الكتاب: التوحيد
المؤلف: الشيخ الصدوق
الجزء:
الوفاة: ٣٨١
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ قسم الفقه
تحقيق: تصحيح وتعليق : السيد هاشم الحسيني الطهراني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة
ردمك:
ملاحظات:

التوحيد
للشيخ الجليل الأقدم
الصدوق
أبي جعفر محمد علي بن الحسين بن بابويه القمي
المتوفى سنة 381
صححه وعلق عليه
المحقق البارع السيد هاشم الحسيني الطهراني
منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية
في قم المقدسة
1

كلمتنا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله محيي قلوب العارفين بحياة التوحيد، ومخلص خواطر المحققين
من مضائق الأوهام إلى فسح التجريد، والصلاة والسلام على رسوله المؤيد بالآيات
والأملاك وغيرها من صنوف التأييد، وعلى آله المعصومين الذين بولائهم نجاة -
الناجي وسعادة السعيد.
أما بعد: فهذا السفر الكريم من أحسن ما ألف في المعارف العالية الآلهية،
يتراءى لمن طالعة أصول علمية مبنية على أساس وثيق، من البراهين المأثورة العقلية
المؤيدة بالآيات، والأخبار الإرشادية المروية عن الأئمة الأطهار عليهم صلوات الله
الملك الجبار، فيه أبحاث ضافية ترشد إلى مهيع الحق، وحجج بالغة تدل على
منهج الصواب في الأصول الاعتقادية ومعرفة الله سبحانه ببيان متين، وقول سديد
وطريق لاحب، ومسلك جدد، ومن سلك الجدد أمن العثار، ومن مال عنه إلى غيره
تحير في واد السدر، وبنى أمره على شفا جرف هار، أو تطلب في الماء جذوة نار.
ومصنفه أبو جعفر الصدوق - رضوان الله عليه - محدث فقيه، عالم رباني
بتمام معنى الكلمة، والذي يستفاد من آرائه ومعتقداته المبثوثة في تضاعيف كتبه،
ويظهر من رحلاته إلى الأرجاء، وتحمله المشاق فيها لأخذ العلم وترويج المذهب،
ومناظراته مع المخالفين، ومرجعيته العامة أنه رجل زكي الوجدان، ثابت الجنان،
قوي الإرادة، عالي الهمة، نقي الذمة، ذكي الفؤاد، رفيع العماد، واضح الأخلاق،
طاهر الأعراق، متكلم كثير الحفظ، صريح اللسان فصيحه، سديد الرأي حصيفه،
عصامي النفس مع كونه معروف النسب سني الحسب، عارف بالدين أصولا وفروعا،
عالم بما تحتاج إليه الأمة، ساع إلى نشر العلم في ربوعها، غير متقاعس عما يفيدها
ويعلي شأنها. وقد مثل الحق في هذا الكتاب عيانا، وبين غوامض العلم بيانا،
فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
2

وإني لما رأيت - بعد انتشار الطبعة الأولى - إقبال الفضلاء لاقتناء نسخه،
واعجابهم بتصحيحه وتحقيقه وتعاليقه العلمية التي عني بها الشريف الحجة السيد
هاشم الحسيني الطهراني - مد ظلة العالي - أحد أماجد المحققين في عصرنا هذا،
حداني ذلك إلى نشره مرة ثانية مشكولا بإعجام كامل دقيق، حرصا على تنقيب -
الكتاب وتخليده، وتسهيلا للقراء الناشئين الكرام، ووفاء لحق التأليف والمؤلف،
وإن كان كثير من أهل العلم يكرهون الإعجام والأعراب، ولا يسوغونه إلا في
الملتبس أو الذي يخشى أن يلتبس، وقالوا: (إنما يشكل ما يشكل). ولكني رأيت
الصواب في إعجامه لأن الاعجام يمنع الاستعجام، والشكل يمنع الإشكال لا سيما في أسماء
الناس لأنها شئ لا يدخله القياس، ففعلت ذلك وبليت بحمل أعبائه حينما كان الليل
دامسا، وبحر الظلام طامسا، قد ضربت الفتنة سرادقها، وقامت على سنابكها، خيل
المصائب نازلة، وكوارث النوائب متواصلة، دهم الكفر ساحتنا، ورام استباحتنا،
فكم من دماء لأبنائنا سفكت، وأحاريم هتكت، يسمع من كل ناحية عويل وزفرة،
ويرى في كل جانب غليل وعبرة، لا تراب منهم درجوا، وشبان في دمائهم ولجوا،
وجرحى لا يرجى لهم الالتيام. وإنما الشكوى ترفع إلى رب الأنام، أليس الله بعزيز
ذي انتقام؟ والحديث ذو شجون، ولعل القائل غير مصون، والعدو غشوم ظلوم،
ولا أمل له إلا في التمرس بالمسلمين، وإعمال الحيلة على المؤمنين، يظهر أنه ساع
لهم في العاقبة الحسنى، وداع لهم إلى المقصد الأسنى والحضارة العليا، مع أنه
يسر حسوا في ارتغائه، وأياديه يلتمسون له الحيل ابتغاء مرضاته، وليس هنا مجال
الكلام، ولكل مقال مقام، وذكر تفصيل الواقعة يطول، فلنضرب عنه صفحا ونقول:
ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، وسيعلم الذين ظلموا
أي منقلب ينقلبون.
والواجب علي في هذه العجالة، وختام هذه المقالة أن أنوه بذكر الشابين
الفاضلين الألمعيين: (حسين آقا أستاذ ولي) و (محسن آقا الأحمدي) وفقهما الله
لمرضاته حيث وازراني في عمل هذا المشروع فلله درهما وعلى الله برهما.
غرة ذي الحجة 1398 - ق علي أكبر الغفاري
تطابق 11 ر 8 ر 1357 - ش إيران - طهران
3

كلمات حول الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لمن نطق الكائنات بوجوده، ومد على الممكنات ظل رحمته وجوده.
الذي فات لعلوه على أعلى الأشياء مواقع رجم المتوهمين. وارتفع عن أن تحوي
كنه عظمته فهاهة رويات المتفكرين، وتجلى بنور الفطرة عند العقول، ورأته
بحقيقة الإيمان القلوب. وأبدع الأشياء عن حكمته، وخلق الخلائق لرحمته. وعاملهم
بعد عدله بفضله، وأعطى كلا حسب تقديره من نواله. وسلامه وصلواته على أقرب
الخلق إليه، المبدع من نور عظمته. المخلوق من أشرف طينته رحمته للعالمين،
وسراجه للمهتدين، وعلى عترته أهل بيته بيت النبوة الذين هم هو إلا النبوة.
وقولي بعد ذاك إن التوحيد قطب عليه تدور كل فضيلة. وبه يتزكى
الإنسان عن كل رذيلة، وبه نيل العز والشرف، ويسعد الموجود في كل ناحية
وطرف. إذ عليه فطرته. وعلى الفطرة حركته، وبالحركة وصوله إلى كماله
وبكماله سعادته وبحرمانه عنه شقاوته
ثم إن الباب الذي لا ينبغي الدخول لهذا المغزى في غيره هو الباب الذي
فتحه الله عز وجل بعد رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على العباد، وحثهم على الاتيان إليه
لكل أمر في المبدء والمعاد. فإنك إن أمعنت النظر ودققته، وأعطيت فكرك حقه
وتأملت بالغور في كلماتهم عليهم السلام، وائتجعت في رياضها، ورويت من حياضها،
وجدت ما طلبت فوق ما تمنيت خالصا عن كدورات أوهام المتصوفة، وزلالا عن شبهات
المتفلسفة، كافيا بل فوقه في هذا السبيل، مرويا لكل غليل، شافيا من داء الجهل كل
4

عليل، مغنيا عنك كل برهان ودليل، بل أعلى من ذلك وفوقه، وكل ما صدر
عن غيرهم لا يصل إلى ما دونه، بل النسبة نسبة الظلمة والضحى، لأن كل حكمة
وعلم من الحق صدرت فمن طريقهم إلى الخلق وصلت، وكل رحمة من الله انتشرت
فبهم انتشرت، وكل عناية منه على الخلائق وقعت فبسببهم تحققت، لأنهم عيبة
علمه، ومعدن حكمته، وسبب خيره، ووسائط فيضه، ويده الباسطة، وعينه
الناظرة، وأذنه السامعة، ولسانه الناطق، والمخلوقون من نوره، والمؤيدون بروحه
وبهم يقضي في الخلق قضيته، وإليهم تهبط في مقادير أموره إرادته.
بلى، بلى، أيها السالك سبيل الحكمة والطالب بالعرفان طريق السعادة،
إليهم، إليهم فإن عندهم الحكمة، وباتباعهم تحصل السعادة، وبهم عرف الله وبهم
عبد الله، ولولاهم لا.
فانظر ماذا ترى فإنك ترى بين يديك سفرا كريما من غرر حكمتهم، و
بحرا عظيما من لئالي كلماتهم، ألفته يمين فريد من جهابذة العلم، كبير من أعلام
الدين - قلما أتى الدهر بمثله - فخر الشيعة، أحد حفاظ الشريعة، الشيخ الأجل
الأسعد أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي - قدس الله نفسه،
ونور رمسه - فإنه كتاب يحتوي على أحاديث قيمة ثمينة عن رسول الله وأهل بيته
صلوات الله عليه وعليهم في مطالب التوحيد ومعرفة صفات الله عز وجل وأسمائه
وأفعاله وكثير من المباحث الحكمية والكلامية التي دارت عليها الأبحاث بين أهل
العلم وفي مؤلفاتهم منذ القرن الأول إلى الآن كما ترى ذلك في تفصيل المطالب
بلحاق الكتاب، ولعمري إنه جدير بأن يوضع هذا المزبور في المجامع العلمية
للتدريس ويحث المشتغلون ورواد العلم على تحقيق مطالبه وتخريج مغازي كلماته
مستمدين من تحقيقات أعلام السلف في زبرهم حول تلك المطالب العلمية العالية
فإن الحكمة حقا ما أخذ من عين صافية، نبعت عن ينابيع الوحي، والعلم حقيقة
ما يؤخذ من نواميس الدين، الذين هم وسائط بين الحق والخلق.
ثم إن مؤلف الكتاب - رضوان الله تعالى عليه - من الاشتهار والمعرفة
5

بين أهل العلم والفضيلة بمكان يفوق على التعريف بما نزبر في هذا المزبور كما
هو المعمول في بداية ما يخرج إلى أيدي رواد العلم بالطبع في دهرنا ومن قبل
هذا، والطالب لذلك يراجع مقدمة كتاب معاني الأخبار للمؤلف المطبوع
(بطهران سنة 1379 ه‍)، ولكن دون القارئ الكريم تعريفا ببعض شؤون الكتاب
مما ظفرنا عليه.
(كتاب التوحيد)
واشتهر بتوحيد الصدوق وتوحيد ابن بابويه، يجمع من مطالب التوحيد
ما يكتفي به الطالب، ويرشد به المسترشد، وينتجع في رياضها العارف، ويرتوي من
حياضه عطشان المعارف، فإنه لم يوجد في مؤلفات أهل العلم والحديث كتاب جامع
لأحاديث التوحيد ومطالبه وما يرتبط به من صفات الله وأسمائه وأفعاله مثل هذا
الكتاب، وأحاديثه وإن كان بعض منها ليس على حد الصحة المصطلحة، ولكن
شامة المتضلع من معارف كلمات أهل البيت عليهم السلام تستشم الصحة من متونها، و
بنور الولاية يستخرج المعارف الحقة من بطونها، مع أن أكثر أحاديثه مذكورة
متفرقة في غيره من الكتب المعتبرة المعتمد عليها كنهج البلاغة والكافي والمحاسن
وبعض كتب المؤلف كالعيون ومعاني الأخبار وغيرهما بأسانيد متعددة.
فالكتاب كغيره من كتب المؤلف من الأصول المعتبرة كان مورد الاستناد لمن
تأخر عنه من العلماء.
وإني كنت كثيرا مشتغلا بمطالعته. ملتذا بمعاينته، مستنيرا من أنوار
حقائقه، مستفيدا من غرر فوائده، ولعلو قدره وغلاء قيمته أتعبت نفسي كثير
إتعاب في تصحيحه، وصححته سندا ومتنا على عدة نسخ مطبوعة ومخطوطة تطلع
بمنظر القارئ قريبا، ولتكثير الفائدة جعلت على مواضع من أحاديثه بيانات و
توضيحات موجزة وتعليقات مفيدة حسب ما اقتضى الكتاب من التطفل وإلا فشرحه
كملا يستدعي أوراقا كثيرة، ومجلدات ضخمة إلى أن من الله تعالى بتسبيب طبعه
6

فخرج منه بهذه الصورة المزدانة الممتازة بعناية الأخ الكريم، اللوذعي المفضال،
الناشر لآثار مدارس الآيات وبيوت العلم والإيحاء: مؤسس مكتبة الصدوق
(علي أكبر الغفاري) المحترم، أبقاه الله للإسلام، وشكر الله مساعيه الجميلة، و
إني أشكر عنايته وأسأل المولى توفيقه وتسديده. إنه ولي الأجر والفضل وله
المنة والحمد.
كلمة المجلسي رحمه الله حول كتب المؤلف
بعد أن عد في الفصل الأول من مقدمته على بحار الأنوار قبل سائر الأصول
والكتب كتبه التي منها كتاب التوحيد قال في أول الفصل الثاني: (إعلم أن أكثر
الكتب التي اعتمدنا عليها في النقل مشهورة معلومة الانتساب إلى مؤلفيها ككتب
الصدوق رحمه الله فإنها سوى الهداية وصفات الشيعة وفضائل الشيعة ومصادقة
الإخوان وفضائل الأشهر - لا تقصر في الاشتهار عن الكتب الأربعة التي عليها المدار
في هذه الأعصار وهي داخلة في إجازاتنا، ونقل منها من تأخر عن الصدوق من
الأفاضل الأخيار، ولقد يسر الله لنا منها كتبا عتيقة مصححة - الخ).
* (شروح الكتاب) *
1 - شرح للمولى الحكيم العارف القاضي محمد سعيد بن محمد مفيد القمي تلميذ
المحدث الفيض الكاشاني، وهو شرح كبير جيد لطيف أورد فيه المطالب الحكمية
والعرفانية والكلامية بوجه حسن وبيان مستحسن، فرغ منه سنة 1099 ه‍.
2 - شرح للمحدث الجزائري السيد نعمة الله ابن عبد الله التستري المتوفى
سنة 1112 ه‍، اسمه (أنس الوحيد في شرح التوحيد).
3 - شرح للأمير محمد علي نائب الصدارة بقم المشرفة.
4 - شرح فارسي للمولى المحقق محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري المدفون
7

بمشهد الرضا عليه السلام سنة، 1090 ه‍.
كذا في الذريعة ملخصا مع زيادة.
أقول: هذه الشروح غير مطبوعة، وعلى الكتاب ترجمة في خلالها شروح
يسيرة لمحمد علي بن محمد حسن الأردكاني، (اسمه أسرار توحيد) طبع قبل سنوات
والظاهر أن المترجم كان من علماء القرن الثالث عشر. ولي عليه ترجمة ستطبع
إن شاء الله تعالى.
* (طبعاته) *
1 - بطهران، سنة 1285 ه‍ طبعا حجريا، بلحاقه حديث الشبلي عن الإمام
سيد الساجدين في أسرار الحج وآدابه، رمزها في التعليقة (ط).
2 - بهند، سنة 1321 بالطبع الحجري، بلحاقه رسالة في السير والسلوك
للعلامة المجلسي - رحمه الله تعالى -، رمزها (ن).
3 - بطهران، سنة 1375 بالحروف، لم نرمزها لتقاربها مع الأولى
4 - هذه الطبعة، ونكتفي عن ذكر امتيازاتها بما يرى القارئ فيها.
عدد الأبواب والأحاديث:
إن أبواب الكتاب سبعة وستون، والظاهر من كثير من النسخ أنها ستة
وستون بجعل الباب الثالث والأربعين في بعض النسخ وجعل التاسع والأربعين في
بعض آخر مع قبله واحدا، ولكن كل منهما في الموضعين باب على حدته لاختلاف
موضوعه مع ما قبله، والمؤلف رحمه الله لم يعنون حديثي ذعلب وحديثي سبخت
بالباب، ولكن جعلنا لفظ (باب) في الموضعين لحصول الاطراد، ثم إن عناوين
الأبواب في بعض النسخ مصدرة بلفظة (في) لكن تركناها طبقا لأكثر النسخ وسائر
كتب الصدوق رحمه الله تعالى.
وأما عدد الأحاديث فخمسمائة وثلاثة وثمانون (583).
8

مراجع التصحيح ورموزها
1 - نسخة مصححة مخطوطة في القرن الحادي عشر (11) ه‍ ق، عليها في
مواضع كثيرة مختلفات النسخ وحواش يسيرة مفيدة من الحكيم النوري بقلمه - رحمه الله -
وفي آخره (تم كتاب التوحيد بعون الملك المجيد) رمزها (ب) انظر ص 9 و 10.
2 - نسخة مخطوطة في آخرها هذه العبارة: (تم الكتاب المبارك بحمد الله
وحسن توفيقه - والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين الطيبين
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم - بقلم الحقير الفقير تراب أقدام المؤمنين
إسماعيل بن الشيخ إبراهيم في اليوم السابع والعشرين من شهر ربيع الأول من
سنة ثلاث وسبعين بعد الألف (1073) رمزها (ج) - انظر ص 11.
3 - نسخة مخطوطة في آخرها هذه العبارة: (تم الكتاب بعون الله الملك
الوهاب على يد العبد الضعيف أعظم في شهر ذي العقدة سنة 1074) رمزها (د) انظر
ص 12. تفضل بهذه النسخ الثلاث المفضال الألمعي، العالم البارع الحاج الشيخ حسن
المصطفوي التبريزي دام عزه.
4 - نسخة مخطوطة في آخرها هذه العبارة: (عارضت الكتاب من أوله إلى
أول الباب الأخير وهو باب النهي عن الكلام والجدال والمراء في الله تعالى بنسخ
متعددة تزيد على اثنتي عشرة وبالغت في التصحيح قدر الوسع والطاقة إلا مواضع
يسيرة بقي لي اشتباه فيها وقد كتبت عليها علامة تنظر، منها في باب العرش وصفاته
منها في بحث عمران الصابئ، ومنها في غيرها، وكان ذلك في مشهد مولانا ثامن
الأئمة الأطهار في شهور سنة 1083، كتب ذلك بيمناه الداثرة أحوج المفتاقين
إلى رحمة ربه الغفور المنعم موسى الحسيني المدرس الخادم بلغه الله تعالى أقصى ما
يتمناه والحمد لله أولا وآخرا) رمزها (ه‍) انظر ص 13 و 14.
وهذه النسخة الآن في مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامة بالنجف الأشرف.
9

5 - نسخة مخطوطة في آخرها: (تم كتاب التوحيد بعون الله الملك
المجيد من تصنيف الشيخ الجليل أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن
بابويه القمي نزيل الري رضي الله عنه بيد أقل خلق الله نور الله عفي عنه سنة 1098
رابع عشر جمادى الثانية) رمزها (و) انظر ص 15.
وهذه النسخة عندي في مكتبتي.
6 - النسخ المطبوعة الثلاث التي مر ذكرها، ولم أكتف بذلك، بل قابلت
أحاديث الكتاب بما في الكافي والعيون والبحار وغيرها من الكتب التي ذكرت
أحاديث الكتاب فيها، والحمد لله على توفيقه.
السيد هاشم الحسيني الطهراني
يوم الاثنين - 20 ر 6 ر 1387 ط 3 ر 6 ر 1346
يوم ميلاد أم الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم
10

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد الذي لا شريك له، الفرد الصمد الذي لا شبيه له،
الأول القديم الذي لا غاية له، الآخر الباقي الذي لا نهاية له، الموجود الثابت
الذي لا عدم له، الملك الدائم الذي لا زوال له، القادر الذي لا يعجزه شئ، العليم
الذي لا يخفى عليه شئ، الحي لا بحياة، الكائن لا في مكان، السميع البصير الذي لا
آلة له ولا أداة، الذي أمر بالعدل، وأخذ بالفضل، وحكم بالفصل، لا معقب
لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا غالب لإرادته، ولا قاهر لمشيته، وإنما أمره إذا
أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ، وإليه
المرجع والمصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن محمد عبده ورسوله سيد النبيين
وخير خلقه أجمعين، وأشهد أن علي بن أبي طالب سيد الوصيين وإمام المتقين و
قائد الغر المحجلين، وأن الأئمة من ولده بعده حجج الله إلى يوم الدين، صلوات
الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الفقيه نزيل الري مصنف هذا الكتاب - أعانه الله تعالى على طاعته، ووفقه لمرضاته -
إن الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا أني وجدت قوما من المخالفين لنا ينسون
عصابتنا إلى القول بالتشبيه والجبر لما وجدوا في كتبهم من الأخبار التي جهلوا
تفسيرها ولم يعرفوا معانيها ووضعوها في غير موضعها (1) ولم يقابلوا بألفاظها ألفاظ
القرآن فقبحوا بذلك عند الجهال صورة مذهبنا، ولبسوا عليهم طريقتنا، وصدوا -

(1) في (ب) و (د) و (و) (ووضعوها غير مواضعها) في (ج) (ووضعوها غير موضعها).
17

الناس عن دين الله، وحملوهم على جحود حجج الله فتقربت إلى الله تعالى ذكره بتصنيف
هذا الكتاب في التوحيد (1) ونقي التشبيه، والجبر، مستعينا به ومتوكلا عليه، و
هو حسبي ونعم الوكيل.
1 - باب ثواب الموحدين والعارفين
1 - قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
رضي الله عنه: حدثنا أبي - رضي الله عنه - قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد
ابن أبي عبد الله البرقي، قال: حدثني أبو عمران العجلي، قال: حدثنا محمد بن سنان
قال: حدثنا أبو العلاء الخفاف، قال: حدثنا عطية العوفي، عن أبي سعيد
الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما قلت ولا قال القائلون قبلي مثل لا
إله إلا الله.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي
عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه
عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خير العبادة قول لا إله إلا الله.

(1) التوحيد في اصطلاح المتكلمين اسم للعلم الذي يبحث فيه عن الله تعالى وصفاته و
أفعاله، فكتابه هذا كله في التوحيد بهذا المعنى، وأما نفي التشبيه فهو من باب ذكر الخاص
بعد العام لأهميته، وكذا الجبر فإنه داخل في مبحث أفعاله تعالى.
إعلم أن الناس في كل من المباحث الثلاثة ثلاثة: ففي مبحث إثبات الصانع ذهبت فرقة إلى
الإبطال، وفرقة إلى التشبيه والتجسيم، وفرقة - هي النمط الأوسط - على أنه تعالى ثابت
موجود بلا تشبيه، وفي مبحث صفاته فرقة إلى زيادة الصفات على الذات في الحقيقة كالأشاعرة
وفرقة إلى سلبها عنها ونيابة الذات عن الصفات كالمعتزلة، وآخرون إلى أن ذاته تعالى
مطابق كل من صفاته فإنه بوجوده الخاص به مصداق للعلم والقدرة والحياة وغيرها. وفي
مبحث الأفعال فرقة إلى الجبر، وأخرى إلى التفويض، وآخرون إلى أمر بين أمرين،
والتفصيل موكول إلى محله.
18

3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن
عبد الله، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي حمزة، عن
أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: ما من شئ أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلا الله
لأن الله عز وجل لا يعدله شئ ولا يشركه في الأمر أحد (1).
4 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن جعفر
الأسدي، قال: حدثني موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد
النوفلي، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن
الله تبارك وتعالى ضمن للمؤمن ضمانا، قال: قلت: وما هو؟ قال: ضمن له - إن
هو أقر له بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة ولعلي عليه السلام بالإمامة وأدى ما
افترض عليه - أن يسكنه في جواره، قال: قلت: فهذه والله الكرامة التي لا يشبهها
كرامة الآدميين (2) قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: اعملوا قليلا تتنعموا كثيرا.
5 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال حدثنا علي
ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن إبراهيم بن زياد الكرخي
عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من مات
ولا يشرك بالله شيئا أحسن أو أساء دخل الجنة.
6 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن -

(1) قد تبين في محله أن شرف كل معرفة بحسب شرف المعروف لأن مطلوب العارف
بالذات هو لاهي وإن ضلت أقوام إذ أخذوا ما بالعرض مكان ما بالذات، فلأن الله تعالى لا
يعدله شئ فمعرفته لا يعدلها شئ مما يحصل للإنسان من المعارف والأعمال، فهي أعظم ثوابا
من كل ما يثاب به الإنسان، بل لا ثواب لغيرها من دونها لأن أول الديانة معرفته.
(2) هذا الحديث مقيد لسائر الأحاديث المطلقة في هذا الباب وشارح لها، ومن هذا
وغيره بل من بعض الآيات القرآنية يظهر أن السيئات ما لم تصل إلى حد ينافي إحدى هذه
الأربع لا تمنع من دخول الجنة، إلا أن السيئة كائنة ما كانت لا بد أن تمحى بأمر من الأمور
في الدنيا أو في البرزخ أو في القيامة، ثم يدخل صاحبها الجنة.
19

أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصيرة، عن أبي عبد الله عليه السلام، في قول الله
عز وجل: (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) قال: قال الله تبارك وتعالى: أنا أهل
أن اتقى ولا يشرك بي عبدي شيئا، وأنا أهل أن لم يشرك بي عبدي شيئا أن أدخله
الجنة، وقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى أقسم بعزته وجلاله أن لا يعذب أهل
توحيده بالنار أبدا.
7 - حدثنا محمد بن أحمد الشيباني (1) رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي -
عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن
يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن
الله تبارك وتعالى حرم أجساد الموحدين على النار.
8 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن عميرة، قال: حدثني
الحجاج بن أرطاة، قال: حدثني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: الموجبتان (2) من مات يشهد أن لا إله إلا الله (وحده لا شريك له) (3)
دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله دخل النار.
- حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد

(1) هذا الرجل يلقب بالسناني أيضا كما في بعض أحاديث الكتاب. ولعل الشيباني
مصحف السناني وهو أبو عيسى محمد بن أحمد بن محمد بن سنان الزاهري نزيل الري
المترجم في رجال الشيخ في باب من لم يرو عنهم. والسناني نسبة إلى جده الأعلى.
(2) الموجبتان مبتدء وما بعده خبره، وهي على صيغة الفاعل عبارة أخرى عن القضية
الشرطية التي توجب حقيقة مقدمها حقيقة تاليها، أي الموت على التوحيد يوجب دخول
الجنة وهو على الاشراك يوجب دخول النار، وروى الصدوق في معاني الأخبار ص 183
والكليني في الكافي ج 3 ص 343 عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (لا تنسوا الموجبتين
أو قال عليكم بالموجبتين في دبر كل صلاة، قلت: وما الموجبتان؟ قال: تسأل الله الجنة
وتتعوذ به من النار).
(3) ما بين القوسين زيادة في نسخة (ج) و (و).
20

ابن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن عميرة، عن
الحسن بن الصباح، قال: حدثني أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: كل جبار عنيد
من أبى أن يقول لا إله إلا الله.
10 - حدثنا جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة الكوفي
رضي الله عنه، قال: حدثني جدي الحسن بن علي الكوفي، عن الحسين بن
سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن
يزيد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء جبرئيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
يا محمد طوبى لمن قال من أمتك: لا إله إلا الله وحده وحده وحده.
11 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جميلة،
عن جابر، عن أبي عبد الله جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتاني جبرئيل
بين الصفا والمروة، فقال: يا محمد طوبى لمن قال من أمتك: لا إله إلا الله وحده مخلصا.
12 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن الحسين الكوفي، عن
أبيه، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن عميرة، عن عمرو بن
شمر، عن جابر، عن أبي الطفيل، عن علي عليه السلام قال: ما من عبد مسلم يقول:
لا إله إلا الله إلا صعدت تخرق كل سقف لا تمر بشئ من سيئاته إلا طلستها حتى
تنتهي إلى مثلها من الحسنات فتقف.
13 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن الحسين بن سيف، عن أخيه
علي، عن المفضل بن صالح، عن عبيد بن زرارة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: قول
لا إله إلا الله ثمن الجنة.
14 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد
ابن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن سليمان بن عمرو، قال: حدثني عمران بن
أبي عطاء، قال: حدثني عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما من الكلام
21

كلمة أحب إلى الله عز وجل لا إله إلا الله، وما من عبد يقول: لا إله إلا
الله يمد بها صوته فيفرغ إلا تناثرت ذنوبه تحت قدميه كما يتناثر ورق الشجر
تحتها (1).
15 - حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي الفقيه بسرخس، قال:
حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثنا هارون بن عبد الله الجمال،
عن أبي أيوب، قال: حدثني قدامة بن محرز الأشجعي، قال: حدثني مخرمة بن
بكير بن عبد الله بن الأشج (2)، عن أبيه، عن أبي حرب بن زيد بن خالد الجهني،
قال: أشهد على أبي زيد بن خالد لسمعته يقول: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي:
بشر الناس أنه من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له فله الجنة.
16 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
الحسين السعدآبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن
زياد، عن أبان وغيره، عن الصادق عليه السلام قال: من ختم صيامه بقول صالح أو عمل
صالح (3) تقبل الله منه صيامه، فقيل له: يا ابن رسول الله ما القول الصالح؟ قال:
شهادة أن لا إله إلا الله، والعمل الصالح إخراج الفطرة.
17 - حدثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري بنيسابور، قال:
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هارون الخوري، قال: حدثنا جعفر بن محمد
ابن زياد الفقيه الخوري، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الجويباري، ويقال له:
الهروي والنهرواني والشيباني، عن الرضا علي بن موسى، عن أبيه، عن آبائه،
عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما جزاء من أنعم الله عز وجل عليه

(1) في نسخة (ج): (كما يتناثر ورق الشجرة تحتها).
(2) عنونه ابن حجر في التقريب وقال: مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج أبو -
المسور المدني صدوق.
(3) الترديد بحسب أفراد المكلفين فإن من لم يقدر على إخراج الفطرة فليختم صيامه
بشهادة أن لا إله إلا الله، وهذا الحديث ذكره الصدوق في معاني الأخبار بالواو في هذا
الموضع مكان أو.
22

بالتوحيد إلا الجنة.
18 - وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن لا إله إلا الله كلمة
عظيمة كريمة على الله عز وجل، من قالها مخلصا استوجب الجنة، ومن قالها كاذبا
عصمت ماله ودمه، وكان مصيره إلى النار.
19 - وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قال: لا إله إلا الله في
ساعة من ليل أو نهار طلست (1) ما في صحيفته من السيئات.
20 - وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله عز وجل عمودا من
ياقوتة حمراء (2) رأسه تحت العرش، وأسفله على ظهر الحوت في الأرض السابعة السفلى.
فإذا قال العبد: لا إله إلا الله اهتز العرش (3) وتحرك العمود وتحرك الحوت،
فيقول الله تبارك وتعالى: اسكن يا عرشي، فيقول: كيف أسكن وأنت لم تغفر
لقائلها (4) فيقول الله تبارك وتعالى: اشهدوا سكان سماواتي أني قد غفرت لقائلها.

(1) أي محيت.
(2) ذكر العمود في الأحاديث كثير، وهذا الكلام تمثيل لوضع عمود الأمر النازل من
عرش الله تعالى على كاهل صاحب الأمر عليه السلام الذي عبر عنه بالحوت كما عبر عن النبي
صلى الله عليه وآله بالنون، وإطلاق العمود على الأمر القائم عليه أمر آخر من الأمور
المجردة غير قليل في لسان الشرع وغيره كما ورد في الحديث (الصلاة عمود الدين) والمراد
من العمود هنا كما يستفاد من أخبارنا هو علم الإمام الذي عليه يقوم أمر الخلائق من التكوين
والتشريع، وكونه من ياقوتة حمراء تعبير عن تلك الحقيقة بأنفس جوهر من الجواهر
الجسمانية كما هو الشأن في السنة أصحاب الوحي إذا حاولوا بيان حقائق العوالم التي فوق
عالمنا هذا، فإنهم يعبرون عن تلك الحقائق بنفائس جواهر هذا العالم إذ ليست عندنا ألفاظ
ومفاهيم تحكى عن تلك الحقائق، والأرض السابعة هي هذه الأرض التي هي قرار الإنسان
وغيره مما يحتاج إليه لحياته الدنيوية وهي سابعة الأراضي السبع التي ست منها في السماوات
على ما فصل في حديث مذكور عن الإمام الرضا عليه السلام.
(3) الاهتزاز البهجة والسرور، وهذا تمثيل لتأثير حقيقة التوحيد في جميع الكائنات.
(4) هذا تمثيل لاستدعاء العرش لأن يشمل رحمة الحق تعالى وغفرانه الداخل في حيطة
التوحيد، والعرش يطلق على معان: منها جميع الخلق باعتبار ملك الحق عليه ونفاذ سلطانه
فيه، والأنسب في هذا الحديث هذا المعنى، والذي ذكرت في تفسير الحديث يستفاد من أحاديثنا
والمتتبع غير جاهل به.
23

21 - حدثنا أبو الحسين محمد بن علي بن الشاه الفقيه بمرو الروذ، قال:
حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله النيسابوري، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد
ابن عباس الطائي بالبصرة، قال: حدثني أبي في سنة ستين ومائتين، قال: حدثني
علي بن موسى الرضا عليهما السلام، سنة أربع وتسعين ومائة (1) قال: حدثني أبي موسى
ابن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي قال:
حدثني أبي علي بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال: حدثني
أبي علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يقول الله جل جلاله: (لا
إله إلا الله) حصني، فمن دخله أمن من عذابي.
22 - حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر النيسابوري
بنيسابور، قال: حدثني أبو علي الحسن بن علي الخزرجي الأنصاري السعدي (2)
قال: حدثنا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، قال: كنت مع علي بن موسى
الرضا عليهما السلام، حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء، فإذا محمد بن رافع و
أحمد بن حرب ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه وعدة من أهل العلم قد تعلقوا
بلجام بغلته في المربعة (3) فقالوا: بحق آبائك المطهرين حدثنا بحديث قد سمعته
من أبيك، فأخرج رأسه من العمارية وعليه مطرف خز ذو وجهين وقال: حدثني
أبي العبد الصالح موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد، قال:
حدثني أبي أبو جعفر محمد بن علي باقر علم الأنبياء، قال: حدثني أبي علي بن -

(1) في النسخ سنة أربع وستين ومائة وهو تصحيف، صححناه من كتاب العيون ص 194.
(2) في نسخة (ب) و (ه‍) (الحسن بن علي الخزرجي الأنصاري السعيدي). وفي العيون
كما في المتن.
(3) المربعة بفتح الأول يحتمل أن يكون اسما للمكان الذي فيه اليربوع أي الفار البري،
وذكر العلامة المجلسي - رحمه الله - في البحار في الصفحة السادسة من الجزء السادس من
الطبعة الحديثة بعد ذكر هذا الحديث وجوها لها.
24

الحسين سيد العابدين، قال: حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين، قال:
حدثني أبي علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: قال الله
جل جلاله: إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلا الله
بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي.
23 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا أبو الحسين
محمد بن جعفر الأسدي، قال: حدثنا محمد بن الحسين الصوفي، قال: حدثنا يوسف
ابن عقيل، عن إسحاق بن راهويه، قال: لما وافى أبو الحسن الرضا عليه السلام بنيسابور
وأراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا له: يا ابن
رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا (1) بحديث فنستفيده منك؟ وكان قد قعد في العمارية،
فأطلع رأسه وقال: سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول:
سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين
ابن علي بن أبي طالب يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: سمعت جبرئيل يقول: سمعت الله جل جلاله يقول: لا إله
إلا الله حصني فمن دخل أمن من عذابي.
قال: فلما مرت الراحلة نادانا. بشروطها وأنا من شروطها.
قال مصنف هذا الكتاب: من شروطها الاقرار للرضا عليه السلام بأنه إمام من
قبل الله عز وجل على العباد، مفترض الطاعة عليهم.
24 - حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي، قال: حدثنا أبو لبيد
محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثنا إسحاق بن إسرائيل، قال: حدثنا حريز (2)
عن عبد العزيز، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر - رحمه الله - قال: خرجت ليلة من
الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي وحده ليس معه إنسان، فظننت أنه يكره أن
يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني، فقال: من

(1) في نسخة (ط) و (ن) (ولم تحدثنا).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه ج 8 ص 116 عن حريز عن زيد عن أبي ذر رضي الله عنه.
25

هذا؟ قلت: أبو ذر جعلني الله فداك، قال: يا أبا ذر تعال، فمشيت معه ساعة، فقال:
إن المكثرين هم الأقلون (1) يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفح منه بيمينه
وشماله (2) وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا، قال: فمشيت معه ساعة، فقال:
اجلس ههنا، وأجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: إجلس حتى أرجع إليك،
قال: وانطلق في الحرة حتى لم أره وتوارى عني، فأطال اللبث، ثم إني سمعته
صلى الله عليه وآله وسلم وهو مقبل وهو يقول: وإن زنى أن سرق، قال: فلما جاء لم أصبر حتى
قلت: يا نبي الله جعلني الله فداك من تكلمه في جانب الحرة؟ فإني ما سمعت
أحدا يرد عليك من الجواب شيئا، قال: ذاك جبرئيل عرض لي في جانب الحرة،
فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله عز وجل شيئا دخل الجنة، قال:
قلت: يا جبرئيل وإن زنى وإن سرق؟ قال: نعم وإن شرب الخمر (3).
قال مصنف هذا الكتاب: يعني بذلك أنه يوفق للتوبة حتى يدخل الجنة.
25 - حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الأنماطي، قال أخبرنا
أبو عمرو أحمد بن الحسن بن غزوان، قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد، قال: حدثنا
داود بن عمرو، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينا رجل مستلق على ظهره ينظر إلى

(1) الأقلون جمع الأقل وهو صفة مشبهة على نحو أحمر وأحمق بمعنى المقل الذي لا
شئ عنده. وفي صحيح البخاري (هم المقلون).
(2) النفح بالحاء المهملة: الضرب والرمي كما في النهاية الأثيرية وفي الصحيح
(فنفح فيه يمينه وشماله) أي ضرب يديه فيه بالعطاء. وعلى ما في المتن (من) للتبعيض
والضمير المجرور بها يرجع إلى المال المدلول عليه في الكلام لا إلى (خيرا) لأن المراد منه
التوفيق وحب الإنفاق الناشئ من الإيمان بالله واليوم الآخر، والباء للظرفية، ومعنى الكلام:
إلا من أعطاه الله التوفيق وحب الإنفاق فأخرج بعضا من ماله فيمن حوله من الفقراء و
الجيران، وفي نسخة (ط) و (ن) و (ج) و (ه‍) (فنفخ) بالخاء المعجمة.
(3) هذا الحديث بعينه سندا ومتنا مذكور في الباب الثالث والستين. وليس بمذكور
ههنا في نسخة (ب) و (د).
26

السماء وإلى النجوم ويقول: والله إن لك لربا هو خالقك اللهم اغفر لي، قال:
فنظر الله عز وجل إليه فغفر له.
قال مصنف هذا الكتاب: وقد قال الله عز وجل: (أولم ينظروا في ملكوت
السماوات والأرض وما خلق الله من شئ) (1) يعني بذلك: أولم يتفكروا في ملكوت
السماوات والأرض وفي عجائب صنعها، أولم ينظروا في ذلك نظر مستدل معتبر،
فيعرفوا بما يرون ما أقامه الله عز وجل من السماوات والأرض مع عظم أجسامها
وثقلها على غير عمد وتسكينه إياها بغير آله، فيستدلوا بذلك على خالقها ومالكها
ومقيمها أنه لا يشبه الأجسام ولا ما يتخذ الكافرون إلها من دون الله عز وجل، إذ
كانت الأجسام لا تقدر على إقامة الصغير من الأجسام في الهواء بغير عمد وبغير آلة،
فيعرفوا بذلك خالق السماوات والأرض وسائر الأجسام، ويعرفوا أنه لا يشبهها و
لا تشبهه في قدرة الله وملكه (2) وأما ملكوت السماوات والأرض فهو ملك الله لها و
اقتداره عليها، وأراد بذلك، أولم ينظروا ويتفكروا في السماوات والأرض في الخلق
الله عز وجل إياهما على ما يشاهدونهما عليه، فيعلموا أن الله عز وجل هو مالكها
والمقتدر عليها لأنها مملوكة مخلوقة، وهي في قدرته وسلطانه وملكه، فجعل نظرهم
في السماوات والأرض وفي خلق الله لها نظرا في ملكوتها وفي ملك الله لها لأن الله
عز وجل لا يخلق إلا ما يملكه ويقدر عليه، وعنى بقوله: (وما خلق الله من شئ)
يعني: من أصناف خلقه، فيستدلون به على أن الله خالقها وأنه أولى بالإلهية من
الأجسام المحدثة المخلوقة.
26 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن
يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من
قال. لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة وإخلاصه أن تحجزه لا إله إلا الله عما حرم

(1) الأعراف: 185.
(2) لم أعلم لهذا القيد وجها لأنه تعالى لا يشبهه شئ في شئ، إلا أن يتعلق الظرف
بقوله: (يعرفوا) على وجه بعيد.
27

الله عز وجل.
27 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، والحسن بن علي الكوفي، وإبراهيم بن هاشم كلهم، عن الحسين
ابن سيف، عن سليمان بن عمرو، عن المهاجر بن الحسين (1)، عن زيد بن أرقم،
عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: من قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة، وإخلاصه أن
تحجزه لا إله إلا الله عما حرم الله عز وجل.
28 - حدثنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن عمرو العطار ببلخ،
قال: حدثنا محمد بن محمود، قال: حدثنا حمران، عن مالك بن إبراهيم بن طهمان،
عن (أبي) حصين، عن الأسود بن هلال (2)، عن معاذ بن جبل، قال: كنت رديف
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا معاذ هل تدري ما حق الله عز وجل على العباد؟ - يقولها
ثلاثا -، قال: قلت: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله: حق الله عز وجل على
العباد أن لا يشركوا به شيئا، ثم قال صلى الله عليه وآله: هل تدري ما حق العباد على الله
عز وجل إذا فعلوا ذلك؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم،
أو قال: أن لا يدخلهم النار.
29 - حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري: قال: حدثنا
محمد بن أحمد بن حمران القشيري، قال: حدثنا أبو الجريش أحمد بن عيسى الكلابي
قال: حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب عليهم السلام سنة خمسين ومائتين، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن
جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عن علي عليهم السلام، في قول الله عز وجل: (هل
جزاء الاحسان إلا الاحسان) قال علي عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن
الله عز وجل قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة.

(1) في نسخة (د) و (ب) و (و) (المهاجر بن الحسن).
(2) الأسود بن هلال هو المحاربي أبو سلام الكوفي مخضرم ثقة جليل مات سنة أربع
وثمانين كما في التقريب لابن حجر والخبر رواه مسلم عن أبي حصين، عن الأسود عن معاذ.
28

30 - حدثنا الحاكم عبد الحميد بن عبد الرحمن بن الحسين، قال: حدثنا
أبو يزيد بن محبوب المزني، قال: حدثنا الحسين بن عيسى البسطامي، قال:
حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا شعبة، عن خالد الحذاء، عن أبي
بشر العنبري، عن حمران، عن عثمان بن عفان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من
مات وهو يعلم أن الله حق دخل الجنة. (1)
31 - حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين
ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: أخبرني علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثني
إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن عبد الله بن حماد الأنصاري، عن الحسين بن
يحيى بن الحسين، عن عمرو بن طلحة، عن أسباط بن نصر، عن عكرمة، عن ابن
عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحق بشيرا لا يعذب الله بالنار
موحدا أبدا، وإن أهل التوحيد ليشفعون فيشفعون، ثم قال عليه السلام: إنه إذا كان
يوم القيامة أمر الله تبارك وتعالى بقوم ساءت أعمالهم في دار الدنيا إلى النار، فيقولون
يا ربنا كيف تدخلنا النار وقد كنا نوحدك في دار الدنيا؟ وكيف تحرق بالنار
ألسنتنا وقد نطقت بتوحيدك في دار الدنيا؟ وكيف تحرق قلوبنا وقد عقدت على أن
لا إله إلا أنت؟ أم كيف تحرق وجوهنا وقد عفرناها لك في التراب؟ أم كيف تحرق
أيدينا وقد رفعناها بالدعاء إليك، فيقول الله جل جلاله: عبادي ساءت أعمالكم في
دار الدنيا فجزاؤكم نار جهنم، فيقولون: يا ربنا عفوك أعظم أم خطيئتنا؟ فيقول
عز وجل: بل عفوي، فيقولون: رحمتك أوسع أم ذنوبنا؟ فيقول عز وجل: بل
رحمتي، فيقولون: إقرارنا بتوحيدك أعظم أم ذنوبنا؟ فيقول عز وجل: بل إقراركم
بتوحيدي أعظم، فيقولون: يا ربنا فليسعنا عفوك ورحمتك التي وسعت كل شئ،
فيقول الله جل جلاله، ملائكتي وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحب إلي من
المقرين لي بتوحيدي وأن لا إله غيري، وحق علي أن لا أصلي بالنار أهل توحيدي
ادخلوا عبادي الجنة.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه ج 1 ص 41 بإسناده عن خالد الحذاء - الخ).
29

32 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان: حدثنا الحسن بن علي
السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري البصري، قال: حدثنا جعفر
ابن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه
علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من مات لا يشرك بالله شيئا أحسن أو أساء دخل الجنة.
33 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا
أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم و
أبي أيوب، قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام: من قال: لا أله إلا الله مائة مرة كان أفضل
الناس ذلك اليوم عملا إلا من زاد.
34 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثني
أحمد بن هلال، عن أحمد بن صالح، عن عيسى بن عبد الله من ولد عمر بن علي، عن
آبائه، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال الله جل جلاله لموسى:
يا موسى لو أن السماوات وعامريهن والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة
مالت بهن لا إله إلا الله (1).
35 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد العزيز العبدي، عن عمر بن يزيد، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: من قال في يوم: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، إلها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا) كتب الله عز وجل
له خمسة وأربعين ألف ألف حسنة، ومحا عنه خمسة وأربعين ألف ألف سيئة، ورفع
له في الجنة خمسة وأربعين ألف ألف درجة، وكان كمن قرأ القرآن اثنتي عشرة
مرة، وبنى الله بيتا في الجنة.

(1) لأن الموجودات قائمة بحقيقة التوحيد الذي أجراه الله تعالى عليها كما في الحديث
السابع من الباب العاشر والقائم يقصر عن الذي قام به.
30

2 - باب التوحيد ونفي التشبيه
1 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا
أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر، وغيره،
عن عمرو بن ثابت، عن رجل - سماه - عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور
قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوما خطبة بعد العصر، فعجب
الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله، قال: أبو إسحاق: فقلت
للحارث: أوما حفظتها؟ قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه:
الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه، لأنه كل يوم في شأن من
إحداث بديع لم يكن (1) الذي لم يولد فيكون في العز مشاركا، ولم يلد فيكون
موروثا هالكا، ولم يقع عليه الأوهام فتقدره شبحا ماثلا (2) ولم تدركه الأبصار
فيكون بعد انتقالها، حائلا (3) الذي ليست له في أوليته نهاية، ولا في آخريته حد
ولا غاية، الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه زمان، ولم يتعاوره (4) زيادة ولا نقصان، ولم
يوصف بأين ولا بمكان (5) الذي بطن من خفيات الأمور، وظهر في العقول بما يرى في

(1) أي هو تعالى في كل وقت يوجد فيه بديعا من خلقه يكون في شأن إيجاد ذلك
البديع فاليوم يوم ذلك الموجود البديع ووقته.
(2) في نسخة (ج) (مماثلا).
(3) أي فيكون تعالى بعد انتقال الأبصار متحولا متغيرا عن الحالة التي كان عليها من
المقابلة والوضع الخاص والمحاذاة للأبصار، وبعض الأفاضل قرأ بضم الأول على أن يكون
مصدرا لبعد يبعد وفسر الحائل بالحاجز أي فيكون بعد انتقال الأبصار حاجزا من رؤيته
تعالى، وبعضهم قرأ خائلا بالخاء المعجمة أي متمثلا في القوة المتخيلة.
(4) تعاور القوم الشئ: تعاطوه وتداولوه. والتعاور: الورود على التناوب.
(5) في الكافي في باب جوامع التوحيد وفي البحار في الصفحة 265 من الجزء
الرابع من الطبعة الحديثة وفي نسخة (ط) و (ن) (ولم يوصف بأين ولا بما ولا بمكان)
أي ليست له ماهية وراء حقيقة الوجود حتى يسأل بما هو ويجاب بما هو، والمراد بها
الماهية بالمعنى الأخص المقابل للوجود، وأما الماهية بالمعنى الأعم فلا شئ بدونها كما
أثبتها له الإمام الصادق عليه السلام في جواب السائل بقوله: (لا يثبت الشئ الابانية ومائية) في
الحديث الأول من الباب السادس والثلاثين.
31

خلقه من علامات التدبير، الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص (1) بل وصفته
بأفعاله، ودلت عليه بآياته (2) ولا تستطيع عقول المتفكرين جحده، لأن من كانت
السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهن، فلا مدفع
لقدرته (3) الذي بان من الخلق فلا شئ كمثله، الذي خلق الخلق لعبادته (4)
وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم، وقطع عذرهم بالحجج، فعن بينة هلك من هلك
وعن بينة نجا من نجا، ولله الفضل مبدئا ومعيدا.
ثم إن الله وله الحمد افتتح الكتاب بالحمد لنفسه، وختم أمر الدنيا ومجئ

(1) الظاهر أن المراد بالحد والنقص ما هو اصطلح عليه أهل الميزان في باب الحد
والرسم، ويحتمل أن يكون المراد بالحد التحدد بالحدود الجسمانية وغيرها وبالنقص
الأوصاف الموجبة للنقص، وفي نسخة (ج) (ولا ببعض) أي التركب والتبعض، وكل ذلك
منفى عنه تعالى لا يوصف به.
(2) كما قال الخليل: (ربي الذي يحيي ويميت). وقال الكليم في جواب فرعون
حيث قال: (وما رب العالمين: رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) وقال
المسيح: (إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله بلسان
الوحي في القرآن من آيات كثيرة في ذلك، وأبلغ ما أجيب في هذا المقام ما قاله الإمام
الصادق عليه السلام في جواب الزنديق الذي سأله عنه: (هو شئ بخلاف الأشياء ارجع بقولي
شئ إلى إثبات معنى وأنه شئ بحقيقة الشيئية) ويأتي هذا في الحديث الأول من الباب
السادس والثلاثين.
(3) المراد به الاعتقادي الذي يرجع إلى معنى الجحد والانكار، أي فلا منكر لقدرته
مع ظهور آثارها في السماوات والأرض، أو الدفع الفعلي، أي لا يمانعه ولا يدافعه أحد في
قدرته لأن كل ما سواه مفطور مخلوق له، والأول أنسب بما قبله، وفي نسخة (ط) و (ن)
(فلا مدافع لقدرته).
(4) ليست العبادة الغاية النهائية بل هي غاية قريبة، والنهائية هي ما تترتب
على العبادة وهي القرار في جوار رحمته تعالى على ما نطق به التنزيل حيث قال تعالى:
(إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) على ما فسرت الآية في الحديث العاشر من الباب
الثاني والستين.
32

الآخرة بالحمد لنفسه، فقال: (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) (1).
الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد، والمرتدي بالجلال بلا تمثل، والمستوي
على العرش بلا زوال، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم، القريب منهم بلا
ملامسة منه لهم، ليس له حد ينتهي إلى حده، ولا له مثل فيعرف بمثله، ذل من
تجبر غيره، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت الأشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه و
عزته، وكلت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق،
الأول قبل كل شئ والآخر بعد كل شئ، ولا يعد له شئ، الظاهر على
كل شئ بالقهر له، والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها، ولا تلمسه لامسة
ولا تحسه حاسة، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، وهو الحكيم العليم،
أتقن ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه في
خلق ما خلق لديه، ابتدأ ما أراد ابتداءه، وأنشأ ما أراد إنشاءه على ما أراده من
الثقلين الجن والإنس لتعرف بذلك ربوبيته، وتمكن فيهم طواعيته.
نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه كلها، ونستهديه لمراشد أمورنا
ونعوذ به من سيئات أعمالنا، ونستغفره للذنوب التي سلفت منا، ونشهد أن لا إله
إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، بعثه بالحق دالا عليه وهاديا إليه، فهدانا به من
الضلالة، واستنقذنا به من الجهالة، من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، ونال
ثوابا كريما، ومن يعص الله ورسوله فقد خسر خسرانا مبينا، واستحق عذابا أليما،
فانجعوا (2) بما يحق عليكم من السمع والطاعة وإخلاص النصحية وحسن المؤازرة
وأعينوا أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة، وهجر الأمور المكروهة، وتعاطوا

(1) الزمر: 75.
(2) الانجاع: الافلاح، أو هو ثلاثي من النجعة بمعنى طلب الكلاء من موضعه، أي
فاطلبوا بذلك ما ينفعكم لتعيش الآخرة كما ينفع الكلاء لتعيش الدنيا.
33

الحق بينكم، وتعانوا عليه، وخذوا على يدي الظالم السفيه، مروا بالمعروف،
وانهو عن المنكر، واعرفوا لذوي الفضل فضلهم، عصمنا الله وإياكم بالهدي، و
ثبتنا وإياكم على التقوى، وأستغفر الله لي ولكم.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن عمر والكاتب، عن محمد بن زياد القلزمي (1)، عن محمد بن أبي زياد الجدي
صاحب الصلاة بجدة، قال: حدثني محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالب
عليه السلام قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد،
قال ابن أبي زياد: ورواه لي أيضا أحمد بن عبد الله العلوي مولى لهم وخالا (*) لبعضهم
عن القاسم بن أيوب العلوي أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام على هذا
الأمر جمع بني هاشم فقال: إني أريد أن أستعمل الرضا على هذا الأمر من بعدي،
فحسده بنو هاشم، وقالوا: أتولي رجلا جاهلا ليس له بصر (2) بتدبير الخلافة؟!
فابعث إليه رجلا يأتنا فترى من جهله ما يستدل به عليه، فبعث إليه فأتاه، فقال
له بنو هاشم: يا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علما (3) نعبد الله عليه، فصعد عليه السلام
المنبر، فقعد مليا لا يتكلم مطرقا، ثم انتفض انتفاضة (4). واستوى قائما، وحمد
الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه وأهل بيته.
ثم قال: أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيد -

(1) في نسخة (ب) و (و) وحاشية (ط) (محمد بن زياد القلمزي) بتقديم الميم على
الزاي، وفي (د) (العلوي) وفي (ج) (العامري) وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام (القلوني) و
في نسخة منه (العرزمي) ولم أجده.
* كذا.
(2) وهكذا في العيون وفي نسخة (ب) و (و) و (د) (ليس له بصيرة).
(3) بالفتحتين، ويحتمل كسر الأول وسكون الثاني.
(4) نفض الثوب: حركة لينتفض، ونفض المكان نظر جميع ما فيه حتى يتعرفه. و
نفض الطريق تتبعها.
34

الله تفي الصفات عنه (1) لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق (2) وشهادة
كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف
بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع
من الحدث، فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته، ولا إياه وحده من اكتنهه (3)
ولا حقيقة أصاب من مثله، ولا به صدق من نهاه (4) ولا صمد صمده من أشار إليه (5)
ولا إياه عنى من شبهه، ولا له تذلل من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه، كل
معروف بنفسه مصنوع (6) وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه و
بالعقول يعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته (7). خلق الله حجاب بينه

(1) هذا الكلام كثير الدور في الكلمات أئمتنا سلام الله عليهم، والمراد به أنه تعالى
ليس له صفة مغايرة لذاته بالحقيقة بل ذاته المتعالية نفس كل صفة ذاتية كما يأتي التصريح
به في بعض الأخبار في باب العلم وباب صفات الذات خلافا للأشاعرة حيث قالوا: (إن كل
مفهوم من مفاهيم الصفات الذاتية كالعلم والقدرة له حقيقة مغايرة لحقيقة الذات)، وفي بعض
كلماتهم عليهم السلام يمكن تفسير نفي الصفات بنفي الوصف كما نزه نفسه تعالى في الكتاب
عن وصف الواصفين.
(2) أي كل مركب من الصفة والموصوف.
(3) الاكتناه طلب الكنه، فإن من طلب كنهه تعالى لم يوحده بل جعله مثلا للممكنات
التي يمكن اكتناهها.
(4) التنهية جعل الشئ ذا نهاية بحسب الاعتقاد أو الخارج.
(5) أي لا قصد نحوه ولم يتوجه إليه بل توجه إلى موجود آخر لأنه أينما تولوا فثم
وجه الله، فليس له جهة خاصة حتى يشار إليه في تلك الجهة.
(6) أي كل ما عرف بذاته وتصور ماهيته فهو مصنوع، وهذا لا ينافي قول أمير المؤمنين
عليه السلام: (يا من دل على ذاته بذاته) ولا قول الصادق عليه السلام: (اعرفوا الله بالله) لأن معنى ذلك أنه
ليس في الوجود سبب لمعرفة الله تعالى إلا الله لأن الكل ينتهي إليه، فالباء هنا للالصاق و
المصاحبة أي كل معروف بلصوق ذاته ومائيته ومصاحبتها لذات العارف بحيث أحاط به إدراكا
فهو مصنوع، وهنالك للسببية.
(7) أي لولا الفطرة التي فطر الناس عليها لم تنفع دلالة الأدلة وحجية الحجج.
35

وبينهم (1) ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم، وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا ابتداء
له لعجز كل مبتدء عن ابتداء غيره، وأدوه إياهم دليل على أن لا أداة فيه لشهادة
الأدوات بفاقة المتأدين (2) وأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه
تفريق بينه وبين خلقه، وغبوره تحديد لما سواه (3) فقد جهل الله من استوصفه،
وقد تعداه من اشتمله (4) وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال: كيف فقد شبهه، و
من قال: لم فقد علله، ومن قال: متى فقد وقته، ومن قال: فيم فقد ضمنه، ومن
قال: إلى م فقد نهاه، ومن قال. حتى م فقد غياه (5) ومن غياه فقد غاياه، ومن

(1) (خلق الله) على صيغة المصدر مبتدء مضاف إلى فاعله والخلق مفعوله، وحجاب خبر
له. وفي نسخة (ب) و (و) و (د) (خلقة الله - الخ)، والكلام في الحجاب بينه وبين خلقه طويل
عريض عميق لا يسعه التعليق وفي كثير من أحاديث هذا الكتاب مذكور ببيانات مختلفة فليراجع.
(2) آدوه على وزان فلس مصدر جعلى من الأداة مضاف إليه تعالى، أي جعله إياهم
ذوي أدوات وآلات في إدراكاتهم وأفعالهم، وكذا أدوته بزيادة التاء في نسخة (و) و (د) و
(ب) و (ج). والمتأدين أيضا من هذه المادة جمع لاسم الفاعل من باب التفعل أي من يستعمل
الأدوات في أموره، وأما ادواؤه على صيغة المصدر من باب الأفعال كما في نسخة (ط) و
(ن) وكذا (المادين) على صيغة اسم الفاعل من مد يمد كما في نسخة (ج) و (ط) و (ن) فخطأ
من النساخ لعدم توافق المادة في الموضوعين وعدم تناسب المعنى. وفي العيون (وادواؤه إياهم
دليلهم على أن لا أداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين) وهكذا في تحف العقول في خطبة
لأمير المؤمنين عليه السلام إلا أن فيه (وايداؤه إياهم شاهد على أن لا أداة فيه).
(3) بالباء الموحدة مصدر بمعنى البقاء أي بقاؤه الملازم لعدم محدوديته محدد لما
سواه، وفي نسخة (ج) و (ط) و (و) بالياء المثناة وعلى هذا فهو مصدر بمعنى المغايرة لا
جمع الغير، وفي نسخة (د) و (ب) (وغبوره تجديد لما سواه) بالجيم أي قدمه يوجب
حدوث ما سواه.
(4) الاشتمال هو الإحاطة، أي من أحاط بشئ تصور أو توهم إنه الله تعالى فقد تجاوز
عن مطلوبه، وفي نسخة (ب) و (د) (أشمله) من باب الأفعال.
(5) أي من توهم إنه تعالى ذو نهايات وسأل عن حدوده ونهاياته فقد جعل له غايات
ينتهي إليها، ومن جعل له غايات فقد جعل المغاياة بينه وبين غيره بجعل الحد المشترك
بينهما، ومن جعله كذلك فقد جعله ذا أجزاء، ومن توهمه كذلك فقد وصفه بصفة المخلوق
ومن وصفه بها فقد ألحد فيه، والالحاد هو الطعن في أمر من أمور الدين بالقول المخالف
للحق المستلزم للكفر.
36

غاياه فقد جزأه، ومن جزأه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه، لا يتغير الله
بانغيار المخلوق، كما لا يتحدد بتحديد المحدود، أحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا
بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مبائن لا بمسافة،
قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر
لا بحول فكرة (1) مدبر لا بحركة، مريد لا بهمامة، شاء لا بهمة، مدرك لا
بمجسة (2) سميع لا بآلة، بصير لا بأداة.
لا تصحبه الأوقات، ولا تضمنه الأماكن، ولا تأخذه السنات (3) ولا تحده
الصفات، ولا تقيده الأدوات (4) سبق الأوقات كونه. والعدم وجوده، والابتداء
أزاله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له (5) وبتجهيره الجواهر عرف أن لا
جوهر له، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور
عرف أن لا قرين له ضاد النور بالظلمة، والجلاية بالبهم، والجسو بالبلل (6)،
والصرد بالحرور، مؤلف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها، دالة بتفريقها على
مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها، ذلك قوله عز وجل: (ومن كل شئ خلقنا زوجين

(1) أي بقوة الفكرة، وفي نسخة (د) و (ن) بالجيم.
(2) المجسة: آلة الجس.
(3) جمع السنة وهي النعاس، وفي حاشية نسخة (ب) و (د) (السبات) بالباء الموحدة:
على وزان الغراب وهو النوم، أو أوله أو الراحة من الحركات فيه.
(4) في نسخة (ط) (ولا تفيده الأدوات) من الإفادة.
(5) لعلو الصانع عن مرتبة ذات المصنوع وكذا فيما يشابه هذه من الفقرات الآتية.
(6) جسا يجسو جسوا: يبس وصلب.
37

لعلكم تذكرون) (1) ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة
بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها (2)، مخبرة بتوقيتها
أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها (3)
له معنى الربوبية إذ لا مربوب (4) وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه (5) ومعنى العالم
ولا معلوم، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وتأويل السمع ولا مسموع (6) ليس
منذ خلق استحق معنى الخالق، ولا باحداثه البرايا استفاد معنى البارئية (6)
كيف (7) ولا تغيبه مذ، ولا تدنيه قد، ولا تحجبه لعل، ولا توقته متى، ولا تشمله حين،

(1) الذاريات: 49، والآية إما استشهاد للمضادة فالمعنى: ومن كل شئ خلقنا
ضدين كالأمثلة المذكورة بخلافه تعالى فإنه لا ضد له، أو استشهاد للمقارنة فالمعنى: ومن
كل شئ خلقنا قرينين فإن كل شئ له قرين من سنخه أو مما يناسبه بخلاف الحق تعالى،
والأول أظهر بحسب الكلام هنا، والثاني أولى بحسب الآيات المذكور فيها لفظ الزوجين.
(2) إثبات التفاوت هنا لا ينافي قوله تعالى: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت)
لأن ما في الآية بمعنى عدم التناسب.
(3) في نسخة (ط) و (ن) وفي البحار: (من غيرها).
(4) كل كلام نظير هذا على كثرتها في أحاديث أئمتنا سلام الله عليهم يرجع معناه إلى
أن كل صفة كمالية في الوجود ثابتة له تعالى بذاته، لا أنها حاصلة له من غيره، وهذا مفاد
قاعدة (أن الواجب الوجود لذاته واجب لذاته من جميع الوجوه).
(5) الإلهية إن أخذت بمعنى العبادة فالله مألوه والعبد آله متأله، وأما بمعنى ملك
التأثير والتصرف خلقا وأمرا كما هنا وفي كثير من الأحاديث فهو تعالى إله والعبد مألوه،
وعلى هذا فسر الإمام عليه السلام (الله) في الحديث الرابع من الباب الحادي والثلاثين.
(6) إنما غير أسلوب الكلام وقال: (وتأويل السمع) إذ ليس له السمع الذي لنا بل
سمعه يؤول إلى علمه بالمسموعات، وفي نسخة (ب) و (ج) كلمة إذ في الفقرات الثلاثة
الأخيرة مكان الواو أيضا.
(6) في أكثر النسخ (البرائية) وفي نسخة (ن) والبحار (البارئية) كما في المتن.
(7) أي كيف لا يستحق معنى الخالق والبارئ قبل الخلق والحال أنه لا تغيبه مذ التي
هي لابتداء الزمان عن فعله أي لا يكون فعله وخلقه متوقفا على زمان حتى يكون غائبا عن
فعله بسبب عدم الوصول بذلك الزمان منتظرا لحضور ابتدائه، ولا تقربه قد التي هي لتقريب زمان
الفعل فلا يقال: قد قرب وقت فعله لأنه لا ينتظر وقتا ليفعل فيه بل كل الأوقات سواء النسبة
إليه، ولا تحجبه عن مراده لعل التي هي للترجي أي لا يترجى شيئا لشئ مراد له له بل (إنما
أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) ولا توقته في مبادى أفعاله (متى) أي لا يقال:
متى علم، متى قدر، متى ملك لأن له صفات كما له ومبادي أفعاله لذاته من ذاته أزلا كأزلية
وجوده، ولا تشمله ولا تحدده ذاتا وصفه وفعلا (حين) لأنه فاعل الزمان، ولا تقارنه بشئ (مع)
أي ليس معه شئ ولا في مرتبته شئ في شئ، ومن كان كذلك فهو خالق بارئ قبل الخلق
لعدم تقيد خلقه وإيجاده بشئ غيره، فصح أن يقال: له معنى الخالق إذ لا مخلوق، وفي نسخة
(ج) يغيبه وما بعدها من الأفعال بصيغة التذكير.
38

ولا تقارنه مع، إنما تحد الأدوات أنفسها، وتشير الآلة إلى نظائرها (1) وفي الأشياء
يوجد فعالها (2) منعتها منذ القدمة، وحمتها قد الأزلية، وجبتها لولا التكملة (3)
افترقت فدلت على مفرقها، وتباينت فأعربت من مباينها لما تجلى صانعها للعقول (4)

(1) أي إنما يتقيد في الفعل والتأثير بالأدوات أمثالها في المحدودية والجسمانية، و
لا يبعد أن يكون (تحد) على صيغة المجهول فلا يفسر أنفسها بأمثالها، وإشارة الآلة كناية عن
التناسب أي تناسب الآلة نظائرها وأمثالها في المادية والجسمانية والمحدودية.
(2) أي في الأشياء الممكنة توجد تأثيرات الآلات والأدوات، وأما الحق تعالى فمنزه
عن ذلك كله.
(3) منذ وقد ولولا فواعل للأفعال الثلاثة والضمائر مفاعيل أولى لها والقدمة والأزلية
والتكملة مفاعيل ثواني، والمعنى أن اتصاف الأشياء بمعاني منذ وقد ولولا وتقيدها بها
يمنعها عن الاتصاف بالقدم والأزلية والكمال في ذاتها فإن القديم الكامل في ذاته لا يتقيد بها،
والأظهر أن الضمائر المؤنثة من قوله: منعتها إلى قوله: عرفها الاقرار ترجع إلى الأشياء.
(4) لما تجلى متعلق بدلت وأعربت، و (ما) مصدرية، وفي البحار وفي هامش نسخة (و)
(بها تجلى صانعها للعقول) فجملة مستقلة.
39

وبها احتجب عن الرؤية، وإليها تحاكم الأوهام، وفيها أثبت غيره (1) ومنها
أنيط الدليل (2) وبها عرفها الاقرار، وبالعقول يعتقد التصديق بالله، وبالاقرار
يكمل الإيمان به، ولا ديانة إلا بعد المعرفة ولا معرفة إلا بالاخلاص، ولا إخلاص
مع التشبيه، ولا نفي مع إثبات الصفات للتشبيه (3) فكل ما في الخلق لا يوجد في
خالقه، وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه، لا تجري عليه الحركة والسكون،
وكيف يجري عليه ما هو أجراه، أو يعود إليه ما هو ابتدأه (4) إذا لتفاوتت ذاته،
ولتجز أكنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولما كان للبارئ معنى غير المبروء، و
لوحد له وراء إذا حد له أمام، ولو التمس له التمام إذا لزمه النقصان، كيف يستحق
الأزل من لا يمتنع من الحدث، وكيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الانشاء،
إذا لقامت فيه آية المصنوع، ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه، ليس في محال
القول حجة (5) ولا في المسألة عنه جواب، ولا في معناه له تعظيم، ولا في إبانته عن
الخلق ضيم، إلا بامتناع الأزلي أن يثنى وما لا بدأ له أن يبدأ (6)، لا إله إلا الله

(1) غيره بفتح الأول وسكون الثاني مصدر بمعنى التغير أي في الأشياء أثبت التغير
والاختلاف من عنده تعالى بحسب حدودها الامكانية وباعتبارها، وأما لولا اعتبار الحدود
ففيضه الفائض على الأشياء ورحمته الواسعة كل شئ وتوحيده الساري على هياكل الممكنات
واحد، ويمكن أن يقرأ بكسر الأول وفتح الثاني بمعنى الأحداث المغيرة لأحوال الشئ أي
في الأشياء أثبت ذلك، وفي نسخة (ج) (عزه) بالعين والزاي المشددة.
(2) أنيط بالنون والياء المثناة مجهول أناط بمعنى علق ووصل أي من الأشياء يوصل
بالدليل عليه، وفي نسخة (ب) و (د) و (ط) بالنون والباء الموحدة أي من الأشياء انبط و
أخرج الدليل عليه وعلى صفاته.
(3) أي لا نفي لتشبيهه تعالى بالمخلوق مع إثبات الصفات الزائدة له.
(4) في نسخة (ط) وفي البحار (أو يعود فيه - الخ).
(5) من إضافة الصفة إلى الموصوف، والقول المحال هو القول المخالف للحق الواقع.
(6) أي ليس في القول بأنه تعالى بائن عن خلقه في ذاته وصفاته وأفعاله ظلم وافتراء
إلا أن القديم الأزلي يمتنع عن التركب والأثنينية وأن الذي لا أول له يمتنع أن يكون مبدوءا
مخلوقا، وهذا من قبيل تأكيد المدح بما يشبه الذم كما في قول النابغة الذبياني.
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب
وفي نسخة (د) و (ب) (ولا بامتناع الأزلي أن يثنى) وهو عطف على ما قبله، أي و
ليس في امتناع الأزلي من الاثنينية وامتناع ما لا بدء له من الابتداء ضيم، وفي نسخة (ن) و
(و) و (ج) (ولا بامتناع الأزلي أن ينشأ).
40

العلي العظيم، كذب العادلون بالله، وضلوا ضلالا بعيدا، وخسروا خسرانا مبينا،
وصلى الله على محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين.
3 - حدثنا علي بن أحمد بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق - رحمه الله - قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، وأحمد بن يحيى بن زكريا القطان، عن بكر بن عبد الله
ابن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن أبيه، عن أبي معاوية، عن الحصين بن
عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، أن أمير المؤمنين
عليه السلام استنهض الناس في حرب معاوية في حرب معاوية في المرة الثانية فلما حشد الناس قام خطيبا
فقال: الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد، الذي لا من شئ كان، ولا من
شئ خلق ما كان، قدرته (1) بان بها من الأشياء، وبانت الأشياء منه، فليست له

(1) في الكافي: (قدرة) بلا إضافة إلى ضميره أي له قدرة أو هو بذاته قدرة، وقرأ
المولى صدرا الشيرازي في شرحه للكافي بالفاء الموحدة المكسورة وجعلها اسما لكان وجعل
ما الداخلة عليها نافية، والقدرة في اللغة بمعنى القطعة من الشئ، ومعنى الكلام على هذا:
ما كان له تعالى قدرة وجزء بها امتاز عن الأشياء وامتازت الأشياء منه كما هو الشأن في
الأشياء المشتركة في تمام الحقيقة أو في بعض الحقيقة إذ ليس له ما به الاشتراك في الحقيقة
مع غيره لأنه وجود بحت ونور صرف وغيره ماهيات عرضها الوجود فليست له صفة تنال و
لا حد يضرب له الأمثال، وهذا أقرب من جهة التفريع ومن جهة أن القدرة ليست لها خصوصية
بها يحصل الامتياز والبينونة له تعالى عن غيره دون سائر الصفات، بل هو تعالى ممتاز من
غيره بذاته التي كل من صفاتها عينها.
41

صفة تنال، ولا حد يضرب له الأمثال، كل دون صفاته تعبير اللغات (1) وضل هنالك
تصاريف الصفات، وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ
في علمه جوامع التفسير، وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب، وتاهت في
أدني أدانيها طامحات العقول في لطيفات الأمور (2) فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم،
ولا يناله غوص الفطن، وتعالى الله الذي ليس له وقت معدود، ولا أجل ممدود،
ولا نعت محدود، وسبحان الذي ليس له أول مبتدء، ولا غاية منتهى، ولا آخر
يفنى، سبحانه، هو كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، حد الأشياء كلها
عند خلقه إياها إبانة لها من شبهه وإبانة له من شبهها، فلم يحلل فيها فيقال: هو
فيها كائن (3) ولم ينأ عنها فيقال: هو منها بائن، ولم يخل منها فيقال له: أين،
لكنه سبحانه أحاط بها علمه، وأتقنها صنعه، وأحصاها حفظه، لم يعزب عنه خفيات
غيوب الهوى (4) لا غوامض مكنون ظلم الدجى، ولا ما في السماوات العلى والأرضين
السفلى، لكل شئ منها حافظ ورقيب، وكل شئ منها بشئ محيط (5) والمحيط
بما أحاط منها الله الواحد الأحد الصمد الذي لم تغيره صروف الأزمان ولم يتكاده

في نسخة (ج) و (و) (تحبير اللغات).
(2) أي تحيرت في أدنى أداني الحجب العقول الطامحة المرتفعة في الأمور اللطيفة و
العلوم الدقيقة.
(3) فلم يحلل فيها بالحلول المكيف كحلول بعض الأشياء في بعض، فلا ينافي قوله
صلوات الله عليه: (داخل في الأشياء لا بالكيفية). وفي موضع آخر: (داخل في الأشياء لا
كدخول شئ في شئ). في موضع آخر: (داخل في الأشياء لا بالممازجة.
(4) أي لم يعزب عنه خفيات الأهواء الغائبة عن الادراك في صدور العالمين فإنه عليم
بذات الصدور، وفي الكافي (غيوب الهواء) بالمد وهو الجو المحيط والذي فيه مما
يستنشقه الحيوان.
(5) إحاطة التأثير والعلية لا الجسمية كما هو مقتضى وحده السياق لأن إحاطة الحق
تعالى بالمحيط بالكل ليست جسمية، وضمير منها محتمل الرجوع إلى الأشياء وإلى السماوات
والأرضين.
42

صنع شئ كان، إنما قال لما شاء أن يكون: كن فكان، ابتدع ما خلق بلا مثال سبق،
ولا تعب ولا نصب، وكل صانع شئ فمن شئ صنع، والله لا من شئ صنع ما خلق،
وكل عالم فمن بعد جهل تعلم، والله لم يجهل ولم يتعلم، أحاط بالأشياء علما قبل
كونها فلم يزدد بكونها علما، علمه بها قبل أن يكونها كعلمه بعد تكوينها، لم
يكونها لشدة سلطان، ولا خوف من زوال ولا نقصان، ولا استعانة على ضد
مثاور (1) ولا ند مكاثر، ولا شريك مكائد (2) لكن خلائق مربوبون، وعباد داخرون،
فسبحان الذي لا يؤده خلق ما ابتدأ، ولا تدبير ما برأ، ولا من عجز ولا من فترة
بما خلق اكتفى، علم ما خلق وخلق ما علم لا بالتفكر، ولا بعلم حادث أصاب ما
خلق، ولا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق، لكن قضاء مبرم، وعلم محكم، وأمر
متقن، توحد بالربوبية، وخص نفسه بالوحدانية، واستخلص المجد والثناء،
فتمجد بالتمجيد، وتحمد بالتحميد، وعلا عن اتخاذ الأبناء، وتطهر وتقدس
عن ملامسة النساء (3) وعز وجل عن مجاورة الشركاء، فليس له فيما خلق ضد، ولا
فيما ملك ند، ولم يشرك في ملكه أحد (4) الواحد الأحد الصمد المبيد للأبد، و
الوارث، للأمد (5) الذي لم يزل ولا يزال وحدانيا أزليا قبل بدء الدهور وبعد

(1) المثاورة من الثورة، وفي البحار بالسين وهو بمعناه، وفي نسخة (د) (مشارد)
والمشاردة بمعنى المطاردة، وفي نسخة (ط) و (ن): مشاور " بالشين المعجمة وهو من خطأ
النساخ، وفي الكافي " ضد مناو " أي معاد
(2) في نسخة (ب) و (ن) " شريك مكابد " بالباء الموحدة والدال، وفي الكافي " مكابر "
بالباء الموحدة والراء.
(3) في نسخة (ب) و (د) " عن ملابسة النساء " وهو مأخوذ من الآية الكنائية.
(4) في نسخة (ب) " ولم يشرك في حكمه أحد ".
(5) أي المهلك المفني للأبد والدهر فإن الدهر والزمان ليس في جنب أزليته وسرمديته
إلا كان. وهو الوارث الباقي بعد فناء الغايات ووصول النهايات، وفي نسخة (ج) " المؤبد
للأبد " وفي نسخة (ط) و (ن) ليس الأبد والأمد مصدرين بلام التقوية، وقوله: " الذي
- إلى قوله: - صرف الأمور " تفسير لهذا الذي قبله.
43

صرف الأمور، الذي لا يبيد ولا يفقد (1) بذلك أصف ربي، فلا إله إلا الله من عظيم
ما أعظمه، وجليل ما أجله، وعزيز ما أعزه، وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وحدثنا بهذه الخطبة أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ، قال: حدثنا محمد بن
العباس بن بسام، قال: حدثني أبو زيد سعيد بن محمد البصري، قال: حدثتني
عمرة بنت أوس (2) قالت: حدثني جدي الحصين بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي -
عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب بهذه
الخطبة لما استنهض الناس في حرب معاوية في المرة الثانية.
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، وسعد بن عبد الله جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، والهيثم بن
أبي مسروق النهدي، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب كلهم، عن الحسن بن محبوب،
عن عمرو بن أبي المقدام، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض خطبه:
الحمد لله الذي كان في أوليته وحدانيا، وفي أزليته متعظما بالإلهية،
متكبرا بكبريائه وجبروته (3) ابتدأ ما ابتدع، وأنشأ ما خلق على غير مثال كان
سبق بشئ مما خلق، ربنا القديم بلط ف ربوبيته وبعلم خبره فتق (4) وبإحكام
قدرته خلق جميع ما خلق، وبنور الاصباح فلق، فلا مبدل لخلقه، ولا مغير لصنعه،
ولا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، ولا مستراح عن دعوته (5) ولا زوال لملكه،

(1) في الكافي (الذي لا يبيد ولا ينفد).
(2) في نسخة (ط) و (ن) (بنت أويس).
(3) أي وكان في أزليته متعظما بالإلهية، متكبرا بكبريائه وجبروته، ولا يبعد عطف
في أزليته على في أوليته وكون متعظما خبرا بعد خبر وكذا متكبرا.
(4) في نسخة (ب) و (و) (وبعلم جبره فتق) بالجيم أي بعلمه الجبروتي الفعلي
المتقدم على فتق الأمور وتقديرها.
(5) مصدر ميمي أو اسم مكان وزمان، وفي نسخة (ب) و (ج) (ولا مستزاح من
دعوته) بالزاي المعجمة والاستزاحة استفعال من الرواح بمعنى الذهاب.
44

ولا انقطاع لمدته، وهو الكينون أولا (1) والديموم أبدا، المحتجب بنوره دون
خلقه في الأفق الطامح، والعز الشامخ والملك الباذخ، فوق كل شئ علا، و
من كل شئ دنا، فتجلى لخلقه من غير أن يكون يرى. وهو بالمنظر الأعلى،
فأحب الاختصاص بالتوحيد إذ احتجب بنوره، وسما في علوه، واستتر عن خلقه، و
بعث إليهم الرسل لتكون له الحجة البالغة على خلقه ويكون رسله إليهم شهداء
عليهم، وابتعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من
حي عن بينة، وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه فيعرفوه بربوبيته، بعد ما أنكروا
ويوحدوه بالإلهية بعد ما عضدوا (2).
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، قالا: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى، عن
بعض أصحابنا رفعه، قال: جاء رجل إلى الحسن بن علي عليهما السلام فقال له: يا ابن
رسول الله صف لي ربك حتى كأني أنظر إليه، فأطرق الحسن بن علي عليهما السلام
مليا، ثم رفع رأسه، فقال: الحمد لله الذي لم يكن له أول معلوم (3) ولا آخر
متناه، ولا قبل مدرك، ولا بعد محدود، ولا أمد بحتى (4) ولا شخص فيتجزأ،
ولا اختلاف صفة فيتناهى (5) فلا تدرك العقول وأوهامها، ولا الفكر وخطراتها، و

(1) في نسخة (ن) (وهو الكينون أزلا).
(2) هو ثلاثي من العضد بمعنى القطع، أو مزيد من التعضيد بمعنى الذهاب يمينا و
شمالا، وفي البحار في باب جوامع التوحيد وفي نسخة (ج) و (ن) وحاشية نسخة (و) و
(ب) (بعد ما عندوا).
(3) هذه الصفة والثلاثة التي بعدها توضيحية.
(4) أي ليس له نهاية بحتى فالتقييد توضيح، وفي نسخة (و) (فيحتى) بالفاء والفعل
المجهول من التحتية المجعولة المأخوذة من حتى أي ليس له نهاية فيقال له: أنه ينتهي إلى
تلك النهاية.
(5) المراد بالاختلاف إما اختلاف حقائق الصفات كما يقول به الأشعرية أو توارد
الصفات المتضادة، وكل منهما مستلزم للامكان المستلزم للتناهي.
45

لا الألباب وأذهانها صفته فتقول: متى؟ (1) ولا بدئ مما، ولا ظاهر على ما، ولا
باطن فيما، ولا تارك فهلا (2) خلق الخلق فكان بديئا بديعا، ابتدأ ما ابتدع، و
ابتدع ما ابتدأ، وفعل ما أراد وأراد ما استزاد، ذلكم الله رب العالمين.
6 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن عباد بن سليمان، عن سعد بن سعد، قال: سألت أبا الحسن
الرضا عليه السلام عن التوحيد، فقال: هو الذي أنتم عليه (3).
7 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، و
يعقوب بن يزيد جميعا، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله
عليه السلام، قال: سمعته يقول في قوله عز وجل: (وله أسلم من في السماوات والأرض
طوعا وكرها) (4) قال: هو توحيدهم لله عز وجل.
8 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين
عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن الحارث، عن أبي بصير، قال: أخرج أبو عبد الله
عليه السلام حقا، فأخرج منه ورقة، فإذا فيها: سبحان الواحد الذي لا إله غيره،
القديم المبدئ الذي لا بدئ له (5) الدائم الذي لا نفاد له، الحي الذي لا
يموت، الخالق ما يرى، وما لا يرى، العالم كل شئ بغير تعليم، ذلك الله الذي

(1) أي فتقول أنت أو فتقول العقول: متى وجد، والفقرات الثلاث بعدها عطف عليها
والتقدير ولا تدرك العقول الخ صفته فتقول مما بدئ وعلى ما ظهر وفيما بطن، ويحتمل
أن تكون جملات مستقلة بتقدير المبتدأ و (ما) بمعنى الشئ لا الاستفهامية أي ولا هو بدئ
من شئ ولا ظاهر على شئ ولا باطن في شئ.
(2) أي ولا هو تارك ما ينبغي خلقه فيقال: هلا تركه.
(3) لأن ولاية أهل البيت عليهم السلام من شروط التوحيد كما مر في حديث الرضا
عليه السلام في الباب الأول فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.
(4) آل عمران: 83.
(5) على وزان المصدر أو على بناء الصفة المشبهة.
46

لا شريك له.
9 - حدثنا محمد بن القاسم المفسر رحمه الله، قال: حدثنا يوسف بن محمد بن
زياد، وعلي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي
الرضا، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قام رجل إلى الرضا عليه السلام فقال له:
يا ابن رسول الله صف لنا ربك فإن من قبلنا قد اختلفوا علينا، فقال الرضا عليه السلام:
إنه من يصف ربه بالقياس لا يزال الدهر في الالتباس، مائلا عن المنهاج (1) ظاعنا
في الاعوجاج، ضالا عن السبيل، قائلا غير الجميل، أعرفه بما عرف به نفسه
من غير رؤية، وأصفه بما وصف به نفسه من غير صورة، لا يدرك بالحواس، ولا
يقاس بالناس، معروف بغير تشبيه، ومتدان في بعده لا بنظير، لا يمثل بخليقته، ولا
يجور في قضيته، الخلق إلى ما علم منقادون، وعلى ما سطر في المكنون من كتابه
ماضون، ولا يعملون خلاف ما علم منهم، ولا غيره يريدون، فهو قريب غير ملتزق
وبعيد غير متقص، يحقق ولا يمثل، ويوحد ولا يبعض، يعرف بالآيات، ويثبت
بالعلامات، فلا إله غيره، الكبير المتعال.
10 - ثم قال عليه السلام: بعد كلام آخر تكلم به: حدثني أبي، عن أبيه،
عن جده، عن أبيه عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال: ما عرف الله من شبهه
بخلقه، ولا وصفه بالعدل من نسب إليه ذنوب عباده. (2) والحديث طويل، أخذنا منه
موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في تفسير القرآن.
11 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، عن محمد بن يحيى العطار
عن محمد بن أحمد، عن عبد الله بن محمد، عن علي بن مهزيار، قال: كتب أبو جعفر
عليه السلام إلى رجل بخطه وقرأته في دعاء كتب به أن يقول: (يا ذا الذي كان قبل كل

(1) في حاشية نسخة (ب) (نائما عن المنهاج).
(2) أتى بهذا الحديث دفعا لما يتوهم من معنى الجبر في كلامه عليه السلام، وهذا توهم
باطل إذ قد تبين في محله أن كل ما يقع في الوجود يقع طبقا لعلمه السابق ولا يلزم من ذلك
الجبر في شئ.
47

شئ، ثم خلق كل شئ، ثم يبقى ويفنى كل شئ، ويا ذا الذي ليس في
السماوات العلى ولا في الأرضين السفلى ولا فوقهن ولا بينهن ولا تحتهن إله يعبد
غيره) (1).
12 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم،
عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن سليمان بن راشد.
عن أبيه، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الحمد لله الذي
لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك.
13 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي (2) قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني
علي بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن مهران الكوفي، عن إسماعيل بن
إسحاق الجهني، عن فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: بينما أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل
فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا ربك تبارك وتعالى لنزداد له حبا وبه معرفة،
فغضب أمير المؤمنين عليه السلام، ونادى الصلاة جامعة (3) فاجتمع الناس حتى غص
المسجد بأهله، ثم قام متغير اللون فقال:

(1) لأن ما يعبد غيره ليس باله، فإن المراد بالإله ههنا ليس المعبود بل الذي له
الخلق والأمر المستحق بذلك للعبادة، ولهذا الدعاء تمام: (لك الحمد حمدا لا يقوى على
إحصائه إلا أنت فصل على محمد وآل محمد صلاة لا يقوى على إحصائها إلا أنت) والدعاء
بتمامه مذكور في أعمال أيام شهر رمضان.
(2) محمد بن أبي عبد الله الكوفي هو محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي الكوفي
كما يشهد به إسناد الكليني - رحمه الله - كالحديث الثالث من باب حدوث العالم وغيره
في الكافي.
(3) الصلاة منصوب بفعل مقدار أي احضروها، وجامعة منصوب على الحال من الصلاة،
وهذه الكلمة كانت تستعمل لدعوة الناس إلى التجمع وإن لم يكن لإقامة الصلاة، وهذه الخطبة
مسماة في نهج البلاغة بخطبة الأشباح مذكورة فيه مع اختلافات وزيادات.
48

الحمد لله الذي لا يفره المنع، ولا يكديه الاعطاء (1) إذ كل معط منتقص
سواه، الملئ بفوائد النعم وعوائد المزيد، وبجوده ضمن عيالة الخلق، فأنهج سبيل
الطلب للراغبين إليه، فليس بما سئل أجود منه بما لم يسأل، وما اختلف عليه دهر
فيختلف منه الحال، ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف
البحار من فلذ اللجين (2) وسبائك العقيان ونضائد المرجان لبعض عبيده، لما أثر
ذلك في وجوده ولا أنفد سعة ما عنده، ولكان عنده من ذخائر الافضال ما لا ينفذه
مطالب السؤال (3) ولا يخطر لكثرته على بال، لأنه الجواد الذي لا تنقصه المواهب،
ولا ينحله إلحاح الملحين (4) (وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) (5)

(1) وفريفر كوعد يعد من الوفور بمعنى الكثرة أي لا يوجب المنع كثرة في خزائنه،
وفي نسخة (ب) و (و) و (د) و (ج) (لا يغيره المنع). والإكداء بمعنى الإفقار والتقليل أي
لا يوجب الاعطاء فقرا وقلة فيها.
(2) الفلذ بكسر الفاء وسكون اللام آخره الذال كبد البعير جمعه الأفلاذ، وأفلاذ
الأرض كنوزها، أو بكسر الأول وفتح الثاني جمع الفلذة بمعنى الذهب والفضة، وفي نسخة
(د) و (ب) وفي البحار بالزاي المشددة في آخر الكلمة وهو اسم جامع لجواهر الأرض كلها،
واللجين مصغرا بمعنى الفضة.
(3) السؤال كالتجار جمع السائل.
(4) ينحله من الانحال أو التنحيل بمعنى الاعطاء أي لا يعطيه إلحاح الملحين شيئا يؤثر
فيه، بل يعطي مسألة السائلين أو يمنعها حسب المصلحة، وهذا نظير ما في آخر دعاء الجوشن
الكبير: (يا من لا يبرمه إلحاح الملحين) وإن كان الالحاح في السؤال لله تعالى ممدوح كما
ورد في الحديث، وفي البحار باب جوامع التوحيد وفي نسخة (ب) و (ج) بالباء الموحدة
والخاء المعجمة من البخل على بناء التفعيل أي لا يصيره بخيلا أو على بناء الأفعال أي لا
يجده بخيلا.
(5) في حديث رواه في آخر الباب التاسع (أن موسى على نبينا وآله وعليه السلام
سأل ربه فقال: يا رب أرني خزائنك، فقال تعالى: يا موسى إنما خزائني إذا أردت شيئا
أن أقول له كن فيكون).
49

الذي عجزت الملائكة على قربهم من كرسي كرامته، وطول ولههم إليه وتعظيم
جلال عزه، وقربهم من غيب ملكوته أن يعلموا من أمره إلا ما أعلمهم، وهم من
ملكوت القدس بحيث هم من معرفته على ما فطرهم عليه أن قالوا: (سبحانك لا علم
لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) (1).
فما ظنك أيها السائل بمن هو هكذا، سبحانه وبحمده، لم يحدث فيمكن
فيه التغير والانتقال، ولم يتصرف في ذاته بكرور الأحوال (2) ولم يختلف عليه
حقب الليالي والأيام (3) الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ولا مقدار احتذى
عليه من معبود كان قبله (4) ولم تحط به الصفات فيكون بإدراكها إياه بالحدود
متناهيا، وما زال - ليس كمثله شئ - عن صفة المخلوقين متعاليا (5) وانحسرت الأبصار
عن أن تناله فيكون بالعيان موصوفا (6) وبالذات التي لا يعلمها إلا هو عند خلقه
معروفا، وفات لعلوه على أعلى الأشياء مواقع رجم المتوهمين (7) وارتفع عن أن
تحوي كنه عظمته فهاهة (8) رويات المتفكرين، فليس له مثل فيكون ما يخلق مشبها

(1) قوله: (إن قالوا) بتقدير المضاف خبر لضمير الجمع بعد حيث، وتقدير الكلام:
وهم من ملكوت القدس بحيث أنهم من جهة معرفتهم به على ما فطرهم عليه من الروحانية
المحضة في منزلة أن قالوا - الخ، وهي منزلة إظهار العجز والجهل بحضرة الربوبية.
(2) أي لم يقع التغير والتحول في ذاته تعالى بسبب تكرر الأحوال المختلفة الحادثة
في الأشياء.
(3) أي ولم يتردد عليه الزمان الذي يتجزأ بالليالي والأيام، والحقب كالقفل بمعنى
الدهر والزمان ويأتي بمعان أخر، ومر نظير هذا الكلام في صدر الخطبة.
(4) أي لم يمتثل في صنعه على مثال ولم يحتذ على مقدار مأخوذين مستفادين من معبود
كان قبله تعالى.
(5) ليس كمثله شئ معترضة بين زال وخبره.
(6) في نسخة (ط) و (ن) (وانحصرت الأبصار - الخ).
(7) لا يبعد أن يكون (فات تصحيف فاق) وفي نسخة (ب) و (د) (مواقع وهم المتوهمين).
(8) الفهاهة: العى.
50

به (1) وما زال عند أهل المعرفة به عن الأشباه والأضداد منزها، كذب العادلون
بالله إذ شبهوه بمثل أصنافهم (2) وحلوه حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزوه بتقدير
منتج خواطرهم (3) وقدروه على الخلق المختلفة القوى بقرائح عقولهم (4) وكيف
يكون من لا يقدر قدره مقدرا في رويات الأوهام، وقد ضلت في إدراك كنهه هواجس
الأحلام لأنه أجل من أن يحده ألباب البشر بالتفكير، أو يحيط به الملائكة على
قربهم من ملكوت عزته بتقدير، تعالى عن أن يكون له كفو فيشبه به لأنه اللطيف
الذي إذا أرادت الأوهام أن تقع عليه في عميقات غيوب ملكه، وحاولت الفكر المبرأة
من خطر الوسواس إدراك علم ذاته (5) وتولهت القلوب إليه لتحوي منه مكيفا في
صفاته (6) وغمضت مداخل العقول من حيث لا تبلغه الصفات لتنال علم إلهيته (7)
ردعت خاسئة وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه، رجعت إذ جبهت

(1) لأن ما عداه كائنا ما كان مخلوق له ويمتنع أن يكون المخلوق مشبها بالخالق.
(2) في نسخة (ج) (بمثل أصنامهم).
(3) جزوه من الجز بمعنى القطع، ومنتج على بناء المفعول من باب الأفعال بمعنى
النتيجة، وفي البحار وفي نسخة (و) و (ب) (وجزوه بتقدير منتج من خواطر هممهم)
وفي نسخة (د) (وحدوه بتقدير منتج من خواطر هممهم).
(4) الخلق بكسر الأول وفتح الثاني جمع الخلقة، ولا يبعد أن يكون بفتح الأول
وسكون الثاني والمختلفة فارغ الضمير، والقوى بالرفع فاعله واللام في قوى بدلا عن الضمير
الراجع إلى الخلق، وفي النهج (على الخلقة المختلفة القوى).
(5) الفكر جمع الفكرة، وفي النهج (وحاول الفكر المبرأ) وفي نسخة (ج)
(وحاولت الفكرة المبرأة). والخطر بالفتح فالسكون مصدر بمعنى الخطور.
(6) مكيفا مصدر ميمي بمعنى التكييف والكيفية، مفعول لتحوي، أو على بناء
المفعول صفة لمحذوف أي لتحوي منه تعالى شيئا مكيفا في صفاته، أو حال من الضمير، و
في النهج (وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته).
(7) أي لطفت ودقت طرق تفكير العقول بحيث يمتنع وصفه أي وصف لطف الطرق
وغموضها، أو الضمير المنصوب يرجع إليه تعالى فالحيثية تعليل، وفي النهج وفي نسخة (ج)
(في حيث - الخ)، وفي نسخة (ب) و (د) (لتناول علم إلهيته) وفي النهج (لتناول علم ذاته).
51

معترفة بأنه لا ينال بجوب الاعتساف كنه معرفته (1) ولا يخطر ببال أولي الرويات
خاطرة من تقدير جلال عزته لبعده من أن يكون في قوى المحدودين لأنه خلاف
خلقه، فلا شبه له من المخلوقين (2) وإنما يشبه الشئ بعديله، فأما ما لا عديل له
فكيف يشبه بغير مثاله، وهو البدئ الذي لم يكن شئ قبله، والآخر الذي ليس
شئ بعده، لا تناله الأبصار من مجد جبروته إذ حجبها بحجب لا تنفذ في ثخن
كثافته (3) ولا تخرق إلى ذي العرش متانة خصائص ستراته (4) الذي صدرت الأمور
عن مشيته، وتصاغرت عزة المتجبرين دون جلال عظمته، وخضعت له الرقاب،
وعنت الوجوه من مخافته (5) وظهرت في بدائع الذي أحدثها آثار حكمته (6) وصار

(1) ردعت جواب إذا، ورجعت عطف بيان له أو بدل، وفي النهج ونسخة (و)
معطوفة عليه بالفاء، والجواب قطع البلاد والسير فيها، وسدف جمع سدفة بضم الأول بمعنى
الباب أو بفتحة بمعنى الظلمة، وفي نسخة (ط) و (ج) و (ب) (محاوى سدف الغيوب)
بالحاء أي مجامعها، وفي نسخة (ن) (بجور الاعتساف).
(2) في نسخة (و) و (ج) و (ب) و (د) (في المخلوقين)).
(3) أي لا تنفذ الأبصار في ثخن كثافة الحجب، هكذا في النسخ، ومقتضى القاعدة
كثافتها، وفي حاشية نسخة (ب) (إذ حجبها بحجاب - الخ).
(4) أي ولا تخرق الأبصار متوجهة إلى الله ذي العرش ستراته المتينة الخصيصة به
حتى تراه.
(5) في البحار وفي نسخة (د) وحاشية نسخة (ب) (وعنت له الوجوه من
مخافته).
(6) أي في بدائع الله الذي أحدث الأمور، والضمير المنصوب بأحدث لا يرجع إلى
بدائع لأن الصلة لا تعمل في ما أضيف إلى الموصول لأن المضاف حينئذ يصير تعريفه بالموصول
دوريا. وفي حاشية نسخة (ب) (وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار حكمته) فيستقيم
الكلام ويرجع الضمير إلى البدائع، وفي النهج (وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار
صنعته وأعلام حكمته).
52

كل شئ خلق حجة له ومنتسبا إليه (1) فإن كان خلقا صامتها فحجته بالتدبير
ناطقة فيه، فقدر ما خلق، فأحكم تقديره، ووضع كل شئ بلطف تدبيره موضعه،
ووجهه بجهة (2) فلم يبلغ منه شئ حدود منزلته (3) ولم يقصر دون الانتهاء إلى
مشيته، ولم يستعصب إذ أمره بالمضي إلى أرادته، بلا معاناة للغوب مسه (4) ولا
مكائدة لمخالف له على أمره (5) فتم خلقه، وأذعن لطاعته، ووافى الوقت الذي
أخرجه إليه إجابة لم يعترض دونها ريث المبطئ ولا أناة المتلكئ (6) فأقام من

(1) في نسخة (ب) و (و) و (د) فصار كل شئ - الخ).
(2) في النهج (ووجهه لوجهته).
(3) أي فلم يبلغ مما خلق شئ حدود منزلة الحق تعالى، وفي البحار وفي نسخة
(ب) و (و) و (ج) (فلم يبلغ منه شئ محدود منزلته) وفي النهج (فلم يتعد حدود
منزلته) أي فلم يتعد شئ حدود منزلته التي وضعها الله تعالى له، وما في النهج أنسب
بالفقرات السابقة.
(4) قوله. (بلا معاناة) متعلق بقوله: (فقدر ما خلق - الخ).
(5) في نسخة (ب) (ولا مكابدة) بالباء الموحدة والدال. وفي نسخة (ط) ولا مكابرة
بالباء الموحدة والراء.
(6) أي ووافى كل شئ الوقت الذي أخرج ذلك الشئ إليه إجابة لأمره التكويني
كإجابة السماء والأرض في قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها و
للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) قوله: (لم يعترض - الخ) صفه لإجابة،
واعترض دون الشئ أي حال دونه، والمعنى إجابة لم يعترض دونها بطئ المبطئ ولا تأني
المتوقف المتعلل، وفي نسخة (و) و (د) وفي حاشية نسخة (ب) (ولا أناة المتكلئ) وهو
بمعنى المتأخر، وهذا الكلام كناية عن عدم تأخر مراده تعالى عن إرادته فإنه إذا أراد شيئا
فإنما يقول له كن فيكون.
53

الأشياء أودها (1) ونهى معالم حدودها، ولأم بقدرته بين متضادتها (2) ووصل أسباب
قرائنها (3) وخالف بين ألوانها، وفرقها أجناسا مختلفات في الأقدار والغرائز
والهيئات، بدايا خلائق أحكم صنعها، وفطرها على ما أراد إذ ابتدعها، انتظم علمه
صنوف ذرئها، وأدرك تدبيره حسن تقديرها.
أيها السائل إعلم من شبه ربنا الجليل بتباين أعضاء خلقه وبتلاحم أحقاق
مفاصلهم المحتجبة بتدبير حكمته أنه لم يعقد غيب ضميره على معرفته (4) ولم يشاهد
قلبه اليقين بأنه لا ند له، وكأنه لم يسمع بتبري التابعين من المتبوعين وهم يقولون:
(تالله أن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين) (5) فمن ساوى ربنا بشئ
فقد عدل به، والعادل به كافر بما نزلت به محكمات آياته، ونطقت به شواهد
حجج بيناته، لأنه الله الذي لم يتناه في العقول فيكون في مهب فكرها مكيفا،
وفي حواصل رويات همم النفوس محدودا مصرفا (6) المنشئ أصناف الأشياء بلا روية
احتاج إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من مر حوادث

(1) في نسخة (ط) و (ن) و (ب) (وأقام - الخ).
(2) في النهج والبحار وفي نسخة (ب) و (و) (ولاءم بقدرته - الخ) من
باب المفاعلة.
(3) في نسخة (و) (ووصل أسباب قرابتها).
(4) التلاحم: الالتصاق والالتيام بين الأجسام، وأحقاق جمع حق بالضم وهو رأس
الورك الذي فيه عظم الفخذ ورأس العضد الذي فيه الوابلة، أي أن من شبه ربنا الجليل
بالخلق ذي الأعضاء المتباينة والأحقاق المتلاحمة المحتجبة بالجلد واللحم كائنا ذلك بتدبير
حكمته أنه لم يعرفه بقلبه، وأن هذه خبر لأن الأولى. و (من) الموصولة بعدها اسمها.
(5) الشعراء: 98.
(6) حواصل جمع حوصلة وهي في الطيور بمنزلة المعدة، وإضافتها إلى الرويات
من قبيل إضافة الظرف إلى المظروف وفيها لطف.
54

الدهور (1) ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور، الذي لما شبهه العادلون
بالخلق المبعض المحدود في صفاته، ذي الأقطار والنواحي المختلفة فطبقاته، و
كان عز وجل الموجود بنفسه لا بأداته، انتفى أن يكون قدروه حق قدره (2) فقال
تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد وارتفاعا عن قياس المقدرين له بالحدود من
كفرة العباد: (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات
مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) (3) ما دلك القرآن عليه من صفته
فاتبعه ليوصل بينك وبين معرفته (4) وأتم به (5) واستضئ بنور هدايته، فإنها
نعمة وحكمة أوتيتهما فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين، وما دلك الشيطان عليه
مما ليس في القرآن عليك فرضه ولا في سنة الرسول وأئمة الهدى أثره فكل علمه
إلى الله عز وجل، فإن ذلك منتهى حق الله عليك.
واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد
المضروبة دون الغيوب فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب

(1) أقادها أي اقتناها واكتسبها، وفي نسخة (ج) و (و) و (ب) أفادها من موجودات
الدهور، وفي حاشية نسخة (د) و (ب) (استفادها من موجودات الدهور) وفي النهج (أفادها
من حوادث الدهور).
(2) قوله: (وكان عز وجل الموجود - الخ) عطف على مدخول (لما) أي الموجود
بذاته الواحدة وحده حقيقية لا بأجزاء هي أداته وآلاته للإدراك والفعل كالإنسان، وفي نسخة
(و) و (د) (لا بآياته) التي هي مخلوقاته فيكون موجودا بالغير، فإن الوجود ينقسم إلى ما
بالذات وما بالغير، وقوله: (انتفى) جواب لما، أي امتنع عن أن يكون في تقدير مقدر و
تحديد محدد.
(3) الزمر: 67.
(4) في نسخة (و) و (ج) (لتوسل بينك - الخ).
(5) في نسخة (ط) و (ن) (فأتم به).
55

فقالوا: (آمنا به كل من عند ربنا) (1) فمدح الله عز وجل اعترافهم بالعجز عن
تناول ما لم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق في ما لم يكلفهم البحث
عنه منهم رسوخا، فاقتصر على ذلك، ولا تقدر عظمة الله (سبحانه) على قدر عقلك
فتكون من الهالكين. 14 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني
علي بن العباس، قال: حدثني جعفر بن محمد الأشعري، عن فتح بن يزيد
الجرجاني، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن شئ من التوحيد
فكتب إلي بخطه - قال جعفر: وإن فتحا أخرج إلى الكتاب فقرأته بخط أبي -
الحسن عليه السلام:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الملهم عباده الحمد، وفاطرهم على معرفة
ربوبيته، الدال على وجوده بخلقه، وبحدوث خلقه على أزله، وبأشباههم على أن
لا شبه له، المستشهد آياته على قدرته، الممتنع من الصفات ذاته (2) ومن الأبصار
رؤيته، ومن الأوهام الإحاطة به لا أمد لكونه ولا غاية لبقائه لا يشمله المشاعر و
لا يحجبه الحجاب فالحجاب بينه وبين خلقه لامتناعه مما يمكن في ذواتهم ولا مكان
ذواتهم مما يمتنع منه ذاته، ولافتراق الصانع والمصنوع والرب والمربوب، والحاد
والمحدود، أحد لا بتأويل عدد، الخالق لا بمعنى حركة (3) السميع لا بأداة،
البصير لا بتفريق آلة، الشاهد لا بمماسة، البائن لا ببراح مسافة (4) الباطن لابا جتنان،

(1) الغيب المحجوب هنا والغيب المكنون الذي ذكر في الحديث الثالث هو مقام
ذات الواجب الذي لا يناله أحد حتى الراسخين في العلم. والآية في آل عمران: 7.
(2) أي من الوصف إذ لا يدرك ذاته حتى توصف، أو المعنى ليس مقام أحدية ذاته
مقام الصفات والأسماء إذ ليس في ذلك المقام الشامخ اسم ولا صفة ولا إشارة ولا معرفة.
(3) أي ليس إيجاده بالحركة كإيجادنا.
(4) البراح بمعنى الزوال أي بائن عن خلقه لا ببعده عنهم بالمسافة، وفي الكافي في
باب جوامع التوحيد في حديث عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام وفي نهج البلاغة
(لا بتراخي مسافة).
56

الظاهر لا بمحاذ، الذي قد حسرت دون كنهه نواقد الأبصار (1) وامتنع وجوده جوائل الأوهام (2)
. أول الديانة معرفته، وكمال المعرفة توحيده، وكمال التوحيد نفي الصفات
عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة الموصوف أنه غير الصفة، و
شهادتهما جميعا على أنفسهما بالبينة الممتنع منها الأزل (3) فمن وصف الله فقد حده
ومن حده فقد عده، ومن عده فقد أبطل أزله، ومن قال: كيف فقد استوصفه، و
من قال: على م فقد حمله، ومن قال: أين فقد أخلى منه، ومن قال: إلى م فقد
وقته، عالم إذ لا معلوم، وخالق إذ لا مخلوق، ورب إذ لا مربوب، وإله إذ لا مألوه
وكذلك يوصف ربنا، وهو فوق ما يصفه الواصفون.
15 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال حدثنا
علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن محبوب، عن حماد بن عمرو النصيبي،
قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن التوحيد، فقال: واحد، صمد، أزلي، صمدي (4)

(1) في نسخة (د) و (ب) (الظاهر الذي قد حسرت دون كنهه نوافذ الأبصار) وفي الكافي
(قد حسر كنهه نوافذ الأبصار).
(2) في البحار وفي نسخة (ب) (واقمع وجوده - الخ)، وفي الكافي (وقمع وجوده
- الخ) وفي نسخة (د) وحاشية نسخة (ب) (واقمع وجوده جوائد الأوهام).
(3) البينة كالجلسة مصدر بمعنى البينونة، وفي الكافي (بالتثنية الممتنعة من الأزل)
وفي نسخة (ط) (بالبينة الممتنع فيها الأزل) وفي حاشية نسخة (ن) (بالبينة الممتنع بها
الأزل).
(4) النسبة للمبالغة كالأحدي، وكذا فرداني وديمومي، ولعله عليه السلام أراد به معنى و
بما قبله معنى آخر فإن للصمد معاني تصح على الله تعالى يأتي ذكرها في الباب الرابع.
57

لا ظل له يمسكه، وهو يمسك الأشياء بأظلتها (1) عارف بالمجهول، معروف عند
كل جاهل (2) فرداني، لا خلقه فيه ولا هو في خلقه، غير محسوس ولا مجسوس
ولا تدركه الأبصار، علا فقرب، ودنا فبعد، وعصى فغفر، وأطيع فشكر، لا
تحويه أرضه، ولا تقله سماواته، وإنه حامل الأشياء بقدرته، ديمومي، أزلي، لا
ينسى، ولا يلهو (3) ولا يغلط، ولا يلعب، ولا لإرادته فصل (4) وفصله جزاء، و
أمره واقع، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يكن له كفوا أحد.
16 - وبهذا الإسناد، عن علي بن العباس، قال: حدثنا يزيد بن عبد الله
عن الحسين بن سعيد الخزاز، عن رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: الله غاية من
غياه، والمغيى، غير الغاية، توحد بالربوبية، ووصف نفسه بغير محدودية،
فالذاكر الله غير الله، والله غير أسمائه (5) وكل شئ وقع عليه اسم شئ سواه فهو

(1) للظل معان، والكلام من العلماء والمفسرين في تفسير الظل في الكتاب
والأحاديث كثير مختلف، والأنسب الأقرب هنا أن يقال: الظل من كل شئ كنهه ووقاؤه
الذي يصان به عن الفساد والبطلان، وكل موجد إنما يصان عن الفساد والعدم بعلته ومبدئه
فالمعنى أنه تعالى لا مبدأ له يمسكه ويصونه عن العدم. بل هو موجود بنفسه ممتنع عليه العدم
وهو تعالى مبدء الأشياء يمسكها ويقيمها ويصونها عن التلاشي والعدم مع أظلتها أي مع مباديها
الوسطية التي هي أيضا من جملة الأشياء الممكنة.
(2) أي عارف بما يجهله غيره، ويعرفه كل أحد بفطرته وإن كان من الجهال.
(3) وفي نسخة (ب) (ولا يلهم) على بناء المجهول من الالهام.
(4) أي لا فصل بين إرادته، ومراده، أو لا مانع لإرادته بل هي نافذة في الأشياء كلها.
(5) النغيية جعل الشئ غاية للسلوك والحركة، والغاية لا بد أن تقع في الذهن
ابتداء السلوك حتى تكون باعثة له، فمعنى الكلام أن الله تعالى يصح أن يجعله الإنسان غاية
لسلوكه الانساني ولكن المغيي أي الذي يقع في الذهن قبل السلوك غير الله الذي هو غاية
موصول بها بعد السلوك لأن ما هو واقع في الذهب محدود. والله تعالى وصف نفسه بغير محدودية
فالذاكر الله الذي هو مفهوم واقع في ذكرك وذهنك ويوجب توجهك وسلوكك إلى الله تعالى
غير الله الذي هو مصداق تام حقيقي لهذا المفهوم وموصل وموصول لك في سلوكك إليه،
فإذا كان هذا المفهوم غير الله فأسمائه التي تحكي عن هذه المفاهيم غير الله بطريق أولى، بل هي
مضافة إليه إضافة ما، فما ذهب إليه قوم من اتحاد الاسم والمعنى باطل.
58

مخلوق (1) ألا ترى قوله: (العزة لله، العظمة لله)، وقال: (ولله الأسماء الحسنى
فادعوه بها) (2) وقال: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء
الحسنى) (3) فالأسماء مضافة إليه، وهو التوحيد الخالص (4).
17 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي أبو الحسين (5)، قال: حدثني موسى بن عمران، عن الحسين
ابن يزيد، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن عبد الله بن جرير العبدي، عن
جعفر بن محمد عليهما السلام أنه كان يقول: الحمد لله الذي لا يحس، ولا يجس، ولا يمس

(1) قد استعمل الاسم في لسان الشرع الأقدس في اللفظ الدال وفي مفهوم اللفظ،
وبمعنى العلامة وفي صفة الشئ، والمناسب هنا الأول والثاني، فمعنى الكلام أن كل شئ
وقع عليه لفظ الشئ أو مفهوم الشئ سوى الله تعالى فهو مخلوق وإن كان ذلك الشئ اسما
من أسمائه تعالى أو مفهوما ينطبق عليه، واستدل عليه السلام للثاني بإضافة العزة والعظمة إلى الله
تعالى فإن الإضافة تدل على المغايرة لأن الشئ لا يضاف إلى نفسه، واستدل للأول بالآيتين
فإن المدعو غير المدعو به.
(2) الأعراف: 180.
(3) الإسراء: 110.
(4) أي تنزيهه تعالى عن أن يكون متحدا مع الاسم، أو أن يكون هو تعالى ما
يقع في الذهن، هو التوحيد الخالص فإن كل ما صورتموه بأوهامكم في أدق المعاني فهو
مخلوق لكم مردود إليكم فهو تعالى ذات ليست بنفس هذه الأسماء ولا هذه المفاهيم ولا
بمصداقها على حد ما نتصوره من المصاديق الممكنة، بل هو شئ لا كالأشياء، وعالم لا
كالعلماء، وحي لا كالأحياء، وقادر لا كالقادرين، وهكذا.
(5) هو محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي الكوفي، ثقة.
59

لا يدرك بالحواس الخمس، ولا يقع عليه الوهم، ولا تصفه الألسن، فكل شئ
حسته الحواس أو جسته الجواس أو لمسته الأيدي فهو مخلوق، والله هو العلي
حيث ما يبتغى يوجد، والحمد لله الذي كان قبل أن يكون كان (1) لم يوجد لوصفه
كان (2) بل كان أولا كائنا (3) لم يكونه مكون، جل ثناؤه، بل كون الأشياء
قبل كونها (4) فكانت كما كونها، علم ما كان وما هو كائن، كان إذ لم يكن شئ
ولم ينطق فيه ناطق (5) فكان إذ لا كان.
18 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا
الحسين بن الحسن بن بردة (6)، قال: حدثني العباس بن عمرو الفقيمي، عن

(1) هذه والجملة الأخيرة في الحديث والتي قبلها بمثابة واحدة، أي كان قبل أن
يكون شئ، يقال فيه: كان كذا وكذا، وكان إذ لا شئ، يقال فيه: كان كذا وكذا، كما
يقال: صرت إلى كان وكنت أي صرت إلى أن يقال فيك: كان فلان كذا وكذا وكنت أنا
فيما كنت من قبل، وحاصل الكلام كله نفي أن يكون معه تعالى في أزليته شئ.
(2) أي لم يوجد لوصفه تغير فيقال: كان كذا ثم صار كذا، وفي نسخة (و) و (ب)
و (د) (لا يوجد - الخ).
(3) في البحار في الجزء الثالث من الطبعة الحديثة ص 298 (بل كان أزلا كان
كائنا - الخ) وفي نسخة (ط) (بل كان أزلا كائنا - الخ).
(4) قبلية التأثير على الأثر التي يقال لها التقدم بالعلية، لا قبلية بالزمان فإن تكوين
الشئ يمتنع أن يكون قبل كونه زمانا.
(5) أي في الله تعالى، ويحتمل رجوع الضمير إلى شئ أي كان إذ لم يكن شئ ولم
يكن ناطق فينطق في ذلك الشئ.
(6) في نسخة (ب) و (د) (الحسين بن بردة) وفي الكافي باب حدوث العالم روي
حديثا عن الرضا عليه السلام مع رجلا من الزنادقة سنده هكذا: حدثني محمد بن جعفر الأسدي
عن محمد بن إسماعيل البرمكي الرازي، عن الحسين بن الحسن بن برد (بدون التاء في
آخر الكلمة) الدينوري - الخ، وما في الكافي مذكور في الكتاب في الباب السادس
والثلاثين وليس في سنده هذا الرجل، ولم أجد له ذكرا فيما عندي من كتب الرجال.
60

أبي القاسم إبراهيم بن محمد العلوي، عن الفتح بن يزيد الجرجاني، قال: لقيته
عليه السلام (1) على الطريق عند منصرفي من مكة إلى خراسان وهو سائر إلى العراق
فسمعته يقول: من اتقى الله يتقى، ومن أطاع الله يطاع.
فتلطفت في الوصول إليه فوصلت فسلمت فرد علي السلام ثم قال: يا فتح
من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق فقمن أن يسلط عليه
سخط المخلوق، وإن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه وأنى يوصف الذي
تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والأبصار
عن الإحاطة به؟ جل عما وصفه الواصفون، وتعالى عما ينعته الناعتون، نأى في
قربه، وقرب في نأيه، فهو في بعده قريب، وفي قربه بعيد، كيف الكيف فلا يقال له: كيف
وأين الأين فلا يقال له أين، إذ هو مبدع الكيفوفية والأينونية (2) يا فتح كل
جسم مغذي بغذاء إلا الخالق الرزاق، فإنه جسم الأجسام، وهو ليس بجسم ولا
صورة، لم يتجزأ، ولم يتناه، ولم يتزايد، ولم يتناقص، مبرء من ذات ما ركب
في ذات من جسمه (3) وهو اللطيف الخبير السميع البصير الواحد الأحد الصمد،
لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، منشئ الأشياء (4) ومجسم الأجسام، و
مصور الصور، لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا الرازق
من المرزوق، ولا المنشئ من المنشأ لكنه المنشئ، فرق بين من جسمه وصوره و

(1) يعني أبا الحسن الرضا عليه السلام بشهادة الحديث الرابع عشر.
(2) في نسخة (ب) (مبدء الكيفوفية - الخ).
(3) أي هو تعالى منزه من ذوات الأشياء والأجزاء التي ركبها وجعلها في ذات من
أوجده جسما.
(4) في حاشية نسخة (ب) (مشيئ الأشياء).
61

شيئه وبينه (1) إذ كان لا يشبهه شئ.
قلت: فالله واحد والإنسان واحد، فليس قد تشابهت الوحدانية؟ فقال: أحلت
ثبتك الله (2) إنما التشبيه في المعاني فأما في الأسماء فهي واحدة (3) وهي دلالة على
المسمى (4) وذلك أن الإنسان وإن قيل واحد فإنه يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين،
والإنسان نفسه ليس بواحد، لأن أعضاءه مختلفة، وألوانه مختلفة غير واحدة،
وهو أجزاء مجزأة ليس سواء (5) دمه غير لحمه، ولحمه غير دمه، وعصبه غير عروقه،
وشعره غير بشره. وسواده غير بياضه، وكذلك سائر جميع الخلق، فالإنسان واحد
في الاسم، لا واحد في المعنى (6) والله جل جلاله واحد لا واحد غيره، ولا اختلاف
فيه، ولا تفاوت، ولا زيادة، ولا نقصان، فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف

(1) قوله: (فرق) على صيغة المصدر مبتدء خبره (بين من جسمه - الخ) وقوله:
(بينه) معادلة بين الأولى، ويحتمل أن يكون ماضيا من باب التفعيل أي جعل بينه تعالى و
بين من جسمه - الخ تفرقة ومباينة، ويحتمل بعيدا أن يكون قوله: (بينه) فعلا من النبيين
إذ لا يناسب قوله: (إذ لا يشبهه شئ)، وقوله: (شيئه) من باب التفعيل أي جعله شيئا بالجعل
البسيط أو المركب، وفي الكافي باب معاني الأسماء (وأنشأه) مكان (شيئه).
(2) أي أتيت بشئ محال.
(3) أي إنما التشبيه الذي ننفيه عنه تعالى في الحقائق فأما في الأسماء أي الألفاظ
أو المفاهيم (والثاني أقرب) فالتشبيه واقع لأنها فيه تعالى وفي غيره واحدة متشابهة ولا
يضر ذلك بوحدة ذاته تعالى، ويمكن أن يقرأ بالنصب أي إنما ننفي عنه التشبيه في المعاني
وفي البحار وفي نسخة (ج) (وأما في الأسماء).
(4) أي والألفاظ دلالة على المفهوم أو والمفاهيم دلالة على المصداق والحقيقة، و
شباهة الدال بشئ لا تستلزم شباهة المدلول للمغايرة بينهما ذاتا.
(5) قوله: (ليس سواء) خبر لهو بعد خبر، وفي الكافي وفي حاشية نسخة (ط) و (ن)
(ليست بسواء) فصفة لا جزاء بعد صفة.
(6) في نسخة (ط) و (ن) فالإنسان واحد بالاسم لا واحد بالمعنى.
62

فمن أجزاء مختلفة وجواهر شتى غير أنه بالاجتماع شئ واحد.
قلت: فقولك: اللطيف فسره لي، فإني أعلم أن لطفه خلاف لطف غيره
للفصل، غير أني أحب أن تشرح لي، فقال: يا فتح إنما قلت: اللطيف للخلق
اللطيف ولعلمه بالشئ اللطيف، ألا ترى إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير
اللطيف، وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هو
أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى،
والمولود من القديم، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من الموت
والجمع لما يصلحه بما في لجج البحار (1) وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار و
إفهام بعضها عن بعض منطقها (2) وما تفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم
تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف،
وأن كل صانع شئ فمن شئ صنع (3) والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا
من شئ.
قلت: جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق؟ قال: إن الله تبارك وتعالى
يقول: (تبارك الله أحسن الخالقين) (4) فقد أخبر أن في عباده خالقين (5) منهم عيسى
ابن مريم، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فنفخ فيه فصار طائرا بإذن الله،
والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار، قلت: إن عيسى خلق من الطين طيرا

(1) في البحار (سما في لجج البحار) وفي الكافي (وما في لجج البحار)
(2) استعمل الأفهام ههنا بمعنى التفاهم إذ تعدى بعن.
(3) قوله: (وإن كل صانع شئ - الخ) جملة مستأنفة، ويحتمل بعيدا عطفه على
مدخول علمنا.
(4) المؤمنون: 14.
(5) هذا لا ينافي قوله تعالى: (الله خالق كل شئ) إذ هو تعالى خالق كل شئ
بواسطة أو بلا واسطة، فإسناد خلق بعض الأشياء إلى الوسائط لا يخرجه عن كونه مخلوقا
له تعالى.
63

دليلا على نبوته، والسامري خلق عجلا جسدا لنقض نبوة موسى عليه السلام، وشاء الله
أن يكون ذلك كذلك؟ إن هذا لهو العجب، فقال: ويحك يا فتح إن لله إرادتين
ومشيتين إرادة حتم وإرادة عزم (1) ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، أوما رأيت
أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك، ولو لم يشأ لم يأكلا
ولو أكلا لغلبت مشيتهما مشية الله (2) وأمر إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام، و
شاء أن لا يذبحه، ولو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشيئة الله عز وجل (3)

(1) إن لله تعالى إرادة عزم سماها المتكلمون بالإرادة التشريعية هي أمره ونهيه بل نفس
تشريعه، والتشريع هو تعليم الله تعالى عبادة كيفية سلوكهم في طريقة العبودية وهذه لا تأثير لها
في شئ من أفعال العباد إلا أن لها شأنية بعثهم للأفعال والتروك. وإرادة حتم سموها بالتكوينية
ولها تعلق بأفعالهم بمعنى أنه تعالى يريد أفعالهم من طريق اختيارهم وإرادتهم، وبعبارة أخرى
أن فعل العبد لا يقع في ملكه تعالى إلا بإرادته تعالى جميع مقدماته التي منها اختيار العبد
الموهوب من عند الله تعالى، فإن الله تعالى يريد فعل العبد هكذا وإذا لم يرده يبطل بعض
المقدمات فيبقى عاجزا، فالعبد دائما مقهور في فعله تحت إرادة الله لأن بيده الاختيار فقط
الذي هو موهوب من الله تعالى وباقي المقدمات خارج من يده، فإن تمت واختار العبد وقع
الفعل وإلا فلا، والمدح والذم دائما يتوجهان إلى العبد في فعله وتركه لأنه عند نقصان
المقدمات لا يذم ولا يمدح لعجزه عن إتيان الفعل وتركه بل تارك قهرا وعند تمامها يختار
أو لا يختار فيمدح أو يذم، وباقي الكلام في الأبواب الآتية المناسبة له.
(2) أي ولو أكلا مع عدم مشية الله تعالى للأكل بإبطال بعض المقدمات لغلبت الخ.
(3) أي شاء عدم الذبح بتحقيق علته وهي عدم علة الذبح التامة فإن علة عدم الشئ
عدم علته، وعدم علة الذبح تحقق بإبطال تأثير السكين، وأما إبراهيم عليه السلام فشاء أن يذبحه
فوقع ما شاء الله ولم يقع ما شاء إبراهيم وإن كان مأمورا بإيقاعه، ولو لم يشأ الله أن لا يذبحه
وشاء إبراهيم أن لا يذبحه في هذه الصورة التي لم يقع الذبح لغلبت مشيئة إبراهيم مشية الله.
وفي الكافي باب المشيئة والإرادة: (وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ولو
شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى) أي ولو شاء لذبحه وما غلبت مشيئة إبراهيم
مشيئة الله تعالى لتوافق المشيئتين، ثم إن المأمور بالذبح في رواية الكافي إسحاق، وفي نسخة
(و) و (ب) و (ج) و (د) لم يذكر الاسم بل فيها هكذا: (وأمر إبراهيم بذبح ابنه عليهما السلام
- الخ) لكن الأخبار الكثيرة صريحة في أن المأمور بالذبح هو إسماعيل عليه السلام.
64

قلت: فرجت عني فرج الله عنك، غير أنك قلت: السميع البصير، سميع
بالأذن وبصير بالعين؟ فقال: إنه يسمع بما يبصر، ويرى بما يسمع، بصير لا بعين
مثل عين المخلوقين، وسميع لا بمثل سمع السامعين، لكن لما لم يخف عليه خافية
من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار
قلنا: بصير، لا بمثل عين المخلوقين، ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات ولم يشغله
سمع عن سمع قلنا: سميع، لا مثل سمع السامعين.
قلت: جعلت فداك قد بقيت مسألة، قال: هات لله أبوك. قلت: يعلم القديم
الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟ (1) قال: ويحك إن مسائلك
لصعبة، أما سمعت الله يقول: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) (2) وقوله: (ولعلا
بعضهم على بعض) (3) وقال يحكي قول أهل النار: (أخرجنا نعمل صالحا غير الذي
كنا نعمل) (4) وقال: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) (5) فقد علم الشئ الذي لم يكن
أن لو كان كيف كان يكون.
فقمت لا قبل يده ورجله، فأدنى رأسه فقبلت وجهه ورأسه، وخرجت و
بي من السرور والفرح ما أعجز عن وصفه لما تبينت من الخير والحظ.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن الله تبارك وتعالى نهى آدم وزوجته
عن أن يأكلا من الشجرة، وقد علم أنهما يأكلان منها، لكنه عز وجل شاء أن
لا يحول بينهما وبين الأكل منها بالجبر والقدرة (6) كما منعهما من الأكل منها

(1) (أن) بالفتح مع ما بعده مأول بالمصدر وبدل اشتمال للشئ الذي هو مفعول يعلم.
(2) الأنبياء: 22.
(3) المؤمنون: 91.
(4) فاطر: 37.
(5) الأنعام: 28.
(6) هذا لازم مشيته تعالى لفعل العبد على النحو الذي بيناه.
65

بالنهي والزجر، فهذا معنى مشيته فيهما، ولو شاء عز وجل منعهما من الأكل بالجبر
ثم أكلا منها لكانت مشيتهما قد غلبت مشيته كما قال العالم عليه السلام، تعالى الله عن
العجز علوا كبيرا.
19 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثني محمد بن جعفر البغدادي، عن سهل بن زياد،
عن أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام، أنه قال: (إلهي تاهت أوهام المتوهمين وقصر
طرف الطارفين، وتلاشت أوصاف الواصفين، واضمحلت أقاويل المبطلين عن الدرك
لعجيب شأنك، أو الوقوع بالبلوغ إلى علوك (1) فأنت في المكان الذي لا يتناهى (2)
ولم تقع عليك عيون بإشارة ولا عبارة (3) هيهات ثم هيهات، يا أولي، يا وحداني،
يا فرداني (4) شمخت في العلو بعز الكبر، وارتفعت من وراء كل غورة ونهاية
بجبروت الفخر).
20 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثني
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن،
قال: حدثني أبو سمينة، عن إسماعيل بن أبان، عن زيد بن جبير، عن جابر
الجعفي، قال: جاء رجل من علماء أهل الشام إلى أبي جعفر عليه السلام، فقال: جئت
أسألك عن مسألة لم أجد أحدا يفسرها لي، وقد سألت ثلاثة أصناف من الناس،
فقال كل صنف غير ما قال الآخر، فقال أبو جعفر عليه السلام: وما ذلك؟ فقال:
أسألك، ما أول ما خلق الله عز وجل من خلقه؟ (5) فإن بعض من سألته قال:

(1) أي الوقوع عليك بسبب البلوغ إلى علوك، والوقوع بمعنى الوقوف والاطلاع.
(2) في نخسة (د) و (و) و (ب) (فأنت الذي لا يتناهى).
(3) (ولا عبارة) متعلق بمحذوف إذ لا يستقيم قولنا: ولم تقع عليك عيون بعبارة أو
المراد بالعيون مطلق الإدراكات.
(4) ياءات النسبة للمبالغة، وفي نسخة (ب) و (د) (يا أزلي).
(5) في نسخة (ج) فقال: (أسألك عن أول - الخ).
66

القدرة، وقال بعضهم: العلم، وقال بعضهم: الروح، فقال أبو جعفر عليه السلام: ما
قالوا شيئا، أخبرك أن الله علا ذكره كان ولا شئ غيره، وكان عزيزا ولا عز
لأنه كان قبل عزه (1) وذلك قوله: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) (2)
وكان خالقا ولا مخلوق (3) فأول شئ خلقه من خلقه الشئ الذي جميع الأشياء
منه، وهو الماء (4) فقال السائل: فالشئ خلقه من شئ أو من لا شئ؟ فقال: خلق
الشئ لا من شئ كان قبله، ولو خلق الشئ من شئ إذا لم يكن له انقطاع أبدا،
ولم يزل الله إذا ومعه شئ (5) ولكن كان الله ولا شئ معه، فخلق الشئ الذي جميع
الأشياء، منه، وهو الماء.
21 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين
ابن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن إبراهيم بن عبد الحميد،
قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في سجوده: (يا من علا فلا شئ فوقه، يا من دنا
فلا شئ دونه، اغفر لي ولأصحابي).

