الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ٢
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٦ - ١٩٨٦ م
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء الثاني من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(باب في الصلوات في السفينة)
(قال) وان استطاع الرجل الخروج من السفينة للصلاة فالأولى له أن يخرج ويصلى قائما
على الأرض ليكون أبعد عن الخلاف وان صلى فيها قاعدا وهو يقدر على القيام أو على
الخروج أجزأه عند أبي حنيفة رضى الله تعالى عنه استحسانا ولا يجزئه عندهما وهو القياس
ووجهه هو أن السفينة في حقه كالبيت حتى لا يصلى فيه بالايماء تطوعا مع القدرة على
الركوع والسجود فكما إذا ترك القيام في البيت مع قدرته عليه لا يجزئه في أداء
المكتوبة فكذلك في السفينة لان سقوط القيام في المكتوبة للعجز أو للمشقة وقد زال
ذلك بقدرته على القيام أو على الخروج. وجه الاستحسان أن الغالب في حال راكب السفينة
دوران رأسه إذا قام والحكم ينبنى على العام الغالب دون الشاذ النادر ألا ترى أن نوم
المضطجع جعل حدثا على الغالب ممن حاله أن يخرج منه لزوال الاستمساك وسكوت
البكر رضا لأجل الحياء بناء على الغالب من حال البكر والشاذ يلحق بالعام الغالب فهذا مثله
(وفى) حديث ابن سيرين رضى الله تعالى عنه قال صلينا مع أنس بن مالك رضى الله تعالى
عنه في السفينة قعودا ولو شئنا لخرجنا إلى الحد وقال مجاهد رحمه الله صلينا مع جنادة بن أبي
أمية قعودا في السفينة ولو شئنا لقمنا فدل على الجواز (قال) ولا يجوز للمسافر أن يتطوع
في السفينة بالايماء بخلاف راكب الدابة فان الجواز له بالايماء هناك لورود النص به وهذا
ليس في معناه لان راكب الدابة ليس له موضع قرار على الأرض وراكب السفينة له فيها
موضع قرار على الأرض فالسفينة في حقه كالبيت ألا ترى أنه لا يجريها بل هي تجرى به
قال الله تعالى وهي تجرى بهم في موج كالجبال وراكب الدابة يجريها حتى يملك ايقافها
2

متى شاء ولهذا جوزنا الصلاة على الدابة حيث كان وجهه وفى السفينة يلزمه التوجه إلى
القبلة عند افتتاح الصلاة وكذلك كلما دارت السفينة يتوجه إليها لأنها في حقه كالبيت
فيلزمه التوجه إلى القبلة لأداء الصلاة فيها ولا يصير مقيما بنية الإقامة وصاحب السفينة
وغيره في هذا سواء لان نية الإقامة حصلت في غير موضعها إلا أن تكون قريبة من قريته
فحينئذ هو مقيم فيها في موضع اقامته فأما إذا كان مسافرا فيها فلا يصير مقيما بنية الإقامة
(قال) ولا يجوز أن يأتم رجل من أهل السفينة بامام في سفينة أخرى لان بينهما طائفة
من النهر إلا أن يكونا مقرونين فحينئذ يصح الاقتداء لأنه ليس بينهما ما يمنع صحة الاقتداء
فكأنهما في سفينة واحدة لان السفينتين المقرونتين في معنى ألواح سفينة واحدة وكذلك
أن اقتدى من على الحد بامام في سفينة لم يجز اقتداؤه إذا كان بينهما طريق أو طائفة من النهر
وقد بينا هذا فيما سبق (قال) ومن وقف على الاطلال يقتدى بالامام في السفينة صح
اقتداؤه إلا أن يكون أمام الامام لان السفينة كالبيت واقتداء الواقف على السطح بمن هو
في البيت صحيح إذا لم يكن أمام الامام (قال) ومن خاف فوت شئ من مأله وسعه أن
يقطع صلاته ويستوثق من ماله وكذلك إذا انقلبت سفينة أو رأى سارقا يسرق شيئا من
متاعه لان حرمة المال كحرمة النفس فكما يسعه أن يقطع صلاته إذا خاف على نفسه من عدو
أو سبع فكذلك إذا خاف على شئ من ماله ولم يفصل في الكتاب بين القليل والكثير
وأكثر مشايخنا رحمهم الله قدروا ذلك بالدرهم فصاعدا وقالوا ما دون الدرهم حقير فلا يقطع
الصلاة لأجله. قال الحسن رحمه الله تعالى لعن الله الدانق ومن دنق الدانق. وإنما يقطع
صلاته إذا احتاج إلى عمل كثير فأما إذا لم يحتج إلى شئ وعمل كثير بني على صلاته لحديث أبي
برزة الأسلمي رحمه الله تعالى انه كان يصلى في بعض المغازي فأنسل قياد الفرس من يده
فمشى أمامه حتى أخذ قياد فرسه ثم رجع القهقري وأتم صلاته وتأويل هذا أنه لم يحتج إلى
عمل كثير والله سبحانه وتعالى أعلم
* (باب السجدة) *
(قال رضي الله عنه) ويكره للمرء ترك آية السجدة من سورة يقرؤها لأنه في صورة الفرار
عن السجدة وليس ذلك من أخلاق المؤمنين ولأنه في صورة هجر آية السجدة وليس شئ
3

من القرآن مهجورا ولان القارئ مأمور باتباع التأليف قال الله تعالى فإذا قرأناه فاتبع
قرآنه أي تأليفه وبغير التأليف يكون مكروها وإذا قرأ آية السجدة من بين آي السورة
فالأولى أن يقرأ معها آيات وان اكتفى بقراءة آية السجدة لم يضره لان قراءة آية السجدة
من بين الآي كقراءة سورة من بين السور وذلك لا بأس به والمستحب أن يقرأ معها
آيات ليكون أدل على المعنى والاعجاز ولأنه ربما يعتقد هو أو بعض السامعين منه زيادة فضيلة
في آية السجدة ومن حيث إن قراءة الكل سواء فلهذا يستحب أن يقرأ معها آيات (قال)
ومن قرأ آية السجدة أو سمعها وجب عليه أن يسجدها عندنا وقال الشافعي رضى الله تعالى
عنه يستحب له ذلك ولا يجب عليه لحديث الاعرابي حين علمه رسول الله صلى الله عليه
وسلم الشرائع وقال هل على غيرها فقال لا إلا أن تطوع فلو كانت سجدة التلاوة واجبة
لما ترك البيان بعد السؤال وعن عمر رضى الله تعالى عنه أنه تلا آية السجدة على المنبر وسجد ثم
تلاها في الجمعة الثانية فنشز الناس للسجود فقال إنها لم تكتب علينا إلا أن نشاء (ولنا) حديث أبي
هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا تلا ابن آدم السجدة
فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت
بالسجود فلم أسجد فلي النار والأصل ان الحكيم متى حكى عن غير الحكيم ولم يعقبه
بالنكير فذلك دليل علي أنه صواب ففيه دليل على أن ابن آدم مأمور بالسجود والامر
للوجوب وعن عثمان وعلي وابن عباس رضى الله تعالى عنهم أنهم قالوا السجدة على من
تلاها السجدة على من سمعها على من جلس لها اختلفت ألفاظهم بهذه وعلى كلمة ايجاب
ولان الله تعالى وبخ تارك السجود بقوله فمالهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن
لا يسجدون والتوبيخ لا يكون الا بترك الواجب وتأويل حديث عمر لم يكتب علينا
التعجيل بها فأراد أن يبين للقوم التأخير عن حالة الوجوب وفي حديث الاعرابي بيان
الواجبات ابتداء دون ما يجب بسبب من العبد ألا ترى أنه لم يذكر المنذورة (قال) فان
قرأها أو سمعها وهو جنب أو على غير وضوء لم يجزئه التيمم إذا كان يقدر على الماء لأنه
لا يفوته ولأنه باستعماله الماء يتوصل إلى أدائها بخلاف صلاة الجنازة والعيد (قال) ومن
سمعها من صبي أو كافر أو جنب أو حائض فعليه أن يسجد لان المتلو قرآن من هؤلاء
ولهذا منع الجنب والحائض من قراءته فتقرر السبب الموجب في حق السامع (قال)
4

وليس على الحائض سجدة قرأت أو سمعت لان السجدة ركن من الصلاة والحائض
لا تلزمها الصلاة مع تقرر السبب وهو شهود الوقت فلا يلزمها السجدة أيضا بخلاف الجنب
فإنه تلزمه الصلاة بسبب الوقت فتلزمه السجدة بالتلاوة أو السماع (قال) ويستوي في حق
التالي إذا تلاها بالفارسية أو بالعربية وفى حق السامع كذلك عند أبي حنيفة رضى الله
تعالى عنه فهم أو لم يفهم بناء على أصله بالقراءة الفارسية وعندهما إن كان السامع يعلم أنه
يقرأ القرآن فعليه سجود السجدة وإلا فلا وفي العربية عليه السجدة على كل حال ولكن
يعذر بالتأخير ما لم يعلم (قال) وان قرأها ومعه قوم فسمعوها سجد وسجدوا معه ولم
يرفعوا رؤسهم قبله لان التالي امام السامعين هكذا قال عمر رضى الله تعالى عنه للتالي
كنت امامنا لو سجدت لسجدنا معك فكانوا في حكم المقتدين من وجه فلا يرفعون
رؤسهم قبله لهذا وان فعلوا أجزأهم لأنه لا مشاركة بينه وبينهم في الحقيقة ألا ترى أنه
وان تبين فساد سجدته بسبب لم تفسد عليهم (قال) وليس عليه في قراءة سجدة واحدة
أو سماعها مرة بعد أخرى في مجلس واحد قائما أو قاعدا أو مضطجعا أكثر من سجدة
واحدة لما روي أن جبريل عليه السلام كان ينزل بالوحي فيقرأ آية السجدة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم يقرؤها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ولا يسجد الا مرة
واحدة ولان مبنى السجدة على التداخل فان التلاوة من الأصم والسماع من السميع
موجبان لها ثم لو تلاها سميع لا يلزمه الا سجدة واحدة وقد وجد في حقه التلاوة والسماع
لان السبب واحد وهو حرمة المتلو فالقراءة الثانية تكرار محض بسبب اتحاد المجلس فلا
يتجدد به المسبب وهذا الحرف أصح من الأول فإنه لو تلاها وسجد ثم تلاها في مجلسه لم
يلزمه أخرى والتداخل لا يكون بعد أداء الأول فدل ان الصحيح اتحاد السبب. ولم يذكر
الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكره أو سمع ذكره في مجلس مرارا
فالمتقدمون من أصحابنا يجعلون هذا قياس السجدة فيقولون يكفيه أن يصلي عليه مرة واحدة
لاتحاد السبب وبعض المتأخرين يقولون يصلي عليه في كل مرة لأنه حق رسول الله صلى الله
عليه وسلم كما قال لا تجفوني بعد موتى قيل وكيف تجفي يا رسول الله قال إن أذكر في
موضع فلا يصلى علي وحقوق العباد لا تتداخل ولهذا قالوا من عطس وحمد الله في مجلس
ينبغي للسامع أن يشمته في كل مرة لأنه حق العاطس والأصح انه إذا زاد على الثلاث
5

لا يشمته * وفي حديث عمر رضى الله تعالى عنه قال للعاطس بعد الثلاث قم فانتثر فإنك مزكوم
إلا أن يكون ذهب من ذلك المكان ثم رجع فقرأها فعليه سجدة أخرى لأنه تجدد له
بالرجوع مجلس آخر وبتجدد المجلس يتجدد السبب للتلاوة حكما. وعن محمد رحمه الله قال هذا
إذا بعد عن ذلك المكان فأما إذا كان قريبا منه لم يلزمه سجدة أخرى فكأنه تلاها في
مكانه لحديث أبي موسى الأشعري رضى الله تعالى عنه انه كان يعلم الناس بالبصرة وكان
يزحف إلى هذا تارة والى هذا تارة فيعلمهم آية السجدة ولا يسجد الا مرة واحدة وان
قرأ آية أخرى وهو في مجلسه فعليه سجدة أخرى لان السبب قد تجدد فان السجدة الثانية
غير الأولى ثم ذكر عدد سجود القرآن وهي أربع عشرة سجدة عندنا وكان ابن عباس
رضى الله تعالى عنه يقول عدد سجود القرآن إحدى عشرة سجدة وليس في المفصل عنده
سجدة وكان يعد الأعراف والرعد والنحل وبنى إسرائيل ومريم والحج الأولى منها
والفرقان والنمل والم تنزيل وص وحم السجدة قال سعيد بن جبير وسألت ابن عمر رضي الله عنهم
فعدهن كما عدهن ابن عباس رضى الله تعالى عنه إحدى عشرة سجدة وقال ليس في المفصل
شئ منها؟ وهكذا ذكر الكرخي رضي الله عنه في الجامع الصغير له وليس في المفصل عنده
سجدة والذي في سورة ص عنده سجدة شكر والاختلاف بين العلماء في مواضع منها في
الحج عندنا سجدة التلاوة الأولى منهما وعند الشافعي رضي الله عنه سجدتان الأولى والثانية
لحديث مسرع بن ماهان عن عقبة بن عامر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج
سجدتان أو قال فضلت الحج بسجدتين من لم يسجدهما فلا يقرأهما وهو مروى عن عمر
ومذهبنا مروى عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم قال سجدة التلاوة هي الأولى والثانية
سجدة الصلاة وهو الظاهر فقد قرنها بالركوع فقال اركعوا واسجدوا والسجدة المقرونة
بالركوع سجدة الصلاة وتأويل الحديث فضلت الحج بسجدتين إحداهما سجدة التلاوة
والأخرى سجدة الصلاة ويختلفون في التي في سورة ص عندنا وهي سجدة التلاوة وعند
الشافعي رضي الله عنه سجدة الشكر وفائدة الاختلاف إذا تلاها في الصلاة عندنا يسجدها
وعند الشافعي لا يسجدها واستدل بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا في خطبته
سورة ص فنشز الناس للسجود فقال علام نشزتم انها توبة نبي (ولنا) ما روى أن رجلا
من الصحابة قال يا رسول الله رأيت فيما يرى النائم كأني أكتب سورة ص فلما انتهيت إلى
6

موضع السجدة سجد الدواة والقلم فقال عليه الصلاة والسلام نحن أحق بها من الدواة والقلم
فأمر حتى يكتب في مجلسه وسجدها مع أصحابه (فان قيل) في الحديث زيادة وهو أنه قال
سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا (قلنا) هذا لا ينفى كونها سجدة تلاوة فما من
عبادة يأتي بها العبد الا وفيها معنى الشكر ومراده من هذا بيان سبب الوجوب انه كان
توبة داود عليه السلام وإنما لم يسجدها في خطبته ليبين لهم أنه يجوز تأخيرها * وقد روى
أنه سجدها في خطبته مرة وذلك دليل على الوجوب وعلى أنها سجدة تلاوة فقد قطع الخطبة
لها. ويختلفون في التي في حم السجدة في موضعها فقال علي رضي الله تعالى عنه آخر الآية
الأولى عند قوله ان كنتم إياه تعبدون وبه أخذ الشافعي رضى الله تعالى عنه وقال ابن مسعود
رضى الله تعالى عنه عند آخر الآية الثانية عند قوله تعالى وهم لا يسأمون وبه أخذنا لأنه أقرب
إلى الاحتياط فإنها ان كانت عند الآية الثانية لم يجز تعجيلها وان كانت عند الأولى جاز
تأخيرها إلى الآية الثانية * ويختلفون في المفصل فعندنا فيه ثلاث سجدات وقال مالك
رضى الله تعالى عنه ليس في المفصل سجدة واحدة لقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما
(ولنا) حديث علي رضي الله تعالى عنه عزائم سجود القرآن أربعة التي في ألم تنزيل وحم
السجدة وفي النجم واقرأ باسم ربك وعن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه قال رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة والنجم بمكة فسجد وسجد الناس معه المسلمون والمشركون
الا شيخا وضع كفا من التراب على جبهته وقال إن هذا يكفيني فلقيته قتل كافرا ببدر
وعن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ إذا السماء
انشقت فسجد وسجد معه أصحابه (قال) فان تلا آية السجدة راكبا أجزأه أن يومئ بها
وقال بشر لا يجزئه لأنها واجبة فلا يجوز أداؤها على الدابة من غير عذر كالمنذورة فان
الراكب إذا نذر أن يصلى ركعتين لم يجز أن يؤديهما على الدابة من غير عذر (ولنا) أنه
أداها كما التزمها فتلاوته على الدابة شروع فيما تجب به السجدة فكان نظير من شرع على
الدابة في التطوع فكما تجوز هناك تجوز هاهنا بخلاف النذر فإنه ليس بشروع في أداء
الواجب فكان الوجوب بالنذر مطلقا فيقاس بما وجب بايجاب الله تعالى (قال) وان تلاها
على الدابة فنزل ثم ركب وأداها بالايماء جاز الا على قول زفر رضى الله تعالى عنه فإنه يقول
لما نزل وجب عليه أداؤها على الأرض فكأنه تلاها على الأرض (ولنا) أنه لو أداها قبل
7

نزوله جاز فكذلك بعد ما نزل وركب لأنه يؤديها بالايماء في الوجهين وهو نظير ما تقدم
لو أفتتح الصلاة في وقت مكروه (قال) ومن تلاها ماشيا لم يجز أن يومئ لها لان السجدة
ركن الصلاة فكما لا يصلى الماشي بالايماء فكذلك لا يسجد بخلاف الراكب (قال)
وإذا قرأها في صلاته وهو في آخر السورة الا آيات بقين بعدها فإن شاء ركع وان شاء سجد
لها هكذا روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما انه كان إذا تلا آية السجدة في الصلاة ركع
ولان المقصود الخضوع والخشوع وذلك يحصل بالركوع كما يحصل بالسجود. واختلف
مشايخنا في أن الركوع ينوب عن سجدة التلاوة أم السجود بعده فمنهم من قال الركوع
أقرب إلى موضع التلاوة فهو الذي ينوب عنها والأصح ان سجدة الصلاة تنوب عن سجدة
التلاوة لان المجانسة بينهما أظهر ولان الركوع افتتاح للسجود ولهذا لا يلزمه الركوع في
الصلاة إن كان عاجزا عن السجود وإنما ينوب ما هو الأصل (قال) فإذا أراد أن يركع بها
ختم السورة ثم ركع ونوى هكذا فسره الحسن عن أبي حنيفة رضى الله تعالى عنهما وان أراد
أن يسجد لها سجد عند الفراغ من آية السجدة ثم يقوم فيتلو بقية السورة ثم يركع ان شاء
وان شاء وصل إليها سورة أخرى فهو أحب إلى لان الباقي من خاتمة السورة دون ثلاث
آيات فالأولى إذا قام من سجوده أن يقرأ ثلاث آيات لكيلا يكون بانيا للركوع على السجود
(قال) وان كانت السجدة عند ختم السورة فان ركع لها فحسن وان سجد لها ثم قام
فلا بد أن يقرأ آيات من سورة أخرى ثم يركع لكيلا يكون بانيا للركوع على السجود (قال)
فإن لم يفعل ولكنه كما رفع رأسه ركع أجزأه ويكره ذلك وان كانت السجدة في وسط
السورة فينبغي أن يسجد لها ثم يقوم فيقرأ ما بقي ثم يركع وان ركع في موضع السجدة
أجزأه وان ختم السورة ثم ركع لم يجزئه ذلك عن السجدة نواها أولم ينوها لأنها صارت دينا
عليه بفوات محل الأداء فلا ينوب الركوع عنها بخلاف ما إذا ركع عندها فإنها ما صارت
دينا بعد لبقاء محلها وبخلاف ما إذا كانت قريبة من خاتمة السورة فإنها ما صارت دينا بعد
حين لم يقرأ بعدها ما يتم به سنة القراءة وهو نظير من أراد دخول مكة فعليه الاحرام فإن لم
يحرم ثم خرج من عامه ذلك واحرم بحجة الاسلام ناب عما يلزمه لدخول مكة أيضا وان
تحولت السنة ثم أحرم بحجة الاسلام لم يجزئه عما لزمه لدخول مكة لأنها صارت دينا عليه بتحول
السنة (قال) فان أراد أن يركع بالسجدة بعينها فالقياس ان الركعة والسجدة في ذلك سواء وبالقياس
8

نأخذ وفى الاستحسان لا يجزئه الا السجدة وتكلموا في موضع هذا القياس والاستحسان
من أصحابنا من قال مراده إذا تلاها في غير الصلاة وركع ففي القياس يجزئه لان الركوع
والسجود يتقاربان قال الله تعالى وخر راكعا وأناب أي ساجدا ويقال ركعت النخلة أي
طأطأت رأسها والمقصود منهما الخضوع والخشوع فينوب أحدهما عن الآخر كما في الصلاة
وفى الاستحسان الركوع خارج الصلاة ليس بقربة فلا ينوب عما هو قربة بخلاف
الركوع في الصلاة والا ظهر أن مراده من هذا القياس والاستحسان في الصلاة إذا ركع
عند موضع السجدة في الاستحسان لا يجزئه لان سجدة التلاوة نظير سجدة الصلاة فكما
أن احدى السجدتين في الصلاة لا تنوب عن الأخرى والركوع لا ينوب عنهما فكذلك
لا ينوب عن سجدة التلاوة وفى القياس يجوز التقارب بين الركوع والسجود فيما هو
المقصود وكل واحد منهما في الصلاة قربة وأخذنا بالقياس لأنه أقوى الوجهين والقياس
والاستحسان في الحقيقة قياسان وإنما يؤخذ بما يترجح بظهور أثره أو قوة في جانب صحته
(قال) وإذا سلم من صلاته وعليه سجدة التلاوة ولا يذكرها فقد ذكرنا أن هذا سلام
السهو فلا يخرج من الصلاة حتى لو اقتدى به انسان جاز اقتداؤه ويسجدها الامام إذا
ذكرها والمقتدى معه ثم يتشهد لان عوده إلى السجدة ينقض القعدة (قال) فان تكلم
قبل أن يذكرها سقطت عنه لان الكلام قاطع لحرمة الصلاة وما وجب بالتلاوة في
الصلاة كان من أعمال الصلاة فلا يؤدى بعد انقطاع حرمة الصلاة ولم تفسد صلاته لأنها
ليست من جملة الأركان (قال) وان وجبت عليه في غير الصلاة ثم ذكرها في الصلاة
لم يقضها فيها لأنها ليست بصلاتية وحرمة الصلاة تمنع من أداء ما ليس من أعمالها فيها
وكذلك أن سمعها في صلاته ممن ليس معه في الصلاة لم يسجدها فيها لأنها ليست بصلاتية
فان سببها تلاوة في غير الصلاة فلا يؤديها حتى يفرغ منها وان سجدها فيها لم تجزئه لأنه
أداها قبل وقتها ولا تفسد صلاته الا في رواية محمد رحمه الله تعالى وقد بيناه فيما تقدم (قال)
فان سجد للتلاوة لغير القبلة فإن كان عالما لم يجزئه وإن كان جاهلا أجزأه يعنى إذا اشتبهت
عليه القبلة فتحرى وسجد إلى جهة وقد بينا ان الصلاة بالتحري تجوز إلى غير القبلة
فالسجدة أولى. وان ضحك فيها أعادها كما لو تكلم ولم يعد الوضوء لان الضحك عرف
حدثا بالأثر وإنما ورد الأثر في صلاة مطلقة وهذه ليست بصلاة مطلقة وكانت قياس
9

صلاة الجنازة (قال) ولا ينبغي للامام ان يقرأ سورة فيها سجدة في صلاة لا يجهر فيها
بالقرآن لأنه لو فعل ذلك وسجد لها اشتبه على القوم فيظنون أنه غلط فقدم السجود
على الركوع وفيه من الفتنة ما لا يخفى فان قرأ بها سجد لها لتقرر السبب في حقه وهو
التلاوة وسجد القوم معه لوجوب المتابعة عليهم وفى حديث أبي سعيد الخدري رضى الله
تعالى عنه قال سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر فظننا أنه قرأ ألم تنزيل
السجدة (قال) ويكبر لسجدة التلاوة إذا سجد وإذا رفع رأسه كما في سجدة الصلاة (قال)
ولا يسلم فيها لان السلام للتحليل عن التحريمة وليس فيها تحريمة ولم يذكر ماذا يقول في
سجوده والأصح أنه يقول في سجوده من التسبيح ما يقول في سجدة الصلاة وبعض
المتأخرين استحسن أن يقول فيها سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا لقوله تعالى يخرون
للأذقان سجدا الآية واستحسن أيضا ان يقوم فيسجد لان الخرور سقوط من القيام والقرآن
ورد به فإن لم يفعل لم يضره (قال) رجل قرأ آية السجدة خلف الامام فسمعها الامام والقوم
فليس على أحد منهم ان يسجدها في الحال ولا بعد الفراغ من الصلاة عند أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى يسجدون إذا فرغوا من صلاتهم أما في
الصلاة لا يسجدون لأنه لو سجدها التالي وتابعه الامام انقلب المتبوع تابعا وإن لم يتابعه الامام
كان هو مخالفا لامامه وان سجدها الامام وتابعه التالي كان هذا خلاف موضوع السجدة
فان التالي المعتد به امام السامعين وأما بعد الفراغ فمحمد رحمه الله تعالى يقول السبب الموجب
للسجدة في حقهم قد وجد وهو التلاوة والسماع وحرمة الصلاة منعت الأداء فيها فيسجدون
بعد الفراغ كما لو سمعوا من رجل ليس معهم في الصلاة وليس في هذا أكثر من أن المقتدي
ممنوع من القراءة خلف الإمام وهذا لا يمنع وجوب السجدة بتلاوته كالجنب إذا تلاها ولهما
حرفان. الأول ان الامام يحمل عن المقتدى فرضا كما يحمل عنه موجب السهو ثم سهو المقتدى
يتعطل فكذلك تلاوته. والثاني ان هذه السجدة صلاتية لان سببها تلاوة من يشاركهم في
الصلاة والصلاتية إذا لم تؤد في الصلاة لا تؤدى بعد الفراغ منها كما لو تلاها الامام ولم يسجد
في الصلاة بخلاف ما إذا سمعوا ممن ليس معهم في الصلاة لأنها ليست بصلاتية ألا ترى
ان المقتدى إذا فتح على امامه لم تفسد به الصلاة ومن ليس معه في الصلاة إذا فتح على المصلى
فسدت صلاته وبه يتضح الفرق وليس هذا كقراءة الجنب لأنه غير ممنوع من قراءة
10

القرآن الموجب للسجدة وهو ما دون الآية بخلاف المقتدى ولان الجنب ممنوع عن القراءة
غير مولى عليه والمقتدى مولى عليه في القراءة والمولى عليه في التصرف لا يتعلق بتصرفه
حكم (قال) وإذا سمعها من الامام من ليس معهم في الصلاة فعليه أن يسجدها لتقرر
السبب وهو السماع فان دخل مع الامام في صلاته فإن كان الامام لم يسجدها بعد سجدها
والداخل معه كما لو كان في صلاته عند القراءة وإن كان الامام قد سجدها سقطت عن
الرجل لأنه لا يمكنه أن يسجدها في الصلاة إذا يكون مخالفا لامامه ولا يمكنه أن يسجدها
بعد الفراغ لأنها صلاتية في حقه كما هي في حق الامام فإنه شريك الامام فيها والصلاتية
لا تؤدى بعد الفراغ منها. وفى الأصل بعد ذكر هذه المسألة قال ألا ترى لو أن رجلا
افتتح الصلاة مع الامام وهو ينوى التطوع والامام في الظهر ثم قطعها فعليه قضاؤها
فان دخل معه فيها ينوى صلاة أخرى تطوعا فصلاها معه لم يكن عليه قضاء شئ وهذه
المسألة مبتدأة وهي على ثلاثة أوجه اما أن ينوى قضاء الأولى أولم يكن له نية أو نوى صلاة
أخرى ففي الوجهين الأولين عندنا سقط عنه ما لزمه بالافساد وقال زفر رضى الله تعالى
عنه لا يسقط لان ما لزمه بالافساد صار دينا كالمنذورة فلا بد أن يتأدى خلف الامام حين
يصلى صلاة أخرى ولكنا نقول لو أتمها حين شرع فيها لم يلزمه شئ آخر فكذلك إذا أتمها
بالشروع الثاني لأنه ما التزم بالشروع الا أداء هذه الصلاة مع الامام وقد أداها فإن كان قد
نوى تطوعا آخر فقد قال ههنا ينوب عما لزمه بالافساد وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رضي الله تعالى عنهما وفى زيادات الزيادات قال لا ينوب وهو قول محمد رضى الله تعالى
عنه. ووجهه انه لما نوى صلاة أخرى فقد أعرض عما كان دينا في ذمته بالافساد فلا ينوب
هذا المؤدى عنه بخلاف الأول وجه قولهما انه ما التزم في المرتين الا أداء هذه الصلاة مع
الامام وقد أداها (قال) فان قرأها المصلى وسمعها أيضا من أجنبي أجزأه سجدة واحدة
وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أنه قال لا تجزئه لان السماعية ليست بصلاتية والتي
أداها صلاتية فلا تنوب عما ليست بصلاتية وجه ظاهر الرواية انه أدى ما لزمه بالتلاوة
وهو أقوى من السماعية لان لها حرمتين حرمة التلاوة لها وحرمة الصلاة وللسماعية حرمة
واحدة والقوى ينوب عن الضعيف ولو استويا ناب أحدهما عن الثاني فلان ينوب القوى
عن الضعيف كان أولى (قال) وان تلاها في الصلاة وسجد ثم أحدث فذهب وتوضأ ثم عاد
11

إلى مكانه وبنى على صلاته ثم قرأ ذلك الأجنبي تلك السجدة فعلى هذا المصلى أن يسجدها
إذا فرغ من صلاته لان بذهابه ورجوعه تجدد له مجلس آخر مما لا يكون من صلاته
والسماعية ليست من صلاته فيجعل في حقها كأنه لم يكن في الصلاة ومن ليس في الصلاة
إذا سمع وسجد ثم ذهب فتوضأ ثم عاد وسمع فعليه سجدة أخرى (قال) وان قرأها في
غير الصلاة وسجد ثم افتتح الصلاة في مكانه فقرأها فعليه سجدة أخرى لان التي وجبت
للتلاوة في الصلاة صلاتية فلا تنوب عنها المؤداة قبل الشروع في الصلاة لأنها أضعف وإن لم
يكن سجد أولا حتى شرع في الصلاة في مكانه فقرأها فسجد أجزأته عنهما في ظاهر
الرواية وفي رواية ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى وهو احدى روايتي نوادر الصلاة
لا تجزئه عن الأولى ووجهه أنه لا يمكن ادخال الثانية في الأولى لأنها أقوى ولا يمكن
ادخال الأولى في الثانية لأنه خلاف موضوع التداخل فلا بد من اعتبار كل واحدة منهما
على حدة الصلاتية تؤدى في الصلاة وغير الصلاتية وهو الأولى تؤدى بعد الفراغ منها
ووجه ظاهر الرواية ان السبب واحد فان المتلو آية واحدة والمكان واحد والمؤداة أكمل من
الأولى لان لها حرمتين ولو كانت مثل الأولى لنابت عنها فإذا كانت أكمل من الأولى فأولى
أن تنوب عنها (قال) رجل قرأ أية السجدة فسجدها ثم قرأها ثانية بعد ما أطال القعود
أجزأته السجدة الأولى لأنه لم يشتغل بين التلاوتين بعمل يقطع به المجلس وباتحاد المجلس
يتحد السبب فان أكل أو نام مضطجعا أو أخذ في بيع أو شراء أو عمل يعرف انه قطع لما
كان قبل ذلك ثم قرأ فعليه سجدة أخرى لان المجلس يبتدل بهذه الاعمال ألا ترى أن
القوم يجلسون لدرس العلوم فيكون مجلسهم مجلس الدرس ثم يشتغلون بالأكل فيصير مجلس
الأكل ثم يقتتلون فيصير مجلسهم مجلس القتال وصار تبدل المجلس بهذه الاعمال كتبدله
بالذهاب والرجوع (قال) وان نام قاعدا أو أكل لقمة أو شرب شربة أو عمل عملا يسيرا
ثم قرأها فليس عليه أخرى لان بهذا القدر لا يتبدل المجلس والقياس فيهما سواء أنه لا يلزمه
أخرى لبقائه في مكانه حقيقة ولكنا استحسنا إذا طال العمل اعتبارا بالمخيرة إذا عملت عملا
كثيرا خرج الامر من يدها وكان قطعا للمجلس بخلاف ما إذا أكلت لقمة أو شربت شربة
(قال) وان قرأ بعدها سورة طويلة ثم أعاد قراءة تلك السجدة لم يكن عليه أن يسجدها لان
مجلسه لم يتبدل بقراءة القرآن فان قراءة القرآن من السجود فباتحاد المجلس يتحد السبب (قال)
12

وان قرأها في الركعة الأولى وسجدها ثم أعادها في الثانية أو الثالثة لم يكن عليه سجود ولم
يذكر ههنا اختلافا وقال في الجامع الكبير في القياس وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى
الآخر ليس عليه سجدة أخرى وفى الاستحسان وهو قوله الأول وقول محمد رحمه الله
تعالى عليه سجدة أخري. وجه ذلك أن للقراءة في كل ركعة حكما على حدة حتى يسقط به
فرض القراءة فكانت الإعادة في الركعتين نظير الإعادة في الصلاتين. وجه القياس أن
المكان مكان واحد وحرمة الصلاة حرمة واحدة والمتلو آية واحدة فلا يجب الا سجدة
واحدة كما لو أعادها في الركعة الأولى وقد قررنا هذا الفصل فيما أمليناه من شرح الجامع (قال)
وإذا قرأ الامام سجدة في ركعة وسجدها ثم أحدث في الركعة الثانية فقدم رجلا جاء ساعتئذ
فقرأ تلك السجدة فعليه أن يسجدها لتقرر السبب في حقه وهو التلاوة ولم يوجد منه أداء
قبل هذا وهو في هذه التلاوة مبتدئ وعلى القوم ان يسجدوا معه لأنهم التزموا متابعته
وإذا سجدها في الصلاة ثم سلم وتكلم ثم قرأها في مكانه فعليه ان يسجدها * وفى نوادر أبى
سليمان قال إذا سلم ثم قرأ فليس عليه ان يسجدها وإنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع
فموضوع المسألة هناك فيما إذ أعادها قبل أن يتكلم وبالسلام لم ينقطع فور الصلاة فكأنه
أعادها في الصلاة وهنا موضوع المسألة فيما إذا تكلم وبالكلام ينقطع فور الصلاة ألا تري
انه لو تذكر سجدة تلاوة بعد السلام يأتي بها وبعد الكلام لا يأتي بها فيكون هذا في معنى
تبدل المجلس (قال) في الأصل وإن لم يسجدها في الصلاة حتى سجدها الآن أجزأه عنهما
وهو سهو وإن كان مراده أعادها بعد الكلام لان الصلاتية قد سقطت عنه بالكلام إلا أن
يكون مراده أعادها بعد السلام قبل الكلام فحينئذ يستقيم لأنه لم يخرج عن حرمة
الصلاة وإنما كررها في الصلاة وسجد. وان قرأها راكبا ثم نزل قبل أن يسير فقرأها
فعليه سجدة واحدة استحسانا وفي القياس عليه سجدتان لتبدل مكانه بالنزول وفى
الاستحسان النزول عمل يسير حتى لا يمنعه من البناء على الصلاة فلا يتبدل به المجلس فإن كان
سار ثم نزل فعليه سجدتان لان سير الدابة كمشيه فيتبدل به المجلس (قال) وان
قرأها على الأرض ثم ركب فقرأها قبل أن يسير سجدها سجدة واحدة على الأرض ولو
سجدها على الدابة لا تجزئه عن الأولى لان المؤداة أضعف من الأولى وان سجدها على
الأرض فالمؤداة أقوى والمكان مكان واحد فتنوب المؤداة عنهما. وان قرأها راكبا ثم
13

نزل ثم ركب فقرأها وهو في مكانه فعليه سجدة واحدة لما بينا أن المكان واحد والمتلو آية
واحدة وان قرأها راكبا سائرا مرتين فإن كان في غير الصلاة فعليه سجدتان لان سير
الدابة مضاف إليه فإنه يملك ايقافها متى شاء فكان نظير مشيه وهو يتبدل به المجلس بخلاف
راكب السفينة فان السفينة في حقه كالبيت وهو لا يجريها بل هي تجري به وإن كان في الصلاة
لم يكن عليه الا سجدة واحدة لان المكان وان تفرق فان حرمة الصلاة واحدة والسجدة من
الصلاة لامن المكان فيراعي فيها اتحاد حرمة الصلاة. ومن أصحابنا من يقول هذا إذا
أعادها في ركعة واحدة فان أعادها في ركعتين ينبغي أن يكون على الخلاف الذي بينا في المصلى
على الأرض ومنهم من قال لا بل الجواب ههنا في الكل واحد والفرق لمحمد بينه وبين المصلى
على الأرض أن هناك يركع ويسجد وذلك عمل كثير يتخلل بين التلاوتين والراكب يومئ
وهو عمل يسير فلهذا لا يتجدد به وجوب السجدة (قال) فان سمعها من غيره مرتين وهو
يسير على الدابة فعليه سجدتان لأن هذه ليست بصلاتية فيعتبر فيه اختلاف الأمكنة لا تحاد
حرمة الصلاة فلهذا يلزمه بالسماع في كل مرة سجدة والله سبحانه وتعالى أعلم
* (باب المستحاضة) *
(قال) وإذا أدركها الحيض في شئ من الوقت وقد افتتحت الصلاة أو لم تفتتحها سقطت
تلك الصلاة عنها أما إذا حاضت بعد دخول الوقت فليس عليها قضاء تلك الصلاة إذا
طهرت عندنا وقال إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى عليها قضاؤها لان الحيض يمنع وجوب
الصلاة ولا يسقط الواجب وقد وجب عليها بادراك جزء من أول الوقت بدليل انها لو
أدت كانت مؤدية للفرض وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه إذا مضى من الوقت مقدار
ما يمكنها أن تصلى فيه ثم حاضت فعليها القضاء لان التمكن من الأداء معتبر لتقرر الوجوب فإذا
وجد تقرر وجوب الصلاة عليها فلا تسقط بعد ذلك بالحيض وقال زفر رضى الله تعالى عنه
إذا كان الباقي من الوقت حين حاضت مقدار ما يمكنها أن تصلى فيه فليس عليها قضاء تلك
الصلاة وإن كان دون ذلك فعليها القضاء لان الوجوب في أول الوقت موسع وإنما يضيق
بآخر الوقت والقضاء يجب بالتفويت فما بقي من الوقت مقدار ما يمكن فيه أداء الصلاة لم تكن
هي مفوتة بالتأخير شيئا حتى لا تكون آثمة مفرطة وإن كان الباقي دون ذلك فهي آثمة
14

مفرطة وكانت مفوتة فيلزمها القضاء كما لو حاضت بعد خروج الوقت ولكنا نقول ما بقي
شئ من الوقت فالصلاة لم تصر دينا في ذمتها بل هي في الوقت عين وإنما تعذر عليها الأداء
بسبب الحيض وذلك غير موجب للقضاء فأما بخروج الوقت فتصير الصلاة دينا في ذمتها
والحيض لا يمنع كون الصلاة دينا في ذمتها وقد بينا فيما سبق ان الوجوب يتعلق
بآخر الوقت لكونه مخيرا في أول الوقت وما لم يتقرر الوجوب لا يجب القضاء فإذا اقترن
الحيض بوقت تقرر الوجوب فلم يتقرر الوجوب وإذا حاضت بعد خروج الوقت فلم يقترن
الحيض بحال تقرر الوجوب فتقرر وعلى هذا لو نفست في آخر الوقت بالولادة أو باسقاط
سقط مستبين الخلق وكذلك لو أغمي على الرجل بعد دخول الوقت وطال اغماؤه ففي وجوب
قضاء تلك الصلاة اختلاف على ما بينا وكذلك لو افتتحت الصلاة في الوقت ثم حاضت
وهذا بخلاف التطوع فإنه لو أدركها الحيض بعد ما افتتحت التطوع كان عليها قضاء تلك
الصلاة إذا طهرت لأنها بالشروع التزمت الأداء فكأنها التزمته بالنذر وفي الفريضة بالشروع
ما التزمت شيئا وإنما شرعت للاسقاط لا للالتزام فإذا أدركها الحيض التحقت بما لو تشرع
وإنما قلنا هذا لان التزام ما هو لازم لا يتحقق ألا ترى ان من نذر أداء فريضة لم يلزمه
بالنذر شئ (قال) وإذا طهرت من الحيض وعليها من الوقت مقدار ما تغتسل فيه فعليها قضاء
تلك الصلاة وإن كان عليها من الوقت مقدار مالا تستطيع ان تغتسل فيه فليس عليها قضاء
تلك الصلاة قال وهذا إذا كانت أيامها دون العشرة فاما إذا كانت أيامها عشرة فانقطع الدم
وقد مر عليها من الوقت شئ قليل أو كثير فعليها قضاء تلك الصلاة هكذا فسره في نوادر
أبى سليمان رحمه الله تعالى لأنه إذا كانت أيامها عشرة فبمجرد انقطاع الدم تيقنا خروجها من
الحيض لان الحيض لا يكون أكثر من ذلك فإذا أدركت جزأ من الوقت لزمها قضاء تلك
الصلاة سواء تمكنت فيه من الاغتسال أو لم نتمكن بمنزلة كافر أسلم وهو جنب أو صبي
بلغ بالاحتلام في آخر الوقت فعليه قضاء تلك الصلاة سواء تمكن من الاغتسال في الوقت أو
لم يتمكن واما إذا كانت أيامها دون العشرة فمدة الاغتسال من جملة حيضها على ما قال
الشعبي حدثني سبعة عشر نفرا من الصحابة أن الزوج أحق برجعتها ما لم تغتسل وهذا لان
صاحبة هذه البلوى لا تكاد ترى الدم على الولاء ولكنه يسيل تارة وينقطع أخرى فبمجرد
الانقطاع لا تخرج من الحيض لجواز أن يعاودها فإذا اغتسلت يحكم بطهارتها شرعا
15

فإذا ثبت ان مدة الاغتسال من حيضها قلنا إذا أدركت من الوقت مقدار ما يمكنها أن
تغتسل فيه وتفتتح الصلاة فقد أدركت جزأ من الوقت بعد الطهارة فعليها قضاء تلك
الصلاة وإلا فلا وعلى هذا حكم القربان للزوج ان كانت أيامها عشرة فمتى انقطع الدم جاز
للزوج أن يقربها عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى ليس له ذلك ما لم تغتسل لقوله تعالى ولا
تقربوهن حتى يطهرن والأطهار بالاغتسال (ولنا) ان بمجرد انقطاع الدم تيقنا
خروجها من الحيض والمانع من الوطئ الحيض لا وجوب الاغتسال عليها ألا ترى أن الطاهرة
إذا كانت جنبا فللزوج ان يقربها فكذلك هنا بعد التيقن بالخروج من الحيض للزوج ان
يقربها ولو كانت أيامها دون العشرة فانقطع دمها لم يكن للزوج ان يقربها ما لم تغتسل لان
مدة الاغتسال من حيضها فان مضى عليها وقت صلاة فللزوج أن يقربها عندنا وقال زفر
رحمه الله تعالى ليس له ذلك لبقاء فرض الاغتسال عليها كما لو كان قبل مضى الوقت ولكنا
نقول بمضي الوقت صارت الصلاة دينا في ذمتها وذلك من أحكام الطهارات فثبتت صفة
الطهارة به شرعا كما ثبتت بالاغتسال ومن ضرورته انتفاء صفة الحيض فكان له أن يقربها
(قال) وإذا كان حيضها خمسة أيام فزاد الدم عليها فالزيادة دم حيض معها إلى تمام العشرة
لان عادة المرأة في جميع عمرها لا تبقى على صفة واحدة بل تزداد تارة وتنقص أخرى بحسب
اختلاف طبعها في كل وقت فما يمكن أن يجعل حيضا جعلناه لان مبنى الحيض على الامكان
ألا ترى أن الصغيرة إذا بلغت فاستمر بها الدم يجعل حيضها عشرة للامكان فهذا كذلك
فإذا زاد على العشرة كان حيضها هي الخمسة والزيادة استحاضة لان الحيض لا يكون
أكثر من عشرة فتيقنا فيما زاد على العشرة أنها استحاضة وتيقنا في أيامها بالحيض بقي
التردد فيما زاد عليه إلى تمام العشرة ان ألحقناه بما قبله كان حيضا وان ألحقناه بما بعده
كان استحاضة فلا تترك الصلاة فيه بالشك والحاقه بما بعده أولى لأنه ما ظهر الا في
الوقت الذي ظهرت فيه الاستحاضة متصلا به والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام المستحاضة
تدع الصلاة أيام أقرائها (قال) ولو كان حيضها خمسة أيام في أول كل شهر فتقدم حيضها
بيوم أو بيومين أو خمسة فهي حائض اعتبارا للمتقدم بالمتأخر ولم يذكر الاختلاف في
الأصل وذكر في نوادر أبى سليمان رضى الله تعالى عنه. والحاصل ان المتقدم إذا كان بحيث
لا يمكن أن يجعل حيضا بانفراده وما رأت في أيامها بحيث يمكن أن يجعل حيضا فالمتقدم
16

تبع لأيامها والكل حيض بالاتفاق لان مالا يستقل بنفسه تبع لما يستقل بنفسه فأما إذا
لم تر في أيامها شيئا ورأت قبل أيامها ما يمكن أن يجعل حيضا من خمسة أيام أو ثلاثة أو
رأت في أيامها مع ذلك يوما أو يومين أو رأت قبل أيامها يوما أو يومين لم يكن شئ من
ذلك حيض عند أبي حنيفة رضى الله تعالى عنه لأنه دم مستنكر مرئي قبل وقته فهي
كالصغيرة جدا إذا رأت الدم لا يكون حيضا وعندهما الكل حيض لوجود الامكان فإنه
مرئي عقيب طهر صحيح وباب الحيض مبنى على الامكان كما قررنا فاما إذا رأت قبل
أيامها ما يمكن أن يجعل حيضا بانفراده وفى أيامها ما يمكن أن يجعل حيضا بانفراده فعندهما
الكل حيض إذا لم يجاوز العشرة (وعن) أبي حنيفة رضى الله تعالى عنه فيه روايتان. إحداهما
أن الكل حيض لان ما رأت في أيامها كان أصلا مستقلا بنفسه فيستتبع ما قبله. والرواية
الأخرى ان حيضها ما رأت في أيامها دون ما رأت قبلها وهو رواية المعلى عن أبي يوسف
رحمه الله تعالى لان كل واحد منهما لما كان مستقلا بنفسه لم يكن تبعا لغيرة والمتقدم
مستنكر مرئي قبل وقته وهو خلاف المتأخر لان في المتأخر قد صارت هي حائضا بما
رأت في أيامها فبقيت صفة الحيض لها بالمرئي بعده تبعا وفي المتقدم الحاجة في اثبات صفة
الحيض لها ابتداء وذلك لا يكون بالمستنكر المرئي قبل وقته (قال) وإن كان حيضها
مختلفا مرة تحيض خمسة ومرة سبعة فاستحيضت فإنها تدع الصلاة خمسة بيقين ثم تغتسل
لتوهم خروجها من الحيض وتصلى يومين بالوضوء لوقت كل صلاة ثم تغتسل لتوهم
خروجها من الحيض وليس لزوجها أن يقربها في هذين اليومين احتياطا لجواز انها حائض
فيهما ولو كان هذا آخر عدتها لم يكن للزوج أن يراجعها في هذين اليومين احتياطا (قال)
وليس لها أن تتزوج في هذين اليومين احتياطا وهذا كله إذا لم ينقطع الدم في هذين
اليومين فتأخذ بالاحتياط في كل جانب وقد بينا فيما سبق ان المستحاضة تتوضأ لوقت كل
صلاة ولها أن تصلى في الوقت ما شاءت بوضوء واحد من فرض أو نفل أو نذر أو فائتة
(قال) فان أحدثت حدثا آخر في الوقت فعليها إعادة الوضوء لان طهارتها تتقدر بالوقت
في حق الدم السائل لأجل الضرورة ولا ضرورة في سائر الاحداث فهي فيها كغيرها
من الأصحاء وكذلك أن توضأت للحدث أولا ثم سال دم الاستحاضة فعليها الوضوء
لان الوضوء الأول لما سبق دم الاستحاضة لم يكن واقعا عن دم الاستحاضة فالحكم لا
17

يسبق سببه فكان ذلك في حكم دم الاستحاضة كالمعدوم (قال) ولو كان حيضها خمسة
فحاضت ستة ثم حاضت حيضة أخرى سبعة ثم حاضت أخرى ستة فحيضها ستة وكلما عاودها
الدم مرتين فحيضها ذلك ومراده إذا استمر بها الدم واحتاجت إلى البناء وهذا الجواب وهو
قوله حيضها ستة عندهم جميعا أما عند أبي يوسف رحمه الله تعالى فان العادة تنتقل بالمرة
الواحدة فإنما تبنى على ما رأت آخر مرة لان عادتها انتقلت إليها وعند أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله تعالى لا يحصل انتقال العادة بما دون المرتين ليتأكد بالتكرار فستة قد رأته
مرتين فانتقلت إليها واليوم السابع إنما رأت الدم فيه مرة فلم يتأكد بالتكرار والبناء في
زمان الاستمرار على ما تأكد بالتكرار هذا معنى قوله كلما عاودها الدم مرتين فحيضها
ذلك (قال) وإن كان حيضها خمسا فحاضتها وطهرت أربعة أيام ثم عاودها اليوم العاشر
كله ثم انقطع فذلك كله حيض ولا يجزئها صومها في الأربعة الأيام التي طهرت فيها
عند أبي يوسف رحمه الله تعالى لان عنده الطهر المتخلل إذا كان دون خمسة عشر
يوما لم يكن فاصلا عنده وهو روايته عن أبي حنيفة رضى الله تعالى عنه وكذلك على رواية
محمد عن أبي حنيفة رضى الله تعالى عنهما لان الدم محيط بطرفي العشرة وكذلك على رواية
ابن المبارك عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنهم لأنها رأت في أكثر الحيض مثل أقله
وزيادة وكذلك على قول محمد رضى الله تعالى عنه لان الدم غالب على الطهر في العشرة
فأما قول الحسن رضى الله تعالى عنه فحيضها خمستها لان عنده إذا بلغ الطهر المتخلل
ثلاثة أيام يصير فاصلا والاستقصاء في بيان هذه الرواية في كتاب الحيض (قال) والحمرة
والصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض حتى ترى البياض الخالص وقال أبو يوسف
رضى الله تعالى عنه لا تكون الكدرة حيضا الا بعد الحيض لان الحيض الدم الخارج من
الرحم دون الخارج من العرق ودم الحيض يجتمع في الطهر في الرحم ثم يخرج الصافي منه
ثم الكدرة فاما دم العرق فيخرج منه الكدرة أولا ثم الصافي ومن أشكل عليه هذا فلينظر
في حال المفتصد فإذا خرجت الكدرة أولا كان ذلك دليلا لنا على أنه دم عرق وأما إذا
خرج الصافي منه أولا ثم الكدرة عرفنا أنه من الرحم فكان الكل حيضا ولكنا نقول ما
يكون حيضا إذا رأته المرأة في آخر أيامها يكون حيضا إذا رأته في أول أيامها كالحمرة
والصفرة وهذا لان الحيض بالنص هو الأذى المرئي من موضع مخصوص والكل في صفة
18

الأذى سواء (قال) وألوان الدم ستة والبيان الشافي فيه في كتاب الحيض. وإنما قال
حتى ترى البياض الخالص لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها ان النساء كن يبعثن بالكراسف
إليها لتنظرها فكانت إذا رأت كدرة قالت لا حتى ترين القصة البيضاء يعني البياض الخالص
قيل وهو بياض الخرقة وقيل هو شبه خيط دقيق أبيض تراه المرأة على الكرسف إذا
طهرت (قال) فان حاضت المرأة في شهر مرتين فهي مستحاضة والمراد انه لا يجتمع في
شهر واحد حيضتان وطهران لان أقل الحيض ثلاثة وأقل الطهر خمسة عشر. وقد ذكر في
الأصل سؤالا فقال لو رأت في أول الشهر خمسة ثم طهرت خمسة عشر ثم رأت الدم خمسة
أليس قد حاضت في شهر مرتين ثم أجاب فقال إذا ضممت إليها طهرا آخر كان أربعين يوما
والشهر لا يشتمل على ذلك (ويحكي) ان امرأة جاءت إلى علي رضي الله عنه فقالت انى
حضت في شهر ثلاث مرات فقال رضى الله تعالى عنه لشريح ماذا تقول في ذلك فقال إن أقامت
بينة من بطانتها ممن يرضى بدينه وأمانته قبل منها قال علي رضي الله عنه قالون وهي بلغة
الرومية أصبت ومراد شريح من هذا تحقيق نفى أنها لا تجد ذلك وان هذا لا يكون
(قال) وما رأت النفساء من الدم زيادة على أربعين يوما فهي استحاضة تصلى فيها ويأتيها
زوجها لان أكثر النفاس يتقدر بأربعين يوما عندنا وبيانه في كتاب الحيض فكانت
الأربعون للنفاس كالعشرة للحيض فكما أن الزيادة على العشرة هناك تكون استحاضة
فكذلك الزيادة على الأربعين هاهنا (قال) وان طهرت قبل الأربعين اغتسلت وصلت
لأنه لا تقدير في أقل النفاس فإنه اسم للدم الخارج عقب الولادة مشتق من تنفس الرحم
به والقليل والكثير فيه سواء فإذا طهرت كان عليها أن تغتسل وتصلى بناء على الظاهر
لان معاودة الدم إياها موهومة ولا يترك المعلوم بالموهوم (قال) فإن كانت عادتها في
النفاس ثلاثين يوما فطهرت في عشرين يوما وصلت وصامت عشرة أيام ثم عاودها الدم
فاستمر بها حتى جاوز الأربعين فهي مستحاضة فيما زاد على الثلاثين لان صاحبة العادة في
النفاس كصاحبة العادة في الحيض وقد بينا هناك أنه متى زاد على عادتها وجاوز العشرة ترد
إلى أيام عادتها وتجعل مستحاضة فيما زاد على ذلك فهذا مثله (قال) ولا يجزئها صومها في
العشرة التي صامتها قبل الثلاثين قال الحاكم وهذا على مذهب أبي يوسف مستقيم وعلى
مذهب محمد فيه نظر وهذا لان أبا يوسف يرى ختم النفاس بالطهر إذا كان بعده دم
19

كما يرى ختم الحيض بالطهر إذا كان بعده دم فيمكن جعل الثلاثين نفاسا لها عنده وإن كان
ختمها بالطهر ومحمد لا يرى ختم النفاس والحيض بالطهر فنفاسها عنده في هذا الفصل
عشرون يوما فلا يلزمها قضاء ما صامت في العشرة الأيام التي بعد العشرين (قال) ودم
الحامل ليس بحيض وإن كان ممتدا عندنا وقال الشافعي رضي الله عنه هو حيض في حكم
ترك الصوم والصلاة وحرمة القربان دون أقراء العدة قال لان الحامل من ذوات
الأقراء فان المرأة اما صغيرة أو آيسة أو ذات قرء والحامل ليست بصغيرة ولا آيسة
ولان ما ينافي الأقراء ينافي الحبل كالصغر واليأس وإذا ثبت أنها من ذوات الأقراء وقد
رأت من الدم ما يمكن أن يجعل حيضا جعل حيضا لها والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام
لفاطمة بنت أبي حبيش إذا أقبل قرؤك فدعى الصلاة الا انا لا نجعل حيضها معتبرا في حكم
أقراء العدة لأنها لا تدل على فراغ الرحم في حقها وهي المقصود باقراء العدة ومذهبنا
مذهب عائشة رضي الله عنها فإنها قالت الحامل لا تحيض ومثل هذا لا يعرف بالرأي
فيحمل على أنها قالت ذلك سماعا ثم إن الله تعالى أجرى العادة ان المرأة إذا حبلت انسد فم
رحمها فلا يخلص شئ إلى رحمها ولا يخرج منه شئ فالدم المرئي ليس من الرحم فلا يكون
حيضا والدليل عليه أنه لما نزل قوله تعالى يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قالت الصحابة فإن كان
ت آيسة أو صغيرة فنزل قوله واللائي يئسن فقالوا فإن كانت حاملا فنزل قوله وأولات
الأحمال أجلهن أو يضعن حملهن ففي هذا بيان أن الحامل لا تحيض وانها ليست من
ذوات الأقراء وتبين بهذا أن قوله إذا أقبل قرؤك يتناول الحائل دون الحامل (قال)
فان ولدت ولدا وفى بطنها آخر فالنفاس من الأول في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما
الله تعالى وقال محمد وزفر رحمهما الله تعالى من الآخر لأنها بعد وضع الأول حامل بعد
. والحامل لا تصير نفساء كما لا تحيض والدليل عليه حكم انقضاء العدة فإنه معتبر بالولد
الآخر وهما يقولان النفاس من تنفس الرحم بالدم من خروج النفس الذي هو الولد أو من
خروج النفس الذي هو عبارة عن الدم وقد وجد ذلك كله بالولد الأول وإنما لا تحيض
الحامل لانسداد فم الرحم وقد انفتح بالولد الأول فكان الدم المرئي بعده من الرحم وفى
حكم انقضاء العدة العبرة بفراغ الرحم ولا يحصل ذلك الا بالولد الآخر (قال) وإذا توضأت
المستحاضة والدم سائل ولبست خفيها فلها أن تمسح عليهما ما دامت في وقت تلك الصلاة
20

عندنا (وقال) زفر رضي الله عنه تمسح كمال مدة المسح وقد بينا هذا في باب المسح على
الخفين (قال) وإذا وجب الوضوء بذهاب الوقت وهي في الصلاة استقبلت الصلاة وإذا
وجب بسيلان الدم بنت على صلاتها ومعنى هذا إذا كان الدم سائلا حين توضأت أو سال
بعد الوضوء قبل خروج الوقت فخرج الوقت وهي في الصلاة فعليها ان تستقبل لان خروج
الوقت ليس بحدث ولكن عند خروج الوقت تنتقض طهارتها بالدم السائل مقرونا بالطهارة
أو بعدها في الوقت وقد أدت جزأ من الصلاة بعد ذلك الدم وأداء جزء من الصلاة بعد
سبق الحدث يمنع البناء عليها فاما إذا توضأت والدم منقطع وخرج الوقت في خلال الصلاة
قبل سيلان الدم ثم سال الدم فإنها تتوضأ وتبنى لان وجوب الوضوء بالدم السائل بعد
خروج الوقت ولم يوجد بعده أداء شئ من الصلاة فكان لها أن تتوضأ وتبنى (قال)
وصاحب الرعاف السائل كالمستحاضة فإنه يتوضأ لوقت كل صلاة (قال) وان سال الدم
من أحد المنخرين فتوضأ له ثم سال من المنخر الآخر فعليه الوضوء لان هذا حدث جديد
لم يكن موجودا وقت الطهارة فلم تقع الطهارة له فهو والبول والغائط سواء. وإن كان سال
منهما جميعا فتوضأ لهما ثم انقطع أحدهما فهو على وضوء ما بقي الوقت لان وضوءه وقع لهما
وما بقي بعد انقطاع أحدهما حدث كامل ألا ترى أنه لو لم يكن توضأ في الابتداء الا لواحد كان
يتقدر وضوؤه بالوقت لا جله فكذلك في حكم البقاء وما انقطع صار كأن لم يكن وعلى هذا
حكم صاحب القروح إذا كان البعض سائلا ثم سال من آخر أو كان الكل سائلا فانقطع
السيلان عن البعض والله تعالى أعلم
* (باب صلاة الجمعة) *
(قال) رضي الله عنه اعلم أن الجمعة فريضة بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى
فاسعوا إلى ذكر الله والامر بالسعي إلى الشئ لا يكون الا لوجوبه والامر بترك البيع
المباح لا جله دليل على وجوبه أيضا. والسنة حديث جابر رضي الله عنه قال خطبنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا وتقربوا إلى الله بالأعمال الصالحة
قبل أن تشغلوا وتحببوا إلى الله بالصدقة في السر والعلانية تجبروا وتنصروا
وترزقوا واعلموا أن الله تعالى كتب عليكم الجمعة في يومى هذا في شهري هذا في مقامي
21

هذا فمن تركها تهاونا بها واستخفافا بحقها وله امام جائر أو عادل فلا جمع الله شمله ألا فلا
صلاة له ألا فلا صوم له إلا أن يتوب فان تاب تاب الله عليه وفى حديث ابن عباس وابن
عمر رضي الله عنهم قالا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد منبره يقول لينتهين
أقوام عن ترك الجمعة أو ليختمن الله على قلوبهم وليكونن من الغافلين. والأمة أجمعت على
فرضيتها وإنما اختلفوا في أصل الفرض في الوقت فمن العلماء من يقول أصل الفرض الجمعة
في حق من تلزمه اقامتها وكانت فريضة الجمعة بزوال الشمس في هذا اليوم كفريضة الظهر
في سائر الأيام وهو قول الشافعي وأكثر العلماء على أن أصل فرض الوقت في هذا اليوم
ما هو في سائر الأيام وهو الظهر ولكنه مأمور باسقاط هذا الفرض بالجمعة إذا استجمع
شرائطها لان أصل الفرض في حق كل أحد ما يتمكن من أدائه ولا يتمكن من أداء
الجمعة بنفسه وإنما يتمكن من أداء الظهر ولو جعلنا أصل الفرض الجمعة لكان الظهر خلفا
عن الجمعة عند فواتها وأربع ركعات لا تكون خلفا عن ركعتين فعلمنا ان أصل الفرض
الظهر ولكنه مأمور باسقاط هذا الفرض عن نفسه بأداء الجمعة إذا استجمع شرائطها
فهي تختص بشرائط منها في المصلى ومنها في غيره (قال) أما الشرائط في المصلى لوجوب
الجمعة فالاقامة والحرية والذكورة والصحة لحديث جابر رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة الا مسافر ومملوك وصبي
وامرأة ومريض فمن استغني عنها بلهو أو تجارة استغنى الله عنه والله غنى حميد. والمعنى أن
المسافر تلحقه المشقة بدخول المصر وحضور الجمعة وربما لا يجد أحدا يحفظ رحله وربما
ينقطع عن أصحابه فلدفع الحرج أسقطها الشرع عنه والمملوك مشغول بخدمة المولى فيتضرر
منه المولى بترك خدمته وشهود الجمعة وانتظاره الامام فلدفع الضرر عنه أسقطها الشرع عنه
كما أسقط عنه الجهاد بخلاف الظهر فإنه يتمكن من أدائه حيث هو بنفسه فلا ينقطع عن
خدمة المولى أو ذلك القدر مستثنى عنه من حق المولى إذ ليس فيه ضرر كثير عليه وتحمل
الضرر اليسير لا يدل على تحمل الضرر الكثير (قال) والمرأة كذلك مشغولة بخدمة
الزوج منهية عن الخروج شرعا لما في خروجها إلى مجمع الرجال من الفتنة والمريض يلحقه
الحرج في شهود الجمعة وانتظار الامام. وعلى هذا قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه الأعمى
لا يلزمه شهود الجمعة وان وجد قائدا لأنه عاجز عن السعي بنفسه ويلحقه من الحرج ما يلحق
22

المريض وعندهما إذا وجد قائدا تلزمه لأنه قادر على السعي وإنما لا يهتدى إلى الطريق فهو
كالضال إذا وجد من يهديه إلى الطريق غير أن هذه شرائط الوجوب لا شرائط الأداء
حتى أن المسافر والمملوك والمرأة والمريض إذا شهدوا الجمعة فأدوها جازت لحديث الحسن
رضى الله تعالى عنه كن النساء يجمعن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال لهن لا
تخرجن الا تفلات أي غير متطيبات ولان سقوط فرض السعي عنهم لا لمعنى في الصلاة
بل للحرج والضرر فإذا تحملوا التحقوا في الأداء بغيرهم (قال) فأما الشرائط في غير
المصلى لأداء الجمعة فستة المصر والوقت والخطبة والجماعة والسلطان والإذن العام أما المصر
فهو شرط عندنا وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه ليس بشرط فكل قرية سكنها أربعون من
الرجال لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا تقام بهم لما روى أن أول جمعة جمعت في الاسلام بعد
المدينة جمعت بجواثي وهي قرية من قرى عبد القيس بالبحرين وكتب أبو هريرة إلى عمر
رحمه الله تعالى يسأله عن الجمعة بجواثي فكتب إليه أن جمع بها وحيثما كنت (ولنا) قوله
عليه الصلاة والسلام لا جمعة ولا تشريق الا في مصر جامع وقال على رضى الله تعالى عنه لا
جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى الا في مصر جامع ولان الصحابة حين فتحوا
الأمصار والقرى ما اشتغلوا بنصب المنابر وبناء الجوامع الا في الأمصار والمدن وذلك
اتفاق منهم على أن المصر من شرائط الجمعة وجواثي مصر بالبحرين وتسمية الراوي إياها
بالقرية لا ينفى ما ذكرنا من التأويل قال الله تعالى لتنذر أم القرى ومن حولها ومعنى قول
عمر رضى الله تعالى عنه وحيثما كنت أي مما هو مثل جواثي من الأمصار وظاهر المذهب
في بيان حد المصر الجامع أن يكون فيه سلطان أو قاض لا قامة الحدود وتنفيذ الاحكام. وقد
قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى أن يتمكن كل صانع أن يعيش بصنعته فيه ولا يحتاج فيه
إلى التحول إلى صنعة أخرى وقال ابن شجاع رضى الله تعالى عنه أحسن ما قيل فيه أن أهلها
بحيث لو اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم ذلك حتى احتاجوا إلى بناء مسجد الجمعة
فهذا مصر جامع تقام فيه الجمعة ثم في ظاهر الرواية لا تجب الجمعة الا على من سكن المصر
والأرياف المتصلة بالمصر. وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى ان كل من سمع النداء من أهل
القرى القريبة من المصر فعليه أن يشهدها وهو قول الشافعي رضى الله تعالى عنه لظاهر قوله
تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة الآية وقال مالك رضى الله تعالى عنه من سكن من
23

المصر على ثلاثة أميال أو دونها فعليه أن يشهدها وقال الأوزاعي رضى الله تعالى عنه من كان
يمكنه أن يشهدها ويرجع إلى أهله قبل الليل فعليه أن يشهدها والصحيح ما قلنا إن كل
موضع يسكنه من إذا خرج من المصر مسافرا فوصل إلى ذلك الموضع كان له أن يصلى
صلاة السفر فليس عليه أن يشهدها لان مسكنه ليس من المصر. ألا ترى أن المقيم في
المصر لا يكون مقيما في هذا الموضع. وأما الوقت فمن شرائط الجمعة يعنى به وقت الظهر لما
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث مصعب بن عمير رضى الله تعالى عنه إلى المدينة
قبل هجرته قال له إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة وكتب إلى سعد بن زرارة رحمه
الله تعالى إذا زالت الشمس من اليوم الذي يتجهز فيه اليهود لسبتهم فازدلف إلى الله تعالى
بركعتين والذي روى أن ابن مسعود أقام الجمعة ضحى معناه بالقرب منه ومقصود الراوي
انه ما أخرها بعد الزوال وكان مالك رضي الله عنه يقول تجوز اقامتها في وقت العصر بناء
على مذهبه من تداخل الوقتين وقد بينا فساده (قال) والخطبة من شرائط الجمعة لحديث
ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما إنما قصرت الجمعة لمكان الخطبة ولظاهر قوله تعالى فاسعوا
إلى ذكر الله يعنى الخطبة والامر بالسعي دليل على وجوبها ولان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما صلى الجمعة في عمره بغير خطبة فلو جاز لفعله تعليما للجواز (قال) بعض مشايخنا
الخطبة تقوم مقام ركعتين ولهذا لا تجوز الا بعد دخول الوقت والأصح أنها لا تقوم مقام
شطر الصلاة فان الخطبة لا يستقبل القبلة في أدائها ولا يقطعها الكلام ويعتد بها وان أداها
وهو محدث أو جنب فبه تبين ضعف قوله انها بمنزلة شطر الصلاة (قال) والجماعة من
شرائطها لظاهر قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله ولأنها سميت جمعة وفي هذا الاسم ما
يدل على اعتبار الجماعة فيها. ويختلفون في مقدار العدد فقال أبو حنيفة رضي الله عنه ثلاثة
نفر سوى الامام وقال أبو يوسف رضي الله عنه اثنان سوى الامام لان المثنى في حكم
الجماعة حتى يتقدم الامام عليهما وفى الجماعة معنى الاجتماع وذلك يتحقق بالمثنى وجه قولهما
الاستدلال بقوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وهذا يقتضى
مناديا وذاكرا وهو المؤذن والامام والاثنان يسعون لان قوله فاسعوا لا يتناول الا المثنى ثم
ما دون الثلاث ليس بجمع متفق عليه فان أهل اللغة فصلوا بين التثنية والجمع فالمثنى وإن كان فيه
معنى الجمع من وجه فليس بجمع مطلق واشتراط الجماعة ثابت مطلقا ثم يشترط في الثلاثة أن
24

يكونوا بحيث يصلحون للإمامة في صلاة الجمعة حتى أن نصاب الجمعة لا يتم بالنساء والصبيان
ويتم بالعبيد والمسافرين لأنهم يصلحون للإمامة فيها وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه النصاب
أربعون رجلا من الأحرار المقيمين وهذا فاسد فان مصعب بن عمير أقام الجمعة بالحديبية
مع اثنى عشر رجلا وأسعد بن زرارة أقامها بتسعة عشر رجلا ولما نفر الناس في اليوم الذي
دخل فيه العير المدينة كما قال الله تعالى وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها بقي رسول الله
صلى الله عليه وسلم مع اثنى عشر رجلا فصلى بهم الجمعة ولا معنى لاشتراط الإقامة والحرية
فيهم لان درجة الإمامة أعلى فإذا لم يشترط هذا في الصلاحية للإمامة فكيف يشترط
فيمن يكون مؤتما ولا وجه لمنع هذا فقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة بمكة وهو
كان مسافرا حتى قال لأهل مكة أتموا يا أهل مكة صلاتكم فانا قوم سفر (قال)
والسلطان من شرائط الجمعة عندنا خلافا للشافعي رضي الله عنه وقاسه بأداء سائر المكتوبات
فالسلطان والرعية في ذلك سواء (ولنا) ما روينا من حديث جابر رضي الله عنه وله امام
جائر أو عادل فقد شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم الامام لا لحاقه الوعيد بتارك الجمعة
وفى الأثر أربع إلى الولاة منها الجمعة ولان الناس يتركون الجماعات لإقامة الجمعة ولو لم
يشترط فيها السلطان أدى إلى الفتنة لأنه يسبق بعض الناس إلى الجامع فيقيمونها لغرض
لهم وتفوت على غيرهم وفيه من الفتنة مالا يخفى فيجعل مفوضا إلى الامام الذي فوض
إليه أحوال الناس والعدل بينهم لأنه أقرب إلى تسكين الفتنة. والإذن العام من شرائطها
حتى أن السلطان إذا صلى بحشمه في قصره فان فتح باب القصر وأذن للناس اذنا عاما
جازت صلاته شهدها العامة أو لم يشهدوها وإن لم يفتح باب قصره ولم يأذن لهم في الدخول
لا يجزئه لان اشتراط السلطان للتحرز عن تفويتها على الناس ولا يحصل ذلك الا بالإذن العام
وكما يحتاج العامة إلى السلطان في اقامتها فالسلطان يحتاج إليهم بان يأذن لهم اذنا عاما
بهذا يعتدل النظر من الجانبين (قال) فان صلى الامام باهل المصر الظهر يوم الجمعة أجزأهم
وقد أساؤا في ترك الجمعة أما الجواز فلأنهم أدوا أصل فرض الوقت ولو لم نجوزها لهم
أمرناهم بإعادة الظهر بعد خروج الوقت والامر بإعادة الظهر عند تفويتها في الوقت وما
فوتوها وأما الإساءة فلتركهم أداء الجمعة بعد ما استجمعوا شرائطها وفي حديث ابن عمر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع على قلبه (قال)
25

ويخطب الامام يوم الجمعة قائما لما روى أن ابن مسعود رضي الله عنه لما سئل عن هذا فقال
أليس تتلو قوله تعالى وتركوك قائما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائما حين
انفض عنه الناس بدخول العير المدينة وهكذا جرى التوارث من لدن رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى يومنا هذا والذي روى عن عثمان رضى الله تعالى عنه أنه كان يخطب قاعدا
إنما فعل ذلك لمرض أو كبر في آخر عمره وفى حديث جابر بن سمرة رضى الله تعالى عنه
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما خطبة واحدة فلما أسن جعلها خطبتين
يجلس بينهما جلسة ففي هذا دليل انه يجوز الاكتفاء بالخطبة الواحدة بخلاف ما يقوله
الشافعي رضى الله تعالى عنه وفى هذا دليل على أن الجلسة بين الخطبتين للاستراحة
وليست بشرط عندنا خلافا للشافعي رضى الله تعالى عنه انها شرط (قال) امام خطب
جنبا ثم أغتسل فصلى بهم أو خطب محدثا ثم توضأ فصلى بهم أجزأهم عندنا وعند أبي
يوسف رضى الله تعالى عنه لا يجزئهم وهو قول الشافعي رضى الله تعالى عنه لان الخطبة
بمنزلة شطر الصلاة حتى لا يجوز أداؤها الا في وقت الصلاة وفى الأثر إنما قصرت
الجمعة لمكان الخطبة فكما تشترط الطهارة في الصلاة فكذلك في الخطبة (ولنا) ان الخطبة
ذكر والمحدث والجنب لا يمنعان من ذكر الله ما خلا قراءة القرآن في حق الجنب
وليست الخطبة نظير الصلاة ولا بمنزلة شطرها بدليل أنها تؤدى غير مستقبل بها القبلة ولا
يفسدها الكلام وتأويل الأثر انها في حكم الثواب كشطر الصلاة لا في اشتراط شرائط
الصلاة فيها وقد ذكرنا في باب الأذان انه يعاد أذان الجنب ولم يذكر إعادة خطبة الجنب
ولا فرق بينهما في الحقيقة غير أن الأذان لا يتعلق به حكم الجواز فذكر استحباب الإعادة
والخطبة يتعلق بها حكم الجواز فذكر الجواز هنا. واستحباب الإعادة هاهنا كهو في
الأذان (قال) وينبغي للامام أن يقرأ سورة في خطبته لقوله تعالى وإذا قرئ القرآن
فاستمعوا له قيل الآية في الخطبة سماها قرآنا لما فيها من قراءة القرآن وكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يبلغهم ما أنزل الله تعالى في خطبته وذكر السورة لأنها أدل على المعنى
والاعجاز ولو اكتفى بقراءة آية طويلة جاز أيضا لان فرض القراءة في الصلاة يتأدى بهذا
فسنة القراءة في الخطبة أولى (قال) وإذا أحدث الامام يوم الجمعة بعد الخطبة وأم رجلا
يصلى بالناس فإن كان الرجل شهد الخطبة جاز ذلك لأنه قام مقام الأول وهو مستجمع
26

شرائط افتتاح الجمعة ويستوى إن كان الامام مأذونا في الاستخلاف أولم يكن بخلاف
القاضي فإنه إذا لم يكن مأذونا في الاستخلاف لا يكون له أن يستخلف لان القضاء غير
مؤقت لا يفوت بتأخيره عند العذر والجمعة مؤقتة تفوت بتأخيرها عند العذر إذا لم
يستخلف ومن ولاه لما أمره بذلك مع علمه انه قد يعرض له عارض يمنعه من أدائها في
الوقت فقد صار راضيا باستخلافه. وإن لم يكن المأمور شهد الخطبة لم يجزله أن يصلى
بهم الجمعة لان الخطبة من شرائط افتتاح الجمعة وهو المفتتح لها فإذا لم يستجمع شرائطها
لم يجزله افتتاحها كالأول إذا لم يخطب وهذا بخلاف ما لو افتتح الأول الصلاة ثم سبقه
الحدث فاستخلف من لم يشهد الخطبة أجزأهم لان هناك الثاني بان وليس بمفتتح والخطبة
من شرائط الافتتاح وقد وجد ذلك في حق الأصيل فيتعين اعتباره في حق التبع * فان
قيل لو أفسد الباني صلاته ثم افتتح بهم الجمعة جاز أيضا وهو مفتتح في هذه الحالة * قلنا نعم
ولكنه لما صح شروعه في الجمعة وصار خليفة الأول التحق بمن شهد الخطبة حكما فلهذا
جاز له افتتاحها بعد الافساد (قال) وإن كان المأمور جنبا وقد شهد الخطبة فلما أمره
الامام بذلك أمر هو رجلا طاهرا قد شهد الخطبة فصلى بهم أجزأه لان استخلاف الامام
إياه يثبت له ولاية إقامة الجمعة بدليل أنه لو اغتسل وصلى بهم أجزأهم فيفيده ولاية
الاستخلاف أيضا بخلاف ما إذا كان المأمور الأول لم يشهد الخطبة فأمر غيره ممن
شهد الخطبة لم يجزله أن يصلى بهم الجمعة لان أمر الامام إياه لم يفده ولاية إقامة الجمعة
بنفسه فلا يفيده ولاية الاستخلاف الذي هو تبع له وكذلك أن كان المأمور الأول صبيا
أو معتوها أو كافرا أو امرأة فأمر غيره بذلك لم يجز له إقامة الجمعة بأمره لأنه لم يفده
ولاية اقامتها بنفسه وولاية الاستخلاف تثبت تبعا لثبوت ولاية الإقامة بنفسه (قال)
وإذا أحدث الامام قبل افتتاح الصلاة فلم يأمر أحدا فتقدم صاحب الشرط اماما أو
القاضي أو أمر رجلا قد شهد الخطبة فتقدم وصلى بهم أجزأهم لان إقامة الجمعة من أمور العامة
وقد فوض إلى القاضي وصاحب الشرط ما هو من أمور العامة فنزلا فيه منزلة الامام في الإمامة
والاستخلاف (قال) ولا ينبغي للامام أن يتكلم في خطبته بشئ من حديث الناس لأنه
ذكر منظوم والتكلم في خلاله يذهب بهاءه فلا يشتغل به كما في خلال الأذان والذي
روى أن عثمان رضي الله عنه كان يسأله الناس عن سعر الشعير وعن سعر الزيت فقد كان
27

ذلك قبل الشروع في الخطبة لا في خلالها والذي روى أن عمر رضي الله عنه قال لعثمان
رضي الله عنه حين دخل وهو يخطب أية ساعة المجئ هذه الحديث فقد كان ذلك منه أمرا
بالمعروف والخطبة كلها وعظ وأمر بمعروف والذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يخطب إذ دخل أعرابي وقال هلكت المواشي وتقطعت السبل وخشينا القحط فاستسقى
رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل كان ذلك قبل نزول قوله تعالى وإذا قرئ القرآن الآية
وقيل كان ملكا مقيضا هبط في الجمعتين ليذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء الاستسقاء
ودعاء الفرج من خوف الغرق والخطبة فيها الدعاء (قال) ولا ينبغي للقوم ان يتكلموا
والامام يخطب لقوله تعالى فاستمعوا له وانصتوا الآية ولأنه في الخطبة يخاطبهم بالوعظ
فإذا اشتغلوا بالكلام لم يفد وعظه إياهم شيئا وفى حديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال من قال لصاحبه والامام يخطب أنصت فقد لغا ومن لغا فلا صلاة له
وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة في خطبته فقال أبو الدرداء لأبي بن كعب رحمهما
الله تعالى متى أنزلت هذه السورة فلم يجبه فلما فرغ من صلاته قال اما ان حظك من
صلاتك ما لغوت فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكوه فقال عليه الصلاة والسلام
صدق أبى. وسمع ابن عمر رجلا يقول لصاحبه يوم الجمعة والامام يخطب متى تخرج القافلة
فقال صاحبه غدا فلما فرغ ابن عمر رضى الله تعالى عنهما من صلاته قال للمجيب أما انك فقد
لغوت وأما صاحبك هذا فحمار. فإن كان بحيث لا يسمع الخطبة فظاهر الجواب أنه يسكت
لان المأمور به شيئان الاستماع والانصات فمن قرب من الامام فقد قدر عليهما ومن بعد عنه
فقد قدر على أحدهما وهو الانصات فيأتي بما قدر عليه وكان محمد بن سلمة رضى الله تعالى عنه
يختار السكوت ونصير بن يحيى رضى الله تعالى عنه يختار قراءة القرآن في نفسه والحكم بن زهير
كان ينظر في الفقه وهو من كبار أصحابنا وكان مولعا بالتدريس قال الحسن بن زياد رضى الله
تعالى عنه ما دخل العراق أحد أفقه من الحكم بن زهير قلت فهل يردون السلام ويشمتون
العاطس ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويقرؤن القرآن قال أحب إلي أن يستمعوا فقد
أظرف في هذا الجواب ولم يقل لا ولكنه ذكر ما هو المأمور به وهو الاستماع والانصات
ولم يذكر ان العاطس هل يحمد الله تعالى والصحيح أنه يقوله في نفسه فذلك لا يشغله عن
الاستماع وأما التشميت ورد السلام فلا يأتي بهما عندنا خلافا للشافعي رضى الله تعالى عنه
28

