفضل من الف حجة متقبلة بمناسكها وعتق
الف رقبة لوجه الله، قضاء المؤمن أفضل من الف حجة متقبلة بمناسكها، وعتق الف
رقية لوجه الله، وحملان الف فرس في سبيل الله بسرجها ولجمها.
وقال عليه السلام: من رأى أخاه على امر يكرهه فلم يرده عنه وهو يقدر عليه فقد
خانه ومن لم يجتنب مصادقة الأحمق أوشك ان يتخلق بأخلاقه.
وقال عليه السلام: لا ينفك المؤمن من خصال أربع: جبار يؤذيه، وشيطان
يغويه ومنافق يقفو أثره، ومؤمن يحسده.
قال سماعة قلت: جعلت فداك ومؤمن يحسده؟ قال يا سماعة اما انه أشدهم عليه
قلت وكيف ذاك؟ قال لأنه يقول فيه القول فيصدق عليه.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من عرف الله، وعظمه منع فاه من الكلام وبطنه من
الطعام وعنا نفسه بالصيام والقيام، قالوا: بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله هؤلاء أولياء
292

الله؟ قال: إن أولياء الله إذا سكتوا كان سكوتهم فكرا، ونظروا فكان نظرهم عبرة
ونطقوا فكان نطقهم حكمة، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة لولا الآجال التي كتبت
عليهم لم يستقر أرواحهم في أجسادهم خوفا من العذاب وشوقا إلى الثواب.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يعذب الله أهل قرية وفيها مئة من المؤمنين لا يعذب
الله أهل قرية وفيها خمسون من المؤمنين، لا يعذب الله أهل قرية وفيها عشرة من
المؤمنين ولا يعذب الله أهل قرية وفيها خمسة من المؤمنين، لا يعذب الله أهل قرية
وفيها رجل واحد من المؤمنين.
(وروى) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظر إلى الكعبة، فقال مرحبا بالبيت ما أعظمك
وأعظم حرمتك على الله ووالله للمؤمن أعظم حرمة منك لان الله حرم منك واحدة
ومن المؤمن ثلاثة: ماله، ودمه وان يظن به ظن السوء.
وقال أيضا صلى الله عليه وآله: من آذى مؤمنا فقد آذاني، ومن آذاني فقد
آذى الله عز وجل، ومن آذى الله فهو ملعون في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.
وقال صلى الله عليه وآله: مثل المؤمن كمثل ملك مقرب، وان المؤمن أعظم عند
الله وأكرم عليه من ملك مقرب وليس شئ أحب إلى الله من مؤمن تائب، ومؤمنة
تائبة وان المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل في أهله وولده.
مجلس في ذكر فضائل الشيعة
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": الشيعة ثلاث: محب واد فهو منا، ومتزين بنا ونحن
زين لمن تزين بنا ومستأكل بنا الناس، ومن استأكل بنا افتقر.
وعنه عليه السلام قال: امتحنوا شيعتنا عند ثلاث: عند مواقيت الصلاة كيف
محافظتهم عليها، وعند اسرارهم كيف حفظهم عند عدونا، والى أموالهم كيف
مواساتهم لإخوانهم فينا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي بشر شيعتك وأنصارك بخصال عشر:
(أولها) طيب المولد.
293

(وثانيها) حسن إيمانهم بالله.
(وثالثها) حب الله عز وجل لهم.
(ورابعها) الفسحة في قبورهم.
(وخامسها) النور على صراط بين أعينهم.
(وسادسها) نزع الفقر من بين أعينهم وعن قلوبهم.
(وسابعها) المقت من الله لأعدائهم.
(وثامنها) الامن من الجذام يا علي.
(وتاسعها) انحطاط الذنوب والسيئات عنهم.
(وعاشرها) هم معي في الجنة وأنا معهم.
وقال أبو جعفر " عليه السلام ": إنما شيعة علي " عليه السلام " الشاحبون الناحلون الذابلون، ذابلة شفاههم
خمصة بطونهم متغيرة ألوانهم مصفرة وجوههم، إذا جنهم الليل اتخذوا الأرض فراشا
واستقبلوا الأرض بجباههم، كثيرة سجودهم كثيرة دموعهم، كثير دعاءهم كثير بكاؤهم
يفرح الناس وهم يحزنون.
قال أبو جعفر " عليه السلام ": أيكتفى من انتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت فوالله
ما شيعتنا إلا من اتقى الله وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع وكثرة
ذكر الله والصوم والصلاة والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام
وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير فكانوا امناء
عشائرهم في الأشياء، فقال جابر: يا بن رسول الله لست اعرف أحدا بهذه الصفة
فقال عليه السلام: يا جابر لا يذهبن بك المذاهب حسب الرجل أن يقول أحب عليا
وأتولاه، فلو قال إني أحب رسول الله فرسول الله خير من على، ثم لا يعمل بعمله
ولا يتبع سنة ما نفعه حبه إياه شيئا فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ليس بين الله وبين
أحد قرابة، أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه اتقاهم له، وأعلمهم بطاعته، والله
ما يتقرب إلى الله تعالى إلا بالطاعة ما معنا براءة من النار، ولا على الله لاحد من حجة
من كان لله مطيعا فهو لنا ولى، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، ولا ينال ولايتنا
إلا بالورع والعمل.
وقال الصادق " عليه السلام ": خرجت انا وأبى عليهما السلام حتى إذا كنا بين القبر والمنبر
294

إذ هو بأناس من الشيعة فسلم عليهم ثم قال: انى والله لأحب ريحكم وأرواحكم فأعينوني
على ذلك بورع واجتهاد، واعلموا ان ولايتنا لا تنال إلا بالعمل والاجتهاد من إئتم
منكم بعبد فليقتد بعمله أنتم شيعة الله وأنتم أنصار الله، وأنتم السابقون الأولون
والسابقون الآخرون إلينا السابقون في الدنيا إلى ولايتنا، والسابقون في الآخرة إلى
الجنة قد ضمنا لكم الجنة بضمان الله وضمان رسول الله على درجات الجنة ليس أحد أكثر أزواجا
منكم فتنافسوا في فضائل الدرجات أنتم الطيبون، ونسائكم الطيبات كل مؤمنة حوراء
عيناء وكل مؤمن صديق، ولقد قال أمير المؤمنين " عليه السلام " لقنبر: يا قنبر أبشر وبشر
واستبشر ولقد مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو على أمته ساخط إلا الشيعة، ألا وان لكل
شئ عروة وعروة الاسلام الشيعة ألا وان لكل شئ دعامة ودعامة الاسلام الشيعة ألا وان
لكل شئ شرفا وشرف الاسلام الشيعة، ألا وان لكل شئ سيدا وسيد المجالس مجالس
الشيعة، ألا وان لكل شئ إماما وإمام الأرض ارض يسكنها الشيعة، والله لولا ما في
الأرض منكم لما أنعم الله على أهل خلافكم، ولا أصابهم الطيبات ما لهم في الدنيا ولا لهم
في الآخرة من نصيب كل ناصب وان تعبد واجتهد فمنسوب إلى هذه الآية: (عاملة ناصبة
تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغنى
من جوع) كل ناصب مجتهد فعمله هباء شيعتنا ينظرون بنور الله عز وجل ومن خالفهم
يتقلب والله ما من عبد من شيعتنا ينام إلا اصعد الله عز وجل بروحه إلى السماء فإن كان
قد أتى عليه أجله جعله الله في كنوز رحمته وفى رياض جنته وفى ظل عرشه وإن كان اجله
متأخرا عنه بعث به مع أمينه من الملائكة إلى الجسد الذي خرج منه ليسكن فيه والله ان
حجاجكم وعماركم لخاصة الله، وان فقرائكم لأهل الغنى وان أغنيائكم لأهل القنوع وانكم
كلكم لأهل دعوة الله وأهل اجابته.
وقال الباقر " عليه السلام ": سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن خيار العباد، فقال إذا أحسنوا استبشروا
وإذا أساؤوا استغفروا وإذا اغنوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا وإذا غضبوا غفروا.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني
ما أبغضني ولو صببت الدنيا بجملتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني وذلك أنه قضى
فانقضى على لسان النبي الأمي أنه قال: لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق.
وقال علي بن الحسين عليهما السلام: إذا قام قائمنا اذهب الله عن شيعتنا العاهة
295

وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلا ويكونون
حكام الأرض وسنامها.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلى " عليه السلام ": يا علي شيعتك هم الفائزون يوم القيامة فمن أهان
واحدا منهم فقد أهانك، ومن أهانك فقد أهانني، ومن أهانني ادخله الله نار جهنم
وبئس المصير، يا علي أنت منى وانا منك روحك من روحي وطينتك من طينتي وشيعتك
خلقوا من فاضل طينتنا فمن أحبهم فقد أحبنا ومن أبغضهم فقد أبغضنا ومن عاداهم فقد
عادانا ومن ودهم فقد ودنا يا علي شيعتك مغفور لهم على ما كان فيهم من ذنوب وعيوب
يا علي انا الشفيع لشيعتك غدا إذا قمت المقام المحمود فبشرهم بذلك يا علي شيعتك شيعة الله
وأنصارك أنصار الله، وأوليائك أولياء الله وحزبك حزب الله.
يا علي: سعد من تولاك وشقي من عاداك، يا علي لك كنز في الجنة، وأنت
ذو قرنيها.
(وروى) انه رأى أمير المؤمنين " عليه السلام " رجلا من شيعته بعد عهد طويل وقد أثر
السن فيه وكان يتجلد في مشيه، فقال عليه السلام: كبر سنك يا رجل، قال: في طاعتك
يا أمير المؤمنين فقال " عليه السلام ": انك لتتجلد قال: على أعدائك يا أمير المؤمنين، فقال " عليه السلام "
أجد فيك بقية، قال هي لك يا أمير المؤمنين.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله تعالى يبعث أناسا وجوههم من نور على كراسي من
نور عليهم ثياب من نور في ظل العرش بمنزلة الأنبياء وليسوا بالأنبياء وبمنزلة الشهداء
وليسوا بالشهداء، فقال رجل: انا منهم يا رسول الله؟ قال: لا قال الآخر: انا منهم
يا رسول الله؟ قال: لا، قيل من هم يا رسول الله؟ قال: فوضع يده على رأس علي وقال
هذا وشيعته.
وقال صلى الله عليه وآله: لا تستخفوا بفقراء شيعة علي وعترته من بعده فان الرجل
منهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة.
وقال عليه السلام: رب أشعث اغبر ذي طمرين مدقع بالأبواب لو اقسم على
الله لأبره.
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: ان شيعة علي والأئمة من ولده هم الفائزون
296

الآمنون يوم القيامة اما ترون ان رجلا خرج يدعو الناس إلى ضلالة من كان أقرب الناس
منه قالوا شيعته وأنصاره قال: إن خرج ويدعوا الناس إلى هدى من كان أقرب الناس منه
قالوا: شيعته وأنصاره، قال فكذلك علي بن أبي طالب بيده لواء الحمد يوم القيامة
أقرب للناس منه شيعته وأنصاره.
وقال الباقر " عليه السلام ": ما من عبد من شيعتنا يقوم إلى الصلاة إلا اكتنفته بعدد من
خالفه ملائكة يصلون خلفه يدعون الله له حتى يفرغ من صلاته.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يدخل الجنة سبعون ألفا من أمتي لا حساب عليهم
ثم التفت إلى علي، فقال: هم شيعتك وأنت إمامهم.
قال جابر: كنت ذات يوم عند النبي (صلى الله عليه وآله) إذ اقبل بوجهه على علي بن أبي طالب " عليه السلام "
فقال: ألا أبشرك يا أبا الحسن؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: هذا جبرئيل يخبرني
عن الله تعالى انه أعطى شيعتك ومحبيك سبع خصال: الرفق عند الموت، والانس عند
الوحشة والنور عند الظلمة، والأمن عند الفزع والقسط عند الميزان، والجواز على
الصراط ودخول الجنة قبل سائر الناس نورهم يسعى بين أيدهم وبايمانهم.
قال الصادق " عليه السلام ": إذا مات المؤمن شيعه سبعون الف ملك إلى قبره فإذا دخل قبره
أتاه منكر ونكير فيقعدانه ويقولان من ربك وما دينك وما نبيك؟ فيقول: ربى الله
ومحمد نبيي والإسلام ديني فيفسحان له في قبره مد بصره، ويأتيانه بالطعام من الجنة
ويدخلان عليه الروح والريحان، وذلك قوله تعالى: فأما إن كان من المقربين فروح
وريحان يعنى في قبره وجنة نعيم يعنى في الآخرة.
ثم قال عليه السلام: إذا مات الكافر شيعه سبعون ألفا من الزبانية إلى قبره وانه
ليناشد حامليه بصوت يسمعه كل شئ إلا الثقلان الجن والإنس ويقول: لو أن لي كرة
فأكون من المؤمنين ويقول رب ارجعوني لعلى اعمل صالحا فيما تركت فتجيبه الزبانية كلا
انها كلمة هو قائلها ويناديهم ملك ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فإذا دخل قبره وفارقه
الناس اتاه منكر ونكير في أهول صورة فيقيمانه ثم يقولان له: من ربك وما دينك
وما نبيك؟ فيتلجلج لسانه ولا يقدر على الجواب فيضربانه ضربة من عذاب اليم يذعر لها
كل شئ ثم يقولان من ربك وما دينك؟ فيقول: لا أدرى فيقولان لا دريت ولا هديت
ولا أفلحت ثم يفتحان له بابا إلى النار وينزلان إليه الحميم من جهنم وذلك قول الله و
297

إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم يعنى في القبر وتصلية جحيم - يعنى في الآخرة
قال الشاعر:
أحب للناس ما لنفسك ترضى * ولهم فأكره الذي لا تريد أن
أردت التقى فهذا هو الأصل * وإلا فأنت منه بعيد
وأنشد:
عسى أيها الساعي تصادفها بالبشر * وإلا من فما كنت تخشاها
من النبي مثل الدر محكمة * قد قالها فيكم حقا وأنشأها
أنشد:
إنا ندين بحب آل محمد * دينا ومن يحبهم يستحبب
منا المودة والولاء ومن يرد * بدلا بآل محمد يستوجب
ومتى يمت يرد الجحيم ولا يرد * حوض النبي وان يرده يضرب
مجلس في ذكر فضائل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
قال الله تعالى في سورة آل عمران: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون
بالمعروف وتنهون عن المنكر)
يا أمة محمد كنتم خير أمة وقيل: هذه مدحة لهم ولم يكن
الله يمدح قوما ثم يعذبهم.
وقال الله تعالى في سورة الأعراف: (ورحمتي وسعت كل شئ) الآية.
وقال: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) - يعنى أمة محمد - فمنهم
ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك الفضل الكبير فقدم الظالم
لئلا يقنط من رحمته وأخر السابق لكيلا يعجب بنفسه ثم جمعهم بدخول الجنة بقوله
جنات عدن يدخلونها.
(وروى) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال في هذه الآية: كلهم من أهل الجنة.
(وروى) عنه: سابقنا سابق ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور. ويقال: ان
سبب إسلام كعب الأحبار هذه الآية.
298

وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": السابق من يؤدى الفرض والسنن والفضائل والمقتصد
الذي يؤدى الفرض ويقصر في السنن والفضائل، وقيل: إن الله تعالى أعطى هذه الأمة
مرتبة الخليل ومرتبة الكليم ومرتبة الحبيب فأما مرتبة الخليل فان إبراهيم " عليه السلام " سأل ربه
خمس حاجات فأعطاها إياه بسؤاله: وأعطى ذلك هذه الأمة بلا سؤال سأل الخليل
المغفرة بالتعريض، فقال في سورة الشعراء: والذي أطمع ان يغفر لي خطيئتي يوم
الدين وأعطى هذه الأمة بلا سؤال فقال: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا
من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا.
والثاني: سأل الخليل.
وقال في سورة الشعراء (ولا تخزني يوم يبعثون).
وقال لهذه الأمة: (يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه).
والثالث سأل الخليل الوراثة.
قال في الشعراء: (واجعلني من ورثة جنة النعيم).
وقال لهذه الأمة: (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها
خالدون).
والرابع: سأل الخليل القبول فقال: (ربنا تقبل منا) وقال لهذه الأمة وهو الذي
يقبل التوبة عن عباده.
والخامس: سأل الخليل الأعقاب الصالحة وقال: (رب هب لي من الصالحين)
وقال لهذه الأمة في سورة الأنعام: (وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض) ثم أعطى
الخليل ست مراتب بالسؤال وأعطى هذه الأمة جميع ذلك بلا سؤال.
(الأول) قال للخليل: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا
مسلما) وقال لهذه الأمة: هو سماكم المسلمين.
(والثاني) قال للخليل: (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) وقال لهذه
الأمة وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها.
(والثالث) قال للخليل: وبشرناه بغلام حليم.
وقال لهذه الأمة: وبشر المؤمنين بان لهم من الله فضلا كبيرا.
(والرابع) قال للخليل: سلام على إبراهيم وقال لهذه الأمة قل الحمد لله وسلام على
299

عباده الذين اصطفى.
(والخامس) قال للخليل: (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق).
وقال لامة الحبيب: وعبادة الرحمن.
(والسادس) قال للخليل: شاكرا لأنعمه اجتباه، وقال لهذه الأمة هو اجتباكم.
واما مرتبة الكليم فان الله تعالى أعطى الكليم عشرة مراتب وأعطى أمة محمد
عشرة أمثالها:
الأول: قال للكليم: (وأنجينا موسى).
وقال لامة محمد: (كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين).
والثاني: (أعطى الكليم النصرة).
فقال: (انني معكما أسمع وأرى).
وقال لهذه الأمة: (ان الله مع الذين اتقوا).
والثالث القربة. قال: (وقربناه نجيا).
وقال لهذه الأمة: (ونحن أقرب منكم).
والرابع المنة.
قال: (ولقد مننا على موسى وهارون).
وقال لهذه الأمة: بل الله يمن عليكم.
والخامس: الامن والرفعة.
قال الله تعالى: (ولا تخف انك أنت الأعلى).
وقال لهذه الأمة: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين).
والسادس: المعرفة والشرح في الصدر، قال الكليم: رب اشرح لي صدري فأعطاه
ذلك بقوله: قد أوتيت سؤلك.
وقال لامة محمد: (أفمن شرح الله صدره للاسلام).
والسابع: التيسر قال: ويسر لي امرى.
وقال لهذه الأمة: (يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
والثامن الإجابة.
قال الله تعالى: قد أجيبت دعوتكما.
300

وقال لهذه الأمة: (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله).
والتاسع المغفرة.
قال الكليم: (رب انى ظلمت نفسي فاغفر لي) فغفر له.
وقال لامة محمد: يدعوكم ليغفر لكم ذنوبكم.
والعاشر النجاح.
قال: قد أوتيت سؤلك يا موسى.
وقال لهذه الأمة: (واتاكم من كل ما سألتموه) وفى ضمنها وما لم تسألوه كقوله
سواء للسائلين أي لمن سأل ولمن لم يسأل.
واما مرتبة الحبيب فان الله سبحانه أعطى حبيبه محمد (صلى الله عليه وآله) تسع مراتب وأعطى
أمته مثلها تسعا.
الأول: التوبة قال للحبيب: لقد تاب الله على النبي.
وقال لامته: والله يريد أن يتوب عليكم.
وقال: ثم تاب عليهم ليتوبوا.
والثاني المغفرة.
قال الله: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك.
وقال لامته: ان الله يغفر الذنوب جميعا.
والثالث النعمة.
قال له: ويتم نعمته عليك.
وقال لامته: وأتممت عليكم نعمتي.
والرابع النصرة.
قال: وينصرك الله نصرا عزيزا.
وقال لامته: وكان حقا علينا نصر المؤمنين.
والخامس: الصلاة قال: إن الله وملائكته يصلون على النبي.
وقال لامته: هو الذي يصلى عليكم وملائكته.
والسادس: الصفوة قال للحبيب: الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس
يعنى محمدا.
301

وقال لامته: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا.
والسابع الهداية قال للحبيب: ويهديك صراطا مستقيما.
وقال لامته: (وان الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم).
والثامن من السلام، قال للحبيب في ليلة المعراج: السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته.
وقال لامته: (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على
نفسه الرحمة)
والتاسع: الرضا قال للحبيب: ولسوف يعطيك ربك فترضى.
وقال لامته: وليدخلنهم مدخلا يرضونه يعنى الجنة.
ومن رحمة الله سبحانه على هذه الأمة وتخصيصه إياهم دون الأمم ما خص به
شريعتهم من التخفيف والتيسير فقال: (يريد الله ان يخفف عنكم) وقال (ما يريد الله
ليجعل عليكم من حرج).
وقال: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)
وقال: (يريد الله بكم اليسر).
وقال: (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليكم).
وكان مما أنعم الله تعالى على هذه الأمة ان الأمم الماضية كانوا إذا أصابهم بول
أو غائط أو شئ من النجاسات كان تكليفهم قطعه، وابانته من أجسادهم وخفف عن
هذه الأمة بان جعل الماء طهورا لما يصيب أبدانهم وأثوابهم.
قال الله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا).
وقال: (وينزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم به).
ومنها انهم كانوا يعتزلون النساء في حال الحيض فلم يكونوا يؤاكلوهن
ولا يجالسونهن وما أصاب الحائض من الفرش والثياب والأواني غير ذلك نجس حتى
لا يجوز الانتفاع به وأباح لنا جميع ذلك إلا المجامعة.
ومنها ان صلاتهم كانت خمسين وصلاتنا خمسة، وفيها ثواب الخمسين وزكاتهم
ربع المال وزكاتنا العشر، وثوابه ثواب ربع المال.
ومنها انهم كانوا إذا فرغوا من الطعام ليلة صيامهم حرم عليهم الطعام والشراب
302

والجماع إلى مثلها من الغد، وأحل الله لنا السحر والوطئ في ليالي الصوم.
فقال: (كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من
الفجر) - يعنى بياض النهار من سواد الليل.
وقال: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) - يعنى الجماع.
ومنها كانت الأمم السالفة تجعل قربانها على أعناقها إلى بيت المقدس فمن قبلت
ذلك منه أرسلت إليه نارا فأكلته ومن لم يقبل منه رجع مثبورا، وقد جعل الله تعالى
قربان أمة نبيه (صلى الله عليه وآله) في بطون فقرائها ومساكينها فمن قبل ذلك منه أضعف له اضعافا
مضاعفة ومن لم يقبل منه رفعت عنه عقوبات الدنيا.
ومنها ان الله كتب عليهم في التوراة القصاص في القتل، والجراح ولم يرخص
لهم في العفو واخذ الدية، ولم يفرق بين الخطأ والعمد في وجوب القصاص.
وقال: وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس، ثم خفف عنا في ذلك فخير بين
القصاص والدية والعفو، وفرق بين الخطأ والعمد.
فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتل إلى قوله: فمن
عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف، وأداء إليه باحسان ذلك تخفيف من
ربكم ورحمة).
ومن ذلك تخفيف الله عز وجل عنهم في امر التوبة، فقال لبنى إسرائيل: وإذ قال
موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم
فكانت توبتهم ان يقتل بعضهم بعضا الأب ابنه والابن أباه، والأخ أخاه والأم ولدها
ومن فر من القتل أو دفع عن نفسه أو القى السيف بيده أو رحم على ذي رحمة لم يقبل
توبته ثم أمرهم الله تعالى بالكف عن القتل بعد أن قتلوا سبعين ألفا في مكان واحد فهذا
توبتهم وجعل توبتنا الاستغفار باللسان، والندم بالجبان وترك العود بالأبدان.
فقال عز وجل: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم) الآية وقال أفلا
يتوبون إلى الله؟.
وقال: (ألم قل للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله).
ومن الأمم السالفة من ينظر إلى امرأة بريبة فيؤمر بقلع العين ليقبل عنه التوبة
وكفارتنا فيه غض البصر والتوبة بالقلب والعزم على ترك العود إليه.
303

وكان منهم من يلاقى بدنه بدن امرأة حراما فتكون التوبة منه إبانة ذلك العضو من
نفسه وتوبتنا فيه الندم وترك العود إليه.
ومن يرتكب منهم الخطيئة في خفية وخلوة فيخرج، وخطيئته مصورة على باب
داره ألا إن فلان ابن فلان ارتكب البارحة خطيئة كذا وكذا، وكان ينادى عليه من
السماء بذلك فيفتضح وينهتك سره، ومن يرتكب منا الخطيئة ويخفيها عن الابصار
فيطلع عليه ربه فيقول للملائكة: عبدي قد ستر ذنبه عن أبناء جنسه لقلة ثقته بهم والتجأ
إلي لعلة تتبعه رحمتي أشهد انى قد غفرتها له لثقته برحمتي فإذا كان في يوم القيامة وأوقف
للعرض والحساب يقول عبدي: انا الذي سترتها عليك في الدنيا، وانا الذي استره
عليك اليوم.
ومما فضل الله به هذه الأمة ان قيض لهم الأكرمين من الملائكة، ويستغفرون لهم
ويسترحمون بهم من الرحمة.
فقال تعالى: (الذين يحملون العرش، ومن حوله يسبحون بحمد ربهم
ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا).
ومنها انه جعلهم شهداء على الناس في الدنيا، وشهداء وشفعاء في الآخرة.
قال صلى الله عليه وآله: المؤمنون شهداء في الأرض فما رأوه حسنا فهو عند الله
حسن وما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا ليتني قد لقيت إخواني فقيل يا رسول الله أو لسنا
إخوانك آمنا بك وهاجرنا معك، واتبعناك ونصرناك؟ قال: بلى ولكن إخواني الذين
يأتون من بعدكم يؤمنون، ويحبوني كحبكم وينصروني كنصركم ويصدقوني كتصديقكم
يا ليتني قد لقيت إخواني.
مجلس في ذكر الطهارة وثوابها
قال الله تعالى في سورة المائدة: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم - إلى قوله: لعلكم تشكرون).
304

قال الباقر " عليه السلام ": صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم بأصحابه صلاة الفجر ثم جلس
معهم يحدثهم حتى طلعت الشمس فجعل الرجل يقوم بعد الرجل حتى لم يبق معه إلا رجلان
أنصاري وثقفي، فقال لهما رسول الله: قد علمت أن لكما حاجة تريدان ان تسألاني عنها
فان شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألاني، وان شئتما تسألاني قالا: بل تخبرنا أنت
يا رسول الله فان ذلك أجلى للعمى وأبعد من الارتياب وأثبت للايمان، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله.
أما أنت يا أخا الأنصار فإنك من قوم يؤثرون على أنفسهم. وأنت قروي وهذا
الثقفي بدوي أفتؤثره بالمسألة؟ فقال نعم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اما أنت يا أخا ثقيف
فإنك جئت تسألني عن وضوئك وصلاتك وما لك فيهما من الثواب فاعلم انك إذا ضربت
يدك في الماء وقلت: بسم الله الرحمن الرحيم تناثرت الذنوب التي اكتسبتها يداك فإذا غسلت
وجهك تناثرت الذنوب التي اكتسبتها عيناك بنظرهما وفوك بلفظه فإذا غسلت ذراعيك
تناثرت الذنوب عن يمينك وشمالك فإذا مسحت رأسك وقدميك تناثرت الذنوب
التي مشيت إليها على قدميك فهذا لك في وضوئك وباقي الخبر نذكره في باب
الصلاة إن شاء الله تعالى.
قال أبو عبد الله الصادق " عليه السلام ": بينا أمير المؤمنين " عليه السلام " ذات يوم جالس مع ابن
الحنفية إذ قال: يا محمد ائتني باناء من ماء أتوضأ للصلاة فأتاه محمد بالماء فأكفى بيده اليمنى
على يده اليسرى ثم قال: بسم الله وبالله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا
قال: ثم استنجى، فقال: اللهم حصن فرجى واعفه واستر عورتي وحرمني على النار
قال: ثم تمضمض وقال: اللهم لقني حجتي حتى يوم ألقاك، وأطلق لساني بذكرك ثم
استنشق فقال: اللهم لا تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها قال
ثم غسل وجهه فقال: اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه، ولا تسود وجهي يوم
تبيض الوجوه ثم غسل يده اليمنى، فقال: اللهم أعطني كتابي بيميني، والخلد في الجنان
بيساري وحاسبني حسابا يسيرا، ثم غسل يده اليسرى فقال: اللهم لا تعطني كتابي
بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران، ثم مسح رأسه فقال
اللهم غشني برحمتك وبركاتك وعفوك، ثم مسح قدميه فقال اللهم ثبت قدمي على الصراط
يوم تزل فيه الاقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عنى ثم رفع رأسه فنظر إلى محمد فقال
305

يا محمد من توضأ مثل وضوئي وقال مثل قولي خلق الله عز وجل من كل قطرة ملكا يقدسه
ويسبحه ويكبره ويكتب الله عز وجل له ثواب ذلك إلى يوم القيامة.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أول ما يمس الماء تباعد عنه الشيطان فإذا تمضمض نور
الله قلبه ولسانه بالحكمة فإذا استنشق آمنه الله من النار ورزقه رائحة الجنة فإذا غسل
وجهه بيض الله وجهه يوم تبيض فيه الوجوه وتسود فيه الوجوه، وإذا غسل ساعديه حرم الله
عليه أغلال النار وإذا مسح رأسه مسح الله عنه سيئاته وإذا مسح قدميه اجازه الله على
الصراط يوم تزل فيه الاقدام، وان المؤمن إذا جامع أهله بسط سبعون الف ملك جناحيه
وتنزل عليه الرحمة فإذا اغتسل بنى الله له بكل قطرة بيتا في الجنة.
قال موسى: إلهي فما جزاء من أتم الوضوء من خشيتك قال: ابعثه يوم القيامة وله
نور بين عينيه يتلألأ له.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا من أمتي في والمنام قد بسط عليه عذاب القبر
فجائه وضوئه فمنعه منه.
قال الصادق عليه السلام: من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": من سره ان يكثر خير بيته فليتوضأ عند حضور طعامه
يعنى غسل يديه.
(وروى) ان من توضأ فذكر اسم الله طهر جميع بدنه فكان الوضوء إلى الوضوء
كفارة لما بينهما من الذنوب، ومن لم يسم لم يطهر من جسده إلا ما أصاب به الماء.
وقال أبو الحسن موسى " عليه السلام ": من توضأ للمغرب كان وضوئه ذلك كفارة لما مضى
بينهما من الذنوب في نهاره ما خلا الكبائر، ومن توضأ لصلاة الصبح كان وضوئه ذلك
كفارة لما مضى من ذنوبه في ليله إلا الكبائر.
قال الصادق: من توضأ وتمندل كتبت له حسنة، ومن توضأ ولم يتمندل حتى
يجف وضوئه كتب الله له ثلاثون حسنة.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: افتحوا عيونكم عند وضوئكم لعلها لا ترى
نار جهنم.
306

مجلس في ذكر الآداب وأشياء شتى
قال الله تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد).
وقال الصادق " عليه السلام ": إذا دخلت الحمام فقل في الوقت الذي تنزع ثيابك اللهم انزع
عنى ربقة النفاق، وثبتني على الايمان فإذا دخلت البيت الأول فقل: اللهم إني أعوذ بك
من شر نفسي واستعيذ بك من اذاه، وإذا دخلت البيت الثاني فقل: اللهم اذهب عنى
الرجس النجس وطهر جسدي وقلبي، وخذ من الماء الحار وضعه على هامتك وصب منه
على رجليك فان أمكن ان تبلع منه جرعة فافعل فإنه ينقى المثانة والبث في الثاني ساعة فإذا
دخلت البيت الثالث فقل نعوذ بالله من النار، ونسأله الجنة ترددها إلى وقت خروجك
من البيت الحار، وإياك وشرب الماء البارد والفقاع في الحمام فإنه يفسد المعدة ولا تصبن
عليك الماء البارد فإنه يضعف البدن وصب الماء البارد على قدميك إذا خرجت فإنه يسل
الداء من جسدك فإذا لبست ثيابك فقل: اللهم ألبسني التقوى وجنبني الردى فإذا فعلت
ذلك أمنت من كل داء.
وقال الصادق " عليه السلام ": ثلاثة يسمن وثلاثة يهزلن: فاما الذي يسمن فادمان الحمام
وشم الرائحة الطيبة ولبس الثياب اللينة، واما التي يهزلن فادمان اكل البيض والسمك
والضلع يعنى بادمان الحمام يوم ويوم لا فإنه إن دخل كل يوم نقص من لحمه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل
الحمام إلا بميزر.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أخضبوا بالحناء فإنه يجلى البصر وينبت الشعر ويسكن
الزوجة فقال أبو عبد الله " عليه السلام ": ينبغي للمرأة ان تعطل نفسها ولو أن تعلق في عنقها قلادة
ولا ينبغي للمرأة ان تدع يدها من الخضاب ولو أن تمسها بالحناء مسا، وان
كانت مسنة.
وقال عليه السلام: غسل الرأس بالخطمي في كل جمعة أمان من البرص والجنون.
307

وقال عليه السلام: اغسلوا رؤوسكم بورق السدر فإنه قد قدسه كل ملك مقرب وكل
نبي مرسل ومن غسل رأسه بورق السدر صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما
ومن صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما لم يعص، ومن لم يعص دخل الجنة.
وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": تقليم الأظفار، واخذ الشارب من جمعة إلى جمعة أمان
من الجذام.
وقال عليه السلام: ثلاث من سنن المرسلين العطر واحفاء الشعر وكثرة الطروقة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أربع من سنن المرسلين: العطر والسواك
والنساء والحناء.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدفن أربعة: الشعر، والسن
والظفر، والدم.
وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": في قوله تعالى: خذوا زينتكم عند كل مسجد قال: المشط
فان المشط يجلب الرزق ويحسن الشعر، وينجز الحاجة ويزيد في الصلب ويقطع البلغم.
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله): يسرح تحت لحيته أربعين مرة، ومن فوقها سبع مرات
ويقول: انه يزيد في الذهن ويقطع البلغم.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): في السواك اثنى عشرة خصلة هو مطهرة للفم ومرضاة للرب
يبيض الأسنان ويذهب بالحفر ويقل البلغم ويشهي الطعام ويضاعف الحسنات ويصاب
به السنة ويحضره الملائكة ويشد اللثة وهو يمر بطريقة القرآن وركعتين بسواك أحب إلى
الله عز وجل من سبعين ركعة بغير سواك.
وقال الصادق عليه السلام: الكحل ينبت الشعر، ويجفف الدمعة ويعذب الريق
ويجلو البصر.
وقال أبو الحسن الأول " عليه السلام ": ثلاثة يجلين البصر: النظر إلى الخضرة والنظر إلى
الماء الجاري، والنظر إلى الوجه الحسن.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خمس خصال تورث البرص، النورة يوم الجمعة ويوم
الأربعاء والتوضؤ والاغتسال بالماء الذي تسخنه الشمس والأكل على الجنابة وغشيان
المرأة في حيضها والأكل على الشبع.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: السنة من النورة في كل خمس عشر يوما فمن اتت عليه
308

عشرون يوما فليستدن الله تعالى وليتنور ومن اتت عليه أربعون يوما ولم يتنور فليس
بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يترك حلق عانته
فوق الأربعين فإن لم يجد فليستقرض بعد الأربعين ولا يؤخر.
قال الصادق " عليه السلام ": اغتم أمير المؤمنين " عليه السلام " فقال من أين أوتيت؟ فما اعلم انى
جلست على عتبة دار ولا شققت بين غنم، ولا لبست سراويلي من قيام ولا مسحت يدي
ووجهي بذيلي.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لبس ثوبا جديدا وقال: الحمد لله الذي كساني من
الرياش ما أتجمل في الناس.
وقال: اللهم اجعله ثياب بركة أسعى فيها بمرضاتك واعمر فيها مساجدك لم يتقمصه
حتى يغفر له.
قال أبو عبد " عليه السلام ": من قطع ثوبا جديدا وقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر ستا
وثلاثين مرة فإذا بلغ تنزل الملائكة اخرج شيئا من الماء ورش بعضه على الثوب رشا خفيفا
ثم صلى فيه ركعتين ودعا ربه، وقال في دعائه: الحمد لله الذي رزقني ما أتجمل به في
الناس وأواري به عورتي وأصلي فيه لربي وحمد الله لم يزل يأكل في سعة حتى يبلى
ذلك الثوب.
(وروى) ان علي بن موسى الرضا " عليه السلام " كان يلبس ثيابه مما يلي يمينه فإذا لبس ثوبا
جديدا دعا بقدح من ماء فقرأ فيه إنا أنزلناه في ليلة القدر عشر مرات، وقل هو الله
أحد عشر مرات، وقل يا أيها الكافرون عشر مرات، ثم قال: من فعل هذا بثوبه
قبل أن يلبسه لم يزل في رغد من عيشه ما بقي منه سلك.
قال ابن عباس: هبط جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد ربى يقرؤك
السلام ويقول لك البس خاتمك بيمينك واجعل فصه عقيقا، وقل لابن عمك يلبس
خاتمه بيمينه ويجعل فصه عقيقا، فقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": يا رسول الله وما العقيق؟
قال العقيق جبل في اليمن أقر لله تعالى بالوحدانية، وأقر لي بالنبوة وأقر لك بالوصية
ولأولادك الأئمة بالإمامة ولشيعتك بالجنة، وفى خبر آخر ولأعدائك بالنار.
قال انس ابن مالك: ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتختم بيمينه.
309

وقال انس بن مالك: رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يد رجل خاتما من ذهب فضرب
إصبعه بقضيب كان معه حتى رمى به.
قال الصادق عليه السلام: غسل الإناء، وكسح الفناء مجلبة للرزق.
وقال الصادق " عليه السلام ": اتخذوا في أسنانكم السعد فإنه يطيب الفم ويزيد في الجماع.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تكرهوا أربعة فإنها لأربعة لا تكرهوا الزكام فإنه أمان
من الجذام ولا تكرهوا الدماميل فإنها أمان من البرص ولا تكرهوا الرمد فإنه أمان من
العمى ولا تكرهوا السعال فإنه أمان من الفالج.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في الشمس أربع خصال: تغير اللون وتنتن الريح وتخلق
الثياب وتورث الداء.
وقال أبو الحسن " عليه السلام ": علامات الدم أربعة الحكة والبثر والنعاس والدوران.
(وروى) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعن المشبهين من الرجال بالنساء والمشبهات من
النساء بالرجال.
قال حنان بن سدير: كنت مع أبي عبد الله على المائدة فناولني فجلة فقال لي
يا حنان كل الفجل فان فيه ثلاث خصال: ورقه يطرد الرياح ولبه يسربل البول وأصوله
يقطع البلغم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل السفر جل فإنه فيه ثلاث خصال قيل وما هي
يا رسول الله؟ قال: يحم الفؤاد ويسخى البخيل ويشجع الجبان.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": كلوا البصل فان فيه ثلاث خصال يطيب النكهة ويشد اللثة
ويزيد في الماء والجماع.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: أربع يعدلن الطبائع الرمان السوادي والبسر
المطبوخ والبنفسج والهندباء.
وقال عليه السلام: في الكراث أربع خصال: يطيب النكهة ويطرد الرياح ويقطع
البواسير هو أمان من الجذام لمن أدمن عليه.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بالزبيب فإنه يكشف المرة ويذهب البلغم ويشد
العصب ويذهب بالاعياء ويحسن الخلق، ويطيب الفم ويذهب بالغم.
310

وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": خمسة من فاكهة الجنة في الدنيا الرمان الأملس والتفاح
والسفر جل والرطب المشان.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيته يا علي تسعة أشياء تورث النسيان اكل التفاح
الحامض واكل الكزبرة والجبن وسؤر الفار وقراءة كتابة القبور، والمشي بين امرأتين
وطرح القملة والحجامة في النقرة والبول في الماء الراكد.
وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": كلوا البطيخ فان فيه عشر خصال مجتمعة وهو شحمة الأرض
لا داء فيه ولا غائلة وهو طعام وشراب، وهو فاكهة وريحان، وهو أدام ويزيد
في الباه ويغسل المثانة ويدر البول.
وفى حديث آخر: ويذيب الحصاة في المثانة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأكل
البطيخ بالرطب.
وقال الصادق " عليه السلام ": اكل البطيخ على الريق يورث الفالج واكل التمر البرنى على الريق
يورث الفالج.
وقال الحسن بن علي عليهما السلام: في المائدة اثنتي عشرة خصلة يجب على كل مسلم
ان يعرفها أربع منها فرض: وأربع منها سنة وأربع منها تأديب فأما الفرض فالمعرفة
والرضا فالتسمية والشكر، وأما السنة فالوضوء قبل الطعام والجلوس على الجانب
الأيسر والأكل بثلاثة أصابع ولعق الأصابع، فأما التأديب فالاكل مما يليك وتصغير
اللقمة والمضغ الشديد وقلة النظر في وجوه الناس.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من وجد كسرة أو تمرة فأكلها لم تفارق
جوفه حتى يغفر الله له.
وقال الصادق عليه السلام: لا تخللوا بعود الريحان ولا بقضيب الرمان فأنهما
يهيجان عرق الجذام.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": من قال في السوق أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله كتب الله له الف الف حسنة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
من قرأ قل هو الله أحد حين يأخذ مضجعه غفر الله له ذنوب خمسين سنة.
311

فصل في ذكر فضائل الأذان
قال الله تعالى في سورة المائدة: (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك
بأنهم قوم لا يعقلون).
قال المفسرون: كان الكفار يجتمعون في وقت صلاة المؤمنين، ويقولون صلوا
لا صلوا ركعوا لا ركعوا سجدوا لا سجدوا على طريق الاستهزاء فأنزل الله تعالى الآية.
اعلم أن النداء على خمسة أوجه: نداء الله، ونداء رسوله ونداء إسرافيل ونداء
إبراهيم ونداء المؤذن.
فأما نداء الله فقوله تعالى في سورة التحريم: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى
الله توبة نصوحا).
واما نداء رسول الله (صلى الله عليه وآله قوله في سورة الأحقاف: (يا قومنا أجيبوا داعى الله
واما نداء إبراهيم " عليه السلام " قوله في سورة الحج: واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا.
واما نداء إسرافيل " عليه السلام " قوله في سورة (ق): فاستمع يوم ينادى المناد من مكان
قريب، واما نداء المؤمنين قوله: وإذا ناديتم إلى الصلاة.
قال الله تعالى في سورة حم السجدة: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا
وقال انني من المسلمين).
قال أبو جعفر " عليه السلام ": من أذن عشر سنين محتسبا يغفر الله له مد بصره ومد صوته
في السماء ويصدقه كل رطب ويابس سمعه وله بكل من يصلى معه في مسجده سهم وله بكل
من يصلى بصوته حسنة.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحشر المؤذن مع النبيين والصديقين والصالحين.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": من سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا رسول الله فقال مصدقا محتسبا: وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده
ورسوله أكفى بها عن كل من أبى وجحد، وأغنى بها من أقر وشهد، كان له من الاجر
عدد من أنكر وجحد، وعدد من أقر وشهد.
312

قال الصادق " عليه السلام ": من قال حين سمع أذان الصبح اللهم إني أسألك باقبال نهارك
وادبار ليلك وحضور صلاتك وأصوات دعائك ان تتوب على انك أنت التواب الرحيم
وقال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب، ثم مات من يومه أو من ليلته تلك كان تائبا.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أذن محتسبا يريد بذلك وجه الله عز وجل أعطاه الله
ثواب أربعين الف شهيد وأربعين الف صديق، ويدخل في شفاعته أربعين الف مسئ
من أمتي إلى الجنة ألا وان المؤذن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله صلى عليه سبعون الف
ملك واستغفروا له، وكان يوم القيامة في ظل العرش حتى يفرغ من حساب الخلائق
ويكتب ثواب قوله: أشهد أن محمدا رسول الله أربعون الف ملك.
(وروى) من أذن وأقام صلى خلفه صفان من الملائكة، ومن أقام بغير أذان
صلى خلفه صف واحد من الملائكة.
وقال الصادق " عليه السلام ": لما هبط جبرئيل " عليه السلام " بالأذان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رأسه
في حجر علي " عليه السلام " فأذن جبريل " عليه السلام " وأقام فلما انتبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي
سمعت؟ قال: نعم يا رسول الله، قال حفظت؟ قال: نعم قال: ادع بلال فعلمه فدعا
بلالا فعلمه.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): للمؤذن فيما بين الأذان والإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط
بدمه في سبيل الله.
وشكى هشام بن إبراهيم إلى أبي الحسن الرضا " عليه السلام " سقمه وانه لا يولد له فأمره ان
يرفع صوته بالأذان في منزله، قال ففعلت ذلك فاذهب الله عنى سقمي وكثر ولدى.
قال عبد الله بن علي: حملت متاعا من البصرة إلى مصر فقدمتها فبينا انا في بعض
الطريق إذا انا بشيخ طوال شديد الأدمة أصلع ابيض الرأس واللحية عليه طمران أحدهما
اسود والآخر ابيض، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا بلال مؤذن مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فأخذت ألواحي فأتيته فسلمت عليه، ثم قلت له: السلام عليك أيها الشيخ فقال وعليك
السلام ورحمة الله وبركاته، قلت: رحمك الله حدثني بما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: وما يدريك من أنا فقلت: أنت بلال مؤذن رسول الله، قال فبكى وبكيت حتى اجتمع
الناس علينا ونحن نبكي، قال: ثم قال لي يا غلام من أي البلاد أنت؟ قلت: من أهل
العراق فقال: بخ بخ فمكث ساعة، ثم قال اكتب يا أخا العراق بسم الله الرحمن الرحيم
313

سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول المؤذنون امناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم
ودمائهم لا يسألون الله عز وجل الا أعطاهم ولا يشفعون في شئ إلا شفعوا قلت: زدني
رحمك الله قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من أذن
أربعين عاما محتسبا بعثه الله يوم القيامة وله عمل أربعين صديقا عملا مبرورا متقبلا
قلت زدني رحمك الله قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول
من أذن عشرين عاما بعثه الله يوم القيامة، وله من النور مثل نور سماء الدنيا
قلت: زدني رحمك الله قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول
من أذن عشر سنين أسكنه الله عز وجل مع إبراهيم الخليل في قبته أو درجته قلت: زدني
رحمك الله قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من أذن سنة
واحدة بعثه الله عز وجل يوم القيامة، وقد غفرت ذنوبه كلها بالغة ما بلغت ولو كانت
مثل زنة جبل أحد قلت: زدني رحمك الله، قال: نعم فاحفظ واعمل واحتسب سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من أذن في سبيل الله صلاة واحدة إيمانا واحتسابا وتقربا إلى
الله تعالى غفر الله له ما تقدم من ذنوبه ومن عليه بالعصمة فيما بقي من عمره وجمع بينه
وبين الشهداء في الجنة قلت حدثني رحمك الله بأحسن ما سمعته، قال: ويحك يا غلام
قطعت نياط قلبي وبكى وبكيت حتى انى والله لرحمته، ثم قال: اكتب بسم الله الرحمن
الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا كان يوم القيامة، وجمع الله عز وجل الناس
في صعيد واحد بعث الله تعالى إلى المؤذنين بملائكة من نور ومعهم ألوية واعلام من نور
يقودون نجائب أزمتها زبرجد اخضر وحقائبها المسك الأذفر يركبها المؤذنون ويقومون
عليها قياما تقودهم الملائكة ينادون بأعلا صوتهم بأذان ثم بكى بكاءا شديدا حتى انتحبت
وبكيت فلما سكت قلت مما بكاؤك؟ قال: ويحك ذكرتني أشياء سمعت حبيبي وصفيي (صلى الله عليه وآله)
يقول: والذي بعثني بالحق نبيا انهم ليمرون على الخلق قياما على النجائب فيقولون
الله أكبر الله أكبر فإذا قالوا ذلك سمعت لامتي ضجيجا، فسأله أسامة بن زيد عن ذلك
الضجيج ما هو؟ قال: الضجيج التسبيح والتحميد والتهليل فإذا قالوا: أشهد أن لا إله
إلا الله قالت أمتي إياه كنا نعبد في الدنيا فيقال: صدقتم فإذا قال: أشهد أن محمدا
رسول الله قالت: أمتي هذا الذي أتانا برسالة ربنا جل جلاله فآمنا به ولم نره فيقال لهم
صدقتم هو الذي أدى إليكم الرسالة من ربكم وكنتم به مؤمنين فحقيق على الله ان يجمع
314

بينكم وبين نبيكم فينتهى بهم إلى منازلهم، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر
على قلب بشر، ثم نظر إلي فقال لي: ان استطعت، ولا قوة إلا بالله أن لا تموت
إلا مؤذنا فافعل.
مجلس في ذكر فضائل الصلاة
قال الله تعالى في سورة البقرة: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة)
وقال في سورة الأنعام: (قل ان هدى الله هو الهدى، وأمرنا لنسلم لرب العالمين وان
أقيموا الصلاة) وقال في سورة الأعراف: (قل أمر ربى بالقسط وأقيموا وجوهكم
عند كل مسجد) وقال في سورة الأنفال (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم)
إلى آخر الآية.
وقال تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) وقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان لله ملكا يسمى سخائيل يأخذ البروات للمصلين عند كل صلاة
رب العالمين فإذا أصبح المؤمنون وقاموا وتوضئوا أو صلوا صلاة الفجر أخذ من
الله تعالى براءة لهم مكتوب فيها: أنا الله الباقي عبادي وإمائي في حرزي جعلتكم وفى
حفظي وتحت كنفي صيرتكم وعزتي لا خذلتكم وأنتم مغفور لكم ذنوبكم إلى الظهر فإذا كان
وقت الظهر فقاموا وتوضأوا وصلوا أخذ لهم من الله عز وجل البراءة الثانية مكتوب
فيها أنا الله القادر، عبادي وإمائي بدلت سيئاتكم حسنات وغفرت لكم السيئات وأحلتكم
برضائي عنكم دار الجلال فإذا كان وقت العصر وقاموا وتوضأوا وصلوا أخذ لهم من
الله تعالى البراءة الثالثة مكتوب فيها أنا الله الجليل جل ذكرى وعظم سلطاني عبيدي
وإمائي حرمت أبدانكم على النار وأسكنتكم مساكن الأبرار ودفعت عنكم برحمتي شر
الأشرار فإذا كان وقت المغرب فقاموا وتوضأوا وصلوا اخذ لهم من الله تعالى البراءة
الرابعة مكتوب فيها أنا الله الجبار المتكبر المتعال عبيدي وإمائي صعد ملائكتي من
عندكم بالرضا وحق على أن أرضيكم وأعطيكم يوم القيامة منيتكم وإذا كان وقت العشاء
الآخرة فقاموا وتوضأوا وصلوا اخذ لهم البراءة من الله عز وجل البراءة الخامسة مكتوب
315

فيها انى أنا الله لا إله إلا غيري ولا رب سواي عبيدي وإمائي في بيوتكم تطهرتم لي والى
بيوتي مشيتم وفى ذكرى خضتم وحقي عرفتم وفرائضي أديتم أشهد يا سخائيل وسائر
ملائكتي انى قد رضيت عنهم، قال: فينادى سخائيل بثلاثة أصوات كل ليلة بعد صلاة
العشاء الآخرة يا ملائكتي الله ان الله تعالى قد غفر للمصلين الموحدين فلا يبقى ملك في
السماوات إلا استغفر للمصلين ودعا لهم بالمداومة على ذلك فمن رزق صلاة الليل من عبد
أو أمة وأقام لله عز وجل مخلصا فتوضأ وضوء سابغا وصلى لله تعالى بنية صادقة وقلب
سليم وبدن خاشع وعين دامعة جعل الله تعالى خلفه تسعة صفوف من الملائكة من كل صف
ما لا يحصى عددهم إلا الله تعالى آخر طرفي كل صف بالمشرق وآخر بالمغرب قال فإذا فرغ
كتب الله له بعددهم درجات.
قال منصور: كان الربيع بن بدر إذا حدث بهذا الحديث يقول أين أنت يا غافل عن
هذه الكرامة أين أنت عن قيام هذا الليل وعن جزيل هذا الثواب وعن هذه الكرامة.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) ان الشمس إذا طلعت عند الزوال لها حلقة تدخل فيها فإذا دخلت
فيها زالت الشمس فيسبح كل شئ دون العرش لوجه ربى وهي الساعة التي يصلى علي فيها
ربى ففرض الله عز وجل على أمتي فيها الصلاة.
وقال: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل، وهي الساعة التي يؤتى فيها
بجهنم يوم القيامة فما من مؤمن يوفق تلك الساعة أن يكون ساجدا أو راكعا أو قائما إلا
حرم الله جسده على النار.
واما صلاة العصر وهي الساعة التي اكل فيها آدم من الشجرة وأخرجه الله من الجنة.
قال ابن الفارسي: قلت على طريق المصلحة لا على سبيل الاستخفاف والمعاقبة
فأمر ذريته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة واختارها لامتي فهي من أحب الصلاة إلى
الله تعالى وأوصاني ان احفظها من بين الصلوات.
واما صلاة المغرب فهي الساعة التي بات الله على آدم وكان بين ما اكل من الشجرة
وبين ما تاب عليه ثلاثمائة سنة من أيام الدنيا وفى أيام الآخرة يوم كألف سنة من وقت
العصر إلى العشاء فصلى آدم ثلاث ركعات ركعة لخطيئته وركعة لخطيئة حواء وركعة لتوبته.
قال ابن الفارسي: قلت وترك الامر المندوب إليه يسمى خطيئة كما يسمى معصية
وإنما فعل آدم " عليه السلام " الثلاث ركعات ليستدرك ثواب أمر المندوب إليه الذي فاته وإنما كان
316

توبته عليه السلام إلى الله تعالى على سبيل الانقطاع إليه لا على سبيل تكفير الذنوب
فافترض الله عز وجل هذه الثلاث ركعات عل أمتي وهي الساعة التي يستجاب فيها الدعاء
فوعدني باستجابة لمن دعاه فيها، وهذه الصلاة التي أمرني بها ربى، فقال: سبحان الله
حين تمسون وحين تصبحون.
واما صلاة العشاء الآخرة فان للقبر ظلمة وليوم القيامة ظلمة أمرني الله وأمتي بهذه
الصلاة في ذلك الوقت لينور لهم القبور وليعطوا النور على الصراط وما من قدم مشت
إلى صلاة العتمة إلا حرم الله جسدها على النار، وهي الصلاة التي اختارها الله
للمرسلين قبلي.
وأما صلاة الفجر فان الشمس إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان فأمرني
الله عز وجل أن أصلي الفجر قبل طلوع الشمس وقبل ان يسجد لها الكافر فيسجد أمتي لله
وسرعتها أحب إلى الله تعالى وهي الصلاة التي تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.
قال موسى " عليه السلام ": إلهي فما جزاء من قام بين يديك مصليا؟ قال: يا موسى أباهي به
ملائكتي راكعا وساجدا وقائما وقاعدا ومن باهيت به ملائكتي لم أعذبه.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت في المنام رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة
العذاب فجاءته صلاته تمنعه منهم.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": الشتاء ربيع المؤمن يطول فيه ليله فيستعين به على قيامه
ويقصر فيه نهاره فيستعين به على صيامه.
وقال أيضا " عليه السلام ": إذا صليت صلاة فريضة فصلها لوقتها صلاة مودع تخاف ألا تعود
إليها أبدا ثم اصرف ببصرك إلى موضع سجودك فلو تعلم من عن يمينك وشمالك لأحسنت
صلاتك واعلم انك بين يدي من يراك ولا تراه.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تنفلوا في ساعات الغفلة ولو بركعتين خفيفتين
فإنهما تورثان دار الكرامة قيل: يا رسول الله وما ساعة الغفلة؟ قال: بين المغرب والعشاء
الآخرة.
وقال الصادق " عليه السلام ": من صلى المغرب، ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلى ركعتين كتبتا
له في عليين فان صلى أربعا كتبت له حجة مبرورة.
317

وقال الصادق " عليه السلام ": صلاة فريضة خير من عشرين حجة وحجة خير من بيت مملوء
من الذهب يتصدق به حتى يفنى.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان
واستجيب الدعاء فطوبى لمن رفع له عند ذلك عمل صالح.
قال الباقر " عليه السلام ": للمصلى ثلاث خصال إذا هو قام في صلاته حفت به الملائكة من
قدميه إلى عنان السماء ويتناثر البر عليه من عنان السماء إلى مفرق رأسه وملك موكل به
ينادى لو يعلم المصلى من يناجي ما انفتل.
وقال الصادق " عليه السلام ": من صلى الصلاة المفروضات في أول وقتها فأقام حدودها
رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقية فهي تهتف به حفظك الله كما حفظتني واستودعك الله
كما استودعتني ملكا كريما، ومن صلاها بعد وقتها من غير علة فلم يقم حدودها رفعها
الملك سوداء مظلمة فهي تهتف به ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني ولا رعاك الله كما لم ترعني
ثم قال الصادق " عليه السلام ": ان أول ما يسئل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله جل جلاله عن
الصلاة المفروضات وعن الزكاة المفروضة، وعن الصيام المفروض وعن الحج المفروض
وعن ولايتنا أهل البيت فان أقر بولايتنا، ثم مات عليها قبل منه صلاته وصومه وزكاته
وحجه وإن لم يقر بولايتنا بين يدي الله لم يقبل الله تعالى منه شيئا من اعماله.
وقال الباقر " عليه السلام ": دخل رجل مسجدا فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخفف سجوده دون
ما ينبغي ما يكون من السجود.
فقال رسول الله: نقر كنقر الغراب لو مات على هذا مات على غير دين محمد.
وقال عليه السلام: لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم ذعرا منه ما صلى الصلاة الخمس
لوقتهن فإذا ضيعهن أخبر عليه فأدخله في العظائم.
قال أبو بصير: دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله الصادق " عليه السلام " فبكت
وبكيت لبكائها ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجيبا فتح
عينيه ثم قال: اجمعوا لي كل من بيني وبينه قرابة قالت: فلم نترك أحدا إلا جمعناه
فالتفت ونظر إليهم ثم قال: إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): ما من صلاة تحضر وقتها إلا نادى ملك من بين يدي الناس قوموا
إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفئوها بصلاتكم.
318