(1) أي كان عزيزا بذاته ولم يظهر عزه على خلقه لأنه كان قبل ظهور عزه على خلقه
إذ كان ولا شئ غيره.
(2) الصافات: 180.
(3) أي كان تاما بذاته في جهات الخلق والايجاد من دون توقف في خلقه على شئ
ولا انتظار لشئ ولا مخلوق.
(4) إن كان المراد به الماء الجسماني فهو أول شئ من الجسمانيات، وإن استعاره
لأول شئ صدر منه تعالى فهو أول الأشياء مطلقا الذي عبر عنه في أخبار بالعقل والنور،
والثاني أظهر لشهادة ذيل الحديث.
(5) أجاب عليه السلام عن أول شقي الترديد في السؤال بلزوم التسلسل أو أن يكون لله تعالى
ثان في الأزلية، ولم يجب عن الشق الثاني لظهور أن لا شئ لا يكون مبدءا للشئ، فتعين
الشق الثالث وهو خلق الشئ لا من شئ بأن يكون هو تعالى بذاته مبدءا له، ولصاحب
الكافي بيانا في باب جوامع التوحيد لنظير هذا الكلام في حديث لأمير المؤمنين عليه السلام فليراجع.
67

22 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن سهل
ابن زياد، عن أحمد بن بشر (1) عن محمد بن جمهور العمي، عن محمد بن الفضيل بن يسار،
عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال في الربوبية العظمى والإلهية
الكبرى: لا يكون الشئ لا من شئ إلا الله، ولا ينقل الشئ من جوهريته إلى جوهر
آخر إلا الله، ولا ينقل الشئ من الوجود إلى العدم إلا الله (2).
23 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا أبي، عن الريان بن الصلت، عن علي بن موسى
الرضا عليهما السلام، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: قال الله جل جلاله، ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، وما عرفني من
شبهني بخلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني.
24 - حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ، قال:
حدثنا علي بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان الفراء (3) عن علي بن موسى
الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: التوحيد
نصف الدين، واستنزلوا الرزق بالصدقة (4).
25 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن الحسين

(1) في نسخة (ج) (أحمد بن بشير).
(2) مضمون هذا الحديث معنى قولهم: (لا مؤثر في الوجود إلا الله) فكل ما يقع
في الوجود من دون أن يكون من شئ فهو من تكوينه وإبداعه، فكل مصنوع لكل أحد
إلا الله فيه شئ كان قبله وشئ حادث أفاضه الله تعالى.
(3) كذا راجع ص 377.
(4) التوحيد بشروطه من سائر الاعتقادات الحقة نصف الدين، والنصف الآخر العمل
بما اقتضاه التوحيد، وقوله: (واستنزلوا - الخ) تنبيه على أن هم الرزق لا يشغلهم عن
الدين وتحصيل معارفه فإنه مقسوم بينكم مضمون لكم يصل إليكم من رازقكم، فإن قدر عليكم
في بعض الأحيان فاستنزلوه واطلبوا السعة بالصدقة والإنفاق كما قال تعالى: (ومن قدر
عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله).
68

السعدآبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن داود بن القاسم، قال:
سمعت علي بن موسى الرضا عليهما السلام، يقول: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، ومن وصفه
بالمكان فهو كافر، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كاذب، ثم تلا هذه الآية: (إنما
يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) (1).
26 - حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه،
قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي، قال: حدثنا الهيثم بن عبد الله
الرماني، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه
جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن
علي عليهم السلام، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس في مسجد الكوفة، فقال:
الحمد لله الذي لا من شئ كان، ولا من شئ كون ما قد كان، مستشهد بحدوث
الأشياء على أزليته (2) وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه
من الفناء على دوامه، لم يخل منه مكان فيدرك بأينية، ولا له شبه مثال فيوصف
بكيفية (3) ولم يغب عن علمه شئ فيعلم بحيثية (4) مبائن لجميع ما أحدث في

(1) النحل: 105.
(2) في البحار (المستشهد - الخ).
(3) في البحار باب جوامع التوحيد وفي نسخة (و) و (ب) و (د) (ولا له شبح
مثال - الخ).
(4) (فيعلم) على صيغة المعلوم والمستتر فيه يرجع إلى الله تعالى ومفعوله محذوف، أي
لم يغب عن علمه شئ فيعلمه بحيثية دون حيثية بل أحاط بكل شئ علما إحاطة تامة، أو المعنى
لم يخرج عن علمه شئ حتى يعلم ذلك الشئ بصورته التي هي حيثية من حيثياته، وفي البحار
(ولم يغب عن شئ فيعلم بحيثية) ويحتمل أن يكون على صيغة المجهول كالفعلين قبله، وفي
نسخة (ط) و (ج) و (د). (بحيثية) بالإضافة إلى الضمير وكذا (بكيفيته) وفي نسخة (ن) و
(ب) كذلك في (باينيته أيضا).
69

الصفات، وممتنع عن الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات (1) وخارج بالكبرياء
والعظمة من جميع تصرف الحالات، محرم على بوارع ثاقبات الفطن تحديده (2) و
على عوامق ناقبات الفكر تكييفه، وعلى غوائص سابحات الفطر تصويرة (3) لا تحويه
الأماكن لعظمته، ولا تذرعه المقادير لجلاله، ولا تقطعه المقائيس لكبريائه، ممتنع
عن الأوهام أن تكتنهه، وعن الأفهام أن تستغرقه (4) وعن الأذهان أن تمثله،
قد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول، ونضبت عن الإشارة إليه بالاكتناه
بحار العلوم، ورجعت بالصغر عن السمو إلى وصف قدرته لطائف الخصوم (5) واحد
لا من عدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد، ليس بجنس فتعادله الأجناس، ولا
بشبح فتضارعه الأشباح، ولا كالأشياء فتقع عليه الصفات، قد ضلت العقول في أمواج

(1) (بما) متعلق بالادراك أي يمتنع أن يدرك ذاته بما ابتدع من الذوات الممكنة
المتغيرة المتصرفة لأن ذاته مبائنة لهذه الذوات والشئ لا يعرف بمبائنه.
(2) هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الفطن الثاقبة البارعة، وكذا فيما بعده.
(3) في البحار (النظر)) مكان (الفطر)، وهو أنسب لأن الغوص من شؤون النظر
الذي يغوص في بحار المبادي ويأخذ ما يناسب مطلوبه التصوري أو التصديقي وأما الفطرة
فساكنة مطمئنة تنظر دائما بعينها إلى جناب قدس الرب تعالى وعينها عمياء عما سواه، وهذا
هو الدين القيم الحنيف الذي أمر بإقامة الوجه له في الكتاب.
(4) في نسخة (ج) وحاشية نسخة (ط) (أن تستعرفه).
(5) الباء بمعنى مع والى متعلق بالسمو، أي رجعت الخصوم اللطيفة الدقيقة مع الذل
والحقارة عن التصعد إلى وصف قدرته، والمراد بالخصوم الأوهام وإنما أطلق الخصم على
الوهم لأنه يخاصم وينازع العقل فيما هو خارج عن إدراكه فيشبهه في الإحكام بما هو في
إدراكه، ويحتمل أن يكون المراد بها الأفكار القوية التي تنازع جنود الجهل وتفتح قلاع
المجملات والمجهولات لسلطان النفس وهي مع ذلك ترجع من تلك المعركة مهانة
ذليلة مقهورة.
70

تيار إدراكه، وتحيرت الأوهام عن إحاطة ذكر أزليته (1) وحصرت الأفهام عن
استشعار وصف قدرته، وغرقت الأذهان في لجج أفلاك ملكوته (2) مقتدر بالآلاء (3)
وممتنع بالكبرياء ومتملك على الأشياء (4) فلا دهر يخلقه (5) ولا وصف يحيط
به، قد خضعت له ثوابت الصعاب في محل تخوم قرارها، وأذعنت له رواصن الأسباب
في منتهى شواهق أقطارها (6) مستشهد بكلية الأجناس على ربوبيته (7) وبعجزها
على قدرته، وبفطورها على قدمته، وبزوالها على بقائه، فلا لها محيص عن إدراكه
إياها، ولا خروج من إحاطته بها، ولا احتجاب عن إحصائه لها (8) ولا امتناع
من قدرته عليها، كفى بإتقان الصنع لها آية، وبمركب الطبع عليها دلالة (9) و
بحدوث الفطر عليها قدمة (10) وبإحكام الصنعة لها عبرة، فلا إليه حد منسوب، و

(1) في نسخة (و) و (د) و (ب) (وتخبطت الأوهام - الخ).
(2) الفلك من كل شئ مستداره ومعظمه.
(3) أي مقتدر على الآلاء، أو مقتدر على الخلق بالآلاء بأن يعطيهم إياها ويمنعهم إياها.
(4) في نسخة (د) و (و) وحاشية نسخة (ب) (ومستملك بالأشياء).
(5) من الأخلاق أي لا يبليه دهر.
(6) الظاهر أن المراد بثوابت الصعاب ما في الأرض من أصول الكائنات وبرواصن
الأسباب ما في السماوات من علل الحادثات، وفي البحار وفي نسخة (ب) و (و) و (د)
(رواتب الصعاب).
(7) أي بكل ضرب من ضروب الأشياء وكل قسم من أقسام الموجودات.
(8) في نسخة (د) وحاشية نسخة (ب) (ولا احتجار عن إحصائه لها) من الحجر
بمعنى المنع.
(9) أي بالطبع المركب على الأجناس، أو مصدر ميمي بمعنى تركيب الطبع عليها.
(10) أي كفى بحدوث الايجاد على الأجناس أو حدوث التفطر والانعدام عليها دلالة.
على قدمته.
71

لا له مثل مضروب، ولا شئ عنه محجوب، تعالى عن ضرب الأمثال والصفات المخلوقة
علوا كبيرا.
وأشهد أن لا إله إلا الله إيمانا بربوبيته، وخلافا على من أنكره، وأشهد أن
محمد عبده ورسوله المقر في خير مستقر، المتناسخ من أكارم الأصلاب ومطهرات
الأرحام (1) المخرج من أكرم المعادن محتدا، وأفضل المنابت منبتا، من أمنع
ذروة، وأعز أرومة، من الشجرة التي صاغ الله منها أنبياءه (2) وانتجب منها أمناءه
الطيبة العود، المعتدلة العمود، الباسقة الفروع، الناضرة الغصون، اليانعة الثمار
الكريمة الحشا، في كرم غرست، وفي حرم أنبتت، وفيه تشعبت، وأثمرت، و
عزت، وامتنعت، فسمت به (3) وشمخت حتى أكرمه الله عز وجل بالروح الأمين
والنور المبين والكتاب المستبين، وسخر له البراق، وصافحته الملائكة، وأرعب به
الأباليس، وهدم به الأصنام والآلهة المعبودة دونه، سنته الرشد، وسيرته العدل
وحكمه الحق، صدع بما أمره ربه، وبلغ ما حمله، حتى أفصح بالتوحيد دعوته
وأظهر في الخلق أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حتى خلصت له الوحدانية
وصفت له الربوبية، وأظهر الله بالتوحيد حجته، وأعلى بالاسلام درجته، واختار
الله عز وجل لنبيه ما عنده من الروح والدرجة والوسيلة، صلى الله عليه عدد ما
صلى على أنبيائه المرسلين، وآله الطاهرين.
27 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يعقوب
الكليني، قال: حدثنا محمد بن علي بن معن، قال: حدثنا محمد بن علي بن عاتكة،
عن الحسين بن النضر الفهري، عن عمرو الأوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر

(1) المقر بصيغة المفعول من باب الأفعال، والمتناسخ بمعنى المنتقل.
(2) في إبراهيم عليه السلام، وفي الحديث (ما من نبي بعده إلا من صلبه) كما قال
تعالى: (و.. لنا في ذريته النبوة والكتاب).
(3) الضمير المجرور إما يرجع إلى حرم فالباء للظرفية، ويحتمل التعدية أو إلى
محمد صلى الله عليه وآله، فللسببية، والضمائر المؤنثة كلها راجعة إلى الشجرة.
72

ابن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام،
قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة خطبها بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسبعة أيام، و
ذلك حين فرغ من جمع القرآن فقال:
الحمد لله الذي أعجز الأوهام أن تنال إلا وجوده (1) وحجب العقول عن أن
تتخيل ذاته في امتناعها من الشبه والشكل، بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته، ولم
يتبعض بتجزئة العدد في كماله، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن، وتمكن
منها لا على الممازجة، وعلمها لا بأداة - لا يكون العلم إلا بها - (2) وليس بينه وبين
معلومه علم غيره، إن قيل كان فعلى تأويل أزلية الوجود، وإن قيل: لم يزل فعلى
تأويل نفي العدم (3) فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره
علوا كبيرا.
ونحمده بالحمد الذي ارتضاه لخلقه، وأوجب قبوله على نفسه، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، شهادتان ترفعان
القول، وتضاعفان العمل، خف ميزان ترفعان منه، وثقل ميزان توضعان فيه، و
بهما الفوز بالجنة والنجاة من النار، والجواز على الصراط، وبالشهادتين يدخلون
الجنة، وبالصلاة ينالون الرحمة، فأكثروا من الصلاة على نبيكم وآله، إن الله
وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.
أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعز من التقى، ولا
معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا كنز أنفع من العلم، ولا
عز أرفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الأدب، ولا نسب أوضع من الغضب، ولا

(1) أي لا يدرك منه إلا أنه تعالى موجود وأما ذاته فلا، وفي البحار باب جوامع
التوحيد عن تحف العقول: (أعدم الأوهام أن تنال إلى وجوده) أي إلى ذاته.
(2) هذه الجملة صفة لأداة والضمير المجرور بالباء يرجع إليها، أي علم الأشياء لا بأداة
لا يكون علم المخلوق إلا بها.
(3) أي ليس كونه وبقاؤه مقرونين بالزمان على ما يفهم من كلمة كان ولم يزل.
73

جمال أزين من العقل، ولا سوء أسوء من الكذب، ولا حافظ أحفظ من الصمت، ولا
لباس أجمل من العافية، ولا غائب أقرب من الموت.
أيها الناس إنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها، والليل
والنهار مسرعان في هدم الأعمار، ولكل ذي رمق قوت، ولكل حبة آكل، و
أنتم قوت الموت، وإن من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد، لن ينجو من الموت
غني بماله ولا فقير لا قلاله.
أيها الناس من خاف ربه كف ظلمه، ومن لم يرع في كلامه أظهر هجره
ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهم، ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة
غدا، هيهات هيهات، وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب، فما أقرب
الراحة من التعب، والبؤس من النعيم، وما شر بشر بعده الجنة، وما خير
بخير بعده النار، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية.
28 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه، قال: حدثني
أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت
مجلس المأمون وعنده علي بن موسى الرضا عليهما السلام، فقال له المأمون: يا ابن
رسول الله أليس من قولك إن الأنبياء معصومون، قال: بلى، قال: فسأله عن آيات
من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له: فأخبرني عن قول الله عز وجل في إبراهيم
(فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي) فقال الرضا عليه السلام: إن إبراهيم
عليه السلام وقع إلى ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد
الشمس، وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه، فلما جن عليه الليل و
رأى الزهرة قال: هذا ربي على الانكار والاستخبار، فلما أفل الكوكب قال:
(لا أحب الآفلين) لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات القديم، فلما
رأى القمر بازغا قال: هذا ربي على الانكار والاستخبار، فلما أفل قال: (لئن
لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) فلما أصبح (ورأى الشمس بازغة قال
هذا ربي هذا أكبر) من الزهرة والقمر على الإنكار والإستخبار لا على الإخبار
74

والإقرار، فلما أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس:
(يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض
حنيفا وما أنا من المشركين) وإنما أراد إبراهيم بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم،
ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما
تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض، وكان ما احتج به على قومه مما
ألهمه الله عز وجل وآتاه كما قال الله عز وجل: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على
قومه) (1) فقال المأمون: لله درك يا ابن رسول الله. والحديث طويل أخذنا منه موضع
الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام.
29 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن إبراهيم
ابن الحكم بن ظهير، عن عبد الله بن جرير العبدي، عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه
كان يقول: الحمد لله الذي لا يحس، ولا يجس، ولا يمس، ولا يدرك بالحواس
الخمس، ولا يقع عليه الوهم، ولا تصفه الألسن، وكل شئ حسته الحواس أو
لمسته الأيدي فهو مخلوق، الحمد لله الذي كان إذ لم يكن شئ غيره، وكون الأشياء
فكانت كما كونها، وعلم ما كان وما هو كائن.
30 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن
راشد، عن يعقوب بن جعفر، قال: سمعت أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام، وهو يكلم
راهبا من النصارى، فقال له في بعض ما ناظره: إن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم
من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون، أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه.
الأوهام، أو تحيط به صفة العقول (2) أنزل مواعظه ووعده ووعيده، أمر بلا شفة

(1) الأنعام: 83. والآيات قبل هذه الآية.
(2) في البحار وفي نسخة (ب) و (د) و (ج) و (و) (أو تحيط بصفته العقول).
75

ولا لسان، ولكن كما شاء أن يقول له كن فكان خبرا كما أراد في اللوح (1).
31 - حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن عبد الله
ابن جعفر بن جامع الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه،
عن محمد بن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من شبه الله بخلقه
فهو مشرك، ومن أنكر قدرته فهو كافر.
32 - حدثنا أبي، وعبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رحمهما الله، قالا:
حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن أبي عمير، قال:
دخلت على سيدي موسى بن جعفر عليهما السلام، فقلت له: يا ابن رسول الله علمني التوحيد
فقال: يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالى ذكره في كتابه فتهلك، واعلم
أن الله تعالى واحد، أحد، صمد، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ
صاحبة ولا ولدا ولا شريكا، وإنه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز،
والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي
الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا
يذل، والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي لا يبخل، و
إنه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الأقطار، ولا يحويه
مكان، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وليس كمثله
شئ وهو السميع البصير (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو
سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) وهو الأول الذي
لا شئ قبله، والآخر الذي لا شئ بعده، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث، تعالى

(1) قوله: (خبرا) بضم الخاء المعجمة وسكون الباء بمعنى العلم وهو بمعنى الفاعل
حال من فاعل (شاء)، وفي نسخة (و) و (د) و (ب) بالجيم والباء الموحدة، أي شاء من دون
خيرة للمخلوق فيما كان بمشيئته، وفي البحار باب نفي الجسم والصورة وفي نسخة (ج) بالخاء
المعجمة والياء المثناة من تحت، وقوله: (كما أراد - الخ) أي ما حدث في الوجود بقوله
كن كان كما أراد وأثبت في لوح التقدير أو لوح من الألواح السابقة عليه إلى أن ينتهي إلى عمله.
76

عن صفات المخلوقين علوا كبيرا.
33 - حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر المعروف بأبي
سعيد المعلم بنيسابور، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال: حدثنا علي
ابن سلمة الليفي، قال: حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبد الله، عن عبد الله بن طلحة بن
هجيم، قال: حدثنا أبو سنان الشيباني سعيد بن سنان، عن الضحاك، عن النزال
ابن سبرة (1)، قال: جاء يهودي إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين
متى كان ربنا؟ قال: فقال له علي عليه السلام: إنما يقال: متى كان لشئ لم يكن فكان
وربنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونة (2) كائن، كان بلا كيف يكون، كائن لم
يزل بلا لم يزل، وبلا كيف يكون، كان لم يزل ليس له قبل، هو قبل القبل
بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى، غاية ولا غاية إليها (3) غاية انقطعت الغايات عنه، فهو
غاية كل غاية.
34 - أخبرني أبو العباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه
لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، قال: حدثنا محمد بن سهل يعني العطار
البغدادي لفظا من كتابه سنة خمس وثلاثمائة، قال: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي
قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن العلاء (4) قال: حدثني

(1) النسخ في ضبط أسماء رجال هذا الحديث وألقابهم وكناهم مختلفة كثيرا، وتركنا
ذكر الاختلاف لقلة الجدوى فإنهم أو أكثرهم من العامة، والحديث مذكور بسند آخر في الباب
الثامن والعشرين في موضعين.
(2) أي ربنا تبارك وتعالى كائن بحقيقة الكينونة بلا أن يكون له كينونة زائدة على ذاته
(3) أي هو غاية كل شئ ولا غاية له ينتهي إليها، وحاصل كلامه عليه السلام أنه تعالى لا يتصف
بمتى ولا بلوازمه من كونه ذا مبدء ومنتهى لأن ذلك ينافي الربوبية الكبرى بل الأشياء كلها
حتى الزمان تبتدء منه وتنتهي إليه، هو الأول والآخر.
(4) في البحار باب جوامع التوحيد وفي نسخة (ب) و (و) و (ج) (عبيد الله بن العلاء).
77

صالح بن سبيع، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان (1) قال: حدثني أبي
عن أبي المعتمر مسلم بن أوس، قال: حضرت مجلس علي عليه السلام في جامع الكوفة
فقام إليه رجل مصفر اللون - كأنه من متهودة اليمن - فقال: يا أمير المؤمنين صف
لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح علي عليه السلام ربه وعظمه عز وجل
وقال:
الحمد لله الذي هو أول بلا بدئ مما (2) ولا باطن فيما، ولا يزال مهما (3)
ولا ممازج مع ما، ولا خيال وهما (4) ليس بشبح فيرى، ولا بجسم فيتجزأ، ولا
بذي غاية فيتناهى، ولا بمحدث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، ولا بذي حجب
فيحوى (5) كان ولا أماكن تحمله أكنافها، ولا حملة ترفعه بقوتها، ولا كان بعد
أن لم يكن، بل حارث الأوهام أن تكيف المكيف للأشياء ومن لم يزل بلا
مكان، ولا يزول باختلاف الأزمان، ولا ينقلب شأنا بعد شأن (6)، البعيد من حدس

(1) في نسخة (د) و (ب) (عن عمر بن محمد - الخ)، وفي نسخة (و) وحاشية
نسخة (ط) (حدثني صالح بن سبيع بن عمرو بن محمد - الخ) ورجال هذا السند كلهم مجاهيل
إلا البلوى وهو رجل ضعيف مطعون عليه، لكن لا ضير فيه لأن الاعتبار في أمثال هذه
الأحاديث بالمتن، ولو كان سندها معتبرا ولم تكن متونها موافقة لما تواتر من مذهب أهل
البيت (ع) أو مضمونها مخالف لما دل عليه العقل لم تكن حجة إلا عند الحشوية من أهل الحديث.
(2) أي بلا بدئ من شئ، وهو فعيل بمعنى المفعول أو الفاعل، وعلى الأول فهو
مضمون ما في خطبه الأخرى: (لا من شئ كان) وعلى الثاني فهو مضمون قوله: (لا من شئ
كون ما قد كان) والأول أظهر بل الظاهر.
(3) أي ولا يزول أبدا فإن يزال يأتي بمعنى يزول قليلا، ومهما لعموم الأزمان.
(4) الخيال بفتح الأول ما يتمثل في النوم واليقظة من صورة الشئ، أي ولا هو
كالخيال يتصور ويتمثل في قوة الوهم.
(5) أي لا يستره حجب فيكون محويا في مكان وراء الحجب.
(6) لا ينافي هذا ما في الآية الشريفة من أنه كل يوم هو في شأن لأن هنا بمعنى الحال
في نفسه وهناك بمعنى الأمر في خلقه، كما قال عليه السلام في صدر الحديث الأول: (إنه كل يوم في
شأن من إحداث بديع لم يكن).
78

القلوب (1) المتعالي عن الأشياء والضروب، والوتر، علام الغيوب، فمعاني الخلق عنه
منفية، وسرائرهم عليه غير خفية، المعروف بغير كيفية، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس
بالناس، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفكار، ولا تقدره العقول، ولا تقع عليه
الأوهام، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود، وكيف يوصف بالأشباح، و
ينعت بالألسن الفصاح؟ من لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها
فيقال هو عنها بائن، ولم يخل منها فيقال أين، ولم يقرب منها بالالتزاق، ولم يبعد
عنها بالافتراق، بل هو في الأشياء بلا كيفية، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد،
وأبعد من الشبه من كل بعيد (2) لم يخلق الأشياء من أصول أزلية، ولا من
أوائل كانت قبله بدية (3) بل خلق ما خلق، وأتقن خلقه، وصور ما صور، فأحسن
صورته، فسبحان من توحد في علوه، فليس لشئ منه امتناع، ولا له بطاعة أحد
من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة له في السماوات والأرض
مطيعة، كلم موسى تكليما بلا جوارح وأدوات ولا شفة ولا لهوات (4) سبحانه و
تعالى عن الصفات، فمن زعم أن إله الخلق محدود فقد جهل الخالق المعبود - و
الخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة -.
35 - حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه.

(1) في نسخة (ب) و (ج) (البعيد من حدث القلوب).
(2) في البحار وفي نسخة (ج) و (و) و (ب) (وأبعد من الشبهة - الخ).
(3) بدية أي مبتدئة، والمعنى لم يخلق الأشياء على مثال أشياء مبتدئة قبل خلق هذه
الأشياء، بل فعله إبداع واختراع، والجملتان نظير قول الرضا عليه السلام في الحديث الخامس
من الباب السادس: الحمد لله فاطر الأشياء - الخ، وفي نسخة (ط) و (ن) (أبدية) مكان بدية.
(4) جمع لهاة وهي اللحمة الصغيرة المشرفة على الحلق في أقصى الفم تسمى باللسان
الصغير عندها مخرج الكاف والقاف.
79

قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري بالبصرة، قال:
أخبرنا محمد بن زكريا الجوهري الغلابي البصري، قال: حدثنا العباس بن بكار
الضبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي عن عكرمة، قال: بينما ابن عباس يحدث
الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق، فقال: يا ابن عباس تفتي في النملة والقملة،
صف لنا إلهك الذي تعبده، فأطرق ابن عباس إعظاما لله عز وجل، وكان الحسين
ابن علي عليهما السلام جالسا ناحية، فقال: إلي يا ابن الأزرق، فقال: لست إياك
أسأل: فقال ابن العباس: يا ابن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة، وهم ورثة العلم
فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين، فقال له الحسين: يا نافع إن من وضع
دينه على القياس لم يزل الدهر في الارتماس، مائلا عن المنهاج، ظاعنا في الاعوجاج
ضالا عن السبيل، قائلا غير الجميل، يا ابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه
وأعرفه بما عرف به نفسه، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، فهو قريب غير
ملتصق، وبعيد غير متقص، يوحد، ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف
بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال.
36 - حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد
البرقي، عن محمد بن أبي عمير، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
من شبه الله بخلقه فهو مشرك، إن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ وكل ما
وقع في الوهم فهو بخلافه (1).
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: الدليل على أن الله سبحانه لا يشبه شيئا
من خلقه من جهة من الجهات أنه لا جهة لشئ من أفعاله إلا محدثة، ولا جهة
محدثة إلا وهي تدل على حدوث من هي له، فلو كان الله جل ثناؤه يشبه شيئا منها
لدلت على حدوثه من حيث دلت على حدوث من هي له (2) إذ المتماثلان في العقول

(1) في نسخة (ب) (فهو يخالفه).
(2) أي لو كان يشبه شيئا من أفعاله لكان له جهة محدثة ولدلت تلك الجهة على حدوثه
كما دلت على حدوث من هي له.
80

يقتضيان حكما واحدا من حيث تماثلا منها (1) وقد قام الدليل على أن الله عز وجل
قديم، ومحال أن يكون قديما من جهة وحادثا من أخرى. ومن الدليل على
أن الله تبارك وتعالى قديم أنه لو كان حادثا لوجب أن يكون له محدث، لأن الفعل
لا يكون إلا بفاعل، ولكان القول في محدثه كالقول فيه، وفي هذا وجود حادث قبل
حادث لا إلى أول، وهذا محال، فصح أنه لا بد من صانع قديم، وإذا كان ذلك
كذلك فالذي يوجب قدم ذلك الصانع ويدل عليه يوجب قدم صانعنا ويدل
عليه (2). 37 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله وعلي بن
عبد الله الوراق، قالا: حدثنا محمد بن هارون الصوفي، قال: حدثنا أبو تراب عبيد الله
ابن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: دخلت على سيدي
علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب عليهم السلام فلما بصر بي قال لي: مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا، قال:
فقلت له: يا ابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيا
أثبت عليه حتى ألقى الله عز وجل: فقال: هات يا أبا القاسم، فقلت: إني أقول:
إن الله تبارك وتعالى واحد، ليس كمثله شئ، خارج عن الحدين حد الإبطال و
حد التشبيه، وإنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسم
الأجسام، ومصور الصور، وخالق الأعراض والجواهر، ورب كل شئ ومالكه
وجاعله ومحدثه، وإن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة
وأقول: إن الإمام والخليفة وولي الأمر من بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد
ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي، فقال

(1) أي من جهة من الجهات.
(2) أي يوجب أن يكون صانعنا القديم الذي كلامنا فيه ذلك الصانع القديم الذي اضطر
العقل إلى إثباته.
81

عليه السلام: ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده، قال: فقلت:
وكيف ذاك يا مولاي؟ قال: لأنه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج
فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، قال: فقلت: أقررت، وأقول
إن وليهم ولي الله، وعدوهم عدو الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، و
أقول: إن المعراج حق، والمسألة في القبر حق، وإن الجنة حق، وإن
النار حق، والصراط حق، والميزان حق، وإن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن
الله يبعث من في القبور، وأقول: إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة، والزكاة،
والصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال علي بن
محمد عليهما السلام: يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبتك
الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
3 - باب معنى الواحد والتوحيد والموحد
1 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد
ابن محمد بن عيسى، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني
عليهما السلام، ما معنى الواحد؟ فقال: المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية (1).

(1) هذا الحديث رواه الكليني رحمه الله في باب معاني الأسماء من الكافي، ورواه
المجلسي رحمه الله في البحار في باب التوحيد ونفي الشريك عن المحاسن والاحتجاج وفيه بلفظ
(الأحد) كلهم عن أبي هاشم الجعفري، والسؤال ليس عن المفهوم لأن السائل عارف به ولا
عن الحقيقة الشرعية إذ ليس له حقيقة شرعية وراء ما عند العرف، بل عن معنى الواحد
في حق الله تعالى أنه بأي معنى يطلق عليه تعالى، فأجاب عليه السلام أنه يطلق عليه بالمعنى الذي
اجتمع الناس كلهم بلسان فطرتهم عليه، وذلك المعنى أنه تعالى لا شبيه له ولا شريك له في
الألوهية وصنع الأشياء كما أشار إليه بالاستشهاد بقوله تعالى (ولئن سئلتهم - الآية) كما
في الخبر الآتي، وصرح به بعد ذكر الآية بقوله: (بعد ذلك له شريك وصاحبه)؟! استفهاما
إنكاريا كما في البحار عن الاحتجاج، ولا يخفى أن الحديث هنا وما في الكافي والمحاسن
والاحتجاج واحد إلا أن الرواة غيروه بالتقطيع والنقل بالمعنى، أو أبو هاشم نفسه فعل
ذلك عند نقله للرواة المتعددين، فلذلك ترى لفظ الحديث فيها مختلفا.
82

2 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران
الدقاق رضي الله عنهما، قالا: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد،
ومحمد بن الحسن جميعا، عن سهل بن زياد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت
أبا جعفر الثاني عليه السلام ما معنى الواحد؟ قال: الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد،
كما قال الله عز وجل: (ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) (1).
3 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن سعيد بن يحيى البزوري، قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، قال:
حدثنا أبي، عن المعافي بن عمران، عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح بن هانئ،
عن أبيه، قال: إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير -
المؤمنين أتقول: إن الله واحد؟ قال: فحمل الناس عليه، قالوا: يا أعرابي أما
ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: دعوه، فإن
الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم، ثم قال: يا أعرابي إن القول
في أن الله واحد على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل، و
وجهان يثبتان فيه، فأما اللذان لا يجوزان عليه، فقول القائل: واحد يقصد به
باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما
ترى أنه كفر من قال: ثالث ثلاثة. وقول القائل: هو واحد من الناس، يريد
به النوع من الجنس، فبهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه، وجل ربنا عن ذلك و
تعالى (2). وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء

(1) العنكبوت: 61، ولقمان: 25، والزمر: 38، والزخرف: 9.
(2) الجنس في اللغة يأتي بمعنى التشابه والتماثل، وقوله عليه السلام: (يريد به
النوع من الجنس) أي يريد القائل بالواحد هكذا الوحدة النوعية التي تنتزع من الأفراد
المتجانسة المتماثلة كأفراد الإنسان مثلا، والفرق بين القسمين اللذين لا يجوز أن عليه تعالى
أن الأول يثبت له وقوعا أو إمكانا فردا آخر مثله في الألوهية أو صفة غيرها وإن لم يكن
مجانسا له في حقيقته والثاني يثبت له فردا آخر من حقيقته، فالمنفي أولا الوحدة العددية
وثانيا النوعية.
83

شبه، كذلك ربنا، وقول القائل: إنه عز وجل أحدي المعنى، يعني به أنه لا
ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم (1) كذلك ربنا عز وجل.
قال مصنف هذا الكتاب: سمعت من أثق بدينه ومعرفته باللغة والكلام يقول:
إن قول القائل: واحدا واثنين وثلاثة إلى آخره إنما وضع في أصل اللغة للإبانة
عن كمية ما يقال عليه، لا لأن له مسمى يتسمى به بعينه، أو لأن له معنى سوى
ما يتعلمه الانسان بمعرفة الحساب ويدور عليه عقد الأصابع عند ضبط الآحاد و
العشرات والمئات الألوف، وكذلك متى أراد مريد أن يخبر غيره عن كمية شئ
بعينه سماه باسمه الأخص ثم قرن لفظ الواحد به وعلقه عليه يدل به على كميته
لا على ما عدا ذلك من أوصافه، ومن أجله يقول القائل: درهم واحد، وإنما
يعني به أنه درهم فقط، وقد يكون الدرهم درهما بالوزن، ودرهما بالضرب،
فإذا أراد المخبر أن يخبر عن وزنه قال: درهم واحد بالوزن، وإذا أراد أن يخبر
عن عدده وضربه قال: درهم واحد بالعدد ودرهم واحد بالضرب، وعلى هذا الأصل
يقول القائل: هو رجل واحد، وقد يكون الرجل واحدا بمعنى أنه إنسان وليس
بإنسانين، ورجل وليس برجلين، وشخص وليس بشخصين، ويكون واحد في الفضل
واحدا في العلم واحدا في السخاء واحدا في الشجاعة، فإذا أراد القائل أن يخبر عن
كميته قال: هو رجل واحد، فدل ذلك من قوله على أنه رجل وليس هو برجلين،
وإذا أراد أن يخبر عن فضله قال: هذا واحد عصره، فدل ذلك على أنه لا ثاني له

(1) أي لا في الخارج كانقسام الإنسان إلى بدن وروح، ولا في عقل كانقسام الماهية
إلى أجزائها الحدية، ولا في وهم كانقسام قطعة خشب إلى النصفين في التصور.
84

في الفضل، وإذا أراد أن يدل على علمه قال: إنه واحد في علمه، فلو دل قوله:
واحد بمجرده على الفضل والعلم كما دل بمجرده على الكمية لكان كل من أطلق
عليه لفظ واحد أراد فاضلا لا ثاني له في فضله وعالما لا ثاني له في علمه وجوادا لا ثاني
له في جوده، فلما لم يكن كذلك صح أنه بمجرده لا يدل إلا على كمية الشئ
دون غيره وإلا لم يكن لما أضيف إليه من قول القائل: واحد عصره ودهره معنى،
ولا كان لتقييده بالعلم والشجاعة معنى، لأنه كان يدل بغير تلك الزيادة وبغير ذلك
التقييد على غاية الفضل وغاية العلم والشجاعة، فلما احتيج معه إلى زيادة لفظ و
احتيج إلى التقييد بشئ صح ما قلناه، فقد تقرر أن لفظة القائل: واحد إذا قيل
على الشئ دل بمجرده على كميته في اسمه الأخص، ويدل بما يقترن به على
فضل المقول عليه وعلى كماله وعلى توحده بفضله وعلمه وجوده، وتبين أن الدرهم
الواحد قد يكون درهما واحدا بالوزن، ودرهما واحدا بالعدد ودرهما وحدا
بالضرب، وقد يكون بالوزن درهمين وبالضرب درهما واحدا، وقد يكون بالدوانيق
ستة دوانيق وبالفلوس ستين فلسا ويكون بالأجزاء كثيرا، وكذلك يكون العبد
عبدا واحدا ولا يكون عبدين بوجه، ويكون شخصا واحدا ولا يكون شخصين بوجه،
ويكون أجزاء كثيرة وأبعاضا كثيرة، وكل بعض من أبعاضه يكون جواهر كثيرة
متحدة اتحد بعضها ببعض، وتركب بعضها مع بعض، ولا يكون العبد واحدا وإن
كان كل واحد منا في نفسه إنما هو عبد واحد، وإنما لم يكن العبد واحدا لأنه
ما من عبد إلا وله مثل في الوجود أو في المقدور، وإنما صح أن يكون للعبد مثل
لأنه لم يتوحد بأوصافه التي من أجلها صار عبدا مملوكا، ووجب لذلك أن يكون
الله عز وجل متوحدا بأوصافه العلى وأسمائه الحسنى، ليكون إلها واحدا ولا
يكون له مثل، ويكون واحدا لا شريك له ولا إله غيره، فالله تبارك وتعالى واحد
لا إله إلا هو، وقديم واحد لا قديم إلا هو، وموجود واحد ليس بحال ولا محل
ولا موجود كذلك إلا هو، وشئ واحد لا يجانسه شئ، ولا يشاكله شئ، ولا يشبهه
شئ، ولا شئ كذلك إلا هو، فهو كذلك موجود غير منقسم في الوجود ولا في الوهم،
85

وشئ لا يشبهه شئ بوجه، وإله لا إله غيره بوجه، وصار قولنا: يا واحد يا أحد في
الشريعة اسما خاصا له دون غيره لا يسمى به إلا هو عز وجل، كما أن قولنا: الله
اسم لا يسمى به غيره.
وفصل آخر في ذلك وهو أن الشئ قد يعد مع ما جانسه وشاكله وماثله،
يقال: هذا رجل، وهذان رجلان، وثلاثة رجال، وهذا عبد، وهذا سواد، وهذان
عبدان، وهذان سوادان، ولا يجوز على هذا الأصل أن يقال: هذان إلهان إذ لا
إله إلا إله واحد، فالله لا يعد على هذا الوجه، ولا يدخل في العدد من هذا الوجه
بوجه، وقد يعد الشئ مع ما لا يجانسه ولا يشاكله، يقال: هذا بياض، وهذان
بياض وسواد، وهذا محدث، وهذان محدثان، وهذان ليسا بمحدثين ولا بمخلوقين،
بل أحدهما قديم والآخر محدث وأحدهما رب والآخر مربوب، فعلى هذا الوجه
يصح دخوله في العدد، وعلى هذا النحو قال الله تبارك وتعالى: (ما يكون من نجوى
ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم
أينما كانوا - الآية) (1) وكما أن قولنا: إنما هو رجل واحد لا يدل على فضله
بمجرده فكذلك قولنا: فلان ثاني فلان. لا يدل بمجرده إلا على كونه، وإنما
يدل على فضله متى قيل: إنه ثانيه في الفضل أو في الكمال أو العلم.
فأما توحيد الله تعالى ذكره فهو توحيده بصفاته العلى، وأسمائه الحسنى كان
كذلك إلها واحدا لا شريك له ولا شبيه، والموحد هو من أقر به على ما هو عليه
عز وجل من أوصافه العلى، وأسمائه الحسنى على بصيرة منه ومعرفة وإيقان و
إخلاص، وإذا كان ذلك كذلك فمن لم يعرف الله عز وجل متوحدا بأوصافه العلى،
وأسمائه الحسنى ولم يقر بتوحيده بأوصافه العلى، فهو غير موحد، وربما قال جاهل
من الناس: إن من وحد الله وأقر أنه واحد فهو موحد وإن لم يصفه بصفاته التي توحد
بها لأن من وحد الشئ فهو موحد في أصل اللغة، فيقال له: أنكرنا ذلك لأن من
زعم أن ربه إله واحد وشئ واحد، ثم أثبت معه موصوفا آخر بصفاته التي توحد بها

(1) المجادلة: 7.
86

فهو عند جميع الأمة وسائر أهل الملل ثنوي غير موحد ومشرك مشبه غير مسلم، و
إن زعم أن ربه إله واحد وشئ واحد وموجود واحد، وإذا كان كذلك وجب
أن يكون الله تبارك وتعالى متوحدا بصفاته التي تفرد بالإلهية من أجلها وتوحد
بالوحدانية لتوحده بها ليستحيل أن يكون إله آخر، ويكون الله واحدا والإله
واحدا لا شريك له ولا شبيه لأنه إن لم يتوحد بها كان له شريك وشبيه كما أن
العبد لما لم يتوحد بأوصافه التي من أجلها كان عبدا كان له شبيه، ولم يكن العبد
واحدا وإن كان كل واحد منا عبدا واحدا، وإذا كان كذلك فمن عرفه متوحدا
بصفاته وأقر بما عرفه واعتقد ذلك كان موحدا وبتوحيد ربه عارفا. والأوصاف
التي توحد الله عز وجل بها وتوحد بربوبيته لتفرده بها هي الأوصاف التي يقتضي
كل واحد منها أن لا يكون الموصوف به إلا واحدا لا يشاركه فيه غيره ولا يوصف به
إلا هو، وتلك الأوصاف هي كوصفنا له بأنه موجود واحد لا يصح أن يكون حالا
في شئ، ولا يجوز أن يحله شئ، ولا يجوز عليه العدم والفناء والزوال، مستحق
للوصف بذلك بأنه أول الأولين، وآخر الآخرين، قادر يفعل ما يشاء ولا يجوز
عليه ضعف ولا عجز، مستحق للوصف بذلك بأنه أقدر القادرين وأقهر القاهرين،
عالم لا يخفى عليه شئ، ولا يعزب عنه شئ، ولا يجوز عليه جهل ولا سهو ولا شك
ولا نسيان، مستحق للوصف بذلك بأنه أعلم العالمين، حي لا يجوز عليه موت ولا
نوم، ولا ترجع إليه منفعة ولا تناله مضرة، مستحق للوصف بذلك بأنه أبقى الباقين
وأكمل الكاملين، فاعل لا يشغله شئ عن شئ ولا يعجزه شئ ولا يفوته شئ،
مستحق للوصف بذلك بأنه إله الأولين والآخرين وأحسن الخالقين وأسرع
الحاسبين، غني لا يكون له قلة، مستغن لا يكون له حاجة، عدل لا يلحقه مذمة
ولا يرجع إليه منقصة، حكيم لا تقع منه سفاهة، رحيم لا يكون له رقة فيكون
في رحمته سعة، حليم لا يلحقه موجدة، ولا يقع منه عجلة، مستحق للوصف بذلك
بأنه أعدل العادلين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين، وذلك لأن أول الأولين
لا يكون إلا واحدا وكذلك أقدر القادرين وأعلم العالمين وأحكم الحاكمين وأحسن
87

الخالقين، وكلما جاء على هذا الوزن، فصح بذلك ما قلناه، وبالله التوفيق ومنه
العصمة والتسديد.
4 - باب تفسير قل هو الله أحد إلى آخرها
1 - حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي، ثم الإيلاقي
رضي الله عنه، قال: حدثني أبو سعيد عبدان بن الفضل، قال: حدثني أبو الحسن
محمد بن يعقوب بن محمد بن يوسف بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن
جعفر بن أبي طالب بمدينة خجندة، قال: حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن شجاع
الفرغاني، قال: حدثني أبو الحسن محمد بن حماد العنبري بمصر، قال: حدثني
إسماعيل بن عبد الجليل البرقي، عن أبي البختري وهب بن وهب القرشي، عن
أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي الباقر عليهم السلام في قول الله تبارك
وتعالى: (قل هو الله أحد) قال: (قل) أي أظهر ما أوحينا إليك ونبأناك به بتأليف
الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد، وهو اسم مكنى مشار
إلى غائب، فالهاء تنبيه على معنى ثابت، والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس،
كما أن قولك (هذا إشارة إلى الشاهد عند الحواس (1) وذلك أن الكفار نبهوا
عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك (2) فقالوا: هذه آلهتنا المحسوسة المدركة
بالأبصار، فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله
فيه، فأنزل الله تبارك وتعالى قل هو الله أحد، فالهاء تثبيت للثابت (3) والواو إشارة

(1) في نسخة (ج) (المشاهد) بصيغة المفعول من باب المفاعلة، وهو الأصح، و
كذا فيما يأتي على الاحتمال الأول فيه.
(2) يحتمل أن يكون إشارة مضافا إلى الشاهد المدرك ويكون مفعول نبهوا محذوفا
ويحتمل أن يقرأ بالتنوين ويكون الشاهد المدرك مفعول نبهوا فالمدرك على الاحتمال الأول
بصيغة المفعول وعلى الثاني بصيغة الفاعل.
(3) نظير هذا يوجد في أحاديثهم عليهم السلام كتفسير الحروف المقطعة في أوائل
السور وهذا منهم لا أنه وضع لغوي.
88

إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس وأنه تعالى عن ذلك، بل هو مدرك
الأبصار ومبدع الحواس.
2 - حدثني أبي (1)، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: رأيت الخضر
عليه السلام في المنام قبل بدر بليلة، فقلت له: علمني شيئا أنصر به على الأعداء، فقال:
قل: يا هو يا من لا هو إلا هو، فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال
لي: يا علي علمت الاسم الأعظم، فكان على لساني يوم بدر. وإن أمير المؤمنين
عليه السلام قرأ قل هو الله أحد فلما فرغ قال: يا هو، يا من لا هو إلا هو، اغفر لي و
انصرني على القوم الكافرين، وكان علي عليه السلام يقول ذلك يوم صفين وهو يطارد،
فقال له عمار بن ياسر: يا أمير المؤمنين ما هذه الكنايات؟ قال: اسم الله الأعظم وعماد
التوحيد لله لا إله إلا هو (2) ثم قرأ شهد الله أنه لا إله إلا هو (3) وآخر الحشر ثم
نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال.
قال: وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق و
يؤله إليه، والله هو المستور عن درك الأبصار، المحجوب عن الأوهام والخطرات.
قال الباقر عليه السلام: الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته
والإحاطة بكيفيته (4) ويقول العرب: أله الرجل إذا تحير في الشئ فلم يحط
به علما، ووله إذا فزع إلى شئ مما يحذره ويخافه فالإله هو المستور عن
حواس الخلق (5).

(1) من تتمة كلام الباقر عليه السلام.
(2) عماديته باعتبار اشتماله على هو الذي هو إشارة إلى الثابت الموجود الذي
لا يستطيع أحد أن ينكره ولا أن يثبت له ثانيا.
(3) آل عمران: 18.
(4) أي تحير الخلق بتضمين معنى عجز وإلا فهو يتعدى بفي لا بعن.
(5) تفريع على المعنى الأول، وذكر العلامة المجلسي رحمه الله تعالى في البحار
باب التوحيد ونفي الشريك في ذيل هذا الخبر اشتقاق لفظ الجلالة أو عدمه ومن أي شئ
اشتق واختلاف الأقوال فيه وأنه عربي أم لا، وللصدوق رحمه الله تعالى كلام في اشتقاقه
ذيل الحديث التاسع من الباب التاسع والعشرين، وفي هذا الباب في الحديث الثالث عشر
صرح الإمام عليه السلام باشتقاقه.
89

قال الباقر عليه السلام: الأحد الفرد المتفرد، والأحد والواحد بمعنى واحد،
وهو المتفرد الذي لا نظير له، والتوحيد الاقرار بالوحدة وهو الانفراد، والواحد
المتبائن الذي لا ينبعث من شئ ولا يتحد بشئ، ومن ثم قالوا: إن بناء العدد
من الواحد وليس الواحد من العدد لأن العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين
فمعنى قوله: الله أحد: المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته
فرد بإلهيته، متعال عن صفات خلقه.
3 - قال الباقر عليه السلام: حدثني أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن
علي عليهم السلام أنه قال: الصمد الذي لا جوف له (1) والصمد الذي قد انتهى سؤدده،
والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب، والصمد الذي لا ينام، والصمد الدائم الذي لم
يزل ولا يزال.
قال الباقر عليه السلام: كان محمد بن الحنفية رضي الله عنه يقول: الصمد القائم
بنفسه، الغني عن غيره، وقال غيره: الصمد المتعالي عن الكون والفساد، والصمد
الذي لا يوصف بالتغاير.
قال الباقر عليه السلام: الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه.
قال: وسئل علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، عن الصمد، فقال: الصمد
الذي لا شريك له ولا يؤوده حفظ شئ ولا يعزب عنه شئ.
4 - قال وهب بن وهب القرشي: قال زيد بن علي زين العابدين عليه السلام: الصمد
هو الذي إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها
أضدادا وأشكالا وأزواجا، وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند.
5 - قال وهب بن وهب القرشي: وحدثني الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر
عن أبيه عليهم السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهما السلام، يسألونه عن الصمد

(1) هذا المعنى يرجع فيه تعالى إلى أنه كامل ليس فيه جهة إمكان ونقصان.
90

فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فلا تخوضوا في القرآن، ولا تجادلوا
فيه، ولا تتكلموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من قال
في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار، وإن الله سبحانه قد فسر الصمد
فقال: (الله أحد. الله الصمد) ثم فسره فقال: (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا
أحد). (لم يلد) لم يخرج منه شئ كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج
من المخلوقين، ولا شئ لطيف كالنفس، ولا يتشعب منه البدوات كالسنة والنوم و
الخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة
والجوع والشبع، تعالى أن يخرج منه شئ، وأن يتولد منه شئ كثيف أو لطيف.
(ولم يولد) لم يتولد من شئ ولم يخرج من شئ كما يخرج الأشياء الكثيفة من
عناصرها كالشئ من الشئ والدابة من الدابة والنبات من الأرض والماء من الينابيع و
الثمار من الأشجار، ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين
والسمع من الأذن والشم من الأنف والذوق من الفم (1) والكلام من اللسان
والمعرفة والتميز من القلب (2) وكالنار من الحجر، لا بل هو الله الصمد الذي لا من
شئ ولا في شئ ولا على شئ، مبدع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته،
يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه (3) فذلكم الله
الصمد الذي لم يلد ولم يولد، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، ولم يكن له
كفوا أحد.

(1) هذه الثلاثة من قبيل خروج القوة وظهورها في محلها لا خروجها إلى خارج
المحل كخروج قوة البصر إلى خارج العين على القول بالشعاع، ويمكن أن تكون كذلك
ولما يدركها الإنسان.
(2) كخروج النور من النير.
(3) علق عليه السلام تلاشى الفاني بالمشيئة وبقاء الباقي بالعلم لمناسبة المشيئة المحدثة لما
يفنى والعلم القديم لما يبقى لأنها في مذهب أهل البيت عليهم السلام محدثة، وإلا فلا شئ
خارج عن تعلق العلم والمشيئة.
91

6 - قال وهب بن وهب القرشي: سمعت الصادق عليه السلام يقول: قدم وفد من
أهل فلسطين على الباقر عليه السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم، ثم سألوه عن الصمد،
فقال: تفسيره فيه، الصمد خمسة أحرف: فالألف دليل على إنيته وهو قوله
عز وجل: (شهد الله أنه لا إله إلا هو) (1) وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك
الحواس، واللام دليل على إلهيته بأنه هو الله، والألف واللام مدغمان لا يظهران
على اللسان (2) ولا يقعان في السمع ويظهران في الكتابة دليلان على أن إلهيته
بلطفه خافية لا تدرك بالحواس ولا تقع في لسان واصف، ولا أذن سامع، لأن تفسير
الإله هو الذي إله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس أو بوهم، لا بل هو مبدع
الأوهام وخالق الحواس، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة دليل على أن الله سبحانه
أظهر ربوبيته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة،
فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه كما أن لام الصمد لا تتبين ولا تدخل في حاسة
من الحواس الخمسة، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف، فمتى تفكر
العبد في ماهية البارئ وكيفيته أله فيه وتحير ولم تحط فكرته بشئ يتصور له
لأنه عز وجل خالق الصور، فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنه عز وجل خالقهم و
مركب أرواحهم في أجسادهم. وأما الصاد فدليل على أنه عز وجل صادق وقوله
صدق وكلامه صدق ودعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق ووعد بالصدق دار الصدق
وأما الميم فدليل على ملكه وأنه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه.
وأما الدال فدليل على دوام ملكه وأنه عز وجل دائم تعالى عن الكون والزوال
بل هو عز وجل يكون الكائنات، الذي كان بتكوينه كل كائن، ثم قال عليه السلام:
لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز وجل حملة لنشرت التوحيد والإسلام والإيمان و
الدين والشرائع من الصمد، وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين عليه السلام
حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر: (سلوني قبل أن تفقدوني

(1) آل عمران: 18.
(2) في حال الوصل، وهذا معنى الادغام اللغوي.
92

فإن بين الجوانح مني علما جما، هاه هاه إلا لا أجد من يحمله، ألا وإني عليكم
من الله الحجة البالغة فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس
الكفار من أصحاب القبور).
ثم قال الباقر عليه السلام: الحمد لله الذي من علينا ووفقنا لعبادته، الأحد
الصمد (1) الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وجنبنا عبادة الأوثان، حمدا
سرمدا وشكرا واصبا، وقوله عز وجل: (لم يلد ولم يولد) يقول: لم يلد عز وجل
فيكون له ولد يرثه (2) ولم يولد فيكون له والد يشركه في ربوبيته وملكه (ولم
يكن له كفوا أحد) فيعاونه في سلطانه (3).
7 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثني سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد
ابن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الربيع بن مسلم، قال: سمعت
أبا الحسن عليه السلام وسئل عن الصمد فقال: الصمد الذي لا جوف له.
8 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن علي بن
إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: انسب لنا ربك، فلبث ثلاثا
لا يجيبهم، ثم نزلت هذه السورة إلى آخرها، فقلت له: ما الصمد؟ فقال: الذي
ليس بمجوف.
9 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عيسى
عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسن بن أبي السري (4)، عن جابر بن يزيد،

(1) في نسخة (ب) و (ج) و (ط) و (ن) (ووفقنا لعبادة الأحد الصمد) - الخ).
(2) في نسخة (ب) و (ج) و (د) و (و) (يرثه في ملكه).
(3) في نسخة (ج) (فيعارضه في سلطانه) وفي البحار (فيعازه في سلطانه).
(4) في نسخة (و) و (د) و (ب) (الحسين بن أبي السري) وكلاهما تصحيف والصحيح
الحسن بن السري كما في الكافي باب تأويل الصمد وفي البحار في الحديث السادس عشر
من الباب السادس في الجزء الثالث من الطبعة الحديثة، وفي جامع الرواة.
93

قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شئ من التوحيد، فقال: أن الله - تباركت أسماؤه
التي يدعى بها وتعالى في علو كنهه - واحد، توحد بالتوحيد في علو توحيده،
ثم أجراه على خلقه (1) فهو واحد، صمد، قدوس، يعبده كل شئ ويصمد إليه
كل شئ، ووسع كل شئ علما.
10 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد ولقبه شباب
الصيرفي، عن داود بن القاسم الجعفري، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك ما
الصمد؟ قال: السيد المصمود إليه في القليل والكثير.
11 - حدثنا أبو نصر أحمد بن الحسين المرواني، قال: حدثنا أبو أحمد محمد
ابن سليمان بفارس، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن عبد الله
الرواسي (2) قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك (3) عن مطرف بن
عبد الله، عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية واستعمل عليها عليا
عليه السلام، فلما رجعوا سألهم فقالوا: كل خير غير أنه قرأ بنا في كل صلاة بقل
هو الله أحد، فقال: يا علي لم فعلت هذا؟ فقال: لحبي لقل هو الله أحد، فقال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أحببتها حتى أحبك الله عز وجل.
12 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى
العطار، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن أحمد بن -

(1) إجراء التوحيد على الخلق هو فطرهم بفطرة التوحيد كما ذكر في الكتاب و
فسر به في الآثار، وإليه يصمد كل شئ بالفطرة وإن غشيتها في البعض كدورات العلائق
المادية فغفلوا عنها.
(2) في نسخة (ب) و (د) (محمد بن عبد الله الرقاشي).
(3) هو يزيد بن أبي يزيد الضبعي أبو الأزهر البصري، يعرف بالرشك - بكسر
الراء المهملة وسكون الشين المعجمة - قال ابن حجر: ثقة عابد وقال الذهبي وثقه أبو حاتم
وأبو زرعه، روى عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، وروى عنه جعفر بن سليمان الضبعي الإمامي.
94

هلال، عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
من قرأ قل هو الله أحد مائة مرة حين يأخذ مضجعه غفر الله له عز وجل ذنوب
خمسين سنة.
13 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم
عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن جعفر بن
محمد، عن أبيه عليهما السلام أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على سعد بن معاذ، فقال: لقد وافى من
الملائكة للصلاة عليه سبعون ألف ملك وفيهم جبرئيل يصلون عليه، فقلت: يا
جبرئيل بم استحق صلاتكم عليه؟ قال: بقراءة قل هو الله أحد قائما وقاعدا وراكبا
وماشيا وذاهبا وجائيا.
14 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن سيف بن عميرة، عن محمد بن
عبيد، قال: دخلت علي الرضا عليه السلام، فقال لي: قل للعباسي: يكف عن الكلام
في التوحيد وغيره، ويكلم الناس بما يعرفون، ويكف عما ينكرون، وإذا سألوك
عن التوحيد فقل كما قال الله عز وجل: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد) وإذا سألوك عن الكيفية فقل كما قال الله عز وجل (ليس
كمثله شئ) وإذا سألوك عن السمع فقل كما قال الله عز وجل: (هو السميع العليم)
فكلم الناس بما يعرفون.
15 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي الله عنه،
قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي،
عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي -
عبد الله عليه السلام، قال: من قرأ قل هو الله أحد مرة واحدة فكأنما قرأ ثلث القرآن و
ثلث التوراة وثلث الإنجيل وثلث الزبور.
95

5 - باب معنى التوحيد والعدل
1 - حدثنا أبو الحسن محمد بن سعيد بن عزيز السمرقندي - الفقيه بأرض
بلخ (1) قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد الزاهد السمرقندي بإسناده رفعه إلى
الصادق عليه السلام، أنه سأله رجل فقال له: إن أساس الدين التوحيد والعدل، و
علمه كثير، ولا بد لعاقل منه، فاذكر ما يسهل الوقوف عليه ويتهيأ حفظه، فقال عليه السلام:
أما التوحيد فأن لا تجوز على ربك ما جاز عليك، وأما العدل فأن لا تنسب إلى
خالقك ما لا ملك عليه.
2 - حدثنا محمد بن أحمد الشيباني المكتب رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم بن عبد الله
الحسني، عن الإمام علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن
موسى عليهم السلام، قال: خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق عليه السلام، فاستقبله موسى
ابن جعفر عليهما السلام فقال له: يا غلام ممن المعصية؟ قال: لا تخلو من ثلاث: إما أن
تكون من الله عز وجل، وليست منه فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لا يكتسبه
وإما أن تكون من الله عز وجل ومن العبد، وليس كذلك فلا ينبغي للشريك القوي
أن يظلم الشريك الضعيف، وإما أن تكون من العبد وهي منه، فإن عاقبه الله فبذنبه
وإن عفا عنه فبكرمه وجوده.
3 - حدثنا أبو الحسين علي بن أحمد بن حرابخت الجير فتي النسابة (2)
قال: حدثنا أحمد بن سلمان بن الحسن، قال: حدثنا جعفر بن محمد الصائغ، قال:

(1) في نسخة (ب) وحاشية نسخة (د) (محمد بن سعيد بن عزيز) بالراء المهملة
في آخره.
(2) في نسخة (د) (خدابخت) وأظن أنه الصحيح، والكلمة عجمية مركبة من خدا
بمعنى مالك وبخت بمعنى الحظ، وحرابخت معنى خوشبخت، وجيرفت قرية قرب كرمان،
وفي بعض الأسماء المذكورة في السند اختلاف في النسخ لم نذكره لقلة الجدوى.
96

حدثنا خالد العرني، قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا أبو سفيان مولى مزينة
عمن حدث عن سلمان الفارسي رحمه الله، أنه أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله إني
لا أقوى على الصلاة بالليل، فقال: لا تعص الله بالنهار، وجاء رجل إلى أمير المؤمنين
عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني قد حرمت الصلاة بالليل، فقال له أمير المؤمنين
عليه السلام: أنت رجل قد قيدتك ذنوبك.
6 - باب إنه عز وجل ليس بجسم ولا صورة
1 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن
هاشم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن محمد بن حكيم، قال:
وصفت لأبي الحسن عليه السلام قول هشام الجواليقي وما يقول في الشاب الموفق (1) و
وصفت له قول هشام بن الحكم، فقال: إن الله عز وجل لا يشبهه شئ.
2 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن محمد، رفعه، عن محمد بن الفرج الرخجي،
قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم، و
هشام بن سالم في الصورة، فكتب عليه السلام: دع عنك حيرة الحيران، واستعذ بالله من
الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان (2).
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن سهل بن زياد، عن حمزة بن محمد، قال: كتبت إلى أبي -
الحسن عليه السلام: أسأله عن الجسم والصورة، فكتب عليه السلام: سبحان من ليس كمثله

(1) الموفق على بناء الفاعل من باب الأفعال: الذي حسنت خلقته وجملت صورته
لتوافق أعضائه وتناسب هندسة أشكاله.
(2) لا ريب في جلالة قدر الهشامين عند الأصحاب، وفي كتب الرجال والأخبار
توجيهات لما يزريهما. راجع هامش شرح أصول الكافي للمولى صالح المازندراني ج 3
ص 288.
97

شئ لا جسم ولا صورة.
4 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن عبد
الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن علي بن أبي حمزة، قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم: أن الله عز وجل جسم، صمدي،
نوري، معرفته ضرورة، يمن بها على من يشاء من خلقه (1) فقال عليه السلام: سبحان
من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو، ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير، لا يحد،
ولا يحس، ولا يجس ولا يمس، ولا تدركه الحواس، لا يحيط به شئ، لا
جسم، ولا صورة، ولا تخطيط، ولا تحديد.
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن سهل بن زياد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيغ، عن محمد
ابن زيد، قال: جئت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن التوحيد، فأملي علي: الحمد لله
فاطر الأشياء إنشاء ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته، لا من شئ فيبطل الاختراع،
ولا لعلة فلا يصح الابتداع (2) خلق ما شاء كيف شاء، متوحدا بذلك لا ظهار حكمته
وحقيقة ربوبيته، لا تضبطه العقول، ولا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأبصار، ولا
يحيط به مقدار، عجزت دونه العبارة، وكلت دونه الأبصار، وضل فيه تصاريف -
الصفات، احتجب بغير حجاب محجوب. واستتر بغير ستر مستور، عرف بغير رؤية
ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم، لا إله إلا الله الكبير المتعال.

(1) أي ليست معرفته من صنع العباد بل ضرورية بالفطرة كما يأتي الأخبار بذلك
في الباب الثالث والستين.
(2) العلة المنفية ليست الفاعلية لأنه تعالى فاعل الأشياء، ولا المادة إذ نفاها قبل هذا،
ولا الصورة إذ هي في الحقيقة نفس الشئ المعلول. ولا الغاية إذ لا يناسب التفريع. بل
المراد بها مثال سابق خلق الأشياء على ذلك المثال كما وقع كثيرا في كلامه وكلام آبائه عليهم
السلام في هذا الكتاب وغيره، ويستفاد ذلك من التفريع لأن الابتداع هو إنشاء الشئ من دون أن يكون له مثال سبقه.
98

6 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي رضي الله
عنه، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن
محمد بن حكيم، قال: وصفت لأبي إبراهيم عليه السلام قول هشام الجواليقي، وحكيت له
قول هشام بن الحكم: إنه جسم، فقال: إن الله لا يشبهه شئ، أي فحش أو خناء
أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد أو أعضاء؟!
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
7 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن
الحسن، والحسين بن علي، عن صالح بن أبي حماد (1) عن بكر بن صالح، عن
الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن المغيرة، عن محمد بن زياد، قال: سمعت يونس بن ظبيان
يقول: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: إن هشام بن الحكم يقول قولا عظيما
إلا أني أختصر لك منه أحرفا، يزعم: أن الله جسم لأن الأشياء شيئان: جسم و
فعل الجسم، فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل، ويجوز أن يكون بمعنى
الفاعل، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ويله، أما علم أن الجسم محدود متناه، والصورة
محدودة متناهية، فإذا احتمل الحد احتمل الزيادة والنقصان، وإذا احتمل الزيادة
والنقصان كان مخلوقا، قال: قلت: فما أقول؟ قال: لا جسم ولا صورة، وهو مجسم
الأجسام، ومصور الصور، لم يتجزء، ولم يتناه. ولم يتزايد، ولم يتناقص، لو
كان كما يقول لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق، ولا بين المنشئ والمنشأ، لكن
هو المنشئ، فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه إذ كان لا يشبهه شئ ولا يشبه
هو شيئا (2).

(1) هذا الحديث بعين السند والمتن مذكور في الكافي باب النهي عن الجسم والصورة
وليس هناك في السند: (والحسين بن علي، عن صالح بن أبي حماد).
(2) فرق على صيغة المصدر، ومعادل كلمة بين محذوف أي وبينه، ومر نظير هذا في
الحديث السابع عشر من الباب الثاني بذكر المعادل، وكون فرق بصيغة الفعل الماضي حتى
لا يحتاج إلى المعادل بعيد المناسبة لما قبله، وقوله: (إذ كان - الخ) بيان وتعميم للفرق
أي من جميع الجهات.
99

8 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن
العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني (1)، قال: قلت لأبي الحسن موسى
ابن جعفر عليهما السلام: إن هشام بن الحكم زعم: أن الله جسم ليس كمثله شئ، عالم
سميع، بصير، قادر متكلم، ناطق، والكلام والقدرة والعلم تجري مجرى واحدا
ليس شئ منها مخلوقا، فقال: قاتله الله، أما علم أن الجسم محدود، والكلام غير
المتكلم (2) معاذ الله وأبرء إلى الله من هذا القول، لا جسم ولا صورة ولا تحديد، وكل
شئ سواه مخلوق وإنما تكون الأشياء بإرادته ومشيته من غير كلام ولا تردد
في نفس، ولا نطق بلسان.
9 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، عن محمد بن يعقوب
الكليني، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال
كتبت إلى الرجل يعني أبا الحسن عليه السلام: أن من قبلنا من مواليك قد اختلفوا
في التوحيد، فمنهم من يقول جسم، ومنهم من يقول صورة، فكتب عليه السلام بخطه:
سبحان من لا يحد، ولا يوصف، ليس كمثله شئ وهو السميع العليم - أو
قال: البصير -.
10 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
يحيى العطار، قال: حدثنا محمد بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن هشام بن إبراهيم،

(1) المظنون أن الحسن بن الحسين بن عبد الله مكان هذا الرجل كما في نسخة (ط)
و (ن) اشتباه من النساخ لشهادة سائر النسخ والحديث السابع باب النهي عن الجسم والصورة
من الكافي والحديث التاسع عشر باب نفي الجسم والصورة من البحار.
(2) تعرض عليه السلام لإبطال شيئين في كلام هشام ليسا بالحق: كونه تعالى جسما وكلامه
تعالى كالعلم والقدرة من صفات الذات، وسكت عن الباقي لكونه حقا.
100

قال: قال العباسي قلت له - يعني أبا الحسن عليه السلام -: جعلت فداك أمرني بعض مواليك أن
أسألك عن مسألة قال: ومن هو؟ قلت: الحسن بن سهل (1) قال: في أي شئ المسألة؟
قال: قلت في التوحيد، قال: وأي شئ من التوحيد؟ قال: يسألك عن الله جسم أو
لا جسم؟ قال: فقال لي: إن للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب مذهب إثبات بتشبيه، و
مذهب النفي، ومذهب إثبات بلا تشبيه. فمذهب الاثبات بتشبيه لا يجوز، ومذهب
النفي لا يجوز، والطريق في المذهب الثالث إثبات بلا تشبيه.
11 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى
العطار، قال: حدثنا محمد بن أحمد، عن عمران بن موسى، عن الحسن بن العباس
ابن حريش الرازي، عن بعض أصحابنا، عن الطيب يعني علي بن محمد، وعن أبي جعفر
الجواد عليهما السلام أنهما قالا: من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة ولا تصلوا وراءه.
12 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال، حدثنا محمد بن يحيى
العطار، عن سهل بن زياد، عن محمد بن علي القاساني، قال: كتبت إليه عليه السلام:
أن من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد، قال: فكتب عليه السلام: سبحان من لا يحد، ولا
يوصف، ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير.
13 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن أبي سعيد
الآدمي، عن بشر بن بشار النيسابوري، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام بأن
من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد، منهم من يقول هو جسم، ومنهم من يقول صورة،
فكتب عليه السلام: سبحان من لا يحد، ولا يوصف، ولا يشبهه شئ، وليس كمثله شئ
وهو السميع البصير.
14 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن سهل بن
زياد، قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام سنة خمس وخمسين ومائتين: قد اختلف يا
سيدي أصحابنا في التوحيد منهم من يقول هو جسم، ومنهم من يقول هو صورة،
فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطولا على

(1) في نسخة (ب) و (د) (الحسين بن سهل).
101

عبدك، فوقع عليه السلام بخطه: سألت عن التوحيد، وهذا عنكم معزول (1)، الله تعالى
واحد، أحد، صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، خالق وليس
بمخلوق، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك، ويصور ما يشاء،
وليس بمصور، جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، وتعالى عن أن يكون له شبيه، هو
لا غيره (2) ليس كمثله شئ، وهو السمع البصير.
15 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار،
قال: حدثنا العباس بن معروف، قال: حدثنا ابن أبي نجران
عن حماد بن عثمان، عن عبد الرحيم القصير، قال: كتبت على يدي عبد الملك بن
أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام بمسائل، فيها: أخبرني عن الله عز وجل هل يوصف بالصورة
وبالتخطيط؟ فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد
فكتب عليه السلام بيدي عبد الملك بن أعين: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه
من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، تعالى الله عما
يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله، واعلم رحمك الله
أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل، فانف
عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما
يصفه الواصفون، ولا تعد القرآن فتضل بعد البيان.
16 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن سهل بن
زياد، عن بعض أصحابنا، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الجسم و
الصورة، فكتب: سبحان من ليس كمثله شئ ولا جسم ولا صورة.
17 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، عن أبيه، عن سهل

(1) أي البحث عن ذاته تعالى وأنها ما هي لأنه خارج عن طوق المخلوق فيقع في
الباطل كما وقع كثير، بل صفوه بصفاته ودلوا عليه بآياته.
(2) إما عطف على هو أي هو ليس كمثله شئ لا غيره لأن غيره من المخلوق له الأمثال،
أو خبر له أي هو لا يكون غيره بل مبائن له بالذات والصفات.
102

ابن زياد الآدمي، عن حمزة بن محمد، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن
الجسم والصورة، فكتب: سبحان من ليس كمثله شئ.
18 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي رحمه
الله، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن عبد الله بن بحر، عن أبي -
أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروون أن الله
عز وجل خلق آدم على صورته (1) فقال: هي صورة محدثة مخلوقة، اصطفاها الله
واختارها على سائر الصور المختلفة، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه
والروح إلى نفسه. فقال: (بيتي) (2) وقال: (ونفخت فيه من روحي) (3).
19 - حدثني محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن
جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب
السراج، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن بعض أصحابنا يزعم أن لله صورة
مثل صورة الإنسان، وقال آخر: إنه في صورة أمرد جعد قطط، فخر أبو عبد الله
ساجدا، ثم رفع رأسه، فقال: سبحان الله الذي ليس كمثله شئ، ولا تدركه

(1) في هذا الكلام وجوه محتملة: فإن الضمير أما يرجع إلى الله تعالى فالمعنى ما
ذكره الإمام عليه السلام هنا على أن يكون الإضافة تشريفية كما في نظائرها أو المعنى أنه تعالى
خلق آدم على صفته في مرتبة الامكان وجعله قابلا للتخلق بأخلاقه ومكرما بالخلافة الإلهية،
وأما يرجع إلى آدم عليه السلام فالمعنى أنه تعالى خلق جوهر ذات آدم على صورته من دون دخل
الملك المصور للأجنة في الأرحام كما لا دخل لغيره في تجهير ذاته وذات غيره أو المعنى
أنه تعالى خلق آدم على صورته هذه من ابتداء أمره ولم يكن لجوهر جسمه انتقال من صورة
إلى صورة كالصورة المنوية إلى العلقة إلى غيرهما، أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على
صورته التي قبض عليها ولم يتغير وجهه وجسمه من بدئه إلى آخر عمره، وأما يرجع إلى
رجل يسبه رجل آخر كما فسر به في الحديث العاشر والحادي عشر من الباب الثاني عشر
فراجع.
(2) البقرة: 125.
(3) الحجر: 29.
103

الأبصار، ولا يحيط به علم، لم يلد لأن الولد يشبه أباه، ولم يولد فيشبه من كان
قبله، ولم يكن له من خلقه كفوا أحد، تعالى عن صفة من سواه علوا كبيرا.
20 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الصقر بن (أبي) دلف، قال: سألت أبا الحسن علي بن
محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام عن التوحيد، وقلت له: إني أقول بقول هشام
ابن الحكم، فغضب عليه السلام ثم قال: ما لكم ولقول هشام، إنه ليس منا من زعم
أن الله عز وجل جسم (1) ونحن منه براء في الدنيا والآخرة، يا ابن (أبي) دلف إن
الجسم محدث، والله محدثه ومجسمه.
وأنا أذكر الدليل على حدوث الأجسام في باب الدليل على حدوث العالم
من هذا الكتاب إن شاء الله.
7 - باب أنه تبارك وتعالى شئ
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله الأشعري، قال: حدثنا
أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عيسى، عمن ذكره، قال: سئل أبو جعفر عليه السلام
أيجوز أن يقال: إن الله عز وجل شئ؟ قال: نعم، يخرجه عن الحدين حد
التعطيل وحد التشبيه (2).
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو
عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال للزنديق حين سأله ما هو؟
قال: هو شئ بخلاف الأشياء، ارجع بقولي: (شئ) إلى إثبات معنى وأنه شئ
بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة (3).

(1) قوله: (من زعم - الخ) اسم ليس و (منا) خبره قدم على اسمه.
(2) أما خروجه عن حد التعطيل أي الإبطال والنفي فواضح، وأما عن حد التشبيه
فبانضمام قوله تعالى. (ليس كمثله شئ).
(3) في المجمع عن القاموس: الزنديق معرب زندين أي دين المرأة، أقول: و
يكون بمعنى من كان على دين المرأة كما يقال: زن صفت أي من كان على صفة المرأة، والمعنى
الثاني هو المناسب هنا، ويحتمل أن يكون معرب، زند دين وزند كتاب للمجوس زعموا أنه
الذي جاء به زرادشت الذي ادعوا أنه نبي وعلى هذا فالزنديق هو الذي يكون على دين
المجوس، وقال في مجمع البحرين: وفي الحديث: الزنادقة هم الدهرية الذي يقولون:
لا رب ولا جنة ولا نار وما يهلكنا إلا الدهر - انتهى، وأتى به هنا معرفا لسبق ذكره في الحديث
الذي ذكره الصدوق رحمه الله بتمامه في الباب السادس والثلاثين، وقوله: (وأنه شئ
- الخ) إما بكسر الهمزة مستأنفا أو عطفا على أول الكلام، وإما بفتحها عطفا على معنى
أي إثبات معنى وإثبات أنه شئ - الخ، وفي البحار باب النهي عن التفكر في ذات الله
عن الاحتجاج: (ارجع بقولي شئ إلى أنه شئ - الخ) وفي البحار أيضا باب إثبات الصانع:
(ارجع بقولي شئ إلى إثباته وأنه شئ - الخ) وفي نسخة (ط) و (ن) (ارجع بقولي شئ
إلى إثبات معنى أنه شئ - الخ) وفي الكافي باب حدوث العالم وباب إطلاق القول بأنه
شئ: (ارجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شئ - الخ).
104

3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن النضر بن سويد، عن يحيى
الحلبي، عن ابن مسكان، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله
تبارك وتعالى خلو من خلقه، وخلقه خلو منه (1) وكل ما وقع عليه اسم شئ ما
خلا الله عز وجل فهو مخلوق، والله خالق كل شئ، تبارك الذي ليس كمثله شئ.
4 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن عطية، عن خيثمة، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: إن الله تبارك وتعالى خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه
اسم شئ ما خلا الله عز وجل فهو مخلوق والله تعالى خالق كل شئ.
5 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم

(1) إشارة أما إلى المباينة بالذات والآنية بينه وبين خلقه وأما إلى عدم الحلول.
105

ابن هاشم عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي المغرا (1)، رفعه عن
أبي جعفر عليه السلام قال: قال: إن الله تبارك وتعالى خلو من خلقه، وخلقه خلو منه
وكل ما وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ما خلا الله عز وجل.
6 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران
قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن التوحيد، فقلت: أتوهم شيئا (2) فقال: نعم
غير معقول ولا محدود، فما وقع وهمك عليه من شئ فهو خلافه، لا يشبهه شئ، ولا
تدركه الأوهام كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصور في
الأوهام، إنما يتوهم شئ غير معقول ولا محدود (3).

(1) أبو المغرا بالغين المعجمة والراء المهملة مقصورا وقد يمد. وهو حميد بن المثنى
العجلي الكوفي، ثقة.
(2) الهمزة للاستفهام والفعل مجهول من باب التفعل يرجع ضميره إلى الله و (شيئا)
منصوب على التميز، أو الكلام إخبار والفعل بصيغة المتكلم و (شيئا) مفعوله.
(3) كلمة (إن) من الحروف الستة و (ما) موصولة مبتدء صلته (يتوهم) على بناء المجهول
وخبره (شئ) أي إن الذي يتوهم شئ غير محدود وغير معقول، وأما كون (شئ) نائب الفاعل
ليتوهم و (إنما) للحصر فمحتمل على أشكال وإن كان كتبه في النسخ متصلا، ولب المراد في هذا
الباب أن ذاته تعالى حقيقة محض الحقيقة والوجود فلا يكون هالكا منفيا ولا مخلوقا ولا
شبيها به ولا جسما ولا صورة ولا حالا في شئ ولا حالا فيه شئ ولا محدودا ولا مدركا بالحواس
والأوهام والعقول، بل الذي يقع في أوهامنا وأذهاننا منه تعالى هو عنوان الشئ والموجود
بما هو هو من دون تقيد بهذه الخصوصيات وغيرها التي تخرج الشئ عن الصرافة، وهكذا
جميع صفاته الذاتية، ثم إنا لو لم نتصوره أيضا بعنوان الشئ والموجود والعالم والقادر و
غيرها مجردا عن الخصوصيات الامكانية مع عدم إمكان تصور ذاته وصفاته الذاتية بحقيقتها
لكان التوحيد والمعرفة عنا مرتفعا كما قال الإمام عليه السلام في الحديث الأول من الباب السادس
والثلاثين.
106

7 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن
عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد، قال: سئل أبو جعفر الثاني عليه السلام يجوز
أن يقال لله: إنه شئ؟ فقال: نعم، يخرجه من الحدين حد التعطيل وحد التشبيه.
8 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن
بطة، قال: حدثني عدة من أصحابنا، عن محمد بن عيسى بن عبيد، قال: قال لي
أبو الحسن عليه السلام: ما تقول إذا قيل لك: أخبرني عن الله عز وجل شئ هو أم لا؟ قال
فقلت له: قد أثبت الله عز وجل نفسه شيئا حيث يقول: (قل أي شئ أكبر شهادة
قل الله شهيد بيني وبينكم) (1) فأقول: إنه شئ لا كالأشياء، إذ في نفي الشيئية عنه إبطاله
ونفيه، قال لي: صدقت وأصبت، ثم قال لي الرضا عليه السلام: للناس في التوحيد ثلاثة
مذاهب: نفي، وتشبيه، وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب
التشبيه لا يجوز لأن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شئ، والسبيل في الطريقة الثالثة
إثبات بلا تشبيه.
8 - باب ما جاء في الرؤية
1 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم
ابن هاشم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام
قال: مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رجل وهو رافع بصره إلى السماء يدعو، فقال له
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: غض بصرك فإنك لن تراه. وقال: ومر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رجل
رافع يديه إلى السماء وهو يدعو، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اقصر من يديك فإنك
لن تناله (2).

(1) الأنعام: 19.
(2) إنه صلى الله عليه وآله علم أنهما يتوقعان رؤيته تعالى هناك فزجرهما وإلا فرفع
اليد والبصر وتقلب الوجه إلى السماء مما أمر به كما ذكر في الحديث الأول من الباب
السادس والثلاثين.
107

2 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن علي بن أبي القاسم، عن يعقوب بن إسحاق
قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟! فوقع
عليه السلام يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يرى. قال:
وسألته هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربه؟ فوقع عليه السلام إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله
بقلبه من نور عظمته ما أحب.
3 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن
عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، قال: ذا كرت أبا عبد الله عليه السلام
فيما يروون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي،
والكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزءا من
نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزءا من نور الستر، فإن كانوا صادقين
فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب (1).
4 - أبي رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، قال: حدثنا ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكانا لم يطأه جبرئيل قط،
فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.
5 - أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن
علي بن معبد، عن عبد الله بن سنان، عن أبيه، قال: حضرت أبا جعفر عليه السلام فدخل
عليه رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر أي شئ تعبد؟ قال: الله، قال:
رأيته؟ قال: لم تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان
لا يعرف بالقياس، ولا يدرك بالحواس، ولا يشبه بالناس، موصوف بالآيات،
معروف بالعلامات، لا يجور في حكمه، ذلك الله لا إله إلا هو.
قال: فخرج الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته.

(1) في نسخة (د) و (ج) وحاشية نسخة (ب) (ليس دونها حجاب).
108

6 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
أبي نصر، عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء حبر إلى
أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟ فقال: ويلك
ما كنت أعبد ربا لم أره، قال: وكيف رأيته؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في
مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.
7 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن أحمد بن
إسحاق، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن الرؤية وما فيه الناس
فكتب عليه السلام لا يجوز الرؤية ما لم يكن بين والمرئي هواء ينفذه البصر، فإذا
انقطع الهواء وعدم الضياء بين الرائي والمرئي لم تصح الرؤية وكان في ذلك
الاشتباه (1) لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية
وجب الاشتباه وكان في ذلك التشبيه، لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات (2).
8 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي
ابن سيف، عن محمد بن عبيدة، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن
الرؤية وما ترويه العامة والخاصة، وسألته أن يشرح لي ذلك، فكتب عليه السلام بخطه

(1) (عدم) فعل ماضي على بناء المجهول، وفي البحار (عن الرائي والمرئي)، وفي
نسخة (ج) و (د) و (و) (فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي - الخ).
(2) حاصل كلامه عليه السلام قياس استثنائي لإثبات امتناع رؤيته تعالى وهو أنه تعالى لو كان
مرئيا لكان بينه وبين الرائي هواء وضياء لأنهما من شرائط الرؤية فلا تصح بدونهما كسائر
شرائطهما، والتالي باطل لأن في ذلك له الاشتباه أي التشابه مع الرائي في كون كل منهما
مرئيا لأنهما متساويان متشاركان في السبب الموجب للرؤية الذي هو كون كل منهما في جهة
وحيز، بينهما هواء وضياء، وكان في ذلك تشبيهه تعالى بالرائي في الجسمية والاحتياج إلى الحيز
سبحانه وتعالى عن ذلك، ولا يمكن أن يقال: هو تعالى مرئي من دون هذا السبب لأن السبب
لا بد من اتصاله بالمسبب إذ يمتنع وجود المسبب بدونه.
109

اتفق الجميع لا تمانع بينهم أن المعرفة من جهة الرؤية ضرورة، فإذا جاز أن
يرى الله عز وجل بالعين وقعت المعرفة ضرورة، ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون
إيمانا أو ليست بإيمان، فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا فالمعرفة
التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنها ضده فلا يكون في
الدنيا أحد مؤمنا لأنهم لم يروا الله عز ذكره، وإن لم تكن تلك المعرفة التي
من جهة الرؤية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي هي من جهة الاكتساب أن تزول
أو لا تزول في المعاد، فهذا دليل على أن الله عز ذكره لا يرى بالعين، إذ العين تؤدي
إلى ما وصفنا (1).
9 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب الكليني، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن

(1) إن كلامه عليه السلام رد على الذين يدعون جواز رؤيته تعالى في الآخرة فقط لا مطلقا،
فإن القائلين على فرقتين فيرد قول المجوزين مطلقا بطريق أولى، وتوضيحه أن الرؤية
تستلزم المعرفة ضرورة وقطعا، والمعرفة التي حصلت من جهة الرؤية هي العلم بكونه تعالى
في جهة وحيز، متكمما بكميات، متكيفا بكيفيات، حاضرا في مكان، غائبا عن آخر،
واقعا في شئ، محمولا على شئ، مركبا، مبعضا، محدودا، فلو جاز أن يرى الله تعالى
بالعين لكانت معرفتنا به هكذا، ولكن التالي باطل فالمقدم مثله، والملازمة ظاهرة، وأما
بيان بطلان التالي فإن المعرفة هكذا إما إيمان أو ليست بإيمان، فإن كانت إيمانا فالمعرفة
التي حصلت من جهة الاكتساب بالبرهان في الدنيا ليست بإيمان لأنها العلم بكونه تعالى على
نقائض هذه الأوصاف فلزم أن يكون أحد في الدنيا ممن قبل الأنبياء عليهم السلام إيمانهم
مؤمنا، لأن معرفة الناس إنما هي بالاكتساب لا بالرؤية، وهذا لا ينكره عاقل، وإن لم تكن
تلك المعرفة التي من جهة الرؤية في الآخرة إيمانا فأما أن تزول في الآخرة المعرفة الاكتسابية
بالبرهان التي هي نقيضها فلزم عدم الإيمان بالله تعالى في الآخرة أصلا، وهذا أمر باطل
منكر بالعقل والنقل، وأما أن لا تزول فلزم اجتماع النقيضين أي الإيمان واللا إيمان لأن
المفروض أن المعرفة من جهة الرؤية لا إيمان والمعرفة الاكتسابية إيمان.
110

يحيى، قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضا عليه السلام
فاستأذنته في ذلك فأذن لي، فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتى
بلغ سؤاله التوحيد، فقال أبو قرة: إنا روينا أن الله عز وجل قسم الرؤية والكلام
بين اثنين، فقسم لموسى عليه السلام الكلام ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم الرؤية، فقال أبو الحسن
عليه السلام فمن المبلغ عن عز وجل إلى الثقلين الجن والإنس (لا تدركه الأبصار
وهو يدرك الأبصار) (1) (ويحيطون به علما) (2) (وليس كمثله شئ) (3) أليس محمدا
صلى الله عليه وآله وسلم قال: بلى؟ قال: فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من
عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)
(ولا يحيطون به علما) (وليس كمثله شئ) ثم يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطت به
علما وهو على صورة البشر، أما تستحيون؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن
يكون يأتي عن الله بشئ، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر! (4).
قال أبو قرة: فإنه يقول: (ولقد رآه نزلة أخرى) (5) فقال أبو الحسن عليه السلام:
إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى، حيث قال: (ما كذب الفؤاد ما رأى)
يقول: ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى فقال: لقد رأى
من آيات ربه الكبرى، فآيات الله عز وجل غير الله: وقد قال: (ولا يحيطون به
علما) فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم (6) ووقعت المعرفة، فقال أبو قرة
فتكذب بالروايات فقال أبو الحسن عليه السلام: إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبت

(1) الأنعام: 103.
(2) طه: 110.
(3) الشورى: 11.
(4) قوله: (ما قدرت الزنادقة - الخ) استفهام تقرير، أي ألم تقدر الزنادقة أن
ترميه بهذا القبيح، وقوله: (أن يكون يأتي - الخ) عطف بيان لهذا.
(5) النجم: 13.
(6) أي فقد أحاطت به الأبصار علما فإن التميز قد يأتي معرفة، والنسخ متفقة في هذه
العبارة حتى الكافي والبحار.
111

بها (1) وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علم (2) ولا تدركه الأبصار، وليس
كمثله شئ.
10 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن ابن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله
عز وجل: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) قال: إحاطة الوهم، ألا ترى
إلى قوله: (قد جاءكم بصائر من ربكم) (3) ليس بمعنى بصر العيون (فمن أبصر
فلنفسه) ليس يعني من البصر بعينه (ومن عمي فعليها) لم يعن عمي العيون، إنما عنى
إحاطة الوهم كما يقال: فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم
وفلان بصير بالثياب، الله أعظم من أن يرى بالعين (4).
11 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام قال: سألته عن الله عز وجل هل يوصف؟ فقال: أما تقرء القرآن؟!
قلت: بلى، قال: أما تقرء قوله عز وجل: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)
قلت: بلي، قال: فتعرفون الأبصار؟ قلت: بلى، قال: وما هي؟ قلت: أبصار العيون

(1) أي كذبت بها بالمعني الذي تزعمونه، وإلا فأحاديث الرؤية واللقاء والنظر كالآيات
كثيرة متواترة كما أشار إلى كثرتها المصنف في هذا الباب، فتؤول إلى المعنى الصحيح
اللائق بجناب قدسه تعالى.
(2) هكذا في النسخ والظاهر أنه اشتباه من النساخ، والصواب (لا يحاط بعلم).
وفي البحار باب نفي الرؤية: (أنه لا يحيط به علم) كما مر في ص 104 وفي الكافي باب إبطال
الرؤية (ولا يحاط به علما).
(3) الأنعام: 104 والآية بعد آية (لا تدركه الأبصار).
(4) أي الله أعظم من أن يرى بالعين بالبديهة فلا حاجة إلى نفي إدراك العيون عنه، بل
المنفي إدراك الأوهام التي تدرك المعاني.
112

فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون (1) فهو لا تدركه الأوهام وهو
يدرك الأوهام.
12 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عمن ذكره، عن محمد بن عيسى، عن داود بن القاسم
عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي جعفر ابن الرضا عليهما السلام (لا تدركه الأبصار و
هو يدرك الأبصار)؟ فقال: يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت
قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك، فأوهام
القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون.
13 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين
ابن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد (2) عن إبراهيم بن محمد
الخزاز، ومحمد بن الحسين، قالا: دخلنا على أبي الحسن الرضا عليه السلام فحكينا له
ما روي أن محمدا صلى الله عليه وآله رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة
رجلاه في خضرة (3) وقلت: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون:

(1) في نسخة (ب) و (و) و (د) (أكبر من إبصار العيون).
(2) الحسن والحسين ابنا سعيد بن حماد الأهوازي كانا من أصحاب الرضا والجواد
عليهما السلام، موثقان عند الأصحاب، وكثيرا ما يذكر أحدهما مكان الآخر في إسناد الأحاديث
ولا بأس به لما قال الشيخ رحمه الله في الفهرست: الحسن بن سعيد بن حماد بن سعيد بن
مهران الأهوازي من موالي علي بن الحسين عليهما السلام أخو الحسين بن سعيد ثقة،
روى جميع ما صنفه أخوه عن جميع شيوخه، وزاد عليه بروايته عن زرعة عن سماعة فإنه
يختص به الحسن، والحسين إنما يرويه عن أخيه عن زرعة، والباقي هما متساويان فيه وسنذكر
كتب أخيه إذا ذكرناه، والطريق إلى روايتهما واحد - انتهى.
(3) قد مر تفسير الموفق في الحديث الأول من الباب السادس.
113

إنه أجوف إلى السرة والباقي صمد، فخر ساجدا، ثم قال: سبحانك ما عرفوك ولا
وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك،
سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن شبهوك بغيرك، إلهي لا أصفك إلا بما وصفت به
نفسك، ولا أشبهك بخلقك، أنت أهل لكل خير فلا تجعلني من القوم الظالمين)
ثم التفت إلينا، فقال: ما توهمتم من شئ فتوهموا الله غيره، ثم قال: نحن آل محمد
النمط الأوسط (1) الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي، يا محمد إن رسول الله
صلى الله عليه وآله حين نظر إلى عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة
يا محمد عظم ربي وجل أن يكون في صفة المخلوقين، قال: قلت: جعلت فداك من
كانت رجلاه في خضرة؟ قال: ذاك محمد صلى الله عليه وآله كان إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله
في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب، إن نور الله منه اخضر ما -
اخضر، ومنه احمر ما احمر، ومنه ابيض ما ابيض، ومنه غير ذلك (2) يا محمد

(1) في أكثر النسخ النمط الوسطي بمعنى الطريقة صح تأنيثه باعتبارها، ويأتي
بمعان أخر.
(2) النور تجلى الشئ وظهوره فكل موجود إذا تجلى لموجود كان هذا في نور الموجود
المتجلى وعارفا به بقدر نورانية نفسه وذاك مستبينا له، وكلما كان النورانية أشد كان التجلي
أكثر، فالعرفان أتم، فالنبي صلى الله عليه وآله تجلى له كل شئ بكماله لأنه أشد نورا من كل
شئ إلا الله تعالى فإنه تعالى تجلى له على قدره لا على قدره لأنه لا يتناهى فقال صلى الله عليه
وآله: (ما عرفناك حق معرفتك) وقال: (لا أثنى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) ووصف
النور بهذه الألوان إشارة إلى مراتب أنوار الأشياء التي كلها من نور الله تعالى. والنور التام فوق
التمام هو نور الله وأضعف الأنوار نور عالمنا الجسماني الذي يكاد أن يكون ظلمه، والمتتبع
الناظر في مواضع ذكر النور في الكتاب والسنة يظهر له أحكامه، وفي الكافي باب النهي
عن الصفة: (إن نور الله منه أخضر ومنه أحمر ومنه أبيض ومنه غير ذلك) وفي حديث
العرش في الباب الخمسين من هذا الكتاب: (فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة
الخ -).
114

ما شهد به الكتاب والسنة فنحن القائلون به.
14 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد وغيره، عن محمد بن سليمان
عن علي بن إبراهيم الجعفري، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قال: إن الله عظيم، رفيع، لا يقدر العباد على صفته، ولا يبلغون كنه عظمته، ولا
تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، ولا يوصف بكيف ولا أين
ولا حيث (1) فكيف أصفه بكيف وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفا، فعرفت
الكيف بما كيف لنا من الكيف، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الأين حتى
صار أينا، فعرفت الأين بما أين لنا من الأين، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي
حيث الحيث حتى صار حيثا، فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث، فالله تبارك
وتعالى داخل في كل مكان، وخارج من كل شئ، لا تدركه الأبصار، وهو يدرك
الأبصار، لا إله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف الخبير.
15 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم،
عن ابن أبي نجران، عن محمد بن سنان، عن إبراهيم والفضل ابني محمد الأشعريين
عن عبيد بن زرارة، عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك الغشية
التي كانت تصيب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أنزل عليه الوحي؟ فقال: ذاك إذا لم يكن
بينه وبين الله أحد، ذاك إذا تجلى الله له، قال: ثم قال: تلك النبوة يا زرارة، و
اقبل متخشع (2).

(1) المراد به الزمان على ما قيل: أنه يأتي له قليلا، أو المراد به اختلاف الجهات
والحيثيات في ذات الشئ الموجب للتكثر.
(2) يحتمل أن يكون (أقبل) فعل ماض من الاقبال وضميره يرجع إلى الإمام عليه السلام
أي وأقبل عليه السلام إلى الله تعالى حين التكلم بهذا الكلام بحالة التخشع والخضوع، وفي نسخة
(د) و (ب) و (و) (يتخشع) على صيغة المضارع. ويحتمل أن يكون فعل أمر من القبول خطابا لزرارة أي واقبل ما قلت بقلبك بتخشع وخضوع. إلا أنه لا يناسب نسخة (يتخشع)،
وفي نسخة (ج) وحاشية نسخة (و) (وقال يتخشع) أي وقال زرارة: يتخشع الإمام عليه السلام
حين التكلم بهذا الكلام.
115

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن مرازم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته
يقول: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه عز وجل يعني بقلبه (1). وتصديق ذلك:
17 - ما حدثنا به محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن الفضيل
قال: سألت أبا الحسن عليه السلام هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه عز وجل؟ فقال: نعم
بقلبه رآه، أما سمعت الله عز وجل يقول: (ما كذب الفؤاد ما رأى) أي لم يره
بالبصرة، لكن رآه بالفؤاد.
18 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد الإصفهاني
عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث أو غيره، قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن قول الله عز وجل: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) (2) قال: رأى جبرئيل
على ساقه الدر مثل القطر على البقل، له ستمائة جناح قد ملأ ما بين السماء
إلى الأرض.
19 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن هارون الصوفي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى الروياني، قال: حدثنا
عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب
عليهما السلام، عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال علي بن موسى الرضا عليهما السلام في
قول الله عز وجل: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) (3) يعني مشرقة تنتظر
ثواب ربها.

(1) كلام المؤلف رحمه الله.
(2) النجم: 18.
(3) القيامة: 23.
116

20 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن الحسين بن
يزيد النوفلي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم، وقد
رأوه قبل يوم القيامة، فقلت: متى؟ قال: حين قال لهم: (ألست بربكم قالوا بلى)
ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست
تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير: فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال
لا، فإنك إذا حدثت به فأنكر منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلك
تشبيه كفر (1) وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه
المشبهون والملحدون.
21 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي
ابن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال:
قلت لعلي بن موسى الرضا عليهما السلام،: يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي
يرويه أهل الحديث أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة؟ فقال عليه السلام:
يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى فضل نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم على جميع خلقه من النبيين
والملائكة، وجعل طاعته طاعته ومتابعته متابعته وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته
فقال عز وجل: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، وقال: (إن الذين يبايعونك
إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من زارني في حياتي أو
بعد موتي فقد زار الله) درجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة أرفع الدرجات، فمن زاره
إلى درجته في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى.
قال: فقلت له: يا ابن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب لا إله
إلا الله النظر إلى وجه الله؟ فقال عليه السلام: يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه
فقد كفر ولكن وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم، هم الذين بهم

(1) (كفر) فعل ماض جواب إذا.
117

يتوجه إلى الله وإلى دينه ومعرفته، وقال الله عز وجل: (كل من عليها فان و
يبقى وجه ربك) (1) وقال عز وجل: (كل شئ هالك إلا وجهه) (2) فالنظر إلى
أنبياء الله ورسله وحججه عليهم السلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة، وقد قال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة) وقال
عليه السلام: (إن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني) يا أبا الصلت إن الله تبارك و
تعالى لا يوصف بمكان، ولا تدركه الأبصار والأوهام.
فقال: قلت له: يا ابن رسول الله فأخبرني عن الجنة والنار أهما اليوم
مخلوقتان؟ فقال: نعم، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله قد دخل الجنة ورأى النار لما
عرج به إلى السماء، قال: فقلت له: إن قوما يقولون: إنهما اليوم مقدرتان
غير مخلوقتين، فقال عليه السلام: ما أولئك منا ولا نحن منهم، من أنكر خلق الجنة
والنار فقد كذب النبي صلى الله عليه وآله وكذبنا، ولا من ولايتنا على شئ، ويخلد في نار
جهنم، قال الله عز وجل: (هذه جهنم التي يكذب بها، المجرمون يطوفون بينها
وبين حميم آن) (3) وقال النبي صلى الله عليه وآله: (لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي
جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما
أهبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة حوراء إنسية،
وكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة عليها السلام.
22 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين
السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن أحمد
ابن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي الصالح، عن عبد الله بن
عباس في قوله عز وجل: (فلما أفق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول
المؤمنين) (4) قال: يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك الرؤية وأنا أول المؤمنين
بأنك لا ترى.

(1) الرحمن: 27.
(2) القصص: 88.
(3) الرحمن: 44.
(4) الأعراف: 143.
118

قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن موسى
عليه السلام علم أن الله عز وجل لا يجوز عليه الرؤية، وإنما سأل الله عز وجل أن يريه
ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك، فسأل موسى ربه ذلك من غير أن
يستأذنه، فقال: رب أرني أنظر إليك، قال: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل
فإن استقر مكانه في حال تزلزله فسوف تراني، ومعناه أنك لا تراني أبدا لأن
الجبل لا يكون ساكنا متحركا في حال أبدا، وهذا مثل قوله عز وجل: (ولا
يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) (1) ومعناه أنهم لا يدخلون
الجنة أبدا كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبدا، فلما تجلى ربه للجبل أي ظهر
للجبل بآية من آياته وتلك الآية نور من الأنوار التي خلقها ألقى منها على ذلك
الجبل جعله دكا وخر موسى صعقا من هول تزلزل ذلك الجبل على عظمه وكبره (2)
فلما أفاق قال: سبحانك إني تبت إليك أي رجعت إلى معرفتي بك عادلا عما
حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية، ولم تكن هذه التوبة من ذنب لأن الأنبياء
لا يذنبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا، ولم يكن الاستيذان قبل السؤال بواجب عليه،
لكنه كان أدبا يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله، على أنه قد روي قوم
أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عز وجل
وقوله: وأنا أول المؤمنين يقول: وأنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه
وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه بأنك لا ترى.
والأخبار التي رويت في هذا المعنى وأخرجها مشايخنا رضي الله عنهم في مصنفاتهم
عندي صحيحة، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن يقرأها جاهل بمعانيها
فيكذب بها فيكفر بالله عز وجل وهو لا يعلم.
والأخبار التي ذكرها أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره والتي أوردها محمد بن

(1) الأعراف: 40.
(2) في نسخة (و) و (ج) (تدكدكه وتدكدك ذلك الجبل) مكان (تزلزله وتزلزل ذلك
الجبل) في الموضعين.
119

أحمد بن يحيى في جامعه في معنى الرؤية صحيحة لا يردها إلا مكذب بالحق أو
جاهل به وألفاظها ألفاظ القرآن، ولكل خبر منها معنى ينفي التشبيه والتعطيل
ويثبت التوحيد، وقد أمرنا الأئمة صلوات الله عليهم أن لا نكلم الناس إلا على
قدر عقولهم.
ومعنى الرؤية الواردة في الأخبار العلم، وذلك أن الدنيا دار شكوك و
ارتياب وخطرات، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله وأموره في ثوابه
وعقابه ما يزول به الشكوك ويعلم حقيقة قدرة الله عز وجل، وتصديق ذلك في
كتاب الله عز وجل (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم
حديد) (1) فمعنى ما روي في الحديث أنه عز وجل يرى أي يعلم علما يقينا،
كقوله عز وجل: (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) (2) وقوله: (ألم تر إلى الذي
حاج إبراهيم في ربه) (3) وقوله: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف
حذر الموت) (4) وقوله: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) (5) وأشباه ذلك
من رؤية القلب وليست من رؤية العين، وأما قول الله عز وجل: (فلما تجلى ربه
للجبل) فمعناه لما ظهر عز وجل للجبل بآية من آيات الآخرة التي يكون
بها الجبال سرابا والتي ينسف بها الجبال نسفا تدكدك الجبل فصار ترابا لأنه لم
يطق حمل تلك الآية، وقد قيل: إنه بدا له من نور العرش.
23 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد
الإصفهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث النخعي القاضي،
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن قول الله عز وجل: (فلما تجلى ربه للجبل جعله
دكا) قال: ساخ الجبل في البحر فهو يهوي حتى الساعة (6).