وهو رواية عن أبي يوسف رضى الله تعالى عنه لان رد السلام فرض والاستماع سنة ولكنا
نقول رد السلام إنما يكون فريضة إذا كان السلام تحية وفى حالة الخطبة المسلم ممنوع من
السلام فلا يكون جوابه فرضا كما في الصلاة ثم ما طلب أبو الدرداء من أبي بن كعب
رضى الله تعالى عنهما من تاريخ المنزل فقد كان فرضا عليهم ليعرفوا آية الناسخ من المنسوخ
وقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من اللغو في حالة الخطبة فكذلك رد السلام. وأما
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى ان الخطيب
إذا قال يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه ينبغي لهم أن يصلوا عليه وهو اختيار الطحاوي لأنه
يبلغهم أمرا فعليهم الامتثال. وجه ظاهر الرواية أن حالة الخطبة كحالة الصلاة في المنع من
الكلام فكما أن الامام لو قرأ هذه الآية في صلاته لم يشتغل القوم بالصلاة عليه فكذلك إذا
قرأها في خطبته (قال) الامام إذا خرج فخروجه يقطع الصلاة حتى يكره افتتاحها بعد
خروج الامام وينبغي لمن كان فيها أن يفرغ منها يعنى يسلم على رأس الركعتين لحديث ابن
مسعود وابن عباس رضى الله تعالى عنهم موقوفا عليهما ومرفوعا إذا خرج الامام فلا صلاة
ولا كلام وقال عقبة بن عامر رضى الله تعالى عنهما الصلاة في حالة الخطبة خطيئة ولان
الاستماع واجب والصلاة تشغله عنه ولا يجوز الاشتغال بالتطوع وترك الواجب وقال
الشافعي رضى الله تعالى عنه يأتي بالسنة وتحية المسجد إذا دخل والامام يخطب لحديث
سليك الغطفاني أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم أركعت ركعتين فقال لا فقال قم فاركعهما ودخل أبو الدرداء
المسجد ومروان يخطب فركع ركعتين ثم قال لا أتركهما بعد ما سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم بقول فيهما ما قال. وتأويل حديث سليك أنه كان قبل وجوب الاستماع ونزول
قوله وإذا قرئ القرآن وقيل لما دخل وعليه هيئة رثة ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخطبة لأجله وانتظره حتى قام وصلى ركعتين والمراد أن يرى الناس سوء حاله فيواسوه
بشئ وفي زماننا الخطيب لا يترك الخطبة لأجل الداخل فلا يشتغل هو بالصلاة وقال
أبو حنيفة رضي الله عنه يكره الكلام بعد خروج الامام قبل أن يأخذ في الخطبة وبعد
الفراغ من الخطبة قبل الاشتغال بالصلاة كما تكره الصلاة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما
الله تعالى تكره الصلاة في هذين الوقتين ولا يكره الكلام لما جاء في الحديث خروج الامام
29

يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام ولان الصلاة تمتد وربما لا يمكنه قطعها حين يأخذ
الامام في الخطبة والكلام يمكن قطعه متى شاء والنهى عنه لوجوب استماع الخطبة فيقتصر
على حالة الخطبة وأبو حنيفة رضي الله عنه استدل بما روى عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المساجد يكتبون الناس الأول
فالأول الحديث إلى أن قال فإذا خرج الامام طووا الصحف وجاؤا يستمعون الذكر
وإنما يطوون الصحف إذا طوي الناس الكلام وأما إذا كانوا يتكلمون فهم يكتبونه عليهم
قال الله تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ولان الامام إذا صعد المنبر ليخطب
فكان مستعدا لها فيجعل كالشارع فيها من وجه ألا ترى ان في كراهة الصلاة جعل
الاستعداد لها كالشروع فيها فكذلك في كراهة الكلام ووجوب الانصات غير مقصور
على حال تشاغله بالخطبة حتى يكره الكلام في حالة الجلسة بين الخطبتين (قال) وينبغي
للرجل ان يستقبل الخطيب بوجهه إذا أخذ في الخطبة وهكذا نقل عن أبي حنيفة رضي الله عنه
أنه كان يفعله لان الخطيب يعظهم ولهذا استقبلهم بوجهه وترك استقبال القبلة
فينبغي لهم أن يستقبلوه بوجوههم ليظهر فائدة الوعظ وتعظيم الذكر كما في غير هذا من
مجالس الوعظ ولكن الرسم الآن أن القوم يستقبلون القبلة ولم يؤمروا بترك هذا لما يلحقهم
من الحرج في تسوية الصفوف بعد فراغه لكثرة الزحام إذا استقبلوه بوجوههم في حالة
الخطبة (قال) وإذا خطب بتسبيحة واحدة أو بتهليل أو بتحميد أجزأه في قول أبي حنيفة
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يجزئه حتى يكون كلاما يسمى خطبة وقال
الشافعي رضي الله عنه لا يجزئه حتى يخطب خطبتين يقرأ فيهما شيئا من القرآن ويجلس بينهما
جلسة واستدل بالتوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا والتوارث
كالتواتر ولكنا قد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم في الابتداء كان يخطب خطبة واحدة فلما
أسن جعلها خطبتين وجلس بينهما فدل على أنه أنما فعل ذلك ليكون أروح عليه لا لأنه شرط
وأبو يوسف ومحمد قالا الشرط الخطبة ومن قال الحمد لله أو قال لا إله إلا الله فهذه الكلمة
لا تسمى خطبة وقائلها لا يسمى خطيبا فما لم يأت بما يسمى خطبة لا يتم شرط الجمعة وأبو
حنيفة رحمه الله تعالى استدل بما روى أن عثمان رضي الله عنه لما استخلف صعد المنبر فقال
الحمد الله فارتج عليه فقال إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يعدان لهذا المكان مقالا
30

أو قال يرتادان أنتم إلى امام فعال أحوج منكم إلى امام قوال وستأتي الخطب الله أكبر
ما شاء الله فعل ونزل وصلى الجمعة ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فدل انه يكتفى بهذا القدر.
ولما أتى الحجاج العراق صعد المنبر فقال الحمد لله فارتج عليه فقال يا أيها الناس قد هالني
كثرة رؤوسكم واحداقكم إلي بأعينكم واني لا أجمع عليكم بين الشح والعي ان لي نعما في
بنى فلان فإذا قضيتم الصلاة فانتهبوها ونزل وصلى معه من بقي من الصحابة كابن عمر وأنس
ابن مالك رضي الله عنهما ولان المنصوص عليه الذكر قال الله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله
وقد بينا أن الذكر بها ثبت بالنص والذكر يحصل بقوله الحمد لله فما زاد عليه شرط الكمال
لا شرط الجواز وهو نظير ما قال أبو حنيفة ان فرض القراءة يتأدى بآية واحدة ثم
قوله الحمد لله كلمة وجيزة تحتها معان جمة تشتمل على قدر الخطبة وزيادة والمتكلم بقوله الحمد
لله كالذاكر لذلك كله فيكون ذلك خطبة لكنها وجيزة وقصر الخطبة مندوب إليه جاء
عن عمر رضي الله عنه قال طولوا الصلاة وقصروا الخطبة وقال ابن مسعود رضي الله عنه
طول الصلاة وقصر الخطبة من فقه الرجل الا ان الشرط عند أبي حنيفة رضي الله عنه
أن يكون قوله الحمد لله على قصد الخطبة حتى إذا عطس وقال الحمد لله يريد به الحمد على
عطاسه لا ينوب عن الخطبة هكذا نقل عنه مفسرا في الأمالي (قال) والأذان إذا
صعد الامام المنبر فإذا نزل أقام الصلاة بعد فراغه من الخطبة هكذا كان على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده إلى أن أحدث الناس الأذان على الزوراء على
عهد عثمان رضي الله عنه وقد بينا ذلك في باب الأذان (قال) رجل ذكر في الجمعة ان عليه
الفجر فهذا على ثلاثة أوجه. أحدها انه لا يخاف فوت الجمعة لو اشتغل بالفجر فعليه أن
يقطع الجمعة ويبدأ بالفجر ثم بالجمعة لمراعاة الترتيب فإنه واجب عندنا. والثاني ان يخاف
فوت الوقت لو اشتغل بالفجر فهذا يتم الجمعة لان الترتيب عنه ساقط بضيق الوقت. والثالث
ان يخاف فوت الجمعة دون الوقت لو اشتغل بالفجر فهذا في قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله تعالى نظير الفصل الأول يلزمه مراعاة الترتيب وعند محمد رحمه الله تعالى
نظير الفصل الثاني لان شروعه في الجمعة قد صح وهو يخاف فوتها لو اشتغل بالفجر فلا
يلزمه مراعاة الترتيب كما لو تذكر العشاء في خلال الفجر وهو يخاف طلوع الشمس لو
اشتغل بالعشاء بل أولى فان هناك لا يفوته أصل الصلاة إنما يفوته الأداء في الوقت وههنا
31

يفوته أصل الصلاة وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا الجمعة في هذا اليوم
كالظهر في سائر الأيام فكما أنه لو تذكر الفجر في خلال الظهر وهو يخاف فوت الجماعة
دون الوقت يلزمه مراعاة الترتيب فكذلك ههنا وهذا لان أصل فرض الوقت لا يفوته
وقد بينا أنها كالظهر وهو يتمكن من أدائها في الوقت مع مراعاة الترتيب بخلاف ما إذا كان
يخاف فوت الوقت (قال) رجل زحمه الناس يوم الجمعة فلم يستطع أن يسجد فوقف
حتى سلم الامام فهذا واللاحق سواء يمضى في صلاته بغير قراءة لأنه أدرك أولها فكان
مقتديا في الاتمام ولا قراءة عليه كالذي نام أو سبقه الحدث فإن لم يقم في الركعة الثانية مقدار
قراءة الإمام ولكنه كما استتم قائما ركع أجزأه لان الركن أصل القيام في كل ركعة
لا امتداده ألا ترى أن الامام في سائر الصلوات لو لم يطول القيام في الشفع الثاني أجزأه لأنه
لا قراءة فيهما فهذا مثله (قال) ولا يجزئه التيمم في الجمعة وان خاف فوتها لأنها تفوت
إلى خلف وهو الظهر وقد بينا هذا في باب التيمم (قال) مريض لا يستطيع أن يشهد
الجمعة فصلى الظهر في بيته بأذان وإقامة فهو حسن لان هذا اليوم في حقه كسائر الأيام إذ
ليس عليه شهود الجمعة فيه (قال) ومن صلى الظهر لمرض أو سفر أو بغير عذر ثم صلى
الجمعة مع الامام فالجمعة هي الفريضة عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى إن كان مريضا أو
مسافرا ففرضه الظهر وإن لم يكن له عذر ففرضه الجمعة ولا يجزئه الظهر قبل فراغ الامام
من الجمعة فالكلام في فصلين أحدهما في المعذور وجه قول زفر رحمه الله تعالى ان هذا اليوم
في حقه كسائر الأيام وفى سائر الأيام لو صلي الظهر في بيته ثم أدرك الجماعة كان فرضه ما أدى
في بيته فكذلك هنا ولكنا نقول الجمعة أقوى من الظهر ولا يظهر الضعيف في مقابلة القوى
وإنما فارق المريض الصحيح في الترخص بترك السعي إلى الجمعة فإذا شهدها فهو والصحيح
سواء فيكون فرضه الجمعة والفصل الثاني في الصحيح المقيم إذا صلى الظهر في بيته ولم يشهد الجمعة
أجزأه عندنا وقد أساء وقال زفر رحمه الله تعالى لا يجزئه الظهر الا بعد فراغ الامام من الجمعة
وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يجزئه الظهر الا بعد خروج الوقت لان من أصل زفر
والشافعي أن الفرض في حقه الجمعة والظهر بدل فإنه مأمور بالسعي إلى الجمعة وترك الاشتغال
بالظهر ما لم يتحقق فوت الجمعة وهذا صورة الأصل والبدل فإذا أدى البدل مع قدرته على
الأصل لا يجزئه وعند زفر رحمه الله تعالى فوات الأصل بفراغ الامام لأنه يشترط السلطان
32

لا قامة الجمعة وعند الشافعي رحمه الله تعالى فوات الأصل بخروج الوقت لان السلطان عنده
ليس بشرط لإقامة الجمعة فأما عندنا فاصل فرض الوقت الظهر قال عليه الصلاة والسلام
وأول وقت الظهر حين تزول الشمس ولم يفصل بين هذا اليوم وغيره ولأنه ينوى القضاء في
الظهر إذا أداه بعد خروج الوقت فلو لم يكن أصل فرض الوقت في حقه الظهر لما احتاج
إلى نية القضاء بعد فوات الوقت فإذا ثبت أن أصل الفرض هو الظهر وقد أداه في وقته
فيجزئ عنه. وقد روى عن محمد رحمه الله تعالى قال لا أدرى ما أصل فرض الوقت في
هذا اليوم ولكن يسقط الفرض عنه بأداء الظهر أو الجمعة يريد به ان أصل الفرض أحدهما
لا بعينه ويتعين بفعله (قال) ولو صلى الظهر ثم سعى إلى الجمعة فوجد الامام قد فرغ منها
فإن كان خروجه من بيته بعد فراغ الامام منها فليس عليه إعادة الظهر وإن كان قبل فراغ
الامام منها فعليه إعادة الظهر عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
تعالى ليس عليه إعادة الظهر ما لم يفتتح الجمعة مع الامام. وجه قولهما انه أدى فرض الوقت
بأداء الظهر فلا ينتقض الا بما هو أقوى منه وهو الجمعة فأما مجرد السعي فليس بأقوى مما
أدى ولا يجعل السعي إليها كمباشرتها في ارتفاض الظهر به كالقارن إذا وقف بعرفات قبل أن
يطوف لعمرته يصير رافضا لها ولو سعى إلى عرفات لا يصير به رافضا لعمرته. وجه قوله ان
السعي من خصائص الجمعة لأنه أمر به فيها دون سائر الصلوات فكان الاشتغال بما هو
من خصائصها كالاشتغال بها من وجه فيصير به رافضا للظهر ولكن السعي إليها إنما يتحقق
قبل فراغ الامام منها لا بعده وفى مسألة القارن في القياس ترتفض عمرته بالسعي إلى عرفات
وفى الاستحسان لا ترتفض لان السعي هناك منهى عنه قبل طواف العمرة فضعف في
نفسه وههنا مأمور به فكان قويا في نفسه (قال) وإذا لم يفرغ الامام من الجمعة حتى
دخل وقت العصر فسدت الجمعة لان الوقت من شرائطها فإذا فات قبل الفراغ منها كان
بمنزلة فواته قبل الشروع فيها لان شرائط العبادة مستدامة من أولها إلى آخرها كالطهارة
للصلاة فان قهقه لم يلزمه وضوء وهذا قول محمد رضي الله عنه وهو احدى الروايتين عن أبي
حنيفة رحمه الله لان التحريمة انحلت بفساد الجمعة فأما عند أبي يوسف وهو احدى الروايتين
عن أبي حنيفة رحمه الله فلم تنحل التحريمة بفساد الفريضة فإذا قهقه فعليه الوضوء لمصادفة القهقهة
حرمة الصلاة (قال) وإذا فزع الناس فذهبوا بعد ما خطب الامام لم يصل الجمعة الا
33

أن يبقى معه ثلاثة رجال سواء لان الجماعة من شرائط افتتاح الجمعة. وقد بينا اختلافهم
في مقدارها. وان بقي معه ثلاثة من العبيد أو المسافرين يصلى بهم الجمعة لأنهم يصلحون
للإمامة فيها بخلاف ما إذا بقي ثلاثة من النساء أو الصبيان وإن كان صلى بالناس ركعة ثم ذهبوا
أتم صلاته جمعة عندنا (وقال) زفر رحمه الله تعالى يستقبل الظهر إذا ذهبوا قبل أن يقعد
مقدار التشهد لان الجماعة شرط الجمعة كالوقت ولكنا نقول الجماعة شرط افتتاح الجمعة
وقد وجد ذلك حتى صلى بهم ركعة فكان له أن يتمها جمعة بخلاف الوقت فإنه شرط الأداء
لا شرط الافتتاح وتمام الأداء بالفراغ من الصلاة. ألا ترى أن المسبوق إذا أدرك ركعة
مع الامام قام بعد فراغه فأتم الجمعة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك
ركعة من الجمعة مع الامام فقد أدرك ومثله لو خرج الوقت قبل فراغه من قضاء الركعة
الثانية فسدت به جمعته فاتضح الفرق ولو ذهبوا بعد ما كبر الامام وكبروا معه قبل تقييد
الركعة بالسجدة فعلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه يستقبل الظهر وعندهما يتمها جمعة لان
الافتتاح بالتكبير يحصل وقد كان شرط الجماعة موجودا عنده وقياسا بالخطبة فان الامام
بعد ما كبر لو سبقه الحدث فاستخلف من لم يشهد الخطبة أتم الجمعة وكان استخلافه إياه
بعد التكبير كاستخلافه بعد أداء ركعة فهذا مثله. وأبو حنيفة رحمه الله يقول الجماعة شرط
صلاة الجمعة ولا يصير مصليا ما لم يقيد الركعة بالسجدة فكان ذهاب الجماعة قبل تقييدها
كذهابهم قبل التكبير ثم الجماعة شرط الافتتاح وما لم يقيد الركعة بالسجدة فهو مفتتح
لكل ركن بخلاف ما بعد تقييد الركعة بالسجدة فإنه معيد للأركان لا مفتتح وليس
كالخطبة فان الذي يستخلفه هناك بان على صلاته وشرط الخطبة موجود في حق الأصل
وههنا الامام أصل في افتتاح الأركان فلا بد من وجود شرط الجماعة عند افتتاح كل ركن
(قال) رجل صلى الجمعة بالناس بغير إذن الإمام أو خليفته أو صاحب الشرط أو
القاضي لم يجزئهم لما بينا أن السلطان شرط لإقامتها وقد عدم ولم يذكر أنه لو مات من يصلى
الجمعة بالناس فاجتمعوا على رجل فصلى بهم الجمعة هل يجزئهم والصحيح أنه يجزئهم فقد
ذكر ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى أنه لو مات عامل إفريقية فاجتمع الناس على رجل
فصلى بهم الجمعة أجزأهم لان عثمان رحمه الله تعالى لما حصر اجتمع الناس على علي رضي الله عنه
فصلى بهم الجمعة ولان الخليفة إنما يأمر بذلك نظرا منه لهم فإذا نظروا لأنفسهم
34

واتفقوا عليه كان ذلك بمنزلة أمر الخليفة إياه (قال) ومن صلى الجمعة في الطاقات أو في
السدة أو في دار الصيارفة أجزأه إذا كانت الصفوف متصلة لان اتصال الصفوف يجعل هذا
الموضع في حكم المسجد في صحة الاقتداء بالامام بدليل سائر الصلوات والاصطفاف بين
الأسطوانتين غير مكروه لأنه صف في حق كل فريق وإن لم يكن طويلا وتخلل الأسطوانة
بين الصف كتخلل متاع موضوع أو كفرجة بين رجلين وذلك لا يمنع صحة الاقتداء ولا
يوجب الكراهة (قال) ومن أدرك الامام في التشهد في الجمعة أوفي سجدتي السهو
فاقتدى به فقد أدركها ويصليها ركعتين في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال
محمد رحمه الله تعالى يصلى أربعا لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة من
الجمعة مع الامام فقد أدرك وان أدركهم جلوسا صلى أربعا. وهما استدلا بقوله صلى الله
عليه وسلم ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا وقد فاته ركعتان ثم هو بادراك التشهد مدرك
للجمعة بدليل أنه ينويها دون الظهر حتى لو نوى الظهر لم يصح اقتداؤه به ثم الفرض
بالاقتداء تارة يتعين إلى الزيادة كما في حق المسافر يقتدى بالمقيم وتارة إلى النقصان كما في
حق الجمعة ثم في اقتداء المسافر بالمقيم لا فرق بين الركعة وما دونها في تعين الفرض به
فكذا هنا وتأويل الحديث وإذا أدركهم جلوسا قد سلموا والقياس ما قالا إلا أن محمدا رحمه
الله تعالى احتاط وقال يصلى أربعا احتياطا وذلك جمعته ولهذا ألزمه القراءة في كل ركعة
وكذلك تلزمه القعدة الأولى على ما ذكره الطحاوي عنه كما هو لازم للامام وفى رواية
المعلى عنه لا تلزمه القعدة الأولى لأنه ظهر من وجه فلا تكون القعدة الأولى فيه واجبة
وهذا الاحتياط لا معنى له فإنه إن كان ظهرا فلا يمكنه ان يبنيها على تحريمة عقدها للجمعة
وإن كان جمعة فلا تكون الجمعة أربع ركعات (قال) امام خطب يوم الجمعة فلما فرغ منها
قدم أمير آخر يصلى فان صلى القادم بخطبة الأولى صلى الظهر لان الخطبة من شرائط افتتاح
الجمعة وهو غير موجود في حقه وان خطب خطبة أخرى صلى ركعتين لاستجماع شرائط
الجمعة وإن كان صلى الأول الجمعة بالناس فإن لم يعلم بقدوم الثاني أجزأهم لأنه لا ينعزل ما لم
يعلم بقدوم الثاني وان علم به لم يجزئهم إلا أن يكون الثاني امر بإقامتها فحينئذ يجزئهم لأنه
مستجمع لشرائطها وقد قيل لا يجزئهم لان الثاني لما لم يملك اقامتها لعدم شهود الخطبة لم يصح
أمره الأول بها وقد بينا هذا فيما سبق (قال) ويكره أن يصلى الظهر يوم الجمعة في المصر
35

جماعة في سجن أو في غير سجن هكذا روى عن علي رضي الله عنه ولان الناس أغلقوا أبواب
المساجد في وقت الظهر يوم الجمعة في الأمصار فدل أنه لا يصلى جماعة فيها ولان المأمور به
في حق من يسكن المصر في هذا الوقت شيئان ترك الجماعة وشهود الجماعة وأصحاب السجن
قدروا على أحدهما وهو ترك الجماعة فيأتون بذلك ولو جوزنا للمعذور إقامة الظهر بالجماعة
في المصر ربما يقتدى بهم غير المعذور وفيه تقليل الناس في الجامع وهذا بخلاف القرى فإنه
ليس على من يسكنها شهود الجمعة فكان هذا اليوم في حقهم كسائر الأيام (قال) والخطبة
يوم الجمعة قبل الصلاة هكذا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بينا انها من شرائط
الجمعة (قال) ويجهر بالقراءة في صلاة الجمعة به جرى التوارث وهكذا نقل عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى حفظ عنه أصحابه ما قرأ فيها ونقلوه قال أبو هريرة رضي الله عنه
قرأ في الركعة الأولى سورة الجمعة وفى الثانية المنافقين وقال النعمان بن بشير رحمه
الله تعالى قرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفى الثانية هل أتاك حديث الغاشية
(قال) ومن أدرك الامام بعد ما رفع رأسه من الركوع فأحدث الامام وقدمه سجد بهم
السجدتين ولم يحتسب بهما من صلاته لأنه خليفة الأول فيأتي بما كان يأتي الأول إلا أن
شرط الاحتساب بهما لم يوجد في حقه وهو تقدم الركوع * فان قيل فإذا لم يحتسب بهما
كان تطوعا في حقه فكيف يجوز اقتداء القوم به وهم مفترضون * قلنا لا كذلك بل هما
فرض في حقه حتى لو تركهما لم تجز صلاته ولكنه لا يحتسب بهما لانعدام شرط الاحتساب
في حقه (قال) وإذا أمر الامام مسافرا أو عبدا يقيم الجمعة بالناس جاز ذلك إلا عند زفر
رحمه الله تعالى وقد بينا هذا (قال) وما قرأ من القرآن في الجمعة فهو حسن كما في سائر
الصلوات إلا أنه لا يوقت لذلك شيئا لأنه يؤدى إلي هجر ما سوى ما وقته وليس شئ من
القرآن مهجورا إلا أن يتبرك بقراءة سورة ثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها
فيها فيقتدى به (قال) وإذا قام الامام من الركعة الثانية في الجمعة ولم يقعد فإنه يعود ويقعد
لأنها قعدة الختم في هذه الصلاة فيعود إليها كما في سائر الصلوات والجمعة في حق المقيم
كالظهر في حق المسافر (قال) وللرجل ان يحتبي في يوم الجمعة في المسجد ان شاء لان
قعوده لانتظار الصلاة فيقعد كما شاء وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم في التطوعات
في بيته كان يقعد محتبيا فإذا جاز ذلك في الصلاة ففي حالة انتظارها أولى والله تعالى أعلم
36

* (باب صلاة العيدين) *
الأصل في العيدين حديث أنس رضي الله عنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
ولهم يومان يلعبون فيهما فقال قد أبدلكم الله سبحانه وتعالى بهما خيرا منهما الفطر والأضحى
واشتبه المذهب في صلاة العيد انها واجبة أم سنة فالمذكور في الجامع الصغير أنها سنة
لأنه قال في العيدين يجتمعان في يوم واحد فالأولى منهما سنة وروى الحسن عن أبي حنيفة
رحمهما الله تعالى أنه تجب صلاة العيد على من تجب عليه صلاة الجمعة وقال في الأصل
لا يصلى التطوع في الجماعة ما خلا قيام رمضان وكسوف الشمس فهو دليل على أن صلاة
العيد واجبة والأظهر أنها سنة ولكنها من معالم الدين أخذها هدى وتركها ضلالة وإنما
يكون الخروج في العيدين على أهل الأمصار دون أهل القرى والسواد لما روينا لا جمعة
ولا تشريق الا في مصر جامع والمراد بالتشريق صلاة العيد على ما جاء في الحديث لا ذبح
الا بعد التشريق * والحاصل أنه يشترط لصلاة العيد ما يشترط لصلاة الجمعة الا الخطبة
فإنها من شرائط الجمعة وليست من شرائط العيد ولهذا كانت الخطبة في الجمعة قبل
الصلاة وفى العيد بعدها لأنها خطبة تذكير وتعليم لما يحتاج إليه في الوقت فلم تكن من
شرائط الصلاة كالخطبة بعرفات والخطبة يوم الجمعة بمنزلة شطر الصلاة لما ذكرنا والدليل
على أن الخطبة في العيد بعد الصلاة ما روى أن مروان رحمه الله تعالى لما خطب في العيد
قبل الصلاة قام رجل فقال أخرجت المنبر يا مروان ولم يخرجه رسول الله صلى الله عليه
وسلم وخطبت قبل الصلاة ولم يخطب هو قبلها وإنما كان يخطب بعد الصلاة فقال مروان
ذاك شئ قد ترك فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع
فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان يعنى أضعف أفعال الايمان فقد كانت
الخطبة بعد الصلاة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين حتى أحدث
بنو أمية الخطبة قبل الصلاة لأنهم كانوا في خطبتهم يتكلمون بما لا يحل فكان الناس
لا يجسلون بعد الصلاة لسماعها فأحدثوها قبل الصلاة ليسمعها الناس والخطبة في العيدين
كهي في الجمعة يخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة خفيفة ويقرأ فيها سورة من القرآن
37

ويستمع لها القوم وينصتوا له لأنه يعظهم فإنما ينفع وعظه إذا استمعوا (قال) وليس
في العيدين أذان ولا إقامة هكذا جرى التوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى يومنا هذا وهو دليل على أنها سنة (قال) وان خطب أولا ثم صلى أجزأهم كما لو
ترك الخطبة أصلا (قال) والتكبير في صلاة العيد تسع خمس في الركعة الأولى فيها
تكبيرة الافتتاح والركوع وأربع في الثانية فيها تكبيرة الركوع ويوالي بين القراءة في
الركعتين وهذه مسألة اختلف الصحابة رضوان الله عليهم فيها والذي بينا قول ابن مسعود
رضي الله عنه وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله وقال علي رضي الله عنه في الفطر يكبر احدى عشرة
تكبيرة ستا في الأولى وخمسا في الثانية فيها تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع والزوائد
ثمان تكبيرات وفي الأضحى خمس تكبيرات تكبيرة الافتتاح وتكبيرتا الركوع
وتكبيرتان زائدتان واحدة في الأولى والأخرى في الثانية ومن مذهبه البداءة بالقراءة في
الركعتين ثم بالتكبير وعن ابن عباس رضي الله عنهما ثلاث روايات روى عنه كقول ابن
مسعود وهي شاذة والمشهور عنه روايتان إحداهما أنه يكبر في العيدين ثلاث عشرة تكبيرة
تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وعشر زوائد خمس في الأولى وخمس في الثانية وفي
الرواية الأخرى اثنتي عشرة تكبيرة تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وتسع زوائد
خمس في الأولى وأربع في الثانية. وقد روى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه رجع إلى
هذا وهو قول الشافعي رضي الله عنه وعليه عمل الناس اليوم لان الولاية لما انتقلت
إلى بني العباس أمروا الناس بالعمل في التكبيرات بقول جدهم ومن مذهبه البداءة بالتكبير
في كل ركعة وإنما أخذنا بقول ابن مسعود رضي الله عنه لان ذلك شئ اتفقت عليه جماعة
من الصحابة منهم أبو مسعود البدري وأبو موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه
م فان الوليد بن عقبة أتاهم فقال هذا العيد فكيف تأمرونني أن أفعل فقالوا لابن
مسعود علمه فعلمه بهذه الصفة ووافقوه على ذلك وفى الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم
كبر في صلاة العيد أربعا ثم قال أربع كأربع الجنائز فلا يشتبه عليكم وأشار بأصابعه وحبس
إبهامه ففيه قول وعمل وإشارة واستدلال وتأكيد وإنما قلنا بالموالاة بين القراءتين لان
التكبيرات يؤتى بها عقب ذكر وهو فرض ففي الركعة الأولى يؤتى بها عقيب تكبيرة
الافتتاح وفى الثانية عقيب القراءة ولأنه يجمع بين التكبيرات ما أمكن ففي الركعة
38

الأولى يجمع بينها وبين تكبيرة الافتتاح وفي الثانية يجمع بينها وبين تكبيرة الركوع ولم يبين
مقدار الفصل بين التكبيرات في الكتاب وروى عن أبي حنيفة رحمه الله قال ويسكت بين
كل تكبيرتين بقدر ثلاث تسبيحات. وقال ابن أبي ليلى يأخذ بأي هذه التكبيرات
شاء وهو رواية عن أبي يوسف لأن الظاهر أن كل واحد منهم إنما أخذ بما رآه من رسول
الله صلى الله عليه وسلم أو سمعه منه فان هذا شئ لا يعرف بالرأي ولكنا نقول الآخر
ناسخ للأولى فلا وجه لاثبات التخيير بين القليل والكثير (قال) ويرفع يديه في سائر
هذه التكبيرات الا في تكبيرتي الركوع وحكى أبو عصمة عن أبي يوسف رحمهما الله
تعالى أنه لا يرفع يديه في شئ منها لما جاء في الحديث عن أبن مسعود رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم كأن لا يرفع يديه في الصلاة الا في تكبيرة الافتتاح (ولنا) ما روينا
لا ترفع الأيدي الا في سبع مواطن وفيها في العيدين ولان هذا تكبير يؤتى به في قيام مستو
فترفع اليد فيه كتكبيرة القنوت وتكبيرة الافتتاح وهذا لان المقصود اعلام من
لا يسمع بخلاف تكبيرتي الركوع لأنه يؤتى بهما في حالة الانتقال فلا حاجة إلى رفع اليد
للاعلام (قال) ولا شئ على من فاتته صلاة العيد مع الامام وقال الشافعي رضي الله عنه
يصلى وحده كما يصلى مع الامام وهذا غير صحيح فالصلاة بهذه الصفة ما عرفت قربة
الا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فعلها الا بالجماعة ولا يجوز أداؤها الا بتلك الصفة
وإذا فاتت فليس لها خلف لان وقتها بعد طلوع الشمس وهذا ليس بوقت لصلاة واجبة
في سائر الأيام بخلاف من فاتته الجمعة فإنه يصلى الظهر لان وقتها بعد الزوال وهو وقت
لوجوب الظهر في سائر الأيام ولكنه ان أحب صلى ركعتين ان شاء وان شاء أربعا كصلاة
الضحى في سائر الأيام لحديث عمارة بن رويبة رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يفتتح الضحى بركعتين ولحديث ابن مسعود رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يواظب على أربع ركعات في صلاة الضحى والذي يختص بهذا اليوم حديث علي رضي الله عنه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صلى بعد العيد أربع ركعات كتب
الله تعالى له بكل نبت نبت وبكل ورقة حسنة (قال) وإذا خرج الامام إلى الجبانة
لصلاة العيد فان استخلف رجلا يصلى بالناس في المسجد فحسن وإن لم يفعل فلا شئ عليه
لما روينا ان عليا رضي الله عنه لما قدم الكوفة استخلف من يصلى بالضعفة صلاة العيد في
39

الجامع وخرج إلى الجبانة مع خمسين شيخا يمشي ويمشون ويكبر ويكبرون ولان في
الاستخلاف نظرا منه للضعفاء وهو حسن وإن لم يفعل فلا شئ عليه لان من له قدرة على
الخروج لا يترك الخروج إلى الجبانة ومن هو عاجز عن ذلك فليس عليه شهودها (قال)
فان أحدث الرجل في الجبانة فخاف ان رجع إلى المصر ان تفوته الصلاة وهو لا يجد الماء
يتيمم ويصلى وقد بينا هذا في باب التيمم غير أن اللفظ المذكور هنا يقوى قول من قال من
أصحابنا ان هذا في جبانة الكوفة لأن الماء بعيد واما في ديارنا فلا يجوز لأن الماء محيط بالمصلى
وقد قال وهو لا يجد الماء إلا أنه قال بعده وصلاة العيد بمنزلة صلاة الجنازة لأنها ان فاتت لم
يكن عليه قضاؤها فهذا يدل على أنه متى خاف الفوت يجوز له أداؤها بالتيمم في أي موضع كان
(قال) وكذلك أن كان الامام هو الذي أحدث وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رضي الله عنه
ما أنه ليس للامام أن يتيمم لأنه لا يخاف الفوت فإنه لا يجوز للناس أن يصلوها دونه
وجه ظاهر الرواية أنه يخاف الفوت بخروج الوقت فربما تزول الشمس قبل فراغه من
الوضوء وكذلك أن أحدث بعد ما دخل في الصلاة وقد بينا الاختلاف في هذا بين أبي حنيفة
وصاحبيه (قال) وأي سورة قرأ في صلاة العيد جاز وقد بلغنا عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه كان يقرأ فيها سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية فان تبرك
بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءة هاتين السورتين فحسن ولكن يكره له أن
يتخذ شيئا من القرآن حتما في صلاة لا يقرأ فيها غيره فربما يظن ظان أنه لا تجوز تلك
الصلاة الا بقراءة تلك السورة فكان هو مدخلا في الدين ما ليس منه وقال عليه الصلاة
والسلام من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد (قال) وليس قبل العيدين صلاة لما روينا
عن علي رضي الله عنه أنه كره ذلك لمن رآه يفعله (قال) والمسبوق بركعة في العيد إذا
قام يقضى ما فاته بنى على رأى نفسه في عدد التكبيرات ومحلها إذا كان رأيه مخالفا لرأى
امامه لأنه فيما يقضي كالمنفرد إن كان يرى قول ابن مسعود رضي الله عنه كما فعله الامام بدأ
بالقراءة ثم بالتكبير وبه أجاب في الجامع والزيادات وفى نوادر أبى سليمان في أحد الموضعين
وقال في الموضع الآخر يبدأ بالتكبير وهو القياس لأنه يقضى ما فاته فيقضيه كما فاته ولكنه
استحسن فقال لو بدأ بالتكبير كان مواليا بين التكبيرات فان في الركعة المؤداة مع الامام كانت
البداءة بالقراءة والموالاة بين التكبيرات لم يقل بها أحد من الصحابة ولو بدأ بالقراءة كان فعله
40

موافقا لقول علي رضي الله عنه ولان يفعل كما قال بعض الصحابة أولى من عكسه ولأنه
لو بدأ بالقراءة كان آتيا بالتكبيرات عقيب ذكر هو فرض جامعا بينها وبين تكبير الركوع
وهو أصل ابن مسعود رحمه الله تعالى كما بينا (قال) وليس على النساء خروج في العيدين
وقد كان يرخص لهن في ذلك فأما اليوم فانى أكره ذلك يعنى للشواب منهن فقد أمرن
بالقرار في البيوت ونهين عن الخروج لما فيه من الفتنة فأما العجائز فيرخص لهن في الخروج
إلى الجماعة لصلاة المغرب والعشاء والفجر والعيدين ولا يرخص لهن في الخروج لصلاة
الظهر والعصر والجمع في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يرخص
للعجائز في حضور الصلوات كلها وفى الكسوف والاستسقاء لأنه ليس في خروج
العجائز فتنة والناس قل ما يرغبون فيهم وقد كن يخرجن إلى الجهاد مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يداوين المرضى ويسقين الماء ويطبخن وأبو حنيفة رضي الله عنه قال في صلوات
الليل تخرج العجوز مستترة وظلمة الليل تحول بينها وبين نظر الرجال إليها بخلاف صلوات
النهار والجمعة تؤدى في المصر فلكثرة الزحام ربما تصرع وتصدم وفى ذلك فتنة فان العجوز
إذا كأن لا يشتهيها شاب يشتهيها شيخ مثلها وربما يحمل فرط الشبق الشاب على أن يشتهيها
ويقصد أن يصدمها فأما صلاة العيد فتؤدى في الجبانة فيمكنها أن تعتزل ناحية عن الرجال
كيلا تصدم. ثم إذا خرجن في صلاة العيد ففي رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى
يصلين لان المقصود بالخروج هو الصلاة وقال عليه الصلاة والسلام لا تمنعوا إماء الله
مساجد الله وليخرجن إذا خرجن تفلات أي غير متطيبات وروى المعلى عن أبي يوسف
عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى لا يصلين العيد مع الامام وإنما خروجهن لتكثير سواد
المسلمين جاء في حديث أم عطية أن النساء كن يخرجن مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في العيدين حتى ذوات الخدور والحيض ومعلوم أن الحائض لا تصلى فظهر أن
خروجهن لتكثير سواد المسلمين فكذلك في زماننا (قال) وللمولى منع عبده من حضور
الجمعة والجماعة والعيدين لان خدمته حق مولاه وفى خروجه ابطال حق المولى في خدمته
واضرار به فكان له أن يمنعه من ذلك وإنما لا يمنعه من أداء المكتوبات لان ذلك صار
مستثنى من حق المولى. واختلف مشايخنا فيما إذا حضر مع مولاه ليحفظ دابته فمنهم من
قال ليس له أن يصلى الجمعة والعيدين بغير رضاه والأصح أن له ذلك إذا كأن لا يخل بحق
41

مولاه في إمساك دابته (قال) ولا يخرج المنبر في العيدين لما روينا وقد صح أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يخطب في العيدين على ناقته والناس من لدن رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى يومنا هذا اتفقوا على ترك اخراج المنبر ولهذا اتخذوا في المصلى منبرا على
حدة من اللبن والطين واتباع ما اشتهر العمل به في الناس واجب (قال) وإذا كبر
الامام أكثر من تسع تكبيرات اتبعه المؤتم إلا أن يكبر ما لم يقل به أحد من الصحابة
لان الامام مجتهد فإذا حصل فعله في موضع الاجتهاد وجب متابعته لقوله عليه الصلاة
والسلام فلا تختلفوا عليه وإذا كبر ما لم يقل به أحد من الصحابة كان فعله خطأ مخالفا
للاجماع ولا متابعة في الخطأ فأكثر مشايخنا على أنه يتابعه إلى ثلاث عشرة تكبيرة ثم
يسكت بعد ذلك وقال بعضهم يتابعه إلى ست عشرة تكبيرة لان فعله إلى هذا الموضع محتمل
للتأويل فلعله ذهب إلى أن مراد ابن عباس رضي الله عنهما ثلاث عشرة تكبيرة زوائد
فإذا ضممت إليها تكبيرة الافتتاح وتكبيرتي الركوع صارت ست عشرة تكبيرة فلاحتمال
هذا التأويل لا يتيقن بخطئه فيتابعه وهذا إذا كان سمع التكبير من الامام فإن كان يكبر
بتكبير المنادى فلا ينبغي له أن يدع شيئا من التكبيرات وان كثرت لجواز أن هذا
الخطأ من المنادى فلو ترك شيئا منها كان المتروك ما أتى به الامام والمأتي به ما أخطأ به
المنادى فلهذا لا يدع شيئا منها وقد قالوا إذا كان يكبر بتكبير المنادى ينبغي أن ينوى
الصلاة عند كل تكبيرة لجواز أن ما تقدم منه كان خطأ من المنادى وإنما كبر الامام
للافتتاح الآن ثم لا خلاف أنه يأتي بثناء الافتتاح عقيب تكبيرة الافتتاح قبل الزوائد
الا في قول ابن أبي ليلى فإنه يقول يأتي بالثناء بعد تكبيرات الزوائد فأما التعوذ فيأتي به عند أبي
يوسف رحمه الله تعالى عقيب ثناء الافتتاح قبل التكبيرات الزوائد وعند محمد رحمه الله
بعد الزوائد حين يريد القراءة لأنها للقراءة عنده وبيان هذا فيما أمليناه من شرح
الزيادات والله سبحانه وتعالى أعلم
* (باب التكبير في أيام التشريق) *
اتفق المشايخ من الصحابة عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أنه يبدأ بالتكبير من صلاة
الغداة من يوم عرفة وبه أخذ علماؤنا رضي الله عنهم في ظاهر الرواية لقوله تعالى واذكروا
42

الله في أيام معدودات وهي أيام العشر عند المفسرين فيقتضى أن يكون التكبير فيها مشروعا
الا ما قام عليه الدليل وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أفضل ما قلت وقالت الأنبياء قبلي يوم عرفة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله
أكبر ولله الحمد ولأن هذه التكبيرات لاظهار فضيلة وقت الحج ومعظم أركان الحج الوقوف
فينبغي أن يكون التكبير مشروعا في وقته ولهذا قال مكحول البداءة بها من صلاة الظهر يوم
عرفة لان وقت الوقوف بعد الزوال ثم قال ابن مسعود رضي الله عنه إلى صلاة العصر من
يوم النحر يكبر في العصر ثم يقطع وبه أخذ أبو حنيفة رضي الله عنه لان البداءة لما كانت في
يوم يؤدى فيه ركن الحج فالقطع مثله يكون في يوم النحر الذي يؤدى فيه ركن الحج من
الطواف ولان رفع الأصوات بالتكبير في أدبار الصلوات خلاف المعهود فلا يثبت الا باليقين
واليقين فيما اتفق عليه كبار الصحابة وقال علي رضى الله تعالى عنه إلى صلاة العصر من آخر
أيام التشريق يكبر في العصر ثم يقطع وهو احدى الروايتين عن عمر رضي الله عنه وفي
الأخرى إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق وأخذ أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
بقول علي رضي الله عنه لقوله تعالى واذكروا الله في أيام معدودات وهي اما أيام التشريق
أو أيام النحر فينبغي أن يكون التكبير فيها مشروعا ولأنا أمرنا باكثار الذكر ولان يكبر
ما ليس عليه أولى من أن يترك ما عليه واتفق الشبان من الصحابة زيد بن ثابت وابن عمر وابن
عباس رضي الله عنهم على أنه يبدأ بها من صلاة الظهر يوم النحر واليه رجع أبو يوسف لقوله
تعالى فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم والفاء للتعقيب وقضاء المناسك
وقت الضحى من يوم النحر فينبغي أن يكون التكبير عقيبه والناس في هذه التكبيرات تبع للحاج
ثم الحاج يقطعون التلبية عند رمى جمرة العقبة ويأخذون في التكبيرات وذلك وقت الضحوة
فعلى الناس أن يكبروا عقيب أول صلاة مؤداة بعد هذا الوقت وهي صلاة الظهر ثم قال ابن
عمر رضي الله عنهما إلى صلاة الفجر من آخر أيام التشريق وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما
إلى صلاة الظهر وقال زيد إلى صلاة العصر وبه أخذ الشافعي رضي الله عنه. والتكبير أن يقول
بعد التسليم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وهو قول على
وابن مسعود رحمهما الله تعالى وكان ابن عمر يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وبه أخذ الشافعي رضي الله عنه وكان ابن عباس رضى
43

الله عنه يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر لا إله إلا الله الحي القيوم يحيى
ويميت وهو على كل شئ قدير وإنما أخذنا بقول علي وابن مسعود رضي الله عنهما لأنه عمل
الناس في الأمصار ولأنه يشتمل على التكبير والتهليل والتحميد فهو أجمع وهذا التكبير على
الرجال المقيمين من أهل الأمصار في الصلوات المكتوبات في الجماعة عند أبي حنيفة رحمه
الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كل من يصلى مكتوبة في هذه الأيام فعليه
التكبير مسافرا كان أو مقيما في المصر أو القرية؟ رجلا أو امرأة في الجماعة أو وحده وهو
قول إبراهيم رحمه الله تعالى لأن هذه التكبيرات في حق غير الحاج بمنزلة التلبية في حق
الحاج وفى التلبية لا تراعى هذه الشروط فكذلك في التكبيرات. وأبو حنيفة رضي الله عنه
احتج بما روينا لا جمعة ولا تشريق الا في مصر جامع قال الخليل والنضر بن
شميل رحمهما الله تعالى التشريق في اللغة التكبير ولا يجوز أن يحمل على صلاة العيد فقد
قال في حديث علي رضي الله عنه لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى الا في مصر
جامع فقد ثبت في الحديث أنه بمنزلة الجمعة في اشتراط المصر فيه فكذلك في اشتراط
الذكورة والإقامة والجماعة ولهذا لم يشترط أبو حنيفة رضي الله عنه فيه الحرية كما لا تشترط
في صلاة الجمعة (قال) وان صلى النساء مع الرجال أو المسافر خلف المقيم وجب عليهم
التكبير تبعا كما يتأدى بهم فرض الجمعة تبعا وفي المسافرين إذا صلوا في المصر جماعة روايتان
رواية الحسن رحمه الله تعالى عليهم التكبير لان المسافر يصلح للإمامة في الجمعة والأصح
أنه ليس عليهم التكبير لان السفر مغير للفرض مسقط للتكبير ثم لا فرق في تغير الفرض
بين أن يصلوا في المصر أو خارجا عنه فكذلك في التكبير (قال) ولا تكبير على
المتطوع بصلاته وقال مجاهد عليه التكبير وقاس التكبير في آخر الصلاة بالتكبير في أولها
(ولنا) أن الأذان أوجب من التكبير لان ذلك في جميع السنة وهذا في أيام مخصوصة
ثم الأذان غير مشروع في التطوعات فكذلك هذه التكبيرات وكذلك لا يكبر عقيب
الوتر عندهما لأنه سنة وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لان الوتر لا يؤدى بالجماعة في هذه
الأيام وكذلك عقيب صلاة العيد لا يكبرون لأنها سنة فأما عقيب الجمعة فيكبرون لأنها
فرض مكتوبة (قال) ويبدأ الامام إذا فرغ من صلاته بسجود السهو ثم بالتكبير ثم
بالتلبية إن كان محرما لان سجود السهو مؤدى في حرمة الصلاة ولهذا يسلم بعده ومن
44

اقتدى به في سجود السهو صح اقتداؤه والتكبير يؤدى في فور الصلاة لا في حرمتها
حتى لا يسلم بعده ولا يصح اقتداء المقتدي به في حال التكبير والتلبية غير مؤداة في
حرمة الصلاة ولا في فورها حتى لا تختص بحالة الفراغ من الصلاة فيبدأ بما هو مؤدى في
حرمتها ثم بما هو مؤدى في فورها ثم بالتلبية والمسبوق يتابع الامام في سجود السهو لأنه
مؤدى في حرمة الصلاة ولا يتابعه في التكبير والتلبية لأنها غير مؤداة في حرمة الصلاة
وعلى هذا إذا نسي الامام سجود السهو لم يسجد القوم لأنه مؤدى في حرمة الصلاة
فكانوا مقتدين به لا يأتون به دونه (قال) وإذا نسي التكبير أو التلبية أو تركهما متأولا لم
يترك القوم لأنها غير مؤداة في حرمة الصلاة وإذا نسي الامام التكبير حتى أنصرف فان
ذكره قبل أن يخرج من المسجد عاد وكبر وإن كان قد خرج أو تكلم ناسيا أو عامدا
أو أحدث عامدا سقط لان الانصراف قبل الخروج من المسجد لا يقطع فور الصلاة
حتى لا يمتنع البناء عليها لو حصل في خلالها كمن ظن أنه سبقه الحدث فأما الخروج
والكلام والحدث العمد فيقطع فور الصلاة حتى يمنع البناء عليها لو حصل في خلالها فان
سبقه الحدث فإن شاء ذهب فتوضأ ورجع فكبر وان شاء كبر من غير تطهر لان سبق
الحدث لا يقطع فور الصلاة حتى لا يمنع من البناء والتكبير غير مؤدى في حرمة الصلاة
فلا يشترط فيه الطهارة كالأذان. قال الشيخ الامام والأصح عندي أنه يكبر ولا يخرج من
المسجد للطهارة لأنه لما لم يكن به حاجة إلى الطهارة كان خروجه قاطعا لفور الصلاة فلا
يمكنه أن يكبر بعدها فيكبر للحال والله سبحانه وتعالى أعلم
* (باب صلاة الخوف) *
اعلم أن العلماء اختلفوا في صلاة الخوف في فصول أحدها أنه مشروع بعد رسول الله صلى
الله عليه وسلم في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى
أولا كذلك ثم رجع فقال كانت في حياته خاصة ولم تبق مشروعة بعده هكذا ذكره في
نوادر أبى سليمان رضي الله عنه لقوله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فقد شرط
كونه فيهم لإقامة صلاة الخوف ولان الناس كانوا يرغبون في الصلاة خلفه مالا يرغبون
في الصلاة خلف غيره فشرع بصفة الذهاب والمجئ لينال كل فريق فضيلة الصلاة خلفه
45

وقد ارتفع هذا المعنى بعده فكل طائفة يتمكنون من أداء الصلاة بامام على حدة فلا يجوز
لهم أداؤها بصفة الذهاب والمجئ (وحجتنا) في ذلك أن الصحابة أقاموها بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم روى ذلك عن سعد بن أبي وقاص وأبى عبيدة بن الجراح وأن سعيد
ابن العاص سأل عنها أبا سعيد الخدري فعلمه فأقامها وسببه وهو الخوف يتحقق بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان في حياته ولم يكن ذلك لنيل فضيلة الصلاة خلفه
فترك المشي واجب في الصلاة ولا يجوز ترك الواجب لاحراز الفضيلة ثم الآن يحتاجون
إلى احراز فضيلة تكثير الجماعة فإنها كلما كانت أكثر فهي أفضل وقوله وإذا كنت
فيهم معناه أنت أو من يقوم مقامك في الإمامة كما في قوله خذ من أموالهم صدقة وقد
يكون الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يختص هو به كما في قوله تعالى
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء * والثاني وهو انه لا ينتقص عدد الركعات بسبب الخوف
عندنا وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول صلاة المقيم أربع ركعات وصلاة المسافر
ركعتان وصلاة الخوف ركعة وبه أخذ بعض العلماء واستدل بما روى أن النبي عليه الصلاة
والسلام صلى صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع بكل طائفة ركعة فكانت له ركعتان
ولكل طائفة ركعة وتأويل هذا عندنا ولكل طائفة ركعة مؤداة مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم وركعة أخرى صلوها وحدهم * والثالث في صفة صلاة الخوف فالمذهب
عندنا أن يجعل الامام الناس طائفتين فيصلى بالطائفة الأولى ركعة فإذا رفع رأسه منها
ذهبوا فوقفوا بإزاء العدو وجاءت الطائفة الأخرى فيصلى بهم ركعة ويسلم ثم ذهبوا فوقفوا
بإزاء العدو وجاءت الطائفة الأولى فيتمون صلاتهم بلا قراءة ثم ذهبوا وجاءت الطائفة الأخرى
فيصلون الركعة الأولى بقراءة وهكذا روى ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله
عليه وسلم جعل الناس طائفتين فصلى بكل طائفة ركعة وقضت كل طائفة ركعة أخرى
وهكذا روى سالم عن ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة
الخوف بالطائفتين بهذه الصفة وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كان العدو في ناحية القبلة
جعل الناس صفين وافتتح الصلاة بهم جميعا فإذا ركع الامام ركعوا معه وإذا سجد الإمام
سجد معه الصف الأول والصف الثاني قيام يحرسونهم وإذا رفعوا رؤسهم سجد الصف
الثاني والصف الأول قعود يحرسونهم فإذا رفعوا رؤسهم سجد الإمام السجدة الثانية
46

وسجد معه الصف الأولى والصف الثاني قعود يحرسونهم فإذا رفعوا رؤسهم سجد الصف
الثاني والصف الأولى قيام يحرسونهم فإذا رفعوا رؤسهم تأخر الصف الأول وتقدم
الصف الثاني فصلى بهم الركعة الثانية بهذه الصفة أيضا فإذا قعد وسلم سلموا معه
واستدل بحديث ابن عباس الزرقي رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى
صلاة الخوف بعسفان بهذه الصفة وأبو يوسف يجوز صلاة الخوف بهذه الصفة لأنه ليس
فيها ذهاب ومجئ وعندنا إذا كان العدو في ناحية القبلة فان صلوا بهذه الصفة أجزأهم
وان صلوا بصفة الذهاب والمجئ كما بينا أجزأهم لان ظاهر الآية شاهد لذلك قال الله تعالى
ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وقال مالك رضي الله عنه يجعل الناس طائفتين
فيصلى بالطائفة الأولى ركعة وطائفة تقف بإزاء العدو ثم ينتظر الامام حتى تصلى الطائفة
الأولى الركعة الثانية ويسلمون فيذهبون إلى العدو وجاءت الطائفة الثانية فيصلى بهم الامام
الركعة الثانية ثم يسلم ويقومون لقضاء الركعة الأولى وهكذا روى صالح بن خوات رحمه
الله تعالى ان النبي صلى الله عليه وسلم فعله بذي قرد وذكر الطحاوي حديث صالح
ابن خوات في شرح الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف يوم ذات الرقاع
وذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت جالسا للطائفة الأخرى حتى أتموا الا نفسهم
ثم سلم بهم وبه أخذ الشافعي رضي الله تعالى عنه أيضا إلا أنه يقول لا يسلم الامام حتى تقضى
الطائفة الثانية الركعة الأولى ثم يسلم ويسلمون معه وقال كما ينتظر فراغ الطائفة الأولى من
اتمام صلاتهم فكذلك يفعل بالطائفة الثانية ولم نأخذ بهذا لان فيه فراغ المؤتم من صلاته
قبل فراغ الامام وذلك لا يجوز بحال بخلاف المشي فقد ورد به الأثر في حق من سبقه
الحدث مع الامام فجوزنا ذلك في حالة الخوف وروى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم لما صلى بالطائفة الأولى ركعة انتظرهم حتى أتموا صلاتهم وذهبوا إلى العدو
وجاءت الطائفة الأخرى فبدؤا بالركعة الأولى والنبي عليه الصلاة والسلام ينتظرهم ثم
صلى بهم الركعة الثانية ولم يأخذ بهذا أحد من العلماء لأنه حكم كان في الابتداء أن المسبوق
يبدأ بقضاء ما فاته ثم بأداء ما أدرك مع الامام وقد ثبت انتساخه وروى شاذا أن النبي صلى
الله عليه وسلم صلى بكل طائفة ركعتين فكان له أربع ركعات ولكل طائفة ركعتان ولم
نأخذ بهذا لان في حق الطائفة الثانية يحصل اقتداء المفترض بالمتنفل إلا أن يكون تأويله
47

انه كان مقيما فصلى بكل طائفة ركعتين وقضت كل طائفة ركعتين وهو المذهب عندنا فإنه
يصلى بكل طائفة شطر الصلاة وأما في صلاة المغرب فيصلى بالطائفة الأولى ركعتين
وبالطائفة الثانية ركعة عندنا (وقال) الثوري رحمه الله تعالى يصلى بالطائفة الأولى ركعة
وبالطائفة الثانية ركعتين لان فرض القراءة في الركعتين الأوليين فينبغي أن يكون لكل
طائفة في ذلك حظ (ولنا) أنه إنما يصلى بكل طائفة شطر الصلاة وشطر المغرب ركعة
ونصف فثبت حق الطائفة الأولى في نصف ركعة والركعة الواحدة لا تجزئ فثبت حقهم
في كلها ولان الركعتين شطر المغرب ولهذا كانت القعدة بعدهما وهي مشروعة للفصل بين
الشطرين ثم الطائفة الأولى تصلى الركعة الثالثة بغير قراءة لأنهم لاحقون والطائفة الثانية
يصلون الركعتين الأوليين بالقراءة ويقعدون بينهما وبعدهما كما يفعله المسبوق بركعتين في
المغرب (قال) ومن قاتل منهم في صلاته فسدت صلاته عندنا وقال مالك رضي الله عنه
لا تفسد وهو قول الشافعي رضي الله عنه في القديم لظاهر قوله تعالى وليأخذوا حذرهم
وأسلحتهم والامر بأخذ السلاح لا يكون الا للقتال به ولكنا نقول القتال عمل كثير وهو
ليس من أعمال الصلاة ولا تتحقق فيه الحاجة لا محالة فكان مفسدا لها كتخليص الغريق
واتباع السارق لاسترداد المال والامر بأخذ الأسلحة لكيلا يطمع فيهم العدو إذا رآهم
مستعدين أو ليقاتلوا بها إذا احتاجوا ثم يستقبلون الصلاة (قال) ولا يصلون وهم
يقاتلون وان ذهب الوقت لان النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم
الخندق فقضاهن بعد هدء من الليل وقال شغلونا عن صلاة الوسطى ملا الله قبورهم
وبطونهم نارا فلو كان تجوز الصلاة في حالة القتال لما أخرها رسول الله صلى الله عليه وسلم
. وكذلك من ركب منهم في صلاته عند انصرافه إلى وجه العدو فسدت صلاته لان الركوب
عمل كثير وهو مما لا يحتاج إليه بخلاف المشي فإنه لا بد منه حتى يقفوا بإزاء العدو وجواز
العمل لا جل الضرورة فيختص بما يتحقق فيه الضرورة (قال) ولا يصلون جماعة ركبانا
لان بينهم وبين الامام طريقا فيمنع ذلك صحة الاقتداء إلا أن يكون الرجل مع الامام على
دابة فيصح اقتداؤه به لأنه ليس بينهما مانع وقد روي عن محمد رحمه الله تعالى أنه جوز لهم في
الخوف ان يصلوا ركبانا بالجماعة وقال استحسن ذلك لينالوا فضيلة الصلاة بالجماعة فقد جوزنا
لهم ما هو أعظم من ذلك وهو الذهاب والمجئ لينالوا فضيلة الجماعة ولكنا نقول ما أثبتناه
48

من الرخصة أثبتناه بالنص ولا مدخل للرأي في اثبات الرخص (قال) وان صلوا صلاة
الخوف من غير أن يعاينوا العدو جاز للامام ولم يجز للقوم إذا صلوا بصفة الذهاب والمجئ
لان الرخصة إنما وردت إذا كانوا بحضرة العدو فإذا لم يكونوا بحضرته لم يتحقق سبب
الترخص بالذهاب والمجئ فلا تجوز صلاتهم بها وأما الامام فلم يوجد منه الذهاب والمجئ
فتجوز صلاته ولو رأوا سوادا فظنوا أنه العدو فصلوا صلاة الخوف فان تبين أنه سواد
العدو فقد ظهر أن سبب الترخص كان متقررا فتجزئهم وان ظهر أن السواد سواد إبل
أو بقر أو غنم فقد ظهر أن السبب لم يكن متقررا فلا تجزئهم والخوف من سبع يعاينونه
كالخوف من العدو لان الرخصة لدفع سبب الخوف عنهم ولا فرق في هذا بين السبع
والعدو والله تعالى أعلم
* (باب الشهيد) *
(قال) وإذا قتل الشهيد في معركة لم يغسل وصلى عليه عندنا وقال الحسن البصري رضى
الله تعالى عنه يغسل ويصلى عليه وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يصلى عليه أما الحسن
فقال الغسل سنة الموتى من بني آدم جاء في الحديث أن آدم لما مات غسلته الملائكة وصلوا
عليه ثم قالوا هذه سنة موتاكم يا بني آدم والشهيد ميت بأجله ولان غسل الميت تطهير له حتى
تجوز الصلاة عليه بعد غسله لا قبله والشهيد يصلى عليه فيغسل أيضا تطهيرا له وإنما لم يغسل
شهداء أحد لان الجراحات فشت في الصحابة في ذلك اليوم وكان يشق عليهم حمل الماء من
المدينة وغسلهم لان عامة جراحاتهم كانت في الأيدي فعذرهم لذلك (ولنا) ما روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال في شهداء أحد زملوهم بدمائهم ولا تغسلوهم فإنه ما من جريح
يجرح في سبيل الله الا وهو يأتي يوم القيامة وأوداجه تشخب دما اللون لون الدم والريح
ريح المسك وما قاله الحسن من التأويل باطل فإنه لم يأمر بالتيمم ولو كان ترك الغسل للتعذر
لامر أن ييمموا كما لو تعذر غسل الميت في زمان لعدم الماء ولأنه لم يعذرهم في ترك الدفن
وكانت المشقة في حفر القبور للدفن أظهر منها في الغسل وكما لم يغسل شهداء أحد لم يغسل
شهداء بدر كما رواه عقبة بن عامر وهذه الضرورة لم تكن يومئذ وكذلك لم يغسل شهداء
الخندق وخيبر فظهر أن الشهيد لا يغسل وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يصلى
49

عليه لحديث جابر رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلى على أحد من
شهداء أحد ولأنهم بصفة الشهادة تطهروا من دنس الذنوب كما قال عليه الصلاة والسلام
السيف محاء الذنوب والصلاة عليه شفاعة له ودعاء لتمحيص ذنوبه وقد استغنى عن ذلك
كما استغنى عن الغسل ولان الله تعالى وصف الشهداء بأنهم أحياء فقال ولا تحسبن الذين
قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء والصلاة على الميت لا على الحي (ولنا) ما روى أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد صلاته على الجنازة حتى روي أنه صلى على حمزة
رضى الله تعالى عنه سبعين صلاة وتأويله أنه كان موضوعا بين يديه فيؤتى بواحد واحد
فيصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فظن الراوي أنه صلى على حمزة في كل مرة فقال
صلى عليه سبعين صلاة وحديث جابر رضى الله تعالى عنه ليس بقوى وقيل إنه كان يومئذ
مشغولا فقد قتل أبوه وأخوه وخاله فرجع إلى المدينة ليدبر كيف يحملهم إلى المدينة فلم يك
حاضرا حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فلهذا روى ما روى ومن شاهد
النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى أنه صلى عليهم ثم سمع جابر رضي الله عنه منادى رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يدفن الموتى في مصارعهم فرجع فدفنهم فيها ولان الصلاة على
الميت لاظهار كرامته ولهذا اختص به المسلمون ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الصلاة على المنافقين والشهيد أولى بما هو من أسباب الكرامة والعبد وان تطهر من الذنوب
فلا تبلغ درجته درجة الاستغناء عن الدعاء له. ألا تري أنهم صلوا على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلا اشكال أن درجته فوق درجة الشهداء والشهيد حي في أحكام الآخرة كما قال
تعالى بل أحياء عند ربهم فأما في أحكام الدنيا فهو ميت يقسم ميراثه وتتزوج امرأته بعد
انقضاء العدة وفريضة الصلاة عليه من أحكام الدنيا فكان فيه ميتا يصلى عليه (قال) ويكفن
في ثيابه التي هي عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم زملوهم بدمائهم وكلومهم وروى
أن زيد بن صوحان لما استشهد يوم الجمل قال لا تغسلوا عنى دما ولا تنزعوا عنى ثوبا فانى
رجل محجاج أحاج يوم القيامة من قتلني ولما استشهد عمار بن ياسر بصفين قال لا تغسلوا
عنى دما ولا تنزعوا عنى ثوبا فأني التقى ومعاوية بالجادة وهكذا نقل عن حجر بن عدي غير
أنه ينزع عنه السلاح والجلد والفرو والحشو والخف والقلنسوة لأنه إنما لبس هذه الأشياء
لدفع بأس العدو وقد استغنى عن ذلك ولان هذا عادة أهل الجاهلية لأنهم كانوا يدفنون
50

أبطالهم بما عليهم من الأسلحة وقد نهينا عن التشبه بهم (قال) ويزيدون في أكفانهم
ما شاؤوا وينقصون ما شاؤوا واستدلوا بهذا اللفظ على أن عدد الثلاث في الكفن ليس
بلازم ويخيطونه ان شاؤوا كما يفعل ذلك بغيره من الموتى إنما لا يزال عنه أثر الشهادة فأما فيما
سوى ذلك فهو كغيره من الموتى (قال) وان حمل من المعركة حيا ثم مات في بيته أو على
أيدي الرجال غسل لأنه صار مرتثا وقد ورد الأثر بغسل المرتث ومعناه من خلق أمره في
باب الشهادة يقال ثوب رث أي خلق. والأصل فيه أن عمر رضي الله عنه لما طعن حمل إلى بيته
فعاش يومين ثم غسل وكان شهيدا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك علي رضي الله عنه
حمل حيا بعد ما طعن ثم غسل وكان شهيدا فأما عثمان رضي الله عنه فأجهز عليه
في مصرعه ولم يغسل فعرفنا بذلك أن الشهيد الذي لا يغسل من أجهز عليه في مصرعه دون
من حمل حيا وهذا إذا حمل ليمرض في خيمته أو في بيته وأما إذا جر برجله من بين الصفين
لكيلا تطؤه الخيول فمات لم يغسل لان هذا ما نال شيئا من راحة الدنيا بعد صفة الشهادة
فتحقق بذل نفسه ابتغاء مرضات الله تعالى والأول بحسب ما مرض قد نال راحة الدنيا
بعد فيغسل وإن كان له ثواب الشهداء كالغريق والحريق والمبطون والغريب يغسلون وهم
شهداء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) وما قتل به في المعركة من سلاح
أو غيره فهو سواء لا يغسل لان الأصل شهداء أحد وفيهم من دمغ رأسه بالحجر وفيهم
من قتل بالعصا ثم عمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الامر بترك الغسل ولان الشهيد
باذل نفسه ابتغاء مرضات الله تعالى قال الله تعالى ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم
وأموالهم بأن لهم الجنة وفي هذا المعنى السلاح وغيره سواء (قال) وان وجد في المعركة
ميتا ليس به أثر غسل لان المقتول يفارق الميت بالأثر فإذا لم يكن به اثر فالظاهر أنه لم يكن
انزهاق روحه بقتل مضاف إلى العدو بل لما التقى الصفان انخلع قناع قلبه من شدة الفزع
فمات والجبان مبتلى بهذا وإن كان به أثر لم يغسل لأن الظاهر أن موته كان بذلك الجرح
وأنه كان من العدو فاجتماع الصفين كان لهذا والأصل أن الحكم متى ظهر عقيب سبب
يحال على ذلك السبب فإن كان الدم يخرج من بعض مخارقه نظر فإن كان الدم يخرج من
ذلك الموضع من غير جرح في الباطن غسل وذلك كالانف والدبر والذكر فقد يبتلى بالرعاف
وقد يبول دما لشدة الفزع وقد يخرج الدم من الدبر من غير جرح في الباطن وإن كان
51

يخرج الدم من أذنه أو عينه لم يغسل لان الدم لا يخرج من هذين الموضعين عادة الا بجرح
في الباطن فالظاهر أنه ضرب على رأسه حتى خرج الدم من أذنه أو عينه وإن كان يخرج
من فيه فإن كان ينزل من رأسه غسل وجرحه من جانب الفم ومن جانب الانف سواء وإن كان
يعلو من جوفه لم يغسل لان الدم لا يعلو من الجوف الا بجرح في الباطن وإنما يعرف
ذلك بلون الدم (قال) ومن صار مقتولا من جهة قطاع الطريق لم يغسل أيضا لأنه
قتل دافعا عن ماله وقد قال عليه الصلاة والسلام من قتل دون ماله فهو شهيد فلهذا لا يغسل
(قال) ومن قتل في المصر بسلاح ظلما لم يغسل أيضا عندنا وقال الشافعي رضي الله عنه
يغسل وهو بناء على أن عنده القتل العمد موجب للدية كالخطأ فإذا وجب عن نفسه بدل
هو مال غسل وعندنا العمد غير موجب للمال فهذا مقتول ظلما لم يجب عن نفسه بدل هو
مال فكان شهيدا والقصاص الواجب ليس ببدل محض بل هو عقوبة زاجرة فلا يخل بصفة
الشهادة واعتمادنا فيه على حديث عثمان رضى الله تعالى عنه فقد قتل في المصر وكان شهيدا ولم
يغسل وان قتل بغير سلاح غسل لأن هذه في معنى الخطأ حتى يجب عن نفسه بدل هو مال
وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى أنه إذا قتل بحجر أو عصا كبير فهو عندهما والقتل بالسلاح
سواء وعند أبي حنيفة رضي الله عنه يغسل وهو بناء على اختلافهم في وجوب القصاص في
القتل بهذه الآلة (قال) ولو قتل بحق في قصاص أو رجم غسل لما روى أن ما عزا لما رجم
جاء عمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قتل ما عز كما تقتل الكلاب فماذا تأمرني ان
أصنع به فقال لا تقل هذه فقد تاب توبة لو قسمت توبته على أهل الأرض لوسعتهم اذهب
فغسله وكفنه وصل عليه ولان الشهيد باذل نفسه لابتغاء مرضات الله تعالى وهذا لا يوجد
في المقتول بحق فإنه باذل نفسه لايفاء حق مستحق عليه وكذلك من مات من حد أو تعزير
غسل لما بينا وكذلك من عدا على قوم ظلما فقتلوه غسل لان الظالم غير باذل نفسه لابتغاء
مرضات الله تعالى فهو في حكم الغسل كغيره من الموتى (قال) ومن قتله السبع أو احترق بالنار
أو تردى من جبل أو مات تحت هدم أو غرق غسل كغيره من الموتى لأن هذه الأشياء غير
معتبرة شرعا في أحكام الدنيا فهو والميت حتف أنفه سواء. وكذلك من وجد مقتولا في محلة
لا يدرى من قتله غسل لأنه استحق عن نفسه بدلا هو مال فالقسامة والدية تجب على
أهل المحلة (قال) ويصنع بالمحرم ما يصنع بالحلال يعنى يخمر رأسه ووجهه بالكفن عندنا
52

وقال الشافعي رضي الله عنه لا يخمر رأسه واستدل بما روى أن اعرابيا محرما وقصت به
ناقته في أخافيق جردان فاندقت عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخمروا وجهه
ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا أو قال ملبدا ولأنه مات وهو مشغول بعبادة لها أثر
فيبقى عليه ذلك الأثر كالغازي إذا استشهد (ولنا) حديث عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم
سئل عن محرم مات فقال خمروا رأسه ووجهه ولا تشبهوه باليهود * وسئلت عائشة رضي الله عنه
ا عن ذلك فقالت اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم وان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما
مات ابنه واقد وهو محرم كفنه وعممه وحنكه وقال لولا أنا محرمون لحنطناك يا واقد
ولان احرامه قد انقطع بموته * وقال عليه الصلاة والسلام إذا مات ابن آدم انقطع عمله
الا من ثلاث والاحرام ليس منها فينقطع بالموت ولهذا لا يبنى المأمور بالحج على احرامه
والتحق بالحلال وإذا جاز أن يخمر رأسه ووجهه باللبن والتراب فكذلك بالكفن
وحديث الاعرابي تأويله أن النبي عليه الصلاة والسلام عرف بطريق الوحي خصوصيته
ببقاء احرامه بعد موته وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص بعض أصحابه بأشياء
(قال) ومن قتل من أهل العدل في محاربة أهل البغي فهو شهيد لا يغسل لان المحاربة
معهم مأمور بها قال الله تعالى فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فالمقتول في هذه
المحاربة باذل نفسه لابتغاء مرضات الله كالمقتول في محاربة المشركين. ولما قاتل علي رضي الله
تعالى عنه أهل النهروان لم يغسل من استشهد من أصحابه ولم يذكر في الكتاب أن من
قتل من أهل البغي ماذا يصنع به. وروى المعلى عن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى انه
لا يغسل ولا يصلى عليه وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه يغسل ويصلى عليه لأنه مسلم
قال الله تعالى وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا الآية ولكنه مقتول بحق فهو كالمقتول رجما
أو في قصاص (ولنا) حديث على رضى الله تعالى عنه انه لم يغسل أهل النهروان ولم يصل
عليهم فقيل له أكفارهم قال لا ولكنهم إخواننا بغوا علينا أشار إلى أن ترك الغسل
والصلاة عليهم عقوبة لهم ليكون زجرا لغيرهم وهو نظير المصلوب يترك على خشبته
عقوبة له وزجرا لغيره (قال) وإذا أغار أهل الحرب على قرية من قرى المسلمين
فقتلوا الرجال والنساء والصبيان فلا خلاف أنه لا يغسل النساء كما لا يغسل الرجال
لأنهن مخاطبات يخاصمن يوم القيامة من قتلهن فيبقى عليهن أثر الشهادة ليكون شاهدا
53

لهن كالرجال فأما الصبيان عند أبي حنيفة رضي الله عنه فيغسلون وقال أبو يوسف ومحمد
رحمهما الله تعالى لا يغسلون قال لان حال الصبيان في الطهارة فوق حال البالغين فإذا لم
يغسل البالغ إذا استشهد لأنه قد تطهر فالصبي أولى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى قال ليس
للصبي ذنب يمحوه السيف فالقتل في حقه والموت حتف أنفه سواء فيغسل ثم الصبي
غير مكلف ولا يخاصم بنفسه في حقوقه في الدنيا فإنما الخصم في حقوقه في الآخرة هو
خالقه سبحانه وتعالى والله غنى عن الشهود فلا حاجة إلى ابقاء الشهادة عليه (قال) وإذا
وجد عضو من أعضاء الآدمي كيد أو رجل لم يغسل ولم يصل عليه لكنه يدفن لان المشروع
الصلاة على الميت وذلك عبارة عن بدنه لا عن عضو من أعضائه ولعل صاحب العضو حي
ولا يصلى على الحي ولو قلنا يصلى على عضو إذا وجد لكان يصلى عن عضو آخر إذا وجد
أيضا فيؤدى إلى تكرار الصلاة على ميت واحد وذلك غير مشروع عندنا. وقال الشافعي
رضي الله عنه يغسل ما وجد ويصلى عليه اعتبارا للبعض بالكل فأن لأطراف الآدمي حرمة
كما لنفسه وعنده لا بأس بتكرار الصلاة على ميت واحد ثم عندنا ان وجد النصف من بدنه
مشقوقا طولا لا يصلى عليه لأنه لو صلى عليه لكان يصلى على النصف الآخر إذا وجد
فيؤدى إلى تكرار الصلاة على ميت واحد فأما إذا وجد أكثر البدن أو النصف ومعه
الرأس يصلى عليه لان للأكثر حكم الكل ولا يؤدى هذا إلى تكرار الصلاة على ميت
واحد (قال) وإذا وجد ميت لا يدرى أمسلم هو أم كافر فإن كان في قرية من قرى أهل
الاسلام فالظاهر أنه مسلم فيغسل ويصلى عليه وإن كان في قرية من قرى أهل الشرك
فالظاهر أنه منهم فلا يصلى عليه إلا أن يكون عليه سيما المسلمين فحينئذ يغسل ويصلى عليه
وسيما المسلمين الختان والخضاب ولبس السواد وما تعذر الوقوف على حقيقته يعتبر فيه
العلامة والسيماء قال الله تعالى يعرف المجرمون بسيماهم وقال ولو أرادوا الخروج لا عدوا له
عدة (قال) وإذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار فإن كانت الغلبة للمسلمين غسلوا
وصلى عليهم الا من عرف أنه كافر لان الحكم للغلبة والمغلوب لا يظهر حكمه مع الغالب
وان كانت الغلبة لموتي الكفار لا يصلى عليهم الا من عرف أنه مسلم بالسيما فإذا استويا لم
يصل عليهم عندنا لان الصلاة على الكفار منهى عنها ويجوز ترك الصلاة على بعض المسلمين
وقال عليه الصلاة والسلام ما اجتمع الحلال والحرام الا وقد غلب الحرام على الحلال
54

ومن العلماء من قال يصلى عليهم ترجيحا للمسلمين على الكفار وينوى من يصلى عليهم
المسلمين لأنه لو قدر على التمييز فعلا فعل فإذا عجز عنه ميز بالنية وعلى قول الشافعي رضي الله عنه
يستعمل التحري فيصلى على من وقع في أكبر رأيه انه مسلم وهي مسألة التحري ولم يبين في
الكتاب أي موضع يدفنون فقال بعض مشايخنا إذا لم يصلى عليهم دفنوا في مقابر المشركين
وقال بعضهم يتخذ لهم مقبرة على حدة وأصل الاختلاف في نصرانية تحت مسلم حبلت ثم ماتت
وفي بطنها ولد مسلم اختلف الصحابة أنها في أي موضع تدفن فرجح بعضهم جانب الولد
وقال تدفن في مقابر المسلمين وبعضهم جانبها فان الولد في حكم جزء منها ما دام في البطن
وقال تدفن في مقابر المشركين. وقال عقبة بن عامر رحمه الله تعالى تتخذ لها مقبرة على حدة
(قال) ولا بأس بأن يغسل المسلم أباه الكافر إذا مات ويدفنه لما بينا أن الغسل سنة الموتى
من بني آدم وهو مع كفره منهم والولد المسلم مندوب إلى بر والده وإن كان مشركا قال الله
تعالى ووصينا الانسان بوالديه حسنا والمراد به الوالد المشرك بدليل قوله تعالى وان جاهداك
على أن تشرك بي الآية ومن الاحسان والبر في حقه القيام بغسله ودفنه بعد موته ولما مات
أبو طالب جاء علي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن عمك الضال قد
مات فقال اذهب فغسله وكفنه وواره ولا تحدث حدثا حتى تلقاني فلما رجعت إليه دعا لي
بدعوات ما أحب أن يكون لي بها حمر النعم. وقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى سأل
رجل ابن عباس رضي الله عنه فقال إن أمي ماتت نصرانية فقال غسلها وكفنها وادفنها
وأن الحارث بن أبي ربيعة ماتت أمه نصرانية فتبع جنازتها في نفر من الصحابة وإنما يغسل
الكافر كما تغسل النجاسات بإفاضة الماء عليه ولا يوضأ وضوء الصلاة كما يفعل بالمسلم لأنه
كأن لا يتوضأ في حياته وكذلك كل ذي رحم محرم منه وإنما يقوم بذلك إذا لم يكن هناك
من يقوم به من المشركين فإذا كان خلى المسلم بينه وبينهم ليصنعوا به ما يصنعون بموتاهم ولم يبين
أن الابن المسلم إذا كان هو الميت هل يمكن أبوه الكافر من القيام بغسله وتجهيزه وينبغي أن
لا يمكن من ذلك بل يفعله المسلمون لان اليهودي لما آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم
عند موته ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ثم قال لأصحابه لوا أخاكم ولم
يخل بينه وبين والده اليهودي ويكره أن يدخل الكافر قبر ابنه من المسلمين لان الموضع
الذي فيه الكافر ينزل فيه السخط واللعنة فينزه قبر المسلم من ذلك وإنما يدخل قبره المسلمون
55

ليضعوه على سنة المسلمين ويقولون عند وضعه بسم الله وعلى ملة رسول الله والله تعالى أعلم
* (باب حمل الجنازة) *
السنة في حمل الجنازة أن يحملها أربعة نفر من جوانبها الأربع عندنا وقال الشافعي رضى
الله تعالى عنه السنة حملها بين العمودين وهو أن يحملها رجلان يتقدم أحدهما فيضع
جانبي الجنازة على كتفيه ويتأخر الآخر فيفعل مثل ذلك واحتج بما روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه حمل جنازة سعد بن معاذ بين عمودين (وحجتنا) حديث
ابن مسعود رضي الله عنه من السنة أن تحمل الجنازة من جوانبها الأربع ولان عمل
الناس اشتهر بهذه الصفة وهو أيسر على الحاملين المتداولين بينهم وأبعد عن تشبيه حمل
الجنازة بحمل الأثقال وقد أمرنا بذلك ولهذا كره حملها على الظهر أو على الدابة. وتأويل
الحديث أنه لضيق الطريق أو لعوز بالحاملين ومن أراد كمال السنة في حمل الجنازة ينبغي
له أن يحملها من الجوانب الأربع يبدأ بالأيمن المقدم لان النبي عليه الصلاة والسلام كان
يحب التيامن في كل شئ والمقدم أول الجنازة والبداءة بالشئ من أوله ثم بالأيمن المؤخر ثم
بالأيسر المقدم ثم بالأيسر المؤخر لأنه لو تحول من الأيمن المقدم إلى الأيسر المقدم
احتاج إلى المشي أمامها والمشي خلفها أفضل فلهذا يتحول من الأيمن المقدم إلى الأيمن المؤخر
والأيمن المقدم جانب السرير الأيسر فذلك يمين الميت ويمين الحامل وينبغي أن يحمل من كل
جانب عشر خطوات جاء في الحديث من حمل جنازة أربعين خطوة كفرت له أربعون
كبيرة (قال) وليس في المشي بالجنازة شئ موقت غير أن العجلة أحب إلى من الابطاء
بها لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المشي بالجنازة فقال ما دون الخبب فان
يكن خيرا عجلتموه إليه وان يكن شرا وضعتموه عن رقابكم أو قال فبعدا لأهل النار (قال)
ولا بأس بالمشي قدامها والمشي خلفها أفضل عندنا وقال الشافعي رضي الله عنه المشي أمامها
أفضل لما روى أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يمشيان أمام الجنازة وان الناس شفعاء
الميت والشفيع يتقدم في العادة على من يشفع له (ولنا) حديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه كان يمشي خلف جنازة سعد بن معاذ وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
كان يمشي خلف الجنازة فقيل له ان أبا بكر وعمر كانا يمشيان أمام الجنازة فقال يرحمهما الله
56