وقال النبي (صلى الله عليه وآله): لا تنال شفاعتي من استخف بصلاته، ولا يرد على الحوض لا والله.
وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": أبصر أمير المؤمنين " عليه السلام " رجلا وهو ينقر بصلاته فقال
منذ كم صليت بهذه الصلاة؟ فقال له الرجل: منذ كذا وكذا قال: مثلك عند الله مثل
الغراب إذا ما نقر لو مت مت على غير ملة أبى القاسم، ثم قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": ان
أسرق السراق من سرق من صلاته.
قال الصادق " عليه السلام ": في رجل يؤخر الصلاة متعمدا قال: يأتي هذا يوم القيامة موتورا
أهله وماله - الموتور هو من لا أهل له ولا مال له - في الجنة.
وفى رواية أخرى قال الباقر " عليه السلام ": ملك موكل يقول: من نام عن العشاء إلى نصف
الليل فلا أنام الله عينيه.
وروى) ان رسول الله دخل المسجد وفيه ناس من أصحابه، فقال: تدرون
ما قال ربكم؟ قالوا: الله ورسول اعلم، فقال: ان ربكم يقول: هذه الصلاة المفروضات
من صلاهن لوقتهن وحافظ عليهن لقيني يوم القيامة وله عندي عهد ادخله به الجنة ومن لم
يصلهن لوقتهن، ولم يحافظ عليهن فذاك إلي إن شئت عذبته وإن شئت غفرت له.
قال الشاعر:
إلهي انني أجنى الجناة * قليل طاعتي جم هناتي
فأي الخير يوم الدين أرجو * لصومي أم صلاتي أم زكاتي
مجلس في ذكر فضائل صلاة الليل
قال الله تعالى: (ومن الليل فتجهد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاما
محمودا).
وقال تعالى: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو أنقص منه قليلا
أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا).
قال الصادق " عليه السلام ": سأل رجل علي بن أبي طالب " عليه السلام " عن قيام الليل بالقرآن فقال
له: أبشر من صلى من الليل عشر ليله مخلصا لله ابتغاء مرضات الله تعالى قال الله تعالى
319

لملائكته: اكتبوا لعبدي هذا من الحسنات عدد ما انبت في النيل من حبه وورقه وشجره
وعدد كل قصبة وخوط ومرعى، ومن صلى تسع ليله أعطاه الله عشر دعوات مستجابات
وأعطاه كتابه بيمينه يوم القيامة، ومن صلى ثمن ليله أعطاه الله اجر شهيد صابر صادق
النية وشفع في أهل بيته، ومن صلى سبع ليله خرج من قبره يوم يبعث ووجهه كالقمر
ليلة البدر حتى يمر على الصراط مع الآمنين، ومن صلى سدس ليله كتب من الأوابين
وغفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صلى خمس ليله زاحم إبراهيم الخليل في قبته، ومن صلى
ربع ليله كان في أول الفائزين حتى يمر على الصراط كالريح العاصف ويدخل الجنة بغير
حساب، ومن صلى ثلث ليله لم يبق ملك إلا غبطه بمنزلته من الله تعالى، وقيل له: ادخل
من أي أبواب الجنة الثمانية شئت، ومن صلى نصف ليله فلو أعطى ملا الأرض ذهبا
سبعين الف مرة لم يعدل جزائه وكان له ذلك أفضل من سبعين رقبة يعتقها من ولد إسماعيل
ومن صلى ثلثي ليله كان له من الحساب قدر رمل عالج أدناها حسنة أثقل من جبل أحد
عشر مرات، ومن صلى ليلة تامة تاليا لكتاب الله تعالى راكعا ساجدا وذاكرا أعطى من
الثواب ما أدناه يخرج من الذنوب كما ولدته أمه، ويكتب له عدد ما خلق الله تعالى من الحسنات
ومثلها درجات والنور في قبره، وينزع الاثم والحسد من قلبه ويجار من عذاب القبر
ويعطى براءة من النار ويبعث مع الآمنين ويقول الرب تبارك وتعالى للملائكة: ملائكتي
انظروا إلى عبدي أحيى ليلته ابتغاء مرضاتي اسكنوه الفردوس، وله فيها مئة الف مدينة
جميع ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين، وما لا يخطر على بال سوى ما أعددت له من
الكرامة والمزيد والقربة.
وقال الرضا " عليه السلام ": عليكم بصلاة الليل فما من عبد مؤمن يقوم آخر الليل فيصلى ثمان
ركعات وركعتي الشفع وركعة الوتر، واستغفر الله في قنوته سبعين مرة إلا أجير من
عذاب القبر ومن عذاب النار، ومد له في عمره ووسع عليه في معيشته ثم قال عليه السلام
ان البيوت التي يصلى فيها بالليل يزهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب
لأهل الأرض.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا قام العبد من لذيذ مضجعه والنعاس في عينيه ليرضى
ربه تعالى بصلاة ليله باهى الله تعالى به الملائكة، وقال اما ترون عبدي هذا قد قام من
لذيذ مضجعه لصلاة لم افترضها عليه اشهدوا عنى غفرت له.
320

وقال عليه السلام: كذب من زعم أنه يصلى بالليل ويجوع بالنهار.
وقال عليه السلام: ان البيوت التي يصلى فيها بالليل بتلاوة القرآن يضئ لأهل
السماء كما تضئ نجوم السماء لأهل الأرض.
(وروى) ان جبرئيل " عليه السلام " نزل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك
ميت واحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه شرف المؤمن صلاته
بالليل وعزه كف الأذى عن الناس.
وقال الصادق " عليه السلام ": عليكم بصلاة الليل فإنها سنة نبيكم ودأب الصالحين قبلكم
ومطردة الداء عن أجسادكم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار وسأل الصادق " عليه السلام "
عبد الله بن سنان عن قوله تعالى: (سيماهم في وجوههم من اثر السجود) قال هو السهر
في الصلاة.
قال الصادق " عليه السلام ": ليس من شيعتنا من لم يصل صلاة الليل معناه انه ليس من
شيعتهم المخلصين وليس من شيعتهم أيضا من لم يعتقد فضل صلاة الليل وانها سنة مؤكدة
ولم يرد عليه السلام انه من تركها لعذر أو كسل فليس من شيعتهم على حال لأنها نافلة
وليست فريضة غير أن فيها فضلا كثيرا.
قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام: ما من عبد إلا وهو يتيقظ مرة
أو مرتين في الليل أو مرارا فان قام والا لج فبال الشيطان في اذنه ألا ترى أحدكم إذا كان
منه ذلك قام ثقيلا كسلانا.
وقال الباقر " عليه السلام ": ان لليل شيطانا يقال له الرها فإذا استيقظ العبد وأراد القيام
إلى الصلاة قال له: ليست بساعتك، ثم يستيقظ مرة أخرى فيقول: لم يأن لك فما يزال
كذلك يزيله ويحبسه حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر بال في أذنيه، ثم انصاع يمصع
بذنبه فخرا ويصيح.
321

مجلس في ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله
اعلم أن الله لم يأمر خلقه بأمر الطف من أمر الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وذلك قوله في
سورة الأحزاب: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه
وسلموا تسليما) مع حاجتكم إلى نيابة لكم عند الله وافتقاركم إلى شفاعته فجعل الصلاة عليه
فرضا كما جعل الشهادة له بالرسالة فرضا، وبعد فان الله تعالى أمرنا بالصلاة عليه وهو
يصلى عليه فيكون في ذلك أداء حق الأبوة البنوة وينبغي ان يصلى عليه ويصلى على إله لان
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي انا وأنت أبوا هذه الأمة ومن حقوق الآباء والأمهات ان يترحموا
عليهم في الأوقات ليكون فيه أداء حقوقهم.
وصلاة الله عليه هو ما يفعله به من كراماته وتفضيله واعلاء درجاته ورفع منازله
وغير ذلك من اكرامه.
وصلاة الملائكة والمؤمنين عليه مسألتهم لله ان يفعل به مثل ذلك.
قال الرضا " عليه السلام ": من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله
فإنها تهدم الذنوب هدما.
وقال عليه السلام: الصلاة على محمد وآله تعدل عند الله تعالى التسبيح والتهليل
والتكبير.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا في المنام من أمتي على الصراط يرجف أحيانا
ويحبوا أحيانا ويتعلق أحيانا فجاءته صلاته علي وإقامته على قدميه حتى مضى على
الصراط.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان لله ملائكة سياحون في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قال صلى الله على محمد وآله قال الله جل جلاله صلى الله
عليك فليكثر من ذلك. قال معاوية بن عمار: ذكرت عند أبي عبد الله الصادق " عليه السلام " بعض
الأنبياء فصليت عليه فقال: إذا ذكر أحد من الأنبياء فابدأ بالصلاة على محمد ثم
عليه (صلى الله عليه وآله) وعلى جميع الأنبياء، قال كعب بن عجزة: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
322

فقلنا: يا رسول الله كيف السلام عليك كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا اللهم صلى على محمد
وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما
باركت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما صلى على
ابن آدم من قبل نفسه صلاة صادق بها قلبه إلا صلى الله عز وجل عليه عشر صلوات
ورفع له عشر درجات وكتب له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات.
وقال عليه السلام: من قال: صلى الله على محمد وآل محمد أعطاه الله اجر اثنين
وسبعين شهيدا وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": إذا كانت لك حاجة فابدأ بمسألة الصلاة على النبي وآله
ثم سل حاجتك فان الله أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضى أحداهما ويمنع الأخرى.
قال الباقر " عليه السلام ": إذا صليت العصر يوم الجمعة فقل اللهم صلى على محمد وآل محمد
الأوصياء المرضيين بأفضل صلاتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك والسلام عليهم وعلى
أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته فان من قالها بعد العصر كتب الله له مئة الف
حسنة ومحا عنه مئة الف سيئة وقضى له بها مئة الف حاجة ورفع له بها مئة الف درجة.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صلى علي ولم يصل على آلى لم يجد ريح الجنة وان ريحها
لتوجد من مسيرة خمسمائة عام.
وقال الصادق (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم لعلي: ألا أبشرك فقال بلى
بأبي أنت وأمي فإنك لم تزل مبشرا بكل خير، فقال: أخبرني جبرئيل آنفا بالعجب
فقال له وما الذي أخبرك يا رسول الله، قال: أخبرني ان الرجل من أمتي إذا صلى علي
واتبع الصلاة على أهل بيتي فتحت له أبواب السماء، وصلت عليه الملائكة سبعين
صلاة وانه لمذنب وخاطئ ثم تحات عنه الذنوب كما يتحات الورق من الشجر ويقول
الله عز وجل: لبيك عبدي وسعديك ويقول لملائكته: يا ملائكتي أنتم تصلون عليه
سبعين صلاة وانا أصلي عليه سبع مئة صلاة، وإذا صلى علي ولا يتبع بالصلاة على أهل
بيتي كان بينه وبين السماء سبعين حجابا، ويقول الله جلا جلاله: لا لبيك ولا سعديك
يا ملائكتي لا تصعدوا دعاه إلا أن يلحق بنبيي عترته فلا يزال محجوبا حتى يلحق بي
أهل بيتي.
323

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده
الله تعالى.
وقال الصادق " عليه السلام ": إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي (صلى الله عليه وآله) في صلاته سلك بصلاته غير
سبيل الجنة.
وينبغي ان يصلى على النبي وآله بهذه الألفاظ اللهم صل على محمد وآل محمد أطيب
وأطهر وأزكى وأنمى وأفضل ما صليت على الأولين والآخرين وعلى أحد من خلقك
يا أرحم الراحمين اللهم صل على أمير المؤمنين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف
العذاب على من شرك في دمه اللهم صل على فاطمة بنت نبيك محمد والعن من آذى نبيك
فيها اللهم صل على الحسن والحسين امامي المسلمين، ووال من والاهما وعاد من عاداهما
وضاعف العذاب على من شرك في دمائهما اللهم صل على علي بن الحسين إمام المسلمين
ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه اللهم صل على محمد بن علي
ابن الحسين إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه
اللهم صل على جعفر بن محمد إمام المسلمين، ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف
العذاب على من ظلمه وشرك في دمه اللهم صل على موسى بن جعفر إمام المسلمين ووال من
والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه وشرك في دمه اللهم صل على علي بن
موسى الرضا إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه
وشرك في دمه اللهم صل على محمد بن علي امام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه
وضاعف العذاب على من ظلمه اللهم صل على علي بن محمد إمام المسلمين ووال من والاه
وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه، اللهم صل على الحسن بن علي إمام المسلمين
ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه اللهم صلى على الخلف من
بعده إمام المسلمين ووال من والاه وعاده من عاداه اللهم صل على الطاهر والقاسم ابني
نبيك اللهم صل على رقية بنت نبيك والعن من آذى فيها نبيك اللهم صل على الخيرة من
ذرية نبيك اللهم أخلف نبيك في أهله اللهم مكن لهم في الأرض اللهم اجعلنا من عددهم
ومددهم وأنصارهم على الحق في السر والعلانية اللهم اطلب بدحلهم ووترهم ودمائهم وكف
عنا وعنهم وعن كل مؤمن ومؤمنة بأس كل باغ وطاغ، وكل دابة أنت آخذ بناصيتها
انك أشد بأسا وأشد تنكيلا.
324

قال الشاعر:
لم يوصفوا بخيانة لكنهم * امناء ربى سادة افراد
صلى الاله عليهم متتابعا * ما دام حي ناطق وجماد
وأنشد:
وخيرهم آخرهم محمد * صلى عليه ربه الموحد
قامت دلالات له لا تجحد * ذل لها وحار فيها العند
مجلس في ذكر الدعاء في حوائج المؤمنين
قال الله تعالى في سورة البقرة: (وإذا سألك عبادي عنى فانى قريب أجيب دعوة
الداع إذا دعاني) الآية.
وقال تعالى في سورة المؤمن: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم، ان الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين).
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": من أعطى ثلاثة لم يحرم ثلاثة، من أعطى الدعاء أعطى
الإجابة ومن أعطى الشكر أعطى الزيادة، ومن أعطى التوكل أعطى الكفاية فان
الله عز وجل يقول في كتابه: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) ويقول: (لئن شكرتم
لأزيدنكم) ويقول: (ادعوني استجب لكم).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيته: يا علي أربعة لا يرد لهم دعوة إمام عادل ووالد
لولده والرجل يدعو لأخيه بظهر الغيب، والمظلوم يقول الله عز وجل: وعزتي
وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خمسة لا تستجاب لهم دعوة: رجل جعل الله بيده طلاق
امرأته فهي تؤذيه وعنده ما يعطيها ولم يخل سبيلها، ورجل ابق مملوكه ثلاث مرات ولم
يبعه ورجل مر بحائط مائل وهو يقبل إليه ولم يسرع المشي حتى سقط عليه ورجل اقرض
رجلا مالا ولم يشهد عليه، ورجل جلس في بيته، وقال اللهم ارزقني ولم يطلب.
وقال الصادق عليه السلام: قحطوا على عهد سليمان بن داود عليهما السلام فخرجوا
325

يستسقون فإذا هم بنملة قائمة على رجلها مادة يديها إلى السماء وهي تقول: اللهم انا خلق
من خلقك لا غنى بنا عن فضلك فارزقنا من عندك ولا تؤاخذنا بذنوب سفهاء
أولاد آدم.
قال أبو عبد الله عليه السلام: من قدم أربعين رجلا من إخوانه فدعا لهم ثم دعا
لنفسه استجيب له فيهم وفى نفسه.
وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": ما من مؤمن يقترف في يوم أو ليلة أربعين كبيرة فيقول
وهو نادم: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم بديع السماوات والأرض
ذو الجلال والاكرام واسأله ان يتوب علي إلا غفرها الله له ثم قال: ولا خير فيمن
تقارف في كل يوم أو ليلة أربعين كبيرة.
قال الصادق " عليه السلام ": ما من عبد يقول كل يوم سبع مرات اسأل الله الجنة وأعوذ
بالله من النار إلا قالت النار يا رب أعذه منى.
قال علي بن أبي طالب: اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن عند قراءة القرآن وعند
الأذان وعند نزول الغيث وعند التقاء الصفين للشهادة وعند دعوة المظلوم ليس لها حاجب
دون العرش.
وقال الصادق " عليه السلام ": ان الله تعالى جعل ارزاق المؤمنين من حيث لم يحتسبوا وذلك أن
العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه.
وقال أيضا: ما من رجل دعا فختم دعائه بقول ما شاء الله ولا قوة إلا بالله إلا
أجيبت حاجته.
وقال أيضا " عليه السلام ": إذا قام العبد نصف الليل بين يدي ربه فصلى له أربع ركعات في
جوف الليل المظلم، ثم سجد سجدة الشكر بعد فراغه، وقال ما شاء الله مئة مرة ناداه
الله تعالى من فوقه: عبدي إلى كم تقول ما شاء الله ما شاء الله أنا ربك وإلي المشية وقد
شئت قضاء حاجتك فاسألني ما شئت.
قال الأصبغ بن نباتة: كان أمير المؤمنين " عليه السلام " يقول في سجوده: أناجيك يا سيدي
كما يناجي العبد الذليل مولاه واطلب إليك طلب من يعلم انك تعطى، ولا ينقص مما
عندك شئ واستغفرك استغار من يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وأتوكل عليك
توكل من يعلم انك على كل شئ قدير.
326

قال الصادق " عليه السلام ": من استغفر الله بعد العصر سبعين مرة غفر الله له ذلك اليوم
سبع مئة ذنب فإن لم يكن له ذنب فلأبيه فإن لم يكن لأبيه فلامه وإن لم يكن لامه فلأخيه
وإن لم يكن لأخيه فلأخته فإن لم يكن لأخته فللأقرب فالأقرب.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": ما من أحد ابتلى، وان عظمت بلواه بأحق بالدعاء من
المعافى الذي لا يأمن البلاء.
وقال أيضا عليه السلام: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رأى الفاكهة الجديدة قبلها
ووضعها على عينيه وفمه، ثم قال: اللهم كما أريتنا أولها في عافية فأرنا آخرها في عافية.
قال مالك الجهني: ناولت أبا عبد الله الصادق " عليه السلام ": شيئا من الرياحين فأخذه فشمه
ووضعه على عينيه، ثم قال من تناول ريحانة فشمها ووضعها على عينيه ثم قال: اللهم
صل على محمد وآل محمد لم تقع على الأرض حتى يغفر له.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": من قال كل يوم خمسا وعشرين مرة اللهم اغفر للمؤمنين
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات كتب الله له بعدد كل مؤمن مضى وبعدد كل مؤمن بقي إلى
يوم القيامة حسنة ومحا عنة سيئة ورفع له درجة.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": شكوت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) دينا كان علي فقال يا علي قل
اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك فلو كان عليك مثل صبير دينا
قضى الله عنك، وصبير جبل باليمن ليس باليمن جبل أجل ولا أعظم منه.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من مؤمن ولا مؤمنة مضى من أول الدهر أو هو آت
إلى يوم القيامة إلا وهم شفعاء لمن يقول في دعائه: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات وان
العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة فيسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات: يا ربنا هذا
الذي كان يدعو لنا فتشفعنا فيه فيشفعهم الله فينجو.
وقال الباقر " عليه السلام ": لقد غفر الله لرجل من أهل البادية بكلمتين دعا بهما قال: اللهم
ان تعذبني فأهل ذلك انا، وان تغفر لي فأهل ذلك أنت فغفر الله له.
قال أبو بصير: قلت لأبي عبد الله " عليه السلام ": ما كان دعاء يوسف " عليه السلام " في الجب؟ فانا قد
اختلفنا فيه قال: إن يوسف " عليه السلام " لما صار في الجب وآيس من الحياة قال: اللهم ان كانت
الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي إليك صوتا، ولن تستجيب
دعوة فانى أسألك بحق الشيخ يعقوب فارحم ضعفه واجمع بيني وبينه فقد علمت رقته على
327

وشوقي إليه قال: ثم بكى أبو عبد الله " عليه السلام " ثم قال: وأنا أقول: اللهم ان كانت الخطايا
والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي إليك صوتا ولن تستجيب دعوة فانى
أسألك بك فليس كمثلك شئ. وأتوجه إليك بمحمد نبيك نبي الرحمة يا الله يا الله يا الله
قال: ثم قال أبو عبد الله " عليه السلام ": قولوا هذا وأكثروا منه فانى كثيرا ما أقوله عند الكرب
العظام.
وقال أيضا عليه السلام: إذا قال العبد وهو ساجد: يا الله يا رباه يا سيداه ثلاث
مرات أجابه الله تعالى لبيك عبدي سل حاجتك.
وقال أيضا عليه السلام: دعاء الرجل لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق ويدفع
المكروه.
قال إبراهيم بن هاشم: رأيت عبد الله بن جندب بالموقف فلم أر موقفا أحسن من
موقفه ما زال مادا يديه إلى السماء، ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض فلما صدر
الناس قلت له: يا أبا محمد ما رأيت موقفا أحسن من موقفك قال: والله ما دعوت الله
إلا لإخواني وذلك أن أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام أخبرني انه من دعا لأخيه
بظهر الغيب نودي من العرش ولك مئة الف ضعف، وكرهت ان ادع مئة الف ضعف
مضمونة لواحدة لا أدرى تستجاب أم لا؟
قال الصادق " عليه السلام ": مر عيسى بن مريم " عليه السلام " على قوم يبكون فقال: ما يبكى هؤلاء؟
فقيل: يبكون على ذنوبهم قال: فليدعوها تغفر لهم.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة
في الموقف.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان آدم شكى إلى الله ما يلقى من حديث النفس والحزن فنزل
عليه جبرئيل " عليه السلام " فقال له: يا آدم قل لا حول ولا قوة إلا بالله فقالها فذهب عنه
الوسوسة والحزن.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان
واستجيب الدعاء فطوبى لمن رفع له عند ذلك عمل صالح.
قال الصادق " عليه السلام ": جاء جبرئيل إلى يوسف عليهما السلام وهو في السجن، فقال قل
في دبر كل صلاة مفروضة اللهم اجعل لي فرجا ومخرجا وارزقني من حيث لا احتسب
328

ثلاث مرات.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": من قال حين يمسى ثلاث مرات: سبحان الله حين تمسون
وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون لم يفته خير يكون
في تلك الليلة، وصرف عنه جميع شرها، ومن قال مثل ذلك حين يصبح لم يفته خير
يكون في ذلك اليوم، وصرف عنه جميع شره.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): من قال إذا خرج من بيته: بسم الله قال الملكان: هديت فان قال
لا حول ولا قوة إلا بالله قالا: وقيت فإذا قال توكلت على الله قالا: كفيت فيقول
الشيطان كيف لي بعبد هدى ووقى وكفى؟
وقال صلى الله عليه وآله: ما من صباح إلا وملكان يناديان يقولان: يا باغي الخير
هلم ويا باغي الشر انته هل من داع فيستجاب له، هل من مستغفر فيغفر له هل من تائب
فيتاب عليه هل من مغموم فيكشف عنه فهذا دعاؤهما حتى تغرب الشمس.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": كل دعاء محجوب عن السماء حتى يصلى على محمد وآل محمد.
(وروى) ان فاطمة عليها السلام إذا دعت تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو
لنفسها فقيل لها: يا بنت رسول الله انك تدعين للناس ولا تدعين لنفسك فقالت الجار
ثم الدار
قال الصادق " عليه السلام ": كان فيما ناجى الله عز وجل موسى بن عمران " عليه السلام " ان قال: له يا بن
عمران كذب من زعم أنه يحبني فإذا جنه الليل نام عنى أليس كل محب يحب خلوة حبيبه؟
ها انا يا بن عمران مطلع على أحبائي إذا جنهم الليل حولت ابصارهم في قلوبهم ومثلت
عقوبتي بين أعينهم يخاطبوني عن المشاهدة، ويكلموني عن الحضور يا بن عمران هب لي
من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع في ظلام الليل فادعني
فإنك تجدني قريبا مجيبا.
قال الصادق " عليه السلام ": إلهي كيف أدعوك وقد عصيتك؟ وكيف لا أدعوك وقد عرفتك
حبك في قلبي وإن كنت عاصيا مددت إليك يدا بالذنوب مملوءة وعينا بالرجاء ممدودة
مولاي أنت عظيم العظماء وأنا أسير الاسراء، أنا أسير بذنبي مرتهن بجرمي إلهي لئن طالبتني
بذنبي لأطالبنك بكرمك ولئن طالبتني بجريرتي لأطالبنك بعفوك ولئن أمرت بي إلى النار
لأخبرن أهلها انى كنت أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم ان الطاعة تسرك وان
329

المعصية لا تضرك فهب لي ما لا يسرك، واغفر لي ما لا يضرك يا ارحم الراحمين.
قال الصادق " عليه السلام ": بينا إبراهيم خليل الرحمن " عليه السلام " في جبل ببيت المقدس يطلب مرعى
لغنمه إذ سمع صوتا فإذا هو برجل قائم يصلى طوله اثنى عشر شبرا، فقال له: يا عبد الله
لمن تصلى؟ قال لإله السماء، فقال إبراهيم " عليه السلام ": هل بقي أحد من قومك غيرك؟ قال
لا قال: فمن أين تأكل؟ قال: أجتني من هذه الشجرة في الصيف، وآكله في الشتاء قال
وأين منزلك؟ قال: فأومى بيده إلى جبل فقال إبراهيم " عليه السلام ": هل لك ان تذهب بي معك
فأبيت عندك الليلة، فقال إن قدامي ماء لا يخاض قال: كيف تصنع؟ قال: أمشي عليه
قال فاذهب معك فلعل الله ان يرزقني ما رزقك، قال: فأخذ العابد بيده فمضيا جميعا
حتى انتهيا إلى الماء فمشى ومشى إبراهيم " عليه السلام " حتى انتهيا إلى منزله، فقال له إبراهيم: أي
الأيام أعظم؟ قال له العابد: يوم الدين يوم يدان الناس بعضهم من بعض قال: فهل لك
ان ترفع يدك وارفع يدي فندعوا الله عز وحل ان يؤمننا من شر ذلك اليوم؟ فقال
وما تصنع بدعوتي فوالله ان لي لدعوة منذ ثلاث سنين ما أجبت فيها بشئ فقال له
إبراهيم: أولا أخبرك لأي شئ احتبست دعوتك؟ قال: بلى قال له: ان الله عز وجل
إذا أحب عبدا احتبس دعوته ليناجيه ويسأله ويطلب إليه فإذا أبغض عبدا عجل له دعوته
والقى في قلبه اليأس منها، ثم قال له: وما كانت دعوتك؟ قال مر بي غنم ومعه غلام
له ذؤابة فقلت: يا غلام لمن هذا الغنم؟ قال لإبراهيم خليل الرحمن فقلت: اللهم إن كان
لك في الأرض خليل فأرنيه، فقال له إبراهيم " عليه السلام ": فقد استجاب الله لك انا إبراهيم
خليل الرحمن فعانقه، فلما بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) جاءت المصافحة.
(وروى) ان علي ين الحسين سيد العابدين كان يدعو بهذا الدعاء: اللهم وعزتك
وجلالك وعظمتك لو انى منذ أبدعت فطرتي من أول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك
بكل شعرة في كل طرفة عين سرمد الأبد بحمد الخلائق وشكرهم أجمعين لكنت مقصرا
في بلوغ أداء شكر اخفى نعمة من نعمك علي، ولو انى كريت معادن حديد الدنيا
وحرثت أرضها بأشفار عيني علي، ولو انك إلهي عذبتني بعد ذلك بعذاب الخلائق
أجمعين وعظمت للنار خلقي وجسمي، وملأت جهنم واطباقها منى حتى لا يكون في النار
معذب غيري ولا يكون لجهنم حطب سواي لكان ذلك بعدلك علي قليلا في كثير ما استوجبه
من عقوبتك قال الشاعر:
330

إلهي قلت: ادعوني أجبكم * ووعدك صادق ما فيه مرية
وها أنا ذا دعوت فجد بعفو * فمالى غير حسن العفو منية
وأنشد:
إلهي أنت جبار السماء * حقيق بالمحامد والثناء
وقد أذنبت جهلا فاعف عنى * فعفوك عن عبادك غير نائي
وأنشد:
إلهي كم سترت علي ذنبا * يفوق بقبحه كل الذنوب
ولا عجب فإنك مذ قديم * كريم العفو ستار العيوب
مجلس في ذكر يوم الجمعة وليلتها
وفضل الجماعة
قال الله تعالى في سورة الجمعة: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من
يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون).
وقال تعالى في سورة البروج: (وشاهد ومشهود).
وقال أبو جعفر " عليه السلام ": إنما سميت الجمعة جمعة لان الله تعالى جمع فيها خلقه لولاية
محمد (صلى الله عليه وآله) ووصيه في الميثاق فسماه يوم الجمعة، لجمعه فيه خلقه.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): سيد الأيام يوم الجمعة، وهي شاهد ومشهود يوم عرفة.
وقال الباقر عليه السلام: أيما مسافر صلى الجمعة رغبة فيها، وحبا لها أعطاه
الله عز وجل أجر مئة جمعة للمقيم.
قال الصادق " عليه السلام ": من مات ما بين زوال الشمس يوم الخميس إلى زوال الشمس من
يوم الجمعة من المؤمنين أعاذه الله من ضغطة القبر.
وقال عليه السلام: ما من قدم سعت إلى الجمعة إلا حرم الله جسده على النار ومن
صلى معهم في الصف الأول فكأنما صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الصف الأول.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": الناس في الجمعة على ثلاث منازل رجل شهدها بانصات
331

وسكون قبل الامام، وذلك كفارة لذنوبه من الجمعة إلى الجمعة الثانية وزيادة ثلاثة أيام
لقوله تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ورجل شهدها بلفظ وملق وعلق وقلق
فذلك حظه ورجل شهدها، والامام يخطب فقام يصلى فقد أخطأ السنة وذلك لمن سأل
الله ان شاء أعطاه وان شاء حرمه.
قال الباقر " عليه السلام ": إذا كان حين يبعث الله العباد أتى بالأيام يعرفها الخلائق باسمها
وحليتها يقدمها يوم الجمعة له نور ساطع يتبعه سائر الأيام كأنها عروس كريمة ذات
وقار تهدى إلى ذي حلم ويسار، ثم تكون الجمعة شاهدا وحافظا لمن سارع إلى الجمعة
يدخل المؤمنون إلى الجنة على قدر سبقهم إلى الجمعة.
قال الباقر " عليه السلام ": صلاة الجمعة فريضة والاجتماع إليها فريضة مع الامام فان ترك
رجل من غير علة ثلاث جمع فقد ترك ثلاث فرائض ولا يدع ثلاث فرائض من غير علة
إلا منافق.
وقال عليه السلام: من ترك الجمعة ثلاثا متوالية لغير علة طبع الله على قلبه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يوم الجمعة سيد الأيام يضاعف فيه الحسنات ويرفع فيه
الدرجات ويستجاب فيه الدعوات، ويكشف فيه الكربات ويقضى فيه حوائج العظام
وهو يوم المزيد لله فيه عتقاء وطلقاء من النار ما دعا فيه أحد من النار، وعرف حقه
وحرمته إلا كان حقا على الله تعالى ان يجعله من عتقائه، وطلقائه من النار فان مات في
يومه أو ليلته مات شهيدا، وبعث آمنا وما استخف أحد بحرمته، وضيع حقه إلا كان
حقا على الله تعالى ان يصليه نار جهنم إلا أن يتوب.
(وروى) عن أمير المؤمنين " عليه السلام ": أنه قال: ليلة الجمعة ليلة غراء ويومها يوم أزهر
ومن مات ليلة الجمعة كتب الله له براءة من ضغطة القبر، ومن مات يوم الجمعة كتب الله
له براءة من النار.
(وروى) عن الصادق " عليه السلام " أنه قال: إن الله اختار من كل شئ شيئا واختار من
الأيام يوم الجمعة.
قال الباقر " عليه السلام ": ان الله لينادي في كل ليلة جمعة من أول الليل إلى آخره: ألا عبد
مؤمن يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه ألا عبد مؤمن يتوب إلى من ذنوبه
قبل طلوع الفجر فأتوب عليه ألا عبد مؤمن قد قتر عليه رزقه يسألني الزيادة قبل طلوع
332

الفجر فأزيده وأوسع عليه ألا عبد مؤمن سقيم يسألني ان أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه
ألا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألني ان أطلقه من حبسه وأفرج عنه قبل طلوع الفجر
فأطلقه من حبسه وأخلي سربه ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني ان آخذ بظلامته قبل طلوع
الفجر فانتصر له وآخذ بظلامته، قال: فما يزال ينادى بها حتى يطلع الفجر.
قال الصادق " عليه السلام ": ان العبد المؤمن ليسأل الله الحاجة فيؤخر قضاءها إلى يوم الجمعة
ليخصه بفضل يوم الجمعة.
وقال عليه السلام: ان الله تعالى كريم في عباده خصهم بها في كل ليلة جمعة ويوم
الجمعة فأكثروا فيهما من التهليل والتسبيح، والثناء على الله تعالى والصلاة على
النبي صلى الله عليه وآله.
(وروى) عنه عليه السلام أنه قال: من وافق منكم يوم الجمعة فلا يشغلن بشئ عن
العبادة فان فيه يغفر الله للعباد وينزل عليهم الرحمة.
قال الصادق " عليه السلام ": الصدقة ليلة الجمعة ويومها بألف والصلاة على محمد وآله ليلة الجمعة
ويوم الجمعة بألف من الحسنات ويحط الله ألفا من السيئات، ويرفع ألفا من الدرجات
فان المصلى على محمد وآله في ليلة الجمعة يزهر نوره في السماوات إلى يوم القيامة وان ملائكة
الله في السماوات يستغفرون له ويستغفر له الملك الموكل بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن
تقوم الساعة.
(وروى) عنه عليه السلام أنه قال: إذا كانت عيشة الخميس وليلة الجمعة نزلت
ملائكة من السماء معها أقلام الذهب وصحف الفضة لا يكتبون إلا الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)
إلى أن تغيب الشمس من يوم الجمعة.
قال زرارة: حثنا أبو عبد الله " عليه السلام " على الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه فقلت
نغدوا عليك؟ فقال لا إنما عنيت ذلك عندكم.
وغسل الجمعة سنة مؤكدة لا ينبغي تركها، وكان أمير المؤمنين " عليه السلام " إذا أراد أن
يوبخ رجلا قال له: لانت أعجز من تارك الغسل في يوم الجمعة.
(وروى) انه كان لا يزال في طهر من يوم الجمعة إلى الجمعة الأخرى.
قال الباقر " عليه السلام ": من أخذ شاربه وأظفاره كل يوم الجمعة وقال: حين يأخذه
بسم الله وبالله وعلى سنة محمد وآل محمد لم يسقط منه قلامة ولا جزازة إلا كتب الله له
333

بها عتق نسمة ولم يمرض إلا مرضه الذي يموت فيه.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بخمس
وعشرين درجة.
وقال الباقر " عليه السلام ": ثلاث كفارات إسباغ الوضوء في السبرات والمشي بالليل والنهار
إلى الصلاة والمحافظة على الجماعات.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لعثمان بن مظعون يا عثمان من صلى صلاة الفجر في جماعة
ثم جلس بذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس كان له في الفردوس سبعين درجة بعد بين كل
درجة كحضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة، ومن صلى الظهر في جماعة كان له في جنات
عدن خمسون درجة بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد خمسون سنة ومن صلى
العصر في جماعة كان له كأجر ثمانية من ولد إسماعيل كل منهم رب بيت يعتقهم ومن صلى
المغرب في جماعة كان له كحجة مبرورة وعمرة متقبلة، ومن صلى العشاء الآخرة في جماعة
كان له كقيام ليلة القدر، وقال صلى الله عليه وآله ألا أدلكم على شئ يكفر الله به
الخطايا ويزيد في الحسنات؟ قيل: بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة
الخطأ إلى هذه المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة وما منكم أحد يخرج من بيته متطهرا
فيصلى الجمعة مع المسلمين ثم يقعد ينتظر الصلاة الأخرى إلا والملائكة تقول اللهم اغفره
اللهم ارحمه فإذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم وأقيموها وسدوا الفرج وإذا قال امامكم
الله أكبر فقولوا الله أكبر ان خير صفوف الرجال المقدم وشرها المؤخر.
وقال عليه السلام: من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه قيل
يا رسول الله ما جماعة المسلمين؟ قال: جماعة أهل الحق وان قلوا.
وقال الصادق " عليه السلام ": اشترط رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جيران المسجد شهود الصلاة
وقال لينتهين أقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرن مؤذنا يؤذن ثم يقيم ثم آمر رجلا من
أهل بيتي وهو علي فليحرقن على أقوام بيوتهم بحزم الحطب لأنهم لا يأتون الصلاة.
وقال أيضا عليه السلام: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الفجر فلما انصرف
اقبل بوجهه على أصحابه فسأل عن أناس هل حضروا؟ قالوا: لا يا رسول الله فقال
أغيب هم؟ قالوا لا قال: اما انه ليس من صلاة أشد على المنافقين من هذه الصلاة والعشاء
ولم علموا الفضل الذي فيهما لاتوها ولو حبوا.
334

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان صفوف أمتي كصفوف الملائكة في السماء والركعة في
الجماعة أربعة وعشرون ركعة كل ركعة أحب إلى الله تعالى من عبادة أربعين سنة فما من
مؤمن مشى إلى " صلاة " الجماعة إلا خفف الله عليه أهوال يوم القيامة ثم يأمر به إلى الجنة
واما الاجتهار فإنه يتباعد لهب النار منهم بقدر ما يبلغ صوته، ويجوز على الصراط
ويعطى السرور حين يدخل الجنة بداخل الجنة.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): من صلى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمة
الله عز وجل.
وقال الباقر عليه السلام: لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد
إلا مريض أو مشغول.
مجلس في ذكر فضل المساجد
قال الله في سورة البقرة: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل).
وقال تعالى في سورة التوبة: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر
وأقام الصلاة وآتى الزكاة، ولم يخش إلا الله فعسى أولئك ان يكونوا من المهتدين).
اعلم أن لهذه الآية شأنا وقصة وذلك أنه أسر بعض رؤساء قريش فاقبل عليه ناس
من المسلمين يعيرونه بالكفر بالله وقطيعة الرحم وعون المشركين على رسول الله (صلى الله عليه وآله)
والمسلمين فقال الرجل: ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا؟ قالوا: وهل لكم
من محاسن؟ قال: نعم إنا نعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونفك العاني ونسقي الحاج
ونؤمن الخائف فأنزل الله عز وجل ردا عليه ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله
شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم يعنى التي ذكرها، وفى النار هم
خالدون ثم إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر الآية، وكان عند القوم
ان عمارة المسجد إنما هي بالمرمة والكنس والتزويق والتصفية والتجصيص والانفاق
عليه فأخبر الله تعالى ان العمارة للمساجد أولا بالايمان بالله، ثم بكثرة الركوع والسجود
والطاعة والعبادة فيها، وقال في سورة النور: (في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها
335

اسمه) الآية يعنى المساجد ان تبنى وتعمر بدلالة قوله تعالى في سورة البقرة: وإذ يرفع
إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل.
وقال تعالى في سورة الجن: (وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) أضاف
المساجد إلى نفسه من بين البقاع على طريق التخصيص والتفصيل كما أضاف الكعبة إلى
نفسه فقال تعالى: فليعبدوا رب هذا البيت.
وقال الصادق " عليه السلام ": ما عبد الله بشئ أفضل من الصمت والمشي إلى بيته.
وقال أيضا عليه السلام: ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: مسجد خراب لا يصلى فيه
أهله وعالم بين جهال ومصحف مغلق قد وقع عليه غبار لا يقرأ فيه.
وقال أبو جعفر " عليه السلام ": بالكوفة مساجد ملعونة، ومساجد مباركة فأما المباركة
فمسجد غنى والله ان قبلته لقاسطة، وان طينته لطيبة ولقد بناه رجل مؤمن ولا تذهب
الدنيا حتى ينفجر عندها عينان، ويكون فيهما جنتان وأهله ملعونون وهو مسلوب منهم
ومسجد بنى ظفر ومسجد السهلة، ومسجد بالحمراء ومسجد جعفي، وليس هو مسجدهم
اليوم ويقال انه درس.
واما المساجد الملعونة: فمسجد ثقيف، ومسجد الأشعث، ومسجد جرير البجلي
ومسجد سماك، ومسجد بالحمراء بنى على قبر فرعون من الفراعنة.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": ان أمير المؤمنين عليهما السلام نهى بالكوفة عن الصلاة
في خمسة مساجد: مسجد الأشعث بن قيس، ومسجد جرير بن عبد الله بن البجلي ومسجد
سماك بن مخرمة، ومسجد شبث بن ربعي، ومسجد تيم قال: وكان أمير المؤمنين " عليه السلام "
إذا نظر إلى مسجدهم قال: هذه بيعة تيم، ومعناه انهم قعدوا عنه لا يصلون معه بغضا
له لعنهم الله.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": حريم المسجد أربعون ذراعا، والجوار أربعون دارا
من أربعة جوانب،
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قم مسجدا كتب الله له عتق رقبة، ومن خرج منه
ما يقذى عينا كتب الله له كفلين من رحمته.
وقال صلى الله عليه وآله: من كنس مسجدا يوم الخميس ليلة الجمعة، واخرج منه
من التراب ما يذر في العين غفر الله له.
336

قال الأصبغ بن نباتة: بينا نحن ذات يوم عند أمير المؤمنين " عليه السلام " في مسجد الكوفة
إذ قال: يا أهل الكوفة، ولقد حباكم الله بما لم يحب به أحدا ففضل مصلاكم وهو بيت
آدم ونوح وبيت إدريس، ومصلى إبراهيم الخليل، ومصلى أخي الخضر " عليه السلام " ومصلاي
وان مسجدكم أحد الأربعة المساجد التي اختارها الله عز وجل لأهلها، وكأني به يوم
القيامة في ثوبين أبيضين شبيه بالمحرم يشفع لأهله ولمن صلى فيه فلا ترد شفاعته ولا تذهب
الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه، وليأتين عليه زمان يكون مصلى
المهدى " عليه السلام " من ولدى، ومصلى كل مؤمن، ولا يبقى على الأرض مؤمن إلا كان حن
قلبه إليه فلا تهجروه، وتقربوا إلى الله عز وجل بالصلاة فيه، وارغبوا إليه في قضاء
حوائجكم فلو يعلم الناس ما فيه من البركة لاتوه من أقطار الأرض ولو حبوا على الثلج.
وقال الصادق " عليه السلام ": عليكم باتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض ومن أتاها
متطهرا طهره الله من ذنوبه، وكتب من زواره فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء وصلوا
في المساجد في بقاع مختلفة فان كل بقعة تشهد للمصلى عليها يوم القيامة.
قال الصادق " عليه السلام ": ما بقي ملك مقرب، ولا نبي مرسل ولا عبد صالح دخل الكوفة
إلا وقد صلى في مسجد الكوفة، وان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر به ليلة أسرى به فاستأذن الله
به الملك فصلى فيه ركعتين، وصلاة الفريضة فيه الف صلاة، والنافلة فيه خمسمائة صلاة
والجلوس فيه من غير تلاوة القرآن عبادة فأته ولو زحفا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مشى إلى مسجد يطلب فيه جماعة كان له بكل خطوة
سبعون الف حسنة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، وان مات وهو على ذلك وكل
الله به سبعين الف ملك يعودونه في قبره، ويؤنسونه في وحدته ويستغفرون
له حتى يبعث.
وقال صلى الله عليه وآله: من سمع النداء في المسجد فخرج منه من غير علة فهو منافق
إلا أن يريد الرجوع إليه.
وقال صلى الله عليه وآله: من بنى مسجدا ليذكر الله فيه بنى له بيت في الجنة ومن
أعتق نفسا مسلمة كان ذلك العتق فدية له من جهنم، ومن شاب شيبته في سبيل الله كانت
له نورا يوم القيامة.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله له بيتا في الجنة.
337

وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": صلاة في بيت المقدس الف صلاة، وصلاة في المسجد
الأعظم مئة صلاة وصلاة في مسجد القبيلة خمسة وعشرين صلاة وصلاة في مسجد السوق
اثنتي عشرة صلاة وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة.
وقال عليه السلام: من اختلف إلى المسجد أصاب احدى الثمان أخا مستفادا في الله
أو علما مستطرفا أو آية محكمة أو سمع كلمة تدله على الهدى أو رحمة منتظرة أو كلمة ترده
عن ردى أو يترك ذنبا خشية أو حياءا.
قال الصادق عليه السلام: خير مساجد نسائكم البيوت.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم المصاحف حليت، والمساجد زينت والمنارة طولت
واتخذ القرآن مزامير، والمساجد طرقا، المؤمن في ذلك الزمان أعز من الكبريت الأحمر
اما ان مساجدهم مزخرفة، وأبدانهم نقية وقلوبهم أنتن من الجيفة.
مجلس في ذكر فضل شهر رمضان
سمى شهر رمضان بذلك لأنه رمضت فيه الخصال من الحر، وقيل أيضا سمى بذلك
لأنه يرمض الذنوب - أي يحرقها.
قال الله تعالى في سورة البقرة: (كتب الله عليكم الصيام كما كتب عل الذين من
قبلكم لعلكم تتقون).
وقال تعالى: (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن * هدى للناس وبينات من
الهدى والفرقان).
وقال الباقر " عليه السلام ": خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس في آخر جمعة من شعبان فحمد الله
وأثنى عليه، ثم قال أيها الناس: قد أظلكم شهر فيه ليلة القدر خير من الف شهر وهو
شهر رمضان فرض الله صيامه وجعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة فمن تطوع فيها كان كمن
تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال
الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله
338

كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور وهو شهر يزيد الله في رزق المؤمن ومن
أفطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عز وجل عتق رقبة ومغفرة الذنوب فيما مضى
فقيل يا رسول الله: ليس كلنا نقدر على أن نفطر صائما فقال: ان الله تبارك وتعالى
كريم يعطى هذا الثواب منكم من لم يقدر إلا على مذقة من لبن ففطر بها صائما أو شربة
ماء عذب أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك ومن خفف فيه عن مملوكه خفف عنه
حسابه وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة وآخره إجابة والعتق من النار ولا غنى
بكم فيه عن أربعة خصال: خصلتين ترضون الله بهما، وخصلتين لا غنى بكم منهما اما اللتان
ترضون الله بهما: فشهادة أن لا إله إلا الله وانى رسول الله، واما اللتان لا غنى بكم
عنهما فتسألون الله حوائجكم والجنة، وتسألون الله فيه العافية وتتعوذون فيه من النار.
قال الباقر " عليه السلام ": كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا نظر إلى هلال شهر رمضان استقبل القبلة
بوجهه ثم قال: اللهم أهله علينا بالأمن والايمان، والسلامة والإسلام والعافية المجللة
والرزق الواسع ودفع الأسقام، وتلاوة القرآن والعون على الصلاة والصيام اللهم سلمنا
لشهر رمضان وسلمه لنا وتسلمه منا حتى ينقضى شهر رمضان وقد غفرت امام مقبل
بوجهه على الناس فيقول: يا معشر المسلمين إذا طلع هلال شهر رمضان غلت مردة الشياطين
وفتحت أبواب السماء وأبواب الجنان، وأبواب الرحمة وغلقت أبواب النار واستجيب
الدعاء وكان الله عز وجل عند كل فطر عتقاء يعتقهم من النار ونادى مناد كل ليلة: هل
من سائل هل من مستغفر اللهم اعط كل منفق خلفا، واعط كل ممسك تلفا حتى إذا
طلع هلال شوال نودي المؤمنون: ان اغدوا إلى جوائزكم فهو يوم الجائزة، ثم قال
أبو جعفر " عليه السلام ": اما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير ولا الدراهم.
قال الباقر " عليه السلام ": ان لله تبارك وتعالى ملائكة موكلين بالصائمين كل ليلة عند افطارهم
أبشروا عباد الله وقد جعتم قليلا وتشبعون كثيرا بوركتم وبورك فيكم حتى إذا كان آخر
ليلة من شهر رمضان نادوهم أبشروا عباد الله فقد غفر الله لكم ذنوبكم وقبل توبتكم
فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان شهر رمضان يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو فيه
السيئات ويرفع فيه الدرجات من تصدق في هذا الشهر بصدقة غفر الله له، ومن أحسن
فيه إلى ما ملكت يمينه غفر الله له ومن كظم فيه غيظه غفر الله له، ومن أحسن فيه خلقه
339

غفر الله له ومن وصل فيه رحمه غفر الله له، ثم قال عليه السلام: ان شهركم هذا ليس
كالشهور انه إذا اقبل إليكم اقبل بالبركة والرحمة وإذا أدبر عنكم أدبر بغفران الذنوب هذا
شهر الحسنات فيه مضاعفة، واعمال الخير فيه مقبولة من صلى منكم في هذا الشهر
لله تعالى ركعتين يتطوع بهما غفر الله له ثم قال عليه السلام: ان الشقي حق الشقي من
خرج منه هذا الشهر ولم يغفر ذنوبه فحينئذ يخسر حين يفوز المحسنون بجواز الرب الكريم.
قال الصادق " عليه السلام ": من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح تقبل الله منه صيامه
فقيل له يا بن رسول الله ما القول الصالح؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله والعمل الصالح
اخراج الفطرة.
وقال عليه السلام: ان لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار
إلا من افطر على مسكر فإذا كان آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما حضر شهر رمضان وذلك لثلاث بقين من شعبان قال
لبلال ناد في الناس فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس
ان هذا الشهر قد حضركم وهو سيد الشهور فيه ليلة خير من الف شهر يغلق فيه أبواب
النيران ويفتح فيه أبواب الجنان فمن أدركه فلم يغفر له فأبعده الله ومن ذكرت عنده فلم
يصلى علي فلم يغفر له فأبعده الله ومن أدرك والديه فلم يغفر له فأبعده الله تعالى.
وقال الباقر " عليه السلام ": لكل شئ ربيع، وربيع القرآن شهر رمضان.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء، فاما
الدعاء فيدفع عنكم البلاء واما الاستغفار فيمحى به ذنوبكم.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب
الله له سبع خصال:
(أولها) يذيب الحرام في جسده.
(والثانية) يقرب من رحمته.
(والثالثة) يكون قد كفر خطيئة أبيه.
(والرابعة) يخفف الله عنه سكرات الموت.
(والخامسة) أمان من الجوع والعطش يوم القيامة.
(والسادسة) يعطيه الله براءة من النار.
340

(والسابعة) يطعمه الله من ثمرات الجنة.
قال أبو هريرة: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخطب فقال في خطبته: أيها الناس من صام
شهر رمضان في انصات وسكون وكف سمعه وبصره ولسانه ويديه وجوارحه من الكذب
والحرام والغيبة، والأذى قرب يوم القيامة حتى يمس ركبتيه ركبة إبراهيم خليل
الرحمن عليه السلام.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا من أمتي في المنام يلهث عطشا كلما ورد حوضا
منه منع منه فجائه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه.
قال علي بن المغيرة: قلت لأبي الحسن موسى " عليه السلام ": ان أبى سأل جدك عليه السلام
عن ختم القرآن في كل ليلة فقال له جدك: في كل ليلة قال: في شهر رمضان؟ فقال جدك في
شهر رمضان، فقال له أبى: نعم قال: ما استطعت فكان أبى يختمه أربعين ختمة في
شهر رمضان، ثم ختمته بعد أبي فربما زدت وربما نقصت على قدر فراغي وشغلي ونشاطي
وكسلي فإذا كان يوم الفطر جعلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ختمة ولعلي " عليه السلام " ختمة ولفاطمة " عليه السلام "
أخرى ثم للأئمة صلوات الله عليهم انتهيت إليك فصيرت لك واحدة منذ صرت في هذه
الحال فأي شئ لي بذلك؟ قال فان لك بذلك أن تكون معهم يوم القيامة قلت: الله أكبر
فلي بذلك؟ قال: نعم ثلاث مرات.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تسحروا ولو بجرعة من ماء ألا صلوات الله على المتسحرين.
وقال عليه السلام: ان الله وملائكته يصلون على المتسحرين والمستغفرين بالاسحار
فليتسحر أحدكم ولو بجرعة من الماء.
وقال عليه السلام: تعاونوا بأكل السحر على صيام النهار، وبالنوم عند القيلولة
على قيام الليل.
وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يفطر على الحلو فإذا لم يجده افطر
على الماء الفاتر، وكان يقول: هو ينقى الكبد والمعدة. ويطيب النكهة والفم ويقوى
الأضراس ويحد الناظر ويغسل الذنوب غسلا، ويسكن العروق الهائجة والمرة الغالبة
ويطفئ الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع.
وقال الصادق " عليه السلام ": قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من فطر صائما كان له مثل اجره من
غير أن ينتقص منه شئ، وما عمل بقوة ذلك الطعام من بر.
341

وقال " عليه السلام ": فطرك لأخيك وادخالك السرور عليه أعظم اجرا من صيامك.
قال الصادق " عليه السلام ": افطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفا
أو تسعين ضعفا.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": يا سدير هل تدرى أي ليال هذه؟ فقال: نعم فداك أبي
وأمي هذه ليالي شهر رمضان، فقال له: أتقدر على أن تعتق في كل ليلة من هذه الليالي
عشر رقاب من ولد إسماعيل؟ فقال سدير: بأبي أنت وأمي ان مالي لا يبلغ ذلك قال
فما زال ينقص حتى بلغ رقبة واحدة في كل ذلك يقول: لا أقدر قال: فما تقدر ان تفطر
في كل ليلة رجلا مسلما؟ قال: بلى وعشرة، فقال: انى ذلك أردت بك، يا سدير ان
افطارك أخاك المسلم يعدل عتق رقبة من ولد إسماعيل قال: وان فطرك لأخيك وادخال
السرور عليه أعظم من اجر صيامك.
قال سعيد بن جبير: سألت ابن عباس ما لمن صام شهر رمضان وعرف حقه؟
قال: تهيأ يا بن جبير حتى أحدثك ما لم تسمع أذناك ولم يمر على قلبك، وفرغ نفسك
لما سألتني عنه فما أردته فهو علم الأولين والآخرين، وقال سعيد بن جبير: فخرجت من
عنده فتهيأت له من الغد فبكرت إليه مع طلوع الفجر فصليت الفجر، ثم ذكرت الحديث
فحول وجهه فقال: اسمع منى ما أقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لو علمتم ما لكم في
رمضان لزدتم الله تعالى شكرا، وإذا كان أول ليلة غفر الله عز وجل لامتي الذنوب كلها
سرها وعلانيتها، ورفع لكم ألفي الف درجة وبنى لكم خمسين مدينة، وكتب
الله تعالى يوم الثاني بكل خطوة يخطو بها في ذلك اليوم عبادة سنة وثواب نبي وكتب لكم
صوم سنة وأعطاكم الله عز وجل يوم الثالث بكل شعرة على أبدانكم قبة في الفردوس من
درة بيضاء في أعلاها اثنى عشر الف بيت من النور، وفى أسفلها اثنى عشر الف بيت في
كل بيت الف سرير على كل سرير حوراء، يدخل عليكم كل يوم الف ملك مع كل ملك هدية
وأعطاكم الله تعالى يوم الرابع في جنة الخلد سبعين الف قصر في كل قصر سبعون الف بيت
في كل بيت خمسون الف سرير على كل سرير حوراء بين يدي كل حوراء الف وصيفة خمار
إحديهن خير من الدنيا وما فيها، وأعطاكم الله في اليوم الخامس في جنة المأوى الف
الف مدينة في كل مدينة سبعون الف بيت في كل بيت الف مائدة على كل مائدة
سبعون الف قصعة في كل قصعة ستون الف لون من الطعام لا يشبه بعضها بعضا وأعطاكم
342

الله عز وجل في اليوم السادس في دار السلام مئة الف مدينة في كل مدينة مئة الف دار في
كل دار مئة الف بيت في كل بيت مئة الف سرير من ذهب طول كل سرير الف ذراع على
كل سرير زوجة من الحور العين عليها ثلاثون الف ذوابة منسوجة بالدر والياقوت تحمل
كل ذوابة مئة جارية، وأعطاكم الله عز وجل يوم السابع في جنة النعيم ثواب أربعين
الف شهيد، وأربعين الف صديق، وأعطاكم الله عز وجل يوم الثامن عمل ستين الف
عابد وستين الف زاهد، وأعطاكم الله عز وجل يوم التاسع ما يعطى الف عالم وألف
معتكف والف مرابط، وأعطاكم الله عز وجل يوم العاشر قضاء سبعين الف حاجة
وتستغفر لكم الشمس والقمر والنجوم، والدواب والطير والسباع وكل حجر ومدر
وكل رطب ويابس والحيتان في البحار والأوراق على الأشجار، وكتب الله عز وجل
يوم الحادي عشر ثواب أربع حجات وعمرات كل حجة مع نبي من الأنبياء وكل عمرة مع
صديق أو شهيد، وجعل الله عز وجل لكم يوم اثنى عشر ان يبدل الله سيئاتكم حسنات
ويجعل حسناتكم اضعافا، ويكتب لكم بكل حسنة الف الف حسنة وكتب الله عز وجل
لكم يوم ثالث عشر مثل عبادة أهل مكة والمدينة وأعطاكم الله بكل مدر وحجر ما بين
مكة والمدينة شفاعة، ويوم رابع عشر فكأنما لقيتم آدم ونوحا وبعدهما إبراهيم
وموسى وبعدهما داود وسليمان، وكأنما عبدتم الله عز وجل مع كل نبي مئة سنة وقضى
لكم الله يوم خامس عشر الف حاجة من حوائج الدنيا والآخرة، وأعطاكم الله ما، وأعطاكم الله ما يعطى
أيوب واستغفرت لكم حملة العرش، وأعطاكم الله عز وجل يوم القيامة أربعين نورا عشرة
عن يمينكم وعشرة عن يساركم، وعشرة امامكم، وعشرة خلفكم، وأعطاكم الله يوم
السادس عشر إذا خرجتم من القبر ستين حلة تلبسونها، وناقة تركبونها وبعث إليكم
غمامة تظلكم من حر ذلك اليوم والمقام، واليوم السابع عشر يقول الله عز وجل: انى
قد غفرت لكم ولآبائكم، ورفعت عنكم شدائد يوم القيامة وإذا كان يوم الثامن عشر أمر
الله تعالى جبرئيل وميكائيل، وإسرافيل وحملة العرش والكروبيين ان يستغفروا لامة
محمد (صلى الله عليه وآله) إلى القابلة، وأعطاكم الله عز وجل يوم القيامة ثواب البدريين فإذا كان يوم
التاسع عشر لم يبق ملك في السماوات والأرض إلا استأذنوا ربهم في زيارة قبوركم كل
يوم ومع كل هدية وشراب فإذا تم لكم عشرون يوما بعث الله عز وجل إليكم سبعين الف
ملك يحفظونكم من كل شيطان رجيم، وكتب الله تعالى لكم بكل يوم صمتم صوم مئة سنة
343