(1) ق: 22.
(2) الفرقان: 45.
(3) البقرة: 258.
(4) البقرة: 243.
(5) الفيل: 1.
(6) لا بعد في ذلك فإن الأرض كروية يهوى فيها دورا، ولو كان هوية بالاستقامة لكان
في غاية البطء، ولا ظاهر من العبارة أنه يهوى في البحر خاصة دون أعماق الأرض بعد
الوصول إلى قعر البحر، وحكمه الهوى خافية علينا، وحفص بن غياث عامي المذهب،
كان قاضيا من قبل هارون، وهذا الحديث معترض بين ما ذكره وبين تصديق ما ذكره.
120

24 - وتصديق ما ذكرته ما حدثنا به تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله
عنه، قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن
الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام، فقال له
المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال: بلى،
فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله إن قال له: فما معنى قول الله
عز وجل: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال
لن تراني - الآية) كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم
أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟ فقال الرضا
عليه السلام: إن كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أن الله، تعالى عن أن يرى بالأبصار، و
لكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل
كلمه وقربه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، و
كان القوم سبعمائة ألف رجل، فاختار منهم سبعين ألفا، ثم اختار منهم سبعة آلاف
ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه، فخرج بهم إلى
طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسى عليه السلام إلى الطور وسأل الله تبارك و
تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق
وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة، ثم جعله
منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن لك بأن هذا الذي
سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا
وعتوا، بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا، فقال موسى: يا رب
ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن
121

صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله إياك، فأحياهم الله وبعثهم معه، فقالوا: إنك لو
سألت الله إن يريك أن تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق
معرفته، فقال موسى عليه السلام: يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له، وإنما
يعرف بآياته ويعلم بأعلامه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله، فقال موسى عليه السلام
يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى
الله جل
جلاله إليه: يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسى
عليه السلام: (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر
مكانه (وهو يهوي) فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل (بآية من آياته) جعله
دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك (يقول: رجعت إلى
معرفتي بك عن جهل قومي) وأنا أول المؤمنين) منهم بأنك لا ترى، فقال المأمون:
لله درك يا أبا الحسن. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته
بتمامه في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام.
ولو أوردت الأخبار التي رويت في معنى الرؤية لطال الكتاب بذكرها و
شرحها وإثبات صحتها، ومن وفقه الله تعالى ذكره للرشاد آمن بجميع ما يرد
عن الأئمة عليهم السلام بالأسانيد الصحيحة، وسلم لهم، ورد الأمر فيما اشتبه عليه إليهم
إذ كان قولهم قول الله وأمرهم أمره، وهم أقرب الخلق إلى الله عز وجل وأعلمهم به
صلوات الله عليهم أجمعين.
9 - باب القدرة
1 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي إسحاق الخفاف، قال: حدثني عدة من أصحابنا
أن عبد الله الديصاني أتى هشام بن الحكم فقال له: ألك رب؟ فقال: بلى، قال:
قادر؟ قال: نعم قادر، قاهر، قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها في البيضة لا يكبر
البيضة ولا يصغر الدنيا؟ فقال هشام: النظرة، فقال له: قد أنظرتك حولا، ثم
122

خرج عنه، فركب هشام إلى أبي عبد الله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له فقال: يا ابن
رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك،
فقال له أبو عبد الله عليه السلام: عماذا سألك؟ فقال: قال لي كيت وكيت، فقال أبو عبد الله
عليه السلام: يا هشام كم حواسك؟ قال: خمس، فقال: أيها أصغر؟ فقال الناظر،
فقال: وكم قدر الناظر؟ قال: مثل العدسة أو أقل منها، فقال: يا هشام فانظر
أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى، فقال: أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا وترابا
وجبالا وأنهارا، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه
العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا يصغر الدنيا ولا يكبر
البيضة (1) فانكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه، وقال: حسبي يا ابن رسول الله
فانصرف إلى منزله، وغدا إليه الديصاني (2) فقال: يا هشام إني جئتك مسلما ولم
أجئك متقاضيا للجواب، فقال له هشام: إن كنت جئت متقاضيا فهاك الجواب،
فخرج عنه الديصاني، فأخبر أن هشاما دخل على أبي عبد الله عليه السلام فعلمه الجواب
فمضى عبد الله الديصاني حتى أتى باب أبي عبد الله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له،
فلما قعد قال له: يا جعفر بن محمد دلني على معبودي، فقال له أبو عبد الله عليه السلام:
ما اسمك؟ فخرج عنه ولم يخبره باسمه، فقال له أصحابه: كيف لم تخبره باسمك؟!
قال: لو كنت قلت له: (عبد الله) كان يقول: من هذا الذي أنت له عبد؟ فقالوا له:

(1) على نحو ما أدخل في حدقة العين، ولم يرجع السائل بالاعتراض وقنع بالجواب
وقنع هشام أيضا لأنه يدل على ما أنكره السائل من قدرة الله، ونظير ذلك الجواب الذي
في الحديث الخامس والعاشر، والجواب الحكمي هو ما في الحديث التاسع من أن ذلك
محال لا يتعلق به القدرة، ولا يلزم من ذلك قصور فيها بل هو قاصر غير قابل لها كسائر الممتنعات.
(2) في البحار باب القدرة والإرادة وفي نسخة (د) و (و) وحاشية نسخة (ب) (و
غدا عليه الديصاني)، وعلى ما قال بعض الأساتيذ ديصان اسم رجل صاحب مذهب قريب من
مذهب ماني وكانا يقولان بأصلين النور والظلمة، وبينهما فرق في بعض الفروع.
123

عد إليه فقل له يدلك على معبودك ولا يسألك عن اسمك، فرجع إليه فقال له: يا
جعفر دلني على معبودي ولا تسألني عن اسمي، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: اجلس،
وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ناولني يا غلام
البيضة فناوله إياها فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا ديصاني هذا حصن مكنون (1) له جلد
غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مايعة وفضة
ذائبة، فلا الذهبة المايعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة
المايعة، هي على حالها لم يخرج منها مصلح فيخبر عن إصلاحها ولا دخل فيها
مفسد فيخبر عن فسادها، لا يدري للذكر خلقت أم للأنثى، تنفلق عن مثل ألوان
الطواويس، أترى لها مدبرا؟ (2) قال: فأطرق مليا؟ ثم قال: أشهد أن لا إله
ألا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، وأنك إمام وحجة من الله على
خلقه، وأنا تائب مما كنت فيه.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، قال: مر
أبو الحسن الرضا عليه السلام بقبر من قبور أهل بيته فوضع يده عليه، ثم قال:
إلهي بدت قدرتك ولم تبد هيئة فجهلوك (3) وقدروك والتقدير على غير ما به

(1) في نسخة (ب) (هذا حص مكنون) والحص بالحاء المهملة المضمومة والصاد
المشددة بمعنى اللؤلؤة، وهو أنسب بالاستعارات المذكورة.
(2) حاصل الكلام أنه لا يكون تحت تدبير أحد منا ولا لنا علم بحاله وما له ويمتنع أن
لا يكون له مدبر حكيم عالم ببدئه وخاتمه فله مدبر غيرنا وهو الله تعالى.
(3) (هيئة) منصوب على التميز وفاعل (لم تبد) ضمير يرجع إلى القدرة، وفي البحار
عن الأمالي باب نفي الجسم والصورة وفي نسخة (ن) (ولم تبد هيئته) مضافا إلى ضمير يرجع
إلى القدرة ولا بأس بعدم تطابق الضمير والمرجع، والهيئة بمعنى الكيفية، ومعنى الكلام
إلهي بدت قدرتك في الأشياء وما بدت كيفيتها، ويحتمل أن يكون لم تبد مخاطبا والهيئة
حينئذ بمعنى الصورة، والمعنى أنك لم تظهر بالصورة لأنها عليك ممتنعة فجهلوك، وهذا أنسب
بالتفريع ولكنه لا يلائم نسخة الأمالي لكون الضمير المجرور غائبا، وفي نسخة (ب) و (د) و
حاشية نسخة (ط) (ولم تبد واهية) أي قدرتك وهذا أقرب.
124

وصفوك (1) وإني برئ يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس كمثلك شئ، إلهي ولن
يدركوك، وظاهر ما بهم منعمتك دليلهم عليك لو عرفوك، وفي خلقك يا إلهي
مندوحة أن يتناولوك (2) بل سووك بخلقك، فمن ثم لم يعرفوك، واتخدوا بعض
آياتك ربا فبذلك وصفوك، تعاليت ربي عما به المشبهون نعتوك.
3 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن أبي نصر، قال: جاء قوم من وراء
النهر إلى أبي الحسن عليه السلام، فقالوا له: جئناك نسألك عن ثلاث مسائل، فإن
أجبتنا فيها علمنا أنك عالم، فقال: سلوا، فقالوا: أخبرنا عن الله أين كان، وكيف
كان، وعلى أي شئ كان اعتماده؟ فقال: إن الله عز وجل كيف الكيف فهو
بلا كيف، وأين الأين فهو بلا أين، وكان اعتماده على قدرته، فقالوا: نشهد
أنك عالم.
قال مصنف هذا الكتاب: يعني بقوله: (وكان اعتماده على قدرته) أي على
ذاته لأن القدرة من صفات ذات الله عز وجل (3).
4 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن

(1) أي وتقديرهم إياك بأقدار الخلق من التجسم والتمكن والتزمن والرؤية
وغيرها يكون على غير ما وصفوك به من صفة الربوبية أي ينافي ذلك ويناقضه.
(2) المندوحة: السعة أي وفي خلقك سعة لهم إن أرادوا معرفتك بأن يتفكروا فيه
فيعرفوك بأفعالك وآياتك من أن يتناولوا ذاتك ويتفكروا في حقيقتك وكنهك، بل بسبب
تفكرهم في ذاتك سووك بخلقك - الخ.
(3) كأن المصنف رحمه الله فهم أن اعتماده في ذاته على أي شئ؟ وظاهر الكلام
اعتماده في فعله.
125

أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي الكوفي، عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي هاشم
عن أحمد بن محسن الميثمي، قال: كنت عند أبي منصور المتطبب، فقال: أخبرني
رجل من أصحابي قال: كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد
الحرام، فقال ابن المقفع: ترون هذا الخلق؟ وأومأ بيده إلى موضع الطواف -
ما منهم أحد أوجب له اسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس - يعني جعفر بن محمد
عليهما السلام - فأما الباقون فرعاع وبهائم، فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبت هذا
الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟ قال: لأني رأيت عنده ما لم أر عندهم، فقال ابن أبي -
العوجاء: ما بد من اختبار ما قلت فيه منه، فقال له ابن المقفع: لا تفعل، فإني
أخاف أن يفسد عليك ما في يدك، فقال: ليس ذا رأيك، ولكنك تخاف أن يضعف
رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الذي وصفت، فقال ابن المقفع: أما إذا
توهمت على هذا فقم إليه، وتحفظ ما استطعت من الزلل، ولا تثن عنانك إلى
استرسال يسلمك إلى عقال، وسمه ما لك أو عليك (1) قال: فقام ابن أبي العوجاء، و
بقيت أنا وابن المقفع، فرجع إلينا، فقال: يا ابن المقفع ما هذا ببشر، وإن كان
في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهرا ويتروح إذا شاء باطنا فهو هذا، فقال له:
وكيف ذاك؟ فقال: جلست إليه، فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال: إن يكن
الأمر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون يعني أهل الطواف فقد سلموا وعطبتم

(1) (لا تثن) فعل نهي من الثنى بمعنى العطف، والاسترسال بمعنى التنازل والانقياد
للخصم، ويسلمك مجزوما من باب التفعيل جواب النهي، أي لا تعطف ولا ترخ عنانك إلى
قبول ما يلقى إليك فإنك إن فعلت ذلك يعقلك في مقام الجدال بما قبلت منه. وسمه عطف على
لا تثن، وهو فعل أمر من وسم يسم سمة بمعنى جعل العلامة، والضمير راجع إلى الكلام وهو
غير مذكور لفظا، وقوله: (ما لك أو عليك) بدل عن الضمير، أي أعلم كلامك علامة وميز ما فيه
نفعك أو ضررك في مقام المجادلة والمحاجة حق التمييز حتى تتكلم ما فيه نفعك وتسكت عما
فيه ضررك.
126

وإن يكن الأمر على ما تقولون وليس كما تقولون فقد استويتم أنتم وهو، فقلت
له: يرحمك الله وأي شئ نقول وأي شئ يقولون؟ ما قولي وقولهم إلا واحدا،
قال: فكيف يكون قولك وقولهم واحدا وهم يقولون: إن لهم معادا وثوابا و
عقابا ويدينون بأن للسماء إلها وأنها عمران وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس
فيها أحد.
قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إن كان الأمر كما تقول أن يظهر لخلقه و
يدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟!
ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به، فقال لي: ويلك وكيف احتجب عنك من
أراك قدرته في نفسك نشوءك ولم تكن (1) وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضغفك
وضعفك بعد قوتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك
وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد حزنك، وحبك بعد بغضك
وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد إبائك، وإبائك بعد عزمك وشهوتك بعد كراهتك
وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك، ورهبتك بعد رغبتك، ورجاءك بعد
يأسك، ويأسك بعد رجائك، وخاطرك بما لم يكن في وهمك، وعزوب ما أنت معتقده
عن ذهنك، وما زال يعد علي قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتى ظننت أنه
سيظهر فيما بيني وبينه.
5 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثني سعد بن
عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عمن
ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن إبليس قال: لعيسى بن مريم عليه السلام: أيقدر
ربك على أن يدخل الأرض بيضة لا يصغر الأرض ولا يكبر البيضة؟ فقال عيسى عليه السلام
ويلك على أن الله لا يوصف بعجز، ومن أقدر ممن يلطف الأرض ويعظم البيضة.
6 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب
ابن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن الفضيل بن يسار قال:

(1) نشوءك والمعطوفات عليه إلى آخر الكلام بدل اشتمال من قدرته.
127

سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عز وجل لا يوصف. قال: وقال زرارة: قال
أبو جعفر عليه السلام: إن الله عز وجل لا يوصف (1) وكيف يوصف وقد قال في كتابه:
(وما قدروا الله حق قدره) (2) فلا يوصف بقدرة إلا كان أعظم من ذلك.
7 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن الحسين
ابن أبي حمزة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال أبي عليه السلام: إن محمد بن
علي ابن الحنفية كان رجلا رابط الجاش - وأشار بيده - وكان يطوف بالبيت
فاستقبله الحجاج، فقال: قد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك، قال له محمد: كلا،
إن الله تبارك اسمه في خلقه كل يوم ثلاثمائة لحظة أو لمحة، فلعل إحداهن تكفك
عني (3).
8 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن محمد بن أبي القاسم، عن محمد
ابن علي الصيرفي، عن علي بن حماد، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي -
عبد الله عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى لا تقدر قدرته، ولا يقدر العباد على صفته
ولا يبلغون كنه علمه ولا مبلغ عظمته، وليس شئ غيره، هو نور ليس فيه ظلمة
وصدق ليس فيه كذب، وعدل ليس فيه جور، وحق ليس فيه باطل، كذلك لم

(1) في البحار باب القدرة والإرادة: (لا يوصف بعجز) والظاهر أنه الصحيح.
(2) الأنعام: 91، والحج: 74، والزمر: 67.
(3) ابن الحنفية بالنصب وصف لمحمد لا لعلي عليه السلام، والجأش بمعنى القلب أي مطمئن
القلب ساكنة عند الواردات لشجاعته فكأنه ربط قلبه بركن شديد، وقوله: (أشار بيده)
جملة معترضة، وضمير أشار يرجع إلى أبي أي وقال أبو عبد الله عليه السلام وأشار أبي بيده إلى
موضع الطواف حين نقل هذه الحكاية لأنها وقعت هناك، هذا إذا حكى عليه السلام هذه الواقعة في المسجد
الحرام، أو أشار بيده إلى قلبه فإن الإنسان إذا أراد يصف عضوا من غيره يشير إلى ذلك
العضو من نفسه.
128

يزل ولا يزال أبد الآبدين، وكذلك كان إذ لم يكن أرض ولا سماء ولا ليل ولا
نهار ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ولا مطر ولا رياح، ثم إن الله تبارك
وتعالى أحب أن يخلق خلقا يعظمون عظمته ويكبرون كبرياءه ويجلون جلاله.
فقال: كونا ظلين، فكانا كما قال الله تبارك وتعالى (1).
قال مصنف هذا الكتاب: معنى قوله: هو نور، أي هو منير وهاد (2) ومعنى
قوله: كونا ظلين، الروح المقدس والملك المقرب، والمراد به أن الله كان ولا
شئ معه، فأراد أن يخلق أنبيائه وحججه وشهداءه، فخلق قبلهم الروح المقدس
وهو الذي يؤيد الله عز وجل به أنبياءه وحججه وشهداءه صلوات الله عليهم، وهو الذي
يحرسهم به من كيد الشيطان ووسواسه ويسددهم ويوفقهم ويمدهم بالخواطر الصادقة
ثم خلق الروح الأمين الذي نزل على أنبيائه بالوحي منه عز وجل، وقال لهما:
كونا ظلين ظليلين لأنبيائي ورسلي وحججي وشهدائي، فكانا كما قال الله عز وجل
ظلين ظليلين لأنبيائه ورسلي وحججه وشهدائه، يعينهم بهما وينصرهم على أيديهم و
يحرسهم بهما، وعلى هذا المعنى قيل للسلطان العادل: إنه ظل الله في أرضه لعباده،
يأوي إليه المظلوم، ويأمن به الخائف الوجل، ويأمن به السبل، وينتصف به
الضعيف من القوي، وهذا هو سلطان الله وحجته التي لا تخلو الأرض منه إلى
أن تقوم الساعة.

(1) قد مر تفسير الظل في ذيل الحديث الخامس عشر من الباب الثاني والمراد بهما
ههنا بشهادة أخبار أخر حقيقة محمد وعلي صلوات الله عليهما وعلى آلهما لأن خلقها قبل خلق
الكل، وتفسير المصنف - قدس سره - لا شاهد له، بل الشاهد على خلافه، على أن الأمر في
(كونا ظلين) تكويني لا تشريعي كما زعمه.
(2) تفسير النور بالهادي قد ورد في أخبارنا في تفسير آية النور، لكنه لا يناسب ههنا
لأنه لا يقبل الذوق العلمي أن يقال: هو هاد ليس فيه ظلمة، بل المراد نور الحقيقة الوجودية
الذي ليس فيه شائبة العدم والامكان الذي به تنور وتحقق كل موجود، والشاهد عليه أخبار
مضت وأخبار تأتي في هذا الكتاب لا سيما في الباب الحادي عشر.
129

9 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم،
عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبي أيوب المدني (1) عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن
أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: هل يقدر ربك أن
يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغر الدنيا أو يكبر البيضة؟ قال: إن الله تبارك
وتعالى لا ينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون.
10 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن محمد بن
عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي -
عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أيقدر أن يدخل الأرض
في بيضة ولا يصغر الأرض ولا يكبر البيضة؟ فقال: ويلك، إن الله لا يوصف بالعجز
ومن أقدر ممن يلطف الأرض ويعظم البيضة.
11 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله البرقي رحمه الله، قال: حدثنا أبي، عن
جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: جاء رجل إلى الرضا
عليه السلام فقال: هل يقدر ربك أن يجعل السماوات والأرض وما بينهما في بيضة؟ قال:
نعم، وفي أصغر من البيضة، قد جعلها في عينك وهي أقل من البيضة، لأنك إذا
فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما، ولو شاء لأعماك عنها.
12 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
أبو القاسم العلوي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن
قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن محمد بن عرفة، قال: قلت للرضا عليه السلام خلق الله
الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة؟ فقال: لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة
لأنك إذا قلت: خلق الأشياء بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئا غيره، وجعلتها
آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك، وإذا قلت: خلق الأشياء بقدرة فإنما
تصفه أنه جعلها باقتدار عليها وقدرة، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج

(1) النسخ ههنا مختلفة والصحيح ما أثبتناه.
130

إلى غيره (1).
قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب: إذا قلنا: إن الله لم يزل قادرا فإنما
نريد بذلك نفي العجز عنه، ولا نريد إثبات شئ معه لأنه عز وجل لم يزل واحدا
لا شئ معه، وسأبين الفرق بين صفات الذات وصفات الأفعال في بابه إن شاء الله.
13 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل
(ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك
ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا) (2) فقال: هو واحد، أحدي الذات، بائن
من خلقه، وبذاك وصف نفسه، وهو بكل شئ محيط بالإشراف والإحاطة والقدرة
لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر
بالإحاطة والعلم لا بالذات (3) لأن الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة (4) فإذا

(1) في البحار باب القدرة والإرادة عن عيون الأخبار بعد قوله: (ولا محتاج إلى
غيره) هذه الزيادة: (بل هو سبحانه قادر بذاته لا بالقدرة) وحاصل مراده عليه السلام أنه تعالى
قادر بقدرة هي ذاته لا بقدرة زائدة عليها، وبين ذلك بالفرق بين قول القائل: خلق الأشياء
بالقدرة وبين قوله: خلق الأشياء بقدرة فإن الألف واللام تشير إلى حقيقة مدخولها في الخارج
منحازة ممتازة عن سائر الحقائق مستقلة في قبالها، وألفاظ القدرة في النسخ من حيث كونها
مع الألف واللام أو بدونهما مختلفة وصححناها على البحار لأن ما فيه موافق للمراد.
(2) المجادلة: 7.
(3) أي لا يكون معيته للأشياء بذاته في أماكن الأشياء، وهذا لا ينافي الآيات والأخبار
التي تدل على أنه تعالى بذاته مع كل شئ وفي كل شئ بلا كيفية وممازجة لأن المنفى
هنا كونه مع الأشياء محاطا بالمكان، فلا يتوهم أنه تعالى منعزل بذاته عن الأشياء محيط بها
علما وقدرة، وكذا الكلام في الحديث الخامس عشر.
(4) الفوق والتحت حدان، والإمام والوراء واليمين واليسار لكونهما اعتبارية أيضا
حدان. أو جعل الحدود أربعة على ما في أذهان العامة من حدود مساكنهم فإنهم لا يعدون
الفوق والتحت من الحدود.
131

كان بالذات لزمه الحواية.
14 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رحمه الله، قال: حدثني أبي،
عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت
مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام، فقال له المأمون: يا ابن
رسول الله أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال: بلى، فسأله عن آيات من
القرآن، فكان فيما سأله أن قال له: فأخبرني عن قول إبراهيم: (رب أرني كيف
تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي)؟ (1) قال الرضا عليه السلام:
إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام أني متخذ من عبادي خليلا
إن سألني إحياء الموتى أجبته، فوقع في نفس إبراهيم عليه السلام أنه ذلك الخليل،
فقال: رب أرني كيف تحيي الموتى قال: أو لم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن
قلبي على الخلة (2) قال: (فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل
جبل منهن جزءا ثم أدعهن يأتينك سيعا واعلم أن الله عزيز حكيم)، فأخذ إبراهيم
عليه السلام نسرا وبطا وطاووسا وديكا فقطعهن قطعا صغارا، ثم جعل على كل جبل
من الجبال التي كانت حوله - وكانت عشرة - منهن جزءا، وجعل مناقيرهن بين
أصابعه، ثم دعاهن بأسمائهن، ووضع عنده حبا وماء، فتطايرت تلك الأجزاء
بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته و
رأسه، فخلى إبراهيم عن مناقيرهن فطرن، ثم وقفن فشربن من ذلك الماء والتقطن
من ذلك الحب، وقلن: يا نبي الله أحييتنا أحياك الله، فقال إبراهيم عليه السلام: بل الله
يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير، قال المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن، و
الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
15 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد
ابن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي الخزاز، عن مثنى الحناط

(1) البقرة: 260.
(2) أي على أن ذلك الخليل الذي تريد أن تتخذه أنا.
132

عن أبي جعفر - أظنه محمد بن نعمان - قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل
(وهو الله في السماوات وفي الأرض) (1) قال: كذلك هو في كل مكان، قلت: بذاته؟
قال: ويحك إن الأماكن أقدار، فإذا قلت: في مكان بذاته لزمك أن تقول في
إقدار وغير ذلك (2) ولكن هو بائن من خلقه، محيط بما خلق علما وقدرة وإحاطة
وسلطانا وملكا، وليس علمه بما في الأرض بأقل مما في السماء، لا يبعد منه شئ
والأشياء له سواء علما وقدرة وسلطانا وملكا وإحاطة.
16 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن
ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، قال: قال أبو شاكر الديصاني: إن في
القرآن آية هي قوة لنا، قلت: وما هي؟ فقال: (وهو الذي في السماء إله وفي
الأرض إله) (3) فلم أدر بما أجيبه، فحججت فخبرت أبا عبد الله عليه السلام فقال: هذا
كلام زنديق خبيث، إذا رجعت إليه فقل له: ما اسمك بالكوفة، فإنه يقول فلان
فقل: ما اسمك بالبصرة، فإنه يقول فلان، فقل: كذلك الله ربنا في السماء إله وفي
الأرض إله وفي البحار إله وفي كل مكان إله، قال: فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته
فقال: هذه نقلت من الحجاز.
17 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن محمد بن
عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن الحسن بن محبوب، عن مقاتل بن سليمان،
قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: لما صعد موسى عليه السلام إلى الطور فنادى ربه
عز وجل (4) قال: يا رب أرني خزائنك، فقال: يا موسى إنما خزائني إذا أردت
شيئا أن أقول له: كن فيكون.

(1) الأنعام: 3.
(2) من صفات المحدود بالحدود المقدر بالأقدار.
(3) الزخرف: 84.
(4) في البحار وفي نسخة (و) (فناجى ربه عز وجل). وفي نسخة (د) (يناجي
ربه عز وجل).
133

قال مصنف هذا الكتاب: من الدليل على أن الله عز وجل قادر: أن العالم لما
ثبت أنه صنع الصانع ولم نجد أن يصنع الشئ من ليس بقادر عليه بدلالة أن المقعد
لا يقع منه المشي والعاجز لا يتأتى له الفعل صح أن الذي صنعه قادر، ولو جاز
غير ذلك لجاز منا الطيران مع فقد ما يكون به من الآلة، ولصح لنا الادراك وإن
عدمنا الحاسة. فلما كان إجازة هذا خروجا عن المعقول كان الأول مثله.
10 - باب العلم
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله: قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران، عن عمه الحسين بن
يزيد النوفلي، عن سليمان بن سفيان، قال: حدثني أبو علي القصاب، قال:
كنت عند أبي عبد الله عليه السلام: فقلت: الحمد لله منتهى علمه، فقال: لا تقل ذلك،
فإنه ليس لعلمه منتهى.
2 - أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله، قالا: حدثنا محمد بن
يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد، عن علي بن إسماعيل، عن
صفوان بن يحيى، عن الكاهلي، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في دعاء:
(الحمد لله منتهى علمه) فكتب إلي: لا تقولن منتهى علمه، ولكن قل: منتهى رضاه.
3 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن جعفر الأسدي، قال: حدثني موسى بن عمران، عن الحسين بن يزيد،
عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العلم هو
من كماله (1).
4 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن
ابن أبي عمير، عن أبي الحسن الصيرفي، عن بكار الواسطي، عن أبي حمزة الثمالي

(1) زاد في نسخة (ط) و (ن) (كيدك منك) وهي زائدة قطعا، بل الكلام فيما في
الخبر الرابع.
134

عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام في العلم، قال: هو كيدك منك (1).
قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب: يعني أن العلم ليس هو غيره وأنه من
صفات ذاته لأن الله عز وجل ذات علامة سميعة بصيرة، وإنما نريد بوصفنا إياه
بالعلم نفي الجهل عنه، ولا نقول: إن العلم غيره لأنا متى قلنا، ذلك ثم قلنا:
إن الله لم يزل عالما أثبتنا معه شيئا قديما لم يزل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا:
5 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن
ابن أبي عمير، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: أرأيت
ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس كان في علم الله؟ قال: فقال: بلى قبل أن
يخلق السماوات والأرض.
6 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن أحمد
ابن يحيى بن عمران الأشعري، عن علي بن إسماعيل، وإبراهيم بن هاشم جميعا،
عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، قال: سألته - يعني أبا عبد الله عليه السلام - هل
يكون اليوم شئ لم يكن في علم الله عز وجل؟ قال: لا، بل كان في علمه قبل أن

(1) قال العلامة المجلسي رحمه الله في البحار باب العلم: قال بعض المشايخ: هذا
غلط من الراوي والصحيح الخبر الأول والإمام أجل من أن يبعض الله سبحانه بعلمه منه ككون
يد الإنسان منه: انتهى، وهذا الكلام مذكور في حواشي بعض النسخ، وأقول: يحتمل
أن يكون المراد بالعلم علم المخلوق، بل ظاهر فيه لقرينة تشبيهه بيد المخاطب والمصنف
حسب ذلك فأدرجه في هذا الباب، وعلى هذا فكون العلم كاليد لاستعانة الإنسان به في أفعال
الجوانح كما يستعين باليد في أفعال الجوارح، وعلى أن يكون المراد به علم الله تعالى
فالتوجيه ما ذكره المصنف، ويمكن أن يكون المراد به العلم الفعلي الذي هو المشيئة
المخلوق بها الأشياء كما نطق به الخبر التاسع عشر من الباب الحادي عشر، فلا بأس
بتشبيهها باليد فإن بها فعله كما أن الإنسان بيده فعله مع رعاية تنزيهه تعالى، كما أسند
إليه تعالى اليد في الكتاب حيث قال: (يد الله فوق أيديهم) بهذا الاعتبار إلا أنها
فسرت بالقدرة.
135

ينشئ السماوات والأرض.
7 - حدثنا الحسن بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال حدثني أبي، قال:
حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن يونس، عن أبي الحسن (1)
عن جابر، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إن الله تباركت أسماؤه وتعالى في علو كنهه
أحد، توحد بالتوحيد في توحيده، ثم أجراه على خلقه، فهو أحد، صمد، ملك
قدوس، يعبده كل شئ ويصمد إليه، فوق الذي عسينا أن نبلغ ربنا، وسع
ربنا كل شئ علما.
8 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، قال: حدثنا أحمد بن الفضل
ابن المغيرة، قال: حدثنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن إبراهيم الإصفهاني، قال:
حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا الحسين بن بشار، عن أبي الحسن علي بن
موسى الرضا عليهما السلام، قال: سألته أيعلم الله الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان
يكون (2) أو لا يعلم إلا ما يكون؟ فقال: إن الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون
الأشياء، قال الله عز وجل: (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) (3) وقال لأهل النار:
(ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) (4) فقد علم الله عز وجل أنه لو ردهم
لعادوا لما نهوا عنه، وقال للملائكة لما قالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها وسيفك

(1) هكذا في النسخ التي عندي، وأظن أن الصحيح: الحسن بن السري كما بينا
في الحديث التاسع من الباب الرابع، وقوله عليه السلام: (توحد بالتوحيد في توحيده) الباء للسببية
وفي للظرفية كما يقال: فلان واحد بالشجاعة في شجاعته، أو الباء للظرفية وفي للسببية
على العكس، والثاني أقرب من حيث المعنى فاستبصر.
(2) مر نظير هذا الكلام في الحديث الثامن عشر من الباب الثاني، وفي نسخة (ط)
و (ن) (أيعلم الله الشئ الذي لم يكن قبل أن لو كان كيف - الخ) فكلمة (قبل) متعلق بيعلم
و (كيف) مع مدخولها بدل اشتمال من الشئ.
(3) الجاثية: 29.
(4) الأنعام: 28.
136

الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) (1) فلم يزل الله
عز وجل علمه سابقا للأشياء قديما قبل أن يخلقها، فتبارك ربنا تعالى علوا كبيرا
خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء، كذلك لم يزل ربنا عليما سميعا بصيرا.
9 - وبهذا الإسناد عن علي بن عبد الله، قال: حدثنا صفوان بن يحيى، عن عبد الله
ابن مسكان، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الله تبارك وتعالى أكان يعلم المكان قبل
أن يخلق المكان. أم علمه عندما خلقه وبعد ما خلقه؟ فقال: تعالى الله، بل لم يزل
عالما بالمكان قبل تكوينه كعلمه به بعد ما كونه، وكذلك علمه بجميع الأشياء
كعلمه بالمكان.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: من الدليل على أن الله تبارك وتعالى
عالم أن الأفعال المختلفة التقدير، المتضادة التدبير، المتفاوتة الصنعة لا تقع على
ما ينبغي أن يكون عليه من الحكمة ممن لا يعلمها، ولا يستمر على منهاج منتظم
ممن يجهلها، ألا ترى أنه لا يصوغ قرطا يحكم صنعته ويضع كلا من دقيقه وجليله
موضعه من لا يعرف الصياغة، ولا أن ينتظم كتابة يتبع كل حرف منها ما قبله من لا
يعلم الكتابة، والعالم ألطف صنعة وأبدع تقريرا مما وصفناه، فوقوعه من غير عالم
بكيفيته قبل وجوده أبعد وأشد استحالة. وتصديق ذلك:
10 - ما حدثنا به عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رحمه الله، قال:
حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، عن الفضل بن شاذان، قال: سمعت الرضا
علي بن موسى عليهما السلام، يقول في دعائه: سبحان من خلق الخلق بقدرته، وأتقن ما خلق
بحكمته، ووضع كل شئ منه موضعه بعلمه، سبحان من يعلم خائنة الأعين وما
تخفي الصدور، وليس كمثله شئ وهو السمع البصير.
11 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم،
عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن منصور الصيقل، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إن الله علم لا جهل فيه، حياة لا موت فيه، نور لا ظلمة فيه.

(1) البقرة: 30.
137

12 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت
لأبي الحسن الرضا عليه السلام: روينا أن الله علم لا جهل فيه، حياة لا موت فيه، نور
لا ظلمة فيه، قال: كذلك هو.
13 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله. قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن عيسى
ابن أبي منصور، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله
نور لا ظلمة فيه، وعلم لا جهل فيه، وحياة لا موت فيه.
14 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن
جعفر الحميري: عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن ابن سنان، عن جعفر
ابن محمد، عن أبيه عليهما السلام، قال: إن الله تعالى علما خاصا، وعلما عاما، فأما العلم
الخاص فالعلم الذي لم يطلع عليه ملائكته المقربين وأنبياءه المرسلين، وأما
علمه العام فإنه علمه الذي أطلع عليه ملائكته المقربين وأنبياءه المرسلين، وقد
وقع إلينا من رسول الله صلى الله عليه وآله.
15 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن جعفر الأسدي، عن موسى بن عمران، عن الحسين بن يزيد، عن زيد بن
المعدل النميري وعبد الله بن سنان، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله لعلما
لا يعلمه غيره، وعلما يعلمه ملائكته المقربون وأنبياؤه المرسلون، ونحن نعلمه.
16 - وبهذا الإسناد عن الحسين بن يزيد، عن يحيى بن أبي يحيى، عن عبد الله
ابن الصامت، عن عبد الأعلى، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: علم الله
لا يوصف منه بأين، ولا يوصف العلم من الله بكيف، ولا يفرد العلم من الله، ولا يبان الله
منه، وليس بين الله وبين علمه حد (1).

(1) هذا كله بيان لكون علمه تعالى عين ذاته.
138

11 - باب صفات الذات وصفات الأفعال
1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن
هاشم، عن محمد بن خالد الطيالسي الخزاز الكوفي، عن صفوان بن يحيى، عن ابن
مسكان، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لم يزل الله عز وجل
ربنا والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، و
القدرة ذاته ولا مقدور، فلما أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم (1)
والسمع على المسموع، والبصر على المبصر، والقدرة على المقدور، قال: قلت:
فلم يزل الله متكلما؟ قال: إن الكلام صفة محدثة ليست بأزلية، كان الله عز وجل
ولا متكلم (2).
2 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا
محمد بن عيسى، عن إسماعيل بن سهل، عن حماد بن عيسى، قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام فقلت: لم يزل الله يعلم؟ قال: أنى يكون يعلم ولا معلوم، قال: قلت: فلم
يزل الله يسمع؟ قال: أنى يكون ذلك ولا مسموع، قال: قلت: فلم يزل يبصر؟
قال: أنى يكون ذلك ولا مبصر، قال: ثم قال: لم يزل الله عليما سميعا بصيرا،
ذات علامة سميعة بصيرة.
3 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا

(1) أي فلما وجد الذي كان معلوما له تعالى في الأزل انطبق علمه على معلومه في
ظرف الوجود الخارجي لكون علمه حقا لا جهل فيه، وليس معنى الوقوع التعلق لأنه قبل
وجوده فكان قبل وجوده في الخارج معلوما، ويعبر عن هذا الانطباق بالعلم الفعلي في قبال
الذاتي، ومن هذا يظهر أن العلم المنفي قبل وجود المعلوم في الحديث الثاني هو الفعلي أي
أنى يقع علمه على المعلوم ولا معلوم في الخارج، وكذا غير العلم، وبعبارة أخرى لا يصح
أن يقال: الله يعلم بالشئ في الأزل، بل يصح أن يقال: إنه عالم بالشئ في الأزل لأن
صيغة المضارع تدل على النسبة التلبسية وهذه النسبة تقتضي وجود الطرفين في ظرف واحد.
(2) كذا.
139

محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الفضل بن
سليمان الكوفي، عن الحسين بن الخالد، قال: سمعت الرضا علي بن موسى عليهما السلام،
يقول: لم يزل الله تبارك وتعالى عليما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا، فقلت له: يا ابن
رسول الله إن قوما يقولون: إنه عز وجل لم يزل عالما بعلم، وقادرا بقدرة، وحيا
بحياة، وقديما بقدم، وسميعا بسمع، وبصيرا ببصر (1) فقال عليه السلام: من قال ذلك
ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة أخرى، وليس من ولايتنا على شئ، ثم قال عليه السلام:
لم يزل الله عز وجل عليما قادر حيا قديما سميعا بصيرا لذاته، تعالى عما يقول
المشركون والمشبهون علوا كبيرا.
4 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هارون بن عبد الملك،
قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن التوحيد، فقال: هو عز وجل مثبت موجود، لا مبطل
ولا معدود، ولا في شئ من صفة المخلوقين، وله عز وجل نعوت وصفات، فالصفات
له، وأسماؤها جارية على المخلوقين (2) مثل السميع والبصير والرؤوف والرحيم
وأشباه ذلك، والنعوت نعوت الذات لا تليق إلا بالله تبارك وتعالى، والله نور لا ظلام
فيه، وحي لا موت له، وعالم لا جهل فيه، وصمد لا مدخل فيه، ربنا نوري الذات
حي الذات، عالم الذات، صمدي الذات.
5 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثني عمي محمد بن أبي القاسم،
عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر،

(1) هذه مقالة الأشاعرة في صفاته، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
(2) أي فحقيقة صفاته ثابتة له تعالى من دون اشتراك لأحد فيها، وأسماؤها أي مفاهيم
تلك الصفات جارية على المخلوقين يشتركون فيها معه تعالى كما صرح به في الحديث الرابع
عشر من هذا الباب، أو المراد إجراء حقيقتها على الخلق على سبيل الظلية كإجراء
التوحيد عليه على ما ذكر في الحديث السابع من الباب العاشر والحديث التاسع من
الباب الرابع
140

عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى كان ولا شئ غيره، نورا
لا ظلام فيه (1) وصادقا لا كذب فيه (2) وعالما لا جهل فيه، وحيا لا موت فيه، وكذلك
هو اليوم، وكذلك لا يزال أبدا.
6 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
يحيى العطار، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، قال:
حدثنا يحيى بن يحيى (3) عن عبد الله بن الصامت، عن عبد الأعلى، عن العبد الصالح
موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: إن الله - لا إله إلا هو - كان حيا بلا كيف ولا أين، ولا
كان في شئ، ولا كان على شئ، ولا ابتدع لمكانه مكانا (4) ولا قوي بعد ما كون الأشياء،
ولا يشبهه شئ يكون، ولا كان خلوا من القدرة على الملك قبل إنشائه، ولا يكون
خلوا من القدرة بعد ذهابه، كان عز وجل إلها حيا بلا حياة حادثة، ملكا قبل أن
ينشئ شيئا ومالكا بعد إنشائه، وليس لله حد، ولا يعرف بشئ يشبهه، ولا يهرم

(1) قوله: (نورا) خبر كان، وقوله: (ولا شئ غيره) جملة معترضة بينهما، كذا
قيل وليس بصحيح لأن الواو لغو حينئذ، بل الصحيح أن كان تامة، والجملة معطوفة عليها
و (نورا) مع ما بعده من المنصوبات أحوال لفاعل كان، وعلى هذا فمعنى قوله: (وكذلك هو
اليوم) أنه اليوم كان ولا شئ غيره، أي بحقيقة الشيئية التي هي كونه نورا لا ظلام فيه - الخ.
(2) الصادق بحسب الذات لا الصادق الذي هو صفة الكلام فإنه من صفات الأفعال
ليس بعين الذات.
(3) أظن أن هذا الرجل هو المذكور في الحديث الثاني والعشرين من الباب الأول
وأظن أيضا أنه يحيى بن أبي يحيى المذكور في سند الحديث السادس عشر من الباب العاشر
وإن كانت النسخ متفقة على زيادة لفظ (أبي) هناك.
(4) أي ولا ابتدع لمكانته وعظمته مكانا إذ لا يحيط به الأماكن، وفي نسخة (د) و (و)
(ولا ابتدع لكان مكانا) أي لا ابتدع لأنه كان قادرا عالما حيا - الخ - مكانا إذ الصفات عين
الذات، ونظير هذا الحديث الثاني من الباب الثامن والعشرين.
141

للبقاء، ولا يصعق لدعوة شئ (1) ولخوفه تصعق الأشياء كلها، وكان الله حيا بلا حياة
حادثة (2) ولا كون موصوف، ولا كيف محدود (3) ولا أين موقوف (4) ولا مكان
ساكن (5) بل حي لنفسه، ومالك لم يزل له القدرة، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيته و
قدرته، كان أولا بلا كيف، ويكون آخرا بلا أين وكل شئ هالك إلا وجهه، له
الخلق والأمر تبارك رب العالمين.
7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى
العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أرومة، عن علي بن الحسن بن
محمد، عن خالد بن يزيد، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اسم الله غير الله،
وكل شئ وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ما خلا الله، فأما ما عبرت الألسن عنه أو عملت
الأيدي فيه فهو مخلوق (6) والله غاية من غاياه، والمغيى غير الغاية، والغاية موصوفة،

(1) الصعق بمعنى الصوت الشديد المفزع ويأتي بمعنى الفزع والغشية من أمر مخوف
صوت أو غيره، أي ليس دعوته بصعق وصوت بل بما يناسب المدعو، وفي البحار باب جوامع
التوحيد: (ولا يصعق لذعرة شئ) والذعرة بمعنى الخوف، أي لا يفزع لخوف شئ وهذا
أنسب بالجملة التالية.
(2) في نسخة (ب) (وكان عز وجل إلها حيا - الخ).
(3) الوصف إيضاحي أتى به للتنبيه على أنه يوجب محدودية المكيف، ويمكن أن
يكون للاحتراز أي ليس له الكيفيات الامكانية بل له كيفية هي نفس ذاته الواجبة كما
ورد في بعض الأخبار: (لا تدرك كيفيته).
(4) الأين هو النسبة إلى المكان، أي ليس له أين موقف على مكان خاص، بل نسبته
إلى جميع الأماكن على السواء.
(5) قال العلامة المجلسي رحمه الله: وتقييد المكان بالساكن مبني على المتعارف الغالب
من كون المكان المستقر عليه ساكنا.
(6) ما عبرت الألسن هو اللفظ والعبارة، وما عملت الأيدي هو الكتابة، وقد مضى
بعض البيان لهذا الحديث ذيل الحديث السادس عشر من الباب الثاني.
142

وكل موصوف مصنوع، وصانع الأشياء غير موصوف بحد مسمى، لم يتكون
فتعرف كينونته بصنع غيره، ولم يتناه إلى غاية إلا كانت غيره، ولا يذل من فهم هذا
الحكم أبدا (1) وهو التوحيد الخالص، فاعتقدوه وصدقوه وتفهموه بإذن الله
عز وجل ومن زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك (2) لأن
الحجاب والمثال والصورة غيره (3) وإنما هو واحد موحد، فكيف يوحد من زعم
أنه عرفه بغيره، إنما عرف الله من عرفه بالله (4) فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما
يعرف غيره، والله خالق الأشياء لا من شئ، يسمى بأسمائه فهو غير أسمائه والأسماء
غيره، والموصوف غير الواصف (5) فمن زعم أنه يؤمن بما لا يعرف فهو ضال عن
المعرفة، لا يدرك مخلوق شيئا إلا بالله، ولا تدرك معرفة الله إلا بالله، والله خلوا من
خلقه، وخلقه خلو منه، إذا أراد الله شيئا كان كما أراد بأمره من غير نطق، لا ملجأ
لعباده مما قضى، ولا حجة لهم فيما ارتضى، لم يقدروا على عمل ولا معالجة مما أحدث
في أبدانهم المخلوقة إلا بربهم، فمن زعم أنه يقوى على عمل لم يرده الله عز وجل
فقد زعم أن إرادته تغلب إرادة الله (6) تبارك الله رب العالمين.
قال مصنف هذا الكتاب: معنى ذلك أن من زعم أنه يقوى على عمل لم يرده
الله أن يقويه عليه فقد زعم أن إرادته تغلب إرادة الله، تبارك الله رب العالمين.
8 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدثني عمي محمد بن

(1) لأن العز كل العز في حقيقة التوحيد.
(2) أي زعم أنه يعرف الله بما بينه وبين الله من الأشياء أو بما يتصوره في الذهن، أو
بما حسبه مثلا وشبيها له.
(3) والمغاير لا يكون معرفا للمغاير.
(4) يأتي لهذا الكلام بيانات في الباب الواحد والأربعين.
(5) هذا عبارة أخرى عن قوله في الحديث السادس عشر من الباب الثاني: فالذاكر
الله غير الله.
(6) لأن لإرادته تعالى في فعل العبد دخلا كما يأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى.
143

أبي القاسم، قال: حدثني محمد بن علي الصيرفي الكوفي، قال: حدثني محمد بن
سنان، عن أبان بن عثمان الأحمر، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: أخبرني
عن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بصيرا عليما قادرا؟ قال: نعم، فقلت له: إن
رجلا ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول: إن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بسمع
وبصيرا ببصر وعليما بعلم وقادرا بقدرة، فغضب عليه السلام، ثم قال: من قال ذلك و
دان به فهو مشرك وليس من ولايتنا على شئ، إن الله تبارك وتعالى ذات علامة
سميعة بصيرة قادرة.
9 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم،
عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر
عليه السلام أنه قال: من صفة القديم أنه واحد، أحد، صمد، أحدي المعنى، وليس
بمعان كثيرة مختلفة، قال: قلت: جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنه
يسمع بغير الذي يبصر، ويبصر بغير الذي يسمع، قال: فقال: كذبوا وألحدوا و
شبهوا، تعالى الله عن ذلك، إنه سميع بصير، يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع،
قال: قلت: يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه، قال: فقال: تعالى الله إنما يعقل
ما كان بصفة المخلوقين، وليس الله كذلك (1).
10 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم
عن أبيه، عن العباس بن عمرو، عن هشام بن الحكم، قال في حديث الزنديق
الذي سأل أبا عبد الله عليه السلام أنه قال له: أتقول: إنه سميع بصير؟ فقال
أبو عبد الله عليه السلام: هو سميع بصير، سميع بغير جارحة، وبصير بغير آلة، بل يسمع
بنفسه ويبصر بنفسه، وليس قولي: إنه يسمع بنفسه أنه شئ والنفس شئ آخر،
ولكني أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولا، وإفهاما لك إذ كنت سائلا،
فأقول: يسمع بكله، لا أن كله له بعض، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن

(1) أي بصير بالآلة التي يعقلونها في أنفسهم، فرد عليه السلام ذلك بقياس من الشكل الثاني
إن المعقول لنا ما كان بصفة المخلوقين ولا شئ من الله بصفة المخلوق فلا شئ من الله بمعقول لنا.
144

نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف
الذات ولا اختلاف المعنى.
11 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن أحمد بن
محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عبد الصمد بن بشير، عن فضيل
ابن سكرة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك إن رأيت أن تعلمني هل كان
الله جل ذكره يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه وحده؟ (1) فقد اختلف مواليك،
فقال بعضهم: قد كان يعلم تبارك وتعالى أنه وحده قبل أن يخلق شيئا من خلقه، و
قال بعضهم، إنما معنى يعلم يفعل، فهو اليوم يعلم أنه لا غيره قبل فعل الأشياء،
وقالوا: إن أثبتنا أنه لم يزل عالما بأنه لا غيره فقد أثبتنا معه غيره في أزليته، فإن
رأيت يا سيدي أن تعلمني ما لا أعدوه إلى غيره، فكتب عليه السلام (2): ما زال الله تعالى
عالما تبارك وتعالى ذكره.
12 - أبي رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن الحسين بن
أبي الخطاب، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم، عن أبي -
جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: كان الله ولا شئ غيره، ولم يزل عالما بما كون.
فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد ما كونه.
13 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد
ابن عبد الله، عن أيوب بن نوح أنه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الله
عز وجل أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكونها، أو لم يعلم ذلك حتى
خلقها وأراد خلقها وتكوينها، فعلم ما خلق عندما خلق وما كون عندما كون؟
فوقع عليه السلام بخطه: لم يزل الله عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء

(1) توضيح كلام السائل أنه تعالى هل كان عالما في الأزل بغيره فيعلم أن غيره معدوم
فيعلم أنه وحده لا شئ غيره لأن العلم بأنه وحده لا شئ غيره يستلزم العلم بأن غيره معدوم،
والعلم بأن غيره معدوم يستلزم العلم بالغير، أم علم الغير حين خلقه فعلم بعدمه قبل خلقه فعلم
أنه وحده لا شئ كان معه في الأزل الذي لم يكن فيه خلق.
(2) كذا.
145

بعد ما خلق الأشياء.
14 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، وسعد بن عبد الله جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، والحسين
ابن سعيد، ومحمد بن خالد البرقي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال:
دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي: أتنعت الله؟ فقلت: نعم، قال: هات، فقلت:
هو السميع البصير، قال: هذه صفة يشترك فيها المخلوقون (1) قلت: فكيف تنعته؟
فقال: هو نور لا ظلمة فيه، وحياة لا موت فيه، وعلم لا جهل فيه، وحق لا باطل فيه.
فخرجت من عنده وأنا أعلم الناس بالتوحيد.
15 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
الحسين بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: لم يزل الله مريدا؟ فقال: إن المريد لا يكون
إلا لمراد معه: بل لم يزل عالما قادرا ثم أراد (2).
16 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن،
عن بكر بن صالح، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، عن بكير بن
أعين، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: علم الله ومشيته هما مختلفان أم متفقان؟
فقال: العلم ليس هو المشية، ألا ترى أنك تقول: سأفعل كذا إن شاء الله، ولا تقول
سأفعل كذا إن علم الله، فقولك إن شاء الله دليل على أنه لم يشأ، فإذا شاء كان
الذي شاء كما شاء، وعلم الله سابق للمشية.

(1) أي من حيث المفهوم. وأما من حيث الحقيقة فذاته ذات الصفة بعينها بخلاف
الممكنات.
(2) إن مذهب أهل البيت عليهم السلام على ما يظهر من أخبار كثيرة في هذا الكتاب
وغيره أن الإرادة من صفات الأفعال وأنها غير العلم وأنه سابق لها وأنها نفس الفعل والايجاد
وقد أوردنا البحث فيها مستوفي في التعليقة على التجريد.
146

17 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، عن أبيه، عن محمد بن
عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: أخبرني عن
الإرادة من الله ومن المخلوق، قال: فقال: الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له
بعد ذلك من الفعل، وأما من الله عز وجل فإرادته إحداثه لا غير ذلك (1) لأنه
لا يروي، ولا يهم، ولا يتفكر، وهذه الصفات منفية عنه، وهي من صفات الخلق،
فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك يقول له: كن فيكون، بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا
همة ولا تفكر، ولا كيف لذلك كما أنه بلا كيف (2).
18 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد،
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
المشية محدثة.
19 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي -

(1) إن الفعل لا يصدر منا إلا أن يتقدمه أمور: تصوره جزئيا، واعتقاد النفع في ذلك
الفعل، وشوق يعقب ذلك الاعتقاد، والاقبال نحو الفعل ليرتكبه سمى بالشوق الأكيد و
الاجماع. والقول الأصح أن الإرادة هي هذا الأخير، والمراد بالضمير المذكور في الرواية
هو ما يحدث في خلد الإنسان بين تصوره للفعل ووقوع الفعل في الخارج، وأما الله تعالى
فليس بين علمه وفعله هذه الأمور فإرادته هي علمه أو فعله، فقوم على الأول، وأخرى على
الثاني، والآية: (إنما أمره أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) ظاهرة في الثاني و
طالب التفصيل يراجع مظانه، والظاهر أن الواو بعد قوله: (الضمير) عاطفة عطفت كلمة (ما)
عليه، وعلى هذا فمجموع الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل هو إرادة المخلوق فكل منهما
جزء الإرادة، ويمكن أن يقال: إن الضمير شرط الإرادة فإرادة المخلوق فعله مشروطا بما
يحدث في نفسه وإرادة الخالق فعله من غير شرط، ويحتمل أن يكون الواو للاستيناف، و (ما)
موصولة مبتدءا، و (يبدو له) صلته و (بعد ذلك)) متعلقا به، و (من الفعل) خبر المبتدأ، وعلى
هذا فالضمير فقط هو الإرادة وما يبدو له بعد ذلك من الحركة في العضلات هو من الفعل.
(2) أي لا كيف لإيجاده كما لا كيف لنفسه لأن كيفية الفعل من قبل كيفية الفاعل.
147

عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خلق الله المشية بنفسها، ثم
خلق الأشياء بالمشية (1).
قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب رضي الله عنه: إذا وصفنا الله تبارك و
تعالى بصفات الذات فإنما ننفي عنه بكل صفة منها ضدها، فمتى قلنا: إنه
حي نفينا عنه ضد الحياة وهو الموت، ومتى قلنا: إنه عليم نفينا عنه ضد العلم
وهو الجهل، ومتى قلنا: إنه سميع نفينا عنه ضد السمع وهو الصمم، ومتى قلنا:
بصير نفينا عنه ضد البصر وهو العمى، ومتى قلنا: عزيز نفينا عنه ضد العزة
وهو الذلة، ومتى قلنا: حكيم نفينا عنه ضد الحكمة وهو الخطأ، ومتى
قلنا: غني نفينا عنه ضد الغنى وهو الفقر، ومتى قلنا: عدل نفينا عنه الجور والظلم
ومتى قلنا: حليم نفينا عنه العجلة، ومتى قلنا: قادر نفينا عنه العجز، ولو لم نفعل
ذلك أثبتنا معه أشياء لم تزل معه، ومتى قلنا: لم يزل حيا عليما سميعا بصيرا
عزيزا حكيما غينا ملكا حليما عدلا كريما، فلما جعلنا معنى كل صفة من هذه
الصفات التي هي صفات ذاته نفي ضدها أثبتنا أن الله لم يزل واحدا لا شئ معه (2)
وليست الإرادة والمشية والرضا والغضب وما يشبه ذلك من صفات الأفعال بمثابة
صفات الذات، لأنه لا يجوز أن يقال: لم يزل الله مريدا شائيا كما يجوز أن يقال:
لم يزل الله قادرا عالما.

(1) روى هذا الحديث في الباب الرابع والخمسين بسند آخر بعبارة أخرى، وأظهر
التفاسير أن المشيئة هو أول ما تجلى منه تعالى الذي كان واسطه بينه وبين الأشياء، وقد سمى
ذلك في لسان الأخبار بأسماء منها النور المحمدي صلى الله عليه وآله ومنها العقل ومنها الظل
ومنها الماء ومنها غير ذلك، وإطلاق كل منها عليها باعتبار، وعلى هذا فالمشيئة من الله تعالى
غير إرادته كما صرح به في أخبار وبأنها قبل الإرادة، وإن استعملنا كثيرا في الكتاب والسنة
بالترادف كالعرف العام والخاص.
(2) قوله: (فلما جعلنا) عطف على قوله: (ومتى قلنا)، وقوله: (نفي ضدها)
على صيغة المصدر مفعول ثان لجعلنا، وقوله: (أثبتنا أن الله - الخ) جواب (لمتى قلنا).
148

12 - باب تفسير قول الله عز وجل
(كل شئ هالك إلا وجهه)
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله: قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى،
عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن جليس لأبي حمزة، عن
أبي حمزة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول الله عز وجل (كل شئ هالك إلا
وجهه)؟ (1) قال: فيهلك كل شئ ويبقي الوجه، إن الله عز وجل أعظم
من أن يوصف بالوجه، ولكن معناه كل شئ هالك إلا دينه والوجه الذي يؤتى
منه (2).
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن صفوان بن يحيى، عن أبي سعيد
المكاري، عن أبي بصير، عن الحارث بن المغيرة النصري (3) قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن قول الله عز وجل: (كل شئ هالك إلا وجهه) قال: كل شئ هالك
إلا من أخذ طريق الحق.
3 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن محمد بن يحيى العطار، عن سهل
ابن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله عليه السلام
في قول الله عز وجل: (كل شئ هالك إلا وجهه) قال: من أتى الله بما أمر به من
طاعة محمد والأئمة من بعده صلوات الله عليهم فهو الوجه الذي لا يهلك، ثم قرأ: (من
يطع الرسول فقد أطاع الله) (4).

(1) القصص: 88.
(2) في نسخة (ب) (والوجه الذي يؤتى الله منه).
(3) من بني نصر بن معاوية. ثقة ثقة.
(4) النساء: 80.
149

4 - وبهذا الإسناد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: نحن وجه الله الذي لا يهلك (1).
5 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن الحسين
السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن ربيع الوراق، عن
صالح بن سهل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: كل شئ هالك إلا وجهه
قال: نحن.
6 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن سهل بن
زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن سنان، عن أبي سلام، عن بعض أصحابنا
عن أبي جعفر عليه السلام، قال: نحن المثاني التي أعطاها الله نبينا صلى الله عليه وآله (2) ونحن
وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم، عرفنا من عرفنا، ومن جهلنا فأمامه
اليقين (3).

(1) الوجه من كل شئ هو أول ما يظهر منه ويتوجه إليه منه، وجميع الأخبار
الواردة في هذا الباب في هذا الكتاب وغيره عن أئمتنا صلوات الله عليهم فسر الوجه فيه بهم
وبما يتعلق بهم من الأمور الإلهية.
(2) إشارة إلى قوله تعالى: (ولد آتينا سبعا من المثاني والقرآن العظيم) و (من)
في الآية بيانية، والمثاني جمع المثنى، وقد فسر في أخبار بهم كما هنا، ومن المحتمل في
ذلك أنهم عليهم السلام سبع بحسب أسمائهم وإن كرر بعضها: علي، فاطمة، حسن، حسين،
محمد، جعفر، موسى، عليهم السلام، وما ذكره المصنف حق لكنه بعيد من ظاهر اللفظ،
وقد قيل في تفسيرها وجوه أخر.
(3) أي يتيقن بعد الموت الذي أمامه أنا وجه الله الذي لا بد لعباده أن يتوجهوا إليه
به، وفي السفينة عن سابع البحار: (عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا، من عرفنا فأمامه اليقين
ومن جهلنا فأمامه السعير) أي يتيقن عين اليقين بما وعده الله على ولايتنا ومعرفتنا، وفي باب
النوادر من توحيد الكافي: (عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا وإمامة المتقين) وهي
بالنصب عطف على ضمير المتكلم في جهلنا الثاني أي جهلنا وجهل بجهله إيانا إمامة المتقين فلم
يكن منهم.
150

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: معنى قوله: نحن المثاني أي نحن
الذين قرننا النبي صلى الله عليه وآله إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا، فأخبر أمته
بأن لا نفترق حتى نرد عليه حوضه (1).
7 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى
عن علي بن سيف، عن أخيه الحسين بن سيف (2)، عن أبيه سيف بن عميرة النخعي
عن خيثمة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل (كل شئ هالك
إلا وجهه) قال: دينه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام دين الله، ووجهه
وعينه في عباده، ولسانه الذي ينطق به، ويده على خلقه، ونحن وجه الله الذي يؤتى
منه، لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم روية، قلت: وما الروية؟ قال: الحاجة
فإذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع ما أحب (3).
8 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي،
قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثنا بكر، عن الحسن بن سعيد،
عن الهيثم بن عبد الله، عن مروان بن صباح، قال: أبو عبد الله عليه السلام: إن الله
عز وجل خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا (4) وجعلنا عينه في
عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، و
وجهه الذي يؤتي منه، وبابه الذي يدل عليه، وخزائنه في سمائه وأرضه (5) بنا

(1) (حوضه) منصوب على الظرفية، وفي نسخة (ب) و (ط) (حتى نرد على حوضه).
(2) هكذا في النسخ، والظاهر على العكس برواية الحسين عن أخيه على كما في
الحديث الثامن والتاسع والعاشر والثاني عشر والثالث عشر من الباب الأول وغيرها.
(3) المراد بها ما يتعلق به إرادته تعالى كحاجة الإنسان التي يتعلق بها إرادته من
دون احتياج له تعالى.
(4) في نسخة (ب) و (د) و (و) (فأحسن صورتنا).
(5) في نسخة (ب) و (ج) و (و) (وخزانه في سمائه وأرضه).
151

أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار وجرت الأنهار، وبنا نزل غيث السماء ونبت
عشب الأرض، بعبادتنا عبد الله، ولولا نحن ما عبد الله.
9 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر
الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز، عن
ابن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله واحد، أحد، متوحد
بالوحدانية، متفرد بأمره، خلق خلقا ففوض إليهم أمر دينه، فنحن هم يا ابن
أبي يعفور نحن حجة الله (1) في عباده، وشهداؤه على خلقه، وأمناؤه على وحيه، و
خزانه على علمه، ووجهه الذي يؤتي منه وعينه في بريته، ولسانه الناطق، و
قلبه الواعي، وبابه الذي يدل عليه، ونحن العاملون بأمره، والداعون إلى
سبيله، بنا عرف الله، وبنا عبد الله، نحن الأدلاء على الله، ولولانا ما عبد الله، (2).
10 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن
علي بن الحسين السكري، قال: حدثنا الحكم بن أسلم، قال: حدثنا ابن
علية (3) عن الجريري، عن أبي الورد بن ثمامة، عن علي عليه السلام، قال: سمع
النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يقول لرجل: قبح الله وجهك ووجه من يشبهك، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
مه، لا تقل هذا، فإن الله خلق آدم على صورته.
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله تركت المشبهة من هذا الحديث أوله و
قالوا: إن الله خلق آدم على صورته، فضلوا في معناه وأضلوا.
11 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي -

(1) كذا.
(2) جعلهم الله تعالى منه منزلة الأعضاء من الإنسان لأن أمره تعالى
جار في خلقه بهم ومن طريقهم كما يدل عليه الآيات والأخبار، فلا يلزم من ذلك أن يكون
لله تعالى أعضاء ولا أن يكونوا هم الله الواحد الأحد المتوحد بالوحدانية المتفرد بالأمر،
تعالى عما يقول الجاهلون، وفي نسخة (و) نحن القائمون بأمره، وفي نسخة (ب) و (ج)
و (د) (نحن القائلون بأمره).
(3) هو إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية. والجريري هو أبو مسعود سعيد بن أياس.
152

ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، قال:
قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
إن الله خلق آدم على صورته، فقال: قاتلهم الله، لقد حذفوا أول الحديث، إن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر برجلين يتسابان، فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبح الله وجهك
ووجه من يشبهك، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك، فإن الله عز وجل
خلق آدم على صورته (1).
13 - باب تفسير قول الله عز وجل:
(يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا
الحسين بن الحسن، قال: حدثنا بكر، عن أبي عبد الله البرقي، عن عبد الله بن
بحر، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام فقلت:
قوله عز وجل: (يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) (2)؟ فقال: اليد في
كلام العرب القوة والنعمة، قال: (واذكر عبدنا داود ذا الأيد) (3) وقال: (والسماء
بنيناها بائيد) (4) أي بقوة وقال: (وأيدهم بروح منه) (5) أي قواهم ويقال: لفلان
عندي أيادي كثيرة أي فواضل وإحسان، وله عندي يد بيضاء أي نعمة (6).
2 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب
الكليني، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن -

(1) قد مر ذكر وجوه لهذه الرواية في ذيل الحديث الثامن عشر من الباب السادس.
(2) ص: 75.
(3) ص: 17.
(4) الذاريات: 47.
(5) المجادلة: 22.
(6) المشهور أن لفظ اليد ناقص يائي حذفت ياؤه، ومن هذا الحديث يظهر أنه مهموز
الفاء حذفت فاؤه.
153

سيف، عن محمد بن عبيدة، قال: سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل لإبليس:
(ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت)؟ قال: يعني بقدرتي وقوتي.
قال مصنف هذا الكتاب: سمعت بعض مشايخ الشيعة بنيسابور يذكر في هذه
الآية أن الأئمة عليهم السلام كانوا يقفون على قوله: (ما منعك أن تسجد لما خلقت) ثم
يبتدؤون بقوله عز وجل: (بيدي أستكبرت أم كنت من العالين) وقال: هذا
مثل قول القائل: بسيفي تقاتلني وبرمحي تطاعنني، كأنه يقول عز وجل: بنعمتي
قويت على الاستكبار والعصيان.
14 - باب تفسير قول الله عز وجل:
(يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود) (1)
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا
الحسين بن الحسن، عن بكر، عن الحسين بن سعد، عن أبي الحسن عليه السلام في
قوله عز وجل: (يوم يكشف عن ساق) قال: حجاب من نور يكشف، فيقع
المؤمنون سجدا، وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود (2).
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن
ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله
عز وجل: (يوم يكشف عن ساق) قال: تبارك الجبار، ثم أشار إلى ساقه فكشف
عنها الإزار، قال: ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون، قال: أفحم القوم (3)

(1) القلم: 42.
(2) تدمج على صيغة المجهول، والدمج دخول شئ في شئ مستحكما، كأنه يدخل
في أصلابهم شئ يمنعهم عن الانحناء فلا يستطيعون السجود.
(3) الافحام الاسكات بالحجة، وفي نسخة (ط) و (ن) و (د) بالقاف وهو الادخال
في مكان بالعنف.
154

ودخلتهم الهيبة، وشخصت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، خاشعة أبصارهم
ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون.
قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب: قوله عليه السلام: تبارك الجبار وأشار إلى
ساقه فكشف عنها الإزار، يعني به: تبارك الجبار أن يوصف بالساق الذي هذا صفته.
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن
الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسين بن
موسى، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز و
جل: (يوم يكشف عن ساق) قال: كشف إزاره عن ساقه، ويده الأخرى على رأسه
فقال: سبحان ربي الأعلى.
قال مؤلف هذا الكتاب: معنى قوله: (سبحان ربي الأعلى) تنزيه لله عز
وجل أن يكون له ساق.
15 - باب تفسير قول الله عز وجل:
(الله نور السماوات والأرض - إلى آخر الآية) (1)
1 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن
يزيد، عن العباس بن هلال، قال: سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل:
(الله نور السماوات والأرض) فقال: هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض. وفي
رواية البرقي: هدى من في السماوات وهدى من في الأرض.
قال مصنف هذا الكتاب: إن المشبهة تفسر هذه الآية على أنه ضياء السماوات
والأرض، ولو كان كذلك لما جاز أن توجد الأرض مظلمة في وقت من الأوقات
لا بالليل ولا بالنهار (2) لأن الله هو نورها وضياؤها على تأويلهم وهو موجود غير

(1) النور: 35.
(2) في نسخة (ط) و (ن) (لما جاز أن توجد في الأرض ظلمة - الخ).
155

معدوم، فوجودنا الأرض مظلمة بالليل (1) ووجودنا داخلها أيضا مظلما بالنهار يدل
على أن تأويل قوله: (الله نور السماوات والأرض) هو ما قاله الرضا عليه السلام دون
تأويله المشبهة، فإنه عز وجل هاد لأهل السماوات والأرض، المبين لأهل
السماوات والأرض أمور دينهم ومصالحهم، فلما كان بالله وبهداه يهتدي أهل
السماوات والأرض إلى صلاحهم وأمور دينهم كما يهتدون بالنور الذي خلق الله لهم
في السماوات والأرض إلى صلاح دنياهم قال: إنه نور السماوات والأرض على هذا
المعنى، وأجرى على نفسه هذا الاسم توسعا ومجازا، لأن العقول دالة على أن الله
عز وجل لا يجوز أن يكون نورا ولا ضياء ولا من جنس الأنوار والضياء، لأنه
خالق الأنوار وخالق جميع أجناس الأشياء، وقد دل على ذلك أيضا قوله: (مثل
نوره) وإنما أراد به صفة نوره، وهذا النور هو غيره، لأنه شبهه بالمصباح وضوئه
الذي ذكره ووصفه في هذه الآية، ولا يجوز أن يشبه نفسه بالمصباح، لأن الله لا شبه
له ولا نظير، فصح أن نوره الذي شبهه بالمصباح إنما هو دلالته أهل السماوات و
الأرض على مصالح دينهم وعلى توحيد ربهم وحكمته وعدله، ثم بين وضوح
دلالته هذه وسماها نورا من حيث يهتدي بها عبادة إلى دينهم وصلاحهم، فقال:
مثله كمثل كوة وهي المشكاة فيها المصباح والمصباح هو السراج في زجاجة صافية
شبيهة بالكوكب الدري في صفائه، والكوكب الدري، هو الكوكب المشبه
بالدر في لونه، وهذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية يتوقد من زيت
زيتونة مباركة، وأراد به زيتون الشام لأنه يقال: إنه بورك فيه لأهله وعنى
عز وجل بقوله: (لا شرقية ولا غربية) أن هذه الزيتونة ليست بشرقية فلا تسقط
الشمس عليها في وقت الغروب، ولا غربية فلا تسقط الشمس عليها في وقت الطلوع،
بل هي في أعلى شجرها والشمس تسقط عليها في طول نهارها فهو أجود لها وأضوء
لزيتها، ثم أكد وصفه لصفاء زيتها فقال: (يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار) لما
فيها من الصفاء فبين أن دلالات الله التي بها دل عباده في السماوات والأرض على

(1) في البحار نقلا عن التوحيد (فوجود الأرض مظلمة بالليل).
156

مصالحهم وعلى أمور دينهم هي في الوضوح والبيان بمنزلة هذا المصباح الذي في هذه
الزجاجة الصافية ويتوقد بها الزيت الصافي الذي وصفه، فيجتمع فيه ضوء النار
مع ضوء الزجاجة وضوء الزيت وهو معنى قوله: (نور على نور) وعنى بقوله
عز وجل: (يهدي الله لنوره من يشاء) يعني من عباده وهم المكلفون ليعرفوا بذلك
ويهتدوا به ويستدلوا به على توحيد ربهم وسائر أمور دينهم، وقد دل الله عز وجل
بهذه الآية وبما ذكره من وضوح دلالاته وآياته التي دل بها عباده على دينهم أن أحد
منهم لم يؤت فيما صار إليه من الجهل ومن تضييع الدين لشبهة ولبس دخلا عليه
في ذلك من قبل الله عز وجل، إذ كان الله عز وجل قد بين لهم دلالاته وآياته على
سبيل ما وصف، وإنهم إنما أتوا في ذلك من قبل أنفسهم بتركهم النظر في دلالات
الله واستدلال بها على الله عز وجل وعلى صلاحهم في دينهم، وبين أنه بكل شئ من
مصالح عباده ومن غير ذلك عليم.
2 - وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: (الله نور السماوات
والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) فقال: هو مثل ضربه الله لنا، فالنبي صلى الله عليه وآله
والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين من دلالات الله وآياته التي يهتدى بها إلى التوحيد ومصالح
الدين وشرائع الإسلام والفرائض والسنن، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
3 - وتصديق ذلك ما حدثنا به إبراهيم بن هارون الهيتي بمدينة السلام، قال:
حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج، قال: حدثنا الحسين بن أيوب، عن محمد بن غالب
عن علي بن الحسين، عن الحسن بن أيوب، عن الحسين بن سليمان، عن محمد بن
مروان الذهلي عن الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: (الله
نور السماوات والأرض)؟ قال: كذلك الله عز وجل، قال: قلت: (مثل نوره)؟
قال: محمد صلى الله عليه وآله، قلت (كمشكاة)؟ قال: صدر محمد صلى الله عليه وآله، قال: قلت: (فيها
مصباح)؟ قال: فيه نور العلم يعني النبوة، قلت: (المصباح في زجاجة)؟ قال:
علم رسول الله صلى الله عليه وآله صدر إلى قلب علي عليه السلام، قلت: (كأنها)؟ قال: لأي شئ
157

تقرأ كأنها، فقلت: فكيف جعلت فداك؟ قال: كأنها كوكب دري (1) قلت:
(يوقد من شجرة زيتونة مباركة لا شرقية ولا غربية)؟ قال: ذلك أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب عليه السلام لا يهودي ولا نصراني، قلت: (يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه
نار)؟ قال: يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد من قبل أن ينطق به (2)،
قلت: (نور على نور)؟ قال: الإمام في إثر الإمام عليه السلام.
4 - حدثنا إبراهيم بن هارون الهيتي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي -
الثلج، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين الزهري، قال: حدثنا أحمد بن
صبيح قال: حدثنا ظريف بن ناصح، عن عيسى بن راشد، عن محمد بن علي بن
الحسين عليهم السلام في قوله عز وجل: (كمشكاة فيها مصباح)، قال: المشكاة نور العلم
في صدر النبي صلى الله عليه وآله (المصباح في زجاجة) الزجاجة صدر علي عليه السلام، صار علم
النبي صلى الله عليه وآله إلى صدر علي عليه السلام (الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من
شجرة مباركة) قال: نور، (لا شرقية ولا غربية) قال: لا يهودية ولا نصرانية
(يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار) قال: يكاد العالم من آل محمد عليهم السلام يتكلم بالعلم
قبل أن يسأل، (نور على نور) يعني: إماما مؤيدا بنور العلم والحكمة في إثر إمام
من آل محمد عليهم السلام، وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة.
فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله عز وجل خلفاءه في أرضه وحججه على خلقه
لا تخلو ا الأرض في كل عصر من واحد منهم عليهم السلام، يدل على صحة ذلك قول أبي طالب
في رسول الله صلى الله عليه وآله:
أنت الأمين محمد قرم أغر مسود * لمسودين أطائب كرموا وطاب المولد
أنت السعيد من السعود تكنفتك الأسعد * من لدن آدم لم يزل فينا وصي مرشد
فلقد عرفتك صادقا بالقول لا تتفند * ما زلت تنطق بالصواب وأنت طفل أمرد
يقول: ما زلت تتكلم بالعلم قبل أن يوحى إليك وأنت طفل كما قال

(1) تذكير الضمير باعتبار تأويل الزجاجة بقلب أمير المؤمنين عليه السلام.
(2) أي من قبل أن يسأل عنه، كما في الحديث التالي.
158

إبراهيم عليه السلام وهو صغير لقومه: (إني برئ مما تشركون) (1) وكما تكلم
عيسى عليه السلام في المهد فقال: (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا
أينما كنت - الآية) (2).
ولأبي طالب في رسول الله صلى الله على وآله وسلم مثل ذلك في قصيدته اللامية حين يقول:
وما مثله في الناس سيد معشر * إذا قايسوه عند وقت التحاصل
فأيده رب العباد بنوره * وأظهر دينا حقه غير زائل
ويقول فيها: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للأرامل
تطيف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
وميزان صدق لا يخيس شعيرة * وميزان عدل وزنه غير عائل
5 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن أسلم الجبلي، عن الخطاب بن عمر (3)
ومصعب بن عبد الله الكوفيين، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله
عز وجل: (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة) فالمشكاة صدر نبي الله
صلى الله عليه وآله فيه المصباح، والمصباح هو العلم في الزجاجة والزجاجة أمير المؤمنين عليه السلام
وعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنده.
16 - باب تفسير قول الله عز وجل:
(نسوا الله فنسيهم) (4)
1 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب
الكليني، قال: حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان، قال: حدثنا أبو حامد عمران

(1) الأنعام: 78.
(2) مريم: 31.
(3) في نسخة (و) و (ب) و (د) (عن الخطاب أبي عمر) ولم أجده.
(4) التوبة: 67.
159

ابن موسى بن إبراهيم، عن الحسن بن القاسم الرقام، عن القاسم بن مسلم، عن
أخيه عبد العزيز بن مسلم، قال: سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام عن قول الله
عز وجل: (نسوا الله فنسيهم) فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينسى ولا يسهو، وإنما
ينسى ويسهو المخلوق المحدث، ألا تسمعه عز وجل يقول: (وما كان ربك نسيا) (1) وإنما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم، كما قال عز وجل:
(ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنسيهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) (2) وقوله عز وجل
(فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) (3) أي نتركهم كما تركوا الاستعداد
للقاء يومهم هذا.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: قوله: نتركهم أي لا نجعل لهم ثواب
من كان يرجوا لقاء يومه، لأن الترك لا يجوز على الله عز وجل، وأما قول الله
عز وجل: (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) (4) أي لم يعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم
ليتوبوا (5).
17 - باب تفسير قوله عز وجل:
(والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه) (6)
1 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
يعقوب الكليني، قال: حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان الكليني، قال: حدثنا
محمد بن عيسى بن عبيد، قال: سألت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام، عن

(1) مريم: 64.
(2) الحشر: 19.
(3) الأعراف: 51.
(4) البقرة: 17.
(5) حاصل كلام الإمام عليه السلام أن الله تعالى لا ينسى ولا يسهو بل ينسى غيره مجازاة، و
أما نسيانه فهو بمعنى الترك، ومراد الصدوق رحمه الله أن تركه تعالى ليس ترك إهمال و
سدى بل على وجوه أخرى كترك الأخذ بالعجلة.
(6) الزمر: 67.
160

قول الله عز وجل: (والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه)
فقال: ذلك تعيير الله تبارك وتعالى لمن شبهه بخلقه، ألا ترى أنه، قال: (وما قدروا
الله حق قدره) ومعناه إذ قالوا: إن الأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات
مطويات بيمينه، كما قال عز وجل: (وما قدروا الله حق قدره) إذ قالوا: (ما
أنزل الله على بشر من شئ) (1) ثم نزه عز وجل نفسه عن القبضة واليمين فقال:
(سبحانه وتعالى عما يشركون) (2).
2 - حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن يحيى
ابن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم
ابن بهلول، عن أبيه، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران، قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (والأرض جميعا قبضته يوم القيمة) فقال:
يعني ملكه لا يملكها معه أحد، والقبض من الله تبارك وتعالى في موضع آخر المنع
والبسط، منه الاعطاء والتوسيع، كما قال عز وجل: (والله يقبض ويبسط وإليه
ترجعون) (3) يعني يعطي ويوسع ويمنع ويضيق، والقبض منه عز وجل في وجه

(1) الأنعام: 91.
(2) مراده عليه السلام أن قوله تعالى: (والأرض جميعا - الخ) حكاية قول من شبه الله بخلقه
بتقدير إذ قالوا كما في الآية الأخرى، فيكون قوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره)
تعييرا من الله عليهم لقولهم ذلك، فلذا نزه نفسه في آخر الآية غن ذلك لأنه تشبيه له بخلقه
كما أنه تعالى عيرهم في الآية الأخرى لقولهم: ما أنزل الله، ثم إن (إذ) في الموضعين للتعليل
قال العلامة المجلسي في البحار في الصفحة الثانية من الجزء الرابع من الطبعة الحديثة:
هذا وجه حسن لم يتعرض له المفسرون، ويؤيده أن العامة رووا (أن يهوديا أتى النبي
صلى الله عليه وآله وذكر نحوا من ذلك فيضحك صلى الله عليه وآله، وهذا التفسير لا ينافي ما
في الحديث التالي وغيره لأن المتشابهات تحمل على بعض الوجوه الحقة المحكمة أو على
جميعها بدلالة من الراسخين في العلم.
(3) البقرة: 245.
161

آخر الأخذ (1) في وجه القبول منه كما قال: (ويأخذ الصدقات) (2)
أي يقبلها من أهلها ويثيب عليها، قلت: فقوله عز وجل: (والسماوات مطويات
بيمينه)؟ قال: اليمين اليد، واليد القدرة والقوة، يقول عز وجل: السماوات
مطويات بقدرته وقوته، سبحانه وتعالى عما يشركون.
18 - باب تفسير قول الله عز وجل:
(كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (3)
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي، قال: حدثنا أحمد بن
محمد بن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال،
عن أبيه، قال: سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام، عن قول الله عز وجل: (كلا
إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فقال: إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يحل
فيه فيحجب عنه فيه عباده، ولكنه يعني، إنهم عن ثواب ربهم لمحجوبون.
19 - باب تفسير قوله عز وجل:
(وجاء ربك والملك صفا صفا) (4)
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي، قال: حدثنا أحمد
ابن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن
فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام، عن قول الله عز وجل
(وجاء ربك والملك صفا صفا) فقال: إن الله عز وجل لا يوصف بالمجئ والذهاب
تعالى عن الانتقال، إنما يعني بذلك وجاء أمر ربك والملك صفا صفا.

(1) في نسخة (ج) وحاشية نسخة (ب) (في موضع آخر الأخذ).
(2) التوبة: 104.
(3) المطففين: 15.
(4) الفجر: 22.
162

20 - باب تفسير قوله عز وجل:
(هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) (1)
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي، قال: حدثنا أحمد
ابن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن
فضال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسى عليهما السلام، قال: سألته عن قول الله عز وجل:
(هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) قال: يقول: هل ينظرون
إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام، وهكذا نزلت.
21 - باب تفسير قوله عز وجل:
(سخر الله منهم) (2) وقوله عز وجل: (الله يستهزئ بهم) (3)
وقوله عز وجل: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) (4)
وقوله عز وجل: (يخادعون الله وهو خادعهم) (5)
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال حدثنا أحمد بن محمد بن
سعيد الكوفي الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه،
عن الرضا علي بن موسى عليهما السلام، قال: سألته عن قول الله عز وجل (سخر الله منهم) وعن
قول الله عز وجل: (الله يستهزئ بهم) وعن قوله: (ومكروا ومكر الله) وعن قوله
(يخادعون الله وهو خادعهم) فقال: إن الله تبارك وتعالى لا يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر
ولا يخادع ولكنه عز وجل يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الاستهزاء، وجزاء
المكر والخديعة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. (6).

(1) البقرة: 210.
(2) التوبة: 79.
(3) البقرة: 15.
(4) آل عمران: 54.
(5) النساء: 142.
(6) إن الله تبارك وتعالى ذاته الأحدية منزهة عن كل حدوث وتركيب وتغير وزوال
وإمكان ونقصان بالبراهين العقلية والنقلية، وإنما هو الله عز وجل وخلقه لا ثالث بينهما
ولا ثالث غيرهما فكل ما أسند إليه تعالى في الكتاب والسنة باعتبار مما تنزه تعالى عنه
بالبراهين فهو راجع إلى خلقه الممكن فيه ذلك، أو يؤول إلى ما يليق بقدسه. وهذان
الوجهان مذكوران في كثير من أحاديث هذا الكتاب فاستبصر.
163

22 - باب معنى جنب الله عز وجل:
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله: قال:
حدثنا محمد بن جعفر الكوفي (1)، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي الكوفي،
عن عمه الحسين بن يزيد، عن علي بن الحسين، عمن حدثه، عن عبد الرحمن بن
كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أنا علم الله، وأنا
قلب الله الواعي، ولسان الله الناطق، وعين الله، وجنب الله، وأنا يد الله.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: معنى قوله عليه السلام: وأنا قلب الله الواعي
أي أنا القلب الذي جعله الله وعاء لعلمه، وقلبه إلى طاعته، وهو قلب مخلوق الله
عز وجل كما هو عبد الله عز وجل، ويقال: قلب الله كما يقال: عبد الله وبيت الله
وجنة الله ونار الله. وأما قوله: عين الله، فإنه يعني به: الحافظ لدين الله، وقد
قال الله عز وجل: (تجري بأعيننا) (2) أي بحفظنا، وكذلك قوله عز وجل: (و
لتصنع على عيني) (3) معناه على حفظي.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا الحسين
ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن ابن سنان،
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته: أنا
الهادي، وأنا المهتدي، وأنا أبو اليتامى والمساكين وزوج الأرامل، وأنا ملجأ كل

(1) هو أبو الحسين محمد بن جعفر بن عون الأسدي الكوفي المذكور في كثير من أسانيد
الكتاب بعنوان محمد بن أبي عبد الله.
(2) القمر: 14.
(3) طه: 39.
164

ضعيف ومأمن كل خائف، وأنا قائد المؤمنين إلى الجنة، وأنا حبل الله المتين، و
أنا عروة الله الوثقى وكلمة التقوى، وأنا عين الله ولسانه الصادق ويده، وأنا جنب الله
الذي يقول: (أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) (1) وأنا يد الله
المبسوطة على عباده بالرحمة والمغفرة، وأنا باب حطة، من عرفني وعرف حقي
فقد عرف ربه لأني وصي نبيه في أرضه، وحجته على خلقه، لا ينكر هذا إلا
راد على الله ورسوله.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: الجنب الطاعة في لغة العرب، يقال:
هذا صغير في جنب الله أي في طاعة الله عز وجل، فمعنى قول أمير المؤمنين عليه السلام: أنا
جنب الله أي أنا الذي ولايتي طاعة الله، قال الله عز وجل: (أن تقول نفس يا حسرتي
على ما فرطت في جنب الله) أي في طاعة الله عز وجل (2).
23 - باب معنى الحجزة
1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن
أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن محمد بن
بشر الهمداني (3) قال: سمعت محمد بن الحنفية يقول: حدثني أمير المؤمنين عليه السلام
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة آخذ بحجزة الله، ونحن آخذون بحجزة نبينا، و
شيعتنا آخذون بحجزتنا، قلت: يا أمير المؤمنين وما الحجزة؟ قال: الله أعظم من
أن يوصف بالحجزة أو غير ذلك، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذ بأمر الله، ونحن آل
محمد آخذون بأمر نبينا وشيعتنا آخذون بأمرنا.
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى

(1) الزمر: 56.
(2) قد مر الكلام جملة في أمثال هذه الأحاديث المروية عنهم عليهم السلام في ذيل
الحديث التاسع من الباب الثاني عشر، والشاهد لما قلنا ما في الباب الرابع والعشرين.
(3) في نسخة (و) وحاشية نسخة (ب) محمد بن بشير الهمداني.
165

عن الحسن بن علي الخزاز، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة آخذ بحجزة الله، ونحن آخذون بحجزة نبينا، وشيعتنا آخذون
بحجزتنا ثم قال: والحجزة النور.
3 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني
علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن يوسف (1)، عن عبد السلام، عن عمار
ابن أبي اليقظان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة
آخذا بحجزة ربه، ونحن آخذون بحجزة نبينا، وشيعتنا آخذون بحجزتنا،
فنحن وشيعتنا حزب الله، وحزب الله هم الغالبون، والله ما نزعم أنها حجزة الإزار
ولكنها أعظم من ذلك، يجئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذا بدين الله، ونجئ نحن آخذين
بدين نبينا وتجئ شيعتنا آخذين بديننا.
4 - وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (الصلاة حجزة الله) وذلك أنها
تحجز المصلي عن المعاصي ما دام في صلاته (3) قال الله عز وجل: (إن الصلاة تنهي
عن الفحشاء والمنكر) (4).

(1) في نسخة (و) (الحسين بن يوسف).
(2) في البحار باب معنى حجزة الله في الجزء الرابع من الطبعة الحديثة وفي نسخة (و)
عن عمار عن أبي اليقظان، وفي نسخة (ب) و (د) عن عمار أبي اليقظان، والصحيح
هو الأخير.
(3) الحجزة في اللغة موضع شد الإزار والحزام والتكة وقيل لها الحجزة أيضا
للمجاورة، ثم استعيرت في الكلام لسبب القائم بمن يلتجأ إليه به ويعتصم به عن الهلاك،
فإن دين الله ونوره وأمره وصلاته كما في هذه الأحاديث كذلك، والحجزة في الحديث
كالعروة الوثقى في الآية.
(4) العنكبوت: 45.
166

24 - باب معنى العين والأذن واللسان
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد
ابن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عن
محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن لله عز وجل خلقا من رحمته
خلقهم من نوره ورحمته من رحمته لرحمته (1) فهم عين الله الناظرة، وأذنه السامعة
ولسانه الناطق في خلقه بإذنه، وأمناؤه على ما أنزل من عذر أو نذر أو حجة،
فبهم يمحو السيئات، وبهم يدفع الضيم، وبهم ينزل الرحمة، وبهم يحيي ميتا،
وبهم يميت حيا، وبهم يبتلي خلقه، وبهم يقضي في خلقه قضيته، قلت: جعلت
فداك من هؤلاء؟ قال: الأوصياء.
25 - باب معنى قوله عز وجل:
(وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه
مبسوطتان).
1 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن أبي -
عبد الله البرقي، عن أبيه، عن علي بن نعمان، عن إسحاق بن عمار، عمن سمعه
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في قوله الله عز وجل: (وقالت اليهود يد الله مغلولة):
لم يعنوا أنه هكذا، ولكنهم قالوا: قد فرغ من الأمر، فلا يزيد ولا ينقص، فقال
الله جل جلاله تكذيبا لقولهم: (غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان
ينفق كيف يشاء) (2) ألم تسمع الله عز وجل يقول: (يمحو الله ما يشاء ويثبت و

(1) في نسخة (ج) و (د) (إن الله عز وجل خلقا خلقهم من نوره - الخ) وفي نسخة (ب)
و (و) (إن لله عز وجل خلقا خلقهم من نوره ورحمة من رحمته لرحمته) ورحمة بالتنوين
عطف على خلقا.
(2) المائدة: 64.
167

عنده أم الكتاب). (1)
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، عن المشرقي، عن عبد الله بن قيس (2) عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول: (بل يداه مبسوطتان) فقلت: له
يدان هكذا، وأشرت بيدي إلى يده، فقال: لا، لو كان هكذا لكان مخلوقا.
26 - باب معنى رضاه عز وجل وسخطه
1 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثني أحمد بن إدريس، عن أحمد بن أبي -
عبد الله، عن محمد عيسى اليقطيني، عن المشرقي، عن حمزة بن الربيع (3)، عمن
ذكره، قال: كنت في مجلس أبي جعفر عليه السلام إذ دخل عليه عمرو بن عبيد فقال له
جعلت فداك قول الله تبارك وتعالى: (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) (4) ما ذلك
الغضب؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: هو العقاب يا عمرو، إنه من زعم أن الله عز وجل
زال من شئ إلى شئ فقد وصفه صفة مخلوق، إن الله عز وجل لا يستفزه شئ
ولا يغيره.
2 - وبهذا الإسناد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه رفعه إلى أبي عبد الله
عليه السلام في قوله الله عز وجل: (فلما آسفونا انتقمنا) (5) قال: إن الله تبارك وتعالى
لا يأسف كأسفنا، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون، وهم مخلوقون

(1) الرعد: 39.
(2) في نسخة (ب) و (د) و (و) (عن المشرقي عبد الله بن قيس) وفي معاني الأخبار ص 18
هذا الخبر بإسناده (عن محمد بن عيسى عن المشرقي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام) وفي
الكافي ج 1 ص 110 باب الإرادة في حديث (عن محمد بن عيسى عن المشرقي حمزة بن
المرتفع). وفي المعاني باب رضي الله (عن محمد بن عيسى اليقطيني عن المشرقي حمزة بن
الربيع)).
(3) كذا وتقدم الكلام فيه.
(4) طه: 81.
(5) الزخرف: 55.
168

مدبرون، فجعل رضاهم لنفسه رضى وسخطهم لنفسه سخطا، وذلك لأنه جعلهم الدعاة
إليه والأدلاء عليه، فلذلك صاروا كذلك، وليس أن ذلك يصل إلى الله كما يصل
إلى خلقه، ولكن هذا معنى ما قال من ذلك، وقد قال أيضا: (من أهان لي وليا
فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها). وقال أيضا: (من يطع الرسول فقد أطاع
الله) (1) وقال أيضا: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) (2) وكل هذا وشبهه
على ما ذكرت لك، هكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك
ولو كان يصل إلى المكون الأسف والضجر وهو الذي أحدثهما وأنشأهما لجاز لقائل
أن يقول: إن المكون يبيد يوما ما، لأنه إذا دخله الضجر والغضب دخله التغيير
وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكون
من المكون، ولا القادر من المقدور، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا
القول علوا كبيرا، هو الخالق للأشياء لا لحاجة، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد
والكيف فيه، فافهم ذلك إن شاء الله (3).
3 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم
أن رجلا سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الله تبارك وتعالى له رضا وسخط؟ فقال: نعم،
وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، وذلك أن الرضا والغضب دخال يدخل
عليه فينقله من حال إلى حال، معتمل، مركب، للأشياء فيه مدخل (4) وخالقنا
لا مدخل للأشياء فيه، واحد، أحدي الذات، وأحدي المعنى، فرضاه ثوابه و
سخطه عقابه من غير شئ يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال، فإن ذلك صفة
المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى القوي العزيز الذي لا حاجة

(1) النساء: 80.
(2) الفتح: 10.
(3) إذا كان لا لحاجة كان واجب الوجود، وواجب الوجود يستحيل أن يحد أو يكيف.
(4) قوله: معتمل على صيغة المفعول أي منفعل يتأثر من الأشياء، وتقدير الكلام:
لأن المخلوق معتمل - الخ، كما في الكافي.
169

به إلى شئ مما خلق، وخلقه جميعا محتاجون إليه، أنما خلق الأشياء من غير
حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا.
4 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري
قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه،
قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، فقلت له: يا ابن رسول الله أخبرني عن الله
عز وجل هل له رضا وسخط؟ فقال: نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين
ولكن غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه.
27 - باب معنى قوله عز وجل:
(ونفخت فيه من روحي) (1)
1 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن
هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن مسلم، قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن قوله الله عز وجل: (ونفخت فيه من روحي) قال: روح
اختاره الله واصطفاه وخلقه إلى نفسه وفضله على جميع الأرواح، فأمر
فنفخ منه في آدم (2).

(1) الحجر: 29، وص 72.
(2) نفخ الروح ذكر في القرآن في مواضع: بدن آدم، رحم مريم أي بدن عيسى
الذي سواه الله في رحمها، الطين كهيئة الطير التي خلقها عيسى، والنافخ في الموضع الأول
والثاني ملك بإذن الله لما في الحديث السادس ولقوله تعالى: فأرسلنا إليها روحنا
فتمثل لها بشرا سويا) وفي الموضع الثالث عيسى عليه السلام بإذن الله لقوله تعالى: (إني
أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله) ثم يحتمل أن تكون
لفظة (من) في قوله تعالى: (ونفخت فيه من روحي) نشوية ابتدائية أي نفخت فيه من طريق
ملك وبواسطته وسمى ذلك الملك روحا فأضافه إلى نفسه كما في قوله تعالى في قصة عيسى:
(فأرسلنا إليها روحنا - الآية) فمعنى كان روح اختاره الله واصطفاه - الخ، فأمر الله
فنفخ الله في آدم من طريقه وبواسطته ويقرب هذا الاحتمال قوله تعالى: (إن مثل عيسى
عند الله كمثل آدم - الآية) فإن النفخ في بدن عيسى في رحم مريم بواسطة الملك قطعا.
170

2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد
ابن عيسى، عن ابن فضال، عن الحلبي، وزرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
إن الله تبارك وتعالى أحد، صمد، ليس له جوف، وإنما الروح خلق من خلقه،
نصر وتأييد وقوة، يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين (1).
3 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين
ابن الحسن، قال: حدثنا بكر بن صالح، عن القاسم بن عروة، عن عبد الحميد
الطائي، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل:
(ونفخت فيه من روحي) كيف هذا النفخ؟ فقال: إن الروح متحرك كالريح،
وإنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح، وإنما أخرجه على لفظ الروح
لأن الروح مجانس للريح، وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر
الأرواح كما اصطفى بيتا من البيوت، فقال: بيتي، وقال لرسول من الرسل:
خليلي، وأشباه ذلك، وكل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبرا (2).
4 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن -

(1) الظاهر أن المراد به غير ما نحن فيه، بل هو ما في قوله تعالى في وصف المؤمنين
(أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه).
(2) الريح هو الهواء المتحرك وأصله الواو كالروح قلبت ياء لكسرة ما قبلها، و
الروح ما يقوم به الحياة في الشئ، والحياة منشأ الادراك والفعل، وأما تحركه كالريح
ففي الروح ما يقوم البخاري المعروف عند الأطباء الذي هو البخار اللطيف المنبعث من القلب
الساري في جميع البدن، وأما الروح التي هي النفس الناطقة التي هي محل العلوم و
الكمالات الإنسانية ومدبرة للبدن فمتحركة حركة تناسب حقيقتها نظير حرة الفكر المذكورة
في المنطق.
171

إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي جعفر الأصم،
قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الروح التي في آدم عليه السلام والتي في عيسى عليه السلام
ماهما؟ قال: روحان مخلوقان اختارهما واصطفاهما، روح آدم عليه السلام وروح
عيسى عليه السلام.
5 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد
ابن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا علي بن
العباس، قال: حدثنا علي بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير،
عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل: (ونفخت فيه من روحي) قال: من
قدرتي (1).
6 - حدثنا محمد بن أحمد السناني، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب،
وعلي ابن أحمد بن محمد بن عمران رضي الله عنهم قالوا: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي،
قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا علي بن العباس، قال:
حدثنا عبيس بن هشام، عن عبد الكريم بن عمرو، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله
عز وجل: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) قال: إن الله عز وجل خلق
خلقا وخلق روحا) ثم أمر ملكا فنفخ فيه (2) فليست بالتي نقضت من قدرة الله
شيئا من قدرته (3).

(1) هذا تأويل للمتشابه إلى محكم لازم له، ويحتمل أن يكون تفسيرا للروح بالقدرة.
(2) خلق خلقا هو بدن آدم، وخلق روحا هو روح آدم، ثم أمر ملكا فنفخ ذلك
الملك ذلك الروح في بدن آدم، ولا بأس بإسناد النفخ إليه تعالى وإلى الملك أيضا كإسناد
التوفي إليه تعالى وإلى ملك الموت وعماله، ويمكن ارجاع ضمير نفخ إليه تعالى كما في
الحديث الأول.
(3) دفع لتوهم أن الروح التي نفخها الملك ليست مقدورة لله حتى نفخها الملك، لا
بل هي مقدورة له تعالى نفخها بإذنه وأمره وقدرته وإقداره إياه على ذلك، بل نفخه
نفخه تعالى في الواقع كما هو الشأن في التوفي الذي يقابل هذا النفخ، وفي نسخة (ط) و
(ن) وليست بالتي - الخ.
172

28 - باب نفي المكان
والزمان والسكون والحركة والنزول والصعود والانتقال
عن الله عز وجل
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى،
عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سأل نافع بن الأزرق أبا جعفر
عليه السلام فقال: أخبرني عن الله متى كان؟ فقال له: ويلك، أخبرني أنت متى لم يكن
حتى أخبرك متى كان، سبحان من لم يزل ولا يزال فردا صمدا لم يتخذ صاحبة
ولا ولدا.
2 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة،
عن أبي بصير، قال: جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له: يا أبا جعفر أخبرني
عن ربك متى كان؟ فقال: ويلك، إنما يقال لشئ لم يكن فكان: متى كان، إن
ربي تبارك وتعالى كان لم يزل حيا بلا كيف، ولم يكن له كان (1) ولا كان لكونه
كيف، ولا كان له أين، ولا كان في شئ، ولا كان على شئ، ولا ابتدع لكونه
مكانا (2) ولا قوي بعد ما كون شيئا: ولا ضعيفا قبل أن يكون شيئا، ولا كان
مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا، ولا يشبه شيئا مكونا، ولا كان خلوا من (القدرة على)
الملك قبل إنشائه، ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه، لم يزل حيا بلا حياة، وملكا
قادرا قبل أن ينشئ شيئا، وملكا جبارا بعد إنشائه للكون، فليس لكونه كيف،

(1) أي لا يقال له: كان كذا وكذا كونا زمانيا
(2) في نسخة (ب) و (د) و (و) ولا ابتدع لكانه مكانا، وفي نسخة (ج) ولا ابتدع لمكانه
مكانا. كما في الحديث الذي في الباب الحادي عشر.
173

لا له أين، ولا له حد، ولا يعرف بشئ يشبهه، ولا يهرم لطول البقاء، ولا يصعق
لشئ، ولا يجوفه شئ، تصعق الأشياء كلها من خيفته، كان حيا بلا حياة عارية (1)
ولا كون موصوف، ولا كيف محدود، ولا أثر مقفو (2) ولا مكان جاور شيئا، بل
حي يعرف، وملك لم يزل له القدرة والملك، أنشأ ما شاء بمشيته، لا يحد
ولا يبعض، ولا يفنى، كان أولا بلا كيف، ويكون آخرا بلا أين، وكل شئ
هالك إلا وجهه، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين، ويلك أيها السائل، إن
ربي لا تغشاه الأوهام، ولا تنزل به الشبهات، ولا يجار من شئ (3) ولا يجاوره شئ
ولا تنزل به الأحداث، ولا يسأل عن شئ يفعله، ولا يقع على شئ، ولا تأخذه
سنة ولا نوم، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
3 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين
السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن
أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: جاء حبر من الأحبار إلى أمير -
المؤمنين عليه السلام فقال له: يا أمير المؤمنين متى كان ربك؟ فقال له: ثكلتك أمك، و
متى لم يكن حتى يقال: متى كان، كان ربي قبل القبل، بلا قبل ويكون بعد
البعد بلا بعد، ولا غاية ولا منتهى لغايته، انقطعت الغايات عنه، فهو منتهى كل
غاية (4) فقال: يا أمير المؤمنين فنبي أنت؟ فقال: ويلك، إنما أنا عبد من عبيد -

(1) في نسخة (ب) و (ج) و (و) بلا حياة جارية، وفي البحار باب جوامع
التوحيد وفي حاشية نسخة (ن) بلا حياة حادثة.
(2) هذا كناية عن عدم إدراك أحد ذاته، وفي نسخة (د) ولا أثر مفقود. أي آثاره
ظاهرة وإعلامه لائحة.
(3) في نسخة (ط) و (ن) ولا يحاذر من شئ.
(4) قد مضى نظير هذا الحديث والحديث السادس في أواخر الباب الثاني، وكان
الكل واحد.
174

محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: يعني بذلك: عبد طاعته لا غير
ذلك (1).
4 - وروي أنه سئل عليه السلام أين كان ربنا قبل أن يخلق سماء وأرضا؟ فقال عليه السلام:
(أين) سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان.
5 - حدثنا علي بن الحسين بن الصلت رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أحمد
ابن علي بن الصلت، عن عمه أبي طالب عبد الله بن الصلت، عن يونس بن عبد
الرحمن، قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام،: لأي علة عرج الله بنبيه
صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حجب النور، وخاطبه و
ناجاه هناك والله لا يوصف بمكان؟ فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان
ولا يجري عليه زمان، ولكنه عز وجل أراد أن يشرف به ملائكته وسكان سماواته،
ويكرمهم بمشاهدته، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه، وليس ذلك
على ما يقول المشبهون، سبحان الله وتعالى عما يشركون.
6 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى
العطار، عن سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان، عن محمد بن يحيى الخزاز، عن
محمد بن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رأس الجالوت لليهود: إن المسلمين
يزعمون أن عليا، من أجدل الناس وأعلمهم، اذهبوا بنا إليه لعلي أسأله عن مسألة
أخطئه فيها، فأتاه فقال: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن مسألة، قال:
سل عما شئت، قال: يا أمير المؤمنين متى كان ربنا؟ قال: يا يهودي، إنما يقال:
متى كان لمن لم يكن فكان، هو كائن بلا كينونة كائن كان بلا كيف، يا يهودي،

(1) إن العبودية: الإطاعة والخضوع والتعظيم لأحد، وهذا غير منكر، إذا كان هو
أهلا لها والمنكر أن يعتقد فيه الألوهية ولم يكن إلها كالنصارى في عيسى والغالين في بعض
الأئمة عليهم السلام، أو يطاع ويعظم ويخضع له ولم يكن أهلا لها كأكثر الأمة لخلفاء الجور
أو هما معا كالمشركين لأصنامهم، وفي نسخة (و) و (د) عبد طاعة - الخ.
175

كيف يكون له قبل وهو قبل القبل بلا غاية ولا منتهى، غاية ولا غاية إليها، غاية انقطعت الغايات عنه، فهو غاية كل غاية، فقال: أشهد أن دينك الحق وأن ما خالفه باطل.
7 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن هارون الصوفي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى أبو تراب الروياني،
عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا
عليه السلام: يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؟ فقال عليه السلام:
لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذلك، إنما
قال صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تبارك وتعالى ينزل ملكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في
الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فاعطيه؟
هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ يا طالب الخير أقبل، يا طالب
الشر اقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى
محله من ملكوت السماء، حدثني بذلك أبي عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
8 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني
قال: حدثنا علي بن محمد، عن محمد بن سليمان، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن
جعفر بن محمد التميمي، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد (1) عن زيد
ابن علي عليه السلام قال: سألت أبي سيد العابدين عليه السلام فقلت له: يا أبه أخبرني عن
جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما عرج به إلى السماء وأمره ربه عز وجل بخمسين صلاة
كيف لم يسأله التخفيف عن أمته حتى قال له موسى بن عمران عليه السلام: ارجع إلى
ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك؟ فقال عليه السلام: يا بني، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يقترح على ربه عز وجل ولا يراجعه في شئ يأمره به، فلما سأله
موسى عليه السلام ذلك وصار شفيعا لأمته إليه لم يجز له رد شفاعة أخيه موسى عليه السلام،
فرجع إلى ربه عز وجل فسأله التخفيف إلى أن ردها إلى خمس صلوات، قال:

(1) في نسخة (ج) و (ط) و (ن) (عمر بن خالد) وهو تصحيف.
176

فقلت: يا أبه فلم لم يرجع إلى ربه عز وجل ولم يسأله التخفيف بعد خمس صلوات (1)
فقال: يا بني أراد صلى الله عليه وآله وسلم أن يحصل لأمته التخفيف مع أجر خمسين صلاة لقول الله
عز وجل: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) (2) ألا ترى أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما هبط إلى
الأرض نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام، ويقول:
إنها خمس بخمسين (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) (3) قال: فقلت له
يا أبه أليس الله تعالى ذكره لا يوصف بمكان؟ فقال: بلى، تعالى الله عن ذلك، فقلت
فما معنى قول موسى عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ارجع إلى ربك؟ فقال: معناه معنى قول
إبراهيم عليه السلام: (إني ذاهب إلى ربي سيهدين) (4) ومعنى قول موسى عليه السلام: (و
عجلت إليك رب لترضى) (5) ومعنى قول عز وجل: (ففروا إلى الله) (6) يعني حجوا
إلى بيت الله، يا بني إن الكعبة بيت الله فمن حج بيت الله فقد قصد إلى الله، والمساجد
بيوت الله، فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله وقصد إليه، والمصلي ما دام في صلاته فهو
واقف بين يدي الله جل جلاله، وأهل موقف عرفات وقوف بين يدي الله عز وجل
وإن لله تبارك وتعالى بقاعا في سماواته، فمن عرج به إليها فقد عرج به إليه (7)
ألا تسمع الله عز وجل يقول: (تعرج الملائكة والروح إليه) (8) ويقول عز وجل:
(إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) (9).

(1) في البحار باب نفي الزمان والمكان بعد قوله: (خمس صلوات) هذه بعبارة: (وقد سأله
موسى عليه السلام أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف).
(2) الأنعام: 160.
(3) ق: 29.
(4) الصافات: 99.
(5) طه: 84.
(6) الذاريات: 51.
(7) في البحار (فمن عرج إلى بقعة منها فقد عرج به إليه).
(8) المعارج: 4، وفي البحار بعد هذا هكذا: ويقول في قصة عيسى عليه السلام بل
رفعه الله إليه.
(9) فاطر: 10.
177

9 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
يحيى العطار، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن
ابن محبوب، عن صالح بن حمزة، عن أبان، عن أسد (1)، عن المفضل بن عمر، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: من زعم أن الله في شئ أو من شئ أو على شئ فقد أشرك،
لو كان الله عز وجل على شئ لكان محمولا، ولو كان في شئ لكان محصورا، ولو كان
من شئ لكان محدثا.
10 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب
عن حماد بن عمرو، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كذب من زعم أن الله عز وجل في شئ
أو من شئ أو على شئ.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: الدليل على أن الله عز وجل لا في
مكان أن الأماكن كلها حادثة، وقد قام الدليل على أن الله عز وجل قديم سابق
للأماكن، وليس يجوز أن يحتاج الغني القديم إلى ما كان غنيا عنه، ولا أن
يتغير عما لم يزل موجودا عليه، فصح اليوم أنه لا في مكان كما أنه لم يزل كذلك
وتصديق ذلك:
11 - ما حدثنا به أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا
القطان، عن بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه،
عن سليمان بن حفص المروزي، عن سليمان بن مهران، قال: قلت لجعفر بن محمد
عليهما السلام هل يجوز أن نقول: إن الله عز وجل في مكان؟ فقال: سبحان الله وتعالى
عن ذلك، إنه لو كان في مكان لكان محدثنا، لأن الكائن في مكان محتاج إلى المكان
والاحتياج من صفات المحدث لا من صفات القديم.
12 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن
العباس، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم

(1) في نسخة (ج) (عن أبان بن أسد).
178

موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال: إن الله تبارك وتعالى كان لم يزل بلا زمان ولا مكان
وهو الآن كما كان، لا يخلو منه مكان (1) ولا يشغل به مكان، ولا يحل في مكان،
ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك
ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا (2) ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه، احتجب
بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، لا إله إلا هو الكبير المتعال.
13 - حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي
رضي الله عنه، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه محمد بن مسعود العياشي
قال: حدثنا الحسين بن إشكيب، قال: أخبرني هارون بن عقبة الخزاعي، عن
أسد بن سعيد النخعي، قال أخبرني عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي،
قال: قال محمد بن علي الباقر عليهما السلام: يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام على الله
عز وجل، يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على
صخرة بيت المقدس (3) ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجره (4) فأمرنا الله
تبارك وتعالى أن نتخذه مصلى، يا جابر إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه،
تعالى عن صفة الواصفين، وجل عن أوهام المتوهمين، واحتجب عن أعين الناظرين
لا يزول مع الزائلين. ولا يأفل مع الآفلين، ليس كمثله شئ وهو السميع العليم.
14 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، عن علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، قال: رأى سفيان الثوري أبا -
الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وهو غلام يصلي والناس يمرون بين يديه، فقال

(1) لا بالحواية، بل بإحاطته تعالى به.
(2) المجادلة: 7.
(3) المقدم والتالي كلاهما مزعومهم الباطل.
(4) هو إبراهيم النبي على نبينا وآله وعليه السلام وضع قدمه على حجرة في مكة حين تفقد
عن ابنه إسماعيل لتغسلها زوجته فبقي فيها نقش منها، وهي الآن في المحل المعروف بمقام
إبراهيم عليه السلام قرب الكعبة، وقصته طويلة تطلب من مظانها.
179

له، إن الناس يمرون بك وهم في الطواف، فقال عليه السلام: الذي أصلي له أقرب إلي
من هؤلاء.
15 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران
الدقاق رحمه الله، قالا: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن
حبيب، قال: حدثني محمد بن عبيد الله، قال: حدثنا علي بن الحكم، قال: حدثنا
عبد الرحمن بن الأسود، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، قال: كان لرسول الله
صلى الله عليه وآله صديقان يهوديان، قد آمنا بموسى رسول الله، وأتيا محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و
سمعا منه، وقد كانا قرءا التوراة وصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام، وعلما علم
الكتب الأولى، فلما قبض الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وآله، أقبلا يسألان عن
صاحب الأمر بعده، وقالا: إنه لم يمت نبي قط إلا وله خليفة يقوم بالأمر في
أمته من بعده قريب القرابة إليه من أهل بيته، عظيم الخطر، جليل الشأن، فقال
أحدهما لصاحبه: هل تعرف صاحب الأمر من بعد هذا النبي؟ قال الآخر: لا أعلمه
إلا بالصفة التي أجدها في التوراة، وهو الأصلع المصفر، فإنه كان أقرب القوم
من رسول الله.
فلما دخلا المدينة وسألا عن الخليفة أرشدا إلى أبي بكر، فلما نظرا إليه
قالا: ليس هذا صاحبنا، ثم قالا له: ما قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: إني
رجل من عشيرته، وهو زوج ابنتي عائشة، قالا: هل غير هذا؟ قال: لا، قالا:
ليست هذه بقرابة، قالا: فأخبرنا أين ربك؟ قال: فوق سبع سماوات، قالا: هل
غير هذا؟ قال: لا، قالا: دلنا على من هو أعلم منك، فإنك أنت لست بالرجل
الذي نجد صفته في التوراة أنه وصي هذا النبي وخليفته، قال: فتغيظ من قولهما
وهم بهما، ثم أرشدهما إلى عمر، وذلك أنه عرف من عمر أنهما إن استقبلاه
بشئ بطش بهما، فلما أتياه قالا: ما قرابتك من هذا النبي؟ قال: أنا من عشيرته،
وهو زوج ابنتي حفصة، قالا: هل غير هذا؟ قال: لا، قالا: ليست هذه بقرابة، و
ليست هذه الصفة التي نجدها في التوراة، ثم قالا له فأين ربك؟ قال: فوق سبع
180

سماوات: قالا: هل غير هذا؟ قال: لا، قالا: دلنا على من هو أعلم منك، فأرشدهما
إلى علي صلوات الله عليه فلما جاءاه فنظرا إليه قال أحدهما لصاحبه: إنه
الرجل الذي نجد صفته في التوراة أنه وصي هذا النبي وخليفته وزوج ابنته و
أبو السبطين والقائم بالحق من بعده، ثم قالا لعلي عليه السلام: أيها الرجل ما قرابتك
من رسول الله؟ قال: هو أخي، وأنا وارثه ووصيه وأول من آمن به، وأنا زوج
ابنته فاطمة، قالا له: هذه القرابة الفاخرة والمنزلة القريبة، وهذه الصفة التي نجدها
في التوراة.
ثم قالا له: فأين ربك عز وجل؟ قال لهما علي عليه الصلاة والسلام: إن
شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبيكما موسى عليه السلام، وإن شئتما أنبأتكما بالذي
كان على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وآله، قالا: أنبئنا بالذي كان على عهد نبينا موسى عليه السلام،
قال علي عليه السلام: أقبل أربعة أملاك: ملك من المشرق، وملك من المغرب، وملك من
السماء، وملك من الأرض، فقال صاحب المشرق لصاحب المغرب: من أين أقبلت؟
قال: أقبلت من عند ربي، وقال: صاحب المغرب لصاحب المشرق: من أين أقبلت؟
قال: أقبلت من عند ربي، وقال النازل من السماء للخارج من الأرض: من أين
أقبلت؟ قال: أقبلت من عند ربي، وقال الخارج من الأرض للنازل من السماء:
من أين أقبلت؟ قال: أقبلت من عند ربي، فهذا ما كان على عهد نبيكما موسى
عليه السلام، وأما ما كان على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وآله فذلك قوله في محكم كتابه: (ما
يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا
أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا - الآية (1)) قال اليهوديان: فما منع صاحبيك أن
يكونا جعلاك في موضعك الذي أنت أهله؟! فوالذي أنزل التوراة على موسى إنك
لأنت الخليفة حقا، نجد صفتك في كتبنا ونقرؤه في كنائسنا، وإنك لأحق بهذا
الأمر وأولى به ممن قد غلبك عليه، فقال علي عليه السلام: قدما وأخرا (2) وحسابهما

(1) المجادلة: 7.
(2) الظاهر أنهما على صيغة المعلوم، أي قدما أنفسهما في هذا الأمر ولم يكن من
شأنهما وأخراني عنه وهو من شأني، ويحتمل كونهما على صيغة المجهول، أي قدما في هذا
الأمر الذي ليس من شأنهما وأخرا عن فوائد الإسلام والإيمان في الآخرة وحرما عنها.
181

على الله عز وجل، يوقفان ويسألان.
16 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي أبو الحسين، قال: حدثنا
أبو سعيد أحمد بن محمد النسوي، قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي
بمرو، قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب
قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي، قال: حدثنا عبد الله بن عاصم، قال: حدثنا
عبد الرحمن بن قيس، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي
رحمه الله في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد
وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم أرشد إلى أمير -
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله عنها فأجابه، فكان فيما سأله أن قال له:
أخبرني عن وجه الرب تبارك وتعالى، فدعا علي، عليه السلام بنار وحطب فأضرمه،
فلما اشتعلت قال علي عليه السلام: أين وجه هذه النار؟! قال النصراني: هي وجه من
جميع حدودها: قال علي عليه السلام: هذه النار مدبرة مصنوعة لا يعرف وجهها، و
خالقها لا يشبهها، ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله، لا يخفى على ربنا
خافية. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
17 - حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ،
قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان الفراء (كذا)، عن علي
ابن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
إن موسى بن عمران لما ناجى ربه قال: يا رب أبعيد أنت مني فأناديك أم قريب
فأناجيك؟ (1) فأوحى الله جل جلاله إليه: أنا جليس من ذكرني، فقال موسى:
يا رب إني أكون في حال أجلك أن أذكرك فيها، فقال: يا موسى اذكرني على
كل حال.