قد عرفا أن المشي خلفها أفضل ولكنهما أرادا أن ييسرا الامر على الناس معناه ان الناس
يتحرزون عن المشي أمامها فلو اختار المشي خلفها لضاق الطريق على من يشيعها. وقال ابن
مسعود رضى الله تعالى عنه فضل المشي خلف الجنازة على المشي أمامها كفضل المكتوبة
على النافلة ولان المشي خلفها أوعظ فإنه ينظر إليها ويتفكر في حال نفسه فيتعظ به وربما
يحتاج إلى التعاون في حملها فإذا كانوا خلفها تمكنوا من التعاون عند الحاجة فذلك أفضل
والشفيع إنما يتقدم من يشفع له للتحرز عن تعجيل من تطلب منه الشفاعة بعقوبة من يشفع
له حتى يمنعه من ذلك إذا عجل به وذلك لا يتحقق ههنا (قال) وإذا وضعت الجنازة على
الأرض عند القبر فلا بأس بالجلوس به أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حين كانوا
قياما معه على رأس قبر فقال يهودي هكذا نصنع بموتانا فجلس وقال لأصحابه خالفوهم وإنما
يكره الجلوس قبل أن توضع عن مناكب الرجال فربما يحتاجون إلى التعاون قبل الوضع
وإذا كانوا قياما أمكن التعاون وبعد الوضع قد وقع الاستغناء عن ذلك ولأنهم إنما حضروا
اكراما له فالجلوس قبل أن يوضع عن المناكب يشبه الازدراء والاستخفاف به وبعد الوضع
لا يؤدي إلى ذلك (قال) وحمل الرجال جنازة الصبي أحب إلى من حملها على الدابة لان
في حملها على الدابة تشبيها لها بحمل الأثقال وفى حملها على الأيدي اكرام للميت والصغار من
بني آدم مكرمون كالكبار (قال) ومن ولد ميتا لا يغسل ولا يصلى عليه وفى غسله
اختلاف في الروايات فروى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يغسل ويسمى ولا يصلى
عليه هكذا ذكره الطحاوي رحمه الله تعالى وعن محمد رحمه الله تعالى أنه لا يغسل
ولا يسمى ولا يصلى عليه هكذا ذكره الكرخي ووجه هذا أن المنفصل ميتا في حكم
الجزء حتى لا يصلى عليه فكذلك لا يغسل ووجه ما اختاره الطحاوي ان المولود ميتا نفس
مؤمنة ومن النفوس من يغسل ولا يصلى عليه وأكثر ما فيه أنه في حكم الجزء من وجه وفى
حكم النفس من وجه فلاعتبار الشبهين قلنا يغسل اعتبارا بالنفوس ولا يصلى عليه
اعتبارا بالاجزاء. وان ولد حيا ثم مات صنع به ما يصنع بالموتى من المسلمين لأنه نفس مؤمنة
من كل وجه حين انفصل حيا (قال) وإذا قتل الرجل شهيدا وهو جنب غسل عند أبي
حنيفة رضي الله عنه ولم يغسل عندهما قالا صفة الشهادة تتحقق مع الجنابة وهي مانعة من
غسله لابقاء أثر الشهادة عليه وحنظلة بن عامر إنما غسلته الملائكة عليهم السلام اكراما له
57

ولو كان الغسل واجبا علي بني آدم لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل الملائكة
إياه وحيث اكتفى دل أنه لم يكن واجبا ولأبي حنيفة رضي الله عنه حديث حنظلة فإنه لما
استشهد يوم أحد غسلته الملائكة فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله عن حاله فقالت
زوجته أصاب منى فسمع الهيعة فأعجله ذلك عن الاغتسال فاستشهد وهو جنب فقال عليه
الصلاة والسلام هو ذاك. ولما مات سعد بن معاذ رحمه الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام
بادروا بغسل سعد لا تبادرنا به الملائكة كما بادرونا بغسل حنظلة فهو دليل على أن حنظلة لو لم
تغسله الملائكة حتى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم حاله لغسله وإنما لم يعد لان الواجب
تأدى بفعل الملائكة فإنهم غسلوا آدم ثم قالوا هذه سنة موتاكم ولم يعد أولاده غسله ثم
صفة الشهادة تمنع وجوب الغسل بالموت ولا تسقط ما كان واجبا ألا ترى أنه لو كان في
ثوب الشهيد نجاسة تغسل تلك النجاسة ولا يغسل الدم عنه فكذلك ههنا في حق الطاهر
الغسل يجب بالموت فصفة الشهادة تمنع منه وفى حق الجنب الغسل كان واجبا قبل الموت
فلا يسقط بصفة الشهادة وعلى هذا الاختلاف إذا انقطع دم الحيض ثم استشهدت فان
استشهدت قبل انقطاع الدم فيه روايتان عن أبي حنيفة رضى الله تعالى عنه. إحداهما انها
لا تغسل لان الاغتسال ما كان واجبا عليها قبل الانقطاع. والأخرى أنها تغسل لان
الانقطاع قد حصل بالموت والدم السائل موجب للاغتسال عند الانقطاع والله سبحانه
وتعالى أعلم
* (باب غسل الميت) *
اعلم بان غسل الميت واجب وهو من حق المسلم على المسلم قال عليه الصلاة والسلام للمسلم
على المسلم ستة حقوق وفى جملته ان يغسله بعد موته ولكن إذا قام به بعض المسلمين سقط
عن الباقين لحصول المقصود ثم ذكر أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم رضي الله عنهما قال
يجرد الميت إذا أريد غسله لأنه في حالة الحياة كان يتجرد عن ثيابه عند الاغتسال فكذلك
بعد الموت يجرد عن ثيابه وقد كان مشهورا في الصحابة حتى أنهم لما أرادوا ان يفعلوه
برسول الله صلى الله عليه وسلم نودوا من ناحية البيت اغسلوا نبيكم صلى الله عليه وسلم
وعليه قميصه فدل أنه كان مخصوصا بذلك (قال) ويوضع على تخت ولم يبين كيفية وضع
58

التخت إلى القبلة طولا أو عرضا ومن أصحابنا من اختار الوضع طولا كما كان يفعله في
مرضه إذا أراد الصلاة بالايماء ومنهم من اختار الوضع عرضا كما يوضع في قبره والأصح
أنه يوضع كما تيسر فذلك يختلف باختلاف المواضع ويطرح على عورته خرقة لان ستر العورة
واجب على كل حال والآدمي محترم حيا وميتا وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهم
ا انه يؤزر بإزار سابغ كما يفعله في حياته إذا أراد الاغتسال وفى ظاهر الرواية قال يشق
عليهم غسل ما تحت الإزار فيكتفي بستر العورة الغليظة بخرقة ثم يوضأ وضوءه للصلاة ويبدأ
بميامن الميت لأنه في حال حياته إذا أراد الاغتسال بدأ بالوضوء فكذلك بعد الموت الا
انه لا يمضمض ولا يستنشق لأنه يتعذر عليهم أخراج الماء من فيه فكون سقيا لا مضمضة
ولو كبوه على وجهه ليخرج الماء من فيه ربما يسيل منه شئ وتغسل رجلاه عند الوضوء
بخلاف الاغتسال في حق الحي فإنه يؤخر فيه غسل الرجلين لأنهما في مستنقع الماء المستعمل
وذلك غير موجود هنا ثم يغسل رأسه ولحيته بالخطمي ولا يسرح لان ذلك يفعله الحي
للزينة وقد أنقطع عنه ذلك بالموت ولو فعل ربما يتناثر شعره والسنة دفنه على ما مات عليه
ولهذا لا تقص أظفاره ولا شاربه ولا ينتف إبطه ولا تحلق عانته ورأت عائشة رضي الله عنه
ا قوما يسرحون ميتا فقالت علام تنصون ميتكم ثم يضجعه على شقه الأيسر فيغسل
بالماء القراح حتى ينقيه لان البداءة بالشق الأيمن مندوب إليه فان النبي صلى الله عليه وسلم
كان يحب التيامن في كل شئ فيغسل هذا الشق حتى يرى أن الماء قد خلص إلى ما يلي
التخت وقد أمر قبل ذلك بالماء فأغلي بالسدر فإن لم يكن سدر فحرض فإن لم يكن واحد منهما
فالماء القراح ثم يضجعه على شقه الأيمن فيغسله بالماء القراح حتى ينقيه ويرى ان الماء قد
خلص إلى ما يلي التخت ثم يقعده فيمسح بطنه مسحا رفيقا حتى أن بقي عند المخرج شئ
يسيل منه لكيلا تتلوث أكفانه فقد فعل ذلك العباس رضي الله عنه برسول الله صلى الله
عليه وسلم فلم يجد شيئا فقال طبت حيا وميتا وفي رواية فاح ريح المسك في البيت لما مسح
بطنه فان سال منه شئ مسحه ثم أضجعه على شقه الأيسر فيغسله بالماء القراح حتى ينقيه
لان السنة في اغتسال الحي عدد الثلاث فكذلك في غسل الميت ثم ينشفه في ثوب كيلا
تبتل أكفانه وقد أمر قبل ذلك بأكفانه وسريره فأجمرت وترا والأصل فيه ما روى
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء اللاتي غسلن ابنته ابدأن بالميامن واغسلنها وترا
59

وأمر باجمار أكفانها وترا وهذا لأنه يلبس كفنه للعرض على ربه وفى حياته كان إذا لبس
ثوبه للجمعة والعيد تطيب فكذلك بعد الموت يفعل بكفنه والوتر مندوب إليه في ذلك
لقوله عليه الصلاة والسلام لان الله تعالى وتر يحب الوتر ثم تبسط اللفافة وهي الرداء طولا
ثم يبسط الإزار عليها طولا فإن كان له قميص ألبس إياه وإن لم يكن لم يضره والمذهب
عندنا أن القميص في الكفن سنة * قال الشافعي رضى الله تعالى عنه ليس في الكفن قميص
إنما الكفن ثلاث لفائف عنده واستدل بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه
وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة (ولنا) حديث ابن
عباس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب فيها قميصه ولباسه بعد
موته معتبر بلباسه في حياته إلا أن في حياته كان يلبس السراويل حتى إذا مشى لم تنكشف
عورته وذلك غير محتاج إليه بعد موته فالإزار قائم مقام السراويل ولكن في حال حياته الإزار
تحت القميص ليتيسر المشي عليه وبعد الموت الإزار فوق القميص من المنكب إلى القدم
لأنه لا يحتاج إلى المشي ولم يذكر العمامة في الكفن وقد كرهه بعض مشايخنا لأنه لو فعل
كان الكفن شفعا والسنة فيه أن يكون وترا واستحسنه بعض مشايخنا لحديث عمر رضي الله عنه
انه كان يعمم الميت ويجعل ذنب العمامة على وجهه بخلاف حالة الحياة فإنه يرسل
ذنب العمامة من قبل القفا لمعنى الزينة وبالموت قد انقطع عن ذلك (قال) ثم يوضع
الحنوط في لحيته ورأسه ويوضع الكافور على مساجده يعنى جبهته وأنفه ويديه وركبتيه
وقدميه لأنه كان يسجد بهذه الأعضاء فتخص بزيادة الكرامة وعن زفر رضي الله عنه قال
يذر الكافور على عينيه وأنفه وفمه لان المقصود أن يتباعد الدود من الموضع الذي ينثر عليه
الكافور وإنما تخص هذه المخارق من بدنه بالكافور لهذا (قال) ثم يعطف الإزار عليه
من قبل شقه الأيسر إن كان طويلا حتى يعطف على رأسه وسائر جسده فهو أولى ثم
يعطف من قبل شقه الأيمن كذلك ثم يعطف اللفافة وهي الرداء كذلك لان الميت في حال
حياته إذا تحزم بدأ بعطف شقه الأيسر ثم يعطف الأيمن على الأيسر فكذلك يفعل به
بعد الموت (قال) وان تخوفت أن تنتشر أكفانه عقدته ولكن إذا وضع في قبره يحل
العقد لان المعنى الذي لأجله عقدته قد زال ولم يبين في الكتاب انه هل تحشى مخارقه وقالوا
لا بأس بذلك في أنفه وفمه كيلا يسيل منه شئ وقد جوزه الشافعي رضي الله عنه في دبره
60

أيضا واستقبح ذلك مشايخنا ثم يحمل على سريره ولا يتبع بنار إلى قبره يعنى الاجمار في القبر
قال إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى أكره أن يكون آخر زاده من الدنيا نارا وروى أن النبي
صلى الله عليه وسلم خرج في جنازة فرأى امرأة في يدها مجمر فصاح عليها وطردها حتى
توارت بالآكام فإذا انتهى إلى قبره فلا يضره وترا دخله أو شفعا لان في الحديث انه دخل
قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر على والعباس والفضل بن العباس واختلفوا
في الرابع أنه المغيرة بن شعبة أو أبو رافع ولان المقصود وضع الميت في القبر فإنما يدخل
قبره بقدر ما تحصل به الكفاية الشفع والوتر فيه سواء فإذا وضع في اللحد قالوا بسم
الله وعلى ملة رسول الله أي بسم الله وضعناك وعلى ملة رسول الله سلمناك والسنة عندنا
ان يدخل من قبل القبلة يعنى توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر ويحمل منه الميت
فيوضع في اللحد * وقال الشافعي رضي الله عنه السنة أن يسل إلى قبره وصفة ذلك أن
الجنازة توضع على يمين القبلة ثم يؤخذ برجله فيحمل إلى القبر فيسل جسده سلا لما روى
أن النبي صلى الله عليه وسلم سل إلى قبره ولأنه في حال حياته كان إذا دخل بيته دخل
برجله والقبر بيته بعد الموت فيبدأ بادخال رجليه فيه (ولنا) ما روى إبراهيم النخعي أن
النبي صلى الله عليه وسلم أدخل قبره من قبل القبلة فان صح هذا اتضح المذهب وان صح
ما رووا فقيل إنما كان ذلك لأجل الضرورة لان النبي صلى الله عليه وسلم مات في حجرة
عائشة رضي الله عنها وعن أبيها من قبل الحائط وكانت السنة في دفن الأنبياء صلوات الله
عليهم أجمعين في الموضع الذي قبضوا فيه فلم يتمكنوا من وضع السرير قبل القبلة لأجل
الحائط فلهذا سل إلى قبره وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم قال يدخل الميت قبره
من قبل القبلة لان جانب القبلة معظم ألا ترى أن المختار للجلوس في حال الحياة استقبال
القبلة قال صلى الله عليه وسلم خير المجالس ما استقبلت به القبلة فكذلك بعد الوفاة يختار
ادخاله من قبل القبلة (قال) ويلحد له ولا يشق عندنا وقال الشافعي رضي الله عنه يشق
واعتمادنا فيه على قوله صلى الله عليه وسلم اللحد لنا والشق لغيرنا وكان بالمدينة حفاران أحدهما
يلحد والآخر يشق فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوا في طلب الحفار فقال
العباس رضى الله تعالى عنه اللهم خر لنبيك فوجد الذي يلحد وصفة اللحدان يحفر
القبر ثم يحفر في جانب القبلة منه حفيرة فيوضع فيه الميت وصفة الشق أن يحفر حفيرة في
61

وسط القبر ويوضع فيه الميت وإنما اختاروا الشق في ديارنا لتعذر اللحد فان الأرض فيها
رخاوة فإذا ألحد أنهار عليه فلهذا استعملوا الشق ويجعل على لحده اللبن والقصب جاء في الحديث
انه وضع على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم طن من قصب ورأي رسول الله صلى الله عليه
وسلم فرجة في قبر فأخذ مدرة وناولها الحفار وقال سد بها تلك الفرجة فان الله تعالى
يحب من كل صانع أن يحكم صنعته والمدرة قطعة من اللبن فدل انه لا بأس باستعمال
اللبن ويكره الاجر لأنه إنما استعمل في الأبنية للزينة أو لاحكام البناء والقبر موضع البلى
فلا يستعمل فيه الآجر وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يقول
لا بأس به في ديارنا لرخاوة الأرض وكان يجوز استعمال رفوف الخشب واتخاذ التابوت
للميت حتى قالوا لو اتخذوا تابوتا من حديد لم أر به بأسا في هذه الديار (قال) ويسجي قبر
الميت بثوب حتى يفرغ من اللحد لما روى أن فاطمة رضي الله تعالى عنها سجى قبرها بثوب
وغشى على جنازتها ولان مبنى حال المرأة على الستر كما في حال حياتها ولا يسجى قبر الرجل
لما روى أن عليا رضى الله تعالى عنه رأى قبر رجل سجي بثوب فنحى الثوب وقال لا تشبهوه
بالنساء ولان مبنى حال الرجل على الانكشاف والظهور الا إذا كان عند الضرورة لدفع
مطر أو ثلج أو حر على الداخلين في القبر فحينئذ لا بأس به (قال) ويسنم القبر ولا يربع
لحديث النخعي قال حدثني من رأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر
رضى الله تعالى عنهما مسنمة عليها فلق من مدر بيض ولان التربيع في الأبنية للاحكام ويختار
للقبور ما هو أبعد من أحكام الأبنية وعلى قول الروافض السنة التربيع في القبور ولا تجصص
لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبور وتربيعها ولان التجصيص
في الأبنية اما للزينة أو لاحكام البناء (قال) وامام الحي أحق بالصلاة على الميت
وحاصل المذهب عندنا أن السلطان إذا حضر فهو أحق بالصلاة عليه لان إقامة الجمعة
والعيدين إليه فكذلك الصلاة على من كان يحضر الجمعة والعيدين ولان في التقدم على
السلطان ازدراء به والمأمور في حقه التوقير. ولما مات الحسن بن علي رضي الله تعالى
عنهما حضر جنازته سعيد بن العاص فقدمه الحسين رضي الله تعالى عنه وقال لولا أنها
سنة ما قدمتك وكذلك أن حضر القاضي فهو أحق بالصلاة عليه فإن لم يحضر واحد
منهما فامام الحي عندنا لان الميت كان راضيا بإمامته في حياته فهو أحق بالصلاة عليه بعد
62

موته. وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه الولي أحق من امام الحي لظاهر قوله تعالى وأولو
الأرحام بعضهم أولى ببعض فإن لم يحضر امام الحي فالأولياء. وفي الكتاب قال الأب أحق
من غيره وهو قول محمد رحمه الله تعالى فأما عند أبي يوسف رحمه الله تعالى فالابن أحق من
الأب ولكن الأولى له أن يقدم الأب لأنه جده وفي التقدم عليه ازدراء به فالأولى أن
يقدمه وعند محمد رحمه الله تعالى الأب أعم ولاية حتى يعم ولاية النفس والمال وهذا نظير
اختلافهم في ولاية التزويج كما بينته في كتاب النكاح والحاصل أنه يترتب هذا الحق على
ترتيب العصوبة كولاية التزويج وابن العم أحق بالصلاة على المرأة من زوجها إن لم يكن لها
منه ابن لما روى أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ماتت امرأة له فقال لأوليائها
كنا أحق بها حين كانت حية فأما إذ ماتت فأنتم أحق بها ولان الزوجية تنقطع بالموت
والقرابة لا تنقطع به (قال) والصلاة على الجنازة أربع تكبيرات وكان ابن أبي ليلى يقول
خمس تكبيرات وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى والآثار قد اختلفت في فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى الخمس والسبع والتسع وأكثر من ذلك إلا أن آخر
فعله كان أربع تكبيرات فكان هذا ناسخا لما قبله وأن عمر رضي الله عنه جمع الصحابة حين
اختلفوا في عدد التكبيرات وقال لهم انكم اختلفتم فمن يأتي بعدكم أشد اختلافا فانظروا
آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فخذوا بذلك فوجدوه صلى على
امرأة كبر عليها أربعا فاتفقوا على ذلك ولان كل تكبيرة قائمة مقام ركعة في سائر الصلوات
وليس في المكتوبات زيادة على أربع ركعات إلا أن ابن أبي ليلى رحمه الله يقول التكبيرة
الأولى للافتتاح فينبغي أن يكون بعدها أربع تكبيرات كل تكبيرة قائمة مقام ركعة وأهل
الزيغ يزعمون أن عليا رضي الله عنه كان يكبر على أهل بيته خمس تكبيرات وعلى سائر
الناس أربعا وهذا افتراء منهم عليه فقد روى أنه كبر على فاطمة أربعا وروى أنه إنما صلى
على فاطمة أبو بكر وكبر عليها أربعا وعمر صلى على أبي بكر وكبر أربعا ثم يثنى على الله تعالى
في التكبيرة الأولى كما في سائر الصلوات يثنى عقيب الافتتاح ويصلى على النبي صلى الله عليه
وسلم في الثانية لان الثناء على الله تعالى تعقبه الصلاة على النبي على هذا وضعت الخطب
واعتبر هذا بالتشهد في الصلاة لان الثناء على الله يعقبه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
ويستغفر للميت ويشفع له في الثالثة لان الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه
63

وسلم يعقبه الدعاء والاستغفار والمقصود بالصلاة على الجنازة الاستغفار للميت والشفاعة له
فلهذا يأتي به ويذكر الدعاء المعروف اللهم اغفر لحينا وميتنا إن كان يحسنه والا يذكر ما يدعو
به في التشهد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات إلى آخره ويسلم تسليمتين بعد الرابعة لأنه جاء
أوان التحلل وذلك بالسلام وفى ظاهر المذهب ليس بعد التكبيرة الرابعة دعاء سوى
السلام وقد اختار بعض مشايخنا ما يختم به سائر الصلوات اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة
وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب القبر وعذاب النار. فان كبر الامام خمسا لم يتابعه
المقتدى في الخامسة الا على قول زفر رحمه الله تعالى فإنه يقول هذا مجتهد فيه فيتابعه المقتدى
كما في تكبيرات العيد (ولنا) ان ما زاد على أربع تكبيرات ثبت انتساخه بما روينا ولا
متابعة في المنسوخ لأنه خطأ ثم في احدى الروايتين عن أبي حنيفة رضي الله عنه يسلم حين
رأى امامه يشتغل بما هو خطأ وفي الرواية الأخرى ينتظر سلام الامام حتى يسلم معه
(قال) ولا يقرأ في الصلاة على الجنازة بشئ من القرآن * وقال الشافعي رضي الله عنه
تفترض قراءة الفاتحة فيها وموضعها عقيب تكبيرة الافتتاح لقوله عليه الصلاة والسلام
لا صلاة الا بقراءة وهذه صلاة بدليل اشتراط الطهارة واستقبال القبلة فيها وفي حديث
جابر رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الصلاة على الجنازة بأم القرآن
وقرأ ابن عباس فيها بالفاتحة وجهر ثم قال عمدا فعلت ليعلم أنها سنة (ولنا) حديث ابن
مسعود رحمه الله تعالى قال لم يوقت لنا في الصلاة على الجنازة دعاء ولا قراءة كبر ما كبر
الامام واختر من الدعاء أطيبه وهكذا روى عن عبد الرحمن بن عوف وابن عمر رضى
الله تعالى عنهما أنهما قالا ليس فيها قراءة شئ من القرآن وتأويل حديث جابر رضي الله عنه
أنه كان قرأ علي سبيل الثناء لا على وجه قراءة القرآن ولأن هذه ليست بصلاة على الحقيقة
إنما هي دعاء واستغفار للميت ألا ترى أنه ليس فيها أركان الصلاة من الركوع والسجود
والتسمية بالصلاة لما بينا فيما سبق أن الصلاة في اللغة الدعاء واشتراط الطهارة واستقبال
القبلة فيها لا يدل على أنها صلاة حقيقة وان فيها قراءة كسجدة التلاوة ولا ترفع الأيدي الا في
التكبيرة الأولى الامام والقوم فيها سواء وكثير من أئمة بلخ اختاروا رفع اليد عند كل
تكبيرة فيها وكان نصير بن يحيى رحمه الله تعالى يرفع تارة ولا يرفع تارة فمن اختار الرفع
قال هذه تكبيرات يؤتى بها في قيام مسنون فترفع الأيدي عندها كتكبيرات العيد
64

وتكبير القنوت والفقه فيما بينا من الحاجة إلى اعلام من خلفه من أصم أو أعمى وجه ظاهر
الرواية قوله عليه الصلاة والسلام لا ترفع الأيدي الا في سبع مواطن وليس فيها صلاة
الجنازة وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال لا ترفع اليد فيها إلا عند تكبيرة الافتتاح والمعنى
أن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة فكما لا ترفع الأيدي في سائر الصلوات عند كل ركعة فكذلك
ههنا (قال) وإذا اجتمعت الجنائز فان شاؤوا جعلوها صفا وان شاؤوا وضعوا واحدا خلف
واحد وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول توضع شبه الدرج وهو أن يكون رأس الثاني
عند صدر الأول وعند أبي حنيفة رضي الله عنه أنه إن وضع هكذا فحسن أيضا لان الشرط
أن تكون الجنائز أمام الامام وقد وجد ذلك كيف وضعوا فكان الاختيار إليهم (قال)
وان كانت رجالا وسناء يوضع الرجال مما يلي الامام والنساء خلف الامام مما يلي القبلة ومن
العلماء من قال على عكس هذا لان الصلاة بالجماعة صف النساء خلف صف الرجال إلى القبلة
فكذلك في وضع الجنائز ولكنا نقول في الصلاة بالجماعة الرجال أقرب إلى الامام من النساء
فكذلك في وضع الجنائز وإن كان جنازة غلام وامرأة وضع الغلام مما يلي الامام والمرأة خلفه
مما يلي القبلة لما روى أن أم كلثوم ابنة علي رضي الله عنهما امرأة عمر رضي الله عنه وابنها
زيد بن عمر رضي الله عنهما ماتا معا فوضع ابن عمر جنازتهما بهذه الصفة وصلي عليهما ولان
الرجل إنما يقدم مما يلي الامام للفضيلة بالذكورة وهذا موجود في الغلام والأصل فيه قوله عليه
الصلاة والسلام ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فصار الحاصل
انه توضع جنازة الرجل مما يلي الامام وخلفه مما يلي القبلة جنازة الغلام وخلفه جنازة الخنثى
إن كان وخلفه جنازة المرأة (قال) وإذا وقعت الحاجة إلى دفن اثنين أو ثلاثة في قبر واحد
فلا بأس بذلك به أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد وقال احفروا وأوسعوا
واجعلوا في كل قبر اثنين أو ثلاثة وقدموا أكثرهم أخذا للقرآن فقلنا يوضع الرجل مما يلي
القبلة ثم خلفه الغلام ثم خلفه الجنين ثم خلفه المرأة ويجعل بين كل ميتين حاجز من
التراب ليصير في حكم قبرين (قال) وأحسن مواقف الامام من الميت في الصلاة عليه بحذاء
الصدر وان وقف في غيره أجزأه وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول يقف من الرجل بحذاء
الصدر ومن المرأة بحذاء وسطها لما روى أن أم بريدة صلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف
بحذاء وسطها (ولنا) أن أشرف الأعضاء في البدن الصدر فإنه موضع العلم والحكمة
65

وهو أبعد من الأذى والوقوف عنده أولى كما في حق الرجال ثم الصدر موضع نور الايمان.
قال الله تعالى أفمن شرح الله صدره للاسلام الآية وإنما يصلي عليه لايمانه فيختار الوقوف
حذاء الصدر لهذا أو الصدر هو الوسط في الحقيقة فإنه فوقه رأس ويدان وتحته بطن
ورجلان (قال) ويتيمم لصلاة الجنازة إذا خاف فوتها في المصر عندنا وكذلك لو افتتح
الصلاة ثم أحدث تيمم وبنى وقد بينا هذا فيما سبق فان صلى على جنازة بالتيمم ثم جئ بجنازة
أخرى فان وجد بينهما من الوقت ما يمكنه أن يتوضأ فعليه إعادة التيمم للصلاة على الجنازة
الثانية لأنه تمكن من استعمال الماء بعد التيمم للأول فإن لم يجد فرجة من الوقت ذلك القدر
فله أن يصلى بتيممه على الجنازة الثانية عند أبي يوسف رحمه الله تعالى لان العذر قائم وهو
خوف الفوت لو اشتغل بالوضوء وعند محمد رحمه الله تعالى يعيد التيمم على كل حال
ذكره في نوادر أبى سليمان رحمه الله تعالى لأنه تجددت ضرورة أخرى فعليه تجديد التيمم
(قال) وإذا كبر الامام تكبيرة أو تكبيرتين ثم جاء رجل فإنه ينتظر حتى يكبر الامام
فيكبر معه فإذا سلم قضى ما بقي عليه قبل أن ترفع الجنازة في قول أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رضى الله تعالى عنه يكبر حين يحضر لقوله عليه الصلاة
والسلام اتبع امامك حين تحضر في أي حال أدركته وقاس هذا بسائر الصلوات فان المسبوق
يكبر للافتتاح فيها حين ينتهى إلى الامام فهذا مثله وكذلك لو كان واقفا خلف الامام فتأخر
تكبيرة عن تكبيرة الامام لم ينتظر أن يكبر الامام الثانية بالاتفاق فهذا مثله ومذهبنا
مروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والمعني فيه أن كل تكبيرة في الصلاة على
الجنازة قائمة مقام ركعة فلو لم ينتظر تكبير الامام حين جاء كان قاضيا ما فاته قبل أداء
ما أدرك مع الامام وذلك منسوخ إلا أن أبا يوسف رحمه الله تعالى يقول في تكبيرة الافتتاح
معنيان معنى الافتتاح والقيام مقام ركعة ومعنى الافتتاح مرجح فيها بدليل تخصيصها برفع
اليد عندها. ولو جاء بعد ما كبر الامام الرابعة لم يدخل معه وقد فاتته الصلاة في قولهما وفى
قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يكبر فإذا سلم الامام قضي ثلاث تكبيرات بمنزلة ما لو كان
خلف الامام ولم يكبر حتى كبر الامام الرابعة والفرق بين الفصلين لهما أن من كان خلف
الامام فهو مدرك لتكبيرة الافتتاح فيأتي بها حين حضرته النية بخلاف المسبوق فإنه غير
مدرك للتكبيرة الأولى وهي قائمة مقام ركعة فلا يشتغل بقضائها قبل سلام الامام كسائر
66

التكبيرات (قال) وإذا صلى على جنازة ثم حضر قوم لم يصلوا عليها ثانية جماعة ولا وحدانا
عندنا إلا أن يكون الذين صلوا عليها أجانب بغير أمر الأولياء ثم حضر الولي فحينئذ له ان
يعيدها وقال الشافعي رضي الله عنه تعاد الصلاة على الجنازة مرة بعد مرة لما روى أن النبي
صلى الله عليه وسلم مر بقبر جديد فسأل عنه فقيل قبر فلانه فقال هلا آذنتموني بالصلاة عليها
فقيل إنها دفنت ليلا فخشينا عليك هوام الأرض فقام وصلى على قبرها ولما قبض رسول الله
صلى الله عليه وسلم صلى الصحابة عليه فوجا بعد فوج (ولنا) ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه
ما وابن عمر رضي الله عنه انهما فاتتهما الصلاة على جنازة فلما حضرا ما زادا على
الاستغفار له وعبد الله بن سلام رضي الله عنه فاتته الصلاة على جنازة عمر فلما حضر قال إن
سبقتموني بالصلاة عليه فلا تسبقوني بالدعاء له. والمعنى فيه أن حق الميت قد تأدى بفعل الفريق
الأول فلو فعله الفريق الثاني كان تنفلا بالصلاة على الجنازة وذلك غير مشروع ولو جاز هذا
لكان الأولى أن يصلى على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرزق زيارته الآن لأنه
في قبره كما وضع فان لحوم الأنبياء حرام علي الأرض به ورد الأثر ولم يشتغل أحد بهذا فدل
انه لا تعاد الصلاة على الميت إلا أن يكون الولي هو الذي حضر فان الحق له وليس لغيره
ولاية اسقاط حقه وهو تأويل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فان الحق كان له قال الله
تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهكذا تأويل فعل الصحابة فان أبا بكر رضي الله عنه
كان مشغولا بتسوية الأمور وتسكين الفتنة فكانوا يصلون عليه قبل حضوره وكان
الحق له لأنه هو الخليفة فلما فرغ صلى عليه ثم لم يصل أحد بعده عليه (وعلى) هذا قال علماؤنا
رحمهم الله تعالى لا يصلي على ميت غائب. وقال الشافعي رضي الله عنه يصلى عليه فان النبي
عليه الصلاة والسلام صلى على النجاشي وهو غائب ولكنا نقول طويت الأرض وكان هو
أولى الأولياء ولا يوجد مثل ذلك في حق غيره * ثم إن كان الميت من جانب المشرق فان
استقبل القبلة في الصلاة عليه كان الميت خلفه وذلك لا يجوز وان استقبل الميت كان مصليا
لغير القبلة وذلك لا يجوز (قال) وإذا كبر الامام على جنازة ثم أتى بجنازة أخرى فوضعت
معها قال يفرغ من الصلاة على الأولى ثم يستأنف الصلاة على الثانية لأنه شرع في الصلاة
على الأولى فيتمها وكذلك أن كبر الثانية ينوى الصلاة عليهما أو لم يحضره نيه فيها فهو في
الأولى وان كبر ينوى الصلاة على الثانية كان قاطعا للأولى شارعا في الثانية فيصلى على الثانية
67

ثم يستأنف الصلاة على الأولى بمنزلة ما لو كان في الظهر فكبر ينوى العصر بخلاف ما إذا
نواهما لأنه غير رافض للأولى فلا يصير شارعا في الثانية مع بقائه في الأولى (قال)
وتكره الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس أو عند غروبها أو نصف النهار لحديث عقبة
ابن عامر رضى الله تعالى عنه وأن نقبر فيهن موتانا والمراد الصلاة على الجنازة فلا بأس بالدفن
في هذه الأوقات وان صلوها لم يكن عليهم اعادتها لان حق الميت تأدى بما أدوا فان
المؤدى في هذه الأوقات صلاة وإن كان فيها نقصان. الا ترى ان التطوع إنما يلزم بالشروع
في هذه الأوقات (قال) وإذا أرداوا ان يصلوا على جنازة بعد غروب الشمس بدؤا بالمغرب
لأنها أقوى فإنها فرض عين على كل واحد والصلاة على الجنازة فرض على الكفاية والبداءة
بالأقوى أولى لان تأخير صلاة المغرب بعد غروب الشمس مكروه وتأخير الصلاة على
الجنازة غير مكروه (قال) وتكره الصلاة على الجنازة في المسجد عندنا وقال الشافعي
رضي الله عنه لا تكره لما روى أن سعد بن أبي وقاص رحمه الله تعالى لما مات أمرت عائشة
رضي الله عنها بادخال جنازته المسجد حتى صلي عليها أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورضى عنهن ثم قالت لبعض من حولها هل عاب الناس علينا بما فعلنا قال نعم فقالت
ما أسرع ما نسوا ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي جنازة سهل بن أبي البيضاء الا في
المسجد ولأنها دعاء أو صلاة والمسجد أولى به من غيره (ولنا) حديث أبي هريرة رضي
الله عنه قال قال عليه الصلاة والسلام من صلى على جنازة في المسجد فلا أجر له وحديث عائشة
رضي الله عنها دليلنا لان الناس في زمانها المهاجرون والأنصار وقد عابوا عليها فدل أنه كان
معروفا فيما بينهم كراهة هذا. وتأويل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان معتكفا
في ذلك الوقت فلم يمكنه أن يخرج وأمر بالجنازة فوضعت خارج المسجد وعندنا إذا كانت
الجنازة خارج المسجد لم يكره أن يصلى الناس عليها في المسجد إنما الكراهة في إدخال
الجنازة لقوله عليه الصلاة والسلام جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم فإذا كان الصبي
ينحى عن المسجد فالميت أولى (قال) وإذا صلوا على جنازة والامام غير طاهر فعليهم
إعادة الصلاة لان صلاة الامام فاسدة لعدم الطهارة فتفسد صلاة القوم بفساد صلاته وإن كان
الامام طاهرا والقوم على غير طهارة لم يكن عليهم اعادتها لان صلاة الامام قد صحت
وحق الميت به تأدى فالجماعة ليست بشرط في الصلاة على الجنازة (قال) وإذا أخطؤا
68

بالرأس فوضعوها في موضع الرجلين وصلوا عليها جازت الصلاة لان ما هو شرط وهو
كون الميت أمام الامام فقد وجد إنما التغير في صفة الوضع وذلك لا يمنع جواز الصلاة إلا أن
هم ان تعمدوا ذلك فقد أساؤا بتغيير الوضع عما توارثه الناس (قال) وإذا أخطؤا القبلة
جازت صلاتهم يعنى إذا صلوا بالتحري وان تعمدوا خلافها لم تجز على قياس سائر الصلوات
فإنها في وجوب استقبال القبلة كسائر الصلوات (قال) وان دفن قبل الصلاة عليها صلى
في القبر عليها إنما لا يخرج من القبر لأنه قد سلم إلى الله تعالى وخرج من أيديهم. جاء عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القبر أول منزل من منازل الآخرة ولكنهم لم يؤدوا
حقه بالصلاة عليه والصلاة على القبر تتأتى فقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهذا يصلى
على القبر ما لم يعلم أنه تفرق لان المشروع الصلاة على الميت لا على أعضائه وفى الأمالي عن أبي
يوسف رحمه الله تعالى قال يصلى عليه إلى ثلاثة أيام وهكذا ذكره ابن رستم عن محمد
رحمهما الله تعالى لان الصحابة كانوا يصلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي ثلاثة
أيام والصحيح أن هذا ليس بتقدير لازم لأنه يختلف باختلاف الأوقات في الحر والبرد
وباختلاف الا مكنة وباختلاف حال الميت في السمن والهزال والمعتبر فيه أكبر الرأي والذي
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين معناه دعا لهم
. قال الله تعالى وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم وقيل إنهم كما دفنوا لم تتفرق أعضاؤهم
وهكذا وجدوا حين أراد معاوية أن يحولهم فتركهم (قال) ويصف النساء خلف الرجال
في الصلاة على الجنازة لقوله عليه الصلاة والسلام خير صفوف النساء آخرها وان وقفت
امرأة بجنب رجل لم تفسد عليه صلاته لان الفساد بسبب المحاذاة ثبت بالنص بخلاف
القياس وإنما ورد النص به في صلاة مطلقة وهذه ليست بصلاة مطلقة ولهذا لا وضوء على
من قهقه فيها بخلاف سائر الصلوات (قال) وإذا صلوا قعودا أو ركبانا في القياس يجزيهم
لأنها دعاء في الحقيقة ولان ركن القيام معتبر بسائر الأركان كالقراءة والركوع والسجود
وفى الاستحسان عليهم الإعادة لان فيها شيئين التكبير والقيام فكما أن ترك التكبير يمنع
الاعتداد فكذلك ترك القيام والقيام ههنا كوضع الجبهة والأنف في سجدة التلاوة
فكما لا تتأدى السجدة الا بهما كذا هنا (قال) ولو مات رجل في سفر ومعه نساء ليس
معهن رجل فإن كان فيهن امرأته غسلته لان أبا بكر رضي الله عنه أوصى إلى امرأته أسماء
69

أن تغسله وهكذا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وقالت عائشة رضي الله عنها لو
استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الا نساؤه ولان
النكاح بينهما في حكم القائم ما لم تنقض العدة فان الموت محول للملك لا مبطل وملك
النكاح لا يحتمل التحول إلى الورثة فبقي موقوفا على الزوال بانقضاء العدة كما بعد الطلاق الرجعي
ولو ارتفع النكاح بالموت فإنما ارتفع إلى خلف وهي العدة وهذه العدة حق
النكاح فتقوم مقام حقيقته في ابقاء حل المس والنظر (قال) وإن كان فيهن أم ولده لم
تغسله في قول أبي حنيفة الآخر وفى قوله الأول لها أن تغسله وهو قول زفر رحمه الله
تعالى لأنها معتدته من فراش صحيح فهي كالمنكوحة وجه قوله الآخر انها عتقت بالموت
فصارت أجنبية منه ووجوب العدة عليها بطريق الاستبراء ولهذا لا يختلف بالحياة والوفاة
فلا يثبت باعتباره حل المس والنظر كالعدة من نكاح فاسد (قال) وإن كان فيهن امرأة
قد بانت منه في حياته لم تغسله سواء كانت البينونة بطلاق أو غير طلاق لان النكاح قد
ارتفع في حالة الحياة والعدة الواجبة عليها بطريق الاستبراء ولهذا تقدر بالأقراء وكذلك
لو ارتدت قبل موته ثم أسلمت بعد موته لم تغسله عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى لان الردة
بعد الموت لا ترفع النكاح فقد ارتفع بالموت بخلاف الردة في حال الحياة ولكنا نقول
النكاح كالقائم على احدى الطريقتين فارتفع بالردة وعلى الطريق الآخر فقد بقي حل المس
والنظر وكما ترفع الردة مطلق الحل ترفع ما بقي منه وهو حل المس والنظر وعلى هذا لو
طاوعت ابن زوجها بعد موته أو وطئت بشبهة فوجب عليها العدة لم تغسله عندنا خلافا لزفر
رحمه الله تعالى ولو مات الزوج وهي معتدة من وطئ بشبهة فانقضت عدتها لم تغسله عندنا
لأنه لم يثبت حل الغسل عند الموت لها فلا يثبت بعده خلافا لأبي يوسف رحمه الله تعالى
وكذلك لو كانت أختها تعتد منه فانقضت عدتها بعد موته فهو على هذا الخلاف وكذلك
المجوسية إذا أسلمت بعد موت زوجها المسلم لم تغسله عندنا خلافا لأبي يوسف وإن كان فيهن
أمته لم تغسله وقال الشافعي رضي الله عنه لها ان تغسله لان ملكه فيها يبقى حكما لحاجته
إلى من يغسله (ولنا) انها قد انتقلت إلى الوارث وصارت كسائر إمائه وهذا لان حل
المس يعتمد ملك المتعة لا ملك المالية وملك المتعة في الأمة تبع فلا يمكن ابقاؤها له بعد تحول
ما هو الأصل وهو ملك الرقبة إلى الوارث وكذلك أن كان فيهن أحد من ذوات محارمه لان
70

المحرم في حكم النظر إلى العورة كالأجنبية فكذلك ذوات محارمه ولكن ييمم لأنه تعذر غسله
لانعدام من يغسله فصار كتعذر غسله لانعدام ما يغسل به فإن كان من ييممه محرما يممه بغير
خرقة لأنه حل لها مس هذين العضوين في حياته فكذلك بعد وفاته فإن كانت أجنبية يممته
بخرقة تلفها على كفها لأنه لم يكن لها أن تمسه في حياته فكذلك بعد وفاته ثم يصلين عليه وقام
الامام منهن وسطهن كما هو الحكم في جماعة النساء وإن كان معهن رجل كافر علمنه غسل
الميت ليغسله لان نظر الجنس إلى الجنس أخف وإن لم يكن بينهما موافقة في الدين. ألا ترى
أن المسلم يغسل قرابته من الكفار ولو ماتت امرأة بين الرجال وفيهم زوجها لم يكن له أن
يغسلها عندنا * وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه له ذلك لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تقول وا رأساه فقال وأنا وا رأساه لا عليك انك
لومت غسلتك وكفنتك وصليت عليك وما جاز لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجوز لامته
الا ما قام عليه دليل وان عليا رضى الله تعالى عنه غسل فاطمة بعد موتها ولان النكاح
انتهى بينهما بالموت فيفيد الباقي منهما حل الغسل كالرجل إذا مات وهذا لان المنتهى متقرر
في حق أحكامه نحو الإرث وغيره ولان الملك جعل كالقائم لحاجة الميت منهما إلى الغسل
وملك الحل مشترك بينهما (ولنا) حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم سئل عن امرأة تموت بين رجال فقام تيمم الصعيد ولم يفصل بين أن يكون فيهم
زوجها أو لا يكون والمعنى فيه أن النكاح بموتها أرتفع بجميع علائقه فلا يبقى حل المس والنظر كما
لو طلقها قبل الدخول وبيان الوصف انها بالموت صارت محرمة البتة والحرمة تنافي النكاح
ابتداء وبقاء ولهذا جاز للزوج ان يتزوج بأختها وأربع سواها بخلاف ما إذا مات الزوج ثم
الزوج بالنكاح مالك والمرأة مملوكة فبعد موته يمكن ابقاء صفة المالكية له حكما لبقاء محل
الملك فأما بعد موتها فلا يمكن ابقاء الملك مع فوات المحل ومعني قوله عليه الصلاة والسلام
غسلتك أي قمت بأسباب غسلك كما يقال بنى فلان دارا وإن لم يكن هو بنى وحديث على رضى
الله تعالى عنه أنه غسلها فقد ورد ان فاطمة غسلتها أم أيمن ولو ثبت أن عليا رضي الله تعالى
عنه غسلها فقد أنكر عليه ابن مسعود رضي الله عنه حتى قال له على أما علمت أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة فادعاؤه الخصوصية دليل على أنه كان
معروفا بينهم ان الرجل لا يغسل زوجته وقد قال عليه الصلاة والسلام كل سبب ونسب
71

ينقطع بالموت الا سببي ونسبي فهذا دليل على الخصوصية في حقه وفى حق على رضى الله
تعالى عنه أيضا لان نكاحه كان من أسباب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا لم تغسل
يممها فإن كان من ييممها محرما لها يممها بغير خرقة وإن كان أجنبيا ييممها بخرقة يلفها على كفه
ويعرض وجهه عن ذراعيها دون وجهها لان في حالة حياتها ما كان للأجنبي أن ينظر إلى
ذراعيها فكذلك بعد الموت وإن كان معهم امرأة كافرة علموها غسل الميت لتغسلها ثم
يصلى عليها الرجال لما بينا (قال) وتكفن المرأة في خمسة أثواب والرجل في ثلاثة أثواب
هكذا قال علي رضي الله عنه كفن المرأة خمسة أثواب وكفن الرجل ثلاثة أثواب ولا
تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ولان حال كل واحد منهما بعد الموت معتبر بحال الحياة والرجل
في حياته يخرج في ثلاثة أثواب عادة قميص وسراويل وعمامة والمرأة في خمسة أثواب درع
وخمار وإزار وملاءة ونقاب فكذلك بعد الموت ولان مبنى حالها على الستر فيزاد كفنها
على كفن الرجل وتفسير الأثواب الخمسة درع وخمار وإزار ولفافة وخرقة تربط فوق
الأكفان عند الصدر فوق الثديين والبطن حتى لا ينتشر عليها الكفن إذا حملت على السرير
وقال زفر رحمه الله تعالى تربط الخرقة على فخذيها لئلا تضطرب إذا حملت على السرير
ويوضع الحنوط منها موضعه من الرجال ولا يسدل شعرها خلف ظهرها ولكن يسدل
من بين ثدييها من الجانبين جميعا لان سدل الشعر خلف ظهرها في حال الحياة كان لمعنى
الزينة وقد انقطع ذلك بالوفاة ثم يسدل الخمار عليها كهيئة المقنعة فوق الدرع وتحت الإزار
وان كفنت المرأة في ثوبين وخمار ولم تكفن في درع جاز ذلك لان معنى الستر في حال
الحياة يحصل بثلاثة أثواب حتى يجوز لها أن تصلى فيها وتخرج فكذلك بعد الموت (قال)
والخلق إذا غسل والجديد فيه سواء لحديث أبي بكر رضي الله عنه قال اغسلوا ثوبي هذين
وكفنوني فيهما فإنهما للمهل والصديد وان الحي أحوج من الميت إلى الجديد (قال)
والبرود والبياض كل ذلك حسن لحديث جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
أن أحب الثياب إلى الله تعالى البياض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم وقال عليه
الصلاة والسلام حسنوا أكفان الموتى فإنهم يتزاورون فيما بينهم ويتفاخرون بحسن
أكفانهم والحاصل ان ما يجوز لكل جنس أن يلبسه في حياته يجوز أن يكفن فيه بعد
موته والسنة في كفن الرجل ثلاثة أثواب كما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن
72

في برد وحلة اسم للزوج من الثياب والبرد اسم للفرد من الثياب وقالت عائشة رضي الله عنه
ا كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية (قال)
وأدنى ما يكفن فيه في حالة الاختيار ثوبان لأنه يجوز له أن يخرج فيهما ويصلى فيهما من
غير كراهة فكذلك يكفن فيهما (قال) فان كفنوه في واحد فقد أساؤا لان في حالة
حياته تجوز صلاته في إزار واحد مع الكراهة فكذلك بعد الموت يكره أن يكفن فيه
إلا عند الضرورة بأن كأن لا يوجد غيره لان مصعب بن عمير رضى الله تعالى عنه لما استشهد
كفن في نمرة فكان إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطى بها رجلاه بدأ رأسه فأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تغطي رأسه ويجعل على رجليه شئ ء من الإذخر
وكذلك حمزة رضي الله عنه لما استشهد كفن في ثوب واحد لم يوجد له غيره فدل على أن
عند الضرورة يجوز هذا (قال) والغلام المراهق كالرجل يكفن فيما يكفن فيه الرجل فاما
الطفل الذي لم يتكلم فان كفن في خرقتين إزار ورداء فحسن وان كفن في إزار واحد جاز
لان في حال حياته كان يجوز الاقتصار على ثوب واحد في حقه فكذلك بعد الموت (قال)
وتغسل المرأة الصبي الذي لم يتكلم لأنه ليس لفرجه حكم العورة حتى لا يجب ستره في
حال حياته ويجوز النظر إليه (قال) قوم صلوا على ميت قبل أن يغسل قال تعاد الصلاة
بعد الغسل لأن الطهارة في حقه معتبرة للصلاة عليه كما هي معتبرة في حق من يصلى عليه
ولو صلى بغير طهارة على جنازة أعادها بعد الطهارة فكذا هذا وكذلك لو غسلوه وبقي
عضو من أعضائه أو قدر لمعة فإن كان قد لف في كفنه وقد بقي عضو لم يصبه الماء يخرج
من الكفن فيغسل ذلك العضو بالاتفاق وإن كان الباقي شيئا يسيرا كالإصبع ونحوه
فكذلك عند محمد رحمه الله تعالى لان الإصبع في حكم العضو بدليل اغتسال الحي وقال أبو
يوسف رحمه الله تعالى لا يخرج من الكفن لأنه لا يتيقن بعدم وصول الماء إلى ذلك القدر
فلعله أسرع إليه الجفاف لقلته وهذا الخلاف في نوادر أبى سليمان رحمه الله تعالى (قال)
فإن كانوا قد دفنوه لم ينبش عنه القبر لما بينا أنه قد خرج من أيديهم فسقط فرض غسله عنهم
ثم يصلى على قبره لان الصلاة الأولى لم تصح فكأنهم دفنوه قبل الصلاة عليه (قال)
ميت وضع في لحده لغير القبلة أو على شقه الأيسر أو جعل رأسه في موضع رجليه قال
لا ينبش عنه قبره لان وضعه إلى القبلة سنة وقد تم خروجه من أيديهم بعد ما أهالوا عليه
73

التراب فلا يجوز نبشه فان وضع اللبن ولم يهل التراب عليه فإنه ينزع اللبن ويوضع كما
ينبغي ويغسل إن لم يكن غسل لأنه لم يتم خروجه من أيديهم بعد فنزع اللبن بعد الوضع
متيسر لا يحتاج فيه إلى حفر بخلاف الأول (قال) وان سقط شئ من متاع القوم في
القبر فلا بأس بأن يحفروا التراب في ذلك الموضع ليخرجوا متاعهم من غير أن ينبش
الميت لأن لمال المسلم حرمة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وفي ابقاء
المتاع في القبر إضاعة المال وقد صح في الحديث ان المغيرة بن شعبة رضي الله عنه سقط
خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال بالصحابة حتى رفع اللبن وأخذ خاتمه
وقبل بين عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كان يفتخر بذلك ويقول إنا آخركم عهدا
برسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) ويكره ان يجعل على اللحد رفوف الخشب لان
ذلك يستعمل في الأبنية للزينة أو لاحكام البناء وقد بينا انه لا بأس بذلك في ديارنا لرخاوة
الأرض والله أعلم
* (باب صلاة الكسوف) *
الأصل فيه حديث ابن مسعود رضي الله عنه (قال) انكسفت الشمس يوم
مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس إنما انكسفت الشمس لموته
فقال عليه الصلاة والسلام ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينكسفان لموت
أحد ولا لحياته فإذا رأيتم شيئا من هذه الأهوال فافزعوا إلى الصلاة وفى حديث أبي موسى
قال انكسفت الشمس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا يخشى أن تكون الساعة
حتى أتى المسجد فصلى ثم قال إن هذه الآيات لا ترسل لموت أحد ولكن يرسلها الله تعالى
ليخوفكم بها فإذا رأيتموها فاذكروا الله تعالى واستغفروه * ثم الصلاة في كسوف الشمس
ركعتان كسائر الصلوات عندنا كل ركعة بركوع وسجدتين * وقال الشافعي رضي الله عنه
كل ركعة بركوعين وسجودين لحديث عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهم
ا ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس ركعتين بأربع ركوعات وأربع
سجدات ولنا حديث عبد الله بن عمر والنعمان بن بشير وأبى بكرة وسمرة بن جندب
بألفاظ مختلفة ان النبي عليه الصلاة والسلام صلى في كسوف الشمس ركعتين كأطول صلاة
74

كان يصليها فانجلت الشمس مع فراغه منها وفى الكتاب ذكر حديث إبراهيم رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في الكسوف ثم كان الدعاء حتى تجلت وهو
كان مقدما في باب الاخبار فإنما يعتمد على ما يصح منها فدل ان الصحيح انها كسائر
الصلوات ولو جاز الاخذ بما روت عائشة وابن عباس رضي الله عنهم لجاز الاخذ بما روى
جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف ركعتين بست ركوعات
وست سجدات * وقال علي رضي الله عنه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الكسوف ركعتين بثمان ركوعات وأربع سجدات وبالإجماع هذا غير مأخوذ به لأنه مخالف
للمعهود فكذلك ماروت عائشة وابن عباس رضي الله عنهما. وتأويل ذلك أن النبي صلى
الله عليه وسلم طول الركوع فيها فإنه عرض عليه الجنة والنار في تلك الصلاة فمل بعض القوم
فرفعوا رؤسهم وظن من خلفهم ان النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه فرفعوا رؤسهم ثم
عاد الصف المتقدم إلى الركوع اتباعا لرسول الله عليه الصلاة والسلام فركع من خلفهم أيضا
وظنوا انه ركع ركوعين في كل ركعة ومثل هذا الاشتباه قد يقع لمن كان في آخر الصفوف
وعائشة رضي الله عنها كانت واقفة في صف النساء وابن عباس في صف الصبيان في ذلك
الوقت فلهذا نقلا كما وقع عندهما ولو كان هذا صحيحا لكان أمرا بخلاف المعهود فينقلها الكبار
من الصحابة الذين كانوا يلون رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيث لم يروها أحد منهم
دل أن الامر كما قلنا * ثم هذه الصلاة لا يقيمها بالجماعة الا الامام الذي يصلى بالناس الجمعة
والعيدين فاما ان يصلى كل فريق في مسجدهم فلا لأنه أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما
يقيمها الآن من هو قائم مقامه وإن لم يقمها الامام صلى الناس فرادى ان شاؤوا ركعتين وان شاؤوا
أربعا لان هذا تطوع والأصل في التطوع أداؤها فرادى ان شاؤوا ركعتين وان شاؤوا أربعا
وذلك أفضل ثم إن شاؤوا طولوا القراءة وان شاؤوا قصروا ثم اشتغلوا بالدعاء حتى تنجلي الشمس
فان عليهم الاشتغال بالتضرع إلى أن تنجلي وذلك بالدعاء تارة وبالقراءة أخرى وصح في الحديث
أن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى كان بقدر سورة البقرة وفى الركعة
الثانية بقدر سورة آل عمران فالأفضل أن يطول القراءة فيها * فأما كسوف القمر فالصلاة
حسنة وكذلك في الظلمة والريح والفزع لقوله عليه الصلاة والسلام إذا رأيتم شيئا من
هذه الأهوال فافزعوا إلى الصلاة وعاب أهل الأدب على محمد رحمه الله تعالى في هذا
75

اللفظ وقالوا إنما يستعمل في القمر لفظ الخسوف قال الله تعالى فإذا برق البصر وخسف
القمر ولكنا نقول الخسوف ذهاب دائرته والكسوف ذهاب ضوئه دون دائرته فإنما أراد
محمد هذا النوع بذكر الكسوف ثم الصلاة فيها فرادى لا بجماعة لان كسوف القمر بالليل
فيشق على الناس الاجتماع وربما يخاف الفتنة ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها
بالجماعة والأصل في التطوعات ترك الجماعة فيها ما خلا قيام رمضان لاتفاق الصحابة عليه
وكسوف الشمس لورود الأثر به. ألا ترى أن ما يؤدى بالجماعة من الصلاة يؤذن لها ويقام
ولا يؤذن للتطوعات ولا يقام فدل أنها لا تؤدى بالجماعة (قال) ولا يجهر بالقراءة في صلاة
الجماعة في كسوف الشمس في قول أبي حنيفة رضي الله عنه ويجهر بها في قول أبى يوسف
رحمه الله وقول محمد رحمه الله تعالى مضطرب وجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى حديث
علي رضي الله عنه أنه جهر بالقراءة في صلاة الكسوف ولأنها صلاة مخصوصة تقام بجمع عظيم
فيجهر فيها بالقراءة كالجمعة والعيدين. وجه قول أبي حنيفة رضي الله عنه حديث ابن عباس
وسمرة بن جندب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع منه حرف من
قراءته في صلاة الكسوف ولأنها صلاة النهار وفى الحديث صلاة النهار عجماء أي ليس فيها
قراءة مسموعة وتأويل حديث علي رضي الله عنه أنه وقع اتفاقا أو تعليما للناس أن القراءة
فيها مشروعة (قال) ولا يصلى الكسوف في الأوقات الثلاثة التي تكره فيها الصلاة لأنها
تطوع كسائر التطوعات (قال) ولا صلاة في الاستسقاء إنما فيها الدعاء في قول أبي حنيفة
وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى يصلى فيها ركعتين بجماعة كصلاة
العيد إلا أنه ليس فيها تكبيرات كتكبيرات العيد وهو رواية بشر بن غياث عن أبي يوسف
رحمهما الله تعالى. وقال الشافعي رضي الله عنه فيها تكبيرات كتكبيرات العيد لحديث
ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالجماعة في الاستسقاء ركعتين
وفى حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى
فيها ركعتين كصلاة العيد ولأبي حنيفة قوله تعالى استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء
عليكم مدرارا فإنما أمرنا بالاستغفار في الاستسقاء بدليل أنه قال يرسل السماء عليكم مدرارا وفى
حديث أنس رضي الله عنه أن الاعرابي لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستسقى
وهو على المنبر رفع يديه يدعو فما نزل عن المنبر حتى نشأت سحابة فمطرنا إلى الجمعة القابلة
76

الحديث وأن عمر رضي الله عنه خرج للاستسقاء فما زاد على الدعاء فلما قيل له في ذلك قال
لقد استسقيت لكم بمجاريح السماء التي يستنزل بها المطر وروى أنه خرج بالعباس رضي الله عنه
فأجلسه على المنبر ووقف بجنبه يدعو ويقول اللهم أنا نتوسل إليك بعم نبيك صلى الله عليه
وسلم ودعا بدعاء طويل فما نزل عن المنبر حتى سقوا فدل أن في الاستسقاء الدعاء وهو
الاستغفار والأثر الذي نقل أنه صلى فيها صلى الله عليه وسلم شاذ فيما تعم به البلوى وما يحتاج
الخاص والعام إلى معرفته لا يقبل فيه شاذ وهذا مما تعم به البلوى في ديارهم ثم عند محمد رحمه
الله تعالى يخطب الامام بعد الصلاة نحو الخطبة في صلاة العيد وعن أبي يوسف أنه يخطب
خطبة واحدة لان المقصود الدعاء فلا يقطعها بالجلسة وقد ورد بكل واحد منهما أثر عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكان الزهري يقول يخطب قبل الصلاة وهو قول مالك رضي الله عنه
وقد ورد به حديث ولكنه شاذ فإذا مضى صدر من خطبته قلب رداءه وصفته إن كان مربعا
جعل أعلاه أسفله وإن كان مدورا جعل الجانب الأيمن على الجانب الأيسر وقد ورد به حديث
أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولا تأويل له سوى أن يقال تغير الهيئة ليتغير الهواء ولا
بأس بأن يعتمد في خطبته على عصا وان يتنكب قوسا به ورد الأثر وهذا لان خطبته
تطول فيستعين بالاعتماد على عصا وإذا قلب الامام رداءه لم يقلب الناس أرديتهم الا على
قول مالك رضى الله تعالى عنه. وقد روى أن الناس فعلوا ذلك حين فعله رسول الله صلى
عليه وسلم ولم ينكر عليهم وبه أخذ مالك. وتأويله انهم اقتدوا به على ظن أنها سنة
كما خلعوا نعالهم حين خلع نعليه في الصلاة لم يأمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما يكون من سنة الخطبة يأتي به الخطيب دون القوم كالقيام وعن أبي يوسف رضى الله
تعالى عنه قال إن شاء رفع يديه في الدعاء وان شاء أشار بإصبعه لان رفع اليد عند الدعاء
سنة جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بعرفات باسطا يديه كالمتضرع
المسكين وإنما يخرجون في الاستسقاء ثلاثة أيام لم ينقل أكثر من ذلك ولا يخرجون المنبر
فيها كما بينا في صلاة العيد (قال) ولا يخرج أهل الذمة في الاستسقاء. وقال مالك رضى
الله تعالى عنه ان خرجوا لم يمنعوا من ذلك وقد ورد به أثر انهم خرجوا في عهد بعض
الخلفاء مع المسلمين فلم يمنعوا من ذلك ولكنا نقول إنما يخرج الناس للدعاء وما دعاء
الكافرين الا في ضلال ولأنهم بالخروج يستنزلون الرحمة وما ينزل على الكفار الا اللعن
77

والسخط وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبعيد المشركين بقوله أنا برئ من كل مسلم
مع مشرك لا تترا آي ناراهما فلهذا لا يمكنون من الخروج مع المسلمين (قال) وينصت
القوم لخطبة الامام لأنه يعظهم فيها وفائدة الوعظ إنما تظهر بالانصات وليس فيها أذان ولا
إقامة أما عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه فلا يشكل لأنه ليس فيها صلاة بالجماعة إنما
فيها الدعاء فان شاؤوا صلوا فرادى وذلك في معنى الدعاء وعند محمد رحمه الله تعالى فيها
صلاة بالجماعة لكنها تطوع كصلاة العيد وليس فيها أذان ولا إقامة والله سبحانه وتعالى
أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب الصلاة بمكة في الكعبة) *
(قال) وإذا صلى الامام بالناس في المسجد الحرام وقف في مقام إبراهيم وتحلق الناسل حول
الكعبة يقتدون به فيجزيهم به جرى التوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا
هذا * والأصل فيه قوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام والقوم كلهم قد استقبلوا
القبلة وواحد منهم لم يتقدم الامام في مقامه فيجزيهم الا من كان ظهره إلى وجه الامام
وكان مستقبلا الجهة التي استقبلها الامام وهو أقرب إلى حائط الكعبة من الامام فهذا
متقدم على الامام فلا يصح اقتداؤه به فان وقفت امرأة بحذاء الامام تقتدي به وقد نوى
إمامتها فان استقبلت الجهة التي استقبلها الامام فصلاة الامام والقوم فاسدة لوجود
المحاذاة في صلاة مشتركة وان استقبلت الجهة الأخرى لم تفسد صلاة الامام وإنما تفسد
صلاة ثلاثة نفر من عن يمينها ومن عن يسارها ومن خلفها بحذائها لوجود المحاذاة في حقهم
فإنهم يستقبلون الجهة التي استقبلتها هي وان كانوا يصلون فرادى لم تفسد صلاة أحد بالمحاذاة
وقد بينا هذا فيما سبق (قال) وان كانت الكعبة تبنى وقد أظرف في العبارة في هذا اللفظ
لأنه كره اطلاق لفظ الانهدام على الكعبة وبهذا اللفظ يفهم هذا المقصود فإذا تحلق الناس
حول الكعبة وصلوا هكذا جازت صلاتهم عندنا وقال الشافعي رضي الله عنه إن لم يكن في
تلك البقعة شئ موضوع لا يجزئهم لان عنده القبلة هي البناء والبقعة جميعا فان الاستقبال إنما
يتحقق إلى البناء فاما عندنا فالقبلة هي الكعبة سواء كان هناك بناء أولم يكن ألا ترى أن البناء لو
نقل إلى موضع آخر لا يكون قبلة وقد رفع البناء في عهد ابن الزبير حين بنى البيت على قواعد
78

الخليل صلوات الله عليه وفى عهد الحجاج حين أعاده إلى ما كان عليه في الجاهلية وكان يجوز
الصلاة للناس وإن لم يكن هناك بناء إلا أنه يكره ترك اتخاذ السترة لما فيه من استقبال الصورة
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في الصلاة وان ابن عباس رضى الله تعالى عنه
في عهد ابن الزبير رحمه الله تعالى أمر بتعليق الأنطاع في تلك البقعة وإنما أمر بذلك ليكون
بمنزلة السترة لهم (قال) فان صلوا في جوف الكعبة فالمذهب عندنا أنه يجوز أداء الصلاة في
جوف الكعبة النافلة والمكتوبة فيه سواء وقال مالك رضي الله عنه لا يجوز أداء المكتوبة في
جوف الكعبة لأنه إن كان مستقبلا جهة فهو مستدبر جهة أخرى والصلاة مع استدبار القبلة
لا تجوز فيؤخذ بالاحتياط في المكتوبة وفى التطوع الامر أوسع وقاس الصلاة بالطواف فان
من طاف في جوف الكعبة لا يجزئه طوافه (ولنا) أن الواجب عليه استقبال جزء من الكعبة
وقد استقبلها بيقين والفرض والنفل في وجوب استقبال القبلة سواء فإذا جاز أداء النفل في
الكعبة بهذا الطريق فكذلك الفرض وليس الصلاة كالطواف فان الطواف بالبيت لا فيه
ألا ترى أن الطواف خارج المسجد لا يجوز بخلاف الصلاة وقد أختلف الرواة أن النبي
صلى الله عليه وسلم هل صلى في الكعبة حين دخلها فروى أسامة بن زيد رضى الله تعالى
عنه أنه لم يصل فيها وروى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه صلى فيها ركعتين بين الساريتين
المقدمتين ومنه إلى الحائط قدر ثلاثة أذرع فإن كان الامام في جوف الكعبة والناس قد تحلقوا
حولها كما ذكرنا أجزأهم وان كانوا معه في جوف الكعبة فصلاة الامام ومن وجهه إلى
ظهر الامام أو إلى يمين الامام أو إلى يساره تجوز. وكذلك من كان وجهه إلى وجه الامام
إلا أنه يكره استقبال الصورة وإنما لا تجوز صلاة من ظهره إلى وجه الامام وصلاة من
كان مستقبلا الجهة التي استقبلها الامام وهو أقرب إلى الحائط من الامام لأنه متقدم عليه
وهذا بخلاف ما إذا تحروا في ظلمة الليل واقتدوا بالامام فإنه لا تجوز صلاة من علم أنه
مخالف للامام في الجهة هناك لان عنده ان امامه غير مستقبل القبلة فلا يصح اقتداؤه به
وهاهنا كل جانب قبلة بيقين فهو لا يعتقد الخطأ في صلاة امامه فجاز اقتداؤه به ومن صلى
على سطح الكعبة جازت صلاته عندنا وإن لم يكن بين يديه سترة وقال الشافعي رضى
الله تعالى عنه لا يجوز إلا أن يكون بين يديه سترة بناء على أصله ان البناء معتبر في جواز التوجه
إليه للصلاة وعندنا القبلة هي الكعبة فسواء كان بين يديه سترة أو لم يكن فهو مستقبل القبلة
79

وبالاتفاق من صلى على أبي قبيس جازت صلاته وليس بين يديه شئ من بناء الكعبة فدل
أنه لا معتبر للبناء وبعض أئمة بلخ قالوا بالاتفاق لو صلى على سطح الكعبة ووضع بين يديه
إكافا تجوز صلاته ومن المحال أن يتعلق جواز الصلاة باستقبال الاكاف فدل أنه لا معتبر
بالبناء والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (كتاب السجدات) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(قال) الشيخ الامام رحمه الله تعالى مسائل هذا الكتاب مبنية على أصول قد بيناها في
كتاب الصلاة. منها ان زيادة ما دون الركعة قبل اكمال الفريضة لا يكون مفسدا للصلاة
بخلاف زيادة الركعة الكاملة وإنما تتقيد الركعة بالسجدة وفى رواية عن محمد زيادة السجدة
الواحدة قبل اكمال الفريضة يفسدها. ومنها ان الترتيب في أفعال صلاة واحدة فيما شرع
متكررا لا يكون ركنا وتركها لا يفسد الصلاة عمدا كان أو سهوا. ومنها ان المتروكة إذا
قضيت التحقت بمحلها وصارت كالمؤداة في موضعها. ومنها سلام السهو لا يفسد الصلاة وان
سجود السهو يجب بتأخير ركن عن محله ويؤدى بعد السلام عندنا. ومنها ان ما تردد بين الواجب
والبدعة فعليه أن يأتي به احتياطا لأنه لا وجه لترك الواجب وما تردد بين البدعة والسنة يتركه
لان ترك البدعة لازم وأداء السنة غير لازم. ومنها ان القعدة الأولى في ذوات الأربع أو الثلاث
من المكتوبات سنة وقعدة الختم فريضة. ومنها ان الصلاة إذا فسدت من وجه يجب اعادتها
وان كانت تصح من وجوه أخذا بالاحتياط في باب العبادات. ومنها انك تنظر في تخريج
هذه المسائل إلى المتروكات من السجدات والى المأتي بها فعلى الأقل منها تخريج المسائل
وأدلة هذه الأصول قد بيناها في كتاب الصلاة إذا عرفنا هذا فنقول * قال محمد رحمه
الله تعالى رجل صلى الغداة وترك منها سجدة قال يسجد تلك السجدة ويستوى ان ذكرها
قبل السلام أو بعده لأنه تبين انه سلم وعليه ركن فلم يخرج به من الصلاة فيسجدها فإن كان
ت متروكة من الركعة الأولى التحقت بمحلها وان كانت من الركعة الثانية فهي مؤداة
في محلها لان القعدة تنتقض بالعود إليها ثم يأتي بعدها بقعدة الختم ويسلم ويسجد للسهو إما
لتأخير ركن عن محله أو لزيادة قعدة أو للسلام ساهيا. ولو ترك سجدتين سجد سجدتين
80

ويصلى ركعة لأنه إن كان تركهما من ركعتين فعليه سجدتان لان كل ركعة تقيدت بسجدة
واحدة وإن كان تركهما من الركعة الأخيرة فعليه سجدتان أيضا لأنه ركع ثم قعد قبل أن
يسجد وإن كان تركهما من الركعة الأولى فعليه قضاء تلك الركعة لأنه في الحقيقة ركع ركوعين
ثم سجد سجدتين فكان مصليا ركعة والمعتبر هو الركوع الأول إن كان بعد القراءة في
أصح الروايتين كما بينا في كتاب الصلاة وإذا لم يتذكر انه كيف تركهما أخذ بالاحتياط
فسجد سجدتين وصلى ركعة الا انه يبدأ بالسجدتين لأنه لو بدأ بالركعة وكان الواجب عليه سجدتان
فسدت صلاته لاشتغاله بالنفل قبل اكمال الفريضة وان بدأ بالسجدتين فإن كان الواجب عليه قضاء
ركعة لم تفسد صلاته لان زيادة السجدة والسجدتين قبل اكمال الفريضة لا يفسد الفريضة
فلهذا بدأ بالسجدتين وإنما تبين في هذه المسائل وجه الفساد لان الصلاة إذا فسدت من
وجه واحد يكفي ذلك لوجوب الإعادة فان سجد سجدتين قعد بعدهما لا محالة لأنه إن كان
الواجب عليه سجدتين فقد تمت صلاته وقعدة الختم فريضة وإن كان الواجب عليه ركعة
كانت هذه القعدة بدعة وما تردد بين البدعة والفريضة يجب أداؤه ثم يقوم فيصلى ركعة
لجواز أن يكون الواجب عليه قضاء ركعة ثم يتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو * فان قيل
فلماذا لا تأمره بركعة أخرى حتى لا يكون متنفلا بركعة واحدة إن كان الواجب عليه سجدتين
* قلنا هذا تردد بين التطوع والبدعة وقد بينا انه لا يؤتى بمثله ولو فعله كان متطوعا بعد
الفجر قبل طلوع الشمس وذلك منهى عنه وكما يتوهم أن يكون متنفلا بركعة إذا سلم عليها
يتوهم ذلك إذا أضاف إليها ركعة أخرى لجواز أن الواجب عليه قضاء ركعة فلا معنى
للاشتغال بهذا. وان ترك ثلاث سجدات فنقول هذا في الحقيقة ما سجد الا سجدة واحدة
وبالسجدة الواحدة لا يتقيد الا ركعة واحدة فعليه أن يسجد سجدة واحدة ليتم بها ركعة
ثم لا يقعد لأنه تيقن انه لم يتم صلاته ولكن يصلى ركعة ثم يقعد ويسلم ويسجد للسهو إلا أن
ه ينبغي أن ينوى بالسجدة قضاء المتروكة لجواز أن يكون إنما أتى بسجدة بعد الركوع
الأول وإذا لم ينو بهذه السجدة القضاء تتقيد بها الركعة الثانية فإذا قام بعدها وصلى ركعة
كان متنفلا بها قبل إكمال الفريضة فتفسد صلاته فإذا نوى بها القضاء التحقت بمحلها وانتقض
الركوع المؤدى بعدها لان ما دون الركعة يحتمل النقض فلهذا ينوى بها القضاء فان تذكر
أنه ترك منها أربع سجدات فهذا ركع ركوعين ولم يسجد شيئا فعليه أن يسجد سجدتين
81

ليتم ركعة ثم لا يقعد ولكن يصلى ركعة ثم يقعد ويسلم ويسجد للسهو (قال) رجل
صلى الظهر أربع ركعات وترك منها سجدة قال يسجد تلك السجدة وعليه سجدتا السهو لما
بينا فان تذكر أنه ترك منها سجدتين يسجد سجدتين ثم يصلى ركعة لأنه إن كان تركهما من
ركعتين أو من الركعة الأخيرة فعليه سجدتان وإن كان تركها من ركعة قبل الركعة الأخيرة فعليه
قضاء ركعة فإذا لم يعلم كيف تركهما أخذ بالاحتياط فسجد سجدتين ثم قعد بعدهما لجواز
أن يكون قد تمت صلاته ثم قام فصلى ركعة. وان تذكر أنه ترك ثلاث سجدات يسجد
ثلاث سجدات ثم يصلى ركعة لأنه إن كان تركها من ثلاث ركعات أو سجدتين من
الركعة الأخيرة فعليه ثلاث سجدات. وان ترك سجدتين من ركعة قبل الركعة الأخيرة
فعليه ركعة وسجدة فيبدأ بالسجود احتياطا فيسجد ثلاث سجدات ثم يقعد لجواز أن صلاته قد
تمت ثم يقوم فيصلى ركعة. وإن كان ترك منها أربع سجدات يسجد أربع سجدات ثم يصلى
ركعتين يقعد بينهما وبعدهما لأنه من وجه عليه أربع سجدات فقط وهو أن يكون تركها
من أربع ركعات أو ترك سجدتين من الركعة الأخيرة وسجدتين من الركعتين قبلها ومن
وجه عليه سجدتان وركعة وهو أن يكون ترك سجدتين من ركعة قبل الركعة الأخيرة
وسجدتين من ركعتين ومن وجه عليه قضاء ركعتين وهو أن يكون تركها من ركعتين قبل
الركعة الأخيرة فيأخذ بالاحتياط ويبدأ فيسجد أربع سجدات ثم يقعد لان صلاته قد تمت
باعتبار الوجه الأول ثم يصلى ركعة ويقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الثاني ثم يصلي
ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثالث ثم يقعد ويسلم ويسجد للسهو (قال) فان ترك خمس
سجدات فنقول المأتي به من السجدات ههنا أقل فنبني التخريج عليها فنقول إنما أتى بثلاث
سجدات فإن كان أتى بها في ثلاث ركعات فعليه قضاء ثلاث سجدات وركعة وإن كان أتى
بسجدتين في ركعة وسجدة في ركعة فعليه قضاء سجدة وركعتين فيأخذ بالاحتياط فيسجد
ثلاث سجدات ثم لا يقعد لأن هذه القعدة تتردد بين السنة والبدعة فإنه إن تم له ركعتان
فالقعدة له سنة وان تم له ثلاث ركعات فالقعدة بدعة فلا يقعد لكن يصلى ركعة ثم يقعد
لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الأول ثم يصلى ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني. وان
ترك منها ست سجدات فإنما أتى بسجدتين فإن كان أتى بهما في ركعتين فعليه سجدتان
وركعتان وان أتى بهما في ركعة فعليه ثلاث ركعات فيحتاط فيسجد سجدتين ثم لا يقعد
82

لكنه يقوم فيصلى ركعتين ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الأول ثم يصلى ركعة
أخرى لاحتمال الوجه الثاني ثم يتشهد ويسلم (قال) فان ترك منها سبع سجدات فهذا ما أتي
الا بسجدة واحدة وبالسجدة لواحدة لا يتقيد الا ركعة فيسجد سجدة أخرى ثم يقوم فيصلى
ركعة ثم يقعد وهذه القعدة سنة لأنها القعدة الأولى من ذوات الأربع ثم يصلى ركعتين
ويسجد للسهو. فان ترك منها ثمان سجدات فهذا ركع أربع ركوعات ولم يسجد شيئا فيسجد
سجدتين فيتم بها ركعة ثم يصلى ثلاث ركعات وكذلك الجواب في العصر والعشاء (قال)
رجل صلى المغرب ثلاث ركعات وترك منها سجدة قال يسجد تلك السجدة ويتشهد
ويسلم ويسجد للسهو كما بينا فان ترك سجدتين يسجد سجدتين ثم يصلي ركعة لأنه ان
تركهما من ركعتين أو من الركعة الأخيرة فعليه سجدتان وان تركهما من ركعة قبل الركعة
الأخيرة فعليه ركعة فيسجد أولا سجدتين احتياطا ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار
الوجه الأول ثم يقوم فيصلى ركعة لاحتمال الوجه الثاني ثم يسجد للسهو بعد السلام فان
ترك منها ثلاث سجدات فعليه ان يسجد ثلاث سجدات ثم يصلي ركعة لأنه ان تركها من
ثلاث ركعات أو سجدتين من الركعة الأخيرة فعليه ثلاث سجدات وان ترك سجدتين
من ركعة قبل الركعة الأخيرة وسجدة من ركعة فعليه قضاء ركعة وسجدة فيحتاط فيسجد
أولا ثلاث سجدات ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الأول ثم يصلي ركعة
لاحتمال الوجه الثاني (قال) فان ترك منها أربع سجدات فهذا إنما أتى بسجدتين فإن كان
أتى بهما في ركعتين فعليه سجدتان وركعة وإن كان أتى بهما في ركعة فعليه قضاء ركعتين
فيبدأ فيسجد سجدتين أولا ثم لا يقعد ولكنه يصلي ركعة ثم يقعد لان صلاته قد تمت
باعتبار الوجه الأول ثم يصلي ركعة لاحتمال الوجه الثاني (قال) فان ترك منها خمس سجدات
فإنما سجد سجدة واحدة وبالسجدة الواحدة لا يتقيد الا ركعة فيسجد سجدة ليتم بها
ركعة ثم يصلى ركعتين يقعد بينهما وهذه القعدة سنة ويقعد بعدهما وهي قعدة الختم فان ترك
منها ست سجدات فهذا ركع ثلاث ركوعات ولم يسجد شيئا فيسجد سجدتين ثم يقوم
فيصلى ركعتين (قال) رجل صلى الغداة ثلاث ركعات ولم يقعد في الثانية فصلاته فاسدة
لأنه أدى ركعة كاملة قبل إكمال الفريضة فان القعدة من أركان الصلاة وهو لم يقعد في
الثانية فان تذكر أنه ترك منها سجدة لم يرتفع الفساد لأنه لا يخرج بهذا من أن يكون
83