وجعل بينكم وبين النار خندقا، وأعطاكم ثواب من قرأ التوراة والإنجيل والزبور
والفرقان، وكتب الله لكم بكل ريشة على جبرئيل " عليه السلام " عبادة سنة وأعطاكم ثواب تسبيح
العرش والكرسي، وزوجكم بكل آية في القرآن الف حوراء ويوم الحادي والعشرين يوسع
الله عليكم القبر الف فرسخ، ويرفع عنكم الظلمة والوحشة ويجعل قبوركم كقبور الشهداء
ويجعل وجوهكم كوجه يوسف بن يعقوب عليهما السلام ويوم الثاني والعشرين يبعث الله
إليكم ملك الموت كما يبعث إلى الأنبياء عليهم السلام ويدفع هول منكر ونكير ويرفع عنكم
هم الدنيا وعذاب الآخرة، ويوم الثالث والعشرين تمرون على الصراط مع النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين وكأنما أشبعتم كل يتيم من أمتي وكسوتم كل عريان من
أمتي ويوم أربعة وعشرين لا تخرجون من الدنيا حتى يرى كل واحد منكم مكانه في الجنة
ويعطى كل واحد ثواب الف مريض، والف غريب خرجوا في طاعة الله وأعطاكم
ثواب عتق الف رقبة من ولد إسماعيل ويوم خمسة وعشرين بنى الله تعالى لكم تحت العرش
الف قبة خضراء على رأس كل قبة خيمة من نور يقول الله تعالى: يا أمة محمد انا ربكم
وأنتم عبيدي وإمائي استظلوا بظل عرشي في هذه القباب وكلوا واشربوا هنيئا لا خوف
عليكم ولا أنتم تحزنون.
يا أمة محمد، وعزتي وجلالي لأبعثنكم إلى الجنة يتعجب منكم الأولون والآخرون
ولأتوجن كل واحد منكم بألف تاج من نور ولأركبن كل واحد منكم على ناقة خلقت
من نور زمامها من نور، وفى ذلك الزمام الف حلقة من الذهب في كل حلقة ملك قائم
عليها من الملائكة بيد كل ملك عمود من نور حتى تدخلوا الجنة بغير حساب وإذا كان يوم
ستة وعشرين ينظر الله إليكم بالرحمة فيغفر الله لكم الذنوب كلها إلا الدماء والأموال
وقدس بينكم كل يوم سبعين مرة من الغيبة والكذب والبهتان ويوم سبعة وعشرين فكأنما
نصرتم كل مؤمن ومؤمنة وكسوتم سبعين الف عاري وخدمتم الف مرابط وكأنما قرأتم
كل كتاب أنزله الله على أنبيائه، ويوم ثمانية وعشرين جعل الله لكم في جنة الخلد مئة
الف مدينة من نور وأعطاكم الله تعالى في جنة المأوى مئة الف قصر من فضة وأعطاكم الله
في جنة الفردوس مئة الف مدينة في كل مدينة الف حجرة، وأعطاكم الله في جنة الجلال
مئة الف منبر من مسك في جوف كل منبر الف بيت من زعفران في كل بيت الف سرير
من در وياقوت على كل سرير زوجة من حور العين وإذا كان يوم تسعة وعشرين أعطاكم
344

الله الف الف محلة في جوف كل محلة قبة بيضاء في كل قبة سرير من كافور ابيض على ذلك
السرير الف فراش من السندس الأخضر فوق كل فراش حوراء عليها سبعون الف حلة
على رأسها ثمانون الف ذوابة كل ذوابة مكللة بالدر والياقوت فإذا تم ثلاثون يوما كتب
الله تعالى لكم بكل يوم مر عليكم ثواب الف شهيد، وثواب الف صديق وكتب الله تعالى
لكم بكل يوم صوم ألفي يوم، ورفع لكم تعداد نبت النيل درجات، وكتب
الله عز وجل لكم براءة من النار وجواز على الصراط وأمانا من العذاب وللجنة باب
يقال له الريان لا يفتح ذلك إلا يوم القيامة ثم يفتح للصائمين والصائمات من أمة محمد (صلى الله عليه وآله)
ثم ينادى رضوان خازن الجنة: يا أمة محمد هلموا إلى الريان فيدخل أمتي في ذلك الباب إلى
الجنة ومن لم يغفر له رمضان ففي أي شهر يغفر له ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال أمير المؤمنين: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم فقال: أيها الناس، انه
قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه
أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات دعيتم فيه إلى ضيافة الله
وجعلتم فيه من أهل الكرامة أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه
مقبول ودعائكم فيه مستجاب فاسألوا ربكم بنيات صادقة، وقلوب طاهرة ان يوفقكم
لصيامه وتلاوة كتابه فان الشقي من حرم عليه غفران الله في هذا الشهر العظيم واذكروا
بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم
ووقروا كباركم فارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما
لا يحل النظر إليه ابصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه اسماعكم، وتحننوا على أيتام
الناس حتى يتحنن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم فارفعوا إليه أيديكم بالدعاء
في أوقات صلاتكم فإنها أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده يجيبهم
إذا ناجوه ويلبيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه يا أيها
الناس ان أنفسكم مرهونة باعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم
فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلم أن الله تعالى ذكره اقسم بعزته أن لا يعذب المصلين
والساجدين وان لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين أيها الناس من فطر منكم
صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه فقيل
يا رسول الله وليس كلنا يقدر على ذلك فقال صلى الله عليه وآله: اتقوا الله ولو بشق
345

تمرة اتقوا الله ولو بشربة من الماء أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له
جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه
خفف الله عنه حسابه، ومن كف فيه شره كف عنه غضبه يوم يلقاه ومن أكرم فيه
يتيما أكرمه الله يوم يلقاه، من وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ومن قطع
رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار
ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ومن
أكثر فيه من الصلاة على ثقل الله ثقل الله ميزانه يوم يخفف الموازين، ومن تلا فيه آية من
القرآن كان له مثل اجر من ختم القرآن في غيره من الشهور أيها الناس ان أبواب الجنان
في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم
أن لا يسلطها عليكم، فقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": فقمت وقلت: يا رسول الله ما أفضل الأعمال
في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم
الله ثم بكى فقلت: يا رسول الله ما يبكيك؟ قال: يا علي أبكى لما يستحل منك في هذا
الشهر كأني بك وأنت تصلى لربك، وقد اتبعك أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر
ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك قال أمير المؤمنين: فقلت
يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني، فقال: في سلامة من دينك، ثم قال (صلى الله عليه وآله) يا علي
من قتلك فقد قتلني ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبك فقد سبني لأنك منى كنفسي
وروحك من روحي وطينتك من طينتي ان الله تبارك وتعالى خلقني وإياك واصطفاني
وإياك واختارني للنبوة، واختارك للإمامة فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي يا علي
أنت وصيي وأبو ولدي، وزوج ابنتي وخليفتي على أمتي في حياتي، وبعد مماتي امرك
امرى ونهيك نهيي اقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية انك لحجة الله على خلقه
وأمينه على سره وخليفته على عباده وقال النبي (صلى الله عليه وآله): ان الجنة لتنجد وتزين من الحول
إلى الحول لدخول شهر رمضان فإذا كان أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت
العرش يقال له المثيرة فتصفق ورق أشجار الجنان، وحلق المصاريع فيسمع لذلك طنين
لم يسمع السامعون أحسن منه فتزين الحور العين حتى يقفن بين شرف الجنة فينادين هل من
خاطب لنا بأعماله الصالحة إلى الله تعالى فيزوجه قال ثم يقلن: يا رضوان ما هذه الليلة؟
فيجيبهن بالتلبية يا خيرات يا حسان هذه أول ليلة من شهر رمضان فتحت فيها أبواب الجنان
346

للصائمين من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) قال فيقول الله تبارك وتعالى: يا رضوان افتح أبواب الجنان
يا مالك أغلق أبواب النيران عن الصائمين من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) يا جبرئيل اهبط إلى الأرض
فاصفد مردة الشياطين وغلهم في الاغلال، ثم اقذف بهم في لجج البحار حتى لا يفسدوا
على أمة حبيبي صيامهم.
قال: ويقول الله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان ثلاث مرات: هل من سائل
فاعطيه سؤاله؟ هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فاغفر له؟ من يقرض الملئ
غير المعدم الوفي غير الظلوم؟
قال: ولله تعالى في كل يوم من شهر رمضان عند الافطار الف الف عتيق من النار
وإذا كان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أعتق في كل ساعة منها الف الف عتيق من النار كلهم قد
استوجبوا النار فإذا كان في آخر يوم من شهر رمضان أعتق في ذلك اليوم بعدد ما أعتق
من أول الشهر إلى آخره فإذا كان ليلة القدر أمر الله تعالى جبرئيل فهبط في كومة من الملائكة
عليهم السلام إلى الأرض معه لواء اخضر فيركز اللواء على ظهر الكعبة وله ستمائة جناح
منها جناحان لا ينشرهما إلا في كل ليلة من ليالي القدر قال: فينشرهما تلك الليلة فيجاوزان
المشرق والمغرب ويبيت جبرئيل والملائكة في هذه الأمة، ويسلمون على كل قائم وقاعد
ومصلى وذاكر ويصافحونهم ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر نادى
جبرئيل " عليه السلام " يا معشر الملائكة يا معشر الملائكة: الرحيل الرحيل فيقولون: يا جبرئيل
ما صنع الله تعالى في حوائج أمة محمد فيقول: ان الله تعالى نظر إليهم في هذه الليلة وعفى
عنهم وغفر لهم إلا أربعة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وهؤلاء الأربعة رجل مدمن الخمر، وعاق لوالديه وقاطع
رحم ومشاحن قيل يا رسول الله وما المشاحن؟ قال: المصارم فإذا كان ليلة الفطر سميت
تلك الليلة ليلة الجائزة فإذا كان غداة الفطر بعث الله تعالى الملائكة في كل بلاد فيهبطون إلى
الأرض فيقومون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله تعالى إلا
الجن والإنس فيقولون يا أمة محمد اخرجوا إلى رب كريم يعطى الجزيل ويغفر العظيم
فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله للملائكة: يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ قال
فتقول الملائكة: الهنا وسيدنا جزاؤه ان توفيه اجره، قال فيقول الله تعالى: فانى
أشهدكم يا ملائكتي انى قد جعلت ثوابهم من صيامهم رمضان وقيامهم رضائي ومغفرتي
347

قال ويقول الله تعالى: يا عبادي سلوني فو عزتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئا في جمعكم
هذا لآخرتكم إلا أعطيتكم، ولا لدنياكم إلا ونظرت لكم وعزتي وجلالي لأسترن عيوبكم
لئلا تعرضوا عنى وأضاعف أجوركم لأسوين عليكم غفرانكم ما راقبتموني وعزتي
لا أخزيكم ولا أفضحكم انصرفوا مغفورا لكم قد أرضيتموني، ورضيت عنكم قال
فتفرح الملائكة ويستبشرون بما يعطى الله عز وجل هذه الأمة إذا افطروا شهر رمضان.
مجلس في ذكر ليلة القدر وفضل الصيام
قال الله تعالى في سورة الدخان: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها
يفرق كل أمر حكيم) الآيات.
قال قوم: هي ليلة القدر، وقال قوم: هي ليلة البراءة.
وقال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) إلى آخر السورة، وقد سمى الله في
كتابه سبعة أشياء مباركا: سمى مكة مباركا، فقال تعالى في سورة آل عمران: ان
أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وسمى القرآن مباركا، وقال تعالى في سورة الأنعام
: وهذا كتاب أنزلناه مبارك وسمى عيسى " عليه السلام " مباركا في سورة مريم فقال وجعلني
نبيا وجعلني مباركا وسمى الزيتون مباركا وقال في سورة النور: يوقد من شجرة مباركة
زيتونة، وسمى بقعة موسى مباركة.
وقال تعالى في سورة القصص: (فلما اتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة
المباركة من الشجرة ان يا موسى انى أنا الله وسمى المطر مباركا) فقال في سورة " ق "
(ونزلنا من السماء ماءا مباركا).
قال: واتفق أكثر مشايخنا رضي الله عنهم على أن ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": ليلة القدر هي أول السنة وهي آخرها.
وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: من اغتسل ليلة القدر وأحياها إلى طلوع
الفجر خرج من ذنوبه.
348

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم
من ذنبه وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحث عليه ولا يحتمه.
وقال الباقر " عليه السلام ": من أحيا ثلاث وعشرين من شهر رمضان، وصلى فيه مئة
ركعة وسع الله عليه معيشته في الدنيا وكفاه امر من يعاديه وأعاذه من الحرق والهدم
والسرق ومن شر السباع، ودفع عنه هول منكر ونكير وخرج من قبره ونوره يتلألأ
لأهل الجمع ويعطى كتابه بيمينه، ويكتب له براءة من النار وجواز على الصراط
وأمانا من العذاب ويدخل الجنة بغير حساب ويجعل فيها من رفقاء النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. قال الباقر " عليه السلام " لما انصرف إلى عرفات وسار
إلى منى دخل المسجد فاجتمع إليه الناس يسألونه عن ليلة القدر فقام خطيبا فقال بعد الثناء
على الله عز وجل.
أما بعد: فإنكم سألتموني عن ليلة القدر، ولم أطوها عنكم انى لا أكون بها عالما
اعلموا أيها الناس، انه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوى فصام نهاره وقام
وردا من ليله وواظب على صلاته، وهجر إلى جمعته وغدا إلى عيده فقد أدرك ليلة
القدر وفاز بجائزة الرب.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": فان لله جوائز ليست كجوائز العباد، وقال ابن عباس
سميت ليلة القدر لان الله يقدر في تلك الليلة ما يكون من السنة إلى السنة من مصيبة
أو موت أو رزق أو غير ذلك.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله تعالى اهدى إلي والى أمتي هدية لم يهدها إلى أحد
من الأمم كرامة من الله لنا قالوا: وما ذاك يا رسول الله قال الافطار في السفر والتقصير
في الصلاة فمن لم يفعل ذلك فقد رد على الله هديته.
قال الصادق عليه السلام: للصائم فرحتان فرحة عند افطاره، وفرحة عند
لقاء الله تعالى.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال تعالى: كل عمل بني آدم هو له غير الصيام فهو لي وانا
أجزء به، والصيام جنة عبدي المؤمن يوم القيامة كما يقي أحدكم سلاحه في الدنيا
ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، والصائم يفرح بفرحين حين يفطر
فيطعم ويشرب وحين يلقاني فأدخله الجنة.
349

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصائم في عبادة: وإن كان نائما على فراشه ما لم
يغتب مسلما.
وقال أيضا عليه السلام: من صام يوما تطوعا ابتغاء ثواب الله وجبت له المغفرة.
وقال الصادق " عليه السلام ": من صام يوما في الحر فأصابه ظمأ وكل الله به الف ملك
يمسحون وجهه ويبشرونه حتى إذا أفطر.
قال الله تعالى: ما أطيب ريحك وروحك ملائكتي اشهدوا انى قد غفرت له.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": صيام شهر رمضان، وثلاثة أيام في كل شهر يذهبن بلابل
الصدور ان صام ثلاثة أيام في كل شهر صام الدهر، ان الله عز وجل يقول: (من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكل شئ زكاة، وزكاة البدن الصوم.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم
ليس من قيامه إلا العنا.
قال الصادق " عليه السلام ": لمحمد بن مسلم: يا محمد إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك
ولحمك ودمك وجلدك وشعرك وبشرتك فلا يكن يوم صومك كيوم فطرك.
وقال عليه السلام: ان الصائم منكم ليرتع في رياض الجنة تدعو له الملائكة
حتى يفطر.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح.
قال أبو هريرة: من صام يوم ثمانية وعشرين من ذي الحجة كتب الله له صيام
ستين شهرا، وهو يوم غدير خم لما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد علي بن أبي طالب " عليه السلام "
وقال ألست أولى بالمؤمنين؟ قالوا نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلى
مولاه فقال له عمر: بخ بخ يا علي بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم فانزل
الله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)
(وروى) عن الأئمة عليهم السلام أنه قال: من صام يوم غدير خم ولم يستبدل
به كتب الله له صيام الدهر.
قال الصادق " عليه السلام ": من صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب الله له اجر صيام
سبعين سنة.
350

(وروى) ان صيامه كفارة ستين شهرا.
(وروى) ان من صام الخامس والعشرين من ذي القعدة وهو اليوم الذي دحى
الله به الأرض من تحت الكعبة كفر الله عنه ذنوبه سبعين سنة.
ويوم السابع عشر من شهر ربيع الأول، وهو يوم مولد النبي (صلى الله عليه وآله) فمن صامه
كتب الله تعالى له صيام ستين سنة.
مجلس في ذكر الأيام العشر من ذي الحجة
قال الله تعالى في سورة الأعراف: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر
يعنى من ذي الحجة - فتم ميقات ربه أربعين ليلة).
وقال تعالى في سورة الحج: (لتشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام
معلومات) يعنى العشر من ذي الحجة.
وقال تعالى: (والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر).
قال ابن عباس: الفجر النهار، وليال عشر قال: عشر الأضحى، وقيل الوتر
يوم عرفة والشفع يوم النحر لان عرفة يوم التاسع والنحر يوم العاشر.
وقال الرضا " عليه السلام ": بعث الله محمد (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين في سبعة وعشرين من رجب فمن
صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا، وفى خمسة وعشرين من ذي القعدة
وضع الله البيت، وهو أول رحمة وضعت على وجه الأرض فجعله الله عز وجل مثابة
للناس وأمنا فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا، وفى أول يوم من
ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن " عليه السلام " فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا.
قال عبد الرحمن بن سيابة: سألت أبا عبد الله " عليه السلام " من غسل يوم عرفة في الأمصار
فقال: اغتسل أين ما كنت، ويستحب الاجتماع والدعاء عند مشاهدة الأئمة عليهم السلام
والصوم والصلاة والتضرع.
351

مجلس في ذكر العيدين
إعلم ان أسماء العيد أربعة: يوم العيد بالفارسية جشن، وقيل العيد كل مجمع
واشتقاقه من عاد يعود كأنهم عادوا إليه، وقيل سمى العيد عيدا للعود من الترح إلى
الفرح فهو يوم سرور للخلق كلهم ألا ترى ان المسجونين في ذلك اليوم لا يطالبون
ولا يعاقبون ولا تصطاد الطيور والوحوش، ولا ينفذ الصبيان إلى المكتب.
وقيل: سمى بذلك لان كل انسان يعود إلى ما وعد الله له في ذلك اليوم وقيل: سمى
بذلك لان كل انسان يعود فيه إلى الله بالتوبة والدعاء والرب يعود عليهم بالمغفرة
والعطاء.
وقيل: سمى بذلك لعود الله تعالى على عباده المؤمنين بالفوائد الجميلة والعوائد
الجزيلة والعائد هو المعروف والصلة.
ويوم الزينة قال الله في سورة طه في قصة موسى " عليه السلام ": (قال موعدكم يوم الزينة)
يعنى يوم عيدهم - لان الناس يجتمعون فيه من الآفاق ويوم الدين الجزاء.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): يقول الله لملائكته يوم العيد: ما جزاء الأجير إذا عمل عمله
فيقولون يا ربنا جزاؤه ان يوفى اجره فيقول: اشهدوا ملائكتي انى غفرت لهم
وقال تعالى في سورة الأعراف: (الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا) - أي عيدهم ويقال
هو انهم كانوا يقرطون أصنامهم في يوم عيدهم ويحلونها بأنواع الحلي فعيرهم الله بذلك
والأعياد في القرآن أربعة أعياد كان لعيسى " عليه السلام " وقومه، وهو قوله في سورة المائدة
(قال عيسى بن مريم اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا
وآية منك) الآية.
(والثاني) أعياد الكفار قال الله تعالى في سورة الفرقان (والذين لا يشهدون
الزور) قيل: الزور أعيادهم.
(والثالث) عيد الفطر قال الله: (قد أفلح من تزكى) - أي تصدق بصدقة الفطر
وذكر اسم ربه - يعنى التكبير - فصلى - يعنى صلاة العيد.
352

(والرابع) عيد النحر.
قال الله تعالى: إنا أعطيناك الكوثر فصلى لربك وانحر) يعنى صلاة العيد
وانحر يعنى القربان.
ينبغي للمؤمن أن يحضر العيد معتبرا لا ناظرا حتى لا يكون حاله كحال الذين اتخذوا
دينهم لهوا ولعبا فقد قيل: إن الحكمة في العيدين تذكير القيامة وأهوالها، وذلك أن
أحوالها موافقة لأهوالها فإذا كانت ليلة العيد فاذكر الليلة التي تكون صبيحتها يوم القيامة
فإذا سمعت صوت الطبل والطوس والبوق فاذكر نفخ الصور.
قال الله تعالى في سورة الكهف: (ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا) فإذا خرجت
من بيتك يوم العيد إلى المصلى فاذكر يوم خروجك من الدنيا، ويوم خروجك من
القبر إلى المحشر.
قال الله تعالى في سورة " ق ": (واستمع يوم ينادى المناد من مكان قريب).
وإذا رأيت الناس متوجهين إلى المصلى مختلفين في أحوالهم فبعضهم يلبسون الثياب
الفاخرة وبعضهم الخلقان، وبعضهم الجدد فاذكر اختلاف أحوالهم في الآخرة فبعضهم
يلبسون الحلل، وبعضهم يلبسون القطران، وإذا رأيت اختلافهم في المشي قوم مشاة
وقوم ركبان فاذكر مشيك على الصراط.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): يرد الناس الصراط، ثم يصدرون عنها بأعمالهم فأولها كلمح
البرق ثم كالريح، ثم كحصر الفرس ثم كالكواكب في رحاه، ثم كشد الرجل ثم كمشيه
واذكر أيضا يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا
إي عطاشا.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحشر الناس على ثلاثة أثلاث: ثلث على الدواب وثلث
ينسلون على اقدامهم نسلا، وثلث على وجوههم وإذا جلست في المصلى ورأيت الناس
مجتمعين منتظرين للسلطان بعضهم في الشمس وبعضهم في الظل، وبعضهم قيام فاذكر
وقوفك في عرصات القيامة منتظرا للحساب وفصل القضاء.
قال الله تعالى في سورة إبراهيم: (إنما نؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار مهطعين
مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء).
قوم في الشمس قد ألجمهم العرق، وقوم في ظل العرش
353

وإذا رأيت الألوية والرايات فاذكر ألوية القيامة لكل قوم لواء، وإذا قمت إلى
الصلاة واصطف الناس فاذكر يوم العرض. قال الله تعالى في سورة الكهف: (وعرضوا
على ربك صفا) وإذا صعد الامام المنبر وخطب، والناس سكوت منصتون فاذكر يوم
يتقدم محمد للشفاعة والخلق حيارى سكوت، وإذا أخذ في الخطبة بالوعد والوعيد
والترغيب والترهيب فاذكر يوم ينادى المنادى سعد فلان وشقي فلان، وإذا رأيت
الناس منصرفين طرقهم مختلفة ومنازلهم مختلفة، وأطعمتهم مختلفة فاذكر قوله تعالى في
سورة الروم: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون الآيات فريق في الجنة وفريق في السعير.
وقوله تعالى: (يومئذ يصدر الناس اشتاتا ليروا أعمالهم) إذا ورأيت السؤال
في الطريق قد مدوا أيديهم والغبار على وجوههم، واثر الضر والمسكنة ظاهر عليهم
فاذكر قوله تعالى في سورة الروم: (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون)
فهذه مقابلة أحوال العيد بأحوال القيامة، وفيها عبرة لمن اعتبر وعظة لمن تذكر.
وقال الصادق " عليه السلام ": خطب أمير المؤمنين بالناس يوم الفطر، فقال: أيها الناس
ان يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المسيئون وهو أشبه يوم بيوم قيامتكم
فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الأجداث إلى ربكم واذكروا
وقوفكم في مصلاكم ووقوفكم بين يدي ربكم واذكروا رجوعكم إلى منازلكم في الجنة أو النار
واعلموا عباد الله ان أدنى ما للصائمين والصائمات ان يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان
أبشروا عباد الله فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": في بعض الأعياد: إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر
قيامه وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو يوم عيد.
قال محمد بن علي عليهما السلام: ما من عمل أفضل يوم النحر من دم مسفوك
أو مشى في بر الوالدين أو ذي رحم قاطع يأخذ عليه بالفضل، ويبدأه بالسلام
أو رجل أطعم من صالح نسكه، ودعا إلى بقيتها جيرانه من اليتامى والمساكين والمملوك
وتعاهد الاسراء
قال الصادق " عليه السلام ": من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح يقبل الله منه صيامه
فقيل له: يا بن رسول الله ما القول الصالح؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله والعمل الصالح
اخراج الفطرة.
354

قال الصادق " عليه السلام ": لبعض أصحابه: إذا كان ليلة الفطر فصل المغرب ثلاثا ثم اسجد وقل
في سجودك يا ذا الطول يا ذا الحول يا مصطفى محمد وناصره صل على محمد وآل محمد
فاغفر لي كل ذنب أذنبته ونسيته وهو عندك في كتاب مبين ثم تقول مئة مرة أتوب إلى الله
وكبر بعد المغرب والعشاء الآخرة، وصلاة الغداة وصلاة العيد كما يكبر أيام التشريق
يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على
ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا، ولا تقل فيه ورزقنا من بهيمة الأنعام فان ذلك في
أيام التشريق.
مجلس في ذكر الزكاة
قال الله تعالى في سورة البقرة: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه
له اضعافا كثيرة)
وقال أيضا في هذه السورة: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة
أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة) الآية.
وقال أيضا في هذه السورة: (مثل الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا
وعلانية فلهم اجرهم عند ربهم) وقال في سورة التوبة: (خذ من أموالهم صدقة
تطهرهم إلى قوله ان الله هو التواب الرحيم).
وقال فيها: (والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله
فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم
هذا ما كنزتم لأنفسكم).
وقال في سورة النور: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة).
وقال في سورة لقمان: (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة).
وقال في سورة السبا: (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه) الآية وقال تعالى: (وما
أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة وذلك
دين القيمة).
355

قال أبو عبد الله " عليه السلام ": السراق ثلاث: مانع الزكاة ومستحل مهر النساء، وكذلك
من استدان دينا ولم ينو قضاءه.
وقال عليه السلام: ان لله بقاعا يسمى المنتقمة فإذا أعطى الله عبدا مالا لم يخرج
حق الله منه سلط الله عليه من تلك البقاع فأتلف المال فيها ثم مات وتركها.
وقال عليه السلام: ما من ذي مال ذهب ولا فضة يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم
القيامة بقاع قفر وسلط عليه شجاعا أقرعا يريده وهو يحيد عنه فإذا رأى أنه لا يتخلص
منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفحل، ثم يصير طوقا في عنقه وذلك قول الله تعالى
سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة، وما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله
إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قفر يطأه كل ذات ظلف بظلفها أو تنهشه كل ذات ناب
بأنيابها وما من ذي مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاتها إلا طوقه الله رقبته ارضه إلى
سبع أرضين إلى يوم القيامة.
قال عبد الله: بعثني انسان إلى أبي عبد الله " عليه السلام " زعم أنه يفزع في منامه من امرأة
تأتيه قال: فضحت حتى سمع الجيران، فقال أبو عبد الله " عليه السلام ": اذهب فقل انك لا تؤدى
الزكاة قال بلى والله انى لأؤديها، قال قل له: ان كنت تؤديها لا تؤتيها أهلها.
في حديث له قال أبو عبد الله " عليه السلام ": من منع من الزكاة سأل الرجعة عند الموت وهو
قول الله تعالى: رب ارجعون لعلي اعمل صالحا.
وقال عليه السلام: دمين في الاسلام لا يقضى فيها أحد بحكم الله حتى يقوم قائمنا
الزاني المحصن يرجمه ومانع الزكاة فيضرب عنقه.
قال عليه السلام: من منع قيراطا من الزكاة فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا. وقال عليه السلام: من منع الزكاة في حياته طلب الكرة بعد موته.
وقال عليه السلام: ما ضاع مال في بر أو بحر إلا من مانع الزكاة.
وقال عليه السلام: إذا قام القائم اخذ مانع الزكاة فضرب عنقه.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطبة الوداع قال في خطبته أيها
الناس أدوا زكاة أموالكم ألا فمن لم يزك فلا صلاة له ولا دين له ولا صوم له ولا حج له
ولا جهاد له.
356

(وروى) ان الحسن بن علي عليهما السلام سئل عن بدو الزكاة فقال: ان
الله عز وجل أوحى إلى آدم ان زك عن نفسك يا آدم قال: رب ما الزكاة: قال: صل
لي عشر ركعات فصلى، ثم قال: رب هذه الزكاة علي وعلى الخلق؟ فقال الله عز وجل
هذه الزكاة عليك في الصلاة وعلى ولدك في المال من جمع من ولدك مالا.
وقيل الصدقة أربعة أحرف: فالصاد يصد صاحبها من مكاره الدنيا والآخرة
والدال يكون دليله إلى الجنة، والقاف يقرب صاحبها إلى الله تعالى، والهاء يهدي
صاحبها للأعمال الصالحة فيستوجب بها رضوان الأكبر.
قال موسى " عليه السلام ": إلهي فما جزاء من أطعم مسكينا ابتغاء وجهك؟ قال: يا موسى
أمر مناديا يوم القيامة على رؤس الخلائق ان فلان بن فلان من عتقاء الله من النار.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا من أمتي في المنام يتقى وهج النيران وشررها
بيده ووجهه فجائته صدقته وكانت ظلا على رأسه وسترا على وجهه.
قال الصادق " عليه السلام ": ان صدقة النهار تميت الخطيئة كما يميت الماء الملح، وان صدقة
الليل تطفئ غضب الرب.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تصدق بصدقة فله بوزن كل درهم مثل جبل أحد من
نعيم الجنة.
(وروى) ان رجلا جاء إلى أمير المؤمنين " عليه السلام " فقال له يا أمير المؤمنين: ان لي
إليك حاجة فقال: اكتبها في الأرض فانى أرى الضر فيك بينا فكتب على الأرض انا
فقير محتاج فقال عليه السلام: يا قنبر اكسه حلتين فأنشأ يقول:
كسوتني حلة تبلى محاسنها * فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا
ان نلت حسن ثنائي نلت مكرمة * ولست تبغى بما قد نلته بدلا
ان الثناء ليحيى ذكر صاحبه * كالغيث يحيى نداء السهل والجبلا
لا تزهد الدهر في عرف بدأت به * فكل عبد سيجزى بالذي فعلا
فقال علي " عليه السلام ": أعطوه مئة دينار فقيل له يا أمير المؤمنين قد أغنيته فقال " عليه السلام "
انى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنزلوا الناس منازلهم، ثم قال عليه السلام: انى
لأعجب من أقوام يشترون المماليك بأموالهم ولا يشترون الأحرار بمعروفهم.
وسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي الصدقات أفضل؟ فقال على ذي الرحم الكاشح.
357

قال أبو عبد الله " عليه السلام ": أترون ان في المال زكاة وحدها ما فرض الله في المال من
غير الزكاة أكثر تعطى منه القرابة والمعترض لك.
قال الصادق " عليه السلام ": اعط من لا تعرفه بولاية ولا عداوة للحق ان الله تعالى يقول
وقولوا للناس قولا حسنا ولا تعط من نصب بشئ من الحق أو دعى بشئ إلى باطل
فقال عليه السلام: اعط من وقعت في قلبك الرحمة، ولكن إذا لم تعرفه فاعط دون
الدرهم إلى أربعة دوانيق.
وقال عليه السلام: تمام الصوم اعطاء الزكاة يعنى الفطرة كالصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله)
من تمام الصلاة من صام فلم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمدا، ومن صلى ولم يصل
على النبي وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له ان الله تعالى بدأ بها قبل الصلاة، فقال قد أفلح
من تزكى وذكر اسم ربه فصلى.
قال الصادق " عليه السلام ": ان عيسى روح الله " عليه السلام " مر بقوم محلين فقال: ما لهؤلاء فقيل
يا روح الله ان فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه، قال يحليون اليوم
ويبكون غدا، فقال قائل منهم: ولم يا رسول الله؟ قال: لان صاحبتهم ميتة في ليلتها هذه
فقال القائلون بمقالته: صدق الله وصدق رسوله، وقال: أهل النفاق ما أقرب غدا فلما
أصبحوا جاءوا فوجدوها على حالها لم يحدث بها شئ، فقال: يا روح الله ان الذي
أخبرتنا به أمس انها ميتة لم تمت، فقال عيسى " عليه السلام ": يفعل الله ما يشاء فاذهبوا بنا إليها
فذهبوا يتسابقون حتى قرعوا الباب فخرج زوجها، فقال عيسى " عليه السلام ": استأذن لي
صاحبتك قال فدخل عليها فأخبرها ان روح الله وكلمته بالباب مع عدة قال: فتخدرت
فدخل عليها فقال لها: ما صنعت ليلتك هذه قالت لم اصنع شيئا إلا وقد كنت اصنعه
فيما مضى انه كان يعبر بنا سائل في كل ليلة جمعة فننيله إلى ما يقوته إلى مثلها فإنه جاءني في
ليلتي هذه وانا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغيل فهتف فلم يجبه أحد ثم هتف فلم يجب فلما
سمعت مقالته قمت متنكرة حتى أنلته كما كنا ننيله، فقال لها: تنحى عن مجلسك وإذا تحت
ثيابها أفعى مثل جذعة عاض على ذنبه، فقال عليه السلام: بما صنعت صرف عنك هذا.
358

مجلس في ذكر فضائل الحج واحكام تاركيه
قال الله تعالى في سورة آل عمران: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلا ومن كفر فان الله غنى عن العالمين).
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": من حج ثلاث حجج لم يصبه فقر أبدا، قال حريز: من
حج ثلاث سنين متوالية، ثم حج أو لم يحج فهو بمنزلة مد من الحج.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": من حج أربع حجج لم يصبه ضغطة القبر أبدا، وإذا مات
صور الله الحج الذي حج في صورة حسنة من أحسن ما يكون من الصور بين عينيه يصلى
في جوف قبره حتى يبعثه الله من قبره، ويكون ثواب تلك الصلاة له، واعلم أن ركعة
من تلك الصلاة تعدل الف ركعة من صلاة الآدميين.
قال أبو عبد الله عليه السلام: من حج عشر حجج لم يحاسبه الله أبدا.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فرض الله على أمتي الوقوف والتضرع والدعاء في أحب
المواضع إليه وتكفل لهم بالجنة، والساعة التي ينصرف فيها الناس هي الساعة التي تلقى
فيها آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم، ثم قال النبي والذي بعثني بالحق
بشيرا ونذيرا ان لله بابا في سماء الدنيا يقال له: باب الرحمة، وباب التوبة وباب الحاجة
وباب التفضل وباب الاحسان، وباب الجود وباب الكرم، وباب العفو ولا يجتمع
بعرفات أحد إلا استأهل من الله في ذلك الوقت هذه الخصال، وان لله تعالى مئة الف
ملك مع كل ملك مئة وعشرون الف ملك ولله رحمة على أهل عرفات ينزلها على أهل عرفات
فإذا انصرفوا اشهد الله ملائكته بعفو أهل عرفات من النار، وأوجب الله تعالى لهم
الجنة وينادى مناد انصرفوا مغفورين فقد أرضيتموني ورضيت عنكم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت في المنام رجلا من أمتي بين يديه ظلمة، ومن خلفه
ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة فجاءه حجه وعمرته فأخرجاه من الظلمة وأدخلاه النور قال
المشعمل الأسدي: خرجت ذات سنة حاجا فانصرفت إلى أبي عبد الله " عليه السلام " قال: من أين
جئت يا مشعمل؟ قلت: جعلت فداك كنت حاجا، فقال أو تدرى ما للحاج من الثواب؟
359

فقلت ما أدرى حتى تعلمني، فقال إن العبد إذا طاف بهذا البيت أسبوعا وصلى ركعتين
وسعى بين الصفا والمروة كتب الله له ستة آلاف حسنة، وحط عنه ستة آلاف سيئة
ورفع له ستة آلاف درجة، وقضى له ستة آلاف حاجة للدنيا كذا وادخر له
الآخرة كذا.
قال الصادق عليه السلام: من لقي حاجا فصافحه كان كمن استلم الحجر.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): انك إذا توجهت إلى سبيل الحج، ثم ركبت راحلتك
ومضت بك راحلتك لم تضع راحلتك خفا ولم ترفع خفا إلا كتب الله لك حسنة ومحى
عنك سيئة، فإذا أحرمت ولبيت كتب الله لك بكل تلبية عشر حسنات، ومحى عنك عشر
سيئات فإذا طفت بالبيت أسبوعا كان لك بذلك عند الله تعالى عهدا، وذكرا يستحيي
منك ربك ان يعذبك بعده فإذا صليت عند المقام ركعتين كتب الله لك بهما ألفي ركعة
مقبولة فإذا سعيت بين الصفا والمروة سبعة أشواط كان بذلك عند الله مثل اجر من حج
ماشيا من بلاده ومثل اجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة فإذا وقفت بعرفات إلى غروب
الشمس فلو كان عليك من الذنوب قدر رمل عالج وزبد البحر لغفرها الله لك فإذا رميت
الجمار كتب الله لك بكل حصاة عشر حسنات يكتب الله لما يستقبل من عمرك فإذا ذبحت
هديك أو نحرت بدنتك كتب الله لك بكل قطرة من دمها حسنة تكتب لك لما يستقبل
من عمرك فإذا طفت بالبيت أسبوعا للزيارة، وصليت عند المقام ركعتين ضرب ملك
كريم على كتفيك، ثم قال: اما الماضي فقد غفر لك فاستأنف العمل فيما بينك وبين
عشرين ومئة يوما.
(وروى) ان رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله) حين قضى حجه، فقال يا رسول الله بأبي
أنت وأمي انى خرجت من أهلي وأريد الحج معك ففاتني ذلك وانا رجل مقل فأخبرني
بشئ إذا فعلته كان لي مثل اجر الحاج، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): انظر إلى هذا الجبل يعنى
أبا قيس لو أنفقت زنته في سبيل الله لما أدركت فضل الحاج.
قال زين العابدين " عليه السلام ": إذا كان عيشة عرفة ينزل الله وملائكته إلى سماء الدنيا
يقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا أرسلت إليهم رسولا فصدقوه، ثم قصدوني
فسألوني ودعوني اشهدوا ان حقا على أن أجيبهم اليوم قد شفعت محسنهم في مسيئهم
وتقبلت من محسنهم فليفيضوا مغفورا لهم ثم يأمر ملكين بالمأزمين فيقف هذا من هذا
360

الجانب وهذا من هذا الجانب في الطريق يقولان: اللهم سلم، فما تكاد ترى صريعا
ولا كسيرا.
(وروى) عن أبي الحسن " عليه السلام " أنه قال: من قدم حاجا فطاف بالبيت أسبوعا
وصلى ركعتين كتب الله له سبعين الف حسنة ومحى عنه سبعين الف سيئة وكتب الله له
سبعين رقبة قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم.
(وروى) عن الصادق " عليه السلام " انه سأله رجل فقال: عتق نسمة أفضل أم حجة؟ فقال
حجة قال: فرقبتين؟ قال: بل حجة فلم يزل يزيد، وهو يقول: بل حجة حتى بلغ
ثلاثين رقبة فقال الحج أفضل.
وقال عليه السلام: من مات ولم يحج حجة الاسلام ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف
به أو مرض لا يطيق معها أو سلطان يمنعه فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا.
قال عليه السلام: كان في وصية علي " عليه السلام " لا تدعوا حج بيت ربكم فتهلكوا
وقال: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حمل جهازه على راحلته قال هذه حجة لا رياء فيها
ولا سمعة ثم قال عليه السلام: من تجهز وفى جهازه علق حرام لم يقبل الله منه الحج.
وقال عليه السلام: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما النجاة غدا؟ قال: إنما النجاة
ألا تخادعوا الله فيخدعكم فإنه من يخادع الله فيخدعه، ويخلع منه الايمان ونفسه يخدع
لو يشعر فقيل له: وكيف يخادع الله قال: يعمل بما امره، ويريد به غيره فاتقوا الله
والريا فإنه شرك بالله ان المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر يا فاجر يا غادر
يا خاسر، حبط عملك وبطل اجرك ولا خلاق لك اليوم.
مجلس في ذكر فضائل الجهاد والحث عليه
قال الله في سورة الأنفال: (ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم
وأنفسهم في سبيل الله).
وقال في سورة التوبة: والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم
وأنفسهم أعظم درجة عند الله أولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم) الآية.
361

وفى هذه السورة أيضا: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر
ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون).
وفيها أيضا (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله)
أي عزابا ومتأهلين ثم عاتب وأوعد على التخلف من هذا.
وقال أيضا فيها: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله
تثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة - إلى قوله: والله على كل شئ قدير)
ثم وعد على أفضل الثواب، فقال فيها: (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم
بأن لهم الجنة) فأوقع البيع عليك ليقطع طمع عدوك إبليس منك، واشترى نفسك الذي
هو محل كل محنة وبلية ومالك الذي هو محل كل اثم ومعصية مع علمه بما فيك من العيب
ومن علم بالعيب حين العقد لم يكن له بعده الرد، ثم وعد لك أوفر الثمن وهو الجنة
واشهد على نفسه بذلك كرما منه وفضلا فقال: وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل
والقرآن ومن أوفى بعهده من الله، ثم هناك كما يهنئ الرجل عند الشرى شيئا خطير الثمن
بيسير فقال: فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان جبرئيل " عليه السلام " أخبرني بأمر قرت به عيني وفرح له قلبي
فقال: يا محمد من غزا غزاة في سبيل الله من أمتك فما اصابته قطرة من السماء أو صداع
إلا كانت له شهادة يوم القيامة.
وقال أيضا: للجنة باب يقال له: باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم
متقلدون سيوفهم والجميع في الموقف، والملائكة ترحب بهم فمن ترك الجهاد ألبسه الله
عز وجل ذلا وفقرا في معيشته ومحقا في دينه ان الله تبارك وتعالى أعز أمتي بسنابك خيلها
ومراكز رماحها.
وقال أيضا: من بلغ رسالة غاز، كان كمن أعتق رقبة وهو شريكه في باب غزوته
وقال أيضا: خيول الغزاة خيولهم في الجنة.
وقال أيضا عليه السلام: الخير كله في السيف وتحت ظل السيف، ولا يقيم الناس
إلا بالسيف والسيوف مقاليد الجنة والنار.
قال الصادق " عليه السلام ": الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض.
362

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): للشهيد سبع خصال من الله: أول قطرة من دمه مغفور له
كل ذنب.
(والثانية) رفع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين، ويمسحان الغبار عن
وجهه يقولان: مرحبا بك، ويقول هو مثل ذلك لهما.
(والثالثة) يكسى من كسوة الجنة.
(والرابعة) يبتدر خزنة الجنة بكل ريح طيبة له يأخذ منه.
(والخامسة) ان يرى منزلته.
(والسادسة) يقال لروحه: أسرعي في الجنة حيث شئت.
(والسابعة) ان ينظر في وجه الله وانها لواجبة لكل نبي وشهيد.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): فوق كل ذي بر بر حتى يقتل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله
فليس فوقه بر، وفوق كل عقوق عقوق حتى يقتل أحد والديه فإذا قتل أحد والديه فليس
فوقه عقوق.
قال الصادق " عليه السلام ": ثلاثة دعوتهم مستجابة أحدهم الغازي في سبيل الله فانظروا
كيف تخلفوه؟
سئل الرضا " عليه السلام ": عن قول أمير المؤمنين " عليه السلام ": لألف ضربة بالسيف أهون من
موت على فراش فقال: في سبيل الله.
وعن أمير المؤمنين " عليه السلام ": ان الجهاد باب فتحه الله لخاصة أوليائه وسوغهم كرامة
منه ونعمة ذخرها والجهاد لباس التقوى، ودرع الله الحصين وجنته الوثيقة فمن تركه
رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلة وشمله البلاء وفارق الرخاء وضرب على قلبه بأشباه وديث
بالصغار والقماء وسيم الخسف ومنع النصف فأزيل منه الحق بتضييعه الجهاد وغضب الله
بتركه نصرته.
وقد قال الله عز وجل في محكم كتابه: (ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).
363

مجلس في ذكر الأمر بالمعروف والنهى
عن المنكر
اعلم إن الله تعالى أنعم على أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وأكرمهم بان جعلهم آمرين بالمعروف
ناهين عن المنكر ووصفهم بذلك في كتابه واثنى عليهم، فقال تعالى في سورة آل عمران
(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله)
فقرن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالايمان بالله والحافظون لحدود الله وبشر
المؤمنين وذم قوما وعابهم وقبح فعلهم وأوعدهم أشد العذاب بتركهم الأمر بالمعروف
والاخذ على يد الظالم فقال تعالى في سورة المائدة: (لعن الله الذين كفروا من
بني إسرائيل على لسان داود، وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا
لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) وقال في هذه السورة (ترى كثيرا
منهم يسارعون في الاثم والعدوان، وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون) لولا ينهاهم
الربانيون والأحبار عن قولهم إلى قوله يصنعون فسوى تعالى وقال بين المباشر للمعصية
والتارك لنهيه عنها في تهجين فعلهم، والوعيد لهم ان الله أمرنا بالمعروف ونهانا عن
المنكر في غير موضع من كتابه، ووعد عليه الثواب العظيم، وأوعدنا على تركه العقاب
الأليم وكذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال تعالى في سورة آل عمران: (وليكن منكم أمة يدعون
إلى الخير ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) - أي الناجون
من عذاب الله.
وقال تعالى في سورة الأعراف: (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم
أو معذبهم عذابا شديدا قالوا: معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به
أنجينا الذين ينهون عن السوء، واخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون).
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": أيها المؤمنون انه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا
يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد اجر وهو أفضل من
صاحبه ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين هي السفلى فذلك الذي
364

أصاب سبيل الهدى وقام على الطريق ونور في قلبه اليقين.
قال أبو جعفر " عليه السلام ": الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر خلقان من خلق الله فمن
نصرهما أعزه الله، ومن خذلهما خذله الله.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": إنما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث
خصال: عالم لما يأمر به، وتارك لما ينهى عنه عادل فيما يأمر عادل فيما ينهى رفيق فيما
يأمر رفيق فيما ينهى.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من امر بمعروف ونهى عن منكر أو دل على خير
أو أشار به فهو شريك.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا من أمتي في المنام قد اخذته الزبانية من كل
مكان فجائه امره بالمعروف، ونهيه عن المنكر فخلصاه من بينهم وجعلاه مع الملائكة.
قال أبو عبد الله عليه السلام: ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهى
عن المنكر.
قال الصادق " عليه السلام ": جاء رجل من خثعم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله
أخبرني ما أفضل الاسلام؟ قال: الايمان بالله، قال: ثم ماذا؟ قال صلة الرحم قال: ثم ماذا
قال الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، قال فقال الرجل: وأي الاعمال أبغض إلى
الله عز وجل، قال: الشرك بالله قال: ثم ماذا؟ قال: قطيعة الرحم قال: ثم ماذا؟ قال
الامر بالمنكر والنهي عن المعروف.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): كيف بكم إذا فسدت نساءكم، وفسق شبابكم ولم يأمروا بمعروف
ولم ينهوا عن منكر فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ فقال: نعم وشر من ذلك
فكيف بكم إذا اتيتم المنكر ونهيتم عن المعروف؟ فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك
فقال: نعم وشر من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا.
قال الصادق " عليه السلام ": لما نزلت هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم
نارا) جلس رجل من المسلمين يبكى، وقال انا قد عجزت عن نفسي كلفت أهلي فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): حسبك ان تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عما تنهى
عنه نفسك.
365

مجلس في ذكر وجوب بر الوالدين
وما يلزم الولد من حقوقهما
قال الله تعالى في سورة البقرة: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله
وبالوالدين إحسانا، وذي القربى واليتامى والمساكين، وقولوا للناس حسنا).
وقال تعالى في سورة النساء: (فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين
إحسانا) وقال الله تعالى في سورة الأنعام: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا
تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) وقال تعالى في سورة بني إسرائيل: (وقضى ربك
ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا اما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما
فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما، وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة
وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).
وقال تعالى في سورة العنكبوت: (ووصينا الانسان بوالديه حسنا وان جاهداك
لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون).
وقال تعالى في سورة لقمان: (ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن
وفصاله في عامين ان اشكر لي ولوالديك إلى المصير).
وقال في سورة الأحقاف: (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فوق كل بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قتل في
سبيل الله تعالى فليس فوقه بر وفوق كل عقوق عقوق حتى يقتل الرجل أحد والديه فإذا
قتل أحدهما فليس فوقه عقوق.
(وروى) أبو جعفر " عليه السلام " قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الجنة لتوجد ريحها من
مسيرة خمس مئة عام، ولا يجدها عاق ولا ديوث قيل يا رسول الله وما الديوث؟ قال
الذي تزني امرأته وهو يعلم.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": بروا أباكم يبركم أبناءكم وعفوا عن نساء الناس يعف
عن نسائكم.
366

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يلزم الوالدين من العقوق لولدهما إذا كان الولد صالحا مؤمنا
ما يلزم الولد لهما.
قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: الآباء ثلاثة آدم ولد مؤمنا والجان ولد
كافرا ومؤمنا وإبليس ولد كافرا وليس فيهم نتاج إنما يبيض ويفرخ وولده ذكور ليس
فيهم إناث.
قال علي بن الحسين عليهما السلام: حق أمك ان تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل
أحد أحدا وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطى أحد أحدا ووقتك بجميع جوارحها ولم تبال
ان تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك وتضحى وتظلك وتهجر النوم
لأجلك ووقتك الحر والبرد لتكون لها فإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه.
واما حق أبيك فان تعلم أنه أصلك وانك لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك
مما يعجبك واعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد الله واشكره على قدر ذلك
ولا قوة إلا بالله.
قال الصادق " عليه السلام ": بينا موسى بن عمران عليهما السلام يناجي ربه تعالى إذ رأى رجلا
تحت ظل عرش الله، فقال يا رب من هذا الذي قد أظله عرشك؟ فقال هذا كان بارا
بوالديه ولم يمش بالنميمة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت في المنام رجلا قد أتاه ملك الموت لقبض روحه
فجاءه بر والديه فمنعه منه.
وقال صلى الله عليه وآله: رحم الله امرءا أعان والده على بره رحم الله امرءا
أعان ولده على بره رحم الله جارا أعان جاره على بره رحم الله رفيقا أعان رفيقه رحم الله
خليطا أعان خليطه على بره رحم الله رجلا أعان سلطانه على بره.
قال الصادق " عليه السلام ": من أحب ان يخفف الله عز وجل عنه سكرات الموت فليكن
لقرابته وصولا، وبوالديه بارا فإذا كان كذلك هون الله عليه سكرات الموت ولم يصبه
في حياته فقر أبدا.
وقال عليه السلام: جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله انى راغب
في الجهاد نشيط قال: فجاهد في سبيل الله فإنك ان تقتل كنت حيا عند الله ترزق وان
مت فقد وقع اجرك على الله وان رجعت من الذنوب كما ولدت، قال: يا رسول الله
367

ان لي والدين كبيرين يزعمان انهما يأنسان بي ويكرهان خروجي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أقم مع والديك فوالذي نفسي بيده لأنسهما بك يوما وليلة خير من جهاد سنة.
قال الباقر " عليه السلام ": قال موسى بن عمران " عليه السلام " يا رب أوصني قال أوصيك بي قال
يا رب أوصني قال أوصيك بي ثلاثا قال يا رب أوصني قال: أوصيك بأمك قال: يا رب
أوصني قال أوصيك بأمك قال: يا رب أوصني قال أوصيك بأبيك قال فكان يقال لأجل
ذلك للأم ثلثا البر وللأب الثلث.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رضا الله مع رضا الوالدين وسخط الله
مع سخط الوالدين.
وقال صلى الله عليه وآله: ما من ولد بار ينظر إلى والديه نظر رحمة إلا كان له بكل
نظرة حجة مبرورة قالوا: يا رسول الله، وان نظر كل يوم مئة مرة قال: نعم
الله أكبر وأطيب.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يقال: اعمل ما شئت فانى لا اغفر لك ويقال للبار اعمل
ما شئت فانى سأغفر لك.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من بر والديه زاد الله في عمره.
قال الشاعر:
لعمرك ان البر من أفضل التقى * وان عقوق الوالدين عظيم
أنشد:
وما عق مولود من الناس والدا * عقوق الذي يجنى بوالده شتما
لآخر:
أكرم الوالد واستوص به * لم يوص الله قدما ان يعق
فصل في ذكر حق الولد على الوالد
اعلم إن الله تعالى كما أوجب حق الوالدين على المولودين كذلك أوجب حق الأولاد
على الوالدين وأوصى كل واحد منهما بالآخر رحمة منه وحكمة.
368

قال تعالى في سورة النساء: (يوصيكم الله في أولادكم).
وقال فيها: والمستضعفين من الولدان وان تقوموا لليتامى بالقسط.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ريح الولد من ريح الجنة.
وقال صلى الله عليه وآله: إذا نظر الوالد إلى ولده فسره كان للوالد عتق نسمة.
قيل يا رسول الله: وان نظر ثلاثمائة وستين نظرة قال: الله تعالى أكبر.
وقال صلى الله عليه وآله: أكثروا من قبلة أولادكم فان لكم بكل قبلة درجة في الجنة
مسيرة خمسمائة عام.
وقيل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله): كان يقبل الحسن بن علي عليهما السلام فقال الأقرع
ابن حابس: ان لي عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من
لا يرحم لا يرحم.
وقال صلى الله عليه وآله: من حق الولد على والده ثلاثة يحسن اسمه ويعلمه الكتابة
ويزوجه إذا بلغ.
وقال صلى الله عليه وآله: نعم الولد البنات المخدرات من كانت عنده واحدة جعلها
الله له سترا من النار، ومن كانت عنده اثنتان ادخله الله بهما الجنة، ومن كانت له ثلاث
أو مثلهن من الأخوات وضع عنه الجهاد والصدقة.
مجلس في ذكر الحث على اصطناع المعروف
وأداء الأمانة
قال الله تعالى في سورة الأعراف: (خذ العفو وأمر بالمعروف، وأعرض
عن الجاهلين).
وقال في سورة القصص: (وأحسن كما أحسن الله إليك).
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": رحم الله عبدا يجر مودة الناس إلى نفسه فيحدثهم بما يعرفون
وترك ما ينكرون.
قال الصادق " عليه السلام ": اتقوا الله في الضعيفين يعنى بذلك اليتيم والنساء.
369

قال أبو عبد الله " عليه السلام ": المعروف شئ سوى الزكاة فتقربوا إلى الله تعالى بالبر
وصلة الرحم.
قال سيد العابدين " عليه السلام ": القول الحسن يثرى المال وينمى الرزق وينسى في الاجل
ويحبب الأهل ويدخل الجنة.
(وروى) ان أمير المؤمنين " عليه السلام " مر برجل يتكلم بفضول الكلام فوقف عليه
ثم قال يا هذا انك تملى على حافظيك كتابا إلى ربك فتكلم بما يعينك ودع ما لا يعينك.
قال الباقر " عليه السلام ": ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر برجل يغرس غرسا في حائط له فوقف
عليه فقال له ألا أدلك على غرس أثبت أصلا وأسرع ايتاءا وأطيب ثمرا وأبقى قال: بلى
فداك أبي وأمي يا رسول الله، فقال: إذا أصبحت وأمسيت فقل: سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر فان لك بذلك ان قلته بكل تسبيحة عشر شجرات في الجنة من
أنواع الفاكهة (وهن) من الباقيات الصالحات، قال فقال الرجل: أشهدك يا رسول الله
ان حائطي هذه صدقة مقبوضة على فقراء المسلمين من أهل الصدقة فانزل الله تعالى
فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى.
قال موسى " عليه السلام ": إلهي فما جزاء من وصل رحمه؟ قال: أنسئ له اجله وأهون عليه
سكرات الموت ويناديه خزنة الجنة هلم الينا فادخل من أي باب شئت.
قال موسى فما جزاء من كف اذاه عن الناس وبذل معروفه لهم؟ فقال: يا موسى
يناديه النار يوم القيامة: لا سبيل لي عليك.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام " أحسن يحسن إليك ارحم ترحم فقل خيرا تذكر بخير وصل
رحمك يزيد الله في عمرك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأيت في المنام رجلا من أمتي يكلم
المؤمنين فلا يكلمونه فجائه صلته الرحم، فقال: يا معاشر المؤمنين كلموه فإنه كان واصلا
لرحمه فكلمه المؤمنون وصافحوه وكان معهم.
قال الباقر عليه السلام: ما أحسن الحسنات بعد السيئات، وما أقبح السيئات
بعد الحسنات.
وقال عليه السلام: في قول الله عز وجل: وقولوا للناس حسنا قال: قولوا للناس
أحسن ما تحبون ان يقال لكم فان الله تعالى يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين
الفاحش المتفحش السائل الملحف، ويحب الحي الحليم العفيف المتعفف.
370