(1) هذا بعيد عن النبي المرسل إلا أن يأول.
182

18 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بأبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن
علي بن العباس، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن
أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك و
تعالى ينزل إلى السماء الدنيا، فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينزل، ولا يحتاج إلى
أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه
بعيد (1) ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطول، لا إله إلا هو العزيز الحكيم
أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالى ينزل فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص
أو زيادة - وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به (2) فظن بالله الظنون
فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك
أو زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة الواصفين، ونعت الناعتين، و
توهم المتوهمين، وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في
الساجدين.
19 - وبهذا الإسناد عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر، عن
أبي إبراهيم عليه السلام أنه قال: لا أقول: إنه قائم فأزيله عن مكانه، ولا أحده بمكان
يكون فيه، ولا أحده أن يتحرك في شئ من الأركان والجوارح، ولا أحده بلفظ
شق فم، ولكن كما قال تبارك وتعالى: (كن فيكون) بمشيته من غير تردد في
نفس، فرد، صمد لم يحتج إلى شريك يكون له في ملكه، ولا يفتح له أبواب
علمه (3).
20 - حدثنا محمد بن أحمد السناني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله

(1) لم يبعد ولم يقرب على صيغة المجهول من باب التفعيل، أو التقدير لم يبعد منه
قريب من غير ولم يقرب منه بعيد من غيره.
(2) من يحركه بالقسر أو ما يتحرك به من النفس أو الطبع.
(3) عطف على (يكون) أي ولم يحتج إلى شريك يفتح له أبواب علمه.
183

الأسدي الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد
النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال:
إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا انتقال ولا سكون،
بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون، تعالى الله عما يقولون علوا
كبيرا.
21 - حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق العزائمي، قال: حدثنا
أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي، قال: أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق،
قال: حدثني جعفر بن محمد الحسني، قال: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار،
قال: حدثنا بشر بن الحسن المرادي، عن عبد القدوس وهو ابن حبيب، عن
أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور، عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه دخل
السوق، فإذا هو برجل موليه ظهره يقول: لا والذي احتجب بالسبع، فضرب علي
عليه السلام ظهره، ثم قال: من الذي احتجب بالسبع؟ قال: الله يا أمير المؤمنين، قال:
أخطأت ثكلتك أمك، إن الله عز وجل ليس بينه وبين خلقه حجاب لأنه معهم
أينما كانوا، قال: ما كفارة ما قلت يا أمير المؤمنين؟ قال: أن تعلم أن الله معك حيث
كنت، قال: أطعم المساكين؟ قال: لا إنما حلفت بغير ربك.
22 - حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي، قال: حدثني
أبو سعيد الرميحي، قال: أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن
عيسى بن هارون الواسطي، قال: حدثنا محمد بن زكريا المكي، قال: أخبرني
منيف (1) مولى جعفر بن محمد، قال: حدثني سيدي جعفر بن محمد، عن أبيه، عن
جده عليهم السلام قال: كان الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، يصلي، فمر بين يديه
رجل فنهاه بعض جلسائه، فلما انصرف من صلاته قال له: لم نهيت الرجل؟ قال:
يا ابن رسول الله حظر فيما بينك وبين المحراب، فقال: ويحك إن الله عز وجل
أقرب إلي من أن يخطر فيما بيني وبينه أحد.

(1) كذا، ولم أجده وفي نسخة (ط) و (ن) (سيف).
184

29 - باب أسماء الله تعالى
والفرق بين معانيها وبين معاني أسماء المخلوقين
1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم
ابن هاشم، عن المختار بن محمد بن المختار الهمداني، عن الفتح بن يزيد الجرجاني
عن أبي الحسن عليه السلام قال: سمعته يقول: هو اللطيف الخبير السميع البصير، الواحد
الأحد الصمد إلي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، منشئ الأشياء ومجسم
الأجسام ومصور الصور، لو كان كما يقولون لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا
المنشئ من المنشأ، لكنه المنشئ، فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه وبينه إذ
كان لا يشبهه شئ ولا يشبه هو شيئا، قلت: أجل، جعلني الله فداك، لكنك قلت:
الأحد الصمد، وقلت: لا يشبه هو شيئا، والله واحد والإنسان واحد، ليس قد
تشابهت الوحدانية؟! قال: يا فتح أحلت ثبتك الله، إنما التشبيه في المعاني، فأما
في الأسماء فهي واحدة، وهي دلالة على المسمى، وذلك أن الإنسان وإن قيل
واحد فإنما يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين، فالإنسان نفسه ليس بواحد،
لأن أعضاءه مختلفة وألوانه مختلفة غير واحدة، وهو أجزاء مجزأة ليس بسواء،
دمه غير لحمه ولحمه غير دمه، وعصبه غير عروقه، وشعره غير بشره، وسواده غير بياضه
وكذلك سائر الخلق، فالإنسان واحد في الاسم لا واحد في المعنى، والله جل جلاله
هو واحد في المعنى، لا واحد غيره، لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا نقصان
فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف من أجزاء مختلفة وجواهر شتى (1) غير
أنه بالاجتماع شئ واحد، قلت: جعلت فداك فرجت عني فرج الله عنك،

(1) هنا خبر محذوف بقرينة ما قبله هو (ففيه اختلاف وتفاوت وزيادة ونقصان)، وفي
الباب الثاني في الحديث الثامن عشر (فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف فمن أجزاء
مختلفة - الخ) و... يح، وكون المؤلف خبرا والجار متعلقا به بعيد، إذ لا وجه لتعريف
المسند مع عدم فاء الجواب.
185

فقولك: (اللطيف الخبير) فسره لي كما فسرت الواحد، فإني أعلم أن لطفه على
خلاف لطف خلقه للفصل، غير أني أحب أن تشرح ذلك لي، فقال: يا فتح إنما
قلنا: اللطيف، للخلق اللطيف، ولعلمه بالشئ اللطيف، أولا ترى وفقك الله وثبتك
إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف وفي الخلق اللطيف من الحيوان الصغار
من البعوض والجرجس وما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد
يستبان لصغره الذكر من الأنثى والحدث المولود من القديم، فلما رأينا صغر
ذلك في لطفه، واهتدائه للسفاد، والهرب من الموت، والجمع لما يصلحه مما في
لجج البحار وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار، وفهم بعضها عن بعض منطقها،
وما يفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة،
وبياض مع حمرة، وما لا تكاد عيوننا تستبينه بتمام خلقها ولا تراه عيوننا ولا تلمسه
أيدينا. علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، لطف في خلق ما سميناه بلا علاج ولا
أداة ولا آله، وإن صانع كل شئ فمن شئ صنع (1) والله الخالق اللطيف الجليل
خلق وصنع لا من شئ (2).
2 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا علي بن محمد، عن محمد بن عيسى، عن الحسين
ابن خالد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال: إعلم - علمك الله الخير - أن الله
تبارك وتعالى قديم، والقدم صفة دلت العاقل على أنه لا شئ قبله ولا شئ معه في
ديموميته، فقد بان لنا بإقرار العامة مع معجزة الصفة لا شئ قبل الله ولا شئ مع الله
في بقائه (3) وبطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شئ وذلك أنه لو كان معه

(1) قوله: (وأن صانع - الخ) يقرء بكسر الهمزة على الاستيناف، أو بفتحها عطفا على
أن خالق - الخ.
(2) هذا بعض الحديث المذكور في الباب الثاني بسند آخر عن الفتح وهناك تعليقات.
(3) أي فقد بان لنا بإقرار عامة العقلاء أنه لا شئ قبل الله ولا شئ مع الله في بقائه لأنه
قديم والقدم يستلزم ذلك، أما أنه لا شئ قبله فظاهر، وأما أنه لا شئ معه في بقائه فلان غيره
حادث لأدلة التوحيد كما يأتي الإشارة إليه في كلامه عليه السلام عن قريب، والحادث متأخر عن
القديم لا معه، وقوله: (مع معجزة الصفة) أي مع أن صفة القدم أعجزت العقلاء عن درك حقيقتها
وحقيقة موصوفها، بل هم إنما يحكمون بعقولهم على ما ذكر، وقوله: (أنه لا شئ الخ) ينازع
فيه (بان) بالفاعلية، والإقرار بالمفعولية، وفي نسخة (و) و (ب) و (د) ليس لفظة (مع) وعلى هذا
فمعجزة الصفة مفعول للاقرار وأنه لا شئ فاعل لبان بلا تنازع، والباء في (بإقرار العامة)
على كلا الحالين للالصاق.
186

شئ فبقائه لم يجز أن يكون خالقا له لأنه لم يزل معه: فكيف يكون خالقا لمن
لم يزل معه، ولو كان قبله شئ كان الأول ذلك الشئ لا هذا، وكان الأول أولى
بأن يكون خالقا للأول الثاني (1).
ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبدهم وابتلاهم
إلى أن يدعوه بها، فسمى نفسه سميعا بصيرا قادرا قائما ظاهرا باطنا لطيفا خبيرا
قويا عزيزا حكيما عليما وما أشبه هذه الأسماء، فلما رأى ذلك من أسمائه الغالون
المكذبون وقد سمعونا نحدث عن الله أنه لا شئ مثله ولا شئ من الخلق في حاله
قالوا: أخبرونا إذ زعمتم أنه لا مثل لله ولا شبه له كيف شاركتموه في أسمائه
الحسنى فتسميتم بجميعها؟! فإن في ذلك دليلا على أنكم مثله في حالاته كلها أو
في بعضها دون بعض، إذ جمعتكم الأسماء الطيبة، قيل لهم: إن الله تبارك وتعالى
ألزم العباد أسماء من أسمائه على اختلاف المعاني (2) وذلك كما يجمع الاسم الواحد
معنيين مختلفين، والدليل على ذلك قول الناس الجائز عندهم الشائع، وهو الذي
خاطب الله به الخلق وكلمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجة في تضييع ما ضيعوا،
وقد يقال للرجل: كلب وحمار وثور وسكرة وعلقمة وأسد، وكل ذلك على خلافه

(1) أي هذا الذي ظهر أنه الأول لا القديم الذي كلامنا فيه أولى بأن يكون خالقا للأول
الذي صار ثانيا متأخرا على فرض أن يكون قبله شئ.
(2) أي ألزم عباده أسماء من أسمائه ليدعوه بها على اختلاف الحقائق التي أطلق تلك
الأسماء عليها كما يظهر من الأمثلة وإن كانت من حيث اللفظ والمفهوم واحدة.
187

وحالاته (1) لم تقع الأسامي على معانيها التي كانت بنيت عليها، لأن الإنسان
ليس بأسد ولا كلب، فافهم ذلك رحمك الله.
وإنما نسمي الله بالعلم بغير علم حادث علم به الأشياء، واستعان به على
حفظ ما يستقبل من أمره والروية فيما يخلق من خلقه، وبعينه ما مضى مما أفنى من
خلقه مما لو لم يحضره ذلك العلم ويعنه كان جاهلا ضعيفا (2) كما أنا رأينا علماء
الخلق أنما سموا بالعلم لعلم حادث إذ كانوا قبله جهلة، وربما فارقهم العلم بالأشياء
فصاروا إلى الجهل (3) وإنما سمي الله عالما لأنه لا يجهل شيئا، فقد جمع الخالق
والمخلوق اسم العلم (4) واختلف المعنى على ما رأيت، وسمى ربنا سميعا لا بجزء
فيه يسمع به الصوت ولا يبصر به، كما أن جزءنا الذي نسمع به لا نقوى على النظر
به، ولكنه أخبر أنه لا يخفى عليه الأصوات، ليس على حد ما سمينا نحن، فقد
جمعنا الاسم بالسميع واختلف المعنى، وهكذا البصر لا بجزء به أبصر، كما أنا نبصر
بجزء منا لا ننتفع به في غيره، ولكن الله بصير لا يجهل شخصا منظورا إليه، فقد
جمعنا الاسم واختلف المعنى، وهو قائم ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في

(1) أي كل مسمى بواحد من هذه الأسماء على خلاف المسمى الأصلي بحسب الحقيقة و
بحسب حالاته وأوصافه، وفي البحار باب معاني الأسماء: (وكل ذلك على خلافه لأنه
لم تقع - الخ).
(2) قوله: (والروية) عطف على حفظ، وقوله: وبعينه أي كيف يكون تعالى عالما
بالعلم الحادث الذي يحدث بحدوث المعلوم ويزول بزواله والحال أنه يكون بعينه أي بحضرته
العلمية ما مضى - الخ وقوله: (مما لو لم يحضره ذلك العلم - الخ) بيان للعلم الحادث بأنه يحضر
ويغيب وعند غيبته يصير العالم جاهلا تعالى الله عن ذلك، وقوله، (ويعنه) بالجزم عطف على
مدخول لم، والنسخ من قوله: (والرؤية) إلى هنا مختلفة كثيرا لم نتعرض لها لطول
الكلام فيها.
(3) في الكافي باب معاني الأسماء وفي نسخة (و) (فعادوا إلى الجهل).
(4) في الكافي وفي نسخة (ب) (اسم العالم).
188

كبد كما قامت الأشياء (1) ولكن أخبر أنه قائم، يخبر أنه حافظ، كقولك:
الرجل القائم بأمرنا فلان، وهو قائم على كل نفس بما كسبت، والقائم أيضا
في كلام الناس الباقي، والقائم أيضا يخبر عن الكفاية، كقولك للرجل قم بأمر فلان
أي اكفه، والقائم منا قائم على ساق، فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى، وأما اللطيف
فليس على قلة وقضافة وصغر، ولكن ذلك على النفاذ في الأشياء (2) والامتناع من
أن يدرك، كقولك لطف عني هذا الأمر، ولطف فلان في مذهبه وقوله يخبرك أنه
غمض فبهر العقل وفات الطلب وعاد متعمقا متلطفا لا يدركه الوهم، فهكذا لطف
الله، تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف، واللطافة منا الصغر و
القلة، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وأما الخبير فالذي لا يعزب عنه شئ ولا
يفوته شئ، ليس للتجربة ولا للاعتبار بالأشياء فيفيده التجربة والاعتبار علما
لولاهما ما علم، لأن من كان كذلك كان جاهلا، والله لم يزل خبيرا بما يخلق
والخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم، وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى،
وأما الظاهر فليس من أجل أنه علا الأشياء بركوب فوقها، وقعود عليها، وتسنم
لذراها، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء ولقدرته عليها كقوله الرجل: ظهرت
على أعدائي وأظهرني الله على خصمي، يخبر عن الفلج والغلبة، فهكذا ظهور الله على
الأعداء (3).
ووجه آخر أنه الظاهر لمن أراده، لا يخفى عليه شئ (4) وأنه مدبر
لكل ما برأ، فأي ظاهر
أظهره وأوضح من الله تعالى، وإنك لا تعدم صنعه حيثما
توجهت، وفيك من آثاره ما يغنيك، والظاهر منا البارز بنفسه والمعلوم بحده،

(1) أي في مشقة فإن القيام على الساق شاق على الحيوان بالنسبة إلى القعود الاضطجاع،
ويأتي الكبد بمعنى الهواء.
(2) وهذا المعنى أريد في الآية: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
(3) في الكافي وفي البحار وفي نسخة (ب) و (د) (فهكذا ظهور الله على الأشياء).
(4) أي لا يخفى على الله تعالى شئ لظهوره على كل شئ فهو الظاهر على الأشياء لمن أراده،
189

فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى، وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء
بأن يغور فيها ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما وحفظا وتدبيرا، كقول
القائل أبطنته، يعني خبرته وعلمت مكتوم سره، والباطن منا بمعنى الغائر في الشئ
والمستتر به فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وأما القاهر فإنه ليس على معنى علاج
ونصب واحتيال ومداراة ومكر، كما يقهر العباد بعضهم بعضا، فالمقهور منهم يعود
قاهرا، والقاهر يعود مقهورا، ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أن جميع ما
خلق ملتبس به الذل لفاعله وقلة الامتناع لما أراد به، لم يخرج منه طرفة عين غير أنه
يقول له: كن فيكون، والقاهر منا على ما ذكرته ووصفت، فقد جمعنا الاسم واختلف
المعنى، وهكذا جميع الأسماء وإن كنا لم نسمها كلها، فقد يكتفي للاعتبار بما
ألقينا إليك، والله عوننا وعونك في إرشادنا وتوفيقنا.
3 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسين بن
يزيد، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إن الله تبارك وتعالى خلق اسما بالحروف وهو عز وجل بالحروف غير
منعوت (1) وباللفظ غير منطق، وبالشخص غير مجسد، وبالتشبيه غير موصوف،

(1) في بعض النسخ (خلق أسماء) بصيغة الجمع وهو من خطأ الناسخ لمنافاته مع الذيل
حيث قال: (فجعله كلمة تامة - الخ) وليس هذه الفقرة (وهو عز وجل بالحروف) في الكافي و
البحار، وموجودة في نسخ التوحيد التي عندي، وقال المجلسي رحمه الله. إنها موجودة في
أكثر النسخ، والظاهر أنها من مختلقات بعض الناسخين لتوهمه أن هذه الأوصاف تمتنع على
الاسم الملفوظ، وغفل أن الأوصاف المذكورة بعد قوله: فجعله كلمة تامة أيضا تمتنع عليه مع
أنها للاسم قطعا، فالمراد بهذا الاسم ليس ما هو اللفظ ولا المفهوم، بل هو حقيقة بإبداع الحق
تعالى منشأ لظهور أسمائه وآثار صفاته في الأشياء، ومن أراد الشرح لهذا الحديث فعليه بالبحار
وشروح الكافي وتفسير الميزان ذيل الآية المائة والثمانين في سورة الأعراف، وفي الكافي باب
حدوث الأسماء وفي نسخة (ج) وحاشية نسخة (ب) و (د) (بالحروف غير متصوت).
190

وباللون غير مصبوغ، منفي عنه الأقطار، مبعد عنه الحدود، محجوب عنه حس
كل متوهم، مستتر غير مستور، فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معا، ليس منها
واحد قبل الآخر، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها (1) وحجب واحدا
منها، وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي أظهرت، فالظاهر هو الله
تبارك وتعالى، وسخر سبحانه لكل اسم من هذه أربعة أركان (2) فذلك اثنا عشر
ركنا، ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسما، فعلا منسوبا إليها (3) فهو الرحمن
الرحيم، الملك، القدوس، الخالق البارئ، المصور، الحي القيوم، لا تأخذه
سنة ولا نوم، العليم، الخبير، السميع، البصير، الحكيم، العزيز، الجبار،
المتكبر، العلي، العظيم، المقتدر، القادر، السلام، المؤمن المهيمن، البارئ (4)
المنشئ، البديع، الرفيع، الجليل، الكريم، الرزاق، المحيي، المميت، الباعث
الوارث، فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتى تتم ثلاثمائة وستين
اسما فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة، وهذه الأسماء الثلاثة أركان وحجب للاسم
الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة، وذلك قوله عز وجل: (قل ادعوا
الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) (5).
4 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبيد الله،
عن محمد بن عبد الله، وموسى بن عمرو، والحسن بن علي بن أبي عثمان، عن ابن سنان
قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام هل كان الله عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟ (6)

(1) في نسخة (ب) و (ج) و (د) و (و) (فأظهر منها ثلاثة أشياء - الخ))
(2) في البحار باب المغايرة بين الاسم والمعنى وفي نسخة (ب) و (و) (فالظاهر هو الله،
وتبارك، وسبحان، لكل اسم من هذه - الخ).
(3) أي فتصاعد ذلك الاسم في العدد إلى ثلاثمائة وستين اسما منسوبا إليها نسبة الأصل
إلى الفروع كما هي منسوبة إليه نسبة الفروع إلى الأصل على ما ذكر في آخر الحديث.
(4) كذا.
(5) الإسراء: 110.
(6) هذا نظير ما في الحديث الحادي عشر من الباب الحادي عشر، ثم كأن السائل توهم
إن الله تعالى نفسا كما للإنسان، فأزال عليه السلام وهمه بأنه تعالى ليس كذلك بل هو نفسه ونفسه هو لا
تجزئة ولا اختلاف جهات فيه، فلا يراها ولا يسمعها رؤية وسمعا يوجبان صحة السؤال والطلب
كما هو شأن الرؤية والسمع بين شيئين.
191

قال: نعم، قلت: يراها ويسمعها، قال: ما كان الله محتاجا إلى ذلك، لأنه لم يكن
يسألها ولا يطلب منها، هو نفسه ونفسه هو، قدرته نافذة، وليس يحتاج أن يسمي
نفسه، ولكن اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها، لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف
فأول ما اختار لنفسه العلي العظيم لأنه أعلى الأشياء كلها، فمعناه الله، واسمه
العلي العظيم، هو أول أسمائه لأنه علي، علا كل شئ.
5 - وبهذا الإسناد، عن محمد بن سنان قال: سألته عن الاسم ما هو؟ قال: صفة لموصوف.
6 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن بكر بن صالح،
عن علي بن الحسن بن محمد، عن خالد بن يزيد، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: اسم الله غير الله، وكل شئ وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ما خلا الله
فأما ما عبرته الألسن أو ما عملته الأيدي فهو مخلوق، والله غاية من غاياه، و
المغيى غير الغاية، والغاية موصوفة، وكل موصوف مصنوع، وصانع الأشياء
غير موصوف بحد مسمى، لم يتكون فتعرف كينونته بصنع غيره، ولم يتناه إلى
غاية إلا كانت غيره، لا يذل (1) من فهم هذا الحكم أبدا، وهو التوحيد الخالص،
فارعوه وصدقوه وتفهموه بإذن الله، من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو
بمثال فهو مشرك، لأن الحجاب والمثال والصورة غيره، وإنما هو واحد موحد
فكيف يوحد من زعم أنه عرفه بغيره، وإنما عرف الله من عرفه بالله، ومن لم
يعرفه به فليس يعرفه، إنما يعرف غيره، ليس بين الخالق والمخلوق شئ، فالله
خالق الأشياء لا من شئ كان، والله يسمى بأسمائه وهو غير أسمائه والأسماء
غيره (2).

(1) في الكافي (لا يزل).
(2) مضى هذا الحديث مع زيادة في الباب الحادي عشر بتفاوت في السند.
192

7 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثني محمد بن بشر، عن أبي هاشم الجعفري، قال:
كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فسأله رجل فقال: أخبرني عن الرب تبارك و
تعالى له أسماء وصفات في كتابه، فأسماؤه وصفاته هي هو؟ فقال أبو جعفر عليه السلام
إن لهذا الكلام وجهين: إن كنت تقول: هي هو أي إنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله
عن ذلك، وإن كنت تقول: لم تزل هذه الصفات والأسماء، فإن (لم تزل) يحتمل
معنيين: فإن قلت: لم تزل عنده في علمه وهو مستحقها فنعم، وإن كنت تقول:
لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها فمعاذ الله أن يكون معه شئ غيره، بل
كان الله ولا خلق، ثم خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها إليه ويعبدونه،
وهي ذكره (1) وكان الله ولا ذكر، والمذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل،
والأسماء والصفات مخلوقات المعاني، والمعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف
والائتلاف (2) وإنما يختلف ويأتلف المتجزئ، فلا يقال: الله مؤتلف، ولا الله كثير
ولا قليل، ولكنه القديم في ذاته، لأن ما سوى الواحد متجزئ والله واحد، لا
متجزئ، ولا متوهم بالقلة والكثرة، وكل متجزئ ومتوهم بالقلة والكثرة
فهو مخلوق دال على خالق له، فقولك: إن الله قدير خبرت أنه لا يعجزه شئ
فنفيت بالكلمة العجز، وجعلت العجز سواه، وكذلك قولك: عالم إنما نفيت
بالكلمة الجهل، وجعلت الجهل سواه، فإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصور والهجاء،
ولا ينقطع (3) ولا يزال من لم يزل عالما.

(1) أي هي ما به يذكر تعالى.
(2) أي مدلولات هذه الأسماء والصفات ومفاهيمها كأنفسها مخلوقات، والذي يقصد بها
ويتوجه إليه بها هو الله تعالى الذي لا يليق به - الخ، وفي الكافي باب معاني الأسماء: (والأسماء
والصفات مخلوقات والمعاني، والمعنى بها - الخ.
(3) في الكافي والبحار: (والتقطيع) مكان (لا ينقطع) أي تقطيع الحروف كما في صدر
الرواية.
193

قال الرجل: كيف سمي ربنا سميعا؟ قال: لأنه لا يخفى عليه ما يدرك
بالأسماع، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، وكذلك سميناه بصيرا لأنه لا يخفى عليه
ما يدرك بالأبصار من لون وشخص وغير ذلك، ولم نصفه بنظر لحظ العين، وكذلك
سميناه لطيفا لعلمه بالشئ اللطيف مثل البعوضة وأحقر من ذلك، وموضع الشق منها
والعقل (1) والشهوة والسفاد والحدب على نسلها، وإفهام بعضها عن بعض، ونقلها
الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمفاوز والأدوية والقفار، فعلمنا أن خالقها
لطيف بلا كيف، وإنما الكيفية للمخلوق المكيف، وكذلك سمي ربنا قويا لا بقوة
البطش المعروف من المخلوق ولو كان قوته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه
ولا احتمل الزيادة، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان، وما كان ناقصا كان غير قديم،
وما كان غير قديم كان عاجزا، فربنا تبارك وتعالى لا شبه له، ولا ضد ولا ند ولا كيف
ولا نهاية ولا أقطار، محرم على القلوب أن تمثله، وعلى الأوهام أن تحده،
وعلى الضمائر أن تكيفه، جل عن أداة خلقه وسماته بريته، وتعالى عن ذلك
علوا كبيرا.
8 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا
القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول،
عن أبيه، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران، عن الصادق جعفر بن
محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي،
عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن لله تبارك و
تعالى تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، وهي: الله،
الإله، الواحد، الأحد، الصمد، الأول، الآخر، السميع، البصير، القدير،
القاهر، العلي، الأعلى، الباقي، البديع، البارئ، الأكرم، الطاهر،
الباطن، الحي، الحكيم، العليم، الحليم، الحفيظ، الحق، الحسيب، الحميد

(1) في الكافي: (موضع النشوء منها). وفي البحار: (موضع المشي منها). وليس
المراد بالعقل ما في الإنسان بل مطلق الشعور في أمورها للقطع بأن الحيوان فاقد له.
194

الحفي، الرب، الرحمن، الرحيم، الذارئ، الرزاق، الرقيب، الرؤوف
الرائي، السلام، المؤمن، المهين، العزيز، الجبار، المتكبر، السيد، السبوح
الشهيد، الصادق، الصانع، الطاهر، العدل، العفو، الغفور، الغني، الغياث،
الفاطر، الفرد، الفتاح، الفالق، القديم، الملك، القدوس، القوي، القريب،
القيوم، القابض، الباسط، قاضي الحاجات، المجيد، المولى، المنان، المحيط
المبين، المقيت، المصور، الكريم، الكبير، الكافي، كاشف الضر، الوتر،
النور، الوهاب، الناصر، الواسع، الودود، الهادي، الوفي، الوكيل، الوارث
البر، الباعث، التواب، الجليل، الجواد، الخبير، الخالق، خير الناصرين،
الديان، الشكور، العظيم، اللطيف، الشافي (1).
9 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي
ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، عن
علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: لله عز وجل تسعة وتسعون اسما، من دعا الله بها استجاب له، ومن أحصاها
دخل الجنة.
قال محمد بن علي بن الحسين مؤلف هذا الكتاب: معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم
إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، إحصاؤها هو
الإحاطة بها والوقوف على معانيها، وليس، وليس معنى الاحصاء عدها، وبالله التوفيق.
(الله، الإله) الله والإله هو المستحق للعبادة، ولا يحق العبادة إلا له، و
تقول: لم يزل إلها بمعنى أنه يحق له العبادة، ولهذا لما ضل المشركون فقد روى
أن العبادة تجب للأصنام سموها آلهة (2) وأصله الإلاهة وهي العبادة، ويقال: أصله

(1) المذكور في البحار ونسخ التوحيد (مائة كاملة) والظاهر أن الرائي زائد كما أتى
في نسخة بدلا عن الرؤوف، أو أن لفظ الجلالة خارج عن العدد أتى بعنوان المسمى الجاري
عليه الأسماء.
(2) في نسخة (د) و (و) (فقد رأوا أن العبادة - الخ).
195

الإله، يقال: أله الرجل يأله إليه، أي فزع إليه من أمر نزل به، وألهه أي أجاره،
ومثاله من الكلام (الإمام) فاجتمعت همزتان في كلمه كثر استعمالهم لها (1) و
استثقلوها فحذفوا الأصلية، لأنهم وجدوا فيما بقي دلالة عليها، فاجتمعت لأمان
أولاهما ساكنة فأدغموها في الأخرى، فصارت لاما مثقلة في قولك: الله.
(الواحد، الأحد) الأحد معناه أنه واحد في ذاته ليس بذي أبعاض ولا
أجزاء ولا أعضاء، ولا يجوز عليه الأعداد والاختلاف، لأن اختلاف الأشياء من
آيات وحدانيته مما دل به على نفسه، ويقال: لم يزل الله واحدا، ومعنى ثان
أنه واحد لا نظير له فلا يشاركه في معنى الوحدانية غيره، لأن كل من كان له
نظراء وأشباه لم يكن واحدا في الحقيقة، ويقال: فلان واحد الناس أي لا نظير
له فيما يوصف به، والله واحد لا من عدد، لأنه عز وجل لا يعد في الأجناس،
ولكنه واحد ليس له نظير.
وقال بعض الحكماء في الواحد والأحد: إنما قيل: الواحد لأنه متوحد
والأول لا ثاني معه، ثم ابتدع الخلق كلهم محتاجا بعضهم إلى بعض، والواحد
من العدد في الحساب ليس قبله شئ، بل هو قبل كل عدد، والواحد كيف ما أدرته
أو جزأته لم يزد عليه شئ ولم ينقص منه شئ، تقول: واحد في واحد واحد، فلم يزد عليه
شئ ولم يتغير اللفظ عن الواحد، فدل على أنه لا شئ قبله، وإذا دل على أنه لا شئ
قبله دل على أنه محدث الشئ، وإذا كان هو محدث الشئ دل أنه مفني الشئ، وإذا كان
هو مفني الشئ دل أنه لا شئ بعده، فإذا لم يكن قبله شئ ولا بعد شئ فهو المتوحد
بالأزل، فلذلك قيل: واحد، أحد، وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد، تقول
ليس في الدار واحد، يجوز أن واحدا من الدواب أو الطير أو الوحش أو الإنس
لا يكون في الدار، وكان الواحد بعض الناس وغير الناس، وإذا قلت ليس في
الدار أحد فهو مخصوص بالآدميين دون سائرهم، والأحد ممتنع من الدخول في
الضرب والعدد والقسمة وفي شئ من الحساب، وهو متفرد بالأحدية، والواحد

(1) أي فاجتمعت همزتان بعد أن أدخلوا الألف واللام على لفظ إله.
196

منقاد للعدد والقسمة وغيرهما داخل في الحساب، تقول: واحد واثنان وثلاثة
فهذا العدد، والواحد علة العدد وهو خارج من العدد وليس بعدد، وتقول: واحد
في اثنين أو ثلاثة فما فوقها فهذا الضرب، وتقول: واحد بين اثنين أو ثلاثة لكل
واحد من الاثنين نصف ومن الثلاثة ثلث فهذه القسمة. والأحد ممتنع في هذه كلها
لا يقال: أحد واثنان، ولا أحد في أحد، ولا واحد في أحد، ولا يقال: أحد بين
اثنين، والأحد والواحد وغيرهما من هذه الألفاظ كلها مشتقة من الوحدة. (1)
(الصمد) الصمد معناه السيد ومن ذهب إلى هذا المعنى جاز له أن يقول
لم يزل صمدا، ويقال للسيد المطاع في قومه الذي لا يقضون أمرا دونه: صمد، وقد
قال الشاعر:
علوته بحسام ثم قلت له * خذها حذيف فأنت السيد الصمد
وللصمد معنى ثان وهو أنه المصمود إليه في الحوائج، يقال: صمدت صمد
هذا الأمر أي قصدت قصده، ومن ذهب إلى هذا المعنى لم يجز له أن يقول: لم يزل
صمدا، لأنه قد وصفه عز وجل بصفة من صفات فعله، وهو مصيب أيضا، والصمد
الذي ليس بجسم ولا جوف له. وقد أخرجت في معنى (الصمد) في تفسير قل هو الله
أحد في هذا الكتاب معاني أخرى لم أحب إعادتها في هذا الباب.
(الأول والآخر) الأول والآخر معناهما أنه الأول بغير ابتداء والآخر
بغير انتهاء.
(السميع) السميع معناه أنه إذا وجد المسموع كان له سامعا، ومعنى ثان
أنه سميع الدعاء أي مجيب الدعاء، وأما السامع فإنه يتعدى إلى مسموع ويوجب
وجوده، ولا يجوز فيه بهذا المعنى لم يزل، والبارئ عز اسمه سميع لذاته.
(البصير) البصير معناه إذا كانت المبصرات كان لها مبصرا، ولذلك جاز أن
يقال: لم يزل بصيرا، ولم يجز أن يقال: لم يزل مبصرا لأنه يتعدى إلى مبصر و
يوجب وجوده، والبصارة في اللغة مصدر البصير وبصر بصارة، والله عز وجل بصير

(1) كانت النسخ ههنا مختلطة مغلوطة فصححناها على الصحة.
197

لذاته، وليس وصفنا له تبارك وتعالى بأنه سميع بصير وصفا بأنه عالم، بل معناه
ما قدمناه من كونه مدركا (1) وهذه الصفة صفة كل حي لا آفة به.
(القدير، القاهر) القدير والقاهر معناهما أن الأشياء لا تطيق الامتناع منه
ومما يريد الانفاذ فيها، وقد قيل: إن القادر من يصح منه الفعل إذا لم يكن في
حكم الممنوع (2)، والقهر الغلبة، والقدرة مصدر قولك: قدر قدرة أي ملك، فهو
قدير قادر مقتدر، وقدرته على ما لم يوجد واقتداره على إيجاده هو قهره وملكه
له: وقد قال: عز ذكره: (مالك يوم الدين) (3) ويوم الدين لم يوجد بعد، و
يقال: أنه عز وجل قاهر لم يزل، ومعناه أن الأشياء لا تطيق الامتناع منه ومما
يريد إنفاذه فيها، ولم يزل مقتدرا عليها ولم تكن موجودة كما يقال: مالك يوم
الدين، ويوم الدين لم يوجد بعد.
(العلي الأعلى) العلي معناه القاهر فالله العلي ذو العلى والعلاء والتعالي
أي ذو القدرة والقهر والاقتدار، يقال: علا الملك علوا، ويقال لكل شئ قد علا:
علا يعلو علوا وعلي يعلى علاء، والمعلاة مكتسب الشرف وهي من المعالي، و
علو كل شئ أعلاه - برفع العين وخفضها - وفلان من علية الناس وهو اسم،
ومعنى الارتفاع والصعود والهبوط عن الله تبارك وتعالى منفي، ومعنى ثان أنه علا
تعالى عن الأشباه والأنداد وعما خاضت فيه وساوس الجهال وترامت إليه فكر
الضلال، فهو علي متعال عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وأما الأعلى فمعناه
العلي والقاهر، ويؤيد ذلك قوله عز وجل لموسى عليه السلام: (لا تخف إنك أنت
الأعلى) (4) أي القاهر، وقوله عز وجل في تحريض المؤمنين على القتال: (ولا

(1) كأنه رحمه الله أراد الإشارة إلى كونه تعالى عالما بالجزئيات.
(2) أي لم يكن الفعل ممتنعا أو لم يكن القادر ممنوعا، وهذا القيد على كلا التقديرين
زائد مستدرك لأن منع القادر عن فعله إنما هو في مقام الوقوع لا الصحة والامكان والفعل الممتنع
لا يتصف بالصحة والامكان.
(3) الفاتحة: 4 (4) طه: 68.
198

تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) (1) وقوله عز وجل (أن فرعون
علا في الأرض) (2) أي غلبهم واستولى عليهم، وقال الشاعر في هذا المعنى:
فلما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر
ومعنى ثان أنه متعال عن الأشباه والأنداد أي متنزه كما قال: (تعالى
عما يشركون) (3).
(الباقي) الباقي معناه الكائن بغير حدث ولا فناء، والبقاء ضد الفناء،
بقي الشئ بقاء، ويقال: ما بقيت منهم باقية ولا وقتهم من الله واقية، والدائم في
صفاته هو الباقي أيضا الذي لا يبيد ولا يفنى.
(البديع) البديع معناه مبدع البدائع ومحدث الأشياء على غير مثال و
احتذاء، وهو فعيل بمعنى مفعل كقوله عز وجل: (عذاب أليم) (4) والمعنى مؤلم
ويقول العرب: ضرب وجيع والمعنى موجع، وقال الشاعر في هذا المعنى:
أمن ريحانه الداعي السميع * يؤرقني وأصحابي هجوع
فالمعنى الداعي المسمع، والبدع الشئ الذي يكون أولا في كل أمر، و
منه قوله عز وجل، (قل ما كنت بدعا من الرسل) (5) أي لست بأول مرسل،
والبدعة اسم ما ابتدع من الدين وغيره، وقد قال الشاعر في هذا المعنى:
وكفاك لم تخلقا للندى * ولم يك بخلهما بدعة
فكف عن الخير مقبوضة * كما حط عن مائة سبعة
وأخرى ثلاثة آلافها * وتسع مائيها لها شرعة (6)

(1) آل عمران: 139.
(2) القصص: 4.
(3) يونس: 18، والنحل. 1 و 3، والمؤمنون. 92، والقصص. 68، والروم:
40 والزمر: 67.
(4) في سبعين موضعا من الكتاب.
(5) الأحقاف: 9.
(6) هذه الأبيات شرحها المجلسي رحمه الله في البحار باب عدد أسماء الله تعالى.
199

ويقال: لقد جئت بأمر بديع أي مبتع عجيب.
(البارئ) البارئ معناه أنه بارئ البرايا، أي خالق الخلائق، برأهم
يبرأهم أي خلقهم يخلقهم، والبرية الخليقة، وأكثر العرب على ترك همزها، و
هي فعيلة بمعنى مفعولة، وقال بعضهم: بل هي مأخوذة من بريت العود، ومنهم
من يزعم أنه من البرى وهو التراب أي خلقهم من التراب، وقالوا: لذلك
لا يهمز.
(الأكرم) الأكرم معناه الكريم، وقد يجئ أفعل في معنى الفعيل، مثل
قوله عز وجل: (وهو أهون عليه) (1) أي هين عليه، ومثل قوله عز وجل:
(لا يصليها إلا الأشقى) وقوله: (وسيجنبها الأتقى) (2) يعني بالأشقى والأتقى
الشقي والتقي، وقد قال الشاعر في هذا المعنى:
إن الذي سمك السماء بنى لنا * بيتا دعائمه أعز وأطول
(الظاهر) الظاهر معناه أنه الظاهر بآياته التي أظهرها من شواهد قدرته
وآثار حكمته وبينات حجته التي عجز الخلق جميعا عن إبداع أصغرها وإنشاء
أيسرها وأحقرها عندهم كما قال الله عز وجل: (إن الذين تدعون من دون الله لن
يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له) (3) فليس شئ من خلقه إلا وهو شاهد له على وحدانيته
من جميع جهاته، وأعرض تبارك وتعالى عن وصف ذاته (4) فهو ظاهر بآياته وشواهد
قدرته، محتجب بذاته، ومعنى ثان أنه ظاهر غالب قادر على ما يشاء، ومنه قوله
عز وجل: (فأصبحوا ظاهرين) (5) أي غالبين لهم.

(1) الروم: 27.
(2) الليل: 15 و 17.
(3) الحج: 73.
(4) أي ليس الظاهر وصفا لذاته تعالى، بل هو وصف لفعله، فتأمل في قوله تعالى: (هو
الأول والآخر والظاهر والباطن).
(5) الصف: 14.
200

(الباطن) الباطن معناه أنه قد بطن عن الأوهام، فهو باطن بلا إحاطة، لا
يحيط به محيط لأنه قدم الفكر فخبت عنه (1) وسبق المعلوم فلم يحط به (2) وفات
الأوهام فلم تكتنهه، وحارت عنه الأبصار فلم تدركه، فهو باطن كل باطن، و
محتجب كل محتجب، بطن بالذات، وظهر وعلا بالآيات، فهو الباطن بلا حجاب
والظاهر بلا اقتراب، ومعنى ثان أنه باطن كل شئ أي خبير بصير بما يسرون و
ما يعلنون وبكل ما ذرأ وبرأ، وبطانة الرجل وليجته من القوم الذين يداخلهم و
يداخلونه في دخيلة أمره، والمعنى أنه عالم بسرائرهم، لا أنه عز وجل يبطن في
شئ يواريه.
(الحي) الحي معناه أنه الفعال المدبر، وهو حي لنفسه لا يجوز عليه
الموت والفناء، وليس يحتاج إلى حياة بها يحيى.
(الحكيم) الحكيم معناه أنه عالم، والحكمة في اللغة العلم، ومنه قوله
عز وجل: (يؤتي الحكمة من يشاء) (3) ومعنى ثان أنه محكم وأفعاله محكمة
متقنة من الفساد، وقد حكمته وأحكمته لغتان، وحكمة اللجام سميت بذلك لأنها
تمنعه من الجري الشديد وهي ما أحاطت بحنكه.
(العليم) العليم معناه أنه عليم بنفسه، عالم بالسرائر، مطلع على
الضمائر، لا يخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة، علم الأشياء قبل
حدوثها، وبعد ما أحدثها، سرها وعلانيتها، ظاهرها وباطنها، وفي علمه عز وجل
بالأشياء على خلاف علم الخلق دليل على أنه تبارك وتعالى بخلافهم في جميع معانيهم
والله عالم لذاته، والعالم من يصح منه الفعل المحكم المتقن، فلا يقال: إنه يعلم
الأشياء بعلم كما لا يثبت معه قديم غيره، بل يقال: إنه ذات عالمة، وهكذا يقال في

(1) في نسخة (ط) (فجنب عنه) وفي نسخة (ج) (فحنث عنه).
(2) في البحار: (وسبق العلوم فلم تحط به)، وفي نسخة (ب) و (د) (وسبق العلوم فلم
يحط به).
(3) البقرة: 269.
201

جميع صفات ذاته.
(الحليم) الحليم معناه أنه حليم عمن عصاه لا يعجل عليهم بعقوبته.
(الحفيظ) الحفيظ الحافظ، وهو فعيل بمعنى الفاعل، ومعناه أنه يحفظ
الأشياء ويصرف عنها البلاء، ولا يوصف بالحفظ على معنى العلم لأنا نوصف بحفظ
القرآن والعلوم على المجاز، والمراد بذلك أنا إذا علمناه لم يذهب عنا كما إذا
حفظنا الشئ لم يذهب عنا (1).
(الحق) الحق معناه المحق، ويوصف به توسعا لأنه مصدر (2) وهو
كقولهم ((غياث المستغيثين) ومعنى ثان يراد به أن عبادة الله هي الحق وعبادة غيره
هي الباطل، ويؤيد ذلك القول عز وجل: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون
من دونه هو الباطل) (3) أي يبطل ويذهب ولا يملك لأحد ثوابا ولا عقابا.
(الحسيب) الحسيب معناه أنه المحصي لكل شئ، العالم به، لا يخفى عليه
شئ، ومعنى ثان أنه المحاسب لعباده يحاسبهم بأعمالهم ويجازيهم عليها، وهو فعيل
على معنى مفاعل مثل جليس ومجالس، ومعنى ثالث: أنه الكافي، والله حسبي
وحسبك أي كافينا، وأحسبني هذا الشئ أي كفاني، وأحسبته أي أعطيته حتى قال:
حسبي، ومنه قوله عز وجل: (جزاء من ربك عطاء حسابا) (4) أي كافيا.
(الحميد) الحميد معناه المحمود، وهو فعيل في معنى المفعول، والحمد
نقيض الذم، ويقال: حمدت فلانا إذا رضيت فعله ونشرته في الناس.
(الحفي) الحفي معناه العالم، ومنه قوله عز وجل: (يسألونك كأنك

(1) تأمل في كلامه هذا.
(2) لا يبعد أن يكون الحق صفة مشبهة أيضا كالصعب، وعلى كل يستعمل مطلقا بمعنى
الثابت وإن كانت خصوصيات موارده مختلفة، والتوسع على وجوه: الاستعمال المجازي حذف
حرف التعدية، حذف الكلمة، الحمل المجازي، تقديم معمول خاص في مورد لا يقدم غيره
فيه، ويأتي في كلام المصنف بعض هذه فلا تغفل.
(3) الحج: 62.
(4) النبأ: 36.
202

حفي عنها) (1) أي يسألونك عن الساعة كأنك عالم بوقت مجيئها (2)، ومعنى ثان
أنه اللطيف، والحفاية مصدر الحفي: اللطيف المحتفي بك ببرك وبلطفك (3).
(الرب) الرب معناه المالك، وكل من ملك شيئا فهو ربه ومنه قوله
عز وجل: (ارجع إلى ربك) (4) أي إلى سيدك ومليكك، وقال قائل يوم
حنين: لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن.
يريد يملكني ويصير لي ربا ومالكا، ولا يقال لمخلوق: الرب بالألف واللام
لأن الألف واللام دالتان على العموم، وإنما يقال للمخلوق: رب كذا فيعرف
بالإضافة لأنه لا يملك غيره فينسب إلى ما يملكه، والربانيون نسبوا إلى التأله
والعبادة للرب في معنى الربوبية له، والربيون الذين صبروا مع الأنبياء
عليهم السلام.
(الرحمن) الرحمن معناه الواسع الرحمة على عباده يعمهم بالرزق و
الإنعام عليهم، ويقال: هو اسم من أسماء الله تبارك وتعالى في الكتب لا سمي له فيه
ويقال للرجل: رحيم القلب ولا يقال: الرحمن لأن الرحمن يقدر على كشف
البلوى ولا يقدر الرحيم من خلقه على ذلك، وقد جوز قوم أن يقال للرجل:
رحمن وأرادوا به الغاية في الرحمة، وهذا خطأ، والرحمن هو لجميع العالم والرحيم
بالمؤمنين خاصة.
(الرحيم) الرحيم معناه أنه رحيم بالمؤمنين يخصهم برحمته في عاقبة أمرهم
كما قال الله عز وجل: (
وكان بالمؤمنين رحيما) والرحمن والرحيم اسمان مشتقان
من الرحمة على وزن ندمان ونديم، ومعنى الرحمة النعمة، والراحم المنعم كما

(1) الأعراف: 187.
(2) في تفسير علي بن إبراهيم: (كأنك حفى عنها) أي كأنك جاهل بها، ويؤيده نزول
الآية وتعدية الحفاية بعن فراجع.
(3) في نسخة (و) (ب) (يبرك ويلطفك)، وفي نسخة (ج) (بتبرك وتلطف).
(4) يوسف: 50.
203

قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (1) يعني: نعمة عليهم
ويقال للقرآن: هدى ورحمة، وللغيث رحمة يعني نعمة، وليس معنى الرحمة الرقة
لأن الرقة عن الله عز وجل منفية، وإنما سمي رقيق القلب من الناس رحيما
لكثرة ما توجد الرحمة منه، ويقال: ما أقرب رحم فلان إذا كان ذا مرحمة وبر،
والمرحمة الرحمة، ويقال: رحمته مرحمة ورحمة.
(الذارئ) الذارئ معناه الخالق يقال: ذرأ الله الخلق وبرأهم أي خلقهم
وقد قيل: إن الذرية منه اشتق اسمها كأنهم ذهبوا إلى أنها خلق الله عز وجل
خلقها من الرجل، وأكثر العرب على ترك همزها وإنما تركوا الهمزة في هذا
المذهب لكثرة ترددها في أفواهم كما تركوا همزة البرية وهمزة بري وأشباه
ذلك، ومنهم من يزعم أنها من ذروت أو ذريت معا يريد أنه قد كثرهم وبثهم في
الأرض بثا، كما قال الله تعالى: (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) (2).
(الرازق) الرازق معناه أنه عز وجل يرزق عباده برهم وفاجرهم
رزقا بفتح الراء رواية من العرب، ولو أرادوا المصدر لقالوا: رزقا، بكسر الراء
ويقال: ارتزق الجند رزقة واحدة أي أخذوه مرة واحدة.
(الرقيب) الرقيب معناه الحافظ وهو فعيل بمعنى فاعل، ورقيب القوم
حارسهم.
(الرؤوف) الرؤوف معناه الرحيم، والرأفة الرحمة.
(الرائي) الرائي معناه العالم، والرؤية العلم، معنى ثان: أنه المبصر
ومعنى الرؤية الإبصار، ويجوز في معنى العلم لم يزل رائيا، ولا يجوز ذلك في
معنى الإبصار.
(السلام) السلام معناه المسلم، وهو توسع لأن السلام مصدر، والمراد به
أن السلامة تنال من قبله، والسلام والسلامة مثل الرضاع والرضاعة واللذاذ و
اللذاذة، ومعنى ثان أنه يوصف بهذه الصفة لسلامته مما يلحق الخلق من العيب

(1) الأنبياء: 107.
(2) النساء: 1.
204

والنقص والزوال والانتقال والفناء والموت، وقوله عز وجل: (لهم دار السلام
عند ربهم) (1) فالسلام هو الله عز وجل وداره الجنة، ويجوز أن يكون سماها
سلاما لأن الصائر إليها يسلم فيها من كل ما يكون في الدنيا من مرض ووصب و
موت وهرم وأشباه ذلك، فهي دار السلامة من الآفات والعاهات، وقوله عز وجل
(فسلام لك من أصحاب اليمين) (2) يقول: فسلامة لك منهم أي يخبرك عنهم سلامة
والسلامة في اللغة الصواب والسداد أيضا، ومنه قوله عز وجل: (وإذا خاطبهم
الجاهلون قالوا سلاما) (3) أي سدادا وصوابا، ويقال: سمي الصواب من القول
سلاما لأنه يسلم من العيب والإثم.
(المؤمن) المؤمن معناه المصدق، والإيمان التصديق في اللغة، يدلك على
ذلك قوله عز وجل حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام: (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا
صادقين) (4) فالعبد مؤمن مصدق بتوحيد الله وبآياته، والله مؤمن مصدق لما وعده
ومحققه، ومعنى ثان: أنه محقق حقق وحدانيته بآياته عند خلقه وعرفهم حقيقته (5)
لما أبدى من علاماته وأبان من بيناته وعجائب تدبيره ولطائف تقديره، ومعنى
ثالث أنه آمنهم من الظلم والجور، قال الصادق عليه السلام: سمي البارئ عز وجل
مؤمنا لأنه يؤمن من عذابه من أطاعه، وسمي العبد مؤمنا لأنه يؤمن على الله
عز وجل فيجيز الله أمانه (6) وقال عليه السلام: (المؤمن من أمن جاره بوائقه)، وقال عليه السلام:
(المؤمن الذي يأتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم).
(المهيمن) المهيمن معناه الشاهد، وهو كقوله عز وجل: (ومهيمنا
عليه) (7) أي شاهدا عليه، ومعنى ثان أنه اسم مبني من الأمين، والأمين اسم من

(1) الأنعام: 127.
(2) الواقعة: 91.
(3) الفرقان: 63.
(4) يوسف: 17.
(5) أي حقيقة خلقه، ولا يبعد أن يكون في الأصل حقيته تعالى.
(6) في نسخة (ط) و (ن) (فيجير الله أمانة)، وفي نسخة (د) و (و) (فيخبر الله أمانة).
(7) المائدة: 48.
205

أسماء الله عز وجل، ثم بني كما بني المبيطر من البيطر والبيطار، وكأن الأصل
فيه مؤيمن فقلبت الهمزة هاء كما قلبت همزة أرقت وأيهات فقيل: هرقت وهيهات،
وأمين اسم من أسماء الله عز وجل، ومن طول الألف أراد (يا أمين) فأخرجه مخرج
قولهم: أزيد. على معنى يا زيد، ويقال: المهيمن اسم من أسماء الله عز وجل في الكتب
السابقة.
(العزيز) العزيز معناه أنه لا يعجزه شئ ولا يمتنع عليه شئ أراده فهو
قاهر للأشياء، غالب غير مغلوب، وقد يقال في المثل: (من عز بز) أي من غلب سلب،
وقوله عز وجل حكاية عن الخصمين: (وعزني في الخطاب) (1) أي غلبني في
مجاوبة الكلام (2)، ومعنى ثان: أنه الملك ويقال للملك: عزيز كما قال إخوة
يوسف ليوسف عليه السلام: (يا أيها العزيز) (3) والمراد به يا أيها الملك (4).
(الجبار) الجبار معناه القاهر الذي لا ينال، وله التجبر والجبروت أي
التعظم والعظمة، ويقال للنخلة التي لا تنال: جبارة، والجبر أن تجبر إنسانا على
ما يكرهه قهرا تقول: جبرته على أمر كذا وكذا، وقال الصادق عليه السلام: (لا جبر
ولا تفويض بل أمر بين أمرين) عني بذلك: أن الله تبارك وتعالى لم يجبر عباده على
المعاصي ولم يفوض إليهم أمر الدين حتى يقولوا فيه بآرائهم ومقائسهم (5) فإنه
عز وجل قد حدو وظف وشرع وفرض وسن وأكمل لهم الدين، فلا تفويض مع
التحديد والتوظيف والشرع والفرض والسنة وإكمال الدين.
(المتكبر) المتكبر مأخوذ من الكبرياء، وهو اسم للتكبر والتعظم.
(السيد) السيد معناه الملك، ويقال لملك القوم وعظيمهم: سيدهم، و
قد سادهم يسودهم. وقيل لقيس بن عاصم: بم سدت قومك؟ قال: ببذل الندى، و

(1) ص: 23.
(2) في نسخة (ط) و (ن) (في محاورة الكلام).
(3) يوسف: 88.
(4) قال المصحح في كلامه هذا نظر.
(5) في البحار وفي نسخة (ب) و (د) (بآرائهم ومقائيسهم).
206

كف الأذى، ونصر المولى، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (علي سيد العرب، فقالت عائشة:
يا رسول الله ألست سيد العرب؟ فقال: أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب،
فقالت: يا رسول الله وما السيد؟ قال: من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي).
وقد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب معاني الأخبار، فعلى معنى هذا الحديث
السيد هو الملك الواجب الطاعة.
(السبوح) (1) هو اسم مبني على فعول، وليس في كلام العرب فعول إلا
سبوح وقدوس، ومعناهما واحد، وسبحان الله تنزيها له عن كل ما لا ينبغي أن
يوصف به، ونصبه لأنه في موضع فقل على معنى تسبيحا لله يريد سبحت تسبيحا لله،
ويجوز أن يكون نصبا على الظرف، ومعناه نسبح لله وسبحوا لله (2).
(الشهيد) الشهيد معناه الشاهد بكل مكان صانعا ومدبرا على أن المكان
مكان لصنعه وتدبيره، لا على أن المكان مكان له، لأنه عز وجل كان ولا مكان.
(الصادق) الصادق معناه أنه صادق في وعده، ولا يبخس ثواب من يفي بعهده.
(الصانع) الصانع معناه أنه صانع كل مصنوع أي خالق كل مخلوق،
ومبدع جميع البدائع، وكل ذلك دال على أنه لا يشبهه شئ من خلقه، لأنا لم
نجد فيما شاهدنا فعلا يشبه فاعله، لأنهم أجسام وأفعالهم غير أجسام والله تعالى عن
أن يشبه أفعاله، وأفعاله لحم وعظم وشعر ودم وعصب وعروق وأعضاء وجوارح
وأجزاء ونور وظلمة وأرض وسماء وحجر وشجر وغير ذلك من صنوف الخلق وكل
ذلك فعله وصنعه عز وجل، وجميع ذلك دليل على وحدانيته شاهد على انفراده
وعلى أنه بخلاف خلقه وأنه لا شريك له.
وقال بعض الحكماء في هذا المعنى وهو يصف النرجس:

(1) في أكثر النسخ: (سبوح) بدون الألف واللام، ولم أفهم وجها لحذفهما عنه
بالخصوص.
(2) الواو للمعية، أي نسبح لله مع تسبيح الذين سبحوا لله، فحذف ما عدا المصدر واسم
الجلالة فصار تسبيح الله، ثم أبدل عنه سبحان الله.
207

عيون في جفون في فنون * بدت فأجاد صنعتها المليك
بأبصار التغنج طامحات * كأن حداقها ذهب سبيك
على غصن الزمرد مخبرات * بأن الله ليس له شريك
(الطاهر) الطاهر معناه أنه متنزه عن الأشباه والأنداد والأضداد و
الأمثال والحدود والزوال والانتقال ومعاني الخلق من الطول والعرض والأقطار
والثقل والخفة، والرقة والغلظة، والدخول والخروج، والملازقة والمباينة، و
الرائحة والطعم، واللون والمجسة والخشونة واللين، والحرارة والبرودة، و
الحركة والسكون، والاجتماع والافتراق، والتمكن في مكان دون مكان، لأن
جميع ذلك محدث مخلوق وعاجز ضعيف من جميع الجهات، دليل على محدث أحدثه
وصانع صنعه، قادر قوي طاهر من معانيها لا يشبه شيئا منها (1) لأنها دلت من جميع
جهاتها على صانع صنعها ومحدث أحدثها وأوجبت على جميع ما غاب عنها من أشباهها
وأمثالها أن يكون دالة على صانع صنعها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
(العدل) العدل معناه الحكم بالعدل والحق، وسمي به توسعا لأنه
مصدر والمراد به العادل، والعدل من الناس المرضي قوله وفعله وحكمه.
(العفو) العفو اسم مشتق من العفو على وزن فعول، والعفو: المحو،
يقال: عفا الشئ إذا امتحي وذهب ودرس، وعفوته أنا إذا محوته، ومنه قوله عز وجل
(عفا الله عنك لم أذنت لهم) (2) أي محا الله عنك إذنك لهم.
(الغفور) الغفور اسم مشتق من المغفرة، وهو الغافر الغفار، وأصله في
اللغة التغطية والستر، تقول: غفرت الشئ إذا غطيته، ويقال: هذا أغفر من هذا
أي أستر، وغفر الصوف والخز ما علا فوق الثوب منهما كالزئبر، سمي غفرا لأنه
ستر الثوب، ويقال لجنة الرأس: مغفر لأنها تستر الرأس، والغفور: الساتر
لعبده برحمته.
(الغني) الغني معناه أنه الغني بنفسه عن غيره وعن الاستعانة بالآلات

(1) كذا.
(2) التوبة: 43.
208

والأدوات وغيرها، والأشياء كلها سوى الله عز وجل متشابهة في الضعف والحاجة،
لا يقوم بعضها إلا ببعض ولا يستغني بعضها عن بعض.
(الغياث) الغياث معناه المغيث سمي به توسعا لأنه مصدر.
(الفاطر) الفاطر معناه الخالق، فطر الخلق أي خلقهم وابتدأ صنعة الأشياء
وابتدعها فهو فاطرها أي خالقها ومبدعها.
(الفرد) الفرد معناه أنه المتفرد بالربوبية والأمر دون خلقه، ومعنى
ثان: أنه موجود وحده لا موجود معه.
(الفتاح) الفتاح معناه أنه الحاكم ومنه قوله عز وجل: (وأنت خبير
الفاتحين) (1) وقوله عز وجل؟ (وهو الفتاح العليم) (2).
(الفالق) الفالق اسم مشتق من الفلق، ومعناه في أصل اللغة الشق، يقال:
سمعت هذا من فلق فيه، وفلقت الفستقة فانفلقت، وخلق الله تبارك وتعالى كل شئ
فانفلق عن جميع ما خلق، فلق الأرحام فانفلقت عن الحيوان، وفلق الحب والنوى
فانفلقا عن النبات، وفلق الأرض فانفلقت عن كل ما أخرج منها، وهو كقوله
عز وجل: (والأرض ذات الصدع) (3) صدعها فانصدعت، وفلق الظلام فانفلق عن
الاصباح، وفلق السماء فانفلقت عن القطر، وفلق البحر لموسى عليه السلام فانفلق فكان
كل فرق منه كالطود العظيم.
(القديم) القديم معناه أنه المتقدم للأشياء كلها، وكل متقدم لشئ
يسمى قديما إذا بولغ في الوصف، ولكنه سبحانه قديم لنفسه بلا أول ولا نهاية، و
سائر الأشياء لها أول ونهاية، ولم يكن لها هذا الاسم في بدئها، فهي قديمة من وجه و
محدثه من وجه، وقد قيل: إن القديم معناه أنه الموجود لم يزل، وإذا قيل لغيره
عز وجل: إنه قديم كان على المجاز لأن غيره محدث ليس بقديم.
(الملك) الملك هو مالك الملك قد ملك كل شئ، والملكوت ملك الله عز وجل

(1) الأعراف: 89.
(2) سبأ: 26.
(3) الطارق: 12.
209

زيدت فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت، تقول العرب: رهبوت خير من رحموت
أي لأن ترهب خير من أن ترحم.
(القدوس) القدوس معناه الطاهر، والتقديس التطهير والتنزيه، وقوله
عز وجل حكاية عن الملائكة: (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) (1) أي ننسبك
إلى الطهارة، ونسبحك ونقدس لك بمعنى واحد (2)، وحظيرة القدس موضع الطهارة
من الأدناس التي تكون في الدنيا والأوصاب والأوجاع وأشباه ذلك، وقد قيل: إن
القدوس من أسماء الله عز وجل في الكتب.
(القوي) القوي معناه معروف وهو القوي بلا معاناة ولا استعانة.
(القريب) القريب معناه المجيب، ويؤيد ذلك قول عز وجل (فإني قريب
أجيب دعوة الداع إذا دعان) (3) ومعنى ثان: أنه عالم بوساوس القلوب لا حجاب
بينه وبينها ولا مسافة، ويؤيد هذا المعنى قوله عز وجل: (ولقد خلقنا الإنسان
ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (4). فهو قريب بغير مماسة،
بائن من خلقه بغير طريق ولا مسافة، بل هو على المفارقة لهم في المخالطة، والمخالفة
لهم في المشابهة، وكذلك التقرب إليه ليس من جهة الطرق والمسائف، إنما هو من
جهة الطاعة وحسن العبادة، فالله تبارك وتعالى قريب دان دنوه من غير سفل، لأنه
ليس باقتطاع المسائف يدنو، ولا باجتياز الهواء يعلو، كيف وقد كان قبل السفل والعلو
وقبل أن يوصف بالعلو والدنو.
(القيوم) القيوم والقيام هما فيعول وفيعال من قمت بالشئ إذا وليته بنفسك
وتوليت حفظه وإصلاحه وتقديره، ونظيره قولهم: ما فيها من ديور ولا ديار.
(القابض) القابض اسم مشتق من القبض، وللقبض معان، منها: الملك
يقال: فلان في قبضي، هذه الضيعة في قبضي، ومنه قوله عز وجل: (والأرض

(1) البقرة: 30.
(2) في نسخة (ب) و (د)، (ونسبحك ونسبح لك بمعنى واحد).
(3) البقرة: 186.
(4) ق: 16.
210

جميعا قبضته يوم القيمة) (1) وهذا كقول الله عز وجل: (وله الملك يوم ينفخ في
الصور) (2) وقوله عز وجل: (والأمر يومئذ لله) (3) وقوله عز وجل: (مالك
يوم الدين) (4) ومنها: إفناء الشئ، ومن ذلك قولهم للميت: قبضه الله إليه، ومنه
قوله عز وجل: (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا) (5)
فالشمس لا تقبض بالبراجم، والله تبارك وتعالى قابضها ومطلقها، ومن هذا قوله
عز وجل: (والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون) (6) فهو باسط على عباده فضله،
وقابض ما يشاء من عائدته وأياديه، والقبض قبض البراجم أيضا وهو عن الله تعالى
ذكره منفي، ولو كان القبض والبسط الذي ذكره الله عز وجل من قبل البراجم لما
جاز أن يكون في وقت واحد قابضا وباسطا لاستحالة ذلك، والله تعالى ذكره في كل
ساعة يقبض الأنفس ويبسط الرزق ويفعل ما يريد.
(الباسط) الباسط معناه المنعم المفضل، قد بسط على عباده فضله وإحسانه، و
أسبغ عليهم نعمه.
(قاضي الحاجات) القاضي اسم مشتق من القضاء، ومعنى القضاء من الله
عز وجل على ثلاثة أوجه: فوجه منها هو الحكم والالزام، يقال: قضي القاضي على
فلان بكذا أي حكم عليه به وألزمه إياه، ومنه قوله عز وجل: (وقضى ربك ألا
تعبدوا إلا إياه) (7) ووجه منها هو الخبر، ومنه قوله عز وجل: (وقضينا إلى
بني إسرائيل في الكتاب) (8) أي أخبرناهم بذلك على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووجه
منها هو الاتمام، ومنه قوله عز وجل: (فقضيهن سبع سماوات في يومين) (9) ومنه

(1) الزمر: 67.
(2) الأنعام: 73.
(3) الانفطار: 19.
(4) الفاتحة: 4.
(5) الفرقان: 46.
(6) البقرة: 245.
(7) الإسراء: 23.
(8) الإسراء: 4.
(9) فصلت: 12.
211

قول الناس: قضى فلان حاجتي، يريد أنه أتم حاجتي على ما سألته.
(المجيد) المجيد معناه الكريم العزيز، ومنه قوله عز وجل: (بل هو قرآن
مجيد) (1) أي كريم عزيز. والمجد في اللغة نيل الشرف، ومجد الرجل وأمجد لغتان
وأمجده كرم فعاله، ومعنى ثان: أنه مجيد ممجد، مجده خلقه أي عظموه.
(المولى) المولى معناه الناصر ينصر المؤمنين ويتولى نصرهم على عدوهم و
يتولى ثوابهم وكرامتهم، وولي الطفل هو الذي يتولى إصلاح شأنه، والله ولي
المؤمنين وهو مولاهم وناصرهم، والمولى في وجه آخر هو الأولى، ومنه قول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وذلك على إثر كلام قد تقدمه وهو
أن قال: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم (2)، قالوا: بلى يا رسول الله، قال من
كنت مولاه أي من كنت أولى به منه بنفسه فعلي مولاه) أي أولى به منه بنفسه.
(المنان) المنان معناه المعطي المنعم، ومنه قوله عز وجل: (فامنن أو أمسك
بغير حساب (3)) وقوله عز وجل: (ولا تمنن تستكثر) (4).
(المحيط) المحيط معناه أنه محيط بالأشياء عالم بها كلها، وكل من أخذ
شيئا كله أو بلغ علمه أقصاه فقد أحاط به، وهذا على التوسع لأن الإحاطة في
الحقيقة إحاطة الجسم الكبير بالجسم الصغير من جوانبه كإحاطة البيت بما فيه و
إحاطة السور بالمدن، ولهذا المعنى سمي الحائط حائطا، ومعنى ثان يحتمل أن
يكون نصبا على الظرف، معناه مستوليا مقتدرا، كقوله عز وجل: (وظنوا أنهم
أحيط بهم (5)) فسماه إحاطة لهم لأن القوم إذا أحاطوا بعدوهم لم يقدر العدو على
التخلص منهم.

(1) البروج: 21.
(2) في نسخة (ج) (ألست أولى منكم بأنفسكم)، وفي البحار وفي البحار وفي نسخة (ط) و (ن)
(ألست أولى بكم من أنفسكم).
(3) ص: 39.
(4) المدثر: 6.
(5) يونس: 22.
212

(المبين) المبين معناه الظاهر البين حكمته، المظهر لها بما أبان من بيناته
وآثار قدرته، ويقال: بان الشئ وأبان واستبان بمعنى واحد.
(المقيت) المقيت معناه الحافظ الرقيب، ويقال: بل هو القدير.
(المصور) المصور هو اسم مشتق من التصوير، يصور الصور في الأرحام
كيف يشاء، فهو مصور كل صورة، وخالق كل مصور في رحم ومدرك ببصر وممثل
في نفس، وليس الله تبارك وتعالى بالصور والجوارح يوصف، ولا بالحدود والأبعاض
يعرف، ولا في سعة الهواء بالأوهام يطلب، ولكن بالآيات يعرف، وبالعلامات و
الدلالات يحقق، وبها يوقن، وبالقدرة والعظمة والجلال والكبرياء يوصف،
لأنه ليس له في خلقه شبيه ولا في بريته عديل.
(الكريم) الكريم معناه العزيز، يقال: فلان أكرم علي من فلان أي أعز
منه، ومنه قوله عز وجل: (إنه لقرآن كريم) (1) وكذلك قوله عز وجل:
(ذق إنك أنت العزيز الكريم) (2)، ومعنى ثان: أنه الجواد المفضل، يقال: رجل
كريم أي جواد، وقوم كرام أي أجواد، وكريم وكرم مثل أديم وأدم.
(الكبير) الكبير السيد، يقال لسيد القوم: كبيرهم، والكبرياء اسم
التكبر والتعظم.
(الكافي) الكافي اسم مشتق من الكفاية، وكل من توكل عليه كفاه ولا
يلجئه إلى غيره.
(كاشف الضر) الكاشف معناه المفرج يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء،
والكشف في اللغة رفعك شيئا عما يواريه ويغطيه.
(الوتر) الوتر الفرد، وكل شئ كان فردا قيل: وتر.
(النور) النور معناه المنير، ومنه قوله عز وجل: (الله نور السماوات و
الأرض) (3) أي منير لهم وآمرهم وهاديهم، فهم يهتدون به في مصالحهم كما يهتدون

(1) الواقعة: 77.
(2) الدخان: 49.
(3) النور: 35.
213

في النور والضياء (1) وهذا توسع إذا لنور الضياء والله عز وجل متعال عن ذلك علوا
كبيرا، لأن الأنوار محدثة، ومحدثها قديم لا يشبهه شئ، وعلى سبيل التوسع
قيل: إن القرآن نور لأن الناس يهتدون به في دينهم كما يهتدون بالضياء في
مسالكهم، ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم منيرا.
(الوهاب) الوهاب معروف وهو من الهبة يهب لعباده ما يشاء ويمن عليهم
بما يشاء، ومنه قوله عز وجل: (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) (2).
(الناصر) الناصر والنصير بمعنى واحد، والنصرة حسن المعونة.
(الواسع) الواسع الغني، والسعة الغنى، يقال: فلان يعطي من سعة أي من
غنى، والوسع جدة الرجل وقدرة ذات يده، ويقال: أنفق على قدر وسعك.
(الودود) الودود فعول بمعنى مفعول كما يقال: هيوب بمعنى مهيب، يراد به، أنه مودود ومحبوب، ويقال:
بل فعول بمعنى فاعل كقولك: غفور بمعنى غافر أي
يود عباده الصالحين ويحبهم، والود والوداد مصدر المودة، فلان ودك ووديدك
أي حبك وحبيبك.
(الهادي) الهادي معناه أنه عز وجل يهديهم للحق، والهدى من الله
عز وجل على ثلاثة أوجه: فوجه هو الدلالة قد دلهم جميعا على الدين، والثاني
هو الإيمان والإيمان هدى من الله عز وجل كما أنه نعمة من الله عز وجل، والثالث
هو النجاة وقد بين الله عز وجل، أنه سيهدي المؤمنين بعد وفاتهم فقال: (والذين
قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم) (3) ولا يكون الهدى بعد الموت
والقتل إلا الثواب والنجاة، وكذلك قوله عز وجل: (إن الذين آمنوا و
عملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ((4) وهو ضد الضلال الذي هو عقوبة الكافر،
وقال الله عز وجل: (ويضل الله الظالمين) (5) أي يهلكهم ويعاقبهم، وهو كقوله عز وجل:

(1) في نسخة (ج) (كما يهتدون بالنور - الخ).
(2) الشورى: 49.
(3) محمد صلى الله عليه وآله: 5.
(4) يونس: 9.
(5) إبراهيم عليه السلام: 27.
214

(أضل أعمالهم) (1) أي أهلك أعمالهم وأحبطها بكفرهم.
(الوفي) الوفي معناه أنه يفي بعهدهم ويوفي بعهده، يقال: رجل وفي و
موف، وقد وفيت بعهدك وأوفيت لغتان.
(الوكيل) الوكيل معناه المتولي أي القائم بحفظنا، وهذا هو معنى
الوكيل على المال منا، ومعنى ثان أنه المعتمد والملجأ، والتوكل الاعتماد عليه و
الالتجاء إليه.
(الوارث) الوارث معناه أن كل من ملكه الله شيئا يموت ويبقى ما كان
في ملكه ولا يملكه إلا الله تبارك وتعالى.
(البر) البر معناه الصادق، يقال: صدق فلان وبر، ويقال: برت يمين
فلان إذا صدقت، وأبرها الله أي أمضاها على الصدق.
(الباعث) الباعث معناه أنه يبعث من في القبور ويحييهم وينشرهم للجزاء
والبقاء.
(التواب) التواب معناه أنه يقبل التوبة ويعفو عن الحوبة إذا تاب منها
العبد، يقال: تاب العبد إلى الله عز وجل فهو تائب إليه (2) وتاب الله عليه أي قبل
توبته فهو تواب عليه، والتوب التوبة، ويقال: اتأب فلان من كذا - مهموزا - إذا
استحيى منه، ويقال: ما طعامك بطعام تؤبة أي لا يحتشم منه ولا يستحيى (3).
(الجليل) الجليل معناه السيد، يقال لسيد القوم: جليلهم وعظيمهم، و
جل جلال الله فهو الجليل ذو الجلال والاكرام، ويقال جل فلان في عيني أي عظم،
وأجللته أي عظمته (4).
(الجواد) الجواد معناه المحسن المنعم الكثير الإنعام والاحسان، يقال:

(1) محمد صلى الله عليه وآله وسلم: 1.
(2) في البحار وفي نسخة (ب) و (د) فهو ((تائب تواب إليه).
(3) التاء في المواضع الثلاثة مبدلة من الواو، فيطلب في اللغة في مادة (وأب).
(4) في نسخة (ب) و (و) (أي أعظمته).
215

جاد السخي من الناس يجود جودا، ورجل جواد، وقوم أجواد وجود أي أسخياء، ولا
يقال لله عز وجل: سخي لأن أصل السخاوة راجع إلى اللين، يقال: أرض سخاوية
وقرطاس سخاوي إذا كان لينا.
وسمي السخي سخيا للينه عند الحوائج إليه.
(الخبير) الخبير معناه العالم، والخبر والخبير في اللغة واحد، والخبر
علمك بالشئ، يقال: لي به خبر أي علم.
(الخالق) الخالق معناه الخلاق، خلق الخلائق خلقا وخليقة، والخليقة:
الخلق، والجمع الخلائق، والخلق في اللغة تقديرك الشئ، يقال في المثل:
إني إذا خلقت فريت لا كمن يخلق ولا يفري، وفي قول أئمتنا عليهم السلام: إن أفعال
العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، وخلق عيسى عليه السلام من الطين كهيئة الطير
هو خلق تقدير أيضا، ومكون الطير وخالقه في الحقيقة هو الله عز وجل.
(خير الناصرين) خير الناصرين وخير الراحمين معناه أن فاعل الخير إذا
كثر ذلك منه سمي خيرا توسعا.
(الديان) الديان هو الذي يدين العباد ويجزيهم بأعمالهم، والدين
الجزاء، ولا يجمع لأنه مصدر، يقال: دان يدين دينا، ويقال في المثل: (كما تدين
تدان) أي كما تجزي تجزى، قال الشاعر:
كما يدين الفتى يوما يدان به * من يزرع الثوم لا يقلعه ريحانا
(الشكور) الشكور والشاكر معناهما أنه يشكر للعبد عمله، وهذا توسع
لأن الشكر في اللغة عرفان الاحسان، وهو المحسن إلى عباده المنعم عليهم، لكنه
سبحانه لما كان مجازيا للمطيعين على طاعاتهم جعل مجازاته شكرا لهم على المجاز كما
سميت مكافأة المنعم شكرا.
(العظيم) العظيم معناه السيد، وسيد القوم عظيمهم وجليلهم، ومعنى ثان:
أنه يوصف بالعظمة لغلبته على الأشياء وقدرته عليها ولذلك كان الواصف بذلك معظما،
ومعنى ثالث: أنه عظيم لأن ما سواه كله له ذليل خاضع فهو عظيم السلطان، عظيم
216

الشأن، ومعنى رابع: أنه المجيد يقال: عظم فلان في المجد عظامة، والعظامة مصدر:
الأمر العظيم، والعظمة من التجبر، وليس معنى العظيم ضخم طويل عريض ثقيل
لأن هذه المعاني معاني الخلق وآيات الصنع والحدث وهي عن الله تبارك وتعالى
منفية، وقد روي في الخبر أنه سمي العظيم لأنه خالق الخلق العظيم ورب العرش
العظيم وخالقه.
(اللطيف) اللطيف معناه أنه لطيف بعباده فهو لطيف بهم، بار بهم، منعم عليهم
واللطف البر والتكرمة، يقال: فلان لطيف بالناس بار بهم يبرهم ويلطفهم إلطافا،
ومعنى ثان أنه لطيف في تدبيره وفعله يقال: فلان لطيف العمل، وقد روي في الخبر
أن معنى اللطيف هو أنه الخالق للخلق اللطيف كما أنه سمي العظيم لأنه الخالق
للخلق العظيم.
(الشافي) الشافي معناه معروف وهو من الشفاء كما قال الله عز وجل حكاية
عن إبراهيم عليه السلام: (وإذا مرضت فهو يشفين) (1) فجملة هذه الأسماء الحسنى تسعة و
تسعون اسما.
وأما (تبارك) (2) فهو من البركة وهو عز وجل ذو بركة وهو فاعل البركة
وخالقها وجاعلها في خلقه، وتبارك وتعالى عن الولد والصاحبة والشريك وعما يقول
الظالمون علوا كبيرا، وقد قيل: إن معنى قول الله عز وجل: (تبارك الذي نزل
الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) (3) إنما عنى به أن الله الذي يدوم بقاؤه
وتبقى نعمه ويصير ذكره بركة على عباده واستدامة لنعم الله عندهم (هو الذي نزل
الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) والفرقان هو القرآن وإنما سماه
فرقانا لأن الله عز وجل فرق به بين الحق والباطل، وعبده الذي أنزل عليه ذلك
هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسماه عبدا لئلا يتخذ ربا معبودا، وهذا رد على من يغلو فيه، وبين
عز وجل أنه نزل عليه ذلك لينذر به العالمين وليخوفهم به من معاصي الله وأليم.

(1) الشعراء: 80.
(2) المذكور في صدر الحديث.
(3) الفرقان: 1.
217

عقابه، والعالمون: الناس (الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا) كما
قالت النصارى إذ أضافوا إليه الولد كذبا عليه وخروجا من توحيده (ولم يكن له
شريك في الملك وخلق كل شئ فقدره تقديرا) يعني: أنه خلق الأشياء كلها على
مقدار يعرفه وأنه لم يخلق شيئا من ذلك على سبيل سهو ولا غفلة ولا على تنحيب (1)
ولا على مجازفة، بل على المقدار الذي يعلم أنه صواب من تدبيره وأنه استصلاح
لعباده في أمر دينهم وأنه عدل منه على خلقه لأنه لو لم يخلق ذلك على مقدار يعرفه
على سبيل ما وصفناه لوجد في ذلك التفاوت والظلم والخروج عن الحكمة وصواب
التدبير إلى العبث والظلم والفساد كما يوجد مثل ذلك في فعل خلقه الذين ينحبون
في أفعالهم ويفعلون من ذلك ما لا يعرفون مقداره، ولم يعن بذلك أنه خلق لذلك
تقديرا يعرف به مقدار ما يفعله ثم فعل أفعاله بعد ذلك، لأن ذلك إنما يوجد
من فعل من لا يعلم مقدار ما يفعله إلا بهذا التقدير وهذا التدبير، والله سبحانه لم يزل
عالما بكل شئ، وإنما عنى بقوله: فقدره تقديرا أي فعل ذلك على مقدار يعرفه
- على ما بيناه - وعلى أن يقدر أفعاله لعباده بأن يعرفهم مقدارها ووقت كونها و
مكانها الذي يحدث فيه ليعرفوا ذلك، وهذا التقدير من الله عز وجل كتاب وخبر
كتبه الله لملائكته وأخبرهم به ليعرفوه، فلما كان كلامه لم يوجد إلا على مقدار
يعرفه لئلا يخرج عن حد الصدق إلى الكذب وعن حد الصواب إلى الخطأ، وعن
حد البيان إلى التلبيس، كان ذلك دلالة على أن الله قد قدره على ما هو به وأحكمه
وأحدثه فلهذا صار محكما لا خلل فيه ولا تفاوت ولا فساد.
10 حدثنا غير واحد، قالوا: حدثنا محمد بن همام، عن علي بن الحسين (2).

(1) نحب فلان في عمله جد، ونحب العمل فلانا أجهده، ونحب فلان أمرا نذره و
أوجبه على نفسه، وفي نسخة (ب) و (د) و (و) (ولا على تنحيت) بالتاء المثناة في آخره.
وهو انضاء العمل العامل بسبب كثرته أو مشقته، وعلى هذه النسخة يقرء الفعل الآتي مجهولا
كما يقرء مجهولا على المعنى الثاني.
(2) في نسخة (ط) و (ن) (علي بن الحسن).
218

قال: حدثني جعفر بن يحيى الخزاعي، عن أبيه، قال: دخلت مع أبي عبد الله عليه السلام
على بعض مواليه يعوده، فرأيت الرجل يكثر من قول آه، فقلت له: يا أخي اذكر
ربك واستغث به، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن آه اسم من أسماء الله عز وجل (1)
فمن قال: آه استغاث بالله تبارك وتعالى.
11 - حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الإصبهاني الأسواري قال:
حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن
عبد الرحمن القرشي بدمشق وأنا أسمع، قال: حدثنا أبو عامر موسى بن عامر
المري (2) قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا زهير بن محمد، عن موسى بن
عقبة، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن لله تبارك وتعالى
تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، إنه وتر يحب الوتر، من أحصاها دخل الجنة،
فبلغنا أن غير واحد من أهل العلم قال: إن أولها يفتتح بلا إله إلا الله الله وحده لا
شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شي قدير، لا إله إلا الله
له الأسماء الحسنى، الله، الواحد، الصمد، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن،
الخالق، البارئ، المصور، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز،

(1) آه يقال وجعا أو أسفا أو حسرة أو ندامة على عمل أو ترحما على أحد أو حزنا
على حادثة، وقد اشتق منه الفعل والوصف، منه قوله تعالى: (إن إبراهيم لأواه حليم) و
أما كونه اسما له تعالى فإما هو من غير المشهور من أسمائه كرمضان الذي ورد في الحديث أنه
من أسمائه وكآمين كذلك، وإما هو اسم له تعالى بالعبرانية أو السريانية نظير (ياه) المذكور
في الزبور الموجود اليوم، و (يهواه) المذكور فيه أيضا، و (آهيا شراحيا) المذكور في
دعاء الحرز للباقر عليه السلام في كتاب الدعاء من البحار، وإما لا ذاك ولا ذاك، بل المؤمن إذ
يقوله متوجها إليه تعالى سائلا منه فهو بمنزلة اسم من أسمائه، وقيل: فيه أربع عشرة لغة.
(2) قال الذهبي في الميزان: موسى بن عامر المري أبو عامر الدمشقي صاحب
الوليد بن مسلم صدوق صحيح الكتب. تكلم فيه بغير حجة ولا ينكر له تفرده عن الوليد فإنه
أكثر عنه - الخ.
219

الجبار، المتكبر، الرحمن، الرحيم، اللطيف، الخبير، السميع، البصير،
العلي، العظيم، البارئ، (كذا) المتعالي، الجليل، الجميل، الحي، القيوم، القادر،
القاهر، الحكيم، القريب، المجيب، الغني، الوهاب، الودود، الشكور، الماجد،
الأحد، الولي، الرشيد، الغفور، الكريم، الحليم، التواب، الرب، المجيد،
الحميد، الوفي، الشهيد، المبين، البرهان، الرؤوف، المبدئ، المعيد، الباعث
الوارث، القوي، الشديد، الضار، النافع، الوافي، الحافظ، الرافع، القابض،
الباسط، المعز، المذل، الرازق، ذو القوة المتين، القائم، الوكيل، العادل،
الجامع، المعطي، المجتبي، المحيي، المميت، الكافي، الهادي، الأبد، الصادق،
النور، القديم، الحق، الفرد، الوتر، الواسع، المحصي، المقتدر، المقدم، المؤخر،
المنتقم، البديع (1).
12 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن الحسن بن محبوب، عن
علي بن رئاب، عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من عبد الله بالتوهم فقد
كفر، ومن عبد الاسم ولم يعبد المعنى فقد كفر، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك،
ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه (2) فعقد عليه قلبه و
نطق به لسانه في سرائره وعلانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. وفي حديث
آخر: (أولئك هم المؤمنون حقا).
13 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران
الدقاق رحمهما الله، قالا: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن أسماء الله

(1) بعض ما في هذا الحديث من الأسماء يغير بعض ما في الحديث التاسع، وقد
شرح هذه الأسماء المحدث الفيض في كتاب علم اليقين والسبزواري في شرح الأسماء والكفعمي
في المصباح وابن فهد الحلي في العدة.
(2) في نسخة (ط) (باتباع الأسماء بصفاته التي - الخ).
220

عز وجل واشتقاقها، فقال: الله مشتق من إله، وإله يقتضي مألوها، والاسم غير
المسمى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا، ومن عبد الاسم والمعنى
فقد أشرك وعبد الاثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام،
قال: قلت: زدني، قال: لله عز وجل تسعة وتسعون اسما، فلو كان الاسم هو
المسمى لكان كل اسم منها هو إلها، ولكن الله عز وجل معنى، يدل عليه بهذه الأسماء
وكلها غيره، يا هشام الخبز اسم للمأكول (1) والماء اسم للمشروب والثوب اسم
للملبوس والنار اسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتنافر أعداءنا والملحدين
في الله والمشركين مع الله عز وجل غيره؟ (2) قلت: نعم، فقال: نفعك الله به وثبتك
يا هشام، قال هشام: فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حينئذ حتى قمت مقامي هذا.
14 - حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري، قال: حدثنا مكي
ابن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن
المسيب البيهقي قال: حدثني جدي، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثني
أحمد بن محمد بن داود بن قيس الصنعاني، قال: حدثني أفلح بن كثير، عن ابن جريج،
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله أن جبرئيل نزل عليه بهذا
الدعاء من السماء ونزل عليه ضاحكا مستبشرا، فقال: السلام عليك يا محمد، قال:
وعليك السلام يا جبرئيل فقال: إن الله بعث إليك بهدية، فقال: وما تلك الهدية
يا جبرئيل؟ فقال: كلمات من كنوز العرش أكرمك الله بها، قال: وما هن يا جبرئيل؟
قال: قل: (يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك
الستر، يا عظيم العفو، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة،

(1) الخبز اسم للمأكول ولا شئ من أحكام المأكول لاسمه، فهما متغايران ذاتا، و
كذلك الله تعالى وأسماؤه.
(2) في الكافي باب معاني الأسماء واشتقاقها تحت رقم 2 هكذا (أفهمت يا هشام فهما
تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عز وجل غيره - الخ).
221

يا صاحب كل نجوى، ويا منتهى كل شكوى (يا مقيل العثرات (1)) يا كريم الصفح،
يا عظيم المن يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها يا ربنا ويا سيدنا ويا مولانا ويا غاية رغبتنا
أسألك يا الله أن لا تشوه خلقي بالنار) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل فما ثواب
هذه الكلمات؟ قال: هيهات هيهات، انقطع العلم، لو اجتمع ملائكة سبع سماوات
وسبع أرضين على أن يصفوا ثواب ذلك إلى يوم القيامة ما وصفوا من ألف جزء جزءا
واحدا، فإذا قال العبد: (يا من أظهر الجميل وستر القبيح) ستره الله برحمته في الدنيا
وجملة في الآخرة وستر الله عليه ألف ستر في الدنيا والآخرة، وإذا قال: (يا من
لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر) لم يحاسبه الله يوم القيامة ولم يهتك ستره يوم يهتك
الستور، وإذا قال: (يا عظيم العفو) غفر الله له ذنوبه ولو كانت خطيئته مثل زبد البحر،
وإذا قال: (يا حسن التجاوز) تجاوز الله عنه حتى السرقة وشرب الخمر وأهاويل
الدنيا، وغير ذلك من الكبائر، وإذا قال: (يا واسع المغفرة) فتح الله عز وجل له
سبعين بابا من الرحمة فهو يخوض في رحمة الله عز وجل حتى يخرج من الدنيا، وإذا
قال: (يا باسط اليدين بالرحمة) بسط الله يده عليه بالرحمة، وإذا قال: (يا صاحب
كل نجوى و (يا) منتهى كل شكوى) أعطاه الله عز وجل من الآجر ثواب كل
مصاب وكل سالم وكل مريض وكل ضرير وكل مسكين وكل فقير إلى يوم
القيامة، وإذا قال: (يا كريم الصفح) أكرمه الله كرامة الأنبياء، وإذا قال: (يا عظيم المن)
أعطاه الله يوم القيامة أمنيته وأمنية الخلائق، وإذا قال: (يا مبتدئا بالنعم قبل
استحقاقها) أعطاه الله من الأجر بعدد من شكر نعماءه، وإذا قال: (يا ربنا ويا سيدنا
ويا مولانا) (2) قال الله تبارك وتعالى: اشهدوا ملائكتي أني غفرت له وأعطيته من
الأجر بعدد من خلقته في الجنة والنار والسماوات السبع والأرضين السبع الشمس
والقمر والنجوم وقطر الأمطار وأنواع الخلق والجبال والحصى والثرى وغير ذلك
والعرش والكرسي، وإذا قال: (يا مولانا) ملأ الله قلبه من الإيمان، وإذا قال:

(1) ليس في أكثر النسخ (يا مقيل العثرات) وليس في نسخة بيان ثوابه.
(2) الظاهر زيادة (ويا مولانا) هنا لذكره من بعد.
222

(يا غاية رغبتنا) أعطاه الله يوم القيامة رغبته ومثل رغبة الخلائق، وإذا قال: (أسألك
يا الله أن لا تشوه خلقي بالنار) قال الجبار جل جلاله: استعتقني عبدي من النار،
اشهدوا ملائكتي أني قد أعتقته من النار وأعتقت أبويه وأخواته وأخوانه وأهله و
ولده وجيرانه، وشفعته في ألف رجل ممن وجب لهم النار، وآجرته من النار،
فعلمهن يا محمد المتقين ولا تعلمهن المنافقين فإنها دعوة مستجابة لقائليهن إن شاء الله،
وهو دعاء أهل البيت المعمور حوله إذا كانوا يطوفون به.
قال مصنف هذا الكتاب: الدليل على أن الله تعالى عز وجل عالم حي قادر
لنفسه لا بعلم وقدرة وحياة هو غيره أنه لو كان عالما بعلم لم يخل علمه من أحد أمرين
أما أن يكون قديما أو حادثا، فإن كان حادثا فهو جل ثناؤه قبل حدوث العلم غير
عالم، وهذا من صفات النقص، وكل منقوص محدث بما قدمنا، وإن كان قديما
وجب أن يكون غير الله عز وجل قديما وهذا كفر بالاجماع، فكذلك القول في القادر
وقدرته والحي وحياته، والدليل على أنه تعالى لم يزل قادرا عالما حيا أنه قد ثبت
أنه عالم قادر حي لنفسه وصح بالدليل أنه عز وجل قديم وإذا كان كذلك
كان عالما لم يزل إذ نفسه التي لها علم لم تزل، وهذا يدل على أنه قادر حي
لم يزل (1).
30 - باب القرآن ما هو؟
1 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، رضي الله عنه، قال: حدثنا
علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن الحسين بن
خالد، قال: قلت للرضا علي بن موسى عليهما السلام: يا ابن رسول الله أخبرني عن القرآن
أخالق أو مخلوق؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله عز وجل.
2 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن عبد الله
ابن جعفر الحميري، عن أبيه، عن إبراهيم بن هاشم، عن الريان بن الصلت، قال:

(1) ذكر هذا الكلام في الباب الحادي عشر كان أنسب.
223

قلت للرضا عليه السلام: ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام الله لا تتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدى
في غيره فتضلوا.
3 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا
علي بن سالم، عن أبيه، قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقلت له: يا ابن
رسول الله ما تقول في القرآن؟ فقال: هو كلام الله وقول الله وكتاب الله ووحي الله و
تنزيله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل
من حكيم حميد.
4 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن
عيسى بن عبيد اليقطيني، قال: كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام
إلى بعض شيعته ببغداد: بسم الله الرحمن الرحيم عصمنا الله وإياك من الفتنة فإن
يفعل فقد أعظم بها نعمة (1) وإن لا يفعل فهي الهلكة، نحن نرى أن الجدال في القرآن
بدعة، اشترك فيها السائل والمجيب، فيتعاطى السائل ما ليس له، ويتكلف المجيب
ما ليس عليه، وليس الخالق إلا الله عز وجل، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله،
لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين، جعلنا الله وإياك من الذين يخشون
ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون.
5 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال:
حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني سليمان بن جعفر الجعفري، قال: قلت
لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن فقد اختلف
فيه من قبلنا؟ فقال قوم: إنه مخلوق، وقال قوم: إنه غير مخلوق، فقال عليه السلام:
أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون، ولكني أقول: إنه كلام الله.
6 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا

(1) الضمير راجع إلى العصمة، وفي نسخة (ط) (فقد تعظم بها نعمة).
224

محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا
جعفر بن سليمان (كذا) الجعفري، قال: حدثنا أبي، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن
سعد الخفاف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: لما وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام على الخوارج ووعظهم وذكرهم وحذرهم القتال قال لهم: ما تنقمون مني؟ ألا
إني أول من آمن بالله ورسوله (1) فقالوا: أنت كذلك، ولكنك حكمت في دين الله
أبا موسى الأشعري، فقال عليه السلام: والله ما حكمت مخلوقا، وإنما حكمت القرآن،
ولولا أني غلبت علي أمري وخولفت في رأيي لما رضيت أن تضع الحرب أوزارها
بيني وبين أهل حرب الله حتى أعلي كلمة الله وأنصر دين الله ولو كره الكافرون
والجاهلون.
قال مصنف هذا الكتاب: قد جاء في الكتاب أن القرآن كلام الله ووحي الله
وقول الله وكتاب الله، ولم يجئ فيه أنه مخلوق، وإنما امتنعنا من إطلاق المخلوق
عليه (2) لأن المخلوق في اللغة قد يكون مكذوبا، ويقال: كلام مخلوق أي مكذوب،
قال الله تبارك وتعالى: (إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا) (3) أي كذبا،
وقال تعالى حكاية عن منكري التوحيد: (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا
اختلاق) (4) أي افتعال وكذب، فمن زعم أن القرآن مخلوق بمعنى أنه مكذوب
فقد كفر، ومن قال: إنه غير مخلوق بمعنى أنه غير مكذوب فقد صدق وقال
الحق والصواب، ومن زعم أنه غير مخلوق بمعنى أنه غير محدث وغير منزل وغير
محفوظ فقد أخطأ وقال غير الحق والصواب، وقد أجمع أهل الإسلام على أن القرآن
كلام الله عز وجل على الحقيقة دون المجاز، وأن من قال غير ذلك فقد قال منكرا
من القول وزورا، ووجدنا القرآن مفصلا وموصلا وبعضه غير بعض وبعضه قبل بعض
كالناسخ الذي يتأخر عن المنسوخ، فلو لم يكن ما هذه صفته حادثا بطلت الدلالة

(1) (ألا) حرف تنبيه وما قبله استفهام توبيخ، أو حرف استثناء.
(2) في نسخة (و) (وإنما منعنا - الخ).
(3) العنكبوت: 17.
(4) ص: 7.
225

على حدوث المحدثات وتعذر إثبات محدثها بتناهيها وتفرقها واجتماعها.
وشئ آخر وهو أن العقول قد شهدت والأمة قد اجتمعت على أن الله عز وجل
صادق في إخباره، وقد علم أن الكذب هو أن يخبر بكون ما لم يكن، وقد أخبر الله
عز وجل عن فرعون وقوله: (أنا ربكم الأعلى) (1) وعن نوح: أنه نادى ابنه وهو
في معزل: يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (2). فإن كان هذا القول وهذا
الخبر قديما فهو قبل فرعون وقبل قوله ما أخبر عنه، وهذا هو الكذب، وإن لم يوجد
إلا بعد أن قال فرعون ذلك فهو حادث لأنه كان بعد أن لم يكن.
وأمر آخر وهو أن الله عز وجل قال: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا
إليك) (3) وقوله: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) (4) وما له مثل أو جاز
أن يعدم بعد وجوده فحادث لا محالة.
7 - وتصديق ذلك ما أخرجه شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه
في جامعه، وحدثنا به، عن محمد بن الحسن الصفار (5) عن العباس بن معروف، قال:
حدثني عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عثمان، عن عبد الرحيم القصير،
قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك، اختلف
الناس في أشياء قد كتبت بها إليك، فأن رأيت جعلني الله فداك أن تشرح لي جميع
ما كتبت به إليك، اختلف الناس جعلت فداك بالعراق في المعرفة والجحود، فأخبرني
جعلت فداك أهما مخلوقان؟ واختلفوا في القرآن، فزعم قوم: أن القرآن كلام الله غير
مخلوق وقال آخرون: كلم الله مخلوق، وعن الاستطاعة أقبل الفعل أو مع الفعل؟ فإن
أصحابنا قد اختلفوا فيه ورووا فيه، وعن الله تبارك وتعالى هل يوصف بالصورة أو
بالتخطيط؟ فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد، و
عن الحركات أهي مخلوقة أو غير مخلوقة؟ وعن الإيمان ما هو؟ فكتب عليه السلام على يدي عبد الملك

(1) النازعات: 24.
(2) هود: 42.
(3) الإسراء: 86.
(4) البقرة: 106.
(5) (حدثنا) عطف على أخرجه، والضمير المستتر فيه يرجع إلى (شيخنا).
226

ابن أعين: سألت عن المعرفة ما هي: فاعلم رحمك الله أن المعرفة من صنع الله عز وجل في
القلب مخلوقة، والجحود صنع الله في القلب مخلوق (1)، وليس للعباد فيهما من صنع ولهم
فيهما الاختيار من الاكتساب فبشهوتهم الإيمان اختاروا المعرفة فكانوا بذلك
مؤمنين عارفين، وبشهوتهم الكفر اختاروا الجحود فكانوا بذلك كافرين جاحدين
ضلالا، وذلك بتوفيق الله لهم وخذلان من خذله الله، فبالاختيار والاكتساب
عاقبهم الله وأثابهم، وسألت رحمك الله عن القرآن واختلاف الناس قبلكم، فإن
القرآن كلام الله محدث غير مخلوق وغير أزلي مع الله تعالى ذكره، وتعالى عن ذلك
علوا كبيرا، كان الله عز وجل ولا شئ غير الله معروف ولا مجهول، كان عز وجل
ولا متكلم ولا مريد ولا متحرك ولا فاعل (2) عز وجل ربنا، فجميع هذه الصفات
محدثة عند حدوث الفعل منه، عز وجل ربنا، والقرآن كلام الله غير مخلوق،
فيه خبر من كان قبلكم وخبر ما يكون بعدكم (3) أنزل من عند الله على محمد رسول
الله صلى الله عليه وآله (4).
وسألت رحمك الله عن الاستطاعة للفعل (5) فإن الله عز وجل خلق العبد وجعل

(1) الكلام في المعرفة والجحود يأتي في الباب الثالث والستين.
(2) قوله (ولا متحرك) أي فاعل الحركة، أو المعنى لا ظاهر بفعله، وقوله
((ولا فاعل) لا ينافي قول الرضا عليه السلام في الحديث الثاني من الباب الثاني: (وله معنى
الخالق ولا مخلوق، إذ المراد هناك كمال الفاعلية باعتبار ذاته وهنا وجود المفعول
باعتبار فعله.
(3) في نسخة (ب) (وخبر من يكون بعدكم) وفي نسخة (و) و (د) (وخبر من
كان بعدكم).
(4) في نسخة (د) (ونزل من عند واحد نزل من عند الله على محمد - الخ -) وفي
نسخة (و) (أنزل من عند واحد نزل من عند الله على محمد - الخ -)، وفي نسخة (ب) (نزل
من عند واحد على محمد - الخ)) وفي حاشيتها (نزل من عند الله على محمد - الخ).
(5) الكلام في الاستطاعة يأتي في الباب الخامس والخمسين.
227

له الآلة والصحة وهي القوة التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل، ولا
متحرك إلا وهو يريد الفعل، وهي صفة مضافة إلى الشهوة التي هي خلق الله عز وجل
مركبة في الإنسان (1) فإذا تحركت الشهوة في الإنسان اشتهى الشئ فأراده، فمن ثم
قيل للإنسان مريد، فإذا أراد الفعل وفعل كان مع الاستطاعة والحركة، فمن ثم
قيل للعبد: مستطيع متحرك، فإذا كان الإنسان ساكنا غير مريد للفعل وكان معه الآلة
وهي القوة والصحة اللتان بهما تكون حركات الإنسان وفعله كان سكونه لعلة سكون
الشهوة فقيل: ساكن فوصف بالسكون، فإذا اشتهى الإنسان وتحركت شهوته
التي ركبت فيه اشتهى الفعل وتحركت بالقوة المركبة فيه واستعمل الآلة التي
بها يفعل الفعل فيكون الفعل منه عندما تحرك واكتسبه فقيل: فاعل ومتحرك
ومكتسب ومستطيع، أولا ترى أن جميع ذلك صفات يوصف بها الإنسان.
وسألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله
شئ وهو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه
المفترون على الله عز وجل، فأعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل
به القرآن من صفات الله عز وجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه
وهو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تعد القرآن فتضل بعد
البيان (2).
وسألت رحمك الله عن الإيمان، فالإيمان هو إقرار باللسان (3) وعقد بالقلب
وعمل بالأركان، فالإيمان بعضه من بعض (4) وقد يكون العبد مسلما قبل أن
يكون مؤمنا، ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، فالإسلام قبل الإيمان وهو

(1) مركبة خبر بعد خبر لهي.
(2) في نسخة (ط) و (ن) (فيضلك بعد البيان).
(3) في نسخة (د) و (ب) و (و) و (ج) (هو الاقرار باللسان).
(4) أي فالإقرار والعمل ناشئان من عقد القلب، والأقوال في الإيمان وحده مختلفة،
وفي التجريد عرفه بالعقد والإقرار، وكذا اختلفوا في أن الإسلام والإيمان مختلفان أم متفقان.
228

يشارك الإيمان، فإذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر
المعاصي التي نهى الله عز وجل عنها كان خارجا من الإيمان وساقطا عنه اسم الإيمان
وثابتا عليه اسم الإسلام (1) فإن تاب واستغفر عاد إلى الإيمان ولم يخرجه إلى
الكفر والجحود والاستحلال، وإذا قال للحلال: هذا حرام وللحرام: هذا حلال
ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الإيمان والإسلام إلى الكفر، وكان بمنزلة
رجل دخل الحرم، ثم دخل الكعبة فأحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة
وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار (2).
قال مصنف هذا الكتاب: كان المراد من هذا الحديث ما كان فيه من ذكر
القرآن، ومعنى ما فيه أنه غير مخلوق أي غير مكذوب، ولا يعني به أنه غير محدث
لأنه قال: محدث غير مخلوق وغير أزلي مع الله تعالى ذكره.
31 - باب معنى (بسم الله الرحمن الرحيم)
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: أخبرنا
أحمد بن محمد بن سعيد مولى بني هاشم، عن علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن
أبيه، قال: سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام، عن بسم الله، قال: معنى قول القائل
بسم الله أي أسم على نفسي سمة من سمات الله عز وجل وهي العبادة (3) قال: فقلت

(1) لا الخروج من الإيمان إلى الكفر فيحكم عليه بأحكامه، بل الخروج في الحال
أو عن كما له مع بقاء أصله كما نبه عليه بقوله: (ولم يخرجه إلى الكفر - الخ) وسمى هذا في
الحديث بكفر الترك فإن له أقساما خمسة في كتاب الله، والظاهر أن قوله: (التي نهى الله
عز وجل عنها) قيد لصغائر المعاصي فقط فتأمل.
(2) في نسخة (د) (وضربت عنقه - الخ)، وفي نسخة (ج) (فأحدث في الكعبة حدثا
فإذا خرج عن الكعبة وعن الحرم ضربت عنقه وصار إلى النار).
(3) أي سمه الله التي يسم بها العبد نفسه في كل أمر هي العبادة حقيقة لا مجرد القول والعمل.
وتلك السمة علامة بينه وبين ربه يعرف بها الحق عن الباطل.
229

له: ما السمة؟ فقال: العلامة.
2 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن
القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن عبد الله بن سنان، قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: الباء بهاء الله، والسين سناء الله
والميم مجد الله. وروي بعضهم: ملك الله، والله إله كل شئ، الرحمن بجميع خلقه،
والرحيم بالمؤمنين خاصة.
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن صفوان بن يحيى، عمن حدثه،
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن بسم الله الرحمن الرحيم فقال: الباء بهاء الله، و
السين سناء الله، والميم ملك الله، قال: قلت: الله؟ قال: الألف آلاء الله على خلقه
من النعيم بولايتنا، واللام إلزام الله خلقه ولايتنا، قلت: فالهاء؟ قال: هوان لمن
خالف محمدا وآل محمد صلوات الله عليهم، قال: قلت: الرحمن؟ قال: بجميع العالم،
قلت: الرحيم؟ قال: بالمؤمنين خاصة.
4 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن سلمة بن الخطاب
عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر
عليهما السلام، قال: سألته عن معنى الله، قال: استولى على ما دق وجل (1).
5 - حدثنا محمد بن القاسم الجرجاني المفسر رحمه الله قال: حدثنا أبو يعقوب
يوسف بن محمد بن زياد، وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار وكانا من الشيعة الإمامية
عن أبويهما (2) عن الحسن بن علي بن محمد عليهم السلام في قول الله عز وجل: (بسم الله

(1) على هذا التفسير مشتق من الإله بمعنى من له ملك التأثير والتصرف وغيره مألوه كما
مر بيانه في الحديث الثاني من الباب الثاني.
(2) أن أبويهما لم يرويا عن الإمام عليه السلام بل هما، وعليه فالظرف متعلق بكانا، أي كانا
شيئيين عن تربية أبويهما لا أنهما تشيعا استبصارا فإن الأبوين أيضا كانا من الشيعة، وهذا دفع
لخدشة أوردت على تفسير الإمام عليه السلام، وللتفصيل راجع الذريعة.
230

الرحمن الرحيم)؟ فقال: الله هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل
مخلوق عند انقطاع الرجاء من كل من هو دونه، وتقطع الأسباب من جميع ما
سواه، يقول: بسم الله أي أستعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة إلا له،
المغيث إذا استغيث، والمجيب إذ دعي، وهو ما قال رجل للصادق عليه السلام: يا ابن
رسول الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني، فقال له: يا
عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك
ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء
قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ فقال نعم، قال الصادق عليه السلام: فذلك الشئ
هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث، ثم قال
الصادق عليه السلام: ولربما ترك بعض شيعنا في افتتاح أمره بسم الله الرحمن الرحيم
فيمتحنه الله بمكروه لينبهه على شكر الله تبارك وتعالى والثناء عليه ويمحق عنه
وصمة تقصيره عند تركه قول بسم الله الرحمن الرحيم.
قال: وقام رجل إلى علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: أخبرني عن معنى بسم الله
الرحمن الرحيم، فقال علي بن الحسين عليهما السلام،: حدثني أبي، عن أخيه الحسن، عن أبيه
أمير المؤمنين عليهم السلام أن رجلا قام إليه: فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن بسم الله
الرحمن الرحيم ما معناه؟ فقال: إن قولك: (الله) أعظم اسم من أسماء الله عز وجل
وهو الاسم الذي (1) لا ينبغي أن يسمى به غير الله ولم يتسم به مخلوق، فقال الرجل
فما تفسير قوله: (الله)؟ قال الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق
عند انقطاع الرجاء من جميع من هو دونه، وتقطع الأسباب من كل من سواه
وذلك أن كل مترئس في هذه الدنيا ومتعظم فيها وإن عظم غناؤه وطيغانه و
كثرت حوائج من دونه إليه فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم، وكذلك
هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها، فينقطع إلى الله عند ضرورته وفاقته حتى إذا كفى
همه عاد إلى شركه، أما تسمع الله عز وجل يقول: (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله

(1) في نسخة (ط) و (ن) (فهو الاسم الذي - الخ).
231

أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما
تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون) (1) فقال الله عز وجل لعباده: أيها
الفقراء إلى رحمتي إني قد ألزمتكم الحاجة إلي في كل حال، وذلة العبودية في
كل وقت، فإلي فافزعوا في كل أمر تأخذون فيه وترجون تمامه وبلوغ غايته
فإني إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم وإن أردت أن أمنعكم لم
يقدر غيري على إعطائكم، فأنا أحق من سئل، وأولى من تضرع إليه، فقولوا
عند افتتاح كل أمر صغير أو عظيم: بسم الله الرحمن الرحيم أي أستعين على هذا
الأمر بالله الذي لا يحق العبادة لغيره، المغيث إذا استغيث، المجيب إذا دعي،
الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا، الرحيم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا،
خفف علينا الدين وجعله سهلا خفيفا، وهو يرحمنا بتميزنا من أعدائه (2) ثم
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من حزنه أمر تعاطاه فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم)
وهو مخلص لله (3) يقبل بقلبه إليه لم ينفك من إحدى اثنتين: إما بلوغ حاجته
في الدنيا وإما يعد له عند ربه ويدخر لديه، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين.
32 - باب تفسير حروف المعجم
1 - حدثنا محمد بن بكران النقاش رحمه الله، بالكوفة، قال: حدثنا أحمد بن
محمد الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن أبي
الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، قال: إن أول ما خلق الله عز وجل ليعرف به
خلقه الكتابة حروف المعجم (4) وإن الرجل إذا ضرب على رأسه بعصا فزعم أنه

(1) الأنعام: 41.
(2) في نسخة (ب) و (د) (بتمييزنا من أعاديه)).
(3) في نسخة (ب) و (د) (وهو يخلص لله ويقبل - الخ).
(4) الاعجام إزالة الابهام عن الحرف بنقطة مخصوصة، والمراد بالمعجم الكتاب
باعتبار أنه مؤلف من الحروف المعجمة، وقد اختص المعجمة بالحروف المنقوطة، وهذا أمر
حادث إذ في الأمر وضع لكل حرف نقطة في الكتابة، فالسين مثلا كانت منقوطة بثلاث نقط
في التحت والشين بها في الفوق، فرأوا أن عدم النقطة في بعض الحروف المتشابهة الكتابة يكفي
في الامتياز فحذفوها، فخص المنقوطة باسم المعجمة وغيرها باسم المهملة، ويقال لهذه الحروف
حروف التهجي والهجاء أيضا، كما في الحديث الثاني.
232

لا يفصح ببعض الكلام فالحكم فيه أن يعرض عليه حروف المعجم، ثم يعطي الدية بقدر
ما لم يفصح منها.
ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين عليهم السلام في (ا ب ت
ث) أنه قال: الألف آلاء الله، والباء بهجة الله (والباقي وبديع السماوات والأرض).
والتاء تمام الأمر بقائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم والثاء ثواب المؤمنين على أعمالهم الصالحة.
(ج ح خ) فالجيم جمال الله وجلال الله، والحاء حلم الله، (حي حق حليم) عن
المذنبين، والخاء خمول ذكر أهل المعاصي عند الله عز وجل.
(د ذ) فالدال دين الله (الذي ارتضاه لعباده)، والذال من ذي الجلال
والاكرام.
(ر ز) فالراء من الرؤوف الرحيم، والزاي زلازل يوم القيامة.
(س ش) فالسين سناء الله (وسرمديته)، والشين شاء الله ما شاء، وأراد ما أراد
(وما تشاؤن إلا أن يشاء الله).
(ص ض) فالصاد من صادق الوعد في حمل الناس على الصراط، وحبس
الظالمين عند المرصاد، والضاد ضل من خالف محمد وآل محمد.
(ط ظ) فالطاء طوبى للمؤمنين، وحسن مآب، والظاء ظن المؤمنين بالله
خير وظن الكافرين به سواء (1).
(ع غ) فالعين من العالم، والغين من الغني الذي لا يجوز عليه الحاجة
على الاطلاق.
(ف ق) فالفاء (فالق الحب والنوى، و) وفوج من أفواج النار، والقاف قرآن
على الله جمعه وقرآنه.