مصليا ثلاث ركعات فالركعة تتقيد بسجدة واحدة وكذلك أن ترك منها سجدتين أو
ثلاث سجدات لا يرتفع الفساد لجواز أن يكون إنما ترك من كل ركعة سجدة فيكون
مصليا الركعة الثالثة قبل اكمال الفريضة وهذا هو الأصل في هذا الجنس من المسائل أن
المتروكات من السجدات متى كانت أقل من المأتي بها أو مثل المأتي بها لا يرتفع الفساد
وإن كان المأتي بها أقل فالآن يرتفع الفساد حتى إذا تذكر أنه ترك منها أربع سجدات
فهذا إنما أتى بسجدتين ولا يتقيد بسجدتين الا ركعتان فقد تيقنا أنه غير مصلى الركعة
الثالثة فلهذا يرتفع الفساد ثم يسجد سجدتين ويصلى ركعة لان من وجه عليه سجدتان وهو
أن يكون أتى بهما في ركعتين ومن وجه عليه ركعة فيسجد سجدتين ثم يقعد لان صلاته
قد تمت من وجه ثم يقوم فيصلى ركعة (قال) وإن كان ترك خمس سجدات فهذا ما سجد
الا سجدة واحدة فيسجد سجدة أخرى ثم يصلى ركعة ثم يسجد للسهو وهذا كله إذا
كان قد صلى الركعة الثالثة وإن كان قد تذكر في ركوعه في الركعة الثالثة أو حين رفع رأسه
منها قبل أن يسجد لم تفسد صلاته لأنه إنما زاد ما دون الركعة وبزيادة ما دون الركعة قبل
اكمال الفريضة لا تفسد صلاته (قال) رجل صلى الظهر خمس ركعات وترك منها سجدة
فصلاته فاسدة لأنه زاد ركعة كاملة قبل اكمال الفريضة وكذلك لو ترك منها سجدتين
أو ثلاثا أو أربعا أو خمسا لم يرتفع الفساد لجواز أن يكون ترك خمس سجدات من خمس
ركعات * فان قيل إذا تذكر أنه ترك منها سجدتين لماذا لا يجعل هاتان السجدتان مما هو
خطأ وهو الركعة الأخيرة حتى يرتفع الفساد * قلنا وان جعلناه كذلك لا يرتفع به الفساد
لاحتمال أنه تركهما من ركعتين والصلاة متى فسدت من وجه واحد يكفي ذلك لوجوب
الإعادة احتياطا فان تذكر أنه ترك منها ست سجدات فقد ارتفع الفساد لأنه ما أتى
الا بأربع سجدات فيتيقن بأنه لم يصل أكثر من أربع ركعات ثم وجه الاتمام أن يقول من
وجه عليه قضاء أربع سجدات وهو أن يكون سجد سجدة في كل ركعة ومن وجه عليه
قضاء ركعة وهو أن يكون سجد سجدتين في ركعتين وسجدتين في ركعة ومن وجه عليه
قضاء ركعتين وهو أن يكون سجد أربعا في ركعتين فيحتاط فيسجد أولا أربع سجدات
ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الأول ثم يصلى ركعة ثم يقعد لان صلاته قد
تمت باعتبار الوجه الثاني ثم يصلى ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثالث. فان ترك منها سبع
84

سجدات فإنما أتى بثلاث سجدات فإن كان أتي بها في ثلاث ركعات فعليه ثلاث سجدات
وركعة وإن كان أتى بسجدتين في ركعة وسجدة في ركعة فعليه سجدة وركعتان فيحتاط
فيسجد ثلاث سجدات ثم يصلى ركعة ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الأول ثم
يصلى ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني فان ترك منها ثمان سجدات فإنما أتى بسجدتين
فإن كان أتى بهما في ركعتين فعليه سجدتان وركعتان وإن كان أتى بهما في ركعة فعليه ثلاث
ركعات فيسجد أولا سجدتين ثم يصلى ركعتين ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار
الوجه الأول ثم يصلى ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني فان ترك منها تسع سجدات
فإنما أتى بسجدة واحدة فيسجد سجدة ليتم ركعة ثم يصلى ركعة ثم يقعد وهذه القعدة
سنة ثم يصلى ركعتين ويقعد لختم صلاته. فان ترك منها عشر سجدات فهذا قد ركع خمس
ركوعات ولم يسجد شيئا فيسجد سجدتين ثم يصلى ثلاث ركعات ويسجد للسهو وكذلك
الجواب في العصر والعشاء. فان صلي المغرب أربع ركعات فصلاته فاسدة لأنه لم يقعد في
الركعة الثالثة حتى صلى بعدها ركعة كاملة فان تذكر انه ترك منها سجدة أو سجدتين أو ثلاثا
أو أربعا لم يرتفع الفساد لجواز أنه ترك من كل ركعة سجدة فلا يخرج من أن يكون
مصليا أربع ركعات فان تذكر أنه ترك منها خمس سجدات فقد ارتفع الفساد بيقين لأنه
ما سجد الا ثلاث سجدات فلا يتقيد بها الا ثلاث ركعات فيتيقن أنه غير مصلى أربع ركعات
ثم إن كان أتى بثلاث سجدات في ثلاث ركعات فعليه ثلاث سجدات وإن كان أتى
بسجدتين في ركعة وسجدة في ركعة فعليه سجدة وركعة فيحتاط أولا فيسجد أولا ثلاث
سجدات ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الأول ثم يصلى ركعة أخرى لاحتمال
الوجه الثاني وان تذكر أنه ترك منها ست سجدات فهو ما أتى الا بسجدتين فإن كان
أتي بهما في ركعتين فعليه سجدتان وركعة وان أتى بهما في ركعة فعليه ركعتان فيحتاط
فيسجد سجدتين ثم لا يقعد ولكنه يصلى ركعة ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه
الأول ثم يصلى ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني فان تذكر انه ترك منها سبع سجدات
فهذا ما سجد الا سجدة واحدة فيسجد سجدة ليتم ركعة ثم يصلى ركعتين يقعد بينهما
وهذه القعدة سنة وبعدهما وهي قعدة الختم وان تذكر انه ترك ثمان سجدات فهذا ركع
أربع ركوعات ولم يسجد شيئا فيسجد سجدتين ليتم ركعة ثم يصلى ركعتين يقعد بينهما
85

وهذه العقدة سنة وبعدهما وهي قعدة الختم (قال) رجل أفتتح الصلاة خلف الامام
ثم نام حتى صلى الامام أربع ركعات وترك من كل ركعة سجدة وانتبه النائم فأحدث
الامام وقدمه قال لا ينبغي له أن يتقدم لان المقصود من الاستخلاف اتمام صلاة الامام
وغيره أقدر على هذا الاتمام منه فإنه لا حق حين أدرك أول الصلاة فعليه أن يبدأ بالأول
فالأول فلهذا لا ينبغي له أن يتقدم فان تقدم جاز لان صحة الاستخلاف تعتمد المشاركة بينه
وبين الامام في الصلاة وهذا شريكه فيها فيبدأ فيصلى الأولى ويسجد القوم معه لان عليهم
قضاء هذه السجدة من هذه الركعة مع الامام ثم يقوم فيصلى ركعة بسجدة من غير أن يصلى
القوم معه لأنهم قد أدوا هذه الركعة ثم يسجد تلك السجدة التي تركها الامام من الركعة
الثانية ويسجد القوم معه لان عليهم قضاء هذه السجدة من هذه الركعة مع الامام ثم
يقوم فيصلى الركعة الثالثة بسجدة من غير أن يصلى القوم معه لأنهم قد أدوا هذه الركعة ثم
يسجد السجدة الثانية من هذه الركعة ويسجد القوم معه لان عليهم قضاء هذه السجدة
من الركعة الثالثة مع الامام ثم يقوم فيصلى الركعة الرابعة بسجدة من غير أن يصلي القوم معه
لأنهم قد أدوا هذه الركعة ثم يسجد السجدة الثانية ويسجد القوم معه لان عليهم قضاء هذه
السجدة من هذه الركعة مع الامام ثم يتشهد ويسلم ويسجد للسهو ويسجد القوم معه لأنه خليفة
الامام الأول وقد كان على الأول سجود السهو فعليه ان يأتي به يقول في الكتاب انه تفسد عليه
صلاته قال ولماذا تفسد قلت لان الامام يصير مرة للقوم اماما ومرة غير امام وهذا قبيح ولو
كان هذا في ركعة استحسنت أن أجيزه فقد أشار إلى أن في هذه الواقعة تفسد الصلاة في القياس
لأنه فيما يشتغل به من الاتمام ليس بامام للقوم لأنهم قد فرغوا منها فلم يبق لهم امام في المسجد
فتفسد صلاتهم وصلاة الامام الأول وصلاة الإمام الثاني لأنه لاحق واللاحق في حكم
المقتدى إلا أنى أستحسن في ركعة واحدة لأنه لا يتكرر خروجه من حكم الإمامة وحرمة
الصلاة حرمه واحدة فللقوم ان ينتظروه حتى يصلي الركعة التي بقيت عليه ثم يسجد بهم
السجدة المتروكة فاما إذا كان ذلك في أربع ركعات فصلاته وصلاتهم فاسدة لأنه يقبح أن
يتكرر خروجه من الإمامة في كل ركعة حين يشتغل باتمام ما عليه خاصة ثم عوده إلى
الإمامة حين انتهى إلى السجدة التي تركها الامام من تلك الركعة فلهذا تفسد صلاتهم وعليه
ان يستقبل الصلاة بهم والله أعلم
86

* (باب نوادر الصلاة) *
(بسم الله الرحمن الرحيم) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل
السرخسي رحمه الله تعالى بنى مسائل أول الكتاب على ما بينا في كتاب الصلاة ان مراعاة
الترتيب بين الفوائت وبين فرض الوقت واجب الا في حالة النسيان أو ضيق الوقت أو
كثرة الفوائت (وقال) لو أن رجلا نسي الظهر فصلى من العصر ركعة في أول وقتها ثم
ذكر فإنه يقطع العصر ثم يصلى الظهر ثم يصلى العصر لأنه لو كان ذاكرا للظهر عند الشروع
لم يصح شروعه في العصر في أول وقتها فإذا ذكرها قبل الفراغ من العصر لا يمكنه إتمام
العصر أيضا كالمتيمم إذا أبصر الماء قبل الفراغ من الصلاة وفى قوله يقطع العصر إشارة
إلى أنه بمجرد تذكر الظهر لا يصير خارجا من العصر على الاطلاق وهذا لاختلاف العلماء
واشتباه الآثار فيه والسبيل في العبادات الاخذ بالاحتياط وتمام الاحتياط في أن يقطع
العصر قال فان مضى في العصر لم يجزه لانعدام شرط الجواز فان مراعاة الترتيب بعد
التذكر شرط لجواز العصر ثم يجزيه عن التطوع في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وهو
أظهر الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى رواه الحسن وفى قول محمد رحمه الله تعالى لا يجزئه
عن التطوع وهو رواية عن أبي حنيفة أيضا وهو قول زفر رحمه الله تعالى بناء على ما بينا في
كتاب الصلاة ان عند محمد رحمه الله تعالى للصلاة جهة واحدة فإذا فسدت صار خارجا من
الصلاة وعند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى بفساد الجهة لا يفسد أصل الصلاة
إذا لم يكن ما اعترض منافيا لأصل الصلاة وتذكر الظهر لا ينافي أصل الصلاة وإنما يمنع أداء
العصر فيفسد العصر ويبقى أصل الصلاة بمنزلة المكفر بالصوم إذا أيسر في بعض اليوم
وعلى هذا لو افتتح العصر الأول وقتها وهو ذاكر للظهر لم يجزه عن العصر وعند محمد رحمه
الله تعالى لا يصير شارعا في الصلاة حتى لو ضحك قهقهة لا يلزمه الوضوء وعند أبي
يوسف رحمه الله تعالى وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى يصير شارعا في
الصلاة وفرق بين أول الوقت وبين آخر الوقت فقال عند ضيق الوقت عليه أن يبدأ
87

بفرض الوقت ولو بدأ بالفائتة أجزأه إذا كان الوقت قابلا للفائتة وعند سعة الوقت عليه
أن يبدأ بالفائتة ولو بدأ بفرض الوقت لم يجزه لان عند ضيق الوقت النهى عن البداءة
بالفائتة لم يكن لمعنى فيها بل لما فيه من تفويت فرض الوقت ألا ترى أنه كما ينهى عن البداءة
بالفائتة ينهي عن الاشتغال بالتطول والنهى متى كان لمعنى في غير المنهي عنه لا يكون
مفسدا كالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة وعند سعة الوقت النهى عن البداءة
بفرض الوقت لمعنى فيها بدليل انه لا ينهى عن الاشتغال بالتطوع في هذه الحالة والنهى
متى كان لمعنى في المنهى عنه كان مفسدا له فان افتتح العصر في آخر وقتها وهو ناس
للظهر فصلى منها ركعة ثم احمرت الشمس ثم تذكر أن الظهر عليه فإنه يمضى في صلاته
لان تذكر الظهر في هذا الوقت لا يمنع افتتاح العصر فلا يمنع المضي فيها بطريق الأولى
وهذا لأنه لو قطعها واشتغل بالظهر لم يجز له أداء الظهر ففيه تفويت الصلاتين عن الوقت
فكان تذكر الظهر وجودا وعدما بمنزلة (قال) وهي تامة يعنى من حيث الجواز
لا من حيث الاستحباب فان أداء العصر في هذا الوقت مكروه على ما قال ابن مسعود
رضى الله تعالى عنه ما أحب أن يكون لي صلاة حين تحمر الشمس بفلسين وإن كان قد
افتتح العصر لأول وقتها وهو ذاكر للظهر فصلى منها ركعة ثم احمرت الشمس فإنه
يقطع الصلاة لأنه ما صح شروعه في العصر في أول وقتها مع ذكره للظهر والبناء على
الفاسد غير ممكن فعليه أن يقطع صلاته ثم يستقبل العصر وهذا قول أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله تعالى لان عندهما صار شارعا في التطوع ولكن أداء التطوع بعد ما
احمرت الشمس منهى عنه وأداء عصر اليوم مأمور به في هذا الوقت فعليه أن يقطع المنهى
عنه ويشتغل بالمأمور به وعلى قول محمد رحمه الله تعالى هو غير شارع في الصلاة أصلا فعليه
أن يستقبل العصر وان افتتح العصر والشمس حمراء وهو ذاكر للظهر فإنه يجزئه لأن هذه
ساعة لا يجوز فيها أداء الظهر ولا غيرها من الصلاة سوى عصر اليوم فعليه أن يشتغل بما
يكون الوقت قابلا له ولان في تأخير العصر عن هذا الوقت تفويتها لان تأخير العبادة
المؤقتة عن وقتها يكون تفويتا لأدائها وذلك لا يجوز ولو اشتغل بالفائتة كان متداركا لما
فوت بتفويت مثله وذلك لا يليق بالحكمة فان غربت الشمس وهو في العصر فإنه يتمها
وطعن عيسى في هذا وقال الصحيح أنه يقطعها بعد غروب الشمس ثم يبدأ بالظهر ثم
88

بالعصر لان ما بعد غروب الشمس الوقت قابل للظهر والمعنى المسقط لمراعاة الترتيب ضيق
الوقت وقد انعدم لغروب الشمس لان الوقت قد اتسع فهو بمزلته ما لو افتتح العصر في
أول الوقت وهو ناس للظهر ثم تذكر وقد بينا هناك انه يلزمه مراعاة الترتيب فكذلك في
هذا الموضع وهذا لان ما يعرض في خلال الصلاة يجعل كالموجود عند افتتاحها كالمتيمم
إذا وجد الماء أو العاري إذا وجد الثوب وما ذكره عيسى رحمه الله تعالى فهو القياس ولكن
محمدا رحمه الله تعالى استحسن فقال لو قطع صلاته بعد غروب الشمس كان مؤديا جميع العصر في
غير وقتها ولو أتمها كان مؤديا بعض العصر في وقتها وكما سقط مراعاة الترتيب لحاجته إلى أداء
جميع العصر في وقتها يسقط مراعاة الترتيب لحاجته إلى أداء بعض العصر في وقتها يوضحه
أنه بالابتداء كان مأمورا بالشروع في العصر وإن كان يعلم يقينا ان الشمس تغرب قبل فراغه
منها ولو كان هذا المعنى مانعا له من اتمام العصر لكان تيقنه به عند الشروع مانعا له من
افتتاح العصر وأحد لا يقول إنه لا يفتتح العصر عند ضيق الوقت وإن كان يعلم أن الشمس
تغرب قبل الفراغ منها يوضحه ان عند ضيق الوقت قد سقط عنه مراعاة الترتيب في
هذه الصلاة وبعد ما سقط الترتيب في صلاة لا يعود في تلك الصلاة بخلاف حالة النسيان
فهناك الترتيب غير ساقط عنه ولكنه يعذر بالجهل فإذا زال العذر قبل الفراغ من الصلاة
بقي عليه مراعاة الترتيب كما كان (قال) فإن كان افتتح العصر بعد ما غربت الشمس وهو ذاكر للظهر فإنه يقطعها ويصلى الظهر ثم العصر ثم المغرب لان الوقت واسع وقد صارت العصر
فائتة كالظهر فعليه مراعاة الترتيب بينهما وبين فرض الوقت وإن كان ناسيا للظهر حين
افتتح العصر بعد غروب الشمس فلما صلى منها ركعة ذكر ان الظهر عليه فإنه يفسد
عصره ويصلى الظهر لان التذكر في هذا الوقت يمنعه من افتتاح العصر فيمنعه من اتمامها
أيضا وهذا لان الترتيب غير ساقط عنه ولكنه يعذر للنسيان فإذا زال العذر في خلال
الصلاة صار كأن لم يكن. وان افتتح العصر في أول وقتها وهو ناس للظهر فلما صلى منها ركعة
احمرت الشمس ثم ذكر ان الظهر عليه فإنه يمضى فيها لان شروعه في العصر قد صح في
الابتداء لكونه ناسيا للظهر وإنما تذكر بعد ما احمرت الشمس ومراعاة الترتيب ساقط
عنه في هذه الحالة فكان تذكره وجودا وعدما بمنزلة يوضحه انه لو قطع صلاته حين
تذكر لكان يستقبل العصر ولا فائدة في أن يقطع عصرا صح شروعه فيه ثم يستقبلها
89

بخلاف ما إذا كان ذاكرا للظهر حين افتتحها لان هناك ما صح شروعه في العصر فهو
إنما يقطع التطوع ليشتغل بأداء العصر في وقتها وذلك مفيد. ثم الحاصل أنه إن أمكنه
أداء الظهر والعصر قبل تغير الشمس فعليه مراعاة الترتيب وان كأن لا يمكنه أداء الصلاتين
قبل غروب الشمس فعليه أداء العصر وإن كان يمكنه أداء الظهر قبل تغير الشمس ويقع العصر
كله أو بعضه بعد تغير الشمس فعليه مراعاة الترتيب الا على قول الحسن بن زياد رحمه الله
تعالى فان عنده ما بعد تغير الشمس ليس بوقت للعصر وقد بينا هذا في كتاب الصلاة وبينا
الاختلاف في أن المعتبر تغير الضوء أم تغير القرص ويحكى عن أبي جعفر الهنداوني رحمه
الله تعالى انه كأن يقول في هذا الفصل على قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يلزمه
مراعاة الترتيب وعند محمد رحمه الله تعالى لا يلزمه لان ما بعد تغير الشمس وإن كان وقتا
للعصر ولكن تأخير العصر إليه مكروه وعلى أصل محمد رحمه الله تعالى معنى الكراهة
يسقط مراعاة الترتيب كما أن معنى تفويت الوقت يسقط ذلك بيانه في مصلى الجمعة إذا
تذكر الفجر وكان بحيث لو اشتغل بالفجر تفوته الجمعة ولا يفوته الوقت عند أبي حنيفة
وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يلزمه مراعاة الترتيب وعند محمد رحمه الله تعالى لا يلزمه
ولكن يتم الجمعة لان ترك الجمعة للصحيح المقيم في المصر مكروه فينزل ذلك منزلة خوف
فوات الوقت في سقوط مراعاة الترتيب فهذا مثله (قال) رضي الله عنه وأكثر مشايخنا
على أنه يلزمه مراعاة الترتيب ههنا عند علمائنا الثلاثة والفرق لمحمد رحمه الله أن الجمعة
أقوى من الفجر فإنها أدعى للشرائط ولهذا لو صلى الظهر ثم أدرك الجمعة كان فرضه الجمعة
فالأضعف لا يكون مفسدا للأقوى وخوف فوات الأقوى يمنعه من الاشتغال بالأدنى
وههنا الظهر والعصر يستويان في القوة فلا يسقط عنه مراعاة الترتيب الا بخوف فوات الوقت
(رجل) توضأ بالنبيذ وصلى ثم أصاب الماء في الوقت فصلاته تامة في قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى لان من أصله أن نبيذ التمر طهور في حال عدم الماء وهو بدل عن الماء فإذا قدر على الأصل
بعد حصول المقصود بالبدل فلا يلزمه الإعادة كالمتيمم إذا وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة
والمكفر بالصوم إذا أيسر بعد الفراغ من التكفير بالصوم * فان قيل الوقت باق فينبغي أن
يجعل وجود الماء في آخر الوقت كوجوده في أول الوقت * قلنا وجوب استعمال الماء عليه
لأجل الصلاة لا لأجل الوقت وما وجد الماء الا بعد الفراغ من الصلاة وكذا المكفر بالصوم
90

إذا أيسر بعد الفراغ من التكفير بالصوم فلا يعتبر وجوده في هذه الصلاة وإنما يعتبر في
صلاة أخرى فعليه أن يتوضأ لصلاة أخرى * رجل فاتته ركعة من الظهر مع الامام فلما رفع
الامام رأسه من السجدة الأخيرة قام الرجل ولم يقعد معه فإن كان قرأ بعد ما قعد الامام
قدر التشهد مقدار ما يتأدى به فرض القراءة جازت صلاته والا لم تجزه لان قيامه وقراءته
غير معتد به ما لم يقعد الامام قدر التشهد لمعنيين أحدهما أنه مقتد ما لم يفرغ الامام من
التشهد لأنه كان شريك الامام مقتديا به فلا يجوز أن يخرج من الاقتداء الا في وقت لو خرج
الامام فيه من الصلاة جازت صلاته وما لم يقعد الامام مقدار التشهد لو خرج من الصلاة لم
تجزئه صلاته فكذلك لا يخرج هو من الاقتداء ولا يعتد بقراءة المقتدى ولان العود إلى القعود
مع الامام مستحق عليه ما لم يفرغ من التشهد فيجعل هو في الحكم كالقاعد وإن كان
قائما في الصورة فإذا ركع قبل فراغ الامام من التشهد فكأنه ترك القيام والقراءة في هذه
الركعة فلا تجزئه صلاته وان قرأ بعد ما قعد الامام قدر التشهد مقدار ما يتأدى به فرض
القراءة جازت صلاته بمنزلة ما لو قام في هذه الحالة * فان قيل القعدة الأخيرة ركن وقد تركها
فينبغي أن تفسد صلاته * قلنا هذه القعدة في حقه ليست هي القعدة الأخيرة وإنما تلزمه
لمتابعة الامام فان القعدة الأخيرة ما يكون ختم الصلاة بها وذلك بعد فراغه من القضاء
وقد أتى بها. وإن كان أدرك مع الامام ركعة من الظهر والمسألة بحالها قال إن كان قرأ بعد
فراغ الامام من التشهد شيئا قليلا أو كثيرا أجزأته صلاته ان قرأ في الثالثة والرابعة وإن كان
لم يقرأ بعد قعود الامام مقدار التشهد شيئا استقبل الصلاة ولم يرد حقيقة القراءة وإنما أراد
القيام فكنى بالقراءة عنه لان القيام محل القراءة * والحاصل انه ان بقي قائما بعد فراغ الامام
من التشهد جازت صلاته لان القيام ركن في كل ركعة وفرض القراءة ركن في ركعتين وفرض
القيام يتأدى بأدنى ما يتناوله الاسم وقد بينا أنه لا يعتبر قيامه ما لم يفرغ الامام من التشهد
فإذا بقي قائما بعد فراغ الامام فقد وجد فرض القيام في هذه الركعة وقد قرأ في الركعتين
بعدها فتتم صلاته وإن كان ركع قبل أن يقعد الامام قدر التشهد لم تجزئه صلاته لانعدام
القيام المعتد به في هذه الركعة * وان افتتح الصلاة قاعدا مع الامام من غير عذر وصلى معه
حتى فرغ الامام لم تجز صلاته لان القيام ركن وأما قوله تعالى الذين يذكرون لله قياما وقعودا
الآية فالمراد بيان أحوال المصلى بحسب الامكان * قال الله تعالى وقوموا لله قانتين وكذلك
91

ان افتتحها قائما ثم قعد من غير عذر فجعل يركع ويسجد وهو قاعد لم تجزه صلاته وإن كان
حين قعد من غير عذر بعد ما افتتحها قائما جعل يومئ للركرع والسجود فعليه أن
يقوم ويتبع الامام في صلاته وهي تامة بخلاف الأول والفرق من وجهين. أحدهما أن
ركوعه وسجوده على الأرض وهو قاعد يتأدى به التطوع في حال الاختيار فإذا لم يجزئ
ما أدى عن الفرض كان نفلا واشتغاله بأداء النفل قبل اكمال الفرض مفسد للفرض فعليه
استقبال الصلاة وأما الايماء في غير حالة العذر فلا يجوز أداء التطوع به كما لا يجوز أداء
الفرض فلم يكن هو مؤديا للنفل ولكنه مؤخر أداء الأركان بعد ما صح اقتداؤه بالامام
فعليه أن يقوم ويؤدى أركان الصلاة ويكون مسيئا لمخالفته الامام بالتأخير. والثاني
ان الركوع والسجود عمل كثير وهو ليس من عمل صلاته لأنه غير معذور واشتغاله
بعمل كثير ليس من أعمال صلاته يكون مفسدا لصلاته فاما الايماء فليس بعمل وهو
يسير فالاشتغال به لا يكون قطعا لصلاته كالالتفات فلهذا يقوم ويبنى على صلاته. ولو ظن
القوم أن الامام قد كبر ولم يكن فعل فكبروا ثم قهقه بعض القوم فلا وضوء عليهم لأنه لم
يصح شروعهم في الصلاة قبل الامام فضحكهم لم يصادف حرمة الصلاة وقد ذكر في كتاب
الصلاة أنه لو كبر قبل الامام ثم كبر الامام ثم كبر الرجل يكون شارعا في صلاة الامام
ويكون تكبيره هذا قطعا لما كان فيه وشروعا في صلاة الامام فهذا يدل على أنه شارع في
الصلاة بالتكبير قبل الامام فمن أصحابنا من يقول موضوع المسألة هناك انه نوى أصل
الصلاة ونوى الاقتداء بالامام فصحت نيته أصل الصلاة ولم تصح نية الاقتداء فيكون
شارعا في صلاة نفسه وموضوع المسألة ههنا انه نوى صلاة الامام ولم تصح نيته هذا حين
لم يكبر الامام فلا يصير شارعا في الصلاة والأصح ان ما أجاب به في كتاب الصلاة قول
أبى يوسف وهو احدى الروايتين عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى لان بفساد الجهة عندهما
لا يفسد أصل الصلاة فكذلك في الابتداء وإذ لم تصح نية الجهة تبقى نية أصل الصلاة
فيصير شارعا في صلاة نفسه وعلى قول محمد رحمه الله تعالى بفساد الجهة يفسد أصل الصلاة
فكذلك ببطلان نية الجهة ههنا تبطل نية الصلاة هنا فلا يصير شارعا فيها بالتكبير قبل
الامام من غير نية. ولو أن اماما صلى بقوم وسلم من أحد الجانبين فضحك بعض من خلفه
أو ضحك الامام بنفسه قبل أن يسلم من الجانب الأيسر فصلاته تامة ولا وضوء عليه اما الامام
92

إذا ضحك فلانه بالتسليمة الواحدة صار خارجا من الصلاة لقوله عليه الصلاة والسلام وتحليلها
التسليم وقد وجد وتسليمه من الجانب الآخر للتحرز عن الجفاء ولتعميم جميع القوم بالسلام
فلا يتوقف خروجه من الصلاة على وجوده وإذا صار خارجا بالتسليمة الواحدة فضحكه
لم يصادف حرمة الصلاة وأما المقتدى إذا ضحك في هذه الحالة فلانه تبع للامام وثبوت
الحكم في التبع ثبوته في المتبوع وكما أنه في حق الامام السلام من الجانب الأيسر تبع فلا يتوقف
الخروج من الصلاة عليه فكذلك السلام في حق المقتدى تبع فلا يتوقف خروجه من
الصلاة عليه وقيل هذا قول محمد وأما عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى فالمقتدى
إنما يصير خارجا من الصلاة بسلام نفسه وإذا ضحك قبل أن يسلم كان عليه الوضوء لان
كل ذكر يكون المقتدى فيه تبعا لامامه لم يأت به المقتدى أصلا كالقراءة ولان التحليل
معتبر بالتحريم فكما لا يصير المقتدى شارعا بتكبير الامام لا يصير خارجا من الصلاة
بتسليم الامام ومحمد رحمه الله تعالى يقول هو تبع للامام في الصلاة فلو بقي بعد خروج الامام
في حرمة الصلاة بقي مقصودا وفيما يكون هو تبعا لا يكون مقصودا (قال) رضى الله تعالى
عنه وكان شيخنا الامام رحمه الله يقول بهذه المسألة يتبين جهل بعض الناس ممن يشتغل بالدعوات
بعد تسليم الامام فان الأولى أن يسلم مع الامام ثم يشتغل بالدعوات ليكون خروجه بسلام
نفسه لأنه إذا أخر صار خارجا بسلام الامام يعنى عند محمد رحمه الله تعالى وعلى ما ذكر
في الكتاب من الجواب مطلقا يكون خارجا على قول الكل فان الجواب مطلق في
الكتاب أنه يصير خارجا بسلام الامام لا بسلام نفسه فلا تكون دعواته في حرمة الصلاة
وقد بينا في كتاب الصلاة أن الأولى عند أبي حنيفة رضي الله عنه أن يكبر مع الامام
وكذلك يأتي بسائر الأفعال معه وفي التسليم روايتان إحداهما أنه يسلم مع الامام لأنه شريك
الامام والمشاركة تقتضي المقارنة وعندهما الأولى أن يكبر عقيب تكبير الامام وكذلك
سائر الأفعال لأنه تبع لامامه وعلى هذا لو كان الامام حين سلم عن يمينه اقتدى به رجل لم
يكن داخلا معه في الصلاة لأنه بالتسليمة الواحدة صار خارجا منها فكيف يقتدى به
غيره بعد خروجه من الصلاة. ولو نام المقتدى فلم يتشهد حتى سلم الامام فإنه لا يصير خارجا
بسلام الامام ههنا ولكن ينبغي له ان يتشهد ثم يسلم لأنه قد بقي عليه واجب من واجبات
الصلاة وإنما يصير خارجا بسلام الامام إذا لم يبق عليه شئ من واجبات الصلاة فاما مع
93

بقاء شئ من أعمال الصلاة عليه فلا يصير خارجا بسلام الامام كاللاحق والمسبوق فان ضحك
الرجل النائم في هذه الحالة كانت صلاته تامة لأنه لم يبق عليه شئ من أركانها وقراءة التشهد
واجبة وليست بركن ولكن عليه الوضوء لصلاة أخرى لان ضحكه لاقى حرمة الصلاة
فيكون حدثا الا على قول زفر رحمه الله تعالى فإنه يقول الضحك متى لم يوجب إعادة الصلاة
لا يوجب إعادة الوضوء. وان سلم هذا النائم عمدا كانت صلاته تامة لأنه لم يبق عليه شئ من
أركانها وان سلم ساهيا فعليه ان يتشهد ثم يسلم لأنه قد بقي عليه واجب من واجبات صلاته
فلا يصير خارجا بسلامه ساهيا كمن سلم ساهيا وعليه سجود التلاوة. ولو أدرك الامام
في الركوع فكبر ثم انحط يركع فرفع الامام رأسه قبل أن يركع ثم ركع الرجل لم يجزئ
عندنا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يجزئه وهو قول ابن أبي ليلى لان حالة الركوع كحالة القيام
فان القائم إنما يفارق القاعد في النصف الأسفل لان النصف الأسفل من القاعد منثن ومن
القائم مستو فاما النصف الأعلى فيهما سواء والراكع كالقائم في استواء النصف الأسفل
منه ولهذا يجعل مدركا للركعة إذا أدرك الركوع مع الامام فيكون اقتداؤه بالامام وهو راكع
بمنزلة اقتدائه بالامام قبل أن يركع. ولو كبر قبل أن يركع الامام ولم يتابعه في الركوع
حتى رفع رأسه منه جازت صلاته فكذلك ههنا. ولكنا نستدل بحديث أبي بكر رضي الله
عنه حيث كبر وركع عند باب المسجد ثم دب راكعا حتى التحق بالصف فلو لم تكن مشاركته
مع الامام في الركوع شرطا للادراك لما فعل هكذا ولان القيام ركن في كل ركعة فلا
يصير مدركا للركعة الا بمشاركة الامام في حقيقة القيام أو فيما هو مشبه بالقيام وهو الركوع
ولم يوجد ذلك حين رفع الامام رأسه قبل أن يركع هو فكان هذا وما لو أدركه في السجود
سواء بخلاف ما إذا أدركه في حالة القيام لان هناك قد وجدت المشاركة بينهما في حقيقة
القيام. ولو انتهى إلى الامام وهو ساجد فكبر ثم رفع الامام رأسه وسجد السجدة الثانية ولم
يسجد هذا الرجل معه واحدة من السجدتين فعليه ان يتبعه في السجدة الثانية دون الأولى
لان هاتين السجدتين لا يحتسب بهما من صلاته لعدم شرطه وهو تقدم الركوع فان
الركوع افتتاح السجود ولم يوجد في حقه وإنما يأتي بهما لمتابعة الامام فإنما يلزمه المتابعة
فيما أتى به الامام بعد ما صار هو مقتديا به وقد سجد الإمام السجدة الأولى قبل أن يصير
هو مقتديا به فلا تلزمه بذلك السجدة للمتابعة وسجد السجدة الثانية بعد ما صار هو مقتديا
94

به فعليه أن يأتي بها ما لم يركع الامام الركعة الأخرى ويسجد فإذا فعل ذلك فحينئذ لا
يشتغل بها وإنما يشتغل بما هو الأهم وهو الركوع وسجدة الركعة الثانية لأنها محسوبة
من صلاته (قال) رجل رفع رأسه من السجود قبل الامام ثم عاد فان نوى عند عوده
السجدة الأولى أو متابعة الامام أو لم يكن له نية فهو عائد في السجدة الأولى لان ذلك
مستحق عليه وكذلك لو نوى السجدة الثانية ومتابعة الامام لان متابعة الامام تكون
فيما فيه الامام وهي السجدة الأولى فصار ناويا لهما والجمع بينهما غير متأت فتلغو نيته ويصير
كأنه لم تحضره النية. ولو نوى السجدة الثانية خاصة فلم يزل ساجدا حتى رفع الامام رأسه
وسجد السجدة الثانية فذلك يجزئه عن السجدة الثانية لأنه سجد للثانية في وقت لو
سجدها امامه جاز وقد وقعت المشاركة بينه وبين الامام في آخرها حين أدركه فيها فهو كما
لو وقعت المشاركة بينه وبين الامام في أولها بان سجد الثانية مع الامام وان رفع الامام رأسه
وسجد الثانية ثم رفع المقتدى رأس فظن أن الامام في السجدة الأولى فسجد ينوى الأولى
أو متابعة الامام أو الثانية أو لم يكن له نية فسجوده هذه هي الثانية لان السجدة الأولى قد
تمت حين رفع رأسه منها وجاء أوان السجدة الثانية فعلى أي نية أتى بها كانت هي
الثانية. ولو أن قارئا اقتدى بأمي ثم قهقهه لم يكن عليه وضوء لان على احدى الطريقتين
وان صار شارعا في الصلاة لكن تفسد صلاته إذا جاء أوان القراءة لان الامام يتحمل عنه
فرض القراءة فإذا عجز عن ايفائه فسدت صلاتهما فهذا الضحك منه في صلاة لا ركوع
فيها ولا سجود فهو كالضحك في صلاة الجنازة. وكذلك لو افتتحها خلف أخرس أو صبي
أو مجنون أو مريض يومئ لان هؤلاء لا يصلحون للإمامة فلا يصير شارعا في الصلاة إذا
اقتدى بهم. ولو أن غلاما صلى العشاء الآخرة ثم نام فاحتلم وانتبه قبل أن يذهب وقت
العشاء فعليه ان يعيدها عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى ليس عليه ان يعيدها لان
وقت الصلاة في حكم حالة واحدة فالمؤدى في أول الوقت بمنزلة المؤدى في آخر الوقت على
معنى ان ما أداه في أول الوقت كان موقوفا فإذا تحققت الفريضة في آخر الوقت وقع المؤدى
عن الفرض بمنزلة ما لو عجل الزكاة ثم تم الحول ووجبت عليه الزكاة ولكنا نقول المؤدى وقع
نفلا لأنه لم يكن أهلا للفرض حين أدى فان الأهلية للفرض باعتبار الخطاب والصبي
غير مخاطب ثم لما بلغ في آخر الوقت لزمه أداء الفرض والنفل لا يقوم مقام الفرض والقول
95

بالتوقف ينبنى على الأهلية للفرض وهو ليس باهل له بخلاف الذي عجل الزكاة لأنه أهل
للفرض وإنما أدى بعد كمال سبب الوجوب. وهذه هي المسألة التي سمعها محمد رحمه الله تعالى
من أبي حنيفة رضي الله عنه أولا على ما يحكى عنه انه كان من أولاد بعض الأغنياء فمر يوما
ببني حرام ووقف عند باب المسجد يسمع كلام أبي حنيفة رضي الله عنه كما يفعله الصبيان
وكان هو يعلم أصحابه هذه المسألة وكان محمد رحمه الله تعالى قد ابتلى بها في تلك الليلة فدخل
المسجد وأعاد العشاء فدعاه أبو حنيفة رضي الله عنه وقال ما هذه الصلاة التي صليتها فأخبره
بما ابتلى به فقال يا غلام الزم مجلسنا فإنك تفلح فتفرس فيه خيرا حين رآه عمل بما تعلم من
ساعته. ولو لم ينتبه حتى طلع الفجر الثاني فقد قال بعض مشايخنا لا قضاء عليه لأنه لم يصر
مخاطبا في وقت العشاء فإنه كان في أول الوقت صبيا وفى آخر الوقت نائما والنوم يمنع توجه
الخطاب عليه ابتداء واستدلوا بظاهر لفظ الكتاب فإنه شرط الانتباه قبل ذهاب الوقت
والأصح انه يلزمه القضاء لان النوم يمنع توجه خطاب الأداء ولكن لا يمنع الوجوب ألا
ترى ان من بقي نائما وقت صلاة أو صلاتين كان عليه القضاء إذا انتبه وقد جعل النائم كالمنتبه
في بعض الأحكام خصوصا على أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيلزمه القضاء إذا علم أنه
احتلم قبل طلوع الفجر وإن لم يعلم ذلك بان انتبه في آخر وقت الفجر وهو يتذكر الاحتلام
ويرى الأثر ولا يدرى متى احتلم فحينئذ لا يلزمه قضاء العشاء لان الاحتلام حادث فإنما
يحال حدوثه على أقرب الأوقات. ولو أن مسلما صلى الظهر ثم ارتد والعياذ بالله تعالى ثم أسلم
في وقت الظهر كان عليه ان يعيدها عندنا خلافا للشافعي رضي الله عنه وهو بناء على الأصل
الذي بينا في كتاب الصلاة ان عنده مجرد الردة لا يحبط عمله ما لم يمت عليها قال الله تعالى
ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر الآية وعندنا بنفس الردة قد حبط عمله قال
الله تعالى ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله والتحق بالكافر الأصلي الذي أسلم الآن
فيلزمه فرض الوقت لأنه أدرك جزأ منه وعلى هذا الأصل لو حج حجة الاسلام ثم ارتد
ثم أسلم فعليه حجة الاسلام عندنا وعند الشافعي رضي الله عنه لا يلزمه ذلك. ولو صلى
الظهر في منزله ثم جاء وهو ناس انه قد صلى فدخل مع الامام ينوى الظهر ثم ذكر أنه
قد صلاها فأفسدها لم يكن عليه قضاؤها الا على قول زفر رحمه الله تعالى لأنه شرع فيها على
ظن أنها عليه فان رعف الامام واستخلف هذا الرجل فصلاتهم جميعا فاسدة لأنه متنفل
96

فلا يصلح أن يكون اماما للمفترض واشتغال الامام باستخلاف من لا يصلح أن يكون
خليفة له يكون مفسدا لصلاته ثم تفسد صلاة القوم بفساد صلاة الامام. ولو أن الامام
قرأ في الأوليين من الظهر ثم أحدث فاستخلف أميا فسدت صلاتهم الا على قول زفر
والحسن بن زياد رحمهما الله تعالى قالا لان فرض القراءة في الأوليين وقد أداء الامام
وليس في الأخريين قراءة والامي والقارئ فيهما سواء ولكنا نقول القراءة فرض للصلاة
تؤدى في محل مخصوص قال عليه الصلاة والسلام لا صلاة الا بقراءة وهذه الصلاة افتتحها
القارئ والامي لا يصلح للإمامة فيها واشتغال الامام باستخلاف من لا يصلح أن
يكون خليفة له يكون مفسدا لصلاته. ولو أن رجلا قال لله على أن أصلى ركعتين فصلاهما
عند زوال الشمس لم تجزئه لأنه بمطلق النذر يلزمه الصلاة بصفة الكمال والمؤدى في
الأوقات المكروهة ناقص ولان بالنذر يلزم أداء صحيح والمؤدى في الأوقات المكروهة
يكون فاسدا لما فيه من ارتكاب النهى فلا يحصل الوفاء بها. ولو نسي صلاة في أيام التشريق
فذكرها بعد أيام التشريق فقضاها لم يكبر عقيبها وهذه أربع فصول بيناها في الصلاة
أحدها هذه والثانية ما إذا نسي صلاة في غير أيام التشريق ثم قضاها في أيام التشريق
والثالثة ما إذا نسيها في أيام التشريق وقضاها في أيام التشريق من قابل وفى هذه
الفصول لا يكبر لان التكبير مؤقت بوقت مخصوص فلا يقضى بعد مضى ذلك الوقت
كصلاة الجمعة ورمى الجمار وهذا لان ما يكون سنة في وقته يكون بدعة في غير وقته وإذا
كان يقضى في أيام التشريق صلاة نسيها قبله فالقضاء بصفة الأداء وأما إذا نسيها (1) في أيام
التشريق وقضى في أيام التشريق في تلك السنة كبر عقيبها عندهما المنفرد والجماعة فيه سواء
وعند أبي حنيفة رضي الله عنه إذا كانوا جماعة كبروا لان وقت التكبير باق والقضاء بصفة
الأداء فهو نظير رمى الجمار إذا تركها في اليوم الأول والثاني يقضيها في اليوم الثالث. ولو
صلى الوتر في منزله ثم جاء إلى قوم في شهر رمضان يصلون الوتر وهو يرى أنهم في
التطوع فدخل في صلاتهم ثم قطع حيث علم أنهم في الوتر فعليه قضاء أربع ركعات لأنه
بالشروع التزم صلاة الامام وصلاة الامام ثلاث ركعات ومن التزم ثلاث ركعات يلزمه
أربع ركعات كمن نذر أن يصلى ثلاث ركعات وهذا لان مبنى التطوع على الشفع دون

(1) قوله وأما إذا نسيها الخ هذا هو الفصل الرابع من الفصول الأربعة اه‍ مصححه
97

الوتر والشفع الواحد لا يتجزأ فالتزام بعضه التزام لكله. وان دخل يريد الوتر ولم يكن
أوتر وقد فاتته ركعتان مع الامام وهو في الركعة الأخيرة فأوتر معهم أو أدركهم ركوعا
فركع معهم ثم قام فقضاهما فليس عليه أن يقنت فيما يقضى قال لأنه يقضى أول صلاته
وقد بينا هذا الأصل في كتاب الصلاة انه في حكم القنوت يجعل ما أدرك مع الامام آخر
صلاته لان القنوت لم يشرع مكررا في وتر واحد فلو جعلنا ما أتى به مع الامام أول
صلاته كان يقنت فيما يقضى فيؤدى إلى تكرار القنوت وكذلك أن أدركهم في الركوع
لأنه مدرك لهذه الركعة وهي محل للقنوت فيجعل ادراكه محل القنوت مع الامام بمنزلة
قنوته مع الامام. رجل افتتح المغرب فصلى منها ركعة ثم ظن أنه لم يكن افتتح الصلاة
فجدد التكبير وصلى ثلاث ركعات مستقبلات قال يجزئه لأنه بقي في صلاته الأولى لأنه
نوى ايجاد الموجود ونية الايجاد في الموجود لغو فلما صلى ركعتين فقد تمت فريضة
ثم كانت الركعة الثالثة نفلا له لأنه اشتغل بها بعد اكمال الفريضة ولو كان صلى ركعتين
والمسألة بحالها لم تجز صلاته لأنه بقي بعد تجديد التكبير في صلاته الأولى فلما صلى ركعة
كان عليه أن يقعد ولم يفعل حتى صلى ركعة أخرى فكان قد اشتغل بالنفل قبل اكمال
الفريضة وذلك مفسد لصلاته. ولو اقتدى بالامام في المغرب بنية التطوع فصلى منها ركعة
وفاتته ركعتين ثم رعف فانطلق فتوضأ وقد أدرك أول الركعة يعنى نام خلف الامام حتى
صلى ركعتين ثم أحدث فتوضأ ثم جاء وقد فرغ الامام فعليه أن يصلى ركعة بغير قراءة
ويقعد ثم يصلى ركعة بغير قراءة ويقعد لأنه لاحق في هاتين الركعتين فيصليهما بغير قراءة
ثم يصلى ركعة بقراءة ويقعد لأنه ليس بتبع للامام في الركعة الرابعة فإنها لم تكن على إمامه
ولكنها نفل مقصود في حقه فعليه ان يصليها بقراءة وفيما كان تبعا للامام عليه ان يؤديه
كما أداه الامام ولهذا قلنا يقعد في الثالثة كما قعد الامام. رجل افتتح الصلاة مع الامام
فنام خلفه حتى فرغ الامام ثم انتبه وقد كان الامام ترك سجدة من الركعة الأولى
فقضاها في الثانية ولم يقعد في الثانية مقدار التشهد ساهيا ثم علم الرجل كيف صنع الإمام قال
يتبعه ويصلى بغير قراءة لأنه قد أدرك أول الصلاة مع الامام والتزم الاقتداء به فكان هو
مقتديا بالامام فيما يأتي به وليس على المقتدى قراءة ويسجد في موضعها من الركعة الأولى
لان الامام قضى تلك السجدة فالتحقت بمحلها وصار كأنه أداها في موضعها ولا يقعد
98

مقدار التشهد في الركعة الثانية عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى يقعد لان الامام لما استتم
قائما إنما لم يعد إلى القعود لما فيه من ترك الفريضة لأداء السنة وذلك المعنى غير موجود في
حق هذا الرجل فعليه أن يأتي بالقعدة كما كان ذلك على الامام قبل أن يقوم إلى الثالثة وقاس
بالسجدة فإنه يأتي بها في موضعها كما كان على الامام أن يأتي بها ولكنا نقول هو في الحكم
كأنه خلف الامام ومن كان خلف الامام تسقط عنه القعدة الأولى بسقوطها عن الامام
ألا ترى ان الامام لو قام إلى الثالثة ساهيا ولم يقم القوم كان عليهم أن يتبعوه ولا يأتون بتلك
القعدة فكذلك هذا الرجل وبه فارق السجدة فان تلك السجدة ما سقطت عن الامام
بالترك ولهذا قضاها وقد سقطت القعدة عن الامام ألا ترى أنه لا يقضيها فتسقط عن
المقتدى. ولو نام خلف الامام حتى صلى ركعة ثم رعف فقدمه فإنه لا ينبغي له أن يتقدم لان غيره
أقدر على اتمام صلاة الامام منه فهو أولى بأن يكون خليفة له وان فعل جاز لأنه شريك
الامام في الصلاة فيصلح أن يكون خليفة له ثم ينبغي له أن يشير إلى القوم لينتظروه حتى
يقضى الركعة التي نام فيها لأنه لا حق فيبدأ بالأول فالأول فإن لم يفعل ولكن صلى بهم بقية
صلاة الامام ثم أخذ بيد رجل فقدمه حتى سلم بهم وقام هو فقضى ركعته جاز عندنا خلافا
لزفر رحمه الله تعالى وهو بناء على الأصل الذي بينا في الصلاة ان مراعاة الترتيب في أعمال
صلاة واحدة ليست بركن عندنا وعنده ركن وان بدأ بالتي نام فيها فاتبعه القوم فصلاته
تامة لأنه في حق نفسه كالمنفرد وصلاة من ائتم به فاسدة لأنهم صلوا ركعة قبل أن يصليها
امامهم فان امامهم مشغول بالركعة التي أدوها هم مع الأول وهم قد صلوا ركعة أخرى
وذلك مفسد لصلاتهم. ولو أن رجلا قال لله على أن أصلى ركعتين فاقتدى فيهما بمتطوع
لم يجزه عن الركعتين لان المنذور واجب عليه قبل الشروع فيه والتطوع ليس بواجب وصلاة
المقتدى بناء على صلاة الامام وبناء القوى على الضعيف لا يجوز بمنزلة المفترض يقتدى
بالمتطوع وهذا بخلاف ما إذا قال والله لأصلين ركعتين فأداهما خلف متطوع فان ذلك
يجزيه لأنه بيمينه ما وجب عليه الصلاة فكان هو في الأداء متطوعا وإن كان ببره في
يمينه الا ترى ان البر في اليمين يحصل بما هو حرام لا يجوز التزامه بخلاف النذر والذي
يوضح الفرق انه لو قال لله على أن أصلى ركعتين اليوم فلم يفعل كان عليه قضاؤهما. ولو
قال والله لأصلين اليوم ركعتين فلم يفعل حتى مضي اليوم لم يكن عليه قضاؤهما فبهذا يتضح
99

الفرق. ولو أن مسافرا ومقيما نسيا صلاة فأم أحدهما صاحبه بعد ما تذكرا فان أم المسافر المقيم
جاز وان أم المقيم المسافر لم تجز صلاة المسافر وقد بينا هذا الفرق في كتاب الصلاة ان
اقتداء المقيم بالمسافر يجوز بعد خروج الوقت كما يجوز في الوقت لان فرضه لا يتغير
بالاقتداء. واقتداء المسافر بالمقيم يجوز في الوقت ولا يجوز بعد خروج الوقت لان فرضه
يتغير بالاقتداء. ولو أن رجلا صلى مع الامام الفجر فجعل يركع معه ويسجد قبله فعليه أن
يسجد سجدتين وصلاته تامة لأنه لما سجد قبله ورفع رأسه قبل أن يسجد الامام لم يعتد
بهذه السجدة فلما سجد الإمام وسجد الرجل ينوى الثانية كانت هذه هي السجدة الأولى
في حقه فإنما صلى مع الامام ركعتين وترك من كل ركعة سجدة فعليه أن يسجد سجدتين
وليس مراده من هذه المسألة أنه سجد قبل الامام ثم سجد الإمام قبل أن يرفع هو رأسه
لان هناك لا يلزمه قضاء شئ فان الامام لما أدركه في آخر السجدة فقد وجدت المشاركة
بينهما في هذه السجدة وليس مراده أنه سجد سجدتين جميعا ورفع رأسه منهما قبل أن
يسجد الامام لأنه حينئذ لا تجوز صلاته بأداء السجدتين فإنه في الحقيقة يكون مصليا ركعة
فإنما عليه أن يصلى أخرى فعرفنا أن مراده ما بينا. ولو صلى ركعة وترك منها سجدة ثم صلى
ركعة أخرى بسجدتين فهما لهذه الركعة لان الركعة تتقيد بالسجدة الواحدة فقد سجد للركعة
الثانية في أوانها فيكون سجوده عن الركعة الثانية وسجدة الركعة الأولى صارت في حكم
القضاء لفوات محلها فلا تتأدى بدون النية فان طاف بالبيت أسبوعا ثم صلى ركعتين عند
طلوع الشمس أو بعد ما تغيرت الشمس لم يجزئه عندنا عن ركعتي الطواف خلافا للشافعي
رضى الله تعالى عنه لحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت أي ساعة شاء من ليل أو نهار وليصل لكل أسبوع ركعتين
ولكنا نستدل بحديث معوذ بن عفراء رضي الله عنه فاته طاف بعد العصر أسبوعا ثم لم يصل
فقيل له في ذلك فقال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذه الساعة. وعن أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه انه طاف بعد العصر أسبوعا فقال عطاء أرمقوا صاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم هل يصلى فرمقوه فلم يصل حتى غربت الشمس. وعن عمر رضى الله تعالى
عنه أنه طاف بعد صلاة الفجر أسبوعا ثم خرج من مكة فلما كان بذي طوى وارتفعت
الشمس صلى ركعتين ثم قال ركعتان مكان ركعتين ولان ركعتي الطواف تجب بسبب من
100

جهة العبد فهي كالمنذورة وقد بينا أن المنذورة لا تؤدى بعد الفجر قبل طلوع الشمس ولا
بعد العصر قبل غروب الشمس وتأويل حديث جبير وليصل كل أسبوع ركعتين في
الأوقات التي لا تكره الصلاة فيها. رجل صلى ركعتين تطوعا ثم اقتدى به رجل ثم رعف
فانطلق يتوضأ فصلى امامه ركعة أخرى ثم تكلم الذي أحدث فصلى هذا الامام تمام ست
ركعات فعلى الرجل الداخل معه أن يقضى أربع ركعات لأنه اقتدى بالامام في الشفع
الثاني فيصير ملتزما لهذا الشفع والشفع الأول الذي أداه الامام بهذه التحريمة فعليه قضاء
الشفعين ثم هو قد أفسد الاقتداء قبل قيام الامام إلى الشفع الثالث وإنما يلزمه الشفع الثالث
بالقيام إليه كما لو لم يكن اماما له حين قام إليها لم يكن عليه قضاؤها. ولو أن رجلين افتتحا الصلاة
معا ينوى كل واحد منهما أن يكون اماما لصاحبه فصلاتهما تامة لان الامام في حق نفسه
كالمنفرد فان صلاته لا تنبنى على صلاة غيره فنية كل واحد منهم للإمامة ونيته الانفراد
سواء وان نوى كل واحد منهما أن يأتم بصاحبه فصلاتهما فاسدة لان كل واحد منهما
نوى الاقتداء عند الشروع ونيته الاقتداء بالمقتدى لا تصح ألا ترى أن المسبوق إذا قام
إلى قضاء ما فات فاقتدى به انسان لم يصح اقتداؤه وهذا لان المقتدى تبع ويستحيل أن
يكون كل واحد منهما تبعا لصاحبه في صلاة واحدة فلهذا تفسد صلاتهما ثم ذكر مسألة
المغمى عليه وقد بيناها في كتاب الصلاة وفرق بين الاغماء والنوم فان النوم لا يسقط القضاء
وإن كان أكثر من يوم وليلة لان النائم في حكم القضاء كالمنتبه ألا ترى أنه إذا نبه انتبه
بخلاف المغمى عليه وجعل الجنون كالاغماء فقال إذا جن يوما وليلة أو أقل فعليه قضاء
الصلوات وإذا جن أكثر من يوم وليلة فليس عليه قضاء الصلوات وهذا لان الجنون
يعجزه عن فهم الخطاب مع بقاء الأهلية للفرض ألا ترى أن فرضه المؤدى يبقى على حاله
يعنى حجة الاسلام والصلاة المؤداة حتى لو أفاق قبل مضى الوقت لم يكن عليه إعادة الصلاة
فعرفنا أن الجنون إذا قصر فهو كالاغماء فإن كان يوما وليلة أو أقل كان عليه قضاء الصلوات
وقد ظن بعض أصحابنا أن الجنون إذا استوعب وقت صلاة كاملة لم يكن عليه قضاؤها
بخلاف الاغماء قالوا لان الجنون يزيل العقل ألا ترى أن من قال جن رسول الله صلى الله
عليه وسلم في شئ من عمره كفر وقد أغمي عليه في مرضه ولكن الأصح أنه في حكم
الصلاة لا فرق بين الجنون والاغماء كما نص عليه ههنا. رجل نسي صلاتين من يومين
101

وهو لا يدرى أي صلاتين هما فعليه إعادة صلاة يومين أخذا بالاحتياط وليس عليه مراعاة
الترتيب في القضاء لان ما لزمه قضاؤها أكثر من ست صلوات فيسقط مراعاة الترتيب
للكثرة وكذلك لو نسي صلاة من يوم وهو لا يدرى أيها هي أو نسي سجدة من صلاة
وعلى قول سفيان الثوري رضي الله عنه يعيد الفجر والمغرب ثم يصلى أربع ركعات بنية ما
عليه وعلى قول محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى يصلى أربع ركعات بثلاث قعدات وهذا ليس
بصحيح عندنا لان تعين النية في القضاء شرط للجواز والصلوات وان اتفقت في أعداد
الركعات فهي مختلفة في الاحكام لان اقتداء من يصلى الظهر بمن يصلى العصر لا يجوز فلا
يتحقق تعيين النية فيما يقول محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى ولا فيما يقول سفيان رضي الله عنه
فلهذا ألزمناه قضاء صلاة يوم وليلة. ولو أن رجلا أم قوما شهرين ثم قال قد كان في ثوبي قذر
فعلى القوم أن يصدقوه ويعيدوا صلاتهم لأنه أخبر بأمر من أمور الدين وخبر الواحد في أمر
الدين حجة يجب العمل بها إلا أن يكون ما جنا فحينئذ لا يصدق لان خبره في أمور الدين
غير مقبول إذا كان ما جنا والذي يسبق إلى الأوهام انه يكذب في خبره على قصد الاضرار
بالقوم لمعني دخله من جهتهم والماجن هو الفاسق فان المجون نوع جنون وهو أن لا يبالي
بما يقول ويفعل فتكون أعماله على نهج أعمال المجانين وكان شيخنا الامام رضي الله عنه يقول
الماجن هو الذي يدعى سبب نبت وهو الذي يلبس قباطاق (1) ويتمندل بمنديل خيش ويطوف
في السكك ينظر في الغرف ان النساء ينظرن إليه أم لا. ولو طلعت الشمس وهو في خلال
صلاة الفجر ثم قهقه قبل أن يسلم فليس عليه وضوء لصلاة أخرى اما على قول محمد رحمه
الله تعالى فلانه صار خارجا بطلوع الشمس وهو احدى الروايتين عن أبي حنيفة رضي الله عنه
وفى الرواية الأخرى وإن لم يصر خارجا من أصل التحريمة فقد فسدت صلاته بطلوع الشمس
لأنه لا يجوز أداء النفل في هذا الوقت كما لا يجوز أداء الفرض فالضحك في هذه الحالة دون
الضحك في صلاة الجنازة فلا يجعل حدثا وعلى قياس قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يلزمه
الوضوء خصوصا على الرواية التي رويت عنه ان يصبر حتى تطلع الشمس ثم يتم الفريضة
فعلى هذه الرواية لا يشكل ان ضحكه صادف حرمة صلاة مطلقة فكان حدثا. ولو افتتح التطوع

(1) قوله سبب نبت هكذا في نسخة وفى نسخة أخرى بنت سبب فليحرر وقوله قباطاق لعله
القباطي وهي الثياب المشهورة اه‍ مصححه
102

حين طلعت الشمس ثم أفسدها متعمدا ثم قضاها حين احمرت الشمس أجزأه الا على قول
زفر رحمه الله تعالى فإنه يقول لما أفسدها فقد لزمه قضاؤها وصار ذلك دينا في ذمته فلا يسقط
بالأداء في الوقت المكروه بمنزلة المنذورة التي شرع فيها في وقت مكروه ولكنا نقول لو
أداها حين افتتحها لم يكن عليه شئ آخر فكذلك إذا قضاها في مثل ذلك الوقت لم يلزمه
شئ آخر لان القضاء بصفة الأداء فهو والمؤدى حين شرع فيه سواء وقد بينا نظائره في
كتاب الصلاة والله أعلم بالصواب
* (باب صلاة المسافر) *
رجل صلى بمسافرين ومقيمين ركعتين وقعد قدر التشهد ثم قام بعض من خلفه من المسافرين
فتكلموا ثم نوى الامام الإقامة فعليه ان يتم صلاته لان نيته حصلت في حرمة الصلاة
وعلى من خلفه من المسافرين إتمام الصلاة أيضا لأنهم صاروا مقيمين في هذه الصلاة تبعا
لإمامهم ومن تكلم منهم في صلاته فصلاته تامة لأنه خرج من حرمتها في وقت لو خرج
امامهم منها كانت صلاته تامة وإنما كان يلزمهم صلاة المقيمين باعتبار التبعية ومن تكلم منهم
فقد خرج من أن يكون تبعا للامام قبل أن يتغير فرض الامام ومن تكلم منهم بعد ما نوى
الامام الإقامة فسدت صلاته بمنزلة ما لو تكلم الامام في هذه الحالة وهذا لان فرضه تغير
بنية لامام الإقامة فيكون هو متكلما في وسط الصلاة فان قام بعض من خلفه من المقيمين
فقرأ وركع وسجد ثم نوى الامام الإقامة فهذا الرجل خارج من صلاته يتم بقية الصلاة
وحده لأنه استحكم انفراده حين قيد الركعة بالسجدة قبل أن ينوي الامام الإقامة فان عاد
إلى متابعته في الرابعة فسدت صلاته لأنه اقتدي به بعد ما استحكم انفراده وإن كان قد قرأ
وركع ولم يسجد حتى نوى الامام الإقامة فعليه ان يعود إلى متابعته لأنه لم يستحكم انفراده
بمجرد القيام والركوع فكان كغيره ممن لم يقم بعد من المقيمين فعليه ان يتابع الامام في
اتمام الصلاة فإن لم يفعل ولكنه سجد فصلاته فاسدة لأنه انفرد في موضع كان عليه الاقتداء
فيه ومن اقتدى في موضع كان عليه الانفراد أو انفرد في موضع كان عليه الاقتداء فيه
فسدت صلاته وإنما قلنا إن انفراده إنما استحكم بتقييده الركعة بالسجدة لان ما دون الركعة
يحتمل الرفض والركعة الكاملة لا تحتمله ولان زيادة ما دون الركعة لا يفسد الصلاة
103

وزيادة الركعة الكاملة يفسدها فان الركعة الكاملة إذا لم يحتسب بها من الفريضة كانت
نافلة وخلط النفل بالفرض قبل اكمال الفرض مفسد للصلاة فإن كان الامام لم يقرأ في
الأوليين ثم تكلم بعض من خلفه بعد ما قعد قدر التشهد فصلاة من تكلم فاسدة
لان الامام لو تكلم في هذه الحالة كانت صلاته فاسدة ويقوم الامام فيتم ما بقي من
صلاته ويقرأ في الأخريين في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وأبى يوسف رضي الله عنه وفي
قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى صلاته وصلاة من خلفه فاسدة لان عندهما ظهر المسافر
كفجر المقيم فترك القراءة فيهما أو في إحداهما يفسد صلاته على وجه لا يمكن
تصحيحه وفى قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يتوقف حكم الفساد بتوقف
حال فريضته فان فرضه في الوقت بعرض التغيير بنية الإقامة فإذا نوى الإقامة في الانتهاء
يجعل ذلك كنيته في الابتداء وترك القراءة في الأوليين من المقيم لا يكون مفسدا لصلاته
حتى إذا قرأ في الأخريين كانت صلاته تامة فكذلك هنا وهو بناء على الأصل الذي
بينا ان بمجرد ترك القراءة لا يخرج عن حرمة الصلاة عندهما فإن كان بعض من خلفه
من المقيمين قام فقرأ وركع وسجد ثم نوى الامام الإقامة فصلاة هذا الرجل فاسدة لأنه
استحكم انفراده قبل تمام صلاة الامام في حال لو تكلم فيه الامام كانت صلاته فاسدة
وإن كان قرأ وركع ولم يسجد حتى نوى الامام الإقامة فإنه يرفض ما صنع ويعود إلى اتمام
صلاته مع الامام لأنه لم يستحكم انفراده بعد وهذا قياس قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله تعالى فان سجد بعد ما نوى الامام الإقامة فصلاته فاسدة لأنه انفرد في موضع
كان عليه الاقتداء فيه. ولو أن مسافرا صلى ركعتين بغير قراءة فظن بعد ما قعد قدر
التشهد أنه إنما صلى ركعة فقام وقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم نوى الإقامة فإنه يعيد القراءة
والركوع ويمضى في صلاته وان سجد قبل أن ينوى الإقامة فصلاته فاسدة وكذلك أن
سجد بعد نية الإقامة قبل أن يعيد القراءة والركوع لان ما دون الركعة يحتمل
الرفض فان نوى الإقامة قبل أن يسجد صار هذا ونية الإقامة قبل أن يقوم إلى الثالثة
سواء فإن كان سجد فهذه الركعة نافلة في حقه لا تحتمل الرفض واشتغاله بالنفل قبل
اكمال الفرض مفسد لصلاته وكذلك أن سجد بعد النية لان بهذه السجدة يتقيد ما أدى
من الركعة وهي نافلة والنفل لا ينوب عن الفرض وإن كان هو أعاد القراءة والركوع
104

فقد صار رافضا لما زاد مؤديا للفرض فتجوز صلاته في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما
الله تعالى وإن كان قرأ في الأوليين وقعد قدر التشهد ثم قام فقرأ وركع وسجد ثم نوى
الإقامة فقد استحكم خروجه من الفرض بتقييد الركعة بالسجدة فلا يتغير فرضه بنية
الإقامة ولكنه متنفل بركعة فيضيف إليها ركعة أخرى ليكون شفعا وإن كان ركع ولم
يسجد حتى نوى الإقامة فإنه يعيد الركوع لان فرضه تغير بهذه النية على ما بينا انه
لا يستحكم خروجه من الفرض ما لم يقيد الركعة بالسجدة فعليه إعادة القيام والركوع لان
ما أدي كان نافلة والقيام والركوع فرض في كل ركعة وفى الكتاب ذكر إعادة الركوع
خاصة لأنه إنما يركع عن قيام وفرض القيام إنما يتأدى بأدنى ما يتناوله الاسم وإن لم يعد
فصلاته فاسدة لترك القيام والركوع في الفريضة وأداء النافلة قبل اكمال الفريضة فإن لم
يقعد في الركعتين حتى قام ساهيا ثم نوى الإقامة فإنه يمضى على قيامه ولا يعود إلى القعدة
لأنه صار مقيما في هذه الصلاة والمقيم بعد ما قام إلى الثالثة ساهيا لا يعود إلى القعدة لما فيه
من العود من الفرض إلى السنة فإن كان عاد إلى القعدة قبل أن ينوى الإقامة ثم نواها قبل
اتمام التشهد فإنه يتم التشهد لأنه قبل نية الإقامة العود مستحق عليه وإنما تغير فرضه بنية
الإقامة وهو قاعد فعليه أن يتم التشهد ثم يقوم لاتمام صلاته. مسافر اقتدى بمقيم فعليه أن
يصلى أربعا لأنه التزم متابعة الامام بالاقتداء به فان تكلم صلى ركعتين لأنه مسافر على حاله
وإنما كان يلزمه الاتمام لأجل المتابعة وقد زال ذلك حين تكلم وهذا بخلاف ما لو اقتدى
به بنية النفل ثم تكلم فإنه يلزمه قضاء أربع ركعات لان هناك بالشروع يكون ملتزما صلاة
الامام وصلاة الامام أربع ركعات وهنا بالشروع ما قصد التزام شئ ء وإنما قصد اسقاط
الفرض عن ذمته وتغير فرضه حكما للمتابعة فإذا انعدمت صار كأنه لم يشرع في صلاته
أصلا. ولو نام هذا المسافر خلف المقيم حتى دخل وقت العصر فعليه أن يصلى أربعا لأنه
لاحق واللاحق في حكم المقتدى فان تكلم صلى ركعتين وكذلك أن نوى الإقامة بعد
ما تكلم لأنه بالكلام يخرج عن متابعة الامام فتبقى نية الإقامة منه بعد خروج الوقت
وذلك لا يغير فرضه * فان قيل هذا إذا كان الواجب عليه عند خروج الوقت ركعتين وهنا
الواجب عليه عند خروج الوقت أربع ركعات * قلنا نعم ولكن وجوب الأربع عليه عند
خروج الوقت كان من المتابعة وقد انعدم ذلك حين تكلم فكان هذا وما لو خرج الوقت
105

قبل شروعه في الصلاة سواء قلا يتغير فرضه بنية الإقامة. ولو أن امرأة سافرت مع زوجها
فنوى هو أن يقيم في موضع خمسة عشر يوما فعليها أن تصلى أربعا وإن لم تنو الإقامة ولو أنها نوت
الإقامة دون الزوج كان عليها أن تصلى ركعتين لأنها تابعة للزوج في السفر والإقامة قال الله
تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم. وقال الله تعالى الرجال قوامون على النساء وإنما يعتبر تغير
النية ممن هو أصل دون من هو تبع لان ثبوت الحكم في التبع بثبوته في الأصل ومن أصحابنا
من يقول هذا إذا كانت قد استوفت صداقها فإن لم تكن استوفت صداقها ولم يدخل
بها الزوج فإنه تعتبر نيتها لان لها أن تحبس نفسها لاستيفاء الصداق فلا تخرج مع زوجها وإن كان
قد دخل بها فعلى الخلاف المعروف في ثبوت حق الحبس لها لاستيفاء الصداق
وقيل بل هو قولهم جميعا لأنه وإن كان لها أن تحبس نفسها فما لم تحبس كانت تابعة لزوجها
وإنما وضع المسألة فيما إذا نوت الإقامة أو السفر من غير أن قصدت حبس نفسها عن زوجها
وعلى هذا حكم كل تبع مع أصله كالعبد مع سيده والأجير للخدمة مع المستأجر والجندي
مع السلطان إنما يعتبر نية الإقامة والسفر ممن هو أصل دون التبع وإن كان الزوج أو السيد
خلى بين المرأة والعبد وبين النية الآن تعتبر نيتهما لأنهما صارا أصلين بهذه التخلية ما لم
يرجع الزوج والسيد عنها (قال) كوفي خرج يريد مكة فلما انتهى إلى الحيرة توضأ وافتتح
الصلاة ثم رعف فنوى الرجوع إلى الكوفة ثم أصاب الماء في مكانه فتوضأ صلى أربعا لأنه
لما نوى الرجوع إلى وطنه الأصلي وهو في فناء وطنه فقد صار رافضا لسفره والتحق
بالمقيم في هذه الصلاة فعليه ان يصلى أربعا وكذلك أن تكلم لأنه صار مقيما بنيته الأولى في
هذا المكان فلا يصير مسافرا ما لم يرتحل منه وإن لم يتكلم ولكن قيل له ان أمامك ماء على
رأس غلوة فمشى إليه فتوضأ فإنه يصلى أربعا لأنه قد لزمه الاتمام بنيته الأولى ولأنه بالتوجه
أمامه لا يصير مسافرا بعد ما صار مقيما لان السفر عمل وحرمة الصلاة تمنعه من مباشرة عمل
ليس من أعمال صلاته بخلاف نية الإقامة فإنه ترك للسفر وهو يحصل بمجرد النية فحرمة
الصلاة لا تمنع منه فان تكلم بعد ما مشى أمامه صلى ركعتين لأنه خرج عن حرمة الصلاة
وهو منشئ للسفر بمشيه بعد ما خرج من حرمة الصلاة. ولو أن خراسانيا أوطن الكوفة
سنة فعليه أن يصلى أربعا لأنه نوى الإقامة في موضعها وهذا وطن مستعار له وقد بينا في
كتاب الصلاة أن الأوطان ثلاثة فعلى ذلك الأصل بنى هذه المسائل فقال إن خرج هذا
106

الخراساني مع كوفي إلى مكة فلما انتهيا إلى الحيرة نويا الإقامة بالقادسية شهرا فعلى الكوفي
أن يصلى أربعا والخراساني يصلى ركعتين حتى يدخل القادسية على نيته لان وطن الكوفي
بالكوفة وطن أصلى فلا ينتقض بالخروج منه على قصد السفر فإنما نوى الإقامة في فناء
وطنه الأصلي لان القادسية على مرحلتين من الكوفة فصار هو مقيما من ساعته ووطن
الخراساني بالكوفة كان مستعارا فانتقض بالخروج من الكوفة على قصد السفر فهو
مسافر نوى الإقامة في موضع فما لم يدخل ذلك الموضع لا يصير مقيما فإذا دخلا القادسية
صليا أربعا حتى يخرجا منها إلى مكة. فان بدا لهما أن لا يقيما بالقادسية بعد نيتهما الأولى وهما
بالحيرة بعد فان الكوفي يصلى أربعا والخراساني يصلى ركعتين لان الكوفي مقيم بنيته الأولى
في هذا الموضع فلا يصير مسافرا برفض النية ما لم يخرج منها وان شخصا من ذلك
الموضع صليا ركعتين وان نويا من الحيرة ان يخرجا إلى خراسان ويمران بالكوفة
فالخراساني يصلى ركعتين والكوفي يصلى أربعا لأنه عزم على الرجوع إلى وطنه الأصلي
وبينه وبين وطنه دون مسيرة سفر فيصير مقيما في الحال حتى يخرج من الكوفة إلى
خراسان. وان نويا الذهاب إلى خراسان ولا يمران بالكوفة صليا ركعتين لان الكوفي لم
يعزم على الرجوع إلى وطنه فهو ماض على سفره يصلى ركعتين كالخراساني. وأن خرج الكوفي
والخراساني يريدان قصر ابن هبيرة وهو على ليلتين من الكوفة صليا أربعا لأنهما لم يعزما
على السفر من الكوفة فان أدنى مدة السفر ثلاثة أيام فان بدا لهما أن يقيما بالقصر خمسة
عشر يوما ثم يمضيان إلى بغداد صليا أربعا لان من القصر إلى بغداد دون مدة السفر فان
بدا لهما الرجوع من بغداد إلى الكوفة ويمران بالقصر فالخراساني يصلى أربعا والكوفي
يصلى ركعتين لان وطن الخراساني بالقصر كان وطنا مستعارا فانتقض به وطنه بالكوفة
وصار وطنه القصر وقد عزم على الرجوع إلى وطنه وبينه وبين وطنه دون مسيرة سفر فيصلى
أربعا واما وطن الكوفي بالقصر فكان وطن السكنى لأنه في فناء وطنه الأصلي ولا يكون له
وطنا مستعارا في فناء وطنه الأصلي فان لوطن الأصلي ينقض الوطن المستعار لأنه فوقه
ووطن السكنى ينتقض بالخروج منه لا على قصد السفر فالتحق هو بعد ما وصل إلى بغداد
بمن لم يدخل القصر فإذا عزم على الرجوع إلى وطنه فقد أنشأ سفرا من بغداد إلى الكوفة
. وان كانا أوطنا ببغداد خمسة عشر يوما ثم بدا لهما الرجوع صليا جميعا ركعتين لان وطن
107

الخراساني بالقصر قد انتقض بمثله وهو وطنه ببغداد وإن لم يكونا نويا الإقامة بالقصر
ولا ببغداد فإذا خرجا من بغداد إلى الكوفة صليا ركعتين لان وطنهما بالقصر كان وطن
السكنى وقد انتقض بالخروج منه. ولو أن كوفيا باع داره وخرج مع عياله يريد أن
يوطن مكة فلما انتهى إلى الثعلبية بدا له أن يوطن خراسان فمر بالكوفة صلى أربعا لان
الوطن الأصلي لا ينقضه الا وطن أصلى مثله ولم يظهر له وطن أصلى في موضع آخر فكانت
الكوفة وطنا له فيصلى بها أربعا فإن كان أتى مكة ودخلها على عزيمته ثم بدا له أن يرجع
إلى خراسان فمر بالكوفة صلى ركعتين لأنه لما دخل مكة بأهله وثقله على قصد التوطن بها
صار ذلك وطنا أصليا له وانتقض وطنه بالكوفة ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
متوطنا بمكة فلما توطن بالمدينة انتقض وطنه بمكة حتى لما دخلها قال أتموا يا أهل مكة
صلاتكم فانا قوم سفر فان بدا له أن يرجع إلى اليمن ويمر بمكة صلى أربعا لأنها صارت وطنا
أصليا له ولم يتخذ بعدها وطنا آخر. ولو أن كوفيا قدم مكة في عيد الأضحى يريد الحج
ويريد أن يقيم بمكة سنة فإنه يصلى ركعتين حتى يخرج من منى لأنه على عزم الخروج منها
إلى منى وعرفات فلا يصير مقيما بهذا الدخول حتى يرجع من منى إلا أن يكون حين
أتاها كان بينه وبين يوم التروية خمسة عشر يوما أو أكثر فحينئذ يصير مقيما ثم بالخروج
إلى منى وعرفات لا يصير مسافرا وان بدا له قبل أن يرجع إلى منى أن ينصرف إلى
الكوفة بعد ما قضى حجه صلى ركعتين بمكة في المسألة الأولى لأنه بعد الرجوع من منى
ما دخلها على عزم الإقامة فلا يصير مقيما وإن كان إنما بدا له هذا بعد ما رجع من منى صلى
أربعا حتى يخرج من مكة يريد سفرا لأنه صار مقيما بها حين دخلها على عزم الإقامة. ولو
أن خراسانيا أوطن الكوفة والحيرة عشرين يوما صلى ركعتين لأنه نوى الإقامة في
الموضعين وإنما تعتبر نية الإقامة في موضع واحد إلا أن يكون نوى أن يكون بالليل بالحيرة
وبالنهار بالكوفة فحينئذ يصير مقيما إذا انتهى إلى الحيرة لان موضع إقامة المرء حيث يبيت فيه
ألا ترى انك تسأل السوقي أين يقيم فيقول في محلة كذا ويشير إلى مبيته وإن كان هو
بالنهار يكون في السوق. ولو أن كوفيا خرج حاجا ثم رجع إلى الحيرة فنوى بها الإقامة صلى
أربعا فان بدا له أن يخرج إلى مكة فلما انتهى إلى النجف وهو على رأس فرسخين بدا له أن
يرجع إلى الكوفة فإنه يصلى ركعتين ما لم يدخل الكوفة لان الحيرة كانت وطن السكنى
108

في حقه فانتقض بالخروج منها والتحق بمن لم يدخلها وكذلك لو بدا له أن يرجع إلى الحيرة
فإنه يصلى ركعتين وإن كان هو على أقل من يوم من أهله لأنه ماض على سفره ما لم يدخل
الكوفة فان وطنه بالحيرة كان وطن السكنى. ولو أن كوفيين خرج أحدهما من أهله
يريد مكة وأقبل الآخر من الشام يريد الكوفة فالتقيا بالحيرة وقد حضرت الصلاة فافتتحا
الصلاة ثم رعفا فأقبلا يريدان الكوفة ثم أصابا ماء قبل أن ينتهيا إلى بنيان الكوفة فالذي
خرج من الكوفة يصلى أربعا والذي أقبل من الشام يصلى ركعتين لان الذي أقبل من
الشام ماض على سفره ما لم يدخل الكوفة والذي خرج عزم على الرجوع إلى وطنه الأصلي
الذي خرج منه فصار مقيما في الحال فلهذا صلى أربعا وان كانا دخلا الكوفة فتوضيا صليا
أربعا لان الذي أقبل من الشام بدخوله إلى وطنه الأصلي صار مقيما فإن كانا مقتديين
بمسافر فدخلا الكوفة قبل أن يفرغ امامهما صليا أربعا لان حالهما معتبر بحال امامهما ولو
دخل امامهما وطنه في هذه الحالة صلى أربعا وإن كان فرغ امامهما من صلاته وقد أحدثا
فدخلا الكوفة صلى كل واحد منهما ركعتين لأنهما مقتديان به وامامهما لو صار مقيما في
هذه الحالة لم يتغير فرضه فكذلك لا يتغير فرضهما وان تكلما صليا أربعا لان حكم المتابعة
قد انقطع حين تكلما وقد دخلا وطنهما الأصلي فكانا مقيمين فيه يصليان أربعا (قال)
اللاحق إذا نوى الإقامة بعد فراغ الامام لم يتغير فرضه بخلاف المسبوق لان اللاحق في
حكم المقتدى فيكون تبعا للامام والامام لو نوى الإقامة في هذه الحالة لم يتغير فرضه
والمسبوق في حكم المنفرد ولو نوى اللاحق الإقامة قبل فراغ الامام تغير فرضه لان
امامه لو نوى الإقامة في هذه الحالة تغير فرضه وان تكلم اللاحق بعد ما نوى الإقامة بعد
فراغ الامام في المسألة الأولى تغير فرضه لأنه خرج من حكم المتابعة فصار أصلا ونية
الإقامة في الوقت ممن هو أصل يكون مغيرا للفرض. ولو أن الامام المسافر سبقه الحدث
فأخذ بيد رجل ثم نوى الإقامة صلى بهم أربعا لأنه بمجرد الاخذ بيده لم تتحول الإمامة
عنه البتة فإنما نوى الإقامة وهو امام فتغير فرضه وفرض القوم ولو أخذ بيد مقيم فقدمه لم
يتغير فرض المسافرين فإذا أتم بهم المقيم الصلاة وقعد في الركعتين وقرأ في الأوليين جازت
صلاته وصلاة المسافرين لأنهم اشتغلوا بالنفل بعد أداء الفرض فاما صلاة غيره من المقيمين
ففاسدة لأنهم اقتدوا في موضع كان عليهم الانفراد فيه وإن لم يقرأ هذا الخليفة في الركعة
109