وقال أيضا عليه السلام: صنائع المعروف تقى مصارع السوء، وكل معروف
صدقة وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل
المنكر في الآخرة وأول أهل الجنة دخولا إلى الجنة أهل المعروف، وأول أهل النار
دخولا إلى النار أهل المنكر.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من
ظاهرها يسكنها من أمتي من أطاب الكلام، وأطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل
والناس نيام، فقال علي يا رسول الله ومن يطيق هذا من أمتك؟ فقال يا علي
أوما تدرى ما إطابة الكلام من قال إذا أصبح وأمسى سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر عشر مرات وأطعم الطعام نفقة الرجل على عياله، واما الصلاة بالليل
والناس نيام فمن صلى المغرب والعشاء الآخرة وصلى الغداة في مسجد جماعة فكأنما أحيا
الليل كله وافشاء الاسلام أن لا يبخل بالسلام على أحد من المسلمين.
قال الصادق " عليه السلام ": يا إسحاق صانع المنافق بلسانك وأخلص ودك للمؤمنين وان
جالسك يهودي فأحسن مجالسته.
قال عليه السلام: اصنع المعروف إلى من هو أهله، والى من ليس بأهله فإن لم
يكن أهله فأنت أهله، قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: ان عيال الرجل
اسراؤه فمن أنعم الله عليه نعمة فليوسع على اسرائه فإن لم يفعل أوشك ان تزول
عنه تلك النعمة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الملك ينزل بصحيفة أول النهار فيكتب فيها عمل ابن
آدم فاملأوا في أولها خيرا، وفى آخرها خيرا فان الله عز وجل يغفر لكم فيما بين ذلك
فان الله يقول: اذكروني أذكركم.
ولقوله تعالى: (ولذكر الله أكبر).
قال سلمان أوصاني خليلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسبع خصال لا أدعهن على كل حال
أوصاني ان انظر إلى من هو دوني ولا انظر إلى من هو فوقى، وان أحب الفقراء
والدنو منهم وان أقول الحق وإن كان مرا وان أصل رحمي وان كانت مدبرة وان لا اسأل
الناس شيئا وأوصاني ان أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنها من
كنوز الجنة.
371

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حسن المحضر من طيب المولد.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): من عاد مريضا فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله
سبعون الف الف حسنة، ومحى عنه سبعون الف الف سيئة ويرفع له سبعون الف الف
درجة ويوكل به سبعون الف الف ملك يقعدونه في قبره ويستغفرونه إلى يوم القيامة.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كفن ميتا كساه الله من سندس الجنة وحريرها.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": خيار خصال النساء شرار خصال الرجال: الزهو والجبن
والبخل فان كانت المرأة مزهوة لم تمكن من نفسها، وإذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال
زوجها وإذا كانت جبانة فرقت من كل شئ يعرض لها أحسنوا في عقب غيركم تحفظوا
في عقبكم.
وقال علي " عليه السلام ": افعلوا الخير ولا تحقروا منه شيئا فان صغيره كبير وقليله كثير
ولا تقولن أحدكم: ان أحدا أولى بفعل الخير منى فيكون والله كذلك ان للخير والشر اهلا
فمهما تركتموه منها كفاكموه أهله من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن عمل لدينه
كفاه الله امر دنياه، ومن أحسن فيما بينه وبين الله كفى الله فيما بينه وبين الناس.
قال الشاعر:
يد المعروف غنم حيث كانت * تحملها شكورا أو كفور
وأنشد:
زاد معروفك عظما انه * عندك محقور ضعيف وصغير
آخر:
يتناساه كأن لم تأته * وهو عند الناس مشهور كبير
وقال آخر:
لأشكرنك معروفا هممت به * ان اهتمامك بالمعروف معروف
فصل في ذكر وجوب أداء الأمانة
قال الله تعالى في سورة النساء: (ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها).
372

قال الصادق " عليه السلام ": أدوا الأمانات ولو إلى قاتل الحسين بن علي " عليه السلام "
وقال عليه السلام: اتقوا الله وعليكم بأداء الأمانات إلى من ائتمنكم فلو أن قاتل
أمير المؤمنين " عليه السلام " ائتمنني على أمانة لأديتها إليه.
قال زين العابدين " عليه السلام " لشيعته عليكم بأداء الأمانة فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا
لو أن قاتل أبى الحسين بن علي " عليه السلام " ائتمنني على السيف الذي قتله به لأديته إليه.
قال الصادق " عليه السلام ": أحب العباد إلى الله تعالى رجل صدوق في حديثه محافظ على
صلاته وما افترض الله عليه مع أداء الأمانة.
ثم قال عليه السلام: من اؤتمن على أمانة فاداها فقد حل الف عقدة من عنقه من
عقد النار فبادروا بأداء الأمانة فان من ائتمن على أمانة وكل به إبليس مئة شيطان من
مردة أعوانه ليضلوه ويوسوسوا إليه حتى يهلكوه إلا من عصم الله عز وجل.
قال صلى الله عليه وآله: لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحج
والمعروف وطنطنتهم بالليل انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة.
مجلس في ذكر الحث على النكاح وفضله
قال الله تعالى في سورة النور: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم
وإمائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم).
وقال في سورة النساء: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض
إلى قوله عليما خبيرا).
وقال في هذه السورة: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة).
قال أبو جعفر " عليه السلام " لهو المؤمن ثلاثة أشياء: التمتع بالنساء ومفاكهة الاخوان
والصلاة بالليل.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحب ان يلقى الله طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة.
وقال عليه السلام: حبب إلى من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني
في الصلاة.
373

وقال عليه السلام: ركعة يصليها متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها عزب.
وقال عليه السلام لأصحابه: شرار موتاكم العزاب.
وقال " عليه السلام ": ما استفاد المرئ المسلم فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة تسره
إذا نظر إليها وتطيعه إذا امرها وتحفظه في ماله ونفسها إذا غاب عنها.
قال عليها السلام: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج ومن لم يستطعها
فليدمن الصوم فان له وجاء فأمر الشباب بالنكاح مع الطول له فإن لم يجدوا له طولا
فليستعففوا عن الفجور بالصيام فإنه يضعف الشهوة ويمنع الدواعي إلى النكاح.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها
عزب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رذال موتاكم العزاب.
قال الصادق " عليه السلام ": جاء رجل إلى أبي عليه السلام فقال له هل لك من زوجة؟ فقال
لا فقال أبى ما أحب ان لي الدنيا وما فيها وانى بت ليلة وليست لي زوجة ثم قال: لركعتين
يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره ثم أعطاه أبى سبعة
دنانير فقال له: تزوج بهذه ثم قال أبى: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اتخذوا الأهل فإنه
ارزق لكم.
قال الصادق " عليه السلام ": ان الله تعالى لم يترك شيئا مما يحتاج إليه إلا علمه نبيه (صلى الله عليه وآله) وكان
من تعليمه إياه انه صعد المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه: ثم قال: أيها الناس ان
جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير، فقال: ان الابكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك
ثمارها فلم يجتني أفسدته الشمس وهدمه الريح وكذلك الابكار إذا أدركن ما تدرك النساء
فليس من دواء إلا البعولة، وإلا لم يؤمن عليها الفساد لأنهن بشر.
قال فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله فمن نتزوج؟ قال الأكفاء قال
يا رسول الله من الأكفاء؟ قال المؤمنون بعضهم اكفاء بعض.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب ومن
تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله إليه فعليكم بذات الدين.
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: كنا جلوسا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكرنا
النساء وفضل بعضهن على بعض، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا أخبركم؟ فقلنا: بلى
يا رسول الله فأخبرنا، فقال: ان من خير نسائكم الولود الودود والستيرة العزيزة في
374

أهلها والذليلة مع بعلها المتبرجة مع زوجها الحصان من غيره التي تسمع قوله وتطيع امره
وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها ولم تبذل له ببذل الرجل، ثم قال: ألا أخبركم بشر
نسائكم؟ قالوا: بلى قال: إن من شر نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها العقيم
الحقود التي لا تتورع من قبيح المتبرجة إذا غاب عنها بعلها، وإذا خلا بها بعلها تمنعت
منه تمنع الصعبة عند ركوبها، ولا تقبل منه عذرا ولا تغفر له ذنبا.
قال عليه السلام: تزوجوا الابكار فإنهن أطيب شئ أفواها وأدر شئ أخلافا
وأحسن شئ أخلاقا، وافتح شئ أرحاما ما افتح أنعم وألين.
قال الصادق " عليه السلام ": قام النبي (صلى الله عليه وآله) خطيبا، فقال أيها الناس إياكم وخضراء الدمن
قيل يا رسول الله، وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء.
قال الصادق " عليه السلام ": ليس للمرأة خطر لا لصالحتهن ولا لطالحتهن.
اما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة وهي خير من الذهب والفضة.
واما طالحتهن فليس التراب خطرها، والتراب خير منها.
وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": من أخلاق الأنبياء عليهم السلام حب النساء قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفضل نساء أمتي أصبحهن وجها وأقلهن مهرا.
قال زيد بن ثابت: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا زيد تزوجت؟ قال قلت: لا قال
تزوج تستعف مع عفتك ولا تتزوج خمسا قال زيد: من هن يا رسول الله؟ قال رسول الله
لا تزوج شهبرة ولا لهبرة ولا نهبرة، ولا هيدرة ولا لفوتا قال قلت: يا رسول الله
ما عرفت مما قلت شيئا وانى بآخرهن الجاهل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألستم عربا؟
اما الشهبرة فالزرقاء البذية، واما اللهبرة فالطويلة المهزولة، واما النهبرة فالقصيرة
الدميمة واما الهيدرة فالعجوز المدبرة، واما اللفوت فذات الولد من غيرك.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تزوج فقد أعطى نصف العبادة.
وقال صلى الله عليه وآله: أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: لا تحل لامرأة بنيت ليلة إلا تعرض نفسها على
زوجها قيل: وكيف تعرض؟ قال: إذا نزعت ثيابها دخلت في فراشه يلزق بجلدها.
وقال عليه السلام: إذا دعى الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عصيانا لعنتها الملائكة
حتى تصبح.
375

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام
عليها رائحة الجنة.
(وروى) ان النساء قلن لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل
بالجهاد في سبيل الله فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله قال رسول الله مهنة
إحداكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله.
مجلس في ذكر الخلق والحلم وكظم الغيظ
قال الله تعالى في سورة آل عمران: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا
غليظ القلب لانفضوا من حولك) الآية.
وقال تعالى في سورة القلم: (وانك لعلى خلق عظيم).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حسن الخلق نصف الدين، وقيل له صلى الله عليه وآله
ما أفضل ما أعطى المرئ المسلم؟ قال: الخلق الحسن.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": ان أحسن الحسن الخلق الحسن.
قالت أم سلمة لرسول الله: بأبي أنت وأمي المرأة يكون لها زوجان فيموتان
فيدخلان الجنة لأيهما تكون؟ قال: يا أم سلمة تخير أحسنهما خلقا وخيرهما لأهله
يا أم سلمة ان حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام " لبنيه: إياكم ومعاداة الرجال فإنهم لا يخلون من ضربين
من عاقل يمكر بكم أو جاهل يعجل بكم والكلام ذكر والجواب أنثى فإذا اجتمع الزوجان
فلا بد من النتاج.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: انكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم
بأخلاقكم.
وقال عليه السلام: أفضل الناس إيمانا أحسنهم خلقا، وأصلح الناس أنصحهم
للناس وخير الناس من انتفع به الناس.
قال الصادق " عليه السلام ": ان الله تعالى أوحى إلى داود " عليه السلام " ان خالط الناس وخالفهم
376

بأخلاقهم وزايلهم في اعمالهم تنل ما تريد منى يوم القيامة.
قال الصادق " عليه السلام ": من أساء خلقه عذب نفسه.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا في المنام جاثيا على ركبتيه بينه وبين رحمة الله
حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله في رحمة الله.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان جبرئيل روح الأمين نزل علي من عند رب العالمين
فقال: يا محمد عليك بحسن الخلق فإنه ذهب بخير الدنيا والآخرة، ألا وان أشبهكم
بي أحسنكم خلقا.
قال الصادق " عليه السلام ": أتى النبي (صلى الله عليه وآله) بأسارى فأمر بقتلهم خلا رجل من بينهم
فقال الرجل بأبي أنت وأمي كيف أطلقت عنى من بينهم؟ فقال: أخبرني جبرئيل عن
الله ان فيك خمس خصال يحبه الله ورسوله: الغيرة الشديدة على حرمك والسخاء وحسن
الخلق وصدق اللسان والشجاعة، فلما سمعها الرجل أسلم وحسن اسلامه فقاتل مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتالا شديدا حتى استشهد.
قال رجل للصادق " عليه السلام ": أخبرني بمكارم الأخلاق قال العفو عمن ظلمك وصلة من
قطعك واعطاء من حرمك، وقل الحق ولو على نفسك.
وقال أيضا عليه السلام: عليكم بمكارم الأخلاق فان الله عز وجل يحبها وعليكم
بحسن الخلق فإنه يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم.
قال الصادق " عليه السلام ": من أراد أن يدخله الله في رحمته ويسكنه جنته فليحسن خلقه
وليعط النصفة وليرحم اليتيم، وليعن الضعيف وليتواضع لله الذي خلقه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان أقربكم منى غدا وأوجبكم علي شفاعة أصدقكم لسانا
وأداكم للأمانة وأحسنكم خلقا وأقربكم من الناس.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": البشاشة حبالة المودة والاحتمال قبر العيوب والمسالمة خباء
العيوب ولا قربى كحسن الخلق.
قال الصادق " عليه السلام ": أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له: ان سعد بن معاذ مات فقام
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقام أصحابه فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب فلما ان حنط
وكفن وحمل على سريره تبعه رسول الله بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير
مرة ويسرة السرير مرة حتى إنتهى به إلى القبر فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى لحده وسوى
377

اللبن عليه وجعل يقول: ناولوني حجرا ناولوني ترابا رطبا يسد به ما بين اللبن فلما ان
فرغ وحثا التراب عليه، وسوى قبره قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): انى لأعلم انه سيبلى
ويصل البلى إليه، ولكن الله يحب عبدا إذا عمل عملا أحكمه، فلما ان سوى التربة عليه
قالت أمه: طوبى لك يا سعد: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أم سعد مه لا تجزمي على
ربك فان سعدا قد اصابته ضمة، قال: فرجع رسول الله ورجع الناس فقالوا
يا رسول الله فقد رأيناك صنعت بسعد ما لم تصنعه على أحد انك تبعت جنازته بلا
رداء ولا حذاء فقال صلى الله عليه وآله: ان الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء فتأسيت
بها قالوا: وكنت تأخذ يمنة السريرة مرة ويسرة السرير مرة قال: كانت يدي في يد
جبرئيل آخذ حيث يأخذ قالوا: أمرت بغسله وصليت على جنازته ولحدته في قبره ثم قلت إن
سعدا قد اصابته ضمة، قال: فقال صلى الله عليه وآله نعم انه كان في خلقه
مع أهله بسوء (سوء)
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من شئ أثقل في الميزان من حسن الخلق.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بحسن الخلق فان حسن الخلق في الجنة لا محالة وإياكم
وسوء الخلق فان سوء الخلق في النار لا محالة، وكان عليه السلام يقول: اللهم أحسنت خلقي
فأحسن خلقي وقال (صلى الله عليه وآله): رجلان آمنا وهاجرا ودخلا الجنة جميعا فرفع أحدهما على
صاحبه كما ترى الثريا، فقال بماذا فضلته علي يا رب؟ قال: إنه كان أحسن منك خلقا.
قال أمير المؤمنين عليه السلام:
سليم العرض من حذر الجوابا * ومن دار الرجال فقد أصابا
ومن هاب الرجال فهيبوه * ومن حقر الرجال فلن يهابا
وكان عليه السلام يقول:
لئن كنت محتاجا إلى الحلم انني * إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج
ولى فرس للحلم بالحلم ملجم * ولى فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن رام تقويمي فانى مقوم * ومن رام تعويجي فانى معوج
أنشد:
وان قال بعض الناس فيه سماجة * فقد صدقوا والذل بالحر أسمج
378

أنشد:
فيا رب زدني اليوم حلما فإنني * أرى الحلم لم يندم عليه حليم
وأنشد:
ولم أر مثل الحلم خيرا لصاحبي * ولا صاحبا للمرء شر من الجهل
وقال آخر:
ان الكريم وان تضعضع حاله * والخلق منه لا يزال شريفا
احذر مجالسة اللئيم فإنه * يفشى القبيح ويكتم المعروفا
فصل في ذكر كظم الغيظ
قال الله تعالى في سورة آل عمران: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس).
وقال تعالى في سورة الفرقان: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا
خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).
وقال تعالى في سورة حم عسق: (وإذا ما غضبوهم يغفرون).
قال الصادق " عليه السلام ": الغضب مفتاح كل شر.
وقال عليه السلام: قال الحواريون لعيسى: يا معلم الخير أعلمنا أي الأشياء أشد؟
قال عليه السلام: أشد الأشياء غضب الله، قالوا فبما نتقى غضب الله؟ قال بان لا تغضبوا
قالوا وما بدو الغضب؟ قال الكبر والتجبر ومحقرة الناس، قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي من
استولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة.
قال الصادق " عليه السلام ": مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوم يرفعون حجرا، فقال ما هذا؟ قالوا
نعرف بذلك أشدنا وأقوانا، فقال صلى الله عليه وآله: ألا أخبركم بأشدكم وأقواكم؟
قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أشدكم وأقواكم الذي إذا رضى لم يدخله رضاه في اثم
ولا باطل وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس بحق.
وقال عليه السلام: أعقل الناس أشدهم مداراة للناس، أحزم الناس أكظمهم غيظا.
(وروى) ان لعلي بن الحسين عليهما السلام جارية تسكب الماء عليه وهو يتوضأ
379

للصلاة فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه فرفع علي بن الحسين رأسه إليها
فقالت الجارية ان الله عز وجل يقول: (والكاظمين الغيظ) قال لها: قد كظمت غيظي
قالت: (والعافين عن الناس) قال لها: قد عفى الله عنك قالت (والله يحب المحسنين)
قال: اذهبي فإنك حرة.
قال الصادق " عليه السلام ": شكى رجلا من أصحاب أمير المؤمنين نسائه فقام عليه السلام
خطيبا فقال: معاشر الناس لا تطيعوا النساء على كل حال، ولا تأمنوهن على مال
ولا تذروهن يدبرن أمر العيال فإنهن ان تركن تركن، وان أردن أوردن المهالك
فانا وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن ولا صبر لهن عند شهوتهن، البذخ لهن لازم وان
كبرن والعجب بهن لاحق وان عجزن لا يشكرن الكثير إذا منعن القليل ينسين الخير
ويحفظن الشر يتهافتن بالبهتان ويتمادين بالطغيان ويتصدين للشيطان فداروهن على كل
حال وأحسنوا لهن المقال لعلهن يحسن الفعال.
قال الصادق " عليه السلام ": من ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا اشتهى وإذا غضب
وإذا رضى حرم الله جسده على النار.
(وروى) انه ذكر الغضب عند الباقر " عليه السلام " فقال: ان الرجل ليغضب حتى ما يرضى
أبدا ويدخل بذلك النار فأيما رجل غضب وهو قائم فليجلس فإنه سيذهب عنه رجز
الشيطان وإن كان جالسا فليقم، وأيما رجل غضب على ذوي رحمه فليقم إليه وليدن منه
وليمسه فان الرحم إذا مست الرحم سكنت.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": ثلاث هم أقرب الخلق إلى الله يوم القيامة حتى يفرغ من
الحساب رجل لم يدعه قدرته في حال غضبه إلى أن يحيف على من تحت يديه ورجل مشى
بين اثنين فلم يمل أحدهما عن الآخر بشعيرة، ورجل قال الحق فيما عليه وله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كظم غيظا وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله يوم
القيامة على رؤس الخلائق حتى يخير من أي الحور شاء.
وقال صلى الله عليه وآله: من عاش مداريا مات شهيدا.
وقال صلى الله عليه وآله: مداراة الناس صدقة.
وقال صلى الله عليه وآله: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد يملك عند الغضب.
وقال رجل لأبي ذر رضي الله عنه: أنت الذي نفاك فلان من البلد لو كان فيك
380

خير ما نفاك، فقال: يا بن أمي ان قدامي عقبة كؤدا ان نجوت منها فلم يضرني ما قلت
وإن لم انج منها فانا شر مما قلت لي.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله يحب الحيي الحليم الغنى المتعفف ويبغض البذئ
الفاحش السائل الملحف وأنشد:
أضم عن الكلم المحفظات * واحلم الحلم بي أشبه
وانى لأترك كل المكارم * لكي لا أجاب بما أكره
وأنشد:
وما شئ أحب إلى اللئيم * إذا فكرت فيه من الجواب
متاركة اللئيم بلا جواب * أشد على اللئيم من السباب
مجلس في ذكر حسن التواضع وذم التكبر
قال الله تعالى في سورة سبحان: (ولا تمش في الأرض مرحا انك لن تخرق
الأرض ولن تبلغ الجبال طولا).
وقال تعالى في سورة القصص: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا
في الأرض ولا فسادا).
وقال تعالى في سورة لقمان: (ولا تصغر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا
ان الله لا يحب كل مختال فخور).
قال الصادق " عليه السلام ": ثلاثة من أصول الكفر الحرص والاستكبار والحسد.
وقال عليه السلام: قال إبليس لعنه الله لجنوده: إذا استمكنتم من ابن آدم في ثلاث
لم أبال ما عمل فإنه غير مقبول إذا استكثر عمله ونسي ذنبه ودخله العجب.
قال أبو جعفر " عليه السلام ": ثلاث قاصمات الظهر: رجل استكثر عمله، ونسي ذنوبه
واعجب برأيه.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أشقى الناس الملوك، وأمقت الناس وأذل الناس من
أهان الناس.
381

سأل الحسن بن الجهم الرضا " عليه السلام ": فقال: ما حد التواضع؟ قال إن تعطى الناس
من نفسك ما تحب ان يعطوك مثله، قال: قلت جعلت فداك أشتهي ان أعلم كيف أنا
عندك قال انظر كيف انا عندك.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أوحى الله تعالى إلى داود " عليه السلام ": يا داود كما لا تضيق الشمس
على من جلس فيها كذلك لا تضيق رحمتي على من دخل فيها، وكما لا تضر الطيرة من
لا يتطير منها كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيرون وان أقرب الناس منى يوم القيامة
المتواضعون كذلك وأبعد الناس منى يوم القيامة المتكبرون.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": لا حسب كالتواضع، ولا وحدة أوحش من العجب
وعجبت للمتكبر الذي كان بالأمس نطفة ويكون غدا جيفة.
قال الصادق " عليه السلام ": ان المتكبرين يجعلون في صورة الذر فيطأهم الناس حتى يفرغ
من الحساب.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تجبر وضعاه.
قال الباقر " عليه السلام ": ان في جهنم جبلا يقال له صعود، وان في صعود لواديا يقال له
سعر وان في قعر سعر لجبا يقال له هبهب كلما كشف غطاء ذلك الجب ضج أهل النار
من حره وذلك منازل الجبارين.
وقال عليه السلام: أوصى النبي (صلى الله عليه وآله) إلى رجل من بنى تميم فقال له إياك واسبال
الإزار والقميص فان ذلك من المخيلة والله لا يحب المخيلة.
قال بشير النبال: كنا مع أبي جعفر " عليه السلام ": في المسجد إذ مر علينا اسود وهو ينزع في مشيه
فقال أبو جعفر عليه السلام: انه لجبار قلت: انه لسائل قال: إنه لجبار، قال
أبو عبد الله " عليه السلام ": كان علي بن الحسين عليهما السلام يمشي مشية لو كان على رأسه الطير
لا يسبق يمينه شماله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس من عبد إلا وملك أخذ بحكمة رأسه ان هو تواضع
لله رفعه الله وان هو تكبر وضعه الله.
قال عليه السلام: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر،
وقال: ان الذي يجر ثوبه من الخيال لا ينظر الله إليه يوم القيامة.
وقال عليه السلام: رأس التواضع ان تبدأ بالسلام على من لقيت وترد على من
382

سلم عليك وان ترضى بالدون من المجلس ولا تحب المدحة والتزكية والبر.
قال الشاعر:
يا صاحب الكبر الذي قد علا به * إذا كنت يوما في التراب فما الكبر
ويا قوم لا يغرركم دار قلعة * بباطلها جدوا فإنكم سفر
وهل يغفل الانسان أو يأمن الردى * إذا كان لا يدرى متى ينزل الامر
وقال آخر:
هب أنت قد ملكت الأرض طرا * ودان لك العباد فكان ماذا
ألست تصير في قبر ويحثو * عليك الترب هذا ثم هذا
وأنشد:
توكلت على الله وما أرجو سوى الله * وما الرزق من الناس بل الرزق من الله
وقال آخر:
قلت للمعجب لما قال مثلي لا يراجع * يا قريب العهد بالمخرج لم لا تتواضع
مجلس في ذكر حسن الجود والسخاء
وذم البخل
قال الله تعالى في سورة البقرة: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا
وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) نزلت في علي بن أبي
طالب " عليه السلام " وكانت عنده أربعة دراهم فتصدق بواحدة منها ليلا وبواحدة منها نهارا
وبواحدة سرا وبواحدة علانية.
وقال تعالى في سورة التغابن: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خصلتان لا تجتمعان في مسلم: البخل وسوء الخلق.
وقال عليه السلام: لا يجتمع الشح والايمان في قلب عبد أبدا.
قيل لأبي عبد الله " عليه السلام ": أي الخصال بالمرء أجمل؟ قال: وقار بلا مهابة وسماح
بلا طلب، مكافأة وتشاغل بغير متاع الدنيا.
383

قال أبو عبد الله " عليه السلام ": خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم ومن صالح الاعمال
البر بالاخوان والسعي في حوائجهم، وفى ذلك مرغمة للشيطان وتزحزح عن النيران
ودخول الجنان، قال يا جميل أخبر بهذا الحديث غرر أصحابك قال: فقلت له: جعلت
فداك من غرر أصحابي؟ قال: هم البارون بالاخوان في العسر واليسر، ثم قال جميل
اما ان صاحب الكثير يهون عليه ذلك وقد مدح الله صاحب القليل والمؤثرون على
أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.
قال أبو جعفر " عليه السلام ": لا تقارن ولا تواخ أربعة: الأحمق والبخيل والجبان
والكذاب.
أما الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وأما البخيل فإنه يأخذ منك ولا يعطيك
وأما الجبان فإنه يهرب عنك وعن والديك، وأما الكذاب فإنه يصدق ولا يصدق.
قال أبو جعفر " عليه السلام ": أتى النبي (صلى الله عليه وآله) بأسارى فأمر بقتلهم وخلا رجلا من بينهم
فقال الرجل: يا نبي الله كيف أطلقت عنى من بينهم؟ قال: أخبرني جبرئيل عن الله تعالى
ان فيك خمس خصال يحبها الله ورسوله: الغيرة الشديدة على حرمك والسخاء وحسن الخلق
وصدق اللسان والشجاعة، فلما سمعها الرجل أسلم وحسن اسلامه وقاتل مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتالا شديدا حتى استشهد.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أسخى الناس من أدى زكاة ماله، وأعظم الناس في الدنيا
خطرا من لم يجعل للدنيا خطرا، وأقل الناس راحة البخيل، وأبخل الناس من
بخل بما افترض من الله عليه.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": سادة الناس في الدنيا الأسخياء، وفى الآخرة الأتقياء
قال الصادق " عليه السلام ": عجبت لمن يبخل للدنيا وهي مقبلة عليه أو يبخل بها وهي مدبرة
عنه فلا الانفاق مع الاقبال يضره ولا الامساك مع الادبار ينفعه.
وقال عليه السلام: ان الله تعالى رضى لكم الاسلام دينا فأحسنوا صحبته بالسخاء
وحسن الخلق.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": البخل عار، والجبن منقصة، كن سمحا ولا تكن مبذرا
وكن مقدرا ولا تكن مقترا، ولا تستحي من أعطاء القليل فان الحرمان أقل منه، عجبت
للبخيل يستعجل الفقر الذي هرب منه، ويفوته الغنى الذي إياه طلب فيعيش في الدنيا
384

عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء البخل جامع لمساوئ العيوب وهو
زمام يقاد به إلى كل سوء.
(وروى) ان أمير المؤمنين أتى رسول الله صلوات عليهما بأسيرين فأمر النبي
بضرب عنقهما فضرب عنق أحدهما، ثم قصد الآخر فنزل جبرئيل فقال يا محمد ان ربك
يقرؤك السلام ويقول لا تقتله فإنه حسن الخلق سخى في قومه، فقال اليهودي: تحت
السيف هذا رسول ربك؟ قال: نعم، قال والله ما ملكت درهما مع أخ لي قط
ولا قطبت وجهي في الحرب، وانا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا ممن جره حسن خلقه وسخائه إلى جنات النعيم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس
بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): السماح شجرة في الجنة أغصانها في الدنيا من تعلق بغصن من أغصانها
قادته إلى الجنة، والبخل شجرة في النار أغصانها في الدنيا فمن تعلق بغصن من أغصانها
قادته إلى النار.
وقال علي بن الحسين " عليه السلام ": سادة الناس في الدنيا الأسخياء، وسادة الناس في
الآخرة الأتقياء.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي كن سخيا فان الله يحب كل سخى وان أتاك امرء
في حاجة فاقضها له فإن لم يكن له أهلا فأنت له أهل.
قال الشاعر:
يا مانع المال كم تضن به * تطمع بالله في الخلود معه
هل حمل المال ميت معه * أما تراه لغيره جمعه
وقال آخر:
ويظهر عيب المرء في الناس بخله * ويستره عنهم جميعا سخاؤه
تغط بأثواب السخاء فإنني * أرى كل عيب في السخاء غطاؤه
وقال آخر:
أراك تؤمل حسن الثناء * ولم يرزق الله ذاك البخيلا
وكيف يسود أخو بطنة * يمن كثيرا ويعطى قليلا
385

وأنشد:
لا تبخلن بالدنيا وهي مقبلة * فليس ينقصها التبذير والسرف
فان تولت فأحرى ان تجود بها * فليس يبقى ويلقى شكرها خلف
وأنشد:
إذا اجتمع الآفات فالبخل شرها * وشر من البخل المواعيد والمطل
فلا خير في وعد إذا كان كاذبا * ولا خير في قول يخالفه فعل
مجلس في ذكر حقوق الاخوان
والأقرباء والجار
قال الله تعالى في سورة النساء: (واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام ان الله
كان عليكم رقيبا) يعنى واتقوا الأرحام ان تقطعوها، فقال فيها: والجار ذي القربى
والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل.
وقال في سورة محمد: (فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا
أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى ابصارهم).
سئل أبو عبد الله " عليه السلام ": ما أدنى حق المؤمن على أخيه؟ قال: أن لا يستأثر عليه
بما هو أحوج إليه منه.
وقال أيضا عليه السلام: تقربوا إلى الله بمواساة إخوانكم.
وقال عليه السلام: المؤمن أعظم حرمة من الكعبة.
قيل تذاكروا الشؤم عند أبي عبد الله عليه السلام فقال الشوم في ثلاثة: المرأة
والدابة والدار.
فأما شوم المرأة: فكثرة مهرها وعقوق زوجها.
وأما الدابة: فسوء خلقها ومنعها ظهرها.
وأما الدار: فضيق ساحتها، وشر جيرانها وكثرة عيوبها.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يحل للمسلم ان يهجر أخاه فوق ثلاث.
386

وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): أربعة من قواصم الظهر: إمام يعصى الله ويطاع امره وزوجة
يحفظها زوجها وهي تخونه وفقر لا يجد صاحبه له مداويا، وجار سوء في دار مقام.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": الصداقة محدودة فمن لم تكن فيه شئ من تلك الحدود
فلا تنسبه إلى شئ من الصداقة.
(أولها) أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة.
(والثانية) ان يرى زينك زينة وشينك شينه.
(والثالثة) أن لا يغيره مال ولا ولاية.
(والرابعة) أن لا يمنعك شيئا مما تصل إليه مقدرته.
(والخامسة) لا يسلمك عند النكبات.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": قال إبليس عليه اللعنة: خمس ليس لي فيهن حيلة وسائر
الناس في قبضتي من اعتصم بالله من نية صادقة واتكل عليه في جميع امره.
ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره.
ومن رضى لاخوته المؤمنين ما يرضى لنفسه.
ومن لم يجزع على المصيبة حين تصيبه.
ومن رضى بما قسم الله له ولم يهتم لرزقه.
قال الباقر " عليه السلام ": أحبب أخاك المسلم، وأحبب له ما تحب لنفسك واكره له
ما تكرهه لنفسك إذا احتجت فاسأله، وإذا سألك فاعطه ولا تدخر عنه خيرا فإنه
لا يدخره عنك كن له ظهرا فإنه لك ظهر أن غاب فاحفظه في غيبته، وان شهد فزره وأجله
وأكرمه فإنه منك وأنت منه، وإن كان عليك عاتبا فلا تفارقه حتى تسل سخيمته وما في
نفسه وإذا اصابه خير فاحمد الله عليه، وان ابتلى فاعضده وتمحل له.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من آذى جاره حرم الله عليه ريح الجنة ومأواه جهنم وبئس
المصير، ومن ضيع جاره فليس منا وما زال جبرئيل " عليه السلام " يوصيني بالجار حتى ظننت أنه
سيورثه.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": ما من مؤمن يخذل أخاه، وهو يقدر على نصرته إلا خذله
الله في الدنيا والآخرة.
وقال عليه السلام: من روى على أخيه المؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته
387

ليسقط من أعين الناس أخرجه الله تعالى من ولايته إلى ولاية الشيطان.
وقال عليه السلام: من كف اذاه عن جاره اقاله الله عثرته يوم القيامة ومن عف
بطنه وفرجه كان في الجنة ملكا محبوبا، ومن أعتق نسمة مؤمنة بنى له بيت في الجنة.
وقال عليه السلام: لبعض أصحابه: من غضب عليك من إخوانك ثلاث مرات
فلم يقل فيك شيئا شرا فاتخذه لنفسك صديقا.
وقال عليه السلام: لا تثقن بأخيك كل الثقة فان سرعة الاسترسال لن تستقال.
وقال عليه السلام لبعض أصحابه: لا تطلع صديقك من سرك الأعلى ما لو اطلع
عليه عدوك لم يضرك فان الصديق قد يكون عدوا يوما.
وقال عليه السلام: قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": من لك يوما بأخيك كله وأي
الرجال المهذب.
قال الباقر " عليه السلام ": أيما مؤمن لجأ إليه مكروب فقضى حاجته قضى الله له ثلاثة وسبعين
حاجة اثنين وسبعين حاجة في الآخرة، وواحدة في الدنيا وان أدنى ما يكون في الدنيا
ان يدفع عن نفسه وماله وأهله وولده وان أدنى ما يكون من الآخرة ان تفتح له أبواب
الجنة فيقال له: ادخل من أيها شئت قال: أين يدخل الينا الينا.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": أحسن الحسنات عيادة المريض، وأمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عيادة المريض.
قال الصادق " عليه السلام ": عودوا مرضاكم واسألوهم ان يدعوا لكم فان دعاءهم تعدل
دعاء الملائكة.
قال الباقر " عليه السلام ": ان فيما ناجى به موسى ربه، قال يا رب ما لمن عاد مريضا؟ قال
والله به ملكا يعوده في قبره إلى يوم الحشر.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا
مع ما ادخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم.
وقال (صلى الله عليه وآله): من أحب ان يوسع في رزقه، ويسأله في اجله فليصل رحمه.
وقال صلى الله عليه وآله: من ضمن لي واحدة ضمنت له أربعة يصل رحمه فيحبه
أهله ويوسع عليه في رزقه ويزاد في اجله، ويدخله الله الجنة التي وعده.
وقال عليه السلام: هل تدرون ما حق الجار؟ ما تدرون من حق الجار إلا قليلا
388

ألا لا يؤمن بالله واليوم الآخر من لا يؤمن جاره بواثقه، وإذا استقرضه ان يقرضه
وإذا اصابه خير هناه، وإذا اصابه شر عزاه، ولا يستطيل عليه في البناء يحجب عنه الريح
إلا باذنه وإذا اشترى فاكهة فليهد له، وإن لم يهد له فليدخلها سرا ولا يعطى صبيانه
منه الشئ يغايظون صبيانه، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الجيران ثلاثة فمنهم من له ثلاثة
حقوق: حق الاسلام، وحق الجوار، وحق القرابة، ومنهم من له حقان حق الاسلام
وحق الجوار، ومنهم من له حق واحد، الكافر له حق الجوار.
وقال عليه السلام: ليس من المؤمنين الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه، قال الشاعر:
أخلاء الرخاء هم كثير * ولكن في الشدائد هم قليل
فلا يغررك خلة من تواخى * فما لك عند نائبة خليل
وكل أخ يقول أنا وفى * ولكن ليس يفعل ما يقول
سوى رجل له حسب ودين * فذاك إذا يقول هو الفعول
وقال آخر:
أصافي من الاخوان كل موافق * صبور على ما ناب عند الحقائق
وقال آخر:
وكل صديق ليس في الله وده * فانى به في وده غير واثق
تود عدوى ثم تحسب انني * صديقك ان الرأي منك لعازب
وليس أخي من ودني بلسانه * ولكن أخي من ودنى في المغائب
مجلس في فضل الذكر والذاكرين والمذكرين
قال الله تعالى في سورة البقرة: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون).
وفى سورة الأحزاب: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا - وفيها
والذاكرين الله كثيرا والذاكرات).
وفى سورة الغاشية: (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر).
قال المفسرون قال الله: اذكروني بالايمان أذكركم بالجنان اذكروني بالاسلام
389

أذكركم بالإكرام اذكروني بالتوبة أذكركم بالحوبة، اذكروني بالمعذرة أذكركم بالمغفرة
اذكروني بالسؤال أذكركم بالنوال، اذكروني بالدعاء أذكركم بالعطاء، اذكروني بالاستغفار
أذكركم بالاغتفار، اذكروني بلا غفلة أذكركم بلا مهلة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي سيد الاعمال ثلاث خصال انصافك من نفسك
ومواساة الأخ في الله وذكر الله تعالى على كل حال.
(وروى) عن بعض الصادقين " عليه السلام " أنه قال: الذكر مقسوم على سبعة أعضاء
اللسان والروح والنفس والعقل والمعرفة والسر والقلب، وكل واحد يحتاج إلى الاستقامة
فاستقامة اللسان صدق الاقرار، واستقامة الروح صدق الاحتضار، واستقامة النفس
صدق الاستغفار، واستقامة القلب صدق الاعتذار، واستقامة العقل صدق الاعتبار
واستقامة المعرفة صدق الافتخار، واستقامة السر السرور لعالم الاسرار وذكر اللسان
الحمد والثناء وذكر النفس الجهد والعناء، وذكر الروح الخوف والرجاء، وذكر القلب
الصدق والصفاء، وذكر العقل التعظيم والحياء، وذكر المعرفة التسليم والرضا وذكر السر
رؤية اللقاء.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": جمع الخير كله في ثلاث خصال: النظر والسكوت والكلام
فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو، وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة وكل كلام
ليس فيه ذكر فهو لغو، فطوبى لمن كان نظره عبرا، وسكوته فكرا، وكلامه ذكرا، وأبكى على
خطيئته وأمن الناس شره.
قال موسى " عليه السلام ": إلهي فما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه؟ قال: يا موسى أظله يوم
القيامة بظل عرشي واجعله في كنفي.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت في المنام رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه
ذكر الله تعالى فنجاه من بينهم.
قال جابر: قلت لأبي جعفر " عليه السلام ": ان قوما إذا ذكروا بشئ من القرآن أو حدثوا
به صعق أحدهم حتى يرى أنه لو قطعت يداه ورجلاه لم يشعر بذلك، فقال سبحان الله
ذلك من الشيطان الرجيم ما بهذا أمروا إنما هو اللين والرقة والدمعة والوجل.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيما امرئ مسلم جلس في مصلاه الذي كان يصلى فيه الفجر
يذكر الله حتى تطلع الشمس كان له من الاجر كحجاج بيت الله وغفر الله له.
390

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا وجدتم رياض الجنة فارتعوا فيها، قالوا وما رياض
الجنة يا رسول الله؟ قال: مجالس الذكر.
وقال صلى الله عليه وآله: ما جلس قوم يذكرون الله إلا نادى بهم مناد من السماء
قوموا فقد بدلت سيئاتكم حسنات، وغفر لكم جميعا، وما قعد عدة من أهل الأرض
يذكرون الله إلا قعد معهم عدة من الملائكة.
وقال صلى الله عليه وآله: ما جلس قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم
الرحمة وتنزلت عليهم السكينة وذكرتهم فيمن عندهم.
قال الشاعر:
أبلغ أخاك أخا الاحسان بي حسنا * انى وانه كنت لا ألقاه ألقاه
وان طرفي موصول برؤيته * وان تباعد عن مثواي مثواه
الله يعلم انى لست أذكره * وكيف أذكره من لست أنساه
فكيف يرجى سواه مؤنس أبدا * وكيف يحزن عبد وهو مولاه
مجلس في ذكر الأوقات وما يتعلق بها
قال الله تعالى في سورة التوبة: (ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب
الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم).
واعلم أن الله تعالى خلق الدنيا، وخلق المكان والزمان فجعل الزمان ذات أدوار
وفصول فمنها العام، ومنها الشهر واليوم والليلة والساعة، ومنها الربيع والصيف
والخريف والشتاء.
قال الله عز وجل: ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق
السماوات والأرض، منها أربعة حرم - يعنى ذا القعدة وذا الحجة والمحرم ورجب
ثلاثة سرد وواحد فرد.
قال الله تعالى: ذلك الدين القيم - أي الحساب المستقيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم يعنى
في الأشهر الحرم، وسميت هذه الأشهر الأربعة حرما لعظم حرمتها وتحريم القتال فيها.
391

قال أبو جعفر " عليه السلام ": أيام الله ثلاثة: يوم يقوم القائم ويوم الكرة ويوم القيامة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يوم الجمعة يوم عبادة فتعبدوا الله فيه، ويوم السبت
لآل محمد عليهم السلام، ويوم الأحد لشيعتهم، ويوم الاثنين يوم بنى أمية، ويوم الثلاثاء يوم لين، ويوم الأربعاء لبنى عباس، ويوم الخميس يوم مبارك بورك لامتي في
بكورها فيه.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": من كان مسافرا فليسافر يوم السبت فلو أن حجرا زال عن
جبل في يوم السبت لرده الله إلى مكانه، ومن تعذرت عليه الحوائج فيلتمس طلبها
يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي ألان الله تعالى فيه الحديد لداود عليه السلام.
وقال أبو عبد الله " عليه السلام ": السبت لنا والأحد لشيعتنا، والاثنين لأعدائنا والثلاثاء
لبنى أمية والأربعاء يوم شرب الدواء، والخميس يقضى فيه الحوائج، والجمعة للتنظيف
والتطيب وهو عيد المسلمين، وهو أفضل من الفطر والأضحى، ويوم الحجة وكان
غدير أفضل الأعياد وهو الثامن عشر من ذي الحجة، وكان يوم الجمعة ويخرج قائمنا
أهل البيت يوم الجمعة ويقوم القيامة يوم الجمعة، وما من عمل أفضل يوم الجمعة من الصلاة
على النبي صلى الله عليه وآله.
(وروى) الصقر بن أبي دلف في خبر طويل، فقال: قلت لأبي الحسن العسكري " عليه السلام "
يا سيدي حديث يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا اعرف معناه، قال: ما هو؟ قال: قلت قوله
لا تعادوا الأيام فتعاديكم ما معناه؟ فقال: نعم الأيام ما قامت السماوات والأرض فالسبت
اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأحد كناية عن أمير المؤمنين عليه السلام والاثنين الحسن
والحسين عليهما السلام، والثلاثاء علي بن الحسين وجعفر بن محمد، والأربعاء موسى
ابن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وانا، والخميس ابني الحسن بن علي، والجمعة ابن
ابني واليه يجتمع عصابة الحق، وهو الذي يملاها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما
فهذا معنى الأيام فلا تعادوهم في الدنيا يعادوكم في الآخرة.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": في قول الله تعالى: (ان عدة الشهور عند الله كان اثنى عشر
شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض) قال: المحرم وصفر وشهر ربيع الأول
وربيع الآخر وجمادى الأولى وجمادى الآخر، ورجب وشعبان ورمضان وشوال
وذو القعدة وذو الحجة، منها أربعة حرم عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر
392

ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر.
قال عليه السلام: ساعات الليل اثنتي عشرة وساعات النهار اثنتي عشرة وأفضل
ساعات الليل والنهار أوقات الصلاة، ثم قال عليه السلام: انه إذا زالت الشمس فتحت
أبواب السماء وهبت الرياح ونظر الله تعالى إلى خلقه، وانى لأحب ان يصعد لي عند ذلك
إلى السماء عمل صالح ثم قال عليه السلام: عليكم بالدعاء في ادبار الصلوات فإنه مستجاب.
قال الصادق عليه السلام: ليلة القدر هي أول السنة.
سئل أبو عبد الله " عليه السلام ": عن السنة كم يوم هي؟ قال: ثلاثمائة وستون يوما منها ستة
أيام خلق الله عز وجل فيها الدنيا فطرحت من أصل السنة فصارت السنة ثلاثمائة وأربعة
وخمسين يوما قال الصادق " عليه السلام ": ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله
يوم خلق السماوات والأرض فغرة الشهور شهر الله تعالى وهو شهر رمضان وقلب شهر
رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان، واستقبل الشهر
بالقرآن.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": ما من يوم يمر على ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم يا بن
آدم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد فقل في خيرا، واعمل في خيرا اشهد لك به يوم
القيامة فإنك لن تراني بعده أبدا، والعام اثنى عشر شهرا، المحرم وسمى بذلك لتحريم
القتال فيه، ثم صفر سمى بذلك لان مكة تصفر من الناس في ذلك الوقت أي تخلو ومنه
يقال صفر اليد، ثم شهر ربيع الأول، وشهر ربيع الآخر سميا بذلك لانبات الأرض
وامراعها فيهما، ثم جمادى الأولى وجمادى الآخرة سميتا بذلك لجمود المياه فيهما ثم رجب
سمى بذلك لأنهم كانوا يرجبونه أي يعظمونه، والترجيب التعظيم وبالتخفيف لغة فيه
قال الكميت:
ولا غيرهم أبغي لنفسي جنة * ولا غيرهم ممن أجل وأرجب
ثم شعبان سمى بذلك لأنه يتشعب فيه خير كثير لشهر رمضان، ثم شهر رمضان
سمى بذلك لأنه رمضت فيه الفصال من الحر، وقيل أيضا: سمى بذلك لأنه يرمض
الذنوب أي يحرقها، ثم شوال سمى بذلك لشولان الناقة بأذنابها عند اللقاح ثم ذو القعدة
سمى بذلك لقعودهم عن القتال فيه، ثم ذو الحجة سمى بذلك لقضاء حجتهم فيه وسمى
الشهر شهرا لشهرته والأيام سبعة.
393

أولها يوم الأحد وذلك أن الله تعالى خلق أول العدد أحدا فسماه أحدا ثم ثانيا
فسماه الاثنين.
قال ابن عباس: ان النبي (صلى الله عليه وآله) ولد يوم الاثنين، ونبئ يوم الاثنين ورفع الحجر
الأسود يوم الاثنين وخرج من مكة مهاجرا إلى المدينة يوم الاثنين وقبض يوم
الاثنين ثم إن الله تعالى خلق ثالثا فسماه الثلاثاء، ثم رابعا فسماه الأربعاء، ثم خامسا
فسماه الخميس، ثم الجمعة سميت بذلك لان الله جمع فيها خلق آدم، وقيل سمى بذلك لان
الله جمع خلق السماوات والأرض وأخذ ميثاقهم بولاية آل محمد عليهم السلام ثم السبت
سمى بذلك لقطع الخلق فيه وذلك أن الله تعالى ابتدأ خلق الأشياء يوم الأحد وفرغ منها
في آخر ساعة من الجمعة، وخلق في تلك الساعة آدم وهي الساعة التي تقوم فيها الساعة.
قال الله تعالى: (ولقد خلقنا السماوات والأرض، وما بينهما في ستة أيام
وما مسنا من لغوب) فسمى اليوم الذي فرغ الله عز وجل فيه من الخلق سبتا لانقطاع
العمل فيه والسبت في كلام العرب القطع.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: خلق الله الجنة يوم الخميس وسماه مؤنسا.
(روى) ان اليهود أتت النبي (صلى الله عليه وآله) فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال
خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال وما فيهن يوم الثلاثاء وخلق يوم
الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم
الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة، قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد؟ قال: ثم استوى
على العرش، قالوا: قد أصبت لو أتممت، قالوا: ثم استراح فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) غضبا
شديدا فنزل (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وما مسنا من
لغوب فاصبر على ما يقولون).
وقيل: إن في كل ساعة من ساعات الليل والنهار تحمل ستمائة الف امرأة وتضع
ستمائة الف حامل ويموت ستمائة الف مولود، ويذل ستمائة الف عزيز ويعز ستمائة الف
ذليل وستمائة الف عتيق لله من النار.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: بقية عمر المرئ لا ثمن له يدرك به ما فاته ويحيى به
ما أماته.
394

قال الشاعر:
القى علي الدهر رجلا ويدا * والدهر ما أصلح يوما أفسدا
يصلحه اليوم ويفسده غدا
وقال آخر:
لقد عمرت حتى مل أهلي * ثواي عندهم وسميت عمري
وحق لمن أتى مائتان عاما * عليه أربع من بعد عشري
يمل من الثواء وصبح يوم * يغاديه وليل بعد يسر
مجلس في فضل رجب
قال الله تعالى في سورة البقرة: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال
فيه كبير).
اعلم أن الله تعالى سمى أربعة أشياء في كتابه حراما: أولها مسجد مكة فقال في
سورة البقرة: (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام).
والثاني الكعبة فقال في سورة المائدة: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس).
والثالث: مكة فقال في سورة النمل: (إنما أمرت ان أعبد رب هذه البلدة
التي حرمها).
والرابع الأشهر الحرم فقال: منها أربعة حرم، وقال في سورة البقرة: الشهر
الحرام بالشهر الحرام.
وقال في سورة المائدة: (لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام).
ثم سمى رجب بانفراده على التخصيص حراما فقال: يسألونك عن الشهر
الحرام قتال فيه، ورجب كان أفضل الأشهر من عهد نوح " عليه السلام " لأنه ظهر فيه معجزاته
بركوبه السفينة مع من آمن به، ونجاتهم وهلاك أعدائهم بالطوفان.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": ان نوحا " عليه السلام " ركب السفينة أول يوم من رجب فأمر من
معه ان يصوموا ذلك اليوم، وقال: من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة فمن
395

صام سبعة أيام أغلقت عنه أبواب النيران، ومن زاد زاده الله تعالى في عمره.
قال الباقر " عليه السلام ": من صام من رجب يوما واحدا من أوله أو وسطه أو آخره
أوجب الله له الجنة وجعله معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن صام يومين من رجب قيل
له استأنف العمل فقد غفر الله لك ما مضى، ومن صام ثلاثة أيام من رجب قيل له: قد
غفر لك ما مضى وما بقي فاشفع لمن شئت من مذنبي إخوانك وأهل معرفتك ومن صام
سبعة أيام من رجب أغلقت عنه أبواب النيران السبعة، ومن صام ثمانية أيام من رجب
فتحت له أبواب الجنة الثمانية فيدخلها من أيها شاء.
قال الرضا " عليه السلام ": من صام أول يوم من رجب رغبة في ثواب الله عز وجل وجبت
له الجنة، ومن صام يوما في وسطه شفع في مثل ربيعة ومضر، ومن صام يوما في
آخره جعله الله عز وجل من ملوك الجنة، وشفعه في أبيه وأمه وعمه وعمته وخاله وخالته
ومعارفيه وجيرانه، وإن كان فيهم مستوجبا للنار.
قال سالم: دخلت على الصادق " عليه السلام " في رجب وقد بقيت منه أيام، فلما نظر إلي
قال لي: يا سالم هل صمت في هذا الشهر شيئا؟ قلت: لا والله يا بن رسول الله فقال لي
لقد فاتك من الثواب ما لم يعلم مبلغه إلا الله تعالى ان هذا شهر قد فضله الله وعظم حرمته
وأوجب للصائمين فيه كرامته، قال فقلت له: يا بن رسول الله فان صمت مما بقي شيئا هل
أنال فوزا ببعض ثواب الصائمين فيه؟ فقال: يا سالم من صام يوما من آخر هذا الشهر
كان ذلك أمانا له من شدة سكرات الموت، وأمانا له من هول المطلع، وعذاب القبر
ومن صام يومين من آخر هذا الشهر كان له بذلك جواز على الصراط، ومن صام ثلاثة
أيام من آخر هذا الشهر أمن يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده، وأعطى براءة
من النار.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا إن رجب شهر الله الأصم وهو شهر عظيم، وإنما سمى
الأصم لأنه لا يقارنه شهر من الشهور حرمة وفضلا عند الله تعالى كان أهل الجاهلية
يعظمونه في جاهليتهم، فلما جاء الاسلام لم يزده إلا تعظيما وفضلا ألا إن رجب وشعبان
شهراي وشهر رمضان شهر أمتي.
ألا فمن صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله الأكبر
وأطفأ صومه في ذلك غضب الله، وأغلق منه بابا من أبواب النار فلو أعطى مثل
396

الأرض ذهبا ما كان بأفضل من صومه، ولا يستكمله اجره بشئ من الدنيا دون
الحسنات إذا أخلصه لله تعالى، وله إذا أمسى عشر دعوات مستجابات ان دعا بشئ في
عاجل الدنيا أعطاه الله تعالى وإلا ادخر له من الخير أفضل مما دعا به داع من أوليائه
وأحبائه وأصفيائه.
ومن صام من رجب يومين لم يصف الواصفون من أهل السماء والأرض ما له عند
الله من الكرامة، وكتب له من الاجر مثل أجور عشرة من الصادقين في عمرهم بالغة
اعمالهم ما بلغت، ويشفع يوم القيامة في مثل ما يشفعون فيه ويحشرهم معهم في زمرتهم
حتى يدخل الجنة ويكون من رفقائهم.
ومن صام من رجب ثلاثة أيام جعل الله عز وجل بينه وبين النار خندقا
أو حجابا طوله مسيرة سبعين عاما، ويقول الله تعالى عند افطاره: لقد وجب
حقك علي ووجب لك محبتي وولايتي أشهدكم يا ملائكتي انى قد غفرت له ما تقدم من
ذنبه وما تأخر.
ومن صام من رجب أربعة أيام عوفي من البلايا كلها من الجنون والجذام والبرص
وفتنة الدجال وأجير من عذاب القبر، وكتب له مثل أجور أولى الألباب التوابين
الأوابين وأعطي كتابه بيمينه في أول العابدين.
ومن صام من رجب خمسة أيام كان حقا على الله عز وجل ان يرضيه يوم القيامة
وبعث يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر، وكتب له عدد رمل عالج حسنات وادخل
الجنة بغير حساب ويقال له تمن على ربك ما شئت.
ومن صام من رجب ستت أيام خرج من قبره ولوجهه نور يتلألأ أشد بياضا من
نور الشمس وأعطى سوى ذلك نور يستضئ به أهل الجمع يوم القيامة، وبعث من
الآمنين حتى يمر على الصراط بغير حساب ويعافى من عقوق الوالدين وقطيعة الرحم ومن
صام من رجب سبعة أيام فان لجهنم سبعة أبواب يغلق الله بصوم كل يوم بابا من أبوابها
وحرم عز وجل جسده على النار.
ومن صام رجب ثمانية أيام فان للجنة ثمانية أبواب يفتح الله عز وجل له بصوم
كل يوم بابا من أبوابها، ويقال له: ادخل من أي أبواب الجنان شئت.
ومن صام من رجب تسعة أيام خرج من قبره وهو ينادى بلا إله إلا الله
397

ولا يصرف وجهه دون الجنة وخرج من قبره ولوجهه نور يتلألأ لأهل الجمع حتى يقولوا
هذا نبي مصطفى وان أدنى ما يعطى ان يدخل الجنة بغير حساب.
ومن صام من رجب عشرة أيام جعل الله عز وجل له جناحين أخضرين منظومين
بالدر والياقوت يطير بهما على الصراط كالبرق الخاطف إلى الجنان ويبدل الله سيئاته
حسنات وكتب من المقربين القوامين لله بالقسط وكأنه عبد الله عز وجل الف عام قائما
صابرا محتسبا.
ومن صام أحد عشر يوما من رجب لم يواف يوم القيامة عبدا أفضل ثوابا منه إلا
من صام مثله أو زاد عليه.
ومن صام من رجب اثنى عشر يوما كسى يوم القيامة حليتين خضراوين من
سندس وإستبرق يحبر بهما لو دليت حلة منهما إلى الدنيا لأضاء ما بين شرقها وغربها
ولصارت الدنيا أطيب من ريح المسك.
ومن صام من رجب ثلاثة عشر يوما وضعت له يوم القيامة مائدة من ياقوت
اخضر في ظل العرش قوائمها من در أوسع من الدنيا سبعين مرة عليها صحاف الدر
والياقوت في كل صحيفة سبعون الف لون من الطعام لا يشبه اللون اللون ولا الريح الريح
فيأكل منها والناس في شدة شديدة وكربة عظيمة.
ومن صام من رجب أربعة عشر يوما أعطاه الله من الثواب ما لا عين رأت
ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من قصور الجنان التي بنيت بالدر والياقوت.
ومن صام من رجب خمسة عشر يوما وقف يوم القيامة موقف الآمنين فلا يمر به
ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا رسول إلا قال: طوبى لك أنت آمن مقرب مشرف
مغبوط محبور ساكن للجنان.
ومن صام من رجب ستة عشر يوما كان في أول من يركب على دواب من نور
يطير بهم في عرصة الجنان إلى دار الرحمن.
ومن صام سبعة عشر يوما من رجب وضع له يوم القيامة على الصراط سبعون
مصباحا من نور حتى يمر على الصراط بنور تلك المصابيح إلى الجنان تشيعه الملائكة
بالترحيب والتسليم.
ومن صام من رجب ثمانية عشر يوما زاحم إبراهيم في قبته في جنة الخلد على سرر
398