(1) في نسخة (ب) و (د) و (ج) (وظن الكافرين به شرا).
233

(ك ل) فالكاف من الكافي، واللام لغو الكافرين في افترائهم على الله الكذب.
(م ن) فالميم ملك الله يوم الدين يوم لا مالك غيره ويقول الله عز وجل
(لمن الملك اليوم) ثم تنطق أرواح أنبيائه ورسله وحججه فيقولون: (لله الواحد
القهار) فيقول جل جلاله: (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن
الله سريع الحساب) (1). والنون نوال الله للمؤمنين، ونكاله للكافرين
(وه‍) فالواو ويل لمن عصى الله من عذاب يوم عظيم، والهاء هان على الله
من عصاه.
(لا) فلام ألف لا إله إلا الله وهي كلمة الاخلاص. ما من عبد قالها
مخلصا إلا وجبت له الجنة.
(ى) يد الله فوق خلقه باسطة بالرزق، سبحانه وتعالى عما يشركون (2).
ثم قال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى أنزل هذا القرآن بهذه الحروف التي
يتداولها جميع العرب ثم قال: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل
هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (3).
2 - حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقرئ الحاكم، قال: حدثنا أبو -
عمرو محمد بن جعفر المقرئ الجرجاني، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن الموصلي
ببغداد، قال: حدثنا محمد بن عاصم الطريفي، قال: حدثنا أبو زيد عياش بن يزيد
ابن الحسن بن علي الكحال مولى زيد بن علي، قال: أخبرني أبي يزيد بن الحسن
قال: حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن

(1) المؤمن: 17.
(2) ليس في أكثر النسخ الباقي وبديع السماوات والأرض في تفسير الباء، وحي حق
حليم في تفسير الحاء، والذي ارتضاه لعباده في تفسير الدال، وسرمديته في تفسير السين، وفالق
الحب والنوى في تفسير الفاء.
(3) الإسراء: 88.
234

أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: جاء
يهودي إلى النبي صلى الله عليه وآله وعنده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: ما
الفائدة في حروف الهجاء (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: أجبه، وقال:
اللهم وفقه وسدده، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما من حرف إلا وهو اسم من أسماء الله عز وجل، ثم قال: أما الألف فالله لا إله إلا هو الحي القيوم (2)، وأما
الباء فالباقي بعد فناء خلقه، وأما التاء فالتواب يقبل التوبة عن عباده، وأما الثاء
فالثابت الكائن (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا - الآية) (3)
وأما الجيم فجل ثناؤه وتقدست أسماؤه، وأما الحاء فحق حي، حليم، وأما الخاء
فخبير بما يعمل العباد، وأما الدال فديان يوم الدين، وأما الذال فذو الجلال و
الاكرام، وأما الراء فرؤوف بعباده، وأما الزاي فزين المعبودين، وأما السين
فالسميع البصير، وأما الشين فالشاكر لعباده المؤمنين، وأما الصاد فصادق في وعده و
وعيده، وأما الضاد فالضار، النافع، وأما الطاء فالطاهر المطهر، وأما الظاء فالظاهر
المظهر لآياته، وأما العين فعالم بعباده، وأما الغين فغياث المستغيثين من جميع خلقه، و
أما الفاء ففالق الحب والنوى، وأما القاف فقادر على جميع خلقه، وأما الكاف فالكافي
الذي لم يكن له كفوا أحد ولم يلد ولم يولد، وأما اللام فلطيف بعباده، وأما الميم
فمالك الملك، وإما النون فنور السماوات من نور عرشه، وأما الواو فواحد أحد
صمد لم يلد ولم يولد، وأما الهاء فهاد لخلقه، وأما اللام ألف فلا إله إلا الله وحده

(1) الهجاء تقطيع الكلمة بحروفها، وحروف الهجاء أي حروف تقطع الكلمة بها و
تفصل إليها، ولعل اليهودي أراد بها الحروف المقطعة في مفتتح السور، أو أراد فائدة غير تركب
الكلام منها.
(2) المراد بها الهمزة إذ تسمى بالألف أيضا، وبينهما فرق من جهات ذكر في محله،
وقد تعدى اثنتين فالحروف تسعة وعشرون، وقد تعدى واحدة فهي ثمانية وعشرون كما في الباب
الخامس والستين.
(3) إبراهيم عليه السلام: 27.
235

لا شريك له. وأما الياء فيد الله باسطة على خلقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا هو القول
الذي رضي الله عز وجل لنفسه من جميع خلقه، فأسلم اليهودي.
33 - باب تفسير حروف الجمل
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدثنا أحمد بن محمد
الهمداني مولى بني هاشم، قال: حدثنا جعفر بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن
جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: حدثنا كثير بن عياش القطان،
عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهم السلام، قال: لما
ولد عيسى بن مريم عليه السلام كان ابن يوم كأنه ابن شهرين، فلما كان ابن سبعة أشهر
أخذت والدته بيده وجاءت به إلى الكتاب (1) وأقعدته بين يدي المؤدب فقال له المؤدب:
قل بسم الله الرحمن الرحيم، فقال عيسى عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال
له المؤدب: قل: أبجد، فرفع عيسى عليه السلام رأسه فقال: هل تدري ما أبجد؟ فعلاه
بالدرة ليضربه، فقال: يا مؤدب لا تضربني، إن كنت تدري وإلا فاسألني حتى
أفسر لك، قال: فسره لي، فقال عيسى عليه السلام: الألف آلاء الله، والباء بهجة الله،
والجيم جمال الله، والدال دين الله. (هوز) الهاء هول جهنم، والواو ويل لأهل
النار، والزاي زفير جنهم. (حطي) حطت الخطايا عن المستغفرين. (كلمن)
كلام الله لا مبدل لكلماته. (سعفص) صاع بصاع والجزاء بالجزاء. (قرشت) قرشهم
فحشرهم، فقال المؤدب: أيتها المرأة خذي بيد ابنك فقد علم ولا حاجة له في المؤدب.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، وأحمد بن الحسن بن

(1) ليس المراد أنه نشأ في كل يوم كنشئ غيره في شهرين في كل شئ حتى يكون في
سبعة أشهر على صورة رجل ذي خمس وثلاثين سنة، بل المعنى أنه كان ابن يوم كأنه ابن شهرين
في نموه ورشد بدنه إلى مدة حتى كان في الشهر السابع كالطفل المميز القابل لأن يجاء به إلى
الكتاب، والكتاب بضم الكاف وتشديد التاء مفرد المكتب جمعه الكتاتيب.
236

علي بن فضال، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن زيد (1) قال: حدثني محمد بن سالم،
عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: سأل عثمان بن عفاف
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تفسير أبجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تعلموا تفسير أبجد فإن
فيه الأعاجيب كلها، ويل لعالم جهل تفسيره، فقيل: يا رسول الله: ما تفسير أبجد؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أما الألف فآلاء الله حرف من حروف أسمائه (2). وأما الباء فبهجة الله،
وأما الجيم فجنة الله وجلال الله وجماله، وأما الدال فدين الله، وأما (هوز) فالهاء
هاء الهاوية فويل لمن هوى في النار، وأما الواو فويل لأهل النار، وأما الزاي
فزاوية في النار فنعوذ بالله مما في الزاوية يعني زوايا جهنم، وأما (حطي) فالحاء
حطوط الخطايا عن المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبرئيل مع الملائكة إلى مطلع
الفجر، وأما الطاء فطوبى لهم وحسن مآب وهي شجرة غرسها الله عز وجل ونفخ فيها
من روحه وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة تنبت بالحلي والحلل متدلية على
أفواهم، وأما الياء فيد الله فوق خلقه سبحانه وتعالى عما يشركون، وأما (كلمن)
فالكاف كلام الله لا مبدل لكلمات الله ولن تجد من دونه ملتحدا، وأما اللام فإلمام
أهل الجنة بينهم في الزيارة والتحية والسلام، وتلاوم أهل النار فيما بينهم، وأما
الميم فملك الله الذي لا يزول ودوام الله الذي لا يفنى، وأما النون فنون والقلم وما
يسطرون، فالقلم قلم من نور وكتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقربون وكفى
بالله شهيدا، وأما (سعفص) فالصاد صاع بصاع وفص بفص يعني الجزاء بالجزاء،
وكما تدين تدان، إن الله لا يريد ظلما للعباد، وأما (قرشت) يعني قرشهم الله فحشرهم
ونشرهم إلى يوم القيامة فقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون. (3)

(1) في نسخة (ط) و (ج) (عن الحسين بن يزيد).
(2) في البحار في أواخر الجزء الثاني من الطبعة الحديثة وفي نسخة (و) و (ج) و (د)
حرف من أسمائه.
(3) عدم ذكر ثخذ وضظغ لما ذكره ابن النديم في أول الفهرست فراجع، وللمجلسي
رحمه الله حل إشكال عن الأبجد في البحار في الباب الثالث عشر من الجزء العاشر من الطبعة الحديثة.
237

34 باب تفسير حروف الأذان والإقامة
1 - حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي الحاكم المقرئ، قال:
حدثنا أبو عمرو محمد بن المقرئ الجرجاني، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن
الموصلي ببغداد، قال: حدثنا محمد بن عاصم الطريفي، قال: حدثنا أبو زيد عياش
ابن يزيد بن الحسن بن علي الكحال مولى زيد بن علي، قال: أخبرني أبي يزيد بن
الحسن، قال: حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي
عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: كنا
جلوسا في المسجد إذا صعد المؤذن المنارة فقال: الله أكبر الله أكبر، فبكى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام وبكينا ببكائه، فلما فرغ المؤذن قال: أتدرون ما يقول
المؤذن؟! قلنا: الله ورسوله ووصيه أعلم، فقال: لو تعلمون ما يقول لضحكتم قليلا
ولبكيتم كثيرا، فلقوله: (الله أكبر) معان كثيرة: منها أن قول المؤذن: (الله أكبر)
يقع على قدمه وأزليته وأبديته وعلمه وقوته وقدرته وحلمه وكرمه وجوده وعطائه
وكبريائه، فإذا قال المؤذن (الله أكبر) فإنه يقول: الله الذي له الخلق والأمر، و
بمشيته كان الخلق، ومنه كان كل شئ للخلق، وإليه يرجع الخلق، وهو الأول
قبل كل شئ لم يزل، والآخر بعد كل شئ لا يزال، والظاهر فوق كل شئ
لا يدرك، والباطن دون كل شئ لا يحد، فهو الباقي وكل شئ دونه فان، والمعنى
الثاني (الله أكبر) أي العليم الخبير علم ما كان وما يكون قبل أن يكون، والثالث
(الله أكبر) أي القادر على كل شئ، يقدر على ما يشاء، القوي لقدرته، المقتدر على
خلقه، القوي لذاته، قدرته قائمة على الأشياء كلها، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن
فيكون، والرابع (الله أكبر) على معنى حلمه وكرمه يحلم كأنه لا يعلم ويصفح كأنه
لا يرى ويستر كأنه لا يعصى، لا يعجل بالعقوبة كرما وصفحا وحلما، والوجه الآخر في
معنى (الله أكبر) أي الجواد جزيل العطاء كريم الفعال، والوجه الآخر (الله أكبر) فيه
نفي كيفيته كأنه يقول: الله أجل من أن يدرك الواصفون قدر صفته التي هو
موصوف بها وإنما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله، تعالى الله عن
238

أن يدرك الواصفون صفته علوا كبيرا، والوجه الآخر (الله أكبر) كأنه يقول: الله أعلى
وأجل وهو الغني عن عباده لا حاجة به إلى أعمال خلقه، وأما قوله: (أشهد أن لا إله
إلا الله) فإعلام بأن الشهادة لا تجوز إلا بمعرفة من القلب، كأنه يقول: اعلم أنه
لا معبود إلا الله عز وجل وأن كل معبود باطل سوى الله عز وجل وأقر بلساني بما
في قلبي من العلم بأنه لا إله إلا الله، وأشهد أنه لا ملجأ من الله إلا إليه ولا منجى من شر
كل ذي شر وفتنة كل ذي فتنة إلا بالله، وفي المرة الثانية (أشهد أن لا إله إلا الله)
معناه أشهد أن لا هادي إلا الله، ولا دليل لي إلا الله، وأشهد الله بأني أشهد أن
لا إله إلا الله، وأشهد سكان السماوات وسكان الأرضين وما فيهن من الملائكة
والناس أجمعين، وما فيهن من الجبال والأشجار والدواب والوحوش وكل رطب
ويابس بأني أشهد أن لا خالق إلا الله، ولا رازق ولا معبود ولا ضار ولا نافع ولا قابض
ولا باسط ولا معطي ولا مانع ولا دافع ولا ناصح ولا كافي ولا شافي ولا مقدم ولا مؤخر
إلا الله، له الخلق والأمر وبيده الخير كله، تبارك الله رب العالمين، وأما قوله:
(أشهد أن محمد رسول الله) يقول: أشهد الله أني أشهد أن لا إله إلا هو، وأن محمد عبده
ورسوله ونبيه وصفيه ونجيه أرسله إلى كافة الناس أجمعين بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد من في السماوات والأرض من
النبيين والمرسلين والملائكة والناس أجمعين أني أشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأولين
والآخرين، وفي المرة الثانية (أشهد أن محمدا رسول الله) يقول: أشهد أن لا حاجة
لأحد إلى أحد إلا إلى الله الواحد القهار مفتقرة إليه سبحانه (1) وأنه الغني عن
عباده والخلائق أجمعين، وأنه أرسل محمدا إلى الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله
بإذنه وسراجا منيرا، فمن أنكره وجحده ولم يؤمن به أدخله الله عز وجل نار جهنم
خالدا مخلدا لا ينفك عنها أبدا، وأما قوله: (حي على الصلاة) أي هلموا إلى
خير أعمالكم ودعوة ربكم، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وإطفاء ناركم التي

(1) قوله: مفتقرة بالنصب حال من حاجة باعتبار ذيها، أو بالرفع خبر لمبتدأ محذوف
أي كل نفس، وليس في النسخ المخطوطة عندي (مفتقرة إليه سبحانه وأنه).
239

أوقدتموها على ظهوركم، وفكاك رقابكم التي رهنتموها بذنوبكم ليكفر الله عنكم
سيئاتكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ويبدل سيئاتكم حسنات، فإنه ملك كريم
ذو الفضل العظيم، وقد أذن لنا معاشر المسلمين بالدخول في خدمته والتقدم إلى بين
يديه، وفي المرة الثانية (حي على الصلاة) أي قوموا إلى مناجاة ربكم وعرض
حاجاتكم على ربكم وتوسلوا إليه بكلامه وتشفعوا به وأكثروا الذكر والقنوت
والركوع والسجود والخضوع والخشوع، وارفعوا إليه حوائجكم فقد أذن لنا
في ذلك، وأما قوله: (حي على الفلاح) فإنه يقول: أقبلوا إلى بقاء لا فناء معه
ونجاة لا هلاك معها، وتعالوا إلى حياة لا موت معها، وإلى نعيم لا نفاذ له، وإلى ملك
لا زوال عنه، وإلى سرور لا حزن معه، وإلى أنس لا وحشة معه، وإلى نور لا ظلمة
معه (1) وإلى سعة لا ضيق معها، وإلى بهجة لا انقطاع لها، وإلى غنى لا فاقة معه، و
إلى صحه لا سقم معها، وإلى عز لا ذل معه، وإلى قوة لا ضعف معها، وإلى كرامة
يا لها من كرامة، وعجلوا إلى سرور الدنيا والعقبى ونجاة الآخرة والأولى، وفي
المرة الثانية (حي على الفلاح) فإنه يقول: سابقوا إلى ما دعوتكم إليه، وإلى
جزيل الكرامة وعظيم المنة وسني النعمة والفوز العظيم ونعيم الأبد في جوار محمد
صلى الله عليه وآله وسلم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وأما قول: (الله أكبر) فإنه يقول: الله
أعلى وأجل من أن يعلم أحد من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد أجابه وأطاعه و
أطاع ولاة أمره وعرفه وعبده واشتغل به وبذكره وأحبه وأنس به واطمأن إليه
ووثق به وخافه ورجاه واشتقاق إليه ووافقه في حكمه وقضائه ورضي به، وفي المرة
الثانية (الله أكبر) فإنه يقول: الله أكبر وأعلى وأجل من أن يعلم أحد
مبلغ كرامته لأوليائه وعقوبته لأعدائه، ومبلغ عفوه وغفرانه ونعمته لمن أجابه و
أجاب رسوله، ومبلغ عذابه ونكاله وهو أنه لمن أنكره وجحده، وأما قوله: (لا إله
إلا الله) معناه: لله الحجة البالغة عليهم بالرسل والرسالة والبيان والدعوة وهو
أجل من أن يكون لأحد منهم عليه حجة، فمن أجابه فله النور والكرامة ومن

(1) في نسخة (ط) و (ن) (وإلى نور لا ظلمة له).
240

أنكره فإن الله غني عن العالمين، وهو أسرع الحاسبين، ومعنى (قد قامت الصلاة)
في الإقامة أي حان وقت الزيارة والمناجاة وقضاء الحوائج ودرك المنى، والوصول
إلى الله عز وجل، وإلى كرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه.
قال مصنف هذا الكتاب: إنما ترك الراوي لهذا الحديث ذكر (حي على
خير العمل) للتقية.
2 - وقد روي في خبر آخر أن الصادق عليه السلام سئل عن معنى (حي على
خير العمل) فقال: خير العمل الولاية. وفي خبر آخر خير العمل بر فاطمة وولدها
عليهم السلام (1).
35 - باب
تفسير الهدى والضلالة والتوفيق والخذلان من الله تعالى
1 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق، ومحمد بن أحمد السناني، وعلي بن أحمد
بن محمد بن عمران الدقاق رحمهم الله، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن
زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن
بهلول، عن أبيه، عن جعفر بن سليمان البصري، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي
قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، عن قول الله عز وجل: (من يهد الله فهو
المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) (2) فقال: إن الله تبارك وتعالى يضل
الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته، ويهدي أهل الإيمان والعمل الصالح إلى جنته
كما قال عز وجل: (ويضل الله الضالمين ويفعل الله ما يشاء) (3) وقال عز وجل
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار

(1) أقول: ويحتمل أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يفسرها لأنه عليه السلام فسر ما قال المؤذن و
المؤذن من العامة لم يكن يقولها، وأما الشهادة بالولاية فشاعت بين الشيعة بإذن وترغيب من
الصادق عليه السلام على ما في حديث مذكور في محله.
(2) الكهف: 17.
(3) إبراهيم عليه السلام: 27.
241

في جنات النعيم) (1) قال: فقلت: قوله عز وجل: (وما توفيقي إلا بالله) (2) وقوله
عز وجل: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم
من بعده) (3) فقال: إذا فعل العبد ما أمره الله عز وجل به من الطاعة كان فعله
وفقا لأمر الله عز وجل وسمي العبد به موفقا، وإذا أراد العبد أن يدخل في شئ
من معاصي الله فحال الله تبارك وتعالى بينه وبين تلك المعصية فتركها كان تركه لها
بتوفيق الله تعالى ذكره، ومتى خلى بينه وبين تلك المعصية فلم يحل بينه وبينها حتى
يرتكبها فقد خذله ولم ينصره ولم يوفقه (4).
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا الحسين
ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي عبد الله
الفراء، عن محمد بن مسلم ومحمد بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما علم
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن جبرئيل من قبل الله عز وجل إلا بالتوفيق.
3 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري
قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا البصري، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة
عن أبيه، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، قال
سألته عن معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله) فقال: معناه لا حول لنا عن معصية الله إلا
بعون الله، ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بتوفيق الله عز وجل.
4 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رضي الله عنه بنيسابور سنة

(1) يونس: 9 (2) هود: 88.
(3) آل عمران: 160.
(4) التوفيق هو تهيئة الأسباب نحو الفعل، والأسباب بعضها بيد العبد وبعضها ليس كذلك.
وما بيد العبد ينتهي أيضا إليه تعالى منعا وإعطاء، فلذلك: (ما توفيقي إلا بالله) والتوفيق للطاعة
هو اجتماع أسباب الفعل كلها، والتوفيق لترك المعصية هو فقدان بعض الأسباب، فإن كان بيد
العبد فهو الانقياد فيهما وإلا فهو اللطف من الله تعالى، وعدم التوفيق والخذلان في الطاعة وترك
المعصية على عكس ذلك.
242

اثنتين وخمسين وثلاثمائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان
النيسابوري، قال: سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، (بنيسابور) (1)
عن قول الله عز وجل: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) (2) قال: من
يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره
للتسليم لله والثقة به والسكون إلى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن إليه، ومن يرد
أن يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه في الدنيا يجعل
صدره ضيقا حرجا حتى يشك في كفره، ويضطرب من اعتقاده قلبه حتى يصير كأنما
يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون (3).
36 - باب الرد على الثنوية والزنادقة
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
أبو القاسم العلوي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين
ابن الحسن، قال: حدثني إبراهيم بن هاشم القمي، قال: حدثنا العباس بن عمرو
الفقيمي، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله عليه السلام فكان
من قول أبي عبد الله عليه السلام له: لا يخلو قولك: إنهما اثنان، من أن يكونا قديمين قويين
أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما قويا والآخر ضعيفا، فإن كانا قويين فلم لا
يدفع كل واحد منهما صاحبة ويتفرد بالتدبير، وإن زعمت أن أحدهما قوي و
الآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول، للعجز الظاهر في الثاني، وإن قلت:
إنهما اثنان لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة

(1) ليس في البحار ولا في النسخ الخطية عندي لفظة بنيسابور.
(2) الأنعام: 125.
(3) الهداية على ست مراحل: هداية التكوين، هداية العقل، هدايه الدعوة، هداية
التشريع، هداية اللطف، هداية الجزاء، ولكل من هذه آيات في الكتاب، وتحقق كل منها
مشروط بما قبلها، وللتفصيل محل آخر.
243

فلما رأينا الخلق منتظما والفلك جاريا واختلاف الليل والنهار، والشمس والقمر
دل صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أن المدبر واحد (1) ثم يلزمك
إن ادعيت اثنين فلا بد من فرجة بينهما حتى يكونا اثنين فصارت الفرجة ثالثا
بينهما، قديما معهما، فيلزمك ثلاثة، فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الاثنين
حتى يكون بينهم فرجتان فيكون خمسا، ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية في
الكثرة (2).
قال هشام: فكان من سؤال الزنديق أن قال: فما الدليل عليه؟ قال أبو -
عبد الله عليه السلام: وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعا صنعها، ألا ترى أنك إذا
نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده،
قال: فما هو؟ قال: هو شئ بخلاف الأشياء، ارجع بقولي: شئ إلى إثبات

(1) في نسخة (ب) و (د) (دل على صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر وأن المدبر واحد).
(2) إلى هنا أشار عليه السلام إلى أدلة لتوحيد الصانع: الأول إن الشقوق في الصانعين
من حيث القوة التامة ثلاثة: اثنان منها ظاهرا البطلان لم يتعرض إلا لأحدهما لشدة وضوح
بطلان الآخر، والشق الثالث أن يكون لكل منهما قوة تامة فيلزم أن يقوى كل منهما على دفع
الآخر وإلا لم تكن قوته تامة فحينئذ يكون لكل منهما دافعا ومدفوعا وهو محال. الثاني أن الشقوق من حيث الافتراق والاتفاق أيضا ثلاثة: الأول الاتفاق من كل جهة وهذا يرفع الاثنينية
لأنها لا تتصور من دون الامتياز والامتياز. لا يتصور إلا بالافتراق من جهة أو جهات. الثاني الافتراق
من كل جهة فلو كان الأمر كذلك لزم الفساد في التدبير وانتفاء النظام في الخلق ولكن الخلق
منتظم والتدبير صحيح، وإلى بطلان هذا التالي أشار عليه السلام بقوله: فلما رأينا الخلق منتظما
الخ، الثالث الافتراق من بعض الجهات، ولم يذكره عليه السلام لأن حكمه حكم الشق الثاني.
الثالث كون الصانع اثنين يستلزم أن يكون لأحدهما لا أقل من شئ يحصل لهما الامتياز به إذ عدم
الامتياز يرفع الاثنينية، والامتياز بتمام الذات معقول إلا أنه لا يتصور إلا بالاشتراك في أصل
الوجود فيعود في المفروض، وحكم الثلاثة في الامتياز حكم الاثنين فيكون الثلاثة خمسة،
وهكذا إلى ما لا نهاية له، فكان صانع العالم أشياء غير متناهية.
244

معنى، وأنه شئ بحقيقة الشيئية (1) غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس
ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام، ولا تنقصه الدهور، ولا
يغيره الزمان.
قال السائل: فتقول: إنه سميع بصير؟! قال: هو سميع بصير، سميع بغير
جارحة وبصير بغير آله، بل يسمع بنفسه، ويبصر بنفسه، ليس قولي، إنه يسمع
بنفسه وبصير بنفسه أنه شئ والنفس شئ آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي
إذ كنت مسؤولا وإفهاما لك إذ كنت سائلا، وأقول: يسمع بكله لا أن الكل
منه له بعض، ولكني أردت إفهاما لك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك
إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى (2).
قال السائل: فما هو؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: هو الرب وهو المعبود وهو الله
وليس قولي: (الله) إثبات هذه الحروف ألف، لام، هاء، ولكني أرجع إلى
معنى (3) هو شئ خالق الأشياء وصانعها وقعت عليه هذه الحروف، وهو المعنى
الذي يسمى به الله والرحمن والرحيم والعزيز وأشباه ذلك من أسمائه (4) وهو
المعبود عز وجل.
قال السائل: فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا، قال أبو عبد الله عليه السلام: لو
كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنا مرتفعا لأنا لم نكلف أن نعتقد غير موهوم

(1) مضت هذه الفقرة مع ذيل في الحديث الثاني من الباب السابع.
(2) مضت هذه الفقرة في الحديث العاشر من الباب الحادي عشر.
(3) في الكافي وفي نسخة (ج) (ولكن ارجع إلى معنى - الخ).
(4) قوله: (وهو المعنى الذي - الخ) من باب القلب، والأصل وهو المعنى الذي
يسمى بالله - الخ)، وفي نسخة (ج) (وهو المعنى الذي سمي به الله - الخ) وفي نسخة (ب)
(وهو المعنى الذي يسمى الله والرحمن - الخ) أي يجعل هذه الأسماء أسماء له، وفي نسخة (و)
(وهو المعنى الذي يسمى به، هو الله والرحمن والرحيم - الخ) وفي الكافي باب إطلاق القول
بأنه شئ: (وهو المعنى سمي به الله والرحمن والرحيم - الخ) وهذا أيضا من باب القلب.
245

ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك، فما تجده الحواس وتمثله فهو
مخلوق (1) ولا بد من إثبات صانع الأشياء خارج من الجهتين المذمومتين (2) إحديهما
النفي إذ كان النفي هو الإبطال والعدم، والجهة الثانية التشبيه إذ كان التشبيه من
صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف، فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود
المصنوعين، والاضطرار منهم إليه أثبت أنهم مصنوعون، وأن صانعهم غيرهم وليس مثلهم
إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن
لم يكونوا، وتنقلهم من صغر إلى كبر، وسواد إلى بياض، وقوة إلى ضعف، وأحوال
موجودة لا حاجة لنا إلى تفسيرها لثباتها ووجودها.
قال السائل: فقد حددته إذ أثبت وجوده، قال أبو عبد الله عليه السلام: لم أحده
ولكن أثبته إذ لم يكن بين الاثبات والنفي منزلة.
قال السائل: فله إنية ومائية؟ قال: نعم، لا يثبت الشئ إلا بإنية و
مائية (3).

(1) أي لو لم نتوهمه تعالى بعنوان من العناوين الصادقة على ذاته لما كلفنا بتوحيده
ومعرفته لأن الذات غير معقولة لنا لأن ما يعقل بذاته محدود ومخلوق فبقي تعلقنا له بالعناوين
كالشئ والموجود والصانع والرب والرحمن والرحيم وأشباه ذلك كما صرح به الإمام عليه السلام
في الحديث السادس من الباب السابع فنتوجه إليه بها وهي غيره، وفي البحار باب احتجاج
الصادق عليه السلام وفي نسخة (ج) و (و) ولكنا نقول: (كل موهوم بالحواس مدرك، فما تحده الحواس
وتمثله فهو مخلوق) وفي البحار باب إثبات الصانع: (ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك
بها تحده الحواس ممثلا، فهو مخلوق) وفي نسخة (ن) (ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك
بها تحده الحواس وتمثله، فهو مخلوق) وفي نسخة (ط) (ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك،
فما تجده بالحواس وتمثله فهو مخلوق).
(2) في البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام وفي نسخة (ن) (ولا بد من إثبات صانع
للأشياء خارج - الخ) وفي البحار باب إثبات الصانع: (ولا بد من إثبات صانع الأشياء
خارجا - الخ).
(3) الماهية بالمعنى الأعم، وهي فيه تعالى عين آنيته على ما ذكر في محله.
246

قال السائل: فله كيفية؟ قال: لا لأن الكيفية جهة الصفة والإحاطة (1)
ولكن لا بد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه لأن من نفاه أنكره ورفع
ربوبيته وأبطله ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون
الربوبية، ولكن لا بد من إثبات ذات بلا كيفية لا يستحقها غيره ولا يشارك فيها
ولا يحاط بها ولا يعلمها غيره (2).
قال السائل: فيعاني الأشياء بنفسه؟ (3) قال أبو عبد الله عليه السلام: هو أجل
من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة لأن ذلك صفة المخلوق الذي لا يجئ الأشياء
له إلا بالمباشرة والمعالجة، وهو تعالى نافذ الإرادة المشية فعال لما يشاء.
قال السائل: فله رضى وسخط؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: نعم، وليس ذلك على

(1) أي جهة توجب إمكان توصيف المكيف والإحاطة به إدراكا.
(2) الضمائر المؤنثة راجعة إلى الذات، وفي الكافي باب أنه شئ (ولكن لا بد من إثبات
أن له كيفية لا يستحقها غيره - الخ) فالضمائر راجعة إلى كيفية، وقد أثبت له تعالى كيفية في روايات
ونفيت عنه في أخرى، فالمثبتة هي الوجوب الذاتي الذي هو عين وجوده وذاته وصفاته، والمنفية
ما به إمكان إدراكه وتوصيفه كما في غيره.
(3) هو من المعاناة، والثلاثي منه العنى بمعنى التعب والنصب واللغوب وتحمل المشقة
وهي مباشرة العمل بالآلات بحيث يتحمل الفاعل المشقة والتعب من جهة الفعل فكرا أو فعلا
وهذا منفى عنه تعالى، بل إرادته نافذة (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)
من دون مس لغوب ونصب ومن دون مباشرة ومعالجة بالآلات وحاجة إلى شئ من الأسباب
هكذا في الكافي والبحار باب الاحتجاج، وكثير من النسخ، وفي بعض النسخ الخطية (يعاين)
في الموضعين، وهو من المعاينة وهي شهود شئ لشئ، وهذا من خطأ الناسخ لأنه غير
منفي عنه تعالى لأنه شاهد كل شئ بنفسه لا ببصر غيرها بدلائل العقل والنقل كما مر في كلامه
عليه السلام هنا، مع تنافر الجواب والتعليل له جدا، وعجبا من فاضل شرح هذا الحديث في آخر
الجزء الأول من الكافي المطبوع حديثا فأخذ هذه اللفظة من المعاينة وأتى بما لا ارتباط له
بكلام الإمام عليه السلام مع أن ما في الكافي يعاني الأشياء.
247

ما يوجد في المخلوقين، وذلك أن الرضا والسخط دخال يدخل عليه فينقله
من حال إلى حال، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى
العزيز الرحيم لا حاجة به إلى شئ مما خلق، وخلقه جميعا محتاجون إليه، وإنما
خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا (1).
قال السائل: فقوله: (الرحمن على العرش استوى) (2) قال أبو عبد الله عليه السلام:
بذلك وصف نفسه وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون
العرش حاملا له ولا أن يكون العرش حاويا له ولا أن العرش محتاز له، ولكنا
نقول: هو حامل العرش وممسك العرش، ونقول من ذلك ما قال: (وسع كرسيه
السماوات والأرض) (3) فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته، ونفينا أن يكون
العرش والكرسي حاويا له أو يكون عز وجل محتاجا إلى مكان أو إلى شئ مما
خلق، بل خلقه محتاجون إليه.
قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها
نحو الأرض؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه
عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لأنه جعله معدن
الرزق، فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول صلى الله عليه وآله حين قال: ارفعوا
أيديكم إلى الله عز وجل، وهذا يجمع عليه فرق الأمة كلها (4).

(1) مضت هذه الفقرة في الحديث الثالث من الباب السادس والعشرون مع زيادة.
(2) طه: 5 (3) البقرة: 255.
(4) في نسخة (ج) و (ط)) وهذا مجمع عليه - الخ) وبعد هذه الفقرة زيادة مذكورة.
في نسخة (ن) وفي البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام عن بعض النسخ بعد تمام الحديث، و
هي (قال السائل: فتقول: أنه ينزل إلى السماء الدنيا؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: نقول:
ذلك لأن الروايات قد صحت به والأخبار، قال السائل: فإذا نزل أليس قد حال عن العرش؟
وحؤوله عن العرش صفة حدثت، قال أبو عبد الله عليه السلام: ليس ذلك منه على ما يوجد من المخلوق
الذي ينتقل باختلاف الحال عليه والملالة والسأمة وناقل ينقله ويحوله من حال إلى حال،
بل هو تبارك وتعالى لا يحدث عليه الحال ولا يجري عليه الحدوث فلا يكون نزلوه كنزول
المخلوق الذي متى تنحى عن مكان إلى مكان خلا منه المكان الأول، ولكنه ينزل إلى السماء
الدنيا بغير معاناة وحركة فيكون كما هو في السماء السابعة على العرش كذلك هو في السماء
الدنيا، إنما يكشف عن عظمته ويرى أولياءه نفسه حيث شاء ويكشف ما شاء من قدرته، و
منظره في القرب والبعد سواء)).
أقول: حديث نزوله تعالى مروي مأول ككثير من آيات الكتاب، وقد مر في الحديث
السابع من الباب الثامن والعشرين أن النازل ملك.
248

قال السائل: فمن أين أثبت أنبياء ورسلا؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: إنا لما أثبتنا
أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما لم يجز
أن يشاهده خلقه ولا يلامسهم ولا يلامسوه ولا يباشرهم ولا يباشروه ولا يحاجهم ولا
يحاجوه (1) فثبت أن له سفراء في خلقه وعباده (2) يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما
به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه
وثبت عند ذلك أن له معبرين وهم الأنبياء وصفوته من خلقه حكماء مؤدبين
بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق
والتركيب، مؤيدين من عند الله الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين و

(1) قوله: (لم يجز أن يشاهده - الخ) جواب (لما) إلا أنه جواب باعتبار الجملة
الأولى، وقوله: (وكان ذلك الصانع حكيما) جملة حالية، فما يثبت به وجوب إرسال
الرسل كونه تعالى متعاليا عن الخلق لا يجوز لهم مشاهدته ومكالمته ومباشرته، وكونه حكيما
لا يجوز أن يتركهم سدى، فثبت أن له سفراء - الخ) وفي الكافي باب الاضطرار إلى الحجة
(إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما
متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ثبت أن
له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده) وكذا في البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام
في خبر آخر عن كتاب الاحتجاج.
(2) في نسخة (ط) وحاشية نسخة (ب) (أن له سفراء في خلقه وعبادا يدلونهم -
الخ).
249

الشواهد من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فلا تخلو أرض الله من حجة
يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته. (1)
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن
الحكم، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما الدليل على أن الله واحد؟ قال: اتصال
التدبير وتمام الصنع كما قال عز وجل: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) (2).
3 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمه محمد بن أبي القاسم،
قال: حدثني أبو سمينة محمد بن علي الصيرفي، عن محمد بن عبد الله الخراساني خادم
الرضا عليه السلام، قال: دخل رجل من الزنادقة على الرضا عليه السلام وعنده جماعة، فقال

(1) المراد بالحجة وصي الرسول القائم مقامه بعده ليكون بعلمه دالا على صدق مقال
الرسول وأنه عادل بالدعوة الحقة لا ظالم بالدعوة الباطلة، وهذا الحجة بعلمه معجزة باقية
من الرسول كالكتاب، فلذلك قال صلى الله عليه وآله: (إني تارك فيكم - الخ)، ويمكن أن يقرأ
بفتحتين أي يكون معه علامة هي خصوصيات الإمام عليه السلام من العلم وسائر أوصافه وأفعاله و
المواريث، وللمصنف رحمه الله بعد تمام الخبر كلام مذكور في نسخة (ن) وفي البحار
باب الاحتجاج نقلا عن بعض النسخ، وهو:
(قال مصنف هذا الكتاب: قوله عليه السلام: إنه على العرش ليس بمعنى التمكن فيه لكنه
بمعنى التعالى عليه بالقدرة، يقال: فلان على خير واستقامة وعلى عمل كذا وكذا، وليس
ذلك بمعنى التمكن فيه والاستواء عليه، ولكن ذلك بمعنى التمكن منه والقدرة عليه، وقوله
عليه السلام في النزول ليس بمعنى الانتقال وقطع المسافات، ولكنه على معنى إنزال الأمر منه إلى
السماء الدنيا لأن العرش هو المكان الذي ينتهي بأعمال العباد من سدرة المنتهى إليه، وقد
جعل الله عز وجل السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل وفي ليالي الجمعة مسافة الأعمال
في ارتفاعها أقرب منها في سائر الأوقات إلى العرش، وقوله عليه السلام: يرى أولياءه نفسه،
فإنه يعنى بإظهار بدائع فطرته، فقد جرت العادة بأن يقال للسلطان إذا أظهر قوة وقدرة و
خيلا ورجلا: قد أظهر نفسه، وذلك على مستعار الكلام ومجاز اللفظ).
(2) الأنبياء: 22، وبيانه عليه السلام في الحديث إشارة إلى بطلان التالي في الآية.
250

له أبو الحسن عليه السلام: أيها الرجل أرأيت إن كان القول قولكم - وليس هو كما
تقولون - ألسنا وإياكم شرعا سواء (1) ولا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا؟
فسكت، فقال أبو الحسن عليه السلام: وإن يكن القول قولنا - وهو كما نقول - ألستم
قد هلكتم ونجونا؟.
فقال، رحمك الله فأوجدني كيف هو وأين هو (2) قال: ويلك إن الذي ذهبت
إليه غلط، هو أين الأين وكان ولا أين، وهو كيف الكيف وكان ولا كيف، ولا
يعرف بكيفوفية ولا بأينونية ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشئ،.
قال الرجل فإذا إنه لا شئ إذ لم يدرك بحاسة من الحواس فقال أبو الحسن
عليه السلام: ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته، ونحن إذا عجزت
حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا خلاف الأشياء (3).
قال الرجل: فأخبرني متى كان؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: أخبرني متى لم يكن
فأخبرك متى كان.
قال الرجل: فما الدليل عليه؟ قال أبو الحسن عليه السلام: إني لما نظرت إلى
جسدي فلم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر
المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به، مع ما أرى من دوران الفلك
بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك
من الآيات العجيبات المتقنات علمت أن لهذا مقدرا ومنشئا.

(1) في الكافي باب حدوث العالم وفي البحار باب إثبات الصانع وفي نسخة (و) كما
هنا بنصب شرعا، وفي سائر النسخ: (ألسنا وإياكم شرع سواء) بالرفع وفي كليهما شئ
بحسب القواعد إلا أن كثيرا منها على الأغلب، ويمكن التوجيه هنا بأن تكون الواو للمعية لا
للعطف، وشرع بفتحتين يؤتي للواحد وغيره وللمذكر وغيره بمعنى سواء فذكره بعده تأكيد.
(2) قوله: (أوجدني) من الايجاد بمعنى الإفادة، كما في خبر أبي الأسود الدئلي
أن الحرف ما أوجد معنى في غيره أي أفاد.
(3) في نسخة (ب) (أيقنا أنه ربنا خلاق الأشياء).
251

قال الرجل: فلم احتجب؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: إن الاحتجاب عن الخلق
لكثرة ذنوبهم (1)، فأما هو فلا يخفى عليه خافية في آناء الليل والنهار.
قال: فلم لا تدركه حاسة البصر؟ قال: للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم
حاسة الأبصار منهم ومن غيرهم، ثم هو أجل من أن يدركه بصر أو يحيط به وهم
أو يضبطه عقل.
قال: فحده لي، قال: لا حد له.
قال: ولم؟ قال: لأن كل محدود متناه إلى حد، وإذا احتمل التحديد
احتمل الزيادة وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان، فهو غير محدود، ولا متزايد
ولا متناقص، ولا متجزء، ولا متوهم.
قال الرجل: فأخبرني عن قولكم: إنه لطيف سميع بصير عليم حكيم أيكون
السميع إلا بالأذن، والبصير إلا بالعين واللطيف إلا بعمل اليدين والحكيم إلا بالصنعة؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: إن اللطيف منا على حد اتخاذ الصنعة، أو ما رأيت الرجل منا
يتخذ شيئا يلطف في اتخاذه فيقال: ما ألطف فلانا، فكيف لا يقال للخالق الجليل:
لطيف إذ خلق خلقا لطيفا وجليلا وركب في الحيوان أرواحا وخلق كل جنس متبائنا عن
جنسه في الصورة لا يشبه بعضه بعضا، فكل له لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب
صورته، ثم نظرنا إلى الأشجار وحملها أطائبها المأكولة منها وغير المأكولة فقلنا
عند ذلك: إن خالقنا لطيف لا كلطف خلقه في صنعتهم، وقلنا: إنه سميع لا يخفى
عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثرى من الذرة إلى أكبر مناه في برها وبحرها ولا
تشتبه عليه لغاتها فقلنا عند ذلك: إنه سميع لا بإذن وقلنا: إنه بصير لا ببصر لأنه يرى
أثر الذرة السحماء في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء، ويرى دبيب النمل في
الليلة الدجية ويرى مضارها ومنافعها وأثر سفادها وفراخها ونسلها فقلنا عند ذلك
إنه بصير لا كبصر خلقه، قال:، فما برح حتى أسلم وفيه كلام غير هذا.

في البحار باب إثبات الصانع وفي نسخة (ب) و (د) (إن الحجاب على الخلق
- الخ) وفي نسخة (و) و (ج) (إن الحجاب عن الخلق - الخ).
252

4 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
أبو القاسم حمزة بن القاسم العلوي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو سليمان
داود بن عبد الله، قال: حدثني عمرو بن محمد، قال: حدثني عيسى بن يونس، قال:
كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد، فقيل له:
تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة (1)، فقال: إن صاحبي
كان مخلطا، كان يقول طورا بالقدر وطورا بالجبر وما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه،
فقدم مكة تمردا وإنكارا على من يحج، وكان يكره العلماء مساءلته إياهم ومجالسته
لهم لخبث لسانه وفساد ضميره، فأتى أبا عبد الله عليه السلام ليسأله، فجلس إليه في جماعة
من نظرائه.
فقال: يا أبا عبد الله إن المجالس بالأمانات ولا بد لمن كان به سعال أن يسعل (2)
أفتأذن لي في الكلام؟ فقال عليه السلام: تكلم بما شئت، فقال: إلى كم تدوسون هذا
البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون
حوله هرولة البعير إذا نفر؟! إن من فكر في هذا وقدر علم أن هذا فعل أسسه غير
حكيم ولا ذي نصر (3) فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك أسه ونظامه، فقال
أبو عبد الله عليه السلام: إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه، وصار
الشيطان وليه يورده مناهل الهلكة، ثم لا يصدره، وهذا بيت استعبد الله له خلقه ليختبر
طاعتهم في إتيانه، فحثهم على تعظيمه وزيارته، وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له،
فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال ومجتمع
العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام، وأحق من أطيع فيما أمر

(1) في نسخة (ب) و (د) (لم تركت مذهب صاحبك - الخ).
(2) السعال حركة للهواء تحدث في قصبة الرية تدفع الاخلاط المؤذية عنها، و
الخبيث تجوز به عن الضيق الحادث في الصدر من الشبه الاعتقادية، وفي نسخة (ط) (ولا بد
لمن كان به سؤال أن يسأل).
(3) في نسخة (ب) و (د) (استنه غير حكيم - الخ).
253

وانتهي عما نهى عنه وزجر، الله المنشئ للأرواح والصور.
فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت يا أبا عبد الله فأحلت على غائب، فقال أبو عبد الله عليه السلام:
ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع
كلامهم، ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم.
فقال ابن أبي العوجاء: فهو في كل مكان؟ أليس إذا كان في السماء كيف يكون
في الأرض، وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟! فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنما
وصفت المخلوق الذي إذا انتقل عن مكان واشتغل به مكان وخلا منه مكان فلا يدري في
المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه، فأما الله العظيم الشأن الملك
الديان فلا يخلو منه مكان، ولا يشتغل به مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان،
والذي بعثه بالآيات المحكمة، والبراهين الواضحة، وأيده بنصره، واختاره لتبليغ
رسالته صدقنا قوله بأن ربه بعثه وكلمه، فقام عنه ابن أبي العوجاء وقال لأصحابه:
من ألقاني في بحر هذا؟!.
وفي رواية محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله: من ألقاني في بحر هذا، سألتكم
أن تلتمسوا لي خمرة فألقيتموني على جمرة (1) قالوا: ما كنت في مجلسه إلا حقيرا،
قال: إنه ابن من حلق رؤوس من ترون (2)
5 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن بكر بن

(1) الخمرة بالفتح بمعنى الخمر، وبالضم ألمها وصداعها ويأتي بمعان أخرى، و
مراد اللعين أني سألتكم أن تأتوني إلى من أجادله وألعب به وأستهزئ به وأضحك عليه لا
إلى من يحرقني ببلاغة بيانه وبرهانه.
(2) أي أمرهم بحلق الرؤوس في الحج فأطاعوه خضوعا لله فإنه كان من عادة السلطان
إذا أراد تخضيع أحد أن يأمر بحلق رأسه، واليوم معمول في بعض البلاد، وهذا الحديث
مذكور في الاحتجاج وأمالي الصدوق وعلل الشرائع، وليس فيها قوله: (والذي بعثه بالآيات
إلى آخر الحديث) وكأنه جواب عن سؤال لم يذكر.
254

عبد الله بن حبيب، قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر (1) قال: حدثنا محمد بن الحسن
ابن عبد العزيز الأحدب الجند بنيسابور، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا
طلحة بن يزيد، عن عبيد الله بن عبيد (2) عن أبي معمر السعداني أن رجلا أتى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل،
قال له عليه السلام: ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل؟! قال: لأني وجدت
الكتاب يكذب بعضه بعضا فكيف لا أشك فيه.
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضا ولا يكذب
بعضه بعضا، ولكنك لم ترزق عقلا تنتفع به، فهات ما شككت فيه من كتاب الله
عز وجل، قال له الرجل: إني وجدت الله يقول: (فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء
يومهم هذا) (3) وقال أيضا: (نسوا الله فنسيهم) (4) وقال: (وما كان ربك نسيا) (5)
فمرة يخبر أنه ينسى، ومرة يخبر أنه لا ينسى، فأني ذلك يا أمير المؤمنين.
قال: هات ما شككت فيه أيضا، قال: وأجد الله يقول: (يوم يقوم الروح والملائكة
صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) (6) وقال واستنطقوا فقالوا والله
ربنا ما كنا مشركين. (7) وقال: (يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم
بعضا) (8) وقال: (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) (9) وقال: (لا تختصموا لدي وقد
قدمت إليكم بالوعيد) (10) وقال: (نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم

(1) في نسخة (ط) و (ج) (أحمد بن يعقوب عن مطر).
(2) في نسخة (و) و (ج) (عن عبد الله بن عبيد).
(3) الأعراف: 51.
(4) التوبة: 67.
(5) مريم: 64.
(6) النبأ: 38.
(7) الأنعام: 23، قوله: واستنطقوا أي بقوله تعالى في الآية: ((ثم نقول للذين
أشركوا - الخ).
(8) العنكبوت: 25.
(9) ص: 65.
(10) ق: 28.
255

بما كانوا يكسبون) (1) فمرة يخبر أنهم يتكلمون ومرة يخبر أنهم لا يتكلمون إلا
من أذن له الرحمن وقال صوابا، ومرة يخبر أن الخلق لا ينطقون ويقول عن مقالتهم
(والله ربنا ما كنا مشركين) ومرة يخبر أنهم يختصمون، فأني ذلك يا أمير المؤمنين
وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله عز وجل يقول: (وجوه
يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) (2) ويقول: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار
وهو اللطيف الخبير) (3) ويقول: (ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى) (4)
ويقول: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا * يعلم ما بين أيديهم
وما خلفهم ولا يحيطون به علما) (5) ومن أدركه الأبصار فقد أحاط به العلم، فأني
ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات أيضا ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله تبارك وتعالى يقول:
(وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه
ما يشاء) (6) وقال: (وكلم الله موسى تكليما) (7) وقال: (وناداهما ربهما) (8) وقال:
(يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك) (9) وقال: ((يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك
من ربك) (10) فأني ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله جل ثناؤه يقول: (هل تعلم
له سميا) (11) وقد يسمي الإنسان سميعا بصيرا وملكا وربا، فمرة يخبر بأن له
أسامي كثيرة مشتركة، ومرة يقول: (هل تعلم له سميا) فأني ذلك يا أمير المؤمنين

(1) يس: 65.
(2) القيامة: 23.
(3) الأنعام: 103.
(4) النجم: 14.
(5) طه: 110.
(6) الشورى: 51.
(7) النساء: 164.
(8) الأعراف: 22.
(9) الأحزاب: 59.
(10) المائدة: 67.
(11) مريم: 65.
256

وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وجدت الله تبارك وتعالى يقول:
(وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء) (1). ويقول: (ولا
ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم) (2). ويقول: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ
لمحجوبون) (3). كيف ينظر إليهم من يحجب عنهم (4) وأنى ذلك يا أمير المؤمنين
وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات أيضا ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله عز وجل يقول:
(أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور) (5) وقال: (الرحمن على
العرش استوى) (6) وقال: (وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم) (7)
وقال: (والظاهر والباطن)) (8) وقال: (وهو معكم أين ما كنتم) (9) وقال: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (10) فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك
فيما تسمع.
قال هات أيضا ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله جل ثناؤه يقول:
(وجاء ربك والملك صفا صفا) (11) وقال: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقنا كم أول
مرة) (12) وقال: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) (13)
وقال: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك بعض آيات ربك يوم

(1) يونس: 61.
(2) آل عمران: 77.
(3) المطففين: 15.
(4) نظره تعالى إليهم يستفاد التزاما من قوله: (وما يعزب عن ربك).
(5) الملك: 16.
(6) طه: 5.
(7) الأنعام: 3.
(8) الحديد: 3.
(9) الحديد: 4.
(10) ق: 16.
(11) الفجر: 22.
(12) الأنعام: 94.
(13) البقرة: 210.
257

يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها
خيرا) (1) فمرة يقول: يوم (يأتي ربك) ومرة يقول (يوم يأتي بعض آيات ربك)
فأنى ذلك أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله جل جلاله يقول: (بل هم
بلقاء ربهم كافرون) (2) وذكر المؤمنين فقال: (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم و
أنهم إليه راجعون) (3) وقال: (تحيتهم يوم يلقونه سلام) (4) وقال: (من كان يرجوا
لقاء الله فإن أجل الله لآت) (5) وقال: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا
صالحا) (6) فمرة يخبر أنهم يلقونه، ومرة أنه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار،
ومرة يقول: (ولا يحيطون بع علما) فأنى ذلك أمير المؤمنين وكيف لا أشك
فيما تسمع.
قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله تبارك وتعالى يقول:
(ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها) (7). وقال: (يومئذ يوفيهم الله
دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين) (8) وقال: (وتظنون بالله الظنونا) (9)
فمرة يخبر أنهم يظنون ومرة يخبر أنهم يعلمون، والظن شك فأنى ذلك يا
أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات ما شككت فيه قال: وأجد الله تعالى يقول: (ونضع الموازين
القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا) (10) وقال: (فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا) (11) وقال:
(فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) (12) وقال: (والوزن يومئذ الحق

(1) الأنعام: 158.
(2) السجدة: 10.
(3) البقرة: 46.
(4) الأحزاب: 44.
(5) العنكبوت: 5.
(6) الكهف: 110.
(7) الكهف: 53.
(8) النور: 25.
(9) الأحزاب: 10.
(10) الأنبياء: 47.
(11) الكهف: 105.
(12) المؤمن: 40.
258

فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا
أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) (1) فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك
فيما تسمع.
قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله تعالى يقول: (قل يتوفاكم
ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) (2) وقال: (الله يتوفى الأنفس
حين موتها) (3) وقال: (توفته رسلنا وهم لا يفرطون) (4) وقال: (الذين تتوفاهم
الملائكة طيبين) (5) وقال: (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) (6) فأنى ذلك
يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع، وقد هلكت إن لم ترحمني وتشرح لي
صدري فيما عسى أن يجري ذلك على يديك، فإن كان الرب تبارك وتعالى حقا
والكتاب حقا والرسل حقا فقد هلكت وخسرت، وإن تكن الرسل باطلا فما
علي بأس وقد نجوت.
فقال علي عليه السلام: قدوس ربنا قدوس تبارك وتعالى علوا كبيرا، نشهد أنه
هو الدائم الذي لا يزول، ولا نشك فيه، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير،
وأن الكتاب حق والرسل حق، وأن الثواب والعقاب حق، فإن رزقت زيادة
إيمان أو حرمته فإن ذلك بيد الله، إن شاء رزقك وإن شاء حرمك ذلك، ولكن
سأعلمك ما شككت فيه، ولا قوة إلا بالله، فإن أراد الله بك خيرا أعلمك بعلمه و
ثبتك، وإن يكن شرا ضللت وهلكت.
أما قوله: (نسوا الله فنسيهم) إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا، لم يعلموا
بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئا فصاروا منسسيين من الخير
وكذلك تفسير قوله عز وجل: (فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) يعني
بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين

(1) الأعراف: 9.
(2) السجدة: 11.
(3) الزمر: 42.
(4) الأنعام: 61.
(5) النحل: 32.
(6) النحل: 28.
259

آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب، وأما قوله: (وما كان ربك نسيا) فإن ربنا تبارك
وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى ولا يغفل بل هو الحفيظ العليم، وقد يقول
العرب في باب النسيان: قد نسينا فلان فلا يذكرنا أي أنه لا يأمر لنا بخير ولا
يذكرنا به، فهل فهمت ما ذكر الله عز وجل، قال: نعم، فرجت عني فرج الله عنك
وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك.
فقال عليه السلام: وأما قوله: (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا
من أذن له الرحمن وقال صوابا) وقوله: (والله ربنا ما كنا مشركين) وقوله: (يوم
القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) وقوله: (إن ذلك لحق تخاصم
أهل النار) وقوله: (لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد) وقوله: (اليوم
نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) فإن ذلك في
مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة، يجمع الله
عز وجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون، ويكلم بعضهم بعضا ويستغفر بعضهم لبعض
أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا للرؤساء والاتباع (1) ويلعن أهل
المعاصي الذين بدت منهم البغضاء وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا،
المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا (2) والكفر في هذه
الآية البراءة، يقول: يبرء بعضهم من بعض، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان
(إني كفرت بما أشركتمون من قبل) (3) وقول إبراهيم خليل الرحمن: (كفرنا
بكم) (4) يعني تبرأنا منكم، ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه فلو أن تلك

(1) الرؤساء من أهل الحق. والاتباع مصدر عطف على الطاعة.
(2) قوله: (ويلعن أهل المعاصي) عطف على يجمع، وفاعله ضمير راجع إلى الله
عز وجل، وأهل المعاصي مفعوله، والموصول صفة لأهل المعاصي، المستكبرين والمستضعفين
صفتان بعد صفة، ويكفر ويلعن حالان للمفعول.
(3) إبراهيم عليه السلام: 23.
(4) الممتحنة: 4.
260

الأصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معائشهم، ولتصدعت قلوبهم
إلا ما شاء الله، فلا يزالون يبكون الدم، ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون
فيه فيقولون: (والله ربنا ما كنا مشركين) فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم و
يستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكل معصية كانت منهم، ثم يرفع عن
ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم: (لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق
كل شئ) (1) ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيفر بعضهم من بعض،
فذلك قوله عز وجل: (يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه) (2)
فيستنطقون فلا يتكلمون إلا ن أذن له الرحمن وقال صوابا، فيقوم الرسل صلى الله
عليهم فيشهدون في هذا الموطن فذلك قوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد
وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) (3) ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد
صلى الله عليه وآله وسلم وهو المقام المحمود، فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله
ثم يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يثني على
الرسل بما لم يثن عليهم أحد قبله، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة يبدء بالصديقين
والشهداء ثم بالصالحين، فيحمده أهل السماوات والأرض، فذلك قوله: (عسى أن
يبعثك ربك مقاما محمودا) (4) فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ، وويل لمن لم
يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب، ثم يجتمعون في موطن آخر ويدال بعضهم من
بعض (5) وهذا كله قبل الحساب، فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه،

(1) فصلت: 21.
(2) عبس: 36.
(3) النساء: 41.
(4) الإسراء: 79.
(5) من الأدالة بمعنى نزع الدولة من أحد وتحويله إلى آخر، يقال: أدال الله زيدا
من عمرو أي نزع الدولة من عمرو وحولها إلى زيد، أو معنى رد الكره للمغلوب على الغالب،
يقال: أدال الله بني فلان من عدوهم أي رد الكرة لهم على عدوهم، وفي نسخة (ط) (ويدال
بعضهم لبعض).
261

نسأل الله بركة ذلك اليوم، قال: فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين، وحللت
عني عقدة فعظم الله أجرك.
فقال عليه السلام: وأما قوله عز وجل: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)
وقوله: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) وقوله: (ولقد رآه نزلة أخرى
عند سدرة المنتهى) وقوله (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له
قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) فأما قوله: (وجوه يومئذ
ناضرة إلى ربها ناظرة) فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعد ما
يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر
وجوههم إشراقا (1) فيذهب عنهم كل قذى ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة،
فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم، ومنه يدخلون الجنة، فذلك قوله
عز وجل من تسليم الملائكة عليهم: (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) (2)
فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم ربهم فذلك قوله: (إلى ربها
ناظرة) وإنما بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى. وأما قوله: (لا تدركه
الأبصار وهو يدرك الأبصار) فهو كما قال: (لا تدركه الأبصار) يعني لا تحيط به
الأوهام (وهو يدرك الأبصار) يعني يحيط بها وهو اللطيف الخبير، وذلك مدح امتدح
به ربنا نفسه تبارك وتعالى وتقدس علوا كبيرا، وقد سأل موسى عليه السلام وجرى
على لسانه من حمد الله عز وجل (رب أرني أنظر إليك) (3) فكانت مسألته تلك
أمرا عظيما وسأل أمرا جسيما فعوقب، فقال الله تبارك وتعالى: لن تراني في
الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة (4) ولكن إن أردت أن تراني في الدنيا

(1) في نسخة (ب) و (د) (ويشربون من آخر فتبيض وجوههم - الخ).
(2) الزمر: 73.
(3) الأعراف: 143.
(4) برؤية ثوابه أو رؤية عظمته وسلطانه أو رؤية القلب لأن الاجماع والآيات والأخبار
وأدله العقل على أنه تعالى لا يرى رؤية العين لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا في النوم ولا في اليقظة
ولا في غير ذلك.
262

فانظر (إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) فأبدى الله سبحان بعض آياته
وتجلى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميما وخر موسى صعقا، يعني ميتا فكان
عقوبته الموت (1) ثم أحياه الله وبعثه وتاب عليه، فقال: (سبحانك تبت إليك وأنا
أول المؤمنين) يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك، وأما قوله: (ولقد رآه
نزلة أخرى عند سدره المنتهى) يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان عند سدرة المنتهى حيث لا يتجاوزها
خلق من خلق الله (2) وقوله في آخر الآية: (ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من
آيات ربه الكبرى) رأى جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين هذه المرة ومرة أخرى (3)
وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلا
الله رب العالمين (4).
وأما قوله: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) لا يحيط الخلائق بالله عز وجل
علما إذ هو تبارك وتعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء، فلا فهم يناله بالكيف، ولا
قلب يثبته بالحدود، فلا يصفه إلا كما وصف نفسه ليس كمثله شئ وهو السميع
البصير، الأول والآخر والظاهر والباطن، الخالق البارئ المصور، خلق الأشياء

(1) هذا بظاهره يعارض دلائلنا على أن الأنبياء لا يعاقبون لأنهم عليهم السلام معصومون
فنرفع اليد عنه، إلا أن يراد بالعقوبة معناها اللغوي أي ما يقع عقيب شئ، فقد وقع صعقة موسى
بعد تجلي الرب، كما كان يغشى على نبينا صلى الله عليه وآله حين تجلى الرب تعالى له على
ما أشير إليه في الحديث الخامس عشر من الباب الثامن، وليس في نسخة (و) و (ج) و (د)
(يعني ميتا فكان عقوبته الموت).
(2) في نسخة (ج) و (ط) و (ن) (يعني محمدا صلى الله عليه وآله حيث لا يتجاوزها -
الخ) وفي حاشية نسخة (ب) و (د) (يعني محمدا صلى الله عليه وآله حين يرى ربه كان عنده
سدرة المنتهى حيث لا يجاوزها - الخ).
(3) في نسخة (ط) (رأى حين يرى ربه عند سدرة المنتهى جبرئيل عليه السلام في صورته - الخ).
(4) في نسخة (ب) و (د) (وذلك أن خلق جبرئيل عظيم من الروحانيين - الخ).
263

فليس من الأشياء شئ مثله تبارك وتعالى، فقال: فرجت عني فرج الله عنك،
وحللت عني عقدة فأعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: وأما قوله: (وما كان لبشر أن يكلمه إلا وحيا أو من وراء
حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) وقوله: (وكلم الله موسى تكليما) و
قوله: ((وناداهما ربهما) وقوله: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) فأما قوله
(ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) فإنه ما ينبغي لبشر
أن يكلمه الله إلا وحيا وليس بكائن إلا من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي
بإذنه ما يشاء، كذلك قال الله تبارك وتعالى علوا كبيرا، قد كان الرسول يوحى
إليه من رسل السماء فيبلغ رسل السماء رسل الأرض، وقد كان الكلام بين
رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء، وقد
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا جبرئيل هل رأيت ربك (1) فقال جبرئيل: إن ربي
لا يرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فمن أين تأخذ الوحي؟ فقال: آخذه من إسرافيل
فقال: ومن أين يأخذه إسرافيل؟ قال: يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين،
قال: فمن أين يأخذه ذلك الملك؟ قال: يقذف في قلبه قذفا، فهذا وحي، وهو
كلام الله عز وجل، وكلام الله ليس بنحو واحد، منه ما كلم الله به الرسل، ومنه
ما قذفه في قلوبهم، ومنه رؤيا يريها الرسل، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ، فهو
كلام الله، فاكتف بما وصفت لك من كلام الله، فإن معنى كلام الله ليس بنحو واحد
فإن منه ما يبلغ به رسل السماء رسل الأرض، قال: فرجت عني فرج الله عنك و
حللت عني عقدة فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: وأما قوله: (هل تعلم له سميا) فإن تأويله هل تعلم أحدا
اسمه الله غير الله تبارك وتعالى، فإياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن
العلماء، فإنه رب تنزيل يشبه كلام البشر وهو كلام الله، وتأويله لا يشبه كلام -

(1) ليس سؤالا عن جهل، بل هو مقدمة لسؤاله عن كيفية أخذ الوحي نظير قول
الحواريين لعيسى: (هل يستطيع ربك - الخ) بل السؤال الثاني أيضا ليس عن جهل.
264

البشر، كما ليس شئ من خلقه يشبهه، كذلك لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئا من
أفعال البشر، ولا يشبه شئ من كلامه كلام البشر، فكلام الله تبارك وتعالى صفته (1)
وكلام البشر أفعالهم، فلا تشبه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتضل، قال: فرجت
عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: وأما قوله: (وما يعزب عن ربك من مثقال ذره في الأرض ولا
في السماء، كذلك ربنا لا يعزب عنه شئ، وكيف يكون من خلق الأشياء لا يعلم
ما خلق وهو الخلاق العليم. وأما قوله: (لا ينظر إليهم يوم القيمة) يخبر أنه لا
يصيبهم بخير، وقد تقول العرب: والله ما ينظر إلينا فلان، وإنما يعنون بذلك أنه
لا يصيبنا منه بخير، فذلك النظر ههنا من الله تعالى إلى خلقه، فنظره إليهم رحمة منه
لهم، وأما قوله: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فإنما يعني بذلك يوم
القيامة أنهم عن ثواب ربهم محجوبون قال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت
عني عقدة فعظم الله أجرك.
فقال عليه السلام: وأما قوله: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا
هي تمور) وقوله: (وهو الله في السماوات وفي الأرض) وقوله: (الرحمن على العرش
استوى) وقوله: (وهو معكم أينما كنتم) وقوله: (ونحن أقرب إليه من حبل
الوريد) فكذلك الله تبارك وتعالى سبوحا قدوسا، تعالى أن يجري منه ما يجري
من المخلوقين وهو اللطيف الخبير، وأجل وأكبر أن ينزل به شئ مما ينزل بخلقه
وهو على العرش استوى علمه، شاهد لكل نجوى، وهو الوكيل على كل شئ،
والميسر لكل شئ، والمدبر للأشياء كلها، تعالى الله عن أن يكون على عرشه
علوا كبيرا.
فقال عليه السلام: وأما قوله: (وجاء ربك والملك صفا صفا) وقوله: (ولقد
جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة)، قوله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم

(1) لم يرد به أنه من صفات ذاته لأن أخبارنا تنفي ذلك كالحديث الأول من الباب
الحادي عشر، بل المراد أن كلامه ليس ككلامنا بالحركة والتردد في النفس والتقطيع بالمخارج.
265

الله في ظلل من الغمام والملائكة) وقوله: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو
يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك) فإن ذلك حق كما قال الله عز وجل، و
ليس له جيئة كجيئة الخلق، وقد أعلمتك أن رب شئ من كتاب الله تأويله على
غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر، وسأنبئك بطرف منه فتكتفي إن شاء الله، من ذلك
قول إبراهيم عليه السلام: (إني ذاهب إلى ربي سيهدين) (1) فذهابه إلى ربه توجهه
إليه عبادة واجتهادا وقربة إلى الله عز وجل، ألا ترى أن تأويله غير تنزيله، وقال
(وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) (2) يعني السلاح وغير ذلك، وقوله: (هل ينظرون
إلا أن تأتيهم الملائكة) يخبر محمدا (3) صلى الله عليه وآله وسلم عن المشركين والمنافقين الذين لم
يستجيبوا لله وللرسول، فقال: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) حيث لم
يستجيبوا لله ولرسوله (أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك) يعني بذلك العذاب
يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى، فهذا خبر يخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم
عنهم، ثم قال: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من
قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) يعني من قبل أن يجيئ هذه الآية، وهذه الآية
طلوع الشمس من مغربها، وإنما يكتفي أولوا الألباب والحجى وأولوا النهى أن
يعلموا أنه إذا انكشف الغطاء رأوا ما يوعدون، وقال: في آية أخرى: (فأتاهم الله
من حيث لم يحتسبوا) (4) يعني أرسل عليهم عذابا، وكذلك إتيانه بنيانهم قال الله
عز وجل: (فأتى الله بنيانهم من القواعد) (5) فإتيانه بنيانهم من القواعد إرسال العذاب
عليهم، وكذلك ما وصف من أمر الآخرة تبارك اسمه وتعالى علوا كبيرا أنه يجري
أموره في ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة كما يجري أموره في
الدنيا لا يغيب (6) ولا يأفل مع الآفلين، فاكتف بما وصفت لك من ذلك مما جال

(1) الصافات: 99.
(2) الحديد: 25.
(3) أي يخبر الله بقوله هذا محمدا صلى الله عليه وآله عن المشركين - الخ.
(4) الحشر: 2.
(5) النحل: 26.
(6) في نسخة (و) و (ج) و (د) و (ب) (لا يلعب).
266

في صدرك مما وصف الله عز وجل في كتابه، ولا تجعل كلامه ككلام البشر، هو
أعظم وأجل وأكرم وأعز تبارك وتعالى من أن يصفه الواصفون إلا بما وصف به
نفسه في قوله عز وجل: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) (1) قال: فرجت
عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك، وحللت عني عقدة.
فقال عليه السلام: وأما قوله: (بل هم بلقاء ربهم كافرون) وذكر الله المؤمنين
(الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم)) وقوله لغيرهم: (إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله
ما وعدوه) (2) وقوله: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) فأما
قوله: (بل هم بلقاء ربهم كافرون) يعني البعث فسماه الله عز وجل لقاءه، وكذلك
ذكر المؤمنين (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) يعني يوقنون أنهم يبعثون و
يحشرون ويحاسبون ويجزون بالثواب والعقاب، فالظن ههنا اليقين خاصة، و
كذلك قوله: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) وقوله: (من كان
يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت) يعني: من كان يؤمن بأنه مبعوث فإن وعد الله
لآت من الثواب والعقاب، فاللقاء ههنا ليس بالرؤية، واللقاء هو البعث، فافهم
جميع ما في الكتاب من لقائه فإنه يعني بذلك البعث، وكذلك قوله: (تحيتهم
يوم يلقونه سلام) يعني أنه لا يزول الإيمان عن قلوبهم يوم يبعثون، قال: فرجت
عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك، فقد حللت عني عقدة.
فقال عليه السلام: وأما قوله: (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها)
يعني أيقنوا أنهم داخلوها، وكذلك قوله: (إني ظننت أني ملاق حسابيه) يقول
إني أيقنت أني أبعث فأحاسب، وكذلك قوله: (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق
ويعلمون أن الله هو الحق المبين) وأما قوله للمنافقين: (وتظنون بالله الظنونا)
فهذا الظن ظن شك وليس ظن يقين، والظن ظنان: ظن شك وظن يقين، فما كان
من أمر معاد من الظن فهو ظن يقين، وما كان من أمر الدنيا فهو ظن شك فافهم
ما فسرت لك، قال: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك.

(1) الشورى: 11.
(2) التوبة: 77.
267

فقال عليه السلام: وأما قوله تبارك وتعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيمة
فلا تظلم نفس شيئا) فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة، يدين الله تبارك و
تعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين.
وفي غير هذا الحديث الموازين هم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام (1).
وأما قوله عز وجل: (فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا) فإن ذلك خاصه.
وأما قوله: (فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال: قال الله عز وجل: لقد حقت كرامتي - أو قال: مودتي - لمن يراقبني ويتحاب
بجلالي (2) إن وجوههم يوم القيامة من نور على منابر من نور عليهم ثياب خضر،
قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: قوم ليسوا بأنبياء ولا شهداء، ولكنهم تحابوا
بجلال الله ويدخلون الجنة بغير حساب، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم برحمته.
وأما قوله: فمن ثقلت موازينه وخفت موازينه فإنما يعني الحساب، توزن الحسنات
والسيئات، والحسنات ثقل الميزان والسيئات خفة الميزان.
فقال عليه السلام: وأما قوله: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم
إلى ربكم ترجعون) وقوله: (الله يتوفى الأنفس حين موتها) وقوله: (توفته
رسلنا وهم لا يفرطون) وقوله: (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) وقوله:
تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم) فإن الله تبارك وتعالى يدبر الأمور
كيف يشاء، ويوكل من خلقه من يشاء بما يشاء. أما ملك الموت فإن الله يوكله
بخاصة من يشاء من خلقه، ويوكل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه،
والملائكة الذين سماهم الله عز ذكره وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه، إنه تبارك
وتعالى يدبر الأمور كيف يشاء، وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره
لكل الناس لأن منهم القوي والضعيف، ولأن منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق
حمله إلا من يسهل الله له حمله وأعانه عليه من خاصة أوليائه، وإنما يكفيك أن تعلم

(1) قوله: (وفي غير هذا الحديث) إلى هنا من كلام المصنف
(2) الترديد من الراوي، أو كلمة أو للتخيير لوقوع الكلام من رسول الله صلى الله عليه
وآله مرتين: مرة حقت كرامتي ومرة حقت مودتي.
268

أن الله هو المحيي المميت وأنه يتوفى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه من
ملائكته وغيرهم، قال: فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين ونفع الله المسلمين
بك (1).
فقال علي عليه السلام للرجل: إن كنت قد شرح الله صدرك بما قد تبينت لك
فأنت والذي فلق الحبة وبرأ النسمة من المؤمنين حقا، فقال الرجل: يا
أمير المؤمنين كيف لي أن أعلم بأني من المؤمنين حقا؟ قال عليه السلام: لا يعلم ذلك إلا
من أعلمه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وشهد له رسول الله صلى الله عليه وآله بالجنة أو شرح الله
صدره ليعلم ما في الكتب التي أنزلها الله عز وجل على رسله وأنبيائه، قال: يا
أمير المؤمنين ومن يطيق ذلك؟ قال: من شرح الله صدره ووفقه له، فعليك بالعمل لله
في سر أمرك وعلانيتك فلا شئ يعدل العمل.
قال مصنف هذا الكتاب: الدليل على أن الصانع واحد لا أكثر من ذلك
أنهما لو كانا اثنين لم يخل الأمر فيهما من أن يكون كل واحد منهما قادرا على
منع صاحبه مما يريد أو غير قادر، فإن كان كذلك فقد جاز عليهما المنع ومن جاز
عليه ذلك فمحدث كما أن المصنوع محدث، وإن لم يكونا قادرين لزمهما العجز و
النقص وهما من دلالات الحدث، فصح أن القديم واحد.
ودليل آخر وهو أن كل واحد منهما لا يخلوا من أن يكون قادرا على أن
يكتم الآخر شيئا، فإن كان كذلك فالذي جاز الكتمان عليه حادث، وإن لم يكن
قادرا فهو عاجز والعاجز حادث لما بيناه، وهذا الكلام يحتج به في إبطال قديمين
صفة كل واحد منهما صفة القديم الذي أثبتناه، فأما ما ذهب إليه ماني وابن
ديصان من خرافاتهما في الامتزاج ودانت به المجوس من حماقاتها في أهرمن ففاسد
بما يفسد به قدم الأجسام، ولدخولهما في تلك الجملة اقتصرت على هذا الكلام فيهما
ولم أفرد كلا منهما بما يسأل عنه منه.
6 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه،

(1) في نسخة (ب) و (د) (وأمتع الله المسلمين بك).
269

بنيسابور سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري
قال: سمعت الفضل بن شاذان يقول: سأل رجل من الثنوية أبا الحسن علي بن
موسى الرضا عليهما السلام، وأنا حاضر فقال له: إني أقول: إن صانع العالم اثنان، فما
الدليل على أنه واحد؟ فقال: قولك: إنه اثنان دليل على أنه واحد لأنك لم
تدع الثاني إلا بعد إثباتك الواحد، فالواحد مجمع عليه وأكثر من واحد مختلف
فيه (1).
37 - باب الرد
على الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة: وما من إله إلا إله واحد
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطار، عن
محمد بن أحمد، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن حماد، عن الحسن بن إبراهيم،
عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام بن الحكم، عن جاثليق من جثالقة النصارى
يقال له: بريهة، قد مكث جاثليق النصرانية سبعين سنة (2) وكان يطلب الإسلام و
يطلب من يحتج عليه ممن يقرء كتبه ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته، قال:
وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس حتى افتخرت
به النصارى وقالت: لو لم يكن في دين النصرانية إلا بريهة لأجزأنا، وكان طالبا

(1) مراده عليه السلام أن على مدعي التعدد أن يأتي بالبرهان عليه ولا برهان له، فالواحد
مقطوع، والزائد لا يصار إليه حتى يبرهن عليه، قال الله تعالى،: (ومن يدع مع الله إلها آخر
لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه أنه لا يفلح الكافرون)
(2) الجاثليق صاحب مرتبة من المراتب الدينية النصرانية، وبعدها مراتب أسماؤها:
مطران: أسقف، قسيس، شماس، وقبل الجاثليق مرتبة اسم صاحبها بطريق، والكلمات
سريانية، وقوله: جاثليق النصرانية بالنصب حال من فاعل مكث أي مكث بريهة سبعين سنة
حال كونه صاحب هذه المرتبة في النصرانية.
270

للحق والإسلام مع ذلك (1) وكانت معه امرأة تخدمه، طال مكثها معه، وكان يسر
إليها ضعف النصرانية وضعف حجتها، قال: فعرفت ذلك منه، فضرب بريهة الأمر
ظهرا لبطن وأقبل يسأل فرق المسلمين والمختلفين في الإسلام من أعلمكم؟ وأقبل
يسأل عن أئمة المسلمين وعن صلحائهم وعلمائهم، وأهل الحجى منهم، وكان
يستقرئ فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئا، وقال: لو كانت أئمتكم أئمة على
الحق لكان عندكم بعض الحق، فوصفت له الشيعة، ووصف له هشام بن الحكم.
فقال يونس بن عبد الرحمن: فقال لي هشام: بينما أنا على دكاني على باب
الكرخ جالس وعندي قوم يقرؤون علي القرآن فإذا أنا بفوج النصارى معه ما بين
القسيسين إلى غيرهم نحو من مائة رجل عليهم السواد والبرانس، والجاثليق الأكبر
فيهم بريهة حتى نزلوا حول دكاني (2) وجعل لبريهة كرسي يجلس عليه فقامت
الأساقفة والرهابنة على عصيهم، وعلى رؤوسهم برانسهم، فقال بريهة: ما بقي من
المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا وقد ناظرته في النصرانية فما عندهم
شئ وقد جئت أناظرك في الإسلام، قال: فضحك هشام فقال: يا بريهة إن كنت
تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا أدانيه، ذاك روح
طيبة خميصة (3) مرتفعة، آياته ظاهرة، وعلاماته قائمة، قال بريهة: فأعجبني
الكلام والوصف.
قال هشام: إن أردت الحجاج فههنا، قال بريهة: نعم فإني أسألك ما نسبة
نبيكم هذا من المسيح نسبة الأبدان؟ قال هشام: ابن عم جده (لأمه) لأنه من ولد إسحاق
ومحمد من ولد إسماعيل، قال بريهة، وكيف تنسبه إلى أبيه؟ (4) قال هشام: إن

(1) في نسخة (ج) و (ط) (وكان طالبا للحقوق الإسلام مع ذلك).
(2) في نسخة (و) و (د) (حتى بركوا حول دكاني).
(3) أي خالية منزهة من الرذائل النفسية والكدورات المادية.
(4) أي كيف تنسبه إلى إسحاق فسؤال استعباد، أو كيف تنسبه إلى الله الذي هو أبوه
عندنا فسؤال جدال، والثاني أظهر.
271

أردت نسبه عندكم أخبرتك، وإن أردت نسبه عندنا أخبرتك، قال بريهة: أريد
نسبه عندنا، وظننت أنه إذا نسبه نسبتنا أغلبه، قلت: فانسبه بالنسبة التي ننسبه
بها، قال هشام: نعم، تقولون: إنه قديم من قديم (1) فأيهما الأب وأيهما الابن
قال بريهة: الذي نزل إلى الأرض الابن، قال هشام: الذي نزل إلى الأرض الأب
قال بريهة: الابن رسول الأب، قال هشام: إن الأب أحكم من الابن لأن الخلق
خلق الأب، قال بريهة: إن الخلق خلق الأب وخلق الابن، قال هشام: ما منعهما
أن ينزلا جميعا كما خلقا إذا اشتركا؟! قال بريهة: كيف يشتركان وهما شئ واحد
إنما يفترقان بالاسم، قال هشام: إنما يجتمعان بالاسم، قال بريهة: جهل هذا
الكلام، قال هشام: عرف هذا الكلام، قال بريهة: إن الابن متصل بالأب، قال
هشام: إن الابن منفصل من الأب، قال بريهة: هذا خلاف ما يعقله الناس، قال
هشام: إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا وعلينا فقد غلبتك لأن الأب كان ولم يكن
الابن فتقول: هكذا يا بريهة؟ قال: ما أقول: هكذا، قال: فلم استشهدت قوما لا
تقبل شهادتهم لنفسك، قال بريهة: إن الأب اسم والابن اسم يقدر به القديم (2) قال
هشام: الاسمان قديمان كقدم الأب والابن؟ قال بريهة: لا ولكن الأسماء محدثة
قال: فقد جعلت الأب ابنا والابن أبا، إن كان الابن أحدث هذه الأسماء دون
الأب فهو الأب، وإن كان الأب أحدث هذه الأسماء دون الابن فهو الأب والابن
أب وليس ههنا ابن (3) قال بريهة: إن الابن اسم للروح حين نزلت إلى الأرض،

(1) هذا مذهب جمهور المسيحيين إلا آريوس كبير فرقة منهم فإنه يقول: إن المسيح
كلمة الله وابنه على طريق الاتخاذ وهو حادث مخلوق قبل خلق العالم.
(2) أي يقدر القديم الذي هو الأب بسببه على الخلق، أو من التقدير أي يقدر الخلق
بسببه، وفي نسخة (ج) (والابن اسم يقدره القديم)، وفي نسخة (و) (والاسم ابن
بقدرة القديم).
(3) في البحار باب احتجاج الكاظم عليه السلام وفي النسخ الخطية عندي: (وإن كان الأب
أحدث هذه الأسماء فهو الابن والابن أب وليس ههنا ابن).
272

قال هشام: فحين لم تنزل إلى الأرض فاسمها ما هو؟ قال بريهة: فاسمها ابن نزلت
أو لم تنزل: قال هشام: فقبل النزول هذه الروح كلها واحدة واسمها اثنان، قال
بريهة: هي كلها واحدة روح واحدة، قال: قد رضيت أن تجعل بعضها ابنا وبعضها
أبا، قال بريهة: لا لأن اسم الأب واسم الابن واحد، قال هشام: فالابن أبو الأب،
والأب أبو الابن، والابن واحد، قالت الأساقفة بلسانها لبريهة: ما مر بك مثل ذا قط
تقوم، فتحير بريهة وذهب ليقوم فتعلق به هشام، قال: ما يمنعك من الإسلام؟
أفي قلبك حزازة؟ فقلها وإلا سألتك عن النصرانية مسألة واحدة تبيت عليها ليلك
هذا فتصبح وليس لك همة غيري، قالت الأساقفة: لا ترد هذه المسألة لعلها تشككك
قال بريهة: قلها يا أبا الحكم.
قال هشام: أفرأيتك الابن يعلم ما عند الأب؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك الأب
يعلم كل ما عند الابن؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك تخبر عن الابن أيقدر على حمل كل
ما يقدر عليه الأب؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك تخبر عن الأب أيقدر على كل ما يقدر
عليه الابن؟ قال: نعم، قال هشام: فكيف يكون واحد منهما ابن صاحبه وهما
متساويان وكيف يظلم كل واحد منهما صاحبه؟ قال بريهة: ليس منهما ظلم، قال
هشام: من الحق بينهما أن يكون الابن أب الأب والأب ابن الابن، بت عليها
يا بريهة، وافترق النصارى وهم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما ولا أصحابه.
قال: فرجع بريهة مغتما مهتما حتى صار إلى منزله فقالت امرأته التي تخدمه:
ما لي أراك مهتما مغتما. فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين هشام، فقالت
لبريهة: ويحك أتريد أن تكون على حق أو على باطل؟! فقال بريهة: بل على
الحق، فقالت له: أينما وجدت الحق فمل إليه، وإياك واللجاجة فإن
اللجاجة شك والشك شؤم وأهله في النار، قال: فصوب قولها وعزم على الغدو
على هشام.
قال: فغدا عليه وليس معه أحد من أصحابه، فقال: يا هشام ألك من تصدر
عن رأيه وترجع إلى قوله وتدين بطاعته؟ قال هشام: نعم يا بريهة، قال: وما
273

صفته؟ قال هشام: في نسبه أو في دينه؟ قال: فيهما جميعا صفة نسبه وصفة دينه، قال
هشام: أما النسب خير الأنساب (1): رأس العرب وصفوة قريش وفاضل بني هاشم
كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه لأن قريشا أفضل العرب وبني هاشم
أفضل قريش، وأفضل بني هاشم خاصهم ودينهم وسيدهم، وكذلك ولد السيد
أفضل من ولد غيره وهذا من ولد السيد، قال: فصف دينه، قال هشام: شرائعه
أو صفة بدنه وطهارته؟ قال: صفة بدنه وطهارته، قال هشام: معصوم فلا يعصي، و
سخي فلا يبخل، شجاع فلا يجبن، وما استودع من العلم فلا يجهل، حافظ للدين
قائم بما فرض عليه، من عترة الأنبياء، وجامع علم الأنبياء، يحلم عند الغضب،
وينصف عند الظلم، ويعين عند الرضا، وينصف من الولي والعدو، ولا يسأل شططا في
عدوه (2) ولا يمنع إفادة وليه، يعمل بالكتاب ويحدث بالأعجوبات، من أهل
الطهارات، يحكي قول الأئمة الأصفياء، لم تنقض له حجة، ولم يجهل مسألة،
يفتي في كل سنة، ويجلو كل مدلهمة.
قال بريهة: وصفت المسيح في صفاته وأثبته بحججه وآياته، إلا أن الشخص
بائن عن شخصه والوصف قائم بوصفه، فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص، قال هشام:
إن تؤمن ترشد وإن تتبع الحق لا تؤنب.
ثم قال هشام: يا بريهة ما من حجة أقامها الله على أول خلقه إلا أقامها على
وسط خلقه وآخر خلقه فلا تبطل الحجج، ولا تذهب الملل، ولا تذهب السنن. قال
بريهة: ما أشبه هذا بالحق وأقربه من الصدق، وهذه صفة الحكماء يقيمون من
الحجة ما ينفون به الشبهة، قال هشام: نعم، فارتحلا حتى أتيا المدينة والمرأة
معهما وهما يريدان أبا عبد الله عليه السلام فلقيا موسى بن جعفر عليهما السلام، فحكى له هشام

(1) هكذا في النسخ، والقاعدة تقتضي الفاء على مدخول (أما).
(2) قوله: (ولا يسأل، على صيغة المعلوم أو المجهول، وفي النسخ الخطية: (ولا
يسأله شططا في عدوه) أي لا يسأله أحد أو الولي، وفي البحار: (ولا يسألك - الخ) وفي ذيل
البحار: (ولا نسأله - الخ) وفيه أيضا: (ولا يسلك شططا في عدوه) والأخير أصح.
274

الحكاية، فلما فرغ قال موسى بن جعفر عليهما السلام،: يا بريهة كيف علمك بكتابك؟
قال: أنا به عالم، قال: كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه (1) قال:
فابتدأ موسى بن جعفر عليهما السلام، بقراءة الإنجيل، قال بريهة: والمسيح لقد كان يقرء
هكذا وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح، ثم قال بريهة: إياك كنت أطلب منذ
خمسين سنة أو مثلك، قال: فآمن وحسن إيمانه وآمنت المرأة وحسن إيمانها.
قال: فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبد الله عليه السلام، وحكى هشام
الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى عليه السلام وبريهة، فقال أبو عبد الله عليه السلام:
(ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) (2) فقال بريهة: جعلت فداك أنى لكم التوراة
والإنجيل وكتب الأنبياء؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها
ونقولها كما قالوها، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ فيقول: لا أدري
فلزم بريهة أبا عبد الله عليه السلام حتى مات أبو عبد الله عليه السلام، ثم لزم موسى بن جعفر
عليهما السلام، حتى مات في زمانه فغسله بيده وكفنه بيده ولحده بيده، وقال: هذا
حواري من حواريي المسيح يعرف حق الله عليه، قال: فتمنى أكثر أصحابه أن
يكونوا مثله.
38 - باب ذكر عظمة الله جل جلاله (3)
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا إبراهيم بن
هاشم وغيره، عن خلف بن حماد، عن الحسين بن زيد الهاشمي (4) عن أبي عبد الله

(1) أي في تأويله، وفي البحار وفي نسخة (ج) (بعلمي به).
(2) آل عمران: 34.
(3) في الأخبار المذكورة في هذا الباب استعارات وكنايات وإشارات إلى حقائق
بعيدة عن إدراكنا بألفاظ موضوعة للمعاني المحسوسة لنا،، ولكل منها شرح لا مجال ههنا.
(4) في نسخة (و) و (د) (عن الحسن بن زيد الهاشمي) ورواه الكليني في روضة الكافي
عن الحسين بن زيد الهاشمي وهو الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام،
275

عليه السلام، قال: جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وبناته وكانت
تبيع منهن العطر فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وهي عندهن، فقال لها: إذا أتيتنا طابت
بيوتنا، فقالت: بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله، قال: إذا بعت فأحسني ولا تغشي
فإنه أتقى وأبقى للمال، فقالت: ما جئت بشئ من بيعي، وإنما جئتك أسألك عن
عظمة الله، فقال: جل جلال الله، سأحدثك عن بعض ذلك.
قال: ثم قال: إن هذه الأرض بمن فيها ومن عليها عند التي تحتها كحلقة
في فلاة قي (1) وهاتان ومن فيهما ومن عليهما عند التي تحتها كحلقة في فلاة قي
والثالثة حتى انتهى إلى السابعة، ثم تلا هذه الآية (خلق سبع سماوات ومن الأرض
مثلهن) (2) والسبع ومن فيهن ومن عليهن على ظهر الديك كحلقة في فلاة قي،
والديك له جناحان جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ورجلاه في التخوم، والسبع
والديك بمن فيه ومن عليه على الصخرة كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك
والصخرة بمن فيها ومن عليها على ظهر الحوت كحلقة في فلاه قي، والسبع و
الديك والصخرة والحوت عند البحر المظلم كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك
والصخرة والحوت والبحر المظلم عند الهواء كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك
والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء عند الثرى كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه
الآية (له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى) (3) ثم انقطع
الخبر (4). والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء والثرى بمن
فيه ومن عليه عند السماء كحلقة في فلاة قي، وهذا والسماء الدنيا ومن فيها و
من عليها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قي، وهذا وهاتان السماءان عند الثالثة
كحلقة في فلاة قي، وهذه الثالثة ومن فيهن ومن عليهن عند الرابعة كحلقة

(1) القي - بكسر الأول وعينه واو -: القفز من الأرض.
(2) الطلاق: 12.
(3) طه: 6.
(4) أي انقطع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله لزينب العطارة إلى هنا، والتتميم
من الصادق عليه السلام. أو انقطع خبر ما دون السماء ثم أخذ في خبر السماء.
276

في فلاة قي، حتى انتهى إلى السابعة، وهذه السبع ومن فيهن ومن عليهن عند
البحر المكفوف عن أهل الأرض كحلقة في فلاة قي، والسبع والبحر المكفوف عند
جبال البرد كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية (وينزل من السماء من جبال فيها
من برد) (1) وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد عند حجب النور كحلقة
في فلاة قي، وهي سبعون ألف حجاب يذهب نورها بالأبصار، وهذه السبع والبحر
المكفوف وجبال البرد والحجب عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة
قي، والسبع والبحر المكفوف وجبال البرد والحجب والهواء في الكرسي كحلقة
في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية: (وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده
حفظهما وهو العلي العظيم) (2) وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد
والحجب والهواء والكرسي عند العرش كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية
(الرحمن على العرش استوى) (3) ما تحمله الأملاك إلا يقول لا إله إلا الله ولا حول
ولا قوة إلا بالله.
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عيسى
عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، قال: سألت أبا جعفر
عليه السلام عن قوله عز وجل: (أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد) (4)
قال: يا جابر تأويل ذلك أن الله عز وجل إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن
أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار جدد الله عالما غير هذا العالم وجدد خلقا
من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه، وخلق لهم أرضا غير هذه الأرض
تحملهم، وسماء غير هذه السماء تظلهم، لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم
الواحد، وترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم، بلى والله لقد خلق الله ألف ألف عالم،
وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين.
3 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا

(1) النور: 43.
(2) البقرة: 255.
(3) طه: 5.
(4) ق: 15.
277

قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن نصر بن مزاحم
المنقري، عن عمرو بن سعد (1)، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، عن أبي منصور،
عن زيد بن وهب، قال: سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن قدرة الله
تعالى جلت عظمته، فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن لله تبارك وتعالى
ملائكة لو أن ملكا منهم هبط إلى الأرض ما وسعته لعظم خلقه وكثرة أجنحته،
ومنهم من لو كلفت الجن والإنس أن يصفوه ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله وحسن
تركيب صورته، وكيف يوصف من ملائكته من سبعمائة عام ما بين منكبيه وشحمة
أذنيه، ومنهم من يسد الأفق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه، ومنهم من
السماوات إلى حجزته، ومنهم من قدمه على غير قرار في جو الهواء الأسفل و
الأرضون إلى ركبتيه، ومنهم من لو ألقي في نقرة إبهامه جميع المياه لوسعتها، و
منهم من لو ألقيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين، فتبارك الله
أحسن الخالقين.
وسئل عليه السلام عن الحجب، فقال: أول الحجب سبعة، غلظ كل حجاب مسيرة
خمسمائة عام، بين كل حجا بين منها مسيرة خمسمائة عام، والحجاب الثالث (2)
سبعون حجابا، بين كل حجا بين منها مسيرة خمسمائة عام، وطول خمسمائة عام،
حجبة كل حجاب منها سبعون ألف ملك، قوة كل ملك منهم قوة الثقلين،
منها ظلمة، ومنها نور، ومنها نار، ومنها دخان، ومنها سحاب، ومنها برق،
ومنها مطر، ومنها رعد، ومنها ضوء، ومنها رمل، ومنها جبل، ومنها عجاج، و
منها ماء، ومنها أنهار، وهي حجب مختلفة، غلظ كل حجاب مسيرة سبعين ألف عام
ثم سرادقات الجلال، وهي سبعون سرادقا، في كل سرادق سبعون ألف ملك، بين
كل سرادق وسرادق مسيرة خمسمائة عام، ثم سرادق العز، ثم سرادق الكبرياء
ثم سرادق العظمة، ثم سرادق القدس، ثم سرادق الجبروت، ثم سرادق الفجر

(1) كذا في النسخ ويحتمل كونه تصحيف (عمرو بن سعيد) وهو المدائني.
(2) هكذا في النسخ إلا في نسخه (و) ففيه: (والحجاب الثاني - الخ)).
278

ثم النور الأبيض، ثم سرادق الوحدانية وهو مسيرة سبعين ألف عام في سبعين ألف
عام، ثم الحجاب الأعلى، وانقضى كلامه عليه السلام وسكت، فقال له عمر: لا بقيت ليوم
لا أراك فيه يا أبا الحسن.
4 - حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري، قال: حدثنا
مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا عدي بن أحمد بن عبد الباقي أبو -
عمير بأذنة (1) قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن البراء، قال: حدثنا عبد المنعم
ابن إدريس، قال: حدثنا أبي، عن وهب، عن ابن العباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
إن الله تبارك وتعالى ديكا رجلاه في تخوم الأرض السابعة السفلى، ورأسه عند
العرش، ثاني عنقه تحت العرش، وملك من ملائكة الله عز وجل خلقه الله تبارك و
تعالى ورجلاه في تخوم الأرض السابعة السفلى مضى مصعدا فيها مد الأرضين حتى
خرج منها إلى أفق السماء، ثم مضى مصعدا حتى انتهى قرنه إلى العرش،
وهو يقول: سبحانك ربي، وإن لذلك الديك جناحين إذا نشرهما جاوزا المشرق
والمغرب، فإذا كان في آخر الليل نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح يقول:
سبحان الله الملك القدوس سبحان الكبير المتعال القدوس، لا إله إلا هو الحي القيوم
فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض كلها وخففت بأجنحتها وأخذت في الصراخ،
فإذا سكن ذلك الديك في السماء سكنت الديكة في الأرض، فإذا كان في بعض
السحر نشر جناحيه فجاوز المشرق والمغرب وخفق بهما وصرخ بالتسبيح سبحان الله
العظيم سبحان الله العزيز القهار سبحان الله ذي العرش المجيد سبحان الله رب العرش

(1) أذنة بالألف والذال والنون المفتوحات آخرها الهاء، أو بكسر الذال، قال
السكوني: بحذاء توز جبل شرقي يقال له الغمر ثم يمضي الماضي فيقع في جبل شرقي أيضا
يقال له أذنة، وقال نصر: أذنة خيال من أخيلة حمى فيد بينه وبين فيد نحو عشرين ميلا، و
أذنة أيضا بلاد من الثغور قرب المصيصة مشهور، كذا في مراصد الاطلاع، وتوز وفيد منزلان
متدانيان في طريق مكة من الكوفة.
279

الرفيع (1) فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض، فإذا هاج هاجت الديكة في
الأرض تجاوبه بالتسبيح والتقديس لله عز وجل، ولذلك الديك ريش أبيض كأشد
بياض ما رأيته قط، وله زغب أخضر تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها قط
فما زلت مشتاقا إلى أن أنظر إلى ريش ذلك الديك.
5 - وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: إن لله تبارك وتعالى ملكا من الملائكة
نصف جسده الأعلى نار ونصفه الأسفل ثلج، فلا النار تذيب الثلج، ولا الثلج يطفئ
النار، وهو قائم ينادي بصوت له رفيع: سبحان الله الذي كف حر هذه النار
فلا تذيب هذا الثلج، وكف برد هذا الثلج فلا يطفئ حر هذه النار، اللهم يا
مؤلفا بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين على طاعتك.
6 - وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة ليس
شئ من أطباق أجسادهم إلا وهو يسبح الله عز وجل ويحمده من ناحية (2) بأصوات
مختلفة، لا يرفعون رؤوسهم إلى السماء ولا يخفضونها إلى أقدامهم من البكاء والخشية
لله عز وجل.
7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن
إسماعيل بن مسلم، قال: حدثنا أبو نعيم البلخي، عن مقاتل بن حيان، عن
عبد الرحمن بن أبي ذر، عن أبي ذر الغفاري رحمة الله عليه، قال: كنت آخذا بيد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نتماشى جميعا، فما زلنا ننظر إلى الشمس حتى غابت، فقلت:
يا رسول الله أين تغيب، قال: في السماء ثم ترفع من سماء إلى سماء حتى ترفع
إلى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش، فتخر ساجدة فتسجد معها
الملائكة الموكلون بها، ثم تقول: يا رب من أين تأمرني أن أطلع أمن مغربي أم
من مطلعي؟ فذلك قوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز

(1) النسخ في هذه الأذكار مختلفة يسيرا غير ضائر.
(2) في نسخة (ج) (من ناحيته).
280

العليم) (1) يعني بذلك صنع الرب العزيز في ملكه، العليم بخلقه. قال: فيأتيها
جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار في طوله في الصيف أو
قصره في الشتاء أو ما بين ذلك في الخريف والربيع، قال: فتلبس تلك الحلة كما
يلبس أحدكم ثيابه، ثم تنطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها، قال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فكأني بها قد حبست مقدار ثلاث ليال ثم لا تكسى ضوءا وتؤمر أن
تطلع من مغربها، فذلك قوله عز وجل: (إذا الشمس كورت * وإذا النجوم
انكدرت) (2). والقمر كذلك من مطلعه ومجراه في أفق السماء ومغربه وارتفاعه
إلى السماء السابعة، ويسجد تحت العرش ثم يأتيه جبرئيل بالحلة من نور الكرسي
فذلك قوله عز وجل: (جعل الشمس ضياء * والقمر نورا) (3) قال أبو ذر رحمه الله: ثم
اعتزلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلينا المغرب.
8 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا أبي، قال:
حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن زياد القندي، عن
درست، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن لله تبارك وتعالى ملكا بعد ما
بين شحمة أذنه إلى عنقه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير.
9 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن
إدريس، عن محمد بن أحمد، عن السياري، عن عبد الله بن حماد، عن جميل بن دراج
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل في السماء بحار؟ قال: نعم، أخبرني أبي، عن أبيه
عن جده عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن في السماوات السبع لبحارا عمق
أحدها مسيرة خمسمائة عام، فيها ملائكة قيام منذ خلقهم الله عز وجل، والماء إلى
ركبهم، ليس فيهم ملك إلا وله ألف وأربعمائة جناح، في كل جناح أربعة وجوه،
في كل وجه أربعة ألسن، ليس فيها جناح ولا وجه ولا لسان ولا فم إلا وهو يسبح
الله عز وجل بتسبيح لا يشبه نوع منه صاحبه.
10 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن

(1) يس: 38.
(2) التكوير: 2.
(3) يونس: 5.
281

يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن أحمد بن
الحسن الميثمي (1) عن أبي الحسن الشعيري (2) عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن
نباتة، قال: جاء ابن الكواء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين والله إن
في كتاب الله عز وجل لآية قد أفسدت علي قلبي وشككتني في ديني، فقال له علي
عليه السلام: ثكلتك أمك وعدمتك وما تلك الآية؟ قال: قول الله تعالى: (والطير
صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) (3) فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: يا ابن الكواء
إن الله تبارك وتعالى خلق الملائكة في صور شتى إلا أن لله تبارك وتعالى ملكا في
صورة ديك أبح أشهب، براثنه في الأرض السابعة السلفي وعرفه مثنى تحت العرش
له جناحان جناح في المشرق وجناح في المغرب واحد من نار وآخر من ثلج، فإذا
حضر وقت الصلاة قام على براثنه ثم رفع عنقه من تحت العرش، ثم بجناحيه
كما تصفق الديوك في منازلكم، فلا الذي من النار يذيب الثلج ولا الذي من الثلج
يطفئ النار، فينادي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا سيد
النبيين وأن وصيه سيد الوصيين وأن الله سبوح قدوس رب الملائكة والروح،
قال: فتخفق الديكة بأجنحتها في منازلكم فتجيبه عن قوله وهو قوله تعالى (والطير
صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) من الديكة في الأرض.
11 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن الحسن بن علي، عن يونس بن يعقوب، عن عمرو بن مروان، عن أبي -
عبد الله عليه السلام قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة أنصافهم من برد وأنصافهم من نار
يقولون: يا مؤلفا بين البرد والنار ثبت قلوبنا على طاعتك.
وسأخرج الأخبار التي رويتها في ذكر عظمة الله تبارك وتعالى في كتاب
العظمة إن شاء الله.

(1) كذا في نسخة (ج) وفي غيرها (أحمد بن المحسن الميثمي) وفي نسخه (ط) و
حاشية نسخة (ب) (الميثى) مكان الميثمي.
(2) في نسخة (ط) (الأشعري).
(3) النور: 41.
282

39 - باب لطف الله تبارك وتعالى
1 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن سعيد بن جناح، عن بعض
أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما خلق الله خلقا أصغر من البعوض، والجرجس
أصغر من البعوض، والذي تسمونه الولغ أصغر من الجرجس (1) وما في الفيل شئ
إلا وفيه مثله، وفضل على الفيل بالجناحين (2).
40 - باب أدنى ما يجزئ من معرفة التوحيد
1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم
ابن هاشم، عن مختار بن محمد بن مختار الهمداني، عن الفتح بن يزيد الجرجاني
عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن أدنى المعرفة، فقال: الاقرار بأنه لا إله
غيره ولا شبه له ولا نظير وأنه قديم مثبت موجود غير فقيد وأنه ليس كمثله شئ.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد
ابن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن
عاصم بن حميد رفعه، قال: سئل علي بن الحسين عليهما السلام عن التوحيد فقال: إن الله
عز وجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله عز وجل (قل

(1) الولغ في النسخ بالغين المعجمة، وفي الكافي ومجع البحرين بالعين المهملة.
(2) إن الله لطيف في الخلق أي في الصنع كما هنا وفي بعض الروايات في الباب الثاني و
التاسع والعشرين، ولطيف بالخلق أي بار بهم كما قال تعالى: (الله لطيف بعباده)، ولطيف
للخلق وهذا ما بحث عنه المتكلمون، ولطيف بذاته بمعنيين: بمعنى النفاذ في الأشياء والدخول
فيها بلا كيفية كما في الحديث الثاني من الباب التاسع والعشرين وفي كثير من كلمات أمير المؤمنين
عليه السلام، وقد يفسر الآية: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) بهذا المعنى، والمعنى الثاني
أنه لا يدرك ذاته كما في الحديث المذكور.
283

هو الله أحد * الله الصمد) والآيات من سورة الحديد - إلى قوله: (وهو عليم بذات
الصدور) (1) فمن رام ما وراء هنالك هلك.
3 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي. قال: حدثني
الحسين بن الحسن، قال: حدثني بكر بن زياد، عن عبد العزيز بن المهتدي، قال
سألت الرضا عليه السلام عن التوحيد، فقال: كل من قرأ قل هو الله أحد وآمن بها فقد
عرف التوحيد، قلت: كيف يقرؤها؟ قال: كما يقرء الناس، وزاد فيه (كذلك الله
ربي، كذلك الله ربي، كذلك الله ربي).
4 - أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا محمد بن يحيى
العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن علي
الطاحي (2) عن طاهر بن حاتم بن ما هوية قال: كتبت إلى الطيب - يعني أبا الحسن
موسى - عليه السلام: ما الذي لا تجزئ معرفة الخالق بدونه (3) فكتب: ليس كمثله شئ
ولم يزل سميعا وعليما وبصيرا، وهو الفعال لما يريد.
5 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمه محمد بن أبي القاسم،
عن محمد بن علي القريشي، قال: حدثنا محمد بن سنان، عن محمد بن يعلى الكوفي،
عن جويبر (4) عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله
فقال: يا رسول الله علمني من غرائب العلم، قال: ما صنعت في رأس العلم حتى تسأل

(1) وغيرهما من الآيات ليتعمقوا ويتفكروا فيها ويعرفوا ربهم ويستغنوا عن وصف الواصفين
وأقاويل المتكلمين المتكلفين وكلمات المتفلسفين.
(2) المظنون أنه أبو سمينة محمد بن علي الكوفي الصيرفي المذكور كثيرا في إسناد
الكتاب، وفي البحار في الباب العاشر من الجزء الثالث المطبوع حديثا وفي نسخة (ن)
(الطاحن) والظاهر أنه خطأ.
(3) في نسخة (و) و (ب) (ما الذي لا يجتزء - الخ).
(4) هذا غير جويبر الصحابي المعروف، وفي نسخة (ط) (جوير).
284

عن غرائبه؟! قال الرجل: ما رأس العلم يا رسول الله؟ قال: معرفة الله حق معرفته،
قال الأعرابي: وما معرفة الله حق معرفته؟ قال: تعرفه بلا مثل ولا شبه ولا ند
وأنه واحد أحد ظاهر باطن أول آخر لا كفو له ولا نظير فذلك حق معرفته.
41 - باب أنه عز وجل لا يعرف إلا به
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن
صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني
ناظرت قومك فقلت لهم، إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه، بل العباد يعرفون
بالله (1) فقال: رحمك الله.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن
الصفار، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن علي بن عقبة بن قيس
ابن سمعان بن أبي ربيحة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله رفعه، قال: سئل أمير المؤمنين
عليه السلام بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرفني نفسه، قيل: وكيف عرفك نفسه؟ فقال:
لا تشبهه صورة، ولا يحس بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب في بعده، بعيد في
قربه، فوق كل شئ ولا يقال: شئ فوقه، أمام كل شئ ولا يقال: له أمام،
داخل في الأشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج من الأشياء لا كشئ من شئ خارج،
سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره، ولكل شئ ومبتدء.
3 - حدثني أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حمران (2) عن الفضل بن السكن، عن أبي -

(1) على صيغة المجهول كما هو الظاهر نظير ما في الحديث الرابع، ويحتمل معلوما
كما في الحديث الثالث.
(2) في نسخة (ب) و (ج) و (د) (محمد بن عمران).
285

عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة وأولي
الأمر بالمعروف والعدل والاحسان (1).
4 - حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي، قال: حدثنا
أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي، قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي
بمرو (2) قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب
قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي، قال: حدثنا عبد الله بن عاصم، قال: حدثنا
عبد الرحمن بن قيس، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي
في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى وما سأل
عنه أبا بكر فلم يجبه ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله عن

(1) المعنى الظاهر لهذا الحديث: اعرفوا كل شئ بما هو به هو كالعالم فإنه يعرف بالعلم
والخياط يعرف بالخياطة وإلا فينكر أنه عالم أو خياط، فمن أردتم أن تعتقدوا أنه عالم أو خياط
فانظروا إلى علمه أو خياطته، فإن كان له فهو هو وإلا فلا، وكذلك الله والرسول وأولي الأمر،
فاعرفوا من سميتموه بالله وعبدتموه واعتقدتم أن الخلق والأمر له بالألوهية أي بأن يكون مبدء
العالم وخالقه ومدبره وبيده أموره ويكون واحدا لا شريك ولا شبيه له فالله هو ذلك لا من هو
بمعزل عن ذلك، كما عرف هو نفسه بذلك في مواضع من كتابه، واعرفوا من يدعى أنه رسول
من الله وأردتم أن تعتقدوا أنه رسول من الله بالرسالة من الله وهي أن يخبر عن الله صدقا وصدقه
يثبت بالمعجزات، واعرفوا أولي الأمر بعد الرسول بهذه الخصال فمن تمت وكملت فيه فهو
ولي الأمر بعده.
ثم إنه عليه السلام قال: اعرفوا الله بالله ولم يقل بالألوهية كما قال: الرسول بالرسالة لأن
هذا التعبير يوهم زيادة الصفة على الموصوف، وفي الكافي باب أنه لا يعرف إلا به: (وأولي الأمر
بالأمر بالمعروف والعدل والاحسان).
(2) صغد بضم الصاد المهملة والغين المعجمة الساكنة آخره الدال المهملة موضع بيخارا
وموضع بسمرقند، وهذا السند بعينه مذكور في الحديث السادس عشر من الباب الثامن و
العشرين والحديث الثالث من الباب الثامن والأربعين.
286

مسائل فأجابه عنها، وكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عرفت الله بمحمد أم عرفت
محمدا بالله عز وجل؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما عرفت الله بمحمد صلى الله عليه وآله، و
لكن عرفت محمدا بالله عز وجل حين خلقه وأحدث فيه الحدود من طول، وعرض،
فعرفت أنه مدبر مصنوع باستدلال وإلهام منه وإرادة كما ألهم الملائكة طاعته و
عرفهم نفسه بلا شبه ولا كيف (1).

(1) قيل هذا نظير دعا مأمور بقراءته في أيام غيبة صاحب الأمر عليه السلام: (اللهم
عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك - الخ)، وهذا ظاهر لأن المضاف
بما هو مضاف لا يعرف إلا بعد معرفة المضاف إليه، أقول: هذا حق، ولكنه عليه السلام نهج
هنا منهجا آخر مذكورا في كثير من أحاديث الكتاب، ومراده عليه السلام: إني ما عرفت
ذاته تعالى بحدود ذات محمد صلى الله عليه وآله لأن ذاته لا تدرك بذاته ولا بشئ من الذوات،
ولكن عرفت محمدا صلى الله عليه وآله بذاته وخصوصياته أنه مصنوع مدبر له بإلهامه تعالى
ودلالته إياي.
وجملة الكلام في معرفته تعالى أنه لا يدرك ذاته ولا صفاته الذاتية لأنها عينها. وهذا ما
نطق به كثير من أحاديث الكتاب من أنه تعالى لا يوصف ولا يدرك بعقل ولا بوهم، فالمدرك
منه بحسب العقل والتصور هو العناوين الصادقة عليه ذاتا أو صفة كالشئ والموجود والإله و
العالم والحي والقادر إلى غير ذلك من أسمائه تعالى كما تبين في مواضع من الكتاب وأمر
العباد بأن يدعوه بها، وبحسب الفطرة هو نوره وظهوره لكل موجود على قدر نورانيته و
صفاء فطرته، وهذا ما نطق به الآيات والأخبار من لقائه ورؤيته بالقلب وشهوده وغير ذلك
من التعبيرات، ثم إن معرفته كائنة ما كانت من حيث السبب بذاته لا بشئ آخر لأنه مبدء الكل
فأينما كانت فيه كانت سواء كان لها مبدء وسطي أم لا وسواء كان لها شرط أم لا كسائر الأمور
فما صدر عنهم عليهم السلام من أنه يعرف بذاته لا بخلقه وأنه دال على ذاته بذاته وأمثالهما ناظر
إلى هذه الحيثية، وهنا كلام آخر لا يسعني ذكره، وأما من حيث الوجود فمتوقفة على
الخلق إذ حيث لا خلق لا معرفة للخلق به، وهذا ما شاع في الآيات والأخبار وألسنة العلماء
والمتكلمين من الاستدلال بالآثار على مبدء الآثار، فاحتفظ على هذه الوجوه كي لا يشتبه
عليك المراد في الأحاديث المختلفة التي كل منها ناظر إلى كل منها.
287

والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في آخر
أجزاء كتاب النبوة.
5 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: سمعت محمد بن
يعقوب يقول: معنى قوله (اعرفوا الله بالله) يعني: أن الله عز وجل خلق الأشخاص
والألوان والجواهر، فالأعيان الأبدان، والجواهر الأرواح، وهو عز وجل لا
يشبه جسما ولا روحا، وليس لأحد في خلق الروح الحساس الدراك أثر ولا
سبب، هو المتفرد بخلق الأرواح والأجسام، فمن نفي عنه الشبهين: شبه الأبدان
وشبه الأرواح فقد عرف الله بالله، ومن شبهه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف
الله بالله.
6 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زياد بن المنذر، عن أبي جعفر
محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام أنه قال: إن رجلا قام إلى
أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم و
نقض الهم، لما هممت فحيل بيني وبين همي، وعزمت فخالف القضاء عزمي علمت
أن المدبر غيري، قال: فبماذا شكرت نعماءه؟ قال: نظرت إلى بلاء قد صرفه عني
وأبلى به غيري فعلمت أنه قد أنعم علي فشكرته، قال: فلما ذا أحببت لقاءه، قال:
لما رأيته قد أختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه علمت أن الذي أكرمني بهذا
ليس ينساني فأحببت لقاءه.
7 - حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي المقري، قال: حدثنا أبو عمرو
محمد بن جعفر المقري، قال: حدثنا محمد بن الحسن الموصلي ببغداد قال: حدثنا محمد بن
عاصم الطريفي، قال: حدثنا عياش بن يزيد بن الحسن بن علي الكحال مولى
زيد بن علي (1) قال: حدثني أبي، قال: حدثني موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: قال

(1) هذا السند بعينه مذكور في الحديث الثاني في الباب الثاني والثلاثين والحديث
الأول من الباب الرابع والثلاثين، وفي بعض النسخ في بعض هذه المواضع الثلاثة: (الضحاك)
بدل (الكحال) ولا يبعد أن يكون للرجل لقبان.
288

قوم للصادق عليه السلام: ندعو فلا يستجاب لنا، قال: لأنكم تدعون من لا تعرفونه.
8 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا
إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: سئل أبو عبد الله
عليه السلام فقيل له: بما عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم ونقض الهم عزمت ففسخ عزمي،
وهممت فنقض همي.
9 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب رضي الله عنه،
قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي
قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الخزاز الكوفي، قال: حدثنا سليمان بن جعفر
قال: حدثنا علي بن الحكم، قال: حدثنا هشام بن سالم، قال: حضرت محمد بن
النعمان الأحول فقام إليه رجل فقال له: بم عرفت ربك؟ قال بتوفيقه وإرشاده
وتعريفه وهدايته، قال: فخرجت من عنده، فلقيت هشام بن الحكم فقلت له: ما
أقول لمن يسألني فيقول لي بم عرفت ربك؟ فقال: إن سأل سائل فقال: بم عرفت
ربك؟ قلت: عرفت الله جل جلاله بنفسي (1) لأنها أقرب الأشياء إلي، وذلك
أني أجدها أبعاضا مجتمعة وأجزاء مؤتلفة، ظاهرة التركيب، متبينة الصنعة،
مبينة على ضروب من التخطيط والتصوير، زائدة من بعد نقصان، وناقصة من بعد
زيادة، قد أنشأ لها حواس مختلفة، وجوارح متباينة - من بصر وسمع وشام وذائق
ولا مس - مجبولة على الضعف والنقص والمهانة، لا تدرك واحدة منها مدرك صاحبتها
ولا تقوى على ذلك، عاجزة عند اجتلاب المنافع إليها، ودفع المضار عنها، و
استحال في العقول وجود تأليف لا مؤلف له، وثبات صورة لا مصور لها، فعلمت
أن لها خالقا خلقها، ومصورا صورها، مخالفا لها على جميع جهاتها (2) قال الله عز وجل
(وفي أنفسكم أفلا تبصرون) (3).

(1) في نسخة (ج) (فقل عرفت الله - الخ).
(2) في نسخة (و) (من جميع جهاتها). وفي نسخة (ب) و (ج) و (د) (في جميع جهاتها).
(3) الذاريات: 21.
289

10 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن جعفر أبو الحسين الأسدي، قال: حدثنا الحسين بن المأمون القرشي (1)
عن عمر بن عبد العزيز، عن هشام بن الحكم، قال: قال لي أبو شاكر الديصاني:
إن لي مسألة تستأذن لي على صاحبك، فإني قد سألت عنها جماعة من العلماء فما
أجابوني بجواب مشبع، فقلت: هل لك أن تخبرني بها فلعل عندي جوابا ترتضيه
فقال: إني أحب أن ألقى بها أبا عبد الله عليه السلام، فاستأذنت له فدخل فقال له: أتأذن
لي في السؤال؟ فقال له: سل عما بدا لك، فقال له: ما الدليل على أن لك صانعا؟
فقال: وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين: إما أن أكون صنعتها أنا أو صنعها
غيري، فإن كنت صنعتها أنا فلا أخلو من أحد معنيين: إما أن أكون صنعتها و
كانت موجودة، أو صنعتها وكانت معدومة، فإن كنت صنعتها وكانت موجودة فقد
استغنت بوجودها عن صنعتها، وإن كانت معدومة فإنك تعلم أن المعدوم لا يحدث شيئا
فقد ثبت المعنى الثالث أن لي صانعا وهو الله رب العالمين فقام وما أحار جوابا.
قال مصنف هذا الكتاب: القول الصواب في هذا الباب هو أن يقال: عرفنا
الله بالله لأنا إن عرفناه بعقولنا فهو عز وجل واهبها، وإن عرفناه عز وجل بأنبيائه
ورسله وحججه عليهم السلام فهو عز وجل باعثهم ومرسلهم ومتخذهم حججا، وإن
عرفناه بأنفسنا فهو عز وجل محدثها، فبه عرفناه، وقد قال الصادق عليه السلام: (لولا الله ما
عرفنا (2) ولولا نحن ما عرف الله) ومعناه لولا الحجج ما عرف الله حق معرفته،
ولولا الله ما عرف الحجج، وقد سمعت بعض أهل الكلام يقول: لو أن رجلا ولد
في فلاة من الأرض ولم ير أحدا يهديه ويرشده حتى كبر وعقل ونظر إلى السماء
والأرض لدله ذلك على أن لهما صانعا ومحدثا، فقلت: إن هذا شئ لم يكن، و
هو إخبار بما لم يكن أن لو كان كيف كان يكون، ولو كان ذلك لكان لا يكون

(1) في حاشية نسخه (ب) (الحسن بن المأمون القرشي).
(2) أي لولا تعريف الله إيانا لخلقه ما عرفنا أحد منهم، وما في بعض النسخ من زيادة
ضمير المفعول الراجع إلى الله هنا خطأ.
290

ذلك الرجل إلا حجة الله تعالى ذكره على نفسه، كما في الأنبياء عليهم السلام منهم من بعث
إلى نفسه، ومنهم من بعث إلى أهله وولده، ومنهم من بعث إلى أهل محلته، ومنهم من
بعث إلى أهل بلده، ومنهم من بعث إلى الناس كافة، وأما استدلال إبراهيم الخليل
عليه السلام بنظره إلى الزهرة ثم إلى القمر ثم إلى الشمس، وقوله لما أفلت: (يا قوم
إني برئ مما تشركون) فإنه عليه السلام كان نبيا ملهما مبعوثا مرسلا وكان جميعا قوله
بإلهام الله عز وجل إياه، وذلك قوله عز وجل: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم
على قومه) (1) وليس كل أحد كإبراهيم عليه السلام، ولو استغنى في معرفة التوحيد
بالنظر عن تعليم الله عز وجل وتعريفه لما أنزل الله عز وجل ما أنزل من قوله:
(فاعلم أنه لا إله إلا الله) (2) ومن قوله: (قل هو الله أحد - إلى آخرها) ومن قوله:
(بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة - إلى قوله - وهو
اللطيف الخبير) (3) وآخر الحشر، وغيرها من آيات التوحيد (4).