الثانية فسدت صلاته وصلاة القوم لأنه قائم مقام الأول والأول لو ترك القراءة في هذه
الحالة فسدت صلاته وصلاة جميع القوم. ولو أن أمة افتتحت الصلاة بغير قناع فرعفت
فذهبت لتتوضأ فأعتقت أو كانت أم ولد فمات سيدها فأخذتا القناع من ساعتيهما قبل
أن تعود إلى مكان الصلاة جازت صلاتهما استحسانا وفى القياس عليهما استقبال الصلاة
وفيه قياسان كلاهما في كتاب الصلاة أحدهما أن فرض التقنع لما لزمهما في خلال الصلاة
أوجب استقبال الصلاة كالعاري لو وجد ثوبا في خلال الصلاة والثاني انهما لما رعفتا وهما
في حرمة الصلاة بعد فكأنهما في مكان الصلاة فإذا تركتا التقنع ساعة فسدت صلاتهما وفى
الاستحسان قال هذا الفرض لم يكن عليهما في أول الصلاة وإنما لزمهما في خلال الصلاة
وقد أتيا به بخلاف العريان فهناك فرض الستر كان واجبا عليه في أول الصلاة ولكنه كان
معذورا للعجز والثاني انهما بعد سبق الحدث وان كانتا في حرمه الصلاة فهما غير مشغولتين
بأداء اعمال الصلاة فإذا أخرتا التقنع فلم يوجد منهما أداء شئ من الصلاة مكشوفتي العورة
بخلاف ما إذا رجعتا إلى مكان الصلاة ثم تقنعتا فقد وجد هناك أداء جزء من الصلاة
مكشوفتي العورة وهو القيام فيكون ذلك مفسدا لصلاتيهما وهذا نظير ما ذكر في كتاب
الصلاة ان من سبقه الحدث فذهب ليتوضأ إذا لم يجد ماء فتيمم ثم وجد ماء قبل أن يعود
إلى مكان الصلاة فتوضأ لم تفسد صلاته استحسانا ولو عاد إلى مكان الصلاة فتوضأ لم تفسد
صلاته استحسانا ولو عاد إلى مكان الصلاة بطهارة التيمم ثم وجد ماء فعليه استقبال الصلاة
رجل صلى بالقوم الظهر ركعتين في مصر أو قرية وهم لا يدرون أمسافر هو أم مقيم فصلاة
القوم فاسدة سواء كانوا مقيمين أو مسافرين لأن الظاهر من حال من كان في موضع
الإقامة انه مقيم والبناء على الظاهر واجب حتى تبين خلافه الا ترى ان من كان في دار
الحرب إذا لم يعرف حاله يجعل من أهل دار الحرب بخلاف من كان في دار الاسلام فإنه
يجعل من المسلمين إذا لم يعرف حاله وإن كان هذا الامام مقيما باعتبار الظاهر فسدت صلاته
وصلاة جميع القوم حين سلم على رأس الركعتين وذهب فان سألوه فأخبرهم أنه مسافر جازت
صلاة القوم ان كانوا مسافرين أو مقيمين فأتموا صلاتهم بعد فراغه لأنه أخبر بما هو من
أمور الدين وبما لا يعرف الا من جهته فيجب قبول خبره في ذلك والله أعلم بالصواب
110

* (باب السهو) * (قال) رضي الله عنه رجل أم قوما فنسى ان يتشهد حتى قام إلى الثالثة فعلى القوم أن يقوموا
معه لأنهم تبع له وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الثانية إلى الثالثة
ولم يقعد فسبحوا به فسبح بهم حتى قاموا وان الامام تشهد فنسى بعض من خلفه
التشهد حتى قاموا جميعا فعلى من لم يتشهد ان يعود فيتشهد ثم يتبع امامه وان خاف ان تفوته
الركعة الثالثة لأنه تبع لامامه فيلزمه أن يتشهد بطريق المتابعة وهذا بخلاف المنفرد لان التشهد
الأول في حقه سنة وبعد ما اشتغل بفرض القيام لا يعود إلى السنة وهنا التشهد فرض
عليه بحكم المتابعة وهذا بخلاف ما إذا أدرك الامام في السجود فلم يسجد معه السجدتين
فإنه يقضى السجدة الثانية ما لم يخف فوت ركعة أخرى فان خاف فوت ذلك تركها لان
هناك هو يقضى تلك الركعة بسجدتيها فعليه أن يشتغل باحراز الركعة الأخرى إذا خاف فوتها
وهنا لا يقضى هذا التشهد بعد هذا فعليه أن يأتي به ثم يتبع امامه بمنزلة الذي نام خلف
الامام إذا انتبه فإنه يأتي بما يأتي به الامام وان سها هذا المقتدى في الركعة الرابعة عن التشهد
حين سلم الامام ثم قهقه فعليه الوضوء لصلاة أخرى ومراده أنه سها عن قراءة التشهد
لا عن القعدة لأنه إذا لم يقعد حتى سلم الامام ثم قهقه هو فعليه استقبال الصلاة وهذا لان
القعدة الأخيرة ركن فتركها يفسد الصلاة فأما قراءة التشهد واجب فهو لا يصير خارجا
بسلام الامام إذا بقي عليه واجب فضحكه يكون مصادفا حرمة الصلاة فعليه الوضوء لصلاة
أخرى لكن لا يلزمه استقبال الصلاة لان ترك الواجب لا يفسد صلاته. ولو أن اماما سلم
ناسيا وعليه سجدة صلبية ثم اقتدى به رجل صح الاقتداء لان الامام بسلام السهو لم يصر
خارجا من الصلاة فان ذهب الامام ولم يسجد فسدت صلاة المقتدى كما فسدت صلاة الامام
وان سجد الإمام سجد الرجل معه ثم قام إلى قضاء ما سبقه به فان قيد الركعة بالسجدة قبل أن
يسجد الامام فسدت صلاته لأنه يتعذر عليه العود إلى متابعته بعد أن صلى ركعة كاملة فقد
انفرد في موضع كان عليه الاقتداء فيه. وان كانت السجدة التي تركها الامام سجدة تلاوة
وقد قيد هذا الرجل ركعته بالسجدة قبل أن يعود الامام إليها ففي رواية هذا الكتاب قال
صلاته تامة ولا يعود إلى متابعته وفى رواية كتاب الصلاة يقول صلاته فاسدة. وجه تلك
الرواية ان العود إلى سجدة التلاوة ينقض القعدة كالعود إلى السجدة الصلبية فكان هذا
111

المسبوق قيد ركعته بالسجدة قبل قعود الامام وذلك مفسد لصلاته. وجه هذه الرواية انه
انفرد في موضع لو تكلم فيه امامه كانت صلاته تامة فلا يكون ذلك مفسدا لصلاته بخلاف
ما إذا كانت السجدة التي تذكرها سجدة صلبية وهذا لان انتقاض القعدة في حق الامام
إنما كان بالعود إلى سجدة التلاوة وقد صار هذا المقتدى خارجا عن متابعته قبل ذلك فلا
يؤثر ذلك في حقه كالامام إذا ارتد بعد السلام حتى بطلت صلاته ولم تبطل صلاة القوم
. ولو صلى بقوم الظهر يوم الجمعة ثم راح الامام إلى الجمعة فأدركها انقلب ما أدى نفلا في حقه
وبقي فرضا في حق القوم على ما كان وان تذكر الامام سجود السهو واقتدى به هذا
الرجل قبل أن يعود إليها ففي صحة اقتدائه خلاف معروف بيناه في كتاب الصلاة. وإن كان
قد اقتدى به قبل أن يسلم ثم قام وقيد ركعته بالسجدة قبل أن يعود الامام إلى سجدة السهو
جازت صلاته ولم يعد إلى متابعته بعد ذلك لان عود الامام إلى السهو يرفع السلام ولا
ينقض القعدة ولو نسي سجدة من صلب الصلاة وسجدة من تلاوته حتى سلم فإن كان
ناسيا لهما لم تفسد صلاته لأنه سلم ساهيا وذلك غير مفسد لصلاته فيعود ويسجد السجدة
الصلبية ثم سجدة التلاوة وإن كان ذاكرا لإحداهما فصلاته فاسدة أما إذا كان ذاكرا
للصلبية فسلامه قطع للصلاة لأنه تعمد السلام وعليه ركن من أركان الصلاة وإن كان
ذاكرا للتلاوة ناسيا للصلبية فكذلك في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى
ان صلاته لا تفسد ههنا حين سلم فهو غير ذاكر لما بقي عليه من ركن الصلاة وفى ظاهر
الرواية يقول سلامه هذا قطع لصلاته لأنه سلم وهو ذاكر لواجب من واجبات الصلاة
محله قبل السلام فيكون سلامه قطعا لا نهاية وبعد قطع الصلاة لا يمكنه أن يبني عليها
يوضحه انه لو نسي فأتى بالصلبية فلا بد أن يأتي بسجدة التلاوة أيضا وقد كان ذاكرا
لها حين سلم فلا يمكنه أن يأتي بها. وعلى هذا أيضا لو سلم وعليه سجدة صلبية وقراءة التشهد
الأخير وهو ذاكر لهما أو لإحداهما فصلاته فاسدة فلو سلم وعليه سجدة تلاوة وقراءة التشهد
وهو ذاكر لهما أو لإحداهما كان سلامه قاطعا أيضا حتى لا يمكنه أن يأتي بهما ولكن لا
تفسد صلاته لأنه لم يبق عليه شئ من أركانها. فان سها الامام في صلاته فسجد للسهو ثم
اقتدى به رجل في القعدة التي بعدها صح اقتداؤه لان الامام في حرمة الصلاة بعد وليس
على الرجل سجود السهو فيما يقضى لأنه ما سها وإنما يلزمه متابعة الامام فيما أدرك الامام فيه
112

وهو لم يدركه في هاتين السجدتين فلا تلزمه بحكم المتابعة * ثم ذكر ما ذا جهر الامام فيما
يخافت فيه أو خافت فيما يجهر فيه قال هنا إذا جهر فيما يخافت فيه فعليه السهو قل ذلك أو كثر
وان خافت فيما يجهر فيه فكان ذلك في أكثر الفاتحة أو في ثلاث آيات من غيرها فعليه السهو
وفيما دون ذلك لا يلزمه السهو وقد بينا اختلاف الروايات في هذه المسألة في كتاب الصلاة
. ولو أن اماما نسي أن يقرأ في الأوليين ثم اقتدى به رجل ثم رعف الامام فقدم هذا الرجل
فعليه ان يقرأ في الأخريين لأنه قائم مقام الامام الأول وان قرأ فيهما ثم فيهما ثم تأخر وقدم من أدرك
أول الصلاة وقام هو لاتمام صلاته فعليه أن يقضي الركعتين بقراءة حتى إذا ترك القراءة
فيهما أو في إحداهما فسدت صلاته لأنه في الأخريين كان خليفة الامام الأول فتلتحق قراءته
بمحلها بمنزلة ما لو قرأ الامام الأول ولا يتأدى بذلك فرض القراءة في حقه وهو فيما يتم مسبوق
فعليه أن يقضي بقراءة. ومن عليه سهو وتكبير وتلبية بدأ بالسهو ثم بالتكبير ثم بالتلبية
لان السهو مؤدى في حرمة الصلاة بدليل أنه يسلم بعده والتكبير مؤدى في فور الصلاة
لا في حرمتها فلهذا لا يسلم بعده والتلبية تؤدى لا في حرمة الصلاة ولا في فورها فيؤخرها
فان سلم في خلال صلاته ساهيا ثم كبر ثم تذكر أتم صلاته وأعاد التكبير ولو لبى ثم تذكر
استقبل الصلاة لان التكبير ذكر فلا تفسد به الصلاة والتلبية كلام فإنه إجابة للداعي
فيكون من جنس الكلام ومن تكلم ساهيا في خلال صلاته فسدت صلاته. ثم خروج
الوقت قبل سجود السهو في كل موضع لو كان في خلال الصلاة كان مفسدا لصلاته فإنه
يسقط عنه سجود السهو أيضا نحو طلوع الشمس أو خروج وقت الظهر في صلاة الجمعة
أو تغير الشمس في حق من يقضى فائتة عليه وفى كل موضع لو كان ذلك في خلال الصلاة
لم يمنعه من اتمام الصلاة فذلك لا يمنعه من سجود السهو أيضا نحو دخول وقت العصر في
حق من يصلى الظهر. ولو قرأ الفاتحة ثم ركع ساهيا ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع فاقتدى
به رجل في الركوع الثاني فهو مدرك للركعة لان المعتد به هو الركوع الثاني والأول حصل
قبل أوانه لان الركوع ما كان بعد قراءة الفاتحة والسورة ولو كان قرأ الفاتحة والسورة ثم ظن
بعد ما رفع رأسه من الركوع أنه لم يقرأ فقرأ وركع الثاني فأدرك رجل معه الركوع الثاني لم
يكن مدركا للركعة لان المعتد به هو الركوع الأول فإنه حصل في أوانه والركوع الثاني
وقع مكررا فلا يكون معتدا به. ولو صلى من الظهر ركعة وترك سجدة ثم قام فقرأ وركع
113

وسجد ثلاث سجدات فالسجدة الثالثة لا تكون من الركعة الأولى الا بالنية لان الركعة
تتقيد بالسجدة الواحدة وقد صارت السجدة المتروكة في حكم الدين حين صلى بعدها ركعة
تامة فلا تتأدى بدون نية القضاء بخلاف ما إذا لم يركع في الثانية حتى سجد فإنه يقع عما
عليه ولا يحتاج إلى النية لان محل تلك السجدة لم يفت ولم يأت محل الثانية. فلو سها عن
سجدة من الركعة الأولى حتى صلى الثانية وقام ساهيا قبل أن يتشهد ثم تذكر فسجد تلك
السجدة لم يقعد بعدها ولكنه يقوم لأنه لما أدى تلك السجدة فقد التحقت بمحلها وهي
الركعة الأولى ويبقى هو في حكم القائم إلى الركعة الثالثة قبل أن يقعد فلا يعود للقعدة. وإن كان
ترك من الثانية أيضا سجدة والمسألة بحالها فإنه يأتي بالسجدتين ثم يقعد لان السجدة الأولى
تلتحق بمحلها من الركعة الأولى والسجدة الثانية تلتحق بمحلها من الركعة الثانية وبعدها
أوان القعدة فعليه أن يقعد وهذا لان الثانية في حكم العين بعد إذ لم يصل بعدها ركعة
وكانت مؤداة في محلها وارتفض ما أدى من القيام به فكأنه لم يقم إلى الثالثة فيتشهد ثم
يقوم. وكذلك لو كان تشهد فإنه يعيد التشهد لان بالعود إلى السجدة المتروكة من الركعة
الثانية انتقض تشهده كما انتقض قيامه ثم ذكر المسألة المعروفة التي بيناها في كتاب الصلاة
وهي الخمس امامية الا انه أجاب هنا في المسبوقين ان الامام الخامس يسجد السجدة الأولى
ويسجد معه جميع القوم والأئمة الأربعة وفي كتاب الصلاة يقول لا يسجد معه الامام
الأول لأنه قد أتى بتلك الركعة وإنما بقي له هذه السجدة منها فاما غيره من الأئمة فعليهم
قضاء هذه الركعة بسجدتيها فلا يتابعونه فيها وفى هذه الرواية قال على المسبوق متابعة الامام
فيما أدركه معه وإن كان يقضى ذلك إذا قام إلى القضاء بمنزلة ما لو أدرك الامام في السجود
واقتدى به فإنه يتابعه في السجدتين وإن كان عليه قضاء ركعة يسجد بعد فراغ الامام
. ولو قرأ سجدة في وسط السورة ثم أتم السورة ثم ركع بعد وسجد ينوى التلاوة فان هذه
السجدة تكون من صلب الصلاة ولا تكون من التلاوة لأنها صارت في حكم الدين فلا
تؤدى بغيرها بخلاف ما إذا ركع وسجد في موضع التلاوة لأنها في حكم العين فتجعل مؤداة
بغيرها لحصول المقصود بمنزلة ما لو أراد دخول مكة وأحرم بحجة الاسلام فذلك يجزئه عما
يلزمه لدخول مكة ولو دخل مكة بغير أحرام ثم بعد ما تحولت السنة خرج وأحرم بحجة
الاسلام فإنه لا ينوب هذا عما يلزمه لدخول مكة لأنه صار في حكم الدين ثم اللفظ المذكور
114

هنا دليل على أنه إذا ركع وسجد في موضع التلاوة فان السجدة التي بعد الركوع هي التي
تنوب عن سجدة التلاوة دون الركوع وقد بينا اختلاف المشايخ في هذا الفصل وأقسام
هذه المسألة في كتاب الصلاة. ولو أن اماما صلى ركعة بغير قراءة ثم قام فقرأ وركع وسجد
سجدة وقام فقرأ وركع ثم تذكر فعل فإنه ينحط فيسجد ويتشهد لان السجدة التي بقيت
عليه من الركعة الثانية في حكم العين فإنه لم يقيد الركعة الثالثة بالسجدة فيسجدها ويرتفض
ما أدي بعدها فلهذا يتشهد ثم يقوم فيقرأ لأنه لم يقرأ في الركعة الأولى فعليه ان يقرأ في
الركعة الثالثة فان اعتد بذلك الركوع وسجد ثلاث سجدات لم يجزه ذلك لان الركعة
الثالثة لما أداها بسجدتيها فقد فات محل السجود من الركعة الثانية فلا يتأدى الا بالنية ولم
ينوها فلا تجزئه صلاته إذا لم يقض تلك السجدة والله الموفق والهادي للصواب
* (باب الحدث) *
(قال) رضي الله عنه ولو أن اماما صلى بقوم ركعتين من الظهر ثم اقتدى به رجل ثم أحدث
الامام فقدمه فظن الرجل أنه صلى ثلاث ركعات فصلى بهم ركعة أخرى ثم تأخر فاخذ بيد
رجل ممن أدرك أول الصلاة فسلم بهم فصلاتهم جميعا فاسدة لان الإمام الثاني استخلف في
غير موضعه. ولو أن الأول استخلف في غير موضعه من غير عذر كان ذلك مفسدا لصلاته
وصلاة القوم فكذلك الثاني إذا فعل ذلك وإن كان ظن أنه إنما صلى ركعة فصلي ثلاث
ركعات ولم يقعد في رابعة الامام فصلاتهم أيضا فاسدة لأنه قائم مقام الأول والأول لو قام
إلى الخامسة قبل أن يقعد وقيد الركعة بالسجدة فسدت صلاته وصلاة جميع القوم فكذلك
الثاني. ولو أن اماما أحدث فتقدم رجلان ممن خلفه ونوى كل واحد منهما أن يكون اماما
فائتم بكل واحد منهما طائفة فصلاة الذي أئتم به الأكثر من القوم تامة وصلاة الآخرين
فاسدة لأن هذه صلاة افتتحت بامام فلا يمكن اتمامها بإمامين والأقل لا يزاحم الأكثر
فالامام هو الذي ائتم به أكثر القوم وبما ذكر هنا تبين انه لا معتبر بما قاله بعض مشايخنا
أنه إذا ائتم بكل واحد منهما طائفة أنه تفسد صلاة الفريقين ولا عبرة بالأقل والأكثر
بعد أن وجد جمع متفق عليه مع كل واحد منهما فإنه نص هنا على الترجيح بالكثرة وهو
أصل في الفقه فان للأكثر حكم الكمال والذي ائتم به أكثر القوم في حكم ما لو أئتم به
115

جميع القوم وإن لم تزد بعض الطائفة على بعض فصلاتهم فاسدة لأنه لا ترجيح لاحد الفريقين
ولا وجه لتصحيح صلاة الفريقين لان الصلاة التي افتتحت بامام لا يمكن اتمامها بإمامين. ولو
قدم الامام رجلا قبل أن يخرج من المسجد وتقدم آخر وائتم بكل واحد منهما طائفة من
القوم فهذا والأول سواء لان الذي تقدم بنفسه قبل خروج الامام في حكم من قدمه الامام
إذا اقتدى به القوم فان الامام إنما يستخلف لاصلاح صلاتهم ولهم أن يشتغلوا باصلاح صلاتهم
كما يكون ذلك للامام واقتداء القوم بمن تقدم بمنزلة تقديم الامام إياه ألا ترى ان اجتماع الناس
على رجل بمنزلة استخلاف الامام الأعظم إياه في حكم ثبوت الإمامة له. ولو أن رجلا أم
رجلين في مسجد فأحدث فقدم أحدهما ثم أحدث الثاني فخرج ونوى الثالث أن يكون
اماما فهذا لا معتبر به فإنه متعين للإمامة سواء نوى أو لم ينو تحولت الإمامة إليه فان أحدث
فخرج من المسجد قبل أن يعود أحد الأولين فسدت صلاتهما لأنه لم يبق لهما امام في المسجد ولم
تفسد صلاته لأنه في حق نفسه كالمنفرد ولو لم يخرج من المسجد حتى استقبله الرجلان ثم
خرج قبل أن يستخلف أحدهما وقبل أن يتقدم أحدهما فصلاة الرجلين فاسدة لأنه ليس أحدهما
بتحول الإمامة إليه بأولى من الآخر وان تقدم أحدهما للإمامة أو قدمه الامام ثم خرج فصلاتهم
جميعا تامة لان الإمامة قد تحولت إلى من قدمه الامام أو تقدم بنفسه فلم يخل مكان الإمامة عن
الامام. ولو أن رجلا أم قوما في المسجد والمسجد ملآن وصف خارج من المسجد متصل
بهم يصلون فأحدث وأخذ بيد رجل ممن هو خارج المسجد فقدمه فصلاتهم جميعا فاسدة
وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى فاما على قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى
فصلاتهم تامة قال لان الصفوف متصلة وبحكم اتصال الصفوف تصير الأمكنة المختلفة كمكان
واحد ألا ترى أنهم إذا كانوا يصلون في الصحراء فاستخلف الامام من آخر الصفوف
قبل أن يجاوزها صح الاستخلاف ولم تفسد صلاتهم بتأخير الاستخلاف إلى آخر الصفوف
فكذلك إذا كان الامام في المسجد والدليل عليه أن القوم الذين هم خارج المسجد صح
اقتداؤهم بالامام وإنما صح اقتداؤهم به لان الموضع الذين هم فيه بمنزلة المسجد في حكم الصلاة
فكذلك في حكم الاستخلاف وهذا لان الاستخلاف إنما يكون لا صلاح صلاة القوم
وحاجة الذين هم خارج المسجد إلى ذلك كحاجة الذين هم في المسجد ألا ترى أنه قبل أن يخرج
من المسجد لو أشار إلى بعض من كان خارج المسجد حتى دخل فتقدم كان استخلافه صحيحا
116

فكذلك إذا خرج إليه فقدمه قبل أن يجاوز الصفوف فقلنا بان استخلافه يكون صحيحا. وجه
قولهما ان الامام خرج من المسجد قبل الاستخلاف وذلك مفسد لصلاة القوم كما لو لم تكن
الصفوف متصلة خارج المسجد وتحقيق هذا الكلام أن القياس أن تفسد صلاته بترك
الاستخلاف من أول الصفوف وإن كان في المسجد لخلو موضع الإمامة وهو المحراب عن
الامام ولكن تركنا هذا القياس ما دام الامام في المسجد لان جميع المسجد في حكم مكان
واحد ولهذا صح اقتداء من وقف في آخر المسجد بالامام وإن لم تكن الصفوف متصلة
بينه وبين الامام وهذا المعنى لا يوجد خارج المسجد لان ذلك لم يجعل في حكم المسجد
فأخذنا فيه بالقياس وإنما جعلنا ذلك في حكم صحة الاقتداء بمنزلة المسجد لأجل الضرورة
ألا ترى أنه في غير موضع الضرورة وهو ما إذا لم يكن المسجد ملآنا لا يجعل كذلك حتى
لا يصح اقتداؤهم بالامام فكذلك في حكم الاستخلاف لا ضرورة لأنه يتمكن من
الاستخلاف في المسجد وهذا بخلاف ما إذا كانوا يصلون في الصحراء لان تلك الأمكنة
قبل افتتاح الصلاة فيها لم تكن في حكم مكان واحد وإنما صارت كذلك باتصال الصفوف
فالمواضع التي فيها الصفوف متصلة تكون بمنزلة المسجد وههنا المسجد في حكم مكان واحد
بدون اتصال الصفوف. ألا ترى ان الامام لو جاوز الصفوف قبل أن يستخلف وهو في
المسجد بعد ثم استخلف كان استخلافه صحيحا فلما كان فيما يرجع إلى تصحيح صلاتهم
يعتبر المسجد ههنا ولا يعتبر اتصال الصفوف فكذلك فيما يرجع إلى فساد صلاتهم ولو
أن رجلا صلى ركعة وهو امام وليس خلفه أحد ثم جاء قوم واقتدوا به وأحدث ثم أخذ بيد
رجل منهم فقدمه وقد كان سها قال يتم هذا بقية صلاة الامام الأول فإنه قائم
مقامه ثم يتأخر فيقضون ما فاتهم وحدانا لأنهم مسبوقون في ذلك فإذا فرغوا سجدوا
للسهو ولا يسجدون عند اتمام صلاة الامام لان موضع سجود السهو بعد السلام وليس
هنا مدرك لأول الصلاة حتى يسلم بهم فلهذا لا يسجدون للسهو حتى يفرغوا من قضاء ما
عليهم فإذا سلموا سجدوا للسهو بمنزلة المسبوق إذا لم يتابع الامام في سجود السهو حتى
يفرغ من قضاء ما عليه فإنه يسجد للسهو استحسانا فهذا مثله. ولو أن رجلا صلى مع الامام
ركعة ثم رعف فذهب وتوضأ وقد فرغ الامام من صلاته ثم صلى هذا في منزله ما بقي من
صلاته قال يجزئه لأنه لم يوجد منه الا ترك المشي في الصلاة وذلك لا يضره * فان قيل كيف
117

يستقيم هذا واللاحق في حكم المقتدي فيما يتم فإذا كان بينه وبين الامام ما يمنع صحة
الاقتداء به من طريق أو نهر ينبغي أن لا تجوز صلاته * قلنا نعم هو فيما يؤدى من الأفعال بمنزلة
المقتدى ولكن الامام قد خرج من حرمة الصلاة فكيف يراعى ترتيب المقام بينه وبين
من خرج من الصلاة وربما خرج أو أحدث أو نام وإن كان الامام لم يفرغ من صلاته بعد
فصلاة هذا الرجل فاسدة إذا كان أمام لامام أو كان بينه وبين الامام ما يمنع صحة
الاقتداء به إلا أن يكون بيته بجنب المسجد بحيث لو اقتدى به من بيته يكون اقتداؤه صحيحا
فحينئذ يجوز له أن يؤدى بقية تلك الصلاة في بيته لان البقاء على الشئ أيسر من الابتداء وإن كان
يجوز اقتداؤه بالامام ابتداء وهو في هذا الموضع إذا كان المسجد ملآنا فلان يجوز له
اتمام الصلاة في هذا الموضع مع الامام كان أولى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه
المرجع والمآب
* (باب الجمعة) *
(قال) رضي الله عنه وإذا سجد الإمام في الركعة الأولى من الجمعة فلم يستطع بعض من
خلفه أن يسجد لكثرة الزحام حتى قام الامام في الثانية فقرأ وركع وهذا الرجل معه يريد
اتباعه في الثانية فسجد معه قال هذه السجدة للثانية لأنه نوى بها متابعة الامام فسجدة
الامام للركعة الثانية فنيته متابعة الامام بمنزلة نيته أن يسجد للثانية فيقيد الركوع الثاني
بالسجدة ولم يتقيد الركوع الأول بها وكل ركوع لم يعقبه سجود فإنه لا يعتد به فعليه قضاء
الركعة الأولى بركوعها وسجودها ولا يقرأ فيها لأنه مدرك لأول الصلاة ولا يتابع الامام
في التشهد ولكن يقوم فيقضى ركعة لأنه لاحق فهو بمنزلة النائم خلف الامام إذا انتبه
ومراعاة الترتيب في ركعات صلاة واحدة ليست بركن فلا يضره هذا التقديم والتأخير
وإن لم يركع يتبعه في الثانية ولكنه سجد معه ينوى اتباعه لم تجزه هذه السجدة لواحدة من
الركعتين لأنه نواها للثانية حين نوى متابعة الامام وشرط جوازها للثانية تقدم الركوع فان
الركوع افتتاح للسجود ولم يوجد فلا يمكن تجويزها للأولى لأنه قصد متابعة الامام فيها
وان انحط للسجدة على نية متابعة الامام فسجد قبله ثم أدركه الامام فيها فهذا يجزئه من
الركعة الأولى لان نية المتابعة لا تكون نية لسجدة الركعة الثانية فان الامام اشتغل
118

بها وإنما يتابع الامام فيما أداه الامام أو هو فيه فإنما أدى الامام سجدة الركعة الأولى
فنيته هذه بمنزلة نية السجدة للركعة الأولى ويرتفض ركوعه الثاني فعليه أن يقضى الركعة
الثانية بركوع وزعم بعض مشايخنا أن جواب هذا الفصل فيما إذا لم يركع مع الامام الثانية
(قال) رضي الله عنه والصحيح عندي أنه سواء ركع معه أو لم يركع إذا سجد قبله فان
سجوده للركعة الأولى وكذلك لو سجد بعد ما رفع الامام رأسه من الركوع ينوى اتباعه
في الثانية كانت للأولى وان سجد مع الامام في الثانية ينوى الأولى فهي للأولى أيضا لأنه
لم يقصد متابعة الامام وإنما قصد أداء ما سبقه الامام به وله ما نوى وإن كان ركع في الثانية
وسجد ينوي اتباعه وهو ساجد فهي الثانية وبقوله هو ساجد تبين ان الصحيح من الجواب
فيما سجد قبله أنها للأولى سواء ركع أولم يركع. ولو أن اماما كبر يوم الجمعة ومعه قوم
متوضؤون فلم يكبروا معه حتى دخل قوم المسجد فأحدث هؤلاء وكبر الذين دخلوا فصلاتهم
تامة لان الامام حين كبر كان مستجمعا لشرائط الجمعة فان من شرط الجمعة الجماعة والقوم
الذين كانوا معه قد كانوا مستعدين للجمعة فانعقدت تحريمته للجمعة ثم مشاركة الفريق
الآخر معه ومشاركة الفريق الأول أن لو كبروا معه سواء فان أحدث الذين كانوا معه قبل أن
يجئ أولئك ثم جاؤوا فكبروا قبل أن يخرج هؤلاء من المسجد فصلاتهم تامة أيضا لان
الذين أحدثوا لو وجدوا الماء في المسجد فتوضأوا واقتدوا به كانت صلاتهم تامة فكذلك
الفريق الثاني وهذا لان سبق الحدث لما كأن لا ينافي صفة الإمامة عن الامام ما دام في
المسجد لا ينافي الاستعداد للجمعة عن القوم ما داموا في المسجد وان كانوا على غير وضوء
فكبر الامام ثم جاء قوم آخرون فدخلوا معه فعليه أن يستقبل بهم التكبير والا لم يجزه
لأنه حين كبر لم يكن مستجمعا جميع شرائط الجمعة فان نصاب الجماعة لا يتم في الجمعة
بالمحدثين فانعقدت تحريمته للظهر ثم لا تتحول إلى الجمعة باقتداء القوم به ما لم يجدد التكبير
ولو أن أميرا قدم والوالي الأول يخطب فاستمع الخطبة والأول لا يعلم به ثم تقدم الأول
فأدى الفرض فصلاتهم تامة لان الأول لا ينعزل ما لم يعلم بقدوم الثاني فإنما صلى بهم وهو
امام وإن كان الأول قد علم بقدوم هذا فان أمره الآخر أن يعتزل الصلاة لم تجزهم
صلاتهم لأنه كما علم بالعزل صار كغيره من الرعية وان تقدم الثاني فصلى الجمعة لم يجزهم
إلا أن يعيد الخطبة لان الثاني لما نهي الأول عن الصلاة صار هو كغيره من الرعية
119

فلا يعتد بخطبته والثاني لم يخطب ومن شرط الجمعة الخطبة وإن كان الثاني أمره بان
يمضى في خطبته ففعل ثم تقدم الآخر فصلى بهم أجزأهم لان خطبة الأول بأمر الثاني
كخطبة الثاني بنفسه وهذا إذا كان الثاني شهد خطبة الأول فإن لم يشهد لم تجزئهم
الجمعة لان شرط الجمعة انعدم في حق الثاني حين لم يشهد الخطبة إلا أن يأمر الأول
بأن يصلى أو تقدم الأول واقتدى به الثاني يكون ذلك منه دليل الرضا بإمامته ودليل الرضا
كصريح الرضا فيجزيهم حينئذ لان من افتتح الجمعة كان مستجمعا لشرائطها. ولو أن أميرا
فتح أبواب القصر وأمر المؤذن فأذن فجمع بالناس في قصره فإنه يجزيهم والمراد من فتح
أبواب القصر الاذن للعامة بالدخول وقد أدى الجمعة وهو مستجمع لشرائطها ولكنه مسئ
فيما صنع لان الموضع المعد لإقامة الجمعة فيه المسجد وقد جفا ذلك الموضع وفى فعله نوع
ترفع حيث لم يخرج من قصره إلى المسجد ففعله هذا مخالف فعل السلف فكان مسيئا في
ذلك وإن لم يفتح باب قصره ولم يأذن للناس بالدخول وصلى بحشمه ومواليه لم يجزهم لان
من شرط الجمعة الاذن العام ولم يوجد وإنما جعلنا الاذن العام شرطا لأنه مأمور بأن يصلى
الجمعة بأهل المصر فان موضع إقامة الجمعة فيه المصر وإذا لم يفتح باب قصره ولم يأذن
للناس بالدخول لم يكن مصليا بأهل المصر وإنما جعلنا السلطان شرطا في الجمعة لئلا يفوت
بعض أهل المصر على البعض صلاة الجمعة لذلك لا يكون للسلطان ان يفوت الجمعة على أهل
المصر فلهذا شرطنا الاذن العام في ذلك. ولو أمر الأمير انسانا فصلى بالناس الجمعة في المسجد
الجامع وانطلق في حاجة له ثم دخل المصر في بعض المساجد فصلى الجمعة قال يجزئ أهل
المسجد الجامع لان خليفته مستجمع لشرائط الجمعة وقد صلى بأهل المصر ولا يجزئه صلاته
إلا أن يكون علم الناس بذلك بان أذن لهم أذنا عاما في الصلاة معه فحينئذ يجوز لأنه لا يكون
مستجمعا شرائط الجمعة الا بذلك (قال) وهذا إقامة الجمعة في موضعين واختلفت الروايات
في إقامة الجمعة في موضعين في مصر واحد فالصحيح من قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى
أنه يجوز إقامة الجمعة في مصر واحد في موضعين وأكثر من ذلك وعن أبي يوسف رحمه
الله تعالى فيه روايتان في احدى الروايتين تجوز في موضعين ولا يجوز في أكثر من ذلك
وفي الرواية الأخرى لا يجوز إقامة الجمعة في مصر واحد في موضعين إلا أن يكون في
وسط المصر نهر عظيم كما هو ببغداد فحينئذ يكون كل؟؟ حكم مصر على حدة
120

ووجه هذه الرواية أن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده فتحت الأمصار
ولم يتخذ أحد منهم في كل مصر أكثر من مسجد واحد لإقامة الجمعة ولو جاز اقامتها في
موضعين جاز في أكثر من ذلك فيؤدى إلى القول بأن يصلى أهل كل مسجد في مسجدهم
وأحد لا يقول بذلك وفي تجويز إقامة الجمعة في موضعين في مصر واحد تقليل الجماعة وإقامة
الجمعة من أعلام الدين فلا يجوز القول بما يؤدى إلى تقليلها. ووجه الرواية الأخرى أن المصر
قد يكون متباعد الجوانب فيشق على الشيوخ والضعفاء التحول من جانب إلى جانب لإقامة
الجمعة فلدفع هذه العسر جوزنا اقامتها في موضعين والأصل فيه حديث علي رضي الله عنه
حين خرج يوم العيد إلى الجبانة استخلف من يصلى بالضعفة في المسجد الجامع وما ثبت
بالضرورة يتقدر بقدرها وهذه الضرورة ترتفع بتجويزها في موضعين فلا نجوزها في أكثر
من ذلك وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا جمعة
ولا تشريق الا في مصر جامع فإنما شرط لإقامة الجمعة المصر الواحد وهذا الشرط في حق
كل فريق ولان الحرج مدفوع وفى القول بأنه لا تجوز اقامتها الا في موضع واحد معنى الحرج
ومعنى تهييج الفتنة فقد يكون بين أهل مصر واحد اختلاف على وجه لو اجتمعوا في
موضع كان ذلك سببا لتهييج الفتنة وقد أمرنا بتسكينها فلهذا جوزنا اقامتها في موضعين
وأكثر من ذلك ولو خرج الامام يوم الجمعة إلى الاستسقاء وخرج معه ناس كثير وخلف
انسانا فصلى بهم في المسجد الجامع وصلى هو بمن معه الجمعة في الجبانة وهو على غلوة من
المصر فصلاة الفريقين جائزة لان فناء المصر في حكم جوف المصر فكان هذا وما لو صلى
الامام في جوف المصر سواء ثم المصر كما يشترط لإقامة الجمعة يشترط لإقامة صلاة العيد وهو إنما
يؤدى في الجبانة على غلوة من المصر أو أكثر من ذلك فكذلك تجوز إقامة الجمعة في مثل
هذا الموضع * فان قيل أليس في حق المسافر هذا الموضع في حكم المفازة لا في حكم جوف المصر
حتى أن من خرج من أهل هذا المصر على نية السفر يصلى صلاة المسافرين في هذا الموضع
ومن قدم مسافرا من أهل هذا المصر فانتهى إلى هذا الموضع صلى صلاة المسافرين
أيضا فكذلك في حق إقامة الجمعة ينبغي أن يجعل هذا الموضع بمنزلة المفازة قلنا فناء المصر
موضع معد لحوائج أهل المصر بإقامتهم في المصر لا بإقامتهم في فنائها وإنما يتغير فرض
المسافر بالإقامة فيعتبر فيه موضع الإقامة وهو ما بين الأبنية وأما إقامة صلاة الجمعة والعيدين
121

من حوائج أهل المصر وهذا موضع معد لذلك فيجعل في حق هذا الحكم فناء المصر
كجوف المصر. رجل صلى الظهر في منزله يوم الجمعة ثم راح إلى الجمعة قد بينا هذه المسألة
بفصولها في كتاب الصلاة والذي زاد هنا حرف واحد وهو ما إذا كان خروجه من أهله
بعد فراغ الامام من الجماعة وأجاب بأنه لا ينتقض ظهره ومعنى هذا انه إذا كان سعى
في داره قبل فراغ الامام من الجمعة ففرغ منها قبل أن يخرج هو من باب داره فإنه
لا يرتفض ظهره بالاتفاق لان أبا حنيفة رحمه الله تعالى جعل السعي إلى الجمعة على
الخصوص بمنزلة ادراك الجمعة في ارتفاض الظهر وسعيه في داره لا يكون في الجمعة على
الخصوص وإنما سعيه إلى الجمعة على الخصوص بعد خروجه من باب داره ولم يوجد ذلك
حين خرج بعد فراغ الامام من الجمعة. ولو أحدث الامام بعد ما دخل في الصلاة فتقدم
رجل وأتم الصلاة بالقوم أجزأهم بمنزلة ما لو قدمه الامام وقد بينا هذا في سائر الصلوات
أن تقدم بعض القوم كتقديم الامام لحاجتهم إلى أصلاح الصلاة وهذا المعنى موجود في
الجمعة بل أظهر فان هنا لو فسدت صلاتهم لم يقدروا على استقبالها بأنفسهم بخلاف سائر
الصلوات وهذا بخلاف ما لو أحدث الامام قبل أن يدخل في الصلاة فتقدم رجل من
العوام من غير أن يقدمه الامام فإنه لا يجزيهم لان المتقدم هنا يحتاج إلى افتتاح الجمعة ولا
يصح افتتاح الجمعة ممن لا يكون مستجمعا لشرائطها ومن شرائطها السلطان فلهذا لا يجزيهم
إلا أن يكون المتقدم ذا سلطان فأما في الأول فحاجة المتقدم إلى البناء على الصلاة ولا يعتبر
استجماع الشرائط في حق من بنى على الصلاة وهو نظير ما لو قدم الامام رجلا لم يشهد
الخطبة فإن كان ذلك بعد الشروع في الصلاة صح تقديمه وإن كان قبل الشروع فيها لم يصح
تقديمه. يوضحه أن الامام حين افتتح بهم الجمعة فقد صار مستعينا بهم فيما يعجز هو عن
اقامته بنفسه وذلك دلالة الاذن منه لكل واحد من القوم في التقدم لاتمام الصلاة عند
سبق الحدث وهذا المعنى لا يوجد قبل دخوله في الصلاة فلا يكون تقدمه باذن الامام
ولو أن الامام قدم رجلا لم يشهد الخطبة قبل أن يدخل في الصلاة لم يجز له ان يصلى بهم
الجمعة لأنه غير مستجمع لشرائطها فان قدم هذا المقدم غيره ممن شهد الخطبة فصلى بهم
الجمعة قال هنا يجزيهم لأنه مستجمع لشرائط الجمعة وفى غير هذا الموضع لا يجزيهم وهو
الأصح لان الاستخلاف إنما يصح ممن يملك إقامة الجمعة بنفسه والذي لم يشهد الخطبة
122

لا يملك اقامتها بنفسه فهو نظير ما لو قدم صبيا أو امرأة فقدم هذا المقدم غيره وإن كان
الامام إنما قدم من لم يشهد الخطبة بعد ما دخل في الصلاة أجزأهم لان خليفته يبنى على
صلاته واستجماع الشرائط غير معتبر في البناء ولأنه لما صح تحرمه للجمعة التحق بمن
شهد الخطبة في الحكم وهذا هو الأصح وقد قال إن تكلم هذا المقدم استقبل بهم الجمعة
وهو يحتاج الآن إلى افتتاح الجمعة فعرفنا أن المعنى الصحيح ما قلنا إنه لما صح تحرمه للجمعة
صار هو بمنزلة من شهد الخطبة في الحكم والله أعلم
* (باب صلاة العيدين) *
(قال) رضي الله عنه ولو أن رجلا أدرك الركعة الثانية من العيد مع الامام فكبر ثم
رعف فتوضأ ثم جاء وقد صلى الإمام قال يقوم مقدار القراءة ثم يكبر ثلاثا ثم يركع
بالرابعة وهذا لأنه لاحق في الركعة الثانية مسبوق في الركعة الأولى فإنما يبدأ بما هو لاحق
فيه وهي الركعة الثانية فيقضيها بغير قراءة والذي قال إنه يقوم مقدار القراءة على طريق
الاستحباب فأما فرض القيام فيتأدى بأدنى ما يتناوله الاسم فإذا فرغ من هذه الركعة قام
فقضى الركعة الأولى بقراءة لأنه مسبوق فيها ثم ذكر ههنا أنه يبدأ بالقراءة فيها ثم
بالتكبير وذكر بعد هذا هذه المسألة في الكتاب وقال يبدأ بالتكبير ثم بالقراءة ففيها
روايتان كلاهما في صفحة واحدة فالرواية التي قال يبدأ فيها بالتكبير جواب القياس لأنه إنما
يقضى ما فاته فيقضيه كما فاته والرواية التي قال يبدأ فيها بالقراءة جواب الاستحسان وهو
أظهر الروايات على ما ذكره في كتاب الصلاة والجامع والزيادات والسير الكبير وقد بينا
وجوه هذا في كتاب الصلاة. وإذا صلى الرجل مع الامام في العيد ركعة ثم تكلم فلا قضاء
عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولم يذكر قولهما في الكتاب وقد ذكرنا في
بعض النوادر أن عليه قضاء ركعتين في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وجه قولهما
أنه بالشروع التزم أداء ركعتين ولو التزم ذلك بالنذر كان عليه أداؤهما فكذلك إذا التزم
ذلك بالشروع وقياسا بسائر الصلوات وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هو بالشروع ما قصد
أداء شئ ليس عليه وإنما قصد إقامة ما هو من اعلام الدين وذلك مستحق على جماعة
المسلمين فكان هذا في المعنى بمنزلة الشروع في أداء الفريضة وذلك لا يلزمه شيئا ليس
123

عليه فكذلك هذا الشروع والمعنى أنه قصد الاسقاط لا الالتزام. ألا ترى أن من شرع في
صلاة الجمعة مع الامام ثم تكلم لم يلزمه الا ما يلزمه قبل الشروع وهو أداء الظهر فكذلك
هنا. يوضحه أنا لو أوجبنا عليه القضاء فاما أن يقضى مع التكبيرات أو بدون التكبيرات
ولا يمكنه أن يقضى مع التكبيرات لان ذلك غير مشروع الا في صلاة العيد والمنفرد
لا يتمكن من أداء صلاة العيد ولا يجوز أن يقضيه بدون التكبيرات لان القضاء بصفة
الأداء وردوا هذه المسألة إلى الخلاف الذي بينا في كتاب الصوم أن من شرع في صوم
يوم النحر ثم أفسده لم يلزمه القضاء في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يلزمه قضاء
يوم آخر وهذا في المعنى متقارب فان أبا حنيفة رحمه الله يقول لا يلزمه القضاء بغير صفة
الأداء ولا يمكن ايجاب القضاء عليه بصفة الأداء وهما يعتبران الأصل لايجاد القضاء بدون
الصفة فكذلك هنا ثم ذكر باب التكبير في أيام التشريق ولم يذكر فيه من المسائل إلا ما
بينا في كتاب الصلاة وذكر باب صلاة الخوف أيضا ومسائله عين ما بينا في كتاب
الصلاة إلا أنه نص هنا على قول أبى يوسف رحمه الله أنه لا تجوز صلاة الخوف بصفة الذهاب
والمجئ اليوم إنما كان ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وهذا القول لم
يذكره في كتاب الصلاة وقد بينا المسألة هناك ثم ذكر أن الامام لو رعف في الركعة الثانية
فقدم رجلا من الطائفة الثانية فإنه يصلى بقية صلاة الامام ثم ينفتل هو ومن خلفه فيقومون
بإزاء العدو وهذا لا يشكل في حق القوم لأنهم الطائفة الثانية فأوان انصرافهم من الصلاة
إلى العدو عند تمام صلاة الامام فأما في حقه فنقول هو خليفة الامام في اتمام بقية صلاته
وقد فعل ففيما وراء ذلك هو من جملة الطائفة الثانية فلهذا ينصرف مع الطائفة الثانية ثم يعود
معهم لاتمام صلاته والله سبحانه وتعالى أعلم
* (باب صلاة المريض) *
(قال) ولو أن مريضا يصلى بالايماء فأم قوما يومئون وقوما يسجدون فإنه تجوز صلاته
وصلاة من هو في مثل حاله ولا تجوز صلاة من يسجد الا على قول زفر رحمه الله تعالى وقد
بينا هذا في كتاب الصلاة أن المقتدى يبنى صلاته على صلاة الامام ويجوز بناء الضعيف على
الضعيف ولا يجوز بناء القوى على الضعيف ثم فرع على هذا الأصل هنا فقال إذا كان
124

الامام مستلقيا يومئ إيماء وخلفه من يومئ مستلقيا ومن يومئ قاعدا فإنه تجوز صلاته
وصلاة من هو في مثل حاله ولا تجوز صلاة القاعد لما فيه من بناء القوى على الضعيف فان
حال المستلقى في الايماء دون حال القاعد. ألا ترى أنه لا يجوز الايماء مستلقيا ممن يقدر على
القعود في الناقلة ولا في المكتوبة وبهذا الحرف يفرق أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله
تعالى بين هذا وبين اقتداء القائم بالقاعد الذي يركع ويسجد فإنهما يجوزان هناك لان
حال الامام قريب من حال المقتدى حكما ألا ترى أنه يجوز أداء النفل قاعدا مع القدرة
على القيام مع أن أبا يوسف رحمه الله تعالى ذكر في الأمالي ان القياس أن لا يجوز اقتداء
القائم بالقاعد وإنما جوزنا ذلك بخلاف القياس بالسنة فان آخر صلاة صلاها رسول الله صلى
الله عليه وسلم بأصحابه في المسجد كان هو قاعدا وهم خلفه قيام والمخصوص من القياس
بالأثر لا يلحق به الا ما يكون في معناه من كل وجه وهذا ليس في معنى المنصوص من
كل وجه على ما بينا فلهذا أخذنا فيه بالقياس. ولو افتتح المكتوبة وهو صحيح مع الامام
قاعدا ثم قام فلم يعد التكبير فصلاته فاسدة وكذلك لو مرض بعد ما كبر ولم يستطع القيام
إلا أن يعيد التكبير بعد أن يقوم أو بعد ما يعجز عن القيام لان القيام شرط عند التحرم
في حق من يقدر عليه وقد انعدم ذلك فلم تنعقد تحريمته للمكتوبة الا ان يجدد التكبير
لها بعد العجز وهو نظير ما لو افتتح صلاة الظهر قبل زوال الشمس ثم زالت الشمس
فأداها لم يجزه عن المكتوبة لانعدام شرطها وهو الوقت عند الافتتاح الا ان يجدد التكبير
بعد زوال الشمس فهذا مثله والله سبحانه وتعالى أعلم
* (باب الصلاة على الجنازة) *
(قال) رضي الله عنه ولو أن رجلا صلى على جنازة وهو مريض قاعدا وصلى القوم معه
قياما فإنه يجزئهم في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ولا يجزى في قول محمد
وزفر رحمهما الله تعالى لان القيام فرض في حق من يقدر عليه في صلاة الجنازة كما هو فرض
في سائر المكتوبات وقد بينا اقتداء القائم بالقاعد انه على الاطلاق في سائر المكتوبات
وكذلك اقتداء القائم بالقاعد في التطوعات كالقيام في شهر رمضان فإنه على الخلاف
فكذلك في صلاة الجنازة إلا أن معنى قول محمد رحمه الله تعالى ههنا لا يجزى أنه لا يجزى
125

القوم فاما الصلاة على الجنازة فتتأدى بأداء الامام وحده لان الجماعة ليست بشرط للصلاة
على الجنازة والامام الذي صلى قاعدا عليها كان مريضا فجازت صلاته والصلاة على الجنازة
فرض على الكفاية تسقط بأداء الواحد إذا كان هو الولي وليس للقوم ان يعيدوا بعد
ذلك. ولو أن جنازة تشاجر فيها قوم أيهم يصلى عليها فوثب رجل غريب فصلى عليها وصلى
معه بعض القوم فصلاتهم تامة وان أحب الأولياء أعادوا الصلاة لان حق الصلاة على
الجنازة للأولياء فلا يكون لغيرهم أن يبطل حقهم وهم بمنزلة ما لو صلى غير أهل المسجد
المكتوبة بالجماعة في المسجد كأن لأهل المسجد حق الإعادة بخلاف ما إذا صلى فيه أهل
المسجد فإنه ليس لغيرهم حق الإعادة بعد ذلك فإن كان حين افتتح الرجل الغريب صلاة
الجنازة اقتدى به بعض الأولياء فليس لمن بقي منهم حق الإعادة لان الذي اقتدى به رضى
بإمامته فكأنه قدمه ولكل واحد من الأولياء حق الصلاة على الجنازة كأنه ليس معه
غيره لان ولايته متكاملة فإذا سقط بأداء أحدهم لم يكن للباقين حق الإعادة. وقد بينا في
كتاب الصلاة جواز أداء الصلاة على الجنازة بالتيمم في المصر زاد ههنا فقال وكذلك لو كان
هو بنفسه الامام وقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انه لا يجوز للامام أن
يصلى على الجنازة بالتيمم في المصر قال عيسى رحمه الله تعالى وهو الصحيح لان التيمم
إنما يجوز في حال عدم الماء فاما مع وجود الماء فلا يكون طهارة إلا عند الضرورة وهو خوف
الفوت وهذا لم يوجد في حق الامام الذي يكون حق الصلاة على الجنازة له لان الناس
ينتظرونه ولو لم يفعلوا كان له حق إعادة الصلاة عليها فلا يجزيه الأداء بالتيمم مع وجود الماء
وجه ظاهر الرواية حديث ابن عباس رضي الله عنه إذا فجئتك جنازة وأنت على غير وضوء
فتيمم وصل عليها ولان الامام قد يحتاج إلى ذلك كما يحتاج إليه القوم فإنه عند كثرة لزحام
ربما يلحقه الحرج إذا ذهب إلى موضع الماء ليتوضأ أولا ينتظره الناس فيصلون عليها
ويدفنون الميت قبل أن يفرغ هو من الطهارة ولو أنتظره الناس ربما يلحقهم الحرج في
ذلك فلدفع الحرج جوزنا له الأداء بالتيمم فإنما التيمم إنما جعل طهارة لدفع الحرج قال الله
تعالى ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج الآية وفيه معني آخر في حق القوم وهو ان
الصلاة على الجنازة دعاء وليست بصلاة على الحقيقة فإنه ليس فيها أركان الصلاة من القيام
والقراءة والركوع والسجود والطهارة شرط صلاة مطلقة فكان ينبغي أن تتأدى الصلاة
126

على الجنازة بغير طهارة بمنزلة الدعاء ولكن لكونها صلاة تسمية شرطنا فيها نوع طهارة
وفى هذا المعنى لا فرق بين الامام والقوم. وعلى هذا قال لو كان جنبا في المصر تيمم وصلى
عليها أيضا لأنها بمنزلة الدعاء وذلك صحيح من الجنب إلا أنه أمره بان يتيمم لها كما تيمم
رسول الله صلى الله عليه وسلم لرد السلام في حديث معروف بيناه في الصلاة. فان تيمم وصلى
على الجنازة ثم أتى بجنازة أخرى فان تمكن من أن يتوضأ فلم يفعل أعاد التيمم للصلاة على
الجنازة ثانيا لأنه لما تمكن من استعمال الماء فقد انتهى تيممه الأول ولو لم يتمكن من ذلك
وخاف ان اشتغل بالوضوء أن تفوته الصلاة على الجنازة ثانيا فعلى قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله تعالى يصلى عليها بذلك التيمم وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يعيد التيمم على كل حال
لان تيممه الأول كان لحاجته إلى احراز الصلاة على الجنازة الأولى وقد حصل مقصوده بالفراغ
منها فانتهى حكم ذلك التيمم ثم حدثت له حاجة جديدة إلى احراز الصلاة على الجنازة الثانية
فيلزمه أن يتيمم لها لان الثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة ويتجدد بتجديدها وقاس بما
لو تمكن من الوضوء بين الصلاتين وجه قولهما أن المعنى الذي لأجله جوزنا الصلاة على الجنازة
الأولى بالتيمم قائم بعد وهو خوف الفوت فيبقى تيممه ببقاء المعنى بخلاف ما إذا تمكن من
الطهارة بين الصلاتين. يوضحه ان التيمم بعد ما صح لا ينتقض الا بالقدرة على استعمال الماء
وهو لم يقدر على استعمال الماء بالفراغ من الصلاة على الجنازة الأولى إذا كان يخاف فوت الثانية
بخلاف ما إذا تمكن من الطهارة بينهما وإذا ثبت أنه غير متمكن من استعمال الماء كان فرض
استعمال الماء ساقطا عنه فيكون وجود الماء وعدمه في حقه سواء. وان صلى على جنازة فكبر
تكبيرة ثم جئ بأخرى فوضعت إلى جنبها فان كبر الثانية ينوى الصلاة على الأولى أو عليهما
أو لا نية له فهو في الصلاة على الأولى على حاله يتمها ثم يستقبل الصلاة على الجنازة الثانية لأنه
نوى ما هو موجود وعند عدم النية يكون فعله مما هو مستحق عليه والمستحق عليه اتمام الصلاة
على الأولى وان كبر ينوى الصلاة على الجنازة الثانية فهو رافض للأولى شارع في الصلاة على
الجنازة الثانية لان الصلاة على كل جنازة فرض على حدة ومن كان في فريضة فكبر ينوى فريضة
أخرى كان رافضا للأولى شارعا في الثانية فهذا مثله. ولو أن امرأة حائضا انقطع عنها الدم
في مصر فتيممت فصلت على جنازة فإن كانت أيامها عشرا فذلك يجزئها لأنا تيقنا بخروجها
من الحيض بمضي أيامها وإنما بقي عليها الاغتسال فقط فهي بمنزلة الجنب في ذلك وكذلك
127

ان كانت أيامها دون العشر وقد مضى عليها وقت صلاة كامل بعد ما انقطع عنها الدم لأنها
صارت طاهرة حكما حتى وجبت الصلاة دينا في ذمتها ولهذا حل للزوج غشيانها وحكم بخروجها
من العدة فأما إذا كانت أيامها دون العشر ولم يمض عليها وقت صلاة كامل فإنه لا تجزئها
الصلاة على الجنازة بالتيمم لأنها لم تخرج من الحيض حقيقة ولا حكما ولهذا لا يحل للزوج
أن يقربها ولا ينقطع حق الرجعة بنفس انقطاع الدم وإذا كانت حائضا حكما فليس للحائض
أن تصلى على الجنازة إلا أن تكون في سفر وهي عادمة للماء فحينئذ لها ان تتيمم بعد انقطاع
الدم وتصلى على الجنازة لان التيمم في حقها بمنزلة الاغتسال في هذا المكان ولهذا يجوز لها
أداء المكتوبة بالتيمم فكذلك الصلاة على الجنازة ثم هذا على أصل محمد رحمه الله تعالى ظاهر
فإنه يقول الرجعة تنقطع بنفس التيمم وعلى أصل أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى
الرجعة وان كانت لا تنقطع بنفس التيمم ولكن التيمم طهارة بالنص في حكم الصلاة والصلاة على
الجنازة دون سائر الصلوات فمن ضرورة كونه طهارة في حق سائر الصلوات أن يكون طهارة
في الصلاة على الجنازة أيضا فان غسل ميت وبقي منه عضو لم يصبه الماء فكفن فإنه يخرج من
الكفن فيغسل ذلك الموضع ثم يكفن لان بقاء العضو الكامل في حكم الاغتسال كبقاء جميع
البدن حتى لا تنقطع الرجعة إذا اغتسلت المرأة وبقي منها عضو فيكون هذا وما لو كفن قبل
أن يغسل سواء وهناك يخرج من الكفن ويغسل لأنه في أيديهم على حاله بعد ما كفن
فلا يسقط فرض غسله بخلاف ما بعد الدفن فإنه خرج من أيديهم حين أهالوا التراب
عليه فيسقط فرض الغسل عنه وإن كان بقي موضع أصبع أو نحو ذلك فإنه لا يخرج من الكفن
لأجل ذلك في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وفى قول محمد رحمه الله تعالى
يخرج فيغسل ذلك الموضع لان بقاء اللمعة كبقاء جميع البدن في حكم الصلاة في اغتسال
الحي فكذلك في غسل الميت وهذا لان البدن في حكم الطهارة كشئ واحد فكما لا يتجزأ
حكم الغسل في البدن وجوبا فكذلك لا يتجزأ سقوطا وما بقي شئ منه قل أو كثر كانوا
مخاطبين بغسله وقيام الخطاب بغسله عذر لهم في الاخراج من الكفن فكان هذا وما لو
علموا به من قبل التكفين سواء وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى يقولان لا يتيقن
بقيام فرض الغسل عليهم لان ذلك القدر مما يسرع إليه الجفاف فلعله وصل إليه الماء ثم جف
وقد اعتبرنا هذا المعنى في حكم الرجعة فقلنا بانقطاع الرجعة عند بقاء اللمعة لهذا فكذلك في
128

حكم الاخراج من الكفن لان ذلك نوع بأس لا يجوز الاقدام عليه إلا عند تحقق
الضرورة. يوضحه أن ذلك القليل يتأدى فرض الغسل فيه بدون استعمال ماء جديد بأن
تحول البلة من موضع آخر إليه على ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل ثم رأى لمعة
على بدنه فغسلها بحمة أي أخذ البلة منها فغسل تلك اللمعة فإذا ثبت أنه لا يجب عليهم استعمال
ماء جديد في غسله كان هذا وما لو فرغوا من غسله سواء فلا يجوز اخراجه من الكفن
بخلاف ما إذا بقي عضو أو أكثر منه. ولو خرج شئ من الميت بعد ما غسل فإنه يغسل
ذلك عنه على سبيل إماطة الأذى ولا يعاد غسله لان الميت لا يحدث ولا يجنب. ولو أن صبيا
حمل في سفط على دابة فصلوا عليها وهو على الدابة لم تجزهم صلاتهم لأنهم أمروا بالصلاة على
الجنازة وهم إنما صلوا على الدابة هذا استحسان وفي القياس يجوز وهو نظير القياس
والاستحسان فيما إذا كان المصلى على الدابة فان في القياس يجوز لان الصلاة على الميت دعاء
ودعاء الراكب والنازل سواء وفى الاستحسان لا يجوز لان الركن في الصلاة على الجنازة
التكبيرات والقيام فكما لا تتأدى بدون التكبيرات لا تتأدى بدون القيام من غير عذر
وإذا ثبت هذا فيما إذا كان المصلى على الدابة فكذلك إذا كان الميت على الدابة والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصواب
* (باب الصلاة بمكة) *
(قال) رضي الله عنه رجل أهل بعمرة ثم صلى مع الامام بعرفة الظهر ثم أهل بحجة ثم
صلى العصر معه لم يجزه إلا أن يصلى الصلاتين معه جميعا وهو مهل بالحج في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رضي الله عنهما أن على قول زفر رضي الله عنه
يجزئه وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ففيه روايتان عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى
وهكذا عن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فيه روايتان وجه الرواية التي قال يجوز ان
التغير أنما حصل في العصر من حيث إنه معجل على وقته ولا تغير في الظهر لأنه مؤدى
في وقته فإنما يشترط الاحرام بالحج فيما وقع فيه التغير ولان الاحرام بالحج شرط الجمع بين
الصلاتين وإنما يحصل الجمع بأداء العصر دون الظهر وجه الرواية الأخرى أن من شرط
صحة العصر في هذا اليوم تقديم الظهر عليه على وجه الصحة بدليل أنه لو صلى الظهر ثم
العصر وكان اليوم يوم غيم ثم تبين أنه صلى الظهر قبل الزوال والعصر بعد الزوال لم يجزه
129

العصر وكذلك لو صلى الظهر ثم جدد الوضوء ثم صلى العصر ثم تبين أنه صلى الظهر بغير
وضوء لم يجزه العصر فثبت أن من شرط صحة العصر تقديم الظهر عليه والاحرام بالحج شرط
لأداء العصر فيشترط لأداء الظهر أيضا كالخطبة يوم الجمعة فإنه لما كان من شرط صحة الجمعة
تقدم الخطبة والسلطان شرط لإقامة الجمعة كان شرطا لإقامة الخطبة أيضا. يوضحه أن الجمع
بين الصلاتين للحاجة إلى امتداد الوقوف وإنما يحتاج إلى ذلك المحرم بالحج فيشترط
الاحرام بالحج لهذا الجمع ثم الجمع إنما يحصل بهما جميعا فيشترط الاحرام فيهما. ولو أن أمير
الموسم جمع بمكة وهو مسافر جاز لأنه فوض إليه أمر المسلمين فلا يكون هو دون القاضي
وصاحب الشرط في إقامة الجمعة بمكة ولو صلى بهم بمنى لم يجزهم لأنه مسافر أمر بإقامة
المناسك ومن أمر بإقامة الجمعة وحقيقة الفرق أن مكة مصر وأهلها يحتاجون إلى إقامة الجمعة
فمن كان ذا سلطان فهو يملك إقامة الجمعة مسافرا كان أو مقيما وأما أهل منى فلا يحتاجون إلى
إقامة الجمعة لأنه ليس عليهم ذلك فلا يكون لأمير الموسم أن يقيم الجمعة بمنى فإن كان أمير مكة
أو أمير الحجاز أو الخليفة حج بنفسه ففي إقامة الجمعة له بمنى خلاف قد بيناه في كتاب الصلاة
. فان صلى الظهر والعصر بعرفات ولم يخطب أجزأه لأن هذه خطبة وعظ وتذكير وتعليم لبعض
ما يحتاج إليه في ذلك الوقت فتركه لا يمنع جواز الصلاة كالخطبة في صلاة العيد بخلاف
الخطبة في الجمعة فإنه بمنزلة شطر الصلاة على ما قال ابن عمر رضي الله عنه وإنما قصرت
الجمعة لمكان الخطبة ثم ينبغي للامام أن يخطب في الحج ثلاث خطب خطبة قبل يوم
التروية بيوم يخطبها بمكة بعد الظهر وخطبة بعرفات بعد زوال الشمس يوم عرفة قبل
صلاة الظهر وخطبة في اليوم الثاني من أيام النحر وهو يوم القر كما روى في حديث عبد الله بن
قرظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أفضل الأيام عند الله تعالى يوم النحر ثم يوم القر
يريد اليوم الثاني من أيام النحر سمى بهذا الاسم لان الحاج يقرون فيه بمنى وهذه الخطبة
بعد الظهر وقال زفر رحمه الله تعالى يخطب ثلاث خطب خطبة يوم التروية وخطبة يوم
عرفة وخطبة يوم النحر وما قلناه أحسن لان في يوم التروية هم يخرجون من مكة إلى منى
فلا يتفرغون لسماع الخطبة فينبغي أن يخطب قبل التروية بيوم يعلمهم في هذه الخطبة
الخروج من مكة إلى منى ثم من منى إلى عرفات ثم يخطب يوم عرفة يعلمهم في هذه
الخطبة كيفية الوقوف بعرفات والإفاضة إلى المزدلفة والوقوف بالمزدلفة والرمي والذبح
130

والحلق والرجوع إلى مكة لطواف الزيارة والسعي ثم العود إلى منى ثم يخطب في اليوم
الثاني من أيام النحر يعلمهم في هذه الخطبة بقية أعمال الحج فيكون للتعليم يوم وللعمل يوم
فكان هذا أحسن مما ذهب إليه زفر رحمه الله تعالى والله أعلم بالصواب
* (باب السجدة) *
(قال) رضى الله تعالى عنه رجل قرأ آية السجدة في مكان ثم قام فدخل مع الامام في صلاته
في موضعه فقرأها الامام فسجدها وسجد هذا الرجل معه فعليه أن يسجد الأولى إذا فرغ
من صلاته وفي كتاب الصلاة والجامع يقول ليس عليه أن يسجد الأولى إذا فرغ من
صلاته ووجه تلك الرواية أن المتلو آية واحدة والمكان مكان واحد والمؤداة أكمل فان لها
حرمتين حرمة الصلاة وحرمة التلاوة ولو كانت المؤداة مثل الأولى نابت عنها فإذا
كانت أكمل من الأولى فلان تنوب عنها أولى ووجه هذه الرواية أنهما مختلفتان في
الحكم فان إحداهما صلاتية والأخرى ليست بصلاتية فلا تدخل إحداهما في لأخرى
كما لو كان المتلو آيتين وقيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فان وضع المسألة
ههنا فيما إذا أعادها الامام فيكون هذا الرجل فيما يلزمه بحكم تلاوة الامام تبعا والأولى
وجبت عليه بتلاوته مقصودا فلا تتأدى بالتبع وهناك وضع المسألة فيما إذا قام فدخل في
الصلاة بنفسه ثم قرأها فيكون كل واحد منهما مقصودا في حقه والمؤداة أكمل فان سها
الامام فلم يسجدها فعلى الرجل السجدة لاولى وليس عليه الثانية لان الثانية صلاتية عليه
فلا يمكنه أن يؤديها بعد الفراغ من الصلاة ولا في الصلاة لأنه تبع للامام وأما الأولى ففي
هذه الرواية لم تدخل في الثانية فعليه أن يؤديها بعد الفراغ من الصلاة. وفى رواية الجامع
ليس عليه أن يؤديها لأنها دخلت في الصلاتية فتسقط بسقوط الصلاتية عنه. ولو أن
رجلين افتتحا التطوع كل واحد منهما على حياله فقرأ كل واحد منهما سورة لم يقرأها صاحبه
وفيها سجدة فسجد كل واحد منهما التي قرأها فعلى كل واحد منهما أن يسجد لما سمع من
صاحبه إذا فرغ لان تلك السجدة سماعية في حقه لا صلاتية بمنزلة ما لو سمعها من رجل
ليس في الصلاة وان كانا قرأ سورة واحدة فسجد كل واحد منهما لما كان قرأ فليس على
كل واحد منهما أن يسجد إذا فرغ لما سمع من صاحبه لان المتلو آية واحدة والمكان
131

مكان واحد والمؤداة أكمل لاجتماع الحرمتين لها وان سها كل واحد منهما أن يسجدها
في الصلاة فلا سجود على واحد منهما بعد الخروج من الصلاة لان السماعية قد دخلت في
الصلاتية بسبب اتحاد السبب وقد سقطت الصلاتية بالخروج منها فتسقط السماعية أيضا
. فان قرأ آية السجدة في الصلاة فسجدها ثم فرغ من صلاته فقرأها في مقامه ذلك
فلا سجود عليه وفى كتاب الصلاة يقول إذا سلم وتكلم ثم أعادها فعليه سجدة
أخرى قيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فهناك وضع المسألة فيما إذا سلم ولم
يتكلم وبمجرد السلام لا ينقطع فور الصلاة ألا ترى أنه يأتي بسجود السهو بعد السلام
ولو أنه تذكر شيئا من أركان الصلاة بعد السلام كان يأتي به ولا يأتي به بعد الكلام
وقيل بل ما ذكر هنا قول أبى يوسف الاخر وما ذكر في كتاب الصلاة قوله الأول
وهو قول محمد رحمه الله تعالى وهو نظير الاختلاف فيما إذا قرأها في ركعة وسجد ثم
أعادها في ركعة أخرى وقد بينا وجه الروايتين في كتاب الصلاة. ولو أن امرأة انقطع
عنها الدم فلم تغتسل حتى سمعت السجدة فليس عليها قضاء تلك السجدة إذا اغتسلت وهذا
إذا كانت أيامها دون العشر فاما إذا كانت أيامها عشرا فقد تيقنا بخروجها من الحيض وإنما بقي
عليها الاغتسال فقط فهي كالجنب والجنب إذا سمع آية السجدة كان عليه ان يسجدها بعد
الاغتسال. وكذلك أن كانت أيامها دون العشر وذهب وقت صلاة منذ انقطع الدم عنها
فقد حكمنا بطهارتها حين أوجبنا الصلاة عليها فيلزمها السجدة بالسماع أيضا فاما إذا لم
يذهب وقت صلاة بعد ما انقطع الدم وهي في مصر فسمعت آية التلاوة فلا سجود عليها
لأنها حائض بعد فان مدة الاغتسال في حقها من جملة الحيض ألا ترى أنه لا ينقطع حق
الزوج في الرجعة ما لم تغتسل والحائض لا يلزمها السجدة كما لا تلزمها الصلاة وقد قال بعض
مشايخنا إذا تمكنت من الاغتسال فلم تغتسل ثم سمعت آية السجدة يلزمها السجدة لان
السماع سبب موجب للسجدة كما أن جزأ من الوقت سبب موجب للصلاة ثم لو أدركت
جزأ من الوقت بعد التمكن من الاغتسال تلزمها الصلاة فكذلك إذا سمعت بعد التمكن
من الاغتسال. ولو كانت في سفر فان تيممت ثم سمعت فعليها السجدة لان التيمم في
حقها بمنزلة الاغتسال في حكم الصلاة فكذلك في حكم السجدة وإن لم تتيمم حتى سمعت فلا
قضاء عليها لأنها لم تخرج من الحيض ما لم تتيمم أو يذهب وقت الصلاة. ولو قرأ سجدة ثم
132

ارتد ثم أسلم فلا سجود عليه لان الردة تحبط عمله وتجعله ككافر أصلي أسلم الآن في حكم
سائر العبادات فكذلك في حكم سجدة التلاوة. ولو قرأها الامام في صلاة لا يجهر فيها
ولم يسمعها القوم فعليهم ان يسجدوا لأنها وجبت على الامام بالتلاوة وهي صلاتية والمقتدى
تبع للامام في أعمال الصلاة فيجب عليه ما هو واجب على الامام وهذا بخلاف ما إذا قرأها
على المنبر يوم الجمعة فان هناك لا تجب السجدة على من لم يسمعها لان الخطبة تؤدى في غير
تحريمة مشتركة فلا يكون بين القوم والامام فيها متابعة وإنما السبب الموجب للسجدة
هناك التلاوة والسماع فلا تجب الا على من تقرر السبب في حقه. ولو قرأها رجل بالفارسية
وسمعها قوم لا يفقهون الفارسية وهم في غير الصلاة فعليه وعليهم ان يسجدوها وهذا قياس
قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وذكر في الأمالي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال إنما
تجب السجدة ههنا على من يعلم أنه يقرأ آية السجدة ولا تجب على من لا يفهم ذلك وهو
قول محمد رحمه الله تعالى أيضا وهذا لان من أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان القراءة بالفارسية
كالقراءة بالعربية حتى قال يتأدى بها فرض القراءة في الصلاة ولو قرأها بالعربية وجبت
السجدة على من سمعها لتقرر السبب ويلزمه أداؤها إذا علم بذلك فكذلك إذا قرأ بالفارسية
فاما عندهما فالفارسية ليست بقرآن على الاطلاق ولهذا لا يتأدى فرض القراءة بها في حق
من يعرف العربية ويتأدى في حق من لا يعرف العربية فكذلك يجب بهذا السماع السجدة
على من يعرف انه يقرأ القرآن ولا يجب على من لا يعرف ذلك. ولو أن سكرانا قرأ سجدة
أو سمعها فعليه أن يسجدها لان السكران مخاطب تلزمه الصلاة بادراك الوقت فكذلك تلزمه
السجدة بخلاف المجنون إذا قرأها أو سمعها في حال جنونه لأنه غير مخاطب قالوا وهذا
إذا طال جنونه فاما إذا قصر فكان يوما وليلة أو أقل ينبغي ان تلزمه السجدة استحسانا كما
يلزمه قضاء الصلوات على رواية هذا الكتاب كما بينا. ولو قرأها عند ارتفاع الضحى فقضاها
نصف النهار لم تجزه لأنها وجبت عليه بصفة الكمال والمؤداة عند الزوال ناقصة وان قرأها
نصف النهار فسجدها أجزأه لأنه أداها كما وجبت عليه وإن لم يسجدها حتى تغيرت
الشمس عند الغروب ثم أداها فإنه يجزئه وهذا قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وهو قياس
قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فاما على قول زفر رحمه الله تعالى فلا تجزئه وأصل
الخلاف فيما بينا إذا شرع في الصلاة عند الزوال ثم أفسدها وقضاها عند الغروب أجزأه
133

عندنا ولم يجزئه عند زفر رحمه الله تعالى. وكذلك إذا قرأ آية السجدة على الدابة ثم نزل ثم
ركب فأداها جاز عندنا بمنزلة ما لو أداها قبل النزول وعند زفر لا يجزئه لأنه لما نزل فقد
لزمه أداؤها على الأرض فلا تتأدى بالايماء بعد ذلك كما لو قرأها وهو نازل فكذلك
في هذه المسألة والله أعلم بالصواب
* (باب المسح على الخفين) *
(قال) رضي الله عنه ولو أن مستحاضة توضأت ولبست الخفين في وقت العصر فلما
صلت ركعة من العصر غربت الشمس فهذه المسألة على ثلاثة أوجه في وجه عليها ان تتوضأ
وتغسل قدميها وتستقبل الصلاة وفى وجه عليها ان تتوضأ وتمسح على خفيها وتستقبل
الصلاة وفي وجه عليها ان تتوضأ وتمسح على خفيها وتبنى على صلاتها أما بيان الوجه الأول
فيما إذا توضأت والدم سائل ولبست الخف فان هذا اللبس حصل على طهارة معتبرة
في الوقت غير معتبرة بعد خروج الوقت وتنتقض طهارتها عند خروج الوقت بالحدث
المقارن للوضوء وكان ذلك سابقا على الشروع في الصلاة والأصل ان طهارة المصلى متى
انتقضت في خلال الصلاة بسبب سابق على الشروع في الصلاة يلزمه استقبال الصلاة
كالمتيمم إذا أبصر الماء فلهذا يلزمها أن تتوضأ وتغسل قدميها وتستقبل الصلاة. وبيان الوجه
الثاني فيما إذا توضأت والدم منقطع ولبست الخف ثم سال الدم قبل غروب الشمس فهنا
اللبس حصل على طهارة كاملة فيكون لها أن تمسح في الوقت وبعد خروج الوقت إلى تمام المدة
ولكن انتقضت طهارتها عند خروج الوقت بسيلان كان في الوقت فقد أدت جزأ من
الصلاة بعد سبق الحدث وذلك يمنعها من البناء علي الصلاة. وبيان الوجه الثالث فيما إذا
توضأت والدم منقطع ولبست الخف ثم لم يسل الدم حتى غربت الشمس ثم سال الدم فههنا
طهارتها إنما تنتقض بالحدث لا بخروج الوقت ولم يوجد منها أداء جزء من الصلاة بعد سبق
الحدث فيكون لها أن تتوضأ وتبنى على صلاتها ويكون لها أن تمسح على الخفين لأنها
لبست على طهارة كاملة. لو لم يسل الدم حتى فرغت من صلاتها ثم سال الدم فصلاتها
تامة لأنها أدت الصلاة بطهارة كاملة فان دخل الوقت والدم منقطع ثم توضأت ثم سال
الدم فعليها الوضوء وإنما أراد بهذا أن الدم كان منقطعا حين توضأت ولم يسل بعد ذلك
134

حتى دخل وقت آخر فان طهارتها لم تنتقض بخروج الوقت وإنما تنتقض بسيلان الدم فلا
ينفعها الوضوء المتقدم لهذا السيلان فأما إذا كان الدم سائلا حين توضأت ثم انقطع ثم دخل
وقت آخر فتوضأت ثم سال الدم فليس عليها وضوء آخر لأنه قد انتقضت طهارتها بخروج
الوقت فإنها توضأت والوضوء واجب عليها فلا يلزمها وضوء آخر بسيلان الدم ما بقي الوقت
. ولو توضأ بالنبيذ في سفر وهو لا يقدر على ماء ولبس خفيه ثم أصاب ماء كثيرا فعليه أن
ينزع خفيه ويغسل قدميه لأن الطهارة بالنبيذ بدل عن الطهارة بالماء عند أبي حنيفة رحمه الله
تعالى فلا يكون معتبرا مع القدرة على الأصل فإنما لبس الخف بطهارة غير معتبرة بعد
وجود الماء وكذلك لو توضأ بسؤر الحمار ثم تيمم ولبس الخف ثم وجد ماء طهورا فعليه أن
ينزع خفيه ويغسل قدميه لان التوضأ بسؤر الحمار لا يكون طهارة بعد وجود الماء
المطلق. ولو أن رجلا انكسرت يده وهو على غير وضوء فربط الجبائر عليها ثم توضأ فله أن
يمسح علي الجبائر بخلاف ما إذا لبس الخف وهو على غير وضوء لان المسح علي الجبائر
كالغسل لما تحته ما دامت العلة قائمة ألا ترى أنه لا يتوقت بوقت وانه يجمع بين المسح
على الجبائر والغسل في عضو واحد ولا يجوز الجمع بين البدل والأصل فعرفنا أنه بمنزلة الغسل
لما تحته فلا يضره الحدث عند ربط الجبائر وأما المسح على الخف فلم يجعل كغسل الرجل
ولكن استتار القدم بالخف يمنع سراية الحدث إلى القدم ولا يرفع الحدث عنها وشرط
جواز المسح اللبس على طهارة كاملة كما قال عليه الصلاة والسلام انى أدخلتهما وهما طاهرتان
. ولو ربط الجبائر وهو على غير وضوء ولبس خفيه ثم أحدث فتوضأ مسح على خفيه لان
اللبس حصل على طهارة فان المسح على الجبائر كالغسل لما تحتها ما دامت العلة قائمة فلهذا كان
له أن يمسح على الخف والجبائر فان برئ ما تحت الجبائر وهو على طهارته فإنه يغسل موضعها
ويصلى لان المسح على الجبائر كان معتبرا قبل البرء فإذا برئت ففد انتهى حكم ذلك المسح
فعليه غسل ذلك الموضع والبرء ليس بحدث فلا ينتقض به وضوؤه فان غسل ذلك الموضع
قبل أن يحدث ثم أحدث فله أن يتوضأ ويمسح على خفيه لأنه لما غسل ذلك الموضع فقد
تمت طهارته وإنما اعترض أول الحدث بعد لبس الخف على طهارة كاملة فيكون له ان يمسح
على الخف ولو أحدث قبل أن يغسل ذلك الموضع كان عليه ان يتوضأ ويغسل قدميه لان
أول الحدث بعد لبس الخف ما طرأ على طهارة كاملة فان المسح على الجبائر لا معتبر به بعد
135