الدر والياقوت.
ومن صام من رجب تسعة عشر يوما بنى الله له قصرا من لؤلؤ رطب بحذاء قصر
آدم وإبراهيم عليهما السلام في جنة عدن فيسلم عليهما ويسلمان عليه تكرمة له وايجابا لحقه
وكتب له بكل يوم يصوم منها كصيام الف عام.
ومن صام من رجب عشرين يوما فكأنما عبد الله عز وجل عشرين الف عام.
ومن صام من رجب احدى وعشرين يوما شفع له يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر
وكلهم من أهل الخطايا والذنوب.
ومن صام اثنين وعشرين يوما من رجب نادى مناد من أهل السماء أبشر يا ولى الله
من الله الكرامة والعظمة ومرافقة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ومن صام من رجب ثلاثة وعشرين يوما نودي من السماء طوبى لك يا عبد الله
نصبت قليلا ونعمت طويلا طوبى لك إذا كشف الغطاء، وأفضيت إلى جسيم ثواب
ربك الكريم وجاورت الجليل في دار السلام.
ومن صام من رجب أربعة وعشرين يوما فإذا نزل ملك الموت يرى له في صورة
شاب عليه حلة من ديباج اخضر على فرس من أفراس الجنان وبيده حرير اخضر ممسك
بالمسك الأذفر وبيده قدح من ذهب مملوء من شراب الجنان فيلقاه إياه عند خروج نفسه
يهون به عليه سكرات الموت، ثم يأخذ روحه في تلك الحرير فتفوح منها رائحة
ليستنشقها أهل السماوات السبع فيظل في قبره ريان ويبعث من قبره ريان حتى يرد
حوض النبي صلى الله عليه وآله.
ومن صام من رجب خمسة وعشرين يوما فإنه إذا خرج من قبره تلقاه سبعون الف
ملك بيد كل ملك منهم لواء من در وياقوت ومعهم طرائف الحلي والحلل ويقولون يا ولى
الله النجاة إلى ربك فهو من أول الناس دخولا في جنات عدن مع المقربين الذين رضي الله عنهم
ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم.
ومن صام من رجب ستة وعشرين يوما بنى الله له في ظل العرش مئة قصر من در
وياقوت على رأس كل قصر خيمة حمراء من حرير الجنان يسكنها ناعما والناس
في الحساب.
399

ومن صام من رجب سبعة وعشرين يوما أوسع الله عليه القبر مسيرة أربع مائة عام
وملا جميع ذلك مسكا وعنبرا.
ومن صام من رجب ثمانية وعشرين يوما جعل الله عز وجل بينه وبين النار سبعة
خنادق كل خندق ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام.
ومن صام من رجب تسعة وعشرين يوما غفر الله عز وجل له، ولو كان عشارا
ولو كانت امرأة فجرت سبعين مرة بعد ما أرادت به وجه الله والخلاص من جهنم
لغفر الله لها.
ومن صام من رجب ثلاثين يوما نادى مناد من السماء: يا عبد الله اما ما مضى فقد
غفر لك فاستأنف العمل فيما بقي وأعطاه الله عز وجل في الجنان كلها في كل جنة أربعون
الف مدينة من ذهب في كل مدينة أربعون الف الف قصر في كل قصر أربعون الف الف
بيت في كل بيت أربعون الف الف سرير في كل سرير أربعون الف الف مائدة من ذهب
على كل مادة أربعون الف قصعة من ذهب في كل قصعة أربعون الف الف لون من الطعام
والشراب لكل طعام وشراب من ذلك لون على حدة، وفى كل بيت أربعون الف الف
سرير من ذهب طول كل سرير ألفي ذراع في ألفي ذراع على كل سرير جارية من الحور عليها
ثلاثمائة الف ذوابة من نور تحمل كل ذوابة منها الف الف وصيفة تغلفها بالمسك والعنبر إلى أن
يوافيها صائم رجب هذا لمن صام شهر رجب كله قيل يا نبي الله فمن عجز عن صيام رجب
لضعفه أو لعلة كانت به أو امرأة غير طاهرة يصنع ماذا لينال ما وصفت؟ قال: يتصدق
كل يوم برغيف على المساكين والذي نفسي بيده انه إذا تصدق بهذه الصدقة كل يوم نال
ما وصفت وكثر انه لو اجتمع جميع الخلائق كلهم من أهل السماوات والأرض على أن
يقدروا قدر ثوابه ما بلغوا عشر ما يصيب في الجنان من الفضائل والدرجات قيل
يا رسول الله فمن لم يقدر على هذه الصدقة يصنع ماذا لينال ما وصفت؟ قال: يسبح
الله عز وجل في كل يوم من رجب إلى تمام ثلاثين يوما بهذا التسبيح مائة مرة سبحان
الاله الجليل سبحان من لا ينبغي التسبيح الا له سبحان الأعز الأكرم سبحان من لبس العز
وهو له أهل.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": من صام يوما من رجب في أوله أو وسطه أو في آخره
غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
400

ومن صام ثلاثة أيام من رجب في أوله وثلاثة أيام في وسطه وثلاثة أيام في آخره
غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
ومن أحيى ليلة من ليالي رجب أعتقه الله من النار وقبل شفاعته في سبعين الف
رجل من المذنبين.
ومن تصدق بصدقة في رجب ابتغاء وجه الله أكرمه الله يوم القيامة في الجنة من
الثواب بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، قال مالك بن انس الفقيه
ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد عليهما السلام زهدا وفضلا وعبادة وورعا وكنت
اقصده فيكرمني ويقبل علي فقلت له يوما: يا بن رسول الله ما ثواب من صام يوما من
رجب إيمانا واحتسابا؟ فقال: حدثني أبي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
من صام يوما من رجب ايمانا واحتسابا غفر له فقلت: يا بن رسول الله فما ثواب من
صام يوما من شعبان؟ قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من
صام يوما من شعبان إيمانا واحتسابا غفر له.
قال الصادق " عليه السلام ": ان في الجنة نهرا يقال له رجب أشد بياضا من الثلج وأحلى من
العسل فمن صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر.
وقال الصادق " عليه السلام ": إذا كان يوم القيامة نادى مناد في بطنان العرش أين الرجبيون
فيقوم أناس يضئ وجوههم لأهل الجمع على رؤسهم تيجان الملك مكللة بالدر والياقوت
مع كل واحد منهم الف ملك عن يمينه والف ملك عن يساره يقولون له هنيئا لك كرامة
الله يا عبد الله فيأتي النداء من عند الله جل جلاله عبادي وإمائي وعزتي وجلالي لأكرمن
مثواكم ولأجزلن عطاياكم، ولأبوئنكم من الجنة غرفا تجرى من تحتها الأنهار خالدين
فيها ونعم أجر العاملين انكم تطوعتم بالصوم لي شهرا عظمت حرمته وأوجبت حقه
ملائكتي ادخلوا عبادي وإمائي الجنة.
ثم قال جعفر بن محمد عليهما السلام: هذا لمن صام شيئا من رجب ولو يوما واحدا
في أوله أو في وسطه أو في آخره.
401

مجلس في ذكر فضل شعبان
اعلم أن لهذا الشهر ثلاثة أسماء: شعبان، وسمى بذلك لأنه تتشعب فيه الخيرات
لشهر رمضان.
وقيل: لأنه يتشعب فيه ارزاق المؤمنين وشهر الغفران لأنه يغفر فيه الذنوب
وشهر الجيران - يعنى جيران شهر رمضان.
قال الصادق " عليه السلام ": صيام شعبان ذخر العبد يوم القيامة، وما من عبد يكثر الصيام
في شعبان إلا أصلح الله له امر معيشته، وكفاه شر عدوه وان أدنى ما يكون لمن يصوم
يوما من شعبان ان تجب له الجنة.
قال الرضا " عليه السلام ": من استغفر الله تبارك وتعالى في شعبان سبعين مرة غفر له ذنوبه
ولو كانت مثل عدد النجوم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): شعبان شهري وشهر رمضان شهر الله عز وجل فمن صام
يوما من شهري كنت شفيعه يوم القيامة.
ومن صام يومين من شهري غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر من ذنبه.
ومن صام ثلاثة أيام من شهري قيل له: استأنف العمل.
ومن صام شهر رمضان فحفظ فرجه ولسانه وكف اذاه عن الناس غفر الله له ذنوبه
ما تقدم منها وما تأخر وأعتقه من النار، وأحله دار القرار وقبل شفاعته في عدد رمل
عالج من مذنبي أهل التوحيد.
قال الرضا " عليه السلام ": ليلة النصف من شعبان هي ليلة يعتق الله عز وجل فيها الرقاب من
النار ويغفر فيها الذنوب الكبار فقيل له: فهل فيها صلاة زيادة على سائر الليالي؟ قال
ليس فيها شئ موظف، ولكن ان أجبت ان تتطوع فيها بشئ فعليك بصلاة جعفر بن أبي
طالب رضي الله عنه وأكثر فيها من ذكر الله ومن الاستغفار والدعاء فان أبى " عليه السلام "
كان يقول: الدعاء فيها مستجاب.
قيل له: ان الناس يقولون انها ليلة الصكاك، فقال عليه السلام تلك ليلة القدر في
402

شهر رمضان قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) شعبان شهري وشهر رمضان شهر الله عز وجل فمن
صام من شهري يوما كنت شفيعه يوم القيامة ومن صام شهر رمضان أعتق من النار.
قال الرضا " عليه السلام ": من قال في كل يوم من شعبان سبعين مرة استغفر الله واسأله التوبة
كتب الله له براءة من النار وجوازا على الصراط وأحله دار القرار.
قال الصادق " عليه السلام ": من تصدق بصدقة في شعبان رباها الله عز وجل له كما يربى أحدكم
فصيله حتى يوافي يوم القيامة وقد صارت له مثل أحد.
وقال: من صام ثلاثة أيام من شعبان ووصلها بشهر رمضان كتب الله له صوم
شهرين متتابعين.
وقال: صوم شعبان وصوم رمضان توبة من الله ولو من دم حرام.
قال ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد تذاكر أصحابه عند فضائل شعبان فقال
شهر شريف وهو شهري وحملة العرش تعظمه وتعرف حقه وهو شهر يزاد فيه ارزاق
المؤمنين لشهر رمضان وتزين فيه الجنان وإنما سمى شعبان لأنه يتشعب فيه ارزاق المؤمنين
وهو شهر العمل فيه تضاعف الحسنة بسبعين والسيئة محطوطة والذنب مغفور والحسنة
مقبولة والجبار جل جلاله يباهى فيه بعباده وينظر إلى صوامه وقوامه فيباهي بهم حملة
العرش فقام علي بن أبي طالب " عليه السلام " فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله صف لنا شيئا من
فضائله لنزداد رغبة في صيامه وقيامه ولنجتهد للجليل عز وجل فيه فقال النبي (صلى الله عليه وآله) من
صام أول يوم من شعبان كتب الله سبعين حسنة الحسنة تعادل عبادة سنة.
ومن صام يومين من شعبان حطت عنه السيئة الموبقة.
ومن صام ثلاثة أيام من شعبان رفع له سبعون درجة في الجنان من در وياقوت.
ومن صام أربعة أيام من شعبان وسع عليه في الرزق.
ومن صام خمسة أيام من شعبان حبب إلى العباد.
ومن صام ستة أيام من شعبان صرف عنه سبعون لونا من البلاء.
ومن صام سبعة أيام من شعبان عصم من إبليس وجنوده في دهره وعمره.
ومن صام ثمانية أيام من شعبان لم يخرج من الدنيا حتى يسقى من حياض القدس.
ومن صام تسعة أيام من شعبان عطف عليه منكر ونكير عندما يسألانه.
ومن صام عشرة أيام من شعبان وسع الله عليه قبره سبعين ذراعا.
403

ومن صام أحد عشر يوما من شعبان ضرب على قبره أحد عشر منارة من نور.
ومن صام اثنى عشر يوما من شعبان زاره كل يوم في قبره تسعون الف ملك إلى
النفخ في الصور.
ومن صام ثلاثة عشر يوما من شعبان استغفرت له ملائكة سبع سماوات.
ومن صام أربعة عشر يوما من شعبان ألهمت الدواب والسباع حتى الحيتان في
البحور أن يستغفروا له.
ومن صام خمسة عشر يوما من شعبان ناداه رب العزة وعزتي لا أحرقك بالنار.
ومن صام ستة عشر يوما من شعبان أطفئ عنه سبعين بحرا من النيران.
ومن صام سبعة عشر يوما من شعبان أغلقت عنه أبواب النيران كلها.
ومن صام ثمانية عشر يوما من شعبان فتحت له أبواب الجنان كلها.
ومن صام تسعة عشر يوما من شعبان أعطى له سبعون الف قصر من الجنان من
در وياقوت.
ومن صام عشرين يوما من شعبان زوج سبعون الف زوجة من الحور العين.
ومن صام احدى وعشرين يوما من شعبان رحبت به الملائكة ومسحته بأجنحتها.
ومن صام اثنين وعشرين يوما من شعبان كسى له سبعون الف حلة من
سندس وإستبرق.
ومن صام ثلاثة وعشرين يوما من شعبان أتى بدابة من نور عند خروجه من قبره
فيركبها طائرا إلى الجنة.
ومن صام أربعة وعشرين يوما من شعبان شفع في سبعين الف من أهل التوحيد.
ومن صام خمسة وعشرين يوما من شعبان أعطى براءة من النفاق.
ومن صام ستة وعشرين يوما من شعبان كتب الله له جوازا على الصراط.
ومن صام سبعة وعشرين يوما من شعبان كتب الله له براءة من النار.
ومن صام ثمانية وعشرين يوما من شعبان تهلل وجهه يوم القيامة.
ومن صام تسعة وعشرين يوما من شعبان نال رضوان الله الأكبر.
ومن صام ثلاثين يوما من شعبان ناداه جبرئيل " عليه السلام " من قدام العرش يا هذا
استأنف العمل عملا جديدا فقد غفر لك ما مضى وتقدم من ذنوبك والجليل عز وجل
404

يقول لو كان ذنوبك عدد نجوم السماء وقطر الأمطار وورق الأشجار وعدد الرمل والثرى
وأيام الدنيا لغفرتها لك وما ذلك على الله بعزيز بعد صيامك شعبان.
مجلس في ذكر فضائل مكة حماها الله تعالى
قال الله تعالى: (والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين).
اعلم أن الله تعالى سمى البيت بعشرة أسماء: سماها الكعبة، وسماها البيت الحرام
وسماها قياما للناس وسماها العتيق، فقال: ثم محلها إلى البيت العتيق، وسماها مصلى
فقال تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، وسماها مثابة وامنا فقال: وإذ جعلنا
البيت مثابة للناس وأمنا، وسماها مباركا وهدى ومأمنا، فقال: ان أول بيت وضع
للناس الذي ببكة مباركا وهدى للعالمين، وسماها شعائر فقال: ومن شعائر الله فإنها من
تقوى القلوب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله تبارك وتعالى اختار من كل شئ أربعة من
الملائكة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت.
واختار من الأنبياء أربعة للسيف: إبراهيم، وداود وموسى وانا.
واختار من البيوتات أربعة: فقال تعالى: (ان الله اصطفى آدم ونوحا
وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين).
واختار من البلدان أربعة فقال عز وجل: والتين والزيتون وطور سنين وهذا
البلد الأمين، التين المدينة والزيتون بيت المقدس، وطور سينين الكوفة وهذا البلد
الأمين مكة.
واختار من النساء أربعة: مريم وآسية، وخديجة وفاطمة.
واختار من الحج أربعة: الثج والعج والاحرام والطواف فأما الثج فالنحر والعج
ضجيج الناس بالتلبية، واختار من الأشهر أربعة رجب وشوال وذو القعدة وذو الحجة.
واختار من الأيام أربعة: يوم الجمعة ويوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر.
وقيل أيضا: اختار من الأمم أربعة أمة إبراهيم وأمة موسى وأمة عيسى وأمة
محمد (صلى الله عليه وآله) واختار من أمة محمد أربعة أصناف: العلماء والزهاد والابدال والغزاة.
405

واختار من الصحابة أربعة: سلمان وأبا ذر والمقداد وعمار.
واختار من الليالي أربعة: ليلة النصف من شعبان وليلة القدر وليلتي العيدين.
واختار من الكلمات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
واختار من الأنهار أربعة: الفرات والنيل، وسيحان وجيحان.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربعة أنهار من الجنة فالفرات الماء في الدنيا والآخرة
والنيل العسل وسيحان الخمر وجيحان اللبن.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": أسماء مكة أم القرى ومكة وبكة والبساسة كانوا إذا ظلموا
بستهم أي أخرجتهم وهلكوا، وأم رحم كانوا إذا لزموها رحموا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الكلمات التي اختارهن الله لإبراهيم حيث بنى البيت هي
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وسمى الكعبة لأنها وسط الدنيا ومكة
أشرف البلدان وأفضل البقاع وأول ارض ظهرت على وجه الماء.
قال الله تعالى: ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا، فلما خلق الله تعالى
طينة مكة على وجه الماء دحى بعدها منها الأرضين وذلك قوله عز وجل: والأرض بعد
ذلك دحاها.
ومن أجل فضائلها انها حرم الله تعالى، ومولد خير الأولين والآخرين محمد
نبينا (صلى الله عليه وآله) ومنشأه ومبعثه وأحب البلاد إليه قال: مقاتل بن سليمان ان النبي (صلى الله عليه وآله) هاجر
إلى المدينة فلما نزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة فاشتاق إلى مكة
وذكر مولده ومولد آبائه فأتاه جبرئيل " عليه السلام " فقال: أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟ فقال: نعم
فقال جبرئيل " عليه السلام ": فان الله عز وجل يقول: ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى
معاد يعنى لرادك إلى مكة ظاهرا عليها، قال رجل من بنى زهرة: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وهو على راحلته بالخرازة، وهو يقول لمكة: والله انك لخير ارض الله وأحب ارض
الله إلى ولولا انى أخرجت منك ما خرجت.
(وروى) ان الطيور كلها لا تطير فوق الكعبة تعظيما لها.
406

مجلس في ذكر فضل المدينة وبيت المقدس
والكوفة
قال الله تعالى في سورة بني إسرائيل: (وان كادوا يستفزونك من الأرض
ليخرجوك) إلى قوله (وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا).
قال ابن عباس: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قدم المدينة حسدته اليهود مقامه بالمدينة
ونظام أمره بها فقالوا بأجمعهم: لقد كرهنا قرب هذا الرجل فلا نأمن منه ان يفسد
علينا ديننا فاجتمعوا عنده يوما فقالوا يا محمد أنت نبي؟ قال: نعم قالوا من عند الله؟
قال نعم فقالوا: والله لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء وان ارض الأنبياء الشام كان بها
إبراهيم والأنبياء بعده فان كنت نبيا مثلهم فأت الشام فان الله سيمنعك بها من الروم
ان كنت نبيا وهي المقدسة وارض المحشر، وان الأنبياء لم يكونوا بهذا البلد قال
فعسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رأس ثلاثة أميال من المدينة حتى يرتاد ويجتمع إليه أصحابه
فنزل جبرئيل " عليه السلام " فقال: يا محمد ان الله يقول: وان كادوا - يعنى اليهود - ليستفزونك
أي ليستخفونك من الأرض - يعنى ارض المدينة فيخرجوك منها إلى الشام وإذا يلبثون
خلافك إلا قليلا - يعنى بعدك إلا يسيرا حتى يهلكوا سنة من قد أرسلنا قبلك يقول
هكذا سنتي فيمن مضى أن أهلك من عصى الرسول ولا أهلكهم ونبيهم بينهم ومعهم بين
أظهرهم حتى يخرج من عندهم فإذا خرج عذبوا فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة ولقن
حتى قال: رب أدخلني - يعنى المدينة - مدخل صدق وأخرجني - يعنى إلى مكة - مخرج
صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا فاستجاب الله دعاه وفتح على يديه بني إسرائيل
مكة ونصره عليهم وذلك قوله تعالى: (وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان
زهوقا) قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": مكة حرم الله والمدينة حرم رسول الله والكوفة حرمي
لا يريدها جبار يجور فيها إلا قصمه الله.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": ان الدجال لم يبق منهل إلا وطئه إلا مكة والمدينة فان على
كل نقب من أنقابها ملكا يحفظها من الطاعون والدجال.
407

وقال عليه السلام: حد الروضة في مسجد الرسول إلى طريق الظلال.
قال عليه السلام: من مات في المدينة بعثه الله في الآمنين يوم القيامة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصلاة في مسجدي تعادل الف صلاة في غيره إلا المسجد
الحرام فإنه أفضل منه.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": لا تدع اتيان المشاهد كلها مسجد قبا فإنه المسجد الذي أسس
على التقوى من أول يوم ومشربة أم إبراهيم، ومسجد الفضيح وقبور الشهداء، ومسجد
الأحزاب وهو مسجد الفتح.
قال وبلغنا ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا أتى قبور الشهداء قال: السلام عليكم بما صبرتم
فنعم عقبى الدار، وليكن فيما يقول عند مسجد الفتح، يا صريخ المستصرخين ويا مجيب
دعوة المضطرين اكشف غمي وهمي وكربي كما كشفت عن نبيك همه وغمه وكربه وكفيته
هول عدوه في هذا المكان.
وقال عليه السلام: إنما سمى مسجد الفضيح بذلك النخل بسمي الفضيح فلذلك سمى
مسجد الفضيح.
بيت المقدس
قال الله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى الذي باركنا حوله - يعنى ببيت المقدس الذي باركنا حوله بالماء والثمار - لنريه
من آياتنا، عجبا بينا انه هو السميع البصير).
اعلم أن لبيت المقدس أسماء مذكورة في القرآن، وهي المسجد الأقصى والربوة
ذات قرار ومعين.
قال الله تعالى: (وجعلنا ابن مريم وأمه آية، وآويناهما إلى ربوة ذات
قرار ومعين).
وأكثر المفسرين على أنها بيت المقدس وهو المشهور.
قال الصادق " عليه السلام ": الربوة نجف الكوفة، والمعين الفرات.
408

والمكان القريب فقال تعالى: واستمع يوم ينادى المناد من مكان قريب - يعنى
صخرة بيت المقدس سماها مكانا قريبا لأنها أقرب من سائر الأرضين إلى السماء
بثمانية عشر ميلا فيقوم ملك عليها وينادى يا أيتها العظام البالية، والأوصال المقطعة
ان الله يأمركم ان تجمعن لفصل القضاء والأرض المقدسة.
فقال تعالى: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) - يعنى بيت
المقدس - والقرى التي حولها.
قال عبد الله بن سلام: يا محمد أخبرني أين وسط الدنيا؟ قال بيت المقدس قال ولم ذلك؟
قال لان فيها المحشر والمنشر ومنه ارتفع العرش وفيه الصراط والميزان قال صدقت يا محمد
قال: فأخبرني عن فسطاط موسى بن عمران؟ قال موضع بيت المقدس، قال من ابتدأ ببناء
بيت المقدس؟ فقال داود وابنه من بعده سليمان قال وأخبرني عن آدم من أي الأرض
خلق؟ قال: خلق رأسه ووجهه من موضع الكعبة، وخلق بدنه من بيت المقدس.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربع محفوظات مكة والمدينة وبيت المقدس ونجران
ومدينة الجنة.
وقال أيضا عليه السلام: أربع مدائن من الجنة مكة والمدينة، وبيت المقدس
ومدينة بين سيحان وجيحان يقال لها منصورة وهي مصيصة محفوظة بالملائكة.
وأربعة قصور: الإسكندرية التي بناها ذو القرنين، وعسقلان وملطية ومسجد
الكوفة وهو قبة الاسلام.
والأنهار من الجنة في الدنيا: سيحان وجيحان والنيل والفرات.
قال عبد الله بن سلام لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أخبرني عن موضع الباب الذي فتح من
السماء فنزلت منه الملائكة بالرحمة على بني إسرائيل أي موضع هو؟ قال مقابل الصخرة
التي ببيت المقدس ومعراج الأنبياء فان بيت المقدس بقعة جمع الله فيها خيار خلقه من
الأنبياء والأولياء والملائكة والمقربين.
409

الكوفة
قال الباقر " عليه السلام ": الكوفة هي الزكية الطاهرة فيها قبور النبيين المرسلين وغير المرسلين
والأوصياء الصادقين وفيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبيا إلا وقد صلى فيها وفيها
يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوام من بعده وهي منازل النبيين والأوصياء
والصالحين.
قال الصادق " عليه السلام ": مكة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب " عليه السلام "
الصلاة فيها بمائة الف صلاة والدرهم فيها بمائة ألف درهم، والمدينة حرم الله تعالى وحرم
رسوله وحرم أمير المؤمنين عليهما السلام الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة والدرهم فيها
بعشرة آلاف درهم، والكوفة حرم الله تعالى وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين " عليه السلام "
الصلاة فيها بألف صلاة.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": النافلة في هذا المسجد تعدل عمرة مع النبي (صلى الله عليه وآله) والفريضة
تعدل حجة مع النبي (صلى الله عليه وآله) وقد صلى فيه الف نبي والف وصى.
وقال الصادق " عليه السلام ": ما من عبد صالح ولا نبي إلا وقد صلى في مسجد كوفان حتى أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أسرى به قال له جبرئيل: أتدري أين أنت يا رسول الله الساعة؟
أنت مقابل مسجد كوفان قال: فاستأذن لي ربى حتى آتيه فاصلي ركعتين فاستأذن
الله عز وجل فأذن له وان ميمنته لروضة من رياض الجنة.
وفى خبر آخر وان وسطه لروضة من رياض الجنة، وان مؤخره لروضة من رياض
الجنة وان الصلاة المكتوبة فيه لتعدل بألف صلاة، وان النافلة لتعدل بخمسمائة صلاة
وان الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة ولو علم الناس ما فيه لاتوه ولو حبوا.
قال الباقر " عليه السلام ": مسجد كوفان روضة من رياض الجنة صلى فيه الف نبي وسبعون
نبيا وميمنته رحمة وميسرته مكرمة، وفيها عصى موسى وشجرة يقطين وخاتم سليمان ومنه
فار التنور وبحرت السفينة وهي صرة بابل ومجمع الأنبياء عليهم السلام.
قال عبد الله بن طلحة الهندي: دخلت على أبي عبد الله " عليه السلام " فذكر حديثا فحدثناه
410

قال: فمضينا معه يعنى أبا عبد الله حتى انتهينا إلى الغري قال فأتى موضعا فصلى ثم قال
لإسماعيل: قم فصل عند رأس أبيك الحسين قلت أليس قد ذهب برأسه إلى الشام؟ قال
بلى ولكن فلان مولانا سرقه فجاء به ودفنه هاهنا.
قال الصادق " عليه السلام ": أحب لكل مؤمن ان يختم بخمسة خواتيم: بالياقوت وهو
أفخرها وبالعقيق وهو أخلصها لله ولنا، وبالفيروزج وهو نزهة الناظر من المؤمنين
والمؤمنات وهو يقوى البصر ويوسع الصدر ويزيد في قوة القلب، وبالحديد الصيني
وما أحب التختم به ولا اكره لبسه عند لقاء أهل الشر ليطفئ شرهم وأحب اتخاذه فإنه
يشرد المردة من الجن.
وما يظهر الله بالدرات البيض بالغريين قلت: يا مولاي وما فيه من الفضل؟ قال
من تختم به فنظر إليه كتب الله له بكل نظرة زورة اجرها اجر النبيين والصالحين ولولا
رحمة الله لشيعتنا لبلغ الفص منه ما لا يوجد بالثمن، ولكن الله رخصه عليهم ليختم به
غنيهم وفقيرهم.
فصل في ذكر فضل كربلاء وفضل التربة
قال الصادق " عليه السلام ": موضع قبر الحسين " عليه السلام " من يوم دفن روضة من رياض الجنة
ومنه معراج يعرج باعمال زواره إلى السماء فليس ملك في السماء ولا في الأرض إلا وهم
يسألون الله في زيارة قبر الحسين " عليه السلام " ففوج ينزل وفوج يعرج.
قال عليه السلام: قبر الحسين عشرون ذراعا مكسرا روضة من رياض الجنة.
قال الباقر " عليه السلام ": خلق الله كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين الف عام
وقدسها وبارك عليها فما زالت قبل أن يخلق الله الخلق مقدسة في منازله ولا تزال كذلك
وجعلها الله أفضل الأرض في الجنة.
وقال عليه السلام: ان الصلاة المفروضة عنده تعدل حجة والصلاة النافلة
تعدل عمرة.
قال الصادق " عليه السلام ": في طين قبر الحسين " عليه السلام ": شفاء من كل داء وهو الدواء الأكبر.
411

وقال عليه السلام: حنكوا أولادكم بتربة الحسين " عليه السلام " فإنها أمان من كل داء.
وقال عليه السلام: يؤخذ طين قبر الحسين " عليه السلام " من عند القبر على سبعين ذراعا.
قال أبو الحسن موسى " عليه السلام ": لا تستغنى شيعتنا عن أربع: خمرة يصلى عليها وخاتم
يتختم به وسواك يستاك به وسبحة من طين قبر أبى عبد الله الحسين " عليه السلام " فيها ثلاث
وثلاثون حبة متى قلبها ذاكرا لله كتب الله له بكل حبة أربعون حسنة، وإذا قلبها ساهيا
يعبث بها كتب الله له عشرين حسنة.
مجلس في ذكر صفة خلق الانسان
قال الله تعالى في سورة المؤمنين: (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم
جعلناه نطفة في قرار مكين إلى قوله: ثم انكم بعد ذلك لميتون ثم انكم يوم
القيامة تبعثون).
وقال تعالى في سورة حم: (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة إلى قوله ومنكم
من يرد إلى أرذل العمر).
وقال تعالى في سورة نوح: (وقد خلقكم أطوارا).
وقال تعالى في سورة الانسان: (إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه
سميعا بصيرا).
(وروى) ان النطفة تبقى في الرحم أربعين يوما، ثم تصير علقة أربعين يوما
ثم تصير مضغة أربعين يوما، ثم تصير عظما أربعين يوما ثم تكسى لحما ويتصور ويلجها
الروح في عشرين يوما فذلك ستة أشهر.
قال الصادق " عليه السلام ": جرى بين رجل وبين سلمان خصومة فقال له الرجل: من أنت
يا سلمان؟ قال أولي وأولك فنطفة قذرة، واما أخرى وآخرك فجيفة منتنة فإذا كان يوم
القيامة ووضعت الموازين فمن ثقل ميزانه فهو الكريم، ومن خف ميزانه فهو اللئيم.
قال: قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": مسكين ابن آدم مكتوم الاجل مكنون الحلل محفوظ
العمل تؤلمه البقة وتقتله الشرقة وتنتنه العرقة ما لابن آدم والفخر أوله نطفة وآخره جيفة
412

لا يرزق نفسه ولا يدفع حتفه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من معمر يعمر في الاسلام أربعين سنة إلا عوفي من
أنواع البلاء فان عمر خمسين سنة لين عليه الحساب فان عمر ستين سنة رزقه الإنابة إلى
ما يحب ويرضى وان عمر سبعين سنة أحبه الله وأحبه أهل السماء فان عمر ثمانين سنة يقبل
الله حسناته ومحى عنه سيئاته فان عمر تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
وسمى أسير الله في الأرض وشفع لأهل بيته.
قال الشاعر:
وكل معمر لابد يوما * وذا دنيا يصير إلى زوال
ويبلى بعد جدته ويفنى * سوى الباقي المقدس ذي الجلال
مجلس في ذكر معرفة القلب
قال الله تعالى في سورة النساء: في صفة المنافقين (يراؤن الناس ولا يذكرون الله
إلا قليلا) لان ما لم يكن لوجه الله لا يكون إلا قليلا.
وقال تعالى في سورة الكهف: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا
ولا يشرك بعبادة ربه أحدا).
قال ابن عباس: يعنى فمن كان يرجو ثواب الله فليعمل عملا صالحا ولا يرائى
بعبادة ربه أحدا.
وقال تعالى في سورة تنزيل لنبيه: (فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله
الدين الخالص).
قال تعالى في سورة حم المؤمن: (فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره
الكافرون).
وقال أيضا: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا
الصلاة ويؤتوا الزكاة).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في الانسان مضغة إذا هي سلمت وصحت سلم بها سائر الجسد
413

فإذا سقمت سقم لها سائر الجسد وفسد وهي القلب.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي ثلاث يقسين القلب: استماع اللهو وطلب الصيد
واتيان باب السلطان.
وقال صلى الله عليه وآله: أربعة يفسدن القلب وينبتن النفاق في القلب كما ينبت
الماء الشجر استماع اللهو والبذاء واتيان باب السلطان وطلب الصيد.
وقال صلى الله عليه وآله: أربع يمتن القلب: الذنب على الذنب وكثرة مشاورة
النساء يعنى محادثتهن ومماراة الأحمق تقول ويقول ولا يرجع إلى خير أبدا ومجالسة
الموتى فقيل له يا رسول الله وما مجالسة الموتى؟ قال: كل غنى مترف.
وقال عليه السلام: من علامات الشقاء جمود العين وقسوة القلب وشدة الحرص في
طلب الرزق والاصرار على الذنب.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": ان هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف
الحكمة وان للقلوب اقبالا وادبارا فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل وإذا أدبرت فليقتصروا
بها على الفرائض
قال الباقر " عليه السلام ": ما من شئ أفسد للقلب من الخطيئة ان القلب ليواقع الخطيئة
فما يزال به حتى تغلب عليه فيصير أسفله أعلاه وأعلاه أسفله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان المؤمن إذا ذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فان تاب
ونزع واستغفر صقل قلبه منه، وان زاد زادت فذلك الرين الذي ذكره الله في كتابه
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون.
وقال عليه السلام: ان لكل حق حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحب
ان يحمد على شئ من عمل الله.
وقال عليه السلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد يسمع أهل الجمع أين الذين كانوا
يعبدون الناس؟ قوموا خذوا أجوركم ممن عملتم له فانى لا اقبل عملا خالطه شئ من
الدنيا وأهلها.
اعلم أن القلب أشرف الأعضاء لأنه منبع العقل ومعدن العلم وأنبل جارحة يكون
خزانة للمعرفة ومنظرا للحق سبحانه فهو كالأمير للبدن والرئيس الذي لصلاحه أثر شامل
ولفساده ضرر كامل فإذا صلح صلح الجسد وإذا فسد فسد كله كما روينا في الخبر، ثم هو
414

مع شرفه وفضله محفوف بالآفات والعيوب وكلما كان أعز ومنافعه أوفر كانت آفاته
وأعدائه أكثر وقيل القلوب خمسة: قلب مشروح وهو قلب المؤمن، وقلب مطروح
وهو قلب الكافر وقلب مذبوح وهو قلب المنافق، وقلب مجروح وهو قلب العاصي
وقلب مصفوح وهو قلب التائب.
وقال بعض الحكماء: قلب نقى في ثياب دنسة أحب إلي من قلب دنس في ثياب نقية.
وقيل ارق الناس قلوبا أقلهم ذنوبا.
وقال رجل: لو قيل لي أي شئ أعجب؟ لقلت قلب امرئ عرف ربه ثم عصاه.
وقيل: إذا كانت الآخرة في القلب فان الدنيا ترحمها وإذا كانت الدنيا في القلب لم
ترحمها الآخرة لان الآخرة كريمة والدنيا لئيمة.
وقيل: إن البدن إذا سقم لم ينجع فيه طعام ولا شراب، ولا نوم ولا راحة
وكذلك القلب إذا علقه حب الدنيا لم تنجع المواعظ.
وقيل: المكفوف المخلص من كتم حسناته كما يكتم سيئاته.
وقيل: إذا اقبل العبد إلى الله تعالى اقبل الله عزو جل بقلوب العباد إليه.
وقيل: يا بن آدم اما تستحي تتكلم بكلام القانتين وتسطو سطوة الجبارين وتعمل
عمل المنافقين وتتزين بلباس العابدين، وتخبت اخبات المريدين وتلحظ لحظ المغيرين
ما هذه خصال المخلصين فانظر في أي الخلق تكون يوم الدين؟ قال: وقال مرة أخرى لنفسه
يا نفس تقولين قول الزاهدين وتعملين عمل المنافقين، وفى الجنة تطمعين هيهات ان
للجنة أقواما آخرين ولهم اعمال غير ما تعملين.
(وروى) ان الصادق عليه السلام: كثيرا ما يقول:
علم المحجة واضح لمريده * وارى القلوب عن المحجة في عمى
ولقد عجبت لهالك ونجاته * موجودة ولقد عجبت لمن نجى
قال الشاعر:
وما لي لا أنوح على خطئي * وقد بارزت جبار السماء
قرأت كتابه وعصيت فيه * لعظم مصيبتي ولشؤم رأى
وكيف تخلصي ان قال ربى * إلى النيران سوقوا إذا المرائي
فهذا كان يعصيني جهارا * ويزعم أنه من أولياء
415

ويصنع للعباد ولم يردني * وكان يريد بالمعنى سوائي
مجلس في ذكر محبة الله والحب في الله
والبغض في الله
قال الله تعالى في سورة البقرة: (والذين آمنوا أشد حبا لله).
وقال تعالى في سورة آل عمران: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون
المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقية).
وفى سورة المائدة: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء
بعضهم أولياء بعض، ومن يتوله منكم فإنه منهم ان الله لا يهدى القوم الظالمين).
وفى سورة التوبة: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبائكم واخوانكم أولياء).
وفى سورة المجادلة: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد
الله ورسوله ولو كانوا آباؤهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم).
وفى سورة الممتحنة: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء) الآية.
وقال تعالى في سورة المائدة: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف
يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه - إلى قوله: فان حزب الله هم الغالبون).
وقال تعالى في سورة حم الزخرف: (الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو
إلا المتقين).
وقال الصادق " عليه السلام ": هل الدين إلا الحب؟ ان الله عز وجل يقول: ان كنتم تحبون
الله فاتبعوني يحببكم الله.
وقال الصادق " عليه السلام ": ان الناس يعبدون الله على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة
في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع وآخرون يعبدونه فرقا من النار فتلك عبادة
العبيد وهي الرهبة ولكني أعبده حبا له عز وجل فتلك عبادة الكرام وهو الامن
لقوله تعالى: وهم من فزع يومئذ آمنون ولقوله عز وجل: (ان كنتم تحبون الله
فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم فمن أحب الله أحبه الله عز وجل كان
416

من الآمنين).
وقال عليه السلام: ان امرأة كانت من الجن يقال لها: عفرا تأتي النبي (صلى الله عليه وآله) فتسمع
من كلامه فتأتي صالحي الجن فيسلمون على يديها وانها فقدها النبي (صلى الله عليه وآله) فسأل عنها
جبرئيل " عليه السلام " فقال زارت أختا لها تحبها في الله تعالى، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): طوبى للمتحابين
في الله ان الله تبارك وتعالى خلق في الجنة عمودا من ياقوتة حمراء عليه سبعون الف قصر
في كل قصر سبعون الف غرفة خلقها الله عز وجل للمتحابين والمتزاورين.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبد الله أحبب في الله وابغض في
الله ووال في الله وعاد في الله فإنه لا ينال ولاية الله إلا بذلك، ولا يجد رجل طعم
الايمان وان كثر صلاته وصيامه حتى يكون كذلك وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا
أكثرها في الدنيا عليها يتوادون وعليها يتباغضون وذلك لا يغنى عنهم من الله شيئا فقال
له: وكيف لي ان أعلم انى قد واليت وعاديت في الله عز وجل فمن ولى الله حتى أواليه ومن
عدوه حتى أعاديه؟ فأشار له رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي " عليه السلام " فقال أترى هذا؟ قال بلى
فقال ولي هذا ولى الله فواله، وعدو هذا عدو الله فعاده ووال ولي هذا ولو أنه قاتل
أبيك وولدك وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك.
قال الصادق " عليه السلام ": من جالس لنا غائبا أو مدح لنا قاليا أو واصل لنا قاطعا أو قطع
لنا واصلا أو والى لنا عدوا أو عادى لنا وليا فقد كفر بالذي انزل السبع المثاني
والقرآن العظيم قال علي " عليه السلام ": ان للمرء المسلم ثلاثة اخلاء فخليل يقول: انا معك حيا
وميتا وهو عمله وخليل يقول: انا معك حتى تموت وهو ماله فإذا مات صار للورثة
وخليل يقول لك انا معك إلى باب قبرك ثم أخليك وهو ولده. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحبنا كان معنا يوم القيامة، ولو أن رجلا أحب
حجرا لحشره الله معه.
قال الصادق " عليه السلام ": ان من أوثق عرى الايمان ان تحب في الله وتبغض في الله وتعطى
في الله وتمنع في الله، وقال عليه السلام: من أحب كافرا فقد أبغض الله ومن
أبغض كافرا فقد أحب صديق عدو الله عدو الله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاث من كن فيه وجد طعم الايمان: من كان الله ورسوله
أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرئ لا يحبه إلا لله، ومن كان يلقى في النار
417

أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه.
وقال صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا
ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم
وقال: إذا الناس أظهروا العلم وضيعوا العمل، وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب
وتقاطعوا في الأرحام لعنهم الله عند ذلك وأصمهم وأعمى ابصارهم.
قال الشاعر وتمثل الصادق عليه السلام:
تعصى الاله وأنت تظهر حبه * هذا لعمرك في الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته * ان المحب لمن يحب مطيع
آخر:
ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي * وأبحت جسمي من أراد جلوسي
والجسم منى للجليس مؤانس * وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
وقال آخر:
ونفس محب الله نفس ذليلة * وأي محب لا يكون ذليلا
إذا اتصلت نفس المحب بربه * فان محالا ان يريد بديلا
وأنشد:
يقولون لي بالله هل أنت عاشق * فقلت وهل يوما خلوت من العشق
شربت بكأس الحب في المهد شربة * حلاوتها حتى القيامة في حلقي
وقال آخر:
اتق الأحمق ان تصحبه * إنما الأحمق كالثوب الخلق
كلما رقعت منه جانبا * حركته الريح وهنا فانخرق
أو كصدع في زجاج فاحش * هل ترى صدع زجاج يلتصق
كحمار السوء ان أشبعته * رمح الناس وان جاع نهق
أو غلام السوء ان جوعته * سرق الجار وان يشبع فسق
418

مجلس في الحث على مخالفة النفس والهوى
قال الله تعالى في سورة آل عمران: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين
والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة).
وقال تعالى في سورة يوسف: (ان النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربى).
وقال تعالى في سورة والنازعات: (واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن
الهوى فان الجنة هي المأوى).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مقت نفسه دون مقت الناس آمنه الله من فزع
يوم القيامة.
قال علي بن الحسين عليهما السلام: وحق نفسك عليك ان تستعملها بطاعة الله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عجبا لمن يحتمى من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمى من
الذنوب مخافة النار.
قال علي بن الحسين " عليه السلام ": قال الله تعالى: إذا عصاني من خلقي من عرفني سلطت
عليه من لا يعرفني.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قالت أم سليمان بن داود لسليمان بن داود: يا بنى إياك
وكثرة النوم بالليل فان كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرا يوم القيامة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كثرة المزاح يذهب بماء الوجه، وكثرة الضحك يمحو
الايمان وكثرة الكذب يذهب بالبهاء.
قيل لأبي عبد الله " عليه السلام ": بم يعرف الناجي؟ قال: من كان فعله لقوله موافقا فهو ناج
ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله جل جلاله: أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الملوك
وقلوبهم بيدي فأيما قوم أطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة، وإيما قوم عصوني
جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة ألا لا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، وتوبوا إلى الله
اعطف بقلوبكم عليكم.
419

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان العبد ليجلس على ذنب من ذنوبه مائة عام وانه لينظر إلى
أزواجه، واخوانه في الجنة.
قال الصادق " عليه السلام ": من لم يكن له واعظ من قلبه، وزاجر من نفسه ولم يكن له
قرين مرشد استمكن عدوه من عنقه.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث بسرية، فلما رجعوا قال مرحبا
بقوم قضوا الجهاد الأصغر، وبقي عليهم الجهاد الأكبر.
قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس، ثم قال (صلى الله عليه وآله)
أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله تعالى: إيما عبد أطاعني لم أوكله إلى غيري وإيما
عبد عصاني وكلته إلى نفسه ثم لم أبال في أي واد هلك.
قال الصادق عليه السلام: ما أحب الله عز وجل من عصاه.
قال أبو ليلى: شيعنا الحسن بن علي " عليه السلام " فلما ذهبنا ننصرف قلنا له أوصنا قال
اتقوا الله وإياكم والطمع فان الطمع يصير طبعا.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": ما جفت الدموع إلا لقسوة القلب وما قست القلوب إلا
لكثرة الذنوب.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": لرجل ان كنت لا تطيع خالقك فلا تأكل من رزقه وإن كنت
واليت عدوه فأخرج من مملكته، وإن كنت غير قانع بقضائه وقدره فاطلب
ربا سواه لو لم يتوعد الله على معصيته لكان يجب أن لا يعصى شكرا لنعمته، العقل حسام
قاطع قاتل هواك بعقلك.
قال الباقر " عليه السلام ": ليس من سنة أقل مطرا من سنة، ولكن الله يضعه حيث يشاء
ان الله إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة إلى
غيرهم والى الفيافي والبحار والجبال وان الله ليعذب (أهل المعاصي).
الجعلة في جحرها تحبس المطر عن الأرض التي هي بمحلتها لخطايا من بحضرتها وقد
جعل الله لها السبيل إلى مسلك سوى محلة أهل المعاصي، ثم قال أبو جعفر " عليه السلام " فاعتبروا
يا أولى الابصار.
وجدنا في كتاب علي، قال رسول الله صلوات الله عليهما: إذا ظهر الزنا كثر
420

موت الفجأة وإذا طفف المكيال أخذهم الله بالسنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة
منعت الأرض بركاتها من الزرع والثمار والمعادن كلها، وإذا جاروا في الاحكام تعاونوا
على الظلم كلها والعدوان، وإذا نقضوا العهود سلط الله عليهم عدوهم، وإذا قطعوا
الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار، وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن
المنكر ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي سلط الله عليهم شرارهم فيدعو عند ذلك خيارهم
فلا يستجاب لهم.
وقال عليه السلام: ان في التوراة مكتوبا يا موسى انى خلقتك واصطنعتك وقويتك
وأمرتك بطاعتي، ونهيتك عن معصيتي فان أطعتني أعنتك على طاعتي وان عصيتني لم
أعنك على معصيتي يا موسى ولى المنة عليك في طاعتك ولى الحجة عليك في معصيتك لي.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات.
قال الله تعالى لداود عليه السلام: حرام على كل قلب عالم محب للشهوات ان اجعله
إماما للمتقين.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): من غلب علمه هواه فذاك علم نافع، ومن جعل شهوته تحت
قدميه فر الشيطان من ظله.
قال سيد العابدين عليه السلام:
تخرب ما يبقى وتعمر فانيا * فلا ذاك معمور ولا ذاك عامر
وهل لك ان وافاك حتفك بغتة * فلم تكتسب خيرا لدى الله عاذر
أترضى بان تفنى الحياة وتنقضي * ودينك منقوص ومالك وافر
مجلس في ذكر فضل الصبر
قال الله تعالى في سورة البقرة: (ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من
الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين - إلى قوله - وأولئك هم المهتدون).
وقال تعالى في سورة آل عمران: (والله يحب الصابرين).
وقال تعالى في سورة الأنفال: وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا
421

وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)
وقال تعالى في سورة التنزيل: (إنما يوفى الصابرين أجرهم بغير حساب)
وقال الصادق " عليه السلام " اصبر على أعداء النعم فإنك لن تكافى من عصى الله فيك
بأفضل من أن تطيع الله فيه.
قال الرضا " عليه السلام ": لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه
وسنة من نبيه، وسنة من وليه فالسنة من ربه فكتمان سره.
قال تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول).
واما السنة من رسول الله فمداراة الناس فان الله عز وجل أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) بمداراة
الناس فقال: خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين.
واما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء.
فان الله عز وجل يقول: (والصابرين في البأساء والضراء).
قال الباقر " عليه السلام ": ان الله تبارك وتعالى جعل للمرأة صبر عشرة رجال فإذا حملت
زادت قوة عشرة رجال أخرى.
(وروى) انه توفى ابن لعثمان بن مظعون رضي الله عنه فاشتد حزنه عليه حتى اتخذ
من داره مسجدا يتعبد فيه فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا عثمان ان الله تبارك وتعالى
لم يكتب علينا الرهبانية إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله يا عثمان بن مظعون للجنة
ثمانية أبواب فما يسرك ان تأتي بابا منها إلا وجدت ابنك إلى جنبك آخذ بحجزتك يشفع
لك إلى ربك؟ قال: بلى فقال المسلمون: يا رسول الله لنا في فرطنا ما لعثمان؟ قال نعم
لمن صبر منكم واحتسب.
قال موسى " عليه السلام ": إلهي فما جزاء من صبر على أذى الناس وشتمهم فيك؟ قال أعينه
على أهوال يوم القيامة.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": الصبر شجاعة، والعجز آفة، الصبر صبران: صبر على ما يكره
وصبر على ما يحب، والصبر على الايمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد
لا رأس معه ولا في إيمان لا صبر معه.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": خمسة لو دخلتم فيهن ما قدرتم على مثلهن لا يخاف عبد
إلا ذنبه ولا يرجو إلا ربه، ولا يستحى الجاهل إذا سئل عما لا يعلم أن يتعلم والصبر من
422

الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): ان الله تعالى ليكتب للعبد درجة العليا في الجنة فلا يبلغها عمله
فلا يزال يتعهد بالبلاء حتى يبلغها.
وقال: إذا أصبتم بمصيبة فاذكروا مصيبتي فإنها أعظم المصائب.
وقال: ان أعظم الجزاء مع أعظم البلاء، وان الله إذا أحب قوما ابتلاهم ببلاء
فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط.
وقال أيضا عليه السلام: إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له من العمل ما يكفرها
ابتلاه الله بالحزن ليكفرها.
وقال: طفى مصباح رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات ليلة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون
فقيل يا نبي الله مصيبة فقال: نعم كل شئ يؤذى المؤمن فهو له مصيبة وله أجر المصيبة.
وقيل: عزى أمير المؤمنين " عليه السلام ": الأشعث بن قيس على ابنه فقال إن تحزن فقد
استحقت ذلك منه الرحم وان تصبر ففي الله حلفك من ابنك، وان صبرت جرى عليك
القدر وأنت مأجور وان جزعت جرى عليك القدر وأنت مأثوم.
قال الشاعر:
مفتاح باب الفرج الصبر * وكل عسر معه يسر
والدهر لا يبقى على حالة * والامر يأتي بعده أمر
قال الشاعر:
اصبر لدهر نال منك * فهكذا مضت الدهور
فرحا وحزنا مرة * لا الحزن دام ولا السرور
مجلس في ذكر النصيحة والحسد
قال الله تعالى في سورة النساء: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض).
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": لما هبط نوح " عليه السلام " من السفينة أتاه إبليس فقال ما في الأرض
رجل أعظم منة على منك دعوت الله على هؤلاء الفساق فأرحتني منهم ألا أعلمك خصلتين
423

إياك والحسد هو الذي عمل بي وإياك والحرص فهو الذي فعل بآدم.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": لا يؤمن رجل فيه الشح والحسد والجبن ولا يكون المؤمن
جبانا ولا حريصا ولا شحيحا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أنهاك عن ثلاث خصال عظام: الحسد والحرص
والكذب.
قال (صلى الله عليه وآله): من ضمن لي خمسا اضمن له الجنة: النصيحة لله عز وجل
والنصيحة لرسوله، والنصيحة لكتاب الله، والنصيحة لدين الله، والنصيحة لجماعة المسلمين.
وقال صلى الله عليه وآله: أقل الناس راحة الحسود.
قال صلى الله عليه وآله: ان الدين النصيحة ان الدين النصيحة ان الدين النصيحة
قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه وأئمة المسلمين والمؤمنين وعامتهم.
وقال صلى الله عليه وآله: الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب.
وقال: لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك، وأوحى الله إلى سليمان بن
داود عليهما السلام: انى موصيك بسبعة أشياء لا تحسدن أحدا من عبادي ولا تغتابن
صالح عبادي.
وقال: رب حسبي هذين:
ورأي موسى " عليه السلام " رجلا عند العرش فغبطه بمكانه فسأل عنه فقال: كان لا يحسد
الناس على ما أتاهم الله من فضله، ويقال لا راحة لحسود، الحاسد طويل الحسرات.
وقال بعض الحكماء: ان الحسد يضعف النفس ويكثر الهم ويسهر الليل.
قال الشاعر:
ألا قل لمن كان لي حاسدا * أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعله * إذا لم ترض لي ما وهب
جزاؤك منه الزيادات لي * وان لا تنال الذي تطلب
وقال آخر:
تمنى رجال ان أموت فان أمت * فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فما عيش من يبقى خلافي بضائر * ولا موت من قد مات قبلي بمخلدي
424

وقال آخر:
فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى * تجهز لأخرى مثلها فكان قد
وقال أيضا:
إذا ما الموت حل بدار قوم * فأفناهم أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا
مجلس في ذكر التوكل
قال الله تعالى في سورة المائدة: (وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين).
وقال تعالى في سورة يونس: (وقال موسى يا قوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا
ان كنتم مؤمنين).
وقال تعالى في سورة يوسف: (وقال يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا
من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شئ ان الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه
فليتوكل المتوكلون).
وقال تعالى في سورة إبراهيم: (قالت لهم رسلهم ان نحن إلا بشر مثلكم ولكن
الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا ان نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله
فليتوكل المتوكلون، وما لنا أن لا نتوكل على الله وقد هدينا سبلنا ولنصبرن على
ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون).
وقال تعالى في سورة الفرقان: (وتوكل على الحي الذي لا يموت).
قال في سورة الطلاق: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه).
سأل الحسن بن الجهم الرضا " عليه السلام ": فقال له: جعلت فداك ما حد التوكل؟ فقال إن
لا تخاف مع الله أحدا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحب أن يكون اتقى الناس فليتوكل على الله.
قال الباقر " عليه السلام ": من توكل على الله لا يغلب، ومن اعتصم بالله لا يهزم.
425

قال النبي (صلى الله عليه وآله): يقول الله عز وجل: ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت
أسباب السماوات والأرض من دونه فان سألني لم اعطه، وان دعاني لم أجبه وما من
مخلوق يعتصم بي دون خلقي إلا ضمنت السماوات والأرض رزقه فان سألني أعطيته وان
دعاني أجبته، وان استغفرني غفرت له.
وقال صلى الله عليه وآله: من انقطع إلى الله كفاه الله مؤنته ورزقه من حيث
لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله إليها.
وقال صلى الله عليه وآله: من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ومن
سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله
أوثق منه مما في يديه، وقيل: حقيقة التوكل الثقة بالله.
وقيل: التوكل ان علمت أن عملك لا يعمله غيرك وأنت مشغول به وعلمت ان
الموت يأتيك بغتة وأنت تبادره، وعلمت ان يغنيك الله في كل حال، وقيل هو
الاعتصام بالله، وقيل هو التعلق بالله.
وقيل: لو أن رجلا توكل على الله بصدق النية لاحتاجت إليه الأمراء فمن دونهم
فكيف يحتاج هو ومولاه الغنى الحميد.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): ان الله بحكمته وجلاله جعل الروح والفرج في الرضا واليقين
وجعل الغل والحزن في الشك والسخط، وقال أبو ذر رضي الله عنه قتلني هم يوم لم أدركه
وقيل إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تسأله الرضا عنك.
وقال النابغة الذبياني في الجاهلية:
ولست بحابس لغد طعاما * حذار غد لكل غد طعام
قال محمد بن حاتم:
للناس مال ولى ما لان مالهما * إذا تحارس أهل المال أفراس
مالي الرضا بالذي أصبحت أملكه * ومالي اليأس مما يملك الناس
وقال دعبل:
أسعى لأطلب رزقي وهو يطلبني * والرزق أكثر لي منى له طلبا
426

مجلس في ذكر المال والولد
قال الله تعالى في سورة الكهف: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات
الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا).
وقال تعالى في سورة التغابن: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة، والله عنده أجر عظيم).
قيل: شكى رجل إلى أمير المؤمنين " عليه السلام ": الحاجة فقال له: اعلم أن كل شئ تصيبه
من الدنيا فوق قوتك فإنما أنت فيه خازن لغيرك.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الدينار والدرهم أهلكا من كان
قبلكم وهما مهلكاكم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يهرم ابن آدم، ويشب فيه اثنان: الحرص على المال
والحرص على العمر.
قال عيسى بن مريم " عليه السلام ": الدينار داء الدين، والعالم طبيب الدين فإذا رأيتم الطبيب
يجر الداء إلى نفسه فاتهموه، واعلموا انه غير ناصح لغيره.
قال الصادق " عليه السلام ": جاء علي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد بلى ثوبه فحمل إليه اثنى عشر
درهما فقال صلى الله عليه وآله: يا علي خذ هذه الدراهم فاشتر لي بها ثوبا ألبسه فقال علي " عليه السلام "
فجئت إلى السوق فاشتريت له قميصا باثني عشر درهما، وجئت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فنظر إليه فقال: يا علي غير هذا أحب إلي أترى صاحبه يقيلنا؟ فقلت: لا أدرى قال
فانظر فجئت إلى صاحبه فقلت: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد كره هذا يريد غيره فأقلنا فيه فرد
علي الدراهم وجئت بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمشى معي إلى السوق ليبتاع قميصا فنظر إلى
جارية قاعدة على الطريق تبكي فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما شأنك؟ فقالت يا رسول الله
ان أهلي اعطوني أربعة دراهم لاشتري لهم حاجة فضاعت فلا أجسر ان ارجع إليهم
فأعطاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة دراهم، فقال لها ارجعي إلى أهلك ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إلى السوق فاشترى قميصا بأربعة دراهم ولبسه وحمد الله عز وجل، وخرج فرأى رجلا
عريانا يقول: من كساني كساه الله من ثياب الجنة فخلع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قميصه الذي
427