(1) الأنعام: 83.
(2) محمد: 19.
(3) الأنعام: 103.
(4) حاصل كلامه - رحمه الله - أن معنى قوله عليه السلام في الخبر الثالث: اعرفوا
الله بالله أي اعرفوا الله بتعليمه تعالى وتعريفه، ولا تكتفوا لمعرفته بالنظر والاستدلال ببعض
خلقه من وجود الأنبياء أو جود أنفسنا وعقولنا أو غير ذلك من دون تعليمه تعالى، وتعليمه
تعالى إما بالوحي كما للأنبياء عليهم السلام، أو بسمع الكلام من الأنبياء والأوصياء كما لنا،
فليس في كلامه تشويش ولا تناقض كما نسب إليه العلامة المجلسي - رحمه الله - فلذا قال: إن
المولود في فلاة إن كان نبيا يوحى إليه فهو وإلا فلا يكفي نظره بل لا بد من تعلم من نبي، أو ممن
تعلم من نبي، واستدلال إبراهيم عليه السلام ليس مجرد استدلال لنفسه بل تعلم من الله بالوحي،
ثم استدل لغيره بما تعلم منه تعالى فتعلم غيره منه، وهذا ما في بعض الأخبار من قولهم عليهم
السلام: (إن الله تعالى أرسل رسله إلى عباده ليعقلوا عنه ما جهلوه)
291

42 - باب إثبات حدوث العالم
1 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، قال: حدثني
علي بن منصور، قال: سمعت هشام بن الحكم يقول: دخل أبو شاكر الديصاني (1)
على أبي عبد الله عليه السلام فقال له: إنك أحد النجوم الزواهر، وكان آباؤك
بدورا بواهر، وأمهاتك عقيلات عباهر، وعنصرك من أكرم العناصر، وإذا ذكر
العلماء فبك تثنى الخناصر (2) فخبرني أيها البحر الخضم الزاخر ما الدليل
على حدوث العالم؟ (3) فقال أبو عبد الله عليه السلام: نستدل عليه بأقرب الأشياء (4)
قال: وما هو؟ قال: فدعا أبو عبد الله عليه السلام ببيضة فوضعها على راحته، فقال: هذا
حصن ملموم داخله غرقئ رقيق لطيف (5) به فضة سائلة وذهبة مائعة ثم تنفلق،
عن مثل الطاووس، أدخلها شئ؟ (6) فقال: لا، قال: فهذا الدليل على حدوث
العالم، قال: أخبرت فأوجزت، وقلت فأحسنت، وقد علمت أنا لا نقبل إلا ما أدركناه

(1) منسوب إلى رجل مسمى بديصان، ويقال له ابن ديصان أيضا كما في قول المصنف في
أواخر الباب السادس والثلاثين، اختلق مذهبا ودعا الناس إليه، ذكر صفته وتفصيل مذهبه
في الفهرست لابن النديم والملل والنحل والبحار في باب التوحيد ونفي الشريك، قال ابن
النديم في الفهرست: الديصانية إنما سمي صاحبهم بديصان باسم نهر ولد عليه، وهو قبل مانى،
والمذهبان قريبان بعضهما من بعض - الخ.
(2) أي أنت تعد أولا ومقدما عليهم ثم يعد سائر العلماء في المرتبة المتأخرة عنك.
(3) أي كونه مصنوعا للصانع.
(4) في (ج) و (و) و (د) (يستدل عليه - الخ).
(5) الغرقئ كالزبرج وهمزته للالحاق هو القشر اللطيف في البيض تحت القشر الظاهر.
(6) أي لا شبهة أن صيرورتها طاووسا أو غيره إنما هي بصنعة صانع، ولم يدخل فيها شئ
مما ندركه ويصلح للصانعية لها، فالصانع لها طاووسا موجود متعال عن إدراكنا.
292

بأبصارنا، أو سمعناه بآذاننا، أو شممناه بمناخرنا أو ذقناه بأفواهنا أو لمسناه بأكفنا
أو تصور في القلوب بيانا أو استنبطه الرويات (1) إيقانا، قال أبو عبد الله: ذكرت
الحواس الخمس وهي لا تنفع شيئا بغير دليل كما لا يقطع الظلمة بغير مصباح (2).
2 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم
أن ابن أبي العوجاء دخل على الصادق عليه السلام فقال له: يا ابن أبي العوجاء أمصنوع
أنت أم غير مصنوع؟! فقال: لا، لست بمصنوع، فقال له الصادق عليه السلام: فلو كنت
مصنوعا كيف كنت تكون (3) فلم يحر ابن أبي العوجاء جوابا، وقام وخرج.
3 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار (ره) قال: حدثنا سعد بن عبد الله،
قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن
أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، أنه دخل عليه رجل فقال له: يا ابن رسول
الله ما الدليل على حدث العالم؟ قال: أنت لم تكن ثم كنت، وقد علمت أنك لم
تكون نفسك ولا كونك من هو مثلم.
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن حماد، عن الحسن بن إبراهيم
عن يونس بن عبد الرحمن، عن يونس بن يعقوب، قال: قال لي علي بن منصور:
قال لي هشام بن الحكم: كان زنديق بمصر يبلغه عن أبي عبد الله عليه السلام علم (4) فخرج

(1) في بعض النسخ (استنبطه الروايات إيقانا).
(2) أي لا تفيد الحواس يقينا وتصديقا بشئ من دون دلالة العقل وحكمه لأن شأنها
إيجاب التصور للجزئيات كما أن الطريق المظلم لا يقطع بدون المصباح، فإذا كان الأمر كذلك
فالمتبع حكم العقل سواء كان هناك إحساس أم لا.
(3) منطوق بيانه عليه السلام أنك لو كنت مصنوعا لكنت على الأوصاف التي أنت عليها
الآن لكنك على الأوصاف فأنت مصنوع.
(4) في البحار وفي نسخة (و) و (ج) و (د) و (ب) (يبلغه عن أبي عبد الله عليه السلام فخرج
- الخ) وفي الكافي باب حدوث العالم: (تبلغه عن أبي عبد الله عليه السلام أشياء فخرج - الخ).
293

إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها، فقيل له: هو بمكة فخرج الزنديق إلى مكة،
ونحن مع أبي عبد الله عليه السلام، فقاربنا الزنديق ونحن مع أبي عبد الله عليه السلام في
الطواف فضرب كتفه كتف أبي عبد الله عليه السلام، فقال له أبو عبد الله جعفر عليه السلام: ما
اسمك؟ قال: اسمي عبد الملك، قال: فما كنيتك؟ قال: أبو عبد الله، قال: فمن
الملك الذي أنت له عبد، أمن ملوك السماء أم من ملوك الأرض؟! وأخبرني
عن ابنك أعبد إله السماء؟ أم عبد إله الأرض؟! فسكت، فقال أبو عبد الله عليه السلام:
قل ما شئت تخصم، قال هشام بن الحكم: قلت للزنديق: أما ترد عليه؟! فقبح
قولي، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إذا فرغت من الطواف فأتنا، فلما فرغ أبو عبد الله
عليه السلام أتاه الزنديق، فقعد بين يديه، ونحن مجتمعون عنده، فقال للزنديق: أتعلم
أن للأرض تحتا وفوقا؟! قال: نعم، قال: فدخلت تحتها؟! قال: لا، قال: فما يدريك
بما تحتها؟! قال: لا أدري إلا أني أظن أن ليس تحتها شئ، قال أبو عبد الله عليه السلام:
فالظن عجز ما لم تستيقن، قال أبو عبد الله عليه السلام: فصعدت السماء؟! قال: لا، قال:
فتدري ما فيها؟! قال: لا، قال: فأتيت المشرق والمغرب فنظرت ما خلفهما؟! قال:
لا، قال: فعجبا لك، لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل تحت الأرض ولم
تصعد السماء ولم تخبر هنالك فتعرف ما خلفهن (1) وأنت جاحد ما فيهن، وهل
يجحد العاقل ما لا يعرف؟! (2) فقال الزنديق: ما كلمني بهذا أحد غيرك، قال
أبو عبد الله عليه السلام: فأنت في شك من ذلك، فلعل هو أو لعل ليس هو، قال الزنديق:
ولعل ذاك، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على من
يعلم، فلا حجة للجاهل على العالم، يا أخا أهل مصر تفهم عني، فإنا لا نشك في

(1) في البحار وفي نسخة (ب) (ولم تجز هنالك فتعرف ما خلقهن)).
(2) هذا نظير قوله تعالى: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) فإن العقل لا يجوز أن
ينكر الإنسان ما لا يعلم حتى يعلم نفيه كما لا يجوز أن يقبله حتى يعلم إثباته، قال تعالى:
(ولا تقف ما ليس لك به علم)، فلذا قال عليه السلام: فلعل هو أو لعل ليس هو، فالأمر في بقعة
الامكان ما لم يعلم نفيه أو ثبوته.
294

الله أبدا، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ولا يشتبهان، يذهبان و
يرجعان، قد اضطرا، ليس لهما مكان إلا مكانها، فإن كانا يقدران على أن يذهبا
فلا يرجعان (1) فلم يرجعان؟! وإن لم يكونا مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا و
النهار ليلا، اضطرا والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما، والذي اضطرهما أحكم
منهما وأكبر منهما، قال الزنديق: صدقت.
ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أخا أهل مصر! الذي تذهبون إليه وتظنونه
بالوهم (2) فإن كان الدهر يذهب بهم لم لا يردهم، وإن كان يردهم لم لا يذهب
بهم، القوم مضطرون، يا أخا أهل مصر السماء مرفوعة والأرض موضوعة، لم لا
تسقط السماء على الأرض، ولم لا تنحدر الأرض فوق طاقتها؟ (3) فلا يتماسكان ولا
يتماسك من عليهما، فقال الزنديق: أمسكهما والله ربهما وسيدهما (4) فآمن
الزنديق على يدي أبي عبد الله عليه السلام فقال له حمران بن أعين: جعلت فداك إن آمنت
الزنادقة على يديك فقد آمنت الكفار على يدي أبيك، فقال المؤمن الذي آمن
على يدي أبي عبد الله عليه السلام: اجعلني من تلامذتك، فقال أبو عبد الله عليه السلام لهشام بن
الحكم: خذه إليك فعلمه، فعلمه هشام، فكان معلم أهل مصر وأهل الشام، وحسنت
طهارته حتى رضي بها أبو عبد الله عليه السلام.
5 - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله، قالا: حدثنا
أحمد بن إدريس، ومحمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن سهل بن زياد، عن
محمد بن الحسين، عن علي بن يعقوب الهاشمي، عن مروان بن مسلم، قال: دخل
ابن أبي العوجاء على أبي عبد الله عليه السلام فقال: أليس تزعم أن الله خالق كل شئ؟

(1) في البحار وفي نسخة (ب) و (ج) (ولا يرجعان).
(2) خبر (الذي) مقدر وهو (ليس بالمبدء الفاعل للأمور)، وقوله: (فإن كان الدهر
- الخ) تعليل جعله مكان الخبر لكونه معلولا له، وفي الكافي: (وتظنون أنه الدهر).
(3) أي فوق محيطها، أي لا تخرج عن مكانها، وفي الكافي والبحار: (فوق طباقها)
(4) في الكافي: (أمسكهما الله ربهما وسيدهما).
295

فقال أبو عبد الله عليه السلام: بلى، فقال: أنا أخلق، فقال عليه السلام له: كيف تخلق؟!
فقال: أحدث في الموضع ثم ألبث عنه فيصير دواب، فأكون أنا الذي خلقتها، فقال
أبو عبد الله عليه السلام: أليس خالق الشئ يعرف كم خلقه؟ قال: بلى، قال: فتعرف الذكر
منها من الأنثى، وتعرف كم عمرها؟! فسكت.
6 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن
يعقوب الكليني بإسناده رفع الحديث أن ابن أبي العوجاء حين كلمه أبو عبد الله
عليه السلام عاد إليه في اليوم الثاني فجلس وهو ساكت لا ينطق، فقال أبو عبد الله عليه السلام:
كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه، فقال: أردت ذاك يا ابن رسول الله فقال أبو عبد الله
عليه السلام: ما أعجب هذا، تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله، فقال: العادة تحملني
على ذلك، فقال له العالم عليه السلام: فما يمنعك من الكلام؟ قال: إجلالا لك ومهابة
ما ينطلق لساني بين يديك فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني
هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك، قال: يكون ذلك، ولكن أفتح عليك بسؤال (1)
وأقبل عليه، فقال له: أمصنوع أنت أم غير مصنوع؟! فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء
أنا غير مصنوع، فقال له العالم عليه السلام: فصف لي لو كنت مصنوعا كيف كنت تكون
فبقي عبد الكريم مليا لا يحير جوابا، وولع بخشبة كانت بين يديه (2) وهو يقول:
طويل عريض عميق قصير متحرك ساكن، كل ذلك صفة خلقه (3) فقال له العالم
عليه السلام: فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها فاجعل نفسك مصنوعا لما تجد في نفسك

(1) في نسخة (ط) و (ن) (ولكن افتح عليك سؤالا).
(2) أي أخذ يتأملها.
(3) الضمير يرجع إلى خشبة، والتذكير باعتبار كونها شيئا، أي كل هذه الأمور صفة
مخلوقية هذا الشئ، أو يرجع إلى الله، وهذا اعتراف بالفطرة، ولكن المعاندة منعته
عن الاعتراف باللسان، فقال له العالم عليه السلام: إن اعترفت بهذا المقدار من صفة المخلوقية
في هذه الخشبة فأنت أيضا مثلها في الاتصاف بهذه الأوصاف، فاجعل نفسك أيضا مصنوعا،
والمصنوع لا بد له من صانع غير مصنوع.
296

مما يحدث من هذه الأمور، فقال له عبد الكريم: سألتني عن مسألة لم يسألني أحد
عنها قبلك ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: هبك علمت
أنك لم تسأل فيما مضى فما علمك أنك لا تسأل فيما بعد، على أنك يا عبد الكريم
نقضت قولك لأنك تزعم أن الأشياء من الأول سواء فكيف قدمت وأخرت (1).
ثم قال: يا عبد الكريم أزيدك وضوحا (2) أرأيت لو كان معك كيس فيه
جواهر فقال لك قائل: هل في الكيس دينار؟ فنفيت كون الدينار في الكيس،
فقال لك قائل: صف لي الدينار وكنت غير عالم بصفته، هل كان لك أن تنفي كون
الدينار في الكيس وأنت لا تعلم؟ قال: لا، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فالعالم أكبر و
أطول وأعرض من الكيس، فلعل في العالم صنعة لا تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة
فانقطع عبد الكريم، وأجاب إلى الإسلام بعض أصحابه، وبقي معه بعض.
فعاد في اليوم الثالث فقال: أقلب السؤال؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام: سل
عما شئت، فقال: ما الدليل على حدث الأجسام؟ فقال: إني ما وجدت شيئا
صغيرا ولا كبيرا إلا إذا ضم إليه مثله صار أكبر، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة
الأولى (3) ولو كان قديما ما زال ولا حال لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد
ويبطل، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث، وفي كونه في الأولى (*) دخوله
في العدم، ولن يجتمع صفة الأزل والعدم في شئ واحد (4) فقال عبد الكريم: هبك

(1) هذا مرتبط بقوله عليه السلام: (هبك علمت - الخ) والمعنى إنك يا عبد الكريم قائل
بأن كل نوع من الأشياء على السواء لا تفاضل بين أفراده فيكف قدمتني وأخرت غيري بفضل العلم.
(2) في نسخة (ط) و (ن) (أنزيدك وضوحا).
(3) هذا إشارة إلى الدليل المشهور بين المتكلمين: (العالم متغير وكل متغير حادث
فالعالم حادث) لأن القديم لا يحول ولا يزول عن حاله.
(4) هكذا في النسخ التي عندي، وفي البحار باب إثبات الصانع: (وفي كونه في
الأزل دخوله في القدم، ولن تجتمع صفة الأزل والحدوث والقدم والعدم في شئ واحد).
وفي باب حدوث العالم من الكافي هكذا: (وفي كونه في الأزل دخوله في العدم ولن تجتمع
صفة الأزل والعدم والحدوث والقدم في شئ واحد).
* لعل الصواب (في الأزل).
297

علمت في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت واستدللت على حدوثها، فلو بقيت
الأشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثها؟ فقال العالم عليه السلام:
إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع، فلو رفعناه ووضعنا عالما أخر كان لا شئ
أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره ولكن أجيبك من حيث قدرت أنك
تلزمنا، ونقول: إن الأشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى
ما ضم شئ منه إلى مثله كان أكبر، وفي جواز التغير عليه خروجه من القدم كما
بان في تغيره دخوله في الحدث، ليس لك وراءه شئ يا عبد الكريم، فانقطع
وخزي.
فلما كان من العام القابل التقى معه في الحرم، فقال له بعض شيعته: إن
ابن أبي العوجاء قد أسلم، فقال العالم عليه السلام: هو أعمى من ذلك لا يسلم، فلما بصر
بالعالم عليه السلام قال: سيدي ومولاي، فقال له العالم عليه السلام: ما جاء بك إلى هذا الموضع؟
فقال: عادة الجسد وسنة البلد ولنبصر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي
الحجارة، فقال العالم عليه السلام: أنت بعد على عتوك وضلالك يا عبد الكريم، فذهب
يتكلم، فقال له: لا جدال في الحج ونفض رداءه من يده، وقال: إن يكن الأمر
كما تقول - وليس كما تقول - نجونا ونجوت، وإن يكن الأمر كما نقول - و
هو كما نقول - نجونا وهلكت، فأقبل عبد الكريم على من معه فقال: وجدت
في قلبي حزازة (1) فردوني، فردوه ومات لا رحمه الله.
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: من الدليل على حدث الأجسام (2) أنا وجدنا
أنفسنا وسائر الأجسام (3) لا تنفك مما يحدث من الزيادة والنقصان وتجري عليها
من الصنعة والتدبير ويعتورها من الصور والهيئات، وقد علمنا ضرورة أنا لم نصنعها
ولا من هو من جنسنا وفي مثل حالنا صنعها، وليس يجوز في عقل، ولا يتصور في

(1) في نسخة (ج) و (د) و (ه‍) و (ط) (حرارة).
(2) في نسخة (ب) و (ج) و (د) (من الدليل على حدث العالم).
(3) في نسخة (ب) و (ج) و (د) و (و) ((سائر أجسام العالم).
298

وهم أن يكون ما لم ينفك من الحوادث ولم يسبقها قديما، ولا أن توجد هذه الأشياء
على ما نشاهدها عليه من التدبير ونعاينه فيها من اختلاف التقدير، لا من صانع، أو
تحدث لا بمدبر، ولو جاز أن يكون العالم بما فيه من إتقان الصنعة وتعلق بعضه
ببعض وحاجة بعضه إلى بعض، لا بصانع صنعه، ويحدث لا بموجد أوجده لكان ما هو
دونه من الإحكام والاتقان أحق بالجواز وأولى بالتصور والامكان، وكان يجوز
على هذا الوضع وجود كتابة لا كاتب لها، ودار مبنية لا باني لها، وصورة محكمة لا
مصور لها، ولا يكمن (1) في القياس أن تأتلف سفينة على أحكم نظم وتجتمع على
أتقن صنع لا بصانع صنعها، أو جامع جمعها، فلما كان ركوب هذا وإجازته خروجا
عن النهاية والعقول كان الأول مثله، بل غير ما ذكرناه في العالم وما فيه من ذكر
أفلاكه واختلاف أوقاته وشمسه وقمره وطلوعهما وغروبهما ومجئ برده وقيظه في
أوقاتهما واختلاف ثماره وتنوع أشجاره ومجئ ما يحتاج إليه منها في إبانه ووقته
أشد مكابرة وأوضح معاندة. وهذا واضح والحمد لله.
وسألت بعض أهل التوحيد والمعرفة عن الدليل على حدث الأجسام، فقال:
الدليل على حدث الأجسام أنها لا تخلو في وجودها من كون وجودها مضمن بوجوده،
والكون هو المحاذاة في مكان دون مكان، ومتى وجد الجسم في محاذاة دون محاذاة
مع جواز وجوده في محاذاة أخرى علم أنه لم يكن في تلك المحاذاة المخصوصة إلا
لمعنى، وذلك المعنى محدث، فالجسم إذا محدث إذ لا ينفك من المحدث ولا يتقدمه.
ومن الدليل على أن الله تبارك وتعالى ليس بجسم أنه لا جسم إلا وله شبه
إما موجود أو موهوم، وما له شبه من جهة من الجهات فمحدث بما دل على حدوث
الأجسام، فلما كان الله عز وجل قديما ثبت أنه ليس بجسم. وشئ آخر: وهو أن
قول القائل جسم سمة في حقيقة اللغة لما كان طويلا عريضا ذا أجزاء وأبعاض محتملا
للزيادة (2) فإن كان القائل يقول: إن الله عز وجل جسم، يحقق هذا القول و

(1) في نسخة (ب) و (و) (ولا مكن).
(2) في بعض النسخ (محتملا).
299

يوفيه معناه لزمه أن يثبته سبحانه بجميع هذه الحقائق والصفات، ولزمه أن يكون
حادثا بما به يثبت حدوث الأجسام أو تكون الأجسام قديمة، وإن لم يرجع منه إلا
إلى التسمية فقط كان واضعا للاسم في غير موضعه، وكان كمن سمى الله عز وجل
إنسانا ولحما ودما، ثم لم يثبت معناها وجعل خلافه إيانا على الاسم دون المعنى،
وأسماء الله تبارك وتعالى لا تؤخذ إلا عنه أو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو عن الأئمة
الهداة عليهم السلام.
7 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري
قال: حدثنا محمد بن زكريا، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن
محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين عليهم السلام، قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن للجسم ستة أحوال: الصحة والمرض والموت و
الحياة والنوم واليقظة، وكذلك الروح فحياتها علمها، وموتها جهلها، ومرضها
شكها، وصحتها يقينها، ونومها غفلتها، ويقظتها حفظها،
ومن الدليل على أن الأجسام محدثة (1) أن الأجسام لا تخلو من أن تكون
مجتمعة أو مفترقة، ومتحركة أو ساكنة، والاجتماع والافتراق والحركة والسكون
محدثة، فعلمنا أن الجسم محدث لحدوث ما لا ينفك منه ولا يتقدمه.
فإن قال قائل: ولم قلتم: إن الاجتماع والافتراق مبنيان وكذلك الحركة
والسكون حتى زعمتم أن الجسم لا يخلو منهما؟ قيل له: الدليل على ذلك أنا نجد
الجسم يجتمع بعد أن كان مفترقا، وقد كان يجوز أن يبقى مفترقا، فلو لم يكن
قد حدث معنى كان لا يكون بأن يصير مجتمعا أولى من أن يبقى مفترقا على ما
كان عليه، لأنه لم يحدث نفسه في هذا الوقت فيكون بحدوث نفسه ما صار
مجتمعا (2) ولا بطلت في هذا الوقت فيكون لبطلانها، ولا يجوز أن يكون لبطلان
معنى ما صار مجتمعا، ألا ترى أنه لو كان أنما يصير مجتمعا لبطلان معنى ومفترقا

(1) هذا الكلام إلى آخر الباب من المصنف، قد أتى بالحديث في ضمن كلامه شاهدا.
(2) (ما) هذه مصدرية وكذا ما بعدها.
300

لبطلان معنى لوجب أن يصير مجتمعا ومفترقا في حالة واحدة لبطلان المعنيين جميعا
وأن يكون كل شئ خلا من أن يكون فيه معنى مجتمعا مفترقا، حتى كان يجب
أن يكون الأعراض مجتمعة متفرقة لأنها قد خلت من المعاني (1) وقد تبين
بطلان ذلك، وفي بطلان ذلك دليل على أنه إنما كان مجتمعا لحدوث معنى و
متفرقا لحدوث معنى، وكذلك القول في الحركة والسكون وسائر الأعراض.
فإن قال قائل: فإذا قلتم: إن المجتمع إنما يصير مجتمعا لوجود الاجتماع
ومفترقا لوجود الافتراق فما أنكرتم من أن يصير مجتمعا مفترقا لوجودهما فيه
كما ألزمتم ذلك من يقول: إن المجتمع إنما يصير مجتمعا لانتفاء الافتراق و
مفترقا لانتفاء الاجتماع، قيل له: إن الاجتماع والافتراق هما ضدان والأضداد
تنضاد في الوجود فليس يجوز وجودهما في حال لتضادهما، وليس هذا حكمهما
في النفي لأنه لا ينكر انتفاء الأضداد في حالة واحدة كما ينكر وجودها، فلهذا ما
قلنا (2) إن الجسم لو كان مجتمعا لانتفاء الافتراق ومفترقا لانتفاء الاجتماع لوجب
أن يصير مجتمعا مفترقا لانتفائهما، ألا ترى أنه قد ينتفي عن الأحمر السواد والبياض
مع تضادهما وأنه لا يجوز وجودهما واجتماعهما في حال واحدة، فثبت أن انتفاء
الأضداد لا ينكر في حالة واحدة كما ينكر وجودها، وأيضا فإن القائل بهذا القول
قد أثبت الاجتماع والافتراق والحركة والسكون وأوجب أن لا يجوز خلو الجسم
منها لأنه إذا خلا منها يجب أن يكون مجتمعا مفترقا ومتحركا ساكنا إذ كان
لخلوه منها ما يوصف بهذا الحكم، وإذا كان ذلك كذلك، وكان الجسم لم يخل من
هذه الحوادث يجب أن يكون محدثا، ويدل على ذلك أيضا أن الإنسان قد يؤمر
بالاجتماع والافتراق والحركة والسكون ويفعل ذلك ويحمد به ويشكر عليه ويذم
عليه إذا كان قبيحا، وقد علمنا أنه لا يجوز أن يؤمر بالجسم ولا أن ينهى عنه ولا

(1) أي المعاني الأربعة: الحركة والسكون والاجتماع والافتراق.
(2) ما هذه موصولة، وقوله: (لهذا) خبر له مقدم عليه، وأن بالفتح بدل عن
الموصول، وفي نسخة (ج) (فلهذا ما قلته - الخ).
301

أن يمدح من أجله ولا يذم له، فواجب أن يكون الذي أمر به ونهي عنه واستحق
من أجله المدح والذم غير الذي لا يجوز أن يؤمر به، ولا أن ينهى عنه، ولا أن
يستحق به المدح والذم، فوجب بذلك إثبات الأعراض.
فإن قال: فلم قلتم: إن الجسم لا يخلو من الاجتماع والافتراق والحركة
والسكون ولم أنكرتم أن يكون قد خلا فيما لم يزل من ذلك؟ فلا يدل ذلك على
حدوثه. قيل له: لو جاز أن يكون قد خلا فيما مضى من الاجتماع والافتراق والحركة
والسكون لجاز أن يخلو منها الآن ونحن نشاهده، فلما لم يجز أن يوجد أجسام غير
مجتمعة ولا مفترقة علمنا أنها لم تخل فيما مضى.
فإن قال: ولم أنكرتم أن يكون قد خلا من ذلك فيما مضى وإن كان لا يجوز
أن يخلو الآن منه؟ قيل له: إن الأزمنة والأمكنة لا تؤثران في هذه الباب، ألا ترى
لو كان قائل قال: كنت أخلو من ذلك عام أول أو منذ عشرين سنة وإن ذلك
سيمكنني بعد هذا الوقت أو يمكنني بالشأم دون العراق أو بالعراق دون الحجاز
لكان عند أهل العقل مخبلا جاهلا، والمصدق له جاهل، فعلمنا أن الأزمنة و
الأمكنة لا تؤثران في ذلك، وإذا لم يكن لها حكم ولا تأثير في هذا الباب فواجب
أن يكون حكم الجسم فيما مضى وفيما يستقبل حكمه الآن، وإذا كان لا يجوز أن
يخلو الجسم في هذا الوقت من الاجتماع والافتراق والحركة والسكون علمنا أنه
لم يخل من ذلك قط، وأنه لو خلا من ذلك فيما مضى كان لا ينكر أن يبقى على ما
كان عليه إلى هذا الوقت، فكان لو أخبرنا مخبر عن بعض البلدان الغائبة أن فيها
أجساما غير مجتمعة ولا مفترقة ولا متحركة ولا ساكنة أن نشك في ذلك ولا نأمن
أن يكون صادقا، وفي بطلان ذلك دليل على بطلان هذا القول، وأيضا فإن من
أثبت الأجسام غير مجتمعة ولا مفترقة فقد أثبتها غير متقاربة بعضها عن بعض، ولا
متباعدة بعضها عن بعض، وهذه صفة لا تعقل لأن الجسمين لا بد من أن يكون بينهما
مسافة وبعد، أو لا يكون بينهما مسافة ولا بعد ولا سبيل إلى ثالث، فلو كان بينهما
مسافة وبعد لكانا مفترقين ولو كان لا مسافة بينهما ولا بعد لوجب أن يكونا مجتمعين
302

لأن هذا هو حد الاجتماع والافتراق، وإذا كان ذلك كذلك فمن أثبت الأجسام غير
مجتمعة ولا مفترقة فقد أثبتها على صفة لا تعقل، ومن خرج بقوله عن المعقول
كان مبطلا.
فإن قال قائل: ولم قلتم: إن الأعراض محدثة ولم أنكرتم أن تكون قديمة
مع الجسم لم تزل؟ قيل له: لأنا وجدنا المجتمع إذا فرق بطل منه الاجتماع
وحدث له الافتراق، وكذلك المفترق إذا جمع بطل منه الافتراق وحدث له الاجتماع
والقديم هو قديم لنفسه ولا يجوز عليه الحدوث والبطلان، فثبت أن الاجتماع
والافتراق محدثان، وكذلك القول في سائر الأعراض، ألا ترى أنها تبطل بأضدادها
ثم تحدث بعد ذلك، وما جاز عليه الحدوث والبطلان لا يكون إلا محدثا، وأيضا
فإن الموجود القديم الذي لم يزل لا يحتاج في وجوده إلى موجد، فيعلم أن
الوجود أولى به من العدم لأنه لو لم يكن الوجود أولى به من العدم لم يوجد إلا
بموجد، وإذا كان ذلك كذلك علمنا أن القديم لا يجوز عليه البطلان إذا كان الوجود
أولى به من العدم، وأن ما جاز عليه أن يبطل لا يكون قديما.
فإن قال: ولم قلتم: إن ما لم يتقدم المحدث يجب أن يكون محدثا؟ قيل
له: لأن المحدث هو ما كان بعد أن لم يكن، والقديم هو الموجود لم يزل، و
الموجود لم يزل يجب أن يكون متقدما لما قد كان بعد أن لم يكن، وما لم يتقدم
المحدث فحظه في الوجود حظ المحدث لأنه ليس له من التقدم إلا ما للمحدث،
وإذا كان ذلك كذلك وكان المحدث بما له من الحظ في الوجود والتقدم لا يكون
قديما بل يكون محدثا، فذلك ما شاركه في علته وساواه في الوجود ولم يتقدمه
فواجب أن يكون محدثا.
فإن قال: أوليس الجسم لا يخلو من الأعراض ولا يجب أن يكون عرضا فما
أنكرتم أن لا يخلو من الحوادث ولا يجب أن يكون محدثا؟ قيل له: إن وصفنا
العرض بأنه عرض ليس هو من صفات التقدم والتأخر، إنما هو إخبار عن
303

أجناسها (1) والجسم إذا لم يتقدمها فليس يجب أن يصير من جنسها، فلهذا لا يجب
أن يكون الجسم وإن لم يتقدم الأعراض عرضا إذا لم يشاركها فيما له كانت
الأعراض أعراضا، ووصفنا القديم بأنه قديم هو إخبار عن تقدمه ووجوده لا إلى
أول، ووصفنا المحدث بأنه محدث هو إخبار عن كونه إلى غاية ونهاية وابتداء و
أول، وإذا كان ذلك كذلك فما لم يتقدمه من الأجسام فواجب أن يكون موجودا
إلى غاية ونهاية، لأنه لا يجوز أن يكون الموجود لا إلى أول لم يتقدم الموجود
إلى أول وابتداء، وإذا كان ذلك كذلك فقد شارك المحدث فيما كان له محدثا و
هو وجوده إلى غاية، فلذلك وجب أن يكون محدثا لوجوده إلى غاية ونهاية، و
كذلك الجواب في سائر ما تسأل في هذا الباب من هذه المسألة.
فإن قال قائل: فإذا ثبت أن الجسم محدث فما الدليل على أن له محدثا؟
قيل له: لأنا وجدنا الحوادث كلها متعلقة بالمحدث. فإن قال: ولم قلتم: إن
المحدثات إنما كانت متعلقة بالمحدث من حيث كانت محدثة؟ قيل: لأنها لو لم تكن
محدثة لم تحتج إلى محدث، ألا ترى أنها لو كانت موجودة غير محدثة أو كانت معدومة
لم يجز أن تكون متعلقة بالمحدث، وإذا كان ذلك كذلك فقد ثبت أن تعلقها
بالمحدث إنما هو من حيث كانت محدثة، فوجب أن يكون حكم كل محدث حكمها
في أنه يجب أن يكون له محدث، وهذه أدلة أهل التوحيد الموافقة للكتاب والآثار
الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام.
43 - باب
* (حديث ذعلب) *
1 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق
رحمه الله قالا: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا محمد بن العباس
قال: حدثني محمد بن أبي السري، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، عن

(1) أي عن أجناس الأعراض.
304

سعد الكناني، عن الأصبغ بن نباتة، قال: لما جلس علي عليه السلام في الخلافة وبايعه
الناس خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابسا بردة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
متنعلا نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، متقلدا سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصعد المنبر فجلس عليه السلام
عليه متمكنا، ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه، ثم قال: يا معشر الناس
سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا ما زقني
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زقا زقا، سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين، أما والله
لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق
التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل
الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم
بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق
علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل
فيكم أحد يعلم ما نزل فيه، ولولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون
وما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده
أم الكتاب) (1).
ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو
سألتموني عن آية آية في ليل أنزلت أو في نهار أنزلت، مكيها ومدنيها، سفريها و
حضريها، ناسخها ومنسوخها، محكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم،
فقام إليه رجل يقال له: ذعلب وكان ذرب اللسان، بليغا في الخطب، شجاع القلب
فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه،
فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ قال: ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد
رباه لم أره، قال: فكيف رأيته؟ صفه لنا؟ قال: ويلك لم تره العيون بمشاهدة
الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف

(1) الرعد: 39، ظاهر كلامه عليه السلام أن علمه عليه السلام دون البداء، ولكن الآيات و
الأخبار تدل على أنه شامل له، فلا بد من صرفه عن ظاهره، بل الظهور ممنوع.
305

بالبعد، ولا بالحركة، ولا بالسكون، ولا بالقيام قيام انتصاب، ولا بجيئه ولا
بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء
لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة
مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة، قائل لا باللفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة.
خارج منها على غير مباينة، فوق كل شئ فلا يقال: شئ فوقه، وأمام كل شئ
فلا يقال: له أمام، داخل في الأشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج منها لا كشئ
من شئ خارج، فخر ذعلب مغشيا عليه، ثم قال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب،
والله لا عدت إلى مثلها.
ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث بن قيس، فقال: يا
أمير المؤمنين كيف يؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم الكتاب ولم يبعث إليهم
نبي؟ قال: بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتابا وبعث إليهم رسولا، حتى كان
لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها، فلما أصبح تسامع به قومه
فاجتمعوا إلى بابه، فقالوا: أيها الملك دنست علينا ديننا وأهلكته فأخرج نطهرك
ونقم عليك الحد، فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي فإن يكن لي مخرج مما
ارتكبت، وإلا فشأنكم، فاجتمعوا فقال لهم: هل علمتم أن الله لم يخلق خلقا أكرم
عليه من أبينا آدم وأمنا حواء؟ قالوا: صدقت أيها الملك، قال: أفليس قد زوج
بنيه من بناته وبناته من بنيه؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك،
فمحا الله ما في صدروهم من العلم، ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة يدخلون النار
بلا حساب، والمنافقون أشد حالا منهم، قال الأشعث: والله ما سمعت بمثل هذا
الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبدا.
ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا
على عصاه، فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين دلني على
عمل أنا إذا عملته نجاني الله من النار، قال له: اسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن،
قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لا يبخل بماله على أهل
306

دين الله، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه، وبخل الغني، ولم يصبر الفقير
فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلى بدئها
أي الكفر بعد الإيمان، أيها السائل فلا تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام
أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى، أيها السائل إنما الناس ثلاثة: زاهد وراغب
وصابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا أتاه ولا يحزن على شئ منها فاته،
وأما الصابر فيتمناها بقلبه، فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء
عاقبتها، وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام، قال له: يا أمير المؤمنين
فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه
وينظر إلى ما خالفه فيتبرء منه وإن كان حميما قريبا، قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين
ثم غاب الرجل فلم نره، فطلبه الناس فلم يجدوه، فتبسم علي عليه السلام على المنبر
ثم قال: ما لكم هذا أخي الخضر عليه السلام.
ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثنى عليه و
صلى على نبيه صلى الله عليه وآله، ثم قال للحسن عليه السلام: يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلم
بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون: إن الحسن بن علي لا يحسن شيئا،
قال الحسن عليه السلام: يا أبت كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى، قال
له: بأبي وأمي أواري نفسي عنك وأسمع وأرى وأنت لا تراني، فصعد الحسن عليه السلام
المنبر فحمد الله بمحامد بليغة شريفة، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله صلاة موجزة، ثم
قال: أيها الناس سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها
وهل تدخل المدينة إلا من بابها، ثم نزل فوثب إليه علي عليه السلام فحمله وضمه إلى
صدره، ثم قال للحسين عليه السلام: يا بني قم فاصعد المنبر وتكلم بكلام لا تجهلك
قريش من بعدي فيقولون: إن الحسين بن علي لا يبصر شيئا، وليكن كلامك
تبعا لكلام أخيك، فصعد الحسين عليه السلام المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه
صلى الله عليه وآله صلاة موجزة، ثم قال: معاشر الناس سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وهو
يقول: إن عليا هو مدينة هدى فمن دخلها نجا ومن تخلف عنها هلك، فوثب
307

إليه علي فضمه إلى صدره وقبله، ثم قال: معاشر الناس اشهدوا أنهما فرخا
رسول الله صلى الله عليه وآله ووديعته التي استودعنيها وأنا أستودعكموها، معاشر الناس ورسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم سائلكم عنهما.
2 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد
ابن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني
الحسين بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن داهر قال: حدثني الحسين بن يحيى
الكوفي، قال: حدثني قثم بن قتادة، عن عبد الله بن يونس، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على منبر الكوفة إذ قام إليه رجل يقال له:
ذعلب ذرب اللسان، بليغ في الخطاب شجاع القلب، فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت
ربك؟ فقال: ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربا لم أراه، قال: يا أمير المؤمنين كيف
رأيته؟ قال: ويلك يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب
بحقائق الإيمان، ويلك يا ذعلب إن ربي لطيف اللطافة فلا يوصف باللطف، عظيم
العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف
بالغلظ، قبل كل شئ فلا يقال: شئ قبله، وبعد كل شئ فلا يقال: شئ بعده
شائي الأشياء لا بهمة دراك لا بخديعة، هو في الأشياء كلها غير متمازح بها ولا
بائن عنها، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، بائن لا بمسافة،
قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر
لا بحركة، مريد لا بهمامة، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة، لا تحويه الأماكن، ولا
تصحبه الأوقات، ولا تحده الصفات، ولا تأخذه السنات، سبق الأوقات كونه،
والعدم وجوده، والابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبتجهيره
الجواهر عرف أن لا جوهر له، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، وبمقارنته
بين الأشياء عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والجسو بالبلل، والصرد
بالحرور، مؤلف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها
وبتأليفها على مؤلفها، وذلك قوله عز وجل: (ومن كل شئ خلقنا زوجين
308

لعلكم تذكرون) (1) ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة
بغرائزها على أن لا غريزة لمغرزها، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها
عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبين خلقه غير خلقه، كان ربا إذ لا مربوب، وإلها
إذ لا مألوه، وعالما إذ لا معلوم، وسمعيا إذ لا مسموع.
ثم أنشأ يقول:
(ولم يزل سيدي بالحمد معروفا * ولم يزل سيدي بالجود موصوفا)
(وكنت (2) إذ ليس نور يستضاء به * ولا ظلام على الآفاق معكوفا)
(وربنا بخلاف الخلق كلهم * وكل ما كان في الأوهام موصوفا)
(فمن يرده على التشبيه ممتثلا * يرجع أخا حصر بالعجز مكتوفا)
(وفي المعارج يلقى موج قدرته * موجا يعارض طرف الروح مكفوفا)
(فاترك أخا جدل في الدين منعمقا * قد باشر الشك فيه الرأي مأووفا)
(واصحب أخا ثقة حبا لسيده * وبالكرامات من مولاه محفوفا)
(أمسى دليل الهدى في الأرض منتشرا * وفي السماء جميل الحال معروفا)
قال: فخر ذعلب مغشيا عليه، ثم أفاق، وقال: ما سمعت بهذا الكلام، ولا
أعود إلى شئ من ذلك.
قال مصنف هذا الكتاب: في هذا الخبر ألفاظ قد ذكرها الرضا عليه السلام في
خطبته (3) وهذا تصديق قولنا في الأئمة عليهم السلام إن علم كل واحد منهم مأخوذ عن
أبيه حتى يتصل ذلك بالنبي صلى الله عليه وآله.
44 - باب حديث سبخت اليهودي
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن

(1) الذاريات: 49.
(2) في البحار وفي نسخة (ج) و (و) (وكان - الخ).
(3) هي الحديث الثاني في الباب الثاني، ورواه الكليني في باب جوامع التوحيد
من الكافي، ومذكور في نهج البلاغة مع زيادات.
309

عيسى وإبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن علي، عن داود بن علي اليعقوبي، عن
بعض أصحابنا، عن عبد الأعلى مولى آل سام، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: أتى
رسول الله صلى الله عليه وآله يهودي يقال له: سبخت (1) فقال له: يا محمد جئت أسألك عن ربك
فإن أجبتني عما أسألك عنه اتبعتك وإلا رجعت، فقال له: سل عما شئت، فقال:
أين ربك؟ فقال: هو في كل مكان وليس هو في شئ من المكان بمحدود، قال:
فكيف هو؟ فقال: وكيف أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق الله، والله لا يوصف
بخلقه، قال: فمن يعلم أنك نبي؟ (2) قال: فما بقي حوله حجر ولا مدر ولا غير
ذلك إلا تكلم بلسان عربي مبين: يا شيخ (3) إنه رسول الله، فقال سبخت: تالله ما
رأيت كاليوم أبين (4) ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
2 - حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي، قال: حدثنا
أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي، قال: حدثني أحمد بن جعفر العقيلي
بقهستان، قال: حدثني أحمد بن علي البلخي، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي
الخزاعي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الأزهري، عن أبيه، عن جعفر بن محمد
عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين عليهم السلام، قال: قال
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في بعض خطبه: من الذي حضر سبخت الفارسي

(1) اختلف في ضبط هذه اللفظة كثيرا على ما ذيل البحار المطبوع جديدا في
الجزء الثالث في الباب الرابع عشر، وفي حاشية نسخة (و) بضم السين المهملة والباء الموحدة
المشددة المفتوحة والخاء المعجمة الساكنة والتاء المفتوحة لقب أبي عبيدة. وقال بعض
الأفاضل: (الأصح بالخاء المعجمة وبخت كلمة كانت تدخل في أعلام أهل الكتاب وفيهم
صهار بخت أي چهار بخت وبختيشوع وسبخت مركب من بخت وسه بمعنى الثلاثة).
(2) في حاشية نسخة (ط) و (ن) (فمن أين يعلم أنك نبي؟).
(3) في حاشية نسخة (ب) (ياسبخت)، والصواب (ياسبخ)) مرخما.
(4) في حاشية نسخة (ب) (ما رأيت كاليوم اثنين) والمراد بهما جوابه صلى الله عليه
وآله وتكلم الأشياء حوله.
310

وهو يكلم رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال القوم: ما حضره منا أحد، فقال علي عليه السلام:
لكني كنت معه عليه السلام وقد جاءه سبخت وكان رجلا من ملوك فارس وكان ذربا،
فقال: يا محمد إلى ما تدعوه؟ قال: أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأن محمدا عبده ورسوله، فقال سبخت: وأين الله يا محمد؟ قال: هو في كل مكان
موجود بآياته، قال: فكيف هو؟ فقال: لا كيف له ولا أين لأنه عز وجل كيف
الكيف وأين الأين، قال: فمن أين جاء؟ قال: لا يقال له: جاء، وإنما يقال:
جاء للزائل من مكان إلى مكان، وربنا لا يوصف بمكان ولا بزوال، بل لم يزل بلا
مكان ولا يزال، فقال: يا محمد إنك لتصف ربا عظيما بلا كيف، فكيف لي أن أعلم
أنه أرسلك؟ فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر ولا مدر ولا جبل ولا شجر ولا
حيوان إلا قال مكانه: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وقلت أنا
أيضا: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، فقال: يا محمد من هذا؟ فقال:
هو خير أهلي وأقرب الخلق مني، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وروحه من
روحي، وهو الوزير مني في حياتي (1) والخليفة بعد وفاتي، كما كان هارون من
موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فاسمع له وأطع فإنه على الحق، ثم سماه عبد الله.
45 - باب معنى (سبحان الله) 1 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السجزي بنيسابور، قال: أخبرنا
أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة الشعراني العماري من ولد عمار بن
ياسر رحمه الله قال: حدثنا أبو محمد عبيد الله بن يحيى بن عبد الباقي الأذني بأذنة (2)
قال: حدثنا علي بن الحسن المعاني (3) قال: حدثنا عبد الله بن يزيد، عن يحيى -

(1) في نسخة (ج) و (ط) (وهذا الوزير مني - الخ).
(2) قد مر ضبطه في الحديث الرابع في الباب الثامن والثلاثين.
(3) قال في المراصد: معان بالفتح وآخره نون مدينة في طرف بادية الشأم تلقاء
الحجاز من نواحي البلقاء، وهي الآن خراب منها ينزل حاج الشأم إلى البر.
311

ابن عقبة بن أبي العيزار (1) قال: حدثنا محمد بن حجار، عن يزيد بن الأصم،
قال: سأل رجل عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين ما تفسير سبحان الله؟ قال:
إن في هذا الحائط رجلا كان إذا سئل أنبأ، وإذا سكت ابتدأ، فدخل الرجل فإذا
هو علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أبا الحسن ما تفسير سبحان الله؟ قال: هو تعظيم
جلال الله عز وجل وتنزيهه عما قال فيه كل مشرك، فإذا قالها العبد صلى عليه
كل ملك.
2 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن
عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام بن الحكم، قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن سبحان الله، فقال عليه السلام: أنفة لله عز وجل (2).
3 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين
السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني
عن علي بن أسباط، عن سليمان مولى طربال (3) عن هشام الجواليقي، قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل (سبحان الله) ما يعني به؟ قال: تنزيهه.
46 - باب معنى (الله أكبر)
1 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا أبي، عن

(1) يحيى بن عقبة بن أبي العيزار أبو القاسم كوفي، والعيزار بالفتح فالسكون الرجل
الصلب الشديد والغلام الخفيف الروح واسم شجر وطائر.
(2) الآنفة بالفتحات مصدر بمعنى التنزه والاستنكاف، والمراد أن من قال: سبحان
الله قال باستنكافه وتنزهه وتعاليه تعالى عن شبه المخلوق.
(3) في معاني الأخبار وفي نسخة (و) (سليم مولى طربال). وقال الأردبيلي في
جامع الرواة: الظاهر اتحاد سليم وسليمان مولى طربال واشتباه أحدهما بالآخر بقرينة
اتحاد الراوي والمروي عنه والخبر. بل الظاهر اتحادهما مع سليم وسليمان الفراء أيضا
على ما بيناه في ترجمة حريز بن عبد الله والله أعلم. إنتهى.
312

سهل بن زياد الآدمي، عن ابن محبوب، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
قال رجل عنده. (الله أكبر) فقال: الله أكبر من أي شئ؟! فقال: من كل شئ
فقال أبو عبد الله عليه السلام: حددته، فقال الرجل: كيف أقول؟ فقال: قل: الله أكبر
من أن يوصف.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن مروك بن عبيد (1) عن
جميع بن عمرو (2) قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: أي شئ (الله أكبر)؟! فقلت:
الله أكبر من كل شئ، فقال: وكان ثم شئ فيكون أكبر منه؟! فقلت: فما هو؟
قال: الله أكبر من أن يوصف (3)
47 - باب معنى (الأول والآخر)
1 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذنية، عن محمد بن حكيم، عن الميمون البان
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام وقد سئل عن قوله عز وجل: هو الأول والآخر،
فقال عليه السلام: الأول لا عن أول كان قبله ولا عن بدئ سبقه، والآخر لا عن نهاية
كما يعقل من صفة المخلوقين، ولكن قديم أول آخر لم يزل ولا يزال بلا بدء ولا

(1) في نسخة (د) و (ب) (هارون بن عبيد).
(2) في معاني الأخبار والكافي باب معاني الأسماء في حاشية نسخة (و) جميع بن عمير.
(3) حاصل بيانه عليه السلام في هذا الباب أن وصفه تعالى بأنه أكبر من الأشياء يستلزم
أن يكون مبائنا عنها بحيث يكون بينه وبينها حد فاصل ليتصور هو بحده وهي بحدودها
فيحكم بأنه أكبر منها ولولا الحد بين الشيئين لا يتصور الأكبرية والأصغرية بينهما مع أنه
تعالى مع كل شئ قيوما قائما كل شئ به بحيث يضمحل الكل في جنبه تعالى، وإلى هذا أشار
عليه السلام بقوله استنكارا: (وكان ثم شئ الخ) فتدبر، فهو أكبر من أن يوصف لامتناع محدوديته
واضمحلال كل محدود في جنب عظمته وكبريائه.
313

نهاية، لا يقع عليه الحدوث، ولا يحول من حال إلى حال، خالق كل شئ.
2 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن عبد الجبار
عن صفوان بن يحيى، عن فضيل بن عثمان، عن ابن أبي يعفور، قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (هو الأول والآخر) وقلت: أما الأول فقد
عرفناه، وأما الآخر فبين لنا تفسيره، فقال: إنه ليس شئ إلا يبيد أو يتغير أو
يدخله الغير (1) والزوال أو ينتقل من لون إلى لون، ومن هيئة إلى هيئة، ومن
صفة إلى صفة، ومن زيادة إلى نقصان، ومن نقصان إلى زيادة إلا رب العالمين،
فإنه لم يزل ولا يزال واحدا (2) هو الأول قبل كل شئ وهو الآخر على ما لم
يزل، لا تختلف عليه الصفات والأسماء ما يختلف على غيره مثل الإنسان الذي يكون
ترابا مرة، ومرة لحما، ومرة دما، ومرة رفاتا ورميما، وكالتمر الذي
يكون مرة بلحا، ومرة بسرا، ومرة رطبا، ومرة تمرا، فيتبدل عليه الأسماء
والصفات، والله عز وجل بخلاف ذلك (3).

(1) الغير بالفتح فالسكون مصدر واسم مصدر بمعنى تغير الحال وانتقالها، وبالكسر
فالفتح اسم جمع بمعنى الأحداث المغيرة لحال الشئ، وفي نسخة (د) وحاشية نسخة
(ب) (أو يدخله التغير).
(2) في نسخة (ط) و (ن) (فإنه لم يزل ولا يزال بحاله واحدا).
(3) للأول والآخر معان ذكرت في العلوم العقلية، والأولية في حقه تعالى هي الحقيقة
وهي بحسب الوجود وهي مساوقة لمعنى القدم، والآخرية بمعنى البقاء بعد كل شئ بال تغير
وتحول كما فسره الإمام عليه السلام في هذا الخبر من لوازم الأولية الحقيقية، لأن ما ثبت قدمه
امتنع عدمه وتغيره، فمعنى الأولية والآخرية له تعالى أزليته وأبديته من دون تغير وزوال،
وإذ أنه واحد ولا في مرتبته شئ فليس لشئ سواه هذا الشأن فصح كلية قوله عليه السلام: (إنه
ليس شئ إلا يبيد أو يتغير - الخ).
314

48 - باب معنى قول الله عز وجل
(الرحمن على العرش استوى)
1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار،
عن سهل بن زياد الآدمي، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن مارد أن أبا عبد الله
عليه السلام سئل عن قول الله عز وجل: (الرحمن على العرش استوى) فقال: استوى من كل
شئ، فليس شئ هو أقرب إليه من شئ.
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين (1) عن
صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
قول الله عز وجل: (الرحمن على العرش استوى (2)) فقال: استوى من كل شئ، فليس
شئ أقرب إليه من شئ، لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، استوى من
كل شئ (3).

(1) في نسخة (ط) وحاشية نسخة (ن) و (ه‍) (عن محمد بن الحسن).
(2) طه: 5.
(3) استعمل الاستواء في معان: استقرار شئ على شئ وهذا ممتنع عليه تعالى كما
نفاه الإمام عليه السلام في أخبار من هذا الباب لأنه من خواص الجسم. والعناية إلى الشئ ليعمل
فيه، وعليه فسر في بعض الأقوال قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء). والاستيلاء على الشئ
كقول الشاعر:
فلما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر
والآية التي نحن فيها فسرت به في بعض الأقوال وفي الحديث الأول من الباب الخمسين.
والاستقامة، وفسر بها قوله تعالى: (فاستوى على سوقه) وهذا قريب من المعنى الأول.
والاعتدال في شئ وبه فسر قوله تعالى: (ولما بلغ أشده واستوى). والمساواة في النسبة،
وهي نفيت في الآيات عن أشياء كثيرة كقوله تعالى: (وما يستوي الأحياء ولا الأموات) وفسر
الإمام عليه السلام الآية بها في هذا الباب وظاهره مساواة النسبة من حيث المكان لأنه تعالى في كل
مكان وليس في شئ من المكان بمحدود، ولكنه تعالى تساوت نسبته إلى الجميع من جميع
الحيثيات، وإنما الاختلاف من قبل حدود الممكنات، ولا يبعد الروايات من حيث الظهور
عن هذا المعنى.
315

3 - حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي، قال: حدثنا
أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي، قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي
بمرو (1) قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب،
قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي، قال: حدثنا عبد الله بن عاصم، قال: حدثنا
عبد الرحمن بن قيس، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي في
حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد قبض
رسول الله صلى الله عليه وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم أرشد إلى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله عنها فأجابه، وكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن
الرب أين هو وأين كان؟ فقال علي عليه السلام: لا يوصف الرب جل جلاله بمكان،
هو كما كان، وكان كما هو، لم يكن في مكان، ولم يزل من مكان إلى مكان، ولا أحاط
به مكان، بل كان لم يزل بلا حد ولا كيف، قال: صدقت، فأخبرني عن الرب أفي
الدنيا هو أو في الآخرة؟ قال علي عليه السلام: لم يزل ربنا قبل الدنيا، ولا يزال أبدا،
هو مدبر الدنيا، وعالم بالآخرة، فأما أن يحيط به الدنيا والآخرة فلا، ولكن
يعلم ما في الدنيا، والآخرة، قال: صدقت يرحمك الله، ثم قال: أخبرني عن ربك
أيحمل أو يحمل؟ فقال علي عليه السلام: إن ربنا جل جلاله يحمل ولا يحمل، قال
النصراني: فكيف ذاك؟! ونحن نجد في الإنجيل (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ
ثمانية) فقال علي عليه السلام: إن الملائكة تحمل العرش، وليس العرش كما تظن
كهيئة السرير، ولكنه شئ محدود مخلوق مدبر، وربك عز وجل مالكه،
لا أنه عليه ككون الشئ على الشئ، وأمر الملائكة بحمله، فهم يحملون العرش
بما أقدرهم عليه، قال النصراني: صدقت رحمك الله - والحديث طويل أخذنا منه موضع
الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في آخر كتاب النبوة -.
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
يحيى العطار، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن بعض

(1) الصغد بالضم فالسكون قرى بين بخارا وسمرقند.
316

رجاله رفعه، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: (الرحمن على
العرش استوى) فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ.
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن
الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد،
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من زعم أن الله عز وجل من شئ أو في
شئ أو على شئ فقد كفر، قلت: فسر لي، قال: أعني بالحواية من الشئ له، أو
بإمساك له، أو من شئ سبقه.
6 - وفي رواية أخرى قال: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثا، ومن
زعم أنه في شئ فقد جعله محصورا، ومن زعم أنه على شئ فقد جعله محمولا.
7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا عبد الله بن جعفر،
عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، قال: حدثني مقاتل بن سليمان، قال:
سألت جعفر بن محمد عليهما السلام، عن قول الله عز وجل: (الرحمن على العرش استوى) فقال:
استوى من كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ.
8 - وبهذا الإسناد، عن الحسن بن محبوب، عن حماد، قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام: كذب من زعم أن الله عز وجل من شئ أو في شئ أو على شئ.
9 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد
ابن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: من زعم أن الله عز وجل من شئ أو في شئ أو على شئ فقد أشرك، ثم قال:
من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثا، ومن زعم أنه في شئ فقد زعم أنه محصور (1)،
ومن زعم أنه على شئ فقد جعله محمولا.
قال مصنف هذا الكتاب: إن المشبهة تتعلق بقوله عز وجل (إن ربكم الله
الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار
يطلبه حثيثا) (2) ولا حجة لها في ذلك لأنه عز وجل عني بقوله: (ثم استوى على

(1) في نسخة (ج) (ومن زعم أنه في شئ فقد جعله محصورا).
(2) الأعراف: 54.
317

العرش) أي ثم نقل إلى فوق السماوات وهو مستول عليه ومالك له، وقوله
عز وجل: (ثم) إنما لرفع العرش إلى مكانه الذي هو فيه ونقله للاستواء فلا
يجوز أن يكون معنى قوله: (استوى) استولى لأن استيلاء الله تبارك وتعالى على
الملك وعلى الأشياء ليس هو بأمر حادث، بل لم يزل مالكا لكل شئ ومستوليا على
كل شئ، وإنما ذكر عز وجل الاستواء بعد قوله: (ثم) وهو يعني الرفع مجازا،
وهو كقوله: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) (1) فذكر (نعلم)
مع قوله: (حتى) وهو عز وجل يعني حتى يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك
لأن حتى لا يقع إلا على فعل حادث، وعلم الله عز وجل بالأشياء لا يكون حادثا،
وكذلك ذكر قوله عز وجل: (استوى على العرش) بعد قوله: (ثم) وهو يعني
بذلك ثم رفع العرش لاستيلائه عليه، ولم يعن بذلك الجلوس واعتدال البدن لأن الله
لا يجوز أن يكون جسما ولا ذا بدن، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. (2)

(1) محمد صلى الله عليه وآله وسلم: 31.
(2) حاصل مراده رحمه الله أن (ثم) لا يتعلق بقوله (استوى) لأنه بمعنى استولى و
استيلاؤه تعالى على العرش لا يكون متأخرا عن خلق السماوات والأرض لأنه مالك ملك
مستول على كل شئ أزلا، بل يتعلق بمحذوف تقديره ثم نقل العرش إلى فوق السماوات
لأنه استوى عليه، وأخذ هذا التفسير من الحديث الثاني من الباب التاسع والأربعين، وقيل:
ثم أظهر استواؤه على العرش للملائكة، وقيل: ثم قصد إلى خلق العرش فخلقه بعد خلق
السماوات والأرض، وقيل: ثم بين أنه استوى على العرش، وقيل: ثم صح الوصف بأنه
مستو على العرش لأنه لم يكن عرش قبل وجوده، والحق أن ثم لمجرد الترتيب، والاستواء
هو الاستيلاء الفعلي الظاهر عن مقام الذات في الخلق بعد الايجاد، وحاصل المعنى أنه تعالى
استوى على العرش الذي هو جملة الخلق في بعض التفاسير بتدبير الأمر ونفاذه فيه بعد الايجاد
ألا له خلق الأشياء وأمرها بعد إيجادها، ولا يخفى أن معنى الاستيلاء أنسب بسياق هذه الآية،
ومعنى مساواة النسبة أنسب بقوله: (الرحمن على العرش استوى) ثم إن قوله: (على
العرش) متعلق باستوى إن فسر بالاستيلاء، وإن فسر بمساواة النسبة فمتعلق بمحذوف و
استوى حال أو خبر بعد خبر، أو ضمن معنى الاستيلاء فمتعلق به أيضا.
318

49 - باب معنى قوله عز وجل:
(وكان عرشه على الماء) (1)
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا جذعان بن
نصر أبو نصر الكندي، قال: حدثني سهل بن زياد الآدمي، عن الحسن بن محبوب،
عن عبد الرحمن بن كثير (2) عن داود الرقي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله،
عز وجل: (وكان عرشه على الماء) فقال لي: ما يقولون في ذلك؟ قلت: يقولون
إن العرش كان على الماء والرب فوقه، فقال: كذبوا، من زعم هذا فقد صير الله
محمولا ووصفه بصفة المخلوقين ولزمه أن الشئ الذي يحمله أقوى منه، قلت: بين
لي جعلت فداك، فقال: إن الله عز وجل حمل علمه ودينه الماء (3) قبل أن تكون أرض
أو سماء أو جن أو إنس أو شمس أو قمر، فلما أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه (4)
فقال لهم: من ربكم؟! فكان أو من نطق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام و
الأئمة صلوات الله عليهم، فقالوا: أنت ربنا، فحملهم العلم والدين، ثم قال
للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون (5) ثم قيل لبني -

(1) هود: 7.
(2) في نسخة (ج) و (ط) وحاشية نسخة (ن) (عن عبد الله بن كثير) وهو تصحيف
والخبر رواه الكليني في الكافي باب العرش والكرسي بإسناده عن عبد الرحمن عن داود.
(3) لا يبعد أن يكون المراد بالماء هنا أول ما خلقه الله الذي ذكر في الحديث العشرين
من الباب الثاني، إلا أن الاحتمال الأول هناك غير آت هنا.
(4) فيه إشارة إلى عالم الذر، أي فلما أراد أن يخلق الخلق هذه الخلقة وكانوا ذرا
نثرهم بين يديه - الخ.
(5) إشارة إلى قوله تعالى: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) روي الكليني
- رحمه الله - في كتاب الحجة من الكافي باب إن أهل الذكر هم الأئمة عليهم السلام بالإسناد
عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إن من عندنا يزعمون أن قول الله عز وجل:
(فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) إنهم اليهود والنصارى، قال: إذا يدعونكم إلى
دينهم، قال: قال بيده إلى صدره: (نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون).
319

آدم: أقر والله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة، فقالوا: نعم ربنا أقررنا، فقال
للملائكة: اشهدوا، فقالت الملائكة شهدنا على أن لا يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين
أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل
المبطلون (1) يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق.
2 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن
علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: سأل المأمون
أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، عن قول الله عز وجل: (وهو الذي خلق
السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا)
فقال: إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والأرض،
وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عز وجل، ثم جعل عرشه
على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه على كل شئ قدير، ثم رفع
العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السماوات السبع (2) وخلق السماوات والأرض في ستة
أيام، وهو مستول على عرشه، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنه
عز وجل خلقها في ستة إيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شئ وتستدل
بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة، ولم يخلق الله العرش لحاجة
به إليه لأنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق، لا يوصف بالكون على العرش لأنه
ليس بجسم، تعالى الله عن صفة خلقه علوا كبيرا. وأما قوله عز وجل: (ليبلوكم

(1) الأعراف: 173، ويقولوا في الموضعين في النسخ بالياء إلا نسخة (ب) و (و)
ففيهما بالتاء، والقراءات بالتاء إلا أبا عمرو فإنه قرأ بالياء.
(2) الذي أفهم من هذا الكلام بشهادة الكلام بشهادة أحاديث أن للعرش رفعة وتفوقا على السماوات
والأرض من حيث شؤونه، وليس الكلام نصا بل ولا ظاهرا في الرفع الجسماني والنقل المكاني.
320

أيكم أحسن عملا) فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا على
سبيل الامتحان والتجربة لأنه لم يزل عليما بكل شئ، فقال المأمون: فرجت
عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.
50 - باب العرش وصفاته
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال:
حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثني أبي، عن حنان بن سدير، قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسي، فقال: إن للعرش صفات كثيرة مختلفة، له
في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة (1) فقوله: (رب العرش العظيم)
يقول: الملك العظيم، وقوله: (الرحمن على العرش استوى) يقول: على الملك
احتوى، وهذا ملك الكيفوفية الأشياء (2) ثم العرش في الوصل متفرد من
الكرسي (3) لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب، وهما جميعا غيبان، وهما

(1) (سبب) مضاف إلى (وضع) بصيغة المصدر، أي للعرش في كل مورد في القرآن
اقتضى سبب وضعه وذكره في ذلك المورد صفة على حدة، وفي نسخة (ه‍) (له في كل سبب وضع
في القرآن وصفة على حدة) وفي نسخة (ط) والبحار (له في كل سبب وصنع في القرآن
صفة على حدة). وبعض الأفاضل قرأ الجملة (في كل سبب وضع) على صيغة المجهول.
(2) الكيفوفية بمعنى الكيفية مأخوذة من الكيف، وهو سؤال عن حال الشئ يقال:
كيف أصبحت أي على أي حال أصبحت، فملك الكيفوفية ملك الأحوال الواقعة في الأشياء و
الأمور الحاصلة فيها بعد إيجادها، فإنه تعالى مالك الايجاد ومالك ما يقع في الموجودات
بعد الايجاد (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين).
(3) أي ثم العرش في حال كونه متصلا بالكرسي مرتبطا به متفرد منه متميز عنه، أو
المعنى: ثم العرش متفرد من الكرسي ومتميز عنه في وصله بالأمور الواقعة في الكون فإنه
متصل بها مؤثر فيها بلا واسطة، وأما العرش فمقدم على الكرسي ومؤثر فيها بواسطته،
وحاصل كلامه عليه السلام أن العرش والكرسي موجودان من الموجودات الملكوتية غائبان
عن إدراكنا، في كل منهما علم الأشياء ومن كل منهما تدبيرها من حيث سلسلة عللها
وخصوصياتها، إلا أن العرش مقدم في ذلك على الكرسي، ومن العرش يجري إلى الكرسي
ما يجري في الأشياء، كما أن عرش السلطان يجري منه تدبير الأمور إلى الأمير صاحب الكرسي
ثم منه إلى المقامات العاملة المباشرة لأمور المملكة.
321

في الغيب مقرونان لأن الكرسي هو الباب الظاهر (1) من الغيب الذي منه مطلع
البدع ومنه الأشياء كلها، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف
والكون والقدر والحد والأين والمشية وصفة الإرادة، وعلم الألفاظ والحركات
والترك، وعلم العود والبدء (2) فهما في العلم بابان مقرونان لأن ملك العرش
سوى ملك الكرسي وعلمه أغيب من علم الكرسي، فمن ذلك قال: (رب
العرش العظيم) أي صفته أعظم من صفة الكرسي وهما في ذلك مقرونان، قلت:
جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي؟ قال: إنه صار جاره لأن علم
الكيفوفية فيه، وفيه الظاهر من أبواب البداء وأينيتها (3) وحد رتقها وفتقها،

(1) في نسخة (ب) (لأن الكرسي هو التأويل الظاهر - الخ) وفي نسخة (ج)
(إلا أن الكرسي - الخ).
(2) في نسخة (ب) و (ج) و (د) ((وعلم العود والبداء).
(3) من الأين أي أمكنه أبواب البداء ومواضعها، وفي نسخة (ب) و (د) (أنيتها) أي
ثبوتها، وفي نسخة (و) و (ن) (أبنيتها) جمع البناء وهذا يرجع إلى المعنى الأول، و
بيانه أن الكرسي صار جار العرش وقرينا له لأن علم الكيفوفية فيه كما هو في العرش أيضا،
ولكنه يمتاز عن العرش بأن فيه البداء دونه، وإنما هو مكان البداء وفيه يرتق ويفتق لأن في
العرش علم كل شئ مع إرساله وتعليقه، وأما الكرسي فيصل إليه علم كل شئ من العرش
بالارسال سواء كان مرسلا في الواقع أو معلقا، والبداء يأتي بيانه في بابه إن شاء الله تعالى،
وفي نسخة (ه‍) (وفيه الظاهر من أبواب البدء) وفي نسخة (ب) (وفيه الظاهر من علم
أبواب البداء).
322

فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف (1) وبمثل صرف العلماء (2) و
يستدلوا على صدق دعواهما (3) لأنه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز.
فمن اختلاف صفات العرش (4) أنه قال تبارك وتعالى: (رب العرش عما
يصفون) (5) وهو وصف عرش الوحدانية لأن قوما أشركوا كما قلت لك (6) قال
تبارك وتعالى: (رب العرش) رب الوحدانية عما يصفون، وقوما وصفوه بيدين
فقالوا: (يد الله مغلولة) وقوما وصفوه بالرجلين فقالوا: وضع رجله على صخرة
بيت المقدس فمنها ارتقى إلى السماء (7) وقوما وصفوه بالأنامل فقالوا: إن محمدا
صلى الله عليه وآله وسلم قال: إني وجدت برد أنامله على قلبي، فلمثل هذه الصفات قال: (رب

(1) أي تعبير الحمل باعتبار صرف الكلام من غير المحسوس إلى المحسوس وبيان غير
المحسوس بالمحسوس، فإنهما جاران إلا أن الكرسي قائم بالعرش كما أن المحمول من الأجسام
قائم بالحامل، وفي نسخة (ب) و (و) و (ج) وحاشية نسخة (ط) والبحار (في الظرف) أي
في الوعاء أي حمل صاحبه في وعاء علمه وسعة تأثيره.
(2) (مثل) بفتحتين مفرد أو بضمتين جمع المثال، و (صرف) فعل ماض من التصريف وفاعله
العلماء، أي بالأمثال يصرف العلماء في الكلام حتى يقرب من الذهن ما غاب عن الحس، و
يستدلون بها على صدق دعواهم.
(3) هكذا في النسخ بصيغة المثنى، ويمكن أن يكون من خطأ النساخ، ويحتمل
إضافة (دعوى) إلى العرش والكرسي بالحذف والإيصال أي دعواهم فيهما، وكذا لا وجه لحذف
النون من قوله: ويستدلوا، ولكن في حاشية نسخة (ط) والبحار (ليستدلوا) وعلى هذا فتقدير
الكلام: وذكرت هذا البيان في العرش والكرسي ليستدل العلماء على صدق دعواهم فيهما به.
(4) أي فمن صفاته المختلفة المشار إليها في صدر الحديث.
(5) الأنبياء: 22، الزخرف: 82.
(6) في نسخة (و) (وهو عرش وصف الوحدانية لا قوام أشركوا - الخ)، ولفظ
(قوم) في المواضع الثلاثة بعد غير مكتوب بالألف فهو مجرور أو مرفوع.
(7) مضى ذكر هذه الفرية في الحديث الثالث عشر من الباب الثامن والعشرين.
323

العرش عما يصفون) يقول رب المثل الأعلى عما به مثلوه (1) ولله المثل الأعلى
الذي لا يشبهه شئ ولا يوصف ولا يتوهم، فذلك المثل الأعلى، ووصف الذين لم
يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما
جهلوا به (2) فلذلك قال: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) فليس له شبه ولا مثل
ولا عدل، وله الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره، وهي التي وصفها في الكتاب
فقال: (فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه) (3) جهلا بغير علم، فالذي
يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم ويكفر به وهو يظن أنه يحسن،
فلذلك قال: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (4) فهم الذين يلحدون
في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها، يا حنان إن الله تبارك وتعالى أمر أن
يتخذ قوم أولياء، فهم الذين أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم يخص به غيرهم،
فأرسل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فكان الدليل على الله بأذن الله عز وجل حتى مضى دليلا هاديا
فقام من بعده وصيه عليه السلام دليلا هاديا على ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر
علمه، ثم الأئمة الراشدون عليهم السلام.
51 - باب أن العرش خلق أرباعا (5)
1 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن

(1) كلمة (عن) في كلامه عليه السلام متعلقة بسبحان في الآية، أو بالأعلى في كلامه.
(2) (ما) هذه مصدرية، أي وشبهوه بالمتشابه منهم في حال جهلهم به.
(3) الأعراف: 180.
(4) يوسف: 106.
(5) إعلم أن العرش في اللغة يأتي بمعنى سرير السلطنة، ومنه قوله تعالى: (أيكم
يأتيني بعرشها) وبمعنى السقف وأعالي البناء، ومنه قوله تعالى: (وهي خاوية على
عروشها) ويأتي مصدرا بمعان، ويستعمل مجازا واستعارة لمعان، كل ذلك مذكور في مظانه،
وأما تفسيراته في العلوم فعند أهل الحكمة والهيئة يطلق على الفلك التاسع فكونه أرباعا
على هذا إنما هو لفرض دائرتين متقاطعتين على ما فصل في كتب الهيئة، أو لكونه مركبا من
العقل والنفس والمادة والصورة على ما ذكر في بعض الكتب، وفسر في بعض الأخبار
كالحديث الأول من الباب التاسع والأربعين بعلمه تعالى، لا علمه الذاتي الذي هو عين ذاته،
بل العلم الذي أعطى أول من خلق وحمل عليه، وعلى هذا فكونه أرباعا باعتبار أصول
العلم كله وأركانه التي هي أربع كلمات من كلمات التوحيد، كما أشير إلى هذا في حديث رواه
العلامة المجلسي - رحمه الله - في الرابع عشر من البحار عن الفقيه والعلل والمجالس عن الصادق
عليه السلام (أنه سئل لم سمي الكعبة كعبة؟ قال لأنها مربعة، فقيل له: لم صارت مربعة؟ قال
لأنها بحذاء البيت المعمور وهو مربع، فقيل له: ولم صار البيت المعمور مربعا؟ قال:
لأنه بحذاء العرش وهو مربع، فقيل له: ولم صار العرش مربعا؟ قال: لأن الكلمات التي
بني عليها الإسلام أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وحقيقة هذا العلم
نور ينور به ما دون العرش من الموجودات كما أشير في حديث الباب وفيما رواه الكليني
- رحمه الله - في باب العرش والكرسي من الكافي في حديث الجاثليق عن أمير المؤمنين عليه السلام:
(إن العرش خلقه الله من أنوار أربعة: نور أحمر منه احمرت الحمرة ونور أخضر منه
اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ونور أبيض البياض، وهو العلم
الذي حمله الله الحملة، وذلك نور من عظمته، فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، و
بعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع
خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة، فكل محمول، يحمله بنوره وعظمته
وقدرته، لا يستطيع لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فكل شئ محمول، والله
تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا والمحيط بهما من شئ، وهو حياة كل شئ ونور كل شئ،
(سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبير).
وأما العرش بمعنى الملك وجميع الخلق والقدرة والدين وبعض الصفات كعرش
الوحدانية على ما ورد كل ذلك في الأخبار فتصور تربعه بعيد، والعلم عند الله وعند صفوته.
324

الحسن الصفار، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر
اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال: إن
الله عز وجل خلق العرش أرباعا، لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء: الهواء والقلم و
325

النور، ثم خلقه من أنوار مختلفة: فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة
ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو
نور الأنوار ومنه ضوء النهار (1) ثم جعله سبعين ألف طبق، غلظ كل طبق كأول
العرش إلى أسفل السافلين (2) ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه ويقدسه
بأصوات مختلفة وألسنة غير مشتبهة، ولو أذن للسان منها فأسمع شيئا مما تحته
لهدم الجبال والمدائن والحصون ولخسف البحار ولأهلك ما دونه، له ثمانية أركان
على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل، يسبحون
الليل والنهار لا يفترون، ولو حس شئ مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين (3) بينه
وبين الاحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ثم العلم (4) وليس
وراء هذا مقال (5).

(1) قيل في تلون هذه الأنوار بهذه الألوان: وجوه مر أحدها في ذيل الحديث
الثالث عشر في الباب الثامن.
(2) بالجعل المركب فهو أصل لهذه الأطباق فتدبر.
(3) أي لو حس شئ من تلك الأطباق شيئا مما فوقه - الخ، كما لو أذن للسان من السنة
تلك الأطباق فاسمع شيئا مما تحته لهدم - الخ، ونقل المجلسي - رحمه الله - هذا الحديث في الرابع
عشر من البحار عن تفسير القمي والكشي وكتاب الاختصاص والتوحيد، وقال: لو أحس
شئ مما فوقه لعل قوله مما فوقه مفعول أحس أي شيئا مما فوقه، وفي الاختصاص (ولو أحس
شيئا مما فوقه) أي حاس أو كل من الملائكة الحاملين، وفي بعض النسخ (ولو أحس حس شئ
منها)، وفي بعضها (ولو أحس حس شيئا)، وهو أظهر، انتهى
(4) (بين) مع معادله خبر مقدم والجبروت مبتدء مؤخر، والضمير المجرور يرجع إلى
ما يرجع إليه ضمير حس، وفي نسخة (ج) و (و) و (ه‍) (والعلم).
(5) أي لا يوصف ما فوق هذه الأمور بالقول، وفي نسخة (ب) و (د) (وليس بعد
هذا مقال).
326

52 - باب معنى قول الله عز وجل:
(وسع كرسيه السماوات والأرض) (1)
1 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد، عن
سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
قول الله عز وجل: (وسع كرسيه السماوات والأرض) قال: علمه.
2 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن
أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: ((وسع
كرسيه السماوات والأرض) فقال: السماوات والأرض وما بينهما في الكرسي،
والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره.
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن ربعي
عن فضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (وسع
كرسيه السماوات والأرض) فقال: يا فضيل السماوات والأرض وكل شئ
في الكرسي.
4 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن قول الله عز وجل: (وسع كرسيه السماوات والأرض) السماوات و
الأرض وسعن الكرسي، أم الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: بل الكرسي
وسع السماوات والأرض والعرش (2) وكل شئ في الكرسي.

(1) البقرة: 255.
(2) العرش إما بالنصب عطف على السماوات أو بالرفع معطوف عليه كل شئ، وعلى
كلا التقديرين يدل الكلام على أن الكرسي أعظم من العرش، وفي كثير من الأخبار التي
ذكر بعضها في هذا الكتاب (أن العرش أعظم من الكرسي) ويمكن الجمع بإرادة معنى للعرش
في هذا الحديث وإرادة معنى آخر في تلك الأخبار، وقيل: العرش معطوف على الكرسي
أي والعرش أيضا كالكرسي وسع السماوات والأرض.
327

5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا الحسين
ابن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (وسع كرسيه السماوات والأرض)
السماوات والأرض وسعن الكرسي، أم الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال:
إن كل شئ في الكرسي (1).
53 - باب فطرة الله عز وجل الخلق على التوحيد
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى،
عن محمد بن سنان، عن العلاء بن فضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن قول الله
عز وجل: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) (2) قال: التوحيد.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم،

(1) قال العلامة المجلسي - رحمه الله - في الرابع عشر من البحار: لعل سؤال زرارة
لاستعلام أن في قرآن أهل البيت كرسيه مرفوع أو منصوب وإلا فعلى تقدير العلم بالرفع لا يحسن
هذا السؤال لا سيما من مثل زرارة، ويروى عن الشيخ البهائي - رحمه الله - أنه قال: سألت عن
ذلك والدي فأجاب - رحمه الله - بأن بناء السؤال على قراءة (وسع) بضم الواو وسكون السين
مصدرا مضافا وعلى هذا يتجه السؤال، وإني تصفحت كتب التجويد فما ظفرت على هذه القراءة
إلا هذه الأيام رأيت كتابا في هذا العلم مكتوبا بالخط الكوفي وكانت هذه القراءة فيه وكانت
النسخة بخط مصنفه، إنتهى، أقول: على هذه القراءة (فوسع كرسيه) مبتدء والسماوات
والأرض خبره، أي سعة كرسيه وظرفية تأثيره السماوات والأرض، لا أن يكون أحدهما فاعل
وسع والآخر مفعوله حتى يحتاج إلى تقدير الخبر، فعدم اتجاه السؤال باق على هذا التقدير، فتأمل.
(2) الروم: 30.
328

عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)؟ قال: التوحيد.
3 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم
قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: (فطرة الله التي فطر الناس
عليها) ما تلك الفطرة؟ قال: هي الإسلام، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد
فقال: (ألست بربكم) وفيه المؤمن والكافر (1).
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، ويعقوب بن يزيد، عن ابن فضال، عن بكير
عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)
قال: فطرهم على التوحيد.
5 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن
ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل
(فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال: فطرهم على التوحيد.
6 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن
عيسى، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن قول الله عز وجل: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال: فطرهم جميعا على التوحيد.
7 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن علي بن حسان الواسطي، عن الحسن بن يونس، عن
عبد الرحمن بن كثير مولى أبي جعفر، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل:
(فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال: التوحيد ومحمد رسول الله وعلي

(1) الضمير يرجع إلى الميثاق، وفي البحار: (وفيهم المؤمن والكافر) أي بحسب
علمه تعالى أن بعضهم يؤمن في دار التكليف وبعضهم يكفر، لا أنهم في الميثاق كانوا كذلك
بالفعل لأن الآية والأخبار تدل على أن كلهم أقروا هناك بالتوحيد وشرائطه بفطرتهم.
329

أمير المؤمنين (1).
8 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه،
عن عبد الله بن المغيرة، عن ابن مسكان، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:
أصلحك الله، قول الله عز وجل في كتابه: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)؟ قال:
فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفته أنه ربهم، قلت: وخاطبوه؟ قال: فطأطأ
رأسه، ثم قال: لولا ذلك لم يعلموا من ربهم ولا من رازقهم (2).
9 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم ومحمد بن
الحسين بن أبي الخطاب ويعقوب بن يزيد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة،
عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: (حنفاء لله غير
مشركين به) (3) وعن الحنيفية، فقال: هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا تبديل
لخلق الله، وقال: فطرهم الله على المعرفة، قال زرارة: وسألته عن قول الله عز وجل:
(وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم - الآية) قال: أخرج من ظهر آدم ذريته
إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر، فعرفهم وأراهم صنعه، ولولا ذلك لم يعرف أحد

(1) الاقرار بالرسالة والولاية من شروط التوحيد للحديث الثالث والعشرين من الباب
الأول ولأن الفطرة تطلب أن تدور الاعتقادات والحركات على مدار التوحيد وذلك لا يتم إلا بهما،
وفي نسخة (ط) (وعلى ولي الله أمير المؤمنين).
(2) إشارة إلى أن الفطرة أصل العلم فالاستدلال لا ينفع ما لم تكن الفطرة باقية بحالها
فالكافر إنما يكفر لكدورة فطرته بتقليد الآباء والتعصب لما عند جمعه من الرسوم والعقائد
والعادات والاشتغال بالماديات والتغافل ثم الغفلة عن فحص الحق وطريقه، ولهذا ورد في الحديث
(كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه) ومع ذلك أصل الفطرة باقية
لا تزول لأنها عجين الذات، وتظهر نوريته بعض الأحيان على القلب وتدعو إلى الحق ببعض
التنبيهات الفطرية، (إن لله في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها) ولذلك لا يقبل
عذرهم بأن آباءهم كانوا كافرين أو أنهم كانوا غافلين، قال تعالى: (وإذ أخذ ربك - إلى
قوله - المبطلون).
(3) الحج: 31.
330

ربه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مولود يولد على الفطرة. يعني على المعرفة
بأن الله عز وجل خالقه، فذلك قوله: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض
ليقولن الله) (1).
10 - حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن أحمد السراج الهمداني، قال: حدثنا
أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم السرنديبي، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن
عبد الله بن هارون الرشيد بحلب، قال: حدثنا محمد بن آدم بن أبي إياس (2) قال:
حدثنا ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا
تضربوا أطفالكم على بكائهم فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله، وأربعة
أشهر الصلاة على النبي وآله، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه. (3)
54 - باب البداء (4)
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى،

(1) لقمان: 25، والزمر: 38.
(2) في نسخة (و) وحاشية نسخة (ه‍) محمد بن آدم بن أبي اتاس، وفي نسخة (د) و
(ب) (محمد بن أكرم بن أبي أياس).
(3) الحديث الرابع من الباب الرابع المتحد مع الحديث السابع من الباب العاشر
يناسب هذا الباب ويبينه بعض البيان.
(4) البداء في أصل اللغة بمعنى الظهور، وقد اكتسب في الاستعمال اختصاصا في
ظهور رأى جديد في أمر، ولذلك لم يذكر في اللفظ فاعل الفعل، يقال: بدا لي في كذا
أي بدا لي فيه رأي جديد خلاف ما كان من قبل، ولازم ذلك عدم الاستمرار على ما كان عليه
سابقا من فعل أو تكليف للغير أو قصد لشئ، ولا يستلزم هذا الظهور وعدم الاستمرار الجهل
بشئ أو الندامة عما كان عليه أولا، بل هو أعم لأن ظهور الرأي الجديد قد يكون عن العلم الحادث
بعد الجهل بخصوصيات ما كان عليه أو ما انتقل إليه وقد يكون لتغير المصالح والمفاسد والشروط
والقيود والموانع فيهما، نعم إن الغالب فينا هو الأول فيتبادر عند الاستعمال الجهل والندامة،
وإما بحسب مفهوم اللفظ فلا، فإسناد البداء إلى الله تعالى صحيح من دون احتياج إلى التوجيه،
ومعناه في حقه تعالى عدم الاستمرار والابقاء لشئ في التكوين أو التشريع بإثبات ما لم
يكن ومحو ما كان، ولا ريب أن محو شئ أو إثباته يدور مدار علته التامة ومباديه في
الملكوت بأن يثبت بعض أسبابه وشرائطه أو يمحي أو يثبت بعض موانعه أو يمحي، وذلك
إلى مشيته وإرادته التابعة لعلمه فإنه تعالى كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن ويمحو
ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، ولكل أجل كتاب، وهذا مما لا ارتياب فيه ولا إشكال، ومن
استشكل فيه من الإسلاميين أو غيرهم فإنما هو لسوء الفهم وفقد الدرك.
وإنما الكلام فيما أخبر الله تعالى أو أحد الأنبياء والأوصياء عن وقوعه محدودا بحدود و
موقوتا بأوقات ولم يقع بعد كذلك ثم أخبر عنه مخالفا لما حد ووقت أو يظهر مخالفا له من دون
إخبار كمواعدة موسى على نبينا وآله وعليه السلام وذبح إسماعيل على نبينا وآله وعليه السلام
وقوله تعالى: (فتول عنهم فما أنت بملوم). وإخبار عيسى على نبينا وآله وعليه السلام بموت
عروس ليلة عرسها ولم تمت وإخبار نبي من أنبياء بني إسرائيل بموت ملك ولم يمت وغير
ذلك مما هو مذكور في مواضعه.
وأحق ما قيل في الجواب ما ذكر في كلمات أئمتنا صلوات الله عليهم أن من الأمور
أمورا موقوفة عند الله تعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء وعلم ذلك كله عنده تعالى ويقع
علم تلك الأمور عند مدبرات الأمور من الملائكة وغيرهم فيخبرون عنها مع جهلهم بالتوقف أو
سكوتهم عنه مع العلم كما سكت عنه الله تعالى كما هو الشأن في أئمتنا صلوات الله عليهم
بعقيدتي لأن علمهم فوق البداء لأنهم معادن علمه وإن كان ظاهر بعض الأخبار على خلاف ذلك،
فيقال عند ذلك: بد الله تعالى في ذلك الأمر لأن الله تعالى غير الأمر عما أخبر به أولا بالارسال،
وإن شئت فقل إنه تعالى أو غيره أخبر عن الأمر بحسب علته الناقصة مع العلم بعلته التامة و
وقوعها أو عدم وقوعها.
ثم إن اختصاص العلم الكامل بالأمور بنفسه وبصفوة خلقه ووقوع العلم الناقص عند
العاملين في ملكوته وبعض خلقة من لوازم كبريائه وسلطانه كما هو الشأن عند السلطان
مع عمال حكومته، ولذلك ما عبد الله وما عظم بمثل البداء لأن المعتقد بالبداء معتقد كمال
كبريائه وعظمته، وإلى هذا أشار الإمام عليه السلام على ما روي في تفسير القمي في قوله تعالى:
(وقالت اليهود يد الله - الخ) قال: قالوا: قد فرغ الله من الأمر لا يحدث الله غير ما قدره
في التقدير الأول فرد الله عليهم فقال: (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) أي يقدم و
يؤخر ويزيد وينقص وله البداء والمشيئة، انتهى. نفي عليه السلام بيانه هذا اتحاد ما في التقدير
مع ما يقع، وإليه أشير أيضا في قولهم عليهم السلام: (إن لله عز وجل علمين علما مخزونا
مكنونا لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء وعلما علمه ملائكته ورسله).
331

عن الحجال، عن أبي إسحاق ثعلبة، عن زرارة، عن أحدهما يعني أبا جعفر وأبا عبد الله
عليهما السلام قال: ما عبد الله عز وجل بشئ مثل البداء.
332

2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما عظم الله عز وجل بمثل البداء.
3 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: ما بعث الله عز وجل نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال: الاقرار بالعبودية،
وخلع الأنداد، وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء.
4 - وبهذا الإسناد، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري وغيرهما، عن أبي عبد الله
عليه السلام في هذه الآية (يمحوا الله ما يشاء ويثبت) (1) قال: فقال: وهل يمحو الله إلا
ما كان وهل يثبت إلا ما لم يكن؟!.
5 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن
هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم بن حكيم، قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله عز وجل بخمس: بالبداء والمشية و
السجود والعبودية والطاعة.
6 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، عن علي بن إبراهيم بن هاشم،

(1) الرعد: 39: أي يمحو الله ما يشاء مما ثبت في كتاب التقدير عند عمال الملكوت
ويثبت مكانه أمرا آخر (وعنده أم الكتاب) التي إليها يرجع أمر الكتاب في المحو والاثبات.
333

عن الريان بن الصلت، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: ما بعث الله نبيا قط إلا
بتحريم الخمر، وأن يقر له بالبداء.
7 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن
عبد الرحمن، عن مالك الجهني قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لو يعلم الناس
ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه.
8 - وبهذا الإسناد، عن يونس، عن منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم الله تعالى بالأمس؟ قال: لا، من قال هذا
فأخزاه الله، قلت: أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله؟! قال:
بلى قبل أن يخلق الخلق.
9 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن معلى بن محمد، قال: سئل العالم عليه السلام
كيف علم الله؟ قال: علم، وشاء، وأراد، وقدر، وقضى، وأبدى (1) فأمضى ما قضى،
وقضى ما قدر، وقدر ما أراد، فبعلمه كانت المشية، وبمشيته كانت الإرادة، وبإرادته
كان التقدير، وبتقديره كان القضاء، وبفضائه كان الامضاء، فالعلم متقدم المشية (2)
والمشية ثانية، والإرادة ثالثة، والتقدير واقع على القضاء بالامضاء، فلله تبارك
وتعالى البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الأشياء، فإذا وقع القضاء بالامضاء
فلا بداء، فالعلم بالمعلوم قبل كونه، والمشية في المنشأ قبل عينه، والإرادة في المراد
قبل قيامه، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا وقياما (3)، والقضاء
بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام (4) المدركات بالحواس من ذي
لون وريح ووزن وكيل وما دب ودرج من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك

(1) في الكافي والبحار: (أمضى) مكان (أبدى) وهو الأصح، وإن كان
المآل واحدا،
(2) في الكافي (على المشيئة).
(3) في الكافي (عيانا ووقتا).
(4) في نسخة (د) و (ن) (من المعقولات ذوات الأجسام).
334

مما يدرك بالحواس، فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له، فإذا وقع العين
المفهوم المدرك فلا بداء، والله يفعل ما يشاء، وبالعلم علم الأشياء قبل كونها، وبالمشية
عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها (1) وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها و
صفاتها وحدودها، وبالتقدير قدر أوقاتها (2) وعرف أولها وآخرها، وبالقضاء أبان
للناس أماكنها ودلهم عليها، وبالإمضاء شرح عللها (3) وأبان أمرها، وذلك التقدير
العزيز العليم.
قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب أعانه الله على طاعته: ليس البداء كما
يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك، ولكن يجب علينا أن نقر لله
عز وجل بأن له البداء، معناه أن له أن يبدأ (4) بشئ من خلقه فيخلقه قبل شئ (5)
ثم يعدم ذلك الشئ ويبدأ بخلق غيره، أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شئ
ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، وذلك مثل نسخ الشرايع وتحويل القبلة وعدة المتوفى
عنها زوجها، ولا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك
الوقت في أن يأمرهم بذلك، ويعلم أن في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل
ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم، فمن أقر لله عز وجل بأن
له أن يفعل ما يشاء ويعدم ما يشاء ويخلق مكانه ما يشاء، ويقدم ما يشاء ويؤخر ما
يشاء، ويأمر بما شاء كيف شاء فقد أقر بالبداء، وما عظم الله عز وجل بشئ أفضل
من الاقرار بأن له الخلق والأمر، والتقديم، والتأخير، وإثبات ما لم يكن ومحو
ما قد كان، والبداء هو رد على اليهود لأنهم قالوا: إن الله قد فرغ من الأمر فقلنا:

(1) قوله: (أنشأها) على بناء الماضي عطف على عرف، وفي أكثر النسخ على
بناء المصدر فمع ما بعده مبتدء وخبر.
(2) في نسخة (ب) و (ج) و (و) و (ه‍) (قدر أقواتها).
(3) في نسخة (و) (شرع عللها).
(4) لا يتوهم من هذا أنه أخذ البداء مهموزا فليتأمل في ذيل كلامه.
(5) في نسخة (ب) و (د) (أن يبدأ بشئ فيجعله قبل شئ).
335

إن الله كل يوم في شأن، يحيى ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء، والبداء ليس من ندامة، و
هو ظهور أمر، يقول العرب: بدا لي شخص في طريقي أي ظهر، قال الله عز وجل:
(وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) (1) أي ظهر لهم، ومتى ظهر لله تعالى ذكره
من عبد صلة لرحمه زاد في عمره، ومتى ظهر له منه قطيعة لرحمه نقص من عمره، ومتى
ظهر له من عبد إتيان الزنا نقص من رزقه وعمره، ومتى ظهر له منه التعفف عن الزنا
زاد في رزقه وعمره.
10 - ومن ذلك قول الصادق عليه السلام: ما بدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل ابني،
يقول: ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني إذ اخترمه قبلي ليعلم بذلك أنه
ليس بإمام بعدي.
11 - وقد روي لي من طريق أبي الحسين الأسدي رضي الله عنه في ذلك شئ غريب،
وهو أنه روى أن الصادق عليه السلام قال: ما بدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل أبي إذا
أمر أباه إبراهيم بذبحه ثم فداه بذبح عظيم، وفي الحديث على الوجهين جميعا عندي
نظر، إلا أني أوردته لمعنى لفظ البداء والله الموفق للصواب (2)
55 - باب المشيئة والإرادة
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه
عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
المشية محدثة (3).

(1) الزمر: 47.
(2) لا إشكال في الروايتين، وهو من القسم الثالث من البداء على ما ذكرنا فراجع.
(3) تقدم هذا الحديث بعينه في الباب الحادي عشر من الكتاب، ومشيئة الله تعالى
تارة تؤخذ باعتبار تعلقها بأفعاله تعالى فهي عند الحكماء وأكثر المتكلمين قديمة من صفات
الذات وعند أئمتنا صلوات الله عليهم وبعض المتكلمين كالمفيد (ره) حادثة من صفات الفعل على ما
يظهر من أحاديث جمة في هذا الكتاب في هذا الباب والباب الحادي عشر والباب السادس
والستين وغير هذا الكتاب، وقد أوردت البحث فيها مستوفيا في تعليقتي على شرح التجريد.
وأخرى تؤخذ باعتبار تعلقها بأفعال العباد فهي من مباحث الجبر والتفويض والقدر والقضاء،
ويأتي الكلام فيها في خلال الأحاديث.
336

2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن جعفر بن محمد بن عبد الله، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، قال: قيل لعلي عليه السلام: إن رجلا يتكلم في المشية
فقال: ادعه لي، قال: فدعي له، فقال: يا عبد الله خلقك الله لما شاء أو لما شئت؟!
قال: لما شاء، قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت؟! قال: إذا شاء: قال: فيشفيك
إذا شاء أو إذا شئت؟! قال: إذا شاء، قال: فيدخلك حيث شاء أو حيث شئت؟! قال:
حيث شاء، قال: فقال علي عليه السلام له: لو قلت غير هذا لضربت الذي فيه عيناك (1).
3 - وبهذا الإسناد قال: دخل على أبي عبد الله عليه السلام أو أبي جعفر عليه السلام رجل
من أتباع بني أمية فخفنا عليه، فقلنا له: لو تواريت وقلنا ليس هو ههنا، قال:
بل ائذنوا له فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله عز وجل عند لسان كل قائل و
يد كل باسط، فهذا القائل لا يستطيع أن يقول إلا ما شاء الله، وهذا الباسط لا
يستطيع أن يبسط يده إلا بما شاء الله، فدخل عليه فسأله عن أشياء وآمن بها وذهب.
4 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد
الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن مروان
ابن مسلم، عن ثابت بن أبي صفية، عن سعد الخفاف، عن الأصبغ بن نباته، قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: يا داود تريد وأريد
ولا يكون إلا ما أريد، فإن أسلمت لما أريد أعطيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما
أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد

(1) كأن الرجل كان على اعتقاد المعتزلة فنبهه عليه السلام بأن الأمور ليست مفوضة إليك،
أو على اعتقاد اليهود القائلين بأن الله قد فرغ من الأمر.
337

ابن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن سليمان بن جعفر الجعفري
قال: قال الرضا عليه السلام: المشية والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أن الله
تعالى لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد.
6 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا:
حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر
البزنطي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت له: إن أصحابنا بعضهم
يقولون بالجبر وبعضهم بالاستطاعة، فقال لي: أكتب قال الله تبارك وتعالى: يا
ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبقوتي أديت إلي فرائضي
وبنعمتي قويت على معصيتي، جعلتك سميعا بصيرا قويا، ما أصابك من حسنة فمن
الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذلك أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى
بسيئاتك مني، وذلك أني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون، قد نظمت لك كل
شئ تريد (1).
7 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن العرزمي، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: كان لعلي عليه السلام غلام اسمه قنبر وكان يحب عليا عليه السلام حبا شديدا. فإذا
خرج علي عليه السلام خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة فقال: يا قنبر ما لك؟
قال: جئت لأمشي خلفك، فإن الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين فخفت عليك،
قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض؟! قال: لا، بل من

(1) مفاد الحديث: إني قد نظمت وأعددت لك كل شئ يقتضيه بقاؤك وتحتاج إليه
في التكوين والتشريع وشئت أن تكون تعمل بمشيتك التي أعطيتها ما في اختيارك من الأمور
حتى تستحق مني الكرامة والزلفى ودوام الخلود في جنة الخلد فإني لم أصنع بك إلا جميلا
منا مني عليك ورحمة، فما أصابك من حسنة فمني لأنها بالجميل الذي صنعته بك فأنا أولى بها
وغير مسؤول عنها إذ لا سؤال عن الجميل، فإن ارتكبت معصيتي فإنما ارتكبت بالجميل الذي
صنعته بك من المشيئة والنعمة والقوة وغيرها فالسيئة منك فأنت أولى بها فأنت مسؤول عنها.
338

أهل الأرض، قال: إن أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئا إلا بإذن الله عز وجل
من السماء، فارجع، فرجع.
8 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار
قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن موسى بن عمر (1) عن
ابن سنان، عن أبي سعيد القماط، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: خلق الله المشية قبل
الأشياء، ثم خلق الأشياء بالمشية (2).
9 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن
علي بن معبد، عن درست بن أبي منصور، عن فضيل بن يسار، قال: سمعت أبا -
عبد الله عليه السلام يقول: شاء وأراد ولم يحب ولم يرض، شاء أن لا يكون شئ إلا بعلمه
وأراد مثل ذلك، ولم يحب أن يقال له: (ثالث ثلاثة) ولم يرض لعباده الكفر (3).

(1) في نسخة (د) و (ه‍) (عن موسى بن عمران).
(2) ذكر هذا الحديث في آخر الباب الحادي عشر بسند آخر مع تغاير في المتن.
(3) الباء في قوله: (بعلمه) ليست للسببية بل لمطلق التعلق والالصاق، ومفاد الكلام
أنه تعالى شاء كل كائن تعلق به علمه فكما لا يعزب عن علمه شئ لا يعزب عن مشيته شئ، ومع
ذلك لم يحب بعض ما شاء ولم يرض به فنهى عنه كالشرك والظلم وغيرهما من قبائح العقائد و
الأعمال كما رضى أمورا فأمر بها، والحديث نظير ما رواه المجلسي رحمه الله في البحار في باب
القضاء والقدر والمشيئة عن محاسن البرقي عن النضر عن هشام وعبيد بن زرارة عن حمران
قال: (كنت أنا والطيار جالسين فجاء أبو بصير فأفرجنا له فجلس بيني وبين الطيار فقال:
في أي شئ أنتم؟ فقلنا: كنا في الإرادة والمشيئة والمحبة، فقال أبو بصير: قلت لأبي عبد -
الله عليه السلام: شاء لهم الكفر وأراده؟ فقال: نعم، قلت: فأحب ذلك ورضيه؟ فقال: لا، قلت:
شاء وأراد ما لم يحب ولم يرض؟! قال: هكذا خرج إلينا).
أقول: هذا الحديث مروي في باب المشيئة والإرادة من الكافي بتغاير في السند والمتن
وهو نظير ما في الحديث الثامن عشر من باب الثاني من قول أبي الحسن عليه السلام: (إن لله
مشيتين وإرادتين - الخ) ثم إن كلامه عليه السلام لا يستلزم الجبر كما توهم لأن تعلق مشيئة وإرادته
تعالى بأفعال غيره لا ينافي اختيارهم كما يتبين من هذا الباب وبعض الأبواب الآتية، وأمثال
هذا الحديث عنهم عليهم السلام لنفي التفويض لا لإثبات الجبر.
339

10 - حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الإصبهاني الأسواري، قال:
حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن القاسم بن
عبد الرحمن العتكي، قال: حدثنا محمد أشرس، قال: حدثنا بشر بن الحكيم، و
إبراهيم بن نصر السورياني (1) قالا: حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة، قال:
حدثنا غياث بن المجيب (2) عن الحسن البصري، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله،
قال: سبق العلم، وجف القلم (3) وتم القضاء بتحقيق الكتاب وتصديق الرسالة
والسعادة من الله والشقاوة من الله عز وجل (4) قال عبد الله بن عمر: إن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم كان يروي حديثه عن الله عز وجل قال: قال عز وجل: يا ابن آدم
بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد
لنفسك ما تريد وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي وبعصمتي وعفوي وعافيتي
أديت إلي فرائضي، فأنا أولى بإحسانك منك (5) وأنت أولى بذنبك مني، فالخير
مني إليك بما أوليت بداء (6) والشر مني إليك بما جنيت جزاء، وبسوء ظنك

(1) في نسخة (ج) وفي البحار باب نفي الظلم والجور: (وإبراهيم بن أبي نصر)
وفي نسخة (ه‍) و (و) (السورياني) وفي (ب) و (د) و (ج) ((السرياني) والأخير تصحيف.
(2) في نسخة (و) وحاشية نسخة (ن) (عتاب بن المجيب).
(3) جفاف القلم كناية عن إتمام الكتابة فإن الله تعالى كتب في كتاب التقدير الأول
ما يجري على الخلق كلا، لا يزيد عليه ولا ينقص منه شئ، ونفس البداء مما كتب فيه بخلاف
التقدير المتأخر الذي يجري بأيدي عمال الملكوت فإن البداء يقع عليه.
(4) أي وبالسعادة من الله عطفا على تحقيق الكتاب، وبيان القضاء بالسعادة و
الشقاوة يأتي في الحديث الثالث عشر وفي الباب الثامن والخمسين.
(5) كذا.
(6) بالرفع خبر للخير، وكذا الجملة التالية، أي الخير الواصل مني إليك مبتدء
من دون استحقاقك لأن مبادي الخير الذي تستحقه بعملك أيضا مني، والشر الواصل جزاء
متفرع على جنايتك، وفي البحار باب نفي الظلم والجور، وفي نسخة (ب) بالنصب، وهو على
التميز والخبر مقدر، (واصل) أو ما بمعناه، وأوليته معروفا أي صنعته إليه.
340

بي قنطت من رحمتي، فلي الحمد والحجة عليك بالبيان، ولي السبيل عليك
بالعصيان، ولك الجزاء والحسنى عندي بالاحسان (1) لم أدع تحذيرك، ولم
آخذك عند عزتك (2) ولم أكلفك فوق طاقتك، ولم أحملك من الأمانة إلا ما
قدرت عليه (3) رضيت منك لنفسي ما رضيت به لنفسك مني. (4) قال عبد الملك: لن
أعذبك إلا بما عملت.
11 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (ره) قال: حدثنا أبي، عن أحمد
ابن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سأل
المأمون يوما علي بن موسى الرضا عليهم السلام فقال له: يا ابن رسول الله ما معنى قول الله
عز وجل: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس

(1) في البحار وفي نسخة (ط) و (ن) (ولك الجزاء الحسنى) بالتوصيف مع أن
الجزاء مذكر والحسنى مؤنث، فإن صح فكأنه كان كما في الآية من قوله تعالى: (فله
جزاء الحسنى) فغير عند النسخ
(2) المراد بالعزة هنا ما في قوله تعالى: (بل الذين كفروا في عزة وشقاق. وإذا
قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم) وهي التكبر والطغيان والغلبة على العباد بالظلم والعدوان
أي لم آخذك عندها بل نبهتك ووعظتك وحذرتك حتى حين، وفي نسخة (ب) و (ج)
(عند غرتك). وفي البحار (ولم أخذل عند عزتك).
(3) الظاهر منه جنس الأمانة وهو ما استودعها الله تعالى عباده من المعارف وغيرها و
مباديها، والمراد بالتحميل التكليف بها.
(4) هذا الكلام يقال إذا عوهد بين اثنين بجزاء على عمل فإن كلا منهما رضي لنفسه
بما من الآخر في قبال ما منه على حسب المعاهدة، وقول عبد الملك الذي هو أحد من في
السند تفسير لهذه الفقرة، ولو قال: لن أجزيك إلا بما عملت، لكان أتم.
341

حتى يكونوا مؤمنين * وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) (1) فقال الرضا عليه السلام:
حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن
أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام
أن المسلمين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه
من الناس على الإسلام كثر عددنا وقوينا على عدونا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما
كنت لألقى الله عز وجل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا، وما أنا من المتكلفين،
فأنزل الله تبارك وتعالى: يا محمد (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا)
على سبيل الالجاء والاضطرار في الدنيا كما يؤمنون عند المعاينة ورؤية البأس في
الآخرة، ولو فعلت ذلك بهم لهم لم يستحقوا مني ثوابا ولا مدحا، لكني أريد منهم
أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود
في جنة الخلد (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وأما قوله عز وجل:
(وما كان لنفس أن تؤمن إلا بأذن الله)) فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها
ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله، وإذنه أمره لها بالإيمان ما كانت
مكلفة متعبدة، وإلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبد عنها. فقال
المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك (2).

(1) يونس: 100.
(2) حاصل كلامه عليه السلام في الآيتين: لو شاء ربك أن يؤمن الناس كلهم بالالجاء و
التكوين لآمنوا، ولكنه لم يشأ كذلك فلم يؤمن كلهم، فلا يطمع أصحابك أن تكره الناس
على الإيمان حتى يكونوا مؤمنين، بل الله تعالى شاء أن يؤمن الناس بالاختيار حتى يستحقوا
الكرامة والزلفى ودوام الخلود في جنة الخلد، وعلى هذا فما كان لنفس أن تؤمن إلا بأمره
المناسب لاختيارهم. وأمره هو ما يجمع أسباب إيمان النفوس من جهته تعالى من تشريع
الشرائع ونصب الأعلام والأدلة وإعطاء العقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب والدعوة إليه
والوعد والوعيد والانذار والتبشير وغير ذلك من الألطاف والهدايات، فما لم يعد الله هذه
الأمور ما كان لنفس أن تؤمن لأن الإيمان مسبب عنها ووجوده بدون السبب ممتنع، وما
342

12 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا
محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران
الأشعري، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن درست، عن فضيل بن
يسار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: شاء الله أن أكون مستطيعا لما لم يشأ أن
أكون فاعله (1) قال: وسمعته يقول: شاء وأراد ولم يحب ولم يرض، شاء أن لا يكون
في ملكه شئ إلا بعلمه، وأراد مثل ذلك، ولم يحب أن يقال له: (ثالث ثلاثة) ولم يرض
لعباده الكفر.
13 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا:
حدثنا محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن
عمران الأشعري، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن علي بن حسان، عن إسماعيل
ابن أبي زياد الشعيري، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن سعدان (2) عن معاذ بن جبل،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سبق العلم، وجف القلم، ومضى القدر بتحقيق الكتاب

أبلغ كلمة الإذن هنا لأن الإذن هو تخلية الشئ في طريق التحقيق والوجود بإتمام سببه إلا
أن الإمام عليه السلام فسره بالأمر لرعاية فهم المخاطب، ولا يخفى أن المراد به التكويني لا
التشريعي المقابل للنهي لأن الإيمان لا يتوقف عليه وإن أمر به تأكيدا في بعض الآيات بل
على الأمر التكويني النازل من عنده تعالى المساوق للإذن التكويني كما بينا، ثم إن
الرجس المذكور في الآية هو الشك وعدم الإيمان وهو مستند إلى عدم السبب التام من
ناحية الإنسان من جهة عدم تعقله في الأدلة والآيات فلا يتحقق الإيمان، لكن نقصان
السبب ليس من عند الله بل من عند النفس فلذا قال تعالى: (ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون)
وعقبه بقوله: (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض - الآية).
(1) مفاده أن الاستطاعة ثابتة مع عدم الفعل خلافا للأشاعرة.
(2) في نسخة (و) و (ب) و (د) (عن خالد بن معدان)، وأظن أنه الصواب قال ابن
حجر في التقريب، خالد بن معدان الكلاعي الحمصي أبو عبد الله ثقة عابد يرسل كثيرا مات
سنة ثلاث ومائة وقيل بعد ذلك.
343

وتصديق الرسل وبالسعادة من الله عز وجل لمن آمن واتقى وبالشقاء لمن كذب و
كفر وبولاية الله المؤمنين وبراءته من المشركين، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عن الله
أروي حديثي إن الله تبارك وتعالى يقول: يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء
لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد، وبفضل نعمتي
عليك قويت على معصيتي، وبعصمتي وعوني وعافيتي أديت إلي فرائضي، فأنا أولى
بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك مني، فالخير مني إليك بما أوليت بداء، و
الشر مني إليك بما جنيت جزاء، وبإحساني إليك قويت على طاعتي، وبسوء ظنك
بي قنطت من رحمتي، فلي الحمد والحجة عليك بالبيان، ولي السبيل عليك
بالعصيان، ولك جزاء الخير عندي بالاحسان، لم أدع تحذيرك، ولم أخذك عند
عزتك، ولم أكلفك فوق طاقتك، ولم أحملك من الأمانة إلا ما أقررت به على
نفسك (1) رضيت لنفسي منك ما رضيت لنفسك مني.
56 - باب الاستطاعة (2)
1 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
أبي عبد الله البرقي، قال: حدثني أبو شعيب صالح بن خالد المحاملي، عن أبي سليمان
الجمال، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن شئ من الاستطاعة،
فقال: ليست الاستطاعة من كلامي ولا كلام آبائي. (3)

(1) في البحار باب القضاء والقدر: إلا ما أقررت بها على نفسك، وفي نسخة
(ط) و (ن) (إلا ما قدرت به على نفسك).
(2) الاستطاعة استفعال من الطوع، وقد يراد بها مطلق القدرة على الفعل قبله وحينه، و
هذا مورد النزاع مع الأشاعرة النافين لها قبل الفعل، وقد يراد بها أخص من هذا المعنى
وهو الوسع والإطاقة للفعل وهو القدرة عليه من دون المشقة، والأول شرط لكل تكليف
بالضرورة والثاني شرط شرعا وقد يتخلف.
(3) أي ليست الاستطاعة التي يقول بها القدرية من استقلال العبد في كل فعل وترك
من كلامي ولا كلام آبائي كما يظهر من الحديث الثاني والعشرين، وتفسير الصدوق - رحمه الله -
بعيد عن سياق السؤال.
344

قال مصنف هذا الكتاب: يعني بذلك أنه ليس من كلامي ولا كلام آبائي
أن نقول لله عز وجل: إنه مستطيع، كما قال الذين كانوا على عهد عيسى عليه السلام:
(هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء). (1)
2 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بنيسابور، قال: حدثنا أحمد بن
الفضل بن المغيرة، قال: حدثنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن إبراهيم الإصفهاني،
قال: حدثنا علي بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن
أبي الحسين القريظي (2) عن سهل بن أبي محمد المصيصي (3) عن أبي عبد الله جعفر بن
محمد عليهما السلام، قال: لا يكون العبد فاعلا ولا متحركا إلا والاستطاعة معه من الله عز وجل
وإنما وقع التكليف من الله تبارك وتعالى بعد الاستطاعة، ولا يكون مكلفا للفعل
إلا مستطيعا. (4)

(1) المائدة: 112.
(2) في نسخة (و) (العريضي مكان القريظي).
(3) في نسخة (ب) و (د) (عن سهل أبي محمد المصيصي).
(4) في نسخة (و) و (ن) بعد الحديث الثاني أربعة أحاديث ليست في سائر النسخ،
هي هذه:
(ألف - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدثنا
سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن
أبي جميلة المفضل بن صالح، عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله
عز وجل: (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) قال: وهم مستطيعون يستطيعون
الأخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه، وبذلك ابتلوا، قال: وسألته عن رجل مات وترك
مائة ألف درهم ولم يحج حتى مات هل كان يستطيع الحج؟ قال: نعم، إنما استطاعته
بما له وصحته.
ب - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدثنا
سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن حديد الأزدي، عن جميل بن
دراج، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (ويدعون إلى السجود
فلا يستطيعون) قال: صارت أصلابهم كصياصي البقر، يعني قرونها، (وقد كانوا يدعون إلى
السجود وهم سالمون) قال: (وهم مستطيعون).
ج - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدثنا
سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن حديد وعبد الرحمن بن أبي
نجران، عن محمد بن حمران، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له: رجل
عرض عليه الحج فاستحيا أهو ممن يستطيع الحج؟ قال: نعم.
د - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر
الحميري وسعد بن عبد الله جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب،
عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (ولله على الناس حج البيت
من استطاع إليه سبيلا) قال: هذا لمن كان عنده مال وله صحة).
345

3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا الحسين
ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن عبيد بن زرارة، قال: حدثني حمزة
ابن حمران، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الاستطاعة فلم يجبني، فدخلت عليه دخلة
أخرى فقلت: أصلحك الله أنه قد وقع في قلبي منها شئ لا يخرجه إلا شئ أسمعه منك،
قال: فإنه لا يضرك ما كان في قلبك: قلت: أصلحك الله فإني أقول: إن الله تبارك
وتعالى لم يكلف العباد إلا ما يستطيعون وإلا ما يطيقون، فإنهم لا يصنعون شيئا من
ذلك إلا بإرادة الله ومشيته وقضائه وقدرة، قال: هذا دين الله الذي أنا عليه وآبائي
أو كما قال. (1)
قال مصنف هذا الكتاب: مشية الله وإرادته في الطاعات الأمر بها والرضا،

(1) أي قال عليه السلام: هذا دين الله - الخ أو قال ما أشبه هذا مما يفيد معناه.
346

وفي المعاصي النهي عنها والمنع منها بالزجر والتحذير. (1)
4 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدثنا
سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن
يحيى الصيرفي، عن صباح الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سأله زرارة وأنا
حاضر فقال: أفرأيت (2) ما افترض الله علينا في كتابه وما نهانا عنه جعلنا مستطيعين
لما افترض علينا مستطيعين لترك ما نهانا عنه، فقال: نعم.
5 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا أبي، عن
أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن بكير، عن حمزة بن
حمران، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن لنا كلاما نتكلم به، قال: هاته،
قلت: نقول: إن الله عز وجل أمر ونهى وكتب الآجال والآثار لكل نفس بما
قدر لها وأراد، وجعل فيهم من الاستطاعة لطاعته ما يعملون به ما أمرهم به وما نهاهم
عنه (3) فإذا تركوا ذلك إلى غيره كانوا محجوجين بما صير فيهم من الاستطاعة و
القوة لطاعته، فقال: هذا هو الحق إذا لم تعده إلى غيره.
6 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله، قالا:
حدثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي جميلة المفضل بن صالح، عن محمد
ابن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما أمر العباد إلا بدون سعتهم، فكل
شئ أمر الناس بأخذه فهم متسعون له، وما لا يتسعون له فهو موضوع عنهم، ولكن
الناس لا خير فيهم.

(1) لا بأس بأن يكون مراده الإرادة والمشيئة والقضاء والقدر التكوينية لأن أفعال العباد
ليست خارجة عنها ولا ينافي ذلك اختيارهم.
(2) في نسخة (و) و (ن) و (ب) (أرأيت):
(3) (ما أمرهم به) مفعول لقوله: يعملون، وكذا ما نهاهم عنه من باب (علفتها تبنا
وماء باردا) أي ويتركون ما نهاهم عنه.
347

7 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن أسباط،
قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الاستطاعة، فقال: يستطيع العبد بعد أربع
خصال: أن يكون مخلى السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح، له سبب وارد
من الله عز وجل، قال: قلت: جعلت فداك فسرها لي، قال: أن يكون العبد
مخلى السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح، يريد أن يزني فلا يجد امرأة ثم
يجدها، فإما أن يعصم فيمتنع كما امتنع يوسف، أو يخلى بينه وبين إرادته فيزني
فيسمى زانيا (1) ولم يطع الله بإكراه ولم يعص بغلبة (2).