البرء فلهذا لزمه غسل القدمين. ولو أن جنبا معه من الماء ما يتوضأ به فإنه يتيمم وقد بينا هذا في
الصلاة ان تيمم ثم أحدث ثم توضأ ولبس خفيه ثم أحدث ومعه من الماء ما يتوضأ به فإنه
يتوضأ ويمسح على خفيه لأنه بالتيمم قد خرج من حكم الجنابة ما لم يجد ماء يكفيه للاغتسال
فإنما لبس الخف بعد الوضوء على طهارة تامة ما لم يجد ماء يكفيه للاغتسال ولو لم يتيمم ولكنه
توضأ ولبس خفيه ثم تيمم ثم أحدث ومعه من الماء مقدار ما يتوضأ به فإنه يلزمه غسل
القدمين لأنه لبس الخف لا على طهارة فان الوضوء في حق الجنب لا يكون طهارة فان تيمم
ثم أحدث ثم توضأ ولبس خفيه ثم مر بماء يكفيه للاغتسال فلما جاوزه أحدث فعليه أن يتيمم
لان حكم تيمم الأول قد انتهى بما أصاب من الماء فان تيمم ثم أحدث ومعه من الماء ما يتوضأ
به فإنه يتوضأ ويغسل قدميه لأنه حين مر بماء يكفيه للاغتسال فقد عاد جنبا كما كان ووجب
عليه نزع الخفين فلا يكون له أن يمسح عليهما بعد ذلك. ولو أن جنبا اغتسل وبقي بعض جسده
لم يصبه الماء فلبس خفيه ثم أحدث ثم أصاب ماء فعليه ان يغسل ما بقي من جسده ويتوضأ ويغسل
قدميه لأنه لبس الخف على غير طهارة فلا يكون له أن يمسح ولو أن هذا الجنب الذي
بقي من جسده لمعة لم يصبها الماء تيمم وصلى ثم أحدث ثم أصاب ماء فهذه المسألة على خمسة
أوجه أحدها أن يكون الماء الموجود يكفيه لما بقي من جسده وللوضوء فعليه ان يغسل
ما بقي من جسده ليخرج من الجنابة ثم هو محدث معه من الماء ما يتوضأ به فعليه ان يتوضأ
والثاني أن يكون الماء بحيث لا يكفيه لواحد من الامرين فعليه ان يتيمم ولكن يستعمل
الماء الموجود فيما بقي من جسده لتقليل الجنابة. والثالث أن يكون الماء الموجود بحيث يكفيه
للمعة ولا يكفيه للوضوء فعليه أن يغسل به اللمعة حتى يخرج من الجنابة ثم هو محدث
لا ماء معه فيتيمم للحدث. والرابع أن يكون الماء إلى معه يكفيه للوضوء ولا يكفيه لما بقي
من جسده فعليه ان يتوضأ به لان تيممه للجنابة باق حين لم يجد ماء يكفيه لازالتها فهو محدث
معه من الماء ما يتوضأ به. والخامس أن يكون الماء بحيث يكفي كل واحد منهما على الانفراد
ولا يكفيه لهما فعليه ان يصرف الماء إلى غسل ما بقي من جسده لان حكم الجنابة أغلظ
ألا ترى أن الجنب يمنع من قراءة القرآن والمحدث لا يمنع من ذلك فعليه إزالة أغلظ
الحدثين بالماء ثم يتيمم بعد ذلك للحدث فان تيمم أولا ثم غسل اللمعة بالماء أجزأه في رواية
هذا الكتاب وفى الزيادات يقول لا يجزئه وقيل ما ذكر في الزيادات قول محمد رحمه الله
136

تعالى وما ذكر ههنا قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وجه قول محمد أنه تيمم ومعه من الماء ما
يكفيه لوضوئه فلا يعتبر تيممه وقاس هذا برجلين في السفر وجدا ماء يتوضأ به أحدهما فإنه
يجب على أحدهما ان يتوضأ به ثم يتيمم الآخر بعد ذلك فان بدأ أحدهما فتيمم ثم توضأ
الآخر بالماء لم يجز تيمم المتيمم. وجه هذه الرواية ان الماء الذي معه مستحق لإزالة الجنابة
فيجعل كالمعدوم في حق المحدث حتى يصح تيممه كما لو كان مستحقا لعطشه ثم شبه هذا
في الكتاب بمن كان معه سؤر الحمار وهو محدث فإنه ينبغي له أن يتوضأ به ثم يتيمم فان
تيمم أولا ثم توضأ به أجزأه لان لواجب عليه الجمع بينهما فبأيهما بدأ أجزأه فكذلك
هنا الواجب عليه التيمم واستعمال الماء في اللمعة فبأيهما بدأ يجزئه. ولو توضأ للفجر ولبس
خفيه وصلى ثم أحدث في وقت الظهر وتوضأ وصلى ثم في وقت العصر كذلك ثم ذكر أنه
لم يمسح برأسه في الفجر فعليه أن ينزع خفيه ويغسل قدميه ويعيد الصلوات كلها لأنه تبين
أن اللبس لم يكن على طهارة تامة وان وضوءه في وقت الظهر والعصر لم يكن طهارة بالمسح
على الخفين فيلزمه إعادة الصلوات كلها بعد إكمال الطهارة وان تبين أنه ترك مسح الرأس
في الظهر فعليه إعادة الظهر خاصة لان لبسه كان على طهارة كاملة فتكون طهارته في وقت
العصر بالمسح بالخف تامة ولا يجب عليه مراعاة الترتيب عند النسيان والاشتباه فلهذا
لا يلزمه الا قضاء الظهر. ولو سقطت الجبائر بعد ما مسح عليها في خلال الصلاة عن غير
برء فإنه يمضى على صلاته لان المسح على الجبائر كالغسل لما تحتها ما دامت العلة قائمة لعجزه
عن الغسل لما تحتها. ولو نسي أن يمسح على الجبائر حتى دخل في الصلاة ثم سقطت عنه
الجبائر فإنه يستقبل الصلاة بعد ما يعيد الجبائر ويمسح عليها وهذا على الرواية الظاهرة التي
نقول إنه لا يجزئه ترك المسح على الجبائر إذا كان يقدر عليها وقد بيناها في الصلاة. ولو
توضأ بسؤر حمار وتيمم ثم أصاب ماء نظيفا فلم يتوضأ حتى ذهب الماء ومعه سؤر الحمار
فعليه إعادة التيمم وليس عليه إعادة الوضوء بسؤر الحمار لان ذلك طهارة بالماء فلا تنتقض
بوجود الماء لمعنى وهو ان سؤر الحمار إن كان طاهرا فقد توضأ به وإن كان نجسا فليس عليه
الوضوء به في المرة الأولى ولا في المرة الثانية فلهذا يكفيه إعادة التيمم. ومن صلى على بساط
مبطن أو مصلى مبطن وفي البطانة قذر أكثر من قدر الدرهم وهو قائم على ذلك الموضع
فإنه يجزئه وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى. وروى الحسن بن أبي مالك
137

عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى انه لا يجزئه قيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع
فموضوع المسألة في الكتاب فيما إذا لم يكن مضربا ولا كانت الظهارة متصلة بالبطانة بالعرى
أو غيرها فيكون هذا في حكم ثوبين يبسط أحدهما فوق الآخر والأسفل منهما
نجس فرش وذلك لا يمنع جواز الصلاة وموضوع تلك الرواية فيما إذا كان مضربا أو
متصلا بالعرى فحينئذ يكون في حكم ثوب واحد وفى الثوب الواحد إذا كانت النجاسة في
الوجه الأسفل منه فوقف علي ذلك الموضع فإنه لا تجزئه صلاته فهذا كذلك ومنهم من
حقق الخلاف في المسألة وجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ان هذا المصلى وإن كان
مبطنا فإنه يعد في الناس ثوبا واحدا ويستعمل كذلك فيكون هو بالوقوف عليه واقفا على
النجاسة وشرط جواز الصلاة طهارة مكان الصلاة وهذا بخلاف ما إذا كان فراشه نجسا
وعليه مجلس طاهر فصلى عليه لان المجلس هناك منفصل عن الفراش وهما ثوبان مختلفان
وقيامه يكون مضافا إلى الأعلى دون الأسفل. ووجه ظاهر الرواية ان المصلى المبطن في
الحقيقة ثوبان وان خيط جوانبه لتيسر الاستعمال وإنما يضاف قيامه وجلوسه في العادة إلى
الأعلى دون الأسفل ألا ترى أن الأعلى إذا كان ديباجا يقال فلان جالس على الديباج فإذا
كان الأعلى طاهرا قلنا تجوز صلاته كما في مسألة الفراش والمجلس ومن هذا وقع عند العوام
نزع المكعب والقيام عليه في الصلاة على الجنازة وغيرها فان النجاسة إنما تكون على
الصرم لا على المكعب فلا يكون ذلك مانعا من جواز الصلاة على ظاهر الرواية وقد قال
بعض مشايخنا ان ذلك يمنع لان الصرم متصل بالمكعب بعرى فيكون في حكم شئ واحد
. ولو أن جبة مبطنة فيها دم قدر الدرهم وقد نفذ من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر فصلى
فيه لم تجز صلاته لان الظهارة مع البطانة ثوبان وفى كل واحد منهما نجاسة بقدر الدرهم
فإذا جمعت بينهما كان أكثر من قدر الدرهم وهذا بخلاف الثوب الذي هو طاق واحد إذا
أصابته نجاسة قدر الدرهم ونفذ من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر فإنه تجوز الصلاة فيه
لان ذلك الثوب شئ واحد فباعتبار الوجهين لا تزداد النجاسة في ثوبه على قدر الدرهم
وههنا الظهارة غير البطانة فهما ثوبان مختلفان. ولو أن رجلا به جرحان لا يرقآن فتوضأ
وهما سائلان ثم رقأ أحدهما فله أن يصلى في الوقت لان عذره قائم ولو لم يكن السائل حين
توضأ الا أحدهما كأن يتقدر وضوؤه بالوقت فكذلك إذا رقأ أحدهما وبقي الآخر سائلا
138

فان سكن هذا وانفجر الذي كان سكن وهو في خلال الصلاة فإنه يمضى على صلاته
قال لان هذا بمنزلة جرح واحد يعني في حكم الطهارة لان طهارته وقعت لهما جميعا
ثم حقيقة المعنى فيه أن الذي انفجر كان ساكنا حين توضأ فيجعل بمنزلة ما لو لم يسكن أصلا
فتبقى طهارته ما بقي الوقت. ولو توضأ وصلى ثم رقأ بعد الفراغ من الصلاة لم تفسد صلاته
لأنه أتم الصلاة بطهارة ذوي الأعذار والعذر قائم فزوال العذر بعد الفراغ لا يفسد صلاته
بخلاف ما إذا زال العذر في خلاف الصلاة وهو نظير المتيمم يجد الماء في خلال الصلاة أو
بعد الفراغ منها وعلى هذا حكم المستحاضة والمبطون الذي لا ينقطع استطلاق بطنه ومن
به سلس البول أو سقوط الدود أو انفلات الريح فان طهارة هؤلاء تتقدر بالوقت
لأجل العذر فإن كان مع المستحاضة ثوبان أحدهما طاهر والآخر غير طاهر فلها ان تصلى
في أيهما شاءت إذا كان الطاهر يفسد إذا لبسته اما إذا صلت في الطاهر منهما فلا يشكل
لان مالا يمكن الاحتراز عنه عفو واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لفاطمة
بنت قيس صلى وان قطر الدم على الحصير قطرا وكذلك أن صلت في الثوب الآخر لأنه
لا فائدة في لبس الطاهر منهما لأنه يتنجس بما يصيبه من الدم وتجعل صلاتها في الثوب
النجس جائزة فالصلاة في الثوب النجس جائزة عند العجز عن أدائها في الثوب الطاهر ولا تجوز
ان نلزمها بتنجيس الثوب الطاهر فلهذا جوزنا صلاتها في أي الثوبين لبسته والله أعلم بالصواب
* (باب المستحاضة) *
(قال) رضي الله عنه ولو أن امرأة كانت تحيض في غرة كل شهر خمسا فتقدم حيضها
في شهر خمسة أيام ثم انقطع عنها الدم ولم تر في خمستها شيئا فهذا المتقدم لا يكون حيضا في قول
أبي حنيفة رحمه الله تعالى نص عليه في هذا الموضع وفي كتاب الصلاة أطلق الجواب فقال
المتقدم يكون حيضا وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى والمسألة في الحاصل على
ثلاثة أوجه في وجه يكون المتقدم حيضا بالاتفاق وفي وجه آخر اختلفوا فيه وفي وجه
اختلفت الروايات عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى اما الوجه الأول وهو ما إذا رأت قبل
أيامها مالا يكون حيضا بانفراده كيوم أو يومين ورأت في أيامها ما يكون حيضا بانفراده بان
رأت خمستها أو ثلاثة في خمستها فالكل حيض لان المتقدم لا يستقل بنفسه فيجعل تبعا لأيامها
139

فان اتباع مالا يستقل بنفسه لما يستقل بنفسه أصل والوجه الثاني الذي اختلفوا فيه ثلاثة فصول
أحدها ما إذا رأت خمسة قبل خمستها ولم تر في خمستها شيئا أو رأت في خمستها مع ذلك
يوما أو يومين أو رأت قبل خمستها يوما أو يومين وفى خمستها يوما أو يومين فعلى قول أبي
حنيفة رحمه الله تعالى لا يكون شئ من ذلك حيضا وعندهما كل ذلك حيض. والوجه
الثالث ما إذا رأت قبل خمستها ما يكون حيضا بانفراده ورأت في خمستها ما يكون حيضا
بانفراده فعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان في رواية هذا الكتاب حيضها ما رأت
في أيامها وهي مستحاضة فيما رأت قبل أيامها وفي الرواية الأخرى عنه الكل حيض وهو
قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إلا أن على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى تنتقل
عادتها بهذه المرة لأنه يرى انتقال العادة برؤية المخالف مرة وعلى قول محمد يكون حيضا
ولكن يكون حكم انتقال العادة به يتوقف على ما تراه في الشهر الثاني فان رأت في أيام
عادتها المعروفة فعادتها الأولى تكون باقية وان رأت كما رأت في هذه المرة فحينئذ تنتقل
عادتها برؤية المخالف مرتين وهذا إذا لم يجاوز الكل عشرة فان جاوز فحينئذ يكون حيضها
أيامها المعروفة بالاتفاق وهي مستحاضة فيما سوى ذلك وفى المتأخر اتفاق أنه يكون حيضا
تبعا لأيامها إذا لم يجاوز العشرة فان جاوز فحيضها أيامها المعروفة وهي مستحاضة فيما زاد على
ذلك فإن لم تر في أيامها ورأت بعد أيامها فان ذلك لا يكون حيضا في قول أبي حنيفة رحمه
الله تعالى وفي قول محمد رحمه الله تعالى يكون حيضا بطريق الابدال إن أمكن ذلك والامكان
بان يبقى بعد الابدال إلى موضع حيضها الثاني خمسة عشر يوما أو أكثر حتى قال لو رأت
بعد أيامها بعشرة أيام فهي مستحاضة في القولين جميعا لأنا لو أبدلنا لها خمسة من أول ما
رأت لا يبقى إلى موضع حيضها الثاني الا عشرة أيام وذلك دون مدة الطهر وقد بينا وجوه
هذه الفصول بمعانيها في كتاب الحيض. فان رأت الدم يوما من أيام أقرائها ثم انقطع ثم
رأته يوم العاشر من أيام أقرائها فهذا حيض في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى بناء على
مذهبه ان الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من خمسة عشر يوما يجعل كله كالدم المتوالى
وان رأته في اليوم الحادي عشر فهي مستحاضة فيما تقدم من حيضها وما تأخر وهي
حائض في أيام أقرائها في القولين جميعا لان الكل جاوز العشرة فلا يمكن ان يجعل جميع ذلك حيضا
وإنما يكون أيام أقرائها حيضا إذا رأت الدم فيها فاما ذا لم تر الا اليوم الأول من أيام أقرائها
140

فعلى قول محمد رحمه الله تعالى لا تكون أيام أقرائها حيضا أيضا لأنه لا يرى ختم الحيض بالطهر
وقد بينا هذا في كتاب الحيض. والنفساء إذا ولدت فرأت الدم خمسة عشر يوما ثم انقطع
خمسة عشرة يوما ثم رأته في تمام أربعين يوما فهذا كله نفاس عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
لان الأربعين للنفاس بمنزلة العشرة للحيض فكما أن من أصله ان الطهر المتخلل بين الدمين
في مدة العشرة لا يصير فاصلا فكذلك الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الأربعين لا
يكون فاصلا في النفاس وعندهما نفاسها خمسة عشر يوما لان الطهر خمسة عشر كما يصلح
للفصل بين الحيضين يصلح للفصل بين الحيض والنفاس. وان رأت الدم أكثر من أربعين
يوما فهي مستحاضة في الزيادة على الأربعين إذا كانت مبتدأة في النفاس وان كانت صاحبة
عادة فهي مستحاضة في الزيادة على أيام عادتها المعروفة لان الأربعين أكثر مدة النفاس كما أن
العشرة أكثر مدة الحيض وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المستحاضة تدع الصلاة
في أيام أقرائها. ولو أن امرأة ولدت في غرة شهر رمضان فصامت رمضان كله ثم جاءت بولد
بعد رمضان بخمسة أشهر ونصف فإنها تقضى صوم خمسة عشر يوما وصلاة خمسة عشر يوما
إذا كانت اغتسلت في غرة شوال لان أدنى مدة الحمل ستة أشهر فقد تيقنا انها حبلت في
النصف من رمضان والحامل كما لا تحيض لا تكون نفساء فان النفاس أخو الحيض فإذا تيقنا
بخروجها من النفاس في النصف من شهر رمضان جاز صومها في النصف الآخر فعليها قضاء
النصف الأول وهو خمسة عشر يوما وهي لم تصل في النصف الأخير من رمضان بعد ما
حكمنا بطهرها فعليها قضاء خمسة عشر يوما فإن كانت اغتسلت يوم الفطر وصامت شوال
وصلت ثم جاءت بولد لخمسة أشهر ونصف بعد ذلك فإنما تقضى يوما واحدا وهو يوم الفطر
لأنه لا يجوز صومها فيه من القضاء وعليها قضاء صلاة خمسة عشر يوما لأنا حكمنا بطهرها
حين حملت وقد أخرت الاغتسال بعد ذلك خمسة عشر يوما فعليها قضاء تلك الصلوات
. والعجوز الكبيرة إذا رأت الدم كانت حائضا في ظاهر الرواية وكان محمد بن مقاتل رحمه
الله تعالى يقول بعد ما حكم بإياسها إذا رأت الدم لا يكون ذلك حيضا لان ذلك مستنكر
مرئي في غير وقته فلا يكون حيضا بمنزلة ما تراه الصغيرة جدا وجه ظاهر الرواية أن
مبنى الحيض على الامكان وفيما رأته العجوز امكان جعله حيضا ثابت بخلاف ما تراه الصغيرة
جدا فإنه ليس فيه امكان جعله حيضا لأنه إذا جعل ذلك حيضا فلا بد من أن يحكم ببلوغها
141

والصغيرة جدا لا تكون أهلا لذلك وكان محمد بن إبراهيم الميداني رحمهما الله تعالى
يقول إن رأت دما سائلا ثلاثة أيام أو أكثر فهو حيض وان رأت شيئا قليلا ليس بسائل
وإنما هو بلة تظهر على الكرسف لم يكن ذلك حيضا بل هو من نداوة الرحم فلا تجعل حائضا
به. والمراهقة إذا رأت الدم يوما أو يومين والأكثر من اليوم الثالث فهي حائض يحكم
ببلوغها به وهذا قول أبى يوسف رحمه الله تعالى فأما على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
تعالى فأقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها فإن كان ما رأت أقل من ذلك لم يكن حيضا وقد بينا
هذا في كتاب الحيض. ولو أن امرأة رأت الدم أيام أقرائها عشرا ثم انقطع الدم عنها قبل
طلوع الفجر في رمضان في وقت لا تقدر فيه على الغسل حتى يطلع الفجر فهذه تصلي
وتصوم ولا تقضى صوم هذا اليوم وتصلى العشاء الأخيرة ولا يملك الزوج مراجعتها إن كان
طلقها لأنا تيقنا بخروجها من الحيض قبل طلوع الفجر فتلزمها صلاة العشاء لأنها
أدركت جزأ من الوقت ويجوز صومها لأنها أهل لأداء الصوم من أول النهار وان كانت
أيام أقرائها خمسا خمسا ثم انقطع الدم عنها قبل طلوع الفجر في وقت لا تقدر فيه على الغسل
حتى طلع الفجر فهذه تصوم وتقضى ومعناه تمسك في هذا اليوم وعليها قضاء هذا اليوم لأنه
لا يحكم بخروجها عن الحيض ما لم تغتسل فهي لم تكن من أهل أداء الصوم عند طلوع
الفجر فلا يجزئها صومها وزوجها يملك الرجعة حتى تطلع الشمس ووقع في بعض النسخ
وتصلى العشاء وهذا غلط فإنها لم تدرك من وقت العشاء مقدار ما يمكنها أن تغتسل
فيه فلا يلزمها قضاء العشاء ولو لزمها ذلك لانقطعت الرجعة بطلوع الفجر وجاز صومها
في هذا اليوم فإن كان بقي إلى طلوع الفجر مقدار ما يمكنها أن تغتسل فيه فحينئذ يلزمها
قضاء العشاء ويجوز صومها في هذا اليوم ولا يملك الزوج رجعتها بعد طلوع الفجر لأنا
تيقنا بطهارتها حين حكمنا بوجوب الصلاة دينا في ذمتها عند طلوع الفجر ولو أنقطع عنها
الدم حين زالت الشمس وأيامها دون العشرة فزوجها يملك الرجعة إلى دخول وقت
العصر لان الحكم بطهارتها يكون ضمنا لوجوب الصلاة دينا في ذمتها وإنما يكون ذلك
بخروج الوقت لا بدخول الوقت فبعد زوال الشمس هي حائض بعد وإنما يحكم بطهارتها
حين يدخل وقت العصر لان صلاة الظهر تصير دينا في ذمتها. ولو أن نصرانية أيام
أقرائها خمس خمس انقطع عنها الدم في مقدار لا تقدر فيه على الغسل حتى طلع الفجر
142

في شهر رمضان ثم أسلمت فإنها تصوم ولا تقضى وتصلى العشاء ولا يملك الزوج رجعتها
لان النصرانية غير مخاطبة بالاغتسال فبنفس انقطاع الدم يحكم بخروجها من الحيض لأنه
لا غسل عليها فهي نظير ما لو كانت أيامها عشرا ثم أسلمت قبل طلوع الفجر وهي طاهرة
فتلزمها صلاة العشاء ويجزيها صومها من الغد ولا يملك الزوج رجعتها. ولو أسلمت ثم انقطع
عنها الدم في مقدار لا تقدر فيه على الغسل حتى طلع الفجر فإنها تصوم وتقضى وزوجها
يملك الرجعة إلا أن تطلع الشمس لأنها لما انقطع الدم عنها بعدما أسلمت وأيامها دون العشرة
فقد لزمها الاغتسال ولا يحكم بخروجها من الحيض ما لم تغتسل أو يمضى عليها وقت صلاة
فلهذا لا يجزيها صومها من الغد ويكون للزوج حق المراجعة إلى طلوع الشمس (قال) وتصلى
العشاء وهذا غلط كما بينا في الفصل الأول لأنا لو ألزمناها قضاء العشاء لحكمنا بطهرها بطلوع
الفجر فلا يملك الزوج رجعتها بعد ذلك. فان توضأت المستحاضة في وقت الظهر وصلت
والدم سائل ثم انقطع دمها فصلاتها تامة لبقاء العذر إلى الفراغ من الصلاة وإن كان
الانقطاع قبل الشروع في الصلاة أو في خلال الصلاة فعليها إعادة الوضوء والصلاة لأنها
صلت بطهارة ذوي الأعذار بعد زوال العذر وهذا إذا تم الانقطاع وقت صلاة أو أكثر
فإن كان أقل من ذلك فصلاتها تامة لان القليل من الانقطاع غير معتبر فان صاحبة هذه
البلوى لا تكاد ترى الدم على الولاء ولكنه يسيل تارة وينقطع أخرى لأنها لو رأت الدم
على الولاء أضناها ذلك وربما يكون سببا لهلاكها فجعلنا القليل من الانقطاع عفوا وجعلنا
الفاصل بين القليل والكثير وقت صلاة كامل اعتبارا للانقطاع بالسيلان فان السيلان
إذا كان دون وقت صلاة لا يثبت به حكم الاستحاضة وإذا كان وقت صلاة أو أكثر
يثبت به حكم الاستحاضة وكذلك الانقطاع إذا كان دون وقت صلاة لا يكون برأ وإن كان
وقت صلاة أو أكثر كان برأ والله أعلم بالصواب
* (كتاب التراويح) *
(قال) رحمه الله تعالى يحتاج إلى معرفة أحكام التراويح والأمة أجمعت على شرعيتها وجوازها
ولم ينكرها أحد من أهل العلم الا الروافض لا بارك الله فيهم ولم يذكرها محمد رحمه الله
تعالى وذكرها غيره ثم نقول الكلام في صلاة التراويح على اثنى عشر فصلا
143

* (الفصل الأول في عدد الركعات) *
فإنها عشرون ركعة سوى الوتر عندنا وقال مالك رحمه الله تعالى السنة فيها ستة وثلاثون
قيل من أراد أن يعمل بقول مالك رحمه الله تعالى ويسلك مسلكه ينبغي ان يفعل كما قال أبو
حنيفة رحمه الله تعالى يصلى عشرين ركعة كما هو السنة ويصلى الباقي فرادى كل تسليمتين
أربع ركعات وهذا مذهبنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا بأس بأداء الكل جماعة كما
قال مالك رحمه الله تعالى بناء على أن النوافل بجماعة مستحب عنده وهو مكروه عندنا
(قال) والشافعي رحمه الله تعالى قاس النفل بالفرض لأنه تبع له فيجرى مجرى الفرض
فيعطى حكمه ولنا ان الأصل في النوافل الاخفاء فيجب صيانتها عن الاشتهار ما أمكن وفيما قاله
الخصم إشهار فلا يعمل به بخلاف الفرائض لان مبناها على الاعلان والاشهار وفى الجماعة
اشهار فكان أحق. يوضح ما قلنا إن الجماعة لو كانت مستحبة في حق النوافل لفعله المجتهدون
القائمون بالليل لان كل صلاة جوزت على وجه الانفراد وبالجماعة كانت الجماعة فيها أفضل ولم
ينقل أداؤها بالجماعة في عصره صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الصحابة رضوان الله عليهم
أجمعين ولا في زمن غيرهم من التابعين فالقول بها مخالف للأمة اجمع وهذا باطل
* (الفصل الثاني انها تؤدى بجماعة أم فرادى) *
ذكر الطحاوي في اختلاف العلماء عن المعلى عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى وذكر
أيضا عن مالك رحمه الله تعالى انهما قالا إن أمكنه أداؤه في بيته صلى كما يصلى في المسجد
من مراعاة سنة القراءة وأشباهه فيصلى في بيته وقال الشافعي رحمه الله تعالى في قوله
القديم أداء التراويح على وجه الانفراد لما فيها من الاخفاء أفضل وقال عيسى بن أبان وبكار بن
قتيبة والمزني من أصحاب الشافعي وأحمد بن عمران رحمهم الله تعالى الجماعة أحب وأفضل
وهو المشهور عن عامة العلماء رحمهم الله تعالى وهو الأصح والأوثق ويدل عليه ما روى
في حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لما بقي سبع من
شهر رمضان فصلى بهم حتى مضي ثلث الليل ولم يخرج في الليلة السادسة ثم خرج في الليلة
الخامسة وصلى بنا حتى مضى شطر الليل فقلنا لو نفلتنا يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام
من صلى مع الامام حتى ينصرف كتب الله له ثواب تلك الليلة ثم خرج من الليلة الرابعة
144

وصلى بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح يعنى السحر وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى في
اختلاف العلماء وقال لا ينبغي أن يختار الانفراد على وجه يقطع القيام في المسجد فالجماعة من
سنن الصالحين والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين حتى قالوا رضى الله تعالى عنهم نور
الله قبر عمر رضى الله تعالى عنه كما نور مساجدنا والمبتدعة أنكروا أداءها بالجماعة في المسجد
فأداؤها بالجماعة جعل شعار للسنة كأداء الفرائض بالجماعة شرع شعار الاسلام
* (الفصل الثالث في بيان كونها سنة متوارثة أم تطوعا مطلقة مبتدأة) *
اختلفوا فيها وينقطع الخلاف برواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن التراويح سنة
لا يجوز تركها لان النبي صلى الله عليه وسلم أقامها ثم بين العذر في ترك المواظبة على أدائها
بالجماعة في المسجد وهو خشية أن تكتب علينا ثم واظب عليها الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وأن
عمر رضي الله عنه صلاها بالجماعة مع أجلاء الصحابة فرضى به علي رضي الله عنه حتى دعا له
بالخير بعد موته كما ورد وأمر به في عهده (قال) ولو صلى انسان في بيته لا يأثم هكذا
كان يفعله ابن عمر وإبراهيم والقاسم وسالم الصواف رضي الله عنهم أجمعين بل الأولى
أداؤها بالجماعة لما بينا
* (الفصل الرابع في الانتظار بعد كل ترويحتين) *
وهو مستحب هكذا روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنها إنما سميت بهذا الاسم لمعنى
الاستراحة وأنها مأخوذة عن السلف وأهل الحرمين فان أهل مكة يطوفون سبعا بين كل
ترويحتين كما حكينا عن مالك رحمه الله تعالى ولو استراح امام بعد خمس ترويحات قال بعض
الناس لا بأس به وهذا ليس بشئ لما فيه من المخالفة لأهل الحرمين والصحيح هو الانتظار
والاستراحة بين كل ترويحتين على ما حكينا
* (الفصل الخامس في كيفية النية) *
واختلفوا فيها والصحيح ان ينوى التراويح أو السنة أو قيام الليل ولو نوى مطلق الصلاة لا
تجوز عن التراويح لأنها سنة والسنة لا تتأدى بنية مطلقة أو بنية التطوع فإنه روى الحسن
عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى في ركعتي الفجر انها لا تجوز بمطلق النية ونية التطوع فلو كان
145

الامام يصلى التسليمة الثانية والمقتدى ينوى التسليمة الأولى أو الثانية اختلفوا فيه والأصح
أنها تجوز عن التراويح والنية في مثلها لغو لان الصلاة هذه وان كثرت اعداد ركعاتها
ولكنها من جنس واحد فلا تعتبر فيها النية من المقتدى كما لا تعتبر من الامام فإنه لو نوى
عند تسليم الأولى الثانية أو على القلب من هذا كان لغوا وجازت صلاته فكذلك في حق
المقتدى يكون لغوا
* (الفصل السادس في حق قدر القراءة) *
واختلف فيه مشايخنا رحمهم الله تعالى قال بعضهم يقرأ مقدار ما يقرأ في المغرب تحقيقا لمعنى
التخفيف لان النوافل يحسن أن تكون أخف من الفرائض وهذا شئ مستحسن لما فيه
من درك الختم والختم سنة في التراويح وقال بعضهم في كل ركعة من عشرين آية إلى ثلاثين
آية أصله ما روى عن عمر رضي الله عنه انه دعا ثلاثة من الأئمة واستقرأهم فأمر أحدهم ان
يقرأ في كل ركعة ثلاثين آية وأمر الآخر ان يقرأ في كل ركعة خمسة وعشرين آية وأمر الثالث
ان يقرأ في كل ركعة عشرين آية وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ان الإمام يقرأ
في كل ركعة عشر آيات ونحوها وهو الأحسن لان السنة في التراويح الختم مرة وبما أشار
إليه أبو حنيفة رحمه الله تعالى يختم القرآن مرة فيها لان عدد ركعات التراويح في جميع الشهر ستمائة
وعدد آي القرآن ستة آلاف وشئ فإذا قرأ في كل ركعة عشر آيات يحصل الختم فيها ولو كان
كما حكي عن عمر رضي الله عنه لوقع الختم مرتين أو ثلاثا قال القاضي الامام المحسن المروزي
رحمه الله تعالى الأفضل عندي ان يختم في كل عشر مرة وذلك أن يقرأ في كل ركعة
ثلاثين آية أو نحوها كما أمر به عمر رضي الله عنه أحد الأئمة الثلاثة ولان كل عشر مخصوص
بفضيلة على حدة كما جاءت به السنة وبه نطق الحديث وهو شهر أوله رحمة ووسطه مغفرة
وآخره عتق من النار فيحسن أن يختم في كل عشر ولان التثليث يستحب في كل شئ فكذا
في الختم وحكى عن القاضي الامام عماد الدين رحمه الله تعالى ان مشايخ بخارى جعلوا
القرآن خمسمائة وأربعين ركوعا وعلموا الختم بها ليقع الختم في الليلة السابعة والعشرين رجاء
ان ينالوا فضيلة ليلة القدر إذ الاخبار قد كثرت بأنها ليلة السابع والعشرين من رمضان
وفى غير هذه البلدة المصاحف معلمة بالآيات وإنما سموه ركوعا على تقدير أنها تقرأ في كل ركعة
146

* (الفصل السابع في أدائها قاعدا من غير عذر) *
اختلفوا فيه قال بعضهم لا ينوب عن التراويح على قياس ما روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما
الله تعالى في ركعتي الفجر انه لو أداهما قاعدا من غير عذر لم يجزه عن السنة وعليه الاعتماد
فكذا هذا لأنها مثله والصحيح انها تجوز والفرق ظاهر فان ركعتي الفجر آكد وأشهر وهذا
الفرق يوافق رواية أبي سليمان عن أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى ومع
الفرق فإنه لا يستحب لما فيه من مخالفة السنة والسلف
* (الفصل الثامن في الزيادة على قدر المسنون وهو ركعتان بتسليمة واحدة) *
فنقول لا يخلو إما أن يقعد على رأس الشفع الأول أولا يقعد فان قعد ففيه خلاف والأصح
أنه يجوز عن التسليمتين لان كل شفع صلاة على حدة ولهذا لو فسد الشفع الثاني فسد هو
لا غير ولأنه لم يحل بينهما بالسلام الذي هو بمعنى الكلام فكان أحق بالجواز فان صلى
ست ركعات أو ثمان ركعات وقعد على رأس كل شفع أختلف فيه المتقدمون والمتأخرون
فالمتقدمون اختلفوا فيما بينهم قال بعضهم المسألة على الخلاف عند أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله تعالى يقع عن العدد المستحب وهو أربع ركعات لان الزيادة على الأربع
غير مستحب في التطوع وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يقع عن العدد الجائز وهو ست
ركعات في رواية الجامع الصغير وفى رواية كتاب الصلاة ثمان ركعات ولو صلى عشر ركعات
فهو عن التسليمات الخمس في رواية شاذة عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى إلا أنها مكروهة
لأنها خلاف الظاهر وفى رواية الجامع أربع ركعات بتسليمة واحدة ولو لم يقعد على رأس
الشفع الأول القياس أنه لا يجوز وبه أخذ محمد وزفر رحمهما الله تعالى وهو احدى الروايتين
عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي الاستحسان يجوز وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله تعالى واختلفوا على قولهما أنه متى جاز تجوز عن تسليمة واحدة أم عن تسليمتين
والأصح انه يجوز عن تسليمة واحدة ولو صلى ثلاث ركعات بقعدة واحدة لم يجز عند محمد
وزفر رحمهما الله تعالى. واختلفوا في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى قال بعضهم
لا يجزئه لأنه لا أصل لها في النوافل فإنها غير مشروعة بثلاث ركعات وقال بعضهم يجزئه عن
تسليمة واحدة اعتبارا بالمغرب ثم على قول من يقول لا يجزئه عن تسليمة واحدة لاشك
147

انه يلزمه قضاء الشفع الأول وهل يلزمه قضاء الشفع الثاني فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
لا يجب سواء شرع في الشفع الثاني عامدا أو ساهيا وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى ينظر
ان شرع عامدا يجب وان شرع ساهيا لا يجب وإنما على القول الذي يجوزه عن تسليمة
واحدة يجب عليه قضاء الشفع الثاني ان شرع فيه عامدا وان شرع ساهيا لا يجب
باتفاق بين أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لان الشفع الأول لما صح صح
الشروع في الشفع الثاني فيجب عليه اكماله ان شرع فيه عن قصد حتى لو صلى الرجل
التراويح بعشر تسليمات في كل تسليمة ثلاث ركعات بقعدة واحدة جاز ويسقط عنه
التراويح وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى لا يسقط ولو صلى التراويح كلها بتسليمة واحدة
وقعد في كل ركعتين الأصح أنه يجزئه عن الترويحات اجمع وهو أصح الروايتين وإن لم
يقعد اختلف فيه الأقاويل على قياس قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى
والأصح أنه يجزئه عن تسليمة واحدة
* (الفصل التاسع انه متى وقع الشك) *
في أن الامام صلى عشر تسليمات فالصحيح من المذهب ان يصلوا ركعتين فرادى لتصير
عشرا بيقين ولئلا يصير مؤديا للتطوع بجماعة إذ هي مكروهة على ما بينا
* (الفصل العاشر في تفضيل التسليمتين على البعض) *
وهو جائز من غير كراهة والتسوية أفضل واما تفضيل أحدي الركعتين على الأخرى
فان فضل الثانية على الأولى لا شك انه يكره الا بما لا يمكن الاحتراز عنه كآية أو آيتين
وفى تفضيل الأولى على الثانية اختلفوا فيه قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى التعديل
أفضل وقال محمد رحمه الله تعالى الأفضل تفضيل الأولى على الثانية كما في سائر الصلوات
* (الفصل الحادي عشر في وقتها المستحب) *
الأفضل إلى ثلث الليل أو إلى النصف اعتبارا بالعشاء ولو أخرها إلى ما وراء النصف اختلف
فيه قال بعضهم يكره استدلالا بالعشاء لأنه تبع لها والصحيح انه لا يكره لأنها صلاة الليل
والأفضل فيها آخر الليل فان فاتت عن وقتها هل تقضى قال بعضهم تقضى ما دام الليل
148

باقيا وقال بعضهم تقضى ما لم يأت وقتها في الليلة المستقبلة وقال بعضهم تقضى ما دام الشهر باقيا
وقال آخرون لا تقضى أصلا كسنة المغرب وغيرها من السنن في غير وقتها الا سنة الفجر في
قول محمد رحمه الله تعالى على ما عرف في الأصل وقالوا جميعا انها لا تقضى بجماعة ولو كانت مما
تقضى لكانت تقضى على صفة الأداء
* (الفصل الثاني عشر في إمامة الصبي في التراويح) *
جوزها مشايخ خراسان رحمهم الله تعالى ورضى عنهم ولم يجوزها مشايخ العراق رحمهم الله
تعالى ورضي الله عنهم والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
(بسم الله الرحمن الرحيم)
* (كتاب الزكاة) *
(قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه
الله تعالى الزكاة في اللغة عبارة عن النماء والزيادة ومنه يقال زكا الزرع إذا نما فسميت الزكاة
زكاة لأنها سبب زيادة المال بالخلف في الدنيا والثواب في الآخرة قال الله تعالى وما أنفقتم
من شئ فهو يخلفه وقيل أيضا انها عبارة عن الطهر قال الله تعالى قد أفلح من تزكى أي تطهر
وإنما سمى الواجب زكاة لأنها تطهر صاحبها عن الآثام قال الله تعالى خذ من أموالهم صدقة
تطهرهم وتزكيهم بها وهي فريضة مكتوبة وجبت بايجاب الله تعالى فإنها في القرآن ثالثة الايمان
قال الله تعالى فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وفي السنة هي من جملة أركان الدين الخمس
قال صلى الله عليه وسلم بنى الاسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأقام الصلاة وايتاء
الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا * فاصل الوجوب ثابت بايجاب الله تعالى
وسبب الوجوب ما جعله الشرع سببا وهو المال قال الله تعالى خذ من أموالهم صدقة ولهذا
يضاف الواجب إليه فيقال زكاة المال والواجبات تضاف إلى أسبابها ولكن المال سبب
باعتبار غنى المالك قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه أعلمهم ان الله تعالى فرض
عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم والغنى لا يحصل الا بمال مقدر وذلك هو
النصاب الثابت ببيان صاحب الشرع والنصاب إنما يكون سببا باعتبار صفة النماء فان
149

الواجب جزء من فضل المال قال الله تعالى ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو أي الفضل
فصار السبب النصاب التامي ولهذا يضاف إلى النصاب والى السائمة يقال زكاة السائمة وزكاة
التجارة والدليل عليه أن الواجب يتضاعف بتضاعف النصاب * فان قيل الزكاة تتكرر في
النصاب الواحد بتكرر الحول ثم الحول شرط وليس بسبب * قلنا التكرر باعتبار تجدد النمو
فان النماء لا يحصل الا بالمدة فقدر ذلك الشرع بالحول تيسيرا على الناس فيتكرر الحول بتجدد
معنى النمو ويتجدد وجوب الزكاة باعتبار تجدد السبب إذا عرفنا هذا فنقول بدأ محمد رحمه الله
تعالى الكتاب بزكاة المواشي وإنما فعل ذلك اقتداء بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها
كانت مبتدأة كلها بزكاة المواشي وقيل لان قاعدة هذا الامر كان في حق العرب وهم كانوا
أرباب المواشي وكانوا يعدونها من أنفس الأموال وقيل لان زكاة السائمة مجمع عليها فبدأ بما هو
المجمع عليه ليرتب عليه المختلف فيه (قال) وليس في أربع من الإبل السائمة صدقة لحديث
علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يكن عنده الا أربع من الإبل فلا
زكاة عليه وإذا كانت خمسا ففيها شاة على هذا اتفقت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأجمعت الأمة وقيل المعنى فيه أنه العبرة للقيمة في المقادير فان الشاة تقوم بخمسة
دراهم في ذلك الوقت وبنت المخاض بأربعين درهما فايجاب الزكاة في خمس من الإبل كايجاب
الزكاة في مائتي درهم وان أدنى الأسباب التي تجب فيها الزكاة من الإبل بنت مخاض وفى
العشر شاتان وفى خمسة عشر ثلاث شياه وفى عشرين أربع شياه وفى خمس وعشرين بنت مخاض
وعلى هذا اتفقت الآثار وأجمع العلماء رحمهم الله تعالى الا ما روى شاذا عن علي رضي الله عنه
أنه قال في خمس وعشرين خمس شياه وفى ست وعشرين بنت مخاض قال سفيان الثوري
رحمه الله تعالى وهذا غلط وقع من رجال علي رضي الله عنه أما علي رضي الله عنه فإنه كان أفقه
من أن يقول هكذا لان في هذا موالاة بين الواجبين بلا وقص بينهما وهو خلاف أصول
الزكاة فان مبنى الزكاة على أن الوقص يتلو الواجب وعلى أن الواجب يتلو الوقص وفى ست
وثلاثين بنت لبون وفى ست وأربعين حقة وفى احدى وستين جذعة وهي أعلى الأسنان
التي تؤخذ في زكاة الإبل لان ما بعدها ثنى وسديس وبازل وبازل عام وبازل عامين ولا يجب
شئ من ذلك في الزكاة لنهى النبي صلى الله عليه وسلم السعاة عن أخذ كرائم أموال الناس
وبنت المخاض التي تم لها سنة وطعنت في الثانية سميت به لمعنى في أمها فإنها صارت مخاضا
150

أي حاملا قال الله تعالى فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة وبنت اللبون التي تم لها سنتان
وطعنت في الثالثة سميت به لمعنى بها في أمها فإنها لبون بولادة أخرى والحقة التي لها ثلاث سنين
وطعنت في الرابعة سميت به لمعني فيها وهو أنه حق لها أن تركب ويحمل عليها والجذعة التي
تم لها أربع سنين وطعنت في الخامسة سميت به لمعنى في أسنانها معروف عند أرباب الإبل
ثم بعد ذلك يزاد القدر بزيادة الإبل فيجب في ست وسبعين بنتا لبون وفى احدى وتسعين
حقتان إلى عشرين ومائة وعلى هذا اتفقت الآثار وأجمع العلماء رحمهم الله تعالى ثم الاختلاف
بينهم بعد ذلك فالمذهب عندنا استئناف الفريضة بعد مائة وعشرين فإذا بلغت الزيادة خمسا
ففيها حقتان وشاة إلى مائة وثلاثين ففيها حقتان وشاتان وفي مائة وخمس وثلاثين حقتان
وثلاث شياه وفى مائة وأربعين حقتان وأربع شياه وفى مائة وخمس وأربعين حقتان وبنت
مخاض إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق ثم تستأنف الفريضة فيجب في مائة وخمس وخمسين
ثلاث حقاق وشاة وفى مائة وستين ثلاث حقاق وشاتان وفى مائة وخمس وستين ثلاث حقاق
وثلاث شياه وفى مائة وسبعين ثلاث حقاق وأربع شياه وفى مائة وخمس وسبعين ثلاث
حقاق وبنت مخاض وفى مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون وفي مائة وست
وتسعين أربع حقاق إلى مائتين فإن شاء أدى عنها أربع حقاق عن كل خمسين حقة وان
شاء خمس بنات لبون عن كل أربعين بنت لبون ثم تستأنف كما بينا وقال مالك رحمه الله
بعد مائة وعشرين يجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة والأوقاص تسع تسع
فلا يجب في الزيادة شئ حتى تكون مائة وثلاثين ففيها حقة وبنت لبون لأنها مرة خمسون
ومرتين أربعون وفى مائة وأربعين حقتان وبنت لبون وفى مائة وخمسين ثلاث حقاق وفى مائة
وستين أربع بنات لبون وفى مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون وفى مائة وثمانين حقتان
وبنتا لبون وفى مائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون إلى مائتين فإن شاء أدى أربع حقاق
وان شاء خمس بنات لبون وقال الشافعي رضي الله عنه مثل قول مالك رضي الله عنه الا في حرف
واحد وهو ان عند الشافعي رحمه الله تعالى إذا زادت الإبل على مائة وعشرين واحدة ففيها
ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين ثم مذهبه كمذهب مالك رحمه الله تعالى وعند مالك لا
يجب شئ حتى تكون الإبل مائة وثلاثين وحجتهما في ذلك ما روى عن عبد الله بن عمر وأنس
ابن مالك رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة وقربه
151

بقراب سيفه ولم يخرجه إلى عماله حتى قبض فعمل به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حتى قبضا
وكان فيه إذا زادت الإبل على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة
إلا أن مالكا رحمه الله حمله على الزيادة التي يمكن اعتبار المنصوص عليه فيها وذلك لا يكون
فيما دون العشرة والشافعي رحمه الله تعالى يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علق هذا
الحكم بنفس الزيادة وذلك بزيادة الواحدة فعندها يوجب في كل أربعين بنت لبون وهذه
الواحدة لتعيين الواجب بها فلا يكون لها حظ من الواجب واستدل عليه بالحديث الذي ذكره
أبو داود وابن المبارك رحمهما الله تعالى بالاسناد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا زادت
الإبل على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون وهذا نص في الباب والمعنى فيه أن
الواجب في كل مال من جنسه فان الواجب جزء من المال الا ان الشرع عند قلة الإبل
أوجب من خلاف الجنس نظرا للجانبين فان خمسا من الإبل مال عظيم ففي اخلائه عن الواجب
اضرار بالفقراء وفي ايجاب الواحدة إجحاف بأرباب الأموال وكذلك في ايجاب الشقص
فان الشركة عيب فأوجب من خلاف الجنس دفعا للضرر وقد ارتفعت هذه الضرورة
عند كثرة الإبل فلا معنى لايجاب خلاف الجنس ومبنى الزكاة على أن عند كثرة العدد
وكثرة المال يستقر النصاب والوقص والواجب على شئ معلوم كما في زكاة الغنم عند كثرة
العدد يجب في كل مائة شاة ثم أعدل الأسنان بنت اللبون والحقاق فان أدناها بنت المخاض
وأعلاها الجذعة والأعدل هو الأوسط وكذلك أعدل الأوقاص هو العشر فان الأوقاص
في الابتداء خمس وفى الانتهاء خمسة عشر فالمتوسط هو العشر وهو الأعدل فلهذا أوجبنا
في كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة (ولنا) حديث قيس بن سعد رحمهما الله
تعالى قال قلت لأبي بكر محمد بن عمر وبن حزم رضى الله تعالى عنهم أخرج لي كتاب الصدقات
الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم فأخرج كتابا في ورقة وفيه إذا
زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة فما كان أقل من خمس وعشرين ففيها الغنم
في كل خمس ذود شاة وروي بطريق شاذ إذا زادت الإبل على مائة وعشرين فليس في
الزيادة شئ حتى تكون خمسا فإذا كانت مائة وخمسا وعشرين ففيها حقتان وشاة وهذا نص
ولكنه شاذ والقول باستقبال الفريضة بعد مائة وعشرين مشهور عن علي وابن مسعود رضي الله عنه
ما ثم نقول وجوب الحقتين في مائة وعشرين ثابت باتفاق الآثار واجماع الأمة فلا يجوز
152

اسقاطه الا بمثله وبعد مائة وعشرين اختلفت الآثار فلا يجوز اسقاط ذلك الواجب عند
اختلاف الآثار بل يؤخذ بحديث عمرو بن حزم رضي الله عنه ويحمل حديث ابن عمر
رضي الله عنهما على الزيادة الكبيرة حتى يبلغ مائتين وبه نقول إن في كل أربعين بنت
لبون وفى كل خمسين حقة وحديث ابن المبارك رحمه الله تعالى محمول على ما إذا كانت
مائة وعشرين من الإبل بين ثلاثة نفر لأحدهم خمس وثلاثون وللآخر أربعون وللآخر
خمس وأربعون فإذا زادت لصحاب الخمس وثلاثين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون وهذا
التأويل وإن كان فيه بعض بعد فالقول به أولى مما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى فإنه
أوجب ثلاث بنات لبون وهو مخالف للآثار المشهورة وإن كان لم يجعل لهذه الواحدة حظا
من الواجب كما هو مذهبه فهو مخالف لأصول الزكوات فان ما لاحظ له من الواجب لا يتغير به
الواجب كما في الحمولة والعلوفة وحقيقة الكلام في المسألة وهو أن بالاجماع يدار الحكم على
الخمسينات والأربعينات ولكن اختلفنا في أن أي الإدارتين أولى ففي حديث عمرو بن حزم
رضي الله عنهما أدار على الخمسينات وفيها الحقة ولكن بشرط عود ما دونها وفى حديث ابن
عمر رضي الله عنهما على الأربعينات والخمسينات فنقول الاخذ بما كان في حديث عمرو بن
حزم رضي الله عنهما أولى فان مبنى أصول الزكاة على أن عند كثرة المال يستقر النصاب
على شئ واحد معلوم كما في نصاب البقر فإنه يستقر على شئ واحد وهو المسنة في الأربعين
ولكن بشرط عود ما دونها وهو التبيع فكذلك زكاة الإبل ولهذا لم تعد الجذعة لان الإدارة
على الخمسينات ولا يوجد فيها نصاب الجذعة فأما ما دون الجذعة فيوجد نصابها في
الخمسينات فتعود لهذا ولسنا نسلم احتمال الزيادة الواجب من الجنس فان حكم الزيادة
كالمقطوع عن مائة وعشرين لايفاء الحقتين فيها كما ثبت باتفاق الآثار فلم يكن محتملا
للإيجاب من جنسه فلهذا صرنا إلى ايجاب الغنم فيها كما في الابتداء حتى أنه لما أمكن البناء
مع ابقاء الحقتين بعد مائة وخمس وأربعين بنينا فنقلنا من بنت المخاض إلى الحقة إذا بلغت
مائة وخمسين فإنها ثلاث مرات خمسون فيؤخذ من كل خمسين حقة وإن كان السائمة
بين رجلين لم يجب على كل واحد منهما في نصيبه من الزكاة الا مثل ما يجب عليه
في حال انفراده حتى أن النصاب الواحد وهو خمس من الإبل إذا كان مشتركا بين
اثنين لا تجب فيها الزكاة عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا كان كل واحد
153

منهما من أهل وجوب الزكاة عليه تجب الزكاة إذا استجمعت شرائط الخلطة وذلك باتحاد
البئر والدلو والراعي والمرعى والكلب وحجته الحديث المشهور أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قل لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان بين الخليطين
فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية قال يحيى بن سعيد القطان والخليطان ما اجتمعا في الدلو
والحوض والراعي وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن التفريق بين المجتمع وهذا النصاب
مجتمع فلا يفرق واعتبر الخلطة في اثبات التراجع والتراجع إنما يكون بعد وجوب الزكاة
فدل أن للخلطة تأثيرا في وجوب الزكاة والمعنى أن هذا نصاب تام مملوك لمن هو أهل
لوجوب الزكاة عليه فتجب فيه الزكاة كما إذا كان لواحد بخلاف ما إذا كان أحد الشريكين
ذميا أو مكاتبا لأنه ليس من أهل وجوب الزكاة عليه وهذا لان بسبب الخلطة تخف
المؤنة على كل واحد منهما ولخفة المؤنة تأثير في وجوب الزكاة ولهذا وجبت في السائمة
دون العلوفة وأوجب صاحب الشرع فيما سقت السماء العشر وفيما يسقى بالغرب والدالية
نصف العشر (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم وسائمة المرء إذا كانت أقل من أربعين من
الغنم فليس فيها الزكاة وهنا سائمة كل واحد منهما أقل من أربعين والمعنى فيه أن غنى المالك
بملك النصاب معتبر لايجاب الزكاة قال صلى الله عليه وسلم لا صدقة إلا عن ظهر غنى
وكل واحد منهما ليس بغنى بما يملك بدليل حل أخذ الصدقة له فلا يجب عليه الزكاة
ولأنه من نصيب شريكه أبعد من المكاتب من كسبه فللمكاتب حق ملك في كسبه
وليس للشريك في نصيب شريكه حق الملك فإذا لم تجب الزكاة على المكاتب باعتبار كسبه
فلأن لا تجب على كل واحد من الشريكين باعتبار ملك صاحبه كان أولى (وأما
الحديث) فدليلنا لان المراد به الجمع والتفريق في الملك لا في المكان لإجماعنا على أنه إذا كان
في ملك رجل واحد نصاب كامل في أمكنة متفرقة يجمع فدل أن المتفرق في الملك لا يجمع
في حكم الصدقة ونحن نقول بالتراجع بين الخليطين فان مائة وعشرين من الغنم إذا كانت
لرجلين لأحدهما أربعون للآخر ثمانون فحال الحول فجاء المصدق وأخذ من عرضها شاتين
يرجع صاحب الكثير على صاحب القليل بثلث شاة ثم في الحول الثاني إنما يجب شاة في
نصيب صاحب الكثير خاصة دون صاحب القليل لان نصابه قد نقص عن الأربعين فإذا
أخذ المصدق شاة رجع صاحب القليل على صاحب الكثير بثلث شاة فهذا هو معنى التراجع
154

واعتبار النصاب دون غنى المالك في حكم الزكاة لا يجوز كما إذا كان أحد الشريكين ذميا
أو مكاتبا وبه يبطل اعتبارهم خفة المؤنة (قال) وإذا كان عشر من الإبل بين رجل وبين
عشرة نفر كل بعير بينه وبين أحدهم فعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يجب عليه شاة
وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لا يجب شئ. زفر يقول كل بعير غير محتمل للقسمة فلم يجتمع
في ملكه نصاب تام وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول لو كان شريكه فيها رجلا واحدا تجب
عليه الزكاة فتعدد الشركاء لا ينقص ملكه ولا يعدم صفة الغنى في حقه بل هو غنى بملك
خمس من الإبل فتلزمه الزكاة (قال) وإذا وجبت الفريضة في الإبل ولم يوجد ذلك
السن ووجد أفضل من ذلك أو دونه أخذ المصدق قيمة الواجب ان شاء وان شاء أخذ
ما وجد ورد فضل القيمة إن كان أفضل فإن كان دونه أخذ فضل القيمة دراهم والكلام في
هذه المسألة يشتمل على فصول أحدها ان جبران ما بين السنين غير مقدر عندنا ولكنه
بحسب الغلاء والرخص وعند الشافعي رحمه الله تعالى يتقدر بشاتين أو بعشرين درهما واستدل
بالحديث المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من وجب في أبله بنت لبون فلم يجد
المصدق فيها الا حقة أخذها ورد شاتين أو عشرين درهما مما استيسر عليه وإن لم يجد
الا بنت مخاض أخذها وأخذ شاتين أو عشرين درهما مما استيسر عليه ولكنا نقول إنما
قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لان تفاوت ما بين السنين في زمانه كان ذلك القدر لا أنه
تقدير شرعي بدليل ما روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه انه قدر جبران ما بين
السنين بشاة أو عشرة دراهم وهو كان مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان يخفى
عليه هذا النص ولا يظن به مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يحمل على أن تفاوت
ما بين السنين في زمانه كان ذلك القدر ولأنا لو قدرنا تفاوت ما بين السنين بشئ أدى إلى
الاضرار بالفقراء أو الاجحاف بأرباب الأموال فإنه إذا أخذ الحقة ورد شاتين فربما تكون
قيمتهما قيمة الحقة فيصير تاركا للزكاة عليه معنى وإذا أخذ بنت مخاض وأخذ الشاتين فقد
تكون قيمتهما مثل قيمة بنت اللبون فيكون آخذا للزكاة بأخذهما وبنت المخاض تكون
زيادة وفيه إجحاف بأرباب الأموال
(الفصل الثاني) إذا وجب عليه في إبله بنت مخاض فلم توجد ووجد ابن اللبون فعندنا
لا يتعين أخذ ابن اللبون وعند الشافعي رحمه الله تعالى يتعين وهو رواية عن أبي يوسف
155

رحمه الله تعالى في الأمالي واستدلا في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمس
وعشرين من الإبل بنت مخاض فإن لم تكن فابن لبون ذكر عين رسول الله صلى الله
عليه وسلم ابن اللبون عند عدم ابنة مخاض ولكنا نقول إنما اعتبر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بهذا المعادلة في المالية معنى فان الإناث من الإبل أفضل قيمة من الذكور والمسنة
أفضل قيمة من غير المسنة فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم زيادة السن في المنقول إليه
مقام زيادة الأنوثة في المنقول عنه ونقصان الذكورة في المنقول إليه مقام نقصان السن في
المنقول عنه ولكن هذا يختلف باختلاف الأوقات والأمكنة فلو عينا أخذ ابن اللبون من
غير اعتبار القيمة أدى إلى الاضرار بالفقراء أو الاجحاف بأرباب الأموال
(الفصل الثالث) ان أداء القيمة مكان المنصوص عليه في الزكاة والصدقات والعشور
والكفارات جائز عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى فظن بعض أصحابنا أن القيمة بدل
عن الواجب حتى لقبوا هذه المسألة بالابدال وليس كذلك فان المصير إلى البدل لا يجوز
إلا عند عدم الأصل وأداء القيمة مع قيام عين المنصوص عليه في ملكه جائز عندنا (حجته)
في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في أربعين شاة شاة وهذا بيان لما هو مجمل في كتاب
الله تعالى لان الايتاء منصوص عليه والمؤتي غير مذكور فالتحق بيانه بمجمل الكتاب
فصار كأن الله تعالى قال وآتوا الزكاة من كل أربعين شاة شاة فتكون الشاة حقا للفقير بهذا
النص فلا يجوز الاشتغال بالتعليل لابطال حقه من العين والمعنى فيه أن هذا حق مالي
مقدر بأسنان معلومة شرعا فلا يتأدى بالقيمة كالهدايا والضحايا أو يقال قربة تعلقت بمحل
عين فلا يتأدى بغيره كالسجود لما تعلق بالجبهة والأنف لم يتأد بالخد والذقن وجواز أداء
البعير عن خمس من الإبل عندي باعتبار النص لا باعتبار القيمة فان النبي صلى الله عليه وسلم
قال خذ من الإبل الإبل إلا أنه عند قلة الإبل أوجب من خلاف الجنس للتيسير على أرباب
الأموال فإذا سمحت نفسه بأداء البعير فقد ترك هذا التيسير فجاز باعتبار النص لا باعتبار
القيمة (ولنا) قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة فهو تنصيص على أن المأخوذ مال وبيان
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر للتيسير على أرباب المواشي لا لتقييد الواجب به
فان أرباب المواشي تعز فيهم النقود والأداء مما عندهم أيسر عليهم ألا ترى أنه قال في خمس
من الإبل شاة وكلمة في حقيقة للظرف وعين الشاة لا توجد في الإبل فعرفنا أن المراد قدرها
156

من المال ورأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة ناقة كوماء فغضب على المصدق
وقال ألم أنهكم عن أخذ كرائم أموال الناس فقال الساعي أخذتها ببعيرين من إبل الصدقة
وفي رواية قال ارتجعتها ببعيرين فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ البعير ببعيرين إنما يكون
باعتبار القيمة وقال معاذ رضي الله عنه في خطبته باليمن ائتوني بخميس آخذ منكم مكان الصدقة
أو قال مكان الذرة والشعير وذلك لا يكون الا باعتبار القيمة والمعنى فيه أنه ملك الفقير مالا
متقوما بنية الزكاة فيجوز كما لو أدى بعيرا عن خمس من الإبل وهذا لان المقصود اغناء الفقير
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم والاغناء يحصل بأداء
القيمة كما يحصل بأداء الشاة وربما يكون سد الخلة بأداء القيمة أظهر ولا نقول بان الواجب
حق الفقير ولكن الواجب حق الله تعالى خالصا ولكنه مصروف إلى الفقير ليكون كفاية
له من الله تعالى عما وعدله من الرزق فكان المعتبر في حق الفقير أنه محل صالح لكفايته له
فكان هذا نظير الجزية فإنها وجبت لكفاية المقاتلة فكان المعتبر في حقهم أنه محل صالح لكفايتهم
حتى تتأدى بالقيمة بخلاف الهدايا والضحايا فان المستحق فيها إراقة الدم حتى لو هلك بعد الذبح
قبل التصدق به لم يلزمه شئ وإراقة الدم ليس بمتقوم ولا معقول المعنى والسجود على الخد
والذقن ليس بقربة أصلا حتى لا يتنفل به ولا يصار إليه عند العجز وما ليس بقربة لا يقام مقام
القربة فاما التصدق بالقيمة فقربة وفيه سد خلة الفقير فيحصل به ما هو المقصود *
(الفصل الرابع) ان ظاهر ما ذكر في الكتاب يدل على أن الخيار في هذه الأشياء إلى
المصدق يعين أيها شاء وليس كذلك بل الخيار إلى صاحب المال ان شاء أدى القيمة وان
شاء أدى سنا دون الواجب وفضل القيمة وان شاء أدى سنا فوق الواجب واسترد فضل القيمة
حتى إذا عين شيئا فليس للساعي أن يأبى ذلك لان صاحب الشرع اعتبر التيسير على أرباب
الأموال وإنما يتحقق ذلك إذا كان الخيار لصاحب المال (قال) وليس في الحملان والفصلان
والعجاجيل زكاة في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى
يجب فيها واحدة منها وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى وقال زفر رحمه الله تعالى يجب فيها
ما يجب في المسان وهو قول مالك رحمه الله تعالى وذكر الطحاوي في اختلاف العلماء
عن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال دخلت على أبي حنيفة رحمه الله تعالى فقلت ما تقول
فيمن ملك أربعين حملا فقال فيها شاة مسنة فقلت ربما تأتي قيمة الشاة على أكثرها أو
157

على جميعها فتأمل ساعة ثم قال لا ولكن تؤخذ واحدة منها فقلت أو يؤخذ الحمل في الزكاة
فتأمل ساعة ثم قال إذا لا يجب فيها شئ فأخذ بقوله الأول زفر رحمه الله تعالى وبقوله الثاني
أبو يوسف وبقوله الثالث محمد رحمه الله تعالى وعد هذا من مناقبه حيث تكلم في مسألة في مجلس
بثلاثة أقوال فلم يضع شئ منها فاما زفر رحمه الله تعالى فاستدل بقوله صلى الله عليه وسلم في
خمس من الإبل السائمة شاة وهذا اسم جنس يتناول الصغار والكبار كاسم الآدمي ولان
بالاجماع لو كانت واحدة منها بنت مخاض تجب شاة فيها ولا تجب الشاة في تلك الواحدة بل
في الكل فإذا جاز ايجاب أربعة أخماس شاة باعتبار أربعة من الفصلان جاز ايجاب الشاة باعتبار
خمس من الفصلان وهذا لان زيادة السن عفو لأرباب الأموال لا يزداد بها الواجب فكذلك
نقصان السن عفو في حق الفقراء لا ينتقص به الواجب (وحجتنا) قوله صلى الله عليه وسلم
إياكم وكرائم أموال الناس وقال لا تأخذوا من حزرات (1) أموال الناس شيئا وايجاب المسنة
في الصغار يؤدي إلى هذا ثم ربما تكون قيمة المسنة آتية على أكثر النصاب والواجب قليل من
الكثير فأخذ المسنة من الصغار فيه إجحاف بأرباب الأموال بخلاف ما إذا كانت الواحدة
مسنة فإنه هو الأصل والصغار تبع له وقد ثبت الحكم في المحل تبعا وان كأن لا يجوز أثباته
مقصودا كالشرب والطريق في البيع وأبو يوسف رحمه الله تعالى استدل بحديث أبي بكر
رضى الله تعالى عنه قال لو منعوني عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقاتلتهم عليه فدل أن للعناق مدخلا في الزكاة ولا يكون ذلك الا من الصغار ثم اعتبر نقصان
العين بنقصان الوصف فان كل واحد منهما ينقص المالية ولا يعدمها ونقصان الوصف لا يسقط
الزكاة أصلا حتى أن في العجاف والمهازيل تجب الزكاة من جنسها فكذلك نقصان السن *
ولنا حديث سويد بن غفلة قال أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته فسمعته
يقول في عهدي أن لا آخذ من راضع اللبن شيئا وقال عمر رضي الله تعالى عنه للساعي عد
عليهم السخلة ولو جاء بها الراعي يحملها على كتفه ولا تأخذها منهم فقد نهى عن أخذ الصغار
عند الاختلاط والمعنى فيه أن هذا حق الله تعالى تعلق بأسنان معلومة فلا مدخل للصغار فيها
مقصودا كالهدايا والضحايا وهذا لان الأسنان التي اعتبرها صاحب الشرع لا تؤخذ في

(1) هو بفتحات جمع حزرة بالحاء المهملة وتقديم الزاي المنقوطة على الراء في اللغة المشهورة ذكره ابن
الأثير في النهاية وحرزة المال حيازه وفي ديوان الأدب وهو في الأصل كأنه الشئ المحبوب للنفس اه‍ مصححه
158

الصغار وبه فارق العجاف فان تلك الأسنان تؤخذ فيها مع العجف وصاحب الشرع اعتبر السن
في المأخوذ وحديث أبي بكر رضى الله تعالى عنه محمول على أنه قال ذلك على سبيل المبالغة
والتمسك ألا ترى أنه قال في بعض الروايات والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه وهذا لا يدل على أن للعقال مدخلا في الزكاة ثم اختلفت
الروايات عن أبي يوسف في الفصلان فروى محمد عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى أنه
لا يجب فيها الزكاة حتى تبلغ عددا لو كانت كبارا تجب فيها الواحدة وذلك بان تبلغ خمسا
وعشرين ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ ستا وسبعين فحينئذ يجب ثنتان منها إلى مائة
وخمس وأربعين فحينئذ يجب ثلاث منها قال محمد رحمه الله تعالى وهذا غير صحيح فان
رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب في خمس وعشرين واحدة من مال اعتبر قبله أربعة
نصب وأوجب في ست وسبعين ثنتين في موضع اعتبر ثلاثة نصب بينها وبين خمس
وعشرين ففي المال الذي لا يمكن اعتبار هذه النصب ولو أوجبنا كان بالرأي لا بالنص وجه
قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ان تعيين الواجب بالنص كان باعتبار العدد والسن وقد تعذر
اعتبار أحدهما وهو السن في الفصلان فبقي الآخر وهو العدد معتبرا وروى الحسن بن أبي
مالك عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى قال يجب في خمس فصلان الأقل من واحد منها ومن شاة
وفى العشر الأقل من واحد منها ومن شاتين وفى الخمسة عشر الأقل من واحد منها ومن
ثلاث شياه وفى العشرين الأقل من واحد منها ومن أربع شياه وفى خمس وعشرين واحدة
ووجهه ان في الكبار الواجب في الخمس شاة للتيسير حتى لو أدى واحدة منها جاز
وكذلك ما بعدها إلى خمس وعشرين فكذلك في الصغار يؤخذ على ذلك القياس وروى ابن
سماعة عن أبي يوسف في الخمس خمس فصيل وفي العشر خمسا فصيل وهكذا إلى خمس
وعشرين فكأنه اعتبر البعض بالجملة في هذه الرواية وكثير من أصحابنا رحمهم الله تعالى
خرجوا قول أبى يوسف رحمه الله تعالى في هذه المسألة على قياس ما ذكر محمد رحمه الله
تعالى في الزيادات في زكاة المهازيل فقالوا إذا ملك خمسا من الفصلان نظر إلى قيمة بنت مخاض
والشاة فإن كان قيمة بنت المخاض خمسين وقيمة الشاة عشرة فنقول لو كانت الواحدة
بنت المخاض لكان يجب فيها شاة تساوى عشرة وذلك بمعنى خمس قيمة بنت المخاض ثم ينظر
إلى قيمة أفضلهن فإن كانت عشرين يجب فيها شاة تساوى أربعة دراهم ليكون بمعنى خمس
159

أفضلهن فهذا هو الايجاب في الصغار على قياس الايجاب في الكبار. وإذا كان على
صاحب السائمة دين يحيط بقيمتها فلا زكاة عليه فيها عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى
تجب الزكاة لان وجوب الزكاة باعتبار ملك النصاب الكامل النامي والمديون مالك لذلك
فان دين الحر الصحيح يجب في ذمته لا تعلق له بماله ولهذا مالك التصرف فيه كيف
شاء وصفة النماء بالإسامة ولم ينعدم ذلك بسبب الدين ثم الدين مع الزكاة حقان اختلفا محلا
ومستحقا وسببا فوجوب أحدهما لا يمنع وجوب الآخر كالدين مع العشر (ولنا) حديث
عثمان رضي الله عنه حيث قال في خطبته في رمضان الا ان شهر زكاتكم قد حضر فمن
كان له مال وعليه دين فليحتسب ماله بما عليه ثم ليزك بقية ماله ولم ينكر عليه أحد من
الصحابة رضي الله عنهم فكان اجماعا منهم على أنه لا زكاة في القدر المشغول بالدين ثم
المديون فقير ولهذا تحل له الصدقة مع تمكنه من ماله والصدقة لا تحل لغنى ولا تجب الا
على الغنى. قال صلى الله عليه وسلم لا صدقة إلا عن ظهر غنى وهذا لان الواجب اغناء المحتاج
والخطاب بالاغناء لا يتوجه الا على الغنى ومن كان مستحقا للمواساة شرعا لا يلزمه أن يواسى
غيره والشرع لا يرد بما لا يفيد ولا فائدة في أن يأخذ شاة من سائمة الغير صدقة ويعطى
شاة من سائمته ولان ملكه في النصاب ناقص فان صاحب الدين يستحقه عليه من غير
قضاء ولا رضا وذلك أنه عدم الملك كما في الوديعة والمغصوب فلأن يكون دليل نقصان الملك
كان أولى وقد جعل مال المديون في حكم الزكاة كالمملوك لصاحب الدين حيث يجب عليه
الزكاة بسببه ومحمد رحمه الله تعالى أشار في الكتاب إلى هذا وقال ايجاب الزكاة في مال المديون
يؤدى إلى تزكية مال واحد في حول واحد مرارا. بيانه فيمن له عبد للتجارة يساوي ألف
درهم باعه بألف نسيئة ثم باعه المشترى من آخر حتى تداولته عشر من الأبدي فعنده يجب
على كل واحد منهم زكاة الألف إذا تم الحول والمال في الحقيقة ليس إلا العبد حتى إذا أقيلت
البيوع رجل العبد إلى الأول ولم يبق لاحد سواه شئ وروى ابن المبارك عن أبي حنيفة رحمه
الله تعالى ان الدين يمنع وجوب العشر وبعد التسليم فالعشر مؤنة الأرض النامية كالخراج
لا معتبر فيه بغني المالك فان أصل المالك فيه غير معتبر عندنا حتى يجب في الأرض الموقوفة
وأرض المكاتب بخلاف الزكاة فان وجوبها في المال النامي بواسطة غنى المالك وذلك ينعدم
بسبب الدين فان لحقه دين في خلال الحول قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا ينقطع به الحول
160

حتى إذا سقط قبل تمام الحول تلزمه الزكاة إذا تم الحول وقال زفر رحمه الله تعالى ينقطع
الحول بلحوق الدين وهذا لان الدين يعدم صفة الغنى في المالك فيكون نظير نقصان النصاب
وعند زفر رحمه الله تعالى بنقصان النصاب في خلال الحول ينقطع الحول وعندنا لا ينقطع
على ما نبين فهذا مثله (قال) فان حضر المصدق فقال لم يحل الحول على السائمة أو قال على
دين يحيط بقيمتها أو قال ليست هذه السائمة لي وحلف صدق على جميع ذلك لأنه أمين فيما
يجب عليه من الزكاة فإنها عبادة خالصة لله تعالى وكل أمين مقبول القول في العبادات
التي تجب لحق الله تعالى فإذا أنكر وجوب الزكاة عليه بما ذكر من الأسباب وجب
على الساعي تصديقه ولكن يحلفه على ذلك الا في رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى
قال لا يمين عليه لان في العبادات لا يتوجه اليمين كما لو قال صمت أو صليت يصدق في
ذلك من غير يمين وفى ظاهر الرواية قال القول قول الأمين مع اليمين وفى سائر العبادات
إنما لا يتوجه اليمين لأنه ليس هناك من يكذبه وهنا الساعي مكذب له فيما يخبر به فلهذا
يحلف على ذلك (قال) وان قال أخذها منى مصدق آخر وحلف على ذلك فإن لم يكن
في تلك السنة مصدق آخر لا يقبل قوله لان الأمين إذا أخبر بما هو محتمل كان مصدقا وإذا
أخبر بما هو مستنكر لم يكن مصدقا وهذا أخبر بما هو مستنكر وإن كان في تلك
السنة مصدق آخر فالقول قوله أتى بالبراءة أولم يأت بها هكذا ذكره في المختصر وهو
رواية الجامع الصغير وفى كتاب الزكاة يقول وجاء بالبراءة وفيه إشارة إلى أن المجئ
بالبراءة شرط لتصديقه وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى وجهه
أنه أخبر بخبر ولصدقه علامة فان العادة ان المصدق إذا أخذ الصدقة دفع البراءة فان
وافقته تلك العلامة قبل خبره وإلا فلا كالمرأة التي أخبرت بالولادة فان شهدت القابلة بها
قبلت وإلا فلا ووجه الرواية الآخرى وهو أصح أن البراءة خط والخط يشبه الخط
وقد لا يأخذ صاحب السائمة البراءة غفلة منه وقد تضل البراءة منه بعد الاخذ فلا يمكن أن
تجعل حكما فبقي المعتبر قوله مع يمينه (قال) فان قال دفعتها إلى المساكين لم يصدق
وتؤخذ منه الزكاة عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يصدق في ذلك لان الزكاة إنما
وجبت لحق الفقراء قال الله تعالى إنما الصدقات للفقراء وقال وفى أموالهم حق معلوم
للسائل والمحروم فإذا أوصل الحق إلى المستحق والمستحق من أهل أخذ حقه برئت ذمته
161

كالمشترى من الوكيل إذا أقبض الموكل الثمن وهذا لان الساعي يقبض ليصرف إلى الفقراء
فهو كفى الساعي هذه المؤنة وأوصلها إلى محلها فلم يبق عليه سبيل (ولنا) ان هذا حق مالي
يستوفيه الامام بولاية شرعية فلا يملك من عليه اسقاط حقه في الاستيفاء كمن عليه
الجزية إذا صرف بنفسه إلى المقاتلة ثم تقرير هذا الكلام من وجهين أحدهما ان الزكاة محض
حق الله تعالى فإنما يستوفيه من يعين نائبا في استيفاء حقوق الله تعالى وهو الامام فلا تبرأ
ذمته الا بالصرف إليه وعلى هذا نقول وان علم صدقه فيما يقول يؤخذ منه ثانيا ولا يبرأ بالأداء
إلى الفقير فيما بينه وبين ربه وهو اختيار بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى أن للامام رأيا في
اختيار المصرف فلا يكون له ان يبطل رأى الامام بالأداء بنفسه. والطريق الآخر أن الساعي
عامل للفقير وفى المأخوذ حق الفقير ولكنه مولى عليه في هذا الاخذ حتى لا يملك المطالبة
بنفسه ولا يجب الأداء بطلبه فيكون بمنزلة دين لصغير دفعه المديون إليه دون الوصي وعلى
هذا الطريق يقول يبرأ بالأداء فيما بينه وبين ربه وظاهر قوله في الكتاب لم يصدق في ذلك
إشارة إلى ذلك وهو أنه إذا علم صدقه لم يتعرض له وهذا لان الفقير من أهل أن يقبض حقه
ولكن لا يجب الايفاء بطلبه فجعل الساعي نائبا عنه كان نظرا من الشرع له فإذا أدى من عليه
من غير مطالبة إليه حصل به ما هو المقصود بخلاف الصبي فإنه ليس من أهل أن يقبض
حقه فلا يبرأ بالدفع إليه (قال) ولا زكاة على الصبي والمجنون في سائمتهما عندنا وهو قول
على وابن عباس رضى الله تعالى عنهما قالا لا تجب الزكاة على الصبي حتى تجب الصلاة عليه
وعند الشافعي رحمه الله تعالى تجب الزكاة في مالهما ويؤديها الولي وهو قول ابن عمر وعائشة
رحمهما الله تعالى وكان ابن مسعود رحمه الله تعالى يقول يحصى الولي أعوام اليتم فإذا بلغ أخبره
وهو إشارة إلى أنه تجب عليه الزكاة وليس للولي ولاية الأداء وهو قول ابن أبي ليلى
رحمه الله تعالى حتى قال إذا أداه الوالي من ماله ضمن واستدل الشافعي رحمه الله تعالى بقوله
صلى الله عليه وسلم ابتغوا في أموال اليتامى خيرا كيلا تأكلها الصدقة أو قال تأكلها الزكاة
وذلك دليل وجوب الزكاة في ماله. والمعنى ان هذا حق مالي مستحق يصرف إلى أهل
السهمان شرعا فالصغر لا يمنع وجوبه كالعشر وصدقة الفطر وبالصرف إلى أهل السهمان يتبين
أنه حق مستحق لهم والصغر لا يمنع وجوب حق العباد وإن كان بطريق الصلة كالنفقة
ولا فرق بينهما فالنفقة صلة وجبت للمحاويج الماسين له في القرابة والزكاة صلة للمحاويج
162

الماسين له في الملة فإذا ثبت الوجوب كان للولي ولاية الأداء من ماله لان هذا مما تجرى فيه
النيابة في أدائه حتى أن بعد البلوغ يتأدى بأداء وكيله والولي نائب عن الصبي وبه فارق العبادات
البدنية فلا تجرى فيه النيابة في أدائها (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاث عن
الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى ينتبه وعن المجنون حتى يفيق وفى ايجاب الزكاة عليه اجراء القلم
عليه فان الوجوب يختص بالذمة ولا يجب في ذمة الولي فلا بد من القول بوجوبه على الصبي
وفيه يوجد الخطاب عليه والمراد بقوله كيلا تأكلها الصدقة أي النفقة الا ترى أنه أضاف الأكل
إلى جميع المال والنفقة هي التي تأتي على جميع المال دون الزكاة والمعنى فيه أنها عبادة محضة فلا
تجب على الصبي كسائر العبادات وتفسير الوصف أنها أحد أركان الدين والمقصود من أصل
الدين معنى العبادة فكذلك ما هو من أركان الدين وهذا لان المتصدق يجعل ماله لله تعالى ثم
يصرفه إلى الفقير ليكون كفاية له من الله تعالى قال الله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن
عباده ويأخذ الصدقات وقال من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ويجعل المال له خالصا
يكون عبادة خالصة ولهذا يحصل به التطهير وبه تبين انه ليس فيه حق العباد لان الشركة تنافى
معنى العبادة وإذا ثبت انه عبادة فلا بد فيه من نية وعزيمة ممن هي عليه عند الأداء وولاية الولي
على الصبي نثبت من غير اختياره شرعا ومثل هذه الولاية لا تتأدى بها العبادة بخلاف ما إذا وكل
بالأداء بعد البلوغ فتلك نيابة عن اختيار وقد وجدت النية والعزيمة منه وبه فارق صدقة الفطر
فان وجوبها لمعني المؤنة حتى تجب على الغير بسبب الغير وفيه حق للأب فانا لو لم نوجب
في ماله احتجنا إلى الايجاب على الأب كما إذا لم يكن للصبي مال بخلاف الزكاة وبه فارق
العشر فإنه مؤنة الأرض النامية كالخراج وكذلك النفقة وجوبها لحق العبد بطريق المؤنة
بخلاف الزكاة * ثم المجنون الأصلي لا ينعقد الحول على ماله حتى يفيق فإن كان جنونه طارئا
فقد ذكر هشام في نوادره أن على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى العبرة لأكثر الحول فإن كان
مفيقا في أكثر الحول تجب الزكاة وإلا فلا وجعل هذا نظير الجزية فان الذمي
إذا مرض في بعض السنة فإن كان صحيحا في أكثر السنة تلزمه الجزية وإن كان مريضا
في أكثر السنة لم تلزمه الجزية. وقال محمد رحمه الله تعالى إن كان مفيقا في جزء من السنة
في أوله أو آخره قل أو كثر تلزمه الزكاة هكذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما
الله تعالى وجعل هذا نظير الصوم فالسنة للزكاة كالشهر للصوم والإفاقة في جزء من الشهر
163