اشتراه وكساه السائل، ثم رجع عليه السلام إلى السوق فاشترى بالأربعة التي بقيت
قميصا آخر فلبسه وحمد الله عز وجل ورجع إلى منزله فإذا الجارية قاعدة على الطريق تبكي
فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): مالك لا تأتين أهلك؟ قالت يا رسول الله: انى قد أبطأت
عليهم وأخاف ان يضربوني، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مري بين يدي ودليني على
أهلك وجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى وقف على باب دارهم، ثم قال: السلام عليكم يا أهل
الدار فلم يجيبوه فأعاد السلام فلم يجيبوه فأعاد السلام فقالوا: وعليك السلام يا رسول الله
ورحمة الله وبركاته فقال صلى الله عليه وآله: ما لكم تركتم إجابتي في أول السلام والثاني؟
فقالوا: يا رسول الله سمعنا سلامك فأحببنا ان تستكثر منه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ان هذه الجارية قد أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها، فقالوا: يا رسول الله هي حرة
لممشاك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحمد لله ما رأيت اثنى عشر درهما أعظم بركة من هذه
كسى الله بها عاريين، واعتق بها نسمة قال: علي بن الحسين عليهما السلام: حق ولدك ان
تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وانك مسؤول عما وليته به من
حسن الآداب والدلالة على ربه عز وجل، والمعونة به على طاعته فاعمل في امره عمل
من يعمل انه مثاب على الاحسان إليه معاقب على الإساءة إليه.
قال الصادق " عليه السلام ": ان عيسى بن مريم توجه في بعض حوائجه ومعه ثلاثة نفر من
أصحابه فمر بلبنات من ذهب على ظهر الطريق، فقال عليه السلام لأصحابه: ان هذا يقتل
الناس ثم مضى فقال أحدهم: ان لي حاجة قال: فانصرف، ثم قال الآخر: ان لي حاجة
قال: فانصرف، ثم قال الآخر: ان لي حاجة قال: فانصرف فوافوا عند الذهب ثلاثتهم
فقال اثنان لواحد: اشتر لنا طعاما فذهب يشترى لهما طعاما فجعل فيه سما ليقتلهما
كي لا يشاركاه في الذهب، وقال الاثنان: إذا جاءنا قتلناه كي لا يشاركنا، فلما جاء قاما
إليه فقتلاه ثم تغذيا فماتا فرجع إليهم عيسى " عليه السلام " وهم موتى حوله فأحياهم عيسى بإذن الله
تعالى ثم قال: ألم أقل لكم ان هذا يقتل الناس.
قال ابن عباس: ان أول درهم ودينار ضربا في الأرض نظر إليهما إبليس فلما عاينهما
أخذهما فوضعهما على عينيه، ثم ضمها إلى صدره ثم صرخ صرخة، ثم ضمها إلى صدره
ثم قال: أنتما قرة عيني وثمرة فؤادي، ما أبالي من بني آدم إذا أحبوكما أن لا يعبدوا وثنا
حسبي من بني آدم ان يحبوكما.
428

وقال بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله ما بالنا نجد بأولادنا
ما لا يجدون بنا قال: لأنهم منكم ولستم منهم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مر عيسى بن مريم " عليه السلام " بقبر يعذب صاحبه ثم مر به من
قابل فإذا هو ليس يعذب، فقال: يا رب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب
ثم مررت به العام فإذا هو ليس يعذب فأوحى الله جل جلاله إليه يا روح الله انه أدرك
له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من دخل إلى السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان
كحامل صدقة إلى قوم محاويج وليبد بالإناث قبل الذكور فإنه من فرح ابنته فكأنما عتق
رقبة من ولد إسماعيل " عليه السلام " ومن أقر بعين ابن فكأنما بكى من خشية الله، ومن بكى من
خشية الله ادخله الله جنات النعيم.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": لا تجعلن أكثر شغلك بأهلك وولدك فان يكن أهلك
وولدك أولياء الله فان الله لا يضيع أوليائه، وان يكونوا أعداء الله فما همك وشغلك
بأعداء الله؟
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتنة أمتي المال.
وقال صلى الله عليه وآله: اللهم من آمن بك وشهد انى رسولك فحبب إليه لقاك
وسهل عليه قضاك واقلل ماله.
وقال صلى الله عليه وآله: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا
ولا يملا جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب.
وقال صلى الله عليه وآله: أيضا يهرم ابن آدم ويبقى منه اثنان: الحرص والأمل
وقال صلى الله عليه وآله: قلب الشيخ شاب على حب اثنين على جمع المال
وطول الحياة.
وقال صلى الله عليه وآله: ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص
الرجل على المال والشرف.
وقال صلى الله عليه وآله: ان لكل أمة فتنة وان فتنة أمتي المال.
وقال صلى الله عليه وآله: إذا مات ابن آدم قالت الملائكة بعضهم لبعض ما قدم
ويقول بنوا آدم ما خلف؟
429

وقال رجل من الأنصار: يا رسول الله مالي لا أحب الموت؟ قال: هل لك مال؟
قال نعم يا رسول الله قال قدم المال فان قلب الرجل مع ماله ان قدمه أحب ان يلحقه وان
خلفه أحب ان يتخلف معه.
قال الشاعر:
لا خير في المال لكنازه * إلا لجواد ووهابه
يفعل أحيانا بأصحابه * ما يفعل الخمر بشرابه
وقال آخر:
ألا يا جامع المال حريصا * على الدنيا ألم تخف السؤالا
أتجمعها وتكسبها حراما * وتتركها لوارثها حلالا
فيسعد من جمعت له وتشقى * ألا أقبح بذاك المال مالا
مجلس في الزهد والتقوى
قال الله تعالى في سورة البقرة: (واتقوني يا أولى الألباب).
وقال تعالى فيها: (أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون).
وقال فيها: (وليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا
البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون).
وقال تعالى في سورة آل عمران: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في هذه الآية: حق تقاته ان يطاع ولا يعصى ويذكر فلا ينسى
ويشكر فلا يكفر.
وقال تعالى فيها: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا
الله لعلكم تفلحون).
وقال تعالى في سورة النساء: (قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى).
وقال تعالى في سورة المائدة (وتعاونوا على البر والتقوى).
وقوله فيها: (إنما يتقبل الله من المتقين).
430

وقال تعالى في سورة القصص: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا
في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين).
وقال في سورة الحجرات: (ان أكرمكم عند الله اتقاكم).
وقال تعالى في سورة النجم: (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى).
. وقال تعالى في سورة الطلاق: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من
حيث لا يحتسب)
وقال تعالى في سورة البقرة: (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب).
وقال تعالى في سورة المائدة: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما
طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا
والله يحب المحسنين).
وقال الله في سورة الحجرات: (ان المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام
آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم
منها بمخرجين).
وقال تعالى في سورة الدخان: (ان المتقين في مقام آمنين في جنات وعيون يلبسون
من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل
فاكهة آمنين).
وقال تعالى في سورة والذاريات: (ان المتقين في جنات وعيون آخذين ما أتاهم
ربهم انهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وبالأسحار
هم يستغفرون وفى أموالهم حق للسائل والمحروم).
وقال تعالى في سورة والطور: (ان المتقين في جنات ونعيم فاكهين بما أتاهم ربهم
ووقاهم ربهم عذاب الجحيم).
وقال تعالى في سورة القمر: (ان المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند
مليك مقتدر).
وقال تعالى في سورة والمرسلات: (ان المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون
كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون إنا كذلك نجزى المحسنين).
قال أبو جعفر " عليه السلام ": ان الله عز وجل يقول: بجلالي وجمالي وبهائي وعلائي
431

وارتفاعي لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا جعلت غناه في نفسه وهمه في اخوته وكففت
عنه ضيعته وضمنت السماوات والأرض رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر.
(وروى) أنه قال رجل للنبي (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله علمني شيئا إذا انا فعلته أحبني
الله من السماء وأحبني الناس من الأرض، فقال له: ارغب فيما عند الله عز وجل يحبك
الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس.
قال علي بن الحسين عليهما السلام: الزهد على عشرة اجزاء فاعلي درجات الزهد أدنى
درجات الورع وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين وأعلى درجات اليقين أدنى درجات
الرضا وان الزهد في آية من كتاب الله عز وجل لكي لا تأسوا على ما فاتكم
ولا تفرحوا بما أتاكم.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": لأهل التقوى علامات يعرفون بها صدق الحديث وأداء
الأمانة والوفاء بالعهد وقلة الفخر والبخل، وصلة الأرحام ورحمة الضعفاء وقلة المواتاة
للنساء وبذل المعروف وحسن الخلق وسعة الحلم، واتباع العلم فيما يقرب إلى الله تعالى
طوبى لهم وحسن مآب وطوبى شجرة في الجنة أصلها في دار رسول الله (صلى الله عليه وآله) فليس مؤمن
إلا وفى داره غصن من أغصانها لا ينوى في قلبه شيئا إلا أتاه ذلك الغصن به ولو أن
راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام لم يخرج منها ولو أن غرابا طار من أصلها ما بلغ أعلاها
حتى يبيض هرما ألا ففي هذا فارغبوا إن المؤمن من نفسه في شغل والناس منه في راحة
إذا جن عليه الليل فرش وجهه وسجد لله تعالى ذكره بمكارم بدنه ويناجى الذي خلقه في
فكاك رقبته ألا فهكذا تكونوا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أعبد الناس من أقام الفرائض وازهد الناس من اجتنب
الحرام واتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه، وأورع الناس من ترك المراء وإن كان
محقا وأشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب، وأكرم الناس اتقاهم وأعظم الناس قدرا
من ترك ما لا يعنيه، وأسعد الناس من خالط كرام الناس.
قال الصادق " عليه السلام ": ان الله تبارك وتعالى أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل
ان أحببت ان تلقاني في حظيرة القدس فكن في الدنيا وحيدا غريبا مهموما محزونا
مستوحشا من الناس بمنزلة الطير الواحد الذي يطير في ارض القفار ويأكل من رؤس
الأشجار ويشرب من ماء العيون فإذا كان الليل آوى وحده ولم يأوى مع الطيور استأنس
432

بربه واستوحش من الطيور.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للحسين بن علي " عليه السلام ": اعمل بفرائض الله تكن اتقى الناس
وارض بقسم الله تكن أغنى الناس، وكف عن محام الله تكن أورع الناس وأحسن
مجاورة من جاورك تكن مؤمنا، وأحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين وهلاك آخرها
بالشح والأمل.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": ثبات الايمان الورع، وزواله الطمع.
قال الصادق " عليه السلام ": ان المرئ إذا كثرت ذنوبه ولم يجد ما يكفرها به ابتلاه
الله عز وجل بالحزن في الدنيا ليكفرها به فان فعل ذلك به وإلا عذبه في قبره ليلقاه
الله عز وجل يوم يلقاه وليس شئ يشهد عليه بشئ من ذنوبه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من عرف الله وعظمه منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام
وعنا نفسه بالصيام والقيام قالوا: بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله هؤلاء أولياء الله؟ قال إن
أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم فكرا، وتكلموا فكان كلامهم ذكرا ونظروا فكان
نظرهم عبرة ونطقوا فكان نطقهم حكمة، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة لولا
الآجال التي كتبت عليهم لما تستقر أرواحهم في أجسادهم خوفا من العذاب وشوقا
إلى الثواب.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله.
قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة طويلة: أيها الناس إنما الناس ثلاثة
زاهد وراغب وصابر.
فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا أتاه ولا يحزن على شئ منها فاته.
وأما الصابر فيتمناها بقلبه فان أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من
سوء عاقبتها.
وأما الراغب فلا يبالي من حلال أصابها أو من حرام.
سئل الصادق " عليه السلام ": عن الزهد في الدنيا قال: الذي يترك حلالها مخافة حسابه
ويترك حرامها مخافة عذابه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): استحيوا من الله تعالى حق الحياء قالوا: وما نفعل
433

يا رسول الله؟ قال: فان كنتم فاعلين فلا يبيتن أحدكم إلا واجله بين عينيه فليحفظ الرأس
وما حوى والبطن وما وعى وليذكر القبر والبلى، ومن أراد الآخرة فليترك زينة
الحياة الدنيا.
قيل للصادق " عليه السلام ": ما الزهد في الدنيا؟ قال: قد حد الله ذلك في كتابه فقال: لكي
لا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما أتاكم.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": الزهد ثروة، والورع جنة وأفضل الزهد اخفاء الزهد
الزهد يخلق الأبدان ويحدد الآمال ويقرب المنية ويباعد الأمنية من ظفر به نصب ومن
فاته تعب ولا كرم كالتقوى، ولا تجارة كالعمل الصالح، ولا ورع كالوقوف عند
الشبهة ولا زهد كالزهد في الحرام، الزهد كله بين كلمتين، قال الله: لكي لا تأسوا على
ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم فمن لم يأس على الماضي، ومن لم يفرح بالآتي فقد أخذ
الزهد بطرفيه أيها الناس الزهادة قصر الامل، والشكر عند النعم والورع عند المحارم فان
عزب ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم، ولا تنسوا عند النعم شكركم فقد أعذر الله إليكم
بحجج مسفرة ظاهرة، وكتب بارزة العذر واضحة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كان في زهد يحيى بن زكريا " عليه السلام " انه أتى بيت المقدس فنظر
إلى المجتهدين من الأحبار والرهبان عليهم مدارع الشعر، وبرانس الصوف وإذا هم قد
خرقوا تراقيهم وسلكوا فيها السلاسل، وشدوها إلى سواري المسجد فلما نظر إلى ذلك
أتى أمه فقال: يا أماه انسجي لي مدرعة من شعر، وبرنسا من صوف حتى آتى بيت
المقدس فاعبد الله فيه مع الأحبار والرهبان، فقالت له أمه: حتى يأتي نبي الله فأخبره
في ذلك فلما دخل زكريا " عليه السلام " أخبرته بمقالة يحيى، فقال له زكريا: يا بنى ما يدعوك إلى
هذا؟ وإنما أنت صبي صغير فقال له: يا أبة أما رأيت من هو أصغر سنا منى قد ذاق
الموت؟ قال: بلى قال لامه انسجي له مدرعة من شعر، وبرنسا من صوف ففعلت
فتدرع بالمدرعة على بدنه ووضع البرنس على رأسه ثم أتى بيت المقدس فاقبل يعبد
الله عز وجل مع الأحبار حتى أكلت مدرعة الشعر لحمه فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من
جسمه فبكى فأوحى الله عز وجل يا يحيى أتبكي بما قد نحل من جسمك وعزتي وجلالي
لو اطلعت إلى النار اطلاعة لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج فبكى حتى أكلت
الدموع لحم خديه، ثم بدت للناظرين أضراسه فبلغ ذلك أمه فدخلت عليه واقبل زكريا
434

واجتمع الأحبار والرهبان فأخبروه بذهاب لحم خديه فقال: ما شعرت بذلك فقال
زكريا: يا بنى ما يدعوك إلى هذا إنما سألت ربى ان يهبك لي لتقر بك عيني قال أنت
أمرتني بذلك يا أبة قال: ومتى ذلك يا بنى؟ قال: الست القائل ان بين الجنة والنار لعقبة
لا يجوزها إلا البكاؤن من خشية الله تعالى؟ قال: بلى قال: فجد واجتهد فشأنك غير شأني
فقام يحيى فنفض مدرعته فأخذته أمه فقالت: أتأذن لي يا بنى ان اتخذ لك قطعتي لبود
تواريان أضراسك وينشفان دموعك؟ فقال لها: شأنك فاتخذت له قطعتي لبود تواريان
أضراسه وينشفان دموعه حتى ابتلت من دموع عينيه فحسر عن ذراعيه ثم اخذهما
فعصرهما فتحدر الدموع من بين أصابعه فنظر زكريا إلى ابنه والى دموع عينيه فرفع رأسه
إلى السماء فقال: اللهم ان هذا ابني وهذه دموع عينيه وأنت ارحم الراحمين، وكان
زكريا " عليه السلام " إذا أراد أن يعظ بني إسرائيل يلتفت يمينا وشمالا فإذا رأى يحيى لم يذكر جنة
ولا نار فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل، واقبل يحيى قد لف رأسه بعباه فجلس في
غمار الناس والتفت زكريا يمينا وشمالا فلم ير يحيى فأنشأ يقول: حدثني حبيبي جبرئيل " عليه السلام "
عن الله تبارك وتعالى ان في جهنم جبلا يقال له السكران في أصل ذلك الجبل واد يقال له
الغضبان يغضب لغضب الرحمن تبارك وتعالى في ذلك الوادي جب قامته مائة عام في ذلك
الجب توابيت من نار في تلك التوابيت صناديق من نار وثياب من نار وسلاسل من نار
واغلال من نار فرفع يحيى رأسه، فقال: وا غفلتاه من السكران ثم اقبل هائما على
وجهه وقام زكريا " عليه السلام " من مجلسه فدخل على أم يحيى فقال لها: قومي يا أم يحيى فاطلبي
يحيى فانى قد تخوفت أن لا تراه إلا وقد ذاق الموت فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت
بفتيان من بني إسرائيل فقالوا لها: يا أم يحيى أين تريدين؟ قالت أريد أن أطلب ولدى
يحيى ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه فمضت أم يحيى والفتية معها حتى مروا براعي
غنم فقالت له: يا راعى هل رأيت شابا من صفة كذا وكذا فقال لها: لعلك تطلبين يحيى
ابن زكريا؟ قالت: نعم ذاك ولدى ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه قال إني تركته
الساعة على عقبة ثانية كذا وكذا ناقعا قدميه في الماء رافعا بصره إلى السماء يقول وعزتك
يا مولاي لا ذقت بارد الشراب حتى أنظر إلى منزلتي منك فأقبلت أمه، فلما رأته دنت
منه وأخذت برأسه فوضعته بين ثديها وهي تناشده بالله ان ينطلق معها إلى المنزل فانطلق
معها إلى المنزل فقالت أم يحيى: هل لك ان تخلع مدرعة الشعر؟ وتلبس مدرعة الصوف
435

فإنها ألين ففعل وطبخت له عدسا فأكل واستوفى فنام وذهب به النوم فلم يقم لصلاته
فنودي في منامه يا يحيى بن زكريا أردت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري
فاستيقظ فقام فقال: يا رب أقلني عثرتي إلهي فوعزتك لا استظل بظل سوى ظل المقدس
وقال لامه ناوليني مدرعة الشعر فتقدمت أمه فدفعت إليه المدرعة وتعلقت به فقال لها
زكريا: يا أم يحيى دعيه فان ولدى قد كشف له عن قناع قلبه ولن ينتفع بالعيش فقام
يحيى فلبس مدرعته ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس فجعل يعبد
الله عز وجل مع الأحبار حتى كان من أمره ما كان.
قال وهب: وجدت في بعض كتب الله عز وجل ان ذا القرنين لما فرغ من عمل
السد انطلق على وجهه فبينا هو يسير وجنوده معه إذ مر على شيخ يصلى فوقف بجنوده حتى
انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين كيف ولم تروعك ما حضرك من الجنود؟ قال كنت
أناجي من هو أكثر جنودا منك وأعز سلطانا وأشد قوة، ولو صرفت وجهي إليك
لم أدرك حاجتي قبله فقال له ذو القرنين: هل لك في أن تنطلق معي؟ فأواسيك بنفسي
وأستعين بك على بعض أموري قال: نعم ان ضمنت لي أربع خصال: نعيما لا يزول
وصحة لا سقم فيها وشبابا لا هرم فيه، وحياة لا موت فيها فقال له ذو القرنين: أي
مخلوق يقدر على هذه الخصال فقال الشيخ: فأنى مع من يقدر عليها ويملكها وإياك فبينا
هو يسير إذ وقع إلى الأمة العالمة من قوم موسى الذين يهدون بالحق وهم يعدلون فلما رآهم
قال لهم: أيها القوم أخبروني بخبركم فأنى درت الأرض شرقها وغربها برها وبحرها
سهلها وجبلها نورها وظلمتها فلم الق مثلكم فأخبروني ما بال قبور موتاكم على أبواب
بيوتكم؟ قالوا فعلنا ذلك لئلا ننسى الموت ولا نخرج ذكره من قلوبنا قال: فما بال بيوتكم
ليس عليها أبواب؟ قالوا: ليس فينا لص ولا ظنين وليس فينا إلا أمين قال فما بالكم
ليس عليكم أمراء؟ قالوا: لا نتظالم قال فما بالكم ليس فيكم ملوك؟ قالوا: لا نتكاثر قال
فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون؟ قالوا: من قبل إنا متواسون متراحمون قال
فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا: من قبل إلفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا قال
فما بالكم لا تسبون ولا تقتلون؟ قالوا من قبل انا غلبنا طبايعنا بالعزم وروضنا أنفسنا
بالحلم قال فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة قالوا من قبل إنا لا نتكاذب
ولا نتخادع ولا نغتاب بعضنا بعضا قال فأخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟ قالوا من
436

قبل إنا نقسم بالسوية قال: فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ؟ قالوا: من قبل الذل
والتواضع قال: فلم جعلكم أطول الناس اعمارا؟ قالوا من إنا نتعاطى الحق ونحكم بالعدل
قال فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا: من قبل إنا لا نغفل عن الاستغفار قال فما بالكم
لا تجزعون؟ قالوا: من قبل إنا وطنا أنفسنا على البلاء فعزينا أنفسنا قال: فما بالكم
لا تصيبكم الآفات قالوا من قبل إنا لا نتوكل على غير الله عز وجل ولا نستمطر بالأنواء
والنجوم قال فحدثوني أيها القوم هكذا وجدتم يفعلون قالوا: وجدنا آبائنا يرحمون
مسكينهم ويواسون فقيرهم ويعفون عمن ظلمهم ويحسنون إلى من أساء إليهم ويستغفرون
لمسيئهم ويصلون أرحامهم ويؤدون أماناتهم ويصدقون ولا يكذبون فأصلح الله بذلك
أمرهم فأقام عندهم ذو القرنين حتى قبض وكان له خمسمائة عام.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": أيها الناس اتقوا الله الذي ان قلتم سمع وان أضمرتم علم
وبادروا الموت الذي ان هربتم أدرككم وان أقمتم أخذكم وان نسيتموه ذكركم.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): لعلي ان الله زينك بزينة لم يتزين الخلائق بزينة أحب إلى الله منها
الزهد في الدنيا وجعل الدنيا لا تنال منك شيئا.
وقال صلى الله عليه وآله: جماع التقوى في قوله تعالى: ان الله يأمر بالعدل
والاحسان.
وقال صلى الله عليه وآله: اتق الله فإنه جماع الخير.
وقيل: المتقون سادة، والفقهاء قادة ومجالستهم زيادة.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): ان أخوف ما أتخوف على أمتي الهوى وطول الامل.
فأما الهوى فيصد عن الحق واما طول الامل فينسى الآخرة.
وقال صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم الرجل قد أعطى الزهد في الدنيا فاقتربوا منه
فإنه يلقى الحكمة.
وقال عليه السلام: المؤمن بيته قصب وطعامه كسر ورأسه شعث وثيابه خلق
وقلبه خاشع ولا يعدل السلامة شيئا.
(وروى) ان أسامة بن زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر فسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقال: ألا تعجبون من أسامة المشترى إلى شهر؟ ان أسامة لطويل الامل والذي نفسي
بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفرتي لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي ولا رفعت
437

طرفي وظننت انى خافضه حتى اقبض ولا تلقمت لقمة إلا ظننت انى لا أسيغها انحصر بها
من الموت ثم قال يا بني آدم ان كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى والذي نفسي بيده
إنما توعدون وما أنتم بمعجزين.
(وروى) ان صاحبا يقال له: همام كان رجلا عابدا فقال: يا أمير المؤمنين
صف لي المتقين حتى كأني انظر إليهم فتثاقل عن جوابه، ثم قال يا همام اتق الله وأحسن
فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون فلم يقنع همام بذلك القول حتى عزم عليه فقام
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: أما بعد، فان الله عز وجل خلق الخلق
حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا عن معصيتهم لأنه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه
طاعة من أطاعه فقسم بينهم معايشهم ووضع من الدنيا مواضعهم فالمتقون فيها أهل
الفضائل منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع غضوا ابصارهم عما حرم
الله عليهم ووقفوا اسماعهم على العلم النافع لهم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت
في الرخاء لولا الاجل الذي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا
إلى الثواب وخوفا من العقاب عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم فهم
والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون قلوبهم
محزونة وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة وحاجتهم خفيفة وأنفسهم عفيفة صبروا
أياما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة تجارة مربحة يسرها لهم ربهم ارادتهم الدنيا ولم
يريدوها وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها أما الليل فصافون اقدامهم تالين لاجزاء القرآن
يرتلونها ترتيلا يحزنون به أنفسهم ويستبشرون به دواء دائهم فإذا مروا بآية فيها تشويق
ركنوا إليها طمعا، وتطلعت نفوسهم إليها شوقا فظنوا أنها نصب أعينهم وإذا مروا
بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا ان زفير جهنم وشهيقها في أصول
آذانهم فهم حانون على أوساطهم مفترشون لجباههم واكفهم وركبهم وأطراف اقدامهم
يطلبون إلى الله تعالى في فكاك رقابهم واما النهار فحلماء علماء ابرار أتقياء قد براهم الخوف
برى القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم مرض ويقول: قد خولطوا
ولقد خالطهم أمر عظيم لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير فهم لأنفسهم
متهمون ومن أعمالهم مشفقون إذا زكى أحد منهم خاف مما يقال له فيقول أنا أعلم بنفسي
من غيري وربى أعلم منى بنفسي اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون
438

واغفر لي ما لا يعلمون فمن علامة أحدهم انك ترى له قوة في دين وحزما في لين وإيمانا
في يقين وحرصا في علم وعلما في حلم، وقصدا في غنى وخشوعا في عبادة وتحملا في فاقة
وصبرا في شدة، وطلبا في حلال ونشاطا في هدى وتحرجا عن طمع يعمل الأعمال الصالحة
وهو على وجل يمسى وهمه الشكر، ويصبح وهمه الذكر يبيت حذرا ويصبح
فرحا حذرا من الغفلة وفرحا بما أصاب من الفضل والرحمة ان استصعبت عليه نفسه فيما
يكره لم يعطها سؤلها فيما تحب قرة عينه فيما لا يزول ورغبته فيما يبقى وزهادته فيما لا يبقى
مزج الحلم بالعلم، والقول بالعمل تراه قريبا أمله بعيدا كسله قليلا زلله خاشعا قلبه
قانعا نفسه منزورا اكله سهلا امره حريزا دينه ميتا شهوته مكظومة غيظه الخير منه مأمول
والشر منه مأمون إن كان في الغافلين كتب في الذاكرين وإن كان في الذاكرين لم يكتب من
الغافلين يعفو عمن ظلمه، ويعطى عمن حرمه ويصل من قطعه بعيدا فحشه لينا قوله غائبا
منكره حاضرا معروفه مقبلا خيره مدبرا شره في الزلازل وقور، وفى المكاره صبور وفى
الرخاء شكور لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب يعترف بالحق قبل أن يشهد
عليه ولا يضيع ما استحفظ ولا ينسى ما ذكر ولا ينابز بالألقاب، ولا يضار بالجار
ولا يشمت بالمصائب، ولا يدخل في الباطل ولا يخرج من الحق ان صمت لم يغمه صمته
وان ضحك لم يعل صوته، وان بغى عليه صبر حتى يكون الله الذي ينتقم له نفسه منه
في عناء والناس منه في راحة أتعب نفسه لآخرته وأراح الناس من نفسه بعده عمن تباعد
عنه زهد ونزاهة، ودنوه ممن دنى منه لين ورحمة ليس تباعده بكبر وعظمة ولا دنوه بمكر
وخديعة قال فصعق صعقة كانت نفسه فيها، وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": أما والله لقد
كنت أخافها عليه ثم قال هكذا تصنع المواعظ البالغة باهلها، فقال له قائل: فما بالك
أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال: ويحك ان لكل أجل وقتا لا يعدوه، وسببا لا يتجاوزه
فمهلا لا تعد لمثلها فإنها نفث الشيطان على لسانك.
قال الشاعر:
يريد المرئ ان يعطى مناه * ويأبى الله إلا ما أراد
يقول المرئ فائدتي ومالي * وتقوى الله أفضل ما استفاد
وقال آخر:
أفادتني القناعة كل عز * وأي غنى أعز من القناعة
439

فصيرها لنفسك رأس مال * وصير بعدها التقوى البضاعة
وقال آخر:
أيها المتعب جهلا نفسه * تطلب الدنيا حريصا جاهدا
لا لك الدنيا ولا أنت لها * فاجعل الهمين هما واحدا
مجلس في ذكر الدنيا
قال الله تعالى في سورة يونس: (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط
به نبات الأرض مما يأكل الناس والانعام حتى إذا اخذت الأرض زخرفها وازينت وظن
أهلها انهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس
كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون):
وقال في سورة الكهف: (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء
فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا).
وقال تعالى في سورة الحديد: (اعلموا إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة
وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه
مصفرا ثم يكون حطاما وفى الآخرة عذابا شديدا ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة
الدنيا إلا متاع الغرور).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مالي والدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قام من القيلولة
في ظل شجرة في يوم صائف ثم راح وتركها.
وقال عليه السلام: ما الدنيا في الآخرة ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر
بم ترجع.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": والدنيا دار مضى لها الفناء، ولأهلها منها الجلاء وهي
حلوة خضرة قد عجلت للطالب والتبست بقلب الناظر فارتحلوا عنها بأحسن ما بحضرتكم
من الزاد ولا تسألوا فيها فوق الكفاف، ولا تطلبوا منها أكثر من البلاغ.
وقال عليه السلام: لا وان الدنيا دار لا يسلم منها إلا فيها ولا ينجى بشئ كان لها
440

ابتلى الناس بها فتنة فما أخذوه منها لها اخرجوا منه وحوسبوا عليه وما أخذوه منها
لغيرها قدموا عليه وأقاموا فيه وانها عند ذوي العقول كفئ الظل بينا تراه سائغا حتى
قلص، وزائدا حتى نقص.
وقال عليه السلام: ان مثل الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها فأعرض عما يعجبك
فيها لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها لما أيقنت به من فراقها وكن آنس
ما تكون بها أحذر ما تكون منها فان صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته
إلى محذور.
وقال عليه السلام: يا دنيا يا دنيا إليك عنى أبى تعرضت أم إلي تشوقت؟ لا حان
حينك هيهات غري غيري لا حاجة لي فيها قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير
وخطرك يسير وأملك حقير آه من قلة الزاد، وطول الطريق وبعد السفر وعظيم المورد.
وقال عليه السلام: وقد سمع رجلا يذم الدنيا أيها الذام للدنيا أتغتر بالدنيا ثم
تذمها أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك؟ متى استهوتك أم متى غرتك؟
وقال عليه السلام: حلاوة الدنيا مرارة الآخرة، ومرارة الدنيا حلاوة الآخرة.
وقال عليه السلام: الدنيا تغر وتضر وتمر ان الله تعالى لم يرضها ثوابا لأوليائه
ولا عقابا لأعدائه وان أهل الدنيا كركب بيناهم حلوا إذا صاح بها سائقهم فارتحلوا.
قال الصادق عليه السلام: حب الدنيا رأس كل خطيئة.
قال المسيح " عليه السلام " للحواريين: إنما الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن، والزهد في الدنيا
يريح القلب والبدن.
قال الصادق " عليه السلام ": من تعلق قلبه بالدنيا تعلق منها بثلاث خصال: هم لا يفنى
وأمل لا يدرك ورجاء لا ينال.
قال الباقر " عليه السلام ": الدنيا دول فما كان لك فيها أتاك على ضعفك، وما كان منها عليك
أتاك ولم تمتنع منه بقوة ثم اتبع هذا الكلام بان قال من يئس مما فات أراح بدنه ومن
قنع بما أوتى قرت عينه.
قال الصادق " عليه السلام ": إن كان الله تبارك وتعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا؟
وإن كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا؟ وإن كان الحساب حقا فالجمع لماذا؟ وإن كان
441

الخلف من الله عز وجل فالبخل لماذا؟ وان كانت العقوبة من الله عز وجل فالمعصية
لماذا؟ وإن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا؟ وإن كان الممر على الصراط حقا فالعجب
لماذا؟ وإن كان كل شئ بقضاء وقدر فالحزن لماذا؟ وان كانت الدنيا فانية فالطمأنينة
إليها لماذا؟
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال
وأغنى الناس من لم يكن للحرص أسيرا.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا
بثلاث ليس معهن رابعة: من كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا، ومن أصلح
سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح فيما بينه وبين الله عز وجل أصلح الله له فيما
بينه وبين الناس.
وقال الصادق " عليه السلام ": ان داود " عليه السلام " خرج ذات يوم يقرأ الزبور، وكان إذا قرأ
الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر ولا سبع إلا وجاوبه فما زال يمر حتى انتهى
إلى جبل فإذا على ذلك الجبل نبي عابد يقال له: حزقيل، فلما سمع دوى الجبال
وأصوات السباع والطير علم أنه داود " عليه السلام " فقال داود: يا حزقيل أتأذن لي ان اصعد إليك
قال: لا فبكى داود فأوحى الله جل جلاله إليه يا حزقيل لا تعير داود وسلني العافية فقام
حزقيل فأخذ بيد داود فرفعه إليه، فقال داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة؟ قال لا
قال: فهل دخلك العجب بما أنت فيه من عبادة الله عز وجل؟ قال لا قال: فهل ركنت
إلى الدنيا فأحببت ان تأخذ من شهوتها ولذتها؟ قال: ربما عرض بقلبي قال: فما تصنع
إذا كان كذلك قال: ادخل هذا الشعب فاعتبر مما فيه قال فدخل داود النبي " عليه السلام " فإذا سرير
من حديد عليه جمجمة بالية، وعظام فانية فإذا لوح من حديد فيه كتابة فقرأها داود " عليه السلام "
فإذا هي أنا فلان ملكت الف سنة، وبنيت الف مدينة وافتضضت الف بكر فكان آخر
عمري ان صار التراب فراشي، والحجارة وسادتي والديدان والحيات جيراني فمن زارني
فلا يغتر بالدنيا.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": في بعض خطبه أيها الناس ألا إن الدنيا دار فناء والآخرة
دار بقاء فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا يخفى عليه أسراركم
وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم ففي الدنيا حبستم وللآخرة
442

خلقتم إنما الدنيا كالسم يأكله من لا يعرفه ان العبد إذا مات قالت الملائكة ما قدم وقال
الناس ما أخر فقدموا فضلا يكن لكم، ولا تؤخروا كلا يكن عليكم فان المحروم من
حرم الله خير ماله والمغبوط من ثقل بالصدقات والخيرات موازينه، وأحسن في الجنة
بها مهاده وطيب على الصراط بها مسلكه.
قال الصادق " عليه السلام ": عجبت لمن يبخل بالدنيا وهي مقبلة عليه أو يبخل بها وهي مدبرة
عنه فلا الانفاق مع الاقبال يضره، ولا البخل والامساك مع الادبار ينفعه.
(وروى) ان رجلا كتب إلى الحسين بن علي عليهما السلام يا سيدي أخبرني بخير
الدنيا والآخرة فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم فإنه من طلب رضى الله بسخط الناس
كفاه الله أمور الناس، ومن طلب رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسلام.
وقال الحرث الأعور بينا أنا أسير مع أمير المؤمنين " عليه السلام " في الحيرة إذا نحن بديراني
يضرب بالناقوس، قال فقال علي بن أبي طالب " عليه السلام ": أتدري ما يقول هذا الناقوس؟
فقلت الله ورسوله وابن عمه اعلم، قال إنه يضرب مثل الدنيا وخرابها، ويقول لا إله
إلا الله حقا حقا صدقا صدقا ان الدنيا قد غرتنا وشغلتنا واستهوتنا واستغوتنا يا بن
الدنيا مهلا مهلا يا بن الدنيا دقا دقا يا بن الدنيا جمعا جمعا تفنى الدنيا قرنا قرنا ما من يوم
يمضى عنا إلا أرهى منا ركنا قد ضيعنا دارا تبقى واستوطنا دارا تفنى لسنا ندري
ما فرطنا فيها إلا لو قد متنا.
قال الحرث: يا أمير المؤمنين: النصارى يعلمون ذلك؟ قال لو علموا ذلك ما اتخذوا
المسيح إلها من دون الله، قال ثم جئت إلى الديراني فقلت له بحق المسيح عليك لما ضربت
بالناقوس على الجهة التي تضربها قال فأخذ يضرب، وأنا أقول حرفا حرفا حتى بلغ
إلى موضع إلا لو قدمتنا فقال بحق نبيكم من أخبرك بهذا؟ قلت هذا الرجل الذي كان
معي أمس فقال: وهل بينه وبين النبي من قرابة؟ قلت هو ابن عمه قال بحق نبيكم اسمع
هذا من نبيكم قال: قلت نعم فأسلم ثم قال لي والله انى وجدت في التوراة أنه يكون في
آخر الأنبياء نبي وهو يفسر ما يقول الناقوس.
(وروى) ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة عليها السلام فدخل
عليها فأطال عندها المكث فخرج مرة في سفر، وصنعت فاطمة " عليه السلام " مسكتين من ورق
وقلادة وقرطين، وسترا لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها عليهم السلام فلما قدم
443

رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل عليها فوقف أصحابه على الباب لا يدرون يقفون أو ينصرفون
لطول مكثه عندها فخرج عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس
عند المنبر فظنت فاطمة " عليه السلام " انه إنما فعل ذلك لما رأى من المستكين والقلادة والستر فنزعت
قلادتها وقرطيها ومسكتيها ونزعت الستر فبعثت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالت للرسول
قل له تقرأ عليك السلام ابنتك، وتقول اجعل هذا في سبيل الله فلما أتاه قال جعل
فداها أبوها ثلاث مرات ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل
عند الله من الخير جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة من ماء، ثم قام فدخل عليها
صلوات الله عليهما.
(وروى) انه لما مات إسماعيل بن جعفر، وفرغ من جنازته جلس الصادق جعفر
ابن محمد عليهما السلام، وجلس قوم حوله وهو مطرق، ثم رفع رأسه فقال: أيها
الناس ان هذه الدنيا دار فراق، ودار التواء لا دار استواء على أن فراق المألوف حرقة
لا تدفع ولوعة لا ترد، وإنما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحة الفكر فمن لم يثكل أخاه
ثكله أخوه ومن لم يقدم ولدا كان هو المقدم دون الولد، ثم تمثل بقول أبى خراش
الهذلي يرثى أخاه:
ولا تحسبي أنى تناسيت عهده * ولكن صبري يا أميم جميل
قيل للصادق " عليه السلام ": أي الخصال بالمرئ أجمل: قال وقار بلا مهابة وسماح بلا طلب
مكافاة وتشاغل بغير متاع الدنيا.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن كانت الدنيا همته
اشتدت حسرته عند فراقها، ومن كان غده شر من يومه فمحروم، ومن لم يبال ما زرى
من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه
الهوى ومن كان في نقص فالموت خير له ان الدنيا خضرة حلوة، ولها أهل وان الآخرة
لها أهل طلقت أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا لا ينافسون في الدنيا، ولا يفرحون
بغضارتها ولا يحزنون لبؤسها ألا فان طالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس
بمغفول عنه وعلى أثر الماضي يصير الباقي ان الله تعالى خلق خلقا ضيق عليهم الدنيا نظرا
لهم فزهدهم فيها وفى حطامها فرغبوا في دار السلام التي دعاهم إليها، وصبروا على ضيق
المعيشة وصبروا على المكروه، واشتاقوا إلى ما عند الله من الكرامة، وبذلوا أنفسهم
444

ابتغاء رضوان الله وكانت خاتمة أعمالهم الشهادة فلقوا الله وهو عنهم راض، وعلموا
ان الموت سبيل من مضى ومن بقي، وتزودوا لآخرتهم غير الذهب والفضة ولبسوا
الخشن وصبروا على القوت وقدموا الفضل، وأحبوا في الله وأبغضوا في الله عز وجل
أولئك المصابيح، وأهل النعيم في الآخرة والسلام.
قال الرضا " عليه السلام ": قال عيسى بن مريم عليهما السلام للحواريين يا بني إسرائيل
لا تأسوا على ما فاتكم من دنياكم إذا سلم دينكم كما لا يأس أهل الدنيا على ما فاتهم من
دينهم إذا سلمت دنياهم.
قال أبو جعفر: كان أمير المؤمنين " عليه السلام " بالكوفة، وإذا صلى العشاء الأخيرة
ينادى الناس ثلاث مرات حتى يسمع أهل المسجد أيها الناس تجهزوا رحمكم الله فقد نودي
فيكم بالرحيل فما التعرج على الدنيا بعد نداء فيها بالرحيل تجهزوا رحمكم الله وانقلبوا
بأفضل ما بحضرتكم من الزاد وهو التقوى، واعلموا إن طريقكم إلى المعاد وممركم على
الصراط والهول الأعظم امامكم وعلى طريقكم عقبة كئودة ومنازل مهولة مخوفة ولا بد
لكم من الممر عليها والوقوف بها. فأما برحمة من الله فنجاة من هولها وعظم خطرها
وفظاعة منظرها وشدة مختبرها، واما بهلكة ليس لها بعدها انجبار.
قال الصادق " عليه السلام ": عاش نوح " عليه السلام " ألفي سنة وخمسمائة سنة منها ثمان مائة وخمسون
قبل أن يبعث والف سنة إلا خمسين عاما وهو في قومه يدعوهم، ومائتا سنة في عمل السفينة
وخمسمائة بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء ومصر الأمصار واسكن ولده البلدان ثم إن
ملك الموت جاء وقال له: ما حاجتك يا ملك الموت؟ قال: جئت لا قبض روحك فقال
له: ألا تدعني ادخل من الشمس إلى الظل؟ قال: نعم فتحول نوح " عليه السلام " ثم قال يا ملك
الموت فكان ما مر بي في الدنيا مثل تحولي من الشمس إلى الظل فامض لما أمرت قال
فقبض روحه عليه السلام.
قال الصادق " عليه السلام ": إذا أقبلت الدنيا على انسان أعطته محاسن غيره وإذا أدبرت عنه
سلبته محاسن نفسه.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": ما أصف دارا أولها عناء وآخرها فناء في حلالها حساب
وفى حرامها عقاب من استغنى فيها فتن ومن افتقر فيها حزن ومن سعى لها فاتته ومن
قعد عنها أتته ومن أبصر بها بصرته ومن أبصر إليها أعمته.
445

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله جل جلاله أوحى إلى الدنيا ان أتعبي من خدمك
واخدمي من رفضك وان العبد إذا تخلى بسيده في جوف الليل المظلم وناجاه أثبت الله النور
في قلبه فإذا قال يا رب يا رب ناداه الجليل جل جلاله لبيك عبدي سلني أعطك وتوكل
على أكفك ثم يقول جل جلاله لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي قد تخلى بي في جوف هذا الليل المظلم والبطالون لأهون والغافلون نيام اشهدوا انى قد غفرت له ثم
قال عليه السلام: عليكم بالورع والاجتهاد والعبادة، وأزهدوا في الدنيا الزاهدة فيكم
فإنها غرارة دار فناء وزوال، كم من مغتر بها قد أهلكته وكم من واثق بها قد خانته
وكم من معتمد عليها قد خدعته وأسلمته واعلموا ان أمامكم طريق بعيد وسفر مهول وممركم
على الصراط ولا بد للمسافر من زاد فمن لم يتزود وسافر عطب وهلك وخير الزاد
التقوى إلى آخر الخبر.
قال شريح القاضي: اشتريت دارا بثمانين دينارا، وكتبت كتابا وأشهدت عدولا
فبلغ ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " عليه السلام " فبعث إلي مولاه قنبر فأتيته فلما ان دخلت
عليه قال يا شريح اشتريت دارا وكتبت كتابا، وأشهدت عدولا ووزنت مالا؟ قال
قلت: نعم قال: يا شريح اتق الله فإنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك ولا يسأل عن بيتك
حتى يخرجك من دارك شاخصا ويسلمك إلى قبرك خالصا فانظر أن لا تكون اشتريت هذه
الدار من غير مالكها ووزنت المال من غير حله فإذا أنت قد خسرت الدارين جميعا
الدنيا والآخرة، ثم قال عليه السلام: يا شريح فلو كنت عندما اشتريت هذه الدار اتيتني
وكتبت لك كتابا على هذه النسخة إذا لم تشترها بدرهمين قال: قلت وما كنت تكتب
يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت اكتب لك هذا الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم هذا
ما اشترى عبد ذليل من ميت أزعج بالرحيل اشترى منه دارا في دار الغرور، ومن جانب
الفانين إلى عسكر الهالكين ويجمع هذه الدار حدود أربعة فالحد الأول منها ينتهى إلى
دواعي الآفات والحد الثاني منها ينتهى إلى دواعي العاهات، والحد الثالث منها ينتهى
إلى دواعي المصيبات والحد الرابع منها ينتهى إلى الهوى المردي والشيطان المغوي وفيه
يشرع باب هذه الدار اشترى هذا المفتون بالأمل من هذا المزعج بالأجل جميع هذه الدار
بالخروج عن القنوع والدخول في ذل الطلب فما أدرك هذا المشترى من درك فعل مبلي
أجسام الملوك وسالب نفوس الجبابرة مثل كسرى وقيصر وتبع وحمير، ومن جمع المال
446

إلى المال فأكثر ومن بنى فشيد ونجد وزخرف، وادخر بزعمه للولد اشخاصهم جميعا إلى
موقف العرض لفصل القضاء وخسر هنالك المبطلون شهد على ذلك العقل إذا خرج من
أسر الهوى ونظر بعين الزوال لأهل الدنيا وسمع منادى الزهد ينادى في عرصاتها
ما أبين الحق لذي عينين ان الرحيل أحد اليومين تزودوا من صالح الاعمال وقربوا الآمال
بالآجال فقد دنا الرحلة والزوال.
قال الصادق " عليه السلام ": كان عيسى بن مريم " عليه السلام " يقول لأصحابه: يا بني آدم اهربوا من
الدنيا إلى الله واخرجوا قلوبكم عنها فإنكم لا تصلحون لها ولا تصلح لكم ولا تبقون فيها
لا تبقى لكم هي الخداعة الفجاعة المغرور من اغتر بها، المغبون من اطمأن إليها الهالك من
أحبها وأرادها فتوبوا إلى الله بارئكم واتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده
ولا مولود هو جاز عن والده شيئا أين آبائكم؟ أين أمهاتكم؟ أين إخوانكم؟ أين أخواتكم
أين أولادكم؟ دعوا فأجابوا واستودعوا الثرى وجاوروا الموتى وصاروا في الهلكى
وخرجوا عن الدنيا وفارقوا الأحبة واحتاجوا إلى ما قدموا واستغنوا عما خلفوا
كم توعظون وكم تزجرون؟ وأنتم لأهون ساهون مثلكم في الدنيا مثل البهائم همتكم فروجكم
وبطونكم أما تستحون ممن خلقكم قد وعد من عصاه النار ولستم ممن يقوى على النار
ووعد من أطاعه الجنة، ومجاورته الفردوس الأعلى فتنافسوا فيه وكونوا من أهله
وانصفوا من أنفسكم وتعطفوا على ضعفائكم من أهل الحاجة منكم وتوبوا إلى الله توبة
نصوحا وكونوا عبيدا أبرارا ولا تكونوا ملوكا جبابرة ولا من العتاة الفراعنة المتمردين
على من قهرهم بالموت جبار الجبابرة رب السماوات ورب الأرض وإله الأولين والآخرين
ملك يوم الدين شديد العقاب الأليم العذاب لا ينجوا منه ظالم ولا يفوته شئ ولا يعزب
عنه شئ ولا يتوارى منه شئ أحصى كل شئ علمه وأنزله منزله في الجنة أو النار ابن آدم
الضعيف أين تهرب ممن يطلبك في سواد ليلك وبياض نهارك وفى كل حال من حالاتك قد
أبلغ من وعظ وأفلح من اتعظ قال الله تعالى: يا موسى ان الدنيا دار عقوبة وجعلتها
ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لي يا موسى ان عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم
وسايرهم من خلقي رغبوا فيها بقدر جهلهم، وما من خلقي أحد عظمها فقرت عينه
ولم يحقرها إلا انتفع بها، ثم قال الصادق " عليه السلام ": ان قدرتم ألا تعرفوا فافعلوا وما عليك
إن لم يئن عليك اليأس، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت عند الله
447

محمودا ان عليا " عليه السلام " كان يقول: لا خير في الدنيا إلا لاحد الرجلين رجل يزداد كل يوم
إحسانا ورجل يتدارك سيئة بالتوبة، وانى له بالتوبة والله لو سجد حتى ينقطع عنقه
ما قبل الله منه إلا بولايتنا أهل البيت.
قال المسيح " عليه السلام " مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرتان ان أرضى أحديهما
سخطت الأخرى.
وقيل للنبي (صلى الله عليه وآله): كيف يكون الرجل في الدنيا؟ قال متشمرا كطالب القافلة قيل
في كم القرار فيها؟ قال كقدر المتخلف عن القافلة قيل: فكم ما بين الدنيا والآخرة؟ قال
غمضة عين.
قال الله عز وجل: كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار الآية.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): الدنيا حلم المنام، وأهلها عليها مجازون ومعاقبون.
وقيل إن النبي (صلى الله عليه وآله): مر على سخلة منبوذة على ظهر الطريق فقال أترون هذه هينة
على أهلها فوالله ان الدنيا أهون على الله من هذه على أهلها.
وقال صلى الله عليه وآله: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له ولها
يجمع من لا عقل له وشهواتها يطلب من لا فهم له، وعليها يعادى من لا علم له وعليها
يحسد من لا فقه له ولها يسعى من لا يقين له.
(وروى) ان النبي (صلى الله عليه وآله) قرأ (أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه)
فقال إن النور إذا وقع في القلب انفسح له، وانشرح قالوا: يا رسول الله فهل لذلك
علامة يعرف بها؟ قال: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد
للموت قبل نزول الموت.
وقال عليه السلام لابن عمر: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل واعدد
نفسك مع الموتى.
قال الشاعر:
كن غريبا واجعل الدنيا سبيلا للعبور * واعدد النفس طوى الدهر من أهل القبور
وارفض الدنيا ولا تركن إلى دار الغرور
وقال آخر:
أرى طالب الدنيا وان طال عمره * ونال من الدنيا سرورا وأنعما
448

كبان بنى بنيانه فأتمه * فلما استوى ما قد بناه تهدما
وقال آخر:
يا خاطب الدنيا إلى نفسها * تنح عن خطبتها تسلم
ان التي تنكح غرارة * قريبة العرس من المأتم
وقال آخر:
سأقنع ما بقيت بقوت يوم * ولا أبغي مكاثرة بمال
هب الدنيا تساق إليك عفوا * أليس مصير ذاك إلى زوال
وما دنياك إلا مثل فئ * أظلك ثم أدنى بالزوال
وقال أبو العتاهية:
همومك بالعيش مقرونة * فلا تقطع العيش إلا بهم
حلاوة دنياك مسمومة * فلا تأكل الشهد إلا بسم
إذا كنت في نعمة فارعها * فان المعاصي تزيل النعم
إذا تم أمر دنى نقصه * توقع زوالا إذا قيل تم
مجلس في ذكر الحزن والبكاء من خشية الله
قال تعالى في سورة آل عمران: (فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين).
وقال في سورة المائدة: (فلا تخشوهم واخشوني)، وقال تعالى في سورة النحل
(يخافون ربهم من فوقهم).
وقال تعالى في سورة الرعد: (يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب).
وقال تعالى في سورة الأنبياء: (يدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين).
وقال تعالى في سورة القصص: (حكاية قول قوم قارون: (لا تفرح ان الله
لا يحب الفرحين).
وقال في سورة النجم: (أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون
وأنتم سامدون) أي لأهون.
449

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث أعين: عين بكت من
خشية الله، وعين غضت عن محارم الله، وعين باتت ساهرة في سبيل الله.
قال أبو جعفر: قال سليمان بن داود عليهما السلام: أوتينا ما أوتى الناس وما لم
يؤتوا وعلمنا ما علم الناس، وما لم يعلموا فلم نجد شيئا أفضل من خشية الله في المغيب
والمشهد والقصد في الغنى والفقر، وكلمة الحق في الرضى والغضب والتضرع إلى
الله عز وجل على كل حال.
قال الصادق " عليه السلام ": عجبت لمن فزع من أربع كيف لا يفزع إلى أربعة
عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فإني سمعت
الله عز وجل يقول بعقبها (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء)
وعجبت لمن اغتم كيف لا يفزع إلى قوله: (لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من
الظالمين) فإني سمعت الله عز وجل يقول بعقبها: (فنجيناه من الغم وكذلك ننجي
المؤمنين).
وعجبت لمن مكر به كيف لا يفزع إلى قوله: (وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير
بالعباد) فإني سمعت الله عز وجل يقول بعقبها (فوقاه الله سيئات ما مكروا)
وعجبت لمن أراد الدنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قوله: (ما شاء الله ولا حول
ولا قوة إلا بالله) فإني سمعت الله عز وجل يقول بعقبها: ان ترن أنا أقل منك مالا
وولدا فعسى ربى أن يؤتيني خيرا من جنتك) وعسى موجبة.
وقال الصادق " عليه السلام ": أرجو الله رجاء لا يجريك على معصيته وخف الله خوفا
لا يؤيسك من رحمته.
قال الصادق " عليه السلام ": البكاؤن خمسة: آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي
ابن الحسين صلوات الله عليهم فاما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه مثل الأودية.
واما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له تالله تفتأ تذكر يوسف
حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين.
وأما يوسف، فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا أما أن تبكي
بالنهار وتسكت بالليل، واما ان تبكي بالليل وتسكت بالنهار، فصالحهم على واحد منهما.
وأما فاطمة بنت محمد عليهما السلام فبكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تأذى بها أهل
450

المدينة وقالوا لها قد آذيتينا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي
حتى تقضى حاجتها ثم تنصرف، وأما علي بن الحسين عليهما السلام فبكى على الحسين
عشرين سنة أو أربعين، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له جعلت
فداك يا بن رسول الله انى أخاف عليك أن تكون من الجاهلين قال: إنما أشكو بثي وحزني
إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون انى لم اذكر مصرع بنى فاطمة إلا خنقتني العبرة.
وقال موسى " عليه السلام ": يا إلهي فما جزاء من دمعت عينه من خشيتك؟ قال: يا موسى
أقي وجهه من حر النار، وآمنه يوم الفزع الأكبر.
قال الصادق " عليه السلام ": لما حضر الحسن بن علي عليهما السلام الوفاة بكى فقيل: يا بن
رسول الله تبكي؟ ومكانك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي أنت به وقد قال فيك
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قال، وقد حججت عشرين حجة ماشيا، وقد قاسمت ربك ثلاث
مرات حتى النعل والنعل، فقال عليه السلام: إنما أبكى لخصلتين: لهول المطلع
وفراق الأحبة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا في المنام من أمتي قد هوت صحيفة قبل شماله
فجاء خوفه من الله فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه، ورأيت رجلا من أمتي قد هوى في
النار فجاءته دموعه التي بكى من خشية الله فاستخرجه من ذلك.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ذرفت عيناه من خشية الله كان له بكل قطرة قطرت من
دموعه قصرا في الجنة مكللا بالدر والجوهر فيه ما لا عين رأت، ولا اذن سمعت
ولا خطر على قلب بشر.
قال الصادق " عليه السلام ": ان الرجل ليكون بينه وبين الجنة أكثر مما بين الثرى إلى العرش
لكثرة ذنوبه فما هو إلا أن يبكى من خشية الله عز وجل ندما عليها حتى يصير بينه وبينها
أقرب من جفنه إلى مقلته.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين
ولا أجمع له أمنين فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا آمنته
يوم القيامة.
قال رجل من الأنصار: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستظل بظل شجرة في يوم شديد الحر
إذ جاء رجل فنزع ثيابه، ثم جعل يتمرغ في الرمضاء يكوى ظهره مرة وبطنه مرة
451

وجبهته مرة ويقول يا نفس ذوقي فما عند الله عز وجل أعظم مما صنعت بك
ورسول الله (صلى الله عليه وآله) ينظر إلى ما يصنع، ثم إن الرجل لبس ثيابه ثم أقبل فأومى إليه
النبي (صلى الله عليه وآله) ودعاه فقال له: يا عبد الله لقد رأيتك صنعت شيئا ما رأيت أحدا من الناس
صنعه فما حملك على ما صنعت؟ فقال الرجل: حملني على ذلك مخافة الله عز وجل قلت
لنفسي يا نفس ذوقي فما عند الله أعظم مما صنعت بك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لقد خفت
ربك حق مخافته وان ربك ليباهي بك أهل السماء، ثم قال لأصحابه: يا معشر من حضر
ادنوا من صاحبكم حتى يدعو لكم فدنوا منه فدعى لهم، وقال: اللهم اجمع أمرنا على
الهدى واجعل التقوى زادنا والجنة مآبنا.
قال علي بن الحسين عليهما السلام: يا بن آدم انك ما تزال بخير ما كان لك واعظ
من نفسك وما كانت المحاسبة من همتك، وما كان الخوف لك شعارا والحزن لك دثارا
ابن آدم انك ميت ومبعوث ومسؤول فأعد جوابا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من بكى على ذنبه حتى تسيل دموعه على لحيته حرم الله
ديباجة وجهه على النار.
وقال صلى الله عليه وآله: من خرج من عينيه مثل الذباب من الدمع من خشية الله
آمنه الله يوم الفزع الأكبر.
وقال صلى الله عليه وآله: كان داود " عليه السلام " يعوده الناس ويظنون انه مريض وما به
من مرض إلا خوف الله والحياء منه.
وقال أيضا عليه السلام: العبد المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدرى
ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدرى ما الله قاض فيه فليتزود العبد من نفسه لنفسه
ومن دنياه لآخرته فوالذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من
دار إلا الجنة أو النار.
قال علي بن الحسين سيد العابدين عليهما السلام:
مليك عزيز لا يرد قضائه * عليم حكيم نافذ الامر قاهر
عنا كل ذي عز لعزة وجهه * وكل عزيز للمهيمن صاغر
لقد خشعت واستسلمت وتصغرت * لعزة ذي العرش الملوك الجبابر
وفى دون ما عاينت من فجعاتها * إلى رفضها داع بالزهد آمر
452