(1) تخلية السرب هي عدم المانع، وصحة الجسم أن لا يكون مريضا ضعيفا يعاف
العمل أو لا يقوى عليه، وسلامه الجوارح أن يكون له آلة العمل بأن لا يكون عنينا أو أعمى
أو أصم أو مشلولا أو غير ذلك، والسبب الوارد من الله تعالى هو الأسباب التي ليست عند العبد
بنفسه، والحاصل أن لا يكون له مانع من الخارج أو الداخل ويكون له الأسباب من الداخلية
والخارجية، فعند ذلك يحصل له التمكن ولا يبقى له شئ لاختيار أحد الطرفين من الفعل و
الترك فإن فعل القبيح فبتخليه الله إياه بينه وبن إرادته، وإن تركه فبالعصمة المانعة، فهي
إما بالقوة القدسية كما في الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، أو بالعقل القاهر كما في المؤمنين،
أو بأن يحول بينه وبين قلبه فينفسخ العزم وينتقض الهم، أو بان يعدم ما لوجوده دخل في
الفعل، أو يوجد ما لعدمه دخل فيه، فمراده عليه السلام بالعصمة ما هو أعم من المصطلحة. وأما
الحسن فإنه تركه فبتخلية الله إياه وإن فعل فبتوفيقه تعالى بعد الاستطاعة إذ الاستطاعة على
الحسن لا تستلزمه وإن كانت حاصلة في الحال وانتفاء الموانع لأن الإنسان كثيرا ما يتمكن
من إتيان الحسن ولا يأتيه، اذكر قول العبد الصالح شعيب النبي على نبينا وآله وعليه السلام (إن
أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)، وللتوفيق علل
كالعصمة فافحصها، ثم إن العبد بعد ما كان له صفة الاختيار لا يستحق من الله تعالى العصمة و
التوفيق فإن صنعهما الله تعالى به فبفضله وإن كان أصل الاختيار وعلله أيضا بفضله، هذه جملة
أن تهتد إلى تفاصيلها لم يبق لك شبهة في مبحث الأفعال.
(2) الفعلان على بناء المجهول، والمعنى: لا يكره الله عباده على إطاعته، بل يعصم
ويوفق وهما لا يصلان إلى حد الاكراه، ولا يعصيه عباده بالغلبة عليه سبحانه وتعالى لأنه
قادر على منعهم عن المعصية، بل يخلى بينهم وبين إرادتهم.
348

8 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا الحسين
ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار،
عن إسماعيل بن الجابر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله عز وجل خلق الخلق
فعلم ما هم صائرون إليه، وأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شئ فقد جعل لهم السبيل
إلى الأخذ به، وما نهاهم عنه فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونوا (1)
آخذين ولا تاركين إلا بإذن الله عز وجل، يعني: بعلمه (2).
9 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا الحسين
ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبان بن
عثمان، عن حمزة بن محمد الطيار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل:
(وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) (3) قال: مستطيعون، يستطيعون
الأخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه، وبذلك ابتلوا، ثم قال: ليس شئ مما
أمروا به ونهوا عنه إلا ومن الله تعالى عز وجل فيه ابتلاء وقضاء (4).
10 - حدثنا أبي، ومحمد بن موسى بن المتوكل رحمهما الله قالا: حدثنا سعد بن
عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن
ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

(1) بحذف النون مجزوما عطف على الجزاء في الجملتين، ومثله في الحديث الأول
من الباب التاسع والخمسين، ونسخة (ج) و (ط) (ولا يكونوا فيه - الخ) فالضمير المجرور
يرجع إلى المأمور به والمنهي عنه، وفي البحار المطبوع حديثا في باب القضاء والقدر:
(ولا يكونون فيه - الخ).
(2) الظاهر أن هذا تفسير من بعض الرواة أو من الصدوق - رحمه الله - كما استظهره
المجلسي - رحمه الله - وقد مضى بيان الإذن في الحديث الحادي عشر من الباب السابق.
(3) القلم: 43.
(4) أي امتحان وحكم بالثواب أو العقاب.
349

قول الله عز وجل: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال:
يكون له ما يحج به، قلت: فمن عرض عليه الحج فاستحيا؟ قال: هو ممن يستطيع.
11 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا
سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن
أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
من عرض عليه الحج ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو ممن
يستطيع الحج.
12 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا
سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن سعيد بن جناح، عن عوف بن عبد الله
الأزدي، عن عمه، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الاستطاعة، فقال: وقد فعلوا (1)
فقلت: نعم، زعموا أنها لا تكون إلا عند الفعل وإرادة في حال الفعل لا قبله (2) فقال
أشرك القوم (3).
13 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن
يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عمن رواه من أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سمعته يقول: لا يكون العبد فاعلا إلا وهو مستطيع وقد يكون مستطيعا غير فاعل
ولا يكون فاعلا أبدا حتى يكون معه الاستطاعة.
14 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه
عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل:
(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ما يعني بذلك؟ قال: من كان

(1) هذا إخبار، أي وقد فعلوا ما يوجب أمثال هذه الضلالات في الدين.
(2) قوله: (وإرادة) بالجر عطف على الفعل، وفي نسخة (ط) و (ن) بصيغة اسم الفاعل
المؤنث من الورود فهو خبر للاتكون.
(3) إشراكهم ليس لأجل هذه العقيدة خاصة، بل لما فعلوا في أصل الدين، ويحتمل
ذلك لأن هذه العقيدة من لوازم الجبر المستلزم إسناد الظلم والفواحش إليه تعالى.
350

صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد وراحلة.
15 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا
سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الله بن محمد الحجال الأسدي، عن
ثعلبة بن ميمون، عن عبد الأعلى بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام في هذه الآية
(لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون
بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون) (1) أنهم كانوا
يستطيعون وقد كان في العلم أنه لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لفعلوا.
16 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا
سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن عبد الله، عن أحمد
ابن محمد البرقي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (وسيحلفون بالله
لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون) قال: أكذبهم
الله عز وجل في قولهم: (لو استطعنا لخرجنا معكم) وقد كانوا مستطيعين للخروج.
17 - حدثتا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله، قالا: حدثنا
سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن عبد الله، عن محمد بن أبي عمير،
عن أبي الحسن الحذاء، عن المعلى بن خنيس، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما
يعني بقوله عز وجل: (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون)؟ (3) قال: و
هم مستطيعون.
18 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا سعد
ابن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن عبد الحميد، ومحمد بن الحسين بن
أبي الخطاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: لا يكون العبد فاعلا ولا متحركا إلا والاستطاعة معه من الله عز وجل
وإنما وقع التكليف من الله بعد الاستطاعة، فلا يكون مكلفا للفعل إلا مستطيعا.

(1) التوبة: 42.
(2) كذا، ولا يعرف الرجل في أصحاب الصادق
عليه السلام وفي نسخة (و) و (ه‍) (عن أبي محمد البرقي).
(3) القلم: 43.
351

19 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد
ابن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: ما كلف الله العباد كلفة فعل ولا نهاهم عن شئ حتى جعل
لهم الاستطاعة ثم أمرهم ونهاهم، فلا يكون العبد آخذا ولا تاركا إلا باستطاعة
متقدمة قبل الأمر والنهي وقبل الأخذ والترك وقبل القبض والبسط.
20 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم،
عن سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يكون من العبد قبض
ولا بسط إلا باستطاعته متقدمة للقبض والبسط.
21 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين،
عن أبي شعيب المحاملي، وصفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير،
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول وعنده قوم يتناظرون في الأفاعيل والحركات
فقال: الاستطاعة قبل الفعل، لم يأمر الله عز وجل بقبض ولا بسط إلا والعبد
لذلك مستطيع.
22 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد،
عن مروك بن عبيد، عن عمرو رجل من أصحابنا (1) عمن سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال
له: إن لي أهل بيت قدرية يقولون: نستطيع أن نعمل كذا وكذا ونستطيع أن
لا نعمل، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: قل له: هل تستطيع أن لا تذكر ما تكره وأن لا تنسى ما تحب؟ فإن قال: لا فقد ترك قوله، وإن قال: نعم فلا تكلمه أبدا فقد
ادعى الربوبية.
23 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا
أبو الخير صالح بن أبي حماد، قال: حدثني أبو خالد السجستاني، عن علي بن
يقطين، عن أبي إبراهيم عليه السلام، قال: مر أمير المؤمنين عليه السلام بجماعة بالكوفة وهم

(1) قوله: (رجل) بالجر بدل عن (عمرو) ولكون الواو بعد عمر للعطف احتمال.
352

يختصمون في القدر، فقال لمتكلمهم: أبالله تستطيع أم مع الله أم دون الله تستطيع؟!
فلم يدر ما يرد عليه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنك إن زعمت أنك بالله تستطيع
فليس لك من الأمر شئ (1) وإن زعمت أنك مع الله تستطيع فقد زعمت أنك شريك
معه في ملكه، وإن زعمت أنك من دون الله تستطيع فقد ادعيت الربوبية من دون الله،
عز وجل، فقال: يا أمير المؤمنين لا، بل بالله أستطيع، فقال عليه السلام: أما إنك
لو قلت غير هذا لضربت عنقك.
24 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن
عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، و
النسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، وما اضطروا إليه، و
الحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة. (2)
25 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (ره) بفرغانة، قال: حدثنا أبي،
عن أحمد بن علي الأنصاري، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سأل
المأمون الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل: (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري
وكانوا لا يستطيعون سمعا) (3) فقال عليه السلام: إن غطاء العين لا يمنع من الذكر، و
الذكر لا يرى بالعيون، ولكن الله عز وجل شبه الكافرين بولاية علي بن
أبي طالب عليه السلام بالعميان لأنهم كانوا يستثقلون قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه ولا يستطيعون
سمعا، فقال المأمون: فرجت عني فرج الله عنك.

(1) أي شئ مما ادعيت من استقلالك في الأفاعيل والحركات، وفي نسخة (و) و
(ج) (فليس إليك - الخ).
(2) ليس المرفوع ذوات هذه الأمور قطعا، بل المؤاخذة أو الأحكام التكليفية أو
الوضعية أو كلتاهما كلا أو بعضا، والتفصيل في محله، وذكر الحديث هنا لذكر ما لا يطيقون فيه
أي ما لا يستطيعون بالمعنى الثاني المذكور في صدر الباب.
(3) الكهف: 101.
353

57 - باب الابتلاء والاختبار
1 - أبي رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى
ابن عمران الأشعري، عن محمد بن السندي، عن علي بن الحكم، عن هشام بن
سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من قبض ولا بسط إلا ولله فيه المن والابتلاء.
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن عيسى
ابن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حمزة بن محمد الطيار، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: ما من قبض ولا بسط إلا ولله فيه مشية وقضاء وابتلاء.
3 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد،
عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن حمزة بن محمد الطيار، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: ليس شئ فيه قبض أو بسط مما أمر الله به أو نهى عنه إلا وفيه من الله عز وجل
ابتلاء وقضاء (1)
58 - باب السعادة والشقاوة
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن محمد رفعه عن شعيب العقرقوفي، عن أبي بصير،
قال: كنت بين يدي أبي عبد الله عليه السلام جالسا وقد سأله سائل فقال: جعلت فداك يا
ابن رسول الله من أين لحق الشقاء أهل المعصية حتى حكم لهم في علمه بالعذاب على
عملهم، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيها السائل علم الله عز وجل ألا يقوم أحد من خلقه
بحقه، فلما علم بذلك وهب لأهل محبته القوة على معرفته ووضع عنهم ثقل العمل
بحقيقة ما هم أهله (2) ووهب لأهل المعصية القوة على معصيتهم (3) لسبق علمه فيهم

(1) في نسخة (ط) و (ن) (ليس شئ فيه قبض ولا بسط - الخ).
(2) أي بحقيقة المحبة التي هم أهلها فإن المحبة تدفع ثقل العمل كما يشهد به الوجدان.
(3) مع أن كلا الفريقين قادرون على الطاعة والمعصية إلا أن محبة الله تدفع ثقل الطاعة
وتمنع عن المعصية، ومحبة النفس والدنيا تجر إلى المعصية وتثقل الطاعة، فيصح حينئذ
أن يقال: لهم القوة على المعرفة والطاعة ولهم القوة على المعصية.
354

ولم يمنعهم إطاقة القبول منه لأن علمه أولى بحقيقة التصديق، فوافقوا ما سبق
لهم في علمه، وإن قدروا أن يأتوا خلالا تنجيهم عن معصيته (1) وهو معنى شاء
ما شاء، وهو سر (2).

(1) في الكافي باب السعاة والشقاوة: (ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم من عذابه)
وفي نسخة (ط) و (ن) (ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم عن معصيته) وقوله في النسختين:
(ولم يقدروا) لا يناسب قوله: (ولم يمنعهم اطاقة القبول منه) لأنه تعالى إن لم يمنعهم ذلك
فهم قادرون على أن يأتوا حالا تنجيهم عن معصيته فالمناسب (وإن قدروا) كما في سائر النسخ،
إلا أن في الكافي: (ومنعهم إطاقة القبول) فيناسب.
ثم إن معنى الحديث على ما في الكتاب ظاهر لا إشكال فيه كما قلنا من قبل: إن كلا الفريقين
قادرون - الخ، وأما على ما في الكافي فمنع الإطاقة وعدم القدرة على ما ينجيهم من عذابه
لأجل عدم المحبة له تعالى بحيث لا ينبعث إرادتهم على القبول لما من عنده من المعارف
والأوامر والنواهي وغيرها وعلى الاتيان بما فيه رضى الرب تعال ومع عدم انبعاث الإرادة
امتنع القبول والإتيان، وعدم المحبة لأجل عدم المعرفة وهو معلول لعدم التوجه والاقبال
إلى الحق وهو معلول للتغافل ثم الغفلة عن مبدئه ومعاده وهو معلول للاشتغال بما عنده من
اللذات المادية وما في الدنيا من الأمور الفانية وتوهم أنها مطلوبة نافعة بما هي هي، والحاصل
أن امتناع الإطاقة وعدم القوة على الاتيان معلول لمنعه تعالى إياهم محبته فلذا أسنده إلى
نفسه، لكن ذلك ليس جزافا وظلما بل لعدم قابلية المحل لمحبته بسبب الاشتغال بمحبة نفسه
ومحبة ما يراه ملائما لنفسه، وببيان آخر أن القدرة قد يراد بها كون الفاعل بحيث يصح منه
الفعل والترك ويمكنانه، وقد يراد بها القوة المنبعثة في العضلات على الاتيان بعد تحقق
الإرادة، ويعبر عنها بالاستطاعة والإطاقة أيضا، والمنفية عنهم في الحديث هي القدرة
بالمعنى الثاني، فتدبر.
(2) في الكافي: (وهو سره) والسر يأتي بمعنى الأمر المكتوم والأمر المعزوم عليه،
والأصل، وجوف كل شئ ولبه، وعلى نسخة الكتاب فالأنسب المعنى الأول، فمعنى الكلام:
وهو أي هبة القوة للفريقين معنى شاء ما شاء، وهذا المعنى أمر مكتوم عن أفهام العامة. و
على ما في الكافي فالأنسب أن يكون بمعنى الأصل، فمعناه: وهو أي معنى شاء ما شاء أصل
الأمر فيما قلت لك من شأن أهل المحبة وأهل المعصية.
355

2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن أسباط،
عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل:
(قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا) (1) قال: بأعمالهم شقوا.
3 - حدثنا الشريف أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن
الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: حدثنا علي بن محمد
ابن قتيبة النيسابوري، عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن أبي عمير، قال: سألت
أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (الشقي من شقي
في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه) فقال: الشقي من علم الله وهو في
بطن أمه أنه سيعمل أعمال الأشقياء (2) والسعيد من علم الله وهو في بطن أمه أنه
سيعمل أعمال السعداء، قلت له: فما معنى قوله صلى الله عليه وآله: (اعملوا فكل ميسر لما
خلق الله)؟ فقال: إن الله عز وجل خلق الجن والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم
ليعصوه، وذلك قوله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (3)
فيسر كلا لما خلق له، فالويل لمن استحب العمى على الهدى. (4)

(1) المؤمنون: 106.
(2) في نسخة (ط) و (ن) في الموضعين: (من علمه الله).
(3) الذاريات: 56.
(4) في نسخة (و) بعد الحديث الرابع هكذا: (قال مصنف هذا الكتاب: ولهذا
الحديث معنى آخر وهو أن أم الشقي جهنم، قال الله عز وجل: (وأما من خفت موازينه فأمه
هاوية) والشقي من جعل في الهاوية، والسعيد من أسكن الجنة).
أقول: وله معنى آخر مذكور في بعض الأخبار، وهو أن ملك الأرحام يكتب له
بإذن الله بين عينيه أنه سعيد أم شقي وهو في بطن أمه، ومعنى آخر أن المراد بالأم دار الدنيا
فإنه كما يولد من بطن أمه إلى الدنيا يولد من الدنيا إلى الآخرة فإحديهما حاصلة له في
الدنيا بأعماله.
356

4 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد،
عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن معلى أبي عثمان (1)
عن علي بن حنظلة، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: يسلك بالسعيد طريق الأشقياء
حتى يقول الناس: ما أشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه السعادة، وقد يسلك
بالشقي طريق السعداء حتى يقول الناس: ما أشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه
الشقاء. إن من علمه الله تعالى سعيدا وإن لم يبق من الدنيا إلا فواق ناقة ختم له
بالسعادة. (2)
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم،
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله عز وجل خلق السعاة والشقاوة قبل أن
يخلق خلقه (3) فمن علمه الله سعيدا لم يبغضه أبدا، وإن عمل شرا أبغض عمله ولم

(1) هو أبو عثمان معلى بن عثمان الأحول الكوفي الثقة الذي روي عن أبي عبد الله عليه السلام
بلا واسطة أيضا، وفي نسخة (و) و (ه‍) عن معلى بن عثمان، وأما معلى بن أبي عثمان كما
في بعض النسخ فالظاهر أنه خطأ.
(2) الختم بالسعادة أو الشقاوة منوط بخير القلب وعدمه، وهو ما أنبأ عنه في قوله
تعالى: (لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم) وقوله: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا)
وهذا الخير هو ميل القلب إلى الحق وحبه له كائنا ما كان وإن لم يعرف مصداقه واشتبه
عليه الباطل به، فإن على الله الهدى إن علم ذلك من عبده.
(3) في الكافي: (فمن خلقه الله سعيدا لم يبغضه أبدا - الخ) (وإن كان شقيا لم يحبه
أبدا - الخ) أقول: لا شبهة أن السعادة التي هي الفوز بالمطلوب والشقاوة التي هي الحرمان
عنه لاحقتان بالعبد إثر عقيدته وعمله كما صرح به في الحديث الأول، فمعنى خلقهما قبل
خلق الخلق خلق عللهما وأن لا تتم إلا باختيار العبد، أو المعنى أنه تعالى خلقهما بخلق
الإنسان الذي هو موضوعهما في العوالم السالفة كالميثاق والأرواح قبل أن يخلقه خلقة هذه
النشأة، أو معنى خلقهما تقديرهما في ألواح التقدير لا إيجادهما في موضوعهما.
357

يبغضه، وإن كان علمه شقيا لم يحبه أبدا، وإن عمل صالحا أحب عمله وأبغضه لما
يصير إليه، فإذا أحب الله شيئا لم يبغضه أبدا، وإذا أبغض شيئا لم يحبه أبدا.
6 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن
الصفار، وسعد بن عبد الله جميعا، قالا: حدثنا أيوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير،
عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (واعلموا أن الله
يحول بين المرء وقلبه) (1) قال: يحول بينه وبين أن يعلم أن الباطل حق (2)
وقد قيل: إن الله تبارك وتعالى يحول بين المرء وقلبه بالموت (3) وقال أبو عبد الله
عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى ينقل العبد من الشقاء إلى السعادة ولا ينقله من السعادة
إلى الشقاء. (4)

(1) الأنفال: 24.
(2) وكذا أن يعلم أن الحق باطل، وهذا عام لكل أحد من الناس، وذلك لأن اليقين
من صنع الرب تعالى، ولا يصنع في عبده اليقين بما خالف الحق، بل إما يصنع اليقين أو
لا يصنع، ولما رواه العياشي في تفسيره عن الصادق عليه السلام أنه قال (لا يستيقن القلب إن الحق
باطل أبدا ولا يستيقن أن الباطل حق أبدا) فأما المخالفون للحق الآخذون الباطل مكان
الحق أو الحق مكان الباطل فهم إما مستيقنون بأنفسهم جاحدون بألسنتهم أو شاكون وإن
استدلوا على ما بأيديهم، وإلا لم يتم الحجة عليهم لأن اليقين حجة بنفسه مع أن لله تعالى
الحجة البالغة على جميع خلقه، والحاصل أن متعلق يقين القلب حق أبدا، وأما الأباطيل
فهي وراء اليقين، فمن ادعى اليقين بباطل فهو كذاب مفتر.
(3) الظاهر أن نقل هذا القيل من الصدوق رحمه الله.
(4) إن قلت: إن كان المراد بالشقاوة والسعادة بحسب ما يراه الناس فالنقل ثابت من كل
منهما إلى الآخر كما نطق به الحديث وشهد به الواقع، وإن كان المراد بهما بحسب
ما في علم الله فلا نقل أصلا لأن ما علمه تعالى لا يتغير، قلت: إن الكلام منصرف عن هذا البحث
بل المراد أن الله تعالى يلطف بأمور لبعض من يسلك سبيل الشقاوة فيقربه من سبيل السعادة
لمصالح لشخصه أو لغيره سواء ختم أمره بالسعادة أو بالشقاوة، ولا يمكر بمن يسلك سبيل
السعادة بأمر فيقربه من سبيل الشقاوة سواء أيضا ختم أمره بها أو بها. والشاهد له الحديث
السابع من الباب التالي، ولا يبعد أن يكون الكلام ناظرا إلى مسألة البداء.
358

59 - باب نفي الجبر والتفويض
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن
حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله
عز وجل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه، وأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به
من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به، وما نهاهم عنه من شئ فقد جعل لهم
السبيل إلى تركه، ولا يكونوا آخذين ولا تاركين إلا بإذن الله (1).
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن
يونس بن عبد الرحمن، عن حفص بن قرط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زعم أن الله تبارك وتعالى يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله، و
من زعم أن الخير والشر بغير مشية الله فقد أخرج الله من سلطانه، ومن زعم أن
المعاصي بغير قوة الله فقد كذب على الله، ومن كذب على الله أدخله الله النار. يعني
بالخير والشر: الصحة والمرض، وذلك قوله عز وجل: (ونبلوكم بالشر والخير
فتنة) (2).

(1) هذا هو الحديث الثامن من الباب السادس والخمسين بسند آخر، وفي نسخة
(و) هنا: يعني بعلمه كما هناك.
(2) الأنبياء: 35، والظاهر أن قوله: (يعني بالخير - الخ) من الصدوق فإن الحديث
مروي بعين السند في باب الجبر والقدر من الكافي إلى قوله: (أدخله النار) ثم إن مفاد
الكلام أعم من هذا التفسير، بل هو رد على المفوضة القائلين بأن مشيئة الله غير متعلقة بأفعال
العباد.
359

3 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن الحسين
السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن
عن غير واحد، عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليهما السلام، قالا: إن الله عز وجل أرحم
بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها، والله أعز من أن يريد
أمرا فلا يكون، قال: فسئلا عليهما السلام، هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قالا: نعم،
أوسع مما بين السماء والأرض (1).
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا الحسن
ابن متيل (2) عن أحمد بن أبي عبد الله، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم،
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: الله تبارك وتعالى أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقونه
والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد
5 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر
ابن بطة، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن علي بن محبوب، ومحمد بن
الحسين بن عبد العزيز، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حماد
ابن عيسى الجهني، عن حريز بن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الناس في
القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الله عز وجل أجبر الناس على المعاصي فهذا
قد ظلم الله في حكمه فهو كافر، ورجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم فهذا قد أوهن

(1) سعته باعتبار مشيئة الله العامة لكل شئ في الوجود، فإن الجبرية ضيقوا مشيئته
تعالى لأنهم يقولون لا تتعلق بمشيئة العبد لفعله إذ لا مشيئة له، والقدرية ضيقوها لأنهم يقولون
لا تتعلق بها إذا لعبد مستقل في مشيئته، ويرد قول الفريقين الحديث القدسي المشهور المروي
عن النبي والأئمة عليهم السلام: (يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء)
وقد مضى في الباب الخامس والخمسين.
(2) بفتح الميم، وقيل بضمها، وفي نسخه (و) وصفة بالدقاق، قال في قاموس الرجال:
إن المصنف (يعني الممقاني) زاد في عنوانه الدقاق القمي، والدقاق يستفاد من خبر مزار
التهذيب وأما القمي فلم يعلم مستنده.
360

الله في سلطانه فهو كافر، ورجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا
يطيقون وإذا أحسن حمد الله، وإذا أساء استغفر الله، فهذا مسلم بالغ.
6 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله،
عن إسماعيل بن سهل، عن عثمان بن عيسى، عن محمد بن عجلان، قال: قلت لأبي -
عبد الله عليه السلام: فوض الله الأمر إلى العباد؟ فقال: الله أكرم من أن يفوض إليهم،
قلت: فأجبر الله العباد على أفعالهم؟ فقال: الله أعدل من أن يجبر عبدا على فعل ثم
يعذبه عليه.
7 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا: سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
خالد، عن أبيه، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام،
قال: ذكر عنده الجبر والتفويض، فقال: ألا أعطيكم في هذا أصلا لا تختلفون
فيه ولا تخاصمون عليه أحدا إلا كسرتموه، قلنا: إن رأيت ذلك، فقال: إن الله
عز وجل لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة (1) ولم يهمل العباد في ملكه، هو
المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله
عنها صادا ولا منها مانعا وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل
وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه، ثم قال عليه السلام: من يضبط حدود
هذا الكلام فقد خصم من خالفه (2).

(1) قوله: (لم يطع بإكراه) رد على الجبرية، وقوله: (لم يعص بغلبه) رد
على القدرية وفي نسخة و (و) و (ط) و (ن) (لم يطع بالاكراه).
(2) حاصل كلامه عليه السلام: أنه تعالى قادر على كل شئ ومالك كل شئ حتى إرادات
ذويها فإنها بيده يمنع ويعطي فلا معنى لقول القدرية المفوضة، لكنه تعالى يخلي بين العبد و
بين إرادته في مقام الطاعة فيفعل فيستحق، ويخلي بينه وبينها في مقام المعصية تارة ويحول
أخرى بسلب مقدمة من المقدمات الخارجية أو الداخلية، فإن حال فهو لطف من الله لعبده،
وإن لم يحل وفعل العبد فإنما فعل بإرادته التي جعلها الله تعالى من حيث الفعل والترك
بيده، لا أنه تعالى أكرهه على ذلك، فليس على الله شئ، إذ ليس من حق العبد على الله
عز وجل أن يحول بينه وبين معصيته، فلا معنى لقول الجبرية.
361

8 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن خنيس بن محمد، عن محمد بن يحيى الخزاز، عن
المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين
أمرين، قال: قلت: وما أمر بين أمرين؟ قال: مثل ذلك مثل رجل رأيته على معصية
فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته أنت
الذي أمرته بالمعصية. (1)
9 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق المؤدب رحمه الله، قال: حدثنا أحمد
ابن علي الأنصاري، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن
علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام يقول: من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة ولا
تقبلوا له شهادة، إن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يحملها فوق
طاقتها (2) ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى. (3)
10 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن محمد
ابن عامر، عن معلى بن محمد البصري، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام، قال: سألته فقلت له: الله فوض الأمر إلى العباد؟ قال: الله أعز

(1) بيانه أنك حيث نهيته فلم ينته فتركته على عمله لست أنت الذي أمرته بالمعصية،
كذلك الله تعالى حيث نهى العبد عن المعصية فلم ينته فتركه وخلى بينه وبين عمله ليس هو
الذي أدخله فيها وأجبره عليها، فالله خلاه فلا جبر، وقادر على منعه إن شاء فلا تفويض.
(2) إشارة إلى قوله تعالى: (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به)، والفقرات الثلاث الأخر
مذكورة في الكتاب.
(3) في نسخه (و) و (ن) و (ه‍) بعد الحديث التاسع هذا الحديث: (حدثنا أحمد بن
زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه،
عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: جاء رجل إلى
النبي صلى الله عليه وآله، فقال: يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل؟
فقال: لا، بل اعقلها وتوكل).
362

من ذلك، قلت: فأجبرهم على المعاصي؟ قال: الله أعدل وأحكم من ذلك، ثم قال:
قال الله عز وجل: يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك مني،
عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك.
11 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، قال:
حدثنا أبو عبد الله الرازي، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن ابن سنان، عن
مهزم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أخبرني عما اختلف فيه من خلفت من موالينا،
قال: قلت: في الجبر والتفويض، قال: فسلني، قلت: أجبر الله العباد على المعاصي؟
قال: الله أقهر لهم من ذلك (1) قال: قلت: ففوض إليهم؟ قال: الله أقدر عليهم
من ذلك، قال: قلت: فأي شئ هذا أصلحك الله؟ قال: فقلب يده مرتين أو ثلاثا،
ثم قال: لو أجبتك فيه لكفرت.
12 - حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن عبد الله
ابن جعفر الحميري، عن أبيه، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد،
عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، قال: قلت
له: يا ابن رسول الله إن الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه والجبر لما روي من
الأخبار في ذلك عن آبائك الأئمة عليهم السلام، فقال: يا ابن خالد أخبرني عن الأخبار
التي رويت عن آبائي الأئمة عليهم السلام في التشبيه والجبر أكثر أم الأخبار التي رويت
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك؟! فقلت: بل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك أكثر،
قال: فليقولوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول بالتشبيه والجبر إذا، فقلت له:
إنهم يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل من ذلك شيئا وإنما روي عليه، قال:

(1) كأن القائل بالجبر يقول: إن الله تعالى لو جعل عباده مختارين لفات عنه انفاذ
مشيئته فيهم كما ذهب إليه المفوضة، فقال عليه السلام: أنه تعالى أقهر لهم من ذلك، وليست الملازمة
ثابتة، بل هو قاهر عليهم مع اختيارهم، وفي نسخة (و) (الله أرحم لهم من ذلك) والعجب
أن كلا من الفريقين على حسب سلوكهم لو جازوا عن مقامهم وقعوا في مهوى الآخرين، و
ذلك لأنهم لم يطلبوا العلم عن باب مدينته حتى يستقيموا على الطريقة الوسطى.
363

فليقولوا في آبائي عليهم السلام: إنهم لم يقولوا من ذلك شيئا وإنما روي عليهم، ثم قال
عليه السلام: من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ونحن منه براء في الدنيا والآخرة
يا ابن خالد إنما وضع الأخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله،
فمن أحبهم فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا، ومن والاهم فقد عادانا، ومن
عاداهم فقد والانا، ومن وصلهم فقد قطعنا، ومن قطعهم فقد وصلنا، ومن جفاهم فقد
برنا، ومن برهم فقد جفانا، ومن أكرمهم فقد أهاننا، ومن أهانهم فقد أكرمنا،
ومن قبلهم فقد ردنا، ومن ردهم فقد قبلنا، ومن أحسن إليهم فقد أساء إلينا،
ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا، ومن صدقهم فقد كذبنا، ومن كذبهم فقد صدقنا،
ومن أعطاهم فقد حرمنا، ومن حرمهم فقد أعطانا، يا ابن خالد من كان من شيعتنا
فلا يتخذن منهم وليا ولا نصيرا.
60 - باب القضاء
والقدر والفتنة والأرزاق والأسعار والآجال
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب بن
يزيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن عبد الله بن سليمان، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: إن القضاء والقدر خلقان من خلق الله،
والله يزيد في الخلق ما يشاء. (1)

(1) قال المجلسي رحمه الله ذيل هذا الحديث في البحار القضاء والقدر: (خلقان
من خلق الله) بضم الخاء أي صفتان من صفات الله، أو بفتحهما أي هما نوعان من خلق الأشياء
وتقديرها في الألواح السماوية، وله البداء فيها قبل الايجاد، فذلك قوله: (يزيد في الخلق
ما يشاء) أو المعنى مرتبتان من مراتب خلق الأشياء فإنها تتدرج في الخلق إلى أن
تظهر في الوجود العيني.
أقول: ولا يبعد أن يكون المراد بهما موجودين من الملائكة أو غيرهم يجري على
أيديهم قضاؤه تعالى وقدره كالنازلين ليلة القدر، مع أن إطلاق الخلق على نفس القضاء
والقدر صحيح باعتبار جريانهما في الممكنات كالمشيئة على ما في الحديث الثامن في الباب الخامس
والخمسين.
364

2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن درست،
عن ابن أذينة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له جعلت فداك ما تقول في
القضاء والقدر؟ قال: أقول: إن الله تبارك وتعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم
عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم (3).
3 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن
محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن عبد الملك بن عنترة الشيباني، عن
أبيه، عن جده، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين
أخبرني عن القدر، قال عليه السلام: بحر عميق فلا تلجه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني
عن القدر، قال عليه السلام: طريق مظلم فلا تسلكه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن
القدر، قال عليه السلام: سر الله فلا تكلفه (3) قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر،
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما إذا أبيت فإني سائلك، أخبرني أكانت رحمة الله
للعباد قبل أعمال العباد أم كانت أعمال العباد قبل رحمة الله؟! قال: فقال له
الرجل: بل كانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
قوموا فسلموا على أخيكم فقد أسلم وقد كان كافرا، قال: وانطلق الرجل غير
بعيد، ثم انصرف إليه فقال له: يا أمير المؤمنين أبا لمشية الأولى نقوم ونقعد ونقبض
ونبسط؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: وإنك لبعد في المشية (4) أما إني سائلك عن

(1) في نسخة (و) و (ج) و (ه‍) (عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام).
(2) بيانه أنه تعالى لا يسأل العباد يوم القيامة عما قضى عليهم قضاء تكوينيا حتى نفس
أفعالهم الصادرة عنهم لأنها من حيث هي هي أشياء تقع في الوجود تبعا لعللها فليست خارجة
عن حيطة قدره تعالى وقضائه. بل مورد السؤال يوم القيامة هو أفعالهم من حيث الموافقة و
المخالفة لقضائه التشريعي الذي هو التحليل والتحريم، وهذا هو العهد.
(3) في البحار باب القضاء والقدر: (فلا تتكلفه).
(4) في نسخة (ط) و (ن) (وإنك لبعيد في المشيئة).
365

ثلاث لا يجعل الله لك في شئ منها مخرجا: أخبرني أخلق الله العباد كما شاء أو كما
شاؤوا؟! فقال: كما شاء، قال عليه السلام: فخلق الله العباد لما شاء أو لما شاؤوا؟! فقال:
لما شاء، قال عليه السلام: يأتونه يوم القيامة كما شاء أو كما شاؤوا؟ قال: يأتونه كما شاء،
قال عليه السلام: قم فليس إليك من المشية شئ. (1)
4 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد الإصبهاني
عن سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة (2) عن الزهري، قال: قال رجل
لعلي بن الحسين عليهما السلام،: جعلني الله فداك أبقدر يصيب الناس ما أصابهم أم بعمل؟
فقال عليه السلام: إن القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد، فالروح بغير جسد لا تحس
والجسد بغير روح صورة لا حراك بها (3) فإذا اجتمعا قويا وصلحا، وكذلك العمل
والقدر، فلو لم يكن القدر واقعا على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق وكان

(1) إن السائل توهم أن أعمال العباد لو كانت واقعة بقدر الله تعالى لزم الظلم إذا عذبوا
عليها إذ لا محيص لهم عن القدر، كما أن هذا التوهم ألجأ المفوضة إلى التفويض ونفي القدر
فأجاب عليه السلام أن أعمال العباد مسبوقة برحمته، مرتبطة بها، مقدرة بها كسائر الأشياء، فإن
رحمته وسعت كل شئ، فإن كانت مقدرة بها فلا معنى لأن يكون في التقدير ظلم، فالجواب
يرجع إلى نفي الملازمة بإثبات ضد الظلم في القدر، وحيث إنه عليه السلام نفي التفويض وأثبت القدر
توهم الجبر فرجع وقال: (أبا لمشيئة الأولى - الخ) إذ إثبات القدر في الأعمال يستلزم
كونها بمشيئته، وهذا من عجيب أمر هذا المبحث إذ نفي أحد الطرفين يجر إلى الطرف الآخر
والقرار في الوسط يحتاج إلى قريحة لطيفة وفكرة دقيقة، فأثبت عليه السلام للعبد مشيئة ولله تعالى
المشيئة إلا أنها متقدمة حاكمة عليها مؤثرة فيها. وقوله: (فليس إليك من المشيئة شئ) أي
ليس شئ من مشيئتك مفوض إليك من دون تأثير مشيئته، وهذا هو الأمر بين أمرين، وفي
نسخة (ب) و (د) (فليس إليك في المشيئة شئ) وفي نسخة (ن) (فليس لك من المشيئة شئ) و
في نسخة (ج) (ليس لك في المشيئة شئ).
(2) في نخسة (ب) و (د) وحاشية نسخة (ن) و (ط) (عن سيف بن عيينة).
(3) في نسخة (ب) و (ط) و (ن) (لا حراك لها).
366

القدر شيئا لا يحس، ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض ولم يتم، ولكنهما
باجتماعهما قويا، ولله فيه العون لعباده الصالحين (1) ثم قال عليه السلام: ألا إن من أجور
الناس من رأى جوره عدلا وعدل المهتدي جورا، إلا إن للعبد أربعة أعين: عينان
يبصر بهما أمر آخرته، وعينان يبصر بهما أمر دنياه، فإذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا
فتح له العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما العيب (2) وإذا أراد غير ذلك ترك القلب
بما فيه، ثم التفت إلى السائل عن القدر فقال: هذا منه، هذا منه (3).
5 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا
القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا علي بن زياد، قال:
حدثنا مروان بن معاوية، عن الأعمش، عن أبي حيان التيمي (4)، عن أبيه - و

(1) بيان كلامه عليه السلام: إن القدر يضاف إلى الله تعالى وهو هندسة الشئ ووضع حدوده
وجودا وعدما، ويضاف إلى الأمر المقدر وهو تعينه وتقدره بتلك الهندسة والحدود، فما لم
يكن القدر من الله تعالى لشئ لعدم تحقق بعض ما له دخل فيه لم يتعين ذلك الشئ ولم يوجد
(وهذا معنى قوله عليه السلام: (لم يمض ولم يتم) ولم يعرف الخالق منه ولم يكن قدر الله فيه
محسوسا، ثم إن العمل حيث إن له دخلا فيما يصيب الإنسان في دنياه وآخرته وإنه جزء لقدر
ما يصيبه قال عليه السلام: (ولكنهما باجتماعهما قويا) وصارا منشأ لتحقق ما يصيب الإنسان (وصلحا)
لحصوله. والحاصل إنا كل شئ خلقناه بقدر، فلولا القدر لم يكن مخلوقا ولا القدر فيه
محسوسا ولا المقدر منه معروفا، وعمل الإنسان له دخل فيما له وما عليه، فلذلك لم يتم
قدر الله لما يصيب الإنسان إلا بالعمل، إلا أن القدر هو الأصل في ذلك لمكان التمثيل ولأن
العمل أيضا موقع للقدر، ثم إن قوله: (لا نحس - ولا يحس) في الموضعين على بناء المجهول،
والضمير المجرور في قوله: (ولله فيه العون) يرجع إلى العمل.
(2) في نسخة (ج) (فأبصر بهما الغيب).
(3) أي فتح عيني القلب وتركه من القدر، وفي هذا الكلام إشارة إلى أن المعرفة
بسر القدر والرضا به لمن فتحت عين قلبه.
(4) هو أبو حيان يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي، ثقة مات سنة خمس و
أربعين. كما قال ابن حجر والذهبي. وفي نسخة (ب) (عن أبي حنان التيمي).
367

كان مع علي عليه السلام يوم صفين وفيما بعد ذلك - قال: بينا علي بن أبي طالب عليه السلام
يعبي الكتائب يوم صفين ومعاوية مستقبله على فرس له يتأكل تحته تأكلا وعلي
عليه السلام على فرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرتجز، وبيده حربة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو متقلد
سيفه ذو الفقار (1) فقال رجل من أصحابه: احترس يا أمير المؤمنين فإنا نخشى أن
يغتالك هذا الملعون، فقال عليه السلام: لئن قلت ذاك إنه غير مأمون على دينه وإنه
لأشقى القاسطين وألعن الخارجين على الأئمة المهتدين، ولكن كفى بالأجل حارسا،
ليس أحد من الناس إلا ومعه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو يقع
عليه حائطا أو يصيبه سوء، فإذا حان أجله خلوا بينه وبين ما يصيبه، وكذلك أنا
إذا حان أجلي انبعث أشقاها (2) فخضب هذه من هذا - وأشار إلى لحيته ورأسه -
عهدا معهودا ووعدا غير مكذوب، والحديث طويل، أخذنا منه موضع الحاجة، وقد
أخرجته بتمامه في كتاب الدلائل والمعجزات.
6 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا
محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران
الأشعري، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن عمر بن أذينة، عن زرارة
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كما أن بادي النعم من الله عز وجل وقد
نحلكموه، فلذلك الشر من أنفسكم وإن جرى به قدره (3).
7 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن أحمد،
عن يوسف بن الحارث، عن محمد بن عبد الرحمن العرزمي، عن أبيه عبد الرحمن
بإسناده رفعه إلى من قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: قدر الله المقادير قبل أن
يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

(1) بالرفع على أن يكون علما للسيف، وفي نسخة (و) و (ب) (ذا الفقار) بالنصب
فهو وصف له.
(2) أي أشقى الأمة أو أشقى الفرقة المارقة أو أشقى الثلاثة المتعاهدين.
(3) في نسخه (ج) (وإن جرى به القدر) وفي نسخة (ه‍) (وإن جرى بيده قدره).
368

8 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق، وعلي بن محمد بن الحسن المعروف بابن
مقبرة القزويني (1) قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا الهيثم بن أبي
مسروق النهدي، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن ثابت (2) عن سعد بن طريف
عن الإصبع بن نباته، قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام عدل من عند حائط مائل إلى
حائط آخر، فقيل له، يا أمير المؤمنين أتفر من قضاء الله؟ فقال: أفر من قضاء الله
إلى قدر الله عز وجل (3).
9 - حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري (4) قال: حدثنا
أبو الحسن علي بن الحسن المثنى (5) قال: حدثنا أبو الحسن (6) علي بن مهرويه
القزويني، قال: حدثنا أبو أحمد الغازي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا

(1) في نسخة (ب) (ابن مقيرة القزويني) بالقاف والياء المثناة من تحت، وفي نسخة
(د) و (ه‍) وحاشية نسخة (ن) كما في المتن والبقية (ابن مغيرة القزويني) بالغين والياء.
(2) في نخسة (ب) (عن عمر بن ثابت)
(3) أي سقوط الحائط المائل على من عنده من قضاء الله تعالى، إلا أنه لم يقدر لي
فلا يقضي فلا يقع على بل المقدر لي الفرار من عنده، وهذا لا ينافي ما روي في باب فضل
اليقين من الكافي عن الصادق عليه السلام: (إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه جلس إلى حائط مائل
يقضي بين الناس، فقال بعضهم: لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معود، فقال أمير المؤمنين
صلوات الله عليه: حرس امرء أجله، فلما قام سقط الحائط، قال: وكان أمير المؤمنين عليه السلام
يفعل هذا وأشباهه، وهذا اليقين - انتهى الحديث) لأنه عليه السلام كان عالما بأن المقدر سقوط
الحائط بعد قيامه عنه والإمام عليه السلام يعمل بعض الأحيان بعلمه وإن كان الوظيفة بحسب الظاهر
المعلوم الفرار عن الحائط.
(4) في نسخة (ن) و (ط) (أبو الحسين محمد بن عمر بن علي البصري).
(5) في نسخة (ه‍) (أبو الحسين علي بن الحسن الميثمي) وفي نسخة (و) (أبو الحسن
علي بن الحسن بن المثنى، وفي نسخة (ب) أبو الحسين علي بن الحسن بن المثنى) وفي
نسخة (د) (أبو الحسين علي بن الحسين بن المثنى).
(6) في نسخة (د) وحاشية نسخة (ب) (أبو الحسين).
369

قال: حدثنا أبي موسى بن جعفر، قال: حدثنا أبي جعفر بن محمد، قال: حدثنا
أبي محمد بن علي، قال: حدثنا أبي علي بن الحسين، قال: حدثنا أبي الحسين
ابن علي عليهم السلام، قال: سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: الأعمال على ثلاثة
أحوال: فرائض وفضائل ومعاصي (1) وأما الفرائض فبأمر الله عز وجل، وبرضى الله
وقضاء الله وتقديره ومشيته وعلمه، وأما الفضائل فليست بأمر الله ولكن برضى الله و
بقضاء الله وبقدر الله وبمشيته وبعلمه، وأما المعاصي فليست بأمر الله (2) ولكن بقضاء
الله وبقدر الله وبمشيته وبعلمه، ثم يعاقب عليها.
قال مصنف هذا الكتاب: قضاء الله عز وجل في المعاصي حكمه فيها، ومشيته
في المعاصي نهيه عنها، وقدره فيها علمه بمقاديرها ومبالغها (3).

(1) كأنه عليه السلام أراد بالمعاصي أعم من المكروهات، ولم يدخل المباحات في القسمة.
(2) ولا برضى الله تعالى أيضا.
(3) أقول: قد ورد في الأحاديث أنه لا يكون شئ في السماوات والأرض إلا بسبع:
مشيئة، إرادة، قدر، قضاء، كتاب، أجل، إذن، وكذا ورد فيها كالحديث التاسع من الباب
الرابع والخمسين أن الله تعالى علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى، وكذا أحاديث أخر
دالة على أن كل شئ واقع بقضائه وقدره حتى أفعال العباد ومعاصيهم، وبالنظر في أخبار
هذا الباب والأبواب السبعة قبله وغيرها ينحل ما يخطر بالبال من الشبهات في هذا المبحث،
ومجمل القول: أن كل شئ حتى كل فعل صدر من العبد من حيث هو شئ إنما يقع في الخارج
بعلله المنتهية إليه تعالى، وإنكار ذلك إخراج لبعض ما في ملكه عن سلطانه تعالى عن ذلك،
لكنه تعالى جعل فعل العبد بيده أي بقدرته وإرادته، وإنكار قدرة العبد وإرادته سفه وإنكار
لأمر وجداني، يوجب ذلك الشبهات التي تراكمت في أذهان أصحابها لانحرافهم عن الحق
وأهله، مع أن قدرته وإرادته وكل شئ له محكومة بتلك الأمور، فإذا فعل فإنما فعل بقدرته
وإرادته بعد مشيئة الله له وإرادته وقدره وقضائه وإذنه بأجل في كتاب، وأما أمره تعالى
ونهيه فإنهما لا يتعلقان بفعل العبد من حيث ذاته وإنه شئ إذ لو لم يكن أمر ولا نهي لكان
الفعل واقعا أو غير واقع من غير دخل لهما فيه، بل يتعلقان به من حيث الموافقة بمعنى أن
الأمر وكذا النهي يبعث العبد مع شرائط البعث فيه على أن يجعل فعله وتركه وفقا لما أمر به
ونهى عنه، والحاصل أن الفعل المأمور به أو المنهى عنه من حيث هو كذلك الذي يتحقق
الطاعة بموافقته والمعصية بمخالفته ليس موردا لإرادته وقضائه وغيرهما من أسباب الخلق،
نعم مورد للتشريعية منها.
370

10 - وبهذا الإسناد قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: الدنيا كلها جهل إلا مواضع
العلم، والعلم كله حجة إلا ما عمل به، والعمل كله رياء إلا ما كان مخلصا، و
الاخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له.
11 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب رضي الله عنه، قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد،
عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن
أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي
ابن أبي طالب عليهم السلام، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: قال الله جل جلاله:
من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس إلها غيري، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
في كل قضاء الله خيرة للمؤمن. (1)
12 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع،
عن محمد بن عذافر، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات
يوم في بعض أسفاره إذا لقيه ركب فقالوا: السلام عليك يا رسول الله، فالتفت إليهم
فقال: ما أنتم؟ فقالوا: مؤمنون، فقال: ما حقيقة إيمانكم. قالوا: الرضا بقضاء الله
والتسليم لأمر الله والتفويض إلى الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علماء حكماء كادوا
أن يكونوا من الحكمة أنبياء، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا
ما لا تأكلون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون.
13 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد
الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن هارون

(1) في نسخة (د) (في كل قضاء الله عز وجل خيرة للمؤمنين).
371

ابن مسلم (1) عن ثابت بن أبي صفية، عن سعد الخفاف، عن الأصبغ بن نباتة،
قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل: إن كنت لا تطيع خالقك فلا تأكل رزقه (2)
وإن كنت واليت عدوه فأخرج عن ملكه، وإن كنت غير قانع بقضائه وقدره فاطلب
ربا سواه.
14 - وبهذا الإسناد، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال الله تبارك وتعالى
لموسى عليه السلام: يا موسى احفظ وصيتي لك بأربعة أشياء: أولهن ما دمت لا ترى ذنوبك
تغفر فلا تشغل بعيوب غيرك (3) والثانية ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت فلا تغتم
بسبب رزقك، والثالثة ما دمت لا ترى زوال ملكي فلا ترج أحدا غيري، والرابعة
ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تأمن مكره.
15 - وبهذا الإسناد عن الإصبع بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
أما بعد فإن الاهتمام بالدنيا غير زائد في الموظوف وفيه تضييع الزاد، والاقبال
على الآخرة غير ناقص من المقدور (4) وفيه إحراز المعاد، وأنشد:
(لو كان في صخرة في البحر راسية * صماء ملمومة ملس نواحيها)
(رزق لنفس يراها الله لا نفلقت * عنه فأدت إليه كل ما فيها)
(أو كان بين طباق السبع مجمعه * لسهل الله في المرقى مراقيها)
(حتى يوافي الذي في اللوح خط له * إن هي أتته وإلا فهو يأتيها) (5)

(1) في نسخة (و) و (ط) و (ن) (عن مروان بن مسلم).
(2) في نسخة (ط) و (ن) (فلا تأكل من رزقه).
(3) في النسخ المخطوطة عندنا: (فلا تشتغل - الخ)، وما هنا أبلغ.
(4) في نسخه (و) و (ه‍) و (ج) (غير ناقص في المقدور).
(5) قوله: (فأدت إليه) هكذا في النسخ، والقاعدة تقتضي إليها، أي فأدت تلك الصخرة
إلى تلك النفس، وكذا الكلام في الضمير المستتر في يوافي والضمير المجرور باللام بعده لأن
مرجعهما النفس، والتذكير يمكن أن يكون باعتبار صاحب النفس، وقوله: (مجمعه) اسم مكان
والضمير يرجع إلى رزق، وفي نسخه (و) و (ب) وحاشية نسخة (ن) (مجمعة) بالتاء
مكان الضمير، وهو اسم مكان أيضا، أي مجمعة له، وقوله: (وفي المرقى مراقيها) أي
لسهل الله في السماء صعود مدارج السماوات السبع لمن رزقه فيها، والمصراع الأخير نظير قوله عليه السلام
في النهج: (الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك) والضمائر المؤنثة
في المصراع الأخير راجعة إلى النفس والمذكرة إلى الرزق.
372

قال مصنف هذا الكتاب: كل ما مكننا الله عز وجل من الانتفاع به ولم
يجعل لأحد منعنا منه فقد رزقناه وجعله رزقا لنا، وكل ما لم يمكننا الله عز وجل
من الانتفاع به وجعل لغيرنا منعنا منه فلم يرزقناه ولا جعله رزقا لنا. (1)
16 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن
هاشم، عن أحمد بن سليمان، قال: سأل رجل أبا الحسن عليه السلام وهو في الطواف
فقاله له: أخبرني عن الجواد، فقال له: إن لكلامك وجهين: فإن كنت تسأل عن
المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عز وجل عليه، والبخيل من بخل
بما افترض الله عليه، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن
منع لأنه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له وإن منع ما ليس له.
17 - حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله
ابن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدثني جدي

(1) أقوله: الله تعالى خالق الخلق ورازقهم، والخلق هو الايجاد، والرزق هو إيصال
ما ينتفع به الموجود إليه، وكما يطلق الخلق على المخلوق يطلق الرزق على المرزوق أي
ما ينتفع به الموجود، وهذا أمر تكويني داخل تحت القدر والقضاء، يستوي فيه الإنسان و
غيره والمكلف وغيره وكاسب الحلال وغيره، فإن على الله رزق كل موجود إن أراد بقاءه، ثم
إن من الرزق ما يكتسب بأسباب في أيدي المكلفين من المعاملات وغيرها، وبعض تلك الأسباب
ممضى من الشارع وبعضها غير ممضى، وما يكتسب بالأول فهو الحلال وما يكتسب بالثاني
فهو الحرام، فاختلف المسلمون فالمعتزلة وفاقا للإمامية إلى أن الحلال رزق والحرام لا يسمى
رزقا، والأشاعرة إلى أن كليهما رزق، ولكل من الفريقين متمسكات من الكتاب والسنة،
وقول المصنف هنا: (ولم يجعل لأحد منعنا منه) لإخراج الحرام. وتفصيل الكلام في محله.
373

يحيى بن الحسن، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، قال: حدثني ابن أبي عمير و
عبد الله بن المغيرة، عن أبي حفص الأعشى، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام، قال:
خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط فاتكيت عليه، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر
في وجهي، ثم قال لي: يا علي بن الحسين ما لي أراك كئيبا حزينا، أعلى الدنيا حزنك؟
فرزق الله حاضر للبر والفاجر، فقلت: ما على هذا أحزن وإنه لكما تقول، قال:
أفعلى الآخرة حزنك؟ فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر، قلت: ما على هذا
أحزن وإنه لكما تقول: قال: فعلى ما حزنك؟ فقلت: أنا أتخوف من فتنة ابن
الزبير (1) فضحك، ثم قال: يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا خاف الله تعالى فلم
ينجه. قلت: لا، قال: يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا سأل الله عز وجل فلم
يعطه؟ قلت: لا، قال عليه السلام: ثم نظرت فإذا ليس قدامي أحد.
18 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي،
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن المفضل بن
صالح، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، قال:
إن موسى بن عمران عليه السلام قال: يا رب رضيت بما قضيت، تميت الكبير وتبقي
الصغير، فقال الله جل جلاله: يا موسى أما ترضاني لهم رازقا وكفيلا؟ قال: بلى
يا رب، فنعم الوكيل أنت ونعم الكفيل.
19 - حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين
ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وأحمد بن الحسن القطان، ومحمد بن إبراهيم بن أحمد
المعاذي، قالوا: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم، قال:
حدثنا يحيى بن إسماعيل الجريري (2) قراءة، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل
قال: حدثنا عمرو بن جميع، عن جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن

(1) في نسخة (ط) (فقلت: لما أتخوف من فتنة ابن الزبير) فمن بيانية، وفي نسخه
(ج) (إنا نتخوف - الخ).
(2) في نسخة (د) و (ب) (الحريزي) بالزاي المعجمة قبل الياء الأخيرة.
374

جده عليهم السلام قال: دخل الحسين بن علي عليهما السلام، على معاوية (1) فقال له: ما حمل أباك
على أن قتل أهل البصرة ثم دار عشيا في طرقهم في ثوبين؟! فقال عليه السلام: حمله على
ذلك علمه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه (2) وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، قال:
صدقت، قال: وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام لما أراد قتال الخوارج: لو احترزت يا
أمير المؤمنين فقال عليه السلام:
أي يومي من الموت أفر * أيوم لم يقدر أم يوم قدر
يوم ما قدر لا أخشى الردى * وإذا قدر لم يغن الحذر (3)
20 - حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الإصبهاني، قال: حدثنا
مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن القاسم بن
عبد الرحمن العتكي، قال: حدثنا محمد بن أشرس، قال: حدثنا إبراهيم بن نصر
قال: حدثنا وهب بن وهب بن هشام أبو البختري، قال: حدثنا جعفر بن محمد (4)
عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: يا علي
إن اليقين أن لا ترضي أحدا على سخط الله، ولا تحمدن أحدا على ما آتاك الله، ولا
تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله، فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا يصرفه
كره كاره، فإن الله عز وجل بحكمته وفضله (5) جعل الروح والفرج (6) في

(1) النسخ متفقة في هذه العبارة مع أنه لا يستقيم ارجاع ضمير جده إلى جعفر بن
محمد وهذا ظاهر، ولا إلى (أبي) لأن الجد حينئذ هو الحسين بن علي، ولا إلى أبيه وهذا
أيضا ظاهر، فعن جده إما زيادة أو صاحب القصة الحسن دون الحسين عليهما السلام مع
ارجاع الضمير إلى أبي، والله العالم.
(2) قوله: (أن - الخ) بالفتح معمول لعلمه، ويحتمل الكسر، وفي نسخة (د) (على
أن ما أصابه - الخ) فيكون جوابا آخر.
(3) في نسخة (و) (لا أخشى الورى).
(4) في نسخة (ب) و (ج) و (د) و (ه‍) (حدثني جعفر بن محمد).
(5) في نسخة (و) و (ه‍) (بحكمه وفضله).
(6) في نسخة (ج) و (د) و (ط) و (ن) (جعل الروح والفرج) بالجيم.
375

اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط، إنه لا فقر أشد من
الجهل (1) ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة
أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف عن المحارم، ولا حسب
كسن الخلق، ولا عبادة كالتفكر، وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان
وآفة العبادة الفترة، وآفة الظرف الصلف، وآفة الشجاعة البغي، وآفة السماحة
المن، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الحسب والفجر.
21 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي، قال:
حدثنا محمد بن أبي الصهبان، قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن زياد الأزدي، قال:
حدثني أبان الأحمر، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، أنه جاء إليه رجل فقال له:
بأبي أنت وأمي عظني موعظة، فقال عليه السلام، إن كان الله تبارك وتعالى قد تكفل
بالرزق فاهتمامك لماذا، وإن كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا، وإن كان الحساب
حقا فالجمع لماذا، وإن كان الخلف من الله عز وجل حقا فالبخل لماذا (2) وإن
كانت العقوبة من الله عز وجل النار فالمعصية لماذا، وإن كان الموت حقا فالفرح لماذا
وإن كان العرض على الله عز وجل حقا فالمكر لماذا، وإن كان الشيطان عدوا
فالغفلة لماذا، وإن كان الممر على الصراط حقا فالعجب لماذا، وإن كان كل شئ
بقضاء وقدر فالحزن لماذا، وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لماذا؟!.
22 - حدثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري بنيسابور، قال:
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هارون الخوري، قال: حدثنا جعفر بن
محمد بن زياد الفقيه الخوري، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الجويباري الشيباني، عن
علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: إن الله عز وجل قدر المقادير ودبر التدابير قبل أن يخلق آدم بألفي

(1) في نسخة (ج) و (ط) و (ن) (فإنه لا فقر - الخ).
(2) المعنى أنه تعالى إن كان يخلف على العبد ما أنفقه ويعوضه أضعاف ما صرفه في
سبيله فالبخل لماذا؟.
376

عام (1).
23 - حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ،
قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني (2) قال: حدثنا علي بن موسى الرضا،
عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: إن يهوديا
سأل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: أخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا
يعلمه الله، فقال عليه السلام: أما ما لا يعلمه الله عز وجل فذلك قولكم يا معشر اليهود:
إن عزيرا ابن الله والله لا يعلم له ولدا، وأما قولك ما ليس لله فليس لله شريك، و
قولك: ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، فقال اليهودي: أنا أشهد أن لا إله إلا
الله وأن محمدا رسول الله.
24 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس الليثي، قال: حدثنا أحمد
ابن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم، قال: أخبرني الحارث بن أبي أسامة
قراءة، عن المدائني، عن عوانة بن الحكم، وعبد الله بن العباس بن سهل الساعدي،

(1) قد مضى في الحديث السابع تقدير المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض
بخمسين ألف سنة، والاختلاف يدل على تعدد التقدير للكل، أو أن التقدير لبعض الأشياء
قبل بعضها، وفي حاشية نسخة (ط) و (ن) (قبل أن يخلق العالم - الخ).
(2) في نسخة (و) و (ه‍) (حدثنا علي بن مهرويه القزويني قال: حدثنا داود بن سليمان
الغزاء (بالغين المعجمة والزاي المعجمة مبالغة الغازي) قال: حدثنا علي بن موسى الرضا -
الخ) وهذا هو الصحيح، وهذا الرجل هو أبو أحمد الغازي المذكور في الحديث التاسع،
ولا يبعد أن يكون ملقبا بالغزاء والغازي معا، ولا يخفى أن الرجل مذكور في الحديث الرابع
والعشرين من الباب الثاني، والحديث السابع عشر من الباب الثامن والعشرين بلقب الفراء
بالفاء والراء المهملة، ولا شبهة أنه تصحيف الغزاء، ونحن أبقيناه عليه لاتفاق النسخ عليه،
وقال في قاموس الرجال: داود بن سليمان بن وهب الغازي روى عن الرضا عليه السلام حديث
الإيمان كما يظهر من لئالي السيوطي وروى الخصال عنه حديث رواية أربعين حديثا إلا أن
النساخ صحفوا الغازي فيه بالفراء، أقول: الأقرب أن صحفوا الغزاء به كما قلنا.
377

وأبي بكر الخراساني مولى بني هاشم، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الرحمن بن
جندب، عن أبيه وغيره أن الناس أتوا الحسن بن علي بعد وفاة علي عليهما السلام، ليبايعوه
فقال: الحمد لله على ما قضى من أمر، وخص من فضل، وعم من أمر، وجلل من
عافية (1) حمدا يتمم به علينا نعمه ونستوجب به رضوانه، إن الدنيا دار بلاء وفتنة
وكل ما فيها إلى زوال، وقد نبأنا الله عنها كيما نعتبر، فقدم إلينا بالوعيد كي
لا يكون لنا حجة بعد الانذار، فازهدوا فيما يفنى، وارغبوا فيما يبقى، وخافوا
الله في السر والعلانية، إن عليا عليه السلام في المحيا والممات والمبعث عاش بقدر و
مات بأجل، وإني أبايعكم على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت،
فبايعوه على ذلك.
قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب: أجل موت الإنسان هو
وقت موته، وأجل حياته هو وقت حياته وذلك معنى قول الله عز وجل: (فإذا جاء
أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) (2) وإن مات الإنسان حتف أنفه على
فراشه أو قتل فإن أجل موته هو وقت موته، وقد يجوز أن يكون المقتول لو لم
يقتل لمات من ساعته، وقد يجوز أن يكون لو لم يقتل لبقي (3) وعلم ذلك مغيب عنا

(1) في نسخة (و) (الحمد لله على ما قضى من أمره - الخ) وفي نسخة (د) (الحمد لله
على ما قضى من أمر ورخص من فضل وعم من أمر وحلل من غاية).
(2) الأعراف: 34، والنحل: 61.
(3) يقال الأجل لنفس المدة كقوله تعالى (أيما الأجلين قضيت) ولمنتهى المدة كقوله
تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى) فأجل الإنسان منتهى مدة حياته الذي يقع فيه
موته بالقتل أو بحتف الأنف، وأجل أمة وقت فنائهم، وقال قوم من المعتزلة: إن أجل المقتول
ليس الوقت الذي يقتل فيه بل الوقت الذي لو لم يقتل لبقي إليه هو أجله، وقد ورد في آيات
وأخبار أن الأجل أجلان: المقضى والمسمى، وتفصيل الكلام في محله، وقال العلامة رحمه الله
في شرح التجريد: اختلف الناس في المقتول لو لم يقتل فقالت المجبرة: إنه كان يموت
قطعا وهو قول أبي الهذيل العلاف، وقال بعض البغداديين: إنه كان يعيش قطعا، وقال أكثر
المحققين: إنه كان يجوز أن يعيش ويجوز له أن يموت.
378

وقد قال الله عز وجل: (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى
مضاجعهم) (1) وقال عز وجل: (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو
القتل) (2) ولو قتل جماعة في وقت لجاز أن يقال: إن جميعهم ماتوا بآجالهم وإنهم
لو لم يقتلوا لماتوا من ساعتهم، كما كان يجوز أن يقع الوبا في جميعهم فيميتهم، في
ساعة واحدة، وكان لا يجوز أن يقال: إنهم ماتوا بغير آجالهم، وفي الجملة أن
أجل الإنسان هو الوقت الذي علم الله عز وجل أنه يموت فيه أو يقتل، وقول
الحسن عليه السلام في أبيه عليه السلام (إنه عاش بقدر ومات بأجل) تصديق لما قلناه في هذا الباب
والله الموفق للصواب بمنه.
25 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السجزي بنيسابور، قال:
أخبرنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن إبراهيم الإصبهاني، قال: حدثنا علي بن
عبد الله، قال: حدثنا الحسن بن أحمد الحراني، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن
الضحاك، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: قيل لأمير المؤمنين عليه السلام:
ألا نحرسك، قال: حرس كل امرء أجله.
26 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال: حدثنا منصور بن عبد الله،
قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا إسحاق بن
إبراهيم، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: كنا
مع سعيد بن قيس بصفين ليلا والصفان ينظر كل واحد منهما إلى صاحبه حتى
جاء أمير المؤمنين عليه السلام فنزلنا على فنائه فقال له سعيد بن قيس: أفي هذه الساعة يا
أمير المؤمنين؟! أما خفت شيئا، قال: وأي شئ أخاف؟! إنه ليس من أحد إلا و
معه ملكان موكلان به أن يقع في بئر أو تضربه دابة أو يتردى من جبل حتى يأتيه
القدر، فإذا أتى القدر خلوا بينه وبينه.
27 - حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم بن تميم السرخسي بسرخس
قال: حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد

(1) آل عمران: 154.
(2) الأحزاب: 16.
379

الجوهري، قال: حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، عن أبي حازم، عن عمر وبن
شعيب (1) عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى
يؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومره.
28 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن الحسن الطائي، قال: حدثنا أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي، الرازي
عن علي بن جعفر الكوفي، قال: سمعت سيدي علي بن محمد يقول: حدثني أبي
محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه
جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين
ابن علي عليهم السلام، وحدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي، قال: حدثني أبو القاسم
إسحاق بن جعفر العلوي، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد بن علي، عن سليمان
ابن محمد القرشي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه
محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام - واللفظ لعلي بن أحمد بن محمد
ابن عمران الدقاق - قال: دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين عليه السلام
فقال: أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال له أمير المؤمنين
عليه السلام: أجل يا شيخ، فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر
فقال الشيخ: عند الله أحتسب عنائي (2) يا أمير المؤمنين، فقال: مهلا يا شيخ، لعلك
تظن قضاء حتما وقدرا لازما (3) لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي
والزجر، ولسقط معنى الوعيد والوعد، ولم يكن على مسيئ لائمة ولا لمحسن
محمدة، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب والمذنب أولى بالاحسان من

(1) في نسخة (ج) (عن أبي دجانة عن عمر بن شعيب)، وفي نسخة (ط) (عن أبي
دجانة عن عمرو بن سعيد).
(2) أي إن كان خروجنا وجهادنا بقضائه تعالى وقدره لم نستحق أجرا فرجائي أن
يكون عنائي عند الله محسوبا في عداد أعمال من يتفضل عليهم بفضله يوم القيامة.
(3) بالمعنى الذي زعمته الجبرية.
380

المحسن (1) تلك مقالة عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الأمة ومجوسها
يا شيخ إن الله عز وجل كلف تخييرا، ونهى تحذيرا، وأعطى على القليل كثيرا،
ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا
ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (2).
قال: فنهض الشيخ وهو يقول:
(أنت الإمام الذي نرجو بطاعته * يوم النجاة من الرحمن غفرانا) (3)
(أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا * جزاك ربك عنا فيه إحسانا)
(فليس معذرة في فعل فاحشة (4) * قد كنت راكبها فسقا وعصيانا)
(لا لا ولا قائلا ناهيه أوقعه * فيها عبدت إذا يا قوم شيطانا)
(ولا أحب ولا شاء الفسوق ولا * قتل الولي له ظلما وعدوانا) *
(أني يحب وقد صحت عزيمته * ذو العرش أعلن ذاك الله إعلانا)
قال مصنف هذا الكتاب: لم يذكر محمد بن عمر الحافظ في آخر هذا الحديث
إلا بيتين من هذا الشعر من أوله.
وحدثنا بهذا الحديث أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي
العزائمي، قال: حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي بجرجان، قال:
حدثنا عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر ببغداد، قال: حدثني عبد الوهاب بن
عيسى المروزي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن محمد البلوي، قال: حدثنا محمد

(1) لأنهما في أصل الفعل سيان، إذ ليس بقدرتهما وإرادتهما مع أن المحسن يمدحه
الناس وهو يرى ذلك حقا له وليس كذلك فليستحق اللائمة دون المذنب، والمذنب يذمه
الناس وهو يرى ذلك حقا عليه وليس كذلك فليستحق الاحسان كي ينجبر تحمله لأذى ذم
الناس دون المحسن.
(2) كما في سورة ص: 27.
(3) في حاشية نسخة (ه‍) (يوم المعاد من الرحمن غفرانا).
(4) في نسخة (ط) و (و) (فليس معذرة في كل فاحشة).
381

ابن عبد الله بن نجيح، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام.
وحدثنا بهذا الحديث أيضا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن
ابن علي السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، قال: حدثنا العباس
ابن بكار الضبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس،
قال: لما انصرف أمير المؤمنين عليه السلام من صفين قام إليه شيخ ممن شهد معه الواقعة
فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا هذا أبقضاء من الله وقدر؟ وذكر الحديث
مثله سواء، إلا أنه زاد فيه: فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين فما القضاء والقدر اللذان
ساقانا وما هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بهما؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الأمر
من الله والحكم (1) ثم تلا هذه الآية: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين
إحسانا) (2) أي أمر ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.
29 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين
ابن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن الرقي (3)
أتدفع من القدر شيئا؟ فقال: هي من القدر، وقال عليه السلام: إن القدرية مجوس هذه
الأمة وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت
هذه الآية: (يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * إنا كل شئ
خلقناه بقدر). (4)
30 - حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي العزائمي،
قال: حدثني أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي، قال: حدثنا عبد العزيز بن
يحيى التميمي بالبصرة، وأحمد بن إبراهيم بن معلى بن أسد العمي، قالا: حدثنا

(1) أي قضاء وقدرا تشريعيين.
(2) الإسراء: 23.
(3) جمع رقية كغرفة، هي ما يعوذ به الصبيان وأصحاب الآفات كالحمى والصرع
وغيرهما.
(4) القمر: 49.
382

محمد بن زكريا الغلابي (1) قال: حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد (2) قال: حدثنا
عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسن بن علي
ابن أبي طالب عليهما السلام، أنه سئل عن قول الله عز وجل: (إنا كل شئ خلقناه
بقدر)، فقال: يقول عز وجل: إنا كل شئ خلقناه لأهل النار بقدر أعمالهم (3)
31 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسن الكوفي، عن أبيه
الحسن بن علي بن عبد الله الكوفي، عن جده عبد الله بن المغيرة عن إسماعيل بن
مسلم أنه سئل الصادق عليه السلام عن الصلاة خلف من يكذب بقدر الله عز وجل، قال:
فليعد كل صلاة صلاها خلفه.
32 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن
الحسين السعدآبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن
محمد بن سنان، عن زياد بن المنذر، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباته، قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام في القدر: ألا إن القدر سر من سر الله، وستر من ستر الله،
وحرز من حرز الله، مرفوع في حجاب الله، مطوي عن خلق الله، مختوم بخاتم
الله، سابق في علم الله، وضع الله العباد عن علمه (4) ورفعه فوق شهاداتهم ومبلغ
عقولهم لأنهم لا ينالونه بحقيقة الربانية ولا بقدرة الصمدانية ولا بعظمة النورانية
ولا بعزة الوحدانية، لأنه بحر زاخر خالص لله تعالى، عمقه ما بين السماء و

(1) أبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار الغلابي أحد الرواة للسير والأحداث و
المغازي وغير ذلك وكان ثقة صادقة، كذا قال ابن النديم، والغلاب بالغين المعجمة و
اللام المخففة والباء الموحدة أبو قبيلة بالبصرة.
(2) في نسخة (ب) و (د) (أحمد بن عيسى بن يزيد).
(3) وأما أهل الجنة فإن لهم من الله فضلا كبيرا غير ما أعدلهم أجرا كريما.
(4) هكذا في النسخ إلا نسخة (ج) ففيها: (ومنع الله العباد عن علمه) وفي البحار
باب القضاء والقدر عن إعتقادات الصدوق: (وضع الله عن العباد علمه) مع أن ما في
الاعتقادات موافق لما هنا.
383

الأرض، عرضه ما بين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيات و
الحيتان، يعلو مرة ويسفل أخرى، في قعره شمس تضيئ، لا ينبغي أن يطلع إليها
إلا الله الواحد الفرد، فمن تطلع إليها فقد ضاد الله عز وجل في حكمه ونازعه في
سلطانه، وكشف عن ستره وسره، وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.
قال المصنف هذا الكتاب نقول: إن الله تبارك وتعالى قد قضى جميع أعمال
العباد وقدرها وجميع ما يكون في العالم من خير وشر، والقضاء قد يكون بمعنى الأعلام
كما قال الله عز وجل: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) (1) يريد أعلمناهم،
وكما قال الله عز وجل: (وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) (2)
يريد أخبرناه وأعلمناه، فلا ينكر أن يكون الله عز وجل يقضي أعمال العباد و
سائر ما يكون من خير وشر على هذا المعنى لأن الله عز وجل عالم بها أجمع. ويصح
أن يعلمها عباده ويخبرهم عنها، وقد يكون القدر أيضا في معنى الكتاب والإخبار
كما قال الله عز وجل: (إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين)) (3) يعني كتبنا وأخبرنا،
وقال العجاج: واعلم بأن ذا الجلال قد قدر * في الصحف الأولى التي كان سطر
و (قدر) معناه كتب.
وقد يكون القضاء بمعنى الحكم والالزام، قال الله عز وجل (وقضى
ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) (4) يريد حكم بذلك وألزمه
خلقه، فقد يجوز أن يقال: إن الله عز وجل قد قضى من أعمال العباد على هذا
المعنى ما قد ألزمه عباده وحكم به عليهم وهي الفرائض دون غيرها، وقد يجوز أيضا
أن يقدر الله أعمال العباد بأن يبين مقاديرها وأحوالها من حسن وقبح وفرض و
نافلة وغير ذلك، ويفعل من الأدلة على ذلك ما يعرف به هذه الأحوال لهذه
الأفعال فيكون عز وجل مقدرا لها في الحقيقة، وليس يقدرها ليعرف مقدارها،

(1) الإسراء: 4.
(2) الحجر: 66.
(3) الحجر: 60.
(4) الإسراء: 23.
384

ولكن ليبين لغيره ممن لا يعرف ذلك حال ما قدره بتقديره إياه، وهذا أظهر من
أن يخفى، وأبين من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه، ألا ترى أنا قد نرجع إلى أهل
المعرفة بالصناعات في تقديرها لنا فلا يمنعهم علمهم بمقاديرها من أن يقدروها
لنا ليبينوا لنا مقاديرها، وإنما أنكرنا أن يكون الله عز وجل حكم بها على عباده
ومنعهم من الانصراف عنها، أو أن يكون فعلها وكونها، فأما أن يكون الله عز وجل
خلقها خلق تقدير فلا ننكره.
وسمعت بعض أهل العلم يقول: إن القضاء على عشرة أوجه: فأول وجه
منها العلم وهو قول الله عز وجل: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) (1) يعني علمها.
والثاني الإعلام وهو قوله عز وجل: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب)
وقوله عز وجل: (وقضينا إليه ذلك الأمر) أي أعلمناه.
والثالث الحكم وهو قوله عز وجل. (والله يقضي بالحق) (2) أي يحكم بالحق.
والرابع القول وهو قوله عز وجل: (والله يقضي بالحق) (3) أي يقول الحق.
والخامس الحتم وهو قوله عز وجل: (فلما قضينا عليه الموت) (4) يعني
حتمنا، فهو القضاء الحتم.
والسادس الأمر وهو قوله عز وجل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه)
يعني أمر ربك.
والسابع الخلق وهو قوله عز وجل: (فقضيهن سبع سماوات في يومين) (5)

(1) يوسف: 68.
(2) في البحار: (ويقضي ربك بالحق) وفي نسخة (ن) (وهو يقضي بالحق) وفي
نسخة (و) و (ج) (يقضي بالحق) فما في النسخ كلها أما غير موجود في القرآن بعينه وأما عين
ما ذكر في الوجه الرابع، فالمناسب للوجه الثالث قوله تعالى في سورة النمل: (إن ربك
يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم).
(3) المؤمن: 20.
(4) سبأ: 14.
(5) فصلت: 12.
385

يعني خلقهن.
والثامن الفعل وهو قوله عز وجل: (فاقض ما أنت قاض) (1) أي افعل ما
أنت فاعل.
والتاسع الاتمام وهو قوله عز وجل: (فلما قضى موسى الأجل) وقوله
عز وجل حكاية عن موسى: (أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول
وكيل) (2) أي أتممت.
والعاشر الفراغ من الشئ وهو قوله عز وجل: (قضي الأمر الذي فيه
تستفتيان) (3) يعني فرغ لكما منه، وقوله القائل: قد قضيت لك حاجتك، يعني
فرغت لك منها، فيجوز أن يقال: إن الأشياء كلها بقضاء الله وقدره تبارك وتعال
بمعنى أن الله عز وجل قد علمها وعلم مقاديرها، وله عز وجل في جميعها حكم من
خير أو شر، فما كان من خير فقد قضاه بمعنى أنه أمر به وحتمه وجعله حقا وعلم
مبلغة ومقداره، وما كان من شر فلم يأمر به ولم يرضه ولكنه عز وجل قد قضاه
وقدره بمعنى أنه علمه بمقداره ومبلغه وحكم فيه بحكمه.
والفتنة على عشرة أوجه فوجه منها الضلال.
والثاني الاختبار وهو قول الله عز وجل: (وفتناك فتونا) (4) يعني اختبرناك
اختبارا، وقوله عز وجل: (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم
لا يفتنون) (5) أي لا يختبرون.
والثالث الحجة وهو قوله عز وجل: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله
ربنا ما كنا مشركين) (6).
والرابع الشرك وهو قوله عز وجل: (والفتنة أشد من القتل) (7).

(1) طه: 72.
(2) القصص: 28.
(3) يوسف: 41.
(4) طه: 40.
(5) العنكبوت: 2.
(6) الأنعام: 23.
(7) البقرة 191.
386

والخامس الكفر وهو قوله عز وجل: (ألا في الفتنة سقطوا) (1) يعني في الكفر.
والسادس الاحراق بالنار وهو قوله عز وجل: (إن الذين فتنوا المؤمنين
والمؤمنات - الآية) (2) يعني أحرقوا.
والسابع وهو قوله عز وجل: (يوم هم على النار يفتنون) (3)
يعني يعذبون، وقوله عز وجل: (ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تكذبون) (4)
يعني عذابكم، وقوله عز وجل: (ومن يرد الله فتنته (يعني عذابه) فلن تملك
له من الله شيئا) (5).
والثامن القتل وهو قوله عز وجل: (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) (6)
يعني إن خفتم أن يقتلوكم، وقوله عز وجل: (فما آمن لموسى إلا ذرية من
قومه على خوف من فرعون وملأهم أن يفتنهم) (7) يعني أن يقتلهم.
والتاسع الصد وهو قوله عز وجل: (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا
إليك) (8) يعني ليصدونك.
والعاشر شدة المحنة وهو قوله عز وجل: (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا) (9)
وقوله عز وجل: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) (10) أي محنة فيفتنوا بذلك
ويقولوا في أنفسهم: لم يقتلهم إلا دينهم الباطل وديننا الحق (11) فيكون ذلك
داعيا لهم إلى النار على ما هم عليه من الكفر والظلم (12).
قد زاد علي بن إبراهيم بن هاشم على هذه الوجوه العشرة وجها آخر فقال:

(1) التوبة: 49.
(2) البروج: 10.
(3) الذاريات: 13.
(4) الذاريات: 14. وفي المصحف (به تستعجلون)
(5) المائدة: 41.
(6) النساء: 101.
(7) يونس: 83.
(8) الإسراء: 73.
(9) الممتحنة: 5.
(10) يونس: 85.
(11) في نسخه (و) (لم نقتلهم إلا ودينهم الباطل وديننا الحق).
(12) في نسخة (ه‍) (داعيا لهم إلى الثبات على - الخ).
387

من وجوه الفتنة ما هو المحبة وهو قوله عز وجل: (أنما أموالكم وأولادكم
فتنة) (1) أي محبة، والذي عندي في ذلك أن وجوه الفتنة عشرة وأن الفتنة في
هذا الموضع أيضا المحنة - بالنون - لا المحبة - بالباء -.
وتصديق ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (الولد مجهلة محنة مبخلة) (2) وقد أخرجت
هذا الحديث مسندا في كتاب مقتل الحسين بن علي صلى الله عليهما.
33 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد بن، عن
أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن
يخرج إلى بطون الأسواق وحيث تنظر الأبصار إليها، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو
قومت عليهم، فغضب عليه السلام حتى عرف الغضب في وجهه وقال: أنا أقوم عليهم؟!
إنما السعر إلى الله عز وجل (3) يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء. وقيل لرسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: لو أسعرت لنا سعرا فإن الأسعار تزيد وتنقص، فقال عليه السلام: ما كنت لألقى
الله عز وجل ببدعة لم يحدث لي فيها شيئا (4) فدعوا عباد الله يأكل بعضهم من بعض.
34 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن

(1) الأنفال: 28، والتغابن: 15.
(2) أي يوجب الولد لأبيه الجهل والامتحان والبخل، وفي البحار باب القضاء و
القدر وفي نسخة (و) (مجبنة)) من الجبن مكان محنة، وقال المجلسي رحمه الله هناك ذيل كلام
المصنف: أقول: هذه الوجوه من القضاء والفتنة المذكورة في تفسير النعماني فيما رواه
عن أمير المؤمنين عليه السلام وقد أثبتناه بإسناده في كتاب القرآن انتهى.
ثم اعلم أن هذا الخبر رواه أبو يعلى في مسنده بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي
صلى الله عليه وآله هكذا (الولد ثمرة القلب وأنه مجبنة مبخلة محزنة).
(3) في نسخة (و) (إنما السعر على الله عز وجل).
(4) في نسخة (و) و (ج) و (ه‍) (لم يحدث إلى فيها شيئا)، والبدعة هنا
بمعناها اللغوي.
388

الحسن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي حمزة الثمالي،
عن علي بن الحسين عليهما السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى وكل بالسعر ملكا يدبره
بأمره، وقال أبو حمزة الثمالي: ذكر عند علي بن الحسين عليهما السلام، غلاء السعر فقال:
وما علي من غلائه، إن غلا فهو عليه، وإن رخص فهو عليه.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: الغلاء هو الزيادة في أسعار الأشياء
حتى يباع الشئ بأكثر مما كان يباع في ذلك الموضع، والرخص هو النقصان في
ذلك، فما كان من الرخص والغلاء عن سعة الأشياء وقلتها فإن ذلك من الله عز وجل
ويجب الرضا بذلك والتسليم له، وما كان من الغلاء والرخص بما يؤخذ الناس
به لغير قلة الأشياء وكثرتها من غير رضى منهم به أو كان من جهة شراء واحد من
الناس جميع طعام بلد فيغلو الطعام لذلك فذلك من المسعر والمتعدي بشرى طعام
المصر كله (1) كما فعله حيكم بن حزام، كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله
فمر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا حكيم بن حزام إياك أن تحتكر.
35 - حدثنا بذلك أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد
عن صفوان بن يحيى، عن سلمة الحناط، عن أبي عبد الله عليه السلام متى كان في المصر طعام
غير ما يشتريه الواحد من الناس فجائز له أن يلتمس بسلعته الفضل لأنه إذا كان
في المصر طعام غيره يسع الناس لم يغل الطعام لأجله، وإنما يغلو إذا اشترى
الواحد من الناس جميع ما يدخل المدينة.
36 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد وعبد الله ابني
محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبد الله بن علي الحلبي،
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الحكرة فقال: إنما الحكرة أن تشتري طعاما

(1) هذا قول غير الأشاعرة، وأما هم فعلى أن الرخص والغلاء ليسا إلا من الله بناء
على أصلهم، وقوله: (لغير قلة الأشياء - الخ) عطف بيان لقوله: (بما يؤخذ الناس به) أي وما كان
من الغلاء والرخص بسبب عمل الناس الذي صح مؤاخذتهم عليه وهو غير قلة الأشياء وكثرتها
من الله تعالى من دون وجوب الرضى على الناس به أو كان من جهة - الخ.
389

وليس في المصر غيره فتحتكره، فإن كان في المصر طعام أو متاع غيره (1) فلا بأس
أن تلتمس لسلعتك الفضل. (2) ولو كان الغلاء في هذا الموضع من الله عز وجل لما
استحق المشتري لجميع طعام المدينة الذم لأنه الله عز وجل لا يذم العبد على ما
يفعله (3) ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون)) ولو كان
منه عز وجل لوجب الرضى به والتسليم له، كما يجب إذا كان عن قلة الأشياء
أو قلة الريع لأنه من الله عز وجل، وما كان من الله عز وجل أو من الناس فهو
سابق في علم الله تعالى ذكره مثل خلق الخلق (4) وهو بقضائه وقدره على ما بينته
من معنى القضاء والقدر.
61 - باب الأطفال
وعدل الله عز وجل فيهم
1 - حدثنا الحسين بن يحيى بن ضريس البجلي (5) قال: حدثنا أبي،
قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عمارة السكري السرياني، قال: حدثنا إبراهيم بن
عاصم بقزوين، قال: حدثنا عبد الله بن هارون الكرخي، قال: حدثنا أبو جعفر
أحمد بن عبد الله بن يزيد بن سلام بن عبيد الله قال: حدثني أبي عبد الله بن يزيد، قال
حدثني أبي يزيد بن سلام، عن أبيه سلام بن عبيد الله، عن عبد الله بن سلام مولى

(1) في حاشية نسخة (ه‍) (طعام أو بياع غيره).
(2) الظاهر أن قوله: (ولو كان الغلاء في هذا الموضع - الخ) من الصدوق رحمه الله
كما يظهر من الفقيه.
(3) أي ما يفعله الله، وفي نسخة (و) (على ما لا يفعله) أي ما لا يفعله العبد.
(4) في نسخة (و) و (ن) (قبل خلق الخلق).
(5) في نسخة (و) و (ه‍) و (ب) و (د) (الحسن بن يحيى - الخ) وفي نسخة (و)
بزيادة (رحمه الله).
390

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: أخبرني أيعذب الله
عز وجل خلقا بلا حجة؟ فقال: معاذ الله، قلت: فأولاد المشركين في الجنة أم
في النار؟ فقال: الله تبارك وتعالى أولى بهم، إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله
عز وجل الخلائق لفصل القضاء يأتي بأولاد المشركين فيقول لهم: عبيدي وإمائي
من ربكم وما دينكم وما أعمالكم؟! قال: فيقولون: اللهم ربنا أنت خلقتنا ولم
نخلق شيئا وأنت أمتنا ولم نمت شيئا ولم تجعل لنا ألسنة ننطق بها، ولا أسماعا نسمع
بها ولا كتابا نقرؤه، ولا رسولا فنتبعه، ولا علم لنا إلا ما علمتنا، قال: فيقول لهم
عز وجل: عبيدي وإمائي إن أمرتكم بأمر أتفعلوه؟! فيقولون: السمع والطاعة
لك يا ربنا، قال: فيأمر الله عز وجل نارا يقال لها: الفلق، أشد شئ في جهنم
عذابا فتخرج من مكانها سوداء مظلمة بالسلاسل والأغلال، فيأمرها الله عز وجل
أن تنفخ في وجوه الخلائق نفخة فتنفخ، فمن شدة نفختها تنقطع السماء وتنطمس
النجوم وتجمد البحار وتزول الجبال وتظلم الأبصار وتضع الحوامل حملها ويشيب
الولدان من هولها يوم القيامة، ثم يأمر الله تبارك وتعالى أطفال المشركين أن
يلقوا أنفسهم في تلك النار، فمن سبق له في علم الله عز وجل أن يكون سعيدا ألقى
نفسه فيها فكانت عليه بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم عليه السلام، ومن سبق له في
علم الله عز وجل أن يكون شقيا امتنع فلم يلق نفسه في النار، فيأمر الله تبارك و
تعالى النار فتلقطه لتركه أمر الله وامتناعه من الدخول فيها فيكون تبعا لآبائه في
جهنم، وذلك قوله عز وجل (فمنهم شقي وسعيد * فأما الذين شقوا ففي النار لهم
فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك أن

(1) في البحار في الباب الثالث عشر من الجزء الخامس وفي تفسير البرهان ذيل
الآية المذكورة وفي نسخة (و) و (ج) بعد قوله: (حدثني أبي يزيد بن سلام) هكذا: (عن
أبيه سلام بن عبيد الله أخي عبد الله بن سلام عن عبد الله بن سلام مولى رسول الله صلى الله عليه و
آله) وفي نسخة (ن) و (و) و (ج) (سلام بن عبد الله) مكبرا، وكون سلام بن عبيد الله أخا
لعبد الله بن سلام مع اختلاف الأب يصححه كونهما أخوين للأم فقط.
391

ربك فعال لما يريد * وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات
والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) (1).
2 - حدثنا أحمد بن زياد جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن الرضا عليه السلام
قال: قلت له: لأي علة أغرق الله عز وجل الدنيا كلها في زمن نوح عليه السلام وفيهم
الأطفال ومن لا ذنب له؟ فقال: ما كان فيهم الأطفال لأن الله عز وجل أعقم أصلاب
قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاما فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم، وما كان
الله عز وجل ليهلك بعذابه من لا ذنب له، وأما الباقون من قوم نوح عليه السلام فأغرقوا
لتكذيبهم لنبي الله نوح عليه السلام وسائرهم أغرقوا برضاهم بتكذيب المكذبين، ومن
غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهده وأتاه.
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن محمد بن سنان، عن طلحة بن زيد،
عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، قال: إن أولاد المسلمين هم موسومون عند الله
عز وجل شافع ومشفع (2) فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت لهم الحسنات، وإذا
بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات.
4 - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله، قالا: حدثنا
محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران
الأشعري، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة،
عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا كان يوم القيامة احتج الله عز وجل على سبعة:
على الطفل، والذي مات بين النبيين، والشيخ الكبير الذي أدرك النبي وهو لا يعقل،

(1) هود: 108.
(2) أي معلومون عنده تعالى، وفي حاشية نسخة (ن) (مسوفون) أي مرجون
مؤخرون في أمرهم إلى يوم القيامة، وقوله: (شافع مشفع) أي كل منهم، ولا استبعاد فيه
كما ورد في حديث المحبنطئ على باب الجنة.
392

والأبله، والمجنون الذي لا يعقل، والأصم، والأبكم، فكل واحد منهم يحتج
على الله عز وجل (1) قال: فيبعث الله عز وجل إليهم رسولا فيؤجج لهم نارا (2) و
يقول: إن ربكم يأمركم أن تثبوا فيها (3) فمن وثب فيها كانت عليه بردا وسلاما
ومن عصى سيق إلى النار.
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن فضل بن عامر، عن موسى بن القاسم البجلي، عن حماد بن
عيسى، عن حريز، عن زرارة بن أعين، قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام صلى على ابن لجعفر
عليه السلام صغير فكبر عليه، ثم قال: يا زرارة إن هذا وشبهه لا يصلى عليه، ولولا أن
يقول الناس: إن بني هاشم لا يصلون على الصغار ما صليت عليه، قال زرارة: فقلت:
فهل سئل عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم قد سئل عنهم فقال: الله أعلم بما كانوا
عاملين، ثم قال: يا زرارة أتدري ما قوله: الله أعلم بما كانوا عاملين؟ قال: فقلت:
لا والله، فقال: لله عز وجل فيهم المشية، أنه إذا كان يوم القيامة احتج الله تبارك
وتعالى على سبعة: على الطفل، وعلى الذي مات بين النبي والنبي، وعلى الشيخ
الكبير الذي يدرك النبي وهو لا يعقل، والأبله، والمجنون الذي لا يعقل، والأصم،
والأبكم، فكل هؤلاء يحتج الله عز وجل عليهم يوم القيامة، فيبعث الله إليهم
رسولا ويخرج إليهم نارا فيقول لهم: إن ربكم يأمركم أن تثبوا في هذه النار،
فمن وثب فيها كانت عليه براد وسلاما، ومن عصاه سيق إلى النار.
6 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن الهيثم بن أبي مسروق
النهدي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن الحلبي، عن أبي عبد الله
عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى كفل إبراهيم عليه السلام وسارة أطفال المؤمنين

(1) كاحتجاج أولاد المشركين عليه تعالى المذكور في الحديث الأول.
(2) في نسخة (ط) و (ن) (فيؤجج إليهم نارا).
(3) في نسخة (ب) و (د) (أن تقيموا فيها).
393

يغذونهم (1) من شجرة في الجنة لها أخلاف كأخلاف البقر، في قصور من در (2)
فإذا كان يوم القيامة ألبسوا وطيبوا وأهدوا إلى آبائهم، فهم مع آبائهم ملوك
في الجنة.
7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى
العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن أحمد بن محمد بن عيسى،
عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله
عليه السلام في قول الله عز وجل: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم
ذريتهم) (3) قال: قصرت الأبناء عن عمل الآباء فألحق الله عز وجل الأبناء
بالآباء ليقر بذلك أعينهم.
8 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن
يحيى، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن
القاسم، عن أبي زكريا، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا مات طفل
من أطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت السماوات والأرض: ألا إن فلان بن فلان
قد مات، فإن كان قد مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دفع إليه
يغذوه، وإلا دفع إلى فاطمة صلوات الله عليها تغذوه حتى يقدم أبواه أو أحدهما
أو بعض أهل بيته من المؤمنين فتدفعه إليه. (4)
9 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن أحمد بن
يحيى، قال: حدثنا محمد بن حسان، عن الحسين بن محمد النوفلي من ولد نوفل بن

(1) هكذا في النسخ، والقاعدة تقتضي يغذوانهم كما في البحار عن الفقيه.
(2) في حاشية نسخة (ط) كلمة (زريعة) بدلا عن (در)، وهي كل شئ ناعم.
(3) الطور: 21.
(4) لا تنافي بين هذا والحديث السادس، إذ يمكن الجمع باختصاصها عليها السلام
بأطفال المؤمنين من ذريتها، أو التبعيض على نحو آخر أو يغذوانهم بأمرها، أو التبعيض
في التغذية، مع أنه لا تزاحم في العمل في تلك الدار.
394

عبد المطلب، قال: أخبرني محمد بن جعفر، عن محمد بن علي، عن عيسى بن عبد الله
العمري، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام في المرض يصيب الصبي؟ قال: كفارة
لوالديه.
10 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب،
عن عبد الأعلى مولى آل سام، عن أبي عبد الله عليه السلام. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
تزوجوا الأبكار فإنهم أطيب شئ أفواها وأدر شئ أخلافا وأفتح شئ أرحاما،
أما علمتم أني أباهي بكم الأمم يوم القيامة
حتى بالسقط يظل محبنطئا على باب
الجنة فيقول الله عز وجل له: أدخل الجنة، فيقول: لا حتى يدخل أبواي قبلي،
فيقول الله عز وجل لملك من الملائكة: ايتني بأبويه، فيأمر بهما إلى الجنة، فيقول:
هذا بفضل رحمتي لك.
11 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد
ابن يحيى، قال: حدثنا محمد بن الوليد، عن حماد بن عثمان، عن جميل بن دراج،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن أطفال الأنبياء عليهم السلام فقال: ليسوا كأطفال سائر
الناس، قال: وسألته عن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله لو بقي كان صديقا؟ قال: لو بقي
كان على منهاج أبيه صلى الله عليه وآله.
12 - وبهذا الإسناد، عن حماد بن عثمان، عن عامر بن عبد الله، قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان على قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله عذق يظله عن الشمس،
فلما يبس العذق ذهب أثر القبر فلم يعلم مكانه، وقال عليه السلام: مات إبراهيم ابن رسول الله
صلى الله عليه وآله وكان له ثمانية عشر شهرا فأتم الله عز وجل رضاعه في الجنة.
قال مصنف هذا الكتاب في الأطفال وأحوالهم: إن الوجه في معرفة العدل
والجور والطريق إلى تميزهما ليس هو ميل الطباع إلى الشئ ونفورها عنه وأنه
استحسان العقل له واستقباحه إياه، فليس يجوز لذلك أن نقطع بقبح فعل من الأفعال
لجهلنا بعلله. ولا أن نعمل في إخراجه عن حد العدل على ظاهر صورته، بل الوجه
395

إذا أردنا أن نعرف حقيقة نوع من أنواع الفعل قد خفي علينا وجه الحكمة فيه أن
نرجع إلى الدليل الذي يدل على حكمة فاعله ونفرغ إلى البرهان الذي يعرفنا
حال محدثه، فإذا أوجبنا له في الجملة أنه لا يفعل إلا الحكمة والصواب وما فيه
الصنع والرشاد لزمنا أن نعم بهذه القضية أفعاله كلها، جهلنا عللها أم عرفناها، إذ ليس
في العقول قصرها على نوع من الفعل دون نوع ولا خصوصها في جنس دون جنس
ألا ترى أنا لو رأينا أبا قد ثبتت بالدلائل عندنا حكمته وصح بالبرهان لدينا
عدله (1) يقطع جارحة من جوارح ولده أو يكوي عضوا من أعضائه ولم نعرف السبب
في ذلك ولا العلة التي لها يفعل ما يفعله به لم يجز لجهلنا بوجه المصلحة فيه أن ننقض
ما قد أثبته البرهان الصادق في الجملة من حسن نظره له ولإرادته الخير به، فكذلك
أفعال الله العالم بالعواقب والابتداء تبارك وتعالى لما أوجب الدليل في الجملة أنها
لا تكون إلا حكمة ولا تقع إلا صوابا لم يجز لجهلنا بعلل كل منها على التفصيل أن
نقف فيما عرفناه من جملة أحكامها، لا سيما وقد عرفنا عجز أنفسنا عن معرفة علل
الأشياء وقصورها عن الإحاطة بمعاني الجزئيات، هذا إذا أردنا أن نعرف الجملة التي
لا يسع جهلها من أحكام أفعاله عز وجل، فأما إذا أردنا أن نستقصي معانيها ونبحث
عن عللها فلن نعدم في العقول بحمد الله ما يعرفنا من وجه الحكمة في تفصيلاتها ما يصدق
الدلالة على جملتها، والدليل على أن أفعال الله تبارك وتعالى حكمة بعدها من
التناقض وسلامتها من التفاوت وتعلق بعضها ببعض وحاجة الشئ إلى مثله وائتلافه
بشكله واتصال كل نوع بشبهه حتى لو توهمت على خلاف ما هي عليه من دوران
أفلاكها وحركة شمسها وقمرها ومسير كواكبها لانتقضت وفسدت، فلما استوفت
أفعال الله عز وجل ما ذكرناه من شرائط العدل وسلمت مما قدمناه من علل الجور
صح أنها حكمة، والدليل على أنه لا يقع منه عز وجل الظلم ولا يفعله أنه قد ثبت
أنه تبارك وتعالى قديم غني عالم لا يجهل والظلم لا يقع إلا من جاهل بقبحه أو محتاج
إلى فعله منتفع به، فلما كان أنه تبارك وتعالى قديما غنيا لا تجوز عليه المنافع و

(1) في نسخة (ج) وحاشية نسخة (ط) (ووضح بالبرهان - الخ).
396

المضار عالما بما كان ويكون من قبيح وحسن صح أنه لا يفعل إلا الحكمة ولا يحدث
إلا الصواب، ألا ترى أن من صحت حكمته منا لا يتوقع منه مع غنائه عن فعل
القبيح وقدرته على تركه وعلمه بقبحه وما يستحق من الذم على فعله ارتكاب
العظائم فلا يخاف عليه مواقعة القبائح، وهذا بين، والحمد لله.
13 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي
ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان الخزاز، عن عمرو بن شمر،
عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام،: يا ابن
رسول الله إنا نرى من الأطفال من يولد ميتا، ومنهم من يسقط غير تام، ومنهم من
يولد أعمى أو أخرس أو أصم، ومنهم من يموت من ساعته إذا سقط على الأرض،
ومنهم من يبقى إلى الاحتلام، ومنهم من يعمر حتى يصير شيخا، فكيف ذلك وما
وجهه؟ فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى أولى بما يدبره من أمر خلقه منهم، وهو
الخالق والمالك لهم، فمن منعه التعمير فإنما منعه ما ليس له، ومن عمره فإنما
أعطاه ما ليس له، فهو المتفضل بما أعطاه وعادل فيما منع، ولا يسأل عما يفعل
وهم يسألون، قال جابر: فقلت له: يا ابن رسول الله وكيف لا يسأل عما يفعل؟.
قال: لأنه لا يفعل إلا ما كان حكمه وصوابا، وهو المتكبر الجبار والواحد القهار
فمن وجد في نفسه حرجا في شئ مما قضى الله فقد كفر، ومن أنكر شيئا من
أفعاله جحد. (1)

(1) في نسخة (و) و (ه‍) بعد الحديث الثالث عشر في آخر الباب هذا الحديث:
(حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله
الكوفي، قال: حدثني محمد بن أبي بشير، قال: حدثني الحسين بن أبي الهيثم، قال:
حدثنا سليمان بن داود، عن حفص بن غياث، قال: حدثني خير الجعافر جعفر بن محمد،
قال: حدثني باقر علوم الأولين والآخرين محمد بن علي، قال: حدثني سيد العابدين علي
ابن الحسين، قال: حدثني سيد الشهداء الحسين بن علي، قال: حدثني سيد الأوصياء علي
ابن أبي طالب عليهم السلام، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم جالسا في
مسجده إذ دخل عليه رجل من اليهود فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: إلى شهادة أن
لا إله إلا الله وأني رسول الله، قال: يا محمد أخبرني عن هذا الرب الذي تدعو إلى
وحدانيته وتزعم أنك رسوله كيف هو، قال: يا يهودي إن ربي لا يوصف بالكيف لأن الكيف
مخلوق وهو مكيفه، قال: فأين هو؟ قال: إن ربي لا يوصف بالأين لأن الأين مخلوق وهو
أينه، قال: فهل رأيته يا محمد؟ قال: إنه لا يرى بالأبصار ولا يدرك بالأوهام، قال: فبأي
شئ نعلم أنه موجود؟ قال: بآياته وأعلامه، قال: فهل يحمل العرش أم العرش يحمله؟
فقال: يا يهودي إن ربي ليس بحال ولا محل، قال: فكيف خروج الأمر منه؟ قال:
باحداث الخطاب في المحال، قال: يا محمد أليس الخلق كله له؟! قال: بلى، قال:
فبأي شئ اصطفى منهم قوما لرسالته؟ قال: بسبقهم إلى الاقرار بربوبيته، قال: فلم زعمت
إنك أفضلهم؟ قال: لأني أسبقهم إلى الاقرار بربي عز وجل، قال: فأخبرني عن ربك هل
يفعل الظلم؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: لعلمه بقبحه واستغنائه عنه، قال: فهل أنزل عليك
في ذلك قرآنا يتلى؟ قال: نعم، أنه يقول عز وجل: (وما ربك بظلام للعبيد)، ويقول: (إن
الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) ويقول: (وما الله يريد ظلما للعالمين)
ويقول: (وما الله يريد ظلما للعباد) قال اليهودي: يا محمد فإن زعمت أن ربك لا يظلم
فكيف أغرق قوم نوح عليه السلام وفيهم الأطفال؟ فقال: يا يهودي إن الله عز وجل أعقم أرحام
نساء قوم نوح أربعين عاما فأغرقهم حين أغرقهم ولا طفل فيهم، وما كان الله ليهلك الذرية
بذنوب آبائهم، تعالى عن الظلم والجور علوا كبيرا، قال اليهودي: فإن كان ربك لا يظلم فكيف
يخلد في النار أبد الآبدين من لم يعصه إلا أياما معدودة؟ قال: يخلده على نيته، فمن علم الله
نيته أنه لو بقي في الدنيا إلى انقضائها كان يعصي الله عز وجل خلده في ناره على نيته، ونيته
في ذلك شر من عمله، وكذلك يخلد من يخلد في الجنة بأنه ينوي أنه لو بقي في الدنيا
أيامها لأطاع الله أبدا، ونيته خير من عمله، فبالنيات يخلد أهل الجنة في الجنة وأهل
النار في النار، والله عز وجل يقول: (قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى
سبيلا) قال اليهودي: يا محمد إني أجد في التوراة أنه لم يكن لله عز وجل نبي إلا كان له
وصي من أمته فمن وصيك؟ قال: يا يهودي وصيي علي بن أبي طالب عليه السلام، واسمه في
التوراة أليا وفي الإنجيل حيدار، وهو أفضل أمتي وأعلمهم بربي، وهو مني بمنزلة هارون
من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأنه لسيد الأوصياء كما أني سيد الأنبياء، فقال اليهودي:
أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأن علي بن أبي طالب وصيك حقا، والله أني لأجد
في التوراة كل ما ذكرت في جواب مسائلي، وإني لأجد فيها صفتك وصفة وصيك، وأنه
المظلوم ومحتوم له بالشهادة، وأنه أبو سبطيك وولديك شبرا وشبيرا سيدي شباب أهل
الجنة).
397

62 - باب إن الله تعالى
لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم
1 - أخبرني أبو الحسين طاهر بن محمد بن يونس بن حياة (1) الفقيه ببلخ، قال:

(1) في نسخة (و) خيرة: وفي نسخة (ه‍) خيوة.
398

حدثنا محمد بن عثمان الهروي، قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن الحسين بن مهاجر (1)
قال: حدثنا هشام بن خالد، قال: حدثنا الحسن بن يحيى الحنيني (2) قال
حدثنا صدقة بن عبد الله، عن هشام، عن أنس (3) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن جبرئيل، عن
الله عز وجل، قال: قال الله تبارك وتعالى: من أهان وليا لي فقد بارزني بالمحاربة
وما ترددت في شئ أنا فاعله مثل ما ترددت في قبض نفس المؤمن (4) يكره الموت

(1) في نسخة (و) و (ب) و (د) (الحسن بن الحسن بن مهاجر).
(2) في نسخة (ج) (الحسين بن يحيى الحنفي) والظاهر أنه الحسن بن يحيى الخشني
الدمشقي الذي مات بعد التسعين كما في التقريب وهو والراوي والمروي عند كلهم من رجال
العامة.
(3) في نسخة (ج) و (ط) و (ن) (حدثنا صدقة بن عبد الله بن هشام عن أنس - الخ).
(4) في نسخة (ج) و (ه‍) (كما ترددت في قبض نفس المؤمن) وفي نسخة (و) و (ب)
و (د) (وما ترددت عن شئ أنا فاعله ما ترددت في قبض نفس المؤمن) وليس التردد في حقه
تعالى كما فينا، بل إطلاقه عليه تعالى باعتبار مبدئه فقط وهو تعارض المحبوبين أو تبادل
المكروهين اللازمين لفعل شئ وتركه كما هنا، والمكروهان مساءة المؤمن وبقاؤه في
الدنيا وإن كان هو يكره الانتقال إلى الدار الآخرة ولكنه تعالى لا يكره ذلك.
399

وأكره مساءته ولا بد له منه، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه،
ولا يزال عبدي يتنفل لي حتى أحبه، ومتى أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا
ومؤيدا، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد
الباب من العبادة فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين
لمن لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن
لا يصلح إيمانه إلا بالغناء ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن
لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو صححت جسمه لأفسده ذلك (1) وإن من عبادي
المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك، إني أدبر عبادي
لعلمي بقلوبهم، فإني عليم خبير.
2 - حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، قال: حدثنا
عبد الله بن محمد بن عبد الكريم، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن البرقي، قال:
حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: قرأت على أبي عمر الصنعاني (2) عن العلاء بن
عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال وسلم: رب أشعث أغبر
ذي طمرين مدفع بالأبواب (3) لو أقسم على الله عز وجل لأبره.
3 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه
عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن محمد بن المنكدر، قال: مرض عون
ابن عبد الله بن مسعود فأتيته أعوده فقال: ألا أحدثك بحديث عن عبد الله بن مسعود
قلت: بلى، قال: قال عبد الله: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ تبسم، فقلت له

(1) في نسخة (ب) و (ط) و (ن) (ولو صححت جسده - الخ).
(2) في نسخة (ب) (حدثنا عمر بن أبي سلمة قال: قرأت على عمر الصنعاني - الخ).
(3) في نسخة (و) (مرقع بالأثواب) وفي نسخة (ط) (يدفع بالأبواب) وفي نسخة
(ج) (مدفع بالأبواب مرقع للأثواب).
400

ما لك يا رسول الله؟ قال: عجبت من المؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ما له في
السقم من الثواب لأحب أن لا يزال سقيما حتى يلقى ربه عز وجل.
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن
الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام: إن قوما أتوا نبيا فقالوا: ادع لنا ربك يرفع عنا الموت،
فدعا لهم، فرفع الله تبارك وتعالى عنهم الموت، وكثروا حتى ضاقت بهم المنازل وكثر
النسل، وكان الرجل يصبح فيحتاج أن يطعم أباه وأمه وجده وجد جده ويرضيهم (1)
ويتعاهدهم، فشغلوا عن طلب المعاش، فأفتوه فقالوا: سل ربك أن يردنا إلى آجالنا
التي كنا عليها، فسأل ربه عز وجل فردهم إلى آجالهم.
5 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي (ره) قال حدثنا
أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن
عقبة، عن أبيه، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله الصادق، عن أبيه، عن جده
عليهم السلام قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا
تسألوني مم ضحكت، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: عجبت للمرء المسلم أنه ليس
من قضاء يقضيه الله عز وجل إلا كان خيرا له في عاقبة أمره.
6 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن أبي قتادة القمي
قال: حدثنا عبد الله بن يحيى، عن أبان الأحمر، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام
قال: والذي بعث جدي صلى الله عليه وآله بالحق نبيا إن الله تبارك وتعالى ليرزق العبد على
قدر المروة، وإن المعونة لتنزل من السماء على قدر المؤونة، وإن الصبر لينزل
على قدر شدة البلاء.
7 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي، قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن المفضل بن

(1) في نسخة (ج) (ويربيهم)، وفي نسخة (و) و (د) و (ه‍) (يوضيهم).
401

صالح، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، قال: إن
موسى بن عمران عليه السلام قال: يا رب رضيت بما قضيت تميت الكبير وتبقي الصغير،
فقال الله عز وجل: يا موسى أما ترضاني لهم رازقا وكفيلا؟ قال: بلى يا رب فنعم
الوكيل أنت ونعم الكفيل (1).
8 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى،
عن محمد بن أبي الهزهاز، عن علي بن الحسين (2) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
إن الله عز وجل جعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون، وذلك أن العبد إذا
لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه.
9 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال:
حدثنا جعفر بن سليمان بن أيوب الخزاز (3) قال: حدثنا عبد الله بن الفضل
الهاشمي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لأي علة جعل الله تبارك وتعالى
الأرواح في الأبدان بعد كونها في ملكوته الأعلى في أرفع محل؟ فقال عليه السلام:
إن الله تبارك وتعالى علم أن الأرواح في شرفها وعلوها متى تركت على حالها
نزع أكثرها إلى دعوى الربوبية دونه عز وجل، فجعلها بقدرته في الأبدان التي
قدرها لها في ابتداء التقدير نظرا لها ورحمة بها، وأحوج بعضها إلى بعض، وعلق

(1) مر هذا الحديث في الباب الستين بعين السند والمتن.
(2) في نسخة (ب) و (د) (عن علي بن الحسين) وفي حاشية نسخة (و) و (ن)
(عن علي بن السري).
(3) في نسخة (ط) (جعفر بن سليمان بن أبي أيوب الخزاز) وفي نسخة (ب) (جعفر
ابن سليمان عن أيوب الخزاز) واحتمل أن يكون جعفر بن سليمان عن أبي أيوب الخزاز،
وهو إما إبراهيم بن زياد أو إبراهيم بن عثمان. وأما رواية البرمكي عن جعفر بن سليمان
فبعيدة. ورواية جعفر بن سليمان عن عبد الله بن الفضل من غير واسطة كثيرة.
402

بعضها على بعض، ورفع بعضها فوق بعض درجات، وكفى بعضها ببعض، وبعث إليهم
رسله واتخذ عليهم حججه مبشرين منذرين يأمرونهم بتعاطي العبودية والتواضع
لمعبودهم بالأنواع التي تعبدهم بها ونصب لهم عقوبات في العالج وعقوبات في الآجل
ومثوبات في العاجل ومثوبات في الآجل ليرغبهم بذلك في الخير ويزهدهم في الشر
وليذلهم (1) بطلب المعاش والمكاسب فيعلموا بذلك أنهم مربوبون وعباد مخلوقون و
يقبلوا على عبادته فيستحقوا بذلك نعيم الأبد وجنة الخلد ويأمنوا من النزوع إلى
ما ليس لهم بحق، ثم قال عليه السلام: يا ابن الفضل إن الله تبارك وتعالى أحسن نظرا
لعباده منهم لأنفسهم، ألا ترى أنك لا ترى فيهم إلا محبا للعلو (2) على غيره حتى
أن منهم لمن قد نزع إلى دعوى الربوبية، ومنهم من قد نزع إلى دعوى النبوة
بغير حقها، ومنهم من قد نزع إلى دعوى الإمامة بغير حقها، مع ما يرون في أنفسهم
من النقص والعجز والضعف والمهانة والحاجة والفقر والآلام المتناوبة عليهم و
الموت الغالب لهم والقاهر لجميعهم، يا ابن الفضل إن الله تبارك وتعالى لا يفعل لعباده
إلا الأصلح لهم، ولا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
10 - حدثنا محمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي -
عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد
النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر الصادق
عليه السلام، قال: سألته عن قول الله عز وجل: (ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك و
لذلك خلقهم (3) قال: خلقهم ليفعلوا ما يستوجبوا به رحمته فيرحمهم.
11 - حدثنا محمد بن القاسم الأسترآبادي، قال: حدثنا يوسف بن محمد بن
زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما، عن الحسن بن علي، عن أبيه، علي بن
محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر

(1) في نسخة (ب) و (د) و (ه‍) (ليدلهم) بالدال المهملة.
(2) في نسخة (ه‍) (لا ترى منهم إلا محبا - الخ).
(3) هود: 118.
403

عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام في قول الله
عز وجل: (الذي جعل لكم الأرض فراشا) (1) قال: جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة
لأجسادكم، لم يجعلها شديدة الحمى والحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرد
فتجمدكم، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم، ولا شديدة النتن فتعطبكم،
ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم و
أبنيتكم وقبور موتاكم، ولكنه عز وجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به و
تتماسكون وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم، وجعل فيها ما تنقاد به لدوركم و
قبوركم وكثير من منافعكم (2) فلذلك جعل الأرض فراشا لكم، ثم قال عز وجل
(والسماء بناء) أي سقفا من فوقكم محفوظا، يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها
لمنافعكم، ثم قال عز وجل: (وأنزل من السماء ماء) يعني المطر نزله من العلي ليبلغ
قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم وأوهادكم، ثم فرقة رذاذا ووابلا وهطلا وطلا
لتنشفه أرضوكم، ولم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضيكم
وأشجاركم وزروعكم وثماركم، ثم قال عز وجل: (فأخرج به من الثمرات رزقا
لكم فلا تجعلوا لله أندادا) أي أشباها وأمثالا من الأصنام التي لا تعقل ولا تسمع
ولا تبصر ولا تقدر على شئ (وأنتم تعلمون) أنها لا تقدر على شئ من هذه النعم
الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم تبارك وتعالى.
12 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن داود بن كثير الرقي، عن أبي عبيدة
الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله جل جلاله:
إن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيتهجد
في الليالي ويتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين نظرا مني له و

(1) البقرة: 22.
(2) قوله: (وكثير) بالجر عطف على دوركم، وفي نسخة (ط) و (ن) (بالنصب فعطف
على ما تنقاد).
404

إبقاء عليه فينام حتى يصبح ويقوم وهو ماقت لنفسه زار عليها، ولو أخلي بينه
وبين ما يريد من عبادتي لدخله من ذلك العجب فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله (1)
ورضاه عن نفسه حتى يظن أنه قد فاق العابدين، وجاز في عبادته حد التقصير (2)
فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلي.
13 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية،
عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان فيما أوحى الله عز وجل إلى
موسى عليه السلام: أن يا موسى ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن، وإنما
أبتليه لما هو خير له وأعافيه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر عبدي،
فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي وليرض بقضائي أكتبه في الصديقين عندي إذا
عمل برضائي فأطاع أمري (3).
63 - باب الأمر والنهي والوعد والوعيد
1 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى،
عن منصور بن حازم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الناس مأمورون منهيون، و

(1) في نسخة (ط) و (ن) (ليدخله من ذلك العجب إلى الفتنة بأعماله).
(2) في الكافي ج 2 ص 72 عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنه قال لبعض ولده: (يا بني
عليك بالجد، لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله عز وجل وطاعته فإن الله لا يعبد
حق عبادته) أي يجب على العبد دائما في أي منزلة كان أن يعترف أنه مقصر في ذلك، وفي
الدعاء: (اللهم لا تجعلني من المعارين ولا تخرجني عن التقصير) وفي نسخة (ج) (حاز في
عبادته حق المتقين).
(3) في نسخة (و) (أطاع أمري).
405

من كان له عذر عذره الله عز وجل. (1)
2 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا
أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن هشام بن سالم، عن
حبيب السجستاني، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إن في التوراة مكتوبا يا موسى
إني خلقتك واصطفيتك وقويتك وأمرتك بطاعتي ونهيتك عن معصيتي، فإن
أطعتني أعنتك على طاعتي وإن عصيتني لم أعنك على معصيتي، يا موسى ولي المنة
عليك في طاعتك لي، ولي الحجة عليك في معصيتك لي.
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد بن أبي عبد الله
البرقي، عن علي بن محمد القاساني، عمن ذكره، عن عبد الله بن القاسم الجعفري،
عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من وعده الله على عمل
ثوابا فهو منجزه له، ومن أوعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار.
4 - حدثنا أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي بنيسابور سنة اثنتين وخمسين و
ثلاثمائة، قال: أخبرنا محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثنا ابن ذكوان (2) قال:
سمعت إبراهيم بن العباس يقول: كنا في مجلس الرضا عليه السلام فتذاكروا الكبائر
وقول المعتزلة فيها: إنها لا تغفر، فقال الرضا عليه السلام: قال أبو عبد الله عليه السلام: قد
نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة، قال الله عز وجل: (وإن ربك لذو مغفرة
للناس على ظلمهم) (3) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
5 - حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي، وأحمد بن الحسن القطان، ومحمد بن
أحمد السناني، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، وعبد الله بن محمد
الصائغ، وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد

(1) في نسخة (ب) و (د) (من كان له عذر - الخ) وفي نسخة (ه‍) و (ج) (فمن كان
له عذر - الخ).
(2) هو عبد الله بن أحمد بن ذكوان كما هو الظاهر.
(3) الرعد: 6.
406

ابن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال:
حدثنا تميم بن بهلول، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن جعفر بن محمد
عليهما السلام قال فيما وصف له من شرائع الدين: إن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا
يكلفها فوق طاقتها، وأفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين (1)، والله
خالق كل شئ، ولا نقول بالجبر، ولا بالتفويض، ولا يأخذ الله عز وجل
البرئ بالسقيم ولا يعذب الله عز وجل الأطفال بذنوب الآباء، فإنه قال
في محكم كتابه: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (2) وقال عز وجل: (وأن
ليس للإنسان إلا ما سعى) (3) ولله عز وجل أن يعفو ويتفضل، وليس له عز وجل
أن يظلم، ولا يفرض الله عز وجل على عباده طاعة من يعلم أنه يغويهم ويضلهم،
ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به ويعبد الشيطان دونه،
ولا يتخذ على خلقه حجة إلا معصوما. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة،
وقد أخرجته بتمامه في كتاب الخصال.
6 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، قال: سمعت موسى بن
جعفر عليهما السلام يقول: لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود وأهل الضلال و
الشرك. ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر، قال الله تبارك و
تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا
كريما) (4) قال: فقلت له: يا ابن رسول الله فالشفاعة لمن تجب من المذنبين؟ قال:
حدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إنما شفاعتي
لأهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل) قال ابن أبي -

(1) أي مقدرة بأن تقع بإرادتهم، لا مكونة كسائر المكونات من دون دخل إرادة
العبد فيها.
(2) الأنعام: 164، والإسراء: 15 وفاطر: 18، والزمر: 7.
(3) النجم: 39.
(4) النساء: 31.
407

عمير: فقلت له: يا ابن رسول الله فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر والله
تعالى ذكره يقول: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) (1)
ومن يرتكب الكبائر لا يكون مرتضى، فقال: يا أبا أحمد ما من مؤمن يرتك ذنبا
إلا ساءه ذلك وندم عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كفى بالندم توبة) وقال عليه السلام:
((من سرته حسنته وساءته سيئة فهو مؤمن) (2) فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس
بمؤمن ولم تجب له الشفاعة وكان ظالما، والله تعالى ذكره يقول: (ما للظالمين من
حميم ولا شفيع يطاع) (3) فقلت له: يا ابن رسول الله وكيف لا يكون مؤمنا من لم
يندم على ذنب يرتكبه؟ فقال: يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي و
هو يعلم أنه سيعاقب عليها إلا ندم على ما ارتكب ومتى ندم كان تائبا مستحقا
للشفاعة، ومتى لم يندم عليها كان مصرا والمصر لا يغفر له لأنه غير مؤمن بعقوبة
ما ارتكب ولو كان مؤمنا بالعقوبة لندم، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: (لا كبيرة مع الاستغفار
ولا صغيرة مع الاصرار) وأما قول الله عز وجل: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)
فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه، والدين الاقرار بالجزاء على الحسنات
والسيئات، فمن ارتضى الله دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته
في القيامة. (4)
7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن أبي
عمير، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من هم بحسنة فلم يعملها
كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها، ويضاعف الله لمن يشاء إلى سبعمائة،
ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه حتى يعملها، فإن لم يعملها كتبت له حسنة

(1) الأنبياء: 28.
(2) في نسخة (ب) و (ط) (من سرته حسنة وساءته سيئة - الخ).
(3) المؤمن: 18.
(4) الشفاعة مما اختلفت الأمة في أنواعها بعد اتفاقهم في أصلها، والتفصيل في محله.
408

بتركه لفعلها، وإن عملها أجل تسع ساعات فإن تاب وندم عليها لم تكتب عليه و
إن لم يتب ولم يندم عليها كتبت عليه سيئة.
8 - حدثنا محمد بن محمد بن الغالب الشافعي، قال: أخبرنا أبو محمد مجاهد بن
أعين بن داود، قال: أخبرنا عيسى بن أحمد العسقلاني، قال: أخبرنا النضر بن
شميل، قال: أخبرنا إسرافيل (1) قال: أخبرنا ثوير، عن أبيه أن عليا عليه السلام
قال: ما في القرآن آية أحب إلي من قوله عز وجل: (إن الله لا يغفر أن يشرك
به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). (2)
9 - حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي بسرخس، قال: حدثنا
أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثني إسحاق بن إسرائيل، قال: حدثنا
حريز، عن عبد العزيز (3) عن زيد بن وهب، عن أبي ذر رحمه الله، قال:
خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله يمشي وحده وليس معه إنسان،
فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت
فرآني فقال: من هذا؟ فقلت: أبو ذر جعلني الله فداك، قال: يا أبا ذر تعال، قال:
فمشيت معه ساعة، فقال: إن المكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله
خيرا فنفح منه بيمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا، قال: فمشيت معه
ساعة، فقال لي: اجلس ههنا، وأجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: اجلس
حتى أرجع إليك، قال: فانطلق في الحرة حتى لم أره وتوارى عني، فأطال
اللبث، ثم إني سمعته عليه السلام وهو مقبل وهو يقول: وإن زنى وإن سرق، قال:

(1) في نسخة (و) و (ط) و (ن) (أخبرنا إسرائيل).
(2) النساء: 48 و 116.
(3) قد مر هذا الحديث في الباب الأول بعين السند والمتن، وفي بعض النسخ هنا
أو هناك: (جرير أو حريز عن عبد العزيز - الخ)، وفي بعضها: (جرير أو حريز بن
عبد العزيز) وفي صحيح البخاري (عن حريز عن زيد - الخ) والظاهر تصحيف (بن)
بعن لكن لم أجد حريز بن عبد العزيز أو جرير بن عبد العزيز في كتب الرجال.
409

فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي الله جعلني الله فداك من تكلمه في جانب
الحرة؟ فإني ما سمعت أحدا يرد عليك من الجواب شيئا، قال: ذاك جبرئيل
عرض لي في جانب الحرة فقال: بشر أمتك أنه مات لا يشرك بالله عز وجل
شيئا دخل الجنة، قال: قلت: يا جبرئيل وإن زنى وإن سرق؟ قال: نعم، وإن
شرب الخمر.
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: يعني بذلك أنه يوفق للتوبة حتى
يدخل الجنة.
10 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن
أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن معاذ الجوهري، عن الصادق جعفر بن محمد، عن
آبائه صلوات الله عليهم، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن جبرئيل عليه السلام، قال: قال الله
جل جلاله: من أذنب ذنبا صغيرا أو كبيرا وهو لا يعلم أن لي أن أعذبه به أو أعفو
عنه لا غفرت له ذلك الذنب أبدا، ومن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا وهو يعلم أن
لي أن أعذبه وأن أعفو عنه عفوت عنه.
64 - باب التعريف والبيان والحجة والهداية
1 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا
أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حكيم، قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: المعرفة صنع من هي؟ قال: من صنع الله عز وجل: ليس
للعباد فيها صنع.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن
دراج، عن ابن الطيار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل احتج
على الناس بما آتاهم وما عرفهم.
3 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن
410

أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن حمزة بن الطيار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل احتج على الناس بما آتاهم وما
عرفهم (1).
4 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن
أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن حمزة بن الطيار،
عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله الله عز وجل: (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هديهم
حتى يبين لهم ما يتقون) (2) قال: حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه، وقال:
(فألهمها فجورها وتقويها) (3) قال: بين لها ما تأتي وما تترك، وقال: (إنا
هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) (4) قال: عرفناه إما آخذا وإما تاركا
وفي قوله عز وجل: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) (5) قال:
عرفناهم فاستحبوا العمى على الهدى وهم يعرفون.
5 - حدثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم رحمه الله، عن أبيه، عن
محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن بكير، عن حمزة بن محمد،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: (وهديناه النجدين) (6)
قال: نجد الخير والشر.
6 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن أحمد
ابن يحيى، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن عبيد الله الدهقان، عن درست،
عمن حدثه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ستة أشياء ليس للعباد فيها صنع: المعرفة

(1) هذا الحديث المتحد مع ما قبله في المتن ومع ما بعده في السند ليس إلا في
نسخة (ط).
(2) التوبة: 115.
(3) الشمس: 8.
(4) الإنسان: 3.
(5) فصلت: 17.
(6) البلد: 10.
411

والجهل والرضا والغضب والنوم واليقظة (1).
7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى
العطار، عن محمد بن الحسين، عن أبي شعيب المحاملي، عن درست بن أبي منصور
عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس لله على خلقه أن
يعرفوا قبل أن يعرفهم، وللخلق على الله أن يعرفهم، ولله على الخلق إذا عرفهم
أن يقبلوه (2).
8 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد
ابن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الأعلى بن أعين
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن لم يعرف شيئا هل عليه شئ؟ قال: لا (3).