كالإفاقة في جميعه في وجوب صوم جميع الشهر فهذا كذلك وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة
رحمه الله تعالى أن المجنون إذا أفاق ينعقد الحول على ماله ولكن المراد بهذا المجنون المجنون
الأصلي فقد ذكر بعده في كتاب الحسن رحمه الله تعالى إذا اعترض جنونه إن كان مفيقا
في جزء من آخر السنة تلزمه الزكاة وان تم الحول وهو مجنون فقد انقطع حكم ذلك الحول
ففي هذه الرواية اعتبر الإفاقة في آخر السنة لان الوجوب عندها يكون (قال) ولا زكاة
على المكاتب في كسبه لأنه مصرف للزكاة بقوله تعالى وفى الرقاب ولأنه ليس بغنى بكسبه
فإنه لا يملك كسبه حقيقة لان الرق المنافى للملك موجود فيه وبدون الملك لا تثبت صفة
الغنى والمال النامي سبب لوجوب الزكاة بواسطة غنى المالك فبدون هذه الواسطة لا يكون
سببا كشراء القريب إعتاق بواسطة الملك وبدونه لا يكون إعتاقا وهو ما إذا اشتراه لغيره
وأما العبد المأذون فإن كان عليه دين محيط بكسبه فلا زكاة فيه على أحد عند أبي حنيفة
رحمه الله تعالى لان المولى لا يملك كسبه وكذلك عندهما لان المولى وإن كان يملك كسبه فهو
مشغول بالدين والمال المشغول بالدين لا يكون نصاب الزكاة وإن لم يكن عليه دين فكسبه
لمولاه وعلى المولى فيه الزكاة إذا تم الحول (قال) وإذا كان عند الرجل من السائمة
مقدار ما يجب فيه الزكاة فاستفاد من ذلك الجنس في خلال الحول بشراء أو هبة أو ميراث
ضمها إلى ما عنده وزكاها كلها عند تمام الحول عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يعتبر للمستفاد
حول جديد من حين ملكه فإذا تم الحول وجبت فيه الزكاة سواء كان نصابا أو لم يكن
(وحجته) قوله صلى الله عليه وسلم لا زكاة في مال حتى يحول فيه الحول والمراد الحول المعهود
وهو اثنا عشر شهرا والمعنى فيه أن المستفاد أصل في الملك لأنه أصل في سببه فيكون أصلا
باعتبار الحول فيه كالمستفاد من خلاف الجنس بخلاف الأولاد والأرباح فإنها متولدة من
العين فيسرى إليها حكم العين وإنما لم يعتبر فيه النصاب لان اعتبار النصاب ليحصل الغنى به
للمالك وذلك حاصل بالنصاب الأول فبالزيادة بعده يزداد الغنى وذلك حاصل بالقليل
والكثير واعتبار الحول لحصول النماء من المال حتى ينجبر بالنماء النقصان الحاصل بأداء الزكاة
والمستفاد من هذا كأصل المال (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم اعلموا أن من السنة شهرا
تؤدون فيه زكاة أموالكم فما حدث بعد ذلك من مال فلا زكاة فيه حتى يجئ رأس السنة
فهذا يقتضى ان عند مجئ رأس السنة تجب الزكاة في الحادث كما تجب في الأصل وان وقت
164

الوجوب فيهما واحد ثم الضم في خلال الحول بالعلة التي بها يضم في ابتداء الحول فضم
بعض المال إلى البعض في ابتداء الحول باعتبار المجانسة دون التوالد فكذلك في خلال الحول
ولو كان هذا مما يسرى بعلة التوالد لكان الأولى أن يسرى إلى الحادث بعد الحول لتقرر
الزكاة في الأصل ثم ما بعد النصاب الأول بناء على النصاب الأول وتبع له حتى يسقط اشتراط
النصاب فيه فكذلك يسقط اعتبار الحول فيه ويجعل حؤول الحول على الأصل حؤولا على
التبع وتحريره ان كل مال لا يعتبر فيه كمال النصاب لايجاب حق الله عز وجل لا يعتبر فيه
الحول كالمستخرج من المعادن واما الحديث قلنا حؤول الحول عبارة عن آخر جزء منه وقد
حال ذلك على المستفاد إذ حؤول الحول على الأصل يكون حؤولا على التبع معنى فإن كان إنما
استفادها بعد تمام الحول فلا زكاة فيها لانعدام حؤول آخر جزء من الحول عليها وان كانت
الفائدة من غير جنس ما عنده من السائمة لم يضمها إلى ما عنده لأنها لو كانت موجودة
في أول الحول لم يضمها إلى ما عنده فكذلك إذا وجدت في خلال الحول كما لو كانت الفائدة
من غير السائمة (قال) وإذا لم تكن الإبل أو البقر أو الغنم سائمة فلا زكاة فيها وذلك كالحوامل
والعوامل وقال مالك رحمه الله تعالى فيها الزكاة لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في خمس من
الإبل شاة ثم وجوب الزكاة باعتبار الملك والمالية شكرا لنعمة المال وذلك لا ينعدم بالاستعمال
بل يزداد الانتفاع بالمال بالاستعمال (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم في خمس من الإبل السائمة
شاة والصفة متى قرنت بالاسم العلم تنزل منزلة العلم لايجاب الحكم والمطلق في هذا الباب
بمنزلة المقيد لأنهما في حادثة واحدة وحكم واحد وعن أبن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال ليس في الحوامل والعوامل صدقة وفى الحديث المعروف ان النبي صلى
الله عليه وسلم قال ليس في الجبهة ولا في النخة ولا في الكسعة صدقة وفسر عبد الوارث
ابن سعيد الجبهة بالخيل والنخة بالإبل العوامل وقال الكسائي رحمه الله تعالى النخة بضم
النون وفسرها بالبقر العوامل وقال أبو عمرو غلام ثعلب هو من النخ وهو السوق الشديد
وذلك أنما يكون في العوامل ثم مال الزكاة ما يطلب النماء من عينه لامن منافعه ألا ترى
إلى دار السكنى وعبد الخدمة لا زكاة فيهما والعوامل إنما يطلب النماء من منافعها وكذلك أن
كان يمسكها للعلف في مصر أو غير مصر فلا زكاة فيها لان المؤنة تعظم على صاحبها ووجوب
الزكاة في السائمة باعتبار خفة المؤنة فلا تجب عند كثرة المؤنة لان لخفة المؤنة تأثيرا في
165

ايجاب حق الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم ما سقته السماء ففيه العشر وما سقى بغرب
أو دالية ففيه نصف العشر وإن كان يسيمها في بعض السنة ويعلفها في بعض السنة فالعبرة
لأكثر السنة لان أصحاب السوائم لا يجدون بدا من أن يعفوا سوائمهم في زمان البرد
والثلج فجلعنا الأقل تابعا للأكثر وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان علفها بقدر ما يتبين فيه مؤنة
علفه أكثر مما كانت سائمة فلا زكاة فيها (قال) والصدقة واجبة في ذكر ان السوائم
وإناثها لان النصوص جاءت باسم الإبل والبقر والغنم وذلك يتناول الذكور والإناث ثم طلب
النماء من العين متحقق في كل نوع اما من الأولاد إذا كن إناثا بان يستعار لها فحل أو من
السمن إذا كانوا ذكورا فإنها مأكولة اللحم (قال) وإذا باع السائمة قبل الحول بيوم بجنسها
أو بخلاف جنسها انقطع الحول عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى إذا باعها بخلاف جنسها
فكذلك وإذا باعها بجنسها لم ينقطع الحول وقال الشافعي رحمه الله تعالى في القديم سواء باعها
بجنسها أو بخلاف جنسها لم ينقطع الحول لان الحكم الثابت في الأصل وهو غنى المالك به
يبقى ببقاء البدل وقاسه بعروض التجارة وزفر رحمه الله يقول إذا باعها بجنسها فحكم الزكاة في
البدل لا يخالف حكم الزكاة في الأصل وإذا باعها بخلاف جنسها فحكم الزكاة في البدل يخالف
حكم الزكاة في الأصل ولا يمكن ابقاء ما كان ثابتا ببقاء البدل فوجب القول بالاستئناف
ألا ترى ان في ابتداء الحول يضم الجنس إلى الجنس ولا يضم إلى خلاف الجنس فكذلك
في أثناء الحول ينبني عند المجانسة ويستقل عند اختلاف الجنس (ولنا) ان وجوب الزكاة
في السائمة باعتبار العين حتى يعتبر نصابه من العين والنماء فيه مطلوب من العين والعين الثاني
غير الأول بخلاف مال التجارة فان المعتبر فيه صفة المالية دون العين حتى يعتبر النصاب من
قيمته ثم الاستبدال يحقق ما هو المقصود من مال التجارة وهو الاسترباح ويضاد ما هو
المقصود بالسائمة لان مقصود أصحاب السوائم استبقاؤها في ملكهم عادة وذلك ينعدم
بالاستبدال فيكون نظير ترك الإسامة فيها وكذلك أن باعها بدراهم يريد به الفرار من الصدقة
أولا يريد به ذلك فلا زكاة عليه الا بحول جديد ولم يبين في الكتاب انه هل يكره له هذا
الصنيع فعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يكره وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يكره وهو
نظير اختلافهم في الاحتيال لا بطال الشفعة ولا سقاط الاستبراء محمد رحمه الله تعالى يقول
الزكاة عبادة محضة والفرار من العبادة ليس من أخلاق المؤمنين وأبو يوسف رحمه الله تعالى
166

يقول هذا امتناع من التزام الحق مخافة أن لا يخرج منه إذا التزمه فلا يكون مكروها كمن
امتنع من جمع المال حتى لا يلزمه حج أو زكاة وهذا لان المذموم منع الحق الواجب وليس
في هذا الاستبدال من منع الحق الواجب شئ (قال) وان حال الحول على سائمته وعنده
نصاب من الدراهم فزكى السائمة ثم باعها بدراهم ثم تم الحول على الدراهم التي كانت عنده لم يزك
معها أثمان الإبل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ويزكيها في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما
الله تعالى قالا الضم لعلة المجانسة وهي موجودة في ثمن الإبل السائمة وأداء الصدقة عن أصله
لا يمنع ضم الثمن إلى ما عنده كمن أدى صدقة الفطر عن عبد الخدمة ثم باعه بدراهم أو أدى
عشر الطعام عن الخارج من أرضه ثم باعه بدراهم أو جعل السائمة علوفة بعد أداء الزكاة
عنها ثم باعها بدراهم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بقوله صلى الله عليه وسلم لا ثنا في
الصدقة غير ممدود وإيجاب الزكاة في ثمن السائمة في هذا الحول بعد ما أدى الزكاة عن أصلها
يؤدى إلى الثنا في الصدقة ولان وجوب الزكاة باعتبار صفة المالية وإنما يبقى بالثمن المالية التي
كانت له بملك الأصل إلا أن يتجدد له ملك المالية وإنما يتجدد له بالبيع ملك العين والعين بدون صفة
المالية لا زكاة فيها ثم زيادة الزكاة باعتبار زيادة الغنى ولم يستفد ذلك بالبيع لأنه كان غنيا
بأصل هذا المال حقيقة وشرعا بخلاف المستفاد بهبة أو وراثة فقد استفاد به زيادة الغني وبخلاف
أداء صدقة الفطر عن عبد الخدمة فالمالية غير معتبرة فيه حتى تجب عن الحر والعبد المستغرق
بالدين وان كانت مالية مستحقة بخلاف الزكاة ولا معتبر للحول فيه حتى لو ملك عبدا
ليلة الفطر أدى عنه صدقة الفطر والعشر كذلك لا معتبر بالحول فيه ووجوبه ليس باعتبار
المالية بل هو مؤنة الأرض النامية ثم هو لم يكن غنيا بما عنده من الطعام حتى إذا بقي في
ملكه أحوالا لا شئ فيه فالبيع أفاده الغنى شرعا وكذلك السائمة إذا جعلها علوفة فقد
خرج من أن يكون غنيا بها شرعا فبالبيع استفاد صفة الغنى فهو والمستفاد بالهبة سواء بخلاف
ما نحن فيه على ما بينا (قال) وإذا قتل الرجل فقضى على عاقلة القاتل لولده بالدية
من الإبل ثم قبضها بعد الحول فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول من حين يقبضها لان
وجوب الزكاة في الإبل بصفة الإسامة وما يكون في الذمة لا يكون سائمة ولان الدية
على العاقلة ليست بدين على الحقيقة حتى لا يستوفى من تركة من مات منهم فالملك للوارث
يحصل بالقبض حقيقة وكذلك لو تزوج امرأة على إبل بغير أعيانها لم يكن عليها فيها زكاة
167

حتى يحول الحول بعد القبض لما بينا ان ما في الذمة لا يكون سائمة فان تزوجها على إبل
سائمة بأعيانها وحال الحول وهي في يد الزوج كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أولا
إذا قبضت منها نصابا كاملا فعليها الزكاة لما مضى ثم رجع وقال لا زكاة عليها حتى يحول
عليها الحول بعد القبض * وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا قبضت منها شيئا
يلزمها أداء الزكاة بقدر المقبوض لما مضي سواء كان نصابا أو دونه وجه قولهما انها
بالعقد ملكت الصداق ملكا تاما بدليل انها تملك التصرف فيه على الاطلاق وإنما انعدم
اليد وذلك غير مانع من انعقاد الحول ووجوب الزكاة فيه كالمبيع قبل القبض والمغصوب
إذا كان الغاصب مقرا وجه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى انها ملكت المالية ابتداء بعقد
النكاح فلا يتم ملكها فيه الا بالقبض كالدية على العاقلة بخلاف المبيع فان ملك المالية لا يثبت
ابتداء بالبيع بل يتحول من أصل كان مالا إلى بدله وهذا لان وجوب الزكاة في السائمة
باعتبار معنى النماء وقبل القبض الحكم متردد بين أن يسلم لها بالقبض أو يتنصف بالطلاق
قبل الدخول بخلاف ما بعد القبض ولهذا لو مر يوم الفطر على العبد المجعول صداقا ثم طلقها
قبل الدخول لم يكن عليها صدقة الفطر بخلاف ما بعد القبض فصار الحاصل أن بالعقد يحصل
أصل الملك وتمام ما هو المقصود لا يحصل الا بالقبض وصيرورته نصاب الزكاة ينبنى على تمام
المقصود لا على حصول أصل الملك بخلاف التصرف فان نفوذه ينبنى على ثبوت أصل الملك
وقد روى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى في المبيع قبل القبض انه لا يكون نصاب الزكاة
لان الملك فيه غير نام حتى لا يملك التصرف فيه ثم وجه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
الأول أن الصدق بمنزلة مال البدل فان أصله لم يكن مال الزكاة ومن أصله أن مال
البدل تجب فيه الزكاة ولا يلزمه الأداء حتى يقبض نصابا تاما على ما بيناه ولكنه رجع عن
هذا فقال هناك أصله كان مالا وهذا أصله وهو ملك النكاح لم يكن مالا متقوما والصداق
جعل صلة من وجه فلا يتم ملكها المال الا بالقبض. فان طلقها الزوج قبل الدخول بها والصداق
خمس من الإبل فليس عليها زكاة في نصيبها في قول أبي حنيفة لأنه دون النصاب ولو كان
عشرا كان عليها الزكاة في نصيبها في قوله الأول وفي قوله الآخر لا زكاة عليها في الوجهين
وعلى قولهما يلزمها زكاة نصيبها في الوجهين (قال) رجل له إبل سائمة فأراد أن يستعملها
أو يعلفها فلم يفعل ذلك حتى حال عليه الحول فعليه زكاة السائمة لأنها كانت سائمة في جميع
168

الحول وما نوى كان حديث النفس وقال صلى الله عليه وسلم ان الله تجاوز لامتي عما حدثوا
به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا ثم الاستعمال فعل وذلك لا يحصل بالنية ما لم يفعل ألا ترى
أن من نوى في عبد الخدمة أن يكون للتجارة لا يصير للتجارة ما لم يتجر فيه بخلاف ما إذا
كان للتجارة فنواه للخدمة لأنه نوى ترك التجارة وهو تارك لها فاقترنت النية بالعمل
وهو نظير الكافر ينوى الاسلام لا يصير مسلما ما لم يأت بكلمة الشهادة والمسلم لو نوى أن
يكفر والعياذ بالله صار كافرا بنيته ترك الاسلام (قال) رجل له عشر من الإبل السائمة
فحال عليها حولان فعليه للسنة الأولى شاتان وللسنة الثانية شاة ولم يبين في الكتاب أنه
هل يأثم بما صنع فكان أبو الحسن الكرخي رحمه الله تعالى يقول هو آثم بتأخير الأداء بعد
الوجوب وهكذا ذكره في المنتقى. وروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه قال من أخر أداء
الزكاة من غير عذر لم تقبل شهادته وفرق محمد رحمه الله تعالى على مذهبه بين الزكاة والحج
فقال في الزكاة حق الفقراء وفي تأخير الأداء اضرار بهم ولا يسعه ذلك بخلاف الحج
وكان أبو عبد الله البلخي يقول يسعه التأخير في الزكاة لان الامر به مطلق عن الوقت
وهكذا رواه هشام عن أبي يوسف رحمه الله تعالى وفرق على قوله بين الزكاة وبين الحج وقال
أداء الحج يختص بوقت وفى التأخير عنه تفويت لأنه لا يدرى هل يبقى إلى السنة الثانية
أم لا وليس في تأخير الزكاة تفويت فكل وقت صالح لأدائها ثم على السنة الأولى وجب
عليه شاتان فانتقص بقدرهما من العشر فلا يلزمه في الثانية الا شاة وهذا عندنا وعلى قول
زفر رحمه الله تعالى يلزمه شاتان للسنة الثانية فان دين الزكاة عنده لا يمنع وجوب الزكاة قال
لأنه دين وجب لله تعالى كالنذور والكفارات والفقه فيه أنه ليس بدين على الحقيقة حتى يسقط
بموته قبل الأداء. وكان البلخي يفرق على أصل زفر رحمه الله تعالى بين دين الزكاة عن
الأموال الظاهرة والباطنة فقال في الأموال الظاهرة للساعي حق المطالبة بها فكان نظير
دين العباد بخلاف الأموال الباطنة وقيل لأبي يوسف رحمه الله تعالى ما حجتك على زفر
رحمه الله تعالى فقال ما حجتي على رجل يوجب في مائتي درهم أربعمائة درهم ومراده إذا ملك
مائتي درهم فحال عليها ثمانون حولا. ثم دين الزكاة عن الأموال الباطنة بمنزلته عن الأموال
الظاهرة فان المصدق كان يأخذ منها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده
رضي الله عنهما حتى فوض عثمان رضي الله عنه الأداء إلى أرباب الأموال لما خاف المشقة
169

والحرج في تفتيش الأموال عليهم من سعاة السوء فكان ذلك توكيلا منه لصاحب المال بالأداء
فنفذ توكيله لأنه كان عن نظر صحيح وقد تثبت المطالبة به للمصدق إذا مر بالمال عليه في
سفره فلهذا منع وجوب الزكاة وعن أبي يوسف رحمه الله أن دين الزكاة عن المال القائم يمنع
وجوب الزكاة وعن المال المستهلك لا يمنع وجوب الزكاة لان المال القائم يتصور ان يمر به
على العاشر حتى يثبت له حق الاخذ بخلاف المستهلك (قال) وان كانت الإبل خمسا
وعشرين فعليه للحول الأول بنت مخاض وللحول الثاني أربع شياه لما بينا (قال) رجل
له أربع وعشرون فصيلا ونافة مسنة فعليه فيها بنت مخاض لان الصغار تبع للمسنة تعد معها
كما قال صلى الله عليه وسلم وتعد صغارها وكبارها وهذا لان ما هو الواجب موجود
في ماله فإذا أوجبنا لم يخرج الواجب من أن يكون جزأ من النصاب بخلاف ما إذا كان
الكل صغارا. فإن كان له خمس وسبعون فصيلا وناقة مسنة فعلى قول أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله تعالى لا يجب الا تلك الواحدة لان الوجوب باعتبارها وعند أبي يوسف رحمه
الله تعالى يجب تلك الواحدة مع فصيل لأنه يوجب في الصغار منها وقد بينا هذا (قال)
رجل له إبل سائمة قد اشتراها للتجارة فعليه فيها زكاة التجارة عندنا. وقال الشافعي
رحمه الله تعالى فيها زكاة السائمة إلا أن لا يكون نصاب السائمة تاما فحينئذ عليه زكاة
التجارة إذا كانت القيمة نصابا ولا خلاف في أنه لا تلزمه الزكاتان جميعا لان وجوب كل
واحد منهما باعتبار صفة المالية ثم قال الشافعي رحمه الله تعالى زكاة السائمة أقوى لان وجوبها
باتفاق الأمة والنصوص الظاهرة والضعيف لا يعارض القوى فإذا أمكن ايجاب زكاة
السائمة لا تظهر زكاة التجارة وفى ترجيح زكاة السائمة منفعة للفقراء لان الساعي يأخذها
وزكاة التجارة مفوض أداؤها إلى من وجبت عليه وربما لا يؤدى وعلماؤنا رحمهم الله تعالى
قالوا إن بنية التجارة ينعدم ما هو المقصود بالسوم وما لأجله أوجب زكاة السائمة لان النماء
في السائمة مطلوب من عينها وذلك لا يحصل الا باستبقاء الملك فيها وبنية التجارة ينعدم هذا
فكانت سائمة صورة لا معنى وهو مال التجارة صورة ومعنى فترجح زكاة التجارة لهذا
وحق الاخذ ثابت للساعي سواء أوجب فيها زكاة السائمة أو زكاة التجارة فإنه مال ظاهر
يحتاج صاحبه إلى حماية الامام وثبوت حق الاخذ باعتبار الحاجة إلى الحماية بخلاف سائر
أموال التجارة حتى إذا احتاج إلى الحماية فيها بالمرور على العاشر كان له أن يأخذ الزكاة منها
170

(قال) وان كانت السائمة بين رجل مسلم عاقل وبين صبي أو مجنون أو كافر فعلى الرجل
المسلم العاقل زكاة نصيبه لو بلغ نصابا ولا شئ على الآخر لما بينا أن حالة الاختلاط معتبرة
بحالة الانفراد (قال) وإذا ذهب العدو بالسائمة أو غصبها غاصب ثم رجعت إلى صاحبها
بعد سنين فلا زكاة عليه لما مضى عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى كذلك في الذي
ذهب بها العدو لأنهم ملكوها بالاحراز وفى المغصوب المجحود تلزمه الزكاة لما مضى
إذا وصلت إلى يده. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يلزمه فيها الزكاة لما مضي إذا وصلت
إلى يده بناء على أصله أنهم لا يملكون أموالنا بالاحراز. وجه قولهما ان وجوب الزكاة في
السائمة باعتبار الملك دون اليد. ألا ترى أن ابن السبيل تلزمه الزكاة لما مضى إذا وصلت
يده إلى الأموال لقيام ملكه فيها فكذلك في المغصوب فان بالغصب تنعدم اليد بالمغصوب
منه دون الملك. وجه قولنا حديث على رضى الله تعالى عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم قال لا زكاة في مال الضمار ومعناه مال يتعذر الوصول إليه مع قيام
الملك من قولك بعير ضامر إذا كان نحيفا مع قيام الحياة فيه وان عمر بن عبد العزيز في خلافته
لما أمر برد أموال بيت المال على أصحابها قيل أفلا نأخذ منهم زكاتها لما مضى قال لا
فإنها كانت ضمارا والمعنى فيه أن وجوب الزكاة في السائمة كان باعتبار معنى النماء وقد
انسد على صاحبها طريق يحصل النماء منها بجحود الغاصب إياها فانعدم مالا جله كان نصاب
الزكاة بخلاف ابن السبيل فان النماء يحصل له بيد ثانية كما يحصل بيده فكان نصاب الزكاة
لهذا وكذلك الضالة وما سقط منه في البحر من مال التجارة إذا وصلت يده إليه بعد
الحول فليس عليه الزكاة لما مضي لان معنى المالية في النمو والانتفاع وذلك منعدم فكان
مستهلكا معنى وإن كان قائما صورة وكذلك الدين المجحود وأطلق الجواب فيه في الكتاب
وروى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى قال إن كان معلوما للقاضي فعليه الزكاة لما
مضى لتمكنه من الاخذ بعلم القاضي. وجه رواية الكتاب أنه لا زكاة عليه سواء كانت
له بينة أو لم تكن له بينة إذ ليس كل شاهد يعدل ولا كل قاض يعدل وفى المحاباة بين يديه
في الخصومة ذل فكان له أن لا يذل نفسه وكثير من أصحابنا رحمهم الله تعالى قالوا إذا كانت
له عليه بينة تلزمه الزكاة لما مضى لان التقصير جاء منه. وروي ابن سماعة عن أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله تعالى ان المديون إذا كان يقر معه سرا ويجحد في العلانية فليس عليه
171

الزكاة لما مضى إذا أخذه بمنزلة الجاحد سرا وعلانية (قال) وإذا كان النصاب كاملا في
أول الحول وآخره فالزكاة واجبة وان انتقص فيما بين ذلك وقتا طويلا ما لم ينقطع
أصله من يده ومال السائمة والتجارة فيه سواء عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى لا تلزمه
الزكاة إلا أن يكون النصاب من أول الحول إلى آخره كاملا وقال الشافعي رحمه الله تعالى
في السائمة كذلك وفى مال التجارة قال إنما يعتبر كمال النصاب في آخر الحول خاصة ولا يعتبر
في أوله. وجه قول زفر رحمه الله تعالى أن حولان الحول على المال شرط لوجوب
الزكاة وكل جزء من الحول بمنزلة أوله وآخره. ألا ترى أنه لو هلك جميع النصاب في
خلال الحول يجعل كهلاكه في أول الحول وآخره وكذلك السائمة إذا جعلها حمولة أو علوفة
في وسط الحول انقطع به الحول كما لو فعل ذلك في أوله وآخره وهذا لان ما دون النصاب
ليس بمحل لوجوب الزكاة فيه كالعلوفة. وقال الشافعي رحمه الله تعالى في السائمة كذلك
وفى مال التجارة قال القياس هكذا ولكني أزكيه لان النصاب فيها معتبر من القيمة
ويشق على صاحب المال تقويم ماله في كل يوم فلدفع المشقة قلنا إنما يعتبر كمال النصاب
عند وجوب الزكاة وذلك في آخر الحول (ولنا) ان اشتراط كمال النصاب ليحصل به صفة
الغنى للمالك والغنى معتبر عند ابتداء الحول لينعقد الحول على المال وعند كماله لتجب الزكاة
فاما فيما بين ذلك فليس بحال انعقاد الحول ولا بحال وجوب الزكاة فلا يشترط غنى المالك فيه
إنما هو حال بقاء الحول المنعقد فلا بد من بقاء شئ من المحل لبقاء الحول فإذا هلك كله لم يبق
شئ من المحل صالحا لبقاء الحول وكذلك إذا جعلها علوفة أو أعدها للاستعمال لم يبق
شئ من المحل صالحا لبقاء الحول فاما بعد هلاك البعض فبقي المحل صالحا لبقاء الحول وهو
نظير عقد المضاربة يبقى على الألف ببقاء بعضها حتى إذا ربح فيها يحصل جميع رأس المال أو لا
بخلاف ما إذا هلكت كلها وما اعتبره الشافعي رحمه الله تعالى من المشقة صالح لاسقاط اعتبار
كمال النصاب في خلال الحول لا في أوله لأنه لا يشق عليه تقويم ماله عند ابتداء الحول ليعرف
به انعقاد الحول كما لا يشق عليه ذلك في آخر الحول ليعرف به وجوب الزكاة في ماله (قال)
ويحتسب على الرجل في سائمته العمياء والعجفاء والصغيرة وما أشبهها ولا يؤخذ شئ منها
لان المعتبر فيها كمال النصاب من حيث العدد وذلك حاصل بالكل والأصل فيه حديث عمر
رضي الله عنه فان الناس شكوا إليه من السعاة فقالوا انهم يعدون علينا السخال ولا يأخذونها
172

فقال عمر رضي الله عنه للساعي عد عليهم السخلة وان جاء بها الراعي يحملها على كتفه ألسنا تركنا
لكم الربى والأكيلة والماخض وفحل الغنم وذلك عدل بين خيار المال ورذاله فبقول عمر
رضي الله عنه أخذنا وقلنا لا تؤخذ الربى وهي التي تربى ولدها ولا الا كيلة وهي التي تسمن
للأكل قال يونس رحمه الله تعالى هي الأكولة وأما الأكيلة فهي التي تكثر تناول العلف ولكن
في عادة العوام أنهم يسمون التي تسمن للأكل الأكيلة ومقصود محمد رحمه الله تعالى تعليم
العوم فاختار ما كان معروفا في لغتهم ليكون أقرب إلى أفهامهم مع ما فيه من اتباع الأثر
إلا أن يشكل عليه هذه اللغة والماخض هي التي في بطنها ولد وفحل الغنم ظاهر لا يؤخذ
من ذلك شئ لأنها من أعز الأموال عند أرباب المواشي. وقال صلى الله عليه وسلم إياكم
وكرائم أموال الناس ثم كما نظرنا لأرباب الأموال في ترك الاخذ من الكرائم نظرنا للفقراء في
ترك الاخذ من الصغار والعجاف مع عدها عليهم ليعتدل النظر من الجانبين (قال) وإذا
وجبت الصدقة في السائمة ثم باعها صاحبها جاز بيعه عندنا ولم يجز في قدر الزكاة عند الشافعي
رحمه الله تعالى قولا واحدا وله فيما وراء ذلك قولان. وحجته أن نصاب الزكاة صار مشغولا
بحق الفقراء فيمتنع على صاحبها بيعها كالعبد المديون والنصاب لوجوب الزكاة فيه يصير
كالمرهون بما وجب فيه وبيع المرهون لا يجوز. وعلماؤنا رحمهم الله تعالى استدلوا بحديث حكيم
ابن حزام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إليه دينارا وأمره أن يشترى
به أضحية فاشترى شاة بالدينار ثم باعها بدينارين فاشترى شاة أخرى بدينار وجاء بالشاة
والدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله لك
في صفقتك فقد جوز بيع الأضحية بعد ما وجب حق الله تعالى فيها فصار هذا أصلا لنا
أن تعلق حق الله تعالى في المال لا يمنع جواز البيع فيه والمعنى ان البيع يعتمد الملك والقدرة
على التسليم وملكه باق بعد وجوب الزكاة فيها وقدرته على التسليم باعتبار يده ولم يختل ذلك
بوجوب الزكاة فيه فكان بيعه نافذا بخلاف المرهون فان اليد هناك مستحقة عليه للمرتهن
فلم يكن مقدور التسليم له بخلاف العبد المديون فان ماليته مستحقة عليه للغريم بدينه وجواز
البيع باعتبار المالية ثم الزكاة في المال لا تتعلق بالمال تعلقا يتعين فيه حتى أن لصاحب المال
اختيار الأداء من موضع آخر فهو نظير تعلق حق أولياء الجناية برقبة الجاني وذلك لا يمنع
صحة بيع المولى فيه كما قلنا فكذلك هذا (قال) وإذا حضر المصدق بعد البيع فالقياس أن يأخذ
173

الصدقة من البائع ولا سبيل له على عين السائمة لأنها صارت مملوكة للمشترى ولا زكاة عليه
ولكن البائع صار متلفا محل حق الفقراء فيضمنه ولكن استحسن فقال إن حضر المصدق
قبل أن يتفرقا عن المجلس فله الخيار ان شاء أخذ الصدقة من العين ورجع المشترى على
البائع بحصته من الثمن وان شاء أخذ من البائع وان حضر بعد التفرق أخذ الصدقة من
البائع ولا سبيل له على العين وهذا لان العلماء رحمهم الله تعالى اختلفوا في زوال الملك قبل
التفرق وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا يدل على عدم زوال ملك البائع
والساعي مجتهد فإن شاء اعتبر ظاهر الحديث وأخذ الصدقة من العين وان شاء اعتمد
القياس الظاهر أن عقد البيع يوجب زوال الملك بنفسه وأخذ الصدقة من البائع وذكر
ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى ان العبرة بنقل الماشية فان حضر بعد ما نقلها المشترى لم يأخذ
شيئا وان حضر قبل أن ينقلها يخير لأنها إنما تصير داخلة في ضمان المشتري حقيقة بالنقل
حتى إذا هلكت قبل النقل ثم استحقت لم يضمن المشترى شيئا بخلاف ما بعد النقل
وهذا بخلاف العشر فان صاحب الطعام إذا باعه ثم حضر المصدق فله أن يأخذ العشر من
العين تفرقا أولم يتفرقا نقله المشترى أولم ينقله لان الواجب عشر الطعام بعينه ولا معتبر
بالملك فيه وفى الزكاة الوجوب على المالك حتى لا تجب الا باعتبار المالك فلهذا افترقا
(قال) وإذا نفقت السائمة كلها بعد حؤول الحول عليها سقطت الزكاة عنها وقال الشافعي
رحمه الله تعالى ان هلكت بعد التمكن من الأداء ضمن صاحبها الزكاة فاما قبل التمكن فلا ضمان
وله قولان في وجوب الزكاة قبل التمكن من الأداء قال في كتاب الأم لا تجب الزكاة الا
بثلاث شرائط كمال النصاب وحولان الحول والتمكن من الأداء وقال في الاملاء
التمكن شرط الضمان لا شرط وجوب الزكاة. وحجته أن هذا حق مالي وجب بايجاب الله
تعالى فلا يسقط بهلاك المال بعد التمكن من الأداء كصدقة الفطر واستدل بالحج فإنه إن
كان موسرا وقت خروج القافلة من بلده ثم هلك ماله لا يسقط عنه الحج ولان أكثر
ما في الباب ان قدر الزكاة أمانة في يده وهو مطالب شرعا بالأداء بعد التمكن منه
فإذا امتنع بعد توجه المطالبة عليه صار ضامنا كسائر الأمانات والخلاف ثابت فيما إذا طالبه
الفقير بالأداء والحق ثابت للفقير فإذا امتنع بعد وجوب الطلب ممن له الحق صار ضامنا
(وحجتنا) فيه أن محل الزكاة هو النصاب والحق لا يبقى بعد فوات محله كالعبد الجاني
174

أو المديون إذا مات والشقص الذي فيه الشفعة إذا صار بحرا بطل حق الشفيع ولا يجوز
أن يصير ضامنا لان وجوب الضمان بتفويت ملك أو يد كسائر الضمانات وهو بهذا
التأخير ما فوت على الفقير يدا ولا ملكا فلا يصير ضامنا له شرعا بخلاف صدقة الفطر
والحج فان محل الوجوب هناك ذمته لا ماله وذمته باقية بعد هلاك المال ولان وجوب
الزكاة لمواساة الفقراء وبعد هلاك المال استحق المواساة معهم فلا يلزمه ان يواسى غيره
والواجب قليل من كثير على وجه لا يكون أداؤه ملحقا الضرر به ولهذا اختص بالمال
النامي حتى ينجبر بالنماء ما يلحقه من الخسران بالأداء وهذا لا يتحقق به هلاك المال فلو
استوفى كان المستوفى غير ما وجب وذلك لا يجوز بخلاف صدقة الفطر والحج فان المال
هناك شرط الوجوب لا شرط الأداء فإذا تقرر الوجوب في ذمته لم يسقط بهلاك. ماله أما إذا
طالبه الفقير فهذا الفقير ما تعين مستحقا له وله رأى في الصرف إلى من شاء من الفقراء وإنما
امتنع من الأداء إليه ليصرفه إلى من هو أحوج منه فان طالبه الساعي وامتنع من
الأداء إليه حتى هلك المال فالعراقيون من أصحابنا رحمهم الله تعالى يقولون يصير ضامنا
لان الساعي متعين للاخذ فيلزمه الأداء عند طلبه وبالامتناع يصير مفوتا ومشايخنا رحمهم
الله تعالى يقولون لا يصير ضامنا وهو الأصح فقد قال في الكتاب إذا حبسها بعد ما وجبت
الزكاة حتى ماتت لم يضمنها وليس مراده بهذا الحبس انه يمنعها العلف والماء فان ذلك
استهلاك وبه يصير ضامنا إنما مراده بهذا الحبس بعد طلب الساعي والوجه فيه أنه ما فوت
بهذا الحبس على أحد ملكا ولا يدا فلا يصير ضامنا وله رأى في اختيار محل الأداء ان
شاء من السائمة وان شاء من غيرها فإنما حبس السائمة ليؤدي من محل آخر فلا يصير
ضامنا فان هلك نصفها فعليه في الباقي حصته من الزكاة إذا لم يكن في المال فضل على
النصاب ولا خلاف فيه والبعض معتبر بالكل فكما أنه إذا هلك النصاب كله سقط جميع
الزكاة فكذلك إذا هلك البعض يسقط بقدره * فان قيل ما هو شرط الوجوب وهو ملك
المال جعلتموه شرط الأداء فكذلك كمال النصاب شرط الوجوب فينبغي أن يجعل شرط الأداء
حتى لا يلزمه أداء شئ إذا انتقص النصاب * قلنا كمال النصاب ليس بشرط الوجوب لعينه
ولكن لحصول الغنى للمالك به وغنى المالك إنما يعتبر وقت الوجوب فان الغنى ليس شرطا
لتحقق أداء الصدقة (قال) وإن كان المال مشتملا على النصاب والوقص فهلك منه شئ فعلى
175

قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يجعل الهالك من الوقص دون النصاب حتى
لا يسقط شئ من الزكاة إذا لم ينقص من النصاب ومحمد وزفر رحمهما الله تعالى يجعلان الهالك
من الكل حتى إذا كان له تسع من الإبل فحال الحول فهلك منها أربع فعليه في الباقي شاة
عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد وزفر رحمهم الله تعالى في الباقي خمسة اتساع شاة
(حجتهما) قوله صلى الله عليه وسلم في خمس من الإبل السائمة شاة إلى تسع أخبر أن الوجوب
في الكل والمعنى يشهد له فان المال النامي لا يخلو عن الزكاة وما زاد على النصاب مال نام لا
يجب بسببه زيادة فعرفنا أن الوجوب في الكل وهو نظير ما لو شهد له ثلاثة نفر بحق فقضى
به القاضي فان القضاء يكون بشهادة الكل وإن كان القاضي يستغنى عن الثالث وإذا ثبت أن
الوجوب في الكل فما هلك يهلك بزكاته وما بقي يبقى بزكاته كالمال المشترك وأبو حنيفة وأبو
يوسف رحمهما الله تعالى استدلا بحديث عمرو بن حزم رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال في خمس من الإبل السائمة شاة وليس في الزيادة شئ حتى يكون عشرا فهذا تنصيص
على أن الواجب في النصاب دون الوقص والمعنى فيه أن الوقص تبع للنصاب والنصاب باسمه
وحكمه يستغنى عن الوقص والوقص لا يستغنى باسمه وحكمه عن النصاب والمال متى
اشتمل على أصل وتبع فإذا هلك منه شئ يصرف الهلاك إلى التبع دون الأصل كمال
المضاربة إذا كان فيها ريح فهلك شئ منها يصرف الهلاك إلى الربح دون رأس المال فكذا
هذا ثم الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن أول النصاب يجعل أصلا وما بعده بناء
وتبعا فيجعل الهلاك فيما زاد على أول النصاب كأنه لم يكن في ملكه الا أول النصاب وعند أبي
يوسف رحمه الله تعالى هو كذلك ما لم يأت نصاب آخر فإذا أتى نصاب آخر فحينئذ
يجعل آخر النصاب أصلا. وبيانه أن من له خمس وثلاثون من الإبل فحال الحول ثم هلك
خمسة عشر فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى في الباقي أربع شياه وما هلك صار كأن لم يكن
وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى في الباقي أربعة أخماس بنت مخاض لأنه يجعل آخر النصاب
أصلا والهالك فيما زاد عليه يصير كأن لم يكن وعند محمد رحمه الله تعالى في الباقي أربعة
أسباع بنت مخاض لان بنت المخاض واجبة في الكل عنده فيسقط حصة ما هلك ويبقى
حصة ما بقي (قال) وتعجيل الزكاة عن المال الكامل الموجود في ملكه من سائمة أو غيرها
جائز عن سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك والكلام في هذه المسألة في فصول (أحدها)
176

في جواز التعجيل. فان مالكا رحمه الله تعالى لا يجوز التعجيل أصلا ويعتبر العبادة المالية
بالعبادة البدنية ويقول أداء الزكاة اسقاط الواجب عن ذمته فلا يتصور قبل الوجوب (ولنا)
ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه استسلف من العباس صدقة عامين ثم بكمال النصاب
حصل الوجوب على أحد الطريقين لاجتماع شرائط الزكاة من النصاب النامي وغنى المالك
وحولان الحول تأجيل وتعجيل الدين المؤجل صحيح وعلى الطريق الآخر ان سبب
الوجوب قد تقرر وهو المال والأداء بعد تقرر سبب الوجوب جائز كالمسافر إذا صام في
رمضان والرجل إذا صلى في أول الوقت جاز لوجود سبب الوجوب وإن كان الوجوب
متأخرا أو لان تأخر الوجوب لتحقق النماء فإذا تحقق استند إلى أول السنة فكان التعجيل صحيحا
ولهذا قلنا إن تعجيل الزكاة قبل كمال النصاب لا يجوز لان سبب الوجوب لا يتحقق الا بعد
كمال النصاب وبعد كمال النصاب يجوز التعجيل لسنتين عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى
لا يجوز الا لسنة واحدة فان التعجيل عنده على آخر الحول لا على أوله قال ألا ترى ان
التعجيل قبل كمال النصاب لا يجوز لان الحول غير منعقد عليه فكذلك الحول الثاني بعد
كمال النصاب (ولنا) حديث العباس رضي الله عنه والمعنى فيه أن ملك النصاب سبب لوجوب
الزكاة في كل حول ما لم ينتقص عنه وجواز التعجيل باعتبار تمام السبب وفى ذلك الحول الثاني
كالحول الأول بخلاف ما قبل كمال النصاب. ثم بعد كمال النصاب يجوز التعجيل عن النصب
عندنا وعلى قول زفر رحمه الله لا يجوز التعجيل إلا عن النصاب الموجود في ملكه حتى إذا كان
له خمس من الإبل فعجل أربع شياه ثم تم الحول في ملكه عشرون من الإبل عندنا يجوز
التعجيل عن الكل وعند زفر رحمه الله تعالى لا يجوز إلا عن زكاة الخمس قال لأن جواز
التعجيل بعد وجود ملك المال بدليل النصاب الأول (وحجتنا) فيه أن ملك النصاب كما
هو سبب لوجوب الزكاة فيه عند كمال الحول فهو سبب لوجوب الزكاة فيه في نصب يملكها
عند كمال الحول فإذا جعل الملك الحاصل في خلال الحول كالموجود في أوله في وجوب الزكاة
فكذلك في جواز التعجيل يجعل المستفاد في خلال الحول كالموجود في أوله. وإذا لم يجب
عليه الزكاة عند كمال الحول لهلاك ماله فليس له أن يسترد من الفقير ما أداه إليه عندنا وقال
الشافعي رحمه الله تعالى له ان يسترد المال من الفقراء الذين دفع إليهم ان بين له أنه يعطي
معجلا وان أطلق عند الأداء لم يكن له ان يرجع عليه وقال إذا بين له أنه يعطيه ما يستحقه
177

عليه بوجوب الزكاة فإذا لم يثبت الاستحقاق كان له أن يرجع عليه كمن قضى دين انسان ثم
انفسخ السبب الموجب للدين (ولنا) ان المتصدق يجعل ما يؤديه لله تعالى خالصا ثم يصرفه
إلى الفقراء ليكون كفاية لهم من الله تعالى وقد تم ذلك بالوصول إلى يد الفقير فلا يرجع
عليه بشئ بل إن وجبت الزكاة كان مؤديا للواجب وإن لم تجب كان متنفلا كما لو أطلق
الأداء (قال) وينظر في السائمة إلى كمال النصاب فتجب الزكاة فيه وان كانت قيمتها
ناقصة عن مائتي درهم وينظر إلى قيمتها ان أراد بها التجارة فإن كانت أقل من مائتي درهم
لم تجب الزكاة وإن كان العدد كاملا لان النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر في السائمة كمال العدد
دون القيمة ولان النماء في السائمة مطلوب من عينها وفى مال التجارة إنما يطلب النماء من ماليتها
فاعتبرنا النصاب في الموضعين من حيث يطلب النماء فإذا كانت قيمتها أقل من مائتي درهم لم تجب
فيها زكاة التجارة لنقصان النصاب ولا زكاة السائمة وإن كان العدد كاملا لان النصاب فيها
غير معتبر من حيث العدد * فان قيل إذا لم تجب فيها زكاة التجارة صار وجود نية التجارة كعدمها
فتجب زكاة السائمة. قلنا نية التجارة معتبرة في اخراجها من أن تكون سائمة معنى على ما
بينا والصورة بدون المعنى لا تكفي لايجاب الزكاة (قال) وإذا اشترى الإبل للتجارة فلما
مضت طائفة من الحول بدا له فجعلها سائمة فرارا من الصدقة فلا زكاة عليه حتى يحول عليها
الحول من حين جعلها سائمة لأنه نوى ترك التجارة فيها وهو تارك لها في ذلك الوقت حقيقة فاقترنت
النية بالفعل وزكاة السائمة ليست من جنس زكاة التجارة فلا يمكن بناء أحدهما على الآخر
فقلنا باستئناف الحول من حين جعلها سائمة (قال) ويؤخذ من بني تغلب صدقة سائمتهم
ضعف ما يؤخذ من المسلم إذا بلغت مقدار ما يجب في مثله الصدقة على المسلم وبنو تغلب قوم
من النصارى من العرب كانوا بقرب الروم فلما أراد عمر رضي الله عنه أن يوظف عليهم
الجزية أبوا وقالوا نحن من العرب نأنف من أداء الجزية فان وظفت علينا الجزية لحقنا
بأعدائك من الروم وان رأيت أن تأخذ منا ما يأخذ بعضكم من بعض وتضعفه علينا فعلنا
ذلك فشاور عمر رضي الله عنه الصحابة في ذلك وكان الذي يسعى بينه وبينهم كردوس
التغلبي فقال يا أمير المؤمنين صالحهم فإنك ان تناجزهم لم تطقهم فصالحهم عمر رضي الله عنه
على أن يأخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين ولم يتعرض لهذا الصلح بعده عثمان رضي الله عنه
فلزم أول الأمة وآخرها * فان قيل أليس أن عليا رضي الله عنه أراد أن ينقض
178

صلحهم حين رآهم قلوا وذلوا * قلنا قد شاور الصحابة رضي الله عنهم في ذلك ثم اتفق معهم على
أنه ليس لأحد ان ينقض هذا الصلح وذكر محمد رحمه الله تعالى في النوادر أن صلحهم
في الابتداء كان ضغطة ولكن تأيد بالاجماع وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ملكا
ينطق على لسان عمر رضي الله عنه وقال أينما دار عمر رضي الله عنه فالحق يدور معه إذا عرفنا
هذا فنقول لا يؤخذ من المسلم مما دون النصاب شئ فكذلك منهم يؤخذ من النصاب من
المسلم ما قدره الشرع في كل مال فيؤخذ منهم ضعف ذلك لان الصلح وقع على هذا ويؤخذ من
نسائهم مثل ما يؤخذ من رجالهم. وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنها
لا تؤخذ من نسائهم قال لأنها بدل عن الجزية ولا جزية على النساء وجه ظاهر الرواية أن
هذا مال الصلح والنساء فيه كالرجال قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله تعالى عنه خذ
من كل حالم وحالمة دينارا أو عدله معا فرية وهو نظير الدية على العاقلة لا شئ منها على النساء فان
صالحت امرأة عن قصاص علي مال أخذت به وهذا لان الوفاء بالعهد واجب من الجانبين
والعهد على أن يضعف عليهم ما يؤخذ من المسلمين والصدقة تؤخذ من المسلمات كما تؤخذ
من الرجال فكذلك في حقهم. ولا يؤخذ من صبيانهم شئ ء لأنه لا تؤخذ الصدقة من سوئم
الصبيان من المسلمين فكذلك منهم. أما مواليهم فلا تؤخذ منهم الصدقة ولكن توضع
على رؤسهم الجزية بمنزلة سائر الكفار فان ظاهر قوله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد وهم
صاغرون يتناول كل كافر إلا أنه خص من هذا الظاهر بنو تغلب باتفاق الصحابة رضى الله
تعالى عنهم وإنما يتناول هذا الاسم من كان منهم نسبا لا ولاء فبقيت مواليهم على حكم ظاهر
الآية * فان قيل أليس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مولى القوم من أنفسهم * قلنا المراد مولى
بني هاشم في حرمة الصدقة عليهم كرامة لهم. ألا ترى أن موالي بنى تغلب لا يكونون أعلى
حالا من موالي المسلمين ومولى المسلمين إذا كان ذميا توضع عليه الجزية فمولى التغلبي أولى
(قال) وما أخذ من صدقات بني تغلب يوضع موضع الجزية لان عمر رضى الله تعالى
عنه لما صالحهم قال هذه جزية فسموها ما شئتم معناه جزية في حقنا فنضعه موضع
الجزية ولأنه ليس بصدقة حقيقة لان الصدقة اسم لما يتقرب به إلى الله عز وجل وهو
ليس بأهل لهذا التقرب وهو جزية معنى فالجزية اسم لمال مأخوذ بسبب الكفر على وجه
العقوبة والتضعيف عليهم بهذه الصفة حتى يسقط إذا أسلموا فلهذا يوضع موضع الجزية
179

(قال) وإذا ظهر الخوارج على بلد من بلاد أهل العدل فاخذوا منهم صدقة أموالهم ثم ظهر
عليهم الامام لم يأخذ منهم ثانيا لأنه عجز عن حمايتهم والجباية تكون بسبب الحماية وهذا
بخلاف التاجر إذا مر على عاشر أهل البغي فعشره ثم مر علي عاشر أهل العدل يعشره
ثانيا لان صاحب المال هو الذي عرض ماله حين مر به عليه فلم يعذر وهناك صاحب المال لم
يصنع شيئا ولكن الامام عجز عن حمايته فلهذا لا يأخذ ولكن يفتى فيما بينه وبين الله تعالى
بالأداء ثانية لأنهم لا يأخذون أموالنا على طريق الصدقة بل على طريق الاستحلال ولا
يصرفونها إلى مصارف الصدقة فينبغي لصاحب المال أن يؤدى ما وجب عليه لله تعالى فإنما
أخذوا منه شيئا ظلما وكذلك أن أخذوا من أهل الذمة في ذلك البلد خراج رؤسهم لم يأخذهم
الامام بما مضى لعجزه عن حمايتهم. فأما ما يأخذ سلاطين زماننا هؤلاء الظلمة من الصدقات
والعشور والخراج والجزية فلم يتعرض له محمد رحمه الله تعالى في الكتاب وكثير من أئمة بلخ
يفتون بالأداء ثانيا فيما بينه وبين الله تعالى كما في حق أهل البغي لعلمنا أنهم لا يصرفون المأخوذ
مصارف الصدقة وكان أبو بكر الأعمش يقول في الصدقات يفتون بالإعادة فأما في الخراج
فلا لان الحق في الخراج للمقاتلة وهم المقاتلة حتى إذا ظهر عدو ذبوا عن دار الاسلام فأما
الصدقات فللفقراء والمساكين وهم لا يصرفون إلى هذه المصارف والأصح أنه يسقط ذلك
عن جميع أرباب الأموال إذا نووا بالدفع التصدق عليهم لان ما في أيديهم من أموال المسلمين
وما عليهم من التبعات فوق مالهم فلو ردوا ما عليهم لم يبق في أيديهم شئ فهم بمنزلة الفقراء
حتى قال محمد بن سلمة يجوز أخذ الصدقة لعلي بن عيسى بن يونس بن ماهان والى خراسان
وكان أميرا ببلخ وجب عليه كفارة يمين فسأل عنها الفقهاء عما يكفر به فأفتوه بصيام ثلاثة
أيام فجعل يبكى ويقول لحشمه انهم يقولون لي ما عليك من التبعات فوق مالك من المال وكفارتك
كفارة يمين من لا يملك شيئا وكذلك ما يؤخذ من الرجل من الجبايات إذا نوى عند الدفع أن
يكون ذلك من عشره وزكاته جاز على الطريق الذي قلنا (قال) وتقسم صدقة كل بلد على
فقراء بلادهم ولا يخرج إلى غيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضى الله تعالى عنه خذها
من أغنيائهم وردها في فقرائهم ولان لفقراء تلك البلدة حق القرب والمجاورة واطلاعهم على
أرباب أموالها أكثر فالصرف إليهم أولى لقوله صلى الله عليه وسلم أدناك فأدناك ولما سأله
رجل فقال إن لي جارين أيهما أبر فقال إلى أقربهما منك بابا وان أخرجها إلى غيرهم جاز
180

وهو مكروه وللشافعي رحمه الله تعالى قول انه لا يجوز لحديث معاذ رضى الله تعالى عنه
من نقل عشره وصدقته من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته في مخلاف
عشيرته أي مردودة عليهم (ولنا) ظاهر قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء وتخصيص فقراء
البلدة ليس لمعنى في أعيانهم فلا يمنع جواز الصرف إلى غيرهم لان ما هو المقصود وهو سد
خلة المحتاج قد حصل وقول معاذ رضى اله تعالى عنه محمول على بيان الأولى. ألا ترى أنه
حين كان باليمن كان ينقل الصدقة إلى المدينة على ما قال في خطبته وأنفع لمن في المدينة من
المهاجرين والأنصار وإنما كان ينقل إلى المدينة لان فقراءها كانوا أشرف الفقراء حيث
هجروا أوطانهم وهاجروا لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلم أحكام الدين
وعلى هذا روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى انه إذا كان لصاحب المال قرابة محتاجون في
بلدة أخرى فلا بأس بأن يصرف الصدقة إليهم وهو أفضل له لما فيه من صلة الرحم مع
اسقاط الفرض عن نفسه (قال) ومن كان في عسكر الخوارج سنين فلم يؤد صدقة ماله ثم
تاب لم يؤخذ بها لأنه لم يكن تحت حماية الامام حين وجبت عليه فحكمه كأن لا يجرى عليه
وعليه أن يؤدى فيما بينه وبين الله تعالى لان الحق قد لزمه بتقرر سببه فلا يسقط عنه
الا بالأداء وصارت الأموال الظاهرة في حقه حين لم يثبت للامام حق الاخذ منها كالأموال
الباطنة (قال) والعاشر يأخذ الصدقة من رسول أهل البغي إذا مر عليه كما يأخذها من
المسلم لان أهل البغي مسلمون كما قال الله تعالى وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا إلى قوله
فان بغت إحداهما على الأخرى. وقال علي رضي الله عنه إخواننا بغوا علينا وإنما يأخذ من
سائر المسلمين ما لزمهم من الزكاة من المال الممرور به عليه فكذلك من أهل البغي (قال)
ومن أسلم في دار الحرب وأقام في تلك الدار سنين فان عرف وجوب الزكاة عليه فلم يؤدها
ثم خرج الينا لم يؤخذ بها لأنه لم يكن تحت حماية الامام في ذلك الوقت ولكنه يفتى بأدائها
فيما بينه وبين الله تعالى وإذا لم يعلم بوجوب الزكاة عليه فليس عليه أداؤها الا على قول زفر
رحمه الله تعالى والقياس ما قاله لأنه بقبول الاسلام صار قابلا لاحكامه وجهله عذر في دفع
المأثم لا في اسقاط الواجب بعد تقرر سببه ولكنا استحسنا وقلنا توجه خطاب الشرع يتوقف
على البلوغ إليه. ألا ترى أن أهل قباء كانوا يصلون إلى بيت المقدس بعد تحول القبلة إلى الكعبة
وجوز لهم ذلك لأنه لم يبلغهم وهذا لان التكليف بحسب الوسع ولا وسع في حق العمل
181

به قبل البلوغ إليه فصار كان الخطاب غير نازل في حقه وهذا لان الخطاب غير شائع في
دار الحرب لان أحكام الاسلام غير شائعة في دار الحرب لقيام الشيوع مقام الوصول
إليه (قال) وإذا حلف الرجل انه قد أدى صدقة ماله إلى المصدق الذي كان في تلك
السنة فكف عنه المصدق ثم أطلع على كذبه بعد سنين أخذه بتلك الصدقة لان السبب
المثبت لحق الاخذ له قد تقرر فلا يسقط باليمين الكاذبة كسائر حقوق العباد والتأخير
ليس بمسقط حق الاخذ بعد ثبوته فلهذا أخذه بالصدقة والله أعلم
* (باب زكاة الغنم) *
(قال) رحمه الله تعالى الأصل في وجوب الزكاة في الغنم قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما من صاحب غنم لا يؤدى زكاتها الأبطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه بأظلافها
وتنطحه بقرونها وقال صلى الله عليه وسلم لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى عاتقه
شاة تيعر يقول يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا ألا قد بلغت إذا عرفنا هذا
فنقول ليس في أقل من أربعين من الغنم السائمة صدقة فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى مائة
وعشرين فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه
إلى ثلاثمائة ثم ليس في الزيادة شئ إلى أربعمائة فبعد ذلك في كل مائة شاة وقال الحسن بن
حي رحمه الله تعالى إذا زادت على ثلاثمائة ففيها أربع شياه وفى أربعمائة خمس شياه (وحجتنا)
حديث أنس رضي الله عنه ان أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب كتاب الصدقات الذي
كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه وفي أربعين من الغنم شاة وفى مائة وواحدة
وعشرين شاتان وفى مائتين وواحدة ثلاث شياه إلى أربعمائة ففيها أربع شياه وقد بينا ان
طريق معرفة النصب لا تكون بالرأي والاجتهاد بل بالنص (قال) ولا تؤخذ الجذعة من
الغنم في الصدقة وإنما يؤخذ الثني فصاعدا والجذعة هي التي تم لها حول واحد وطعنت
في الثانية والثنى الذي تم له سنتان وطعن في الثالثة وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى
انه لا يؤخذ من المعز الا الثني فاما من الضأن فتؤخذ الجذعة وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما
الله تعالى وهو الذي ذكره الطحاوي في مختصره قال ولا يؤخذ في زكاة الغنم الا ما يجزى في
الضحايا. وجه تلك الرواية قوله صلى الله عليه وسلم إنما حقنا في الجذعة والثنى ولان الجذعة
182

من الضأن تجزى في الضحايا وهي أدعى للشروط من الاخذ في الزكاة فجواز التضحية بها يدل
على أخذها في الزكاة بطريق الأولى. وجه ظاهر الرواية حديث علي رضي الله عنه موقوفا
عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤخذ في الزكاة الا الثني فصاعدا ثم ما دون
الثني قاصر في نفسه. الا ترى أنه لا يجوز أخذه من المعز ولا يؤخذ في الزكاة الا البالغ
كما لا يؤخذ من المعز ما دون الثني وكذلك في الضأن وهو القياس في الأضحية أيضا ولكن
ترك لنص خاص ورد فيه وذلك إذا كان سمينا لو اختلط بالثنيات لا يمكن تمييزه قبل
التأمل ومثل هذا يقارب الثني فيما هو المقصود بإراقة الدم وهنا ما دون الثني لا يقارب الثني فيما
هو المقصود بإراقة الدم من كل وجه فان منفعة النسل لا تحصل به (قال) ويجوز في زكاة الغنم أخذ
الذكور والإناث عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يؤخذ الذكر الا إذا كان النصاب
كله ذكورا لان منفعة النسل لا تحصل به ويجوز في زكاة الذكور لان الواجب جزء من
النصاب (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم في أربعين شاة شاة واسم الشاة يتناول الذكر
والأنثى جميعا بالدليل الموجب فيه (قال) فان اختلط المعز بالضأن فلا خلاف ان نصاب
البعض يكمل بالبعض ثم لا يؤخذ الا الوسط عندنا وذلك الا دون من الا رفع والأرفع من
الأدون ذكره في المنتقى وكذلك في البقر مع الجواميس وللشافعي فيه قولان في أحدهما
يقول يؤخذ من جنس الأغلب منهما لان المغلوب لا يظهر في مقابلة الغالب وفى القول
الآخر تقوم واحدة من الا رفع والأخرى من الأدون ثم ينظر إلى نصف القيمتين فيؤخذ
واحدة بتلك القيمة قال وهو العدل وبه يتم النظر من الجانبين (ولنا) قوله صلى الله عليه
وسلم لا تأخذوا من حزرات أموال الناس وخذوا من حواشي أموالهم والاخذ من
الحواشي فيما قلنا (قال) والمتولد من الظبي والغنم يكون نصابا إذا كانت الأم نعجة
وكذلك المتولد من البقر الوحشي والبقر الأهلي عندنا العبرة للأم وعند الشافعي رحمه الله
تعالى لا تجب فيه الزكاة لأنه تجاذبه جانبان أحدهما يوجب والآخر لا يوجب والأصل عدم
الوجوب والوجوب بالشك لا يثبت ولكنا نقول المتولد من جنس الأم يشبهها عادة ويتبعها
في الحكم حتى يكون لمالك الأم وحتى يتبع الولد الأم في الرق والحرية وهذا لما عرف أن
ماء الفحل يصير مستهلكا بمائها فالولد يكون منها (قال) رجل تزوج امرأة على غنم
سائمة ودفعها إليها وحال الحول ثم طلقها قبل الدخول بها فعليها زكاة النصف ولا شئ على
183

الزوج لأنه لم يكن مالكا لها في الحول إنما عادت إليه بعده وأما المرأة فكانت مالكة للكل فكان
النصاب كاملا فوجب عليها الزكاة ثم استحق البعض من يدها بسبب حادث بعد الحول
فعليها الزكاة فيما بقي كما لو نقص النصاب فإن كان لم يدفعها إليها حتى حال الحول ثم طلقها قبل أن
يدخل بها فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله الآخر لا زكاة عليها وفى قوله الأول عليها الزكاة
في نصيبها إذا قبضت وكان نصابا تاما فإن كان دون ذلك فلا زكاة عليها وفى قول أبى يوسف
ومحمد رحمهما الله تعالى عليها الزكاة في نصيبها سواء كان نصابا أو دونه بعد أن كان الكل
نصابا وقد بينا هذا في زكاة الإبل وأوضحه في الكتاب بما لو كان الصداق عبدا للخدمة
فمر يوم الفطر وهو عندها ثم طلقها قبل أن يدخل بها فعليها صدقة الفطر ولو كان عند
الزوج حين مر يوم الفطر ثم طلقها قبل أن يدخل بها فليس على واحد منهما صدقة الفطر
عنه قبل هذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى اما عندهما فينبغي أن تجب عليها صدقة الفطر وما
قبل القبض كما بعده في حكم الزكاة والأصح أنه قولهم جميعا وهما فرقا وقالا صدقة الفطر تعتمد
الولاية التامة لا مجرد الملك وذلك لا يحصل بدون اليد بخلاف الزكاة فإنها وظيفة الملك وملكها
في الصداق قبل القبض نام بدليل انه تتصرف كيف شاءت (قال) رجل له مائتا درهم وعليه
مثلها دين وله أربعون من الغنم سائمة فحال الحول فعليه الزكاة في الغنم لان الدين يصرف إلى
الدراهم فإنه مخلوق للتقلب والتصرف معد له فاما السائمة فمعدة لاستبقاء الملك فيها وهذا
إذا حضره المصدق فإن لم يحضره فالخيار لرب المال ان شاء صرف الدين إلى السائمة وأدى
الزكاة من الدراهم وان شاء صرف الدين إلى الدراهم وأدى الزكاة من السائمة لان في حق
صاحب المال هما سواء وإنما الاختلاف في حق المصدق فان له ولاية أخذ الزكاة من
السائمة دون الدراهم فلهذا صرف الدين إلى الدراهم وأخذ الزكاة من السائمة (قال) رجل
له أربعون شاة سائمة فحل عليها حولان فعليه للحول الأول شاة ولا شئ عليه للحول الثاني
لان نصابه قد انتقص بما وجب عليه في الحول الأول وقد بينا قول زفر رحمه الله تعالى
في نظيره في زكاة الإبل فكذلك في زكاة الغنم (قال) في الكتاب وتفسير قوله لا يفرق
بين مجتمع أن يكون للرجل مائة وعشرون شاة ففيها شاة وليس للمصدق أن يفرقها في
ثلاثة مواطن ليأخذ من كل أربعين شاة وتفسير قوله لا يجمع بين متفرق أن يكون بين
رجلين أربعون شاة فليس للمصدق أن يجمعها ويأخذ منها الزكاة وقد بينا أن المراد به الجمع
184

والتفريق في الملك لا في المكان وقد تقدم بيان هذا وبينا تفسير قوله وما كان بين الخليطين
فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ونزيده وضوحا فنقول المراد إذا كان بين رجلين احدى
وستون من الإبل لأحدهما ست وثلاثون وللآخر خمس وعشرون فان المصدق يأخذ منها
بنت لبون وبنت مخاض ثم يرجع كل واحد منهما على صاحبه بنصف ما أخذ من ماله بزكاة
صاحبه وحمله على هذا أولى فان التراجع على وزن التفاعل فينبغي أن يثبت من الجانبين في
وقت واحد وذلك فيما قلنا (قال) والشريك المفاوض والعنان وغير ذلك كلهم سواء في حكم
الصدقة لان وجوبها باعتبار حقيقة الملك وغنى المالك به ولا ملك للشريك في نصيب شريكه
مفاوضا كان أو غيره (قال) وإذا مر المسلم على العاشر بالماشية وغيرها من الأموال فقال
ليس شئ من هذا للتجارة وحلف على ذلك لا يأخذ منه شيئا لأنه أمين فيما يلزمه من
الزكاة فإذا أنكر وجوبها عليه فالقول قوله مع يمينه والعاشر لا يأخذ الا الزكاة ووجوب
الزكاة بصفة الإسامة أو التجارة وما يمر به على العاشر لا يكون سائمة وقد انتفى صفة
التجارة في حقه بحلفه فلا يأخذ منه شيئا وكذلك الذمي والتغلبي لأنهما من أهل دارنا
فمرورهما على العاشر قد يكون بغير مال التجارة كما يكون بمال التجارة كالمسلم وأما الحربي
فلا يصدق في ذلك ويؤخذ منه العشر لان الاخذ منهم بطريق المجازاة وهم لا يصدقون
في هذا من يمر به منا عليهم فكذلك نحن لا نصدقهم ولان الحربي في دارنا لا يدخل الا
على قصد التجارة لأنه ليس من أهل دارنا فما معه يكون للتجارة فلهذا أخذ منه (قال)
رجل مات بعد ما وجبت عليه الصدقة في سائمته فجاء المصدق وهي في يد الورثة فليس له
أن يأخذ منهم صدقتها إلا أن يكون الميت أوصى بذلك فحينئذ يأخذ من ثلث ماله وقال
الشافعي رحمه الله تعالى يأخذ الصدقة من جميع ماله أوصى أولم يوص. وحجته قوله صلى الله
عليه وسلم في حديث الخثعمية أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت تقضيه قالت نعم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فدين الله أحق فقد شبه رسول الله صلى الله عليه
وسلم دين الله بدين العباد ثم دين العباد يقضى من التركة بعد الوفاة مقدما على الميراث
فكذلك دين الله تعالى وهذا الفقه وهو أن هذا حق كان مطالبا به في حال حياته وتجرى
النيابة في ايفائه فيستوفى من تركته بعد وفاته كديون العباد. وتقريره ان المال خلف عن
الذمة بعد الموت في الحقوق التي تقضي بالمال والوارث قائم مقام المورث في أداء ما تجرى
185

النيابة في أدائه. ألا ترى أن بعد الايصاء يقوم مقامه في الأداء فكذلك قبله (وحجتنا) قوله
صلى الله عليه وسلم يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك الا ما أكلت فأفنيت أو
لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت وما سوى ذلك فهو مال الوارث وهذا يقتضى ان ما لم
يمضه من الصدقة يكون مال الوارث بعد موته وبه علل في الكتاب قال لأنها خرجت من
ملكه الذي كان له يعنى ان المال صار ملك الوارث ولم يجب على الوارث شئ ليؤخذ ملكه به
وهذا لان حقوق الله تعالى مع حقوق العباد إذا اجتمعا في محل تقدم حقوق العباد على حقوق الله
تعالى. ثم الواجب عليه فعل الايتاء وفعل الايتاء لا يمكن إقامته بالمال ليقوم المال فيه مقام الذمة بعد
موته والوارث لا يمكن أن يجعل نائبا في أداء الزكاة لان الواجب ما هو عبادة ومعني العبادة لا
يتحقق الأبنية وفعل ممن يجب عليه حقيقة أو حكما وخلافة الوارث المورث تكون جبرا من
غير اختيار من المورث وبه لا تتأدى العبادة واستيفاء الواجب لا يجوز الا من الوجه الذي وجب
فإذا لم يمكن استيفاؤه من ذلك الوجه لا يستوفى إلا أن يكون أوصى فحينئذ يكون
بمنزلة الوصية بسائر التبرعات تنفذ من ثلثه ويظهر بما ذكرنا الفرق بين ديون الله تعالى
وبين ديون العباد إذا تأملت. فإن كان موت صاحب السائمة في وسط الحول ينقطع به
حكم الحول عندنا لخروجها عن ملكه كما لو باعها. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يبنى على
حوله فإذا تم فعلى الوارث الزكاة قال لان ملك الوارث بناء على ملك المورث وليس بابتداء
ملك بدليل ثبوت حق الرد بالعيب وغيره ولكنا نقول صفة المالكية للوارث متجددة وفى
حكم الزكاة المالك معتبر فلتجدد صفة المالكية قلنا يستقبل الحول في ملك الوارث والله
سبحانه وتعالى أعلم
* (باب زكاة البقر) *
(الأصل في وجوب الزكاة في البقر) حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مانعي الزكاة
لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى عاتقه بعير له رغاء فيقول يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك
من الله شيئا ألا قد بلغت ولا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى عاتقه بقرة لها ثغاء فيقول
يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا ألا قد بلغت ولا ألفين أحدكم يأتي يوم
القيامة وعلى عاتقه فرس لها حمحمة فيقول يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا ألا
186

قد بلغت إذا عرفنا هذا فنقول ليس فيما دون ثلاثين بقرة سائمة صدقة وفي ثلاثين منها
تبيع أو تبيعة وهي التي لها سنة وطعنت في الثانية وفى أربعين منها مسنة وهي التي تم لها
سنتان وبهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه
إلى اليمن واختلفت الروايات فيما زاد على الأربعين فقال في كتاب الزكاة وما زاد على
الأربعين ففي الزيادة بحساب ذلك ولم يفسر هذا الكلام وفي كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي
ليلى رحمهما الله تعالى قال إذا كان له احدى وأربعون بقرة فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى عليه
مسنة وربع عشر مسنة أو ثلث عشر تبيع وهذا يدل على أنه لا نصاب عنده في الزيادة على
الأربعين فإنه تجب فيه الزكاة قل أو أكثر بحساب ذلك وروى الحسن عن أبي حنيفة
رحمهما الله تعالى أنه لا يجب في الزيادة شئ حتى تبلغ خمسين ففيها مسنة وربع مسنة أو ثلث
تبيع وروى أسد بن عمرو عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه ليس في الزيادة شئ حتى
تكون ستين ففيها تبيعان وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي رحمهما الله تعالى ثم لا خلاف
أنه ليس في الزيادة شئ إلى سبعين ثم بعد ستين الأوقاص تسع تسع وان الواجب في كل
ثلاثين تبيع وفى كل أربعين مسنة حتى إذا كانت سبعين ففيها مسنة وتبيع وفي ثمانين مسنتان
وفى تسعين ثلاثة أتبعة وفى المائة مسنة وتبيعان وفى مائة وعشر مسنتان وتبيع وفى مائة
وعشرين ان شاء أدى ثلاث مسنات وان شاء أدى أربعة أتبعة فإنها ثلاث مرات أربعون
وأربع مرات ثلاثون. وجه قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى حديث معاذ ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال لا تأخذوا من أوقاص البقر شيئا وفسروا الأوقاص بما بين الأربعين
إلى الستين ولان مبنى زكاة السائمة على أنه لا يجب فيها الأشقاص دفعا للضرر عن أرباب
الأموال حتى أن في الإبل عند قلة العدد أوجب من خلاف الجنس تحرزا عن ايجاب
الشقص فكذلك في زكاة البقر لا تجوز الأشقاص لأنها عيب. ووجه رواية الحسن رحمه
الله تعالى ان الأوقاص في البقر تسع تسع بدليل ما قبل الأربعين وبعد الستين فكذلك فيما
بين ذلك لأنه يلحق بما قبله أو بما بعده ووجه الرواية الأخرى أن نصب النصاب بالرأي
لا يكون وإنما يكون طريق معرفته النص ولا نص فيما بين الأربعين إلى الستين فإذا تعذر
اعتبار النصاب فيه أوجبنا الزكاة في قليله وكثيره بحساب ما سبق وحديث معاذ رضي الله عنه
المراد به حال قلة العدد في الابتداء فان الوقص في الحقيقة اسم لما لم يبلغ نصابا وذلك
187

في الابتداء يكون وقيل المراد بالأوقاص الصغار وهي العجاجيل وبه نقول إنه لا شئ فيها
(قال) والجواميس بمنزلة البقر وقد بينا هذا فيما سبق من زكاة الغنم (قال) وذكورها
وإناثها في الصدقة سواء وكذلك في الاخذ لا فرق بين الذكور والإناث في زكاة البقر
بخلاف زكاة الإبل فإنه لا يؤخذ فيها الا الإناث وهذا لتقارب ما بين الذكور والإناث في الغنم
والبقر وتباين ما بينهما في الإبل وقد بينا هذا في زكاة الإبل. فأما الخيل السائمة إذا اختلط ذكورها
وإناثها ففيها الصدقة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان شاء صاحبها أدى عن كل فرس
دينارا وان شاء قومها وأدى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي
رحمهم الله تعالى لا شئ فيها. فإن كانت إناثا كلها فعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان
ذكرهما الطحاوي رحمه الله تعالى وان كانت ذكورا كلها فليس فيها شئ الا في رواية عن أبي حنيفة
رحمه الله تعالى ذكرها في كتاب الآثار. وجه قولهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس
على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة وفى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عفوت
لامتي عن صدقة الخيل والرقيق الا ان في الرقيق صدقة الفطر ولأنه لا يثبت للامام حق
الاخذ بالاتفاق ولا يجب من عينها شئ ومبنى زكاة السائمة على أن الواجب جزء من العين
وللامام فيه حق الاخذ بدليل سائر الحيوانات واحتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى بحديث
ابن الزبير عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في كل فرس سائمة دينار أو عشرة
دراهم وليس في المرابطة شئ وان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح
رضي الله عنه وأمره بأن يأخذ من الخيل السائمة عن كل فرس دينارا أو عشرة دراهم ووقعت
هذه الحادثة في زمن مروان فشاور الصحابة رضي الله عنهم فروى أبو هريرة ليس على الرجل
في عبده ولا في فرسه صدقة فقال مروان لزيد بن ثابت ما تقول يا أبا سعيد فقال أبو هريرة
عجبا من مروان أحدثه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ماذا تقول يا أبا سعيد
قال زيد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أراد فرس الغازي فاما ما حبست لطلب
نسلها ففيها الصدقة فقال كم فقال في كل فرس دينار أو عشرة دراهم والمعنى فيه أنه حيوان سائم
في أغلب البلدان فتجب فيه زكاة السائمة كالإبل والبقر والغنم إلا أن الآثار فيها لم تشتهر لعزة
الخيل ذلك الوقت وما كانت الا معدة للجهاد وإنما لم يثبت أبو حنيفة رحمه الله تعالى للامام
ولاية الاخذ لان الخيل مطمع كل طامع فإنه سلاح والظاهر أنهم إذا علموا به لا يتركونه
188

لصاحبة وإنما لم يؤخذ من عينه لان مقصود الفقير لا يحصل به لان عينه غير مأكول اللحم
عنده وأما الإناث قال في احدى الروايتين التي ذكرها الطحاوي رحمه الله تعالى أنه لا شئ
فيها لان معنى النماء فيها من حيث النسل وذلك لا يحصل بالإناث المفردات وفى الأخرى قال
يمكن أن يستعار لها فحل فيحصل النماء من حيث النسل واما في الذكور المنفردين لا شئ فيها في
ظاهر الرواية لان معنى النسل لا يحصل بها وبزيادة السن لا تزداد القيمة في الخيل بخلاف
سائر الحيوانات ومعنى السمن غير معتبر لان عينه غير مأكول عنده فلهذا قال لانعدام النماء
لا شئ عليه فيها وفى رواية الآثار جعل هذا قياس سائر أنواع السائمة فان بسبب السوم تخف
المؤنة على صاحبها وبه يصير مال الزكاة فكذلك في الخيل (قال) وليس في الحمير والبغال
السائمة صدقة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين سئل عن البغال والحمير لم ينزل
على فيها الا هذه الآية الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا
يره ولأنها لا تسام في غالب البلدان مع كثرة وجودها والنادر لا يعتبر إنما يعتبر الحكم
العام الغالب فلهذا لا تجب فيها زكاة السائمة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
* (باب زكاة المال) *
(قال) وليس في أقل من مائتي درهم زكاة فإذا بلغت مائتي درهم وحال عليها الحول ففيها
خمسة دراهم لحديث عمرو بن حزم رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال في الورقة ليس فيها صدقة حتى تبلغ مائتي درهم فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة
دراهم وحين بعث معاذا رضى الله تعالى عنه إلى اليمن قال ليس فيما دون مائتي درهم من الورق
شئ وفى مائتين خمسة وما زاد على المائتين فليس فيه شئ حتى تبلغ أربعين ففيها درهم مع
الخمسة وفى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهكذا في كل أربعين درهما درهم وهو قول عمر
ابن الخطاب رضى الله تعالى عنه وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي يجب في الزيادة بحساب
ذلك قل أو كثر حتى إذا كانت الزيادة درهما ففيها جزء من أربعين جزأ من درهم وهو
قول على وابن عمر وإبراهيم النخعي رحمهما الله تعالى وقال طاووس اليماني رحمه الله تعالى لا يجب
في الزيادة شئ حتى تبلغ مائتي درهم ويجب في كل مائتي درهم خمسة دراهم واحتجوا بحديث
علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مائتي درهم خمسة دراهم وما زاد
189

فبحساب ذلك ولان نصب النصاب لا يكون الا بالتوقيف ولم يشتهر الأثر باعتبار نصيب
المائتين ثم اعتبار النصاب في الابتداء لحصول الغنى للمالك به ففي الزيادة المعتبر زيادة الغنى
وذلك حاصل بالقليل والكثير واحتج أبو حنيفة بحديث عمرو بن حزم أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال وفى كل مائتي درهم خمسة دراهم وفي كل أربعين درهما درهم ولم يرد به
في الابتداء فعلم أن المراد به بعد المائتين وفى حديث معاذ رضى الله تعالى عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال له لا تأخذ من الكسور شيئا وفى مائتي درهم خمسة دراهم فما
زاد على ذلك ففي كل أربعين درهما درهم وقاس بالسوائم ففيها وقص بعد النصاب الأول
وكذلك في النقود بعلة أن الزكاة واجبة في الكل على وجه يحصل به النظر للفقراء وأرباب
الأموال وحديث على رضى الله تعالى عنه لم ينقله أحد من الثقات مرفوعا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فالمصير إلى ما رويناه أولى (قال) وليس في أقل من عشرين مثقالا
من المذهب زكاة لحديث عمرو بن حزم قال فيه وفى الذهب ما لم تبلغ قيمته مائتي درهم فلا
صدقة فيه والدينار كان مقوما بعشرة دراهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك
تنصيص على أنه لا شئ في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال ثم ليس في
الزيادة شئ حتى تبلغ أربعة دنانير ففي قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيها قيراطان وهكذا في
كل أربعة مثاقيل. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فيما زاد بحساب ذلك هذا والدراهم
سواء كما بينا وكذلك زكاة مال التجارة يجب بالقيمة والكلام فيه في فصول (أحدها) أن
الزكاة تجب في عروض التجارة إذا حال الحول عندنا. وقال مالك رحمه الله تعالى إذا باعها
زكى لحول واحد وان مضى عليها في ملكه أحوال وقال نفاة القياس لا شئ فيها والدليل
على وجوب الزكاة فيها حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا
باخراج الزكاة من الرقيق وفى كل مال يتبعه وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال وفى البر صدقة إذا كان للتجارة وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه قال
لحماس ما مالك يا حماس فقال ضأن وأدم قال قومها وأد الزكاة من قيمتها والدليل على
اعتبار الحول قوله صلى الله عليه وسلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ثم معنى النماء
مطلوب في أموال التجارة في قيمتها كما أنه مطلوب في السوائم من عينها وكما يتجدد وجوب
الزكاة في السوائم باعتبار كل حول يتجدد النماء بمضيه فكذلك في مال التجارة ويعتبر أن
190