وجد فلا تغفل فعيشك زائل * وأنت إلى دار المنية صائر
ولا تطلب الدنيا فان طلابها * وان نلت منها غبها لك ضائر
وقال آخر: ألا يا نفس جدي واستعدى * ليوم ليس يجزى فيه عز
ولا يحنوا عليك أب شفيق * ولا أم ولا يؤويك حزب
مجلس في ذكر فضل الفقر والقوت
وما أشبه ذلك
قال الله تعالى في سورة البقرة: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله) الآية.
قال الله تعالى في سورة الأنعام: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي).
وقال تعالى في سورة الكهف: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة
والعشي يريدون وجهه) الآية.
وقال تعالى في سورة البقرة: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا
ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين).
وقال أيضا في هذه السورة: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم
واشكروا الله ان كنتم إياه تعبدون)
وقال تعالى في سورة المزمل: (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في
الأرض ويبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله) فساوى الله سبحانه بين
درجة المكتسبين ودرجة المجاهدين.
وقال تعالى في سورة الأعراف: (وكلوا وشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).
وقال تعالى في سورة طه لنبيه: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم
زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى، وأمر أهلك بالصلاة واصطبر
عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) الآية.
قال أبو الحسن موسى عليه السلام: ان الأنبياء وأولاد الأنبياء واتباع
453

الأنبياء عليهم السلام خصوا بثلاث خصال: السقم في الأبدان وخوف السلطان والفقر.
قال الرضا " عليه السلام ": من لقي فقيرا مسلما فسلم عليه خلاف سلامه على الغنى لقي الله يوم
القيامة وهو عليه غضبان.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": الفقر يخرس الفطن عن حجته، والمقل غريب في بلدته
طوبى لمن ذكر المعاد وعمل للحساب وقنع بالكفاف، الغنى في الغربة وطن والفقر في
الوطن غربة القناعة مال لا ينفد الفقر الموت الأكبر، ان الله سبحانه فرض في أموال
الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما منع غنى ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء
طلبا لما عند الله وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله، القناعة كنز لا ينفد.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من استذل مؤمنا أو مؤمنة أو حقره لفقره وقلة ذات
يده شهره الله يوم القيامة ثم يفضحه.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في
زمرة المساكين.
وقيل: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال والله انى لأحبك في الله.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ان كنت تحبني فأعد للفقر فان الفقر أسرع إلى من يحبني من
السبيل إلى منتهاه.
وقال صلى الله عليه وآله: انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من فوقكم فإنه
أجدر ان تزدروا نعمة الله.
فقال صلى الله عليه وآله: إذا أحب الله عبدا في الدنيا يوجعه قالوا يا رسول الله
وكيف يوجعه؟ قال في موضع الطعام الرخيص والخير الكثير ولي الله لا يجد طعاما
يملا بطنه.
وقال صلى الله عليه وآله: أبواب الجنة مفتحة على الفقراء والمساكين والرحمة نازلة
على الرحماء والله راض عن الأسخياء.
وقال صلى الله عليه وآله: الفقر فقران فقر الدنيا وفقر الآخرة ففقر الدنيا غنى
الآخرة وغنى الدنيا فقر الآخرة وذاك الهلاك.
وقال صلى الله عليه وآله: ما أوحى إلى أن اجمع المال وأكن من التاجرين ولكن
أوحى إلى أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.
454

وقال لقمان لابنه يا بنى لا تحقرن أحدا بخلقان ثيابه فان ربك وربه واحد.
وقال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام إذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان
للحساب كلاهما من أهل الجنة فقير في الدنيا وغنى في الدنيا فيقول الفقير يا رب على
ما أوقف؟ فوعزتك انك لتعلم انك لم تولني ولاية فاعدل فيها أو أجور ولم ترزقني
مالا فأؤدي منه حقا أو امنع، ولا كان رزقي يأتيني منها إلا كفافا على ما علمت وقدرت
لي فيقول الله جل جلاله صدق عبدي خلو عنه يدخل الجنة ويبقى الآخر حتى يسيل منه
العرق ما لو شربه أربعون بعيرا لكفاه ثم يدخل الجنة فيقول الفقير له ما حسبك فيقول
طول الحساب ما زال الشئ يجيئني بعد الشئ يغفر لي ثم أسأل عن شئ آخر حتى تغمدني
الله عز وجل منه برحمة والحقني بالتائبين فمن أنت؟ فيقول: أنا الفقير الذي كنت معك
آنفا فيقول: لقد غيرك النعيم بعدي.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": ترك نسج العنكبوت في البيت يورث الفقر والبول في الحمام
يورث الفقر والأكل على الجنابة يورث الفقر والتخلل بالطرفاء يورث الفقر والتمشط
من قيام يورث الفقر وترك القمامة في البيت يورث الفقر واليمين الفاجرة يورث الفقر
والزنا يورث الفقر واظهار الحرص يورث الفقر والنوم بين العشائين يورث الفقر
والنوم قبل طلوع الشمس يورث الفقر، واعتياد الكذب يورث الفقر وكثرة الاستماع
إلى الغناء يورث الفقر ورد السائل (الذكر) بالليل يورث الفقر وترك التقدير في المعيشة
يورث الفقر وقطيعة الرحم يورث الفقر، ثم قال عليه السلام ألا أنبئكم بعد ذلك بما يزيد
في الرزق؟ قالوا بلى يا أمير المؤمنين قال: الجمع بين الصلاتين يزيد في الرزق والتعقيب
بعد الغداة وبعد العصر يزيد في الرزق وصلة الرحم يزيد في الرزق والاستغفار يزيد في
الرزق وكسح القاذورات يزيد في الرزق ومواساة الأخ في الله يزيد في الرزق والبكور في طلب
الرزق يزيد في الرزق واستعمال الأمانة يزيد في الرزق، وقول الحق يزيد في الرزق وإجابة
المؤذن يزيد في الرزق وترك الكلام في الخلاء يزيد في الرزق، وترك الحرص يزيد في
الرزق وشكر المنعم يزيد في الرزق، واجتناب يمين الكاذبة يزيد في الرزق، والوضوء
قبل الطعام يزيد في الرزق، واكل ما يسقط عن الخوان يزيد في الرزق، ومن سبح الله
كل يوم ثلاثين مرة دفع الله عنه سبعين نوعا من البلاء أيسرها الفقر.
استأذن العباسي الرضا " عليه السلام " في النفقة على العيال قال بين المكروهين قال: فقلت
455

جعلت فداك لا والله ما اعرف المكروهين، قال: فقال يرحمك الله أما ترى ان
الله عز وجل كره الاسراف وكره الاقتار، وقال والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم
يقتروا وكان بين ذلك قواما.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تعلموا من الغراب خصالا ثلاث: استتاره بالسفاد وبكوره
في طلب الرزق وحذره.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أصبح معافا في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه
فكأنما حيزت له الدنيا يا بن جشعم يكفيك منها ما سد جوعتك، ووارى عورتك فان
يكن بيت يكنك فذاك وان يكن دابة تركبها فبخ بخ وإلا فالخبز والملح وما بعد ذلك
حساب عليك أو عذاب.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): القناعة كنز لا يفنى، وقال ليس الغنى عن كثر العرض
إنما الغنى غنى النفس.
وقال ذو القرنين: من قنع استراح من أهل زمانه واستطال على اقرانه.
وقال المسيح " عليه السلام ": اخرج الطمع عن قلبك يحل القيد من رجلك.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما من أحد غنى، ولا فقير إلا ود يوم القيامة انه كان في
الدنيا أوتي قوتا.
قال العيص بن القاسم: قلت للصادق " عليه السلام " حديث يروى عن أبيك عليه السلام
أنه قال ما شبع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خبز بر قط أهو صحيح؟ فقال: لا ما اكل
رسول الله (صلى الله عليه وآله) خبز بر قط ولا شبع من خبز شعير قط قالت عائشة ما شبع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خبز الشعير حتى مات.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم اجعل رزق محمد قوته، وقال عائشة: ما زالت الدنيا
علينا عسيرة كدرة حتى قبض النبي (صلى الله عليه وآله) فلما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) صبت الدنيا علينا صبا.
وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يأكل على خوان حتى مات ولا أكل
خبزا مرققا حتى مات.
(وروى) علي بن أبي طالب " عليه السلام " عن أبي جحيفة قال: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وأنا أتجشأ فقال يا جحيفة اخفض جشاك فان أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم
جوعا يوم القيامة.
456

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نور الحكمة والمعرفة الجوع، والتباعد من الله الشبع
والقربة إلى الله حب المساكين، والدنو منهم، لا تشبعوا فيطفئ نور المعرفة من قلوبكم
ومن بات يصلى في خفة من الطعام بات حور العين حوله وقال صلى الله عليه وآله
لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، وان القلوب تموت كالزرع إذا كثر عليه الماء.
وسئل صلى الله عليه وآله: ما أكثر ما يدخل النار؟ قال الأجوفان البطن والفرج.
وقال صلى الله عليه وآله: من سعى على عياله في طلب الحلال فهو في سبيل الله.
وقال صلى الله عليه وآله: ان طلب كسب الحلال فريضة بعد فريضة.
قال صلى الله عليه وآله: من اكل الحلال قام على رأسه ملك يستغفر له حتى يفرغ
من اكله وقال إذا وقعت اللقمة من حرام في جوف العبد لعنه كل ملك في السماوات
والأرض ما دامت تلك اللقمة في جوفه لا ينظر الله إليه، ومن أكل اللقمة من الحرام
فقد باء بغضب من الله فان تاب تاب الله عليه فان مات فالنار أولى به. قال الشاعر:
يا عائب الفقر ألا تزدجر * عيب الغنى أكثر لو تعتبر
من شرف الفقر ومن فضله * على الغنى ان صح منك النظر
انك تعصى لتنال الغنى * ولست تعصى الله كي تفتقر
وقال الشافعي:
ألا يا نفس ان ترضى بقوة * فأنت عزيزة أبدا غنية
دعى عنك المطامع والأماني * فكم أمنية جلبت منية
وقال آخر:
ويلهيك عن دار الخلود مطاعم * ولذة عيش غبها غير نافع
ففي حلها نقش الحساب وجرمها * سيورثك الزقوم يوم الوقائع
مجلس في ذكر افشاء السلام
قال الله تعالى في سورة النساء: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها
أو ردوها) الآية.
457

وقال تعالى في سورة الأنعام: (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام
عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة).
وقال تعالى في سورة النور: (وإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند
الله مباركة طيبة).
وقال تعالى في سورة المجادلة: (وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله) الآية.
(وروى) ان اليهود اتت النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا السام عليك يا محمد (والسام بلغتهم
الموت) فقال رسول الله وعليكم فانزل الله تعالى هذه الآية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من
بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه.
وقال عليه السلام: لا تدع أحدا إلى طعامك حتى يسلم.
قال الباقر " عليه السلام ": ثلاث درجات وثلاث كفارات، وثلاث موبقات وثلاث
منجيات فاما الدرجات فافشاء السلام واطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام
والكفارات إسباغ الوضوء في السبرات أي في الزمان البارد من الغداوة والمشي بالليل
والنهار إلى الصلاة والمحافظة على الجماعات، واما الثلاث الموبقات فشح مطاع وهوى
متبع واعجاب المرئ بنفسه، واما المنجيات خوف الله في السر والعلانية والقصد في
الغنى والفقر وكلمة العدل في الرضا والسخط.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يسلم على أربعة: على سكران
في سكره وعلى من يعمل التماثيل، وعلى من يلعب بالنرد، وعلى من يلعب بأربعة عشر
فانا أزيدكم الخامسة أنهاكم ان تسلموا على صاحب الشطرنج.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": ستة لا ينبغي ان يسلم عليهم، وستة من أخلاق قوم
لوط فاما الذي لا ينبغي السلام عليهم: فاليهود والنصارى وأصحاب النرد والشطرنج
وأصحاب الخمر والبربط والطنبور، والمتفكهون بسب الأمهات والشعراء واما الذي من
أخلاق قوم لوط فالجلاهق وهو البندق والخذف ومضغ العلك وارخاء الإزار وحل
الإزار من القبا والقميص.
قال الباقر " عليه السلام ": لا تسلموا على اليهود ولا النصارى، ولا على المجوس ولا عبدة
الأوثان ولا على موائد شراب الخمر، ولا على صاحب الشطرنج والنرد، ولا على
المخنث ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات، ولا على المصلى وذلك أن المصلى
458

لا يستطيع ان يرد السلام لان التسليم من المسلم تطوع والرد عليه فريضة، ولا على آكل
الربى ولا على رجل جالس على غائط، ولا على الذي في الحمام، ولا على الفاسق
المعلن بفسقه.
قال الباقر " عليه السلام ": ان ملكا من الملائكة مر برجل قائم على باب دار فقال الملك
يا عبد الله ما يقيمك على باب هذه الدار؟ قال: فقال أخ لي فيها أردت أن أسلم عليه فقال
له الملك هل بينك وبينه رحم ماسة أو نزعتك إليه حاجة؟ قال: فقال لا ما بيني وبينه
قرابة ولا نزعتني إليه حاجة إلا اخوة الاسلام وحرمته، وانا أتعاهده وأسلم عليه لله رب
العالمين فقال: انى رسول الله إليك وهو يقرئك السلام: ويقول إنما إياي أردت ولى
تعاهدت وقد أوجبت لك الجنة وأعفيتك من غضبى، وآجرتك من النار ومعنى قول
العبد لأخيه: السلام عليك أي السلامة لك منى كما قال تعالى: فسلام لك من أصحاب اليمين
أي سلامة، وقيل إذا سلم الرجل على المطيع المتقى كان معناه يكرمك ويثيبك على طاعتك
فإذا سلم على أهل المعصية كان معناه السلام مطلع عليك وانتبه ولا تغفل.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): السلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم فان الرجل
المسلم إذا مر بالقوم فسلم عليهم فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب.
وقال صلى الله عليه وآله: ان أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وان أبخل الناس
من بخل بالسلام.
قال عمار بن ياسر: ثلاث من جمعهن جمع الايمان: الانفاق من الاقتار والانصاف
من نفسك، وبذل السلام إلى العالم.
مجلس في ذكر الحياء
قال الله تعالى في سورة النساء: (يستخفون من الناس، ولا يستخفون من الله).
وقال في سورة المجادلة: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة
إلا هو سادسهم) الآية.
459

قال أبو الحسن الأول " عليه السلام ": ما بقي من أمثال الأنبياء عليهم السلام إلا كلمة إذا لم
تستحي فاعمل ما شئت وانها في بنى أمية.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": ان الله تبارك وتعالى جعل الشهوة عشرة اجزاء تسعة منها
في النساء وواحدة في الرجال، ولولا ما جعل الله فيهن من اجزاء الحياء على قدر اجزاء
الشهوة لكان لكل رجل تسع نسوة متعلقات به.
وقال عليه السلام: الحياء عشرة اجزاء تسعة في النساء وواحد في الرجال فإذا
حاضت الجارية ذهب جزئين من حيائها فإذا تزوجت ذهب جزئين وبقي لها خمسة اجزاء
فان فجرت ذهب حياؤها كله، وان عفت بقي خمسة اجزاء.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الايمان عريان ولباسه الحياء، وزينته الوفاء ومروته
العمل الصالح وعماده الورع، ولكل شئ أساس وأساس الاسلام حبنا أهل البيت.
قال الصادق " عليه السلام ": ثلاث من لم يكن فيه فلا يرجى خيره أبدا من لم يخشى الله في
الغيب ولم يرع عند الشيب ولم يستحى من العيب.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما كان الحياء في شئ قط إلا زانه، ولا كان الفحش في شئ
قط إلا شانه.
وقال صلى الله عليه وآله: ان لكل دين خلقا، وان خلق الاسلام عارضة الحياء.
وقال صلى الله عليه وآله: الحياء من الاحياء من الايمان.
وقيل له صلى الله عليه وآله: أوصني قال: استحي من الله كما تستحي من الرجل
الصالح من قومك.
وقال صلى الله عليه وآله: استحيوا من الله حق الحياء قيل إنا نستحي يا رسول الله
قال ليس كذلك ولكن من استحي من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى والبطن
وما حوى وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد
استحى من الله حق الحياء.
وقيل: من كساه الحياء ثوبه خفى على الناس عيبه.
قال الشاعر:
إذا لم تخش عاقبة الليالي * ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير * ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
460

يعيش المرئ ما استحيى بخير * ويبقى العود ما بقي الحياء
ورب قبيحة ما حال بيني * وبين ركوبها إلا الحياء
فكان هو الدواء لها ولكن * إذا ذهب الحياء فلا دواء
ومخرق عنه القميص تخاله * وسط البيوت من الحياء سقيما
حتى إذا رفع اللواء رأيته * تحت اللواء على الخميس زعيما
مجلس في ذكر قتل النفس والزنا
قال الله تعالى في سورة النساء: (من قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم
خالدا فيها) الآية.
قال تعالى في سورة سبحان: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق).
وقال فيها: (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عند الله تبارك وتعالى
من رجل قتل نبيا أو إماما أو هدم الكعبة التي جعلها الله قبلة لعباده أو افرغ ماءه في
امرأة حراما.
وقال صلى الله عليه وآله: ما عجت الأرض إلى ربها كعجتها من ثلاثة: من دم
حرام يسفك عليها أو اغتسال من زنا أو النوم عليها قبل طلوع الشمس.
قال الصادق " عليه السلام ": أوحى الله عز وجل إلى داود " عليه السلام " يا داود بي فافرح وبذكري
فتلذذ وبمناجاتي فتنعم فعن قليل أخلي الدار عن الفاسقين واجعل لعنتي على الظالمين.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لزوال الدنيا أيسر على الله من قتل المؤمن.
وقال صلى الله عليه وآله: لو أن أهل السماوات السبع وأهل الأرضين السبع
اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله عز وجل جميعا في النار.
وقال صلى الله عليه وآله: أول ما يقضى يوم القيامة الدماء.
وقال صلى الله عليه وآله: لو أن رجلا قتل بالمشرق وآخر رضى بالمغرب كان كمن
قتله واشترك في دمه.
461

قال الصادق " عليه السلام ": أوحى الله عز وجل إلى موسى " عليه السلام " قل للملا من بني إسرائيل
إياكم وقتل النفس الحرام بغير الحق فمن قتل منكم نفسا في الدنيا قتله الله في النار مائة قتلة
مثل قتلته صاحبه.
وقال الباقر " عليه السلام ": أول ما يحكم يوم القيامة فهو حق بني آدم فيوقف بني آدم فيفصل
بينهم ثم الذين يلونهم من أصحاب الدماء حتى لا يبقى منهم أحد ثم الناس بعد ذلك فيأتي
المقتول قاتله يشخب دمه في وجهه فيقول هذا قتلني فيقول أنت قاتله ولا يستطيع ان
يكتم الله حديثا.
قال الصادق " عليه السلام ": من لم يبال ما قال وما قيل فهو شرك شيطان، ومن لم يبال
ان يراه الناس مسيئا فهو شرك الشيطان ومن اغتاب أخاه المؤمن من غير ترة بينهما فهو
شرك شيطان ومن شغف بمحبة الحرام وشهوة الزنا فهو شرك شيطان.
ثم قال عليه السلام: ان لولد الزنا علامات: أحدها بغضنا أهل البيت وثانيها انه
يحن إلى الحرام الذي خلق منه وثالثها الاستخفاف بالدين ورابعها سوء المحضر للناس
ولا يسئ محضر إخوانه إلا من ولد على غير فراش أبيه أو من حملت به أمه في حيضها.
قال الصادق " عليه السلام ": إذا فشت أربعة ظهرت أربعة إذا فشى الزنا ظهر الزلازل وإذا
أمسكت الزكاة هلكت الماشية، وإذا جار الحكام في القضاء امسك القطر من السماء فإذا
حقرت الذمة نصر المشركون على المسلمين.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يحب الزنا.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من زنى بامرأة مسلمة أو يهودية أو نصرانية أو مجوسية
حرة أو أمة ثم لم يتب ومات مصرا عليه فتح الله في قبرة ثلاثمائة باب تخرج منها حياة
وعقارب وثعبان النار إلى يوم القيامة وإذا بعث من قبره تأذى الناس من نتن ريحه
فيعرف بذلك وبما كان يعمل في دار الدنيا حتى يؤمر به إلى النار.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا معشر المسلمين إياكم والزنا فان فيه ست خصال: ثلاث
في الدنيا وثلاث في الآخرة.
فأما التي في الدنيا فإنه يذهب البهاء ويورث الفقر وينقص العمر.
وأما التي في الآخرة فإنه يوجب سخط الرب عز وجل وسوء الحساب والخلود في
النار ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: سولت لهم أنفسهم ان سخط الله عليهم وفى
462

العذاب هم خالدون.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كثر الزنا كثر موت الفجأة.
قال الصادق " عليه السلام ": لما أقام الله العالم الجدار أوحى الله تعالى إلى موسى " عليه السلام " انى
مجازى الأبناء بسعي الآباء قلت إن خيرا فخير وان شرا فشر لا تزنوا فتزني نساؤكم ومن
وطئ فراش امرء مسلم وطئ فراشه كما تدين تدان.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": إذا كان يوم القيامة أهب الله ريحا منتنة يتأذى بها أهل
الجمع حتى إذا همت ان تمسك بأنفاس ناداهم: هل تدرون ما هذه الريح التي قد آذتكم؟
فيقولون: لا وقد آذتنا وبلغت منا كل مبلغ، قال فقال: هذه ريح فروج الزناة الذين
لقوا الله بالزنا، ثم لم يتوبوا فالعنوهم لعنهم الله قال: ولا يبقى أحد إلا قال: اللهم العن الزناة.
مجلس في ذكر الخمر والربى
قال الله تعالى في سورة المائدة: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) الآية.
وقال تعالى في سورة البقرة: (الذين يأكلون الربى لا يقومون إلا كما يقوم الذي
يتخبطه الشيطان من المس).
وقال تعالى في سورة البقرة: (وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من
ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).
سئل أبو عبد الله " عليه السلام ": عن السفلة قال من يشرب الخمر ويضرب بالطنبور.
وقال عليه السلام: ان لله تعالى كل يوم ينادى مهلا مهلا عباد الله عن معاصي الله
فلولا بهائم رتع وصبية رضع وشيوخ ركع لصب عليكم العذاب صبا ترضون به رضا.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر لا يجلس على مائدة
يشرب عليها الخمر.
قال الصادق " عليه السلام ": ثلاثة لا يدخلون الجنة السفاك للدم وشارب الخمر ومشاء بنميمة.
463

قال الباقر " عليه السلام ": لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخمر عشرة غارسها وحارسها وعاصرها
وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها.
قال أبو جعفر " عليه السلام ": من شرب الخمر لم تقبل صلاته أربعين يوما فان ترك الصلاة
في هذه الأيام ضوعف عليه العذاب لترك الصلاة.
وفى خبر آخر ان شارب الخمر تتوقف صلاته بين السماء والأرض فإذا تاب
ردت عليه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أول ما نهاني ربى عنه عن عبادة الأوثان وشرب الخمر
وملاحاة الرجال ان الله تبارك وتعالى بعثني رحمة للعالمين ولأمحق المعازف والمزامير
وأمور الجاهلية وأوثانها وأزلامها واحداثها اقسم ربى جل جلاله فقال لا يشرب عبد لي
خمرا في الدنيا إلا سقيته يوم القيامة مثل ما يشرب منها من الحميم معذبا بعد أو مغفورا له.
وقال صلى الله عليه وآله: لا تجالسوا شارب الخمر ولا تزوجوه ولا تزوجوا إليه
وان مرض فلا تعودوه وان مات فلا تشيعوا جنازته، ان شارب الخمر يجئ يوم القيامة
مسودا وجهه مزرقة عيناه مائلا شدقه سائلا لعابه دالعا لسانه من قفاه.
وقال صلى الله عليه وآله: شارب الخمر ان مرض فلا تعودوه، وان شهد فلا
تقبلوه وان ذكر فلا تزكوه، وان خطب فلا تزوجوه، وان حدث فلا تصدقوه وان
مات فلا تشهدوه شارب الخمر يلقى الله عز وجل كعابد الوثن، شارب الخمر يأتي عليه حال
لا يعرف فيها ربه عز وجل ان شرب الخمر ذنب يعلو كل ذنب كما أن شجرة تعلو كل شجرة
شارب الخمر يأتي يوم القيامة مسودا وجهه ينادى بالويل والثبور.
وأوصى قصى بن كلاب بنيه: فقال: يا بنى إياكم وشرب الخمر فإنها ان أصلحت
الأبدان أفسدت الأذهان.
قال الصادق " عليه السلام ": شرب الخمر أشد من ترك الصلاة أو تدرى لم ذلك؟ قال: لا قال
لأنه يصير في حال لا يعرف فيها ربه.
وسئل عن مدمن الخمر قال: إذا وجد شرب.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من وضع الخمر على كفه لم يقبل الله له دعوة ومن شربها
لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا ومن أدمن عليها كتب من أهل الخبال.
قيل: وما الخبال يا رسول الله؟ قال: عصارة أهل النار وصديدهم.
464

بيت الله الحرام يا علي درهم من ربى عند الله أعظم من سبعين زنية بذات محرم في بيت
الله الحرام.
وقال بلفظ آخر الربى سبعون بابا أهونها عند الله كالذي ينكح أمه.
قال الصادق عليه السلام: كل ربى شرك.
وقال عليه السلام: درهم ربا أعظم عند الله تعالى من سبعين زنية كلها بذات محرم.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": معاشر الناس الفقه ثم المتجر الفقه ثم المتجر والله الربى
في هذه الدنيا اخفى من دبيب النمل على الصفا.
وقال عليه السلام: من لم يتفقه في دينه ثم اتجر ارتطم في الربى ثم ارتطم في النار.
مجلس في ذكر وبال الظلم
قال الله تعالى في سورة إبراهيم: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون).
وقال تعالى في سورة الشعراء: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاث خصال من كن فيه استكمل الايمان: الذي إذا رضى
لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق، وإذا قدر
لم يتعاط ما ليس له.
قال الصادق " عليه السلام ": انى لأرجو النجاة لهذه الأمة لمن عرف حقنا منهم إلا لاحد
ثلاث: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى والفاسق المعلن.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أعدل الناس من يرضى للناس ما يرضى لنفسه، وكره لهم
ما يكره لنفسه، وأعتى الناس من قتل غير قاتله وضرب غير ضاربه.
قال الباقر " عليه السلام ": لما حضرت علي بن الحسين " عليه السلام " الوفاة ضمني إلى صدره ثم قال يا بنى
أوصيك بما أوصاني به أبى عليه السلام حين حضرته الوفاة، وبما ذكر إن أباه أوصى
به فقال به يا بني إياكم وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله.
قال الصادق " عليه السلام ": من تولى امرا من أمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره
ونظر في أمور الناس كان حقا على الله عز وجل ان يؤمن روعته يوم القيامة
465

ويدخله الجنة.
وقال عليه السلام: إذا أراد الله برعية خيرا جعل لها سلطانا رحيما وقيض له
وزيرا عادلا.
وقال الباقر " عليه السلام " الظلم ثلاثة: ظلم يغفره الله عز وجل وظلم لا يغفره وظلم لا يدعه
فاما الظلم الذي لا يغفره عز وجل فالشرك بالله واما الظلم الذي يغفره عز وجل فظلم
الرجل نفسه فيما بينه وبين الله عز وجل، واما الظلم الذي لا يدعه الله عز وجل
فالمدانية بين العباد.
وقال عليه السلام: ما يأخذ المظلوم من دنيا الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من
دنيا المظلوم.
قال الصادق " عليه السلام ": من الجور قول الراكب للماشي الطريق الطريق.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان عيسى بن مريم " عليه السلام " قام في بني إسرائيل فقال يا بني إسرائيل
لا تحدثوا بالحكمة الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تعينوا الظالم
على ظلمهم فيبطل فضلكم.
قال الصادق " عليه السلام ": إذا ظلم الرجل فظل يدعو على صاحبه قال الله تعالى جل جلاله
ان ها هنا آخر يدعو عليك يزعم انك ظلمته فإن شئت أجبتك وأجبت عليك وإن شئت
أخرتكما فيوسعكما عفوي.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد، ويوم المظلوم
على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم، للظالم من الرجال ثلاث علامات: يظلم من فوقه
بالمعصية، ومن دونه بالغلبة ويظاهر القوم الظلمة.
سئل أمير المؤمنين " عليه السلام ": أيما أفضل العدل أو الجود؟ فقال العدل يضع الأمور
مواضعها والجود يخرجها عن جهتها والعدل سايس عام والجود عارض خاص فالعدل
أشرفهما وأفضلهما، أحذر العسف والحيف فان العسف يعود بالجلاء والحيف يدعو إلى
السيف.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إياكم والظلم فإنه يخرب قلوبكم.
وقال أيضا: أحب الناس يوم القيامة وأقربهم من الله مجلسا إمام عادل، ان
أبغض الناس إلى الله وأشدهم عذابا إمام جائر.
466

وقال صلى الله عليه وآله: من أصبح ولا يهم بظلم أحد غفر له ما اجترم.
قال الشاعر:
لكل ولاية لابد عزل * وصرف الدهر عقد ثم حل
وأحسن سيرة تبقى لوال * على الأيام إحسان وعدل
مجلس في ذكر حفظ اللسان والصدق
والاشتغال عن عيوب الناس
قال الله تعالى في سورة التوبة: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا
مع الصادقين).
وقال تعالى في سورة الحجرات: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من
الظن ان بعض الظن إثم ولا تجسسوا، ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل
لحم أخيه ميتا).
وقال تعالى في سورة " ق ": (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
وقال تعالى: (ويل لكل همزة لمزة).
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": ما شئ أحق بطول الحبس من اللسان.
وقال الصادق " عليه السلام ": لا يزال العبد المؤمن يكتب محسنا ما دام ساكتا فإذا تكلم
كتب محسنا أو مسيئا.
قال علي بن الحسين عليهما السلام: حق اللسان اكرامه من الخنا وتعويده الخير
وتركه الفضول التي لا فائدة لها، والبر بالناس وحسن القول فيهم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تقبلوا إلى ست خصال أتقبل لكم الجنة إذا حدثتم فلا
تكذبوا وإذا وعدتم فلا تخلفوا وإذا ائتمنتم فلا تخونوا وغضوا ابصاركم واحفظوا
فروجكم وكفوا أيديكم وألسنتكم.
قال الصادق " عليه السلام ": كونوا لنا زينا لا تكونوا علينا شينا قولوا للناس حسنا
واحفظوا ألسنتكم وكفوها عن الفضول وقبيح القول.
467

قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": لا يصلح من الكذب جد ولا هزل وان يعد أحدكم صبيته
ثم لا يفي له، ان الكذب يهدى إلى الفجور، والفجور يهدى إلى النار ولا يزال أحدكم
يكذب حتى يقال كذب وفجر وما يزال أحدكم يكذب حتى لا يبقى في قلبه موضع إبرة
صدق فيسمى عند الله كذابا.
وقال زرارة: سألت أبا جعفر " عليه السلام ": ما حق الله على العباد؟ قال: أن لا يقولوا
ما لا يعلمون ويقفوا عندما يعلمون.
وقال الصادق " عليه السلام ": ان الله تبارك وتعالى عير عباده بآيتين من كتابه أن لا يقولوا
حتى يعلموا ولا يرووا ما لم يعلموا.
قال الله عز وجل: (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله
إلا الحق).
وقال: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله.
(وروى) ان سلمان رضي الله عنه مر على المقابر، فقال: السلام عليكم يا أهل
القبور من المؤمنين والمسلمين يا أهل الديار هل علمتم ان اليوم جمعة فلما انصرف إلى منزله
ونام وملكته عيناه أتاه آت وقال وعليك السلام يا أبا عبد الله تكلمت فسمعنا وسلمت
فرددنا وقلت هل تعلمون ان اليوم جمعة وقد علمنا ما يقول الطير في يوم الجمعة قال
وما يقول؟ قال: يقول قدوس ربنا الرحمن ما يعرف عظمة الله من يحلف باسمه كاذبا.
قال الصادق " عليه السلام ": ان الله تبارك وتعالى ليبغض المنفق سلعته بالايمان.
وقال: من حلف بالله فليصدق ومن لم يصدق فليس من الله ومن حلف له بالله
فليرض، ومن لم يرض فليس من الله.
قال الباقر " عليه السلام ": ان الله تعالى خلق ديكا ابيض عنقه تحت العرش ورجلاه في تخوم
الأرض السابعة له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب لا تصيح الديكة حتى يصيح فإذا صاح
خفق بجناحيه ثم قال: سبحان الله العظيم الذي ليس كمثله شئ فيجيبه الله فيقول: ما آمن
بما يقول من يحلف بي كاذبا.
قال الصادق " عليه السلام ": من حلف على يمين وهو يعلم أنه كاذب فقد بارز الله.
وسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم قيل ويكون بخيلا؟ قال
نعم قيل ويكون كذابا؟ قال لا.
468

قال صلى الله عليه وآله: من صمت نجا.
قال: البلاء موكل بالمنطق أو بالقول.
وقال: أكثر خطايا ابن آدم في لسانه ومن كف لسانه ستر الله عز وجل عورته
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به فإذا تكلمت به صرت في
وثاقه فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك فرب كلمة سلبت نعمة لا تقل ما لم تعلم فان
الله سبحانه وتعالى قد فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك يوم القيامة هانت
عليه نفسه من امر عليها لسانه، ومن كثر كلامه كثر خطأه ومن كثرة خطأه قل حياؤه
ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاث من كن فيه أو واحدة منها كان في ظل عرش
الله عز وجل يوم لا ظل إلا ظله: رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لها ورجل
لم يقدم رجلا ولم يؤخر أخرى حتى يعلم أن ذلك لله فيه رضى أو سخط ورجل لم يعب
أخاه المسلم بظهر الغيب حتى ينفى ذلك العيب من نفسه فإنه لا ينفى منها عيبا إلا بدا له عيب
وكفى بالمرئ شغلا بنفسه عن الناس.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": قال الله تعالى لموسى " عليه السلام " احفظ وصيتي، لك بأربعة أشياء
أولهن ما دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشغل بعيوب غيرك.
والثانية ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت لا تغتم بسبب رزقك.
والثالثة ما دمت لا ترى زوال ملكي فلا ترج أحدا غيري.
والرابعة ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تأمن مكره.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة أبدا
ومن اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما وكان المغتاب في النار خالدا فيها
وبئس المصير.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس.
بالغيبة اجتنب الغيبة فإنها أدام كلاب النار.
قال الصادق " عليه السلام ": من الغيبة ان تقول في أخيك ما ستره الله عليه وان من البهتان
ان تقول في أخيك ما ليس فيه.
وقال: من قال في أخيه المؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو ممن قال الله تعالى
469

ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة.
قال الباقر " عليه السلام ": بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين يطرد أخاه شاهدا
ويأكله غائبا ان أعطى حسده، وان ابتلى خذله.
قال الصادق " عليه السلام ": من لقي الناس بوجه، وعابهم بوجه جاء يوم القيامة وله لسان
من نار.
وقال الصادق " عليه السلام ": قال عيسى بن مريم " عليه السلام " لبعض أصحابه ما لا تحب أن يفعل بك
فلا تفعله بأحد، وان لطم أحد خدك الأيمن فاعطه الأيسر.
وقال عليه السلام: لا تغتب فتغتب، ولا تحفر لأخيك حفيرة فتقع فيها فإنك
كما تدين تدان.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الجلوس في المسجد انتظارا للصلاة عبادة ما لم يحدث قيل
يا رسول الله ما الحدث؟ قال: الاغتياب.
وقال أمير المؤمنين " عليه السلام ": ما عمر مجلس بالغيبة إلا خرب من الدين فنزهوا أسماعكم
عن استماع الغيبة فان القائل والمستمع لها شريكان في الاثم، ولقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يقول الغيبة أدام كلاب النار من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره، ومن نظر
في عيوب الناس فأنكرها، ثم رضيها لنفسه فذاك الأحمق بعينه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من بهت مؤمنا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه أقامه
الله عز وجل على تل من نار حتى يخرج مما قال فيه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى يسقون من
الحميم والجحيم ينادون بالويل والثبور يقول أهل النار بعضهم لبعض ما بال هؤلاء
الأربعة؟ قد آذونا على ما بنا من أذى فرجل معلق من تابوت من جمر، ورجل يجز
أمعاؤه ورجل يسيل فوه قيحا ودما، ورجل يأكل لحمه فيقال لصاحب التابوت ما بال
الأبعد قد آذنا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: ان الأبعد قد مات وفى عنقه أموال
الناس لم يجد لها في نفسه أداء ولا وفاءه.
ثم يقال الذي يجز أمعاؤه ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول
ان الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول من جسده، ثم يقال للذي يسيل فوه قيحا
ودما ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول ان الأبعد كان يحاكى ينظر
470

إلى كل كلمة خبيثة فيسندها ويحاكى بها، ثم يقال للذي كان يأكل لحمه: ما بال الأبعد قد
آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: ان الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة
ويمشى بالنميمة.
قال الله عز وجل: (وامرأته حمالة الحطب) قال مجاهد كانت تمشى بالنميمة.
وقيل: مر رسول الله (صلى الله عليه وآله): بقبرين قال فإنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير
أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة
رطبة فشقها بنصفين، ثم غرس في كل قبر واحدة فقيل يا رسول الله لم صنعت هذا؟
قال: لعلهما ان يخفف عنهما العذاب ما لم ييبسا.
قال جابر: كنا نسير مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهاجت ريح منتنة فقال: إنما هاجت
هذه الريح ان قوما من المنافقين ذكروا قوما من المؤمنين فاغتابوهم.
قال الشاعر:
اخفض الصوت ان نطقت بليل * والتفت بالنهار قبل الكلام
* * * * الحلم زين والسكوت سلامة * فإذا نطقت فلا تكن مهذارا
ما أن ندمت على سكوت مرة * ولقد ندمت على الكلام مرارا
وقال آخر:
تكلم وسدد ما استطعت وإنما * كلامك حي والسكوت جماد
فإن لم تجد قولا سديدا تقوله * فصمتك عن غير السديد سداد
وقال آخر:
تعتب نفسك من لا يعاب * وفى جنبك العيب لا تنكره
وتبصر في العين منى القذا * وفى عينك الجذع لا تبصره
وتعذر نفسك من غير عذر * وغيرك بالعذر لا تعذره
فما أنصف المرئ من نفسه * إذا كان يأتي الذي ينكره
471

مجلس في ذكر الرضا والشكر لله تعالى
قال الله تعالى في سورة البقرة: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم
ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون، هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا).
وقال تعالى فيها: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وانى فضلتكم
على العالمين).
وقال فيها: (واشكروا لي ولا تكفرون).
وقال في سورة المائدة: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت
لكم الاسلام دينا).
وقال فيها: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم وليتم
نعمته عليكم ولعلكم تشكرون).
وقال تعالى في سورة إبراهيم: (لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم ان
عذابي لشديد)
وقال تعالى في سورة السبا: (وقليل من عبادي الشكور).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نعمتان مجهولتان الامن والعافية.
وقال صلى الله عليه وآله: خصلتان كثير من الناس مفتون فيهما الصحة والفراغ.
قال أبو جعفر " عليه السلام ": العبد بين ثلاثة: بلاء وقضاء ونعمة فعليه في البلاء من الله
الصبر فريضة، وعليه في القضاء من الله التسليم فريضة، وعليه في النعمة من الله عز وجل
الشكر فريضة.
قال علي بن الحسين عليهما السلام: من قال الحمد لله الذي هداني فقد أدى شكر كل
نعمة لله عز وجل.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": في قول الله عز وجل: (ولا تنس نصيبك من الدنيا)
قال لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك ان تطلب بها الآخرة.
قال الصادق " عليه السلام ": العافية نعمة خفية إذا وجدت نسيت، وإذا فقدت ذكرت
472

والعافية نعمة يعجز الشكر عنها.
قال الباقر " عليه السلام " لرجل: يا فلان لا تجالس الأغنياء فان العبد يجالسهم هو ويرى
ان لله عليه نعمة فما يقوم حتى يرى أنه ليس لله تعالى عليه نعمة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من رأى يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا أو واحدا على
غير ملة الاسلام فقال: الحمد لله الذي فضلني عليك بالاسلام دينا وبالقرآن كتابا
وبمحمد نبيا وبعلي إماما وبالمؤمنين إخوانا وبالكعبة قبلة لم يجمع الله بينه وبينه في
النار أبدا.
قال الصادق " عليه السلام ": من نظر إلى ذي عاهة أو من قد مثل به أو صاحب بلاء فليقل
في نفسه من غير أن يسمعه الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك فلو شاء لفعل ثلاث مرات فإنه
لا يصيبه ذلك البلاء أبدا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا عطس المرئ المسلم ثم سكت لعلة تكون به قالت الملائكة
عنه الحمد لله رب العالمين فان قال الحمد لله قالت الملائكة يغفر الله لك.
قال الصادق " عليه السلام ": ان الله عز وجل أنعم على قوم بالمواهب ولم يشكروا فصارت
عليهم وبالا وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تظاهرت عليه النعم فليقل: الحمد لله رب العالمين ومن
ألح عليه الفقر فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنه كنز من كنوز
الجنة وفيه شفاء من اثنين وسبعين داءا أدناها الهم.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة
الشكر يا بن آدم إذا رأيت ربك سبحانه يتابع عليك نعمة فاحذره ومن أعطى الشكر لم
يحرم الزيادة قال الله تعالى لئن شكرتم لأزيدنكم احذروا نفار النعم فما كل شارد بمردود.
قال موسى " عليه السلام ": إلهي كيف استطاع آدم ان يؤدى شكر ما أجريت عليه من نعمتك
خلقته بيديك وأسجدت له ملائكتك وأسكنته جنتك فأوحى الله إليه ان آدم علم أن ذلك
كله منى ومن عندي فذلك شكره.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): للطاعم الشاكر كأجر الصائم المحتسب وللمعافى الشاكر
كأجر المبتلى الصابر، وللمعطى الشاكر كأجر المحروم القانع.
وقال الصادق " عليه السلام ": النعمة وحشية فاشكلوها بالشكر.
473

وقيل أيضا: الشكر ان تعتبر أحواله الأربع حال النعمة وحال الشدة وحال الطاعة
وحال المعصية فيقول في حال النعمة: الحمد لله الذي هداني لها، وفي حال الشدة الحمد لله
الذي لم يجعلها أكثر منها ولم يجعلها في الدين وأوجب لي بها اجرا وفى حال الطاعة الحمد لله
الذي وفقني لها وفى حال المعصية الحمد لله الذي لم يخذلني حتى كنت اكفر بدلها والحمد لله
الذي جعلها مما تمحقه التوبة ويعترض عليه عفوه.
وقيل: الشكر زيادة في النعم وأمان من الغير، قال الشاعر:
إذا ما أتيت الخير ثم كفرته * فلست برب العالمين بشاكر
فلو كان للشكر شخصا يرى * إذا ما تأمله الناظر
ليثبته لك حتى تراه * فتعلم انى امرئ شاكر
ولكنه ساكن في الضمير * تحركه الكلم السائر
سعيت ابتغاء الشكر فيما صنعت بي * فقصرت مغلوبا وانى لشاكر
لأنك تعطيني الجزيل بداهة * وانك مما استكثرت من ذاك حاقر
مجلس في ذكر ايذان الشيب والخضاب
وقبح التصابي
قال الله تعالى في سورة الروم: (الله الذي خلقكم من ضعف، ثم جعل من بعد
ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة) الآية.
وقال تعالى في سورة الحديد: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله).
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم
ولهم عذاب اليم: الناتف شيبته والناكح نفسه والمنكوح في دبره.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الشيب في مقدم الرأس يمن، وفى العارضين سخاء وفى
الدوائب شجاعة، وفى القفا شوم.
قال الصادق " عليه السلام ": عن أبيه عن علي عن النبي عليهم السلام إلى أن قال في وصيته
إليه يا علي درهم في الخضاب أفضل من ألف درهم ينفق في سبيل الله وفيه أربع عشر خصلة
474

يطرد الريح من الاذنين ويجلو الغشاوة من البصر ويلين الخياشم، ويطيب النكهة ويشد
اللثة ويذهب بالضنى ويقل الوسوسة من الشيطان وتفرح به الملائكة ويستبشر به المؤمن
ويغيظ به الكافر وهو زينة وطيب ويستحي منه منكر ونكير وهو براءة له في قبره.
قال علي بن المرمل: لقيت موسى بن جعفر عليهما السلام وكان يخضب بالحمرة
فقلت جعلت فداك ليس هذا من خضاب أهلك، قال أجل كنت أخضب بالوسمة
فتحركت علي أسناني ان الرجل كان إذا أسلم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خضبه أمير المؤمنين
بالصفرة فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك، فقال إسلام فخضبه بالحمرة فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله)
فقال: إسلام وإيمان فخضبه بالسواد فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك فقال: إسلام وإيمان ونور.
وقيل لأمير المؤمنين " عليه السلام ": لو غيرت شيبك يا أمير المؤمنين فقال: الخضاب زينة
ونحن قوم في مصيبة.
وقال الباقر " عليه السلام ": أتى رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يقال له شيبة الهذلي فقال يا رسول الله
انى شيخ قد كبر سنى وضعفت قوتي من عمل كنت عودته نفسي من صلاة وصيام وحج
وجهاد فعلمني يا رسول الله كلاما ينفعني الله به وخفف علي يا رسول الله فقال أعدها
فأعادها ثلاث مرات، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما حولك شجرة ولا مدرة إلا وقد بكت
من رحمتك فإذا صليت الصبح فقل عشر مرات سبحان الله العظيم وبحمده ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فان الله عز وجل يعافيك بذلك من العمى والجنون والجذام
والفقر والهرم، فقال: يا رسول الله هذا للدينا فما للآخرة؟ قال: تقول في دبر كل
صلاة: اللهم اهدني من عندك وأفض على من رحمتك وانزل على من بركاتك قال فقبض
عليهن بيده ثم مضى فقال رجل لابن عباس: ما أشد ما قبض عليها خالك فقال النبي (صلى الله عليه وآله) أما ان
وافى بها يوم القيامة لم يدعها متعمدا فتحت له ثمانية أبواب من أبواب الجنة يدخلها من أيها
شاء، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): طوبى لمن طال عمره وحسن عمله فحسن منقلبه إذا رضى عنه
ربه عز وجل، وويل لمن طال عمره وساء عمله فساء منقلبه إذا سخط عليه ربه عز وجل.
وقال أيضا عليه السلام: من أحسن فيما بقي من عمره لم يؤاخذ بما مضى من ذنبه
ومن أساء فيما بقي من عمره اخذ بالأول والآخر.
قال الصادق " عليه السلام ": ان اعرابيا أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج إليه في رداء ممشق فقال
يا محمد خرجت إلي كأنك فتى، فقال صلى الله عليه وآله: نعم يا اعرابي انا الفتى وابن
475

الفتى وأخو الفتى، فقال: يا محمد أما الفتى فنعم وكيف ابن الفتى وأخو الفتى؟ فقال
اما سمعت الله عز وجل يقول: قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم.
وأما أخو الفتى فان مناديا نادى من السماء يوم أحد: لا سيف إلا ذو الفقار
ولا فتى إلا علي فعلي أخي وانا أخوه فقال الرجل: يا رسول الله أسرع إليك الشيب فقال
شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتسائلون.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يوسع المجلس إلا لثلاث لذي سن لسنه وذي علم لعلمه
ولذي سلطان لسلطانه.
وقال أيضا عليه السلام: ثلاثة لا يستخف بحقهم إلا منافق ذو الشيب في الاسلام
والعالم وإمام مقسط.
وقال صلى الله عليه وآله: من شاب شيبة في الاسلام كانت له نورا يوم القيامة
يسعى بها إلى الجنة يقول الرب مرحبا بعبدي شاب في الاسلام ولم يشرك بي شيئا.
قال صلى الله عليه وآله: قال الله تعالى شيبة المؤمن نور من نوري ولا احرق
نوري بناري.
وقال صلى الله عليه وآله: ليس منا من لم يبجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا
ويعرف لعالمنا.
وقال صلى الله عليه وآله: الشيخ في أهله كالنبي في أمته.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": ان العبد لفي فسحة من امره ما بينه وبين أربعين فإذا بلغ
أربعين سنة أوحى الله عز وجل إلى ملائكته انى قد عمرت عبدي عمرا فغلظا وشددا
وتحفظا فاكتبا عليه قليل عمله وكثيره وصغيره وكبيره.
قال وقال أبو جعفر " عليه السلام ": إذا اتت على العبد أربعون سنة قيل له: خذ حذرك
فإنك غير معذور، وليس ابن أربعين سنة أحق بالعذر من ابن عشرين سنة فان الذي
يطلبهما واحد وليس عنهما براقد فاعمل لإمامك من الهول ودع عنك فضول القول.
قال الشاعر:
في كل يوم أرى قد طلعت * كأنما نبتت في باطن البصر
لئن قصصتك بالمقراض عن بصرى * فما قصصتك عن همي وعن فكري
476

لقد نشر المشيب عليك ثوبا * وما بعد المشيب سوى الذهاب
فخذ منه لنفسك لا تضيعه * كما ضيعت أيام الشباب
نخرب ما يدوم لنا ويبقى * ونجهد للعمارة في الخراب
وقال آخر:
كلال العيون ووهن العظام * وبيت المنية لو تعلمينا
فلو كنت تبكين من قد مضى * فابكي على الحي في الهالكينا
وابكي لنفسك جهد البكا * ء ان كنت تبكين أو تعقلينا
وقال آخر:
أليس عجبا بان الفتى * يصاب ببعض الذي في يديه
فمن بين باك له موجع * ومن بين عاد معز عليه
ويسلبه الشيب شرخ الشباب * فليس يعزيه خلق عليه
وقال آخر:
ويحك يا شيخ ما دهاك * تضحك والموت قد علاك
كف من الضحك والتصابي * والموت يا شيخ قد أتاك
مجلس في ذكر التوبة
قال الله تعالى في سورة البقرة: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو
التواب الرحيم).
وقال تعالى فيها: (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم
وأنا التواب الرحيم).
وقال تعالى في سورة آل عمران: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم
ذكروا الله واستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا
وهم يعلمون).
وقال تعالى في سورة النساء: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة
477

ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما * وليست التوبة
للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون
وهم كفارا أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما).
وقال الله في سورة المائدة: في السارق: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فان الله
يتوب عليه).
وقال تعالى في سورة الأنفال: (قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف
وان يعودوا فقد مضت سنة الأولين).
وقال تعالى في سورة هود: (وان استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا
حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله).
وقال تعالى في سورة مريم: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا
الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا).
وقال تعالى في سورة النور: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم
تفلحون).
وقال في سورة الزمر: (وأنيبوا إلى ربكم واسلموا من قبل أن يأتيكم العذاب ثم
لا تنصرون).
وقال تعالى في سورة التحريم: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا
عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله جل جلاله: أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الملوك
وقلوبهم بيدي فأيما قوم أطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة وأيما قوم عصوني
جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة ألا لا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك توبوا إلى اعطف
بقلوبكم عليكم.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": في الأرض أمانان من عذاب الله سبحانه وقد رفع أحدهما
فدونكم الآخر فتمسكوا به أما الأمان الذي رفع فهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) واما الأمان الباقي
فهو الاستغفار.
قال الله عز من قائل: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم
وهم يستغفرون) ولا خير في الدنيا إلا لرجلين: رجل أذنب ذنبا فهو يتداركها بالتوبة
478

ورجل يسارع في الخيرات، ومن أعطى التوبة لم يحرم القبول، ومن أعطى الاستغفار
لم يحرم المغفرة وتصديق ذلك في كتاب الله: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم
يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما).
وقال: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب
فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما).
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": لقائل قال بحضرته استغفر الله: ثكلتك أمك أتدري
ما الاستغفار ان الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان: أولها الندم
على ما مضى والثاني العزم على ترك العود إليه أبدا، والثالث ان تؤدى إلى المخلوقين
حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة والرابع ان تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها
فتؤدى حقها والخامس ان تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان
حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد والسادس ان تذيق الجسم ألم الطاعة كما
أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول استغفر الله.
قال الصادق " عليه السلام ": لما نزلت هذه الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم
ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم).
صعد إبليس جبلا بمكة يقال له: ثور فصرخ بأعلا صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه
فقالوا: سيدنا لم دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية فمن لها؟ قال: عفريت من الشيطان
انا لها بكذا وكذا قال: لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك قال: لست لها قال الوسواس
الخناس انا لها قال: بماذا؟ قال أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة
أنسيتهم الاستغفار فقال: أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة.
(وروى) ان معاذ بن جبل دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) باكيا فسلم فرده عليه السلام
ثم قال: ما يبكيك يا معاذ؟ فقال: يا رسول الله ان بالباب شاب طري الجسد نقى اللون
حسن الصورة يبكى على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدخول عليك فقال النبي (صلى الله عليه وآله)
ادخل على الشاب يا معاذ فأدخله عليه فسلم فرد عليه السلام ثم قال: ما يبكيك يا شاب؟
قال: وكيف لا أبكى وقد ركبت ذنوبا ان اخذني الله عز وجل ببعضها أدخلني نار جهنم
ولا أراني إلا سيأخذني ولا يغفر لي أبدا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل أشركت بالله
شيئا قال: أعوذ بالله ان أشرك بربي شيئا قال: أقتلت النفس التي حرم الله؟ قال: لا فقال
479

النبي (صلى الله عليه وآله): يغفر الله لك ذنوبك وان كانت مثل الجبال الرواسي، فقال الشاب: فإنها
أعظم من الجبال الرواسي، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يغفر الله ذنوبك وان كانت مثل الأرضين
السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق قال: فإنها أعظم من الأرضين السبع
وبحارها ورمالها وثمارها وأشجارها وما فيها من الخلق، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يغفر الله
لك ذنوبك وان كانت مثل السماوات ونجومها، ومثل العرش والكرسي قال فإنها أعظم
من ذلك قال: فنظر النبي (صلى الله عليه وآله) كهيئة الغضبان، ثم قال: ويحك يا شاب ذنوبك أعظم
أم ربك؟ فخر الشاب لوجهه وهو يقول: سبحان ربى ما شئ أعظم من ربى ربى أعظم
يا رسول الله من كل عظيم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم؟
قال الشاب: لا والله ثم سكت، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك
قال: بلى أخبرك اني كنت أنبش القبور سبع سنين أخرج الأموات فانزع الأكفان
فماتت جارية من بعض بنات الأنصار فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف الناس عنها
وجن الليل اتيت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها وتركتها
متجردة على شفير قبرها، ومضيت منصرفا فأتاني الشيطان فاقبل يزينها لي ويقول
أما ترى بطنها وبياضها أما ترى وركها فلم يزل يقول لي ذلك حتى رجعت إليها ولم أملك
نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها فإذا انا بصوت من ورائي يقول: يا شاب ويل لك
من ديان يوم الدين يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموت ونزعتني من حفرتي
وسلبتني أكفاني وتركتني أقوم جنبا إلى حسابي فويل لشبابك من النار فما أظن انى أشم
ريح الجنة أبدا فما ترى لي يا رسول الله؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): تنح عنى يا فاسق انى أخاف
ان احترق بنارك فما أقربك من النار ثم لم يزل صلى الله عليه وآله يقول: ويشير إليه
حتى أبعده من بين يديه فذهب فأتى المدينة فتزود منها ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها
ولبس مسحا وغل يديه جميعا إلى عنقه ونادى يا رب هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول
يا رب أنت الذي تعرفني وزل منى ما تعلم سيدي يا رب انى أصبحت من النادمين واتيت
نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تخيب
رجائي سيدي ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما
وليلة تبكي له السباع والوحوش، فلما تمت له أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء
وقال: اللهم ما فعلت في حاجتي؟ ان كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي فأوح إلى
480

نبيك وإن لم تستجب دعائي ولم تغفر لي خطيئتي واردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني
أو عقوبة في الدنيا تهلكني، وخلصني من فضيحة يوم القيامة فانزل الله تبارك وتعالى
على نبيه صلى الله عليه وآله: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم - يعنى بارتكاب
ذنب أعظم من الزنا ونبش القبور واخذ الأكفان - ذكروا الله واستغفروا لذنوبهم
يقول: خافوا الله فعجلوا التوبة ومن يغفر الذنوب إلا الله يقول الله عز وجل أتاك
عبدي يا محمد تائبا فطردته فأين يذهب والى من يقصد؟ ومن يسأل ان يغفر له ذنبا غيري
ثم قال عز وجل: أتاك عبدي يا محمد ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون يقول: لم يقيموا
على الزنا ونبش القبور واخذ الأكفان أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم، وجنات
تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم اجر العاملين، فلما نزلت هذه الآية على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج وهو يتلوها ويبتسم:، فقال لأصحابه: من يدلني على ذلك الشاب
التائب؟ قال معاذ: يا رسول الله بلغنا انه في موضع كذا وكذا فمضى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
حتى انتهوا إلى ذلك الجبل فصعدوا إليه يطلبون الشاب فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين
مغلولة يداه إلى عنقه قد اسود وجهه وتساقطت أشفار عينيه من البكاء وهو يقول
سيدي قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي فليت شعري ماذا تريد بي؟ أفي النار تحرقني
أو في جوارك تسكنني اللهم انك قد أكثرت الاحسان إلي وأنعمت علي فليت شعري
ماذا يكون آخر أمرى إلى الجنة ترزقني أم إلى النار تسوقني؟ اللهم ان خطيئتي أعظم من
السماوات والأرض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم فليت شعري تغفر خطيئتي
أو تفضحني بها يوم القيامة؟ فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكى ويحثو التراب على رأسه
وقد أحاطت به السباع وصف فوقه الطير وهم يبكون لبكائه فدنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأطلق
يديه من عنقه ونفض التراب عن رأسه وقال يا بهلول أبشر فإنك عتيق من النار
ثم قال صلى الله عليه وآله: لأصحابه هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول ثم تلا
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما انزل الله عز وجل فيه وبشره بالجنة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من شئ أحب إلى الله من شاب تائب، وقيل: التوبة تجمع أربعة أشياء: الاستغفار باللسان واضمار وترك العود بالجنان والاقلاع بالأبدان
ومهاجرة من الخلان. قال الشاعر:
سوفت بالتوبة إذ لم تشب * فالآن قد شبت فما تنتظر
481