(1) إن للإنسان أحوالا قلبية كالمعرفة والجهل والشك والظن والإيمان وغيرها، و
صفات نفسية كالسخاء والشجاعة والحسد والاهتداء والضلال وغيرها، وأمورا ترد عليه كالغضب
والدهشة والرضا والنوم واليقظة والمرض والصحة وغيرها، وحركات فكرية أو جارحية، و
ليس له صنع إلا في الأخيرة، أي ليست باختياره إلا هي، نعم قد يتعلق بها حبه، ويكون
بعض هذه الأخيرة جزء سبب لها كالعكس، والعمدة في السببية للأحوال القلبية التفكر و
التعقل وعدمهما.
(2) إن على الإنسان في هذا الباب أمرين: التفكر في البينات التي تأتيه من عند الله
تعالى حتى يحصل له الاستيقان والقبول القلبي لما هو الحق المتيقن بحيث يحصل له حالة
الخضوع والتسليم، والثاني هو الإيمان حقيقة، وآفة الأول والمانع منه الإتراف والانهماك
في اللذات المادية والتوغل في الأمور الدنيوية، وآفة الثاني والمانع منه العلو والاستكبار
وحب الرئاسة والجاه والحمية والعصبية، فعلى الله نصب الآيات والبينات، وعلى العبد رفع
المانعين، فعندئذ يقذف الله النور في قلبه فيزهر كما يزهر المصباح فيكون عارفا مؤمنا حقا،
وبهذا يجمع بين الصنفين من الأخبار الناطق بأن المعرفة من صنع الله والأمر بتحصيل المعرفة.
(3) هذا لا يدل على معذورية الجاهل مطلقا، بل من لم يعرف شيئا لعدم قدرته على
الرجوع إلى ما يوجب المعرفة.
412

9 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، عن أبيه، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن داود بن فرقد، عن أبي الحسن زكريا بن
يحيى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم.
10 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي (ره) عن أبيه عن
جده أحمد بن أبي عبد الله، عن علي بن الحكم، عن أبان الأحمر، عن حمزة بن الطيار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: أكتب فأملى علي: أن من قولنا إن الله
عز وجل يحتج على العباد بما آتاهم وما عرفهم، ثم أرسل إليهم رسولا، وأنزل
عليه الكتاب، فأمر فيه ونهى، أمر فيه الصلاة والصوم، فأنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن
الصلاة (1) فقال: أنا أنيمك وأنا أوقظك، فاذهب فصل ليعلموا إذا أصابهم ذلك
كيف يصنعون، ليس كما يقولون: إذا نام عنها هلك، وكذلك الصيام، أنا أمرضك
وأنا أصححك فإذا شفيتك فاقضه، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: وكذلك إذا نظرت
إلى جميع الأشياء لم تجد أحدا في ضيق، ولم تجد أحدا إلا ولله عليه الحجة وله فيه
المشية ولا أقول: إنهم ما شاؤوا صنعوا، ثم قال: إن الله يهدي ويضل، وقال:
وما أمروا إلا بدون سعتهم، وكل شئ أمر الناس به فهم يسعون له، وكل شئ
لا يسعون له فهو موضوع عنهم، ولكن أكثر الناس لا خير فيهم، ثم قال: (ليس
على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله
ورسوله (فوضع عنهم) ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم * ولا على الذين
إذا ما أتوك لتحملهم - الآية) (2) فوضع عنهم لأنهم لا يجدون.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: قوله عليه السلام: إن الله يهدي ويضل معناه
أنه عز وجل يهدي المؤمنين في القيامة إلى الجنة ويضل الظالمين في القيامة عن الجنة (3)

(1) كذا في نسخة (ط) و (ن) وفي غيرهما (فنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - الخ).
(2) التوبة: 62.
(3) إن للهداية ست مراحل، ولكل مرحة ضلالة بحسبها، وكل مرحلة من الهداية
متوقفة على ما قبلها، وكلها من الله، وضلالة العبد في كل مرحلة من عدم هداية الله إياه في
تلك المرحلة، وعدم الهداية لفسوق العبد عما عليه في تلك المرحلة، وما ذكره المصنف
هو المرحلة الأخيرة، وتفصيل الكلام يقتضي رسالة مفردة.
413

إنما قال عز وجل: (1) (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم
تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم) (2) وقال عز وجل: (ويضل الله الظالمين) (3).
11 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس
ابن عبد الرحمن، عن حماد، عن عبد الأعلى (4) قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال: فقال: لا، قلت: فهل
كلفوا المعرفة؟ قال: لا، على الله البيان (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ولا يكلف الله
نفسا إلا ما آتيها) قال: وسألته عن قول الله عز وجل: (وما كان الله ليضل قوما بعد
إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون) (5) قال: حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه.
12 - وبهذا الإسناد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن سعدان يرفعه إلى أبي -
عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل لم ينعم على عبد بنعمة إلا وقد ألزمه فيها
الحجة من الله عز وجل، فمن من الله عليه فجعله قويا فحجته عليه القيام بما كلفه
واحتمال من هو دونه ممن هو أضعف منه، ومن من الله عليه فجعله موسعا عليه
فحجته ماله، يجب عليه فيه تعاهد الفقراء بنوافله، ومن من الله عليه فجعله شريفا
في نسبه (6) جميلا في صورته، فحجته عليه أن يحمد الله على ذلك وألا يتطاول على غيره
فيمنع حقوق الضعفاء لحال شرفه وجماله.
13 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد
عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبيه، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

(1) في نسخة (و) و (ه‍) (كما قال عز وجل - الخ).
(2) يونس: 9.
(3) إبراهيم: 27.
(4) في أكثر النسخ: (عن حماد بن عبد الأعلى). وهو تصحيف.
(5) التوبة: 115.
(6) في نسخة (و) و (ه‍) (شريفا في بيته).
414

اجعلوا أمركم لله ولا تجعلوه للناس فإنه ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد
إلى الله، ولا تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب، إن الله عز وجل
قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (1) وقال:
(أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)) (2) ذروا الناس فإن الناس أخذوا عن الناس
وإنكم أخذتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله، إني سمعت أبي عليه السلام يقول: إن الله عز وجل
إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره (3).
14 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن
أبيه عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قال: إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من
نور وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكا يسدده، وإذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه
نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله، ثم تلا هذه الآية (فمن يرد الله
أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما
يصعد في السماء) (4).
قال مصنف هذا الكتاب: إن الله عز وجل إنما يريد بعبد سوءا لذنب يرتكبه
فيستوجب به أن يطبع على قلبه ويوكل به شيطانا يضله، ولا يفعل ذلك به إلا باستحقاق
وقد يوكل عز وجل بعبده ملكا يسدده باستحقاق أو تفضل ويختص برحمته من

(1) القصص: 56.
(2) يونس: 99.
(3) المراد منع الأصحاب عن المراء والجدال الباطل وضيق الذرع وظهور الغضب
عند إنكار الخصم للحق، لا المنع عن إتيان الحكمة والبرهان والموعظة والبيان والجدال
بالتي هي أحسن، وفي ذيل الرواية إشارة إلى أن من كان قلبه مقبلا إلى الحق خاضعا له
وهو الذي كتب الله في قلبه الإيمان وأيده بروح منه يأتي لا محالة إلى الحق، فاجعلوا
اهتمامكم في الارشاد لهؤلاء، لا للذين قلوبهم منكرة للحق ونفوسهم مستكبرة له. فإن سعيكم
في الارشاد ضايع فيهم.
(4) الأنعام 125.
415

يشاء، وقال الله عز وجل: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو
له قرين) (1).
15 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أحمد بن الفضل بن
المغيرة (2) قال: حدثنا منصور بن عبد الله بن إبراهيم الإصبهاني، قال: حدثنا علي
ابن عبد الله (3)، قال: حدثنا أبو شعيب المحاملي (4) عن عبد الله بن مسكان، عن
أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن المعرفة أهي مكتسبة؟ فقال: لا، فقيل
له: فمن صنع الله عز وجل ومن عطائه هي؟ قال: نعم، وليس للعباد فيها صنع،
ولهم اكتساب الأعمال، وقال عليه السلام: إن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق
تكوين (5). ومعنى ذلك أن الله تبارك وتعالى لم يزل عالما بمقاديرها قبل كونها.
16 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه،
قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، عن حمدان بن سليمان، قال: كتبت
إلى الرضا عليه السلام أسأله عن أفعال العباد أمخلوقة هي أم غير مخلوقة؟ فكتب عليه السلام:
أفعال العباد مقدرة في علم الله عز وجل قبل خلق العباد بألفي عام.
17 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن
محمد الإصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث النخعي القاضي
قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من عمل بما علم كفي ما لم يعلم.

(1) الزخرف: 36.
(2) في نسخة (د) و (ب) و (ط) (أحمد بن المفضل بن المغيرة).
(3) في نسخة (ج) و (ط) (علي بن إبراهيم).
(4) في نسخه (ط) (حدثنا شعيب المحاملي) وهو ابن أبي شعيب المحاملي المعروف،
واسمه صالح بن خالد.
(5) قد مر بيان لهذا الكلام ذيل الحديث الخامس من الباب السابق.
416

65 - باب ذكر مجلس الرضا
علي بن موسى عليهما السلام مع أهل الأديان وأصحاب المقالات
مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ
الأكبر وما كلم به عمران الصابئ في التوحيد عند المأمون
1 - حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الإيلاقي رضي الله
عنه، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي، قال: حدثني
أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي، قال: حدثني من سمع
الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي، يقول: لما قدم علي بن موسى الرضا عليهما السلام،
إلى المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق و
رأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر وأصحاب زردهشت وقسطاس
الرومي (1) والمتكلمين ليسمع كلامه وكلامهم، فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم

(1) قد مضى تفسير الجاثليق في أول الباب السابع والثلاثين ص 270. ورأس الجالوت
كأنه اسم لصاحب الرئاسة الدينية اليهودية، وكونه علما للشخص محتمل. والأقوال في تفسير
الصابئين كثيرة، قال في مجمع البحرين: وفي حديث الصادق عليه السلام: سمى الصابئون لأنهم
صبوا إلى تعطيل الأنبياء والرسل والشرائع وقالوا: كل ما جاؤوا به باطل، فجحدوا توحيد
الله ونبوة الأنبياء ورسالة المرسلين ووصية الأوصياء، فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول.
ويظهر من مقالات عمران الصابي الآتي احتجاجه مع الرضا عليه السلام هذا التفسير. والهربذ
كالزبرج صاحب الرئاسة الدينية المجوسية، قال في أقرب الموارد: الهربذة قومة بيت النار
للهند وهم البراهمة، وقيل: عظماء الهند، وقيل: علماؤهم، وقيل: خدم نار المجوس،
الواحد (هربذ) فارسية. وأصحاب زردهشت فرقه من المجوس، وهو زردهشت بن يورشب
ظهر في زمان كشتاسب بن لهراسب، وأبوه كان من آذربيجان، وأمه من الري، واسمها
دغدويه، كذا في الملل والنحل للشهرستاني، وأكثر المجوس اليوم بل كلهم ينتسبون إليه،
وفي بعض النسخ: (زرهشت) بحذف الدال، وفي الملل والنحل وبعض المؤلفات: زردشت
بحذف الهاء كما يتلفظ اليوم. وقسطاس بالقاف كما في الكتاب، وفي البحار وحاشية نسخة
(ب) (نسطاس) بالنون، ونقل المجلسي - رحمه الله - عن الفيروزآبادي: نسطاس بكسر
النون علم، وبالرومية: العالم بالطب.
417

المأمون باجتماعهم، فقال: أدخلهم علي، ففعل، فرحب بهم المأمون، ثم قال
لهم: إني إنما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم
علي، فإذا كان بكره فاغدوا علي ولا يتخلف منكم أحد، فقالوا: السمع والطاعة
يا أمير المؤمنين نحن مبكرون إن شاء الله.
قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا
عليه السلام إذ دخل علينا ياسر الخادم وكان يتولى أمر أبي الحسن عليه السلام فقال: يا سيدي
إن أمير المؤمنين يقرئك السلام فيقول: فداك أخوك إنه اجتمع إلي أصحاب
المقالات وأهل الأديان والمتكلمون من جميع الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت
كلامهم (1) وإن كرهت كلامهم فلا تتجشم (2) وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك
علينا، فقال أبو الحسن عليه السلام: أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت، وأنا صائر
إليك بكرة إن شاء الله.
قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما مضى ياسر التفت إلينا، ثم قال لي: يا
نوفلي أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة (3) فما عندك في جمع ابن عمك علينا

(1) ((فرأيك) مبتدء و (في البكور علينا) خبره، أي أفرأيك يكون في البكور
علينا، أو خبره محذوف أي فما رأيك - الخ.
(2) في نسخة (ج) (وإن كرهت فلا تحتشم)، وفي نسخة (و) و (ن) (وإن كرهت
ذلك فلا تتجشم).
(3) الرقة في كل موضع يراد بها معنى، فيقال مثلا: رقة القلب ويراد بها الرحمة،
ورقة الوجه ويراد بها الحياء، ورقة الكلام ويراد عدم الفدفدة فيه، والظاهر أن مراده
عليه السلام حيث أضاف الرقة إلى الإنسان هو رقة الجهة الإنسانية، وهي سرعة الفهم وجودته و
إصابة الحدس وصفاء الذهن وعمق الفكر وحسن التفكر وكمال العقل، وغير غليظة خبر
في اللفظ، وفي المعنى صفة مفيدة للكمال، أي للعراقي رقه رقيقه، كما يقال: ليل لائل
أي كامل الاظلام، ونور نير أي كامل في النورية، وجمال جميل أي كامل في الجمالية، ولا
يبعد أن يراد بها الروح، فإن للإنسان لطافة هي روحه وكثافة هي بدنه، أي روح العراقي
غير غليظة لا تقف دون ما يرد عليه من المسائل بل تلج فيه وتخرج منه بسهولة وتكشف حق
الأمر وحقيقة الحال.
418

أهل الشرك وأصحاب المقالات؟ فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان ويحب أن يعرف
ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس والله ما بني، فقال لي: وما
بناؤه في هذا الباب؟ قلت: إن أصحاب البدع والكلام خلاف العلماء، وذلك أن
العالم لا ينكر غير المنكر، وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار
ومباهتة، وإن احتججت عليهم أن الله واحد قالوا: صحح وحدانيته، وإن قلت:
إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله قالوا: أثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم
بحجته، ويغالطونه حتى يترك قوله، فاحذرهم جعلت فداك، قال: فتبسم عليه السلام
ثم قال: يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا علي حجتي؟ (1) قلت: لا والله ما خفت
عليك قط وإني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله، فقال لي: يا نوفلي أتحب
أن تعلم متى يندم المأمون، قلت: نعم، قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة
بتوراتهم وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين
بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الروم بروميتهم وعلى أصحاب
المقالات بلغاتهم، فإذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته ورجع إلى
قولي علم المأمون أن الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له، فعند ذلك
تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك ابن عمك ينتظرك،
وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه، فقال له الرضا عليه السلام: تقدمني فإني صائر
إلى ناحيتكم إن شاء الله، ثم توضأ عليه السلام وضوء الصلاة وشرب شربة سويق وسقانا
منه، ثم خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون، فإذا المجلس غاص بأهله

(1) في العيون (أفتخاف أن يقطعوا علي حجتي).
419

ومحمد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين، والقواد حضور، فلما دخل
الرضا عليه السلام قام المأمون وقام محمد بن جعفر وقام جميع بني هاشم، فما زالوا وقوفا
والرضا عليه السلام جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس، فلم يزل المأمون
مقبلا عليه يحدثه ساعة.
ثم التفت إلى جاثليق، فقال: يا جاثليق هذا ابن عمي علي بن موسى -
ابن جعفر وهو من ولد فاطمة بنت نبينا، وابن علي بن أبي طالب عليهم السلام فأحب
أن تكلمه وتحاجه وتنصفه، فقال الجاثليق، يا أمير المؤمنين كيف أحاج رجلا
يحتج علي بكتاب أنا منكره ونبي لا أو من به. فقال له الرضا عليه السلام: يا نصراني
فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به؟! قال الجاثليق: وهل أقدر على دفع ما
نطق به الإنجيل؟ نعم والله أقر به على رغم أنفي، فقال له الرضا عليه السلام: سل
عما بدا لك وافهم الجواب، قال الجاثليق: ما تقول في نبوة عيسى عليه السلام وكتابه
هل تنكر منهما شيئا؟ قال الرضا عليه السلام: أنا مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر
به أمته وأقر به الحواريون، وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم و
بكتابه ولم يبشر به أمته، قال الجاثليق: أليس إنما تقطع الأحكام بشاهدي عدل؟
قال: بلى، قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوة محمد ممن لا تنكره
النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملتنا، قال الرضا عليه السلام: الآن جئت بالنصفة
يا نصراني، ألا تقبل مني العدل المقدم عند المسيح عيسى بن مريم، قال الجاثليق:
ومن هذا العدل؟ سمه لي، قال: ما تقول في يوحنا الديلمي؟ قال: بخ بخ
ذكرت أحب الناس إلى المسيح، قال: فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أن
يوحنا قال: إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشرني به أنه يكون من بعده
فبشرت به الحواريين فآمنوا به؟! قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح
وبشر بنبوة رجل وبأهل بيته ووصيه، ولم يلخص متى يكون ذلك ولم يسم لنا
القوم فنعرفهم، قال الرضا عليه السلام: فأن جئناك بمن يقرء الإنجيل فتلا عليك ذكر
محمد وأهل بيته وأمته أتؤمن به؟! قال: سديدا، قال الرضا عليه السلام لقسطاس الرومي:
420

كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل؟ قال: ما أحفظني له، ثم التفت إلى رأس
الجالوت فقال له: ألست تقرء الإنجيل؟! قال: بلى لعمري قال: فخذ على السفر
الثالث، فإن كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمته سلام الله عليهم فاشهدوا لي وإن لم يكن
فيه ذكره فلا تشهدوا لي، ثم قرأ عليه السلام السفر الثالث حتى إذا بلغ ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقف، ثم قال: يا نصراني إني أسألك بحق المسيح وأمه أتعلم أني عالم بالإنجيل؟!
قال: نعم، ثم تلا علينا ذكر محمد وأهل بيته وأمته، ثم قال: ما تقول يا نصراني
هذا قول عيسى بن مريم؟! فإن كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت عيسى و
موسى عليهما السلام، ومتى أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل لأنك تكون قد كفرت
بربك ونبيك وبكتابك، قال الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي في الإنجيل وإني
لمقر به، قال الرضا عليه السلام: اشهدوا على إقراره.
ثم قال: يا جاثليق سل عما بدا لك، قال الجاثليق: أخبرني عن حواري
عيسى بن مريم كم كان عدتهم؟ وعن علماء الإنجيل كم كانوا؟ قال الرضا عليه السلام:
على الخبير سقطت، أما الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا، وكان أفضلهم وأعلمهم
ألوقا (1) وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال: يوحنا الأكبر بأج، ويوحنا
بقرقيسيا، ويوحنا الديلمي بزجان (2) وعنده كان ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أهل
بيته وأمته وهو الذي بشر أمة عيسى وبني إسرائيل به.
ثم قال عليه السلام: يا نصراني والله إنا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم
وما ننقم على عيسا كم شيئا إلا ضعفه وقلة صيامه وصلاته، قال الجاثليق: أفسدت

(1) في الإنجيل الموجود اليوم: لوقا بدون الألف في أوله.
(2) (اج) بألف ثم جيم مجهول، وفي نسخة (ط) و (ج) بألف وخاء، وأخا بزيادة
ألف في آخر ناحية من نواحي البصرة، وقرقيسياء بقافين بينهما راء ساكنة ثم يائين بينهما
سين مكسورة آخرها ألف مقصورة أو ممدودة بلد عند مصب الخابور في الفرات، والخابور
نهر يمر على أرض الجزيرة، وزجان بالزاي المعجمة والجيم والألف آخره نون، وفي البحار
باب احتجاجات الرضا عليه السلام وفي نسخه (ب) و (د) بالراء المهملة مكان النون، كلاهما مجهول.
421

والله علمك وضعفت أمرك، وما كنت ظننت إلا أنك أعلم أهل الإسلام، قال الرضا
عليه السلام: وكيف ذلك؟! قال الجاثليق: من قولك: إن عيسا كم كان ضعيفا قليل
الصيام قليل الصلاة، وما أفطر عيسى يوما قط ولا نام بليل قط. وما زال صائم
الدهر، قائم الليل، قال الرضا عليه السلام: فلمن كان يصوم ويصلي؟! قال: فخرس
الجاثليق وانقطع.
قال الرضا عليه السلام: يا نصراني إني أسألك عن مسألة، قال: سل فإن كل
عندي علمها أجبتك، قال الرضا عليه السلام: ما أنكرت أن عيسى كان يحيى الموتى بإذن الله
عز وجل، قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل أن من أحيى الموتى وأبرأ الأكمه
والأبرص فهو رب مستحق لأن يعبد (1) قال الرضا عليه السلام: فإن اليسع قد صنع
مثل ما صنع عيسى (2) مشى على الماء وأحيى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فلم
يتخذه أمته ربا ولم يعبده أحد من دون الله عز وجل، ولقد صنع حزقيل النبي
عليه السلام (3) مثل ما صنع عيسى بن مريم عليه السلام فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد
موتهم بستين سنة، ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: يا رأس الجالوت أتجد
هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة؟! اختارهم بخت نصر من سبي بني إسرائيل
حين غزا بيت المقدس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله عز وجل إليهم فأحياهم (4)

(1) إنكاره يرجع إلى إذن الله، وكان عيسى بزعمه ربا مستقلا في ذلك.
(2) في بعض التفاسير أن اليسع كان ابن عم الياس النبي ونبيا بعده على نبينا وآله
وعليهما السلام.
(3) هو الملقب بذي الكفل المدفون بقرية في طريق الكوفة إلى الحلة، وهي أرض
بابل التي انصرف بخت نصر بسبايا بني إسرائيل إليها، وفيما اليوم بأيدي الناس، حزقيال.
(4) حاصل القصة أن بخت نصر غزا بيت المقدس، فقتل بني إسرائيل بعضهم وأسر
بعضهم، ثم اختار من الأسرى خمسة وثلاثين ألف رجل كلهم من الشباب، وأمر هؤلاء مذكور
في قصص شباب بني إسرائيل، ثم نقلهم إلى بابل عاصمة مملكته، ثم ماتوا أو قتلوا في زمنه
أو بعده، ثم أرسل الله عز وجل حزقيل إلى بابل فأحياهم بإذنه تعالى.
422

هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم (1) قال رأس الجالوت: قد سمعنا به و
عرفناه، قال: صدقت، ثم قال عليه السلام: يا يهودي خذ على هذا السفر من التوراة
فتلا عليه السلام علينا من التوراة آيات، فأقبل اليهودي يترجح لقراءته ويتعجب (2) ثم
أقبل على النصراني فقال: يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟!
قال: بل كانوا قبله، قال الرضا عليه السلام: لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فسألوه أن يحيي لهم موتاهم، فوجه معهم علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: اذهب
إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان و
يا فلان ويا فلان يقول لكم محمد رسول الله صلى الله عليه وآله: قوموا بإذن الله عز وجل، فقاموا
ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم، ثم أخبروهم
أن محمد قد بعث نبيا، وقالوا: وددنا أنا أدركناه فنؤمن به ولقد أبرأ الأكمه و
الأبرص والمجانين وكلمه البهائم والطير والجن والشياطين ولم نتخذه ربا من
دون الله عز وجل، ولم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم، فمتى اتخذتم عيسى ربا
جاز لكم أن تتخذوا اليسع وحزقيل ربا لأنهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من
إحياء الموتى، وغيره أن قوما من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وهم
ألوف حذر الموت فأماتهم الله في ساعة واحدة، فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم
حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميما، فمر بهم نبي من أنبياء
بني إسرائيل فتعجب منهم ومن كثرة العظام البالية، فأوحى الله إليه أتحب أن
أحييهم لك فتنذرهم؟ قال: نعم يا رب، فأوحى الله عز وجل إليه أن نادهم، فقال:
أيتها العظام البالية قومي بإذن الله عز وجل فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب

(1) في كتاب حزقيال الموجود اليوم إشارة إلى ذلك، وإطلاق التوراة عليه مجاز،
أو كان ذلك فيما أنزل على موسى إخبارا عما سيقع.
(2) يترجح بالحاء المهملة في آخرها من الأرجوحة أي يميل يمينا وشمالا، وفي
نسخة (ه‍) - بالجيمين - أي يضطرب.
423

عن رؤوسهم (1). ثم إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن حين أخذ الطيور وقطعهن قطعا
ثم وضع على كل جبل منهن جزءا ثم ناديهن فأقبلن سعيا إليه، ثم موسى بن
عمران وأصحابه والسبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له: إنك
قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته، فقال لهم: إني لم أره، فقالوا: لن نؤمن
لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم وبقي موسى
وحيدا، فقال: يا رب اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم وأرجع
وحدي، فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم به، فلو شئت أهلكتهم من قبل وإياي
أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا، فأحياهم الله عز وجل من بعد موتهم، وكل شئ
ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه لأن التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد
نطقت به، فإن كان كل من أحيى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص والمجانين يتخذ
ربا من دون الله فاتخذ هؤلاء كلهم أربابا، ما تقول يا نصراني؟! قال الجاثليق:
القول قولك ولا إله إلا الله.
ثم التفت عليه السلام إلى رأس الجالوت فقال: يا يهودي أقبل علي أسألك بالعشر
الآيات التي أنزلت على موسى بن عمران عليه السلام هل تجد في التوراة مكتوبا نبأ محمد
وأمته: إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير يسبحون الرب جدا جدا
تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد، فليفرغ بنوا إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئن
قلوبهم، فإن بأيديهم سيوفا ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض، هكذا
هو في التوراة مكتوب؟! قال رأس الجالوت: نعم إنا لنجده كذلك، ثم قال:
للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا؟ قال: أعرفه حرفا حرفا، قال
الرضا عليه السلام لهما: أتعرفان هذا من كلامه: (يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار
لابسا جلابيب النور، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر)؟ فقالا: قد قال
ذلك شعيا، قال الرضا عليه السلام: يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى: إني

(1) المشهور بين المفسرين والمذكور في بعض الأخبار أن هذا النبي هو حزقيل، ولا
استبعاد في كون القصتين له.
424

ذاهب إلى ربي وربكم والفارقليطا جاء (1) هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت
له، وهو الذي يفسر لكم كل شئ، وهو الذي يبدي فضائح الأمم، وهو الذي
يكسر عمود الكفر؟ فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئا مما في الإنجيل إلا ونحن
مقرون به، فقال: أتجد هذا في الإنجيل ثابتا يا جاثليق؟! قال: نعم.
قال الرضا عليه السلام: يا جاثليق ألا تخبرني عن الإنجيل الأول حين
افتقدتموه عند من وجدتموه ومن وضع لكم هذا الإنجيل؟ قال له: ما افتقدنا
الإنجيل إلا يوما واحدا حتى وجدنا غضا طريا فأخرجه إلينا يوحنا ومتى،
فقال الرضا عليه السلام: ما أقل معرفتك بسر الإنجيل وعلمائه، فإن كان كما
تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل (2) إنما وقع الاختلاف في هذا الإنجيل
الذي في أيديكم اليوم (3) فلو كان على العهد الأول لم تختلفوا فيه، ولكني
مفيدك علم ذلك، اعلم أنه لما افتقد الإنجيل الأول اجتمعت النصارى إلى علمائهم
فقالوا لهم: قتل عيسى بن مريم عليه السلام وافتقدنا الإنجيل وأنتم العلماء فما عندكم؟
فقال لهم ألوقا ومر قابوس: إن الإنجيل في صدورنا، ونحن نخرجه إليكم سفرا
سفرا في كل أحد، فلا تحزنوا عليه ولا تخلوا الكنائس، فإنا سنتلوه عليكم في
كل أحد سفرا سفرا حتى نجمعه لكم كله، فقعد ألوقا ومر قابوس (4) ويوحنا
ومتى ووضعوا لهم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأول، وإنما كان هؤلاء
الأربعة تلاميذ التلاميذ الأولين، أعلمت ذلك؟ قال الجاثليق: أما هذا فلم أعلمه
وقد علمته الآن، وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل (5) وسمعت أشياء مما علمته

(1) في البحار وفي نسخة (ب) و (ه‍) (البارقليطا) بالباء مكان الفاء.
(2) في نسخة (ط) و (ن) (فإن كان كما زعمتم - الخ).
(3) في نسخة (ب) و (د) (إنما وقع فيه الاختلاف وفي هذا الإنجيل الذي في
أيديكم اليوم).
(4) في الإنجيل الذي اليوم بأيدي الناس: لوقا، مرقس.
(5) في نسخة (ب) (وقد بان لي من فضلك وفضل علمك بالإنجيل). وفي نسخة
(ه‍) (وقد بان لي من قصتك ورفع علمك بالإنجيل). وفي نسخة (ج) (وقد بان لي فضل
علمك بالإنجيل). وفي نسخة (و) والعيون (وقد بان لي من فضلك علمك بالإنجيل). وفي
نسخة (د) (وقد بان لي من فضلك ومن أفضل علمك بالإنجيل).
425

شهد قلبي أنها حق فاستزدت كثيرا من الفهم.
فقال له الرضا عليه السلام: فكيف شهادة هؤلاء عندك؟ قال: جائزة، هؤلاء
علماء الإنجيل وكل ما شهدوا به فهو حق، فقال الرضا عليه السلام للمأمون ومن
حضره من أهل بيته ومن غيرهم: اشهدوا عليه، قالوا: قد شهدنا، ثم قال للجاثليق:
بحق الابن وأمه هل تعلم أن متى قال: (إن المسيح هو ابن داود بن إبراهيم بن
إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن حضرون (1))، وقال مرقابوس في نسبة عيسى بن -
مريم: (إنه كلمة الله أحلها في جسد الآدمي فصارت إنسانا)، وقال ألوقا: (إن عيسى
ابن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس)؟ (2) ثم إنك
تقول من شهادة عيسى على نفسه: حقا أقول لكم يا معشر الحواريين: إنه لا يصعد
إلى السماء إلا ما نزل منها (3) إلا راكب البعير خاتم الأنبياء فإنه يصعد إلى
السماء وينزل، فما تقول في هذا القول؟ قال الجاثليق: هذا قول عيسى لا ننكره
قال الرضا عليهما السلام،: فما تقول في شهادة ألوقا ومر قابوس ومتى على عيسى وما
نسبوه إليه؟ (4) قال الجاثليق: كذبوا على عيسى، قال الرضا عليه السلام: يا قوم أليس

(1) بالحاء المهملة والضاد المعجمة، وفي نسخة (ب) و (ه‍) بالمعجمتين، وفي أول
إنجيل متى الموجود اليوم: حصرون - بالمهملتين -.
(2) في نسخة (و) (فدخل فيها روح القدس)، وفي نسخة (د) (فدخل عليهما روح
القدس).
(3) في البحار وفي نسخة (ن) (إلا من نزل منها).
(4) ألزم عليه السلام الجاثليق بالتنافي بين قوله عليه عيسى من أنه نزل من السماء وصعد
إليها وقولهم عليه من أنه إنسان فإن الإنسان لم ينزل من السماء بل تكون في الأرض.
426

قد زكاهم وشهد أنهم علماء الإنجيل وقولهم حق؟! فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين (1)
أحب أن تعفيني من أمر هؤلاء، قال الرضا عليه السلام: فإنا قد فعلنا، سل يا نصراني
عما بدا لك، قال الجاثليق: ليسألك غيري، فلا وحق المسيح ما ظننت أن في علماء
المسلمين مثلك.
فالتفت الرضا عليه السلام إلى رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك؟ قال:
بل أسألك، ولست أقبل منك حجة إلا من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود
أو مما في صحف إبراهيم وموسى (2) فقال الرضا عليه السلام:: تقبل مني حجة إلا بما
تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران والإنجيل على لسان عيسى بن مريم و
الزبور على لسان داود، فقال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوة محمد؟ قال الرضا
عليه السلام: شهد بنبوته صلى الله عليه وآله وسلم موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفة الله
عز وجل في الأرض، فقال له: أثبت قول موسى بن عمران، قال الرضا عليه السلام: هل
تعلم يا يهودي أن موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم: إنه سيأتيكم نبي هو من
إخوتكم فبه فصدقوا، ومنه فاسمعوا، فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد
إسماعيل إن كنت تعرف قرابه إسرائيل من إسماعيل والنسب الذي بينهما من
قبل إبراهيم عليه السلام؟ فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لا ندفعه، فقال له الرضا
عليه السلام: هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبي غير محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟! قال: لا، قال
الرضا عليه السلام: أوليس قد صح هذا عندكم؟! قال: نعم، ولكني أحب أن تصححه
لي من التوراة، فقال له الرضا عليه السلام: هل تنكر أن التوراة تقول لكم: جاء النور
من جبل طور سيناء، وأضاء لنا من جبل ساعير (3) واستعلن علينا من جبل فاران؟
قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها، قال الرضا عليه السلام:

(1) في (ط) و (ن) (يا أعلم المسلمين).
(2) قبوله من الإنجيل غريب لأن الرجل يهودي كما يأتي ما يصرح به، لعله من
اشتباه النساخ.
(3) في نسخة (ج) و (ه‍) (وأضاء للناس من جبل ساعير) وكذا ما يأتي في التفسير.
427

أنا أخبرك به، أما قوله: جاء النور من جبل طور سيناء فذلك وحي الله تبارك وتعالى
الذي أنزله على موسى عليه السلام على جبل طور سيناء، وأما قوله: وأضاء لنا من جبل
ساعير فهو الجبل الذي أوحى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم عليه السلام وهو عليه، و
أما قوله: واستعلن علينا من جبل فاران فذلك جبل من جبال مكة بينه وبينها يوم،
وقال شعيا النبي عليه السلام فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة (1): رأيت راكبين
أضاء لهما الأرض، أحدهما راكب على حمار والآخر على جمل، فمن راكب الحمار
ومن راكب الجمل؟! قال رأس الجالوت: لا أعرفهما فخبرني بهما، قال عليه السلام:
أما راكب الحمار فعيسى بن مريم، وأما راكب الجمل فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، أتنكر هذا
من التوراة؟! قال: لا ما أنكره، ثم قال الرضا عليه السلام: هل تعرف حيقوق النبي (2)
قال: نعم إني به لعارف، قال عليه السلام: فإنه قال وكتابكم ينطق به: جاء الله بالبيان
من جبل فاران، وامتلئت السماوات من تسبيح أحمد وأمته، يحمل خيله في البحر
كما يحمل في البر، يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس - يعني بالكتاب
القرآن - أتعرف هذا وتؤمن به؟ قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقوق عليه السلام
ولا ننكر قوله، قال الرضا عليه السلام: وقد قال داود في زبوره وأنت تقرء: اللهم ابعث
مقيم السنة بعد الفترة، فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!
قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه ولا ننكره، ولكن عني بذلك عيسى، و
أيامه هي الفترة، قال الرضا عليه السلام: جهلت، إن عيسى لم يخالف السنة وقد كان
موافقا لسنة التوراة حتى رفعه الله إليه، وفي الإنجيل مكتوب: إن ابن البرة
ذاهب والفارقليطا جاء من بعده (3) وهو الذي يخفف الآصار، ويفسر لكم كل
شئ، ويشهد لي كما شهدت له، أنا جئتكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل،
(هامش صفحة 428) (1) فيما اليوم بأيدي الناس أشعيا بألف في أوله، وقد مر احتمالان في التوراة في
قصة حزقيل.
(2) فيما اليوم بأيدي الناس (حبقوق) بالباء الموحدة بعد الحاء.
(3) في البحار والعيون وفي نسخة (ه‍) (البارقلطا) بالباء الموحدة مكان الفاء.
428

أتؤمن بهذا في الإنجيل؟! قال نعم لا أنكره.
فقال له الرضا عليه السلام: يا رأس الجالوت أسألك عن نبيك موسى بن عمران،
فقال: سل، قال: ما الحجة على أن موسى ثبتت نبوته؟ قال اليهودي أنه جاء بما لم
يجئ به أحد من الأنبياء قبله، قال له: مثل ماذا؟ قال مثل فلق البحر، وقلبه العصا
حية تسعى، وضربة الحجر فانفجرت منه العيون، وإخراجه يده بيضاء للناظرين
وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها، قال له الرضا عليه السلام: صدقت، إذا كانت حجته
على نبوته أنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله أفليس كل من ادعى أنه نبي
ثم جاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه؟ قال لا لأن موسى لم يكن
له نظير لمكانه من ربه وقربه منه، ولا يجب علينا الاقرار بنبوة من ادعاها حتى
يأتي من الأعلام بمثل ما جاء به، قال الرضا عليه السلام: فكيف أقررتم بالأنبياء الذين
كانوا قبل موسى عليه السلام ولم يفلقوا البحر ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشر عينا
ولم يخرجوا أيديهم بيضاء مثل إخراج موسى يده بيضاء ولم يقلبوا العصا حية
تسعى؟! قال له اليهودي: قد خبرتك أنه متى جاؤوا على دعوى نبوتهم من
الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو جاؤوا بما لم يجئ به موسى أو كان على غير
ما جاء به موسى وجب تصديقهم (1) قال الرضا عليه السلام: يا رأس الجالوت فما يمنعك
من الاقرار بعيسى بن مريم وقد كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص و
يخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله؟ قال رأس الجالوت:
يقال: إنه فعل ذلك ولم نشهده، قال له الرضا عليه السلام: أرأيت ما جاء به موسى من
الآيات شاهدته؟! أليس أنما جاء في الأخبار به من ثقات أصحاب موسى أنه فعل
ذلك؟! قال: بلى، قال: فكذلك أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم
فكيف صدقتم بموسى ولم تصدقوا بعيسى؟! فلم يحر جوابا، قال الرضا عليه السلام: و
كذلك أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء به وأمر كل نبي بعثة الله، ومن آياته أنه كان يتيما
فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلم كتابا ولم يختلف إلى معلم، ثم جاء بالقرآن الذي فيه
(هامش صفحة 429) (1) قوله: (وجب تصديقهم) جواب لمتى جاؤوا، و (لوا) وصلية بين الشرط والجزاء.
429

قصص الأنبياء وأخبارهم حرفا حرفا وأخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة،
ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم، وجاء بآيات كثيرة لا تحصى،
قال رأس الجالوت: لم يصح عندنا خبر عيسى ولا خبر محمد، ولا يجوز لنا أن نقر
لهما بما لم يصح، قال الرضا عليه السلام: فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم شاهد
زور؟! (1) فلم يحر جوابا.
ثم دعا عليه السلام بالهربذ الأكبر فقال له الرضا عليه السلام: أخبرني عن زردهشت
الذي تزعم أنه نبي ما حجتك على نبوته: قال: إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله
ولم نشهده ولكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحله غيره
فاتبعناه، قال عليه السلام: أفليس إنما أتتكم الأخبار فاتبعتموه؟! قال: بلى، قال:
فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيون وأتى به موسى وعيسى
ومحمد صلوات الله عليهم فما عذركم في ترك الاقرار لهم إذا كنتم إنما أقررتم بزردهشت
من قبل الأخبار المتواترة بأنه جاء بما لم يجئ به غيره؟! فانقطع الهربذ مكانه.
فقال الرضا عليه السلام: يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام وأراد أن
يسأل فليسأل غير محتشم، فقام إليه عمران الصابئ وكان واحدا في المتكلمين فقال:
يا عالم الناس لولا أنك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل، ولقد دخلت
الكوفة والبصرة والشأم والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي
واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته، أفتأذن لي أن أسألك؟ قال الرضا عليه السلام: إن
كان في الجماعة عمران الصابئ فأنت هو، فقال: أنا هو، فقال عليه السلام: سل يا عمران
وعليك بالنصفة، وإياك والخطل والجور، قال: والله يا سيدي ما أريد إلا أن تثبت
لي شيئا أتعلق به فلا أجوزه، قال عليه السلام: سل عما بدا لك، فازدحم عليه الناس و
انضم بعضهم إلى بعض، فقال عمران الصابئ: أخبرني عن الكائن الأول وعما
خلق، قال عليه السلام: سألت فافهم، أما الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شئ معه بلا
حدود ولا أعراض ولا يزال كذلك، ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض وحدود
(هامش صفحة 430) (1) المراد بالشاهد شعيا وحيقوق وداود الذين مرت شهادتهم.
430

مختلفة لا في شئ أقامه ولا في شئ حده ولا على شئ حذاه ولا مثله له (1) فجعل من
بعد ذلك الخلق صفوة وغير صفوة واختلافا وائتلافا وألوانا وذوقا وطعما لا لحاجة
كانت منه إلى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلا به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة
ولا نقصانا، تعقل هذا يا عمران؟ قال: نعم والله يا سيدي، قال عليه السلام: واعلم يا
عمران أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلا من يستعين به على حاجته ولكان
ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق لأن الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى،
والحاجة يا عمران لا يسعها لأنه لم يحدث من الخلق شيئا إلا حدثت فيه حاجة
أخرى (2) ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة، ولكن نقل بالخلق الحوائج
بعضهم إلى بعض وفضل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضل ولا نقمة منه على
من أذل،، فلهذا خلق (3).
قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه؟
قال الرضا
عليه السلام: إنما تكون المعلمة بالشئ لنفي خلافه وليكون الشئ نفسه بما نفى عنه
موجودا، ولم يكن هناك شئ يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشئ عن نفسه
بتحديد علم منها (4) أفهمت يا عمران؟ قال: نعم والله يا سيدي، فأخبرني بأي

(1) في نسخة (د) (ولا مثله).
(2) أي لو كان خلق ما خلق لحاجة لا يسع الله الحاجة ولا يصل إلى نهاية في الحاجة
لأنه كلما أحدث شيئا من الخلق لرفع حاجته حدثت في الله حاجة أخرى، وذلك لأن المحتاج
في أموره يحتاج في كل شئ بيده إلى أشياء غيره كما هو الشأن في الناس.
(3) أي لحاجة بعض إلى بعض وتفضيل بعض على بعض حتى يقع المحنة التي أخبر
عن كونها غاية بقوله: (خلق الموت والحياة ليبلوكم)، وفي نسخة (ط) (ولا نقمة منه
على من أرذل).
(4) تفصيل سؤاله أنه تعالى لو كان لم يزل واحدا كائنا لا شئ معه بلا حدود ولا أعراض
لم يكن عالما بذاته لأن معلومية شئ عند العالم به يستلزم صورة حاصلة منه في نفس العالم
وهذا ينافي وحدته المطلقة، والجواب أن ذلك غير لازم في علم الشئ بنفسه لأن المعلمة أي
الصورة الذهنية إنما يحتاج إليها ليتعين المعلوم عن غيره عند العالم وهو يحصل بنفي الغير
عنه وتحديده بحدود نفسه، ولم يكن في علم الشئ بنفسه معلوم يخالف نفس الشئ حتى يحتاج
في تعينه إلى نفي ذلك الغير بتحديد المعلوم الذي هو نفسه، و (من) في قوله: (ما علم منها) بيانية،
والضمير يرجع إلى نفسه.
431

شئ علم ما علم أبضمير أم بغير ذلك؟ (1) قال الرضا عليه السلام: أرأيت إذا علم بضمير
هل تجد بدا من أن تجعل لذلك الضمير حدا ينتهي إليه المعرفة؟! قال عمران:
لا بد من ذلك (2)، قال الرضا عليه السلام: فما ذلك الضمير؟ فانقطع ولم يحر جوابا، قال
الرضا عليه السلام: لا بأس، وإن سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر؟! فقال الرضا
عليه السلام: أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران، أليس ينبغي أن تعلم أن الواحد
ليس يوصف بضمير، وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهم منه
مذاهب وتجزئة كمذاهب المخلوقين وتجزئتهم (3) فاعقل ذلك وابن عليه ما
علمت صوابا.

(1) هذا سؤال عن علمه تعالى بغيره، والمراد بالضمير هو الصورة الحاصلة من ذات
المعلوم في نفس العالم، فأفحمه عليه السلام أولا بأن لا بد في الحكم بكون علمه تعالى بالضمير
من أن تعرف الضمير وتحدده، فهل تقدر على ذلك، فأظهر العجز، ثم أغمض عليه السلام
عن ذلك وتسلم أنك تقدر على التعريف، فهل تعرفه بضمير آخر أم لا، فقال: نعم أعرفه بضمير
آخر، فأثبت عليه السلام بذلك فساد دعواه وفرض كون علمه بضمير، وبيان ذلك: أن كل علم بكل
شئ لو كان بالضمير والصورة الذهنية لكان العلم بنفس الصورة أيضا بصورة ذهنية أخرى فيلزم
التسلسل في الصور ولا يحصل العلم بشئ أبدا، فالعلم بنفس الصورة الذهنية إنما هو بحضور
الصورة نفسها، فإذا أمكن أن يكون علمنا ببعض الأشياء بحضوره عند نفوسنا أمكن أن يكون
علمه تعالى بالأشياء كلها بحضورها عنده، فليكن ذلك لئلا يتوهم انثلام وحدته تعالى، وإلى
هذا أشار عليه السلام بقوله: (يا عمران أليس ينبغي أن تعلم - الخ)، وفي نسخة (و) و (ه‍) (أن
تعرف - الخ).
(2) في نسخة (فقال: نعم، قال الرضا).
(3) في البحار وفي نسخه (ه‍) و (ج) و (ب) (تجربة) بالراء المهملة والباء الموحدة
في الموضعين وما هنا أنسب بل المناسب، وهذا لدفع دخل مقدر هو أنه لو كان واحدا ليس
فيه جهة وجهة فكيف يصدر منه الكثير، فأجاب عليه السلام بأن الصادر منه ليس إلا واحدا وهو
فيضه الساري في الماهيات، وليس يتصور منه جهات وأجزاء كما في الممكنات.
432

قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي وما معانيها و
على كم نوع يتكون، قال عليه السلام: قد سألت فافهم، إن حدود خلقه على ستة أنواع (1)
ملموس وموزون ومنظور إليه. وما لا وزن له (2) وهو الروح، ومنها منظور إليه و
ليس له وزن ولا لمس ولا حس ولا لون ولا ذوق. والتقدير، والأعراض، والصور،
والعرض، والطول. ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعلمها (3) وتغيرها
من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها، وأما الأعمال والحركات فإنها تنطلق لأنها
لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرغ من الشئ انطلق بالحركة وبقي
الأثر، ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره.
قال له عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحدا لا شئ غيره
ولا شئ معه أليس قد تغير بخلقه الخلق؟ قال الرضا عليه السلام: لم يتغير عز وجل
بخلق الخلق، ولكن الخلق يتغير بتغييره.
قال عمران: فبأي شئ عرفناه؟ قال عليه السلام: بغيره، قال: فأي شئ غيره؟
قال الرضا عليه السلام: مشيته واسمه وصنفه وما أشبه ذلك، وكل ذلك محدث
مخلوق مدبر.
قال عمران: يا سيدي فأي شئ هو؟ قال عليه السلام: هو نور، بمعنى أنه

(1) يخطر بالبال عند اللفت إلى ستة أنواع سرد المدركات بالحواس الخمس وما لا
يدرك بها كائنا ما كان، ويمكن تطبيق المذكورات عليها، وللعلامة المجلسي - رحمه الله -
توزيع لتطبيق المذكورات على الستة.
(2) في نسخة (و) و (د) (وما لا ذوق له).
(3) بصيغة التفعيل أو الأفعال أو الثلاثي من العلامة، وفي نسخة (ن) و (ج) (تعملها)
فتكرير لتصنع.
433

هاد لخلقه من أهل السماء وأهل الأرض، وليس لك علي أكثر من توحيدي إياه
قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتا قبل الخلق لا ينطق ثم نطق؟ قال
الرضا عليه السلام: لا يكون السكوت إلا عن نطق قبله (1) والمثل في ذلك أنه لا يقال
للسراج: هو ساكت لا ينطق، ولا يقال: إن السراح ليضيئ فيما يريد أن يفعل
بنا لأن الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون، وإنما هو ليس شئ غيره،
فلما استضاء لنا قلنا: قد أضاء لنا حتى استضأنا به، فبهذا تستبصر أمرك (2).
قال عمران: يا سيدي فإن الذي كان عندي أن الكائن قد تغير في فعله
عن حاله بخلقه الخلق، قال الرضا عليه السلام: أحلت يا عمران في قولك: إن الكائن
يتغير في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره، يا عمران هل تجد النار
يغيرها تغير نفسها، أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها، أو هل رأيت بصيرا قط رأى
بصره؟ (3) قال عمران: لم أر هذا.
ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق أم الخلق فيه؟ قال الرضا عليه السلام: جل
يا عمران عن ذلك، ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالى عن ذلك، وسأعلمك
ما تعرفه به ولا حول ولا قوة إلا بالله، أخبرني عن المرأة أنت فيها أم هي فيك؟!
(هامش صفحة 434) (1) لأنه عدم الملكة ولا يصح إلا فيما تصح ملكته، فليس الله ساكتا ولا ناطقا بالمعنى
الذي فينا حتى يلزم فيه التغير والتركيب، كما لا يقال للسراج: أنه ساكت حين طفئه ولا
أنه ناطق حين أضاءته، وقوله: (ولا يقال إن السراج ليضيئ فيما يريد - الخ) كأنه تمثيل
وبيان لقوله: (هو نور) حتى لا يتوهم السامع من تفسيره بالهادي أن النور كون وإحداث
وراء ذاته تعالى، بل هو هو وليس شئ غيره على ما صرح به في أحاديث الباب العاشر و
ما بعده، كما أن الضوء عين السراج لا أنه كون وإحداث وراء ذاته، وللمجلسي - رحمه الله -
في تفسير هذا الكلام غير ذلك.
(2) في نسخة (د) (يستقر أمرك).
(3) المراد بهذه الأمثلة بيان أن الشئ لا يتغير من قبل نفسه ولا من قبل فعله، بل
إنما يتغير بتأثير غيره، فإذا امتنع تأثير الغير فيه امتنع تغيره.
434

فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأي شئ استدللت بها على نفسك؟! قال
عمران: بضوء بيني وبينها، فقال الرضا عليه السلام: هل ترى من ذلك الضوء في المرآة
أكثر مما تراه في عينك؟ قال: نعم، قال الرضا عليه السلام: فأرناه، فلم يحر جوابا،
قال الرضا عليه السلام: فلا أرى النور إلا وقد دلك ودل المرآة على أنفسكما من غير
أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا،
ولله المثل الأعلى.
ثم التفت عليه السلام إلى المأمون فقال: الصلاة قد حضرت، فقال عمران: يا
سيدي لا تقطع علي مسألتي فقد رق قلبي، قال الرضا عليه السلام: نصلي ونعود،
فنهض ونهض المأمون: فصلى الرضا عليه السلام داخلا، وصلى الناس خارجا خلف محمد
ابن جعفر، ثم خرجا، فعاد الرضا عليه السلام إلى مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا
عمران، قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عز وجل هل يوحد بحقيقة أو يوحد
بوصف؟ (1) قال الرضا عليه السلام: إن الله المبدئ الواحد الكائن الأول لم يزل واحدا
لا شئ معه، فردا لا ثاني معه، لا معلوما ولا مجهولا ولا محكما ولا متشابها ولا
مذكورا ولا منسيا، ولا شيئا يقع عليه اسم شئ من الأشياء غيره، ولا من وقت كان
ولا إلى وقت يكون، ولا بشئ قام، ولا إلى شئ يقوم، ولا إلى شئ استند، ولا
في شئ استكن وذلك كله قبل الخلق إذ لا شئ غيره (2) وما أوقعت عليه من الكل
فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم (3).
واعلم أن الابداع والمشية والإرادة معناها واحد وأسماؤها ثلاثة، وكان أول
إبداعه وإرادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شئ ودليلا على كل

(1) في نسخة (ط) (هل يوجد بحقيقة أو يوجد بوصف) من الوجدان أي هل يدرك
ويعرف بها أو به، وفي نسخه (ج) (هل يوجد بحقيقة أو يوصف بوصف).
(2) في نسخة (ج) و (ه‍) (قبل خلقه الخلق - الخ).
(3) في هامش نسخة (ط) (وما أوقع عليه من المثل - الخ) وفي هامش نسخة
(ن) (وما أوقعت عليه من المثل) وفي نسخة (ج) (وما أوقعت عليه من الشكل).
435

مدرك وفاصلا لكل مشكل، وتلك الحروف تفريق كل شئ (1) من اسم حق وباطل
أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلها، ولم يجعل للحروف
في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى ولا جود (2) لأنها مبدعة بالإبداع، و
النور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض، والحروف
هي المفعول بذلك الفعل، وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلها من الله
عز وجل، علمها خلقه، وهي ثلاثة وثلاثون حرفا، فمنها ثمانية وعشرون حرفا
تدل على اللغات العربية، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا (3) تدل
على اللغات السريانية والعبرانية. ومنها خمسة أحرف متحرفة في سائر اللغات
من العجم لأقاليم اللغات كلها، وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين
الحرف من اللغات (4) فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا، فأما الخمسة المختلفة
فبحجج (5) لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه، ثم جعل الحروف بعد إحصائها (6)
وإحكام عدتها فعلا منه كقوله عز وجل: (كن فيكون) وكن منه صنع، وما
يكون به المصنوع، فالخلق الأول من الله عز وجل الابداع لا وزن له ولا حركة ولا
سمع ولا لون ولا حس، والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون، وهي مسموعة

(1) في البحار وفي نسخة (و) (وبتلك الحروف تفريق كل شئ) وفي نسخة (ج)
(وتلك الحروف تفرق كل معنى) وفي نسخة (ط) (وتلك الحروف تفريق كل معين) و
في نسخة (ه‍) (وتلك الحروف تعريف كل شئ) وفي هامشه: (تعرف كل شئ).
(2) قوله: (يتناهى) صفه لمعنى، وقوله: (ولا وجود) عطف على معنى، وفي
البحار: (ولا وجود لها لأنها - الخ)،
(3) حروف الهجاء قد تعد ثمانية وعشرين بعد الألف والهمزة واحدة كما هنا، و
قد تعد تسعه وعشرين بعدهما اثنتين كما في الباب الثاني والثلاثين.
(4) في نسخة (ج) (من الثمانية والعشرين حرفا)
(5) في البحار وفي نسخة (و) (فحجج).
(6) في نسخة (د) وحاشية نسخه (ب) (بعد اختصاصها).
436

موصوفة غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا
ذا ذوق منظورا إليه، والله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنه ليس قبله عز وجل
شئ ولا كان معه شئ، والإبداع سابق للحروف، والحروف لا تدل على غير أنفسها
قال المأمون: وكيف لا تدل على غير أنفسها؟ قال الرضا عليه السلام: لأن الله تبارك و
تعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا، فإذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسه أو
ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها لغير معنى ولم يك إلا لمعنى محدث لم يكن
قبل ذلك شيئا. قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟ قال الرضا عليه السلام: أما المعرفة
فوجه ذلك وبابه أنك تذكر الحروف (1) إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فردا
فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها فلم تجد لها معنى غير أنفسها،
فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت
دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟ قال: نعم.
قال الرضا عليه السلام: واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا
حد لغير محدود، والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال والوجود، ولا تدل
على الإحاطة كما تدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس لأن الله
عز وجل وتقدس تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول و
العرض والقلة والكثرة واللون والوزن وما أشبه ذلك، وليس يحل بالله جل و
تقدس شئ من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا (2)
ولكن يدل على الله عز وجل بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدل عليه بخلقه حتى لا
يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ولا استماع أذن ولا لمس كف ولا إحاطة
بقلب، فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من
الخلق لا تدركه لمعناه (3) كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلولا

(1) في البحار وفي نسخة (ج) و (ه‍) (وبيانه أنك تذكر الحروف).
(2) في نسخة (ج) (بالصورة التي ذكرنا).
(3) في نسخه (و) (لا تذكر بمعناه).
437

أن ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله تعالى لأن صفاته وأسماءه غيره، أفهمت؟
قال: نعم يا سيدي زدني.
قال الرضا عليه السلام: إياك وقول الجهال أهل العمى والضلال الذين يزعمون
أن الله عز وجل وتقدس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب، وليس
بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء، ولو كان في الوجود لله عز وجل نقص و
اهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا، ولكن القوم تاهوا وعموا وصموا عن الحق من
حيث لا يعلمون، وذلك قوله عز وجل: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة
أعمى وأضل سبيلا) (1) يعني أعمى عن الحقائق الموجودة، وقد علم ذووا الألباب
أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما ههنا، ومن أخذ علم ذلك برأيه وطلب
وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا بعدا لأن الله
عز وجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون.
قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الابداع خلق هو أم غير خلق؟ قال الرضا
عليه السلام: بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون وإنما صار خلقا لأنه شئ محدث،
والله الذي أحدثه فصار خلقا له، وإنما هو الله عز وجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا
ثالث غيرهما، فما خلق الله عز وجل لم يعد أن يكون خلقه، وقد يكون الخلق
ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها، وكل ما وقع عليه حد
فهو خلق الله عز وجل.
واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس (2) وكل
حاسة تدل على ما جعل الله عز وجل لها في إدراكها، والفهم من القلب بجميع
ذلك كله (3).
واعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا
بتحديد وتقدير، وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدر، فليس في كل

(1) الإسراء: 72.
(2) قوله: (أوجدتك) أي أفادتك.
(3) في نسخة (ط) (يجمع ذلك كله).
438

واحد منهما لون ولا ذوق ولا وزن (1) فجعل أحدهما يدرك بالآخر، وجعلهما
مدركين بأنفسهما، ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة
على نفسه وإثبات وجوده (2) والله تبارك وتعالى (3) فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا
يعضده ولا يمسكه (4) والخلق يمسك بعضه بعضا بإذن الله ومشيته، وإنما اختلف
الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة
في وصفهم الله بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا، ولو وصفوا الله عز وجل بصفاته
ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا، فلما طلبوا من ذلك
ما تحيروا فيه ارتبكوا (5) والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
قال عمران: يا سيدي أشهد أنه كما وصفت، ولكن بقيت لي مسألة، قال:
سل عما أردت، قال: أسألك عن الحكيم في أي شئ هو، وهل يحيط به شئ، وهل
يتحول من شئ إلى شئ، أوبه حاجة إلى شئ؟ قال الرضا عليه السلام: أخبرك يا عمران
فاعقل ما سألت عنه فإنه من أغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم، وليس يفهمه
المتفاوت عقله، العازب علمه (6) ولا يعجز عن فهمه أولوا العقل المنصفون،
أما أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحول
إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك ولكنه عز وجل لم يخلق شيئا لحاجته (7) ولم يزل

(1) في نسخة (ه‍) (فليس في أحد منهما - الخ) وفي نسخة (ن) ((وليس في كل
واحد منهما - الخ) وفي البحار: (وليس في واحد منهما - الخ).
(2) في نسخة (ب) و (د) (الذي أراد - الخ).
(3) في نسخة (ن) (فالله تبارك وتعالى).
(4) في البحار وفي نسخة (ه‍) و (د) و (ب) و (و) (ولا يعضده ولا يكنه).
(5) ارتبك في الكلام: تتعتع، والصيد في الحبالة: اضطرب فيها، وفي الأمر: وقع فيه
ولم يكد يتخلص منه، وفي نسخة (ن) و (د) و (ط) و (و) (ارتكبوا) أي ارتكبوا ما ليس بحق.
(6) في البحار وفي نسخة (د) و (ب) و (و) (العازب حلمه) وفي حاشية نسخة
(ط) (العازب حكمه).
(7) في البحار وفي نسخة (و) و (ب) و (د) (لحاجة).
439

ثابتا لا في شئ ولا على شئ إلا أن الخلق يمسك بعضه بعضا ويدخل بعضه في بعض
ويخرج منه، والله عز وجل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله يدخل في شئ
ولا يخرج منه ولا يؤوده حفظه ولا يعجز عن إمساكه، ولا يعرف أحد من الخلق
كيف ذلك إلا الله عز وجل ومن أطلعه عليه من رسله وأهل سره والمستحفظين
لأمره وخزانه القائمين بشريعته، وإنما أمره كلمح البصر أو هو أقرب (1) إذا شاء
شيئا فإنما يقول له: كن، فيكون بمشيته وإرادته، وليس شئ من خلقه أقرب إليه
من شئ، ولا شئ منه هو أبعد منه من شئ (2) أفهمت يا عمران؟ قال: نعم يا
سيدي قد فهمت وأشهد أن الله على ما وصفته ووحدته، وأن محمدا عبده المبعوث
بالهدى ودين الحق، ثم خر ساجدا نحوا القبلة وأسلم.
قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابئ
وكان جدلا لم يقطعه عن حجته أحد قط لم يدن من الرضا عليه السلام أحد منهم ولم
يسألوه عن شئ، وأمسينا فنهض المأمون والرضا عليه السلام فدخلا وانصرف الناس، و
كنت مع جماعة من أصحابنا إذ بعث إلي محمد بن جعفر فأتيته، فقال لي: يا نوفلي
أما رأيت ما جاء به صديقك، لا والله ما ظننت أن علي بن موسى خاض في شئ من
هذا قط، ولا عرفناه به أنه كان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إلى أصحاب الكلام،
قلت، قد كان الحاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم، و
كلمه من يأتيه لحاجة (3) فقال محمد بن جعفر: يا أبا محمد إني أخاف عليه أن يحسده
هذا الرجل فيسمه أو يفعل به بلية، فشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء، قلت:

(1) في البحار وفي نسخة (و) و (ب) و (ن) (كلمح بالبصر - الخ).
(2) في البحار وفي نسخة (ج) و (ب) و (د) (ولا شئ أبعد منه من شئ)، وفي
نسخة (و) و (ه‍) (ولا شئ هو أبعد منه من شئ).
(3) في نسخة (ه‍) و (ج) (بحاجة) وفي نسخة (و) (لحاجته) وفي البحار: (و
ربما كلم من يأتيه يحاجه) وفي نسخة (ب) و (د) (وربما كلم من يأتيه لحاجة).
440

إذا لا يقبل مني (1) وما أراد الرجل إلا امتحانه ليعلم هل عنده شئ من علوم آبائه
عليهم السلام فقال لي: قل له: إن عمك قد كره هذا الباب وأحب أن تمسك عن هذه
الأشياء لخصال شتى، فلما انقلبت إلى منزل الرضا عليه السلام أخبرته بما كان من
عمه محمد بن جعفر فتبسم، ثم قال: حفظ الله عمي ما أعرفني به لم كره ذلك، يا
غلام صر إلى عمران الصابئ فأتني به. فقلت: جعلت فداك أنا أعرف موضعه هو
عند بعض إخواننا من الشيعة، قال عليه السلام: فلا بأس قربوا إليه دابة، فصرت إلى
عمران فأتيته به فرحب به ودعا بكسوة فخلعها عليه وحمله (2) ودعا بعشرة آلاف
درهم فوصله بها، فقلت: جعلت فداك حكيت فعل جدك أمير المؤمنين عليه السلام، فقال:
هكذا نحب (3) ثم دعا عليه السلام بالعشاء فأجلسني عن يمينه وأجلس عمران عن يساره
حتى إذا فرغنا قال لعمران: انصرف مصاحبا وبكر علينا نطعمك طعام المدينة،
فكان عمران بعد ذلك يجتمع عليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم
حتى اجتنبوه، ووصله المأمون بعشرة آلاف درهم، وأعطاه الفضل مالا وحمله، و
ولاه الرضا عليه السلام صدقات بلخ فأصاب الرغائب.
66 - باب ذكر مجلس الرضا عليه السلام
مع سليمان المروزي متكلم خراسان عند المأمون في التوحيد
1 - حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه رضي الله عنه، قال: أخبرنا
أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي، قال: حدثني أبو عمرو محمد بن
عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي، قال: حدثني من سمع الحسن بن محمد
النوفلي يقول: قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله

(1) في نسخة (د) و (ه‍) (إذ لا يقبل مني) أي إذ لا يقبل مني فما أصنع؟ أو المعنى:
لا أشير عليه بذلك إذ لا يقبل مني، وعدم التصريح بالمعلول للتأدب.
(2) في نسخة (ب) و (د) و (ج) و (ن) (فجعلها عليه - الخ).
(3) في البحار وفي نسخة (و) و (ج) (هكذا يجب).
441

ثم قال له: إن ابن عمي علي بن موسى قدم علي من الحجاز (1) وهو يحب
الكلام وأصحابه، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته، فقال سليمان:
يا أمير المؤمنين إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقص
عند القوم إذا كلمني (2) ولا يجوز الاستقصاء عليه، قال المأمون: إنما وجهت إليك
لمعرفتي بقوتك وليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط: فقال سليمان:
حسبك يا أمير المؤمنين. اجمع بيني وبينه وخلني وإياه وألزم (3) فوجه المأمون
إلى الرضا عليه السلام فقال: إنه قدم علينا رجل من أهل مرو وهو واحد خراسان من
أصحاب الكلام، فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت، فنهض عليه السلام للوضوء
وقال لنا: تقدموني وعمران الصابئ معنا فصرنا إلى الباب فأخذ ياسر وخالد بيدي
فأدخلاني على المأمون، فلما سلمت قال: أين أخي أبو الحسن أبقاه الله، قلت:
خلفته يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدم، ثم قلت: يا أمير المؤمنين إن عمران مولاك.
معي وهو بالباب، فقال: من عمران؟ قلت: الصابئ الذي أسلم على يديك (4) قال:
فليدخل فدخل فرحب به المأمون، ثم قال له: يا عمران لم تمت حتى صرت من
بني هاشم، قال: الحمد لله الذي شرفني بكم يا أمير المؤمنين، فقال له المأمون: يا
عمران هذا سليمان المروزي متكلم خراسان، قال عمران: يا أمير المؤمنين إنه
يزعم أنه واحد خراسان في النظر وينكر البداء، قال: فلم لا تناظره؟ قال عمران:
ذلك إليه، فدخل الرضا عليه السلام فقال: في أي شئ كنتم؟ قال عمران: يا ابن رسول
الله هذا سليمان المروزي، فقال سليمان: أترضى بأبي الحسن وبقوله فيه؟ قال
عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجة أحتج بها

(1) في نسخة (ه‍) و (ج) (قدم من الحجاز).
(2) في نسخة (ج) (فينقص) - الخ) وفي نسخة (د) (فينتقض) بالمعجمة.
(3) في البحار وفي نسخة (ج) (وخلني والذم)، وفي نسخه (د) و (ب) (وخلني
وإياه).
(4) في نسخة (ط) و (ن) (الذي كان أسلم - الخ).
442

على نظرائي من أهل النظر.
قال المأمون: يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه؟ قال: وما أنكرت
من البداء يا سليمان، والله عز وجل يقول: (أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من
قبل ولم يك شيئا) (1) ويقول عز وجل: (وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده) (2) و
يقول: (بديع السماوات والأرض) (3) ويقول عز وجل: (يزيد في الخلق ما
يشاء) (4) ويقول: (وبدأ خلق الإنسان من طين) (5) ويقول عز وجل: (و
آخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) (6) ويقول عز وجل:
(وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) (7) قال سليمان: هل
رويت فيه شيئا عن آبائك؟ قال: نعم، رويت عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (إن الله
عز وجل علمين: علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو، من ذلك يكون البداء، و
علما علمه ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبيه يعلمونه) (8) قال سليمان:
أحب أن تنزعه لي من كناب الله عز وجل، قال عليه السلام: قول الله عز وجل لنبيه
صلى الله عليه وآله وسلم: (فتول عنهم فما أنت بملوم) (9) أراد هلاكهم ثم بدا لله فقال: (وذكر فإن
الذكرى تنفع المؤمنين) (10) قال سليمان: زدني جعلت فداك، قال الرضا عليه السلام:
لقد أخبرني أبي عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله عز وجل أوحى إلى
نبي من أنبيائه: أن أخبر فلان الملك أني متوفيه إلى كذا وكذا، فأتاه ذلك
النبي فأخبره، فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير، فقال: يا

(1) مريم: 67.
(2) الروم: 27.
(3) البقرة: 117، والأنعام: 101.
(4) فاطر: 1.
(5) السجدة: 7.
(6) التوبة: 106.
(7) فاطر: 11.
(8) في البحار وفي نسخه (ب) و (د) و (و) (فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه).
وفي حاشية نسخه (ب) (والعلماء من أهل - الخ).
(9) الذاريات: 54.
(10) الذاريات: 55.
443

رب أجلني حتى يشب طفلي وأقضي أمري، فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي
أن ائت فلان الملك (1) فأعلمه أني قد أنسيت في أجله وزدت في عمره خمس عشرة
سنة، فقال ذلك النبي: يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط، فأوحى الله عز وجل
إليه: إنما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك، والله لا يسأل عما يفعل (2).
ثم التفت إلى سليمان فقال: أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب، قال:
أعوذ بالله من ذلك، وما قالت اليهود؟ قال: قالت: (يد الله مغلولة) يعنون أن الله قد
فرغ من الأمر فليس يحدث شيئا، فقال الله عز وجل: (غلت أيديهم ولعنوا بما
قالوا) (3) ولقد سمعت قوما سألوا أبي موسى بن جعفر عليهما السلام، عن البداء فقال: و
ما ينكر الناس من البداء وأن يقف الله قوما يرجيهم لأمره (4)؟ قال سليمان: ألا
تخبرني عن (إنا أنزلناه في ليلة القدر) في أي شئ أنزلت؟ قال الرضا: يا سليمان
ليلة القدر يقدر الله عز وجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت
أو خير أو شر أو رزق، فما قدره من تلك الليلة فهو من المحتوم، قال سليمان:
ألآن قد فهمت جعلت فداك فزدني، قال عليه السلام: يا سليمان إن من الأمور أمورا
موقوفة عند الله تبارك وتعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء، يا سليمان إن
عليا عليه السلام كان يقول: العلم علمان: فعلم علمه الله وملائكته ورسله، فما علمه ملائكته
ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله، وعلم عنده مخزون لم
يطلع عليه أحدا من خلقه (5) يقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء، ويمحو ما يشاء
ويثبت ما يشاء، قال سليمان للمأمون: يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا

(1) هكذا في النسخ في الموضعين، ولا يبعد أن يكون بإضافة فلان إلى الملك.
(2) في نسخة (ب) و (د) (وأنه لا يسأل عما يفعل).
(3) المائدة: 64.
(4) في نسخة (ط) و (ن) و (ج) (وأن الله ليقف قوما - الخ) وفي نسخة (و) (و
أن الله يصف - الخ).
(5) في نسخة (ط) و (ن) و (ج) و (و) (لم يطلع عليه أحد من خلقه).
444

البداء ولا كذب به إن شاء الله (1).
فقال المأمون: يا سليمان سل أبا الحسن عما بدا لك وعليك بحسن الاستماع
والإنصاف، قال سليمان: يا سيدي أسألك؟ قال الرضا عليه السلام: سل عما بدا لك
قال: ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما وصفة مثل حي وسميع وبصير وقدير؟
قال الرضا عليه السلام: إنما قلتم حدثت الأشياء واختلفت لأنه شاء وأراد، ولم تقولوا
حدثت واختلفت لأنه سميع بصير، فهذا دليل على أنها ليست بمثل سميع بصير
ولا قدير، قال سليمان: فإنه لم يزل مريدا، قال: يا سليمان فإرادته غيره؟ قال:
نعم، قال: فقد أثبت معه شيئا غيره لم يزل، قال سليمان: ما أثبت، قال الرضا
عليه السلام: أهي محدثة؟ قال سليمان: لا ما هي محدثة، فصاح به المأمون وقال: يا
سليمان مثله يعايا أو يكابر، عليك بالإنصاف أما ترى من حولك من أهل النظر،
ثم قال: كلمه يا أبا الحسن فإنه متكلم خراسان، فأعاد عليه المسألة فقال: هي
محدثة يا سليمان فإن الشئ إذا لم يكن أزليا كان محدثا وإذا لم يكن محدثا كان
أزليا، قال سليمان: إرادته منه كما أن سمعه منه وبصره منه وعلمه منه، قال
الرضا عليه السلام: فإرادته نفسه؟! قال: لا، قال عليه السلام: فليس المريد مثل السميع و
البصير، قال سليمان: إنما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه،
قال الرضا عليه السلام: ما معنى أراد نفسه أراد أن يكون شيئا أو أراد أن يكون حيا
أو سميعا أو بصيرا أو قديرا؟! قال: نعم، قال الرضا عليه السلام: أفبإرادته كان ذلك؟!
قال سليمان: لا، قال الرضا عليه السلام: فليس لقولك: أراد أن يكون حيا سميعا
بصيرا معنى إذا لم يكن ذلك بإرادته، قال سليمان: بلى قد كان ذلك بإرادته،
فضحك المأمون ومن حوله وضحك الرضا عليه السلام، ثم قال لهم: ارفقوا بمتكلم خراسان
يا سليمان فقد حال عندكم عن حالة وتغير عنها (2) وهذا مما لا يوصف الله عز وجل

(1) قد مر بعض الكلام في البداء في الباب الرابع والخمسين.
(2) أي لو كان ذلك أي كونه سميعا بصيرا قديرا بإرادته لتحول وتغير في هذه الصفات
لأن إرادته يمكن أن تتعلق بها كسائر الأمور، وفي البحار وفي نسخة (و) و (ن) و (د)
(عن حاله وتغير عنها).
445

به، فانقطع.
ثم قال الرضا عليه السلام: يا سليمان أسألك مسألة، قال: سل جعلت فداك
قال: أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما يفقهون ويعرفون أو بما لا
يفقهون ولا يعرفون؟! قال: بل بما يفقهون ويعرفون (1) قال الرضا عليه السلام: فالذي
يعلم الناس أن المريد غير الإرادة وأن المريد قبل الإرادة وأن الفاعل قبل المفعول
وهذا يبطل قولكم: إن الإرادة والمريد شئ واحد، قال: جعلت فداك ليس ذاك
منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون، قال عليه السلام: فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا
معرفة، وقلتم: الإرادة كالسمع والبصر (2) إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف
ولا يعقل، فلم يحر جوابا.
ثم قال الرضا عليه السلام: يا سليمان هل يعلم الله عز وجل جميع ما
في الجنة والنار؟! قال سليمان: نعم، قال: أفيكون ما علم الله عز وجل أنه
يكون من ذلك؟! (3) قال: نعم، قال: فإذا كان حتى لا يبقى منه شئ إلا كان
أيزيدهم أو يطويه عنهم؟! قال سليمان: بل يزيدهم، قال: فأراه في قولك: قد
زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون (4) قال: جعلت فداك والمزيد لا غاية

(1) في البحار وفي نسخة (ج) (تكلمون الناس بما تفقهون وتعرفون أو بما لا تفقهون
ولا تعرفون، قال: بل بما نفقه ونعلم). وفي نسخة (ه) (تكلمون الناس بما يفقهون و
يعرفون أو بما لا يفقهون ولا يعرفون، قال: بل يفقهون ونفقه وما يعلمون ونعلم).
وفي نسخة (ب) و (د) و (ط) و (ن) وحاشية نسخة (ه‍) بصيغة الغائب في السؤال وبصيغة
المتكلم مع الغير فقط في الجواب.
(2) في نسخة (و) و (ه‍) (وقلتم: الإرادة كالسميع والبصير، أكان ذلك عندكم - الخ)
وفي نسخه (ج) (وقلتم: الإرادة كالسمع والبصر، كان ذلك عندكم - الخ).
(3) في البحار وفي نسخه (ج) (قال: فيكون ما علم الله عز وجل - الخ).
(4) قوله عليه السلام: (أنه يكون) مبتدء مؤخر، والضمير يرجع إلى ما لم يكن،
و (في علمه) خبر له مقدم، والجملة مفعول ثان لقوله: (فأراه) أي فأراه أن ما لم يكن يكون
في علمه على قولك: أنه يزيدهم ما لم يكن، فعلمه المتعلق الآن بما لم يكن غير الإرادة لأنها لم
تتعلق به بعد.
446

له (1) قال عليه السلام: فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك، و
إذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون، تعالى الله عن
ذلك علوا كبيرا، قال سليمان: إنما قلت: لا يعلمه لأنه لا غاية لهذا لأن الله
عز وجل وصفهما بالخلود وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا، قال الرضا عليه السلام: ليس علمه
بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لأنه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم، و
كذلك قال الله عز وجل في كتابه: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها
ليذوقوا العذاب) (2) وقال عز وجل لأهل الجنة: (عطاء غير مجذوذ) (3) وقال
عز وجل: (وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة) (4) فهو عز وجل يعلم ذلك ولا
يقطع عنهم الزيادة، أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا أليس يخلف مكانه؟!
قال بلى، قال: أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه؟! قال سليمان: لا،
قال: فكذلك كل ما يكون فيها (5) إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم، قال
سليمان بل يقطعه عنهم فلا يزيدهم (6) قال الرضا عليه السلام: إذا يبيد ما فيهما، و
هذا يا سليمان إبطال الخلود وخلاف الكتاب لأن الله عز وجل يقول: (لهم ما

(1) في البحار وفي نسخة (د) و (ب) (فالمزيد لا غاية له) وهذا أنسب لإفادة
التفريغ والتعليل، كأنه على زعمه قال: كما أن إرادته لا تتعلق الآن بالمزيد في الدار الآخرة
لا يتعلق علمه به لأن المزيد لا غاية له وغير المتناهي لا يكون معلوما، فرد عليه بتنزيهه
تعالى عن عدم العلم به وإن كان غير متناه.
(2) النساء: 56.
(3) هود: 108.
(4) الواقعة. 33.
(5) أي فكالجنة كل ما في النار.
(6) في البحار وفي نسخة (ب) و (ج) (ولا يزيدهم) وفي نسخة (و) (بلى يقطعه
عنهم فلا يزيدهم).
447

يشاؤون فيها ولدينا مزيد) (1) ويقول عز وجل: (عطاء غير مجذوذ) ويقول
عز وجل: (وما هم منها بمخرجين) (2) ويقول عز وجل: (خالدين فيها ح أبدا) (3)
ويقول عز وجل: (وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة) فلم يحر جوابا.
ثم قال الرضا عليه السلام: يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل؟
قال: بل هي فعل، قال: فهي محدثة لأن الفعل كله محدث، قال: ليست بفعل،
قال: فمعه غيره لم يزل، قال سليمان: الإرادة هي الانشاء، قال: يا سليمان هذا
الذي ادعيتموه (4) على ضرار وأصحابه (5) من قولهم: إن كل ما خلق الله
عز وجل في سماء أو أرض أو بحر أو بر من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة
إرادة الله عز وجل وإن إرادة الله عز وجل تحيي وتموت وتذهب وتأكل وتشرب
وتنكح وتلد (6) وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر، وتشرك، فتبراء منها وتعاديها و
هذا حدها (7).
قال سليمان: إنها كالسمع والبصر والعلم، قال الرضا عليه السلام: قد رجعت
إلى هذا ثانية، فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع؟ قال سليمان: لا،
قال الرضا عليه السلام: فكيف نفيتموه (8) فمرة قلتم لم يرد ومرة قلتم أراد، وليست

(1) ق: 35.
(2) الحجر: 48.
(3) في أحد عشر موضعا من القرآن.
(4) في نسخة (ه‍) (عيبتموه) وفي البحار: (عبتموه).
(5) هو ضرار بن عمرو، وهم من الجبرية، لكن وافقوا المعتزلة في أشياء، واختصموا
بأشياء منكرة.
(6) في نسخة (و) و (ط) و (ن) (تلذ) بالذال المعجمة المشددة.
(7) أي فتبرء من الإرادة بالمعنى الذي ذهب إليه ضرار وتعاديها مع أن هذا الذي
ذهبت إليه من أن الإرادة هي الانشاء حد الإرادة بالمعنى الذي ذهب إليه ضرار، وفي البحار
بصيغة المتكلم مع الغير في الفعلين، وفي نسخة (و) و (ط) و (ج) (تفارقها) مكان (تعاديها).
(8) في هامش نسخة (و) (فكيف نعتموه) والضمير المنصوب يرجع حينئذ إليه تعالى،
وهذا أصح، وعلى سائر النسخ فالضمير يرجع إلى الإرادة وتذكيره باعتبار المعنى.
448

بمفعول له؟! قال سليمان: إنما ذلك كقولنا مرة علم ومرة لم يعلم (1) قال
الرضا عليه السلام: ليس ذلك سواء لأن نفي المعلوم ليس بنفي العلم، ونفي المراد
نفي الإرادة أن تكون، لأن الشئ إذا لم يكن إرادة (2) وقد يكون العلم
ثابتا وإن لم يكن المعلوم، بمنزلة البصر فقد يكون الإنسان بصيرا وإن لم يكن
المبصر، ويكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم (3). قال سليمان: إنها مصنوعة،
قال عليه السلام: فهي محدثة ليست كالسمع والبصر لأن السمع والبصر ليسا بمصنوعين
وهذه مصنوعة، قال سليمان: إنها صفة من صفاته لم تزل، قال: فينبغي أن يكون
الإنسان لم يزل لأن صفته لم تزل، قال سليمان: لا لأنه لم يفعلها، قال الرضا
عليه السلام: يا خراساني ما أكثر غلطك، أفليس بإرادته وقوله تكون الأشياء؟! (4)
قال سليمان: لا، قال: فإذا لم يكن بإرادته ولا مشيته ولا أمره ولا المباشرة فكيف
يكون ذلك؟! تعالى الله عن ذلك، فلم يحر جوابا (5).
ثم قال الرضا عليه السلام: ألا تخبرني عن قول الله عز وجل: (وإذا أردنا أن
نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) (6) يعني بذلك أنه يحدث إرادة؟! قال له:

(1) أي مرة وقع علمه على المعلوم الموجود، ومرة لم يقع علمه على المعلوم لكونه
غير موجود، ومر نظير هذا في الحديث الأول من الباب الحادي عشر.
(2) في نسخة (و) و (ب) و (د) (لم تكن الإرادة).
(3) (لم يكن) في المواضع الأربعة تامة، وقوله: (بمنزلة البصر) خبر لمبتدأ
محذوف، أي العلم بمنزلة البصر.
(4) في نسخة (ه‍) (أليس بإرادته وقوله تكوين الأشياء).
(5) إيضاح الكلام أنه عليه السلام ألزمه على كونه الإرادة أزلية كون الإنسان مثلا
أزليا لأن صفته أي إرادته التي بها خلق الإنسان أزلية، فأجاب سليمان بأنه لا يلزم ذلك
لأنه فعل الإنسان فهو حادث ولم يفعل الإرادة فهي أزلية، فرده عليه السلام بأن هذا غلط
كسائر أغلاطك لأن تكون الأشياء إنما هو بإرادته ولا تتخلف عن المراد بشهادة العقل والآية،
فكابر سليمان فقال: لا يكون بإرادته، فأفحمه بما قال عليه السلام. فلم يحر جوابا.
(6) الإسراء: 16.
449

نعم، قال: فإذا أحدث إرادة كان قولك إن الإرادة هي هو أم شئ منه باطلا
لأنه لا يكون أن يحدث نفسه ولا يتغير عن حاله، تعالى الله عن ذلك، قال سليمان:
إنه لم يكن عني بذلك أنه يحدث إرادة، قال: فما عني به؟ قال: عني فعل الشئ
قال الرضا عليه السلام: ويلك كم تردد هذه المسألة، وقد أخبرتك أن الإرادة محدثة
لأن فعل الشئ محدث، قال: فليس لها معنى، قال: الرضا عليه السلام: قد وصف نفسه
عندكم حتى وصفها بالإرادة بما لا معنى له، فإذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث
بطل قولكم: إن الله لم يزل مريدا. قال سليمان: إنما عنيت أنها فعل من الله لم
يزل، قال: ألا تعلم أن ما لم يزل لا يكون مفعولا وحديثا وقديما في حالة واحدة؟
فلم يحر جوابا.
قال الرضا عليه السلام: لا بأس، أتمم مسألتك، قال سليمان: قلت: إن الإرادة
صفة من صفاته، قال الرضا عليه السلام: كم تردد علي أنها صفه من صفاته، وصفته
محدثة أو لم تزل؟! قال سليمان: محدثة، قال الرضا عليه السلام: الله أكبر فالإرادة
محدثة وأن كانت صفة من صفاته لم تزل، فلم يرد شيئا. (2) قال الرضا عليه السلام: إن
ما لم يزل لا يكون مفعولا، قال سليمان: ليس الأشياء إرادة ولم يرد شيئا. (3) قال
الرضا عليه السلام: وسوست يا سليمان فقد فعل وخلق ما لم يرد خلقه ولا فعله، وهذه
صفة من لا يدري ما فعل، تعالى الله عن ذلك.
قال سليمان: يا سيدي قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم، قال
المأمون: ويلك يا سليمان كم هذا الغلط والتردد اقطع هذا وخذ في غيره إذ ليست
تقوى على هذا الرد، قال الرضا عليه السلام: دعه يا أمير المؤمنين، لا تقطع عليه مسألته

(1) في البحار وفي نسخة (ه‍) (فصفته - الخ).
(2) لأن العالم حادث والإرادة أزلية والتخلف ممتنع، وقوله: (إن ما لم يزل
- الخ) تعليل له باللازم.
(3) أي لا أقول بقول ضرار ولا بقولكم، بل إرادة غير متعلقة بشئ أو ليست له
إرادة رأسا.
450

فيجعلها حجة، تكلم يا سليمان، قال: قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم،
قال الرضا عليه السلام: لا بأس، أخبرني عن معنى هذه أمعنى واحد أم معان مختلفة؟!
قال سليمان: بل معنى واحد، الرضا عليه السلام: فمعنى الإرادات كلها معنى واحد؟
قال سليمان: نعم، قال الرضا عليه السلام: فإن كان معناها معنى واحدا كانت إرادة
القيام وإرادة العقود وإرادة الحياة وإرادة الموت إذا كانت إرادته واحدة (1) لم
يتقدم بعضها بعضا ولم يخالف بعضها بعضا، وكان شيئا واحدا (2) قال سليمان: إن
معناها مختلف، قال عليه السلام: فأخبرني عن المريد أهو الإرادة أو غيرها؟! قال سليمان:
بل هو الإرادة، قال الرضا عليه السلام فالمريد عندكم يختلف إن كان هو الإرادة (3)؟
قال: يا سيدي ليس الإرادة المريد، قال عليه السلام: فالإرادة محدثة، وإلا فمعه غيره.
افهم وزد في مسألتك.
قال سليمان: فإنها اسم من أسمائه، قال الرضا عليه السلام: هل سمى نفسه بذلك؟
قال سليمان: لا، لم يسم نفسه بذلك، قال الرضا عليه السلام: فليس لك أن تسميه
بما لم يسم به نفسه، قال: قد وصف نفسه بأنه مريد، قال الرضا عليه السلام: ليس صفته
نفسه أنه مريد إخبار عن أنه إرادة ولا إخبارا عن أن الإرادة اسم من أسمائه، قال:
سليمان: لأن إرادته علمه، قال الرضا عليه السلام: يا جاهل فإذا علم الشئ فقد أراده؟
قال سليمان: أجل، قال عليه السلام: فإذا لم يرده لم يعلمه، قال سليمان: أجل، قال
عليه السلام: من أين قلت ذاك، وما الدليل على أن إرادته علمه. وقد يعلم ما لا يريده

(1) هذه الجملة تأكيد للشرط بلفظ آخر وقعت بين اسم كانت وخبرها: وفي نسخة
(ط) و (ن) (إذا كانت إرادة واحدة) وفي نسخة (و) (إذ كانت إرادته واحدة) وفي البحار:
(فإن كان معناها معنى واحدا كانت إرادة القيام إرادة العقود، وإرادة الحياة إرادة الموت،
إذ كانت إرادته واحدة لم يتقدم بعضها بعضا - الخ) وهذا أحسن.
(2) أي كان المراد شيئا واحدا، وفي نسخة (و) و (ط) و (ن) (وكانت شيئا واحدا).
(3) في البحار: (مختلف إذ كان - الخ) وفي نسخة (د) و (ج) (يختلف إذا كان
- الخ) وفي نسخة (ب) (يختلف إذ كان - الخ).
451

أبدا، وذلك قوله عز وجل: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) (1) فهو
يعلم كيف يذهب به وهو لا يذهب به أبدا، قال سليمان: لأنه قد فرغ من الأمر
فليس يزيد فيه شيئا (2) قال الرضا عليه السلام: هذا قول اليهود، فكيف قال عز وجل:
(ادعوني أستجب لكم) (3) قال سليمان: إنما عني بذلك أنه قادر عليه، قال
عليه السلام: أفيعد ما لا يفي به؟! فكيف قال عز وجل: (يزيد في الخلق ما يشاء) (4) و
قال عز وجل: (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) (5) وقد فرغ من
الأمر، فلم يحر جوابا.
قال الرضا عليه السلام: يا سليمان هل يعلم أن إنسانا يكون ولا يريد أن يخلق
إنسانا أبدا، وأن إنسانا يموت اليوم ولا يريد أن يموت اليوم؟ قال سليمان: نعم
قال الرضا عليه السلام: فيعلم أنه يكون ما يريد أن يكون أو يعلم أنه يكون ما لا يريد
أن يكون؟! قال: يعلم أنهما يكونان جميعا، قال الرضا عليه السلام: إذن يعلم أن
إنسانا حي ميت، قائم قاعد، أعمى بصير في حال واحدة، وهذا هو المحال، قال:
جعلت فداك فإنه يعلم أنه يكون أحدهما دون الآخر، قال عليه السلام: لا بأس،
فأيهما يكون، الذي أراد أن يكون أو الذي لم يرد أن يكون، قال سليمان: الذي
أراد أن يكون، فضحك الرضا عليه السلام والمأمون وأصحاب المقالات. قال الرضا عليه السلام:
غلطت وتركت قولك: إنه يعلم أن إنسانا يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت اليوم
وأنه يخلق خلقا وهو لا يريد أن يخلقهم، فإذا لم يجز العلم عندكم بما لم يرد أن
يكون فإنما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون (6).

(1) الإسراء: 86.
(2) في نسخة (د) و (ب) (فليس يريد فيه شيئا) وفي نسخة (ط) (فليس يريد منه شيئا).
(3) المؤمن: 60.
(4) فاطر: 1.
(5) الرعد: 39.
(6) حاصل الكلام من قوله عليه السلام: يا سليمان هل يعلم أن انسانا يكون إلى هنا أنه
هل يتعلق علمه تعالى بنسبة قضية ولا يتعلق إرادته بها، فأقر سليمان بذلك، فثبت مطلوبه
عليه السلام الذي هو عدم اتحادهما، لكنه أقر بالحق في غير موضعه من حيث لا يشعر (كأنه
اختبط واختلط من كثرة الحجاج في المجلس) لأن المثالين مجمعهما، إذ علمه تعالى بموت
إنسان يستلزم إرادته، وبكون إنسان يستلزم إرادة خلقه، ومورد التخلف الأمثلة التي
ذكرها عليه السلام من قبل، ثم أراد عليه السلام أن ينبهه على غلطه فقال: فيعلم أنه يكون
ما يريد - الخ، والقسمة لعلمه بكون ما يريد وما لا يريد تقتضي صورا أربعا: يعلم أنه يكون
ما يريد أن يكون فقط، يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكون فقط، يعلمهما جميعا، لا يعلمهما،
والصورة الثانية هي ما ينطبق عليه المثالان، والأخيرة محال، والثالثة محال أيضا لما
قال عليه السلام: إذن يعلم أن انسانا حي ميت - الخ، ومنطبقة المثالين أيضا محال لما
قلنا، وسليمان بصرافة فطرته تركها واختار الصورة الأولى حيث قال: (الذي أراد أن
يكون) بعد أن قال عليه السلام: (لا بأس فيهما يكون - الخ).
452

قال سليمان: فإنما قولي: إن الإرادة ليست هو ولا غيره، قال الرضا عليه السلام:
يا جاهل إذا قلت: ليست هو فقد جعلتها غيره، وإذا قلت: ليست هي غيره فقد
جعلتها هو، قال سليمان: فهو يعلم كيف يصنع الشئ؟ قال عليه السلام: نعم، قال سليمان:
فإن ذلك إثبات للشئ (1) قال الرضا عليه السلام: أحلت لأن الرجل قد يحسن البناء
وإن لم يبن ويحسن الخياطة وإن لم يخط ويحسن صنعة الشئ وإن لم يصنعه أبدا
ثم قال له: يا سليمان هل يعلم أنه واحد لا شئ معه؟! قال: نعم، قال: أفيكون
ذلك إثباتا للشئ؟! قال سليمان: ليس يعلم أنه واحد لا شئ معه. قال الرضا
عليه السلام: أفتعلم أنت ذلك؟! (2) قال: نعم، قال: فأنت يا سليمان أعلم منه إذا، قال سليمان:
المسألة محال، قال: محال عندك أنه واحد لا شئ معه وأنه سميع بصير حكيم عليم

(1) المعنى: فإن ذلك إثبات للشئ معه في الأزل، وذلك ظنا منه أن العلم بالمصنوع
يستلزم وجوده، فأجاب عليه السلام بالفرق بين العلم والإرادة بالأمثلة، فإن العلم لا يستلزم
المعلوم بخلاف الإرادة فإنها تستلزم المراد، وقوله: (يحسن) في المواضع الثلاثة من الاحسان
بمعنى العلم.
(2) في نسخة (ه‍) و (و) (أفأنت تعلم بذلك).
453

قادر؟! قال: نعم، قال عليه السلام: فكيف أخبر الله عز وجل أنه واحد حي سميع بصير
عليم خبير وهو لا يعلم ذلك؟! وهذا رد ما قال وتكذيبه، تعالى الله عن ذلك، ثم
قال الرضا عليه السلام: فكيف يريد صنع ما لا يدري صنعه ولا ما هو؟! وإذا كان الصانع
لا يدري كيف يصنع الشئ قبل أن يصنعه فإنما هو متحير، تعالى الله عن ذلك.
قال سليمان: فإن الإرادة القدرة، قال الرضا عليه السلام: وهو عز وجل يقدر
على ما لا يريده أبدا، ولا بد من ذلك لأنه قال تبارك وتعالى: (ولئن شئنا لنذهبن
بالذي أوحينا إليك) (1) فلو كانت الإرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به
لقدرته، فانقطع سليمان، قال المأمون عند ذلك: يا سليمان هذا أعلم هاشمي. ثم
تفرق القوم.
قال مصنف هذا الكتاب: كان المأمون يجلب على الرضا عليه السلام من متكلمي
الفرق والأهواء المضلة كل من سمع به حرصا على انقطاع الرضا عليه السلام عن الحجة
مع واحد منهم، وذلك حسدا منه له ولمنزلة من العلم، فكان عليه السلام لا يكلم أحدا إلا
أقر له بالفضل والتزم الحجة له عليه لأن الله تعالى ذكره أبى إلا أن يعلي كلمته
ويتم نوره وينصر حجته، وهكذا وعد تبارك وتعالى في كتابه فقال: (إنا لننصر
رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) (2) يعني بالذين آمنوا: (الأئمة الهداة عليهم السلام
وأتباعهم والعارفين بهم والآخذين عنهم، ينصرهم بالحجة على مخالفيهم ما داموا في
الدنيا، وكذلك يفعل بهم في الآخرة، وإن الله لا يخلف وعده.
67 - باب النهي عن الكلام
والجدال والمراء في الله عز وجل
1 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير، قال: قال أبو -
جعفر عليه السلام: تكلموا في خلق الله ولا تكلموا في الله فإن الكلام في الله لا يزيد
إلا تحيرا.

(1) الإسراء: 86.
(2) المؤمن: 51.
454

2 - وبهذا الإسناد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب الخزاز، عن
أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: تكلموا في كل شئ ولا تكلموا في الله. (1)
3 - وبهذا الإسناد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن ضريس
الكناسي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذكروا من عظمة الله ما شئتم ولا تذكروا
ذاته فإنكم لا تذكرون منه شيئا إلا وهو أعظم منه.
4 - وبهذا الإسناد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن بريد
العجلي، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه فقال: ما
جمعكم؟ قالوا: اجتمعنا نذكر ربنا ونتفكر في عظمته، فقال: لن تدركوا التفكر
في عظمته.
5 - وبهذا الإسناد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن فضيل
ابن يسار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يا ابن آدم لو أكل قلبك طائر لم
يشبعه، وبصرك لو وضع عليه خرق إبرة لغطاه، تريد أن تعرف بهما ملكوت
السماوات والأرض، إن كنت صادقا فهذه الشمس خلق من خلق الله فإن قدرت أن
تملأ عينيك منها فهو كما تقول.
6 - وبهذا الإسناد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة
أعمى وأضل سبيلا) (2) قال: من لم يدله خلق السماوات والأرض واختلاف الليل
والنهار ودوران الفلك والشمس والقمر والآيات العجيبات على أن وراء ذلك
أمرا أعظم منه فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، قال: فهو عما لم يعاين أعمى وأضل.
7 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن
الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال
عن ثعلبة بن ميمون، عن الحسن الصيقل، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: تكلموا في ما دون العرش ولا تكلموا في ما فوق العرش فإن قوما تكلموا في الله

(1) أي في ذاته تعالى أنه ما هو؟ وكيف هو؟.
(2) الإسراء: 72.
455

عز وجل فتاهو حتى كان الرجل ينادي من بين يديه فيجيب من خلفه وينادي من
خلفه فيجيب من بين يديه.
8 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي
عمير، عن محمد بن يحيى الخثعمي، عن عبد الرحيم القصير، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام
عن شئ من التوحيد، فرفع يديه إلى السماء وقال: تعالى الله الجبار (1) إن من
تعاطى ما ثم هلك.
9 - وبهذا الإسناد، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن
سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (وأن إلى ربك
المنتهى) (2) قال: إذا انتهى الكلام إلى الله عز وجل فأمسكوا.
10 - وبهذا الإسناد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن
مسلم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا محمد إن الناس لا يزال بهم المنطق حتى
يتكلموا في الله، فإذا سمعتم ذلك فقولوا: لا إله إلا الله الواحد الذي ليس كمثله شئ.
11 - وبهذا الإسناد، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن أبي عبيدة
الحذاء، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا زياد إياك والخصومات فإنها تورث
الشك وتحبط العمل وتردي صاحبها، وعسى أن تكلم بالشئ فلا يغفر له، إنه
كان فيما مضى قوم وتركوا علم ما وكلوا به وطلبوا علم ما كفوه حتى انتهى كلامهم
إلى الله عز وجل فتحيروا، فإن كان الرجل ليدعى من بين يديه فيجيب من خلفه
ويدعى من خلفه فيجيب من بين يديه.
12 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد
ابن عيسى، عن عبد الله بن المغيرة، عن أبي اليسع، عن سليمان بن خالد، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: أنه قد كان فيمن كان قبلكم قوم تركوا علم ما وكلوا بعلمه و
طلبوا علم ما لم يوكلوا بعلمه، فلم يبرحوا حتى سألوا عما فوق السماء فتاهت

(1) في النسخ الخطية: (تعالى الجبار).
(2) النجم: 42.
456

قلوبهم، فكان أحدهم يدعى من بين يديه فيجيب من خلفه ويدعى من خلفه فيجيب
من بين يديه.
13 - وبهذا الإسناد، عن أبي اليسع، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: دعوا التفكر في الله فإن التفكر في الله لا يزيد إلا تيها لأن الله تبارك وتعالى
لا تدركه الأبصار ولا تبلغه الأخبار.
14 - وبهذا الإسناد، عن أبي اليسع، عن سليمان بن خالد، قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام: إياكم والتفكر في الله فإن التفكر في الله لا يزيد إلا تيها لأن الله
عز وجل لا تدركه الأبصار ولا يوصف بمقدار.
15 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، قال: حدثنا محمد بن خالد، عن علي بن النعمان وصفوان بن يحيى
عن فضيل بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل عليه قوم من هؤلاء الذين
يتكلمون في الربوبية، فقال: اتقوا الله وعظموا الله ولا تقولوا ما لا نقول فإنكم
إن قلتم وقلنا متم ومتنا ثم بعثكم الله وبعثنا فكنتم حيث شاء الله وكنا.
16 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا عبد الله بن جعفر،
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسن بن محبوب، عن عمرو بن
أبي المقدام، عن سالم بن أبي حفصة، عن منذر الثوري، عن محمد بن الحنفية، قال:
إن هذه الأمة لن تهلك حتى تتكلم في ربها.
17 - وبهذا الإسناد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن ضريس، الكناسي، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إياكم والكلام في الله، تكلموا في عظمته ولا
تكلموا فيه فإن الكلام في الله لا يزداد إلا تيها (1).
18 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:
حدثنا أبو الحسين محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن سليمان بن الحسن
الكوفي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد، عن علي بن حسان الواسطي، عن

(1) في نسخة (ج) (فإن الكلام فيه لا يزداد صاحبه إلا تيها).
457

بعض أصحابنا، عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إن الناس قبلنا قد أكثروا
في الصفة فما تقول؟ فقال: مكروه، أما تسمع الله عز وجل يقول: (وأن إلى ربك
المنتهى) (1) تكلموا فيما دون ذلك.
19 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا في بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن
ابن أبي عمير، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن
ملكا عظيم الشأن كان في مجلس له فتكلم في الرب تبارك وتعالى ففقد فما يدري
أين هو.
20 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن
عبد الحميد، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
إياكم والتفكر في الله، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمة الله فانظروا إلى
عظم خلقه.
21 - أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد،
عن علي بن السندي، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير
عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: الخصومة تمحق الدين وتحبط العمل
وتورث الشك.
22 - وبهذا الإسناد، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يهلك
أصحاب الكلام، وينجو المسلمون إن المسلمين هم النجباء.
23 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا العباس بن معروف، عن سعدان بن مسلم،
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: لا يخاصم إلا رجل ليس له
ورع أو رجل شاك.
24 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا
أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن فضيل، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام

(1) النجم: 42.
458

قال: قال لي: يا أبا عبيدة إياك وأصحاب الخصومات والكذابين علينا فإنهم
تركوا ما أمروا بعلمه وتكلفوا علم السماء، يا أبا عبيدة خالقوا الناس بأخلاقهم
وزايلوهم بأعمالهم، إنا لا نعد الرجل فينا عاقلا (1) حتى يعرف لحن القول ثم
قرأ هذه الآية (ولتعرفنهم في لحن القول) (2).
25 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد
عن الغفاري، عن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: إياكم وجدال كل مفتون فإن كل مفتون ملقن حجته إلى انقضاء
مدته (3) فإذا انقضت مدته أحرقته فتنته بالنار. وروي شغلته خطيئته فأحرقته.
26 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عيسى
قال: قرأت في كتاب علي بن بلال أنه سأل الرجل يعني أبا الحسن عليه السلام: أنه روي
عن آبائك عليهم السلام أنهم نهوا عن الكلام في الدين. فتأول مواليك المتكلمون بأنه
إنما نهى من لا يحسن أن يتكلم فيه فأما من يحسن أن يتكلم فيه فلم ينه، فهل
ذلك كما تأولوا أولا؟ فكتب عليه السلام: المحسن وغير المحسن لا يتكلم فيه فإن إثمه
أكثر من نفعه.
27 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن أحمد علي بن إسماعيل، عن المعلى بن محمد البصري، عن علي بن أسباط، عن جعفر بن
سماعة، عن غير واحد، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام: ما حجة الله على
العباد؟ قال: أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عندما لا يعلمون.
28 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن الحسين،
ابن أبي الخطاب، عن ابن فضال، عن علي بن شجرة، عن إبراهيم بن أبي رجاء

(1) في نسخة (ن) و (ط) (لا نعد الرجل فقيها حتى - الخ).
(2) محمد صلى الله عليه وآله: 30.
(3) في نسخة (و) (ملقف حجته - الخ)، وفي نسخة (ه‍) (إياكم وجدال كل مفتون
ملقن حجته - الخ).
459

عن أخي طربال (1) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كف الأذى وقلة الصخب
يزيدان في الرزق.
29 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا عبد الله بن
جعفر الحميري، قال: حدثنا محمد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن نجية
القواس، عن علي بن يقطين، قال: قال أبو الحسن عليه السلام: مر أصحابك أن يكفوا
من ألسنتهم ويدعوا الخصومة في الدين ويجتهدوا في عبادة الله عز وجل.
30 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، عن أبيه، عن محمد بن
أحمد، عن موسى بن عمر، عن العباس بن عامر، عن مثنى، عن أبي بصير، عن أبي -
عبد الله، قال: قال: لا يخاصم إلا شاك أو من لا ورع له.
31 - وبهذا الإسناد، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن، عن أبي حفص
عمر بن عبد العزيز (2) عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال: متكلموا هذه
العصابة من شر من هم منه من كل صنف (3).
32 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين
عن محمد بن إسماعيل، عن الحضرمي، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
يا مفضل من فكر في الله كيف كان هلك، ومن طلب الرئاسة هلك.
33 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن هارون بن
مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

(1) في نسخة (ب) (عن إبراهيم بن أبي رجاء أخي طربال) واسم أخي طربال إبراهيم.
(2) في نسخة (ط) و (ن) (عن أبي حفص بن عمر بن عبد العزيز).
(3) الظاهر أن المراد بالعصابة علماء العامة، أي المتكلمون من علماء العامة من
شر الذين هذه العصابة منهم، ومفاد الموصول جماعة العامة، وإفراد الضمير باعتبار لفظ
الموصول، وقوله: (من كل صنف) تصريح بالتعميم وبيان لقوله: (منه)، وفي نسخة
(د) (منهم) مكان (منه).
460

قال: لعن الله الذين اتخذوا دينهم شحا (1) يعني الجدال ليدحضوا الحق بالباطل.
34 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن الفضل بن عامر، عن موسى بن القاسم البجلي، عن
محمد بن سعيد، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا زعيم بيت في أعلى الجنة وبيت في وسط الجنة وبيت في رياض
الجنة (2) لمن ترك المراء وإن كان محقا.
35 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد،
عن عبد الله بن محمد، عن محمد بن إسماعيل النيسابوري، عن عبد الرحمن بن
أبي هاشم، عن كليب بن معاوية، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا يخاصم إلا من قد
ضاق بما في صدره.

(1) في نسخة (ن) (متح) وفي نسخة (ه‍) و (ج) و (و) (شيحا).
(2) كذا في النسخ بالياء جمع الروضة، وأظن أنه رياض بالباء الموحدة كما في أخبار
أخر، والربض ما حول المدينة من بيوت ومساكن، يقال: نزلوا في ربض المدينة.
461