تكون قيمتها نصابا في أول الحول وآخره كما في السوائم عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله
تعالى المعتبر كمال النصاب آخر الحول فقط وقد بينا هذا قال في الكتاب ويقومها يوم حال
الحول عليها ان شاء بالدراهم وان شاء بالدنانير وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في الأمالي أنه يقومها
بأنفع النقدين للفقراء وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يقومها بما اشتراها إن كان اشتراها
بأحد النقدين فيقومها به وإن كان اشتراها بغير نقود قومها بالنقد الغالب في البلد وعن محمد
رحمه الله تعالى انه يقومها بالنقد الغالب على كل حال. وجه قول محمد رحمه الله تعالى أن
التقويم في حق الله تعالى معتبر بالتقويم في حق العباد ومتى وقعت الحاجة إلى تقويم المغصوب
والمستهلك يقوم بالنقد الغالب في البلد فهذا مثله وأبو يوسف يقول البدل معتبر بأصله فإن كان
اشترى بأحد النقدين فتقويمه بما هو أصله أولى. وجه قول أبي حنيفة أن المال كان في
يد المالك وهو المنتفع به في زمان طويل فلا بد من اعتبار منفعة الفقراء عند التقويم لأداء
الزكاة فيقومها بأنفع النقدين. ألا ترى أنه لو كان بتقويمه بأحد النقدين يتم النصاب وبالآخر
لا يتم فإنه يقوم بما يتم به النصاب لمنفعة الفقراء فهذا مثله. وجه رواية الكتاب أن وجوب
الزكاة في عروض التجارة باعتبار ماليتها دون أعيانها والتقويم لمعرفة مقدار المالية والنقدان في
ذلك على السواء فكان الخيار إلى صاحب المال يقومها بأيهما شاء. ألا ترى أن في السوائم عند
الكثرة وهو ما إذا بلغت الإبل مائتين الخيار إلى صاحب المال ان شاء أدى أربع حقاق
وان شاء أدى خمس بنات لبون فهذا مثله ثم وجوب الزكاة عندنا في عين مال التجارة
باعتبار قيمتها وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى الوجوب في قيمتها لان النصاب معتبر
بالقيمة فعرفنا أن الواجب فيها (ولنا) أن الواجب في ملكه وملك العين فكان
الواجب باعتبار صفة المالية (قال) وما كان من الدراهم والدنانير والذهب والفضة تبرا
مكسورا أو حليا مصوغا أو حلية سيف أو منطقة أو غير ذلك ففي جميعه الزكاة إذا بلغ الذهب
عشرين مثقالا أو من الفضة مائتي درهم نوى به التجارة أو لم ينو * والأصل فيه قوله تعالى
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم
والكنز اسم لمال مدفون لايراد به التجارة وقد ألحق الله الوعيد بما نعى الزكاة منها فذلك
دليل على وجوب الزكاة فيها بدون نية التجارة ثم سائر الأموال مخلوقة للابتذال
والانتفاع بأعيانها فلا تصير معدة للنماء الا بفعل من العباد من إسامة أو تجارة. وأما الذهب
191

والفضة فخلقا جوهرين للأثمان لمنفعة التقلب والتصرف فكانت معدة للنماء على أي صفة كانت
فتجب الزكاة فيها (قال) والحلي عندنا نصاب للزكاة سواء كان للرجل أو للنساء مصوغا
صياغة تحل أو لا تحل. وللشافعي رحمه الله تعالى في حلى النساء قولان في أحد القولين
لا شئ فيه وهو مروى عن عمر وعائشة رحمهما الله تعالى قال إنه مبتذل في مباح فلا يكون
مال الزكاة كمال البذلة بخلاف حلى الرجال فإنه مبتذل في محظور وهذا لان الحظر شرعا يسقط
اعتبار الصنعة والابتذال حكما فيكون مال الزكاة بخلاف ما إذا كان مباحا شرعا وهو نظير
ذهاب العقل يسقط اعتباره شرعا بخلاف ذهاب العقل بسبب شرب دواء فإنه لا يسقط
اعتباره شرعا (ولنا) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى
امرأتين تطوفان بالبيت وعليهما سواران من ذهب فقال أتؤديان زكاتهما فقالتا لا فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار فقالتا لا فقال صلى الله عليه وسلم
أديا زكاتهما والمراد الزكاة دون الإعارة لأنه ألحق الوعيد بهما وذلك لا يكون الا بترك الواجب
والإعارة ليست بواجبة وفى حديث أم سلمة أنها كانت تلبس أوضاحا لها من ذهب فسألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أكنز هي فقال إن أديت منها الزكاة فليست بكنز والمعنى
فيه أن الزكاة حكم تعلق بعين الذهب والفضة فلا يسقط بالصنعة كحكم التقابض في المجلس
عند بيع أحدهما بالآخر وجريان الربا وبيان الوصف أن صاحب الشرع ما اعتبر في الذهب
والفضة مع اسم العين وصفا آخر لايجاب الزكاة فعلى أي وجه أمسكهما المالك للنفقة أو لغير
النفقة تجب عليه الزكاة ولو كان للابتذال فيهما عبرة لم يفترق الحال بين أن يكون محظورا
أو مباحا كما في السوائم إذا جعلها حمولة ثم الابتذال هاهنا لمقصود الحمل زائد لا يتعلق
به حياة النفس أو المال فلا تنعدم به صفة التنمية الثابتة لهذين الجوهرين باعتبار الأصل
(قال) وإن كان له عشرة مثاقيل ذهب ومائة درهم ضم أحدهما إلى الآخر في تكميل
النصاب عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يضم أحدهما إلى الآخر بل يعتبر
كمال النصاب من كل واحد منهما على حدة لأنهما جنسان مختلفان فلا يضم أحدهما إلى
الآخر ليكمل النصاب كالسوائم وبيان الوصف من حيث الحقيقة غير مشكل ومن حيث
المعنى أنه لا يجرى بينهما ربا الفضل (ولنا) حديث بكير بن عبد الله بن الأشج رضي الله عنه
قال من السنة أن يضم الذهب إلى الفضة لايجاب الزكاة ومطلق السنة ينصرف إلى
192

سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنهما مالان يكمل نصاب أحدهما بما يكمل به نصاب
الآخر فيكمل نصاب أحدهما بالآخر كالسود مع البيض والنيسابوري من الدنانير مع
الهروي وبيان الوصف ان نصاب كل واحد منهما يكمل بمال التجارة وهذا لأنهما وان كانا
جنسين مختلفين صورة ففي حكم الزكاة هما جنس واحد حتى يتفق الواجب فيهما فيتقدر بربع
العشر على كل حال ووجوب الزكاة فيهما باعتبار معنى واحد وهو المالية القائمة باعتبار أصلهما
فإذا وجبت الزكاة عند ضم أحدهما إلى الآخر اختلفت الرواية فيما يؤدى فروى الحسن بن أبي
مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انه يؤدى من مائة درهم درهمين
ونصفا ومن عشرة مثاقيل ذهب ربع مثقال وهو احدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه
الله تعالى ووجهه أنه أقرب إلى المعادلة والنظر من الجانبين وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى
في رواية أخرى أنه يقوم أحدهما بالآخر ثم يؤدى الزكاة من نوع واحد وهذا أقرب إلى
موافقة نصوص الزكوات. ثم اختلفوا في كيفية الضم فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يضم
أحدهما إلى الآخر باعتبار القيمة وقال أبو يوسف ومحمد باعتبار الاجزاء وهو احدى
الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ذكره في نوادر هشام رحمه الله تعالى. وبيان
ذلك أنه إذا كان له مائة درهم وخمسة مثاقيل ذهب تساوى مائة درهم أو خمسون درهما
وعشرة مثاقيل ذهب تساوى مائة وخمسين درهما فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يضم
أحدهما إلى الآخر وتجب الزكاة وعندهما يضم باعتبار الاجزاء وقد ملك نصف نصاب
أحدهما وربع نصاب الآخر فلا يجب فيهما شئ ثم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يعتبر
في التقويم منفعة الفقراء كما هو أصله حتى روى عنه أنه إذا كان للرجل مائة وخمسة وتسعون
درهما ودينار يساوى خمسة دراهم أنه تجب الزكاة وذلك بأن يقوم الذهب بالفضة. وجه
قولهما ان التقويم في النقود ساقط الاعتبار كما في حقوق العباد فان سائر الأشياء تقوم بها
ألا ترى ان من ملك إبريق فضة وزنه مائة وخمسون وقيمته مائتا درهم لا يجب فيه الزكاة
ولو كان للتقويم عبرة في باب الزكاة من الذهب والفضة لوجبت الزكاة ههنا وأبو حنيفة رحمه
الله تعالى يقول عما عينان وجب ضم أحدهما إلى الآخر لايجاب الزكاة فكان الضم باعتبار
القيمة كعروض التجارة وهذا لان كمال النصاب لا يكون إلا عند اتحاد الجنس وذلك
لا يكون الا باعتبار صفة المالية دون العين فان الأموال أجناس باعتبار أعيانها جنس واحد
193

باعتبار صفة المالية فيها وهذا بخلاف الإبريق فإنه ما وجب ضمه إلى شئ آخر حتى تعتبر
فيه القيمة وهذا لان القيمة في الذهب والفضة إنما تظهر شرعا عند مقابلة أحدهما بالآخر
فان الجودة والصنعة لا قيمة لها إذا قوبلت بجنسها لقوله صلى الله عليه وسلم جيدها ورديئها
سواء فاما عند مقابلة أحدهما بالآخر فيظهر للجودة قيمة. ألا ترى أنه متى وقعت الحاجة
إلى تقويم الذهب والفضة في حقوق العباد يقوم بخلاف جنسه فكذا في حقوق الله
تعالى وجميع ما ذكرنا في نصاب الذهب والفضة المعتبر فيهما الوزن دون العدد لان في
النص ذكر الدرهم والدينار وهو يشتمل على مالا يعلم الا بالوزن من الدوانيق والحبات
والمعتبر في الدنانير وزن المثقال وفى الدراهم وزن سبعة وهو أن يكون كل عشرة منها
بوزن سبعة مثاقيل وهو الوزن المعروف في الدراهم في غالب البلدان وأصله وهو أنه كان
في الجاهلية نوعان من الدراهم يقال لهما مثاقيل وخفاف فلما أرادوا في الاسلام ضرب الدراهم
جمعوا أحدهما إلى الآخر وجعلوه درهمين فكان وزن سبعة ولم يبين في الكتاب صفة
الدراهم وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن الزكاة تجب في الجياد من الدراهم
والزيوف والنبهرجة والمكحلة والمزيفة قال لان الغالب في كلها الفضة وما يغلب فضته على
غشه يتناوله اسم الدراهم مطلقا اما في الستوقة وهو ما يغلب غشه على فضته نظر إلى ما يخلص
منه من الفضة فان بلغ وزنه مائتي درهم تجب فيها الزكاة وإلا فلا ومراده إذا لم تكن للتجارة
فإن كانت تلك الدراهم للتجارة فالعبرة بقيمتها كما في عروض التجارة وقد ذكر في روايته
في الفلوس والدراهم المضروبة من الصفر إذا كأن لا يخلص منها فضة فإن لم تكن للتجارة
فلا شئ فيها وان كانت للتجارة فان بلغت قيمتها مائتي درهم مما يغلب فيها الفضة ففيها الزكاة
وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري رحمه الله تعالى يفتى بوجوب الزكاة في
المائتين من الدراهم الغطريفية عددا وكأن يقول هي من أعز النقود فينا بمنزلة الفضة فيهم
ونحن أعرف بنقودنا وهو اختيار شيخنا الامام الحلواني رحمه الله تعالى وهو الصحيح
عندي (قال) رجل له على رجل ألف درهم قرض أو ثمن متاع كان للتجارة فحال الحول
ووجبت الزكاة عليه لا يلزمه الأداء قبل القبض عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يلزمه
الأداء لان صيرورة المال دينا كان بتصرفه واختياره وذلك غير معتبر في تأخير حق الفقراء
فإنه كما لا يملك ابطال حقهم لا يملك التأخير ولان هذا مال مملوك كالعين (ولنا) ان
194

الواجب جزء من النصاب فإذا كان النصاب دينا فيده مقصورة عما هو حق الفقراء فلا
يلزمه الأداء ما لم تصل يده إليه بالقبض كابن السبيل. ثم الديون على ثلاث مراتب عند أبي
حنيفة رحمه الله تعالى دين قوى وهو ما يكون بدلا عن مال كان أصله للتجارة لو بقي في ملكه
ودين وسط وهو أن يكون بدلا عن مال لا زكاة فيه لو بقي في ملكه كثياب البذلة والمهنة ودين
ضعيف وهو ما يكون بدلا عما ليس بمال كالمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد ففي الدين
القوى لا يلزمه الأداء ما لم يقبض أربعين درهما فإذا قبض هذا المقدار أدى درهما وكذلك
كلما قبض أربعين درهما وفى الدين المتوسط لا يلزمه الأداء ما لم يقبض مائة درهم فحينئذ يؤدى
خمسة دراهم وفى الدين الضعيف لا تلزمه الزكاة ما لم يقبض ويحول الحول عنده وروى ابن
سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى ان الدين نوعان وجعل الوسط
كالضعيف وهو اختيار الكرخي على ما ذكره في المختصر. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما
تعالى الديون كلها سواء لا تجب الزكاة فيها قبل القبض وكلما قبض شيئا يلزمه الأداء بقدره
قل أو أكثر ما خلا دين الكتابة فإنه لا يجب عليه فيه الزكاة حتى يحول عليه الحول بعد القبض
وذكر الكرخي ان المستثنى عندهما دينان الكتابة والدية على العاقلة. وجه قولهما ان الديون
في المالية كلها سواء من حيث إن المطالبة تتوجه بها في الحياة وبعد الوفاة وتصير مالا
بالقبض حقيقة فتجب الزكاة في كلها ويلزمه الأداء بقدر ما يصل إليه كابن السبيل بخلاف
دين الكتابة فإنه ليس بدين على الحقيقة حتى لا تتوجه المطالبة به ولا تصح الكفالة به وهذا
لان المولى لا يستوجب على عبده دينا وكذلك الدية على العاقلة وجوبها بطريق الصلة لا أنه
دين على الحقيقة حتى لا يستوفى من تركة من مات من العاقلة. وجه قول أبي حنيفة رحمه
الله تعالى ان ما هو بدل عما ليس بمال فملك المالية يثبت فيه ابتداء فهو دين والدين ليس
بمال على الحقيقة حتى لو حلف صاحبه أن لا مال له لا يحنث في يمينه وإنما تتم المالية فيه عند
تعيينه بالقبض فلا يصير نصاب الزكاة ما لم تثبت فيه صفة المالية والحول لا ينعقد الا على
نصاب الزكاة فاما ما كان بدلا عن مال التجارة فملك المالية كان تاما في أصله قبل أن يصير
دينا فبقي على ما كأن لان الخلف يعمل عمل الأصل فيجب فيه الزكاة قبل القبض ولكن
وجوب الأداء يتوقف على القبض ونصاب الأداء يتقدر بأربعين درهما عند أبي حنيفة رحمه
الله تعالى كما بينا في الزيادة على المائتين واما بدل ثياب البذلة والمهنة فذهب الكرخي إلى أن
195

أصله لم يكن مالا شرعا حتى لم يكن محلا للزكاة فهو وما لم يكن أصله مالا على الحقيقة
سواء. وجه ظاهر الرواية أنه أخذ شبها من أصلين من عروض التجارة باعتبار أن أصله مال
على الحقيقة ومن المهر باعتبار ان أصله ليس بمال في حكم الزكاة شرعا فيوفر حظه منهما ويقال
ان وجوب الزكاة فيه ابتداء فيعتبر في المقبوض أن يكون نصاب الزكاة وهو المائتان ويجب
فيها الزكاة قبل القبض من حيث إن ملك المالية لم يثبت في الدين ابتداء. وفي الأجرة ثلاث
روايات عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في رواية جعلها كالمهر لأنها ليست ببدل عن المال
حقيقة لأنها بدل عن المنفعة وفى رواية جعلها كبدل ثياب البذلة لان المنافع مال من وجه
لكنه ليس بمحل لوجوب الزكاة فيه. والأصح أن أجرة دار التجارة أو عبد التجارة بمنزلة
ثمن متاع التجارة كلما قبض منها أربعين تلزمه الزكاة اعتبارا لبدل المنفعة ببدل العين. وإن كان
الدين وجب له بميراث أو وصية أوصى له به ففي كتاب الزكاة جعله كالدين الوسط وقال
إذا قبض مائتي درهم تلزمه الزكاة لما مضي لان ملك الوارث ينبني على ملك المورث وقد
كان في ملك المورث بدلا عما هو مال وفى نوادر الزكاة جعله كالدين الضعيف لان الوارث
ملكه ابتداء وهو دين فلا تجب فيه الزكاة حتى يقبض ويحول عليه الحول عنده وإن كان
الدين ضمان قيمة عبد أعتق شريكه نصيبه منه فاختار تضمينه فهذا والدين الواجب
بسبب بيعه نصيبه من شريكه سواء لان هذا الضمان يوجب الملك لشريكه في نصيبه وإن كان
الدين سعاية لزم ذمة العبد بعتق شريكه وهو معسر ففي الكتاب يقول هو ودين الكتابة
سواء لا يجب فيه الزكاة حتى يحول عليه الحول بعد القبض قيل هو قول أبي حنيفة رحمه
الله تعالى فان المستسعى عنده مكاتب فاما عندهما فالمستسعى حر عليه دين فيجب فيه الزكاة
عندهما قبل القبض وقيل هو قولهم جميعا وعذرهما ان سبب وجوب هذا الدين لم يكن من
العبد فكان صلة في حقه فلا يتم الملك فيه الا بالقبض كالدية على العاقلة (قال) رجل له
ألف درهم فحال عليها الحول ثم اشترى بها عبدا للتجارة فمات العبد لم يضمن الزكاة وان اشترى
بها عبدا للخدمة فهو ضامن للزكاة لان المشترى للتجارة محل لحق الفقراء فهو بتصرفه حول
حقهم من محل إلى محل فلم يكن مستهلكا وكان هلاك البدل في يده كهلاك الأصل فاما عبد
الخدمة فليس بمحل لحق الفقراء حتى صار هو بتصرفه مفوتا محل حقهم فيصير ضامنا للزكاة
مات العبد في يده أو بقي. ألا ترى ان في خلال الحول لو اشترى عبدا للتجارة لم ينقطع فيه
196

الحول بخلاف ما إذا اشترى بالألف عبدا للخدمة ولو أبدل الدراهم بالدنانير أو الدنانير بالدراهم
في خلال الحول لم ينقطع الحول عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا بادل بالدنانير انقطع
الحول وهو بناء على أصله انهما جنسان في باب الزكاة حتى لا يضم أحدهما إلى الآخر فهو
كالسوائم وعندنا هما جنس واحد في حكم الزكاة حتى يضم أحدهما إلى الآخر فكانا بمنزلة عروض
التجارة يبادل بها في خلال الحول (قال) رجل له ألف درهم وعليه ألف درهم وله دار وخادم
لغير التجارة بقيمة عشرة آلاف درهم فلا زكاة عليه لان الدين مصروف إلى المال الذي في يده
لأنه فاضل عن حاجته معد للتقليب والتصرف به فكان الدين مصروفا إليه فاما الدار والخادم
فمشغول بحاجته فلا يصرف الدين إليه (قال) في الكتاب أرأيت لو تصدق عليه أنه يكون
موضعا للصدقة لأنه معدوم يريد به أن المال مشغول بالدين فهو كالمعدوم وملك الدار والخادم
لا يحرم عليه أخذ الصدقة لأنه لا يزيل حاجته بل يزيد فيها فالدار تسترم والعبد يستنفق فلا بد
له منهما وهو في معنى ما نقل عن الحسن البصري رحمه الله تعالى ان الصدقة كانت تحل للرجل
وهو صاحب عشرة آلاف درهم قيل وكيف يكون ذلك قال يكون له الدار والخادم والكراع
والسلاح وكانوا ينهون عن بيع ذلك فعلى هذا قال مشايخنا رحمهم الله تعالى ان الفقيه
إذا مالك من الكتب ما يساوى مالا عظيما ولكنه محتاج إليها يحل له أخذ الصدقة الا ان يملك
فضلا عن حاجته ما يساوى مائتي درهم (قال) وإن كان للرجل التاجر ديون على الناس
وفيهم الملئ وغير الملئ وحال الحول فمن كان متهم مقرا مليا وجبت فيه الزكاة على صاحبه
ولزمه الأداء إذا قبض أربعين درهما ومن كان منهم جاحدا فليس فيه الزكاة على صاحبه الا على
قول زفر رحمه الله تعالى وقد بينا هذا في تفسير مال الضمار ومن كان منهم مقرا مفلسا فعلى
قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يجب على صاحبها الزكاة قبل القبض وعند محمد
رحمه الله تعالى إذا فلسه الحاكم فلا زكاة على صاحبها قبل القبض مر محمد رحمه الله تعالى
على أصله أن التفليس يتحقق فيصير المال تاويا ومر أبو حنيفة رحمه الله تعالى على أصله أن
التفليس لا يتحقق لان المال غاد ورائح فلا يصير به المال تاويا وأبو يوسف رحمه الله تعالى
يقول التفليس وإن كان يتحقق عندي ولكن لا يسقط به الدين إنما تتأخر المطالبة فهو نظير
الدين المؤجل والزكاة في الدين تجب قبل القبض المؤجل ثم قد بينا أنه لا يلزمه الأداء قبل
القبض عندنا وان فعل كان فضلا كمن عجل الزكاة بعد كمال النصاب قبل حولان الحول
197

(قال) وليس على التاجر زكاة مسكنه وخدمه ومركبه وكسوة أهله وطعامهم وما يتجمل
به من آنية أو لؤلؤ وفرس ومتاع لم ينو به التجارة لان نصاب الزكاة المال النامي ومعنى النماء
في هذه الأشياء لا يكون بدون نية التجارة وكذلك الفلوس يشتريها للنفقة فإنها صفر
والصفر ليس بمال الزكاة باعتبار عينه بل باعتبار طلب النماء منه وذلك غير موجود فيما إذا
اشتراه للنفقة. وذكر بشر بن الوليد عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن الصباغ إذا اشترى
العصفر والزعفران ليصبغ بهما ثياب الناس فعليه فيهما الزكاة لان ما يأخذه عوض عن
الصبغ القائم بالثوب ألا ترى أن عند فساد العقد يصار إلى التقويم فكان هذا مال التجارة بخلاف
القصار إذا اشترى الحرض والصابون والقلى لان ذلك آلة عمله فيصير مستهلكا ولا يبقى في
الثوب عينه فما يأخذ من العوض يكون بدل عمله لا بدل الآلة ونخاس الدواب إذا اشترى
الجلال والبراقع والمقاود فإن كان يبيعها مع الدواب فعليه فيها الزكاة وإن كان يحفظ الدواب
بها ولا يبيعها فليس عليه فيها الزكاة إذا لم ينو التجارة عند شرائها ثم لا خلاف ان نية التجارة
إذا اقترنت بالشراء أو الإعارة صار المال للتجارة لأن النية اقترنت بعمل التجارة
ولو ورث مالا فنوى به التجارة لا يكون للتجارة لأن النية تجردت عن العمل فالميراث
يدخل في ملكه من غير صنعه ولو قبل الهبة والوصية في مال بنية التجارة عند أبي يوسف
رحمه الله تعالى يكون للتجارة وعند محمد رحمه الله تعالى لا يكون للتجارة وكذلك في المهر
وبدل الخلع والصلح عن دم العمد فمحمد رحمه الله تعالى يقول نية التجارة لا تعمل
الا مقرونة بعمل التجارة وهذه الأسباب ليست بتجارة وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول
التجارة عقد اكتساب المال فما لا يدخل في ملكه الا بقبوله فهو كسبه فيصح اقتران نية
التجارة بفعله كالشراء والإجارة (قال) وما كان عنده من المال للتجارة فنواه للمهنة خرج من
أن يكون للتجارة لأنه نوى ترك التجارة وهو تارك لها للحال فاقترنت النية بالعمل وإن كان
عنده عبيد للخدمة فنوى التجارة لم تكن للتجارة ما لم يبعهم لأن النية تجردت عن عمل
التجارة وهو نظير المسافر ينوى الإقامة فإنه يصير مقيما والمقيم ينوى السفر فلا يصير مسافرا
ما لم يخرج إلى السفر والله أعلم بالصواب
198

* (باب العشر) *
(قال) رحمه الله العاشر من ينصبه الامام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار وتأمن
التجار بمقامه من اللصوص وقد روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يستعمل
أنس بن مالك رحمه الله تعالى على هذا العمل فقال له أتستعملني على المكس من عملك فقال
ألا ترضى أن أقلدك ما قلدنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي روى من ذم العشار محمول على
من يأخذ مال الناس ظلما كما هو في زماننا دون من يأخذ ما هو حق وهو الصدقة إذا
عرفنا هذا فنقول العاشر يأخذ مما يمر به المسلم عليه الزكاة إذا استجمعت شرائط الوجوب
لان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه لما نصب العشار قال لهم خذوا مما يمر به المسلم
ربع العشر ومما يمر به الذمي نصف العشر فقيل له فكم نأخذ مما يمر به الحربي فقال كم يأخذون منا فقالوا
العشر فقال خذوا منهم العشر. وفي رواية خذوا منهم مثل ما يأخذون منا فقيل له فإن لم يعلم كم
يأخذون منا فقال خذوا منهم العشر وان عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى كتب إلى عماله بذلك
وقال أخبرني به من سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم المسلم حين أخرج مال التجارة
إلى المفاوز فقد احتاج إلى حماية الامام فيثبت له حق أخذ الزكاة منه لأجل الحماية كما في
السوائم يأخذ الامام الزكاة لحاجته إلى حمايته وكما أن المسلم يحتاج إلى الحماية فكذلك الذمي بل
أكثر لان طمع اللصوص في أموال أهل الذمة أكثر وأبين (قال) وما يؤخذ من
المسلم إذا وجب أخذه من الكافر يضعف عليه كصدقات بنى تغلب فأما أهل الحرب
فالأخذ منهم على طريق المجازاة كما أشار إليه عمر رضى الله تعالى عنه ولسنا نعنى بهذا أن
أخذنا بمقابلة أخذهم فأخذهم أموالنا ظلم وأخذنا بحق ولكن المراد أنا إذا عاملناهم بمثل
ما يعاملوننا به كان ذلك أقرب إلى مقصود الأمان واتصال التجارات وإذا لم نعلم كم يأخذون
منا نأخذ منهم العشر لان حال الحربي مع الذمي كحال الذمي مع المسلم فان الذمي منا دارا
دون الحربي فكما يضعف على الذمي ما يؤخذ من المسلم فكذلك يضعف على الحربي ما يؤخذ
من الذمي (قال) فان مر على العاشر بأقل من مائتي درهم لم يأخذ منه شيئا وان علم أن
له في منزله مالا لان حق الاخذ إنما يثبت باعتبار المال الممرور به عليه لحاجته إلى الحماية وهذا
غير موجود فيما في بيته وما مر به عليه لم يبلغ نصابا وهذا إذا كان المار مسلما أو ذميا وقال
199

في الحربي في كتاب الزكاة هكذا أو في الجامع الصغير والسير الكبير قال إلا أن يكونوا
هم يأخذون من تجارنا من أقل من مائتي درهم فنحن نأخذ أيضا حينئذ ووجهه ان الاخذ
منهم بطريق المجازاة ووجه رواية كتاب الزكاة أن القليل عفو شرعا وعرفا فإن كانوا
يظلموننا في أخذ شئ من القليل فنحن لا نأخذ منهم ألا ترى أنهم لو كانوا يأخذون جميع
الأموال من التجار لا نأخذ منهم مثل ذلك لان ذلك يرجع إلى غدر الأمان وإذا كان
الممرور به نصابا كاملا أخذ من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي مثل
ما يأخذون من تجارنا عشرا كان أو أقل أو أكثر (قال) فان ادعى المسلم ان عليه
دينا يحيط بماله أو ان حوله لم يتم أو انه ليس للتجارة صدقه على ذلك إذا حلف لانكاره وجوب
الزكاة عليه وقد بينا مثله في السوائم وكذلك إذا قال هذا المال ليس لي صدقه مع يمينه ولم يأخذ
منه شيئا لان ثبوت حق الاخذ له إذا حضره المالك والملك فكما أن حضور المالك بدون
الملك لا يثبت له حق الاخذ فكذلك حضور الملك بدون المالك ولان المستبضع فوض إليه
التصرف في المال دون أداء الزكاة وليس للعاشر ان يأخذ غير الزكاة (قال) ويصدق الذمي
أيضا فيما يصدق فيه المسلم لأنه من أهل دارنا فاما الحربي فلا يصدق على شئ من ذلك لأنه
ان قال لم يتم الحول ففي الاخذ منه لا يعتبر الحول لأنه لا يمكن من المقام في دارنا حولا وان
قال على دين فالدين الذي وجب عليه في دار الحرب لا يطالب به في دارنا وان قال ليس للتجارة
فهو ما دخل دارنا الا لقصد التجارة فما معه يكون للتجارة إلا أن يقول لغلام في يده هذا
ولدى أو لجارية في يده هذه أم ولدى لان النسب يثبت في دار الحرب كما يثبت في دار
الاسلام فأمومية الولد تثبت بناء على نسب الولد فتنعدم المالية فيهما باقراره فلا يأخذ منه شيئا
فان قال المسلم دفعت صدقتها إلى المساكين صدقه على ذلك لو حلف بخلاف السوائم لان
في عروض التجارة كان الدفع إلى المساكين مفوضا إليه قبل المرور به على العاشر وفي
السوائم كان حق الاخذ للامام (قال) ولا يأخذ العاشر مما يمر به المكاتب واليتيم وإن كان
وصيه معه لما بينا أنه إنما يأخذ الزكاة ولا تجب الزكاة في كسب المكاتب ولا في مال
اليتيم (قال) وإذا أخبر التاجر العاشر أن متاعه مروى أو هروى واتهمه العاشر وفى فتحه ضرر
عليه حلفه وأخذ منه الصدقة على قوله لأنه ليس له ولاية الاضرار به وقد نقل عن عمر
رضي الله عنه أنه قال لعماله لا تفتشوا على الناس متاعهم ثم لو أنكر وجوب الزكاة فيه
200

صدقه مع اليمين فكذلك لو أنكر الزيادة (قال) والتغلبي والذمي في المرور على العاشر سواء
لان الصلح مع بنى تغلب على أن يؤخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلم فلا تجوز الزيادة
عليه (قال) وان أخذ من الحربي العشر لم يطالب به مرة أخرى ما دام في أرض
الاسلام لما روى أن نصرانيا خرج بفرس من الروم ليبيعه في دارنا فأخذ منه العاشر العشر
ثم لم يتفق له بيعه فلما عاد به ليدخل دار الحرب طالبه العاشر بعشره فقال إني كلما مررت
عليك لو أديت إليك عشره لم يبق لي شئ فترك الفرس عنده وجاء إلى المدينة فوجد عمر
رضي الله عنه في المسجد مع أصحابه ينظرون في كتاب فوقف على باب المسجد فقال إنا الشيخ
النصراني فقال عمر وأنا الشيخ الحنفي فما وراءك فقص عليه القصة فعاد عمر إلى ما كان فيه فظن
أنه لم يلتفت إلى كلامه فرجع عازما على أداء العشر ثانيا فلما انتهى إلى العاشر إذا كتاب
عمر سبقه انك ان أخذت مرة فلا تأخذ مرة أخرى (قال) النصراني ان دينا يكون
العدل فيه بهذه الصفة لحقيق أن يكون حقا فأسلم ولان تجدد حق الاخذ باعتبار تجدد
الحول والحربي لا يمكن من المقام في دارنا حولا قال في الكتاب إلا أن يتجدد الحول ومراده
إذا لم يعلم الامام بحاله حتى حال الحول فحينئذ يأخذ منه ثانيا لتجدد الحول كما يأخذ من الذمي
(قال) فان رجع إلى دار الحرب ثم عاد عشرة ثانية وإن كان في يومه ذلك لأنه بالرجوع
التحق بحربي لم يدخل دارنا قط. ألا ترى أنه في الدخول يحتاج إلى استئمان جديد ولان
الاخذ منه لأجل الأمان وقد انتهى ذلك برجوعه فدخوله ثانيا يكون بأمان جديد فلهذا
يأخذ منه (قال) وإذا مر العبد بمال مولاه يتجر به لم يأخذ منه العشر إلا أن يكون المولى
حاضرا أما إذا كان المال بضاعة في يد العبد للمولى فهو غير مشكل كما لو كان بضاعة مع
أجنبي واما إذا كان المال كسب العبد وهو مأذون فإن كان عليه دين يحيط به فلا زكاة
عليه فيه وإن لم يكن عليه دين فإن كان المولى معه يأخذ منه الزكاة وإن لم يكن المولى معه ففي
كتاب الزكاة يقول لا يأخذ منه الزكاة ثم رجع وقال لا يأخذ منه شيئا. وفي الجامع
الصغير يقول يأخذ منه ربع العشر في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا يأخذ منه في قولهما
وفى المضارب إذا مر على العاشر بمال المضاربة كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أولا يأخذ منه
الزكاة ثم رجع وقال لا يأخذ منه شيئا وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ولا أعلمه رجع في
العبد أم لا وقياس قوله الثاني في المضارب يوجب أن لا يأخذ من العبد شيئا أيضا. وجه قوله الأول
201

ان المضارب له حق قوى يشبه الملك فإنه شريك في الربح وإذا صار المال عروضا بملك
التصرف على وجه لو نهاه رب المال لا يعمل نهيه فكان حضور المضارب كحضور المالك. وجه
قوله الآخر أن المضارب أمين في المال كالمستبضع والأجير وإنما فوض إليه التجارة في المال
لا أداء الزكاة والزكاة تستدعى نية من عليه فإن كان قوله الثاني في العبد انه لا يأخذ منه
أيضا فلا حاجة إلى الفرق وإن لم يرجع في العبد فوجه الفرق ان المأذون يتصرف لنفسه
حتى إذا لحقته العهدة لا يرجع به على المولى فكان في أداء ما يجب في كسبه كالمالك بخلاف
المضارب فإنه نائب في التصرف يرجع بما يلحقه من العهدة على رب المال فلا يكون له ولاية
أداء الزكاة (قال) وإذا مر على العاشر بمال ومعه براءة بغير اسمه يقول هذه براءة
من عاشر كذا مر به رجل كان هذا المال معه مضاربة في يده فان حلف على ذلك كف
عنه لأنه أخبر بخبر محتمل وهو أمين فيصدقه على ذلك كما لو قال أديتها إلى المساكين (قال)
وان مر به على عاشر الخوارج فعشره لم يحسبه له عاشر أهل العدل قال لان ذلك لا يجزئه
من زكاته ومعناه أنهم يأخذون أموالنا بطريق الاستحلال لا بطريق الصدقة ولا
يصرفونه مصارف الصدقة وصاحب المال هو الذي عرض ماله للاخذ بالمرور عليه فلا
يسقط به حق عاشر أهل العدل في الاخذ منه (قال) ولا يجزى في الزكاة عتق رقبة
ولا الحج ولا قضاء دين ميت ولا تكفينه ولا بناء مسجد * والأصل فيه أن الواجب فيه
فعل الايتاء في جزء من المال ولا يحصل الايتاء الا بالتمليك فكل قربة خلت عن التمليك
لا تجزى عن الزكاة واعتاق الرقبة ليس فيه تمليك شئ من العبد لان العبد يعتق على ملك
المولى ولهذا كان الولاء له وكذلك الحج فان ما ينفقه الحاج في الطريق لا يملكه غيره وان
أحج رجلا فالحاج ينفق على ملك المحجوج عنه ذلك المال وكذلك قضاء دين الميت فاته لا يملك
الميت شيئا وما يأخذه صاحب الدين يأخذه عوضا عن ملكه وكذلك تكفين الميت فإنه ليس
فيه تمليك من الميت فإنه ليس من أهل الملك ولا من الورثة لأنهم لأنهم لا يملكون ما هو
مشغول بحاجة الميت وكذلك بناء المسجد ليس فيه تمليك من أحد (قال) ولا يعطى
من الزكاة كافر إلا عند زفر رحمه الله تعالى فإنه يجوز دفعها إلى الذمي وهو القياس لان
المقصود اغناء الفقير المحتاج على طريق التقرب وقد حصل (ولنا) قوله صلى الله عليه
وسلم خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم فذلك تنصيص على الدفع إلى فقراء من
202

تؤخذ من أغنيائهم وهم المسلمون (قال) ولا بأس بأن يعين به حاجا منقطعا أو غازيا أو
مكاتبا لان التمليك علي سبيل التقرب يحصل به والمكاتب من مصارف الصدقات بالنص.
قال الله تعالى وفي الرقاب والغارمين وفى سبيل الله ويدخل في هذا الحاج المنقطع أيضا ثم هو
بمنزلة ابن السبيل وابن السبيل من مصارف الصدقات وكذلك يقضى دين مغرم بأمره ويجوز
ذلك إذا كان المديون فقيرا لأنه يملكه أولا ثم يقضى دينه بأمره بملكه. ألا ترى أن من أمر
انسانا بقضاء دينه كان له أن يرجع عليه إذا قضاه ولا يكون ذلك الا بعد التمليك منه (قال)
ويجزئه أن يعطى من الواجب جنسا آخر من المكيل والموزون أو العروض أو غير ذلك بقيمته
وهذا عندنا وقد بيناه (قال) وان أعطى من جنس ماله وكان من الأموال الربوية فلا معتبر
بالقيمة عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى. بيانه إذا كان له مائتا درهم نبهرجة فأدى منها أربعة
دراهم جيادا تبلغ قيمتها خمسة نبهرجة لا يجوز عندنا إلا عن أربعة دراهم وعلى قول زفر رحمه
الله تعالى يجوز عن الكل لان في القيمة وفاء بالواجب ولا ربا بين الله تعالى وبين العبد ولكنا
نقول ليس للجودة قيمة في الأموال الربوية عند مقابلتها بجنسها وأداء أربعة جياد كأداء أربعة
نبهرجة فلا تجزيه إلا عن مثل وزنه (قال) رجل له على آخر دين فتصدق به عليه ينوى أن
يكون من زكاة ماله لا يجزئه إلا عن مقدار الدين إن كان المديون فقيرا لان الواجب في المال
العين جزء منه والدين أنقص في المالية من العين ولا يجوز أداء الناقص عن الكامل فان أراد
الحيلة فالوجه أن يتصدق عليه بقدر الزكاة من العين ثم يسترده من يده بحساب دينه
وكذلك أداء زكاة الدين عن دين آخر لا يجوز بأن كان له مائتا درهم على رجل وخمسة على
فقير فأبرأه من تلك الخمسة ينوى به زكاة المائتين لم يجزئه لأنه هذا الدين يتعين بالقبض وما أبرأ
الفقير منه لا يتعين فكأن دونه في المالية ولان مبادلة الدين بالدين لا تجوز في حق العباد
فكذلك في حقوق الله تعالى والواجب من كل دين جزء منه فأما إذا كان الدين كله على
الفقير فوهبه له أو أبرأه منه ينوى عن زكاة ذلك الدين يجزئه لان الواجب جزء من ذلك
الدين وقد أوصله إلى مستحقه فيجوز وهو كما لو وهب النصاب العين كله من الفقير (قال)
وإن كان المديون غنيا فوهب له ما عليه بعد وجوب الزكاة قال في الجامع يضمن مقدار الزكاة
للفقراء وقال في نوادر الزكاة لا يضمن شيئا لان وجوب الأداء ينبنى على القبض وهو لم
يقبض شيئا وفى رواية الجامع قال صار مستهلكا حق الفقراء بما صنع فهو كما لو وجبت الزكاة
203

عليه في مال عين فوهبه لغنى وهذا أصح لأنه بتصرفه يجعل قابضا حكما كالمشترى إذا أعتق العبد
المشترى قبل القبض يصير قابضا وأما مال المضاربة فعلى رب المال زكاة رأس المال وحصته
من الربح وعلى المضارب زكاة حصته من الربح إذا وصلت يده إليه إن كان نصابا أو كان له
من المال ما يتم به النصاب عندنا. وللشافعي رحمه الله تعالى ثلاثة أقاويل في نصيب المضارب قول
مثل قولنا وقول ان زكاة ذلك على رب المال لأنه موقوف لحقه حتى لا يظهر الربح ما لم يصل
إليه رأس المال ولان الربح تبع وزكاة الأصل عليه فكذلك التبع وقول آخر انه لا زكاة في
نصيب المضارب على أحد لأنه متردد بينه وبين رب المال يسلم له ان بقي كله ويكون لرب
المال ان هلك بعضه فهو نظير كسب المكاتب فليس فيه زكاة على أحد لأنه متردد بينه
وبين المولى وفي الحقيقة هذه المسألة بناء على أصله أن استحقاق المضارب الربح بطريق
الجعالة لا بطريق الشركة إذ ليس له رأس مال ولا بطريق الأجرة لان عمله غير معلوم
عند العقد والجعالة لا تملك الا بالقبض كالعمالة لعامل الصدقات (ولنا) ان المضارب
شريكه في الربح فكما يملك رب المال نصيبه من الربح في حكم الزكاة فكذلك المضارب
لان مطلق الشركة يقتضى المساواة وبيان الوصف ان رأس ماله العمل ورأس مال الثاني
المال والربح يحصل بهما فقد تحققت الشركة وقد نصا في العقد على هذا وتنصيصهما معتبر
بالاجماع والدليل عليه أن المضارب يملك المطالبة بالقسمة ويتميز به نصيبه ولا حكم للشركة
الا هذا واستدل الشافعي رحمه الله تعالى بما لو اشترى بألف المضاربة عبدين كل واحد
منهما يساوى ألفا فإنه لا شئ على المضارب هنا والربح موجود ولكنا نقول عند زفر رحمه
الله تعالى تجب عليه الزكاة في نصيبه وكذلك عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لأنهما
يريان قسمة الرقيق اما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فلا يرى قسمة الرقيق فكل واحد من
العبدين في حق المضارب مشغول برأس المال كأنه ليس معه غيره فلا يظهر الربح حتى أن في
حق رب المال لما كانا كشئ واحد كان عليه زكاة رأس المال وحصته من الربح (قال) ويأخذ
العاشر من مال الصبي الحربي إذا مر به عليه إلا أن يكونوا لا يأخذون من مال صبياننا شيئا
وكذلك المكاتب لان الاخذ منهم بطريق المجازاة فنعاملهم بمثل ما يعاملوننا به كما بينا فيما
دون النصاب (قال) وإذا مر التاجر على العاشر بالرمان والبطيخ والقثاء والسفر جل
والعنب والتين قد اشتراه للتجارة وهو يساوى نصابا لم يعشره في قول أبي حنيفة رحمه الله
204

تعالى ولكن يأمره بأداء الزكاة بنفسه وعندهما يعشره لان الزكاة تجب في هذه الأموال
إذا كانت للتجارة والعاشر يأخذ الزكاة الواجبة فيأخذ من هذه الأموال كما يأخذ من سائر
الأموال وإنما يأخذ لحاجة صاحب المال إلى حمايته وذلك موجود في هذه الأشياء ولأبي
حنيفة رحمه الله تعالى حرفان أحدهما أن حق الاخذ للعاشر باعتبار المال الممرور به عليه
خاصة وهذه الأشياء لا تبقى حولا فلا تجب الزكاة فيها إلا باعتبار غيرها مما لم يمر به عليه
فهو نظير ما لو مر عليه بما دون النصاب وقال في بيتي ما يتم به النصاب والثاني ان العاشر
يأخذ من عين ما يمر به عليه وليس بحضرته فقراء ليصرفه إليهم ولا يمكنه ان يدخره إلى أن
يأتيه الفقراء لان ذلك يفسد فقلنا لا يأخذ منه شيئا ولكن يأمره بالأداء بنفسه وكذلك
لا يأخذ من الذمي والحربي أما على الأول فظاهر وكذلك على الطريق الثاني لأنه ليس
بحضرته من المقاتلة من يصرف إليهم المأخوذ (قال) وان مر الذمي على العاشر بالخمر
والخنزير للتجارة عشر الخمر من قيمتها ولم يعشر الخنازير ورواه في الخمر عن إبراهيم
وكان مسروق يقول يأخذ من عين الخمر وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى ان مر على العاشر
بالخنازير وحدها لم يأخذ منه شيئا وان مر بها مع الخمر أخذ منها جميعا من القيمة وكأنه جعل
الخنازير في هذا تبعا للخمر وهو نظير مذهبه في وقف المنقول أنه لا يجوز الا تبعا للعقار. وجه
قوله ان كل واحد منهما مال في حق أهل الذمة يضمن بالاتلاف له. وجه ظاهر الرواية
ما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه بلغه ان عماله يأخذون العشر من خمور أهل
الذمة فقال ولو هم بيعها وخذوا العشر من أثمانها ثم الخمر عين هو قريب من المالية في حق
المسلمين لان العصير قبل التخمر كان مالا وهو بعرض المالية إذا تخلل بخلاف الخنزير فإنه
ليس له عرضية المالية في حق المسلمين والعاشر مسلم فلهذا لا يأخذ منها (قال) رجل له
مائتا درهم مكثت عنده أشهرا ثم وهبها لرجل ودفعها إليه ثم رجع فيها قال يستأنف لها
الحول من وقت رجوعه فيها لان ملكه زال بالهبة والتسليم ولم يبق شئ مما انعقد عليه
الحول له ولا يتصور بقاء الحول الا بمحل (قال) وان مكثت عند الموهوب له سنة ثم
رجع فيها لم يكن على واحد منهما زكاة تلك السنة اما على الواهب فلأنها لم تكن في ملكه
في الحول وأما على الموهوب له فلان مال الزكاة استحق من يده بغير اختباره ويستوى إن كان
رجوع الواهب بقضاء أو بغير قضاء عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى إن كان رجوعه بقضاء
205

فكذلك وإن كان رجوعه بغير قضاء القاضي فعلى الموهوب له زكاة تلك السنة وقال سفيان
الثوري رضي الله عنه ليس للواهب أن يرجع في مقدار الزكاة لأنها صارت مستحقة للفقراء
وتعلق حق الفقراء بالموهوب يمنع الواهب من الرجوع كما لو جعله الموهوب له مرهونا.
وجه قول زفر رحمه الله تعالى أن الرجوع إذا كان بغير قضاء فالموهوب له أزال ملكه
باختياره بعد وجوب الزكاة فيضمن الزكاة كما لو وهبه ابتداء ألا ترى أنه لو كان في مرضه
كان معتبرا من ثلث ماله. وجه قولنا أن حق الواهب مقصور على العين وفى مثله القضاء
وغير القضاء سواء لأنهما فعلا بدون القاضي عين ما يأمر به القاضي لو رفعا الامر إليه
والموهوب له نظر لنفسه حين لم ير في الخصومة فائدة فلم يكن متلفا حق الفقراء وإن كان
في مرضه ففيه روايتان كلاهما في كتاب الهبة والأصح أنه يعتبر من جميع ماله سواء
رجع بقضاء أو بغير قضاء (قال) وإذا أخرجت الأرض العشرية طعاما فباعه قبل أن يؤدى
عشره فجاء العاشر والطعام عند المشترى فإن شاء أخذ عشر الطعام من المشترى ورجع المشترى
على البائع بعشر الثمن وان شاء أخذه من البائع لان على أحد الطريقين الحب ينبت على الحقين
عشره للفقراء وتسعة أعشاره للمالك فلم ينفذ بيعه في مقدار العشر فكان للمصدق أن يأخذ
العشر من المشترى قبل الافتراق وبعد الافتراق بخلاف زكاة السائمة. وعلى الطريق الثاني
يجب إيتاء العشر إلى الفقراء من غير اعتبار حال من يجب عليه فكان العين هو المقصود
فلا يبطل الحق عنه بالبيع بخلاف الزكاة فان الفعل هو المقصود فيه بدليل اعتبار حال من
يجب عليه وان شاء أخذ من البائع لا تلافه محل حق الفقراء (قال) وإذا باع الأرض
وفيها زرع قد أدرك فعشر الزرع على البائع لان حق الفقراء قد ثبت في الزرع وهو ملك البائع
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى بنفس الخروج كما قال الله تعالى ومما خرجنا لكم من الأرض
وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى بالادراك قال الله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده وعند محمد رحمه الله
تعالى بالاستحكام وذلك كله حصل في ملك البائع وهو نماء أرضه فوجب عليه عشره واما
المشترى فقد استحقه عوضا عما أعطى من الثمن فلا شئ عليه فان باعها والزرع بقل فعشره
على المشترى إذا حصده بعد الادراك لان وجوب العشر في الحب وانعقاده كان في ملك المشتري
وهو نماء أرضه وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى عشر مقدار البقل على البائع لان ذلك
القدر من النماء حصل في ملكه اما عشر الحب فعلى المشترى وكذلك أن باع الزرع وهو
206

قصيل فان قصله المشترى في الحال فالعشر على البائع وان تركه على الأرض باذن البائع حتى
استحصد فالعشر على المشترى وكذلك كل شئ من الثمار وغيره مما فيه العشر يبيعه صاحبه في
أول ما يطلع فان قطعه المشترى فالعشر على البائع وان تركه باذن البائع حتى أدرك فالعشر على
المشترى وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى عشر مقدار الطلع والبقل على البائع والزيادة على
المشترى * وحاصل مذهب أبي يوسف رحمه الله تعالى ان بانعقاد الحب وادراك الثمار يزداد
النماء فيزداد الواجب لا أنه يسقط ما كان واجبا أو يتحول إلى غيره وعند أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله تعالى الحب هو المقصود فإذا انعقد كان الواجب فيه دون غيره وانعقاده كان
في ملك المشتري فلهذا كان العشر عليه (قال) وإذا اشترى أرض عشر أو خراج
للتجارة لم يكن عليه زكاة التجارة عندنا. وعند محمد رحمه الله تعالى ان عليه زكاة التجارة
مع العشر والخراج وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى ووجهه أن العشر محله الخارج والزكاة
محلها عين مال التجارة وهو الأرض فلم يجتمعا في محل واحد فوجوب أحدهما لا يمنع وجوب
الآخر كالدين مع العشر. وجه ظاهر الرواية ان العشر والخراج مؤنة الأرض النامية. ألا
ترى أنه يقال عشر الأرض وخراج الأرض وكذلك الزكاة وظيفة المال النامي وهي الأرض
فكل واحد منهما يجب حقا لله تعالى فلا يجب بسبب ملك مال واحد حقان لله تعالى
كما لا تجب زكاة السائمة وزكاة التجارة باعتبار مال واحد وإذا ثبت أنه لا وجه للجمع
بينهما قلنا العشر والخراج صار وظيفة لازمة لهذه الأرض لا يسقط باسقاط المالك
وهو أسبق ثبوتا من زكاة التجارة التي كان وجوبها بنيته. فلهذا بقيت عشرية وخراجية كما
كانت (قال) وان اشترى دارا للتجارة فحال عليها الحول زكاها من قيمتها لأنه ما تعلق برقبة
الدار حق آخر لله تعالى وهي وسائر العروض سواء (قال) ولا يجتمع العشر والخراج
في أرض واحدة عندنا وقال ابن أبي ليلى في الأرض الخراجية يجب أداء العشر من الخارج
منها مع الخراج وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى واستدلا في ذلك بظاهر قوله صلى الله
عليه وسلم ما أخرجت الأرض ففيه العشر ولان العشر مع الخراج حقان اختلفا محلا ومستحقا
وسببا فان الخراج في ذمة المالك مصروف إلى المقاتلة والعشر في الخراج مصروف إلى
الفقراء فوجوب أحدهما لا ينفى وجوب الآخر كالدين مع العشر ثم الخراج بمنزلة الأجرة
للأرض ولهذا لا يجب الا في الأراضي المفتوحة عنوة ووجوب الأجرة لا ينفى وجوب
207

العشر في الخارج. وجه قولنا ما روى عن ابن مسعود رحمه الله تعالى موقوفا عليه ومرفوعا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع العشر والخراج في أرض رجل مسلم ولان
أحدا من أئمة العدل والجور لم يأخذ العشر من أرض السواد مع كثرة احتيالهم لاخذ
أموال الناس وكفى بالاجماع حجة ثم الخراج والعشر كل واحد منهما مؤنة الأرض النامية ولا
يجتمع المؤنتان بسبب أرض واحدة وسببهما لا يجتمع فان سبب وجوب الخراج فتح الأرض
عنوة وثبوت حق الغانمين فيها وسبب وجوب العشر اسلام أهل البلدة البلدة طوعا وعدم
ثبوت حق الغانمين فيها وبينهما تناف فإذا لم يجتمع السببان لا يثبت الحكمان جميعا
(قال) رجل مات وله أرض عشرية قد أدرك زرعها قال يؤخذ منها العشر. وروى ابن
المبارك عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انه لا يؤخذ منها العشر لأنها صارت لغير من وجب
عليه فهو بمنزلة صدقة السائمة. وجه ظاهر الرواية أن العين هي المقصودة هنا دون الفعل والعين
باقية بعد موته فيبقى مشغولا بحق الفقراء بخلاف الزكاة فان الواجب هناك فعل الايتاء
والفعل لا يمكن ابقاؤه مستحقا ببقاء المال فلهذا سقط بالموت (قال) رجل له رطبة في
أرض العشر وهي تقطع في كل أربعين يوما قال يأخذ منها العشر كلما قطعت وهذا بناء
على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى في ايجاد العشر في الرطب فاما عندهما فلا يجب العشر
الا فيما له ثمرة باقية على ما نبينه ومقصوده في هذه المسألة ان الحول لا يعتبر لا يجاب العشر وهو
ظاهر على مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإنه لا يعتبر النصاب لا يجاب العشر واما عندهما
فالنصاب معتبر والحول لا يعتبر لان اعتبار الحول لتحقق النماء في السوائم وعروض التجارة
والعشر لا يجب الا فيما هو نماء محض فلا حاجة إلى اعتبار الحول فيه (قال) وإذا كان
صاحب العنب يبيعه مرة عنبا ومرة عصيرا ومرة زبيبا بأقل من قيمته أو بأكثر أخذ العشر
في جميع ذلك من الثمن إذا لم يكن حابى فيه محاباة فاحشة وهذا على قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى فإنه يوجب العشر في القليل والكثير وفيما يبقى أولا يبقى أما عندهما فلا يجب العشر
فيما دون خمسة أوسق مما يبقى فينظر إلى هذا العنب فإن كان مقدارا يكون فيه من
الزبيب خمسة أوسق أو أكثر يجب العشر فيؤخذ ذلك من الثمن كما قال أبو حنيفة رحمه
الله تعالى لان وجوب حق الله تعالى في المال لا يمنع صحة البيع من صاحبه وإن كان دون
ذلك أو كان عنبا رطبا رقيقا لا يصلح الا للماء ولا يتأتي منه الزبيب فلا شئ فيه عندهما
208

(قال) رجل له على رجل دين فدافعه سنين وليس له عليه بينة ثم أعطاه فليس عليه زكاة
ما مضى وكذلك الوديعة ومعنى قوله دافعه أي أنكره فإنه قال في بعض نسخ لزكاة فكابره
به سنين وهو عبارة عن الجحود وقد بينا أن المجحود ضمار ولا زكاة في الضمار وفي قوله وليست
له عليه بينة دليل على أنه إذا كان لصاحب الحق بينة فلم يقمها سنين انه تلزمه الزكاة لما
مضى لان التفريط من قبله جاء وقد بينا في هذا اختلاف الروايات (قال) رجل تزوج
امرأة على ألف درهم بعينها ولم يدفعها إليها حتى حال الحول ثم قبضت فليس عليه فيما مضى
زكاة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الآخر ولا على الزوج وفي قولهما عليها زكاة الألف
وقد بينا هذا في السوائم ففي النقود مثله فإن كانت قبضتها وحال عليها الحول عندها ثم طلقها
قبل الدخول بها لم يسقط عنها شئ من الزكاة عندنا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يسقط
عنها زكاة النصف كما في السوائم وهذا بناء على أن النقود تتعين عنده بالتعيين فعند الطلاق
يلزمها رد نصف المقبوض بعينه واستحقاق مال الزكاة بعد الحول من يد صاحبه يسقط
الزكاة وعندنا النقود لا تتعين في العقود فعند الطلاق لا يلزمها رد شئ من المقبوض بعينه
إنما عليها خمسمائة دينا للزوج فهذا دين لحقها بعد الحول وذلك غير مسقط للزكاة (قال)
وإذا حال الحول على مال الشريكين المفاوضين فأدى كل واحد منهما زكاة جميع المال فان
أدى كل واحد منهما بغير أمر صاحبه ضمن لصاحبه لان كل واحد منهما بسبب الشركة
صار نائبا عن صاحبه في التجارات دون إقامة العبادات وإن كان كل واحد منهما قد أمر صاحبه
بأداء الزكاة فهذا على وجهين اما أن يؤديا معا أو على التعاقب فان أديا معا ضمن كل واحد
منهما لصاحبه حصته مما أدى في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولم يضمن عندهما وان أديا
على التعاقب فلا ضمان على المؤدى أولا منهما لصاحبه ويضمن المؤدى آخرا لصاحبه حصته
مما أدى في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى سواء علم بأدائه أولم يعلم وعندهما ان علم بأداء
صاحبه يضمن وإلا فلا هكذا أشار إليه في كتاب الزكاة وفى الزيادات يقول لا ضمان عليه
سواء علم بأداء شريكه أولم يعلم وهو الصحيح عندهما وكذلك الخلاف في الوكيل بأداء الزكاة
إذا أدى بعد أداء الموكل بنفسه وكذلك الخلاف في الوكيل يعتق العبد عن الظهار إذا أعتقه
بعد ما كفر الموكل بنفسه أو بعد ما عمى العبد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا ينفذ عتقه
وعندهما ينفذ سواء علم بتكفير الموكل أولم يعلم على ما ذكره في الزيادات. وجه قولهما ان أداء
209

الزكاة بنفسه يتضمن عزل الوكيل فلا يثبت حكمه في حقه قبل العلم به ولأنه كان عن قصد
وفعل من الموكل فهو كالتصريح بالعزل ونظيره لوكيل بقضاء الدين إذا قضي الموكل بنفسه ثم
قضى الوكيل فان علم بأداء الموكل فهو ضامن والا لم يضمن شيئا أما على رواية الزيادات قال
هو مأمور بدفع المال إلى الفقير على وجه يكون صدقة وقربة وأداء الموكل بنفسه لا ينفى هذا
المعنى فلا يوجب عزل الوكيل فكان هو في الأداء ممتثلا أمره فلا ضمان عليه سواء علم بأدائه
أو لم يعلم بخلاف المأمور بقضاء الدين فإنه مأمور بان يملكه ما في ذمته بما يدفع إليه وذلك
لا يتصور بعد قضاء الموكل بنفسه الدين فكان قضاؤه عزلا للوكيل ولكن لا يثبت حكمه في
حقه قبل العلم به دفعا للضرر عنه. فاما أبو حنيفة رحمه الله تعالى قال هو مأمور بأداء الزكاة
وقد أدى غير الزكاة فكان مخالفا ضامنا. بيانه ان موجب أداء الزكاة سقوط الفرض عن
ذمته وقد سقط بأداء الموكل بنفسه فلا يتصور اسقاطه بأداء الوكيل وكان أداء الموكل عزلا
للوكيل من طريق الحكم لفوات المحل وذلك لا يختلف بالعلم والجهل كالوكيل ببيع العبد
إذا أعتق الموكل العبد انعزل الوكيل علم به أولم يعلم بخلاف الوكيل بقضاء الدين فإنه مأمور
بان يجعل المؤدى مضمونا على القابض على ما هو الأصل بأن الديون تقضى بأمثالها وذلك
لا يتصور بعد أداء الموكل فلم يكن أداؤه. وجبا عزل الوكيل حكماء يوضح الفرق أن هناك لو لم
نوجب الضمان على الوكيل لجهله بأداء الموكل لا يلحق الموكل فيه ضرر فإنه يتمكن من استرداد
المقبوض من القابض ويضمنه إن كان هالكا وهنا لو لم نوجب الضمان أدى إلى الحاق الضرر
بالموكل لأنه لا يتمكن من استرداد الصدقة من الفقير ولا تضمينه والضرر مدفوع فلهذا
أوجبنا الضمان بكل حال (قال) رجل دفن ماله في بعض بيوته فنسيه حتى مضى على ذلك
سنون ثم تذكر فعليه الزكاة لما مضى بخلاف ما إذا دفنه في الصحراء لان البيت حرز
فالمدفون فيه يكون في يده حكما وقيام الملك واليد يمنع أن يكون المال تاويا فأما الصحراء
فليس بحرز فانعدم به يده حين عدم طريق الوصول إليه وهو العلم فكان تاويا. يوضحه أن
المدفون في بيته يتيسر طريق الوصول إليه بنبش كل جانب منه بخلاف المدفون في الصحراء
وكذلك لو أودعه عند انسان ثم نسيه إن كان المودع من معارفه فعليه الزكاة لما مضى ان
تذكره وإن كان ممن لا يعرفه فلا زكاة عليه فيما مضى لما بينا من تيسر الوصول إليه وتعذره
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
210

* (باب المعادن وغيرها) *
اعلم أن المستخرج من المعادن أنواع ثلاثة. منها جامد يذوب وينطبع كالذهب والفضة
والحديد والرصاص والنحاس. ومنها جامد لا يذوب بالذوب كالجص والنورة والكحل والزرنيخ
. ومنها مائع لا يجمد كالماء والزئبق والنفط. فأما الجامد الذي يذوب بالذوب ففيه الخمس
عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى فيما سوى الذهب والفضة لا يجب شئ وفى الذهب
والفضة يجب ربع العشر والنصاب عنده معتبر حتى إذا كان دون المائتين من الفضة لا يجب
شئ وفى اعتبار الحول له وجهان. حجته قوله صلى الله عليه وسلم في الرقة ربع العشر وهو اسم
للذهب والفضة. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى بلال بن الحارث معادن
القبلية وهي يؤخذ منها ربع العشر إلى يومنا هذا والمعنى فيه أنه مباح لم تحرزه يد قط فكان
لمن وجده ولا شئ فيه كالصيد والحطب والحشيش وهذا لان الناس في المباحات سواء
وإنما يظهر التقوم فيها بالاحراز فكانت للمحرز إلا أن الزكاة واجبة في الذهب والفضة
باعتبار أعيانهما دون سائر الجواهر ولكن يشترط تكميل النصاب والحول على أحد الوجهين
وفى الوجه الآخر قال كم من حول مضى على هذا العين قبل أخذه واعتبار الحول لحصول
النماء وهذا كله نماء فلا معنى لاعتبار الحول فيه بخلاف الكنز فإنه كان في يد أهل الحرب
وقد وقع في يد المسلمين بايجاف الخيل والركاب ووجب فيها الخمس ولم يؤخذ لخفاء مكانه
حتى ظهر الآن فلهذا يؤخذ منه الخمس فاما الذهب والفضة من المعدن فحادث يحدث بمرور
الزمان من غير أن كان في يد أحد فهو كالحطب والحشيش (وأصحابنا) احتجوا بحديث أبي
سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وفى الركاز الخمس واسم الركاز
يتناول الكنز والمعدن جميعا لأنه عبارة عن الاثبات يقال ركز رمحه في الأرض إذا أثبته
والمال في المعدن مثبت كما هو في الكنز ولما قيل يا رسول الله وما الركاز قال الذهب والفضة
الذين خلقهما الله في الأرض يوم خلقها. ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجد
في الخرب العادي قال فيه وفى الركاز الخمس فعطف الركاز على المدفون فعلم أن المراد بالركاز
المعدن والمعنى فيه أن هذا مال نفيس مستخرج من الأرض فيجب فيه الخمس كالكنز وهذا
لان المعنى الذي لأجله وجب الخمس في الكنز موجود في المعدن فان الذهب والفضة
211

تحدث في المعدن من عروق كانت موجودة حين كانت هذه الأرض في يد أهل الحرب
ثم وقعت في يد المسلمين بايجاف الخيل فتعلق حق مصارف الخمس بتلك العروق فيثبت
فيما يحدث منها فكان هذا والكنز سواء من هذا الوجه ثم يستوى إن كان الواجد حرا
أو عبدا مسلما أو ذميا صبيا أو بالغا رجلا أو امرأة فإنه يؤخذ منه الخمس
والباقي يكون للواجد سواء وجده في أرض العشر أو أرض الخراج لان استحقاق هذا
المال كاستحقاق الغنيمة ولجميع من سمينا حق في الغنيمة اما سهما واما رضخا فان
الصبي والعبد والذمي والمرأة يرضخ لهم إذا قاتلوا ولا يبلغ بنصيبهم السهم تحرزا عن
المساواة بين التابع والمتبوع وهنا لا مزاحم للواجد في الاستحقاق حتى يعتبر التفاضل
فلهذا كان الباقي له. والذي روى أن عبدا وجد جرة من ذهب على عهد عمر رضي الله عنه
فأدى ثمنه منه وأعتقه وجعل ما بقي منه لبيت المال. تأويله انه كان وجده في دار رجل فكان
لصاحب الخطة ولم يبق أحد من ورثته فلهذا صرفه إلى بيت المال ورأي المصلحة في أن
يعطى ثمنه من بيت المال ليوصله إلى العتق * وأما الجامد الذي لا يذوب بالذوب فلا شئ
فيه لقوله صلى الله عليه وسلم لا زكاة في الحجر ومعلوم انه لم يرد به إذا كان للتجارة وإنما
أراد به إذا استخرجه من معدنه فكان هذا أصلا في كل ما هو في معناه * وكذلك
الذائب الذي لا يتجمد أصلا فلا شئ فيه لان أصله الماء والناس شركاء فيه شرعا قال صلى
الله عليه وسلم الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار فما يكون في معنى الماء وهو انه
يفور من عينه ولا يستخرج بالعلاج ولا يتجمد كان ملحقا بالماء فلا شئ فيه (قال) وإذا عمل
الرجل في المعادن يوما ثم جاء آخر من الغد فعمل فيها حتى أصاب المال أخذ منه خمسه
والباقي للثاني دون الأول لان الواجد هو الثاني والمعدن لمن وجده فاما الأول فحافر للأرض
لا واجد للمعدن وبحفر الأرض لا يستحق المعدن وقد جاء في الحديث الصيد لمن أخذه لا
لمن أثاره والأول كالمثير والثاني كالأخذ فكان المأخوذ له (قال) وليس في السمك
واللؤلؤ والعنبر يستخرج من البحر شئ في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف
في العنبر الخمس وكذلك في اللؤلؤ عنده ذكره في الجامع الصغير أما السمك فهو من
الصيود وليس في صيد البر شئ على من أخذه فكذلك في صيد البحر وأما العنبر واللؤلؤ
فقد احتج أبو يوسف رحمه الله تعالى بما روى أن يعلي بن أمية كتب إلى عمر بن الخطاب
212

رضي الله عنه يسأله عن عنبر وجد على الساحل فكتب إليه في جوابه انه مال الله يؤتيه
من يشاء وفيه الخمس ولان نفيس ما يوجد في البحر معتبر بنفيس ما يوجد في البر وهو الذهب
والفضة فيجب فيه الخمس. وأبو حنيفة ومحمد استدلا بما روى عن ابن عباس رضي الله عنه
أنه قال في العنبر أنه شئ دسره البحر فلا شئ فيه وحديث عمر محمول على الجيش دخلوا
أرض الحرب فيصيبون العنبر في الساحل وعندنا في هذا الخمس لأنه غنيمة ثم وجوب
الخمس فيما يوجد في الركاز لمعنى لا يوجد ذلك المعنى في الموجود في البحر وهو انه كان
في يد أهل الحرب وقع في يد المسلمين بايجاف الخيل والركاب وما في البحر ليس في يد
أحد قط لان قهر الماء يمنع قهر غيره ولهذا قال مشايخنا لو وجد الذهب والفضة في قعر
البحر لم يجب فيهما شئ. ثم الناس تكلموا في اللؤلؤ فقيل إن مطر الربيع يقع في الصدف فيصير
لؤلؤا فعلى هذا أصله من الماء وليس في الماء شئ وقيل إن الصدف حيوان تخلق فيه اللؤلؤ
وليس في الحيوان شئ وهو نظير ظبي المسك يوجد في البر فإنه لا شئ فيه وكذلك العنبر فقيل
أنه نبت ينبت في البحر بمنزلة الحشيش في البر وقيل إنه شجرة تتكسر فيصيبها الموج
فيلقيها على الساحل وليس في الأشجار شئ وقيل إنه خثى دابة في البحر وليس في أخثاء
الدواب شئ (قال) وليس في الياقوت والزمرد والفيروزج يوجد في العدن أو الجبل
شئ لأنه جامد لا يذوب بالذوب ولا ينطبع بالطبع كالتراب وليس في التراب شئ فكذلك
ما يكون في معناه لا يكون فيه شئ ولأنه حجر وليس في الحجر صدقة وإن كان بعض الحجر
أضوأ من بعض واما الزئبق إذا أصيب في معدنه ففيه الخمس في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله لا شئ فيه وحكي عن أبي يوسف ان أبا حنيفة كأن يقول لا شئ
فيه وكنت أقول فيه الخمس فلم أزل به أناظره وأقول انه كالرصاص حتى قال فيه الخمس ثم
رأيت أن لا شئ فيه فصار الحاصل ان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى في قوله الاخر وهو
قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد فيه الخمس وعند أبي يوسف في قوله الاخر وهو
قول أبي حنيفة الأول لا شئ فيه قال لأنه ينبع من عينه ولا ينطبع بنفسه فهو كالقير
والنفط. وجه قول من أوجب الخمس أنه يستخرج بالعلاج من عينه وينطبع مع غيره فكان
كالفضة فإنها لا تنطبع ما لم يخلطها شئ ثم يجب فيها الخمس فهذا مثله (قال) وإذا وجد
الرجل الركاز من الذهب والفضة والجواهر مما يعرف أنه قديم فاستخرجه من أرض الفلاة ففيه
213

الخمس وما بقي فهو له فهذا على وجهين اما أن يكون فيه من علامات الاسلام كالمصحف
والدرهم المكتوب عليه كلمة الشهادة فيكون بمنزلة اللقطة فعليه ان يعرفها أو يكون فيه شئ ء
من علامات الشرك كالصنم والصليب فحينئذ فيه الخمس. لما روى أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال ما يوجد في الأرض الميتة فهو لقطة تعرف وما يوجد في الخرب العادي ففيه وفى
الركاز الخمس ولأنه إذا كان فيه شئ من علامات الشرك عرفنا أنه من وضع أهل الحرب
وقع في أيدي المسلمين بايجاف الخيل والركاب ففيه الخمس وإذا كان فيه شئ من علامات
الاسلام عرفنا أنه من وضع المسلمين ومال المسلم لا يغنم والموجود في باطن الأرض
كالموجود على ظاهرها فإن لم يكن به علامة يستدل بها فهو لقطة في زماننا لان العهد قد
تقادم والظاهر أنه لم يبق شئ مما دفنه أهل الحرب ويستوى إن كان الواجد ذميا أو مكاتبا
أو صبيا أو حرا أو مسلما وقد بيناه في المعدن فكذلك في اللقطة وكذلك في الركاز (قال)
وان وجده في دار رجل فان قال صاحب الدار انا وضعته فالقول قوله لأنه في يده وان
تصادقا على أنه ركاز ففيه الخمس والباقي لصاحب الخطة سواء كان الواجد ساكنا في الدار
بعارية أو إجارة أو شراء وصاحب الخطة هو الذي أصاب هذه البقعة بالقسمة حين افتتحت
البلدة فسمى صاحب الخطة لان الامام يخط لكل واحد من الغانمين حيزا ليكون له فإن كان
هو باقيا أو وارثه دفع إليه والا فهو لأقصى مالك يعرف لهذه البقعة في الاسلام وهذا
قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى الباقي للواجد قال أستحسن ذلك
وأجعل الموجود في الدار والأرض كالموجود في المفازة بعلة ان الواجد هو الذي أظهره
وحازه ولا يجوز أن يقال إن الامام قد ملكه صاحب الخطة في القسمة لان الامام عادل في
القسمة فلو جعلناه مملكا للكنز منه لم يكن عدلا هذا معنى الاستحسان وإذا لم يملكه بقي على
أصل الإباحة فمن سبقت يده إليه كان أحق به فأما وجه قولهما فما روى أن رجلا أتى علي بن أبي
طالب رضى الله تعالى عنه بألف وخمسمائة درهم وجدها في خربة فقال على أن وجدتها في
أرض يؤدي خراجها قوم فهم أحق بها منك وان وجدتها في أرض لا يؤدى خراجها أحد
فخمسها لنا وأربعة أخماسها لك وهذا مراد محمد من قوله وهذا قياس الأثر عن علي بن أبي
طالب رضى الله تعالى عنه والمعنى فيه أن صاحب الخطة ملك البقعة بالحيازة فملك ظاهرها
وباطنها ثم المشترى منه يملك بالعقد فيملك الظاهر دون الباطن كمن اصطاد سمكة فوجد
214

في بطنها لؤلؤة فهي له بخلاف ما لو اشترى سمكة وإذا لم يتملك المشترى عليه بقي على ملك
صاحب الخطة ثم الامام مأمور بالعدل بحسب الامكان فما وراء ذلك ليس في وسعه ولا
نقول الامام يملكه الكنز بالقسمة بل يقطع مزاحمة سائر الغانمين عن تلك البقعة ويقرر
يده فيها وتقرر يده في المحل يوجب ثبوت يده على ما هو موجود في المحل فصار مملوكا له بالحيازة
على هذا الطريق (قال) مسلم دخل دار الحرب بأمان فوجد ركازا فإن كان وجده في دار
بعضهم رده عليه لان ما في الدار في يد صاحب الدار وهو قد ضمن بعقد الأمان أن لا
يخونهم فعليه الوفاء بما ضمن وإن كان وجده في الصحراء فهو له لأنه مباح ليس في يد
أحد منهم فلا يكون هو في أخذه غادرا بهم كالحطب والحشيش وليس فيه خمس لان
الخمس فيما كان وقوعه في يد المسلمين بايجاف الخيل والركاب وذلك غير موجود هنا وإن كان
المعدن في دار الاسلام للمسلم أو الذمي فهو له وليس فيه خمس في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فيه الخمس وإن كان في أرض المسلم
فكذلك الجواب في رواية كتاب الزكاة وفى الجامع الصغير فرق أبو حنيفة رحمه الله بين
الموجود في الأرض والدار وجه قولهما قوله صلى الله عليه وسلم وفى الركاز الخمس وقد بينا أن
اسم الركاز يتناول المعدن ثم قاسه بالموجود في الفلاة بعلة انه مال نفيس يستخرج من معدنه
وقد كانت عزوفة في يد أهل الحرب وقعت في يد المسلمين بايجاف الخيل والركاب. ولأبي
حنيفة رحمه الله تعالى طريقان أحدهما ان المعدن جزء من أجزاء ملكه وسائر أجزاء هذه
البقعة مملوكة له لا شئ عليه فيها فكذلك هذا الجزء بخلاف الموجود في الفلاة وبخلاف
الكنز وعلى هذا الطريق يسوى بين الدار والأرض. والطريقة الثانية ان الدار ملكت
بشرط قطع حقوق الله تعالى حتى لا يجب فيها خراج ولا عشر إذا كان فيها نخيل يخرج
أكرارا من تمر وعلى هذه الطريق يقول في الأرض يجب الخمس في المعدن لان الأرض
ما ملكت بشرط قطع حقوق الله تعالى عنه ألا ترى أنه يجب فيها الخراج أو العشر فكذلك
الخمس فيما يوجد فيه حق الله تعالى (قال) حربي دخل دارنا بأمان فأصاب كنزا أو معدنا
يؤخذ منه كله لان هذا في معنى الغنيمة ولا حق لأهل الحرب في غنائم المسلمين رضخا
ولا سهما بخلاف أهل الذمة وان عمل في المعدن باذن الامام أخذ منه الخمس وما بقي فهو له
لان الامام شرط له ذلك لمصلحة رأى فيه لمصارف الخمس فعليه الوفاء بما شرط له ألا ترى
215

له لو استعان بهم في قتال أهل الحرب رضخ لهم فهذا مثله (قال) ولا شئ في العسل
إذا كان في أرض الخراج وإن كان في أرض العشر أو في الجبال ففيه العشر كيف كان صاحبه
وذكر الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه ان ما روى في ايجاب العشر في العسل لم يثبت وما
روى من أنه لا شئ فيه لم يثبت فهذا منه إشارة إلى أنه لا عشر في العسل. ووجهه انه منفصل
من الحيوان فلا شئ فيه كالأبريسم الذي يكون من دود القز (ولنا) ما روى عن عبد الله بن
عمرو بن العاص رحمهما الله تعالى ان بنى سامر قوم من جرهم كانت لهم نحل عسالة فكانوا يؤدون
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل عشر قرب قربة وكان يحمى لهم واديهم فلما كان في زمن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل عليهم سفيان بن عبد الله الثقفي فأبوا ان يعطوه شيئا
فكتب في ذلك إلى عمر فكتب إليه عمر ان النحل ذباب غيث يسوقه الله تعالى إلى من شاء
فان أدوا إليك ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحم لهم واديهم والا فخل
بينهم وبين الناس فدفعوا إليه العشر. وعن أبي سلمة عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم
كتب إلى أهل اليمن أن في العسل العشر والمعنى فيه أن النحل تأكل من نوار الشجر
وثمارها كما قال الله تعالى ثم كلي من كل الثمرات فما يكون منها من العسل متولد من الثمار
وفى الثمار إذا كانت في أرض عشرية العشر فكذلك فيما يتولد منها ولهذا لو كانت في
أرض خراجية لم يكن فيها شئ فإنه ليس في ثمار الأشجار النابتة في أرض الخراج شئ
وبهذا فارق دود القز فإنه يأكل الورق وليس في الأوراق عشر فكذلك ما يتولد منها
(قال) ولا شئ في القير والنفط والملح لأنها فوارة كالماء واما ما حولها من الأرض فقد
قال بعض مشايخنا لا شئ فيها من الخراج وان كانت هذه العيون في أرض الخراج
لأنها غير صالحة للزراعة فكانت كالأرض السبخة ومالا يبلغها الماء وكان أبو بكر الرازي
رضي الله عنه يقول لا شئ في موضع القير وأما حريمه مما أعده صاحبه لالقاء ما يحصل
له فيه يمسح فيوجب فيه الخراج لأنه في الأصل صالح للزراعة إنما عطله صاحبه لحاجته فلا
يسقط الخراج عنه (قال) ولا شئ في الطرفاء والقصب الفارسي لأنه لا يستنبت في
الجنان بماء ولا يقصد به استغلال الأراضي عادة بل لا يبقى على الأرض فإنه مفسد لها والعشر
إنما يجب فيما يقصد به استغلال الأراضي عادة (قال) ولا يسقط فيه الخمس عن الركاز
والمعدن وإن كان واجده معسرا أو فقيرا لقوله صلى الله عليه وسلم وفى الركاز الخمس ولأنه
216

ليس يجب على الواحد ولكن الخمس صار حقا لمصارف الخمس حين وقع هذا في يد
المسلمين من يد أهل الحرب فلا يختلف باختلاف حال من يظهره (قال) وإذا تقبل
الرجل من السلطان معدنا ثم استأجر فيه أجراء واستخرجوا منه مالا قال يخمس وما بقي
فهو للمتقبل لان عمل أجرائه كعمله بنفسه ولان عملهم صار مسلما إليه حكما بدليل وجوب الأجرة
لهم عليه وان كانوا عملوا فيه بغير أمره فالأربعة الأخماس لهم دونه لأنهم وجدوا المال والأربعة
الأخماس للواجد والتقبل من السلطان لم يكن صحيحا لان المقصود منه ما هو
عين والتقبل في مثله لا يصح كمن تقبل أجمة فاصطاد فيها السمك
غيره كان للذي اصطاده وكذلك من تقبل بعض
المقانص من السلطان فاصطاد فيها
غيره كان الصيد لمن أخذه ولا
يصح ذلك التقبل
منه فهذا
مثله والله
أعلم
(تم الجزء الثاني من المبسوط ويليه الجزء الثالث وأوله)
(باب عشر الأرضين)
217