أبعد شيب الرأس لا ترعوى * وبعد فوت العمر لا تنزجر
يا عجبا انك ذو خبرة * تعلم ما تلقى ولا تزدجر
وقال آخر:
لا والذي سمك السماء بأيده * والأرض صير للأنام مهادا
ان المصر على الذنوب لهالك * صدقت قولي أم أردت عنادا
وقيل: اغسل أربع خصال بأربع خصال: اغسل وجهك بماء العين واغسل
لسانك بالاستغفار، واغسل قلبك بالتفكر، واغسل ذنبك بالتوبة.
مجلس في ذكر الوصية
قال الله تعالى في سورة البقرة: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك
خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية.
وقال صلى الله عليه وآله: ما ينبغي لامرئ مسلم ان يبيت ليلة إلا ووصيته
تحت رأسه.
وقال صلى الله عليه وآله: الوصية تمام ما نقص من الزكاة.
وقال صلى الله عليه وآله: من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته وعقله.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": من أوصى ولم يحف ولم يضاد كان كمن تصدق به في حياته
وقال: ما أبالي أضررت بورثتي أو سرقتهم ذلك المال.
قال الصادق عليه السلام: الوصية حق على كل مسلم.
وقال عليه السلام: ما من ميت يحضره الوفاة إلا رد الله عليه من سمعه وبصره
وعقله للوصية اخذ الوصية أو ترك وهي الراحة التي يقال لها راحة الموت فهي حق على
كل مسلم.
وقال عليه السلام: من لم يوص عند موته لذوي قرابة ممن لا يرث فقد ختم
عمله بمعصية.
482

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته وعقله
قيل يا رسول الله: وكيف يوصى الميت؟ قال: إذا حضرته الوفاة، واجتمع الناس إليه
قال: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم إني أعهد إليك
في دار الدنيا انى اشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك
وان الجنة حق والنار حق وان البعث حق والحساب حق والقدر والميزان حق وان القرآن
كما أنزلت وانك أنت الله الحق المبين جزى الله محمدا (صلى الله عليه وآله) خير الجزاء، وحيا الله محمد
بالسلام اللهم يا عدتي عند كربتي، ويا صاحبي عند شدتي ويا وليي في نعمتي إلهي وإله
آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فإنك ان تكلني إلى نفسي كنت أقرب من الشر وأبعد
من الخير، وآنس في القبر وحشتي، واجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا ثم يوصى بحاجته
وتصديق هذه الوصية في القرآن في سورة التي ذكر فيها مريم في قوله: (لا يملكون الشفاعة
إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) فهذا عهد الميت، والوصية حق على كل مسلم ان يحفظ
هذه الوصية ويعلمها.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": علمنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: علمنيها جبرئيل " عليه السلام ".
قال أحدهما عليهما السلام: ان الله تبارك وتعالى يقول: ابن آدم تطاولت عليكم
بثلاثة: سترت عليكم ما لو علم به أهلك ما واروك وأوسعت عليك واستقرضت منك لك
فلم تقدم خيرا، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيرا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في وصيته لعلي " عليه السلام ": يا علي أوصيك في نفسك لخصال
فاحفظها ثم قال: اللهم أعنه أما الأولى فالصدق لا يخرجك من فيك كذبة أبدا والثانية
الورع لا تجتر على خيانة أبدا، والثالث الخوف من الله تعالى كأنك تراه والرابعة
كثرة البكاء لله يبنى لك بكل دمعة الف بيت في الجنة، والخامسة بذلك مالك ودمك
دون دينك، والسادسة الاخذ بسنتي في صلاتي وصيامي وصدقتي، فأما الصلاة
فالإحدى والخمسون ركعة وأما الصوم فثلاثة في كل شهر: خميس في أوله وأربعاء في
وسطه وخميس في آخره.
وأما الصدقة: فجهدك حتى تقول قد أسرفت ولم تسرف وعليك بصلاة الليل
وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال
وعليك بصلاة الزوال وعليك بتلاوة القرآن على كل حال، وعليك برفع يديك
483

في صلاتك وتقليبها وعليك بالسواك عند كل وضوء وعليك بمحاسن الأخلاق فاركبها
ومساوئ الأخلاق فاجتنبها فإن لم تفعل فلا تلومن إلا نفسك.
مجلس في ذكر أشراط الساعة
قال الله تعالى: (أتى امر الله فلا تستعجلوه).
وقال: (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون).
وقال تعالى في سورة الأنبياء: (واقترب الوعد الحق).
وقال تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر).
(وروى) رجل قال: كنا جلوسا في المدينة في ظل حائط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان
رسول الله في غرفة فاطلع علينا فقال فيما أنتم قلنا نتحدث قال: عماذا؟ قلنا عن الساعة
فقال: انكم لا ترون الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها والدجال
ودابة الأرض وثلاثة خسوف تكون في الأرض: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب
وخسف بجزيرة العرب وخروج عيسى " عليه السلام " وخروج يأجوج ومأجوج، ويكون في آخر
الزمان نار تخرج من اليمن من قعر الأرض لا تدع خلفها أحدا تسوق الناس إلى المحشر
كلما قاموا قامت لهم تسوقهم إلى المحشر.
قال الباقر " عليه السلام ": ان الزلازل والكسوفين والرياح الهائلة من علامات الساعة فإذا
رأيتم من ذلك فتذكروا قيام الساعة وافزعوا إلى مساجدكم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكون في آخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة.
وقال صلى الله عليه وآله: إذا عملت أمتي خمسة عشر خصلة حل بهم البلاء قيل
وما هن يا رسول الله؟ قال: إذا اتخذوا الفئ دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وأطاع
الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه وجفى أباه وشرب الخمر ولبس الحرير والديباج
واتخذوا المعازف والقينات وأكرم الرجل مخافة شره، وكان زعيم القوم أرذلهم ولعن
آخر هذه الأمة أولها، وارتفعت الأصوات في المساجد فليتوقعوا خلالا ثلاثة: ريحا
حمراء وخسفا ومسخا.
484

وقال صلى الله عليه وآله: يأتي على الناس زمان يخير الرجل بين العجز والفخور
فمن أدرك ذلك الزمان فليخير العجز على الفخور.
وقال صلى الله عليه وآله: يأتي الناس زمان يقتل فيه العلماء كما يقتل اللصوص
فيا ليت العلماء تحامقوا في ذلك الزمان.
وقال صلى الله عليه وآله: ان من أشراط الساعة ان يرفع العلم ويظهر الجهل
ويشرب الخمر ويفشوا الزنا وتقل الرجال، وتكثر النساء حتى أن الخمسين امرأة فيهن
واحد من الرجال.
(وروى) أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدى يكون في أمتي
ان قصر عمره فسبع وإلا فثمان أو تسع تنعم أمتي في زمانه نعيما لم ينعموا مثله قط البر
منهم والفاجر يرسل السماء عليهم مدرارا ولا تحبس الأرض شيئا من نباتها والمال
كدوس يأتيه الرجل فيسأله فيجثى له، والصحيح في مقدار مدة ولاية القائم " عليه السلام " ما ذكرناه
في باب إمامته عليه السلام.
وقال صلى الله عليه وآله: إذا فشى فيكم خمس حل بكم خمس: إذا فشى فيكم الزنا
كانت الزلزلة وإذا فشى فيكم الربى كان الخسف، وإذا منعت الزكاة هلكت البهائم وإذا جار
السلطان قحط المطر، وإذا حقرت الذمة كانت الدولة للمشركين على المسلمين قال الشاعر:
يعيب الناس كلهم زمانا * ولا لزماننا عيب سوانا
نعيب زماننا والعيب فينا * ولو نطق الزمان به هجانا
لبسنا للخداع مسوح ضان * فويل للغريب إذا أتانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب * ويأكل بعضنا بعضا عيانا
وقال آخر:
أرى حللا تصان على رجال * واعراضا تهان ولا تصان
يقولون الزمان به فسادا * وهم فسدوا وما فسد الزمان
وأنشد:
ألا قل لمن ذم صرف الزمان * ظلمت الزمان فذم البشر
فما كدرت صفوات الزمان * فتلحى ولكن فينا كدر
485

مجلس في ذكر الموت والروح
قال الله تعالى في سورة آل عمران: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله
كتابا مؤجلا).
وقال فيها: (كل نفس ذائقة الموت).
قال الله تعالى في سورة الأنعام: (ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده).
وقال تعالى في سورة الأعراف: (لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون
ساعة ولا يستقدمون).
وقال تعالى في سورة النحل: (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم
لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
وقال تعالى في سورة المؤمنون: (ما استبق من أمة أجلها وما يستأخرون).
وقال تعالى في سورة القصص: (كل شئ هالك إلا وجهه).
وقال تعالى في سورة فاطر: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في
كتاب ان ذلك على الله يسير).
وقال تعالى في سورة التنزيل: (انك ميت وانهم ميتون).
وقال في سورة نوح: (يغفر لكم ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى ان أجل الله
إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): شيئان يكرهما ابن آدم: يكره الموت فالموت راحة للمؤمن
من الفتنة، ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": ان الله عزو جل يقول انى تطولت على عبادي بثلاث
ألقيت عليهم الريح بعد الروح لولا ذلك ما دفن حميم حميما، وألقيت عليهم السلوة بعد
المصيبة لولا ذلك لم يتهنأ أحد معيشته، وخلق هذه الدابة وسلطها على الحنطة والشعير
لولا ذلك لكنزها ملوكهم كما يكنزون الذهب والفضة.
قال سلمان رضي الله عنه: عجبت لست: ثلاث أضحكتني وثلاث أبكتني فأما الذي
486

أبكتني ففراق الأحبة محمد وحزبه وهو المطلع والوقوف بين يدي الله عز وجل وأما
التي أضحكتني فطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه وضاحك ملا
فيه لا يدرى أرضى الله أم سخط.
قال الصادق " عليه السلام ": إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا
اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت اعلم به منا، قال الله تبارك وتعالى انى قد اخذت
شهادتكم وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون.
قال قيس بن عاصم: وفدت مع جماعة من بنى تميم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فدخلت وعنده
صلصال بن الدلهمس فقلت: يا نبي الله عظنا موعظة ننتفع بها فانا قوم نعيش في البرية
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا قيس ان مع العز ذلا وان مع الحياة موتا وان مع الدنيا آخرة
وان لكل شئ حسيبا وهو على كل شئ رقيب وان لكل أجل كتابا وانه لابد لك
يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت فإن كان كريما أكرمك
وإن كان لئيما أسلمك ثم لا يحشر إلا معك ولا تحشر إلا معه ولا تسأل إلا عنه ولا تجعله
إلا صالحا فإنه إن صلح آنست به، وان فسد لا تستوحش إلا منه وهو فعلك فقال
يا نبي الله أحب أن يكون هذا الكلام في أبيات من الشعر نفخر به على من يلينا من العرب
وندخره فأمر النبي (صلى الله عليه وآله) من يأتيه بحسان قال: فأقبلت أفكر فيما أشبه هذه العظة من
الشعر فاستتب لي القول فيه قبل مجئ حسان فقلت: يا رسول الله قد حضرتني أبيات
احسبها توافق ما تريد فقلت لقيس:
تخير خليطا من فعالك إنما * قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
ولا بد بعد الموت من أن تعده * ليوم ينادى المرئ فيه فيقبل
فان كنت مشغولا بشئ فلا تكن * بغير الذي ترضى به الله تشغل
فلن يصحب الانسان من بعد موته * ومن قبله إلا الذي كان يعمل
ألا إنما الانسان ضيف لأهله * يقيم قليلا بينهم ثم يرحل
قال النبي (صلى الله عليه وآله): أكيس الناس من كان أشد ذكرا للموت، وأغبط الناس من كان
تحت التراب قد أمن العقاب ويرجو الثواب.
قال الصادق " عليه السلام ": ليس يتبع الرجل بعد موته من الاجر إلا ثلاث خصال: صدقة
أجراها في حياته فهي تجرى بعد موته، وسنة هدى سنها فيمن يعمل بها بعد موته
487

وولد صالح يستغفر له.
وقال الصادق " عليه السلام ": خطب أمير المؤمنين " عليه السلام " بالبصرة فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه
وصلى على النبي وآله الدنيا وان طالت قصيرة والماضي للمقيم عبرة والميت للحي عظة
وليس لامس ان مضى عودة ولا المرئ من غد على ثقة الأول للأوسط رائد والأوسط
لآخره قائد وكل لكل مفارق، وكل بكل لاحق، والموت لكل غالب واليوم الهائل
لكل آزف وهو الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
ثم قال عليه السلام: معاشر شيعتي اصبروا على عمل لا غنى بكم عن ثوابه واصبروا عن عمل
لا صبر لكم على عقابه إنا وجدنا الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب
الله عز وجل واعلموا انكم في أجل محدود وأمل ممدود ونفس معدود ولابد لأجل ان
يتناهى والأمل ان يطوى والنفس ان تحصى ثم دمعت عيناه وقرأ (وان عليكم لحافظين
كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون).
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه وإنما هو كفنه ويبنى بناء
ليسكنه وإنما هو موضع قبره وقيل له: ما الاستعداد للموت قال " عليه السلام ": أداء الفرائض
واجتناب المحارم والاشتمال على المكارم ثم لا يبالي أوقع على الموت أو وقع عليه الموت.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": لما أراد الله تبارك وتعالى قبض روح إبراهيم " عليه السلام " اهبط
الله ملك الموت فقال: السلام عليك يا إبراهيم قال: وعليك السلام يا ملك الموت أداعي
أم ناعي؟ قال: بل داعى يا إبراهيم فأجب، قال إبراهيم فهل رأيت خليلا يميت خليله
قال: فرجع ملك الموت حتى وقف بين يدي الله جل جلاله، فقال: إلهي قد سمعت
ما قال خليلك إبراهيم قال الله جل جلاله: يا ملك الموت اذهب إليه وقل هل رأيت حبيبا
يكره لقاء حبيبه ان الحبيب يحب لقاء حبيبه.
قال الصادق " عليه السلام ": من شيع جنازة مؤمن حتى يدفن في قبره وكل الله عز وجل به
سبعين الف ملك من المشيعين يشيعونه ويستغفرن له حتى إذا خرج من قبره.
(وروى) انه جاء جبرئيل " عليه السلام " إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد عش ما شئت
فإنك ميت واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزى به، واعلم أن
شرف الرجل قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس.
قيل للصادق " عليه السلام ": أوصنا فقال عليه السلام: عليك أعد جهازك وقدم زادك لطول
488

سفرك وكن وصى نفسك، ولا تأمن غيرك ان يبعث إليك بما يصلحك.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام " في خطبة طويلة: أيها الناس من مشى على وجه الأرض فإنه
يصير إلى بطنها والليل والنهار مسرعان في هدم الأعمار ولكل ذي رمق قوت ولكل حبة
آكل وأنت قوت الموت، وان من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد لن ينجو من
الموت غنى بماله ولا فقير لاقلاله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا أعد الرجل كفنه كان مأجورا كلما نظر إليه.
رأى الصادق " عليه السلام ": رجلا قد اشتد جزعه على ولده فقال: يا هذا أجزعت للمصيبة
الصغرى وغفلت عن المصيبة الكبرى؟ لو كنت لما صار إليه ولدك مستعدا لما اشتد
عليك جزعك فمصابك بترك الاستعداد له أعظم من مصابك بولدك.
قال أبو عبد الله " عليه السلام ": ان قوما اتوا نبيا لهم فقالوا: ادع لنا ربك يدفع عنا
الموت فدعا لهم فرفع الله عنهم الموت، وكثروا حتى ضاقت بهم المنازل وكثر النسل
وكان الرجل يصبح فيحتاج ان يطعم أباه وأمه وجده وجدته ويوصيهم ويتعاهدهم
فشغلوا عن طلب المعاش فاتوا فقالوا سل ربك ان يردنا إلى آجالنا التي كنا عليها فسأل
ربه عز وجل فردهم إلى آجالهم.
قال الباقر " عليه السلام ": إيما مؤمن غسل مؤمنا فقال: إذا قلبه اللهم هذا بدن عبدك
المؤمن وقد أخرجت روحه منه، وفرقت بينهما فعفوك عفوك غفر الله له ذنوب سنة
إلا الكبائر.
قال الصادق " عليه السلام ": من غسل مؤمنا ميتا فأدى فيه الأمانة غفر له قيل وكيف يؤدى
فيه الأمانة؟ قال: لا يخبر بما يرى.
(وروى) انه سئل الحسين بن علي عليهما السلام فقيل له: كيف أصبحت يا بن
رسول الله قال: أصبحت ولى رب فوقى، والنار امامي والموت يطلبني والحساب محدق
بي وانا مرتهن بعملي لا أجد ما أحب ولا ادفع ما اكره والأمور بيد غيري فإن شاء
عذبني وان شاء عفا عنى فأي فقير أفقر منى.
(وروى) انه مر الصادق " عليه السلام " بقوم وقد مات لهم ميت فوقف عليهم وعزاهم ثم
قال لهم: يا هؤلاء ان الموت ليس بكم بدأ ولا إليكم انتهى فهل كان ميتكم يسافر؟ قالوا
نعم قال فعدوا هذا من بعض أسفاره فان قدم عليكم وإلا فأنتم قادمون.
489

(وروى) انه جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: اتيتك لتعلمني غرائب العلم فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما صنعت في رأس العلم؟ قال: وما رأس العلم؟ قال: هل عرفت الرب
تبارك وتعالى قال: نعم قال: وما صنعت في حقه؟ قال: ما شاء الله عز وجل قال فاذهب
فاحكم ما هناك ثم تعال نعلمك غرائب العلم.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": في خطبة فان الغاية امامكم، وان ورائكم الساعة تحدوكم
تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر بأولكم آخركم، وقال أيضا في خطبة فما ينجو من الموت
من يخافه ولا يعطى البقاء من أحبه، ومن جرى في عنان أمله عثره اجله إذا كنت في
ادبار والموت في اقبال فما أسرع الملتقى؟ الحذر الحذر فوالله لقد ستر حتى كأنه غفر
وتبع أمير المؤمنين " عليه السلام ": جنازة فسمع رجلا يضحك فقال: كأن الموت فيها على غيرنا
كتب وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وكأن الذي نرى من الأموات سفر عما قليل
الينا راجعون نبوئهم أجداثهم، ونأكل تراثهم قد نسينا كل واعظ وواعظة ورمينا
بكل حاجة وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى الموت، ومن أكثر ذكر الموت رضى من
الدنيا باليسير.
قال الصادق " عليه السلام ": مكتوب في التوراة نحنا لكم فلا تبكوا وشوقناكم فلا تشاقوا اعلم
القتالين ان لله سيفا لا ينام وهو جهنم أبناء الأربعين أوفوا للحساب أبناء الخمسين زرع
قد دنى حصاده أبناء الستين ماذا قدمتم وماذا أخرتم أبناء السبعين عدو أنفسكم في الموتى
أبناء الثمانين يكتب لكم الحسنات ولا يكتب عليكم السيئات أبناء التسعين أنتم اسراء الله
في ارضه ثم يقول: ما يقول في رجل كريم أسر رجلا ماذا يصنع به قلت يطعمه ويسقيه
ويفعل به فقال: فما ترى الله صانعا بأسيره.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما خلق الله آدم اشتكت الأرض إلى ربها لما اخذ منها
فوعد ان يرد فيها ما اخذ منها فما من أحد إلا يدفن في التربة التي خلق منها.
(وروى) ان سعد بن أبي وقاص دخل على سلمان الفارسي يعوده فبكى سلمان
فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو عنك راض وترد
الحوض عليه فقال سلمان: اما انا لا أبكى جزعا من الموت، ولا حرصا على الدنيا
ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد الينا فقال: لتكن بلغة أحدكم كزاد الراكب وحولي هذه
الأساود وإنما حوله أجانة وجفنة ومطهرة.
490

قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": عند دفن فاطمة عليها السلام وعلى رسول الله:
لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الممات قليل
وان افتقادي واحد بعد واحد * دليل على أن لا يدوم خليل
ستعرض عن ذكرى وتنسى مودتي * وتحدث بعدي للخليل خليل
وقيل للصادق عليه السلام:
اعمل على مهل فإنك ميت * واختر لنفسك أيها الانسان
فكان ما قد كان لم يك إذ مضى * وكان ما هو كائن قد كان
* * * * أيا من له في باطن الأرض منزل * أتأنس بالدنيا وأنت غريب
وما الدهر إلا مثل يوم وليلة * وما الموت إلا نازل وقريب
وانك والأيام غلب كما ترى * رزية مال أو فراق حبيبي
وأنشد:
تفكر كيف أفنى الموت قوما * ثمود وقوم فرعون وعادا
وسل دار البلى كم قد أبادت * ملوكا طال ما ركبوا الجيادا
وسل بيت الفنا كم من ملوك * عظيم شأنهم كانوا رمادا
وقال آخر:
عشت دهرا في نعيم * وسرورا واغتباطي
ثم صار القبر بيتي * وثرى الأرض بساطي
(فصل في الروح)
قال الله تعالى في سورة البقرة: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل
أحياء ولكن لا تشعرون).
وقال تعالى في سورة آل عمران: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل
أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم
من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
اعلم أن الروح جسم رقيق هوائي يتردد في مخاريق مجارى البدن وإنما أخبر الله عن
أرواحهم لان أجسادهم في التراب قد بليت وإنما يصل النعيم والعذاب إلى أرواحهم وهي
491

الحية وهي الانسان والجثة كالجنة واللباس لصيانة الأرواح هذا على مذهب من قال إن
الانسان بكماله.
قال الله تعالى في سورة المؤمن: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) فدل على أن
أرواحهم حية.
قيل لأبي عبد الله " عليه السلام ": يرى الرؤيا فتكون كما رآها وربما رأى الرؤيا فلا تكون
شيئا قال: إن المؤمن إذا نام خرجت من نوره حركة ممدودة صاعدة إلى السماء فكلما رآه
روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحق وكلما رآه في الأرض
فهو أضغاث أحلام.
قيل له: ويصعد روح المؤمن إلى السماء؟ قال: نعم قلت: لا يبقى منه شئ في بدنه
فقال: لا لو خرجت كلها من الانسان حتى لا يبقى منه شئ إذا لماتت قلت: وكيف يخرج
قال: أما ترى الشمس في السماء في موضعها وضوئها وشعاعها في الأرض فكذلك الروح
أصلها في البدن وحركتها ممدودة.
قال الباقر " عليه السلام ": ان العباد إذا ناموا خرجت أرواحهم إلى السماء فما رأت الروح
في السماء فهو الحق، وما رأت في الهواء فهو أضغاث أحلام ألا وان الأرواح جند مجندة
فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف وإذا كانت الأرواح في السماء تعارفت
وتباغضت فإذا تعارفت في السماء تعارفت في الأرض، وإذا تباغضت في السماء تباغضت في الأرض.
قال أمير المؤمنين " ع ": سألت رسول الله (ص) عن الرجل ينام فيرى الرؤيا فربما
كانت حقا وربما كانت باطلا.
قال رسول الله (ص): يا علي انه ما من عبد ينام الأعرج بروحه إلى رب العالمين
فما رأى عند رب العالمين فهو حق ثم إذا أمر العزيز الجبار برد روحه إلى جسده فصارت
الروح إلى جسده فصارت الروح من السماء والأرض فما رأت فهو أضغاث أحلام قال الصادق " ع ": أن لا بليس شيطانا يقال له: مزع يملا ما بين المشرق والمغرب
كل ليلة يأتي الناس في المنام.
قال أمير المؤمنين " ع ": الروح ملك من الملائكة له سبعون الف وجه ولكل وجه
منها سبعون الف لسان لكل منها سبعون الف لغة يسبح الله تبارك وتعالى بتلك
492

اللغات كلها يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة يوم القيامة.
قال بعض الحكماء: ان الله تعالى خلق الأرواح من خمسة أشياء من جوهر النور
والدليل عليه ان الروح ما دام في الجسد يكون الجسد نورانيا تبصر العينان وتسمع
الأذان ويتكلم اللسان ويعقل القلب ويأتي منه الأفعال الظاهرة والباطنة منه فإذا زال عنه
الروح بطلان، الأفعال منه ومن جوهر الطيب والدليل ان الجسد يكون طيبا ما دام
فيه الروح فإذا خرجت منه الروح نتن الجسد أشد النتن ومن جوهر البقاء والدليل على أن
الجسد يكون باقيا ما دام فيه الروح فإذا زايله الروح صار فانيا ومن جوهر الحياة
والدليل عليه ان الجسد يكون حيا ما دام فيه الروح فإذا خرجت منه صار ميتا ومن
جوهر العلم والدليل عليه ان الجسد يكون عالما ما دام فيه الروح فإذا خرج منه صار
لم يعلم. قال الشاعر:
كدر الموت حياتي لم يقل لي عثرات * ورماني الموت فودا في قفار موحشات
أيها الحافر كنزا أنا رهن بفلات * انا رهن بذنوب وخطايا موبقات
مجلس في ذكر القبر
قال ابن عباس: قرأ رسول الله (ص) (ألهاكم التكاثر) ثم قال: تكاثر الأموال
جمعها من غير حقها ومنعها من حقها وسدها في الأوعية (حتى زرتم المقابر) حتى دخلتم
قبوركم (كلا سوف تعلمون) لو قد خرجتم من قبوركم إلى محشركم (كلا لو تعلمون علم
اليقين) قال وذلك حين يؤتى بالصراط فينصب بين جسري جهنم (ثم لتسئلن يومئذ عن
النعيم) قال عن خمس: عن شبع البطون وبارد الشراب، ولذة النوم فظلال المساكن
واعتدال الخلق.
(وروي) في اخبار ان النعيم ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقال الصادق " ع ": أشرف أمير المؤمنين " ع ": على المقابر فقال: يا أهل التربة
ويا أهل الغربة أما الدور فقد سكنت واما الأزواج فقد نكحت، واما الأموال فقد
قسمت فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: لو اذن لهم
493

في الكلام لأخبروا ان خير الزاد التقوى.
قال الصادق " ع ": من شيع جنازة ميت مؤمن حتى تدفن في قبره وكل الله
به عز وجل سبعين الف ملك من المشيعين يشيعونه ويستغفرون له إذا خرج من قبره.
وقال الباقر " ع ": من شيع جنازة امرئ مسلم أعطى يوم القيامة أربع شفاعات
ولم يقل شيئا إلا قال: الملك ولك مثل ذلك.
قال أبو بصير: قال لي الصادق " ع ": أما تحزن؟ أما هم؟ أما تألم؟ قلت بلى والله
قال فإذا كان ذلك منك فاذكر الموت ووحدتك في قبرك وسيلان عينيك على خديك وتقطع
أوصالك واكل الدود من لحمك وبلاك وانقطاعك عن الدنيا فان ذلك يحثك على العمل
ويرعك عن كثير من الحرص على الدنيا، ولما مات الحسن بن الحسن بن علي بن
أبي طالب عليهم السلام ضربت زوجته فاطمة بنت الحسين بن علي عليهم السلام على قبره
فسطاطا وكانت تقوم الليل وتصوم النهار كانت تشبه بالحور العين لجمالها فلما كان رأس
السنة قالت لمواليها إذا أظلم الليل فقوضوا هذا الفسطاط، فلما اظلم الليل سمعت قائلا
يقول: هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه آخر بل يئسوا فانقلبوا.
(وروى) ان النبي (ص) كان في جنازة فانتهى إلى القبر فبكى حتى بل الثوب دموعه
ثم قال: إخواني لمثل هذا اليوم فاستعدوا.
وقال النبي (ص): ان القبر أول منازل الآخرة فان نجى منه فما بعده أيسر وإن لم
ينج منه فما بعده أشد منه، وقيل: توفيت النور امرأة الفرزدق: ما أعددت لهذا اليوم
يا أبا فراس؟ قال شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة، فلما دفنت قام على قبرها فقال:
أخاف وراء القبر إن لم يعافني * أشد من القبر التهابا وأضيقا
إذا جاء في يوم القيامة قائد * عنيف وسواق يسوق الفرزدقا
فقد خاب من أولاد آدم من مشى * إلى النار مغلول القلادة أزرقا
وأنشد:
وإذا وليت أمور قوم مرة * فاعلم بأنك عنهم مسؤول
وإذا حملت إلى القبور جنازة * فاعلم بأنك بعدها محمول
يا صاحب القبر المنقش سطحه * ولعله من تحته مغلول
494

مجلس في ذكر القيامة والصراط
ونصب الموازين
قال الله تعالى في سورة البقرة (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله).
وقال الله: (واتقوا يوما لا يجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة
ولا يؤخذ منها عدل) وقوله: (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة
وقوله في سورة آل عمران: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه).
وقال في هذه السورة في قصة المسيح: (ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين
اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلى مرجعكم فاحكم بينكم فيما كنتم فيه
تختلفون) وقال فيها: (ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملا
الأرض ذهبا ولو افتدي به).
وقال تعالى في سورة النساء في عظيم ندامتهم: (يومئذ يود الذين كفروا وعصوا
الرسول له تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا).
وقال تعالى في سورة المائدة: (ان الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا
ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولههم عذاب اليم).
وقال تعالى في سورة الأنعام: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد
ولا نكذب بآياتنا ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا
لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون).
وقال تعالى فيها: (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة
قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون
وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو والدار الآخرة خير الذين يتقون أفلا تعقلون).
وقال الله تعالى فيها: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن
آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا).
وقال تعالى في سورة الأنفال: (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه
495

على بعض فيركمه جميعا في جهنم).
وقال تعالى في سورة يونس: (ويوم يحشرهم كان لم يلبثوا إلا ساعة من النهار
يتعارفون بينهم).
وقال تعالى في سورة هود: (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود).
وقال في سورة النحل (وما أمر الساعة إلا كلح البصر أو هو أقرب).
وقال تعالى في سورة بني إسرائيل: (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج
له يوم القيامة كتابا يلقيه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا).
وقال تعالى في سورة الكهف: (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة
وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول
مرة بل زعمتم ان لن نجعل لكم موعدا).
قال: (ووضع الكتاب وترى المجرمين مشفقين بما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا
الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم
ربك أحدا).
وقال تعالى في سورة الأنبياء: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم
نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين).
وقال تعالى في سورة الحج: (يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شئ عظيم
يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى
وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد).
وفى سورة المؤمنين: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون).
وقال بعده: (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه
فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون).
قال تعالى في سورة النور: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا
يعملون).
وفى سورة لقمان: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن
ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ان وعد الله حق).
قال تعالى في سورة السجدة: (ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون).
496

وقال تعالى في سورة الزخرف (هل ينظرون إلا الساعة ان تأتيهم بغتة وهم
لا يشعرون).
وفى سورة الدخان: (يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا، ولا هم ينصرون
إلا من رحم الله).
وقال في سورة " ق ": (ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد، وجائت كل نفس
معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد).
وقال تعالى: (إذا وقعت الواقعة).
وقال تعالى في سورة الممتحنة: (لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة
يفصل بينكم).
وفى سورة التغابن: (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن).
وقال تعالى في سورة سأل سائل: (ولا يسئل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم
لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض
جميعا ثم ينجيه).
وفى سورة عم: (ان يوم الفصل كان ميقاتا يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا
وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا ان جهنم كانت مرصادا
للطاغين مآبا).
وقال تعالى في سورة والنازعات: (فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الانسان
وما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وآثرا الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى
واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى).
وفى سورة عبس: (فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرئ من أخيه واما وأبيه
وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه).
قال الصادق عليه السلام: القيامة عرس للمتقين.
قال الرضا " ع ": ان أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يلد ويوم
يخرج من بطن أمه فيرى الدنيا ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ويوم يبعث فيرى
احكاما لم يراها في دار الدنيا، وقد سلم الله تعالى على يحيى في هذه الثلاثة المواطن
وآمن روعته، فقال: والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
497

وقد سلم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن، فقال عليه السلام
والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حيا.
قال الصادق عليه السلام: يؤتى بشيخ يوم القيامة فيدفع إليه كتابه ظاهرة مما يلي
الناس لا يرى إلا مساوى فيطول ذلك عليه فيقول: يا رب أتأمرني إلى النار فيقول
الجبار جل جلالة: انى استحيى ان أعذبك وقد كنت تصلى لي في دار الدنيا اذهبوا
بعبدي إلى الجنة.
قال رسول اله (ص): لا يزول قد ما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن أربعة: عن
عمره فيما أفناه وشبابه فيما أبلاه: وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن
حبنا أهل البيت.
قال الصادق " ع " إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض أربعين
صباحا فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم.
قال أمير المؤمنين " ع " لا تنشق الأرض عن أحد يوم القيامة إلا وملكان آخذان
بضبعه يقولان أجب رب العزة، ان أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب
مالا في غير طاعة الله فورثه رجلا فأنفقه في طاعة الله سبحانه فدخل به الجنة ودخل
الأول به النار.
فصل
قال الله تعالى في سورة البلد: (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة) اما الصراط
فقال قوم: انه طريق إلى الجنة والنار وانه يتسع لأهل الجنة ويتسهل لهم سلوكه ويضيق
على أهل النار ويشق عليهم سلوكه، وقال آخرون: المراد به الحجج والأدلة المفرقة
بين أهل الجنة والنار المميزة بينهم.
قال الباقر " ع " في خبر طيل: ثم يوضع صراط أدق من حد السيف عليه ثلاث
قناطر أما واحدة فعليها الأمانة والرحم، واما الأخرى فعليها الصلاة، واما الأخرى
فعليها عدل رب العالمين لا إله غيره فيكلفون الممر عليه فيحبسهم الرحم والأمانة فان
نجوا منها حبسهم الصلاة فان نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين عز وجل.
وهو قوله تبارك وتعالى: (ان ربك لبالمرصاد) والناس على الصراط فمتعلق
فقدم ترك وقد تستمسك والملائكة حولهم ينادون: يا حليم اغفر واصفح وعد بفضلك
498

وسلم سلم، والناس يتهافتون فيها كالفراش فإذا نجى ناج برحمته الله عز وجل نظر إليها
فقال: الحمد لله الذي نجاني منك بعد أياس بفضله ان ربنا لغفور شكور.
قال الصادق " ع ": الناس يمرون على الصراط طبقات والصراط أدق من الشعر
ومن حد السيف، فمنهم من يمر مثل الرق، ومنهم من يمر مثل عدو الفرس ومنهم
من يمر حبوا، ومنهم من يمر مشيا، ومنهم من يمر متعلقا قد تأخذ النار منه شيئا
وتترك منه شيئا.
فصل
قال الله تعالى في سورة الأعراف: (والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه
فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه).
وقال تعالى في سورة سبحان: وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم
القيامة كتابا يلقيه منشورا إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا).
وقال تعالى في سورة الكهف: (وعرضوا على ربك صفا).
وقال تعالى في سورة الأنبياء: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم
نفسا شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين).
أما الميزان فقال قوم: انه عبارة عن العدل والتسوية والقسمة الصحيحة كما يقولون
كلام فلان موزون وأفعاله موزونة وهو وجه يليق بفصاحة الكلام وهو أولى.
وقال قوم: المراد بالميزان ذو الكفتين، وان اعمال العباد وإن لم يصح وزنها
فالصحف التي يكتب فيها الاعمال يصح وزنها، وقيل: انه يجعل النور في احدى
الكفتين والظلمة في الأخرى ويكون لنا في الاخبار عن ذلك مصلحة في التكليف
فصل
قال الله تعالى في سورة الأعراف: (فلنسألن الذين أرسل عليهم ولنسألن
المرسلين).
وقال تعالى في سورة النور: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما
كانوا يعملون، وقال تعالى في سورة يس: (اليوم تختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم
وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون).
499

وأما المسألة والمحاسبة في الموقف، وإن كان الله عالما بأحوالهم لأنه عالم لنفسه
لا يمتنع أن يكون فيه غرض لأنه بالمحاسبة والمسألة وشهادة الجوارح يظهر الفرق بين
أهل الجنة والنار ويتميز بعضهم من بعض فيسر بذلك أهل الجنة ويكسر بذلك نفعهم
ويكون لنا في العلم به مصلحة في دار التكليف والاجماع حاصل على المحاسبة والقرآن يشهد
به كقوله (وكفى بنا حاسبين) وكذلك شهادة الجوارح ونشر الصحف مجمع عليه والقرآن
شاهد به لكن المسألة وان كانت عامة فهي على المؤمنين سهلة وعلى الكافرين صعبة لما فيها
من التبكيت والمناقشة.
وأما كيفية شهادة الجوارح، فقال قوم بينها الله بينة حتى تشهد وقيل إن
الله تعالى يفعل فيها الشهادة واضافتها إلى الجوارح مجازا وكلا الامرين مجاز، وقيل إن
الشاهد هو العاصي نفسه يشهد على نفسه بما فعله ويقلبه ويكون ذلك حقيقة، وقيل إنها
تظهر فيها امارة تدل على الفرق بين المطيع والعاصي، وكل ذلك جائز والله أعلم بالصواب.
قال الشاعر:
إلهي لست أدرى ما جوابي * إذا ما قلت لي عبدي لماذا
أتيت محارمي وعصيت أمرى * وفيم فعلت هذا ثم هذا
وقال آخر:
إلهي ليت شعري كيف حالي * لدى الميزان أو عند الصراط
وحولي من خصومي كل شاك * إليك صنوف ظلمي واشتطاطي
مجلس في ذكر الشفاعة والحوض
قال الله تعالى في سورة سبحان: (عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: المقام الذي اشفع فيه لامتي.
قال الرضا " ع " قال رسول الله (ص): من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي
ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي، ثم قال عليه السلام؟ إنما شفاعتي لأهل
الكبائر من أمتي، فأما المحسنون فما عليهم من سبيل.
500

قيل للرضا " ع " يا بن رسول الله فما معنى قول الله تعالى (ولا يشفعون إلا لمن
ارتضى) قال: لا يشفعون إلا لمن ارتضى دينه.
قال رسول الله (ص): شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ما خلا الشرك والظلم.
وقال الصادق " ع " من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا: المعراج، والمسألة
في القبر والشفاعة.
قال ابن عباس: لما نزلت (إنا أعطيناك الكوثر) صعد رسول الله (ص) المنبر
فقرأها على الناس فلما نزل قالوا يا رسول الله ما هذا الذي قد أعطاك الله قال: نهر في
الجنة أشد بياضا من اللبن وأشد استقامة من القدح حافتاه قباب الدر والياقوت يرده طير
خضر لها أعناق كالعناق البخت، قالوا يا رسول الله ما أنعم هذا الطائر؟ قال أفلا أخبركم
يا نعم منه؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال من اكل الطير وشر بالماء فاز برضوان الله.
قال رسول الله (ص) أ: خيرت بين ان يدخل شطرا من الجنة وبين الشفاعة فاخترت
الشفاعة لأنها أعم وأكفى أترونها للمؤمنين المتقين لا ولكنها للمؤمنين المتلوثين
الخطائين.
ولا خلاف بين المسلمين ان الشفاعة ثابتة إلا أن أصحاب الوعيد قالوا مقتضاها
زيادة المنافع والدرجات وقلنا مقتضاها اسقاط المضار والدليل على بطلان قول من قال
مقتضاها زيادة المنافع انه لو كان كذلك لوجب إذا سألنا الله تعالى ان يزيد في كرامات
رسول الله (ص) ورفع درجاته أن تكون شافعين له وادح من المسلمين لا يقول ذلك
لا لفظا ولا معنى فلم يبق إلا أن الشفاعة في اسقاط المضار دون زيادة المنافع.
مجلس في ذكر الرجاء وسعة رحمة الله تعالى
قال الله تعالى في سورة الأعراف: (ورحمتي وسعت كل شئ).
وقال تعالى في سورة الأحزاب (وكان بالمؤمنين رحيما).
وقال تعالى في سورة التنزيل: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا
من رحمة الله).
501

وقال تعالى في سورة حم عسق: (آلله لطيف بعبادة).
قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة تجلى الله لعبده المؤمن فيوقفه على ذنوبه
ذنبا ذنبا ثم يغفر الله له لا يطلع على ذلك ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ويستر عليه ما يكره
ان يقف عليه أحد ثم يقول لسيئاته كوني حسنات.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فان موسى بن
عمران " ع " خرج يقتبس لأهله نارا فكلمه الله عز وجل فرجع نبيا وخرجت ملكه سبا
فأسلمت مع سليمان " ع ": إذا كان يوم القيامة نشر الله تبارك وتعالى رحمته حتى يطمع
إبليس في رحمته تعالى وتقدس.
قال رسول الله (ص): رأيت في المنام رجلا من أمتي قائما على شفير جهنم فجاء.
رجاه من الله عز وجل استنقذه من ذلك.
قال أبو الحسن موسى " ع ": لله عز وجل يوم الجمعة الف نفحة من رحمته يعطى
كل عبد منها ما شاء فمن قرأ إنا أنزلنا بعد العصر يوم الجمعة مائة مرة وهب الله عز وجل
له تلك الألف ومثلها.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تأمنن على خير هذه الأمة عذاب الله لقول
الله سبحانه وتعالى فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ولا تيأس لشر هذه الأمة من
روح الله لقول الله سبحانه وتعالى انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
وقال صلى الله عليه وآله: آن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة
فجعل في الأرض منها رحمة منها تعطف الوالدة على ولدها والبهائم بعضها على بعض
والطير كذلك واخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة أكملها
بهذه الرحمة مائة.
قال رسول الله (ص): من أصاب في الدنيا ذنبا فعوقب به فالله أعدل من أن يثنى
عقوبة على عبده، ومن أذنب ذنبا في الدنيا فستره الله عليه وعفى، فالله أكرم من أن يعود في شئ إذا عفى عنه.
وقال صلى الله عليه وآله: ما من حافظين يرفعان إلى الله تعالى ما حفظا في أول الصحية
خيرا وفى آخرها خيرا إلا قال لملائكة اشهدوا انى غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة.
502

وقال صلى الله عليه وآله: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله فان حسن
الظن بالله ثمن الجنة.
وقال صلى الله عليه وآله: آن الله تعالى كتب كتابا بيده لنفسه قبل أن يخلق
السماوات والأرضين ووضعه تحت العرش فيه رحمتي سبقت غضبى.
وقال صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده ان الله تعالى ارحم بعبده من الوالدة
المشفقة بولدها.
وقال صلى الله عليه وآله: لعن الله المبترين ثلاثا قيل: يا رسول الله من هم؟ قال
الذين يقنطون الناس من رحمة الله قال الله تعالى لموسى " ع ": استغاث بك قارون فلم
تغثه فو عزتي لو استغاث بي لأغثته وعفوت عنه.
روى أن رسول (ص) دخل على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك؟ قال
أرجو الله وأخاف فقال رسول الله (ص): لا يجتمعان في قلب عبد إلا أعطاه الله
ما يرجوه وآمنه مما يخاف.
وقيل كان في بني إسرائيل ملك فوصف له رجل من العباد فدعاه وراوده على صحبته
ولزوم بابه فقال له العابد أيه الملك أحسن ما تقول ولكن ما تقول لو دخلت يوما
بيتك فوجدتني العب بجاريتك قال فغضب الملك وقال يا فاجر تجترئ على التفوه بمثل
هذا قال له العابد ان لي ربا كريما لو رأى منى في اليوم سبعين ذنبا ما غضب على
ولا انتهرني عن بابه ولا حرمني رزقه فكيف أفارق بابه والزم باب من يغضب على قبل أن
أعصيه فكيف ولو قد رأيتني على المعصية.
انشد:
ذنوبي كثير لا أطيق احتمالها * وعفوك عن ذنبي أجل وأكبر
وقد وسعتني رحمة منك هاهنا * وانى بها يوم القيامة أفقر
مجلس في ذكر الجنة وكيفيتها
قال الله تعالى في سورة البقرة: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ان لهم
503

جنات تجرى من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من
قيل واتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون).
وقال تعالى في سورة آل عمران: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها
السماوات والأرض أعدت للمتقين).
قال رسول الله (ص): ان الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ولبنة من ياقوت
وملاطها المسك الأذفر وشرفها الياقوت الأحمر والأخضر والأصفر وأبوابها مختلفة
باب الرحمة من ياقوته حمراء.
واما الصبر فباب صغير مصراع واحد من ياقوتة حمراء لا حلق له.
واما باب الشكر فإنه من ياقوتة بيضاء لها مصراعان مسيرة ما بينهما خمس مائة عام
له ضجيج وحنين يقول: اللهم جئني باهلي ينطقه ذو الجلال والاكرام.
وأبا باب البلا من ياقوتة صفراء له مصراع واحد ما أقل من يدخل منه.
فأما الباب الأعظم فيدخل منه العباد الصالحون وهم أهل الزهد والورع والراغبون
إلى الله تعالى وتقدس المستأنسون به فإذا دخلوا الجنة يسيرون على نهرين في مصاحف في
سفين الياقوت مجاديفها اللؤلؤ فيها ملائكة من نور عليهم ثياب شديدة خضرتها يسيرون
على حافتي ذلك النهر واسم ذلك النهر جنة المأوى وجنة عدن وهي وسط الجنان وسورها
ياقوت احمر وحصاؤها اللؤلؤ.
قال أمير المؤمنين " ع ": طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار رسول الله (ص) فليس
مؤمن إلا وفى داره غصن من أغصانها لا ينوى في قلبه شيئا إلا اتاه ذلك الغصن به
ولو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام لم يخرج منها ولو أن غرابا طار من أصلها
ما بلغ أعلاها حتى يبيض هرما.
(وروى ة ان رجلا سأل ابن عباس فقال: ما الذي أخفاه الله تبارك وتعالى من
الجنة وقد أخبر عن خدمها وأزواجها وطيبها وشرابها وثمرها وما ذكر الله تبارك وتعالى
من امرها وأنزله في كتابه.
فقال ابن عباس: هي جنة عدن خلقها يوم الجمعة ثم أطيق فلم يراها مخلوق من أهل
السماوات والأرضين حتى يدخلها أهلها قال لها عز وجل ثلاث مرات تكلمي فقال
طوبى للمؤمنين قال جل جلاله: طوبى للمؤمنين وطوبى لك قال فقال: رسول الله (ص)
504

ألا من كان فيه ست خصال فإنه منهم من صدق حديثه وأنجز موعوده وأدى أمانته
وبر والديه ووصل رحمه واستغفر من ذنبه فهو مؤمن.
قال أمير المؤمنين ان في الجنة لشجرة تخرج من أعلاها الحلل ومن أسفلها خيل بلق
مسرجة ملجمة ذوات أجنحة لا تروث ولا تبول فيركبها أولياء الله فيطير بهم في الجنة
حيث شاؤوا فيقول الذين أسفل منهم يا ربنا ما بلغ بعبادك هذه الكرامة فيقول
الله جل جلاله انهم كانوا يقومون الليل ولا ينامون ويصومون النهار ولا يأكلون
ويجاهدون العدو ولا يجبنون ويتصدق ولا يبخلون.
سئل انس بن مالك فقيل له يا أبا حمزة الجنة في الأرض أم في السماء قال واية
ارض تسع الجنة وأي سماء تسع الجنة قيل فأين هي؟ قال فوق السماء السابعة تحت العرش
قال رسول الله (ص) أدخلت الجنة فرأيت في عارض الجنة مكتوبا ثلاثة أسطر
بالذهب فالسطر الأول لا إله إلا الله محمد رسول الله والسطر الثاني ما قدمنا وجدنا
وما أكلنا ربحنا وما خلفنا خسرنا، والسطر الثالث أمة مذنبة ورب غفور
وقال صلى الله عليه وآله: ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب.
وقال صلى الله عليه وآله: ان أهل لا يغوطون ولا يبولون طعامهم جشا
ورشح كالمسك يلهمون اخذ والتسبيح كما يلهمون النفس.
وقال صلى الله عليه وآله: والذي انزل الكتاب على محمد ان أهل الجنة ليزدادون
جمالا وحسنا كما يزدادون في الدنيا قباحة وهرما.
وقال صلى الله عليه وآله: ان أدنى أهل الجنة منزلا من له ثمانون الف خادم
واثنان وتسعون درجة وينتصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت وكما بين الجانبة
إلى صنعا.
وقال رسول الله (ص): سطح نور في الجنة فرفعوا رؤسهم فإذا هو ثغر حوراء
ضحكت في وجه زوجها.
قال ابن عباس: ان دون الجنة سبع حوائط وثمان قناطر محيط بالجنان كلها أول
حائط منها فضة والثاني ذهب وفضة، والثالث ذهب والرابع لؤلؤة والخامس در
والسادس زبرجد والسابع نور يتلألأ ما بين الحائطين مسيرة مائة عام قوامها من در
وياقوت وزبرجد ما بين كل مصراعين مسيرة ولها ثمانية أبواب. قال الشاعر:
505

جنة الفردوس لا يصلح إلا الكرام * كن كريما وادخل الجنة عفوا بسلام
وقال آخر:
في الخلد جارية بالغنج ماشية * للزوج ساقية في وسط أشجار
من مسكه عجنت بعنبر خلطت * لمن ترى خلقت للزاهد القار
معشوقة حرة في خدها حمرة * كأنها درة في نقش دينار
بالدل مقبلة الشعر مرسلة * الذيل مسبلة في وسط أنهار
قد زانها عبث في قربها طرب * في خلقها عجب شيبت بأنوار
تسقى الولي بها خمرا مشعشعة * خمر الفراديس لامن خمر خمار
والطير في غرف الياقوت صادحة * كان أصواتها ألحان زمار
فيالها طرب من شأنها عجب * من حيث شاء من الجنات طيار
مجلس في ذكر جهنم وكيفيتها
قال الله تعالى في سورة البقرة: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب
النار هم فيها خالدون):
وقال تعالى في سورة النساء: (ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلها
فضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب).
وقال تعالى فيها: (ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم
نارا وسسيصلون سعيرا).
وقال تعالى في سورة التوبة: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في
سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم
وظهورهم هذا ما كنزتم لا نفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون).
وقال تعالى في سورة مريم: (وان منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا).
قال أبو عبد الله " ع ": بينما رسول الله (ص) ذات يوم قاعد إذ نزل جبرئيل " ع ".
506

وهو كئيب حزين متغير اللون، فقال له رسول الله (ص): مالي أراك كئيبا حزينا؟
قال يا محمد وكيف لا أكون كذلك وإنما وضعت منافيخ جهنم اليوم فقال
رسول الله (ص): وما منافيخ جهنم يا جبرئيل؟ قال إن الله تبارك وتعالى امر بالنار
فأوقد عليها الف عام حتى احمرت ثم أمر بها فأوقد عليها الف عام حتى ابيضت ثم أمر
فأوقد عليها الف عام حتى اسودت وهي سوداء مظلمة فلو أن حلقة من السلسلة التي طولها
سبعون ذراعا وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها ولو أن قطرة من الزقوم
والضريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات أهل الدنيا من نتنها قال: فبكى رسول الله (ص)
وبكى جبرئيل " ع " فبعث الله إليهما ملكا فقال: ان ربكما يقرؤكما السلام ويقول لكما انى
قد آمنتكما من أن تذنبا ذنبا أعذبكما عليه.
قال أمير المؤمنين " ع ": ان في جهنم طواحن يطحن بها أفلا تسألوني ما طحنها فقيل
له وما طحنها يا أمير المؤمنين قال العلماء الفجرة والقراء الفسقة والجبابرة الظلمة والوزراء
الخونة والعرفاء الكذبة وان في النار لمدينة يقال لها الحصينة أفلا تسألوني ما فيها؟ فقيل
له وما فيه يا أمير المؤمنين؟ قال فيها أيدي الناكثين.
قال الكاظم " ع ": في خبر طويل ان في النار واديا يقال له سقر لم تنفس منذ خلقه
الله لو اذن الله عز وجل له في النفس بقدر مخيط لا حرق ما على وجه الأرض وان أهل
النار ليتعوذون من حر ذلك الوادي ونتنه وقذرة وما أعد الله فيه لأهله وان في ذلك
الوادي لجبل يتعوذ جميع أهل ذلك الوادي من حر ذلك الجبل ونتنه وقذره وما أعده الله
يهبه لأهله وان في ذلك الجبل لشعب يتعوذ جميع أهل الجبل من حر ذلك الشعب ونتنه
وقذره وما عد الله فيه لأهله وان في ذلك الشعب لقليبا يتعوذ جميع أهل ذلك الشعب من
حر ذلك القليب ونتنه وقذره وما أعده الله فيه لأهله وان في ذلك القليب لحية يتعوذ
جميع أهل ذلك القليب من خبث تلك الحية ونتنها وقذرها وما أعده الله في أنيابها من
السم لأهلها وان في جوف تلك الحية لسبعة صناديق فيها خمسة من الأمم السالفة واثنان
من هذه الأمة قال جعلت فداك من الخمسة؟ ومن الاثنان؟ قال اما الخمسة فقابيل الذي
قتل هابيل ونمرود الذي حاج إبراهيم في ربه قال: انا أحيى وأميت وفرعون الذي قال
انا ربكم الأعلى ويهود الذي هود اليهود وبولس الذي قصر النصاري ومن هذه
الأمة الأعرابيان.
507

قال أبو جعفر " ع " لما نزلت هذه الآية وجئ يومئذ بجهنم يومئذ، سئل عن ذلك
رسول الله (ص) فقال أخبرني الروح الأمين ان الله لا إله غيره إذا جمع الأولين والآخرين
أتى بجهنم يقاد بألف زمان اخذ بكل زمان مائة الف ملك من الغلاظ الشداد إذ لها هدة
وتغيظ وزفير وانها لتزفر الزفرة فلو لا ان الله أخرهم إلى الحساب لأهلكت الجميع ثم
يخرج منها غسق محيط بالخلائق البر منهم والفاجر.
قال الباقر " ع ": ان أهل النار يتعاوون كما يتعاوى الكلاب والذئاب مما يلقون
اليم العذاب ما ظنك يا عمر وبقوم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها
عطاشى فيها جياع كليلة ابصارهم صم بكم عمى مسودة وجوههم خاسئين فيها نادمين
مغضوب عليهم فلا يرحمون ومن العذاب لا يخفف عنهم، وفى النار يسجرون ومن
الحميم يشربون، ومن الزقوم يأكلون وبكلاليب النار يحطمون وبالمقامع يضربون
والملائكة الغلاظ الشداد لا يرحمون فهم في النار يسحبون على وجوههم ومن الشياطين
يقرنون وفى الأنكال والأغلال يصفدون ان دعوا لم يستجب هلم، وان سألوا حاجة
لم تقض لهم هذه حال من دخل النار.
قال الباقر " ع ": ان رسول الله (ص) أسرى به لم يمر بخلق من خلق الله إلا رأى
ما يحب من البشر واللطف والسرور حتى مر بخلق من خلق الله فلم يلتفت إليه ولم يقل
شيئا فوجدا قاطبا عابسا، فقال يا جبرئيل ما مررت بخلق من خلق الله إلا رأيت البشر
واللطف والسرور منه إلا هذا فمن هذا؟ قال: هذا مالك خازن النار وهكذا خلقه
ربه قال: فانى أحب ان تطلب إليه ان يريني النار، فقال له جبرئيل: ان هذا محمد
رسول الله وقد سألني ان اطلب إليك ان تريه النار قال: فأخرج له عنقا منها فرآها
فما افتر ضاحكا حتى قبضه الله عز وجل.
قال رسول الله (ص): لو كان في هذا المسجد مائة الف أو يزيدون ثم تنفس رجل
من أهل النار فأصابهم نفسه لاحترق المسجد ومن فيه.
وقال: ان في النار لحيات مثل أعناق البخت يلسعن أحدهم فيجد حموتها أربعين
خريفا وان فيها لعقارب كالبغال يلسعن أحدهم فيجد حموتها أربعين خريفا.
قال ابن عباس لجهنم سبعة أبواب على كل باب سبعون الف جبل في كل جبل سبعون
الف شعب في كل شعب سبعون الف وادى في كل واد سبعون الف شق في كل شق سبعون
508

الف بيت في كل بيت سبعون الف حية طول كل حية مسيرة ثلاثة أيام أنيابها كالنخل
الطوال تأتي ابن آدم فتأخذ بأشفار عينيه وشفتيه فيكشف كل لحم على عظمه وهو ينظر
فيهرب منها فيقع في نهر من أنهار جهنم يذهب به سبعين خريفا.
قال الشاعر:
إلهي كان في القيامة واقف * وقد فاض دمعي حين أقرأ كتابيا
يقول لي الجبار اقرأ فإنني * أثيبك يا عبدي بما كنت ساعيا
فيا سوأتي من موقفي وصحيفتي * تخبره تحصى على الدواهيا
تعرفني ذنبا قديما عملته * وقد كنت عنها ساهي القلب لاهيا
وقد وضع الميزان للفصل والقضا * كفى لعباد الله بالله قاضيا
فهذا بوجه مسفر اللون ضاحك * وآخر مصروفا إلى النار باكيا
* * * *
انقطع كلامنا إذا انتهينا إلى هذا الموضع، وقد شرطنا في أول
الكتاب ونبهنا على أن اخبارنا كثيرة، وآثار جمة يقتضى
ظاهرها مذهب الحشو وخلاف الحق ينبغي ان يتأملها
الناظر ويتفكر فيها ويحملها على وجه يكون موافقة
للأصول ودلائل العقول فأنى لم اذكر شيئا في
هذا الكتاب من الخبر، والأثر الذي
يقتضى ظاهره مذهب الحسو حتى
كنت عالما لمعناه قبل ايراده
لكن لم اذكر معناه لئلا
يطول به الكتاب فينبغي
لا يعتقد أحد انى كنت
حشويا ومخلطا فأنى
رجل محقق والحمد لله
رب العالمين
509